دروس للشيخ سعيد بن مسفر

سعيد بن مسفر

معالم الدعوة إلى الله

معالم الدعوة إلى الله في هذه المحاضرة تحدث الشيخ عن معالم الدعوة إلى الله، فبدأ ببيان أن الدعوة هي وظيفة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وذكر سبب ذكر هذه المعالم وأهميتها في حياة الداعية، فذكر ما يقارب الأحد عشر معلماً.

الدعوة إلى الله وظيفة الأنبياء والرسل عليهم السلام

الدعوة إلى الله وظيفة الأنبياء والرسل عليهم السلام الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الأحبة في الله: هذا الدرس ضمن سلسلة دروس تأملات في السيرة النبوية، وعنوانه: (معالم الدعوة إلى الله). والدعوة إلى الله وظيفة الأنبياء والرسل، ووظيفة من أكرمه الله عز وجل بالسير على هديهم واتباع طريقهم من هذه الأمة إلى يوم القيامة، وليس أجل ولا أعلى ولا أرفع منزلة ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين، وهذا بنص كلام الله عز وجل، يقول ربنا عز وجل: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [فصلت:33] أي: لا أحسن ولا أفضل؛ لأن عمل الداعية يقوم بدور الوساطة وتقريب العلاقات، وتصليح الصلات بين العباد وبين المعبود، فهو يحبب الناس إلى الله، ويحبب الله إلى الناس، وبالدعوة تصلح البشرية، ويظهر الخير، ويقمع الفساد، وتحصل البركة، ويرضى الرب عن الناس، فينجون من عذاب الله، ويكسبون الفلاح في الدنيا والآخرة، والرسل والأنبياء هم قادة الدعاة إلى الله، وخاتمهم أفضلهم بلا شك هو: محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، سماه الله داعية، قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً} [الأحزاب:45 - 46]. هذه صفات الرسول صلى الله عليه وسلم فهو شاهد على الأمم كلها، وعلى هذه الأمة، ومبشر بالرضوان والفلاح والسعادة لمن أطاعه، ونذير بالعذاب والدمار لمن عصاه، وبعد ذلك: {وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً} [الأحزاب:46] اللهم صل وسلم عليه. سماه الله سراجاً أي: مضيئاً، والسراج فيه نور وفيه نار، الشمس سراج وهاج، عندما تجلس تحت الشمس يأتيك نور وتأتيك -أيضاً- حرارة، أما القمر إذا جلست تحت ضوئه فيأتيك نور من غير حرارة، لهذا قال الله: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً} [الفرقان:61] فالرسول صلى الله عليه وسلم سماه الله "سراجاً" من الشمس وسماه "منيراً" من القمر، اللهم صل وسلم عليه، فجمع بين صفتي الشمس والقمر، أخذ من الشمس السراج، وأخذ من القمر الإنارة من غير الوهج والاحتراق، صلوات الله وسلامه عليه. وأمره الله بأن يكون داعية قال الله: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} [النحل:125] وأمره أن يخبر الناس فيقول: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} [يوسف:108] أي: هذا ديني وهذا منهجي: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} [يوسف:108] وما هو سبيله صلى الله عليه وسلم؟ الله أكبر! -يا إخواني- كثير من الأمة لا تعلم عن هذا السبيل {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا} [يوسف:108] لوحدي، فإذا مت انتهت الدعوة؟ لا. مسئولية على أمتي: {أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108] يلزمك إذا كنت من أتباع محمد أن تكون داعية شئت أم أبيت، وإلا فلا تبعية.

معالم الدعوة إلى الله

معالم الدعوة إلى الله الدعوة -أيها الإخوة- ليست أمراً هيِّناً ولا سهلاً، حتى يمكن ممارستها من غير ضوابط ومن غير معالم، ومن غير علم ومن غير هدى، بل إنها تعامل مع القلوب، تقريب للعباد إلى الله، إصلاح للنفس البشرية، ولذا لما كانت هذه الدعوة هي وظيفة الأنبياء والرسل وأتباعهم من العلماء والدعاة إلى الله كان لا بد أن يفهم الناس ما هي الدعوة؛ حتى لا تمارس من غير علم، أو من غير خبرة، نحن الآن نمنع شخصاً أن يقود سيارة في الشارع إلا ومعه رخصة، أليس كذلك؟ لو أن شخصاً أخذ سيارة وذهب يقودها بدون ترخيص وأحدث مشاكل، فإننا نمنعه ونجازيه، ونقول له: لماذا تقود بدون رخصة؟ وكذلك إذا كان التعامل مع الحديد فيه خطر على أرواح المسلمين، كذلك التعامل مع الدعوة بغير علم فيها خطر على عبادة الناس، وعلى عقائد الناس، وعلى دين الناس، فلا بد من معرفة المعالم الرئيسية التي ينبغي أن تعرف وتعلم عن هذه الدعوة. وهذه المعالم نقتبسها ونأخذها من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه النموذج الإنساني الكامل للتطبيق الإسلامي في الدعوة إلى الله، خير خلق الله صلوات الله وسلامه عليه، الداعية العظيم، الذي اكتملت فيه جميع الكمالات البشرية والإنسانية الموزعة على عموم الأمم، والموزعة على جميع الأنبياء، كل نبي فيه كمالات، لكن الله خصها وجمعها كلها ووضعها في محمد صلى الله عليه وسلم، وشهد له بالشهادة الربانية بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] صلوات الله وسلامه عليه.

الإخلاص من أهم معالم الدعوة إلى الله

الإخلاص من أهم معالم الدعوة إلى الله هذه المعالم أبرزها وأولها وأساسها وأعظم شيء فيها: الإخلاص، والتجرد من جميع الأغراض، ومن جميع الأهواء، ومن جميع الأجور المادية أو المعنوية، ومن ثناء الناس، أو محبة الناس، أو تبجيل الناس، وحصر الغرض الوحيد فقط في نيل رحمة الله عز وجل، والنجاة من عذاب الله، وإنقاذ عباد الله من النار، هذا هو الغرض الأول، وقد جاء هذا في كلمة واحدة في القرآن الكريم: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} [يوسف:108] فهنا الإخلاص، فلا أدعو إلى نفسي، ولا أدعو إلى جاه، ولا إلى حزب، ولا إلى جماعة، ولا إلى هيئة، بل أدعو إلى الله، فعملي خالص لله، هذا أول شيء، وهذا يشكل القاعدة الأساسية للداعية، بمعنى: أنه إذا لم تقم دعوته على هذا الأساس فهي دعوة مقتولة من بدايتها ولو ظهرت، ولو أعطت معالم بسيطة، ولكن نهايتها إلى الزوال؛ لأنها مبنية على غير الأساس الذي هو: الإخلاص والتجرد ومعرفة الغرض الرئيسي الذي من أجله تتكلم. من أجل ماذا تتكلم؟ أمن أجل أن يقال: فلان يتكلم أو أن يقال: فلان داعية؟ أجل أنت داعية إلى نفسك، وقد قيل، ولهذا ورد في الحديث: (إن أول من تسعر بهم النار ثلاثة، شهيد في نظر الناس ومنفق وعالم، فيؤتى بالشهيد، فيقول الله له: ماذا صنعت؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، ونصرت دينك حتى قتلت، فيقول الله عز وجل: كذبت، إنما فعلت ذلك ليقال: رجل جريء وقد قيل) أي: شجاع، قالوها في الدنيا، ووجدت الذي أردت (اذهبوا به إلى النار، فيسحب على وجهه إلى النار، ويؤتى بالآخر فيقال له: ماذا صنعت؟ فيقول: يا رب! ما تركت مجالاً من مجال الخير إلا أنفقت فيه، فيقول الله عز وجل: كذبت، إنما فعلت ذلك ليقال: رجل جواد -أي: كريم، يحب الخير وفعل الخير- وقد قيل، اذهبوا به إلى النار، فيسحب على وجهه إلى النار، ويؤتى بالعالم أو الداعية -وهذه خطيرة نسأل الله السلامة من فضله- فيقال له: ماذا صنعت؟ قال: يا رب! أمرت ونهيت، وقلت، فيقال: كذبت، إنما فعلت ذلك ليقال: رجل عالم، وقد قيل، اذهبوا به إلى النار، فيسحب على وجهه إلى النار). ولذا لا بد -أيها الإخوة- من مراجعة القلب باستمرار لمعرفة درجة الإخلاص، فإذا نزلت فحاسب نفسك، لا تنزل بحيث لا تقصد بعملك ولا بجهدك ولا بدعوتك ولا بكل كلمة تقولها إلا وجه الله، إذا وجدت في نفسك شيء من الرياء فاسكت ولا تتكلم، لا تكن من الذين قال الله فيهم: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:2 - 3].

عرض الدعوة على الناس

عرض الدعوة على الناس المعلم الثاني من معالم الدعوة إلى الله عز وجل بعد الإخلاص: عرض الدعوة بالذهاب إلى الناس، وعدم الانتظار حتى يأتيك الناس، فإن الأنبياء والدعاة إلى الله، أرسلهم الله عز وجل إلى الناس ولم يرسل الناس إليهم، وظيفة الأنبياء أنهم رسل، أي: مرسلون من عند الله يذهبون إلى الناس، لم يكلف الله الناس بالذهاب إلى الأنبياء، وإنما كلف الله الأنبياء بالرسالات وحملها إلى الناس، وورثة الأنبياء هم العلماء والدعاة، المطلوب منهم أن يحملوا الدعوة، وأن يعرضوها على الناس، ويذهبوا بها إلى الناس، وألا ينتظروا حتى يسألهم الناس، أو يأتي إليهم الناس في بيوتهم أو في أماكنهم، وخاتم الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليه يقول الله فيه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] أي: أرسلناك لتذهب أنت رحمة، فهل هو: لفئة معينة، لقبيلة معينة، لجنسية معينة؟ لا. بل هو للعالمين، وكل ما سوى الله عالم، رحمة للأرض، رحمة للسماء، رحمة للحيتان في البحر، رحمة للدواب في البر، رحمة للطير في السماء، رحمة لكل شيء. في يوم من الأيام جاءت إليه صلوات الله وسلامه عليه حمامة وجلست فوقه صلى الله عليه وسلم تبكي تهطل عيونها بالدمع، فقال للصحابة وهم لا يدرون: (من فجع هذه بفرخيها؟ قال أحد الصحابة: أنا، قال: ردها، قال: ولمَ؟ قال: إنها جاءت تشكي تقول: إنه سرق عليها فرخها) انظروا رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالطير. ومر في يوم من الأيام في البادية على قوم قد نصبوا لهم خباءً، وقد اصطادوا لهم غزالاً -ظبياً- وجلسوا يوقدون النار، يريدون أن يذبحوا الظبي ويتعشوا به، فلما رآها هزت رأسها، وكأنها تشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: (أتدرون ماذا تقول؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إنها تقول: إنها خرجت من جحرها وتركت أولادها وهم جائعون -وإنها الآن لا يهمها أن تذبحوها هي ميتة ميتة لكن يهمها الذي وراءها من الصغار- قالوا: وما تريد يا رسول الله؟! قال: أطلقوها لتذهب ترضع أولادها وترجع إليكم، قالوا: من يضمن أنها ترجع؟ -الظبية إذا انفكت لا ترجع- قال: أنا أضمن، قالوا: قبلنا ضمانك يا رسول الله! فأطلقوها، وجلس معهم النبي صلى الله عليه وسلم، وذهبت إلى الجبل تعدو إلى أن دخلت الجحر وأرضعت أولادها وجاءت، فلما جاءت ووقفت قالوا: هي لله ورسوله) اللهم صلِّ وسلم على رسول الله، رحمة للعالمين: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]. والله يقول للأمم: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} [الملك:8 - 9] (ألم يأتكم)؟ هذه فيها دليل على أن الدعاة هم الذين يذهبون إلى الناس، ويعرضون دعوتهم على الناس {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} [الملك:8] أي: قد أتاكم، ويقول عز وجل في آية أخرى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام:122] كان ميتاً بالكفر والمعاصي، وأحياه الله بالإيمان والدين {وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ} [الأنعام:122] جعل الله له نوراً -أي: ديناً يمشي به في الناس، يوزعه على الناس، يهدي به الناس إلى الله جل وعلا، هذا دليل على أن الداعية من مهمات دعوته: أن ينتقل بها، وأن يسلك بها من بيت إلى بيت، ومن قرية إلى قرية، ومن مدينة إلى مدينة، ومن دكان إلى دكان، أينما حل فدعوته معه، يوزع النور، ولا يحتقر شيئاً: (لا تحقرن من المعروف شيئاً) يمكن أن تقول كلمة لا تحسب لها حساباً ولا تحتمل أنها تؤثر لكن يمكن أن يفتح الله بها قلب هذا الفاسق، كلمة بسيطة، تراه على منكر، أو تأتي وقت صلاة وهو ليس في المسجد فتقول له: كذا وكذا، يمكن أن تؤثر هذه الكلمة فيه؛ لأن الله يقول: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم:24 - 25] والداعية مثله كمثل السحابة، السحابة تحمل المطر، ويرسلها الله عز وجل فيقع منها الغيث، وهذا الغيث يقع على كل مكان، لا يخص أناساً دون أناس، ولا يمنع منه شيء، تجد المطر أحياناً ينزل على البحر، رغم أن البحر لا يستفيد من المطر، ما رأيكم إذا نزل المطر على البحر هل يستفيد البحر من المطر؟ لا. لكن ينزل بأمر ربه، فينزل في البحر، وأحياناً يقع على الجبال وقممها، رغم أنها لا تستفيد كثيراً ولا يثبت الماء في رءوس الجبال، ويقع في صحاري قاحلة، ورمال وكثبان وليس فيها مراعي ولا أناس ولا أي شيء، ومع هذا ينزل. وكذلك -أيها الإخوة- الداعية إلى الله مثل السحاب يطوف الأرض كلها، لا يخص مكاناً دون مكان، فلا يقول: أنا لا أتكلم إلا في المسجد! لا. تكلم في المسجد والمدرسة والشارع والسيارة، وتكلم في المجلس الذي تجلس فيه مع الناس، وتكلم مع أنسابك، وتكلم مع إخوانك، المهم أينما حل نفع، يوزع البضاعة المجانية، ويهدي عباد الله إلى الله، مثله كمثل السحاب، الذي يمشي وينزل الخير على من يريد وعلى من لا يريد، قد تقول: لا فائدة، ولكن ما يدريك يا أخي! ما يدريك، هل الفائدة بيدك؟ الفائدة عند الله، كلمة تقولها يجعل الله فيها فائدة، وأقل شيء أنك بلَّغت وبرَّأت ذمتك: {قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف:164].

موافقة عمل الداعية لقوله

موافقة عمل الداعية لقوله المعلم الثالث من معالم الدعوة إلى الله: أن الداعية إلى الله عز وجل لا يتكلم بلسانه فقط، وإنما يتكلم من لسانه ومن قلبه، فإن الدعوة إذا خرجت من اللسان لم تتجاوز الآذان، أما إذا خرجت من القلب وصلت إلى القلب، هذه نظرية رياضية، كلام من اللسان يأتي إلى الأذن ويرجع؛ لأنه من اللسان إلى الأذن، لكن كلام القلوب، يخترق الآذان ويصل إلى القلوب، ولذا إذا أردت أن ينفع الله عز وجل الناس بكلامك فلا بد أن تتكلم من قلبك، بمعنى: أن تكون معتقداً كلامك الذي تقوله، ومطبقاً للشيء الذي تدعو الناس إليه، فلا تدعو الناس إلى ذكر الله وأنت غافل، ولا تدعو الناس إلى الصلاة وأنت تارك للصلاة، لا تدعو الناس إلى ترك الزنا وأنت تزني، لا تدعو الناس إلى ترك الربا وأنت مرابٍ، لا تدعو الناس لغض البصر وأنت تفتح بصرك إلى الحرام، لأن معناه: أنك كذاب، ولهذا يقول الله عز وجل: {كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:3] ويقول: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة:44] تدعو الناس وتنسى نفسك؟ ثم قال: {أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] أين عقولكم؟!! الذي يدعو الناس وينسى نفسه ليس لديه عقل، وليس معنى هذا: أنك تقعد لا تدعو الناس ولا تدعو نفسك، لا. هذا فيه دعوة إلى دعوة نفسك أولاً، ودعوة غيرك في المرحلة الثانية. ولذا فالداعية يدعو من قلبه، ومعنى هذا -أيها الإخوة- أن الكلام ليس بمجرد البلاغ، ولكن بحرقة وهمّ ورغبة، وحرص على هداية الناس؛ لأن بعض الدعاة وبعض المتكلمين يقول: إن عليك إلا البلاغ، أنا سوف أقول ولا يهمني، والمستمعون يقولون: ونحن ما علينا إلا السماع، فهذا عليه البلاغ وأولئك عليهم السماع، والعمل أين هو؟ هو لا يعمل، وهم لا يعملون، فالصحيح أن نقول: نحن علينا البلاغ بعد أن نتمسك بالعمل، والناس إذا رأوا الداعية متمسكاً بالكلام الذي يقوله فإنهم يعملون بكلامه، لماذا؟ لأن الأعمال أكثر تأثيراً في القلوب من الأقوال. انظر أي داعية أو متكلم أو عالم، فإن الناس يراقبون سلوكه، فإن وجدوا تطابقاً بين السلوك وبين الكلام الذي يقوله أكد المعاني التي يقولها، وإذا وجدوا أي تنافر أو اختلاف ذهب كلامه من قلوبهم كما يزل الماء من الحجر أو الصفا، يقولون: هذا كذاب وليس صادقاً، ولذا تنظرون أنهم يراقبون الداعية -مثلاً- عند بذل المال، ويراقبونه إذا مر في السوق فإذا رأوه يغض بصره قالوا: والله هو صادق الآن ما شاء الله، لكن إذا رأوه وهو ينظر قالوا: هذا دجال، لماذا؟ لأنه يتكلم بلسانه ولا يتكلم بقلبه، فلا ينبغي أن يكون هم الداعية فقط هو تسطير الكلام، وشغل الوقت بدون حدث، وإنما يجب أن يكون همه أن يعمل الناس بهذه الدعوة، وأن يتمسك الناس بهذا الدين، حتى يفوزوا في الدنيا وفي الآخرة، وحتى ينجوا من عذاب الله في الدنيا وفي الآخرة، لعلم الداعية بمصيرهم وعاقبة أمرهم إن هم أطاعوا الله أو إن هم عصوه. القضية ليست سهلة -يا إخوان- القضية قضية جنة ونار، قضية سعادة أبدية أو شقاء أبدي، الذي يطيع الله عز وجل يسلك سبيل النجاة، والذي يعصي الله يسلك سبيل الهلاك، ولذا فالداعية يعرف هذا، عنده في قلبه حرقة من أجل أن يتمسك الناس بالطاعة حتى يفوزوا، ومن أجل أن يترك الناس المعصية، حتى لا يضلوا ولا يهلكوا، ومن هنا -أيها الإخوة- نعلم مدى تأثير الآيات التي توضح حال الرسول صلى الله عليه وسلم عند دعوته لأمته، كان يتحسر صلوات الله وسلامه عليه، حتى قال الله له: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر:8]. ويقول: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} [الكهف:6] أي: مهلكها {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً} [الكهف:6]. ويقول عز وجل: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ} [الأنعام:33] ويقول عليه الصلاة والسلام في حديث صحيح: (مثلي ومثلكم كمثل الفراش التي تتساقط في النار فأنا آخذ بحجزكم وأنتم تقتحمون). الشخص إذا أوقد ناراً فمن حين أن يوقد النار تأتي الفراش إلى النار من بعيد من أجل أن ترى؛ لأنها تعيش في الظلام، فإذا وجدت نوراً جاءت إليه ولكنها لا تعلم أن هذا النور ناراً، فتأتي الفراشة وتقع، وتلك تقع، فماذا يصنع الذي حول النار؟ يبعدها، وهي ترفض، هذا الرسول صلى الله عليه وسلم مثله يبعد الناس عن النار والناس يرفضون، ولهذا يتقطع فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم حزناً ورحمة بهذه الأمة التي تقتحم النار وهي لا تدري بالمصير، وهذا شأن الداعية الذي يدعو الأمة، فيدعو بحرارة، ويدعو بحرقة، ولا يدعو بلسان فقط، وإنما يدعو بقلب مؤثر، وبمعاناة وهم، وبحرص شديد على أن يسلك الناس هذا السبيل، وليس له مصلحة أصلاً إلا هداية الناس، وما أعد الله له من أجر إن اهتدوا على يديه؛ لأن من اهتدى على يدي أي داعية يأتي هذا المدعو المهتدي يوم القيامة في صحائفه، لا يعمل عملاً إلا ولذلك الأساسي صورة طبق الأصل من عمله، دون أن ينقص من أجره شيء، كما جاء في الحديث: (من دل على هدى كان له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم شيء، ومن دل على ضلالة -والعياذ بالله- كان عليه وزرها ووزر من عمل بها دون أن ينقص من أوزارهم شيء إلى يوم القيامة) هذا المعلم الثالث: أن يتكلم الداعية من قلبه ولسانه، لا من لسانه فقط.

الحرص على الرفق والابتعاد عن الغلظة

الحرص على الرفق والابتعاد عن الغلظة المعْلَم الرابع: أن تكون العبارة التي يتكلم بها شيقة، لينة، هينة، محببة إلى النفس، وأن يبتعد عن العبارة السيئة والقول الجاف، والكلمة الغليظة؛ لأن الداعية يتعامل مع قلوب الناس، والقلوب حساسة تأتي بها كلمة، وتطردها كلمة أخرى، ولهذا يقول الله عز وجل وهو يأمر موسى وهارون بالذهاب إلى فرعون لإبلاغ الدعوة، والله يعلم أن الكلمة اللينة أو القاسية لا تفيد فرعون، فهو كافر كافر، لكنه يبين منهج الدعوة فيقول: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]. وهكذا كان منهج النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته، يقول الله عز وجل: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] ويقول: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران:159] وهذا واضح مكشوف في جميع مسائل الدعوة التي سلكها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما) ولما بعث رسوليه إلى اليمن قال لهما في الرسالة: (بشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا) إذا أردت أن تتكلم فابحث عن أفضل عبارة وأفضل كلمة؛ لأنها مفتاح للقلب، فإذا جئت بمفتاح مناسب لين دخلت القلب، وإذا جئت تدق الإنسان في قلبه بكلمة قاسية أعرض عنك، فلا يسمع منك ولا يذكر كلامك لأنك أوجعت قلبه بكلمة قاسية، والله يقول: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44] أنت لا تملك الهداية أصلاً، الهداية بيد الله، أنت تملك الوسيلة فقط والسبب الذي ينقل الناس إلى الدعوة وإلى الهداية، فيجب أن تكون الوسيلة طيبة من أجل أن تتيح الفرصة لهذا الإنسان فتنقله إلى الحياة الجادة، وتنقله من الضلال إلى الهدى، وتنقله من المعصية إلى الطاعة، وتنقله من الكفر إلى الإيمان، وتنقله من الشرك إلى التوحيد، لا بالضرب، ولا بالقوة، بل بالكلمة الطيبة، كالسلام. يا أخي! ابحث عن أفضل عبارة، الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يكتب للكفار، يقول: (من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم) ولما جاءه الرجل من صناديد قريش يريد أن يفاوضه قال له: يا محمد! إنك جئت قومك بما لم يأت به أحد قومه، سفهت الأحلام، وسببت الآباء والآلهة، إن كان الذي يأتيك من الجن عالجناك، وإن كنت تريد مالاً جمعنا لك حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك، وإن كنت تريد زوجة زوجناك، ماذا تريد؟ فماذا قال عليه الصلاة والسلام؟ قال له: (اسمع مني يا أبا الوليد) وكناه، والكنى محببة عند العرب، أنا عندما أناديك باسمك وأقول: يا فلان! تسمع، لكن إذا قلت: يا أبا فلان! تنبسط؛ لأنك تحب أن تدعى بولدك، الرسول صلى الله عليه وسلم كنى هذا الكافر، من أجل أن يمرر الكلام إليه، دعاه بالكنية، قال: (اسمع مني يا أبا الوليد! ثم قرأ عليه فواتح سورة فصلت). ولما وصل إلى قول الله عز وجل: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} [فصلت:13] فقام الرجل ووضع يده على فم النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أسألك بالله والرحم ثم خرج، ولما رجع تغير وقال: "والله إني لأعلمكم بالشعر وأعلمكم بالنثر، والله ما هو بالشعر ولا بالنثر، والله إن أعلاه لمورق، وإن أسفله لمغدق، وإن عليه لحلاوة، وإن له لطلاوة، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه" أي: كلام الله. فقالوا كلهم وهم الجالسون في السقيفة ينتظرون خبر المفاوضات، قالوا: صبأت مجرد مرة ذهبت إليه فغسل مخك ودين آبائك وأجدادك، والله لا تخرج حتى تقول فيه قولاً، ماذا يقول الناس عندما يسمعون كلامك هذا؟ معناه: لن يبقى أحد إلا وسيدخل في دين محمد، وبدءوا يضغطون عليه حتى قال: دعوني أفكر، ودخل بيته، وجلس يفكر ويقدر، ويقدم ويؤخر، ثم رجع إليهم وقال: نعم عرفت! قالوا: ما هو؟ قال: هذا سحر. قال الله عز وجل فيه: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآياتنَا عَنِيداً * سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر:11 - 25]. قال الله له: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر:26] وسقر هي النار، طبقة من طباق جهنم {وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ} [المدثر:27] للتهويل والتعظيم {لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ} [المدثر:28] {لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَر * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر:29 - 30] تسعة عشر من الملائكة، ولما نزلت الآية وبلغها النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة، وبلغها الصحابة للناس، سمع بها أبو جهل وسمع بها الوليد بن المغيرة، وخاف فقال له أبو جهل: كم توعدك محمد؟ قال: تسعة عشر، قال: عليّ ثمانية عشر وأنت عليك واحد فقط، قال: ثمانية عشر أنا أضعهم فوق رأسي أنا أكفيكهم. ولما أراد أن يسجد النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة، منعه أبو جهل، قال: والله لئن سجدت مرة ثانية لأرضخن رأسك بهذا الحجر، ففرحت قريش، قالوا: دعوا أبا جهل يرضخ رأسه وتنتقم بني هاشم من بني مخزوم، وننتهي منه، وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم رغم التهديد؛ لأن الله قال: {كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ} [العلق:19] وبعد ذلك جاء وما سجد مكانه، قرب قليلاً عند الكعبة {وَاقْتَرِبْ} [العلق:19] ولما جاء وسجد، قام كفار قريش وجاءوا إلى أبي جهل وقالوا: الرجل ليس عنده دين يتحداك، جاء يصلي، ويا ليت أنه صلى في مكانه الأول، بل يتحداك ويعاندك، ويصلي بجانب الكعبة، قال: وقد فعل؟ قالوا: نعم. فأتى وهو يحمل الحجر التي ما تحملها الرجال، وجاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، ولو رضخه بالحجر لقتله، وقبل أن يقرب منه وكان بينه وبينه مسافة، كع كما يكع الحمار، ووقعت الحجر على رجليه وكادت أن تكسر رجليه، ثم شرد، فضحك الناس، وجاءوا إليه فقالوا: مالك؟ قال: فحل اعترضني -الفحل هو: البعير- فاغراً فاه أنيابه السفلى تحت قدميه والأخرى فوق رأسه، يقول: والله لو تقدمت لابتلعني، يقول: فكعكعت ورجعت وراء، ولما أخبروا النبي قال: (ذاك جبريل، ولو أنه تقدم خطوة واحدة لابتلعه) قال الله عز وجل: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ} [العلق:17] يقول: فليدع جماعته الذين سوف يسدون على الثمانية عشر: {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق:18] إذا دعا ناديه وجماعته دعونا الزبانية، ماذا يفعل أبو جهل مع هؤلاء؟ فأنت -يا أخي- عليك أن تكون كلمتك طيبة إلى أبعد درجات الطيب، لتكسب ذلك الرجل، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمته طيبة مع كافر، فكيف لا تكون كلمتنا طيبة مع المسلمين؟! بعض الشباب -هداهم الله- محبون للخير، وعندهم إيمان وغيرة، ولكن ينقصهم العلم والخبرة، فإذا رأى رجلاً صاحب معصية عبس في وجهه، وقال: أبغضه في الله! يا أخي! تبغضه في الله ابتداءً، البغض في الله ويكون آخر شيء، أول شيء أحبه في الله، ابتسم له في الله، قدره في الله، أكرمه في الله، من أجل أن يحبك ويحب الدين الذي تمثله، ويحب الدعوة التي تمثلها، وبعد ذلك تقول: جزاك الله خيراً. فيقول: والله أخلاقك طيبة. فتقول: وأنت أطيب. فيقول: والله أنا أحببت الدين؛ لأني أحببتك أنت. لكن عندما تبغضه من أول ما تراه ولا تسلم عليه، وبعد ذلك عندما تأتي تدعوه يقول: اذهب حسن أخلاقك أولاً؛ لأن أخلاقك سيئة، بعض الناس يجد اثنين معاً أحدهما حليق والآخر معه لحية، فيسلم على ذاك بوجه، ويسلم على ذلك بوجه آخر، وبطرف إصبعه، فيقول هذا الرجل: لماذا يعاملني هكذا؟ فهذا لا ينبغي يا أخي! لأنك حكمت على الظاهر، يمكن الذي تراه حليقاً باطنه أحسن من ألف رجل معه لحية، الله ينظر إلى الناس نظرة متكاملة، لا ينظر للشكل فقط، والشكل ليس كل شيء أيها الإخوة. فالشكل شيء في الدين لا نغفله، شكل الإنسان في الدين شيء مطلوب أن يكون ذا لحية ويكون ثوبه قصيراً، ويكون عنده تمسك بالسنة، لكن هذا لا يكفي لوحده، لا بد أن يكون الشكل جيداً والمضمون -أيضاً- جيداً، وكذلك الذي يهمل شكله، نقول له: يا أخي! أصلح شكلك ما دمت طيباً، والدعاة إلى الله في تعاملهم مع الناس يجب أن يكونوا طيبين، وليس هذا من المداهنة كما يظن بعض الشباب أنها مداهنة، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية يفرق بين المداهنة والمداراة، يقول: المداهنة هي: ترك شيء من الدين لشيء من الدنيا، تترك شيئاً من دينك من أجل أن تأخذ شيئاً من دنيا الناس، أما المداراة وهي في الشرع مطلوبة: هي ترك شيء من الدين لتحقيق شيء أعظم من الدين، فأنت عندما تترك شيئاً من الدين وهو البغض مع هذا الإنسان العاصي تركت البغض، لكن لتحقق شيئاً أعظم منه وهو أن تهديه إلى الله، وهذا مجرب وواقع، ينبغي أن نتمثله، وأن نسلك سبيل الدعوة إلى الله بالكلمة الطيبة، وبالعبارة الشيقة، يقول الله: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء:53]. ابحث في قواميسك عن أحسن عبارة، وابتسم لأي شخص تريد أن تدعوه

الدعوة إلى الله على بصيرة وعلم

الدعوة إلى الله على بصيرة وعلم الخامس من المعالم: أن يكون الداعية عالماً بما يدعو الناس به، وهذا معنى قول الله عز وجل: {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف:108] وبصيرة أي: على علم، لا أدعو على عمى، ولا على جهالة، ولا على ضلالة، بل لا بد أن أدعو على علم، وليس معنى هذا -أيها الإخوة- ألا يدعو الإنسان إلى الله حتى يصبح عالماً بكل شيء، وإنما المطلوب أن تدعو فيما علمت، أي: شيء علمته من الدين بلغه ولا تتجاوزه إلى غيره، لا تفهم من أنك تدعو بمجرد أنك عرفت شيئاً أن تدعو إلى كل شيء، ادع في الشيء الذي تعرفه، أما ما لا تعرفه فاسكت عنه إلى أن تتعلمه، أو ترجع فيه إلى العلماء والدعاة، أما أن تتخذ من نفسك داعية، عرفت هذه المسألة أو عرفت مائة مسألة، أو عرفت ألف مسألة، فتعطي لنفسك صفات الأهلية وأنك تجيب على كل مسألة، وأنك تتكلم في كل مسألة، وأنك تخوض في كل قضية؛ لأنك تكلمت أو أنك أصبحت بارزاً أو معروفاً، فهذا من الخطأ، وليس من العيب أن تقول لما لا تعرف: لا أدري. من العيب كل العيب أن تقول على الله بلا علم، فقد قرنه الله عز وجل بالمحرمات: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33] فلا بد -أيها الإخوة- من العلم، يقول أبو هريرة رضي الله عنه: [رأس العلم لا أدري] وأيضاً ينبغي لك أن تبلغ ولو آية: (بلغوا عني ولو آية) بلغوا عني ولو حديثاً.

الصبر على الدعوة وتبعاتها

الصبر على الدعوة وتبعاتها السادس من معالم الدعوة: الصبر. الصبر على الأذى في سبيل الدعوة وعدم استعجال النتائج، وهذا شيء صعب على النفس، فإن الصبر مأخوذ من الصِبْر وهو: نبات مر المذاق، يقطع اللسان من المراراة، يقول: الصبر كالصِبر مر في مذاقته لكن عواقبه أحلى من العسل الصبر مر لكن نهايته عسل، انظروا الصبر عند الطالب على المذاكرة، لكن في نهاية السنة عندما ينجح كيف يكون الفرح؟ هو صبر على الدراسة لكنه نجح آخر السنة، وصبر على السنوات الدراسية وتخرج آخر الأمر من الكلية، والمزارع صبر على الثمرة حتى أكل الثمر، والموظف صبر على العمل حتى استلم الراتب آخر الشهر، كل شخص يصبر على شيء يأخذ في النهاية ثمرة حلوة. الصبر كالصبر مر في مذاقته لكن عواقبه أحلى من العسل وهذا الصبر يأتي بالتصبر وبالمجاهدة والمعاناة، وأقسامه ثلاثة: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة، وهو عمل ميداني وليس عمل ذهني، بعض الناس يتصور أن الصبر شيء في الذهن. الصبر عمل ميداني يبرز في الميدان، إذ بالإمكان أن يكون الإنسان من أعظم الناس صبراً لكن في الذهن، وإذا جاءه ميدان التطبيق فلا يصبر على أذى ذبابة وأذاها، فتراه يريد أن يضارب الذباب؛ لأنه ليس عنده صبر، فلابد من الصبر. وأنت أيها الداعية! مطلوب أن يكون عندك من الصبر مثل الجبال؛ لأن الله يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} [الأحقاف:35] إن الله لا يعجل لعجل أحد، قد تدعو شخصاً وتدعو أمك وزوجتك عشرات السنين ولا يستجيبون لك، اصبر ولا تستعجل، الهداية ليست بيدك، والله لا يعجل لعجلتك، والأمور بيده ليست بيدك، عليك أن تدعو والنتائج على الله. فلا بد -أيها الإخوة- من الصبر في ممارسة العمل الدعوي، وعدم استعجال النتائج -وأيضاً- احتساب ما يلاقي الإنسان من الأذى في صحيفته؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول في حكاية لقمان وهو يعظ ابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان:17].

الشعور بتوفيق الله من معالم الدعوة

الشعور بتوفيق الله من معالم الدعوة سابعاً من معالم الدعوة المهمة: الشعور بتوفيق الله، وبنعمة الله عز وجل التي اختارك -أيها الإنسان- إلى أن تمارس هذا العمل الشريف، الذي هو عمل الأنبياء، والذي هو بمنزلة الاصطفاء والاختيار، فتشكر الله أن جعلك داعية ولست مدعواً، وأيضاً يجعلك تزيد في العمل؛ لأنه كان بالإمكان أن تكون داعية للشر كغيرك من الناس، الآن هناك آلاف من البشر دعاة إلى النار، وأنت جعلك الله داعية إلى الجنة، وداعية إلى الخير، وهذا فضل واختيار، والله يقول: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص:68] ويقول: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} [الحج:75] فهذا -أيضاً- اصطفاء رباني.

التجديد والفقه في الدعوة

التجديد والفقه في الدعوة ثامناً: التجديد والفقه في عمل الدعوة وزمنه ومكانه وأسلوبه، والتخطيط له، وكيف تمارسه، وعدم الجدال فيه، وأن يبدأ الإنسان دائماً بالترغيب -فمثلاً- شخص لا يصلي، تبدأ بترغيبه في فعل الصلاة، وأثر الصلاة في حياته: أن الصلاة نور، وأن الصلاة بركة، وأن الصلاة هداية، وأنها صلة يبن العبد وبين الله: (بشر المشائين في الظلم بالنور التام يوم القيامة) هذا اسمه ترغيب، فدائماً تبدأ به؛ لأن النفوس جبلت على حب المنافع، فعندما تقول لشخص: سوف أفعل لك وأعطيك، حتى ولدك في البيت، عندما تريده أن يفعل شيئاً تقول: افعل وأعطيك كذا، تراه يقوم بالعمل بنشاط، كذلك أنت عندما تدعو رغب الناس فيما عند الله، وأيضاً رهبه واقمعه من أجل ألا يرجع. وهكذا -أيها الأحباب- بين الترغيب وبين الترهيب، ولهذا سمي القرآن مثاني، القرآن كله مثاني، لماذا مثاني؟ دائماً يذكر الله الجنة ويذكر النار؛ من أجل الذي لا ينفع فيه الترغيب ينفع فيه الترهيب وهكذا، فينبغي أن يكون هذا أسلوبك، بعد أن تعطي لكل مقام ما يناسبه من المقال، موضع اللين لا تضع فيه إلا اللين، موضع الشدة ضع فيه الشدة، موضع الكلام ضع فيه الكلام، موضع السكوت ضع فيه السكوت، هذا معنى الحكمة: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} [النحل:125] والحكمة هي: وضع الشيء في موضعه، الحكيم هو الطبيب، وسمي الطبيب حكيماً؛ لأنه يضع الدواء المناسب في المرض المناسب، ويضع دواء العين في العين، لكن الذي ليس بطبيب تجده يضع دواء الأذن في العين ويعميها، وهو دواء لكنه لم يضعه في المكان المناسب، كذلك الداعية قد يأتي بالعنف في مكان اللين، وقد يأتي باللين في مكان يحتاج إلى العنف، وقد يأتي إلى الدعوة الجهرية في المكان الذي تحتاج فيه إلى السرية، وقد يأتي بشيء في غير موضعه، ولذا لا بد من معرفة العمل الدعوي، ومعرفة أسلوبه وطريقته وزمانه ومكانه وما يناسبه، وما يضر فيه، حتى يحقق الله عز وجل على يدك -أيها الداعية- كل خير ومصلحة.

المداومة على ذكر الله

المداومة على ذكر الله تاسعاً من معالم الدعوة: أن تكون أيها الداعية! ذاكراً لله، فأصل المسلم مطلوب منه أن يكون ذاكراً لله، لكنه مطلوب أكثر في حق الداعية؛ لأنه وهو يتعامل مع الناس ومع القلوب يحتاج إلى تأييد من الله، ولهذا قال الله لموسى وهارون لما بعثهما إلى فرعون: {وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} [طه:42] أي: لا تفترا من ذكر الله؛ لأنكما ذاهبان لمهمة صعبة، ومهمة خطيرة، فرعون مصر الذي يدعي أنه الرب الأعلى، والذي يقوم بالدعوة هو موسى من بني إسرائيل الذين يذبحون ويقتلون، وأيضاً موسى صاحب سابقة عندهم، عنده قضية القبطيين الذين قتل منهم شخصاً، ولهذا قال موسى لما بعثه الله: {قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ} [القصص:33] يقول: {فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ} [الشعراء:13] {هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً} [القصص:34] {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ} [الشعراء:14] يقول له: لي سابقة لا أستطيع. فتصور شخصاً في هذا الوضع يرسل إلى أعلى إنسان في الدنيا، يقول: {َ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:24] يحتاج إلى تأييد، قال الله لهما: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى * قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى * قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:43 - 46] وبعد ذلك وصاهم الله فقال: {وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} [طه:42] وهذه الوصية تنطبق على كل داعية، أنت تدعو إلى الله فاذكر الله، استعن بالله؛ لأنك إذا ذكرت الله ذكرك الله: (أنا مع عبدي ما ذكرني أو تحركت بي شفتاه) فإذا ذكرت الله وأنت ذاهب تدعو فقلت: سبحان الله، اللهم افتح صدره يا رب! اللهم اجعله يقبل كلامك، اللهم نور بصيرته، فيكون الله معك، وقلب المدعو ليس بيدك بل بيد الله، فإذا تكلمت دخل كلامك إلى قلبه؛ لأن الله معك. والذكر هنا يشمل الذكر بأقسامه الخمسة: ذكر الله عند ورود أمره: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:14]. وذكر الله عند ورود نهيه، فإذا نهاك الله عن شيء وأردت أن تقع فيه ذكرت الله. وأيضاً ذكر الله في الأحوال والمناسبات. وذكر الله الذكر العددي المطلوب بعدد معين. وذكر الله المطلق: أن تكون دائماً ذاكراً لله، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، لا حول ولا قوة إلا بالله. وفي الصحيحين: (كلمتان خفيفتان على اللسان، حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله العظيم، سبحان الله وبحمده). وفي صحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (الحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها) رواه الإمام مسلم.

الحذر من الشبهات في طريق الدعوة

الحذر من الشبهات في طريق الدعوة عاشراً: الحذر، وهذا شيء مهم في الداعية، الحذر من أن يقول على الناس كلاماً ليس بصحيح، فلا بد من التأكد من الأحاديث وصحتها، ومن القصص وصدقها، حتى لا يعلم الناس ما ليس بدين، وحتى لا يتعبد الناس ربهم بما ليس بدين من الخرافات والأخبار الكاذبة ولو كانت مهيجة! بعض الناس يظن أنها تهيج الناس، ونحن لا نريد أن نحدث الناس إلا بما قال الله وقال رسوله صدقاً؛ لأن هذا يضمن للناس طريق السلامة، أما إذا أخبرناهم بشيء ليس بصحيح، وحملناهم على العمل بما ليس بصحيح، فإنما نضللهم ونخدعهم ونضرهم، ويأتون يوم القيامة يقولون: {وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ} [الشعراء:99] فسمى الله دعاة الضلال مجرمين -والعياذ بالله- فاحذر يا أخي من أن تدعو الناس إلا إلى الصدق.

تذكير المدعو بنعم الله عليه

تذكير المدعو بنعم الله عليه الحادي عشر من معالم الدعوة التي تفتح بها قلب المدعو: أن تبدأ بتذكيره بنعم الله عليه، وتذكره أنه معافى في بدنه، آمن في سربه، معه قوت يومه، كان بالإمكان أن يكون مريضاً وفقيراً وخائفاً، وليس عنده شيء من النعم، فمن الذي رزقك؟ ومن الذي عافاك؟ ومن الذي خلقك؟ ومن الذي أوجدك؟ فتذكره بنعمه، فيستيقظ وينتبه ويقول: نعم. الله، الله الذي أعطاني هذا كله، فتقول له: أيليق بك أن تعصيه؟ أيليق بك أن تكفر به؟ أيليق بك أن تحاربه؟ هذا بإذن الله يعينك على أن تفتح قلبه لسماع الحق الذي تحمله، ومع هذا التذكير كلمه بالبشاشة، وبالعبارة الطيبة -كما ذكرنا- وبإشعار المدعو أن الدافع إلى دعوته هو الرغبة في إنقاذه والحرص على مصلحته، وأن ليس لك مصلحة -أيها الداعية- مادية إلا بمقدار ما يحقق الله عز وجل على يديك من صلاح هذا الإنسان بما ينفعه في دنياه وآخرته. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من الدعاة إلى الله، المخلصين في دعوتهم، السالكين في دعوتهم مسلك الأنبياء، كما نسأله أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، وأن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعته ويذل فيه أهل معصيته، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، إنه سميع الدعاء. كما نسأله سبحانه وتعالى أن يحفظ علينا ديننا وأمننا، ونعمتنا واستقرارنا، اللهم من أرادنا في هذه الديار أو غيرها من ديار المسلمين بسوء أو شر أو كيد أو مكر فاجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره، وأنزل عليه بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين. اللهم وفق ولاة أمورنا وعلمائنا ودعاتنا إلى ما تحبه وترضاه، اللهم وفق شبابنا وبناتنا ونساءنا ورجالنا وجميع المسلمين إلى البصيرة في هذا الدين، وإلى التمسك بطاعتك يا رب العالمين! وإلى البعد عن معصيتك وإلى التوبة من الذنوب والمعاصي، إنك ولي ذلك والقادر عليه. والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

كيفية نصح المرأة التي تحب سماع الغناء

كيفية نصح المرأة التي تحب سماع الغناء Q شاب تزوج بفتاة طيبة ولكنها تسمع الغناء، وحاول معها ولكنها لم تستجب؟ A حكمك عليها بأنها طيبة حكم فيه تحفظ، إذ لو كانت طيبة ما سمعت الغناء؛ لأن الغناء خبيث، ولا يحب الخبيث إلا خبيث، ولا يحب الغناء إلا رجل أو امرأة في قلبه مرض والعياذ بالله؛ لأن الغناء بريد الزنا، ابن القيم يقول: حب القرآن وحب ألحان الغنا في قلب عبد ليس يجتمعان وهذه الأخت في الله نطلب منها أن ترجع إلى رشدها، وأن تتوب إلى ربها، وأن تراجع نفسها، وعليك أن تقرأ عليها من الكتب التي تتحدث عن حرمة الأغاني، ومن أعظمها كتاب ابن القيم رحمه الله إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، حيث حرم الأغاني من أكثر من خمسة وعشرين وجهاً، وذكر الأدلة الشرعية على تحريم سماع الغناء من أكثر من خمسة وعشرين وجهاً، فعليك أن تشتري الكتاب هذا وتقرأه عليها، وتدعو الله عز وجل أن يهديها، وتصبر عليها، وهكذا حتى يهديها الله سبحانه وتعالى.

الرد على من يقولون: إن الحجاب ليس فيه تغطية الوجه

الرد على من يقولون: إن الحجاب ليس فيه تغطية الوجه Q لما تزوجت فرضت على امرأتي الحجاب، ولكن هناك فتيات قلن لها: إن الحجاب ليس فيه تغطية الوجه؟ A إذا قلنا: إن الحجاب ليس تغطية الوجه، إذاً تغطية ماذا؟ تغطية المسامع، هل هذا يسمى حجاباً؟ الحجاب هو: حجب ما في المرأة من جمال، حتى لا يفتن الناس بهذا الجمال، وأجمل شيء في المرأة هو الوجه، فإذا سمحنا لها بأن تكشف وجهها فماذا تغطي؟ أصلاً هذا الذي تغطيه النساء الآن كانت المرأة تغطيه من قبل الإسلام، والمرأة تغطي رأسها ولا تمشي عارية، الحجاب حجاب الوجه؛ لأنه مجمع الزينة: فيه العينان والأنف، وفيه الشفتان، وفيه الخدان، وفيه الجبين، وهو مجمع الكمال، وعليه تُجرى مقاييس الجمال، إذا أردت أن تحكم بجمال امرأة أو قبحها أين تنظر، في أرجلها؟ لا. ترى وجهها، فإذا كان الوجه جميلاً فكل شيء جميل، وإذا كان الوجه قبيحاً فكل شيء قبيح. إذاً هذا الكلام غير مقبول، وما استدل به القائلون بأن الحجاب غير الوجه والكفين، أدلة مردودة، وعمدتهم حديث ضعيف، بل قال بعض أهل العلم: بوضعه، وهو حديث أسماء، فهو ضعيف في سنده وأيضاً مردود في متنه؛ لأن المتن يقول: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم الله دخلت عليه أسماء بنت أبي بكر وعليها ثياب رقاق) من هي أسماء حتى تدخل بالثياب الرقيقة الشفافة؟ ومن هو الذي يدخل عليه وهو خير البشر صلى الله عليه وسلم؟ هذه أسماء بنت أبي بكر الصديق، وزوجها هو الزبير بن العوام أغير الناس، وأبناؤها عبد الله بن الزبير وعروة، وهي أخت عائشة رضي الله عنها، امرأة من أفضل النساء، تدخل في ثياب رقيقة على الرسول صلى الله عليه وسلم، هل هذا معقول؟! فالمتن مردود، والسند منقطع ومردود ولا يحتج به، هذا عمدتهم، أما الثابت من الكتاب والسنة: هو تغطية الوجه والكفين؛ لأنه مجمع الزينة.

حكم الإمام الذي يصلي بالناس وهو مدخن وحالق للحيته

حكم الإمام الذي يصلي بالناس وهو مدخن وحالق للحيته Q هناك إمام يصلي بالناس وهو يشرب الدخان ويحلق لحيته؟ A المفترض في أي إمام يتصدى للإمامة ويتقدم بالناس أن يكون عدلاً سليماً من المعاصي والذنوب الظاهرة والباطنة، وليس يعني هذا أن يكون معصوماً، فقد يقع منه الخطأ، لكن يسلم من المعاصي التي تظهر منها المداومة مثل: حلق اللحية، أو شرب الدخان، أو الدش، فهذه معاص ظاهرة، أما كون الإمام قد يخطئ فقد يخطئ؛ لأن المعاصي عارضة عند كل إنسان، ليست المعصية دائمة بحيث يمارس ويستمر عليها. ولذا ننصح هذا الأخ الذي يؤم الناس وهو يشرب الدخان أن يتوب إلى الله، وأن يتمسك بالسنة في لحيته، حتى يمثل الإمامة أحسن تمثيل، فإذا عجز فعليه أن يتخلى، وأن يدع غيره يؤم الناس، أما الصلاة خلفه فالصلاة خلفه صحيحة وعليه إثمه، يقول عليه الصلاة والسلام: (صلوا خلف كل بر وفاجر، فإن أحسن فله ولكم، وإن أساء فعليه ولا عليكم) لكنه يقع تحت طائلة الإثم إذا صلى بالناس وهم له كارهون كراهة دينية، إذ لا يتقدم بالناس إلا من كان أهلاً، إذا رأيتم بأنه لم يستجب بالنصيحة بعد أن تنصحوه، فيمكن أن ترفعوا أمره إلى السلطة من أجل إبعاده والإتيان برجل صالح يؤم الناس حتى يقربهم إلى الله عز وجل.

حكم الشرط المخالف لمقتضى عقد الزواج

حكم الشرط المخالف لمقتضى عقد الزواج Q تزوجت امرأة وكان من ضمن الشروط عليّ: ألا أنام معها ولا آتيها، فلما تزوجتها نمت معها وأتيت زوجتي، فهل هذا الفعل عليّ حرام؟ A هذا الشرط باطل؛ لأنه مضاد لمقتضى العقد، الشروط التي تحل حراماً وتحرم حلالاً أو تضاد مقتضى العقد، باطلة مقتضى عقد الزواج أن تستمتع بزوجتك، وهذا الشرط يمنعك من الاستمتاع بها والنوم معها فهو شرط مرفوض، أجل تزوجتها من أجل ماذا؟ إذا كنت تزوجتها ولا تنام معها، فلماذا تزوجتها؟ لتنظر في وجهها؟ هذا لا يصلح، فهذا الشرط باطل، وفعلك إن شاء الله ليس فيه شيء، وليس من الخدعة إن شاء الله.

الأشياء التي يبدأ بها الداعية

الأشياء التي يبدأ بها الداعية Q أنا شاب أريد أن أدعو إلى الله، من أين أبدأ وكيف؟ A ابدأ من نفسك، هذه أول خطوة، ادع نفسك إلى كل خير، ثم ابدأ بالدائرة المحيطة حولك: أمك وأبوك، وإخوانك وأخواتك، ثم انتقل قليلاً في دائرتك الدراسية إن كنت طالباً، ثم في الحي الذي أنت فيه وهكذا، لكن وفق المعالم التي ذكرناها: بالإخلاص، بالكلمة الطيبة، بالعلم، بالصبر، وهكذا إن شاء الله تنجح.

كيفية التمييز بين العمل الخالص والعمل الذي فيه رياء

كيفية التمييز بين العمل الخالص والعمل الذي فيه رياء Q يقول: أنا أعمل الأعمال الطيبة إن شاء الله، ولكن أحس أنها رياء، فكيف أميز بين العمل إذا كان خالصاً أو كان عملاً رياء؟ A التمييز بالباعث، التمييز يكون بالدافع إلى العمل، اسأل نفسك: لماذا تصلي؟ فإن كنت جئت تصلي خوفاً من الله ورغبة فيما عند الله، فهذا الإخلاص، وإن جئت تصلي من أجل أنك متواعد مع شخص تستأجر الشقة منه، وهو لا يعطيها إلا لشخص يصلي، فجئت تسلم عليه، وتصلي بجانبه، وتقول: السلام عليكم، كيف الحال؟ من أجل أن يؤجر لك الشقة، هذا معناه رياء، صلاتك فيها رياء وليست لوجه الله، أما وأنت تصلي لله ما الذي أخرجك من بيتك؟ ما أخرجك إلا خوف الله عز وجل، هذا هو الإخلاص، ولا نريد أن يعيش الناس -أيها الإخوة- في متاهات، وفي تصورات بعيدة، أنا لست ملخصاً؟ لا. إن شاء الله أنك مخلص، خصوصاً في هذا الزمن لا أحد يعمل عملاً صالحاً إلا وهو مخلص؛ لأنه لا يوجد أحد يدفعه من البيت إلا إخلاصه.

علاج الشدة وسوء الخلق

علاج الشدة وسوء الخلق Q أحس من نفسي غلظة وشدة في بعض الأمور وسوء في الخلق؛ فما هو العلاج؟ A العلاج أولاً: عليك بالاستغفار؛ لأن هذا السؤال قدمه أبو ذر إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا رسول الله! إني ذرب اللسان -أي: حاد على أهلي- قال: أين أنت من الاستغفار) فعليك أن تكثر من الاستغفار حتى يذهب الله هذا المرض منك. ثانياً: تعود باستمرار أن تغير طبعك، ضع برنامجاً عملياً لتغيير طبعك، اجعله مشروع سنة أو سنتين، إلى درجة تصل في النهاية إلى أن تغير وضعك، فحاول باستمرار ألا تحتج، ولا تكن شديداً، وتذكر دائماً أن الشدة ما كانت في شيء إلا شانته، وأن اللين ما كان في شيء إلا زانه، وأن الغلظة لا تأتي بشيء، وأنها تتعارض مع منهج الدعوة إلى الله، وبالتالي إن شاء الله يذهب منك هذا الداء.

مراتب الدعوة

مراتب الدعوة Q أيهما أفضل الدعوة الجماعية أو الدعوة الفردية؟ A هذا الموضوع إن شاء الله سيكون في الدرس القادم، مراتب الدعوة التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم في بدء دعوته، مر بمراتب دعوة كثيرة، كانت أولاً سرية، ثم صارت فردية، ثم صارت بعد ذلك جماعية، هذه كلها سوف نتكلم عنها بالتفصيل في المحاضرة القادمة إن شاء الله في الشهر القادم.

كيفية التحصن من الشهوات

كيفية التحصن من الشهوات Q كيف يكبح المؤمن جماح الشهوة في هذا العصر الممتلئ بالشهوات؟ A بالاستعاذة واللجوء إلى الله؛ لأن الشهوات نزغ من الشيطان والله يقول: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف:200]. نزغ شهواني جنسي، مثل امرأة تعرض نفسها عليك، فماذا تصنع؟ تقول: أعوذ بالله؛ لأن هذا يوسف عليه السلام لما راودته امرأة العزيز {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ} [يوسف:23] فماذا قال: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ} [يوسف:23] أي: أعوذ بالله. وهذه مريم لما جاءها الروح القدس لينفخ في جيب درعها الروح، وليخلق الله عز وجل عيسى عليه السلام بطريقة تختلف عن خلق الناس {قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً} [مريم:18] فعليك إذا جاءتك أي نزعة شيطانية، شهوة جنسية، شهوة عدوان، رغبة في مال حرام، شهوة تسلط، شهوة انتقام؛ أنك تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وتذكر دائماً وقارن بين لذة المعصية وبين عقوبتها، لتجد أن عقوبتها مرة ولذتها ضئيلة قياساً على العقوبة المنتظرة.

حقيقة الدعوة

حقيقة الدعوة Q هناك بعض الناس إذا دعوته إلى الدين يقول: نحن نعرف الدين، وعندنا أشرطة كافية، وعندما ندعوهم نجدهم غارقين في المعاصي؟ A قضية الدعوة -أيها الإخوة- ليست تعليماً وإنما هي تذكير، حتى الرسول صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل له: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية:21]. فأنت عندما تتحدث مع شخص يعرف الدين، ليس معنى هذا أنك أنت المعلم له، وإنما تذكره بشيء يعلمه، فتقول له: نعم صدقت، أنت تعرف الدين أكثر مني، لكني أذكرك بالله، والله أمرني أن أذكرك وقال: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} [الأعلى:9 - 10] وقال: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55].

حكم من يكون سببا في غيبة الناس له

حكم من يكون سبباً في غيبة الناس له Q هناك دعاة وعندهم قصور وأخطاء في العمل، فبسبب ذلك يتكلم الناس فيه، فهل يتحمل إثم الناس بسبب ذلك؟ A لا شك أن المسلم ينبغي أن يذب عن عرضه، وألا يجعل الناس يأثمون بسببه؛ لأنه إذا قال كلاماً وهو يخالفه ثم تعرض الناس له بالإثم، كان سبباً في تأثيم الناس، إلا أنهم يتحملون مسئولية إثمهم، فهم يأثمون؛ لأنهم اغتابوه وهو يتحمل؛ لأنه السبب في غيبتهم، والجميع آثمون. والمطلوب من الداعية أن يكون صادقاً وجاداً، وعلى الناس إذا أرادوا ورأوا من الداعية أو العالم قصوراً أو نقصاً ألا يغتابوه، بل يواجهوه بالكلمة الطيبة ويقولوا: يا شيخ! أنت رجل فاضل، وأنت رجل صالح، وأنت داعية إلى الله، سمعناك ورأيناك، ولكن لاحظنا كذا وكذا، وذلك فيما بينهم وبينه، من أجل أن ينتبه ويصحح وضعه، أما أن يأكلوا لحمه في غيبته ويشوهوا سمعته، هذا ليس طيباً؛ لأنه يقع في التالي بالغيبة، وأكل لحمه بغير حق.

بيان مسألة عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم من الأخطاء

بيان مسألة عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم من الأخطاء Q كيف نرد على من قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أخطأ، ومثل ذلك قبوله الفداء من أسرى بدر، وصلاته على عبد الله بن أُبي بن سلول عندما مات؟ A الرسول صلى الله عليه وسلم أولاً: بشر {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الكهف:110] ولكنه بشر معصوم من الخطأ فيما يبلغ عن دين الله، فإذا وقع في شيء صحح الله خطأه، هو معصوم لا يخطئ في شيء مما يبلغ الناس من الدين، فإذا أخطأ وهذا نادر مثل قضية أسرى بدر، استشار النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة فيهم، واختار رأي أبي بكر، فالله عز وجل أنزل القرآن ليصوب رأي عمر، وكذلك في قضية الصلاة على عبد الله ابن أُبي، صلى عليه الرسول عليه الصلاة والسلام حتى نزل أمر الله عز وجل بعد الصلاة عليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يخطئ، وإنما يبلغ عن الله، وإذا بلغ شيئاً لم يكن فيه عنده وحي من الله فهذا دليل على أنه اجتهاد منه، وحصل فيه شيء غير المراد الرباني صححه الله، هذا بالنسبة للتشريع وما يبلغ عن الله. أما بالنسبة للأمور العادية، الأمور الحياتية، كونه يمارس أمراً من الأمور التي لا علاقة لها بالدين، هذه قد يقع منه ما يقع من البشر من الخطأ، مثل قدومه المدينة وهم يؤبرون النخل -يلقحون النخل- والرسول صلى الله عليه وسلم خبرته في النخل محدودة، لأنه جاء من مكة، ومكة بلد صحراوي ليس فيها نخيل ولا شجر ولا شيء، جاء المدينة، والمدينة بلدة زراعية ومشهورة بالتمور، فرآهم يؤبرون، فقال صلى الله عليه وسلم ليس تشريعاً وإنما كلام شخصي، قال لهم: لو تركتموه ربما حمل. فتركوه، فلما جاء آخر السنة لم تحمل شيئاً؛ لأنه ما نقح، أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم فماذا قال؟ قال: (عودوا إليه ولقحوه، فأنتم أعلم بأمور دنياكم) فدل الحديث على أن هذا الأمر من أمور الدنيا لا من أمور الدين، أما ما كان من أمور التشريع والدين فإن الله عز وجل قد عصمه أن يبلغ الناس إلا الحق، اللهم صلِّ وسلم عليه.

حكم الغش في الامتحانات

حكم الغش في الامتحانات Q تنتشر ظاهرة الغش في الامتحان، فهل يجوز هذا؟ A الغش محرم، والإسلام يربي أبناءه على الصدق، وعلى الجد، والغش مصادم للجد والصدق، فالغشاش كذاب، وأيضاً خائن، ويحمل شهادة زور، أخذها بالنقل والكذب، يأتي يقول: أنا جامعي. وليس جامعاً، لو أنه جامعي كان قرأ الدروس كلها وحفظها، وإنما أخذها في ورق، ولما جاء الامتحان نقلها ونجح بالكذب، فهذا باطل: (ومن غشنا فليس منا) ولا يجوز للمسلم أن يمارس هذا، ومن وقع في شيء منه في الماضي فيتوب إلى الله، وعليه أن يندم ولا يعود إليه.

أهمية الرفق في الدعوة إلى الله

أهمية الرفق في الدعوة إلى الله Q كنت أدخن في يوم من الأيام وجاءني أحد الإخوة الملتزمين، وفجأة أخرج الدخان من فمي ووضع بدله السواك بالقوة، فغضبت وقلت له قولاً سيئاً، ولكن بعد ذلك ندمت على ذلك، فماذا أصنع الآن؟ A هذا من الأخطاء، شخص يشرب الدخان وتأتي تمسكه وتأخذ من فمه الدخان وتضع مكانه السواك، هذا عمل لا أحد يقبله، ولو كنت تعملها أنت، لو عمل شخص معك هذا الشيء فربما تضاربه، وليس هذا بالأسلوب، بالإمكان أن تعرض عليه السواك، وتقول له: يا أخي الكريم! تفضل هذا السواك هدية، ويمكن أن تضع هذا السواك بدل هذا الدخان، أي: من باب العرض، وأما أن تتدخل في شئونه وتفكه من يده وتدسه في فمه، إذاً ماذا بقي؟ ما تركت له الحرية، وبالتالي إذا تكلم عليك الأخ كلاماً سيئاً فجيد أنها كلام سيئ فقط، ولم تصل إلى حد الضرب، فعليك -يا أخي- أن تتوب إلى الله من الدخان، وأن تسمح لأخيك الذي تعامل معك بهذا الأسلوب؛ لأنك تعرف أن قصده طيب، ما قصده إلا الخير لك، وأن تعفو عنه إن شاء الله، وتستغفر الله من الإساءة التي وقعت منك عليه.

الجمع بين قول: العلم يؤتى ولا يأتي، وبين ذهاب العلماء والدعاة إلى الناس

الجمع بين قول: العلم يؤتى ولا يأتي، وبين ذهاب العلماء والدعاة إلى الناس Q ما رأيكم في المقولة التي تقول: العلم يؤتى ولا يأتي. هل تتعارض مع كلامك حول أن العلماء والدعاة يأتون إلى الناس؟ A لا. ليس هناك تعارض، العلم شيء والدعوة شيء، فنحن نقول: إن الدعاة يذهبون إلى الناس، لكن طلبة العلم يذهبون إلى العلماء، هناك تبادل مصالح، طالب العلم يأتي إلى العالم، لكن الداعية ماذا يعمل؟ يذهب إلى المدعوين، أي: أن الداعية يذهب إلى القهوة، ويأتي بالناس من القهوة، ويذهب إلى السوق يأتي بهم من السوق، ويذهب إلى الدكاكين يأتي بهم من الدكاكين، يجمع الناس، يقول: هناك محاضرة، هناك ندوة، بكلام طيب، لكن طلبة العلم الذين يريدون العلم، ماذا يريدون؟ يريدون العالم، أم تريدون أن يذهب ويبحث عليهم، فأين يجمعهم هؤلاء كلهم؟ لا يستطيع أن يطوف على الناس كلهم، ففيه اختصاصات، إن طالب العلم يطلب العلم، وصاحب الدعوة يدعو الناس إلى العلم وهكذا. والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

من أسباب الحياة السعيدة

من أسباب الحياة السعيدة يسعى لتحقيق السعادة كل إنسان، ولكن البعض يظن أن السعادة في المال، أو المنصب، أو الجاه والسلطان، أو الشهوات والملذات، وهؤلاء لم يعرفوا حقيقة السعادة، ولم يعرفوا الطريق المؤدي إليها، بينما الإنسان المتصل بربه عرف طريق السعادة، وسلك ذلك الطريق، فهو ينعم بسعادة عظيمة، ويعيش حياة آمنة مطمئنة، وكأن الدنيا ملك له.

السعادة والسعي لتحقيقها

السعادة والسعي لتحقيقها الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد أيها الأحبة في الله! السعادة مطلب كل إنسان، وما نظن أو نعتقد أن أحداً يبحث عن الشقاء، بل كل ما نراه من التطاحن والتسابق، إنما هو لتحقيق ونيل أكبر قدر من السعادة، ولكن المصيبة أن الكثير ممن يطلبون السعادة أخطئوا الطريق المؤدي إليها، ظنها قوم في المال، فقطعوا مراحل أعمارهم باحثين لاهثين وراءه، فلما حصلوه وجمعوه، كان هذا المال سبباً لشقائهم لا لسعادتهم، يقول الله عز وجل: {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:55]. وظن آخرون أن السعادة في تبوء المناصب، واحتلال الرتب، فحرصوا عليها وسعوا إلى تحقيقها، فلما نالوها لم يجدوا للسعادة طعماً، بل كانت ربما سبباً لشقائهم وعنائهم، وظنها آخرون في الأولاد وفي الزوجات، فلما جاء الأولاد كان الأولاد أيضاً سبباً لشقائهم وكانت الزوجات سبباً لشقائهم، إذاً أين السعادة -أيها الإخوة-؟ وقبل الإجابة لنسأل: ما هي السعادة؟ وبأبسط تعريف، يلم المجموع الشامل لمفهومها، وإلا فالسعادة معروفة عند كل شخص ولو لم يعبر عنها هي: راحة القلب، واطمئنان النفس، وسلامة الجسد من الآفات. هذا الذي يكون جسده معافى، ونفسه مطمئنة، وقلبه هادئ فإن هذا يكون سعيداً، لكن لما اهتم الناس بالمال، فإنهم حققوا جزءاً من السعادة، وهي سلامة الجسد، ولكن لم يستطع المال أن يحقق سكينة النفس، ولم يستطع المال أن يحقق راحة القلب، بل كان المال عذاباً للقلب وللنفس. وأذكر فيما أذكر، أنني زرت أنا وأحد المشايخ في الرياض ثرياً من الأثرياء، نطلب منه أن يتطوع بالتبرع في مشروع خيري، وكانت الزيارة في فصل الشتاء، في الليالي الباردة القارسة، فلما جلسنا معه وافق جزاه الله خيراً على أن يتبرع بالمشروع كاملاً، وودعناه، وقبل أن نخرج قال لنا: يا مشايخ! أنا عندي مشكلة حلوها لي. قلنا: خيراً. قال: والله لا أنام إلى أن يؤذن المؤذن لصلاة الفجر وأنا أتقلب على فراشي، لم أعرف طعم النوم. قلنا: خيراً لماذا هل هناك مرض؟ قال: لا. لكن أموالي في الشرق، والغرب، والشمال، والجنوب، والسماء، والأرض، والبر، والبحر، وكلما قمت بحل مشكلة جاءت مشكلة ثانية، وطوال الليل وأنا وراء المال. قلنا: أنت الذي عذبت نفسك، ماذا نفعل لك؟ لكن تريد أن تسلم من هذا المرض؟ قال: نعم. قلنا: علق مالك بربك، حتى يتعلق قلبك بالله، اكنز هذا المال عند الله. قال: جزاكم الله خيراً، وخرجنا من عنده، وعند خروجنا مررنا برجل من العمال يعمل حمالاً يحمل الأثقال من السوق، وقد جمع الحبل الذي يربط به الأحمال تحت رأسه، وبسط تحته كرتوناً ونام، ومد أرجله وله شخير نسمعه على بعد أمتار، في غاية النوم، هذا صاحب الملايين لا يأتيه النوم، وهذا صاحب الكرتون نائم أربعة وعشرين قيراطاً. إذاً المال سعادة أم عذاباً؟ بل هو عذاب، وتعال انظر هذا الفقير في الصباح، إذا قام بماذا يفطر؟ يأخذ له ثلاثة أقراص على صحن يأكلها مثل البعير، وذاك التاجر يفطر حبوباً ويتغدى حبوباً ويتعشى حبوباً. إذاً ما قيمة المال؟ مجرد أرقام وأرصدة، لكن هل يحقق سعادة؟ لا. ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقي هو السعيد فالسعادة هي راحة النفس، وهدوء القلب، وسلامة الجسد، أين توجد هذه كلها؟ هذه -أيها الإخوة- لا توجد في المال، ولا في المناصب، ولا في الرتب، ولا عند الزوجات ولا في الأولاد، وإنما توجد في شيء واحد ألا وهو في الإيمان بالله، والعمل الصالح لوجه الله، يقول الله عز وجل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [النحل:97] هذا شرطه: من عمل صالحاً وهو مؤمن، ماذا يحصل له؟ قال عز وجل: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97] ما هي الحياة الطيبة؟ إنها حياة القلب، ولو كان فقيراً والله إنه لفي حياة طيبة. الصحابة رضي الله عنهم كان معظمهم فقراء، ولكنهم كانوا يحيون ويعيشون أعظم مستوى من السعادة، بل سيد البشر صلوات الله وسلامه عليه، وأفضل من سار على وجه الأرض سيد ولد آدم، كيف كان يعيش؟ سعادته كأكمل ما تكون على أعلى مستوى، أسعد البشر بربه وبدينه، رسول الله صلى الله عليه وسلم، رغم أن حياته المادية كانت بسيطة إلى أبعد درجات البساطة، كان ينام على الحصير، ويسكن في غرف صغيرة لا تكفي للصلاة، إذا صلى في الليل وعائشة نائمة تكف أرجلها إذا سجد، وإذا قام بسطت أرجلها، ويربط على بطنه الشريفة الحجر من الجوع، حتى تلتقي المعدة وجدران المعدة حتى أنه لم يعد يشعر بالألم من الجوع، ويمر الشهر والشهران ولا توقد في بيت آل محمد نار، كم توقد اليوم في بيوتنا من النيران -أيها الإخوة-؟!! ليست ناراً واحدة، بل نيران، المطبخ مثل المعمل، هذا يقلي، وهذا يخبز، وكل هذا من أجل أن نأكل، وبعد ذلك هل وجدنا السعادة؟ هل حققت هذه المآكل والمطاعم والمشارب لنا سعادة؟ بل زاد الشقاء، وأكثرنا تجده يتوجع، وأمراض الناس الآن كلها من بطونهم. الفشل الكلوي ما سببه؟ من اللحم، والقرحة المعدية من الأكل، والسكر من الأكل، والسمنة من الأكل، والذبحة من الأكل، كل هذا من الأكل، إذاً الأكل هل هو سعادة أم عذاب؟ عذاب، إذاً ما هي السعادة؟ قال عز وجل: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97] قال العلماء: كان حياً لكن حياة خبيثة، هنا حياة ماذا؟ حياة طيبة، ما هي الحياة الطيبة؟ إنها حياة القلب، وحياة الإيمان، والدين، والصلة بالله، والصلاة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والحب في الله، والاستعلاء على الشهوات، والنصر على النفس، ورفض الحرام. لو مررت على امرأة متبرجة، وغضضت بصرك فهذه هي الحياة، لكن لو أنك نظرت إليها تريد أن تبتلعها، تتلصص على محارم الله، أنت مسكين إذاً فحياتك خبيثة، حياتك قذرة، فالحياة الطيبة أن ترتفع إلى فوق، يقول تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:7 - 10] دنسها بالقاذورات، فقط تجده يقمقم -والعياذ بالله- أغاني، مسلسلات، أفلاماً، كرة،، لعباً، سهراً، أرصفة، تفحيطاً، ما هذا؟! ارتفع إلى فوق، ابحث عن الدين القيم، عن المبادئ، عن العقيدة، عن الصلاة، عن القرآن، عن الجنة، هذه هي الحياة: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97]. وبعد ذلك إذا مات قال عز وجل: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97] ويقول عز وجل: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] لا تطمئن القلوب إلا بدين الله، الأموال لا تطمئن القلوب بل تنفخ الجيوب، والأكلات لا تطمئن القلوب بل تطمئن البطون، والزوجات تطمئن الفروج، لكن قلبك هل تريده أن يطمئن؟ ألا بذكر الله، -أي: ألا بدين الله- تطمئن القلوب، قلوب أهل الإيمان {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} [الرعد:29] قال العلماء: ما معنى طوبى هنا؟ قال بعضهم: طوبى هي الجنة، وقال آخرون: الحياة الطيبة، طوبى أي في الدنيا، وحسن مئاب أي: في الآخرة في الجنة -نسأل الله أن يطيب حياتنا وحياتكم في الدنيا والآخرة-.

طرق الحصول على السعادة

طرق الحصول على السعادة كيف نحصل على السعادة؟ لا توجد السعادة إلا إذا عرف الإنسان أمرين، وبهما وجد السعادة كاملة بحذافيرها، أما إذا جهل الأمرين أو أحدهما، عاش شقياً، ومات شقياً، وبعث شقياً، وحشر شقياً، ودخل دار الأشقياء دار العذاب والنار والنكال -والعياذ بالله- هل هناك أشقى ممن يدخل النار -يا إخوان-؟ لا إله إلا الله! الآن لو وجدت شخصاً ليس في بيته عنده مكيفاً، يقول: والله يا شيخ أنا عيشتي شقية، لماذا؟ قال: لا يوجد مكيف، ودرجة الحرارة أربعين لا يصبر عليها، شقي. حسناً الذي ليس عنده برد ولا شيء وإنما في النار، يقول الله عز وجل: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً * إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً} [النبأ:24 - 25] في النار، يقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [غافر:10] ينادون يوم القيامة، وهم يقادون إلى النيران، يحصل منهم حسرة ومقتاً واحتقاراً وازدراءً لأنفسهم، فينادون فيقال لهم: إن الله يمقتكم ويبغضكم ويزدريكم ويحتقركم أكثر مما تمقتون أنفسكم، لماذا؟ قال: {إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْأِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ} [غافر:10] ترفضون الدين، ويوم القيامة يقولون: (ربنا) يعرفون الرب لكن بعد ماذا؟ {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} [غافر:11] كنا أمواتاً فأحييتنا، ثم أمتنا ثم أحييتنا، واحدة يا رب، وهي الخروج من النار. {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} [غافر:11] هل هناك فكاك من النار؟ لا إله إلا الله! قال الله عز وجل: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر:12]. ما هذان الأمران الضروريان؟ وأرجو التركيز معي -أيها الإخوة- لأن القضية ليست قضية سماع، إنما قضية مصير، هي قضية سعادة أو شقاء، قضية عذاب أو نعيم، قضية جنة أو نار، هذه من أبرز قضايا الوجود، هي ليست سهلة، ما هي بصفقة ولا أرضية ولا عمارة، ولا امرأة تموت أنت وتتركها، أو تموت هي وتتركك، لا. هذه طريق شائكة، طريق صعبة، مسألة مهمة، ما هذان الأمران؟ الأمر الأول: أن تعرف من أنت. الأمر الثاني: أن تعرف لماذا خلقت.

معرفة حقيقة الإنسان من أسباب السعادة

معرفة حقيقة الإنسان من أسباب السعادة المصيبة كل المصيبة أن الناس لا يعرفون أنفسهم، كيف لا يعرف الواحد نفسه؟! يقول الناظم: دواؤك فيك وما تبصر وداؤك منك وما تشعر وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر أنت لست بالرجل السهل، ويقول ابن القيم: قد هيئوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل هيأك الله لأمر عظيم، خلقك بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وأرسل إليك رسله، وأنزل عليهم كتبه، وأوعدك جنته إن أطعته، وتوعدك بناره إن عصيته، ثم تأتي فترعى مع الهمل، همك بطنك فقط، ماذا نأكل وماذا نتغدى وماذا نتعشى؟ وأين نذهب وعشاء وغداء، وأكياس تدخل وتخرج، وأكثر الناس اليوم ما شغلته إلا أكياس وزبالة، يدخل كيساً ويخرج الزبالة، لا يوجد بيت من بيوت المسلمين، إلا وحوله أكياس سوداء، وعاش المسلم وضاع بين الكيس والزبالة، شخص تقول له امرأته: هات معك، هات معك -تطلب حاجات- قال لها: أنت لا يوجد عندك إلا هات هات، لم تقولين يوماً من الأيام: خذ، قالت: خذ هذا إلى الزبالة. إذاً من أنت أيها الإنسان؟ المصيبة كما قلت لكم: إن الناس لم يعرفوا ما حقيقة هذا الإنسان، إلا أبسط أجزائه، الإنسان مكون من خمسة أجزاء، عرف الناس واحداً وجهلوا الأربعة الباقية.

العناية بالجسد والسعادة

العناية بالجسد والسعادة الجسد هو هذا الذي نعرفه كلنا، عظام مركبة عليها عضلات وأعصاب، وعليها لحم، وأجهزة: جهاز سمعي، وجهاز بصري، وجهاز تنفسي، وجهاز هضمي، وجهاز دموي، وجهاز تناسلي، الأجهزة هذه عرفها الناس، والجسد جزء واحد فقط من الأجزاء، وهو أبسط الأجزاء، ولم يأت في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثناء على الناس على قدر أجسامهم، بل جاء الذم، قال الله في المنافقين: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} [المنافقون:4] وجاء الذم في السنة يقول عليه الصلاة والسلام: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم، ولكن إلى قلوبكم وإلى أعمالكم) أجل جسمك صغير أو كبير، أبيض أو أسود، طويل أو عريض، سمين أو ضعيف، هذا ليس له قيمة؛ لأنك لست الذي ركبت جسمك، ولا أنت الذي لونت جسمك، ولا أنت قمت بتطويله، الذي ركبك هو الله {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} [آل عمران:6] لا كيفما تشاءون أنتم، هذا هو الجسد، هذا جزء واحد. الناس الآن لا يعرفون من الإنسان سوى جسده، ولهذا فإن التركيز والأهمية في حياتنا على الجسد، إذا مرض الجسد ماذا نعمل؟ نأتي بالعلاج، وإذا انعدم العلاج في الرياض أين نجده؟ قالوا: علاجك في لندن، فإن كان معه أموال فإنه يحجز بسرعة، وإن لم يكن معه أموال فإنه يبيع بيته، وإن لم يكن عنده بيت فإنه يذهب يطرق أبواب المحسنين والدولة، فيقول: أنا مريض، لا بد أن أسافر، إذا مرض الجسد هذا دواؤه، بينما يمرض القلب والمسجد بجانبه فلا يذهب إليه، بل يأتي الطبيب، طبيب القلوب في المساجد، وتراه يتكلم عن أمراض القلوب، ولا يتطرق إلى كيفية معالجة القلوب من منظور شرعي، لأنه لا يعرف العلاج الشرعي؛ بل يعرف فقط الجسد، وإذا جاع الجسد أطعموه، وإذا عطش الجسد أسقوه، وإذا برد الجسد أدفئوه؛ ملابس شتوية، وإذا احتر الجسد بردوه: مكيفات، ومراوح، وملابس صيفية. إذاً الحياة عند الناس الآن حياة الجسد، وهل أنت إنسان بجسدك فقط؟ لو أن القضية قضية جسد ففي الحيوانات من هو أكبر منك جسداً. يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته أتطلب الربح مما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان

قيمة الإنسان وسعادته بروحه

قيمة الإنسان وسعادته بروحه يقول العلماء: إن الروح هي الطاقة المحركة لهذا الجسد، الجسد مثل (الميكرفون)، ما الذي يشغل (الميكرفون)؟ الكهرباء، إذا نزعنا الكهرباء هل يبقى له قيمة، هل يكبر الصوت. الثلاجة تقوم بتبريد الطعام، ما الذي يجعلها تبرد؟ الكهرباء، إذا نزعنا الكهرباء لم تعد تبرد الطعام، رغم أن الثلاجة موجودة. الجسد يتحرك، والعين تبصر، من الذي يحركها؟ الروح، إذا صعدت الروح هل تبصر العين؟ العين موجودة لم يذهب شيء، لكن ذهبت الروح المحركة لها. الأذن تسمع فإذا خرجت الروح لا تسمع، مع أن الأذن موجودة والجهاز السمعي موجود، تأتي فتصيح في سمعه فلا يسمعك، لماذا؟ الذي يحركها ليس موجوداً. القلب يضخ الدماء، إذا خرجت الروح يقف القلب، لا يتحرك؛ لأنه لا يوجد محرك، وتسمعون الآن عن عمليات زرع الأعضاء، إذا مات الشخص أخذوا قلبه ووضعوه في شخص آخر، حسناً لماذا تحرك هناك ولم يتحرك هنا؟ لأن المحرك الذي هنا خرج وهي الروح، كليته فشلت هنا أخذوها وتحركت هناك، إذاً الحياة ليست في القلب ولا في الكلى، الحياة في الروح. حسناً ما هي الروح؟ لا نعلمها، عندما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح قال الله له: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:85] وهذه الروح من الأشياء التي استأثر الله بعلمها، ولا نعلم عنها شيئاً إلا بعض صفاتها، بأنها تخرج، وأنها تصعد وأنها إذا مات الإنسان صعدت روحه، ولهذا تجدون الميت إذا مات، فإنه يشخص ببصره، ويسن تغميضه، لماذا؟ لأنه إذا خرجت الروح تبعها البصر، وأن الروح تتوفى عند النوم، وتتوفى عند الموت، قال الله عز وجل: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ} [الزمر:42] أي: يتوفاها {فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} [الزمر:42] حسناً النوم هو وفاة، قد يقول شخص: كيف؟ نقول: الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا إذا قمنا من النوم أن نقول: (الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا) كنا قد متنا في النوم، والروح تخرج من الجسد، وتجلس قريبة منك، ولها صلة بالجسد تحركه لكن من بعيد، بالليزر -كما يقولون- أو (بالريموت كنترول) بعيدة عنك، ولكن تخرج منه حتى يستريح، إذا لم تخرج الروح لا يستريح الإنسان. ولذلك عندما تأتي نائماً وتتكلم عند أذنه فلا يسمعك، تأتي عند عينه، وتضع أمامها شيئاً فإنه لا يراه، تضع عند أنفه شيئاً لا يشمه، تريده أن يشم ويرى ويسمع، قل له: يا فلان -أيقظه من النوم- فيقول: نعم، فتعطيه الطيب فيشمه، وتريه شيئاً فيراه، وتتكلم معه فيسمعك، لماذا؟ لأن الروح كانت بعيدة، وهي التي تشم، وهي التي تنظر وهي التي تسمع، فكيف تعلقها بالجسد؟ لا نعلم، هل هي موجودة أم غير موجودة؟ قال العلماء: لو تظل الروح في الجسد، لن يستريح الإنسان ولن ينام، ولن يستطيع أن يفعل شيئاً. لو دخلت إلى بيتك وأنت متعب، ومثقل بهموم العمل، خصوصاً لو كان عملك مهنياً بدنياً، ودخلت إلى البيت وقلت: أبنائي! دعوني أنام، قالت لك امرأتك: هل تريد أن تستريح؟ قلت: نعم. أريد أن أنام، قالت: خذ راحتك، هذا السرير والمكيف فوقك شغال، لكن لا تنم، وكلما أغمضت عينك فتحت عليك الباب وقالت: استرح استرح، ما رأيك هل تستريح؟ لو تجلس على السرير ستين ساعة فلن تستريح، لكن لو نمت ثلاث أو أربع أو خمس ساعات ثم تقوم بعدها، وإذ بك تقول: لا إله إلا الله! الحمد لله، الحمد لله، استرحت وأصبحت نشيطاً، وقد رجع لك كل نشاطك، وكل قوتك، لماذا؟ لأن الروح خرجت، لو لم تخرج وتدع الجسد يستريح لما استراح أبداً. هذه الروح لا نعلم عنها شيئاً، ويكفينا من العلم ما علمنا الله، قال: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:85] وهي كما قلت لكم: بمنزلة الطاقة المحركة للجسد.

حقيقة النفس ووقايتها من الأمراض

حقيقة النفس ووقايتها من الأمراض إن النفس بمنزلة المستشار فهي التي تقدم الاستشارات للقلب، ومقاييس هذه النفس الاستشارية هي الشهوات، والملذات، والمتع، والراحة، والسهرة، والرحلات، هذه الأشياء النفس تحبها، إذا شاورت نفسك: نسهر؟ قالت نعم لا يهم، إذا شاورتها نأكل؟ وقالت: كل يا رجل، ننام؟ نم. كل شهوة محببة تحبها النفس، بل كل أمر سيئ تحبه النفس وتأمر به، يقول الله: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف:53] بالسوء أي: بالشر، هذه طبيعة النفس، لكن يأتي دورك لهذه الطبيعة النفسية، أن تقوم بتغييرها وبمجاهدتها إذا كانت أمّارة بالسوء، تريد أن تنام تقول لها: لا. انهضي وصلي، تريد أن تغني، تقول: لا والله لا تسمعين الأغاني، تريد أن تنظر إلى الحرام تقول: لا. وتغض بصرك، تريد الربا من أجل أن تصبح غنياً، تقول: لا. هذا حرام لا يمكن، وكلما أمرتك هذه النفس بلذة محرمة أو بشهوة ممنوعة قلت لها: لا. تفطمها، فإذا رأت أنك سيطرت عليها ترقت، وانتقلت من مرتبة النفس الأمارة بالسوء إلى مرتبة النفس اللوامة: وهي التي تفعل الخير ولكنها تحن إلى الشر، ثم تلوم على فعله. أنت تفعل الخير بنفسك الطيبة، لكن أحياناً توقعك نفسك هذه في شر، فإذا عملته قالت النفس: لماذا تعمله، ما بك أنت ملتزم، أنت متدين، أنت مؤمن، لماذا تنظر إلى الحرام؟ لماذا تستمع إلى الأغاني؟ هذه نفس لوامة، فإذا لامتك وهي التي ورطتك قلت أنت: أنتِ التي أوقعتيني، والله لا أفعلها، فإذا جاهدتها مرة، ومرتين، وثلاثاً، وأربعاً، وعشراً، ارتقت إلى مرتبة النفس المطمئنة، التي اطمأنت إلى دين الله وسكنت إلى أمره، واستراحت بتنفيذ شرعه، وهنا تعيش أكمل عيشة، ولا يجد لك رب العالمين حينها مجال إلا أن ينقلك إلى الجنة، ويناديك عند الموت ويقول: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30] ولذا يقول العلماء: إن مجال الإصلاح في حياتك هو إصلاح نفسك، قال الله عز وجل: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس:7 - 9] ويقول عز وجل: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:40 - 41]. ودائماً النفس -بحكم طبيعتها الشريرة- ورغبتها في الخمول، وكراهيتها للقيود، تحب الانفلات، وتحب الدعة، وتحب عدم الإلزام بشيء، ولذلك ترى أنك إذا كنت طالباً في ليالي الامتحان، تنظر إلى الكتاب المقرر الذي فيه الاختبار غداً، تراه أكره شيء، كأنه حيات وعقارب أمامك، ولكن أي صحيفة أو مجلة أو كتاب آخر تريد أن تقرأه كله، لماذا؟ لأن النفس مكرهة على ذاك، وغير مطلوب منها هذا، فتميل إلى هذا وتكره ذاك، لكن ماذا تفعل أنت؟ إذا كنت عاقلاً وحازماً ولبيباً وذكياً، تقول: لا يا نفس، ليس عندنا اختبار في الصحيفة ولا في هذا الكتاب هذا، والله لا بد أن تقرأي الكتاب المقرر عليك غصباً عنك، فتستسلم لك، ولهذا فالنفس هذه يقول العلماء عنها: إنها مثل الدابة، إن وجدت خيالاً ماهراً، ركب عليها، وشد زمامها، وتركها تمشي ولم يجعلها تبرك، وإن لقيت خيالاً ضعيفاً، رمته وركبت عليه، ورفسته ومشت عليه، وكذلك أنت إن كنت مسيطراً على نفسك، تقهرها وتزجرها عن المعصية، وتجبرها على الطاعة، استسلمت وأذعنت، وهذا شأن السلف رحمهم الله، كانوا يجاهدون أنفسهم جهاداً عنيفاً، كان بعض السلف إذا فاته ورده من الليل، أخذ السوط وأخذ يضرب أرجله، وقال: والله إنك لأولى بالضرب من دابتي، ماذا يفعل هذا في الليلة الثانية هل ينام؟ يقوم، لماذا؟ لأن أرجله خائفة من العصا. وآخر خرج يوماً من الأيام من بيته، فرأى بيتاً مرتفعاً فقال: لمن هذا البيت؟ قالوا: لفلان، ويوم أن رجع في الليل يريد أن ينام، قام يراجع ويحاسب نفسه على الأقوال التي قالها، فوجد هذه الكلمة فقال: أنت خرجت بعد الظهر اليوم، ورأيت عمارة وقلت: لمن هذه العمارة، قال: يا نفس ماذا تريدين بهذه الكلمة؟ تريدين عمارة مثلها، لا تريدين أن تشتغلي بطاعة الله، تريدين أن تشتغلي بما عند الناس، يقوم فيلومها، ثم قال: والله لأعاقبنك بصيام سنة، فصام سنة من أجل كلمة، هل ستعود نفسه توسوس له، حسناً هؤلاء عرفوا كيف يعالجون أنفسهم، جاهدوها مجاهدة صحيحة حتى أذعنت واستسلمت وسارت في ركاب الطاعة، واستسلمت لأمر الله تبارك وتعالى. إذاً دورنا -أيها الإخوة- جهاد هذه النفس وعلاجها، وقصرها على الطاعة، وزجرها عن المعصية. هذه النفس لها أساليب ووسائل في عملية تحسين الشر والمعاصي، مثلاً: الزنا تأتي النفس فلا تبديه لك بالصورة الطبيعية، ما هو الزنا؟ الزنا عار الزنا شنار الزنا إسقاط للاعتبار الزنا فصل من الوظيفة الزنا جلد في السوق كما يجلد الحمار الزنا -إن كنت محصناً وسبق لك الزواج- رجمٌ بالحجارة حتى تموت الزنا إدخال لك في قائمة السوابق الزنا إفساد لعرض مسلم الزنا إيجاد لولد غير شرعي يعيش بدون أب، ويبقى عالة على المجتمع من أجل شهوة تقضى في دقيقة أو دقيقتين أو خمس دقائق، هذا هو الزنا. إذا بدا لك الزنا بهذه الصورة هل تقبله؟ لا. لكن النفس الأمارة بالسوء لا تظهر الزنا بهذه الصورة، كل هذا تخفيه، وتقول: الزنا لذة الزنا متعة الزنا فرصة أنت دائماً مع امرأتك، لا. بدِّل غيرها كل طعام له لون وكل طعام له طعم، هذه حقيقة النفس، فإذا جاء العقل يقول لها: لا يا نفس! أنت مخطئة، الزنا كذا وكذا، تقول: صدقت، لكن هذا إذا اكتشفت، لكن يا رجل دبر نفسك، اعمله ولن يراك أحد، قال لها العقل: إذا لم يرني الناس الله يراني، قالت النفس: يا ابن الحلال! الله غفور رحيم، من أجل أن توقعك في هذه الجريمة، هذه أساليب النفس؛ لأنها أمارة بالسوء، لكن أنت خالفها وخالف النفس والشيطان واعصهما؛ لأن في معصية الشيطان والنفس، سعادتك في الدنيا والآخرة. والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم هل رأيتم طفلاً صغيراً ينفطم على ثدي أمه هكذا من نفسه؟ لا. لو تركته يرضع لظل يرضع حتى وهو كبير، لكن افطمه بالقوة، ضع في فمه قليل صبغ أو قطراناً وعندما يأتي ويذوقه فإذا به مر، فيبكي يوماً أو يومين أو ثلاثة وانتهى، هكذا النفس، نفسك تحب الأغاني افطمها تنفطم، نفسك تحب النظر إلى الحرام افطمها تنفطم، لكن تظل ترضعها كل يوم فكيف تنفطم، لا بد -أيها الإخوة- من أخذ المسألة بجدية وبحزم وبقوة حتى تنفطم هذه النفس، على ترك الذنوب والمعاصي والآثام.

العقل ميزان المصالح والمفاسد

العقل ميزان المصالح والمفاسد إن العقل يسميه العلماء: المستشار الثاني للقلب، ومقاييس هذا المستشار غير مقاييس النفس، النفس مقاييسها الشهوات، والعقل مقاييسه المصالح والمفاسد والآثار والنتائج، والمقدمات والضروريات، لكن قد يقول العقل شيئاً للقلب ويرفضه القلب بناءً على سيطرة النفس. الآن أعطيكم مثالاً: كثير من الأشياء ندرك بعقولنا ضررها، ومع هذا نقع فيها، أنا أسأل الذي يركِّب الصحن المستقبل فوق بيته، أسأله بالله، ألا يدرك أن فيه ضرراً على دينه، وعقيدته، وأخلاقه، وأخلاق زوجته، وأخلاق ولده وأسرته؟ يقول: نعم. فيه ضرر. حسناً لماذا تأتي بالضرر إلى بيتك؟ يقول: والله الأولاد أزعجوني، والمرأة رفضت، كل يوم وهي عند الناس، أنا آتي لها بهذا من أجل أن أتخلص منها ومن شرها. إذاً فإن سيطرة النفس، وشهوة الزوجة، وشهوة الولد، أقوى من رأي العقل، رفض العقل وأتى بالصحن المستقبل وأمطر بيته وزوجته بكل ما يسخط الله ويغضبه، وخان الأمانة التي بينه وبين الله، أولادك أمانة وزوجتك أمانة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال:27] إنها أمانة قال الله لك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6] وأنت لم تقهم النار، بل اشتريت لهم النار، وأمطرت عليهم النار من فوق، العقل يقول: فيه ضرر، لكن النفس تقول: لا يا شيخ! الناس كلهم وضعوه على بيوتهم، انظر إلى الأخبار، ماذا يهمك من الأخبار؟ وزير الخارجية أنت؟ تريد الأخبار تنتقل من إذاعة إلى إذاعة، إن هذا يجعلك تنظر إلى المسلسلات، ويجعل أولادك يتعلمون منه الأخلاق السيئة، ويصبح قدوة أولادك، من يصبح شيخاً لأولادك؟ الممثلون والممثلات، تصبح ثقافة ولدك أو ابنتك: هل تعرف الممثل الفلاني، والمطرب الفلاني، والمغني الفلاني، واللاعب الفلاني؟ ولا يعرفون من الصحابة أحداً، ولا من الصالحين أحداً، ولا يعرفون من العلماء أحداً، إنما همومهم وتعلقاتهم وآمالهم وثقافتهم هذه الأشياء الضحلة، ويترتب على هذا جيل ضائع ضال لا يعرف الله حق المعرفة، كما هو حال أجيال الكفار -والعياذ بالله-. أيها الإخوة! هذه الشرور هي زبالة أفكار الكفار، والقنوات تجلب عليك كل ما عند الكفار، وتركبه وتضع أموالاً فيه، وعقلك يقول لك: إن هذا ليس طيباً، لكن شهوة النفس تطغى على رغبة العقل. مثال ثانٍ: التدخين: المدخن الآن يعرف أن الدخان ضار، ويقرأ على العلبة: التدخين يضر بصحتك، فننصحك بالامتناع منه، ومع هذا تجده يدخن. العقل يقول لك: إنه ضار، والنفس تقول: يا شيخ! دخن وسوف تنجلي همومك، يا رجل! أنت عندك هموم ومشاكل، وإذا دخنت فإنك ترى الدنيا كلها، فرفض أمر العقل، واستجاب لشهوة النفس؛ لضعف عقله ولقوة سيطرة نفسه. التدخين يضر بإجماع الناس، حتى الشركة تكتب عليه أنه مضر، كل شركة تصنع أي صنعة فإنها ترسل دعاية للصنعة التي تقوم بصناعتها إلا الدخان فإنهم أرسلوا دعاية ضد الصنعة، وكل طعام عليه تاريخ صلاحية ابتداء وانتهاء، إلا الدخان تجده منتهياً من يوم أن قاموا بصنعه، ليس له تاريخ صلاحية، ومع هذا لا أحد يسأل عن هذا، لو اشتريت علبة لبن بأربعة ريالات، ولقيت عليها تاريخ الصلاحية منتهياً، تأخذها أم تذهب فتشتكي وتمسك صاحب اللبن وتصيح عليه: كيف تبيع هذا الشيء وهو منتهي الصلاحية؟ هذه انتهت صلاحيتها في 30/ 12 واليوم نحن في شهر 2 وأنت تبيعها، وتأخذ اسمه وتبلغ البلدية، لكن عندما تشتري الدخان وقد انتهت صلاحيته في بلده، من يوم أن صنعوه، قالوا: هذا يضرك، لكن لا. سأدخن، لماذا؟ لأن العقل مرفوض الأمر، بينما النفس الأمارة بالسوء هي الآمرة، أمرت بشهوة الدخان، فنفذها الإنسان لضعف عقله، ولمرض قلبه. ويقول العلماء: إن النفس إذا قويت مرض القلب، إذاً هي عملية موازنة، إذا سلم القلب وتقوى، ضعفت النفس، وإذا قويت النفس وسيطرت، ضعف القلب، ويبقى العقل يأتي بأفكار لكن لا أحد يطيعه، يأتي بآراء لكن لا أحد ينفذ آراءه. إذاً العقل هذا كيف نجعل آراءه سليمة؟ قالوا: ينور بنور الدين، والقرآن، ويتعلم العقل الأنوار من كتاب الله، ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويهتدي بالتفكير وبالتأمل وبالنظر في الآيات الكونية، وفي الآيات القرآنية، إلى أن يصدِّر آراء صالحة مع إصلاح النفس، فتجتمع آراء النفس مع آراء العقل إلى القلب فيصلح القلب، هذا هو الجزء الرابع.

صلاح القلب واستقامته صلاح للبدن

صلاح القلب واستقامته صلاح للبدن الجزء الخامس والأخير والمهم في الإنسان وهو القلب سماه العلماء بهذا الاسم؛ لأنه ملك الجوارح، وسيد الأعضاء، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم بالمضغة؛ لأنه إذا صلح صلح الجسد كله، والحديث في الصحيحين، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله إلا وهي القلب) وهذا هو ميدان العمل على الإصلاح، لم تهتم الشرائع إلا بإصلاح القلوب؛ لأن القلوب تمرض كما تمرض الأجساد، والقلوب تعمى كما تعمى الأبصار قال الله: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46] وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخبر الله في القرآن الكريم أن القلوب تمرض، قال عز وجل: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [البقرة:10] وقال: {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32] هذه كلها بيان على أن القلب يمرض، لكن كيف يمرض القلب؟ قالوا: مرض القلب هو عجزه عن القيام بوظيفته الآن العين إذا عميت قالوا: مريضة لماذا؟ لأنها عجزت عن القيام بوظيفتها، وهي الرؤية. الأذن، ما هي وظيفتها؟ السماع، إذا لم تسمع قالوا: صمّاء مريضة. اليد ما هي وظيفتها؟ الحمل، إذا عجزت عن الحمل قالوا: يد شلَّاء. الرِّجل ما هي وظيفتها؟ المشي، إذا انكسرت الرجل وعجزت عن المشي، قالوا: رجله مكسورة مريضة. والقلب ما هو وظيفته؟ معرفة الله، معرفة دين الله، معرفة رسول الله، إذا لم يعرف الله ولم يعرف دين الله ولا عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلبه مريض؛ لأنه لم يقم بوظيفته. ما أنواع مرض القلب؟ ثلاثة أمراض: مرض شبهة، ومرض شهوة، ومرض غفلة، هذه هي الأمراض التي تصيب القلب. 1 - مرض شبهة: يورث شكاً في الدين. 2 - ومرض شهوة: يورث تقديم الهوى على أمر رب العالمين. 3 - ومرض غفلة: يورث نسيان الله والدار الآخرة، والجنة والنار، فيتقيد القلب، يصبح محاصراً من كل جهة، مريضاً بالشهوات ومريضاً بالشبهات ومريضاً بالغفلات، فيتعطل عن أداء وظائفه كاملة، ويبقى فاسداً: (وإذا فسدت فسد الجسد كله) إذا فسد القلب فسدت العين، وفسد اللسان، وفسدت الأذن، وفسدت اليد، وفسد الفرج، وفسدت الحياة، كلها، لماذا؟ لأن القلب فاسد. إن شباب الصحوة الذين ترونهم الآن -أسأل الله أن يكثرهم ويبارك فيهم ويوفقهم- هذا شاب ملتزم ما الذي صلح فيه؟ لقد كان مغنياً أو لاعباً، أو لاهياً، أو عابثاً، أو قليل دين، أو قاطع صلاة، أو عاقاً لوالديه أو -والعياذ بالله- لا يعرف المسجد، ولا يعرف دين الله، لكن فجأة هداه الله، ما الذي صلح فيه أولاً؟ إنه قلبه، عندما صلح قلبه، قال لعينه التي تنظر إلى الحرام: والله لا تنظرين إلى الحرام، قالت: حسناً، وصار أكره شيء عنده الحرام. إذا رأى امرأة كأنه رأى عفريتاً، لقد كان يتلذذ بسماع الأغاني أما الآن إذا سمع أغنية تراه يصيح: أغلق، كأنها رصاصة دخلت في أذنه كان يكره الأذان، أما الآن فإن أحب شيء عنده إذا سمع: الله أكبر! أحب شيء عنده أن يدخل المسجد ويصلي، أحب شيء عنده يرى العلماء والمشايخ والدعاة، أحب شيء عنده أن يقرأ القرآن، ما سبب صلاح هذه الجوارح؟ إنه صلاح القلب. إذاً عليك أن تسعى لإصلاح قلبك؛ لأنك لا تنتفع إذا لقيت الله إلا بقلبك السليم، يقول الله: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] سليم من ماذا؟ قالوا: سليم من الشك، والشبهة والشهوة والغفلة. ما هي أمراض الشبهات؟ هي الشكوك التي يزرعها الشيطان في قلب الإنسان في قضايا العقيدة والإيمانيات: شك في الله، وفي رسول الله، وفي دين الله، وفي الجنة، وفي النار، وفي البعث، وفي عذاب القبر، وفي الملائكة، وفي الجن. من الذي يزرع هذه الشكوك؟ إنه الشيطان ليزعزع عقيدتك، وأنت لم تؤمن بهذه القضايا جزافاً بل آمنت بها بناءً على وعد وخبر صادق من الله: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثاً} [النساء:87] ((وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلاً)) [النساء:122] ً، من أحسن من الله قولاً، يقول الله: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً} [الأنعام:115] صدقاً في الأخبار، وعدلاً في الأحكام، أنت لم تؤمن بهذه القضايا من فراغ، ولا ورثتها، بل آمنت بها من كتاب عظيم، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، جاءك به رسول هو أصدق البشر، والله ما على وجه الأرض من هو على الحق إلا المسلم، ولا يملك أحد وثيقة صحيحة من عند الله ليس فيها زيادة حرف أو نقص حرف إلا المسلم، كتاب الله المحفوظ، المتلو، المسطر في السطور، الذي قال الله فيه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]. فنحن نصدق بهذه الأخبار؛ لأن الله أخبرنا بها، يأتي الشيطان يزعزع، لكن إذا وجد منك اليقين انصرف، فمرض الشبهة أخطر مرض على القلب؛ لأنه يورث الشك، وإذا شككت في دين الله كفرت: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63] قالوا: الفتنة هي الشك في دين الله. مرض الشهوة أن تتصارع في نفسك، وتتصادم شهوات النفس مع أوامر الرب، مثل شهوة النوم عند صلاة الفجر، الله أمر أن تقوم لصلاة الفجر في الساعة الرابعة، وأنت في الساعة الرابعة تقول لك النفس: هذه أحسن ساعة للنوم، فصار صراع داخلي بين شهوة محببة وهي النوم، وبين طاعة مفروضة وهي الصلاة، مع من أنت؟ إن كنت قمت فأنت مع الله، وقلبك سليم، وإن نمت عن صلاة الفجر فقلبك مريض؛ لأنك أطعت شهوتك، ورفضت أمر خالقك ومولاك. شهوة النظر إلى النساء، تمر وترى منظراً، وأنت إنسان، وعندك ميول ورغبات، وزين لك هذا الشيء، يقول الله: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} [آل عمران:14] أول شيء: النساء، لكن هذا المنظر يتعارض مع أمر من أوامر ربك، يقول تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30] فأنت بين وازع ودافع، وازع ديني ودافع شهواني، الوازع الديني يقول: حرام، والدافع الشهواني يقول: انظر، لا يفوتك المنظر، إن غضيت بصرك إذاً قلبك سليم، وإن فتحت عينك إذاً قلبك مريض، وقس على هذا. مرض الغفلة: وهو أن تنسى الله، ويشغلك الشيطان، بحيث لا يبقى عندك من الوقت شيء تذكر الله فيه، يقول لك: الآن عمل، وبعده غداء، وبعده نوم، وبعده شراء حاجات البيت، وبعد ذلك سهر، وأفلام، ولعب، وبلوت، وتستمر على هذا، هذا برنامج أكثر الناس من حين يصبح إلى أن يصبح اليوم الثاني لم يذكر الله، ولا يعرف مسجداً لله، ولا يعرف أنه مسئول عن دين الله، ولا يعرف أنه مطلوب منه أن يدعو إلى الله، ولا يعرف أن هناك جنة أعدها الله، ولا يعرف أن هناك ناراً توعده الله بها، إنه غافل، والغافل كما يقول العلماء: يجعل الله بينه وبين الهداية حجاباً، لا يمكن أن يهديه الله وهو غافل، يقول الله عز وجل: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَق} [الأعراف:146] يعني: سأصرف عن هدايتي {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً} [الأعراف:146] لماذا يا رب؟ {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف:146]. هذا هو السبب، السبب أن الله أعمى بصائرهم، يرون طريق الحق ولا يسلكونه، ويرون طريق الباطل ويسلكونه، لماذا؟ لأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين. لكن كيف نعالج القلوب من هذه الأمراض الثلاثة؟ قال العلماء: علاج مرض الشبهة باليقين، اليقين الجازم على أخبار الله، والتصديق الكامل بها. وعلاج مرض الشهوة بالصبر، بالصبر عن الشهوات، صحيح أن الزنا فيه لذة؛ لكن يوردك النار ويحرمك من الجنة، ذلك الرجل الذي قالت له المرأة: اتق الله! ولا تفض الخاتم إلا بحقه. فماذا أعطاه الله؟ نجاه الله من النار في الدنيا، وسينجيه الله من النار في الآخرة. شهوة النظر إلى الحرام فيها لذة، لكن يقول: لا. أريد أن أنظر بهذه العين إلى وجه الله الكريم في الآخرة. شهوة الأغاني فيها متعة، لكن أريد أن أسمع بهذه الأذن خطاب رب العالمين في الجنة والدار الآخرة. شهوة المال الحرام فيها متعة، لكن لا. أريد أن يعوضني الله خيراً منه في الدنيا والآخرة، وهكذا عليك أن تقاوم الشهوات بالصبر، فاصبر، ولهذا جاء الصبر في القرآن في أكثر من تسعين موضعاً، وهو بمنزلة الرأس من الجسد، والذي لا صبر له لا دين له، ولا ينال شخص مطلوبه في الدنيا والآخرة إلا بالصبر. الآن الطالب الذي لا يصبر على الدراسة والامتحانات، هل ينجح؟ لا. لكن لو صبر فإنه ينجح، حتى يحصل على وظيفة ويكون له راتب، لكن إذا لم يصبر على الدراسة، كان فاشلاً وضائعاً ومنحرفاً، كذلك الذي يريد أن ينال الجنة، لا بد أن يصبر عن الشهوات. أما علاج الغفلة فيكون بذكر الله، وبقراءة القرآن، وبمجالسة العلماء، وبالإكثار من التفكير ومعرفة الهدف من خلقك -أيها الإنسان- هذا هو العلاج لهذه الأمراض الثلاثة، وقد جاءت في كتاب الله في قول الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} [السجدة:24] أي: عن الشهوات {وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] أي: عن الشبهات، يقول ابن تيمية رحمة الله تعالى عليه: لا تنال الإمامة في الدين إلا بالصبر واليقين، ثم قرأ: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [ا

الحكمة من خلق الإنسان

الحكمة من خلق الإنسان إن قضية أن تعرف: لماذا خلقت؛ ولماذا جئت؛ معضلة ضل فيها كثير من الناس، ولا تغتروا بهؤلاء الكفار الذين سَبَحُوا في الفضاء، واخترعوا الذرة، ولهم منجزات وطائرات وعلوم حاسوب، لكنهم مساكين لا يعرفون من الحياة الحقيقية شيئاً، يقول الله: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الروم:7] يعني: شيئاً بسيطاً {وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] هؤلاء مساكين حُرِمُوا نعمة العلم بحقيقة الأمور، تسأل المخترع الكبير منهم فتقول له: لماذا خلقت؟ يفكر، فيقول: خلقت لأجل أن أعيش مع الناس. - حسناً! لماذا تعيش؟ فيفكر وإذا به يقول: أعيش لكي آكل وأنكح. - حسناً لماذا تأكل وتشرب وتنكح؟ - قال: لأجل أن أعيش؛ لأنني لو لم آكل لمت. - حسناً ومن أجل ماذا تعيش؟ - من أجل أن آكل. - حسناً ولماذا تأكل؟ - قال: من أجل أن أعيش. وبعد ذلك يعيش ليأكل ويأكل ليعيش، حلقة مفرغة، وبعد ذلك؟ قال: أموت. - حسناً لو أن الله خلقك من أجل أن تموت، لتركك ميتاً، يجعلك الله عز وجل تسعة أشهر في بطن أمك، وتعاني منك ثم يخرجك، وتعيش أربع عشرة أو خمس عشرة سنة، ثم تعيش في معاناة وفي تعب من أجل أن تموت؟!! لا والله، ما خلقك الله من أجل هذا، هذا عبث، بل خلقك الله لسر، وهنا -أيها الإخوة- يقول العلماء: إنه لا احتمال لخلق الإنسان إلا لغرضين: إما أنه خلق عبثاً، وإما أنه خلق لحكمة، هل هناك احتمال ثالث؟ لا. إما أن الإنسان خلق عبثاً، أي: ليس له حكمة، أو أنه خلق لحكمة. أما الاحتمال الأول أنه خلق عبثاً فقد أبطله الله وتنزه عنه، قال عز وجل: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115] أظننتم أن الله خلقكم عبثاً، وأنكم لا ترجعون إلى الله، ثم قال عز وجل: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:116] تعالى الله أن يخلقك عبثاً، كيف يخلقك عبثاً بهذا التنظيم، وبهذه الدقة، وبهذا الإحكام، وبهذا الإعجاز؟ تفكر في نفسك في كل خلية من خلاياك، في كل ذرة من ذرات جسمك، في كل جزئية من جزئياتك، تجد أن هناك حكمة، هذه اليد لم تخلق إلا لحكمة، هناك ستة مفاصل، لماذا كانت ستة مفاصل؟ لأجل أن تستعملها يدك، لو أن الله أعطاك يداً ولا يوجد فيها مفصل، بل كانت قائمة، ماذا تصنع بها، هل تستفيد منها، وهل تستطيع أن تحمل بها شيئاً؟ لا. لا شيء يمسك، لو أن الله لم يجعل يديك في مكانها وجعلها في أرجلك، ماذا تفعل عندما تريد أن تحك رأسك؟! لكن الله جعل اليدين في أعلى الجسم، تحك بها رأسك ورجلك سوى، من الذي جعل اليد هنا؟ إنه الله الذي ركب عيونك في رأسك. لو أن الله وضع عيونك في أرجلك، وتريد أن ترى الذي هناك، لا بد أن تنقعر وترفع أرجلك حتى تنظر إليه، من الذي أجرى في عينك الملح؟ الآن عندما تأخذ من عينك دمعاً وتذوقه، تجد طعمه مالحاً؛ لأن عينك هذه شحمة ولو لم يوجد ملح فيها فإنها تعفن. من الذي جعل في أذنك صمغاً مراً؟ إنه الله، فأنت عندما تنظف أذنك بالعود، خذ منه وتذوقه تجد طعمه أمرَّ من الصبر، لأجل أن الحشرات لا تدخل في أذنيك؛ لأنه إذا لم توجد هذه المادة المرة امتلأ سمعك بالحشرات، وعندما يأتي القمل وأنت نائم فإنه يشم الرائحة ويرجع؛ لأنه توجد هنا مادة صمغية تطرد هذه الحشرات. حسناً من الذي أجرى في فمك اللعاب، الذي هو أحلى من العسل؟ من الذي حلى هذا، وملح هذا، وأمرَّ هذا؟ يقولون: الطبيعة العمياء الصماء البكماء، هل تستطيع أن تخرج ملحاً وصمغاً ومراً وعذباً؟!! من الذي جعل هذه الورشة في الفم لتقطيع الطعام، وتجهيزه وخلطه، وتقليبه، حتى يجهز الطعام، فإذا تجهز نزل، واستقبله المري، ويستعين بالبلعوم؛ لأن البلعوم يوصل الهواء والمري يوصل الطعام، وبين هذين الاثنتين قطعة لحم اسمها اللهاة، واسمها في العلوم لسان المزمار، هذه اللهاة تصدر أمراً إذا نزل الطعام أن تقفل فتحة الهواء، وإذا نزل الهواء أقفلت فتحة الطعام، ولو نزلت في فتحة الهواء حبة أرز أو قطرة ماء ماذا يحدث لك؟ وتموت، لكن هل تموت من شرقة؟ لا. الذي حفظك أرسل إشعارات للرئة: إن هناك شيئاً غريباً دخل عليكم فأخرجوه، فيبدأ يسعل حتى يخرجها، لا إله إلا الله! من خلق هذا الخلق {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] هل خلقك عبثاً من أجل أن تموت، وتأكلك الدود في التراب؟ لا والله، يقول الله: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً} [المؤمنون:115] تعالى الله، ويقول في آية ثانية: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً} [ص:27] أي: لعباً وعبثاً {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص:27] ويقول عز وجل: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} [الدخان:38] أي: عبثاً {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:17 - 18]. إذاً الاحتمال الأول: أن الله خلق الإنسان، وخلق الكون عبثاً، هذا باطل؛ لأنك أيها الإنسان لا تفعل شيئاً عبثاً، فلو ذهبنا إلى شخص في مزرعته، وعنده جرافة، وصاحب الجرافة يحفر حفرة، وجاء أولاد فقالوا: يا أبي! ماذا تصنع بهذه الحفرة؟ قال الأب: أريد من صاحب الجرافة أن يحفر حفرة هكذا عبثاً، ماذا يقول له أولاده؟ يقولون: والله إن أبانا مجنون، ليس بعقله، يجعل الجرافة تحفر في المزرعة بدون غرض، هذا عبث، هل يعقل أن الله عز وجل يخلق سماوات وأرضاً وجبالاً وأشجاراً وأنهاراً ومجرات وكواكباً ونجوماً وبحاراً عبثاً؟ تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. أجل كونه خلقنا عبثاً وخلق السماوات باطلاً إذاً لماذا خلقنا الله؟ لحكمة، ما هي الحكمة؟ نعرفها نحن؟ لا. إذاً من يعرفها؟ الخالق؛ لأننا لم نخلق أنفسنا حتى نعرف الحكمة من ذلك! لو أنك خلقت نفسك فإنك تعرف لماذا خلقت نفسك، لكنك لم تخلق نفسك، الله الذي خلقك، والله الذي أتى بك، وما أخذ رأيك، إذاً من خلقك؟ الله، يا ألله لماذا خلقتنا؟ قال عز وجل في كتابه الكريم، فهو لم يدع الناس هكذا ضالين بدون هداية، وبدون عناية قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] فقط، إذاً هذه وظيفتهم، ما هي المهمة وما هو دورك؟ العبادة، الله خلقك من أجل أن تعبده، إذا عبدته فأنت صالح، وإذا لم تعبده فأنت فاسد؛ لأنك لم تؤد دورك، هذا (الميكروفون) ما دوره؟ تكبير الصوت، إذا كبر الصوت صار صالحاً، وإذا لم يكبر الصوت صار فاسداً، فنذهب به إلى المهندس. الثلاجة دورها تبريد الطعام، إذا وضعنا الطعام فيها ولم تبرده، قلنا: الثلاجة فاسدة، وإذا برَّدت قلنا: الثلاجة صالحة. هذا المكيف مهمته تبريد الجو، إذا اشتغل وبرد الجو قلنا: ما شاء الله مكيف صالح، وإذا لم يتشغل لم يبرد الجو قلنا: المكيف فاسد. السيارة مهمتها حمل الركاب، إذا لم تمش نقول: السيارة فاسدة. فأنت مهمتك العبادة، وإذا لم تعبد الله تصبح فاسداً، ماذا نعمل بك؟ نصلحك، وأين نصلحك؟ عند الذي يصلح (الميكروفون)، من هي؟ شركة (الميكروفونات)، والذي يصلح المسجلات شركة المسجلات، والتي تصلح السيارة شركتها التي صنعتها، وأنت يصلحك الذي صنعك، ما رأيكم إذا خرب (الميكروفون) وذهبنا به إلى صاحب البنشر، وقلنا له: أصلحه، فأخذه وقام بتشحيمه، وتعبيته زيتاً، هل يصلح أم يتعطل؟ يتعطل؛ لأنه ليس الذي صنعه، أنت إذا فسدت ذهبنا بك إلى غير الله، هل يصلحك؟ لا. لا يصلحك إلا الذي خلقك. حسناً أين علاجك وصلاحك؟ علاجك في كتاب الله، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله عز وجل أنزل عليك كتاباً لتعمل به، أي شركة تصنع ثلاجة أو سيارة أو مسجلة، أو أي شيء يضعون معه كتاب تشغيل، كيف تشغل هذا الجهاز، فإذا قمت بتشغيل الجهاز وفق تعليمات الكتاب بقي الجهاز سليماً، أما إذا قمت بتشغيل الجهاز على غير وفق تعليمات الكتاب صار الجهاز فاسداً. فصلاح الإنسان -أيها الإخوة- إنما يأتي إذا عمل في حياته بموجب تعليمات خالقه، عينك تستخدمها في النظر فيما أحل الله من مخلوقات الله، وتغض عن محارم الله، إذا استعملتها فيما حرم الله، وعطلتها عن النظر في كتاب الله وفيما أحل الله، فإنها تصبح عيناً فاسدة. هذه الأذن تستخدمها في سماع القرآن والحق، فإذا أسمعتها الباطل استعملتها على غير تعليمات خالقها. هذا اللسان وظيفته ذكر الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقول الحق، فإذا لم تستخدمه في هذا، واستخدمته في الأغاني واللعن والسب والشتم والنم والكذب -والعياذ بالله- استعملته على غير تعليمات الخالق، إذاً أنت أفسدت هذا الجهاز، وأفسدت نفسك، فأصلح نفسك والجأ إلى الله في إصلاح نفسك واقتد برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أمرنا الله أن نطيعه، قال الله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7]. أيها الإخوة: إن الهدف من وجودنا هو العبادة، أنت عبد، ولك شرف أن تكون عبداً؛ لأنك عبد لله، لست عبداً لدرهم أو لدينار أو لشهوة أو لنزوة أو لزوجة أو لأحد، بل أنت عبد لرب كل أحد، وهذه أعلى درجات العزة؛ لأن الله يقول: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً} [مريم:93 - 94] كل شيء عبد لله، لكن هناك عبودية قهر وإذلال، وهناك عبودية تشريف وتكريم وهي عبودية المسلم. فيا أيها الإخوة في الله! إذا أردنا السعادة بحذافيرها، فلنعرف من نح

الأسئلة

الأسئلة

السعادة وكيفية تصريف المال

السعادة وكيفية تصريف المال Q أشرتم إلى أن حياة الأغنياء ليست حياة سعيدة، مع أنه يمكن الجمع بين الحياة السعيدة والإيمان، والمال كما هو الحال مع بعض المعاصرين، وكذلك السلف الصالح، من أمثال عثمان بن عفان رضي الله عنه وعبد الله بن المبارك رحمه الله، وغير ذلك، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ A وجزاك الله خيراً على هذا الاستدراك، فقد يفهم من كلامي أنني أقول: إن المال لا يجر سعادة، لا. أنا أقول: إن المال المجرد من الإيمان والعمل الصالح لا يجر إلا العذاب، أما إذا كان الإيمان والمال معاً إيمان وكذلك عمل صالح فـ (نعم المال الصالح في يد العبد الصالح) وهذا الحديث رواه الإمام أحمد في المسند ورواه أهل السنن. وقد جاء هذا الحديث في قصة، أن الرسول صلى الله عليه وسلم استعمل عمرو بن العاص على غزوة اسمها أوطاس، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله: من أحب الناس إليك؟ فقال: أبو بكر. وسار يسأل الصحابة، كان يظن عمرو رضي الله عنه أن الرسول إنما استعمله لأنه أحب الناس إليه، لكن لا شك أنه محبوب ومن الصحابة ورضي الله عنه، لكن ليس كمنزلة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، فقال له الرسول: (إنما استعملتك يا عمرو لعل الله أن يفتح عليك من هذا الخير-يعني الدنيا- قال: يا رسول الله! ما على هذا اتبعتك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا عمرو! نعم المال الصالح في يد العبد الصالح) فإذا رزقك الله الإيمان ورزقك العمل الصالح، ثم منَّ الله عليك بالرزق الحلال، واستعنت به في وجوه الخير، ولم تنس نصيبك من الدنيا، سكنت طيباً وركبت وثيراً، ولبست جديداً، وأكلت طيباً، وتزوجت زوجة جميلة، لكن هذه النعم لم تشغلك عن دين الله، ولم تعطلك عن الدعوة إلى الله، فأنت في سعادة الدنيا والآخرة، لكننا نعني بالدنيا المرفوضة والمال المرفوض، هو الذي جرد من الدين، فجمع من الحرام وصرف في الحرام، وشغل عن الدين وعن الطاعة، هذا مال -والعياذ بالله- زاد إلى النار، وصاحبه ممقوت في الدنيا والآخرة.

الشهوات والملذات المحرمة لا تحقق السعادة

الشهوات والملذات المحرمة لا تحقق السعادة Q ما رأيكم فيمن يقولون: إن الغرب يعيشون حياة سعيدة، حيث يتقلبون في الشهوات كيفما أرادوا دون موانع؟ A هذا القول مردود بشهادة عقلاء الغرب، وبالواقع الملحوظ من حياة الغربيين، فإن عقلاءهم يصيحون ويقولون: نحن في عذاب وجحيم، وواقع الغربيين والشرقيين مريض، وهناك ظواهر تدل على هذا الشقاء، منها ظاهرة الانتحار، هل هناك شخص في الدنيا يقدم على الموت، وينتحر وهو مستريح ومبسوط؟ لا. ما يقدم على الموت أحد إلا شخص بلغ به الشقاء والعذاب أبلغ شيء، حتى تفجرت نفسه من الداخل، فما وجد مخرجاً من الحياة إلا أن يموت بأي وسيلة. ويوجد في الغرب الأمراض النفسية التي لا يخلو منها بيت، كذلك تناول المسكرات والمخدرات مثل تناول البيبسي والشاي عندنا، فهو يتناولها حتى يغيب ولو لحظة عن واقعه المرير، كذلك الجنون المسرحي الذي ترونه في ألعاب السرك والمسرحيات والألعاب والسهر الطويل، كذلك الجنون الكروي، والتحلل الاجتماعي، والتفكك الأسري، وعدم وجود النوم، إنهم لا ينامون إلا بالحبوب المخدرة، هذا كله دليل على أنهم في عذاب، إذ لم تحقق لهم الشهوات راحة، أكثروا من الشهوات ووقعوا في الملذات، حتى ملوها ولم يحقق لهم هذا سعادة، ليست السعادة إلا في دين الله وفي طاعة الله، وهذا الذي يقول: إن الغربيين في سعادة؛ لأنهم في توسعة، هذا مسكين لم يعرف ما هي السعادة.

الرضا بقضاء الله وقدره من أسباب السعادة

الرضا بقضاء الله وقدره من أسباب السعادة Q شيخنا الفاضل هل توافقني الرأي على أن الرضا بقضاء الله وقدره وسلامة الصدر من الغل والحقد والتناصح فيما بيننا، كل هذه من أسباب الحياة السعيدة؟ A لا شك؛ وأنا أتيت بكلمة عامة، وقلت: إن السعادة بحذافيرها في الإيمان بالله وفي العمل الصالح، ومن ضمن الإيمان بالله ركن من أركان الإيمان هو القضاء والقدر، فأنا لم أدخل في التفصيلات ولهذا كان عنوان المحاضرة: من أسباب السعادة، وما قلت: كل أسباب السعادة، على أساس أن آتي بالكليات وتدخل أنت في التفاصيل، فلا شك أن الإيمان بالله وبالرسول صلى الله عليه وسلم، والإيمان بالقدر والبعث والموت، كل هذه تحقق السعادة، العمل الصالح بأنواعه: الصلاة، قراءة القرآن، ذكر الله من أعظم أنواع السعادة، الصدقة إذا أعطيت مسكيناً أو فقيراً مالاً ودعا لك فإنك تشعر بسعادة، إذا أعطيت له ريالاً وقال: الله يفرج همك، الله يبارك في أولادك، الله يختم لك بالجنة، تشعر أنه أعطاك أكثر مما أعطيته، أعطيته ريالاً لكنه أعطاك دعاء، والدعاء عند الله أبقى، فهذا تفصيل ولكني تحدثت إجمالاً.

حقيقة الحبوب التي يلجأ إليها الأغنياء

حقيقة الحبوب التي يلجأ إليها الأغنياء Q ذكرتم أحسن الله إليكم قصة الرجل الفقير وهو يفطر، وكذلك قصة ذلك الرجل الغني وهو يتغدى ويتعشى على حبوب، فما هي هذه الحبوب؟ A الأدوية؛ حبتان قبل الأكل أو قبل الفطور، وحبتان سكر، أدوية؛ لأنه مسكين مريض لا يأكل إلا حبوباً، بينما ذاك لا يوجد فيه مرض، معافى ونشيط يأكل من النعم.

برنامج يومي للحياة السعيدة

برنامج يومي للحياة السعيدة Q ما هو البرنامج الصحيح اليومي للحياة السعيدة؟ A أن تبدأ حياتك -أيها المسلم- بطاعة الله بصلاة الفجر، فإن اليوم إذا بدأ بالطاعة كان يوماً مباركاً، أن تفتتح حياتك بأن تستيقظ من نومك ثم تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم تذكر الله بالأذكار التي وردت، ثم تقوم وتتوضأ وتخرج من بيتك قاصداً بيت ربك، ثم تصلي صلاة الفجر؛ فإن أمكنك أن تجلس إلى الإشراق فهذا أفضل، وإن لم تستطع فلا حرج أن تعود إذا كنت بحاجة إلى الراحة، ثم تذهب بعد ذلك إلى طلب رزقك، إن كنت طالباً فإلى مدرستك، وإن كنت مدرساً فلعملك، وهكذا إلى أن ينتهي وقت الدوام. ويجب -أيها الإخوة- أن ننبه على أن العمل أمانة وأن الوظيفة هذه أمانة وأنه يلزمك أن تقوم بهذه الأمانة وإلا فأنت خائن لها، وفي القيام بالأمانة -أيها الإخوة- مشقة، ولكن من استلم الأجر حاسبه الله على الأمانة، لا بد أن تحضر في الدوام الساعة السابعة والنصف، ولا تأتِ الساعة التاسعة فتكتب سبعة ونصف فتصبح كذاباً، احضر السابعة والنصف واكتب السابعة والنصف، وهكذا اكتب الساعة التي حضرت فيها؛ بحيث لو تأخرت يخصم من مرتبك مقابل ذلك، ولا تحمل على ظهرك عقاباً وعذاباً في النار، وتواجد في العمل مرة في الدوام، ولا تقم من مكتبك إلا في الساعة الثانية والنصف، وحاول أن تؤدي عملك الوظيفي على أحسن أداء، تخدم به المواطنين وتحقق فيه مصالح الأمة، ثم تعود إلى بيتك، وتتناول طعام الغداء، وتستعد لصلاة العصر، واحذر-أيها الأخ- من الاسترخاء والنوم حتى يؤذن العصر، ثم يستمر في استرخائه إلى المغرب، لا. استمر قاعداً إلى أن يقول: الله أكبر ثم اذهب لصلاة العصر؛ لأن (من فاتته صلاة العصر حبط عمله) هذا حديث في صحيح مسلم وقال: (من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله ونفسه) (من صلى البردين دخل الجنة) وما هما البردان؟ الفجر والعصر {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة:238] خصها الله لماذا؟ لأنها عظيمة، تستلم الناس الملائكة من المساجد (يتناوبون فيكم ملائكة بالليل والنهار) في الفجر والعصر، فتأخذك من المسجد في العصر وتسلمك للمسجد في الفجر، يسألها الله وهو أعلم: (كيف وجدتم عبادي؟ قالوا: جئناهم وهم يصلون وتركناهم وهم يصلون) لكن أنت نائم في صلاة الفجر ونائم في صلاة العصر، ولهذا ترون أقل نسبة في حضور المصلين في العصر والفجر؛ لأنهما الصلاتان المحببتان إلى الله عز وجل، صلِّ العصر وبعد صلاة العصر أنت بالخيار بين أن تنام إن كنت بحاجة إلى نوم، أو أن تستريح، أو أن تذهب إلى السوق، أو أن تذهب إلى قضاء غرض، أو تذهب بأهلك إلى المستشفى، أو تزور صديقاً، المهم أنت حر في هذا الوقت إلى قبل المغرب، ثم تأتي بالأذكار أذكار المساء، هذه وقتها قبل غروب الشمس {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق:39] وهذه من أهم الأشياء بالنسبة للمسلم، فإن أذكار الصباح والمساء حفظ للمسلم، وتعلق بالله، لكن غفلتك عن الذكر دليل انقطاعك عن الله، خذ كتاباً لأذكار الصباح والمساء ثم احفظها، وخذ كتاب حصن المسلم للشيخ سعيد بن علي القحطاني، هذا الكتيب الصغير الذي بريال، اجعله في جيبك وإذا جاءت أذكار المساء اقرأها؛ لأنه جمعها جزاه الله خيراً من أصح المصادر، وبوبها تبويباً عظيماً جداً، واحفظ هذه الأذكار. ثم اذهب إلى المسجد وصلِّ صلاة المغرب، وبعد صلاة المغرب يبقى معك وقت أيضاً لشراء أو لزيارة أو لغرض، ثم صلِّ العشاء، وبعد صلاة العشاء اتجه إلى بيتك، ولا تذهب إلى مكان غيره، المكان الطبيعي لك إن كنت مسلماً مؤمناً بعد العشاء بيتك، لا تخرج ولا تسهر ولا تسمر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره الحديث بعد صلاة العشاء، وكان يكره النوم قبلها، ولو كان السهر في خير، إذا كان يصد عن صلاة الفجر؛ لأن بعد العشاء يكون لنفسك ولأهلك، تجمع أولادك وزوجتك وتتعشى معهم، ثم تأتي بكتاب رياض الصالحين وتقرأ حديثاً، أو آية من تفسير ابن كثير وتقرأ شرحها، تتحدث معهم ثم تنام مبكراً، وتنام طاهراً وتنام ذاكراً لله، وتنام ناوياً القيام لصلاة الفجر، وإذا أعانك الله وقمت قبل الفجر صليت ركعتين في آخر الليل، فإنها خير لك من الدنيا وما فيها، هذا البرنامج المثالي -نسأل الله أن يقيمنا وإياكم عليه-.

الزوجة الصالحة من أسباب السعادة

الزوجة الصالحة من أسباب السعادة Q هل طاعة المرأة لزوجها وتربيتها لأبنائها من أسباب السعادة؟ A لا شك أنه من السعادة أن يرزق الإنسان زوجة صالحة كما جاء في الحديث: (الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة التي إن نظرت إليها سرتك، وإن أمرتها أطاعتك، وإن غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك) فإذا وفقك الله بزوجة صالحة مؤمنة، قامت بتربية أولادك، وتعاونت أنت وإياها على تربية الأولاد، ورزقك الله منها ذرية صالحة، فهذا من سعادة الدنيا والآخرة {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان:74] وقرة العين هو الولد الصالح. يستدرك -أخي الكريم- عليَّ في برنامج المسلم الذي ذكرت أنه مثالي، أن يكون فيه جزء لهم الدعوة وهو طلب العلم وهم الدين، وهذا مهم جداً، ويأتي هذا الجزء بعد صلاة العصر، أو بعد صلاة المغرب أو بعد صلاة العشاء إن كان فيه خير ولا يصد عن صلاة الفجر، في قراءة كتاب، أو زيارة أخ، أو دعوة، أو حضور مجلس علم، أو جلوس عند شيخ، هذا مطلوب جداً؛ لأن هذا من واجباتك كمسلم.

العمل لإصلاح واقع الأمة من أسباب السعادة

العمل لإصلاح واقع الأمة من أسباب السعادة Q فضيلة الشيخ الشاب المؤمن في هذا الزمان عندما يرى حال المسلمين المتردي والمحزن في كل مكان، فإنه يتسلط الحزن والهم على نفسه، فكيف تكون السعادة لهذا الشاب المؤمن، الذي شغله هم أمته وواقعها المؤلم، وجزاك الله خيراً؟ A أثابك الله خيراً -يا أخي- واقع الأمة كما قال الأخ: مريض، وإلى الله نشكو هذا الحال، والشاب المؤمن إذا أراد أن يشعر بالسعادة مع هذا الواقع المرير، فعليه أن يقوم بحمل نصيبه من إصلاح هذا الواقع عن طريق الدعوة إلى الله، وتعليم الناس الخير، والمحاولة بقدر ما يستطيع في عمل صالح، يرفع عن الأمة همها ومعاناتها، ولو أن كل مسلم قام بهذا الدور، لكان وضعنا أفضل مما نحن عليه، لكن المصيبة في السلبية وفي اليأس والقنوط، وفي احتقار الأعمال التي يظن أنها بسيطة، عندما يقول: والله الدنيا فاسدة، إذاً أنا سوف أقعد، لا. انهض ولو أن يهدي الله بك في حياتك كلها رجلاً واحداً، ولو أنك إذا أصلحت من هذه الأمة واحداً فقد ساهمت في إنقاذ الأمة من هذا الواقع المرير، وبدلاً من أن يكون هذا الذي أصلحته في الخط المنحرف، أصبح في الخط الصحيح المستقيم ومع الفئة المؤمنة، ففي هذه الأعمال سعادة لك، ودور بارز لك، وكما جاء في الحديث: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) وتبعث يوم القيامة مع الأنبياء، فإن النبي كما جاء في الحديث: (يأتي يوم القيامة وليس معه أحد) وأنت تأتي ومعك واحد أو اثنان أو عشرة أو مائة إن شاء الله.

حكم اقتناء الصحن المستقبل

حكم اقتناء الصحن المستقبل Q هذا سائل يسأل عن (الدش) ويقول: إني أريد أن أدخله في بيتي ولكن لمشاهدة الكرة والأخبار فقط، فما رأيكم؟ A هذا هدف سيئ أن تدخل الشر إلى بيتك لهذا الغرض، أولاً: اهتمامك في غير محله، أن تهتم فقط بالأخبار والكرة، وهذه لا تعنيك، ثانياً: لا يمكنك التحكم إذا أدخلته في أخذ هذه المواد فقط، بل ستأخذه وتأخذ كل ما فيه، وإذا أمكنك أنت أن تتحكم لم يمكنك أن تحكم غيرك، وأنت إذا وجدت قدراً مملوءاً بالعسل وعليه ملعقة من النجاسة، هل تأكل العسل هذا! فكيف إذا وجدته مملوءاً نجاسة وعليه ملعقة عسل، فهذا مثل، فنقول لك: يا أخي! لا تدخله، وإنما أدخل في بيتك النور والهداية والإيمان والدعوة، وأنقذ أهلك وأنقذ نفسك فإن الدنيا فانية، وسوف تجد نفسك يوماً من الأيام وأنت في حفرة مظلمة، ليس معك هناك إلا العمل، وتسأل هناك ولا تجاب، وتصيح فلا تغاث، وإنما {يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:52].

العبادة الصحيحة سبب لتحصيل السعادة

العبادة الصحيحة سبب لتحصيل السعادة Q دعوت أحدهم للالتزام وداوم على الصلاة والأعمال الصالحة ولله الحمد، ولكنه بعد أيام يقول لي: لم أجد السعادة المذكورة في الطاعة، فما الرد على ذلك؟ A الرد عليه أنه لم يمارس السعادة الحقيقية، مارسها صورة، والصورة لا تغني عن الحقيقة شيئاً، مثال ذلك: إذا كان عندك صورة لسيارة -مجرد صورة فقط- فهل تستطيع أن تركب فيها؟ كذلك الصلاة إن كنت أديت الصلاة مجرد صورة: قيام وقعود وركوع وسجود، لم تنفع ولم تدخل السعادة عليك، وإن كنت أديت الصلاة بخشوع، وخضوع وحضور قلب، وبتلذذ وبمناجاة، حينها ستجد السعادة، فالعبادة لها صورة ولها حقيقة، حقيقتها الخشوع وحضور القلب، صورتها القيام والقعود، إذا كان معك خمسمائة ريال وذهبت وصورتها بآلة التصوير، فأخرجت لك خمسمائة مثلها، صورة طبق الأصل، الرقم والفئة والتوقيع، خذ هذه الصورة واذهب بها إلى عند بائع البصل واشتر بها حزمة بصل، تقول للبائع: تفضل هذه خمسمائة، ماذا يصنع عندما يراها؟ فإنه لا يقلبها منك وقد يرميها في وجهك، لكن أخرج خمسمائة حقيقية، واشتر بها بصلاً أو غيره، فإنه سيقوم بإرجاع الباقي منها، فأنت -يا أخي- يا من اهتديت والتزمت، أنت الآن تصلي مدة شهرين أو ثلاثة ولم تجد طعم العبادة ولا لذتها ولم تجد السعادة، نقول لك: إلى الآن لم تؤدِ العبادة على حقيقتها إذا أديتها على حقيقتها فإنك سوف تشعر بالسعادة.

إن من علامة سعادة المرء استغلال الوقت

إن من علامة سعادة المرء استغلال الوقت Q عام مضى وعام جديد فهل من كلمة حول هذه المناسبة؟ A نعم أيها الإخوة! وكنت أود أن يكون موضوع المحاضرة عن هذه المناسبة، لكن هذا الموضوع طرقته هنا في مدينة الرياض وأظن في هذا المسجد بعنوان: ميزانية نهاية العام، ولقد استمعت إلى هذا الشريط قبل فترة، ووجدت أنه لا يمكن أن آتي بمثله، ففيه من المعاني والعبارات ما لا يمكن أن آتي لأن الإنسان لا يمكن أن يبقى على حال واحد حتى في أدائه الدعوي، فإنه في نقص، وأقول: سبحان الله! كيف أتيت بهذا بالكلام ومن أين جئت به؟ لا أعلم، ولذا أقول للإخوة: اشتروا هذا الشريط، وليس دعاية لي؛ لأنه ليس لي من ورائه مال، والله لا آخذ على شريط شيئاً، لكن طمعاً إن شاء الله في الثواب، إذا أردت أن تشتري الشريط فاسمه (ميزانية نهاية العام) يعني: تقوم بمحاسبة وموازنة لنفسك، واعرف مكانك الإيماني، وأين أنت من الله؟ نحن قطعنا عاماً من أعمارنا، وودعناه بما استودعناه من عمل إما خيراً وإما شراً، وأعطانا الله فرصة جديدة ومد الله في أعمارنا، فهل نستغل هذه الفرصة ونصحح الوضع ونتوب إلى الله، ونمضي في الخط الصحيح، أم نستمر في الخطأ؟ لا. إنّ تكرر الأعوام فيه إشارة وإنذار لنا من أننا في نقص، فأنت مجموعة أعوام، وأنت مجموعة أيام، كل عام يخرج جزء منك، إلى أن تنتهي أعوامك ثم تنتقل، مثل التقويم الذي ترونه معلقاً كم فيه من الورق؟ ثلاثمائة وخمس وستين ورقة، لكن كل يوم والمؤذن يقطع واحدة، إلى آخر يوم من أيام السنة، إذاً أنت مجموعة أيام كل يوم يمضي فهو منزع منك، يوماً يوماً، إلى أن تنتهي أيامك، وماذا يبقى؟ الجسد، فيذهبوا به إلى المقبرة، وبعد ذلك تجمع هذه الأيام التي قضيتها في الدنيا، فانظر ماذا عملت فيها فإن الملائكة تضعها في سجل، وإذا مت ودخلت القبر قالوا: خذ كتابك {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية:29] قال الله: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً} [الكهف:49] إن كنت صليت فستلقى صلاتك، وإن كنت قرأت القرآن فستجد قراءتك، وإن كنت دعوت إلى الله وجدت دعوتك إلى الله، وإن فعلت الخير تلقى الخير، تلقى أي شيء تعمله، وإن قلت شراً تلقى الشر: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً} [الكهف:49] {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية:29] ماذا كنت تعمل؟ اعمل خيراً تلقى خيراً، اعمل شراً تلقى شراً {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [القصص:84]. إذاً ما دمت تعرف أنه لا ينفعك في الآخرة إلا عملك الصالح فإذاً لماذا تفرط، وتضيع عمرك في عمل غير صالح؟ إنا -أيها الإخوة- هذا العام فرصتنا أن نتوب إلى الله، فنصلح الماضي كله بالاستغفار والتوبة والندم، ونصلح المستقبل بالنية الصالحة والعمل الصالح، ونصلح الحاضر بمحاولة الاجتهاد في الطاعة والعمل الصالح.

أحوال الناس في رمضان

أحوال الناس في رمضان تتفاوت أحوال الناس في رمضان كما تتفاوت في سائر مواسم الطاعات، فمن الناس من يستغل رمضان للإكثار من الخيرات، وكبح جماح النفس عن المعاصي والمنكرات، ومنهم من يدخل عليه رمضان ويخرج عنه وهو مازال في حيرته وتخبطه ومقارفته للمنكرات، وبذلك يتجلى في حقه معنى الحديث: (رغم أنفه من أدركه رمضان ولم يغفر له)

قصة تائب إلى الله

قصة تائب إلى الله الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. ما أحسن الرجوع إلى الله! كلمة عظيمة رددها أخونا فهد بن سعيد ثلاث مرات، وهي كلمة ذات معنى؛ لأنها تخرج بعد معاناة؛ معاناة رجل عاش فترة من الزمن في ظل البعد عن الله، ثم رجع إلى الله فذاق لذة الرجوع إلى الله، وليس من ذاق كمن لم يذق، هذا الرجل يقول: الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني، هو يشعر الآن بنعمة الحياة في ظلال الإيمان، والله يقول: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:122] هل يستوي هذا وهذا؟ لا يستوون أبداً، ويقول عز وجل: {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:21 - 22]. فالذين قبروا في قبور الشهوات لا يسمعون أبداً، والذين يريد الله حياتهم يقول الله: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأسْمَعَهُمْ} [الأنفال:23]، وقال: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} [الأنفال:21]، ثم قال فيهم: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ} [الأنفال:22].

الهداية بعد الضلال حياة

الهداية بعد الضلال حياة يقول هذا الرجل: الحمد لله الذي أحياه بعد ما أماته، أحياه الله بالهداية وبالتوبة والإيمان والالتزام بعد ما كان ميتاً، بماذا؟ ميتاً بالطرب وبالعود والغناء والبعد عن الله عز وجل. وهذه يعتبرها الناس هي الحياة، والله إنها ليست حياة إنها ذلة وخسارة وندامة في الدنيا والآخرة، إنما الحياة الحقيقية هي حياة القلب، ليست الحياة -أيها الإخوة- كما هي في مفهومنا تردد الأنفاس وجريان الدم، فهذه حتى الصراصير تعيش هذه الحياة، وحتى الذباب والحشرات تعيش هذه الحياة، إن الحياة حياة القلب وحياة الدين، فمن أحياه الله فقد حيا الحياة الحقيقية، ومن هو ميت فليطلب الحياة، يقول الشاعر: الناس صنفان موتى في حياتهم وآخرون ببطن الأرض أحياء فالذين ماتوا وهم على قلوبٍ حية هم أحياء إلى يوم القيامة، وأما الذين ماتوا وقلوبهم ميتة فهم أموات، وأولئك لا يزالون أحياء وأرواحهم في وحشة من جسومهم وأجسادهم قبل القبور قبور ولازلت أذكر حين قرأت في جريدة الرياض في تحقيق صحفي أُجري مع الأخ: فهد بن سعيد قبل سنوات، قرأت في الجريدة التحقيق فقال بعد توبته: الحمد لله الذي أحياني حتى هداني، ولو أني مت في حياتي الأولى لكانت موتتي موتة حمار! نعم، لقد صدق، بل ألعن من الحمار، الحمار موتته لا يوجد بعدها شيء، إنما يسحبونه برجله وتأكله الأرض وانتهى، لكن الفاجر الذي يموت وهو على غير دين يتمنى يوم القيامة أنه كان حماراً، يقول الله سبحانه وتعالى: {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً} [النبأ:40] فماذا يقدم الذي ليس عنده دين؟ هل يقدم سلسلة أغاني؟ أم يقدم كراتين دخان؟ أم يقدم مكتبة أشرطة غنائية، ومجلات، وجرائد نسائية؟ يقدم له زور وفجور وزنا وخمور وضلال؟! فليس لديه شيء يلقاه إلا ما قدم من العمل {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً} [النبأ:40]. الذي يموت على الضلال يتمنى أن يصير تراباً يوم أن تتحول الحمير والحيوانات إلى تراب، فيقول: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً} [النبأ:40] أي: حماراً أو أي حيوان يحول إلى تراب، لكم الفاجر والكافر والضال عن الله يحول إلى النار وبئس القرار.

أهمية الثبات على دين الله

أهمية الثبات على دين الله إن الثبات -يا إخوان- يحتاج إلى مبادرة من الإنسان نفسه، لا تطلب الثبات من الآخرين وأنت مقصر؛ لأن الثبات خاص بك، وهو داخل في دائرة اختصاصك، واثبت إلى آخر لحظة، حتى لا تموت موتة حمار، انتبه أيها الإنسان! اثبت ثباتاً؛ لأن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه -وهو صحابي جليل- بات ليلة عند باب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم له ماء في إناء صغير يقول: (ففتح النبي صلى الله عليه وسلم الباب فوجدني أستمع إلى ذكره وهو يتقلب في فراشه وهو يقول: لا إله إلا الله، قال: يا ربيعة، ماذا جاء بك؟ قلت: أتسمع إلى الأذكار التي تقولها، قال: سلني يا ربيعة) يقول: اطلب مني شيئاً، وكانت همم الصحابة في السماء يعيشون بعد هذه الدنيا، ولو أن رجلاً منا كان مكان ربيعة لقال للنبي: أعطني أرضية، أو سيارة، أو وظيفة، أو شيئاً من الدنيا (قال: يا رسول الله! دعني أفكر في الطلب، ففكر، ثم جاء فقال له: سلني يا ربيعة قال: أسألك مرافقتك في الجنة) الله أكبر! هذه الرحلة البعيدة، نحن في هذه الدنيا لا نفكر في هذه الأمور، ولكن هذا الصحابي نظرته بعيدة، فقال صلى الله عليه وسلم: (أو غير ذلك يا ربيعة؟ قال: ما هو إلا ذاك، قال: فما حملك على هذا؟ قال: نظرت إلى الدنيا وسرعة زوالها وانقضائها، ونظرت إلى الآخرة وعظمتها وبقائها، فآثرت ما يبقى على ما يفنى، قال: يا ربيعة، أعني على نفسك بكثرة السجود) دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لوحدها لا تكفي، لا بد من شيء من العبد نفسه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (أعني على نفسك بكثرة السجود) قال العلماء: أي الصلاة. فلماذا نص النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة فقط ولم يقل: أعني على نفسك بكثرة العبادة؟ قال العلماء: لأنها غالب عمل المؤمن، وإلا فإن مع الصلاة زكاة، ومع الزكاة صيام، ومع الصيام حج، ومع الحج بر، وكل الإسلام، لكن عبر النبي صلى الله عليه وسلم بالسجود وهو جزء من الصلاة؛ لأن غالب عمل المؤمن صلاة، فإنه يصلي في كل يوم خمس صلوات، ولا يصوم في السنة إلا مرة، ولا يزكي في العام إلا مرة، ولا يحج إلا في العمر مرة؛ لأن الصلاة هي لب أعمال الإسلام، وهي ركن الدين الأعظم، وهي عمود الإسلام، وهي قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم، فنحن ندعو لأخينا ونقول: اللهم ثبتنا وإياه وجميع إخواننا المسلمين، وأيضاً ندعوه هو ونقول له: اثبت، ولكن كيف تثبت؟

وسائل الثبات على دين الله

وسائل الثبات على دين الله أولاً: اتق قرناء السوء؛ الذين عندما تراهم كأنما ترى شيطاناً رجيماً، يريد أن يردك إلى ما كنت عليه سابقاً، فقل: أعوذ بالله منك، واتركه. ثانياً: ابحث لك عن قرناء صالحين، وعن أناس طيبين من المؤمنين واجلس معهم. ثالثاً: اجعل لك ورداً من كتاب الله تعالى، ولو تأخرت الشمس عن شروقها لا يمكن أن تتأخر عن هذا الورد، كل يوم اقرأ جزءاً من القرآن قراءة تفهم وتدبر. رابعاً: اجعل لك ورداً يومياً من حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فلا بد أن تقرأ ولو حديثاً واحداً يومياً. خامساً: حافظ على الطاعات. سادساً: ابتعد عن المعاصي والمنكرات. فالله يثبتك، وهذه ستة مثبتات.

أدلة مشروعية الصيام

أدلة مشروعية الصيام أما موضوع الدرس فهو (الخسران المبين)، ولكن لما كنا في شهر رمضان فإنني آثرت أن يكون الحديث عن أحوال الناس في شهر رمضان؛ لأنه مناسب أن أحدث الناس في شيءٍ هم فيه. هذه عملية تشخيص وتصوير لأوضاع الناس، بحيث يعرف كل واحد منا أين موقعه ومركزه؟ فإن كان محسناً فليحمد الله ويثبت، وإن كان مسيئاً فليتدارك رمضان فإنه بقي علينا من رمضان الثلث، فقد ذهب رمضان وبعض الناس لا يزال يهنئ برمضان، فقد ذهبت الأيام الأولى بسرعة، وسينتهي بقية الشهر، فمن فاته شيء من عدم الاهتمام والتدارك، فعليه أن يتدارك نفسه في نهاية الشهر أو مع ما بقي من الشهر، ومن كان قد أحسن فليسأل الله القبول، ويسأل الله الاستمرار والثبات إلى نهاية الشهر. شهر رمضان -أيها الإخوة- عبادة من أزكى العبادات، وقربة من أعظم القربات، وهو ركن من أركان الإسلام، ومبنىً من مبانيه العظام، دل على مشروعيته الكتاب والسنة والإجماع. قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:183 - 184]، هذه آيات فرضية الصيام، ابتدأها الله عز وجل بالنداء الحبيب الذي يحبه كل مؤمن وهو: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة:183]، وهذا النداء مشعر بعدة معانٍ، يقول ابن مسعود: [إذا سمعت الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا) فأرعها سمعك؛ فإنه إما خير تؤمر به أو شر تنهى عنه]. والنداءات في القرآن الكريم جاءت على أربعة أصناف: النداء الأول: نداء عام لجميع الناس، مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج:1] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً} [لقمان:33] فهذه آيات قوة ووعيد؛ لأن الناس فيهم البر والفاجر، والمؤمن والكافر، فجاء خطاب عام. النداء الثاني: جاء لفئة معينة من البشر وهم أهل الإيمان -جعلنا الله وإياكم منهم- فأعظم نعمة أنك مؤمن، وإذا كُنت مؤمناً فالله عز وجل وليك؛ لأن الله يقول: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة:257]، وهل يضيرك شيء والله وليك؟ وهل تجوع والله وليك؟ وهل تعرى والله وليك؟ هل تترك أولادك جائعين وأنت وليهم؟ هل تدعهم عطاشاً وأنت وليهم؟ أبداً، فكيف إذا كان الله ولي الذين آمنوا؟! وبعد ذلك الله مع المؤمنين ويرعاهم وأعد الجنة لهم. فإن رزقك الله الإيمان فهي أفضل نعمة يمنها الله عليك، ولهذا قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس:58] فلتفرح بنعمة الإيمان، وبعد ذلك يقول: {ولَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [الحجرات:7 - 8] فنعمة الإيمان هي أعظم نعمة يمنها الله عليك أيها الإنسان، فلذا يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [الحجرات:6] فهو خطاب خاص بأهل الإيمان. النداء الثالث: نداء خاص بالكفار، وقد جاء مرة واحدة، وهو على سبيل الخبر عما سيكون يوم القيامة، قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ} [التحريم:7] لأن المعاذير يوم القيامة تظهر بشيء عجيب! إذا وقف الناس في عرصات القيامة ورأوا النار تزفر وتمد أعناقها، لها عينان تنظران، ولها لسان تتكلم به وتأخذ شخصاً بعد شخص {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً * لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً} [الفرقان:12 - 14] فهنالك تتفتق قرائحهم، وتظهر أشعارهم وبياناتهم في أعذار طويلة؛ لكن الله يقول: {لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ} [التحريم:7]. يأتي المرابي فيقول: البيع مثل الربا، البيع والربا سواء بسواء، يقول الله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:275]. يأتي الثاني ويقول: يا رب! الزنا مثل الزواج عملية جنسية، لكن ليس عندي حق الزواج، فيقول الله عز وجل: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور:2] {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} [الإسراء:32] فكل إنسان يبحث عن عذر، فقال الله: {لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ} [التحريم:7] وقال: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:52] فالأعذار تأتي كثيرة لكن ينساها الشخص، ومتى تأتي؟ عند الحاجة. مثلاً: أنت تمشي بسرعة ولا تعلم أن هناك من يرصد سيرك وسرعتك، وإذا بشخص يوقفك ويقول: لماذا تسرع سرعة جنونية؟ ماذا تقول له؟ سوف تكذب سبعين كذبة، فتقول له: عندي رحلة في المطار، وأنت ليس عندك رحلة، وعندي مريض ينتظرني، لكنه سوف يكذبك ويقول: ليس عندك عذر لابد أن تخرج الجزاء هنا، وتكذب من أجل (ثلاثمائة ريال) لا تريد أن تدفعها، فأهل النار يعتذرون ليس من أجل المال، ولا من أجل السجن، لكن من أجل نار تأكل العظام وتفتتها، نار تشوي الوجوه، ليست نار يوم ولا نار سنة ولا نار مائة سنة {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} [النبأ:23] {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود:107] عذاب مقيم؛ فراشك ودفاك وطعامك وشرابك وظلالك كله نار، وكل شيء نار -والعياذ بالله-، فتأتي أعذار ليس بعدها أعذار، ويكلم الله أهل النار وهم فيها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [التحريم:7]. فالله عز وجل لا يظلم، فعنده قواعد العدل كاملة، لا يأخذ أحداً بجريرة آخر، يقرر كل شخص على معصيته، هذا كتابك اقرأ كتابك أنت بنفسك، وبعد ذلك شهودك ليس من الجماعة ولا من الأقارب بل من نفسك، فعينك تشهد عليك، ولسانك يشهد عليك، وأذنك تشهد عليك، فإذا رأيت نفسك تشهد على نفسك فتقول لنفسك أيها الإنسان: {لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت:21]. النداء الرابع: نداء موجه لفئات خاصة، وهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، قال الله عز وجل: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ} [المائدة:68]، {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء:171] إلى آخر ما فيه. فنداء الإيمان الذي يأتيك من رب السماوات والأرض من عالم الخفيات ومن ملك الملوك وجبار السماوات والأرض، شرف كبير أن الله يناديك وأنت لا تستجيب لربك! يناديك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [الحجرات:6] يقول الصحابي: أرعها سمعك، انتبه كأنك تقول: لبيك يا رب وسعديك، ماذا تريد مني؟ أنا عبدك، أنا خاضع بين يديك، أنت مولاي وأنا عبدك، ماذا تريد يا رب؟ قال العلماء: (يا أيها الذين آمنوا) تشعر بثلاثة معان: الأول: عظمة المنادين ومحبة الله لهم أنه اختصهم بلفظ الإيمان. الثاني: عظمة الأمر المأمور به بعد هذا اللفظ، فإنه لم يقل لهم: (يا أيها الذين آمنوا) إلا لشيء مهم يطبقونه؛ لأنهم مؤمنون. الثالث: أن مقتضى إيمانهم يدفعهم، كأن هناك إلهاماً لمشاعرهم، وتحريكاً لأحاسيسهم؛ وأنا أقول لكم: (يا أيها الذين آمنوا) فمقتضى إيمان المؤمن أنه ينفذ أمر الله تبارك وتعالى، يقول الله وهو يستثير فيهم كوامن الإيمان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:183] ومعنى (كتب) أي: فرض وأوجب وألزمتم به، والكتابة في الشرع تعني أعلى درجات الإلزام، أي: فرض، وجب، ألزم، هذه أوامر، لكن (كتب) هذا شيء لا بد منه.

مشروعية الصوم على من قبلنا من الأمم

مشروعية الصوم على من قبلنا من الأمم ثم جاء الأمر من الله عز وجل بنوع من التدليل والتلطيف للمؤمنين أن هذه القضية ليست خاصة بكم؛ حتى لا تقولوا: لماذا يا رب كتبت علينا الصيام؟! فقال الله عز وجل: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 83] فما كتبنا الصيام على أمة محمد فقط، وأنتم يا أمة محمد أحسن الأمم، وأنتم أفضل الأمم؛ لأن نبيكم أفضل الأنبياء، وكتابكم أعظم الكتب، وأنتم آخر الأمم، ودينكم آخر الأديان، يقول عليه الصلاة والسلام: (نحن الآخرون الأولون يوم القيامة) أول نبي يدخل الجنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأول أمة تدخل الجنة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأول شافع ومشفع يوم القيامة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصاحب اللواء يوم العرض هو الرسول صلى الله عليه وسلم، وصاحب الحوض المورود هو الرسول صلى الله عليه وسلم، فكرامته عند الله وكرامة أمته عند الله جعل لها هذه المنزلة، فدين الله في حقكم ميسر فلا تتخيلوا أن الله كلفكم بشيء لم يكلف به الأولين؛ بل إن تكليف الله لكم بالصيام أخف من تكليف الله عز وجل لغيركم من الأمم، فقد كانت الأمم السابقة يصومون ولكن بطريقة أشد من صيامنا، كان إمساكهم الإمساك عن الطعام والشراب والنكاح والكلام، من أول ما يمسك حتى يفطر فلا يقل كلمة واحدة، وإذا قال كلمة انتقض صومه وعليه أن يقضي يوماً. ورفع الله عنا هذا التكليف وأباح لنا الكلام؛ لكن أباح لنا الكلام بذكره وشكره، وتلاوة كتابه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والكلام الذي يحبه الله فيما يعود علينا بالنفع في الدين والدنيا، ولكن بقي الكلام المحرم محرماً؛ فالغيبة تبقى محرمة، والنميمة تبقى محرمة كما هي في شعبان وهي في رمضان أشد حرمة، ولهذا جاء في الحديث: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) ولكنَّ كثيراً من الناس استخدموا هذه النعمة -وهي الكلام- في المعاصي، فتجد الرجل يجلس من بعد العصر حتى المغرب في متجره وهو يتكلم في الغيبة والنميمة، والمرأة تجلس طوال اليوم في الغيبة والنميمة، فأين استغلال هذه النعمة فيما أباحه الله عز وجل؟ فالله يقول: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:183] الذين من قبلنا من الأمم السالفة كان الله عز وجل يفرض عليهم في صيامهم أشياء كثيرة من ضمنها الإمساك، اسمعوا ماذا يقول الله عز وجل عن مريم عليها السَّلام؛ ومريم امرأة صالحة كانت تعبد الله عبادة منقطعة النظير، في بيت المقدس؛ لأن أمها لما حملت بها ووضعتها نذرتها لله، فقالت كما قال الله عنها: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران:35 - 36] فالله عز وجل استجاب دعوتها فأعاذها وأعاذ ذريتها من الشيطان الرجيم. فكانت امرأة محروسة بأمر الله، وكانت متعبدة وذاكرة وتالية وقائمة وقانتة لله في عبادة عظيمة ليس لها نظير، وأراد الله أن يجري عليها سنة من سننه وآية من آياته في أن تحمل من غير زوج، وهذا شيء ليس معتاداً لدى البشر، إذ لا يمكن أن يكون ولد إلا بزوج، ولكن الله عز وجل يفعل ما يشاء ويختار، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، يخلق ما يشاء من غير أسباب، خلق آدم من غير أم ولا أب، وخلق حواء من أب من غير أم، خلقت من ضلع آدم الأيسر، وخلق سائر البشر من أم وأب، وخلق عيسى من أم بلا أب. ولهذا قال الله للذين قالوا من النصارى: كيف يكون من غير أب؟ قال الله: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران:59] كيف تستبعدون أن يخلق الله بشراً من أم بلا أب ولا تستبعدون أن يخلق الله بشراً من غير أم ولا أب فهذا أكثر في الاستبعاد ولكنه موجود. فأراد الله أن يجري عليها هذا الشيء فحملت، قال الله عز وجل: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً} [مريم:16] أي: ذهبت إلى مكان بعيد باتجاه المشرق. وقيل في التفسير: إنها كانت حائضاً فأرادت أن تتطهر منه، فذهبت إلى مكان وكانت امرأة عفيفة متسترة، فاتخذت من دونهم حجاباً لكي لا يراها أحد {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً} [مريم:17] أرسل الله لها جبريل وتمثل لها بشراً سوياً، فنفخ في جيب درعها (الثوب) فحملت، فلما قرب منها وهي امرأة طاهرة وعفيفة ظنت أنه يريد منها فاحشة أو شيئاً فقالت: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيّاً} [مريم:18] استعاذت منه، وهكذا شأن المؤمنة والمؤمن. وهذا يوسف عليه السَّلامُ لما دعته امرأة العزيز قال: {مَعَاذَ اللَّهِ} [يوسف:23] أي: أعوذ والتجئ بالله، وكذلك المؤمن إذا سمع مكالمة من خبيثة، أو رأى نظرة من خبيثة، أو جاءته رسالة من خبيثة، عليه أن يقول: معاذ الله! أعوذ بالله، وكذلك المؤمنة إذا جاءها شر من خبيث، أو سمعت مكالمة، أو رسالة من خبيث، فعليها أن تقول: أعوذ بالله منك. فقالت: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً} [مريم:18] فقيدته بالتقوى؛ لأن التقي لا يفعل هذا الشيء، فهذا فعل الأشقياء والمجرمين والمنحرفين عن منهج الله عز وجل، فإن كنت تقياً فابتعد. فقال لها مباشرة بعد ذلك: {إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً} [مريم:19] قال: أنا مرسل من الله لأعطيك غلاماً قالت: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً} [مريم:20] تقول: ليس عندي زوج، ولست بزانية، كيف يكون لي ولد؟ فبين لها الحكمة: {قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ} [مريم:21] هذا هو السبب الذي أراد الله من خلق عيسى عليه السَّلامُ أن يكون آية على كمال قدرة الله، على خلق الأشياء من غير أسباب {وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً * فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً} [مريم:21 - 22]. قال المفسرون: إن حملها كان في نفس الوقت، حملت ووضعت في نفس اللحظة، هذا الذي يرجحه ابن عباس؛ لأنه ليس حملاً طبيعياً بأن حملته (تسعة أشهر) ولكن حملته فوضعته، كما قال الله عز وجل: {فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً} [مريم: 22] والفاء للتعقيب {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً} [مريم: 23] المخاض: آلام الولادة، فلما جاءها المخاض وجدت في نفسها من الآلام ما لا تستطيع حمله الجبال؛ لأنها حرة وطاهرة وعفيفة، والحر والطاهر لا يرضى أن يكون له شيء من هذه الأمور، كيف يقابل الناس؟ {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً} [مريم:23] فتتمنى الموت قبل الوضع (وكنت نسياً منسياً) قبل هذا الوضع، ولكن الله عز وجل لا يتخلى عنها؛ لأنها صالحة والله لا يتخلى عن العبد المؤمن إذا كان صادقاً معه، مهما حاك الناس حوله من الترهات، ومهما ألصق الناس به من الأكاذيب والافتراءات، فإذا كان صادقاً ومخلصاً فإن الله يدافع عن الذين آمنوا، فأجرى الله الدفاع عنها في هذا الموقف الحرج على يد هذا الطفل الصغير، قال تعالى: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً} [مريم:24] لا مجال الآن للحزن؛ فإن الله قد جعل تحتك سرياً، والسري: النهر الصغير الجاري العذب، قال: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً} [مريم:25]. يقول المفسرون: كانت نخلة يابسة ناشفة لا يوجد فيها ثمر، والله عز وجل أجرى لها الماء من أسفل والثمر من أعلى، فكانت تهز فينزل عليها الرطب الجني. يقول العلماء والأطباء: إن أفضل طعام تتناوله المرأة في ساعات المخاض هو الرطب، فلا تعطها براً وسمناً ورزاً ولحماً، لكن أعطها رطباً تلد بإذن الله، ولا تعطها إبر طلق، لماذا؟ لأن الرطب فيه سعرات حرارية كثيرة تمد المرأة بطاقة تمكنها من عملية المخاض والولادة في حالة سعيدة ولا تحس بالآلام بإذن الله، ما عليك إلا أن تقرب لها الرطب وتقول لها: كلي، فالحبة أحسن من عشر إبر. لكن بعض النساء حين تشعر بأي ألم تقول: الدكتور، المستشفى، حتى بعض النساء نست الله، وكانت المرأة في الماضي تقول: يا ألله! يا رب! يا رحمان! يا رحيم! وأما الآن فتقول: يا دكتور! يا دكتورة! فتعرضوا في بطونهم فلا يخرج إلا بعملية جراحية، ويخرجونه من بطنها، لماذا؟ لأنهن تركن الاعتماد على الله عز وجل. من الذي كان يخلص نساء المسلمين من آدم عليه السَّلام حتى زماننا إلا رب العالمين، بعض النساء تلد وهي ترعى وتأتي والمولود على ظهرها تحمله، والبعض تلد وهي تجمع الحطب، والبعض تلد وهي في الحقل والزرع، فالله عز وجل معهن؛ لأنهن مع الله، ويوم أن تركنا الاعتصام بالله وكلنا الله إلى أنفسنا، فتجدها من أول ما تحمل حتى تضع وهي مريضة، وبعضهن تسقط وهي جالسة، لكن يقولوا: اجلسي، لأنها لو مشت خطوتين أسقطت لعدم وجود الصلة القوية والعلاقة العظيمة بالله عز وجل، فهنا يقول الله عز وجل أن عيسى قال

الحكمة من مشروعية الصيام

الحكمة من مشروعية الصيام إذاً: الأمم السابقة كانت تصوم، كما قال الله: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] فقد ذكر الله عز وجل الحكمة من تشريعه لهذا الصيام فقال: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] لم يفرض الله عز وجل الصيام لمصلحة له، فالله غنيٌ عنا وعن صيامنا وعبادتنا، ولو صام أهل الأرض كلهم ما زاد في ملك الله شيء، ولو أفطر أهل الأرض كلهم ما نقص من ملك الله شيء؛ لكن الصيام شرع لنا لكي نتقي، وترتفع أرصدة التقوى في قلوبنا، ونشعر بحسن العلاقة مع الله، ولذا ترون الناس في رمضان أحسن حالاً منهم في غير رمضان، فعندما يصوم الناس ترتفع درجات التقوى عندهم؛ فيصلون في المساجد، ويقرءون القرآن، ويتصدقون، ويحبون الله، ويذكرون الله، لماذا؟ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] لأنهم صاموا فاتقوا الله. ثم قال عز وجل وهو يلطف الأمر حتى لا ينزعج أصحاب البطون فقال: {أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:184] أي: ما جعلناها سنة كاملة، ولا عشرة أشهر، ولا ستة أشهر من السنة، أي: ما جعل النصف صيام والنصف إفطار، وإنما هو شهر من اثني عشر شهراً، وكذلك هذا الشهر نصفه إفطار والنصف الآخر صيام، اثنتا عشرة أو ثلاث عشرة ساعة إمساك وبقية الليل من المغرب إلى الفجر أكل، فماذا بقي علينا من التعب؟ هذا في الماضي، أما الآن فلا ندري بالصيام، وما نصوم إلا من العصر إلى المغرب فقط؛ لأننا نتسحر ونصلي الفجر وننام إلى الظهر، ونقوم نصلي الظهر وننام حتى صلاة العصر، ثم نصوم إلى صلاة المغرب، فلا يبقى من صيامنا إلا من صلاة العصر إلى صلاة المغرب فقط، ثم بعد ذلك نفطر؛ لأن الصائم النائم لا يحس بألم، هل تحس بالجوع وأنت نائم؟ هل تحس بالعطش وأنت نائم؟ ولذا حين يستيقظ أحدنا في العصر ويذهب يصلي لا يزال السحور في بطنه ما ذهب منه شيء؛ لأنه لم يتحرك ولم يذهب، ولا يزال الماء في بطنه؛ لأنه لم ينزل منه قطرة عرق، وعندما يفطر يقول: والله إنني شبعان، والله ما كأني صائم؛ لأنك نائم طوال يومك، ما صمت إلا من العصر إلى المغرب، ولو أنك من الصباح في شغل فإنك صائم، لكن الأجر كامل إن شاء الله، ولا يتصور أحد أنه ليس له أجر، فالصيام صيام شرعي وأجره كامل، لكن رحمة من الله أن الله لطف بنا -أيها الإخوة- فنحن في نعمة. قلت لأحد كبار السن في مكة: كيف كان صيامكم؟ فقال: والله ما كانت تأتي علينا الساعة (العاشرة) في أول النهار إلا وقد ذبل أحدنا كما تذبل الشجرة، وأصبح الشخص منا لا يوجد في فمه قطرة ريق، وإن لسانه كالسفنجة من العطش، فلا يستطيع أحدنا أن يتكلم بكلمة واحدة من شدة الجوع والعطش. قلت: ماذا تعملون؟ قال: كل في شغله، هذا في مزرعته، وهذا معه إبله وغنمه، وهذا في سوقه. قلت: لماذا لا تنامون كالناس وتشتغلون في الليل؟ قال: إذا نمنا نامت أرزاقنا، ولا يوجد عمل في الليل، فالليل من المغرب إلى قبل العشاء قليل على سرج بسيطة بزيت بسيط من القاز ندخره كما ندخر الذهب الأصفر، وبعد ذلك نطفئها والكل ينام؛ لعدم وجود النور، وأما الآن قد حولنا الليل نهاراً والنهار ليلاً، حتى العمال الآن في المباني معهم كشافات كأنها شمس، ويعملون من بعد المغرب إلى الفجر ثم يذهبون ينامون إلى المغرب، وقالوا: هم صائمون، فبعضهم يصلي، وبعضهم لا يصلي. فهي أيام معدودة على الذين كانوا يتعبون فيها، أما نحن -ولله الحمد- اليوم فهي ساعات معدودة في حياتنا. ثم قال عز وجل بعد ذلك رحمة بالأمة: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:184] مع أنها مبسطة ومكتوبة كما كتبت على الذين من قبلكم إلا أن الرحمة لا زالت تلاحق الإنسان في كل حالاته، فالمريض له عذر خارج عن إرادته، لأنه مرض بقدر الله، فما دام أن مرضه كان بقدر الله فالله رفع التكليف عنه، قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184]. قوله تعالى: ((أَوْ عَلَى سَفَرٍ)) [البقرة:184] كان الناس يسافرون في طلب الأرزاق والمعايش، فليسوا كحالنا، فالذي لا يتحرك ولا يسافر يموت جوعاً، فيغربون ويشرِّقون، ويذهبون إلى اليمن والشام والعراق، وغيرها، ويذهبون إلى كل أرض من أجل لقمة العيش، والذي يجلس لا يلقى شيئاً. يقول الشافعي رحمه الله: سافر تجد عوضاً عمن تصاحبه وانصب فإن لذيذ العيش في النصب > إني رأيت وقوف الماء يفسده إن سار طاب وإن لم يجر لم يطب > والشمس لو بقيت في الفلك واقفة لملَّها الناس من عجمٍ ومن عرب > والتبر كالترب ملقىً في أماكنه والعود في أرضه نوع من الخشب > لما تغرب هذا عز مطلبه وإن تغرب هذا عز كالذهب > فالعود الموجود هنا يباع بالأوقية، لكن في بلده مثل الخشب، لكن عندما أتى إلى الرياض أصبحت الأوقية بمائة أو بمائة وخمسين، ولو أنه بقي في بلده لم يشتره أحد، وهكذا السفر كان في حياة الناس ضرورياً من أجل المصالح، فالله رفع عن الناس الحرج في السفر؛ لأن المسافر لا يجد وسيلة للراحة، قال الله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184] هذه -أيها الإخوة- مقدمة عن أصل مشروعية الصيام.

معاني الصيام

معاني الصيام من الناس من ساء فهمه للصيام؛ وهذا نتيجة البعد عن حقائق الدين وأسرار الإسلام، إذ لم يفهم الكثير من الناس من الدين إلا المعاني الظاهرة والصور الباهتة الميتة، كما يفهم من الصلاة أنها قيام وقعود وركوع وسجود، ولكن قلبه في وادٍ والصلاة في وادٍ آخر، فهذا لم يعرف الصلاة حقيقة، فتراه يصلي وهو يحك ظهره، وينقر أنفه، ويحرك ساعته، فإذا سجد رمى بنفسه على الأرض، حتى في التراويح ترى أكثر الناس لا يصدق أنه أكملها، ولكنه يخرج بعد التراويح الساعات وهو في الأسواق يعرض ويدور، ولا يشعر بتعب، لكن نصف ساعة هنا كأنها عشرون ساعة، ويخرج ويصيح على الإمام، ويقول: زودها يقرأ صفحة، يريد أن يكسر أرجلنا، هذا منفر عن الدين! إذاً لماذا تقف في المعرض ثلاث ساعات خلف المرأة وهي التي تقودك بأنفك تريد أحذية، فهذه أحذيه ليست جميلة، فيذهب من معرض إلى معرض، وآخر شيء تقول له: والله ما وجدت شيئاً جيداً الليلة؛ لكي تخرج الليلة المقبلة، ثلاث ساعات وراء أحذية لا تمل، وأما نصف ساعة وراء الإمام في روضة من رياض الجنة، تسمع كلام الله والملائكة معك والله يرضى عنك، ويكتب لك حسنات، وما أن ينتهي منها كأنه طائر في قفص!! لماذا؟ لضعف الإيمان، ولعدم فهم الحقيقة الشرعية للصلاة، فالصلاة هي حركة القلب قبل أن تكون حركة البدن. والصيام له معانٍ عظيمة في الإسلام، ليس مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، فإن الامتناع عن الطعام والشراب والنكاح صورة من صور العبودية والتذلل والاستسلام، أما المعاني الحقيقية فهي أبعد من ذلك، ومنها ما قد ذكرها الشيخ سلمان العودة حفظه الله ووفقه في وقفاته المباركة ثلاثون وقفة في رمضان التي هي الآن تقرأ في المساجد.

للصائم فرحتان

للصائم فرحتان من المعاني يقول النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث في الصحيحين: (للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه). كلنا -أيها الإخوة- نشعر بالأولى، أليس كذلك؟ وأسأل الله كما أشعرنا بالأولى أن يشعرنا بالثانية، فكما فرحنا في الفطر أن نفرح بلقاء الله عز وجل، ولا يوجد شخص في الدنيا عند الإفطار وهو غضبان، فإنهم كلهم مسرورون، حتى الغضبان يضحك في تلك اللحظة، لماذا؟ لأنها ساعة فرحة، وليس من الجوع، فهل ترون أحداً في ساعة الإفطار في الشوارع؟ تكون مقفلة، والدكاكين مقفلة، والسيارات موقفة، وعجلة الحياة كلها موقفة، والناس على السفرة ليس بسبب الجوع، بإمكان الشخص أن يصبر ثلاث ساعات أو أربع ساعات، لكنه يريد أن يلحق تلك اللحظة وهي لحظة الفرحة، ولذا إذا أفطر أهله؛ لأنه تأخر في مكان أو شيء، وجاء بعدهم بنصف ساعة وقدموا له فطوراً فما كأنه أفطر، يقول: فاتتني. ما هو الذي فاته؟ هل فاته التمر؟ التمر موجود، هل فاتته الشربة؟ الشربة موجودة، إنما فاتته اللحظة، (وفرحة عند فطره) ما هي فرحة الإفطار؟ يقول العلماء: إنها فرحة التوفيق لأداء هذه العبادة، فرحة أن الله عز وجل قبل منك هذه العبادة، فرحة أنك أفطرت بأمر الله، فالله أمرك أنه بمجرد غروب الشمس أن تفطر، يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا فقد أفطر الصائم) وقال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة:187]، أنت تمسك بأمر الله وتفطر بأمر الله، فهي فرحة عند الفطر. وفي هذا الحديث يقول الشيخ سلمان في كتابه: إن هذا الحديث له بشرى بسعادة الدارين: سعادة الدنيا، وسعادة الآخرة؛ فسعادة الدنيا تحققت بالفرحة عند الإفطار، هل يجدها الذي لم يصم؟ لا يجد هذه الفرحة، فبعض النساء حائض وأفطرت بعذر شرعي، وبعض الناس مريض أفطر بعذر شرعي، فإذا جاء الفطور ودعوه وقالوا له: تعال كُلْ. فيأتي يأكل، لكن هل هو فرحان؟ يقول: والله فاتني ليتني صمت، والمرأة تقول: الله يعينني على هذه الأيام، الحمد لله على كل حال، وتجدها منكسرة القلب وغضبانة ومهمومة وتقول: لو أني صائمة. وبعض النساء من مبالغتها تصوم وهي حائض، وتقضي كذلك، لكن تقول: أريد أن أصوم ولو أنها حائض، رغم أنه لا يجوز أن تصوم وهي حائض؛ لأن عليها أن تفطر ولو لم تأكل شيئاً فإنها مفطرة، حتى لو قالت: أنا سأصوم؛ لأن الصيام ليس فقط مجرد الإمساك عن الطعام والشراب، فهي مفطرة بعذر الحيض، وعليها أن تقضي هذه الأيام. فهذا معنى من معاني الصيام.

الصوم عمل قلبي

الصوم عمل قلبي من المعاني -أيها الإخوة- التي يغفل عنها كثير من الناس وهو أن الصيام فيه ارتباط وثيق بقضية الإيمان بالله عز وجل، فإن الصوم عمل قلبي سري لا يطلع عليه إلا الله، إذ بإمكان الإنسان أن يظهر أنه صائم أمام الناس لكنه يفطر خفية، فلا يعلم أنك صائم أو غير صائم إلا الله عز وجل، فيوم أن تمسك بالصيام في السر والجهر ومع الناس ومع نفسك وفي كل لحظاتك، علام يدل هذا؟ يدل على أنك مؤمن بالله، وتشعر بمراقبة الله، وهذه المرتبة تسمى مرتبة الإحسان، وهي: أنك تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. فهذه نعمة من الله، بأنك تلتزم بالصيام بأمر الله عز وجل فتشعر في قلبك بالمراقبة لله، ويتحقق لك بهذا الإيمان وهو من أعظم ما يملكه الإنسان في هذه الحياة.

التطلع والرغبة إلى الدار الآخرة

التطلع والرغبة إلى الدار الآخرة كذلك التطلع والرغبة فيما عند الله في الدار الآخرة، فإن الإنسان لا يترك شيئاً إلا مقابل شيء آخر، فالإنسان يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل الله، ولذا يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: (يدع شهوته وطعامه وشرابه من أجلي)، من أجل الله لكي يعوضك الله في الآخرة هل هناك جوائز للصائمين في الدنيا؟ هل يوجد رواتب للصائمين في الدنيا؟ ولذا جعل الله عز وجل باباً في الجنة اسمه (الريان) والحديث في الصحيحين، قال عليه الصلاة والسلام: (إن في الجنة باباً يقال له: الريان، لا يدخله إلا الصائمون) نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يدخلون هذا الباب واسمه يشعر الإنسان بالنعمة، من الري وهو: الخير الكثير، الذي يشمل المؤمن في الدار الآخرة. فعندما يصوم الإنسان يتطلع إلى ما عند الله تبارك وتعالى في الدار الآخرة من الثواب والجزاء الجزيل عند الله عز وجل.

بالصوم يظهر الانقياد والتسليم لله تعالى

بالصوم يظهر الانقياد والتسليم لله تعالى من المعاني: أن الصوم يظهر فيه الانقياد والاستسلام على أعظم صورها؛ إذ أنه لا يوجد تفسير منطقي عقلي لعملية الإمساك عن الطعام والشراب، لماذا نمسك من الساعة كذا إلى الساعة كذا؟ لا نعرف، فالله أمرنا، ونحن عبيده، ومقتضى العبودية أن العبد يسير في أمر سيده ومولاه، إذا كان عندك عبد فتقول له: يا عبد! اذهب وأحضر لي هذه؟ فإذا قال لك: لماذا؟ تضربه على وجهه، وتقول: اذهب، ولا تتدخل. ترسل العبد وتقول: هذه مائة ريال اذهب وأحضر لنا مقاضي، يقول لك: لماذا المقاضي؟ تقول له: عندنا ضيوف، يقول: من هم الضيوف؟ تقول: آل فلان، يقول: لماذا تعزمهم؟ أوه طولتها، لا تتدخل أنت في هذه الأمور! فالله تبارك وتعالى سيدنا ومولانا وخالقنا وبارينا، ونحن عبيده يأمرنا ولا يحق لنا أن نسأله، ولهذا يقول الله عز وجل: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23]، أمرنا أمراً (صوموا) ونحن نستسلم الآن، نؤدي عمرة في رمضان ونطوف في البيت فنسأله: لماذا نأخذ عمرة؟! ولماذا نطوف بالبيت؟! لا ندري، الله أمرنا، وقال: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:29]، نسعى بين الصفا والمروة، لماذا نسعى؟ لماذا نهرول في منطقة معينة؟ الله أمرنا، فلا نقول: لماذا صلاة العشاء أربع ركعات، وصلاة المغرب ثلاث ركعات، وصلاة الفجر ركعتان؟ لماذا لا يكون الفجر والمغرب أربع ركعات، والعشاء لا يكون ركعتين بسبب أننا متعبين؟ لا {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} [الأنبياء:23] ليس عملنا هذا، الأمر أمر الله والشرع شرع الله، ونحن عبيد الله، ولا يسع المسلم إلا أن يقول: آمنت بالله، رضيت بالله، مهما أمر الله نحن ننفذ أمر الله تعالى. فالاستسلام والخضوع والانقياد لله عز وجل يظهر بصورة واضحة فيما يتعلق بتنفيذ الإنسان للصيام.

الصوم رابط اجتماعي بين الأمة

الصوم رابط اجتماعي بين الأمة وفي الصوم معنىً عظيم وهو: الترابط الجماعي بين الأمة؛ لأن المجتمع دائماً إذا تعارف على طاعة وعلى ترك معصية، يسهل على الناس كلهم أن يمارسوا الطاعة أو يتركوا المعصية، فالصائمون في المملكة العربية السعودية لا يجدون أي صعوبة في الصوم في رمضان؛ لأن المجتمع كله صائم، وحتى الكافر صائم؛ لأنه لا يستطيع أن يدخن أو يأكل في المطعم لماذا؟ احتراماً لمشاعر البلد وأهلها. لكن لو أنك تعيش في بلد من البلدان التي لا تقيم وزناً للصيام مثلاً، وكنت صائماً ذلك اليوم، وإذا بالمطاعم يؤكل فيها في نهار رمضان ويشرب، فإنك سوف تعاني معاناة لا يعلمها إلا الله، ولا يأتي المغرب إلا وقد تقطع قلبك؛ لأن الناس مفطرون وأنت صائم، لكن عندما يكون الناس صائمون وأنت صائم فلا تشعر بشيء، وهكذا يقول العلماء: إن المجتمعات يجب أن تتماسك كلها في تنفيذ أمر الله، ومجتمع لا يوجد فيه زنا لا تجد شخصاً يفكر في الزنا، وكذلك مجتمع لا يوجد فيه خمر ولا ربا؛ لأنه لا أحد يفكر في الربا، وأما إذا أبيح الربا فيصعب على الإنسان أن يترك الربا وهو يرى الناس يرابون، وإذا أبيح الزنا ورأى الناس كلهم يزنون وهو لا يزني يصعب عليه، فممكن أن يقع في الزنا، وإذا رأى الخمور تشرب كما يشرب العصير في بعض البلدان، فيمكن أن يقع في شرب الخمور، ولذا جاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم أوامر الإسلام، بل عده بعض العلماء ركن من أركان الدين، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قوام الدين، وهو صمام الأمان للأمة، فلا يبقى للأمة كيان إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو إظهار شعائر الله، وقمع المعاصي والمنكرات؛ لأن المعاصي إذا ظهرت وانتشرت واستمرأها الناس وأحبوها ستكون النفوس مريضة، وتحب المعاصي والشرور، ولكن عندما يرى الناس أن المعاصي محظورة وأن الذي يعملها يجلد ظهره، والذي يسرق تقطع يده، فكل شخص يقف عند حده، فالصوم يظهر لنا منه الترابط الذي يجب أن يكون في المجتمع والتعاون والتكاتف على تنفيذ أمر الله عز وجل، وترك معصية الله تبارك وتعالى.

رمضان شهر تلاوة القرآن

رمضان شهر تلاوة القرآن ومن أسرار الصوم ومعانيه: أنه شهر التلاوة للقرآن الكريم، فهو شهر القرآن؛ لأنه أنزل فيه، قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:185]، فشهر رمضان شهر مذاكرة القرآن ومدارسته، وكثرة تلاوته، فاعرض نفسك على القرآن، (كان صلى الله عليه وسلم يعرض القرآن على جبريل في رمضان في كل عام مرة، إلا في السنة التي مات فيها عرض عليه القرآن مرتين) فالمطبق الأول للقرآن هو النبي صلى الله عليه وسلم، كما قالت: عائشة رضي الله عنها (كان خلقه القرآن)، ولكن الناس الآن يفهمون شيئاً آخر؛ يفهمون أنها التلاوة المجردة من التطبيق، فتجد الشخص يقول: ختمت القرآن مرتين، ختمت القرآن أربع مرات؛ ولكن هل وقفت على حدوده؟ إذا قرأت آية الربا فهل أموالك في البنوك الربوية؟ فإن قال: نعم. فكيف يكون مالك في البنك الربوي وأنت قرأت قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة:278] لماذا لم تقف عندها؟ وكذلك هل تصلي مع الجماعة في أوقاتها، أم لا؟ هل عينك تنظر إلى الحرام؟ هل أذنك تسمع الحرام؟ هل لسانك يتكلم في الغيبة والنميمة والحرام؟ فاسأل نفسك فإنك تقرأ القرآن وكله أوامر ونواهٍ، فقف عند أوامر الله وحدوده، واعرض نفسك عليها، فإن كنت مطبقاً فالحمد لله، وإن كنت غير ذلك فتب إلى الله عز وجل. فهذا معنى شهر التلاوة، أما أن تتلو القرآن وتكرر تلاوته مرة أو مرتين أو أكثر ولم تعمل بأوامره ولم تنته بنواهيه فلا؛ لأن الله عز وجل أنزل القرآن ليعمل به، فاتخذ الناس تلاوته عملاً، ولكن من فضل الله علينا أن الله جعل التلاوة عملاً بعد العمل به. والقرآن يعذب صاحبه الذي لا يعمل به. وعالم بعلمه لم يعملن معذبٌ من قبل عباد الوثن >

الصوم كفارة للمعاصي

الصوم كفارة للمعاصي من معاني الصوم: أن الصوم كفارة لجميع الذنوب الماضية، كما جاء في الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) ألست بحاجة إلى أن يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك؟! وكم هي ذنوبنا! فوالله لو كانت للذنوب روائح ما جلس أحد بجوار شخص منا، فإننا مذنبون ذنوباً كثيرة جداً، وليس تواضعاً بل حقيقة، فَكِّر حتى في صلاتك، فبعضهم يصلي صلاة ذنب، أي: طاعاتنا أحياناً تكون معصية؛ لأننا نمارسها بطريقة غافلة لاهية، بعيدة عن الخشوع وعن الخضوع لله عز وجل، فالمعاصي والذنوب لو كان لها روائح لفرَّ الناس منا، ألا نريد أن يغفرها الله لنا أيها الإخوة؟ بلى والله كلنا نريد ذلك، وكيف تغفر؟ بصيام رمضان إيماناً واحتساباً. قال العلماء: (إيماناً) أي: تصديقاً وجزماً أن هذا فريضة من فرائض الله و (احتساباً): أي: طلباً للأجر والمثوبة من عند الله، فتمارس الصيام وتتشوق إلى ممارسة هذه العبادة، لماذا؟ لأنك تحتسب أجرها عند الله، وتفرح بثوابها يوم لقاء الله؛ لأن الله عز وجل جعل الصوم له وجعل ثوابه عنده، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) والحديث صحيح، فعملك لك؛ فصلاتك وزكاتك يعطيك الله بعملك، وكل شيء، إلا الصوم فلا يعطيك الله بما عملت، وإنما يعطيك جزاءً من عنده من غير حساب؛ لأنه جزء من الصبر، والله يقول: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10]. فكيف يجزي ربنا عن الصوم؟ يجزي جزاءً عظيماً يضاعفه لمن يشاء. نسأل الله أن يجزينا وإياكم وإخواننا وآباءنا وأمهاتنا وجميع المسلمين جزاءً تقر به أعيننا، ندخل به الجنة وننجو به من النار. هذه -أيها الإخوة- بعض معاني الصيام.

أصناف الناس في رمضان

أصناف الناس في رمضان فقد نظرت إليهم وتأملت حالهم فوجدتهم لا يعدون خمسة أصناف:

الصنف الأول: الرابحون في رمضان

الصنف الأول: الرابحون في رمضان هذا الصنف موفق ورابح وناجٍ، قل ما شئت من العبارات، فهو يفرح برمضان وينتظره انتظار الملهوف، ويعد الأيام والليالي حتى يأتي رمضان فتقر عيناه برمضان، ويتمنى أن تكون السنة كلها رمضان، وإذا خرج رمضان فكأنه في عزاء، وإذا جاء رمضان فكأنه في عيد، ويستقبله أحسن استقبال، وكيف يستقبله؟ لا يستقبله بالطعام، ولا يستقبله بالسهرات، وإنما يستقبله بالتشمير عن ساعد الجد. فيراجع نفسه ويتوب إلى الله من جميع الذنوب والخطايا، ويكثر من عبادة ربه، ويبحث عن إمام يطول الصلاة ويخشع فيها ويخضع، ثم يصلي معه من أول ركعة إلى آخر ركعة، حاضر القلب، مستقر الذهن، واقف القدم، يمارس العبادة بنشاط وهمة عالية، ولا يأتيها وهو كسلان؛ لأن الكسل من صفات المنافقين، يقول الله عز وجل: {وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى} [التوبة:54]. فإذا سلّم الإمام من الركعتين فقم بعده بنشاط، ولا تتأخر إلى أن يقرأ الإمام نصف الفاتحة أو الفاتحة كلها وبعضهم يتأخر إلى قرب الركوع وبعد ذلك يقوم، لماذا لا تقوم؟ قم، فالله يعينك ولا تتعب، وماذا تخسر؟ بالله كم خسرت أو كسبت يوم جلست وظهرت لك عضلة في ظهرك أو في رجلك؟ لا، هي كلها من الشيطان ويريد أن يفوت عليك الأجر، فقل: أعوذ بالله وقم، فلا يتلاعب بك الشيطان فتتكاسل عن الصلاة، فإذا سلم الأمام سلمت، وإذا قام إلى الصلاة قمت، ولا تتأخر، فإن القلب دال على الجسد، فإذا كان القلب قوي العزيمة فالجسد لا شك أنه سيكون قوي العزيمة وعالي الهمة، أما إذا كان القلب مريضاً ضعيف الإرادة فالجسم لا شك أنه سيكون مثله، نسأل الله السَّلامة والعافية. وكذلك عليك -يا أخي- أن تتم الصلاة مع الإمام، أما أن تصلي ركعتين ثم تخرج إلى الدنيا فلا، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) رواه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة، من صلى مع الإمام حتى يسلم آخر تسليمه من الوتر كتبت له كأنه قام الليل كله، فلو خرجت وتركت الإمام فليس معك إلا ما صليته. هذا هو الصنف الأول الذين يفرحون في رمضان ويشمرون عن ساعد الجد، ويفرحون بتنظيم أوقاتهم في كثرة الصلاة، الصلاة المفروضة، والتراويح مع الإمام، وبعد ذلك كثرة التلاوة، تلاوة منقطعة النظير، إذا سألت عنه في المسجد وإذا هو يقرأ، كان السلف رضوان الله عليهم إذا دخل رمضان يمتنعون عن مدارسة العلم، ويعكفون على قراءة القرآن باستمرار، حتى أثر أن الشافعي كان يختم القرآن في رمضان ستين ختمة، مرة في الليل ومرة في النهار، فمتى كان يأكل؟! ومتى كان يشرب؟! ليس كأمثالنا، نحن الآن حمير مقاضي، يأخذ الشخص منا الكراتين في المساء، وإذا به في الصباح ينزلها (قمامة) ويأكل منها الثمن والثمن كثير، بينما كان الأولون لا يعرفون هذا كله، يقول الإمام الشافعي: من اشتغل عن العلم بشراء بصلة لم يتعلم. فتجد الأكل والشرب والمقاضي مصيبة الناس في هذا الزمان، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فهذا يشمر عن ساعد الجد ويبحث عن أول شيء تلاوة القرآن باستمرار، قال لي أحد الشباب: كم؟ قلت: أتصور أن في كل ثلاثة أيام مرة، خصوصاً شبابنا ومدرسينا في هذا الشهر في إجازة وليس عندهم شيء إلا قراءة القرآن. فعليهم أن يقرءوا القرآن، فينام إلى الساعة العاشرة صباحاً مثلاً، ثم يستيقظ فيصلي الضحى، ثم يقرأ القرآن إلى الظهر، ثم يذهب إلى المسجد فيصلي الظهر ويجلس يقرأ حتى صلاة العصر، ثم يصلي العصر ويقرأ حتى صلاة المغرب، فيصلي المغرب ثم يأكل طعام العشاء ويصلي العشاء، وصلاة التراويح، ثم يقرأ القرآن طوال الليل؛ لأن هذا الشهر شهر القرآن. يقول الشاعر: اتل الكتاب وسبح فيه مجتهداً فإنه شهر تسبيح وقرآن فهذا شهر القرآن نزل فيه القرآن فلابد أن نقرأ فيه القرآن. وهذا المشمر شمر في اختزان شيء من مصروفاته الشهرية، وصرفها على الفقراء والمساكين والجيران، وتفقد حالهم ومن يهمه أمرهم، وأهدى لهم، واشترى لهم المقاضي، وأملأ ثلاجاتهم بالخيرات، وبعد ذلك أخذ عمرة في رمضان؛ لأن الحديث في البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: (عمرة في رمضان تعدل حجة معي) أي: مع النبي صلى الله عليه وسلم، إذا أردت أن تحج مع النبي صلى الله عليه وسلم فاعتمر في رمضان، فإنها لا تكلف عليك إلا القليل. والمشمر في هذا الشهر يشغل ليله بمدارسة العلم، وبزيارة أهل العلم والفضل، وبزيارة الأقارب والأرحام والجيران، فهؤلاء الرابحون في رمضان، ولكنهم قليل، والذي يؤسفنا أنهم قليل.

الصنف الثاني: الخاسرون في رمضان

الصنف الثاني: الخاسرون في رمضان وهم قسم خاسر -والعياذ بالله-، وهم الذين يكرهون رمضان، فإذا جاء رمضان فكأنه ضُرب وجهه بعصا، يقول: أتاك رمضان! فقد ذكر ابن الجوزي قصة لمغفل في كتاب الحمقى والمغفلين، قال: كان له حمار مريض، فلما مرض الحمار وهو يريد أن يشفى بأي وسيلة؛ لأن الحمار كان ثمنه مرتفعاً كالسيارات الآن، فنذر لله أن يصوم سبعة أيام إن شفي الحمار، فشفي الحمار وأصبح يمشي، فوفى بنذره وصام سبعة أيام، فلما انتهت السبعة الأيام مات الحمار، قال: فعلتها بي يا ربي!! والله لأخصمنها من رمضان القادم!! هو أصلاً لم يصم لله وإنما صام للحمار، ويوم أن مات الحمار قال: سوف أخصمها من رمضان القادم. كيف المسألة؟ حسابات تجارية! فهؤلاء الخاسرون يدخل عليهم رمضان فيضيقون منه ضيقاً لا يعلمه إلا الله، فيعد أيامه ولياليه كأثقل ما تكون، وكل يوم يسأل عن التاريخ ويصيح. وحكي: أن أعرابياً دخل عليه رمضان، فقيل له: دخل رمضان، فقال: والله لأقطعن شمله بالأسفار. فسافر لكي يقطع رمضان، وهو لم يعرف أنه سيقضي، قال تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184] وإذا عنده إيمان فهو أصلاً ملزم بالقضاء، فالسفر يجب أن يكون سفر طاعة، أما سفر المعصية فليس بسفر. فهؤلاء الخاسرون الذين يستثقلون رمضان، وتطول عليهم أيامه ولياليه، وينتظرون وصول ليلة العيد على أحرِّ من الجمر؛ لأنهم حجزوا عن الشهوات والملذات والمحرمات، وخاصة الذي يمارس المحرمات فلا يستطيع أن يمارسها في رمضان، فتجده لا ينتظر إلا انتهاء رمضان؛ لكي يرجع إلى المحرمات التي كان عليها. ولذلك أثقل على نفسه؛ لأنه لم يعتد الصلاة في المسجد، لكنه عندما تسحر وأذن المؤذن ذهب إلى المسجد وهو كسلان، وكذلك صلاة المغرب، فهو يترقب انتهاء رمضان فيعاهد إبليس على أَنْ لا يدخل المسجد؛ لأنه عبد إبليس، فلا يحب الله ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا خاسر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصعد المنبر: (رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه، خاب وخسر، قالوا: من هو يا رسول الله؟! قال: من أدرك رمضان ولم يغفر له) أي: دس أنفه في الرغام، وهو التراب الدقيق الذي يأتي في الطرقات الرملية. فلا يغفر لمن أدرك رمضان إلا لمن صامه إيماناً واحتساباً وليس تثاقلاً، وإنما إيماناً ويحتسب ثوابه عند الله وليس مهموماً في رمضان. فهؤلاء هم الخاسرون، نسأل الله أَلا يكثرهم في المسلمين.

الصنف الثالث: من ضيعوا رمضان بالإكثار من الشراب والطعام

الصنف الثالث: من ضيعوا رمضان بالإكثار من الشراب والطعام وهم عباد الشهوات والبطون، الذين يفرحون في رمضان بسبب أنه موسم للأكلات وتعدد الأصناف من الطعام، فهذا يقول: أتاك شهر الخير، فيقول: الحمد لله دخل شهر البركات، شهر السنبوسة والشربة والكنافة والكبسة، ويعدد لك أشهى وألذ المأكولات. فالله عز وجل شرعه من أجل أن نصوم ونجوع ونعطش، لكي نحس بأن هناك من الناس من هو جائع طوال العام، ومساكين طوال العام، فنأخذ من أقواتنا ونشاركهم، أما أن نثخن بطوننا ونملأها بما لذَّ وطاب من أنواع الطعام فلا. فهؤلاء هم الشهوانيون المضيعون، الذين لم يفهموا من رمضان إلا أنه شهر أكل وشرب، فمن أول رمضان وهو يُحَمِّل السيارة بالمقاضي، وكذلك في بقية الشهر، فتراه يأخذ من كل أصناف الطعام، وتجده لوحده أو مع امرأته وطفلين أو ثلاثة، لكنه جشع وطمع، فإذا أنزلت على السفرة تجدها عشرين صنفاً أو تزيد، ولو أكل صنفين لأشبعاه؛ لكن جشع وطمع -والعياذ بالله-، فيأكل من كل نوع جزءاً بسيطاً جداً، ثم يأخذ الباقي ويرمي به إلى القمامة؛ لماذا هذا؟ لأنه لا توجد مراعاة لنعم الله عز وجل. فهؤلاء مضيعون؛ لأنهم لم يعرفوا حكمة الصيام، وأنه من أجل الإكرام والإنفاق والجود على الفقراء والمساكين، يقول أحد الصحابة رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود من الريح المرسلة، وكان أجود ما يكون في رمضان) فهو يجود بما هو موجود تقول عائشة: (يدخل الهلال ثم الهلال ثم الهلال -ثلاثة أهلة- ولا يوقد في بيت آل محمد نار). تصور -أخي الكريم- أن الغاز ينتهي فكيف سيكون حالك؟ فإذا دخلت على المرأة تقول لك: عجِّل أسرع ليس عندنا غاز، فتقول لها: سآخذ خبزاً من الفرن، فتقول: لا يصلح إلا بإدام ولحم، ولا يمكن أبداً أن نجلس ليلة بدون نار، فهل يستطيع بيت أن يجلس يوماً بدون غاز في عصرنا هذا؟ عزاء ومأتم ومصيبة، أما بيت النبوة فيمر شهران ولا يوقد فيها نار؛ فقال عبد الله بن الزبير: (يا أماه! فما طعامكم؟ قالت: الأسودان، التمر والماء) والله لقد ذهبوا بلذة الحياة رضي الله عنهم وأرضاهم، ونحن نشعر أن عندنا لذة الحياة؛ فليست لذة الحياة بالأكلات والملابس والمباني، بل لذة الحياة في العبادة والقربة والمناجاة لله تبارك وتعالى. كثير من النساء ضيعت عمرها في الطبخ، بعض النساء من أول رمضان إلى آخره لا تقرأ صفحة أو صفحتين من القرآن الكريم؛ لأنها مشغولة، بل من أذان الظهر وهي تقوم كأنها مكينة تدور في المطبخ، وهي مستنفرة كافة أفراد البيت استنفاراً عاماً؛ لكي تطبخ الفطور، وإذا دخلت المطبخ تجد النيران مشتعلة في كل اتجاه، فالموقد له عشرة عيون، وكل عين عليها قدر ينضج، والرجل يدخل يساعدها وكذلك البنات وهي تشرف عليهن. وهذا كله من أجل ماذا؟ من أجل بطن تملؤها سبع تمرات، وهي من الظهر إلى المغرب تطبخ، ومن المغرب إلى الساعة الحادية عشرة تأكل، ومن الساعة الحادية عشرة إلى الساعة الرابعة تتمشى في الأسواق، ومن الساعة الخامسة إلى الساعة الثانية عشرة ظهراً وهي نائمة، فمتى تعبد الله؟ ومتى تقرأ القرآن؟ فلا يوجد وقت للقراءة، والتي تأتي منهن أحياناً للصلاة، فبعض النساء تأتي إلى الصلاة في المساجد فهذه موفقة لكن بشرط: أن يكون عملها خالصاً لله ولا تقصد به رياءً؛ لأن بعض النساء تقول: صليت البارحة بعد الشيخ فلان، فأفضل صلاة المرأة في بيتها، لكن نقول: تصلي في المسجد؛ لكي تستطيع أن تنشط للصلاة، لكن التي تستطيع أن تصلي في بيتها وتقرأ القرآن فهذا أفضل لها من المسجد، أما التي تخاف أن تجلس في البيت فيأتيها الكسل، نقول لها: صلي في المسجد، بشروط: أولاً: أن يكون العمل خالصاً لوجه الله. ثانياً: أن تأتي بثياب لا يوجد فيها زينة. ثالثاً: أن تكوني متحجبة من رأسك إلى قدمك مثل الغراب الأسود. رابعاً: أن تأتي وتجلسي في طرف المسجد، فلا تتكلمي ولا تعلم بك حتى النساء، ثم تخرجي بعد ذلك إلى سيارتك فلا يعرفك أحد، لكن بعضهن تأتي بثلاجة القهوة في يدها لكي تنبسط، وبعضهن تأتي بالمكسرات، ويأتي بها السائق الأجنبي وتمارس عبادة عن طريق معصية، فلا ينبغي هذا، ثم تأتي وتسأل عن الفطور وعن أنواع الفطور، وتقول لأختها: أنا عملت أشياء جديدة، ثم تريها طبق الطبخ، وإذا بها تعمل طبق الفطور في المسجد، فأغرت الناس وغررت على المسلمات، فأين الدين؟ فهذا يدخل ضمن المضيعين الذين ضيعوا رمضان في بطونهم، وسينتهي رمضان واسألوا أهل البطون في آخر رمضان ماذا بقي معكم من الأكلات؟ فلن تبقى ولا حبة، فكلها ذهبت إلى المجاري.

الصنف الرابع: من يقضي ليله بالسهر على المعاصي

الصنف الرابع: من يقضي ليله بالسهر على المعاصي وهذا يختص بكثير من الرجال، وهو الذي يقضي ليله في كثير من اللهو الباطل، إما بالسهر على مشاهدة أفلام الفيديو، قد قال لي أحد الإخوة: إنها تنشط في رمضان؛ لأن الناس لا يحبون التلفاز في رمضان؛ لأنه يصلي التراويح، وفيه أفلام فيها دين، والناس لا يريدونها، فلا يريدون التلفاز لأنه متدين، فينشطون على الأفلام، فتجدهم وقوفاً كالذباب على النجاسة على أفلام الفيديو، يشترون أفلاماً خبيثة ومسلسلات ونساء وأشياء لا ترضي الله تبارك وتعالى، يشترونها ويقضون ليالي رمضان التي هي ليالي القنوت والتهجد والمغفرة والقرب من الله يقضونها، في هذا الأمر والعياذ بالله. وبعضهم يمكث في المقاهي، يخرج من بعد العشاء فيجلس إلى السحور، فكل وقت ينادي: افعل حجر يا ولد! إذا سألته، قال لك: أُعَمِّر. تظن أنه يعمر عمارة، فتراه يدمر لا يعمر، فيدمر ماله وصحته، فيعمر الشيشة، يسمونها عمارة وهي دمارة -والعياذ بالله-، وعلى الدخان والأفلام والأغاني مرتفعة في المقهى، وعلى الألعاب: الكيرم، والضومنة، والمينبول، والنرد، والشطرنج، والبلوت، فيضيعون أوقاتهم فيقومون كأنهم قاموا على جيفة حمار، وهذا حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: (ما اجتمع قوم في مجلس لم يذكروا الله فيه إلا قاموا على مثل جيفة حمار) المجالس إذا اجتمعت على جيفة حمار ثم تفرقت، انظر كيف وجوهها ومخالبها، وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: (ما جلس قوم في مجلس لم يذكروا الله فيه إلا كان عليهم حسرة وندامة يوم القيامة). فهل تعمر ليالي رمضان بمثل هذه التراهات والخزعبلات؟!! فأنت رجل عاقل في الأربعين أو الخمسين، رجل مرموق، رجل بمنصب عالٍ وتضيع وقتك مع زملائك بدلاً من أن تقول: آتوني بكتاب الله، آتوني بـ رياض الصالحين، بـ صحيح البخاري، آتوني بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، هيا نزور أخاً في الله، أو نزور عالماً من العلماء، أو نجلس مع أهلنا وننبسط معهم، وبعض الرجال لا يعرف زوجته في رمضان ولا يعلم عنها شيئاً، من أول ما يتعشى يذهب ويلعب (البلوت) إلى السحور، فاثنان يقومان واثنان يجلسان. هذا عمل أطفال وليس عمل رجال، ولو رأيت ولدك يلعب بالمكعبات البلاستيكية يعمل له عمارة فلا تستغرب منه؛ لأنه يلعب، ولو رأينا الكبير يبني له عمارة بالبلاستيك ما رأيكم، نضحك عليه أم لا؟ إذا قيل له: ماذا تفعل؟ قال: أعمر لي عمارة بهذا البلاستيك، نقول: والله إنك أخبل! وإذا وجدنا معه لعبة طيارة أو سيارة وهو يلعب بها، فإذا قيل له: ماذا تفعل؟ قال: أتسلى. فأقول: التسلية بالسيارات والألعاب أسهل من التسلية بالبلوت؛ لأن هذه الأوراق أصلاً اخترعت للأطفال من أجل تسليتهم، أما الرجل فلا يوجد عندهم وقت، ولذا يقولون: إن أعظم قاتل هو قاتل وقته وحياته، فهذا عمرك تضيعه! سبحان الله! الله خلقك للعبادة وأنت تلعب! يقول الله في الحديث القدسي: (ابن آدم! خلقتك لعبادتي فلا تلعب، وتكفلت لك برزقك فلا تتعب). الله خلقك للعبادة، والعبادة: هي كل ما يحبه الله ويرضاه. ليست الصلاة والصوم فقط، فكل شيء يحبه الله عبادة، حتى جلوسك مع أهلك عبادة؛ لكن تترك أهلك لمصالحك وسهرك على المعاصي، وبعض الموظفين ينام على الطاولة؛ لأنه سهران طوال الليل؛ لكنه لو كان نائماً طوال الليل لأتى الصباح يداوم وهو مرتاح. فكثير من الناس ينام في النهار؛ لأنه لا ينام في الليل. فنقول لإخواننا الذين هم من الصنف المضيع: اتقوا الله في أوقاتكم، واقضوا ليالي رمضان فيما يعود عليكم بالنفع؛ إما دنيا أو آخرة.

الصنف الخامس: من ضيعوا رمضان بالرياضة

الصنف الخامس: من ضيعوا رمضان بالرياضة وهم الذين بمجرد دخول رمضان يبحثون عن ساحة فارغة، وهذه الساحة يقيمون فيها أعواداً عليها كشافات، ويشكلون فريقاً ونوادي ولعب كرة طائرة وسلة من المغرب إلى السحور، فممارسة الرياضة لا نقول فيها شيئاً، وهي أفضل من اللعب السابق؛ لأنه لعب يفيد، لكن الذي ننقم عليه أنها تمارس بشكلٍ غير منضبط، بحيث يقضي الشخص وقت الليل كله في اللعب، فلا يصلي التراويح ولا العشاء، ولا يقرأ القرآن، أما إذا اجتمع مجموعة من الشباب في مركز صيفي أو معهد علمي أو نادٍ رياضي وصلوا التراويح مع الجماعة، ثم جاءوا بعد ذلك ولعبوا ساعة أو ساعتين كرة قدم أو طائرة، ثم بعد اللعب اجتمعوا وتناولوا مشروباً، ثم أخذوا كتاباً وتناقشوا فيه، ثم تفرقوا، فهذا لا يوجد فيه شيء؛ لأنه نوع من التسلية التي فيها منفعة، أما أن نقضي أوقاتنا طوال الليل في اللعب، ويذهبون إلى الساحات آخر الليل للتفحيط؛ لأن النوم لا يأتي بعد الفجر مباشرة، فإذا ذهب إلى البيت فلا يأتيه النوم، لكنه يقول: أحسن وقت بدلاً من أن يجلس يذكر الله ويقرأ القرآن في المسجد، ويصلي ركعتين بعد شروق الشمس ويقوم بحجة وعمرة تامة تامة تامة، يذهب يفحط، فهذا نوع من الهوس والجنون، وإذا أردت أن ترى مجنوناً فانظر إلى مفحطٍ؛ لأنه يبحث عن الموت وهو في سلامة، ويمشي بسرعة قصوى والآخر يقابله بمثلها إلى أن يتقابلوا فلا يبقى بين الأول والثاني إلا شبراً، ثم يلف هذا يميناً والآخر شمالاً فتصيح كفرات الأول والثاني، والجمهور يصفق له، يصفقون للخبلان والمجانين! هذه -أيها الإخوة- أصناف الناس فأين نحن منهم؟ نسأل الله أن نكون من الصنف الأول فمن لم يكن في الصنف الأول فليلحق به، وينتقل من الأصناف الضائعة.

أهمية استغلال العشر الأواخر من رمضان

أهمية استغلال العشر الأواخر من رمضان العشر الأخيرة من رمضان ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخصها من العبادة والذكر بما لا يخص به غيرها من سائر أيام الشهر، وقد قالت عائشة رضي الله عنها في الصحيح: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان أيقض أهله، وأحيا ليله، وشد مئزره) شد مئزره، أي: انعزل النساء، وأيقض أهله، أي: لا يترك أحداً ينام، وأحيا ليله بالعبادة. وقد أخذ العلماء من هذا مشروعية التهجد الذي يضاف إلى التراويح في العشر الأواخر من رمضان، فيصلي الناس التراويح أول الليل ثم يذهبون إلى البيت ليتناولوا شيئاً من الطعام أو يجلسوا مع أهلهم، وبعد ذلك يعودون إلى المساجد فيتهجدون ساعة ونصف أو ساعتين، وكلها عشر ليالٍ فلا نضيعها، فعلينا أن نغتنمها فإنها ستنتهي وسوف نندم إن فرطنا فيها. والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

حكم تصوير المحاضرات والندوات بالفيديو

حكم تصوير المحاضرات والندوات بالفيديو Q ذكرتم في ليلة من الليالي في هذا المسجد أن الشيخ عبد العزيز بن باز أفتاكم بجواز تصوير المحاضرات بالفيديو، ويقول الأخ: إنه سأل الشيخ عبد العزيز بن باز فأخبر أنه لا يذكر أنه قال هذا الكلام فما توجيهكم؟ A صدق الأخ، أنا قلت هذا الكلام في محاضرة الشيخ أحمد القطان، قلته حينما أتي بالجهاز لتسجيل المحاضرة، وسمعت كأن بعض الإخوة يشعر بحرج من وجود الكاميرا في المسجد وتصوير المحاضرة، فذكرت أنني قابلت سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز أنا والشيخ عائض القرني، وكانت مقابلته في فصل الصيف في الطائف، وتناقشنا معه في أمور كثيرة متعلقة بالدعوة، وكان من ضمن هذه المسائل مسألة تصوير المحاضرات ونقلها في أشرطة الفيديو؛ لتكون بديلاً للناس في أجهزة الفيديو في بيوتهم لنقل الخير لهم؛ لأنه يحضر المحاضرة عدد محدود، لكن عندما تصور وتنقل يكون هذا فيه فضل كبير للناس، ومسألة التصوير وما يحصل فيها من إثم لعلها تكون ضرورة كما أبيحت ضرورة الحفيظة، فإن ضرورة الدعوة أعظم من أي ضرورة لنشر الخير، وللقضاء على الشر المتمثل في أشرطة الفيديو، وقد أفتى سماحته في ذلك اليوم بوجود الشيخ عائض القرني، فلما أخبروني الإخوان بأنهم كلموه فلم يتذكر هذا، اتصلت بسماحته وقلت له: يا شيخ عبد العزيز أتذكر أننا جئناك في الطائف أنا والشيخ عائض، وذكرته بالمجلس، فذكر المجلس وذكر كثيراً مما حدث فيه، لكني ذكرته بهذه القضية بالذات فقال: هذه لا أذكرها، حتى قال لي بنفس هذه الكلمات: والله يا محق لا أذكرها. فضيلة الشيخ عبد العزيز بشر يجري عليه ما يجري على البشر، أما أنا والشيخ عائض فنحن شاهدان، لكنه عندما قال لي هذا الكلام قلت: إذاً سأسحب هذه الفتوى عنك، قال: نعم. ولهذا من سمعها عني وأنا أنقلها عن الشيخ فهي لاغية عن الشيخ؛ لأن الشيخ لا يذكرها، أما كوني أعتقدها أنا أو غيري من العلماء فنحن نقولها بناءً على ما وصل إليه علمنا، فإن كنا مصيبين فالحمد لله، وإن كنا مخطئين فنستغفر الله عز وجل من كل ذنب وخطيئة. والحمد لله رب العالمين.

النهر الجاري

النهر الجاري تحدث الشيخ حفظه الله تعالى في هذه المحاضرة عن أهمية الصلاة ومكانتها في الإسلام وعظيم قدرها، سارداً الأدلة على ذلك، ثم بيّن حكم تاركها سواء كان تكاسلاً أو جحوداً وإنكاراً، وأعقب ذلك بالحديث عن كيفيتها وأحوال الناس فيها من حيث الصحة والمرض وأنها لا تسقط إطلاقاً بخلاف بعض العبادات، وقد تطرق في حديثه إلى كيفية الوضوء، والغسل، والتيمم، وكذلك تحدث عن صلاة الجنازة، وغسل الميت.

أهمية الصلاة ومكانتها في الإسلام

أهمية الصلاة ومكانتها في الإسلام الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأسعد الله هذه الوجوه الطيبة، وجمعنا الله وإياكم في الدنيا على طاعته وفي الآخرة في دار كرامته ومستقر رحمته. أيها الإخوة في الله: نظراً لأهمية الصلاة ولمكانتها في الإسلام، حيث أنها أعظم أركان الإسلام وآكدها بعد الشهادتين، بل هي عمود الدين، وقد ورد في حديثين صحيحين -الحديث الأول في صحيح البخاري وصحيح مسلم - قوله عليه الصلاة والسلام: (بني الإسلام على خمس -يعني على خمس أركان وذكر منها- وإقامة الصلاة). وجاء النص على أنها عمود الدين في حديث صحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه رواه أهل السنن، قال: (سألت النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! أخبرني بعملٍ يدخلني الجنة ويباعدني عن النار -فأخبره- ثم قال: ألا أدلك على رأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله! قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله) وهي من الدين بمنزلة الرأس من الجسد. هل يبقى جسد إذا قطع الرأس؟ هل تبقى حياة بعد قطع الرأس؟ لكن لو قطعت اليد تبقى الحياة في الجسد، وكذا لو قطعت الرجل، لكن لو قطع الرأس، لم تبق هناك أي حياة. ولهذا الآن في الطب الحديث زرع الأعضاء، إذا انقطعت إصبعك ردوها، وإذا انقطعت يدك ردوها، وإذا خربت كليتك زرعوا لك كلية ثانية، وإذا خرب القلب يأتون لك بقلب ثانٍ، لكن إذا قطع رأسك هل يزرعون لك رأساً؟! هنا لا ينفعك شيء. الصلاة من الدين بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا تركت الصلاة ترك الدين وكفر، وليس شيءٌ في الإسلام تركه كفرٌ إلا الصلاة.

حكم تارك الصلاة

حكم تارك الصلاة لقد بين العلماء الحكم الشرعي لتارك الصلاة أنه كافر بالإجماع إذا تركها جحوداً، وكافر في أصح قولي العلماء إذا تركها تهاوناً؛ لأن التفريق بين الترك الجحودي والترك التهاوني لا مجال له، فالحديث في صحيح مسلم: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة) ما قال: تركها جحوداً، والحديث الثاني في سنن أبي داود وفي مسند الإمام أحمد وهو صحيح عن بريدة رضي الله عنه وهو ابن الحصيب صحابي جليل روى مائة وخمسين حديثاً وهو من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان صلى الله عليه وسلم إذا غزا يستخلفه على المدينة، هذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر).

أدلة كفر تارك الصلاة

أدلة كفر تارك الصلاة كفر تارك الصلاة يأتي من الأدلة الشرعية من كتاب الله ومن سنة رسول الله، وكلام الصحابة ومن كلام التابعين، ومن النظر الشرعي الصحيح، فأما من القرآن فقوله عز وجل: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة:11] فالله علق أخوتهم على إقامة الصلاة، إذ أن الأخوة لا تنتفي عن المسلم بارتكابه لمعصية، ولكن إذا ارتكب كفراً انتهت الأخوة، ولا أخوة بين مسلمٍ وكافر. أيضاً يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في هذين الحديثين: الحديث الأول في صحيح مسلم: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة) ويقول في السنن وهو صحيح عن بريدة: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر). أما من كلام الصحابة فيقول عمر رضي الله عنه لما طُعن: [الله الله في الصلاة] ثم قال: [أما إنه لا حظ في الإسلام لمن أضاع الصلاة] هذا كلام عمر رضي الله عنه. يقول: (لا حظَّ) أي: لا نصيب في الإسلام لمن أضاع الصلاة. وقال عبد الله بن شقيق: [ما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون شيئاً تركه كفرٌ إلا الصلاة]. أما النظر الصحيح فإنه لا يُعقل أبداً أن يُقال لرجلٍ: صلِّ وهو يعرف منزلة الصلاة في الإسلام وتأكيد الله عليها في القرآن وفي السنة، ثم يتركها -لا يمكن أن يكون مؤمناً، كيف يكون مؤمناً وهو يقول: لا أصلي، إنه غير مسلم بتركه للصلاة. ولذا نلمس أهميتها في القرآن فقد وصف الله أهل الإيمان وجعل الصلاة القاسم المشترك بين جميع الصفات من سورة البقرة إلى الناس، فما ذكر الله أهل الإيمان ووصفهم إلا وأبرز صفاتهم وأهم مميزاتهم الصلاة، ففي أول البقرة يقول عز وجل: {ألم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [البقرة:1 - 3]. وفي أول الأنفال يقول الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً} [الأنفال:2 - 4] وقد صدرت الآية بأداة الحصر (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) أي: لا يُمكن أن يكون مؤمناً إلا من توفرت فيه هذه الصفات المحصورة بأداة (إنما). ويقول عز وجل في سورة التوبة: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [التوبة:71]. ويقول عز وجل في أول سورة المؤمنون: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:1 - 2] ثم ينتهي بالصفات ويختم ويقول: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المؤمنون:9]. ويقول عز وجل في وصف المخبتين: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الحج:34 - 35]. ويقول عز وجل في سورة المعارج: {إِنَّ الْإنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج:19 - 23] وفي النهاية قال: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ} [المعارج:34 - 35]. وقد وصى الله عز وجل بها في سورة إبراهيم، فقال عز وجل: {قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ} [إبراهيم:31] فهذه وصية الله للذين آمنوا، ولقمان يوصي ولده ويقول: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان:17] والله عز وجل يقول: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [هود:114 - 115]. والأمر بالصلاة في القرآن شيءٌ متتابع ومتواتر، وقد بين الله في كتابه العزيز أنه ما من أمةٍ وما من نبيٍ بعث إلا وقد أُمر أن يبلغ أمته إقامة الصلاة، فإلى جانب الأمر بتوحيد الله فلا بد من إقامة الصلاة، ولا يوجد نبي إلا عنده صلاة لأمته، وإن اختلفت في الأداء، لكنها تتحد في أنها صلاة. فهي شعيرة من شعائر الله العظيمة، يقول الله عن إبراهيم وقد جاء بهاجر وإسماعيل إلى مكة أنه قال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ} [إبراهيم:37] وقال في دعائه: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [إبراهيم:40] ويثني الله على إسماعيل فيقول: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إسماعيل إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً} [مريم:54 - 55]. ويقول الله مخاطباً للرسول صلى الله عليه وسلم: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132]. ويقول لموسى حينما حصل له اللقاء مع الله عز وجل في الليل: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:14]. وقال عن عيسى لما أتت به أمه تحمله {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً} [مريم:27 - 29] يعني: يكلموه؛ لأنها قد نذرت لله صوماً، وصومهم كان الإمساك عن الطعام والشراب والكلام {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً * ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ} [مريم:30 - 34] هذا القول الفصل الحق الذي فيه يمتري النصارى حين يجعلون عيسى ابن الله، تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا. إن عيسى يتحدث عن نفسه في أول كلمة وينسف فيها عقيدة ألف مليون نصراني الآن على الأرض كلهم يدعون ويعتقدون أن عيسى ابن الله، وعيسى أعرف منهم بنفسه فيقول: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً} [مريم:30]. فالصلاة عظيمة القدر، وكل عبادة تسقط عن الإنسان في بعض الأحوال إلا الصلاة. فالزكاة تسقط عنك إذا كنت معدماً، وليس عندك مال: أو تسقط عنك إذا عندك مال لم يبلغ النصاب، أو تسقط عنك إذا عندك مال بلغ النصاب لكنه ما حال عليه الحول.

الصلاة لا تسقط حتى عن المسافر والمريض

الصلاة لا تسقط حتى عن المسافر والمريض الصوم يسقط عنك إذا كنت مريضاً أو مسافراً، ثم تقضيه، وإذا استمر معك مرضك فإنه يسقط عنك وعليك الإطعام، وإذا كنت مريضاً لا يُرجى برؤك ولا تستطيع الإطعام يسقط عنك! لإطعام والصيام، مع أن الصيام ركن من الأركان. والحج ركنٌ لكنه يسقط عنك إذا لم يتوفر لك أمن الطريق ولم تجد الزاد أو الراحلة. فكل شيء يسقط إلا الصلاة، أما الصلاة فلا تسقط عنك، إن كنت معافى فصلِّ قائماً، وإن كنت مريضاً فصلِّ قاعداً، وإن كنت لا تستطيع أن تصلي قاعداً فصلِّ مستلقياً أو على جنبك، وإن كنت لا تستطيع أن تصلي بأي طريقة فصلِّ بطرفك، أي: أومئ إيماء بعينك، فما دام عقلك موجوداً فلا بد أن تصلي، وسوف نعلمكم إن شاء الله كيف يصلي المريض. وصلِّ وأنت مسافر وأنت مقيم صلِّ وأنت في الحرب وأنت في السلم، لا تسقط عنك الصلاة بحالٍ من الأحوال. إذا كنت مريضاً ولا تستطيع أن تتوضأ فتيمم وإذا لم تستطع أن تتيمم فصلِّ بغير تيمم، إذا كانت ثيابك طاهرة فالحمد لله، فإذا لم تكن طاهرة فغيرها، وإذا لم يكن عندك من يغير لك ثيابك فصل بثيابك غير الطاهرة، فإن الله عز وجل لا يكلفك إلا ما تستطيع، المهم أنك تصلي. إذا كان سريرك متوجهاً إلى القبلة فالحمد لله، وإذا لم يكن إلى القبلة فصلِّ إلى أي جهة: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115] فالصلاة منزلتها عظيمة. الصلاة هي العبادة الوحيدة التي فرضت على الرسول صلى الله عليه وسلم في السماء، كل تكاليف الشرع فرضت على الرسول في الأرض، ولما جاءت الصلاة استدعي النبي صلى الله عليه وسلم وأسري به من بيت الله الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عرج به إلى سدرة المنتهى وفرُضت عليه خمسون صلاة وما زال يراجع ربه حتى بقيت خمساً في العدد ولكن الله ذو فضلٍ عظيم قال: (لا يُبدل القول لدي هي خمسون في الأجر وخمس في الأداء) أهذه نعمة أم لا يا إخواني؟ فهل نضيعها بعدما رحمنا الله إلى أن جعلها خمساً؟ ولو جعلها الله خسمين، ماذا يسعنا؟ هل نتمرد؟ والله ما لنا إلا نصلي، ولو خمسين صلاة في أربعة وعشرين ساعة، بمعنى أنك في كل نصف ساعة تصلي صلاة، لكن الله رحمك وخفف عنك وجعل لك الأجر كاملاً والأداء قليلاً، تؤدي خمساً وتأخذ على الخمس خمسين صلاة.

الأحكام الشرعية المترتبة على ترك الصلاة

الأحكام الشرعية المترتبة على ترك الصلاة هذه الصلاة -أيها الإخوة- منزلتها عظيمةٌ في دين الله، ولكننا نلمس ونرى من يتهاون بها، ويتركها، وتركها كفرٌ يترتب عليه أحكامٌ شرعيةٌ سبعة:

تارك الصلاة لا يتزوج مسلمة

تارك الصلاة لا يتزوج مسلمة الحكم الشرعي الأول: أن تاركها لا يجوز أن يُزوج من المسلمات، فإذا جاءك من يخطب عندك فاسأل وابحث في المسجد هل هو يصلي؟ إذا قالوا: يصلي فهو مسلم، وإذا سألت وقالوا: لا يصلي فلا تفكر فيه ولا تبالِ به فهو كافر، فكيف تزوج كافراً؟ إذا جاءك يهودي أو نصراني وأعطاك عشرة مليون ريال وقال: أنا ديانتي يهودية لكن أُعطيك عشرة مليون ريال على أن تزوجني ابنتك؟ هل تزوجه؟ والله لو يعطيك ألف ألف مليون وأنت مسلم لا تزوج يهودياً ولا نصرانياً، وتارك الصلاة كافر وألعن من اليهودي والنصراني، فاليهودي والنصراني له أحكام شرعية في دين الله أخف من المرتد والكافر، وسأبينها لكم إن شاء الله. فنقول: أولاً: لا يصح أن يُزوج، فإن عقد له وهو لا يصلي فالعقد فاسد والنكاح باطل؛ لقول الله عز وجل: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة:10] فلا يجوز ذلك، وإذا علمت أن هذه مؤمنة لا ترجعها لكافر، فلا هي تحل له ولا هو يحل لها، وهذه نزلت في سورة الممتحنة لما جاءت المؤمنات يبايعن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة:10] هذا أول حكم من أحكام تارك الصلاة.

تارك الصلاة يفسخ نكاحه من المسلمة

تارك الصلاة يفسخ نكاحه من المسلمة الحكم الثاني: إذا عقد له وهو يصلي -كان يصلي وكان مسلماً- ولكن بعد أن تزوج وأصبحت المرأة في عصمته ترك الصلاة، فما الحكم؟ إذا ترك الصلاة فسخ النكاح دون الحاجة إلى طلاق؛ لأن الطلاق للمسلم أما الكافر فماذا يطلق؟ لا طلاق له وإنما ينفسخ النكاح، ولا تحل له الزوجة، ولا يجوز لها أن تبقى ليطأها، فإذا وطئها فإنما كافرٌ يطأ مؤمنة، ولا يجوز لوليها -أبيها أو أخيها- إذا علم أن زوجها لا يصلي لا يجوز له أن يدعها في بيته، فإذا رضي فإنما يرضى أن يُزنى ببنته أو أخته، ومن يرضى بهذا؟! كافر تدعه يزني بعرضك؟! لا إله إلا الله! لا يجوز {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء:141] الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه، فلا يجوز أن يعلو كافر على مسلمة، هذا الحكم الثاني.

تارك الصلاة لا يحل له أن يدخل مكة

تارك الصلاة لا يحل له أن يدخل مكة الحكم الثالث: لا يحل له أن يدخل مكة المكرمة، فلا يجوز لك يا تارك الصلاة أن تأتي إلى مكة وتدخلها، أما ترون إذا دخلتم مكة رأيتم لوحة مكتوب فيها: (ممنوع الدخول لغير المسلمين) ويوجد طريق اسمها طريق الخواجات وهي طريق الكفار أصلاً؟ فإذا جاء تارك الصلاة يريد أن يدخل مكة ليذهب إلى جدة نقول: قف من فضلك! اذهب مع إخوانك اذهب مع الخواجات مع اليهود والنصارى ولا تدخل مكة. فهو يحرم عليه دخولها، وإذا دخل فعليه من الله ما يستحق؛ لأن الله قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:28] حرم الله على الكافر أن يقرب المسجد الحرام وهي حدود الحرم، ليس المسجد الحرام بالذات، وإنما حدود الحرم، وحدود الحرم إذا جئت من جدة: الشميسي، وإذا جئت من الطائف: عرفة، وإذا جئت من المدينة: مسجد عائشة، فهذه حدود الحرم، والحرم شيء والمواقيت شيء آخر، فهو خارج الحرم، لكن حدود الحرم لا يجوز لكافرٍ أن يتجاوزها وأن يدخلها، ولا يجوز لتارك صلاة أن يدخلها.

تارك الصلاة لا تؤكل ذبيحته

تارك الصلاة لا تؤكل ذبيحته الحكم الرابع: لا تؤكل ذبيحته، إذا ذبح ذبيحة فهي محرمة رغم أنه يجوز أن تأكل ذبيحة اليهودي والنصراني، فلو جئت عند يهودي أو نصراني ذبح ذبيحة وتارك للصلاة ذبح ذبيحة، فمن تأكل ذبيحته؟ ذبيحة اليهودي والنصراني حلال؛ لأن الله يقول: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة:5] لكن المرتد المشرك الكافر لا يجوز أن تأكل ذبيحته، فهو ألعن عند الله من اليهودي والنصراني، يعني هو أشد من اليهودي والنصراني. هذا هو الحكم الرابع. والناس لا يفهمون هذا الكلام، يتصورون أن القضية بسيطة، فتجده يقول: تارك الصلاة الله يهديه، ثم يجلس معه في البيت ويأكل ويشرب معه ويصرف عليه وهو كافر، بل بعض الآباء الآن لا يستطيع أن يقول لولده: صلِّ، لماذا؟ لأن ولده موظف، وهو ينفق عليه، ويخاف أنه إذا قال لولده صلِّ أن يغضب ولا يعطيه مالاً، من رزقك قبل ولدك؟ إن ولدك هذا هو جزء من الرزق من الله فكيف تعتمد عليه من دون الله؟ لا إله إلا الله! ما أقل عقيدة الناس وما أضعفها إلا من هدى الله!

تارك الصلاة لا يرث ولا يورث

تارك الصلاة لا يرث ولا يورث الحكم الخامس: إن تارك الصلاة إذا مات فإنه لا يرثه أحد، وإذا مات أحد من أقاربه فلا يرث مع الورثة، لو أن رجلاً مات وترك أربعة من الأولاد ثلاثة منهم يصلون والرابع تارك للصلاة كيف تقسم التركة؟ تقسم على الثلاثة المصلين أما ذاك فليس له فيها شيء، والحديث متفقٌ عليه في صحيح البخاري وصحيح مسلم قال عليه الصلاة والسلام: (لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم) (لا يتوارث أهل ملتين) هذا كافر وهذا مسلم. لو أن رجلاً مات وترك ولداً لا يصلي وولد أخٍ يصلي، فمن يرثه؟ يرثه ذو العصبة البعيد وهذا ولده من صلبه لا ميراث له؛ لأنه كافرٌ لا يرث في مال مسلم، هذا الحكم الخامس. ولكن هل هذا الكلام يُطبق الآن؟ إنهم لا يلتفتون لهذا الكلام، وهذه أحكام شرعية ثابتة في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن الناس في غفلة عنها.

تارك الصلاة لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين

تارك الصلاة لا يغسّل، ولا يكفّن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين الحكم السادس: أنه إذا مات لا يُغسل، ولا يُكفن ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مدافن المسلمين، ولا يُحمل على الرقاب. فيحرم عليك إذا مات ولدك أو أخوك وأنت تعرف أنه تارك للصلاة أن تغسله أو تكفنه أو تأتيك مجاملة ومداهنة وتقول: إنني لا أريد أن أكشف نفسي وأفضح ولدي ونتركها على الله، لا. ولا يجوز أن تدعو المسلمين ليصلوا عليه، كيف يصلون على كافر؟! ولا يجوز لك أن تخدع وتغش المسلمين فتقول: اقبروا ولدي مع المسلمين، هل يجوز الآن أن تقبر يهودياً في مقابر المسلمين؟ كيف يجوز أن تقبر ولدك وهو كافر لا يصلي مع المسلمين؟! لا يجوز هذا. فلا يُحمل على الرقاب، وإنما يُحمل على أي وسيلة بالأيدي، وقال بعض أهل العلم: يُسحب كما تُسحب الدابة أو الحمار ثم يُذهب به إلى الصحراء ثم يُحفر له حفرة في الأرض إلى غير قبلة؛ لأنه ليس من أهل القبلة أصلاً، ثم يكب على وجهه في ملابسه، من غير غسل ولا تكفين ولا صلاة ولا توجيه للقبلة، وإنما يُكب على وجهه؛ لأنه سيرد النار وهو مكبوبٌ على وجهه، {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} [الإسراء:97] {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} [القمر:48].

تارك الصلاة لا يجوز الاستغفار له

تارك الصلاة لا يجوز الاستغفار له الحكم السابع: أنه لا يجوز الاستغفار له ولا الدعاء له، لا يجوز لك إذا مات الولد أن تقول: رحمة الله تعالى عليه الله يغفر له الله يسكنه الجنة وأنت تعرف أنه تارك للصلاة؛ لأن الله تعالى يقول في محكم التنزيل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة:113] فإذا كان مشركاً أو كافراً مرتداً عن دين الله بتركه للصلاة لم يجز لك أن تستغفر له، وإذا سمعت أحداً يقول: الله يغفر له، فقل له: لا تستغفر له، فهذه الأحكام الشرعية هي التي يجب أن نراعيها في التعامل مع تارك الصلاة؛ إلا ما دمنا ندعوه، أما إذا كنا في طور الدعوة معه والجذب فإننا نصبر عليه حتى نحدد موقفاً معه، فإما أن يستجيب ويسلم ويصلي وله ما لنا وعليه ما علينا، وإما أن يحدد موقفه ويقول: لا أصلي، فهنالك ينبغي المفاصلة والبراءة منه، والتعامل معه على ضوء هذه الأحكام، لا يُؤاكل، ولا يُشارب لا يُجالس، ولا يُزار إذا مرض، ولا تتبع جنازته إذا مات، ولا يُشمت إذا عطس، كل الأحكام هذه تنتفي عنه؛ لأن هذه هي اسمها حقوق المسلمين، فأما الكافر فلا حق له، له حقوق معروفة نعطيه إياها، لكن المرتد عن دين الله فليس له ما للمسلمين. هذه أحكام تارك الصلاة، أيها الإخوة: ولكنَّ كثيراً من العوام بل حتى المتعلمين يخفى عليهم الأداء الشرعي للصلاة، إذ أننا نرى تبايناً كبيراً وفروقاً ظاهرةً في أداء بعض المسلمين للصلاة، وأضرب لكم على هذا مثالاً بسيطاً: تقف في المسجد وتشاهد الناس يصلون فتجد فروقاً كثيرة في وضع اليدين، وهذا كمثال، فتجد واحداً يسبلها، وآخر يضعها تحت سرته، وآخر يضعها على بطنه، وآخر يضعها على صدره، وآخر يضعها على نحره، وآخر يضعها على قلبه، وبعضهم عنده علم وبعضهم ليس عنده علم، هذا الذي على قلبه يقول: كي لا يطير قلبي فأنا أقبضه، والثاني الذي يسبلها مرة يقول أنها ما ثبتت، لأن الإمام مالكاً كان يصلي وهو مسبل، نقول له: لا. إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي ويده اليمنى على اليسرى على صدره، وأنت مأمور باتباع الرسول ولست مأموراً باتباع الإمام مالك، والإمام مالك رحمه الله نص في كتابه الذي هو عمدة مذهبه موطأ مالك على أن اليدين تُقبض على الصدر، ولا دليل لمن يُسبلها، هذا التباين يجعلك تفكر في أنه لا بد من توضيح الكيفية الصحيحة الشرعية الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أداء الصلاة، وقد لمست هذه الحاجة من كثيرٍ من الإخوة القائمين والذين يمارسون بيع الشريط الإسلامي، يتصلون بي كثيراً ويقولون: يوجد كثير يقولون نريد شريطاً كيف يصلي المسلم، يوجد عوام، ويوجد أناس لا يعلمون، يريد أن يسمع الشريط ويعرف كيف يصلي حتى آخر الصلاة، فآثرت أن تكون هذه الليلة رغم أنها ليست في الدروس المنتظمة في العقيدة، لكن لأهمية الصلاة آثرت أن تكون هذه الليلة عن كيفية الصلاة في دين الله عز وجل.

كيفية الوضوء

كيفية الوضوء قبل الصلاة هناك مفتاح اسمه الوضوء أو الطهارة، وإذا جئت إلى الصلاة بغير المفتاح -الوضوء- ما فتحت لك الصلاة، فقبلها لا بد أن تتطهر، والوضوء هو طهارة واجبة أوجبها الشرع من الحدث الأصغر، والحدث الأصغر كالبول والغائط والريح والنوم العميق وأكل لحم الإبل وغير ذلك، هذه نواقض الوضوء إذا حصل لك منها ناقض لزمك أن ترفع الناقض وتستوجب الطهارة بالوضوء الشرعي. وأيضاً هناك الغسل: وهو طهارة واجبة من الحدث الأكبر وهو الجنابة التي تأتي عن طريق الاحتلام أو الجماع أو الاستمناء أو عن طريق الجهد والإيلاج ولو لم يمنِ، فإذا جامع الشخص ولم يمن وجب عليه الغسل بعد الإيلاج، وتأتي عن طريق الحيض وعن طريق النفاس، فهذه اسمها حدث أكبر، فالجنابة والحيض والنفاس ترفع بالغسل. أما كيفية الوضوء فهو أن ينوي الوضوء بقلبه بدون تلفظ؛ لأن التلفظ بالنية في سائر العبادات غير الحج والذبح (الأضحية) بدعة لم تثبت، فتنوي -يعني تستحضر في قلبك- أنك ذاهب تتوضأ، ولو توضأت بغير نيةٍ قلبية فوضوءك فاسد، فالنية مطلوبة لكن من غير تلفظ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينطق بها في وضوئه ولا في صلاته ولا في شيءٍ من عباداته؛ ولأن الله يعرف ما في قلبك فلا داعي أن تخبر بما فيه، فلا داعي أن تقول: وقفت ونويت أصلي صلاة المغرب ثلاث ركعات فتقبلها مني. فقد علم ربك أنك ستصلي، فاستحضرها بقلبك بدون إشهاد. وبعد النية يسمي الله ويقول باسم الله. ونحن نعني بالوضوء الذي بعد الاستنجاء، ولا ينبغي أن تخلطوا بين الوضوء والاستنجاء، فالاستنجاء شيء ليس له علاقة بالوضوء، فهو منفصل عن الوضوء وعن الصلاة. والاستنجاء هو غسل محل الخارج من السبيلين بالماء، والاستجمار هو إزالته بالحجارة. فأنت إذا خرجت الآن بعد صلاة العشاء ودخلت الحمام ألست تستنجي؟ بلى، تستنجي ولو لم ترد صلاةً. فنحن نتكلم الآن عن الوضوء الذي تريد به أن تستبيح الصلاة وأن تدخل في الصلاة فبعد أن تنوي تسمي الله، ثم تغسل يديك ثلاث مرات، وإذا كان تحت الصنبور فلتغسلها بما يوازي الثلاث مرات. ثم تتمضمض وتستنشق ثلاث مرات، إن شئت تمضمضت مضمضة منفصلة عن الاستنشاق ثلاثاً واستنشقت ثلاثاً وإن شئت جمعت بين المضمضة والاستنشاق مرةً واحدةً ثم ثانية ثم ثالثة، فالصورتان واردتان. ثم بعد ذلك تغسل وجهك ثلاث مرات، وحدود الوجه من الأذن إلى الأذن عرضاً، ومن منابت شعر الرأس إلى أسفل اللحية طولاً، تغسله ثلاث مرات. ثم تغسل يديك إلى المرفقين، وحدود اليد من رأس الأصبع إلى المرفقين، فتغسلها ثلاث مرات، تبدأ باليمنى ثم تغسل اليسرى، ولو بدأت باليسرى فلا يصح، لا بد أن تبدأ بيمينك في غسلها من رأس بنانك إلى آخر المرفق. ثم بعد ذلك تمسح رأسك مرةً واحدةً، فكل ما سيق يكرر غسله ثلاث مرات إلا مسح الرأس فإنه مرةٌ واحدة، تبل يديك ثم تنثرهما ثم تمرهما من مقدم رأسك إلى مؤخره ثم تعود بهما من مؤخره إلى مقدمه، هذا هو الثابت الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم تنتقل إلى أذنيك فتمسحهما مرةً واحدةً، إن شئت بما بقي من بلل يديك بعد مسح رأسك، وإن شئت بماءٍ جديد تبل يديك ثم تنثرها ثم تدخل إصبعيك السبابتين في صماخ الأذنين وتمسح بإبهامهما ظاهر الأذنين، تديرهما على الظاهر، السبابتين في الصماخين، والإبهام في ظاهر الأذن. ثم بعد ذلك تنتقل إلى قدميك وتغسلهما ثلاث مرات من رءوس أصابعهما إلى أعلى الكعبين تبدأ باليمنى ثم تنتهي باليسرى. وتكون بهذا توضأت الوضوء الشرعي الثابت الصحيح في جميع الروايات؛ لأن هذه المعلومات مقتبسة ومنتقاة مما صح وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعد ذلك تستقبل القبلة وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الأول ثبت في الصحيحين والثاني ثبت في السنن، وفيه مقال لكنه يُحتج به ويُعمل به، وإذا قلت هذا الدعاء بعد الوضوء حصل لك ثواب، وقد جاء في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام: (من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل منها أيها شاء) وفي الحديث الصحيح الآخر قال: (إذا توضأ المسلم فتمضمض فغسل يديه خرج مع آخر قطر الماء كل خطيئة مستها يده، فإذا تمضمض خرج مع آخر قطر الماء كل خطيئة قالها بلسانه، فإذا غسل وجهه خرج مع آخر قطر الماء كل خطيئةٍ مستها عينيه أو أذنيه أو يديه أو رجليه حتى يخرج من الوضوء ولا ذنب له) هذا فضلٌ عظيم لا يفوت إلا محروماً -والعياذ بالله-.

كيفية الغسل

كيفية الغسل أما الغسل من الجنابة أو الحيض أو النفاس فكيفيته أن ينوي بقلبه بدون تلفظ، فإن كان مكان الاغتسال ليس فيه كرسي حمام فيسمي وهو موجود فيه، أما إذا كان سيغتسل في الحمام الذي فيه كرسي حمام فيسمي قبل الدخول؛ لأنه لا يجوز أن يذكر الله داخل الحمام الذي فيه التغوط والتبول. بعد ذلك يتوضأ وضوءه كاملاً، بعد أن يستنجي ويزيل القذر يغسل يديه ويتمضمض ويستنشق ويغسل وجهه ويغسل يديه ويمسح برأسه ويغسل رجليه. ثم يحثي الماء -أو باستخدام الصنبور- على رأسه حتى يرويه، ثلاث مرات إن كان يفيضه، أو إرواء عن طريق الصنبور، ثم يغسل سائر بدنه، ويعمم بدنه. ويكون بهذا قد انتهى من الوضوء ومن الغسل فإن مس أثناء الغسل عورته انتقض وضوءه ولزمه بعد الفراغ من الغسل أن يتوضأ، أما إذا لم يمس شيئاً من ذلك اكتفى بذلك.

صفة التيمم وشروطه

صفة التيمم وشروطه إذا عدم الماء أو وجد الماء ولا قدرة على استعماله كالمحروق الذي لا يستطيع أن يغتسل أو يتوضأ فإن الله عز وجل رفع الآصار عن هذه الأمة، وشرع لنا بدلاً يسيراً سهلاً متوفراً وهو التيمم، والأولون ما كان عندهم هذا اليسر، ما كانت تُقبل الصلاة إلا في المكان المخصص للعبادة، وإذا انتقض وضوءُ الإنسان بنجاسةٍ وقعت بالثوب فلا يكفيه الغسل، بل لابد أن يقطع الثوب، وإذا وقعت النجاسة على الجسد فلا يكفي الغسل، بل لابد من سلخ الجلد، وإذا أذنب وأراد أن يتوب لا تقبل التوبة إلا أن يقتل نفسه: {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:54] لكن في ديننا رفع الله عنا الآصار والأغلال، ويسّر علينا هذا الدين، ومن ضمن هذا اليسر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيت خمساً لم يعطهن نبيٌ قبلي -ومن ضمنها- قال: وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأينما أدركتكم الصلاة فصلوا) وإذا عدم الماء فتيمموا. ومعنى أدركتك الصلاة أي: وأنت في سفر في صحراء في فلاة أما إذا كنت في البيت فلابد أن تجيب، كيف تصلي في البيت وأنت رجل، لا تصلي في البيت إلا المرأة، أما الرجال فقد قال الله عنهم في القرآن الكريم: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [النور:36] من؟ {رِجَالٌ} [النور:37] بمعنى أن الذي يصلي في البيت انتفت عنه صفة الرجولة، صحيح أنه ذكر، لكن الذكورة شيء والرجولة شيء، فالحمار ذكر، والكلب ذكر، لكن الرجولة مفاهيم إسلامية، أولها إقامة الصلاة في المسجد. وأما الصلاة في البيت فلا تحل للرجل أبداً إلا من عذرٍ شرعيٍ سنوضحه إن شاء الله. إذا عدم الماء أو عجز عن استعماله فإنه يتيمم، وكيفية التيمم أن ينويه، ثم يضرب على الأرض أو على الصعيد -التراب الذي له غبار- ضربة واحدة براحتيه ويمسح وجهه وكفيه -والكف ظاهر اليد- ثم تمسح بهما وجهك، فإذا وجد الماء وقد صلى لا يعيد الصلاة التي صلاها، لكن إذا وجد الماء ينبغي أن يتوضأ، أما إذا وجده بعد تيممه وأدائه للصلاة فقد استباحها بما أباحه الله له.

الصلاة وكيفيتها

الصلاة وكيفيتها الصلاة وكيفيتها: أولاً: ما هي الصلاة؟ التعريف الشرعي للصلاة: هي عبادة مخصوصة تؤدى في أوقاتٍ مخصوصة، وهي عبارة عن أقوال وأفعال أولها التكبير وآخرها التسليم. وإذا أراد العبد الصلاة فإنه يجب عليه -أولاً- أن يتوضأ من حدثٍ أصغر أو يغتسل من حدث أكبر أو يتيمم إذا عدمت القدرة على استعمال الماء أو انعدم وجوده.

الصلاة في المسجد جماعة

الصلاة في المسجد جماعة أولاً: أن يصلي في المسجد إذا كان رجلاً، إذ لا تقبل الصلاة في غير المسجد إلا من عذر، وقد كنت أراجع المسألة هذه وأقرأ كلام أهل العلم في حكم صلاة الجماعة، فقرأت كلاماً نفيساً لشيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الاختيارات الفقهية أكد فيه على أن حضور الجماعة شرطٌ في صحة الصلاة، وأنه لا تُقبل صلاة إنسان يُصلي في غير المسجد من غير عذرٍ شرعي. يعني أنت معافى في بدنك وآمن وتسمع الأذان ويُقال لك: قم، تقول: لا. أنا سوف أصلي هنا، لماذا والحديث الذي في صحيح البخاري وصحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام فيه: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتُقام ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أنقلب إلى رجالٍ لا يشهدون الصلاة في المسجد فأحرق عليهم بيوتهم بالنار لولا ما فيها من الذراري والنساء)، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يحرق على ترك سنة، ولا يحرق إلا على ترك واجب وأمر عظيم، ولكن منعه من التحريق وجود من لا تجب عليه الجماعة في البيوت وهم النساء والذرية وسوف يتضررون بتحريق البيوت؟ وفي صحيح مسلم عن ابن مسعودٍ قال: [من سره أن يلقى الله غداً مسلما فليحافظ على هذه الصلوات الخمس حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى؛ وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيت الرجل منا يهادى بين رجلين حتى يقام في الصف، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق]-والعياذ بالله- والله يقول: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43] وأهل النار المجرمون وهم في النار إذا قيل لهم من قِبَلِ أهل الإيمان: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:42 - 43] ما قالوا لم نكُ نصلي، فربما كانوا يصلون لكنهم ما كانوا من المصلين، والله يقول: {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43] والله يقول: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ} [النور:36 - 37]. فلا بد أن تصلي في المسجد إلا من عذر، والعذر الشرعي محدد: - خوف، أي: تخاف إذا خرجت ألا تصل إلى المسجد، كأن تقتل، وهذا غير موجود في مجتمعنا، والحمد لله على نعمة الأمن والأمان والاستقرار، فهذه نعمة يجب أن نشكر الله عليها، ولو خررنا ساجدين لله من الآن إلا أن نموت ما شكرنا هذه النعمة وحدها فقط، فكيف بالنعم الأخرى؟ فهذه النعمة ليس لها مثيل أبداً؛ لأن الله ذكرها فقال: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً} [النحل:112] فأنت آمن، بيتك مفتوح وتنام، فبعض الناس ينام وقد نسي بيته مفتوحاً، أو سيارته مفتوحة، لكنه آمن على ماله، وآمن على عرضه، وآمن على نفسه، وآمن على كل شيء. وهذه نعمة ليست موجودة في كثير من بلدان العالم المتطورة، فبعضهم هناك لا يأمن على علبة السجارة في جيبه، وإذا خرج من مكان يتعامل فيه بالفلوس مثل البنك يحسبون العلبة مالاً فيلحقونه ويذبحونه ويأخذون العلبة وإذا ليس فيها شيئ. أو مريض لا تستطيع أن تقوم، أما إذا استطعت أن تقوم وتنادي واحداً من أولادك أو من جيرانك ليعينك على المشي فإن الله يعينك؛ لأن في الصلاة عافية، من الناس من يمرض مرضاً بسيطاً ولكن الله عز وجل يعينه ليأتي يصلي فيعطيه الله العافية بتردده على المسجد، تجده يأتي يصلي الظهر وهو متعب كثيراً لكن يسمع الأذان فيسحب نفسه ويأخذ عصاة ويأتي، ولا يرجع من المسجد إلا وقد شرح الله قلبه وعافى جسده ورد له عافيته، ثم يأتي العصر فتجده يأتي وهو يسحب نفسه، ثم يعود وهو معافى، هذا إذا كان بإمكانه، لكن إذا لم يستطع لأنه مريض فهناك يعفو الله عنه ولا يكلفه الله إلا ما استطاع. - أو غفل شخص، كأن يكون من عادته دائماً أن يصلي في المسجد ولا يمكن أن يصلي في غير المسجد، لكن في مرةٍ من المرات النادرة جاء من سفر أو سهر أو مرض ونامت عينه وما استيقظ، أو ضبط الساعة ولم تنبه، أو دق عليه أبوه وما انتبه، فهو لم ينتبه إلا وقد فاتته الصلاة فتألم وتندم وتأسف وتقطع قلبه، وقعد يراجع نفسه ثم صلى وهو نادم وتائب ومستغفر، فهذا نقول: نسأل الله أن يغفر له. لكن شخصاً يسمع الأذان ويقول: لا. سأصلي هنا، خاصة إذا كان يشاهد مسلسلاً أو مباراة يقال لهم: يا أولاد! قوموا صلوا فيقولوا: لا نريد أن تفوتنا يا شيخ! لا إله إلا الله! تفوت طاعة الله في الجماعة في المسجد وتجلس على هذا الشيء التافه، هذا من قلة عقل الإنسان -والعياذ بالله-. فيأتي الرجل إلى المسجد ويكون مجيئه مبكراً، يعني مع أول الوقت، فلا يجلس إلى أن تُقام الصلاة ثم يحضر؛ لأنه من أتى الصلاة دباراً -والعياذ بالله- يوشك أن يدبر عنه الخير؛ فلا بد أن تأتي مع أول الأذان.

الطهارة

الطهارة وبعد ذلك تسبغ الوضوء وتخرج إلى المسجد، وتقارب بين الخطا، وتدعو بدعاء الذهاب إلى المسجد، فلا تخطو خطوة إلا ولك عليها حسنة ورفع درجة وتكفير سيئة، فإنه مما يرفع الله به الدرجات: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط). بعد ذلك تأتي المسجد، وتختار منه أكمل الصفوف وأولها؛ فخير صفوف الرجال أولها: (ولو يعلم الناس ما في الصف الأول والأذان والنداء ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا لاستهموا) فلا تأتِ لتقعد عند العمود، فبعض الناس يأتي يقعد عند الباب من أجل أن يختصر الطريق. فتجلس لكن ليس في الروضة إلا إن كنت من أهل العلم، من أهل النهى ممن يمكن أن ينوب عن الإمام، فإذا لم يكن فتأتي عن يمين الإمام؛ فإن ميامن الصفوف أفضل من أياسرها، لكن إذا جئت وميامن الصفوف ممتلئة فاجلس في أيسرها مع رغبتك في يمينها؛ فإن الله يعطيك أجر ميامن الصفوف؛ لأنك لم تجد فيها مكاناً، فكملت الصف من الجانب الآخر.

استقبال القبلة بجميع البدن

استقبال القبلة بجميع البدن إذا كنت مأموماً في المسجد تستقبل القبلة بجميع بدنك، ثم لا تنحرف يميناً ولا شمالاً ولا تلتفت، ثم تقف وتوجه أصابع قدميك إلى القبلة وتفتحهما بمقدار جذع، فلا تباعدهما كثيراً ولا تقاربها، ولا تجعلها مثل حرف ثمانية ولا حرف سبعة، إنما تجعلها مستقيمة وعلى قدر فتحة جسمك، ثم تقرب وتحاذي وتسد الخلل مما يلي الإمام، إذا كنت من اليمين فتقرب جهة الشمال، وتطلب من الذي بجانبك أن يقرب، وإذا لم يقرب فلا تحاول أن تصلح غلطه بأن تباعد بين رجليك، لا. فالغلط عليه هو والإثم عليه؛ لأنه لم يسد الخلل، فأنت تسد الخلل مما يلي الروضة، وذاك يسد الخلل مما يلي الروضة حتى تتكامل الصفوف، لكن إذا أخطأ هو فلا تصحح خطأه بخطأٍ أشنع؛ لأن بعض الناس يشير لمن بجواره أن يقترب فإذا لم يرض تجده يباعد بين رجليه حتى يسد الخلل، وذاك كلما قرب منه هذا ابتعد؛ فلأنه يريد أن يسد الخلل تجده يباعد بين قدميه ويفتحهما مسافة كبيرة جداً، تقول له: لماذا؟ قال: أريد أن أسد الخلل؛ لأنه ورد في الحديث أن الشياطين تدخل في الفرج بين الصفوف، لكنه لما سد الخلل فتح (كبرياً) لهم، فبدل ما كانوا يدخلون قليلاً فتح لهم متراً، أو (80 سم)!! وهذا خطأ، والصواب أن تفتح أرجلك على قدر قوامك وبنيتك، فلا تلاصقها ولا تجعل الفتحة بين رجليك كبيرة، فبعض الناس يقول: حاذوا في الأكعب، فيقوم برجله ويعكفها، إلى أن يضرب بكعبه كعب من بجواره، فهذا تكلف وغلو ما أنزل الله به من سلطان، بل قف الوقفة الهادئة التي جاءت في دين الله وقرب رجلك من رجله بشرط أن لا ترفعها؛ لأن بعض الناس عنده حساسية من رجلك، فإذا قربت هرب منك، فأنت ضع رجلك جنب رجله، وحاذِ بين المناكب والأقدام لكن لا ترفع رجلك، ولا تبالغ، حتى يهرب منك وأنت تطارده، بل اقرب منه، فإن استمر بجوارك فالحمد لله، وإن هرب منك فالمسئولية عليه.

النية

النية بعدما تستقبل القبلة وتقف الوقفة الشرعية، تنوي الصلاة بقلبك دون تلفظ، فالنية شرط من شروط الصلاة، فشروط الصلاة تسعة من ضمنها النية.

تكبيرة الإحرام

تكبيرة الإحرام بعد ذلك تكبر تكبيرة الإحرام التي تدخل بها في الصلاة، وهي ركنٌ من أركان الصلاة، فترفع يديك وتقول: الله أكبر فترفع يديك مستقبلاً ببطونهما القبلة ومحاذياً بهما إلى حذو المنكبين أو حذو الأذنين، فهذا كله وارد، وليس هناك داعٍ أن تضع أصابعك عند أذنك، مثلما يفعل بعض الناس، إنما تضع رءوس أصابعك حذو الأذنين أو حذو المنكبين، وتقول: الله أكبر.

وضع اليد اليمنى على اليسرى على الصدر

وضع اليد اليمنى على اليسرى على الصدر ثم تضع كف يدك اليمنى على ظهر كف يدك اليسرى على وسط الصدر، لا على أسفل ولا على أعلاه، وهذه الهيئة ثبتت من رواية وائل بن حجر في صحيح البخاري حيث قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة) وزيادة: (على صدره) في صحيح ابن خزيمة على شرط مسلم والبخاري، فهي زيادة صحيحة، فتضع يدك اليمنى على اليسرى على صدرك، لا على قلبك ولا تحت بطنك ولا تسبلها، وهذه هي التي تليق بموقف العبد، ولا تبالغ أو تغلُ كما يصنع بعض الشباب فتضعها على نحرك؛ لأن الزيادة على الشيء غلو، والغلو ممنوع في الدين، فالله يقول: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء:171] والحديث الذي في الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام فيه: (إياكم والغلو! فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو) فلا تغلُ، إنما خذ الدين ببساطته، خذه بسهولته وبيسره؛ لأن الله عز وجل يسر لنا هذا الدين، وشرع لنا ديناً سهلاً رفع علينا منه الحرج والمشقة والغلو والتعقيدات. فخذ الدين ببساطته، ولا تقعد توسوس وتلعب بك الأفكار، حتى إن بعض الناس في الصلاة تجده كأنه يمارس حركه رياضية، ما هذا التشنج؟ ولماذا هذه الحركة الرياضية؟ يا أخي! صلِّ صلاة واضحة هادئة.

دعاء الاستفتاح

دعاء الاستفتاح بعدما تضع كف يدك اليمنى على ظهر كف يدك اليسرى تستفتح بدعاء الاستفتاح، والاستفتاح هو طرق للباب للدخول على الله، فأنت الآن دخلت على الله بتكبيرة الإحرام، لكن الباب لم يفتح بعد، متى يفتح؟ بعد دعاء الاستفتاح، فتقول كما ورد في الحديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من ذنوبي بالماء والثلج والبرد) إن شئت هذا، فهو وارد في الصحيحين، وفي أحاديث أخرى: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك) فإن قلتهما جميعاً كما ذكر الإمام النووي فهذا أكمل، وإن اكتفيت ببعضها فحسن، وإن قلت هذا مرة وهذا مرة فهذا أفضل، كما يقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز؛ لأنك تأتي بجميع الأدعية الواردة في هذا.

التعوذ

التعوذ ثم بعد هذا تتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فتقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وهذه الاستعاذة سراً سواء كنت إماماً أو مأموماً، فلا تقلها بصوتٍ ظاهر.

البسملة

البسملة ثم قل: بسم الله الرحمن الرحيم، وهذا -أيضاً- في سرك؛ لأنه الثابت الذي داوم عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا فقد ثبت أنه أسر بالبسملة، وثبت أنه جهر بها، ولكن كما يقول ابن القيم: كان إسراره أكثر من جهره. فكان يسر كثيراً، ويجهر قليلاً، والصحيح الثابت من أمره الإسرار، لكن بعض الناس إذا رأى الإمام ابتدأ القراءة بالحمد لله قال: لماذا هذا لم يسم؟ هو سمى لكن سراً، فيتعوذ بالله سراً، ويسمي سراً.

قراءة الفاتحة والتأمين

قراءة الفاتحة والتأمين ثم يقرأ الفاتحة، بجميع أحكامها؛ لأنها ركن، والحديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم عن عبادة بن الصامت قال: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) وإياك أن تلقى الله ووجهك مملوء بالشيب وأنت جاهل بالفاتحة، كما يصنع بعض الشيبان الآن، فتجده لا يفوته من أمور الدنيا شيء، فهو يعرف المحاكمات، والدعاوى وأمور الدنيا، لكن إذا قلت له: اقرأ الفاتحة قال: أنا عامي أنا لا أعرف، لماذا تعرف الدعاوى والأمور كلها والشعر والقصائد ولكن لا تعرف الفاتحة وهي سبع آيات، في أربعة أسطر؟ فهذا أعمى في دين الله ومفتح في غيره، تجده يأتي يقرأ لك الفاتحة مكسرة {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] وبعدها يقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] وبعضهم يقول: ما هو لك يوم الدين، فهو ينفي، وبعضهم يقول: الصراق المستقيم، وهذا يفسد المعنى. فلابد أن تقرأ على ولدك أو على عالم؛ لتقرأ الفاتحة قراءة شرعية: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:2 - 5] مع تشديد وتحقيق الشدة؛ لأنها مخاطبة لله على الاختصاص {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6 - 7] ثم تقول: آمين، ويقول من معك في المسجد: آمين، أي: اللهم استجب؛ لأنك تدعو الله أن يهديك الصراط المستقيم، وأن يقيمك عليه وهو صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ثم تقول: غير المغضوب عليهم، أي: يا رب، لا أريد طريق المغضوب عليهم وهم اليهود؛ لأن معهم علماً لم يعملوا به فغضب الله عليهم، ولا طريق الضالين؛ لأنهم عبدوا الله على جهلٍ وضلال. وتقول بعدها: آمين والله عز وجل يعطيك ما سألت إن شاء الله.

قراءة ما تيسر من القرآن

قراءة ما تيسر من القرآن ثم تقرأ بعد ذلك ما تيسر معك من القرآن، وتطيل القراءة في صلاة الفجر فتقرأ في الظهر والعصر والعشاء من أواسط المفصل، وفي المغرب من قصار المفصل أحياناً ومن أواسطه ومن طواله، وتقرأ في الفجر من طوال السور كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الركوع

الركوع ثم تركع ركوعاً تحني فيه ظهرك بحيث يكون مستقيماً، فلا تنتكس ولا ترفع، وإنما لو وضع على ظهرك القدح المملوء بالماء لاستقر، تعظيماً لله، ويكون التكبير عند ركوعك رافعاً يديك إلى حذو منكبيك. وترفع اليدين في أربع مواضع: عند تكبيرة الإحرام، وعند تكبيرة الركوع، وعند الرفع من الركوع، وعند القيام للركعة الثالثة في الصلاة الثلاثية والرباعية، أما غيرها فلا. فإذا ركعت فإنك تركع رافعاً يديك إلى حذو منكبيك وتقول: الله أكبر، ثم تجعل ظهرك بحيال رأسك، وتضع يديك مفرجتي الأصابع على ركبتيك، ثم تمدها بحيث يستوي ظهرك مع يديك في الاستواء، لا نزول وتنكيس بالمرة، كما يفعل بعض الناس. وبعد ذلك يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، ثلاث مرات أقل شيء، هذا أدنى الكمال، وله أن يزيد بالزيادة الثابتة في صحيح البخاري وصحيح مسلم، فيقول: (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي) هذه الزيادة عظيمة، إذا قلت سبحان ربي العظيم ثلاث مرات، سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي، إذا قلتها فحسنة، زيادة ثابتة وصحيحة.

الرفع من الركوع

الرفع من الركوع وبعد ذلك ترفع رأسك من الركوع قائلاً: سمع الله لمن حمده، هذا إذا كنت إماماً، أما إذا كنت مأموماً فتقول: ربنا ولك الحمد وترفع يديك، ثم تعيدها إلى ما كانت عليه قبل الركوع، أين كانت قبل الركوع؟ كانت على الصدر، وبعد الركوع تعود إلى الصدر ولا دليل لمن قال أنه يعيدها مسبلة، وقد ذكر هذا الكلام الشيخ الألباني في رسالته في كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رد عليه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز بالرد الشرعي الواضح في أن الصحيح الثابت هو أنها توضع كما كانت؛ لأنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه وضع اليدين على أربعة أحوال: ثبتت في الركوع على الركبتين، وثبتت في السجود على الأرض، وثبتت في الجلوس على الفخذين، وثبتت في القيام على الصدر، والقيام بعد الركوع هو قيام كما هو قبل الركوع، ولا فرق بينهما، ومن فرق بين القيام قبل الركوع أو بعد الركوع لزمه الدليل، وما دام لا دليل فلا بد أن تبقى المسألة على الأصل في كون اليدين بعد الرفع من الركوع تعود إلى مكانهما قبل الركوع فوق الصدر، ويقول الإنسان بعد ذلك: ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيءٍ بعده، -ثم يقول إن استطاع وكان هناك فرصة- أهل الثناء والمجد أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبدٌ لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد.

السجود

السجود بعد ذلك تسجد مكبراً لله عز وجل من دون رفع اليدين، فأنت تكون يداك على الصدر وتريد أن تسجد فلا ترفع يديك، بل مباشرة تنزل إلى السجود وتقول في سجودك: الله أكبر، وتسجد على الأعضاء السبعة، وهي: الجبهة والأنف، وهي عضو واحد وهو الوجه، فحكمها واحد، والكفان والركبتان وأطرافُ القدمين، هذه سبعةُ أعضاء، للحديث الصحيح: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظُم: الجبهة والأنف، واليدين، والركبتين، وبطون أصابع القدمين). ثم تجافي بين عضديك وبين جنبك، فلا تلصقهما، وتجافي بين فخذك وبطنك، لكن مجافاة معتدلة بما يسمح به وضعك وتسمح به الصلاة، والناس بجانبك. أما المجافاة التي نشاهدها أحياناً ففيها غلو وزيادة، فهي تأتي على شكل انبطاح، بعضهم ينبطح ويباعد بين يديه كثيراً، وبعضهم يجافي بين يديه وجنبيه بمبالغة بحيث لا يستطيع الذي بجانبه أن يتحرك من مرفقيه!! فالمجافاة باعتدال بحيث لا تؤذي ولا ترفض، أما المرأة فلا تجافي؛ فالمرأة عورة، وإنما تنكمش، والرجل يجافي من غير غلو ولا مبالغةٍ. ثم بعد ذلك يقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى ثلاثاً، وإن أراد الزيادة وقال: سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي، كما زادها في الركوع فهذا حسن؛ لثبوت ذلك في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الرفع من السجود

الرفع من السجود ثم يرفع رأسه من السجدة الأولى قائلاً: الله أكبر، ثم يجلس بين السجدتين على قدمه اليسرى مفترشاً لها ناصباً قدمه اليمنى واضعاً يده على فخذه الأيمن، ويده الثانية على فخذه الأيسر ثم يقبض الخنصر والبنصر ويرفع السبابة ويحركها عند الدعاء وعند التشهد ويجعل طرف الإبهام مقروناً بطرف الوسطى كالحلقة، ويضع يده اليسرى مبسوطة الأصابع على طرف فخذه الأيسر مما يلي الركبة، ثم يقول في جلوسه بين السجدتين: ربِّ اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني واجبرني وعافني. ثم يسجد السجدة الثانية خاشعاً لله عز وجل كالأولى فيما قال، ويفعل مثلما فعل، ويكبر عند سجوده، ثم يقوم من السجدة الثانية قائلاً: الله أكبر، ولا يرفع يديه إذا وقف، ويصلي الركعة الثانية كما صلى الركعة الأولى فيما يقول وفيما يفعل، إلا أنه لا يستفتح، إذ أن الاستفتاح والاستعاذة التي قد قالها في أول الصلاة تكفيه عن الاستعاذة مرة أخرى. ثم يجلس بعد انتهاء الركعة الثانية قائلاً: الله أكبر ويجلس كما جلس بين السجدتين ناصباً رجله اليمنى، مفترشاً رجله اليسرى.

التشهد الأول والأخير

التشهد الأول والأخير ثم يقرأ التشهد في هذا الجلوس، واسمه التشهد الأول، إذا كانت الصلاة رباعية أو ثلاثية، واسمه التشهد الأخير، إذا كانت الصلاة ثنائية كالفجر، ويقول: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. فإذا كانت الصلاة رباعية فإنه يقف عند هذه ويقوم للركعة. فإذا كانت ثلاثيةً فإنه يجلس أو كانت رباعية فإنه يجلس بعد الركعة الرابعة ويقول ما سبق في التشهد الأوسط ويزيد بعده قوله: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، ثم يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال" وهذه جاءت في حديثٍ صحيح، ثم يدعو ربه بما أحب من خيري الدنيا والآخرة. ثم يسلم عن يمينه قائلاً: السلام عليكم ورحمة الله، ثم عن يساره: السلام عليكم ورحمة الله، وبهذا تنتهي الصلاة، وإذا كانت الصلاة في التشهد الأخير من صلاةٍ ثلاثية أو رباعية فإنه يجلس فيها متوركاً، يعني: يجلس على إليته اليسرى ويخرج رجله اليسرى من تحت قدمه اليمنى المنصوبة، وهذا ما يسمى بالتورك. هذه هي كيفية الصلاة الشرعية الصحيحة.

مكروهات الصلاة

مكروهات الصلاة وهناك أشياء تكره في الصلاة، منها: - الالتفات بالبصر يميناً أو شمالاً: أما رفع البصر إلى السماء فهو حرام، لورود النهي الصريح عنه. - يكره في الصلاة العبث والحركة لغير حاجة: كمن يعبث بلحيته أو يعبث بأنفه، أو يعبث بثيابه أو بأي شيء من جسمه؛ لأن الصلاة فيها شغل للمسلم والعبث يدل على عدم حضور القلب. - أيضاً يكره في الصلاة استصحاب ما يشغل الإنسان: كالأشياء الثقيلة أو الملابس الملونة المزركشة التي تلفت نظر الإنسان وتشغله وتلهيه. - يكره في الصلاة التخصر: وهو وضع اليد على الخاصرة.

مبطلات الصلاة

مبطلات الصلاة هناك أشياء تبطل الصلاة، فهي ليست مكروهة فقط، بل تبطلها وتفسدها أيضاً، منها: أولاً: الكلام عمداً وإن كان يسيراً: فلو قلت كلمة ولو كانت مكونة من حرفين، مثلاً: لو أن شخصاً سألك وأنت في الصلاة: هل أنت مدعو؟ فقلت: لا. إن فلتها عامداً بطلت صلاتك، لكن إذا قلتها غير عامد، يعني: نسيت؛ فإن الله عز وجل رفع عنك هذا؛ كما جاء في الحديث: (عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه). فالإنسان إذا أخطأ خطأً فإنه معفوٌ عنه، أما إذا تكلم عامداً بأقل كلمة ولو كلمة واحدة، كأن قال: نعم لا، بطلت الصلاة. ثانياً: الانحراف عن القبلة: وتبطل الصلاة بالانحراف عن القبلة، فلو انحرف شخص بكامل جسده عن القبلة بطلت الصلاة. ثالثاً: ما خرج من السبيلين: وتبطل الصلاة بخروج الريح من دبره، وبجميع ما يوجب الوضوء والغسل، أو غير ذلك من نواقض الوضوء. رابعاً: الحركات الكثيرة: وتبطل الصلاة بالحركات الكثيرة المتوالية من غير ضرورة، كالعبث الكثير غير ضروري. وتبطل الصلاة بالضحك وإن كان يسيراً، ويوجد خلاف بين أهل العلم في التبسم، فقال بعضهم: حتى التبسم يُلحق بالضحك ويُبطل الصلاة. فإذا ضحكت قهقهة ولو يسيراً بطلت الصلاة، أما إذا تبسمت تبسماً فيوجد خلاف بين أهل العلم، بعضهم يقول: أنها تبطل وبعضهم يقول: لا يأثم ولا تبطل، والصحيح أنها تلحق بالضحك وأنها تبطل بالتبسم؛ لأن الموقف ليس فيه مجال للتبسم، فهو موقف رهيب جداً، هل تستطيع وأنت جندي أن تؤدي التحية للضابط وأنت تضحك؟ لا يمكن أبداً، لماذا؟ لأنك في وضع استعداد وضع عسكري أمام ضابط من البشر، لا تستطيع أن تتبسم أو تضحك أمامه، ولو تبسمت أو ضحكت أمامه لعاقبك، فوضع الصلاة أعظم من أي وضعٍ في الدنيا، فأنت بين يدي الله، في وضع استعداد كامل ينبغي أن تبكي من خشية الله لا أن تضحك ولا أن تتبسم. سادساً: الزيادة متعمداً: كذلك تبطل الصلاة إذا زاد فيها المصلي متعمداً شيئاً ليس من جنسها، كأن زاد فيها ركوعاً، أو سجوداً، أو قياماً، أو قعوداً، أو ركعة وهو عامد، فإنها تبطل الصلاة. سابعاً: مسابقة الإمام: وتبطل الصلاة أيضاً بمسابقة الإمام عمداً، وهذه مشكلة، فأوضاع الصلاة أربعة: مسابقة وموافقة ومتابعة وتخلف. فالمسابقة منهي عنها، وهي: أن تسبق الإمام في الركوع أو السجود أو الحركة. والموافقة منهي عنها، وهي: أن تأتي بالحركة معه، يعني يكبر وأنت معه بالضبط، والتخلف منهي عنه، وهو أنه يكبر ويرفع وأنت ما زلت ساجداً ويركع وأنت تخالفه، والمأمور به المتابعة، فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا، وإذا قعد فاقعدوا، عندما تأتي بالحركة على غير هذا الوضع فإن هذا يُعتبر مخالفة، أما إذا سبقت الإمام عمداً فإن الصلاة تبطل. ثامناً: الأكل والشرب: والأكل والشرب من مبطلات الصلاة، ولو شيئاً يسيراً، فلا ينبغي لك أن تأكل ولا أن تشرب في الصلاة؛ لأنه مفسد للصلاة. هذه صلاة المعافى المتعافي.

كيفية طهارة المريض وصلاته

كيفية طهارة المريض وصلاته كيف يصلي المريض: يجب عليه أن يتطهر بالماء، فيتوضأ من الحدث الأصغر، ويغتسل من الحدث الأكبر، فإن كان لا يستطيع الطهارة بالماء لعجزه أو خوفه من استعمال الماء فإنه يتيمم، وإن لم يستطع أن يتطهر بنفسه فإنه يوضئه أو ييممه شخصٌ آخر. وكيفية التيمم: أن يضرب الأرض بيديه ضربة واحدة ويمسح بهما وجهه ثم يمسح كفيه بعضهما ببعض، هذه هي الكيفية الصحيحة، والآية الكريمة هكذا: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ} [النساء:43] وهذا الدليل واضح لا إشكال فيه. بعد ذلك إذا كان في بعض أعضاء الطهارة مرض أو جرح لا يستطيع أن يغسله فإنه يتوضأ لبقية الأعضاء ويتيمم للعضو الذي لم يصله الماء، إذا كان في بعض أعضائه كسرٌ مشدود بخرقة أو جبس فإنه يمسح عليه ويأخذ حكمه حكم الجبيرة، ويجوز التيمم له بالتراب الذي يوضع له في صحنٍِ إذا لم يكن عنده تراب على الأرض. بعد ذلك إذا تيمم لصلاةٍ وبقي على طهارته إلى الصلاة الأخرى صلى بالتيمم الأول، وهذا موضع خلاف بين أهل العلم؛ لأنه مبني على كون التيمم مبيح أو رافع، فالذين قالوا: إن التيمم مبيح للصلاة وليس رافعاً للحدث قالوا: لكل صلاةٍ تيمم، والذين قالوا: إن التيمم رافع للحدث؛ لأنه يقوم مقام الأصل وهو الوضوء قالوا: إنه يصح له أن يصلي الصلاة الثانية إذا بقي على طهارةٍ بالتيمم الذي صلى به الأولى وهو ما يرجحه الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن صالح بن عثيمين. ثم بعد ذلك يجب أن يصلي المريض بثيابٍ طاهرة، فإن كانت ثيابه نجسة وجب غسلها، فإن لم يستطع صلى بثيابه التي عليه وصلاته صحيحة. ويجب عليه أن يصلي على شيءٍ طاهر، فإن لم يجد وكان المكان الذي يصلي عليه وهو السرير نجس وجب عليه غسله أو استبداله، فإن لم يستطع وضع عليه فراشاً، فإن لم يستطع صلى عليه وصلاته صحيحة ولا إعادة عليه؛ لأن الأمر قائم على اليسر. ولا يجوز له أن يؤخر الصلاة عن وقتها من أجل العجز عن الطهارة، أو العجز عن الوضوء، أو العجز عن التيمم، كما يصنع بعض الناس إذا مرض، وخاصة إذا عملوا له عملية، تجده يجلس أسبوعاً لا يصلي، لماذا؟ قال: ثيابي نجسة بطني مفتوح. نقول: تخيل أنك متَّ في هذا المرض وأنت تارك للصلاة، لا إله إلا الله! يا أخي! صلِّ على أي هيئة وعلى أي كيفية وبأي وضعٍ تستطيعه، أما أن تترك الصلاة بحجة أنك غير طاهر أو أن ثيابك غير طاهرة أو أن وجهك ليس إلى القبلة أو أنك لا تستطيع، فهذا لا عذر لك. أما كيف يصلي؟ فيصلي الفريضة قائماً ولو كان منحنياً إذا كان لا يستطيع القيام، أو يعتمد على عصا أو يعتمد على جدار إذا كان مريضاً، وإذا لم يستطع القيام صلى جالساً والأفضل أن يكون متربعاً، وإذا كان لا يستطيع الصلاة جالساً صلى على جنبه متجهاً إلى القبلة، والجنب الأيمن أفضل، وإذا لم يستطع الصلاة على جنبه صلى مستلقياً على ظهره، ورجلاه إلى القبلة، والأفضل أن يرفع رأسه قليلاً ليتجه إلى القبلة، يعني: يرفع له بمخدة فإن لم يستطع أن تكون رجلاه إلى القبلة صلى إلى أي اتجاه ولا إعادة عليه، إذا لم يستطع أن يصلي وهو مستلقٍ صلى بالإيماء برأسه ويشير بعينه فيغمض قليلاً في الركوع ويغمض تغميضاً أكثر في السجود، أما الإشارة بالأصبع كما يصنع بعض الناس فلا دليل عليها ولا أصل لها في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. إذا لم يستطع أن يشير لا برأسه ولا بعينه ولا بأي إيماء، قال العلماء: فيومئ بقلبه، تومأ بقلبك وتكبر تكبيرة الإحرام بقلبك، وتقرأ الفاتحة بقلبك، وتنوي الركوع والسجود والقيام والقعود بقلبك، ولكل امرئ ما نوى، واتقوا الله ما استطعتم، ويصلي المريض كل صلاةٍ في وقتها ويفعل ما يقدر، فإن شقّ عليه فعل كل صلاةٍ في وقتها فله أن يجمع بين الظهر والعصر، وأن يجمع بين المغرب والعشاء، إما جمع تقديم أو جمع تأخير. أما الفجر فلا تجمع وإنما تصلى لوقتها، وإذا كان المريض مسافراً يعالج في غير بلده جاز له أن يقصر الصلاة الرباعية فيصلي الظهر ركعتين والعصر ركعتين والعشاء ركعتين حتى يعود إلى بلده وينتفي عنه حكم السفر. هذا، ونسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لكل خير.

كيفية تجهيز الجنازة والصلاة عليها

كيفية تجهيز الجنازة والصلاة عليها هنا شيء بسيط أضيفه وهو كيف يصلي المسلم صلاة الجنازة؛ فصلاة الجنازة مهمةٌ جداً؛ لأن كثيراً من الناس لا يعرفها ولا يعلم عنها، ولعل من المفيد أن نذكر كيف تجهز الجنازة على سبيل الاختصار. - إذا تُيقن موت الإنسان فإنه أولاً: يلقن الشهادة، ثم إذا مات تغمض عيناه، ويُشد لحييه حتى لا يبقى فاغراً، وتغمض عيناه؛ لأنه إذا خرجت الروح تبعها البصر، وعند تغسيله تستر عورته ولا تكشف مهما كان. ثم يرفع قليلاً من عند ظهره وتعصر بطنه عصراً بسيطاً ليخرج ما هو جاهز للخروج، ثم يلف الذي يغسله على يده خرقة أو يلبس كفاً، ثم يغسل عورته من غير أن ينظر إليها، بل يضع سترة على عورته، ثم يغسل شقه الأيمن كاملاً، ثم شقه الأيسر كاملاً، ثم يغسله مرةً ثانية، ثم ثالثة. ثم إن خرج شيئاً غسله وسدَّ محل الخروج بقطنٍ، فإن لم يستمسك فبطينٍ حرٍ أو بوسائل الطب الحديثة إذا كان عنده إسهال، كاللصقة أو غير ذلك، فإن لم ينقه غسله بثلاثٍ أو خمسٍ أو سبعٍ ثم نشفه ويغسل كامل جسده، وإن طيبه كله فحسن، ويجمل الأكفان. وإن كان شاربه أو أظافره طويلةً أخذ منها، وما أخذ من شاربه أو من أظافره يجعل معه في كفنه، ولا يسرح شعره، والمرأة يظفر شعرها ثلاثة قرون ويسدل من ورائها، ولا يؤخذ من عانته شيء، ولا تُحلق؛ لأن هذا يؤدي إلى كشف العورة، ثم يكفن الميت.

كيفية تكفين الرجل والمرأة

كيفية تكفين الرجل والمرأة أما كيفية التكفين: للرجل كيفية وللمرأة كيفية: فالرجل يكفن في ثلاثة أثواب يدرج فيها إدراجاً، يعني تؤخذ ثلاثة أثواب -ثلاث قطع- طويلة، أطول من الإنسان، وتوضع بعضها فوق بعض، ثم يؤتى بالرجل الميت ويوضع في الكفن، ثم يترك من عند رأسه أطول مما عند رجليه، فيترك من عند رأسه ذراعين -مثلاً- وعند رجله ذراع من القماش، ثم يطبق الطبقة الأولى عليه، من الشق الأيمن وترد عليه من الشق الأيسر، وهكذا أصبح ملفوفاً في الأولى، ثم تلف عليه الثانية من الجهة الأولى، ثم تلف من الجهة الثانية، ثم تلف عليه الثالثة من الجهة الثالثة. هذا اسمه التكفين، ثم يربط من عند رأسه، ويربط من عند يديه، ويربط من وسطه، ويربط من عند ركبتيه، ويربط من بعد قدميه، ثم يرجع ما بقي من عند رأسه على وجهه. وتكفن المرأة في خمسة أثواب: لفافتين مثل لفافة الرجل، وإزار تؤزر به المرأة، وقميص يفتح من عند وجهها ويسدل على بطنها وظهرها، وخمار، وهو قطعة قماش مثل (الغترة) تضرب على رأسها ثم تربط عند رقبتها. وأيضاً يكفن الصبي الصغير في ثوبٍ واحد أو في ثلاثة، والصغيرة في قميصٍ ولفافتين. وأحق الناس بغسل الميت وصيه الذي يوصي به، ثم الأب ثم الجد ثم الأقرب فالأقرب من العصبات، والأولى بغسل المرأة وصيها ثم الأم ثم الجدة ثم الأقرب فالأقرب من النساء، وللزوج أن يغسل زوجته وللزوجة أن تغسل زوجها، ولكن الأولى أن يغسل الرجل الرجال؛ فإن وجد رجلٌ بين نساء ليس فيهن رجل وليس فيهن امرأته لتقوم بغسله فإنهن لا يغسلنه بل ييممنه، وإذا وجدت امرأة مع رجال وليس منهم زوجها، كأن لا يوجد إلا أقارب: أبوها، أو أخوها، أو ولدها، أو أي شخص؛ فإنها لا تغسل وإنما تيمم ولا يتولى غسلها رجل؛ لأن هذا يؤدي إلى كشف عورتها.

صفة صلاة الجنازة

صفة صلاة الجنازة بعد ذلك صفة الصلاة على الميت: يكبر التكبيرة الأولى، ويقرأ الفاتحة، ثم يكبر التكبيرة الثانية، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة الإبراهيمية، ثم يكبر التكبيرة الثالثة ويدعو للميت ويقول: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم إنك تعلم منقلبنا ومثوانا وأنت على كل شيء قدير، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم اغفر له، وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار، وأفسح له في قبره ونور له فيه. هذه كلها جاءت وثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد ذلك يكبر التكبيرة الرابعة ولا يقول بعدها شيئاً، إنما يسلم تسليمة واحدةً عن يمينه وعند التكبير يرفع يديه مع كل تكبيرة، وإذا كانت الميتة امرأة فيقول: اللهم اغفر لها، وإذا كان طفلاً صغيراً، فإنه يدعو ويقول: اللهم اجعله فرطاً وذخراً لوالديه وشفيعاً لهما مجاباً، اللهم ثقل به موازينهما، وأعظم به أجورهما، وألحقه بصالح المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم، وقه برحمتك عذاب الجحيم. هذه الكيفية الشرعية لصلاة الجنازة، أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يحسن منقلبنا وإياكم وأن يحيينا وإياكم على الإسلام وأن يميتنا وإياكم على الإيمان إنه على كل شيءٍ قدير وبالإجابة جدير.

الأسئلة

الأسئلة

نموذج لزواج إسلامي

نموذج لزواج إسلامي Q عندي زواج في نهاية هذا الأسبوع وأرغب منك أن تحضر ليكون الزواج إن شاء الله طيباً ومباركاً وليس فيه معاصٍ ولا منكرات. A أنا أعتذر أن آتيَ نظراً لسفري إلى الرياض ولكني أقول لك: اذهب إلى بعض الإخوة وليس بالضرورة أن يكون شخصاً بعينه وإنما بإمكانك أن تستدعي طالبَ علمٍ، ويكون هناك كتاب من كتب ابن القيم أو كتاب الكبائر أو أي كتاب، وإذا لم تجد فبإمكانك أن تختار شريطاً من الأشرطة المفيدة وتشغل المكرفون وتضع الشريط في الجهاز حتى يسمع الناس ويذكرون الله عز وجل. وأذكر لكم حدثاً وقع في الأسبوع الماضي في بلاد زهران، في منطقة الأطاولة، بين الأطاولة والمندق أقيم زواجاً هناك لأحد إخواننا في الله، وقد أقامه بطريقة نادرة نسأل الله أن يبارك له في زواجه، فقد دعا مجموعة من طلبة العلم والعلماء والمشايخ، منهم الشيخ عبد الرحمن السديس، والشيخ الدكتور محمد بن سعيد القحطاني، والشيخ عائض بن عبد الله القرني، والشيخ عبد الرحمن العشماوي، والشاعر ناصر الزهراني وأنا كنت ممن حضر، دعاهم لحضور حفل الزواج وضمن هذه الأسماء بالدعوة وقال: أريد أن يكون الزواج ندوة إسلام ودين وعلم، وجاء الناس. يقولون لي: إنه وجه الدعوة لألف وخمسمائة رجل، لكن الذين حضروا ثلاثة آلاف رجل، بارك الله له في زواجه، وعشاهم كلهم؛ لأنه أقسم عليهم بالله وقال: والله لا أسمح لواحد أن يخرج إلا وقد تعشى، وقلت أنا: ماذا يعشي هؤلاء؟! لكن الله بارك في طعامه، ذبح خمسين خروفاً وحضر الطعام في مائة وخمسين صحناً وأقام الناس كلهم على سفرتين وقاموا والطعام باقٍ والحمد لله؛ لأنه قال: لا أحد يأتي لهذه الندوة ويخرج طاوياً؛ لأن الحفل طال، وقد بدأ بعد صلاة المغرب، فابتدأ بأن قسم البرنامج إلى قسمين: البرنامج الأول: ندوة مشتركة اشترك فيها عائض القرني والدكتور القحطاني وأنا، وكانت الندوة، الأول تكلم الدكتور محمد القحطاني عن المعوقات والعقبات في طريق الزواج لمدة نصف ساعة، ثم تكلمت أنا لمدة ساعة إلا ربع عن الوسائل الشرعية التي يحافظ بها على بناء الزواج، ثم تكلم الشيخ القرني بعدها لمدة نصف ساعة عن الآثار التي تترتب على نجاح الزواج في الدنيا والآخرة. ثم بعد ذلك أجيب عن الأسئلة، ثم صلينا العشاء، وبعد الصلاة قدم العشاء، وبعد العشاء رجعنا الساعة (11) ليلاً، وقامت أمسية شعرية اشترك فيها ثلاثة شعراء: الأول عبد الرحمن العشماوي وقد ألقى قصيدة رائعة بعنوان: من مشاهد يوم القيامة، وهذه القصيدة نقل الناس فيها كأنهم يعيشون في عرصات يوم القيامة، بالآية والحديث، والقصيدة الثانية ألقاها الشيخ عائض القرني عن الحداثة والحداثيين الذين ينادون بالتحرر ورفض الدين والإيمان، هؤلاء الخبثاء، ثم ألقى الشاعر ناصر الزهراني وهو أخو المتزوج وطالب في جامعة أم القرى وشاعر عظيم ثلاث قصائد من ضمنها في الأخير قصيدة بلسان حداثي، فألصق فيها الحداثيين بالتراب والطين، والشريط موجود في السوق، اسمه (الأفراح الإيمانية). فنقول لإخواننا الذين عندهم أفراح وزواج: أقيموا زواجكم على مثل هذا، ادعوا طلبة العلم والعلماء واذكروا الله، وابدءوا حياتكم بطاعة الله؛ لأنه إذا أسس الزواج على دين ثبت، وإذا أسس الزواج من أوله على معاصٍ ومنكرات وتبرج ومنصات وتصوير وفيديو وطبول وفساد -والعياذ بالله- فشل الزواج في الدنيا وفشل في الآخرة. إنه من العيب عليك -يا أخي- أن تدفع خمسة آلاف أو عشرة آلاف لمطبل أو مطبلة وأنت تعرف أن إخوانك المجاهدين في الأفغان يموتون من الجوع، والله! أفضل لك مليون مرة أن ترسل الخمسة آلاف للإخوان المجاهدين ليشتروا بها طعاماً ويجاهدون بها في سبيل الله، ولا تدفعها لمطبل تكون عليك هذه الخمسة الآلاف لعنة في الدنيا والآخرة. ونقول: أقيموا الزواج على مثل هذا؛ لأن الله يقول: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّم َ} [التوبة:109] هل هذا مثل هذا؟ لا. نعرف كثيراً من الزيجات فشلت من ليلة الزواج، وفشلت بعد أسبوع، رغم أنهم أقاموا لها بهرجاً عظيماً، بعضهم لا يقيم حتى في بيته زواجاً، يقيمه في قصر الأفراح، وليس هو قصر الأفراح، بل قصر الحزن قصر المعصية قصر الشؤم قصر التصوير قصر الطبل واللعب قصر دخول المنكرات والفضائح -والعياذ بالله- وبعضهم يقيمها في الفنادق الضخمة، يحجز الفندق كله، ويدفع خمسين أو ستين ألف ريال وبعد ذلك لا تكمل البنت أسبوعاً إلا وقد فشلت وطلقها ورماها، لماذا؟ لأنه أسس البنيان على غير رضوان الله عز وجل. بارك الله لي ولكم ونفعني الله وإياكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

علامات محبة الله

علامات محبة الله تكلم الشيخ في هذه المحاضرة عن حال المؤمن في استجابته لربه، وعودته إلى الله بعد طول عصيان ومقارفة للذنوب، مبيناً أن قرابة الدين مقدمة على قرابة النسب. وقد أعقب ذلك بتوضيح لأهم أسباب العصمة من المعاصي والتي تقود إلى محبة الله والتي هي غاية كل مؤمن. مع بيان بعض العلامات التي يجب أن تتوفر في العبد ليكون محباً لله. وفي الأخير نبه إلى الأسباب الجالبة لمحبة الله للعبد.

الاستجابة لداعي الله الخيار الوحيد للنجاة

الاستجابة لداعي الله الخيار الوحيد للنجاة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة في الله! إن الوضع الصحيح للمسلم في هذه الحياة الذي لا خيار له فيه هو أن يسير في الطريق الذي يوصله إلى الرضوان، وإلى الفوز بالجنان، والنجاة من النيران، فلا خيار، بل هو البديل الأفضل، والخيار الأكمل أن تستجيب لداعي الله؛ لأن الذي لا يستجيب لداعي الله ويستجيب لداعي الشيطان فليس بمعجز في الأرض، إن قدرة الله غالبة، والله غالب على أمره، وإنه ليملي للظالم السادر في غيه، الذي يحارب ربه، ويعاند دين الله عز وجل، ولكنه إذا قبضه أخذه أخذ عزيز مقتدر، ثم لم يفلته إلا في النار. وأنت أيها الإنسان! ضعيف، لا حول لك ولا طول، ولو تصورت أنك قوي، وأنك تملك الإمكانيات، لكنك ضعيف أمام قوة الله، تذكر وضعك وأنت في حشرجة الموت، وفي ساعات الضعف، حينما تلتف الساق بالساق، وحينما ترتخي المفاصل، وتنخسف الأصداغ، وتميل الأنف، وتضعف القوى، وتنهار الإمكانيات، ولا تستطيع حولاً ولا طولاً، ولا يستطيع من حولك من الأولاد أو من الأفراد، أو مما تمتلك من الأموال، أو ما قد سعيت إليه من المنصب أو الجاه أو المنزلة في القبيلة أو العشيرة، لا تستطيع كل هذه الأشياء أن تغني عنك شيئاً، قال تعالى: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الواقعة:83 - 87] أتستطيعون أن تدفعوا؟! أتستطيعون أن تمنعوا؟! أتستطيعون أن تنفعوا في تلك اللحظات؟! لا. فغاية ما عند الإنسان أنه يمسك الميت ويجلس عند رأسه، أو وراء ظهره، أو عند أرجله، يبكي على قريبه. أما ذاك فمسلم أمره إلى الله، ومنتقل إلى مولاه، إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشراً، وهناك {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] ويجزي الله هذا الإنسان في الآخرة على ضوء الحصيلة التي جاء بها من الدنيا؛ لأن هذه الدنيا سوق والناس يردون هذا السوق، ثم يصدرون بأعمالهم، وتكون المحاسبة لهم في الآخرة على ضوء أرباحهم أو خسائرهم في هذه السوق، يقول الله عز وجل: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ} [القصص:84] أي: من دخل سوق الحياة، ورجع إلى الله ببعض الحسنات والعمل الصالح {فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} [القصص:84] ولا يعطي الله الحسنة فقط، بل يعطيه خيراً منها {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [القصص:84]. فكما تدين تدان، ومثلما تُعامِل تُعامَل، وكما كنت مع الله يكون الله معك، وفي آية أخرى في سورة النمل يقول الله عز وجل: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [النمل:89]. اللهم إني أسألك من فضلك وإخواني المسلمين {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} [النمل:89] وأيضاً مع هذا {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} [النمل:89 - 90]. يا إخواني! تصورنا تصور سطحي سقيم، ما دخلنا في أعماق تصور صحيح حتى نتذوق ونعرف ما في النار، فالنار شيء بسيط في حياتنا!! ولكننا لا نستطيع تحمل أبسط نتائج النار، فالماء الحار لا نستطيع أن نشربه إلا إذا بردناه، والهواء في اليوم القائظ لا نستطيع أن نجلس فيه إلا وقد عملنا مروحة أو مكيفاً، فكيف بمن طعامه النار، وفراشه النار، وشرابه النار، ودفائه النار، ومسكنه النار، لا إله إلا الله! {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل:90]. فما نجزى إلا ما كنا نعمل، قال الله عز وجل: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:31] وقال تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ} [الرحمن:60] فهذه الآية مضمونها ومفهومها: أن الإساءة جزاؤها الإساءة، والله لا يظلم مثقال ذرة يوم القيامة، قال تعالى: {وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:40]. فالخيار الصحيح والوضع الطبيعي لك -أيها المسلم- أن تستجيب لداعي الله، وأن تعرض عن داعي الشيطان؛ لأن الله هو خالقك، وبارئك، والذي أوجدك، وأمدك بالنعم، ويتولاك، وهو الذي سوف يميتك، ويبعثك، ويجازيك ويحاسبك. أما الشيطان فهو عدوك في الأصل، والمنشأ، وعداوته عداوة عميقة في جذور التاريخ والزمن، منذ أن كان أبوك في الجنة، فهو الذي وسوس له وأخرجه من الجنة، وهو الذي أقسم أن يغويك وأن يقعد لك الصراط المستقيم: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف:16]. والصراط المستقيم هو: الإسلام، ويقسم بالله عز وجل أن يقعد لأبناء آدم، أين؟ قال: {صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف:16] أي على الناصية على الطريق المستقيم على الإسلام، فلا يترك أحداً يدخل في دين الله: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} [الأعراف:17] أي: يأتيك أيها الإنسان من كل اتجاه، إذن أين تذهب؟ إذا أتاك العدو من كل باب وليس هناك سبيل لتجنبه، أتقعد مع العدو وهو قادر عليك؟! لا. بل تدخل من جهة الصديق، فوليك وربك وخالقك وحبيبك ومولاك هو الله تبارك وتعالى. والشيطان لم يقل: ومن فوقهم، لأنه لا يستطيع. فإذا جاءك من أمامك -يقول المفسرون: أنه يأتي من أمامك- أي: يكذبك ويزهدك في الآخرة، ويسوف لك ويمنيك ويعدك. ومن خلفك يرغبك في الدنيا، ويشدك إليها، ويحرصك عليها، ويجعلك تتكالب عليها. وعن يمينك يكرهك في الحسنات، ويزهدك فيها، فلا تريدها بشيء. وعن يسارك يرغب لك السيئات، والمعاصي، والذنوب، ويحسنها ويزينها، ويجعلها أحب شيء إلى الإنسان، قال تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سبأ:20].

فرح الله بتوبة عبده

فرح الله بتوبة عبده فيا أخي! فر إلى الله، واهرب وسابق إلى مولاك تبارك وتعالى، يفتح لك ربك بابه؛ لأن الله عز وجل يفرح بتوبة عبده كما جاء في الصحيحين، يقول عليه الصلاة والسلام: لله أشد فرحاً بتوبة عبده من أحدكم كان في فلاة معه راحلته وعليها زاده وماؤه فضاعت الدابة، فاستيقظ وإذ به لا يجد دابة، ولا زاداً، ولا ماءً، وهو في صحراء، فبحث عنها فلم يجدها، فلما يئس منها، استسلم للموت، ونام تحت شجرة؛ لأنه لا يجد إلا الموت. فردها الله عليه ووقفت عند رأسه، فاستيقظ ورآها فلما رآها رأى الحياة، وكأنه إنسان محكوم عليه بالإعدام والموت، ثم رأى الحياة، فقام من شدة الفرح وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك غلط من شدة الفرح، لأنه موقف يجعل الشخص يغلط رغماً عنه. أخطأ -يقول عليه الصلاة والسلام- من شدة الفرح فالله أشد فرحاً بتوبتك أيها العبد المسلم! من فرحة هذا الرجل بعودة ناقته، والله عز وجل لا تضره معصيتك، ولا تنفعه طاعتك، كما جاء في الحديث الذي يرويه أبو ذر الغفاري رضي الله عنه، والذي فيه ثمانية نداءات يا عبادي! منها: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم؛ ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، ولو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم؛ ما زاد ذلك في ملكي شيئاً) ولكن إن أحسنتم فلكم، وإن أسأتم فعلى أنفسكم، والله تبارك وتعالى غني عن العالمين. فيا أخي المسلم! إن ما نلحظه ونشاهده -والحمد لله- من عودة صادقة في صفوف الأمة، شيباً وشباناً، رجالاً ونساءً، وكباراً وصغاراً، هذه العودة تبشر بخير والحمد لله، ونأمل من الله المزيد فليس بغريب أن يعود الناس إلى مولاهم، بل الغريب أن يهرب الناس من الله، خصوصاً في هذا الزمن الذي أقام الله فيه علينا الحجة وأمدنا فيه بالنعم، وصرف عنا جميع النقم، وآتانا من كل ما سألناه، بل آتانا مما لم نسأله، وأقام علينا الحجة، وكان الله لنا في الدنيا كما نريد، فيجب أن نكون له كما يريد، وإلا فإن الله يقول: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال:53]. فنخشى أن نغير ما بنا من الشكر والطاعة، فيغير الله ما بنا من النعمة والأمن، وكما نحب أن يكون الله لنا، يجب أن نكون كما يحب الله عز وجل.

قرابة الملة مقدمة على قرابة النسب

قرابة الملة مقدمة على قرابة النسب محبة الله عز وجل هدف كل مؤمن، وغاية كل موحد، وإذا أحبك الله، أقبلت إليك طرق الخير من كل جانب، وإذا أبغضك الله، تولت عنك طرق الخير، وأقبلت عليك طرق الشر؛ لأن من أحبه الله أحبه كل شيء، ومن أبغضه الله أبغضه كل شيء، (إذا أحب الله عبداً نادى في السماء: يا جبريل! إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم يأمر الملائكة كلها في السماء أن تحبه، فتحبه وتستغفر له في السماء) قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} [غافر:7 - 9]. هذه الملائكة في السماء تدعو لك وأنت لا تعلم تدعو لك أن يغفر الله لك، وتدعو لك أن يدخلك الله الجنة، وتدعو الله لك أن يدخل الله معك آبائك، وأمهاتك، وزوجاتك، وذرياتك؛ لأنه لا تتم لك فرحة في الدنيا إلا وقد جمع الله لك بين آبائك وأزواجك وذرياتك، فما بالك بالآخرة: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ} [غافر:8] ومن تدخل معهم؟ {وَمَنْ صَلَحَ} [غافر:8] ليس كلهم، وليس حوش بقر، فمن أتى دخل، لا. هذه جنة لا يدخلها إلا أهلها {وَمَنْ صَلَحَ} [غافر:8] أما من طلح فليس له إلا النار. لما قال نوح: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود:45] وكان عنده وعد من الله، قال الله: {فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ} [المؤمنون:27] وفهم نوح أن أهله، أي: أسرته، ومراد الله أهله أي: أهل عقيدته، أهل دينه، فالأهلية هي: أهلية العقيدة، فولدك إذا كان على دينك فهو من أهلك، وإذا لم يكن على دينك فهو ليس من أهلك. والبعيد إذا كان على دينك فهو من أهلك، وإذا لم يكن على دينك فليس من أهلك؛ لأن الله عز وجل يقول: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة:22] ثم قال: {وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:22] لأن صلة العقيدة فوق كل صلة، ورابطة الإيمان والدين فوق كل رابطة، ففهم نوح عليه السلام أنه من أهله فقال: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} [هود:45] قد قلت: أركب أهلي، وابني لم يرض أن يركب {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ} [هود:42 - 43] رجل مادي، عقلية متحجرة، يقول: سوف أذهب إلى رأس جبل يمنعني من الماء {قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} [هود:43] لأن الله عز وجل قال: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر:12] {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} [القمر:11] فالتقى ماء السماء بماء الأرض، حتى التنور الذي هو مكان النار، والذي لا يتوقع أن يكون فيه ماء، يفور بالماء، النار والماء متضادتان، ولن يجتمع النار والماء، لكن الله جعل من موطن النار ماء {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ} [هود:40] فارت كل الدنيا حتى موطن النار أصبح يصعد بالماء، قال الله عز وجل: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود:46 - 49]. صحيح أن الفجرة والعصاة والمجرمين والمنحرفين يبدوا لهم نوع من الإمهال، ونوع من الإضلال، ونوع من المكر من الله عز وجل، ونوع من إعطائهم فرصة، لكن لمن العاقبة في كل ساعة وفي كل حين؟ {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف:128]. فالله تبارك وتعالى يخبر أن الملائكة تقول: {وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [غافر:8] ثم تدعو الملائكة لك وأنت في الأرض تقول: يا رب! قهم السيئات، واصرف عنهم الذنوب، واحمهم منها؛ لأن الذنوب مهلكة الذنوب قاطعة عن الله الذنوب مانعة عن الوصول إلى الله، فهي حجاب بين العبد وبين الله، فهذه الذنوب والمعاصي عقبات وموانع وحواجز فلا تستطيع أن تصل إلى الله بوجود الذنوب، فإذا أردت أن تصل فأمط الذنوب والآثام من الطريق، واركب مطية العمل الصالح تصل إلى الله بسلام، لكن حين تكون المطية معطلة، والعمل الصالح قليل، والموانع كثيرة كيف تصل؟! لا تصل. قال الله: {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} [غافر:9] ثم قالت الملائكة: {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر:9] اللهم قنا السيئات يا رب!.

صدق اللجوء إلى الله سبب للعصمة من المعاصي

صدق اللجوء إلى الله سبب للعصمة من المعاصي ودائماً أنا أقول للإخوة الذين يشكون من سيطرة وغلبة المعاصي على قلوبهم أقول لهم: إن خير دواء للتخلص من الذنوب سؤال الله عز وجل، ليس هناك أعظم من التجائك إلى الله؛ لأن الذنوب والمعاصي من وساوس الشيطان، يقول الله: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة:268] أي فحشاء، وأي معصية، وأي منكر في الأرض؛ كلها من الشيطان، فإذا اعتصمت بالله، ولذت بالله، وسألت الله، كفاك الشيطان {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران:101]. وهنا مثال ذكرته أكثر من مرة وهو: إذا كنت سائراً من أمام بيت بدوي وانطلق عليك كلبه ليعضك وينبح عليك ويريد أن يعتدي عليك، فإنك إن قعدت تنابح الكلب وتراجمه أتعبك، وإن تركته سوف يعضك، لكن إذا أردت أن تسلم منه فادع راعي البيت البدوي وقل له: اكفنا من كلبك، فسيمسكه ويربطه، ولا يأتيك أبداً. فالشيطان هو كلب هذا الإنسان، ينابحه ويعضه ويفترسه، ويريد أن يهلكه، فإذا أردت أن يمنعك الله منه، فادع الله أن يعصمك، ولهذا يقول الله: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت:36]؛ لأنك إذا نزغك الشيطان فأطعته ركبك، أما إذا نزغك فاستعذت بالله قمعه وطرده وأبلسه، والنزغ هنا كما يسميه العلماء: هو إما إيعاد بشر، أو تكذيب بخير، أو أمر بمعصية؛ لأن القلب السليم هو: القلب الذي سلم من كل شبهة تعارض خبر الله، أو من كل شهوة تعارض أمر الله، أو نهيه، فأنت -أيها المسلم- في هذه الدنيا ثلاثة أشياء: أمام أمر، ونهي، وخبر. أمر من الله، مثل: التوحيد، الصلاة، الزكاة، الصوم، الحج، البر، هذه كلها أوامر. أو نهي من الله مثل: لا تزنِ، لا تسرق، لا تقتل، لا تقف ما ليس لك به علم، لا تأكل مال اليتيم، هذه اسمها نواهي. أو خبر من الله، خبر عن قضايا الإيمان: خبر عن الجنة، والنار، والبعث، وعذاب القبر، والصراط، والجزاء، والحوض، والميزان، والكتب؛ هذه أخبار ترد عليك من الله، فأنت أمام هذه الأوامر لا يسعك أمام الخبر إلا التصديق، ولا يسعك أمام النهي إلا الابتعاد، ولا يسعك أمام الأمر إلا الامتثال، فإذا سلم قلبك من شبهة تشكك في خبر الله، أو من شهوة تعارض لك أمر الله أو نهي الله سلم قلبك. إن محبة الله تبارك وتعالى غاية كل مؤمن، والله عز وجل يلقي لك المحبة في السماء، ثم يقول جبريل: (يا ملائكة الرحمن! إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض) فيحبك كل شيء، وعلى قدر حبك لله يحبك أهل الأرض، وعلى قدر بغضك وبغض الله لك يبغضك أهل الأرض، حتى ثوبك الذي على جسدك يبغضك، كما ورد في بعض الآثار: أن تارك الصلاة إذا خرج من بيته قال له البيت: لا ردك الله من سفرك، ولا خلفك في أثرك، ولا رجعك إلى أهلك سالماً. وورد أنه إذا رفع اللقمة إلى فمه قالت له اللقمة: لعنك الله يا عدو الله، تعرف فن البلع والهضم ما شاء الله -مثل- (الدركتر) لكن إذا أتيت إلى الصلاة أعجز من جدتك، تقول له اللقمة: لعنك الله، وبعض العصاة يأكلون في كل وقت، أي: كل لقمة فيها لعنة، فلو أكل مائة لقمة ففيها مائة لعنة، ولو أكل مائتي لقمة ففيها مائتي لعنة، فكأنه يزيد من اللقم ويزيد من اللعنات، تقول: لعنك الله يا عدو الله، تأكل من رزق الله ولا تؤدي حق الله، وإذا لبس الثوب على جسده قال الثوب له: لعنك الله، والله لولا أن الله سخرني لك لفررت منك، ثوبه لا يريده، الأرض التي يسير عليها تلعنه، الهواء الذي يتنفسه يلعنه، الوردة التي يقطفها ويحرمها الحياة ليتلذذ برائحتها تلعنه، كل شيء يبغضه؛ لأن الله قد أبغضه. {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة:165] وإذا أردت أن تعرف هل الله يحبك؟ فاسأل نفسك أولاً: هل أنت تحب الله؟ لأن الله عز وجل يقول: في سورة المائدة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54] يبادلونه المحبة، فما أحبهم إلا لأنهم أحبوه، لكن إذا أبغضوه أبغضهم؛ لأنه غني ليس بحاجة إلى أن يحب من يبغضه {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17] ولما زاغ أولئك أزاغ الله قلوبهم. فإذا أردت أن تعرف مقدار منزلة حب الله لك أنت، فاعرف مقدار منزلة حب الله في قلبك، هل أنت تحب الله حقيقة أم لا؟ ولكن هناك علامات للمحبة، وهناك أسباب لها، فأولاً نذكر لكم علامات المحبة، من هو المحب لله حقيقة؟ ثم بعد ذلك نذكر الأسباب الجالبة لمحبة الله، ولقد ذكرها كلها الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه إعلام الموقعين، وهو كتاب عظيم من كتبه، أنصح كل شاب أن يقرأ كتب ابن القيم على الإجمال، أي كتاب تجده لـ ابن القيم فاشتره ولا تبالي.

علامة المحبة الأولى: إظهار الذلة للمؤمنين

علامة المحبة الأولى: إظهار الذلة للمؤمنين فأما علامات حب الله عز وجل للعبد فهي خمسة: قال تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54] ما صفاتهم يا رب؟! قال: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [المائدة:54] متواضعين، مخبتين، والإخبات قال الله: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الحج:34 - 35]. الإخبات: صفة من صفات أهل الإيمان، وقد ذكرها ابن القيم في مدارج السالكين على أنها منزلة من منازل السير إلى الله في الدار الآخرة، والإخبات مأخوذ من الخبت، والخبت: هي الأرض المنبسطة التي خيرها كثير وليس منها شر، والخبت هي المنطقة الموجودة في تهامة، أخذ الإخبات من الخبت؛ لأن الخبت أرض سهلة منبسطة، وبعد ذلك منخفضة متواضعة، وخيرها إذا جاءها مطر، يأتي الواحد منا فيزرع فيغرس المسافة الطويلة ومعه الحبوب في كفه والعصا في يده، فيغرس العصا في الأرض ويضع الحبة فقط -حبة مكان العصا- وبعد ذلك يخطو خطوتين ويضع غرسة وحبة، وبعد أيام إذا بالحبة هذه قد كبرت، لا يسقيها ولا يحميها، ولا يحرسها، ولا يتخولها، ولا يتعهدها، ولا شيء، إنما يضع حبة، فتنبت منها الخيرات. فالمؤمن أولاً سهل، وبعد ذلك منبسط فليس بمعقد، وبعد ذلك متواضع ليس بمتكبر ولا متعالٍ، وبعد ذلك خيره كثير، ضع له شيئاً فترى شيئاً عظيماً، وبعد ذلك لا يتعبك في شيء، لكن المنافق والعياذ بالله عكس هذه كلها، صلب مستعلٍ متكبر، خيره قليل وشره كثير والعياذ بالله وبعد ذلك معقد، وملتوٍ، ومنافق، حين تبحث عنه لا تراه؛ لأن النفاق أُخذ من النفق، والنفق هو المكان المتلوي الذي لا ترى له اتجاهاً معيناً. فالمؤمن متواضع ذليل، قال الله عز وجل: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [المائدة:54] أي: لا يتكبر على إخوانه المؤمنين، ويتواضع لهم، ويرحم صغيرهم، ويوقر كبيرهم، ويزور مريضهم، ويسلم على مارهم، ويتبع جنازة أخيه المسلم، يشمت أخاه المسلم، إذا دعي إلى وليمة ولم يكن له عذر جاء وأجاب، وإذا كان له عذر اعتذر من أول الأمر، وقال: لا آتي، لا كما يصنع أكثر الناس اليوم، يدعى فيقول: حسناً وهو ينوي ألا يأتي، حتى قال لي شخص من الناس: والله إني وزعت مائتي (كرت) ولم يأت إلا عشرين رجلاً، وذبحت ثمانية خراف، واعتبرت أن لكل خمسة وعشرين رجلاً خروفاً، وقلت: لكل مائة أربعة، فذبحت ثمانية خراف وجاءني عشرون رجلاً، وجلس كل واحد على خروف، يرون اللحم ولا يريدونه، لكن لو أن الذين أعطيتهم الكروت كلهم اعتذروا لي عن الحضور وقالوا: والله مشغول، أو أنا معزوم، أو عندي موعد أو ارتباط، لذبحت بدل الثمانية أو العشرة اثنين. المؤمن ذليل {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [المائدة:54] ويضاد هذه الصفة العزة على أهل الإيمان، من الناس من هو متكبر متعالٍ: إما بماله، أو بسلطته، أو بوظيفته، أو بنسبه، أو بأولاده، أو بما يملك، يتعالى ويتكبر ويتعاظم، فهذا ليس من صفات أهل الإيمان. فإذا أردت أن تعرف أن الله يحبك، فمن علامة محبة الله لك أن تكون ذليلاً على المؤمنين، وإذا كنت عزيزاً مستكبراً متعالياً متعاظماً، تنظر إلى الناس بنظرة الاحتقار، والازدراء، والتعالي، وترى أنهم تحتك وأنك أحسن منهم، وأنهم فقراء وأنت غني، وأن نسبهم وضيع وأنت رفيع، وأنهم سوُد وأنت أبيض، وأنهم ضعاف وأنت قوي، أي: تعتز وتفتخر بنعم الله التي ساقها الله لك، فاعلم أن الله يبغضك؛ لأنك تفتخر بشيء ليس منك، فالعافية والرزق والأولاد والجاه والغنى وكل شيء من الله، لماذا تتفاخر وتتمدح بحق غيرك؟!! يقول الله: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل:53]. فاشكر الله -يا أخي- وتواضع؛ لأن المؤمن متواضع (من تواضع لله رفعه، ومن تعالى على الله وضعه)، اشكر الله وكن ذليلاً على إخوانك المؤمنين، وابتسم في وجوههم، وزرهم إذا مرضوا، وحاول أن تحسن إليهم بكل وسيلة ليسعك من الناس الابتسامة، يقول عليه الصلاة والسلام: (إنكم لن تسعوا الناس بأرزاقكم) أي: لا تستطيع أن تستحوذ على الناس كلهم بالمال، ولو كان ما كان، فلا تستطيع. من يرزق العباد إلا رب العباد (ولكن تسعوهم بأخلاقكم)، وقال عليه الصلاة والسلام: (تبسمك في وجه أخيك صدقة) وقال: (لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق) فأنت في الطريق تسلم فتقول: السلام عليكم، الله يصبحك بالخير، كيف حالك يا أخي؟! ولكن من الناس اليوم من إذا رأى أخاه المؤمن من هناك غير الطريق، حتى في العيد لا يتزاورون، العيد الذي سماه الله عيداً؛ لأنه يعود على الناس ليتعاودوا ولينسوا الماضي، فتقول لجارك: أنت جاري وأنا جارك، صار بيني وبينك مخاصمة، أو صار بيني وبينك سوء تفاهم من أجل الأولاد، ومن أجل -مثلاً- الحدود، ومن أجل الماء، ومن أجل أي غرض من أغراض الدنيا، انتهت المشكلة لا ينبغي ولا يجوز شرعاً أن ألقاك بعد ثلاث ليالٍ، ولا أقول: السلام عليكم، وأنت مفروض عليك وواجب بمجرد أن أقول: السلام عليكم، أن تقول: وعليك السلام، الله يمسيك بالخير؛ لأن بعض الناس إذا سمع هذا الحديث وقال: والله لا يجوز أن أهجر أخي المسلم، لابد أن ألقاه وأسلم عليه، فيلقاه، فيقول: السلام عليكم، فإذا بالآخر يتهجم ويأبى أن يرد السلام، فيأتي الشيطان فيقول: أرأيت! تلقي عليه السلام ولا يرد عليك السلام، إذن اقطعها معه. لا يجوز يا أخي! المفروض أن تغتنم هذه المبادرة الطيبة من أخيك المسلم الذي غلب نفسه وغلب الشيطان وجاء إليك وقال: السلام عليكم، فمقابل أن قال: السلام عليكم، قل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ورد عليه، وأمسك رأسه وقبله، وقل: جزاك الله عني كل خير، لقد أعنتني على نفسي لو أنك ما سلمت علي كان الشيطان يريد أن يكبرها في نفسي، الله يسامحك باطناًَ وظاهراً، والدنيا كلها فانية. قيل لي: إن في قرية من القرى أرحام بينهم صهر ونسب لا يدخلون بيوت بعضهم، وجاء العيد وبعضهم ما دخل على الثاني، لماذا؟ كبرت نفوسهم، ما تواضعوا، وما ذلوا؛ لأنهم لا يحبون الله، والله لو كانوا يحبون الله ويحبون رضا الله عز وجل؛ لنسوا أنفسهم ولأنكروا ذواتهم ولتواضعوا وطلبوا التسامح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث ليال، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) تريد أن تكون من خيرهم أو من شرهم؟ صحيح إذا أردت أن تكون من خيرهم فإن لها ضريبة، وضريبتها أن تنكر نفسك، وتغلب هواك، وألا تستسلم لشيطانك، وتخضع نفسك: السلام عليكم ولو بالغصب أو بالقوة، لكن الله عز وجل يجعلك خيرهما (وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) أما إذا التقيا وأعرض هذا وأعرض هذا وتباغضوا في غير ذات الله عز وجل، فإن الله عز وجل لا يرفع لهما إلى السماء عملاً، كما جاء في الحديث: (تعرض الأعمال على الله كل يوم إثنين ويوم خميس، إلا عمل رجلين متشاحين في الله، يقول الله: دعوهما حتى يصطلحا) رد عليهم أعمالهم مرفوضة حتى يتصالحوا، فإذا تصالحوا فلهم العمل، أما إذا لم يتصالحوا فليس لهم عمل، إذن ما قيمتك في الحياة؟ وما تعمل هنا؟ هل خلقك الله من أجل أن تضارب الناس، وتعمل مع هذا مشكلة ومع هذا مشكلة؟ لا يا أخي! لما عفوت ولم أحقد على أحد أرحت نفسي من هم العداوات إني أحيي عدوي عند رؤيته لأدفع الشر عني بالتحيات وأملأ الوجه بشراً حين مقدمه كأنما قد حشا قلبي مودات كم من ابتسامة لقي الرجل بها أخاه المسلم دفعت هذه الابتسامة وهذا السلام شروراً عظيمة جداً كان يمكن أن تتولد ويصير فيها قتل، كثير من الناس الآن في السجون بسبب القتل؛ لأنهم طوروا القضايا وكانت (حبة) وجعلوها (قبة)، كانت كلمة فضخمها المنافقون وأعداء الله عز وجل الذي يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، يأتون إلى هذا فيقولون: ماذا قال فيك فلان أمس؟ ماذا فعلت به؟ والله قال فيك وفيك، وبعد ذلك يذهب هذا إلى ذاك، وحرش بين الناس، وهذا هو النمام الذي قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيه: (لا يدخل الجنة نمام) والنمام هو: الذي ينقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد، لكن الذي ينقل الكلام بين الناس على جهة الإصلاح ليس بنمام ولو حلف بالله. لو سمعت مثلاً أن زيداً وعمرواً من الناس في القرية حصل بينهما اليوم سوء تفاهم، من أجل حدود، أو حطب، أو ماء، أو أولاد، أو أي غرض، لما سمعت قلت: والله لا يمكن أن أترك هؤلاء متباغضين، ذهبت إلى واحد منهم الذي بدأ بالشر، فتقول: يا أخي! ما الذي حصل بينكم؟ قال: والله حصل، وحصل وعمل، تقول يا أخي! أنا جئتك من عنده الآن، وهو متأسف جداً، ويريد أن يقابلك الآن، ولو الخطأ منك لكن يقول: لا. لا يمكن أبداً أن يغضب عليّ، ولو أقسمت له بالله لو قال: بالله، أو والله، فإن قسمك هذا يعتبر طاعة لله، ولا تأثم به، بل تكسب به أجراً من الله عز وجل؛ لأنه إصلاح، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ليس الكذاب الذي يصلح بين رجلين فيقول خيراً أو ينمي خيراً) ليس بكذاب هذا، ولا فاجر بل هو مصلح لله عز وجل، ثم تذهب إلى آخر فتقول: ماذا حصل؟ وتعطيه هذا الكلام، تجدهم في الصباح يلتقون، فيحاول كل منهما أن يبدأ بالسلام. لكن أن تشحن هذا مثل الكهرباء، وتشحن هذا، وتأتي في اليوم التالي وإذا بهما يقتتلان، وتصير فتنة، لماذا؟ لأن النمام يفسد في ساعة ما لا يفسده الساحر في سنة، فأول صفة من علامات محبة الله لك أن تكون ذليلاً وأنت أعرف بنفسك، إن كنت ذليلاً على المؤمنين ومتواضعاً للمؤمنين، تحب المؤمنين. الر

علامة المحبة الثانية: إظهار العزة على الكافرين

علامة المحبة الثانية: إظهار العزة على الكافرين قال تعالى: {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:54] تنظر إلى اليهود والنصارى والمنحرفين نظرة الإذلال والإهانة؛ لأنك تنظر لهم من علياء الإيمان، ومن عزة العقيدة، ومن قوة الدين، فترى أنهم أعداء لله، يكذبون على الله، وينكرون الله، ويكفرون بالله، فكيف تعزهم؟! كيف؟! {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:54] لأنهم يقيسون الناس بمقياس العقيدة، هل هو مؤمن؟ يعزونه ويذلون له، وأما الكفار فيذلونه ويستعلون عليه، وهذه صفة أهل الإيمان. لكن الآية انعكست اليوم، لما عشنا في زمن ضعف الدين، أصبحت القضية بالعكس، إذا جاء كافر أو خبير أو أجنبي، ترى الناس كلهم: هذا بريطاني، وهذا أمريكي، وهذا من الدول المتطورة، وهذا من الدول المتقدمة. وإذا أتى مسلم من تهامة أو صحراء أو بادية، والله إن قدم هذا المسلم أفضل من مليون وجه من وجوه الكفار، والله إن قدمه الحرشاء المقطعة من الجبال أفضل من وجوه هؤلاء الكفرة الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، لماذا؟ لأن هذا يؤمن بالله. لو أتيت إلى هذا الإنسان التهامي الضعيف فتقول له: من ربك؟ قال: ربي الله، قال: لا إله إلا الله! لكن تعال عند هذا الملعون وهذا الكافر تقول: من ربك؟ ما دينك؟ ديانته كافر ملعون نجس كالخنزير والكلب، وأنت تعزه، وتخاف منه، وتكرمه، لا إله إلا الله! هذا إذا أكرمته فإن الله لا يحبك، وإذا أعززته فإن الله لا يحبك، لكن إذا أهنته وأذللته ونظرت إليه بنظرة الاحتقار والازدراء؛ يحبك الله {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:54].

علامة المحبة الثالثة: الجهاد في سبيل الله

علامة المحبة الثالثة: الجهاد في سبيل الله قال تعالى: {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [المائدة:54]، والجهاد في سبيل الله هو: أعلى مراتب الدين، كما جاء في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه ولما قال: (وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله) والجهاد كما يقرر العلماء ينقسم إلى أربعة أقسام: أولاً: جهاد النفس. ثانياً: جهاد الأهل. ثالثا: جهاد العشيرة والمجتمع. رابعاً: جهاد الكفار.

جهاد النفس

جهاد النفس جهاد النفس هذا دائم؛ لأنه مستمر، فأنت مع نفسك في جهاد، يقول الله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69] فلو أنك ماليتها قالت: والله لا تذهب، أنت عندك خير وأنت في خير، والحمد لله، والشيطان يزكي هذا الموضوع ولا يريدك تأتيه، لكن لو أتيت تمالي نفسك، تقول لك: هناك سمرة عند آل فلان، وهناك لعب وهناك قالت: لا تفوتك الفرصة، وجاء الشيطان وقال: ماذا عليك يا رجل؟! لكن لا تمالي النفس ولا تستشر الشيطان، وإنما إذا جاءك أي إيحاء أو وسواس يدلك على أمر خير فاعلم أنه من الله، وإذا جاءك أي إيحاء أو أي شعور على أمر شر فاعلم أنه من الشيطان. أضرب لك مثالاً: وأنت جالس في بيتك، والمصحف أمامك، وبعد ذلك نظرت إلى المصحف وإذا لم يكن عندك شغل فرصة أن تقرأ؛ لأن في كل حرف عشر حسنات، سطر واحد فيه عشرة حروف بكم؟ بمائة حسنة، سطر واحد فيه عشرون حرفاً بكم؟ بمائتي حسنة، وأنت تحب التجارة مع الله، فمددت يدك، فلما مددت يديك وأخذته، هذا الدافع من الله، فحين تفتح وتقرأ عشرة أسطر، أو صفحة أو صفحتين، يأتيك نوع من الضيق؛ ويأتيك دافع بأن قف، أو نم، أو تكلم، أو اضحك، أو اتصل فتلك من إبليس، لا يريدك أن تقرأ. فعندها استعذ بالله واقرأ، وكلما شعرت بأنك تريد أن تتوقف استعذ بالله، واقرأ إلى أن يأتيك أمر لا بد لك منه، مثل ماذا؟ إما أن تقوم إلى فريضة، أو إلى نوم، أو إلى طعام، أو تذهب إلى مصلحة دينية أو دنيوية، أما أن تترك المصحف وتقعد كذا، لا قراءة ولا عمل فهذه من الشيطان، فهنا جهاد النفس، تجاهد نفسك بالليل والنهار في كل وقت، تجاهدها بصلاة المغرب والعشاء والفجر مع الجماعة، وتجاهدها إذا رأيت امرأة، فتغض بصرك، وإذا سمعت نغمة أو أغنية فتصون سمعك، وتجاهدها عندما يعرض لك ريال بالحرام فلا تأكله مهما كانت حاجتك؛ لأنك تصبر على الفقر، ولا تصبر على النار، فأنت في حاجة إلى جهاد مع النفس.

جهاد الأهل

جهاد الأهل أما جهاد الأهل، والزوجة، والأبناء، والوالد، والأم فهذا كله جهاد، لكن يلزمك أن تجاهد كل شخص بأسلوب، جهادك لزوجتك ليس مثل جهادك مع أبيك، لماذا؟ لأن زوجتك فأمرك عليها، أما أبوك فأمره عليك. فالذي فوق تسترضيه وتستعطفه، والذي تحت تجبره، إن صلح بالطيب وإلا بالغصب، لماذا؟ لأن الله عز وجل قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] وقال بالنسبة للوالدين: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [لقمان:15] إذ هما كافرين {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:15] فإذا كان الله يأمر بمصاحبة الوالدين الكافرين بالمعروف، فإن مصاحبة الوالدين المسلمين بالمعروف أولى؛ لأن من الشباب الطيب من يعامل والديه معاملة سيئة، بل قد شكا إليّ أكثر من رجل من أولاده، يقول: أولادنا طيبون صالحون لكن عصاة عندنا والله لا يعطيني إصبعه، وإني أبحث عنه أربعاً وعشرين ساعة، أريده أن يأتي لي بماء فلا أراه، أريده أن يأتي لي بالغاز فلا أراه، أريده أن يقضي لي حاجتي في البيت فلا أراه، أريده أن يدرس إخوانه فلا يدرسهم، وإنما لا أراه إلا يأكل ثم يخرج. فهذا فاشل ولو كان داعية، ولو كان فيه خير لكان خيره لأهله، إذا كان فاشلاً في استصلاح أبيه وأمه وإخوانه فسيكون في استصلاح غيره أفشل، وإذا أردت أن تكسب أباك، أو أمك بالدعوة أن تكسب أهلك كلهم فأولاً: يجب أن تعطيهم، حتى تأخذ منهم، أما أن تدخل البيت قائلاً: حرام، حلال، ممنوع، لا ينفع، ثم تخرج، وتصدر أوامر ثم تخرج، فهنا لا أحد سيطيعك، لكن اجلس في البيت أولاً، ولازم أباك، وكن معه، وكل عمل يريد أن يقوم به تقول: لا والله لا تسير إلا وأنا قبلك، فحين يريد أن ينزل إلى السوق ليشتري لوازم البيت تقول: لا. أنا أذهب عنك، يريد أن يأتي بغاز تقول: والله لا تحملها، أنا أحملها، يريد أن يأتي بماء، تقول: والله أنا أذهب، يذهب إلى أي عمل ليعمله هو، قل: لا. لا تعمل شيئاً، أنا خادمك، أنا قدمك تسير عليها يا أبت، إذا لم أنفعك اليوم فمتى سيكون؟ فلو أنك عملت هذا الكلام قبل أن تأمره أو تنهاه، وقبل أن تقول له شيئاً، خلال شهر أو شهرين أو ثلاثة أو أربعة أشهر، أصبحت سمعه وعينه، وقلبه، تقول: يا أبت! نذهب كذا، يقول: هيا يا ولدي! الله يبارك فيك، تقول: يا أبي! هناك ندوة في مكان كذا، فيقول لك: هيا نذهب يا ولدي، لماذا؟ لأنه يعتبر الدين الذي هداك وأصلحك له، كسب ويريد أن يكون متدين هو أيضاً، لكن عندما يراك شارداً منه ولو كنت تذهب في مجال الدين، ومع أهل الخير، ولكن لا يراك؛ يكره الدين، يقول: والله ما أفسد عليّ ولدي إلا الدين، والله ما أفسد عليّ ولدي إلا هؤلاء، يذهب معهم الليل والنهار ولا أراه، فيضطر إلى أنه يتخذ موقفاً من أهل الخير بناءً على سلوكك أنت، ففشلك في استصلاح والدك أثر حتى على دينك، وجعله يستقطب عداوته للدين، ويؤثر الأب على الإخوان، وتفشل في إصلاحهم ويؤثر الأب على الأم فتقف ضدك. يقول لي أحد الشباب: وقد نصحته يوماً من الأيام في هذا الموضوع، فذهب إلى البيت وأمه طبعاً مسكينة عندها أولاد وعندها بنات ولكن أولادها صغار، وبناتها صغار وهي تعاني من الحمل والوضع، فقلت له: ماذا تفعل في البيت؟ قال: لا شيء، قلت: لا تتركها تغسل صحناً واحداً، منذ أن تنهوا طعامكم، لا تقم لتغسل يديك وتقعد على سريرك، بل ارفع الأواني واجمع الصحون مع بعضها وارفع السفرة، وقل: والله لا تغسلين، أنت طبختي كثر الله خيرك، لكن الغسيل ليس فيه مشكلة فأنا سأغسل الصحون والأواني، والله إن هذا العمل دين تتقرب به إلى الله. فمارس هذا الأمر معها هي تحلف وهو يحلف، المهم انبسطت منه، وحين يقول لها أي شيء، تقول: حسناً يا ولدي الله يوفقك، لماذا؟! لأنه خدمها، أعطاها شيئاً فأخذ منها أشياء، أما كونك تريد أن تأخذ ولا تعطي، فهذه سلبية لا يمكن أن يوافقك الناس عليها. الجهاد جهاد الأهل، بالنسبة للأم والأب، وبالنسبة للأخوة اللطف، والصبر، والحكمة، والإحسان؛ لأن أخاك مثلك إذا أتيت تأمره يقف ضدك، ولو أن أخاك اهتدى قبلك، ثم مارس عليك أسلوب القوة والقصر، وأنت قبل أن يهديك الله لرفضت، لكن الله هداك فاشعر بنعمة الله عليك لاستصلاح إخوانك، وأما زوجتك وأولادك فينبغي لك أن تمارس معهم الحكمة والوعظ والإرشاد واللطف، لكن إذا رفضوا فعليك بالقوة؛ لأن لك سلطة عليهم.

جهاد العشيرة والمجتمع

جهاد العشيرة والمجتمع جهاد الدعوة للعشيرة وللقبيلة أو للمنطقة التي تعيش فيها، وهذه أسلوبها قد بينه الله عز وجل بقوله: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ} [النحل:125] والحكمة: هي وضع الشيء في موضعه {وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] لأن عليك أن تبشر بدين الله، والمبشر بدين الله يحبب الناس لدين الله ولا يكرهم فيه، يحببه إليهم بالعبارة بالبسمة بالأسلوب بالكلمة، والله عز وجل يقول لموسى وهارون: {فَقُولا لَهُ} [طه:44] أي: لفرعون، والله يعلم أن فرعون كافر، وأنه لم يهتد، لكنه يسن للناس سنة الدعوة فيقول: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]. والله يقول عن محمد صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] فلا بد من الأسلوب الطيب والدعوة والصبر والحكمة، والدعاء لهم ادعهم في النهار، وادع الله لهم في الليل، حتى يستجيب الله عز وجل الدعوة. أما من الناس من يدعو، فإذا رفض الناس، قال: هؤلاء ليس فيهم خير، ولم يعد، وانفصل عنهم، لا يا أخي! ليس عليك هدايتهم، فالهداية بيد الله. أنت عليك البلاغ، والهداية على الله، أنت تريد أن يكون الله على كيفك بمجرد أن تدعو يستجيب الناس لك، لا. يجب أن تكون أنت على مراد الله تبارك وتعالى، عليك أن توصل ما عليك والله هو الذي يعلم النتائج، إن رأى أن هذا أهلاً للهداية هداه، وإن علم أنه ليس أهلاً للهداية لم يهده، والله يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56] فالهداية بيد الله عز وجل.

جهاد الكفار

جهاد الكفار يبقى المرتبة الرابعة والأخيرة: وهي أغلى وأعلى منزلة من مراتب الدين، وهي منزلة جهاد الكفار بالسنان والحرب والقتال، وهذه أعلى مرتبة، من استطاع عليها وذهب ليقاتل في سبيل الله فإنه شهيد، والشهادة: هي أقرب طريق إلى الجنة، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن في الجنة مائة درجة تحت درجات الأنبياء لا يبلغها إلا الشهداء) والله يقول: {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [الزمر:69]. هذه المرتبة أو العلامة الثالثة من علامات محبتك لله، أن تكون مجاهداً في سبيل الله مجاهداً لنفسك مجاهداً لأهلك مجاهداً لجماعتك بالحكمة والموعظة الحسنة، في سبيل الله، تستغل كل فرصة، وتدخل على الله من كل باب، وتغتنم كل مناسبة، من أجل نصرة دين الله، ومن أجل دعوة الناس إلى الله، فأنت ممن يحب الله تبارك وتعالى.

علامة المحبة الرابعة: عدم الخوف من غير الله

علامة المحبة الرابعة: عدم الخوف من غير الله ألا تخاف في الله لومة لائم، وأن تجعل الهدف الأول والأخير هو رضا الله، فإذا رضي الله عنك فلو لامك أهل الأرض كلهم ما عليك، لماذا؟ لأن الحياة بيد الله، والموت بيده، والرزق بيده، والرفع بيده، والخفض بيده. والله لو أن الناس كلهم رضوا عنك، والله قد سخط عليك لا ينفعونك مقدار حبة خردل. ولو أن الناس كلهم قد سخطوا عليك، والله راضٍ عنك فلن يضروك بشيء، ولهذا جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد! أعطني، فإن مدحي جميل، وذمي قبيح، يقول: أعطني وزود فإن مدحي جميل إذا مدحتك رفعتك، وذمي قبيح، إذا ذممتك وضعتك، قال: (كذبت! ذاك هو الله) الذي مدحه جميل وذمه قبيح، إذا مدحك ربي فأنعم بها، وإذا ذمك ربي فوالله لست جميلاً ولو أثنى عليك الناس كلهم؛ لأن الناس لا يمنعونك من الله، ولكن الله يمنعك من الناس كلهم. إذا كان الله معك فمعك كل خير، وإذا فاتك الله فاتك كل خير، هذه الرابعة {وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:54].

علامة المحبة الخامسة: حسن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم

علامة المحبة الخامسة: حسن الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم والخامسة: متابعة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله امتحن الناس بهذه الآية فقال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران:31] فهذه علامة محبة الله وهي: اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا امتحان، يقول ابن عباس: [امتحن الله العباد بهذه الآية] اختبرهم بها فقال: قل إن كنتم تدعون وتزعمون أنكم تحبون الله، ماذا؟ ((فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ)) [آل عمران:31]، فانظر أين أنت من الرسول صلى الله عليه وسلم، وأين أنت من هديه، وطبعاً الرسول صلى الله عليه وسلم سنته واضحة بين أيدينا الآن، والله ما من خير إلا دل الأمة عليه، ولا من شر إلا حذر الأمة منه، وما من أمر إلا وهو معلوم عندنا، كيف كان صلوات الله وسلامه عليه، ينام ويستيقظ ويسير في الشارع، ويأكل، ويدخل الخلاء ويخرج منه، ويلبس، ويتكلم كل هديه موجود في السنة، وأعظم كتاب أدلكم عليه للتزود منه هو: (زاد المعاد في هدي خير العباد) صلوات الله وسلامه عليه لـ ابن القيم، أي: هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في كل شيء، هديه في العقيدة، والعبادة، والسلوك، والمعاملات، والآداب، هديه في كل شيء موجود في هذا الكتاب. فإذا اتبعت الرسول صلى الله عليه وسلم وسرت على هديه ورفعت رأسك بسنته فأنت ممن يحب الله عز وجل والله يحبك، وإن كنت ترفع رأسك بشيء غير سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فاعلم أنك لا تحب الله، ولا الله يحبك أيها الإنسان! هذه الخمس علامات وأعيدها: أولاً: أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون في الله لومة لائم، يتابعون الرسول صلى الله عليه وسلم، من توفرت فيه هذه الخمس الصفات، فليعم أن الله يحبه؛ لأن الله قال: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54] ما صفاتهم يا ربي؟! قال: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:54] وقال في الآية الأخرى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31]. فمن توفرت فيه هذه الخمس الصفات فقد أحبه الله عز وجل وليس بينه وبين الجنة إلا أن يموت ويدخله الله دار الأحباب؛ لأن من أحبه الله لم يعذبه. بالله عليك! هل تستطيع أن تعذب حبيبك، فلذة كبدك ولدك؟ من الآباء من يدعو على ولده، ومن الأمهات من تدعو على ولدها وهذا مخالف للشرع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدعوا على آبائكم، ولا أبنائكم ولا أموالكم فقد توافقون ساعة إجابة) تجد الأب يدعو على ولده، افرض أنك قلت الكلمة واستجاب الله لك. يمكن أن توافق الدعوة وقت إجابة، ثم أصابه ربي نتيجة الدعوة فمن الذي سوف يصاب مع ولدك؟ أنت، فكأنك دعوت على نفسك، فبدل أن تدعو عليه، قل: اللهم أصلحه، اللهم اهده، الكلمة الطيبة صدقة، وبدل أن تقول: اللهم دمره، قل: اللهم أصلحه، اللهم سدده، اللهم وفقه؛ لأن الولد إذا سمعك تدعو عليه، عرف أنك عدو، فقال: الله أكبر على والدي، كلما فعلت شيئاً دعا عليّ، فيبادلك الشعور بالكراهية، لكن حين يسمعك ولدك وأنت تقول: اللهم اهده، اللهم وفقه، عرف أنك تحبه؛ لأنك تدعو له، ولا تدعو عليه، ولهذا لا تدعوا على أبنائكم، فأنت مهما دعوت على ولدك لا تحب أن يناله مكروه. ولهذا في غزوة بني ثقيف، لما فصل الرجال عن النساء من السبي والأسرى، وهاج الناس، فامرأة من الناس أضاعت رضيعاً لها، ولما جاء السبي قامت تبحث بين الأطفال وبين الأولاد، فلما أن وجدته ورأته أخذته وغارت عليه في غاية العطف والحنان، ثم ألصقته بثديها، وحنت عليه وجلست تبكي عليه؛ لأنها بعد المعركة وبعد الحرب ما وجدته إلا بعد تعب، فلما رآها النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أرأيتم هذه؟ قالوا: نعم. يا رسول الله! قال: هل ترونها تلقي ولدها في النار؟ قالوا: لا. يا رسول الله! قال: والله إن الله أرحم بعباده من هذه بولدها) الله رحيم بالعباد تبارك وتعالى، ولا يعذب من يحب، ولكن الذي يبغضه الله يعذبه. الذي يبغضه الله؛ -لأنه أبغض الله- يعذبه الله عز وجل، فتعرض يا أخي لمحبة الله عز وجل.

الأسباب الجالبة لمحبة الله للعبد

الأسباب الجالبة لمحبة الله للعبد أما كيف يحبك الله؟ وما هي الأسباب الموجبة والجالبة لمحبة الله؟ فهي عشرة أسباب ذكرها - ابن القيم - رحمه الله في إعلام الموقعين:

كثرة قراءة القرآن

كثرة قراءة القرآن إن من يكثر من قراءة القرآن يحبه الله، لماذا؟ لأن القرآن هو خطاب الله، كما جاء في الحديث: (من أراد أن يناجي ربه، فليقم إلى الصلاة، أو ليقرأ القرآن)، فالقرآن هو خطاب الله الموجه لك، فكأنك بقراءة القرآن تخاطب ربك، ودائماً المحب يحب أن يكثر الكلام مع من يحب. أنت لا تريد أن تقصر العبارات إلا مع الذي تبغضه، أليس كذلك؟ إذا كان هناك شخص تبغضه -مثل إبليس- وجاء يريد أن يتكلم معك هل ستقعد تتكلم معه أم ستقصرها؟! لأنك تبغضه ولا تريد كلامه، لكن إذا كنت تحبه، بل الذي تحبه كلما أراد أن ينهي كلامه تقول: يا شيخ! دعنا نتكلم قليلاً طول قليلاً لو سمحت، لماذا؟ لأنك تحبه، وتحب كلامه، وتحب الأنس به، ولذا موسى عليه السلام كان يحب الله، فلما ناجاه وخاطبه عند الطور، قال: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه:17] كان في إمكان موسى أن يقول عصاي، أي: الجواب على قدر السؤال، ما هذه يا موسى؟! عصاي، لكن ماذا قال: {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه:18] أطال الجواب، لماذا؟ قال العلماء: إنه من محبته لله، يريد أن يكثر الكلام مع الله عز وجل. فالذي يكثر الكلام مع الله عن طريق القرآن، ويحب تلاوة القرآن باستمرار مع التدبر والتمعن هذا دليل على محبة الله، ومن أعظم موجبات محبة الله، ولذلك يا مسلم! اتق الله في نفسك، وأحيِ قلبك، وحبب نفسك إلى الله بكثرة تلاوة القرآن، واجعل في جيبك مصحفاً، واجعل عند رأسك عند السرير مصحفاً، واجعل في السيارة مصحفاً، واجعل في المكتب مصحفاً، وكلما وجدت فرصة واحدة مد يدك إلى المصحف واقرأ، وستجد في أول الأمر عندما تريد التلاوة نوعاً من الانقباض من الشيطان، لكن قل: أعوذ بالله منك يا عدو الله، ألعنك بلعنة الله ورسوله؛ لأنه لا يريدك أن تقرأ، فأنت تحرقه بالقرآن أنت تؤذيه، ولكن إذا أتيت تقرأ واستعذت بالله منه، ولعنته بلعنة الله عز وجل هرب منك، فإذا انشرح صدرك بالقرآن فاقرأ باستمرار، وهذه والله -أيها الإخوة- من أعظم علامات وأسباب محبة الله، يقول الله عز وجل في سورة يونس: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:57 - 58]. فإذا أردت أن يحبك الله فإن من أعظم الأسباب محبة الله أن تقرأ كلام الله، وهل في القراءة اليوم صعوبة علينا يا إخوان؟! يا إخوان! كان الأولون يجدون صعوبة في قراءة القرآن، لكنهم كانوا يقرءون، ربما تتذكرون كبار السن الذين كانوا في الماضي يعيشون في القرى فيجلس كل منهم في نافذة بيته قبل وجود الكهرباء، وإذا أشرقت الشمس فتح كلٌ مصحفه وقعدوا يقرءون، تسمع لهم في القراءة دوي كدوي النحل بتلاوة كلام الله عز وجل، رغم أن قراءتهم لم تكن مجودة ولكن عندهم إيمان وعندهم خوف من الله، مصحف أحدهم في خرقته، وإذا لم يجد كهرباء، يرقب كهرباء رب العالمين، فإذا أشرقت الشمس فتح المصحف وقعد يقرأ، حال الناس هكذا، لكن اليوم لا، المرأة تقرأ -كافحنا الأمية- والبنت تقرأ، والولد يقرأ، والأب يقرأ، كلٌ يقرأ لكنهم لا يقرءون القرآن، يقرءون الجرائد، والمجلات، والمقررات والمنهاج الدراسية، والمصحف لا أحد يمسّه لا أحد يقرأ إلا القليل يا إخواني! فإذا أردت أن تنال محبة الله؛ فاقرأ القرآن وطبعاً نحن نعني بالقراءة: قراءة التدبر والتأمل وفهم المراد من الله عز وجل، المراد بالقراءة: القراءة الشرعية التي تتدبر فيها كلام الله، وتعرف مراد الله؛ وماذا يريد الله عز وجل من كلامه. أما أن تقرأ ولا تفهم فمثلك كمثل الببغاء الذي يقرأ ولا يفهم، لا تنفعك هذه القراءة، بل رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه، كيف؟ قالوا: يدعو على نفسه {ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران:61] وهو كذاب فيلعن نفسه. أو {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:8] وهو ظالم فيلعن نفسه، فلا -يا أخي- اقرأ وتدبر واعمل بالقرآن. هذا أول سبب من أسباب محبة الله.

التقرب إلى الله بكثرة النوافل

التقرب إلى الله بكثرة النوافل جاء حديث في صحيح البخاري يقول الله عز وجل: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بعمل أحب إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه) فلا يمكن أن يحبك الله إلا إذا تقربت إليه بكثرة النوافل، لا كما يصنع كثير من الشباب اليوم يصلون الفريضة ويتركون السنة، النافلة، لماذا؟ قال: هذه سنة، ما معنى سنة؟ أيعني بدعة؟ أيعني مكروهة؟ أتضيعها لأنها سنة؟ إن مضيع السنة ضاع، من رغب عن السنة رغب عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (من رغب عن سنتي فليس مني). كثير من كبار السن يصلون الفريضة والسنة وهم لا يقرءون، لكن الشباب الذين يقرءون الحاصلون على شهادات جامعية يصلون الفرض ثم يخرجون، صلِّ السنة يا أخي! قال: يا رجل! هذه تعب، إنما يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها. لا، بل يعاقب، ثم يعاقب، ثم يعاقب، حتى قال شيخ الإسلام ابن تيمية: من أصر على ترك الراتبة والنوافل فهو فاسق ترد شهادته. فإذا جاء يشهد وهو لا يصلي السنة يقال له: ارجع أنت لست عدلاً؛ لأن من ترك السنة ترك الفريضة، فإن أول خطوة في طريق الانهزام أن تصلي الفريضة فقط، وبعد ذلك إذا ضعفت ماذا تفعل؟ هل معك غير الفريضة؟ سوف تضيع الفريضة، ولذا هذا شيء مجرب، من ترك سنة ترك الفريضة ولو بعد حين، أما المسلم! فلا. يصلي الفريضة، ويصلي الراتبة، ويصلي النوافل، ويتحبب إلى الله بكثرة النوافل، وكلما لقي فرصة من الخير زاد فيها، إما في نافلة صلاة، أو صيام، أو زكاة، أو حج، أو عمرة، أو بأي نافلة من النوافل التي لم يفرضها الله عليه، لماذا؟ لأنه يطلب محبة الله: (وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته، ولا بد له منه) هذه الثانية.

المداومة على ذكر الله

المداومة على ذكر الله الثالثة من علامات أو أسباب محبة الله، وأريدكم أن تحفظوها -يا إخواني- لأننا نريد مناهج عملية لا نريد ندوات، ولهذا أنا أحرص باستمرار في الكلمات أن آتي بواحد، اثنين، ثلاثة، أربعة؛ من أجل أن يخرج الواحد بشيء يفيده. الأول شيء: قراءة القرآن. الثاني: كثرة النوافل. الثالث: دوام ذكر الله؛ لأنك إذا ذكرت الله ذكرك الله، وإذا ذكرك الله أحبك، يقول الناظم: وداوم ذكره في الأرض دوماً لتذكر في السماء إذا ذكرتا وفي الحديث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الله يقول: (أنا مع عبدي ما ذكرني أو تحركت بي شفتاه، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة، وكنت إليه بكل خير أسرع). فأكثر من ذكر الله، واجعل لسانك حياً، لما جاء عبد الله بن بشر رضي الله عنه -والحديث في سنن الترمذي - وقال: (يا رسول الله! كثرت عليّ شرائع الإسلام فأخبرني بعمل أتشبث به، واخفف عليّ -يقول: لا تكثر، شيبة ومعلوماته محدودة، ويريد الجنة، وكثرت عليه الأوامر- فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله). وهذا من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أنه إذا كان دائماً مع الله هل سيترك الفريضة؟ هل سيعصي الله؟ هل يزني وهو يذكر الله؟ هل يأكل حراماً وهو يذكر الله؟ كلا فقد أعطاه القيد، أعطاه السور العام للإسلام وهو: كثرة الذكر، فإن ذكر الله كان معه، فأكثر من ذكر الله تبارك وتعالى، ولا تفتر من ذكر الله، وطبعاً الذكر كما سبق أن قلت للإخوة ليس مجرد الذكر اللساني فقط، وإنما ذكر أوامر الله بالإتيان بها، إذا أذن وأنت في البيت وقمت إلى الصلاة كنت ذاكر لله، لكن إذا أذن وأنت في البيت وجلست سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله ولكن لم تأت لتصلِ فأنت كذاب، أتسبح الله وأنت قاعد في البيت؟ فاذكر الله وتعال للصلاة؛ لأن الله يقول: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:14] فلا ينفعك أن تذكر الله بلسانك وأنت تعصي الله بجوارحك، هذا ذكر الله عند ورود أمره، وذكر الله عند نهيه، إذا رأيت وأنت ماشٍ في الشارع امرأة متبرجة وغضضت بصرك؛ فأنت ذاكر لله، لكن لو تلفت فيها وقلت: سبحان الله والحمد الله، فأنت: كذاب، تذكر الله بلسانك وعينك في الحرام. فعليك أن تذكر الله عز وجل في كل الأحوال والمناسبات، في دخولك المسجد -بعض الناس يدخل المسجد فيقدم رجله اليسرى، ويدخل الحمام فيقدم رجله اليمنى، فيجعل المسجد حماماً والحمام مسجداً، فهذا خطأ، فهناك آداب في الشرع يا أخي! إذا أتيت المسجد قف أولاً، واعرف أن المطلوب منك أن تقدم رجلك اليمنى، وإذا أردت أن تقدم رجلك اليسرى، والعكس في الحمام، إذا أردت أن تدخل أن تقدم رجلك اليسرى، وإذا خرجت أن تقدم رجلك اليمنى. بعد ذلك هناك ذكر حين تدخل المسجد: باسم الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، واغفر لي ذنوبي، وإذا خرجت تقول: باسم الله، اللهم افتح لي أبواب فضلك -هنا رحمة وخارج فضل- واغفر لي ذنوبي، أما في الحمام فعندما تدخل تقول: باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الشيطان الرجيم، والخبث والخبائث. وإذا خرجت تقول: غفرانك، الحمد لله الذي أخرج مني الأذى وعافاني. هذه أذكار لا بد أن تتعلمها واحدة واحدة. أما إذا جئت تنام، ماذا تقول وأنت على جنبك؟ إذا أتيت تستيقظ ماذا تقول؟ إذا لبست ثوبك ماذا تقول؟ إذا سمعت الرعد ماذا تقول؟ إذا سمعت نزول مطر ماذا تقول؟ إذا هبت الرياح ماذا تقول؟ إذا صاح الديك ماذا تقول؟ إذا نهق الحمار ماذا تقول؟ كل شيء فيه ذكر، إذا عرفت هذا كله تصير ذاكراً لله {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب:35] هذا ذكر الأحوال والمناسبات. الرابع: ذكر العدد، وهو الذي طلب الشرع منك أن تذكره بعدد معين، مثل: (من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة في يوم؛ غفر الله له ذنوبه ولو كانت كعدد رمل عالج، أو كعدد ماء القطر، أو عدد ماء البحر) إذا قلت مائة مرة كل يوم: سبحان الله وبحمده، هذا في صحيح مسلم، والحديث الآخر يقول عليه الصلاة والسلام: (من قال عقب كل صلاة: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، ثم قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفر الله له ذنوبه ولو كانت كزبد البحر) بعد كل صلاة: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، الحمد لله ثلاثاً وثلاثين، الله أكبر ثلاثاً وثلاثين، هذه عدها واحد من الإخوان فوجدها تأخذ دقيقة وأربعين ثانية؛ لأنه كان هناك ساعة أمامه. طبعاً يقولها بإخلاص، إذا قالها بغير إخلاص لا تنفعه، سبحان الله والحمد لله والله أكبر، سبحان الله والحمد لله والله أكبر، يقولها في دقيقة وأربعين ثانية، ويغفر الله له ذنوبه إن شاء الله، ولكن بشرط يقولها الآن بعد العشاء ويقولها في الفجر لا يستعجل الفجر ويذهب من أجل أن ينام، ويقولها في الظهر لا يستعجل لكي يذهب السوق أو يذهب إلى العمل، ويقولها في العصر، كل صلاة (من قال عقب كل صلاة) وإذا داومت عليها عقب كل صلاة أحيا الله قلبك، وحببك إليه، فكثرة ذكر الله -أيها الإخوة- مطلوبة جداً. ودوام ذكر الله في كل الأحوال، هذه ثلاثة أسباب من أسباب حصول محبة الله عز وجل، يبقى سبعة لا يتسع المقام لذكرها على التفصيل ولكني أذكرها بالإجمال وهي:

تقديم محبة الله على محبة النفس

تقديم محبة الله على محبة النفس كل ما يحبه الله تقدمه على محبة نفسك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: والحديث في الصحيحين (ثلاث من كن في قلبه وجد بهن حلاوة الإيمان -الأولى: - أن يكن الله رسوله أحب إليه مما سواهما) أي: أن تكون أوامر الله وأوامر رسول الله مقدمة ومحببة إلى نفس الإنسان مما سواهما من محبة غيرهما، فهذه علامة وسبب من أسباب محبة الله.

التفكر في حقائق الأسماء والصفات

التفكر في حقائق الأسماء والصفات أن لله أسماء وله صفات تبارك وتعالى، له الأسماء الحسنى وله الصفات العليا، والتأمل فيها يوحي بمعانٍ في قلبك، فأنت لما تسمع أن من أسماء الله عز وجل العزيز، يندرج من هذا المفهوم أن تكتسب العزة منه؛ لأنك عبده، وعبد العزيز عزيز، ما تذل نفسك، إلا لأوليائه. إذا عرفت أن الله عز وجل رحيم، انعكس من هذه الصفة رحمة في قلبك على عباد الله عز وجل. المهم أنك تتأمل في كل صفة وتكتسب منها ما تستطيعه، وأيضاً تقذف في قلبك هذه الصفة، إذا عرفت أن الله قوي، تيقنت في قلبك أن الله قوي، إذا عرفت أن الله ذو انتقام لم تعصه، إذا عرفت أن الله يغضب على من عصاه لم تتعرض لمساخطه، فهذا التأمل يجعلك محبباً إلى الله عز وجل.

التفكر في نعم الله

التفكر في نعم الله التفكر في مظاهر البر والإحسان والنعم التي تحيط بك -أيها الإنسان- {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل:53]. ولو تأملت -يا أخي- جزئية من جزئيات جسمك لوجدت أن فضل الله عز وجل عليك عظيم {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [النساء:113]. أنت تدخل الآن في فراشك وتنام، وفيك أجهزة من رأسك إلى قدمك، لو تعطل عليك جزء واحد أو جهاز أو عرق أو عظم أو مفصل لتغيرت حياتك كلها، بعض الناس يصيبه وجع في سن من أسنانه، أو ضرس فيتورم ضرسه ولا يستطيع أن يأكل، أو يشرب، أو ينام، وإذا سألوه قال: كل شيء إلا الضرس، لماذا؟ لأن ضرسه يؤلمه، فإذا سلم ضرسه وجاءه مغص في بطنه وقعد يتلوى ويوعك قال: كل شيء إلا هذه البطن، فإذا سلم بطنه وجاءه صارف في عينه، قال: كل شيء إلا العين، فالعين جوهرة، وددت لو أن كل شيء فيّ سقيم إلا عيني، فإذا سلمت عينه وجاءه صالب في ركبته قال: إذا أصيبت الركب فلا أستطيع أن أمشي أو أقوم، المهم لا يهون عليك من جسمك شيء، حسناً الآن وأنت نائم على فراشك جهازك السمعي يعمل، وجهازك البصري يعمل، وجهازك التنفسي يعمل، وأسنانك سليمة، وعروقك جارية، ومجاريها كلها سليمة، وقلبك، ورئتك، وكلاك، ومعدتك، وأمعائك، والبنكرياس، والكبد محلها تعمل، كم جهاز وآلة وعضو؟! كلها تعمل، والله هو الذي يسيرها لك، فهذه نعمة أم لا؟! ثم تنظر بعد هذا وأنت تتقلب على فراشك في العافية، وتنظر إلى زوجتك معافاة وأولادك معافون، آمن في سربك، معك قوت يومك وليلتك وشهرك وسنتك، بل بعضهم معهم قوت سنين، فهل هذه نعمة أو ليست نعمة؟! فمن الذي أنعم بها عليك؟ الله عز وجل، فلو تفكرت فيها وقلت: اللهم لك الحمد يا رب، تدخل بابك بعد صلاة العشاء، وتجد أن أولادك كلهم في البيت وتغلق عليك الباب، لا تخاف من أحد يطرقك، أو يغضبك أو يقتلك، أو يسرقك، وبعد ذلك تدخل البيت وتجد أنه لا ينقصك فيه أي شيء، كان الناس في الماضي يدخل الشخص بيته والأسى واللوعة والحسرة تعتصر قلبه، لأنه لا يجد عشاء لأولاده، فجيبه فاضٍ، والسوق فاضٍ، وليس هناك شيء. فيما مضى كان الشخص يهرب من الضيف فإذا جاء الضيف الكل يغلق بابه، ليس بخلاً ولكن لا يوجد شيء يضيفونه به، لكن اليوم يدخل الشخص يجد أن بيته فيه كل شيء، الثلاجة مليئة باللحوم، والأسماك، والدجاج، والطيور، والمعلبات، والخيرات، والبركات، والجيب ممتلئ، ولو نقص عليه شيء ما يتحرك من بابه، ويركب سيارته، ويذهب إلى أقرب دكان أو أقرب بقالة حتى إن البقالات لم تعد دكاكين بل صارت مراكز، يقول: مركز تسويق، سوق مركزي، يدخل الشخص وقد جلبت له كل نعم الأرض، اللحوم في زاوية، والفواكه والخضروات في زاوية، والمعلبات في زاوية، واللعب في زاوية، أي: يدخل ويخرج والدنيا كلها في هذا الدكان، من ساق لك هذه النعم؟ إنه الله الذي لا إله إلا هو، فاعرف نعمة الله واشكر الله واعترف بنعمه عز وجل وقم بعبادته، عندها يحبك الله تبارك وتعالى ويزيدك قال: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7] فالتفكر في مظاهر البر والإحسان والنعم يحببك إلى الله.

انكسار القلب

انكسار القلب انكسار القلب وهذه من أعجبها كما يقول ابن القيم رحمه الله: انكسار القلب وتذلُلِه خصوصاً بعد العمل، حين تعمل عملاً صالحاً ثم تستغفر الله بعده، ولذا شرع الله بعد أن تصلي الصلاة، بعدما تسلم: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، ماذا تقول؟ أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، تستغفر الله؟! أين كنت؟ كنت تعمل جريمة من أجل أن تستغفر؟ لا. تستغفر؛ لأنك تقول يا رب ما عملت عملاً، وما صليت صلاة كما ينبغي سهوت في صلاتي، وغفلت في صلاتي، لم أعبدك حق عبادتك، فأنا استغفرك يا رب! ولهذا يقول الله عز وجل: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17 - 18] طوال ليله قائم وقاعد وراكع وساجد وفي آخر الليل يقول: يا رب! اغفر لي ذنبي {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ} [البقرة:198] إذا أفضت من عرفات فاذكر الله عز وجل، وتستغفر الله تبارك وتعالى بعد كل عمل تقدمه، لماذا؟ لأنك تشعر نفسك بالانكسار وعدم العجب؛ لأنك إذا مارست العبادة وأنت معجب بها ومتكبر أنك أحسن من غيرك، ردها الله عليك، ما هي عبادتك؟ يقول: لا يزال العمل -العمل الصالح- يعظم عند العبد حتى يصغر عند الله، ولا يزال العمل يصغر عند العبد حتى يعظم عند الله، ولا تزال المعصية تعظم عند العبد -يعصي الله معصية بسيطة، لكن يراها كبيرة- حتى تصغر عند الله، ولا يزال العبد يعمل المعصية الكبيرة ويستصغرها حتى تعظم عند الله، وهي مسألة متلازمة، فإذا عظمت المعصية عندك، تكون صغيرة عند ربي، وإذا صغرت المعصية عندك -تعصي الله وتقول: بسيطة- تكون عند الله عظيمة قال الله تعالى: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور:15]. وكذلك العمل الصالح، إذا رأيت أنه جميل عندك فاعرف أنه عند الله قبيح، وإذا رأيت أنه قبيح عندك، وأنه لا يجملك، ولا يبيض وجهك، فاعرف أنه عند الله جميل، فالانكسار والتذلل خصوصاً بعد أداء العمل الصالح هذا من أعظم ما يجعل الله يحبك.

الخلوة بالله

الخلوة بالله أن تخلو بربك ولو لحظة، لا تكن دائماً عابداً مع الناس؛ لأن الصلاة والحج والصوم مع الناس، لكن هناك ساعات ولحظات يجب أن تخلو بالله، وأعظم وقت تخلو به مع الله آخر الليل، إذا أمكنك، وإذا لم يمكنك، فقبل النوم، تدخل غرفتك لا يراك فيها زوجة، ولا ولد، ولا شيء، وتنادي الله عز وجل وتدعو الله، وتصلي ركعتين وتستغفر الله، وتتوب إلى الله، وتطلب من الله أن يسترك، وأن يمن عليك بنعمه، وأن يوفقك، وأن يحميك، وأن يسددك، هذه خلوة بالله تبارك وتعالى، هذه خلوة تجعل الله عز وجل يعلم أن هذا العمل خالص ليس فيه رياء ولا شبهة ولا شيء إن شاء الله.

مجالسة أولياء الله

مجالسة أولياء الله فإنك إذا جلست مع من يحبهم الله أحبك، الآن إذا كان معك زميل تحبه ويحبك، وذهب يجلس مع من تحب، ماذا يحصل لك؟ تحبه أكثر، لكن ما رأيك إذا جلس مع من تكره، لقلت: لو أنه صديق صادق ويحبني لما ذهب وقعد مع الذي أكرهه، هو يعرف أني أكره أولئك ويسمر معهم ويجلس معهم، هذا صديق كذاب، وتبدأ بينك وبينه العداوة وتكرهه، وإذا لامك تقول: يا أخي! أراك كل ساعة مع فلان، ألا تعلم أن بيني وبينه عداوة، وأنهم يكرهونني وأني أكرههم، لماذا تحبهم وأنت صديقي؟! مقتضى الصداقة أن تحب من أحب، وأن تبغض من أبغض. وكذلك -يا مؤمن- يجب أن تحب من يحبه الله وأن تبغض من يبغضه الله، ولذا أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، فتحبب إلى الله ببغض أهل المعاصي، وتحبب إلى الله بحب أهل الخير. فعليك -يا أخي المسلم- يا من تريد أن تنال محبة الله، وأن تجلب محبة الله إليك، أن تجالس من يحبه الله تبارك وتعالى، وأن تختار أفضل الكلام؛ لأن الله قال: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر:18]. أنت الآن مثل الذي يجني الثمر من شجرة، فالذي يجني برقوقاً لا يأخذ إلا الناضج الطيب، أو يجني برتقالاً، أو تفاحاً، أو فرسكاً، أو تيناً، لا يمد يده إلا على الشيء الطيب يأخذه، والتي ليست ناضجة يتركها في مكانها، فكذلك أنت في المجالس إذا سمعت كلاماً تأخذ أحسنه، وتختار وتنتقي، لكن بعض الناس لا ينتقي من المجالس إلا أردى الكلام، إذا سمر في مجلس وسمع أخباراً وقصصاً؛ يأخذ أخس قصة، أو أخس كلام ويذهب ليذيعها وينشرها، فهذا -والعياذ بالله- مثل الذباب لا يقع إلا على النجاسات. أما المؤمن فهو مثل النحلة لا تقع إلا على الطيبات، المؤمن كالنحلة إن أكلت أكلت طيباً، وإن بذلت بذلت طيباً، وإن جلست على شيء لم تخدشه ولم تكسره، فهذه النحلة كمثل المؤمن. والمنافق كالذباب إن جاء على شيء لا يقعد على شيء طيب، ولو أنه في الصحراء لا تقر إلا ومعه ذباب، من أين جاء؟ وما يدريه أنه سوف يذهب إلى الصحراء يتخلى؟ فيأتيه، وإن جلس جلس على أنفه، وبعد ذلك يؤذيه يبعده فيعود، ثم يبعده، وبعد ذلك إذا نقل، نقل العدوى ونقل المرض، فمثل المؤمن كالنحلة، ومثل المنافق الفاسق كالذباب، أعاذنا الله وإياكم من ذلك.

اجتناب المعاصي

اجتناب المعاصي الحرص والابتعاد عن كل سبب مانع يحجبك عن الله حتى لا يكرهك الله وهي الذنوب والمعاصي، فالذنوب حجاب بين العبد وبين مولاه. تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس بديع لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب يطيع مقتضى المحبة: الطاعة وعدم المعصية، لكن إذا كان لك صديق، وتقول له: إني أحبك، ولكن لا تطيعه في أي أمر هل يصدقك في محبتك؟ أبداً، لا يصدقك، يقول: الله أكبر عليك وعلى هذه المحبة التي معك، كلما قلت لك: تعال هنا، قلت: من هنا، أين المحبة؟ المحبة أنك تطيعني -يا أخي- أنت في بيتك لو حلفت لزوجتك أنك تحبها، وأنها مثل عينك وفي الصباح قالت: هذا (الزنبيل) فأحضر لنا لحمة، وفاكهة، وأرزاً أعطتك قائمة بالطلبات، فلما رأيت القائمة هذه قلت: والله المحبة في القلوب، أما هذه الطلبات والله إني لأكرهها، أنا أحبك لكن بلا مقاضي، ماذا تقول لك المرأة؟ تقول: (الله يقلعك ويقلع محبتك) والله لو كنت تحبني؛ لكنت أتيت بالمقاضي والطلبات، لكن دليل أنك لا تحبني أنك لا تريد أن تحضر لنا ما طلبنا، وهكذا، فأنت يا من تزعم محبة الله لا بد أن تقدم برهاناً ودليلاً على محبة الله، وهي فعل أوامره، وترك نواهيه. أسال الله تبارك وتعالى أن يرزقنا وإياكم حبه، وحب من يحبه، وحب كل عمل يقربنا إلى حبه، وأن يجعل حبه أحب إلى قلوبنا من الماء البارد على الظمأ، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

السيرة النبوية

السيرة النبوية بدأ الشيخ محاضرته بالكلام عن فضل النبي صلى الله عليه وسلم على سائر الخلق، واختصاصه بالشفاعة العظمى يوم القيامة في المحشر. ثم بين الشيخ أن سيرة رسول الله منهج لحياة المسلم، وأن دراستها تفيد في كل مناحي الحياة، كما أنها سبيل إلى التعرف على كل التفاصيل التي مرت في حياته صلى الله عليه وسلم، ومنها التعرف على معجزاته والتي ذكر منها الشيخ تكثير الطعام بين يديه، ونبع الماء من بين أصابعه، واطلاعه على أحداث ومواقف لم يحضرها.

بيان فضله صلى الله عليه وسلم على سائر الخلق

بيان فضله صلى الله عليه وسلم على سائر الخلق الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. هذا الدرس يلقى في مسجد (الشربتلي) في مدينة جدة بعد مغرب يوم السبت الموافق (23 من شهر جمادي الأولى عام 1417 للهجرة) على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وهو الدرس الأول من سلسة تأملات في السيرة النبوية. سيرة من؟! إنها سيرة خير البشر، وأفضلهم، وأكرم الخلق، فسير العظماء والأبطال والعباقرة جديرةٌ بالدراسة؛ لاستخلاص العبر، ولأخذ المواقف، لكن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أعظم من كل سيرة. إنه ليس رجلاً عبقرياً عظيماً فحسب، وليس بطلاً فقط، يكفيه أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه ليس رسولاً فقط، بل هو من أولي العزم، بل هو أفضل الرسل على الإطلاق، وخير وأكرم من خلق الله. نادى ربنا تبارك وتعالى كل الأنبياء بأسمائهم {يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا} [الصافات:104 - 105] {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود:46] {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ} [آل عمران:55] {يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ} [القصص:31] وهذا شيءٌ طبيعي أن ينادي الله عز وجل عبيده بأسمائهم، فهم وإن كانوا رسلاً وأنبياء إلا أنهم عبيد، والسيد إذا دعا العبد دعاه باسمه، ولكن محمد صلى الله عليه وسلم ما ناداه ربه باسمه في القرآن، فليس في القرآن يا محمد! بل فيه نداءان اثنان {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} [المائدة:67] {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} [التوبة:73]. علام يدل هذا التخصيص؟ يدل على عظم المنزلة، وسمو المكانة، وأنه خير من خلق الله، فهو أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، وخير من سار على الأرض في هذه الدنيا، وصاحب اللواء يوم العرض، وأول من يطرق باب الجنة، وأول من يؤذن له بالشفاعة يوم القيامة.

اجتماع الخلق في أرض المحشر

اجتماع الخلق في أرض المحشر في الصحيحين: يجتمع الناس في عرصات القيامة في يوم شديد الكرب، شديد الهول، السماء فيه تنفطر، والنجوم تنكدر، والجبال تسير، والقبور تبعثر، والبحار تسجر، وأهوال يشيب لها رأس الوليد الصغير الذي ليس له ذنب، فهو يوم يجعل الولدان شيباً، قال تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2]. مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور إذ كورت شمس النهار وأدنيت حتى على رأس العباد تسير وإذا الجبال تقلعت بأصولها ورأيتها مثل السحاب تسير وإذا البحار تأججت نيرانها ورأيتها مثل الحميم تفور وإذا الوحوش لدى القيامة أحضرت فتقول للأملاك أين نسير؟! فيقال سيروا تشهدون فضائحاً وعجائباً قد أحضرت وأمور وإذا الجنين بأمه متعلق يخشى الحساب وقلبه مذعور هذا بلا ذنب يخاف لهوله كيف المقيم على الذنوب دهور في ذلك اليوم العظيم يطول على الناس الموقف، وعدة ذلك اليوم خمسون ألف سنة، واليوم منها بألف سنة مما نعد، قال عز وجل: {وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج:47] فاليوم من أيام الآخرة يعدل ألف سنة، واضرب ألف سنة في خمسين ألف سنة، فهذا يوم القيامة والناس وقوف، والشمس تدنو من الرءوس ولا توجد مظلة إلا مظلة الرحمن، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها، وليس هناك ماء إلا حوض الحبيب صلى الله عليه وسلم، نرجو الله أن يسقينا من حوضه، ويحشرنا في زمرته، ويجعلنا من أتباع سنته، ومن الناصرين لدينه وهداه. والموقف طويل، والانتظار صعب على النفوس، فأنت لا تستطيع أن تنتظر ولا تحب الانتظار، ولو سافرت في رحلة فستظل ترقب الساعة متى يحين موعد الإقلاع، فلا تريد أن تبقى ولو لعشر دقائق. وإذا أتيت إلى المطار، وأعلن أن الرحلة تأخرت ساعة فكيف يكون وضعك؟! ستقول في نفسك: أأجلس، أم أرجع، وتضيق عليك نفسك وأنت جالس تحت المكيف، وعلى الكرسي، وإذا قيل: تأخرت الطائرة ثلاث ساعات أو أربع انزعجت. وإذا أتيت إدارة حكومية ووجدت أمامك عشرة أشخاص أو خمسة عشر، أو عشرين؛ جلست تترقب وصول شخص ما ليساعدك ويخلصك من هذه الزحمة، فلا تريد أن تنتظر. فكيف تنتظر يوم القيامة على تلك الحال؟

موقف أولي العزم في المحشر

موقف أولي العزم في المحشر يضج الناس في المحشر، ويذهبون إلى الأنبياء والرسل باعتبار أن لهم مكانة ومنزلة؛ من أجل الشفاعة عند الله ليقضي بين العباد ولو إلى النار، فيأتون إلى نوح أول الأنبياء والرسل، فيقول: نفسي نفسي، إن لي دعوة قد دعوتها على قومي ليس لي غيرها، ويقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله. ومن غضب الله أن دمر الكون كله؛ لأن الساعة تقوم حينما لا يقال في الأرض: الله الله، فيغضب الله ويدمر الكون، فلا يوجد من يجرؤ على الشفاعة في ذلك اليوم. فالآن المدير عنده السكرتير، ومدير المكتب، والمساعدون، فإذا كان غاضباً وجاء من يقول: من فضلكم! لدي معاملة وأريدكم أن تشفعوا لي عند المدير، فيقال له: المدير ليس في مزاج حسن اليوم، فاذهب وعد في وقت يكون فيه مزاجه حسناً، فيختارون الأوقات المناسبة لذلك. في ذلك اليوم الأنبياء يقولون: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، نفسي نفسي. فالنبي يقول: نفسي نفسي، فكيف بنا أنا وأنت -يا أخي- يوم القيامة، لا إله إلا الله! نستغفر الله من الذنوب! فإذا كان الأنبياء المعصومين الذين لا يعصون الله لا يجرءون على سؤال الله شيئاً، فكيف بالمقصرين والمذنبين أمثالنا. فيقال: اذهبوا إلى إبراهيم فيأتون إبراهيم، فيقولون له: ألا تشفع إلى ربنا في فصل القضاء؟ فيقول: نفسي نفسي، ويذكر أنه قد كذب ثلاث مرات، ويقول: إني أستحي أن أسأل الله وقد كذبت كذبات ثلاث. وما هي كذبات إبراهيم عليه السلام؟ إنها كذبات من أجل الدعوة، وهي صدق فيه تورية، فالمرة الأولى: حين خرج قومه لعبادة الأوثان وتقديم القربان قال: إني سقيم، وصدق! يقول: إن في قلبي مرضاً من عبادتكم لهذه الأصنام، لا أقدر أن أخرج معكم فأنا سقيم، قلبي مريض مما فيه من عبادتكم لغير الله، لكنه من محاسبته لنفسه اعتبرها كذبة. - والثانية: لما قام على الأصنام وحطمها وعلق الفأس على كبيرها، قال تعالى: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} [الأنبياء:58] فلما جاءوا: {قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء:59 - 60] فتىً! فأين فتيان الإسلام؟ في المقاهي والمدرجات والأرصفة، وأمام المسلسلات والدخان والجرائد والمجلات إلا من عصم الله، فكان إبراهيم فتىً من فتيان الله، من فتيان الدين: {فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ} فلما جيء به قالوا: {أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء:60 - 62] فقال لهم: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} [الأنبياء:63] ويشير إلى الصنم بإصبعه، وهو يعني أن إصبعه هذه كبيرة الأصابع هي التي حطمتها؛ لأنه لولا وجود هذه الإصبع لما قدر الإنسان على عمل شيء، فالإصبع السبابة تعد كبيرة الأصابع، وإذا فقدت هذه الإصبع لا يستفاد من بقية الأصابع بأي حال، قال: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} [الأنبياء:63] يعني: إصبعه، فهم ظنوا أنه يعني الصنم، قال: {فَاسْأَلُوهُمْ} [الأنبياء:63] وهو أراد أن يقررهم على نقص عقولهم وقلة أفهامهم، إذ كيف يعبدون من لا يمنع نفسه؟ قال: {فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} [الأنبياء:63] قالوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ} [الأنبياء:65] أي: أنت تعلم أنهم لا يتكلمون، قال: {أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الأنبياء:67] لأنكم تعبدون شيئاً لا يمنع نفسه، ولا ينفع، ولا يضر. - والثالثة: لما دخل مصر وكان حاكمها طاغية مفتوناً بالنساء؛ فلا يرى امرأة جميلة إلا أخذها، وكانت امرأة إبراهيم عليه السلام جميلة، فلما أخبروه بها وقالوا: هناك امرأة دخلت ليس لها وصف، فقال: أحضروها، ولما جيء بها ومعها زوجها، فلو قال: زوجتي، فماذا سيصنع به؟ سيذبحه؛ لأنه لا يمكن أن يسمح له بزوجته، قال: ما تكون لك؟ قال: أختي. وصدق! فهي أخته في العقيدة والإسلام؛ لأنه ليس في الأرض مسلم إلا إبراهيم وزوجه، فقال: اجلس هنا، وأخذها الملك وذهب بها إلى حيث لا يراها زوجها، فلما أرادها دعت الله عز وجل فجمده في مكانه، حاول وحاول ولكن بدون فائدة، فقال: اسألي الله أن يطلقني ولن ألمسك، قالت: اللهم أطلقه، فأطلقه الله، ولما ولت جاءه الشيطان فلحقها فدعت الله عليه ففعل ذلك ثلاث مرات يراودها وهي تدعو الله، حتى ظن أنها ليست من الإنس، فأمر بإخراجها، وفي هذه الأثناء كشف الله لإبراهيم الحجب حتى يرى كل شيء، فلا يبقى في نفسه شك، فلما خرجت أخدمها الملك هاجر وهي أم إسماعيل، ولما دخلت على إبراهيم قال: ما صنعتِ، قالت: أخزى الله الكافر فكف يده وأخدمنا هاجر. هذه كذبات إبراهيم -في نظره- ومع هذا يقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، اذهبوا إلى موسى. فيأتون موسى فيقول: نفسي نفسي، إني قد قتلت نفساً، فجريمتي لا تؤهلني لأشفع للناس عند الله، وهو من أولي العزم ومن أفضل الرسل، وقد اصطفاه الله، يقول الله تعالى له: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} [الأعراف:144] ويقول فيه: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه:41] وفي الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: (أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة، فأقوم وإذا موسى قائم عند العرش فلا أدري أبعث قبلي أم جوزي بصعقة الطور) فهو من أولي العزم، ومع هذا يقول: أنا لا أستطيع أن أقول شيئاً، اذهبوا إلى عيسى. فيأتون عيسى فلا يذكر ذنباً وإنما يقول: نفسي نفسي، اذهبوا إلى محمد، لا أسألك اليوم إلا نفسي.

الإذن لمحمد صلى الله عليه وسلم بالشفاعة الكبرى لأهل المحشر

الإذن لمحمد صلى الله عليه وسلم بالشفاعة الكبرى لأهل المحشر يأتي أهل المحشر النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: (أنا لها، أنا لها) اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم شفَّع نبيك فينا، وهذا هو المشروع عند أهل السنة والجماعة: أن تدعو الله أن يشفع نبيه فيك؛ لأن الشفاعة له: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:28] {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255]. والشفاعة حق لكنها لا تكون إلا بشرطين: - الشرط الأول: الإذن من الشافع. - والثاني: الرضى عن المشفوع له، فإذا لم يتوفر الشرطان فليس هناك شفاعة. قال: (فآتي فأسجد تحت العرش، ويفتح الله عليَّ من المحامد والثناء بما لم يفتح عليَّ من قبل، فيقال: يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يارب! أمتي أمتي) اللهم اجعلنا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم. أمة الإجابة. فالأمة تنقسم إلى قسمين: أمة الدعوة، وأمة الإجابة، فأمة الدعوة تشمل كل من على وجه الأرض منذ مبعثه صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة؛ لأنه دعاهم كافة، أما أمة الاستجابة فهم الذين استجابوا لله وللرسول -اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين- لأن الله تعالى يقول: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ} [يونس:25] فالدعوة عامة ولكن الهداية خاصة {وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس:25]. هذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد الله له وقال جل ذكره: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] فمن الذي يقول هذا؟ إنه الله، وقال له بعد أن سرد الأنبياء في سورة الأنعام: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] ووزع الله جميع الكمالات البشرية في البشر كلهم وأعطى الأنبياء أعظم قدر من ذلك، ثم جمع جميع كمالات البشر في محمد صلى الله عليه وسلم، فما من صفة وكمال إلا وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلى قدر منها، فإن قلت: الصدق، فهو أصدق البشر، وإن قلت: الشجاعة، فهو أشجع البشر، وإن قلت: الكرم، فهو أكرم البشر، وإن قلت: القوة، فهو أقوى البشر، وإن قلت: الحلم، فهو أحلم البشر فأي صفة تأتي بها تجده يملك الحظ الأوفر منها.

أهداف دراسة السيرة النبوية

أهداف دراسة السيرة النبوية عنوان هذا الدرس: (لماذا ندرس سيرة النبي صلى الله عليه وسلم؟) والكتاب الذي اخترته ليكون مرجعاً كتاب عظيم اسمه: السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية، ومؤلفه أستاذ مشارك في جامعة الملك محمد بن سعود في كلية التربية وهو الدكتور/ مهدي رزق الله أحمد. وهو كتابٌ عظيم يتميز أولاً: بترتيبه وحسن تنظيمه. وثانياً: بتوثيقه لمصادره، واقتصاره على الصحيح مما ثبت عن طريق أهل الحديث، يعني أنه أخذ السيرة من كتب أهل الحديث، واهتم ووثق، وبالإضافة إلى ذلك يتميز هذا الكتاب بميزة استخلاص العبر، وأخذ الحكم من مواقف سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا فهو من أعظم الكتب، وأوصي إخواني طلبة العلم أن يقتنوه، ويراجعوا هذه الدروس، ويقرءوها على أهليهم في بيوتهم، ويقرءوها مع زملائهم، فإنها من أعظم ما يربى عليه الإنسان، فإذا أتيت بيتك في الليل وبعد أن تتناول طعام العشاء تجمع زوجتك وأولادك، وتقول: تعالوا نتدارس درساً من مواقف النبي صلى الله عليه وسلم، وتأتي بهذا الكتاب وتدرس موقفاً واحداً وتستخلص منه العبر، وفي الليلة الثانية مثل ذلك، فتنشئ أولادك وبيتك على هدي وسيرة أكرم خلق الله رسول الله صلى الله عليه وسلم.

السيرة طريق إلى التطبيق العملي لأحكام الإسلام

السيرة طريق إلى التطبيق العملي لأحكام الإسلام أولاً: من أهداف دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أن الدارس لهذه السيرة يقف على التطبيق العملي لأحكام الإسلام التي تضمنتها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن القرآن نزل من عند الله، والسنة قالها رسول الله بوحي من الله، وكلها شملت أحكاماً وأوامر ونواهي وأخباراً، فأين طبقت؟ ومن طبقها على أعلى مستوى وأعظم قدر وأحسن تطبيق؟ إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا درست السيرة؛ وقفت بنفسك على التطبيق العملي، فالقرآن متمثل بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا جاء في الحديث لما سئلت عائشة رضي الله عنها فقيل لها: (كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان خلقه القرآن) فإن أردت أن ترى خلق النبي صلى الله عليه وسلم فاقرأ القرآن، كل ما في القرآن من هدىً وفضائل ونور متمثل في شخص النبي صلى الله عليه وسلم. إذن يلزمك أن تقرأ سيرته، لماذا؟ لترى التطبيق العملي لأحكام القرآن، فمثلاً: حين تسمع أن الله أمر بالصدق: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119] فأنت تريد نموذجاً من البشر قد تمثل فيه خلق الصدق، فتقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وتخرج بنتيجة مفادها أنه منذ خلق حتى مات ما كذب كذبة واحدة، حتى إنه لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالكتب إلى ملوك العرب والعجم، كان من ضمن الكتب كتاب إلى هرقل، فلما قرأه قال: هل هنا أحد من العرب؟ فبحثوا فوجدوا أبا سفيان ومعه نفر من العرب كانوا في تجارة، فأتي بهم، فوقف أبو سفيان وكان كافراً آنذاك، ووقف أصحابه من خلفه، فقال هرقل: إني سائله، فإن صدق فاسكتوا، وإن كذب فأشيروا إليَّ بأنه كذاب، ثم بدأ يسأل أبا سفيان ومن ضمن الأسئلة قوله: هل جربتم على هذا الرسول كذباً؟ قال: لا. ولو علم أبو سفيان على رسول الله كذبة واحدة لكان قال: نعم. لكنه يعرف أنه لو قال: نعم؛ للزمه أن يحكيها، فما كذب النبي صلى الله عليه وسلم في حياته قط. وبعد أن أخبره -والحديث طويل في صحيح البخاري - قال له هرقل: وسألتك: هل جربتم عليه كذباً، فقلت: لا. قلت: فما كان ليدع الكذب على الناس ثم يكذب على الله. فمن يستحي أن يكذب على الناس فمن باب أولى أنه لن يكذب على الله. قال هرقل: فما كان -انظر إلى حكمة الرجل- ليدع الكذب على الناس ثم يكذب على الله، فعرفت أنه نبي.

السيرة سبيل إلى التأسي برسول الله

السيرة سبيل إلى التأسي برسول الله ومن أهداف السيرة ودراستها: أننا مأمورون بالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه الرجل المثالي الذي ينبغي أن يحتذى به، فكل واحد منا في حياته له مثل وقدوة يود أن يكون مثله، فمن قدوتك أيها المسلم؟! إن قدوتك هو رسول الله، ولهذا يقول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] فهذه ثلاثة شروط لمن كان يريد أن يكون له أسوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيلزمه أن يكون مؤمناً بالله واليوم الآخر، وأن يذكر الله كثيراً، هذا هو الذي له في رسول الله أسوة حسنة، أما الذي لا يرجو الله، ولا يؤمن بلقائه، ولا يذكره فلن يكون محمد قدوته، فتكون له قدوات أخرى، فيكون قدوته اللاعب الفلاني، أو المغني الفلاني، أو الممثل الفلاني، أما أنت أيها المؤمن! يا من ترجو لقاء الله! يا من تؤمن بالله! يا من تذكر الله! من قدوتك؟ من الرجل الكامل الذي تتخذه قدوة يقودك إلى النجاة في الدنيا والآخرة؟ إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وما دمنا مأمورين بالاقتداء به؛ فإن الأمر يقتضي معرفة أحواله وشمائله وأخلاقه في جميع الأمور والأحوال والمناسبات؛ لأن من عرف شمائله وأخلاقه أحبه، ومن أحبه اقتدى به، وعلى ذلك سينال الأجر العظيم من الله في الدنيا والآخرة، حيث سيحشر معه، يقول أنس بن مالك في الحديث الصحيح: (جاء رجل أعرابي فقال: يا رسول الله! متى الساعة؟ فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتهى من كلامه، ثم قال له: أين السائل؟ قال: هأنذا يا رسول الله -فربطه الرسول صلى الله عليه وسلم بالعمل- قال: ما أعددت لها؟ -القضية ليست قضية أسئلة- قال: لا شيء غير أني أحب الله ورسوله، قال: أنت مع من أحببت) يقول أنس: فما فرحنا يومئذٍ بأعظم من هذا، فإنا والله نحب الله ورسوله. ونحن أيها الإخوة! نحب الله ورسوله، نسأل الله أن يوفقنا لأن نترجم هذه المحبة إلى عمل؛ لأن المحبة إما صادقة، وإما كاذبة، فالمحبة الصادقة هي التي يتبعها فعل، والكاذبة هي التي لا تتجاوز اللسان، يقول: تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس بديع لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب يطيع فإذا أحببت الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنك تنساق إلى طاعته واتباعه من غير مشقة؛ لأنك تحبه، وهذا واقع في حياة الناس الآن، فإذا قلت لزوجتك: إني أحبك، وقالت لك في الصباح: اقض لنا الحاجة الفلانية. فسترد عليها قائلاً: أرجوكِ! إن المحبة في القلب، وليست في قضاء الحوائج. فماذا ستقول المرأة؟ هل تصدقك في أنك تحبها؟ أتحبها ولا تقضي لها حوائجها؟ أتحبها ولا تهدي إليها هدية؟ أتحبها ولا تكسوها؟ لأنه من المعلوم أن الذي يحبك يعطيك، ويطيعك، ويحفظك، ولا يحب أن يسيء إليك. فكيف تدعي محبة النبي صلى الله عليه وسلم وأنت ضد سنته؟ ومخالف لهديه؟ فأنت في وادٍ، وشريعته في وادٍ وتقول: والله إني لأحبه، فهذه محبة الكذابين، فإذا أردت أن تكون محباً فاتبع، يقول الله عز وجل في سورة آل عمران: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31] يقول ابن عباس: [امتحن الله الخلق بهذه الآية] فهي اختبار، (قل) هنا للشرط، إن كنتم تحبون الله بصدق؛ فاتبعوا رسول الله، لماذا؟ لأن الله ما أرسله إلا ليطاع، يقول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء:64] فكيف يرسل الله لك رسولاً ولا تطيعه؟ لو أرسل لك مدير قسم الشرطة باستدعائك إلى القسم، فماذا تفعل؟ بالطبع ستقطع أعمالك وتذهب مباشرةً، فهل تشرع في الاستجابة احتراماً للعسكري أم للذي أرسله؟ للذي أرسله بطبيعة الحال. لكن لو امتنعت ولم تذهب مع العسكري، فسيأتي من يأخذك قهراً مكبل اليدين؛ لأنك رفضت طاعة العسكري الذي يمثل من أرسله وهناك قد تكون قضيتك الأولى بسيطة، لكن يفتح لك تحقيقاً جديداً في موضوع التمرد والعصيان، فكيف يرسل لك رجل الدولة، والذي يحمل شعار الدولة ويعطيك الأمر وتقول: لن تأتي؟! إذاً فأنت عاصٍ، وعلى هذا قد تضاعف لك العقوبة، وتفتح لك قضية، ويمكن أن يحكم عليك بالسجن؛ لأنك عصيت رجلاً من رجال الدولة، وهذا حق، فلا ينبغي أن تعصي، لماذا؟ لأن طاعة العسكري من طاعة ولي الأمر، وطاعة ولي الأمر من طاعة الله بالمعروف، وأنت مأمور بطاعة ولي الأمر وإلا فإنك تستحق العقوبة. وكذلك حين يرسل الله إليك رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، وأنت ترفض إجابة دعوته؛ فإن الله سيرسل إليك برسول آخر اسمه ملك الموت يأخذك قهراً، وإذا أخذك قلت: رب ارجعونِ لعلي أعمل صالحاً وأطيع الرسول قال لك: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:100 - 101]. إذن فيقتضي الاقتداء برسول الله أن ندرس شمائله، وأحواله، وأخلاقه صلى الله عليه وسلم.

السيرة سبب لثبات الدعاة إلى الله

السيرة سبب لثبات الدعاة إلى الله ومن أهداف السيرة ودراستها: أنها حافلة بمواقف إيمانية، وأحداث عقدية وقفها النبي صلى الله عليه وسلم، ووقفها معه أصحابه لإعلاء كلمة الله، وفي هذه المواقف تقوية لعزائم المؤمنين، وتثبيت لهم للدفاع عن هذا الدين، وقذف الطمأنينة في قلوبهم، وأن لهم سلف وهو محمد صلى الله عليه وسلم. وفي السيرة أيضاً كثير من العظات والعبر والحكم التي يعتبر بها المسلم، ويستفيد منها المؤمن؛ لأنها التطبيق العملي الصحيح لدين الله ولشريعته عز وجل. وفي سيرته صلى الله عليه وسلم دروس عملية لكثير من الناس وهي تتعلق بالابتلاء؛ لأن البلاء سنة كونية أرادها الله عز وجل لتمحيص الناس، حتى يتبين الصادق من المدعي الكاذب، يقول الله تعالى: {ألم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:2] فابتلى الله الناس بعدة ابتلاءات ومنها: الابتلاء بالأوامر التي فرضها الله علينا، فالتوحيد والصلاة والزكاة والصيام والحج، هل كلها تنفع رب العالمين، ومردودها يعود على الله؟ كلا. فقد قال تعالى في الحديث القدسي: (لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحدٍ منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً) فالطاعات والتكاليف الشرعية فرضها الله على الناس للاختبار والابتلاء، ولتكون سبباً في دخول الجنة، وحتى يتميز الصادقون عن اللاهين. كذلك المحرمات التي حرمها الله، فقد حرم الله الزنا، والربا، والخمور، والكذب، فكل هذه من المحرمات، لماذا؟ لتصلح الحياة وليتميز الناس، ليعرف الصادق من الكاذب. إذا ابتلاك الله بمرض في ولدك أو جسمك أو زوجتك، فهذا نوع من البلاء، ليعلم الله هل أنت صابر أم عبد للعافية فقط، فبعض الناس عبد للعافية، وإذا جاءه المرض أشرك بالله، يقول الله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ} يعني: بلاء {انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج:11] فهو موحد حال العافية، فإذا مرض أو مرضت المرأة، أو الولد؛ ذهب للمشركين، وللكهنة، وللمشعوذين، وإذا قيل له: هذا شرك، يقول: ماذا أعمل؟ فقد ذهبنا للمستشفيات فلم نجد علاجاً، وذهبنا إلى من يقرءون القرآن فما نفعوا، فماذا أعمل؟ أأقعد مريضاً؟ لا. ومعنى كلامه: إما أن يعافيني ربي، وإما أن أشرك به، والعياذ بالله! فأين العبودية؟ إن العبودية في أن تصبر؛ لأن الله تعالى يقول: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:156] فإذا جاءك المرض؛ فاسلك الطرق الشرعية للعلاج، فإما أن يكون العلاج عضوياً في المستشفيات أو نفسياً أو معنوياً عند القراء الذين يقرءون القرآن والسنة فقط. أما أن تذهب إلى كاهن، أو ساحر، أو مشعوذ، أو كذاب، أو عراف؛ فتصدقه فيما قال فعند ذلك تكون قد كفرت، والحديث في صحيح مسلم: (من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد، ومن أتاه ولم يصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً) بمعنى أنه لو مات في فترة الأربعين يوماً، يموت على غير الإسلام -والعياذ بالله- فهذا المرض بلاء. كذلك الفقر: فالذي قسم الأرزاق بين العباد هو الله، يقول الله عز وجل: {نَحْنُ قَسَمْنَا} [الزخرف:32] (نحن) هنا، من؟ أي: الله، مرسوم رباني، و (قسمنا) بصيغة الماضي، يعني: المسألة مقسومة ومنتهية: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف:32] فالله جعل هذا غنياً وهذا فقيراً، فابتلى الله الغني بالمال، والفقير بالفقر، فماذا يحصل عندك إذا كان الله ابتلاك بالفقر؟ عليك أن تصبر، أما أن تتضجر وتتسخط وتقول: ما بالي أنا من دون الناس؟ الناس كلهم أغنياء إلا أنا، إذن فخذ رزقك بالقوة إن استطعت إلى ذلك سبيلاً، فهذا لا يصح، وما معك إلا الفقر، والفقر مقسوم لك، رضيت أو لم ترض، لكن الرضا يعوضك في آخرتك، وإلا فقد كتب رزقك، يقول عليه الصلاة والسلام: (إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها) فالرزق أمر مفروغ منه، وما على الناس إلا السعي فقط، يقول عليه الصلاة والسلام: (فاتقوا الله وأجملوا في الطلب؛ فإن رزق الله لا يرده كراهية كاره، ولا يجلبه حرص حريص) فإذا ابتلاك الله بالفقر فارض بما قسمه الله لك مع أخذك بالأسباب، ولا تستسلم، وتقول: أنا فقير وسأنام، لا. بل اعمل واطلب الرزق من الله عز وجل، واسترزق الله، ولكن بعد ذلك ارض بما قسم الله. وأفضل وسيلة لطلب الرزق أيها الإخوة! هي التقوى والاستغفار، يقول عليه الصلاة والسلام: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق فرجاً، ومن كل همٍ مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب) فعليك إذا ما أتاك رزق في ذلك اليوم أن تقول: أستغفر الله! أستغفر الله! أستغفر الله! استغفر طوال يومك، وإذا ما أتيت إلى السوق تريد أن تعمل والعمال كثر، والطلب قليل، فاقعد واستغفر الله، فما تبرح حتى يرسل الله إليك من يكون سبباً في رزقك ذلك اليوم، لماذا؟ لأنك استغفرت ربك، فهنيئاً لك الرزق، وقد تستغفر ولا يأتيك رزق؛ لأن بعض الناس يدعو ويستغفر ويريد أن يختبر الله، فإن رزقه وإلا أمسك عن الدعاء والاستغفار، فأنت بهذا ما استغفرت من أجل الله، بل استغفرت من أجل المال، والله علم أن نيتك ليست خالصة له فما آتاك الرزق، لكن لو أنك استغفرت وعلم الله صدقك لرزقك؛ لأن الله يعلم ما في قلبك، ويعلم الموحد من المشرك، والصادق من الكاذب، والمخلص من المرائي، فهو يعلم السر وأخفى، أي: يعلم السر الذي في نفسك ولا يعرفه إلا أنت، ويعلم ما هو أخفى من السر والذي ستعرفه فيما بعد، فالله يعلمه وأنت ما علمت به بعد، فلا إله إلا الله! فيكون البلاء بالمرض، وبالفقر، وبالغنى، وبالزوجة والأولاد: {لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ} [الأنعام:165] فهذا كله بلاء. فعلى المسلم إذا درس السيرة أن يأخذ العبرة، ويتأسى، ويعرف أنه لا بد له من البلاء، ولا بد للبلاء من صبر.

السيرة تعين على فهم الأحكام المجملة

السيرة تعين على فهم الأحكام المجملة أيضاً: في دراسة السيرة ما يعين المسلم على فهم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهناك آيات كثيرة في القرآن الكريم محكمة ومتشابهة، ومن الصعب على طالب العلم أو الرجل العامي أن يعرفها، ولكن بدراسة السيرة يعرف الأحداث؛ لأن أسباب نزول الآية مشروح في السنة وفي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.

السيرة تتناول ما يحتاجه طالب العلم

السيرة تتناول ما يحتاجه طالب العلم كذلك دراسة السيرة تكسب طالب العلم الكثير من المعارف المختلفة، من عقيدة وشريعة، وأخلاق وسلوك، وتعامل وعبادة، وحديث وتربية، واجتماع وتفسير، فكل الكنوز تجدها في السيرة، فكيف برز السلف أيها الإخوة؟ وما هي أسباب نبوغ الرعيل الأول؟ إنهم كانوا متمسكين بالسنة، عاكفين على اقتفاء سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.

من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم

من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً هناك هدف من دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو: الوقوف على المعجزات التي أجراها الله عز وجل على يدي نبيه محمد صلى الله عليه وسلم؛ لتكون شواهد على أنه رسول من عند الله، وهذه لا تعرف إلا في ضوء وقائع السيرة، فإن السيرة حدَّثت كثيراً عن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم.

معجزة الأنبياء وخرافة الأولياء

معجزة الأنبياء وخرافة الأولياء المعجزة في تعريف العلماء هي: (أمر خارقٌ للعادة مقرون بالتحدي، يظهره الله على يد نبي من أنبيائه) وتختلف المعجزة عن الكرامة، في أن الكرامة أمر خارقُ للعادة، ولكنها غير مقرونة بالتحدي، يظهرها الله عز وجل على يد عبد من عباده. ولا يشترط في الكرامة أن يكون صاحبها تظهر عليه أمارات الصلاح، فقد تظهر الكرامة على يد رجل غير صالح، ولهذا أصلح الناس بعد رسول الله هم الصحابة وليس لهم كثير من الكرامات، لماذا؟ لأن عندهم من الحقائق -كما يقول ابن تيمية - ما أغنتهم عن الكرامات، وظهرت كثير من الكرامات على أيدي بعض المتصوفة، وأكثرها من مكر الشيطان وتلبيس إبليس، وليست كرامات في أكثرها، وبعضها كرامة؛ لأن الكرامة في معتقد أهل السنة والجماعة شيء مسلم به ولكن في حدود ووفق ضوابط، أما عند المتصوفة فالأمر واسع، وقد ذكر هذا الشعراني صاحب الطبقات الكبرى للصوفية، يذكر عن شخص من أئمتهم أنه كان يأتي حمارة فيطؤها وهو ولي من أولياء الصوفية، فلما قيل له في ذلك، قال: إنها كرامة من كراماته أن الحمارة ما رفسته. ورجل آخر من الصوفية يذكر عنه في الطبقات الكبرى أنه كان يخطب يوم الجمعة عارياً -تصوروا أن يصعد المنبر وهو عارٍ كما خلقه الله- فقيل له: ما هذا؟ قال: كرامة، قالوا: تستر، قال: إني أستغنى بستر الله عن ستر الناس، فضح نفسه واستغنى بستر الله، أهذه كرامة؟ هذه فضيحة -والعياذ بالله- إلى غير ذلك من الخزعبلات التي لا يقبلها العقل، ويستحي الإنسان أن يحدث بها، ويسمونها كرامات، وليست بكرامات وإنما هي خزعبلات وأكاذيب وخرافات.

معجزات الأنبياء وما يستفاد منها

معجزات الأنبياء وما يستفاد منها إن المعجزات التي يؤيد الله بها أنبياءه ورسله يستفاد منها أمران: أولاً: الإيمان بالله. ثانياً: الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن ثبوت المعجزة يدل على أنها واقعة من الذي أرسل الرسول، فتقتضي المعجزة الإيمان بمن أوجدها وهو الله تعالى، وتقتضي صدق من جاء بها وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذا أرسل الله الرسل بالبينات، يعني: الشواهد والدلالات، يقول الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} [الحديد:25]. وأيد الله كل نبي بالبينات بما يناسب حال الناس في وقته، ففي عهد موسى كان السحر على أشده، فأيده الله بالعصا تلقف ما يأفك السحرة، وفي عهد عيسى كان الطب متقدماً، ولكنهم عجزوا عن علاج البرص والعمى والكمه - والكمه: هو أن يولد الإنسان أعمى- وهذه الأمراض عجز الطب الحديث عن علاجها، فالله عز وجل أعطاه آية وهي أن يبرئ الأكمه والأبرص والأعمى، كما أنه يحيي الموتى، حتى لا يقول أحد: إنه قادر على فعل ذلك، لذا جاءت المعجزة مقرونة بالتحدي. وأما صالح عليه السلام فأرسله الله إلى ثمود وكانوا أهل إبل، وسكنوا مدائن صالح، فكانت آيته ناقة طلبوها هم، وقالوا: نريد أن تخرج لنا من هذه الصخرة ناقة عشراء، يعني: في الشهر العاشر؛ لأن الناقة تحمل من عشرة إلى أحد عشر شهراً، فاختاروها فانفلقت الصخرة وخرجت لهم الناقة، وقال لهم: هذه ناقة الله، لها شرب يوم ولكم شرب يوم معلوم؛ فالماء لها يوم ولكم يوم، ولا تمسوها بسوء فعقروها فسلط الله عليهم بأن صاح فيهم جبريل صيحة قطعت قلوبهم في أجوافهم وأصبحوا جاثمين والعياذ بالله! أما رسولنا صلى الله عليه وسلم فقد أيده الله عز وجل بمعجزاتٍ كثيرة، ألفت فيها مؤلفات منها كتاب: دلائل النبوة للبيهقي، ودلائل النبوة لأبي نعيم، كتاب البداية والنهاية لـ ابن كثير وتحدث عنها كثيراً في الجزء الثاني، وعدها بعض أهل العلم أكثر من ألف معجزة، أي: ألف دليل على أنه رسول من عند الله، ويعدّ أعظمها وأعلاها وأشدها القرآن الكريم، يقول الله عز وجل: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت:51] أي: أما كفاهم دليلاً على أنك رسول وجود هذا القرآن معك؟ فهو معجزة باقية؛ لأن رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم باقية. فلو أتيت أحد اليهود قائلاً له: من نبيك؟ يقول: موسى؛ تقول: وما دليل نبوته؟ يقول: العصا! إذن أين العصا؟ العصا ذهبت وكانت خبراً وانتهى. تأتي إلى النصراني وتقول: من نبيك؟ يقول: عيسى. تقول: وما دليل نبوته؟ يقول: يحيي الموتى. تقول: ولكن متى كان ذلك؟ يقول: في تلك الأيام الماضية. لكن تأتي إلى المسلم فتقول له: من نبيك؟ يقول: محمد صلى الله عليه وسلم. تقول: وما دليل نبوته؟ يقول: القرآن خذ، لماذا؟ لأنه رسول خاتم، ورسالته دائمة، فاقتضى الأمر أن تكون معجزته موجودة في كل وقت، دائمة خالدة باقية إلى يوم القيامة. فأي منصف يريد الحق حين يقرأ القرآن يشهد أن لا إله إلا الله مباشرةً؛ لأنه ليس بمعقول أن يكون هذا القرآن من عند النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الرجل الذي لم يقرأ ولم يكتب حرفاً واحداً، ولو وضعت (أب ت) أمام النبي صلى الله عليه وسلم وقلت: ما هذه؟ فإنه لا يعرف ألفاً ولا باءً، ولكنه معلم الإنسانية، ومعلم البشرية كلها، يقول الله عز وجل فيه: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ} [العنكبوت:48] يعني لا تقرأ: {وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} [العنكبوت:48] يعني: لا تكتب، لماذا؟ قال: {إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48] لو أنك كاتب وقارئ لحصل عندهم ريب وشك وقالوا: هذا كاتب، وهذا من بنات أفكاره، ومن تأليفه، قال الله تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} [العنكبوت:49] هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أميته دليل إعجاز، ودليل على نبوته وشاهد على أنه رسول من عند الله عز وجل. وللرسول صلى الله عليه وسلم معجزات كثيرة، سنعرفها إن شاء الله من خلال السيرة.

قصة طعام جابر يوم حفر الخندق

قصة طعام جابر يوم حفر الخندق معجزته يوم كانوا يحفرون الخندق، والخندق هو أخدود حفر حول المدينة كلها، وتصوروا هذا الجهد! وصاحب الرأي فيه هو: سلمان الفارسي؛ لأن سلمان عنده خطط حربية تعلمها من بلاد فارس، فلما استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه قال سلمان: نعمل خندقاً حتى لا تستطيع خيل الكفار أن تدخل على الناس، وإذا دخل منهم رجلان نقدر على مواجهتهم، لكن إذا دخلوا على الخيول فكيف يمكن مواجهتهم؟ فالفارس يمكنه أن يقطع رأسك وهو على رأس الحصان؛ لأن في يده سيف وأنت في يدك سيف، لكن هو على ظهر الحصان وأنت على الأرض، ولهذا الراجل ليس مثل الفارس، والفارس عنده ميزة للتفوق، فإن عنده قوته وقوة حصانه، فالحصان له قوة، قال صلى الله عليه وسلم: (الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة) فعملوا الخندق من أجل الحيلولة دون دخول الخيل إلى المدينة. وما هي وسائل الحفر؟ الأيدي، لا (دركترات) ولا حفارات ولا أي شيء، إنما بأيديهم وكانوا قلة، وجائعين وضعفاء، وما عندهم شيء، وظروفهم لا يعلمها إلا الله! وكلما وصلوا إلى حجر كبير يريدون إزالته لا يستطيعون، فيقولون للرسول صلى الله عليه وسلم فيأتي فيقول: باسم الله فيضربه فيكسره، وهذه من معجراته صلى الله عليه وسلم. وكانوا على حالهم في الحفر حتى جاء الظهر، ولاحظ جابر رضي الله عنه على وجه النبي صلى الله عليه وسلم أمارات الجوع، فذهب إلى البيت وسأل زوجته فقال: هل عندكِ طعام؟ قالت: عندي مد من طعام وعندنا شاة صغيرة، فطلب منها أن تعجن عجينها وذبح هو الشاة، وقال: اطبخيها وسآتي بالنبي صلى الله عليه وسلم وبعض النفر، يعني: واحد أو اثنان. قال جابر: فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فساررته في أذنه وقلت: يا رسول الله! إن عندنا مداً من طعام، وعندنا شاة صغيرة ذبحناها وطبخناها، وأريدك أن تأتي أنت ونفر من أصحابك، قال: لا بأس، ثم أمر المنادي في أهل الخندق وكانوا ألفاً وخمسمائة رجل، قال: الغداء عند جابر. لا إله إلا الله! كيف يغدي ألفاً وخمسمائة، هذا المجلس كم فيه -ربما خمسمائة- من يعشيكم؟ لا إله إلا الله!! لكن هؤلاء الصحابة منذ زمن ما ذاقوا اللحم، وما ذاقوا العيش، جائعين، لو قدم لأحدهم ذبيحة لأكلها كلها، وهذه شاة صغيرة من تكفي؟ يقول جابر: فعدت للبيت مباشرةً وقال: جاء رسول الله وأهل الخندق، ولكن انظروا إلى الزوجة المثالية المؤمنة الدينة العظيمة، قالت: هل أخبرته بما عندنا من طعام؟ قال: نعم. قالت: لا عليك فهو يعلم ما يصنع، ولو أنها واحدة من نسائنا لصاحت وولولت وقالت: فضحك الله كما فضحتنا! والله لا أقعد في البيت، وتخرج. والرسول قال لـ جابر: لا تنزلوا القدر حتى آتي، ثم جاء صلى الله عليه وسلم ومعه أهل الخندق كلهم، ودخل البيت وقال لـ جابر: أدخلهم عشرة عشرة؛ لأن البيت لا يتسع لأكثر من عشرة، وجلس صلى الله عليه وسلم وقدم القدر وقرب الخبز، فكان يلت الخبز في اللحم ويعطي عشرة فإذا اكتفوا خرجوا ودخل غيرهم، يعني مائة وخمسين مرة، حتى انتهوا كلهم، قال جابر: والله لقد انتهوا وقدرنا ما نقص منها شيء. وهذا في صحيح البخاري وصحيح مسلم، وليس من الإسرائيليات ولا حديثاً ضعيفاً، فهذه المعجزة تأتي على يد من أيها الإخوة؟! والذي شهدها ألف وخمسمائة. ليس واحداً ولا اثنين، فشهود الحادثة بالتواتر كما يقول ابن حجر: تكثير الطعام متواتر، فهو دليل على أنه رسول من عند الله تعالى. وأما بعض الصوفية وأئمتهم فيكذبون على الناس، ومنهم شخص يخبرني عنه أحد العلماء، كان يرسل في الصباح إلى الصحراء بعض تلاميذه ويقول لهم: دسوا في الرمل برتقالاً وتفاحاً وماءً ثم يأتي في العصر ويأخذ المريدين والتلاميذ ويخرجهم إلى المكان المحدد وقد بينه بعلامة ويقول: ماذا تريدون؟ قالوا: ماذا تريد أنت؟ قال: أتريدون تفاحاً؟ قالوا: نعم، قال: احفر هنا يا ولد، فيحفر فيخرج التفاح، قالوا: الله! هذه كرامة من كرامات الولي، وكان أحد تلاميذه ذكياً فراقبهم ذات يوم وحين ذهبوا كعادتهم، ذهب وأخذ البرتقال والتفاح، وجاء الشيخ بعد العصر، وقال: هل تريدون تفاحاً؟ قالوا: نعم يا شيخ، قال: احفروا هنا، وإذا به لا يوجد شيء، قالوا: ماذا هناك يا شيخ؟ قال: فيكم رجل عاصٍ. قال هذا الولد: والله إنك أكبر عاصٍ، ودجال تضحك علينا وأنت تدسها كل يوم، وقام يتكلم مبيناً لبقية التلاميذ أنه كان يرسل بعض طلابه في الصباح ليدفنوها في الرمل؛ حتى يكذب عليهم. أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمعجزته صدق.

نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم

نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم نبع الماء من بين أصابعه صلى الله عليه وسلم ومن معجزاته وهي في الصحيحين أيضاًَ: معجزة نبع الماء من بين أصابعه، والحادثة أيضاً مشهورة ذكرها البخاري ومسلم وعلق عليها ابن حجر وذكرها الأئمة وقالوا: إنها كالمتواتر، وقد حصلت مرات، لكن أشهرها في غزوة الحديبية (عندما منعوا من دخول مكة ونفد الماء، وجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: ما بقي ماء إلا في ركوة صغيرة -الركوة إناء من الجلد- فقال: هاتوها، فجاء وغمس يده فيها فنبع الماء من بين أصابعه وجاء الناس يستقون، فاستقوا وشربوا وملئوا القرب كلها، قال: كم كنتم؟ قالوا: كنا ألفاً وخمسمائة، ولو كانوا مائة ألف لكفاهم) هذه من معجراته صلى الله عليه وسلم.

انقياد الشجرة له صلى الله عليه وسلم

انقياد الشجرة له صلى الله عليه وسلم انقياد الشجر له: هذه في الصحيحين عندما خرج صلى الله عليه وسلم إلى الخلاء، وكان إذا خرج إلى الخلاء يذهب بعيداً يستتر؛ لأنه حيي صلى الله عليه وسلم، كان أشد حياءً من العذراء في خدرها، فإذا خرج إلى البر لا يخرج قريباً حتى لا يراه الناس، بل يذهب مسافة طويلة، ولا يوجد حمامات في البيوت، فذهب إلى مكان بعيد يريد أن يستتر فما وجد شجرة، فرأى شجرة في طرف الوادي فدعاها، فجاءت تشق الوادي حتى وقفت عنده، ثم نظر فإذا شجرة في الطرف الثاني فأشار لها فجاءت تشق الأرض حتى وقفت عنده، قال: (التئما عليَّ بأمر الله، فالتأمتا ثم استتر بهما حتى قضى حاجته، فلما انتهى قال لهذه: هكذا -يقول راوي الحديث: والله ما تخطئه- فرجعت تشق الأرض إلى مكانها الأول، ثم رجعت الثانية إلى مكانها) هذا في الصحيحين، اللهم صلِّ وسلم عليه، هذه من معجزاته صلى الله عليه وسلم.

إطلاعه صلى الله عليه وسلم على اجتماع عمير بن وهب مع صفوان بعد بدر

إطلاعه صلى الله عليه وسلم على اجتماع عمير بن وهب مع صفوان بعد بدر ومن معجزاته أيضاً: ما وقع بعد غزوة بدر، لما انتصر المسلمون في غزوة بدر ورجع الكفار مهزومين وكان لهم أسرى في المدينة، فجلس اثنان من الكفار في حجر إسماعيل بجوار الكعبة، وكان الأول هو صفوان بن أمية وقد قتل أبوه أمية بن خلف في غزوة بدر، ومعه عمير بن وهب الجمحي وقد أسر ولده، فتذاكرا ما أصابهم في بدر من هزيمة، فقال عمير: والله لولا دينٌ عليَّ وعيال عندي لذهبت إلى محمد في المدينة وقتلته، وهذا عمير اسمه شيطان الجاهلية، ومعروف بشراسته، وبطل مغوار، فاستغلها صفوان؛ لأن أباه قد قتل في بدر، فقال لـ عمير: دينك عليَّ -أتحمل دينك- وعيالك مع عيالي أواسيهم ما وسعني ذلك، قال عمير: إذن اكتم عليَّ، حتى لا يدري أحد، ثم ودعه وخرج إلى البيت وأخذ السيف وشحذه ثم سمه، وكان العرب إذا شحذوا السيف بالسم أوقدوا عليه في النار إلى أن يكون مثل الجمرة، ثم يطفئونه في الماء الذي فيه سم، فيشرب الحديد السم فيصبح السيف مسموماً، وأقل ضربة في أي جزء من الجسم يدخل السم منها ويتسمم الجسم ويموت، فَسَمَّ السيف ثم لفه في خرقة وجعله بين جلده وثوبه. ثم سرى من ليلته حتى وصل إلى المدينة، ولا يعلم بخبره أحد في الأرض إلا صفوان؛ لأنها مؤامرة يريدون تطبيقها واغتيال النبي صلى الله عليه وسلم فما أخبروا أحداً، ودخل المدينة بعد العصر وربط ناقته بجوار المسجد ثم دخل، فلما رآه عمر وكان جالساً مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عمر ينظر بنور الله، والحديث في الصحيحين يقول: (إن يكن في أمتي محدثون فإن منهم عمر) (محدَّث) أي: ملهم، فلما رآه قال للصحابة: هذا عدو الله عمير، والله ما أراه جاء إلا لشر، ثم قام إليه وأمسكه من تلابيب رقبته. فجاء به وهو يمسك بتلابيبه حتى أوقفه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (هذا عمير يا رسول الله! قال: أطلقه، فأطلقه، قال: ماذا تريد يا عمير؟ قال: جئت أفتدي أسيري عندكم، يعني ولدي أسير، قال: اصدقني يا عمير، قال: ما هو إلا ذاك، قال: ولِمَ السيف؟ -والسيف مخفي لكن الله أطلع الرسول عليه- قال: قبحها الله من سيوف وهل أغنت عنا يوم بدر شيئاً -يقول: ما نفعتنا يوم بدر، فليس فيها بركة- قال: اصدقني يا عمير، قال: ما هو إلا ذاك، قال: لا يا عمير! بل جلست أنت وصفوان في حجر إسماعيل وتذاكرتما ما كان منكما في بدر فقلت أنت: والله لولا دينٌ عليَّ وعيالٌ عندي لذهبت إلى محمد فقتلته، فقال صفوان: دينك عليَّ وعيالك مع عيالي أواسيهم ما وسعني ذلك، فقلت أنت: اكتم عليَّ وذهبت وأخذت سيفك وشحذته وسممته وجعلته بين جلدك وثوبك وجئت لتقتلني، والله حائلٌ بيني وبينك، فقال عمير: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، والله ما أخبرك بهذا إلا الله) يقول: ليس في الدنيا أحد يعلم بهذا الأمر، لكن هناك (فاكس) رباني جاء من السماء يفضح الفضيحة ويكشف المؤامرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (أطلقوا أخاكم وأطلقوا له أسيره كرامة له، وعلموه أمور دينه). فرجع مسلماً، وكان صفوان جالساً في مكة، ويقول لمن عنده: يوشك أن يأتيكم خبر يسركم، ويوم جاء الخبر وإذا بـ عمير جاء بنفسه، ما هو الخبر؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قال: بئس ما فعلت، قال: هذا رسول الله، وأصبح عمير من حواري الإسلام بعد أن كان شيطان الجاهلية، ونصر الله دينه في كل موقف كان قد خذله فيه هو وابنه رضي الله عنهما. فهذه طرف من معجزاته صلى الله عليه وسلم وإلا فالمعجزات كثيرة وسوف نتحدث عنها في السيرة بشكل أكبر بإذن الله عز وجل. فهذه -أيها الإخوة- أهداف دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فنحن لا ندرس السيرة للحكايات، فليست قصصاً نضيع بها الأوقات، ونقطع بها الزمن، بل هي عبر، وآيات، وحكم، ومواعظ، وأحداث، نتعلمها من خير البشر، وأكرم الخلق، وسيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم. وسوف نواصل هذه الدروس إن شاء الله في كل شهرٍ مرة، وسنبدأ إن شاء الله في بدء الوحي وما يعقب ذلك من الأحداث. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يوفقنا وإياكم إلى ما يحبه ويرضاه، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين، اللهم احفظ لنا ديننا وأمننا ونعمتنا واستقرارنا، اللهم وفق ولاة أمورنا وعلماءنا ودعاتنا وطلبة العلم فينا وشبابنا وفتياتنا وجميع المسلمين إلى خدمة هذا الدين، والدعوة إلى هذا الدين إنك ولي ذلك والقادر عليه. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الأخذ من مال الشركة دون علم الشركاء

حكم الأخذ من مال الشركة دون علم الشركاء Q أنا وأخي مشتركان في محل تجاري، ومنذ عدة شهور لم يعطني أخي شيئاً، وأصبحت آخذ بدون أن أخبره، فأجيبوني بالصواب؟ A لا يجوز لك أن تأخذ من المال دون أن تخبره؛ لأنه شريك، والشريك له حقٌ في ماله، فعليك أن تطالبه بإجراء حساب حتى تعرف ما لك وما عليك، أو تخبره أنك ستأخذ من المال وتسجله بحيث تقول: أنا آخذ كل شهر ألفاً أو ألفين أو ثلاثة أحتاجها في مصاريف، وفي نهاية المدة عند الموعد الذي حددتموه لإجراء الحساب -أو معرفة الأرباح- تبين أن عندك عشرون ألفاً أو ثلاثون فيحسبها مما أخذته، أما أن تأخذ وهو لا يدري فهذه خيانة، وإذا أخذ هو دون أن تدري فهذه خيانة، وإذا دخلت الخيانة في الشركة فسدت وخسرت وغضب الله على الخائنين، قال تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ} [يوسف:52].

الإيمان الصحيح يقتضي الإيمان بكل الأنبياء

الإيمان الصحيح يقتضي الإيمان بكل الأنبياء Q أرجو منكم توضيح أنه يجب الإيمان بما جاء به موسى وعيسى وجميع الرسل حتى لا يلتبس الأمر على الحضور؟ A لا أظن حصول اللبس؛ لأني ما أشرت إلى هذا، المعروف أيها الإخوة! أن من أركان الإيمان: الإيمان بالرسل من أولهم إلى آخرهم، فالذي يكفر برسول واحد؛ يكفر بكل الأنبياء والرسل، فنحن نؤمن ونعتقد في قرارة أنفسنا، وجزء من مقتضيات ديننا أن الله أرسل رسلاً إلى الناس، ذكر الله بعضهم وسماهم، وبعضهم لم يذكرهم ولم يخبرنا عنهم ولكننا نؤمن بهم على العموم، ونؤمن على التفصيل بمن أخبر الله عز وجل ومنهم عيسى، وموسى، وإبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، والأسباط كل هؤلاء الأنبياء نؤمن بهم لكن لا نتبع شريعتهم؛ لأن شريعتهم نسخت بشريعة الإسلام، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى عمر بن الخطاب وفي يده نسخة من التوراة غضب وقال: (أفي شك أنت يا بن الخطاب، والله لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي) فموسى الذي أنزلت عليه التوراة لو كان موجوداً لما عمل بالتوراة. فبماذا يعمل؟ يعمل بالإسلام وبالقرآن.

أولو العزم من الرسل

أولو العزم من الرسل Q لماذا سمي الرسول صلى الله عليه وسلم من أولي العزم، ومن هم أولو العزم؟ A أولو العزم خمسة وهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم، وسموا بأولي العزم؛ لأنهم كلفوا بشرائع ضخمة، ومن أعظمها شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، كما أن لهم عزيمة كبيرة في القيام بهذا الأمر.

عمر الرسول صلى الله عليه وسلم ووزيريه

عمر الرسول صلى الله عليه وسلم ووزيريه Q قرأت في البداية أن عمر أبي بكر (63) سنة، وعمر الرسول صلى الله عليه وسلم (63) سنة، وفيما أعلم أن أبا بكر أسن من الرسول صلى الله عليه وسلم فأرجو التوضيح؟ A صحيح أن أبا بكر مات وعمره (63) سنة، وعمر مات وعمره (63) سنة، ورسول الله مات وعمره (63) سنة، ورسول الله أكبر من أبي بكر، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات قبل أبي بكر بسنتين، وأبو بكر ولد بعد النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين وقليل، فليس هناك خلاف. فهل قصدك أنهما ولدا في يوم واحد ومات الرسول قبله؟ لا. فالرسول ولد قبل أبي بكر بسنتين، ومات قبله بسنتين، فيكون سنهما (63) سنة عند الموت.

المنهج النبوي في العمل بكتاب الله

المنهج النبوي في العمل بكتاب الله Q نرجو توضيح منهج الرسول في العمل بكتاب الله؟ A سبحان الله العظيم!! الرسول صلى الله عليه وسلم هو المطبِق الأول، والتطبيق العملي في حياته هو القرآن والسنة، أما منهج السلف هذا هو السؤال الذي تقوله، فلا تقل: منهج الرسول، فمنهج الرسول هو الإسلام، هو الدين، لكن ما هو منهج السلف في دراسة كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: كيف استدلوا على مسائل العقيدة؟ وكيف استدلوا على مسائل العبادة؟ هذا سؤال يحتاج إلى محاضرة مستقلة، أي أن السلف رحمهم الله تميزوا أنهم أهل السنة والجماعة؛ لأن لهم طريقة في الأخذ من كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم اختلفت عن طريق أهل الأهواء والبدع، فهؤلاء ضلوا؛ لأنهم ما اتبعوا طريق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، أما أهل السنة والجماعة فتمسكوا بالكتاب والسنة، فالكتاب هو القرآن، والسنة هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فسموا أهل السنة والجماعة لأنهم اجتمعوا عليها، أما أهل الأهواء والبدع فقد أخذوا مناهج أخرى، واتبعوا طرقاً وأساليب فسموا أهل الأهواء، وهم أربع فرق: الخوارج والروافض والمرجئة والقدرية، وجميع الفرق الاثنتين والسبعين فرقة تتفرع من هذه الأربع، يقول ابن المبارك: [جميع أصول الأهواء والفرق أربع، فمن برئ منها كلها برئ من الأهواء كلها].

صفات الرسول صلى الله عليه وسلم

صفات الرسول صلى الله عليه وسلم Q ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم متصف بجميع الصفات العظيمة، ولم تقيدها بالصفات البشرية، فهل تدخل فيها صفات الله تعالى؟ A لا. فصفات الله غير صفات البشر؛ لأن ذات الله عز وجل غير ذات البشر، فالبشر بشر والرب رب، وصفات الله عز وجل صفات تليق بجلاله، أما الرسول صلى الله عليه وسلم فهو بشر، ولكن كمالاته البشرية أعظم ما يمكن أن يمنح للبشر، ولكنه ليس رباً حتى يمكن أن تكون صفاته مثل صفات الله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً!

صفة الصلاة الإبراهيمية

صفة الصلاة الإبراهيمية Q نذكر في التحيات في التشهد الأخير: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، لماذا خص إبراهيم دون سائر الأنبياء؟ A هذا مما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت في الصحيحين أنهم قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم: (قد علمتنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد) فعلمنا الرسول هكذا فلا يسعنا إلا اتباع تعليماته صلوات الله وسلامه عليه.

ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم في القرآن

ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم في القرآن Q كم ذكر اسم محمد في القرآن الكريم؟ A اسأل الحفظة، أو ارجع إلى المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، شخص من حفظة القرآن يقول: أربع مرات، وأنا أعرف أن الأولى هي قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح:29] والثانية قوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40] والثالثة قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران:144] والرابعة قوله تعالى: {وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ} [محمد:2] الله أكبر! هذا هو الفخر -يا إخواني- الفخر بكتاب الله وحفظه، لكن لو أننا في مسرح آخر وقلنا: لمن هذه الأغنية؟ لكنت ترى الأصابع كلها ترتفع ويقول أصحابها: أغنية فلان، ولحنها فلان، وقال كلماتها فلان، فلا إله إلا الله!

الفرق بين البلاء والمصيبة

الفرق بين البلاء والمصيبة Q ما الفرق بين البلاء والمصيبة؟ A مشتقات من مشتقات اللغة، فلان في مصيبة أو محنة أو فتنة، أو بلية وكلها شيء واحد نسأل الله العافية!

حقيقة الكرامة

حقيقة الكرامة Q كيف تكون الكرامة؟ A قلنا: الكرامة أمر خارقٌ للعادة غير مقرون بالتحدي، ليس فيه تحدٍ يجريه الله على يد بعض عباده، وقد جرت لـ عمر رضي الله عنه كرامة وكان يخطب في المسجد، فقطع الخطبة وقال: [يا سارية الجبل، يا سارية الجبل] فسمعوا صوت عمر وهم في بلاد الفرس يقاتلون: جاءهم العدو من وراء الجبل، وسارية كان قائد جيش المسلمين في المعركة، وكشف الله لـ عمر المعركة وهو في المدينة، فقال: [يا سارية الجبل! العدو جاءكم من الجبل] فالتفتوا وإذا بالعدو وراءهم، فرجعوا عليه، وسمعوا صوت عمر وهم في بلاد الفرس، هذه من كرامات عمر رضي الله عنه.

وصف كتاب: هذا الحبيب يا محب!!

وصف كتاب: هذا الحبيب يا محب!! Q ما رأيكم في كتاب: هذا الحبيب يا محب تأليف الشيخ أبي بكر الجزائري؟ A من أحسن ما كتب في السيرة كتاب الشيخ أبي بكر الجزائري هذا الحبيب يا محب، وكتابه: أيسر التفاسير في فهم كتاب الله عز وجل، من أعظم ما ألف؛ لأنه ألفه بطريقة بديعة وسهلة، والشيخ حفظه الله وبارك في حياته ومتعه بها، ذو قلم سيال، وأسلوب جذاب، إذا بدأت بالقراءة له فإنك لا تتوقف. فهذا كتاب عظيم وننصح الإخوة بقراءته، وإنما أنا اخترت كتاب السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية؛ لأنه موثق، وليس فيه حدث إلا وجاء به موثقاً من مصادره الأصيلة، على منهج أهل الحديث، فوقع اختياري عليه حتى تكون ثقافتنا في السيرة ثقافة موثقة، أي لا نريد كلاماً فيه شيء غير موثق.

معجزة النبي صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس

معجزة النبي صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس Q لم تحدثنا عن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم في بيت المقدس؟ A أنا ما قلت: إني سأحدثكم عن كل المعجزات؛ لأن المعجزات بلغت الألف وأنا أعطيتكم ثلاثاً أو أربعاً، أما هذه فهي معجزة من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي: أنه لما أسري به إلى بيت المقدس ورجع في ليلته كذبه المشركون، وأرادوا أن يزعزعوا إيمان المؤمنين، وقالوا: إنا كنا نصدقكم، لكن الآن تقولون: ذهب إلى بيت المقدس ورجع في ليلة ونحن نقطعها في شهرين ذهاباً وإياباً، وليته قال: بيت المقدس وسكت، بل يقول: صعد إلى السماء. فجاءوا إلى أبي بكر الصديق وقالوا: استمع إلى ما يقول صاحبك، فلما أخبروه قال: [إن كان قال ما قال فقد صدق] فسمي الصديق رضي الله عنه. ومن ضمن أسئلتهم لرسول الله أنهم قالوا: صف لنا بيت المقدس؟ والنبي صلى الله عليه وسلم دخل بيت المقدس في الليل وصلى بالأنبياء وخرج، والذي يدخل المسجد قاصداً أمراً معيناً لا يقعد يتفكر في هذا المسجد. أنتم الآن حين دخلتم هذا المسجد، كم عدد عمدان المسجد هذا؟ لا تعلمون. وربما أنكم حضرتم عشرين مرة؛ لأنكم ما جئتم لتعدوا ولستم مهندسين. كم عدد النوافذ و (الثريات)؟ لا تعلمون. فهم أرادوا وصفه والرسول صلى الله عليه وسلم دخل لأداء رسالة وهي الصلاة بالأنبياء وخرج. فلما أرادوا أن يمتحنوه كشف الله له بيت المقدس، وهو في مكة وبيت المقدس في القدس، فجعل يصفه عموداً عموداً ونافذة نافذة وباباً باباً كأنما يراه، ولكن هل آمنوا؟ قال الله عز وجل: {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا} [الأعراف:146] هم لا ينقصهم الدليل، الدليل موجود لكنه العناد والرفض.

من يحق لهم الاستفادة من الضمان الاجتماعي

من يحق لهم الاستفادة من الضمان الاجتماعي Q والدتي ترغب في أن تسجل اسمها في الضمان الاجتماعي وهي ليست من أهل الحاجة، ولديها أموال وأراضي، فبم تنصحونها؟ A لا يجوز لها، ويحرم عليها ذلك، فالضمان الاجتماعي مبلغ مخصص من بيت المال للمنقطعين والفقراء، للذين لا دخل لهم، ولا أراضي، فإذا جاء شخص عنده أموال أو أراضي أو راتب، فكذب وقدم معلومات خاطئة وأخذ هذا المال فقد أخذه حراماً وحال بين المستحق وبينه. فحين يأتي مستحق، يقال له: المخصصات انتهت، لماذا؟ لأن المخصص أخذه شخص غير مستحق، وبالتالي لا يجوز ذلك. فإذا رفضت أمك إلا أن تقدم، فاذهب إلى الضمان وقل: إن أمي عندها رصيد وعندها أراضي فلا تعطوها شيئاً، ولكن دون أن يخبروها؛ لأنها ستغضب منك.

حكم توريث من مات عنها زوجها ولم يدخل بها

حكم توريث من مات عنها زوجها ولم يدخل بها Q امرأة عقد عليها زوجها وتوفي قبل أن يدخل بها، فهل ترث؟ A نعم ترث. فإذا عقد وجب لها الإرث، فترث نصيبها من الإرث بحسب دورها في الورثة، فإن كان عنده أولاد فلها الثمن وإن كان ليس عنده أولاد فلها ربع المال ولو لم يدخل بها، ويجب أن تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام.

كيفية الإقلاع عن ممارسة العادة السرية

كيفية الإقلاع عن ممارسة العادة السرية Q الحمد لله سمعت بعض الأشرطة الدينية فتركت الغناء والمسلسلات، ولكني سقطت في العادة السرية، فبماذا تنصحني؟! A الحل عندك، وهو أن تنقذ يدك من هذه الفضيحة التي تمارسها معها، وأن تستحي من ربك، وأن تعلم أن الله مطلع عليك وأنت تمارس هذه العادة، فإنها عادة سيئة، وليست عادة سرية، بل عادة خبيثة شيطانية اسمها نكاح اليد، وقد جاء في بعض الآثار أن: [ناكح يده ملعون] لأن يده تحمل منه يوم القيامة، فيأتي يوم القيامة ويده حبلى بكل الحيوانات المنوية التي خرجت منه ليده، فهذه فضيحة يا أخي! وعليك أن تتقي الله فقد أمرك بالعفة إذ قال: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:33] والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم) فما قال عليك بيدك، فاليد ليست حلاً، بل اليد تزيد المشكلة؛ لأنها لا تقضي على شهوة الجنس، فهي تستفرغ هذا المني، لكن يحصل عندك جراء ذلك شبق جنسي، مثل الشارب من البحر؛ فإذا عطش المرء وشرب من البحر هل يزول عطشه أم يزيد؟ بل يزيد عطشه، كذلك الذي يستمني عن طريق يده، فهذا لا يحل مشكلته وإنما يزيدها، حتى يستنفذ كل ما عنده من حيوانات منوية، وإذا كبر وتزوج لا ينجب، ويحصل له أمراض، وتسوء نفسه، ويسقط من عين الله. فاتق الله، وعليك أن تجعل بينك وبين هذه العادة جداراً بالخوف من الله تعالى! وأيضاً ابذل جهداً بدنياً، ومارس حركة رياضية، واعمل أي شيء حتى تستفرغ الطاقة في هذا الجهد، وقلل من الطعام، فلا تأكل كثيراً، فإذا تزوجت فكل ما تشتهي، لكن أن تأكل وليس معك زوجة، فأين تسير؟ فهذه الأطعمة هي التي تفجر مكامن الشهوة، وأكثر من قراءة القرآن، ودراسة السنة، والصلاة والدعاء، ولا تأت الفراش إلا وأنت تعبان، لكن إذا أتيت الفراش وما قد جاءك النوم يأتيك التفكير والشيطان يزين لك، فإذا لم تستطع النوم فقم وصل ركعتين، وكلما أتاك إبليس رده بركعتين فلن يأتيك أبداً.

كيفية إتمام المصلي لما فاته من الركعات

كيفية إتمام المصلي لما فاته من الركعات Q إذا صليت الفجر مع الإمام ثم فاتتني ركعة ثم أتممت معه ركعة، فهل آتي بتشهد آخر؟ A إذن فماذا تعمل؟ يقول: أدرك ركعة مع الإمام وتشهد مع الإمام وبقي عليه ركعة، ولما انصرف الإمام قام يقضي الركعة الثانية، يقول: هل آتي بتشهد؟ إذن فكيف تأتي بركعة، وكيف تنصرف من الصلاة؟! لابد أن تتشهد وتسلم وهذا شيء من البديهيات، ومعروف عند كل الناس.

حكم زواج المسيار

حكم زواج المسيار Q هل زواج المسيار زواج شرعي؟ وكيف يتم وأين؟ A هذه الأسماء لا اعتبار لها، وإنما الاعتبار بالشروط الشرعية والتي إذا توفرت في الزواج فهو شرعي. - أولاً: أركان النكاح أربعة: - أولاً: الزوجين الخاليين من الموانع: زوج خالٍ من الموانع يعني: ما عنده أربع نساء، يأتي يتزوج نقول له: حرام ما يجوز. وزوجه خالية من الموانع، أي: ليست متزوجة. وزوجين ليس بينهما صلة؛ فليست أخته أو أمه أو خالته أو عمته، وهذا أول شيء. - ثانياً: الولي، إذ لا نكاح إلا بولي، والذي يكون بغير ولي هو الزنا، فما هو الفرق بين الزواج وبين الزنا من حيث العملية الجنسية؟ لا شيء، ولكن الزواج يكون بولي، والزنا يكون بغيبة الولي، والمرأة تزوج نفسها. فهذا هو الفرق، فلا نكاح إلا بولي. - ثالثاً: الشاهدان، فلابد من الشهود، فإذا حصل نكاح من غير شهود بطل ركن من أركان النكاح. - رابعاً: الصيغة، وهي الإيجاب والقبول، فالإيجاب من الولي والقبول من المتزوج، يقول الولي: زوجتك ابنتي فلانة بنت فلان، وذاك يقول: قبلت النكاح من ابنتك فلانة بنت فلان، وتم النكاح وصار شرعياً. ثانياً: يبقى بعد ذلك السنن، وهي: أن يعلن النكاح ويولم له، فإذا وجدت هذه الأربع فهو زواج شرعي. ثالثاً: يبقى أمر آخر وهو: إذا كانت الزوجة ليست من بلدك أي: ليست من جنسيتك التي تنتمي إليها، فيلزمك أن تستأذن، وهذا الإذن مأمور به في الشرع، لماذا؟ لأن مصادر التشريع عندنا أربعة: الكتاب والسنة، والإجماع والقياس، والاستصحاب والمصالح المرسلة، وشرع من قبلنا شرع لنا على خلاف بين أهل العلم. والمصالح المرسلة هي التي أرسل الشرع أمرها وجعلها في يد ولي الأمر بحيث يسمح بها أو لا يسمح بها، فإذا حددها أصبحت شرعاً، مثل إشارة المرور، فليس في دين الله إذا رأى إشارة حمراء يقف، لكن ولي الأمر رأى أن من تنظيم ومصلحة المسلمين أنه توزع فرص السير على الناس، بحيث إن الذي يأتي من هنا يمشي دقيقة، والذي يأتي من هناك يمشي، ويقف هذا دقيقة، يعني نوع من العدل. فلولا ذلك لحصلت الكثير من الحوادث والخصومات، فجاء ولي الأمر وحدد ذلك، فصارت فرص السير منظمة ودقيقة، فإذا قطعت الإشارة فمعناه أنك خالفت الأمر، ووقعت في معصية، فليست مخالفة مرورية، بل. مخالفة شرعية؛ لأنه يترتب على قطع الإشارة إزهاق روح، وإفساد مال. كذلك إذا سن ولي الأمر نظاماً وقال: إذا أردت أن تتزوج بامرأة غير سعودية فاطلب إذناً، لماذا؟ للمصلحة، ما هي المصلحة؟ المصلحة واضحة إذ أنه قبل هذا المنع أصبح السعوديون يقبلون على الزواج، فما رأيكم من سيتزوج بالبنات السعوديات؟ وماذا يحصل من الفساد الذي لا يعلمه إلا الله، فإذا أعرض الشباب عن الزواج من بنات البلد، وبقي البنات بدون زواج؛ فسيفتح باب الحرام. لذلك جاء ولي الأمر وقال: أهل البلد يتزوجون من البلد نفسه، فهذه مصلحة، فإن قال أحد: هذا حرام، وهذا تحريم لما أحل الله. نقول: هذا من فقهك الأعوج، فأنت لا تنظر إلا بعين عوراء، فالعين الواضحة تنظر لمصلحة الأمة، ومصلحة الأمة في أن نقصر شبابنا على الزواج من بناتنا، وهناك حالات استثنائية تسمح بها السلطات، فحين تتقدم وتقول: أنا رجل ما وجدت لي زوجة، وما عندي مال، وأنا رجل كبير في السن، فلم أجد من تقبل بي، فهناك إذا اقتنعوا بظروفك فإنهم يعطونك الإذن بالزواج من الخارج، فهذا مطلوب أيضاً. بقية الأسئلة -أيها الإخوة- جديرة بالإجابة لكن الوقت ضيق والشيخ خالد يخبرني أن في هذا المسجد درس بعد العشاء من كل يوم إثنين لفضيلة الشيخ سعيد الدعجاني حفظه الله وبارك فيه، فأنا أحيل هذه الأسئلة إليه، وأطلب من أصحابها ومنكم جميعاً أن تحضروا عند فضيلته، وهي ساعة بعد العشاء تسمعون فيها ذكر الله عز وجل، وتلين قلوبكم، وتتفقهون في أمور دينكم. أسأل الله أن يوفقني وإياكم لما يحبه ويرضاه والله أعلم.

حقائق وأرقام عن أحوال المسلمين في البوسنة

حقائق وأرقام عن أحوال المسلمين في البوسنة وقبل أن أختم، هنا رسالة من اللجنة العليا لجمع التبرعات لمسلمي البوسنة والهرسك، والصومال يطلبون فيها التبرع لإخواننا المسلمين ممن ترعاهم هذه اللجنة المباركة، يقول فيها: إليكم هذه الأرقام: - لقد خلفت الحرب الطاحنة التي دارت رحاها في جمهورية البوسنة والهرسك الكثير من المآسي: -مائة شخص يموتون يومياً بسبب الجوع؛ اسمعوا! نحن الآن نموت بسبب التخمة، فكل واحد يأكل فوق طاقته، وما زاد يرميه في القمامة وإخواننا يموتون من الجوع. - مليوني لاجئ داخل البوسنة وخارجها. - أربعة عشر ألفاً وثلاثمائة وخمسة وسبعين شخصاً في المستشفيات بسبب الإصابات. - مائتين وخمسة وسبعين ألف قتيل. - خمسين ألف طفل وشاب معوق. - ألف مسجد دمرت. - خمسة وثلاثين ألف طفل يتيم خطفوا، وقد بيعوا في الدول الأخرى. - 90% من أطفال البوسنة يعيشون تحت الأرض في خنادق حتى الآن. حين خرجوا بعد الحرب مات بعضهم، فقد خرجوا مثل الجراد الأصفر، وما عادوا يعرفون الحياة. - 50% من الأطفال شاهدوا مقتل أقاربهم، وآبائهم، وأمهاتهم أمام أعينهم، مآسٍ لا يعملها إلا الله. هذه اللجنة العليا لجمع التبرعات قامت بدعم من الحكومة -أيدها الله- والمحسنين في هذا البلد وقامت بدور عظيم في دعم هؤلاء، وتخفيف آلامهم، ومواساتهم بما تقدمه لهم من مساعدات إنسانية، نرجو من إخواننا أن يتبرعوا، والصناديق موجودة على الأبواب لهذه اللجنة، قال تعالى: {وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأَنفُسِكُمْ} [البقرة:272] وقال تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة:215] والله أعلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ضرورة الإيمان

ضرورة الإيمان الإيمان ضروري لكل فرد كي يسعد ولا يشقى، وضروري لكل مجتمع كي يتماسك ولا يتحلل، فبالإيمان تغمر الفرد السعادة، وتكتنفه الطمأنينة، ويشعر بالرضا والارتياح. أما المجتمع بغير إيمان فمجتمع غابة، وإن لمعت فيه بوارق الحضارة، وبهذا يتبين أنه ينبغي لكل إنسان أن يعرف الوسائل الموصلة إلى الإيمان الصحيح، والأمور التي تحبط هذا الإيمان.

حاجة الإنسان للإيمان

حاجة الإنسان للإيمان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: كلمة هزت مشاعري، وكادت أن تخنقني العبرة، قالها أخي المقدم ولست لها بأهل، وهي: أن يكون لي أيادٍ بيضاء على هذه المدرسة، فحقيقة الفضل لله وحده قبل كل شيء، ثم لمن قام على هذه المدرسة وتأسست على يديه من الإخوة والزملاء، ثم لمن واصل الطريق وأكمل البناء إلى هذه الساعة المباركة وإلى ما بعد ذلك -إن شاء الله- حتى تحقق هذه المدرسة رسالتها، وتؤتي أكلها في إخراج جيل مسلم قرآني يعرف كيف ولماذا يعيش؟ وما هي رسالته في هذه الحياة؟ وزاد من ألمي أن نظرت إلى هذه الوجوه بعد طول غياب، وطول شوق، فإن النظر إلى وجوه أهل العلم والقرآن ومجالستهم ومحبتهم تعتبر قربة إلى الله عز وجل. وأنا أهنئكم وأسأل الله تبارك وتعالى أن يجزي القائمين على أمركم من مدرسين وإدارة كل خير، فهم هنا لا يؤدون وظيفة رسمية يتقاضون عليها أجراً، وإنما يمارسون رسالة أنيطت في أعناقهم، وهي من أساسيات وظائفهم في هذه الحياة أن يكونوا دعاة إلى الله عز وجل، وأنتم في هذه المؤسسة القرآنية لستم طلاباً كبقية الطلاب في بقية المدارس الذين يطلبون العلم لنيل الشهادة، وللحصول على الراتب والمرتبة، وبالتالي الوصول إلى ما يتمناه الإنسان من أمانٍ مادية بحتة تتمثل في: منصب وجاه ومركب ومنزل، وزوجة حسناء، وتنتهي طموحاته عند هذا الحد المهين الذي هو طموحات كل كافر على وجه الأرض، وليس للكافر بعد هذا أي هدف. لا. هذه ليست أمانيكم ولا أهدافكم، بل أنتم طلاب علم وخدمة لكتاب الله وحفظة لقرآنه، التحقتم بهذه المؤسسة القرآنية واخترتموها اختياراً من بين سائر المدارس؛ لتعيشوا في ظل القرآن ولتتربوا على منهجه، ولتتخلقوا بخلقه؛ وليرى الناس في المجتمع نموذجاً من البشر ما رأوه في غير هذه المؤسسة؛ لأنها تستظل بظل القرآن، هذه هي أهدافكم! وإذا صحت منكم النيات، وصلحت منكم المقاصد، وكان هذا الغرض؛ بارك الله في العمل مهما كان قليلاً، وبارك الله في الجهد مهما كان ضئيلاً، وأوتي الإنسان خير الدنيا ونعيم الآخرة، وإني لأرجو الله تبارك وتعالى أن تكون هذه الأهداف الكريمة، وهذه المقاصد النبيلة متوفرة في نفوسكم، وفي نفوس المدرسين والقائمين على أمر هذه المدرسة من الإداريين، هذا ما أتوقعه إن شاء الله. أما موضوع الكلمة والتي لم أوافق عليها ابتداءً خصوصاً في مدرستكم؛ لأن من يأتي ليلقي كلمة أو موعظة في مدرستكم كمن يجلب التمر -كما يقولون- إلى نجران، فماذا أقول لكم، أو أوجد من فكر أو عظة لمن انتظر منكم الموعظة، وممن أهرب إلا لمن إليه المهرب، ولكن وبإلحاح من الإخوة قبلت لا على أني سأفيد ولكن لعلَّ الله أن يجعلني مستفيداً، ولأحظى بالنظر إلى وجوهكم، فوالله إن اجتماعي بكم والنظر إلى هذه الوجوه المباركة في هذه الساعة لهي من أغلى الأماني، ومن أحلى الساعات في حياتي، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل هذا الاجتماع اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل التفرق من بعده تفرقاً معصوماً، وألا يبقي فينا جميعاً شقيا ًولا محروماً.

الإيمان هو التفسير الحقيقي للحياة

الإيمان هو التفسير الحقيقي للحياة الإيمان هو الذي يقدم التفسير الحقيقي لهذه الحياة؛ لأن هذه الحياة لغز حارت في فهمه العقول في القديم والحديث، وترددت في عقول الناس عدة أسئلة عن هذه الحياة، ما هذه الحياة؟ ومن أين جئت؟ وإلى أين سأذهب بعدها؟ حتى قال شاعر والكفر والضلال تساؤلات تدل على منتهى التيه الذي يعيش فيه، وعلى منتهى الضياع الذي يعاني منه، والفراغ الذي يقتل روحه: جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت وسأبقى سائراً شئت هذا أم أبيت كيف جئت؟ كيف سرت؟ كيف أبصرت طريقي؟ لست أدري ولماذا لست أدري؟ لست أدري وهذا منتهى الضياع؛ لأنك لا تدري من أين أتيت؟ ولماذا أتيت؟ وما هو الهدف والغرض من خلقك؟ وماذا سيكون بعد هذه الحياة؟ لا تدري إلا إذا تعلمت من الله؛ لأن مجرد العقل والذكاء فقط ليس كافياً لتلقي العلوم، فلو أتينا بشابٍ من أغوار تهامة، أو من الصحراء تتوفر لديه عوامل الذكاء، وأساسيات النبوغ، وطلبنا منه دون أن نعلمه أبجديات اللغة العربية، وقلنا: اقرأ لنا هذه الرسالة بذكائك، هل يستطيع الشاب الذي لم يتعلم الحروف الهجائية أن يقرأ الرسالة بالذكاء فقط، أم لا بد من المعلم؟ لا بد من المعلم. ولو عرضنا عليه مسألة رياضية مكونة من مجهولين، وطلبنا منه فك الأقواس وإيجاد المجاهيل؛ بناءً على المعاليم الموجودة، لكان ذلك أشد صعوبة عليه؛ لأنه لم يدرس الرياضيات. ولو طلبنا من الإنسان الذي لا يتقن اللغة الإنجليزية أن يقرأ رسالة باللغة الإنجليزية وهو لا يعرف الحروف الإنجليزية فإنه لن يتمكن بذكائه من قراءة هذه الرسالة. إذاً: فالعقل وحده ليس كافياً في الحصول على المعارف والعلوم، بل لا بد من المعلم، والذي يعلمنا لا بد أن تكون لديه الخبرة والمعرفة والقدرة والهضم الكامل لمادته حتى يكون تعليمه مفيداً، وإذا كان فاقداً للمعلومات كان تعليمه خاطئاً، فإذا ذهبت بمسألة رياضية عند مدرس العلوم لم يعرفها، وإذا أتينا بحقيقة هندسية عند مدرس اللغة العربية لم يعرفها، فلا بد من الاختصاص، وهذا وارد في حياة الناس وفق سنّة التطور التي هي نظام يشهده ويلمسه كل إنسان فيما ينبغي له أن يتطور، ولا تنطبق هذه القاعدة على ما ينبغي له أن يثبت من أمور هذه الحياة. إذاً: فنحن لا نعرف من أين جئنا وإلى أين، ولماذا جئنا إلا إذا تعلمنا من الله عز وجل، ويوم ألا نتعلم من الله فسوف نجيب على هذه التساؤلات بإجابات خاطئة، ويترتب على أخطائنا أخطاء في السلوك، والعقائد، والعبادات، والمعاملات؛ لأن العلم الذي يحمله الإنسان للإجابة على التساؤلات خاطيء. ولذا يوم أن تعلمت البشرية من رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي علمه الله بوظيفة، ومن أين أتى الإنسان، وإلى أين سينتهي بعد هذه الحياة، أخذت البشرية الإجابات الصحيحة على هذه التساؤلات فسعدت، وهيمن العدل والأمن والطمأنينة والاستقرار والسكينة على قلوب أهل الأرض. ويوم أن تخلت البشرية عن الإجابات الربانية، والنظم المحمدية التي جاءت بها رسالة الإسلام، وبدأت تجيب على الأسئلة بإجابات من عندياتها ضلت وتاهت وانحرفت، وما يُلاحظ اليوم من عدم وجود الطمأنينة والقلق الذي يسيطر على العالم، والاضطراب والشذوذ الأخلاقي والجنسي، والتطاحن والتسابق من أجل التدمير، كلها نتائج حية لعدم معرفة الإنسان لماذا جاء؟ ومن أين جاء؟ وإلى أين سيذهب بعد هذه الحياة!

الإيمان أول واجب على الإنسان تعلمه

الإيمان أول واجب على الإنسان تعلمه من أول المهمات على الإنسان أن يتعلم الإيمان؛ لأن الإيمان ليس أمراً جانبياً على هامش الوجود، بل هو أمرٌ رئيسيٌ في صلب حياة الإنسان؛ لأنه يفسر لك قضية مصيرك ووجودك، إنها قضية جنة أبدية أو نار أبدية، وإن قضية المصير لا يُجازف فيها؛ لأن المجازفة فيها مجازفة خاسرة، يمكن لك أن تجازف في كل قضية؛ لأن لكل قضية ومجازفة حلاً ومخرجاً إلا قضية المصير، فإذا مات الإنسان وقابل ربه وانكشفت أوراقه وأظهرت حساباته ووجد أنه خاسر فكيف يصححها؟ هل هناك إمكانية للتصحيح، أم أنه خطأ لا يصحح؟ لذا كان للعاقل أن يهتم بقضية مصيره حتى لا يخطئ خطأً يخسر فيه نفسه، ويخسر فيه دنياه وأخراه، وقد فكر الكثيرون من العقلاء في القديم والحديث وأجابوا بعقولهم على إثبات العقيدة في الله عز وجل، بطرقهم الخاصة بعيداً عن الرسالات والأديان التي نزلت على الأنبياء. فمنهم من اعتمد على داعي الفطرة: {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [إبراهيم:10] {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:30] إن داعي الفطرة يصرخ بملء صوته: إن لهذا الكون خالقاً، وإن هذا الكون لم يُخلق عبثاً، ولكن هذا الداعي يُغمر ويُسكت بما يغطى عليه من الشبهات، أو يطغى عليه من دواعي الشهوات، وبعض الناس يتمرد على شهواته ويستعلي على شبهاته فيصل إلى الحقيقة عن طريق داعي الفطرة. وبعضهم اعتمد على مبدأ يسميه العقلاء: مبدأ السببية، وهو أن لكل حدثٍ محدث، إذ لا يوجد في الكون شيء بغير محدث، فلو قلت لكم الآن: إن هذا الجهاز وهو لاقط يقوم بالتقاط الصوت وتحويله عبر السلك إلى المكبر، والمكبر يضخم هذا الصوت، ويقوم بتحويله عبر الأسلاك إلى السماعات، فلو قلت لكم: إن هذا المكبر وهذا الجهاز وهذه السماعات وجدت من غير صانع، وكان هذا المكبر وهذا الجهاز في القرون الساحقة القديمة قطعة من الحديد، والسماعة هذه -أيضاً- كانت قطعة من الحديد، ولكن مع الزمن وتوالي الدهور والعصور، وتعاقب السنين والأحقاب هبت الرياح من هنا ومن وهنا، وجاءت الرياح تحمل الحجارة من هنا، واستطاعت عوامل التعرية أن توجد هذا الجهاز هكذا، هل يمكن أن يكون هذا الكلام معقولاً؟!! إنه غير معقول بل مستحيل! ستقولون لي: حسناً! وهذه السماعة من الذي علقها هناك؟ قلت: كذلك السماعة، جاءت الرياح والأعاصير يوماً من الأيام فأخذت بها وعلقت واحدة في هذه الزاوية والأخرى في الزاوية الأخرى، صدفة! ستقولون: عجيب! حسناً: هذه السماعة نحن نرى فيها أشياء، فهناك جسم داخل هذه السماعة فمن الذي ركب هذا الجسم؟ فقلت: هذا ليس صعباً -أيضاً- فهذا أخذته الرياح صدفة ووضعته في السماعة، وأصبح يكبر الصوت، ما رأيكم هل هذا الكلام معقول أم أنكم سوف تقولون عني: أحمق فلا يمكن أبداً أن الرياح وعوامل الزمان والتعرية والسنين هي التي أوجدت هذا الجهاز، أو أوجدت هذا اللاقط أو هذه السماعة. سبحان الله! لا يمكن أن تكون هذه إلا بمهندس أو بمخترع، أو بإنسان يفهم كيف يربط الأسلاك والسماعات في الجهاز، وكم قدرة هذا الجهاز من الوات، وكم قدرته من الفولت، (210) أو (110)، بحيث يتبع تعليمات هذا الجهاز حتى يعمل، فإذا اختل شيء في تشغيل هذا الجهاز لم يعمل وبطل مفعوله.

التفكر في النفس من الإيمان

التفكر في النفس من الإيمان لنتفكر فيك أيها الإنسان! نأتي إليك فقط ولا نذهب بعيداً؛ لأن التفكير في الكون يجب أن يسبقه التفكير في النفس؛ فألصق الأشياء بنفسك، فإذا كنت لا تعرف نفسك فلا يمكن أن تعرف ربك، والله يقول: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21] فلو فكرت في جزئياتك أنت، وحكمة الله في خلقك، لوجدت أنك خُلقت لحكمة، وأن كل عضو فيك، بل كل خلية وشعرة وعظم، ومفصل، ونقطة، وعرق خلق فيك لحكمة، ولا يمكن أبداً أن يوجد فيك شيء إلا لحكمة. آخر ما قرأت في جريدة الشرق الأوسط بحث علمي حديث، هذا البحث يقول: إن الأطباء اكتشفوا أن في رجل الإنسان عروقاً وأوردةً وشرايين ليس لها أي غرض، يعني: موجودة دون أن يكون لها أي دور في عملية إمداد الجسم عبر الشعيرات الدموية بما يحتاجه من الدماء، وإنما تكون هذه الأوردة وهذه الشرايين مملوءة بالدماء وتصل إلى نقطة معينة مسدودة ولا تذهب هنا ولا هنا، وبعد ذلك وجدوا أثناء البحوث العلمية أن هذه العروق والأوردة هي بمثابة قطع غيار يمكن استعمالها في إيجاد حلول لأمراض القلب، فإذا وجدنا إنساناً عنده امتداد في الشريان أو انقطاع أو انسداد في الأوردة، وهذه لا يمكن أن يركب لها قطع بلاستيكية، وحاولوا أن يركبوا قطعاً بلاستيكية فلم تنجح، ثم ذبحوا خنزيراً في لندن وأخذوا قلبه ووريداً من أوردته ووضعوها في جسم الإنسان فتعفن؛ لأن الخنزير خبيث -وهم مثله خنازير، فمن خنزير إلى خنزير- لكن بالرغم من هذا لم تصلح خنازيرهم، فوجدوا أن هذا الشريان الموجود والذي ليس له دور أبداًَ لا يمكن أن يبقى فقطعوه واستفادوا منه، ووضعوه في القلب وصلح القلب. من كان يعرف أن هذا الشريان له غرض؟ لم يكن يعرف أحد، لكن البحوث العلمية والكشوفات الآنية كل يوم تثبت أن لهذا الإنسان حكمة، وأن في كل جزئية منه حكمة تبدأ من رأسه إلى أخمص قدمه، ويخفى على الناس كثيرٌ من حكم الله تبارك وتعالى في الخلق، ولكن الإنسان مأمور باستمرار أن يفكر في نفسه، ولو فكر في رأسه فقط وما أوجد الله فيه من الحكم، أو في رقبته فقط وما أوجد الله فيها من الحكم لوجد الكثير. هذه الرقبة هي جزء يربط بين الجذع والرأس، أو (زنبرك) تتحرك ذات اليمين وذات الشمال بغير تعب، ولو جعل الله الرقبة متصلة بالرأس والجذع عبر قطعة من الخشب لوجد الإنسان صعوبة بالغة في التحرك والتفاهم مع الناس، فلو أراد أن ينظر إلى الشمال لزم أن يحرك جسمه كله، فلو أن رقابكم لا تمكنكم من الحركة ذات اليمين وذات الشمال لصعب عليكم الأمر، إذ كل واحد يفترض به وهو جالس أن تكون عينه أمامه، ولا يستطيع أن يراني أنا إلا الذي أمامي فقط، لكن الله أعطى الرقبة قدرة على الحركة ذات اليمين وذات الشمال لتسهيل التخاطب والالتفات بغير صعوبة، وهذه حكمة من الله. وترون يوم أن يصاب الإنسان بشد عضلي في عضلة الرقبة، كأن تنام على وسادة مرتفعة -مثلاً- فأنت معتاد على أن تنام على وسادة مستوية، لكن يحدث في ليلة من الليالي أنك لم تجد وسادتك، أو كنت ضيفاً وأعطاك المضيف وسادة كبيرة أو أنها أصغر من وسادتك، فنزلت العضلة أو طلعت، فيحصل عندك شد عضلي، أو تخرج من الهواء الرطب المشبع بالرطوبة إلى هواء لافح فيحصل عندك شد عضلي، هذا الشد العضلي -يسمونه العند- لا يمكنه من الحركة، فتراه لا يرى إلا أمامه، ويقول: رقبتي، حسناً! تعال قال: والله لا أريد أن أرقد أو أقعد سبحان الله! من أجل رقبته، عضلة بسيطة، كيف تسلبه راحته! يدك هذه بمثابة الجنديين اللذين يدافعان عنك، وتصوروا إنساناً بغير يدين كيف يدافع عن نفسه؟ فإذا جاءته بعوضة أو ذباب وجلس على عينيه أو حيوان يريد أن يفترسه، أو ثعبان يريد أن يلدغه، كيف يصنع؟ ليس معك إلا أن تعض، ولا يمكنك أن تعض كل شيء، وربما تعض الشيء هذا فيدخل في فمك فتموت، فالله جعل لك جنديين معلقين، ثم جعلهم الله في أعلى جسمك من أجل أن تستطيع الدفاع بهما عن كل جسمٍ، إذ لو كانت اليدان في الركبتين فإنه يلزمك أن تدني رأسك من أجل أن تأكل -مثلاً- لكن الله جعلها في أعلى الجسد من أجل أن تنال بها رأسك، وركبتك، وقدمك وبسهولة. ثم حتى تكون الفائدة كاملة من اليدين فصَّل الله اليدين، إذ لو كانت اليدان على شكل عصا مثل (الصميل) فكيف ستستعملها؟ ما تنفع إلا للمضاربة، فتضرب بها هذا، وتضرب بها هذا، لكن الله ما خلقك للمضاربة، ومن أجل أن يعطيك صميلاً هنا وصميلاً هنا، لا. فالله خلقك للعبادة، ففصل يديك لتعينك عليها فوضع لك عدة مفاصل، أول مفصل في الإصبع، ويليه مفصل ثانٍ وثالث ورابع وخامس وسادس، هذا التفصيل له غرض من أجل أن تستطيع الانتفاع به، إذ لو كانت حتى أصابعك هذه من دون مفاصل فإنك لن تستطيع أن تحمل مسماراً واحداً، فلو فُقد هذا التفصيل في يديك، فكان هناك مفصلان فقط في الذراع، بينما الأصابع لا يمكن أن تُعطف لما استطاع إنسان في الدنيا أن يشد مسماراً على مسمارٍ، وإذا ما استطعنا أن نشد المسامير، فهل من الممكن أن تقوم حضارة أو صناعة، هل من الممكن أن يكون هناك سيارات وطائرات، وما حدث من التطور الصناعي؟ لا. لا يمكن؛ لأنك بماذا ستشد المسمار: بسنك، أم بالعصا؟ لا يمكن أبداً. لكن الله تبارك وتعالى أعطاك هذا الجسم وفصله تفصيلاً، وجعل لك هذه القدرة من أجل أن تعمر الكون وتعمر الدنيا والآخرة. فهذا فقط مما يظهر لك حكمة الله عز وجل في خلقك أيها الإنسان! ومبدأ السببية اتفق عليه جميع العقلاء؛ لأن لكل سبب مسبب، ولكل حدثٍ مُحدِث، حتى الطفل الصغير لو جئت به وعمره سنة واحدة، لا يعقل ولا يفهم شيئاً ثم تعال من وراء ظهره وهو جالس ودقه في ظهره، ماذا يفعل؟ يلتفت ليرى من الذي دقه؛ لأن عنده في فطرته أن لكل دقة داق، وقد جربت هذا والله مع طفلة صغيرة عندي، كانت جالسة فأتيت ودققتها في ظهرها فالتفتت، سبحان الله! إذاً هي عندها يقين، وعندها في فطرتها أن لهذا الحدث مُحدِث. أيضاً حتى في طباع الحيوانات، الآن لو كنت في الصحراء وهناك غزال، أو ضبع، أو نمر، وسمع طلقة رصاص في مكان معين، فإنه يلتفت من أين جاءت هذه الطلقة؛ لأنه يهمه أمر الطلقة، ويعرف أن هذه الطلقة لا يقصد بها غيره، فمن أساسيات وجوده أن يكون حذراً على حياته، فهذه طلقة خارجة عن العادة، وشيء ليس بمألوف عنده، فمبدأ السببية وارد. ومن الناس من اعتمد هذا المبدأ حتى وصل إلى العقيدة في الله عز وجل. ومنهم من جعل المسألة حسابية ورياضية يعني: تجارية (1+1=2) كيف؟ قالوا: إن الأضمن لحياتنا وآخرتنا الإيمان بالله؛ لأننا بالإيمان لا نخسر شيئاً، بل نكسب كل شيء، وبالكفر لا نكسب شيئاً بل نخسر كل شيء، إذاً الأضمن لنا والأحوط هو: الإيمان، حتى قال شاعرهم وفيلسوفهم وهو أبو العلاء المعري وهو فيلسوف ملحد: زعم المنجم والطبيب كلاهما لا تبعث الأجساد قلت: إليكما إن صح قولكما فلست بخاسرٍ أو صح قولي فالخسار عليكما ونحن في دين الله لا نقبل هذا المبدأ حقيقة؛ لأننا لا نبني ديننا على الاحتمالات، فإن كان فأنا رابح وإن لم يكن فلم أخسر شيئاً، لا. وإنما نأخذ أدلتنا باليقينيات، ونتقبلها بالجزم الذي يبلغ جذور وأعماق النفس، بحيث لا يخالط الإنسان منها أدنى شك؛ لأن الشك في دين الله يورث الكفر والعياذ بالله، لكني أورد لكم هذه القضية على أساس أنها قضية عقلية، وصل إليها العقلاء وقالوا: الأحوط لنا أن نؤمن بالله، حتى قال أحد الفلاسفة الغربيين الذين يعيشون في السويد وهو: باسكال، يقول: إما أن تؤمن بالله وإما ألا تؤمن، فماذا تختار؟ يقول: قبل الاختيار توازن بين ما يمكن أن تربحه بالإيمان وما يمكن أن تخسره بالكفر، ثم يقول: إنك بالإيمان تربح كل شيء، ولا تخسر شيئاً مهماً، وإنك بالكفر تخسر كل شيء ولا تربح شيئاً مهماً. فالإيمان حقيقة مربح؛ لأنه يدعوك إلى الفضيلة؛ والصدق والوفاء والبر والعفاف والطهر والكرم والمروءة والشجاعة والنجدة وإلى كل الأخلاقيات التي تستقيم بها حياة الناس، فبالإيمان تربح كل هذه الأشياء، وتربح -أيضاً- الجنة في الآخرة، ويدعوك الإيمان -أيضاً- إلى أن تترك الزنا، والغناء واللواط، والخمور والفجور، والزور وأكل الحرام والربا، كل هذه الأمور تدعو إليها العقول بدون أديان. إذاً: أنت بالدين والإيمان ربحت كل شيء ولم تخسر شيئاً مهماً، خسرت الزنا؛ وهل الزنا مكسب؟ لا. خسرت الخمور، وهل الخمور مكسب؟ لا. خسرت الفجور، وهل الفجور مكسب؟ لا. فأنت لم تخسر شيئاً بترك هذه المحرمات، بل ربحت كل شيء، أما بالكفر والضلال -والعياذ بالله- فإنك تخسر كل شيء، ولا تربح إلا اللعنة والعياذ بالله. ولذلك فإن الخيار الأفضل، والبديل الأمثل هو الإيمان، ولا شيء غير الإيمان! ونحن إذا آمنا لا نربح فقط الآخرة كما يتصور بعض الناس، حينما يقول: اهتدِ والتزم وآمن وتمسك لتكون في الآخرة من الفائزين، لا. بل نربح الآخرة ونربح قبلها الدنيا؛ فربحنا في الدنيا بأن نعمرها بطاعة الله، وربحنا في الآخرة بأن نكون في جوار الله عز وجل، فنجد ثمرة سعينا في هذه الحياة، فنحن بالإيمان نكسب الدارين، وبالكفر والعياذ بالله نخسر الدارين، ولا نخاطر بدنيانا لنربح آخرتنا بل نربح دنيانا وآخرتنا.

البدائل التي أوجدها الشرع للاستغناء عن الحرام

البدائل التي أوجدها الشرع للاستغناء عن الحرام والدين إذا حرّم شيئاً ألى له بالبديل الأفضل. فقد حرم الزنا وأباح الزواج، والزنا عمل مشين لا يليق بأصحاب النفوس الكبيرة حتى ولو كانوا كفاراً. هذه هند بنت عتبة لما جاءت بعد أن أسلمت وكان لها ماضٍ في قتل حمزة؛ لأنها هي التي أعطت المال الكثير ل وحشي ووعدته بالحرية وقالت له: اذبح حمزة، فخرج يترصد حمزة حتى قتله، ثم بعد أن أسلمت وجاءت تبايع النبي صلى الله عليه وسلم قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تبايعين على ألا تشركي ولا تزني ولا، فلما بلغ ولا يزنين قالت: أوتزني الحرة يا رسول الله؟!) كيف أبايعك على ألا أزني، وهل معقول أن أحداً يزني، فالعقول تنفر من هذا الخلق المشين قبل الدين، فكيف به بعد الدين؟ يقول الله عز وجل: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من زنى بامرأة في الدنيا كان عليه وعليها في القبر نصف عذاب هذه الأمة) ويقول عليه الصلاة والسلام: (ما عصي الله بذنبٍ بعد الشرك أعظم من نطفة يضعها الرجل في فرجٍ لا يحل له) ويُخبر عليه الصلاة والسلام أن فروج الزناة تشتعل ناراً يوم القيامة، فالزنا حرمه الشرع، ولكن أباح البديل، والنظير الطاهر المثالي وهو: الزواج وهو من جنس العملية الجنسية. لكن الزنا عملية فوضوية بهيمية، ليس لها قيود ولا ضوابط، وليس لها نتائج ولا مسئوليات، وإنما يمارسها الإنسان في اعتباطٍ، ويترتب عليها فساد الأسر والمجتمعات، وتحلل الروابط، وعدم وجود العلاقات الإنسانية، فحرم الله الزنا وأباح الزواج، وهو العلاقة الجنسية النظيفة الطاهرة بين رجلٍ وامرأة بكلمة الله عز وجل، تتحدد بها العلاقة والمسئولية، ويتحمل كل من الطرفين آثار العلاقة من بنين وبنات، وتربية ومجهودات، فحرم الزنا وأباح الزواج. وحرم الخمر وأباح العسل، وحرم الميتة وأباح المذكاة -وكل خبيثٍ في شرع الله حرام- حرم الله الربا وأحل البيع، والبيع: معاوضة مال بمال بمصالح متبادلة، لكن الربا معاوضة مال بمال أكثر بغير مصلحة متبادلة وإنما القصد منها الإضرار بالفقير، واستغلال حاجته، وتدميره، وزيادة بلاء على بلائه، فهذا حرام، وأما البيع فلا: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة:275]. فالإسلام لا يحرم شيئاً إلا ويحل البديل الأفضل؛ لأنه دين يتسم بالواقعية، ليس ديناً خيالياً يعيش في المثاليات ويترك الناس بغير حلول، بل يعيش الواقعية وبمنتهى الوضوح والبساطة، ولا يحرم شيئاً إلا ويُوجد البديل الأفضل منه. فالأغاني التي تمارس الآن من قبل الأمة بشكلٍ يدعو إلى العجب والاستغراب، حتى غدت هذه الأمة أمة الغناء لا أمة القرآن؛ لأنها تعيش مع الغناء بالليل والنهار، تعيش مع الأغاني باستمرار، ينام الإنسان على الأغنية، وبعضهم لا ينام إلا وقد وضع السماعة الصغيرة في أذنه؛ لئلا يترك المجال للخير أن يدخل، يريد أن يسد أذنه ويخصصها لهذا الشر؛ لأنك إذا كنت تسمع كلمة شر من بعيد فإنه بالإمكان أن تسمع كلمة خير من بعيد فتزاحم كلمة الشر، لكن من يخصص أذنه بالذات ويدخل السماعة في أذنيه، ولا يسمع إلا الأغاني فقد خصصها للشيطان والعياذ بالله، وبعضهم يضع سماعات كبار وكأنه من رجال الفضاء، فاخترع مُخترعاً كبيراً، وهو أنه خصص أذنيه لسماع كلام الشياطين والعياذ بالله. هذه الأغاني تفتك بالقلب، وتُذهب الدين، وتحرق الإيمان؛ لأن كلماتها وألحانها، وأهدافها ساقطة، تحرض على الجنس وتذكي الشهوة المحرمة في الإنسان، لذا حرمها الدين. ولكنه عندما حرمها جاء بالبديل؟ يقول علماء النفس والتربية، ويسميهم أحد المشايخ بعلماء (العفس) ما هم بعلماء نفس؛ لأن العالم النفسي الذي يتعلم أسرار النفس من الله؛ لأن الله يقول على لسان عيسى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة:116] فالذي يتعلم علم النفس بهدي الكتاب والسنّة يصل إلى علوم النفس الحقيقية، أما الذي يتعلم علوم النفس من غير منطلقات الشريعة فإنه يصبح علم (عفس)، إذ يرشد النفس على غير خلق الله، ولا مراد الله عز وجل. يقولون هؤلاء العلماء: إن في الإنسان غرائز، وهذه الغرائز ضرورية لحياة الإنسان، فغريزة الجنس غرضها بقاء الجنس البشري، إذ لو عدمت الغريزة الجنسية عند الرجل والمرأة لما حصل اتصال، وبالتالي ينقرض الجنس البشري ويتلاشى الناس، وهذا مصادم لغرض الله وكونه، فالله أراد أن يكون هذا الإنسان في الكون للتكليف والابتلاء والاختبار، فحرّم الله الزنا وأوجد الزواج. - غريزة حب الاستطلاع: كل واحد منا إذا رأى أو سمع شيئاً فإنه يريد أن يراه، حتى الطفل الصغير تشتري له لعبة صغيرة فيلعب بها يوماً أو يومين ثم يقوم بفكها يريد أن يرى ما بداخلها، هذه اسمها غريزة حب الاستطلاع. فهذه الغريزة في النفس لم يلغها الإسلام، ولكنه هذبها وجعل لها مساراً صحيحاً؛ فجعل الاستطلاع في الخير: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس:101] {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران:190] {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ} أي: يستطلعون ويتأملون (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191] فقصر الله حب الاستطلاع فيما يعود على الإنسان بالنفع في الدنيا والآخرة، وحذر من حب الاستطلاع فيما يعود على الإنسان بالضرر في الدنيا أو الآخرة، ولذا حرم الشرع من أن تستطلع على عورات المسلمين: (من تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته فضحه في رحله) (يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه! لا تتبعوا عورات المسلمين؛ فإن من تتبع عورة مسلمٍ تتبع الله عورته في الدنيا والآخرة). فحب الاستطلاع له مجال في الدين، لكن في المجال الآخر المعاكس ممنوع. - أيضاً الأكل والشرب: أليس شيئاً فطرياً وغريزياً عند الإنسان؟ إذ لو لم يأكل الإنسان لمات، فجعل الله الجوع في البطن وحب الطعام شيئاً غريزياً لتبقى حياً، وجعل الله غريزة حب الطعام لبقاء الجنس، ولكن جعل للطعام مساراً، وقسم الطعام إلى قسمين: طيبات وخبائث، فأباح لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث، فالذي يقتصر على الطيبات يسعد، والذي يأكل من الخبائث يشقى، فهذا المسلم مقتصر على الطيبات؛ لأن الله أحلها له، ومعرض عن الخبائث؛ لأن الله حرمها عليه، وغير المسلم يجمع بين النقيضين ويجمع بين الخليطين، فتفسد عليه دنياه وأخراه. غريزة الوجدان: الوجدان شعور داخلي في النفس ينتاب كل إنسان، يترتب عليه أن يصدر الإنسان أنغاماً وأهازيج وكلمات يرددها من أجل أن يربي داعي هذه الغريزة، فتجد الواحد وهو جالس (يونون)، ماذا بك؟ قال: والله سرحت، أين سرحت؟ ما الذي جعله يسرح ويعمل هذه الدندنة، هذه غريزة في النفس في كل شخص، ولهذا تجدون شعوب الأرض كلها تغني، فهناك غناء صيني، وكوري، وغربي، وشرقي وغيرها حتى الذين في مجاهيل إفريقيا، هناك أناس عراة في إفريقيا لا يعرفون الملابس لكنهم يغنون؛ لأن غريزة الوجدان موجودة عندهم، فلما جاء الإسلام وجد أن هذه الغريزة خطيرة على الدين؛ لأن لها وقود في النفس ومادة، فما ألغاها؛ لأن الدين واقعي، فكيف يلغي شيئاً أصيلاً في النفس البشرية، لا يمكن! ولكن جعل لها مساراً سوياً، وجعل لها طريقاً وهو: التغني بكتاب الله عز وجل، ولهذا جاء في الحديث، يقول عليه الصلاة والسلام: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) والحديث في صحيح البخاري، وصحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (ما أذن الله لشيء كما أذن لنبي حسن الصوت أن يتغنى بالقرآن) وكان صلوات الله وسلامه عليه أجمل الناس وأشجاهم صوتاً لكتاب الله، وكان يمر بالليل فيسمع أبا موسى الأشعري يقرأ القرآن ويترنم به فيجلس ويسمع، فجاء في يوم وقال له: (يا أبا موسى! لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود، فقال له رضي الله عنه: أكنت تسمع يا رسول الله؟ قال: نعم. قال: والله لو كنت أعلم لحبرته لك تحبيراً) يقول: قراءتي كانت عادية، ولكن لو كنت أعلم أنك تسمع لرأيت أن أضع لك شيئاً من التحسين والتجويد والترتيل، وهذا الآن واقعٌ في حياتنا، أنت الآن إذا صليت خلف إمام حسن الصوت جيد القراءة يرتل كلام الله ترتيلاً عظيماً تنشرح نفسيتك للصلاة؛ لأن عندك فطرة لسماع الكلام الطيب، والله كتب الإحسان على كل شيء، وأمر بتحسين التلاوة فقال: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل:4] فهذا الإسلام لم يحرم شيئاً إلا أحل وعوض بالبديل الأفضل منه.

مدى ضرورة الإيمان للناس

مدى ضرورة الإيمان للناس إن الإيمان ضروري لكل فرد كي يسعد ولا يشقى، وهو ضروريٌ لكل مجتمع كي يتماسك ولا يتحلل، وانظروا لو جئنا برجل مؤمن وآخر كافر أو فاسق أو عاصٍ أو منحرف، وأخذنا شريحة من قلب المؤمن وشريحة من قلب الكافر، وأخضعنا الشريحتين للتحليل، لوجدنا أن هذا الفرد المؤمن تغمره السعادة، وتسيطر عليه الطمأنينة، ويشعر بالرضا والارتياح وليس لديه أي قلق أو اضطراب، ولا يعاني من أي أمراض نفسية، ولا يقابل أي سلبية من سلبيات الحياة إلا بالرضا والتسليم، النعمة في حقه شكر، والبلية عنده صبر، فالمنّة عنده محن؛ والمحن عنده منح، إذا أنعم الله عليه فكر في نفسه: لماذا هذه النعمة. لعلها استدراج؟ وإذا ابتلاه الله فكر في نفسه: لماذا بلاني الله؟! لعله عقاب!! فيحاول أن يصحح الوضع مع الله في كل حال، فهذا المؤمن. أما الكافر تأتي إليه فتجده مغموراً بالشقاء، فالطمأنينة مفقودة في قلبه، والقلق والاضطراب والحيرة والشرود والتيه والضلال مسيطر عليه، والأمراض النفسية تعترضه من كل جانب، إذا أُنعم عليه فجر، وإذا ابتلي ضجر وسخط وعبس وجهه، وقال: لماذا يفعل ربي هكذا؟! لماذا الناس كلهم أصحاء إلا أنا مريض؟! ولماذا الناس كلهم متحررون إلا أنا مسجون، ولماذا الناس كلهم يأكلون ويشربون إلا أنا فقير، ليس عندي شيء، فالكفر هو الذي أملى عليه هذه المفاهيم، أما ذاك فما الذي زرع في قلبه كل تلك الأخلاقيات والسلوكيات والمفاهيم العظيمة؟ إنه الإيمان! فبغير الإيمان يشقى الإنسان ويضل، هذا على مستوى الفرد، أما على مستوى المجتمعات فبالإمكان -أيضاً- أن نجري دراسة وأن نعمل فحوصاً على مجتمع مسلم متماسك، ومجتمع كافر منحل، لنجد كيف الحياة هنا وكيف الحياة هناك: إن المجتمع المسلم مجتمع كامل متكامل، متعاطف متماسك، يشعر فيه كل فرد بشعور الآخر: (المسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) (المسلمون كالبنيان -أو كالبنان- يشد بعضه بعضاً) لكن في غير المجتمع المسلم مجتمع غاب، وسباع، الغلبة فيه للقوي، والفتك فيه والعزة للمسيطر، أما الضعيف فيموت جوعاً ولا يشعر به أحد، بل ولا يساعده أحد، بل إنه في أمريكا أو في الدول التي يسمونها المتحضرة، وهي في الحقيقة الدول الخاسرة، فـ أمريكا في قمة التطور المادي لكنها في الأخلاقيات في أسفل السافلين وفي الحضيض، هم حقيقة طوروا المادة لكنهم دمروا الإنسانية، هناك الأمريكي لا يثق في أخيه الأمريكي، ولا يسمح لأمه ولا لابنته ولا لولده أن يأكل معه من صحن واحد، ولكنه يسمح لكلبه أن يأكل معه، يجلس في المطعم وهناك كراسٍ للكلاب في المطعم، يقول لي أحدهم: والله استغربت من هذه الكراسي المصممة على قدر الكلب، كرسي الإنسان معروف، لكن كرسي الكلب صغير على قدر مقعدة الكلب، فهو مصمم تصميماً للكلب، ويدخل الكلب ويُجلسه، ويضع السفرة بينه وبينه، ولحمة طيبة وملعقة ويستأنس به، وإذا انتهى يمسح فمه ويقبله، ولا يفعل ذلك مع ابنته أو ابنه. هذه مجتمعات الكفر والضلال، تمارس فيها الجريمة بشكل علني، حتى في الشذوذ الجنسي. في بريطانيا مجلس العموم البريطاني يقرر بالإجماع إباحة زواج الرجل بالرجل، وهذا شيء لا يعاقب عليه القانون فهو شيء مباح، ويكتبون له ورقة وصكاً شرعياً بذلك، يأخذه ويمارس معه الفاحشة رسمياً، أهذا دين؟! أهذا خلق؟! هل رأينا هذا في عرف الحيوانات؟! هل رأينا حماراً يركب حماراً؟! أو كلباً يركب كلباً؟! أو قرداً يركب قرداً؟! يقول الله في شأن قوم لوط: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:165] ويقول تبارك وتعالى: {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:80] لم يخترعها قبلهم أحدٌ أبداً. ويقول الوليد بن عبد الملك: والله لولا أن الله حدثنا في القرآن عن قوم لوط، ما صدقت أن رجلاً يركب رجلاً، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (لعن الله من عَمِل عَمَل قوم لوط، لعن الله من عَمِل عَمَل قوم لوط، لعن الله من عَمِل عَمَل قوم لوط) وقال: (اقتلوا الفاعل والمفعول به فاقتلوهما) حدهم في الشرع القتل، وورد في بعض الآثار أن الذكر إذا ركب الذكر اضطربت السماوات والأرض، فتمسك الملائكة بأطراف السماوات من غضب الرب تبارك وتعالى وتقرأ (قل هو الله أحد) حتى يسكن غضب الله عز وجل، إنه شيء لا يمكن أن يتصوره العقل، ولهذا عاقب الله من عمل هذا العمل بأن أرسل جبريل فغرس جناحه إلى تخوم الأرض ثم حملهم إلى السماء ثم قلبها عليهم، قال الله: {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:82 - 83]. فالمجتمع بغير دين مجتمع غابة، وإن لمعت فيه بوارق الحضارة، فالحضارة يا أخي! ليست بالمباني ولا بناطحات السحاب، ولا بالشوارع الفسيحة، ولا بهدير الآلات أو أزيز المصانع، ولكن الحضارة مفاهيم، ما رأيكم لو وجدنا كلباً نظيفاً يلبس بدلة ويعيش في عمارة، وآخر متسخاً يعيش في برميل قمامة، هل الكلب النظيف الذي يلبس البدلة ويجلس في عمارة؛ مفضل على الكلب الذي يعيش في برميل القمامة؟ لا والله. بل كلها كلاب. لو أنك أتيت بشخص من تهامة أو البادية، ليس عنده شيء من الحضارة، ثيابه مقطعة، فإنك تجد لديه مفاهيم ليست موجودة في أكبر إنسان في الدنيا! تجد عنده نجدة ونخوة ومروءة، لو أتيته في بيته وما عنده إلا شاة لذبحها لك، ولا يذوقها بل يتركها لك، ولو استنجدت به وأنت في أشد الظروف لافتداك ولو بنفسه، بينما في أمريكا لو طلبت من مخترع عظيم قرشاً واحداً لا يعطيك. إذاً: ما هي المفاهيم التي عنده؟ هل الإنسانية أنك تبني عمارة وتسكنها، أم أن الإنسانية أن تعيش بإنسانيتك؟!! ولهذا يقول أبو الحسن الندوي في كتابه حضارة الغرب: زرت أمريكا فوجدت فيها كل شيء إلا الإنسان، يقول: خرجت في النهار والليل أبحث عن الإنسان، فلم أجد شيئاً، يقول: رأيت السيارات، والطائرات، والناطحات، والشوارع، وأردت الإنسان فلم أجده، رأيت مسخاً يمشي على قدمين، إنه مسخ وليس بإنسان، إنه يعيش في أخلاق الكلاب، والقردة، والحمير، والخنازير، والله لا أجرؤ على أن أسميه إنساناً، فالإنسان بإنسانيته وبمفاهيمه، فإذا تجرد عن مفاهيم الإنسانية فليس بإنسان، بل يبقى في شكل الإنسان لكنه ممسوخ مسخاً مشوهاً للإنسانية. فالمجتمع بلا دين وإن لمعت فيه بوارق الحضارة فهو مجتمع غاب؛ لأنه دمر الإنسان، وإن استطاع أن يسبح في الفضاء وأن يغوص في أعماق البحار، فإنه عجز أن يخطو خطوة واحدة في سبيل الخير والنفع العام. وما أخبار قذف ملايين الأطنان من القمح في البحار عنكم ببعيدة، تعرفون أن أمريكا تقذف ملايين الأطنان من البر في البحار، بينما الناس في أمريكا نفسها وروسيا وإفريقيا يموتون جوعاً والحبوب تقذف، فلماذا يقذفون الحبوب؟ قالوا: حتى نحافظ على مستوى قيمة السلعة، إذ لو وردنا كل الحبوب فإن سعرها سوف ينزل وبالتالي نخسر، إذاً: نغرقه في البحر ولا نعطيه للفقراء والمساكين. وما حرب النجوم عنكم ببعيد، تُرصد المليارات بل وآلاف المليارات رغم حاجة الشعوب في الأرض إليها، ترصد كلها للتنافس والتسابق من أجل التدمير، ولذا يوم أن استطاعت أمريكا أن تصل إلى كوكب من الكواكب عبر بحوثها العلمية، وبرامجها في حرب النجوم، بدأت الآن تطلب وتدغدغ أحلام الشرقيين في روسيا لتنزع بعض الأسلحة، وقد سمعتم بالمؤتمر الأخير الذي حصل بينهم، وأنهم نزعوا صواريخ متوسطة المدى، وهذه الصواريخ مع أمريكا منها (220) صاروخاً، وعند روسيا منها (440) صاروخاً، كلفة الصاروخ الواحد مليار يعني: ألف مليون دولار! ثم إن القوة التدميرية للصاروخ كبيرة جداً لدرجة، فهو يستطيع أن يدمر مدينة مثل نيويورك قوام أهلها عشرة ملايين. فـ أمريكا قالت: ننزع السلاح، لماذا؟ لأنها استطاعت أن تصل إلى حرب تمارسها عن طريق النجوم، بحيث تفرض هيمنتها على الأرض كلها شرقيها وغربيها، عن طريق المال والإمكانيات، وهذا كله لأن الإنسان نفسه والمجتمع ليس مجتمعاً إسلامياً، ولا يعيش في ظلال الدين، وإلا لكان غير ذلك.

وسائل الإيمان وأسبابه

وسائل الإيمان وأسبابه أيها الإخوة في الله: قد يسأل سائل ويقول: عرفنا ضرورة الإيمان للفرد، وعرفنا ضرورة الإيمان للجماعة والمجتمع، وأدركنا حاجة الإنسانية إلى الإيمان، فما هي أسباب ووسائل الحصول على الإيمان؟ كيف أقوي إيماني؟ وأشرح صدري؟ وأزيد من يقيني؟ للإيمان أسباب ووسائل، وأرجو من الإخوة أن يكتبوا هذه الأشياء؛ لأنها عملية، لا نريد أن تقال وتذهب أدراج الرياح، بل نريد أن تقال وتكتب وتراجع وتطبق ويناقش الإنسان نفسه على ضوئها، منها على سبيل المثال لا الحصر:

أولا: قراءة القرآن الكريم

أولاً: قراءة القرآن الكريم والقراءة التي نعنيها: قراءة التدبر والعمل، لا قراءة الهذرمة بدون عمل، القراءة المعنية قراءة التدبر ومعرفة الأمر ثم الانسياق وراء الأمر والابتعاد عن المنهي، هذا معنى قراءة القرآن إذا أردت أن يفيدك الله عز وجل، أما أن تقرأ ولا تعمل فأنت مثل من يشتري دواء فيردد اسم الدواء ثم يضعه، إذا اشتريت علبة دواء من السوق أليس في كل علبة ورقة تدلك على طريقة استعمال العلاج، فلو أنك أخذت الورقة هذه وجلست تقرأ مكوناته: يتكون البندول من كذا وكذا، دواعي الاستعمال: في الصداع وكذا وكذا، والجرعة: حبة في الصباح وحبة في المساء، فلو أنك قرأت هذه الورقة في اليوم عشرين مرة، لكن ما استعملت العلاج، فهل يذهب منك هذا الصداع؟ الغرض من قراءة هذه الورقة أو هذه الوصفة هو أن تستعمل الحبوب، لكن لو أنك قرأتها عدة مرات ثم ذهبت إلى الصيدلية وقلت: يا دكتور! أنت وصفت لي دواء وما نفعني، فقال: استعملته؟ قلت: نعم، والله إني أقرأ الورقة من الصباح إلى المساء، قال: استعملت الحبوب؟ قلت: لا. ما استعملت الحبوب. فسيقول لك الدكتور؟ هذه الورقة ما أعطيتك إياها لأجل قراءتها ولكن من أجل أن تفهم كيف تستخدم العلاج، وأكثر الناس اليوم يقرءون القرآن ويحفظونه ولا يعملون به، ويريدون أن يستشفوا من المرض الذي بهم. فالله عز وجل ما أنزل القرآن من أجل أن يقرأ ويحفظ ولا يعمل به، يقول تبارك وتعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] فالله أنزل القرآن ليعمل به، فاتخذ الناس تلاوته عملاً، يقول بعضهم: أنا أقرأ القرآن، حسناً تقرأ ولا تعمل! إذاً القرآن يلعنك: (رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه) كأن تقرأ القرآن وأنت تكذب، وتقرأ: {ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران:61] فتخرج الآية واللعنة من فمك إلى من هي موجهة إليه، وهم الكاذبون، فمن هو أقرب كذاب من المتكلم؟ فتخرج اللعنة من فمه إلى جبهته والعياذ بالله. {أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود:18] وهو ظالم لنفسه بالمعاصي، ولغيره بأخذ حقوقهم، ولربه بالشرك بالله، فتخرج اللعنة من فمه إلى جبهته والعياذ بالله. فمعنى قراءة القرآن يعني: التدبر والعمل، فمن الناس من يقرأ القرآن ويصلي وهو غير متوضأ، إذا جاءت الصلاة قال: هيا بنا نصلي ثم يقف في المسجد وهو يعرف أن سرواله نجس، وأنه غير متوضئ ويكبر: الله أكبر، ويركع، هذا مستهتر بدين الله، وربما يصل به الأمر إلى الكفر بدين الله، فمن الناس من يسمع قول الله فيما أمر ونهى ولا يطبق، هذا ما قرأ القرآن حقيقة بل كان القرآن حجة عليه لا حجة له.

ثانيا: قراءة سنة النبي صلى الله عليه وسلم

ثانياً: قراءة سنّة النبي صلى الله عليه وسلم ومعنى قراءة السنة: أن تأخذ حديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفهمه وتطبقه، وأول حديث عندكم في الأربعين النووية معروف يبدأ به العلماء كلهم، وهو حديث عمر رضي الله عنه: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) وهذا أخذناه في صف خامس، هذا الحديث ذكره العلماء في بداية كتبهم لأجل أن الشخص عندما يقرأه يصحح النية، فعندما تكون في تحفيظ القرآن الكريم وتسمع: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) هذا يدعوك إلى أن تصحح نيتك في وجودك في هذه المدرسة، وتعرف أنك هنا يجب أن تتعلم كلام الله، وأن تحفظ كتاب الله من أجل العمل به، والدعوة إليه، والصبر على الأذى فيه، هذا معنى: إنما الأعمال بالنيات، أما لغير ذلك فلا يجعل الله في علمك بركة ولا قراءتك، ويمكن أن تظهر فيما بعد بأنك من أفسد خلق الله، وإذا رآك الناس لعنوا المدرسة التي أخرجتك لمجتمعك، وأنت قد حفظت القرآن، لكن نيتك فاسدة فكان عملك كله فاسد، فلابد من تصحيح النية! وهذا الحديث سببه: أن أناساً هاجروا مع النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، فهناك من هاجر لنصرة الدين ومنهم من هاجر لغير ذلك، فأحد الناس هاجر لأجل امرأة كان يحبها، وآخر هاجر لأجل تجارة، فكلهم في الهجرة سواء، لكن اختلفوا في النيات فاختلفوا في الثمرة. من هاجر لله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن هاجر لامرأة يتزوجها أو دنيا يصيبها، فهجرته إلى امرأة يتزوجها أو دنيا يصيبها، لكن ليس له عند الله نصيب، فأنتم معنيون بهذا الحديث. ومعنى قراءة السنة: أن تقرأ الحديث وتتفكر فيه، فمثلاً: قراءة الحديث عن النعمان بن بشير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الحلال بين، وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه) إن الحلال واضح والحرام واضح، الحلال: كالصلاة والزكاة، والحرام: كالزنا والخمور والفجور، وفي الوسط أشياء مشتبهة لا يعلمها كثير من الناس أهي من حلال أم حرام، لا يعرفها إلا أهل الإيمان والعلم والنور الرباني، فالذي يتركها ويقول: لا أقع فيها لأنها مشتبه، فهذا قد استبرأ لدينه وعرضه، والذي يقع فيها يقع في الحرام، لماذا؟ لأنه مثل الراعي الذي يرعى حول الزرع، وهذا الزرع محمي، أي: عليه جدار وهذا الزرع شعير أو بر أو ذرة، فجاء صاحب الزرع وقال: يا فلان أبعد غنمك من عند زرعي، فقال: لن تقارب زرعك فأنا أراقبها جيداً أنا أرعاها، هي ترعى من قرب الجدار، ومن هنا ومن هنا، فقال صاحب الزرع: حسناً، لكن انتبه! فغفل الراعي وقامت واحدة من الغنم فدخلت في الزرع وأكلت، وجاءت الثانية ودخلت، وإذا بالزرع قد انتهى كله، فيقول عليه الصلاة والسلام: (كالراعي يرعى حول الحمى -يعني: حول الزرع المحمي- يوشك أن يرتع فيه -يعني: يمكن أن تدخل واحدة- ألا وإن لكل ملكٍ حمى، إلا وإن حمى الله محارمه) فحمى الله الحرام والشبهات هذه التي يرتع فيها أكثر الناس، والواضح هو الحلال. فإذا قرأت هذا الحديث فيلزمك رأساً أن تمتنع عن كل شبهة فضلاً عن المحرمات، لا تقع في شيء مشتبه فيه فالذي لا تدري أهو حلال أم حرام فاتركه احتياطاً لدينك، هذا معنى قراءتك للسنّة، وأصح كتاب يمكن دلالتكم عليه باعتباركم مبتدئين هو كتاب: رياض الصالحين، لا بد أن يكون في بيتك وعند رأسك، هذا الكتاب ألفه الإمام النووي رحمه الله، واختاره من الكتب الصحيحة، وكل ما فيه صحيح، لم يذكر فيه حديثاً ضعيفاً أو موضوعاً، وإنما كل ما فيه صحيح، إلا سبعة عشر حديثاً قال أهل العلم: إنها حسنة، أما ما فيه فهو يدور بين الصحة والحسن. اقرأ كتاب رياض الصالحين وابدأ من أول الكتاب، واجعل لك في كل يوم حديثاً، فاقرأ لك حديثاً واحفظه ثم طبقه ثم علم الناس إياه، ما تنتهي من رياض الصالحين إلا وأنت عالم بإذن الله، لأن بعض العلماء لا يعرف رياض الصالحين ويريد أن يكون عالماً، وبعض المدرسين لا يعرف رياض الصالحين ويريد أن يكون مدرساً، وبعض طلبة العلم لا يعرف رياض الصالحين ويريد أن يكون طالب علم، ورياض الصالحين من مسماه، من عاش فيه عاش في الرياض، فهذا هو السبب الثاني وهو قراءة السنّة.

ثالثا: المحافظة على الفرائض

ثالثاً: المحافظة على الفرائض وهذا دواء عظيم لزيادة الإيمان، والمحافظة على الفرائض في مظانها، يعني: في أماكنها، فالذي يصلي في البيت لا يزيد إيمانه بل يضعف ويضعف حتى يذهب. لابد من أداء الفريضة في المسجد؛ لأن الله تبارك وتعالى أمر بها فقال: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43] ليس في البيوت مع النساء بل مع الراكعين أي: مع المؤمنين المصلين الراكعين في المسجد، فالمحافظة على الفريضة تكون في المسجد، أما الفرائض الأخرى: كفريضة الزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، والإنفاق، والدعوة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، كل هذه فرائض، ليست فقط الصلاة، ولكن الصلاة من أهم الفرائض وآكدها بعد الشهادتين، فالمحافظة عليها سببٌ من أسباب تقوية الإيمان.

رابعا: الإكثار من النوافل

رابعاً: الإكثار من النوافل فلا نعمل كما يعمل الفسقة ممن يصلون الفرض ويدعون السنة، وأنا أسميهم فسقة بما سماهم به شيخ الإسلام ابن تيمية، فقد سُئل عن رجلٍ يصلي الفريضة ولا يأتي بالسنة؟ فقال: ذاك رجل فاسق ترد شهادته، أي: لو جاء يشهد عليك فأردت أن تطعن وتقدح فيه بأنه تذكر أنه لا يصلي السنة، وبذا ترد شهادته؛ لأن من ترك السنة ترك الفريضة، وهذا بدون شك، لأن خط الدفاع الأول أمام الشيطان هي السنة، فما دام معك خط الدفاع الأول فإن خط الدفاع الثاني عندك أقوى، لكن إذا جابهت الشيطان بالفريضة وهزمك وتركت الفريضة وبالتالي يكفر الإنسان، فالإكثار من نوافل الصلاة، والصدقة، والصوم، والحج والعمرة، والصدقات خير وبركة، ولا نعني بالنوافل السنن الراتبة، ولكن نعني بالنوافل ما خرج عن السنن الرواتب والمؤكدة؛ لأن السنن الراتبة مطلوبة ومؤكد عليها، وسنة الفجر والوتر سنة مؤكدة، لكن نعني بالنوافل ما زاد عن هذا، مثل ركعتي الضحى، أو أربع أو ست، أو ركعتين في جوف الليل، وركعتين إذا دخلت المسجد، هذا اسمها نوافل ينبغي الإكثار منها وعليك أن تستزيد منها دائماً، وأن تستفيد من كل إمكانية في زيادة رصيدك مع الله، ولو بكلمة واحدة.

خامسا: الرفقة الصالحة

خامساً: الرفقة الصالحة خامساً: الزميل الصالح أو الرفيق الصالح والمؤمن، والجلوس في حِلق الذكر؛ لأن الرفيق الصالح يذكرك إذا غفلت، ويدعوك إذا ضعفت، ويأمرك إذا خالفت، فهو خيرٌ كله، فهو بمثابة من يحاول باستمرار أن يرفعك، فهو باستمرار يسحبك إلى أعلى، فلا تجلس مع شخص قليل الدين أو فاسق؛ لأنه باستمرار يسحبك إلى أسفل، ولهذا يقول علي رضي الله عنه: فلا تصحب أخ الفسق وإياك وإياه فكم من فاسقٍ أردى مطيعاً حين آخاه يقاس المرء بالمرءِ إذا ما المرء ماشاه وللناس على الناس مقاييس وأشباه وللقلب على القلب دليل حين يلقاه ويقول: إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي لأن الإنسان يقارن بما قُرن به، فإن مشيت مع الطيبين فأنت طيب، وإن مشيت مع الفسقة والعصاة جروك ولو كنت طيباً إلى ما هم عليه، إذ لو كنت طيباً ما سرت معهم، فأنت بخبثك أقررتهم وسرت معهم، فإذا أردت أن يبقى إيمانك قوياً وصلتك بالله قوية باستمرار؛ فاحذر من جليس السوء، وتمسك بصاحب الخير، وبحلق الذكر؛ لأن حِلق الذكر كما جاء في الحديث، يقول عليه الصلاة والسلام: (ما جلس قوم في بيت من بيوت الله يذكرون الله، إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده) فهذه آثار الجلوس في مجالس الذكر.

سادسا: عدم مجالسة العصاة والبعد عن المعاصي

سادساً: عدم مجالسة العصاة والبعد عن المعاصي سادساً: الحذر من مجالسة العصاة والاقتراب منهم أو إقرارهم، وهذه واضحة؛ لأنها عكسية للخمسة. سابعاً: كذلك البعد كل البعد عن المعاصي كبيرها وصغيرها، دقيقها وجليلها؛ لأن المعاصي تسقط العبد من عين الله عز وجل، ولأن المعاصي تحرق الإيمان. لا تحقرن من الذنوب صغيرا إن الصغير غداً يعود كبيرا كل شيء يكبر، لا تقل: صغيرة، فاليوم صغيرة وغداً كبيرة. إن الصغير وإن تقادم عهده عند الإله مسطر تسطيرا فعليك أن تحرص كل الحرص على عدم الوقوع في المعاصي، فلا تسمع جزءاً من أغنية، ولو حتى الموسيقى التي قبل الأخبار؛ لأنك إذا سمعتها سمعت الذي قبلها والذي بعدها، وبالتالي تصير عاشقاً للأغاني، ولا تتكلم بالغيبة ولو كان هدف الغيبة نبيلاً؛ لأنك إذا تكلمت بالغيبة بهدف نبيل جرتك بالهدف النبيل إلى الغيبة بغير هدف. ولا تأكل ريالاً حراماً، ولا تكذب كذبةً بيضاء -كما يقولون- فليس في الكذب أبيض وأسود، كله أسود، ليس في الكذب حلال إلا ما رخص فيه الشرع، وهو ثلاث: أ- كذب الحرب، خدعة. ب- وكذب الرجل على زوجته. ج- وكذب الإصلاح. وغيره فهو كذب، فلا تحقرن شيئاً من الذنوب، وعليك أن تبتعد عنها صغيرها وكبيرها؛ لأن الإيمان هو بمنزلة الشجرة في قلبك، وغذاء الشجرة الطاعات، وما ظنكم لو أن إنساناً عنده شجرة وصب عليها بنزيناً، هل تعيش أم تموت؟ الذي يغذي شجرته بالبنزين والقاز والزيت وماء النار، تحترق أم لا؟ فإذا كان عندك إيمان وغذيته بالأغاني -وهذا بمثابة البنزين بالنسبة للإيمان- فإنه يحرق إيمانك، أو غذيته بالنظر إلى التلفزيون وإلى المسرحيات والمسلسلات، أو بعدم قيامك لصلاة الفجر فإنه يحرق دينك، أو غذيته بمتابعة المباريات والرياضيين، أو لترى من الذي فاز ومن الذي خسر، وهم كلهم خاسرون ليس لديهم نصر، إنما النصر لأهل الإيمان، فأنت بهذا تحرق إيمانك. لكن غذيِّ إيمانك بالقراءة: بقراءة القرآن والسنة، وبالطاعة، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبقيام الليل، والصيام، بالحب في الله والبغض فيه، أو بقراءة كتاب من كتب الإسلام تزيدك إيماناً، هذه وسائل تقوية الإيمان.

أسباب حبوط الإيمان

أسباب حبوط الإيمان أما أسباب إحباط الإيمان؛ كشخص مؤمن وفجأة انحرف! لماذا؟ لا يمكن أن يحصل هذا إلا بأربعة أسباب:

الردة

الردة 1 - الردة -أعاذنا الله وإياكم من ذلك-: وهي الكفر بعد الإسلام، وسبب الردة أمران: - الأمر الأول: سوء بداية الهداية، أي أن: هدايته في الأصل كانت بدايتها سيئة، وما كانت لوجه الله عز وجل، وعلى البدايات تنبني النهايات، فمن كانت بدايته قوية، وهدايته صحيحة، كانت نهايته قوية وهدايته لازمة، أما من كانت بدايته ضعيفة، أو نفعية، أو لخوف أو لرجاء، كمن يهتدي ويصلي من أجل أن يُكتب من المصلين في المدرسة، أو كمن يصلي من أجل أن يتزوج بامرأة، يريد أن يعرف أباها أنه يصلي، فيقوم ويصلي في الصف الأول، ليراه أبو المرأة ويسلم عليه -انظر إلى هنا، السلام عليكم، ألا تعلم أني أصلي كل يوم، وأحياناً ينتظره حتى يخرج من باب المسجد فيسلم عليه- حتى إذا تزوج ترك ذلك، فهذا صارت هدايته ليست لوجه الله: صلى وصام لأمرٍ كان يطلبه فلما انتهى الأمر لا صلى ولا صاما فسوء البداية يجعل الإنسان يرجع إلى الكفر والعياذ بالله، ويحبط إيمانه، ولذا لا بد من التأصيل والتأكيد بأن تكون بدايتك حسنة، وهدايتك لوجه الله، والتزامك طلباً لما عند الله، وخوفاً مما عند الله عز وجل. - الأمر الثاني: اتباع الهوى، الذي نسميه الآن: الكيف، فالشخص يقول: أنا على كيفي، أنا على مزاجي، كيفك ومزاجك هو الهوى، فأنت لست على كيفك ولا مزاجك، أنت على مراد ربك (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية:23] ما اتخذ إلهه مولاه، ولكن إلهه هواه، يأمره بالنوم عن الصلاة فيرقد، ويأمره بتضييع الصلاة فيمشي، ويأمره أن يغني فيغني، ويأمره أن يذهب مع الصعاليك يتصعلك؛ فيتصعلك، هذا عبد هواه لا مولاه، فاتباع الهوى يحبط الإيمان، ولذا إذا جاءك الهوى والمراد الشيطاني والكيف والمزاج فارفضه، وقسه على الدين وأمر الله وأمر رسوله، ثم اتبع الدين واترك الهوى.

معاداة المؤمنين وموالاة الفاسقين والملحدين

معاداة المؤمنين وموالاة الفاسقين والملحدين 2 - معاداة المؤمنين وموالاة الفسقة والملحدين؛ لأن من عادى أولياء الله حاربه الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي -والحديث في صحيح البخاري -: (يقول الله عز وجل: من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) ومن حاربه الله قصمه وأهلكه، فإيذاء المؤمن ولو بأي نوعٍ من الإيذاء، حتى ولو كان في الحمام يتوضأ وتدق عليه بصورة مزعجة فإن هذا يعد من الإيذاء. شخص يريد أن يتوضأ، فهل دخل الحمام ليجلس؟ أم أن هناك وسادة وفراشاً يقعد عليها؟! لا. إن الإنسان لا يدخل دورة المياه إلا من أجل أن يقضي حاجته، فإذا انتهت حاجته خرج، لكن بعض الناس قليل أدب، يأتي إلى الحمام وفيه شخص فيقوم ويدق عليه الباب، ويتنحنح ذاك، فيقول له: عجل! اسرع! وهذا إيذاء، ولا يجوز إيذاء المسلم. ومن إيذاء المسلم أن تدعوه باسم لا يحبه كأن تعيّره، والله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} [الحجرات:11] لا تقل: أنت يا أعور، يا أسود، يا ضعيف، يا متين، يا طويل، يا قصير، أنت يا لا. لا. فالله قد سمى الناس بأسمائهم، فعليك أن تدعو الشخص باسمه، فلا يجوز إيذاء المسلم بأي شيء من هذا الإيذاء، فإيذاء المؤمنين ومحبة الملحدين والعصاة والفسقة يسبب إحباط الإيمان وخسارته. وبعض الناس يقوم بتصرفات فيها كبرياء وعجب وخيلاء وبطر، فإذا رأيت هذه النوعيات تحتقرها وتزدريها كما تحتقر البعوضة والذباب، فإذا رأيت هذه النوعيات فلا تحبها، ولا تتخذها مثلاً في الحياة، بل انظر إليهم من علو؛ لأن بعض الناس ينظر إليهم أنهم فوق وهو تحت، وهذا يحتقر ما عظم الله. فبعض الشباب الذين في تحفيظ القرآن الكريم إذا رأى طلاباً في الثانوية المطورة، ثانوية الفتح وغيرها، وهو في ثانوية القرآن، فإنه يرى نفسه بسيطاً ومُحتقراً، لماذا تحتقر نفسك والله قد أعطاك القرآن؟! يقول عليه الصلاة والسلام: (من أوتي القرآن ثم رأى أن غيره أفضل منه فقد حقر ما عظَّم الله وازدرى ما كرَّم الله) كيف يعطيك ربي كتابه ويجعل القرآن في صدرك، أما تعلم أن من استقر القرآن بين جنبيه فقد استكمل النبوة غير أنه لا يوحى إليه، فهو في منزلة نبي من بني إسرائيل.

الاستهزاء بشيء من دين الله

الاستهزاء بشيء من دين الله 2 - الاستهزاء أو السخرية بشيء من دين الله، وهذه مصيبة يترتب عليها أن يكفر الإنسان بعد الإيمان؛ لأن الاستهزاء بشيء فيه دين الله هو استهزاءٌ بالله عز وجل، والله تبارك وتعالى يقول: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66] هذه الآية واضحة الدلالة على أن من استهزأ بشيء من دين الله فقد كفر بعد إيمانه، كمن يستهزئ بالأئمة، أو بالمؤذنين، أو بالسنّة، أو بالقرآن، أو يورد نكتاً على القرآن، أو بعض الآيات بالتحريف فيها أو بالزيادة أو النقصان، هذا كله استهزاء؛ لأن لدين الله حصانة، لا ينبغي أن تنال أو تمس، فإذا استهزأ الإنسان أو ضحك بشيء من دين الله حبط عمله.

اعتقاد أن هدي البشر أفضل من هدي الله

اعتقاد أن هدي البشر أفضل من هدي الله 4 - اعتقاد أن هدي شخص أو منهجه أو نظامه أفضل من هدي الله أو منهجه، كأن يعتقد الإنسان أن الأنظمة التي يحكم بها الآن في الشرق والغرب كالنظام الرأسمالي، أو الشيوعي، أو أي منهج آخر يضعه البشر أنه أفضل في تنظيم الحياة من القرآن الكريم أو من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا اعتقد الشخص هذا أو خالطه أدنى شك فقد كفر بالله عز وجل!

الاغترار بأسباب لا توجب النجاة بذاتها

الاغترار بأسباب لا توجب النجاة بذاتها 5 - الاغترار بأسبابٍ لا توجب النجاة بذاتها إلا بمسبباتها، فيغتر الإنسان ويعتمد باستمرار على مثل هذه الأشياء، مثل: المغفرة، فكثير من الناس يغتر ويعتمد على مغفرة الله عز وجل، ومغفرة الله لا تنال إلا بأسبابها؛ لأن الله يقول: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56] {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأعراف:167] فكونك تعتمد على مغفرة الله ورحمته دون أن تتعرض لهذه الرحمة وهذه المغفرة بفعل الأمر وترك النهي فأنت تطلب الرحمة والمغفرة بطريق غير صحيح. ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس إن الذي يرجو شيئاً لا بد أن يتعرض لأسبابه، ومن يرجو رحمة الله لابد أن يتعرض لأسبابها. - وكذلك من يعتمد ويغتر على الشفاعة -شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته يوم القيامة- فإن الشفاعة لا تُمنح إلا لمن يستحقها، قال عز وجل: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:28] {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255] فيشترط لحصول الشفاعة شرطان: - الإذن من الشافع. - الرضا عن المشفوع له. فإذا رضي الله عن المشفوع له وأذن للشافع أن يشفع وجبت الشفاعة، ولكن كيف يتحقق الإذن ويتحقق الرضا مع المخالفة والمعصية؟! هذا غير وارد. - وكذلك من يغتر ويعتمد على كلمة (لا إله إلا الله) عندما يسمع من الأحاديث: (من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة) فكلمة (لا إله إلا الله) من قالها خالصة من قلبه دخل الجنة بشرط العمل بلا إله إلا الله؛ لأن للجنة قفلاً، ومفتاحه: لا إله إلا الله، ولكل مفتاحٍ أسنان، وأسنان لا إله إلا الله شرائع الدين، فإن جئت بمفتاح له أسنان فَتح لك، وإن جئت بمفتاحٍ ليس له أسنان لم يَفتح لك. هذه المفسدات الخمس أعيدها وهي: 1 - الردة، وهي نتيجة لسوء البداية أو اتباع الهوى. 2 - معاداة أولياء الله وموالاة أعداء الله. 3 - الاستهزاء بشيء من دين الله. 4 - اعتقاد أن هدياً أو منهجاً أو شريعة أو نظام البشر أفضل من هدي الله ومنهجه وشريعته. 5 - الاغترار بأسبابٍ لا توجب النجاة بذاتها وإنما بمسبباتها، من التعرض لرحمة الله وهي: المغفرة، والرحمة، والشفاعة، وقول: لا إله إلا الله. فهذه الأشياء من وقع فيها حبط إيمانه، لذا فإن عليك يا أخي عدة أمور: أن تسعى بجدك واجتهادك إلى تقوية إيمانك وزيادته عن طريق الأشياء التي ذكرناها، وأن تحرص على حماية إيمانك وحفظه عن طريق عدم الوقوع في شيء من هذه المحبطات الخمس التي تفسد إيمانك.

حقيقة الإيمان

حقيقة الإيمان ما الإيمان الذي نعنيه؟ هل هو: الصلاة والزكاة وفعل الأوامر وترك النواهي؟ هل هو عمل قلبي فقط؟ وما أدرى الناس بقلبي حتى أكون مؤمناً أو غير مؤمن؟ فالإيمان الذي نعنيه ليس مجرد أداء الإنسان للشعائر، فكم من مؤدٍ للشعائر وهو بعيدٌ عن الله، وقد ذكر الله في القرآن: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة:54]. وهذا سؤال يقول: ما هي حقيقة الإيمان؟

الإيمان: تطابق المعرفة مع العمل

الإيمان: تطابق المعرفة مع العمل حقيقة الإيمان الذي نعنيه ليست مجرد أداء الشعائر؛ فإن كثيراً من الناس يصلون ويؤدون الشعائر وقلوبهم خراب من الهدى والإيمان، والدليل نص القرآن، فالله يخبر بأن المنافقين كفروا بالله وبرسوله ومع ذلك لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى، ولا ينفقون إلا وهم كارهون، فهم يخرجون الزكاة ويصلون لكن مع هذا هم كفار، فليس مجرد أداء الشعائر الإسلامية الظاهرة هي دليل على وجود الإيمان، وليس مجرد التحلي أو التظاهر بمظاهر أهل الإيمان دليل قطعي على وجود الإيمان، كأن يرخي الإنسان لحيته، أو يقصر ثوبه، أو يكبر عمامته، هذه الأشياء من الدين، وهي من الإيمان لكنها ليست وحدها دليلاً كافياً على وجود الإيمان، إذ لا بد أن تقترن بأشياء تدلل وتبرهن على صدقها، وإلا فإن لحية أبي جهل كانت لحيته طويلة، ولكنها في رأس كافر. فلا بد أن يكون مع هذا الظاهر ومع هذا الشكل مضامين أخرى، ومفاهيم تدلل على أن الظاهر منطبق ومتوافق ومتطابق مع الباطن، أما إذا رأينا سلوكاً غير سوي، ورأينا مظهراً سوياً يبدأ التشكيك في صحة السلوك والمظهر، فليس هذا ولا ذاك. أيضاً: الإيمان ليس مجرد معرفة ذهنية بحقائق الإيمان، كأن تقرأ القرآن وكتب السنة كلها، وكتب العقيدة وتفهم كل شيء، فكم من إنسان يفهم ويتيقن ولا يعمل، والله يقول عن فرعون وقومه: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} [النمل:14] فهم يعلمون، والله يقول: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام:33] فليس الإيمان مجرد المعارف الذهنية والثقافات الإسلامية، كأن نجد إنساناً يتكلم باسم الإسلام ويتكلم ويدافع باسم الدين وعنده قضايا وحقائق قوية في عقله، فلا نعتبر هذه فقط هي الإيمان الذي نقصده، أو هو حقيقة الإيمان، لا. ليس كذلك، ولكن الإيمان عملٌ قلبي يبلغ أغوار وأعماق النفس، ويحيط بجوانب النفس البشرية كلها؛ من إدراك وإرادات ووجدان، إدراك ذهني -أي: عقلي- تتكشف فيه حقائق الوجود عن طريق الإيمان بما أوحى الله به إلى رسوله صلى الله عليه وسلم من قضايا الغيب، فيؤمن الإنسان بالجنة والنار وكأنه يراها، وأيضاً- بالملائكة وكأنه يراهم، وبالبعث بعد الموت، وبالقدر خيره وشره من الله، وبالكتب السماوية وبالرسل كلهم، ويؤمن قبل ذلك كله بالله عز وجل، هذا معنى الإدراك العقلي الذهني الذي تتكشف فيه الحقائق وتصل إلى حد الجزم الموقن به الذي لا يزلزله أدنى شك، يقول الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} [الحجرات:15] هؤلاء هم المؤمنون، و (إنما) هنا أداة حصر، وحديث حارثة بن وهب لما سأله النبي عليه الصلاة والسلام: (كيف أصبحت؟ قال: أصبحت مؤمناً، قال: ما حقيقة إيمانك؟ قال: عزفت نفسي عن الدنيا وشهواتها، فأضمأت نهاري بالصيام، وأسهرت ليلي بالقيام، وأصبحت وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وإلى أهل النار يتعاوون فيها، فقال عليه الصلاة والسلام: عرفت فالزم، إنك مؤمن نور الله قلبك بالإيمان) هذا معنى الإيمان الذي نعنيه، فالإدراك هو: تصديق يبلغ حد الجزم بالحقائق الغيبية الأثرية، بحيث لا تكون في شك أين الجنة وأين النار!

الإذعان الكامل ثمرة الإدراك

الإذعان الكامل ثمرة الإدراك الإذعان يأتي كثمرة للإدراك، فإذا آمنت أن الذي يتأخر عن المدرسة أكثر من الساعة السابعة والنصف أنه يترتب على تأخره عقوبة، بحيث إن الوكيل أو المراقب واقف بالعصا عند الباب، وأن الذي سيتأخر سوف يضرب، إذا آمنت بهذا فإنك لن تتأخر، وكذلك يتبع الإيمان الإذعان في أنك تدخل مبكراً، فإدراكك للغيبيات يستلزم منك إذعانٌ وانقياد إرادي يتمثل في خضوعك ورضاك لكل أوامر الله، وبعدك وانتهائك عن كل ما نهى الله، فمن رأيناه يبتعد عن أوامر الله ولا يأتيها، ويقع في محارم الله ولا ينتهي عنها، شككنا في إيمانه. أما إذا رأينا إنساناً مذعناً منقاداً مستسلماً لأوامر الله، أينما أمره الله وجدته، وحيثما نهاه الله لا تجده، فإن هذا نحكم بإيمانه -وأيضاً- قبل ذلك لا بد أن يتبع هذا الإدراك العقلي والإذعان السلوكي والعبادي حرارة في القلب، وحرقة في الصدر تبعث على أن يعيش الإنسان لهذا الإيمان، وعلى هم هذا الدين ونصرته، فتفكيره كله في ليله ونهاره، وسره وجهاره، ويقظته ونومه هموم الإسلام؛ لأن وجدانه معلق بالإسلام، فهو عنده إدراكات ذهنية، وإذعانات، وانقيادات سلوكية، وأيضاً عنده حرقة ووجدان يتحرك لدين الله، فيعمل بمقتضيات هذا الدين في الجهاد في سبيل الله، والدعوة إلى دينه، والالتزام بمبادئ هذه العقيدة، والدفاع عنها، والدعوة إليها، ومعاداة من يعاديها، وموالاة من يواليها، هذه كلها تأتي نتيجة الحرقة؛ لأن الإيمان عنده حرٌ متحرك. أما أن يكون شخصاً بارداً لا يهمه أمر المسلمين، ولا يهتم بالدعوة ولا بالدين، فهذا إيمانه إيمان مثلّج لا ينفعه ولا يسقيه، ولا حول ولا قوة إلا بالله! هذه هي مقومات الإيمان الصادق، والعقيدة الحقة التي تشرق شموسها على جوانب النفس البشرية، فكلما كان العقل مقتنعاً والإرادات متحركة، والجوارح مندفعة إلى العمل لدين الله، والقلب يحترق ويتألم على دين الله؛ كلما كان الإنسان ذا إيمان حي. أسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقني وإياكم إيماناً صادقاً وعملاً صالحاً، إنه على كل شيء قدير. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة .

باب التوبة مفتوح إلى قيام الساعة

باب التوبة مفتوح إلى قيام الساعة Q إذا آمن شخص ثم كفر ثم آمن هل يقبل إيمانه؟ A نعم. يقبل إيمانه، فإذا آمن ثم ارتد ثم رجع إلى الإيمان قُبِلَ إيمانه إن شاء الله، لأن التوبة مقبولة وبابها مفتوح، وهو أوسع مما بين المشرق والمغرب، ومفتوح حتى تشرق الشمس من مغربها، وإن الله ليبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، فعلى العاقل باستمرار إذا أخطأ أو زلت به القدم، أو ضعف بحكم بشريته؛ ألا يستمر على الخطأ، بل عليه أن يرجع؛ ويصحح المسار، ويرجع إلى الله تبارك وتعالى، أسأل الله لنا ولكم التوفيق، والله أعلم.

بعض الكتب المرشحة للاقتناء والقراءة

بعض الكتب المرشحة للاقتناء والقراءة Q ما هي الكتب التي تنصحنا بشرائها؟ A هذا سؤال عظيم جداً، جزى الله هذا السائل كل خير، فإن هذا السؤال مهم، والكتب تختلف طبعاً باختلاف مدارك القارئ، فلكل مستوى تعليمي ما يلائمه من الكتب، فلا تعني الإجابة هنا أن كل ما أقوله ينبغي على الإنسان أن يقرأه، وإنما بحسب مداركه ومستواه التعليمي، فطالب المتوسط له كتب، وطالب الابتدائي له كتب، ولكن أجيب على العموم لما يصلح أن يكون إن شاء الله كتاباً شافياً ومفيداً لكل المستويات بإذن الله عز وجل، وأؤكد على كتب الثقافة الإسلامية، فكتب الثقافة الإسلامية تصلح لشباب الثانوية والمتوسطة مثل كتاب: هل نحن مسلمون، ومعركة التقاليد، وجاهلية القرن العشرين، والإنسان بين المادية والإسلام لـ محمد قطب كلها، والأركان الأربعة لـ أبي الحسن الندوي، ومبادئ الإسلام للمودودي، وهي لا تكلف كثيراً، يمكن أن تبلغ مائتي ريال، أي: قيمة نصف (تيس)، لأن (التيس) بأربعمائة، فيمكنك أن توفر في يوم من الأيام قيمة نصف (تيس) وتشتري به مكتبة إسلامية تنفعك وتنفع أبناءك في حياتك وبعد مماتك إن شاء الله، هذا بالنسبة للكتب العصرية. وبالنسبة لكتب السلف كتاب زاد المعاد، والجواب الكافي، وإغاثة اللهفان، والفوائد وكلها لـ ابن القيم، ورياض الصالحين في الحديث للنووي، والإيمان للزنداني وهو موجود في الأسواق يباع بعشرة ريالات وتعريف عام بالعقيدة للطنطاوي، وتعريف عام بدين الإسلام وهذا كتاب أنصح كل أستاذ وطالب علم باقتنائه، وهو جزآن في العقيدة والعبادة، لكن جزء العبادة قد ضاع وبقي جزء العقيدة والحمد لله. فقد قال في العقيدة كلاماً ما سبقه إليه أحد، بحيث لو قرأه أكبر كافر في الأرض لأسلم. وكتاب منهاج المسلم، والرسائل الجزائرية للجزائري وهي سبع وعشرون رسالة، وكتاب للمبتدئين في المتوسط اسمه (هذا الدين) وهو كتاب عظيم وهذا الكتاب لـ سيد قطب رحمه الله يعرّفك على الدين، ويقدمه لك بأسلوب العصر، وقد لا تفهمه من أول مرة لبعد المستوى في الثقافة، لكن بالاستمرار وبالمذاكرة تفهمه إن شاء الله، وغيره كثير ولكن أكتفي بهذا إن شاء الله.

مقياس النجاح في الدنيا للصالح والفاسق

مقياس النجاح في الدنيا للصالح والفاسق Q أنصح أخي وأقول له: اتق الله يا أخي؛ يعلمك ويفتح عليك، ويوفقك في دراستك، فيجيب: إن ابن جيراننا لا يستغني عن النظر إلى الفيديو، وهو بعيد عن الدين؛ لكنه موفق في دراسته، فما ردكم على ذلك؟ A التوفيق في الدراسة إذا كان للمؤمن فهو كرامة من الله له، وحسنة عاجلة يعجلها الله له، وثواب مقدم، أما إذا كان التوفيق في الدراسة للفاجر والفاسق فهو استدراج من الله له، كأن يوفق في دراسته، أو وظيفته أو ماله، ليس معنى أن الغربيين والكفار وفقوا في البحوث والاكتشافات العلمية أن الله راضٍ عنهم لا. فالله يقول: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ} [هود:15] {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:16] فهذا ابن الجيران الذي يسمر إلى آخر الليل على الفيديو والمسلسلات والقاذورات لا يتقي الله، ولكنه يذاكر دروسه ومجتهد، وطبيعي إذا ذاكر الإنسان دروسه واجتهد وجد فإنه سوف يحصل على نصيب اجتهاده ولو كان كافراً أو فاسقاً، أما أنت يا مؤمن إذا تركت المعاصي واجتهدت في دين الله ووجدت ثواب اجتهادك في دين الله عز وجل فإنه توفيق من الله في الدنيا ورضى منه في الآخرة، أما ذاك فيجد توفيقاً من الله في الدنيا فقط، لأنه اجتهد ولكن ليس له في الآخرة نصيب: {وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:16] فلا يعني أن ذاك لما كان على الفيديو والمنكرات سامراً أنه موفق، وأن الفيديو هو الذي وفقه، لا. بل الذي يوفق هو الله، فهو موفق في دراسته لأنه يذاكر ويجتهد، فيمكن أنه يسمر في الليالي ولكن يذاكر، أو عنده نسبة ذكاء تمكنه من استدراك ما فاته، ولكن لو ترك الفيديو لكان أكثر توفيقاً.

حكم حلق اللحية

حكم حلق اللحية Q هل إعفاء اللحية واجب أم يحل للإنسان أن يحلقها؟ A إعفاء اللحية واجب يلزم بمخالفته لحوق الإثم، وتحقق المعصية، والأحكام الشرعية في الشرع خمسة: 1 - واجب. 2 - مستحب. 3 - محرم. 4 - مكروه. 5 - مباح. فالواجب تعريفه في الشرع: هو ما طلب الشارع من المكلف فعله طلباً جازماً، ولم يقم على الطلب قرينة تصرفه عن الوجوب، فنأتي إلى اللحية نقيسها على هذا المقياس، نجد أن الشارع طلب من المكلف فعل هذه اللحية طلباً جازماً ولم يقم على الطلب الجازم قرينة تصرفه عن الوجوب، فقد قال عليه الصلاة والسلام: -والأحاديث في الصحيحين - (اعفوا اللحى وجزوا الشوارب) (أكرموا اللحى) (أرخوا اللحى) (أسدلوا اللحى) وقامت القوائم من السنة الفعلية والقولية على أنها واجبة: - أولاً: بفعله صلوات الله وسلامه عليه، فقد كانت لحيته كثة تملأ ما بين منكبيه، حتى إن أحد الصحابة سئل: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في صلاة الظهر؟ قال: [نعم، فسأله الثاني وقال: ما أدراك والصلاة سرية؟ فقال: كنت أعرف ذلك من اضطراب لحيته] كان إذا قرأ تحركت لحيته، فيعرف الناس أنه يقرأ، صلوات الله وسلامه عليه، بمعنى: أنها كانت مملوءة، تملأ ما بين منكبيه، فلو قست لحانا كلنا الذين في هذا المجلس ما بلغت لحية النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ابن عمر إذا اعتمر أو أحل من الحج قبض لحيته وقص ما زاد على ذلك، والقبضة هذه طويلة، فالذي معه لحية بمقدار قبضة فإنها كبيرة، فبعضهم يقول: أنا سأقصر، اتركها حتى تطول فإذا طالت فخذ، إن كنت أخذت بقول ابن عمر، وإن كان بعض أهل العلم يقولون: إن فعل الصحابي لا يُعمل به إذا عارض قول النبي صلى الله عليه وسلم، ففعل الصحابي يُلجأ إليه عند فقدان النص عن الرسول، لكن ما دام أن الرسول قد أمر بالإعفاء ولم ينقل عنه أنه أخذ منها فإن الواجب تركها وعدم أخذ شيءٍ منها، حتى ولو فعله ابن عمر، فإننا مأمورون باتباع شرع الله وشرع رسوله صلى الله عليه وسلم. ثانياً: غضبه صلوات الله وسلامه عليه حينما رأى الحليقان اللذين جاءا من اليمن وكانا فارسيين، وكانا قد أطالا شواربهما -مثلما يفعل شبابنا- وحلقا لحاهما فلما رآهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم -وهما كافرين- قام بدعوتهما للإسلام، وقال: (من أمركما بهذا؟ -أي: لماذا تغيران خلق الله في وجوهكما؟ - قالا: ربنا. -يعني: كسرى- قال: أما أنا فقد أمرني ربي بإعفاء لحيتي وقص شاربي). فلمّا فعل بنفسه وأمر أصحابه وأنكر على الحليقين، دلت كل هذه القرائن على أن الأمر بإعفاء اللحية للوجوب، وأن حالقها مستخفٌ بأمر الله عز وجل يلحقه بذلك إثم عند الله تبارك وتعالى. فليس هناك مكياج ولا ديكور كما يفعل بعض الناس، تراه يأخذ من لحيته ويجعله مثل الخيط على وجهه، وبعضهم يجعله مثل ترقيمة الشاي، ويجعل لها حبلاً في وجهه، وكل يوم تراه بشكل، أهي قضية تصوير ومكياج كل يوم تترسم! هذه قضية انتماء ليست قضية شعر، ما دام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك بأن ترخي لحيتك فترخي، ويكفيك أنك من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، أما كل يوم ولك شكل فإن هذا لا يصلح.

المحبة في الله من أسباب محبة الله للعبد

المحبة في الله من أسباب محبة الله للعبد Q بعض الشباب يحب أن ينقل للشيخ أنه يحبه في الله! A أحبه الله الذي أحبني فيه، وهذه والله أعظم بشرى للإنسان أن يكون محبوباً في الله؛ لأن من أَحب العبد في الله وأُحب في الله نال بهذه المحبة محبة الله، وعند مسلم: (أن رجلاً زار أخاً له في قرية فأرسل الله على مدرجته ملكاً فقال له وهو في هيئة رجل: إلى أين؟ قال: إلى أخٍ لي في هذه القرية، قال: هل لك من نعمة تربها عليه؟ قال: لا. غير أني أحببته في الله، قال: فإني رسول الله إليك أخبرك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه). لأن المهم أن تُحَبَ ليس المهم أن تُحِبَ، فقد تُحِبُ ولا تُحَبُ، وهذه مصيبة أن تُحِب شخصاً وهو يكرهك، لكن العظيم أن تُحِب وأن تُحَب، فنسأل الله الذي لا إله إلا هو بأسمائه الحسنى وصفاته العلى في هذه الساعة المباركة أن يرزقنا حبه وحب من يحبه، وحب كل عملٍ يقربنا إلى حبه، إنه على كل شيء قدير. والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

من أهوال يوم القيامة

من أهوال يوم القيامة الإيمان بالقيامة هو إيمان باليوم الآخر، بما يتضمنه من بعث، وحشر، ونشر، وحساب، وجزاء، وإن ذلك اليوم فيه من الأهوال مالا تدركه العقول، ولا تستوعبه الأفهام. وقد جاء ذكر هذه الأهوال في القرآن والسنة تارة بالتفصيل وتارة بالإجمال، وهذه المادة تتناول بعض هذه المشاهد لذلك اليوم العصيب.

الإيمان وأهميته

الإيمان وأهميته الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:

عظم قدر نعمة الإيمان على البشر

عظم قدر نعمة الإيمان على البشر أيها الإخوة في الله! من أعظم ما يَمن الله به على الإنسان: نعمة الإيمان، والطاعة والهداية، والتوجه الصحيح إلى الله، وقد منّ الله بهذه النعمة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين، فأما على النبي صلوات الله وسلامه عليه؛ فيقول الله له: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} [الفتح:1 - 2] أي: نعمة الدين. ويقول في سياق مَنّ هذه النعمة على الناس وتذكيرهم بها: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [آل عمران:164] ويقول في سورة الحجرات: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ} [الحجرات:7] هذا الخطاب موجه للصحابة ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن غاب عنا بشخصه فإنه لن يغيب عنا بهديه ومنهجه وسنته، وما من شيء إلا وقد بينه لهذه الأمة، إما خيراً فدلها عليه أو شراً فحذرها منه، وقال: (تركتكم على المحجة البيضاء -ما تركنا في متاهات، ولا أمام معميات، وإنما وضع أقدامنا على الصراط، ودلنا على المحجة البيضاء- ليلها كنهارها -ليس فيها غبش ولا سواد- لا يزيغ عنها إلا هالك) كشخص لا يريد أن يمشي فهذا لابد أن يزيغ، أما شخص يريد الطريق الصحيح، فهي واضحة مثل وضوح الشمس في رابعة النهار، على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، يقول الله في معرض التذكير بالنعم: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} [الحجرات:7] ثم ذكرهم الله بنعمة وجود النبي صلى الله عليه وسلم فقال: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمْ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمْ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمْ الرَّاشِدُونَ * فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَنِعْمَةً} [الحجرات:7 - 8] هذه النعمة وهذا الفضل والفضل الحقيقي والنعمة الحقيقية أن يحبب الله إليك الإيمان، وأن يزينه في قلبك، فينشرح صدرك له، وتحبه فتموت في سبيله، لا تستطيع أن تعيش إلا بالإيمان، فلو فارقك الإيمان لحظة واحدة لمتَّ، كالسمكة؛ لو فارقت الماء لحظة لماتت، لا يمكن أن تعيش إلا في بحبوحة الإيمان؛ لأن الله حببه إليك، وأيضاً زينه في قلبك، فزين لك الإيمان فلا تر حلية أعظم من حُلي الإيمان، وزين لك لباس الإيمان فلا تر لباساً أعظم من لباس الإيمان، وزين لك كنز الإيمان فلا تر كنزاً أثمن منه، حين يكنز الناس المال والذهب، وحينما يتزين الناس بالحلي والملابس وتتزين أنت بالإيمان: إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى تقلب عرياناً ولو كان كاسيا فخير لباس المرء طاعة ربه ولا خير فيمن كان لله عاصياً وحق كل نعمة أن تُشكر، يقول الناظم: وحق كل نعمة أن تشكرا حتى يزيد ربنا ويكثرا

المحافظة على النعمة تكون بشكرها

المحافظة على النعمة تكون بشكرها إذا زدت من الشكر زادك الله من النعم، لكن إذا أعطاك ربي وبعثرتها وما قدرتها، وأهنتها؛ سلبها منك {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7] إن شكرت نعمة الإيمان والهداية والدين وتمسكت بها زادك الله من نعمة الإيمان والدين. انظروا! لا ينصرف ذهن أي إنسان إذا ذُكرت النعمة إلى أنها نعمة المال أو العافية، لا. هذه نِعَم، لكنها نِعَم مشتركة بين المسلم والكافر، بل إنها نِعَم تزيد عند الكفار أكثر من المؤمنين، جاء في الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: (إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من يحب؛ فمن أعطاه الدين فقد أحبه). ولذا صرف الله النعم الدنيوية عن أنبيائه صيانة لهم، وبسطها على أعدائه مكراً بهم، هل معنى هذا أنه لما أعطى الله قارون نعمة المال أن الله يحبه، ولما أعطى الله الوليد نعمة الولد هل الله يحبه؟! ولما أعطى الله فرعون نعمة الملك هل الله يحبه؟! لا. لكن يمكر بهم، ولهذا يقول الله تبارك وتعالى: {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:55].

وجوب الحفاظ على نعمة الإيمان

وجوب الحفاظ على نعمة الإيمان هذه النعمة أيها الإخوة! نعمة الإيمان والهداية، إذا رزقك الله إياها فتشبث بها وتمسك بها حتى تموت، فإذا دخلت الجنة تقول: الحمد لله الذي هدانا لهذا، إذا دخلت الجنة تحمد الله الذي هداك لنعمة الإيمان والتي كان من آثارها وثمارها عليك أن أدخلك الله الجنة بسببها، لكن من يبدل هذه النعم ولا يعرف قدرها فهو المغبون الخاسر. نعمة الإيمان موجودة معنا يوم أن اختارنا الله من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، واختارنا الله عز وجل من أهل لغة الضاد -العربية- نقرأ القرآن بدون كلفة ولا مشقة، بينما هناك من المسلمين من يبذلون السنين الطوال وهم يقرءون القرآن ولا يعرفون منه حرفاً واحداً، ويتمنون أنهم يعرفون حرفاً وما يستطيعون، ويعيش بعضهم طوال حياته لا يعرف شيئاً من القرآن ولا من الدين إلا ألفاظاً يقولها ولا يدري ما معناها، إن الله أعطاك اللسان العربي، واختار لك الأرض العربية، واختار لك أرضاً هي مهد القداسات وأرض الحرمين الشريفين، واختار لك أن تكون مؤمناً، ما ظنك لو كنت يهودياً؟! أما كان يمكن! ما ظنك لو أنك نصراني؟! أو مجوسي؟! تعبد الثور والبقرة! يجلس المجوسي أمام البقرة وإذا بالت عليه اعتبرها نعمة عليه، هل هناك أضل من هذه العقول؟! ويقول أحد المشايخ: دخلت وأنا في (دلهي) في معبد من معابدهم، أريد أن أعرف ماذا يفعلون -معبد الهندوس- يقول: وإذا بهم عباقرة في الفكر، وبروفسورات في الطب والهندسة والذرة، لكن في عبادتهم ما هو في منأى عن فكرهم! يقول: وجدت رجلاً قد شاب رأسه، قلت من هذا؟ قالوا: هذا عميد أو مسئول جامعات كبيرة في الهند يقول: وإذا به جالس -الله يكرمكم- عند مؤخرة الثور، يقول: جالس ويده ممدودة إلى الثور يطلب منه الرحمة والشفقة والحنان. لا إله إلا الله! ما أضل هذه العقول! فكان يمكن أن تكون يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً أو ملحداً أو شيوعياً أو كافراً؛ لكن الله جعلك مؤمناً، ألا تحمد ربك على هذه النعمة -يا أخي- ثم أيضاً كونك مؤمناً وفي أرض إيمانية أيضاً زادك هداية واستقامة، الآن كثير من الشباب في المقاهي على الدخان والمنكرات واللعن والسب والشتيمة، وأنت الله اصطفاك واختارك واجتباك وجعلك من أهل ذكره وشكره وبيوته ومجالس العلم هذه نعمة لا تقدر بثمن، لا تظن أنك على هون، وأنك مسكين. لا والله، والله هذا هو الملك، وهذا هو العز: هذا هو الملك لا تزويق أبنية ولا الشفوف التي تكسى بها الجدر

عقوبة التفريط في كنز الإيمان

عقوبة التفريط في كنز الإيمان الملك الحقيقي أن تكون عبداً لله، والذلة والخسران والخذلان أن تكون عبداً للشيطان وللشهوات، أعظم عقوبة يُعاقب الله بها المخذول أن يصرفه عن الدين، وأن يتركه عبداً لشيطانه والعياذ بالله. ومن لم يعرف قدر هذه النعمة وبدلها، أي: جاءته نعمة الدين وذاقه وإذا به يتركه، فقد توعده الله بالعذاب الشديد، يقول الله عز وجل: {وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [البقرة:211] كيف تبدل نعمة الله عز وجل؟! كيف تنصرف وتنحرف؟! كيف تحور؟! كيف ترجع بعد أن ذقت هذا وسرت في الطريق الصحيح؟! هذه مصيبة. ولهذا يقول عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} [المنافقون:3]. فمن أعظم العقوبات لمن سار في الطريق ثم رجع عنها أن يطبع الله على قلبه، فإذا طُبع -أي: ختم وقفل- فلا يفقه حتى لو أتيت تذكره بعد ذلك، تقول: اتق الله -يا أخي- أنت وأنت لا يفقه ولا يفهم شيئاً، منكوس مقفول مطمور مقبور في جسده، مقبور في الأرض، كأنك تكلم ميتاً: {فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} [المنافقون:3] لمَ طبع على قلوبهم؟ لأنهم رجعوا بعد أن ساروا، وآمنوا بعد أن كفروا. فيا إخواني في الله! علينا أن نحمد الله، وأن ننظر إلى من لا يشاركنا في طريق الإيمان نظرة الحنان والعطف والشفقة عليهم، فنرحمهم ونمد حبال النجاة لهم لعل الله أن ينقذهم بسببنا، أما أن نراهم وهم يتردون ويهلكون ثم ننظر إليهم بعين الإكبار، وننظر إلى أنفسنا بعين الاحتقار فقد حقرنا نعمة الله، ولهذا جاء في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: (من أوتي القرآن -أي: الدين- ثم رأى أن غيره أفضل منه؛ فقد عظم ما حقر الله، وازدرى نعمة الله) من أوتي القرآن وأوتي الإيمان والدين، ثم رأى أن غيره أفضل منه؛ فقد حقر شيئاً عظمه الله وازدرى نعمة الله تبارك وتعالى.

يوم القيامة وأهواله

يوم القيامة وأهواله أيها الإخوة! درس هذه الليلة هو بعنوان: (من أهوال يوم القيامة) ومن رحمة الله بنا أن نقلنا إلى أن نعيش أحداثاً، تحدث في يوم القيامة ووصفها لنا حتى لكأننا نشاهدها مشاهدة العين، وهذه رحمة أيضاً، أن يخبرك الله أنه ستكون يوم القيامة أشياء، وأحداث جسام منها: أن تتفطر السماوات، وتنشق الأرضون، وتتكور النجوم وتتكدر، وتسير الجبال، وتسجر البحار، بعد ذلك تذهل المرضعات عما أرضعت، وتحشر الوحوش، هذه أحداث أخبرنا الله بها، وأمرنا أن نستعد لهذا اليوم المهول الذي تتقطع فيه القلوب من الخوف والهلع والحزن، لماذا؟! للأحداث الكونية الضخمة العظيمة التي تكون فيه، هذا من رحمة الله تبارك وتعالى بنا لكي نستعد، حتى لا يأتي شخص ويقول: ما كنت أعلم أنه سيحدث هذا الأمر، ولو كنت أعلم أن هذا حادث لاستعديت، لا. بل تعلم فإن الله قد أخبرك بكل هذه الأحداث حتى تكون في أهبة الاستعداد؛ ولتكون من الناجين الذين يظلهم الله عز وجل في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله. ويوم القيامة -كما سبق أن قلنا- يوم عظيم هوله، شديد أمره، لا يلاقي العباد أبداً مثله، يدل على عظمته وأهواله أمور:

وصف الله له بالعظمة

وصف الله له بالعظمة الأول: أن الله وصف هذا اليوم أنه عظيم، والله عز وجل عظيم، ولا يعظم العظيم شيئاً إلا لكونه عظيماً، يقول الله عز وجل {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ:1] عن أي شيء يتحادثون؟! {عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ} [النبأ:2] نبأ ماذا؟! نبأ البعث {الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ} [النبأ:3] بين مكذب ومصدق، الكافر يكذب والمؤمن يصدق، قال الله: {كَلَّا} [النبأ:4] أداة زجر وردع وتوبيخ {كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} [النبأ:4 - 5] تأكيد على أن الله عز وجل سيبعثهم وسيعلمون عاقبة كفرهم وتكذيبهم، ثم يَعْرِض الله بهم جولة في الأفاق والكون ليستدلوا بها على عظمة الله وقدرته على البعث فيقول: {أَلَمْ نَجْعَلْ الأَرْضَ مِهَاداً * وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً * وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً * وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً * وَأَنزَلْنَا مِنْ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً} [النبأ:6 - 16] لماذا هذا كله؟! {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً} [النبأ:17] أجل إن الله يخلقكم، ويجعل لكم الأرض مهاداً، والجبال أوتاداً، والسماء عماداً، وأمطار تأتي من السماء، وينبت لكم ثماراً من أجل أن تعيشوا وتموتوا وتنتهي المسألة؟! لا. هذا من أجل شيء وهو: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً} [النبأ:17] وكأن شخصاً يقول: يا رب متى؟ قال: {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً} [النبأ:18] جماعات زرافات، كل مجموعة مع من يشاكلها: {وَفُتِحَتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً * وَسُيِّرَتْ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً * إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً} [النبأ:19 - 21]. والله عز وجل يذكر هذا اليوم بأنه عظيم بقوله: {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} [المطففين:4 - 5] وهذا الخطاب موجه للمطففين، والتطفيف: خُلُق سيئ ولا ينحصر في البيع والشراء بل في كل شيء، فالمطفف: هو الذي إذا اكتال لنفسه يستوفي، وإذا كال للناس ينقص، هناك وادٍ في النار اسمه ويل: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} [المطففين:1] من هم؟ {الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين:2 - 3] لماذا؟! مكذبين قال الله: {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} [المطففين:4 - 5]. والتطفيف: قد تكون وأنت في الصلاة مطففاً، أي: تنقص في صلاتك فلا تتم ركوعها ولا سجودها، وقد يكون في عملك في الوظيفة، إذا جاء الراتب تستوفيه، لكن إذا جاء العمل لا تؤديه، هذا تطفيف، لو نقصوا عليك من راتبك مائة ريال أو خمسين أقمت الدنيا وأقعدتها، لكن كل يوم ما تأتي إلا الساعة الثامنة والنصف، والدوام في الساعة السبعة والنصف، طيب من سمح لك من سبعة ونصف إلى ثمانية ونصف؟! قد تقول الرئيس، الرئيس لا يملك، قد تقول المدير، المدير لا يملك، لا يملك السماح لك أبداً، إلا ولي الأمر؛ لأن الصلاحيات بيده، والصلاحيات التي حددها لك هي سبعة ونصف، فيجب أن تكون سبعة ونصف على مكتبك إلى اثنين ونصف ليس خوفاً من المدير ولا الرئيس، ولكن خوفاً من الله، إذا جلست وأديت عملك على هذا الوجه هل يمكن أن يبقى عندك معاملة؟! أو يتعطل مراجع؟! أو تدحرج المعاملات دحرجة وتمررها بدون فحص وتحقيق؟! لا. لماذا؟! لأن عندك وقتاً طويلاً، سبع ساعات تفرح بالموظف أو بالسكرتير أو بالوارد إذا أتى بالمعاملات تقول الله يجزيك خيراً وهات نقطع الوقت ونتسلى، لكن الذي ينام إلى الساعة تسعة ويدخل الساعة عشرة، ويدخل من يوم يدخل (للحمام) ثم يقول: هات الفطور يا ولد، ودخل الغرفة وساعة فطور، رغم أن هذا ممنوع، لكن أين المدير؟ أين الرئيس؟ قالوا: يفطرون انتظر قليلاً، اقعد قليلاً، مطعم، سفرة كاملة، وبعد الفطور شاهي، وبعد الشاهي كلام، وسحب نفسه وجلس على الماسة قليلاً وجاءت المكالمات والجرائد ويقول: ما هي الأخبار؟! وبعدها أذن للظهر، قام وترك مكتبه وذهب وصلى أو لم يصل، ورجع وقال: غلقوا الدوام يا جماعة! ماذا تريدون أفعل بعد الظهر أنا بشر ولست آلة؟ ما رأيكم إذا جاءته المعاملات؟! يحزن أم يفرح؟! يحزن، لماذا؟! لأنه ليس معه وقت، وبالتالي إما أن يمررها بدون شرح ولا قراءة ولا اطلاع أو يهملها تحت الدرج في المكتب ويجعلها إن كان جاء مراجع طلع معاملته، وإن لم يأت جلست شهوراً، بعض المعاملات تجلس في مكتب الموظف شهور ولا تتحرك إلى أن يأتي شخص يبعثرها ويعقب عليها ومعه رقم، وإن لم يوجد لديه رقم فلا يمكن أن يتصور أن معاملته تنتهي، فالمطفف هو الذي يستوفي راتبه وينقص عمله: {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} [المطففين:4 - 5]. من المطففين من يطفف في بر والديه، يستوفي من والده كل شيء، ولا يُعطي والده شيئاً، والده سبب كل نعمة عليه نعمة الخلق والإيجاد هي من الله وسببها الوالد، نعمة التربية والإمداد والتدريس والكساء والغذاء والسكن، كم نعم من الله عليك بسبب والديك؟! أمك إذا مرضت في جوف الليل تبكي، وأبوك يحملك ويذهب بك إلى المستشفى ولو مشى على وجهه، أبوك إذا ما عنده ما يدفع به لو يبيع ثوبه أو كوته من على كتفه من أجل أن يشتري علاجك، ثم إذا كبرت وأصبحت رجلاً تتنكر؟!! أنت مطفف، لماذا؟ لأنك أخذت ولم تعط، استوفيت ولم تف فأصبحت من المطففين: {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ} [المطففين:4 - 5]. وتارةً يصفه الله عز وجل بالثقيل فيقول: {إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً} [الإنسان:27] يوم عظيم ثقيل، وتارةً يصفه الله عز وجل بالعسير، وأنه غير يَسير فيقول: {فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر:9 - 10] لكنه بهذا المنطوق، والمفهوم منه أنه على المؤمنين يسير، اللهم يسره علينا يا رب العالمين. ورد أن يوم القيامة قدره خمسون ألف سنة، وأن المؤمن لا يشعر به إلا كما بين صلاة العصر إلى المغرب، وهذا أضيق وقت، من العصر إلى المغرب لا تفعل شيئاً، قد تشرب (فنجان) شاهي، أو تقعد مع أولادك وإذا بك والمغرب يؤذن، هذا المؤمن يخفف الله عليه وقت يوم القيامة حتى كأنه منذ تدلي الشمس للغروب إلى أن تغيب الشمس، وإذا به نجح، وأخذ كتابه بيمينه وقيل: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} [الزخرف:70] بينما ذاك طويل، ثقيل، عظيم، عسير، غير يسير، خمسين ألف سنة، وهو شاخص ببصره إلى السماء: {لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} [إبراهيم:43] لا يقدر على أن يغمض عينه غمضة واحدة، وبعد ذلك قلبه ليس في صدره، بل في نحره: {كَاظِمِينَ} [غافر:18] مكظومة أنفاسهم من عظمة الأهوال التي ينتظرونها والمفاجآت التي يتوقعونها، الآن الذي يخرجونه للسيف كي يقتل قصاصاً هل يبقى قلبه في مكانه؟! ما رأيكم في فترة الانتظار مذ يجلسونه إلى أن يضرب بالسيف؟ بعدما يقرءون الإعلان، ما أطول هذه الفترات -يا إخواني- وهي خمس دقائق، لماذا؟! لأنه ينتظر السيف يضرب رقبته، أو ينتظر البندقة وهي تخرق ظهره وتخرج كبده أمامه، فهو في تلك اللحظات جالس هل يفكر في شيء غير هذا؟! لو مرت أمامه امرأة عارية هل ينظر إليها؟! لو سمع أغنية هل يتغنى بها؟! وهي ضربة سيف أو بندقية؛ لكن يوم القيامة ليست ضربة سيف، ضربة السيف أمنية ضربة البندقية أمنية، في يوم القيامة ليس هناك موت، فيه عذاب، يقول الله عز وجل: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم:17] هذا الأمر الأول: أن الله عظمه.

إخبار الله عن شدة الخوف والفزع فيه

إخبار الله عن شدة الخوف والفزع فيه الثاني من الأمور التي تدل على هول يوم القيامة: أن الله عز وجل أخبر بأن الرعب والفزع والهلع والخوف يصيب العباد في ذلك اليوم، فالمرضع تذهل عن وليدها، وهذا تعبير به إذ لا يمكن في الدنيا أن تترك ولدها أبداً فلو حصل وأنت جالس في البيت لا سمح الله وسقط سقف البيت، كل شخص من الجالسين في المجلس وهم يسمعون الانهيار يهربون، لكن المرضع لا تشرد إلا وولدها في يدها، نعم. لا يمكن أن تشرد لوحدها وتترك ولدها، ولو شردت ثم ذكرت ولدها رجعت تأخذ ولدها ولو ماتت. لكن في يوم القيامة لعظمه: {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا} [الحج:2] ووضع الحمل لا يأتي إلا من شدة الخوف، المرأة إذا بلغها أمر خطير جداً وكبير تُسقط، هذه تُسقط لكن لا تضع الحمل الكامل، أما هذه الحامل التي لا ينتظرها شيء لكن ما آن الأوان لأن تضع الحمل، أمر خارج عن إرادتها من أهوال يوم القيامة. وأيضاً يَحصل للناس نوع من الهلع؛ لدرجة أنهم يصبحون كالمجانين، قال الله عز وجل: {وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2] ولشدة الهول تشخص أبصار الناس خصوصاً الظلمة منهم؛ لشدة الرعب، ولا يلتفتون يميناً ولا شمالاً، ولا يخفضون أبصارهم، يقول الله عز وجل: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء ٌ} [إبراهيم:42 - 43]. وترتفع قلوبهم -والعياذ بالله- إلى حناجرهم، فلا تخرج ولا ترجع، يقول الله: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:18 - 19] ويقول: {يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور:37] {قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ} [النازعات:8 - 9] وحسبك أن تعلم أن من لم يبلغ الحُلم ولم يدر ما الأمر ولم يبلغه النهي ولا يعرف الدين؛ صغير، لكن لما يخرج وهو يبعث يرى الأهوال هذه فيشيب رأسه، يقول الله تبارك وتعالى: {فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً} [المزمل:17] يشيب الصغير، فكيف بي وبك! إنا لله وإنا إليه راجعون!

انقطاع الأنساب والأسباب فيه

انقطاع الأنساب والأسباب فيه الثالث من الأمور التي تدل على عظمة يوم القيامة: انقطاع جميع العلاقات والوشائج بين البشر، فعلاقة النسب والزمالة والأموال لا تنفع، كل شيء وكل علاقة لا تنفع في يوم القيامة، يقول الله: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] يقول عز وجل: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:101] فكل إنسان لا يهتم في ذلك اليوم إلا بنفسه حتى الأنبياء، يأتي الناس إليهم فيقولون: نفسي نفسي لا أسألك اليوم إلا نفسي، اشفعوا. أنتم أنبياء لكم منزلة، ومكانة، فيقولون: إن ربنا قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، لا أستطيع. اذهبوا إلى غيري! نوح يحيل على إبراهيم، وإبراهيم يحيل على موسى، وموسى يحيل على عيسى وكل واحد يذكر له خطيئة، نوح يقول: إني قد دعوت على قومي، وإبراهيم يقول: قد كذبت، وما كذبة إبراهيم؟! قال: إن هذه أختي، وقال: إني سقيم، وهي كذبات كلها في صالح الإسلام، وقال: بل فعله كبيرهم يعني الصنم الكبير، وموسى يقول: إني قد قتلت نفساً، وعيسى يحيل الأمر على محمد ولا يذكر ذنباً، ولما يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم صاحب الشفاعة الكبرى صلوات الله وسلامه عليه يقول: (أنا لها أنا لها؛ فيسجد تحت العرش ويثني على الله بمحامد لم يثنها عليه من قبل ولا يعلمها في الدنيا ثم يقول الله له: ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع) اللهم شفع فينا نبيك محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة. بل إن الإنسان ليس فقط هو الذي تنقطع علاقته بالنسب، وإنما يفر من أحب الناس إليه، يقول الله: {فَإِذَا جَاءَتْ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:33 - 36] وصاحبته: أي: زوجته، وبنيه أي: أولاده {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:37] عندك من المشاكل والأهوال ما يكفيك، وأنت لست فارغاً لتستوعب ولو ربع مشكلة مع شخص من الناس، غارق إلى مسامعك في المشاكل، يأتي الأب إلى ولده فيقول: بحق أبوتي أعطني حسنة أو نصف حسنة أتبلغ بها وأرجح بها ميزاني، فيقول له: وأنا يا أبي بحق بنوتي لك ربيتني ورعيتني أريد منك نصف حسنة أو ربع حسنة، فيعود يفر منه يقول: أردت منك وإذا بك تريد مني وإذا بكل واحد يفر من الثاني: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:34 - 37]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:33].

محاولة الافتداء منه بملء الأرض ذهبا

محاولة الافتداء منه بملء الأرض ذهباً الرابع من الأمور التي تدل على عظمة هذا اليوم: أن الكفار يوم القيامة يستعدون، ويبذلون القدرة على أن يتخلصوا من كل ما معهم، ولو كان ملء الأرض ذهباً وفضة في سبيل الخلاص من عذاب يوم القيامة، يقول الله: {وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لافْتَدَتْ بِهِ} [يونس:54] ويقول عز وجل: {وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ} [الرعد:18] لو أن له ملء الأرض ذهباً أحمر يود أن يقول: خذوه على أن أسلم من العذاب؛ لكن ما ينفع بل إنه مستعد أن يدفع ويبذل كل شيء، ولكن الله لا يقبل منه، يقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [آل عمران:91]. وفي صحيح البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (يجاء بالكافر من أهل النار؛ من أقل أهل النار عذاباً يوم القيامة فيقال له: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهباً أكنت تفتدي به؟! قال نعم، قال: قد سألتك أهون من ذلك، تعبدني لا تشرك بي شيئاً، وتطيعني ولا تعصيني) هذا أهون، أم أن تفتدي بمثل الأرض كلها ذهباً؟! والله أهون -يا إخواني- لنا أن نعبد الله، ونسير في طاعة الله، أما أن نفرط ثم نأتي يوم القيامة ومعنا ملء الأرض ذهباً، والله ما ينفع، يقول الله: {وَلَوِ افْتَدَى بِهِ} [آل عمران:91] ما عنده شيء. ويصل الحال بالظلمة والكفار والفجرة والفساق إلى أن يتمنى الإنسان لو يفتدي بأعز الناس عنده، ولو كانت أمه أو أبوه أو إخوانه أو أخواته أو زوجته أو أولاده مستعد أن يقدمهم ويخرج، يقول الله: {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ * وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ} [المعارج:11 - 14] كلهم ليس عنده رحمة ذلك اليوم، لو أنه قيل له: ما رأيك نهلك من في الأرض وننجيك أنت؟! يقول: نعم نجني يا رب، لماذا؟! لأنه لا يقدر ولا يستطيع أن يتحمل العذاب؛ لأنه عذاب الآخرة والنار، ليس مثل عذاب الدنيا، قد تتحمل عن أبيك السيف، لماذا؟! لأنك تقول سوف أموت بواحدة، ممكن أن تتحمل عن ولدك الموت فتموت، لكن لا يمكن أن تتحمل عن أبيك أن تضرب بالسيف وتعود للحياة وتضرب بالسيف وتعود للحياة، وتقطع مرة وتعود الحياة تقول: والله ما أقدر على هذا، كذلك أهل النار لا يموتون، فالموت أمنية من أمانيهم، ولذا يود الإنسان وهو في النار -مما يعاني من العذاب الشديد والأكيد- أن يفتدي بكل ما يملك في هذه الدنيا حتى قال الله: {وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ} [المعارج:14] قال الله: {كَلَّا} [المعارج:15] كلام فارغ لا ينفع {إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى} [المعارج:15 - 16] تنزع شوي الشخص من بطنه {نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى} [المعارج:16 - 18] نعوذ بالله وإياكم من ذلك.

طول هذا اليوم وشدته

طول هذا اليوم وشدته من الأمور التي تدل على هول يوم القيامة وشدته: طوله. يوم القيامة يوم عظيم هائل طويل جداً، لا يعلم طوله إلا الله عز وجل، والله عز وجل أخبرنا بأن طوله خمسين ألف سنة، قال العلماء: خمسين ألف سنة في العدد، لكن اليوم الواحد من أيام الآخرة ليس مثل يومنا أربعة وعشرين ساعة قال الله: {وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ} [الحج:47] خمسين ألف سنة واليوم الواحد منها كألف سنة من أيامنا، هيا اضرب خمسين ألف سنة في ثلاثمائة وستين يوماً، ثم اضرب الناتج في ألف سنة؛ لأن أيام الدنيا أربع وعشرين ساعة محكومة بالشمس والقمر ودورة الشمس؛ لكن لا يوجد في يوم القيامة شمس، فالشمس قد كورت وانتهت، فلا توجد شمس ولا يوجد ليل ولا نهار، ولا أيام إلا اليوم الآخر، قال الله فيه: {وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ} [الحج:47] فهل هناك أطول من هذا اليوم، خمسون ألف سنة والناس وقوف في العذاب، أنت إذا أتيت المطار وبقي على الطائرة مثلاً ساعة ودخلت؛ تشعر بالقلق والحرج، فإذا قرب الوعد ولم يبق إلا نصف ساعة قلت: قرب الموعد، لكن وأنت تنتظر، جاءك بلاغ من السعودية: السعودية تأسف وتعلن عن تأخير رحلتها المتجهة إلى كذا وكذا وسوف يكون موعد الإقلاع الجديد بعد ثلاث ساعات، ما رأيك في ثلاث ساعات؛ طويلة أم ليست طويلة؟! الله!! تقول: الله المستعان. إنا لله وإنا إليه راجعون! ثلاث ساعات أظل قاعداً، أين أذهب في ثلاث ساعات؛ لا يوجد مكان أنام فيه؛ ولا أجلس على الكرسي أريح أرجلي، بعضهم يرجع من المطار من أجل ثلاث ساعات. هل يوجد كرسي في الآخرة تقعد عليه؟! أو مظلة تتظلل بها؟!! أو طعام تأكل منه؟! أو كساء يسترك؟! أو نوم تستريح به؟! لا يوجد إلا وقوف والعرق يسيل حتى يلجم الناس به في ذلك اليوم؛ فهذا اليوم لطوله ولعظمته هو مما يدل على هول هذا اليوم العظيم، يقول الله تبارك وتعالى في هذا اليوم: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً} [المعارج:4 - 6] لماذا؟! يرونه بعيداً؛ لأن نظرتهم قياسية على أيامهم: {وَنَرَاهُ قَرِيباً} [المعارج:7] لأن نظرة الله قياسية على أيامه فيكون قريباً فالدنيا كلها لا تساوي عند الله إلا مثل قطرة من بحر: (ما الدنيا في الآخرة إلا كما يدخل أحدكم إصبعه في اليم؛ ثم ينزعها فينظر بم ترجع) ولطول هذا اليوم يظن الناس في يوم القيامة أنهم ما لبثوا في الدنيا إلا ساعة، ولهذا يقول الله: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ} [يونس:45] وبعد ذلك يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة، وتقول لهم الملائكة: {كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [المؤمنون:112 - 113] والعمر كم هو في الدنيا؟! عمر الدنيا منذ خلقها الله إلى أن يفنيها آلاف السنين، وعمر الدنيا منذ خلقها الله إلى يوم يفنيها بالنسبة ليوم الآخرة يوم أو بعض يوم، أي: ليس يوماً كاملاً. لا إله إلا الله! يقول تبارك وتعالى محذراً الناس أنه سيحشرهم: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات:46] ويقول: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً} [طه:104] وأمثلهم طريقة أي: أحسنهم رأياً وتسديداً وخبراً يقول: {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْماً} [طه:104] ويقول: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم:55] ويقول عز وجل: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ * وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون:112 - 118] هذه -أيها الإخوة- الأمور الخمسة نستدل بها على عظمة هذا اليوم.

أهوال يوم القيامة

أهوال يوم القيامة أما الأهوال التي تكون فيه فهي كثيرة منها: الدمار الكوني الشامل الرهيب الذي يُصيب الأرض وجبالها، والسماء وطباقها ونجومها وشمسها وقمرها، إذ تتبدل كل معالم الكون، فلا يبقى شيءٍ على أصله، تدمير كامل، وهذا التدمير يشعر الإنسان بالخوف، إذا هبت الرياح العاتية، أو نزلت الأمطار الغزيرة، كيف يكون وضع الناس؟! يخافون إذا اشتعلت الحرائق، أو وقع حادث مروري، أو تهدمت عمارة، أو حدث خسف أو انزلاق في الأرض كيف يصير؟ لكن كيف شعورك يا مسلم إذا تَدمركل شيء في الكون؟! فالله عز وجل يحدث للأرض زلزلة، ودكاً ونسفاً للجبال، وتسجيراً للبحار، وتشقيقاً وتفتيتاً للسماوات، والشمس تكور، والقمر يخسف، والنجوم تكدر ويذهب ضوءها وينفرط نظامها؛ لأنه حدث تدمير كامل لهذا الكون، وسوف نذكر بعض هذه الأهوال منها: الأول: أن الله عز وجل في ذلك اليوم يقبض الأرض، ويطوي السماء، يقول الله عز وجل: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67] ويقول: {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء:104].

دك الجبال ونسفها

دك الجبال ونسفها من الأهوال: دك الجبال ونسفها: إذ يخبرنا الله عز وجل أن أرضنا هذه الثابتة وما عليها من الجبال الشم الراسية، أنها يوم القيامة تُحمل، ثم تُدك دكةً واحدة، قال الله: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتْ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ * وَانشَقَّتْ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} [الحاقة:13 - 16] وعند ذلك تتحول القوة والصلابة والمتانة إلى رمل ناعم مطحون، لماذا؟! لأن الله حملها ودكها، فتطحن الجبال طحناً حتى تصير مثل الرمل، يقول عز وجل: {يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتْ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً} [المزمل:14] مثل كثبان الرمل المهيلة المتفتتة الناعمة بعد قوتها وصلابتها يفتتها الله تبارك وتعالى، أي تصبح مثل هذا الوضع، وفي موضع آخر يقول تبارك وتعالى: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ} [المعارج:9] والعهن: هو الصوف المنفوش أي: بعد قوتها تصير مثل العهن الذي إذا لمسته فملمسه ناعم، لماذا؟ لعظمة ما حصل لها من الدك والتدمير، ثم إن الله عز وجل يزيل هذه الجبال عن مواضعها، لا يبقى جبلاً أبداً، ويسوي الأرض حتى لا يكون فيها موضع مرتفع، تصير الأرض كلها مستوية ما فيها جبل ولا سهل ولا قصر ولا منخفضوإنما كلها سواء، يقول الله عز وجل: {وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} [التكوير:3] ويقول: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً} [النبأ:20] ويقول: {وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ} [المرسلات:10] ويقول: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً} [الكهف:47] أي ظاهرة لا ارتفاع فيها ولا انخفاض، ويقول: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً * فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً * لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً} [طه:105 - 107] كلها مستوية.

تفجير البحار وتسجيرها

تفجير البحار وتسجيرها من الأهوال العظيمة: تفجير البحار، هذه البحار التي أمامنا الآن يحولها الله عز وجل يوم القيامة إلى مادة مشتعلة (كالبنزين) كيف؟! كيف طلع لنا البترول الآن؟! البترول أو المادة المشتعلة التي عليها الآن حياة البشر بإذن الله، هذه -كما يقولون- كانت مواداً عضوية في وسط البحار وكان فيها أشجار وحيوانات ومواد حية، وبعد ذلك مع التغيرات الكونية في الأرض انطمرت تحت الأرض ثم ضغطت عليها ثم تحولت في باطن الأرض بقوة وحرارة الأرض وما فيها من صهر للمواد العضوية، ثم ظهر البترول الذي تحرقه. فهذه البحار يوم القيامة يحولها الله عز وجل إلى نار حمراء، البحار كلها تكون ناراً حمراء، لا إله إلا الله! البحر الأحمر هذا الذي ترونه الآن في الخريطة، لما تنظر إلى خريطة المملكة العربية السعودية تجد أن البحر الأحمر يمتد من الشمال بفرعيه خليج العقبة وخليج السويس، ثم يمشي هكذا خط صغير إلى أسفل البحر عند مضيق باب المندب ثم ينحني إلى البحر العربي ثم يلف إلى الخليج العربي هذه كلها بسيطة، لكن لو أتيت تقطع البحر الأحمر من طرفه إلى طرفه تحتاج إلى ثلاثة أو أربعة أيام بالباخرة، وهو في الخريطة لا يزيد على اثنين (سانتي)، حسناً انظر للذي يسافر إلى أمريكا وهو يخرج من أوروبا كم يقطع إلى أمريكا، يمشي ست ساعات لا يرى إلا المحيط الأطلسي، ست ساعات على طائرات (البويونج) الكبيرة الضخمة التي سرعتها (1200كم) في الساعة، يعني سبعة أو ثمانية آلاف كيلو تمشيها على البحر، هذه البحار كلها ستكون يوم القيامة نار حمراء، حسناً إذا صارت هذه ناراً كيف أنت وأنا ذاك اليوم؟! لا إله إلا الله! هذه البحار التي تغطي الجزء الأعظم من أرضنا؛ لأنها ثلاثة أخماس الأرض. الأرض خمسة أخماس، ثلاثة منها ماء، واثنين يابس، ويعيش في باطنها الكميات الهائلة التي لا يتصورها العقل من الكائنات، وتمشي فوقها السفن، وتعبرها البواخر، وتعيش في بطنها الغواصات، هذا علمناه في هذا العصر، علمنا في هذا العصر هول الانفجار الذي يحصل عند خلخلة النظام والتوازن الكهربائي في ذرة واحدة من ذرات اليورانيوم. اليورانيوم هو: مادة من المواد الصلبة المعدنية في داخلها إلكترونات كثيرة تصل إلى خمسين أو ستين إلكتروناً وتدور هذه الإلكترونات دوراناً عكس عقارب الساعة حول النواة، وبعد ذلك فيها معادلة كهربائية هذه سالبة وهذه موجبة، استطاعوا أن يخلخلوا هذه المعادلة فحصل انفجار في الذرة، هذا الانفجار يحصل به الآن تدمير يسمونه تفجير الذرة، أي: الموت والهلاك، إذا كان تفجير الذرة يسبب للبشر الهلاك كيف بتفجير البحر؟! ذرات الماء كل الماء الذي في البحار هذا تتفجر ويخلخل فيها النظام الكهربائي، وتتحول إلى طاقة تدمير لا يعلمها إلا الله، يقول الله عز وجل: {وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} [الانفطار:3] كأن البحر قنبلة فجرت، وفي آية ثانية يقول: {وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير:6] أي: أشعلت، هذه آية من آيات الله. لا إله إلا الله!!

مور الأرض واضطرابها

مور الأرض واضطرابها أيضاً من أحداث وأهوال يوم القيامة: مور الأرض: تمور أي: تضطرب، تكون مثل الشيء الذي يطلع وينزل، وانفطارها: أن تنفطر وتتشقق، سماؤنا الجميلة التي ننظر إليها فتنشرح صدورنا لرؤيتها تمور موراً، وأيضاً تضطرب اضطراباً يقول الله: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً} [الطور:9] ويقول: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق:1] ويقول: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} [الانفطار:1] تنفطر وتنشق وبعد ذلك تصبح ضعيفةً واهية كالقصر العظيم، أو كالبنيان المتين الراسخ عندما تصيبه الزلازل من كل جانب فتراه بعد القوة يصبح هزيلاً واهياً ضعيفاً متشققاً ينتظر دقةً ليسقط، أما لون السماء الجميل هذا فإنه يتغير ويصير أحمر، لماذا؟! لأن الأرض كلها حمراء، الأرض كلها نار لا تظل زرقاء، فالانعكاس الذي كان في الأرض على شأن السماء، الأرض بحار وجبال زرقاء وسوداء تنعكس على السماء، الآن لا، يقول الله عز وجل: {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} [الرحمن:37] قال العلماء: إن لونها يصير مثل لون الورد، أحمر لانعكاس أضواء البحار المسجرة والملتهبة عليها، نعوذ بالله وإياكم من سخط الله عز وجل.

تكوير الشمس وتدميرها

تكوير الشمس وتدميرها أيضاً من الأهوال في ذلك اليوم: تكوير الشمس والخسف الذي يحصل للقمر والتناثر الذي يحصل للنجوم؛ لأن هذه الشمس التي نراها كل يوم في كل صباح تغمر أرضنا بالضياء والحياة، وتمدنا بالقدر الوافي من الطاقة، وما يدب على هذه الأرض، لا يستطيع أن يعيش إلا بوجود هذه الشمس، وفي يوم القيامة تنتهي هذه الشمس ولا يبقى لها مجال ولا وجود، لماذا؟ لأنها انتهت: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} [التكوير:1 - 3] إلى آخر الآيات. أما النار يوم القيامة فإنها تُسعر أي: تشعل، النار هي الآن مشتعلة ولها نفس في الصيف ونفس في الشتاء، فنفسها في الشتاء أعظم ما نجد من البرد، وهو من زمهرير جهنم، ونفسها في الصيف الذي يصيب العالم كله، أعظم ما نجد من الحر وهو من صيف جهنم ومن حرارتها -والعياذ بالله- لكن يوم القيامة حين يقرب دخول الكفار والفجرة إليها تُسعر يعني: تذكى، قال الله: {وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} [التكوير:12]. أما الجنة فإنها الآن مزينة، وقد أفلح من دخلها، قال الله: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:1 - 2] إلى آخر الآيات. أيضاً يوم القيامة تزلف وتزين {وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} [التكوير:13] أي: قربت وأدنيت من أهلها، نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلنا وإياكم من أهلها ووالدينا وإخواننا وأخواتنا وجميع إخواننا المسلمين، وفي ذلك اليوم يعلم كل واحد ما حضر وما قدم من العمل، يقول الله عز وجل: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التكوير:14] {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار:5] {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً} [النبأ:40] ومما قيل في هذا المعنى، قول أحد الشعراء: مثل وقوفك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور إذ كورت شمس النهار وأدنيت حتى على رأس العباد تسير وإذا النجوم تساقطت وتناثرت وتبدلت بعد الضياء كدور وإذا البحار تفجرت من خوفها ورأيتها مثل الجحيم تفور وإذا الجبال تقلّعت بأصولها فرأيتها مثل السحاب تسير وإذا العشار تعطلت وتخربت خلت الديار فما بها معمور وإذا الوحوش لدى القيامة أحضرت فتقول للأملاك أين نسير؟ وإذا تقاة المسلمين تزوجوا من حور عين زانهن شعور وإذا الموءودة سئلت عن شأنها وبأي ذنب قتلها ميسور وإذا الجليل طوى السما بيمينه طي السجل كتابه المنشور وإذا الصحائف نُشرت فتطايرت وتهتكت للمذنبين ستور وإذا السماء تكشطت عن أهلها ورأيت أفلاك السماء تدور وإذا الجحيم تسعرت نيرانها فلها على أهل الذنوب زفير وإذا الجنان تزخرفت وتطيبت لفتىً على طول البلاء صبور وإذا الجنين بأمه متعلقٌ يخشى القصاص وقلبه مذعور هذا بلا ذنب يخاف لهوله كيف المقيم على الذنوب دهور نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يحيي قلوبنا، وأن يرزقنا الإيمان والعمل الصالح، وأن يثبتنا عليه حتى نلقاه، إنه ولي ذلك والقادر عليه والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة

ما يجب على التائب بعد التوبة

ما يجب على التائب بعد التوبة Q عمري خمسة وعشرون عاماً وقد كنت خلال الفترة الماضية لا أصلي ولا أصوم ولا أعرف الله؛ ثم تبت بعد ذلك توبةً نصوحاً فبم تنصحني، وأرجو منك أن تدعو لي في هذا المسجد؟ A ندعو لك يا أخي وندعو لجميع شباب المسلمين وعصاة المسلمين أن يهديهم الله إلى دينه القويم، وأن يردهم إلى دينه رداً جميلاً، وأن يبصرهم بهذا الدين، وأن يثبتهم عليه حتى يلقوه. أما وصيتنا إليك ونصيحتنا لك أن تحمد الله على نعمة التوبة، وأن تشعر بنعمة الله وفضله عليك حينما اجتباك وتاب عليك، ثم تستمر في الطريق؛ عن طريق القراءة لكتاب الله، لا ندل شبابنا إلا على كتاب الله: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران:101] عليكم بالاعتصام بالقرآن الكريم، تلاوةً وتدبراً وتحاكماً وتطبيقاً وعملاً واستشفاء، اجعل القرآن كل شيء في حياتك، لابد من قراءة القرآن، فكل شر يصيب الإنسان سببه ترك القرآن، ما علمنا أبداً أحداً تعرض لشر أو تعرض لنكبة أو لرجعة في دينه وهو يمسك ويحفظ القرآن ويداوم عليه، ثم السنة المطهرة، وطلب العلم، فاحفظ من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في كل يوم حديثاً، ثم اعرف معناه من كتب السنن والشروح حتى تعرف كيف تعبد الله، ثم حافظ على الطاعات، فكل أمر أمرك الله به سارع إليه، وابتعد عن المعاصي والذنوب، وكل نهي نهاك الله عنه ابتعد عنه، ثم ابحث عن الرفيق الصالح الذي يعينك فإن الدرب طويل، وفيه مشقة ولابد من رفيق يعينك على طاعة الله، ثم ابتعد واحذر من رفيق السوء المخذل الذي يقودك إلى النار ويصرفك عن طاعة الله، هذه وصيتنا لك؛ ثم اثبت -يا أخي- واطلب من الله عز وجل أن يثبتك واصبر؛ لأن الله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} [آل عمران:200] كأنك في معركة فاصبر وصابر ورابط، واتق الله لعلك تفلح.

التحذير من رفقاء السوء

التحذير من رفقاء السوء Q نأمل تقديم نصيحة شاملة للشباب، مع التحذير فيها من أصحاب السوء والطريق التي تبعدهم عن الله؟ A إن الكلام الذي قلته لأخي عام لكل شاب، ننصحه بأن يستقيم على الطريق وأن يحذر من رفقاء السوء.

حكم الجهر بالبسملة وحكم إسرارها

حكم الجهر بالبسملة وحكم إسرارها Q نرجو جواباً مفصلاً في حكم الجهر بالبسملة في الصلاة؟ وهل جهر النبي في صلاته؟ وما حكم صلاة من جهر بها؟ وحكم صلاة من أسر بها؟ وما الأفضل في الحالتين، ولماذا؟ A ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة أنه جهر بالبسملة وأسر بها، ولكن ثبت أن جهره كان أقل من إسراره، كان يُسر بالبسملة كثيراً ويجهر بالبسملة قليلاً، ويحقق ابن القيم رحمه الله المسألة تحقيقا عظيماً في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد , ويقول: إن السنة التي ثبتت بالاستمرارية؛ الإسرار، أما السنة التي ثبتت بالانقطاع وعدم الاستمرار فهي الجهر؛ ولذا لا يُنكر على من جهر ولا ينكر على من أسر، أما الصلاة فهي صحيحة في الحالتين سواء جهر الإنسان أو لم يجهر، ولكن الإسرار أفضل، والإمام الشافعي يرجح الجهر، والإمام أحمد بن حنبل يرجح الإسرار، ولما زار الشافعي الإمام أحمد وصلى خلفه أسر احتراماً لرأي أحمد لعلمه أن معه دليلاً يسند إسراره، فالمسألة فيها سعة والحمد لله، لكن لابد من البسملة، وليس معنى الإسرار: أنك لا تبسمل؟! لا. لابد أن تبسمل في سرك أو جهرك.

صفة الطفل الذي لم يظهر على عورات النساء

صفة الطفل الذي لم يظهر على عورات النساء Q الخمار -الحمد لله- منتشر في هذه المنطقة، فنرجو تحديد السن الذي يجب به تغطية المرأة فيه عن الأطفال؟ A الطفل الذي ينبغي على المرأة أن تتحجب منه هو الطفل الذي ذكره الله في سورة النور: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور:31] قال العلماء: الطفل الصغير الذي يعرف تحديد جمال المرأة من عدمه، فهذا قد اطلع على العورات، لما تأتي على طفل صغير عمره سنة أو سنتين تقول له: فلانة جميلة أو ليست جميلة؟! لا يعرف، لكن لو أتيت على طفل عمره عشر سنوات تقول له: فلانة جميلة أم ليست جميلة؟! يقول: لا. جميلة، فهذا حدد العورات، حدد وعرف، الجميلة من القبيحة، لماذا؟! أصبح ذكياً، هذا يمنع ولا ينبغي له أن يكشف على النساء؛ لأنه أجنبي.

وجوب تعليم الأم ونصيحتها

وجوب تعليم الأم ونصيحتها Q أمي لا تعرف طريقة الصلاة فهي تتكلم وتزيد وتنقص منها، ولقد نصحتها ولكن دون جدوى؟! A مسئولية أمك عليك، نريدك داعية في أمك فقط، وإذا نجحت في أمك فكثر الله خيرك، ومن تتصور يكفك أمك؟! من ترقب من الجماعة يأتي ويدخل عليها يعلمها درساً، وأنت تقول بدون جدوى؟! لا وألف لا. لابد من جدوى لكن بلطف، الآن وغداً وبعده وكل يوم وكل وقت تقول لها وتقرأ عليها وتعلمها يا والدة لا تتكلمي ولا تنظري واقرئي الفاتحة، بعض النساء لا يعرفن الفاتحة، لماذا؟! لسانها من يوم عرفت نفسها وهو معكوف على قراءة معينة تقول: يَاَكَ نَعْبَدْ يَاَكَ نَسْتَعِين، لكن قل لها في يوم واحد، بعض الشباب يأتي يقرئ أمه قال اقرئي: أقرأها الفاتحة، وإذا بها كلها مكسرة قال: ما تعرفين تركها، لا. اجلس عندها أول ليلة في {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] تقول هي: الحمد لله ربَ العالمين، قل: لا. بل: ربِ العالمين، ولا تكثر عليها، وغداً تأتي بالحمد لله إلى أن تضبطها بعد أسبوع {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] تقول هي: الرحمنُ الرحيم، قل: لا ليست الرحمنُ، وعلمها بفمك وبحركتك، اكسري فمك افتحي عند الفتحة اكسري عند الكسرة، ضمي عند الضمة {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:3 - 4] بعضهن تقول: مالَك يوم الدين، أي: ما هو لك يوم الدين، يَاَكَ نَعْبَد يَاَكَ نَسْتَعِين، قال: هي لا تعرف؟! حسناً على مَن تقع مسئوليتها؟ أنت تعرف -يا أخي- كم لك متعلم؟! أنت الآن في الجامعة من يوم طلبت العلم وما علمتها ولا في يوم من الأيام، سبحان الله، أنت مسئول يوم القيامة عن هذه الأم، فنقول لك: علمها كيف تصلي، وتقرأ الفاتحة، وماذا تقول في الركوع، ولا تقول: إن لسانها لا ينعكف، لا مع الدوام يصير اللسان جيداً، الحديد الصلب إذا أدخلناه في النار صار ليناً، الحبل إذا داوم على الحجر قطعه، فكيف ما إذا ما داومت على تعليم أمك لا ينفع؟! بل ينفع إن شاء الله؛ فقط تريد لك نفساً طويلاً وصبراً.

حكم مزاحمة الناس في الصف الأول

حكم مزاحمة الناس في الصف الأول Q من الملاحظ في هذه الحلقات وغيرها أن بعض الناس يأتي متأخراً، ثم إذا بدأت المحاضرة تقدم إلى الصفوف الأولى، وبعد الصلاة يُصر على أن يجد مكاناً في الصف الأول، فيؤدي هذا إلى إزعاج الذين قد سبقوا إلى المسجد من بعد صلاة العصر، ولا يستطيعون أداء الصلاة بخشوع وركوع وسجود، نرجو نصح هؤلاء؟ A صدق أخي الكريم، لا مانع إذا أتيت إلى الصفوف من أجل أن تقترب، لكن الأولوية ليست لك، عليك إذا انتهت المحاضرة ألا تزاحم، أنت أتيت هنا من أجل أن تسمع، انتهى السماع ارجع مكانك، ودع الصف الأول للأول، أما أن تأتي مع آخر الناس وتقعد في الصف الأول، وإذا أقيمت الصلاة قمت تزاحم الناس، هذا إيذاء، والإيذاء لا يجوز، ما رأيكم بالذي يأتي متأخراً ثم يقفز ويزاحم على المائدة، سيقول له الناس: اجلس مكانك هناك، أو في المائدة الثانية، لماذا تأخرت؟! وكذلك من يجلس في بيته إلى أن تغرب الشمس أو إلى أن يؤذن ثم يأتي ويجلس وراء الصف ثم إذا أقيمت الصلاة قرب، عليه إذا أقيمت الصلاة للعشاء أن يرجع مكانه، ولا يضايق إخوانه؛ لأن مضايقتهم إيذاء، وإيذاء المسلم حرام، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) فما نريد أن نتعرض لهذا الوعيد الشديد، نعوذ بالله وإياكم من ذلك.

حكم تنشيف اليد بعد الوضوء

حكم تنشيف اليد بعد الوضوء Q توضأت ذات يوم ثم نشفت يدي فقال لي أحد الشيبان: لا يجوز تنشيف الذراعين بعد الوضوء واستدل بحديث (فإن الذنوب تخرج مع آخر قطر الماء) هل هذا -يا شيخ- صحيح؟ A لا. هذا الحديث صحيح وهو: (إذا توضأ ابن آدم فغسل وجهه خرج مع آخر قطرة من وجهه كل خطيئة نظرتها عيناه أو شمتها أنفه أو قالها بلسانه) هذا صحيح، لكن يخرج مع الماء من حين غسلت وجهك وانتهيت فلا يبقى قطر الماء بل ينتهي، إذا مسحت معناه مسحت الذنوب كلها إن شاء الله، ولكن من يستدل يستدل بحديث ثانٍ وهو: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توضأ قدم له منديل أحمر فرده) قال العلماء: رده لعدم رغبته في التنشيف لا لعدم جواز التنشيف، إذ أنه لو كان غير جائز لبين للأمة؛ وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وما دام أنه ما بيّن إذاً ليس بدين، وإنما تركه عادةً، فأنت إذا توضأت وأردت أن تمسح لا مانع، وإذا لم ترد فلا مانع، ولكن يقول بعض العلماء: إن القضية تخضع للجو الذي أنت فيه، الذي يعيش مثلاً في مكة أو جيزان إذا توضأ يريد يقعد الماء عليه ما يريد يمسح لماذا؟! لأن الماء يزيد جسمه رطوبة وطراوة، وإذا دخل الغرفة وفي هواء خفيف على الماء اللزج يعطيه نوعاً من النشوة والراحة، لكن الذي يعيش في أبها وتوضأ وخرج ووجهه يقطر بالماء وصفقته الرياح وتقشر وجهه هذا ما يصلح له، فالقضية فيها سعة والحمد لله.

حكم تأخير صلاة الفجر عن وقت الجماعة

حكم تأخير صلاة الفجر عن وقت الجماعة Q يقول أُشهد الله الذي لا إله إلا هو على حبك -نقول أحبك الله يا أخي- صلاة الفجر تفوتني أحياناً رغم أن أبي يوقظني على الوقت وإذا فاتتني أحس بأن قلبي يتقطع فأريد أن توصيني؟ A أولاً بارك الله فيك، وما دام أن قلبك حي بحيث إذا فاتتك مرة تحس بحرقة المعصية وألم المخالفة، فهذه علامة حياة قلبك، وبعد ذلك نقول لأبيك: بارك الله فيه عندما يوقظك في الوقت، ولكن يجب أن تعاونه بنفسك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ ربيعة بن كعب الأسلمي يقول: (أعني على نفسك بكثرة السجود) أي: بكثرة الصلاة، إذا سمعت أباك يوقظك للصلاة فعاون أباك على نفسك، بمجرد ما تسمع أباك أو المؤذن فانهض مباشرة، وإذا قمت قل أولاً: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا استعذت بالله فانهض مرة ثانية وتوضأ ويذهب كل شيء منك، لكن بعض الناس يستعيذ بالله وهو نائم يقول: أعوذ بالله من الشيطان ويجلس مكانه، لماذا؟! لأنه يضارب الشيطان وهو (مضطجع) الآن لو أتيت على شخص تضاربه وأنت مضطجع هل يخاف منك؟! لا. لأنك مضطجع، والشيطان الآن في معركة معك؛ فإذا بدأت تحاربه ماذا تفعل؟! تقوم وتقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لكن على المخدة وتقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال: مكانك جيد نم بلا استعاذة بلا كلام فاضي، ولا يقوم الإنسان، لكن متى تقوم؟! إذا قمت واستعذت بالله وبدأت في مضاربة الشيطان ومحاربته بالقوة الضاربة وهي قوة الاستعاذة بالله قمت؛ لأن الله يقول: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف:200] فالاستعاذة بالله عند النهوض هذه واحدة مما يعينك. ثانياً: النوم المبكر. ثالثاً: النوم على طهارة. رابعاً: النوم على ذكر الله. خامساً: النوم على نية القيام لصلاة الفجر؛ لأن من الناس من ينام أصلاً وهو مبيت في نيته أنه لا يقوم، عازم على عدم الصلاة من أول الليل، هذا لا يوقظه الله، لكن ذاك الذي ينوي من أول الليل بأنه سينهض فإن الله يعينه ويأخذ بيده. سادساً: وبعد ذلك قراءة الآيات والأذكار، وهذه كلها مؤيدات، ثم إذا جاءت ساعة الصفر فانهض، الآن الموظفون والمدرسون أليس عندهم موعد؟! مثلاً ينتهي الدوام الساعة السابعة خاصة عند المدرسين؛ لأن دوامهم شديد؛ لأنه إذا تأخر المدرس يتأخر معه أربعون طالباً يضيعون معه، خلاص سبعة ينتهي الدوام فماذا به يقوم الساعة سبعة إلا ربع؟ وإذا أتاه نوم أو شيء لا يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لا. يعوذ من الخصمية ومدير المدرسة الذي يقفل الدوام عليه ويعطيه إنذاراً، يقوم على طول، لكن يوم كانت صلاة وما في قلبه إيمان يدفعه إلى أن يقوم، يتكاسل ولا يقوم. فنقول: يا أخي الكريم! نسأل الله الكريم أن يعينك على أداء صلاة الفجر، وأن يتوب عليك إذا أخرتها أحياناً، وأن يوفق والدك لإيقاظك، ونطلب منك أن تعين والدك على هذا بالاستعاذة، وبسلك الأسباب المؤدية إلى صلاة الفجر. ويقول: ادع لي بالإخلاص. ندعو الله لجميع المسلمين بالإخلاص والتوفيق والتقوى والعمل الصالح والعلم النافع.

حكم الهجر فوق ثلاث ليال

حكم الهجر فوق ثلاث ليال Q تخاصمت أنا وأخي منذ عشرة أشهر، وقبل أيام قلائل نويت أن أقيم الصلح معه لما علمت ما في ذلك من فضل، ولكن اكتشفت أخيراً أنه يمارس العادة السرية، فهل إذا خاصمته ولم أكلمه بغضاً له لما كان منه هل يعرض عملي على الله يوم الإثنين والخميس؟! A أولاً: لا يجوز لك أن تهجر أخاك، سواء شقيقك أو المسلم أكثر من ثلاثة أيام، والحديث صحيح في هذا: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث ليال) وإذا هجر المسلم أخاه فوق ثلاث ليال فقد ارتكب محرما، ً وترتب على هجره عدم رفع عمله إلى الله عز وجل، أعمالك كلها ترفع يوم الاثنين والخميس، لكن الله عز وجل يردها ويقول: (دعوهما حتى يصطلحا) إلا عمل رجلين متشاحنين في غير ذات الله طبعاً، فأنت أخطأت في هجرك لأخيك مدة عشرة أشهر، ولكنك أصبت يوم أن راضيته وأصلحت ما بينك وبينه، إذ ينبغي على كل مسلم أن يصالح المسلمين ولا يبقى في قلبه على مسلم غيظاً، فتش أنت، وراجع نفسك لا تبق، اذهب وسلم عليه من أجل أن يقبل عملك عند الله تبارك وتعالى، واعلم أن أي تردد يحصل عندك من مراضاة المسلمين إنما هو من الشيطان، يريد منك أن تبقى حماراً يركب عليك حتى يوردك النار؛ لأنه يفرح أن تصلي ولا تقبل صلاتك، ويفرح أن تصوم ولا يقبل صيامك، ويفرح أن تقرأ القرآن ولا تقبل قراءتك، هو لا يريدك أن تفعل شيئاً، ولكن إذا فعلت وتعبت ولم يقبل، أحسن وأحسن عنده. ولذا يأتيك من هذا الباب كيف تراضيه؟! كيف تصالحه؟! غير معقول هو فعل فيك هذه كلها نزغات الشيطان، استعذ بالله واذهب إلى هذا الأخ المسلم وأمسكه وقل: تعال، أنت ما أخطأت عليّ، ولو كان هو المخطئ، قل: أنت ما أخطأت علي الخطأ مني أنا، ولكن عفا الله عما سلف، سامحني سامحك الله، لا يجوز لي يا أخي أن أهجرك، ولا يجوز لك أن تهجرني سأموت وتموت، وتسامحا. أما أخوك هذا الذي علمت أنه يمارس العادة السرية، فكيف علمت أصلاً؟! أريد أسألك كيف علمت؟! لأن الواحد يمارس العادة السرية بينه وبين نفسه، ما أحد يفعلها في السوق، وما أعتقد أن الواحد يعمل الجريمة ويعلم الناس، يمكن بلغك هذا الخبر وهو غير صحيح. أولاً: انصح أخاك وبيّن له حكمها، وأنها حرام ولا تجوز فإذا قال: جزاك الله خيراً، انتهى الأمر فلا تقاطعه ولا تبغضه وتتخذ من حكم العادة السرية سبباً لبغضه لجذور تاريخية قبل عشرة أشهر، وتريد تلبسها بأنه بغض في الله، ما على الله حيلة، لا. هذا أخوك راضه وصالحه وانصحه؛ فإن استجاب فالحمد لله وإن أبى فأمره إلى الله، ولا تبغضه؛ البغض كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وسيلة من وسائل الدعوة لا تصلح في كل حال، من الناس من إذا أبغضته ازداد ببغضك له معصيةً لله، هذا يحرم بغضه؛ لأنك لو ما أبغضته لبقي على حال معين. مثلاً: واحد من أنسابك لا يصلي في المسجد -مثلاً- أو يسمع أغاني أو على معصية، ثم أنت أبغضته في الله، لماذا؟! لأنه يسمع الأغاني وبعد ذلك علم زميلك أو نسيبك ماذا؟! قال: والله لا يأتيك من أجل أنك تسمع الأغاني، قال: عجيب ويفعل بي هكذا، والله لا أصلي من أجله، هيا ماذا انتفعنا من بغضك؟! نقول: أحب فيه الجوانب الحسنة وأبغض فيه الجوانب السيئة، واكره عمله السيئ بقلبك، ولا تواده في معصية الله عز وجل، لكن متى تنقطع الصلة به إذا ترك الصلاة، وأصر على تركها هناك لا ينبغي؛ لأن الله يقول: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة:22] أما بغض من يقلع عن معصيته ببغضك له فواجب مثل بغضك لزوجتك أو ابنتك أو ولدك إذا أبغضته في الله؛ لأنه إن ارتكب معصيةً أثر بغضك عليه؛ لأن بغض الأب أو الزوج صعب على الولد والزوجة، فتسأل البنت تقول: لماذا أبي غضبان؟! أو لماذا زوجي غضبان؟! غضبان لأنك فعلت كذا وكذا، أما أن تسكت ولا تبغضها فتستمر في معصيتها يكون عليك إثمها.

حكم إيذاء المصلين بالروائح الكريهة

حكم إيذاء المصلين بالروائح الكريهة Q هناك جماعة من المصلين هداهم الله يشربون الدخان وبعضهم يأكل القات والشمة ويأتي إلى المسجد ورائحته تنفر؛ فيبعد الخشوع من الناس، ويسبب لهم الروائح الكريهة، فنرجو منكم نصيحتهم؟ A لا يجوز إيذاء عباد الله عز وجل، والنبي صلى الله عليه وسلم قد نهى من أكل ثوماً أو بصلاً أن يأتي إلى المسجد، نهاه عقوبةً وردعاً له وكف يد له، وهذا يعتبرونه أكثر عقوبة، تسلط على الموظف ومنعه من عمله، وعملك ما هو؟! الصلاة، وكف يدك عن الصلاة إذا أكلت ثوماً أو بصلاً أي: لا تأكل ثوماً ولا بصلاً، ليس معناه: (من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مصلانا) أن تضرب في البصل والثوم إلى مسامعك وتقول: أنا ما أصلي، لماذا؟! قال: أكلت ثوماً وبصلاً، شخص من الناس كان مدعواً إلى وليمة ويوم قلنا: هيا الصلاة، قال: والله أنا آسف، لماذا؟ قال: أكلت بصلاً، يعني معي إجازة من الصلاة، قلنا: والله خيبة لك حين أكلت بصلاً، أجل منعت نفسك وحرمتها من رحمة عظيمة ومن نعمة ما أعظم منها وهي نعمة الصلاة. وكذلك إذا كان الثوم والبصل وهو من الأمور المباحة والنعم المحللة وليس بحرام، منهي عنه عند إتيان الصلاة فكيف بالأمور المحرمة كالدخان والشمة والقات وهذه محرمة أصلاً؛ فكيف إذا جئت بها وأنت مدخن ودخلت المسجد بها والباكت في جيبك، وبعضهم يضع الباكت هناك في رجله ويدخل وبعضهم يطفيها عند الباب، لا يا أخي يا طيب ما دمت تصلي، وطيبك الله عز وجل بالإيمان وبالصلاة فعليك أن تطيب نفسك من هذه الخبائث؛ لأن الله يقول: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور:26].

حكم الأناشيد الإسلامية

حكم الأناشيد الإسلامية Q ما رأيكم في الأناشيد الإسلامية التي تردد، وقد سمعتها رقيقة في الأداء، والصوت يشبه صوت المغني، وبعض الإخوة الملتزمين يستمعون لها أكثر من استماعهم للأشرطة الباقية، وبعضهم ينام عليها؟ A يجب أن يكون عندنا اعتدال في قضية الأناشيد الإسلامية، وقد سمعت فتوى جيدة للشيخ عبد العزيز بن باز وهو أنه قال: إنها جائزة ولا بأس بها، الأناشيد الإسلامية وهي الأبيات الشعرية التي يرددها الإنسان بنغمة دون أن يرافقها طبل ولا عود ولا آلة لهو، وإنما بلسانه يرددها، مثلا: ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب هذا بيت شعر ليس فيه شيء، لكن يأتينا واحد قال: لا هذه مثل الأغاني أجل ماذا تريدني أقول؟! ألا ليت الشباب يعود ماذا تريدني أن أفعل، هذه ليست أناشيد هذه (خبال) لا يجوز يا أخي النشيد، أردد الكلام بشيء مفيد، أما أن أردده بطريقة مشينة كي أبرهن أنها ليست أغاني، لا. فنقول: إذا كان النشيد أبياته وشعره طيباً، يرفع النفس، ويبارك الروح، ويبعث على الحماس، والقوة، والرجولة، وردده شباب بدون آلات لهو وكان يستعمل من قبل الشباب المؤمن على فترات بحيث لا يكون وقته كله أناشيد؛ لأن معظم الشباب ما معه في سيارته ولا عند رأسه إلا أناشيد إسلامية، عندك محاضرة؟! قال: لا. هذه لا أريدها، عندك قرآن؟! قال: لا. ماذا معك؟! قال: أناشيد!! أنعم بلحيتك! ضيعت حياتك! لا -يا أخي- يجب أن يكون عندك أناشيد ومحاضرات وقرآن، وبعد ذلك إذا سمعت القرآن ولان قلبك، وسمعت المحاضرة وعرفت طريق دينك، واحتجت إلى شيء من الترويح تسمع الأناشيد المحللة، لماذا؟! لحديث: (ساعة وساعة) والحديث في صحيح مسلم عن حنظلة بن أبي عامر الأسيدي، حنظلة بن الربيع رضي الله عنهما غسيل الملائكة، قال حنظلة بن أبي عامر الأسيدي كاتب وحي النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن لقي أبا بكر قال: (نافق حنظلة نافق حنظلة قال: وما ذاك؟! قال: يا أبا بكر إنا نكون مع النبي صلى الله عليه وسلم فيذكرنا بالجنة والنار حتى لكأننا نراها رأي العين، ثم إذا خرجنا من عنده عافسنا النساء والأولاد ونسينا، قال: والله إني لأجد مثل ذلك -يقول له أبو بكر: وأنا مثلك- فذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدخل حنظلة قال: نافق حنظلة، قال: وما ذاك؟! فأخبره، قال: يا حنظلة! ساعة وساعة، والله لو تبقون في الشوارع كما تبقون عندي لصافحتكم الملائكة في الطرقات، ولكن ساعة وساعة) يعني: أن الإنسان بشر، لو أنه يقعد في كل حالاته مثل ما هو عند الرسول لكان من الملائكة، والملائكة صنف آخر ونحن بشر إذا أردنا التسلية ولكن بشرط أن تكون بالحلال، فلا يأتي شخص يغني ويقول ساعة وساعة، يشغل له أم كلثوم أو أي أغنية ويقول: ساعة وساعة، لا. تلك ساعة لله والساعة الثانية أيضاً لله لكن أقل، أما ساعة لله وساعة للشيطان، فلا. مثلما يقول بعض الناس: ساعة لربك وساعة لقلبك، لا. : {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام:162 - 163] الساعات كلها لله، والأوقات كلها لله، الليل نقضيه كله لله والنهار كله لله، حتى نَومنا لله، وأكلنا وشربنا لله، أيضاً أناشيدنا لما آتي بشريط وأسمع الأناشيد أقصد به وجه الله لماذا؟! لأني أتأمل في كلماته، أتأمل في أنه بديل صالح للأغنية الماجنة، أما أن نضيق على شبابنا ونقول لا، لا تأتوا بالأناشيد، هذا تحريج وتضييق والنبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الحرج على الأمة وقال في الحديث: (يسروا ولا تعسرا، وبشروا ولا تنفروا) وفي الحديث الآخر: (ما خير صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً).

حكم مشاهدة المصارعة

حكم مشاهدة المصارعة Q ما حكم مشاهدة المصارعة؛ لأنني لا أشاهدها -والحمد لله- إلا وقد نام أهلي ولا أجد فكاكاً من مشاهدتها؟ A ما هي المصارعة؟! المصارعة بشر عُزلوا عن الله فلا يعرفونه، وما فهموا من هذه الحياة إلا ما تفهمه الثيران، فهناك مصارعة للثيران في أسبانيا وهناك مصارعة للثيران البشرية في بعض دول العالم، يأتي الواحد ويتربى على النعم ويقوي عضلاته ثم يقعد يعافس رفيقه ذاك، وكل ذلك في وضع مزرٍ متعرٍ ما معه إلا (سلب) يغطي سوأته، بل يضغط على سوأته حتى تبقى سوأته بارزة حتى كأنما هو عارٍ، ثم يأتي ليصارع ذاك وأنت مسلم ما تخاف الله تطالع فيه، أما تعلم بأن نظرك إلى عورته حرام، وأن تشجيعك له حرام، ما هي الجدوى والفائدة التي تخرج بها بعدما رأيته، عفس يده أو خبط به أو دقه أو قفز على رأسه، وبعد ذلك ماذا يصير؟! ما النتيجة؟! هل توجد نتيجة يا إخواني؟! نعم. سخط الله، وغضب الله، وقضاء عمرك في هذه الربع ساعة أو النصف ساعة في معصية الله، هذه نتيجة مؤلمة والله، فنقول: يا أخي! يا مسلم! اتق الله ولا تنظر. أما أفلام الكرتون فهذه لا ننصح بأن يشاهدها الأطفال؛ لأن الطفل إذا رأى الكرتون يبني عنه علم ويتصور أنه حق، فإذا كبر ورأى أنها شيء ليس صحيحاً اضطربت المفاهيم في رأسه وتزعزعت المعلومات وبقي يعيش بعقلية الكراتين، وأنت إذا أتيت تسب شخصاً أو تشتمه تقول: أصلك كرتون يعني ما تفهم، وكذلك من عقليته وهو صغير كرتون سيبقى في عقلية الكراتين إلى أن يموت.

حكم الاستعاذة في كل ركعة

حكم الاستعاذة في كل ركعة Q هل يجوز الاستعاذة في كل ركعة قبل الفاتحة؟ A لا. الاستعاذة فقط في أول ركعة من أول الصلاة، ثم بعدها إذا قمت للركعة الثانية تسمي ولا تستعيذ.

حكم التلاعب بالصلاة وعدم الخشوع

حكم التلاعب بالصلاة وعدم الخشوع Q ما رأيكم فيمن يعرف كيفية الصلاة والوسائل الموصلة إليها، ولكنه يتساهل ويهمل، ولا يخشع وقد يتكلم في المساجد، ولا يخشع في صلاته بم تنصحه؟ A ننصحه بأن يتقي الله؛ لأن الصلاة كما قلنا في الأسبوع الذي قبل الماضي كلها عشر دقائق، اضبط نفسك وحاصر نفسك وجاهدها ثم وسوس وفكر بعدها إلى الفجر وكلها دقائق، نسأل الله أن يعيننا وإياكم.

إدراك الركعة لمن لم يقرأ الفاتحة

إدراك الركعة لمن لم يقرأ الفاتحة Q إذا أدركنا الإمام في الركوع ولم ندرك الفاتحة فهل تحسب لنا الركعة؟ A موضوع خلاف بين العلماء ولكن جماهير العلماء؛ الأئمة الأربعة وجماهير العلماء يرون أن إدراك الركوع إدراك للركعة، ويرى الإمام البخاري وطائفة من أهل الحديث أن إدراك الركوع لا يتم به إدراك الركعة؛ لأنه لم تقرأ الفاتحة، ولكن الراجح من أقوال أهل العلم أن إدراك الركوع إدراك للركعة؛ لحديث في صحيح البخاري ومسلم من حديث عبادة بن الصامت الذي يستدل به البخاري وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) هذا حديث عام في الصلاة التي يحضرها الإنسان من أولها، أما في سنن أبي داود وإن كان في سنده مقال وهو (إدراك الركوع إدراك للركعة) فهو حديث خاص في القضية والخاص كما هو معروف في الأصول مقدم على العام.

حكم من أحدث في الصلاة

حكم من أحدث في الصلاة Q إذا كان المصلي في مسجد مزدحم جداً وتذكر أنه غير متوضئ أو أحدث فهل ينتظر حتى تنتهي الصلاة أم يقطع الصفوف أم ماذا؟ A إذا تذكر أنه غير متوضئ أو أحدث أثناء الصلاة فعليه أن ينصرف من الصلاة، ويخرج ولا يمكث معهم أبداً، كيف يخرج؟! يمشي من وسط الصفوف، ولا يسمى هذا قطعاً للصلاة؛ لأن سترة الإمام سترة للمأمومين، ولذا لو أن شخصاً مشى بين الصفوف فلا ينكر عليه، ولو أن شخصاً مشى بين يدي الإمام فينكر عليه، لماذا؟ لأن السترة تنعقد للإمام، وابن عباس رضي الله عنه جاء إلى الصف يوم عرفة ونزل عن حمار، وقطع الصفوف بالحمار، وهو راكب عليها، على أتان -أي أنثى الحمار- وما أنكر عليه أحد، ثم أطلق الحمار وقطع الصفوف ثاني مرة وجاء ووجد مكاناً وجلس فيه، فأنت إذا كنت غير متوضئ أو انتقض وضوءك أثناء الصلاة انصرف رأساً بدون سلام، بعض الناس يقول: السلام عليكم ورحمة الله. السلام عليكم لا يوجد سلام، لا سلام إلا في الختام، إذا أكملت صلاتك تسلم، أما ما دمت ما أكملتها لماذا تسلم؟ لأن الصلاة هي أقوال ظاهرة وباطنة مفتتحة بالتكبير مختتمة بماذا؟! بالتسليم، إذا أحدث الإمام فإنه إن كان حدثه طارئاً، أي دخل الصلاة وهو متوضئ، وأحدث في الصلاة فيأخذ شخصاً من بعده ويجعله يكمل الصلاة، أما إذا كان حدثه سابقاً للصلاة، دخل الصلاة وهو محدث، لكنه صلى ناسياً وهو في الصلاة تذكر فيعيدون الصلاة من أولها؛ لأن الصلاة في الأصل بنيت على غير طهارة.

أدلة تحريم تعاطي الدخان

أدلة تحريم تعاطي الدخان Q أنا شاب في زهرة الشباب، وفي أفضل مراحل عمري، وفي طريق طيب وهو العلم، ولكن ابتليت بشرب الدخان، فما تنصحني به؛ لأنني لا أحتاج إلا إلى نصيحة، لا أحتاج إلى غيرها، بين لي حكم شربه وانصحني وانصح شباب الأمة وثروتها؟ A الدخان حرام وأدلة تحريمه سبعة: الدليل الأول: أنه خبيث والله يقول: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] هل بقي بعد هذا الدليل دليل -يا إخواني- عندما تعرف أنه خبيث والله يقول: {يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] ويقول: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة:5] أي: أن الخبائث محرمة عليكم. الدليل الثاني: أنه مسكر ومفتر: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) وفيه مادة مخدرة، لكنها قليلة لا تقضي على المخ، ولكن يقول العلماء: لو أن مدخناً أخذ سجارةً ومصها مصاً متواصلاً إلى أن ينهيها ثم أشعل الثانية ثم أشعل الثالثة ثم الرابعة لا يكمل خمساً أو ستاً إلا وهو إما ميت بفعل النوكوتين أو مصروع بفعل المواد المسكرة، لكن لما يتناول قليلاً ويتركها قليلاً ثم يمصها لا يأتيه سكر لكن: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) وضربوا على هذا -مثلاً- لو أن إنساناً أخذ كوب خمر ثم أخذ منه ملعقة وتركها على حليب وشربها لا يسكر، لكن ما حكم الحليب هذا بكوب بملعقة خمر؟! حرام، لكن لو شرب كوب الخمر كله يسكر: (فما أسكر كثيره فقليله حرام). الدليل الثالث: أنه مضر بالصحة، إذ أنه يسبب للإنسان أمراضاً كثيرة أهمها سرطان الرئة والتهاب القصبة الهوائية والتهاب الرئتين واسوداد الشفتين، وازرقاق العينين، وتسود الأسنان، وبعد ذلك انهيار القوى، والضعف، والحدة في المزاج، واتساع حدقة العينين، واحمرارهما، فترى المدخن أقل شيء يزعجه؛ لأن النار تشب في منخره وعقله -والعياذ بالله- فهذه مضرة، ومادام أنه مضر وجب الحذر منه ومن كل المضرات؛ لأن الله يقول: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29]. الدليل الرابع: أنه تبذير وإسراف، والله قد نهى عنه وقال: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء:27] والمبذر الذي يضيع ماله، لو أني أخذت مائة ريال ومزقتها الآن ماذا تسموني؟! مجنون مبذر، كيف تمزق مائة ريال؟! لكن لو ذهبت اشتريت بها كرتون دخان وشربته ما أنا مبذر؟!! لا. ولا مجنون واحد؟! بل مائة مجنون، لماذا؟! لأن الذي أحرق أو مزق الريال ارتكب واحدة، لكن ذاك الذي اشترى دخان أذهب الريال، وأحرق صدره، وأغضب ربه، وأزعج ملائكته، وشوش على صحته، من أجل ماذا؟! من أجل دخان طالع نازل، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فلا يجوز أن تبذر؛ لأن الله لا يحب المسرفين. الدليل الخامس: أنه لا يبسمل عنده، لا يذكر عليه اسم الله؛ لأن الله يقول: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام:121] ما سمعنا مدخناً قال: بسم الله الرحمن الرحيم، ومادام أنه لا يسمي الله عليه فلا يأكل منه. السادس: أنه لا يحمد الله عند خاتمته، إذا أكلت قلت: الحمد لله الذي أطعمني وسقاني من غير حول مني ولا قوة، ولكن لم نسمع ولن نسمع شخصاً ينتهي من السجارة ويقول: الحمد لله الذي أطعمني، ماذا أطعمك؟! النار! تحمد الله على النار! لا إله إلا الله! الدليل السابع: أنه يعلم صاحبه خصلة من خصال الحيوان لا تليق بالإنسان، وهي أن الإنسان إذا أكل طعاماً ثم بقي منه فضلة فإنه يرفعه، أما شارب الدخان فإنه إذا شرب الدخان ثم بقي منه شيء فإنه يدوسه بقدمه، ولا يصنع هذا إلا الحيوان، إذا فرغ من العلف داسه وبال عليه، وهذا إذا انتهى من السجارة داسها برجله أمام الناس، لماذا يدوسها؟! كي لا تحرق الأرض؛ لأنه عارف أنها لو ظلت تحترق عملت حريقة في المجتمع أو في سيارة أو مستودع أو أي شيء. فنقول لك يا أخي الكريم يا من تعيش في زهرة شبابك، وتعيش في أحسن مراحل عمرك، وفي طريق العلم الشريف، ربما أنك طالب في الشريعة أو أصول الدين أو أي مجال من مجالات العلم، ننصحك نصيحةً ونرجو الله أن تدخل قلبك، ونقول لك: اترك الدخان، واعتصم بالله، وكن صاحب إرادة قوية، وانتصر على نفسك وعلى سيجارتك، وستعاني يوماً أو يومين أو ثلاثة من جراء العادة وطغيانها، لكن إذا تحررت عن العادة فسوف تمر بك أيام وليالٍ ثم تشعر بأنك طليق من العادة، ولا لها أي ضغط عليك، وتحمد الله الذي نجاك من هذه الشغلة. والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عقوبات الذنوب والمعاصي

عقوبات الذنوب والمعاصي أوضح الشيخ حفظه الله: أن ضرر المعاصي في القلوب كضرر السموم في الأبدان، فالمعاصي سبيل الضلال والغواية، ونقيض الرشاد والهداية، وسبب كل هم وبلاء، وكل غم وشقاء.

سنة الله في الثواب والعقاب

سنة الله في الثواب والعقاب الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة: هذا الدرس يلقى في مسجد (الأمير متعب) بمدينة جدة بعد مغرب يوم السبت الموافق للتاسع والعشرين من شهر رجب عام (1415هـ) وهو ضمن السلسلة المعلن عنها بعنوان: تأملات قرآنية من سورة الأنعام. وتأملات هذه الليلة ستقف بنا عند وقفةٍ بعنوان: (عقوبات الذنوب والمعاصي) الذنوب التي تدمِّر أصحابها، والمعاصي التي تهلك مقترفيها، وبيان سنّة الله التي لا تتبدل، والتي يجريها الله عز وجل في كل زمان ومكان، ومع أي جنس من البشر، إذ لا يربط الناس بالله غير العبودية، فليس بين الله وبين أحد من خلقه نسب ولا سبب إلا سبب العبودية، فمن كان طائعاً لله أعزه الله في الدنيا، وأنجاه من العذاب في الآخرة، ومن كان عاصياً لله أذله الله في الدنيا وأخزاه بالعذاب في النار في الدار الآخرة، فهذه سنة الله في خلقه. إن الله خلق النار لمن عصاه وإن كان حراً قرشياً، وخلق الجنة لمن أطاعه وإن كان عبداً حبشياً، واقرءوا قول الله عز وجل: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} [المؤمنون:101 - 105] يخاطبهم الله على سبيل التبكيت والاستهزاء، وإلا فالله يعلم أنه قد أنزل عليهم القرآن وتليت عليهم آياته، وأنهم رفضوها: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [المؤمنون:105] أي: ألم تكن آيات الله التي جاءت من عنده ومنزلة في كتابه تتلى عليكم؟! وما معنى أنها من الله؟ يعني ذلك: الانصياع والانقياد والإذعان، ومن يرفض ويعاند ويستمر في مخالفة أمره عز وجل رغم علمه؛ يذله الله ولا يهديه أبداً، لماذا؟ لأن الله أراه الطريق الصحيح فتعامى عنه، يقول الله عز وجل: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} [الجاثية:23] من يهديه من بعد الله؟ ما دام أن الله أضله وختم على سمعه وقلبه، فلا يسمع كلام الله ولا يفقهه {وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} [الجاثية:23] فلا يرى طريق الله، فمن يهديه من بعد الله؟! ولماذا أضله الله وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة؟ لأنه {اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية:23] لو اتخذ إلهه مولاه لهدي، ولكن لما اتخذ إلهه هواه أضله الله، حتى لا يأتي شخص فيقول: إن الله هو الذي ختم على قلبه وسمعه وقدر عليه الغواية، فنقول: لا. إنما ختم الله على قلبه وسمعه وبصره حين اتخذ إله هواه.

تأملات قرآنية من سورة الأنعام

تأملات قرآنية من سورة الأنعام في البداية يحسن بنا أن نربط الآيات التي تحدثنا عنها فيما سبق مع الآيات الجديدة حتى يكون النسق مترابطاً.

قبسات من نور الربوبية في سورة الأنعام

قبسات من نور الربوبية في سورة الأنعام يقول الله عز وجل في أول السورة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ * وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} [الأنعام:1 - 3]. تبدأ السورة بـ (الحمد لله)، أي: الثناء المطلق على الله؛ لأنه هو الذي يستحق الحمد والثناء على ألوهيته المتحققة والمتجلية في خلق السماوات والأرض، وما دام أنه الخالق للسماوات والأرض وما بينهما إذاً فهو المحمود وحده {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الأنعام:1] لماذا؟! لأنه {الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} [الأنعام:1] ثم تتصل الألوهية بالخصيصة الأولى من خصائص الربوبية وهي الخلق؛ فإنه لا خالق إلا الله. فمن خصائص الله وصفاته: أنه الخالق، وليس هناك من يخلق غير الله سبحانه وتعالى، ولهذا تحدى الله البشر بأن يخلقوا ذبابة -والذباب أضعف شيء في الدنيا- يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج:73] فالطالب الإنسان، والمطلوب الذباب، ضَعُف الإنسان والذباب، ولكن الذباب أقوى؛ لأنه يسلب، بينما الإنسان يطارد الذباب فلا يستطيع أن يأخذ الذي أخذه منه. قال العلماء: كل الحشرات والبهائم والمخلوقات إذا أكلت الطعام فإنها تنزله إلى المعدة ثم تجري عليه عمليات الهضم، ثم يتوزع بواسطة الدم إلا الذباب، لأنه ليس لديه معدة، فينتقل الطعام من فمه إلى الدم مباشرة، ويتحلل كيماوياً، ولهذا إذا أخذ السكر، أو قطعة الحلوى، أو أي شيء من الطعام وأدخله في فمه فإنه يذوب ويتحلل بحيث لو أمسكت بالذباب وأردت أن تُخرج منه شيئاً لا تستطيع إخراجه؛ لأنه قد تحول إلى شيء آخر {ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج:73]. ولو اجتمع من في الأرض كلهم على أن يخلقوا ذبابة ما استطاعوا، بل ولا حتى شعيرة، لماذا؟ لأن الخلق من خصائص الرب سبحانه تبارك وتعالى. ثم تحدث الله في سورة الأنعام عن أضخم الظواهر الكونية الناشئة عن خلق السماوات والأرض وهي: جعل الظلمات والنور، الظلمات الحسية والنور الحسي، والظلمات المعنوية والنور المعنوي، وكما ذكرت لكم في الدرس الماضي: أن النور هو نور الله، وأن هناك -كما يقول العلماء- نوران وظلمتان، لا يتم الاستفادة من أحدهما إلا بوجود الثاني، النور الأول: نور معنوي، والنور الثاني: نور مادي، وزيادة في الإيضاح: الشمس والمصباح لهما نور، لكن لا يتم الاستفادة من نور الشمس أو المصباح إلا بنور البصر. إذاً لا تتم الاستفادة من نور الكهرباء أو الشمس أو المصباح إلا إذا وجد نور العين الذي هو نور الإبصار. فإذا لم يكن الإنسان مبصراً فهل يرى الإنسان النور؟ لا. أو وُجدت العين الصحيحة السليمة لكن ليس هناك نور هل يرى الإنسان في الظلام؟ لا. لا يرى. إذاً لا بد من النورين: نور البصر ونور الضوء. وكذلك في الناحية المعنوية لا بد من نورين: نور القرآن ونور البصيرة، فالذي عنده نور القرآن والإيمان {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:35] فإنه يستفيد من هذا النور، وأما من عنده نور القرآن ولكن ليس عنده نور الإيمان فإنه لن يستفيد، مثله مثل المنافقين الذين كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كانوا يرون الرسول بأعينهم، ويعايشون نزول الوحي من السماء حسب الوقائع والأحداث، لكن لما انعدم نور القلوب كفروا بالله سبحانه وتعالى، لذلك يقول الله عز وجل: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:124 - 125]. فإذا وجد في قلبك نور الإيمان؛ استفدت من نور القرآن ونور السنة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام والإسلام والصلاة. وإذا لم يكن في قلب العبد نور الإيمان فلن يستفيد من نور القرآن، لماذا؟ لأن مثله كمثل الذي عنده شمس لكن ليس عنده بصر فلا يستفيد من الشمس؛ لأنه ليس لديه بصر، وكذلك لا يستفيد من نور الدين إلا من كان عنده نور بصيرة إيمانية تملأ قلبه. إذاً: تلك وقفة مع قوله تعالى: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام:1]. ثم قال عز وجل بعد هذا: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1] يا لها من مفارقات بين دلائل ناطقة في الكون بخلق الله للسماوات والأرض وبين انحراف وميل الكافر عن المنهج السوي! مفارقات تعدل الأجرام الضخمة، والمسافات الواسعة بين تلك الأجرام، وتعدل الظواهر المتنقلة.

نظرة إلى أصل الوجود الإنساني تقرر وجود الخالق

نظرة إلى أصل الوجود الإنساني تقرر وجود الخالق يقول الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ} [الأنعام:2] هذه نظرة إلى أصل الوجود الإنساني، وأنه مخلوق من طين، وفي هذا لمسة وإشارة إلى أن الإنسان لا ينبغي له أن يتكبر، أو يتعاظم، أو يفخر وأصله من طين، بل عليه أن يعرف أصله وأساسه، كما قال الله عز وجل: {فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق:5 - 7]. قيل: إن الحسن البصري قال للمهلب: أنت الذي خرجت من موضع البول مرتين: الأولى من ذكر أبيك، والثانية من رحم أمك، خرجت من ذكر أبيك وأنت نطفة، ثم خرجت من رحم أمك وأنت طفل صغير، ثم رباك الله بالنعم، وزودك بكل هذه الإمكانيات فلا تنس أصلك. {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ} [الأنعام:2]. الأجل الأول: أجل الحياة، أجل الإنسان الذي يعيشه ثم يموت، والأجل المسمى عنده: الأجل العام، أجل تدمير الحياة كلها، وقيام الناس من قبورهم للبعث وللحساب {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6]. {ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} [الأنعام:2] وصف الله سبحانه الكافر في الآية الأولى بقوله {يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1]، وهنا قال الله سبحانه: {تَمْتَرُونَ}، والمرية هي: الشك، أي: تشكون في الله {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [إبراهيم:10]. ويقول الله: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21] أيبقى مجال للشك أو المرية بعد كل هذه الدلائل؟! خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، وخلقكم من طين، وقدَّر آجالاً مسماة عنده، وآجالاً معروفة مكشوفة للناس في عالم الحياة {ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} [الأنعام:2]؟! ثم يقول الله: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ} [الأنعام:3] لا تغيبون عنه، إنه مالك الملك عالم الغيب والشهادة {يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} [الأنعام:3] أي: يعلم ما تقترفون، وما تعملون من عمل، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. إن الذي خلق السماوات والأرض هو الله المتفرد بالألوهية، وكل مقتضيات الألوهية متحققة فيه ولا ينازعه فيها أحد، ومقتضيات الألوهية: الخلق الرزق التدبير الإحياء الإماتة النفع الضر تعاقب الليل والنهار الرفع الخفض البسط القبض الإعطاء المنع كل هذه من الله ولا ينازعه فيها أحد؛ لذا فهو الإله الحق المستحق للألوهية والعبودية. لقد خلق الله عز وجل الإنسان كما خلق السماوات والأرض وهو في تكوينه من الطين، وما رزقه الله من خصائص فهي بنعمة منه وفضل، والأليق للإنسان وهو يعرف أصله: أن يتبع سنّة الله عز وجل فيما يعتقده من عقيدة، ويتصوره من تصورات، ويعيشه من حياة؛ لتستقيم حياته مع سنن الله عز وجل، ومع الحياة التي سنها الله في الكون حين تحكمها شريعة الله، ولكي لا يناقض بعضها بعضاً، ولا يصادم بعضها بعضاً، ولا يمزق بعضها بعضاً. إن هذه الآيات -أيها الإخوة- إنما تخاطب العقل البشري بدليل الخلق، فإن العقل يقف عند هذه الدلائل موقف المسلِّم ولا يستطيع أن يناقش أو يجادل بدليل الإحياء: {الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ} [الأنعام:2] ثم بدليل الإيحاءات التي تقذفها هذه الآيات في النفس، فتوقظ الفطرة وتحركها في صورة التقرير لا في صورة الجدل، وبسلطان اليقين المنبعث من تقرير النفس البشرية من داخلها، ومن شهادة الفطرة الداخلية بصدق هذا التقرير الذي تراه مبثوثاً في كل معالم الكون. فوجود السماوات والأرض وتدبيرها على هذا النسق وعلى هذا النظام، ونشأة الحياة، وحياة الإنسان كلها تواجه الفطرة بالحق وتوقع فيها اليقين بوحدانية الله، والوحدانية هي القضية التي استهدفتها السورة من أولها إلى آخرها. إن مشركي العرب ما كانوا يجحدون وجود الله، ولهذا ليس هناك من نبي بعثه الله إلا وهو يقول للناس: أن آمنوا بوجود الله كما قال الله عز وجل في القرآن: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} [المائدة:117] لأن قضية وجود الله فطرة في النفس لا تستطيع أن تغالطها، والذين كانوا يغالطونها تركوا المغالطة، فالدهريون الذين يقولون: (لا إله والحياة مادة) -وهم الشيوعيون في الأزمنة الماضية- رجعوا، والشعوب التي مورس ضدها الاضطهاد عن طريق قصرها على الإلحاد خرجت بعد سبعين سنة من النظام الشيوعي لتعلن أنه لا بد من إله، لأن معنى أن الإله غير موجود: أنك أنت لست موجوداً أيها الإنسان؛ لأن وجودك دليل على وجود الله، من أوجدك؟! فالبعرة تدل على البعير، وأثر القدم يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، أفلا تدل على السميع البصير! إن عدم إيمان الإنسان بوجود الله معناه: أنه لا يؤمن بوجود نفسه، وهل هناك إنسان عاقل يلغي وجود نفسه؟! أبداً. فقضية وجود الله لا جدال فيها بين العقول أبداً في القديم والحديث، إنما المشكلة في قضية وحدانية الله؛ لأن النفس البشرية اتخذت آلهة، فعبدوا الحجر، والشجر، والشمس والقمر، والبقر، اتخذوا أصناماً وآلهة متعددة، فجاء الإسلام ليلغي ويبطل هذه الآلهة المزعومة، ويبين ويثبت أن الله هو الإله الحق, ولهذا كل نبي يقول لقومه: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} [نوح:3] اعبدوا الله واتقوه وخافوه وحده، وأطيعوني في الشرع الذي بعثني الله عز وجل به.

تكفير الله لمنكري الألوهية

تكفير الله لمنكري الألوهية إن مشركي العرب -كما قلت- ما كانوا يجحدون وجود الله، بل كانوا يؤمنون بوجوده، ويعترفون بأنه الخالق والرازق والمحيي والمميت، يقول الله عز وجل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزمر:38]. وهؤلاء المشركون في مكة، لو قلت للمشرك منهم: من خلق السماوات والأرض؟ يقول: الله، فإذا قلت له: إذا كنت مقراً بأن الله هو الذي خلق الخلق وحده فيجب أن تعبده وحده، يقول: لا. هذا فيه نظر، أعبده وأعبد آلهة معه، ولماذا تعبد آلهة معه؟ قال: كي توصلني إليه، ولذا قال عز وجل: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3]. هذه شبهتهم في العبادة، يقولون: نحن لا نستطيع أن نصل إلى الله مباشرةً، فلا بد من وسيط وشفيع يقربنا ويزلِّفنا إلى الله: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3] فجاءت العقيدة لتبطل هذا الزعم، ولتبين أن الله يُعبد من غير واسطة، ويمكن الوصول إليه من غير شفيع، وإذا دعوته فإنه قريب: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186]. ولذا وصمهم الله عز وجل بالشرك والكفر مع إقرارهم بوجوده سبحانه وتعالى، فلم ينفعهم هذا الإقرار، إذ لم يوحدوا الله بتوحيد الألوهية. فدليل الخلق والحياة هي من دلائل وجود الله عز وجل وألوهيته، كما أنهما صالحان لمواجهة المشركين وتقرير وحدانيته أيضاً، وهما كذلك صالحان لمواجهة اللوثات الجاهلية الحديثة التي تنكر وجود الله، فهي لوثة دخيلة ومسحة تريد أن تجحد وجود الله، فنواجهها بما واجه الله عز وجل به كفار قريش بدليل الخلق، فدليل الخلق قاطع ومقنع على وجود الله تبارك وتعالى.

حرص الملاحدة على عزل الدين من حياة المسلمين

حرص الملاحدة على عزل الدين من حياة المسلمين لئن فشل أعداء الله من اليهود والنصارى والصليبيين والوثنيين والملاحدة في إقناع البشر بعدم وجود الله -لأن ذلك مفطور في فطر الناس- إلا أنهم قد أفلحوا إلى حد بعيد في إقناع كثير من المسلمين بإمكانية تنحية هذا الدين من واقع حياتهم، وإيهامهم بأنه يمكن لهم أن يظلوا مؤمنين بالله حتى مع وجود أرباب أخرى تشرع لهم من دون الله؛ ويصلون بذلك إلى تدمير الإسلام، وعزل الدين عن حياة الناس، مع إيهام الناس أنهم لا يزالون على الدين. وهذا هو غاية الخبث والشر! أن يعتقد الإنسان أنه على دين وهو ليس على دين، أنه مسلم وهو ليس بمسلم، مسلم فقط بالوراثة بالتبعية بالهوية بالمزاج أما بالاستسلام لله، وبالخضوع لشرعه وبتحكيم أحكام الله، فلا!! هذا ما حرص عليه أعداء الله عز وجل من زحزحة المسلمين عن هذا المفهوم، وإقناعهم وإيهامهم أنه بالإمكان أن يبقى الإنسان مسلماً ولو لم يصل أو يزكِ بل ولو ارتكب جميع المحرمات، واقترف جميع الذنوب والمعاصي والسيئات. هذا هو الذي استطاع أعداء الله عز وجل أن يوقعوا الناس فيه؛ لأنهم يئسوا من أن يحولوا الناس إلى ملاحدة أو إلى ديانات أخرى، فلا يستطيع مسلم أن يتحول إلى يهودي أو نصراني أبداً. نعم. الآن عمليات التنصير منية بالفشل، ولكن عملية الدعوة إلى الإسلام ناجحة، فمئات البشر الآن بل الآلاف في كل دول الأرض يتركون دياناتهم اليهودية والنصرانية والهندوسية ويسلمون بجهود بسيطة. إن الدعوة إلى الله نور يمشي في الأرض، وتحمله ثلة قليلة، وتدعمه إمكانيات محدودة، ومع هذا ينتشر، بينما التنصير تدعمه دول، وتوظف له إمكانيات ضخمة: قنوات فضائية، إذاعات، صحف، إرساليات، كتب، أموال طائلة ومع ذلك لا يدخل في دين النصارى إلا أحد رجلين: جائع أو مريض، فإذا شبع قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وإذا تعافى قال: الحمد لله الذي عافاني ورد علي عافيتي، يعني بعد عشرين سنة من التنصير يقول: اللهم صلِّ على محمد؛ لأنه مسلم، فكيف يمكن أن تمسخ فطرته؟! لا يمكن. هو أطاعك يوم أن كان جائعاً يحتاج إلى الأكل، ولما أكل وشبع رجع إلى أصله وفطرته، وأطاعك يوم أن كان مريضاً يحتاج إلى العلاج. لكن الآن الذين يدخلون في الدين الإسلامي هل يجدون نتائج طيبة وطريقاً مفروشاً بالورود عند دخولهم في الدين الإسلامي؟ لا. بل إنهم يقدمون التضحيات.

حياة المؤمن هي بحياة روحه

حياة المؤمن هي بحياة روحه الإنسان عندما يُسلم تتكالب عليه الدنيا كلها، ويضايق في رزقه، ويحارب في حياته، ولكن مع كل ذلك يصبر، ويثبت على دين الله عز وجل ولا يبالي ولو مات، ولو قطع قطعة قطعة؛ لأنه وجد الدين الحق. قابلني أحد المسلمين الجدد -من مسلمي أمريكا - في الحج، قلت له: كم عمرك؟ -وعمره أظن أنه خمس وثلاثون سنة. قال: عمري ست سنوات. قلت: كيف ست سنوات؟! عمرك أقل شيء خمسين أو أربعين سنة. قال: تريد عمري الحقيقي أم عمري الوهمي؟! قلت: بل عمرك الحقيقي. قال: عمري الحقيقي ست سنوات. قلت: كيف ذلك؟! قال: أسلمت منذ ست سنوات، فأنا حي منذ ست سنوات، لكن قبل ست سنوات ما كنت حياً، كانت حياتي حياة بهيمية. ثم قال لي: أنتم إذا جاءكم عجل أو جحش أو أي حيوان هل تسجلون تاريخ ميلاده؟ قلت: لا. قال: وإذا مات هل تعملون له شهادة وفاة؟ قلت: لا. قال: حياتنا كانت هكذا، نحن كنا كالبهائم، لا نستحق أن نُسجَل في تاريخ ميلاد أو وفاة؛ لأنه لا حياة لنا، ولكن في ظل الدين والإيمان بالله عز وجل ولدت قبل ست سنوات. ثم قال: الحمد لله الذي أحياني قبل أن يميتني. يقول: الحمد لله الذي أحياني حياة الإيمان قبل أن أموت فألقى الله وأنا على غير الإيمان. فذكرت قول الله عز وجل: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122] وذكرت قول الله عز وجل: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ} [فاطر:19 - 22] من هو الأعمى ومن البصير؟ الأعمى هو الكافر، والبصير المؤمن. من الذي في الظل ومن الذي في الحرور؟ الذي في الظل المؤمن، والذي في الحرور الكافر. ومن الذي في الظلمات ومن الذي في النور؟ الذي في الظلمات الكافر، والذي في النور المؤمن. من الحي وهو الميت؟ الحي: هو المؤمن، والميت: هو الكافر، وإن كان الكافر حياً لكنه يعيش حياة الصراصير والكلاب والقردة والخنازير، وهذه ليست الحياة الحقيقية، إنما الحياة الحقيقية هي التي تنبع من استجابتك لله، ولهذا يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:24]. ما الذي يحيينا؟ إنه الدين إن ما يحيي الماديين الآن الهواء والغذاء والماء، لكن هذا يحييك ويحيي الحمير والبقر معك، لكن الذي يحييك أنت كإنسان هو الدين والإيمان، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:24] ثم قال: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:24] يَحُولُ بينك وبين قلبك، متى؟ إذا لم تستجب، فإذا استجبت لله عز وجل أصبحت حياً، وإذا لم تستجب حال بينك وبين قلبك. وتصور من يعيش وبينه وبين قلبه حائل هل يعرف مصالحه أو حياته أو سعادته؟! لا. هناك موانع بينه وبين قلبه، يعيش في وادٍ وقلبه في وادٍ آخر، عدو نفسه، تصرفاته كلها وبال عليه، يسمع ما يغضب الله فيصب في أذنيه الرصاص المذاب يوم القيامة، ينظر إلى ما حرم الله فتملئ العينات من جمر جهنم، يأكل الربا فيأكل النار -والعياذ بالله- يقع في الزنا فيعذب في النار، يمارس الجرائم وفي نفس الوقت يظن أنه في نعمة وعلى خير، لماذا؟ قال العلماء: لأن الله قد حال بينه وبين قلبه، وإلا لو كان معه قلب ما حدث هذا، ولهذا يقول الله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق:37] وليس المقصود بالقلب هنا هذه العضلة التي تضخ الدم؛ لأن هاذ الجهاز مع الثور مثله عشر مرات تجد أن قلبه يعمل وهو أبلد حيوان، ليس هذا هو المعني، إنما المقصود هو القلب الذي يفقه عن الله، ويعي أوامر الله، ونوَّره الله بالدين، هذا هو القلب، أما العضلة التي في الجسم ما هي إلا عضلة. بل الآن يعالجون بنقل الأعضاء، إذا مات شخص يأخذون قلبه ويضعونه لمريض آخر، ثم بعد أن يتعافى تسأله: ما اسمك؟ يقول: أنا محمد، وكم عندك من الأولاد؟ قال: أربعة أولاد، كل حياته موجودة رغم أن القلب غير القلب، إذاً هذا ليس هو القلب، هذا اسمه عضلة ضخ الدم، تعارف الناس على أن اسمها قلب، مثل عضلة الكبد أو عضلة الرئة، أو أي عضلة في جسمك، إنما القلب هو الذي تسمع به القرآن، وتفقه به الدين، فالقلب سيد الجوارح (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب). وترون الآن في عالم المشاهدة لو أن هناك شخصاً كان ضالاً، منحرفاً، قاطعاً للصلاة، مرتكباً للجرائم، ثم منَّ الله عليه بالهداية وأصلح الله قلبه وهداه، وإذا بالرجل يعزم على إصلاح حاله، أول ما يصلح في هذا الرجل قلبه، هو الذي يصمم من القلب أن يتوب، فَيَصلُحُ مع قلبه جميع جوارحه: وعينه، وأذنه، ويده، وفرجه، ورجله وبطنه وحياته كلها تصلح، لماذا صلحت حياته كلها؟ لأن القلب صلُح، لكن إذا فسد القلب فسدت العين فنظرت إلى الحرام، وفسدت الأذن فسمعت الحرام، وفسدت اللسان فتكلم بالحرام، وفسد الفرج فوقع في الحرام، وفسدت البطن فأكلت الحرام، وفسدت اليد فامتدت إلى الحرام، فتفسد الحياة كلها، لماذا؟ لأن القلب خرب ميت، لكن عندما يُنَوُر بنور الإيمان، يصلح الإنسان في هذه الدنيا والآخرة. إن أعداء الله عز وجل لما يئسوا من إدخال الناس في الإلحاد أو الديانات الباطلة، نجحوا إلى حد بعيد في تمرير هذه الخدعة على بعض المسلمين، فحالوا بينهم وبين العمل بهذا الدين، إلا أن الأمل في الله كبير، والثقة في هذا الدين عميقة: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30] وهو الذي يقول: {وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ * لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [إبراهيم:46 - 52].

عاقبة المستهزئين كما وردت في سورة الأنعام

عاقبة المستهزئين كما وردت في سورة الأنعام تكشف الآيات في سورة الأنعام بعد هذا عن طبيعة هؤلاء، وهي الإعراض والعناد رغم وضوح الآيات، فالذي ينقصهم ليس الدليل وإنما ينقصهم الاستعداد، تقول له: هذا عمود، يقول لك: لا. هذه سيارة، كيف تقنعه؟ لا يريد أن يقتنع، تقول له: هذه شمس، يقول: لا. هذه ليست شمساً هذه كهرباء، إذاً: هل يمكن أن تقنع هذا المعاند؟ لا.

معنى قوله تعالى: (وما تأتيهم من آية من آيات ربهم)

معنى قوله تعالى: (وما تأتيهم من آية من آيات ربهم) يقول الله عز وجل: {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ} [الأنعام:4]. إن أبرز مقتضيات طلب الهداية: الاستعداد النفسي، هل يصلح أن تضع حباً على صخرة من أجل أن ينبت لك؟ لا. لا بد من الأرضية الصالحة لاستنبات الحب، فتأتي على أرض خصبة التراب، ثم تضع فيها السماد، ثم تضع البذور وتسقيها بالماء، ثم تنتظر إلى أن تخرج لك الثمار إن شاء الله، أما أن تضع البذر على أرض صخرية فإنه لا يَنْبُت لك أبداً، كذلك القلوب المتحجرة المعرضة عندما تأتيها الآيات فإنها ترفضها، ولهذا يقرر الله هذا فيقول: {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ} [الأنعام:4] وهل بقي شاهداً أعظم من القرآن يدل على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!! أبداً. يقول الله: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عليهم} [العنكبوت:51] لو كانوا يريدون الدليل الحقيقي فالقرآن يكفيهم، كل حرف بل كل آية فيه تدل على أنه من عند الله وليس من عند بشر، ومع هذا لم يؤمنوا، لماذا؟ لأنهم معرضون. ثم قال عز وجل: {فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} [الأنعام:5] وهل جاءهم؟ نعم جاءهم، {فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأنعام:5] تهديد من الله لهم.

معنى قوله تعالى: (ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن)

معنى قوله تعالى: (ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن) ثم يعرض الله تبارك وتعالى، ويلفت أنظارهم إلى مصارع الأولين من الأمم السابقة، فيقول عز وجل: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عليهم مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ} [الأنعام:6] فماذا حصل؟ استمروا في المعاصي والذنوب قال عز وجل: {فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ} [الأنعام:6] وهذه سنّة الله في إفناء القرون وإحيائها، يعني: اليوم يوافق في السنة (29/ 7/ 1415هـ) في يوم (29/ 7/1515هـ) بعد مائة سنة لن يكون على وجه الأرض من الموجودين أحد، إلا النادر البسيط الذين لا دور لهم في الحياة، يعني: يبدل الله وجه الأرض كل مائة سنة مرة، فإذا ولد شخص اليوم وبعد مائة سنة لا يزال موجوداً ماذا يعمل هذا الموجود بعد مائة سنة؟ هل يعمل شيئاً في الحياة؟ لا. قطعة متاع مركونة في زاوية من الزوايا، كلٌ يقول له: نسأل الله أن يختم لك بالحسنى، يعني: نسأل الله أن يعجل بزوالك، الكل يدعون عليه، كأنه ميت. يقول لي أحد الإخوة: أنه رأى شائباً يرضع كما يرضع الطفل الصغير، يعطونه طعامه في رضاعة، وتغير له الحفائظ كما تغير للصغير، لا يستطيع أن يمسك نفسه، كما قال الله عز وجل: {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً} [الروم:54] وهذا هو أرذل العمر الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله منه: (وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر) فأرذل العمر ألا يكون لك قدرة على عمل أي شيء، فلا حياة ولا قدرة ولا إمكانية، ترى نفسك عاجزة -نعوذ بالله من ذلك الوقت- نسأل الله أن يحسن خاتمة الجميع. لماذا هذا التبديل لوجه الأرض كل مائة سنة؟! من أجل الابتلاء والامتحان، قرن يعيش ويكسب أو يخسر، وقرن يأتي، وهكذا إلى أن تنتهي الحياة بإرادة الله عز وجل بإفناء الناس جميعاً، وفصل الحساب، وإدخال أهل الجنة الجنة وإدخال أهل النار النار.

العقاب سنة الله فيمن عصاه من الأمم

العقاب سنة الله فيمن عصاه من الأمم إن هؤلاء الكفار يتخذون موقفاً واحداً في جميع شئونهم وهو: العناد، والإصرار، والمكابرة، والرفض، والإعراض، فقد كذبوا بالرسول صلى الله عليه وسلم وكذبوا بالرسل من قبله: {فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأنعام:5] ويتركهم الله عز وجل أمام هذا التهديد المجمل فلا يبينه، فلا يعرفون نوع التهديد ولا موعده، ويتركهم في غاية من الخوف يتوقعونه في كل لحظة من اللحظات؛ لأنهم يتأكدون من صدقه. جاء سعد بن معاذ إلى مكة والرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة قبل الفتح، فجاء يطوف بالبيت على عادة العرب، فمنعته قريش؛ لأن قريشاً كانت مسيطرة على الكعبة، وتعرف أن سعد بن معاذ هو الذي أيد النبي صلى الله عليه وسلم، واستقبله في المدينة، فمنعوه، فدخل في جوار أمية بن الخلف، وأمية هذا من صناديد قريش، وكان صديقاً وصاحباً لـ سعد بن معاذ قبل إسلامه، فدخل عليه فعرفه، لأنه صاحبه وزميله، فقال له: أريد أن أطوف في البيت فمنعتني قريش، قال: أنت في جواري فطف بالبيت، وخرجا إلى البيت وجعل يطوف بالبيت وهو في يده، فلما رأته قريش ما استطاعوا أن يقولوا له شيئاً؛ لأن معه أمية، فجاءه أبو جهل وقال: لماذا جعلته يطوف بالبيت وهو الذي صنع ما صنع؟ وهو الذي آوى محمداً، فنظر أمية إلى سعد وقال: أجب، قال: أجب أنت فإني لا أطوف في جوارك ولكني أطوف في جوار الله، فغضب أمية، فقال له سعد: لا تغضب فإن محمداً قاتلك، قال: أوأخبرك؟ قال: نعم. قال: متى؟ قال: لم يبين وقت ذلك، فترك يده وذهب إلى البيت، ولما دخل على امرأته قال: إن هذا الأنصاري يقول: إن محمداً قاتلي ووالله لا يكذب محمداً، -يعرفون صدق النبي وهم كفار- قالت: هل أخبرك متى أو أين؟ قال: لا. ومرت الأيام، وتأتي قافلة قريش من الشام، ويخرج النبي صلى الله عليه وسلم لاقتطاعها في غزوة بدر، ويرسل أبو سفيان زعيم القافلة رسولاً اسمه: ضمضم بن عمرو الغفاري إلى أهل مكة يطلب منهم الخروج لإنقاذ القافلة، فخرجت مكة بأسرها إلا أمية وكان رجلاً كبيراً -يعني: ذو هيئة- وصنديداً لا أحد مثله، ولكنه لم يخرج خوفاً من وعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما علم عقبة بن أبي معيط بعدم خروجه أخذ مجمر من المجامر ووضع فيه بخوراً من بخور النساء ودخل عليه ورفع ثوبه وجعل البخور تحت ثوبه قال: ما هذا يا عقبة؟! قال: هذا مجمر النساء نبخرك فإنما أنت امرأة -أي: اجلس على المجمر مع النساء- قال: ولم؟ قال: لأنك ما خرجت مع قومك لإنقاذ القافلة، فضربه، وقال: قاتلك الله! والله لقد أقذعت في سبي، ثم حمل ثوبه ودخل بيته ولبس درعه وملابس الحرب وخرج، فلحقته امرأته، وقالت: يا أمية أما تذكر قول الأنصاري: إن محمداً سوف يقتلك؟ قال: والله إنه قاتلي لكن لا خير في الحياة مع المجمر. وفعلاً خرج وقتله الله، وحقق الله قول النبي صلى الله عليه وسلم بقتل هذا الرجل. فهذا من التهديد الذي ذكره الله في القرآن الكريم بقوله عز وجل: {فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ} [الأنعام:5 - 6] ألم يروا مصارع الأجيال الماضية، وقد مكنهم الله وأعطاهم من أسباب القوة والسلطان ما لم يعط قريشاً في الجزيرة، أرسل المطر عليهم مدراراً، وأخصب الأرض وأنبتها بالأشجار والأرزاق، ثم ماذا؟! ثم عصوا ربهم، فأخذهم الله بذنوبهم، وأنشأ من بعدهم أجيالاً أخرى، لتأتي وترث الأرض من بعدهم، مضوا والدنيا غير مكترثة بهم وورثها قوم آخرون! فما أهون العصاة والكفرة والمكذبين على الله، ما أهونهم على الأرض والحياة، لقد هلكوا فما أسفت عليهم الدنيا، لقد ذهبوا وجاء من يعمِّر الحياة من بعدهم. وهي -أيها الإخوة- حقيقة ينساها البشر حينما يُمَكِّن الله لهم في الأرض، فينسون أن هذا التمكين من الله، وأن الله إنما مكنهم ليبلوهم فيما آتاهم بالعبودية له وحده، والتلقي عنه وحده؛ لأنه صاحب الملك الذي أعطاهم، إنها حقيقة ينساها الناس إلا من عصم الله، ينسون الله فيعبدون أهواءهم وشهواتهم، ثم ينحرفون عن عهد الله فتتحقق فيهم سنّة الله، ولا تتبين لهم سنته في أول الطريق، ولا يرون العقوبة في أول الأمر إنما يقع الفساد رويداً رويداً وهم ينزلقون وما يشعرون، حتى يستوفي الكتاب أجله، ويحق عليهم وعد الله وتتعدد صور الإهلاك في النهاية وتختلف: فمرة يأخذهم الله عز وجل بعذاب من فوقهم أو من تحت أرجلهم، ومرةً يأخذهم بالسنين ونقص الأنفس والثمرات، ومرةً يأخذهم بأن يذيق بعضهم بأس بعض، ومرةً يأخذهم بالصيحة، ومرةً يأخذهم بالغرق، ومرةً يأخذهم بالحرق، ومرةً يأخذهم بالعواصف والتدمير والزلازل، وهي سنة الله التي لا تتبدل، لماذا؟ لأنهم خالفوا أمر الله عز وجل. وإن مما ينخدع الناس فيه: أن يروا الفجرة والمستهترين، والكفرة والملحدين ممكنين في الأرض، غير مأخوذين من قبل الله، والناس مساكين يستعجلون ولا يرون إلا أول الطريق، لا يرون نهاية الأمر، انظروا إلى فرعون والذين كانوا معه في عصره يقولون: {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس:88] قال الله: {قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [يونس:89] استمر فرعون بعد دعوة موسى سنين طوال وهو في ملكه، ولكن ماذا حصل في النهاية؟ الغرق والتدمير. وعاد وثمود، وكل الأمم التي كذبت، كان الناس في وقتهم يقولون: لماذا لا يأخذهم الله؟ فالله يأخذهم لكن لا يعجل لعجلة الناس، انظر فقط للنهايات، كذلك من يموت على الكفر ممن يعيشون معنا الآن من يمنعهم من الله؟ لا يمنعهم من الله أحد، ولكن الناس يستعجلون؛ لأنهم يرون البداية فقط ولا يرون نهاية الأمر، ونهاية الطريق لا تُرى إلا بعد أن تقع، لا تُرى إلا في مصارع الغابرين بعد أن يصبحوا أحاديث، والقرآن كله يوجه الناس إلى النظر، والتأمل، والتنبه لمصارع الغابرين، حتى لا ينخدع المخدوعون في حياتهم الفردية القصيرة المحدودة؛ فيرون أول الشيء ولا ينظرون لنهايته، وإن نهاية الشيء لا يعلمها إلا الله.

الذنوب مهلكة لأصحابها

الذنوب مهلكة لأصحابها هناك حقيقة أخرى تغيب عن أذهان الناس وهي: أن الذنوب تهلك أصحابها -وهو عنوان التأمل في هذه الليلة- الذنوب تدمِّر أصحابها، وأن الله يهلك المذنبين بسبب ذنوبهم، وأن هذه سنّة ماضية ولو لم يرها الإنسان في عمره القصير أو المحدود إلا أنها سنّة باقية لا تتبدل، تصير إليها جميع الأمم، وتنتهي إليها جميع الكائنات عندما تفشو الذنوب، وتنتشر المعاصي، وتقوم الحياة على المخالفات. في هذه الحياة المحدودة يُحِقُ الله عز وجل على العاصين العقوبات. والعقوبات -كما ذكرت لكم- تتنوع؛ لأن الذنوب هي سموم وهلاك القلوب، وضرر الحياة، والله يقول: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56] أصلح الله الأرض بالدين والرسالات، وأفسد الناس الأرض بالمعاصي والمخالفات، فهذه المعاصي سموم تنخر في قلوب البشر، فإذا خربت القلوب دمَّرت الحياة. رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها وضرر المعاصي على القلوب أعظم من ضرر السموم على الأبدان، والذي يستقرئ التاريخ ويرجع إلى الوراء يرى ويلمس أنه ما من شر وقع في الأرض إلا وسببه المعاصي، يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه العظيم الذي أُوصي كل شاب بقراءته واسمه الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، لأن كثيراً من الناس اليوم يقول: ما هو الدواء لما في قلبي؟ الدواء تجده في هذا الكتاب، فقد تكلم رحمه الله في هذا الكتاب عن آثار الذنوب والمعاصي. يقول رحمه الله: ما الذي أخرج آدم من الجنة؟ كان آدم أفضل من الملائكة، والملائكة تسجد له، ولكن ما الذي أخرجه من الجنة؟! إنه شؤم المعصية، أمره الله بألا يأكل من الشجرة فأكل منها، فقال له الله: اخرج. وما الذي أخرج إبليس من الجنة وطرده، وبُدِّل بعد القرب طرداً، وبعد الرحمة لعنة، كان طاوس الملائكة، وما من بقعة في الأرض ولا في السماء إلا وقد عبد الله فيها، ولكن لما عصى الله ولم يسجد لآدم، وقال: أنا خير منه، قال له الله: {فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [ص:77 - 78].

إهلاك قوم نوح

إهلاك قوم نوح ما الذي أغرق قوم نوح حتى علا الماء رءوس الجبال، وما رحم الله منهم أحداً، حتى ولد نوح، يشفع نوح في ابنه فيقول: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} [هود:45] أنت قلت لي يا رب: {فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ} [المؤمنون:27] وهذا من أهلي فلماذا تغرقه؟ قال الله: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [هود:46] كان يتصور نوح عليه السلام أن الأهل هم أسرته وأبناؤه، والله يعني بالأهل أهل العقيدة، فإذا كان ابنك كافراً فما هو منك ولا أنت منه: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود:46]. حتى ذكر المفسرون: أن امرأة من قوم نوح كان معها رضيع -وهي كافرة- فلما جاء الغرق، ونزل الماء من السماء، وخرج من الأرض، يقول الله: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر:11 - 12] حتى التنور الذي توقد فيه النار خرج منه الماء، يقول الله: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ} [هود:40] كل مكان تتوقع أن يخرج منه الماء إلا مكان النار، ومع ذلك يخرج الله من مكان النار ماء، فالتقى ماء السماء بماء الأرض حتى غرق الناس، فكانت هذه المرأة قد صعدت على رأس جبل من أجل ولدها، فلحقها الماء وهي جالسة فقامت، ووضعت ابنها على رأسها حتى علاها الماء وعلا ولدها وأغرقهما جميعاً، ما الذي أغرقهم؟ المعاصي، كذبوا نوحاً وما آمنوا برسالته.

إهلاك قوم عاد

إهلاك قوم عاد ما الذي سلط الريح على قوم عاد؟ وعاد هي: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ} [الفجر:7 - 8] كانوا يسكنون في الأحقاف في حضرموت، وكانت قبيلة من أشد القبائل، كان الواحد منهم طوله مثل النخلة، لما بين الله مصرعهم قال: {كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة:7] كانوا ينحتون من الجبال بيوتاً بأيديهم، يده مثل (البوكلين) ينحت الجبل فيصنع منه بيتاً، وكانوا على الخمر والزنا واللهو، جاءهم هود عليه السلام، فدعاهم إلى الله عز وجل فكذبوه، فأرسل الله عليهم الريح، فتح من جهنم قدر منخر ثور -مثل الحلقة- سماها الله (عقيم) وعقيم أي: لا تترك أي شيء وراءها: {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عليه إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات:42] ولهذا يقال للرجل الذي لا يلد: عقيم، يعني: إذا مات فليس بعده شيء، لأن العقيم لا يعقبه أحد، كذلك هذه الريح إذا جاءت على شيء لا تترك شيئاً، وإنما تهلك كل شيء. فلما جاءت الريح سوداء قالوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف:24] قالوا: هذا مطر، وهم على خمر وزنا ويريدون المطر، قال الله: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف:24 - 25] استمرت عليهم {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة:7] كانت الريح تأتي إلى الواحد منهم فتقف عنده، ثم تلتف عليه وتحمله وتأخذه إلى عنان السماء فترمي به، فيهوي من السماء إلى الأرض ويتقطع قطعة قطعة والعياذ بالله بسبب ماذا؟ الذنوب والمعاصي! وما الذي سلط على ثمود قوم صالح الصيحة؟ صاح فيهم جبريل صحية قطعت قلوبهم في أجوافهم؛ لأنهم كذبوا وطلبوا من صالح عليه السلام أن يخرج لهم من صخرة عندهم ناقة، وكان غالب أنعامهم الإبل، فطلب صالح ذلك من الله، فأخرج الله لهم ناقة عشراء، قال: {قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء:155] {وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ} [هود:64] تشرب يوماً وأنتم تشربون يوماً، فقاموا وتمالئوا عليها فعقروها، فلما عقروها سلط الله تبارك وتعالى عليهم الصيحة: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ} [الحجر:83] {فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً} [المؤمنون:41] قطعهم الله وأهلكهم والأسباب هي الذنوب والمعاصي.

إهلاك قوم لوط

إهلاك قوم لوط وما هو سبب هلاك قرى قوم لوط؟ تلك القرى التي كانت تعيش في البحر الميت الذي هو الآن في الضفة الغربية، وهذا المكان ميت لا تعيش فيه الكائنات الحية؛ لأنه موطن عذاب، كانت هناك قرى اسمها قرى سدوم، ست قرى في كل قرية مائة ألف، كانوا يأتون فاحشة إتيان الذكران من العالمين، وما كان أحد يأتي بهذه الفاحشة قبلهم، ولهذا قال الله: {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:80] ولا سبقتهم إليها حتى البهائم، ما علمنا حماراً يركب حماراً ولا قرداً يركب قرداً ولا كلباً يركب كلباً أبداً، الحيوانات نفسها تعاف هذه الفعلة، لكن الحيوانات البشرية إذا ضلت عن منهج الله تفعل هذه الفعلة، ولذا أرسل الله عليهم جبريل ومعه الملائكة، فغرس جبريل جناحاً من أجنحته، ثم حمل القرى الست -قرىً فيها ستمائة ألف نسمة- بحرثهم وزروعهم وبيوتهم، حتى سمعت الملائكة في السماء أصوات الكلاب والقطط، ثم قلبها عليهم قال الله: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} [الحجر:74] بسبب ماذا؟ المعاصي والذنوب!

إهلاك قوم شعيب

إهلاك قوم شعيب ما الذي أرسل الريح والسحاب والظلل على قوم شعيب؟ {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ} [الشعراء:189] تدرون ما هو عذاب يوم الظلة؟ -نعوذ بالله وإياكم من عذاب الله- كانوا يعيشون في بلادهم في مدين، فكذبوا رسولهم شعيب عليه السلام، فأخذهم حر في البيوت، حر ضاقت منه نفوسهم، حرارة متناهية، إذا لمست جلده فإنه يفور مثل النار، إن جلسوا في البيوت حرارة، وإن خرجوا إلى الشمس حرارة، فماذا يصنعون؟ جعل الله تبارك وتعالى في منطقة من مناطقهم ظلال، وهي سحاب في السماء من كان يجلس تحتها يأتيه برد، فاجتمعوا كلهم تحت هذه الظلة، وهذه الظلة هي ظلة العذاب: {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ} [الشعراء:189] فلما جاءوا في هذا المكان نزلت عليهم هذه السحابة بالعذاب والتدمير وأهلكهم الله عن بكرة أبيهم بأسباب المعاصي.

إهلاك قارون

إهلاك قارون ما الذي خسف بـ قارون؟ يقول الله: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عليهم وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص:76] إذا أعطاك الله مالاً ولست على دينه فلا تفرح؛ لأن هذا استدراج، أما إذا أعطاك الله مالاً وأنت على الدين فنعم المال الصالح في يد العبد الصالح، فكان قومه يقولون له: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص:76 - 78]. وهذا هو شأن الجاحد لنعم الله، يقول: إنما أوتيت هذا المال على علم، وذكاء، وفطنة، وخبرة، أنا رجل صاحب عقل، أنا عقلية تجارية، فقال الله: {أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص:78 - 79] لكن أهل الإيمان قالوا: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} [القصص:80 - 81]. لا إله إلا الله! ما أعظم الله! بينما هو في ملكه وزينته وخيلائه بين رجاله وكما في الحديث: (أوحى الله إلى الأرض أن ابتلعيه، فانشقت من تحت قدمه وابتلعته بكل ما عنده من قصور، وخزائن، ثم أُطبقت عليه). قال الله: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ} [القصص:81 - 82] الذين يقولون يا ليت لنا مثل ما لـ قارون {يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:82 - 83] نسأل الله من فضله، وهذه النهاية دائماً لأهل التقوى.

آثار المعاصي على أهلها قبل العذاب

آثار المعاصي على أهلها قبل العذاب أما المعاصي فإن شأنها التدمير، يقول ابن القيم: إن للمعاصي آثاراً -أيضاً- قبل العذاب: أولاً: أنها تجرئ العبد على الله، بدلاً من أن تكون عبداً تستحي من الله، فإنك بالمعاصي تصير عندك جرأة على الله، ولا تخاف من الله، تبارز الله بالعظائم، وإذا كثرت الذنوب طبعت القلوب؛ لأن الذنوب تتراكم وتتراكم، فلا يعرف القلب بعد ذلك إلا المعصية، ولا يعرف إلا المخالفة والعياذ بالله. ثانياً: ثم إنها تولد أمثالها، إذا عمل الشخص معصية قالت المعصية: أختي أختي، فيعمل الثانية، فتقول الثانية: أختي أختي فتدعو المعصية معصية أخرى إلى أن يغرق الشخص بالمعاصي، بينما إذا عمل طاعة قالت الطاعة: أختي أختي، فالحسنة تتبعها حسنة. ثالثاً: أن المعصية تمحق بركة العلم، العلم الذي يدرس الآن في المدارس والجامعات، ويقال في خطب المساجد والمحاضرات علم كافٍ لإنقاذ الناس، خطبة واحدة كافية، ولكن لماذا لم تعد هناك فائدة من العلم الذي يدرس في المدارس والجامعات وغيرها؟ لأنه يسمع الإنسان الكلام فيدخل من أذن ويخرج من أخرى بسبب المعصية، لكن الذي ليس عنده معاصٍ يستقر العلم في قلبه، يقول الشافعي وقد شكا إلى وكيع: شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يؤتى لعاصي إذا أردت أن يرزقك الله علم الخشية الذي يدلك على العمل الصالح؛ فعليك أن تتوب إلى الله من الذنوب والمعاصي. رابعاً: المعاصي تذهب ببركة الرزق: الرزق إذا كان فيه معصية تذهب منه البركة ولو كان كثيراً، لأن العبرة في الرزق ليست بالعدد والكم، لكن العبرة بالكيف والبركة، قد تجد شخصاً فقيراً لكن عنده بركة في رزقه وقناعة، وشخصاً غنياً وقلبه فقير، إذا سألته: كيف أنت يا أخي، كيف حالك؟ قال: الدنيا صعبة هذه الأيام، والسيولة النقدية غير متوفرة، والأحوال متأزمة، والاقتصاد العالمي متضعضع، بينما تجد آخر مصلي فتقول له: كيف حالك؟ قال: الحمد لله في نعمة وفي خير، آكل شارب والحمد لله. إذاً: من الفقير الحقيقي هذا أم ذاك؟ ذاك هو الفقير. وآثار الذنوب كثيرة جداً ولا مجال لاستقصائها لكن نذكرها باختصار: تعسير الأمور على الإنسان: لأن الذي يطيع الله ييسر الله له أموره، يقول الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:4]. ومنها أيضاً: وحشة يجدها العبد العاصي بينه وبين الله، وبينه وبين الطائعين من عباد الله، وبينه وبين المساجد، وبينه وبين القرآن، وبينه وبين الذكر، يعني: يُحس بوحشة فلا يستأنس، وهذه مصيبة أن تستوحش من ربك ومن بيوته وكتابه، وعباده الصالحين، وتبقى لك ألفة بالمعاصي وأعداء الله؛ لأن الذي يستوحش من الله يألف الشياطين، والذي يستوحش من بيوت الله يألف المقاهي والمخدرات والأماكن الموبوءة الخبيثة، والذي يستوحش من الطيبين يستأنس بالخبيثين، وهذه من عقوبات المعاصي التي يشقى الإنسان بسببها والعياذ بالله. وأيضاً: -وهي مهمة جداً- أن العاصي تسقط منزلته عند الله، وإذا سقطت منزلته عند الله سقطت منزلته في الأرض، لأن المعز والمذل هو الله، والعزة بيده عز وجل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إليه يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [فاطر:10] فإذا سقطت عزة وهيبة الإنسان ومكانته عند الله عز وجل أسقطها الله في الأرض، وأصبح الإنسان لا قيمة له، كما قال الله: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج:18]. إن أعظم إهانة للإنسان أن يكون عبداً لشهواته، ومسخراً لتلبية نزواته، وهممه في الحياة واهتماماته محصورة بين شهوات البطون والفروج والمتع والأموال فقط، فلا يكون له أمل أكبر من هذا، إنما هو محصور في سجن الشهوة والهوى، والنفعيات فقط، لا يكون له نظرة أبعد فينظر إلى ما بعد هذه الحياة. هذا وأسأل الله الذي لا إله إلا هو لي ولكم التوفيق في الدنيا والآخرة.

الأسئلة

الأسئلة هذا وأسأل الله الذي لا إله إلا هو لي ولكم التوفيق في الدنيا والآخرة، ونبدأ باختصار بالإجابة على بعض الأسئلة.

وسائل تقوية نور البصيرة والإيمان

وسائل تقوية نور البصيرة والإيمان Q ما هي الوسائل التي تؤدي إلى قوة نور البصيرة؟ وما هي الوسائل التي تؤدي إلى قوة الإيمان؟ A أما نور البصيرة فيأتي بوسائل من أهمها: أولاً: تلاوة كلام الله، لأن الله سمى القرآن (نور)، فالذي يكثر من قراءة النور تتجمع هذه الأنوار في قلبه: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً} [الشورى:52] وقال في آية أخرى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً} [النساء:174] وقال في آية أخرى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [المائدة:15] فتلاوة القرآن الكريم تجعل في قلبك نوراً. ثانياً: من وسائل تقوية نور البصيرة: قراءة السنّة المطهرة التي جاءت عن الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه، فإن الله أرسله: {شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً} [الأحزاب:45 - 46] فهو سراج للأمة صلوات الله وسلامه عليه، فإذا قرأت من سنّته أضاء الله في قلبك سراج الإيمان ونور الإيمان. ثالثاً: من وسائل تقوية نور البصيرة: المحافظة على الصلاة في المساجد، فإنها محطات النور، كما قال الله في سورة النور بعد أن ذكر آية النور قال: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور:36] فكأن هذه الأنوار موجودة في (بيوت) أي: في المساجد. رابعاً: من وسائل تقوية نور البصيرة: مرافقة الصالحين الذين يحملون هذا النور؛ لأن الذي معه نور تستطيع أن تمشي معه، إذا مشيت في ليلة وليس عندك مصباح ولكن زميلك معه مصباح، فإنه يضيء لك الطريق، فترى بنوره، وكذلك الذي تعيش معه وعنده إيمان ينفعك إيمانه؛ لأنه إذا جاء وقت الصلاة قال: نذهب إلى الصلاة فتقوم تصلي معه، وإذا جاءت معصية قال: اتركها فتتركها، وإذا جاءت طاعة قال: هلم نقبل عليها فتقبل على الطاعة معه، وإذا جاء ذكر لله حثك عليه فتذكر الله، فأنت بمرافقتك للطيبين أصحاب النور الإيماني يزرع الله في قلبك النور، هذه وسائل تقوية نور البصيرة. أما وسائل تقوية الإيمان فهي كذلك ست: أولاً: قراءة القرآن. ثانياً: قراءة السنّة. ثالثاً: المحافظة على الطاعات. رابعاً: البعد عن المعاصي. خامساً: البحث عن قرين صالح. سادساً: الحذر من قرين السوء. هذه ست وسائل لتقوية الإيمان، إذا عملت بها؛ فإنه بإذن الله يزداد إيمانك.

وصايا مفيدة لمن هدايته قريبة

وصايا مفيدة لمن هدايته قريبة Q أنا شاب في بداية الطريق فما نصائحك لي جزاك الله خيراً؟ A بدايةً: أهنئك بأنك في بداية الالتزام، وأنك انتقلت من حياة العبث واللهو والباطل إلى حياة الإيمان والعمل الصالح، وأسأل الله لي ولك الثبات على هذا. وأنصحك: أولاً: بالتوبة من جميع الذنوب صغيرها وكبيرها. ثانياً: بالمحافظة على الطاعات كبيرها وصغيرها. ثالثاً: طلب العلم: يلزمك أن تطلب العلم، فوسائل طلب العلم متعددة: عن طريق الكتاب والشريط الإسلامي، وعن طريق الحلقات والندوات، وعن طريق دروس العلم الموجودة في جدة، فتجعل لك برنامجاً وتطلب العلم؛ لأن العلم يزيد في إيمانك إن شاء الله عز وجل. إضافة إلى ذلك ترك قرناء السوء، والاحتكاك والجلوس مع القرناء الصالحين الذين تزداد بهم أنساً وألفةً وأنت في طريقك إلى الله تبارك وتعالى. وأدلك على شريط محاضرة جيد بعنوان: (أسباب الهداية عشرة أسباب) وشريط آخر اسمه: (وسائل الثبات على دين الله اثنا عشر سبباً) وهاتان محاضرتان ألقيتهما في الرياض.

أفضل كتاب تفسير للمبتدئين

أفضل كتاب تفسير للمبتدئين Q دلنا على بعض الكتب في التفسير لطالب العلم، والبعيدة عن التحريف والإسرائيليات؟ A أحسن كتاب ندل الشباب المبتدئين عليه، كتاب جديد اسمه: أيسر التفاسير، يتكون من خمسة مجلدات للشيخ: أبو بكر جابر الجزائري ألفه بأسلوب عصري حديث، ثم إن الرجل مطلعٌ على كل كتب التفسير، فيأتي بالآيات ثم يشرحها شرحاً إجمالياً، ثم يشرح المفردات، ثم يبين الأحكام المستفادة والهدايات التي دلت عليها تلك الآيات.

وسائل إزالة قسوة القلوب

وسائل إزالة قسوة القلوب Q ما السبيل إلى إزالة قسوة القلب، وإسراع دمعة العين، والخشوع في الصلاة والخوف من الله عز وجل؟ A هناك وسائل كثيرة لا يتسع المجال لها، لكن أهم شيء منها: - قراءة القرآن بتدبر وتمعن. - الإكثار من ذكر الموت. - زيارة المقابر. - التأمل في هذه الحياة وفي سرعة زوالها وانقضائها. - أكل الحلال؛ لأن الذي يأكل الحلال يخشع قلبه لذكر الله. - البعد عن الذنوب والمعاصي، واستحضار عظمة الله في ممارستك للصلاة والعبادة.

حكم من تعطرت خارج بيتها

حكم من تعطرت خارج بيتها Q هذه أخت في الله تقول: إنها تعمل مُدَرسِة وتذهب مع السائق إلى باب المدرسة، ومعها زميلاتها، وعندما تدخل المدرسة تضع عطراً في أول اليوم الدراسي فما يأتي آخر اليوم إلا وقد ذهب العطر، وزوجها يمنعها من ذلك، فما الحكم في هذا؟ A لا يجوز للمرأة أن تتعطر إذا خرجت من بيتها، بل ينبغي أن يكون العطر خاص بالزوج وفي البيت في داخل الغرفة، أما إذا خرجت فلا يجوز؛ لأنها حتى إذا ركبت مع نساء فإن أثر العطر يبقى في السيارة، وحتى إذا دخلت في المدرسة فإن أثر العطر يبقى في المدرسة، وإذا جاء عمَّال النظافة ينظفون بعد العصر يشمون الرائحة، وقد تخرج الرائحة من المدرسة للمارين، فالأولى للمسلمة ألا تقرب العطر مطلقاً إلا في البيت. وقد تقول بعض الأخوات: إن رائحتها قد تكون كريهة؟ فنقول: إذا اغتسلت المرأة وتنظفت بالصابون والماء فإنه لا يبقى عليها أي رائحة إن شاء الله، أما العطر فإنه رائحة مغرية، فالعطر يلفت انتباه الناس نحوك، وأنتِ لستِ بحاجة إلى أن تجذبي النظر إليك إلا نظر زوجك، ولهذا سميت التي تتعطر زانية: (أيما امرأة استعطرت ثم خرجت ليشم الرجال ريحها فهي زانية زانية زانية). ونشير هنا إلى مسألة ذكرتها ولم تسأل عنها، وهي: كونها تأتي مع سائق، إن كانت تأتي مع سائق لوحدها فهذا محرم لأنه: (ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) وإن كانت تأتي مع سائق وهناك بعض الزميلات بحيث يركبن كلهن سوياً وينزلن سوياً -فلا تركب واحدة ثم تأتي الثانية، أو ينزلن وتبقى واحدة معه- والمسافة ليست مسافة سفر، يعني: داخل المدينة، والسائق مؤتمن، والزميلات كلهن ثقات، فلا بأس، أما إذا كان السائق خائن فلا ولو كن عشر نسوة؛ لأن الخائن سوف يختلس النظر، والمرأة لا تستطيع أن تمنع عينيه من النظر، وتقول له: لا تنظر، بعضهم يرجع إلى الوراء وهو لا يحتاج أن يرجع إلى الوراء لكن من أجل أن ينظر إلى النساء، يتقحم النار والعياذ بالله.

نصيحة لمن ابتلي بالعادة السرية

نصيحة لمن ابتلي بالعادة السرية Q لي أربع سنوات في الالتزام، وأنا في حلقة من حلقات تحفيظ القرآن الكريم، ولكني مبتلى بالعادة السرية، ولا أقدر على تركها إلى الوقت الحالي فما نصيحتكم؟ A يا أخي الكريم يبدو أنك ضعيف الإرادة وشهواني، ولذا لا بد من مراجعة حسابك مع نفسك، لأن العبد الشهواني لا يصلح أن يكون عبداً لله، العبد الشهواني تغلب عليه نزواته لدرجة أن يكون طالب علم وملتزم ومن أهل القرآن، وبالرغم من هذا يصر على فعل هذه العادة الشيطانية القبيحة المحرمة، والتي صاحبها -والعياذ بالله- ملعون، والتي تأتي يده يوم القيامة حبلى له، كل حيوان منوي يخرج عن طريق الاستمناء باليد -فيما يسمونه بالعادة السرية، وما هي عادة سرية إنما هي عادة شيطانية، ويسمونها في الشرع نكاح اليد والعياذ بالله- ولكن لا يرى آثار هذا الحمل إلا يوم القيامة، وتصور أن شخصاً معه ستمائة ولد يوم القيامة يسحبهم بيده، فهذه مصيبة. أقول لك: اتقِ الله! اتقِ الله! والرسول صلى الله عليه وسلم قد أعطاك العلاج حين قال: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم) هذا هو الدواء الرباني، لم يقل فعليه بيديه؛ لأن بعض الشباب يقول: أنا لست متزوجاً، وإذا لم يكن عندك زوجة فهل تلجأ إلى الحرام؟ أين أنت من الآية الكريمة؟ {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:33] معناها: أن تكون عفيفاً، وهناك وسائل كثيرة تمنعك من قوة الشهوة: أولاً: لا تكثر من الأكلات التي تزيد في شهوة الرجل، إذ لا تزال شاباً وأنت غير متزوج، وكل من الأطعمة التي ليس فيها ما يقوي الشهوة، فالأطعمة التي تقوي الشهوة مثل: اللحوم والشحوم والبر والسمن والعسل، لكن كل من البقوليات والخضروات، أيضاً ابذل جهداً بدنياً ليستنفذ طاقتك، فإن كان أبوك تاجراً فاعمل في الدكان احمل واصعد وانزل، وإذا كان عندك مزرعة فاعمل في المزرعة، فإذا لم يكن عندك مزرعة ولا تجارة استهلكها في الرياضة، ضع لك في البيت أثقال، المهم لا تصل إلى الفراش إلا وأنت متعب؛ من أجل أن تنام مباشرة. ثم لا تكثر من التفكير في هذه القضايا، إذا جاءك التفكير قم صلِّ ركعتين؛ لأنك بهذا تكيد الشيطان، فبعدها لا يجعلك تفكر؛ لأنه يعرف أنك إذا فكرت فسوف تصلي ركعتين. ثانياً: إذا جئت تنام على الفراش وما جاءك النوم فاقرأ القرآن، أو السنّة، لا تأتِ الفراش وأنت لا تجد حاجة للنوم، لأن تقلب الإنسان على الفراش وهو لا يحتاج للنوم يجعله يفكر في هذه الأمور، فيعبث بيده فيحصل منه هذا الشيء والعياذ بالله. ثالثاً: لا تنظر إلى الحرام؛ لأن النظر المحرم يذكي هذه الشهوة، فلا تشاهد الأفلام والمسلسلات التي فيها قصص غرام أو صور نساء، ولا تقرأ المجلات ولا الجرائد العارية والرخيصة. لا تقرأ القصص الغرامية. رابعاً: استشعر خوفك من الله، تذكر أنك عبد لله، وأن الله عز وجل ما خلقك لهذه الأفعال القذرة، وأنك إنسان مفضل ومكرم، ثم اطلب من الله أن يتوب عليك.

أعمار أمة النبي صلى الله عليه وسلم

أعمار أمة النبي صلى الله عليه وسلم Q قلت: إن الإنسان بعد المائة سنة ليس له أي دور، وهذا فيه نوع من المبالغة، إننا نعرف بعض الناس قد بلغوا المائة وهم لا يزالون أقوياء، ويوجد عندنا شيخ كبير في السن يجيد إتقان أصوات القبائل الأخرى؟ A أنا قلت: إن النادر ممن يجاوز المائة، يعني: أكثر من مائة سنة ليس هناك أحد يعيش، هذا بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين وقليل من يجاوزهما) والذي يقول إنه في المائة لو جئت تراجعه بالضبط لوجدت أنه أقل من ذلك؛ لأنه لم يكن في السابق تاريخ للولادة، أحد الناس يزعم أن عمره مائة وعشرون عاماً، لما جئنا نحسب تبين لنا أن عمره ثمانون سنة، وأربعون سنة من مبالغات الإنسان، فقليل الذي يصل إلى المائة، ونحن نتكلم عن العموم فقط ولا نتكلم عن التدقيق في الناس، على العموم أعمار الناس كما جاء في الحديث (ما بين الستين والسبعين وقليل من يجاوزهما).

طلب بتكرار الزيارة

طلب بتكرار الزيارة Q لا نريد أن تكون الزيارة مرة واحدة في الشهر نريد أن تكون أكثر من ذلك، وأن تتعاونوا معنا هنا في حضور الجلسات والحلقات؟ A جزاك الله خيراً، ولكني أرى أن في تكرار الزيارة مشقة عليَّ، فإن لدي التزامات كثيرة في غير مدينة جدة -في مكة والرياض والمدينة والطائف وأبها - وفي كل مدن المملكة مما يجعلني لا أستطيع حتى المجيء مرة في الشهر، ولكن أسأل الله الإعانة.

حكم الطعن في أعراض المسلمين

حكم الطعن في أعراض المسلمين Q بعض الشباب الملتزم -هداهم الله- لديهم بقايا من خراب جاهليتهم السابقة قبل التزامهم، وهذا أكثر ما يكون في اللسان، فتجده يتكلم على فلان وفلان، ويصف هذا بأنه باطل، وأن فلاناً كلامه غير صحيح؟ A هذه من الأمراض التي يشيعها الشيطان بين الناس، فإذا رأى الشاب الملتزم الذي يحفظ نفسه، ولا ينظر إلى الحرام، ولا يسمع الأغاني وغير ذلك، استعمله في طريق ثانٍ وهي: شغله بأكل لحوم العلماء والنيل من المشايخ، وتتبع سقطات الصالحين وتضخيم أخطائهم، وكأنه جندي من جنود إبليس، وهذا لا يجوز في شرع الله، غيبة المسلم حرام، وغيبة العلماء أشد حرمة، فإن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في الذين ينالون منهم معلومة، وما رأينا إنساناً تتبع لحوم العلماء بالجرح والثلب والتنقص إلا نكبه الله في الدنيا قبل لآخرة والعياذ بالله، فنوصي طلبة العلم والفضلاء أن ينصرفوا إلى الدعوة، وإذا رأوا في إنسان من الصالحين أو من الطيبين خطأ أو معصية أو تقصيراً فالناس كلهم خطاءون، من ذا الذي لا يخطئ؟ فالكمال لله عز وجل. وعليك أن تنصح هذا الشخص المخطئ بالاتصال الهاتفي، أو بالرسالة البريدية، أو بالمواجهة الشفوية، وتقول: يا شيخ أنت قلت كذا -مثل هذا الأخ جزاه الله خيراً الذي كتب لي هذه الورقة وقال لي: أنت قلت كذا وكذا- وهذا حق ليس فيه شيء، ونحن نقبل النصيحة -أيها الإخوان- فالذي يريد أن يكون كاملاً كذاب، والمعصوم هو الرسول صلى الله عليه وسلم، والعاصم هو الله تبارك وتعالى، فما ينبغي للإنسان أن يتتبع سقطات الناس، ولا أن يتخذ لحومهم غرضاً، فيتكلم فيهم في المجالس، ويضع من قدرهم بحجة أنه متدين. إن التدين الحقيقي هو الذي يبعثك على العمل للإسلام لا على النيل من العاملين للإسلام. نختم -أيها الإخوة- بالدعوة إلى التبرع لإخواننا في جميع ديار المسلمين، وهذه رسالة جاءتني من الندوة العالمية للشباب الإسلامي، وهي ندوة مباركة تقوم بخدمة الأمة الإسلامية في كافة أنحاء العالم بما لها من برامج دعوية، وأنشطة ووسائل توعوية، وأمور إغاثية، ومخيمات شبابية، وهي تطلب منكم مد يد العون والمساعدة لتستمر في مواصلة الخير، والعمل الصالح لخدمة الإسلام والمسلمين. أسأل الله لي ولكم التوفيق ولهم الإعانة، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

العمل الصالح وأهميته

العمل الصالح وأهميته بدأ الشيخ ببيان أن العمل في الدنيا هو الذي يحدد نوع الجزاء في الآخرة، ثم ذكر بعض الأمور المعينة على بذل أسباب النجاة في الآخرة، وذكر منها: التدبر في قصص القرآن الكريم والسنة النبوية، وأورد قصة آدم مع إبليس، وكذلك قصة نوح مع قومه، ثم حذر من الفهم الخاطئ لبعض المفاهيم الشرعية، وبين أن ذلك يؤدي إلى التقصير والتهاون في العمل لأجل نيل مرضاة الله في الآخرة.

مبدأ الثواب والعقاب الإلهي

مبدأ الثواب والعقاب الإلهي الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الإخوة في الله: لقد رتب الله عز وجل الجزاء في الدنيا والآخرة على فعل المكلف، وجعل مدار السعادتين في الدنيا وفي الدار الآخرة نتيجة سلوك الإنسان، وزود الإنسان بالإمكانات التي تعينه على سلوك طريق الخير باختياره، أو سلوك طريق الشر باختياره، وأقام الحجة على الخلق ببعثة الرسل، وبإنزال الكتب، قال تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165] وفطر الإنسان على فطرة الدين، والأرض القابلة لاستنبات الدين هي: الفطرة، يقول عليه الصلاة والسلام: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) ولم يقل: يمسلمانه؛ لأنه مسلم بالفطرة، وفي حديث آخر في صحيح البخاري وهو حديث قدسي، يقول الله عز وجل: (إني خلقت عبادي حنفاء -أي: مستقيمين- فاجتالتهم الشياطين).

ترتيب الجزاء الأخروي على كسب الإنسان الدنيوي

ترتيب الجزاء الأخروي على كسب الإنسان الدنيوي إن المتأمل لآيات الكتاب الكريم ولأحاديث الرسول صلوات الله وسلامه عليه يجد هذا واضحاً، بل يذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه الجواب الكافي أن هذا واضح في أكثر من ألف موضع في القرآن الكريم، وهو أن الله دائماً يرتب الجزاء على فعل الإنسان. قال عز وجل: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ} [الزخرف:55] فلا يحصل شيء من العبد إلا ويحصل له جزاء، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، يقول عز وجل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41] فظهر الفساد في البر والبحر: فساد في الهواء، والماء، والثمار، وكل شيء بكسب العباد، فتتأثر جميع المخلوقات بكسب الإنسان {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} [الروم:41] وإلا لو أذاق الله العباد كل ما عملوا ما بقي على ظهرها من دابة، ولكن الله حليم يمهل ولا يهمل، ويقول عز وجل: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [يونس:26 - 27] فهذه آية توضح أن القضية قضية كسب، فاكسب خيراً؛ تربح، واعمل سيئات؛ تحسب عليك، فلا يأخذ ذنوبك غيرك، ولا يأخذ حسناتك غيرك، يقول الله عز وجل: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:31] ويقول عز وجل: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * ذَوَاتَا أَفْنَانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} [الرحمن:46 - 52] في الجنة من كل فاكهة زوجان {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} [الرحمن:53 - 54] جنى أي: ثمر، فثمر الجنان دان، وأنت جالس يأتيك الثمر في مجلسك، وحين تقوم يقوم معك، وحين تمشي يمشي معك، فأينما اشتهيته وجدته {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:55 - 56] نساء الجنة قاصرات الطرف، فقد قصرت طرفها على زوجها فلا تطمع في سواه، ولم يطمثها قبله أحد، فهي نظيفة مبرأة، وبعد ذلك يقول الله عز وجل في وصفهن: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن:57 - 58]. حورياتك في الجنة وزوجاتك -يا عبد الله- مثل الياقوت والمرجان، فتصور امرأة مثل الياقوتة، كيف يكون وضعها؟ الآن أقل قطعة من الياقوت أو المرجان قيمتها مبالغ طائلة، وحجمها لا يتعدى رأس الإصبع، فكيف تريد ياقوتاً أو مرجاناً بلا قيمة؟ لا. ثم قال عز وجل: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ} [الرحمن:59 - 60] وهذا الشاهد من الآيات، هل جزاء إحسانهم في الدنيا إلا إحسان الله لهم بالثواب العظيم في الجنة. في الآية التي تلوتها عليكم يقول الله فيها: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا} [يونس:26] أي: أحسنوا في عقيدتههم فكانت خالصة من الشرك، وأحسنوا في عقيدتهم فكانت صافية من شوائب البدع والخرافات؛ لأن العقيدة لا بد أن تكون صافية من أمرين: ليس فيها شرك ولا بدعة ولا خرافة، وإنما خالصة: توحيد لله، واتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد ذلك أحسنوا في عبادتهم، فيعبدون الله على أفضل صورة، وأحسنوا في سلوكهم، وأخلاقهم، وتعاملهم، فماذا يحصل لهم وهم محسنون؟ قال الله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} [يونس:26] ما هي الحسنى؟ قال العلماء: الحسنى هي: الجنة، والدليل: أنها جمعت كل شيء حسن، فكل ما خطر في بالك مما يتصوره عقلك ويذهب إليه خيالك من جميع الملذات والنعم، ففي الجنة أعظم منه، ويكفيك أن الله يقول: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17] وليس بما كانوا يلعبون، أو يسمرون، أو يضيعون، لا. {بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17] فقد قطعوا لياليهم وأيامهم في طاعة الله، فيقول الله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} [يونس:26] أي: الجنة، واحدة بواحدة، لكن بقي مكسب؟ ما هو؟ قال: (وزيادة)، فما هي الزيادة؟ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنها النظر إلى وجه الله الكريم)، وهو أعظم نعيم يحل بأهل الجنة، وهل أعظم من أن تمتع بصرك بالنظر إلى وجه ربك وخالقك؟! الآن إذا جاء ملك أو وزير أو أمير، ومر من شارع أليس يتدافع الناس ويتسابقون، ويقفون في الشوارع يريدون أن يروه إذا مر، ويريدون أن يروا وجهه إذا عرض، لماذا؟ لأنه صاحب فضل عليهم، وهل هناك صاحب فضل أعظم من فضل الله عليك؟ خلقك من العدم، ورباك بالنعم، وأوجدك من لا شيء، ثم أرسل لك رسوله، وأنزل عليك كتابه، وهيأ لك جنته، ودعاك إلى عبادته، ثم سرت في طريقه حتى أسكنك جنته، وبعد ذلك وأنت في الجنة يتم عليك نعمته بأن تنظر إليه. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت يا حي يا قيوم! يا فارج الهم! يا كاشف الغم! يا أرحم الراحمين! نسألك باسمك الأعظم الذي إذا سئلت به أعطيت، وإذا دعيت به أجبت، أن تمتعنا وآباءنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا وجميع إخواننا المسلمين بالنظر إلى وجهك الكريم في الدار الآخرة، وأن تعتق رقابنا من النار، إنك ولي ذلك والقادر عليه. قال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] وهذه الزيادة تأتي بعد تطمين الله لأهل الجنة، بأنهم يمرون على النار {وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ} [يونس:26] والقتر هو: الإحراق، فإحراق النار يأتي منه قترة وعذاب شديد {وَلا ذِلَّةٌ} [يونس:26] والذلة هي: الخزي؛ لأن عذاب النار ينقسم إلى قسمين: عذاب مادي وهو: الإحراق، وعذاب معنوي وهو: الذلة والانكسار الذي يحصل للإنسان في النار. والنار كلها سيئة -نعوذ بالله وإياكم من النار وما فيها من العذاب- قال تعالى: {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [يونس:26].

جزاء من كسب السيئات في الدنيا والآخرة

جزاء من كسب السيئات في الدنيا والآخرة {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ} [يونس:27] وهل السيئات مكسب؟ قال العلماء: ليست مكسباً، ولكن من باب التهكم والسخرية، فيسخر الله منهم ويتهكم بهم. فهؤلاء المغفلون الذين عاشوا ستين أو سبعين سنة وهم يحملون ويكسبون على رءوسهم سيئات، فيكسب أحدهم من عينه سيئات فينظر إلى ما حرم الله، ويكسب من أذنه سيئات فيستمع إلى الأغاني وما حرم الله، ويكسب من لسانه سيئات فيتكلم في الغيبة والنميمة والسب والشتم واللعن وشهادة الزور ويمين الفجور، ويكسب من بطنه سيئات فيأكل ما حرم الله، ويكسب من فرجه فيقع في الزنا واللواط وما حرم الله، ويكسب من يده فيبطش فيما حرم الله، ويكسب من رجله فيمشي إلى ما حرم الله، فهذا يكسب ويجمع، فماذا يجمع؟ يجمع سيئات. وأين تذهب السيئات؟ أتذهب إلى غيرك أم إليك؟ بل إليك، فأنت الذي أتيت بها، فهل نعطي الجماعة وهم ما فعلوا منها شيئاً؟ لا والله، فما معك إلا الذي معك، يقول الله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت:46] وعندنا مثل في الجنوب -ويمكن أن أكثركم من أهل الجنوب- يقول: (ما غبر صبيح فعلى قرنه)، وصبيح عندنا هو: الثور، وسمي صبيحاً؛ لأن في جبهته بياضاً، فإذا جاء صبيح هذا إلى الحقل أو الزرع جاء إلى الجثوة، والجثوة هي: الدمن، أي: السماد الطبيعي، فيأتي يغرس قرنه ويخوض معركة مع الجثوة، ويأخذ هذا السماد وينطح به في السماء، ويحسب أنه يغبر على القبيلة وهو يغبر على رأسه. وكذلك نحن نقول لصبيح المعاصي من البشر، نقول: يا صبيح المعاصي! ما عصيت من معصية فعلى قرنك، والله ما تضر أحداً، وما تضر الدولة، ولا الجماعة، ولا أمك، ولا أبوك ولكن تضر نفسك. فإن كنت تحب نفسك؛ فتوقف عن المعاصي، وإن كنت تكره نفسك؛ فزود، قال تعالى: {بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة:14]. قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ} [يونس:27] فماذا نعطيهم؟ أنعطيهم حسنات؟ معقول؛ لأن الذي يعمل السيئات ويتصور أن الله سيعطيه حسنات فهذا يتهم الله بأنه لا يعرف كيف يجازي عباده، لا. قال: {جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} [يونس:27] خذ سيئة وأعط سيئة فليس هناك غير ذلك، وبعدها قال تعالى: {وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} [يونس:27] فلا يمنعهم من الله أحد. وقد يقول شخص: أنا صاحب سيئات، ولكن عندي من يمنعني: فعندي جاه، وسلطة، وقوة، ومال، أيمنعك ذلك من ربي؟ والله لا يمنعك من الله أحد، ولكن الله يمنعك من كل أحد؛ لأن الله غالب على أمره، والتاريخ موجود أمامنا، فهل استطاع فرعون الذي ادعى أنه الرب ويقول: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] هل امتنع من الله؟ أبداً. النمرود الذي يقول لإبراهيم: ادع ربك أن يخرج لي في الميدان، أريد أن أحارب ربك، فأين هو النمرود؟ ذهب، سلط الله عليه بعوضة دخلت من أنفه واستقرت في دماغه، وصارت تنتفض حتى ضربه عبد من عبيده في رأسه فشطره إلى نصفين وسقط نصف جناح البعوضة، فقال الله لها: أتريدين دية، أم تريدين جناحك؟ قالت: أريد دية، فكم الدية؟ قال: الأرض من يوم أن خلقتها إلى يوم أن أفنيها. قالت: لا، بل أريد جناحي. وجاء في الحديث: (لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء). فمن يمتنع من الله؟ لا أحد. يقول الله: {مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} [يونس:27] ثم بين الله عز وجل حال وجوههم يوم القيامة، فأهل الإيمان -جعلنا الله وإياكم منهم- لا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة، وجوه مبيضة، ومسفرة، ضاحكة مستبشرة، فرحة بلقاء الله، تفرح بأن الله أنجاها من النار ووعدها بالجنة. لكن أولئك قال الله فيهم: {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً} [يونس:27] الله أكبر! لا إله إلا الله! كيف يكون وجهه وليس قطعة بل قطع من الليل البهيم الأسود؟ قال تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران:106] تبيض وجوه أهل الإيمان والعمل الصالح، وتسود وجوه أهل الكفر والنفاق والفجور والمعاصي والعمل السيئ، قال تعالى: {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [يونس:27].

ميزان الفلاح في الآخرة

ميزان الفلاح في الآخرة أيها الإخوة: من كان يريد السعادة والفوز والفلاح؛ فلا بد له من أن يتأمل هذه القضية، وألا يتكل على شيء، إلا على رحمة الله، ثم إيمانه وعمله الصالح. أما الاتكالات والمغالطات -والتي سوف آتي بها إن شاء الله في هذا الدرس- فنريد أن نضعها جانباً، وأن نعمل؛ لأن الميدان ميدان عمل، يقول الله: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ} [الملك:2] أكثر أموالاً، أو أرفع رتبة، أو أكبر جسماً، أو أقوى عضلاً كل هذا لا قيمة له. تعال إلى صاحب أكبر رتبة في الدنيا إذا مات، وقل له: كيف أنت في رتبتك؟ يقول: لا شيء. تعال إلى أكبر تاجر في الدنيا وعنده المليارات واسأله وقد وضع في التراب، وخرج من الدنيا، وليس معه إلا قطعة قماش من ماله كله، وقل له: ماذا نفعك المال؟ سيقول: لا شيء. تعال لصاحب العضلات، والقوة، والرياضة، إذا لف في أكفانة ووضع في التراب، واسأله: أين عضلاتك؟ يقول: لم تغن عني شيئاً، فما الذي ينفعك هناك؟ قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] ويقول: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الكهف:7] فالقضية قضية عمل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لـ فاطمة: (يا فاطمة! سليني من مالي ما شئت، لا أغني عنك من الله شيئاً، فلا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتيني بالنسب) فلا ينفع النسب، يقول الله: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المؤمنون:101 - 102] فبم تثقل الموازين يوم القيامة؟ وما هي العملة الدارجة؟ وما هي الوحدة الوزنية يوم القيامة؟ فوحدة الكيلو، ووحدة الذهب، والريالات، والعمارات، والوظائف، والزوجات، والألوان، والجنسيات، كل هذه لا تنفع، فليس هناك إلا وحدة واحدة ربانية هي: العمل، قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] فهذا الذي يوزن به الناس. ولو كان عبداً حبشياً كأن رأسه زبيبة! ولو كان عبداً حبشياً، فـ بلال عبد حبشي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لأسمع قرع نعليك في الجنة يا بلال!) وأبو لهب بن عبد المطلب قرشي هاشمي، وهو عم الرسول، يقول الله فيه: {تَبَّتْ} [المسد:1] أي: خسرت وخابت {يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1] لماذا؟ {مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا} [المسد:2 - 5] أي: في عنقها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ، فلماذا ارتفع بلال الحبشي إلى أن أصبح سيد الصحابة؟ يقول عمر رضي الله عنه: [أبو بكر سيدنا وأعتق بلالاً سيدنا] عمر المخزومي الهاشمي القرشي يقول: إن بلالاً سيده. ولماذا أصبح أبو لهب واسمه عبد العزى، أي: عبد الإله الذي كان يعبده الكفار، وسمي أبا لهب تشاؤماً، أي: أبو النار، فله نصيب منها قبل أن يدخلها، ومع أنه قرشي هاشمي، فلماذا تبت يداه؟ بسبب العمل، فليس عنده شيء من مؤهلات الآخرة.

التدبر في القصص القرآني

التدبر في القصص القرآني الذي يريد النجاة يلزمه أن يتدبر هذه القضية، ويلزمه بعد التدبر أمران: الأمر الأول: أن يمعن النظر في القرآن الكريم وفي السنة المطهرة، وأن يستقرئ التاريخ بدءاً بخلق آدم، وأمر الملائكة بالسجود له، وطاعة الملائكة وعصيان إبليس، وما ترتب على طاعة الملائكة وما ترتب على عصيان إبليس، ونهي الله لآدم من أكل الشجرة، وما ترتب على المخالفة من خروجه من الجنة، وتوبته بعد أن نزل إلى الدنيا، وما ترتب على التوبة من رجعته إلى الجنة. ثم خذ الرسل والأنبياء، فقصصهم تاريخ واضح أخبرنا الله به في كتابه عز وجل، تقرءوه كأنما ترى القضايا مفصلة؛ لأن العرض القصصي في القرآن عرض واضح وأخاذ وجذاب، فتجده في سورة الأعراف بشكل، وفي سورة يونس بشكل، من أجل أن يعطيك عدة مناظر للحادثة، فتخرج كأنما هي مصورة أمامك.

قصة آدم عليه السلام مع إبليس

قصة آدم عليه السلام مع إبليس يقول الله عز وجل للملائكة: {وإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:30] وبعد ذلك علم آدم الأسماء كلها، وبعد ذلك أمر الملائكة بالسجود له فقال: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [ص:71 - 73] والملائكة الذين سجدوا هم عباد الله الذين يطيعون الله، ويسبحونه بالليل والنهار لا يفترون، لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فبطاعتهم ظلوا ملائكة مقربين عند الله عز وجل، إلا واحداً، وهو إبليس. ولهذا فالطائعون في الأرض قدوتهم الملائكة، والعصاة قدوتهم إبليس، فهو المدير العام للعاصين، فإذا أردت أن تصير مع المدير العام فاعص الله. وبعد ذلك ماذا كانت معصية إبليس؟ طلب منه أن يسجد: {قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} [الحجر:33 - 34] يقول ابن القيم: يا قليل العزم! إبليس طرد من الجنة بذنب، وأنت عند الباب وعندك ألف ذنب تريد أن تدخل، وأبوك أخرج من الجنة وهو من أهلها بذنب، وأنت خارجها وعندك ألف ذنب. فلا يمكن ذلك. فلا بد من المراجعة مع هذه النفس الأمارة بالسوء. فلما رفض أن يسجد، والله عز وجل لا يعصى، فهل يعصى الملك في مملكته؟ أبداً، إذا صدر أمر من أي ملك أو رئيس دولة في مملكته؛ لزم الشعب تنفيذ أمره. وهل يعصى المدير في إدارته؟ هل يعصى الرجل في بيته؟ لا. فهل يعصى الله في خلقه، وسماواته وأرضه؟ لا يعصى. لكن إبليس عصى، وقال: لا أسجد. ولماذا لا تسجد؟ {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص:76] والنار تأكل الطين وهذا قياس فاسد؛ لأن النار وسيلة إحراق، والطين وسيلة إعمار، فقال الله له: {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ * قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الحجر:34 - 36] يريد أن يستوفي {قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر:37 - 39] لا إله إلا الله! {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر:40] الذين تشرفوا بعبوديتهم لك، فهؤلاء لا أقدر عليهم، قال الله له: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر:42] لا تقدر عليهم، فهم في جنابي، ولاذوا بحماي، فليس لك عليهم سلطان، إلا من اتبعك، والذي يأبى إلا أن يمشي وراءك، وتوسوس له بالشر فيطيعك؛ فإن جنهم موعدهم أجمعين {إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر:42] {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف:18] أي: ستساق أنت ومن معك إلى جهنم. لماذا؟ لأنهم ما تشرفوا بالعبودية لله عز وجل، فلما خرج إبليس من الجنة رأى أن المسألة فيها لعنة وطرد والسبب آدم، فجاء إليه ووسوس له: {وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف:20] وقال له: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ} [طه:120] وهي في الحقيقة شجرة الخروج لا الخلد. لكن انظر كيف قلب الحقائق، فجعل الأبيض أسود، فشجرة الخروج يقول عنها: إنها شجرة الخلد، فمثلاً حين يأتي الشيطان إلى الشخص الهادئ الجالس، فيقول له: أتريد أن ترى الدنيا؟ فأنت مهموم وعندك وساوس وأفكار. قال: نعم. قال: أتريد أن تنشرح وترى الدنيا كلها؟ قال: نعم. قال: خذ هذه الحبة، أو هذه الجرعة من (الكوكايين) أو المخدرات، فسترى الدنيا كلها. فإذا أخذ الجرعة وإذا برأسه يدور، وبعد فترة وإذا به مروج للمخدرات، وماذا بعد ذلك؟ قبضوا عليه، وأخرجوه، ونسفوا رأسه. فمن الذي ورطه في هذا؟ إبليس ورطه كما ورط أباه، فقال: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} [طه:120] فمسكين آدم عليه السلام أحسن الظن بالشيطان؛ لأنه حلف له. قال الله: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:21] * {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} [الأعراف:22] أي: بكيد وخديعة ومكر، فما كان آدم يتصور أن أحداً يحلف بالله كاذباً، فصدق الشيطان، ولهذا لا تصدق الشياطين من الإنس، فقد يأتي ويحلف لك: والله إني أريد مصلحتك، فهذا شيطان، يريد أن يدليك كما دلى أباك -والعياذ بالله-. وبعد ذلك رجع آدم عليه السلام، قال الله: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه:121] * {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه:122] ثم بقيت سلسلة العمل بالخير والشر ممثلة في الناس إلى يوم القيامة، وتأتي نتائج الناس وثمرات أعمالهم واضحة.

قصة نوح عليه السلام مع قومه

قصة نوح عليه السلام مع قومه هاهو التاريخ أمامنا بدءاً بنوح عليه السلام، والذي بدأ دعوته في أمته ومكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، ومارس معهم جميع وسائل وأساليب الدعوة سراً وجهاراً، ليلاً ونهاراً، وبعد ذلك ذكرهم بنعم الله، وقال: إن الله أعطاكم ومنَّ عليكم ورزقكم، فاشكروا الله عز وجل: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً * مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً * وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنْ الأَرْضِ نَبَاتاً * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ بِسَاطاً * لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً} [نوح:10 - 20] وبعد مزاولات وممارسات طويلة ومتنوعة في سبيل هدايتهم، رفضوا، قال عز وجل: {قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً} [نوح:21] {إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً} [نوح:5] * {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلاَّ فِرَاراً} [نوح:6] * {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [نوح:7] فإذا جاء ووقف بينهم وهم جالسون في مجموعات، وقال: اتقوا الله، واعبدوا ربكم، قالوا: ماذا تقول؟ ويجعلون أصابعهم في آذانهم، وبعد ذلك يأخذ الواحد منهم ثوبه أو إزاره ويغطي وجهه، ويقول: لا أريد أن أراك، ولا أريد أن أسمع كلامك {وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ} [نوح:7 - 9] أي: دعوتهم دعوة جهرية على الملأ {وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً} [نوح:9] إلى آخر الآيات. وبعد ذلك قال وقد دعا الله: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً} [نوح:26] لكن ما قالها نوح -كما يقول المفسرون-: إلا بعد ممارسة؛ لأن بعض الناس الآن يدعو إلى الله مرة واحدة، فإذا لم يجد استجابة، يقول: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً} [نوح:26] يقول: أخي هذا ليس فيه خير، أو أبي هذا شرير ليس فيه خير، أو زوجتي هذه ليس فيها خير، كم سنة دعوتها؟ أدعوتها سنة، أو سنتين، أو ثلاثين سنة، أو تسعمائة وخمسين سنة؟ قال: لا. كلمتهم في الدين فرفضوني، عجباً: إنها قضية مسلمة، كيف تريد من شخص يعيش على المعاصي مدة ثلاثين سنة أن تكلمه كلمة واحدة فيرجع إلى الله؟ شخص قضى من عمره في المعاصي يحتاج منك دعوة مدة ثلاثين سنة حتى يرجع إلى الله، أما بمجرد كلمة فلا يمكن أن تغير الناس بهذه الطريقة وبهذا الأسلوب وبهذه السهولة، فلا بد من الصبر، والمعاناة، وتغيير الأساليب، والتفنن والتنويع، حتى يهديه الله عز وجل، يقول الله: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف:35]. فنوح عليه السلام ما قصر في دعوته، فقد مكث تسعمائة وخمسين سنة لا تشغله إلا الدعوة إلى الله، ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً، بكل الأساليب، وبعد بذل الأسباب، وبعد معرفةٍ وصبرٍ وخبرة في أن هذه النوعية من البشر نوعية خبيثة لا يمكن أن تهتدي، قال: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً} [نوح:26] لماذا؟ قال: {إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ} [نوح:27] من هم عباده الذين أسلموا؟ وكم عدد الذين أسلموا؟ قضى من عمره تسعمائة وخمسين سنة، فكم ثمرة هذه الدعوة؟ في أصح الروايات: أنهم بلغوا اثنا عشر رجلاً، فيقول نوح وهو خائف عليهم: يا رب! إذا ما أهلكت أولئك الكفار، فإن هؤلاء الاثني عشر سيضلون؛ لأن أولئك عندهم بالليل والنهار ليضلوهم: يا رب! نجّ هؤلاء الاثني عشر، أما البقية فأغرقهم ودمرهم، ولأنه لا يتصور أنه سيأتي منهم نسل طيب، قال: {وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً} [نوح:27] فهم سيئون وأولادهم فجرة كفار. عندها استجاب الله عز وجل دعوته، فقال الله عز وجل له: {اصْنَعِ الْفُلْكَ} [المؤمنون:27] وكان يصنع الفلك في صحراء وليس في بحر {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ} [هود:38] قالوا: ما هذه يا نوح؟! قال: هذه فلك، قالوا: أين البحر يا نوح! أتصنع فلكاً في الصحراء؟ فسخروا منه، وقالوا: تعالوا وانظروا إلى نبيكم هذا، أليس مجنوناً؟ أيصنع سفينة في الصحراء؟! ولكن كان عنده ثبات على دينه وعقيدته، وكان يقول: {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} [هود:38] * {فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [هود:39] فاضحكوا الآن، لكن فيما بعد سترونها تجري في البحر. هكذا أهل الإيمان يثبتون على دينهم ولا يتزعزعون لمجرد سخرية أهل الباطل، فأهل الباطل يسخرون منك، إذا رأوك أعفيت لحيتك، قالوا: (أوه مطوع معه لحية) فقل: نعم. مطيع لله، وأقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم. لكن بعض الناس إذا قيل له: (مطوع) سكت وذهب يحلقها، تقول له: ماذا بك؟ قال: يا شيخ! كل من رآني قال: (مطوع) لا إله إلا الله! ألا تصبر على كلمة مطوع؟ والصحابة حلقوا رقابهم في سبيل الله، وأنت لا تصبر على كلمة (مطوع) أتريد الجنة وأنت لا تصبر على كلمة واحدة؟ فأين الإيمان؟ لا إله إلا الله! ولما انتهى من صنع الفلك، قال الله عز وجل له: {فَاسْلُكْ فِيهَا} [المؤمنون:27] أي: أركب جماعتك، خذ معك {مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} [المؤمنون:27] من جميع المخلوقات: من الحيوانات، والسباع، والطيور؛ لأن الأرض ستنتهي كلها. فالحياة فنيت في عهد نوح إلا من ركب السفينة، وما بقي في الأرض أحد من الناس، والطيور والهوام والسباع والوحوش. فأخذ معه من كل زوجين اثنين ذكر وأنثى، من أجل أن يستمر التوالد وتستمر الحياة. وبعد ذلك قال الله عز وجل: {وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} [المؤمنون:27] وبعد ذلك ركبوا في السفينة، ولما استقروا فيها، قال الله عز وجل: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} [القمر:11] * {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً} [القمر:12] أي: فجر الله الأرض عيوناً، وحتى التنور الذي يوقد فيه النار، هل يتوقع أن يخرج منه ماء؟ فيصبح مكان النار ماءً؟ قال الله عز وجل: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ} [هود:40] فار التنور بالماء، قال الله عز وجل: {فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر:12] أي: فالتقى ماء السماء مع ماء الأرض على أمر قد قدره الله {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} [القمر:13] الدسر أي: المسامير {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} [القمر:14] هذه السفينة سفينة ربانية لا تجري بالذرة، ولا بالفحم الحجري، ولا بالديزل ولا بالبنزين {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} [القمر:14]. وبعد ذلك يشفق نوح وتنتابه عاطفة الأبوة، ويقول لربه عز وجل: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود:45] وأنت قد قلت: وأهلك، ظن نوح أن الأهلية هنا: أهلية النسب، وأنه جمع أولاده وما علم أن الأهلية هي: أهلية العقيدة والدين، فقال: {إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} [هود:45] وأنت وعدتني بنجاة أهلي، وولدي رفض أن يركب، وقلت له: {ارْكَبْ مَعَنَا} [هود:42] قال: {سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} [هود:43] فيا رب! لا تغرقه؛ لأنه من أولادي، قال الله: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود:46] فما الذي أهلكه؟ عمله الغير صالح، وما الذي نجى نوحاً والاثني عشر معه؟ العمل الصالح. فتدمير وإغراق كامل للكون والحياة من أجل الكفر، وإعمار ونجاة لسفينة تجري بعين الله من أجل الإيمان والعمل الصالح، ثم بعد نوح خذ سلسلة الأنبياء: فرعون وما عمل الله به من إغراق، فروحه إلى النار، وجسمه إلى الغرق، فقصة هود مع قومه، وصالح مع قومه، وشعيب مع قومه، وموسى مع بني إسرائيل وفرعون، وعيسى مع قومه، ومحمد صلى الله عليه وسلم مع الكفار في مكة، فماذا حصل لأقوامهم؟ دمر الله عليهم. في غزوة بدر الفاصلة، وقف النبي صلى الله عليه وسلم على القليب؛ وهو حفرة فيها مجموعة من رءوس الكفر عقبة بن أبي معيط وأبو جهل وأمية بن خلف، وهم الرءوس الكبار، فوقف عليهم وقال: (هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً، أما أنا فقد وجدت ما وعدني ربي حقاً، فقال الصحابة: يا رسول الله! أتخاطب قوماً قد ماتوا؟ قال: والذي نفسي بيده! إنهم لأسمع لكلامي منكم) فما الذي ذهب بهم إلى

استعراض القرآن لنتائج الأعمال

استعراض القرآن لنتائج الأعمال ثم استعرض بعد ذلك كلام الله عز وجل فيما يتعلق بالأعمال، من أول البقرة إلى آخر الناس، تجد باستمرار أنه ليس هناك شيء يحصل إلا بالعمل، قال الله عز وجل من أول البقرة: {آلم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:2 - 5] فبماذا كانوا على هدىً من ربهم ومفلحين؟ بست خصال: يؤمنون بالغيب، ويقيمون الصلاة، وينفقون، ويؤمنون بما أنزل إليك، ويؤمنون بما أنزل من قبلك ويوقنون بالآخرة، فهذه خصالهم التي استحقوا بها أن يكونوا من أهل الهدى والفلاح في الدنيا والآخرة. ثم انتقل بعدهم إلى الكفار، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:6] لماذا؟ {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة:7] لماذا ختم الله عليهم؟ قال: لأنك لو أنذرتهم أو لم تنذرهم لا يؤمنون، فلا ينفع فيهم، قلوبهم مقفلة ومنكوسة -والعياذ بالله-. ثم جاء على المنافقين، وهم: الذين يلعبون على الحبلين، فيأخذون من الكفر أعماله، ويأخذون من الدين أقواله، والقول لا ينفع من دون عمل، قال الله: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:8 - 10]. ثم استمر في العرض، فتأتي بأول سورة الأنفال، يقول الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال:2 - 4] ويقول الله عز وجل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} [التوبة:71] فانظروا متى جاءت الرحمة؟ جاءت بعد هذه الأعمال الخمسة: يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة، ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم الله. ويقول في أول سورة المؤمنون: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:1] بماذا أفلحوا؟ {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المؤمنون:2 - 5] إلى آخر الآيات. المهم، لو استعرضت معكم كل القرآن على هذا النحو، نرى أن الله يرتب الجزاء على فعل العبد.

استعراض السنة لنتائج الأعمال

استعراض السنة لنتائج الأعمال نأتي إلى السنة، وهي الوحي الثاني، التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي) وقال: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي) وقال: (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك: كتاب الله وسنتي) وقال: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه) أي: السنة، فهذه السنة تأتي فيها فتجد الأحاديث فيها شاملة، وملفتة للنظر، فكل شيء مرتب على الإيمان والعمل الصالح، فأحياناً يكون العمل واحداً لكن القصد يختلف؛ فتختلف النتيجة. في الصحيحين من حديث عمر رضي الله عنه، لما هاجر الصحابة إلى المدينة هاجر أناس لهم أغراض، فشخص هاجر من أجل أن يتزوج أم قيس، وشخص هاجر من أجل تجارة، قال: الناس ذهبوا وأنا سوف أذهب أبيع وأشتري معهم، وهم في الظاهر مهاجرون. ولكنهم في الباطن مختلفين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) فهذا ذهب يريد أن يتزوج؛ فيقال له: تزوج، ولكن ليس لك شيء عند الله، وهذا ذهب يتاجر؛ فيقال له: تاجر، لكن ليس له شيء عند الله. لكن هذا ترك ماله وخرج من بيته مهاجراً إلى الله، هذا له الشيء العظيم عند الله عز وجل. وهكذا كل الأحاديث على هذا النحو. وأذكر لكم حديثاً واحداً فيه عبر، وهو حديث في الصحيحين، قال عليه الصلاة والسلام وهو يحكي لنا خبر من كان قبلنا من الأمم، قال: (كان فيمن كان قبلكم من الأمم ثلاثة، خرجوا في سفر، فآواهم المبيت إلى جبل، فدخلوا في غار ليبيتوا، وحينما ناموا، انطبقت عليهم صخرة من الجبل فسدت عليهم باب الغار، فلا يستطيعون الخروج) ولا يوجد هاتف ولا دفاع مدني، ولا يوجد إلا صخرة لا يزحزحها إلا مئات الرجال، فما يفعل لها ثلاثة نفر؟ لا يقدرون على شيء، فكان أحدهم عاقلاً فقال: (إنه لا ينجيكم مما أنتم فيه إلا الله، فادعوا الله بصالح أعمالكم) الله أكبر! لو تقال هذه الكلمة لنا -أيها الإخوة- أو لو يحصل هذا لي أو لكم -ولا ننفي الخير عن العباد، ولكن هذا حال معظمنا- ماذا نقول لله عز وجل؟ وبإي شيء ندعو الله؟ لا إله إلا الله! فالأول وقف، وسأل الله، قائلاً: (اللهم إنه كان لي ابنة عم وكنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، وراودتها مراراً وكانت تمتنع عليَّ وآوتها الحاجة يوماً إلى الاقتراض مني، فقلت لها: لا أعطيك حتى تخلي بيني وبين نفسك، فأطاعته مضطرة لا مختارة، يقول: فلما قعدت منها مقعد الرجل من زوجته، قالت لي: يا هذا! اتق الله) الله أكبر! هذه الكلمة ما أعظمها في القلوب المؤمنة، هذه الكلمة تهز القلوب من الداخل، كان عمر إذا قيل له: اتق الله يمرض أسبوعاً، لكن من الناس من تقول له: اتق الله، فكأنك نفخته {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:206] فهذا المنتفخ تكفيه جهنم، قالت له: (يا هذا! اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، قال: فقمت وتركتها) وطبيعي أن هذه القضية -أيها الإخوة- سهلة في الذهن، ولكن في التطبيق العملي لا يعملها إلا من كان عنده من الإيمان مثل الجبال الراسيات؛ لأنه في تلك اللحظات يضيع العقل، ويعمى البصر، وتطغىالشهوة على الإنسان، وينسى حتى النار، وينسى الله، ولا يستحضر أن الله يراه. لكن هذا مؤمن، لما سمع كلمة اتق الله، غلبت عليه مخافة الله وطغت على شهوته، وألغى حبه، ورغبته في ممارسة الجريمة، قال: (اللهم إن كنت تعلم أني تركتها من أجلك فارفع عنا ما نحن فيه، فتحركت الصخرة) من الذي حركها؟ الله، وذلك بسبب العمل، لكنهم لا يستطيعون الخروج، فرأوا النور ولكن الفتحة صغيرة فلا يستطيع أحد أن يخرج. فقام الثاني وقال: (اللهم إنه كان لي أبوين كبيرين في السن، وكنت لا أغبق قبلهما زوجة ولا ولداً -أي: ما أعطي لبناً ولا عشاء لأحد قبلهم- ورعيت يوماً إبلي فنأى بي المرعى بعيداً -يعني: ما وجدت مرعىً إلا في مكان بعيد- يقول: ثم عدت آخر الليل وقد ناما، فحلبت غبوقهما -أي: اللبن- وكرهت أن أوقظهما، وجلست واقفاً على قدمي والقدح في يدي، وحولي صبية يتضاغون من الجوع -أولاده يبكون من الجوع- فقلت: والله لا أغبقكم إلا بعدهما، حتى برق الفجر) لا إله إلا الله! طول يومه وهو على رجله يرعى؛ لأن الرعي ليس سهلاً، وأشق مهنة هي: مهنة الرعي، فلا يجلس لحظة إلا ويطرد ويحد ويعد، وحين رجع لم ينم، بل ظل واقفاً، ولو أيقظهما للعشاء لما أزعجهما، لكنه حساس، وله قلب عظيم، وعنده تقوى، وبر، فيقول: لا أيقظهما من النوم، ولا أعطي أولادي قبلهما، فترك امرأته وأولاده جياعاً إلى أن جاء الفجر- قال: (اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك من أجلك فارفع عنا ما نحن فيه، فتحركت الصخرة) أين أبناؤنا وبناتنا من هذا الحديث؟ أين هم؟ كيف يفرطون في باب وطريق موصل إلى الجنة عن طريق الوالدين، فإذا كان عندك أم أو أب أو الاثنين معاً فاسلك إلى الجنة عن طريق برهما؛ لأن البر من أعظم القربات، والعقوق من أكبر الكبائر. ورد في الصحيحين من حديث أبي بكر رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر، قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين) فقرن الله عقوق الوالدين بالشرك، وقرن برهما بطاعته، فقال: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:14] وقال عز وجل: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [النساء:36] وقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء:23] فلا تضيع هذا الباب وتصرخ في أبيك أو أمك. ويقول بعض الشباب: أبي سيئ، أو ليس جيداً. عجيب! إذن تذهب إلى أي معرض ونبدل أباك ونعطيك واحداً وفق هواك. ليس معك إلا أبوك، وليس لك طريق إلى الجنة إلا عن طريقه، حتى ولو كان كافراً! ولو كان كافراً أما أمر الله بطاعة الأب وإن كان كافراً؟ قال الله عز وجل: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [لقمان:15] أي: بالشرك، ثم قال: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:15] فإذا كان لك أب مشرك أو كافر وأمرك بالكفر فلا تطعه، ولكن صاحبه بالمعروف، وأنفق عليه، واعمل له كل شيء، لماذا؟ لأنه سبب وجودك في هذه الحياة. وبعد ذلك فالجزاء لك من جنس عملك مع أبيك، فكما تكيل لأبيك يكيل لك ولدك ويزيد، وفي الحديث: (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم) وكما تدين تدان. (فقام الثالث وقال: اللهم إنه كان لي أجراء -أي: عمال عملوا عندي بأجر- فأعطيت كل واحد أجره، إلا واحداً ترك أجره وذهب، فنميته، حتى صار وادياً من الإبل ووادياً من البقر ووادياً من الغنم، ثم جاءني بعد زمن, فقال: إني كنت قد عملت عندك قبل سنوات، وتركت أجري عندك، وأنا الآن بحاجة إليه؛ فأعطني أجرتي، فقلت له: إن ما ترى من هذه الأودية المملوءة بالمواشي والأنعام هي لك، قال: أتهزأ بي، قال: لا والله لا أهزأ بك ولكنها لك، فقد نميت لك أجرتك، وبارك الله فيها، قال: فاقتداها واستاقها فلم يترك منها شعرة واحدة. اللهم إن كنت تعلم أنني صنعت ذلك خوفاً منك فافرج عنا ما نحن فيه، فتحركت الصخرة، وخرجوا يمشون). ونقول لأصحاب المؤسسات، والشركات، والأعمال الذين يستأجرون ويستعملون العمال، ويعطلون حقوقهم، ويؤخرون أجورهم، ففي بعض المؤسسات تمر الأشهر ولا تدفع أجور العمال، لماذا؟ حتى يتركها في البنك فتزيد، ثم يدفع لهم فيما بعد من أرباحها الربوية، وإذا اشتكى العامل في مكتب العمل؛ يأتي به صاحب العمل ويقول: هذا خروج نهائي بدون عودة؛ لأنك مشاغب، فسترى ما سنفعل بك. أقول: أنت ستريه لكن الله سيريك ما سيفعل بك. إذا استطعت على الناس فاعلم أن الله يستطيع عليك، فهذا العامل مسكين، له زوجة، وأولاد، وطموحات، وآمال، ويريد أرضية في بلده، ويريد أن يبني له بيتاً، وعنده مثلما عندك، لماذا تستغله وتمتهنه وتحتقره وتمارس عليه ضغطاً؟ وتؤخر أجره؟ لماذا تلزمه نهاية كل شهر أو عندما تجدد إقامته تأخذ منه خمسة أو ثلاثة آلاف؟ بأي حق؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه) فما هذه الممارسات؟ وما تجارة الرقيق هذه؟ لماذا تتاجر في أحرار؟ ألأن الله جعل يدك العليا؟ ألأن الله جعلك صاحب المؤسسة؟ كان بالإمكان أن تكون أنت عاملاً عنده في بلده، وكان بالإمكان أن تكون أنت الفقير وهو الغني، لكن الله فضلك، أفيليق بك وقد فضلك الله أن تعامل الله بهذا الأسلوب، في امتهان عباد الله واحتقارهم؟ إنه لا يجوز ذلك لك، يقول الله: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) فالظلم ظلمات يوم القيامة، والله يقتص يوم القيامة للشاة الجلحاء من ذات القرن، والحديث في الصحيحين، فإن الله يخلق الشاة ومعها قرن، ويخلق الشاة الأخرى وليس معها قرون، فتأتي ذات القرن وتنطح الأخرى والقرن ليس منها، فمن أعطاها القرن؟ هل هي اشترته من السوق؟ فهذا القرن من الله، تأتي التي ليس عندها قرن وتنطحها في بطنها. فهذه النطحة عند الله، ويوم القيامة يقتص لها، والحديث كما يقول العلماء: إن فيه إشارة إلى أن من الناس من يستعمل قرنه مثل الشاة، فهو ليس معه قرن ولكن معه مال، فيستعمل المال لينطح به من ليس عندهم مال. وهو إنسان لكن معه منصب، فق

الحذر من المغالطات والفهم الخاطئ لبعض الأمور

الحذر من المغالطات والفهم الخاطئ لبعض الأمور أنا قلت لكم: لا بد من أمرين: الأمر الأول: أن نتأمل كتاب الله وسنة رسول الله، لنعرف كيف رتب الله الجزاء في الدنيا والآخرة على العمل. الأمر الثاني: أن يحذر العبد من بعض المغالطات، والخدع، والأماني، والأوهام، التي يزينها الشيطان ليخدعك بها؛ من أجل أن تعتمد على هذه الخدع وتترك العمل، فيغمسك إلى أذنيك في النار. والله قد بين كما سمعتم، والرسول بين، أنه لا ينفع إلا العمل، واسمعوا آية في سورة آل عمران يقول الله فيها: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ} [آل عمران:30] أي: من معاصٍ محضرة، لكن ماذا؟ {تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً} [آل عمران:30] أي: إذا جاء يوم القيامة والمعاصي أمامه يتمنى أن بينه وبينها أمداً بعيداً، لكنها ملاصقة له، بل على ظهره وكتفه، يقول الله: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ} [الأنعام:31] أي: ذنوبهم. أين يحملونها؟ {عَلَى ظُهُورِهِمْ} [الأنعام:31] {وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [النحل:25] أي: إذا كان هو داعية ضلال فيحمل أوزاره وأوزار كل من أضله فإذا كان مغنٍ؛ فيحمل وزر الغناء، وكل من ضل عن طريق الله بالغناء فأوزارهم على ظهره. وإذا كان يبيع اسطوانات وأشرطة، فيحمل وزره ويحمل وزر كل من اشترى شريطاً من هذا الدكان. وإذا كان يبيع أفلام الفيديو؛ فيحمل وزره ووزر كل من ضل بسبب أي شريط بيع من هذا الدكان. وإذا كان يبيع الدخان؛ فيحمل وزر الدخان وكل من شرب (سيجارة) واحدة من هذا الدخان، يقول الله: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ} [الأنعام:31] وإذا كان يؤجر دكانه على صالون حلاقة، أو هو نفسه فتح مؤسسة واستورد الحلاقين، ونحن لا تنقصنا المعاصي حتى نأتي بشخص يجلد لحى المسلمين، ويسميه: صالون جنة النعيم، ورأيت مرة في أحد الإعلانات: صالون اللحية الغانمة، والله ما هي بغانمة، لحية تحت رجل الحلاق ما هي بغانمة، ولحية يكنسها الحلاق ما هي بغانمة، ولحية يضعها في صندوق القمامة ويدعو عامل البلدية ويقول له: اكنس هذه اللحى، ما هي بغانمة، أين اللحية الغانمة؟ هي التي تكون في وجهك، أما حين تحلقها عند الحلاق أو في الحمام وتذهب مع مياه التصريف فهذه ما هي بغانمة، ثم يقول: نعيماً. الله لا ينعم عليك، نعيماً على ماذا؟ تحلق لحيتي وتأخذ مالي وتقول: نعيماً، لا. إنه عذاب أليم -والعياذ بالله-. فإذا فتحت دكان حلاقة أو أجرت على حلاق؛ فما من لحية تحلق هنا إلا وعليك إثم حلقها إلى يوم القيامة، ولو لحيتك ملء وجهك، ولكنك حلقت لحى المسلمين، وفتحت قلعة لمحاربة سنة النبي صلى الله عليه وسلم. فانتبه! ولا تعتمد إلا على العمل، يقول الله: {وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً} [آل عمران:30] فهي فوق ظهره وهو يقول: يا ليت المعاصي ليست معي، لكن لا والله، فقد كانت معك في الدنيا فهي معك في الآخرة، ولو أنك ابتعدت عنها هنا؛ لأبعدها الله عنك في الآخرة. لكن ما دامت معك هنا فكيف تريدها أن تبتعد عنك هناك؟ لا. فرفيقك رفيقك، وعملك عملك، إن كان عملاً صالحاً فهو معك، وإن كان سيئاً فهو معك، قال الله عز وجل: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:30]. والمغالطات -أيها الإخوة- كثيرة، سوف أذكرها لكم باختصار:

المغالطة الأولى: الاعتماد على سعة رحمة الله ومغفرة الله بدون عمل

المغالطة الأولى: الاعتماد على سعة رحمة الله ومغفرة الله بدون عمل تأتي عند العاصي المقيم على المعاصي إلى رأسه، وتقول له: اتق الله! يقول لك: ربنا غفور رحيم، هذا مستهزئ بالله، وعاجز، ومغرور ومخادع، فالله غفور رحيم لمن تاب وأناب ورجع إلى الله، يقول الله عز وجل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] ثم قال: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} [الزمر:54] أي: إن كنتم تريدون أن يغفر الله لكم؛ فأنيبوا إلى الله، ثم قال: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الزمر:55] ويقول: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ} [طه:82] فليس غفاراً لمن داوم على المعاصي، ويقول: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر:49 - 50] قال العلماء: غفور رحيم لمن تاب، وعذاب أليم لمن استمر على المعاصي، ويقول عز وجل: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:156] قال الشيطان: أدخل في الرحمة هذه، وقال اليهود والنصارى: ونحن كذلك، قال الله: {فَسَأَكْتُبُهَا} [الأعراف:156] فالرحمة واسعة ولكني أكتبها لمن تتوفر فيه أربعة عشر شرطاً: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:156] * {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:157] فهذه أربعة عشر شرطاً -لا نقدر عليها إلا أن يشاء الله- من أجل أن ندخل في رحمة الله. أما أن نقيم على المعاصي ونقول: رحمة الله، فلا يجوز ولا يمكن أبداً، فلا تعتمد على رحمة الله إلا إذا عملت؛ لأن العمل مؤهل، لكن القبول برحمة الله، والعمل مؤهل لكن دخول الجنة برحمة الله، قالوا: يا رسول الله! وهو يقول لهم: (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) الرسول صلى الله عليه وسلم يطمع في رحمة الله، وهل هناك في الدنيا أعبد من الرسول؟! كان يقوم الليل حتى تتشقق قدماه، وبعد ذلك يطمع في رحمة الله، وأنت وأنا نطمع في رحمة الله ونحن مقيمون على الذنوب والمعاصي، لا. فأول مغالطة: اعتماد الناس على رحمة الله وسعة عفوه ومغفرته وهم مقيمون على الذنوب، هذه مغالطة، إذا أردت المغفرة والرحمة، فأقلع عن الذنب، فهذه أول واحدة.

المغالطة الثانية: الاعتماد على حسن الظن بالله ارتكاب المعاصي

المغالطة الثانية: الاعتماد على حسن الظن بالله ارتكاب المعاصي لحديث صحيح، وهو حديث قدسي: (أنا عند حسن ظن عبدي بي، فليظن بي عبدي ما شاء) قال العلماء: حسن الظن يقتضي حسن العمل، فالمؤمن يحسن الظن بأن الله لن يضيع عمله؛ فيعمل صالحاً، لكن أن يحسن الظن بالله ويرتكب المعاصي، فهذا سوء ظن بالله. الآن أنا أضرب لكم مثالاً: الموظف الذي يحسن الظن بمديره أن يرقيه ويتيح له فرصاً من انتدابات، ودورات، وترقيات، ما الذي يلزمه؟ يلزمه حسن العمل، دوام مبكر، انصراف متأخر، تواجد مستمر، أداء متميز، طاعة مطلقة، أي: يلزمه أن يكون موظفاً مثالياً، وبعد ذلك لو جاءت أي فرصة فيحسن الظن بالمدير. لكن أن يكون موظفاً فاشلاً، لا يداوم إلا الساعة العاشرة، وإذا دخل والأوراق على الطاولة أدخلها في الأدراج، وقال: يا ولد! هات قهوة وهات شاهي، وذهب وأتى بفول وطعمية، وقال: أغلق الباب واتركنا نفطر. فيفطر وكأنه قد عمل إلى أن تعب، وهو ما قد أنجز ولا معاملة، ثم أخذ (السيجارة) وأشعلها، ثم يكلم زميله في الهاتف قائلاً: أين سمرت البارحة؟ وأين ذهبت؟ وبعد ذلك دعا السكرتير قائلاً: أين (الجرائد)؟ وما هي أخبار المباريات أمس؟ وما هي أخبار الأفلام والفن؟ إلى أن يؤذن الظهر وهو لم ينجز ولا معاملة، وآخر اليوم إذا أذن الظهر صلينا، وركب سيارته وذهب. فالمدير لا يعرف هذا الموظف الفاشل، ما رأيك حين تأتي عنده يقول: أنا أحسن الظن بالمدير أنه سيرقيني، فهل هذا وارد؟ وإذا رقاه المدير، ماذا يكون هذا المدير؟ فاشل مثله. فالمدير لا يرقي إلا الموظف المجتهد، أما الموظف البطال فلا. -ولله المثل الأعلى- فحسن الظن بالله، أنك إذا أحسنت ظنك بالله في أن يغفر لك، فاعمل عملاً صالحاً من أجل أن يغفر الله لك، يقول الحسن البصري: [إن قوماً غرهم حسن الظن بالله حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، يقولون: نحسن الظن بالله، كذبوا. والله لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل!]. أما إحسان الظن بالله مع المعاصي، فهذا يسميه العلماء: عجز، والعاجز قد أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم والحديث في سنن الترمذي، يقول عليه الصلاة والسلام: (الكيس -العاقل الفطن الأريب- من دان نفسه) دانها أي: جعلها مدينة له، واستعلى عليها وانتصر عليها. فإن كانت نفسه تحب الأغاني، يقول: لا. وإن كانت تحب النظر إلى الحرام، يقول: لا. وإن كانت تحب النوم عن صلاة الفجر، يقول: لا. فدان نفسه حتى أصبحت مثل الدابة الذلول، لكن بعض الناس حمار نفسه، يريد أن يقوم ليصلي، فتقول نفسه: نم، قال: حسناً، وركبت عليه، وبال الشيطان في أذنيه. أو يريد أن يترك سماع الأغاني، فتقول نفسه: يا شيخ! اسمع، قال: حاضر، فهذا حمار نفسه (الكيس -العاقل- من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني). إذن فمن المغالطات: أولاً: مغالطة الاعتماد على الرحمة بدون التوبة. ثانياً: الاعتماد على حسن الظن بالله مع إساءة العمل.

المغالطة الثالثة: الاعتماد على مكفرات الصغائر

المغالطة الثالثة: الاعتماد على مكفرات الصغائر ثالثاً: الاعتماد على بعض النصوص التي ورد فيها: أن بعض الأعمال إذا عملها الإنسان كفَّر الله بها خطاياه، مثل: حديث في صحيح مسلم: (أن من صام يوم عاشوراء كفَّر الله عنه ذنوب سنة ماضية) أو حديث في الصحيحين: (أن من صام يوم عرفة كفَّر الله عنه ذنوب سنتين: سنة ماضية، وسنة مقبلة) أو (من قال في يوم مائة مرة: سبحان الله وبحمده، كفر الله خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر). فهذه النصوص صحيحة ولكنها تكفِّر الذنوب الصغيرة التي يلم بها العبد إلماماً من غير إصرار، أما الكبائر فلا يكفرها إلا أحد أمرين: إما التوبة، وإما النار، وأنت -أيها الإنسان- المقيم على الكبيرة بالخيار، ما هو الأفضل والأخف: التوبة أو النار؟ التوبة، كبائر الذنوب إذا أصر عليها الإنسان فلا كفارة لها إلا أن يتوب قبل أن يموت، أو يعذب بها بعد الموت، ونحن نقول: إن الخيار الأفضل أن يتوب؛ لأن التوبة أسهل، صحيح أن التوبة فيها صعوبة ومعاناة، فإذا كان الشخص يدخن ويريد أن يتوب فإنه يدوخ، لكن هذه الدوخة أخف أو النار؟ ترك الزنا فيه صعوبة على الذي قد استمرأه، ترك شرب الخمر فيه صعوبة لمن تعوده، لكن صعوبة ترك الذنب أخف مليون مرة من العذاب على الذنب، فهذه النصوص الشرعية الثابتة إنما تدل على تكفير السيئات التي يلم بها العبد من صغائر الذنوب دون كبائرها.

المغالطة الرابعة: الاعتماد على الاستغفار مع المداومة على الذنب

المغالطة الرابعة: الاعتماد على الاستغفار مع المداومة على الذنب وهذا كما ورد: (المستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بالله) وأضرب لكم على هذا مثالاً: لو كنت واقفاً بسيارتك في ميدان، وجاء شخص من الناس وهو راجع إلى الوراء وصدم سيارتك من غير قصد، ونزل وأبدى أسفه واعتذاره، وتحمله لمسئولية خطئه، وقال: سامحني أنا والله لم أعلم ولم أر، ولم أقدر المسافة، فأنت بحكم أنك صاحب حق، بالخيار: إما أنك تعفو عنه، أو أن تطلب منه شيئاً من المال مقابل الخطأ الذي حصل منه، والأولى أن تعفو؛ لأنه غير متعمد. لكن بعدما صدمك وتحركت أنت بسيارتك لحقك، وحين توقفت وعينه في عينك جاء صدمك في الباب الذي عندك، وبعد ذلك نزل إليك وقال: آسف يا أخي! أنا صدمتك هناك لكن -يا أخي- لحقتك وصدمتك. هل تسامحه؟ بل تقول: لا والله أما هذه فلا أسامحك فيها. ولكن يمكن أن تكون كريم أخلاق وتفوتها له أيضاً. فإذا بك تمشي، ولما وقفت عند بيتك إذا به وراءك ويصدمك مرة ثالثة، فهل تنزل تضاربه؟ أم تقول له: شكراً؟ بل تنزل وتأخذ العصا من تحت المقعد وتضربه حتى يموت، وتقول: أنت قاعد ورائي صدمتني هناك، وصدمتني في السوق، وعند بيتي، تريد أن تذبحني يا عدو الله! لماذا؟ لأنها ثلاث مرات -ولله المثل الأعلى- فواحد يستغفر ويقول: أستغفر الله العظيم من الدخان ويمصها، فهل هذا مستغفر؟ هذا كذاب ومخادع، ومستهزئ بالله، لا بد أن يصحب الاستغفار الندم والإقلاع وترك الذنب والمعصية، أما المداومة على الذنب والاستغفار، وتقول: أنا أستغفر الله، وسوف أزني وأستغفر الله، وسوف أشرب الخمر وأستغفر الله، وسوف آكل الربا وأستغفر الله، فكيف يكون ذلك؟! فأقلع عن الذنب واستغفر الله من الذنب الماضي وداوم على الطاعة، هذا هو الاستغفار الحقيقي.

المغالطة الخامسة: أن يعتمد الإنسان على صلاح أبويه

المغالطة الخامسة: أن يعتمد الإنسان على صلاح أبويه فإن كان أبوه شيخاً أو داعية أو رجلاً صالحاً، يقول: الحمد لله عز وجل سيشفع في أبي، وإن شاء الله أبي فيه خير ويأتيني خيره، لا. فأبوك خيره له وأنت شرك عليك؛ لأن الله يقول: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39] دع أباك ولا تأخذ منه شيئاً {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى * وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم:40 - 42] فلا تعتمد على صلاح أبيك، لم ينفع ولد نوح صلاح أبيه، فالأب نبي وولده كافر فما نفعه والده. البعض يعتمد على أنه موجود في دار مقدسة، كأن يكون من أهل مكة أو المدينة، فيقول: نحن ربنا راضٍ عنا، فنحن جيران بيت الله، وجيران رسول الله صلى الله عليه وسلم. فنقول: ما ينفعك هذا الجوار، إن لم تكن أهلاً له. أما أن تعتمد على أنك من أهل مكة، فلا. فإذا أسأت فمصيبتك أكبر، ليس من يعصي في مكة كمن يعصي في غيرها، فكما تضاعف فيها الحسنات تضاعف فيها السيئات وتكبر لفضيلة الزمان والمكان.

المغالطة السادسة: الاعتماد على محبة الصالحين

المغالطة السادسة: الاعتماد على محبة الصالحين من الناس من يعتمد على المغالطة السادسة وهي: مغالطة محبة الصالحين، يقول: والله يا شيخ! أنا أرتاح للصالحين وأنا أحب الصالحين، لكنها محبة جوفاء، ومحبة صورية كاذبة، إذ أنه لا ينتفع بالصالحين، ولا يقلدهم، ولا يعمل عملهم، فأعماله أعمال السيئين، ولسانه يحب الصالحين، فهذا كذاب، يقول الإمام الشافعي: أحب الصالحين ولستُ منهم وأرجو أن أنال بهم شفاعة فمن يقول هذا؟ الشافعي وهو من الصالحين، بل من أئمة الصالحين رضي الله عنه وأرضاه، يقول: من اشتغل عن العلم بشراء بصلة لم يتعلم. وكان إذا أراد أن يحفظ وضع المسطرة على السطر الثاني من أجل ألا تنتقل عينه للسطر الثاني فيحفظه قبل الأول، حفظ موطأ مالك في ستة أيام، وهو أعقد كتاب من كتب الحديث، ولما رآه مالكاً قال: ما أرى إلا أن الله قد نور قلبك بالإيمان فلا تطفئه بظلمة المعاصي. وخرج يوماً يريد أن يشتري سلعة، فمرت امرأة وكشفت الريح عن عقبها؛ لأن عباءتها طويلة والرياح هبت عليها فكشفت طرف رجلها، فنظر النظرة الأولى المسموح بها، وغض بصره، ولما رجع إلى البيت، أراد أن يقرأ ويحفظ، فإذا به لا يحفظ، فذهب إلى شيخه وكيع بن الجراح، وقال له: يا شيخ! حفظي ما عاد كالسابق، قال: أين ذهبت؟ قال: إلى السوق، قال: وماذا رأيت؟ قال: لا شيء، إلا امرأة مرت وهبت الريح فكشفت عن ساقها فرأيتها، قال: لو أنك كررتها ما حفظت حرفاً، مثل بعض طلبة العلم الآن يقول: أنا لا أحفظ القرآن. كيف تحفظ القرآن وأنت كل يوم في سوق النساء؟ كيف تحفظ القرآن وأنت تتسمع الأغاني؟ فلا تجتمع الأغاني مع القرآن، فقال رضي الله عنه: شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يؤتاه عاصي كان يقول: أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة قال له الثاني ورد عليه: تحب الصالحين وأنت منهم وحب القوم يلحق بالجماعة قال: وأكره من تجارته المعاصي وإن كنا سواءً في البضاعة والشافعي الذي يقول هذا القول! يقول: أحب الصالحين ولست منهم وأرجو أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي وإن كنا سواءً في البضاعة وما عنده من المعاصي مثلما عندنا رضي الله عنه ورحمه، فعليك ألا تعمل سوءاً ثم تحب الصالحين وتقول: أنا أجلس مع الصالحين، من جلس مع قوم يقال: (قوموا مغفوراً لكم). فمغفور لكم أي: للصالحين للتائبين، أما المقيمون على الذنب فلا؛ لأن عندك موانع.

المغالطة السابعة: الاعتماد على الإرجاء

المغالطة السابعة: الاعتماد على الإرجاء من المغالطات: الاعتماد على الإرجاء، بأن يقول: إنه لا يضر مع الإيمان ذنب، وما دمنا مؤمنين ونقول: لا إله إلا الله قال صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) فلا إله إلا الله مفتاح له أسنان، وأسنانه الفرائض والعبادات والعمل الصالح، فلا تنفعك لا إله إلا الله إلا إذا عملت بها، وطبقت شروطها السبعة. أما أن تكون كلمة مجردة فلا تنفع.

المغالطة الثامنة: الاعتماد على القدر

المغالطة الثامنة: الاعتماد على القدر ثامناً: الاعتماد على القدر؛ بأن يأتي الشخص ويعصي، وإذا قلت له: لماذا تعصي الله؟ قال: ربما أني شقي، فيقول: ربما أنك سعيد، وما يدريك أنك شقي؟ هل اطلعت على اللوح المحفوظ؟ هل قرأت الكتاب الذي في الأزل؟ لماذا تحتمل أنك شقي ولم تحتمل أنك سعيد، إلا لانهزامك أمام شهوتك، ونفسك الأمارة بالسوء، وتحمل مسئولية سلوكك على قدر ربك، لا. فليس لك علاقة بما كتب في الأزل، بل لك علاقة بالعمل، فأنت عبد خلقك الله للعمل الصالح، وبإمكانك أن تعمل العمل الصالح، وعندك يقين أن الله لا يظلم مثقال ذرة، فاعمل صالحاً والله لا يظلمك، أما أن تعمل السيئات وتحتج بالقدر، وتقول: ربما أن ربي كتبني شقياً، إذن اصفعه على وجهه، فإذا صفعته، وقال: ما لك تصفعني؟ فقل: ربما أن ربي قد قدر عليَّ ذلك، فسيرفض، ويقول: لا. ما قدر الله الصفعة أنت الذي فعلتها، فقل: فلماذا لا ترضى بالصفعة، وترضى بالمعاصي التي تقول: إن الله قدرها عليك؟! فالإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان، لكن يجب أن نؤمن بالقدر ونعمل بما أمرنا الله به، ونفر من قدر المعاصي إلى قدر الطاعات، ومن قدر الجوع إلى قدر الشبع، ومن قدر الظمأ إلى قدر الري، ومن قدر المرض إلى قدر العلاج، وهكذا، نفر من قدر إلى قدر. لما دخل عمر بن الخطاب الشام ومعه أبو عبيدة بن الجراح ومجموعة من الصحابة، وذهبوا إلى عمواس، وجدوا الطاعون أمامهم، فقال عمر: [لا ندخل، فقال أبو عبيدة: أفراراً من قدر الله يا أمير المؤمنين! -أي: أتفر من قدر الله وهو المرض من أجل أنك تخاف على نفسك- قال: لو قالها غيرك يا أبا عبيدة! نفر من قدر الله إلى قدر الله] فهذا هو الفهم الصحيح للإسلام. أترون هذا المؤمن الذي يقع في المعاصي ويحتج بالقدر مثله مثل: مدرس في فصل فيه ثلاثون طالباً، ودخل عليه المدير والموجه وقالوا له: كم تقدر نسبة النجاح عندك من خلال معرفتك بالطلاب؟ فقال المدرس؛ لأنه يعرف الطلاب ويعرف الفروق الفردية بينهم، قال: أتوقع أن ينجح ثمانية وعشرون طالباً، إلا طالبين لن ينجحا، فهو يعرف أن في الفصل طالبان لا يحضران درساً، ولا يصغيان لشرح، ولا يتجاوبان مع المدرس، فقام أحد الطلاب الثلاثين ووضع الدروس ولم يحضر درساً، وحين جاء آخر السنة وطلعت شهادته ساقط، وعليها عشرون دائرة حمراء قال له أبوه: لماذا سقطت؟ قال: إن الأستاذ في أول السنة حين دخل علينا المدير والموجه، قال: سوف يسقط طالبان، فربما أني أحدهما، فما رأيكم في هذا العذر؟ أهذا ينفع؟ لا ينفع عند المدير ولا عند الأب، فكيف ينفع عند الله؟! أتعمل المعاصي وتقول: ربما أن الله قدر عليَّ؟ لماذا لا تحتمل أن يكون القدر أحسن؟ أما قضية القدر فليست لك أنت، فالله هو المقدر وأنت المقدر عليك أن تسير في أمر الله. إذا أذن المؤذن فهل تملك قدرة على الصلاة؟ نعم. أما إذا قدر الله عليك وأصابك حادث مروري وتقطعت رجلاك، فهل يكلفك الله أن تصلي في المسجد، أم يعفيك؟ بل يعفيك، ويجوز لك عندها أن تصلي في البيت، وإذا مرضت فلم تستطع أن تقوم لتصلي، فصل قاعداً. لكن أن تكون عندك القدرة على أن تصلي وتقعد، وعندك القدرة على أن تصلي وتنام، فعندها أنت مؤاخذ؛ لأنك تملك الوسيلة التي تستطيع أن تعمل بها العمل الصالح. هذه أيها الإخوة! بعض المغالطات التي يغالط بعض الناس أنفسهم بها، والمغالط لنفسه هو أضيع الناس، يمكنك أن تغالط الناس لكن أن تغالط نفسك، فلحساب من؟ لحساب الشيطان الرجيم. فيا إخوتي في الله! عوداً على بدء، أكرر وأقول: لا بد من الإيمان والعمل الصالح، كمؤهلات نعتمد عليها لترشيحنا إلى أن ننال رحمة الله عز وجل، ولن ندخل الجنة بالعمل؛ لأنه لا قيمة لعمل أمام جزاء لا يعلمه إلا الله، أي: مهما عملت من عمل فهل يساوي شيئاً مما في الجنة مما أعده الله لك؟ لا. لكنه مؤهل وسبب، وإلا فالدخول برحمة الله عز وجل. فلنحذر -أيها الإخوان- من الاتكال على المغالطات، ولنتق الله في أنفسنا، ونتوب إلى الله من الذنوب صغيرها وكبيرها، ودقيقها وجليلها، وأن نحافظ على الطاعات، وأن نصبر -أيها الإخوة- فإنما هي أيام معدودة، وساعات محدودة، وسنين معينة، وسوف ننتقل منها إلى الدار الآخرة، وهناك سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. ووصية أقولها للإخوة الذين يسألون ويقولون: وكيف نواجه المعاصي؟ كيف نواجه هذه الشهوات العارمة، وهذه السيول الجارفة من الذنوب؟ أقول واجهوها بأمرين: الأمر الأول: الصبر. والأمر الثاني: اليقين. فتصبر عن الزنا وعندك يقين أن الله سيعوضك في الجنة بالحور العين، وتصبر عن الغناء وعندك يقين أن الله سيعوضك بأن تسمع غناء الحور في الجنة، وتسمع خطاب رب العالمين، وتصبر عن النظر المحرم في الدنيا وعندك يقين أن الله سوف يمتعك بالنظر إلى وجهه الكريم في الدار الآخرة، وتصبر على الصلاة، والطاعة وعندك يقين أن الله سيثيبك، يقول الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] يقول ابن تيمية رحمه الله: لا تنال الإمامة في الدين إلا بالصبر واليقين. هذا وأسأل الله في الختام أن يوفقني وإياكم إلى ما يحبه ويرضاه.

الأسئلة

الأسئلة

نصيحة لأصحاب الدشوش

نصيحة لأصحاب الدشوش Q يتسابق الناس في هذه الأيام لتركيب هوائيات الإرسال المباشر مما يمكنهم من استقبال عشرات المحطات العالمية بما فيها من شرور، فما نصيحتكم؟ A قبل أن أنصح أقول: هذه الهوائيات أو هذه الصحون، هي صحن الشيطان، وهذه مائدة إبليس، فالدش يصب ماء على رأسك وأنت تغتسل، لكن هذا يصب ناراً ويصب شراً وعذاباً ولظى على رأسك وأنت تركبه فوق بيتك، من أجل أن يصب كل ما هب ودب على أسرتك وعلى أولادك، فأسأل كل من ركبه: هل تجلب هذه الهوائيات خيراً أو شراً؟ بل شراً محضاً، وهل ينقصنا الشر حتى نقوي أجهزة الشر من أجل أن نجلب لنا مزيداً من الشر؟ هل هناك عاقل يركب فوق رأسه شيء يصب عليه الشر؟ ففيها أفلام جنسية، ومن أين تأتي هذه الأفلام الجنسية؟ من بلاد كافرة، بلاد لا أخلاق لها ولا دين ولا مبادئ ولا عقائد، يعيشون كما تعيش البهائم، يتسافدون كما تتسافد الحمر، يركب الرجل الأنثى في الشارع، وينقلون هذا في أفلام وتنشر عبر الهوائيات، وأنت تركب هذا الهوائي من أجل أن يربي ولدك وابنتك، تربية جنسية. وهناك إذاعات تنصير تبث مبادئ التنصير باللغة العربية عبر الأقمار، من أجل أن تعرف دين النصارى وتفكر في أن تغير دينك، وتزعزع عقيدة التوحيد في قلبك. وهناك أفلام جرائم، تعلم الولد كيف يحترف الجريمة، وأفلام بوليسية سيئة. فيذهب الرجل ويستدين المال إن لم يكن عنده ويركب هذا الهوائي فوق بيته، وقيل: إن هناك من يركب هوائيين، وشخص قال: إنه رأى ستة هوائيات، حتى لا يترك في الأجواء موجة شر إلا وحولها على بيته. فهل يعمل هذا عاقل أيها الإخوان؟! أنا أقول: لا تبرأ ذمتك -أيها الإنسان- بهذا العمل، إنك تدمر دينك ونفسك وعقيدتك، وأسرتك وأولادك، وسوف تعض أصابع الندم: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:52] إن كنت قد فعلت ذلك فسارع الآن وأزله، وإن كنت لم تعمل فاسأل الله أن يحفظك وأن يثبتك، واعتصم بكتاب الله، يقول الله: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} [الزخرف:43 - 44].

حكم السفر إلى بلاد الكفار للسياحة

حكم السفر إلى بلاد الكفار للسياحة Q في هذه الأيام، أيام العطلة يسافر الكثير إلى بلاد الكفر، فهل من كلمة لمن أراد السفر؟ A العطلة نعمة، يقول عليه الصلاة والسلام: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) فنحن مغبونون في هذه النعمة: عافية، وشباب، ومدرسون، وطلاب، وثانويات، وجامعات، وصحة، وفراغ ثلاثة أشهر، كيف تقضي هذه الأشهر الثلاثة؟ تقضيها بما يرضي الله، إما أن تلتحق بالمراكز الصيفية حتى تنتفع بما يلقى فيها من خير، تمارس فيها أنشطة، وأعمالاً صالحة، أو تذهب إلى الحج والعمرة، أو تزور رحمك إذا كان في الجنوب أو الشمال أو الرياض أو أي منطقة، أو تمارس بعض الأعمال السياحية المباحة، كزيارة بعض المناطق الطيبة والجميلة في بلادك، أما أن تحجز وتسافر من أجل أن تفسد خارج البلد، وترجع وقد ضيعت دينك فهذه مصيبة. فنحن نحذر كل إنسان من أن يسافر، فهناك فتن صانك الله منها فلماذا تراها؟ ولماذا تترك ولدك وامرأتك وابنتك يرونها، وتحجز لأهلك كلهم؟ فإذا كان عندك أربعين أو خمسين ألفاً فأرسلها لإخوانك في البوسنة والهرسك الذين يموتون جوعاً الآن، أو أرسلها إلى إخوانك المجاهدين الأفغان الذين يحتاجون إلى كل ريال بعد قيام دولة الإسلام عندهم، أو استأجر لك شقة عند الحرم واجلس صلِّ الصلوات الخمس في الحرم، فالشقة لمدة عشرة أيام أو عشرين يوماً تأخذها بخمسة آلاف أو ستة آلاف ريال، وأدرك كل تكبيرة في الحرم، وفي الصف الأول، أو الصف الثاني، فهي لك بمائة ألف تكبيرة، وهذا أحسن من أن تكون على شواطئ، وأنهار، و (بلاجات) ومسارح، ومراقص، ومخامر وفساد، فلا ترجع إلا وقد صب الله عليك من الغضب مثل الجبال الرواسي، الله ينعم عليك وأنت تحارب الله بنعمه، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: (إني أنا والجن والإنس في خبر عظيم، أخلقهم ويعبدون غيري، وأرزقهم ويشكرون سواي، خيري إليهم نازل، وشرهم إليَّ صاعد، أتحبب إليهم بالنعم، ويتبغضون إليَّ بالمعاصي). أترون أن النعمة التي نحن فيها تستمر مع المعاصي؟ والله لا تستمر، وعندي من التاريخ شاهد على هذا اليمين، وعندي من القرآن شاهد، يقول الله عز وجل: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7] ويقول في قصة سبأ: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ} [سبأ:15] يقول لهم الناصحون: {كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ:15] ونحن نقول لأهل هذه البلاد: كلوا من رزق ربكم واشكروا له. تدخل السوق فتملأ سيارتك، من كل ثمار الدنيا، وتدخل (السوبر ماركت) تملأ العربية من كل ثمار وملذات ومتاع الدنيا، وتعطيه ورقة، كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة، هل في الدنيا بلد أطيب من هذه البلاد؟ ورب غفور يغفر الذنب العظيم، قال الله: {فَأَعْرَضُوا} [سبأ:16] أي: رفضوا وركبوا رءوسهم، حجز وسافر، وزنا، وسكر، {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} [سبأ:16] فاكتسحهم واقتلع بلادهم وحروثهم وزراعتهم من أرضها، ثم قال: {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ} [سبأ:16] بدل الجنان الوارفة والثمار الدانية جنتين، ماذا فيهما؟ {ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} [سبأ:16] (خمط) أي: الشوك، (وأثل) وهو الشجر الذي ترونه فليس له ثمر، (وشيءٍ من سدر قليل) أي: النبق، فهذا هو الفاكهة، فليس عندنا برتقال أبو سرة، ولا تفاح أبو لمعة، ولا موز أبو نقطة، والله لا نعرف هذه، إلا فيما بعد حين فتح الله الخير عندنا. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عالم الروح

عالم الروح بدأ الشيخ محاضرته بالكلام عن الأعمال الصالحة وأنها سبب لاكتساب النور في الآخرة. ثم تحدث عن أحوال الموتى، وحقيقة شعور الأحياء بأحوالهم في القبور، وكذلك ظهور أمارات العذاب على الميت بعد الموت وعند الدفن. وكذلك حقيقة تزاور الأموات بأرواحهم مع أرواح الأحياء، مبيناً حقيقة استئناس الميت بالأحياء.

العمل الصالح سبب اكتساب النور في الآخرة

العمل الصالح سبب اكتساب النور في الآخرة الحمد لله على كل حال، ونعوذ بالله من حال أهل النار، ونعوذ بالله من صباح إلى النار، ومن ليلةٍ إلى النار، أو في النار، أو ساعة في النار، أو لحظة في النار؛ فإن أجسامنا لا تقوى على النار، وأحوالنا لا تتحمل ظلمات النار ولا ظلمة القبور، انظروا كيف ضاقت أخلاقنا، وكيف تعطلت جوارحنا حينما انطفأت عنا (الكهرباء) لحظةً واحدة، ونحن نعلم يقيناً أنها ستعود؛ لأن ظاهرة الانطفاءات ظاهرة طبيعية في كل مناسبة، وأيضاً على يقين أنه إن لم تشعل (الكهرباء) فلدينا وسائل وبدائل كثيرة نستطيع بواسطتها أن نرى وأن نستفيد من حياتنا. لكن ما ظنكم فيمن يوضع في القبر وتحتويه الظلمات من كل جانب ولا يعلم من أين يأتيه النور؟ لأن نور القبور إنما يكتسب من سلوك العبد في هذه الدنيا، فمن كان في هذه الدنيا على النور مكنه الله عز وجل من العيش في القبر على النور، قال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] وقال عز وجل: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ} [الحديد:12] لأنهم مؤمنون وأهل عقيدة، ودين، والتزام، وانتماء، وهداية، وانتظام في سلك المؤمنين، قال تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [الحديد:12] فما هو النور الذي يسعى معهم؟ إنه نور العمل الصالح، والإيمان والهداية يسعى أمامهم وعن أيمانهم فتقول لهم الملائكة: {بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ} [الحديد:12 - 13] أي: أهل الظلمة الذين عاشوا في الدنيا في ظلمة الكفر، والنفاق، والأهواء، والشهوات، والفتن، عاشوا بعيداً عن الهدى وبعيداً عن الرسالات، فعاشوا مع الشيطان في ظلماته؛ لأن الله عز وجل يقول: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة:257] فوحد النور وجمع الظلمات وفي أول سورة الأنعام يقول ربنا عز وجل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1] فالظلمات متعددة والنور واحد، وهو نور الله، ونور الإيمان واحد يعيش عليه المؤمن. أما إذا حرم نفسه من النور؛ فلن يعيش في ظلمة واحدة، بل تتوارد عليه الظلمات وتحتويه من كل جانب: {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور:40] كما مثل الله عز وجل بذلك المثل في سورة النور فقال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ} [النور:39 - 40] أي: أعمالهم إما أن تكون كالسراب وهو العمل السيئ الذي كانوا يتصورون أنه صالح في أذهانهم لكن لما لم يكن خالصاً لله عز وجل قدموا على الله فلم يجدوا شيئاً: {حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ} [النور:39] وهناك أعمال سيئة أخرى من الكفر قال: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ} [النور:40] أي: هذا العمل إما كسراب أو كظلماتٍ {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} [النور:40] والبحر اللجي: هو البحر العميق، والمحيطات الكبيرة التي تزيد أعماقها على ثلاثة آلاف متر. هذه الحقيقة العلمية التي تحدث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن لم تثبت للناس إلا في هذا الزمن بعد صنع الغواصات الذرية التي تستطيع أن تغوص في أعماق المحيطات، فاكتشف بواسطة الأجهزة التي رصدت حركة الموج أن في تلك المحيطات العميقة أمواجاً، وليس موجاً واحداً. فقد كان الناس يتصورون أنه لا يوجد في البحر إلا الموج الذي على سطح البحر والذي يتكون نتيجة تأثر البحر وسطحه بالعوامل الجوية. لكن اكتشف أن في أعماق المحيطات أمواجاً ما كانت تعلم قبل هذا الزمان، والذي تحدث عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بوحي من ربه عز وجل بالرغم من أنه لم يركب البحر، ولم يعرف البحر صلوات الله وسلامه عليه، ولكنه يتحدث عن أخص القوانين وأدق النظم التي تجري في البحار العظيمة وكأنه قد عايشها صلوات الله وسلامه عليه: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ} [النور:40] يعني: عميق {يَغْشَاهُ مَوْجٌ} [النور:40] أي: هذا البحر يغشاه موج {مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ} [النور:40] وهذه الأمواج تكون موانع لاختراق الأضواء: {مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ} [النور:40] يحول بين الشمس وبين البحر: {مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40]. فمن أراد النور في هذه الدنيا والآخرة فعليه بالإيمان والعمل الصالح، ومن عاش في نور مادي، وظلمة معنوية وروحية كافرة والعياذ بالله؛ فإنه وإن تمتع بهذا النور المادي فسوف يشقى -والعياذ بالله- بظلمة القلب والوجه في الدنيا، ثم ظلمة القبر، ثم ظلمة الصراط، ثم في دار الظلمات أجارنا الله وإياكم منها وجميع إخواننا المؤمنين إنه على كل شيءٍ قدير.

حقيقة شعور الأحياء بحال الأموات

حقيقة شعور الأحياء بحال الأموات سبق الكلام أيها الإخوة! عن عذاب القبر وهل يعرفه أحد من البشر وقلنا: إن الله عز وجل قد أعطى لرسوله صلى الله عليه وسلم قدرةً على سماع المعذبين في قبورهم وثبت ذلك بالأحاديث الصحيحة التي سقناها في الليلة الماضية، لكن هناك أسئلة، منها: هل يسمع عذاب أو نعيم القبر أحدٌ من الناس غير الأنبياء والرسل؟ هذا ما تحدث عنه أهل العلم في كتبهم فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد الرابع والعشرين من فتاواه وفي المجلد الخامس من الفتاوى يقول: لم يزل الناس يتحدثون عن سماعهم أو رؤيتهم للمعذبين في قبورهم. يعني في حالة اليقظة يتحدثون عن سماعهم وعن رؤيتهم للذين يعذبون في قبورهم أو ينعمون في قبورهم، ومن هؤلاء ثقاة أعلام لا مطعن في دينهم ولا شك في أمانتهم، ثم يقول: قد يكشف لكثيرٍ من أبناء زماننا هذا العذاب أو هذا النعيم في اليقظة وفي المنام ويعلمون ذلك ويتحققون منه وعندنا من ذلك أمور كثيرة. يقول رحمه الله: عنده من الأخبار والمشاهدات التي نقلت عن الثقاة الذين لا يشك في دينهم وأمانتهم عنده من ذلك أخبارٌ كثيرة، وهذا حق فإنه في كل زمانٍ وفي كل مكان يكشف الله تبارك وتعالى لأفرادٍ من الأمة شيئاً مما يحدث لأصحاب القبور من نعيم أو عذاب للزيادة في إقامة الحجة ولهداية، من شاء الله هدايته: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال:42] وقد سبق أن ذكرت في مناسبة في غير هذا المسجد قصتين مما كشف لأصحاب هذه الدنيا من عذاب القبر ومن نعيمه، وهاتان القصتان سمعتهما بأذني ممن حضرهما وهو ثبتٌ صادق لا أشك في دينه وأمانته، وأعرفه باسمه وعمله ودراسته وقد حضر القصة وعاصرها: فالأول هو الشيخ صالح الراجحي وكان يعمل مع شركة ابن لادن، وكان الرجل صاحب القصة -وهو عم الشاب- يعمل عنده سائق جرافه، وكان طالب علم مستفيد، وكان يحضر معنا كل الندوات. والقصة لشابٍ أكرمه الله عز وجل بالجنة ورضي عنه وأدخله في رحمته، وحدثت في القصيم والذي يحدثني بها هو الذي حضر القصة وشم الرائحة بأنفه، وكان مقيماً في أثناء الحادث وملخص القصة: أن أحد الشباب الذين هداهم الله ونشئوا في طاعة الله، فلا يعرف إلا الله والقرآن والمسجد والصلاة، حتى ذكر عنه أنه لم يُر مرةً واحدة يلعب مع صبيٍ في الشارع، وإنما كان طريقه من المسجد إلى البيت، وشاء الله عز وجل أن يبلغ مبلغ الرجال وأن يكون قد حفظ أكثر كتب أهل العلم بعد حفظه لكتاب الله عز وجل، وبعد ذلك مرض، وأشرف عمه -لأن والده متوفى- على تمريضه، ومكث مريضاً أسبوعاً ثم بعد ذلك توفي وقدم إلى رحمة الله، وكانت وفاته قبل صلاة الظهر، وأراد عمه أن يدعو الناس للمشاركة في دفنه ولكن الجو كان حاراً والناس غير مجتمعين في مكان معين، فرأى أن من الأنسب أن يؤجل الدفن حتى يجتمع الناس لصلاة الظهر ثم يخبرهم، فغطى الولد بغطاء، ونام عند رأسه من أجل أن يستريح؛ لأنه كان قد تعب خلال تمريضه في ساعات المرض، ويحدث عن نفسه فيقول: بينما هو في المنام إذ أقبل عليه مجموعة من النساء علم من رؤيتهن ومن جمالهن وشكلهن أنهن لسن من نساء الدنيا، وإذا بهن يسلمن عليه قائلات: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فرد عليهن السلام، فقلن له: نسألك بالله يا شيخ! إلا عجلت علينا بهذا الشاب، فقال: من أنتن؟ قلن: نحن زوجاته من الحور العين في الجنة، ونحن في انتظاره على أحر من الجمر وأنت تنام! ففزع الرجل من نومه وقام فرحاً؛ لأنه اعتقد أن من هؤلاء الحور في انتظاره فما مات، بل هو يزف ولكن لا يزف إلى زوجةٍ من نساء الدنيا وإنما يزف إلى زوجاتٍ من الحور العين اللائي قال الله فيهن: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً * لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة:35 - 38] نسأل الله وإياكم من فضله. فقام الرجل ودعا الناس وسارع في تشييع الجنازة ودفنها، وكل من دخل الغرفة من الناس يقول: يا شيخ! عندك رائحة غريبة، رائحة كأطيب ريح وجد على وجه الأرض، ريح العود لكن ليس ريح الدنيا، فكان يسكت ولا يحدث إلى أن مرت عليه قرابة الشهرين فحدث بالخبر فانقطعت الرائحة من ذلك المكان. فهذه قصة لأهل الإيمان اللهم اجعلنا منهم وثبتنا على الإيمان حتى نلقاك. أما القصة الأخرى فهي لشابٍ مات على الكفر والضلال والعياذ بالله بشهادة أهله ووالده، وينقلها لنا أحد الإخوة الذين أعرفهم وزاملتهم في شركة كهرباء الجنوب، واسمه المهندس علي غرم الشهري. يقول: كنا في خروج للدعوة في مدينة الزرقاء في الأردن، وصلينا الجمعة في أحد مساجدها، وبعد صلاة الجمعة كان معنا مجموعة من طلبة العلم منهم عالم من الكويت، وبينما نحن في المسجد وقد انصرف الناس إذا بالناس يدخلون من أبواب المسجد بشكلٍ غير طبيعي وهم يصيحون أين الشيخ؟ أين الشيخ؟ ثم جاءوا إلى الشيخ الكويتي فقالوا له: يا شيخ! يوجد شاب توفي صباح هذا اليوم عن طريق حادث مروري دهسته سيارة من سيارات الشحن، ولما حضرنا قبره وجئنا ووضعناه في القبر فوجئنا بوجود ثعبان عظيم في القبر، فنحن الآن لم نضع الشاب ولا ندري كيف نتصرف، يقول الأخ علي: فقام الشيخ وقمنا كلنا معه، وذهبنا إلى المقبرة ووجدنا هذا الثعبان في وسط القبر، فقلت له: كم حجمه، قال: كان حجمه في غلظ الماسورة بوصتان وهو متلوٍ ورأسه من الداخل، وذنبه من الخارج، رافعاً رأسه وفاتحاً فمه مخرجاً لسانه وعينه بارزة وينظر في الناس، يقول: فقال الشيخ: دعوه واحفروا في مكان آخر، يقول: فذهبنا إلى مكانٍ آخر على بعد مائتين متر فحفرنا قبراً، وبينما نحن في نهايته إذا بالثعبان يخرج من القبر الثاني، فقال الشيخ: انظروا المكان الأول، فذهبنا للأول فلم نجده هناك فقد اخترق الأرض وطلع من القبر الثاني، فقال الشيخ: لو حفرنا ثالثاً ورابعاً فسيخرج منه فلا حيلة إلا أن نخرجه -فحاولوا إخراجه- يقول: فجئنا بعصي وأسياخ وحملناه وأخرجناه من القبر، فجلس على شفير القبر، يقول: والناس كلهم ينظرون، وأصيب أكثر الناس بإغماء وحملتهم سيارات الإسعاف، وحضر رجال الأمن ومنعوا الاقتراب من القبر إلا العلماء وذوي الميت، يقول: وبينما جيء بالجنازة وأدخلت في القبر ووضعت من قبل أهل الميت ونحن واقفون إذا بذلك الثعبان يتحرك حركةً عظيمة، ثار على إثرها الغبار وملأ أرجاء المكان، يقول: ثم دخل من أسفل القبر ولما تحرك فرَّ كل من حول القبر، والذين بداخل القبر صعدوا وفروا من الخوف، يقول: فالتوى عليه بدءاً من أرجله حتى وصل إلى رأسه، ثم اشتد عليه فحطمه يقول: والله إننا كنا نسمع تحطيم عظامه كما تحطم حزمة الكراث، يقول: ثم لما هدأت الغبرة وسكن الأمر جئنا ننظر، وإذا به على هذا الوضع متلو عليه، يقول: فما استطعنا أن نفعل شيئاً قال الشيخ: ادفنوه، قال: فوضعنا اللبنات ودفناه وذهبنا عنه وعدنا إلى المسجد ثم ذهبنا إلى بيت العزاء لنعزي ونسأل عن حاله؟ فسألنا والد الشاب، قلنا: كيف كان ولدك، وماذا عمل؟! قال: كان طيباً وطائعاً وولداً جيداً، لكنه كان لا يصلي، مطلقاً. فهذا والعياذ بالله مصيره المحتوم؛ لأنه كما تعرفون أن ترك الصلاة كفرٌ والعياذ بالله. فهذه الآيات حدثت في زماننا هذا وأدركناها وفي كل بيئة وفي كل بقعة تقع آيات ودلالات لتدعيم قضية الإيمان بعذاب القبر؛ حتى يهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة.

حقيقة ظهور أمارات العذاب على الميت

حقيقة ظهور أمارات العذاب على الميت قال الإمام ابن تيمية في مكان آخر في المجلد الخامس وهو يريد أن يدلل على إمكانية رؤية الناس لعذاب القبر ولو لم يكونوا أنبياء ولا رسلاً، يقول: إذا علم وعرف أن النائم يكون نائماً وتقعد روحه وتقوم وتمشي وتذهب وتتكلم وتفعل أفعالاً وأموراً بباطن بدنه مع روحه ويحصل لبدنه ولروحه نعيمٌ أو عذاب مع أن جسده مضطجع وعينيه مغمضتان وفمه مطبق وأعضاؤه ساكنة، وقد يتحرك لقوة الحركة الداخلية في روحه وقد يقوم ويمشي -بعض النائمين يقوم ويمشي ويذهب يفتح الباب ويفعل حركات وهو لا يدري؛ لأن روحه في حلم فتستعمل جسده، فتجده يمد يديه، وما الذي يمده وهو نائم؟ قوة الحركة الداخلية لروحه أثرت حتى على حركات ظاهره- فيصيح وربما يتكلم لقوة الأمر الباطني في روحه، فكان هذا مما يعتبر به في أمر الميت في قبره، فإن روح الميت تقعد وتسأل وتنعم أو تعذب وتصيح وذلك متصلٌ ببدنه مع كونه مضطجعاً في قبره وقد يقوى ذلك حتى يظهر ذلك في بدنه وقد يرى خارجاً من قبره، وقد رئي كثير من الأموات استطاع أن يخرج من قبره وأوصى بوصايا ورجع ودخل في قبره، وقد يرى خارجاً من قبره والعذاب مشتعل به، وملائكة العذاب توثقه فيتحرك بدنه ويمشي ويخرج من قبره، وقد سمع غير واحدٍ أصوات المعذبين في قبورهم، وقد شوهد من يخرج من قبره وهو معذب ومن يقعد بدنه أيضاً إذا قوي الأمر، لكن ليس هذا لازماً في حق كل ميت كما أن قعود بدن النائم لمن يراه ليس لازماً في كل نائم، يعني: ليس كل ميت يعذب، يراه الناس، كما أنه ليس كل نائم يرى رؤيا نعيم أو عذاب، يسمعه الناس، إنما يكون ذلك بقوة التأثير. وقد ذكر الشيخ حمود بن عبد الله التويجري في كتابه الدلائل الواضحات في تحريم المسكرات والمفترات كثيراً من القصص الثابتة عنده بسندها القوي، حتى أنه شوهد وحتى أصبح كالمتواتر أن كثيراً ممن يموت وهو مدمن للدخان تلف رقبته ويُلْفَتُ وجهه عن القبلة إلى الخلف، وبينما هم يردونه ترى رأسه يُلْفَتُ عن القبلة ثانية، وذكر قصصاً كثيرة جداً من هذا الجانب ممن يعرف، وأذكر أنه حدثنا أحد الإخوة وهو الشيخ أحمد بن سامر رحمة الله تعالى عليه، وهو من الدعاة إلى الله وقد توفي في حادث مروري في خميس مشيط غفر الله له وأسكنه فسيح جناته، يحدثنا هو بنفسه يقول: حضرت جنازة رجل في تهامة يقول: فلما وضعناه في القبر وكان من المصلين، لكنه كان مبتلى بالدخان وبالشمة، يقول: فمنذ أن وضعناه في القبر كشفنا عن وجهه وإذا برأسه يلتف مستدبراً القبلة، يقول: فأرجعته فلما أطلقته عاد كما كان، ثم أرجعته فالتف، يقول: فما استطعت أن أفعل شيئاً، فتركناه والعياذ بالله على هذا الوضع. وذكر الشيخ التويجري قصة ثبتت عنده، وحصلت في نجد يقول: إن مجموعة ممن كانوا مستعملين على أمر الزكاة، أي: استعملهم ولي الأمر للذهاب والتطواف على البادية من أجل أن يأخذوا زكاة المواشي، يقول: وفي طريقهم حصل لواحد منهم مرض وتوفي وكان هذا المسكين المتوفى مبتلى بالدخان ولكنه لم يكن يشرب مع الجماعة؛ لأنهم كانوا ينكرونه، وقد كان في الماضي أكبر منكر في نجد فلا أحد كان يستطيع أن يشرب الدخان، فهذا الرجل كان يستخفي به ولكن بعضهم كان يعلم أنه يدخن، رغم أنه لم يكن يعلن بالدخان أمامهم، فلما توفي أرادوا أن يدفنوه، ولكن لم يكن معهم ما يحفرون به إلا عصيهم فجاءوا إلى رجلٍ من البادية وقالوا: توفي أخونا وليس عندنا شيء نحفر به، فنريد منك أن تعطينا معولاً أو فأساً نحفر به ونرجعه، قال لهم: أنا ما عندي إلا فأسي وهذا الفأس غالٍ جداً فأنا أقطع به حطبي وأعلف به لإبلي، وأنا أخاف أن أعطيكم إياه فتضيعونه عليَّ وأنا لست في المدينة لأذهب وأشتري بدله، قالوا: لن نضيعه أبداً، قال: أريد أن تعطوني رهناً، فرهنوا عنده بندقية، قال: إن بندقيتكم هذه لن تقطع لي حطبي ولن تنفعني، فقط أريدها رهناً لكي تعيدوا لي الفأس، قالوا: أبشر، فذهبوا وحفروا القبر تحت حجر ولما جاءوا إلى اللحد أرادوا أن يلحدوا فما استطاعوا أن يلحدوا والفأس في العصا، فنزعوا العصا من الفأس وبدءوا يحفرون بالفأس بدون عصا حتى انتهوا من القبر، فلما انتهوا -والإنسان بطبعه إذا انتهت حاجته إلى شيء نسيه، مثلك الآن إذا حصل لسيارتك مشكلة؛ تأخذ المفك لتصلحها فإذا زالت نسيت المفك؛ لأنك كنت تهتم بالمفك حين كنت محتاجاً إليه، لكن لما انتهت حاجتك نسيته، فهؤلاء لما انتهت حاجتهم نسوا الفأس في القبر ودفنوا صاحبهم- ولما وقفوا وإذا بالعصا ما فيها فأس، فقالوا لبعضهم: ماذا نصنع؟ قال بعضهم: نفتح القبر ونخرجه فالبدوي لا يريد إلا فأسه، قال بعضهم: الفأس قيمته عشرة ريالات فلماذا نفتح على أخينا في قبره وهو مستور فيه الآن ولا ندري ماذا يجري عليه. فأخذوا أنفسهم وراحوا إلى البدوي وحين نظر إلى العصا وليس فيها فأس -وتعرفون أن الأعراب جفاة ومن بدا جفا- تصور أنهم يمكرون به، وأنهم يخدعونه فما تردد في أن يقوم ويأخذ البندقية وينتصب لهم قائلاً: أعلام تريدون أن تخدعوني، فوالله لا يكون ذلك، فإما فأس وإلا رءوسكم، قالوا: لا حاجة لك برءوسنا وفأسك موجود ولكن نحن نسيناه في وسط القبر، فدفن مع الميت، قال: ليس لي شأن. يقول: فذهبوا من عنده وجاءوا واضطروا إلى فتح القبر وفتحوا القبر وهالهم ما رأوا إذ وجدوا أن صاحبهم هذا قد غُلّت يداه ورجلاه وعنقه في حلقة الفأس ورأس الفأس من عند فمه، وقد وسعت الحلقة حتى انتظمت رجليه ويديه ورقبته فلما رأوه راعهم ذلك وجاءوا بالبدوي، وقالوا: تعال انظر فأسك، ولما رأى فأسه قال: آمنت بالله! هيا اذهبوا، فأعطاهم بندقيتهم ودفنوا القبر وذهبوا. فهذه القصة ذكرها الشيخ حمود التويجري في كتابه الدلائل الواضحات في تحريم المسكرات والمفترات، وغير ذلك كثير، يقول: لكن لا يلزم أن يكون هذا الأمر بحق كل ميت، كما لا يلزم أن يكون القعود والحركة والاستيقاظ في حق بدن كل نائم، بل هو بحسب قوة الأمر ودواعيه.

حقيقة تزاور أرواح الموتى، ومعرفتهم بأحوال الأحياء

حقيقة تزاور أرواح الموتى، ومعرفتهم بأحوال الأحياء هل يمكن أن يسمع الإنسان في اليقظة أو يرى نعيماً أو عذاباً؟ سمعتم ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية، أما السؤال الثاني، فهل تتلاقى أرواح الأموات ويتزاورون في قبورهم؟ أو يعرفون هم في قبورهم شيئاً مما يدور في هذه الدنيا بعد وفاتهم؟ تكلم أهل العلم في هذا كثيراً جداً يقول: ابن عبد البر ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من مسلمٍ يمر على قبر أخيه كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام) فهذا نصٌ واضحٌ في أنه يعرف من يعرفه في الدنيا ويرد عليه السلام. وثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجوهٍ متعددة أنه أمر بقتلى بدر بعد انتهاء المعركة فألقوا في قليب -أي: في حفرة- ثم جاء حتى وقف على رءوسهم وناداهم بأسمائهم: (يا فلان بن فلان! يا فلان بن فلان! يا فلان بن فلان! -والصحابة واقفون- هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً) قال له عمر: (يا رسول الله! أتخاطب أقواماً قد جيفوا؟ -أي: صاروا جيفاً قد انتفخت- فقال عليه الصلاة والسلام: والذي بعثني بالحق ما أنتم أسمع لما أقول منهم) يقول هم يسمعون أكثر منكم: (والذي بعثني بالحق ما أنتم أسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون جوابا) فهذا نصٌ صريحٌ صحيح في أنهم يسمعون في قبورهم ما يدور في هذه الحياة الدنيا. وثبت أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين إذا انصرفوا عنه، وقد شرع لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مررنا على القبور أن نسلم على أهلها سلام من نخاطب فيقول: (قولوا: السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين) وهذا خطابٌ لمن يسمع ويعقل، إذ لو كانوا لا يسمعون؛ لما كنا نستطيع أن نقول: السلام عليكم وهم لا يسمعون، ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة مخاطبة المعدوم أو مخاطبة الجماد، وهذا محال والسلف كلهم مجمعون على هذا وقد تواترت الآثار عنهم بأن الميت يعرف زيارة الحي ويستبشر به. يقول ابن القيم رحمه الله: حدثنا محمد بن الحسين قال حدثني رجل من آل عاصم الجحدري - عاصم الجحدري تابعي من الصالحين- قال: رأيت عاصماً الجحدري في منامي بعد موته بسنتين، فقلت له: أليس قد مت؟! قال: بلى، قال: فأين أنت؟! قال: أنا والله في روضة من رياض الجنة، أنا ونفر من أصحابي نجتمع كل ليلة جمعة وصبيحتها إلى أبي بكر المزني فنتلقى أخباركم، قال: قلت: أجسادكم أم أرواحكم؟! قال: هيهات بليت الأجساد وإنما تتلاقى الأرواح، قال: قلت: فهل تعلمون بزيارتنا إياكم؟! قال: نعم. نعلم بها عشية الجمعة كله، ويوم السبت في الليل إلى طلوع الشمس قال: قلت: فكيف ذلك من بين سائر الأيام؟! قال: بفضل يوم الجمعة وعظمته عند الله عز وجل. وحدثنا محمد بن الحسين أيضاً عن حسن القصاب قال: كنت أغدو مع محمد بن واسع، ومحمد بن واسع رحمة الله تعالى عليه من أعلام التابعين، عالم ربانيٌ حدث عن أنس أي: أدرك أنساً وحدث عنه، وهو ثقة وعابد وصالح، لم يُر ولم يعلم أخشع لله منه، وكان الناس إذا وجدوا في قلوبهم قسوةً جاءوا إليه فنظروا إلى وجهه فتلين قلوبهم لذكر الله، فالرجل تذكر رؤيته بالله من خشوعه وخضوعه وخوفه من الله عز وجل، أوصى رجلاً فقال: [كن ملكاً في الدنيا وملكاً في الآخرة، قال: كيف ذلك؟! قال: ازهد في الدنيا، تكن ملكاً من ملوك الدنيا وأيضاً من ملوك الآخرة]، وكان من كثرة عبادته متواضعاً ومزرياً بنفسه يقول لأصحابه: [والله لو أن للذنوب ريحاً ما جلس إلي أحد]، فمع كثرة عبادته كان يحتقر نفسه، يقول: والله لو أن للذنوب ريحاً ما جلس بجواري أحد؛ لكن نحن اليوم لا إله إلا الله!! الإنسان منا مركب من رأسه إلى قدميه ذنوباً ويقول: أنا أحسن من غيري! فيزكي نفسه، وهذا هو الموت والبلاء. فهذا من أعبد الناس ويحتقر نفسه ويقول: لو أن هذه الذنوب لها رائحة ما كان يستطيع أحد أن يجلس إليه. وكان يقول: [إذا أقبل العبد بقلبه على الله أقبل الله بقلوب العباد عليه] وكان يقول: [يكفي من الدعاء مع الخوف والورع العمل اليسير]، يعني: عملك لو كان يسيراً، ولكن عندك ورع وخوف وزهد وأيضاً عندك دعاء ولجوء، فيكفي هذا ليكون سبباً من أسباب النجاة. وكان شجاعاً واشترك في معركة مع قتيبة بن مسلم في قتال الروم ولما سأل عنه قتيبة قال: ما صنع محمد بن واسع؟ قيل: هو ذاك رافع إصبعه إلى السماء يدعو الله، الناس يقاتلون بقوتهم وهو يقاتل بقوتين، فيقاتل بقوته المادية، وبقوة الله العظيمة، فقال قتيبة بن مسلم: والذي نفسي بيده لتلك الإصبع أعظم عندي من مائة ألف سيف شهير وشاب طرير، يعني: أن هذه الإصبع سبب للنصر بإذن الله أكثر من يد مائة ألف شاب طرير ومائة ألف سيف شهير، وهذا من تمام اعتمادهم رضي الله عنهم على قوة الله عز وجل؛ لأنهم يعلمون حقيقةً أن النصر إنما يكون من الله عز وجل. قيل لـ محمد بن واسع يوماً: كيف أصبحت؟ قال: [أصبحت قريباً أجلي، بعيداً أملي، سيئاً عملي]. يقول: قريباً أجلي أي: سأموت قريباً، بعيداً أملي، أي أن آمالي طويلة عريضة. سيئاً عملي، فهذا شعوره وهو يقوم الليل كله، ويكثر من صيام الدهر، لكن إذا سُئلنا نحن كيف أصبحنا؟ نقول: إننا أحسن من غيرنا! طيبة أعمالنا، قريبة آمالنا، بعيدة آجالنا، أي: العكس ولا حول ولا قوة إلا بالله! قال له الملك ابن المنذر: وقد ولاه القضاء، فاعتذر ثم كرر عليه يريد أن يوليه القضاء فاعتذر قال: والله لتلين الأمر -أي: القضاء- أو لأجلدنك ثلاثمائة سوط، قال: [افعل فإن ذل الدنيا خير من ذل الآخرة]، يقول: اضربني فأنا بالضرب أصير ذليلاً لكن ذلي في الدنيا أهون من أن أكون ذليلاً في الآخرة إذا وليت القضاء ثم لم أعدل؛ لأن القضاة ثلاثة: اثنان في النار وواحد في الجنة، فالغالبية في النار، أي: من كل ثلاثة اثنان في النار وواحد في الجنة، فمن هو الذي إلى الجنة؟ قاضٍ عرف الحق فحكم به، فهذا الذي إلى الجنة، وقاضٍ عرف الحق ولم يحكم به فإلى النار، وقاضٍ لم يعرف الحق فحكم بغير حق ففي النار ولا حول ولا قوة إلا بالله! فيقول ابن القيم حدثنا محمد بن الحسين عن حسن القصاب قال: كنت أغدو مع محمد بن واسع في كل غداة سبت إلى المقبرة فنقف على القبور ونسلم على أهلها وندعو لهم ثم ننصرف، فقلت ذات يومٍ: لو صيرت هذا اليوم -يوم الإثنين- قال: [بلغني أن الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة ويوماً قبلها ويوماً بعدها]، وحدثني يقول محمد بن عبد العزيز بن أبان قال حدثنا سفيان الثوري قال: بلغني عن الضحاك أنه قال: من زار قبراً يوم السبت قبل طلوع الشمس علم الميت بزيارته، فقيل له وكيف ذلك؟ قال: بفضل يوم الجمعة، هذا عن من؟ عن سفيان الثوري، وسفيان الثوري هذا إمام من أئمة الدين وتابعيٌ جليل، وإمام من الحفاظ، وسيد من سادات المسلمين، طلب العلم وأكثر منه حتى طلبه على أكثر من ستمائة شيخ، ليس على واحد أو اثنين! طلب العلم وكان لا يذكر له عالِم عنده علمٌ ليس عنده إلا ضرب الأرض إليه وأخذ عنه، وأخذ عنه هو من العلماء أكثر من ألف راوٍ وكان شديد الفطنة، عظيم الذكاء، عظيم الحفظ، يقول: ما استودعت قلبي شيئاً فخانني، أي: ما استودعت في قلبي شيئاً من العلوم ثم احتجت إليه فخانني، بل بمجرد ما أطلبه يأتي به القلب؛ لأنه كالمسجل، وكان عابداً زاهداً ورعاً تقياً، يقول عنه سفيان بن عيينة: ما رأيت رجلاً أعلم بالحلال والحرام من سفيان الثوري رحمه الله. وقال عنه الإمام أحمد: سفيان هو الإمام الذي لا يتقدمه أحدٌ في قلبي، وأحمد بن حنبل وسفيان بن عيينة حين يزكيان رجلاً فهو الرجل، يقول أحمد: سفيان هو الإمام الذي لا يتقدمه أحدٌ في قلبي، ويقول عنه يوسف بن أسباط: قال لي سفيان بعد صلاة العشاء: ناولني المطهرة لأتوضأ وأنام، قال: فناولته المطهرة فأخذها بيمينه ثم وضع يساره على خده، ثم نمت واستيقظت بعد طلوع الفجر -يقوله يوسف بن أسباط - يقول: وإذا بالمطهرة في يده وهو كما هو منذ أن نمت أول الليل، فقلت له: يا إمام قد طلع الفجر قال لم أزل على هذا الوضع منذ ناولتني المطهرة؛ لأنني تذكرت الآخرة. يقول: إنه تذكر الآخرة فما أتاه النوم، فجلس وكأن عقله قد سلب منه من قوة التأثر بذكر الله عز وجل، وذكر الدار الآخرة. يقول سفيان الثوري: من زار قبراً يوم السبت قبل طلوع الشمس علم الميت بزيارته، ويقول: حدثنا بشر بن منصور قال: لما كان زمن الطاعون كان رجل يختلف إلى الجبال، يعني: إلى المقابر، فيشهد الصلاة على الجنائز فإذا أمسى وقف على باب المقابر ثم دعا لهم وقال: آنس الله وحشتكم، ورحم غربتكم، وتجاوز عن مسيئكم وقبل من محسنكم، ولا يزيد على هذه الكلمات، قال: فأمسيت ذات ليلة وانصرفت إلى أهلي -يقول هذا الرجل- ولم آتِ المقابر فأدعو لهم كما كنت أدعو قال: فبينما أنا نائمٌ إذا بخلقٍ كثيرٍ قد جاءوني فقلت من أنتم؟ وما حاجتكم؟ قالوا: نحن أهل المقبرة، قلت: ما حاجتكم؟ قالوا: إنك قد عودتنا منك هدية عند انصرافك إلى أهلك، فقلت: وما هي؟ قالوا: الدعوات التي كنت تدعو بها، قال: قلت فإني أعود ل

حقيقة استئناس الميت بمن حوله من الأحياء

حقيقة استئناس الميت بمن حوله من الأحياء لقد ثبت في الصحيح أن الميت يستأنس بالمشيعين لجنازته بعد موته، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث عبد الرحمن بن شماسة المهري قال: حضرنا عند عمرو بن العاص قبل وفاته رضي الله عنه وأرضاه وهو في سياق الموت، فبكى طويلاً وحول وجهه إلى الجدار، وجعل ابنه يقول: (ما يبكيك يا أبتاه! أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا؟ فأقبل بوجهه علينا وقال: إن أفضل ما أعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإني كنت على ثلاث درجات، فلقد رأيتني وما أحد أشد بغضاً مني لرسول الله صلى الله عليه وسلم -لأنه أسلم متأخراً هو وخالد ومجموعة من كبار الصحابة- ولا أحب إلا أن أكون قد تمكنت منه فأقتله فلو مت على هذه الحال لكنت من أهل النار، فلما أنعم الله علي بالإسلام لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: ابسط يدك لأبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضت يدي، قال مالك يا عمرو! قال: أشترط يا رسول الله! قال: ما تشترط؟ قال: قلت أشترط على ربي أن يغفر لي، قال: أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله وما كان أحد أحب إليَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجلَّ في عيني منه، وما كنت أطيق النظر إليه إجلالاً وإعظاماً ولو سئلتُ أن أصفه ما أطقت؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه، ووددت لو أنني مت على تلك الحال لرجوت الله أن أكون من أهل الجنة، ثم مات رسول الله وولينا أشياءً بعده لا أدري ما حالتي فيها فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحةٌ ولا نار، فإذا دفنتموني فسنوا عليَّ التراب سناً، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر جزور وتقسم لحمها حتى أستأنس بكم، وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي) فدل ذلك على أن الميت يستأنس بالحاضرين عند قبره ويسر بهم. هذا عمرو بن العاص رضي الله عنه داهية العرب ودهات العرب أربعة: عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان والمغيرة بن شعبة وزياد بن أبيه، وكل منهم انفرد بالدهاء في جانب، وكان عمرو بن العاص داهية العرب في الحزم والقوه والشدة والبأس، وكان معاوية داهية في الحلم والأناة، وكان المغيرة بن شعبة داهية في سرعة البديهة، وقد كان أميراً على البحرين في خلافة عمر بن الخطاب، فلما قدم الحجاج من البحرين، وكان عمر شأنه محاسبة الولاة عن طريق سؤال رعاياهم، فكان إذا حج جمع الوفود من كل بلد وسألهم: كيف أميركم؟ فإن أثنوا عليه خيراً مكنه وإن أثنوا عليه شراً حاسبه، فلما علم أهل البحرين بهذا الأمر أرادوا أن يقعوا في المغيرة فكادوا له مكيدة وجمعوا مائة ألف درهم من بعضهم وجاءوا بها إلى عمر وقالوا لما سألهم: كيف أميركم؟ قالوا: يا أمير المؤمنين! جاءنا صعلوكاً -يعني: ما عنده مال- ولما أردنا أن نأتي إلى الحج وهو معنا استودع عند بعضنا مائة ألف درهم فعرفنا أنها من بيت مال المسلمين فجئنا بها إليك يا أمير المؤمنين! -يظنون أنه يقول: ما شاء الله! وكثر الله خيركم- فقام عمر رضي الله عنه؛ لأنه يقول: [لا تحكم على الخصم حتى يحضر]- فإنه وإن كان الخصم الذي جاءك يشتكي قد فقئت عينه، فربما الآخر قد فقئت عيناه فلا تتعجل بالحكم. وقد عاتب الله داود؛ لأنه تعجل بالحكم، فقال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص:26] ومقتضى الحق أنك لا تحكم حتى تستمع الدعوى والإجابة من الطرفين، أما أن تحكم مباشرةً فمعناه أنك لست حاكماً عدلاً، وأرسل الله على داود اختباراً في هذا فجاءه اثنان من الملائكة وتسورا المحراب وقال أحدهما: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [ص:23] فما صبر داود وما سأل الخصم وإنما حكم مباشرة: {قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} [ص:24] ثم علل وقال: {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [ص:24] قال الله عز وجل {وَظَنَّ دَاوُدُ} [ص:24] أي: اعتقد وعلم {أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} [ص:24] يعني أننا اختبرناه بهذين الخصمين {وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} [ص:24]. وما يدار في كتب الإسرائيليات من أن داود عليه السلام كان له تسع وستعون زوجة، وأنه رأى امرأة في بيتها، فأرسل زوجها إلى الغزو، ثم أخذها وتزوج بها، فهذا كله كذب وافتراء وقدح في مقام النبوة، فمعاذ الله أن يفعل هذا وهو نبي مجتبىً مختار، فهذا الفعل لا يفعله إنسان عادي بأن يكون عنده تسعة وتسعين امرأة ناهيك عن أن يأخذ تلك، كما أنها امرأة لرجل آخر، والإنسان لا يطمح عادة إلا إلى البكر أما امرأة رجل آخر فلا يعقل ذلك! لكن هذه من الإسرائيليات التي تردها أدلة الشرع في عصمة الأنبياء وجلالة قدرهم ولا ينبغي القول بها كما ذكر ذلك المحققون-. فكان عمر بن الخطاب شأنه ألا يترك الأمر معلقاً، فقال: هاتوا لي المغيرة؛ فلما جاء المغيرة، قال: ما هذا يا مغيرة؟ قال: ما هو يا أمير المؤمنين؟! قال: إن هؤلاء زعموا أنك جئتهم صعلوكاً وأنك أخذت من مال المسلمين بغير حق فلما قدمت إلى الحج استودعتهم مائة ألف درهم، فمن أين أتيت بها؟! قال: اصبر يا أمير المؤمنين! أولاً: أنا ما استودعتهم مائة ألف بل مئتي ألف -انظروا إلى الدهاء وسرعة البديهة- فمرهم أن يأتوا بها أولاً- فهم ما عندهم إلا مائة ألف وقد بحثوا عنها بكل وسيلة وهذه حجة عليهم- قال لهم أمير المؤمنين: هاتوا المائة الثانية، فـ المغيرة لا يكذب أبداً، فلما عرفوا أنهم وقعوا في ورطة قالوا: يا أمير المؤمنين! والله ما أعطانا لا مائة ولا مائتين -فكذبوا أنفسهم- ولكنا كرهنا الرجل قال: وما تكرهون فيه؟! قالوا: كرهناه دينه وعدله فأردنا المكر به فأوقعنا الله في مكرنا، فقال: الحمد لله الذي لم يخيب فراستي في المغيرة ورده والياً على البحرين. فهذا من دهائه رضي الله عنه. وكان عمرو بن العاص داهية العرب، ورجل العالم الذي دوخ الدنيا يضرب به المثل في الحزم والدهاء فتح مصر واستعمله عمر عليها. وكان أهل مصر يأتون كل سنة بفتاة جميلة عذراء ويلبسونها أحسن الثياب ثم يدفعونها في النيل، وإذا لم يفعلوا ذلك فإن النيل لا يجري، فلما جاء عمرو أنكر عليهم وكتب إلى عمر قائلاً: إن أهل مصر يدفعون إلى نيلهم كل سنة فتاةً من فتياتهم، قال عمر: امنعهم من ذلك وألق كتابي هذا في النيل، وكان عمر قد كتب: [من أمير المؤمنين عمر إلى نيل مصر إن كنت تجري بأمر الله؛ فإن الله سيجريك، وإن كنت إنما تجري بأمر الشيطان فلا أجراك الله]- عمر يخاطب النيل! انظروا إلى قوة الإيمان- فأخذ عمرو بن العاص الكتاب ورمى به في النيل، يقول: فجرى النيل ذلك العام كما لم يجر من قبل وذلك بأمر الله عز وجل، وانقطعت تلك العادة الشيطانية التي كان الشيطان قد أوحى بها إلى الناس. هاجر عمرو متأخراً سنة ثمانٍ للهجرة، وكان ذلك قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بحوالي ثلاث أو أربع سنوات، وهاجر معه خالد بن الوليد، وفرح بهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأمَّره عمر على بعض الجيش وجهزه للغزوات، وله أكثر من أربعين حديثاً منها ثمانية في صحيح البخاري، وكان واضحاً لا يعرف النفاق، يقول عنه قبيصة بن جابر: [ما رأيت رجلاً أبين رأياً، ولا أكرم جليساً ولا أشبه سريرة بعلانية من عمرو بن العاص رضي الله عنه] وكان ذا رأيٍ وشجاعةٍ ودربةٍ في أمور الحرب رضي الله عنه.

حقيقة تلاقي أرواح الأموات وأرواح الأحياء

حقيقة تلاقي أرواح الأموات وأرواح الأحياء المسألة الثالثة: من المسائل التي يمكن أن نسأل عنها ونناقش فيها: هل تتلاقى أرواح الأموات وأرواح الأحياء؟ فالسؤال الأول هل يعرف الأحياء ما يجري من نعيم أو عذاب في القبور؟ وقد أجبنا عليه. والثاني: هل تتزاور أرواح الأموات مع بعضها في القبور؟ وقد أجبنا عليه. أما الثالث: فهل تتزاور أرواح الأموات مع الأحياء الذين على ظهر الأرض؟ وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله: هذه مسألة شريفةٌ عظيمة القدر وجوابها: أن الأرواح في عالم البرزخ على قسمين: أرواح معذبة وأرواح منعمة، فالمعذبة في شغلٍ شاغلٍ بما هي فيه من العذاب عن التزاور والتلاقي، ولهذا فالمعذب لا يزور أحداً في الدنيا. فالذي يزور هو من يكون في نعيم، أما الذي يكوى ويحرق بالنار، بالليل والنهار فليس عنده وقت ليزور أحداً، وإنما هو في شغلٍ شاغلٍ بما سلط عليه من عذاب القبر والعياذ بالله. قال: وأما الأرواح المنعمة فهي تتلاقى وتتزاور وتتذاكر ما كان منها في الدنيا وما يكون من أهل الدنيا، فتكون كل روح مع رفيقها الذي هو على مثل عملها وروح نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الرفيق الأعلى قال عز وجل: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} [النساء:69] وهذه المعية ثابتةٌ في الثلاث الدور، الدنيا، ودار البرزخ، ودار الجزاء، والمرء مع من أحب في هذه الدور نسأل الله الذي لا إله إلا هو إن يحشرنا في زمرته؟ وأن يجعلنا ممن يعيش معه ويراه صلوات الله وسلامه عليه. يقول الإمام الشعبي: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي ويقول: (يا رسول الله! يا نبي الله! والله الذي لا إله إلا هو إني لأحبك أكثر من نفسي وأهلي ومالي، وإني أكون في أهلي فأذكرك فلا تهدأ نفسي حتى آتي إليك فأنظر إلى وجهك يا رسول الله! وإني ذكرت يا رسول الله! أنك ستموت وأنني سأموت فعرفت أنني لن أكون معك في الدار الآخرة، وأنك ستكون في منزلة النبيين، وأنني إن دخلتُ الجنة كنت في منزل أدنى من منزلتك، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم -فانظروا إلى نظرة الرجل البعيدة، يقول: إنك ستموت وأنت مع النبيين وأنا إن دخلتُ الجنة لن أكون مع النبيين ولن أراك، فماذا أفعل؟ قال:- فلم يرد عليه النبي فنزل قول الله عز وجل: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} [النساء:69]). هذا نصٌ في ذلك وقد أخبر الله عز وجل عن الأحياء أنهم يرزقون عند ربهم وأنهم يفرحون ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم، وهذا دليلٌ على تلاقيهم في عالم البرزخ من وجوه ثلاثة: الأول: أنهم عند ربهم يرزقون. والثاني: أنهم يستبشرون بإخوانهم لقدومهم عليهم من بعدهم. والثالث: أن لفظ الاستبشار يفيد أنه يبشر بعضهم بعضاً فهم يتباشرون بذلك بالآخرة كما كانوا يتباشرون بالبشرى في الدنيا. وقد تواترت الروايات فيما يتعلق بتلاقي أرواح الصالحين في الآخرة مع أرواح الصالحين في الدنيا كثيراً جداً ومنها: ما روى صخر بن راشد قال: رأيت عبد الله بن المبارك -هذا الذي ذكرنا قصته- بعد موته فقلتُ له: ألست قد مِتَّ؟ قال: بلى، قلت: فما صنع الله بك؟ قال: غفر لي مغفرةً أحاطت بكل ذنبٍ، قلت: فأين سفيان الثوري؟ قال: بخٍ بخٍ ذاك: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} [النساء:69]. وقال أبو عبد الله بن مندة: حدثنا أحمد بن محمد بن إبراهيم عن مطرف عن جعفر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله عز وجل: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر:42] قال: [بلغني أن أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فيتساءلون بينهم فيمسك الله أرواح الأموات ويرسل أرواح الأحياء إلى أجسادها]. وقد دل على التقاء أرواح الأموات والأحياء أن الحي يرى الميت في منامه فيستخبره فيخبره الميت بما لا يعلم الحي فيصادف خبره كما أخبر. وأبلغ من هذا أنه يخبره بما عمله من عمل ولم يطلع عليه أحداً غيره. يقول ابن القيم رحمه الله قال سعيد بن المسيب -وهو من أئمة التابعين-: [التقى عبد الله بن سلام -وهو صحابي من اليهود أسلم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم- وسلمان الفارسي فقال أحدهما للآخر: إن مت قبلي فالقني في المنام -انظروا إلى يقينهم بقضية الموت- قال: إن مت قبلي فالقني في المنام وأخبرني بما لقيت عند الله، وإن أنا مت قبلك فسوف ألقاك فأخبرك، فقال الآخر: وهل تلتقي الأموات والأحياء؟ قال: نعم. أرواحهم في الجنة تذهب حيث تشاء، قال: فمات أحدهم فلقي الآخر في المنام، فقال له: ماذا أصنع؟ قال: توكل على الله وأبشر فلم أر مثل التوكل]. قال العباس بن عبد المطلب: [كنت أشتهي أن أرى عمر في المنام فما رأيته إلا بعد حولٍ من موته فرأيته يمسح العرق عن جبينه وهو يقول: هذا أوان فراغي إن كاد عرشي ليهد لولا أني لقيت رءوفاً رحيماً] ولما حضرت شريح العابد الوفاة دخل عليه عبيد بن الحارث وهو يجود بنفسه فقال: يا أبا الحجاج إن قدرت أن تأتينا بعد الموت لتخبرنا بما لقيت من ربك فافعل -وكانت كلمة مقبولة عند أهل العلم وأهل الفقه في الدين- فمكث زماناً بعد موته لم يره ثم رآه في المنام فقال له: كيف حالك؟ قال: تجاوز ربي عن الذنوب فلم يهلك منا أحداً، قلت: إلا من؟ قال: إلا الأعيان، قلت: ومن هم؟ قال: الذين يشار إليهم بالأصابع. يقول هؤلاء رسبوا في الامتحانات. وقال عبد الله بن عمر بن عبد العزيز: رأيت أبي في النوم بعد موته كأنه في حديقة فدفع إليَّ تفاحات، فأولتهن الولد فقلت: أي الأعمال وجدت يا أبتِ؟ قال: الاستغفار يا بني. فالاستغفار من أعظم الأعمال؛ لأن الله عز وجل جعله أماناً من العذاب في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد موته قال الله عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33]. نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يغفر لنا وإياكم ذنوبنا وأوزارنا، وسيئات أعمالنا، وأن يتقبلنا في عباده الصالحين إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة هنا بعض الأسئلة من الأسبوع الماضي سوف أبدأ في إجابتها، والأسئلة التي أتت اليوم إن شاء الله في المستقبل.

مصير النمام الذي مات على التوحيد

مصير النمام الذي مات على التوحيد Q ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نمام)؟ وهل معناه أن الذي يموت نماماً لا يدخلها ولو مات على الإيمان أو التوحيد؟ A هذه الأحاديث أيها الإخوة! كما يقول العلماء: أحاديث الوعيد التي خرجت مخرج التهديد والترهيب من فعل بعض الأشياء لا تؤخذ لوحدها وإنما تؤخذ مع عموم الأدلة مثل حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (من صلى البردين دخل الجنة) وهذا حديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم و (البردان) يعني العصر والفجر، فلا يأتي واحد يصلي الفجر والعصر ويترك المغرب والظهر والعشاء ويقول: مادام أنه من صلّى البردين دخل الجنة فأنا أدخل الجنة، فنقول: لا (من صلى البردين دخل الجنة) ولكن لابد من الصلوات الخمس بأدلة أخرى. فهنا دلت الأدلة الشرعية الثابتة في كتاب الله عز وجل، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من مات على التوحيد لا يخلد في النار وأن مصيره إلى الجنة في آخر الأمر، إذ يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرةٍ من إيمان، وإنما المقصود أنه لا يدخل الجنة نمام أي: لا يدخلها ابتداءً، يعني: لابد من دخوله النار ليعذب على قدر الأقذار التي علقت به؛ لأنه إذا مات الإنسان وهو نظيف بالتوحيد، ونظيف من المعاصي والذنوب فإنه طيب في الظاهر والباطن فيدخل دار الطيبين، أما إذا مات وبه قذر أو به لطوخ من المعاصي فإنه لا يدخل الجنة الطيبة إلا بعد التعقيم في النار، والمكث في التعقيم يكون بحسب كثرة الأوساخ فالذي أوساخه قليلة يكون مكثه قليلاً، والذي أوساخه كبيرة ومتأصلة يكون مكثه طويلاً، وقد يدخل الجنة ابتداءً بدون تعقيم، وإنما تعقمه رحمة الله عز وجل كما قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]. فأما الشرك فلا يغفره الله؛ لأن المشرك كالخنزير كما يقول ابن القيم: الخنزير لو أدخلته من طرف البحر -تريد أن تغسله- وأخرجته من الطرف الآخر طلع عليك خنزيراً فلا ينظفه ماء البحر، لكن المسلم الذي يموت موحداً وعليه أقذار، فإنه يمحص بقدرها، وكلما كانت ذنوبه أكثر كان مكثه أكثر، فالنمام لا شك أن عمله كبير، ومن كبائر الذنوب، وهو يعذب صاحبه في القبر ويعذبه في البرزخ، ولكن إذا كان موحداً -مات على التوحيد- ولا يشرك بالله، فإنه بتوحيده ستكون نهايته إلى الجنة بإذن الله عز وجل.

مصير المتقلب بين التوبة والمعاصي

مصير المتقلب بين التوبة والمعاصي Q أنا شابٌ التزمت في أول حياتي ثم عدت إلى حياة اللهو، واليوم تبت إلى الله من قلبٍ صادقٍ فهل تقبل توبتي؟ A نعم. يا أخي الشاب! تقبل توبتك ويقلب الله سيئاتك التي عملتها حسنات، ولكن اثبت يا أخي المسلم! فإن التذبذب والصعود والهبوط والجد مرة والكسل مرة والمحافظة على الصلاة مرة وتركها مرة هذه ظاهرة خطيرة لحياة الشاب؛ لأنه قد يأتيه الموت وهو في النزول، فمن يرجعه؟ أو قد ينزل نزلة لا يصعد بعدها إلى يوم القيامة، بعض الشباب يقول: أنا الآن اهتديت لكن ضيقت على نفسي! فلماذا لا أفعل مثل هؤلاء العابثين وأشبع نفسي بالمعاصي والذنوب، ثم أتوب؟! فينزل فإذا نزل عاش هذه الحياة العابثة، فإما أن يموت قبل أن يتوب، أو يستمرئ هذه الأمور والعياذ بالله فيألفها ولا يستطيع أن يتوب، فيموت خاسراً والعياذ بالله لأن الله هو الذي يحبب الإيمان ويزينه في القلوب قال الله: {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات:7] فنسأل الله أن يحبب إلينا الإيمان ويزينه في قلوبنا، وأن يكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، فاثبت يا أخي! على دين الله ولا تتذبذب فإن هذا خطر؛ لأن القلب هو مجال هذا التذبذب، وهذا القلب جهاز عجيب يتقلب. وما سمي الإنسان إلا لنسيه ولا القلب إلا أنه يتقلب وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن، ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله ويقول: (اللهم يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك) فكان يسأل وهو المعلم لهذه الأمة ويقول: اللهم ثبت قلبي على دينك وعلى هداك، فاسأل الله التثبيت واثبت على دين الله عز وجل واتبع وسائل الثبات وهي: تلاوة القرآن الكريم، وفعل ما أمر الله به من أوامر وفي مقدمتها التوحيد، والصلوات الخمس، والزكاة؛ لأن الذي لا يصلي في المسجد وتوحيده فيه خلل فإن الله لا يثبته، يقول الله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ} [النساء:66] أي ما أمر الله به: {لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} [النساء:66] فأعظم شيء يثبتك على الدين فلا تزيغ ولا تهلك هو أن تتمسك بطاعة الله، وتعض عليها بنواجذك وتحرص عليها بكل قواك وتجاهد نفسك بقوة وعنف أن تكون الأول في دين الله. لكن أن تتكاسل في الصلاة وتأتي مرة في الصف الأول، ومرة في الثاني، ومرة في الأخير، ومرة تصلي في البيت، ومرة في المسجد، ومرة تضيعها، وتريد أن تثبت على الدين، فهذه بداية انحدار والعياذ بالله والذي يعمل هذا لا ترده إلا جهنم والعياذ بالله، لكن الذي يجاهد نفسه باستمرار فما إن يسمع الأذان حتى يقوم إليها فهذا يثبته الله عز وجل، ويحبب له الإيمان، فلا يمضي عليه سوى فترة بسيطة من الزمن وإذا بهذه الأعمال والطاعات تصبح صفة لازمة وثابتة فيه، ولا يمكن أن يتركها في أيِّ حال من الأحوال؛ لأن الله ثبته قال الله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [إبراهيم:27] يعني: هنا {وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27].

حكم صلاة الركعتين بعد الإحرام

حكم صلاة الركعتين بعد الإحرام Q كنت قاصداً العمرة ولما أحرمت من الميقات كان وصولي وقت صلاة من الصلوات الخمس فصليت ثم اكتفيت بها فقيل لي لابد من صلاة ركعتين فهل هذا صحيح؟ A لا، ليس بصحيح، والصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل محرماً بعد أن أدى الفريضة فهذا هديه، فإذا صليت فريضةً في ميقاتٍ من المواقيت فإنك تحرم بعده، أما إذا أتيت على غير فريضة، فقد اختلف أهل العلم في حكم صلاة الركعتين فمنهم من قال: لا أصل لها، فإذا أتيت في غير الفريضة فتحرم من الميقات ولا تصل ركعتين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعلها وإنما صلى الفريضة، فإما أن تصلي الفريضة إن كنت جئت في وقتها، فإن لم يكن فلا تصل. ومن أهل العلم -وهم الجمهور- من قال: يصلي ركعتين قياساً على صلاة الفرض فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما صادف وقت فرضٍ أحرم بعده ولما لم يصادف الإنسان وقت فرضٍ فليصلِ نفلاً تشبهاً برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يرجحه الشيخ عبد العزيز بن باز والكثير من العلماء المحققين أنه يصلي بعد إحرامه. لكن أن تصلي فريضة وبعدها تصلي نافلة فهذا خطأ ولم يقل به أحد من العلماء.

الحرص على تسوية الصفوف في الصلاة

الحرص على تسوية الصفوف في الصلاة Q أرى أن يوجه الإخوة المصلون إلى تسوية الصفوف أثناء قيام الصلاة حيث وأن الصفوف أحياناً تكون منقطعة ومتقطعة ومخلخلة وغير مستوية؟ A هذا تنبيه جيد جداً وهو مهم؛ لأن تسوية الصفوف أيها الإخوة! كما تعرفون من تمام الصلاة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها قالوا: كيف تصف؟ قال: كانوا يتمون الصفوف الأول فالأول ويتراصون في الصفوف) فتسوية الصفوف جزءٌ من تسوية القلوب، فإذا استوت الصفوف استوت القلوب، وإذا اختلفت الصفوف اختلفت القلوب فلا بد من المراصة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يهتم بهذا الجانب وكان السلف من بعده يهتمون بأمر الصلاة، وكان عمر يضرب الناس بالدرة -بالعصا- أثناء تسوية الصفوف؛ لأن استواء الصفوف مطلوب وشيء من متطلبات الفريضة، فينبغي للمسلم أن يحرص على هذا وأن ينظر عن يمينه وعن شماله، وأن يجر إليه من بجانبه، وأن يتقدم أو يتأخر حتى يستقيم الصف ولا يبقى فيه اعوجاج، وأن يتم الصف الأول فالأول، وأن لا يبدأ صفاً من الوسط حتى ينتهي الصف الذي قبله من طرفيه؛ لأنه غالباً ما يبدأ الناس الصفوف من عند الباب وتجد بعض الصفوف ناقصة باستمرار؛ لأن الشخص إذا سلم يريد أن يختصر الطريق إلى الباب وينصرف من هناك.

طلب العلم بين فرض العين وفرض الكفاية

طلب العلم بين فرض العين وفرض الكفاية Q نجحت من الثانوية وحمدت الله عز وجل ثم بعد ذلك طلب مني أهلي أن أدرس فحرمت الدراسة على نفسي كما حرمت الجنة على الشيطان -لا حول ولا قوة إلا بالله- ثم تذكرت أنه ليس لي بد من الدراسة فسجلت في الجامعة وقبلت، ثم إنه واجهتني الكثير من الصعاب في الدراسة -يعني كأنه يتصور أن هذا اليمين هو الذي سبب له هذه الصعاب- هل عليَّ إثم في تحريم الدراسة على نفسي؟ وهل عليَّ في تحريمها كفارة؟ A أولاً: أنت مخطئ في تحريم الدراسة؛ لأننا أمة العلم، فالجهل ما بنينا به مجداً، وأول آية نزلت علينا في كتابنا قول الله عز وجل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] فلن نبلغ شأواً ولا مجداً إلا بعلمنا وبإنتاجنا وبحضارتنا في شتى الميادين، سواء كانت هذه العلوم التي ندرسها علوماً شرعيةً أو علوماً دنيوية، لكن طبعاً العلوم الشرعية لابد منها؛ لأنها فرض عين على كل مسلم فلابد لطالب الطب أن يكون فقيهاً في الدين، ولطالب الهندسة لابد أن يكون فقيهاً في الدين، والطالب في كلية التربية لا بد أن يكون فقيهاً في الدين، فليست العلوم الشرعية مقصورة على طلاب الشريعة وطلاب العلوم الدينية. فنريد الطالب مزوداً بالدين في كل جامعة وفي كل ميدان، ولكن طالب الشريعة يزداد تخصصاً، فيعرف في الدين ما لا يعرفه في أمور تخصصية نادرة تعتبر من فروض الكفاية. فأنت يا أخي! قد أخطأت كثيراً حينما حرمت الدراسة على نفسك، والله قد قال للنبي صلى الله عليه وسلم {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} [التحريم:1] وقال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:2] فينبغي لك أن تقف عند هذا اليمين ولا تحرم ما أحل الله، وعليك أن تواصل دراستك وأن تستعين بالله، ولتعلم أن هذه المصاعب التي تواجهك في دراستك الجامعية شيء طبيعي في حياة كل شاب جامعي، لكن مع الاستمرار لابد أن تدك هذه العقبة إن شاء الله وتبلغ إن شاء الله المرتبة الطيبة والمنزلة الرفيعة لتنصر دينك من منصبٍ أقوى ومن مكان أفضل بإذن الله. ويلزمك كفارة يمين أن تطعم عشرة مساكين كل مسكين كيلو ونصف أو اثنين كيلو رز من أوسط ما تطعم أهلك إن شاء الله، وأسأل الله أن يتوب عليَّ وعليك.

فضل المخيمات الصيفية في حفظ الشباب

فضل المخيمات الصيفية في حفظ الشباب Q أرجو أن تقدموا نصيحة للآباء الذين يرفضون تمكين أبنائهم من الذهاب إلى الرحلات المدرسية والمعسكرات والمخيمات الدينية؛ لأن فيها منفعة للشباب؟ A أقول يا إخواني! بالنسبة للآباء فإن الشاب لا يمكن أن يتعايش مع الإسلام وأن يفهم الدين فهماً عملياً بواقع التجربة إلا عن طريق التعايش مع إخوته في الله في المخيمات والمعسكرات الإسلامية؛ لأن هذا الكلام الذي نقوله في الندوات الآن شيء نظري، ويمكن أن يثبت ويمكن أن يذهب لكن إذا طبق في مجال العمل فإنه يثبت ويستقر، ولذا تجد الشاب إذا عاش يوماً أو يومين أو ثلاثة في مخيم إسلامي؛ فإنه يرجع بنفسيات مختلفة اختلافاً كبيراً أكثر من سماعه للمواعظ والمحاضرات في ثلاث سنوات؛ لأنه هنا يسمع عن القيام للصلاة، لكن هناك يسمع كلمة قم للصلاة، ويسمع الخشوع، ويسمع قيام الليل، ويسمع كل هذه الأشياء المهمة جداً. وعليك أيها الأخ المسلم! إذا أردت أن يهتدي ولدك وأن يثبت على دين الله أن تسمح له في كل فرصة تسنح للذهاب مع إخوانه في رحلة أو في مخيم إسلامي، لكن بشرط أن تعرف من المسئول، ومن القائم على المخيم الإسلامي، وأن يعرف أنه رجل موثوق في دينه وفي عقيدته وفي حسن إشرافه ودرايته، أما غير ذلك فلا؛ لأني سمعت في يوم من الأيام أنه يوجد مخيم اسمه مخيم إسلامي وأنهم في الساعة التاسعة صباحاً يقومون في وقت الفطور ويشغلون الميكرفون والمسجل على أم كلثوم تغنيهم: يا صباح الخير يا اللي معانا، بعد الفطور قاموا يلعبون إلى الظهر ورجعوا يقولون: مخيم ديني وإسلامي، أي إسلامي؟! بل هذا مخيم شيطاني. وأذكر مرة من المرات قبل حوالي عشر سنوات أقامت إدارة التعليم مخيماً إسلامياً بطلائع الشباب الطيبين من الثانويات في المناطق المجاورة بـ أبها وجيزان ونجران وبيشه والباحة، فجاء من كل منطقة عشرون طالباً، فكان مجموعهم مائة طالب، والمخيم مدته أسبوعاً وكان في القرعا، وكنت أنا مسئولاً عن هذا المخيم ولما جاء الطلاب إلى البيت اجتمعوا من أجل أن نبدأ المخيم، وكان أكثرهم قد أتى معه بالكاميرا والمسجل وبعضهم أحضر الورقة في جيبه والثاني أحضر معه (الضومنة) وقالوا رحلة في السودة أو في القرعا مدة عشرة أيام، فلما جاءوا وجلسوا أول جلسة تكلمنا معهم وأعطيناهم لمحة عن المخيمات الإسلامية، وذكرنا لهم برامج المخيمات، وكان برنامجنا يبدأ عند الساعة الثالثة والنصف صباحاً، يعني: قبل الفجر بحوالي ساعة، فيبدأ بصلاة التهجد، يقول لي واحد من طلاب نجران لما صار ملتزماً واهتدى: والله ما سمعت بصلاة التهجد إلا منكم، لما قلتم صلاة التهجد يقول: قلت: ما هي التهجد؟! إلا أن معنى التهجد النوم، فما فهمت أن صلاة التهجد يعني قيام الليل. فكانوا يقومون الساعة الثالثة والنصف إلى الساعة الرابعة والنصف صلاة تهجد، وبعد الساعة الرابعة والنصف يقرءون القرآن ويصلون الفجر وبعد صلاة الفجر نقسمهم عشر حلقات كل عشرة طلاب مع مدرس من المدرسين الذين كانوا يشرفون على المخيم، يقرءون القرآن ويتعلمون القرآن، وكان هناك طلاب في الثانويات لا يعرفون حتى قراءة الفاتحة، يعني: كما أنزلها الله عز وجل بل يقرءون ويلحنون فيها، وبعد الإشراق نصلي ركعتين ثم يذهب الطلاب في حركات رياضية وكنت أنا الذي أدرسهم الرياضة؛ لأن عندي خلفية فيها بعد ذلك نرجع ونفطر، ثم فترة راحة من الساعة الثامنة إلى الساعة العاشرة، ومن الساعة العاشرة إلى الساعة الثانية عشرة محاضرات نستضيف فيها بعض العلماء ليلقوا دروساً على الطلاب، وبعد الظهر هناك غداء وراحة إلى العصر، وبعد العصر زيارة للأماكن المحيطة بالبيئة وأيضاً بعض الحركات والألعاب الرياضية، ومن المغرب إلى العشاء حفل سمر، ومن بعد العشاء بساعة هناك عشاء ثم بعدها النوم مبكراً، فهذا هو البرنامج، فالشباب أول ما أتوا تضايقوا قليلاً منه لكن في آخر الأمر وبعد أسبوع طلبوا تمديده، فاستأذنا من المسئولين في دار التعليم ومددناه عشرة أيام؛ لأن عندنا وفر في الإمكانية والميزانيات، بعد ذلك والله كنا نودعهم في آخر يوم وهم يبكون، وأن أحد الطلاب كتب لي وهو من نجران يقول لي: أكتب لك هذه الرسالة بمداد قلمي ودمع عيني، يقول: والله رجعت إلى بيتي وأنا غريب عن أمي وأبي وأبنائي وإخواني، يقول: غريب ما عرفت هذه العيشة الزكية عيشة الدين. فإذا وجدت يا أخي المسلم! مخيماً إسلامياً أو معسكراً أو رحلة فيها أناس طيبون يربون لك ولدك ويهدونه إلى الصراط المستقيم، خير لك يا أخي! من أن تترك ولدك لعبة أو طعمة يمكن أن يخطفه شيطان يعلمه الشر أو يعلمه المخدرات، ويعلمه الفساد ثم تندم وتعض على أصابع الندم، صحيح أنك تحرص عليه وهذا طيب من الطيبات، لكن بعض الآباء يمنع ولده حتى من الخير. فامنع ولدك من الشر وأطلقه في الخير أما أن تمنعه من الخير والشر فإنه لن يبقى هكذا، بل سيكون فريسة للشر يوماً من الأيام حين يتحرر منك. أما الآن فسيطيعك؛ لأنه مضطر لذلك، لكن حين يكبر فلن يطيعك، وأنت قد منعته من الخير الذي يحفظه، فسيتقبل الشر وينحرف والعياذ بالله. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يوفقنا وإياكم.

حكم تخطي رقاب المصلين

حكم تخطي رقاب المصلين Q أكثر الشباب الملتزم الطيب يأتي إلى الندوة والمجلس والمحاضرة متأخراً ثم يتخطى رقاب الناس، فهل هذا جائز؟ A تخطي الرقاب لا يجوز وينبغي التفسح؛ لأن تخطي الرقاب يؤذي المسلم إلا إذا رأى الإنسان فرجة خالية أمامه ليس فيها أحد، ولم يتقدم أحد ليقعد فيها؛ فإن من حقه أن يأتي ويقعد فيها ولا يقعد عند الباب.

سؤال في أحكام الرضاع

سؤال في أحكام الرضاع Q أخت أخي من الرضاعة هل تكون أختاً لي؟ A لا. من أين صارت أختك؟ أخت أخي من الرضاعة يعني: أن أخاك رضع من امرأة وأصبح أخاً لجميع البنات والأولاد الذين رضعوا من هذه الأم، والذين خرجوا من صلب زوج هذه المرأة من غيرها، هم أخوة له، أما أنت فلست أخاهم، فيقول: أخت أخي من الرضاعة هي أختي، ويريد أن يسلم عليها، فلا يجوز ذلك. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

نعمة الإيمان والدين

نعمة الإيمان والدين الإيمان أعظم نعمة في هذا الوجود؛ لأنه بغير الإيمان يخسر المرء الدنيا والآخرة، وقد يكون خسران الدنيا سهلاً، لكن خسارة الآخرة لا تعدلها خسارة؛ لأنها خسارة أبدية، كما أن الفوز فيها هو الفوز، فالعاقل من أدرك ذلك، والموفق من رزق نعمة الإيمان، والخاسر المغبون من حاد عن ذلك، وطاوع الشيطان الرجيم.

أهمية الإيمان

أهمية الإيمان إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على دربه واقتفى أثره، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:

الإيمان أعظم نعمة على الإطلاق

الإيمان أعظم نعمة على الإطلاق أيها الإخوة في الله! من أعظم النعم التي يمن الله بها على الإنسان في هذه الحياة، نعمة الإيمان والدين، ومن أعظم وأجل النكبات وأخطر العقوبات التي يُعاقب بها الإنسان في هذه الحياة، هي عقوبة الحرمان من نعمة الإيمان والدين، فمن أكرمه الله بنعمة الهداية فقد أُكرم وأُنعم عليه بأعظم نعمة، ومن حُرم هذه النعمة فقد عُوقب بأعظم عقوبةٍ ينالها في الدنيا والآخرة. ذلك -يا عباد الله- لأن النعم إنما تعرف بآثارها ونتائجها؛ فكلما كان أثر النعمة كبيراً كان قدرها كبيراً، وأثر نعمة الإيمان لا ينحصر في هذه الدار، إنه أثرٌ يرافقك أيها الإنسان! عبر رحلتك الطويلة التي تقطعها منذ أن تُولد حتى تستقر قدمك إما في الجنة وإما في النار، الإنسان في سفر وفي رحلة وفي مراحل، رحلة الحياة، ثم رحلة الموت، ثم رحلة الحياة البرزخية في القبر، ثم رحلة الحياة يوم القيامة، ثم آخر محطة يقف فيها الإنسان خلودٌ في الجنة لأهل الإيمان -جعلنا الله وإياكم منهم- أو خلودٌ في النار لمن حُرم نعمة الإيمان -أعاذنا الله وإياكم منهم-. فنعمة الإيمان معك في الحياة، وعند الموت، وفي القبر، وفي الحشر، ومعك إلى أن تدخل الجنة، وعقوبة الحرمان من نعمة الإيمان لعناتٌ في الدنيا، وغضبٌ من الله عند الموت، وعذابٌ في القبر، وفي الحشر، وفي النار، أعاذنا الله وإياكم من النار. لذا كان حريَّاً بالعقلاء أن يكون تركيزهم على الحصول على نعمة الإيمان والدين، لا تفكر كثيراً ولا تشتغل كثيراً بغير هذه النعمة، فإنك بالإيمان تكسب كل شيء، ولا تخسر شيئاً، تكسب الدنيا والآخرة، وبغير الإيمان والدين تخسر كل شيء، ولا تكسب شيئاً، ما الذي يكسبه البعيد عن الله، ما الذي يكسبه المجرم والكافر والفاجر يكسب الغضب والسخط واللعنات والبعد عن الله ومخالفة أوامر الله عز وجل.

الإيمان أعظم نعمة امتن الله بها على رسوله وعلى عباده

الإيمان أعظم نعمة امتن الله بها على رسوله وعلى عباده الإيمان نعمة امتن الله بها على رسوله صلى الله عليه وسلم، وامتن الله بها على الأمة إلى يوم القيامة، يقول الله عز وجل للرسول صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} [الفتح:1 - 2] أي: يتم دينه وإيمانه عليك. ويقول عز وجل: {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:10 - 11] أي: بدين الله وامتن الله بهذه النعمة على الصحابة، فقال في آخر ما نزل في حجة الوداع ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقفٌ بـ عرفة يقول الله له: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3]. ما هي النعمة التي أتمها الله على الصحابة في عهدهم؟ هل هي النعمة التي نتصورها الآن؟! لقد انقلبت مفاهيم أكثر الناس، فظنوا أن النعم هي النعم البهيمية، ملء البطون وانتفاخ الجيوب، وشهوات الفروج وعمارات وسيارات، هذه نعم يعطيها الله للكافر ويعطيها الله للمسلم. لكن النعمة الحقيقة التي أرادها الله، والتي ينعم بها الله على من أحب به من عباده، هي نعمة الإيمان والدين، يقول الله عز وجل: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ} [النساء:69 - 70]. أي: هذه النعمة من الله، نعمة الطاعة من يطع الله والرسول هو الذي أنعم الله عليه، أما شخص شبع من الملايين لكنه عاصٍ، لا يأتي إلى المسجد، هل هذا مُنعم عليه؟! لا. والله! هذا معاقب عقوبة ليس بعدها عقوبة؛ لأنه حرم من نعمة الصلاة، حرم من نعمة الهداية، حرم من نعمة القرآن، وعنده مال! المال مع اليهود ومع الكفار! عنده عمارة! العمارات مع الكفار، عنده سيارة! السيارات مع الكفار؛ أجل النعمة التي يختص الله بها من يشاء: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:105] ما هي؟ الدين. فإذا أعطاك الله الإيمان وجعل قلبك حياً، وجعل لك نوراً في قلبك، فهذه هي النعمة التي اختصك الله بها. يقول الله عز وجل فيها: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً} [الحجرات:8]. فضلاً من الله ونعمةً أن يحبب إليك الإيمان ويزينه في قلبك، لذا كل شيء بغير الإيمان ليس بجيد، يحبب الله إليك الصلاة فلا تعيش إلا بها، يحبب الله إليك القرآن؛ فلا تستأنس إلا بتلاوة كتاب الله، يحبب الله إليك العلماء والدعاة والمساجد والحج والعمرة والصيام، وتفرح بكل عمل ٍيحبه الله ويرضاه، وأيضاً يزينه في قلبك، ويكره إليك المعاصي! أكره شيء عندك أن تعصي الله، إذا رأيت امرأةً متبرجةً فإنك تغض بصرك، إذا سمعت أغنيةً فكأنما دخلت رصاصة في أذنك، إذا عُرض عليك ريال من حرام تضطرب ولا تقدر أن تأكل، لماذا؟ لأن الله كرّه إليك الكفر والفسوق والعصيان: {فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً} [الحجرات:8] هذه هي النعمة الحقيقية؛ لأن من الناس من انقلبت موازينهم؛ فحبب إليهم الكفر والفسوق والعصيان، وكره إليهم الإيمان، أكره شيء عنده عندما يسمع الله أكبر، أو أن يرى داعيةً إلى الله، أو أن يقال له: قم إلى طاعة الله، لكن يحب كل شيء غير الله، يقول الله عز وجل: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر:45]. إذا ذكرت المباريات والحفلات والطار والطبل والزير، تذكر السهرات، مثل الخيط ينقطع عليها، لكن إذا ذكرت الندوات ذكر العلم وذكر الدعاء، ذكر الصلوات آه اشمأز قلبه! لماذا؟ لم يكن مؤمناً بالله، لم يرُزق نعمة الإيمان، حُرم من نعمة الإيمان، أجل! يا أخي في الله النعمة الكبرى التي تستطيع أن تسعد بها في الدنيا والآخرة، هي نعمة الإيمان والدين.

من آثار نعمة الإيمان

من آثار نعمة الإيمان قد يقول قائل أو يسأل سائل: ما أثر هذه النعمة؟ قد يتصور بعض الناس أن أثرها فقط في الآخرة، أما الدنيا فإنها تمنع الشهوات، وتقيد الإنسان وتمنعه عما يريد، وهذا فهمٌ خاطئ واعتقادٌ باطل؛ إذ أن أثر نعمة الإيمان معك في الدنيا ومعك في الآخرة، يقول الله عز وجل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النساء:134]. إذا أردت ثواب الدنيا العاجلة تجده عند الله، وفي دين الله، لكن إذا ما أخذت الدين ضيعت الدنيا وضيعت الآخرة، خاسر من ليس له دين، وقد يقول قائل: كيف خاسر؟ نقول: الله يقول في القرآن: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ} [العصر:1 - 2] من الإنسان؟ أنا وأنت وكل إنسان على وجه الأرض، يقسم الله بالعصر وهو الدهر والزمن: {وَالْعَصْرِ} [العصر:1] {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:2] كيف هو في خسر؟ خسران وأنا صاحب عمارة، خسران وأنا صاحب وظيفة، خسران وأنا في منصب، نعم خسران! كيف؟! الآن الخسارة في معروف الناس هو أن يمتلك الإنسان شيئاً ثم يفقده، هذه تسمى خسارة، بنى عمارة وانهدمت هذه خسارة، أو اشترى سيارة وانصدمت! خسارة، أو حفر بئراً وطاحت! خسارة، تزوج بزوجة وماتت! خسارة، المهم توظف في وظيفة وفصل منها! خسارة، هذه الخسارة في الدنيا. إذاً عند الموت ما الذي يحصل للإنسان؛ إذا كان موظفاً يخرج من وظيفته، وإذا كان في عمارة ينكس من عمارته، وإذا كان معه ملايين يخرج من ملايينه، هل يبقى معه شيء عند الموت؟ أليس هذا بخاسر؟ خاسر. الملك عند الموت وهو في آخر لحظة من حياته قبل أن يموت، هل يستطيع أن يشكل الوزراء، أو يقيم الحروف، أو يعمل أي شيء بعد الموت؟ لا شيء، انتقل المُلك لغيره، كل إنسان عند الموت خاسر. {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر:3] الذين آمنوا بعد الموت يربحون الآخرة، ولذا إذا أردت أن تكون رابحاً فعليك بالإيمان، حتى لا تموت وليس لك عمل، إذا كنت تخسر الدنيا؛ لأنك تموت منها، تخرج منها كما تخرج الشعرة من العجين؛ فلا تخرج من الدنيا خاسراً بحيث تخسر الدنيا وتخسر الآخرة، كن رابحاً عند خروجك من الدنيا، فإذا خسرت الدنيا تربح الآخرة. إذا أودعوك في الحفرة المظلمة، وتخلوا عنك، ورفضك أولادك وأهلك، وأموالك تقتسم من بعدك، وما معك من الدنيا شيء وإذا بالجنة تستقبلك، وإذا بالعمل الصالح يمهد لك، وإذا بقبرك يصير روضة من رياض الجنة، وإذا بالملائكة تستقبلك وتفرش لك فراشاً من فراش الجنة، لماذا؟ لأنك من الذين آمنوا وعملوا الصالحات.

أثار نعمة الإيمان في الدنيا

أثار نعمة الإيمان في الدنيا أما آثار نعمة الإيمان ففي الدنيا وفي الآخرة:

الإيمان والدين يفسران الحياة التفسير الحقيقي

الإيمان والدين يفسران الحياة التفسير الحقيقي أما في الدنيا: فهي أولاً أن الإيمان والدين يُقدم للإنسان التفسير الحقيقي لهذه الحياة، ما هي هذه الحياة؟ من يستطيع أن يعرفها؟ ما حقيقتها؟ من أين جاء إليها الإنسان؟ ولماذا جاء إليها؟ وإلى أين بعد أن يموت الإنسان؟ أسئلةٌ محيرة!! حارت في فهمها العقول في القديم والحديث، وعجزت كل الفلسفات والأفكار والنظريات أن تجيب على هذه الأسئلة، وعاش الإنسان في عذاب، وعاش في شقاء وهو يعيش ولا يدري لماذا يعيش! حتى قال شاعرهم: جئت لا أعلم من أين؟! ولكني أتيت! ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيتُ! وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيتُ! كيف جئت؟! كيف سرت؟! كيف أبصرت طريقي؟! لست أدري! ولماذا لست أدري؟! لستُ أدري؟! لا يدري لماذا يعيش!! ولهذا يعيش الإنسان في عذاب؛ لأنه لا يدري لماذا يعيش، من الذي يقدم لك التفسير الحقيقي؟ إنه الإيمان بالله إنه الدين

بالإيمان والدين ينشرح الصدر ويطمئن القلب

بالإيمان والدين ينشرح الصدر ويطمئن القلب إذا عرفت أنك تعيش لعبادة الله، وأنك عبدٌ من عباد الله، وأنك تعمل صالحاً لتلقى الجزاء عند الله، وتترك السيئات لتلقى الأجر عند الله، فإن قلبك يطمئن، وإذا حصل هذا لك انشرح صدرك، وهذا أثر من آثار نعمة الإيمان وهو انشراح الصدر، يقول الله عز وجل فيه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97] حياةً طيبة. هو في الأساس كان حياً، لكن بالإيمان والعمل الصالح الله يحييه حياة أخرى، غير حياة البهائم، حياةً طيبة، هذا في الدنيا: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97]. قال العلماء: الحياة الطيبة هي: هدوء النفس واستقرار القلب والطمأنينة والسكينة، التي قال الله فيها: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ * الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} [الرعد:28 - 29]. لماذا يحصل في القلب الأمن والطمأنينة بالإيمان؟ لأن الإنسان عرف لماذا يعيش، استقر قلبه على أنه يعيش لغرضٍ معين فسكنت جوارحه، فالله عز وجل يطمئنه في حياته، الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بماذا؟ بذكر الله، أي: بدين الله، لا يطمئن القلب بالمال، ولا يطمئن القلب بالزوجات، ولا يطمئن القلب بالوظائف والعمارات، إنما تطمئن الأجساد بهذا. أما القلب فلا يطمئن إلا بالإيمان بالله، فإذا لم يحصل له هذا، عاش عيشةً ضنكاً، كما قال الله عز وجل: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه:124 - 127]. فهذا أثر عاجل لك في الدنيا، أن تعيش في أمن، وهل للإنسان مطلب غير أن يعيش سعيداً آمناً. الآن التكالب على الدنيا والتنافس والتناحر عليها من أجل السعادة، ولكن والله لا توجد السعادة إلا في الإيمان بالله. ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقي هو السعيد السعادة ليست في أكل ولا في شرب ولا أن تسكن في عمارة، ولا أن تملك ملايين ولا أن تركب سيارة، ولا أن تتزوج زوجة هذه سعادة مادية. السعادة الحقيقية: هي أن تكون على صلةٍ بالله، السعادة واللذة في ركعةٍ لله خاشعة، في تلاوةٍ لكتاب الله، في صيام يومٍ من أجل الله، في انتصارك على شهواتك، في استقامتك على دينك، هذه هي السعادة، والذي ذاقها لا يتخلى عنها ولو قطع قطعة قطعة. يقول عليه الصلاة والسلام والحديث في الصحيحين، عن أنس رضي الله عنه قال: (ثلاثٌ من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان -ومن ضمنها قال:- أن يكره أن يعود إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار). لو خُيِّر بين أن يرتد عن الدين أو يقذف في النار؛ لاختار أن يقذف في النار ولا يرجع إلى الكفر، لماذا؟ ذاق حلاوة الإيمان، ذاق طعم الإيمان وقد رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً. ومن آثار نعمة الإيمان أن تعرف لماذا خلقت. ومن الآثار أن الله يرزقك الأمن والطمأنينة في قلبك.

حصول الولاية من الله لأهل الإيمان

حصول الولاية من الله لأهل الإيمان أما الأثر الثالث: أن الله عز وجل يتولاك: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة:257] ومن كان الله وليه، فلا يخاف ظلماً ولا هضماً، يتولاك الله؛ فيسددك وييسر أمرك، ويرزقك من حيث لا تحتسب، وكل أمرٍ تسير فيه تجد أمامك نوراً، لماذا؟ لأن الله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الحديد:28] كفلان: يعني نصيبان من رحمته نصيبٌ في الدنيا، ونصيبٌ في الآخرة. ويجعل لكم نوراً: أي فرقاناً، أين يجعل النور؟ في نظرك، وفي قلبك، تنظر به الطريق فترى كل ما أمامك بوحيٍ من الله، بنورٍ وهدى من الله عز وجل، ويغفر لك إذا أخطأت أو زللت لأنك بشر؛ فإن الله عز وجل يغفر ذنبك ويرفع كربك لماذا؟ لأنك مع الله، وهل هذا شيءٌ سهل أيها الإخوة! إنه من أعظم النعم على الإنسان أن يكون على نورٍ من الله عز وجل.

الإيمان يضبط السلوك والأفعال

الإيمان يضبط السلوك والأفعال من آثار نعمة الإيمان أن الإيمان يضبط سلوك المكلف، المكلف بغير دين وبغير إيمان، لا يدري أين يتجه، ولكن بالدين والإيمان تراه، متجهاً اتجاهاً واحداً، ولذا كل أمرٍ يُسخط الله يمتنع عنه، كل أمرٍ يرضي الله يسير فيه، يُعرض عليه. الزنا يقول: معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي، يُدعى إلى ممارسة أي شيءٍ من المحرمات؛ فيقول: لا، يستثار إلى القتل فلا يقتل، يستثار إلى السرقة فلا يسرق، ولذا يعيش آمناً منضبطاً، من بيته إلى عمله إلى مسجده إلى مصالحه، ولا يقع في جريمة ولا يقع في مشكلة، فيعيش آمناً مطمئناً، ولو جئنا إلى أصحاب السجون، الذين ينتظرون الأحكام الشرعية، وسألنا كل واحد منهم عن قضاياهم، لوجدنا أن الشيطان هو الذي أوقعهم في هذه المشاكل. تأتي إلى السارق فتقول له: لماذا سرقت؟ فيقول: الشيطان، وأنت ما هي قضيتك؟ قال: أنا قاتل، منتظر للسيف كل جمعة! لماذا تقتل؟ قال: الشيطان، وأنت؟ قال: أنا روجت أو هربت المخدرات لماذا تهربها؟ قال: الشيطان، تسلط عليهم الشيطان، عندما تركوا الإيمان، يقول الله عز وجل: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل:99 - 100]. فإذا أصبح عندك إيمان فقد أصبح عندك حصانة ووقاية، يأتيك الشيطان يوسوس لك في أمر تقول: لا، معاذ الله، يعرض عليك جريمة، تقول: معاذ الله، فتعيش آمناً لا تدخل سجناً ولا يقام عليك حد، ولا تقف في موقف شر، لماذا؟ لأن الله عز وجل حفظك. الآن هناك بشر في هذا اليوم، أنتم الآن ستخرجون من هذه الجمعة بإذن الله، وتذهبون إلى بيوتكم، وتتناولون الغداء مع أزواجكم ومع أولادكم، وليس في قلوبكم إلا الأمن والطمأنينة، فاحمدوا الله على هذه النعمة. لكن من الناس الآن من ينتظر أن يُدعى ويقال له: اكتب وصيتك واغتسل آخر غسله في الحياة، ماذا فيه؟! قالوا: اليوم إعدامك، وتسمعون كل يوم جمعة بعد الساعة الثانية والنصف الأخبار بيانات من وزارة الداخلية عن تنفيذ أحكام الله في المجرمين. وهذه من نعم الله علينا في هذه البلاد، علينا أن نشكر الله على هذه النعم يا إخواني، فإن إقامة الحدود في الأرض تطهيرٌ لها، والله الذي لا إله إلا هو لو لم تُطبق شريعة الله في هذه الأرض لأكل الناس بعضهم بعضاً، ولكن نشعر بالأمن، تنام قرير العين بابك مفتوح وسيارتك مفتوحة، وتمشي السيارة من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال، محملة بمئات الآلاف ليس فيها إلا السائق وحده لا يخاف على شيء، لماذا؟ طبقت شريعة الله، وقف كل إنسانٍ عند حده، فلنحمد الله على هذه النعم أيها الإخوة! ولنحمد الله على نعمة الستر أنك مستور، هل تعرف مقدار المعاناة التي يعاني منها ذلك الذي يخرج للقتل؟! لو استطعنا أن نصل إلى نفسيته ونأخذ شريحة من شرائح نفسه، ونحللها أي حالٍ حالته أيها الإخوان؟! وهو يرى العساكر مصطفين حوله، ويرى السياف وهو منتظر من أجل يقطع رقبته بالسيف أو بالبندقية تنفض ظهره وتخرج كبده أمامه! كيف حالته أيها الإخوان؟! حالة ما بعدها حالة، نعوذ بالله وإياكم أن نقف مثل هذه الحالات، ما الذي أوقعه في هذه الورطة، نزغة شيطان، نزغة شيطان بينه وبين أخيه المسلم يتضاربان ويتقاتلان على كلمة، ويقتل بعضهم بعضاً على متر من الأرض، ويقتل بعضهم بعضاً على مبلغ من المال، لكن لو كان عندك إيمان ودين فلا تستطيع أن تقتل، لماذا؟ لأنك تعرف ما بعد القتل. كابني آدم قابيل وهابيل في القرآن قص الله قصتهما علينا، وهو أنهما قربا قرباناً أي: قدما شيئاً لله، فتقبل الله من أحدهما، ولم يتقبل من الآخر؛ لأن الله يعرف من المخلص منهما، فهذا الذي رفض قربانه قال لأخيه الذي قبل قربانه: لأقتلنك، قال: إنما يتقبل الله من المتقين، لماذا تقتلني، أنا وأنت تقدمنا بقربة لله والله قبل مني ولم يقبل منك، ماذا أفعل لك إذا كان الله لم يقبل منك، قال: لأقتلنك، قال: إنما يتقبل الله من المتقين، قال: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} [المائدة:28] يقول: إذا أنت تريد أن تقتلني فأنا والله ما أقتلك لماذا؟ قال العلماء: كان أقوى وأقدر على الانتقام والبطش؛ لكن منعه خوف الله، قال: {إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} [المائدة:28 - 29] وبعد ذلك قال: {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة:30] والعياذ بالله. فيا أخي المسلم! نعمةٌ عليك من الله أن تعيش آمناً، لا تعرف السجون، ولا تعرف القضايا، لماذا؟ لأنك تمضي على الطريق المستقيم، كلما دعاك شخص إلى جريمة أو خطيئة تقول: لا، لا أسير إلا في طريق الحق. أحد الناس أعرف قصته، كان نائماً في بيته وقد خلع ملابسه ولبس ثياب النوم، واستسلم للنوم ويأتيه زميل له ويناديه من عند الباب، فتستجيب الأم، تقول: من؟ قال: أنا فلان، من فلان؟ قال: زميل فلان، زميل ولدها أريده، قالت: قد نام، قال: أيقظيه، قالت: يا ولدي قد نام الساعة الثانية عشرة من الليل ماذا تريد منه الآن؟ قال: أريده أيقظيه الأمر مهم، فمسكينة ذهبت وأيقظت ولدها وليتها ما أيقظته، قالت لولدها: فلان يريدك، هو بمجرد أن سمع كلمة فلان قفز مثل الحصان، أما لو أنها أنهضته للصلاة لا ينهض، أو انهضته ليجيب والده فإنه لا ينهض، أو أنهضته لأي غرض فإنه لا ينهض. لكن عندما إذا أيقظته لزميله آه فإنه يقوم، فقام واقتحم ونزل عليه، فقال له زميله عند الباب: أريدك تأتي معي، قال له: أين؟! قال: عندي موعد لدي صيد -يصطادون أعراض المسلمين- وأريد أن تأتي معي تحميني، قال له: أبشر. ثم رجع وخلع ثوب النوم، ولبس ثوبه وأخذ مسدسه في جيبه، ومشى معه إلى عند البيت الذي يصطادون فيه أعراض المسلمين، ثم قال له: اجلس هنا؛ أجلسه عند شجرة ودخل هذا الخبيث واقتحم البيت، قفز من على السور ونزل على المرأة التي قد واعدها، ولما دخل أحس به صاحب البيت، وعرف أن شخصاً دخل بيته، فأخذ مشعابه وفتح الباب، فلما سمع هذا فتح الباب وهرب، وصاحب البيت خرج من الباب واتجه جهة الذي يحميه، فرآه فلما رآه طرده ظناً منه أنه هو الذي دخل البيت، وذلك قد هرب. فلحقه ولما أدركه وضربه بالعصا، أخرج الولد هذا الذي كان قد نام في فراشه المسدس وقتل صاحب البيت، وعندها قبض عليه ولما جاءوا به إلى السجن حققوا معه؛ اعترف قال: أنا القاتل: قالوا: لماذا قتلت؟ قال: أنا كنت نائماً، وكانوا قد جاءوا بالذي دعاه، قال: أبداً لم أدعه ولا أعرفه ولا يعرفني، قال: كيف ما دعوتني؟! قال: أبداً أنا عندي الشهود والثبوت أنني في الليلة الفلانية من أولها إلى آخرها كنت في القرية الفلانية، وأتى بشهود يشهدون لله عن خلق الله، أنه موجود طوال الليل في القرية الفلانية، وجلس أياماً وليالي وأخرجوه، وهذا جلس في السجون سنوات ثم أخرجوه وقطعوا رقبته، لماذا؟ ما الذي أخرجه؟ لو أنه يخاف الله؟ لو كان عنده إيمان ودين ودعاه صاحب السوء، وقال له: أنا ذاهب إلى الحرام، لقال له: اتقِ الله يا عدو الله! تغزو على بيوت المسلمين، تصطاد محارم الله، ورجع إلى فراشه، لكن جره إلى الشر لأنه خبيث، وليس عنده إيمانٌ بالله عز وجل. فالإيمان يا عباد الله حصن لك أيها الإنسان! وحماية لك، يحميك من الشر، ويحميك من الزلل، هذه آثار نعمة الإيمان في الدنيا قبل الآخرة.

آثار نعمة الإيمان الأخروية

آثار نعمة الإيمان الأخروية أما آثار نعمة الإيمان بعد ذلك فهي الآثار الحقيقية:

حسن الخاتمة

حسن الخاتمة أول أثر عند الموت: في ساعات الحرج، في ساعات انكشاف الحقائق، في ساعات زوال الحواجز، هناك في لحظات الموت، لحظات حرجة، لحظات يرى الإنسان فيها الجنة والنار، يتمنى أن يعود إلى الدنيا ليعمل صالحاً، يتمنى أنه قد صلى، يتمنى أنه قد تاب إلى الله، يتمنى أنه قد عمل الصالحات؛ لكن لا ينفع شيء في تلك اللحظات. يثبت الله أهل الإيمان بالقول الثابت وهي شهادة أن لا إله إلا الله، المؤمن عند الموت يودع الدنيا بهذه الكلمة يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وفي الحديث الصحيح: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) هذه علامة من علامات حُسن الخاتمة. إذا حضرت وفاة إنسان ونطق بالشهادة عند الموت ومات عليها، فاعلم أنه من أهل الجنة، ولكن من الذي ثبت عليها أيها الإخوة! من الذي يقولها! لا يثبت عليها إلا من عاش عليها في هذه الدنيا، من عاش على لا إله إلا الله، وحكم عينه بلا إله إلا الله، فلم ينظر بها فيما حرم الله، وحكم أذنه بلا إله إلا الله، فلم يستمع بها ما حرم الله، وحكم لسانه بلا إله إلا الله، فلم يتكلم بما حرم الله، وحكم يده ورجله وفرجه وبطنه وزوجته وأولاده وتجارته وبيته، فحياته كلها متفقة مع لا إله إلا الله، حتى أصبحت لا إله إلا الله تسير في عروقه، وتتردد مع أنفاسه، هذا عند الموت بدون تردد يقول: لا إله إلا الله. لأنه عاش على لا إله إلا الله، وعرف لا إله إلا الله فلا يتردد، بل يقولها: لأن الله يقول: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم:27] أي: لا إله إلا الله: {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [إبراهيم:27] أي: عند الموت {وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم:27] أي: في القبر {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27]. فإذا قال: لا إله إلا الله خرج متوجاً برضوان الله ورحمة الله، ومعه هذه البطاقة، وهذه الشهادة، وهذه الرخصة، للعبور إلى الجنة.

تثبيت الله للعبد في القبر

تثبيت الله للعبد في القبر بعد ذلك في قبره يسأل ثلاثة أسئلة: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ أسئلة مكشوفة تبدو الإجابة عليها سهلة، هي سهلة الآن، وصعبة عند الموت! في ذلك الموقف اللسان المتكلم يسكت، الله يقول: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس:65]. اللسان الكذاب الذي يأتي بالدعاوي ويكون في الدنيا كالسيف، هناك غير موجود، لا يوجد إلا العمل، من الذي يتكلم؟ تتكلم الجوارح عند الموت، يسأل الميت في قبره: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ فيثبت الله المؤمن، ويقول: ربي الله، لأنه عرف الله، ديني الإسلام؛ لأنه عاش على الإسلام، نبيي محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه سار على منهجه واتبع سنته. فينادي منادٍ من السماء: أن صدق عبدي، فافرشوا له فراشاً من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من روحها ونعيمها، وينام كما ينام العريس، هذه التي في القبر.

صاحب الإيمان يبعث آمنا يوم القيامة

صاحب الإيمان يبعث آمناً يوم القيامة تأتي النعمة الكبرى يوم القيامة، يبعث الناس من قبورهم ويبعث صاحب الإيمان لا يخاف ولا يحزن، الملائكة تؤنسه وتبشره عنده، يقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [فصلت:30 - 31]. يقوم من قبره ويبعث، وإذا بعث فالملائكة عند رأسه، تقول: لا تخف ولا تحزن نبشرك بالجنة؛ لأنك ولي الله في الدنيا، فنحن أولياؤك الآن، وبعد ذلك يأتي على كربات يوم القيامة وأهوالها فيتجاوزها بسهولة. أولاً: يمر على الصراط كالبرق الخاطف. ثانياً: يشرب شربةً من حوض النبي صلى الله عليه وسلم؛ لا يظمأ بعدها أبداً، ينقطع الظمأ إلى أبد الآبدين عند هذه الشربة. ثالثاً: يستظل في ظل عرش الرحمن؛ لأن الشمس تدنو من الرءوس حتى تغلي منها أدمغة العباد كما تغلي اللحوم في القدور من حرارة الشمس، ولا يوجد مظلة ولا سيارة ولا عمارة ولا شيء إلا مظلة الله، من استظل بدين الله وشريعة الله هنا، أظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، ومن عاش تحت جحيم وحميم وحر الكفر والفسق والمعاصي، عاش تحت آلام وحرارة النار في النار والعياذ بالله. رابعاًَ: يأخذ كتابه بيمينه؛ لأنه كان من أهل اليمين، كان يمشي على الطريق الصحيح، ولم يكن يعكس السير، يأخذ كتابه بيمينه ويقول: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:19 - 24]. بما عملتم في الأيام الماضية كلوا واشربوا هذا جزاؤكم، ليس بما لعبتم وضيعتم وسرتم في غير ما يريده الله تبارك وتعالى، ثم يزن موازين ترجح وتميل بالخردلة، الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النساء:40] ويقول: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47]. يُوزن فترجح موازينه؛ لأن لديه عمل وإيمان وعقيدة صافية ومتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، وصلاة في المسجد، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وحب في الله وبغض في الله، وأمر بطاعة الله وذكر لله، وتلاوة كتاب الله وعمل صالح، فهذا ترجح موازينه، قال الله: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف:8]. وبعد هذه العقبات وتجاوزها، يقال له: أنت ناجح تجاوزت العقبات، فادخل هذه الكرامة: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:70 - 72]. نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلنا وإياكم من أهلها، هذا مصيرك يا أخي وهذه حياتك في ظل الإيمان بالله، أما الذي لا يريد هذا، فهو ما سنتكلم عنه في الخطبة الثانية. أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

طريق الغواية والضلال

طريق الغواية والضلال الحمد لله على إنعامه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه، وسلم تسليماً كثيراً. يا أخي في الله: لا خيار لك في أن تسلك طريق الإيمان أو غيره، إذ أن الخيارات إنما تكون في الأمور المتقابلة والمتقاربة، الخيار أن تتوظف في وظيفة أو أخرى، الخيار أن تتزوج ببنت آل فلان أو بنت آل فلان، الخيار أن تدرس في كلية نظرية أو كلية علمية، لكن الخيار بين الجنة والنار، الخيار بين سعادة أبدية أو شقاء أبدي، يقول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب:36]. ظل ضلالاً واضحاً من يرفض طريق الإيمان، ويستمر في طريق الغواية والضلال، فهذا يشقى في الدنيا ويشقى في الآخرة. يشقى في الدنيا لأنه لا يدري لماذا يعيش، يعيش كما تعيش البهائم، كما قال الله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12] وكما قال عز وجل: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44]. فيعيش كما تعيش البهائم، وبعد ذلك يعيش قلقاً، لماذا؟ لأن جميع متع الدنيا ولذائذها لا تسعد، ولا تستطيع أن تنفس عنك العذاب الداخلي هذا، إلا الإيمان بالله عز وجل، فيعيش في قلق وفي عذاب، ولو كان في أعلى وأرقى صور المتاع الدنيوي.

طريق الكفر لا يحقق السعادة وإن توفرت الإمكانيات المادية

طريق الكفر لا يحقق السعادة وإن توفرت الإمكانيات المادية ها هي أوروبا الكافرة، ها هو الغرب الكافر يعيش قمة في التطور المادي، فجروا الذرة، طوعوا المادة، سبحوا في الفضاء، غاصوا في الماء، عملوا المعجزات في المادة. لكن هل حققت لهم المادة سعادة؟ هل استطاعت المادة أن تحل ألغاز الحياة؟ إن ضغط الحياة المادية قد ضغط على أنفسهم من الداخل حتى فجرها، فتفجرت النفوس في مشاكل ومعضلات من أبرزها الانتحار، فظاهرة الانتحار في الغرب ظاهرة شائعة، وكذلك الأمراض النفسية، الجنون المسرحي والتمثيلي، الجنون الكروي، التحلل الأسري، التفكك الاجتماعي، حياة جحيمية، يألف الإنسان منهم كلبه، ولا يألف أخاه، لماذا؟ لأنهم لم يجدوا الحياة الحقيقية في ظل الكفر بالله عز وجل؛ فحرمانهم من هذه الحياة بسبب كفرهم. وبعد ذلك لا يضبط الله سلوكه، فيعيش ملطخاً به في كل أرض والعياذ بالله، لا يتولاه الله، ولا ييسر الله أموره، وكلما سار في طريق عسرها الله عليه، يجعل أمره كله عسيراً؛ لأن الله يقول: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:8 - 10] والعياذ بالله.

الخاتمة السيئة لأهل الكفر والضلال والمعاصي

الخاتمة السيئة لأهل الكفر والضلال والمعاصي وعند الموت يقال له: قل لا إله إلا الله فلا يستطيع أن يقولها، لا يقدر أبداً ويُلجم على لسانه، اليوم نختم على أفواههم، ولو كان يعرفها قبل؛ لأنه لم يعمل بها فلا يستطيع أن يقولها، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه الجواب الكافي ذكر قصصاً كثيرةً عن قومٍ حضرتهم الوفاة، وقيل لهم: قولوا لا إله إلا الله، فما قالوها. أحدهم قيل له: قل لا إله إلا الله وكان يتعامل بالربا، كان يبيع العشرة بعشرين، يسلف الناس عشرة ويستملها بعد ذلك عشرين، قالوا له: قل لا إله إلا الله، قال: العشرة بعشرين، ومات على العشرة بعشرين. وفي العصور المتأخرة هذه، نُقل إلينا أن رجلاً ممن كان يبيع ويشتري في العقار بطريقةٍ محرمة، لما حضرته الوفاة قالوا له: قل لا إله إلا الله، قال: على شارعين، قالوا له: قل: لا إله إلا الله، قال: برخصة البلدية، ومات على شارعين والعياذ بالله. وشابٌ وقع له حادث مروري، وجاءوا عليه وقد قطع (الدركسون) بطنه، وهو يلفظ أنفاسه، والمسجل شغال وهو في آخر رمق يتكلم ويغني مع المغنية، ويقول: هل رأى الحب سكارى مثلنا؟! مات على هذه الكلمة والعياذ بالله. ما رأى أسكر ولا أفشل منك ولا أجناسك، والعياذ بالله أن تعيش على هذا وتموت على هذا فانتبه يا أخي! لأنه من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بُعث عليه، فعندما يُريد أن يقول: لا إله إلا الله لا يستطيع أن يقولها. رجل كان يُدخن ولما حضرته الوفاة قيل له: قل لا إله إلا الله، قال: هبوا لي دخاناً، يريد يُكيف في القبر، قالوا: لم يعد هناك دخان أنت ستموت الآن، قل: لا إله إلا الله، قال: والله ما أقولها أنا بريءٌ منها، تبرأ من لا إله إلا الله، ثقلت على لسانه؛ لأنه قد لوثه بهذه الخبائث والعياذ بالله.

حال أهل الكفر والضلال في القبور

حال أهل الكفر والضلال في القبور هذه المصيبة على الإنسان عند الموت، وفي القبر يسأل: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ فيذهن مثل الذاهن من النوم يقول: هَا هَا لا أدري؛ لا يدري من ربه! لا يدري من نبيه! لا يدري، لماذا؟ لأن الله يقول: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27]. وبعد ذلك تقول الملائكة: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد على رأسه فيصير طحيناً إلى قدمه، ثم يعذب إلى يوم القيامة، ويُفرش له فراش من النار، ويفتح له باب إلى النار، وينام كما ينام اللديغ والعياذ بالله، إلى أن تقوم الساعة؛ فإذا بعث الناس من قبورهم، قام وعليه الذلة.

حال أهل الكفر في مشاهد يوم القيامة

حال أهل الكفر في مشاهد يوم القيامة يقول الله عز وجل: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [المعارج:43 - 44]. يمر على الصراط فيسقط، تهبط قدمه الأولى والثانية في سواء النار والعياذ بالله، يأتي إلى مظلة الرحمن فيطرد؛ لأنه ما استظل بظل الله ولا بظل شريعة الله، يأتي إلى الحوض ليشرب فيذاد؛ لأنه لم يشرب من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، كان مشربه مشرباً غير شرعي، يأتي ليوزن فيخف ميزانه؛ لأنه رخيص تافه ليس معه عمل، ليس عنده إلا الأغاني والمسلسلات (والأفلام)، ما لديه إلا أمواس يحلق بها لحيته ليل نهار، لماذا؟ لأنه تافه لا قيمة له عند الله عز وجل، وبعد ذلك يُعطى كتابه بشماله (الشهادة حقه) يرى الناس يأخذون كتبهم بأيمانهم فيقدم يمينه فتضربه الملائكة على كتفه فتطيح يمينه، فيأخذ الكتاب بالشمال فإذا رأى الكتاب وإذا بعمله كله من يوم أن خلقه الله إلى أن مات وهو مسجل، قال الله: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ} [الإسراء:13 - 14] أنت الذي أنت عبأته، أنت الذي عبأته بالمنكرات والمعاصي: {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:14] {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية:29]. فإذا رأى كتابه قال: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} [الحاقة:25] يقول: ليتني ما رأيت هذه الشهادة: {وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:26 - 29]. يقول الله: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:30 - 32]. سلسلة من سلاسل النار، ذرعها سبعون ذراعاً بذراع أهل النار يسلك فيها، تُدخل من فمه وتخرج من دبره ليشوى في النار كما تشوى الدجاجة في المقلاة، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولماذا؟ قال: {إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ} [الحاقة:33]. فيا إخوتي في الله! من كان مستقيماً وملتزماً بمنهج الله؛ فليحمد الله وليطلب من الله الثبات حتى يلقى الله، ومن كان مقصراً وكلنا ذاك الرجل؛ كلنا مقصرون، فلنتب إلى الله عز وجل. فليتب الإنسان منا ولا يؤجل، فالتأجيل ليس من مصلحتنا، لا تقل: أتوب بعد ذلك، بعد ذلك ما تملكها أنت، قد تقول: أتوب بعد ذلك وتموت اليوم، أو تموت بعد شهر أو بعد سنة، خطر كبير أن تجازف بمصيرك، وأن تخاطر به ولا تتوب، الأفضل والخيار الأمثل أن تتوب الآن، لأنك إذا تبت وفاجأك القضاء والقدر وإذا بك سلمت. وإذا تبت ومد الله في أجلك وإذا بك كل يوم ترتفع درجة عند الله، لكن إذا أخَّرت التوبة وأجلت الرجعة إلى الله، ومت ولقيت الله وهو عليك ساخط كيف تصنع؟! كيف ترقعها مع الله؟! وإن لم تمت مد الله في عمرك، وأنت عاص فإنك كل يوم تزداد إثماً، لو مت اليوم أحسن من أن تموت غداً؛ لأنك تسلم من المعاصي. أجل الأفضل لك أن تتوب الآن، وسوف تجد رباً كريماً يغفر الذنب العظيم، ويقول: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53] لا تقل: أنا كثير المعاصي، أنا فعلت وفعلت، مهما عملت من ذنوب فإن رحمة الله أوسع من ذنوبك، بل إن الله عز وجل لا يغفر الذنب فقط، ولكن يغفر الذنب ويبدل الذنب كله حسنات، قال الله: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:70]. فيا إخوتي في الله! لابد من الرجعة إلى الله والعودة إليه، لأننا سنموت، لو كنَّا لن نموت كان من حقنا أن نعصيه، وما دام الإنسان على يقين أنه سيموت، ولن يستطيع أن يفلت من قبضة الله، فإن الأفضل في حقه أن يتوب إذا أراد النجاة في الدنيا والآخرة. ألا وصلوا على خير خلق الله، محمد بن عبد الله فقد أمركم بذلك فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين. اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، وعنا معهم ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

بصيرة المؤمن

بصيرة المؤمن تحدث الشيخ في هذه المحاضرة عن عدة عناصر فبدأ بالحديث عن زهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، ثم بدأ بالحديث عن البصيرة وذكر أسباب تقويتها، وجعلها نافذة، مبيناً أن من هذه الأسباب غض البصر عن الحرام، وكف النفس عن الشهوات، وغيرها من الأسباب المؤدية لنفاذ البصيرة.

زهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه

زهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الإخوة في الله: مرحباً بكم في روضة من رياض الجنة، وحيى الله هذه الطلعات الطاهرة، وهذه الوجوه المباركة التي أقبلت إلى الله، تلتمس طريقاً إلى الجنة، تريد الدخول على الله من أشرف الأبواب باب العلم، يقول عليه الصلاة والسلام: (ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع). أنتم تأتون إلى حلق الذكر، ولكنكم لا تسيرون على الأرض، وإنما تسيرون على أجنحة الملائكة، تأييداً ورضاً بهذا المسلك النبيل، وبهذا الغرض الجميل، حين يحب الناس الدنيا فتحبون الله، وحين يحب الناس اللهو واللعب والركض فتحبون أنتم الذكر، حينما يحب الناس الطبل والزير فتحبون القرآن والتفسير، حينما يحب الناس العود والناي فتحبون أنتم الحديث والآي، {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60]. هذه بضاعتكم وهذه حياتكم وهذا قدركم؛ فاحمدوا الله على ما آتاكم، هذا هو الفضل، هذا هو الخير، والله يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:57 - 58] بفضل الله وبرحمته أي: بالهدى والدين من الله، فمن أوتي العلم وأوتي الدين والإيمان فقد أوتي خيراً كثيراً ولو حرم من الدنيا كلها. لقد عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأجلاء الكرماء العظماء أكرم عيشة عرفتها الحياة، ومع هذا ما كان عنده شيء من الدنيا، بيت النبوة أشرف بيت على وجه الأرض، تقول عائشة رضي الله عنها: (كان يدخل الهلال والهلال والهلال ولا يوقد في بيوت آل محمد نار) الله أكبر! تصوروا لو أن بيوتنا لا توقد فيها النار يوماً واحداً كيف تكون؟ الآن توجد النيران وليس ناراً واحدة، لكن هل هذه هي السعادة؟ لا. بيوت آل محمد ليس فيها نار قال: [فما طعامكم يا أماه؟ قالت: الأسودان؛ التمر والماء]. وكان صلى الله عليه وسلم ينام على الحصير -لا ينام على الفراش الوثير- حتى يبدو أثر الحصير في جنبه الشريف صلوات الله وسلامه عليه، وكان يخرج في بعض الأيام وهو مربوط على بطنه الحجر، لقد خرج أبو بكر يوماً من الأيام يشكو الجوع فلقيه عمر فقال: ما أخرجك؟ قال: والله ما أخرجني إلا الجوع، ثم كشف عن بطنه وإذا فيه حجر -والحجر تضغط على المعدة فتسكت؛ لأن المعدة إذا خلت من الطعام أرسلت إشارات وأصدرت حركات توحي أنها تريد طعاماً، فيكون في البطن ألم حرقة الجوع، نعوذ بالله من الجوع، فإذا ضغط على الأمعاء والبطن بحجر التقى جدار المعدة بعضها ببعض فتسكت كأنها شبعت لكن بالحجر، وما شبعت بالطعام- فكشف عمر عن بطنه وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج عليهما فيشكوان عليه قالا: يا رسول الله! ما أخرجنا إلا الجوع، ويكشف عن بطنه الشريفة وإذا على بطنه حجران، وهو الذي يقول: (والله لو أردت أن تكون معي الجبال ذهباً وفضة لكانت، ولكن أريد أن أشبع يوماً وأجوع آخر، فإذا شبعت شكرت الله، وإذا جعت سألت الله) هذه حياة القلب حياة الإيمان، فمن رزق هذه النعمة فقد رزق النعمة الكبرى.

الحاسة التي يتميز بها الإنسان عن الحيوان

الحاسة التي يتميز بها الإنسان عن الحيوان أيها الإخوة: عنوان المحاضرة: بصيرة المؤمن. هناك حواس زود الله الإنسان بها لإدراك ما في هذه الحياة، لمعرفة الوسط الذي يعيش فيه الإنسان، حاسة البصر يطل منها الإنسان على عالم الألوان، فيرى الأبيض والأسود والأحمر والأزرق والأصفر بعينه، فحاسة العين تطل على عالم الألوان، وحاسة الأذن تطل على عالم الأصوات، صوت محمد وعلي وعبد الله وفلان، تعرف الصوت بأذنك، وحاسة الشم يطل منها الإنسان على عالم الروائح، إذا أردت أن تشم رائحة عطر هل تشمه بأذنك، أو تقربه إلى عينك، أو تطعمه بلسانك، أين تضعه؟ في أنفك؛ لأن أنفك هو الذي يعطيك دليلاً على نوعية هذا العطر أو هذه الريح، وحاسة اللسان تطل منها على عالم الطعام والأذواق، إذا أردت أن تعرف طعم التفاح لا تضعه عند عينك، ولا تضعه عند مسمعك، وإنما تذوقها بلسانك، وحاسة اللمس تطل منها على عالم الأجسام، فتعرف الحديد من الخشب، والجدار من الإسفنج؛ فتعرف أي شيء عن طريق حاسة اللمس، هذه خمس حواس. وهذه الخمس الحواس ليست خاصة بالإنسان، بل مع الإنسان ومع الحيوان، بل ربما عند بعض الحيوانات حواس أدق وأقوى من حاسة الإنسان، الطائر الصغير: العصفور يعيش في جو السماء، ولكنه بعينه الصغيرة التي هي مثل حبة البلسن، أو مثل حبة العدس يرى الحبة في الأرض، وهو في السماء فينزل ويأخذها، عينه صغيرة والحبة أكبر من عينه ولكن يراها بعينه الصغيرة، عنده قدرة على رؤية الأشياء البعيدة بأدق إمكانية. حاسة السمع موجودة عند بعض الحيوانات تسمع على مدى بعيد، وكذلك حاسة الشم بشكل عجيب، كل هذه الحواس موجودة عند الإنسان وعند بقية الحيوان، بل بعض الحيوانات كما قلت أكبر، فعين الثور مثلاً كبيرة جداً لكنه ثور، وعين الحمار كذلك كبيرة لكنه حمار لا تنفعه. ولكن يتميز الإنسان عن سائر الحيوان بحاسة سادسة ليست مع الحمار، ولا مع الطائر، ولا مع السمك، ولا مع أي شيء من البهائم والأنعام، إن الحاسة السادسة هي البصيرة التي بها يكون الإنسان إنساناً، وبعدمها يكون الإنسان حيواناً بل أرذل من الحيوان. واسمعوا ماذا يقول الله عز وجل: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46] فالعمى ليس عمى العين، العمى عمى القلب، عمى البصيرة، يقول الله عز وجل: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى} [الإسراء:72] يعني: أعمى القلب {فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} [الإسراء:72] من كان في هذه أعمى هل يعني: أعمى العيون؟ لا. لأن عمى العين ليس باختيارك، هل هناك أحد يغمض عينيه ويخيطها ويعمى، لا. الله يفرضها على الإنسان، فالمؤمن يرضى بقضاء الله إذا ذهبت عيناه ويستسلم، وإذا رضي واحتسب أبدله الله الجنة، ورد في الحديث القدسي: (إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر لم يكن له عوض عندي إلا الجنة) فإذا أخذ الله منك هذه الحاسة وعوضك بحاسة الإيمان ما خسرت، لكن إذا زودك بهذه الحاسة -حاسة البصر- وحرمت حاسة البصيرة فلم تعش حياة الإيمان لم تنفعك هذه العيون، فهو أعمى في الدنيا وأعمى في الآخرة يقول الله عز وجل: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:19 - 22] ويقول الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأحقاف:26] ويقول عز وجل: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ} [النحل:78] لماذا؟ {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:78] ويقول عز وجل: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] ويقول عز وجل: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179] أجل بم تتميز؟ بالبصيرة.

تعريف البصيرة وأهميتها

تعريف البصيرة وأهميتها ما هي البصيرة؟ هل نبحث عنها في الصيدليات، أم في المستشفيات؟ لا. هذه لا توجد لا في البقالات ولا في المستشفيات، ولا يحصل عليها بكثرة الريالات، ولا بقوة العضلات، ولا بعلو الرتب والمناصب، بل هي: نور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40]. أين النور هذا؟ اسمعوا ماذا يقول الله في النور: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ} [النور:35] يعني: في قلب عبده: {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} [النور:35] المشكاة: الفتحة التي في الجدار -في الماضي- وفيها مصباح يعني: لمبة {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ} [النور:35] يعني: اللمبة {فِي زُجَاجَةٍ} [النور:35] مغطى بالزجاجة من أجل ألا يؤثر عليه الهواء: {الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} [النور:35] ملمعة ونظيفة كأنها كوكب، وبعد ذلك: هذا المصباح من أين يوقد؟ قال: {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ} [النور:35] يعني: الزيت والزاد الذي يوقد منه ليس بنزيناً وإنما من زيت زيتونة {زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} [النور:35] يعني: تصيبها الشمس في الشروق وتصيبها الشمس في الغروب فيأتي زيتها أصفى من الشمس: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور:35] نور المشكاة على نور المصباح على نور الزجاجة على نور الزيت تجمعت أنوار أين هي كلها؟ في قلب العبد المؤمن -اللهم نور قلوبنا يا رب العالمين- {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [النور:35]. هذا النور يقول الله عز وجل عنه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ} [الحديد:28] ماذا؟ {نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} [الحديد:28] وقال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]. هذا النور -أيها الإخوة- والإيمان، وهو الهداية، هو التوفيق الذي إذا حل في قلبك حيت بصيرتك وانطلقت، ورأت الأمور على حقائقها وأعادت ترتيب المسائل؛ لأن القضايا والأمور والأحداث في حياة الإنسان غير مرتبة الترتيب السليم لفقدان البصيرة، هناك أشياء غير مهمة تجد الإنسان يقدمها، وأشياء مهمة مرفوضة، غير مقدمة مهملة، لماذا؟ لأن البصيرة التي تعرف أن هذا مهم فيقدم، وهذا غير مهم فيؤخر غير موجودة، فإذا جاءت البصيرة بدأ الإنسان يعيد ترتيب قضايا حياته، ويعطي لكل شيء ما يناسبه من الاهتمام. الآن لما عميت بصائر أكثر الناس، ما عرفوا الأمور على حقائقها ولم يروا إلا ما تراه حواسهم فقط، فرأوا الدنيا، فيعيشون للدنيا التي يرونها ويسمعونها ويشمونها ويتذوقونها ويلمسونها ويتمتعون بها، فلها يعيشون، وبها يفرحون، ومن أجلها يغضبون، وفي سبيلها يموتون، وإذا قلت له: آخرة، قال: يا شيخ! فيما بعد، لماذا؟ لأنها ليست في ذهنه، وليست واردة في حساباته؛ لأنه لا يراها، ليس لديه نور ينظر به، وليست عنده بصيرة يستطيع أن يخترق الحجب وأن ينفذ إلى الآخرة، ولذا لا يرى إلا الدنيا، لماذا؟ قال العلماء: هذه الإصبع إذا وضعتها في المكان المناسب رأيتها بحجمها، تضعها أمام عينك فتراها بوضعها الطبيعي ولكنك تراها وترى ما وراءها، لا تستطيع الإصبع أن تحجب الرؤية عن عينيك وأن تسد أفق النظر عما وراءها، فأنا الآن أرى إصبعي وأرى المجلس المملوء بالمؤمنين، وأرى اللمبات والأعمدة، وأرى الميكرفون، وأرى يدي، لكن إذا قربت الإصبع جداً جداً إلى أن تلصقها بعينك ماذا ترى؟ لا ترى إلا الإصبع فقط، يقولون: وراءها مسجد وراءها أناس، تقول: لا. لا أرى إلا الإصبع، لماذا؟ لأنك ألصقتها، ما وضعتها في المكان المناسب، لكن إذا أبعدتها قليلاً ترى الناس، كذلك الناس ألصقوا الدنيا بقلوبهم، ألصقوا الدنيا بأعينهم، ألصقوا الدنيا بجميع حواسهم فلا يرون إلا الدنيا، ولو أنهم أبعدوا الدنيا قليلاً -لا نقول: يرفضونها وإنما يجعلونها في المكان الصحيح- لرأوا الآخرة، ولرأوا الجنة والنار. حارثة بن وهب رضي الله عنه -وإن كان الحديث فيه مقال، لكنه يستشهد به في مثل هذه الأمور- لقيه النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (كيف أصبحت يا حارثة؟ قال: أصبحت مؤمناً يا رسول الله! قال: انظر ماذا تقول، فإن لكل قول حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ قال: يا رسول الله! عزفت نفسي عن الدنيا وشهواتها؛ فأظمأت نهاري بالصيام، وأسهرت ليلي بالقيام، وأصبحت وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتعاوون فيها؛ فقال عليه الصلاة والسلام: عرفت فالزم، إنك امرؤ نور الله قلبك بالإيمان). إذا أنار الله القلب وفتح البصيرة؛ رأى الإنسان الدنيا والأمور كلها على حقيقتها، ورأى الله في كل شيء. وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد ينظر إلى السماء فيرى آثار قدرة الله في خلق السماء فيقول: لا إله إلا الله! سبحانك {مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191]. ينظر إلى البحر فيقول: لا إله إلا الله! سبحان من أجراه. ينظر إلى الجبال فيقول: لا إله إلا الله! سبحان من أرساها. ينظر إلى الأرض فيقول: لا إله إلا الله! سبحان من مدها وبسطها. ينظر إلى الثمار فيقول: لا إله إلا الله! سبحان من حلاها وأنبتها. ينظر إلى العسل وهو يأكل ويقول: لا إله إلا الله! سبحان من أخرج هذا العسل من هذه الحشرة. يأكل الموز فيقول: سبحان من أخرج هذا الشيء من الطين! {وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} [الرعد:4] لماذا؟ فتح الله بصيرته، لكن البهيمة التي لا تعرف الله وليس عندها إيمان ولا نور تأكل من اللوز ومن الموز ومن اللحم ومن العسل ومن كل شيء، ولا تقول: سبحان الله! ولا تقول: لا إله إلا الله! لماذا؟ مثل الدابة أو الثور أو الحمار -الله يكرمكم- إذا أكل علفاً هل يتفكر في هذا العلف كيف ساقه الله له؟ أبداً، يأكل حتى تمتلئ بطنه ويذهب فيركب أنثاه، وكذلك بعض البشر يعيش حياة البقر وحياة الحمير لا فرق بينه وبين البهائم والعياذ بالله.

الفرق بين المؤمن والكافر في النظر إلى الدنيا

الفرق بين المؤمن والكافر في النظر إلى الدنيا المؤمن يتميز بهذه البصيرة التي ينظر بها إلى الأمور، يعيش في الدنيا ويسكن في القصر ولكن بجسده وقلبه يعيش في القبر، يعيش على الفراش الوفير وهو يتذكر الكفن والحفرة المظلمة، يعيش في النور وهو يتذكر ظلمات القبور، يعيش مع الزوجة ومع الأبناء وهو يتذكر الوحشة في أول ليلة من ليالي القبر، يأتي على الإنسان في أول ليلة موحشة في قبره ما لم يتعرض له في حياته قط، يقال: يومان وليلتان ما مر عليهما الإنسان في حياته: أول ليلة في القبر وأول ليلة إما في الجنة وإما في النار، يقول: فارقت موضع مرقدي ليلاً ففارقني السكون القبر أول ليلة بالله قل لي ما يكون إني أبثك من حديثي والحديث له شجون يقول: أعطيك ما في قلبي وهو ذو شجون، يقول: أنا إذا غيرت مرقدي ليلة من الليالي في غير بيتي أتقلب طوال الليل، لماذا؟ قال: لأني غيرت موضع مرقدي، يقول: القبر أول ليلة بالله قل لي ما يكون كيف تلك الليلة يا إخواني! ونحن نعيش في غفلة عن هذا المصير، من الذي يعيش حياة القبور؟ إنهم أهل البصيرة، لا تخدعهم الفلل ولا العمارات ولا السيارات ولا الزوجات ولا غرف النوم، وإنما يعيشون هموم الآخرة قبل أن يصلوها، فيستعدون لها، ويعملون من أجلها. أما البهائم البشرية فهم في غفلة، يقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12] ويقول عز وجل: {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ} [المرسلات:46] ويقول عز وجل: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:3]. فبالإيمان وبالبصيرة التي ينور الله بها قلب المؤمن تنضبط حياة الإنسان، يرى الآخرة، ويرى الجنة وما أعد الله فيها للمؤمنين فيعمل، ويرى النار وما أعد الله فيها للعصاة والمجرمين فيتوقف، لا يستطيع أن يقدم على المعصية، يدعى إلى الزنا فيقول: إني أخاف الله. يدعى إلى الحرام فيقول: إني أخاف الله. يدعى إلى الربا فيقول: معاذ الله. لماذا؟ لأنه آمن بالنار فكأنما يراها رأي العين، ورأى الجنة كذلك فيقوم إلى عبادة الله، وإلى طاعة الله، بل يقوم إلى الموت في سبيل الله. حنظلة بن عامر الأسدي رضي الله عنه وأرضاه (غسيل الملائكة) قام من على فراشة في ليلة عرسه ومع زوجته في أول ليلة يبني بها، وليلة الزواج يسمونها: ليلة العمر، كل شخص يخطط لها طوال حياته من أجل أن ينبسط فيها، يأخذ إجازة من العمل قبلها وبعدها يريد أن يرتاح، لكن حنظلة عنده نظرة للآخرة، لما سمع المنادي: يا خيل الله اركبي! قال لزوجته: أسرجي حصاني، فقامت تسرج الحصان، وهو يلبس آلة الحرب -السيوف والدروع- فركب على الحصان ولم يغتسل -خرج جنباً- فقاتل حتى استشهد، ويضحي بزوجته، ولكن الله يعطيه بدلها اثنتين وسبعين زوجة في الجنة، وفي آخر اليوم، يتفقدون القتلى فيجدونه وإذا برأسه يقطر ماء، والماء معدوم في المعارك، فيخبر النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: (سلوا زوجته، فقالت: خرج وهو جنب، قال: والذي نفسي بيده إن الملائكة لتحمله وتغسله في صحاف من ذهب بماء المزن بين السماء والأرض) ما الذي جعله يقوم من جانب امرأته ويذهب يموت في سبيل الله؟ البصيرة، لكن لما عدمت البصيرة عند بعض الناس لا يقوم من فراشه ليصلي في المسجد، يسمع المنادي فوق رأسه: الله أكبر! وهو يتقلب كالخنزير على فراشه دون أن يصلي، لماذا؟ لأنه مطموس البصيرة، أعمى القلب، والله لو يعلم أن في المسجد مائة ريال لا ينام، لو قيل: لكل صلاة مائة ريال، هل هناك أحد سيترك صلاة بخمسمائة ريال في اليوم، وفي الشهر بكم؟ بخمسة عشر ألفاً، هذا راتب أفضل من أي راتب، لا أحد يتركها، لكن لو كان الجزاء الجنة (من غدا إلى مسجد وراح أعد الله له نزلاً في الجنة كلما غدا وكلما راح) فمن يأتي لهذه؟ يأتي لها الذين يرونها، يرونها بماذا؟ يرونها بقلوبهم، ما رأوها بأبصارهم ولكن رأوها ببصائرهم: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46] إذا عمي القلب فليس في الإنسان فائدة والعياذ بالله. هذه البصيرة يرى الإنسان بها حقائق الأمور فيرتب أموره على هذا الوضع، ويعيش عيشة الإيمان.

أسباب نفاذ البصيرة لدى المؤمن

أسباب نفاذ البصيرة لدى المؤمن هل هناك وسائل وأسباب تقوي هذه البصيرة وتجعلها نافذة وقوية؟ نعم. روى البخاري في الصحيح حديثاً قدسياً يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل، والحديث القدسي هو الذي لفظه ومعناه من الله مثل القرآن غير أنه لا يتعبد به في الصلاة، ولكن تقرأ في الصلاة بالقرآن وهو: الكلام الذي أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم لفظه ومعناه، ومتعبد به في الصلاة، والحديث القدسي هو الذي أوحي به من الله إلى النبي لفظاً ومعنىً وغير متعبد به في الصلاة، والحديث النبوي الشريف هو الذي أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم معناه دون لفظه، المعنى من الله واللفظ من محمد صلى الله عليه وسلم. هذا الحديث القدسي في صحيح البخاري، يقول عليه الصلاة والسلام: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) وفي بعض الروايات: (من عادى) من بدأ العداوة والأذى لأولياء الله فقد آذن الله بمحاربته وأعلن الله عليه الحرب، ومن أعلن الله حربه فهو مهزوم؛ فمن يقدر على الله: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف:21]. النمرود كان يدعي أنه الإله، ولما دعاه إبراهيم إلى عبادة الله وحده كفر وقال: إنه هو الرب ولا يعرف أنه يوجد رب غيره للناس، وبعد ذلك طلب من إبراهيم أن يبارز الله، قال: هذا الذي تدعي أنه إلهك يا إبراهيم، أريد أن يبرز لي في الميدان، أريد أن أقاتله، فإن غلبني فهو الرب وإن غلبته فأنا الرب؛ فالله عز وجل أرسل له جندياً من أصغر الجنود وأضعفها، يقول الله: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الفتح:4] هذا الجندي هو بعوضة أرسلها الله للنمرود؛ لأنه أضعف من البعوضة لا يستحق أن يرسل له أسداً أو نمراً أو ثعباناً، البعوضة تسلبه وتمتص دمه ولا يمتنع منها، وبينما كان نائماً في الليل يشخر كالثور دخلت البعوضة من أنفه واستقرت في رأسه، وتربت على دماغه، وكانت تنتفض بجناحها، فإذا انتفضت أحس في رأسه مثل الصواعق دوار وصداع وحركة غريبة في رأسه، فلا تسكن إلا إذا ضرب وجهه بالنعال، وإذا وقف الضرب حركت أجنحتها فيقول: اضرب اضرب، فضرب النعل أخف من حركة البعوضة في رأسه حتى تقطع وجهه، أصبح وجهه تسيل منه الدماء من كثرة الضرب، حتى تقيحت وتقرحت وبدت عظام وجهه، وأخيراً لم يجد فرصة للحياة، لم يتحمل أبداً، إن ضرب تألم، وإن لم يضرب تألم من الداخل ما هو الحل؟ الحل: الموت، دخل عليه عبد من عبيده وفي يده سيف، قال: يا عبدي! قال: نعم. قال: اضرب هامتي -يقول: اضرب رأسي- فسل العبد السيف وفلق رأسه، فنزل السيف على رأسه ونزل على جناح البعوضة فقصه فاشتكت إلى الله، وقالت: يا رب! دخلت في عدوك بأمرك لأعذبه؛ لأنه عدوك، ولكن سلطت عليَّ من قطع جناحي، فقال الله لها: أتريدين جناحك، أم تريدين دية؟ قالت: كم الدية؟ قال: الدية الدنيا منذ خلقتها حتى أفنيها -قصورها وعماراتها وبنوكها ومزارعها وسياراتها وكل ما فيها- ففكرت قالت: ماذا أفعل بالدنيا، وأنا مكسورة الجناح لا أطير؟ فقالت: لا يا رب! أريد جناحي من أجل أن أطير، فأعطاها الله جناحها، ولذا قال في الحديث: (لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء) الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة. والجندي الآن الجديد الموجود في العالم اسمه: الإيدز، وهو يهدد أمريكا وأوروبا والعالم كله، أين كان الإيدز، والإنسان موجود منذ القدم ولم يعرفه إلا هذه السنة؟ سلطه الله عليهم لما عتوا عن أمر الله، ولما شاعت فيهم الجريمة والفاحشة، وأصبح الجنس عندهم إلى أرذل درجة من درجات الحيوانية، يعني: الحياة الجنسية عندهم لا تطاق أبداً، وتمارس بشكل بهيمي يستحي منه الحمار والحيوان، فماذا سلط الله عليهم؟ سلط الله عليهم الإيدز، الإيدز فيروس يدخل في الجسم ويسير مع الدم، ويقتل الكريات البيضاء ويقضي على المناعة. الكريات البيضاء تشكل جيشاً داخلياً لمحاربة الأجسام الغريبة، وهي التي تحفظ للجسم مناعته وقوته ضد أي مرض، فإذا ماتت هذه الكريات يصبح الجسم لا يستطيع أن يقاوم أي مرض، وبالتالي أقل زكام يقتله، أقل جرثومة تقتله، والعالم إلى الآن لم يستطع أن يجد لهذا المرض علاجاً. من يستطيع أن يحارب الله؟ {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الفتح:7] أرسل الله عز وجل على قوم عاد الريح، أتدرون كم فتح عليهم؟ قدر حلقة الخاتم فكانت تحملهم إلى السماء ثم تلقيهم {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} [الحاقة:7 - 8]. سلط الله عز وجل على قوم فرعون الغرق، وسلط الله عز وجل على قوم لوط الهدم بحيث حمل قريتهم ثم قلبها عليهم، وعلى ثمود الصيحة، وكل أمة يسلط الله عليها عذاباً، والله قادر أن يسلط على الكفار عذاباً لا يعرفه الناس، ولكن الله يقول: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف:182 - 183] {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً} [فاطر:45]. (من عادى لي ولياً -من آذى لي ولياً- فقد آذنته بالحرب) فقد أعلنت عليه الحرب، انتبه يا أخي في الله! لا تعادي أولياء الله، لا تؤذ عباد الله، من هم أولياء الله؟ بعض الناس يتصور أن الأولياء هم الذين في القبور وعليهم قباب ويطاف حول قبورهم، لا. هؤلاء أولياء -إن شاء الله- إن كانوا صالحين، وكل مؤمن بالله فهو ولي لله؛ لأن الله يقول: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:62] من هم؟ {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:63] فكل مؤمن يتقي الله فهو ولي من أولياء الله؛ لا تؤذه في ماله، ولا تؤذه في نفسه، ولا تؤذه في عرضه، ولا تؤذه بأي أذى، حتى لو دخلت المسجد تتوضأ في دورة المياه وشخص في الحمام لا تطرق عليه الباب؛ لأن هذا إيذاء له، هل هناك أحد في الدنيا يقعد في الحمام باختياره؟ لا. الإنسان يدخل الحمام مضطراً من أجل أن يقضي حاجته، وهو يود أن يخرج في أول فرصة، لكن أحياناً ينتظر، يكون عنده حاجة أكبر يقضيها، فإذا أتيت تطرق عليه الباب ألست تؤذيه؟ الإيذاء لا يجوز. لا تؤذه بدعائه بغير اسمه، كأن تقول: يا طويل! يا قصير! يا متين! يا ضعيف! يا أسود! يا فلان أنت يا علان، لا. بل ناده باسمه، بل بكنيته فإذا كان اسمه محمداً وله ولد اسمه عبد الله تقول: يا أبا عبد الله! وإذا كان اسم ولده خالد فتناده: يا أبا خالد! لماذا؟ لأن الكنى محببة إلى النفس والعرب تحبها، إذا ناديتني بابني أفضل من أن تناديني باسمي، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكنى بأبي القاسم صلوات الله وسلامه عليه، فلا تؤذ عبد الله بالنظر إلى بيته، إذا رأيت أهله معه وأنت ماشٍ في الطريق فلا تنظر إلى زوجته، بل ابتعد عنه، لا تؤذه في ماله، (من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) لماذا لا تؤذيه؟ خوفاً من الله حتى لا يحاربك الله؛ لأن الله لو حاربك قصمك.

التقرب إلى الله بما افترض والزيادة من النوافل

التقرب إلى الله بما افترض والزيادة من النوافل (من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بعمل أحب إليَّ مما افترضته عليه) أحب عمل تتقرب به إلى الله ما افترضه الله عليك، ما الذي افترض الله عليك؟ افترض الله عليك التوحيد، أول فريضة توحيد الله، إفراد الله بالعبادة، توحيد الله بالألوهية، وتوحيد الله بالربوبية، وتوحيد الله بالأسماء والصفات، وفي الألوهية بألا تصرف شيئاً من أنواع العبادة إلا له، وفي الربوبية بألا تعتقد أن الخالق، أو الرازق، أو المحيي أو المميت، أو المعطي، أو النافع أو الضار، أو المانع إلا الله، في الأسماء والصفات أن تثبت لله كل اسم وكل صفة أثبتها لنفسه أو أثبتها له رسوله، وأن تنفي عنه كل ما نفى عن نفسه ونفى عنه رسوله صلوات الله وسلامه عليه. والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم فريضة؛ لأن الله يقول في القرآن الكريم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] ويقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7] فمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم فريضة، ما معنى المتابعة؟ أن تتخذه قدوة لك، فلا تزد ولا تنقص؛ لأنك إذا زدت ابتدعت، والزيادة في الدين بدعة، ولو كانت حسنة كما يقول بعض الجهلة يقول: نحن نزيد في الدين زيادة حسنة، نقول: لا. لا توجد زيادة حسنة: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) الذي يزيد في الدين كالذي ينقص منه، يسعنا ما وسع النبي صلى الله عليه وسلم وما وسع الصحابة وما وسع سلف هذه الأمة. من أين جاءت هذه؟ أخذناها من كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا إله إلا الله توحيد الله، محمد رسول الله متابعة الله. ثالث فريضة: الصلاة الزكاة الصيام الحج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن الله يقول: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] تنهي عن المنكر بلسانك أو بيدك، وأضعف شيء بقلبك، هل هناك أحد لا يستطيع أن ينكر المنكر بقلبه؟ لا يوجد أحد لا يستطيع؛ لأنك تستطيع ولا أحد يدري ماذا في قلبك، فإذا علم الله أنك تكره المنكر فأنت مؤمن، وإذا الله علم أنك تؤيد المنكر وتحب المنكر فكما يقول عليه الصلاة والسلام: (وليس بعد ذلك من الإيمان حبة خردل) الذي لا ينكر المنكر حتى بقلبه هل هو مؤمن؟ لا. من جاهد بيده فهو مؤمن، ومن جاهد بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهد بقلبه فهو مؤمن، ولكن من رضي وتابع. الدعوة إلى الله فريضة: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} [النحل:125] من يحمل الدعوة إن لم تحملها أنت؟ اليهود والنصارى؟! ليس معنى كونك داعية أن تكون واعظاً وخطيباً وعالماً كبيراً لا. ادع نفسك وادع زوجتك، الذي يدعو زوجته وتهتدي على يديه يبعث مبعث الأنبياء يوم القيامة؛ لأن النبي من بني إسرائيل يأتي يوم القيامة وليس معه أحد، والنبي يأتي ومعه الرجل والنبي يأتي ومعه الرجلان، والنبي يأتي ومعه ثلاثة وهكذا، فالذي يدعو زوجته وأولاده داعية، والذي يدعو زوجته وأولاده وأسرته ومحيطه الأسري فهو أفضل، وكذلك الذي يتوسع قليلاً في حارته ومجتمعه وهكذا كلما زدت زاد الخير. قراءة القرآن فريضة {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل:4] الحب في الله فريضة، البغض في الله فريضة، هذه الفرائض تتقرب بها إلى الله عز وجل. يقول عليه الصلاة والسلام: (وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه) متى يحبك الله؟ إذا عملت النوافل، انظر التفريق بين المحبة للعمل والمحبة للعامل، المحبة للعمل إذا قدمته وهي الفرائض (وما تقرب إليِّ عبدي بعمل أحب إلي -أحب إلى الله- مما افترضته عليه) هذا يحبه الله، لكن أنت متى يحبك؟ إذا عملت شيئاً آخر مع الفريضة، ما هو الشيء؟ النوافل (ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه) يصلي العشاء أربع ركعات، لكن يقول: يا ربِ! أربع قليلة، يمكن أنني ما وفيتها ويمكن غفلت فيها، سأزيد اثنتين نافلة، ويذهب إلى البيت وقبل أن ينام يزيد اثنتين أو أربعاً أو ستاً أو ثماناً، ثم يصلي الوتر، وبعضهم يوفقه الله فينام ثم يستيقظ آخر الليل قبل الفجر بساعة أو ساعة إلا ربع أو نصف ساعة فيصلي اثنتين أو أربعاً أو ستاً أو ثماناً ثم يوتر، هذا يتملق لله، هذا يطلب عفو الله، هذا يقول: يا ربِ! أنت أحببت العمل فقدمته، والعامل أريد أن تحبه يا رب، فكيف تقبله؟ الله لا يقبلك ولا يحبك إلا بالنوافل (ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه) فيصلي الصلاة ويصلي وراءها نوافل، ويصوم رمضان ويصوم بعده ستة أيام من شوال، ويصوم يوم عرفة، ويصوم اليوم التاسع والعاشر من عاشوراء، ويصوم ثلاثة أيام من كل شهر، ويصوم الإثنين والخميس من كل شهر إذا وفقه الله وقدر على ذلك، ويزكي المال في رمضان أو في غيره إذا حال عليه الحول، وكلما رأى مسكيناً أعطاه، خاصة إذا قال لك المسكين: لله، انتبه! لا تقل: لا يوجد، فيجعله ربي حقاً، فتظل تبحث لا تجد شيئاً يجعلك الله فقيراً. يحدثني أحد الإخوة في مكة المكرمة عن رجل من أهل الخير في مكة خرج من المسجد الحرام وسيارته واقفة أمام الموقف وهو من الأثرياء ومن الوجهاء، وقصد سيارته وركبها وشغلها، فوقف عليه رجل من الفقراء المساكين وقال له: لله ريال أتعشى به -وما أكثر الفقراء في مكة - يقول: ريالاً فقط آخذ به سندوتشاً أو عصيراً أو بسكويتاً أتعشى به -الرجل هذا من أهل الخير وينفق، لكن يقول: قد شغلت السيارة وقد وضعت رجلي على البنزين وأريد أن أمشي، والأمر يحتاج أني أقف، وأدخل يدي في جيبي وأخرج ريالاً أو خمسة أو عشرة وأعطيه- فيقول: تكاسلت عن العمل هذا فقلت له: على الله، يقول: فنظر الرجل إلى سيارتي (150000) ألفاً، وجيوبي وبطني منتفخة، وأقول لا يوجد شيء (على الله) يقول: فنظر لي بعين وقال لي: على الله! نعم. رزقي على الله وليس عليك، أنا ما سألتك لي سألتك لله، وما دام عييت فليس رزقي عليك، الذي خلقني سوف يرزقني ويعطيني أعظم مما تعطيني، يقول: ثم تركني، يقول: وبينما كان يدور الحوار بيني وبينه كان هناك امرأة تبيع (الفصفص) وتبيع الحلويات فنادت الرجل وأدخلت يدها في كيس وأعطته ريالاً -انظر الملايين ما نفعت، وهذه التي يمكن ليس لديها إلا هذا الريال أخرجت الريال وأعطته- يقول: فلما رأيتها تعطيه ريالاً وأنا معي الملايين ولم أعطه ريالاً شعرت كأن شخصاً ضربني في قلبي بخنجر، وقلت: ما قيمة ملاييني وما قيمة حياتي، يقول: فأوقفت السيارة وأدخلت يدي في جيبي وأخرجت عشرة ريال ونزلت أبحث عن الرجل، يقول: بحثت عنه فما وجدته، ويقول: فكأن من سحبني وقادني إلى تلك المرأة فأعطيتها العشرة، أنفقتْ ريالاً فرد الله لها عشرة؛ لأن الله يقول: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ:39] {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:276] فكان درساً لهذا الغني. فعليك أن تنتبه، الفقير الذي يسوقه الله لك نعمة من نعم الله عليك، إذا ساق الله لك فقيراً وأنت في سيارتك أو في دكانك أو في مكتبك فهو نعمة ساقه الله إليك من أجل أن تنال الثواب على يديه، فلا ترده ولا تنهره انتبه! {وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} [الضحى:10] أعطه ولا تقل: ليس عندي شيء، إلا إذا لم يكن عندك شيء حقاً، لكن أن يكون جيبك مليء بالمال فتقول: ليس عندي شيء، لكن للببيسي نخرج الأموال، وللماء نخرج الأموال، وللدخان نخرج الأموال، وللجرائد نخرج الأموال، وللغداء وللعشاء وللسمك وللدجاج والأكل والشهوات، واللِعب واللُّعَب والأطفال نخرج الأموال، أمَّا لله فنقول: لا يوجد شيء، إذاً فمن الذي أعطاك المال؟! الله، يقول الله عز وجل: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور:33] الله يقول: {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ} [الانفطار:6] ما الذي غرك بالله؟ غرك المال؟ المال مال الله، جئت إلى الدنيا وأنت عارٍ لا تملك خرقة واحدة، والله رزقك ورفعك وأعطاك مالاً فلماذا تبخل؟ فلا بد أن تنفق من المال في غير الزكاة. وأيضاً الحج تحج الفريضة وتحج النافلة، تعتمر الفريضة وتعتمر النافلة، تقرأ القرآن تأمر بالمعروف تنهى عن المنكر تزيد في النوافل، لماذا؟ لتكون محبوباً عند الله، فإذا أحبك الله ماذا يحصل؟ اسمعوا وهنا الشاهد من الحديث قال: (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به) يصبح بصرك بصيرة ربانية، تنظر بنور الله، تسمع بأمر الله، تتكلم بأمر الله، عبداً ربانياً، لا تنظر إلى ما حرم الله؛ لأن نظرك رباني، نظرك محكوم بأمر الله، لا تسمع شيئاً حرمه الله؛ لأن أذنك أذن ربانية تضطرب وتهتز لأقل معصية لا ترضي الله عز وجل، (كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه) فتقوم العلاقة بينك وبين الله عامرة، إذا سألت الله يعطيك. قد يقول أحد الناس: أنا أسأل ولا يعطيني ربي، الله يعطيك لكن ليس الآن، إذا سألت وأنت حبيب الله فإن الله يستجيب لك بأحد ثلاثة أمور: إما أن يعطيك سؤالك، وإما أن يعطيك إياه في الآخرة، وإما أن يرد عنك من القضاء والقدر المر بقدر هذا الدعاء، فلا ينزل عليك شيء، (ولا يرد القضاء إلا الدعاء) هذا حديث في الترمذي والدعاء والقضاء يصطرعان بين السماء والأرض، فإذا نزل القضاء نزل مخففاً، وأحياناً يكون الدعاء أقوى من القضاء فيرده بإذن الله عز وجل، حتى ورد في الحديث: (إن المؤمن يوم القيامة ليعطى حسنات كأمثال الجبال

غض البصر

غض البصر هناك خمسة أسباب ذكرها ابن القيم رحمه الله في كتابه الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، وهو ينقل عن أحد السلف واسمه شجاع الكرماني وكان من أعظم عباد الله بصيرة، كان له فراسة وبصيرة نافذة يقول: من غض بصره عن الحرام، وكف نفسه عن الشهوات، وعمر باطنه بالتقوى، وعمر ظاهره بالسنة، وأكل الحلال، لم تكد تخطئ له فراسة، وفتح الله بصيرته. قال ابن القيم رحمه الله: لما غضضت بصرك جازاك الله من جنس عملك، ما هو عملك؟ غض البصر، فماذا حصل؟ فتح بصيرتك، إذا أنفقت مالك يجازيك الله من جنس فعلك، ماذا يعطيك الله؟ تنفق مالاً يرد الله عليك أكثر مما أنفقت، يقول عليه الصلاة والسلام: (من ترك شيئاً لله -ماذا يعطيه الله؟ - عوضه الله خيراً منه) ما تترك شيئاً لله إلا والله يعطيك أفضل منه، تركت البصر من أجل الله ففتح الله لك البصيرة من أجله، فأنت عندما تغض بصرك عن الحرام ماذا يحصل لك؟ يفتح الله بصيرتك، فتصبح تنظر بنور الله، ويحبب الله لك الإيمان، ويزينه في قلبك، ويكره إليك الكفر، والفسوق، والعصيان، ويجعلك الله من الراشدين، تحب القرآن، تحب المساجد، تحب أهل الخير، تحب الصلاة، تحب حلق الذكر؛ فتصير عندك طاقة، ويصير عندك إيمان وإقبال، ويصير عندك توجه كبير، لماذا؟ لأن الله فتح بصيرتك، وبعد ذلك يحفظك الله عز وجل عن الوقوع في المعاصي؛ فتكره سماع الأغاني، وإذا رأيت امرأة لا تريد أن تنظر إليها، وإذا كان هناك حرام فيحفظك من الذهاب إليه، يضيق صدرك من الحرام، تضيق مذاهبك من الشر، لماذا؟ فتح الله بصيرتك، عندما غضضت بصرك عن الحرام، ولهذا قال الله في القرآن في سورة النور: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:30] أزكى لك أن تغض بصرك، قال العلماء: أزكى لأسباب؛ لأن فيه اثنتي عشرة فائدة، أعظم فائدة وأجل فائدة: أنك امتثلت أمر الله؛ لأنه لا توجد أي قوة في وجه الأرض تستطيع أن تضبط بصرك إلا قوة الله. بإمكان الإنسان أن ينظر في عمارة وهذه العمارة قد يكون فيها شباك، وفي الشباك امرأة متبرجة فينظر لها ويمتع عينه بها، ويأتي صاحب البيت أو أحد الناس من أهل الخير، يقول: اتق الله، لا تنظر إلى المرأة، فيقول: أنا لا أنظر إلى المرأة، أنا عندي عمارة وأريد أن أشتري ألمنيوم مثل الذي في الشباك، ويقول للرجل: نظرتك بعيدة، أنا لا أريد النساء، لكن الله يعلم أنك تنظر إلى المرأة، من الذي يعلم؟ {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19] قد تتظاهر أمام الناس أنك تغض بصرك لكنك تنظر شزراً هنا وهناك، ربي يعلم ماذا في قلبك. فإذا غضضت بصرك كان هذا دليلاً على مراقبتك لله، وعلى امتثالك لأمر الله، وعلى شعورك بمراقبة الله، وعلى علمك بأن الله ينظر إليك، هذا هو الإيمان، وهذا هو الإحسان: (أن تعبد الله كأنك تراه) فهذه أعظم فائدة. من فوائد غض البصر: أن القلب يبقى سليم. لأن القلب سليم إذا سلم من قنوات الشر، سليم إذا نظرت العين إلى الحلال، لكن إذا نظرت إلى الحرام فهو سهم في القلب، وإذا سمعت الحرام فهو سهم في القلب، وإذا بطشت في الحرام فهو سهم في القلب، ويبقى القلب مطعون من كل جهة، ولذلك بعض الناس الآن قلبه ميت قد طعنه حتى أهلكه، طعنة بالغناء، وطعنة بالزنا، وطعنة بالنظر، وطعنة بالربا، وطعنة باللواط، وطعنة بقطع الصلاة؛ وطعنات من كل جانب، فيبقى القلب مسكيناً من أين تأتيه العافية والسموم تأتيه من كل جانب؟! أما قلب المؤمن كالملك على العرش، جالس محفوف بالعناية والجند من حوله، والأبواب كلها مغلقة، إذا جاء الشيطان يدخل من عند العين قالت العين: ارجع لا تدخل من عندي، يأتي من عند الأذن، تقول الأذن: ارجع لا تدخل من عندي، يأتي من عند اللسان فيقول: لا يدخل من عندي، يأتي من عند الفرج فيبقى القلب سليم مائة بالمائة. لكن قلب العاصي مسكين معذب من كل جهة وطريق، فأول فائدة بعد امتثال أمر الله عز وجل أن القلب يبقى سليم؛ لأن النظر سهم كما جاء في الحديث الذي في مسند أحمد: (النظر سهم مسموم من سهام إبليس من تركه مخافة الله أبدله الله إيماناً يجد حلاوته إلى يوم يلقاه) والناظم يقول: وأنا الذي جلب المنية طرفه يقول: أنا الذي جلبت الموت لقلبي عيني. فمن المطالب والقتيل القاتل ويقول: وأنت إذا أرسلت طرفك رائداً لقلبك أتعبتك المناظر رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر فأنت تنظر إلى أشياء لا تقدر عليها ولا تصبر عنها، وطريق السلامة أن تغض بصرك. في غض البصر كلفة وفيه معاناة ومشقة، لكنها أخف بملايين المرات من معاناة النظر، النظر سهم يحرق القلب، والقلب إذا احترق قوي جندي الشيطان، وإذا قوي جندي الشيطان ونظرت جاءت النظرة الثانية؛ لأن الله يقول: {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة:168] ما قال خطوة بل خطوات، النظرة الأولى خطوة، ثم كلمة، ثم بسمة، ثم كلام، ثم سلام، ثم موعد، ثم لقاء، ثم زنا، ثم جهنم، بدأت بالنظر وانتهت بالنار، يقول الناظم: كل الحوادث مبدؤها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر والمرء ما دام ذا عين يقلبها في أعين الغيد موقوف على الخطر يسر ناظره ما ضر خاطره لا مرحباً بسرور عاد بالضرر ولذلك الذين يغضون أبصارهم الآن مرتاحين، الشاب المؤمن الذي يغض بصره فهو في ألف راحة، لا يعرف إلا زوجته، كلما رأى شيئاً توقف، يقول: "النافذة التي يأتيك منها الريح سدها واستريح" عينك يأتيك منها ريح الزنا كل يوم أقفلها واسترح، لكن تنظر وتنظر وتنظر يحترق قلبك وأنت لم تجد أي شيء، وإن لقيت شيئاً لقيت الحرام ولعنة الله وغضب الله وسخط الله، يقول الله تعالى: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30] الإنسان يصبر على مرارة غض البصر من أجل أن يفتح الله بصيرته على النظر إليه في الجنة {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23] كما أنك الآن تصبر على ألم الإبرة إذا جاء الممرض يدفع إليك بالعلاج في عضلتك أو في الوريد هل أنت تحس براحة، أم بألم؟ ولهذا بعضهم يغمض عينيه منذ أن يبدأ الدكتور بضرب الإبرة، لكن يصبر على ضربة الإبرة ثم يفركها الممرض بالقطنة وينساها لماذا؟ دخلت العافية، نحن كذلك في طريق الإيمان نغض أبصارنا ونصبر من أجل ما عند الله، أما أن أفتح عيني وأنظر والله يغضب عليَّ، ويمقتني، ويحرق قلبي، ويسخط عليَّ، ويحرمني من النظر إليه في الجنة، ثم لا أستفيد شيئاً إلا غضب الله، لا. لا بد -أيها الإخوة- من غض البصر. ومن فوائد غض البصر كما قال ابن القيم رحمه الله في كتابه الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي يقول: أنه يورث القلب أنساً بالله؛ لأن إطلاقه يشتت القلب ويفرق القلب ولا يبقى القلب مجموعاً على الله، وإنما موزعاً بين المناظر التي رآها، وهذه من أعظم آفات القلب. وكذلك أن غض البصر يورث القلب نوراً يقذفه الله عز وجل، وإطلاقه يورثه ظلمة؛ لأن المعصية ظلمة والطاعة نور، فإذا أطعت الله نوّر الله قلبك، وإذا عصيت الله أظلم الله قلبك -والعياذ بالله- ولهذا ذكر الله عز وجل هذه الآية -آية النور- عقب الأمر بغض البصر في سورة النور لما أمر بغض البصر قال: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور:35]. أيضاً: يورث المؤمن فراسة، والتي نسميها البصيرة؛ لأنك يوم أن غضضت بصرك من أجل الله فتح الله بصيرتك على كل ما يحبه الله ويرضاه، وإنما يجازيك الله عز وجل من جنس فعلك. وأيضاً: فإن النظر إلى الحرام يحول القلب إلى محل لإلقاء القاذورات فيه، فلا يصلح أن يكون محلاً لكلام الله، ولا يصلح أن يكون محلاً للإيمان بالله، لماذا؟ لأنه أصبح مثل الزبالة لا يقع فيه إلا الحرام والخبث، فإذا جاء الكلام الطيب لا يستقر، وإذا جاء النظر الطيب لا يستقر، فإذا أردت أن يكون قلبك محلاً لما يحبه الله ويرضاه فطهر عينك من النظر إلى ما حرم الله عز وجل، أما إذا نظرت فإنك تتمتع ولكن متاع عاقبته مرض القلب -والعياذ بالله- وما والله وجدنا -أيها الإخوة- أنفع للمسلم من غض البصر، ولو كان فيه صعوبة بسيطة لكن مع الزمن يتغلب المسلم عليه حتى يهديه ويشرح الله صدره وينور قلبه، ولا يعد له رغبة في أن ينظر إلى ما حرم الله تبارك وتعالى.

كف النفس عن الشهوات

كف النفس عن الشهوات والمقصود بالشهوات الشهوات المحرمة: شهوة الفرج وهي الزنا واللواط، وشهوة البطن وهي أكل الربا والحرام والمخدرات والمسكرات والدخان، وشهوة المال وهي جمع المال من الحلال والحرام، وشهوة التسلط والسيطرة والاستعلاء بالكبر والسطو على الناس والاستعلاء عليهم وظلمهم واستعبادهم واحتقارهم وازدرائهم، هذه شهوات شيطانية يسميها العلماء الذنوب السبعية؛ لأنها تجعل الإنسان مثل السبع يفترس الناس، هذه الشهوات كف نفسك عنها، وكن في دائرة الحلال منها فقط، فشهوة الحلال خذ منها ما تحتاج، فتأكل من شهوة البطن ما أحل الله، وتقع في شهوة الفرج فيما أحل الله، وتجمع من المال فيما أحل الله، حتى تكون في دائرة الحلال فتسلم من الشهوات؛ لأن الشهوات منفذ وباب خطير على النفس البشرية يدخل منها الشيطان.

التقوى

التقوى التقوى يعني: المراقبة لله، يعني: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية من الخوف منه والمراقبة له، بأن تتصور أنك تحت الرصد الرباني وتحت النظارة الإلهية، وأن تعلم أن الله عز وجل مطلع عليك لا يخفى عليه من أمرك خافية؛ لأن الله يقول: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [النجم:32] ويقول: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} [المجادلة:7] فالله معك، يعلم السر وأخفى، يسمع دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، فإذا علمت بهذا الرصد وهذه المراقبة من الله عز وجل حملك هذا على الخوف منه، هذا معنى المراقبة، أن تعمر باطنك من الداخل بالتقوى والمراقبة، أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفعل أمره وترك نهيه وبمراقبته عز وجل، حتى ولو خلت عنك أعين الرقباء: وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستح من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني إذا حان هذا وحصلت في قلبك المراقبة والشعور بأن الله مطلع عليك فتح الله بصيرتك. أما إذا جعلت الله آخر من تخاف منه، يعني: كثير من الناس عنده مراقبة لأشياء لكن لا يراقب الله، يراقب الناس، يخاف من الناس، يستحي من الناس، فإذا لم يجد الناس ولم يخف من الناس ولم يراقب الناس ولم يبق إلا الله لم يخف من الله، وجرأ على الله، واعتدى على حرمات الله: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [النساء:108] {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [التوبة:13] لا بد أن تكون المراقبة في قلبك أهم من كل مراقبة؛ لأنك إذا أحسست بهذا الشعور فإن قلبك يكون حياً باستمرار وبالتالي تبقى بصيرتك نافذة.

العمل بالسنة

العمل بالسنة السبب الرابع من أسباب نفاذ البصيرة: العمل بالسنة. أعمال الإسلام تنقسم إلى ثلاثة أقسام: عمل قلوب، وعمل ألسن، وعمل جوارح، فعمل القلب هو: الإيمان والتصديق، وعمل اللسان هو: الإعلان والذكر والشهادة، وعمل الجوارح هي: الطاعات والفرائض التي نمارسها بجوارحنا، وهذه الأعمال تنقسم إلى قسمين آخرين: ظاهرة وباطنة، فالباطنة في القلوب، والظاهرة ما نعمله من أعمال يراها الناس؛ فلا بد أن نعمر هذه الظواهر بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فنصلي كما كان يصلي صلى الله عليه وسلم، فعليك أن تعمر ظاهرك بالسنة يعني: ظاهر عملك، ليس معنى ظاهرك يعني: المظهر الشكلي وإنما الظاهر العملي، (صلوا كما رأيتموني أصلي) ونحج كما كان يحج صلى الله عليه وسلم، قال: (خذوا عني مناسككم) ونزكي كما أمرنا صلى الله عليه وسلم، ونصوم كما شرع لنا صلى الله عليه وسلم، ونعمر حياتنا في كل شئون حياتنا على هديه ومنهجه، ومن ذلك المظهر الخارجي للمسلم، يربي المسلم منا لحيته اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب:21] من كان يرجو الله، من كان يرجو لقاء الله، من كان يرجو النجاة في اليوم الآخر فله في رسول الله أسوة حسنة، يعني: قدوة، والذي ليس له عند الله أمل ولا يرجو لقاء الله لا يتخذ رسول الله قدوة، فخير البرية أفضل من مشى على وجه الأرض هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أولى الناس بأن يكون قدوتك، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر:7] وقد أمرنا أن نعفي لحانا، والقضية ليست قضية شعر، لا. القضية قضية انتماء وقضية اعتزاز وفخر وشعور بالعزة؛ لأنك تتبع وتنتمي وتقلد خير البشر صلوات الله وسلامه عليه، وبعد ذلك سنة نبوية ثابتة بأحاديث صحيحة، وإطلاقها واجب وإعفاؤها واجب وحلقها معصية، بل صرح العلماء بأن حلقها محرم، ومن أراد التأكد فليشتر شريطاً اسمه زينة الرجال جمع فيه الإخوة مجموعة من الكلمات للشيخ محمد بن عثيمين والشيخ صالح بن عبد الله بن حميد والشيخ عبد العزيز بن باز وبعض الدعاة، وذكروا فيها أحكام حلقها. فنقول: اعمر ظاهرك بالسنة؛ لأنك ما إن تعمر ظاهرك بالسنة إلا ويحيي الله في قلبك الإيمان ويطلق بصيرتك، صحيح أنه شعر، لكن له أثر، هو لا يعبر عن شيء إلا عن انقيادك وخضوعك وإذعانك لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، لكن تمردك عليه يشعر بأنك غير راضٍ، بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحى، يقول الله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:9] انتبه ينطبق عليك: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63] نحن نؤكد على هذا الأمر في كل محاضرة لماذا؟ لأنها معصية ظاهرة، نلمسها في إخواننا المؤمنين، وليس معنى هذا أن اللحية كل شيء في الدين، لا. هي شيء من الدين، وبعض الناس ما عنده لحية وعنده في قلبه إيمان مثل الجبال، ولا ينقصه إلا هي، وبعض الناس ليس في قلبه إيمان ومعه لحية، فهذه كلحية أبي جهل لا تنفعه. لكن نطلب أن يكون الظاهر صحيح والباطن صحيح حتى يكتمل الإنسان في الخير إن شاء الله، وهذه سنة نبوية، ومعلم من معالم الرجولة، وقد ذكرت هذا في بعض المحاضرات، وقد سألني بعض الإخوان يقول: هل حلقها مباح؟ قلت: لا. حلقها محرم وإعفاؤها واجب؛ لأن الشرع طلبه في أحاديث كثيرة (قصوا الشوارب) (أعفوا اللحى) (أكرموا اللحى) (خالفوا المجوس) (خالفوا المشركين) (وفروا اللحى) فالذي يحلقها هل أكرمها؟ لا. إكرامها أن تبقى في وجهك، أما أن تحلقها وتجعلها تحت رجل الحلاق هل هذا إكرام لها؟! وبعضهم يقول: أنا لا أحلقها عند الحلاق أنا أحلقها بيدي، أين تحلق بيدك؟ قال: في الحمام، قلنا: ما قصرت، أهذا إكرام للحية؟ لا. إكرامها إعفاؤها في وجهك، وأيضاً فهي معلم من معالم رجولتك يقول الله: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران:36] هناك فروق بين الرجل والمرأة، ومن ضمن الفروق اللازمة، التي لا تتساوى المرأة بالرجل اللحية، شعر الرأس عند الرجل والمرأة هل هو سواء، شعر الجفون عند المرأة والرجل هل هو سواء، وهل شعر الحواجب عند المرأة والرجل سواء، وهل شعر الإبط عند المرأة والرجل سواء، وهل شعر العانة عند الرجل والمرأة سواء، وهل شعر الوجه عند المرأة والرجل سواء؟ لا. عند المرأة ليس فيه شعر وعند الرجل شعر، لماذا؟ لا تصلح المرأة إلا بدون لحية، ولا يصلح الرجل إلا بلحية. ما هو رأيك لو ذهبت إلى بيتك الآن ودخلت ولقيت امرأتك قد معها لحية ترضى أم تغضب؟ تقول: اذهبي عند أهلك، ما تقدر تعيش معها بلحيتها، لماذا؟ لأن الله خلقها متعة لك، وكذلك المرأة لا تريدك إلا بلحية. وقد أجري استفتاء لـ (400) امرأة في الرياض: هل تفضل الرجل ذا اللحية أم الرجل الحليق؟ كلهن بالإجماع قلن: نريد الرجل الملتحي، لكن المرأة المسكينة تضطر تحت وطأة الاضطرار والإذعان أنها تقعد معك. وبعض الناس يقول: طيب أنا حليق وامرأتي معي ساكتة، ساكتة لأنها لا تستطيع أن تعمل أي شيء هل تطلقك؟ لكن لو معك لحية والله تنبسط المرأة؛ لأنها ترى فيك معالم الرجولة فهي تضطر أنها تصير أنثى، ولكن إذا لم تكن لديك لحية تجد بعض النساء تضطر أنها تكون الرجل حتى أنها تسير أمامه في الطريق وهو يأخذ الشنطة ويأخذ البنت وراءها، لكن لو معه لحية ما تقدر تسبقه أبداً بأي حال من الأحوال، حتى عند إشارة المرور إذا وقفت ترى أن بعضهم ينظر إلى السيارة التي بجانبه وهذا لا يجوز، فإذا كنت عند إشارة السير لا تنظر في السيارات المجاورة التي فيها عوائل؛ لأن هذا يؤذي الناس، لكن بعضهم ينظر وبعض النساء تكون كاشفة في السيارة، فإذا نظر إليها رجل حليق تنظر إليه، وإذا نظر إليها ملتحٍ ترفضه وتتغطى عليه؛ لأنها رأت إنساناً يختلف عنها، فاللحية معلم من معالم الرجولة ينبغي أن تعفيها وتعمر بها ظاهرك كما قال عليه الصلاة والسلام: (قصوا الشوارب) (أعفوا اللحى) (أكرموا اللحى) (أرخوا اللحى) فمن عمر ظاهره بالسنة في حلق رأسه، إذا حلق يحلق حلاقة عادية لا (تايسون) لأن اسمه في الشرع قزع والقزع منهي عنه، وهو حلق جزء من الرأس وترك جزء، كأن يحلق شعره من الجوانب ومن الخلف ويترك الشعر الذي في الأمام كما هو. ويعمر ظاهره في لبس الثوب، وبالسواك، وبكل ما أمر الله به وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم، إذا عمرت ظاهرك بالسنة أصبحت إسلاماً يمشي في الأرض، الناس الذين يرونك يرون الدين فيك ممثل، أنت تمثل الإسلام.

أكل الحلال

أكل الحلال إن أكل الحرام يطمس البصيرة، لماذا؟ لأن (كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به) والحديث في مسلم: (الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب! يا رب!) كل هذه وسائل استجابة الدعوة، يطيل السفر والمسافر له دعوة، بعد ذلك أشعث والأشعث الذي عليه علامات الضعف والذل وشعره أشعث ليس مغسولاً، أغبر ليس عنده ماء يغسل من آثار السفر، ثم يمد يديه إلى السماء والله يستحي أن يرد يد السائل صفراً، ويقول: يا رب! ويكرر: يا رب! بأعظم صفة لله وهي الربوبية يا رب! ولكن (ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام -قال الله-: فأنى يستجاب له) كيف نستجيب له وهذا كله مغذى بالحرام وملغم بالحرام؟ والعياذ بالله. وانتبه أن تعمل في البنوك، أو أن تضع أموالك فيها؛ لأنك تأكل حراماً، وإذا كنت تملك دكاكين لا تؤجرها لصاحب الاسطوانات أو أشرطة الفيديو أو أشرطة المسجلات يعني: تسجيلات غنائية، ولا تؤجرها لحلاق يحلق لحى المسلمين، ما من لحية تحلق إلا وعليك إثمها إلى يوم القيامة، بعض الناس عنده عمارة ولحيته وافية، لكن لحى المسلمين تحلق في عمارته، لا تبع الدخان في دكانك حتى ولو كنت لا تدخن، لو كنت تدخن فعليك ذنبك، لكن إذا لم تدخن والدخان يباع في دكانك، ما من سيجارة تباع في دكانك إلا وعليك إثمها إلى يوم القيامة، لماذا؟ لأن من دل على ضلال فإن عليه وزره ووزر من عمله إلى يوم القيامة، ومن دل على هدى كان له أجره وأجر من عمل به إلى يوم القيامة دون أن ينقص من أجورهم ودون أن ينقص من أوزارهم، فلا بد أن يكون دخلك حلال. إذا كنت موظفاً في الدولة أو في شركة يجب أن يكون دخلك حلالاً، كيف يكون دخلك حلالاً؟ أولاً: بالمحافظة على الدوام، فإذا كان الدوام السابعة والنصف فتأتي من بداية الدوام لا تقعد إلى الساعة التاسعة وتأتي آخر الشهر تأخذ الراتب كاملاً وأنت كل يوم تنقص ساعتين من الدوام، من أخذ الأجر حاسبه الله بالعمل، ولا تقل: أنا موظف، وما عندي شغل، أنت أجير عند الدولة، عندك شغل اشتغل، ما عندك شغل اجلس على مكتبك واستعد للعمل، أما أن يتراكم المراجعون على (ماستك) وعلى بابك إلى الساعة التاسعة أو الساعة العاشرة ثم تأتي متأخراً ثم تقوم تفطر ثم تقرأ الجرائد ثم تقضي نصف الوقت في المكالمات، ثم إذا جاءت الصلاة خرجت وبعد الصلاة تقول: انتهى الدوام ارجعوا غداً، هذا لعب وخيانة لولي الأمر، وفي نفس الوقت خيانة للمسلمين، وفي نفس الوقت خيانة لنفسك لأنك أكلت نفسك الحرام وأكلت أولادك الحرام، اذهب للعمل الساعة السابعة والنصف وابق في مكتبك طوال الدوام ولا تتسيب ولا تصرف دقيقة من دقائق العمل إلا في العمل إلى الساعة الثانية والنصف فإنك بعدها تحس بالتعب لكن تأخذ راتبك حلالاً والله يجعل لك فيه البركة. بعض الموظفين راتبه (10000) ولا يأتي آخر الشهر إلا وهو يستلف، لماذا؟ لا توجد بركة، وبعض الموظفين راتبه (2000) ويوفر منه ويضيِّف ويبني؛ لأن فيه بركة، ليست البركة في العدد، ولكن في الكيفية التي يجمع منها المال، أما الكم فقد يكون الكم كثيراً منزوع البركة فلا خير فيه، وقد يكون الكم قليلاً فيه بركة ففيه خير كثير. وهكذا في كل دخل لك إذا كنت موظفاً في شركة، أو كنت بائعاً في دكان عند عمك، انتبه أن تأخذ ريالاً واحداً؛ لأنه حرام، بعض الناس راتبه ألفين (2000) ريال أو (3000) آلاف ريال، ويبيع وآخر اليوم تكون المبيعات (3000) آلاف ريال فيأخذ منها خمسين ريالاً أو مائة أو عشرين يقول: هذه حق المقاضي، وعمه لا يدري وهذا حرام، انتبه لا تأخذ ريالاً واحداً، كن كـ المبارك رضي الله عنه - المبارك - الذي كان مولى -عبد- في بغداد عند مولاه -سيده- وكان مزارعاً في مزرعة لسيده، ثم جاء سيده يوم من الأيام إلى المزرعة من أجل أن ينظر فيها وكان فيها بساتين وثمار، فقال للعبد المبارك: أعطنا رماناً -ومعه بعض الوجهاء- فأتى برمان حامض مثل الليمون، فلما أكلوا منه فإذا طعمه مثل الليمون قال له: يا ولدي! أعطنا غير هذه الرمانة الحامضة، فذهب فأتى برمانة أحمض من الأولى، فقال: لماذا تأتي لنا بالرمان الحامض؟ قال: والله ما أعرف حلوه من حامضه منذ دخلت هذا البستان، قال: لماذا؟ قال: ما أذنت لي آكل منه والله ما أكلت منه حبة واحدة منذ عرفت البستان، قال: أنت في البستان منذ سنوات وما تعرف حلوه من حامضه من أجل الله؟ قال: نعم. قال لمن معه: أشهدكم أن هذا البستان له -أعطاه البستان كله- ومرت الأيام وتبلغ بنت عند هذا الرجل التاجر بنت ذات دين وذات أمانة وذات خلق، بلغت مبلغ الزواج، فيأتي إلى الرجل هذا المبارك -وهو عبد قد أعتقه لوجه الله وأعطاه البستان- وقال له: يا مبارك! قال: نعم. قال: لدي بنت أريد أن أزوجها، فأشر عليَّ من أزوج، قال له: اليهود يزوجون للمال، والنصارى يزوجون للجمال، والعرب الجاهليون يزوجون للحسب والنسب، وأتباع محمد صلى الله عليه وسلم يزوجون للدين، ابحث عن أهل الدين، ابحث عمن تنتمي إليهم، إن كنت من اليهود ابحث عن رجل (مليونير) وإن كنت من النصارى فابحث عن أشقر أو أحمر، وإن كنت من أصحاب أبي جهل فابحث لك عن فلان بن فلان بن فلان، وإن كنت من أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فابحث عن مؤمن يخاف الله، فقال الرجل: والله ما أظن أحداً على وجه الأرض أدين منك، أنا زوجتك ابنتي، قال: قبلتها، فتزوجت بهذا الرجل وولدت له عبد الله بن المبارك إمام من أئمة التابعين رضي الله عنه وأرضاه. فاترك المال الحرام، فمن ترك حراماً من أجل الله عوضه الله خيراً منه. تذكر كتب العلم: أن رجلاً حج قبل أربعين سنة من أهل مصر إلى بيت الله الحرام، وانتهى به الحج ولم يرجع، وظل يبحث عن عمل فلم يجد، ومرت عليه أيام وليالي ما ذاق طعم العيش، خرج من المسجد الحرام يوماً من الأيام في صلاة الظهر وإذا به يجد أمام الباب منديلاً أخضر ففتحه وإذا بداخله عقد بمائة ألف درهم -عقد لؤلؤ- فوضعه في جيبه، وقال في نفسه: والله إن فرحتي بهذا العقد لا تعدل حزن صاحبه عليه، ثم جلس في مكانه، وإذا بذلك الرجل يصيح: يا جماعة الخير! من وجد منديلاً صفاته كذا وكذا، فلما سمعه ناداه فقال له: ما هو لونه؟ قال: أخضر، قال: ما الذي داخله؟ قال: عقد، قال: هل هو هذا؟ قال: نعم. قال: تفضل، فأخرج ذاك ألف درهم وأعطاه إياها، قال: والله لا آخذ شيئاً إلا من الله وهو يموت جوعاً، قال: لو أني كنت آخذ المال لأخذت العقد مع أن المال حلال لو أخذه، لكن قال: والله ما آخذ جزائي وثوابي إلا من الله، أخاف آخذ المال فيمنعني مما عند الله. وخرج وظل أياماً وليالياً يبحث عن عمل حتى وجد له عملاً بسيطاً، ثم استطاع أن يصل إلى جدة، ومن جدة ركب البحر يريد بلده، وفي البحر تضطرب السفينة وتغرق ويغرق كل ركابها إلا هذا الرجل نجاه الله على لوح خشب، وظل أياماً وليالياً وهو يسبح في البحر والبحر يتقاذفه والأمواج تتلاطم به، إلى أن قذفت به الأمواج إلى ساحل البحر في منطقة وقام يمشي ووصل إلى قرية من قرى أهل الساحل وجلس عندهم أياماً وليالياً، وكان صاحب دين وصاحب قرآن، وهم أهل خير أحبوه، قالوا: يا شيخ! اجلس معنا، قال: والله أجلس معكم، ولم يرجع إلى بلده، وصار يصلي بهم الصلوات الخمس، وصار يعلم أولادهم القرآن، مكث عندهم حتى أصبح الرجل الأول والأخير فيهم، وعزموا على أن يزوجوه، فقالوا: يا شيخ! أنت الآن منا وأصبحت من أفضلنا، ونريد أن تسكن معنا دائماً ونريد أن نزوجك، قال: ما عندي شيء، قالوا: كل شيء جاهز، استأجروا له بيتاً، ودفعوا المهر، وجاءوا بالبنت وعقدوا ودخل على الزوجة في ليلة العرس، ولما دخل عليها في ليلة عرسها رأى تلك المرأة الجميلة وعلى صدرها العقد الذي رآه في مكة -نفس العقد الذي وجده في مكة هو على صدر البنت- فلما رأى العقد على المرأة رجع وقال: أين والد العروس؟ فلما رآه قال له: هل حجيت قبل سنوات طويلة؟ قال: نعم. قال: حصل لك شيء في الحج؟ قال: نعم. قال: ماذا حصل؟ قال: أنا صاحب مال وعندي بنت وحيدة وحجيت واشتريت لها عقداً بمائة ألف درهم ووقع مني عند باب المسجد فوجده رجل ابن حلال وأعطاني إياه وأعطيته جائزة ولم يأخذها، ونذرت في نفسي إن لقيته في الحياة لأزوجه بهذه البنت، لكن ما لقيته، والبنت كبرت فزوجناك، قال: أنا ذلك الرجل، وبدأ يعانقه ويسلم عليه من جديد، ويدخل البيت على البنت وإذا قد العقد معه امرأة، لماذا؟ (من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه). انتبه يا أخي! لا تأكل الحرام، لا تقل: الدكان إذا أخرجت منه بائع الدخان يبقى الدكان من غير مستأجر، ليكن كذلك، لا تقل: الشقة إذا أخرجت منها المستأجر الذي لا يصلي في المسجد -وأنت تعرف أنه لا يصلي- لا تُؤجر، ولتكن الشقة فارغة طوال حياتها. لا تأوي محدثاً (لعن الله من آوى محدثاً) وأعظم محدث في دين الله من لا يصلي فرائض الله، حتى يكون راتبك حلالاً، وإيجار شققك حلالاً، وإيجار دكاكينك حلالاً، وحياتك حلالاً، وأولادك حلالاً، وطعامك حلالاً، وتكون حياتك حلالاً، من أجل أن يرضى الله عنك، وأيضاً يطلق بصيرتك وتصبح تنظر بنور الله؛ لأنك قدمت محبة الله في الحلال، وقدمت محبة الله في النظر إلى الحلال، وقدمت محبة الله في عمارة ظاهرك بالسنة، وقدمت محبة الله في عمارة باطنك بالتقوى والمراقبة، وقدمت محبة الله بكف نفسك عن الشهوات المحرمة، وأيضاً قدمت محبة الله في فعل الفرائض التي هي أحب شيء إلى الله، ثم قدمت محبة الله في الزيادة في النوافل حتى أصبحت محبوباً عند الله، وإذا أحبك الله توجهت إليك السعادة من كل جانب. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقنا وإياكم حبه، وحب من يحبه، وحب كل عمل يقربنا إلى حبه، اللهم اجعل ما رزقتنا عوناً لنا على ما تحب، واجعل ما زويت عنا فراغاً لنا فيما تحب، واجعل حبك أحب إلى قل

الأسئلة

الأسئلة

حكم من يقتصر في السلام على السلام عليكم دون ورحمة الله وبركاته

حكم من يقتصر في السلام على السلام عليكم دون ورحمة الله وبركاته Q رجل إذا قيل له: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قال: ذبحتمونا برحمة الله وبركاته، قولوا: السلام عليكم فقط؟ A هذا مسكين مطموس البصيرة، ولو أتيت تحسب الكلمات التي تكلم بها لوجدت ملايين الكلمات الفاضية، وإذا جاءت رحمة الله وبركاته ثقلت عليه؛ لأنه منكوس. أما عرفت يا أخي! أن في كلمة السلام عليكم عشر حسنات، وفي كلمة السلام عليكم ورحمة الله عشرون حسنة، وفي كلمة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ثلاثون حسنة. دخل رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (السلام عليكم، قال: وعليكم السلام عشر، جاء الثاني قال: السلام عليكم ورحمة الله، قال: وعليكم السلام ورحمة الله عشرون، دخل الثالث وقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ثلاثون، فلما سألوا الرسول قال: الأول قال: السلام عليكم فكانت له عشر حسنات، والثاني قال: ورحمة الله فكانت له عشرون حسنة، وقال الثالث: وبركاته فكانت له ثلاثون حسنة)، لا يضيع ثلاثين حسنة إلا محروم، يعني: لسانك يتعب من رحمة الله وبركاته، لماذا ثقلت عليك هذه الكلمات ولم تثقل عليك الكلمات الأخرى؟ لكن ذكر الله ثقيل على القلوب المريضة -والعياذ بالله- والله يقول: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86] إذا قال لك شخص: السلام عليكم، قل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هذه أحسن منها، وإذا ما قدرت قل: وعليكم السلام (أو ردوها مثلها) لكن بعض الناس يقول: السلام عليكم قال: هلا، السلام عليكم قال: مرحباً، قلت: السلام عليكم قال: أهلين، ما هذه الهلهلة والمرحباً، أقول: السلام عليكم يا أخي! فيبقى يهلهل لي طوال الليل، لا. قل: وعليكم السلام؛ لأنه دعاء أما هلا هلا فليست بدعاء.

أساليب المشركين في محاربة الدعوة

أساليب المشركين في محاربة الدعوة منذ بداية الدعوة الإسلامية والمشركون يسعون للحيلولة دون وصولها إلى الناس بأساليب مختلفة، منها: محاولتهم صد النبي صلى الله عليه وسلم عنها بالتأثير على عمه أبي طالب، وإلصاق التهم به، والاستهزاء به والسخرية منه والتعالي على أصحابه، وتحذير الناس منه وطلب المعجزات للتحدي والإعجاز، ثم ساوموه على التنازل عن بعض مبادئه مقابل إغراءات دنيوية، لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان ثابتاً أمام هذه التحديات، فلم يفتر ولم يركن إليهم، وواجه تلك الأعباء حتى انتشر نور الإسلام في أرجاء الأرض.

فضيلة مجالس الذكر

فضيلة مجالس الذكر الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين. أما بعد: أيها الأحبة في الله! مرحباً بكم وحياكم الله على مائدة العلم والإيمان، تلك المائدة التي ترفع العمر وتباركه وتزكيه، المائدة الربانية، التي من أقبل عليها ورتع فيها وعاش في ظلالها أدرك السعادة بحذافيرها، ونال خيري الدنيا ونعيم الآخرة. ومجالس العلم هي مجالس الهدى، ومجالس النور، ومجالس الروح، ومجالس الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة، وحاجة القلوب إلى سماع العلم الرباني والهدي السماوي أعظم من حاجة الأرض إلى نزول الغيث، فكما أن المطر هو غيث الأرض، كذلك الذكر والعلم هو غيث القلوب، وكما أن المطر إذا انقطع عن الأرض اغبرت وأقفرت وانقطع خيرها وكثر شرها، كذلك القلوب إذا انقطع عنها الغيث السماوي، وانقطع عنها العلم القرآني، والهدي الرباني، قست وتحجرت وأظلمت، وكثر شرها وانعدم خيرها، وما ترونه اليوم في كثيرٍ من الأحوال من قسوة في القلوب وتحجر في العيون، وجرأة على المعاصي وكسل في الطاعات؛ كل هذا بسبب حرمان القلوب من سماع ذكر الله سبحانه وتعالى، ومن بعد القلوب عن مجالس الرحمة، هذه المجالس التي تحفها الملائكة، وتغشاها السكينة، وتنزل على أهلها الرحمة، ويذكر الله سبحانه وتعالى الجالسين فيها عنده في الملأ الأعلى، أي كرامة أعظم من هذه الكرامات وأي عزة يبلغها الإنسان أعظم من هذه العزة، أن تجلس والملائكة تحفك، والسكينة تنزل عليك، والرحمة تغشاك، ويباهي بك الله عز وجل في الملأ الأعلى، فهنيئاً لكم -أيها الإخوة- وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذه الجلسة التي نقضيها في هذا المجلس ثواباً في موازيننا يوم نلقى الله سبحانه وتعالى.

دعوة لدراسة السيرة النبوية

دعوة لدراسة السيرة النبوية أيها الإخوة! دراسة السنة أو السيرة النبوية الطاهرة من الضرورات للمسلم؛ لأن السيرة هي التطبيق العملي الصحيح لتعاليم الكتاب والسنة؛ ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم والجيل الأول جيل الصحابة الذين اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم هم الذين تمثلوا هذه التعاليم، وأبرزوها في واقع الحياة، ولذا من الضروري أن نترجم تلك المعاني التي نقرأها نصوصاً في الكتاب والسنة، نجد لها ترجمة عملية في واقع الحياة في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي تطبيق أصحابه رضي الله عنهم في السلف الأول وفي القرون المفضلة. إن دارسة السيرة النبوية من الأوليات ومن الضروريات حتى تعرف كيف تعبد الله، وكيف تتعامل مع الحياة من حولك، وكيف تدعو إلى الله، وكيف تنظر إلى المجتمع، وكيف تنظر إلى الفرد، وكيف تنظر إلى الأمة، تلك النظرات لا تكون صائبة ولا مسددة إلا إذا كان الإنسان على علم وعلى فهم بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم. وقد درسنا طرفاً من هذه السيرة في الجلسات الماضية، واليوم نستأنف هذه المجالس لنتعرف على سيرة الحبيب العطرة صلوات الله وسلامه عليه، وعنوان هذا الدرس هو: (أساليب المشركين في محاربة الدعوة). حينما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يصدع بما يؤمر به من الدين وأن يعرض عن المشركين، استجاب الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الأمر، وشمر عن ساعد الجد، وصدع بالحق، ودعا إلى هجر الأوثان، وإلى عبادة الرحمن، وبين حقائق الإسلام، ودحض أباطيل وشبهات المشركين التي عشعشت في عقولهم وخيمت على قلوبهم، وعندما رأى المشركون في مكة أن أثر هذه الدعوة لم يكن محدوداً كما كان الحال في الماضي، وإنما رأوا أن هذه الدعوة بدأت تنتشر وتنفذ إلى قلوب الناس في القريب والبعيد، بدءوا في المواجهة للصد عن دين الله ولإطفاء نور الله، وسلكوا في ذلك أساليب متعددة.

محاولة التأثير على عم النبي صلى الله عليه وسلم

محاولة التأثير على عم النبي صلى الله عليه وسلم من أبرز تلك الأساليب: محاولة التأثير على عمه أبي طالب حتى يكفه عن الدعوة أو يجرده من الحماية والجوار الذي كان يتمتع به في ظل وجود عمه أبي طالب، فقد ذهبت مجموعة من أشراف قريش إلى أبي طالب وقالوا له: إن ابن أخيك سب آلهتنا، وعاب ديننا، وسفه أحلامنا، وضلل آباءنا، فإما أن تكفنا أو تكفه عنا، وإما أن تخلي بيننا وبينه، فإنك على مثل ما نحن عليه؛ لأن أبا طالب كان على الشرك ومات عليه، لكنه كان يحمي النبي صلى الله عليه وسلم، حتى قال عليه الصلاة والسلام: (ما زلت في عز ومنعة حتى مات أبو طالب). وما نال المشركون منه شيئاً حتى مات أبو طالب، كان يشكل الحماية الخارجية، ولهذا سمي العام الذي مات فيه أبو طالب وماتت فيه خديجة سمي (عام الحزن)؛ لأنه انكشف ظهر النبي صلى الله عليه وسلم في المواجهة الخارجية، وأيضاً فقد الدعم الداخلي في المنزل من صاحبة الرأي والمشورة، وصاحبة المواقف البارزة وهي خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها، فحزن صلى الله عليه وسلم حزناً عميقاً بعد وفاة أبي طالب ووفاة خديجة، ولذا قال الكفار لـ أبي طالب: إنك على مثل ما نحن عليه. أي: أنت مشرك مثلنا، والذي يتعرض لنا هو -أيضاً- ينالك أنت أولاً، فقال لهم أبو طالب قولاً رفيقاً ورد عليهم رداً جميلاً وانصرفوا عنه، لكن لم يستجب أبو طالب لهم ولم يتكلم على النبي صلى الله عليه وسلم. ومضى الرسول صلى الله عليه وسلم على ما هو عليه، يدعو إلى دين الله، ويستمر في نشر الدعوة، وهنا غضبت قريش وحقدت على النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءوا مرة أخرى إلى عمه أبي طالب، لكن جاءوا إليه بأسلوب آخر، الأسلوب الأول كان طلباً، الأسلوب الثاني تهديداً وقالوا له: يا أبا طالب، إن لك سناً وشرفاً ومنزلة فينا -أي: لك مكانة- لست رجلاً مغموراً ولا رجلاً هامشياً؛ لأنه من أشرافهم وكبرائهم، فذكروه بمكانته وبمنزلته، قالوا: لك سن، ولك شرف، ولك منزلة فينا، وإنا قد استنهيناك عن ابن أخيك فلم تنهه عنا، وأقسموا له بأنهم لن يصبروا على أفعاله حتى يكفه عنهم أو ينازلوه -أي: ينازلوا أبا طالب، حتى يهلك أحد الفريقين- عند هذا عظم خطب أبي طالب؛ لأنه شق عليه أن يفارق قومه ويعاديهم، وأيضاً شق عليه أن يسلم الرسول صلى الله عليه وسلم ويخذله، ولذا استدعى النبي صلى الله عليه وسلم وأبلغه بالذي قاله له الكفار، وطلب منه أن يبقي عليه وعلى نفسه، وألا يحمله من الأمر ما لا يطيقه، وقال له: وضعتني في خيار صعب: إما أن أسلمك لهم، وإما أعاديهم، وكلاهما صعب، فالأفضل والحل الوسط أنك تتركهم وتترك آلهتهم وتترك محاربتهم؛ حتى لا تعرضني أنا لضرر منهم، أو تعرض نفسك لأذى لا تطيقه؛ لأنه ليس بإمكانك أن تواجه القبيلة بأسرها. وفي رواية لـ ابن إسحاق: أن النبي صلى الله عليه وسلم لمس من عمه في هذه العبارات الضعف والإشارة إلى عدم القدرة على نصرته، ولذا قال له في جواب عظيم: (والله يا عم! لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه) ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد علق ترك الدين والدعوة إليه على المستحيل، يقول: على فرض أنهم جاءوا بالشمس ووضعوها -وهذا مستحيل- في يميني والقمر في يساري -وهذا مستحيل- ما تركت، حتى لو فعلوا المستحيل، حتى يظهره الله أو أموت دون هذا الدين، ثم بكى صلى الله عليه وسلم، ولم يبكِ صلى الله عليه وسلم بكاء الضعيف، ولكنه بكاء الشجاع الذي يقول هذه الكلمات العظيمة التي تهتز الجبال الرواسي أمامها وأمام قوتها وصلابتها، ثم يستجيش العاطفة في قلب أبي طالب، وكأنه يقول له: أنت عمي وما أرى أن تخذلني، ثم قام من عند عمه، وولى عنه، فلما ولى ناداه أبو طالب، وقال: أقبل يا ابن أخي، فلما أقبل قال: اذهب على ما أنت عليه فقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لهم أبداً. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على إسلامه؛ ليس لأنه عمه من حيث النسب، لا. ولكن لمثل هذه المواقف التي وقفها في حماية الدعوة، ولهذا كان حريصاً حتى آخر لحظة من لحظات حياته، وهو يلفظ الروح جاء إليه يقول: (يا عم! قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله) يريد فقط مبرراً وحجة، يقول: لا إله إلا الله، ما عاد في صلاة ولا صوم، لكنه وبتأثير من قرناء السوء الذين قالوا له: أترغب عن ملة عبد المطلب، فنظروا إليه ونظر إليهم، ثم قال في آخر لحظة من لحظات حياته: على ملة عبد المطلب. ومات مشركاً. فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك) فاستغفر صلى الله عليه وسلم لعمه، فأنزل الله عز وجل النهي له وللمؤمنين من بعده إلى يوم القيامة، وقال: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة:113] لأن القرابة قرابة العقيدة، والصلة صلة الدين، فإذا كان ليس على مثل ما أنت عليه من الدين فلا صلة ولا قربى، ولو كان أباك، ولو كان ولدك، قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:22] لماذا؟ {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} [المجادلة:22] من كتب الله في قلبه الإيمان تجد في قلبه التجرد، والحب في الله والبغض في الله، يحب عباد الله ولو كانوا من أبعد مكان ومن أي لون ومن أي جنس، ويبغض أعداء الله ولو كانوا أقرب الأقربين إلى نفسه، ولهذا نوح عليه السلام لما قال الله له: {فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ} [المؤمنون:27] ظن عليه السلام أن معنى أهلك أي: أهلك في النسب، زوجتك وأولادك وجماعتك، فركب وركب أهله لكنه ابنه أبى أن يركب، قال: {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا * قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ} [هود:42 - 43] فقال نوح لربه: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} [هود:45] أنت قلت: وأهلك، وهذا من أهلي، أي: لا تغرقه، دعه يسلم مع بقية الناس، قال الله له: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود:46] وهو ابن نوح، لكن الله ينفي عنه الأهلية، ويقول: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود:46] ما دام ليس هو على دينك، ليس من أهلك. وكذلك -أيها الإخوة- هذا هو الضابط ويشكل مبدأ من مبادئ المسلم وهو: أن يحب في الله ويبغض في الله، ولهذا جاء حديث في صحيح مسلم وصحيح البخاري: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار). فكان موقف النبي صلى الله عليه وسلم من أبي طالب بسبب مواقفه تلك التي وقفها، لكن لما نهاه الله لم يعد يستغفر له، وقد خفف على أبي طالب من العذاب في النار، ولكن لا تخفيف في النار، جعله الله في ضحضاح من نار، والضحضاح في اللغة هو: الماء الذي يغطي الكعب، فالنار تغطي أهل النار كلهم إلا أبا طالب فالنار إلى كعبه فقط، ما رأيكم هل هذا تخفيف؟ هل تستطيع أن تمشي في النار، إذا أتيت مكاناً حاراً هل تمشي عليه؟ جرب عندما تخرج من الحرم وما معك حذاء، فتمشي من الباب إلى السيارة لا تستطيع المشي، تنسلخ رجليك من حرارة الأرض فكيف بالنار! ولهذا لا يرى أبو طالب أن في النار أشد عذاباً منه، وهو في ضحضاح من نار -نعوذ بالله وإياكم من عذاب النار-. في هذا الموقف وفي هذا الأسلوب عبرة وحكمة وهو: أن هذا الموقف القوي من الرسول صلى الله عليه وسلم من المشركين ينسجم مع ما أمر به من البلاغ، فإن الله فقال له: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر:94] وبعد ذلك طمأنه قال: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ} [الحجر:95]. موقف فيه عبرة وهو موقف أبي طالب، وهذا الموقف عجيب: مشرك وكافر ولكن يقوم بهذه الخدمة للدين، وليس لهذا تفسير، وقد اجتهد العلماء على هذا منهم ابن كثير قال: إن الله سبحانه وتعالى امتحن قلب أبي طالب بحب محمدٍ صلى الله عليه وسلم حباً طبيعياً لا حباً شرعياً؛ لأنه لو أحبه حباً شرعياً لأحب دينه، لكن أحبه حباً طبيعياً؛ لأنه ابن أخيه، وكان استمراره على دين قومه من حكمة الله، ومما صنعه لرسوله من الحماية، إذ لو أسلم أبو طالب لما كان له عند مشركي مكة وجاههة ولا مكانة، ولحاربوه مثلما حاربوا غيره من المسلمين، لكن ليحمي رسول الله بقي على دين قومه، ولما هابوه واحترموه، لو عرفوا أنه قد أسلم لتجرءوا عليه ولمدوا أيديهم عليه وألسنتهم إليه بالسوء، ولكن سبحان الله! {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص:68]. وقد قسم الله العباد إلى أقسام: فهذان العمان كافران، أبو طالب وأبو لهب، اثنان أحدهما يحمي والآخر يحارب، فـ أبو طالب

إلصاق التهم والادعاءات الباطلة بالنبي صلى الله عليه وسلم

إلصاق التهم والادعاءات الباطلة بالنبي صلى الله عليه وسلم من الأساليب التي طرقها الكفار بعد هذا الاتجاه إلصاق التهم والادعاءات الباطلة؛ لتشويه صورة النبي صلى الله عليه وسلم في أذهان الناس؛ لأنهم رأوا النفوذ قوياً، والاستجابة جارفة، وأيديهم تفلس، والناس ليس في مكة فقط بل في الطائف والمدينة في كل مكان بدءوا يدخلون في الدين، فما بقي إلا التضليل الإعلامي والتشويه لصورة النبي صلى الله عليه وسلم في أذهان الناس، فألصقوا به العديد من التهم.

اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مجنون

اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مجنون منها: اتهامه بالجنون، كما قال الله عنهم: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر:6] وقد أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم في أول سورة القلم: {نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} [القلم:1 - 2] ويكفيه تزكية الله له. وأيضاً يحكي الله عز وجل هذا عنهم ويقول: إنهم يقولون: {إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} [القلم:51] وهذا من عجائب الأمور أن تنعكس المفاهيم، وتنقلب التصورات، ويوصف أعقل البشرية وأهدى الإنسانية المعلم الأول للإنسانية بأنه مجنون، وهم أصحاب القلوب المتحجرة، وأصحاب العقول المنكوسة الضالة هم العقلاء، وهم يعبدون الأحجار، ويزنون بحلائل الجار، ويشربون الخمور، ويفعلون المنكرات، ويصفون أنفسهم بأنهم أصحاب العقول، ومن يأتي لينقذهم من هذه الضلالات ويحررهم من هذه الخرافات والخزعبلات يوصف بأنه مجنون، هذا والله من عجائب الأمور، ولذا فقد توجه مثل هذه التهم إلى بعض الناس في كل زمان وفي كل مكان، ولكن يكفيك -يا أخي- أنك على الحق.

اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر

اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ساحر أيضاً من اتهاماتهم وتشويه صورة النبي صلى الله عليه وسلم في أذهان الناس: أنهم اتهموه بأنه ساحر، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} [ص:4] {وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً} [الفرقان:8]. وقد تحير الوليد بن المغيرة حينما أرسله كفار قريش ليفاوض النبي صلى الله عليه وسلم ويساومه على تقديم أي شيء يريده نظير أن يترك الدين، قال له: يا ابن أخي! إن كنت إنما أتيت بما جئت به تريد مالاً جمعنا لك حتى تكون أغنانا، وإن كنت تريد جاهاً سودناك أي: جعلناك ملكاً، وإن كنت تريد زوجاً زوجناك بأجمل فتاة، وإن كان الذي يأتيك رئي من الجن -أي: يأتيك شيء من الجن صرع- بذلنا لك حتى نعالجك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اسمع يا أبا الوليد، وقرأ عليه فواتح سورة فصلت، حتى بلغ قول الله عز وجل: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً} [فصلت:13] فوضع يده على فم النبي صلى الله عليه وسلم وخاف من الصاعقة، قال: أسألك الله والرحم، ثم رجع وقد تغير موقفه، بناء على سماع القرآن، وقال: والله يا قوم! إن لكلامه لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمورق، وإن أسلفه لمغدق، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، والله ما هو بالشعر ولا بالنثر. فلما قال هذه الكلمات نخر في كفار قريش، قالوا: أصبأت يا أبا الوليد؟ ماذا يقول السفهاء إذا سمعوا كلامك؟ والله لا تقوم حتى تقول فيه قولاً يؤثر عنك، قم فكر، قال: دعوني أفكر، فقام وفكر، ثم فكر، ثم قدم وأخر، فلعن كيف قدر، وقال كما قال الله عنه: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً} [المدثر:11] يقول: اتركني يا محمد، اترك هذا الذي يقول هذا الكلام: {وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآياتنَا عَنِيداً} [المدثر:12 - 16] الآيات الواضحات والدلائل البينات التي سمعها ورفضها موقفه منها العناد {كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآياتنَا عَنِيداً} [المدثر:16] والجزاء: {سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} [المدثر:17] صعود جبل في جهنم اسمه صعود، سيكلف بصعود هذا الجبل، لماذا؟ قال: {إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر:18 - 25] قال الله: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر:26 - 30] والعياذ بالله. وكانوا يتلقون الركبان والذين يقدمون إلى مكة ويحذرونهم من أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يقولون: إنه ساحر يفرق بين الرجل وبين ولده، وبين الزوج وزوجته، ولكن لم يكن الناس يستجيبون لهم، إلا البسطاء المغفلين، وأما العقلاء فيقولون: نسمع منه، ومنهم: الطفيل بن عمرو الدوسي، هو من أشراف قومه، ومن نبلاء عشيرته، رجل عظيم من بلاد زهران، من بلاد دوس، دخل مكة وتلقوه على أبوابها، وقالوا: هذا قطن ضعه في أذنك، قال: لماذا؟ قالوا: هناك رجل عند الكعبة إذا سمعته يسحرك، يقول: فوضعت الكرسف -القطن- في أذني وجئت أطوف، وإذا بي أسمع، قلت: حسناً يا طفيل أنت رجل عاقل ولبيب، أخرج القطن واسمع إن كان خيراً، فلما سمع القرآن قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداًً رسول الله. الله أكبر! لا إله إلا الله!

اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بالكذب

اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بالكذب أيضاً من الاتهامات الباطلة التي رمي بها النبي صلى الله عليه وسلم: اتهامه بالكذب، وهم يعرفون أنهم كاذبون، وأن أصدق البشرية على الإطلاق هو محمد صلى الله عليه وسلم، إذ لم يعرفوا عنه كذبة واحدةً في حياته قبل الرسالة ولا بعد الرسالة، أربعين سنة ما كذب كذبة واحدة على الناس، هل يتصور أن يكذب على الله؟! ولهذا قال هرقل لـ أبي سفيان لما سأله قال: أتتهمونه بالكذب؟ قال: لا. وأبو سفيان كان كافراً، ولو عرف أنه يكذب كذبة واحدة عن الرسول صلى الله عليه وسلم لقالها، لكن لا يستطيع، لماذا؟ لأنه يوجد أناس وراءه، قال هرقل: إذا كذب أخبروني. وكان يخشى أبو سفيان أن يقول كلمة فتنقل عنه كذبة، وكانوا يتعيرون بالكذب في الجاهلية، قال هرقل بعد ذلك: سألتك هل جربتم عليه كذباً؟ فقلت: لا. فقلت: ما كان ليدع الكذب على الناس ثم يكذب على الله، بل هو الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم. وكانوا يسمونه -أيضاً-: مفترٍ. يقولون: كما قال الله عنهم: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ} [الفرقان:4]. وقالوا: إنه يكتتب هذه الآيات، وهذه الآيات سموها أساطير، قال تعالى: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الفرقان:5] وقالوا: إن هذا الكلام ليس من عند الله وإنما يتعلمه من الناس، لكن من الذي يتعلمه منه؟ نسبوا هذا إلى رجلٍ أعجمي، كان يصنع السيوف في مكة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس عنده ينظر إلى صنعته قبل البعثة، فأخذوا بأثر رجعي، قالوا: نعم كان يجلس عنده إذاً هو الذي علمه. قال الله عز وجل ليبطل هذه الشبهة: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} [النحل:103] لكن ماذا؟ {لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} [النحل:103] كيف يعلمه وهو أعجمي؟! فالأعجمي لا يعرف الكلام بالعربية، وإذا تكلم تكلم بغير الفصحى، وهذا قرآن عربي بلسان مبين، وقد عجزتم أنتم أيها الفصحاء والبلغاء، ملوك البيان وأساطير الفصاحة في العالم -قريش- أن تأتوا بمثله، أو بعشر سور مفتريات من مثله، أو بسورة واحدة، ثم أقام التحدي عليهم وعلى الجن إلى يوم القيامة: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ} [الإسراء:88] ليس الإنس فقط {عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88] كيف يأتي به من عند أعجمي؟!! انظروا الضلال والعقول المقلوبة، هذه كلها افتراءات باطلة.

لجوء المشركين إلى الغمز والضحك على النبي صلى الله عليه وسلم

لجوء المشركين إلى الغمز والضحك على النبي صلى الله عليه وسلم ولما لم تنجح تلك الأساليب وهي أساليب إلصاق التهم؛ لأن التهم لا تلصق إلا بصاحبها، الثوب النظيف نظيف، لا يلصق به أي شيء، لكن المتسخ والملوث يمكن أن تلصق به أي شي، أما الثوب النظيف فأي شيء تضعه عليه يظهر، فكان النبي صلى الله عليه وسلم نظيف في حياته، أنظف مخلوق على وجه الأرض، اختاره الله، كما قال: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124] يقول عليه الصلاة والسلام: (اختارني الله عز وجل، فأنا خيار من خيار) صلى الله عليه وسلم، ما اجتمع عليّ أو لي أبوان على باطل، أو على سوء، من آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم. لما عجزوا أن يلصقوا به شيئاً من التهم الباطلة، لجئوا إلى الغمز واللمز والضحك والاستهزاء والسخرية والتعالي على المؤمنين، وأوضح الله جل وعلا هذا في كتابه، يقول الله: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} [الأنعام:53] يقولون: لم يجد الله من يمتن عليهم إلا هؤلاء الضعفاء: بلال الحبشي، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي، وابن مسعود الهذلي، ضعفاء القوم، أي: أنتم الذين تدخلون، لماذا لم ينزل القرآن على رجل صاحب شخصية؟ وقالوا: {لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف:31] ما وجد الله إلا أنت يا محمد؟ قال الله: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ} [الزخرف:32] فالله هو الذي قسم الرحمة بين العباد. وروى البخاري في صحيحه: أن امرأة قالت للرسول صلى الله عليه وسلم -امرأة مشركة كافرة- وهي ساخرة ومستهزئة: إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثاً -تقول: لماذا لم يأتك شيطانك؟ أي: تتصور أن الذي يأتي بالوحي أنه الشيطان- فأنزل الله عز وجل: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى:1 - 3]. وروى البخاري -أيضاً-: أن أبا جهل قال مستهزئاً متحدياً كما قال الله: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال:32] فنزل قول الله عز وجل: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال:32] قال الله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} [الأنفال:33] وجود النبي صلى الله عليه وسلم كان أماناً من العذاب {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الأنفال:23 - 34]. وذكر ابن إسحاق حديث العراشي الذي باع لـ أبي جهل الإبل ومطل بأثمانها، فـ أبو جهل كافر مماطل خبيث اشترى من شخص من قبيلة عراش قطيعاً من الإبل، ثم وعده بأن يعطيه الثمن بعد ذلك وماطله، فلما جاء الأعرابي إلى قريش قالوا له: ما تريد؟ قال: أبو جهل اشترى مني ولم يعطني المال، قالوا: تريد رجلاً يعطيك؟ قال: نعم. قالوا: اذهب إلى محمد، لماذا؟ من باب الاستهزاء والتهكم؛ لأن وضع النبي صلى الله عليه وسلم في مكة مستضعف، لا يستطيع أن يحمي نفسه، وأبو جهل هو سيد القوم وكبيرهم، فالأعرابي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وشكا إليه، فذهب معه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي جهل، وقال له: أعطه حقه، قال: حسناً وذهب أبو جهل وأعطاه ماله، ما له كاملاً، فلما سمعت قريش أنه أعطاه، سألوه، قالوا: ما هذا؟ كيف تعطيه؟ كيف سلمته؟ قال: ويحكم والله ما هو إلا أن طرق بابي، وسمعت صوته حتى ملئت رعباً وفزعاً، ثم خرجت إليه وإن فوق رأسه لفحلاً من الإبل فاغراً فاه ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه، والله لو أبيت لأكلني. فقد كان فاغراً فاه الناب الأعلى عند رأسي والناب الثاني عند رجلي، يريد أن يبلعني. وقد ذكر الله سبحانه وتعالى أنهم كانوا يسخرون من الرسول صلى الله عليه وسلم ويستهزئون به، يقول الله: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطففين:29 - 30] كل شخص يقول: انظر {وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ} [المطففين:31]. وهذه الآية وإن كانت تفسر حادثة من حوادث الزمن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنها خلق العصاة والمجرمين في كل زمان، وهو الاستهزاء بالذين آمنوا، ولذا انتبه واحذر من أن تستهزئ بشيء فيه ذكر الله؛ لأنه يعرضك للوقوع في الكفر والعياذ بالله. ثبت -أيضاً- من طرق صحيحة في مسند أحمد في بعض الأحاديث: أن أشراف قريش اجتمعوا يوماً في الحجر وتذاكروا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، وبينما هم في شأنه إذ طلع عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت، فسكتوا، ثم بدءوا يغمزونه، فقال لهم: (يا معشر قريش أما والذي نفسي بيده لقد جئتكم بالذبح) وكان في وقته وقت ضعف الإسلام والمسلمين لا يقدر أحدهم أن يسلم، فالذي يسلم يحارب، ومع هذا يقول لهم هذه الكلمة لرفع شعار من شعارات التقوى، وهذا يدل على قوة النبي صلى الله عليه وسلم وشجاعته، وعلى رده على استهزاء هؤلاء، ومن منطلق الاستعلاء والكبرياء على الصحابة قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: لا نجالس هؤلاء -أي: صهيباً وبلالاً وخبيباً - اطردهم عنا، اجعل لنا مجلساً، فهمَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن يوافق ويجعل لهؤلاء مجلساً ولهؤلاء مجلساً طمعاً في إسلامهم، فأنزل الله عز وجل: {وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام:52] ويقول عز وجل: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28]. وفي يومٍ من الأيام مر صلوات الله وسلامه عليه على مجموعة من المشركين فاستهزءوا به، فغاضه وامتلأ قلبه غيضاً، فأنزل الله عليه: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأنعام:10]. ومن كبار المستهزئين الذين تولوا كبر الاستهزاء والسخرية بالنبي صلى الله عليه وسلم مجموعة: منهم: الأسود بن عبد المطلب بن أسد، والأسود بن عبد يغوث، والوليد بن المغيرة المخزومي أبو خالد بن الوليد رضي الله عنه، والعاص بن وائل السهمي أبو عمرو بن العاص رضي الله عنه، والحارث بن الطلاطلة الخزاعي، فأنزل الله عز وجل في هؤلاء: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ} [الحجر:95] أي: سوف نقضي عليهم، وقد ثبت أن جبريل رمى في وجه الأسود بن عبد المطلب ورقة خضراء فعمي، أذهب الله بصره وطمس عينيه؛ لأنه كان مستهزئاً كبيراً، ومر الأسود بن عبد يغوث بجبريل فأشار إلى بطنه فاستسقى بطنه -انتفخ- حتى صار مثل الجرة ثم مات، ومر به الوليد بن المغيرة فأشار إلى جرح صغير في أسفل كعبه فانتقض الجرح، وكان قبل سنين قد سل، فانتقض الجرح ثم مات، ومر به العاص بن وائل فأشار إلى أخمص رجله فخرج على حمار يريد الطائف، فربض به حماره على نبات خفيف فدخلت شوكة في أخمص رجله فقتلته، ومر به الحارث بن الطلاطلة فأشار إلى رأسه فتحرك الصديد فيه وقتله، ومن كبار المستهزئين أبو جهل وأمية بن خلف، والنضر بن الحارث، والأخنس بن شريح، وأبي بن خلف، وهؤلاء كلهم قتلوا وقضي عليهم في معركة بدر وبعدها، نصراً لنبيه صلى الله عليه وسلم.

تشويش المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم وطلب المعجزات

تشويش المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم وطلب المعجزات من الأساليب -أيضاً-: أسلوب التشويش بإحداث ضجة عندما يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، حتى لا يسمع أحد القرآن فيفهم مراد الله: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} [فصلت:26] أي: أحدثوا لغواً وضوضاء {لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت:26] لكن هذا الأسلوب لم ينجح. طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم في نوع من التحدي والتعجيز، أن يأتي بالمعجزات ومزايا ليست عند البشر، من ذلك قولهم: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان:7] ما هذا؟! رسول يأكل مثلنا ويمشي معنا {لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ} [الفرقان:7] يمشي معه {فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً * أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا} [الفرقان:7 - 8] ويقولون أيضاً: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا} [يونس:15] يقولون: هذا القرآن لا نريده {أَوْ بَدِّلْهُ} [يونس:15] هات شيئاً آخر، فرد عليهم سبحانه وتعالى بقوله: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [يونس:15] ما هو من عندي حتى أبدله، ولو كان من عندي وهو لا يصلح لكم سوف آتي بغيره، لكن هذا من عند الله كيف أبدله وهو ليس من عندي؟ {مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي} [يونس:15] بتبديل كلام الله وإعطاؤكم ما تريدون وترك ما لا تريدون {قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأنعام:15]. وقالوا أيضاً: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً} [الإسراء:90] لأنه لم يكن عندهم ماء إلا ماء زمزم القليل، فكانوا يريدون ينابيع وأنهار {أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ} [الإسراء:91] لأنه لا يوجد عندهم مزارع، ومكة منطقة غير زراعية، فيريدون نخيلاً وأعناباً {فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً} [الإسراء:91 - 92] يقولون: ائت بربك والملائكة معك من أجل أن نؤمن بك، وبعد ذلك: {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ} [الإسراء:93] فأنت ساكن في غرف بسيطة، نريد أن يكون لك بيت من زخرف مزخرف وجميل {أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ} [الإسراء:93] اصعد {وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ} [الإسراء:93] حتى لو صعدت لن نسلم لك، لماذا؟ {حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَأُهُ} [الإسراء:93] أي: ائت بكتاب مكتوب من السماء ليس من الأرض، قال الله سبحانه وتعالى للرسول صلى الله عليه وسلم: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً} [الإسراء:93] تطلبون شيئاً ليس مني أصلاً، فأنا بشر رسول مكلف بأداء رسالة، أوحى الله بها إليَّ وأنا أبلغها لكم، أما ما تطلبون ليس إليَّ، فلست إلهاً حتى أعطيكم ما تريدون، وإنما أنا رسول لا أملك إلا الرسالة. وسألوه -أيضاً-: أن يسير لهم جبال مكة، قالوا: هذه الجبال نريدك أن تجعلها أرضاً مبسوطة من أجل أن نزرعها. وطلبوا منه أن يبعث لهم الآباء أمثال قصي ليسألوه عن صدقه، فرد الله عز وجل عليهم بقوله: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً} [الرعد:31] {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام:109] وهذا إخبار بأن حقيقة الكفر عندهم ليست ناتجة عن نقص الآيات، الآيات واضحة، لكن الكفر عندهم ناتج عن إصرارهم وعنادهم، ولهذا قال الله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [الأنعام:111] وبعد ذلك يقول الله سبحانه وتعالى: {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً} [الأعراف:146] لماذا؟ قال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف:146] فالقضية ليست نقصاً في الدلالة، أدلة صدق النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أنه رسول من عند الله أوضح من الشمس، لكن المعاند الذي لا يريد الدليل لا تستطيع إقناعه، ولهذا سمي الكافر كافراً؛ لأنه مغطي للحقيقة، ومعنى الكفر في اللغة: التغطية، كفر الشيء أي: غطاه، فهم يغطون الحقائق، فالحقائق ناصعة والبراهين ساطعة والدلائل واضحة، لكن لا يريدون الإيمان بها أصلاً فيكفرون بها ويغطونها. وسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم: أن يجعل لهم جبل الصفا المقابل للمروة أن يجعله ذهباً، فسأل الرسول صلى الله عليه وسلم ربه وقال: رب اجعلها لهم ذهباً، فقيل له: إن شئت أن تستأني بهم، وإن شئت أن تؤتيهم الذي سألوا فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت الأمم التي قبلهم، قال: لا. بل أستأني بهم صلوات الله وسلامه عليه؛ لأن الله يقول: {وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا} [الإسراء:59] عندما تأتي آية واضحة يرفضها الكافر بعدما تأتي، وبعد ذلك يحصل تدمير مباشرة، كما حصل لقوم صالح، تحدوه وقالوا له: أخرج لنا من هذه الصخرة ناقة عشراء، أي: في الشهر العاشر، حامل، قد لقحت، فدعا ربه، فخرجت الناقة، وقال لهم: {هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ} [الأعراف:73] هذه مخلوقة من عند الله {لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الشعراء:155] فعقروها، فماذا حصل لهم؟ قيل لهم: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ} [هود:65] فاليوم الأول اسودت وجوههم، واليوم الثاني احمرت، واليوم الثالث قطع الله قلوبهم في أجوافهم، وصاح فيهم جبريل صيحة واحدة فأصبحوا خامدين عن بكرة أبيهم، فمن رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالأمة أنه ما سأل الله عز وجل أن ينزل آية؛ لأنها لو نزلت آية لعرف الرسول أنهم سوف يكذبونه مثل سابقيهم ويحق عليهم العذاب، وهو رسول رحمة وليس رسول عذاب، قال: لا. أستأني بهم، أي: أنتظر وأتمهل لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده، كما قال لجبريل لما رجع من الطائف -هذا سيأتي معناه بعد-: إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين -جبلين عظيمين في مكة - قال له: (لا. إني لأرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله) كانت نظرة النبي صلى الله عليه وسلم نظرة بعيدة، ما كانت نظرة قصيرة مؤقتة، لا. فهؤلاء الكفار إذا أصروا على كفرهم اتركهم لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده، وفعلاً تحقق -كما سمعتم- خالد ابن من؟ ابن الوليد بن المغيرة، وعمرو بن العاص بن وائل، وعكرمة بن أبي جهل، أولئك رءوس الكفر وهؤلاء رءوس الهداية والدين والنضال والجهاد في سبيل الله.

مساومة المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم

مساومة المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم لما عجزت كل هذه الأساليب في رد النبي صلى الله عليه وسلم ومنعه عن مزاولة الدعوة، لجئوا إلى أسلوبٍ آخر: هو المساومة، أي: نعطيك شيئاً وتترك لنا شيئاً، وهو أن يعملوا شيئاً من الدين ويعمل هو شيئاً من الشرك، وقالوا له: اعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، هذا عدل، أما أن تريد منا جميعاً أن نعبد إلهك ونترك آلهتنا {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5] فقالوا له: إن كنت منصفاً وعادلاً، فنحن نوافقك على أن تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، لكن لا تنفع أوساط الحلول بين الشرك والإسلام، وبين الكفر وبين الحق والهدى، لا يوجد إلا نور، إما أسود وإما أبيض، وإذا أخذت القليل فلا يصح، فأنزل الله عز وجل عليه: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ} [الكافرون:1 - 4] كررها للتأكيد {لَكُمْ دِينُكُمْ} [الكافرون:6] وهو الكفر ودين الشرك {وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6] وهو التوحيد ودين الإسلام. وهذه تمثل الآية التالية: {وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون:3] قاعدة الثبات على العقيدة، وعدم الرضا بالمساومة، لا مساومة على الدين، إما حق وإما باطل، وإما تنازلات في عقيدة المسلم، لا. لأنك بقدر ما تتنازل بقدر ما تضيع من دينك. وساوموا عمه على هذا، ولكنه كما قال صلى الله عليه وسلم: (والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه). لم يوافقهم النبي صلى الله عليه وسلم على هذه المساومة بدءوا بالتحرش المباشر، بسب القرآن، وبسب الرسول صلى الله عليه وسلم، وبسب الذات الإلهية، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، روى البخاري ومسلم في قوله سبحانه وتعالى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء:110] أن ابن عباس قال: [نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختفٍ بـ مكة، كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمع المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال الله لنبيه: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ} [الإسراء:110] أي: بقراءتك، فيسمع المشركون قراءتك فيسبوا القرآن {وَلا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء:110] حتى لا يسمع أصحابك، {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً} [الإسراء:110] وهي القراءة المعتدلة التي يسمعها أصحابك فيستفيدون، ولا يسمعها المشركون فيسبوا الله ويسبوا الرسول صلى الله عليه وسلم] وفي هذا إرشاد نبوي وتوجيه للدعاة إلى أن تكون مواقفهم مواقف معتدلة، ومواقف مصلحة ومنفعة للدعوة، من غير تعنت ولا اندفاعات ولا مواقف فيها نوع من التشنجات، إنما للمصلحة التي من أجلها شرعت القراءة، من أجل أن يسمعها المسلمون بعدك، فلا داعي أن ترفع صوتك حتى يسمعك الكفار فيسبونك ويسبوا القرآن، لا. بل نهى الله أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم عن سب آلهة المشركين، قال: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:108] لأن المسلمين كانوا يسبون أصنام الكفار، فأخذ المشركون يسبون الله، فنهاهم الله. وفي هذا تعليم للمسلم أنه إذا كان يترتب على فعلك لأمرٍ معروف مشروع، فعل منكر أعظم لزمك ألا تفعل هذا المشروع، فسب آلهة الكفار أمر مشروع وأمر من الدين أن تسب اللات والعزى والأصنام، لكن لما كان يترتب على هذا السب منكر أعظم؛ وهو أن يسبوا الله، قال الله: لا تسبوا آلهتهم، ولهذا ذكر ابن القيم في كتابه إعلام الموقعين أن شيخ الإسلام ابن تيمية مر على قوم من التتر وهم سكارى، فأراد بعض تلامذة الشيخ أن يأمرهم وينهاهم عن المنكر عن الخمر، فمنعه الشيخ، فاستغرب الطالب؛ لأن الشيخ كان أمَّاراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، ومن أبرز الناس في الأمر والنهي، فقال له: إنما حرم الله الخمر؛ لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء -أي: التتر- تصدهم عن قتل المسلمين وهتك أعراضهم، فدعهم وما هم فيه. يقول: اتركهم سكرانين؛ لأنك إذا أقمته من السُكر لا يقوم يصلي ويذكر الله بل يقوم يقتل المسلمين ويعتدي على أعراضهم، فأنت عملت أمراً مشروعاً وهو الأمر بالمعروف، لكن ترتب على الأمر المشروع هذا أمر أنكر منه وهو قتل المسلمين، إذاً لا تفعل. هذه قاعدة من قواعد التغيير التي ذكرها ابن القيم وهي أربع درجات: الدرجة الأولى: أن يزول المنكر ويعقبه المعروف، فهذا مشروع باتفاق أهل العلم. الدرجة الثانية: أن يزول المنكر ويعقبه منكر لكن أقل منه، أي: المنكر (100%) بالتغير يصبح (50%) هذا -أيضاً- مشروع بالاتفاق. الدرجة الثالثة: أن يزول المنكر ويعقبه منكر مثله في درجته، فهذا موضوع نظر واجتهاد. الدرجة الرابعة: أن يزول المنكر ويعقبه منكر أعظم منه، فهذا محرم بالاتفاق، مثلاً: رجل لا يصلي في المسجد ويصلي في بيته، فغضب عليه رجل، بدل أن يدعوه إلى الله ويمارس معه أسلوب الدعوة غضب عليه وهجره، ولم يعد يزوره في البيت، وأبلغه أنه لا يدخل عليه، فسأل هذا وقال: لماذا هو غضبان؟ قالوا: لأنك لا تصلي في المسجد، قال: هذا الذي أغضبه؟ قال: والله لا أصلي حتى في البيت من أجله. هذا هو التغيير الذي لا يريده الشرع، لماذا؟ لأن الهجر دواء، فإذا كان ينفع استعمله، وإذا كان يضر لا تستعمله؛ لأنك إذا هجرته زدته عناداً، لكن لو هجرت زوجتك لا يزيدها عناداً؛ لأنها محتاجة لك، تبحث عن رضاك، لو هجرت ولدك، ما يزيده عناد؛ فهجرك للولد، وهجرك للزوجة، وهجرك للعامل، ولمن تحت يديك وهو محتاج إليك فهذا مشروع، لكن هجرك للناس فهذا ولد الناس، وعلم أنك غضبان، قال: ما شأني وشأنه؟ ما دام أنه غضبان هكذا أغضبه أكثر، والله لا أركع ركعة، فترك الصلاة، هرب من فعل المحرم الذي هو ترك الصلاة في المسجد فوقع في الكفر والخروج من الملة بتركه للصلاة، من الذي حمله على هذا؟ موقف الأخ، أراد أن يكحله فأعماه، ما معنى هذا المثال؟ رأى عنده مرضاً في عينيه، فأخذ المكحل يريد أن يداويه بالمكحلة فأعماه بالكلية، وهذا من الخطأ، فإن من فقه الدعوة: أن تعرف هل التغييرات في صالحك أم في صالح الشر، فمتى كان التغيير مضموناً في أن نتائجه حسنة بعد دراسة وبعد تأمل ونظر من قبلك، اعمل، أما إذا عرفت أن في ذلك ضرراً ومنكراً أعظم من المنكر الذي عليه هذا الرجل، فعليك أن تسلك أسلوباً آخر.

الأسئلة

الأسئلة

حكم التدخين

حكم التدخين Q نصحت مدخناً فقال لي: التدخين ليس حرام، أريد دليلاً؟ A في قرارة نفس المدخن وقناعته أن التدخين حرام، لكنه يغالط، وأقرب دليل ندحض به حجته نسأله: هل الدخان طيب أم خبيث؟ إن كان منصفاً سيقول: خبيث، وإذا قال: خبيث فقد حكم بالحرمة عليه؛ لأن الله يقول: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] وأقرب دليل على أنه خبيث: شهادة الشركة الصانعة، وأي شركة ترسل معها دعاية لها، إلا الدخان، يصنعونه ويكتبون عليه دعاية ضده، مكتوب على كل كرتون: التدخين يضر بصحتك، تحذير رسمي، والذي يضر طيب أم خبيث؟ خبيث، فالشركة تقول: خبيث وأنت تقول: طيب، فهو خبيث وما دام أنه خبيث إذاً هو حرام، المغالط الذي يقول: إنه طيب، هذا مسكين ومنكوس، والمنكوس لا يقتنع وهذه أبيات تقولها سيجارة: أنا السرطان والقار أنا سل وأخطار أنا الأمراض أجمعها ومنها أنت تختار تقول: عندي مستودع الأمراض وخذ واحداً منها. أنا علب ملونة وعندي الموت أشكال حرمت بنيك من زاد وهان لأجلي المال بعض الناس يترك أولاده ويشتري دخان. لقد سممت أجواءك وناري أصبحت داءك فكم آذيت أبناءك وكم أحرقت أحشاءك بجيبك لي مكانات ومن رئتيك أقتات يغرك شكلي الجذاب لكني نفايات أنا أغلى من الذهب وللأعواد منتسب فكم أوهمت ذا هم بتدخيني لدى الغضب مقامي في الشرايين كوسواس الشياطين فحتى ما تلوموني وبالرئتين تغذو لي تقول: لماذا تلوموني وتغذوني على الرئتين؟ أعاديكم وتحموني وبالأموال تفدوني إلى الأمراض أدعوكم وأنتم لا تعادوني تعالوا يا أحبائي لأقتلكم بأوبائي وأجعلكم مهازيلاً وأهدافاً لأدوائي ثم سألها شخص: من هم أصدقاؤك؟ قالت: صديقتي الشيشة؛ لأنها بنت عمها، فالدخان مصيبة وحده. أنا وصديقتي الشيشة نعكر صافي العيشة بعض الناس يقول: تركت الدخان، الحمد لله، لكني أشرب شيشة، قلنا: هرب من منكر إلى منكر أعظم منه. أنا وصديقتي الشيشة نعكر صافي العيشة ونجعل من له كيف كطير نتفوا ريشه أحدهم سألها قال: من عدوك؟ قالت: عدوي صاحب الصبر به يقوى على قهري نجا بالعزم والإيمان من كدري ومن شري فقام الرجل الذي سألها وأمسك بها وداسها بقدمه، ثم توضأ وتناول السواك، وقال: أستغفر الله العظيم وأتوب إليه. فلا مجال أبداً للتردد بأن السيجارة خبيثة وحرام.

حكم الاستعانة بالأشخاص لمعرفة مكان الماء

حكم الاستعانة بالأشخاص لمعرفة مكان الماء Q نستعين بشخص يقال له (المُودة) وذلك لتعيين المكان المناسب لحفر الآبار؟ A نحن نسميه في الجنوب (المسمِّع) ويسمونه في نجد (الصنَّات) هذا ينقسم إلى قسمين: قسم مباح وقسم حرام، فالقسم المباح: أن بعض الناس عندهم خبرة في الأرض وطرقها وجبالها ووديانها ويستدلون على باطنها بظاهرها، فإذا جاءوا على وادٍ فيه أشجار وفيه عتل أخضر، قالوا: لا ينبت الشجر ولا العتل إلا على ماء، فيقولون: احفروا هنا حفرة، وإن شاء الله تكون خيراً، هذا لا شيء فيه؛ لأنه اجتهاد نظري وعقلي، مثل الجولوجيا يستدلون على البترول في الأرض بظاهر طبقات الأرض. وقسم شركي محرم: وهو الاستعانة بالجن؛ لأن الجن عندهم قدرة على الغوص في طبقات الأرض، فإذا استعان بهم الإنسان المشرك قدموا له خدمة، وأروه أين الماء، فيأتي إلى الناس ويحدثهم ويقول: احفروا في هذا المكان، احفروا عشرة أمتار، تجد مترين طيناً، وبعد ذلك مترين يأتيك (جرشة) الحمرة، وبعد ذلك مترين يأتيك صلب وحجر يحتاج إلى دينميت، وبعد ذلك تلقى بعده (جرشة) بيضاء تختلف وبعده يأتيك الماء، أبشر بالماء، من علمه؟ هو يقول: أرى فوق وتحت الأرض. لا. ما ترى كذباً في كذب، هذا الجني أراك واستعنت به، وهذا شرك ولا يجوز تصديقه.

حكم استعمال المنشطات في العمل

حكم استعمال المنشطات في العمل Q أبي يستخدم حبوب منشطة ليسعى في طلب الرزق، وأنا شاب ملتزم، هل يجوز أن آكل معه من طعامه؟ A هذه الحبوب المنشطة هي من المخدرات؛ لأنها تبعث في الإنسان النشاط لكن على حساب الصحة، وهي جزء من المخدرات وهي محرمة ولا يجوز تعاطيها. أما والدك فعليك أن تنصحه، وإذا لم ينتصح وأنت محتاج إلى أن تأكل من أكله فإن أكله الذي يأتي به حلال؛ لأنه من طريق الكد والتعب، لكن تناوله للحرام حرام هو عليه، ولا ينقلب وينسحب عليك أنت، فعليك أن تناصحه وتبين له أن هذا حرام ونسأل الله أن يتوب عليه.

حكم لبس خاتم الفضة للرجال

حكم لبس خاتم الفضة للرجال Q هل يوجد وزن معين لا يمكن تجاوزه في لبس الخواتم الفضية بالنسبة للرجال؟ A الخاتم بالنسبة للرجل ليس ضرورياً وإنما عند الحاجة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً بعد أن كاتب الملوك، فقالوا له: إن الملوك لا يقبلون الرسائل إلا بختوم، فاتخد خاتماً كتب عليه (محمد رسول الله) فإذا كنت عمدة أو قاضٍ أو لك مكانة تحتاج فيها إلى ختم، والختم تريده في الخاتم، لا بأس، ولا مانع، وإذا كان ليس له ضرورة فلا داعي له، بعض الناس يتخذ الخاتم للتزين والتجمل، وهذا منهي عنه؛ لأن جمال الرجل ليس في خاتمه ولا في أصابعه، جمال الرجل في رجولته وشجاعته ومروءته ودينه، أما إذا اتخذ الجمال في الخاتم والسلاسل والحمرة فما بقي إلا أن نلبسه لبس النساء ويتحول إلى امرأة، ونبحث له عن رجل يتزوج به. أما الوزن فقد حدده النبي صلى الله عليه وسلم، قال للرجل: (خذ خاتماً من فضة ولا تتمه مثقالاً) والمثقال بالوزن (4. 2) فإذا كان في هذا الحدود فلا بأس، وبعضهم يلبس خاتماً كبيراً ولو وزنته لكان عشرة أو عشرين جراماً، بل بعضهم يضارب به، يتخذه ويقول: من أجل أن أضارب به.

حكم سب الله ورسوله ودينه

حكم سب الله ورسوله ودينه Q شخص سب الدين عند تعرضه لموقفٍ من المواقف، فهل يخرج من الملة مع أنه من غير قصد؟ A سب الدين على ثلاثة أنواع: إما سب الدين، أو سب الرسول، أو سب الله سبحانه وتعالى، فإن كان السب لله أو للدين فإنه يكفر، وإذا تاب تاب الله عليه، وكذلك إذا سب الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه يكفر ولكن إذا عرف عنه فإنه يتوب إذا تاب الله عليه لكن لا بد من قطع رأسه، وإقامة الحد عليه وتنظيف الأرض منه، انظروا إذا سب الله وتاب أمام القاضي، يعزره تعزير إما بسجن أو ضرب لكن لا يقتله، أما شخصية الرسول إذا سبت قتل، لماذا؟ قد يقول شخص سب الله أعظم من سب الرسول؟ لا. ليس أعظم، لأن مقام الله سبحانه وتعالى أرفع من أن يناله شيء من سب الذي سبه، ولكن مقام الرسول صلى الله عليه وسلم يمكن أن يناله شيء، ولهذا يقطع رأسه حتى لا يتعرض أحد لشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم بأي أذى. وهذا مقرر في كتب الفقه.

حكم قول: (إن شاء الله)

حكم قول: (إن شاء الله) Q شخص قال لصديقه: هيا إلى الصلاة، فرد عليه: إن شاء الله، فقال الداعي إلى الصلاة: هذه لا تحتاج إلى إن شاء الله، فما الحكم مع أن الداعي إلى الصلاة يقصد الخير ونيته زيادة عزم الشخص الآخر؟ A لا شيء فيها إذا كان يقول: إن شاء الله، أي: أقوم، فلا شيء يتم إلا بمشيئة الله، أما إن كان يقول إن شاء الله على سبيل التهاون أو الاستهزاء، فهذا لا يجوز وهذا حرام والعياذ بالله.

حكم الدعاء على الأولاد عند الغضب

حكم الدعاء على الأولاد عند الغضب Q أرجو توجيه كلمة إلى الأخوات في الله، في الأمور التالية: هناك بعض النساء عندما تغضب على أولادها تدعو عليهم، مثل: الله يأخذ عمرك، ويريحني منك، الله لا يوفقك، وقد يصل الأمر إلى اللعن، وعندما ينصحون يقولون: هذا ليس من القلب؟ A هذا من الأخطاء سواءً عند النساء أو عند الرجال، ولهذا جاء النهي يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يلعن أو يسب أو يدعو أحد على ولده فقد توافق ساعة إجابة) نحن نعرف أن الأم حين تدعو على ولدها ليس من قلبها، وكذلك الأب حينما يدعو على ولده ليس من قلبه، لكن إذا دعت عليهم ووافقت ساعة إجابة استجاب الله، وبالتالي من المتضرر؟ أنت، فلا تقل: الله يأخذ عمرك، تقول: الله يهديك، الله يصلحك، الله يوفقك، خير من أن تقول: يأخذ عمرك، الله يجعلها في وجهك، الله ينتقم منك، لماذا؟ ليست دعوة واحدة، لكن بعض الناس لا يبرد قلبه حتى يدعو عليهم، يقول: الله يهديك، لا الله لا يهديك، لماذا الله لا يهديه؟ هل هدفك أن الله لا يهديه؟ لا. فالكلمة الطيبة أحسن من الكلمة السيئة، ولذا عود نفسك -يا أخي- أنك لا تدعو على أحد من أولادك أو مالك أو شيء آخر، وأذكر أني ذكرت لكم القصة التي أنا أعرف صاحبها: هذا رجل كان نائماً في فراشه وولده نائم، وبعد ذلك طرأ عند ولده فكرة أن يخرج، يأخذ له دورة بعد المذاكرة، فجاء إلى والده، الولد طيب ولا يخرج إلا بإذن، فجاء إلى أبيه وقال: يا أبت! نفسي ضيقة أريد أن أدور كذا، فمن شفقة الأب على الولد ومن حرصه عليه قال له: لا يا ولدي الساعة الآن الثانية عشر، اذهب ونم، فرجع الولد غضبان، وذهب إلى أمه، وطلب منها الشفاعة، فجاءت الأم تشفع عند الأب، وأصروا عليه حتى وافق لكن قال كلمة، قال: اذهب الله لا يردك. وكأن الكلمة هذه وافقت وقت إجابة، وذهب الولد وركب سيارته ودار دورة وفي إحدى التقاطعات اصطدم بسيارة، وقطعته قطعاً حتى مات، وجلس الأب والأم في البيت ينتظرون، ومرت ساعة وساعتان وثلاث وما جاءهم النوم، أذّن الفجر وخرج يصلي، رجع من المسجد إلى البيت ما جاء الولد، طلعت الشمس، ذهب إلى الشرطة يسأل: هل حصل شي؟ قالوا: هناك حوادث، دعه يذهب إلى المستشفى ينظر، فذهب إلى المستشفى ففتحوا الثلاجة فوجد ولده آخر واحد وضع في الموتى، فعرفه بثيابه التي خرج وهي عليه، وندم لكن حين لا ينفع الندم، يقول: أتمنى أن الشوكة التي في رجله هي في عيني، وما أنا صادق عندما قلت له: الله لا يردك، لكن من باب الغضب، وكان الأولى بأن يقول: حسناً اذهب الله يسهل أمرك، الله ييسر لك، الله يرجعك، أحسن من الله لا يردك.

حكم الكذب على الأطفال

حكم الكذب على الأطفال Q من المشاكل التي تقع فيها بعض النساء الكذب على الأطفال للتخلص من بعض طلباتهم؟ A هذا من وسائل التربية الغير مجدية؛ لأن القدوة من أهم أسس التربية، إذا كانت الأم تقول للولد: لا تكذب وهي تكذب يصبح كذاباً، وإذا قالت: لا تسرق وهي تسرق يصبح سارقاً، وإذا قالت: لا تلعن وهي تعلن يصبح لعاناً، وإذا قالت صل وهي لا تصلي لا يصلي، التربية بالقدوة من أهم أنواع التربية، فلماذا تكذبين على الولد؟ كوني صريحةً دائماً، وعلمي الولد الصراحة والصدق؛ لأنك إذا علمته الصدق صار صادقاً، ولا تتخلصين بالكذب، وإنما تخلصي منه بالأسلوب الجاد والصادق والإقناع، أو لبي الطلبات إذا كنت تستطيعين.

حكم وضع الطعام في القمامة

حكم وضع الطعام في القمامة Q من الأخطاء عند بعض النساء: أنهن يضعن بقية الطعام في القمامة، وبعضهن تضعه حتى مع حفاظات الأولاد؟ A هذه معضلة اجتماعية ومشكلة خطيرة تنذر بغضب الله وسخطه؛ لأن الله عز وجل غيور على هذه النعم، ونحن وإن كنا في نعمة لا نشعر بها، لكن غيرنا يتمنى أن يعيش على ما في القمائم التي نضعها في الزبالات، وما من بيت يوضع فيه طعام من بيوتنا إلا وما يُترك بعد الأكل أكثر مما أكل، يكسر القرص ويأخذ منه نصفه والباقي يترك، وتفتح التفاحة ويأخذ منه شقرة والباقي يترك، واللحم يأخذ جزءاً ويترك مثله، والرز يأكل من الطرف والباقي يترك، والإدام يأكل نصف الصحن ويبقى النصف، والباقي أين يذهب؟ بدل أن يقدم في السفرة القدر المطلوب، لا. لا بد أن يزيد أي: يشبعون فوق هذا والباقي يرمونه في الزبالة، ولهذا ترون الآن ما من بيت ولا شقة إلا وعنده في كل يوم قمامة، رز ولحم وإدام وعيش، كما يقول أحدهم: ضاع المسلم بين الزنبيل والقمامة، يرفع زنبيلاً وينزل قمامة، أحدهم كانت امرأته تقول له دائماً: هات وهات، قالت: وكان كل يوم يقول لي: وأنتِ هات هات، ما قلت لي في يوم من الأيام: خذ، قالت: خذ القمامة وأنزلها. أما وضع القمامة ووضع الحفاظات مع النعمة فهذه كارثة، يجب أن توضع الحفاظات في سلة مستقلة وتوضع بعيده عن الطعام؛ لأن هذا إهانة، ولا يوضع في القمامة شيء من الطعام، القرص أو العيش أو الإدام أو الرز يوضع في أوانٍ، ويجعل في الثلاجة، وإذا كان هناك أناس من الفقراء والمساكين يعطى إياه وإذا ما وجد فقراء ومساكين يحمل هذا كله ويخرج إلى البادية أو الصحراء أو إلى مكان بعيد، فيضعه هناك لتأكله الطير، والأفضل من هذا كله أن تكون المرأة ذات عقل وذات تدبير، بحيث إذا جاءت تطبخ طبخت بالقدر الذي يكفي الأسرة فقط، بل يقومون وهم جائعون، لأن أفضل طعام وأبرك طعام هو الطعام الذي ينتهي قبل أن تشبع، ولهذا جاءت السنة بلعق الإناء، ما معنى لعق الإناء؟ أي: أنه لعق الطعام، لكن من منا يلعق الإناء، سوف تنفطر بطنك إذا لعقت الإناء؛ لأن الإناء ممتلئ.

حكم ترك النساء قراءة القرآن

حكم ترك النساء قراءة القرآن Q عدم قراءة القرآن من قبل بعض النساء بحجة أن الوقت لا يكفي وأن هناك مشاغل؟ A من الأسوأ ما يمكن أن تجد المرأة لكل شيء وقت إلا القرآن لا تجد له وقتاً، وهذا من ضعف دينها، ومن هزال إيمانها، عندها وقت لكل شيء، حتى المسلسلات لها وقت في برنامجها، والتزين له وقت، والطبيخ له وقت، والحدائق لها وقت، والملاهي لها وقت، حسناً والقرآن ليس له وقت؟ لأنه أصلاً لا يوجد عندك إيمان قوي، لا. القرآن مهم، ولا بد أن يكون لها ورد معين من كتاب الله، وأفضل الأوقات بعد الفجر أو بعد المغرب، أو عند النوم أو بعد العصر، حسب ظروف المرأة، وإذا التحقت بإحدى مدارس القرآن لتعلم كتاب الله وحفظه، فهذا من أفضل ما يمكن.

حكم دخول الحائض إلى المسجد

حكم دخول الحائض إلى المسجد Q هل يجوز دخول المرأة وهي حائض إلى المسجد أو المرور به؟ A لا يجوز لها أن تدخل المسجد، وإذا كانت حائضاً والمسجد فيه مدرسة لا تأتِ المدرسة؛ لأن الشارع أمرها باجتناب المساجد.

كفارة اليمين

كفارة اليمين Q حلفت بالله ألا أكمل الدراسة بعد تخرجي من الجامعة، ولكن بعد فترة عدت وأكملت الدراسة ما الحكم؟ وما هي الكفارة؟ A كفارة الحلف، تخرجت من الجامعة وأنت لا تعرف كفارة الحلف! أي جامعة هذه التي تخرجت منها، معنى جامعي أي: الذي جمع العلوم كلها، وإلى الآن لا تعرف كفارة اليمين، كفارة اليمين: أن تطعم عشرة مساكين، أو تعتق رقبة، أو تكسو عشرة مساكين، إذا لم تجد هذه ولا تلك كلها فإنك تصوم ثلاثة أيام. والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإصرار على المعاصي

الإصرار على المعاصي تحدث الشيخ عن طلب العلم مبيناً أنه نوعان: علم شرعي وهو علم الكتاب والسنة، وعلم دنيوي تندرج تحته بقية العلوم، وقد أوضح خلال هذا فرضية العلم الشرعي، ثم ضرب أمثلة تتناول سعي من سبقونا في طلب العلم وحرصهم على ذلك، مسهباً في الحديث عن سوء الخاتمة، وموضحاً علاقة الإصرار على المعاصي بها.

أهمية طلب العلم وتحصيله

أهمية طلب العلم وتحصيله الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: طلب العلم الشرعي -علم الكتاب والسنة- فريضة من فرائض الدين، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) وليس في الحديث مسلمة، ولكنها تدخل ضمن المعنى؛ لأن كل تكاليف الشرع موجهة إلى الرجل والمرأة ما لم يختص الرجل بحكم وتختص المرأة بحكم، وإلا فإن الأصل أن كل تكاليف الشرع موجهة إلى الإنسان بجنسيه: الذكر والأنثى. فالعلم المفروض هو قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن العلم ينقسم إلى قسمين من حيث هو فريضة: فرض عيني، وفرض كفائي. فالفرض العيني هو علم القرآن والسنة مما يتعلق بعبادة الإنسان وعقيدته وسلوكه، فهذا لا يعذر بجهله أحد وإنما يجب عليه شرعاً أن يتعلم ذلك. أما الفرض الكفائي فهو بقية العلوم -أي: علوم الإنسان التجريبية- كالطب والهندسة والكيمياء والفيزياء وجميع هذه العلوم. فليس مفروضاً على كل مسلم أن يكون طبيباً أو مهندساً، ولكنه فرض كفائي يجب على الأمة في العلوم، فإذا قامت به بعض الأمة سقطت العهدة عن البقية، إذ ينبغي ويجب أن يكون في المجتمع المسلم أطباء ومهندسون وعلماء في كل مجالات الحياة، حتى يعمروا هذه الحياة عمارة حقيقية، ويكونوا خلفاء لله في أرضه؛ لأن الدين يشمل وينتظم كل مصالح الدنيا والآخرة، وسعي الناس في طلب العلم -والحمد لله- خاصة الشباب منهم في هذا الزمن، الذين نسأل الله عز وجل أن يوفقهم ويثبتنا وإياهم، ويبصرهم في دينه، فإن حرصهم على حضور حلقات العلم هو قيام بالواجب، وليس في ذلك شك؛ لأنهم يؤدون فريضة الله، وهي ظاهرة تدل على الصحوة الإيمانية التي يشعرون بها، نسأل الله أن يزيدهم توفيقاً وهداية وثباتاً. ولا نريد أن نبالغ إذا قلنا: إن الشباب في خير؛ حتى لا يحصل لهم شيء من الغرور، ويظنون أنهم قد قاموا بالواجب على أكمله؛ لأن الدارس لسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة السلف رضي الله عنهم، ورؤيته للجهد الجهيد والمعاناة التي كان يشاهدها ويلاقيها السلف في سبيل تحصيل العلم، يرى في ذلك أنه لا نسبة ولا تناسب بيننا وبينهم؛ لأنهم كانوا يقطعون الفيافي والقفار والمدن والشهور في سبيل تحصيل العلم.

موسى عليه السلام وحرصه على طلب العلم

موسى عليه السلام وحرصه على طلب العلم موسى عليه السلام لما وقف خطيباً في بني إسرائيل وقال: إنه لا يعلم في الأرض أعلم منه، ولم يستثن ويقول: إلا الله، فأراد الله أن يخبره أن في الأرض من هو أعلم منه، فأوحى إليه أن هناك عبداً صالحاً آتاه الله علماً، وأنه يسكن في مجمع البحرين؛ ومجمع البحرين في نهاية قارة إفريقيا في الشمال الغربي منها، عند التقاء البحر الأبيض المتوسط مع المحيط الأطلسي في مضيق جبل طارق، في أرض المغرب في مدينة اسمها طنجة، أي عند التقاء المحيط الأطلسي مع البحر الأبيض المتوسط، في المضيق الذي يسمونه الآن: مضيق طارق، ليس طارق عبد الحكيم؛ لأن بعض الناس لا يتصور إلا هذا الاسم، وإذا قلت له: محمد عبد الوهاب، لم يخطر في ذهنهم إلا الموسيقار، لا يعرفون أنه يوجد شخص اسمه محمد بن عبد الوهاب؛ الإمام المجدد الذي دعا إلى دعوة التوحيد، والذي قامت على دعوته هذه الدولة، والذي نظف وطهر الله بدعوته هذه الجزيرة العربية من أدران الشرك، بعد أن كان الشرك مهيمناً ومخيماً عليها، لدرجة أنهم في نجد كانت المرأة التي لا تحمل تأتي إلى عذق النخل وتقول له: يا فحل الفحول! أعطني بعلاً قبل الحول. وكان يطاف بقبر زيد بن الخطاب في اليمامة كما يطاف بالكعبة، ولكن بأثر دعوة هذا الشيخ المبارك، ثم بتعاون أسرة آل سعود مع الشيخ في أول الدعوة، وكان لهذا الأثر قيام التوحيد، ومن ثمرة التوحيد هذه الدولة الموحدة إن شاء الله. أكثر الناس يجهل محمد بن عبد الوهاب وغيره من الأعلام، ولا يعرف إلا الأسماء التي يسمعها في الليل والنهار عن المغنين. المضيق هذا اسمه مضيق طارق بن زياد، وهو فاتحٌ وقائدٌ إسلامي عظيم، فتح الأرض حتى وصل إلى أسبانيا عبر المضيق وأحرق السفن، وقال للجيش: البحر من ورائكم والعدو من أمامكم، فاقتحموا وفتحوا بلاد أسبانيا وجزءاً من بلاد فرنسا، يوم أن كانت راية الإسلام مرفوعة وعلم الجهاد عالياً. أخبر الله موسى أن هناك عبداً صالحاً أعلم منه، فقطع المسافة من بلاد فلسطين حتى مغرب الشمس. انظروا! يقطع الطور ويأتي إلى مصر ويعبرها إلى ليبيا وتونس والجزائر ثم المغرب، كل هذا على قدمه، وليس معه شيء إلا غلامه وهو يوشع بن نون، وهم يعبرون الطريق في سبيل تحصيل العلم؛ من أجل أن يقف على عالم يأخذ منه علماً، فلما وجده قال: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً} [الكهف:66] الغرض من الرحلة الطويلة أنه يتعلم منه، فقال له الخضر عليه السلام: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف:67] فالعلم يحتاج إلى صبر، ومن لم يصبر لا يتعلم. والصبر أنواع عدة: صبر في الطلب، والأدب، والأداء، والحفظ، والمجالسة؛ لأن مجالس الذكر تطول وتكثر عليك، فلا بد من الصبر والتحصيل والحفظ. {قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف:67] {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً} [الكهف:69] قال: من أول الآداب أن تمشي ولا تسأل، أي: لاحظ وارصد، لكن لا تسأل {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً * فَانْطَلَقَا} [الكهف:70 - 71]. وعبر الرحلة كانت هناك ثلاثة مشاهد، تستوجب من موسى عليه السلام أن يسأل عنها؛ لأنها أشياء في ظاهرها الإفساد وعدم التعقل: المشهد الأول: عندما ركب السفينة خرقها، والخرق تدمير وتخريب، وموسى نبيٌ مرسل للإصلاح ومحاربة الإفساد، فلم يصبر على الذي يراه السفينة تُخرق، والماء قد يدخل وتغرق السفينة، فقال للخضر: {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً} [الكهف:71] فكان الجواب مباشرة أن قال له الشرط: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً * فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً فَقَتَلَهُ} [الكهف:72 - 74]. المشهد الثاني: دخلا مدينة، فوجدا غلاماً يلعب مع الأطفال فلحقه الخضر وأمسكه بإحدى يديه ورأسه بيده الأخرى ثم قطع رأسه، فاستنكر موسى هذا الأمر؛ لأنه قتل للنفس بغير حق، وقال: {أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً} [الكهف:74] في الآية السابقة قال: {شَيْئاً إِمْراً} [الكهف:71] أي: يدعو إلى العجب؛ الناس يركبونك في السفينة وأنت تخرقها، ولكن هنا لم يقل له: (شَيْئاً إِمْراً) ولكن قال له: (شَيْئاً نُكْراً)، أي: أمر منكر لا يمكن أن أسكت عليه، فقال: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ} [الكهف:75] ففي الآية السابقة قال: {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ} [الكهف:72] لكن في المرة الثانية: (أَلَمْ أَقُلْ لَكَ) وهذه فيها زيادةٌ توبيخ {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي} [الكهف:76] أي: أعطني فرصة أخيرة ومحاولة ثالثة وأخيرة: {قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً} [الكهف:76]. المشهد الثالث: {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا} [الكهف:77] عندما وصلوا إلى القرية لم يضيفوهما، وطلبوا من أهلها الطعام فلم يطعموهما، ثم وجد الخضر جداراً يريد أن ينقض فقال لموسى: دعنا نبني هذا الجدار، قال موسى: سبحان الله! كيف يطردونا ولا يطعمونا وأنت تبني لهم جداراً دون مقابل، على الأقل خذ عليه أجراً {قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً * قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف:77 - 78] أنت لا تصلح لطلب العلم، فالعلم يريد صبراً {سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} [الكهف:78] ثم ذكر له القصة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رحم الله أخي موسى، لو صبر لأرانا من عجائب علم الله عند الخضر عليه السلام) لأن الله قال: {عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً} [الكهف:65] علم لدني أي: من الله تبارك وتعالى أطلعه الله عليه، ففاصله بعد أن أخبره الخبر، ويوم أن أراد أن يعود ليودعه كان في المحيط الأطلسي طائر ينقر في المحيط، ويأخذ بمنقاره نقطة من الماء، قال الخضر: أترى هذا يا موسى؟ قال: نعم. قال: هل ينقص هذا المنقار من هذا المحيط شيئاً؟ قال: لا. قال: والله ما علمي وعلمك في علم الله إلا كما ينقص هذا العصفور من هذا المحيط {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً} [طه:98] {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ} [سبأ:3] ويعلم كل ورقة، {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} [الرعد:8] سبحانه لا إله إلا هو! يسمع دبيب النملة السوداء، في الليلة الظلماء، على الصخرة الصماء. وقطع الرحلة موسى عليه السلام وعاد، وهذا كله في سبيل تحصيل العلم.

السلف وطلب العلم

السلف وطلب العلم كان سلف هذه الأمة يقطعون المسافات الطويلة في سبيل تحصيل العلم، وما هذه الآثار العظيمة التي بين أيدينا من كتب وتفاسير ومصنفات وشروحات إ لا نتيجة تحصيل السلف للعلم، حتى إننا نعجز عن عَدِّ أسمائها ومعرفتها فضلاً عن قراءة ما فيها، ومن الناس من عنده كتباً لم يقرأها أبداً، بل من الناس من لا يعرف بعض أسماء الكتب لبعض المؤلفين الكبار. إذاً: هذه العلوم والثروة العظيمة كانت ببركة الصبر والسعي والجهد والتحصيل العلمي لإرضاء الله عز وجل، لم يدرسوا العلم من أجل الشهادات كما هو الآن في غالب أحوال الناس من طلب العلم للحصول على المؤهل، فإذا حصل على الشهادة نسي العلم كله. ولهذا لو سألت الطالب الذي يختبر اليوم في مادة التوحيد وعنده بعد يومين مادة التفسير، تعال واسأله بعد أن يخرج من التفسير عن التوحيد الذي دخله قبل يومين، يقول: والله قد نسيت، أين علمك عن التوحيد؟ قال: وضعته في الورقة. فالهدف من تحصيله للعلم أنه يقدم للامتحان، بينما السلف هدفهم العلم لوجه الله عز وجل. يروى عن الإمام أحمد إمام أهل السنة رضي الله عنه وأرضاه أنه كان يحفظ ألف ألف حديث، أي مليون حديث بأسانيدها، وأنه أشكل عليه رجل في سند حديث، فسأل عنه فقيل له: إنه عند عبد الرزاق الصنعاني، صاحب المصنف، وكان يسكن في صنعاء بـ اليمن، وكان الإمام أحمد يسكن في بغداد بـ العراق، فرحل من بغداد إلى اليمن، يريد أن يأخذ السند. وكان معه في الرحلة يحيى بن معين، ومرا في طريقهما إلى اليمن بـ مكة فحجا، ولما كانا يطوفان بالبيت رأيا عبد الرزاق الصنعاني، قد جاء من اليمن للحج، وكان يحيى بن معين يعرف عبد الرزاق، فسلم عليه بعد أن طاف، وقال للإمام أحمد: يا أبا عبد الله! قد كفيت مسيرة شهر ومؤنتها، يقول: وفر الله عز وجل عليك مسيرة شهر إلى اليمن وأيضاً النفقة فيها؛ لأنها على حسابهم بدون انتداب، وبدون مؤنة، وكانت وسائل النقل في ذلك الوقت الحمير، لا يوجد عندهم سيارات ولا طائرات؛ يمشون على أقدامهم في الحر والقر والبرد والجوع والخوف! وفي سبيل العلم يقطعون كل هذه المسافات، فقال يحيى بن معين للإمام أبي عبد الله: لم لا نسأله الآن؟ قال الإمام أحمد: والله لا نرجع عن النية التي قد أردناها لوجه الله، والله لا آخذ هذا الحديث إلا في صنعاء، لأنني خرجت من هناك لوجه الله، فلا أريد أن أعطل نيتي بطلب العلم، ولا أبد أن أرحل. ولكن من الناس اليوم من تكون الندوة بجوار بيته، والعالم يأتي إلى قريته، ثم لا يأتي للصلاة؛ لأن المحدث سوف يؤخره نصف ساعة أو ساعة، وبعضهم يأتي يصلي فإذا قام المحدث أو العالم أو طالب العلم يذكر خرج وتركه والعياذ بالله، ربما كانت الحلقة العلمية موجودة في أبها في مسجد الشيخ عائض أو أحمد بن حسن ولكنه لا يحرص على الحضور إليها، وكيف يريد هذا الإنسان أن يرزق العلم، ويؤتى الإيمان، وتحل البركة وهو معرض مدبر عن الله عز وجل! إن أقصى درجاتك أن تحرص على طلب العلم على الأقل بدون شد رحال، فكيف إذا كنت في مدينة تقام فيها ندوات ولا تحضرها؟! أجل. كيف تريد أن تهتدي؟!

عظم أجر طالب العلم

عظم أجر طالب العلم روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، والحديث طويل وسوف أذكره بطوله لأخذ الشاهد منه، قال: قال عليه الصلاة والسلام: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة) انظروا إلى جزالة الأحاديث، وعظمة البلاغة النبوية صلوات الله وسلامه عليه. يقول: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة -هذا الشاهد- وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة). انظر الفرق بين النزول والغشيان، النزول يقول العلماء: يكون على موضع، أما الغشيان فيكون على العموم، فتنزل السكينة على موضع، أين تنزل السكينة؟ في القلوب (إلا نزلت عليهم) أي: على قلوبهم، (السكينة) وهي ضد القلق، والتبرم والتضجر والحرج، و (غشيتهم) أي: تغشى الموجودين، حتى الذي ما نزلت عليه السكينة في قلبه تنزل عليه الرحمة، ولو كان قلبه ليس خاشعاً كأن يكون ليس من أهل الذكر أو المجلس، أو مر لغرض وسمع الصلاة قامت وجاء يصلي، لكنه يدخل معهم في الرحمة؛ لأنهم (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) (وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده). ثم قال عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث: (ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) أي: وسائل النقل التي يعبر عليها الناس يوم القيامة هي العمل، أما النسب فلا يسرع ولو كنت ابن الملك أو ابن الأمير أو ابن الوزير أو ابن أي شخصية في الدنيا وما عندك عمل والله لا تمشي على الصراط خطوة واحدة، ولا ينفعك في القبر لا ملك ولا مال ولا جاه ولا سلطان ولا نسب ولا أي شيء من مقومات الدنيا، لكن تأتي وعندك إيمان قوي، ولو كنت ابن أوضع إنسان فإن الله تبارك وتعالى يقول: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]. الوسائل التي يقطع بها الناس الأهوال يوم القيامة هي وسائل الإيمان، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ فاطمة: (يا فاطمة! لا أغني عنك من الله شيئاً لا يأتيني الناس يوم القيامة بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم) لا ينفع النسب يوم القيامة، فالله تعالى يقول: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [المؤمنون:102] أي: بالإيمان والعمل الصالح {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:102 - 108] لا يوجد مراجعة، ولا فرصة، ولا يوجد دور آخر {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً} [المؤمنون:109 - 110] أي: هزءاً {حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي} [المؤمنون:110] اشتغلتم بهم وسخرتم منهم حتى نسيتم ذكر الله عز وجل، وجعلتم هؤلاء هم شغلكم الشاغل {وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ * قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ} [المؤمنون:110 - 112] يسأل أهل النار الذين ضيعوا وفرطوا فيقول لهم: كم لبثتم في الأرض عدد سنين حتى صعب عليكم العمل الصالح؟ قالوا: {لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [الكهف:19] ليسوا متأكدين هل هو يوم كامل أم لا؟ لأنهم قارنوا مدة بقائهم في الدنيا مع مدة بقائهم في عرصات القيامة؛ فوجدوا أن عمرهم الطويل الذي هو ستين أو سبعين أو ثمانين لا يساوي جزءاً من يوم القيامة {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً} [المؤمنون:113 - 114] والله ما عشتم إلا قليلاً في هذه الدنيا {لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ * وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون:114 - 118].

أسباب سوء الخاتمة

أسباب سوء الخاتمة إن أسباب سوء الخاتمة كثيرة:

استحواذ الشيطان على الإنسان

استحواذ الشيطان على الإنسان من أسباب سوء الخاتمة: هيمنة الشيطان وسيطرته وغلبته، واستحواذه على الإنسان، فإنه عند الموت يكون ضعيفاً والشيطان يضله والعياذ بالله ولا يثبته الله، ولهذا إذا أردت أن تكون قوياً عند الموت فكن قوياً على الشيطان الآن، أما إذا ضعفت أمام شهواتك، ومغريات الشيطان وخدعه، فاعلم أنك ستكون أضعف عند الموت.

فساد العقيدة

فساد العقيدة من أسباب سوء الخاتمة: فساد العقيدة، وخراب التوحيد، حيث إن التوحيد يهتز عند الأحداث، وأعظم حدث يمر على الإنسان هو الموت، فإذا كانت عقيدته فاسدة، فإنه يهتز ولا يثبت، ومن صور الشرك: دعوة غير الله، والذهاب إلى الكهنة والمشعوذين، وتصديق العرافين، ودعاء الجن. ما شاع الآن وانتشر بين صفوف المثقفين الذين يقرءون المجلات والصحف التي فيها شركيات على هيئة أعمدة توضع في هذه المجلات، اسمها: حظك هذا الشهر، وهذه كهانة وعرافة لكن من شكل جديد، أي: متحضرة ومتطورة. وصورتها: أن يأتي بالأبراج، ويقول لك: يأتيك في هذا الشهر كذا ويحصل لك كذا وتهدى لك هدية تعاني من مرض كذا حتى إني قرأت مجلة فيها: إذا كان عمرك ستين عاماً فإنك سوف تعاني من آلام (الروماتيزم) هذا الشهر، طبيعي فالذي عمره ستين يأتيه (الروماتيزم) كل يوم في هذا الشهر وفي غيره. ومن يستدل على الأحداث بما يقع بالنجوم من القوس وزحل والعقرب والسرطان والأسد والسنبلة هذه كهانة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد) وفي بعض ألفاظ الحديث: (من أتى كاهناً فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين نهاراً). فينبغي للمسلم أن يتجنب هذه الخرافات والخزعبلات، وألا يقرأها وألا يدخل هذه المجلات بيته؛ لأنه لو أدخلها، وقرأها الأطفال والنساء فسدت عقائدهم. وبعض البنات لا تقرأ في الجريدة إلا هذه الأشياء؛ لأنها خاوية من العقيدة، والولد عندما يرى حظه يعيش على الخرافات والخزعبلات، بينما النجوم هذه ليس لها علم ولا تأثير على ما يدور في أرض الله بقضاء الله وقدره؛ فالنجوم زينة، والله تعالى يقول: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ} [النحل:16] وذكر أنها زينة للسماء، ويقول الشاعر القحطاني: أما النجوم فقد خلقن زينة للسما كالدر فوق ترائب النسوان فهي زينة للسماء، وليس لها أي تأثير على قضاء الله وقدره، بل كل ما يقضي الله عز وجل ويقدر على عباده بمشيئته تبارك وتعالى وعلمه، ولا علاقة للنجوم بذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كذب المنجمون ولو صدقوا) يأتي الشخص إلى الكاهن، فيقول: نجمك أنت القوس، قال: ماذا؟ قال: تقيس ولا تنقاس. يعني: تقيس الناس ولا أحد يقيسك. وهذا القوس واحد من اثني عشر برجاً، وكثير من الناس على القوس هذا، يعني: هؤلاء كلهم يقيسون ولا أحد يقيسهم! هذا كذب. وشخص آخر يقال له: أنت نجمك الجدي، قال: ماذا؟ قال: في كل شيء هدي. انظر كيف التلفيق والسجع، من أجل أن يضلل الناس والعياذ بالله. وآخر: وأنت نجمك الثور، حراث وراث تحب البلاد، الآن لا يوجد حراث وراث ولا عندنا شيء من هذا الكلام كله. وهذا يأتي على ألسنة الكهنة والمشعوذين، ولا ينبغي للمسلم أن يصدق هذا، ومن صدق فقد كفر والعياذ بالله!

الإصرار على المعاصي

الإصرار على المعاصي من أسباب سوء الخاتمة: الإصرار على المعاصي. هذا سبب من أسباب سوء الخاتمة، الذي يعرف أن هذه معصية، ويعرف حكم الشرع فيها، ثم يتجاهل أمر الله فيها، وهو مصر على المعاصي، كمن يعلم أن الغناء حرام، وقد سمع في الخطب والمواعظ والأشرطة أنه حرام، لكن لا يرتاح إلا عندما يغني، كأنه يعاند خالقه! كأنه يعاند رسول الله صلى الله عليه وسلم! أنت عبد مأمور، والله عز وجل أخبرك على لسان الرسول في القرآن والأدلة النبوية الثابتة: إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل، وأنه لا يجتمع حب القرآن وحب الغناء في قلب مؤمن، وفي الحديث في البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: (ليكونن أقوام في من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) الحر: الزنا، والحرير: الملابس الحريرية، والخمر معروفة، والمعازف الآلات من اللهو والطرب. وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام، والحديث حسن ولكنه غريب عند الترمذي وفي غرابته ضعف، قال عليه الصلاة والسلام: (إذا عملت أمتي خمس عشرة خصلة حلَّ بها البلاء، وأصابتها ريح حمراء، وزلزلة وخسف ومسخ: إذا كان المغنم دولا، والزكاة مغرماً، والأمانة مغنماً، وأطاع الرجل زوجته، وعق أمه، وأدنى صديقه، وأقصى أباه، وتعلم العلم لغير الدين، وظهرت المعازف والقينات، ولعن آخر هذه الأمة أولها، وأكرم الرجل مخافة شره، وكان زعيم القوم أرذلهم -إلى آخره- قال: فلينتظروا عند ذلك ريحاً حمراء، وزلزلة وخسفاً ومسخاً) الشاهد من الحديث: ظهور القينات والمعازف، واشتغال غالب الناس بهذا المرض، حتى غزا كل بيت، ودخل كل صدر، ولم يسلم منه حتى البدوي في شعث الجبال ووهاج الصحراء، فالرجل والمرأة والكبير والصغير يغنون؛ ينامون على الغناء ويستيقظون على الغناء، ويخرجون بالسيارات يغنون، وفي الرحلات يغنون، وفي كل أمرهم يغنون، حتى لو عرضت على الناس اليوم مقطعاً من أغنية، وجئت بعازف وقلت له: اعزف طرفاً من هذه الأغنية، واسأل الناس: ما هي هذه الأغنية، والذي يعرف نعطيه مائة ريال؟ لامتدت إليك الأيادي كلها، هذه أغنية فلان، تسألهم من ملحن الأغنية؟ قالوا: فلان، ومن واضع كلماتها؟ قالوا: فلان، الله أكبر!! ثقافة موسيقية متناهية. لكن لو جئت بآية من كلام الله عند أمة القرآن، وقلت: هذه الآية في أي سورة، والذي يعرفها نعطيه جائزة مائة ريال؟ لجلس الناس يتلفتون، أما فيكم (مطوع) يجيب؟ هل هناك شخص يحفظ القرآن؟ طيب وأنت؟ ألست مطوعاً؟ لكن مطوع لإبليس! المطوع من أطاع الله، أحد الإخوة يقول: الناس كلهم مطاوعة، لكن هناك مطاوعة لله وهناك مطاوعة للشيطان؛ أناس أطاعوا الله فهم مطاوعة الرحمن، وأناس أطاعوا الشيطان فهم مطاوعة الشيطان. كيف تعرف الأغاني ولا تعرف القرآن؟! لماذا تخصصت في سماع الغناء ولم تفرغ نفسك لكلام ربك الذي أنزله الله هداية لك ونوراً وصلاحاً وفلاحاً، والذي يقول الله فيه: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29]؟! فالمعاصي -أيها الإخوة- والإصرار عليها واستباحتها والمداومة عليها سبب عظيم من أسباب سوء الخاتمة؛ لأنها تحدث في الإنسان الألفة للمعاصي، والإنسان إذا استمر على شيء ألفه، وهذه الألفة تلازم الإنسان في حالة اليقظة وعند المنام وعند الموت، وكما ترون الإنسان إذا نام؛ إذا كان -مثلاً- عالماً ونام فإنه يرى في منامه دائماً الكتب، والندوات، وطلبة العلم، والمحاضرات والمناقشات، وإذا كان رياضياً ولاعب كرة من الدرجة الأولى أو الممتازة فإنه يرى في منامه المباريات، والكرة وقد دخلت المرمى. وبعضهم يصيح، يقول أحدهم: إن امرأته قامت في الليل فزعة؛ لأن زوجها رأى دخول الكرة في الفريق الثاني، فصاح وما زال يصيح؛ لأنه رأى رؤية عاش عليها فنام عليها، وكذلك عند الموت يحصل له أنه يألف المعاصي ولا يستطيع أن يتكلم عند الموت إلا بالمعاصي التي كان يعيش عليها، يقول مجاهد بن جبر: [قد بلغنا أنه ما من ميت يموت إلا مثل له جلساؤه في الدنيا يحضرون عنده في الموت]. وأن رجلاً حضرته الوفاة فقيل له: قل: لا إله إلا الله، وكان لاعب شطرنج، فقال للناس الذين يقولون: قل: لا إله إلا الله: تشك، تشك، تشك هذه عبارة من عبارات لاعبي الشطرنج. وأن شخصاً آخر كان مدمناً للخمر ولما حضرته الوفاة قيل له: قل: لا إله إلا الله، قال: اشرب واسقني، قال: قل: لا إله إلا الله، قال: اشرب واسقني، حتى مات عليها. وأن شخصاً آخر كان مدخناً فلما حضرته الوفاة، قيل له: قل: إلا إله إلا الله، قال: هذا دخان حار، هذا دخان حار، هذا دخان حار، قالوا: قل: لا إله إلا الله، قال: والله لا أقولها، أنا بريء منها. لا حول ولا قوة إلا بالله!! وقد ذكرت لكم أن حصلت في منطقة خميس مشيط، حادثة وفاة لشخص كان يحرج على السيارات ويبيعها في معارض السيارات، وكان لا يصلي ولا يعرف الصلاة أبداً، فلما حضرته الوفاة، قالوا له: قل: لا إله إلا الله، فجاء بالألفاظ التي يقولها بالميكرفون، عندما كان يبيع السيارة، قال: (أربحه، أربحه خربان تربان، كومة حديد) قالوا: قل: لا إله إلا الله، قال: (خربان تربان) قل: لا إله إلا الله، قال: (كومة حديد) ومات عليها والعياذ بالله. أيها الإخوة! خطر عظيم على المسلم أن يصر على المعاصي، حتى ولو كانت من الصغائر؛ لأن الصغائر تكون من الكبائر يوم القيامة: لا تحقرن من الذنوب صغيراً إن الصغير غداً يصير كبيراً إن الصغير وإن تقادم عهده عند الإله مسطر تسطيراً والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (إياكم ومحقرات الذنوب فإنها تجتمع على المرء حتى تهلكه) فعليك يا عبد الله ألا تستبيح شيئاً من الذنوب والمعاصي؛ لأنك قد تراه صغيراً، ولكنه عند الله عظيم، يقول الله عز وجل: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور:15] ويقول أحد الصحابة: [إنكم لتعملون أعمالاً لا تعدونها شيئاً كنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكبائر]. وفي الحديث أيضاً يقول عليه الصلاة والسلام: (إن المؤمن ليرى الذنب البسيط عند رأسه مثل الجبل يخاف أن يسقط عليه، وإن المنافق ليرى الذنب العظيم كالذباب على أنفه يقول به هكذا) يرى أي ذنب ويقول: بسيط يا شيخ، أنتم تشددون، والذي قلبه حي إذا ارتكب أي خطيئة يرتعد قلبه خوفاً من الله! قلب حي، وأما الميت فكما يقال: ما لجرح بميت إيلام الميت لو طعنته ومزقت جلده لا يحس؛ لأنه ميت، والله تعالى يقول: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]. فيا أخي! لا تطفئ نور الإيمان بالمعاصي، ولا تستبح المعاصي، ولا تداوم عليها، بل عليك أن تنفر منها، وأن تتوب إلى الله؛ لأنك إذا ألفتها في دنياك ألفتها عند الموت، وختم لك بسوء الخاتمة. وأما إذا ألفت الطاعات، فيقول لي أحد الإخوة: إنه قد حضر جنازة رجل كان من أهل الخير، وحصل له في آخر عمره أن أصيب بمرض في رأسه أفقده صوابه، وأصيب بغيبوبة طوال الأسبوع منذ أن مرض حتى توفي بعد أسبوع وهو في غيبوبة لا يعرف شيئاً عن الحياة، كان خلال وقته طوال الأسبوع يتوضأ من غير شعور، يقول: هاتوا الوضوء، فيأتون له بكأس فارغ فيدخل يده في الكأس ويتوضأ، وإذا انتهى صلى قِبل القبلة يصلي مرة هنا ومرة يصلي هنا؛ لأنه عاش طوال وقته على الصلاة فختم له بها، فإذا حصل لك ألفة للطاعات ومحبة للقربات، ألفتها في الدنيا ومت عليها وبعثت عليها، وإذا حصل العكس، أي: ألفة للذنوب وللمعاصي يحصل لك نفرة من الطاعات، فالذي يذنب كثيراً لا يتوب، وهذا على خطر! خطر المشيئة أن تدركه سوء الخاتمة -والعياذ بالله- أما الذي يتوب من الآن إلى الله، ويتعلم ويتدرب على الطاعات، ويألفها ويحبها ويداوم عليها حتى تصبح خلقاً ثابتاً له، فإنه مظنة إن شاء الله أن يختم له بحسن الخاتمة.

الانحراف بعد الاستقامة

الانحراف بعد الاستقامة من أسباب سوء الخاتمة العدول والانحراف عن الاستقامة بعد أن يسير الإنسان عليها؛ لأن الاستقامة والتمسك بها، ثم التغير عنها والانحراف عما كان عليه الإنسان هو خلق إبليس؛ لأن إبليس كان من الملائكة، وفي بعض الآثار أنه كان طاووس الملائكة، وما من بقعة في الأرض ولا في السماء إلا وقد سجد لله فيها سجدة، ولكنه نكص عن الطاعة ووقع في المعصية بمخالفته أمر الرب عز وجل حينما قيل له: اسجد لآدم مع الملائكة {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:12] وهذا الخلق سار على نهجه الأبالسة من بعده، وأتباعه من المخذولين -والعياذ بالله- إلى يوم القيامة؛ لأنهم يسيرون في طريق الهداية ويستنشقون عبير الإيمان ويتذوقون طعم الهداية ثم ينتكسون، فإذا انتكسوا لا يرجعون؛ لأن الله يقول: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} [المنافقون:3]. فالانتكاسة خطيرة جداً، ولذا -يا مسلم- تمسك، إذا أراك الله السبيل وذقت طعم الإيمان فتمسك به إلى آخر لحظة من حياتك، ولا تنتكس فربما تكون انتكاستك هذه لا رجعة بعدها -والعياذ بالله-. بلعام بن باعوراء من قوم موسى، آتاه الله آياته، وأعطاه دلالاته، ولكنه انتكس وأخلد إلى الأرض والشهوات، وقال الله فيه: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} [الأعراف:175] والانسلاخ من الشيء هو تركه وعدم الرغبة في العودة إليه إذا خلعت ثوبك الآن ماذا تقول؟ تقول: خلعت ثوبي أو وضعت ثوبي، لكن هل تقول: سلخته؟ لا. وإذا سلخت جلد الشاة، هل تقول: وضعت أو خلعت جلدها؟ لا. تقول: سلخت جلدها، يعني: أبعدت جلدها الذي لا يمكن أن يعود إليها. فـ بلعام ترك الآيات القرآنية ورفضها مع نية عدم العودة إليها أبداً. لا يريدها، انسلخ منها، وكأن هذه الآيات والتحصينات كانت درعاً واقياً له، فلما تركها وانسلخ منها قال الله: {فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ} [الأعراف:175] تسلط عليه الشيطان بعد أن تخلى عن الآيات {فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:175 - 176]. وكذلك قصة برصيص العابد، وهذه القصة ذكرها أهل العلم في كتب التفسير عند قول الله عز وجل: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} [الحشر:16 - 17]. ذكرها ابن كثير وابن جرير وصاحب فتح القدير وصاحب الدر المنثور، وكثير من المفسرين ذكروا قصصاً كثيرة، بعضهم أوردها على التفصيل، وبعضهم أوردها على الإجمال، وبعضهم نسبها إلى الإسرائيليات، ولكن الصحيح من هذه القصص: أن رجلاً يقال له برصيص، وكان رجلاً عابداً منقطعاً للعبادة، منعزلاً عن الناس، يعبد الله في صومعته ولا يخالط الناس في شيء، وكان في قريته، وهذه القرية حصل أن اعتدى عليها قوم، فاستنفر رجالها لرد العدوان، وكان منهم رجلان لهما أخت، وهذه الأخت كانت في غاية الجمال، فوقعوا في حرج بين ترك البنت بدون قيم، أو بين الجلوس معها وترك الجهاد، فأتاهما الشيطان وقال لهما: الجهاد أفرض عليكم من أختكم. انظروا كيف يزين الباطل حتى يقدمه في صورة الحق، وقال لهما: هذه أختكم ضعوها عند برصيص، هذا رجل عابد ومؤتمن على عرضكم ولا يمكن أن يفعل شيئاً، فذهبا إليه وقالا له: يا شيخ! هذه أختنا نضعها عندك أمانة، ونحن سوف نذهب إلى الجهاد، فرفض أول الأمر، قال: لا. أنا ما تركت الدنيا وانعزلت في صومعتي إلا خشية فتنة النساء، اذهبوا عني وطردهم. فلما خرجوا جاءه الشيطان وقال له: تزعم أنك عابد وأنك رجل صالح، كيف ترد هذه المرأة وتعطل إخوانها عن الجهاد! هذا عمل مبارك، اقبلها واتركها عندك، وأنت رجل مؤتمن، فما زال يمنيه حتى رغب له الأمر، وجاء الشيطان إلى نفوسهما وقال: عودا إليه لعله أن يطيعكم، فرجعا إليه فوافق بشرط: أن يضعوها في غرفة، وأن يقفلوا عليها الباب، وأن يتركوا بينه وبينها فتحة، يعطيها طعامها في الصباح وفي المساء، ذلك من بالغ احتياطاته حتى لا يقع في الفتنة، فقالا له: نحن آمنين لك يا شيخ! ما دامت كل هذه الاحتياطات التي تضعها -أجل هذه من بالغ الأمانة- قال: أجل حتى يطمئن قلبي وتطمئن قلوبكم، فوضعها في غرفة وعندها حمام. وأجروا لها ماءها ووضعوا بينها وبينه فتحة، وكان يأتيها في الصباح بالطعام وفي المساء بالطعام، وذهبا في الجهاد، وبقيت على هذا الحال فترة من الزمن. ثم جاءه الشيطان في صورة الناصح وقال له: يا شيخ! أنت رجل أمين، وهذه المرأة مسكينة مؤتمن عليها أنت، كيف تتركها ولا تدري هل هي حية أو ميتة، أو مريضة أو متعافية، أو مسرورة، أنت رجل أمين، لا شك، افتح الباب عليها وادخل انظر حالها، وإذا فتحت الباب انتهت المسألة، فالخوف في قلبك، والله عز وجل يراقبك، ولا يزال به حتى أغراه بأن جاء وكسر الباب ودخل عليها، ولما دخل عليها كانت في وضع لم تكن تشعر بأن أحداً سيدخل عليها، فكانت قد وضعت ثيابها كاملة، فلما أصبحت هي وإياه في غرفة واحدة، تحقق قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) وماذا تتصورون أن يأمر الشيطان إذا كان هو الثالث؟ هل يأمر بالعفة؟ والحصانة والدين؟ لا. ولهذا حرم الشرع على المسلمين الخلوة بالأجنبيات: لا تخلو بامرأة لديك بريبة لو كنت في النساك مثل بنان أي: مثل ثابت البناني. إن الرجال الناظرين إلى النسا مثل الكلاب تطوف باللحمان إن لم تصن تلك اللحوم أسودها أكلت بلا عوض ولا أثمان يقول ثابت البناني، وهو من أعبد خلق الله، صلى أربعين سنة الفجر بوضوء العشاء، لا يعرف أبداً النوم في الليل، ليس له فراش، كان عابداً لله، يقول: والله لو أمنتوني على ملء الأرض ذهباً لوجدتموني أميناً، ووالله ما آمن نفسي على أمة سوداء رأسها كأنه زبيبة. لأن الفتنة على الرجال قوية، قال صلى الله عليه وسلم: (ما تركت على أمتي فتنة أشد على الرجال من النساء) ولهذا احذر يا شاب! احذر يا مؤمن! لأن الخطر عند أول نظرة، والمصيبة عند أول مكالمة، وأول قبلة، لكن ما دمت معتصماً بحبل الله عز وجل؛ تخاف الله وتراقبه لا تنظر لا تتكلم لا تقرأ لا تحاول أن تتصل بأي امرأة محرمة، أنت في عصمة الله عز وجل، فإذا سقطت والتفت لفتة بسيطة على طريق الشيطان؛ ساقك الشيطان إلى هاوية والعياذ بالله. فهذا الرجل ما زال الشيطان يغريه ويوسوس له حتى أطاعه فدخل بها، فلما رآها عارية وهو خال بها لم يملك نفسه، فزنا بها والعياذ بالله! فلما قضى وطره، استيقظ ضميره، وجاء العتاب الداخلي يلومه، فأتاه الشيطان يقول له: كيف تعمل؟ ما هو موقفك وقد فعلت هذه الفعلة العظيمة؟ أين وجهك؟ أين سمعتك؟ فما زال به حتى كاد أن يقتل نفسه، ثم وضع الشيطان له الحل، وهو يريد أن يضعه في مشكلة أعظم من الزنا المسألة فضيحة، ولو جاء أهلها واطلعوا حصلت فضيحة، كيف تعمل؟ ولكن الحل أن تقتلها، وإذا قتلتها وجاء أهلها فأخبرهم أنها مرضت وتوفيت، وسوف يصدقونك، فما وجد إلا غير هذا الحل، فدخل عليها فضربها بالفأس في رأسها، ثم حفر لها في الغرفة، ودفنها مكانها، وجلس. وبعد الزنا وقتل النفس فقدَ طعم الإيمان، لم يعد يصلي ولا يعبد الله كما كان، لماذا؟ لأن المعاصي حجاب بين العبد وبين الله، لم يعد يتلذذ بالطاعة ويده ملوثة بالجريمة، وهو مستغرق ومتلطخ بحمأة الرذيلة والعياذ بالله. ومكث ما شاء الله أن يمكث وجاء إخوانها من الغزو، فلما دخلا عليه سألاه: أين أختنا؟ قال لهما: منذ أن ذهبتما مرضت، وبقيت مريضة مدة من الزمن وهو الأمر الذي قضى أن أكسر الباب وأدخل لأشرف على تمريضها، ومكثت مدة ثم توفيت ودفنتها. فقالا له: جزاك الله خيراً، ونحن واثقون منك، والحمد لله على حكم الله وودعوه وخرجوا. وفي الليل وهما نائمان جاء الشيطان إليهما في المنام، فقال للأول: أختك لم تمت؛ قتلها العابد بعد أن زنى بها، وجاء للثاني وأخبره بنفس الرؤية، وفي بعض الروايات: أنهم أربعة إخوة، وفي بعضها: أنهم ثلاثة، فلما جاء في الصباح وإذا بعضهم يقص الرؤية على الآخر، قال: أنا رأيت، وقال ذاك: أنا رأيت، وقال الآخر: وأنا رأيت، وتواطأت الرؤى، فقالوا: قد تكون الرؤيا صادقة، أجل! نذهب ونسأله على الأقل، فذهبا إلى العابد فسألاه، قالوا: يا شيخ! نريد أن نرى قبر أختنا، أين قبرها؟ فجاءه الشيطان قبل أن يأتوا، وقال: لقد علموا، وأنت لا تحاول أن تكتم الحقيقة، أخبرهم والله غفور رحيم، وربما يسامحونك، فلما سألوه، قالوا: أين أختنا، أين قبرها؟ نريد أن نراه! قال: أنا أعلمكم بالحقيقة، فأخبرهم بالأمر كاملاً، فأخذوه وحملوه ووضعوه في جذع نخلة، وبعد أن صلبوه، وجاءوا ليقتلوه! فقال له الشيطان حينما أرادوا أن يقتلوه، قال له: أنا الذي ورطتك في أخذ البنت، والزنا بها، وقتلها، وأستطيع أن أنقذك ولكن بشرط واحد. قال: وما هو؟ قال: أن تسجد لي سجدة، انظروا! ما يأس منه الشيطان، جعله يزني، ويقتل، وأيضاً لا يريد أن تبقى كلمة التوحيد؛ يريده أن يشرك ويكفر بالله، قال الله تعالى: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبّ

ضعف الإيمان

ضعف الإيمان من أسباب سوء الخاتمة وهو آخرها: ضعف الإيمان: لأن الإيمان في مذهب السلف: قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعات وينقص بالعصيان. هذه عقيدة الأمة. الإيمان شيء في قلبك، كلما زدت في الطاعات كلما زاد إيمانك، مثل الشجرة التي كلما سقيتها وشذبتها ورعيتها نمت وترعرعت وأثمرت، وكلما ضايقتها وحرمتها الغذاء وأعطيتها البنزين كلما ذبلت حتى تموت، فغذاء إيمانك الطاعات، وموت إيمانك المعاصي، وضعف الإيمان سبب من أسباب سوء الخاتمة. الآن الكهرباء تتفاوت في القوة، فهناك لمبة قوة الوات فيها خمسمائة أو ألف وات؛ هذه التي يسمونها الكشافات الهيلوجين، كشاف يكشف لك مدى كيلو، هذه فيها تيار كهربائي وهو قوي جداً، وهناك تيار كهربائي في اللمبة التي نسميها نحن (السهارية) القوة فيها خمسة وات، تلك خمسمائة وهذه خمسة، هذه كهرباء وتلك كهرباء، لكن هذه كهرباء ضعيفة لا تنفعك في شيء، إذا كنت نائماً على فراشك وأردت أن تقرأ كتاباً والكهرباء سهارية، لا تستطيع أن تقرأ؛ لأن ضوءها ضعيف، هل تستطيع أن تدخل الخيط في خرق الإبرة على ضوء السهارية؟ لا تستطيع، هل تستطيع أن تبحث عن حاجاتك؟ لا يمكن. رغم أنه يوجد كهرباء، إلا أنها ضعيفة، لا تسمن ولا تغني من جوع، إذا أردت أن تنتفع بالكهرباء جيداً أشعل مائة شمعة أشعل مائتي شمعة ولهذا الناس في إيمانهم الآن يتفاوتون؛ من الناس من إيمانه مثل الشمس يضيء للعالم، ومن الناس من إيمانه مثل القمر، ومن الناس من إيمانه مثل أكبر لمبة يضيء لنفسه ولقريته ولمدينته ولأهله، ومن الناس من إيمانه ضعيف إلى درجة أنه لا يضيء لنفسه؛ يقع في المعاصي والذنوب والآثام ولا ينتفع بإيمانه، رغم أن عنده إيمان، لكن إيمان ضعيف والعياذ بالله! وضعف الإيمان يضعف حب الله في قلب العبد، ويقوي حب الشياطين والمعاصي والدنيا في قلبه، ويستولي على القلب بحيث لا يبقى في القلب موضع لحب الله تعالى، إلا من حيث التصور وحديث النفس، يعني: لم يبق شيء عملي، يبقى فقط شيء نظري، ذهني، أي: لا يظهر شيء عملي في القلب مما يظهر أثره في سلوك العبد، فلا يمتنع عن ارتكاب معصية، ولا يقوم إلى طاعة؛ لأنه منهمك في الشهوات، مرتكب للسيئات، فتتراكم ظلمات الذنوب والخطايا والآثام في قلبه والعياذ بالله، فلا تزال تطفئ نور الإيمان وتضعف قوته إلى أن يأتي الموت، فإذا جاءت سكرات الموت ازداد حب الدنيا في قلب العبد ضعفاً؛ عندما يرى الإنسان أنه سوف يفارق هذه الدنيا وهي محبوبة إليه، وحبها غالب على قلبه، لا يريد تركها، ولا مفارقتها، فيرى ذلك رب العزة والجلال من قلبه والعياذ بالله فينقلب ذلك الحب إلى بغض لله وللقاء الله، فإذا خرجت روحه في هذه اللحظة وهو يبغض لقاء الله ولا يحب لقاء الله، ويحب الاستمرار في الدنيا والإخلاد إلى الدنيا، حينها يختم له بسوء الخاتمة، فيخرج من الدنيا مغضوباً عليه والعياذ بالله، فكل ذلك من أسباب ضعف الإيمان، فقو إيمانك يا عبد الله. ذكر أهل العلم قصة عن سليمان بن عبد الملك، لما خرج حاجاً -وهو من خلفاء بني أمية- ووصل المدينة، سأل: هل هنا رجل من الصحابة؟ قالوا: لا. قال: هل هنا رجل من التابعين الذين أدركوا الصحابة؟ قالوا: نعم يوجد. فدل على أبي حازم، فجيء به، فلما أتاه قال له: يا أبا حازم! ما لنا نكره الموت ونحب الحياة؟ فقال له: [يا أمير المؤمنين! إنكم عمرتم دنياكم وخربتم آخرتكم، فتكرهون الخروج من العمران إلى الخراب]. هذه طبيعة في النفس؛ إذا كان عندك عمارة جديدة، مفروشة مطلية، مهيأة، وعندك عشة أو بيت شعبي قديم متشقق وغير جيدة، والعنكبوت قد عشش فيه هل تحب أن تنتقل من (الفيلة) الجديدة إلى هذا البيت؟ حتى أولادك لو قلت لهم: ما رأيكم أن نذهب إلى ذلك البيت؟ يهربون منه ويقولون: والله لا ننام فيه ليلة واحدة، لماذا؟ لأنهم قد تعودوا على السقوف المنقوشة، وألفوا العمارة الفارهة، فالإنسان الذي يعمر داراً ويخرب أخرى لا يحب أن ينتقل من العمران إلى الخراب. يقول: أنتم عمرتم ديناكم لكنكم خربتم آخرتكم، فلا تحبون الانتقال من دار عمرتموها إلى دار خربتموها، قال: صدقت. ثم قال: ليت شعري مالنا عند الله؟ يقول: الله أعلم مالنا عنده. قال: اعرض نفسك على آية في كتاب الله، قال: وما هي؟ قال: قوله عز وجل: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار:13] {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار:14]. هذه الآية ميزان ديني، تعرف به نفسك، هل أنت من الأبرار أو الفجار؟ الأبرار من هم؟ عباد الله الصالحين، الذين سلموا قيادتهم لله، وأخضعوا حياتهم لأوامر الله، فلا يمكن أن يتحركوا ولا يسكنوا إلا بأمر الله، هؤلاء أبرار، أما الفجار فهم الهاربون عن الله؛ الذين تحكمهم الأهواء والرغبات والشياطين -والعياذ بالله- ولا يطيعون لله أمراً ولا يقيمون له ولا لرسوله وزناً، ولا لكتابه محبة، هؤلاء فجار، وقد بين الله ذلك بهاتين الآيتين: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [الانفطار:13] {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار:14]. قال له: فأين رحمة الله يا أبا حازم؟ قال: رحمة الله قريب من المحسنين. ومن يتصور أنه يحصل على رحمة الله وهو يعمل الذنوب والمعاصي؟ يقول ابن القيم: هذا من سوء الظن بالله؛ إذا ظننت أنك تعصي الله وهو يعطيك على المعصية ثواباً؛ لأنك تتهم الله أنه لا يعرف كيف يجازي عباده. إن لله في الكون سنناً، ومن سننه أنه قال: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:31] لكنك تقول: لا. ليجزي الذين أساءوا بالحسنى. الله أكبر! هذا غلط، وسوء ظن بالله عز وجل، يقول الله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل:89 - 90] {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [القصص:84] ويقول الله عز وجل: {هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ} [الرحمن:60] وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46]. فرحمة الله إذا أردت أن تنالها فتعرض لها بطاعته، أما أن تتعرض لها فهذا خطأ ومن سوء الظن بالله عز وجل. وقد ضربت في مرة من المرات مثلاً بموظف عند مدير، وهذا الموظف سيئ السلوك، قليل الإنتاج، ضعيف التصرف، لا يحضر الدوام إلا متأخراً، وينصرف قبل الدوام بساعة، وإذا أعطاه مديره عملاً ما أثقله عليه! يريد أن يمرر أي عمل، وإذا عمل لا يخلص في عمله، المهم لا يوجد عنده إتقان ولا انضباط، ومع ذلك يتطلع كل يوم إلى الترقية، وإلى العلاوة، وإلى الدورات، والانتدابات، وتحسين الوضع، ما رأيك هل يعطيه المدير هذه الأشياء وهو على هذا الوضع؟ لا. لا يعطيه. من يعطي المدير؟ المدير يعطي الترقية والعلاوة والدورة والانتداب والتقرير والتكريم والتفضيل وتحسين الوضع للموظف المثالي، صاحب الإنتاجية المتناهية، والدقة العظيمة، والإخلاص، والأداء المتميز، والحضور المبكر، والمرابطة الدائمة على العمل، ومن إذا عمل معاملة تقرأها وأنت مغمضٌ لعينيك، أي: لا تطمئن إلا لعمله، لماذا؟ لأنه يعملها بقلبه؛ لا يمررها بأي وسيلة، وليس هدفه أن يدحرج المعاملة ويمشيها من عنده ويقول: تخلصنا منها، خذها مني، لا. يحب أن يتقن في عمله المضبوط، هذا إذا جاءت الترقية يرى اسمه؛ لأنه أهل لها، يتعرض للترقيات بالعمل ولا يتعرض لها بالأماني الكاذبة، وأنت إذا كنت تريد الترقية في الجنة، والنجاة من النار، تعرض لذلك بالعمل الصالح، أما أن تعمل السيئات؛ تزني وتسكر وتترك الصلاة، وإذا قيل لك: يا أخي! اتق الله، تقول: الله غفور رحيم. نعم، لكن ليس لك يا أخي، غفور رحيم لمن يعمل الصالحات؛ لأن الله تعالى يقول: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر:49 - 50]. الرحمة والغفران لمن يستحقها، والشدة والعذاب لمن يستحقها، وهؤلاء استحقوها برحمة الله، لقوله: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82]، وبقوله تبارك وتعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [فاطر:7]. فقال له: يا أبا حازم! كيف العرض على الله؟ قال: [يا أمير المؤمنين، أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله، وأما المسيء فكالعبد الآبق يقبض عليه سيده]. وهذا المثل من أعظم ما يقال في هذا الموقف؛ لأن الغائب عن أهله إذا قدم عليهم بعد طول سفر، وقد جمع له مبلغاً من المال وأتى بالهدايا لأمه وأبيه وزوجته، ولإخوانه وأولاده ولأقاربه ولجيرانه، ثم دخل أول ليلة وأرسل لهم برقية بوصوله في ليلة كذا، بالله ما ظنكم فيه تلك الليلة، أليس في غاية السرور والابتهاج، والفرح، لماذا؟ لأن الدنيا كلها فرحت به؛ لأنه جاء بشيء. لكن ما رأيكم بمن جاء وليس معه نقود؛ اغترب ثم عاد مفلساً، مثلما يغترب بعض الناس؛ يعيش كل حياته في القهاوي وعلى الشيش -والعياذ بالله- والدخان والمنكرات ثم لا يأتي بشيء، يقولون له: ذهبت وعدت كما كنت، لا كثر الله خيرك! لماذا ذهبت؟ أمن أجل أن تعيش، أم من أجل أن تحصل على نقود، وتنفع نفس

الأسئلة

الأسئلة

مشروعية إتمام الصف الأول فالأول

مشروعية إتمام الصف الأول فالأول Q ما رأيكم فيمن يجلس في الصفوف المتأخرة، ولا يزال في الصف الأول فراغ؟ A هذا يدل على الحرمان -والعياذ بالله- وعلى أن صاحب هذا الفعل لا يحب ولا يحرص على الخير؛ لأن أفضلية الصفوف كما جاء في الحديث: (إن الله يصلي على ميامن الصفوف، والصفوف الأول) وقال في الحديث: (ألا تصفون عند ربكم كما تصف الملائكة عند ربها، قالوا: وكيف تصف؟ قالوا: كانوا يتمون الصفوف الأول فالأول) وفي الحديث أيضاً: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها) ويقول عليه الصلاة والسلام: (لو تعلم أمتي ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا) أي: عندما يدخل اثنان المسجد ويوجد مكان واحد في الصف الأول، وهما قد دخلا معاً، فيقول أحدهما: لا يمكن أن أجعلك تقعد فيه، ويقول الآخر: أنا مثلك، لا تقل: تفضل وأنا سوف أقعد، ولكن نستهم عليه؛ لأن الأجر لا مساومة فيه ولا كرم، أنا أؤثر بحظي من كل شيء إلا العبادات، لكن الناس اليوم إذا دخلوا على العزائم يريدون الصف الأول والسفرة الأولى، لا يريد أن يأكل في السفرة الثانية، لكن حينما يدخل المسجد يجلس في مؤخرته، والصف الأول فارغ، سبحان الله!! هذا خذلان يا أخي، تعال إلى الصف الأول؛ لأنك كلما كنت أقرب إلى الإيمان كلما كنت أقرب إلى الله، وقد قال العلماء: إن الذي يأتي بالروضة في الصف الأول ويمين الصفوف قلبه يخشع أكثر من الصف الثاني، وإن الذي يأتي بالصف الثاني أحسن من الصف الثالث، وكلما كنت أقرب كنت إلى الخشوع أقوى وأقدر إن شاء الله، فلا ينبغي لك -يا أخي المسلم- أن تدخل المسجد إلا بعد أن تأخذ بالصف من طرفه إلى طرفه، أي: تبحث لك عن مكان، لكن لا تزاحم؛ لأن بعض الناس يفهم الأمر بالمقلوب، فيأتي متأخراً فإذا أقيمت الصلاة زاحم الناس ما تريد؟ قال: أريد الصف الأول، هذا كذاب، تريد الصف الأول؟ احضر مبكراً، أما أن تزاحم المسلمين وتتخطى رقاب الناس وتضايقهم تريد الصف الأول، هذا تغشيش، تريد أجراً بغير تقدم، الغرض من حث الناس على المسابقة في الصف الأول هو حثهم ودفعهم إلى المسابقة إلى المساجد، أما أن تجلس في البيت إلى أن تقام الصلاة ثم تأتي تزاحم الناس بعصاتك، تضايق الناس من أجل الصف الأول، أنا أخشى أن الذي يعمل هذا العمل لا يحصل له حتى أجر الصف الأخير بل يأثم بإزعاج المسلمين؛ لأن المسلمين لا يجوز إيذاؤهم، والله يقول: (من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) فلا تؤذ عباد الله بأي أذى، ابحث عن مكان في الصف، فإن وجدت فالحمد لله، وإن لم تجد فاجلس حيث انتهى بك الصف، أما أن تتخطى الرقاب وتضايق المسلمين فهذا ليس مباحاً وليس من الشرع.

وجوب الحكمة في دعوة الآباء إلى الخير

وجوب الحكمة في دعوة الآباء إلى الخير Q هناك من الشباب من منّ الله عليهم بالهداية لكنهم يخطئون في تعاملهم مع آبائهم الذين يظهر عليهم آثار الفسق، فيهجرونهم ويرمونهم بألفاظ لا تليق مثل: يا فاسق، أرجو توجيه النصيحة لهؤلاء؛ لأنهم كثيرون والله المستعان، وجزاك الله خيراً؟ A سبق أن قلت -أيها الإخوة- في مثل هذه الليلة: إن مسئولية الشاب المهتدي كبيرة إزاء والديه، وعليه أن ينجح أولاً في دعوته، ولا يستعجل ولا يستبق الأحداث، عليه أن يدعوهم إلى الله باللطف وبالحكمة وبالخدمة وبالتفاني في أداء الواجب لهما حتى يهديهم الله، أما أن تحمل عليهما وأن تقول: يا فاسق، وأنت قليل دين، ولا يوجد فيك خير لا. أبداً، هذا ليس أسلوباً، الله تعالى يقول: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ} [العنكبوت:8] يعني: إذا هم جاهدوك {وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [العنكبوت:8] لكن ماذا؟ {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:15] حق الوالد عظيم جداً عند الله عز وجل، مهما كان عاصياً، أو فاسقاً فلا ينبغي لك أن تواجهه بشيء من الشدة، بل عليك أن تتلطف معه، وتدعوه بالحسنى، وتدعو الله له، وتخدمه، وتحبب نفسك إليه حتى يطيعك؛ لأنه إذا أحبك أطاعك، أما إذا بغضته فيك، وتقول له: أنت كذا وكذا، وأنت لا تصلي، ينظر لك هو بمنظار هو نفس منظارك، وتبدأ الجفوة بينك وبينه، وتزداد الهوة، وبالتالي هو أقدر منك وأقوى عليك، ربما يردك عن الدين ويحول بينك وبين الهداية، ولكن أرضه وأطعه في غير معصية الله عز وجل، وتودد إليه، وكن خدوماً له، يستجيب لك بإذن الله عز وجل، وفي الليل ادع الله له؛ لأن أعظم وسيلة للهداية الدعاء: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60].

حكم الألبسة في الشرع

حكم الألبسة في الشرع Q متى بدأ لبس العقال والغترة بهذه الصفة؟ وهل تعرف العرب ذلك؟ A هناك قاعدة عامة: ليس في الشرع شيء معين من اللباس أي: شيء أوجبه الشرع، البس ما تريد، إذا خلا لبسك من أربعة أشياء: أولاً: ألا يكون حريراً ولا ذهباً. ثانياً: لا يكون فيه تشبه بالنساء. ثالثاً: لا يكون فيه تشبه بالكفار وأعداء الله عز وجل. رابعاً: لا يكون فيه كبرياء ولا مخيلة ولا غطرسة. وبعدها البس غترة، أو عقالاً، أو ثوباً، أو أي نوع أعجبك، أما البنطال والجاكيت فإن الأصل فيه أنه مختص بالكفرة، وما هو عند المسلمين، لا في مصر ولا سوريا ولا المغرب ولا تونس ولا في أي بلاد المسلمين، لو ذهبت إلى مصر الآن تجد الكبار لا يلبسونه ولا يعرفونه، فهو لباس مستورد ينبغي للمسلم ألا يلبسه، خاصة إذا كان في مثل بيئتنا التي لا تهتم به، لكن لو كان في بيئة مثل بيئة مصر، العرف العام كله بناطيل، فلو لبست بنطالاً وهدفك أنك لا تتشبه بالكفار، فليس فيه شيء، بشرط: أن يكون البنطال واسعاً ليس ضيقاً، ولا (شارلستون) هذا لباس من أعجب العجب، الرجل من تحت يدخل فيها اثنان ومن عند الفخذ محصور بحيث ينزل إلى أسفل الفخذ، الشيء الذي لا ينبغي أن نراه في إخواننا، (الكرفتة) ليست تقليداً إسلامياً إنما تقليداً غربياً، وقد رأيت مرة في أكازيون معلن عنه في جريدة الشرق الأوسط، محل أزياء يبيع بالتخفيضات ويخفض إلى خمسين بالمائة وخمسة وعشرين بالمائة، من ضمنها يقول: (كرفتة إيطالي) كانت بمائتين وعشرين ريالاً، وسعرها مع التخفيض مائة وسبعين ريالاً، حبل أضعه في رقبتي، ثم قرأت في مناسبة ثانية في نفس الجريدة، قال: كرفتة تقتل مليونيراً، ماذا؟ شخص مليونير كانت معه كرفتة وجاء يوم من الأيام إلى مزرعة، وعنده مزرعته في أمريكا، وكان من ضمن المزرعة آلة ماطور تضخ الماء في طريق السيل، فجاء، وكأن السير لف على الكرفتة، ولم يشعر إلا وهو في البئر، فالكرفتة ليس لها داع أبداً، أما إذا لم يكن في هذا شيء فاللباس إن شاء الله أمره واسع بإذن الله عز وجل.

حكم إطلاق كلمة (مطاوعة)

حكم إطلاق كلمة (مطاوعة) Q متى بدأ التحدث بكلمة مطاوعة؟ A لا أعرف تاريخاً لها، وإنما ابتدأها الجهلة الذين يريدون أن يخصصوا ويفصلوا بين الدين والدنيا، فيصفون هذا مطوعاً، أي مؤمن وملتزم، والعاصي ماذا اسمه، بالمنطق وبالمقابلة؟ إذا كان الطائع نسميه مطوعاً، وإذا رأينا عاصياً ماذا نسميه؟ هل نسمية معصي أو معوص، أو معصعص، أي: لم ير الطريق، لا. لا يوجد مطاوعة، يقول أحد الإخوة: الناس كلهم مطاوعة، لكن هناك من يطيع الله، وهناك من يطيع الشيطان، فكل واحد يطيع، لكن من تريد أن تطيع؛ إذا كنت تريد أن تطيع ربك فأنت من المؤمنين، وإن كنت تريد أن تطيع الشيطان فأنت من المنافقين والعياذ بالله.

حكم لبس الغترة في الصلاة

حكم لبس الغترة في الصلاة Q هل الغترة تعتبر من مكروهات الصلاة؟ A لا. ليست كذلك، يقول الشيخ عبد العزيز بن باز: إذا كنت تصلي وغترتك هكذا فهو الأسلم لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه كان لا يكف شعراً ولا بشراً ولا ثوباً) كان إذا سجد لا يرفع شيئاً فاسجد هكذا ولا عليك شيء إن شاء الله. صحيح أن العقال يكثر فيه الحركة إذا وقع؛ لأن بعضهم يضع العقال قبل الصلاة، ويضبطه، وإذا سقط أخذه، وضبطه، ويسقط ويأخذه يعني: ليس لديه شغل إلا عقاله، والصحيح إذا سقط العقال اتركه إلى آخر الصلاة، ولم تلبس العقال؟ لا داعي للبسه؛ لأن العقال يلبسه الناس من أجل أنه يضبط الغترة، فإذا كانت غترتك تنضبط فلا داعي له. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لهم دار السلام عند ربهم

لهم دار السلام عند ربهم في هذه المادة يتحدث الشيخ حفظه الله عن آيات الترغيب والترهيب، ذاكراً الجنة وترغيب الله فيها مع الحث على المسارعة للفوز بأعلى درجاتها، متبعاً ذلك بإيراد أوصافها، وما أعد الله فيها من النعيم لأهلها بشيء من التفصيل.

الترغيب بذكر الجنة ونعيمها

الترغيب بذكر الجنة ونعيمها الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الإخوة في الله! هذا الدرس ضمن سلسلة تأملات قرآنية في سورة الأنعام، يلقى بعد مغرب يوم السبت الموافق للثامن والعشرين من شهر ذي الحجة سنة (1415هـ) على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وذلك بمدينة جدة بمسجد كيلو12، عنوان هذا الدرس: لهم دار السلام عند ربهم. ودار السلام هي الجنة -جعلنا الله وإياكم من روادها ومن أهلها- وسماها الله عز وجل دار السلام؛ لأنها سلمت من كل آفة ومن كل خلل ونقص، والسلام بمفهومه الشامل: السلامة من الموت، والسلامة من المرض، والسلامة من الفقر والهرم، والسلامة من الهم، والسلامة من التعب والنصب، والسلامة من كل آفة وعلة، وتوفر كل نعمة: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35] إنها الجنة! نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلنا وإياكم من أهلها. وقد كان الدرس الماضي عن النار -أعاذنا وإياكم منها- وهو بعنوان: (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ) وذكرنا ما ذكره الله في كتابه، وما ذكره رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته من بيان وتوضيح للنار، وما أعد الله فيها من النكال والعذاب الذي لا يتصوره عقل ولا يخطر على قلب بشر، ولما كان القرآن مثاني -هذا أسلوب القرآن- إذا جاء بذكر النار عقب بذكر الجنة؛ لأن النفوس لا تمشي إلا بالسوْق وأيضاً بالحدو، السوْق: سوط في ظهورها، والحدو: صوت يهيجها، مثل الإبل، فهناك إبل إذا قام الحادي يعطي لها أصواتاً؛ ترنمت ونشطت وهملجت وقطعت الأرض، وهناك إبل مريضة لا تمشي إلا بالسوط وإلا بركت. وإن من الناس من يهيجه ذكر الجنة، فإذا سمع بما فيها نشط، ومنهم من يزعجه ذكر النار فإذا سمع بما فيها نشط في العبادة، ومن الناس -وهم غالب البشر- من يهيجه ذكر الجنة وأيضاً يزعجه ذكر النار على السواء، وهذا ملاحظ إذا قرأت القرآن، فإنك لا تجد الله تبارك وتعالى يخوف عباده من النار إلا ويبشرهم بالجنة، فجاء القرآن الكريم بذكر الجنة ثم بذكر النار، أو ذكر النار بداية، وفي الغالب أن الله عز وجل يذكر النار دائماً باستمرار قبل الجنة، ويقول العلماء: إن في هذا سراً، وهو أن القلوب الغافلة لا يزعجها إلا الألم، فإذا انتبهت وصار عندها خوف جاء الأمل بذكر الجنة وما أعد الله لأهلها. وهذه الجنة أيها الأحبة جاء ذكرها في سورة الأنعام، يقول الله عز وجل للرسول صلى الله عليه وسلم: {وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً} [الأنعام:126] أي: هذا الدين، هذا القرآن، هذا الإسلام، هذا صراط الله، هذا الكتاب الكريم، هذه السنّة المطهرة، هذا الرسول الكريم، صراط وطريق واضح: {وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} [الأنعام:126] فصّل الله الآيات، وبين الله الأمر وأقام الحجة، لكن لمن؟ {لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ} [الأنعام:126] لقوم عندهم عقول وذاكرة وأفهام وألباب، أما الغافلون المغطى عليهم، أما المخمورون المخدوعون، فإنه لا يزعجهم سوى النار، فإذا وقعوا في النار قالوا: يا ليتنا نرد، ولكن لم يعد هناك مرد، انتهى الأمر، فليس هناك إلا النار. أما الذين يذَّكرون وتزعجهم قوارع القرآن، فقد قال الله عز وجل وهو يطمئنهم: {وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الأنعام:126 - 127] ليس فقط دار السلام، وإنما عند ربهم، وتصور عندما تكون عند ربك، ربك الذي رحمك، ربك الذي خلقك ورزقك، ربك الذي هداك وسددك، ثم لما مِت وأنت على دينه أحبك وأكرمك وقربك وأدخلك جنته، ولهذا تقول امرأة فرعون آسية بنت مزاحم وهي تدعو الله: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ} [التحريم:11] لا تريد بيتاً في الجنة فقط بل تقول: عندك يا رب! يقولون: سألت الجار قبل الدار: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} [التحريم:11] لأن بيتاً ليس عند الله لا يصلح، ونعيماً وسلاماً ليس عند الله لا يصلح، والله يقول: {لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ} [الأنعام:127] وهذا شرف لهم فوليهم الله، ومن كان الله وليه فلا يخاف ظلماً ولا هضماً، بسبب ماذا؟ قال الله: {وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:127]. {لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ} [الأنعام:127] بسبب ماذا؟ هل لأن لهم جنسية معينة؟ أم لأن لهم أرصدة في البنوك كثيرة؟ أم لأن عندهم شهادات عالية؟ أم لأن لهم مقاماً رفيعاً في المجتمع، أم لأن لهم رتباً أو مناصب أو جاهاً أو سلطاناً؟ لا. فهذا في الدنيا فقط، لكن في الجنة: {بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:127] أي: بسبب ما كانوا يعملون من عمل صالح بوأهم الله هذه المنزلة وأحلهم هذه الدرجة، فلهم دار السلام التي سلمت من كل آفة، وعند ربهم، والله وليهم.

الحث على المسارعة والمسابقة إلى الجنان

الحث على المسارعة والمسابقة إلى الجنان أيها الإخوة: هذه الجنة هي دار النعيم، أعدها الله عز وجل لعباده المؤمنين المتقين الأبرار جزاء إيمانهم الصادق وعملهم الصالح في هذه الدار، وجزاء تركهم للمعاصي والذنوب والسيئات، قال عز وجل: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:72] ويقول عز وجل: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً} [مريم:63] أما الفاجر لا يرث إلا النار، ويقول عز وجل: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [المطففين:22] أبرار جمع بَر، والرجل البَر هو الرجل الصالح، رجلٌ بَرٌ تقي ليس بفاجر ولا شقي: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار:13 - 14] ويقول عز وجل: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً} [الإنسان:12] صبروا على طاعة الله، وصبروا عن معصية الله، وصبروا على أقدار الله المؤلمة، أما الذي لا يصبر على الطاعة، لا يفلح فالصلاة فيها مشقة، صلاة الفجر في المسجد فيها نوع من التعب، لكنه لم يصبر، يريد أن ينام، ولم يصبر عن معصية الله؛ لأن المعاصي محببة، والشهوات مطلوبة عند النفس، لكنه لم يستطع أن يصبر، لم يصبر عن الغناء، ولم يصبر عن الزنا، ولم يصبر عن الربا، ولم يصبر عن الحرام -والعياذ بالله- فهذا لم ينجح ولن ينجح. {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا} [الإنسان:12] جزاهم بسبب صبرهم: {جَنَّةً وَحَرِيراً} [الإنسان:12] ثم بعد ذلك رغب الله الناس وشوق الله الناس، فكان يكفي في القرآن الكريم أن يقول الله: من أطاعني فله الجنة ومن عصاني فله النار، ويبين لنا ما في الجنة من شيء، لكن القرآن مملوء من أوله إلى آخره بالترغيب والتشويق والتنويع والتفصيل لما أعد الله في الجنة لعباده المؤمنين من أجل تشويق النفوس وجذبها إلى هذه الجنة العالية، يقول الله عز وجل: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21] اللهم إنا نسألك من فضلك يا رب العالمين! (سابقوا) إلى ماذا؟ إلى جنة. كم هي مساحتها؟ عرضها كعرض السماء والأرض. أعدت وهيئت لمن؟ للذين آمنوا بالله ورسله. بعد ذلك قال الله: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ} [الحديد:21] ذلك الفضل العظيم يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. ثم قال في سورة آل عمران: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133] لما أمر الله عز وجل بالسير إلى الجنة أمر بالمسارعة والمسابقة والفرار، فقال في سورة الحديد: {سَابِقُوا} [الحديد:21] وقال في سورة آل عمران: {سَارِعُوا} [آل عمران:133] وقال في سورة الذاريات: {فَفِرُّوا} [الذاريات:50] كلها إلى الله، ولما أمرنا الله بالسير في الدنيا والمعيشة قال: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك:15] امشوا على مهلكم، وكلوا من رزقه، ليس من رزقكم، والله إن أسرعت أو أبطأت لن تأكل إلا رزقك، وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (من أصبح والدنيا همه) مفتوح قلبه على الدنيا -والعياذ بالله- مثل جهنم: {هَلْ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق:30] طالب الدنيا مثل شارب البحر، كلما زاد شربه زاد عطشه: (لو أن لابن آدم واديان من ذهب لتمنى الثالث، ولا يملأ جوفه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب). يقول عليه الصلاة والسلام: (من أصبح والدنيا همه فرق الله عليه شمله، وجعل فقره بين عينيه) الملايين في (البنك) لكنه لا يرى إلا الفقر، لا يرى الأرصدة ولا يرى العمارات ولا يرى السيارات، لا يرى إلا الفقر! وإذا رأيته تراه ملهوفاً كمثل الكلب إن تتركه يلهث أو تحمل عليه يلهث، تسأله: ماذا عندك؟ قال: والله الأمور صعبة، والسيولة منعدمة هذه الأيام، والأحوال متأزمة، كأنه لا يملك عشاء ليلته، لماذا؟ لأنه لا يرى إلا الفقر بين عينيه: (وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له). (ومن أصبح والآخرة همه) في قلبه مثل النار مما أمامه من الأهوال والأخبار، همه القبر والحشر، همه الجنة كيف يدخلها، همه النار كيف ينجو منها، كيف صلى، كيف صام، كيف تصدق، كيف ربى ولده، كيف حفظ زوجته، كيف بنى دينه، كيف حمى عقيدته، كيف دعا إلى دينه، هذا الذي همه الآخرة، قال: (ومن أصبح والآخرة همه جمع الله له شمله -أموره المتفرقة يجمعها الله له- وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة) هو لا يفكر فيها لكن تأتيه، وليس من شأن المسلم أن يرفض الدنيا إذا جاءته فلا يرفضها، بل يأخذها ويسخرها في طاعة الله؛ لأن الدنيا مثل الدابة إما أن تركب عليها أو تركب عليك، فإن كنت مؤمناً ركبت عليها، وذهبت بها إلى الله، وإن كنت فاجراً ركبت عليك وجعلتك حماراً لها تذهب بك إلى النار، فكن راكباً على دنياك، ولا تكن مركوباً لها. فالله عز وجل أمرنا أن نسارع وأن نسابق إلى الجنة، وأما الدنيا فأمرنا أن نسير وأن نمشي فيها، ولكن هل الناس -أيها الإخوة- واقعيون مع هذه الآيات في حياتهم، أم أنهم يلهثون ويسارعون بل ويقتحمون ويقتتلون على الدنيا؟ وأما الآخرة فقليل من يسير في طريقها، وإذا أراد طريقها فإنه لا يسرع وإنما يمشي، وبعضهم يعثر وبعضهم لم يمش خطوة واحدة في طريق الله، وهو يسارع بكل أسلوب بالليل والنهار، وبكل تفكير واهتمام في الدنيا، أما إذا جاءت الصلاة والدين فإنه يعثر الخطا. فهذا لم يعرف الله ولم يعرف دينه، وهو خاسر وسوف يعض أصابع الندم ولكن حين لا ينفع الندم.

حقيقة الجنة وبعض صفاتها

حقيقة الجنة وبعض صفاتها أخي الكريم: اعلم -كمقدمة- أن الجنة فوق ما تقرأ وما تسمع وما تتصور، وأعظم مما يخطر في بالك؛ لأن الإدراك لا يمكن أن يحيط بما في الجنة، والله يقول: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ} [السجدة:17] لا تعلم ما أعدّ لك في الجنة؟ {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17] تصور الآن حين يقال لك: إن زوجتك في الجنة حورية، تصور بكل خيالك جمال هذه الحورية! اذهب بخيالك إلى كل مذهب وتصور كل تصور للجمال ثم سيقف تصورك ولا يمكن أن يصل إلى تصور ما أعد الله لك من الحور العين؛ لأن الله يقول: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]. يقول ابن عباس رضي الله عنه في تفسير قول الله عز وجل: {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:25] قال: [لا يشبه شيء مما في الجنة مما في الدنيا إلا في الأسماء] التشابه فقط في الأسماء، يعني: يوجد خمر في الدنيا، لكن هل خمر الجنة مثل هذا؟ لا. ويوجد لبن في الدنيا، لكن هل لبن الجنة مثل هذا؟ لا. وتوجد نساء في الدنيا، لكن هل حور الجنة مثل نساء الدنيا؟ لا. قصور الجنة، أنهار الجنة، ولدان الجنة، طعام الجنة، لباس الجنة، شراب الجنة، كل ما في الدنيا لا يمكن أن يساوي ما في الجنة إلا في الأسماء فقط، أما في الحقائق والكيفيات فقد نفى الله ذلك، يقول عليه الصلاة والسلام فيما يرويه الإمامان البخاري ومسلم في الصحيحين، قال الله عز وجل: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، اقرءوا إن شئتم: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]).

عدد الجنان ومراتبها وتفاضلها

عدد الجنان ومراتبها وتفاضلها اعلم يا أخي في الله! أن الجنة ليست جنة واحدة وإنما هي جنان، ذكر الله عز وجل في القرآن أربع جنان، وقيل: إنها ثمان، قال الله عز وجل: {وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً} [الإسراء:21] كما أن في الجنة من التفاضل في المنازل ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي بسند صحيح عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: قال صلى الله عليه وسلم: (في الجنة مائة درجة، ما بين كل درجة ودرجة كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلى درجة في الجنة ومنه تفجر أنهار الجنة، ومن فوقها العرش، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى) اللهم إنا نسألك الفردوس من الجنة. ويروي البخاري ومسلم عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق). فأهل الجنة وهم في الجنة يرون أهل الغرف العالية مثلما نرى نحن النجوم التي في أعلى السماء، وذلك من تفاوت ما بينهم في الدرجات، وأعلى الجنان الفردوس، ثم عدن، ثم الخلد، ثم المأوى، وهذه هي الجنان الأربع قد بينها الله عز وجل في سورة الرحمن، يقول الله تبارك وتعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46] ووصف ما فيهما من الأنهار فقال بعدما وصفها: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن:48 - 58] تصور زوجتك ياقوتة وأخرى مرجانة تمشي أمامك، كيف تتصور امرأة من ياقوت، هل لك أن تتصور هذا في الدنيا؟ لا يمكن. لكن نسأل الله أن يجعلنا نراهن حقيقة في جنته ومستقر رحمته، وأن نتمتع بهن في الجنة. وهذه لا تأتي -يا إخواني- إلا بتعب دائم، فالسلعة الغالية لا أحد ينالها إلا بتعب: (ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) فالجنة لا تنالها الهمم الضعيفة: يا سلعة الرحمن لست رخيصة بل أنت غالية على الكسلان يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحد لا اثنان يا سلعة الرحمن كيف تصبّر الـ خطاب عنك وهم ذووا إيمان يا سلعة الرحمن سوقك كاسد بين الأراذل سفلة الحيوان يا سلعة الرحمن لولا أنها حجبت بكل مكاره الإنسان ما كان عنها قط من متخلف وتعطل دار الجزاء الثاني لكنها حجبت بكل كريهة ليصد عنها المبطل المتواني وتنالها الهمم التي ترنو إلى رب العلا في طاعة الرحمن هذه الجنة العالية يقول الله فيها بعد ذلك: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46] وبعد ذلك ذكرها ثم قال: {وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ} [الرحمن:62] يعني: أقل من هذه الاثنتين جنتان: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:63] فما نوعهما؟ قال: {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن:64] بينما قال في الأخرى: {ذَوَاتَى أَفْنَانٍ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن:48 - 49] {فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ} [الرحمن:66] وقال في الأخرى {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} [الرحمن:50] والعين الجارية ليست كالعين التي تنبع وهي في مكانها لا تجري، والعين الجارية أفضل. وبعد ذلك قال في الفاكهة: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن:68] أما في الأخرى فقال: {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} [الرحمن:52] وبعد ذلك لما جاء عند الحوريات قال: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن:70 - 72] أما في الأخرى فقال: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ} [الرحمن:56] يقول ابن القيم: فرق بين القاصرة والمقصورة، فالقاصرة قصرت نفسها، والمقصورة جبرت على قصر نفسها: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن:72] {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:74] {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} [الرحمن:76] {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:78]. روى البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (جنتان من فضة آنيتهما من فضة وما فيهما من فضة، وجنتان من ذهب، آنيتهما وما فيهما من ذهب، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه عز وجل في جنة عدن).

أبواب الجنة

أبواب الجنة للجنة -أيها الإخوة- ثمانية أبواب، وسعة هذه الأبواب ما بين المصراعين مسيرة أربعين عاماً -وهذا الأمل يفتح لها قلوبنا إن شاء الله، ونسأل الله أن نكون من المزاحمين على هذه الأبواب- المسافة بين المصراعين مسيرة أربعين عاماً يقول في الحديث: (وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام) اللهم اجعلنا ممن يزاحم على هذا الباب يا رب العالمين! يا أخي! يا أيها الملتزم! يا أيها المستقيم! لا تتصور أنك أنت المستقيم لوحدك، فهناك ملايين البشر ساروا في طريق الله، فلست لوحدك بل معك ملايين من البشر، فاسلك سبيل الصالحين ولا تغتر بقلة السالكين، واحذر طريق الهالكين ولا تنخدع بكثرة الهالكين، فإن العبرة بمن نجا، كيف نجا وليست العبرة بمن هلك كيف هلك؛ لأن دواعي الهلكة كثيرة، أما دواعي النجاة قليلة، والناس من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى جهنم وواحد إلى الجنة، جاء في الحديث الصحيح: (يقول الله: يا آدم! قال: لبيك ربِ وسعديك، قال: أخرج بعث الجنة من بعث النار، قال: ربِ! وكم بعث الجنة؟ قال: من كل ألف واحد، وتسعمائة وتسعة وتسعون إلى جهنم) فمتى تأتي هل في المائة الأولى أم المائة الثانية أم الثالثة أم الرابعة؟ لا إله إلا الله! باب من هذه الأبواب الثمانية، مخصص لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وبقية الأبواب لسائر الأمم ويشارك فيها أمة محمد صلى الله عليه وسلم، يعني: أمة محمد صلى الله عليه وسلم لهم باب خاص لا يدخل فيه شخص من الأمم الثانية، لكن أمة محمد يدخلون من هذا الباب ويدخلون من الأبواب كلها، وهذا من فضل الله على هذه الأمة. وهذه الأبواب كل منها مخصص لعمل خاص، ففيها باب للصائمين يسمى باب الريان، وفيها باب للمصلين يسمى باب الصلاة، وفيها باب للمتصدقين يسمى باب الصدقة، وفيها باب للبارين بوالديهم يسمى باب البررة، يعني: إنسان ليس عنده كثير عمل صالح لكنه بار بوالديه، فيدخله الله الجنة من هذا الباب، وآخر متخصص في الصدقة، لا يصلي كثيراً، يصلي الفرائض فقط، لكن يده تبذل بالصدقة والخير، فيدخل من باب الصدقة، وآخر متخصص في الصلاة، يصوم الفريضة ويتصدق بالفريضة ولكن في الصلاة لا تراه إلا مصلياً، فيدخل من باب الصلاة، وآخر متخصص في الصيام، يصلي الفريضة ولا يستطيع أن ينفق فلا يملك مالاً، لكنه دائماً يصوم فيدخل من باب الصائمين، وشخص متخصص في الحج لا تفوته حجة، بينما لا يقوم الليل، ولا يكثر من صيام النوافل، ولا يتصدق كثيراً، لكن إذا جاء الحج شد رحله وحج، وهذا يدخل من باب الحج ومن باب العمرة. ومن الناس من يدخل من كل الأبواب، أي نعم. وهذا قليل في الأمة، ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم واحداً منهم وهو: أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فقد كان يسبق في كل باب، إن جئت إلى باب الصدقة وإذا به الأول، وإن جئت إلى باب الجهاد وإذا به الأول، وإن جئت إلى باب الصلاة وإذا به الأول، وإن جئت إلى باب الصيام وإذا به الأول، ولهذا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! أعلى أحد أن يدعى من هذه الأبواب كلها؟ قال: نعم. وأنت منهم يا أبا بكر!) وهذا شرف كبير -يا أخي- أن تكون لك خيارات عديدة، فلا تقول: أنا والله متخصص في الصلاة، بل افرض أن الصلاة لم تقبل منك، وإذا بك ضائع، لا. تخصص في الصلاة وتخصص في الصيام، وأكثر من الحج، وأكثر من ذكر الله، وأكثر من الدعوة إلى الله، وسابق في كل خير، والله تبارك وتعالى يقول: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} [المطففين:26]. روى مسلم وأصحاب السنن عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -والحديث صحيح في صحيح مسلم، حديث عظيم وفضله كبير جداً، والعمل فيه بسيط-: (ما منكم من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء أو فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء) ما أعظم هذا الفضل! وورد في رواية أخرى ليست في الصحيح، وهي في السنن: (اللهم اجعلنا من التوابين المتطهرين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون).

تفصيل نعيم أهل الجنة من القرآن والسنة

تفصيل نعيم أهل الجنة من القرآن والسنة أيها الإخوة: أما ما أعد الله عز وجل من النعيم مما تشتهيه النفوس وتلذ به الأعين، فقد جاء مفصّلاً وموضحاً توضيحاً عظيماً في كتاب الله عز وجل، وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والتفصيل هو:

أرض الجنة وتربتها

أرض الجنة وتربتها المعروف أن الأرضية عندنا تراب، وإذا أردت أن تمقت إنساناً تقول له: خذ تراباً؛ لأن التراب ليس له قيمة، ونحن الآن نتنافس على التراب، بينما نزهد في التربة الغالية تربة الجنة، وما هي تربتها؟ تربتها الزعفران، وحصباؤها اللؤلؤ، وملاطها المسك الأذفر. روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! مم خُلق الخلق؟ قال: من الماء. قلت: الجنة ما بناؤها؟ قال: لبنة من فضة ولبنة من ذهب. قلت: ما ملاطها يا رسول الله؟! قال: المسك الأذفر. قلت: وما حصباؤها؟ قال: اللؤلؤ والياقوت. قلت: وما تربتها يا رسول الله؟! قال: الزعفران، من يدخل ينعم فلا يبأس، ويخلد فلا يموت، لا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم) -نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم- هذه هي تربة الجنة وأرضيتها.

أنهار الجنة

أنهار الجنة لكل مسلم في الجنة في قصره أنهار تجري من تحته، ذكر الله هذه الأنهار وأنها من أربعة أنواع، تنحدر من الفردوس وتمر بالجنان الأربع، وهي: نهر من ماء، ونهر من لبن، ونهر من خمر، ونهر من عسل مصفى، يقول الله عز وجل: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [محمد:15] والأسن: آفة تصيب الماء إذا ركد، إذا تركت الماء راكداً أياماً وليالي تأتي عليه وقد تغير، وتعفنت رائحته، و (آسنَ) يعني: تسمم ولم يعد يصلح للاستعمال، لكن ماء الجنة غير آسن. {وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} [محمد:15] وهذه آفة في اللبن أنه إذا مر عليه وقت تغير طعمه، هذا اللبن الموجود في الأسواق إذا اشتريته اليوم يكون له مذاق، وإذا اشتريته بعد أسبوع يصبح حامضاً، أما بعد أسبوعين فإنه يتسمم ولا يصلح للاستعمال، ولهذا يضعون على كل علبة تاريخ انتهاء الصلاحية، لكن لبن الجنة ليس له انتهاء في الصلاحية، ولا يتغير طعمه. {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [محمد:15].

قصور الجنة

قصور الجنة يا أصحاب العقار! يا من تحبون العقار! يا من تحبون المباني! استمعوا إلى وصف قصور الجنة وعماراتها! يقول عز وجل: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} [الزمر:20] ويقول عز وجل: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً} [الفرقان:75] ويقول عز وجل: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً} [الفرقان:10]. روى البخاري ومسلم عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة) هذه لأهل الخيام، وتلك للذين يحبون العقار؛ لأن هناك من الناس من يحب العقار لكنه يريد أن يعمل له في الحوش أو في الحديقة أو في البستان بيت شعر، أو يعمل له خيمة؛ لأنه ضاق من الغرف والمجالس ومل منها، فيريد أن يأتيه الهواء من كل جانب، فاسمع ما لك من خيمة في الجنة، يقول عليه الصلاة والسلام، والحديث في الصحيحين: (إن في الجنة لخيمة من لؤلؤة مجوفة -كل الخيمة من لؤلؤة- عرضها ستون ميلاً، في كل زاوية منها -من زوايا هذه الخيمة- أهلٌ -يعني: زوجة- لا يرون الآخرين -يعني: أن بينها وبين رفيقتها مسافة بحيث أنها لا تراها من كبر المسافة، كم مساحة هذه الغرفة؟ - يطوف عليهن كلهن) أي: أن المؤمن يطوف على زوجته هذه وتلك في خيمة واحدة لا يرى بعضهم بعضاً، لا إله إلا الله!

فرش الجنة وآنيتها

فرش الجنة وآنيتها يقول عز وجل بالنسبة للفرش: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [الرحمن:54] يقول ابن القيم: البطانة من استبرق فكيف الظاهر؟ ماذا يكون؟ لا يعلمه إلا الله، وتجد دائماً أنك عندما تعمل فراشاً تضع البطانة من النوع الرديء، لكن الذي في واجهة الناس من النوع الحسن، ولهذا عندما تشتري -الآن- مجلساً عربياً ترى أنهم يضعون القماش الحسن مما يلي الجالس، ولكن إذا قلبت المسند ترى قماشاً ليس بنفس الجودة تلك، بل أقل بكثير؛ لأن هذا لا يراه أحد، ولكن في الجنة لا يوجد هذا. فالبطائن من استبرق، وهو أعظم أنواع الحرير حسناً، والذي يظهر للناس الذي يجلسون عليه ما هو؟ أخفاه الله من أجل أن تتشوق النفوس إليه، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها. ويقول عز وجل: {عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47] ويقول: {عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ} [الواقعة:15 - 16] ويقول: {فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} [الغاشية:13 - 16] هذا بالنسبة للفرش. أما الأواني فهي من صحاف وأكواب وكئوس كلها من الذهب، يقول عز وجل: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ} [الزخرف:71] ولكن لمن؟ للذي لم يشرب ويأكل فيها في الدنيا، يقول عليه الصلاة والسلام: (لا تشربوا ولا تأكلوا في آنية الذهب والفضة في الدنيا، فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة) لا تأكلوا ولا تشربوا في آنية الذهب ولا الفضة فإنها للكفار في الدنيا -إذ عندهم مال- ولكن أنتم إن شاء الله هي لكم في الجنة. قال عز وجل: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ} [الزخرف:71] ويقول عز وجل: {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً} [الإنسان:15 - 16] فكيف تكون هناك ذهب وهنا فضة؟ قالوا: آنية الذهب للذي في الجنة التي من الذهب، وآنية الفضة للذي في الجنة التي من الفضة.

نساء الجنة

نساء الجنة ولقد جاء التفصيل الكثير في الجنة فيما يتعلق بالنساء، يقول ابن القيم رحمه الله: وفي هذا سر بليغ، فإن أعظم لذائذ الحياة الدنيا هي النساء، ولهذا قدم الله عز وجل هذا في سورة آل عمران، فقال: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} [آل عمران:14] ثم أباح الله الزواج الحلال وحرم الزنا، وحتى لا يتصور من يرفض الزنا ويستعف ويكتفي بما أحل الله عز وجل، حتى لا يتصور أنه محروم جاء التعويض له في الجنة والترغيب والتشويق بذكر ما أعد الله عز وجل له في الجنة بشكل ملفت للنظر، سمى الله نساء الجنة فقال: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن:58] وقال في آية أخرى: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات:49] وقال في آية أخرى: {كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة:23] وقال: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} [الرحمن:70] وقال: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن:72] وقال: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:56] يعني: وصف عظيم لنساء الجنة. كما جاء الوصف في السنّة، يقول عليه الصلاة والسلام: (لكل مؤمن في الجنة زوجتان من نساء الدنيا) أما من الحور العين فعلى قدر أعماله، والحد الأدنى أن له اثنتان من نساء الدنيا، فإن كان عمله (100%) أخذ سبعين حورية، وإن كان عمله أقل من ذلك -مثلاً- أخذ خمسين حورية، يعني: يتفاوتون في الحوريات؛ لأن الحوريات أنشأهن الله إنشاءً: {إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً * لأَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة:35 - 38] نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم. ولعلك تقول: مالنا ولنساء الدنيا؟! بعض الناس يقول: أنا أهرب -الآن- منها في الدنيا وتلقاني أيضاً في الجنة؟ وهناك شخص ماتت زوجته فلما ماتت وأراد أن يتزوج -ولم تمت حتى آذته- فلما ماتت قال له أحد أولاده: أسأل الله يا أبي! أن يجمعك بها في الجنة، فقال الأب: أسأل الله ألا يجمعني بها في الجنة! يقول: أن يجعلها في دار غير الجنة؛ لأنه كان قد ضاق ذرعاً بها. ولعل شخصاً من الناس يقول: حسناً ما لنا ونساء الدنيا؟ نريد فقط نساءً حورياتٍ، وأما نساء الدنيا فلا نريدهن. نقول: لا. إن نساء الدنيا غير نساء الجنة؛ لأن الله تبارك وتعالى ينزع من النساء سوء الأخلاق، وينزع منهن جميع الصفات السيئة، ولا يبقى فيها إلا الخلق القويم الجميل؛ ولأن المؤمن لا يتلذذ التلذذ الكامل إلا بنساء الدنيا، فاعلم أن النساء المؤمنات المسلمات الصالحات اللاتي استقمن على دين الله وأدخلهن الله الجنة سيكن لك في الجنة خير وأجمل من الحور العين، وأجمل أيضاً في الأخلاق من الحور العين، وأن الحور العين خدم لهن، فالحورية في الجنة تكون خادمة للمؤمنة من نساء أهل الجنة، يقول الله عز وجل: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47]. واعلم أن نساء أهل الجنة مطهرات، ليس كما كانت في الدنيا، سواء منهن المسلمات أو الحور العين، فلا بول ولا غائط ولا حيض ولا نفاس، ولا ولادة، وإنما أبكار، كلما جاءها زوجها رجعت بكراً كما كانت، فليس هناك شغل عند المؤمن إلا افتضاض الأبكار في الجنة، يأتيها بكراً ويذهب فيردها الله بكراً مرة أخرى، كيف؟ لا نعلم. هذا نعيم أعده الله لأهل الجنة. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم. يقول الله: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:25] ويقول: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:56] وسماهن الله كواعب: {وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً} [النبأ:33]، وأتراب أي: في سن واحدة، وكواعب: يعني: ناهدات، أي: مرتفعات النهود. أرأيت يا أخي! لو أن رجلاً أو شاباً أراد أن يتزوج وأخبره أحد الناس عن فتاة جميلة مهذبة ذات خلق ودين وجمال، فحببه إليها، حتى ازداد شغفاً لها ورغبة فيها، وبذل المال الطائل في سبيل الزواج منها، ولربما أدى هذا إلى إتلاف روحه في سبيل نيلها، وهذا رب العالمين -أيها الإخوة- أصدق المخبرين: {ِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} [النساء:87] يخبرنا عن الحور العين ويصفهن ويحببهن إلينا بما يجعلنا نرغب فيهن، ونعمل من أجل الحصول عليهن، والزواج منهن، فهل من خاطب -أيها الإخوة- في الحوريات؟ هل من راغب لهن في الجنة، إن كنت خاطباً فبرهن على صدقك بدفع المهر المقدم، إنه الإيمان بالله، إنه العمل الصالح، إنه اجتناب محارم الله. ولا تكن كمثل ذلك الأعرابي الذي صلى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما أحسن الصلاة، صلى صلاة خفيفة ثم رفع يديه وقال: اللهم إني أسألك حوراء عيناء في الجنة، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: (أحسنت الخطبة ولكنك أسأت المهر) تريد جنة وفيها حوراء عيناء بهذه الصلاة المضطربة! لا ينفع هذا المهر. إن الجنة -أيها الإخوة- لا بد أن تدفع فيها المهر الغالي. ومن يخطب الحسناء لم يغله المهر يقول ابن القيم رحمه الله: فكن مبغضاً للخائنات بحبها لتحظى بها من دونهن وتسلم ويا خاطب الحسناء إن كنت راغباً فهذا زمان المهر فهو المقدم إن كنت تريد الحوراء فقدم المهر، وهو: الإيمان والعمل الصالح، والاستقامة على منهج الله، وإليك هذا الحديث الشريف الذي يزيدك حباً في الحوريات، يروي الترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت على الأرض لأضاءت ما بينها -يعني: ما بين الخافقين- ولملأت ما بينهما ريحاً -ما بين السماء والأرض- ونصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها) فما ظنك -يا أخي- إن كان خمارها خير من الدنيا وما فيها، وريحها يعبق ما بين السماء والأرض؟ فيا سعادة من تكن له هذه الزوجة! اللهم وفقنا للعمل الصالح والإيمان الصادق حتى نكون من أزواجهن برحمتك يا أرحم الراحمين! واعلم يا أخي! أن من في الجنة لا يحتاج إلى مرآة، فإذا كنت في الجنة فلا يوجد هناك مرايات لكي ترى شكلك ومنظرك، وإنما تنظر في وجهها وفي صدرها فترى وجهك في صدرها، وترى مخ ساقها من وراء الحلل كما ترى اللبن في القارورة، لا تخفيه حللها، ويحكى أن رجلاً من الصالحين لما سمع قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة:111] لما سمع هذه الآية، قال: الله اشترى مني ودفع لي الجنة، فقام وجاهد حتى وجدوه وقد قتل في سبيل الله عز وجل.

الخدم والغلمان في الجنة

الخدم والغلمان في الجنة ومن تمام سعادة الإنسان في الجنة أن يكون له خدم يخدمونه؛ لأنه إذا خدم نفسه تنغصت معيشته، لكن عندما يكون لديه خدم يقومون على خدمته، ويشرفون على أموره فإنه يزداد سعادة، بحيث لا تبذل أي جهد وإنما يوزع الأعمال على خدمه وغلمانه من حوله، فهذا يقدم له الماء، وهذا يقدم له الطعام، وهذا يقدم له الملابس، وهذا يقدم له الحذاء، وهذا يفتح له باب السيارة، وهذا يعمل في المزرعة، وهذا يرتب المكان، خدمة عظيمة! من الذي يخدمك في الجنة؟ وصف الله عز وجل خدم الجنة وغلمانها بأنهم لؤلؤ مكنون، فقال عز وجل: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً} [الإنسان:19] وإذا كان الخدم مثل اللؤلؤ المنثور فكيف بالمخدومين، لا إله إلا الله! واعلم يا أخي! أن أولئك الغلمان هم ملك لأهل الجنة، وليسوا أجراء، وإن أدنى أهل الجنة منزلة من يقف ويكون على خدمته ثمانون ألف غلام، يقول الله: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ} [الطور:24] ويقول: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:71] ويقول عز وجل: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة:17 - 21].

طعام وشراب أهل الجنة

طعام وشراب أهل الجنة أما طعامها وشرابها، فقد ذكر الله عز وجل الطعام بأنه من ألذ اللحوم وهو الطير، قال عز وجل: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة:21] وقال: {وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الطور:22] وهذا اللحم غير منقطع، فمتى شئته وجدته، بخلاف ثمرات الدنيا وفاكهة الدنيا، ولحوم الدنيا فإنها توجد في أوقات وتنعدم في أوقات، أما فاكهة الجنة وثمار الجنة فإنها لا مقطوعة ولا ممنوعة، لا مقطوعة بزمن، ولا ممنوعة بثمن: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [الزمر:74] واعلم أن الجنة فيها من جميع الثمار ومن جميع الفواكه، التي تعلمها والتي لا تعلمها، ولا تعرف مكانها ولا تحمل في سلة أو كيس وإنما معلقة في أشجارها، وإذا أردتها تدلى لك الغصن، يقول الله عز وجل: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} [الرحمن:54] وقال عز وجل: {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً} [الإنسان:14]. وورد في الحديث أن المؤمن وهو جالس في الجنة يشتهي الفاكهة وهي في الشجرة فيتدلى له الغصن ثم يقطف منه ويأكل ثم يعود الغصن كما كان، يقول الله عز وجل: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ} [الحاقة:23] فلا يذهب ليأتي بها ولكنها دانية. ويروي الترمذي عن أنس رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، اقرءوا إن شئتم {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة:30]) ولعلك تقول: يا أخي! إن هذه الشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام فكيف يستطيع أن يأكل من جميع الثمار، فاعلم يا أخي! أن أغصان الجنة ملتفة حول بعضها من كثرتها، يقول الله: {ذَوَاتَا أَفْنَانٍ} [الرحمن:48] أي: ملتفة بعضها على بعض، ولكن تأكل من كل الثمار، وتجد لآخر فاكهة، أو لآخر طعام من اللذة والطعم ما لأول أكلة، لماذا؟ قال العلماء: لأن طعام الجنة ليس كطعام الدنيا، فأنت تأكل طعام الدنيا على أساس تقوية جسمك وتعويضه بالمواد الغذائية، فإذا اكتفى جسمك فإنك بعد ذلك لا تريد، ولهذا إذا شبعت وأتى شخص وأجبرك بشيء طيب، فإنك تقول: طعام طيب ولكني شبعت، فلا أستطيع، وإذا أجبرك وقال: والله لابد أن تأكل -هذا إكرام أم ماذا؟ إهانة- وفتح فمك وأدخل فيه الطعام بالقوة فإنك ستموت أو تتقيء؛ لأنك تأكل لغرض، وهذا الغرض هو تعويض الجسم بالطعام، لكن في الجنة لا تأكل لغرض تعويض الجسم، وإنما تأكل لغرض المتعة. وفي قول الله عز وجل: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ} [الزخرف:71] ذكر ابن كثير حديثاً، قال: (يطوف على رأس كل رجل من أهل الجنة عشرة آلاف خادم مع كل خادم صحفتان: صحفة من ذهب وصحفة من فضة، في كل صحفة لون من الطعام ليس في الثانية مثله) يعني: عشرة آلاف في صحفتين كم تصبح؟ عشرين ألف نوع من الطعام، يأكل من أوله حتى يصل إلى آخره، فيجد لآخر لقمة من الطعم واللذة مثل ما لأول لقمة، لا إله إلا الله! اللهم إنا نسألك من فضلك يا رب العالمين! هذه ثمارها وطعامها.

لباس وزينة أهل الجنة

لباس وزينة أهل الجنة أما لباسهم فهو الحرير، يقول الله عز وجل: {عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ} [الإنسان:21] وهذه الثياب لها خاصية أنها لا تبلى، وكلما طال عليها الزمن تزداد جمالاً وجودة، أما الرجال فيلبسون على رءوسهم التيجان المرصعة باللؤلؤ. روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أهل الجنة جرد مرد) ليس هناك لحى في الجنة، إذا كان معك لحية في الدنيا وأتعبتك وأزعجتك بالإحراجات وبما يصفك الناس به فاصبر عليها، فإنك في الجنة ستكون أجرد أمرد، من أجل النعيم، لكن إذا كنت أجرد أمرد هنا تكون معك لحية هناك، لكن أين تكون؟ لا حول ولا قوة إلا بالله! أخي: لا بد أن نتمسك بهذه السنة -أيها الإخوة- هذه السنة ليست شعر، لا. هذا هدي نبوي، هذا دين، هذا شرع، هذا أمر الله، يقول الله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر:7] الرسول أمرنا أن نعفي لحانا، قال: (قصوا الشوارب) (اعفوا اللحى) (أكرموا اللحى) (أرخو اللحى) (أسدلوا اللحى) (خالفوا المجوس) (خالفوا المشركين) كانت لحيته الشريفة ما بين منكبيه، تملئ وجهه. فالقضية ليست قضية شعر، وإنما قضية انتماء، قضية اعتزاز، قضية فخر، قضية محبة للرسول صلى الله عليه وسلم. من أحب مخلوق عندك أنت أيها المسلم؟! إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. من الرجل المثالي في كل حياتك، والذي تتشرف أنت أن تكون من أتباعه ومتأسٍ به؟ إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولهذا قال الله: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] هذا الذي يكون له أسوة في رسول الله، من كان يرجو الله، ويرجو ما عند الله، وذكر الله كثيراً، أما من يحلق لحيته ويعتدي عليها -أيها الإخوة- فإنه يخالف هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، ويخالف أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم، فالرسول يقول: (أكرموا اللحى) فهل أكرمها مَن حلقها؟ لا والله. بل أهانها، أين يحلق الرجل لحيته؟ إما في غسالة البيت، وتذهب بعد ذلك في المجاري أو عند الحلاق، يحلقها ثم يدوس عليها برجله، ثم يكنسها بالمكنسة، ويضعها في صندوق القمامة، ثم تمر سيارة البلدية ويدعيهم فيقول: خذوا ثمانين لحية واذهبوا بها إلى المحرقة. هذه لحى المجرمين! أكرم ما فيك وجهك ولحيتك، ولهذا لو جاء شخص وجذب لحيتك فإنك تأكله، كل شيء يهون فيك إلا لحيتك، وكان الآباء والأجداد يوم أن كان للحية قيمة إذا قال الشخص كلمة وأراد أن يلتزم بها قال: في لحيتي، يعني: انتهى. لكن الآن لو قال لك: في لحيته، يعني في ماذا؟ في عظمه، ولا وحول ولا قوة إلا بالله! (إن أهل الجنة جرد مرد كحل، لا يفنى شبابهم ولا تبلى ثيابهم، عليهم التيجان، وإن لؤلؤة منها لتضيء ما بين المشرق والمغرب، وأما النساء فيلبسن على رءوسهن الخمر) سبحان الله! يقول العلماء: إن المؤمن والمؤمنة في الجنة يعفيان من كل تكاليف الشرع الإسلامي، لا صلاة ولا صيام ولا صدقة، ولا حج ولا بر، ولا شيء، ليس هناك إلا أكل ونكاح، حتى النوم لا يوجد، لماذا؟ قال العلماء: لأن النوم في الجنة يفوت على الشخص النعيم؛ ولأنه إذا نام فاته الأكل والشرب والنكاح، ولا يوجد نوم في النار، لماذا؟ لأن النوم يريحهم من العذاب، ولهذا قال الله: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً} [النبأ:24] قالوا: البرد يعني: النوم، لا يذوقون النوم، فأهل الجنة لا ينامون حتى لا يفوتهم شيء من النعيم، وأهل النار لا ينامون حتى لا يستريحون من العذاب. إلا تكليف واحد أبقاه الله على النساء في الجنة، وهو: الحجاب. ولهذا قال الله: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن:72] أي: محجبات، والمرأة في الجنة وهي في الجنة أيضاً محجبة، وهذا شرف عظيم لها، أن الله عز وجل يغار عليها في الدنيا ويغار عليها أيضاً في الجنة، وعلى رءوسهن الخمر، وقد علمت أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أن خمارها أي: غطاءها خير من الدنيا وما فيها. وأما الزينة والحلي، فهي أسوار، يقول الله عز وجل: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} [الحج:23] ويقول: {وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} [الإنسان:21] والحديث في سنن الترمذي يقول عليه الصلاة والسلام: (لو أن رجلاً من أهل الجنة طلع فبدا إسوره لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم) الآن في الليل هل ترون النجوم؟ نعم. لكن في الصباح والنهار هل نراها؟ لا. هي موجودة ونورها موجود لكن لا نراه، لماذا؟ لأن الشمس طمسته، كذلك لو طلعت إسورة فقط من حلي مؤمن من أهل الجنة لطمست الشمس كما تطمس الشمس النجوم، فلن ترى الشمس من بريق إسورة فقط من أساور أهل الجنة. فهذه الجنة -يا أخي- وهذا وصفها.

حال أهل الجنة

حال أهل الجنة أما عن حال أهلها ونعيم أهلها -جعلنا الله وإياكم من أهلها- فإنهم يدخلون الجنة شباباً، سواءً مت كبيراً أو صغيراً، شيخاً أو كهلاً، فإنك تعود إلى سن ثلاث وثلاثين سنة، وهذا المعدل أفضل معدل لسن الشاب، أما قبله وبعده فليس بحسن، لكن هذا السن أحسن شيء، وطول الواحد منهم طول آدم، ستون ذراعاً، والعرض سبعة أذرع، والجمال جمال وحسن يوسف عليه السلام، والخلق خلق محمد صلى الله عليه وسلم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات من أهل الجنة من صغير أو كبير يردون بني ثلاثين في الجنة لا يزيدون عليها أبداً وكذلك أهل النار) نعوذ بالله وإياكم من النار. وروى البخاري والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أول زمرة تدخل الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون ولا يتمخطون ولا يتغوطون، آنيتهم من ذهب، وأمشاطهم من ذهب، ومجامرهم من الألوة، ورشحهم المسك) والألوة هي العود، وهو عود الطيب، والعرق الذي يخرج من أهل الجنة المسك. ويقول عليه الصلاة والسلام -والحديث أيضاً أخرجه الترمذي -: (أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة النصف، والثانية على لون أحسن كوكب دري في السماء، لكل رجل منهم زوجتان) وهكذا يعيشون في الجنة يأكلون ويشربون، لا يتغوطون ولا يبولون، وإنما يرشح منهم الطعام والشراب رشحاً لونه رشح وريحه ريح المسك، كما أنهم لا يموتون ولا يمرضون، ولا يهرمون ولا يضعفون، ولا يحزنون ولا يتعبون، وليست بينهم عداوة ولا بغضاء، وليس بينهم حسد ولا نزاع، بل إخوة متحابون، يقول الله: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [الدخان:56] {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} [فاطر:34 - 35] {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47]. روى الإمام مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة لسوقاً -السوق هذا كل جمعة- فتهب ريح -يسمونها ريح الشمال- فتحثوا وجوههم وثيابهم بشيء من الجمال، فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهلهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول أهلوهم: والله لقد ذهبتم وعدتم إلينا وقد ازددتم حسناً وجمالاً فيقولون: والله وأنتم لقد ازددتم حسناً وجمالاً) يعني: مع كثرة الاستمرارية والعيش في الجنة يمل بعضهم بعضاً، فيجري التجديد للجمال كل أسبوع، يعني: كل أسبوع ومعك زوجة فيها جمال غير الجمال الأول. وقارن في الدنيا عندما يكون معك سيارة (موديلها) [95] تستريح فيها، لكن عندما تطلع [96] فماذا تفعل؟ تنظر إلى [96] وتقول: الله ما هذا الجمال! هذه ممتازة، هذه شكلها حسن! وتبقى سيارتك في نظرك قديمة، وإذا جاء (موديل) [97] أصبحت سيارتك أقدم، إلى أن تستقبحها وتبيعها. لكن لو كان لك كل (موديل)، كلما ظهر (موديل) اشتريته، معناها أنك رجل في مكان عالٍ، كذلك أهل الجنة كل أسبوع، وليس كل سنة، كل أسبوع يجتمعون في سوق اسمه سوق الجنة، وهذا السوق يحصل فيه بيع وشراء، لكن من غير ثمن، السلع موجودة وأنت تأخذ منها ما تشاء، والله يتجلى على الناس في ذلك اليوم: ويرونه سبحانه من فوقهم نظر العيان كما يرى القمران وبعد ذلك يرجعون إلى بيوتهم، فإذا دخلوا على زوجاتهم لا يعرفنهم، تقول الزوجة: والله ما أنت الأول، ازددت والله حسناً وجمالاً، وهو يقول: وأنت أيضاً لست الأولى، ماذا فعلت؟ ازددت حسناً وجمالاً. تغير (الموديل)! كل أسبوع ومعك (موديل) عظيم في الجنة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها. يقول عز وجل وهو يبين أن أعظم نعمة هو النظر إلى وجهه الكريم: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة:22] أي: مشرقة وجميلة {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:23] أي: مشاهدة، ويقول: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] والزيادة هي: النظر إلى وجه الله الكريم، ويقول: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35] والمزيد هو: النظر إلى وجه الله الكريم، فعندما يتجلى الله عز وجل ويكشف لهم الحجاب يخرون سجداً لله عز وجل فيقال لهم: ارفعوا رءوسكم يا عبادي! إن عهد العبادة قد مضى في الدنيا وانقطع، وأنتم اليوم في درا النعيم، ودار الجزاء: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24] فلا صلاة ولا صيام ولا صدقة ولا جهاد، بل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [الزمر:74]. ويزداد النعيم عليهم عن طريق الملائكة التي تدخل من أجل التبريك والتهنئة، يقول الله عز وجل: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:23 - 24].

أخلاق أهل الجنة

أخلاق أهل الجنة أما في ما بينهم -أيها الإخوة- من أخلاق وتعامل، فلا خصام ولا كذب ولا لغو ولا حسد، بل تحيتهم فيها سلام، يقول الله: {تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ} [إبراهيم:23] {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ} [يونس:10] ما هي آخر دعواهم؟ إذا أرادوا شيئاً، أحدهم يريد فاكهة -مثلاً- لا يقول: أنا أريد فاكهة وإنما يقول: سبحانك اللهم، أو يقول: الحمد لله رب العالمين فتأتي الفاكهة: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ} [يونس:10] {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً * إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً} [الواقعة:25 - 26] ليس عندهم إلا سلام، لماذا؟ لأنهم في دار السلام، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل دار السلام. ثم يحصل بينهم نوع من الذكريات، وأهل الجنة على الأسرة يقابل بعضهم بعضاً يشربون من الأنهار ويتناولون من الثمار، ويأكلون من الفواكه واللحوم، وينكحون أجمل الحوريات، يحصل لهم نوع من الذكريات، وهذا نوع من النعيم، أنهم يتحدثون في الجنة، فيتذكرون ما كانوا فيه، يذكر الله عز وجل لنا في كتابه الكريم بعض هذه الأحداث والمحاورات، يقول الله: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} [الطور:25 - 26] يقولون: إنا قبل ونحن في أهلنا ومع أزواجنا ومع أولادنا كنا خائفين، كنا مشفقين من عذاب الله، كان هذا الخوف يمنعنا من المعاصي، كان هذا الخوف يزجرنا عن الآفات والسيئات، كان يقودنا إلى الطاعات والعمل الصالح: {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} [الطور:26 - 27] أي: أمّننا الله: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور:27 - 28]. ويقول عز وجل: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} [الصافات:50 - 51]. واحد أهل الجنة يتحاور مع جلسائه في الجنة قال لهم: إني كان لي قرين، كان لي صاحب، كنت على الطاعة وهو على المعصية، كان يستهزئ بي، كان كلما رآني على الإيمان والعمل الصالح قال لي: هل أنت مصدق أن هناك جنة ونار؟ {إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ * يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافات:51 - 53] وبينما هو يحدثهم وإذا بآخر يقول: {هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} [الصافات:54] هل تريدون أن ترون هذا الذي كان يكذب، هذا لم يختفِ، بل موجود، أين يا رب؟ موجود في النار. قال عز وجل: {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات:55] في وسط النار: {قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} [الصافات:54] هل تريدون أن تروا هذا المستهزئ المكذب، هل أنتم مطلعون، -وهم على الأسرة- ويفتح لهم باب ونافذة، وإذا بهم يرونه: {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات:55] ماذا قال؟ {قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} [الصافات:56] يقول: والله إنك أردت أن تهلكني يا عدو الله! {وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} [الصافات:57] أي: لولا الثبات على الدين لكنت من المحضرين، ثم يقول لإخوانه: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ * أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقومِ} [الصافات:58 - 62] هذا المكان أحسن أو ذاك ما رأيكم؟ إذا دخلت بيتاً وتريد أن تتعشى، وأنت معزوم على العشاء، واستوقفك صاحب البيت وقال: انظر! هذا المجلس يوجد فيه عشاء ومشايخ وعلماء وخرفان وفاكهة، وهذا المجلس يوجد فيه (سواطير) و (مشاعيب) وسلاسل ومجرمون، وخبط وضرب، تريد هنا أو هناك، ماذا ستقول؟ ستقول: تخيرني! الله أكبر عليك! تشاورني! ليس في هذا مشورة، ونحن نقول للناس الآن: يوجد جنة ونار هل فيها خيار؟ ماذا تختار؟ الله يقول: {مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [القصص:68] ويقول تبارك وتعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36] تختار بين الجنة والنار؟! {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب:36]. أيضاً من دواعي النعيم في الجنة أن يحصل نوع من الكشف لأهل الجنة بما يعاني منه أهل النار، ليعرفوا فضل الله عليهم بنعيم الجنة، وقد ذكر الله تبارك وتعالى هذا في أنه يحصل محادثة بين أهل الجنة وأهل النار، قال عز وجل في سورة الأعراف: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ} [الأعراف:44] النداء يأتي من الجنة لأهل النار: {أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقاً} [الأعراف:44] يقولون: وجدنا الذي وعدنا الله من النعيم، إنه موجود حقاً ونحن فيه الآن {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقاً قَالُوا نَعَمْ} [الأعراف:44] أهل النار يقولون: نعم. فقط! لم يطيلوها؛ لأنه ليس هناك مجال للتطويل؛ لأنهم في النار والذي في النار لا يستطيع أن يتكلم كثيراً: {فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [الأعراف:44] أعاذنا الله وإياكم من النار. ثم يأتي نداء من أهل النار: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ} [الأعراف:50] لا يريدون إلا الماء؛ لأنهم في نار تشوي أجوافهم وأكبادهم {أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعراف:50]. ويذكر الله تبارك وتعالى ما يقوله المنافقون حينما تنطفئ أنوارهم ولا يرون نوراً وهم يسيرون على الصراط، فيقول عز وجل: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد:13] قال المفسرون: انظرونا يعني: انظروا إلينا من أجل أن نقتبس من أنواركم، أو انظرونا أي: انتظروا حتى نلحق بكم ونمشي على نوركم: {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ} [الحديد:13] يعني: اذهبوا إلى الدنيا، الأنوار التي تريدها في الآخرة تأخذها من الدنيا، و (ارجعوا وراءكم) تقال لهم على سبيل التهكم وإلا ليس هناك إمكانية للرجوع إلى الدنيا: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ} [الحديد:13 - 14] كنا جيراناً وإخواناً وأصدقاءً وأرحاماً وزملاءً، كيف ذهبتم وتركتمونا؟ {أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى} [الحديد:14] نعم. كنا سوياً: {وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ} [الحديد:14] بالمعاصي والوقوع فيها، وترك الطاعات وعدم ممارستها: {فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ} [الحديد:14] وما هي الأماني؟ ما يفعله من يتمنى المغفرة وهو مقيم على الذنب، عندما تذهب إلى شخص وهو غارق إلى أذنيه في المعاصي وتقول له: يا أخي! اتق الله! فيقول لك: ربنا غفور رحيم، غفور رحيم لك؟ لا. غفور رحيم لمن يتوب ويرجع، أما المصر على الذنب فلا. بل شديد العقاب عليه: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر:49 - 50] {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ} [طه:82] لكن لمن؟ لمن استمر؟ لا. {لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82] {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر:53] ثم قال بعدها: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} [الزمر:54]. أما أن يظل مقيماً على المعاصي ويقول: الله غفور رحيم، فهذه أماني، والأماني رءوس أموال المفاليس، هذا مفلس يوم القيامة، ليس عنده شيء إلا الأماني، والأماني لا تفعل شيئاً: {وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [الحديد:14]. ويحصل أيضاً خطاب بين أهل الجنة، يقول الله عز وجل: {إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ} [المدثر:39 - 40] أحدهم يسأل ويقول: أين فلان؟ لكن عمن؟ عن المجرمين. إذا عرف أنه مجرم قال: أين هو؟ فيقال: في النار. فينظر إليه ويقول: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر:42] ما الذي ذهب بك إلى النار؟ لماذا لم تكن معنا؟ {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ

سبيل الجنة

سبيل الجنة أما سبيل الجنة، جنة عدن، فإليك بيانه من كلام الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الصف:10 - 12] هذا هو سبيل الجنة وهذا هو طريقها، واعلم -يا أخي- أن السلف رحمهم الله لما عرفوا هذا الطريق وعلموه سلكوه وساروا فيه، وقدموا في سبيله كل ثمن، استرخصوا المهج والأرواح، واسترخصوا البعد والخروج من الديار، خرجوا من ديارهم، فارقوا زوجاتهم، فارقوا أنفسهم، قُطِّعت رقابهم، بقرت بطونهم، قطعت أنوفهم وآذانهم، وشوهت خلقتهم في سبيل الله، لماذا؟ لأنهم عرفوا الطريق، يقول الله: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:23]. وهذا مثل من أمثلتهم: رجل منهم اسمه: عمير بن الحمام رضي الله عنه، وقف في غزوة بدر والرسول صلى الله عليه وسلم يقول للصحابة: (قوموا إلى جنة عدن، وجنة عرضها السماوات والأرض، قال: يا رسول الله! عرضها السماوات والأرض؟ قال: نعم. قال: بخ بخ. قال: ما حملك على هذا؟ قال: أرجو أن أكون من أهلها، قال: ما بينك وبينها إلا أن تموت، فنظر إلى يديه وفيها تمرات، قال: والله إنها لحياة طويلة حتى آكل هذه التمرات، ثم رماها وقام ودخل المعركة وقاتل وأبلى بلاءً عظيماً) مات في سبيل الله، هذا هو الصادق! أما الذي يريد الجنة وهو كاذب، يريد الجنة وهو مقيم على الذنوب، يريد الجنة وهو مضيع لصلاة الفجر، يريد الجنة وهو محافظ على شرب الدخان، تقول له: اترك التدخين، يقول: يا شيخ! لم أستطع! يريد الجنة وهو ينظر إلى الحرام، يريد الجنة وهو يستمع إلى الحرام، يريد الجنة وهو يقع في الزنا، يريد الجنة وهو يتعامل بالربا، ويقول: الله غفور رحيم ونريد الجنة، أبوك آدم أُخرج من الجنة بذنب. يقول ابن القيم: يا قليل العزم! أبوك أُخرج من الجنة بذنب وأنت عند الباب وخارج الجنة وعندك آلاف الذنوب كيف تدخلها، وما هو ذنب آدم؟ لا زنى ولا سرق ولا لاط ولا رابى، وإنما لا تأكل من الشجرة فأكل من الشجرة، وما أكل يريد أن يعصي الله، بل يريد أن يبقى في الجنة، يريد أن يبقى فيها دائماً، ومن الذي كاد له؟ إنه الشيطان، هو الذي قال له: {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ} [الأعراف:20]، إذا أكلتها أصبحت من الملائكة، قال الله: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} [الأعراف:22]. فيا إخواني! هذه الجنة تحتاج إلى عمل وتحتاج إلى صدق مع الله تبارك وتعالى، ثم بعد ذلك ليعلم كل منا أنه لن يدخل أحد الجنة بعمله؛ لأن عملك مهما عملت لا يساوي شيئاً من نعم الله عليك في الدنيا فضلاً عن الآخرة: (قالوا: يا رسول الله! ولا أنت؟ قال: ولا أنا) ما رأيكم، من منا يبلغ درجة الرسول صلى الله عليه وسلم في عبادته؟ حتى الرسول لا يدخل الجنة بعمله، قال: (حتى أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) قدِّر يا أخي! نعمة الله عليك، ثم اعرف ما عملت، لو عبدت الله من يوم أن تخلق إلى أن تموت فهل تعدل هذه العبادة نعمة البصر؟ هل تعدل نعمة العافية؟ لا. لا تعدل أي نعمة من نعم الله عليك، ثم إذا عبدت الله وصليت؛ صليت بجسد من الذي خلقه؟ الله، العافية التي في هذا الجسد من أعطاك إياها؟ الله. إذا تصدقت بالمال، فمن أين هذا المال؟ من الله. إذا جاهدت ووضعت مالاً أو نفساً فمن من؟ من الله. إذاً: كل شيء من الله، وهو صاحب الفضل الأول والأخير: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل:53]. فعلينا -أيها الإخوة- أن نعبد الله وأن نتوب إليه، وأن نستقيم على منهج الله، وأن نجاهد أنفسنا على طاعة الله، وأن نجاهدها عن معصية الله، وأن نسأل الله الثبات حتى نلقاه، وبعدها يعطينا الله فضلاً منه وكرماً ورحمة يعطينا الجنة وإلا فليست الجنة نظير أعمالنا، فأعمالنا قليلة، وأفضال الله علينا كثيرة. نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن ينصر دينه وأن يعلي كلمته، وأن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة، ويذل فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، إنه سميع الدعاء، كما نسأله تبارك وتعالى أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه، وأن يكتبنا وإياكم في هذه الساعة المباركة وفي هذا المكان المبارك من أهل الجنة، وأن يعتق رقابنا وإياكم ورقاب آبائنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا وجميع المسلمين من النار؛ إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.

الأسئلة

الأسئلة

ما أعد الله للنساء في الجنة

ما أعد الله للنساء في الجنة Q استشهدت كثيراً بما للرجال في الجنة -هذا السؤال جاء من عند الأخوات- فهل من حديث لنا نحن النساء في الجنة؟ A كل ما للرجال في الجنة فللنساء مثله، إلا مسألة التعدد، لا يوجد إلا حوري واحد فقط، لكن حوري يسد إن شاء الله، ويقوم باللازم وزيادة، أما لماذا لم يذكر الله الحور الرجال في الجنة في القرآن الكريم؟ قالوا: لأن الله ذكر النساء؛ لأنهن موضع تلذذ، فأغرى الله الرجال بهن، وإلا فإن للمؤمنة في الجنة مثلما للرجل، مما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر.

نصيحة باغتنام أيام العمر بفعل الطاعات

نصيحة باغتنام أيام العمر بفعل الطاعات Q نحن في هذه الأيام نودع عاماً هجرياً فهل من ذكرى لإخواننا في الله عز وجل؟ A نعم. نحن اليوم ثمانية وعشرين وغداً تسعة وعشرين وبعده ثلاثين، نطوي عاماً من أعمارنا، لا ندري ما الله عز وجل قد كتب لنا فيه من العمل الصالح، وهكذا الأيام والشهور والأعوام تمر، وسنقف في يوم من الأيام أمام نهاية أيامنا ولن يبقى معنا شيء إلا ما عملناه من عمل صالح، وأنا شبهت عمر الإنسان مثل هذا التقويم المعلق في المساجد، يعلق في أول العام وهو سمين، فيه ثلاثمائة وستون ورقة، ثم في كل يوم ننزع ورقة ورقة ورقة إلى آخر يوم من شهر ذي الحجة حيث لا يتبقى منه إلا هذا (الكرتون) فماذا نصنع (بالكرتون)؟ نرميه، لأنه لم يعد فيه ورق انتهت أيامه، وكذلك أنت، أنت سمين بالأيام التي معك، وكل يوم تنزع ورقة من عمرك، إلى أن تنتهي أوراقك ولا يبقى إلا (الكرتون)، يعني: الجسم، فأين تذهب (بالكرتون)؟ تذهب به إلى المقبرة، والأوراق هذه محفوظة، كل ورقة: (ما من يوم تغرب فيه الشمس أو تشرق إلا وملك ينادي: أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمني فإني لا أعود إلى يوم القيامة) كل يوم لا يعود. أيها الإخوة: اليوم يوافق 28/ 12 / (1415هـ) لا يعود هذا اليوم، وإنما يأتي يوم 28/ 12/ لكن (1416هـ) وبعده (1417هـ) وهكذا، فنحن نقطع الأعمار، وتمشي بنا الأعوام، وإنما أنت أيها الإنسان مجموعة أيام إذا ذهب يومك فقد ذهب بعضك، وفت الزمان جزءاً منك، فاحذر يا أخي! أن تُضيع حياتك، وإن كنت قد أسأت في الماضي فاستغفر الله، واستدرك ما فاتك، واحمد الله عز وجل الذي مد في عمرك، يقول عليه الصلاة والسلام -والحديث في سنن الترمذي - كان إذا استيقظ من النوم يقول: (الحمد الله الذي رد عليّ روحي، وعافاني في بدني، وأذن لي بذكره) انظروا إلى الثلاث: الحمد لله الذي رد عليّ روحي، يعني: كنت ميتاً، ثم: (عافاني في بدني) تقوم وإذا بك ما شاء الله صحيح البدن معافىً من رأسك إلى قدمك لا يوجد فيك شيء تالف، ثم: (أذن لي بذكره) يعني: أعطاك تمديد في العمر لأجل أن تذكره، كان من الممكن أن تموت ولا تقوم، كم من شخص نام ولم يقم من فراشه. فهذا -أيها الإخوة- ما نوصي به الإخوان: بأن يتذكروا أن هذه الأيام كلها من أعمارنا وأن علينا أن نتوب إلى الله، وأن نتدارك ما فاتنا من عمل صالح.

الأمر بغض البصر ومجاهدة النفس عليه

الأمر بغض البصر ومجاهدة النفس عليه Q أنا شاب ملتزم والحمد لله، ومشكلتي أنني لا أستطيع أن أغض بصري عن النساء اللاتي أراهن أمامي في الشارع أو في السوق، أو في السيارات إلا نادراً، فما هو الحل لمثل هذه المشكلة؟ A أنت ملتزم والحمد لله وتحتاج إلى نوع من المجاهدة؛ لأن الشيطان ابتلاك بهذه المعصية، وهذا من البلاء، وعليك أن تعالج نفسك، فأنت مريض بهذا الأمر، ويكون هذا عن طريق الجهاد والتذكر، وأن هذه النظرة تغضب الله، وأن الله ينظر إليك في تلك اللحظة، وأن هذه النظرة تفسد قلبك، وأنها تعدم دينك، وأنها لا تفيدك، هل منها مصلحة؟ ما هي فائدة النظر إلى الحرام؟ لا شيء، إنما ضرر ذلك عليك في دينك ودنياك وقلبك وكل شيء، لكن المصلحة في ماذا؟ في غض بصرك؛ لأن غض البصر راحة للقلب، كلما رأيت شيئاً التفت عنه، لكن إن رأيت شيئاً وفتحت عينك أحرقت قلبك، ولهذا يقول الناظم: كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وتر يسر ناظره ما ضر خاطره لا مرحباً بسرور عاد بالضرر فنوصيك بالمجاهدة وبالابتعاد عن أماكن تجمعات النساء، الأماكن التي فيها نساء لا تقربها، الأسواق لا تنزلها، المسجد الحرام إذا كان عندك هذا المرض فلا تأتيه، لماذا؟ لأنك تأثم، المكان الذي يوجد فيه نساء لا تذهب إليه فترة الترويض والمجاهدة، إلى أن يعينك الله وتتغلب على هذا المرض والعياذ بالله.

حكم تقصير اللحية بسبب الألم

حكم تقصير اللحية بسبب الألم Q هل يجوز الأخذ من اللحية؛ لأننا نرى ذلك عليك، نرجو التوضيح؟ A أبداً. لا يجوز الأخذ من اللحية، وليس ذلك علي والحمد لله، فأنا من فضل الله لا آخذ شيئاً من لحيتي، لكن لحيتي هكذا فماذا أفعل؟! ليس بيدي طولها؟ هل أعلق فيها ثقالة لكي تطول، الله خلقها هكذا، فمالي حق أن أذهب أطولها، وأما أني آخذ منها فلا، وأسأل الله أن يثبتني وإياكم على الإيمان.

نصيحة لأصحاب الفضائيات

نصيحة لأصحاب الفضائيات Q هل تجوز مقاطعة من في بيته دش؟ A أولاً: لا ينبغي لمسلم أن يأتي إلى بيته (بالدش)؛ لأن معناه أنك تستمطر كل ما في قنوات السماء من شر، وتدخله على أهلك وعلى زوجتك وأولادك، وأنت مأمور بحمايتهم وإصلاحهم، ومسئول عنهم يوم القيامة، فالله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6] أو قال: أوردوهم النار؟ والذي يأتي بالدش إلى بيته هل هو يورد الخير على أهله أم يورد الشر؟ لا يوجد أحد -أيها الإخوة- يستطيع أن يقول: أنا أورد الخير على أهلي، وبعضهم يقول: إنما هي قنوات عربية فقط، فنقول: هو بعينه الشر والدعارة، وهل بعد ذلك من شر! ونقول: الباطل باطل، والمنكر منكر من أي طريق ومن أي مصدر، فعليك يا أخي! أن تتقي الله، واعلم أن عذرك هنا سيكون مردوداً عليك يوم القيامة إذا اعتذرت به بين يدي الله، وتجد بعض الناس يقول: أولادي يضيعون في الشوارع، فأنا آتي لهم بالدش من أجل أن يبقوا في البيت، يعني: كأنه يقول: أولادي يفسدون في الخارج فأنا أريد أن أفسدهم بيدي، سبحان الله العظيم! هل هذا هو الحل؟! إذا كان أولادك يضيعون في الخارج فاجمعهم في البيت على الخير، حاصر أولادك واحفظهم، أما أن تأتي لهم (بالدش) ليسمروا على ما حرم الله فلا والله. أيها الإخوة: لقد وقع كثير من الناس في مثل هذا الشر، وبعضهم تنبه وأدرك الخطر وأبعده، وبعضهم انهزم أمام شهوة نفسه أو زوجته وأولاده، ولكن سيجر الندم فيما بعد، وما يحصل اليوم من مشاكل ومآس ومن فضائح لا يعلمها إلا الله، كلها بأسباب هذا الوباء وهذا الخطر، -والعياذ بالله- لماذا؟ لأن الشخص ينتقل إلى كل قناة في الدنيا، يجلس (والريموت كنترول) في يده وينتقل به من قناة إلى قناة، ومن مباراة إلى مباراة، ومن فيلم إلى فيلم، ومن مسلسل إلى مسلسل، حتى أن بعضهم لا يأتيه النوم إلى الفجر، فإذا جاء لينام رفضت عيناه أن تغمض، تجبست عيناه في رأسه، والأولاد لا يذاكرون الدروس، يقول أحدهم: والله الولد كان يأتي الترتيب الأول ولما دخل (الدش) في الشهر الثاني جاء ترتيبه الحادي عشر، (رجع عشر مراتب)، قلت: جيد! الشهر الثالث لن ينجح مطلقاً، وشخص آخر يقول: زوجتي أنام وهي بجانبي، وبعد أن نكمل كل شيء ونريد أن ننام، يقول: أغمّض وأفتّح وأنظر وإذا بها ليست عندي، ذهبت عند (الدش)، تريد أن تسمر.

أهمية حلقات التحفيظ وثمرة المحافظة عليها

أهمية حلقات التحفيظ وثمرة المحافظة عليها السؤال يقول: يحضر معنا في هذا المجلس عدد من شباب حلقات مدارس تحفيظ القرآن الكريم في المنطقة، وهم بحاجة إلى توجيه، خصوصاً من تسول له نفسه بوازع من إغراءات الشيطان ترك هذه الحلقات؟ A إن تعليم القرآن الكريم وتعلمه من أعظم الأعمال، يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: (خيركم -خير الأمة وأفضلها وأعظمها - من تعلم القرآن وعلمه) والله عز وجل ذكر في القرآن الكريم آية القراء، في سورة فاطر، يقول الله: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:29 - 30]. ثم إنك -يا أخي- وأنت تقرأ القرآن تخرج ومعك ملايين الحسنات، فكل حرف بعشر حسنات، كم تقرأ يا طالب العلم! وأنت يا مدرس القرآن؟! أنت على أفضل عمل، فإذا جاءك إيحاء أو إغراء أو تشويش من قبل شياطين الإنس أو شياطين الجن بأنك معقد أو أنك ضيعت وقتك أو أن الزملاء يلعبون أو يرون المباريات، أو يلعبون بالدراجات، أو يلعبون في الحارات، وأنت فقط عاكف على القرآن، أو جاءك يا ولي الأمر إيحاء شيطاني أنك تعقد ولدك، يأتي بعض الشياطين يقول لك: ما هذا الولد! من الصباح إلى الظهر في المدرسة ومن الظهر إلى العصر غداء، ومن العصر إلى المغرب مدرسة القرآن، عقدت ولدك وضيعته، فقل: لا والله ما عقدته، والله إني حفظته. التعقيد هو أن تضيعه في الشوارع، هو أن تتركه مع المنحرفين والسيئين، لكن إذا حفظته من مدرسة إلى مسجد إلى بيت، فهذه هي التربية الحقة، وسيكون ولدك هذا قرة عين لك في الدنيا والآخرة، وستجني ثمرة صلاحه إن شاء الله، وقد جربنا من حفَّظوا أولادهم القرآن كيف كانت ثمارهم والحمد لله. إن القرآن له آثر في تربية الأولاد، فنقول: الله الله أيها الإخوة الشباب! وأيها الإخوة الطلاب! يا من وفقكم الله لحلقات العلم! داوموا عليها واستمسكوا بها، ولا تنصرف أنفسكم عن كتاب الله، فإنكم والله على أعظم عمل في الدنيا والآخرة. وأسأل الله لي ولكم الثبات. والله أعلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أدلة البعث والنشور

أدلة البعث والنشور إن التكذيب بالبعث والنشور مسألة خطيرة؛ لأنها تتعلق بمصير الإنسان في الحياة الأخروية، والتي ينال فيها المرء سعادته أو خسارته الأبدية، ولعظم هذا الأمر أعطانا الله تعالى من الأدلة السمعية والبصرية ما تقر به القلوب وتستنير به البصائر، مما يوصل العبد إلى المطلوب ألا وهو إخلاص العبودية لربه من خلال إيمانه بوجود الله وتصديق شرعه، والإيقان باليوم الذي أخبر به تعالى.

فتنة التكذيب بالبعث والنشور

فتنة التكذيب بالبعث والنشور الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن الإيمان بالبعث من ركائز هذا الدين، ومن أركان الإيمان، والحديث في الصحيحين من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ وهو حديث جبريل عندما أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليعلم الصحابة أمر دينهم حين سأله عن الإيمان وأركانه، قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالعبث بعد الموت، وبالقدر خيره وشره من الله تعالى) ستة أركان لا بد من تحققها في عقيدتك أيها المؤمن، وإذا انهدم ركن من أركان الإيمان ذهب الإيمان. والذين يمارون في البعث أو يشكون فيه فهؤلاء لم تدخل حقيقة الإيمان قلوبهم، بل ما زالوا يعيشون في الضلال، الذي هو الضياع وعدم معرفة الطريق، تقول: فلان ضال، أي: إلى الآن تائه لا يدري أين يتجه. وفلان مهتدٍ، أي: عرف الطريق ولزمها، ولهذا يقول عز وجل: {أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} [الشورى:18] الذين يشكون في أمر البعث والنشور في ضلال بعيد؛ لأنهم إلى الآن لم يعرفوا الطريق الموصل إلى الله تعالى عبر أركان الإيمان الستة، ألا وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وبالبعث بعد الموت، وبالقدر خيره وشره من الله تعالى. وقد ذكرنا في الماضي شيئاً عن البعث، واليوم سيكون الدرس عن أدلة البعث والنشور، ما هي الدلائل والبراهين التي نستطيع أن نثبت بها أن البعث والنشور كائن لا محالة؟ فإننا نواجه بالمكذبين، ونواجه بالضالين والزائغين عن صراط الله المستقيم، وربما يوردون علينا بعض الشبه، ولكن ونحن نعلم علم اليقين بالأدلة والقواطع والبراهين الساطعة على صدق إيماننا وعلى أدلة بعثنا بعد موتنا؛ نقف على أرضٍ صلبة، ونتيقن ونجزم أن من لا يؤمن بالبعث فهو ضالٌ ولو كان من كان، وأن من يؤمن بلقاء الله، ويؤمن بالبعث والنشور فهو المهتدي، يقول عز وجل: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:110]. والتكذيب ليس جديداً في حياة البشر، فإن أمر البعث والتصديق به عقدة العقد، ومشكلة المشاكل عند أصحاب العقول المتحجرة، والقلوب القاسية، والنفوس الحيوانية الهابطة الذين يرون في الإيمان قيداً على شهواتهم وملذاتهم، وهم يريدون أن يعيشوا حياة البهائم بدون قيود وضوابط، وإنما يأكلون ويشربون ما يشاءون، ويسرحون ويمرحون وينامون ويسهرون كيف يشاءون، هؤلاء يتفلتون من ضوابط وقيود الإيمان بالتكذيب والعلل والشبهات الساقطة الذابلة الهاوية التي لا أساس لها من الصحة.

مصير المكذبين بالبعث يوم القيامة

مصير المكذبين بالبعث يوم القيامة ذكر الله عز وجل في القرآن الكريم صوراً ونماذج من كفرهم وتكذيبهم وذمهم ومقتهم وتهددهم وتوعدهم، يقول الله في سورة الرعد: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [الرعد:5] بعد أن ذكر الله في أول السورة جولة في آثار خلق السماوات والأرض قال بعد ذلك: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الرعد:4] قال: وإن تعجب يا محمد فإن ما يثير عجبك هو تكذيبهم بالعبث والنشور بعد أن رأوا آيات الله وقدرته العظيمة في خلق السماوات والأرض: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [الرعد:5]. ثم وصفهم الله فقال عز وجل: {أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ} [الرعد:5] أي: هذا جاحد؛ والجاحد لا حيلة معه، هذا أول وصف: {وَأُولَئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} [الرعد:5] يعني: من العذاب يوم القيامة أن يغلّهم الله بالأغلال في أعناقهم؛ لأنهم غلّوا عقولهم، أي: قيدوها وعاشوا في سجن المادة الضيق ولم يخرجوا إلى عالم الغيب الوسيع؛ العالم الذي ينتظم الدنيا والآخرة، فلما قيدوا عقولهم وغلّوها عذبهم الله بأن غلّهم في الأعناق يوم القيامة: {وَأُولَئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الرعد:5] هؤلاء المكذبون وصفهم الله بأنهم كفار، وأنهم في الأغلال في جهنم وأنهم أصحاب النار هم فيها خالدون. وعندما أوردوا فريتهم: {وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} [الأنعام:29] قال الله لهم مكذباً وراداً عليهم: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ} [الأنعام:30] يعني: بعد البعث {قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [الأنعام:30] يبعثهم الله عز وجل من قبورهم ويقررهم ويقول: أليس هذا بالحق الذي وعدكم به رسلي؟! والذي أنزلته في كتبي وحذرتكم منه؟ قالوا: بلى وربنا. لا يوجد مجال للتكذيب؛ لأنهم رأوا الأمر رأي العين، رأوا الأمر على حقيقته فقالوا: بلى وربنا؛ يحلفون بالله في مظهر من الضعف والشفقة والتذلل والخضوع، لم يعرفوا الله عز وجل في الدنيا حتى يرحمهم يوم القيامة، ولكن لم يعرفوه إلا حينما أضاعوا الفرصة. مثلهم مثل الطالب البليد الذي يُكذّبُ بالامتحانات، فهو يشتغل في العام الدراسي من أوله إلى آخره، والطلاب المؤمنون بصدق الإدارة والتعليم يجتهدون، لكن هذا المكذب يقول: لا أحتاج امتحانات إنها كذب في كذب من قال لكم بأن هناك امتحانات لا يوجد شيء، وعاش طوال السنة وهو يلعب ولا يذاكر، ولا يفتح حتى كتاباً، وفي آخر يوم من العام الدراسي أدخل الصالة وعزلت عنه الكتب والمواد، وقدمت له الأسئلة، ولما رآها وإذا به لا يعرف منها حرفاً واحداً، أما المجتهدون فقد بدءوا يجيبون، وأما هذا اللعاب لا يعرف حتى حرفاً واحداً، فيقول له رئيس اللجنة -ولله المثل الأعلى-: لماذا كذبت بالامتحان، أليس هذا الامتحان حق؟ فيقول: بلى يا سعادة المدير! يا رئيس اللجنة؛ يريد أن يسترحمه، أي: أخرجني واتركني أنظر إلى الأسئلة! أمهلني أراجع! أمهلني أذاكر! قال الله عز وجل: {فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [الأنعام:30]. أخي ليس لديك إلا فرصة واحدة فلا تضيعها؛ لأن التصحيح صعب! نعم. هي مرة واحدة؛ من فرط فيها خسر الخسارة التي ليس بعدها ربح، ومن اغتنمها وعمل بها ربح الربح الذي ليس بعده خسارة، وكما جاء في الحديث: ينادى يوم القيامة: ألا إن فلان بن فلان قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً، ثم يبيض وجهه، ويأخذ كتابه بيمينه، ويعرضه على الخلائق، وأما ذاك الساقط -والعياذ بالله- الخامل؛ ينادى عليه يوم القيامة: ألا إن فلان بن فلان قد شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبداً، فيسود وجهه، ويأخذ كتابه بشماله، ويقول للخلائق: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ} [الحاقة:25 - 26]. ويرد الله أيضاً على طائفة من المكذبين وهم يقولون: {أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً} [الإسراء:49] شيء مستغرب! كيف سيعود هذا خلقاً جديداً؟!! فقال الله تعالى لهم: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً} [الإسراء:50] أي: كونوا أصعب وأقوى شيء، كونوا حجراً أو حديداً لا بشراً من عظم ولحم: {أَوْ خَلْقاً مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} [الإسراء:51] تصوروا أي شيء أعظم من الحديد أو الحجر أو أي شيء؛ يتحداهم الله بألا يبقوا على أصل خلقتهم حتى يستحيل عليه أن يعيدهم في نظرهم، يقول: حولوا أنفسكم إلى أي مادة صعبة أو إلى أي مادة كبيرة في نفوسكم وعقولكم: {فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً} [الإسراء:51] الحجب الآن بين العالم المشاهد والعالم المغيب حدها الموت، وبعد الموت ينكشف كل شيء! ورد في الحديث: (إن المؤمن ليرى مقعده من الجنة وهو في بيت أهله). أخبرني أحد الإخوة في قصة غريبة لرجل توفي في إحدى القرى المجاورة لمدينة أبها؛ رجل عُرف بالصلاة والأذان في المسجد، وكل أهل القرية يعرفونه ويحبونه، وعاش على هذا الوضع إلى أن توفي رحمة الله تعالى عليه وعلى جميع موتى المسلمين، وفي ليلة وفاته وبينما كان جالساً في فراشه وعنده ولده المشرف على تمريضه، وإذا به يوقظ الولد، قال: يا ولدي! قال: نعم، قال: افتحوا الباب للرجل الذي خلفي؛ لأنه لا يستطيع أن يدخل منه، قال: من هو؟! قال: الرجل الكبير الذي عليه ثوب أبيض، يقول الولد: تلفت خلفي فما رأيت شيئاً، يقول: وإذا به يوم أن جلس -الرجل عامي لا يقرأ ولا يكتب لكنه من أهل الفطرة والإسلام والدين- يقرأ آية من كتاب الله كأعظم قراءة سمعها ولده من قارئ قراءة مرتلة مجودة، يقول: والله ما أظنه صوت أبي، لكن صوت خارجي، يقول: وبعدها مال على جنبه ومات. فالمؤمن يرى منزله من الجنة وهو في بيت أهله، والكافر والفاجر يرى منزله من النار -والعياذ بالله- وهو في بيت أهله، فما بين الآخرة والدنيا إلا هذه العتبة -أي: عتبة الموت- وسوف نقف كلنا عندها وندخل، وبعد الموت تنكشف الحجب فإما سالم وإما -والعياذ بالله- خاسر، نعوذ بالله وإياكم من الخسران.

أصناف المكذبين بالبعث والنشور

أصناف المكذبين بالبعث والنشور المكذبون بالبعث والنشور أصناف: الصنف الأول: صنف الملاحدة الذين أنكروا وجود الله أصلاً -عليهم من الله ما يستحقون- ومنهم الفلاسفة -فيما مضى- والشيوعيون الذين يعيشون في هذه الأزمان الذين يقولون: لا إله والحياة مادة، وإذا ناقشتهم على بساط العقل والمنطق تهاووا وسقطوا؛ لأنهم لا يملكون أدلة، وعندما تناقشه عن ساعته التي في يده وتقول له: هذه الساعة ليس لها صانع، يقول لك: مستحيل، تقول له: من صنعها؟ يقول: المهندس، تقول: والمهندس له صانع؟ يقول: لا. ليس له صانع، تقول له: كيف؟!! أقول إن الساعة ليس لها صانع فلا تصدق، وأقول: إن المهندس الذي صنعها له صانع فتقول لا. لا صانع له؟ أيهما أشد عقدة: المهندس أم الساعة؟! سبحان الله العظيم! مستحيل أن تكون الساعة من غير صانع، وليس بمستحيل أن يكون إنسان من غير خالق! لا والله {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:35]. هؤلاء الملاحدة الذين ينكرون صدور الخلق وحدوثه عن الله سبحانه وتعالى ينكرون النشأة الأولى والثانية أصلاً، وهم منكرون لوجود الله تبارك وتعالى، فهؤلاء لا نقاش معهم. الصنف الثاني: قوم يعترفون بوجود الله تعالى، ولكنهم يكذبون بالبعث بعد الموت، ومن هؤلاء العرب الذين بعث النبي صلى الله عليه وسلم فيهم، فإنهم كانوا يقرون بوجود الله، يقول تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:25] فهم معترفون بأنه الخالق لهذه السماوات والأرض، ولكنهم يقولون: {أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَاؤُنَا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [النمل:67 - 68] هذا هو الصنف الذي يؤمن بوجود الله لكنه يكذب بوجود البعث؛ يدعون أنهم يؤمنون بالله ولكنهم يدعون أن قدرة الله عاجزة عن إعادتهم وإحيائهم بعد إماتتهم، وهؤلاء هم الذين ضرب الله لهم الأمثلة والبراهين والحجج بأنه قادرٌ على البعث والنشور؛ لأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. الصنف الثالث: قوم يؤمنون بالبعث لكن على صفة وهيئة تختلف عما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يؤمنون بأساطير وخرافات وضلالات وفلسفات وأفكار ليس يدعمها دليل لا من كتاب ولا سنة، فهؤلاء في حكم المكذبين. هذه أصنافهم.

الأدلة على البعث والنشور

الأدلة على البعث والنشور أما الأدلة على البعث والنشور فكثيرة، وإذا طُلب منك دليل فإن لديك من الأدلة ما تقنع به الحجارة فضلاً عن البشر؛ لأن الإيمان بالبعث دل عليه القرآن والسنة النبوية المطهرة، والقرآن كله من أوله إلى خاتمته مملوء بذكر أحوال البعث والنشور، وأحوال يوم القيامة، وأحوال الجنة والنار، وتفاصيل ما هو كائن وما سيكون إلى يوم القيامة، وما سيكون بعد يوم القيامة في الجنة والنار، وفي عرصات القيامة وتقرير ذلك بالأمثال والأخبار والأيمان والأقسام، وكما ذكر القرآن الأدلة ذكر أيضاً فرية المكذبين بالبعث والنشور، وذكر أيضاً شبهاتهم وفندها، ورد على مزاعمهم واحدة بعد واحدة حتى لم يعد لهم دليل يستطيعون أن يستندوا عليه في إثبات كذبهم وضلالاتهم. والفطرة السليمة التي سلمت من الأصابع البشرية الضالة تهدي إلى الإيمان بالبعث وتدل عليه، ولا صحة أبداً لما يزعمه الضالون من أن العقول تمنع وقوع البعث والنشور، فإن العقول تقره ولا تمنع من وقوعه، بل توجب وقوعه، والأنبياء لا يأتون أبداً بما تحيله العقول، بل يأتون بما تقبله العقول وتوجبه، ومن تلك الأدلة ما يلي:

أدلة القرآن بوقوع البعث والنشور

أدلة القرآن بوقوع البعث والنشور الدليل الأول: إخبار الله تبارك وتعالى في القرآن بوقوعه: وهل أصدق من الله عز وجل؟ إذا أخبر الله في القرآن بخبر لزم منك -أيها المؤمن- بمقتضى إيمانك أن تصدق؛ لأنه لا أحد أصدق من الله قيلاً، وقد أخبر الله عز وجل أن البعث والنشور كائن، وهذا من أعظم الأدلة الدالة على وقوع البعث؛ فمن آمن بالله وصدق برسول الله صلى الله عليه وسلم وكتابه الذي أنزله الله على رسوله فلا مناص له من الإيمان بما أخبر به من البعث والنشور، والجزاء والحساب، والجنة والنار. وقد نوع الله تبارك وتعالى في الكتاب الكريم أساليب الإخبار ليكون أوقع في النفوس وآكد في القلوب، ففي بعض المواضع من القرآن يخبر الله بوقوع يوم القيامة إخباراً مؤكداً بـ (إن) يقول الله عز وجل: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا} [طه:15] ومرة يؤكد بـ (إن، واللام)، يقول جل ذكره: {وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر:85] اللام الداخلة على (آتية) لام التوكيد، إن: حرف توكيد ونصب، ومرة يؤكد بـ (ما): {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ} [الأنعام:134] ومرة بأداة الحصر: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ} [المرسلات:7] هذه كلها أساليب في تأكيد عملية الإخبار عن البعث والنشور وأنه كائن لا محالة. - الدليل الثاني: قَسَم الله تبارك وتعالى؛ فيقسم الله على وقوع البعث؛ أنت إذا أخبرك رجل تثق في خبره صدقت خبره، وإذا أكد لك الخبر بأي وسيلة من وسائل التوكيد كان الخبر آكد عندك، وإذا أكده لك بالقسم وأنت تعرف أنه رجلٌ صادق بار مؤمن لا يمكن أن يكذب فإن الخبر عندك يأخذ مأخذ المسلمات، سبحان الله! الله عز وجل يخبر ويؤكد ويقسم على وقوعه، يقول الله تبارك وتعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ} [النساء:87] هذا قسم يقسم الله بالذي لا إله إلا هو فيه بنفسه. ويقسم على وقوعه بما شاء من مخلوقاته، يقول الله عز وجل: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَالْحَامِلاتِ وِقْراً * فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ} [الذاريات:1 - 6] يعني: إن يوم الدين يوم البعث والنشور لواقع. ويقسم الله بخمسة أشياء في سورة الطور: {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} [الطور:1 - 8]. ثم يأمر رسوله بأن يقسم بالله تبارك وتعالى على وقوعه، ويرد على المكذبين فيقول الله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ:3] ويقول عز وجل: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [يونس:53] ويقول جل ذكره: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:7]. - الدليل الثالث: ذمه تعالى للمكذبين في بعض مواضع القرآن ذماً مباشراً، فيقول تبارك وتعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [يونس:45] أي: خاسر لا خير فيه! ما ربح من دنياه إلا العذاب والسخط! ليته ما خلق! ليته ما عرف هذه الحياة! لو لم يعرف الحياة لكان في عداد المهملين! لو كان حيواناً لكان في عداد من يصير تراباً! لكنه عاش في الدنيا ليعبد الله، ومكنه الله وزوده بوسائل الإدراك؛ العقل والنظر والسمع ولكنه ما استخدم هذه الوسائل فخسر دنياه؛ قال الله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [يونس:45] ويقول: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:66] أي: عمي عن الإيمان بالله والعياذ بالله! الدليل الرابع: وكما ذم المكذبين يمدح أهل الإيمان المصدقين جعلنا الله جميعاً منهم؛ يمدحهم ويقول: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ * رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران:7 - 9] هذا ثناء؛ سماهم الله راسخين في العلم، أي: ليسوا سطحيين؛ لأنه العلم عن الله، علم الكتاب والسنة، ليس علم المادة؛ قد تجد إنساناً عالماً رأسه مثل الجبل في الذرة والفلك والطب والهندسة وفي كل شيء، لكنه في علم الله لا يعرف شيئاً، هذا أجهل ثور -والعياذ بالله- في الأرض، وتجد آخر لا يستطيع أن يقرأ حتى حرفاً واحداً، لكن عنده من الإيمان بالله مثل الجبال. هذا هو العالم؛ لأن الله تعالى يقول: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] أي: العلماء به، وبعد ذلك الراسخون في العلم الذين رسخت قلوبهم في العلم بحقائق هذه الحياة حتى عرفوا مصيرهم وعرفوا سر خلقهم ووجودهم، وعرفوا البعث بعد الموت. هؤلاء راسخون؛ لأنهم غاصوا في أعماق الحقائق، أما السطحيون الذين عرفوا من الدنيا السطح فقط، فإنهم يعيشون وتفكيرهم في هذه الدنيا فقط؛ في المادة وعناصرها وأجزائها، هؤلاء قال الله تعالى فيهم: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] هؤلاء -والعياذ بالله- ستكون لهم مواقف مخزية وحينها يتمنون أنهم ما عرفوا هذه الحياة. - الدليل الخامس: من ضمن الأساليب في الإخبار أنه تبارك وتعالى يذكر في القرآن أن وعد البعث صادق، ولا مجال لتكذيبه، ويقول: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ * فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ} [هود:103 - 109] يقول: لا تخف ولا تشك في هؤلاء الذين يعبدون غير الله؛ إنما يعبدون الشهوات والطواغيت والمادة، وهم سائرون على ما سار عليه أسلافهم من الكفار والمكذبين، ولكن الجزاء عندنا، وسوف نوفيهم نصيبهم غير منقوص. ويقول سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً} [لقمان:33] هذا وعد الله الذي لا يتبدل ولا يتغير أبداً، ويقول عز وجل: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ} [سبأ:29 - 30] ويقول مهدداً ومتوعداً: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} [الزخرف:83] ويقول جل ذكره: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ} [الذاريات:5]. - الدليل السادس: إخباره تعالى عن مجيئه في بعض الأحيان بصيغة الاقتراب، فيقول تبارك وتعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً} [المعارج:6] يعني: يوم القيامة {وَنَرَاهُ قَرِيباً} [المعارج:7] ويقول: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل:1] أتى هنا فعل ماضٍ، وعبَّر الله عز وجل بالماضي ليؤكد تحقق وقوعه وقربه وكأنه قد وقع، أَتَى أَمْرُ اللَّهِ أي: البعث والنشور {فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [النحل:1] ويقول الله عز وجل: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُول

الاستدلال بحدوث النشأة الثانية من حدوث الأولى

الاستدلال بحدوث النشأة الثانية من حدوث الأولى الاستدلال على وقوع وإمكان النشأة الثانية بالأولى، أي: ذكر الله في القرآن الكريم أدلة على أن النشأة الأخرى ستكون بناءاً على وقوع النشأة الأولى، فنحن نشاهد في كل يوم خلقاً جديداً؛ أطفال يولدون، من خلقهم؟ اسأل الآن من الذي خلق هذا الولد؟ سبحان الله! حتى الأطباء يقولون: يضعه الأب نطفة وتستقبله الأم عن طريق بويضة، ويحصل اللقاح بين البويضة وهذه النطفة؛ والنطفة حيوان منوي صغير يدخل في هذه البويضة وتغلق عليه، ثم تطرد الحيوانات المنوية الأخرى فتموت، وبعد ذلك: من علم عنه في تلك الظلمات؟ ومن رباه؟ وبعد ذلك يبقى أربعين يوماً كما هو نطفة، وبعد أربعين يوماً يتحول إلى علقة، وبعد أربعين يوماً يتحول إلى مضغة، وبعد أربعين يوماً يتحول إلى عظام -هيكل عظمي كامل- ثم ينشئه الله خلقاً آخر؛ ثم يكسوا الله العظام لحماً، وبعد ذلك يبدأ في النمو وهكذا يكون عظاماً كاملة لا ينقصه عظم إلا الأسنان: الجمجمة موجود، والعمود الفقري موجود، والأضلاع موجودة. أنا رأيت جنيناً صغيراً في مختبر في مستشفى من مستشفيات المملكة أضلاعه مثل الدبابيس، يقول: خرج في بداية الشهر الخامس، وبعد ذلك أخذوه إلى التشريح وفصلوا اللحم منه، فإذا عظامه هيكل عظمي كامل لا ينقصه إلا الأسنان؛ الأسنان لم تطلع؛ لعدم أهميتها في بداية حياة الطفل فالله أخرها، وتطلع بعد ذلك عندما يأكل، أما الآن فطعامه سوائل فلا داعي للأسنان، وبعد ذلك هل سمعتم واحداً في الدنيا طلعت له أسنان؟ أبداً. لا يوجد، بينما الصغير يولد تجد معه قدرة على المص، وتجد (الكتكوت) يخرج من البيضة، ومباشرة تجده يقف على قدميه ويبحث عن حب ويأكل، لكن الطفل الصغير لا يستطيع أن يأكل ولا يستطيع أن يهضم، إذاً ليس عنده أسنان، ماذا عنده؟ عنده فم، وعندما تعطيه ثدي أمه يرضع مباشرة. هذه الأضلاع وهذا العظم. وبعد ذلك يبدأ الولد في النمو المتوازن سواء بسواء؛ الضلع الذي هنا يطلع مثل الضلع الذي هنا، واليد التي هنا مثل اليد التي هنا، والرجل التي هنا مثل الرجل التي هنا، والعين هذه تطلع مع العين هذه، سواء بسواء، خلايا متوازنة! كل شيء في مكانه! سبحان الله الذي لا إله إلا هو!! فالذي خلق هذا الخلق هو الذي نراه كل يوم يحدث، كل يوم يأتي لنا ولد أو بنت كذلك، وقد سألني أحد الإخوة بالأمس سؤالاً، يقول: حديث سأله عنه أحد الناس يسأل عن صحته وهو حديث: (إن خير الأمة من تبكر ببنت) يقول: هل هذا حديث صحيح؟ قلت: لا. ليس بصحيح وليس من مشكاة النبوة، الخيرية لا تكتسب بأنثى أو ذكر، الخيرية تحصل عليها أنت بفعلك وعملك وجدك واجتهادك وإيمانك، فقد ترزق بنتاً ولا تكون من خير الناس، وقد ترزق ولداً ولا تكون من خير الناس، لكن الخيرية بجهادك، أما الولد والبنت فهي بمشيئة الله تعالى، يقول الله عز وجل: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً} [الشورى:49 - 50] والقضية ليست بالرجل ولا بالمرأة. من الذي يحدد نسبة البنات والأولاد في الشعوب والأمم؟ لا أحد يحدد أبداً، ولا يستطيع أحد أن يحدد، ولو حدده الناس وترك للأب أن يختار لكان كل واحد يقول: أريد رجالاً، أريد أن أتفاءل برجال، وذاك يريد رجالاً وكثر الرجال. من أين لهم نسوة؟ ثم بعد ذلك ماتوا وانقرض الجنس البشري لكن لا. أنت يأتي لك أولاد وذاك يأتي له بنات، وقد تكون البنت هذه أبرك من بعض الرجال، لا تظن أن البنت إذا جاءت بأنك تنهزم! لا يا أخي. هذه ظنون جاهلية؛ الجاهليون الذين كانوا لا يؤمنون بالله كانوا إذا جاءتهم البنت تهتز قلوبهم. قال الله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ} [النحل:58 - 59] لا يا أخي: إن الله عز وجل هو الذي يضع البركة في البنت والولد، ورب امرأة كانت أبرك من مئات وعشرات من الرجال! ولا حول ولا قوة إلا بالله! فالخلق يتم والأولاد يولدون كل يوم، وبعد ذلك يرى الإنسان هذا بأم عينيه؛ ثم هو ينكر أن الله قادر على أن يحيي الناس مرة أخرى! إن الذي خلق قادر غير عاجز على أن يعيد، سبحان الله! إن الذين يطلبون دليلاً على البعث بعد الموت يغفلون عن خلقهم الأول، فالقادر على خلقهم أول مرة قادرٌ على إعادة خلقهم مرة ثانية، وقد أكثر الله عز وجل من الاستدلال على النشأة الآخرة بالنشأة الأولى، وتذكير العباد الذين يستبعدون إمكان وقوع البعث بعد الموت بذلك، يقول الله عز وجل في نقاشٍ عقلي منطقي في سورة مريم: {وَيَقُولُ الْأِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً} [مريم:66] قال الله: {أَوَلا يَذْكُرُ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً} [مريم:67] ثم يقسم الله تعالى ويقول: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ} [مريم:68] يقسم الله تبارك وتعالى أنه سوف يحشر هؤلاء وكل شيطان متمرد على أمر الله. وأيضاً يقول الله تبارك وتعالى وهو يذكر في القرآن الكريم أبانا آدم أن الله خلقه من تراب، فالقادر على جعل التراب بشراً سوياً لا يعجزه أن يعيد البشر بشراً سوياً. عندما تأتي شخصاً بنى له بيتاً من الحجارة ثم جاء وهدها، هل تقول: لا تقدر على أن تبنيها مرة ثانية؟ لا. الذي بدأ قادر على الإعادة؛ لأن الإعادة أسهل من البداءة، وإلا فإن الله عز وجل لا يعجزه شيء، كل شيء سهل، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج:5 - 7]. وقد أمر الله الناس بالسير في الأرض، والتذكر لما سيكون فيها، والنظر إلى كيفية بدء الخلق فيها، يقول الله تبارك وتعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [العنكبوت:19 - 20] وقال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى} [الروم:27] كلمة: (أهون عليه) هذه في البشر، لكن له المثل الأعلى، فكل شيء هين على الله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الروم:27] فكما خلق فهو قادر على أن يعيد، إذ لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.

قدرته تعالى على إيجاد العظيم مثبتة قدرته على إيجاد الحقير

قدرته تعالى على إيجاد العظيم مثبتة قدرته على إيجاد الحقير من أدلة وقوع البعث والنشور: أن الذي قدر على أن يخلق الأعظم قادر على أن يخلق الأقل عظمة، فإن من يستطيع أن يحمل خمسين كيلو لا يعجزه حمل كيلو، أليس كذلك؟ والذي يستطيع أن يجري مائة متر لا يعجزه أن يسير خطوات؛ لأنه قدر على الكثير فمن باب أولى أن يقدر على القليل. وقبيح في نظر البشر أن يرمى بالعجز عن حمل الشيء الحقير من يستطيع أن يحمل الشيء العظيم، ومثله: إذا غلب إنسان رجلاً شديد البأس قوياً لا يقال له: إنك لا تستطيع أن تصرع هذا الهزيل، أي: إذا رأيت رجلاً أمسك برجل قوي جداً وصرعه، ورأيت آخر سفيهاً وصغيراً وقلت: أتحداك أن تصرع هذا؟ ماذا يقول لك؟ يقول: يا أخي! أنا قدرت على ذلك الذي مثلي مرتين وطرحته، أما هذا فسوف أنفخه نفخة تأخذه إلى هناك لماذا؟ لأن الذي يقدر على الأكبر يقدر على الأصغر، ولله المثل الأعلى تبارك وتعالى. والله تعالى من جملة خلقه ما هو أعظم من خلق الناس، فكيف يقال للذي خلق السماوات والأرض: إنك لا تستطيع على أن تخلق الناس؟ يقول الله تعالى: {وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً * أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً} [الإسراء:98 - 99] وقال تعالى: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ} [يس:81] وقال عز وجل: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأحقاف:33] وقال سبحانه: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [غافر:57] قال ابن تيمية رحمه الله بعد أن ساق هذه النصوص: إن من المعلوم والبديهيات والمسلمات عند العقول أن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق أمثال بني آدم، والقدرة عليه أبلغ والإمكان أيسر؛ لأن من قدر على الكبير قدر على الصغير.

الأدلة العقلية على قدرة تحويل الله الخلق من حال إلى حال

الأدلة العقلية على قدرة تحويل الله الخلق من حال إلى حال من الأدلة: قدرته تبارك وتعالى على تحويل الخلق من حال إلى حال؛ له القدرة البالغة المطلقة التي لا يعجزها شيء، والله قد بين لنا أنه قادر على أن يحول الناس من حالة إلى حالة: ويحول المادة من حالة إلى حالة. ما هي المادة التي تجدها صلبة وعندما تسلط عليها حرارة تتحول إلى سائلة الثلج! من يتصور أن الثلج يصبح ماء؟ ومن يتصور أن الماء يتحول إلى بخار؟ لكن إذا سخنه يصير بخاراً! فالذي يقدر على تحويل المواد من مادة إلى أخرى أليس قادر على أن يحول الإنسان من طين إلى أن يكون بشراً سويا؟! سبحان الله العظيم! يقول الله تبارك وتعالى: {وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [السجدة:10] بين الله تبارك وتعالى في أكثر من موضع أن من تمام ألوهيته أنه يقدر على تحويل الخلق من حالٍ إلى حال، ولذا فهو يميت ويحيي، ويخلق ويفني، ويخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [الأنعام:65 - 96] فهو يخرج من الحبة الجامدة الصماء نبتة غضة طرية خضراء تزهر وتثمر وتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ثم تعطي هذه النبتة حبوباً جامدةً ميتة، ويخرج من الطيور الحية البيضُ الميت، ويخرج من البيض هذا حياة طيور جديدة سبحان الله! إن هذا لهو قادر على أن يحيي الموتى. وتقليب العباد من حال إلى حال، ومن موت إلى حياة، ومن حياة إلى موت دليل على عظمته وقدرته تبارك وتعالى، يقول الله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:28].

إحياء الله لبعض الموتى في الحياة الدنيا

إحياء الله لبعض الموتى في الحياة الدنيا وهذه تؤكد عملية إحياء الأموات. إحياء الأموات في هذه الحياة؛ حصل هذا أن أناساً ماتوا فأحياهم الله، وإحياؤهم دليل على قدرة الله عز وجل على إحياء الناس كلهم بعد الموت، ولقد شاهد البشر في فتراتٍ مختلفة من التاريخ عودة الحياة مرة أخرى إلى الجثث الهامدة والعظام البالية المتفتتة، بل شاهدوا الحياة تدب في الجمادات، وقد حدثنا الله عز وجل وأخبرنا عن هذه المعجزات الباهرات في كتابه الكريم فمن ذلك: قوم موسى لما قالوا له: {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء:153] وقد مارس العملية أولاً حين قال: {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:143] فالله تعالى قال له: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:143] أي: لن تستطيع أن تصمد عيناك لرؤيتي {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف:143] إذا تمكن جبل الطور من أن يستقر ويواجه عظمة الإله فسوف تراني، يقوله الله عز وجل، {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً} [الأعراف:143] الله لم يتجلَّ لموسى ولو تجلى له لاحترق، لكن تجلي الله للجبل جعله يخر مدكوكاً: {جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف:143] لا إله إلا الله!! هؤلاء قومه قالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} [البقرة:55] قال الله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ} [الذاريات:44] صعقتهم الصاعقة وماتوا وتقطعت قلوبهم في أجوافهم، لكن قال الله تعالى: {فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة:55 - 56] فالله أحياهم بعد أن أماتهم وبعثهم لعلهم يعرفون الله تبارك وتعالى. كذلك بنوا إسرائيل لما قتل فيهم قتيل بين قبيلتين: وكان رجل منهم له ولد وهذا الولد له عم، فأراد الولد أن يقتل عمه ليأخذ ماله، فقتله ثم حمله ورماه في القبيلة الثانية، وجاء في اليوم الثاني وإذا بالمقتول عندهم، قالوا: أنتم الذين قتلتموه، قالوا: ما قتلناه ونحن أبرياء منه، قالوا: لا بد أن نسأل، ثم ذهبوا إلى موسى عليه الصلاة السلام، قالوا: هذا الرجل وجدناه قتيلاً عند آل فلان وهم ينكرون قتله، فمن قتله؟ فطلب موسى من الله تبارك وتعالى أن يوحي إليه بمن قتل هذا المقتول، فالله عز وجل أمر بني إسرائيل أن يذبحوا بقرة حتى يؤخذ شيء من هذه البقرة ويضرب بها ذلك الميت فتعود له الحياة ويخبر بمن قتله. فبنوا إسرائيل على عادتهم لا يمتثلون الأمر مباشرة، ولكنهم يلفون ويدورون، قالوا: يا موسى ما لونها؟ ما هي؟ ما شكلها؟ ما طولها؟ ما عرضها؟ فشدد الله عليهم؛ كلما سألوا سؤالاً أعطاهم صفة لا يجدونها، حتى إنهم لم يجدوا تلك البقرة إلا عند امرأة من بني إسرائيل رفضت أن تبيعها لهم إلا بملء جلدها ذهباً أحمر، يقول بعض المفسرين: لو أنهم أخذوا أي بقرة من البقر وذبحوها لوجدوا الغرض، لكن لما شددوا شدد الله عليهم. ولهذا انتبهوا أيها الإخوة! من شدد شدد الله عليه، يقول عليه الصلاة والسلام: (إن هذا الدين عميق فأوغلوا فيه برفق، ولن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه) ويقول صلى الله عليه وسلم: (ولا تغلوا كما غلت أهل الكتاب) فإن غلّو بني إسرائيل أخرجهم من الدين وقال الله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء:171] والغلو: هو تجاوز الحد. وأريد أن يفهم الناس من هذه الكلمة أن الغلو ليس تطبيق السنة؛ بعض الناس عندما يرى شاباً يقصر ثوبه، ويضع يديه على صدره، ويصلي في المسجد، ويغض بصره قال: هذا متشدد، وأنت؟ قال: أنا على الدين، ماذا تفعل؟ قال: أغني، وأجلس مع النساء ولو تبرجن فإن الدين يسر، هذا كذب، هذا ليس ديناً، هذا تمرد وتملص وتسيب وتضييع لدين الله عز وجل؛ الدين اليسر هو السنة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وترك الدين تسيب؛ والتشدد يكون فوق ما أمر الله به. أعطيكم مثالاً على التشدد، والحديث في الصحيحين: ثلاثة نفر جاءوا إلى نساء الرسول فسألوا عن عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم، فأخبروا بها فكأنهم تقالوها، فقالوا: أين نحن من رسول الله؟ رسول الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر! أما نحن لم يغفر لنا ما تقدم ولهذا لا بد أن نزيد! انظروا هذه النظرة! أكثر الناس الآن عندما تقول له: يا أخي! هذه سنة رسول الله، قال: وأين أنا من رسول الله، تريدني أن أكون مثل الرسول؟ لن أصير مثل الرسول، سبحان الله! يقول: الرسول صادق وأنا لا أقدر أن أصدق مثل الرسول ولا أصلي في مسجد الرسول كما يصلي هو، لكنه رسول يصلي في المسجد، أما أنا فلا أقدر أن أصلي؛ أنا ضعيف! ويضيع الدين بحجة أنه ليس مثل الرسول، لكن لك في رسول الله أسوة حسنة، يقول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] هؤلاء الصحابة يقولون: أين نحن من رسول الله؟ لسنا مثل الرسول مغفور لنا، ولذا فلا بد أن نزيد، فشخص قال: أنا أقوم الليل ولا أنام أبداً -رضي الله عنهم وأرضاهم، آمنوا والله إيماناً مثل الجبال- والثاني قال: وأنا أصوم الدهر ولا أفطر أبداً! والثالث قال: النساء والأطفال مشغلة عن دين الله، فلن أتزوج النساء أبداً! هذا غلو! هذا خروج على فطرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته وهديه، وبالتالي يكون تغييراً للمبدأ وللمنهج الإيماني؛ منهج النبي صلى الله عليه وسلم، لما سمعهم نادى فيهم وقام وخطب الناس؛ قال: (ما بال أقوام يقولون كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النساء، وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني) هذا هو التشدد -أي: أنك تشدد على نفسك- بعض الناس يتشدد ويمشي حافياً! ماذا بك؟ قال: يا شيخ، هذه الحذاء تفسد الرجال، أنا أريد أن أمشي من أجل أن أشتد، يا أخي امشِ بالحذاء! كان صلى الله عليه وسلم لا يتكلف مفقوداً ولا يبخل موجوداً، إن وجد حذاء لبسها ولا يرفضها، وإن لم يجد مشى، وأنت إذا لقيت حذاءك انتعلها، لكن تدعها وتمشي حافي القدمين في الشارع فهذا ليس من الدين. وسمعت عن بعض الناس يقولون: لا نستعمل الكهرباء، لماذا؟ قالوا: إن هذه الكهرباء تأتي لنا بالمنكرات! ويستعملها أهل المعاصي في المنكرات! طيب: الهواء الذي تتنفسه أنت الآن يستنشقه أهل المعاصي في المنكرات، إذاً اترك الهواء، والماء الذي تشربه؛ لأن أهل المعاصي يشربونه، والأرض التي تسير عليها أهل المعاصي يسيرون عليها، أجل! اخرج من الأرض وطِر في السماء وحلق! هذا ليس دين الله تبارك وتعالى، هذا غلو وتشدد. وأحد الإخوة دخل على أناس في مسجد وإذا بهم يموتون من الحر! سوف ينقطعون في - الرياض أيام الحر الشديد- وإذا به يصلى معهم ولا يعرف كيف يصلي، ولما انتهى قال: يا جماعة: لم لا تشغلون المراوح والمكيفات؟ لماذا يا إمام؟ قال: هذا من الترفيه الذي لا ينبغي! الإمام نفسه يقول: لا تشغلوا المراوح ولا المكيفات، ابقوا في الحر حتى تعرفوا حر جهنم! هذا ليس من دين الله، لا حول ولا قوة إلا بالله! هذا اسمه غلو وتجاوز للحد، نحن ننصح الناس من الغلو في الدين؛ لأن الغلو إذا تجاوزه الشخص انعكس، يقول: ما تجاوز الحد انقلب إلى الضد. فبنوا إسرائيل تجاوزوا وبدءوا يلفون ويدورون حتى إن الصفة لم تتوفر إلا في تلك البقرة الوحيدة فاشتروها بملء جلدها ذهباً ثم ذبحوها. وجاء موسى عليه السلام وأخذ ضلعاً من ضلعها وضرب الميت، قال الله تبارك وتعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [البقرة:73] حين ضربه قام الرجل كأنه كان نائماً، قالوا: من قتلك؟ قال: ابن أخي، وابن أخيه هو الذي يصيح ويقول: كيف تقتلون عمي؟! قال الميت: هذا الذي قتلني، فأخذوه وقتلوه، فهذا من آيات الله التي حصلت في إحياء الموتى بعد أن كانوا موتى، أحياهم الله! وإن من أحياهم قادر على إحياء جميع الأموات. - الدليل الثالث: أخبرنا الله عز وجل في آخر سورة البقرة عن الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف فقال سبحانه: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ} [البقرة:243]. -الدليل الرابع: حدثنا الله عن الرجل المكذب الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها؛ البيوت قد تهدمت، والقبور قد نصبت، والحياة قد انطمست، فقال في عقله: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} [البقرة:259]؛ استبعد وقال: متى يحيي الله هذه الأرض بعد موتها؟ {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:259] رأى العظام وهي تتشكل، ورأى العظام وهي تكسى لحماً، ورأى الروح وهي تنفخ، أما طعامه الذي كان معه قبل أن يموت فقد بقي لم يتسنه ولم يتغير ولم يتحمض ولم يتعفن رغم مرور مائة سنة وهو محفوظ بالقدرة الإلهية لم يتغير أبداً؛ لأنه آية

إحياء الأرض بالنبات بعد إنزال المطر عليها

إحياء الأرض بالنبات بعد إنزال المطر عليها وكذلك ضرب المثل بإحياء الأرض بالنبات بعد إنزال المطر عليها، ونحن اليوم نرى بعد نزول المطر والغيث والحمد لله الأرض قد اخضرت، والأشجار أثمرت، وامتلأت الأرض بالورود والألوان الزاهية والأشكال المشكلة، بعد أن كانت قبل المطر غبراء دبراء لا أثر للحياة فيها، لكن لما نزل عليها الماء، أين كانت هذه البذور؟ من الذي حفظها؟ من الذي أحياها؟ إنه الله الذي لا إله إلا هو، يقول الله تعالى: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الروم:50] ويقول عز ذكره: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الفرقان:48] ويقول: {إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} [فاطر:9] ويقول: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت:39] ويقول: {وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ} [الزخرف:11].

مقتضى عدل الله موجب للبعث والنشور

مقتضى عدل الله موجب للبعث والنشور من حكمة الله ومقتضى عدله أن يوجب وجود بعث وجزاء بعد الموت لا بد. وإلا فإن هذا مناقض ومعارض للعدل الرباني الإلهي، لماذا؟ لأن الله خلق الخلق لعبادته، وأرسل الرسل وأنزل عليهم الكتب لبيان الطريق الموصلة إليه، فانقسم الناس إلى قسمين: قسم استجاب واستقام على طاعة الله، وعمل في سبيل الله، وبذل نفسه وماله وحياته كلها في دين الله. وقسم رفض دين الله، وكذب رسله، وقضى حياته كلها في محاربته هو ورسله، وفي إيذاء عباد الله؛ يفتك بالأرواح يسيل الدماء يهتك الأعراض يسرق الأموال يفسد في الأرض ثم يموتون كلهم، أفيليق في منطق العقل أن يموت ذلك الصالح وذلك الخبيث المنحرف الطالح ثم لا يجزي الله المحسن بإحسانه، ولا يعاقب المسيء على إساءته؟ هل هذا معقول؟ لا. ولهذا يقول الله عز وجل: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ} [القلم:35 - 38] ويقول: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص:27] ثم يقول: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص:28] أي: مستحيل، ويقول الله تعالى: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر:20] ويقول: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [الجاثية:21 - 22]. هذه -أيها الإخوة- الأدلة السبعة التي نغرسها في قلوبنا، ونجزم عليها ونعيش في سبيلها، ونعيش عليها ونحن مؤمنون بلقاء الله، ويترجم هذا الإيمان ويصدق أو يكذب بسلوكنا، فإن من الناس من يقول: آمنا، ولكن فعله يكذب قوله، لا يكون صادقاً من قال: آمنا إلا إذا أقام على هذا الكلام دليلاً من عبادته وترك محارم الله تبارك وتعالى، واستقامته على منهج الله. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقني وإياكم الإيمان القوي، وأن يثبتنا وإياكم عليه حتى نلقى الله. والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. تنبيه: ينتشر في هذه الأيام ورقة يقولون: إنها مصورة بالكمبيوتر على القصبة الهوائية والرئة اليمنى، وأن المتأمل فيها يقرأ كلمة التوحيد: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وإذا كان الكلام صحيحاً، يعني: أن هذا جاء عن طريق تصوير لهذه الجزئية من جزئيات الجسد بالكمبيوتر والتكبير له، فإنه واضح من خلال القراءة لها كلمة: لا إله إلا الله محمد رسول الله -واضحة باللغة العربية- وبإمكان أي واحد منكم أن يراها، هذه من آيات الله الدالة على عظمة الله وقدرته، والله تعالى يقول: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت:53] ولكن لسنا -أيها الإخوة- في شكٍ من أمر ديننا ولا عقيدتنا حتى نبحث عن المؤيدات، كأننا نقف ونريد من يثبتنا، لا. نحن ثابتون ولو لم نر، هذه إن كانت حقاً فهي تزيد، وإن كانت ليست بحق فلا نتزعزع في إيماننا؛ لأننا نخشى أن يأتي يوم من الأيام يبحثونها فيقولوا: لا. الأمر فيه خطأ إن كلمة: لا إله إلا الله محمد رسول الله كلمة حق عليها نعيش وعليها نحيا وعليها نموت وعليها نبعث إن شاء الله، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل لا إله إلا الله، وهذه لا تزيد المؤمن إلا إيماناً وتثبيتاً عند الله تبارك وتعالى.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الاختلاط بحجة طهارة القلب

حكم الاختلاط بحجة طهارة القلب Q في القرية التي أسكن فيها وفي القرى المجاورة من حولنا نشاهد مناظر لا يرضاها الشرع من التبرج وكشف الوجه والصدر والاختلاط في السهرات، ونرى المرأة تجلس مع ابن عمها وابن جارها سواء كانت متزوجة أو غير ذلك، ولما أرشدناهم قالوا: نحن إخوة والقلوب صافية، وأنت تريد أن تفرق بين الأسرة والأقارب، وهذه المرأة أو البنت تذهب إلى العمال؛ والمزارع مثل مزارع البن -كأن الأمر هذا في غير البلاد هذه- فأرشدنا أرشدك الله لعل الله عز وجل أن ينفعهم؟ A نقول: -أيها الإخوة! - من نور الله بصيرته من الإخوة الذين يقيمون في هذه الديار وعاد إلى بلده فإن مسئولية الدعوة يجب أن يحملها وينشرها، كما منَّ الله عليه وأنقذه مما كان فيه من الضلال، وينبغي أن يحمل هذا النور وهذه المسيرة إلى أهله وعشيرته، وأن يبلغ من يعرف ومن لا يعرف من قراه التي يعيش فيها بدين الله تبارك وتعالى، ولكن ينبغي أن يكون الإبلاغ عن طريق العلم. لا بد أن تتعلم؛ لأنك إذا أوردت المسألة وقرنتها بالدليل من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقنعت، أما إذا قلت كلاماً كذا بدون دليل فإنك تقف موقف العاجز عن الرد، ولكن لا يمنعك عدم علمك عن أن تقول الحق، إنما قل الحق فإن استطعت أن تدعمه بالدليل فهذا أفضل، وإن لم تستطع فعليك أن تأمر وتنهى بما تقدر عليه بحسب استطاعتك وما وصل إليه علمك والله عز وجل سيثيبك. أما هؤلاء الذين يعيشون في الجهل والبعد عن دين الله وشريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في اختلاطٍ، وتبرجٍ، وتكشفٍ، وسهرٍ محرم، ويدعون أن قلوبهم طاهرة، فهؤلاء والله ما قلوبهم بطاهرة، ولا عرفوا دين الله ولا عرفوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، إن الله أمر بالأوامر ونهى عن النواهي وتعبد العباد بهذه الأوامر، وحق العباد أمام الأمر والنهي الامتثال والطاعة لا أن يردوا أمر الله بحجة أن قلوبهم طاهرة، فإن القلب الطاهر هو القلب الذي يستجيب لأمر الله، أما الذي يرد أمر الله فهو قلب نجس، لا طهارة فيه، والذي يقول: أنا لا أحجب زوجتي؛ لأن قلبها وقلبي طاهر، وقلب الرجال طاهر، والله لو كان القلب طاهراً لحجبت امراءتك، إذ ما يمنعك من الحجاب إلا رغبتك ورغبة امرأتك في النظر! أجل. كيف ترغب المرأة في النظر إلى الرجال والرجل يرغب في النظر إلى النساء ويدعي أن قلبه طاهراً؟! لا نعلم أن قلبك طاهراً، وما شققنا صدرك، لكن الذين هم أطهر خلق الله صحابة رسول الله وأمهات المؤمنين الذين أمرهم الله بالحجاب فقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:53] وأمر الحجاب مثل أمر الصلاة. ما ظنكم لو قلنا لشخص: جاء رمضان شهر الرحمة والغفران، والشرع يلزمك أن تصوم رمضان، فما صام، ولما جاء في الظهر وإذا به يأكل، ما بك؟ قال: أنا قلبي طاهر ولو ما صمت، والإيمان في الصدور، رمضان ليس بترك الأكل كل يا رجل وأنت على دينك طاهر ما رأيكم فيه؟ كذاب. وآخر قلنا له: صلِ الصلوات الخمس، قال: ماذا في الصلاة؟ أقوم وأقعد ليس إلا قيام وقعود! ما هذه الصلاة؟ الصلاة صلاة القلب، أنا أصلي في قلبي، قلبي طاهر ولو لم أصل! ما رأيكم فيه؟ هذا كافر. والذي نقول له: حجب زوجتك قال: الحجاب في القلب، أنا قلبي طاهر ولو لم تكن امرأتي محجبة، قلبي طاهر ولو جالست النساء، هذا مكذب لله ولرسوله، والذي يسمع الأغاني، نقول له: اترك الأغاني يقول: لا. والله أنا أسمعها من هنا وتخرج من هنا، كلام يذهب، أنا لا أتأثر، نقول: لا. أنت كذاب لو أنك لا تتأثر لتركته؛ لأنك عصيت الله عز وجل، لا تنظر إلى النساء قال: لا. حتى ولو نظرت إلى النساء لا يضر، ماذا هناك يا أخي، أنا أملك نفسي، ولو نظرت، فأنا طاهر وشريف! لا. إنك يوم أن نظرت عصيت الله، ولو كنت طاهراً لما عصيت الله؛ لأن الطهارة هنا طهارة حسية ومعنوية، فالإنسان الذي عنده خبث في قلبه للنساء والنظر إليهن هذا نجاسته نجاسة حسية، يقول الله تعالى: {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32] والمرجفون في المدينة والذين في قلوبهم مرض؛ مرض الشهوات، والنساء، وحب الزنا -والعياذ بالله- حتى ولو كان ليس له رغبة في النساء ثم نظر فإن في قلبه مرض، لماذا في قلبه مرض؟ مرض معنوي؛ معصية الله، ولهذا قال العلماء: إن توبة العنين من الزنا الذي لا يقوم له عضو على الزنا -وهو تائب من الزنا؛ لأنه لا يعمل الزنا- قالوا: مقبولة، رغم أن وسيلة الزنا لا توجد، لماذا؟ لأن الله يعامله على قلبه، سواء معه الآلة أو لم تكن معه الآلة.

حكم السكن مع من لا يصلي في المسجد

حكم السكن مع من لا يصلي في المسجد Q إنني في حيرةٍ من أمري. أسكن مع زملاء أحبهم في الله ولكنهم لا يصلون في المسجد؟ A كيف تحبهم في الله؟ ما هذا الفهم الخاطئ؟ ما معنى الحب في الله؟ الحب في الله أنك تحبه؛ لأنه ولي لله، يقوم بأوامر الله وينتهي عما نهى الله عنه؛ فأنت تحبه في الله، لكن هذا الذي لا يصلي في المسجد يجب أن تبغضه في الله، لا أن تحبه في الله؛ لأنك إذا أحببته في الله فقد عصيت الله؛ لأنك أحببت عدواً لله قطع بيوت الله، فالحب يجب أن يبنى على الاستقامة الكاملة والتمسك بأوامر الله تعالى. السائل: وخصوصاً صلاة الفجر لا يصلونها؟ الشيخ: وهذا الكلام هو (ترمومتر) الإيمان الذي ينتشر فيها، لا ينفعه قيامه في غيره؛ لأن الذي لا يصلي الفجر في المسجد منافق والعياذ بالله. السائل: وأيضاً يتفرجون على المسلسلات والفيديو، ويسمعون الأغاني وينظرون إلى ما حرم الله؟ الشيخ: وأيضاً يحبهم في الله! السائل: رغم أنني نصحتهم مراراً فما هو الحل يا شيخ، هل أجلس معهم، أم لا؟ واعلم أني أحبك في الله، فأعطني نصحيتك وإرشادك، وفقك الله؟ الشيخ: أنا أقول بالنسبة لي أسأل الله أن يكون حبك لي في الله حباً صادقاً، أخاف أن تكون قد رأيت فيَّ شيئاً من المعاصي وأحببتني في الله على ذلك، وأسأل الله أن يجمعنا وإياك وإخواننا في جنات النعيم. أما هؤلاء الذين لا يصلون في المسجد وخصوصاً صلاة الفجر، ويسمعون الأغاني، وينظرون إلى الأفلام والمسلسلات، ويتفرجون إلى الحرام، فإن جلوسك معهم خطأ وخطر على دينك وعقيدتك، وعليك أن تنجو بنفسك؛ لأنك تقول: نصحتهم مراراً فلم يلتزموا، فر منهم فرارك من الأسد، فر منهم فرارك من المجذوم، أو الذي عنده إيدز أو سرطان أو (كوليرا)، هؤلاء عندهم إيدز في أخلاقهم، وسرطان في عقيدتهم، و (كوليرا) في تصرفاتهم، انجُ منهم وإلا فإن كثرة الإمساس تذهب الإحساس، وقريباً بعد أيام تكون واحداً منهم. يا أخي: فر بدينك وتعرف على الإخوة الصالحين المؤمنين الطيبين الذين بمعيشتك معهم تزداد ديناً وهداية إلى الله عز وجل.

حكم التعامل مع تاركي الصلاة

حكم التعامل مع تاركي الصلاة Q عندي أصدقاء في العمل وبعضهم يؤدي الصلاة وقت الظهر، وبعضهم لا يصلي، وبعد الصلاة أسألهم يقولون: قد صلينا، ونحن نجلس معهم، ونأكل معهم، فما الذي تنصحون به؟ وما الشريط الإسلامي المفيد لهم؟ A الزملاء في العمل تربطك بهم رابطة العمل وينقسمون إلى قسمين: 1 - قسم مؤمن طيب ملتزم هؤلاء تربطك بهم رابطتان: رابطة الإيمان والالتزام والحب في الله ورابطة العمل، وينبغي أن تعاملهم معاملة الإخوة في الله والإخوة في العمل. 2 - زملاء آخرون في العمل لكن ليسوا معك ولا على مثل ما أنت عليه من الإيمان والدين والهداية والاستقامة، فهؤلاء تتعامل معهم بما تقتضيه ظروف العمل فقط، لكن تضحك معه، وتبش له، وتأكل معه، وتسمر معه، وتتمشى أنت وإياه زيارة سهرات، لا. لماذا؟ {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:22]. أما الشريط الإسلامي الذي يفيد لهم فلا أستطيع أن أدلك على شيء، ولكن اذهب إلى أصحاب التسجيلات واسألهم فإنهم سيدلونك على الأشرطة المفيدة إن شاء الله.

حكم التلفظ في الصلاة بأذكار لم ترد

حكم التلفظ في الصلاة بأذكار لم ترد Q نسمع إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، بعض المصلين يقول: الحمد لله، وبعضهم إذا قال الإمام: إياك نعبد وإياك نستعين، قالوا: استعنا بالله، وبعضهم إذا قال الإمام: قد قامت الصلاة، قال: أقامها الله وأدامها فما حكم ذلك؟ A أما إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فلا ينبغي أن تقول الحمد لله، بل تقول ما ورد في الشرع: (ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملء السماوات والأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد أحق ما قال عبد وكلنا لك عبد، ولا ينفع ذا الجد منك الجد). تقول هذا الكلام. وإذا قال الإمام: إياك نعبد وإياك نستعين، فلا تقل: استعنا بالله؛ لأنه لم يرد، وبعض أهل العلم يقول: إنك إذا قلتها تبطل الصلاة؛ لأنها كلام من خارج الصلاة. أما إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، وقلت: أقامها الله وأدامها، فقد ورد فيها حديث وفي سنده ضعف، ولكن بعض أهل العلم يجوز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، وهذا دعاء من فضائل الأعمال أن تدعو الله أن يقيمها وأن يديمها عليك، وبعضهم يقول: تقولها أحياناً وتتركها أحياناً حتى لا تستمر على فعلها فيفهم الناس من فعلها أنها حديث صحيح، أو أنها ثابتة.

حكم تقبيل رأس الوالدين

حكم تقبيل رأس الوالدين Q هل يجوز تقبيل رأس الوالدة يومياً في الصباح والمساء وعند العودة من الدوام؟ A هذا يا أخي من البر، فإذا قمت في الصباح وقبلت رأس والدتك أو يدها وذهبت إلى الدوام ورجعت من الدوام وقبلت رأسها ويدها، ورجعت في الليل وقبلت رأسها وودعتها، ودعت لك أمك أو دعا لك أبوك هذا من البر؛ لأن أفضل من أسدى لك جميلاً بعد الله عز وجل هما الوالدان؛ ولهذا يقول الله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:14] وقرَن عبادته بطاعتهم فقال جل ذكره: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [النساء:36] ومن لا يشكر لوالديه لا يشكر لله عز وجل، فأعظم الناس نعمة عليك هما والداك، فعليك أن تعرف قدرهم وأن تبرهم، وأن تأتي إليهم في الصباح وتقبل الوالدة أو الوالد، وتسلم على يده ورأسه، وتقول: أي خدمات يا أبت؟ ادع الله لي بالتوفيق، إذا قال لك أبوك: وفقك الله، نور الله قلبك، يسر الله أمرك، فهي نعمة عظيمة. لكن بعض الأولاد لا يتصرف تصرفات حسنه؛ لأنه يعرف أن أباه لا يريدها أصلاً! لماذا؟ يقول: لأني أخاف أن أقول له فيصرخ، يقول: فأذهب من دون استئذان! إذا صرخ فهو أصلح لك من عدم استئذانك، قد تكون تريد أن تسافر أو تذهب عمرة أو أي رحلة فتقول: أذهب وأعلم أبي بعد ذلك، لأضع أبي أمام الأمر الواقع. هذا ليس صحيحاً، فأبوك إذا سأل: أين ذهب؟ قالوا: ذهب، قال: الله يجعلها في وجهه، حينها جاءتك قنبلة من السماء؛ لأن دعوة الوالد على ولده لا ترجع لا وفقه الله، ولا تقبل منه ما فائدته! لكن تعال إلى أبيك وقل: يا أبت: أريد أن أذهب عمرة، فإذا قال: امش، وفقك الله، دعوة طيبة، وإذا قال: لا. اجلس، فأنت بنيتك يكتب الله لك عمرة ولو أنت قاعد في البيت، لماذا؟ لأن الذي منعك طاعة الله ثم والداك.

نصيحة للشباب المتذبذب

نصيحة للشباب المتذبذب Q يقول: نرجو أن تقدم نصيحة للشباب المتذبذب الذي لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، وهم كثيرون معنا الآن، نرجو أن تنقذهم وتدلهم على الطريق؟ A صدق أخي الكريم، لا ينبغي للشخص أن يبقى متردداً؛ نريد استقامة! أنا أرى كثيراً من الشباب يأتون المسجد لكن لا يزالون يشاورون أنفسهم. لا يوجد مشاورة ولا خيارات في دين الله، إنما هي الجنة أو النار، السعادة الأبدية أو الشقاء الأبدي، لا خيار لك في هذا، والله تعالى يقول: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء:23] ويقول: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36] هل لك خيار وقد قضى الله بالأمر؟ لا. قضى الله أن تعبده، أي: لا بد أن تعبده، بماذا تعبده؟ باتباع أمره واجتناب نهيه، فسر ولا تبقى متذبذباً؛ لأن التذبذب خطر. أنت قد تقول: أنا والحمد لله أفكر في أن ألتزم، ما هو الالتزام؟ الالتزام أن أصير مؤمناً؛ أن أنفذ الدين بحذافيره فلا أسمع، ولا أنظر، ولا أتكلم، ولا أمشي إلا بالحلال، ولا آكل إلا الحلال، وأطلق لحيتي، وأقصر ثوبي، وأمشي مع الطيبين، وأسمع الشريط الإسلامي، وأدعو إلى الله، وآمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأحب وأبغض في الله، وأعيش هموم الدين، ومشاكل المسلمين، وأعيش بقلبي وقالبي مع الإسلام في كل أرض ومكان، وبعد ذلك أغير بدل الكتاب الماجن الكتاب الإسلامي، وبدل المجلة الفاجرة المجلة الإسلامية، وبدل الجريدة الخاسرة جريدة إسلامية هذا هو المؤمن، لكن إذا قلت: لا والله. أنا سوف أصلي، أنت الآن على خطأ! أنت متردد، أقل مصيبة تردك إلى الوراء، فاغنم قلبك واغنم حديدك إذا حر، فإن الحديد يضرب وهو ساخن.

حكم التمثيل في الشرع

حكم التمثيل في الشرع Q نحن جماعة مقبلون على تقديم حفل، ونحن في حيرة من أمرنا من ناحية تقديم مشاهد تمثيلية؛ لأننا سمعنا أن هناك فتوى من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز بتحريم هذه المشاهد حتى ولو كانت هادفة فما رأي فضيلتكم؟ A أولاً: موضوع التمثيل إن كان تمثيلاً باطلاً، أو لنساء، أو تمثيلاً للصحابة والأنبياء والرسل، أو لمجون وكذب فهذا حرام بإجماع العلماء، ولا أحد ينازع في هذا؛ لأنه يجمع كل المصائب، وهو الموجود الآن في المسلسلات والتمثيليات وأفلام الفيديو هذا كله باطل وكذب، ولا ينبغي لك أن تعيش مع الكذاب وتعطي عقلك غيرك. أما التمثيليات الهادفة التي تمارس في بعض الأماكن كالمدارس الثانوية والجامعات والمراكز الصيفية والمعسكرات الإسلامية، والمخيمات الدينية من أجل معالجة قضية، ولا يمكن أن تصل هذا القضية وأن تفهم إلا إذا أظهرت في شكل روائي، بحيث يمثل هذا دور الشاب المنحرف، وذاك دور الشاب الطيب، وكيف لقيه وجلس معه وراح هو وإياه وأثر فيه، وبعد ذلك اهتدى والتزم وصار ملتزماً فهذه هادفة. وشاب آخر كان يدخن وكان -والعياذ بالله- سكيراً ولقيه واحد آخر وقال: تعال يا أخي هذه مذاهب انقسم العلماء فيها إلى قسمين: 1 - قسم يقول: لا يجوز، لماذا؟ قالوا: لأنه كذاب؛ لأنه يمثل أنه منحرف وليس منحرفاً، وما دام أنه كذب فلا يجوز. 2 - وقسم يقول: جائز ولو كانت التمثيلية كذباً، لماذا؟ قالوا: لأنه ورد في الدين ما يسندها، ما هو الذي يسندها؟ قالوا: جبريل لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أليس كان يمثل دور طالب العلم، أجيبوا علي؟ بلى. هل كان جبريل لا يعرف؟ كان يعرف الجواب وهو يسأل الرسول -أخبرني عن الإسلام- يعرف الجواب لكنه جاء ليمثل دور طالب العلم، وليس هذا بكذب، لماذا؟ ولهذا لما ذهب قال: (أتدرون من السائل؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمور دينكم) رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يعرفه منا أحد، وليس عليه أثر السفر، ما جاء من مكان بعيد، من أين جاء؟ من الملائكة، وجلس وأسند ركبتيه، وبعد ذلك علمهم كيف يجلس طالب العلم، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع يديه على فخذيه، وقال: أخبرني عن الإسلام، هذا دور روائي. أيضاً حديث آخر في صحيح البخاري ومسلم؛ حديث الأعمى والأقرع والأبرص، الذي أرسل الله لهم ملكاً من الملائكة وجاء إلى الأول وقال: ماذا تريد المهم أن الله عز وجل رزقهم، ثم بعد ذلك جاءهم الملك في أشكالهم، جاء عند الأقرع في صورة أقرع، وجاء عند الأعمى في صورة أعمى، وجاء عند الأبرص في صورة أبرص. وهذا شكل تمثيلي، لكن الهدف منه اختبار وابتلاء هؤلاء الناس، هل ينسون الماضي أم يذكرونه؟ فبعضهم نسي الماضي وقال لما قال له: أسألك بالذي أعطاك الجلد الحسن والمال الكثير أن تعطيني شاة أتبلغ بها في سفري، قال: أنا ورثته كابراً عن كابر، مثلما ينكر بعض الناس الآن عندما تقول له: اذكر فضل الله عليك، قال نحن أغنياء من يوم خلقنا -أي: نحن ما لحقَنا شيء من الجوع- وقد كان يطلب على الأبواب، (شحات) لكن الله رزقه ونسي الماضي، لا حول ولا قوة إلا بالله! فهذه أدلة تدلل إن شاء الله أنه إذا أراد بعض الشباب الطيب على أن يقوموا بممارسة عمل مسرحي نظيف شريف لا مجون فيه ولا تزوير، كمن يأخذ أذناب الخرفان ويضعها كلحية -أي: يقص ذنب الخروف ويعلقه في وجهه ويمثل بأنه رجل مسن، هذا كذب! لا يصلح؛ لأن هذا تزوير، إنما يظهر في شكله، وبعضهم يأخذ الطلاء ويلطخ وجهه ويفعل له لحية وشارباً، وبعضهم كأنه شيطان، لا. لا يجوز أن يظهر في صورة شيطان، لا يجوز أن تظهر مسلماً في صورة شيطان، ولا يظهر في صورة كافر مثل أبي جهل، لا. ولا يظهر في صورة صحابي أبداً، إنما صورة من الصور العادية يظهر فيها من يمثل الدور. أنا أقول هذا بعد الاستقراء والنظر في الأدلة، وبعد التشاور مع بعض الإخوة نسأل الله ألا يكون به بأس والله أعلم.

ميزانية نهاية العام

ميزانية نهاية العام إن الأيام والشهور والأعوام، تمر علينا فماذا قدمنا لأنفسنا؟ هل قمنا بمحاسبتها؟ هل حافظنا على رأس المال، من الأعمال الصالحة؟ هل قمنا بمراجعة الحسابات؟ ومراجعة الربح والخسارة؟ إننا لنهتم بترتيب أوضاعنا الدنيوية، بينما الأوضاع الأخروية أهملناها. فيا أخي! اعمل لنفسك جدولاً زمنياً تحاسب نفسك فيه، وتحصي أعمالك خيرها وشرها، لتسلك طرق النجاة، وتتجنب سبل الهلاك.

محاسبة النفس وتصحيح مسارها

محاسبة النفس وتصحيح مسارها الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الإخوة في الله: في هذا اليوم الثلاثاء: الموافق للثاني من شهر محرم من عام: (1411هـ) على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وفي جامع الذياب بحي السُلَي بمدينة الرياض، وبالأمس ودَّعنا عاماً من أعمارنا، وطَوَينا صفحةً من صفحات حياتنا، ودَّعناه بما استودعناه من عمل، وكما مر هذا العام والأعوام التي قبله ستمُر بقية الأعوام من أعمارنا، وسيجد الإنسان نفسه يوماً من الأيام، وهو يقف في المحطة الأخيرة من رحلة هذه الحياة، وسينزل نزولاً إجبارياً، وسيتم التعامل معه على ضوء تعامله هنا، فمن أحسن هنا لقي إحسانه هناك، ومن أساء هنا لقي إساءته هناك، يقول عز وجل: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:31] ويقول عز وجل: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل:89 - 90] ماذا تتوقع أن تُجْزى عليه إلا عملك؟! هل تتوقع أن يعطيك الله عملَ غيرِك؟! أو أن يضع الله سيئاتك في موازين غيرك؟! لا والله، لا يظلم ربك مثقال ذرة، يقول عز وجل: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47] تنكشف أوراق الإنسان وحساباته، ويجد كل شيء، والله لا يظلمك الله شيئاً. يقول الله عز وجل: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:30] هذا تحذير في ذلك تتمنى أن يجعل الله بينك وبين سيئاتك أمداً بعيداً، لكن من الآن اجعل بينك وبينها أمداً بعيداً، أما أن تجعلها ملازمة لك، وملاصقة لك، فتعايش المعاصي والسيئات بالليل والنهار فسوف تعايشك السيئات في النار، أما إذا جعلت بينك وبينها الآن حجاباً مستوراً من طاعة الله، وجعلت بينك وبينها عوازل وموانع من تقوى الله؛ جَعَلَ الله بينك وبين النار عوازل وموانع وأسكنك الجنة. وبين عامٍ يمضي وآخر يحل فترةٌ من الزمان نطويها اسمها: العمر، وتنقص أعمارنا بمقدار ما يمر من أعوامنا، أنت مجموعة أيام، وكل يوم يمشي ينقص بعضك إلى أن تنتهي، مَثَلُك مَثَلُ التقويم المعلَّق على الجدار، في أول العام الدراسي أو العام الهجري تجده سميناً مليئاً بالأوراق، ثلاثمائة وستين ورقة؛ ولكن في مغرب كل يوم تنزع ورقة، وتمشي الأيام، ولا ننتبه إلا والتقويم لم يبق منه إلا اللوح فقط. وكذلك أنت! كل يوم تنزع ورقة من عمرك، وسيأتي عليك يوم لا يبقى منك إلا اللوح، ما هو اللوح؟! جثتك، واللوح ماذا يُفْعَل به فيما بعد؟! يُرْمَى ويهمل، وأنت يوم أن تنتهي أيامك وتنتهي ساعاتك ولحظاتك في هذه الحياة، تُرْمى وتقذف في المقبرة، وترتفع روحُك إما إلى علِّيِّين، أو تُسْقَط وتُهْبَط وتُدَنَّس وتُسَجن في سجِّين. يقول عز وجل: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} [المطففين:18]-جعلنا الله وإياكم من الأبرار- كلمة أبرار تحمل معاني البر والصفاء، وتحمل معاني القرب من الله، رجلٌ بارٌّ، رجلٌ برٌّ: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} [المطففين:18 - 19] تعظيم وتفخيم لعلِّيِّين: {كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين:20 - 21] كتابٌ مرقومٌ يشهدُه المقربون مِن الملائكة، وماذا في هذا الكتاب؟! يقول الله: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ} [المطففين:22] هذا هو المكتوب في الكتاب: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} [المطففين:22 - 24] كما كانت في وجوههم نضرة الإيمان، ونضرة البهاء والصلاح، ونضرة الخوف والمراقبة، فأيضاً يوم القيامة: {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ} [المطففين:24]. أما أولئك -والعياذ بالله- الذين غفلوا، ومرت الأعمار عليهم هكذا سراعاً وراء بعضها دون تأمل ولا مراجعة، ولا وقفة ولا محاسبة، فيقول الله فيهم: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ} [المطففين:7 - 9] ماذا في الكتاب؟! {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المطففين:10] نعوذ بالله وإياكم من ويل، ومن عذاب الله عز وجل. فنحن نمتطي مطايا الليل والنهار، فهذه الأيام مطايا ونحن ركوب على ظهورها، وننزل من مطية الليل إلى مطية النهار، ونفرح بدوران الشهر من أجل أن نستلم الراتب، أحب الأيام إلينا أيام: (28) و (29) و (30)، وأسوأ الأيام إلينا أيام: (4) و (5) و (6)، نبيع أعمارنا برواتبنا، والأيام والليالي تسير بنا ونحن لا ندري، لا نستطيع أن نقف على عجلة الزمان أو نوقفها عند نقطة معينة، بل تسير بنا الأيام ونحن لا ندري، ولا مجال للتريُّث، ولا معنى للانتظار، فإن الزمان لا ينتظر أحداً، ولا يتريَّث لأحد، يروي الإمام مسلم حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على ضرورة السرعة في العمل الصالح مع الله، يقول عليه الصلاة والسلام: (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل)، وبسط اليد بالليل والنهار دليلُ استعجال، أي: بسرعة تُبْ إلى الله، ما دمتَ أسأت في الليل فإن الله بسط يده لك من أجل أن تتوب؛ لأنك مسيء؛ هذا فيه عملية حث، عملية شحذ للهمم وأنك تسير ولا تدري ما المصير الذي تصير إليه، فلا بد أن تتنبه وأن تكون عاقلاً، لا تسِرْ مع الذين يعيشون بعقلية البهائم، ولا همَّ لهم إلا هذه الدنيا، ولا ينتبهون إلا وهم يَقْتَحِمون ويُقْذَفون ويُدَعُّون على رءوسهم إلى النار وهناك يقولون: {يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا} [الأحزاب:66] {يَا وَيْلَتَى} [الفرقان:28] {لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة:25 - 27]. يقول الظالم: {رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون:99] لماذا؟ {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:100] حسناً! لماذا كنت غافلاً؟! من الذي أخرك؟! يقول الله: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100]. فكل تأخير -يا أخي في الله- في إنقاذ نفسك وتصحيح مسارك لا يعني إلا تعريضك لمزيد من الخسارة، وتعريضك لنهاية المصير والانحدار والدمار، وما أجمل أن يعيد الإنسان تنظيم وضعه مع الله بين الحين والحين! وأن يُرْسِل نظرات ناقدة في جوانب نفسه ليتعرف على عيوبها وأخطائها، ويرسم السياسات القصيرة والعاجلة للتخلص من الأخطاء والخطايا! يا أيها الإخوة في الله: في كل بضعة أيام ينظر أحدنا إلى مكتبه، ويعيد ترتيب أوراقه، فيقضي على الفوضى التي حلت على المكتب من قصاصات متناثرة، وسِجِلات مبعثرة، وأوراق أدت غرضها، ويقوم بترتيب كل شيء، ويضع كل شيء في وضعه الصحيح؛ فالمعاملات القابلة للحفظ تُحْفَظ، والمعاملات اللازم تحويلها تُحَوَّل، والأوراق التي لا غرض لها تُمَزَّق وتُهْمَل. وفي البيت تصبح الغرف والحجرات غير مرتبة ومتناثرة، فإذا بأيدي الإصلاح تتدخل من الزوجة أو الخادمة وتجول هنا وهناك، وتنظف الأثاث المُغْبَر، وتطرد القمامة الزائدة، وتعيد كل شيء إلى مكانه ونظامه. بل ثوبك الذي على جلدك تراجعه كل ثلاثة أيام؛ لتزيل ما عَلِق به من أوساخ وأقذار، ولتلبس ثوباً جديداً تستطيع أن تعيش به بين الناس. أيها الإخوة في الله: ألا تستحق حياة الإنسان منا مثل هذا الجهد؟! ألا تستحق نفسك أن تتعهدها بين الحين والحين؛ لترى ما لحق بها من اضطراب فتزيله، وما تعرضت له من إثم فتنفيه، مثلما تنفي القمامة من ساحات منزلك وبيتك؟! ألا تستحق النفس أيها الإخوة! -بعد كل مرحلة تقطعها من مراحل الحياة- أن نعيد النظر فيما أصابها من غُنْم أو خسارة، وأن نرجع إليها، وأن نعيد إليها توازنها، وأن نعيد بناءها وترتيبها. فالنفس تحتاج إلى توازن مثل السيارة؛ فالسيارة تمشي في الطرق المعبَّدة والعادية سليمة؛ لكن إذا مشيت بها على مَطَبٍّ فإنها تَرتجُّ، وبالتالي تحتاج إلى ميزان، فتذهب بها إلى الجهاز من أجل أن توزن عجلات السيارة. أنت الآن تعيش وتقع في مطبات، ونفسك ترتج بالأزمات، وتهتز بالفتن والمشكلات، وهي في عراك دائب على ظهر هذه الحياة.

إجراء الإصلاحات ومعالجة العلل والآفات

إجراء الإصلاحات ومعالجة العلل والآفات إن الإنسان -أيها الإخوة والله الذي لا إله إلا هو- لَهُو أحوج ما يكون إلى التنقيب والتفتيش في أرجاء نفسه، وتَعَهُّد حياته، وإجراء الصيانات لها من العلل والأمراض والآفات. ما السبب؟! السبب أن الإنسان قلَّما يبقى متماسكاً، فلا بد له من تثبيت، السيارة التي تمشي دائماً في المطبات تتخلخل وتتحلل مساميرها (وصواميلها) وتحتاج منك أن تجري لها بين فترة وأخرى إعادة تثبيت وتوازن وفحص دوري لتَفَقُّد أجزائها، ونحن واقعيون مع سياراتنا، فلا يمكنك أن تجدد الاستمارة حتى تفحص السيارة. لكن هل فحصنا قلوبنا؟! هل فحصنا جوارحنا؟! هل أعدنا التدقيق مع أنفسنا؟! نفحص أجسادنا، ونجري فحصاً كاملاً للجسم: فحصٌ للعينين؛ وهل هي سليمة! فحصٌ للرئتين؛ ومدى قوة التهوية فيهما! فحصٌ للكبد. فحصٌ للأمعاء. لكن القلوب التي في الصدور لم نجرِ لها فحصاً! إن حِدَّة الاحتكاك، وضغط الشبهات، وضروب الشهوات تؤثر في النفس، فإذا غفل الإنسان عن نفسه، وترك عوامل الهدم تنال منها، فسوف تقضي عليه لا محالة، وينفرط عليه أمره، ويكون شأنه كمن قال الله فيه: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28] فكثير من الناس الآن أمره فُرُطٌ؛ لماذا؟! لأنه غافل عن الله، والله يقول قبل هذا: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28] ينفرط عليه دينه فلا يجمعه، يضيع صلاته، يضيع عقيدته، يضيع الزكاة، وإذا قلت له: الصلاة! قال: يا شيخ، نحن مشغولون! - الزكاة! - يا رجل -الله يهديك- أنت ما زلت تريد زكاةً، الناس عندهم (مليارات)، ونحن ماذا عندنا؟ نحن ليس معنا شيء! - والحج! يقول: الحج زحمة، وحَرٌّ هذه السنة. - والعمرة! يقول: العمرة، نحن قد أدينا، العمرة تكفي مرة. - والصوم! - الله المستعان! - ويذهب ليصوم في (كازابلانكا)، أو في (تايلاند)، ويحج، ويأتي بعمرة! لا إله إلا الله! فهذا مفرط! اليوم وأنا في الفندق نائم ضرب الجرس عليَّ شخص، وأنا في ساعة استغراق النوم، الساعة الثالثة، وهو أحسن وقت، وإذا بالهاتف يدق، قال: ألوه. قلت: نعم. قال: طائرة (بومباي) متى تقلع؟ قلت: من تريد أنت؟! قال: الخطوط السعودية؟! قلت: لا يا رجل، أنا في الفندق، أين تريد أنت؟! قال: أريد (بومباي). قلت: لماذا؟! ماذا في (بومباي)؟! تريد عمرة؟! تحج؟! قال: لا. فقط نوسِّع الخاطر. قلت: والله تضيِّق الخاطر أيها الأخ! والله يضِيْق فكرك وبالك بمعصية الله، وغضب الله وسخطه، هناك ذنوبٌ وآثامٌ حماك الله منها، وتحجز بالطائرة من أجل أن تذهب لتتمتع وتراها وتوسِّع البال. الله أكبر! كيف يتَّسع فكر مسلمي هذا الزمان بمعصية الله؟! إن القلوب تنعكس، والنفوس تنقلب حين ترى أن معصية الله توسيعٌ للبال! إنا لله وإنا إليه راجعون!

فرح الله بتوبة عبده

فرح الله بتوبة عبده يا أخي المسلم: يا أخي في الله! وقفةٌ مع النفس مع بداية هذا العام الجديد، وقفةٌ صادقة جادة تصحح المسار، وتزيل الأخطاء، وترجع إلى الطريق الصحيح، فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، ولا تعتذر يا أخي بكثرة خطاياك، فلو كانت كزبد البحر ما بالى الله بها، إذا اتجهت إليه قصداً، وإذا انطلقت إليه ركضاً، إن الخطأ القديم لا يجوز أن يكون عائقاً أمام التوبة الصادقة، يقول ربنا عز وجل -وهو يخاطب أصحاب الأخطاء الكبيرة، المسرفين على أنفسهم، يقول فيهم ويدعوهم بدعاء وبنداء العبودية ويتحبب لهم- في سورة الزمر: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الزمر:53] أسرفوا على أنفسهم بالذنوب والخطايا. {لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] إذاً: ماذا نعمل؟ قال: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الزمر:54 - 55] ما هو العذاب الذي يأتيك بغتة إذا كنت عاصياً؟ إنه الموت، هل يرسل الموت إنذارات قبل أن يأتي؟! لا. بل يركب الرجل منا سيارته ولا ينزلونه منها إلا ميتاً. ويلبس ثوبه ولا يَخْلَعُ ثوبه هو، بل يُقَطَّع ثوبُه من عند أزراره، إي نعم هذا معناه: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى} [الزمر:56 - 59] اسمعوا هنا! بلى للإضراب، بلى أنت كذاب أيها العبد: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [الزمر:59] لا تكن المعاصي عائقةً، فتقول: والله، أنا كثير الذنوب. فإذا كنتَ كثير الذنوب؟! إذاً: فالله كثير المغفرة. تقول: ذنوبي عظيمة؟! فالله مغفرته أعظم من ذنوبك، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم لقيت الله مستغفراً غفر الله لك، لو كانت ذنوبك كزبد البحر، أو كعدد الرمل، أو كعدد قطر السماء، فرحمة الله أوسع: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:156] فقط حوِّل (الموجة)، هذا الذي نريده منك، الماضي هذا كله يغفره الله لك، بتبعاته ومسئولياته وما فيه من أخطاء، كلها يبدلها الله لك حسنات، فهل يوجد أعظم من هذا يا أخي؟! أي فضل أعظم من هذا! إذا غفر الله لك فهذه كرامة؛ لكن كونه يغفر لك وتكون عليك (مليون) سيئة، فيحولها الله لك (مليونَي) حسنة، فهذا فضلٌ لا يضيعه إلا خاسر لا خير فيه، والعياذ بالله. وأيضاً: مع أن الله يغفر لك يفرح بك! ففي الحديث الذي في صحيح البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: (لَلَّهُ أشد فَرَحاً بتوبة عبده من رجل كان في فلاة -مسافر- ومعه راحلته، وعليها زاده وماؤه، فضلت عنه، وبحث عنها فلم يجدها، فلما يئس منها استسلم للموت، وأتى إلى تحت شجرة، وانطرح تحتها ينتظر الموت -انتهى! ليس من وسيلة للنجاة! - وبينما هو نائم ينتظر الموت إذا بناقته تعود وتقف بين يديه، فلما فتح عينيه وجدها -ما معنى هذا؟! معناه أنه وجد الحياة- قام فَرِحاً وقال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك)، لم يعرف أن يتكلم؛ لأنه كان موقناً بالموت والهلاك، والآن أعاد الله له وسائل الحياة، فأخطأ من شدة الفرح. فاللهُ يا أخي يفرح بتوبتك أعظم من فرحة هذا الرجل بعودة ناقته! أفلا تُفْرِح ربك؟! ألا تريد أن يفرح ربك بك يا أخي؟! تريد الشيطانَ عدوك أن يفرح بك، لتكون عبداً وحماراً له، يركب على ظهرك ورقبتك، ويسوقك إلى جهنم، ثم يقذفك فيها، ثم يتخلى عنك في النار ويقول: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [إبراهيم:22] ما أخذتك بكتاب ولا بعصا: {إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم:22] * {فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} [إبراهيم:22] خزي والله أعظم خزي! أيُّ مجد وأيُّ عَظَمَة أعظم من أن يفرح بك ربُّك، ويكرمك ويحفظك في الدنيا، ثم يدخلك الجنة في الآخرة؟ أخي في الله: ألا يُبْهِرك هذا الترحيب، وهذه الفرحة من ربك؟! أترى سروراً أو فرحةً تعدِل هذه البهجة الخالصة من الله عز وجل؟!

متطلبات العودة إلى الله

متطلبات العودة إلى الله يا أخي في الله: إن تصحيح وضعك بعد إجراء المحاسبة، هو تجديد لحياتك، ونقلة حضارية حاسمة لتغير معالم نفسك، وذلك لا يعني أن تدخل أعمالاً صالحة وسط جملة ضخمة من العادات القبيحة، والتصرفات والأخلاق السيئة، فهذا خلط وتغشيش لا يصلح. إن العودة تتطلب منك أن تعيد ترتيب حياتك كلها، وأن تستأنف مع ربك علاقةً كاملة أفضل، وعملاً أكمل، وعهداً، وعقيدةً، وهو يدعوك سبحانه وتعالى إلى هذا في سيد الاستغفار؛ ففي صحيح البخاري ومسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلك على سيد الاستغفار؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل: اللهم أنت ربي وأنا عبدك، خلقتَني وأنا على عهدك ووعدك ما استطعتُ، أعوذ بك من شر ما صنعتُ، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت). إن العودة إلى الله تقتضي أن تعيد تنظيم حياتك كلها، وتُجْري تغييراً كاملاً: تغييراً للشريط الذي كنت تسمعه! وتغييراً للمجلة التي كنت تشتريها! وتغييراً لطريقة النوم! وتغييراً لوقت النوم! وتغييراً لوقت الاستيقاظ! وتغييراًَ للزملاء والأصدقاء! وتغييراً لمواعيد الدوام؛ كنتَ تأتي الساعة التاسعة؛ لكن عندما التزمتَ لا تأتي السابعة والنصف إلا وأنت على المكتب؛ لأنك تريد أن تأكل حلالاً! وتغييراً لأسلوب العمل؛ كنتَ تدخل وأنت تنفخ، وتصيح على الموظفين والمراجعين؛ لكن لما التزمتَ أصبحت تدخل مبتسماً؛ لأن تبسمك في وجه أخيك صدقة، ولأنك لا تحقر من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق. وتغييراً في أسلوب أدائك لعملك؛ كنت من قبل تتنصل عن المعاملات، وتمشِّي الأوراق، وتزيحها، وتمرِّرها، يعني: فقط تتخلص، لكن لَمَّا صرتَ ملتزماً ومسلماً لا تنهي معاملة إلا بعد ضبطها (100 %)، تبحثها من أول ورقة إلى آخر ورقة، لماذا؟! لأنك تغيرت تغيراً كاملاًَ! وتغييراً لعينيك؛ إلى أين كانت تنظر؟! وتغييراً لأذنيك؛ ماذا كانت تسمع؟! وتغييراً للسانك؛ بِمَ كان يَهْرِف ولا يعرف؟! وتغييراً لبطنك؛ ماذا كان يأكل؟! وتغييراً لفرجك؛ أين كان يقع؟! وتغييراً ليديك! وتغييراً لقلبك! وتغييراً لكل شيء في حياتك! لماذا؟ لأنك راجعتَ نفسك، وجدَّدتَ حياتك.

أهمية المحاسبة ومعرفة الربح والخسارة

أهمية المحاسبة ومعرفة الربح والخسارة أيها الإخوة: إننا واقعيون مع كل شيء في حياتنا إلا مع أنفسنا، فما من عمل إلا وله حساب يتقنه، ويعرف مدخله ومخرجه، وربحه وخسارته، بدءاًَ بالفرد، ومروراً بالمؤسسة والإدارة والوزارة، وانتهاءً بالدولة؛ هناك ميزانيات سنوية، وسنة مالية، يعرف فيها كل إنسان مركزه المالي، وربحه وخسارته. وكذلك لا بد من سنة مالية إيمانية لك أيها الأخ، تعرف فيها خسارتك وربحك مع الله عز وجل. وموضوع المحاضرة هو: ميزانية نهاية العام، سوف نضع الآن ميزانية للمدخلات والمخرجات، للأرباح والخسائر، للمعاصي والطاعات؛ لنعرف مركزنا الإيماني: أين نحن من الله؟! أنحن من أهل البر؟! أم نحن من أهل الإثم؟! أنحن من أهل الجنة؟! أم من أهل النار؟! هل فكر أحدنا أن يمسك قلماً ودفتراً، ويسجل فيه ما يفعله، ويعرف بين الحين والآخر رصيده من الخير والشر، لو أننا نخبط في هذه الدنيا خبط عشواء، ونتصرف دون معقِّبٍ أو محاسِبٍ أو رقيب، لجاز لنا أن نبعثر حياتنا كما يبعثر السفيه ماله؛ ولكن كيف نبعثر أيامنا! وكيف نضيع شهورنا وأعوامنا! والله قد حفظ ودوَّن علينا مثاقيل الذر، وأعد قوائم الحساب الطويل؟! يقول الله عز وجل: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49]. ويقول عز وجل: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية:29] كل شيء أنت تعمله تكتبه الملائكة، أنت تُملي وهي تكتب، وكل يوم يكتمل تكتمل معه صفحته، فإذا اكتملت السنة اكتمل السِّجِل، وإذا اكتمل العمر حوِّل إلى الآخرة بسِجِلَّاته، فتأتي فتحملها، قال الله: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [الأنعام:31] ترد على الآخرة ومعك سجلاتك، إما بيضاء فيبيِّض الله وجهك، أو سوداء فيسوِّد الله وجه البعيد والعياذ بالله. يقول ربنا عز وجل: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً * مَنِ اهْتَدَى} [الإسراء:13 - 15] الهداية لِمَنْ؟ {فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ} [الإسراء:15] عندما تضل هل ستضل الناس؟! لا. بل تضل نفسك {وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15]. أليس الأجدر بنا والأولى أن نستكشف نحن هذا الإحصاء والحساب؟! إذا كان عندك رصيد في أي بنك أو في أي مكان، فإنك في كل يومين أو ثلاثة أيام تقول: أعطوني كشف الحساب لماذا؟! لأعرف كم ذَهَبَ! وكم بَقِي! حسناً، وكشف حسابك مع الله: ألا تريد أن تعرف كم ذَهَبَ، وكم بَقِي؟! ألا تريد أن تعرف كم ربحك، وكم خسارتك؟! تريد أن تعيش هكذا ضائعاً، حتى تفاجأ وإذا بالأرصدة كلها ديون على ظهرك! مَن أكل ولم يدرِ افتقر وهو لا يدري، نحن نُجْري موازنة على شكل مبسط في بيوتنا، كل واحد منا يعمل موازنة شهرية، في يوميْ (28) و (29) ينظر فيهما كم بقي من الراتب، فإذا كان الذي بقي (20) أو (30)، أو (100) فإنها تكفيك حتى آخر اليوم. ولكن ما هي المشروعات المستقبلية في الشهر الآتي؟! كم تصرف؟ الراتب (4000) ريال: (1000) ريال تصرفه. و (1000) ريال لقسط السيارة. و (1000) ريال لقسط الأرضية. و (1000) ريال توفره. هذه المحاسبة تشبه هذه الميزانية؛ لكن بشكل مبسط. إن الأجدر بنا أن نستكشف نحن حساباتنا، وأن نحصي على أنفسنا الذي يخصنا وحدنا، أما ينبغي أن تكون -يا أخي- على بصيرة بمقدار وحقيقة ما تفعل من خطأٍِ أو صواب؟!

حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا

حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا أيها الإخوة في الله: إن الانطلاق في هذه الحياة دون اكتراث، والاكتفاء ببعض الأعمال الباردة لهو نذيرُ هلاكٍ وعلامةُ خسارة. وإن إهمال النفس، وعدم محاسبتها، والاستغراق في شهواتها، والانغماس في ملذات الحياة، والمنافسة على الحطام الفاني دليلٌ على ضعف الإيمان أو على انعدامه. فمحاسبةُ النفس ضرورة تتمشى مع طبيعة هذا الدين، يقول عز وجل وهو ينادي أهل الإيمان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:18] ما معنى هذه الآية؟ يعني: محاسبة {وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18] حتى لا تقول: أنا والله لم أعلم يا ربِّ، لا. بل اتقِ الله، فالله يعلم ماذا تعمل. ثم يحذرك ويقول: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ} [الحشر:19] هؤلاء هم الضائعون، نسوا الله، فماذا حصل؟! {فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر:19] يعني: ما حاسبوا أنفسهم {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:19]. ثم بين الله أن هؤلاء لا يستوون مع هؤلاء، فقال عز وجل: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الحشر:20] مَن هم أصحاب الجنة؟! هم الذين حاسبوا أنفسهم، مَن هم أصحاب النار؟! هم الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم. {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر:20] بِمَ فازوا أيها الإخوة؟! بالمحاسبة. ويروي الترمذي حديثاً في السنن وهو حسن، قال عليه الصلاة والسلام: (الكيِّس -يعني: الفطن، اللبيب، العاقل، الأريب- من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت -هذا هو الكيِّس- والعاجز مَن أتبع نفسَه هواها، وتمنى على الله الأماني). وهناك أثر لـ عمر يقول فيه: [حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، وتأهبوا للعرض الأكبر على ربكم، وإن قوماً حاسبوا أنفسهم في الدنيا فسَهُل عليهم الحساب يوم القيامة، وإن قوماً أهملوا الحساب في الدنيا فشَقَّ عليهم الحساب يوم القيامة]. والذي يحاسب نفسه الآن في أنظمة المرور، فيراجع دائماً رخصة القيادة ومتى تنتهي، ويراجع رخصة (الاستمارة) ومتى تنتهي، فيجددها، ويراجع علامة (الفحص) الدوري ومتى تنتهي، فيجددها، هذا عندما يمر في الشارع ويجد نقطة مرور وفي هذه اللحظة تقوم بالتفتيش على السيارات، فبمجرد أن ينظر المرور في الرخصة وإذا بها مجدَّدة، والاستمارة مجدَّدة، (والفحص) جديد، ما رأيكم في هذا؟! هل هو مستريح أم غير مستريح، فعندما يرى الناس كلهم واقفين، يمضي ورأسه مرفوع في السماء، فلا يخاف من شيء، وإذا وقف عند العسكري: - أين الرخصة؟ - خذ. - أين (الاستمارة)؟ - تفضل. - عجيب! أين الفحص؟ - انظر، أما تراه أنت؟! - يتكلم ورأسه في السماء. - لماذا؟! - لأنه حاسب نفسه قبل أن يأتي إلى هذا المكان. - فماذا يفعل به العسكري؟! - غصباً عنه يقول: تفضل. - لماذا؟ - لأنه محاسبٌ لنفسه، ماضٍ في الخط. لكن ما ظنكم بشخص رخصته انتهت منذ ثلاث سنوات، (والاستمارة) من يوم أن أخذها لم يجددها، (والفحص) الدوري ما زال على ذلك اللون الأصفر من الـ (1408هـ)، قد جاء (1409هـ)، و (1410هـ)، و (1411هـ)، وهو ما زال في (1408هـ)؟! ما رأيكم؟! وعندما مرَّ في الخط السريع، وإذا بنقطة المرور تقف هناك، فنظر وقال: أوه! ضرب الفأس في الرأس. بعضهم يقف جانباً وينزل ويذهب ويقول: سأقعد إلى ما بعد العشاء ثم آتي لآخذ السيارة؛ لكن أفراد المرور أذكياء يضعون له قيوداً يقيدون بها سيارته، وإذا رجع إليها فإذا بها مقيدة، فلا يأخذها إلا بأمرهم. وبعضهم يحول ويرجع إلى ورائه كيْلْوَيْن أو ثلاثة من أجل أن يبحث له عن مخرج يخرج منه؛ لكن أفراد المرور أذكياء، لا يقفون عند المكان الذي فيه مخرج، بل يقفون عند مخنق، حتى لا يستطيع أحد أن يفر من عندهم. وبعضهم يقول: والله ورطة؛ لكن الله يخلصنا، لعلنا نخرج من هذا المأزق، بأن يتركنا رجل المرور هذه المرة ويكون طيباً، ويواصل، فإذا وصل عند العسكري ترى السائق وجهه صغيراً، وصوته خافتاً: - أين الرخصة؟! - حاضر. لا يريد أن يخرجها، يريد أن يلهيه قليلاً حتى يقول العسكري: خلفك أناس، هيا اذهب فقط، وفي المرة الأخرى حضِّرها وأخرجها بسرعة، عندما ترى النقطة حضِّر الرخصة. ولكن العسكري يقول له: لِمَ لَمْ تحضِّرها؟! ألا تعرف أنا نطالب الناس بالرخص؟! فيقول: دعني أَنْظُر. فيبحث في جيبه فلا يجدها، فيفتح الدرج فلا يراها: يا أخي! أقول لك شيئاً؟! فيقول العسكري: قف جانباً، قف جانباً، دع غيرك يمشي، ما دام أنه لا رخصة معك فقف جانباً. ثم يُضْطَرُّ إلى أن يُخْرِجَ الرخصةَ؛ لأن عدم وجود الرخصة مصيبة ثانية، فالذي ليس معه رخصة مصيبته أعظم من الذي معه رخصة ليست مجدَّدة، ثم يأتي بها إليه، ويقول له: والله أنا آسف يا شيخ، المعذرة، والله لم أستطع أن أجدد الرخصة، كان عندي ظروف. لماذا إذاً تهين نفسك؟! لماذا تذل نفسك؟! لماذا لم تجدد رخصتك وتجعل رأسك في السماء؟! أيها الإخوة! هذا في الدنيا. فكيف بمن لا يراجع نفسه، ويأتي يوم القيامة وليس عنده رخصة سير إلى الله! بل كان يسير إلى النار، وليس عنده (استمارة) توصله إلى الجنة، وليس عنده بطاقة (فحص) دوري لقلبه وإيمانه؟! يأتي عند الزبانية فلا يقف ربع ساعة ولا نصف ساعة، بل {غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] يقول: عِشْ ما بدا لك جاهداً في ظل شاهقةِ القصورِ يُغْدَى عليك بما اشتهيتَ لدى الرواحِ إلى البكورِ فإذا النفوس تَقَعْقَعَتْ في ضيق حشرجة الصدورِ فهناك تعلم موقناً ما أنت إلا في غرورِ إذا بلغت الروح وحَشْرَجَتْ ونَشِبَتْ، فهناك يعرف الإنسان أن هذه الدنيا كلها غرور ومكر وخداع ويقول: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} [الحاقة:25] * {وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ} [الحاقة:26].

تعويد النفس على فعل الخير وإبعادها عن المؤثرات التي تصرفها عنه

تعويد النفس على فعل الخير وإبعادها عن المؤثرات التي تصرفها عنه أيها الإخوة: إن ترويض النفس على الخير وفطامها عن الضلال، يحتاج إلى طول رقابة ومحاسبة، وإن إقامة دار جديدة على أنقاض دار خربة، لا يتم إلا بصعوبة بالغة وجهد جهيد، فكيف ببناء نفس؟! أترون ذلك يتم بالغفلة والإهمال والمكر؟! كلا والله، لا بد من الحساب الدقيق، والمقارنة، والإحصاء، واليقظة. إن علاج الأمور بمغالطة النفس، وتغطية العيوب، وتلميع النفس، والتطبيل لها، وتزيين المظاهر لها، لا جدوى منه ولا خير فيه، وكُلُّ ما يحرزه الإنسان من هذا العلاج، هو رواج كاذب لن يغير من الحقيقة شيئاً. إن الإنسان يتجاوب مع المؤثرات التي تحيط به من الخير والشر، كما يتجاوب جهاز الاستقبال في المذياع مع الموجات التي تملأ الجو، كل شخص يتأثر، هناك موجات ومؤثرات عليك، خير وشر وقلبك يتأثر بالخير كما يتأثر بالشر، إذا جلست في مجلس علم فإنه يحيي قلبك، وإذا جلست في مجلس لغو ولهو وغيبة ونميمة وطرب ولعنة -والعياذ بالله- يتأثر قلبك، مثل المذياع، فالجو مملوء كله بالموجات، وأنت تختار الإذاعة التي تريدها، تريد إذاعة القرآن، هذا حسن! تريد صوت أمريكا! من الممكن أن تلقاها، وهكذا. إن الإنسان يتأثر، وبحسب وضع قلبك وضبطه على جهة الاستقبال، تكون طبيعة الإذاعة التي تصدر عنك يا أخي في الله. كذلك الإنسان إذا حاسب نفسه، وضبط المعايير، فيضبط عينَيه، لا يتركهما مفتوحتين على كل شيء، بل يضبطهما: يا عين! لا تنظري إلا الحق، ويا أذُن! لا تسمعي إلا الحق، ويا لسان! لا تتكلم إلا بالحق. أما أن يفتح عينَيه على الحق والباطل، وأذُنَيه على الحق والباطل، ولسانه في الحق والباطل، وبطنه في الخير والشر، فمعنى هذا أنه مطلق، ليس عنده مسارات ولا قيود، ولا نظام محاسبة، ثم إن هذا المطلق، لا بد له من قبضة، يقول الله تبارك وتعالى: {كَلَّا لا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ} [القيامة:11 - 12] مَن يفلته مِن قبضة الله؟! مَن يمنعه مِن أن يناديه الله؟! الله يقدر عليه ولا يمنعه مِن الله مانع، والله يمنعه فلا يقدر عليه أحد إذا منعه تبارك وتعالى.

حالات ضبط النفس وإهمالها

حالات ضبط النفس وإهمالها إن ضبط مسارات النفس -أيها الأخ في الله- إذا حاسبتها فإنها تطيب، وإذا أهملتها فإنها تخبث. ففي الحالة الأولى: يحيا الإنسان في جو من الخير، فينحسر دونه، وتنحسر وتمتنع موجات الإثم والعصيان، وهو ما أشار الله إليه عز وجل بقوله في القرآن عن الشيطان: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل:99] فليس للشيطان سلطان عليك. لماذا؟! لأنك حددتَ اتجاهاتك، ضبطت موجات الاستقبال عندك، قال: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل:99] فعلى مَن سلطانُه؟! قال: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ} [النحل:100] مَنْ هُمْ؟! {يَتَوَلَّوْنَهُ} [النحل:100] ضبطوا الموجات على استقبال الشيطان؛ الأغاني تضرب في أذن أحدهم كل يوم، ويريد من الله أن يهديه، والنظر المحرم كذلك، كل يوم يذهب إلى الأسواق والمعارض فينظر بعينيه في محارم المسلمين كالكلب، ويريد أن تأتيه الهداية، وبطنه مملوء بالربا والحرام والرشوة، ولسانه لا يكف عن الكلام طوال اليوم، في اللعن والسب والشتم والغيبة والنميمة! قال عز وجل: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ} [النحل:100] تولوا الشيطان، {وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل:100]. وفي الحالة الثانية: الذي لا يستجيب لدواعي الإيمان ويستجيب لدواعي الشيطان ماذا يحصل له؟! تؤزُّه الشياطين. لماذا؟ لأنه أصبح مَركباً لها، يقول الله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ} [مريم:83] ماذا تصنع بهم؟! {تَؤُزُّهُمْ أَزّاً * فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً} [مريم:83 - 84] هم يغفلون والله لا يغفل، هم لا يحسبون والله يحسب: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ} [المجادلة:6] وماذا؟! {وَنَسُوهُ} [المجادلة:6]، إذا نسيتَ فإن الله لم ينس، وإذا غفلت فإن الله لم يغفل، وإذا لم تحسب فإن الله يحسب عليك، أنت لست مغفولاً عنك، فإذا غفلتَ سلط الله عليك الشياطين، وأرسلها: {تَؤُزُّهُمْ} [مريم:83] قال العلماء: تؤزُّهم: تدفعهم إلى المعاصي، تدعوهم إلى المعاصي، تصدهم عن الهداية. لماذا؟! لأنهم أصبحوا حميراً للشيطان، أصبحوا مَراكب لإبليس. والعياذ بالله! وقد طلب الله من عباده أن يتحصَّنوا من الداخل ضد كيد الشيطان باليقظة أولاً، وصدق التوجه، والاستعاذة، واللجوء إلى الله؛ للاحتماء بقوته، والاستجارة بعزته؛ ولكن لا بد مع الاستعاذة من عمل، فإذا قال الطالب في آخر الامتحان: أعوذ بالله من السقوط في الامتحان، فلا يغنيه هذا إلا إذا أقبل على دروسه، فيقبل على الدروس ويذاكر ويقول: أعوذ بالله من السقوط، أما أن ينام ويلعب طوال العام ويقول: أعوذ بالله من السقوط فإنه يسقط غصباً عنه. وإذا قال التاجر: أعوذ بالله من الخسارة، فلا يُقْبَل منه ذلك حتى يعرف رأس ماله، وأرباحه، وخسائره، وإلا خسر. فحين تستقر الحقائق الإيمانية في قلب المؤمن، ييئس الشيطان ويندحر، ولا يتمكن منك أيها المسلم؛ لأنك قوي. انظر يا أخي إلى الرياح العاصفة، إذا هبت على الصحراء أثارت غبارها، وإذا مرت على المياه حركت لُجَجها؛ ولكن هذه الرياح العاتية، حينما تتناوش مع قمم الجبال الشمّاء، لا تنال منها منالاً، الريح العاصفة إذا جاءت في الصحراء تُحْدِث زوبعة، وتأخذ الرمال وترفعها إلى السماء، وإذا جاءت على البحر تُحَرِّك الأمواج؛ ولكن إذا جاءت إلى الجبال ماذا تفعل بها؟! هل تحرك الجبال؟! أبداً. الريح تعرض والجبل ثابت. كذلك أنت يوم أن تكون جبلاً من جبال الإيمان، إذا مرت بك رياح المعاصي، وعواصف الشهوات؛ لا تكن سهلاً فتعصف بك، ولا تكن ماءً فتحركك، فكن جبلاً من جبال الإيمان والعقيدة، تمر بك العواصف فتتبخر وأنت ثابت، لا تنال منك منالاً لأن رأسك في السماء، وقمتك سامقة: سأعيش رغم الداءِ والأعداءِ كالنسر فوق الهمة القعساءِ ويقول الناظم: ومن يتهيَّب صعود الجبالِ يعش أبد الدهر بين الحُفَرْ الذي يتهيَّب صعود جبال الإيمان يعيش في حُفَر ومستنقعات المعاصي، في حفرة الغناء، والزنا، والربا، والمنكرات، ومن عاش في الحُفَر سُلِّطت عليه الأقذار والأوبئة. (فالبيارة) تحفر في الوادي ليس في رأس الجبل، هل رأيت شخصاً يحفر (بيارته) في رأس الجبل؟! وكذلك الشيطان لا يحفر (بياراته) في قمم جبال أهل الإيمان، وإنما يحفرها في صدور أهل الفسق والنفاق والعياذ بالله. فالإنسان حينما يكون أمره فرطاً، وحياته غفلة، وأيامه لاهية، فإن الشيطان يستولي عليه، ويتحكم فيه، أما يوم أن يحزم أمره، وينظم شئونه، ويحاسب نفسه، فهيهات أن تنال منه الشياطين شيئاً.

مواطن محاسبة النفس

مواطن محاسبة النفس إن ميادين وأبواب محاسبة النفس ثلاثة: فأبواب (الميزانيات) عندنا أربعة أبواب: بابٌ أول، وبابٌ ثانٍ، وبابٌ ثالثٌ، وبابٌ رابعٌ؛ هذه أبواب الميزانية. كذلك أبواب ميزانية حساب النفس ثلاثة أبواب: الباب الأول: حساب رأس المال. الباب الثاني: حساب الأرباح. الباب الثالث: حساب الخسائر. وأعتقد والله -إن شاء الله- ولا أَتَأَلَّى على الله، أعتقد جازماً أن وقفة صادقة منك أيها المسلم تقضيها مع نفسك لهي جديرة بأن تكشف لك الحسابات، وإذا عرفت مركزك الإيماني فبعدها مباشرة تصحح وضعك، فإذا عرفت أن مركزك المالي في المؤسسة أنه خاسر، فمباشرة تصحح الوضع، فتطوي قيد بعض العمالة، تخفض المصروفات، تحاول أن تزيد الدخل، تعمل لك أنشطة أخرى جانبية مساعدة؛ لكن عندما لا تحاسب فإنك لا تدري بنفسك إلا وأنت مديون بعشرة ملايين، فيقال: خذوه إلى السجن. وكذلك الذي يتعامل مع الله، إذا لم يحاسب نفسه فإنه لا يعلم بها إلا عند الموت، وإذا به مديون بالسيئات، فيقال: إلى السجن؛ والسجن هو النار. يا أخي: بمناسبة انصرام عام من أعمارنا وهو عام: (1410هـ)، فإننا نطلب من المكلفين أن يقفوا مع أنفسهم وقفات للمحاسبة والمراجعة؛ لمعرفة وضعهم الإيماني، فيحاسبوا أنفسهم على: رأس المال، والأرباح، والخسائر. وهذه الميادين الثلاثة سوف أذكرها على سبيل الإيجاز:

رأس المال وكيفية المحافظة عليه

رأس المال وكيفية المحافظة عليه إن رأس مالك -يا أخي في الله- هو الفرائض فلا تضيعه. وأهمه: توحيدك، وعقيدتك، فحاسب نفسك وراجعها:- هل عقيدتك صافية؟! هل توحيدك خالص؟! هل تصرف نوعاً من أنواع العبادة لغير الله؟ هل تدعو غير الله؟! لأن الدعاء مخ العبادة، والذي يدعو غير الله يشرك بالله! هل تذبح لغير الله؟! هل تنذر لغير الله؟! هل ترجو غير الله؟! هل تخشى غير الله؟! هل تخاف من غير الله؟! هل تتوكل على غير الله؟! هل تستغيث بغير الله؟! هذه هي أنواع العبادة؛ توحيد الألوهية. راجع نفسك: هل تقسم بغير الله كما يصنع بعض الجهلة، إذا جاءه ضيف لا يقسم بالله ولكن يحلف بالطلاق؛ لأنه يرى أن القسم بالله سهل، وأن الناس سيسبونه، وإذا ذهبوا قالوا: فلان والله دعانا إلى وليمة سهلة. عجيب! الذي يطلق إنسان كريم، والذي يحلف بالله سهل! بعضهم يطلق وليس عنده امرأة، يتدرب، حتى لا تأتيه المرأة إلا وقد صار عارفاً برأس ماله، وبعضهم يطلق وامرأته ليست غالية عنده؛ فيقولون: لا تحرمونه من زوجته، طَلَّقَ يا جماعة! لكن إذا قال لهم: والله لا تذهبوا حتى تأكلوا ذبيحتكم. قالوا: لا. نحن مشغولون، آسفون. يقسم لهم بالله، فلا يقدِّرونه، ويقسم لهم بالطلاق فيقدِّرُونه. هذا من الشرك بالله، ومن تعظيم غير الله عز وجل؛ لأن الحلف بالله تعظيم، والحلف بغير الله تعظيم لغير الله، فمن كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله، ومن حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك. هل تدعو غير الله كما يصنع بعض الناس، هناك من يدعو غير الله في بعض البلاد الإسلامية، فيدعون قبوراً عليها القباب، يطاف بها كما يطاف بالكعبة، وتقدم لها النذور، ويُطلب منها ما لا يُطلب إلا من الله؛ يُطلب من صاحب القبر أن يزوج البنت، وأن يشفي المريض، وأن يكشف البلوى، ويقول الشخص لصاحب القبر: يا سيد العارفين، الشكوى على أهل البصيرة عيب، والعارف لا يُعرَّف، يقول: أنت تعرف ماذا في قلبي، والشكوى عليك عيب، أخيرك بالذي في قلبي وأنت تعرفه وذاك ميت مسكين! يقول الله عز وجل: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:14]. فلا تدعُ غير الله، ولا تذبح لغير الله، ولا تنذر لغير الله، ولا تذهب إلى كاهن، أو مشعوذ، أو ساحر؛ فإن الذهاب إلى هؤلاء الذين يسمونهم: أصحاب الطب العربي، وهو طب شيطاني وشركي وهو نسف لعقيدتك وتدمير لحياتك: (مَن أتى كاهناً أو عرَّافاً فصدَّقه فقد كفر بما أنزل على محمد) فإذا ابتلاك الله بمرض، أو ابتلى زوجتك، أو ابنتك، فلا تذهب إلى هؤلاء الكهنة، ولا تذهب إلى ساحر لتصرف قلباً عن قلب، أو تعطِّف قلباً على قلب، فإن السحر كفر، والله يقول في القرآن الكريم: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة:102]. فالذهاب إلى السحرة كفر! بعض الناس يزوج ابنته -مثلاً- ثم يريد أن يطلقها من هذا الرجل، من أجل أن يبيعها بمائة ألف أخرى، ليس معه وظيفة إلا ابنته، هي سلعته، يبيعها كل سنة على شخص، وبعد أن يزوجها على رجل يقول: لا بد أن يطلقها، فيذهب إلى ساحر فيقول: نريدك أن تصرف الرجل عنها، نريده أن يراها مثل الأتان. فيقول: نعم. فيعطيه ألف ريال، وانتهى! هؤلاء هم السحرة وهذا كفر والعياذ بالله. فلا تذهب إلى ساحر، ولا تصرف، فإن هذا سحر والعياذ بالله. كل هذه أنواع من الشرك الذي يجب أن تحاسب نفسك عليه؛ لتعرف مقدار عقيدتك وتوحيدك مع الله عز وجل. أيضاً: حاسب نفسك في الصلاة؛ لأنها أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي عمود الدين، وهي الحبل الممدود من السماء إلى الأرض، مَن وصلها وصَلَه الله ومَن قَطَعها قطعه الله. حاسب نفسك على الصلاة: أين أنت من الصلاة؟! هل تؤديها؟! وهل تؤديها بكامل الطهارة؟! وهل تؤديها بكامل الخضوع والخشوع وحضور القلب في الصلاة؟! وهل تؤديها مع جماعة المسلمين في المسجد؟! فإن الله لا يقبل الصلاة منك إلا في المسجد إلا مِن عذر، فقد أثنى الله على المؤمنين وقال فيهم: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [النور:36] * {رِجَالٌ} [النور:37] يا سلام! ما أعظم هذا اللقب من الله! سَمَّاهم الله رجالاً، والرجولة هنا لا تعني الذكورة، الواحد مِن الناس إذا كان لا يصلي يقول: أنا رجل. وهو لا يصلي. فنقول: لا. لستَ رجلاً. فيقول: كيف لستُ رجلاًَ؟! فنقول: أنت ذكر فقط. حتى الحمار ذكر، والكلب ذكر، والقرد ذكر؛ لكن لست برجل، أنت رجلٌ يوم أن تصلي، فالله يقول: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [النور:36] مَن هُم؟! {رِجَالٌ} [النور:37] ما عملهم؟ قال: {لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} [النور:37]، والتعبير بالتجارة؛ لأنها غالب ما يشغل الناس، وإلا فقد ينشغل الإنسان بغيرها، فتلهيه وظيفته، ويلهيه أولاده، وتلهيه شهواته؛ لكن غالب ما يُلهي الناس عن الدين هي التجارة، ثم قال عز وجل: {يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور:37]. هذا هو الذي دفعهم إلى المحافظة على الصلاة في المساجد: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43]. لا بد أن تراجع نفسك وتحاسبها: هل أنت تصلي الصلوات الخمس في المسجد؟! إذا كان A نعم. فأنْعِم والحمد لله. وإذا كان الجواب: لا. فصحِّح من الآن ومن غد، قل: والله لن أصلي إلا في المسجد، خصوصاً الفجر والعشاء، لماذا؟! لأنها مقياس الإيمان، إذا أردت أن تقيس إيمانك، فابحث عن نفسك في صلاة الفجر. فإن كنت في أحضان المرأة، أو على الفراش فالله المستعان، خَلَفَ الله عليك في إيمانك، وإن كنت في الروضة وفي الصف الأول فأنعِم وأكرِم، للحديث الذي في صحيح البخاري ومسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً). حاسب نفسك على الصلاة؛ لأن الصلاة مكيال، مَن وفَّى وُفِّي له، ومَن طَفَّفَ طُفِّف عليه. حاسب نفسك في الخشوع: لأن الشيطان يمكر بك، يدعك تصلي؛ لكن يسحب قلبك في الصلاة وليس لك من صلاتك إلا ما حَضَر فيها قلبُك، فجاهد شيطانك. فما الفائدة إذا أبعدت قلبك عن الصلاة؟! تريد أن تتمتع بالدنيا؛ لكن جسدك في المسجد؟! فأنت ملزومٌ ملزوم، وما دام أنك ملزومٌ ملزوم إذاً أحْضِر قلبَك، ثم اخرُج، صلِّ العشاء، كم مدة صلاة العشاء من الدقائق؟! (10) دقائق، أحْضِر قلبك (10) دقائق، ثم وسوس بعدها إلى الفجر، كم معنا من بعد صلاة العشاء إلى الفجر؟! كم ساعة معك؟ ثمان ساعات، هلا وسوسنا فيها؟! لكننا لا نوسوس إلا في العشر الدقائق الخاصة بالصلاة، وبعد الصلاة انتهى، ليس هناك وسواس، ولا هواجس ولا أفكار، وإذا وُضع الطعام أمامنا وبُسطت السفرة من الأرز، واللحم، والإدام، والفاكهة، والخضرة، هل يفكر أحد في غير هذا، هل يأتيك وسواس في العمارة أو في الدراسة وأنت تأكل الأرز؟! لا والله، لن توسوس إلا في الأرز فقط، متر في متر فتوسوس فيه! لماذا؟! لأنك هنا في عمل يحبه الشيطان، أو يرضى عنه أو يبيحه؛ لكن الصلاة أعظم عمل لمحاربة الشيطان؛ ولذا يدخل عليك، ويقسم على باب المسجد ويقول: والله لأخرجنك منها مثلما أدخلتك. يقول: أنت معاند، الناس أطاعوني وقعدوا يلعبون ويسمرون وأنت أبيت إلا أن تصلي؛ لكن سأريك، أنت عنيد، فيقسم على رأسك وأنت عند الباب: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} [سبأ:20]. بعض الناس يبر بِقَسَمِ الشيطان فإنه من حين أن يقول: الله أكبر، يسلِّم قلبه للشيطان، ويذهب فيبيع ويشتري ويسافر ويعود ويبني ويهدم ويضرب ويعمل كل شيء أثناء الصلاة، فإذا انتهت الصلاة وسألتَه: ماذا قرأ الإمام في الركعة الأولى. قال: لا أدري. - أين أنت يا طويل العمر؟! أين أنت؟! - والله موجود؛ لكني أفكر في الدنيا. لا إله إلا الله! ما قيمة وجود جسدك في المسجد إذا كان قلبك غير موجود! أحد العلماء يقول وقد سأل شخصاً بعد أن أتم صلاته، قال له: ماذا قرأ الإمام في المغرب في الركعة الأولى؟! قال: لا أدري. قال: وفي الثانية؟! قال: لا أدري. قال: لماذا؟! قال: لم أكن موجوداً. فقال العالم: لو سألنا هذا العمود (الإسمنت): يا عمود، ماذا قرأ الإمام في المغرب؟! تكلم يا عمود! لقال: لا أدري. العمود يقول: لا أدري، وفعلاً هو لا يدري! حسناً! ما الفرق بين العمودين؟! العمود المتحرك والعمود الثابت؟ العمود الثابت لا يدري، والعمود صاحب الرجلين لا يدري! إذاً: كلاهما لا يدريان؛ لكن الأفضل العمود الثاني؛ لأنه (24) ساعة لم يخرج، وذاك (10) دقائق وما ضبطها، ضيَّع نفسه! فحاسب نفسك في خشوعك في الصلاة؛ لأن الصلاة جسد، والخشوع روح، ولا قيمة للجسد بدون الروح، الآن إذا مات شخص ما

ضرورة محاسبة النفس على التقصير في وجوه البر والطاعات

ضرورة محاسبة النفس على التقصير في وجوه البر والطاعات حاسب نفسك على برك لوالديك: هل أمك وأبوك أحياء؟! لاحظ أن والديك عندهما التحويلة إلى الجنة، أقرب طريق إلى الجنة من عند أمك وأبيك، اغتنم فرصة وجودهما، لو مات أبوك أو أمك وهما غضبانان عليك، فإنك تتعذب طوال حياتك، هل تعيدهما من القبور لكي تبرهما؟! هل تبدلهما في المعرض لكي تأخذ أباً أو أماً جديدة فتبرهما أو أحدهما، ليس معك إلا أبوك، وليس معك إلا أمك، فاغتنم فرصة وجودهما في حياتك، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: أنه عليه الصلاة والسلام قال: (رَغِم أنف من أدرك أحد أبويه أو كلاهما فلم يدخلاه الجنة) هذا خاسر لا خير فيه. صحِّح وضعَك مع والديك، فإنهما جنتك ونارك، وبر الوالدين من أعظم القربات، وعقوقهما من أعظم الكبائر، والله قرن طاعته بطاعتهما فقال: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:14]. وقال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء:23]. وقال: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [النساء:36]. وفي الحديث الصحيح في صحيح البخاري ومسلم عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين). ومن عقوبات عقوق الوالدين: أن الله يسلط على العاق ولداً يعقه أعظم مما عَقَّ أباه، وكما تدين تدان، فمن بر والديه بره أبناؤه، ومن عق والديه عقه أولادُه، وكما تكيل يكال لك. حاسب نفسك مع الوالدين، وارجع من الآن، وحاذر ثم حاذر أن تردَّ على أبيك أو أمك! فمن أعظم ما يُغْضِب الوالد والوالدة أن ترد عليهما، بل إذا قالا شيئاً قل: حاضر، ثم إذا قلتَ: حاضر، لا تقل: حاضر بصوت مرتفع، لا. بل بصوت منخفض، وألبس صوتك بسمة؛ لأن هذا أبوك، والله يقول: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا} [الإسراء:23] ماذا؟! {أُفٍّ} [الإسراء:23] ما هو الأف؟! الأف ليس بكلام، الأُفُّ مظهرُ التضجُّر، أي: إذا قال لك أبوك شيئاً فلا تقل: أُفّ؛ لأن (أف) هذه حرام، كيف يتكلم على أبيه؟! لا إله إلا الله! أحدهم يخبرني بقصة لعامل في منجرة، تكلم على أبيه، فترك المنجرة ودخل على أبيه ليفطر، فقال لأبيه: كذا وكذا. فتكلم معه أبوه بلطف، وأبوه شائب، وهذا عضلاته مفتولة؛ لأنه عامل يأخذ الأخشاب، ويشتغل في منجرة. فقام يتكلم على أبيه، ويمد يده إلى عين أبيه، ويقول: أصلك أنت أنت! حتى كاد أن يفقأ عين أبيه، وأبوه يشير يشير إليه خائفاً منه، ماذا يفعل به؟! فيخرج من عنده ويدخل إلى المنجرة، ويأتي بلوح الخشب وهو مغضب، ويسيره على المنشار، فيقطع الله إصبعه. لماذا؟ لأنها إصبع خبيثة كادت أن تخرج عين الوالد. فلا تعق والديك، حاسب نفسك على هذا، وصحح الوضع، فأبوك يريد أن تكون قريباً منه ويرجع صالحه لك، فهو يحبك، ويدعو لك، ودعوة أبيك وأمك لك أعظم من الدنيا وما عليها، يوم أن تمشي وأبوك وأمك راضون عنك، وإذا سُئل أحدهما عنك، قال: الله يوفقه، الله ييسر أمره، الله يجعل له من أمره يسراً. لكن يوم أن يُسأل أبوك عنك، وإذا بك عاق، قال: الله يجعلها نكداً عليه، الله لا يوفقه. الله أكبر! ما أعظم من هذه يا أخي! فلا تبحث عن حتفك بنفسك. حاسب نفسك على صلة أرحامك: هل لك أرحام؛ عمات، وخالات، وجدات، وأخوات؟ هؤلاء عليك أن تحاسب نفسك عليهن، هل أنت تصلهن أم قاطع لهن؟ مَن وَصَلهن وَصَله الله ومَن قطعهن قطعه الله، إن قاطع الرحم لا تنزل عليه الرحمة، ولا تنزل على قوم يجلسون معه، قاطع الرحم ملعون بنص الكتاب، يقول الله عز وجل: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد:22] * {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:23]. حاسب نفسك على تلاوة القرآن الكريم: فهذا من رأس مالك. كم تقرأ في كل يومٍ قرآناً؟! كيف أنت مع القرآن؟! كيف هي علاقتك مع القرآن؟! قوية أم واهية وضعيفة؟! هل القرآن معك في كل وقت وفي كل حين؟! أم أنه مهجور من حياتك؟! صحح وضعك! إذا أردت أن تعرف منزلتك عند الله، فاسأل نفسك عن منزلة القرآن في نفسك، فإن كنت تحب القرآن، فاعلم أن الله يحبك، وإن كنت تألف القرآن، فاعلم أن الله يألفك، وإن كنت تداوم وتعيش مع القرآن، فاعلم أن الله معك ما دمتَ مع كتاب الله عز وجل، أما أن تهجر القرآن ولا تقرأه إلا على ما يناسبك ويناسب ظروفك فلا. بل يجب أن تخصص لك ورداً معيناً من القرآن لا يقل عن جزء؛ هذا أقل شيء، والذي يختم في أكثر من شهر هاجرٌ لكتاب الله، والله يخبر أن الرسول عليه الصلاة والسلام يشتكي هؤلاء يوم القيامة فيقول: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} [الفرقان:30]. والله قد أمرنا بتلاوة القرآن فقال: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل:4]. وقال: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} [الفرقان:32]. ويقول النبي عليه السلام: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه). يأتي يوم القيامة ويقال لقارئ القرآن: (اقرأ ورتل واصعد في درج الجنة، فمنزلتك عند آخر آية تحفظها) هذا شرف كبير لك يا أخي المسلم. اعرف نفسك وحاسبها على الأذكار؛ أذكار الصباح والمساء:- هل تذكر الله في الصباح؟! أم تبكِّر إلى الدوام من دون ذكر، والله قد أمرك {وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [آل عمران:41]؟! لا بد من أذكار الصباح؛ لأنها حفظ وحرز وحصن، ولا بد من أذكار المساء. وأذكار الصباح قبل شروق الشمس، وأذكار المساء قبل غروب الشمس. {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه:130]. لا بد أن تذكر الله وتحصن نفسك بالآيات والأذكار التي شُرِعت، ودل عليها النبي صلى الله عليه وسلم، وهي موجودة في كتب الأذكار، لا بد أن تكتبها في ورق وتتحفَّظها، وتداوم عليها في ورقة إلى أن تحفظها، وبعد شهرين لن تعد تحتاج إلى كتاب؛ لأنك داومت عليها أكثر من مرة فحفظتها. ثم تعلم أذكار الأحوال والمناسبات: أذكار الطعام، الشراب، النكاح، دخول الحمام، الخروج من الحمام، رؤية باكورة الثمار، رؤية القمر، لبس الثوب، رؤيتك للمرآة. هذه الأذكار كلها يجب أن تكون عالماً بها؛ لتكون مع الله في كل حين وفي كل وقت. حاسب نفسك على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر: هل تغضب لله إذا رأيت منكراً؟! أم أنك بارد الإحساس متجمد؟ لا بد أن تنكر، والإنكار بإحدى المراتب الثلاث: بالتغيير باليد: إذا كنتَ من أهل السلطة. أو باللسان: إذا كنتَ من أهل العلم، وعندك علم، وتريد أن تبينه للناس. أو بالقلب: إذا كنت عادياً، ولا تقدر أن تغير بلسانك ولا بيدك، فتغير بقلبك، وتنكر المنكر وتبغضه، وتقاطعه، ولا تجلس في مجلس هو فيه، وذلك أضعف الإيمان، وليس من الإيمان بعد ذلك مثقال حبة خردل من إيمان، فالذي يعايش المنكر ويجلس مع أهله ويستريح معهم، فهذا منكر هو بنفسه، هذا مشارك للذي عمل المنكر؛ لكن إذا أتيت إلى مجلس ولم تستطع أن تغير بيدك، ولا بلسانك، ولم تستطع إلا بقلبك فذلك أضعف الإيمان، ويريد منك قلبُك مغادرة المنكر، فتخرج، أما أن تقعد وتقول: أنا سأغير بقلبي فلا يصلح. لا تغير بقلبك وأنت جالس. حاسب نفسك على الدعوة إلى الله: ما نصيبك من الدعوة إلى الله؟! هل لك دور؟! مَن تنتظر أن يقوم بدورك في الدعوة؟! الدعوة رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم، مات وخلَّف رسالته هذه على أمته، فلم يعد هناك نبي جديد، ليس إلا أنا وأنت؛ فلا بد أن ندعو إلى الله. هل تقوم بالدعوة؟! والدعوة بحسب طاقتك طبعاً: - دعوتك لنفسك دعوة، وكثَّر الله خيرك يوم أن تقوم بنفسك. - دعوتك لزوجتك دعوة، مَن يعينك على امرأتك، ويدق عليها الباب، ويعلمها الدين إذا لم تعلِّمها أنت؟! - دعوتك لأمك، وأبيك، وإخوانك، وأخواتك دعوة. - دعوتك في مكتبك، وزملائك في العمل دعوة. - دعوتك في حيك، وجيرانك، ومسجدك دعوة. ليس بالضروري أن تكون خطيباً، أو أن تكون عالماً كبيراً؛ لكن إذا علمتَ شيئاً من دين الله فبلغه: (بلغوا عني ولو آية) بلِّغ عن الرسول ولو حديثاً، احمل هموم الداعية، احمل هموم الإسلام، افرح للدين، اغضب للدين، أحب في الله، أبغض في الله. هذه اسمها: حساب رأس المال، وهو الباب الأول.

الأرباح وكيفية المحافظة عليها

الأرباح وكيفية المحافظة عليها الباب الثاني: حساب الأرباح وهي: النوافل: - قيام الليل. - صلاة الضحى. - الرواتب. - السنن. - صيام الإثنين والخميس من كل أسبوع. - صيام ثلاثة أيام من كل شهر. - صَدَقات. - عمرة نافلة. - حج نافلة. - ذكر لله. هذه كلها نوافل، وهي أرباح. فإذا حفظت رأس مالك حفظتَ أرباحك. لكن يوم أن تُضَيِّع رأسَ المال تَضِيْعُ الأرباح من باب أَولى.

مراجعة الخسائر وكيفية تفاديها

مراجعة الخسائر وكيفية تفاديها ثم أنتقل إلى الباب الثالث من أبواب ميزانية هذا العام، وهو: مراجعة الخسائر، وأبواب الخسائر سبعة:

أمراض القلب

أمراض القلب الباب الأول والكبير: باب القلب: وتدخل منه أكبر خسارة على الإنسان؛ لأن القلب هو المضغة التي إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله. وأمراض القلب هي: الشبهات والشهوات. فالقلب يجب عليْك أن تتفقده، وأن تعمل له (فحصاًَ)، فتحاسبه: هل هو سليم من الشبهات والشهوات والبغضاء والحقد والكبرياء والغضب والأنفعال؟! هذه أمراضه، إذا كان فيه شيء فنظِّفه قبل أن يكون التنظيف في النار.

جارحة اللسان الخطيرة

جارحة اللسان الخطيرة ثم انتَقِل إلى الباب الثاني والجارحة الأولى والخطيرة وهي: جارحة اللسان: فإنها من أخطر الجوارح على دين الإسلام، فاللسان قنبلة تدمر دين العبد؛ يصلي، ويصوم، ويعمل ويعمل، ثم يقول كلمة تنسف عمله كله، وتعرفون الحديث الذي في صحيح مسلم؛ حديث الرجل الذي كان صالحاً وكان له أخ عاصٍ، وكان ينصحه باستمرار، ولا يستجيب له، فأتى إليه يوماً وهو على المعصية فقال له: (والله لا يغفر الله لك) الله أكبر! ما هذه الكلمة! رغم أن بواعثها ودوافعها حسنة؛ والغضب كان لله؛ لكن تجاوز الحد، فقال الله له: (من هذا الذي يتألَّى عليَّ؟! قد غفرتُ له وأحبطتُ عملك) كلمة واحدة أوبَقَت دنياه وآخرته: (رُبَّ كلمة قالت لصاحبها: دَعْني). والحديث الآخر في الصحيح: (أتدرون من المفلس؟! قالوا: المفلس من لا درهم ولا دينار لديه، قال: لا. المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات، وصلاة، وصيام، مثل الجبال، ثم يأتي وقد شتم هذا، ولعن هذا، وأكل مال هذا، وسب هذا، وهتك عرض هذا، فيؤتى لهذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته -تقسم أعماله على العباد- فإذا فنيت حسناته أُخِذ من سيئاتهم، ثم طُرِحَت عليه، ثم طرح في النار). من الذي ضيعه وأحبط عمله؟! إنه لسانه. والحديث في سنن أبي داوُد، ومسند أحمد، من حديث معاذ رضي الله عنه، وهو صحيح، قال عليه الصلاة والسلام وهو يوصي معاذاً بما يدخله الجنة، وينجيه من النار، قال له في نهاية الأمر: (أفلا أدلك على ملاك ذلك كله؟ َ -يعني: السور الذي يحمي لك دينك كله- قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: كف عليك هذا -أمسِك لسانك- قال: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله؟! قال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يَكُبُّ الناس على وجوههم أو قال: على مناخرهم إلا حصائدُ ألسنتهم؟!). والحديث الآخر: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب) بكلمة واحدة. والذين كانوا في غزوة تبوك قالوا كلمة واحدة فكفروا بها، وليتهم ما تكلموا؛ لكنها مضت ولم تصحح أبداً، قالوا: (ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء -يعني: الرسولَ وأصحابَه- أوسع بطوناً، وأجبن عند اللقاء!) يريدون أن يضحكوا ويقطعوا الطريق وهم سائرون، وإذا بالقرآن ينزل على الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} [التوبة:65] {لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:66] لا إله إلا الله! كفر بكلمة؟! نعم. يقول راوي الحديث: (كأني بالرجل هذا وهو متعلق بنسعة ناقة رسول الله، والحجارة تنكب رجليه، وهو يقول: يا رسول الله، والله ما أعنيها! يا رسول الله، إنما هي حديث الركب! يا رسول الله، أندخل النار وأنت بين أظهُرنا؟! يا رسول الله: ((إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ)) [التوبة:65] والرسول يقول له: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66]) كلمة واحدة ضيعته وأفقدته دينه كله، وخسر الدنيا والآخرة. فلسانك حصانك، لماذا سمي اللسان حصاناً؟ لأن للحصان عناناً، والحصان الذي ليس له عنان تراه يشرد ويهرب ولا يستطيع أحد أن يمسكه؛ لكن عندما يوضع له العنان وهي: حديدة تُدْخَل تحت لسانه، ثم يمسكها الفارس من فوقه، عندها تستطيع أن تمسك به، ولسانك حصانك إن صنته صانك وإن أهنته أهانك. وعنانك -أيها المسلم- إيمانك، يزمَّ لسانك، فلا تستطيع أن تتكلم مع الناس في الباطل، فإنك إذا سمعت الناس يخوضون في الباطل سكت، لماذا؟! لأنه: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) فلا يتكلم الإنسان إلا بحق أو يسكت، فالمؤمن صمام ثابتٌ وصندوقٌ تجاري مقفل، لا أحد يدري ما وراءه، وإذا تكلم تكلم بعقل، وأما ذاك المنافق فهو غبي ملجلج، يتكلم بباطل وحق، وغيبة ونميمة، وشتم وقيل وقال وقلنا وسمعتم ما هذا الكلام؟! (كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع) لا ندري كيف تشيع الإشاعات بين الناس؟! عندما جئت إلى الرياض سمعتُ أخباراً كثيرة عن الإخوان الدعاة في أبها، قال شخصٌ: هل صحيحٌ أنك مسجون؟! وقال ثانٍ: هل صحيح أن الشيخ الفلاني مسجون؟! قلت: من الذي يروِّج هذا؟! قالوا: يقولون. قلت: الله أكبر! ما هذه الوكالة؟ هذه وكالة إبليس، وكالة أنباء (يقولون)، لا يروج لها إلا الأبالسة الذين قد ورد فيهم عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه: (نهى عن القيل، والقال) قيل، وقال، ويقولون، هذه قَلْقَلَةٌ! - مَن قال؟! - لا أدري، سمعتهم والله يقولون. - ليس لك عَمَل إلا النقل كلما سمعت شيئاً ذهبت لتقوله؟! إذا سمعت كلاماً فقل: اسمعوا يا جماعة الخير! إن كان عندكم خبر أكيد فأتوا به، فإذا قيل لك: والله يقولونه، فقل لهم: استحوا على أنفسكم: (كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع). هذه الأراجيف، وهذه الإشاعات، وهذه الخزعبلات، لا تروج إلا في المجتمعات المريضة، ونحن في مجتمع سليم والحمد لله، مجتمع نظيف، فمجتمعنا وديننا يأمرنا أن نكون عقلاء، لا نحدِّث إلا بالحقائق، ولا نروج الإشاعات والأباطيل والخزعبلات بيننا. فحاسب لسانك، ولا تتكلم بكلمة إلا وأنت تعرف أن لك عند الله بها ثواباً، وإلا (إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب) والذهب أفضل من الفضة، لكن بعض الناس لا يريد ذهباً، ويا ليته يتكلم فضة، بل يتكلم -والعياذ بالله- تراباً وعذاباً؛ يتكلم بغيبة، وبنميمة، وبلعن، وبسب، وبكذب، ويتكلم -والعياذ بالله- بشهادة الزور، ويحلف بالله فجوراً، ولسانه يشتغل (24) ساعة يهلكه، ويدمِّر دينه، وينسف إيمانه، والعياذ بالله!

محاسبة العين

محاسبة العين ثم الباب الثالث والجارحة الثانية: حاسب عينك:- أين تنظر عينك؟! هل تنظر في كتاب الله؟! هل تنظر في ملكوت الله؟! أم أنها تنظر فيما حرم الله؟! تنظر إلى النساء الحرام؟! (من ملأ عينيه من الحرام ملأهما الله من جمر جهنم). أم أنك تنظر إلى ما متع الله به الناس من نعم، فتنظر إلى هذا الذي معه سيارة أو معه وظيفة أو معه عمارة فتحسده؟! أم تنظر إلى الآخرين بعين الازدراء والاحتقار، بينما ترى نفسك في الأعلى؛ لأنك منفوخ بنفخة الكبرياء؟! يأتي إبليس فيضع فيه الكبر وينفخه، فيرى نفسه كبيراً وهو منفوخ، هو في الأصل مثل (البالونة) التي ليس فيها هواء، ترونها صغيرة؛ لكن إذا نُفِخَت كبرت. فهذا المنتفخ بماله: المال ليس لك، هو مال الله ساقه إليك من حيث لا تدري. والمنتفخ بصحته وعافيته: العافية ليست منك، الله هو الذي أعطاك العافية. والمنتفخ برتبته ومنصبه: المنصب ليس منك، الله الذي رفعك. تنتفخ لماذا؟! لماذا تتعالى على الناس؟! لماذا تنظر إلى الناس أنك أعظم منهم، وأحسن منهم؟! (مَن تواضع لله رفعه، ومن تعاظم وتكبر على الله وضعه) فإذا أردت العزة والرفعة فتواضع، وإذا أردت الذلة فتكبر، والعياذ بالله!

محاسبة الأذن

محاسبة الأذن ثم الباب الرابع والجارحة الثالثة: انتَقِل من عينك إلى أذنك وحاسبها: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36]. ماذا تسمع؟! ماذا تصبُّ هذه القناة السمعية على قلبك؟! هل تصبُّ قرآناً ومواعظ وخيراً، أم تصبُّ أغاني وشراً وغيبة ونميمة؟! فلا تسمع إلا خيراً؛ لأنك مسئول، ولأنك تتأثر بكل ما تسمع.

محاسبة البطن

محاسبة البطن الباب الخامس والجارحة الرابعة: حاسب نفسك على بطنك: ماذا ينزل فيه؟! ماذا تأكل؟! هل تشرب الدخان وأنت طيب؟! كيف تأخذ خبيثاً؟! والله يقول: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} [النور:26] وأنت طيب أم خبيث؟! أنت طيب. إذاً لماذا تحب الخبيث؟! لماذا تشرب الخبيث؟! بل لماذا تُقَبِّل الخبيث؟! الخبيث كلٌّ يقول: الله يكفينا شره، وأنت تأخذه، وتسلم عليه، وتمصه بشفتيك، وتحمله في جيبك، وتشتريه بمالك، وتبخر به نفسك، وتحارب به ملائكتك، وتغضب به ربك، وتنشِّط به عدوك، وتقوِّي به مصانع أعداء الإسلام، بواخر تأتي بدخانٍ وتذهب بأموال من عند المسلمين! لا إله إلا الله! هل تشرب الدخان؟! هل تشرب الشيشة، أو الشمة؟! أحد الناس قال: أبشرك تركت الدخان؛ لكن تحوَّلت إلى الشيشة. قلت: الله لا يكثر خيرك (عَيَّا من اللحمة وشرب مرقتها)، مثل ثور (الخلبة)؛ ينزع يده من (الخلبة) ويضع رجله مكانها، لا، هذه ألعن من تلك، ولماذا؟! قال: أبشرك، الشيشة لا أستطيع أن أشربها إلا عند شرب القهوة أو في البيت، أما الدخان فأشربه في كل مكان. قلت: والله هذا عذر أقبح من فعل. هذه خبيثة نجسة -والعياذ بالله- فيها ماء يُقاس على بول الكلاب -والعياذ بالله- هذه تنسف الصدر، وتخرب الكبد والأعضاء، وتغضب الرب، ليس فيها خير، يسمونها: (تعميرة)، يدخل القهوة وهو ما يزال واقفاً فيقول: عبئ حجراً، (عمِّر). وهو يعبئ جمراً أحمر مدمراً والعياذ بالله، وليس يعمِّر. بل يخرب. فيا أخي الكريم: هل تشرب الشمة؟! الشمة هذه مسحوق مثل الطين الأصفر، يضعه الشخص داخل فمه، ثم يتفل مثل غائط الدجاج، والعياذ بالله! فتسوِّس أسنانه وتخرب صدره، وترى شكله وهو قاعد في المجلس ومعه علبته أو معه منديله وهو يبصق، ما هذا؟! {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:172]. هل تشرب الخمر؟ هل تروج المخدرات أو تتناولها؟ هل تأكل الربا؟ هل تأكل الرشوة؟ هل تأكل الهدية المحرمة؟ فإذا كنت مسئولاً أو في منصب، وأتتك هدية وقبلتها أو لبستها كثوبٍ هديةً -مثلاً- من أجل أن تمشِّي معاملة، هذا حرام في دين الله، ورشوة لا تجوز لك. نظِّف بطنك، فإن (كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به) (الله طيب لا يقبل إلا طيباً) (أطب مطعمك تُجَب دعوتك). لا يجوز لك أن تأكل إلا طيباًَ، فكل حلالاً، والله لو تأكل طيناً لهو أفضل لك من الحرام.

اليد والرجل ومحاسبتهما

اليد والرجل ومحاسبتهما ثم أنتَقِل إلى الباب السادس والجارحة الخامسة: جارحة الرِّجْل: هل تحملك قدمك إلى حرام؟! ثم انتقل إلى الباب السابع والجارحة السادسة: جارحة اليد: هل تكتب بيدك حراماً؟! هل تبطش بيدك حراماً؟! هل تغمز بها حراماً؟! (من مد يده على امرأة لا تحل له، جاءت يده يوم القيامة مغلولة إلى عنقه). هذه هي الحسابات. انتهت ميزانية العام، حاسب نفسك من الآن يا أخي، إن كنت ناجحاً ورابحاً فالحمد لله، واسألْ من الله الثبات، وإن كنت خاسراً فغيِّر الميزانية الآن، اجْرِ -مباشرةً- تصحيحات في الداخل، لا تقبل بالخسائر، وقل: يا عين، والله لن تخسِّريني بعد اليوم! إن الحسنات كل يوم تذهب بسببك! يا أذن، والله لن تخسِّريني بعد اليوم، ولن أسمع شيئاً حراماً! يا لسان، لم تعد هناك خسائر! يا رِجْل، لم يعد هناك رَواح لمنكر! يا يد، لن تكوني في منكر! أوْقِف الخسائر. وبعد ذلك تعال إلى رأس المال وحافظ عليه. وارجع إلى الأرباح وزوِّدها. ستجد نفسك إن شاء الله من الرابحين. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يختم بالصالحات أعمالنا. اللهم اختم لنا عامنا الماضي بخير، واجعل عامنا الحاضر عام نصرٍ وعزةٍ للإسلام والمسلمين، وردَّنا فيه إلى دينك القويم، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.

الأسئلة

الأسئلة

المحافظة على صلاة الفجر دليل الإيمان

المحافظة على صلاة الفجر دليل الإيمان Q هل من كلمة توجيهية لتارك صلاة الفجر في جماعة؟ A نعم. نوجه إخواننا ونقول لهم: اتقوا الله في أنفسكم، واعلموا أن علامة إيمانكم صلاة الفجر، وعلامة نفاقكم ترك صلاة الفجر، فلا تسأل أحداً عن إيمانك ولا عن نفاقك، اسأل نفسك عن صلاة الفجر، وجاهد نفسك يا أخي، وبالمجاهدة -بإذن الله- يتم لك التغلب على هذه العادة، وسوف تستأنس بها بعد أن يعلم الله صدقك وجديتك في طلب طاعة الله عز وجل.

حقيقة هجرة القلب إلى الله ورسوله

حقيقة هجرة القلب إلى الله ورسوله Q هل للقلب هجرة إلى الله ورسوله؟ A نعم. يوجد كتاب اسمه: طريق الهجرتين وباب السعادتين، لـ ابن القيم رحمه الله، يقول فيه: طريق الهجرتين: - هجرة بالقلب إلى الله: بالعبودية. - وهجرة أخرى بالقلب إلى رسول الله: بالاتباع. هذه طريق الهجرتين، تهاجر بقلبك إلى مولاك فتعبده، وإلى رسولك فتتبعه. ثم يترتب على هجرتيك هاتين باب السعادتين: - سعادة الدنيا. - وسعادة الآخرة. فنحن نستغل هجرة العام الهجري؛ لنهاجر بقلوبنا إلى الله، إذْ (لا هجرة بعد الفتح؛ ولكن جهاد ونية).

نصائح للآباء بضرورة تزويج الأبناء

نصائح للآباء بضرورة تزويج الأبناء Q أنا شاب وفقني الله للهداية، والحمد لله، وطلبت من والدي الزواج، وهو مستطيع؛ ولكنه يمانع بحجة التخرج من الجامعة، وأنا لا أستطيع أن أصبر، وأخشى على نفسي من الفاحشة، فما توجيهكم جزاكم الله خيراً؟ A أقول لأخي الكريم الذي هداه الله: أسأل الله أن يثبتك، وأن تستمر في طريق الهداية، وأن يصبرك عن الحرام والفاحشة، ولا بد أن تصبر، وإخوانك صابرون؟! فلماذا أنت لا تصبر؟! إذاً ما هو الحل إذا رفض أبوك؟! هل تذهب فتزني؟! لا. اصبر غصباً عنك، إن كنت تريد الجنة لا بد أن تصبر. أما توجيهي لوالد هذا الشاب الذي يقدر على تزويج ابنه ولم يزوجه: فأنا أقول: إنه آثم، وإنه يتعرض للعذاب من الله عز وجل، فكما أنه مأمور بحفظ صحة وغذاء ولده؛ فإنه مأمور -أيضاً- بحفظ دينه وعرضه، وما دام أنه قادر فعليه أن يزوجه. وقضية تركه إلى أن يتخرج، من أجل أن يعتمد على نفسه، فهذا فيه حثٌّ لولدك على أن يعقَّك؛ لأن ولدك يوم أن تزوجه من مالك، وتخسر عليه، وتقوم بلوازمه، فإنك تكتنفه وتستولي عليه، وتجعله ردءك ومعك؛ لكن يوم أن تقول: ما لي ولك، كُن رجلاً زوج نفسك فكأنك تقول: ليس لي منك شيء، ولهذا منذ أن يتخرج ويتزوج يَقْلِب لك ظهر المجن، وينسى أنك أبوه؛ لأنك أنت الذي علَّمته طريق العقوق. لا يا أخي، هم فلذة كبدك، ما هي الخمسون الألف أو الستون الألف التي تدفعها على ولدك؟! خسارة هذه؟! والله ليست بخسارة، الدنيا كلها ضعها تحت القدم. فزوِّج ولدك يا أخي! حتى تحفظ دينه، وحتى ترضي الله، وتخرج أنت من الإثم. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، وأن يوفقنا لِمَا يحبه ويرضاه، وأن يحفظ علينا أمننا وطمأنينتنا واستقرارنا، وأن يجعل من أرادنا في هذه البلاد بسوء أو شر أو كيد أو مكر، أن يجعل كيده في نحره، وأن يجعل تدميره في تدبيره، وأن ينزل عليه بأسه الشديد، وعذابه الأكيد، فإنه لا يُعْجِز الله عز وجل. اللهم آمِنَّا في دورنا، ووفِّق وأصلح واهدِ ولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم وفقهم لِمَا تحبه وترضاه، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.

عقوبة تارك الصلاة

عقوبة تارك الصلاة للصلاة مكانة عظيمة في هذا الدين، فقد اختصت بخصائص عن سائر العبادات، وكان من أهمها أنها شرعت في السماء وأنها لا تسقط عن العبد بأي حال من الأحوال. وهي أبرز صفات المؤمنين كما بين الله ذلك في كتابه، ولذا كان لتارك الصلاة أحكاماً في الدنيا قبل الآخرة، من أهمها أنه يقتل ردة بعد استتابته. وقد تطرق الشيخ في محاضرته إلى التحدث عن نعم الله وكيفية شكرها، مبيناً أن المعاصي هي السبب في زوالها، مع ضرب أمثلة من الأمم السابقة ممن كفروا بنعم الله، خاتماً ذلك بوصية بالمحافظة على مجالس العلم الشرعي.

فضل مجالس ذكر الله

فضل مجالس ذكر الله الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين. أولاً: جزى الله الإخوة القائمين على أمر هذه الندوة خيراً، حيث هيئوا لنا هذا الاجتماع المبارك وهذه الحلقة الطيبة في هذه الروضة الناظرة وفي هذه المجالس الطاهرة؛ مجالس الملائكة، مجالس النور، المجالس التي يحبها الله ويباهي بأهلها في السماء، المجالس التي يقول الله عز وجل للقاعدين فيها: (قوموا مغفوراً لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات) لأن من أعظم القربات إلى الله ومن أجلِّ الأعمال إلى الله: ذكر الله تبارك وتعالى، يروي أصحاب السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا أدلكم على أفضل الأعمال عند ربكم، وأزكاها عند مليككم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله عز وجل). وقد كلف الله المكلفين بعبادات محددة في زمن معين وبهيئة معينة وبكمية معينة إلا ذكر الله، فما حدده بعدد ولا بزمن ولا بهيئة أو كيفية، وإنما طلب الإكثار منه وبين أن من صفات عباده: الإكثار من ذكره، قال عز وجل: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران:190 - 191] وهذه هي حالات الإنسان الثلاث التي لا يمكن أن يكون في غيرها فهو إما أن يكون قائماً أو قاعداً أو راقداً. فالمؤمن يذكر الله قائماً وقاعداً وعلى جنبه وفي كل حالة من أحواله: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191]. ويثني الله عز وجل على أهل ذكره فيقول: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب:35] ويقول: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ} [البقرة:152] ويخبر تبارك وتعالى أن من أبرز صفات عباده أهل الإيمان كثرة ذكر الله، يقول عز وجل: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} [الرعد:28] تسكن قلوبهم وترتاح قلوبهم وتهدأ قلوبهم عند سماع ذكر الله: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] أي: قلوب أهل الإيمان، جعلنا الله وإياكم منهم.

حال المعرضين عن ذكر الله

حال المعرضين عن ذكر الله يخبر تعالى أن أبرز صفات أعدائه المكذبين لرسله المحادين له الرافضين لأوامره، أنهم لا يحبون ذكر الله عز وجل، قال عز وجل: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} [الزمر:45] أي: يريد كل عِلْم إلا ذكر الله، يذكر كل شيء إلا ذكر الله، يذكر الدوام ولا يغيب عنه، يذكر الطعام ولا يفوته، يذكر مواعيد زملائه ولا يخل بوعد، يذكر المباريات ولا تفوته مباراة، يذكر المسرحيات ولا تفوته مسرحية، المهم أنه ينظم أموره كلها، ولكنه لا يذكر الله عز وجل، وقد قال الله في شأنه: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} [المجادلة:19] أي: استعمرهم واستولى عليهم {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة:19]. فيقول عز وجل: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر:45] لو قيل: إن المباراة في أرض بعيدة سيمشي على ركبه ويديه، ولو قيل له: إن السمرة واللعب في أبعد وادٍ أو في أصعب جبل لذهب إليه، لكن الندوة وذكر الله لا يأتي لها إلا مرغماً، إنا لله وإنا إليه راجعون! وقد توعده الله بالعذاب الذي لا يصبر عليه، قال عز وجل: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:124] لأن العيشة الهنية والسعيدة والرضية هي في طاعة الله، وما يبحث الناس عنه الآن من مسليات ومن مهدئات لأنفسهم، كلها بسبب البعد عن الله، وما عرفوا من أين أتوا وما لاحظوا أن سبب بلائهم هم يسيرون فيه وأن السعادة كلها في طاعة الله: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124] أي: عذاب الدنيا المعيشة الضنك، وعذاب الآخرة أن يحشره الله أعمى، يحشره الله أعمى بصر وأعمى بصيرة، ويأمره الله عز وجل أن يسير على الصراط وأن يعبر على الجسر.

حال المعرضين عن الله إذا مروا على الصراط

حال المعرضين عن الله إذا مروا على الصراط الجسر وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع صفات: أنه أدق من الشعر وأحد من السيف، وأحر من الجمر، وأروغ من الثعلب، والعباد مكلفون ومأمورون بالسير عليه إذ لا وصول إلى الجنة إلا بالمرور عليه، والجسر مضروب على متن جهنم، فجهنم من تحت والناس في المحشر والجنة هناك وأنت تريد الجنة فامش إليها. كيف تمشي في طائرة؟ في سيارة؟ على وسيلة نقل؟ لا، هناك وسيله اسمها: وسائل النقل الإيماني، ووسائل العمل الصالح، الذي قد تجهز بعمل صالح وبإيمان صادق في هذه الدنيا يعبر، ولهذا أخبر عليه الصلاة والسلام: (أن من الأمة من يمر كالبرق الخاطف). لما رئي سفيان الثوري رضي الله عنه في المنام قالوا: ما صنع الله بك؟ قال: [وضعت قدمي على الصراط والثانية في الجنة] أخذها خطوة كلها، لماذا؟! لأن سفيان عابداً تقياً خائفاً من الله، منهم من يمر كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كأجاود الخيل، ومنهم من يمر كشد الرجل أي: مثل عدو الرجل، ومنهم من يمر ماشياً، ومنهم من يمر عابراً يمشي ويتعثر، ومنهم من يحط أول خطوة والثانية في النار. ولا حول ولا قوة إلا بالله. فالله يحشره أعمى ويأمره بأن يسير على الصراط، وكيف يسير وهو أعمى؟! كيف ينظر والجسر أحد من السيف، وأدق من الشعر، وأحر من الجمر، وأروغ من الثعلب؟ لو نصبنا الآن خشباً ووضعناه بين عمارتين طول كل عمارة أربعة أدوار وبين العمارتين عشرون متراً ووضعنا هذا العمود وقلنا للناس امشوا عليه وعرضه (50سم) من يقدر أن يمشي عليه؟ لا أحد يستطيع أن يمشي، وإذا مشى فسيمشي وهو خائف جداً، والسقوط أقرب. لكن السقوط في نار جهنم سبعين خريفاً، يقول عليه الصلاة والسلام وقد سمع وجبةً وهو مع أصحابه -أي: رجة-: (أتدرون ما هذه؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذاك حجر ألقي في شفير جهنم لم يصل إلا اليوم له سبعون خريفاً ما وصل إلا اليوم) اللهم صلِّ وسلم على رسول الله. فسبب حشر الله له أعمى: أنه كان أعمى في هذه الدنيا، كان مبصراً في كل شيء إلا في طاعة الله، أما في دين الله فهو أعمى لا يعرف شيئاً في دين الله ولا يريد دين الله، وإذا قلت له: تعال -يا أخي! - تعلم دين الله، اجلس في مجالس العلم، انتقل من بيتك واركب سيارتك وابحث عن العلم، أين طلبة العلم، أين الندوات، أين الحلقات، اذهب إليها، قال: شغلتونا دعونا نسمر ونمسي، أشغلناه بطاعة الله، يريد أن يعيش أعمى ويموت أعمى، قال الله: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} [الإسراء:72] {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126].

حب الذكر من علامات الإيمان

حب الذكر من علامات الإيمان علامة الإيمان -يا أخي المسلم! - وعلامة اليقين حبك لذكر الله، يقول الله تبارك وتعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ} [الزمر:22] اللهم اجعلنا منهم يا رب. {شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ}، أي: فتح الله قلبه للدين، فهو على نور من الله، أينما سار فهو على نور أمامه بين يدي الله عز وجل، لماذا؟ لأنه منشرح الصدر والقلب لله؛ قلبه مفتوح ومشرق ومنور بنور الله: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الزمر:22] إن قاسي القلب الذي لا يلين لذكر الله، الذي تقشعر منه جلود الذين آمنوا ويخشون الله عز وجل، هذا يصبح وقوداً لجهنم -والعياذ بالله-؛ لأن الله يقول: {نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] القلوب القاسية التي ما لانت في الدنيا بطاعة الله وما لانت في الدنيا بذكر الله عز وجل يعذبها الله عز وجل بأن يلينها بالعذاب الشديد، وبالنكال الأكيد، وبالنار السوداء التي تحرق أصحابها؛ لأنهم ما رضوا بطاعة الله في هذه الحياة. فيا أخي المسلم! لا أحد يعرف ما في قلبك، ولكنك أنت أعلم بنفسك، فإن كان قلبك يلين لذكر الله، ويحب ذكر الله، وأينما سمع بذكر الله ذهب إليه، ولو كان عالماً، لكنه يعرف مجالس العلم وفضيلتها، ويعرف أن الله يباهي بأهلها في السماء، وأن الله تبارك وتعالى ينادي أصحاب مجالس العلم ويقول: (قوموا مغفوراً لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات) فهو يحب ذكر الله في الليل والنهار، فهذه علامة الإيمان. أما إذا كانت الأخرى: القلب قاسٍ، والعين متحجرة، والقلب غافل ولا يريد ذكر الله، فاعلم أن في قلبه مرضاً، وعليه أن يسارع بعلاجه في هذه الدنيا قبل أن يكون العلاج في جهنم، وقبل أن يكون الدمع دماً والأضراس جمراً أعاذنا الله وإياكم من ذلك! فجزى الله الإخوة الذين هيئوا لنا هذا الاجتماع المبارك خيراً، نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بما نقول وبما نسمع، وأن يجعله حجةً لنا لا حجةً علينا.

خصائص الصلاة وأهميتها

خصائص الصلاة وأهميتها أما الموضوع الذي اخترته للحديث اليوم فهو مهم جداً، وذو علاقة وأهمية بالغة؛ لأنه يتعلق بكل مسلم بعينه؛ ولأنه العبادة العظيمة الذي تعبد الله بها أهل الأرض وأهل السماء ألا وهي: الصلاة. والصلاة التي نعنيها هي الصلاة التي أمرنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بأدائها كما يجب إذ قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح في صحيح البخاري وصحيح مسلم عن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: (صلوا كما رأيتموني أصلي). والصلاة: هي أقوال وأعمال ظاهرةٌ تبدأ بالتكبير وتختم بالتسليم، شرعها الله تبارك وتعالى وتعبد الناس بها وفرضها عليهم وسماها صلاة بمعنى: صلة بينه وبين عباده.

أنها من أول ما شرع وكونها شرعت في السماء

أنها من أول ما شرع وكونها شرعت في السماء إن المتأمل في فرضية الصلاة يجد أن هناك خصائص اختصت بها الصلاة: أولاً: كونها من أول ما شرع بعد التوحيد، وبعد تثبيت العقيدة جاء الأمر بالصلاة. ثانياً: أن جميع عبادات الإسلام كلها شرعت والنبي صلى الله عليه وسلم في الأرض يتلقى تشريعها من الله عن طريق الوحي إلا الصلاة؛ فإن الصلاة لما أراد الله أن يشرعها أسرى بنبيه صلى الله عليه وسلم، وما ذاك إلا لعظمها ولجلالة قدرها، قال عز وجل: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء:1] أسرى الله برسوله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عرج به من المسجد الأقصى إلى السماء حتى بلغ سدرة المنتهى. ثم شرع الله له الصلاة وأمره بها وفرضها خمسين صلاة، بمعنى: أنها لو بقيت على الفرض الذي فرضه الله لكنا مأمورين أن نصلي في كل (نصف ساعة) صلاة، ولكن بفضل الله ورحمته وبشفقة هذا النبي صلوات الله وسلامه عليه طلب من ربه التخفيف، بعد أن شاور موسى وأخبره وقال: (إن الله قد فرض عليَّ خمسين صلاة، قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، فرجع فخفف الله خمساً ثم خمساً ثم خمساً حتى بقيت خمساً، وخفف خمساً وأربعين صلاة؛ فلما وصل إلى موسى قال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف، قال: يا موسى! قد سألت حتى استحييت من ربي، قال الله عز وجل: إني قضيت وقضائي لا يرد هي خمسٌ في العدد وخمسون في الأجر). اللهم لك الحمد يا ربي، أي: كان المنطق أنه إذا خفف خمساً وأربعين أو بقى خمساً رحمة من الله يعطينا أجر الخمس وكَثُرَ خير الله وطاب، ولكن الله عز وجل كريم فقد حذف خمساً وأربعين وجعل ثوابها قائماً مع ثواب الخمس وأصبح لك مع الخمس خمسين صلاة، كأنك إذا صليت خمس صلوات تصلي خمسين صلاة. ففرضها الله عز وجل في السماء وهي خاصية لها تميزت بها عن جميع شرائع الإسلام.

من خصائص الصلاة أنها لا تسقط عن العبد في جميع الأحوال

من خصائص الصلاة أنها لا تسقط عن العبد في جميع الأحوال إن الصلاة عبادة لازمة للعبد المسلم لا تنفك عنه بحال من الأحوال، إذ أن كل عبادة تجب في أحوال وتسقط في أحوال إلا الصلاة -فمثلاً- الزكاة: ركن من أركان الدين ومبنى من مبانيه وعمود من أعمدته، ولا يكمل إيمان الإنسان ولا يقوم دينه إلا بالصلاة والزكاة. ولهذا لما منع المرتدون الزكاة في عهد أبي بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم واستباح دماءهم وأعراضهم وقال: [والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه] فقد اعتبرهم مرتدين عن دين الله؛ لأنهم رفضوا الزكاة، لكن الزكاة تسقط في أحوال، فالذي ليس عنده مال ليس عليه زكاة، والذي عنده مال وما حال عليه الحول ليس فيه زكاة، والذي عنده مال وحال عليه الحول ولكنه لم يبلغ النصاب ليس فيه زكاة، والذي عنده مال وحال عليه الحول وبلغ النصاب لكن لا يملكه فليس عليه زكاة، فالزكاة ركن لكنها تسقط في أحوال. والصيام ركن يجب على الإنسان في كل عام شهراً، لكن إذا كان الإنسان مريضاً أو على سفر أباح الله له أن يفطر وأن يقضي من أيام أخر، ولكن إذا استمر به المرض وكان مرضاً لا يرجى برؤه فإنه يسقط عليه الصوم ويجب عليه الإطعام إن كان قادراً، فإن لم يستطع الإطعام سقط عنه الصوم والإطعام. والحج ركن من أركان الدين لكنه يجب بثلاثة شروط: أمن الطريق، ووجود الزاد، ووجود الراحلة، فإذا كان الطريق غير آمن بحيث لو حججت قتلت سقط عنك الحج، وإذا لم يكن عندك زاد يكفيك في سفرك ويكفي أهلك من بعدك حتى تعود وليس عندك راحلة سقط عنك الحج، كما قال تعالى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران:97] وهكذا كل الشرائع الدينية تسقط في حالات إذا عجز الإنسان عنها. أما الصلاة فلا تسقط فإن كنت مريضاً تصلي وإن كنت متعافياً تصلي، يقول عمران بن الحصين كما قال عليه الصلاة والسلام: (صل قائماً، فإن لم تستطع -وكنت مريضاً- فقاعداً، فإن لم تستطع -وكنت لا تستطيع حتى أن تجلس من المرض- فعلى جنب، فإن -كنت وأنت على جنب- لم تستطع فأومئ إيماءً بطرفك). وإذا كنت على غير طهارة فالمطلوب الطهارة؛ لأن الطهارة مفتاح الصلاة، ولكنك إذا لم تستطع الوضوء، كأن تكون في المستشفى وعملت عملية وبطنك مفتوح وثيابك ملطخة ولا تستطيع أن تبدل هذه الثياب المتنجسة، ولا تستطيع أن تتوضأ فصلي في ثيابك، ولو كانت غير طاهرة؛ لأن هذا لا تستطيعه. وإذا ما كان عندك ماء وما قدرت أن تتوضأ فتيمم، فإن لم تستطع أن تتيمم فصل بغير تيمم ولا وضوء وصلاتك صحيحة. وإذا كنت على السرير ولا تستطيع أن تحوله إلى القبلة فصل إلى أي وجهه {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115] فلا تسقط عنك الصلاة في أي حال من الأحوال في حال المرض. والبلية والمصيبة أن بعض الناس إذا مرض ترك الصلاة، لماذا؟ قال: أصلي إذا تعافيت، سبحان الله!! وهل تضمن العافية؟ يوم قربت من أيام الامتحان -لأن المرض هذا وسيلة إلى الموت- وأنت تصلي طوال حياتك ويوم جاء المرض الذي يمكن أن تخرج منه فتترك الصلاة على أمل أنك تتعافى؟! من يضمن لك العافية؟ بل صل على أي وجه حتى لو تومئ بطرفك، فالصلاة واجبة ولا تسقط عن الإنسان في حال العافية والمرض. والصلاة واجبة على الإنسان في حال الإقامة والسفر، في حال السفر يسقط عنك الصوم ويجوز لك أن تفطر وتقضي فيما بعد، لكن الصلاة لا تتركها وتقضي فيما بعد، صلِّ وأنت مقيم وتصلي وأنت مسافر. ولكن من رحمة الله عز وجل بهذا العبد أن خفف عليه، فإذا كنت مسافراً فبدل أن تقف مرتين في صلاة الظهر والعصر قف مرة وصل الظهر والعصر سواء، وإذا كنت مسافراً وبدل أن تقف مرتين للمغرب والعشاء صل المغرب والعشاء جمع تقديم أو جمع تأخير. ومن رحمة الله عز وجل أن جعل الصلاة الرباعية التي هي أربع ركعات ركعتين تصلي الظهر والعصر اثنتين والمغرب ثلاثاً ولا تقصرها؛ لأنها وتراً، والعشاء اثنتان، والفجر هي مقصورة في طبيعة الحال. هذه رحمة من الله تبارك وتعالى، ولكن لا تدع الصلاة في حال السفر ولا في حال الإقامة ولا في حال المرض وكذلك في حال الخوف، أي: القتال، فإذا اشتبكت الجيوش الإسلامية مع جيوش الكفر فإن مبرر الجهاد لإعلاء كلمة الله كافٍ أن يكون الإنسان مشغولاً عن الصلاة بعمل أعظم وهو الجهاد الذي هو ذروة سنام الدين، فكان يمكن أن يكون للإنسان عذر لو أخر الصلاة؛ لكن لا تؤخر الصلاة حتى في الجهاد، كيف أصلي وأنا مجاهد؟ لقد نظم الله عز وجل صلاة الخوف وشرعها في القرآن الكريم: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء:102] ثم ذكر الله عز وجل كيفية أداء الصلاة بأن ينقسم الجيش إلى قسمين، وأن يكون لهم إمام، قسم يصلي وقسم يقاتل، والإمام يصلي ركعة ثم ينتظر، وهؤلاء الذين صلوا يتمون الركعة الثانية لوحدهم ويسلمون، والإمام لا يزال واقفاً في الركعة الأولى، ثم يأتي القسم الثاني فيدخلون معه ثم يصلي الإمام الركعة الثانية وهم يصلون الركعة الأولى، ثم ينصرف ويقومون هم ليقضوا ركعتهم الثانية، هذه صلاة الخوف والجيوش محتدمة والسيوف مصلتة ولكن لابد من الصلاة، فهذه صلاة فكيف تضيعون الصلاة؟ وهل تنصرون إلا بالصلاة؟ إن الصلاة هي وسيلة النصر على الأعداء فكيف نضيع سلاحنا؟! كيف نضيع وسائل نصرنا؟ فمن أجل أن نقاتل أعداء الله، لا بد أن نصلي. فإذا اشتبكت الجيوش فليس هناك مجال، فيقسم الناس صفاً صفاً أي: ينتظر أو يقاتل، قال تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ} [البقرة:239] أي: اختلط الحابل بالنابل: {فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} [البقرة:239] أي: صلوا وأنتم وقوف على أرجلكم، أو ركباناً على خيولكم وعلى جمالكم وعلى -بالمفهوم الحديث- سياراتكم ودباباتكم، المهم أن تصلوا، لا يمر عليك وقت الصلاة وتتركها وتقول: أقاتل. لا إله إلا الله! لا إله إلا الله!

الصلاة فرض على الأمم من قبلنا

الصلاة فرض على الأمم من قبلنا هذه الصلاة هي التي تعبد الله بها كل الأديان والأمم، وشرعت في كل الأديان، والذي يستقرئ القرآن يجد أنه ما من قوم بعث الله عز وجل فيه رسولاً وأنزل فيه كتاباً إلا وأمرهم بالصلاة كما أمرهم بالتوحيد وإن اختلفت الصلاة بكيفيتها وتشريعها عن بقية الأديان إلا إنها متفقة أنها صلاة. فإبراهيم عليه السلام لما أتى بإسماعيل وأمه إلى مكة قال: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ} [إبراهيم:37] وكان يدعو ويقول: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ} [إبراهيم:40]. وموسى عليه السلام لما كان في الليلة التي كان فيها مسافراً وعائداً من أرض مدين إلى أرض مصر، وكان في الطور ومعه زوجته وكانت حاملاً، وفي ساعات المخاض أي: النفاس وكانت ليلةً باردةً مطيرةً مظلمة، أي: في حالة لا يعلمها إلا الله: {آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً} [القصص:29] أي: من جنب الجبل وجد ناراً: {فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً} [طه:10] يريد أن يدفئ أهله: {لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ} [النمل:7] {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:11 - 14]. أول شيء: اعبدني وأقم الصلاة، ذكر الصلاة مع العبادة مع الأمر بالتوحيد: {فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي * إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه:14 - 15] وفي سورة يونس يقول الله عز وجل: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [يونس:87] أوحى الله إليهم إذا بنوا بيوتهم في مصر أن يجعلوا بيوتهم إلى القبلة، أي: إلى بيت المقدس، وماذا؟! وأقيموا الصلاة، اجعل بيتك إلى القبلة وأقم الصلاة.

الصلاة وصية الله لعيسى ابن مريم

الصلاة وصية الله لعيسى ابن مريم هذا عيسى عليه السلام يذكر الله عز وجل عنه حينما جاءت به مريم تحمله، وقد حملت به من غير أب، ولله عز وجل أن يخلق ما يشاء؛ لأنه على كل شيء قدير. خلق الناس على أربعة أصناف: الصنف الأول: من غير أم ولا أب وهو آدم، قال الله: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران:59] فالله يخلق ما يشاء ويختار، فخلق آدم حيث قبض قبضةً من التراب، ونفخ فيه من روحه من غير أم ولا أب لا حمل في بطن ولا خرج من صلب، وإنما الله عز وجل قبضه من التراب وخلقه ثم نفخ فيه من الروح وصار بشراً سوياً. الصنف الثاني: من أب بلا أم، وهي حواء خلقها الله من ضلع آدم الأيسر؛ ولهذا المرأة خلقت من ضلع أعوج وما في الدنيا امرأة مستقيمة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته -وكسره طلاقها- وإن استمتعت به استمتعت به على عوج) الذي يريد امرأة مستقيمة ما فيها عوج في الجنة، ولهذا أعوج ما في المرأة أعلاها أي: لسانها: (فاستمتعوا بهن على عوجهن) هكذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا صنف خلقه الله عز وجل من أبٍ بلا أم وهي حواء. الصنف الثالث: خلقه الله من أم بلا أب وهو عيسى عليه السلام، بعث الله جبريل فنفخ في جيب درعها وبعدها حملت لما جاءها الملك قالت: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً * فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً} [مريم:18 - 23] لأنها من بيت الطهر والعفاف، من بيت المروءة والشرف، من بيت العزة والطهارة والنقاء. فتقول: ليتني مت قبل هذا اليوم {وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً * فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا} [مريم:23 - 24] لكي يطمئنها أن القضية بأمر الله ليس فيها عيب أبداً، ولا فيها مخالفة ولكنها سنة الله الجارية {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً} [مريم:24 - 26]، وكان صومهم الإمساك عن الكلام والطعام والشراب والنكاح، كان الذي يتكلم بكلمة يفطر ويقضي ذلك اليوم. {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ} [مريم:27] فلما رأوه معها وهم يعرفونها أنها طاهرة، {قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً} [مريم:27] من أين جاء هذا؟ لقد جئت شيئاً عظيماً، جئت بمصيبة كبيرة، كيف هذا؟!! {يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً * يَا أُخْتَ هَارُونَ} [مريم:27 - 28] دعوها وذكروها بنسبها وأخيها العابد الذي كان عابداً في بيت المقدس {مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} [مريم:28] يقولون: هذا ليس عملك أنت، كيف فعلت هذا؟ وهذا يتعارض مع الطهر والعفاف ومع النقاء والفضائل التي كنت تعيشين عليها في بيتك مع أمك وأبيك ومع أخيك هارون، {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} [مريم:28 - 29] بدون كلام {قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً} [مريم:29]. فترك الثدي وكان يرضع من ثديها وتكلم وقال لهم: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} [مريم:30] وفي هذه الكلمة يقول العلماء: إن فيها نسفاً لعقيدة النصارى، الآن في العالم أكثر من (ألف مليون) نصراني يعتقدون أن عيسى ابن الله ولكنه يقول هو: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} [مريم:30] وهو أعرف الناس بنفسه، فكذبوا، والله يقول: {مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [مريم:35] فهنا قال: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ} [مريم:30 - 31]. هذه وصية الله لعيسى عليه السلام وهي الشاهد من الحديث: {وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً * ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [مريم:31 - 36]. الصنف الرابع: وهو من خلقوا من أم وأب وهم سائر البشرية، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى} [الحجرات:13]

منزلة الصلاة في الإسلام

منزلة الصلاة في الإسلام يقول الله سبحانه وتعالى في شريعة الإسلام بالشريعة الخاتمة المهيمنة المسيطرة التي هي آخر الرسالات والتي رسولها آخر الرسل، قال الله عزوجل فيها: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85] فكانت الصلاة قطب هذا الدين وعمود هذا الإسلام. وفي حديث معاذ بن جبل لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار؟ قال: تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت الحرام إن استطعت إليه سبيلا، ثم قال: ألا أدلك على رأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: الصوم جنة) الصوم وقاية؛ لأنه يحفظك من كل معصية، والصائم يحفظ من معصية الله، فكيف يخرب ويبني في نفس الوقت. (الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل ثم قرأ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:16 - 17] ثم قال: ألا أدلك على ملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: كف عليك هذا، قال: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! قال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم) فلا يكب الواحد في النار إلا لسانه، اللسان هو وسيلة النجاة وهو وسيلة الهلاك. لا حول ولا قوة إلا بالله! فجاءت الصلاة لتكون ذات منزلة عظيمة في دين الله حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وجعلت قرة عيني في الصلاة) قال: (حبب إليَّ من دنياكم الطيب) صلوات الله وسلامه عليه؛ لأنه طيب. والطيب يرفع النفس ويبارك الروح، ولذا قال أهل العلم: لو أنفقت ثلث مالك في الطيب لم تعد مسرفاً، أي: لو أن راتبك (ستة آلاف ريال) وأنت شهرياً تصرف (ألفي ريال) في الطيب لم تعد مسرفاً، لماذا؟ لأن الطيب يحبه الله تبارك وتعالى، والملائكة تحب الطيب، والناس يحبون الطيب، فمن كان طيباًَ في ريحه فهو طيب عند الله في كل أموره. لكن اليوم أكثر ما ينفق الناس أموالهم في الدخان في طيب الشيطان، ولا يمكن أن يغلق الباكت إلا والباكت وراءه، بل بعضهم يشتري (كراتين) لأنه يخاف أن تأتي حروب وتصير أزمة في الدخان، فهو يكنزه مثلما يكنز البر والحب -لا حول ولا قوة إلا بالله! - ولو حسب كم يشتري كل يوم يشرب علبتين، والعلبتان (بثمانية ريالات) أو (بعشرة ريالات) بحسب نوعية الدخان، أي: يشتري في الشهر (بثلاثمائة ريال) أي: في السنة (ثلاثة آلاف وستمائة ريال) في الدخان، ويقول بعضهم: إن ريال الدخان معوض، فلو جاءه فقير عند الباب في الصباح وأعطاه ريالاً قلنا: كثر الله خيرك، لكن لو جاءه في اليوم الثاني: ويريد ريالاً، قال: ماذا أتى بك؟ فبالأمس أعطيتك ريالاً وتمر عليَّ كل يوم، ولكن الدخان كل يوم (عشرة) وليس فيها كلام ولا تبرم أبداً ولا ضجر، لماذا؟! لأنها طاعة للشيطان ومعصية لله تبارك وتعالى. بينما كم ينفق الإنسان في العود؟ كم ينفق الإنسان في الطيب؟ قليل جداً، فرسول الله صلى الله عليه وسلم طيب ويحب الطيب يقول: (حبب إليَّ من دنياكم الطيب والنساء -أي: الحلال-، وجعلت قرة عيني في الصلاة) صلوات الله وسلامه عليه، ويقول وهو يلفظ أنفاسه في آخر لحظة من لحظات حياته: (الله الله في الصلاة، الله الله في الصلاة، الله الله في الصلاة، وما ملكت أيمانكم) ولما نزل قول الله عز وجل: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ} [مريم:59] خلف أي: نشء جديد، أي: أناس يأتون وأبرز صفاتهم أنهم لا يحبون الصلاة، وهذا موجود الآن، إلا من رحم الله. ما من بيت إلا وفيه معركة بين الأب وبين الأولاد في الصلاة، الأب يريد طاعة الله والأولاد لا يريدونها أبداً، إذا دعاهم إلى الصلاة كأنه يضرب وجوههم بحديد، فلا يريدون الصلاة: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} [مريم:59] أما المباراة يذهب من قبل العصر ينتظرها يأتي لكي يلعب كرة، والكرة أتعب من الصلاة، لكنها صلاة إبليس وطاعة للشيطان، لكن الصلاة ثقيلة عندهم: {وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [مريم:59] لما نزلت هذه الآية قال محمد صلى الله عليه وسلم لجبريل: (أو تضيع أمتي من بعدي الصلاة؟!) أيعقل أن يُضيع مسلم الصلاة؟ (قال: يأتي أقوام في آخر الزمان يبيع أحدهم دينه بعرض من الدنيا، درهم عنده خير من صلاة)، فالآن تركوها بلا درهم ولا ريال ولا حول ولا قوة إلا بالله، إنا لله وإنا إليه راجعون!

أحكام تارك الصلاة

أحكام تارك الصلاة هذه العبادة جاءت في دين الله لازمة ومأمور بها ومحضوض عليها وببيان أنها فرق بين المسلم والكافر، يقول عليه الصلاة والسلام: (العهد الذين بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) ويقول: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة) ويلزم بكفر الإنسان التارك للصلاة أحكام شرعية:

يستتاب وإلا يقتل ردة

يستتاب وإلا يقتل ردة أولاً: يستتاب ثلاثة أيام، فإن تاب وإلا قتل وقتله ردة وليس حداً وفرق بين من يقتل حداً وبين من يقتل ردة، فمن يقتل حداً كمن يقتل قصاصاً أو يقتل في رجم، هذا يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين؛ لأنه مسلم، ما كفر ولا خرج من الدين بهذه الجريمة التي اقترفها، وإنما هو صاحب كبيرة تحت مشيئة الله في الدار الآخرة إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه، ولكن بإسلامه لا بد له من دخول الجنة. أما تارك الصلاة فإنه يقتل ولكنه لا يقتل حداً بل يقتل ردةً؛ لأنه كافر مرتد عن الدين، وتنتفي عنه أحكام المسلمين، فلا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، وإذا دفن لا يوجه إلى القبلة؛ لأنه ليس من أهل القبلة، أما المسلم إذا مات يوجهونه إلى القبلة، لماذا؟ ما معنى القبلة بالذات؟! أنا رأيت قبور اليهود نظرتها في نجران ليسوا موجهين لقبلة قبورهم منظمة تجاه القبلة، لكن أهل الإسلام قبورهم كلها متجهة إلى الله؛ لأنهم من أهل القبلة. فتارك الصلاة ليس له قبلة، إذاً ماذا نصنع به؟ قالوا: يربط كما تربط الدابة، إذا مات حمار في القرية هل يقبرونه ويكفنونه ويصلون عليه؟ والله إن تارك الصلاة ألعن من الحمار، يوم القيامة يتمنى أن يكون حماراً يوم يقول الله للخلائق كلها هذه الحيوانات تكون تراباً، فيقول: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً} [النبأ:40] ليته كان ثوراً أو بقرة أو حماراً، ويقول الله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12]، ويقول عز وجل: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] فالحمار يسحب حتى تأكله الذئاب في طرف الوادي، ولكن الإنسان قالوا: يسحب ولا يحمل على رقبة، لماذا تحمله وهو عدو الله كافر؟! يسحب ولكن لا يترك للذئاب تأكله، لماذا؟ قالوا: لأن الذئاب لو أكلته لشبقت؛ لأن طعم لحم الإنسان ليس كطعم الحمار فإنه لذيذ، فإذا ذاقته الذئاب والسباع لفتكت بالناس واعتدت عليهم وأصابها الشبق، فلا يدفن في الأرض بل يحفر له ويوارى جسده ويكب على وجهه، فلا يوجه إلى قبلة ولكن يكب على وجهه. والعياذ بالله!

أن تحرم عليه زوجته

أن تحرم عليه زوجته إن تارك الصلاة تحرم امرأته عليه بدون طلاق؛ لأن الطلاق بين المسلمين، أما الكافر إذا كفر وارتد عن دين الله انفسخ العقد؛ لأنه مبني أصلاً بين الرجل وبين المرأة على الإسلام، ولهذا لو جاءك أحد يخطب ابنتك وأعطاك (ملايين الملايين) وهو كافر يهودي أو نصراني فلا تزوجه أبداً، لماذا؟ كيف تعطي ابنتك نصرانياً أو يهودياً؟ وكذلك تارك الصلاة هو مرتد عن دين الله وفي حكم اليهودي أو النصراني أو الملحد فمتى يثبت لك أنه ترك الصلاة وأنه ارتد عن دين الله، فإنه تحرم عليه زوجته ويلزمك شرعاً أخذ ابنتك، وإذا تركت أختك أو ابنتك تحت بطنه وهو كافر مرتد لا يصلي فإنما ترضى بأن تأتي أختك أو ابنتك الفاحشة؛ لأنها ترتكب حراماً ويأتي أولادها أولاد زنا وأنت راض تسمع أيها المسلم! فلا ينبغي لمسلم أن يعلم هذا الأمر ويترك عرضه تحت كافر أو مرتد عن دين الله عز وجل، فما في الدين شيء تركه كفر على الإطلاق إلا الصلاة.

الصلاة من أبرز صفات المؤمنين

الصلاة من أبرز صفات المؤمنين لقد ذكر الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم صفات أهل الإيمان وجعل من أبرز صفاتهم ومن أهم علاماتهم هذه الصلاة. والذي يتأمل القرآن كله يجد أن الصلاة تأتي في أول صفات أهل الإيمان، يقول الله في أول سورة البقرة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة} [البقرة:1 - 3] هذه صفات أهل الإيمان {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2] أي: القرآن هداية لأهل التقوى، فمن هم؟ قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة:3]. وقال عز وجل في سورة التوبة: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [التوبة:71]. وقال عز وجل في أول سورة الأنفال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال:2] و (إنما) يسميها العلماء أداة حصر، يعني: تحصر الإيمان في أهل هذه الصفات والذي ليس فيه هذه الصفات فليس من أهل الإيمان فالله يقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال:2] أي: خافت وارتعدت من الله: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال:2 - 4]. ويقول الله عز وجل في أول سورة المؤمنون: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:1 - 2] ثم ذكر الصفات كلها وقال في النهاية: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون:9 - 11].

فضل صلاتي الفجر والعصر

فضل صلاتي الفجر والعصر ويقول عز وجل: {إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً} [المعارج:19] أي: جنس الإنسان فيه هذه الصفة هلوع {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج:20 - 23] لا يصلي واحدة فقط وبعدها ينفلت من المسجد أو يصلي المغرب من أجل أنه آتٍ من التمشية، ويصلي الظهر؛ لأنه في الدوام، لكن العصر لا تنظره في المسجد، أين هو؟ قالوا: راقد، لماذا؟ قالوا: جاء من الدوام وهو تعبان، فتغدى ثم رقد ولم يصلِّ إلا الساعة (الخامسة) أو أكثر، وقام قبل غروب الشمس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تلك صلاة المنافق يقعد يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان -يعني قد بدأت بالغياب هناك- قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلا) ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (من فاتته صلاة العصر حبط عمله) والحديث في صحيح البخاري وقال عليه الصلاة والسلام: (من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر في أهله وماله ونفسه) وقال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة:238] الوسطى هي: العصر بإجماع أهل العلم؛ لأنها وسط بين صلاتين في النهار وصلاتين في الليل؛ فصلاتا النهار: الفجر والظهر، وصلاتا الليل: المغرب والعشاء، والعصر بينها فهي الصلاة الوسطى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238] وفي الحديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم قال عليه الصلاة والسلام: (من صلى البردين دخل الجنة) فالعصر فيها برد النهار والفجر فيها برد الليل. فأكثر الناس لا يصلي الفجر ولا يصلي العصر، وربما يصلي المغرب والعشاء لكن الفجر تجد المسجد الذي فيه صفان ترى فيه (نصف صف) والبقية أين هم؟ كيف يعبدون الله في المغرب ويعصونه في الفجر؟ فهل الصلاة على مرادهم، أم على مراد الله؟! كيف تطيع الله في صلاة وتضيع الصلاة الثانية؟! لقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن: (أثقل الصلوات على المنافقين صلاتي العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما من الأجر لأتوهما ولو حبوا، ولو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً حسناً أو مرماتين حسنتين) المرماتان أي: الضلعين، تلك الأيام أيام الفقر لو يدرون أن هناك لحماً يقسم ويعطى لكل واحد والله لا يتخلف عن الصلاة أحداً (لحضر الصلاة). يقول عليه الصلاة والسلام: (فرق ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يشهدون الفجر) وهذا الحديث أخبرنا عنه النبي صلى الله عليه وسلم وجعله مقياساً نقيس به الإيمان في صدورنا، لا تسأل هل أنت مؤمن، أم منافق؟ ولكن اسأل نفسك عن الفجر، فإن كنت من أهلها باستمرار فاعلم والله أنك مؤمن، وأن هذه من علامة الإيمان، وإن كنت لا تصلي الفجر ولو حافظت على الصلوات كلها لكنك لم تصل الفجر فاعلم أن هذه علامة النفاق، كما في الحديث: (أثقل الصلوات على المنافقين صلاتي العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا). والله لو صدر أمر من المسئولين وقالوا فيه: إننا لاحظنا أن الناس تأخروا عن صلاة الفجر، ومن أجل ذلك قررنا صرف مكافأة تشجيعية من أجل حث الناس ودفعهم إلى أداء صلاة الفجر، وقد صدر الأمر بتخصيص عشرة ريالات لكل مصل في المسجد، هل سينام أحد عن صلاة الفجر؟! عشرة ريالات للكبير، وعشرة ريالات للولد، ومثلها للمرأة، وللبنت، والله لن تسعهم مساجدهم، وسوف يبنون مع هذا المسجد مسجداً ويجعلون فيه جزءاً للنساء، ولن يتأخر شخص، ولو أن شخصاً تأخر سيلوم نفسه ويعض أصابعه؛ لأن البيت إذا فيه ستة أشخاص وصلوا وأعطوا ستين ريالاً تأتي بها مقاضي ذاك اليوم كله، وتوفر الراتب. ولو قام يصلي ورجع إلى البيت وولده ما زال نائماً وقد أقامه هل سيسكت؟ بل سوف يأخذ العصا ويضربه ويقول: يا قليل الخير، ليس فيك رجولة، الناس كلهم بالخارج يصلون في المسجد، والله إن ولد فلان وولد فلان وولد فلان كلهم يصلون إلا أنت يا قليل الخير لا تصلي، إلى الآن وأنت نائم؟!! لكنه يقوم يصلي ويمد البطانية على ولده، ويقول: إنه مسكين كان سهران بالأمس وكان يقرأ الكتب، فإذا جاء وقت المدرسة ضربه وأقامه، ولا يقيمه للصلاة، وإذا قيل له: أقمه، قال: أخاف أن أنفره وأعقده من الصلاة، لماذا لا تعقده من المدرسة؟ لكن الصلاة تجعله نائماً، لماذا؟ لأنه ليس في قلبك خوف من الله، ولا حرص على طاعة الله؛ لأن الصلاة هانت عليك، ولهذا تقوم بها كيفما كان، أما ولدك فلا يشغلك أمره، وأما الدنيا لما حلَّت في قلبك أهمك أمر ولدك فيها، ولو تأخر عن المدرسة يوماً واحداً لضربته وعاقبته. يقول الله في الصلاة: {إِلاَّ الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج:22 - 23] دائمون، ثم ذكر الصفات كلها وقال في آخر الآيات: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ * فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ * عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ عِزِينَ * أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ * كَلاَّ إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ * فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي يُوعَدُونَ * يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنْ الأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [المعارج:34 - 43] الأجداث أي: القبور، سراعاً: هاربين إلى الله: {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [المعارج:44] ذلة: ذلة الكفر والمعاصي والذنوب. فيا إخواني في الله! الصلاةُ الصلاة، الصلاة عماد الدين، وإنه والله من حفظها حفظه الله وحفظ له كل خير في الدنيا والآخرة، ومن ضيعها فوالله إنه لما سواها أضيع. وقد ورد في بعض الآثار: [أن تارك الصلاة يموت نصرانياً ويبعث يهودياً، وأنه تنزل عليه في كل ساعةٍ ألف ألف لعنة وألف ألف سخط، وأنه إذا رفع اللقمة إلى فمه قالت له اللقمة: لعنك الله يا عدو الله تأكل من رزق الله ولا تؤدي حق الله. وأنه إذا خرج من البيت قال له البيت: لا ردك الله من سفرك، ولا خلفك في أثرك، وأن الأرض التي يمشي عليها تلعنه، وأن كل شيء في السماء والأرض يلعنه] فالله قد لعنه؛ لأنه قد قطع الصلة بينه وبين الله عز وجل.

ثمار المحافظة على الصلاة

ثمار المحافظة على الصلاة الصلاة -يا عباد الله- إذا وجدت في بيت حلَّت فيه البركة والخير، كما جاء في بعض الآثار: [من حافظ على الصلوات المكتوبة أكرمه الله بخمس كرامات: أولاً: يرفع الله عنه ضيق العيش في الدنيا] لم نعرف أحداً حافظ على الصلاة قد ضيق الله عليه بل كلما ضاقت فرجها الله (احفظ الله يحفظك) احفظ دينك يحفظك الله ويغنيك في الدنيا والآخرة. [ثانياً: يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب. ثالثاً: يمر على الصراط كالبرق الخاطف. رابعاً: يعطى كتابه بيمينه. خامساً: يمد له في قبره مد بصره] هذه نتائج الصلاة. أيها الإخوة: إنه والله ما حفظت نعم الله بأعظم من طاعة الله عز وجل، ولا استجلبت نعم الله بأحسن من طاعة الله، ولا نزل البلاء ولا المصائب ولا العقوبات إلا بأسباب معصية الله عز وجل، ونحن في هذا الزمن -والحمد لله على كل حال- نعيش في نعمة ليس فيها أحد، والذي عاش في الفترة الماضية من قبل (30) أو (40) سنة ثم يقيس ما نحن فيه من النعم على ما كان عليه الناس من قبل يعاني ويخاف ولا يفرح بهذه النعمة، الناس في فرحة وهو في خوف في قلبه منها مثل النار؛ لأنها ليست دائمة، ولا عرفها الآباء والأجداد، ويرى أنها لا تقابل بالطاعات، ولله في الكون سنة جارية لا تتبدل أنه فلا يمكن أن يجمع بين نعمة ومعصية. (النعمة + معصية =عذاب) لكن (نعمة + طاعة =زيادة) والله يقول: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7] فنحن نخاف على هذه النعمة التي نحن فيها؛ أمن وأمان، وعافية في الأبدان، وأرزاق تأتي من كل مكان، ولكننا نقابلها بالمعاصي، وما من بيت إلا وفيه معصية، هذه المعصية سواءً كانت مسموعة أو منظورة، أو ترك طاعة أو مخالفة لأمر الله عز وجل، والله يقول في الحديث القدسي: (أنا والإنس والجن في خبر عظيم، أخلقهم ويعبدون غيري، أرزقهم ويشكرون سواي، خيري إليهم نازل وشرهم إليَّ صاعد، أتحبب إليهم بالنعم ويتبغضون إليَّ بالمعاصي).

عظات وعبر من حياة الأمم السابقة

عظات وعبر من حياة الأمم السابقة أيها الإخوة: لنا فيما ذكر الله في القرآن من الأمم عبرة؛ لأن الله أخبرنا في القرآن بخبر الأمم؛ لنعتبر، فالحمد لله الذي جعل لنا من الناس عبرة ولم يجعلنا للناس عبرة، يذكر الله تبارك وتعالى مثلاً في القرآن عن قوم سبأ في اليمن، يقول الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ} [سبأ:15] آية وعبرة لمن يعتبر {لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ} [سبأ:15]. أقاموا سد مأرب وضربوه بالرصاص، أي: كان اللحام الذي بين الحجارة وبين الأخرى لم يكن طيناً ولا اسمنتاً ولا مسلحاً بل كان رصاصاً، ولما أراد الله تبارك وتعالى أن يدمرهم بهذا السد؛ لأنهم عصوا وخالفوا الأمر، قال: {جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ} [سبأ:15] كانت الجنان لما أوقفوا السيل وسدوه ورجع الماء، وأجروا الجداول والأخاديد من الجنب وسقوا به الأرض {جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ} [سبأ:15] فكانت المرأة تدخل في البستان والمكتل على رأسها، ويداها مسبلتان وتخرج من الطرف الآخر فإذا المكتل قد امتلأ من كل شيء تمد يدها على ثمرة واحدة، جنان دانية، كان الطائر إذا دخل لا يعرف كيف يخرج من تشابك الأغصان {جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ:15] فالأرض طيبة والخيرات متوفرة والرب غفور، فماذا حدث؟! أعرضوا، ولما أعرضوا عذبهم الله، قال: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} [سبأ:16] سماه الله سيل العرم؛ لأنه اقتلع كل شيء، سلط الله عليهم أولاً: جندياً من جنوده، من أضعف جنوده وهو الفأر الجرب؛ والجرب لا يأكل إلا الحب ويقضم الملابس، لكنَّ الله سلطه ليأكل الرصاص والحيود، فأكل السد ونخره، ثم أرسل الله الماء ليعذبهم به فكان يصرم السد مثلما يصرم السيف الزرع صرماً، والماء نعمة ولكن لما كان فيه غضب الله صار عذاباً. كما صار قبل سنوات، من الذي منكم رأى وادي ضلع يوم أن نزل بالوادي ماء وليس ذلك ماء، كان إذا عرض على العمود الكبير وقد رأيت بعض الأعمدة فيه من الأسياخ والسيخ (32) مليمتر، وفيه أكثر من (25 سيخاً)، ولكن الماء يقصه، ماء يقص هذا؟ إن الماء رحمة لكنه فيه عذاب يأخذ الجسر من طرفه إلى أن يضعه على طرف الجبال، هذا لا يمكن أن يكون ماءً لا بد أن يكون فيه عذاب. فالله لما أرسل عليهم سيل العرم اقتلع هذا السد ودمرهم وحروثهم وزروعهم وبيوتهم وشردهم في الأرض، ثم قال: {وَبَدَّلْنَاهُمْ} [سبأ:16] بدل ما كانت النعمة والبساتين والأنهار والآبار والخيرات، فلا يعملون ولا يزرعون ولا يبيعون ولا يشترون وإنما كان عليهم أن يشكروا ويعبدوا ويأكلوا من خيرات الله عز وجل، ولكنهم بدلوا وفجروا وكفروا وفسقوا وعملوا المعاصي فدمر الله عليهم الأرض: {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ} [سبأ:16] أعطاهم الله بدل البساتين هذه بستانين لكن ما هي أشجارها؟! قال: {ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} [سبأ:16] الخمط: الطلح، والأثل: الأثل الطويل الذي ليس فيه ولا ثمرة، والناس لا يأكلون الطلح ولا الأثل سوف يموتون، وحتى لا يموتوا أعطاهم الله السدر لكنه قليل {وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} [سبأ:16] لكي يقتاتوا، ولا يموت السدر ففيه النبق، هل تعرفون النبق؟! الثمر الذي كان الناس ينزلونه ويأتون به ويكيلونه مثلما يكيلون الهيل، وكان يؤكل وقد رأيته في السوق قبل سنوات واشتريت منه، وأنا كنت أعرفه أيام الجوع وكان في طعمه لذة ويوم ذهبت للبيت وبدأت آكله وإذا به بلا طعم؛ لأن الجوع هو الذي جعل له طعماً في تلك الأيام، وإلا فهو كالعود، فقد رميناه، قلت لعيالي: كلوا فهذه كانت فاكهتنا قبل زمن، وكانت عبارة عن البرتقال في ذاك الزمان، قالوا: لا نريده، وإذا بهم رموه، كان يأكلونه الأولون لكي يسد جوعهم، تسد شيئاً في بطن الإنسان، قال الله: {وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ:16 - 17]. فنحن والله -يا إخواني- نخاف على هذه النعمة التي نحن فيها، وانظروا إلى مزارعنا يابسة، ليس فيها حتى قطرة ماء ولا زروع ولا شيء، وماذا كان آباؤنا وأجدادنا يعتمدون عليه من قبل؟ على الله ثم على الزرع، لكن هل أحسسنا الآن بجوع حين يبس الزرع؟! لا، ادخل السوق المركزي في كل قرية، حتى على الطرقات ادخل من الطرف تجد كل شيء، تجد اللحوم والأسماك والدجاج والطيور، وتجد الفواكه والمعلبات والحبوب، وجميع ثمار الأرض موجودة وتشتريها كيفما تشاء، والله ينعم عليك ويقول: {كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ:15] لكننا إذا أعرضنا فوالله إن عذاب الله وسنة الله عز وجل واحدة لا تتبدل. ويضرب الله مثلاً في القرآن فيقول في سورة النحل: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً} [النحل:112] يقول العلماء: إنها كانت آمنة مطمئنة؛ لأنها استجابت لداعي الله وطبقت شريعة الله؛ فأعطاها الله كرامتين: الأمن والاطمئنان، الأمن: هو أمن الأوطان، والاطمئنان: هو اطمئنان القلوب، فقد يكون بعض الناس آمنين، أي: لا يوجد خوف ولا لصوص لكن ليس هناك اطمئنان في النفس، بل يوجد قلق وحيرة واضطراب، فلا ينام الليل ولا يشعر بأنه مرتاح، لماذا؟ لأن هناك أمناً في الوطن والبلد، وهناك قلق في النفس بسبب الذنوب والمعاصي، فالله عز وجل كافأ هؤلاء الرجال لما آمنوا وصدقوا أن رزقهم الأمان والاطمئنان: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} [النحل:112]. مثلما هو عندنا اليوم تجلب لنا الأرزاق وأهلها في حاجتها والله، وما يشبعون منها، كما كنا من قبل كنا ننتج الحب فنأخذ الجيد لنبيعه ونأخذ الغثاء والباقي نأخذه ونأكله وذاك نكنزه لكي نبيعه في السوق، ونشتري بقيمته كسوة لعيالنا، أو أشياء أخرى، فهم يأخذون أحسن ثمارهم ويعلبونها وتأتيك إلى بلدك تأكلها، وهم يأخذون الرديء.

الحث على شكر النعم

الحث على شكر النعم قال تبارك وتعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ} [النحل:112] قال لي أحد الإخوة: جنينا على ثلاثة خرفان ونحن خمسة أشخاص، يقول: والله إننا خمسة ومنا صاحب البيت، أي: كان المدعوون أربعة والذبائح ثلاث، هل هذا يرضي الله؟ لا إله إلا الله! والله لو أتى لهم بنصف ذبيحة أو ربعها لشبعوا منها الأربعة، لكن ثلاث ويعتذر ويقول: الحقيقة أنتم أربعة والذبائح ثلاث كان الواجب لكل منكم واحدة، لكن اعذرونا على التقصير، نعذرك على التقصير والله إنه من فضل الله الذي آتاك لكنك ما عرفت طاعة الله ولا عرفت نعمة الله عز وجل، يقول: وقام هؤلاء المعزومون ليأكلوا وهذا عشاء وقد تغدوا عندما أتوا من وظائفهم الساعة الثانية والنصف وما زال الغداء في حلوقهم ولم ينزل إلى بطونهم يقول: وحينما بدءوا يأكلوا الخرفان وماذا يأكلون؟! يقول: كانوا يبعدون الشحم ويأكلون قليلاً جداً من اللحم ويتركون الباقي كما هو، ولا يوزعونه على الفقراء بل يرمونه في القمامة!! يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: (إني أمدهم حتى يرصعونه، ثم أمنعه حتى يشتهونه)، فهذا الأرز الذي نرميه في القمامة ما كان الناس قبلنا يعرفونه، يحدثني والدي يقول: والله كان هذا الأرز عبارة عن دواء إذا مرض أحدنا في أبها قالوا: ابحثوا له عن فنجان أرز عند آل بن عزيز أو عند آل ابن مسمار أو عند الخبارية من أهل أبها ابحثوا له عن فنجان أرز، وما كان في بلادنا أرز، ما كان عندنا إلا الطلح والعرعر، لكن الله رزقنا ثمرات كل شيء، فبدل أن تشكر هذه النعمة -يا إخواني- بدأت المعاصي في الناس، قال الله عز وجل: {فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112] لباس الجوع -أعاذنا الله وإياكم من الجوع- يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فإنه بئس الضجيع) ويقول: (كاد الجوع أن يكون كفرا).

مصيبة الجوع والفقر التي عاناها السابقون

مصيبة الجوع والفقر التي عاناها السابقون الجوع -يا إخواني- مصيبة! كيف إذا دخلت بيتك -يا أخي المسلم- على زوجتك وأولادك وقالوا: لا يوجد عشاء، تقول: ابحثوا لنا قالوا: لا يوجد شيء، الولد يبكي والمرأة تبكي وأنت جائع وتعرف أنه ما في السوق ولا في الجيب شيء، وهذا والله كان يمر على الناس، كان الرجل إذا رأى الضيف يهرب، ماذا تقدم له فلا يوجد سوق مفتوح، وإن وجد سوقاً مفتوحاً فلا يجد فيه شيء وإن كان فيه أي شيء فلا يوجد مال يشتري به، فقر وجوع ومرض وخوف وهلع لا يعلمه إلا الله، ثم بدل الله أحوالنا كلها، بدَّل الله ملابسنا الآن وأصبحت ملابسنا فاخرة وجميلة ومتنوعة، أما الأولون فكانت ثيابهم كلها شكل واحد مبرم، مبرم كأنه -والعياذ بالله- جلد جمل، وإذا لبس المبرم هذا يلبسه ويصونه، وبعض النساء يأتي لها أولاد ومازال ثوب عرسها معها، وبعض الرجال يلبس ثوبه سنة وسنتين وثلاث، وإذا تمزق يضع له رقعة سوداء أو حمراء أو غبراء أي لون، وإذا تمزق من الركبة يضع له رقعة، وكذلك من مقعدته، وبعدها لا يغسل الثوب، وإذا قيل له: اغسل ثوبك؟ قال: إني إذا غسلته فإنه سيتمزق؛ لأني أريد الوسخ يقويه لكي لا يتمزق وما كانوا يلبسون سراويل ولا فنايل ولا شرابات ولا غتر، ولا بجامات ولا أكوات، ولا مشالح، ولا ثياب صيف ولا ثياب شتاء. لا إله إلا الله! لا إله إلا الله! من هو الذي في بيته إبرة؟ إذا تمزق الزرار من الثوب هل ترد الزرار؟! لا. بل يرمي، انقطع ماذا أعمل به؟ ومن هو الذي يرقع ثوبه إذا تمزق؟ لا يوجد شخص يرقع، بل والله يرمونها وهي جديدة وما تمزق فيها شيء، لكن يقول: قد لبسته كثيراً أريد غيره، وبعضهم تدخل دولابه ترى أمامك (20) بدلة و (20) ثوباً من كل شكل، وقد كان الناس من قبل ليس عندهم هذا الشيء، فمفارشنا في الماضي كانت خرائق معلقة لا نفرشها إلا في العيد فقط، وليست هي معلقة دائماً، فإذا أتى الضيف يرقد عليها، وإذا وجد ملحف، فلا تجد فيه شعرة ويفرشونه على الجميع، ثم يأخذون الملحف كلهم ولا يوجد لكل واحد فراش خاص وغرفة نوم يتقلب من طرف الغرفة إلى طرفها (4م × 3م) هذه نعمة أم ليست بنعمة؟! وبعد هذا كله موكيت وكنبات (بترينات) اسفنجات وقطنيات من كل ما لذ وطاب -فنحمد الله الذي لا إله إلا هو- أما المآكل والمشارب فحدث ولا حرج، فأنتم تعرفون ذلك.

المعاصي سبب زوال النعم

المعاصي سبب زوال النعم هذه النعم -يا عباد الله! - والله إننا نخاف عليها، وإن سبب زوالها هي المعاصي يقول: يا نعمة الله حلي في بوادينا وجاورينا ولا تغدين من داري أجابت النعمة إن الشكر يلزمني وإن باب المعاصي باب إنداري والله تبارك وتعالى يقول: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56] لقد أصلح الله الأرض بالرسالات والأديان وأفسدها الناس بالمعاصي والعصيان، ولكن الله له سنة، يقول: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102] وانظروا إلى من سواكم فوقكم في بلاد الحرمين إلى الذين في الشمال وفي الجنوب، والذين في الشرق والغرب، وكل دولة فيها حرب وضرب وفقر وحروب وأوبئة وكوارث، والله حاميكم في هذا البلد حمانا بماذا؟ هل لأننا صنف ونحن غير الناس؟! لا حمانا ببركة الدين على آثار ما عندنا من الدين ولكن نخاف يا إخواني نغير، والله يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11] ويقول الله في الحديث القدسي: (وعزتي وجلالي ما تغير عبد من عبادي مما أكره إلى ما أحب إلا تغيرت له مما يكره إلى ما يحب، وعزتي وجلالي ما تغير عبد من عبادي مما أحب إلى ما أكره -يعني من المعاصي- إلا تغيرت له مما يحب إلى ما يكره) وإذا عذب الله الناس في الدنيا فإنه يعذبهم عذاباً عاجلاً: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [الزمر:26]. وتعرفون القصة التي ذكرها الله عز وجل في سورة القلم عن أصحاب الجنة وأصحاب البستان، يقول الله: {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ} [القلم:17] أي: اختبرناهم: {كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} [القلم:17] هؤلاء مجموعة من الأولاد كان أبوهم صالحاً وكان لهم بستاناً، وكان هذا الأب الصالح إذا خرجت غلة بستانه وزروعه قسمها ثلاثة أقسام: قسم يأكله هو وأولاده، وقسم يتصدق به لله، وقسم يرده في المزرعة، ولكن أولاده لا يريدون هذه القسمة، فحين مات أبوهم اجتمعوا وقالوا: إن أبانا ضيع رزقنا، لماذا يعطي الفقراء الثلث والله هذا حقنا ولا يخرج منه حبة واحدة، فاجتمعوا في الليل، {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا} [القلم:17] كلهم حلفوا: {لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ} [القلم:17] أي: في الصباح {وَلا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ} [القلم:18 - 21] قاموا كلهم يتنادون قبل الفجر وقالوا: نحصده مبكراً أن يأتي الفقراء، أي: إذا تأخرنا سيدخلون علينا في البستان: {أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ} [القلم:24] لا يدخل شخص فقير: {وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} [القلم:25] لكنهم تمالوا على الفسالة فالله يسري عليها بالليل، قال الله: {فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ} [القلم:19 - 20] ما صرمها الله لهم لكي يكفيهم حتى يروها جاهزة، بل صرمها وأعدمها وأحرقها، حتى أنهم ما عرفوا بلادهم: {فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ} [القلم:26] نحن ضائعون ليست هذه بلادنا، أين مزرعتنا؟! أين بستاننا؟! أين ضعنا؟!: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ} [القلم:28] اذكروا الله: {قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} [القلم:29] {عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْراً مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ} [القلم:32] ثم قال بعدها: {كَذَلِكَ الْعَذَابُ} [القلم:33] أي: هذا عذاب الدنيا: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [القلم:33]. فنحن لا نخشى أن تزول منا هذه النعم، وإذا زالت فوالله إنها مصيبة، والله إنه يموت أكثر الناس ويؤلمه الجوع ولا أحد يرى شيئاً من هذه الفواكه ومن هذه الخيرات، إن أكثر الناس يموتون جوعاً، ولكن نخشى أن ينزل العذاب وتزول النعم وعذاب آخر وهو عذاب الله في الآخرة، ولكن إذا أردنا النعيم الذي بين أيدينا يكثر يزيد والذي ينتظرنا عند الله عز وجل يزيد فلنتمسك بطاعة الله؛ لأننا إذا تمسكنا بطاعة الله تبارك وتعالى أعزنا الله في الدنيا والآخرة، يقول الله تبارك وتعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [فاطر:10].

الحث على تقوى الله وطاعته وحضور مجالس العلم

الحث على تقوى الله وطاعته وحضور مجالس العلم أيها الإخوة: أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، والمحافظة على طاعة الله، وإن من أعظم طاعة الله هذه الحلقات المباركة التي يسعى إليها إخوانكم وأبناؤكم -بارك الله فيهم- في هذه القرى، هم لكم والله نور -يا إخواني! - وبعض القرى ليس فيها شخص داعية، بل بعض القرى نشأ منها نشء -والعياذ بالله- جروا على أهلهم الضلال والفساد، ولكن الله نور قلوبكم بأبنائكم وجعل فيكم من يدعوكم إلى الخير، وإلا كان بإمكانهم أن يذهبوا ويستمعوا الندوات في أبها، ويحضرون مجالس العلم وأهل القرى يرفضون المجيء، لكنهم يحبونكم ويعطفون عليكم ويقولون: نريد ندوة في كل مكان وفي كل قرية، والله إنها نعمة -يا إخواني- إن العلم يدعوكم ولا تأتون له، فلا بد من الحرص على هذه الندوة والمحافظة عليها، وأن يكون هذا موعداً رسمياً، أي: لا يمكن أن أتخلف عنه، وإن عزمت، قلت: لا والله أنا معزوم، أين؟! عند رب العزة والجلال على مائدة الله عز وجل، لكن بعضهم يعزم على أرز ولحم ويترك مائدة الله التي فيها قال الله وقال رسوله، وتلك عنده أحسن من هذه، وهو محتاج لكنه خسران، والعياذ بالله! نسأل الله أن يحفظنا وإياكم. وأوصيكم بالمحافظة على هذه الندوة وتشجيعها ولمَّ أبناءكم حولها. لقد كان في هذه الديار المباركة في الماضي ندوات وليست ليلة في الأسبوع، لا. فقد كان آباؤكم يجلسون من المغرب إلى العشاء كل ليلة ولهم درس دين، ولا يتأخر أحد، وأين كان يذهب أحدهم في الصباح؟ كان من الصباح إلى المغرب وهو فلاح يرعى أو يعمل أو يحطب، لا يصل بيته إلا وهو تعبان جداً، لكنه يحب الله ورسوله؛ ولذلك فإنه يأتي يذكر الله عز وجل، وبعد العشاء أين يذهب؟ يذهب البيت فلا يوجد سراج ولا طعام ولا نار ولا دفئ ولا فراش، وينظر إلى امرأته، فلعل امرأته مريضة وينظر إلى ولده فإذا هو مريض، لكن لا -يا أخي- اليوم تنام طوال يومك، وأنت نائم يوم الجمعة، هل عمل أحد منا اليوم في الزروع؟! هل نجمع الحجارة والصخور اليوم؟! لا. وينظر كل واحد منا إلى خيراته، وهو في نعمة عظيمة حتى يأتي المغرب. -يا أخي- اقعد من المغرب إلى العشاء في ذكر الله، اذكر الله الذي لا إله إلا هو على هذه النعمة، ثم بعد العشاء سوف ترجع وتدخل بيتك وهو مضيء، كان الأولون ليس معهم نور ونورهم سراج إما لمبة أو فانوس أو عود ضوح يضوحون به حتى يحين وقت العشاء ثم يرمونه، لكنك أنت تدخل تلمس الجدار فإذا هوا يسرج كالشمس الشارقة، وإذا أردت أن تغتسل تذهب تحمي الماء بل تفتح الصنبور والحنفية فإذا به يصب لك ماءً حاراً، وهذا أمر لم يعرفه آباؤنا وأجدادنا السابقون. والآن تتوضأ في الليل أو تغتسل ولا تحمي ولا تبرد، وبعدها غسلت ودخلت على زوجتك فإذا بها تنعم بالصحة؛ لأن الأولين كانوا يمرضون ولا يوجد مستشفيات، كان الشخص منهم يمرض ويظل يتعافى دون أن يجد العلاج، أو يسافرون به، أما الآن ولو كان صداعاً، قال: أعطوه (إسبرين) أو (بندول)، قالوا: صحة، أي: لم يبق مرض الآن في قريتكم هذه من طرفها إلى طرفها، لو فتشناها بيتاً بيتاً لا يوجد مريضاً -والحمد لله- وكان الناس سابقاً، وما من بيت إلا وفيه مريض ومعلول، لكنك تدخل غرفتك تريد أن تنام وإذا بأولادك -ما شاء الله- كلهم ينعمون بالصحة، وبعدها تفتح زوجتك الطعام وتأتيك بالسفرة والخيرات. فهل أنت أولى بالجلسة مرة في الأسبوع؟! أم ذاك الذي يجلس كل يوم من بعد المغرب إلى العشاء على كتاب الله، وعلى ماذا يقرأ، هل على الكهرباء؟! لا، يقرأ على لمبة، وبعدها كانت المصاحف في ذلك الزمان ليست مثل مصاحفنا هذه -ما شاء الله- الحروف واضحة، وإنما كانت مصاحف مكتوبة بخط اليد وممزقة ولكن قلوبهم كانت معلقة بالله تبارك وتعالى. فنحن -يا إخواني- كل شيء أقامه الله علينا حجة، ولكن ينبغي علينا أن نحرص، وأنا أعتقد -إن شاء الله- أنكم لو حافظتم على هذه الندوة باستمرار كل جمعه واخترتم في كل جمعة موضوعاً علمياً، نريدها مواعظ عائمة، يبدأ الإخوة بدروس منهجية؛ يبدءون في العقيدة، ثم العبادة، ثم في السلوك والمعاملات، فإن الله ينور بصائركم ويربي أبناءكم على الخير؛ لأن أولادكم إذا دخلوا وسمعوا الدين حفتهم الملائكة، فالعلم في المساجد، علم المدارس والكليات والجامعات علم لكنه ليس فيه بركة؛ لأنه علم من أجل الشهادة، ولهذا الطالب يخرج من صالة الامتحان، وقد نسى ما حفظه، لكن العلم المبارك هو علم المساجد؛ لأنها مساجد وأماكن النور، والملائكة تحفكم، والله عز وجل يذكركم فيمن عنده، ويباهي بكم في الملأ الأعلى. أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل هذا الاجتماع اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، وألا يبقي فينا ولا فيكم شقياً ولا محروماً، وأن يجعلنا وإياكم من الشاكرين لنعمه المعترفين بها لله تبارك وتعالى، وأن يحفظنا وإياكم من كل سوء في الدنيا والآخرة، إنه على كل شيء قدير، والله أعلم.

المرأة والزواج

المرأة والزواج الزواج آية من آيات الله ونعمة من نعمه، ولذا فإن الزواج في الشريعة الإسلامية له أهداف ومقاصد نبيلة من أجلها: المحافظة على النوع الإنساني، وكذلك تكوين المجتمع المسلم من خلال تكوين الأسرة، وهو الحل الوحيد لعلاج كثير من القضايا الاجتماعية والأخلاقية والإنسانية، وحال المرأة في هذا كحال الرجل، فإن الزواج عصمة من الزلل، وباب من أبواب الخير المتمثلة في حسن التبعل للزوج، والصبر عليه وعلى تربية الأبناء الذين هم عماد مستقبل هذه الأمة.

الزواج آية من آيات الله ونعمة من نعمه

الزواج آية من آيات الله ونعمة من نعمه أيها الإخوة المؤمنون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله سبحانه وتعالى كما جمعنا في هذا المكان الطاهر، وفي هذه الليلة المباركة أن يجمعنا في جنات النعيم وآباءنا وأمهاتنا وأخواتنا وذرياتنا وأزواجنا وجميع المسلمين، إنه غفور رحيم، إنه أرحم الرحمين وأكرم الأكرمين. الزواج آية من آيات الله، ونعمة من نعم الله، جعله الله آية في معرض الاستدلال على عظمته، فاستشهد الله عز وجل على أن من آياته خلق السماوات والأرض، واختلاف الألسن والألوان، ثم قال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21] ونعمة من نعم الله سبحانه وتعالى إذ أن الإنسان لا يشعر بالسكن ولا بالاطمئنان ولا بالراحة إلا إذا حصل له هذا الأمر، ولهذا قال: {لِتَسْكُنُوا} [الروم:21] كأن الإنسان في قلق، وكأن الإنسان غير مرتاح، فإذا تزوج سكن {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:21] حث عليه الشرع، وأتى به لتحقيق هذا الأمر حتى تهدأ أرواحهم وتسكن قلوبهم. قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق على صحته: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للطرف، وأحصن للفرج) هنا أغض من أفعل التفضيل، وأحصن أيضاً أفعل التفضيل، أعظم ما يمكن أن تغض به طرفك، وأن تحصن به فرجك هو الزواج: (ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء) هكذا يقول معلم البشرية وطبيب الإنسانية صلوات الله وسلامه عليه، وهو يوجه الأمة إلى الدواء العملي الناجع، إذا لم يتمكن الإنسان من الزواج. وذكره الله عز وجل في معرض الامتنان على الأنبياء والرسل، قال: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38]، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أبرك هذه الأمة أكثرهم زواجاً، وكان من هديه صلى الله عليه وسلم الزواج، وكذلك هدي الأنبياء قبله، وهدي السلف من بعده، وبعض أهل العلم يوجبه على من يخشى على نفسه الفتنة، وبعضهم يجعله في مرتبة الاستحباب، ولم يرد أن أحداً رغب في تركه، أو حبذ التفرغ للدين والدعوة وتركه، فهو من الدين ومن الدعوة، بل إن أكثر ما يعينك على دينك، وعلى دعوتك إلى الله، وعلى الجهاد في سبيل الله الزوجة الصالحة؛ لأن فكرك ينحصر واهتماماتك كلها تتركز، وتبقى حاضر الذهن، حاضر الفكر، محصوراً في أعمال، لكن حينما لا تكون متزوجاً تتشتت بك الأفكار، وتذهب بك الهواجس، ويحصل للإنسان تعبٌ قد لا يتحقق معه نفعٌ في دينه ولا في دنياه.

حكم الزواج وأهدافه

حكم الزواج وأهدافه وقد شرع الله عز وجل الزواج لحكم ولأهداف ولغايات نبيلة، تغيب عن أذهان كثيرٍ من الناس، بعض الناس بحكم جهله لا يفهم من مشروعية الزواج إلا الجنس فقط، وهذا ليس هدفاً وليس من أغراض الزواج الجنس؛ الجنس وسيلة حتى يحصل اللقاء بينهما في النقطة الشرعية التي أباحها الإسلام وهي الزواج، وإذا حصل اللقاء تحققت تلك المصالح وتلك الغايات وتلك الأهداف النبيلة.

المحافظة على النوع الإنساني

المحافظة على النوع الإنساني نفس العملية الجنسية فليست هدفاً في حد ذاته، ولكنها وسيلة تؤدي إلى الوصول إلى الغايات والأهداف التي شرعها الإسلام. ومن هذه الحكم التي شرع الله عز وجل الزواج من أجلها: المحافظة على النوع الإنساني، فإن الله عز وجل خلق السماوات والأرض، واقتضت حكمته سبحانه أن يخلق هذا الإنسان من أجل أن يعبده في هذه الأرض، فهذه حكمة، ولو أن الله عز وجل لم يجعل عند الرجل رغبة في المرأة، ولم يجعل عند المرأة رغبة في الرجل لانقرض الجنس البشري، وخلت الحياة من الناس وما بقي فيها أحد، ولكن الله عز وجل ركب هذا الميل ليبقى سلالة البشر يتناسلون، ثم جعل لهذا الميل نتائج وآثاراً ومسئوليات. وإذا تم اللقاء بين الرجل والأنثى في غير الزواج ضاعت تلك الآثار، ومن آثار اللقاء أن يحصل الولد وأن تحمل الأم، لكن إذا حملت الأم من غير زوج فمن يقوم برعاية هذا الولد؟ الذي زنا؟ لا. فإنه يتخلى لعدم ثقته أولاً بأن هذا الولد له؛ لأنه يعتقد أن هذه الزانية التي مكنته من نفسها ستمكن غيره، وبالتالي فليس على يقين أن الولد له. ثانياً: حتى ولو كان على يقين أنه له فيعرف أنه جاء من طريق حرام، فيقول: لماذا آخذه وأربيه وهو حرام في حرام، هي التي تتحمل، فينسلخ منها ويتخلى عنها، وتبقى هي في الميدان لوحدها تعاني من آثار الحمل، وقد ترتكب جرائم في التخلص منه، إما عن طريق الإجهاض، أو عن طريق قتله بعد أن يأتي، أو عن طريق إلقائه أي: تضعه في طريق عام، أو عند حديقة، أو في مسجد، أو في صندوق النفايات كما سمعتم في العام الماضي يضعونه في صندوق النفايات، جريمة أعظم من جريمة الزنا، وقد تحمل الولد فتبقيه معها فتجد ألماً ومعاناةً وحسرة كلما نظرت إليه؛ لأنه يذكرها بجريمتها، وينشأ هذا الولد المسكين في معاناة وفي تعب، ليس له ذنب هو أصلاً، الذنب والمسئولية للزاني والزانية، أما هذا فلا يحمل مسئوليته؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164] هل له علاقة في الموضوع؟ لا. ولذا لا يؤاخذه الله عز وجل على مسألة مجيئه، يؤاخذه الله على سلوكه، إذا بلغ سن التكليف، فإذا التزم بدين الله، وتمسك بطاعة الله، كان من أهل الطاعة ومن أهل العمل الصالح. وإذا بلغ سن التكليف وانحرف عن منهج الله آخذه الله على انحرافه هو، لكن غالب من ينشأ من هذه الطريق يكون مصيره الانحراف؛ نظراً لفقدان التربية، وانعدام الجو الإيماني الذي يعيش فيه؛ ولأنه يعيش بدون إشراف وبدون توجيه وبدون تربية، وربما تلقفته الأيدي القذرة الملوثة فطبعته على طبع سيئ، وأحياناً ينشأ نشأةً طيبة فيهديه الله سبحانه وتعالى ولا ذنب له في جريمة والديه، أو الزاني والزانية. فبقاء النوع البشري هدف من أهداف الزواج؛ لأنه قد يأتي واحد ويقول: الجنس البشري يبقى عن طريق الزنا، يبقى لكن تبقى حياة فوضوية، ولهذا جميع الأمم وعبر مدار التاريخ تعارفوا على الزواج، حتى في الجاهلية كان يوجد زواج، والآن في الدول الكافرة يوجد زواج، تجد عند اليهود، وعند النصارى، وعند المجوس، وعند الهندوس، كل واحد يشعر بأن يكون له زوجة خاصة به لأنها فطرة؛ لكي يربي ولداً له.

الاستمتاع بالحياة عن طريق إنجاب الأولاد

الاستمتاع بالحياة عن طريق إنجاب الأولاد من أهداف الزواج: الاستمتاع بالحياة عن طريق الأولاد، لأن الله يقول: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:46] فواحد عنده مال لكن ما عنده أولاد، عنده نصف الزينة، ولذا يشعر بالألم، ويشعر بالحرمان، ويتمنى أن يكون له ولد، وقد كنت أعظ أحد الإخوة الذين ابتلوا بعدم الولد، ليس عنده ذرية، فوجدته في حالة نفسية صعبة، وقلت له: يا أخي! لا تكره أمر الله سبحانه وتعالى، فربما يكون في ذلك خير، فإن الله سبحانه وتعالى أعلم بما يصلحك، يقول: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً} [الشورى:49 - 50] لماذا؟ {إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى:50] فما تدري ما هو الخير لك؟ يمكن لو عندك أولاد لكانت حالتك أسوأ. فقال لي: يا شيخ سعيد! أنا أعرف هذا، يقول: أنا أعرف أن الله اختار لي إن شاء الله الخير، لكن أنت لا تحس بما أحس به. قلت: وما الذي تحس به؟ قال: أحس بألم شديد من السكون الذي يسيطر على البيت، يقول: أدخل البيت وإذا به كأنه مقبرة، نحن الذين عندنا أولاد نحس بتعب من الغلبة التي نشعر بها في البيت، عندما يدخل الواحد منا ويبدأ هذا يصيح، وهذا ينط، وهذا يرجم، وهذا يفتح، يقول: اسكتوا اسكتوا، والرجل يشكو من الحرمان ومن السكون الذي يحول البيت عنده إلى مقبرة، أنت لا تعرف نعمة الأولاد إلا إذا فقدتهم، ولهذا جعلهم الله زينة، زينة للأب وزينة للأم. قد لا تتوفر هذه الزينة في أي شيء، ولهذا الأوربيون لما افتقدوا هذه النعمة في الأولاد نظراً لتقطع العلاقات الاجتماعية اضطروا أن يحققوها عن طريق تربية الكلاب، فتجد الواحد منهم عنده كلب يأكل معه على السفرة، ويحتضنه، والمرأة تأخذ الكلب وتذهب به، وتداعبه، لماذا؟ (لأن الطيور على أشكالها تقع) ولأنهم ما وجدوا ما يلبي الاحتياج الفطري في نفوسهم وفي أولادهم الذين لا يضمنون أنهم أولادهم أصلاً، وبالتالي بحثوا عما يلبي لهم ذلك في الكلاب.

حماية المجتمع من التحلل والانسلاخ من القيم

حماية المجتمع من التحلل والانسلاخ من القيم وأيضاً من أهداف الزواج في المجتمع المسلم: حماية المجتمع من التحلل والانسلاخ من القيم؛ فإن أغلى ما يملكه المسلم بعد عقيدته ودينه هو عرضه، والعرض غالٍ عند المسلم، يقول: أصون عرضي بمالي لا أدنسه لا بارك الله بعد العرض في المالِ العرض غالٍ، وهو يمثل تاجاً على رأس المسلم، وهو تاج من زجاج يكسره أقل شيء، ولذا يود المسلم أن يدفن وأن يموت ولا يدور حول عرضه كلام، بل يود أن يبلغه أن ابنته أو أخته ماتت ولا يبلغه أن ابنته أو أخته انحرفت أو زنت -والعياذ بالله- فالمجتمع عن طريق الزواج يحصل له حماية، لماذا؟ لأن الغريزة الجنسية الفطرية في النفس تحققت بالطريق الصحيح وهو الحلال، لكن حينما نسد أبواب الحلال وهو الزواج فإنها تفتح أبواب الحرام قسراً؛ لأن الإنسان لا يستطيع أن يلغي سنة الله بقرار من عنده، ويقول: لا. يا بنت لا تتزوجي، وأنت يا ولد لا تتزوج، انتبهوا، لا يمكن هذا الكلام، لا سيما في هذا الزمان، زمن الفتن، وزمن الإثارة، فإن كل ما حول البنت أو الولد يعمل على إثارتها، وهي ليست بحاجة إلى إثارة، وهو ليس بحاجة إلى إثارة، الغرائز الموجودة تحتاج إلى تقييد وكبت وتضييق، حتى جاء الأمر بالصيام لمن لم يستطع الزواج، لماذا؟ لتضييق مجاري الشيطان الذي يجري مع حركة الدم في الجسم، فإذا جئت تشعلها وهي أيضاً مشتعلة بطبيعتها حصل الحريق في حياة الإنسان، فيحمى المجتمع بالزواج.

التعاون على تكوين الأسرة

التعاون على تكوين الأسرة من أهدافه أيضاً: التعاون على تكوين الأسرة، فإن الأسرة هي اللبنة الأولى في المجتمع، وهي مكونة من الأم والأب والأولاد، ولكن إذا لم يوجد زوج، وجاء للمرأة ولد من الحرام، فمن يقوم بهذا الدور في الأسرة؟ ليس هناك أحد، فهي تقول: لماذا أتحمل هذا ولا يوجد أحد، تضطر أن تتخلص منه أو تقتله كما سمعنا. لكن حينما تعرف أنه ولد شرعي، وذاك الأب يعرف أنه ولد شرعي، ويحقق لهم المطلب النفسي من حيث الزينة في الحياة، في العمل أنت متعب مرهق في غاية الإرهاق والإجهاد، فما إن تدخل البيت وتجد طفلاً من أطفالك يقبل عليك فتحمله وتضمه إلا وأذهب الله عنك ما تشعر به من التعب، هذه نعمة أم لا؟ نعمة من أجلِّ النعم.

تربية الأولاد

تربية الأولاد أيضاً من أهدافه: تربية الأولاد، فإن تربيتهم ينال عليها الإنسان ثواباً عند الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، كونك قمت بتوجيه هذا الولد: علمته الإسلام، وربيته على الإيمان، وأخذته إلى ساحل النجاة عن طريق الأخلاق الإسلامية، والمبادئ الإسلامية، والعقيدة الإسلامية، وعلمته كل شيء طيب، وحذرته من كل شيء سيئ، يأتي هذا الولد في ميزانك يوم القيامة، وتبعث يوم القيامة مبعث الأنبياء؛ لأن الله هدى على يديك ولدك، والله يقول: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [لنجم:39] قال العلماء: الولد من سعي أبيه، وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث منها: ولد صالح) وليس كل ولد، فقد تترك أولاداً يدعون لك لكن ليسوا على صلاح، ما يقبل الله دعاءهم، لا بد أن يكون الولد صالحاً، إن الله لا يقبل شفاعة السيئ، بل ولد صالح يدعو لك ويكون لك أنت أثر في تربيته فيدعو لك وأنت في قبرك فتأتيك الحسنات، كل يوم في سجوده: رب ارحمهما كما ربياني صغيراً. اللهم اغفر لي ولوالدي؛ في كل صلاة، وقد أمر الله عز وجل بذلك قال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} [الإسراء:23] عندك: أصبحوا عندك، فأنت كنت عندهم عندما كنت صغيراً، واليوم كبروا وأصبحوا عندك {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء:24] ثم مهما عملت فلن تكافئهم فماذا تعمل؟ {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء:24] وهذا لا يأتي إلا عن طريق الأولاد، من أين تأتيك حسنات إذا مت؟ قد لا يكون لك مال، وقد لا يكون عندك علم تخلفه، ولكن يكون عندك أولاد صالحون فيدعون لك بعد وفاتك، ويبقى الخير لا ينقطع يصلك على الدوام حتى إذا جاء لهم أولاد وقال: اللهم اغفر لنا ولآبائنا يأتيك وأنت جد، ويأتيك وأنت أبو الجد إلخ؛ لأنك أساس، وسبب في هذا الخير العظيم.

خطورة عزوف الناس عن الزواج

خطورة عزوف الناس عن الزواج

خطورة دينية

خطورة دينية هناك خطورة -أيها الإخوة- بالغة تحصل حينما يعزف الناس عن الزواج، خطورة دينية؛ لأن الإنسان سيبقى مثل البعير، والزوجة القيد له، إذا هاج البعير ماذا يعملون فيه؟ يقيدونه، هائج أو ليس بهائج فالقيد في رجله، كذلك الرجل مثل الجمل الهائج، إذا لم يقيد يهيج ويؤذي ويبطش، ويعتدي، ويفعل حركات، ولا يستطيع أحد أن يرده، لكن إذا وضعت القيد في رجله توقف، كذلك الزواج للرجل كالقيد للجمل، واحد من الإخوة يقول: عانى من أولاده وهم يرفضون المكث في البيت -وهم طيبون- لكن اجلس يا ولد. قالوا: لا نقدر على الجلوس نريد أن نخرج نحن رجال. أنتم رجال ولكن اجلسوا في البيت، لا تخرجوا والخروج ليس حسناً، وقد يعرضكم للشر ويعرضكم للحوادث المرورية ويعرضكم لرفقة السوء، أخشى عليكم يا أولادي، هل شبعتم الآن؟ اجلسوا في البيت اقرءوا الكتب ناموا، يقول: فيجلسون بتعب، وبمعاناة، وأحياناً إذا شعروا أني رقدت خرجوا، يقول: فزوجت الأول والثاني منهم، يقول: ومنذ أن زوجتهم فإذا بهم يرقدون من العصر، ليس من المغرب، يصلي العصر ويدخل غرفته، ماذا بك يا ولد؟ قال: تعبان، وهو ليس تعبان، وبعد المغرب في الغرفة، نقول: يا ولد تعال اجلس معنا قال: لا. تعبان، بعد العشاء في الغرفة، فأقول: جالس هو وزوجته. هذه نعمة من نعم الله، فهذا العزوف عن الزواج يؤدي إلى خطورة، خطورة أول شيء دينية في أن هذا الشاب الذي ما تزوج مهما كانت ديانته، ومهما كانت رصيده من التقوى إلا أنه يمكن أن يقع؛ نظراً لوجود الدافع القوي وهي الغريزة الجنسية، فما تستطيع أن تضمن إلا بالزواج، فإنه أغض للطرف، وأحصن للفرج. وأيضاً مظاهر خلقية فإن الإنسان إذا تزوج هدأت نفسيته، وحسنت أخلاقه، وشعر بمسئوليته، وأدرك دوره في الحياة، كذلك البنت وحدها في البيت تحس؛ لكن عندما تذهب زوجة وتضع نفسها في موضع المسئولية، وتعرف دورها، فيحصل من شعورها بدورها استقامة الناس، واستقامة أخلاق الناس.

خطورة صحية

خطورة صحية وأيضاً خطورة صحية، فإن الذي لا يتزوج قد يفعل المنكر؛ فيقع في جريمة الزنا، أو جريمة اللواط، ويترتب على هذا -والعياذ بالله- انتشار الأمراض، وشيوع الفاحشة، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي في السنن يقول: (خمس بخمس وأعوذ بالله أن تدركوهن، ذكر منها: وما فشت الفاحشة في قوم حتى أعلنوها أو استعلنوا بها إلا ابتلاهم الله بالأمراض والأوجاع التي لم تكن فيمن قبلهم) وهذا ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وتحقق في هذا الزمن، فرغم كثرة الوعي الصحي، ووسائل النظافة، وكثرة المستشفيات، ومعرفة الناس للطب وأصوله، ومع هذا لما فشت الفاحشة وانتشرت في بعض البلدان، سلط الله عليهم الأمراض، وفي بلد أوروبي اسمه السويد، وهو بلد الإباحية الأول في العالم، وفيه أكبر عدد من المصابين بمرض الإيدز؛ مرض الإيدز يأتي عن طريق العلاقات المحرمة، وهو فقدان المناعة؛ لأن الله سبحانه وتعالى جعل في جسم الإنسان قدرة على مقاومة الجراثيم والأجسام الغريبة وتسمى المناعة، أي شيء يأتي الجسم يصدر أوامر لنوع من الكريات اسمها: كريات الدم البيضاء في الجسم تقتل أي جرثومة أو أي شيء يأتي، هذا الإيدز يأكل هذه الكريات ويقضي عليها، فيبقى الإنسان بدون مناعة وأقل نزلة برد تقتله، هذا المرض سلطه الله عز وجل في هذا الزمان بعد شيوع الفواحش، حتى نادى وزير الصحة عندهم ورئيس الصليب الأحمر عندهم يقول: إن علينا أن نعيد النظر في علاقاتنا الجنسية، بحيث نخصص لكل رجل امرأة واحدة، يعني: الإسلام. والهربز، والسيلان، والزهري، كل هذه الأمراض الخطيرة التي تأتي عن طريق انتشار الفواحش، وعدم وجود الزواج.

خطورة اجتماعية

خطورة اجتماعية وأيضاً هناك خطورة اجتماعية؛ لأن المجتمع يتكون من هذه الأسر، فإذا انقرضت هذه الأسر وبقي الواحد أعزب لا يتزوج؛ تحللت هذه الروابط الاجتماعية بين الناس، ولم يعد الناس يثق بعضهم ببعض، ولهذا معروف عندنا الآن عندما تأتي مثلاً في حي أهل الحي يقولون: لا نريد أن يسكن عندنا عزاب، لماذا؟ لأنهم يخافون، لكن عندما يأتي أمامك شخص وعنده زوجة، أنت ساكن في عمارة وفي شقة وهو في الشقة الأخرى ولكنك آمن لماذا؟ لأنك تحس أنه يعاني؛ لأنه يحمي عرضه ويحمي عرضك، ولا يمكن أن يمد عينه على عرضك؛ لأنه هو صاحب العرض، يخشى أن يعامل بنفس الأسلوب، لكن لو سكن فيها شخص أعزب لا يعرف قيمة العرض فإنك لا تطمئن إليه، بل تخاف منه، وتشتكي، فإما أن ينقل هو أو تنقل أنت، وهكذا فهذه خطورة وهذه أشياء تحدث عند الإعراض عن الزواج.

عقبات في طريق الزواج

عقبات في طريق الزواج هناك عقبات جعلها الناس في سبيل الزواج، ما أنزل الله بها من سلطان، وهذه العقبات أدت أيها الإخوة! إلى كوارث وإلى مصائب، وما يحدث أو ما تسمعون به أحياناً ويطفو على السطح، وما هو موجود ولا يطفو على السطح كله بسبب وجود هذه العقبات.

غلاء المهور

غلاء المهور أول عقبة: غلاء المهور. فإن الله سبحانه وتعالى شرع الزواج وجعل المهر تطييباً لخاطر المرأة وليس بيعاً وشراء، ثم إن المهر للمرأة ليس للولي، يقول الله: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء:4] أي: عطية من الله، فأمر الله الأولياء والأزواج بأن يؤتوا النساء صدقاتهن، يعني: مهورهن فلا يجوز للأب أن يأخذ المهر، فالمهر للبنت، لماذا تأخذه أنت؟ من الذي تزوج بك حتى تأخذ ستين أو سبعين ألفاً أو مائة ألف؟ بعضهم يقول: أنا تعبت عليها! تعبت عليها؟!! وهل هي سلعة؟ تكدها تكدها حتى تطلع رأس المال منها والتعب؟! هذه فلذة كبدك، هذه قطعة منك هذه جزء منك يجب أن تسعى في سعادتها، أما أن ترهنها وتحبسها حتى تأتي عندك بأعلى ثمن، ولهذا بعضهم إذا أتى يخطب قال: والله قد جاءنا من يدفع: مائة ألف، فهل عندك أكثر؟ فنزلها في (الحرج) تحت الميكرفون!! هل هي سيارة؟ أم قطعة أرض؟ ومن زاد شرى، لا يا أخي الكريم! المغالاة في المهور أدت إلى عزوف الشباب عن الزواج، وركود البنات في البيوت، وقام الشيطان يعمل عمله، واستغل هذا الخطأ من أجل فتح أبواب الشر التي فتحها الآباء وفتحتها أيضاً الأمهات، وفتحها أحياناً البنات، وأحياناً الأولاد، وسوف نعرض كل هؤلاء. يقول عليه الصلاة والسلام: (أكثرهن بركة أيسرهن مهراً) ولو كان المهر وزيادته مكرمة في الدنيا أو أجراً في الآخرة لسبق إليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن كان مهر بنات النبي صلى الله عليه وسلم يسيراً، وكان يعقد صلى الله عليه وسلم على خاتم من حديد، وزوج بعض أصحابه من بعض بسورة من القرآن، وتزوجت واحدة من الصحابيات زوجاً بإسلام زوجها، عندما أتى يخطب قالت: أنت رجل كافر ولا يحل لي أن أنكحك، قال: أرأيتِ إذا أسلمت تقبليني؟ قالت: نعم. فكان هذا أعظم مهر في التاريخ أن قبلته وقبلت من مهرها أن يكون مسلماً في دين الله سبحانه وتعالى. فالمغالاة في المهور مرفوضة من الناحية الشرعية، وتؤدي إلى كوارث، وليس في مهر البنت بركة، فإذا أخذت مهر البنت فقد أخذت ما ليس لك، فهو ممحوق البركة، ولكن يسر ييسر الله عليك، وفي نفس الوقت تستقيم حياة البنت؛ لأن الزوج الذي يعرف أن هذه البنت سببت له هذه المشاكل، وأرهقت كاهله بهذه الديون، وأوقعته بهذه المآسي، فبعض الأزواج لا يفكر فيذهب ويشتري سيارة أو سيارتين أو ثلاثاً، ويقع في الديون، فإذا تزوج وبعد أسبوعين أو ثلاثة إذا بهذا يطلب، وهذا يشط، وهذا يمط، وهذا يدعي، والحقوق تستدعي، تذكر من الذي عمل له المشكلة؟ البنت، نعم. البنت هي نكبتي، وسأنتقم منها، ويبدأ يتعامل معها بسوء، ويقلب لها ظهر المجن، لماذا؟ لأنها كانت سبب نكبته، كل هذا بسبب المغالاة في المهور، لكن يوم يشعر بأنها جاءته بيسر ولم تكلف عليه يكرمها ويكرم أباها الذي أعانه على الزواج ولم يبالغ ولم يغال.

المبالغة في طريقة الزواج وتكاليفه

المبالغة في طريقة الزواج وتكاليفه وأيضاً من العقبات: المبالغة في طريقة الزواج وتكاليفه، فجعل بعض الناس منه مشكلة المشاكل، يعني: ما تدخل هذه المرأة على هذا الزوج إلا وقد (طلعت روحه) المفروض أن الزواج يتم بيسر، بمجرد أن عرفت أن عند فلان بنتاً، وسألت عن دينها وعن دينه، تذهب وتتكلم معه مباشرة، وهو إذا سأل عنك ورضيك زوجاً لبنته ففي نفس اللحظة يقول: تعالي يا بنت، انظري هذا، أتريدينه؟ وأنت انظر إليها هل تريدها؟ ثم إذا حصلت الموافقة من الطرفين انتهى، متى تريد يا ولد؟ بكرة؟ تفضل بكرة تعال إن شاء الله، أحضر معك أباك، وأحضر معك اثنين أو ثلاثة من أقاربك ونحن عندنا جيراننا سوف ندعوهم، ونشترك في وليمة واحدة (شاة فقط) ونذبح هذه الشاة ونعلن النكاح على مستوى الأسرة والجيران والأقارب، وتفضل بعد العشاء تعش وخذ امرأتك واذهب، وانتهت المسألة. لماذا نقيم الدنيا ولا نقعدها في الزواج؟ أول شيء عند الناس الآن عزيمة في الخطبة، إذا أتى يخطب قال: لا تأتني لوحدك لا تأتني إلا أنت وأبوك وجماعتك لأجل الناس يرون الرجال، وذهب فجمع ثلاثين أو أربعين رجلاً، ثم ذبح ثلاثة أو أربعة خرفان، هذا فقط في الخطبة. وبعد الخطبة جاءوا يسألون، قالوا: نريد العقد، قال: العقد في العطلة، وجاء العقد قال: أحضر معك رجالاً ولا تأت لوحدك، وأتى له بثلاثين أو أربعين رجلاً، وخمسة أو أربعة خرفان، ثم الزواج، قال: الزواج نريده في قصر أفراح، أو نريده في فندق ضخم (خمسة نجوم) لماذا؟ قالوا: لأن بنت فلان فعلت كذا، فلابد أن نفعل هكذا، ونريد (شرعة) غالية لا نريد من هذه الرخيصة أو تستأجرها، نريد واحدة جديدة وغالية، بعشرين أو بثلاثين أو بخمسين ألف (بعض الشرع) هذه (الشرعة) التي شرعها الشيطان وما أنزل الله بها من سلطان، ثم نريد أيضاً مغنية، فلا بد أن تأتي لنا بمطربة، وأيضاً نريد للرجال مطرباً، ونريد لهم شعراء، ونريد (دقاقين ومزلفين) وكم تذبح وكم سوف تحضر؟ قال: سوف أحضر جماعتي كلهم؛ لأنه مسكين هذا المتزوج قد انقطع ظهره من هذه التكاليف، فيريد جماعته يفزعون، فيطبع (2000) كرت، قال: لعل يأتي منهم ولو ألف، قال: سوف أحضر جماعتي كلهم، وهذا يقول: ما دام سيحضرون كلهم وأنا سوف أعزم جماعتي كلهم، كم خروفاً سيبقى لنا؟ خمسون أو ستون؟ وفي إحدى المناسبات في الطائف ذبحوا مائة وثلاثين ذبيحة، ما ترك في السوق تيساً ولا خروفاً، ذبحها كلها، من أجل هذه البنت وهذا الولد، لماذا؟ لماذا تحدث أزمة على الناس؟ لماذا تضيق على المسلمين في مآكلهم ومشاربهم؟ ثم لما غلقوا الأكل طبعاً مائة وثلاثين ذبيحة كل ذبيحة على أربعة صحون؛ يعني ستمائة صحن أو أكثر، وقسمت في محلات أكل الناس يقول شخص من الذين حضروا: والله بعض الصحون ما عليها إلا واحد، ويقول: ولما انتهى الناس وخرجوا والصحون كثيرة يقول: جاءت (القلابيات) وحملوا اللحم والرز، وكانت (القلابيات) تدوس الصحون -صحون الرز والفواكه والخضروات ويرمى به في النفايات؟ أهذا يرضي الله سبحانه وتعالى يا إخوان؟؟ ومن أين هذه كلها؟ من ظهر المسكين، تحسب أنه سوف يدفع أبوه؟! لا. قد أخذ حقه وهو في الرصيد، لكن ادفع، وإلا والله ما تخرج عليك، ولهذا يقولون: (العرس نزعة ضرس). صدقوا، لكن عند من لا يقيم هذه الآداب الشرعية، أما المؤمن فلا. وأخبرني من أثق فيه من المشايخ في الرياض عن رجل صالح، عنده ثلاث بنات رباهن تربية إيمانية وعلمهن، ثم أيضاً توظفن، فقال لهن: هل تردن الزواج الآن؟ قلن: الذي يأتيك يا أبانا هو يأتي لنا، فذهب إلى المسجد وتعرف على ثلاثة شباب في المسجد، واختارهم من المسجد، أخذ واحداً منهم وقال له: تعال! تريد أن تتزوج؟ قال: نعم والله أريد ذلك، قال: أنا عندي بنت تصلح لك، وأنا والله من حبك اخترتك لها، تعال انظر إليها، أخذه معه بعد المغرب وأدخله عليها، قال لها: موافقة؟ قالت: موافقة، وأنت موافق؟ قال: موافق، قال: الخبر عندك انتظر حتى يأتيك مني خبر ثانٍ، وأتى بالثاني في الليلة الثانية، وأتى بالثالث في الليلة الثالثة، انتهى، الثلاثة كلهم وافقوا، ثم قال لكل واحد منهم: تأتيني أنت وأبوك وثلاثة أو أربعة من جماعتك في ليلة الخميس، ووعدهم كلهم في ليلة واحدة، الثلاثة الأزواج في ليلة واحدة، وذبح خروفاً واحداً، وقسمه على صحنين، ودعا أخاه وأولاده وجيرانه، ثم بعد المغرب وإذا بهم يأتون، تجمعوا حوله يمكن ما يتجاوزون (30) نفراً على الذبيحة، وبعد ما تعشوا جاء كاتب العقد وعقد للأول بـ (100) ريال، وللثاني بـ (100) ريال، وللثالث بـ (100) ريال، وأخذ الـ (300) ووضعها في جيبه، ثم قالوا له: متى الموعد؟ قال: كل شيء يتم الليلة، يا فلان! أخذ الكبير منهم على الزوجة الكبيرة، قال: نعم. قال: تفضل قرب سيارتك فزوجتك حاضرة، وذهب ودعا زوجته تركب معه، قال: اذهبوا في الفندق ناموا هناك، وفي الصباح تأتونا لطعام الإفطار، وإن أردتم أن تفطروا في الفندق فتعالوا نتغدى، وقال للثاني مثل ذلك، والثالث مثل ذلك، وذهب، وفي الصباح ما أتوا طبعاً، وأتوا في الظهر يتغدون وكانت حياتهم من أسعد الحياة، ولا تعب ولا أتعب نفسه. بعض الآباء ما يزوج بنته حتى يمرض من التعب، من حمل الخيام والكراسي، والذبائح، والعزائم والكروت، ثم أخذوا بنته وخلوه لحاله، وتذهب المرأة تلك، بعض النساء تلحق بنتها ويقعد في الليل لوحده، يرتب الأمور التي قد خربوها في هذا الزواج، لا يا أخي الكريم! ما ينبغي هذا كله، المبالغات هذه كلها ما أنزل الله بها من سلطان، وبعضها حرام، جلب المغنيات، والسهر إلى آخر الليل، وإيذاء المسلمين، هذا محرم، أباح الشرع وسيلة من وسائل الإعلان للنكاح وهي الدف، والدف إطار مثل المنخل على وجهه جلد والوجه الثاني فارغ، تضربه الأمة ولا تضربه الحرة، وعلى غير إيقاع، ليس على أنغام ولكن ضربات فقط طخ طخ طخ، من أجل لو سمع الناس هذا الضرب قالوا: ما هذا؟ قالوا: فلان تزوج، ولهذا قال: (أعلنوا النكاح، واضربوا عليه بالدف) يعني للإعلان، مثل الجرس عندك في البيت الذي على الباب، أنت وضعت الجرس عندك لماذا؟ للإعلام أن هناك شخصاً يدق عليك، لكن إذا أتى واحد وقام يدق في الجرس بكثرة، تنزل عليه وتقول: تلعب أنت أم تدق جرساً؟ فنفس الشيء، الدف أبيح للإعلان للنكاح وليس للعب والرقص. حتى قال العلماء: لا تضربه حرة، ولا يرافقه صوت، وإنما ضربات وإذا غنى الجواري الصغار بأبيات من الشعر فلا بأس، مثلما قال النبي صلى الله عليه وسلم: أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم ولولا الحنطة السمراء لم نسكن بواديكم. أما الآن عود وكمنجة، وناي ومغنية، وكلام ساقط، وسهرات وأفلام وتسجيل وفيديو، ماذا بقي يا إخوان! أين أمة الإسلام، هذا لا يليق بنا نحن أمة الإسلام يا إخوان! نحن أصحاب رسالة، نحن أصحاب عقيدة، نحن خير أمة أخرجت للناس، فلماذا نتبع ونكون ذليلين، كلما عمل الكفار والغرب نعمل، نحن أمة رائدة، أمة قائدة، الأمم تبع لنا ولسنا ذيولاً للأمم الأخرى.

اعتبار الدراسة والطلب عائقا في طريق الزواج

اعتبار الدراسة والطلب عائقاً في طريق الزواج ومن العوائق التي جعلها الآباء في سبيل الزواج: عائق الدراسة بالنسبة للشباب وبالنسبة للبنات، الولد يقول: أنا أريد أن أتزوج، قال: والله ما تتزوج حتى تتخرج من الكلية، لماذا؟ قال: تعتمد على نفسك، سبحان الله! ما تريد أن يكون لك فضل على ولدك، حسناً وإذا اعتمد على نفسه وتزوج، ما تريده يطيعك؟ لأنه يعتبرك أجنبي، جعلته يتزوج من حقه، وإذا قلت له: تعال، يقول: اذهب ما أعطيتني شيئاً، أنا الذي زوجت نفسي، لكن عندما تزوج ولدك من حقك؛ لأن هذا الحق الذي ما تريد أن تزوجه منه سيكون له أصلاً إذا مت؟ يأخذه الولد، يقول: يا ليتني تجملت، وبعضهم لا يقول: رحمه الله، لكن لما تشعر ولدك بأن فضلك لا يزال عليه بأن تزوجه من حقك، فتجعله غصباً عنه يطيع ويبقى حولك؛ لأنه يشعر بأنه محتاج لك، فزوجه منذ أن يطلب الزواج، ولا تجعل الدراسة عائقاً، بل مساعد على الدراسة، الولد لما يدخل الثانوية أو الجامعة يدخل البيت ويجد زوجته أمامه تأتي له بالشاي، وترتب له كتبه، ويأتي يذاكر، ما رأيكم في ذهنه كيف، صافٍ أو مشغول؟ صافٍ (100%)، يقرأ الحرف فيرسخ كل ما يقرأ ويهضم بسهولة؛ لأن ذهنه موجود، ولكن إذا دخل الغرفة وهي مبعثرة: كتاب هنا، وبراد هناك، وفنجان هنا، وشراب هناك، ومخدة هنا، وإذا دخل يريد يذاكر كيف يذاكر؟ من يوم يريد يذاكر جاء في ذهنه وجاءه الشيطان وسمع صوت، ورأى صورة، انتهى ما عاد يستطيع أن يذاكر، ولهذا أكثرهم فاشلون، وقد أثبتت دراسة أن أكثر الشباب الناجحين والمتفوقين متزوجون، وكذلك البنت لا يمنعها الزواج عن الدراسة، بل الزواج خير معين لها على الدراسة، فعائق الدراسة مرفوض، زوج ولدك وزوج ابنتك بمجرد النضج.

عائق الوظيفة بالنسبة للبنات

عائق الوظيفة بالنسبة للبنات وأيضاً عائق آخر: وهو عائق الوظيفة، وهذا عند البنات، فإن الأب إذا توظفت ابنته واستلم راتبها أول شهر وثاني شهر وثالث شهر وذاق طعم المال منها صرف الزواج عنها، لماذا؟ قال: لقد تعبنا عليها، كأنها سيارة يريد أن يكسب قيمتها من ظهرها، لا. هذه ليست وسيلة كد، وكذلك لا تمارس معها تجارة، فلا يجوز أن تؤخرها بعائق الوظيفة، بل عليك أن تزوجها وتسعدها، ولا تأخذ من راتبها شيئاً، بل تعطيها إذا أغناك الله، وإذا كنت محتاجاً وفقيراً فهي من نفسها لن ترضى أن تستلم راتبها وتتركك، لكن بعض الآباء غني ويقول: حطوا لي من الراتب نصفه، أريد نصف راتب بنتي هنا، لماذا؟ قال: هكذا، فلا يحفظه لها وإنما يضعه لإخوانها، وهذا لا يجوز: (أنت ومالك لأبيك) أي: إذا احتجت أنت إلى شيء من مال ولدك فلا بأس، أما أن تأخذ مال ولدك لتعطي إخوانه، وتضيفه إلى رصيدك من أجل أن يوزع ماله ومالك إذا مت على إخوانه، هذا لا يجوز، ليس لإخوانه حق في ماله، إلا إذا توفي هو وليس له أولاد، فالرجل يريد حقه، وهذه البنت تريد حقها أيضاً، فلا يجوز لك أن تأخذ شيئاً من حقها، إلا إذا كنت محتاجاً أو أردت أن تحفظه لها، بشرط: ألا تضيق عليها؛ لأن بعض الآباء يضيق عليها في حفظ مالها وهي تحتاجه، تقول: أريد حقي يا أبي! ثم إن بعض النساء إذا تزوجت، ووثقت بزوجها، واطمأنت إليه، وصار عندها ذرية وأولاد لا تمسك شيئاً؛ لأنها ماذا تريد بالمال إذا كان أبوها قد أخذ المال، تريد أن تبرهن لزوجها أنها تحبه، وأنها تثق فيه، وأنها لا تدخر مالاً عليه حتى تضمن ولاءه، وتضمن محبته، واستمرار العيش معه؛ لأن بعض الأزواج إذا رأى امرأته لا تعطيه مالاً وراتبها وراء ظهرها، قال: هذه لا تثق بي، وبالتالي لا يكون سعيداً بها حتى يبحث عن أخرى ويتزوج غيرها، فلماذا تنكد على ابنتك أيها الإنسان؟ لا تجعل الوظيفة والراتب عائقاً عن الزواج.

الاشتراطات الخيالية والمثالية

الاشتراطات الخيالية والمثالية وأيضاً من العوائق التي توجد في الزواج: الاشتراطات الخيالية والمثالية، بعض الشباب إذا أراد أن يتزوج يريد امرأة مفصلة، يقول: لا أقبل أن أتزوج إلا بواحدة طولها كذا وكذا، وعرضها كذا وكذا، ووزنها كذا وكذا، وعيونها كذا وكذا، وشعرها طوله كذا وكذا، عجيب!! اذهب إلى (الورشة) وفصل لك واحدة! من أين نأتي لك بامرأة مفصلة؟! من تظن نفسك؟ بعض الناس تجده يطلب شروطاً خيالية وليست متوفرة فيه، هو نفسه ليس جميلاً ويقول: أطلب واحدة (حدها وردها) لا. يا أخي الكريم! القضية قضية نسبية، والمسألة مسألة دين وأمانة، فإذا وجدت صاحبة الدين فاظفر بها تربت يداك، وإذا الله رزقك بصاحبة دين وجمال ومال وحسب فهذه حسنة الدنيا وجنة ما قبل الموت، لكن ليس بالضرورة أن تكون فائقة الجمال، من أين نظل نطبع بنات جميلات؟! وكذلك بعض الفتيات تضع اشتراطات خيالية، كلما أتى زوج قالت: أريد واحد (حده ورده) وتضع شروطاً في ذهنها ترتبها طول الحياة، وكلما أتى واحد قالت: لا أريده، لماذا؟ قالت: هذا ليس طويلاً هذا سمين هذا قصير هذا أسمر هذا ليس موظفاً هذا ليس هو جامعي، المهم أتت لها بشروط صرفت بها الخطاب عنها، إلى أن يفوتها سن الزواج، وقطار الزواج ثم تصبح عانساً حتى لو أعلنت عن نفسها فلن يأتيها أحد، وهذا من الاشتراطات الخيالية التي لا ينبغي أن تكون في ذهن الفتاة، ولا في ذهن الشاب، شرط واحد وهو الدين، إذا وجدت صاحب الدين فخذيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفسادٌ كبير). وأنت إذا وجدت صاحبة الدين فخذها لماذا؟ لأن من تزوج امرأة لجمالها أورثه الله قبحها، ومن تزوج امرأة لمالها أورثه الله فقرها، ومن تزوج امرأة لحسبها أورثه الله ذلتها، ومن تزوج امرأة لدينها أورثه الله بركتها. فهل تريد البركة؟ هل تريد الخير؟ هو مع صاحبة الدين.

العلاقات غير الشرعية

العلاقات غير الشرعية وأيضاً من العوائق التي أقيمت في سبيل الصد عن الزواج: العلاقات غير الشرعية، فبعض الشباب تقول له: تزوج، يقول: لماذا أتزوج؟ الزواج عقدة الزواج مسئولية الزواج يكلفني أن أستأجر بيتاً أو شقة لا نريد الزواج، وإذا أراد قضاء الشهوة فإن استطاع في المجتمع الذي يعيش فه، وإلا فإنه يسافر إلى الخارج ليزني ويسكر والعياذ بالله, ويقع في الجريمة والفاحشة الكبرى، التي يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (ما عصي الله بذنبٍ بعد الشرك أعظم من نطفة يضعها الرجل في فرجٍ لا يحل له) (من زنى بامرأة في الدنيا كان عليه وعليها في القبر نصف عذاب هذه الأمة) (والذي نفس محمدٍ بيده إن ريح فروج الزناة ليؤذي أهل النار) (والذي نفس محمد بيده إن فروج الزناة لتشتعل ناراً يوم القيامة) وفي حديث البخاري حديث سمرة الطويل، قال: (ثم أتينا على تنور من نار أعلاه ضيق وأسفله واسع، وفيه رجال ونساء عراة يأتيهم لهب من تحتهم، فيرتفعون وينخفضون قلت: من هؤلاء يا جبريل؟! قال: هؤلاء الزناة والزواني من أمتك) تترك الحلال والزواج وتذهب في الحرام أعوذ بالله، يقول الشاعر: إذا وقع الذباب على طعامٍ كففت يدي ونفسي تشتهيه وتجتنب الأسود ورود ماءٍ إذا كان الكلاب ولغن فيه الأسد إذا أتى وهو يموت عطشاً، ولقي ماء يشرب منه كلب فإنه يذهب ولا يشرب مع الكلب؛ لأنه لو شرب فإنه يصير كلباً، فكيف تذهب في الزنا؟ كيف تقع في هذه الفاحشة؟ ثم بأي وجه تقابل ربك يوم القيامة وقد جاء في الحديث: (يؤتى بالزاني يوم القيامة فيوقف بين يدي الله، فتسقط فروة وجهه بين قدميه خجلاً من الله -يوم الفضيحة- يقول الله له: أزنيت عبدي؟ قال: لا يا رب -لأنه يوم أن زنى لم يكن يوجد أحد، وهو يعرف أنه ما كان يوجد أحد- فيقول الله: ألا يرضيك أن نقيم عشرة شهود؟ قال: بلى يا رب) يعني: أحضر شهوداً، من أين؟ لا يوجد أحد، فتبدأ الشهود من الجوارح وهذا معنى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ} [يّس:65] تبدأ الجوارح، العين يقول: أنا للحرام نظرت، والأذن تقول: أنا للحرام سمعت، واللسان تقول: أنا بالحرام نطقت، واليد تقول: وأنا للحرام بطشت، والرجل تقول: وأنا للحرام مشيت، والفخذ تقول: وأنا فعلت، والأرض: وأنا حملت، والفرج يقول: وأنا باشرت، والملائكة تقول: وأنا اطلعت، والله يقول: وأنا سترت. هذه عشرة أم لا؟ (يا ملائكتي خذوه، ومن عذابي أذيقوه، فقد اشتد غضبي على من قل حياؤه مني) فالعلاقات المنحرفة الغير شرعية تشكل عائقاً: يعتمد عليها بعض المنحرفين -والعياذ بالله- وهذا من أكبر الأخطاء.

ترك القضية والبت فيها لرأي النساء

ترك القضية والبت فيها لرأي النساء وأيضاً من العوائق: ترك القضية والبت فيها لرأي النساء، الإنسان لا يلغي أو يصادر رأي امرأته؛ لأن من النساء من عندها رأي مبارك مثل رأي خديجة رضي الله عنها؛ لما أخبرها النبي صلى الله عليه وسلم بالوحي أول ما نزل، ومثل رأي أم سلمة في غزوة الحديبية لما دخل عليها وهو مغضب قال: (آمر فلا أطاع، فقالت: يا رسول الله! ادع حلاقك واحلق أنت) فلما حلق النبي صلى الله عليه وسلم حلق كل الصحابة، فبعض النساء موفقة وفيها خير، وإذا استشرتها أعطتك رأياً طيباً، وبعض النساء لا تستشرها ولا تطعها، أنت شاور، ونحن لا نريد أن تستبد؛ لأن بعض الرجال مستبد، وقراراته استبدادية، ودكتاتورية في البيت، يريد أن يزوج البنت ولا يأخذ رأي أمها، لا. خذ رأي الأم، فإن كان رأيها طيباً ومبنياً على حيثيات شرعية فخذ به، إن كان رأيها ما له سبب وإنما هو هوى فقل: لا. أنت مخطئة، ورأيي كذا وكذا، خذ رأي البنت، أما ترك الأمر للمرأة بحيث تكون صاحبة القرار، فتطلب ما تريد من المتقدم فتعجزه وتهدده، فهذه ألبسها الثوب والعقال وتكون هي الرجل وخذ أنت ثوبها، الرجل القوام يأخذ برأي المرأة إذا كان حقاً، لكنه يرفضه إذا كان باطلاً، وإلا أصبحت الحياة الزوجية حياة فوضوية؛ لأنه لا يوجد رجل يتخذ القرار، حتى المرأة نفسها لا ترغب أن تعيش مع رجل ضعيف هزيل يجعل كل شيء بيدها؛ لأنها تحس أنها ناقصة، المرأة لا تحس بالأمن إلا في ظل الرجل العاقل الرجل القوي صاحب القرار، لكن الرجل الهزيل الضعيف يضطرها مسكينة أنها تظل رجلاً، وبالتالي تكون الحياة غير سليمة.

الحقوق المشتركة بين الزوجين

الحقوق المشتركة بين الزوجين وبعد هذه العقبات نتكلم عن أهمية العشرة: فإذا تم الزواج بالمعروف فإن الله سبحانه أمر الرجل بحسن العشرة مع المرأة، قال: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228]، وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم الرجال في النساء قال: (اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وخيركم خيركم لأهله) وإذا أردت أن تقيم نفسك فالذي يقيمك زوجتك، إن كنت طيباً عندها فأنت طيب عند الناس، وإن كنت سيئاً في البيت فأنت أسوأ عند الناس، والذي ليس فيه خير لزوجته ليس فيه خير للناس.

حقوق الزوج على زوجته

حقوق الزوج على زوجته القيام بالحقوق المشتركة، هناك حقوق مشتركة بين الأزواج، فحقوق الرجل: أولاً: خدمة الزوجة لزوجها، هذا حق أوجبه الله عليها. ثانياً: حق الوطء والاستمتاع، فلا يجوز لها أن تمنعه من هذا الحق، بل لو دعاها وهي على أي وضع لا يجوز لها إلا أن تلبي، إلا أن تكون حائضاً، أو نفساء فلا يجوز لها أن تطيعه في الوطء المباشر، ولكن يجوز له أن يستمتع منها بما دون الفرج، أما لأي ظرف ثانٍ فلا يجوز؛ لأنها إذا منعته من الحق الذي يريده ربما تدفعه إلى أن يبحث عن الحرام، ولهذا قال العلماء: لا يجوز وفي الحديث المتفق عليه: (لا يجوز أن تصوم المرأة وزوجها شاهد إلا بإذنه) يعني صيام النافلة، تريد أن تصوم صيام النافلة فقبل أن تصوم تقول: سوف أصوم غداً، هذا إذا كان موجوداً، فإذا قال: تفضلي فالحمد لله، وإذا قال لا تصومي فلا تصومي، وإذا صمت فإنك آثمة؛ لأن بعض النساء تحب أن تصوم، وكلما دخل يريد زوجته قالت: صائمة هذا اليوم، ثم ماذا؟ أين أذهب أبحث لي عن واحدة ليست صائمة، لا ينبغي. أيضاً من حقوق الزوج على زوجته حفظه في ثلاثة أشياء: أولاً: في عرضه، فإنها مؤتمنة على العرض، والخيانة الزوجية من أعظم أنواع الخيانات، ومن خانت زوجها ووقعت في جريمة فقد استحقت غضب الله سبحانه وتعالى؛ لأنها خدعته وأدخلت عليه من ليس له، ووطأت فراشه من لا يحل له، وقد تحمل من هذه الخيانة، وقد يكون هذا الولد محسوباً عليه، يأكل مع أولاده، ويصرف عليه، وينسب إليه وهو ليس له، هذه أعظم أنواع الخيانة، فيجب أن تحفظ عرضه، ثانياً: ويجب أن تحفظ ماله، فإنها مؤتمنة على المال، فلا تبذر ولا تسرف ولا تستهلك مال الرجل؛ لأن عند بعض النساء فلسفة مغلوطة، تقول: والله لا أدع له مالاً، وسأدعه فقيراً عمره، لأنه إذا كان لديه مال تزوج عليَّ، بالعكس هذه المسألة مقلوبة، الرجل الذي عنده زوجة تسرف في ماله وتبدد ثروته يرى أنها ليست زوجة صالحة، ويذهب يتزوج، ولو حتى بالدين، لكن الرجل الذي عنده زوجة يشعر بأنها تحفظ ماله، ولا تبذر ولا تسرف يقول: هذه المخلصة، والله ما أكافئها بأن أدق عينها أبداً، بل أبقى أنا وهي حتى نموت، فبعض النساء فهمهن مقلوب، تقول: والله لا أدع له مالاً، فهو يدعك ويخرجك من البيت، فلا تبذري في ماله، ولا تخرجي شيئاً إلا بإذنه، ولا تبالغي في قضية الطلبات؛ لأن هذه توغر صدر الرجل، بعض النساء منذ أن تعرف أن الرجل استلم الراتب أتت إليه، لازم تغير الملابس وتغير الذهب، وتذهب بي وتعود بي لا. الأمور هذه كلها أمور ثانوية، أهم شيء السعادة الداخلية والسعادة القلبية، ليس الجمال جمال الذهب ولا جمال الملابس، الجمال جمال الدين، وجمال الأخلاق، وجمال التعامل، وجمال الأدب: إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى تقلب عرياناً ولو كان كاسيا فخير لباس المرء طاعة ربه ولا خير فيمن كان لله عاصيا وأيضاً تحفظه في الشيء الثالث: وهو الأولاد، فإن الرجل لا يستطيع أن يشرف باستمرار على الأولاد؛ نظراً لمتطلبات الحياة المطلوبة منه، يطلب منه دوام، يطلب منه عمل، يطلب منه سعي في الأرض إلى الرزق، من الذي يقوم بهذا الدور؟ الأم؟ لا يقوم به إلا الأب أما الأم فلا تستطيع. وأيضاً عدم الخروج من بيته إلا بإذنه، وعدم إدخال أي أحد إلى بيته إلا بإذنه؛ لأن البيت يعتبر مملكة، صاحب القرار فيه هو الزوج، إذا قال: لا تدخل فلانة، أو آل فلان لا يدخلون، فإذا جاءوا من عند الباب فقولي: والله أنا ممنوعة أن أفتح لك، ولو كان من كان، وأنت لا تخرجي إلا بإذنه؛ لأن من أسوأ ما يكون أن يأتي الرجل إلى بيته فلا يجد امرأته، ويسأل عنها قال: ما أدري، فمن يدري إذا لم تدر أنت، إذا كان الزوج آخر من يعلم عن امرأته، هذا من الضياع والتسيب.

حق الزوجة على زوجها

حق الزوجة على زوجها أما حقوق المرأة على زوجها فكثيرة: أولاً: المعاشرة بالمعروف؛ أن يعاشرها بالمعروف. ثانياً: الصداق؛ إن الله أمر بإعطائها صداقها. ثالثاً: النفقة؛ فالزوج مطالب بالنفقة على زوجته، يقول الله: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34] فلا بد أن تنفق، وتشمل السكن والكسوة والطعام والشراب وأيضاً حق التعليم، يعلمها أمور دينها؛ لأن بعض الأزواج يظن أن مسئوليته في حدود الماديات، ولا يشعر بمسئوليته تجاه هذه المرأة في تعليمها أمر دينها، كإحضارها إلى المحاضرات، وشراء الكتاب الإسلامي، وإعطائها الشريط الإسلامي، وإدخالها مدارس القرآن، وإحضارها إلى مجالس الذكر التي للنساء، هذا كله من حقوقها؛ لأن هذا يسهل عليك إصلاحها، ويعينك على تربيتها، وأيضاً يجعلها صالحة لك؛ لأنها إذا عرفت حق الله وحقك قامت به، وبالتالي تستقيم الحياة الزوجية.

أسباب المشكلات الزوجية

أسباب المشكلات الزوجية هناك مشاكل تحصل في البيوت بين الأزواج وبين الزوجات ولها أسباب:

السبب الأول: الجهل

السبب الأول: الجهل وأعظم أسبابها: الجهل؛ رجل جاهل بحكم الشرع في التعامل، وهي أيضاً جاهلة فيحصل نتيجة الجهل المشاكل الكثيرة، ولو عرف كل إنسان الحقوق التي له والتي عليه، وقام بالتي عليه وطلب التي له لاستقامت الحياة.

السبب الثاني: سوء التصرف

السبب الثاني: سوء التصرف ثانياً: سوء التصرف؛ فقد يتصرف الرجل تصرفاً أهوج أو أحمق، ويؤدي هذا إلى مشاكل وتتصاعد حتى تؤدي إلى الطلاق، ولو أنه تصرف تصرفاً عاقلاً وهادئاً وموزوناً لم يحصل شيء، كذلك بعض النساء تتصرف تصرفات سيئة تثير زوجها، تراه في حالات الغضب فتتكلم معه، لا. إذا كان في حالات الغضب فاسكتي، بعضهم يكون غاضباً جداً فيقول: اسكتي وإلا طلقتك، قالت: طلقني، قال: اذهبي، ثم تعود لتستفتي، كثير من النساء الآن يستفتين تقول: طلقني زوجي - لماذا؟ - قالت: قلتُ: طلقني! - قلت: قد أعطاك ما كنت تطلبين. - قالت: أريد أن أعود فعندي أولاد. قلت: لماذا تطلبين الطلاق إذاً؟! هذا من سوء التصرف، لا. بل مفروض على المرأة إذا رأت زوجها غاضباً أن تسكت إلى أن يهدأ؛ لأن الغضب من الشيطان، وإذا رأته يريد أن يتكلم تحط يدها على فمه تمنعه؛ لأن المتضرر بالطلاق هو المرأة، فهو تدمير لحياتها تشتيت لشملها وأسرتها طرد لها من مملكتها، تذهب إلى بيت أبيها ثم تصبح هناك خادمة في البيت، فتصبح مطلقة مرفوضة في المجتمع لا أحد يريدها، فلماذا تسعى الواحدة إلى هذا الأمر، وتسعى إلى حتفها بظلفها وبلسانها، فسوء التصرف دائماً سبب من أسباب المشاكل الزوجية.

السبب الثالث: التعالي والتعاظم

السبب الثالث: التعالي والتعاظم وأيضاً التعالي والتعاظم؛ بعض الرجال يشعر بأنفة وعظمة أمام زوجته، وبعض النساء كذلك تشعر بعظمة أمام زوجها خصوصاً إذا كانت أعلى منه مؤهلاً، أو أكثر راتباً، أو أجمل شكلاً، أو أعلى نسباً، تشعر بأنها أفضل منه، لا. لا ينبغي أن يشعر أحد بأنه أفضل من الآخر، بل لا بد من التواضع والتراحم والمودة والرحمة كما ذكر الله سبحانه وتعالى.

السبب الرابع: سهر الزوج خارج البيت

السبب الرابع: سهر الزوج خارج البيت وأيضاً من المشاكل الزوجية: سهر الرجل خارج البيت، وهذا من أعظم ما يؤلم المرأة، فإن المرأة تحتاج إلى من يسمر معها في بيتها ويؤنسها، وأكثر الرجال يضيع هذا الحق، فيقضي الليل من بعد المغرب إلى الفجر في البلوت وفي الورق، وزوجته مسكينة هناك، يضعها أمام خيارات صعبة، إما أن تعيش محرومة منه، أو أن تضطر أن تسهر على الحرام، مثلما سهر هو مع الزملاء، فتبحث لها عن زملاء!! لا. يا أخي الكريم! تزوجت فاترك السهرات، واجعل سهراتك مع امرأتك، ومع أولادك، إذا دعاك زملاؤك لتلعب فقل: لا. ما عندي لعب، عندي عمل ثانٍ؛ لأن السهر خارج المنزل منكر عظيم يؤدي إلى فضائح وإلى فجائع.

السبب الخامس: سوء الظن

السبب الخامس: سوء الظن وأيضاً من المشاكل: سوء الظن، رجل يسيء الظن بزوجته، وهي تسيء الظن به، وإذا نزعت الثقة من الزوجين فشلت الحياة الزوجية، يجب أن تبنى على الثقة بحيث يشعر زوجك أنك موثوقة، لا يجرب عليك كذبة ولا خيانة، حاولي أن تزرعي الثقة في قلبه، فزرعها يحتاج إلى وقت، لكن هدمها سهل، وكذلك أنت ازرع الثقة في قلبها، لا تجعل مكالمات تأتيك تخليها تسيء الظن، وأنت راجع بالسيارة سترى امرأة -مثلاً- فلا تلفت إليها؛ لأنها تسيء الظن بك، وتغضب الله سبحانه وتعالى، فراقب الله تعالى؛ لأنه كما أنت تريد أن عينها عليك وحدك، هي أيضاً تريد أن تبقى عينك عليها فقط، ولا يجوز لك أن تمدها إلى الحرام.

السبب السادس: التدخل السيء للأقارب

السبب السادس: التدخل السيء للأقارب وأيضاً من المشاكل الزوجية ما يكون سببها: تدخل الأقارب الأم والأب أم الولد أو أبوه أم البنت أو أبوها، يتدخلون من أجل الحل فيزيدونها تصعيداً؛ لأن الأم حين تشكو إليها تقول: والله ضربني وقال لي وقال لي، قالت: أبوه هذا، والبنت ليست صادقة، البنت تعرف أنها إذا ذهبت البيت راح الضرب وراح الغضب وسمروا ورقدوا وانتهت، لكن تلك الأم يبقى الغضب في صدرها، فلا يجوز للبنت أن تشكي إلى أمها ولا إلى والدها، ولا يجوز للابن أن يشكو إلى أمه، وما به من زوجته، اجعل المشاكل بينكما فقط، وأي مشكلة تحصل بين الزوجين إذا خرجت من إطار الزوجين اشتعلت، لكن ما دام أنها داخل هذا الإطار لو ظل أسبوعاً غضبان وهي غضبانة فبعد الأسبوع ماذا يحدث؟ يتراضيا وتنتهي المشكلة، لكن إذا علمت أمها، تظل غاضبة سنتين، فلا تخبريها أبداً، ليس هناك داعٍ لبث المشاكل إلى خارج الأسرة.

علاج المشكلات الزوجية

علاج المشكلات الزوجية يخطئ بعض الناس حين يتصور أنه ليس من حل للمشاكل إلا الطلاق، فما أن تحصل أي مشكلة بسيطة إلا ويقفز رأساً إلى الطلاق، هذا خطأ، هناك حلول شرعية: أول حل: الوعظ والتعليم، وهذا يستغرق وقتاً طويلاً. ثانياً: الهجر في المنام، لو أتيت لتنام فتوليها ظهرك أو تنام في غرفة ثانية، ليس الهجر في المعاملة، لازم تسلم عليها إذا دخلت. ثالثاً: إذا ما نفع الهجر فالضرب الغير مبرح، وليس هذا من شأن الرجل الناجح في الحياة الزوجية بل جعله النبي صلى الله عليه وسلم قدحاً في الرجل، لما جاءت فاطمة بنت قيس تستشير النبي صلى الله عليه وسلم في أن تتزوج قال: (أما فلان فصعلوك) ليس معه شيء، (وأما فلان فضراب للنساء) ليس عنده تفاهم إلا بالعصا، كلما قالت شيئاً ضربها بالعصا، هذا لا يصلح؛ لأن بعض الأزواج فاشل لا يعرف أن يتفاهم إلا بالعصا. شخص كان لديه عصاً معلقة في البيت سماها (ستر الله) وأي مشكلة يضربها بها حتى يكسر لها عظامها، ثم تذهب لتشتكي، فإذا أتوا إليه قال: ما بيني وبين أهلي شيء، والله ما بيني وبينهم إلا ستر الله، يعني ما بينه وبينهم إلا العصا. هذا ليس فيه خير، الذي يضرب زوجته ويتعامل معها على أنها دابة كلما حدث شيء انتهرها وضربها هذا لا خير فيه، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يضرب زوجة له، بل الرجل الفاضل هو الذي يكرم هذه الزوجة، ولكن أحياناً وفي ظروف ضيقة قد يسوء خلق الزوجة، أو تنشز عليه، لكن ليست كل زوجة، وليس في كل حال، وإنما علاج لمرض نادرٍ قد لا يحصل، ثم إذا ما نفع حتى الضرب بعث حكمين من أهله وأهلها لبحث المشاكل، ثم إذا لم يوجد فائدة فالطلاق لكن بآدابه، أولاً طلقة واحدة، ثم في طهر لم يأتها فيه، لا يطلقها وهي حائض، ولا في طهر قد جامعها فيه؛ فذلك طلاق بدعي، وصاحبه آثم وهو يقع، ثم يطلق مرة؛ لأنه قد يطلق مرة واحدة وتذهب إلى البيت ويتألم وإذا به يردها، لكن أن يجمع الثلاث سواء، هذا من الأخطاء. هذه أيها الإخوة! آداب الحياة الزوجية وما يتعلق بالمشاكل والحلول التي لها.

أخطاء شائعة تقع في الزواج

أخطاء شائعة تقع في الزواج وهناك أخطاء شائعة تقع في الزواج نعرض لها باختصار:

تأخير الزواج بالنسبة للرجل أو المرأة

تأخير الزواج بالنسبة للرجل أو المرأة أول خطأ: تأخير الزواج سواء للابن أو للبنت، ومعاتبة من يسارع في تزويج بنته، عندك بنت بلغت خمس عشرة سنة أي: فقد نضجت، والثمرة تقطف عند النضج، وعلامة نضج البنت أنها بلغت، إذا حاضت، أو بلغت خمس عشرة سنة، وجاء خاطب فلماذا ترفض؟ زوجها لكي تطمئن نفسك، ولتشعرها بالمسئولية، والبنت في بيت أهلها ستظل صغيرة ولو بلغ عمرها أربعين سنة، ما تشعر بمسئولية، لكن زوجها وعمرها تسع سنوات أو عشر سنوات وتعال لها في اليوم الثاني تجدها عاقلة عقلها مثل الجبل، لماذا؟ أدركت أنها زوجة، وأن لها زوجاً، وأن لها مصلحة، ولذلك ترى بعض البنات في بيتها الآن لا تعرف إعداد الشاي، لكن دعها مع زوجها وتعال بعد شهر تجدها تطبخ لك جملاً، لماذا؟ امرأة، ويأتي زوجها ويقول: أنا عندي ضيوف اطبخي اعملي، هناك تقول لأمها: لا أدري اطبخي أو دعي الخادمة تطبخه، لكن هنا لا يوجد خادمة، اطبخيه أنت، فتضطر لأن تطبخ.

تزويج البنات بغير الأكفاء والعكس

تزويج البنات بغير الأكفاء والعكس ومن الأخطاء: تزويج البنات بغير الأكفاء، فلا يبحث عن الكفاءة الدينية، أو تزويج الأولاد بغير الأكفاء من البنات، أو الاكتفاء بسمعة البيت، يعني: ولد -مثلاً- جاء من بيت صالح، لا ينبغي أن ننخدع بالبيت وصلاحه، بل لا بد أن نضم إلى صلاح البيت صلاح الولد، فقد يكون الولد فاسداً والبيت صالحاً، والذي سيتزوج هو الولد، لا أسرته، أو قد تأتي تخطب من بيت سمعة البنات فيه طيبة؛ لكن هذه البنت سمعتها سيئة، فلا ينبغي أن تغتر بهذا.

عدم الاستشارة والاستخارة

عدم الاستشارة والاستخارة عدم الاستشارة، بعض الآباء لا يستشير، وبعض الأبناء لا يستشير، أو قد يستشير من ليس أهلاً. إياك أن تترك الاستخارة، الاستخارة مطلوبة، إذا هممت بأمر فتوضأ وصل ركعتين، ثم قل قبل السلام كما يرجح شيخ الإسلام ابن تيمية: (اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، اللهم إن كنت تعلم أن في زواجي من هذه المرأة خيراً لي في ديني ودنياي وعاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره وأعني عليه، وإن كنت تعلم أن فيه شراً لي في ديني أو دنياي أو عاجل أمري أو آجله فاصرفه عني واصرفني عنه واكتب لي الخير حيث كان ثم رضني به) ثم ماذا تعمل بعد الاستخارة؟ لا كما يصنع بعض الجهلة والمغفلين والمبتدعة، يقول: أنا سوف أرقد بعد الاستخارة فإن رأيت حلماً جميلاً أقدمت، وإن رأيت حلماً سيئاً تركت، نقول له: أمات الشيطان أم أنه موجود؟ قد يعلم الشيطان بما استرق من السمع أن زواجك من هذه المرأة فيه خير، فيسوي لك رؤية سيئة لكي تترك الزواج، فالاستخارة أن تفوض أمرك إلى الله، وتذهب تخطب عند أهل هذه البنت، فإذا يسر الله الأمر فمعنى هذا أن الله اختارها لك، وإذا تعقد الأمر معنى هذا أن الله صرفها عنك، أما أن تنام على شقك الأيمن وإن رأيت رؤيا حسنة أو تضع يدك على قلبك إذا كان دق قلبك قوياً أو غير ذلك فالله ما اختاره إن كان وإن كان هذه كلها خرافات ما أنزل الله بها من سلطان.

الحرج من عرض البنت على الكفء

الحرج من عرض البنت على الكفء وهناك خطأ أيضاً: وهو الحرج من عرض المولية على الكفء، بعض الناس عنده بنت، ويريدها أن تتزوج، ورأى شخصاً طيباً، لكن يقول: أذهب أدلها عليه؟! فيأتيه حرج، وليس فيه حرج، إذا رضيت بشخص في دينه فلا مانع أن تقول له: تعال، وأيضاً ذاك يجب أن يكرم هذه البنت لا يذهب ويقول: إن هذا عرضها عليَّ؛ لأن بعض الناس لئيم، إذا أكرمته وأعطيته ابنتك قال: والله لو أنك ما أتيت بها ما أخذتها، لا. أكرمها لأنه عرضها، وإن تعرض فقد عرضها من هو أفضل منك، وهو عمر رضي الله عنه، عرض حفصة على عثمان وعلى أبي بكر، ثم خطبها النبي صلى الله عليه وسلم فأصبحت أماً للمؤمنين رضي الله عنها وأرضاها.

نكاح الشغار

نكاح الشغار ومن الأخطاء في الزواج: نكاح الشغار وهو أن يقول: ما أزوجك ابنتي إلا إذا زوجتني بابنتك، أو ما أزوجك أختي إلا إذا زوجتني بأختك، هذا نكاح باطل، وهو محرم.

نكاح التحليل

نكاح التحليل وأيضاً نكاح التحليل، أن يطلق رجل امرأة ثلاثاً بائناً، ثم يريدها فيتفق هو وإياها على أن يحلها له رجل، فيذهب إلى رجل يقول: تعال، أريدك أن تصنع معروفاً، لقد طلقت زوجتي فلانة، وعندي أولاد وأنا أريدها وهي تريدني لكن اللسان والشيطان، أنا سأعطيك مبلغاً وأريدك أن تعقد عليها ثم تفكها ولا تدخل بها ثم أنا أتزوجها، هذا اسمه نكاح التحليل: (لعن الله المحلل) وسماه الرسول (التيس المستعار) لأنه استعير لفترة مؤقتة، لابد أن يكون نكاح رغبة، ويذوق عسيلتها وتذوق عسيلته، ومن دون تواطؤ بينه وبين هذا الزوج، أما إذا وجد تواطؤ صار النكاح باطلاً، والذي يحصل بعده أيضاً باطل.

الحرج من رؤية المخطوبة

الحرج من رؤية المخطوبة وهناك من الأخطاء: الحرج من رؤية المخطوبة، بعض الآباء يقول: لا أدعه ينظر إلى ابنتي؟ أهي سيارة حتى يكشف عليها؟ نقول: إذا تحرجت من هذا فقد خالفت السنة الزواج في نظر الشرع بناء، والبناء لا يبنى إلا على أساس، وأساس البناء القناعة، كيف تريده أن يتزوج امرأة لا يعرفها، فلا بد أن يراها وتراه، في حدود المباح شرعاً بوجود المحرم، ويرى منها بعض ما يدعوه إلى نكاحها. وعلى النقيض من ذلك هناك من يسمح بأن يرى كل شيء من البنت، في بعض المجتمعات يقول: أنا أتزوجها حتى أدرس نفسيتها، وأدرس أخلاقها، وأحللها (أدخلها المختبر) وأرى عناصرها، ثم بعد ذلك يعمل كل شيء، فإذا رأى كل شيء طلقها قال: هذه سوف تروح مع غيري، وهذا كله غلط، والصحيح ألا يعرف الزوج عن الزوجة شيئاً إلا بالسؤال، ثم يراها إذا تحقق أنه سوف يتزوجها، فإن رأى ما يعجبه أقدم، وإن رأى ما يكره كتم، لا يذهب ليخبر الناس يقولون له: ماذا فيها؟ قال: والله ليست جميلة، والله طويلة، والله سمينة، لا. أنت نظرت إليها بأمر الشرع فلا تهتك عرضها وعرض وليها، إذا سئلت: لماذا ما تزوجت؟ تقول: النصيب ما حصل نصيب، وقل: فيها خير وفيها بركة. لماذا؟ لتحفظ لها مكانتها ولوليها أيضاً مكانته.

دبلة الخطوبة من الأخطاء الشائعة

دبلة الخطوبة من الأخطاء الشائعة هذه بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض الناس، ومن ضمن ذلك الدبلة التي شاعت الآن، والشبكة، وإدخال الدبلة في يدها، وهي تدخلها في يده، هذه كلها تصورات جاهلية وأفكار نصرانية، هذه الدبلة من عادات النصارى؛ لأنه ليس عندهم عقد شرعي، عندهم الخاتم، إذا أدخله صارت زوجته، وإذا نزعه انحل الزواج، الخاتم هذا لا تدخله في يدك أعطها خاتماً أو خواتم وهي تدخله بنفسها وتستخدمها، إنما تلبسك وتلبسها وتشبكك وتشبكها هذا كله كلام ليس له أساس وغير مشروع في شريعة الله عز وجل. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الزوجات الصالحات، وأن يعيننا على تزويج بناتنا وأبنائنا، وأن يديم علينا في هذه البلاد المباركة أمننا ونعمتنا وديننا واستقرارنا، وأن يوفق ولاة أمورنا وعلماءنا ودعاتنا وجميع المسلمين لما يحبه ويرضاه، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.

الأسئلة

الأسئلة

حكم التصوير

حكم التصوير Q مجموعة من الأسئلة تسأل عن مسألة تصوير المحاضرات، بعضها تسأل وبعضها تستنكر؟ A لقد ذكرت هذا في محاضرة سابقة، وقلت: إن مسألة التصوير مسألة خلافية، إذا كان التصوير بالآلة، أما إذا كان التصوير باليد فبإجماع العلماء أنه محرم، وورد فيه أدلة كثيرة، أكثر من عشرة أحاديث (لعن الله المصورين يؤخذون على شفير جهنم فيؤمرون بنفخ الروح أو يلقون في النار) هذه أحاديث كثيرة، هذا إذا كان الإنسان يأخذ القلم والريشة ويصور؛ لأنه يبدع، وينشئ، ولهذا من أسماء الله الحسنى ماذا؟ المصور {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر:24]، ويقول: {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ} [غافر:64] يعني ماذا؟ يعني خلقكم أبدعكم {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ} [آل عمران:6] سبحانه وتعالى، فإذا كان التصوير باليد فإنه مجمع على حرمته، وإذا كان التصوير بالآلة فهنا الخلاف على ثلاثة أقوال: - القول الأول: ليس حراماً، لماذا؟ قالوا: لأنه ليس تصويراً، وإنما ظل انعكس عن طريق العدسة، مثل إذا وقفت أمام المرآة ورأيت ظلك هل أنت مصور؟ لا. ظلك جاء في المرآة، وكذلك العدسة، ظلك انعكس فيها، لكن الفرق بين عدسة الكاميرا وبين المرآة أن الكاميرا تثبت الظل، والمرآة لا تثبته؛ فالمصور لا يستطيع أن يكبر عينك، ولا يصغر خشمك، ولا يوسع فمك، ولا يطول رأسك، الخلقة التي خلقك الله عليها ينقلها، فهو ما صور بل ثبت الظل فقط، هذا القول الأول. -القول الثاني: قالوا: لا. هو المصور؛ لأنه هو الذي يضبط الكاميرا، وهو الذي يحدد المسافة، وهو الذي يضغط الزر، وهو الذي يطبع، وهو الذي يحمض، فيشمله الوعيد. - القول الراجح وهو وسط بين القولين. قالوا: الصورة تبقى على الأصل في حرمتها، إلا ما تدعو له الضرورة، فما تدعو له الضرورة فهو مباح، أي ضرورة؟ قالوا: الضرورة أولاً الأمنية، الآن لولا الصورة الموجودة في حفيظتك وفي جوازك ما عرف التمييز بين الناس، هذه ضرورة أمنية وكذلك الضرورة الاجتماعية والضرورة الدعوية، مثل هذه المحاضرة هذه المحاضرة سجلت وستبقى مسجلة يستفيد منها آلاف البشر، بل ملايين البشر، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأنا كنت في الحقيقة متردد في قضية تصوير المحاضرات إلى أن سافرت في العام الماضي إلى السويد، والدنمارك، والنرويج، ورأيت إخواننا هناك، وكنت أظن أنه لا يوجد مسلمون إلا في المملكة العربية السعودية، يوجد في العالم ألف مليون مسلم، في المملكة فقط خمسة عشر أو ستة عشر مليون، والباقي تسعمائة وخمسة وثمانون مليوناً في بقية العالم، وعندما جئت وإذا هناك مساكين يفتقرون إلى العلم، يقولون: لا يوجد عندنا علماء، قلت: كيف تتعلمون؟ وإذا بالأشرطة كلها موجودة، ويقولون: نحن نحضر محاضرة، كل ليلة محاضرة مع عالم، من أين العالم؟ قالوا: أكثرهم من السعودية ومن الكويت ومن مصر ومن الأردن، وإذا بالأشرطة، العلماء موجودون، قالوا: أنتم لا تأتونا لكن يأتينا من العلماء غيركم، يأتي العالم في شريط لا يأكل ولا يشرب، ولا يحجز تذكرة، ولا عشاء ولا شيء إلا يتكلم، وإذا أكمل أغلقوه، هذه نعمة أم لا؟ فلماذا بعض الناس يقول: لا. لا نريد، هذه صورة، اسأل هذا المتعصب فتش جيبه في صورة؟ طبعاً من الذي ما في جيبه صورة الآن، كل واحد في جيبه ريال، أو خمسة أو عشرة أو خمسون، لماذا هنا حلال؛ لأنها قروش! وإذا هي للدعوة حرام، نحله عاماً ونحرمه عاماً، أنا أرى أن ضرورة الدعوة أهم من كل ضرورة؛ لأن هذا دين الله، والأمة والحمد لله تشهد صحوة، والعودة إلى الإسلام ليست في بلاد المسلمين فقط بل في بلاد الكفار، والعلماء لا يمكن أن يصلوا إلى كل مكان، لكن يمكن للشريط أن يذهب إلى كل مكان. أما الصور الأخرى أيها الإخوة! الصور المحرمة صور الغرام وصور النساء وصور الفتن، هذه تبقى على أصلها وهي محرمة، لكن صورة مفيدة وفيها مصلحة للمسلمين، وفيها علم ينقل، لا شك أن ذلك إن شاء الله مباح بل هو أمر مطلوب، وأسأل الله سبحانه وتعالى لي ولكم التوفيق.

ما يجب على من عدد الزوجات

ما يجب على من عدد الزوجات Q يقول: أرجو ألا تميل علينا أيها الشيخ! فنحن أكثرنا متزوجون بأكثر من واحدة؟ A ما نميل عليك يا أخي الكريم! ولكن نقول لك: اتق الله واعدل، فإن الرجل إذا عدد لزمه العدل، فإذا عدل ارتاحت المرأة، أكثر النساء يشتكين من التعدد؛ لأن زوجها لا يعدل، الخطأ ليس في التشريع، الخطأ في التطبيق، ولو أن الرجال إذا تزوجوا عدلوا لاستقامت الحياة، لكن المرأة تكره الظلم، وحينما يعيش زوجها معها فترة ثم يضيعها ويأخذ له زوجة جديدة ويذهب يجلس عندها ويهمل الأولى، فلا يصرف عليها، ولا يسمر معها، ولا يعدل معها، ولا يراعيها، ويجلس هناك، المرأة تكره الظلم، وبالتالي تصيح وتقول: التعدد ليس مرضياً، لكن لو أنه عدل وقام بواجب المرأة الأولى ولم ينكر فضلها لدعى النساء إلى التعدد، بل بعض النساء يتصلون بالتلفون ويقولون: الله أكبر! ما أعظم التعدد، قلت: كيف؟ قالت: الرجل مسئولية وقيامي بخدمته وواجبي نحوه كبير، وما دام وجدت امرأة ثانية تساعدني بهذا الواجب تساعدني عليه تقول: ليلة وهو عندي أهتم به، وأطبخ له عشاء، وأهتم بنظافتي له، ورائحة بيتي، وتربية أولادي، تقول: والليلة الثانية آخذها إجازة ثم أرتاح، فهذا فضل من الله سبحانه وتعالى، فمسألة التعدد ليست خطأً في الشرع؛ لأن الذي شرع التعدد هو الله والله يقول في حديث قدسي: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً) أيمكن أن يحرم الله الظلم ثم يبيح التعدد وفيه ظلم؟ لا. التعدد ليس فيه ظلم من حيث التشريع، ربما يكون فيه ظلم من حيث إساءة التطبيق، أما إذا عدلت مع زوجتك وأعطيتها حقها كاملاً فإنك تعيش في أمن؛ لأن الذي خلقها هو الله، وهو أعلم أن هذا لا يضرها: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] سبحانه جلت قدرته، ونحن لا ندعو إلى التعدد، لكننا نقول بأنه شريعة، وإلا الرجل الذي يرزقه الله بزوجة صالحة يحبها وتحبه، ودود ولود، تفي بمتطلباته وتحقق كل أغراضه ويعيش في راحة وسعادة، يحمد الله عليها؛ لأن الله يقول: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء:3]. ذاك الرجل الآخر عنده ظروف، بعض الناس بمجرد أن يسمع أن فلاناً تزوج يغضب رأساً، خاصة النساء، ويدعون عليه، لو يتزوج واحد في المغرب قالوا: الله يكسره لماذا يتزوج؟ حسناً وما يدريكم ما هي ظروفه؟ وما يدريكم ما هي أحواله؟ وما يدريكم ما هي معاناته مع زوجته؟! ما يتزوج أحد إلا من حاجة، فلماذا نتدخل في خصوصيات الناس؟ فنسأل الله سبحانه وتعالى الصلاح، وللزوجات صلاح أزواجهن، واستقامة حياتهن، وتربيتهن وأولادهن، والرضا بشريعة الله سبحانه وتعالى. والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

من وحي رمضان

من وحي رمضان إن لشهر رمضان المبارك مكانة عظيمة في نفوس المسلمين، ولكن ما هي الغاية من مشروعية صيام شهر رمضان، ومن قيامه؟ الغاية من صيام شهر رمضان هي التقوى واستكمال العبودية لله عز وجل، فهو بمثابة المحطة التي يتزود فيها العبد المؤمن من الأعمال الصالحة التي تعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة، فعلينا أن نستغل رمضان استغلالاً جيداً، وألا نضيعه بالسهر في الليل على المحرمات، وبالنوم في النهار، وعدم حضور الصلوات مع الجماعات في المساجد.

أهمية رمضان وفضل العبادة فيه

أهمية رمضان وفضل العبادة فيه الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. مرحباً بكم -أيها الإخوة- في هذه الليلة النورانية، التي اجتمعت فيها الأنوار من كل جانب؛ أنوار الصيام، وأنوار التراويح والقيام، وأنوار القنوت والبكاء من خشية الملك الديان، وأنوار القرآن، وأنوار بيوت الرحمن: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:35]. اللهم اجعل لنا من هذا النور أوفر الحظ والنصيب، واجعل لنا من هذا النور نوراً في قلوبنا، ونوراً في أبصارنا، ونوراً في أسماعنا، ونوراً في ألسنتنا، ونوراً عن أيماننا وعن شمائلنا، ومن أمامنا ومن خلفنا، ومن فوقنا ومن تحتنا، اللهم أعظم لنا نوراً واجعل النور بين أيدينا مع الذين قلت فيهم: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [الحديد:12] اللهم اجعل لنا هذا النور في الدنيا والآخرة. أيها الإخوة: هذه الأنوار لها دلائل وعليها براهين، ستبقى صلاتنا وتراويحنا وقيامنا وتلاوتنا بل وحتى بكاؤنا ستبقى عرائس من الزهور، حتى إذا أكدناها وصدقناها بأعمالنا وتصرفاتنا دبت فيها الأنوار؛ لأن من الناس من يقول: أنا أحضر إلى المسجد ولا أبكي، نقول له: كيف أنت إذا نظرت إلى الحرام؟ هل تغض بصرك؟! كيف أنت إذا استمعت إلى الحرام؟ هل تصون سمعك؟! كيف أنت إذا سمعت الناس يخوضون؟ هل تكف لسانك؟! كيف أنت مع الزنا؟! كيف أنت مع اللواط؟! كيف أنت مع الغناء؟! كيف أنت مع الربا؟! كيف أنت مع كل المحرمات؟! كيف أنت مع الطاعات؟! فإن كان كما يرضي الله على الهدي الصحيح؛ على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كان هو المؤمن الحق، أما إذا بكى هنا، فإذا لاحت له معصية وقع فيها، يبارز الله بالعظائم، ويستخفي من الناس، ولا يستخفي من الله فهذا يقول الله فيه وفي أمثاله: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23] عمل أجوف لا روح فيه، صورة شكل لا معنى لها، إن الحقيقة هي في السلوك، والعمل، والتطبيق، والمراقبة، والخشية، والشعور بالمراقبة الربانية لك -أيها المؤمن- في الليل والنهار، في السر والجهار، وقد ذكر أئمة الحديث حديثاً صحيحاً عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بأقوامٍ يوم القيامة لهم حسنات كأمثال جبال تهامة فيقول الله لها: صيري هباءً فقال الصحابة: لم يا رسول الله؟! قال: كانوا إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها) هذه مشكلتهم؛ أنهم في الخلوة يجترئون على معصية الله، وبين الناس ربما يتظاهرون بخشية الله، وهي علامة النور الصوري؛ لأنه ينفع مع الناس، ولكنه مع الله ينطفئ، أما النور الحقيقي فإنه مع الناس ومع الله يزداد، إذا لم يكن هناك أحد يراك إلا الله فإنك تشعر بعظم المراقبة. وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني إذا غابت عنك أعين الناس فإن عين الله لا تغيب عنك أبداً: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32]. أيها الإخوة في الله: هذه الأنوار وهذه الليالي الرمضانية الإيمانية، ما أعظم وما أجمل أن يقضيها المؤمن في رحاب الله، ومع كلام الله، ومع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم! وشهر رمضان شهر الذكريات، شهر المعاني والإيحاءات، شهر الخيرات والبركات، شهر الفوز والمكرمات، يفرح به المؤمن، ويتمنى لو كان الزمان كله رمضان، يفرح حين مقدمه، ويعيش أعظم ساعاته في شهر رمضان، ثم إذا ولى رمضان يبكي عليه حزناً وشوقاً، فقد كان السلف يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، فإذا انتهى رمضان دعوا الله ستة أشهر أن يتقبل منهم ما عملوه من حسنات في رمضان. رمضان أيا شهر الصيام فدتك نفسي تمهل بالرحيل والانتقال فلا أدري إذا ما عدت يوماً على هذي الحياة بخير حال أتلقاني مع الأحياء حياً أو انك تلقني في اللحد بالِ رمضان يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجبٍ حتى عصى ربه في شهر شعبان ها قد أظلك شهر الصوم بعدهما فلا تصيره أيضاً شهر عصيان اتلُ الكتاب وسبح فيه مجتهداً فإنه شهر تسبيحٍ وقرآن كم كنت تعرف ممَّن صام من سلفٍ من خير أهلٍ وجيرانٍ وإخوان أفناهم الموت واستبقاك بعدهم حياً فما أقرب القاصي من الداني ومعجب بثياب العيد يقطعها فأصبحت في غدٍ أثواب أكفان حتى متى يعمر الإنسان مسكنه مصير مسكنه قبر لإنسانِ هذا الشهر الكريم من أجلِّ العبادات ومن أزكى القربات، فرضه الله بصيغة الكتابة، ثلاثة أشياء في القرآن والأوامر الربانية جاءت بصيغة الكتابة، وكأنها صكوك ربانية لا تقبل النسخ، ولا التبديل، ولا الاستثناء؛ ثلاثة أمور صعبة على النفس: الأمر الأول: الصيام: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:183]. الأمر الثاني: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة:178]. الأمر الثالث: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة:216]. ثلاثة أمور: صيام، وقصاص، وقتال. يقول العلماء: إن جعل الصوم مع القتل والقصاص مشعر بأهمية الصوم وعظمته، وأنه لا يقبله ولا يتحمله ولا يرضخ له ولا يحبه إلا المؤمن، ولهذا خاطب الله أهل الإيمان بهذه الصفة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ} [البقرة:178] أي: فرض وأوجب وألزمتم به {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة:178] وحتى لا يقول أحد: لماذا يا رب! نحن دون بقية الناس؟ قال: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:178] أي: ليس الصيام أمراً بدعاً في حياة الأمم والشرائع، لا، إنه سنة الله، إنه دين الله الذي لا يتبدل في جميع الديانات والرسالات؛ فما من نبيٍ بعث، وما من شريعة نزلت، وما من كتابٍِ نزل إلا وفيه الأمر بالصيام، كما فيه الأمر بالصلاة وبالتوحيد، ولكن تختلف الشرائع، {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} [المائدة:48] كان صوم الأولين أنهم يمسكون عن الطعام والشراب والكلام، حتى الذي يتكلم كلمة يفطر ويقضي اليوم، بكلمة واحدة! ولهذا لما جاءت مريم بولدها عيسى عليهما السلام، قالت: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً} [مريم:26] وذلك عندما قيل لها: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} [مريم:28] فأشارت إليه لم تتكلم، قال تعالى: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً} [مريم:29] فتكلم هو وقال: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً} [مريم:30 - 31]. كل شريعة سبقت نزل فيها الأمر بالصوم، ولهذا عزانا الله وقال: الأمر لا يخصكم فقط بل إنه يخص كل الأمم: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة:183].

الحكمة من الصيام

الحكمة من الصيام ثم جاء التبرير والتوضيح لهدف الصيام، والحكمة من فرضيته فقال: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] ليس الغرض تعذيبكم أو تجويعكم، فليس لله حاجة في ترككم طعامكم وشرابكم، ولكن الغرض تربيتكم ورفع درجاتكم، والهدف تعويدكم على الانتصار على النفس وشهواتها وملذاتها، تعويدكم على الانتصار على كل المباحات، فالغرض هو التقوى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183]، وإذا صرتم متقين حصلت لكم الخيرات من كل جانب، إذا صرتم متقين فإن الله وليكم في الدنيا والآخرة، يقول تعالى: {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية:19]. إذا صرتم متقين فيقول الله: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:62] {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:63] {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ} [المرسلات:41] {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} [الدخان:51] {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} [الطور:17] {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:54 - 55]. {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] حتى تتقوا، فإذا وصلتم إلى درجة التقوى وهي: الشعور بالمراقبة لله الذي لا إله إلا هو، إذ أن الصوم هو العبادة الوحيدة التي لا يطلع عليها إلا الله؛ بإمكان كل واحدٍ أن يتظاهر أنه صائم، وبإمكانه بالخفية أن يفطر، من يعرفك؟! من يلازمك أربعاً وعشرين ساعة؟! من يراقب تصرفاتك؟! ولهذا جاء في الحديث أن الله عز وجل يقول: (كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلا الصوم؛ فإنه لي وأنا أجزي به)، لم كان الصوم لله خالصاً من بين الأعمال؟ لأنه لا يمكن أن يعرف حقيقته أحد إلا الله. ذكرت قصة حصلت لي في الجنوب في أبها: فقد كنت في معهد علمي ألقي محاضرة، وبعد المحاضرة وانفضاض الناس أمسك بي شاب تشرق أنوار الإيمان من وجهه، عليه بهاء الإيمان والدين، وقال لي: يا شيخ! عندي سؤال على انفراد، قلت: تفضل، قال: أنا شاب تائه تبت ورجعت إلى الله منذ تسعة أشهر، وسبق وأن مضى عليَّ سبعة رمضانات لم أصم لله فيها يوماً واحداً، ولم يسجل لي في صحيفتي حسنة واحدة من أول عمري؛ لا صلاة، ولا صيام، ولا أي عمل، قلت له: أين تعيش؟ قال: في هذا البلد، قلت: وأبوك وأمك لا يدرون أنك لا تصوم ولا تصلي؟ قال: أقول لهم: إني أصوم ولكني آكل في الخفية، وأقول لهم: إني أصلي ولكني أخرج من البيت ثم أعود وأقول لهم: قد صليت، قلت: وماذا بعد هذا؟ قال: حتى أراد الله أن يهديني، قلت: وكيف كانت الهداية؟ قال: خرجت من بيتنا في القرية لأذهب إلى منطقة محائل من أجل حضور مباراة بين ناديين كبيرين في المنطقة، يقول: فلما انطلقت في الخط تسرب الهواء من إطار السيارة، والحمد لله أنه حين تسرب الهواء من الإطار تسرب معه الشر من تلك اللحظة، وبدأت الحياة الإيمانية بتسرب الهواء من إطار السيارة. يقول: السيارة فيها إطار احتياطي، لكن سوف تفوتني المباراة إن قمت بتركيبه، يقول: فقمت بإيقافها على حافة الطريق، وأوقفت أول سيارة، وركبت حتى أحضر المباراة من أولها، وما إن ركبت في السيارة إلا وصاحبها يضع يده على الشريط، ثم قام بتشغيل شريط إيماني لم أسمع في حياتي مثله، يقول: إنه لم يحضر صلاة جمعة ولا خطبة ولا ندوة ولا محاضرة، يقول: أنا معزول عن الله أعيش مع الشيطان أربعاً وعشرين ساعة، يقول: فسمعت هذا الكلام فدخل أذني واستقر في قلبي، وبدأت أراجع نفسي وأضرب حساباً مع نفسي، وأقول: أين أنا من هذا الكلام؟ وماذا لو مت الآن ودخلت النار؟ كيف أصحح الغلطة؟! لماذا لا أتوب؟! يقول: وصلت إلى محائل وقررت التوبة. والتوبة والهداية -أيها الإخوة- ليست أمراً معجزاً للإنسان، هي قضية سهلة ما عليك إلا أن تقلع عن المعاصي، وتعلن التوبة والرجوع إلى الله، وإما أن تستمر على ما أنت عليه من المعاصي، فتعيش في ظلمات الكفر -والعياذ بالله! - والنفاق والمعاصي. يقول: وعندما وصلت إلى مدينة محائل نزلت من السيارة ولم أذهب إلى المباراة، فركبت سيارة غيرها ورجعت إلى سيارتي، ومن ذلك اليوم رجعت إلى الله. يقول: وقد مرت عليَّ سبعة رمضانات لم أصمها فماذا أصنع؟ قلت له: لو قلنا لك: بأن تصوم سبعة رمضانات فهل تصوم؟ قال: والله أصومها حتى لو كان سبعين رمضان. عندما دخل الإيمان انفتح القلب، وانشرح الصدر وتلألأ، وبدأت الهداية والخشوع والخضوع لله عزوجل. قلت له: ليس عليك صوم؛ لأنك كنت في حكم الكافر، ما دمت لا تصلي ولا تصوم، فإن الله عز وجل يعفو عنك إن شاء الله، والتوبة تجب ما قبلها، والإسلام يهدم ما قبله، ولكن العبرة والمعول على المستقبل، فاستمر واثبت حتى تلقى الله، لا تتذبذب ولا تتردد ولا ترجع، فإن الذي يرجع وينتكس عن طريق الحق، هذا خائب لا خير فيه ولا يصلح للجنة؛ وهذه مشكلة يشكو منها بعض الشباب، يقول: أنا التزمت قليلاً ثم تظهر علامات الانتكاسة فيه يريد أن يرجع، تعرفون ما هو السبب؟ السبب: أنه لما سار في طريق الإيمان لم يخلِ قلبه وجوراحه من الآفات والشوائب والأخلاط، ثم جعل الخير على هذه الشوائب فما انتفع به، فإذا كان عندك كأس مملوء بالتراب والقذر، وجاءك شخص وأعطاك لبناً وقال: هات كوبك أصب لك فيه لبناً، هل تصب اللبن والحليب في هذا الكوب؟!! لا. وإذا صببته هل تستفيد من الكوب مع وجود هذه القذارة فيه؟! بل يفسد عليك هذا اللبن. إن العقل يفرض عليك أن تغسل هذا الإناء، وتعقمه وتطهره، ثم تضع فيه اللبن لتستفيد منه، بعض الناس الآن يريد أن يجمع بين الخير والشر، يريد أن يصير طالباً مهتدياً ومنتظماً، ولكنه يحب الأغاني والنظر المحرم، والأفلام والربا والزنا، ويقول: أنا أحسن من غيري، أنا أصلي وأصوم لكن هل أكون ملتزماً دائماً؟! ففرضية الصيام سببها وحكمتها وعلتها: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] ثم يقول عز وجل بعد هذا: {أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:184] يسهلها رب العالمين، يقول: لماذا الخوف؟ ولماذا لا تصومون، هل هو كثير؟ {أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:184] العام فيه (360) يوماً، فرضنا عليكم فيها صيام (30) يوماً فقط، و (330) يوماً تأكلون فيها، ثم إن نسبة الصيام قليلة وسهلة، لو فرض الله علينا الصيام طوال العام أفي إمكاننا أن نرفض؟! لا نرفض والله، بل نصوم، لو فرض الله رمضان طوال العام لكنا صائمين، وما كنا مفطرين، لماذا؟ لأن الذي يفطر له النار، ولكن من رحمة الله أن جعل لك صيام شهر واحد، ثم جعل الشهر يعدل عشرة أشهر، وجعل ستة أيام في شهر شوال تعدل شهرين، بمعنى: أنك إذا صمت رمضان وأتبعته ستاً من شوال كأنك صمت العام كله، كما جاء في صحيح مسلم: (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كمن صام الدهر كله). {أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:184] ثم جاء الفرج من الله، وقال: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184] إذا ابتليتم بمرضٍ خارجٍ عن إرادتكم، أو ابتليتم بسفرٍ تحتاجونه لتحقيق مصالحكم؛ لأن مصالح البشر قائمة على التبادل والمعاوضات، والسفر والذهاب والمجيء، ويحتاج الإنسان للسفر؛ والسفر قطعة من العذاب، ولذا قد يحتاج إلى الإفطار، قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184] هذه حكمة الصوم.

مميزات شهر رمضان المبارك

مميزات شهر رمضان المبارك ورمضان -أيها الإخوة- له ميزات في شريعة الله: أولاً: فرض في السنة الثانية، فهو من أوائل ما فرض. ثانياً: صام صلى الله عليه وسلم تسعة رمضانات. ثالثاً: أنزل فيه القرآن. رابعاً: فيه: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:3]. خامساً: تفتح في أول ليلة من لياليه جميع أبواب الجنة، فلا يبقى منها باب مغلق، وتغلق أبواب النيران فلا يبقى منها باب مفتوح، وتُغلُّ فيه مردة الشياطين والجن، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل! ويا باغي الشر أقصر! وكتب الله صيامه، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيامه، وقال في الصحيحين: (من صام رمضان -وقامه- إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) تخرج من رمضان وليس عليك من الذنوب ذنب واحد كيوم ولدتك أمك، تخرج إلى المصلى لصلاة العيد والملائكة على أفواه السكك والطرقات تقول للمسلمين: اخرجوا إلى رب كريم يغفر الذنب العظيم، وتوزع الجوائز والهبات والهدايا على الطرقات، ولا يرجعون من المصلى إلا وقد غفر الله لهم ذنوبهم بإذن الله، يغفر الله في كل ليلة لألف ألف، كلهم قد استوجبوا النار، ويغفر في آخر ليلة لثلاثين ألف ألف، كلهم قد استوجبوا دخول النار؛ هذا شهر رمضان المبارك، ولكن وما أمر لكن! لكن وما أشدها! ماذا فهم المسلمون من رمضان؟! هل تحققت في قلوبهم هذه المعاني؟! هل استلهموا هذه الإيحاءات؟! هل أدركوا هذه الأعطيات من الله؟! إن الألم ليعصر قلوب المؤمنين، حينما يرون أن الناس -إلا من رحم الله- لم يفهموا من رمضان إلا معاني ضد أهداف رمضان؛ معاني عكسية، فرمضان يريد شيئاً وهم يعملون أعمالاً ضد أهداف رمضان.

الإيحاءات الرمضانية

الإيحاءات الرمضانية سأتكلم لكم عن خمسة إيحاءات، مما نستوحيه من رمضان والناس على خلاف ذلك:

رمضان شهر الصيام والقيام لا شهر الشراب والطعام

رمضان شهر الصيام والقيام لا شهر الشراب والطعام الإيحاء الأول: إن كثيراً من المسلمين -إن لم نقل جلهم وأغلبهم ومعظمهم- شعروا أو فهموا أن رمضان شهر الطعام، وبرهنوا على هذا بتصرفاتهم؛ فتراهم في آخر يومٍ من شعبان أو قبله بيومين أو ثلاثة يتوجهون إلى الأسواق، وكأنهم لا يأكلون إلا في رمضان، كأنهم طوال السنة جائعون، ودخل رمضان شهر الأكل، ويملئون بيوتهم بشتى أصناف الطعام، وتقوم النساء بتقديم البيانات وكشوف الأطعمة للأزواج وتقول: هذه حاجيات رمضان، وشوال أليس له حاجيات؟! وشعبان ورجب أليس لها حاجيات؟! لكن رمضان له حاجيات، لماذا؟ لأنه شهر الأكل، بينما هو شهر الصوم، فقد فرضه الله لكي نعطل جزءاً كبيراً من وقتنا عن الطعام، وبالتالي يحصل توفير في أموالنا، وندخره لننفق به على إخواننا الفقراء والمساكين، لكننا غيَّرنا هذا المفهوم وجعلنا شهر رمضان شهر الأكل والطعام فينهال الناس على الأسواق، ولا يشترون بقدر الحاجة، ولكنهم يشترون بغير مقدار (بالكراتين) المرأة تقدم له قائمة، وتقول: (كرتون) شعيرية، و (كرتون) مكرونة، و (تطلي)، وشربة، وكريمة، و (قمر الدين)، ووقطر الموز؛ وقطر الموز هذا العلبة منه تكفي لشهر؛ لأنها قطرات فقط، وإذا لم يأت (بكرتون) يا ويله! لأن الحياة كلها أصبحت (كراتين) الله المستعان!! وبعدها يذهب هذا الرجل ويحمِّل سيارته بشتى أنواع الطعام ويخزنها في البيت، ثم يملأ الثلاجة، وفي أول يوم من رمضان في الصباح يتنقل في المحلات وفي الأسواق، ثم يأتي بكل شيء، ثم تقوم ربة البيت من بعد صلاة الظهر وهي في حالة استنفارٍ كامل؛ تستنفر كافة القوى في البيت؛ الخادمات والأولاد والبنات، وحتى الرجل يشغلونه ويقولون له: تعال تعاون معنا، ثم توقد النيران على الأطعمة، وتتعدد إلى خمسة عشر أو عشرين نوعاً من أنواع الأطعمة، ومن بعد الظهر إلى المغرب وهي مشغولة بالطبخ من أجل ماذا؟ قالوا: من أجل أن رمضان كريم، وبعدها يأتون ليفطروا على سبع تمرات وفنجان قهوة وفنجان الماء وشبعوا، ألستم تشبعون من هذا أيها الإخوان؟! والله كل المسلمين يشبعون من التمرات ومن كوب الماء والقهوة، ولو اكتفوا بهذا وصلّوا لكانت صلاتهم مريحة، ولعاشوا عيشة هنيئة، ثم إنهم لا يكتفون بهذا عند الإفطار، وإنما يأكل مع التمرات والسنبوسة، واللقمة، والشربة، والعصائر، والمهضمات، هذا هو الفطور الذي ينهي معدة جمل، أما العشاء فلا يبلعه إلا فيل، ويذهب ليصلي المغرب ثم يعود بعد صلاة المغرب وأمامه عشرات الأصناف، ويجلس ولا بد أن يأكل من كل صنف منها، والويل له إن لم يمد يده على كل صنف منها؛ لأن المرأة سوف تغضب وترفع صوتها عليه، وتقول: وأنا أشتغل لمن؟ وأنا أصلحته من أجل من؟ وأنا واقفة على رجلي طوال اليوم من أجل من؟ والله لا بد أن تأكل من هذا، ومن هذا، والله والله وذلك الرجل يقول: حسناً! حسناً! حسناً! حسناً! ويأكل ويأكل! وإذا امتلأ بطنه فلا يبقى له نفس، إن المعدة تقسم ثلاثة أثلاث؛ ثلثٌ للطعام، وثلث للشراب، وثلث للنفس، لكن الناس يملئون الثلاثة الأثلاث طعاماً، والماء يحشونه حشواً، وأما النفس فلم يعد هناك نفس، بعدها لم يستطع أن يتكلم، أما وقت التراويح، فإنهم لا يأتون للصلاة إلا متأخرين، الآن بين أذان المغرب وأذان العشاء مقدار ساعتين، وتراهم يأتون والإمام يصلي وهم هناك خلف المصلين، حسناً! أين هم من بعد المغرب؟ قالوا: كنا نأكل، ولو أنهم ملئوا سيارة خلال تلك المدة لملئوها! لا إله إلا الله! ثم بعد ذلك يذهب ليصلي وهو متعب مريض الجسم، مثقل بالأحمال التي قد ملأ بها بطنه، فيرى التراويح هذه من أعظم المهمات، وإذا وجد إماماً خاشعاً تالياً لكتاب الله، أي: يؤدي الصلاة بطمأنينة غضب عليه، وضاقت أخلاقه، وصلى ركعتين وخرج، وإن كان شجاعاً صلى ثلاثاً أو أربعاً، وإن صلى إلى آخر الصلاة تنظر إليه بين الصلاة وهو يراوح بين رجل ورجل، يقدم هذه ويؤخر هذه، وإذا دخل في الصلاة دخل كأنه واقع في قدر، من أجل المعدة المرهقة المتعبة المثقلة بشتى أنواع الطعام، ثم يخرج وبعدها يرجع ليأكل إلى السحور، طوال الليل مكسرات، وفواكه، ومشروبات، ومهضمات، ثم إذا جاء السحور قال: نريد سحوراً جامداً انتبهي! نريد شيئاً يبقى في بطوننا إلى المغرب، ثم يأكل إلى أن يؤذن، بل إن شخصاً سألني البارحة، يقول لي: هل أنا أتوقف من الأكل مع بداية الأذان، أو مع آخر الأذان؟ لا يريد أن يتوقف ولا دقيقة، قلت له: إذا أذن للمغرب هل أنت تأكل مع بداية الأذان، أو مع نهاية الأذان؟ قال: مع بداية الأذان، قلت له: لماذا لم تنتظر حتى يكمل الأذان؟! لماذا في السحور تأكل حتى ينتهي الأذان؟ فعليك أن تتوقف عند أول كلمة من أذان الفجر، كما أنك تبدأ بالفطور عند أول كلمة من أذان المغرب، لا عليك يا أخي! لو توقفت عن الأكل في السحور قبل عشر دقائق، لماذا تأخذ بنفسك إلى آخر درجة، لماذا؟ يقول: لا أريد أن أفوت دقيقة لا آكل فيها. قولوا لي بربكم -أيها الإخوة- هل تحقق مفهوم الصيام من هذا الصائم؟ لقد شرع الله الصوم من أجل أن يشعر الإنسان بمرارة الجوع وشدة الألم، فيحس أن هناك مسلمين في العالم الإسلامي يموتون جوعاً، ويعيشون رمضان طوال العام لا يذوقون الأكل. يقول لي أحد قادة المجاهدين: إن ثلاثة عشر مليون مسلم في أفغانستان من اللاجئين يتعرضون الآن للموت والمجاعة، والمجاهدون الأفغان الآن يبيعون أسلحتهم ليشتروا لأولادهم طعاماً، ومائتا طفل يموتون يومياً من الجفاف، ونحن نموت تخمةً وشبعاً، وبعد ذلك يذهب إلى (المستشفى)، فترى صفوف البشر بعد صلاة التراويح وهم ذاهبون إلى (المستشفيات) ونرى الأطباء في العيادات الخارجية؛ طبيب الأذن لا يوجد أحد عنده! وطبيب العين لا يوجد أحد عنده! وطبيب الأرجل والعظام لا أحد يأتيه! والناس كلهم مثل النحل على طبيب الباطنية، وكلهم باطنية، وكل شخص يشتكي: بطني يا (دكتور)! بطنك من عمل يدك، أوقف يدك، بعضهم مملوءة بالحبوب يأكل ويقول: هذا يهضم، وهذا شراب يهضم، لا تهضم ولا تكظم، دع الطعام في الثلاجة، وبعدها اعمل برنامجاً إسلامياً للغذاء، فهناك برنامج إسلامي للغذاء في رمضان، بعض النساء تتصور أن زوجها بخيل، وعليه أن ينفي عنه هذه التهمة، ويأتي إليها ويقول: يا فلانة! تقول: نعم، يقول: كم صرفنا في شعبان؟ مصاريفنا إلى كم تصل؟ تقول: تصل إلى ألفي ريال، ورمضان كريم نريد أن نصرف فيه ستة آلاف ريال، لكن بطريقة تختلف عن طريقة الناس، ما هي هذه الطريقة؟ الطريقة: أن نضع خمسة آلاف صدقة في يد الله، نرسلها لإخواننا الفقراء والمساكين في أفغانستان، لنفطّر بها الصائمين هناك، وألف ريال نشتري بها طعاماً خفيفاً نفطر على تمرات فقط، ونرجع نتعشى ونأتي لنا بقرصين من العيش، أو ثلاثة أقراص من العيش نأتدم بحساء شربة، أو قطعة لحم بسيطة في مرق، أو قليل من الأرز ثم أذهب لأصلي، وبعد الصلاة نأتي لننام، وقبل الفجر نتسحر على تمرات؛ لأنه خير سحور المؤمن التمر، وإذا وجد عليه شيء من الفاكهة فلا مانع، ماذا تقول المرأة؟ إن كانت مؤمنة تقول: جزاك الله خيراً ما دام هذا فعلك، هذا صحيح ليس ببخل؛ فلو أنك بخيل لم تدفع خمسة آلاف ريال، لكن بعض النساء -والعياذ بالله- شبيهة بالسائمة لا تريد إلا أن تأكل وترقد، ولهذا إذا لم يأت لها بهذه الطلبات يا ويله! سوف تأكل عرضه، وقد تسبه عند الجيران وأقاربه وأهله وتقول: فلان أجاعنا، الناس في رمضان يأكلون ونحن نموت جوعاً بسبب هذا الرجل. لا، وأنا أهمس -أيها الإخوة- همسة، في أذن أخواتي المؤمنات الموجودات في هذا المسجد، والسامعات لهذا الشريط أن يتقين الله في رمضان، نريد أن نحدث تغييراً في حياتنا، وفي طريقة غذائنا في رمضان، وبقي معنا خمسة عشر يوماً -أيها الإخوان- نحن الآن في النصف وبقي معنا خمسة عشر يوماً بإمكاننا أن نغير، وأن نضع برامج خفيفة سهلة للطعام، بحيث لا توقد نار، ثم أرجع إلى المرأة التي كانت تقف من بعد الظهر إلى المغرب على النيران أقول: تعالي من بعد الظهر إلى المغرب واقرئي القرآن، فبعض النساء الآن دخل رمضان وقد انتصف ولم تختم القرآن مرة واحدة، مشغولة (بالسنبوسة) تقليبها وتقريصها وتقطيعها وقليها وأخذها، هذه ليست مهمة في رمضان: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:185] ما هو للأكل ولا للأقراص، تعالي لا نريد اليوم (سنبوسة) تعالي نقرأ القرآن، من بعد الظهر إلى المغرب ونحن نقرأ القرآن، وإذا جاء المغرب سهل ماذا سيحصل لنا، ليس هناك مشكلة، هذه البطن ليست مشكلة، فالأمر سهل، فضع في معدتك تمرتين وامتلأت، وبعدها والله ليس هناك أحسن من قلة الطعام، يقول الإمام الغزالي: سألت الأطباء فقلت لهم: ما سر طبكم؟ قالوا: في قلة الطعام، وسألت العلماء وقلت لهم: ما حكمة علمكم؟ قالوا: في قلة الطعام، وسألت الفقهاء فقلت لهم: ما علة فقهكم؟ قالوا: في قلة الطعام، وسألت الزاهدين في الدنيا فقلت لهم: ما سر زهدكم؟ قالوا: في قلة الطعام، فوجدت قلة الطعام فيه كل خير في الدنيا والآخرة، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما ملأ ابن آدم وعاءً شرٌ من بطنه) أي وعاء تملؤه ليس هناك أشر من بطنك (وبحسب ابن آدم لقيمات) ليس (لقمات) بل (لقيمات) تصغير أي: اثنتان أو ثلاث أو أربع (وكان صلى الله عليه وسلم يربط على بطنه الحجر والحجرين والثلاثة) من الجوع، وكان بإمكانه أن يأكل، لكن يقول: أريد أن أجوع يوماً وأشبع يوماً، فإذا جعت سألت الله، وإذا شبعت شكرت الله تبارك وتعالى. فالإيحاء الأول من رمضان: أن نعتبره شهر الصيام والمعاناة والتعب، لا شهر الطعام والشراب، هل بإمكاننا أن نحقق هذا البرنامج؟ نعم بإمكاننا، وأن نوفر المبالغ الزائدة التي نصرفها في شتى أنواع الطعام ثم نرميه، فيا ليت الناس يطبخون الطعام ثم يأكلونه، لكنهم يصنعون هذه الأصناف، ثم ينتهون من أكل ما قدروا عليه، ثم يصبون الباقي على السفرة، يفتح البرتقالة ويأكل منها جزءاً فقط، وثلاثة أرباعها ترمى، ويفتح التفاحة ويأكل منها الربع وثلاثة أرباعها يدعها، ويأ

رمضان شهر التهذيب والانتصار على النفس

رمضان شهر التهذيب والانتصار على النفس الإيحاء الثاني من رمضان: أن من أهدافه الانتصار على النفس، والاستعلاء على النزوات، بحيث تتهذب أخلاق المسلم، ويصبح خلقه خلقاً إسلامياً رفيعاً لا يغضب ولو استثير نعم. ولو استثير لماذا؟ لأنه صائم، ولهذا جاء في الحديث: (فإن سابه أحد فليقل: إني صائم) أي: أنا صائم وأستطيع أن أنتصر على الشهوات، وأن أرتفع عن كل هذه الأشياء، وبعد ذلك أهتم بنفسي فأهذبها، فبالتالي لو أن شخصاً أتاني يريد أن أغضب وأنا صائم، لا، بل أقول له: أنا صائم، والله لا أقدر أن أنزل معك في الإساءة، وأنا أتدرب على الخلق الرفيع لِمَ؟ لأني متحرر عن شهوات النفس، مستعلٍ على الأخلاق الرديئة، لكن الذي حصل اليوم أن أخلاق الناس -إلا من رحم الله- تسوء وتفسد في رمضان، فلا تسمع المضاربات والمشاكل والخصومات، وثوران الأعصاب وحدة التصرفات إلا في رمضان، وإذا جئت إليه وجدته غضبان ومتلفعاً بعمامته، وإذا جئت تقول له: ماذا فيك؟ قال لك: اذهب امش من عندي، ابحث لك عن عمل، رمضان كريم هي منتهية إلى هنا، لماذا هي منتهية؟ من أجل أن بطنه فارغة، سبحان الله! مسكين هذا، هذا عبد بطنه؛ إذا امتلأت بطنه ضحك واستراح وتخلق مع الناس، وإذا فرغت بطنه ثار وغضب، لا يا أخي! لست عبد بطنك، ولا عبد شهوتك، إنك عبد مولاك وخالقك، والذي خلقك يريد منك أن تتهذب بالأخلاق الإسلامية، وأن تستعلي على النفس وشهواتها وآفاتها، ومن أعظم آفاتها الغضب، فلا تغضب وأنت صائم، حتى ولو استثارك شخص، نعم. قد تكون مديراً أو موظفاً أو رئيس قسم، ويأتيك مراجع من المراجعين وهو غضبان بسبب أن معاملته تأخرت، فيقول: أنتم ليس فيكم خير، موظفوكم يلعبون، لا يأتون إلا الساعة الحادية عشرة، يبدأ العمل من الساعة العاشرة وهم يأتون الساعة الحادية عشرة، ويأتون ليناموا على المنضدة، ومعاملتي ضائعة، وأنا لي أسبوع وأنا آتي، فماذا عليك أن تقول لهذا المراجع؟: صدقت بارك الله فيك جزاك الله خيراً أبشر ولا يهمك هل عندك رقم؟ لا. ليس عندي رقم، أعطيتموني سبعين رقماً وضيعتها من كثرة الأرقام، أبشر أنا أعطيك الرقم، وتقوم معه إلى (الإرشيف) أو الوارد وتخرج له المعاملة، وتذهب إلى غير واحد حتى تقضي حاجته وأنت تبتسم، لماذا؟ لأن الإسلام والصيام هذب أخلاقك، لكن الذي يحصل الآن أنه لو أتى شخص بهذا الأسلوب فيا ويله! يقول له: لا تدخل عندي، وشخص ثان يقول: لا تدخل بعد الصلاة أيضاً، لماذا؟ قال: إني صائم، واعلم أني في قمة الغضب، سألقيها في وجهك، إذا أردت أن تعطيها فتعال في الفطر إن شاء الله، عندما يكون الشخص مفطراً يأكل ويشرب ويدخن وهو مستريح، أما الآن فليس عنده دخان ولا عنده شاهي، فالغضب قد بلغ الذروة، لا، ليس هذا مراد الإسلام من الصيام، إن هدف الصيام تهذيب الأخلاق، حتى ولو أن شخصاً أراد منك أن تغضب، فإنك تترفع وتقول: إني صائم. هذا الإيحاء الثاني.

رمضان شهر الجهاد لا شهر الدعة والقعود

رمضان شهر الجهاد لا شهر الدعة والقعود الإيحاء الثالث: قضية السهر في رمضان؛ وهذه مشكلة المشاكل، وعقدة العقد عند المسلمين. فقد شرع الله صيام رمضان، وشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام ليله، وبعد القيام ينصرف الناس إلى بيوتهم، وينامون ليستيقظوا، فيتسحروا ويصلوا الفجر، ثم يباشروا أعمالهم بقوة ونشاط، ولكن الذي يحدث الآن أن رمضان تصبح لياليه كلها سهراً، لا ينام الإنسان في رمضان إلى الفجر، ثم يأتي في الصباح وهو متعب، إما أن يأخذ إجازة، وأكثر الناس يأخذ إجازة في رمضان يقول: رمضان شهر النوم، نريد أن نأكل في الليل ونرقد في النهار، فهذا لم يقصر!! النهار نوم والليل أكل هذا هو رمضان، بينما الصحابة والسلف في النهار جهاد، والليل صلاة وقيام، رهبانٌ بالليل فرسانٌ في النهار، ولهذا كانت معارك الإسلام كلها تقوم في رمضان؛ غزوة بدر في رمضان، فتح مكة في رمضان، معارك التتار في رمضان، فكل الغزوات الإسلامية الفاصلة كانت تقوم في رمضان، لماذا؟ لأن المسلمين كانوا أكثر قوة ونشاطاً وإقداماً؛ لأنهم انتصروا على شهوات البطن فهم أقوياء، لكن الآن عندما سهر الناس في الليل تعطلت قواهم وخارت إمكاناتهم في رمضان، فنجد الموظف نائماً على مكتبه، ونجد الطالب نائماً على كرسيه، ونجد المدرس نائماً في المدرسة، ونجد البنت نائمة؛ كلهم نائمون، ماذا هناك؟ يقول أحد مدراء المدارس: دخلت على مدرس فصل في نهار رمضان، وحين دخلت وإذا بالطلاب نيام والمدرس نائم، يقول: فأخذت الكرسي وجلست بجانبهم، أريد أن أنتظر حتى يستيقظ، وينظر أني جالس أراقبه، وأني وجدته وهو نائم، يقول: فقعدت قليلاً فإذا بهم كلهم (يخطون) وبعدها رقدت معهم، رقد المدير والمدرس والطلاب في نهار رمضان، لا إله إلا الله! لماذا؟ لأن نوم النهار لا يحقق حاجة الجسم كنوم الليل، لو نمت في النهار من الفجر إلى المغرب، فإنك تقوم وأنت مريض، لكنك لو نمت في الليل ساعة أو ساعتين تقوم وأنت نشيط، لماذا؟ يقول العلماء: هذه آية من آيات الله؛ فقد قال الله في القرآن الكريم: {يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ} [القصص:72] وقال: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً} [الأنعام:96] قال العلماء: إن الناس ينامون في النهار، فلماذا خصص الله السكن في الليل؟ فبعد البحث والتشريح والدراسة والتأمل، وجدوا أن في مخ الإنسان خلايا، وأن هذه الخلايا إذا نام الإنسان في الليل سكنت، وإذا نام الإنسان في النهار بقيت مفتوحة، فيقوم الإنسان من نوم النهار وكأنه لم ينم، تنظر إليه ينام من الصباح ويقوم وهو ضعيف ومتعب، يريد أن ينام طوال اليوم، لكن دعه ينام ساعة أو ساعتين في الليل فإنه يقوم ما شاء الله والحمد لله! ذهب النوم، لماذا؟ لأن هذه الخلايا نامت. فنوم الليل ضروري -أيها الإخوة- ولا داعي للسهر، خصوصاً السهر المحرم، حين يسهر الناس في ليالي رمضان المبارك على معصية الله؛ يسهرون على الأفلام، ومجالس الغيبة والنميمة وأكل لحوم البشر، أو السهر في الذي هو أشبه بلعب الأطفال، كلعب الورق الذي يعني ابتلي به كثير من الناس، حتى العقلاء منهم وكبار السن يلعبون الورق (البلوت)، وهذا شيء يستغرب من العقلاء، ولا ينبغي لهم أن ينزلوا إلى هذا المستوى، فهذا الورق أصله لعبة للأطفال، أنت لو جئت إلى مجموعة من الأطفال وهم يلعبون الورق لم تنكر عليهم، ولو جئت إلى مجموعة من الأطفال يلعبون المكعبات، تعرفون المكعبات البلاستيكية التي يلعب بها الطفل ويعمل منها بيوتاً؟ فإنك لا تنكر عليه، أو رأيته يلعب بسيارته أو بطائرته أو بدبابته أو ببندقيته، لكن ما ظنك إذا جئت إلى رجل كبير عمره أربعون سنة، ومعه كيس من المكعبات ويبني منها عمارة، تقول: ماذا تعمل؟ يقول: والله أبني لي عمارة من المكعبات، أو يكون معه سيارة صغيرة يلعب بها، تقول له: ماذا بك؟ قال: ألا تنظر الموديل الجديد، ما رأيك في عقلية هذا الرجل؟ أما تحكم عليه بأنه مجنون وعقليته عقلية الأطفال؟! نعم. بالله هل هذا عمل العقلاء أيها الإخوة؟! إنه عمل أطفال، وبعدها يقضي الواحد الساعة والساعتين والثلاث والأربع والخمس والست إلى الفجر وهم يلعبون، لا يكلون ولا يملون، وهم مع ذلك يقامرون بأوقاتهم وحياتهم، وهذا يقوم وذاك يقعد، وبعد ذلك زوجته في البيت تنتظره ولا يأتي، ومن حين يدخل يقول لها: اعلمي أني سوف أتأخر الليلة، وهذه القاصمة على المرأة، تقول: لماذا تتأخر الليلة أين ستذهب؟ وماذا بقي عندها إلا أنت؟ تريد منك أن تؤانسها وتسامرها، وأنت تقول: لا. (البلوت) الليلة عند فلان وفلان وفلان، وإذا جاءت ليلته قال: اعلمي أن اللعب الليلة عندي، يا ويل تلك المرأة من الليلة! فإنها تحضر الشاهي و (النسكافية) والحليب والقهوة، كأنها (مكينة) طالعة نازلة طوال الليلة، والعصائر والفواكه، إلى الفجر وهم يلعبون الورق، وبعدها إذا قالت لهم: اتقوا الله يا جماعة! هذا لا يرضي الله، قالوا لها: ماذا تريدين أن نعمل؟ هل نذهب لنأكل لحوم الناس؟ ومن قال لكم: أن تأكلوا لحوم الناس، إذا لم تأكلوا لحوم الناس رجعتم إلى الورق! لا. إن المسلم ليس في حياته فراغ -أيها الإخوة- المؤمن مشغول، وكل دقيقة من دقائقه يجب أن يستغلها، في أي مصلحة له في الدنيا أو في الآخرة، أما إذا شعر أن عنده فراغاً فليعلم أنه فارغ من الإيمان، ما من ساعة تمر من ابن آدم إلا كانت عليه حسرة وندامة يوم القيامة، إذا لم يذكر الله فيها: (ما جلس قوم في مجلس لم يذكروا الله تعالى فيه إلا تفرقوا عن مثل جيفة حمار). نحن نخاطب العقلاء والمنصفين ونقول لهم: اتقوا الله، إن مجالس (البلوت) هذه مجالس قمار بالوقت، والله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:90 - 91] نعم. يجب على المؤمن أن يقول: انتهينا؛ لأنه يلعب (البلوت) ويوجِد في قلبه البغضاء والعداوة بينه وبين من يلعب أمامه، وبينه وبين الذي يغلبه، وبعدها يصده عن ذكر الله، لا يذكر الله طوال الوقت إلا بالأيمان الفاجرة فتمر عليهم الساعات والدقائق ولا يذكرون الله، والعياذ بالله. فنقول أيها الإخوة: ليس هناك مانع من السهر المحدود المباح إذا كان على ما يرضي الله؛ إما أن تسهر مع زوجتك؛ وهذا من أعظم الأشياء، أو تسهر مع قريبك تزوره، أو مع رحمك تزورها، أو مع جارك تصله، أو مع مصالحك الدنيوية، كأن يكون عندك مكتب أو مؤسسة أو دكان، فليس هناك مانع، لكن إلى مستوى معين من الليل إلى منتصف الليل وهذا طويل، ثم تعود بعد منتصف الليل إلى بيتك وتنام، وتربي أولادك على النوم إلى السحور، ثم تقوم في السحور وتتسحر وتذهب إلى المسجد؛ هذا هو البرنامج الإيماني بالنسبة للسهر، أما من يقضي ليله في السهر الفارغ، ثم ينام سائر اليوم، هذا لم يعرف رمضان حقيقةً.

رمضان شهر القرآن والدعوة إلى الله

رمضان شهر القرآن والدعوة إلى الله الإيحاء الرابع من إيحاءات رمضان: أنه شهر القرآن: والله يقول فيه: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان} [البقرة:185] يقول العلماء: إن تخصيص الذكر بنزول القرآن في رمضان، فيه إشارة ودعوة للمسلم على أن يجعل رمضان كله للقرآن، ولهذا كان السلف إذا دخل رمضان عطلوا حلقات العلم؛ التفسير الفقه الحديث التوحيد، جميع الحلقات تؤجل، وتبدأ كل حلقاتهم قرآناً في قرآن، يختمون بالليل والنهار، حتى روي أن الإمام الشافعي كان يختم في كل رمضان ستون ختمة، ختمةً بالليل وختمةً بالنهار، لا يُرى إلا قارئاً، لا يفتر لسانه من قراءة القرآن، لكن اليوم كم نقرأ من القرآن؟ الله المستعان! يمكن في أول رمضان ينشط بعض الناس وتكون عنده همة ويأخذ المصحف ويقرأ، لكن انتظر إلى اليوم الثاني تجد بعضهم لا زال في البقرة لم يكملها، يمر عليه خمسة عشر يوماً وهو لا زال فيها، وهناك بعض المؤمنين يختمون في كل يومين مرة، أو في كل ثلاثة أيام مرة، أو في كل أربعة أيام مرة، أو في كل خمسة أيام مرة، فشهر رمضان شهر القرآن. اتل الكتاب وسبح فيه مجتهداً فإنه شهر تسبيح وقرآن لا بد من تلاوة كلام الله في كل أوقاتك، ليكن مصحفك في جيبك، وفي مكتبك، وعند سرير نومك، وفي سيارتك، وكلما وجدت فرصة للتلاوة، حتى في العمل فاقرأ، إنك إذا كنت في وظيفتك فالمطلوب منك أن تصرف وقتك للوظيفة؛ لأن الوظيفة واجب والتلاوة نافلة، لكن إذا انتهيت من المعاملات ولم يبق عندك أي معاملة على مكتبك فاجلس وخذ المصحف واقرأ، وإذا جاءت المعاملات فضع المصحف وأنجز المعاملات، وبعد ذلك إذا أتيت لتنام فاقرأ، ومن حين يؤذن لكل صلاة أنت الأول، إذا كنت في الدوام عندما يؤذن فانزل الأول، من حين يؤذن تأتي لتصلي وترجع، تتعشى عشاءً خفيفاً وكن الأول، ولا تتأخر واذهب إلى المسجد مبكراً كي تقرأ القرآن، الفجر تتسحر وتأتي المسجد وتقرأ، تصلي الفجر وتقرأ، فاجعل كل حياتك في رمضان للقرآن. وبعدها تقرأ بتدبر، لا تهذرم: (لا تهذوا القرآن هذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، ولكن قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب) إذا رأيت آية من أوامر الله قف عندها واسأل نفسك، أين أنت منها؟ إذا رأيت نهياً من نواهي الله اسأل نفسك أين أنت من هذا النهي؟ اسأل نفسك أين أنت من هذا الخبر؟ قف عند القرآن وعجائبه وخذ العبر منه فهو {هُدىً لِلنَّاسِ} [البقرة:185] تأخذ من القرآن فكرة ومعنى الدعوة، لماذا؟ لأن الله يقول: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:185] فتحمل أنت مشعل الهدى والبينات، وتسير به بين الناس، فتدعو نفسك وزوجتك وأولادك وجيرانك وإخوانك، وتدعو زملاءك في العمل، وجلساءك في المكتب، وكل من تعرف، لماذا؟ لأن الدعوة هي تركة النبي صلى الله عليه وسلم، التركة التي خلفها لنا النبي صلى الله عليه وسلم: الدين والدعوة، يقول الله عزوجل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108] {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33]. إن مسئولية الدعوة مسئولية كل مسلم، فكل مسلم يجب أن يدعو بحسبه وليست الدعوة هي علو المنابر وحضور المحاضرات وإلقاؤها، لا. هذه جزء من الدعوة، لكن الاستقامة على الدين دعوة، تأييدك لرجل يأمر بمعروف ووقفتَ معه وقفة الحق دعوة، إذا رأيت صاحب منكر تقول له: يا أخي! هذا منكر لا يجوز لك. هذه دعوة، كل أساليب الدعوة يجب أن تسلكها انطلاقاً من قراءتك للقرآن، فمصيبة الأمة اليوم أنها صامتة، بل متفرجة، لو جئت إلى اثنين في الشارع وقد رأيت أنا هذا بعيني، وليس من أهل البلد وإنما هو من إخواننا الوافدين، خرج رجل مواطن من المسجد، وبيده (سيجارة) على باب المسجد وأشعلها، خرج وأنا أصلي في المسجد، عندما خرج هذا الرجل اعترضه أخٌ آخر في الطريق وسلم عليه وقال له: يا أخي أما كنت تصلي الآن؟ قال: نعم، قال: يا أخي! لا ينبغي لك بعد الصلاة أن تعصي الله (بالدخان)، تب إلى الله منه، فهذا الرجل المسكين المواطن غضب، ورأى أنها إهانة له أن يوجه له شخص نصيحة، لا سيما وأنه يرى أن هذا الأخ ليس من المقيمين، فغضب عليه وزمجر وصاح فيه صيحة عنيفة، وقال: أصلك (ملقوف) وماذا دخلك فيَّ؟ وهل أنت وحدك الذي تعرف الدين؟! نحن أهل الدين، وبدأ يشتمه، وسمعت الصياح وأنا في المسجد، فخرجت وإذا بالناس كلهم واقفون، والله ليس فيهم واحد ينصر هذا الأخ المسكين، إلا أنهم كلهم متفرجون، فجئت فقلت: ما الذي حصل؟ قال: هذا الذي لا يفهم وهذا قلت: وماذا هناك؟ قال: ينصحني ويقول لي: لا أدخن -والدخان في يده- قلت: وما المانع أن ينصحك؟ هل الدين لك فقط؟ لو أن فيك ديناً وخيراً لم تدخن يا أخي! نعم ينصحك: (الدين النصيحة) يا أخي! فنظر إلي وقام يطفئ (السيجارة)، قال: النصيحة ليست بهذا الأسلوب؟ قلت: ماذا قال لك: هل ضربك أو شتمك؟ قال: يقول لي: المفروض ألا أدخن، حسناً! فقط المفروض ألا تدخن يا أخي! اتق الله يا أخي! الحق ضالة المؤمن، أو لأنه من دولة أخرى، أو من جنسية أخرى، فأنت لا تقبل الحق؟ قال: لا. فقط أنا لا أرضى أن أحداً يقول لي، قلت: لا بد أن ترضى، ويجب أن تخضع للحق إذا كنت مسلماً، والذي لا يرضى بالحق فالله يقول: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ} [يونس:32] بعدها قام الناس قلت: يا جماعة! لماذا أنتم ساكتون؟ أليس هذا على حق؟ قالوا: نعم على حق. قلت: لماذا تسكتون؟ لماذا لا تناصرونه؟ أو من أجل أن هذا أجنبي وهذا من أهل البلد، الحق يا أخي! ضالة المؤمن، يجب أن تناصر الحق من أيٍ كان مصدره، ومع أي إنسان يحمله، الدين ليس وقفاً لأحد، الدين دين المسلمين من شتى بقاع الأرض. فيجب أيها الإخوة: أن نكون ألسنة ناطقة بالحق، ولكن بحكمة ورأفة وحب وشفقة، ليس بسب وشتيمة وانفعال، مثل هذا الأخ، قال له: يا أخي! الله يجزيك خيراً، أنت خارج من المسجد المفروض ألا تدخن، فقط، فهذا نعرفه من ماذا؟ من قراءة القرآن يقول الله: {هُدىً لِلنَّاسِ} [البقرة:185] ليس هدىً لك أنت، بل هدى للناس كلهم ومن أين تجيء؟ يقول الله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] فالدين رحمة للعالم كله، ونحن -أيها الإخوة- ما دام عندنا إمكانية أن نبلغ دين الله فلنبلغ عن الله ولو آية، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو حديثاً واحداً. هذا الإيحاء الرابع: وهو تلاوة القرآن.

رمضان شهر التدرب على الأعمال الصالحة

رمضان شهر التدرب على الأعمال الصالحة الإيحاء الخامس وهو مهم جداً: وهو أن شهر رمضان بمنزلة الدورة التدريبية التي يعقدها الله للمؤمنين شهراً في كل عام، للتدرب على العمل الصالح، يتدرب المسلم فيها على القيام والصيام، والإنفاق والبذل والعطاء، وغض البصر، وصيانة السمع، وكف اللسان، وحفظ الفرج، المهم من أول رمضان إلى آخره وهو متعبد لله، سائر في طريق الله في الإيجابيات وهي الطاعات ويبتعد عن السلبيات وهي المعاصي، حسناً وبعد أن تنتهي هذه الدورة ماذا يراد منك أيها المسلم؟! يراد منك أن تستمر على نفس الأداء، تستمر على تدريباتك التي أخذتها في رمضان، فكنت تصوم في رمضان فصم ستاً من شوال، كنت تقوم في التراويح فقم جزءاً من الليل في بيتك، كنت تغض بصرك في رمضان فغض بصرك في شوال، كنت قد هداك الله من المخدرات والدخان والمفترات والخبائث فاتركها في شوال، عرفت المساجد في رمضان، يجب أن تستمر على صلاتك في المساجد في شوال، وكنت تنفق من مالك في رمضان يجب -أيضاً- أن تنفق من مالك في شوال، فقد تدربت على الأعمال الصالحة. لكن الذي يؤلم القلب أن كثيراً من المسلمين إذا انتهى رمضان انتهت علاقتهم بالعمل الصالح، إذا انتهت آخر ليلة من رمضان تراهم يودعون فيها المساجد، وترون في ليلة العيد، في صلاة الفجر من يوم العيد، كم يصلي في المسجد الذي فيه عشرة صفوف؟ ترون فيه صفاً واحداً، أما الآخرون انتهى رمضان وانتهت العبادة، لا إله إلا الله! إن أصحاب العبادات الموسمية هؤلاء لا تنفعهم يوم القيامة؛ لأن الله عزوجل يطلب منا أن نعبده حتى نلقاه، يقول الله: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] أي: الموت، وليس حتى يأتي شوال، والذي يعبد الله عزوجل يجب أن يعبده في كل وقت وحين، والذي يعبد رمضان، فرمضان شهر لا ينفع ولا يضر، وافرض -مثلاً- أنك عبدت الله في رمضان ثم تركت في شوال، ومت في شوال ماذا ينفعك رمضان؟ العبرة بالخواتيم -اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها. فينبغي للمسلم أن يكون هكذا، أنك إذا صليت العشاء ثم انتقض وضوءك قبل السلام، فما حكم صلاتك؟ باطلة، وإذا صمت نهار رمضان وأفطرت قبل الغروب بدقيقة واحدة، فما حكم صيامك؟ باطل، وكذلك إذا عبدت الله ثم تركت قبل الموت، لا ينفع شيء من عمرك الأول. فلا بد -أيها الإخوة- من الاستمرار في العمل الصالح، وهذا الإيحاء نعرفه من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان وأتبعه بستٍ من شوال كان كمن صام الدهر كله) وأحد السلف يقول: [بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان] ولا يعني هذا أن يكون الناس في شوال على مقدار العبادة في رمضان، لا. فرمضان مميز بالصيام الدائم، مميز بالقيام الدائم، مميز بالإنفاق الكثير، لكن المستوى الأدنى في شوال حفظ الفرائض والرواتب في المساجد، المستوى الأدنى في شوال أن تصوم ثلاثة أيام، أو تصوم الست من شوال، المستوى الأدنى أن تتصدق ولو بخمسة ريالات يومياً من جيبك لإخوانك المجاهدين، أو الفقراء والمساكين، المستوى الأدنى أن تكون ذاكراً لله، أما المعاصي فالمستوى فيها أنك لا تعصِ الله لا في رمضان ولا في شوال، فإن الله يغضب إذا عصي في شوال كما يغضب إذا عصي في رمضان، والله حرم المعصية في كل زمان ومكان، وعلى أي أرض، وتحت أي سماء، يقول الله في الأثر الإلهي: (إني إذا أطعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتي نهاية، وإني إذا عصيت غضبت، وإذا غضبت لعنت، ولعنتي تبلغ السابع من الولد). هذه -أيها الإخوة- خمسة إيحاءات من رمضان: الإيحاء الأول: الطعام وبرنامج الغذاء الإسلامي. الإيحاء الثاني: الغضب والتوتر. الإيحاء الثالث: السهر. الإيحاء الرابع: قراءة القرآن والدعوة إلى الله. الإيحاء الخامس: الاستمرار والثبات بعد رمضان على الإيمان والعمل الصالح حتى يلقى العبد ربه. فإذا أخذنا هذه المعاني من رمضان، وفهمناها على المراد الشرعي منه، أما إذا فهمنا أن رمضان هو شهر الأكل في الليل، والسهر والنوم في النهار، فلم نعرف رمضان وستمر علينا جميع الرمضانات، ونخرج منها مثلما دخلنا فيها، ولهذا يقول أحد السلف: علامة قبول رمضان أن تكون في شوال أحسن منك حالاً قبل رمضان. أما الذي تنظر إليه وهو في شعبان وشوال سواء، معنى ذلك أنه لم يقبل منه رمضان، ما علامة قبول رمضان ونجاحك في رمضان؟ أن تكون في شوال إنساناً جديداً، تختلف عما كنت عليه في شعبان، أما إذا كنت في شعبان تغني وفي شوال تغني، في شعبان يزني، وفي شوال قد يزني، في شعبان يرابي وفي شوال -أيضاً- يرابي، في شعبان لا يصلي في المسجد، وفي شوال ترك الصلاة في المسجد، إذاً ما قيمة رمضان عند هذا؟ رمضان دخل وخرج وما زدت فيه إلا أن أكلت وسهرت ونمت ولعبت، وانتهى رمضان دون أن تحصل منه على المعاني التي شرعها الله، والتي قال الله فيها: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183]. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يعيننا وإياكم على الطاعة والعمل الصالح، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الأسئلة

الأسئلة

حكم دعم المجاهدين الأفغان

حكم دعم المجاهدين الأفغان Q هناك من يثبط الناس عن دعم المجاهدين، بحجة أن الحرب أصبحت حرباً أهلية بين الأفغانيين بعضهم بعضاً؟ A هذا المثبط مسكين جاهل لا يعرف الأمور على حقيقتها، وينبغي له أن يكون من المؤمنين الواعين لحقائق الأمور ولا يكون جاهلاً، وينبغي له إذا لم يعرف ألا يتدخل في شيء من مثل هذه الأمور، إن الحرب الآن -أيها الإخوة- ليست حرباً أهلية، إنها حرب بين راية الإسلام وراية الكفر، والكافر سواء كان أفغانياً أو كان روسياً فهو كافر، فالكفر ملة واحدة، والراية المرفوعة الآن راية إسلام، أمام راية شيوعية حمراء يرفعها الشيوعيون الأفغان، ويؤيدهم الشيوعيون الروس بالسلاح والمال والخبراء وجميع الإمكانيات، فلا ينبغي للمسلم أن يتأخر عن دعم إخوانه؛ لأن فرضية الجهاد ليست على الأفغانيين فقط، إنها مسئولية كل مسلم، ولكنهم قاموا بالنيابة عنا للدفاع عن الإسلام في بلادهم، ونحن ينتظر منا أن نقوم بدعمهم، وأن نقاتل معهم بأموالنا وبدعائنا إن لم نستطع أن نقاتل بأنفسنا.

نصيحة للآباء بسرعة تزويج بناتهم وأبنائهم

نصيحة للآباء بسرعة تزويج بناتهم وأبنائهم Q هنا مشكلة مرسلة من بعض الفتيات، وهي مشكلة خطيرة جداً يقلن فيها: نشتكي إلى الله من مشكلتنا التي نعاني منها، ولا يشعر أحدٌ بمعاناتنا، هذه المشكلة هي مشكلة الزواج، فآباؤنا -سامحهم الله- منعونا من حقنا الشرعي بحججٍ واهية وأعذارٍ غير صحيحة، ويواجهوننا بالرفض؛ إما لسلك الطرق غير الشرعية، أو بقضاء حياة العنوسة التي نعاني منها الأمرَّين، فتذهب حياتنا سدى، وهكذا تصل أعمارنا إلى السن المتقدمة دون أن نتزوج، فنرجو منكم النصيحة لآبائنا، عسى أن تصل إلى آذانهم وقلوبهم؟ وما رأي الإسلام في ذلك؟ أفتونا وجزاكم الله خيراً، ونرجو منكم الدعاء لنا، وتأمين الحاضرين على دعائكم جزاكم الله خيراً؟ A هذه -أيها الإخوة- مشكلة ينبغي أن نصغي لها بآذاننا وقلوبنا. سنة الله غالبة، والذي يريد أن يلغي سنة الله بفكره، فالله غالب على أمره، سنة الله غالبة وهو أن هذه المرأة تبحث عن رجل يقول الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:21] آية من آيات الله أن الزوجة والبنت لا تسكن إلا إلى زوج؛ وهذا الزوج هو الذي يلبي احتياجها، من الأمن والطمأنينة والسكن والمودة والرحمة، وإذا حُلتَ بينها -أيها الأب- وبين السكن مع الزوج عذبتها، وأنت لا نشك في أنك تبحث عن سعادتها، ولا نشك في أن أحداً من الآباء يبحث عن شقاء ابنته أبداً، إنه يسارع بها إلى المستشفى إذا مرضت، ويعطيها الغذاء والدواء والكساء والأموال، لكنه أحياناً ينسى الحاجة الرئيسية عندها وهي الزوج، وإذا جاء الزوج الذي يخطب يرفضه، لا. يا أخي المسلم! إن من مقتضيات عطفك ورحمتك وشفقتك على ابنتك، أن تبحث عن سعادتها، وسعادتها لا تكون إلا في زواجها، ومتى تزوجها؟ عند النضج، والنضج متى يبدأ؟ من بلوغ المرأة سن الحيض، إذا حاضت المرأة فهذا دليل وإشعار على أنها أصبحت قابلة للزواج، والذي يلغي سنة الله في ابنته، وتحيض ابنته في كل شهر وطوال السنين، فقد ورد في بعض الآثار: (إن حيضها يجمع يوم القيامة ويسقى به والدها). يشرب حيض ابنته؛ لأنه منعها من الزواج، بينما هو في علاقة جنسية ليلية مع أمها أو مع عمتها، لا يصبر عن امرأته أسبوعاً، لو تهرب امرأته عند أهلها أسبوعين لا يأتيه النوم، ويذهب ويدفع الأموال ويطرح الرضا والمصالح من أجل أن يأتي بالمرأة، وابنته محصورة في غرفتها تعاني الأمرَّين، تسمع وترى وتلتهب فيها عوامل الشهوة، ولا تريد البنت الطيبة أن تكسر عرض أبيها، ولا أن تخدش حياء أسرتها، ولا أن تعرض نفسها للذئاب البشرية الفاتكة فتعيش معذبة محرومة من لذة الحياة، بسبب ماذا؟ بسبب طمع والدها؛ إما أن يكون طامعاً في راتبها إذا كانت موظفة، أو يكون طامعاً في نسيبٍ يتخيره هو على نظره، لا يا أخي! إذا أتاك من ترضى دينه وخلقه فزوجه، والحمد لله الساحة اليوم مملوءة بالطيبين، لقد كان الرجل في الماضي إذا أراد أن يزوج ابنته، يقف محتاراً كيف يزوج ابنته لا يجد أحداً، لا يلقى إلا (مخنفسين) و (معربدين) ولا يسوون شيئاً، لا يأمنه الواحد منا على حماره فضلاً على أنه يعطيه ابنته، لكن اليوم والحمد لله المساجد مملوءة، والمجتمعات مملوءة بأصحاب الإيمان، بشباب القرآن بالملتزمين، ولكن الملتزمين لم يجدوا زوجات، أنا أعرف في هذا المسجد ما يقارب ألفي شخص يريدون أن يتزوجوا، لو أقول: ارفعوا أصابعكم لرفعوا أصابعهم، هؤلاء من يزوجهم والبنات يملأن البيوت؟! كل بيت تنظرونه في الصباح تخرج البنات منه صفوفاً يركبن في السيارات وينزلن عند المدارس والكليات مئات وآلاف البنات فهؤلاء لم يتزوجن، والشباب لم يتزوجوا، وبالتالي من الذي يستفيد من هذا؟ الشيطان يستغل هذا الرفض وهذا المنع من أجل أن يكسر الحواجز، ويفتح الطرق والميادين والقنوات الشيطانية عبر الاتصالات الهاتفية، وعبر الرسائل الغرامية، وعبر الخروج إلى الأسواق والمنتزهات، وبعدها قد تتم اللقاءات المحرمة، وتعيش الأمة في فساد لا يعلمه إلا الله، ويتمنى الزوج أو الأب الذي منع ابنته، يتمنى أنه لم يعرف الحياة، يوم يعلم أنَّ ابنته قد زنت، أو قد ذهبت عذارتها، أو قد ضبطت مع رجل في سيارة، أو ضبطت في مكالمة، أو كشف في (شنطتها) رسالة، وأبوها هو السبب في هذا كله. نقول لإخواننا في الله: اتقوا الله في فلذات أكبادكم، اتقوا الله في بناتكم، زوجوهن إن جاءكم الخاطب الكفء، وإذا لم يأتكم الخاطب الكفء فعليك أن تبحث أنت لابنتك عن زوج، ابحث أنت، فأنت تصلي في المسجد وابنتك لا تصلي في المسجد، ولا تقدر أن تتكلم مع أحد، ولا تعرف من هو الذي يجيء، ولكن أنت تعرف المسجد، فإذا نظرت إلى رجل فيه خير ودين فادعه وقل له: تعال، هل أنت متزوج؟ فإن قال: لا والله، قل له: هل تشتغل؟ فقال: والله ليس عندي وظيفة أنا أدرس، حسناً أنا سوف أزوجك، سوف يقول: الله يجزيك خيراً، الله يبارك فيك، ويقبل رأسك، يقول أحد الإخوان: عندي ثلاث بنات، والله إن أزواجهن عندي مثل عيني، وعندي أولاد والله لا ينفعونني بشيء. فتبحث عن الزوج وتختاره أنت، وتأتي به إلى البيت وتجعله يرى البنت وتراه، فإذا انتهى الأمر وتيسرت الأمور، فخذ منه عشرة ريالات أو ألف ريال أو مائتي ريال، وتعقد له، وتأتي بكبش أو ذبيحة، وتدعو أباه، ثم تتعشون سوياً، ثم ادفع إليه زوجته، وبعدها اذهب للنوم وعينك آمنة، وظهرك آمن، وقلبك آمن، إن ابنتك أصبحت مع رجل يحميها ويقوم بلوازمها، لكن أن تغلق عليها الباب كل ليلة وأنت تنام مع زوجتك مهما فعلت، إما أن تكسر عرضك، وإما أن تعيش في عذاب، وإذا مت أنت فأول من يخاصمك هذه البنت بين يدي الله، وأذكر أني ذكرت لكم القصة عن تلك البنت التي مرض أبوها في المستشفى، فلما جاءت إليه تزوره مع بقية الأسرة، وعمرها خمس وثلاثون سنة، لم يأتها الخطاب، انتهى، من الذي سوف يأتيها وعمرها خمس وثلاثون سنة؟ الثمرة تقطف في سن النضج، لكنها إذا انتهت واضمحلت، لم يعد أحد يأتي إليها، فلما جاءت قال: سامحيني يا ابنتي! لأنه عرف أنه قد ضرها، قالت: قل: يا الله، قال: يا الله، قالت: ثم قل: يا الله، قال: يا الله، ثم قل: يا الله، قال: يا الله، قالت: إن الله يلهب عظامك، وإن الله لا يسامحك لا في الدنيا ولا في الآخرة، قال: قولي: لا إله إلا الله، قالت: لا إله إلا الله، قتلك الله، الآن عمري خمسة وثلاثون سنة ولو أنك زوجتني وعمري عشرون سنة لكان معي ولد كبير عمره الآن خمس عشرة سنة يقوم بي يوم أن تموت أنت الآن، لكن الآن سوف تموت أنت وأخواتي تزوجن إن أتيت عندهن أتيت خادمة لأزواجهن، وإخواني تزوجوا، إن جئت عندهم ضاقوا مني، وإن قعدت لوحدي ضقت من الحياة، وإن أردت الزواج فلا أحد يتزوجني الآن. فزوج ابنتك يا أخي! إذا بلغت خمسة عشر عاماً زوجها أو ستة عشر أو سبعة عشر، بعضهم يقول: أنا أريد أن تكمل تعليمها، فلتكمل تعليمها من يمنعها؟ التعليم لا يمنعه الزواج، بل الزواج أعظم مؤيد للتعليم، زوج ولدك وابنتك، فنحن بحاجة إلى البشر -يا إخواني- بلادنا بلادٌ طيبة وخيراتها كثيرة، بلادنا واسعة وفيها خير، يشبع فيها جميع شعوب الأرض، ونحن قاعدون لا نزوج بناتنا ولا أولادنا، لا يا إخواني! تكاثروا تناسلوا، وبعدها لا تعقدوا أمور الزواج، اتقوا الله! إن الرجل الحر الشهم المؤمن لا تنام عينه، ولا يستقر قلبه إلا إذا عرف أن ابنته أصبحت عند رجل يحميها ويقوم بلوازمها، أما أن تقوم بربط بناتك وتجعلهن مربوطات وحبيسات في البيت، فإنك بهذا تقترف أعظم مصيبة وجريمة في حقهن وفي حق مجتمعك، وفي حق دينك ونفسك، وسوف تعض أصابع الندم يوم القيامة إذا وقفت بين يدي الله وقد خنت هذه الأمانة. أما الدعاء: فأدعو الله لهؤلاء البنات أن يرزقهن الصبر، وأنا أوصيهن بالصبر، فالبنت والشاب إذا لم يتيسر لهما الزواج فليس هناك فرصة للحرام؛ لأن الله يقول: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:33]. فنحن نقول للبنات: إذا لم يرض الآباء أن يزوجوهن استعففن واصبرن، فإن صبركن على عدم الزواج أخف من النار، وأخف من عذاب الله. وأيضاً الشباب نقول لهم: اصبروا وسيجعل الله للصابرين فرجاً إن شاء الله.

المحافظة على الطاعات باجتناب المحرمات

المحافظة على الطاعات باجتناب المحرمات Q ما رأيكم في الذين يصلون التراويح مع المسلمين، ويحضرون دعوة المسلمين، ثم يعودون إلى بيوتهم ليشاهدوا المسلسلات في أفلام الفيديو، ويسمعوا الأغاني؟ A هؤلاء مساكين؛ لأنهم يفسدون أعمالهم، كما أن الحسنات يذهبن السيئات أيضاً: السيئات تذهب الحسنات، يجب أن تبني وتحمي ما بنيت -يا أخي- تبني عملاً صالحاً وتحميه من الفساد، أما أن تبني نصف ساعة تراويح، وتقعد ثلاث أو أربع ساعات على الأفلام والأغاني فإنك تخرب أكثر مما تصلح، يقول الشاعر: أرى ألف بانٍ لا يقوموا لهادمٍ فكيف ببانٍ خلفه ألف هادمٍ

مشروعية العمرة في رمضان

مشروعية العمرة في رمضان Q نصيحة للمعتمرين لاحظت ما يلي: كثرة الكلام عن العمرة بين الناس، هل اعتمرتم، أم لا؟ كأنها أصبحت موضة؟ A لا يا أخي! لم تصبح موضة، ولا نريد أن نشعر الناس بأنهم إذا تساءلوا عن العمرة أنهم مخطئون، أبداً، فإذا اعتمرت فالحمد لله، وإذا سألك شخص: هل اعتمرت؟ فقل: نعم. ولا يسألك إلا عن أمر مهم، أما العمرة في رمضان ففيها حديث في صحيح البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: (عمرة في رمضان تعدل حجةً معي) كأنك حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم، أما إذا تساءل الناس عن العمرة فهذا من باب التناصح والتذاكر، تقول: هل اعتمرتم؟ أقول: لا والله، تقول لي: لماذا يا أخي! لا بد أن نعتمر، فهذه فرصة، أو أنا أعتمرت والحمد لله، هذا هو الهدف منها التذكير، أما إذا كان الغرض منها المباهاة أو الرياء، فهذا لا يجوز والعياذ بالله.

النساء وخروجهن إلى الأسواق بعد التراويح في مكة

النساء وخروجهن إلى الأسواق بعد التراويح في مكة Q بعض الناس يذهب إلى العمرة، ثم يترك لنسائه الحبل على الغارب في التجول في شوارع مكة وأسواقها، فبم تنصحهم؟ A ننصحهم بعدم تركهم يعملون هذا؛ لأن الذهاب للعمرة للطاعة وليس للمعصية، صحيح بعض النساء إذا دخل الرجال في التراويح خرجت وذهبت إلى الأسواق تقضي حاجتها، وترجع إلى المسجد الحرام كأنها تصلي، لم يعرف زوجها وهذا لا ينبغي، يجب أن تصلي وتجلس في المسجد الحرام، وإذا كانت بحاجة إلى شيء فعلى زوجها أن يقضيه لها.

مناصحة الجار الذي لا يصلي أو هجره

مناصحة الجار الذي لا يصلي أو هجره Q لي جار لا يصلي سواء في رمضان أو في غيره، فما الحكمة في نصيحته؛ لأنه منغمسٌ في الفسوق؟ A ليس في الفسوق بل منغمس في الكفر؛ لأن الذي لا يصلي كافر، وعليك مناصحته بزيارته وإهدائه كتاباً إسلامياً أو شريطاً إسلامياً ودعوته مرة ومرتين، فإذا قبل منك النصيحة واستجاب إلى كلامك، فاستمر حتى ولو لم يأت ليصلي في المسجد، لكن استمر معه حتى يهديه الله، أما إذا رفض النصيحة، ورفض الكتاب، ورفض الشريط فيجب رفعه لولي الأمر، فتذهب إلى الحسبة والهيئة وتقول لهم: لي جار لا يصلي، هذا رقم هاتفه، أو هذا عنوان بيته، أو العمارة التي هو فيها وأنا برئت ذمتي، ثم تقاطعه في الله؛ لا تسلم عليه، ولا تزوره، تبغضه في الله حتى يرجع إلى الله تبارك وتعالى.

حكم زواج الشغار

حكم زواج الشغار Q والدي زوج رجلاً بأختي، والرجل زوجني أخته، والبنات راضيات وسعيدات، وأنا والرجل الذي تزوج راضيان، وقد رزقنا بأولاد. فما حكم هذا الزواج؟ علماً بأنه يوجد شرط: بأن كل واحد يزوج الثاني، وما حكم النكاح؟ A هذا النكاح باطل واسمه: نكاح الشغار، وهو حرام، ولو كن راضيات وسعيدات، ولو كان فيه مهر، ما دام فيه شرط بأنك لا تزوجني إلا إذا زوجتك، فهذا هو الشغار، ولهذا ينبغي لصاحب هذا السؤال أن يصحح الوضع من الليلة؛ لأن حياتهم الآن قائمة على الحرام، والأولاد الله أعلم بحكمهم، والحياة كلها شر ولعنة -والعياذ بالله- عليهم أن يذهبوا إلى قاضي الجهة الشرعية التي عندهم ويصححوا الوضع، ويؤتى بالزوجات، ويعاد العقد من جديد ليصبح عقداً شرعياً، أما العقد الأول الذي فيه شرط المبادلة، فإنه شرط فاسد والنكاح باطل وهو نكاح الشغار. وإذا ماتت إحداهما فليجددوا للتي ما زالت حية، والتي قد ماتت نسأل الله أن يتوب عليه وعليها. أسأل الله عز وجل لي ولكم التوفيق، والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لا تقنطوا من رحمة الله

لا تقنطوا من رحمة الله نَهَجَ الإسلام في التعامل مع النفس البشرية منهجاً عظيماً، ينطلق من علم الله عز وجل فهو الذي خلق النفس وسواها، وألهمها فجورها وتقواها، فهو يعلم ضعفها وحقارتها وتسلط الشهوات والشبهات عليها. ومن طبيعة النفس البشرية أنها جبلت على الخطأ لكن الله جعل لها باباً واسعاً وهو باب التوبة والرجوع إليه وعدم القنوط من رحمته.

الحث على الإنابة والرجوع إلى الله تعالى

الحث على الإنابة والرجوع إلى الله تعالى الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الإخوة في الله! هذا الدرس بعنوان: (لا تقنطوا من رحمة الله) وهذا العنوان جزء من آية كريمة في كتاب الله عز وجل، وقد بين الله عز وجل فيها للناس الذين أسرفوا في الذنوب وأمعنوا في الخطايا، فدعاهم ألا يقنطوا من رحمة الله، ودعاهم أيضاً بأن سماهم عباده فقال: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزمر:53 - 54] إلى آخر الآيات. ومنهج الإسلام في التعامل مع النفس البشرية منهج عظيم ينطلق من علم الله عز وجل بحقيقة هذه النفس؛ لأن الله عز وجل هو الذي خلق النفس: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس:7 - 8] {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] يعلم ضعفها، وحقارتها، وتسلط الأعداء عليها، ولذا فإن الله تبارك وتعالى عاملها عن علم، وفرض عليها ورباها من طليق الفهم بها والعلم بأسرارها، فالنفس تعتمد في الأصل على إدراك الحق، هذا مطلب، وهو: أن يدرك كل إنسان الحق الذي من أجله خلقه الله تعالى {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الرعد:19]. الناس أحد رجلين: رجل يعلم الحق والدين وأدركه، ومعنى الإدراك يعني: بلوغ هذه الحقائق إلى أعماق النفس البشرية. هذا يسمى إدراك، ليس فهماً ولا علماً، لا. إدراك يقيني، هذا رجل وفقه الله فأدرك. - وآخر لم يدرك ولم يعرف الحق فهو أعمى عن طريق الحق: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} [الإسراء:72]. فالأول: أدرك الحق، وترتب على إدراكه للحق أن سار في طريق الحق؛ فقام بالفرائض والواجبات، وانتهى عن المحارم، وترك المعاصي والمنكرات، وهذا الفعل كفيل بأن يصل به إلى أعلى درجات الكمال إذا قام بأوامر الله وانتهى عما حرم الله، لم يعد إنساناً بشرياً بسيطاً عادياً، بل يرتفع عن مستواه؛ لأن الله تعالى يقول: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس:7 - 9] أي: ارتفع بها، التزكية هي: الارتفاع والعلو بالنفس البشرية {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:10] أي: غمسها ولطخها بالذنوب والمعاصي، فإذا فعل الإنسان الطاعات وترك المعاصي ارتفع إلى ذروة الرفعة، فهنا يصبح جديراً بأن يكون من عباد الله، وأن يكون خليفة في الأرض، إلا أن الإنسان بحكم بشريته، وطبيعة خلقه لا يبقى دائماً في سمو، بل ربما تعثر به القدم وتزل، وربما يسقط إما بسبب جهله، أو شهوته، أو ضغط شبهة، أو بتأثير رفقته، كل هذه مؤثرات تحاول أن تجذب الإنسان وهو في طريق السمو والارتقاء، شهوات، شبهات، رفقة، غفلة، جهل كل هذه اسمها مثبطات، فيحصل له بهذا انحراف عن السير في الطريق الصحيح.

أثر الانحراف الديني على الإنسان

أثر الانحراف الديني على الإنسان إن هذا الانحراف يهبط به وينزله من المستوى الإنساني، ويحول بينه وبين التطهر والترقي والتسامي فيسقط ويقل قدره عند الله، وينحط إلى الدرك الذي يعوقه عن النهوض بتبعات هذا الدين، فيألف المعاصي، وتثقل عليه الطاعات، وحين يصل الإنسان إلى هذه الدرجة لا يكون له رسالة في الكون، ولا هدف ولا مثل، وإنما تتجه جميع قدراته وإمكاناته لإشباع غرائزه، وإيثار مصالحه، والتنكر للمصالح الأخرى، فيصبح شخصاً أنانياً فقط. همه أن يدور كل شيء في فلكه هو، ويوم أن تخلو الحياة من الضمائر الحية والأفراد الصالحين تتحول الحياة إلى صراع، وحلبة لا يكون فيها إلا شبه صراع الحيوانات المفترسة، وهذا معنى قول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12] ويقول عز وجل: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] لماذا؟ لأنهم نزلوا من المستوى الإيماني عن الرقي الديني إلى المستوى البهيمي، وعاشوا كما تعيش البهائم. هنالك لا تكون لهم قيمة إلا بالعودة إلى الله والتمسك بحبله، يقول الله عز وجل: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} [الزخرف:43 - 44] ذكرك، شأنك، علوك، منزلتك، كيانك، وجودك كله أين؟ في كتاب الله: {وإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ} بغير القرآن لا ذكر لك، بغير الدين لا معنى لوجودك، بغير الإيمان لا قيمة لك، من أنت؟ أنت ذرة من ذرات هذا الكون، أنت حشرة من الحشرات التائهة فيه، لكن بالإيمان أنت أكبر وأعظم من فيه. وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر قد هيئوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل لكن متى؟ يوم أن تستمسك، ولكن كيف؟ لا بد من الشعور، والإنسان ينزل لا بد أن يستشعر ذلك في نفسه، وأن هناك صارخ وداعية يدعوه يقول: لا تستجب لهذا النزول، ارجع ولا تقنط من رحمة الله؛ لأن الشيطان يقول: انتهى الأمر، أنت لا تعمل، أنت نازل فلا تصعد، ما لك والتعب فلن يغفر الله لك؟ ويضخم الشيطان خطاياك، ويكبر سيئاتك، ويقول: أنت مجرم مسيء، حتى يحول بينك وبين الرقي مرة ثانية وهذا وحي إبليسي. أما الوحي الإيماني فإنه يهتف بك ويقول لك: أنت إنسان وما سمي الإنسان إلا لنسيه ولا القلب إلا أنه يتقلب

الإنسان مجبول على الخطأ

الإنسان مجبول على الخطأ لست ملكاً مطهراً، ولا بشراً معصوماً، إنما أنت بشر تنازعك القوى، وتتجاذبك الأهواء، وتتغلب عليك طبائعك، فتسموا أحياناً وترتفع، وتنزل أحياناً وتخلد، أجل عليك ألا تستجيب باستمرار لداعي الهبوط، بل صحح خطأك، وعالج مرضك، واغسل ذنبك، واستأنف السير مع ربك من جديد، يقول عليه الصلاة والسلام وهو يبين طبيعة البشر: (كل ابن آدم خطَّاء -الخطيئة هي شأن بني آدم ولكن- وخير الخطائين التوابون) هذا الحديث رواه ابن ماجة والحاكم والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. (كل ابن آدم) وأنت من بنيه، أتريد أن تبقى ملكاً لا تخطئ ولو مرة واحدة؟ هذا غير ممكن! لا يوجد أحد في الدنيا لا يخطئ، كلكم خطاء، ولكن الخطيئة في حياة المسلم عارضة وفي حياة الفاجر ثابتة الخطيئة ملازمة لذاك أما المسلم فلا، تعرض له فقط، ولكن يتوب مباشرة منها (وخير الخطائين التوابون) هكذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم. ويقول عليه الصلاة والسلام والحديث في صحيح مسلم: (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها) وبسط اليد من قبل الرب هو عملية استعجال، أنت اليوم أذنبت في النهار والله في هذه الليلة يبسط يده لجميع المسيئين والمذنبين ارجعوا بسرعة، ارجع ولا تستمر في المعصية. وبسط اليد يعني: دعوة من الله تعالى لعباده ولذا قال: (يبسط يده بالليل) لمن؟ ليس للصالحين، وإنما للمسيئين: (ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل). إلى متى؟ (حتى تطلع الشمس من مغربها). والله عز وجل وهو يعلم طبيعة البشر وضعف الإنسان يقول في كتابه: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] ويقول وهو يحدث عن أبي البشر آدم عليه السلام: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه:121 - 122] ويقول: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:37]. هذه الكلمات التي قالها آدم هي قول الله عز وجل: {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23] لما قالها تاب الله عز وجل عليه وهدى، ولم يقلها إبليس، مع أن المعصية كانت مشتركة؛ المعصية من إبليس رفضه السجود، والمعصية من آدم أكله من الشجرة، وترتب على هاتين المعصيتين وهي ترك الأمر من قبل إبليس: اسجد. فما فعل الأمر، وفعل النهي من آدم: لا تأكل، فأكل، وهما أساس المعاصي في الدنيا كلها، ليس هناك معصية إلا أن تفعل محذوراً أو تترك مأموراً، وترتب على هاتين المعصيتين أن الله قال لآدم وإبليس: {اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} [طه:123]. إبليس لم يتب بل طلب الإنظار من أجل الإضلال: {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [ص:79] قال الله تعالى له: {فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} [ص:80] أما آدم قال: {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23] فلما قالها وتلقى هذه الكلمات من الله عز وجل تاب الله عليه، قال تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه:121 - 122] وقال له وللناس أجمعين في خطابٍ رباني كريم منه عنوان المحاضرة: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} أي: أكثروا {عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزمر:53 - 54].

سعة مغفرة الله عز وجل

سعة مغفرة الله عز وجل يقول عز وجل: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:110] هذا كلام الله -يا أخي- لا داعي للقنوط، ولا داعي إلى أن تستسلم لأهواء الشيطان: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ} أي: بمعصية {ثُمَّ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ يَجِدْ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:110]. ويقول عليه الصلاة والسلام في حديث قدسي يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل، والحديث في سنن الترمذي يقول: (يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي) الله أكبر!! يروي ابن أبي حاتم -والقصة عند ابن كثير - أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سقط حاجباه على عينه من كبر سنه وتقدم عمره، وقال: (يا رسول الله! رجل غدر وفجر، ولم أدع حاجة ولا داجة إلا اقترفتها، ولي ذنوب لو قسمت على أهل الأرض لأهلكتهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أتشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ قال: نعم. قال: اذهب فإن الله قد كتب لك بكل سيئة حسنة -فالرجل تعجب! سيئات تتحول إلى حسنات- قال: وغدراتي وفجراتي -يعني الكبار الضخمة التي لا يتصور أنها تغفر- قال: وغدراتك وفجراتك! فولى الرجل وهو يقول: لا إله إلا الله، الحمد لله) ذكر هذا الأثر الصحيح ابن كثير عند تفسير قول الله عز وجل: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان:70]. ويقول عليه الصلاة والسلام: (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر) الغرغرة: بلوغ الروح إلى آخر منتهاها، بمعنى: ليس هناك إمكانية، وأصبحت مثل توبة المضطر الذي إذا وصلت الروح وبدأت تغرغر فلا تنفع توبة؛ لأن الإنسان رأى الموت، لكن قبلها يقبل الله التوبة ويعفو عن السيئات.

طريق التوبة في الإسلام

طريق التوبة في الإسلام أيها الإخوة: التوبة في الإسلام أمر سهل لا يحتاج إلى كاهن كما في المسيحية، ولا إلى شيخ طريقة كما في الصوفية، ولا إلى الذهاب إلى عالم أو مكان معين، لا. إنما هي يقظة قلب، واستشعار نفس بالانحراف عن الطريق ولزوم العودة إلى الله عز وجل، وهذه بإمكان كل شخص أن يعملها؛ أن يوقظ نفسه ويقول: والله أنا مذنب، أستغفر الله العظيم وأتوب إليه، ويدخل على الله من أقصر طريق، بثلاثة أمور: 1 - الأمر الماضي يصلحه بالاستغفار: وهذا ليس فيه تعب، هل هناك تعب أن نستغفر الله فيبدل الله سيئاتنا كلها حسنات؟ ليس هناك تعب. 2 - والأمر المستقبل تصلحه بالنية الحسنة: أن تنوي ألا تعمل في المستقبل إلا كل خير، وهل في النية تعب؟ بعض الناس لا يريد أن ينوي حتى فعل الخير في النية، تقول له: تعمل فيما بعد؟ قال: لا. لا يريد أن يعمل الخير حتى في النية، ماذا بقي بعد الماضي والمستقبل. 3 - بقي الحاضر: ما هو الحاضر؟ الحاضر هو: أي لحظة تمر عليك، قبل لحظة كانت مستقبلاً، وبعد لحظة تصير ماضياً يقول: ما مضى مضى والمؤمل غيب ولك اللحظة التي أنت فيها هذه اللحظة اجتهد فيها، وجاهد نفسك على أن تفعل أمر الله وتترك نهيه، وبالتالي تصبح من التائبين الذين يقبل الله تبارك وتعالى توبتهم وتسعد في الدنيا والآخرة.

فرح الله بتوبة عبده

فرح الله بتوبة عبده والله تبارك وتعالى يفرح بتوبة العبد، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (لله أفرح بتوبة عبده من رجلٍ كان في فلاة ومعه راحلته وعليها زاده وطعامه، فضلت عنه -أي: ضاعت- فبحث عنها فلم يجدها وعرف أنه ميت، فاستسلم للموت ونام تحت ظل شجرة يائساً منها، فردها الله عليه، فاستيقظ فإذا بها واقفة على رأسه وعليها طعامه وزاده فأخطأ من شدة الفرح فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك) يريد أن يقول: اللهم أنت ربي وأنا عبدك، فأخطأ! ما ظنكم في فرحة هذا الإنسان، هل في الدنيا أفرح منه؟! شخص حكم عليه بالهلاك، ثم أعيدت له الحياة، كيف تكون فرحته؟! لا شك أنها فرحة عظيمة. فالله عز وجل -وله المثل الأعلى- أفرح بتوبة العبد من فرحة هذا الرجل برجوع ناقته، رغم أن الله عز وجل لا تنفعه طاعة المطيعين ولا تضره معصية العاصين، وإنما هو الضار النافع. يقول عز وجل في وصف المؤمنين التائبين: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ} [آل عمران:135] أي: ذكروا عظمة الله، وما أعد الله عز وجل للعصاة وأهل الفواحش والكبائر: {فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] ما هو جزاؤهم وقد فعلوا فاحشة كبيرة لكن استغفروا الله؟ قال الله عز وجل: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:136] يقول المفسرون: ما أعظم رحمة الله! هؤلاء ماذا عملوا؟ عملوا معاصٍ -فواحش- لكن لما بدلوها بالاستغفار والتوبة أعطاهم الله الجنة وقال: {وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:136] حَسَبَ الله سيئاتهم من النعم، يعني: من العمل الذي يرضي الله تبارك وتعالى، لماذا؟ لأنهم ختموها بالتوبة والاستغفار. ولكن المصيبة -أيها الإخوة- والكارثة والتي ليس معها نجاة هي الإصرار على الإثم، والتمادي في المعصية والاستمرار فيها، وهو مظهر من مظاهر عدم معرفة الله وتوقيره، ومظهر من مظاهر الفراغ الداخلي من الإيمان، والموت القلبي من الدين للذي يرتكب الكبيرة ويصر عليها ويستمر ولا يشعر بأنه على ذنب، ولا يحاول أن يستغفر، ولهذا يقول الله في أهل النار: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ * وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ} [الواقعة:45 - 46] يعني: كانوا ملازمين للذنب ومستمرين في المعصية؛ ولهذا جزاؤهم النار والعياذ بالله!

المبادرة والإسراع إلى التوبة

المبادرة والإسراع إلى التوبة أما التوبة فيجب أن تكون عن قريب، يعني: بسرعة من الآن، لا تؤجل حتى تقول: أكبر، لا تدري تكبر أو لا تكبر، لا تقل لي: غداً، أو حتى بعد العشاء، الآن قل: أستغفر الله العظيم وأتوب إليه. ففي الحديث في صحيح مسلم عن الأغر المزني يقول عليه الصلاة والسلام: (عباد الله! توبوا، فإني أتوب إلى الله في اليوم الواحد مائة مرة) مائة مرة يستغفر وهو سيد العابدين، يستغفر من غير ذنب، فكيف بي وبك -يا أخي- لا نستغفر الله ولا نتوب إليه!! يقول عز وجل: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء:17] إذا تابوا من قريب بعد ممارسة الذنب وما أجَّلوا، ولا استمروا ولا أصروا على المعصية، فإن الله عز وجل يقول فيهم: {فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء:17]. وإذا قارن الإنسان بعمق الإخلاص يعني: عمل وعنده إخلاص، وأيضاً يقين كان هذا مما يستوجب رحمة الله تعالى، يقول عز وجل: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام:54].

أركان التوبة

أركان التوبة يقول عز وجل: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82] تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى، هذه أربعة أركان للتوبة: 1 - توبة. 2 - إيمان. 3 - عمل صالح. 4 - بعد ذلك استمرارية، ثم الهداية. ويقول عز وجل {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:68 - 70]. وقد روى ابن مسعود (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أصاب من امرأة قبلة -قبَّل امرأة لا تحل له- فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره، فنزل قول الله عز وجل: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] فقال الرجل: ألي هذا يا رسول الله خاصة؟ قال: بل لجميع أمتي) لكن انظر: الرجل عنده مؤشر حساس، قبلة جعلته يأتي إلى النبي ويقول: يا رسول الله! هلكت، ماذا تريد؟ قال: أقم علي الحد، يظن أن الرسول سيأخذه ويربطه بحبل ويرجمه بالحجارة من أجل قبلة، ما سكت عليها وذهب يمارسها ويكررها، لا. ذهب يتطهر منها بسرعة، شعر بالذنب أيقن بالمصيبة؛ فأنزل الله فيه قرآناً: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:114] فالرجل ظن أنها كرامة له، قال: (ألي يا رسول الله خاصة؟ قال: بل لجميع أمتي كلهم). اللهم صل وسلم على رسول الله، الحديث هذا في الصحيحين. ويقول عليه الصلاة والسلام: (من توضأ فأحسن الوضوء، ثم قام فصلى ركعتين أو أربع ركعات يحسن فيهن الركوع والسجود ثم استغفر الله غفر الله له) رواه الطبراني في المعجم الكبير وقال: حديث حسن، وتسمى هذه الصلاة صلاة التوبة.

مكفرات الذنوب

مكفرات الذنوب ولكن هناك أشياء من الأعمال الصالحة يسميها العلماء: مكفرات الذنوب، أو يسميها بعضهم: الحسنات الماحية، وأنا أتيت بها تحت مسمى: (لا تقنطوا من رحمة الله) وهي خمسة عشرة خصلة تعملها -أيها المسلم- وهذه بإذن الله ماحيات لا يبقى معها ذنب بإذن الله عز وجل، وهي:

المكفر الأول: الوضوء

المكفر الأول: الوضوء الوضوء هذا من أعظم المعقمات، روى مسلم عن عثمان رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ نحو وضوئي هذا غفر له ما تقدم من ذنبه، وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة) رواه مسلم. يقول عثمان للصحابة وقد توضأ: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ كوضوئي هذا ثم قال: من توضأ مثل هذا الوضوء -وضوءنا الموجود الآن هو وضوء عثمان الذي نقله لنا العلماء- غفر له ما تقدم من ذنبه -كل الذنوب مغفورة وبعد ذلك قال:- وكانت صلاته التي يذهب إليها ومشيه إلى المسجد نافلة) يعني: زيادة فضل من الله تبارك وتعالى! والحديث الثاني أيضاً في صحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا توضأ العبد المسلم فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرجت كل خطيئة بطشتها يده مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجليه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقياً من الذنوب) رواه مسلم. هذا أول معقم، ولهذا أكثر من الوضوء، حاول ألا تصلي صلاةً إلا بوضوء حتى ولو كنت متوضأ؛ يجوز إذا كنت متوضئاً أن تصلي الصلاة التي بعدها بنفس الوضوء، لكن الأفضل أن تتوضأ، ولو صليت جائز، لكن إذا أردت الأفضل فتوضأ، لماذا؟ للحديث الوارد في صحيح مسلم، يقول عليه الصلاة والسلام: (ألا أنبئكم بما يرفع الله به الدرجات، ويمحو به السيئات؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: إصباغ الوضوء على المكاره) وهذا يحصل في البلاد الباردة مثل الطائف وأبها والباحة، إذا أصبغ الشخص وضوءه يحصل عنده برد، أما في مكة دفء والحمد لله، فلو أصبغت الوضوء يكون لك الأجر، وأنت سالم من البرد، وليس عندك شيء بإذن الله عز وجل (وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط) هذا أول مطهر من الذنوب.

المكفر الثاني: الصلاة

المكفر الثاني: الصلاة أداء الصلاة مع الجماعة، أما في البيت ففيها نظر إلا بعذر شرعي، ويحقق شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الاختيارات الفقهية عدم صحة صلاته إلا من عذر شرعي؛ مريض، أو نائم، أو غافل، أو خائف، أما إذا لم يجد عذراً وهو يسمع المؤذن ويقول: سوف أصلي هنا، وبعضهم يقول: أريد درجة ولا أريد سبعة وعشرين، ليس لك درجة، ففي الصحيحين: (صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة) قال العلماء: مع العذر؛ الذي له عذر وصلى في بيته له درجة، أما بغير العذر فليس له درجة ولا أي شيء، فما له إلا غضب، لماذا؟ قالوا: في الصحيحين حديث يقول فيه عليه الصلاة والسلام: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، فآمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق برجالٍ معهم حزمٌ من حطب فأحرق على قوم لا يشهدون الصلاة بيوتهم بالنار، لولا ما فيها من الذراري والنساء) فلا يحرق عليه الصلاة والسلام بيوت الناس بالنار إلا على ترك واجب، وأمر مهم وهو الصلاة، فلا بد أن تصلي في المسجد. وإذا صليت في المسجد فهذه تمحو السيئات بإذن الله، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم -والحديث صحيح رواه البخاري -: (أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يومٍ خمس مرات) في أمام بيتك نهر وكلما خرجت اغتسلت من الماء خمس مرات (هل يبقى من درنه شيء؟ -هل يبقى فيك قذر أو درن أو وسخ؟ - قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا) فإذا كنت على موعد مع الله في كل يوم خمس مرات: الفجر، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، كل يوم وأنت في المسجد هل يبقى معك ذنوب؟ لا تبقى أصلاً، وبعد ذلك لا تعمل ذنباً، ليس عندك فرصة كي تذنب؛ لأنك إنسان مؤمن، كيف تذنب وأنت تعرف بعد ذلك أنك ذاهب للصلاة؟ من الذي يعمل الذنب والمعصية؟ الذي لا يأتي المسجد، أما أهل المساجد فإن الله يحميهم، ويعصمهم ويسددهم ويوفقهم، لكن إذا انقطع المسلم عن المسجد افترسه الشيطان ولعب عليه وأضله -والعياذ بالله- أجل هذه الصلاة تعتبر مكفراً من مكفرات الذنوب ومطهراً لها. والحديث الثاني في هذا الموضوع: هو الصلاة، والحديث في صحيح مسلم يقول عثمان رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من مسلم تحضره صلاة مكتوبة -يعني: تحضر عليه الصلاة- فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله) هذه كفارة الذنب إلا الكبائر، فالكبائر هذه لا تكفرها إلا التوبة أو النار، إما أن تتوب أو النار، فليس هناك خيار آخر، فالتوبة أسهل ما دام ليس هناك إلا النار؛ لأن النار لا تستطيع لها، فأفضل لك أن تتوب؛ لأن التوبة وإن كان فيها تعب لكنها أسهل بملايين المرات من عذاب النار والعياذ بالله! والحديث الثالث: وهو في الصحيحين، يقول عليه الصلاة والسلام: (صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في سوقه وفي بيته بخمس وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا كتبت له بها حسنة، وحط عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في صلاة ما لم يؤذ أو يحدث، تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه. ولا يزال في صلاةٍ ما انتظر الصلاة) هذا المكفر الثاني وهو الصلاة.

المكفر الثالث: صلاة الجمعة

المكفر الثالث: صلاة الجمعة والحديث في صحيح البخاري عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة) وغسل الجمعة -أيها الإخوة- شيء ضروري، وهناك خلاف بين أهل العلم، هل هو واجب، أو مستحب؟ بعض أهل العلم يرى أنه واجب لما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم). ولكن بعض أهل العلم والمحققين منهم يقولون: إنه ليس بواجب، وإنما هو مستحب على سبيل التأكيد. فأنت مطلوب منك أن تغتسل يوم الجمعة، واسمع إلى الثواب الذي يترتب على غسلك: (لا يغتسل رجلٌ يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر) يعني: يتدلك، ويتنظف، ويتطيب، ويلبس ملابس طيبة، ويزيل كل ما في جسده من قذر، حتى يطلع مثل الشامة، هذا يوم عيدك، يوم الجمعة: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهرٍ، ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين -يصلي حيث انتهى به الصف- ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى) رواه البخاري. ذنوب سبعة أيام! من يوم أن تصلي إلى الجمعة القادمة تذهب عنك ذنوب سبعة أيام! هذا فضل كبير -يا إخواني- والله الذي لا إله إلا هو أن الله عز وجل ليتيح لنا فرصاً ويفتح لنا مجالات من مجالات المغفرة والعفو، لكن الكثير منا مقصر، فإنا لله وإنا إليه راجعون!

المكفر الرابع: دعاء ختم الصلاة

المكفر الرابع: دعاء ختم الصلاة وهي الأذكار التي عقب الصلاة، هذه فيها دليل على أنها تغفر الذنب وتمحو السيئات بإذن الله عز وجل، والحديث في صحيح مسلم يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (من سبح الله دبر كل صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر) رواه مسلم. لكن هذا شرطها: أن تكون عقب كل صلاة، واجعلها -يا أخي- لازمة من لوازم صلاتك، لا تقم ولو احترقت الدنيا عند الباب، لا تقم بأي حال إلا وقد أتممتها، كم تستغرق هذه؟ أحد إخواننا عدها في الساعة وضبطها بأصابعه، سبحان الله سبحان الله، أو سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، عدها فبلغت دقيقتين فقط، هذه تخسرها، فداوم عليها عقب كل صلاة، والحديث في صحيح مسلم يكون جزاؤك: أن غفرت خطاياك وإن كانت مثل زبد البحر.

المكفر الخامس: الحج والعمرة

المكفر الخامس: الحج والعمرة لما في الصحيحين، يقول عليه الصلاة والسلام: (من حج فلم يرفث أو يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) ترجع مخلوقاً جديداً ليس عليك ذنباً واحداً، لكن بشرط: ألا ترفث ولا تفسق، والرفث: هو الجماع ودواعيه من التقبيل والملاعبة وغيرها، والفسوق: هو المعاصي بجميع أشكالها، كبيرها وصغيرها، دقيقها وجليلها. وأيضاً يقول عليه الصلاة والسلام والحديث في صحيح البخاري: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة) فالعمرة والحج مكفر من مكفرات الذنوب. ولذا يا أخي في الله! يا من أكرمك الله بأن تعيش في مكة! لا ينبغي لك أن تفوتك حجة واحدة، وأكثر من العمرات، إذا أصبح رأسك أسود مثل الحمة فاخرج إلى أدنى الحل وأحرم وادخل مكة وخذ عمرة؛ فإن العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، أما الحج فلا يكلفك شيئاًَ، يأتون من أقاصي الأرض، وأنت هنا فقط تذهب عرفات وترجع، وبإمكانك أن تجلس كل الأيام في منى في بيتك، وتأتي فقط لتنام ليالي التشريق، وترمي الجمرات، ولو رميت في الليل. يعني: عمل الحج بالنسبة لأهل مكة سهل، وعليهم أن يحجوا ويخرجوا من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم.

المكفر السادس: الجهاد في سبيل الله

المكفر السادس: الجهاد في سبيل الله مر رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -وهم في غزوة- بشعبٍ وفيه ماء، وهذا الماء عذب فأعجبه -أعجبه الماء العذب والشعب الأخضر- فقال: [لو اعتزلت الناس، وأقمت في هذا الشعب أعبد الله -يريد أن يعتزل ويعبد الله ولا يعصيه- ولكن لن أفعل حتى آتي وأستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم] فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستأذنه فقال: (لا تفعل، فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاماً، ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة؟! اغزوا في سبيل الله، من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. فواق ناقة يعني: الفترة التي بين الحلبتين، إذا حلبت الناقة وانتهى الحليب منها، الفترة من حلبها إلى أن تدر ويأتي حليب ثانٍ وتحلبها اسمها هذه فترة فواق (من قاتل في سبيل الله فواق ناقة -يعني: ساعة أو ساعتين- وجبت له الجنة) اللهم صلَّ وسلم على رسول الله.

المكفر السابع: حسن الخلق

المكفر السابع: حسن الخلق وهذا أمرٌ مكتسب، بإمكانك أن تكتسبه؛ لأن العلماء يقولون عن الأخلاق: (إن الأخلاق والطباع ليست طبيعة في الإنسان وإنما هي كسبية)، يعني: خلق الوفاء: بإمكانك أن تكون وفياً وبإمكانك أن تكون خائناً، خلق الصدق: بإمكانك أن تكون صادقاً وبإمكانك أن تكون كاذباً، خلق الكرم: بإمكانك أن تكون كريماً وبإمكانك أن تكون بخيلاً، خلق الشجاعة، والمروءة، والشهامة، والبر، والابتسامة، ونفع الناس هذه أخلاق كسبية تستطيع أن تعملها، وليس في الإسلام أعظم منها بالنسبة لغفران الذنوب، ومنها طبعاً السماحة، فعليك أن تكون سمحاً؛ لا تكن معقداً على كل شيء، وكذا البشاشة، سبحان الله العظيم! هذه أخلاق يرزقها الله بعض الناس، موظف أو مسئول يرزقه الله بهذا فيكسب ود الناس كلهم، يسلم عليه الناس كلهم (السلام عليكم) (وعليكم السلام، حياك الله، تفضل يا أخي!) ويقوم ويجلسه عنده، وبعد ذلك يعرض مشكلته فيحاول حلها له، أبشر حاضر إن شاء الله أعملها، ويقوم ويتصل ما رأيكم؟ هل هناك إمكانية؟ فإذا عجز قال: يا أخي! والله أتمنى أن أقضيها لك؛ لكن لم أستطع يا أخي! ما رأيكم في هذا المراجع يقول: جزاك الله خيراً قضيتها! قضى الله شأنك وحاجتك! والله جهدك هذا ومقابلتك هذه كأنك قضيت حاجتي كلها يوفقك الله. هذه أخلاق، هل خسر هذا شيئاً؟ لا. ما خسر أي شيء، بل كسب الدعاء، وكسب الحب في قلوب الناس. وآخر، موظف مثله لكنه فقير في الأخلاق، ليس عنده ولا ربع قنطار ولا ربع ملي، ودخل عليه المراجع: السلام عليكم، يريد أن يسلم عليه أول شيء ينظر: إن كان يعرفه رد السلام وإن كان لا يعرفه قال: ماذا هناك؟ بدلاً من أن يقول: وعليكم السلام، قال: توجد معاملة، قال: أين الرقم؟ قال: ليس عندي رقم، قال: ماذا تريد أن أفعله لك؟ إنه لا يوجد لديك رقم، تريدني أن أبحث كل الدفاتر هذه؟! اذهب من هنا. ماذا يقول المراجع المسكين؟ يذهب ويخرج من هناك وهو يقول: الله أكبر عليه، جعلها الله في وجهه، لا وفقه الله وجاء الثاني ودعا عليه، وجاء الثالث أتدرون أن هذه الدعوات لا تذهب؟ (أنتم شهداء الله في أرضه). فلماذا لا تكسب الجميل يا أخي؟! الكرسي هذا ليس ملكك، كرسي دوار لم يأتك إلا وقد كان عند غيرك وسيذهب منك إلى غيرك، اكسب الجميل، خاصة إذا كنت في منصب بشرط: أن يكون هذا الجميل يتفق مع النظام، لا تخرق النظام، لا نقول: تخرق النظام، لكن النظام فيه فرص ومجالات، وإمكانات للمساعدة، فما دمت تجد إمكانية للمساعدة لأي مسلم فهذا من حسن الخلق، فإذا عجزت مرة وما استطعت أن تعمل شيئاً معه فأقل شيء بشاشة الوجه، يقولون: (لاقيني ولا تغديني). يعني: لو لقيت شخصاً عند الباب قل: أهلاً تفضل، والله تدخل إن شاء الله تتغدى معي كأنك غديته، لكن لو لقيته وقلت: تفضل، امش! ثم أدخلته وغديته خروفاً، يقول: الله أكبر عليك مضيف! يضاربني! ما هذا؟! فلا -يا أخي- لا بد من الخلق، ولا بد من بشاشة الوجه، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (تبسمك في وجه أخيك صدقة) ماذا تخسر؟ لماذا لا تضحك وتبتسم لأخيك؟ لن تخسر أي شيء في تبسمك، ويقول صلى الله عليه وسلم: (طلاقة الوجه خير من القرى) و (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقَ أخاك بوجه طلق) لأن الوجه هذا فأل؛ عندما تلقى الشخص ويبتسم لك ويقدم لك خدمة باللسان تنبسط، وتنشرح نفسك، لكن شخص يعبس بوجهك، تتكتم وتتعقد ويضيق قلبك، فلا -يا أخي- كن بهذا الخلق: بشاشة الوجه، وطلاقة المحيا، والصفح عن الإساءة، لا تقعد تحاسب الناس على كل إساءة، اعف، شخص ضايقك في الطريق فيما بعد مر عليك وقال: آسف، قلت: مع السلامة، إذا ما قال: آسف قل: لا تهتم. تفضل، شخص ضايقك وأخطأ عليك تجاوز عنه، لماذا؟ أنت صاحب خلق، يقول عليه الصلاة والسلام: (ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا) هذا الحديث رواه البخاري. المصافحة هذه درجة ثانية بعد السلام، الدرجات ثلاث: سلام، مصافحة، معانقة، فإذا سلمت هذا الواجب، صافحت عظيم، عانقت فهذه زيادة الحب، خاصة إذا كان بعد وقت طويل، ليس كل وقت كلما لقيته تعانقه، وتكسر رقبته، لا. لكن بعد أسبوع رأيته عانقه؛ لأن هذا من الود، لكن إذا رأيته بعد شهر عندما جاء ترفع أصابعك قليلاً هذا من الجفاء، لكن عندما تقوم وتحرك يده وتعانقه، هذا مما يغفر لك الذنب بإذن الله عز وجل. ويقول عليه الصلاة والسلام والحديث صحيح أيضاً: (تلقت الملائكة روح رجلٍ ممن كان قبلكم فقالوا له: أعملت خيراً؟ قال: كنت أنظر الموسر، وأتجاوز عن المعسر، قال: فتجاوز الله عنه) رواه البخاري. هذا ما عمل شيئاً، فقط الذي كان موسراً كان ينظره -يعني: يمهله- والذي كان معسراً ليس عنده شيء يقول: سامحك الله، لا نريد منك شيئاً، قال الله عز وجل: (أنا أحق بهذا منك) تجاوز الله عنه، وغفر الله له! وغفران الذنب يأتي باستمرار نتيجة وجود الرحمة، ووجود الرفق في قلب الإنسان، يقول عليه الصلاة والسلام: (بينما كلب يطيف بركية -كلب كان يطوف على ركية فيها ماء- وكاد يقتله العطش -كاد يموت من الظمأ، ولا يستطيع أن ينزل الركية، بئر لو سقط فيها لمات- إذ رأته بغي -زانية- من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها -أي: خفها- فاستقت له، فسقته فغفر الله لها به) وهي بغي لكنها سقت الكلب رحمة به فغفر الله لها به! هذه من الأخلاق التي يغفر الله عز وجل بها ذنوب المؤمنين، ما من عمل أعظم عند الله عز وجل في الميزان من حسن الخلق، ويقول عليه الصلاة والسلام: (كاد حسن الخلق أن يذهب بخيري الدنيا والآخرة) (إن أقربكم مني منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون، وإن أبعدكم مني منزلة يوم القيامة كل جعظري جواظ مستكبر) هذا بعيد عن الله وبعيد عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

المكفر الثامن: الآلام والأمراض والبلايا التي تصيب الإنسان

المكفر الثامن: الآلام والأمراض والبلايا التي تصيب الإنسان إن الله عز وجل عدل لا يظلم مثقال ذرة، فإذا ابتلى إنساناً عوضه، إذا ابتلاك الله عز وجل بفقد بصرك يعوضك بالجنة، وإذا ابتلاك الله بمرض يمحص به خطاياك ويعوضك، وإذا انتهت خطاياك رفع درجاتك في الجنة، المهم ألا تظن أن شيئاً يضيع عليك إذا ابتلاك الله، فقط بشرط: الاحتساب والصبر، وأن تشعر بأن هذا من الله، وأن الله لا يظلم مثقال ذرة، فتحتسب هذا البلاء عند الله، أي: تتوقع عليه جزاءً وثواباً من الله عز وجل، أما التبرم والسخط وعدم الرضا، ولماذا أنا من بقية الناس؟ ولماذا أنا أمرض دائماً؟ ولماذا أولادي يمرضون ولماذا؟ من رضي فله الرضا ومن سخط فعليه السخط. فالسخط لا يرفع المصيبة نازلة نازلة، لكن يضيع الأجر، والرضا يكسبك الثواب من الله تبارك وتعالى، فكل ما يصيبك من ألم فهو مطهر لذنوبك وسيئاتك، يقول عليه الصلاة والسلام: (ما من مسلمٍ يصيبه من نصبٍ، ولا وصبٍ، ولا هم، ولا حزن، ولا غمٍ، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه). ويقول عليه الصلاة والسلام: (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في ولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، فلا يزال البلاء بك حتى تلقى الله وليس عليك خطيئة واحدة. وورد (أن أقواماً يأتون يوم القيامة ولهم حسناتٍ كأمثال الجبال فيقولون: بم هذا يا ربنا؟ -يقولون: ما عملنا هذه الحسنات، هم يعرفون أنفسهم، ليس عندهم هذا كله- فيقال: إن هذا بالبلاء والمرض الذي أصابكم في الدنيا، أعطاكم الله به هذا ثواباً، يقول: فيتمنى أهل العافية الذين كانوا متعافين في الدنيا أنهم ما تعافوا يوماً واحداً، ويتمنون أنهم كانوا أمراضاً طول الزمان لما رأوا من ثواب الذين ابتلاهم الله عز وجل) فإذا ابتلاك الله فاصبر. وفي حديث صحيح في مسند الإمام أحمد: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا رسول الله! إن لي ابنة أريد أن تنكحها -تريد تزوجه البنت- وإنها يا رسول الله -وقامت تدعو وتبين أنها وأنها وأنها- حتى كاد النبي صلى الله عليه وسلم أن يوافق عليها، وإنها يا رسول الله لم تشتك قط) يعني: ما مرضت طوال حياتها، شابة متعافية صحيحة ناصحة يعني: ما يحتاج مثل اللاتي نريد الآن، أكثر الناس إذا تزوج امرأة قال: هل هي مريضة؟ إن كانت هي مريضة تذهب عند أهلها ليس عندي مستشفى، لا -يا أخي- الله يجري لك الأجر وأنت لا تعلم، ماذا قال عليه الصلاة والسلام؟ قال: (لا حاجة لي بها) لما قالت أمها: إنها لم تشتك قال: (لا حاجة لي بها، قالت: لم يا رسول الله؟! قال: لو أحبها الله لابتلاها). فأنت إذا عندك زوجة وعندها بلاء هذه أحبها الله، وأكرمها، وقم بخدمتها، اتخذها طريقاً إلى الجنة، فلا مانع من أن تأخذها إلى المستشفى، لا مانع من أن تتعب، لكن احتسب ذلك عند الله، أما أن تتخلى عنها؛ لأنها مريضة فهذا ليس من أخلاق المؤمنين، بعض الناس تجده طيباً مع الزوجة؛ لأنها متعافية، فإذا مرضت أخذها ووضعها عند أهلها، قال: ابنتكم مريضة عالجوها أنتم، وإذا تعافت جاء يأخذها، ما شاء الله عليك! يعني: لا تريد أن تتعب، هذا ليس من أخلاق أهل الإيمان والرجولة والمروءة.

المكفر التاسع: كفارة المجلس

المكفر التاسع: كفارة المجلس يحصل من الإنسان في مجالسه لغط، أو كلام فاضٍ، أو غيبة، أو نميمة، أو خلط في الحديث، أو شيء ليس منه فائدة، لكن إذا قام وختم كلامه بهذا الدعاء مسح هذا الكلام كله، يقول عليه الصلاة والسلام: (من جلس في مجلسٍ فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. إلا غفر الله له ما كان في مجلسه ذلك) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. هذه اسمها كفارة المجلس يعني: ماحية الذنوب التي في المجلس، احفظ هذا الدعاء: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، محت كل الذنوب التي قد قلتها في مجلسك، لكن بشرط: ألا تتعمد أن تقول شيئاً، ولكن شيء كثر فيه اللغط، وتجاوز الحد عليك أن تذكر الله تبارك وتعالى، وهذا من كفارة الذنوب.

المكفر العاشر: ملازمة الاستغفار

المكفر العاشر: ملازمة الاستغفار هذا الاستغفار أمان من العذاب، وماحٍ للذنوب، ومبارك في الأولاد، وموسع في الأرزاق، الاستغفار عظيم: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيقٍ مخرجاً ومن كل همٍ فرجاً) هذا الحديث رواه أبو داود، وفي سنده مقال لكنه يستشهد به، والله تعالى يقول: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً} [نوح:10 - 12] {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33] يقول ابن عباس: [ذهب الأمان الأول -يعني: وجود النبي صلى الله عليه وسلم- وبقي الأمان الثاني إلى يوم القيامة وهو الاستغفار] فإذا لزمت الاستغفار باستمرار فإنك بإذن الله عز وجل تمحو الذنوب، ولا يكون معك ذنب إن شاء الله. وأيضاً هناك سيد الاستغفار، وهو حديث في الصحيحين، يقول عليه الصلاة والسلام: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني، وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، وأبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. من قالها في النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل موقناً بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة) رواه البخاري ومسلم. هذا سيد الاستغفار. قال: (يا شداد! ألا أدلك على سيد الاستغفار؟ قال: بلى يا رسول الله! قال: قل فإنك إذا قلتها في الليل موقناً بها فمت من ليلتك دخلت الجنة، وإذا قلتها في النهار موقناً بها فمت دخلت الجنة) وهذه اجعلها من أذكار الصباح والمساء.

المكفر الحادي عشر: التسبيح والتحميد

المكفر الحادي عشر: التسبيح والتحميد هذا ورد فيه حديث في الصحيحين، يقول عليه الصلاة والسلام: (من قال: سبحان الله وبحمده في يومٍ مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت كزبد البحر، أو كقطر المطر، أو كماء البحر، أو كعدد رمل عالج) سبحان الله وبحمده، هذه تقولها في دقيقتين، وهي سهلة جداً، سبحان الله وبحمده في كل يوم مائة مرة، وأحسن وقت تقولها وأنت تطوف -مثلاً- أو تنتظر الصلاة في المسجد الحرام، أو قبل أو بعد الصلاة، المهم في كل يوم تقول مائة مرة سبحان الله وبحمده، هذه من أعظم الأذكار؛ لأن فيها حديث في الصحيحين أنها تحط عنك الذنوب والأوزار بإذن الله عز وجل.

المكفر الثاني عشر: اجتناب الكبائر

المكفر الثاني عشر: اجتناب الكبائر من يجتنب الكبائر يمحو الله عنه الصغائر، يقول الله عز وجل: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً} [النساء:31] والكبائر هي: الذنوب الكبيرة التي جعل الله عز وجل عليها حداً شرعياً، أو توعد عليها بالنار، أو لعن فاعلها، أو سماها الشرع كبيرة، وليس لها حد معين، بل كل ذنب توعد الله له بحد شرعي، أو بعقوبة في النار، أو لعن فاعله، أو بين الشرع أنها كبيرة فهي من كبائر الذنوب، وأما غير ذلك فهو من صغائر الذنوب، يقول عز وجل: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم:32] اللمم هي: الذنوب الصغائر التي يلم بها العبد من غير إصرار.

المكفر الثالث عشر: حسن الظن بالله

المكفر الثالث عشر: حسن الظن بالله وهذا من أعظم الأشياء، حسن الظن يجب أن يرافقه حسن العمل؛ لأن الذي يحسن الظن ويحسن العمل هو الذي يحسن الظن حقيقة بربه، أما الذي يحسن الظن بالله ويسيء العمل فهذا يسيء الظن بالله؛ لأن من العقل والمنطق أنك إذا أحسنت الظن في إنسان أن تحسن العمل معه، أليس كذلك؟ إذا أحسنت الظن في المدير أنه يرقيك فما الذي يلزمك؟ أن تحسن العمل حتى يرقيك، لكن من يسيء العمل ويحضر متأخراً دائماً، وينصرف مبكراً دائماً، ويغيب غالب أيام الأسبوع، وإذا كلَّ عملاً ضيعه، ثم يحسن الظن بالمدير أن يرقيه، هل هذا من حسن الظن؟ بل هذا من سوء الظن بالمدير؛ تسيء الظن به أنه لا يعرف كيف يجازي الموظفين عنده، ولله المثل الأعلى. يقول الحسن البصري: [إن قوماً غرهم حسن الظن بالله حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، يقولون: نحسن الظن بالله، كذبوا والله لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل] فإذا رأيت شخصاً يحسن العمل، ويحسن الظن، هذا هو الصادق، أما الذي على المعاصي والمنكرات، وتارك للطاعات، وإذا نصحته، قال: الله غفور رحيم، وأنا أحسن الظن. نقول: كذاب، أنت ما أحسنت الظن بالله، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء) ويقول عليه الصلاة والسلام: (حسن الظن من حسن العبادة) {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [المدثر:56] فإذا اتقيته وعبدته فأحسن الظن به في أنه لن يضيع عبادتك وعملك. أما أن تعمل السوء وتحسن الظن به فكأنك تتهم الله عز وجل بأنه لا يعرف كيف يجازي عباده، وطبعاً يأتيك حسن الظن من علمك بسعة رحمة الله، فالله عز وجل رحيم ورحمته وسعت كل شيء. يروي البخاري ومسلم في الصحيحين عن عمر رضي الله عنه، يقول: (قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبي -يعني: الذين يؤخذون في الحروب من نساء وأطفال- فإذا امرأة من السبي تبحث عن صبيها -فالحرب فرقت بين المرأة وولدها، ولما جمعوا الغنائم جعلت تبحث عن ولدها- فلما وجدته أخذته بشدة، وألصقته ببطنها وأرضعته) ما ظنكم في تلك اللحظة، وكيف حنانها، وفرحتها، ورحمتها بذلك الولد، وقد يئست منه وضاع منها؟ لقيته ومباشرة ضمته وأعطته ثديها وحنت عليه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة لما رآها: (أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ -يقول: هل هذه المرأة التي هذا وضعها مع ولدها الصغير هل ترميه في النار؟ - قالوا: لا والله -الصحابة قالوا: والله ما تطرحه وهي تقدر على منعه- قال عليه الصلاة والسلام: لله أرحم بعباده من هذه بولدها) اللهم ارحمنا برحمتك الواسعة. لله مائة رحمة؛ تسعة وتسعون ليوم القيامة، وواحدة أنزلها إلى الأرض بها تتراحم جميع المخلوقات، جميع الرحمات الموجودة في قلوب الناس كلهم وفي قلوب الحشرات والحيوانات والبهائم كلها هذه جزء من الرحمة التي هي جزء من مائة رحمة من رحمة الله عز وجل، وعند الله يوم القيامة تسعة وتسعون رحمة، نسأل الله أن يدخلنا في رحمته الواسعة. يقول الحسن البصري: [ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، وإن قوماً غرتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، قالوا: نحن نحسن الظن بالله. كذبوا، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل].

المكفر الرابع عشر: دعاء الملائكة

المكفر الرابع عشر: دعاء الملائكة الملائكة تدعوا لأهل الإيمان الذين يذنبون، ورد في الصحيحين أنهم يدعون في المسجد؛ إذا خرجت المسجد وصليت فالملائكة فوق رأسك تقول: (اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم تب عليه)، رواه البخاري ومسلم (ما من مسلمٍ يتطهر في بيته فيحسن الوضوء، ثم يخرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة لم يخط خطوة إلا حط عنه بها خطيئة، ورفع له بها درجة، ولا تزال الملائكة تصلى على أحدكم مادام في مصلاه تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ أو يحدث، وما يزال في صلاة ما انتظر الصلاة). والدعاء الثاني في سورة غافر: يقول الله عز وجل: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ} [غافر:7] يعني: الملائكة {وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غافر:7] يعني: لكم {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} [غافر:7] الدعاء اغفر لمن؟ ليس للناس كلهم {لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} [غافر:7] يعني: مشوا في الطريق {وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر:7] هذا كلام الملائكة تقول لكم: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [غافر:8] ثم تقول الملائكة: {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} [غافر:9] أي: اصرف عنهم المعاصي والذنوب والسيئات، اللهم قنا السيئات يا رب العالمين! {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر:9] هذه الملائكة تستغفر لك؛ لأنك أهل للاستغفار، ويستغفرون لمن؟ للذين آمنوا، الشروط التي جعلتك تستحق استغفار الملائكة وهي: أن تكون مؤمناً وتائباً ومتبعاً للسبيل، فتستغفر لك الملائكة.

المكفر الخامس عشر: عفو الله عز وجل

المكفر الخامس عشر: عفو الله عز وجل وما أعظم عفو الله، فهو ذو رحمة واسعة، وذو فضل عظيم، وهو عفو يحب العفو، ويغفر الذنب، ويقبل التوبة، ويعفو عن السيئات، يقول عليه الصلاة والسلام: (يدني الله المؤمن منه يوم القيامة حتى يضع عليه كنفه، فيذكره بذنوبه -يذكره بالمعاصي- ويقول له: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: رب أعرف -لا يستطيع أن ينكر- قال عز وجل: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم، فيعطى صحيفة حسناته بيمينه). نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يسترنا وإياكم في الدنيا والآخرة، وأن يعفو عنا جميعاً، إنه ولي ذلك والقادر عليه. {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران:193 - 194]. يقول أبو العتاهية: إلهي لا تعذبني فإني مقر بالذي قد كان مني فما لي حيلة إلا رجائي لعفوك إن عفوت وحسن ظني وكم من زلة لي في البرايا وأنت علي ذو فضلٍ ومنِّ إذا فكرت في ندمي عليها عضضت أناملي وقرعت سني أجن بزهرة الدنيا جنوناً وأقطع طول عمري بالتمني ولو أني صدقت الزهد فيها قلبت لأهلها ظهر المجن يظن الناس بي خيراً وإني لشر الناس إن لم تعف عني وهانحن نقول كما قال أبو العتاهية: يظن الناس فينا خيراً وإنا لشر الخلائق إن لم يعف عنا تبارك وتعالى. نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعفو عنا جميعاً وعن جميع المسلمين، وأن يكرمنا بالقيام من هذا المجلس وقد غفر لنا ذنوبنا، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير. وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله وصحبه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة

عوامل الثبات على دين الله عز وجل

عوامل الثبات على دين الله عز وجل Q نحن مجموعة من الشباب نحضر هذا المجلس لأول مرة، ونحن سعداء بما نسمع، نرجو منكم توجيه نصيحة لأمثالنا لعل الله أن يهدينا ويتوب علينا؟ A أقول لهم: مرحباً بكم في طريق الإيمان، ورياض الجنة، وحلق الذكر، ومجالس الملائكة، مرحباً بكم وأنتم تضعون أقدامكم في الطريق الصحيح، حياكم الله وحيا الله من دلكم على هذه الجلسة المباركة، وأسأل الله أن يزيدكم هداية وتوفيقاً وثباتاً على هذا الدين، ووصيتي إلى نفسي وإليكم وإلى كل مسلم الثبات عن طريق فعل ستة أشياء هي المثبتات: 1 - المداومة على قراءة القرآن ولو صفحة كل يوم مع التدبر. 2 - المداومة على قراءة السنة ولو حديثاً في كل يوم. 3 - المداومة على فعل الطاعات جميعها. 4 - الحذر من جميع الذنوب والمعاصي كبيرها وصغيرها. 5 - البعد عن رفقاء السوء. 6 - البحث عن الرفقاء الصالحين. إذا أنت تمسكت بهذه الست فلا ترجع -بإذن الله- أبداً وتستمر على الطريق الصحيح إن شاء الله. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الدروس المهمة لعامة الأمة

الدروس المهمة لعامة الأمة أورد الشيخ حفظه الله في هذه المحاضرة رسالة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله المسماة بـ: الدروس المهمة لعامة الأمة، فتحدث بداية عن الحث على السير في طريق السعادة، ثم تحدث عن أهمية هذه الرسالة، وبين معنى الشهادة وشروطها، وأركانها وواجباتها وسننها، كما تحدث عن بعض النقاط المهمة في الرسالة، وختم حديثه بالكلام عن الموت والمسائل التي تتعلق بالميت.

الحث على السير في طريق السعادة

الحث على السير في طريق السعادة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فقد خلق الله عز وجل هذا الخلق -الإنسان- لهدف جليل ولحكمة نبيلة أوضحها الله في محكم التنزيل فقال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] فالوظيفة الرئيسية للإنسان هي العبادة، وحتى يعبد الله عز وجل على بصيرة أنزل الله كتابه الكريم، وأرسل رسوله صلوات الله وسلامه، عليه وبيّن للناس طريق الحق ودعاهم إليه، وبين لهم طريق الباطل وحذرهم منه، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيّ عن بينة، فسار الموفقون -أصحاب البصيرة- ساروا في الطريق الصحيح الذي يقول الله فيه: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153] صراط مستقيم واضح لا اعوجاج فيه ولا غبش ولا التواءات ولا انحناءات، والأمر بالاتباع لا بالابتداع، والتحذير من السبل التي على رأس كل منها شيطان يزينها، ويملي للناس ويسول لهم في الدخول فيها، والنهاية أنها تفرق عن سبيل الله {فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153] هذه وصية الله، سار الموفقون في الطريق -نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم- وانحرف العمي المخذولون الذين ما عرفوا حقيقة هذه الحياة، ولم يعرفوا دورهم، ولماذا خلقهم الله عليها، ساروا في الطرق الملتوية، اتبعوا الشياطين، وساروا في ركابهم: {اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأعراف:30] وسبب ذلك: أنهم عميٌ ما فتحوا بصائرهم على طريق الله، يقول عز وجل: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} [الإسراء:72] من عاش في الدنيا أعمى عن طريق الله حشره الله أعمى عن صراط الله؛ لأن أول الصراط هنا ونهايته الجنة، امسك الصراط هنا وامسك الخط الصحيح ولا تمل يميناً ولا شمالاً والنهاية الجنة، لكن من زاغ هنا زاغ هناك، ومن انحرف هنا انحرف هناك، ومن ضل هنا ضل هناك، وأكثر من ذلك، قال: {وَأَضَلُّ سَبِيلاً} [الإسراء:72] ويستغرب الأعمى يوم أن يحشره الله أعمى وقد كان بصيراً {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا} [طه:125 - 126] نسيتها وتعاميت عنها {وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:126] والجزاء من جنس العمل، من نسي آيات الله نسيه الله بالعذاب هناك، ومعنى: نسيان الله يعني: إهماله له، وخلوده في جهنم أعاذنا الله وإياكم منها. ولكن هذا الطريق -أيها الإخوة- الذي هو طريق السعادة يحتاج إلى علم ومعرفة، وبغير العلم والدراية والمعرفة لا يستطيع أن يواصل السير فيه، لا تكفي العاطفة، والحماس، ولا تكفي الرغبة، بل لا بد من إشارات وإرشادات، وعلامات ودلالات يتمسك بها الإنسان حتى يصل إلى الله، فإن الطريق بعيد، والعقبة كئود، والحمل ثقيل، والبحر عميق، والسفر طويل، والناقد بصير، ولا يخارجك -أيها الإنسان- إلا الذي لا إله إلا هو بعد أن تأخذ بالأسباب.

أهمية رسالة الشيخ عبد العزيز بن باز ومعنى الشهادة وشروطها

أهمية رسالة الشيخ عبد العزيز بن باز ومعنى الشهادة وشروطها كان الشخص منا يفكر باستمرار كيف يمكن أن يدل إنساناً على كتاب أو شريط بمجرد ما يرى أنه اهتدى، إذا قال لك: دلني على شريط أو دلني على كتاب. فإنك تفكر كثيراً وأنت تريد أن تدله على شيء محدود ولكنه شامل كامل يفي بالغرض فلا تجد، وهناك أشرطة كثيرة قد لا يستطيع الإنسان سماعها، أو كتب كبيرة لا يستطيع الإنسان استيعابها، ولكن وقع الاختيار على رسالة هامة تكتب بماء الذهب ألفها سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الرئيس العام لـ إداراة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، مد الله في أجله، ومتع الله المسلمين بعمره، وهذه الرسالة سماها: الدروس المهمة لعامة الأمة، يستفيد منها العالم والعامي، والرجل والمرأة، والكبير والصغير، وهي من قبل الرئاسة العامة توزع بالمجان، ووزعت على أئمة المساجد من أجل قراءتها على المصلين؛ لأنه لا يستغني عنها مسلم في حال من الأحوال، إذ أنها اشتملت على الأساسات والقواعد الرئيسية التي يحتاجها المسلم أياً كان هذا المسلم، وفي أي بقعة، وتحت أي سماء، وفوق أي أرض، أي مسلم يقرأ هذه الرسالة ويعتقد ما فيها ويعمل بما فيها فهي وسيلة نجاة بإذن الله عز وجل، هذه الرسالة سنقولها هذه الليلة إن شاء الله مع شيء من التفصيل والشرح المبسط لعلها تستوعب في شريط، ثم يدل على هذا الشريط حينما تعلم بهداية إنسان تقول: اسمع هذا الشريط فإنه يكفيك ويشفيك إن شاء الله. الدرس الأول في هذه الرسالة يتعلق بالقاعدة التي يبنى عليها الدين وهي: شهادة أن لا إله الله وأن محمداً رسول الله. وهي المفتاح التي تفتح به الجنة، وهي الباب الذي يدخل منه الإنسان إلى الإسلام، إذ لا يقبل من الإنسان عمل إلا بعد أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، هذه الكلمة العظيمة هي التي قالها الله لموسى عندما قال موسى: (يا رب! علمني قولاً أذكرك به، قال: يا موسى! قل لا إله إلا الله، قال: يا رب! كل عبادك يقولون هذا، قال: يا موسى! لو أن السماوات والأرض وعامرهن غيري وضعت في كفة ولا إله إلا الله في كفة لرجحت بهن لا إله إلا الله). ومعنى هذه الكلمة: أن (لا إله) نافية لجميع ما يعبد من دون الله، فكل إله باطل إلا الله، (إلا الله) تثبت الألوهية لله وحده لا شريك له، ولذا الجاهليون ما قالوها، لأنهم يعرفون مدلولها، ولذا قالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5] لأنهم يعبدون ثلاثمائة وستين صنماً حول الكعبة، وعندهم آلهة بشرية وآلهة صنمية، ومن كل نوع: يعبدون الشمس، والقمر، والنجوم، والكواكب، والجن، والشجر، والحجر، والتمر، والكلاب وحتى الفروج والشيطان، ولكن لا إله إلا الله هذه كلمة التوحيد الأولى، معناها: لا إله معبود بحق (إلا الله) تنفي جميع المعبودات إلا الله، وتثبت العبادة لله وحده لا شريك له. ولها شروط سبعة لا بد من معرفتها: الشرط الأول: العلم وهو منافٍ للجهل. الشرط الثاني: اليقين وهو منافٍ للشك. لا بد أن تقول: لا إله إلا الله موقناً من قلبك يقيناً جازماً ثابتاً لا يزول ولو زالت الجبال عن أماكنها، لا يخالطك فيها شك، فهذا هو اليقين المنافي للشك. الشرط الثالث: الإخلاص المنافي للشرك. لا بد أن تقولها مخلصاً بها، إذ من قالها وهو يشرك مع الله لا تنفعه لا إله إلا الله ولو قالها مليون مرة. الرابع: الصدق المنافي للكذب. تقولها صادقاً، لا كما قالها المنافقون الكذبة، في عهد الرسول حين قالوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:8 - 10]. الخامس: المحبة المنافية للبغض. تحب لا إله إلا الله، وتحب أهل لا إله إلا الله، وتحب في لا إله إلا الله، وتوالي من أجل لا إله إلا الله، وتعادي من أجل لا إله إلا الله، وتبغض من أجل لا إله إلا الله، وتحيا من أجل لا إله إلا الله، وتموت في سبيل لا إله إلا الله، هذا معنى المحبة. السادس: الانقياد المنافي للترك. تنقاد لأحكام لا إله إلا الله، تخضع وتذعن وتستسلم لأوامر لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. السابع: القبول المنافي للرد. تقبل لا إله إلا الله بصدر منشرح، تفرح بأحكام لا إله إلا الله بقلب مفتوح، الموجة متجهة إلى الله عز وجل، لماذا؟ لأن الذي يعمل بغير رغبة ومحبة ولا قبول لا يقبل الله منه، يقول الله: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] هذا معنى شروط لا إله إلا الله. أما معنى وشروط أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمعناه: طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع، هذه معنى أن محمداً رسول الله، تقتضي هذه الكلمة منك ما دمت تشهد وتعتقد أن هذا رسول أرسله الله إلى الجن والإنس فإن مقتضى هذه الشهادة وهذا الإيمان يلزمك إلزاماً أن تطيعه فيما أمر، وأن تصدقه فيما أخبر، وأن تجتنب عما عنه نهى وزجر، وألا تعبد الله إلا بما شرع هو لا تعبده بما تفتكره من رأسك، وبما تمليه عليك أهواؤك أو استحساناتك، لا. لا دين إلا ما جاء عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أركان الإيمان

أركان الإيمان مراتب الدين ثلاثة مراتب: مرتبة الإسلام، ومرتبة الإيمان، ومرتبة الإحسان، وهذه المراتب الثلاث جاءت في حديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (جاء رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يعرفه منا أحد، ولا يرى عليه أثر السفر، فأقبل على النبي صلى الله عليه وسلم وجلس وسأله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدقت، قال عمر: فعجبنا منه يسأله ويصدقه) معناه أنه يعلم، وأنه يعرف أكثر من النبي صلى الله عليه وسلم، ولما ولى الرجل قال صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من الرجل؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمور دينكم). علم الرسول صلى الله عليه وسلم مراتب الدين الثلاثة، وعلمه من ضمنها أركان الإيمان، أي: الأسس التي يقوم عليها الإيمان وهي ستة:

الركن الأول: الإيمان بالله

الركن الأول: الإيمان بالله تؤمن بأن الله هو خالق هذا الكون، وهو المبدع له، وهو المستحق للعبادة، كما هو الذي خلق فهو الذي يأمر: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف:54] ما دام أنه لا أحد يشاركه في الخلق فلا ينبغي أن يشاركه أحد في العبادة والأمر، هذا الركن الأول.

الركن الثاني: الإيمان بملائكة الله

الركن الثاني: الإيمان بملائكة الله أن تؤمن أن لله ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله، موكلون بأعمال، ومكلفون بتكاليف، منهم من هو موكل بالوحي وهو جبرائيل، ومنهم من هو موكل بالمطر وهو ميكائيل، ومنهم من هو موكل بقبض الأرواح وهو ملك الموت، ومنهم من هو موكل بالنفخ وهو إسرافيل، ومنهم خازن الجنان وهو رضوان، ومنهم خازن النيران وهو مالك، ومنهم موكل بالأعمال منكر ونكير: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:31] نؤمن بهذا وأنهم {غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] ومقتضى إيماننا بهم يلزمنا بمراقبة الله، إذ أنه {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار:10 - 12] الذي يعرف ويؤمن ويعتقد أن كل كلمة مسجلة عليه هل يخطئ؟ هل يلعب؟ لا. يعرف أن شيء مسجل عليه، لكن الذي ليس عنده إيمان تجده (يهري بما لا يدري، ويبلبل بالكلام في المعصية بغير مراقبة)؛ لأنه ليس عنده يقين ولا إيمان.

الركان الثالث: الإيمان بالكتب المنزلة على رسل الله

الركان الثالث: الإيمان بالكتب المنزلة على رسل الله أنزل الله على كل رسول يرسله إلى الأمم كتاباً، ختم الكتب كلها بالمهيمن عليها والخاتم لها وهو كتاب الله الذي يقول فيه: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42] ما فرط الله به من شيء، نور وهداية، وروح لهذه الأمة، وكذا تؤمن بالكتب السالفة: الزبور، والتوراة، والإنجيل، لكن تعمل فقط بما في القرآن؛ لأنه نسخ كل الكتب وهيمن على كل الرسالات ببعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الركن الرابع: الإيمان بالرسل

الركن الرابع: الإيمان بالرسل تؤمن بأن الله عز وجل أرسل رسلاً إلى الأمم السالفة أولهم نوح وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165] ولكن لا تعمل بشريعة أحد إلا بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأنبياء الأولين لو كانوا موجودين ما وسعهم إلا إتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، ويبعث عيسى عليه السلام في آخر الزمان ويعمل بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد أمَّ صلى الله عليه وسلم الأنبياء في بيت المقدس وصلى بهم إماماً، فإنه إمام المرسلين وخاتم النبيين، صلوات الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

الركن الخامس: الإيمان باليوم الآخر

الركن الخامس: الإيمان باليوم الآخر أن تؤمن بالبعث وباليوم الآخر، وأن الله قد ضرب موعداً يعلمه هو ولا يعلمه أحد غيره، علم الساعة عند الله، وهذا الموعد يبعث الله فيه الأولين والآخرين، ويحضرهم إلى ميقات يوم معلوم، ثم ينزل فيهم لفصل القضاء، ثم تنشأ الدواوين، ثم يضرب الجسر على متن جهنم، ثم تقرب الجنان وتزلف، وتقرب النيران وتعد، ثم يفصل بين الناس وينقسمون يوم القيامة إلى فريقين {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7] بحسب الأعمال التي عملوها في الدنيا، من استقام على دين الله هنا نجاه الله هناك وأدخله الجنة، ومن ضل هنا أضله الله هناك: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} [الإسراء:72].

الركن السادس: الإيمان بالقدر خيره وشره

الركن السادس: الإيمان بالقدر خيره وشره بأن تعتقد: أنه لا يتحرك في الكون متحرك، ولا يسكن ساكن، ولا يكون شيء في الأرض ولا في السماء إلا بقدر من الله عز وجل، يقول الله عز وجل: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49] كل شيء بقدر من الله عز وجل، وأن هذا القدر فيه خير وفيه شر، وهو خير وشر بالنسبة عندنا ولكن عند الله كله خير، وهذا القدر يلزمك أن تؤمن به، ما معنى تؤمن؟ ترضى وتسلم وتخضع، إذا علمت أن هذا القدر من الله رضيت؛ لأن الخير فيما يقدره الله، والخير فيما يختاره الله {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19] هذا هو الإيمان.

أقسام التوحيد

أقسام التوحيد أما التوحيد الذي هو أساس الدين فمعناه: إفراد الله بالعبادة، أي: توحيد الله، والتوحيد مأخوذ من الوحدة، توحد الله: لا تشرك معه، إفراده: تفرده بالعبادة، التوحيد: هو إفراد الله بالعبادة، وهو ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.

توحيد الربوبية

توحيد الربوبية وتوحيد الربوبية هو: أن توحد الله بفعله، وفعل الله: الخلق، الرزق، الإحياء، الإماتة، إنزال الغيث، فتوحده بفعله، فلا تعتقد أن هناك خالقاً غير الله، ولا رازقاً غير الله، ولا محيياً غير الله، ولا مميتاً غير الله، هذه كلها من توحيد الربوبية، وهذا لا يكفي لوحده؛ لأن المشركين أقروا بهذا وما دخلوا في الدين، قال الله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:25] وكذلك اليهود يؤمنون بالله، والنصارى يؤمنون بالله، وبعض الناس الماديين الآن عندهم إيمان بوجود الله، لكن لا يكفي هذا إلا بالتوحيد الثاني والثالث. التوحيد الثاني: توحيد الألوهية وهو: توحيد الله بفعلك أنت، وحدت الله بفعلك فاعتقدت أنه هو الخالق لوحده، وهو الرازق لوحده، وهو المحيي لوحده.

توحيد الألوهية

توحيد الألوهية القسم الثاني من أقسام التوحيد: أن توحده بفعلك، بصرف جميع أنواع العبادة له وحده، فلا تدعو إلا الله، ولا تستغيث إلا بالله، ولا تخاف إلا من الله، ولا ترجو إلا الله، ولا تستعين إلا بالله، ولا تخشى إلا الله، ولا تخضع إلا لله، ولا تذبح إلا لله، ولا تنذر إلا لله، ولا تتوكل إلا على الله، هذه أفعال العباد ويسمى توحيد الألوهية هو أن توحد الله بأفعالك أنت فلا تصرف منها شيئاً لغير الله تبارك وتعالى، ومن صرف منها شيئاً لغير الله فقد أشرك بالله ونسف التوحيد من أساسه.

توحيد الأسماء والصفات

توحيد الأسماء والصفات والتوحيد الثالث: توحيد الأسماء والصفات وهو: بأن تصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، تثبت لله جميع الأسماء والصفات التي أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم، وتنفي عن الله كل صفات النقص التي نفاها الله عن نفسه ونفاها عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع الإثبات تثبت من غير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل، بل تؤمن بأنه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] وهذا مخرج عظيم من المتاهات التي ضل فيها أهل الكلام وأهل البدعة والخرافة الذين دخلوا ثم ما استطاعوا أن يخرجوا، بل خرجوا إلى النار والعياذ بالله. فأما أنت قف على دليل وارض بما وسع رسول الله ووسع صحابة رسول الله ووسع سلف هذه الأمة، وأهل السنة والجماعة الذين وصفوا الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وأثبتوا له صفات الكمال من غير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل، هذا هو التوحيد.

الشرك بالله وأنواعه

الشرك بالله وأنواعه ضد التوحيد الشرك. والشرك هو: صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله، وهو ثلاث درجات: شرك أكبر، وشرك أصغر، وشرك خفي.

الشرك الأكبر المخرج من الملة

الشرك الأكبر المخرج من الملة أن تصرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله، فتدعو غير الله كمن يدعي الأنبياء، أو يدعي الأولياء، أو يدعي الصالحين، أو يدعي الجن، لا تدعي أحداً إلا الله {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن:18] أو يخضع لغير الله، أو يطلب المدد من غير الله، أو يتوكل على غير الله، أو يستغيث بغير الله، أو يقسم بغير الله، كل هذه أنواع شركية لا يجوز أن تصرف إلا لله وحده، ومن صرف منها شيئاً لغير الله فقد أشرك بالله، والشرك لا يغفره الله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:31] {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:72].

الشرك الأصغر وهو الرياء

الشرك الأصغر وهو الرياء أن يقوم الإنسان بعمل مما لا يُعمل إلا لله يرجو به الناس، فهذا مراءٍ (ومن عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) هكذا يقول الله عز وجل.

الشرك الخفي

الشرك الخفي وقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عنه قال: (هو قول الرجل: ما لي إلا الله وأنت) أو: أنا متكل على الله وعليك، وبعضهم لا يقول ما لي إلا الله بل يقول: ما لي إلا أنت، أنا متكل عليك، أنا معتمد عليك، لا. هذا شرك لا يجوز، وكفارة هذا أن تقول أولاً: ما لي إلا الله ثم أنت، أنا متكل على الله ثم عليك، ثم تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم نستغفر الله عز وجل لما لا نعلم، ونعوذ بالله أن نشرك به ونحن نعلم.

أركان الإسلام

أركان الإسلام أما أركان الإسلام وهي المرتبة الأولى من مراتب الدين فهي خمسة: الأول: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله بالمعاني والشروط التي ذكرناها: الثاني: إقامة الصلاة، ومعنى إقامة الصلاة؟ أداءها الأداء الشرعي في جماعة المسلمين، في كمال الطهارة والخضوع والخشوع وحضور القلب. الثالث: إيتاء الزكاة المفروضة في الأموال المعلومة وبالأنصبة المعروفة والمحددة. الرابع: صوم رمضان بجميع متطلباته وآدابه. الخامس: حج بيت الله الحرام بعد توفر دواعيه ومتطلباته. هذه هي أركان الإسلام الخمسة.

الصلاة عمود الدين وأهم ركن من أركان الإسلام

الصلاة عمود الدين وأهم ركن من أركان الإسلام أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين على الإطلاق: الصلاة؛ لأنها عمود الدين، والفارق ما بين المسلم والكافر، والحديث في صحيح مسلم، يقول عليه الصلاة والسلام: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة)، وفي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود عن بريدة بن الحصيب قال صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) الصلاة لها شروط تسعة لا بد من توفرها قبل أن تأتي المسجد وقبل أن تدخل، وهي مثل شروط القبول في الوظيفة. فلو يعلن عن وظائف في الديوان وتعلق الشروط، والذي يريد أن يدخل المسابقة ويقدم الطلب يذهب ويقول: ما شروط الوظيفة؟ قالوا: شروط الوظيفة: أن يكون سعودي الجنسية، ألا يقل سنه عن ثمان عشرة سنة، أن يكون حسن السيرة والسلوك، أن يحمل مؤهلاً جامعياً -مثلاً- أو ثانوية عامة مع خبرة كذا وكذا، هذه شروط اسمها شغل الوظيفة، إذا توفرت فيك الشروط قبل طلبك وتدخل الصالة على الامتحان فأنت وحظك، لكن إذا نقص شرط من هذه الشروط فمن عند الباب يقولون لك: ما توفرت فيك الشروط. وكذلك الصلاة يجب فيها تسعة شروط قبل الدخول إلى المسجد، إذا نقص شرط واحد لا تدخل، وفر التسعة وادخل، وقدم أوراقك ولعل الله أن يقبلك، ما هذه الشروط التسعة؟

شروط الصلاة

شروط الصلاة أولاً: الإسلام: فلا يقبل الله الصلاة من كافر، لو أتى شخص يصلي وهو غير مسلم، ما شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فلا تقبل صلاته. ثانياً: العقل، فلا تقبل صلاة المجنون؛ لأن العقل مناط التكليف. ثالثاً: التمييز. رابعاً: رفع الحدث، والحدث حدثان: حدث أكبر، وحدث أصغر: فالحدث الأكبر سببه الجنابة أو الحيض أو النفاس، والجنابة تقع إما بإخراج المني أو بالتقاء الختانين، أو بجهد المرأة، وهذه يرفعها الغسل. والحدث الثاني: حدث أصغر وهو: نقض الوضوء بأحد نواقض الوضوء التي سوف تأتي إن شاء الله ورفعه بالوضوء، فلا بد أن ترفع الحدث، لو أتيت تصلي والحدث عليك فلا تقبل صلاتك. خامساً: إزالة النجاسة. أن تزيل النجاسة من ثوبك ومن بدنك ومن البقعة التي تصلي عليها. سادساً: ستر العورة: أن تستر عورتك، وحدود عورة الرجل من السرة إلى الركبة، والمرأة كلها عورة إلا وجهها في الصلاة وكفيها ما لم يرها أجنبي. سابعاً: دخول الوقت. لا يصح أن تصلي قبل دخول الوقت، كأن تكون مستعجلاً وتريد أن تسافر، فتصلي قبل دخول الوقت بساعة أو ساعتين فهذا لا ينفع، لا بد أن تصلي بعد دخول الوقت. الثامن: استقبال القبلة، فلو صلى الإنسان إلى غير قبلة لا تقبل صلاته، ما لم يكن جاهلاً فإنه يجتهد ويتحرى وحيث ما يولي -إن شاء الله، بعد الاجتهاد- فثم وجه الله عز وجل. التاسع: النية. والنية عمل قلبي لا يُتلفظ به كما يصنع بعض الناس، فالنية محلها القلب، تقف بين يدي الله وتنوي بقلبك والله يعلم ما في قلبك، لكن التلفظ بها كما نسمع بعض الناس يقول: نويت أن أصلي المغرب ثلاث ركعات مباركات اللهم تقبلها مني، هذه بدعة منكرة ليس عليها دليل من الله ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم، وكل ما ليس عليه دليل فهو رد على صاحبه. هذه شروط الصلاة.

أركان الصلاة

أركان الصلاة إذا توفرت فيك الشروط التسعة ودخلت المسجد وتريد أن تقدم الصلاة، فلا بد أن تعلم أن الصلاة تبنى على أربعة عشر ركناً، ولا بد من توفرها حتى تكون الصلاة صحيحة، وإذا نقص ركن واحد عمداً أو سهواً بطلت الصلاة. الركن الأول: القيام: والله عز وجل جعله مع القدرة، بحيث إذا كنت غير قادر أن تصلي قائماً فصل جالساً، أو على جنب، فإن كنت غير قادر أن تصلي على جنب فصل مستلقياً، فإن كنت غير قادر أن تصلي على جنبك أو مستلقياً فصل بطرفك أو إيماء بطرفك، فإن كنت لا تستطيع أن تومئ بعينك ولا بطرفك أومئ بقلبك، ما دام قلبك موجوداً فلابد أن تصلي. الركن الثاني: تكبيرة الإحرام: وهي التي في أول الصلاة، لو أتى شخص في الصلاة ووقف وقرأ الفاتحة، صلاته باطلة، فلا بد أن يستفتح بتكبيرة الإحرام. الركن الثالث: قراءة الفاتحة -أم الكتاب- لحديث عبادة بن الصامت في الصحيحين: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب). الركن الرابع: الركوع، الذي يُسمى ركوع الهُوي، هذا ركن، لو أتى شخص وقرأ الفاتحة وركع بسرعة وسجد دون أن يركع فصلاته باطلة، لا بد من الركوع. الركن الخامس: الرفع من الركوع: لا يكفي أن تركع ثم تختصرها هناك وتسجد، لا بد أن ترفع حتى تعتدل قائماً. الركن السادس: الاعتدال، ليس فقط أن ترفع، بل ترفع وتعتدل؛ لأن بعض الناس قد يرفع ثم ينزل مباشرة، يجب أن ترفع ثم تعتدل قائماً. الركن السابع: السجود على الأعضاء السبعة وهي: الجبهة والأنف وهما عضوان؛ في الوجه، واليدين والركبتين وبطون أصابع القدمين، هذه سبعة أعظم (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم) من رفع منها عضواً بطلت صلاته، لو سجد الشخص على جبهته ورفع أنفه -مثل بعض الناس ينطح الأرض بجبهته ويرفع أنفه- فصلاته باطلة، ولو سجد على أنفه ورفع جبهته فصلاته باطلة، ولو رفع أرجله من وراء فصلاته باطلة، لا بد أن تسجد على سبعة أعظم؛ لأنها ركن من أركان الصلاة. الركن الثامن: الرفع من السجود. الركن التاسع: الجلسة بين السجدتين، ترفع من السجود ثم تجلس بين السجدتين. الركن العاشر: الطمأنينة في جميع الأركان. يعني: تطمئن وتسكن ولا تسرع، مثلما يصنع بعض الناس في صلاتهم؛ لأن العجلة والارتباك هذه لا تجعل لك صلاة، وتطمئن في كل ركن بحيث يأخذ كل ركن حقه من الطمأنينة في جميع الأركان. الركن الحادي عشر: التشهد الأخير الذي في آخر الصلاة. الركن الثاني عشر: الجلوس للتشهد، فلو تشهدت وأنت واقف فليس لك صلاة وصلاتك باطلة. الركن الثالث عشر: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، تتشهد ثم تقول: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد الصلاة الإبراهيمية. الركن الرابع عشر: التسليمتان. وهي آخر شيء، بحيث لو صليت وقبل أن تكمل قمت وما قلت: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، فالصلاة باطلة، فلا بد أن تختتم بالتسليم كما ابتدأت بالتكبير. والركن إذا عدم بطلت الصلاة، عمداً كان أو سهواً.

واجبات الصلاة

واجبات الصلاة واجبات للصلاة هي أقل درجة من الأركان، ولا يعني هذا أنها ليست مهمة بل هي مهمة ولكنها في الحكم أقل من الركن، إذ أن من تركها عامداً بطلت صلاته، ومن تركها ساهياً جبرها بسجود السهو، وهي ثمانية: الأول: جميع التكبيرات غير تكبيرة الإحرام. يعني: تكبيرة الركوع، تكبيرة السجود، تكبيرة الرفع من السجود، هذه كلها تكبيرات يسمونها تكبيرات الانتقال، هذه واجبات بحيث إذا لم يأت بها الشخص عمداً بطلت صلاته، أما إذا سها فيسجد للسهو. الثاني: قول: سمع الله لمن حمده للإمام والمنفرد، الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، والذي يصلي منفرداً يقول: سمع الله لمن حمده. الثالث: قول: ربنا ولك الحمد، للإمام والمأموم والمنفرد، فالإمام يقول: سمع الله لمن حمده، ثم يقول هو في نفسه: ربنا ولك الحمد، والمأمومون يقولون بعده: ربنا ولك الحمد. الرابع: قول: سبحان ربي العظيم في الركوع. الخامس: قول: سبحان ربي الأعلى في السجود. السادس: قول: رب اغفر لي وارحمني. في الجلوس بين السجدتين. السابع: التشهد الأول الذي بعد الركعتين الأولين في الظهر والعصر والمغرب والعشاء. الثامن: الجلوس للتشهد. هذه هي واجبات الصلاة، وهي ثمانية واجبات والحمد لله معروفة، وأعتقد أن كلاً منكم إن شاء الله يمارسها، وسبب إيرادها هنا من أجل أنك إذا أردت أن تعلم شخصاً فلتعطه هذا الشريط؛ لأنك أقمت عليه الحجة بأن أعطيته الدين كله في شيء من الشمول والكمال والاختصار. قلنا: إن من واجبات الصلاة: التشهد الأول، ومن أركان الصلاة: التشهد الثاني، ما هو التشهد؟ التشهد أو التحيات هو أن تقول: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فهذه اسمها التحيات أو التشهد. تبقى الصلوات: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. وهذه اسمها التحيات، وهي معروفة عند الجميع والحمد لله.

سنن الصلاة

سنن الصلاة ذكرنا للصلاة أركاناً وواجبات وتوجد سنن مطلوبة ومستحبة ويطلب من المسلم أن يحافظ عليها؛ لأن الذي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه السنن كثيرة: منها: دعاء الاستفتاح: بعد أن تكبر تكبيرة الإحرام تقول: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، ما حكم هذا؟ سنة، إذا أتى به الإنسان أثيب عليه، وإذا لم يأت به فصلاته صحيحة، ولا يجبر بسجود السهو، ولكن ليس معنى أنه سنة أنك لا تأتي به، ولكن هذا في معرض بيان الحكم الشرعي نحوه، أما الإتيان به فهو مطلوب، لأن النبي صلوات الله وسلامه عليه ما أمر به ولا سنه إلا لأهميته. ومنها: جعل كف يدك اليمنى على اليسرى فوق صدرك. هكذا لا على نحرك، ولا تحت سرتك، ولا على قلبك كما يفعل بعض الناس، ولا تفلتها وإنما على الصدر، هذا هو الثابت الصحيح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم. ومنها: رفع اليدين مضمومة الأصابع حذو المنكبين عند التكبير. ومنها: جعل رأسك حيال ظهرك في الركوع، لا تنكسه ولا تشخصه، وإنما يكون بمحاذاة الظهر؛ لأن الرأس ممتد كامتداد الظهر. ومنها: مجافاة العضدين عن الجنبين، والفخذين عن البطن أثناء السجود، لا يربض ويضم نفسه، ولا يمتد ويمطط نفسه حتى كأنه يريد أن يسقط، وإنما يجافي باعتدال وبدون غلو أو تقصير؛ لأن الدين وسط، يجافي بين عضديه عن جنبيه وفخذيه عن بطنه. ومنها: جلوسه على رجله اليسرى ونصب اليمنى. يفترش اليسرى في الجلوس وينصب اليمنى في التشهد الأول وفي الجلوس بين السجدتين، والتورك في التشهد الأخير من الصلاة الثلاثية أو الرباعية، ينصب اليمنى ويدخل اليسرى من تحتها ثم يميل على وركه الأيسر. ومنها: التبريك على إبراهيم، (وبارك على إبراهيم) هذه أيضاً من السنن. ومنها: الجهر بالقراءة في الركعتين الأوليين من صلاة المغرب والعشاء والفجر، والإسرار في القراءة في الركعتين الأخريين من العشاء والركعة الثالثة من المغرب، وجميع ركعات الظهر والعصر. ومنها: قراءة ما زاد عن الفاتحة من القرآن، هذه من السنن. يعني: الركعة الأولى تقرأ فيها الفاتحة ومعها سورة من القرآن، الركعة الثانية الفاتحة وسورة من القرآن، وفي الركعتين الأخيرتين يقرأ الفاتحة فقط، قراءة ما زاد عن الفاتحة يسمى سنة من سنن الصلاة.

مبطلات الصلاة

مبطلات الصلاة هناك أشياء تبطل الصلاة، من وقع في شيء منها بطلت صلاته، ما هي هذه الأشياء؟ كثيرة: أولاً: الكلام عمداً: ولو بأقل عبارة، ولو بكلمة مكونة من حرفين، وإذا كنت تصلي -مثلاً- وشخص يدق الباب ويقول: فلان موجود؟ قلت أنت: لا. الله يخلف عليك في صلاتك، هذا إذا كنت متعمداً، أما إذا نسيت فالنسيان معفوٌ عنه: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهت عليه، ما لم تعمل أو تحدث به نفسها) فالنسيان معفو عنه: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] قال الله: قد فعلت. أما عمداً ولو بكلمة من حرفين تبطل الصلاة. لكن لو قلت: نعم، مثلاً إمام يصلي فأخطأ وأنت وراءه ثم عرف وقلت: نعم. لكي ترد عليه، وأنت ناسٍ لا شيء عليك وتستغفر الله، رغم أن الكلام حلال لكنه في الصلاة حرام. ثانياً: الضحك كثيره وقليله، حتى التبسم في أصح قولي العلماء. وهناك خلاف بين أهل العلم: هل التبسم يفسد الصلاة أو القهقهة، ولكن الصحيح أنه مطلق الضحك؛ لأن هذا يعتبر ضحكاً، والتبسم يدخل فيه فلو أن شخصاً يضحك أمامك أو يتكلم أو ينكت عليك وأنت تصلي وابتسمت فيجب عليك أن تعيد الصلاة. ثالثاً: الأكل والشرب ولو شيئاً يسيراً. رابعاً: انكشاف العورة: إذا سقط ثوبك وانكشفت عورتك بطلت صلاتك. خامساً: الانحراف عن جهة القبلة: ليس الالتفات؛ لأن الالتفات اليسير يسمى اختلاساً، وهو سرقة من الشيطان، لكن إذا حولت نفسك وانحرفت عن القبلة بطلت الصلاة. سادساً: العبث الكثير في الصلاة: كأن يحك ظهره، وينظف أنفه، ويصلح غترته، وبعض الناس إذا صليت بجانبه يصيبك من الألم ما لا يعلمه إلا الله، لا تخشع بجانبه؛ لأنه في حركة دائبة وقلة أدب مع الله عز وجل -والعياذ بالله-، وهذا يفسد الصلاة. سابعاً: وهو المفسد الأخير والعام: انتقاض الطهارة، بأي شيء من نواقض الوضوء.

الطهارة

الطهارة ما هي الطهارة؟ الطهارة هي مفتاح الصلاة، الطهارة هي أساس العبادة، والوضوء هو الذي يرفع به الحدث الأصغر.

شروط الوضوء

شروط الوضوء الوضوء له عشرة شروط: الأول: الإسلام، إذ أن من يتوضأ وهو غير مسلم فليس له وضوء. الثاني: العقل. الثالث: التمييز. الرابع: النية. الخامس: استصحاب حكم النية معه في أثناء العبادة بألا ينوي قطعها حتى تتم الطهارة. السادس: انقطاع الموجب للوضوء وهو الحدث، مثلاً قام شخص وتوضأ ولم يكمل البول ومازال يقطر وذهب يتوضأ فلا يصح، لا بد أن ينقطع هذا الموجب، بالاستجمار، أو الاستنجاء، ولابد أن يكون الماء طاهراً، وألا يكون مغصوباً ومسروقاً، ويجب إزالة ما يمنع وصوله إلى البشرة، فلو توضأت وقد أصابت يدك الرنج فوضوءك هذا لا يصح، وكذلك المرأة إذا توضأت وعلى أظافرها الطلاء الأحمر الذي يسمونه (مناكير) وهو مأخوذ من المنكر، تبدو وكأنها قطة كانت تنهش لحماً، وتضع في فمها حمرة، ما هذا؟ تشويه، هذه المناكير طبقة عازلة لا ينبغي للمرأة أن تضعها، وإذا وضعتها لزمها أن تزيلها قبل أن تتوضأ، وإذا توضأت ولم تزله فوضوءها غير صحيح؛ لأنها أبقت شيئاً من جسدها من غير غسل. أما الحناء فهو غير عازل، فالحناء لا يشكل طبقة عازلة، وإنما هو لون يدخل في طبيعة الجسد ولا يشكل طبقة، بحيث لو أتيت تزيله لا يزول، لكن هذا المنكر والمناكير يمكن أن تزال من فوق الأظافر. سابعاً: دخول الوقت: على من حدثه دائم لفرضه، يعني: شخص عنده سلس في البول ولا يستطيع أن يمسك الطهارة ويحتفظ بها، ودائماً ينقط ذكره، هذا يشترط فيه: أنه لا يتوضأ للصلاة إلا بعد دخول وقتها، فإذا دخل وقتها توضأ؛ لأن فيه حدث دائم باستمرار، فلو ذهب يصلي ونزل منه فصلاته صحيحة؛ لأنه معذور في هذا الأمر. هذه هي شروط الوضوء.

أركان الوضوء

أركان الوضوء أما فروض الوضوء وأركانه وأساساته، فهي ستة: الأول: غسل الوجه، ويدخل فيه المضمضة والاستنشاق؛ لأنها من الوجه. الثاني: غسل اليدين إلى المرفقين. الثالث: مسح جميع الرأس مرة واحدة مقبلاً ومدبراً، ومنه الأذنان؛ لأنها ضمن الرأس. الرابع: غسل الرجلين إلى الكعبين. الخامس: الترتيب. فلو بدأ بالرجلين لا يصح، ولو بدأ بيديه ثم غسل وجهه -أيضاً- لابد أن يبدأ بالوجه ثم اليدين إلى المرفقين، ثم مسح جميع الرأس ثم الرجلين. السادس: الموالاة. أن تغسل العضو تلو العضو قبل أن يجف الأول، لكن لو أن شخصاً غسل وجهه وذهب يشرب فنجان شاي وجاء ثم غسل يديه ثم ذهب يأخذ عليها كسرة خبز، وجاء بعد ذلك ومسح رأسه نقول: وضوءه باطل، لماذا؟ لأنه لم يوالِ بينهما، لا بد من الموالاة. هذه فروض الوضوء، وليس منها الاستنجاء، بعض الناس إذا أراد أن يتوضأ، فلابد أن يستنجي، والاستنجاء إنما هو لغسل الخارج من السبيلين، فإذا أردت أن تصلي وليس لك حاجة إلى الخلاء فتتوضأ مباشرة، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6] قال: حسناً انتقض وضوئي بالريح فأنا يجب أن أستنجي. الريح لا يغسل؛ لأنه هواء، فإذا غسلت الموطن فاغسل السروال واغسل الثوب الذي وراءه؛ لأنه قد بخ فيه، واغسل البطانية، بل رش السقف كله.

نواقض الوضوء

نواقض الوضوء ينتقض الوضوء ويبطل بسبعة نواقض: الأول: الخارج من السبيلين. الثاني: الخارج الفاحش -يعني: الكثير- النجس من الجسد، مثل الدم ومثل القيح والصديد. الثالث: زوال العقل بنوم أو بجنون، أو نوع من زوال العقل، ما دام زال العقل ينتقض الوضوء، لماذا؟ لأنك لا تدري انتقض وضوءك أم لا، وفي الحديث: (العين وكاء السه) يعني: وكاء الدبر، إذا نامت العين انفتح الوكاء، فما تعلم إذا نمت هل خرج شيء أو لم يخرج، فإذا نمت فلابد أن تتوضأ. الرابع: مس الفرج باليد قبلاً كان أو دبراً للإنسان أو لغيره من غير حائل، أما بالحائل إذا مس الإنسان دبره أو قبله بالحائل من فوق الثوب فلا شيء عليه، أما إذا كان بغير حائل فيفسد الوضوء. الخامس: تغسيل الميت. إذا غسلت ميتاً انتقض وضوءك. السادس: أكل لحم الجزور. إذا أكلت لحم الجزور -يعني: الإبل- انتقض وضوءك، والحكمة هنا محض التعبد لا كما نسمع من بعض العوام قصة مكذوبة على رسول الله لا أساس لها ولا تليق بالنبوة ولا تليق بالإسلام والدين، وهي أن شخصاً كان جالساً وأنه انتقض وضوءه بخروج ريح منه وكانوا يأكلون فقال: قوموا كلكم وتوضئوا إلا من أكل من لحم الجزور، هل يعقل أن يشرع الله ديناً إلى يوم القيامة من أجل نجاسة خرجت من شخص؟! لكن الحكمة هنا تعبدية، لماذا؟ لا نعلم {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23]. السابع: الردة عن الإسلام -أعاذنا الله وإياكم من ذلك- إذا ارتد الإنسان عن دين الله انتقض وضوءه، وإذا رجع يلزمه أن يغتسل وأن يتوضأ. وكذلك الولد الصغير إذا وضأته أمه ومست عورته بيدها انتقض وضوءها، أما إذا مسحته بمنديل، أو بالحفاظة، أو بشيء لم تمس يدها العورة فإن وضوءها لا ينتقض. هذه هي مجمل الأحكام المتعلقة بالصلاة والوضوء والطهارة.

أهمية التحلي بالآداب الإسلامية والأخلاق الحسنة

أهمية التحلي بالآداب الإسلامية والأخلاق الحسنة هناك أيضاً -أيها الإخوة- أشياء مكملات للعبادات وهي: الأخلاق والآداب التي يطلب من المسلم أن يتحلى بها. فالمسلم مأمور بأن يكون على خلق، والرسول صلى الله عليه وسلم كان ذا خلق عظيم حتى استحق الشهادة الإلهية بأن يقول الله له: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] وكان من ضمن مهمات بعثته صلى الله عليه وسلم تتميم مكارم الأخلاق، والحديث في صحيح البخاري، يقول عليه الصلاة والسلام: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ومكارم الأخلاق هي المعنى الحقيقي للبر، والحديث في صحيح البخاري -أيضاً- يقول عليه الصلاة والسلام: (البر حسن الخلق) البر الحقيقي هو: حسن الخلق. وأيضاً حسن الخلق ينزل الإنسان منازل رفيعة في الآخرة، يقول عليه الصلاة والسلام -والحديث في صحيح البخاري -: (إن أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً) فكلما كنت ذا خلق حسن كنت ذا رفعة في الدنيا وذا رفعة في الآخرة. ما هي الأخلاق؟ هي هيئات راسخة في النفس، وملكات ثابتة تكتسب بالتربية، إما التربية الحسنة فتكون أخلاقاً حسنة، أو التربية السيئة فتكون -والعياذ بالله- أخلاقاً سيئة. وما تعريفها؟ يقول الإمام الشافعي رحمه الله: أحب مكارم الأخلاق جهدي وأكره أن أعيب وأن أعابا وأصفح عن سباب الناس حلماً وشر الناس من يهوى السبابا ومن هاب الرجال تهيبوه ومن حقر الرجال فلن يهابا

تعريف حسن الخلق

تعريف حسن الخلق ذكر العلماء تعريفات حسن الخلق، ولكن يوجد تعريف شامل وكامل يقول فيه: حسن الخلق هو: بسط الوجه لا تستطيع أن تسع الناس بمالك لكن تستطيع أن تسعهم بوجهك، كل من لقيته نقول له: أهلاً وسهلاً، حياك الله -يا أخي- الله يبارك فيك، بعض الناس ترحيبه في البيت يعشيك ويغديك، لا تريد إلا كلامه، تعجز أن ترد عليه وهو يقول: الله يحييك، (يا مرحباً ألف) آنستنا يا أخي، هذه أسعد اللحظات وأبرك الأوقات التي مررت فيها، الله يبارك فيك، والله يا أخي فيقول ذاك: ما ضايقتك؟ فيقول: لا. ما ضايقتني يا أخي! بل آنستني، فتكون كأنك غديته خروفاً. بعض الناس يقول لك: أهلاً وسهلاً، تفضل، ادخل، وأدخلك وقدم لك خروفاً، لكن يقول: تفضل كُل، كأنه يريد أن يضاربك، تقول الله أكبر عليك أنت وعشاءك وغداءك، فبسط الوجه هذا مطلب يدل على حسن الخلق ولا يكلفك مالاً، ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام: (لا يحقرن أحدكم من المعروف شيئاً ولو أن يلقى أخاه بوجه طلق) لا تحقر شيئاً، ويقول: (تبسمك في وجه أخيك صدقة) إذا قلت: السلام عليكم، الله يمسيك بالخير، كأنك تتصدق بمال، رغم أنك لم تعمل شيئاً. هو بسط الوجه، وبذل الندى -يعني: المعروف- وكف الأذى. والأذى باللسان أو باليد أو بالعين أو بأي أذى، لا تؤذ مسلماً؛ لأن من آذى مسلماً فقد آذى الله، ومن آذى الله تبارك وتعالى فقد تولى الله حربه، يقول الله: (من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) أعلن الله عليه الحرب، لا تؤذي أولياء الله، لا تؤذهم في أعراضهم، ولا تؤذهم في أموالهم، ولا تؤذهم في زوجاتهم وأولادهم، ولا تؤذهم في ممتلكاتهم، ولا تؤذهم أبداً، لا تؤذي أحداً من عباد الله فإن الله هو الذي سيحاربك ومن حاربه الله قصمه وأذله: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف:21] الله لا يغلبه أحد، ومن حاربه الله فهو مغلوب -والعياذ بالله-. وقيل في تعريف الخلق: أن يكون صاحب الخلق الجميل كثير الحياء كان صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها، كان وجهه أحمر من الحياء صلوات الله وسلامه عليه (والحياء شعبة من شعب الإيمان) (والحياء والإيمان قرينان) والذي ليس عنده حياء ويتكلم بالكلام البذيء، ويذهب في الأماكن القذرة، هذا ليس عنده إيمان -والعياذ بالله- إذا نزع الحياء نزع الإيمان (الحياء شعبة من الإيمان). أن يكون صاحب الخلق الجميل كثير الحياء، قليل الأذى، كثير الصلاح، صدوق اللسان، قليل الكلام، كثير العمل، قليل الزلل، قليل الفضول، براً بوالديه، وصولاً لرحمه، وقوراً في كلامه وفي هيئته، حليماً لا يغضب، وفياً لا يخون، عفيفاً لا يطمع، لا لعاناً ولا سباباً، ولا نماماً ولا مغتاباً، لا عجولاً ولا بخيلاً. من تتوفر فيه هذه يا إخواني؟ -نسأل الله وإياكم من فضله- كان صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسن الأخلاق إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت)

آداب إسلامية

آداب إسلامية أما الآداب الإسلامية التي شرعها لنا الدين فهي كثيرة، منها: أولاً: السلام. فهو أدب إسلامي رفيع يقول عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على عمل إذا عملتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم) اللهم صلِّ وسلم على رسول الله. والأكل باليمين والشرب باليمين، ومراعاة آداب الإسلام عند دخول الخلاء وعند الخروج منه، وعند الدخول في البيت وعند الخروج منه، وعند السفر مع الناس أو الوالدين وعند السفر مع الكبار والصغار، وغير ذلك من آداب الإسلام، هذه أخلاق وآداب.

السبع الموبقات

السبع الموبقات إن مما ينبغي للمسلم اجتناب المعاصي والذنوب، فمنها موبقات، ومنها كبائر، ومنعها صغائر، فأما الموبقات ففي الحديث: (اجتنبوا السبع الموبقات) أي: المهلكات وهي: أولاً: الشرك بالله: ثانياً: السحر: ومنه الصرف والعطف، وهو ناقض من نواقض الإسلام ومن عمله كفر. الصرف: أن تصرف رجلاً عن امرأة أو عن رجل. والعطف: أن تعطف رجلاً على رجل، أو امرأة على رجل، أو رجلاً على امرأة، وهو ما يصنعه السحرة، تذهب امرأة عند ساحر تقول: أريد أن تفرق بين فلان وفلانة، فيعمل لها سحراً، هذا إذا عملته وذهبت فهي كافرة -والعياذ بالله- وهي من الموبقات؛ لأن الله يقول عن هاروت وماروت: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة:102] الذي يريد أن يحفظه الله من شر السحر عليه بالأذكار في الصباح والمساء، فيقرأ آية الكرسي، والمعوذتين، والإخلاص، وسورة الفاتحة، فإذا قرأها فإنه لا يضره سحر بإذن الله، وإذا استطاع أن يأكل في كل صباح سبع تمرات من عجوة المدينة أو من أي عجوة فإنه لا يسحر ولا يضره سحر، وقد قرأت في بعض كتب أهل العلم: أن ساحراً أرسل جنياً من أجل أن يؤذي شخصاً بفعل سحر، فكلما جاء الجني رجع وقال: عليه حرس ولا أستطيع أن أؤذيه فقال الساحر: أنت لا تصلح، فأرسل أربعة من مردة الجن من الكبار، قال: اذهبوا، فجاء المردة وأرادوا الدخول عنوة وهو متسلح بالذكر فأحرقهم الله، لا يقدرون عليك أبداً، لكن متى يقدرون عليك؟ إذا تركت سلاحك، إذا لم تذكر الله في الصباح ولا ذكرت الله في المساء. الثالث: قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق. لأن الدم ثقيل (ولا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) والله يقول: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة:32] {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93]-والعياذ بالله-. الرابع: أكل الربا: وهذه معضلة وموبقة ومهلكة يقع فيها كثير من الناس ولا يدرون، نعوذ بالله وإياكم من ذلك. الخامس: أكل مال اليتيم: وأكل مال الغير كله حرام، لكن مال اليتيم أشد تحريماً، لماذا؟ لأن النفس تطمع في مال اليتيم، فلا أحد يستطيع أن يأكل مال الرجل الفحل، كل يدافع عن حقه، لكن إذا كان هناك يتيم أو امرأة ضعيفة قام بعض الناس بأخذ مالها؛ لأنها يتيمة، فمن أكله فقد قال الله عنه: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} [النساء:10]. السادس: التولي يوم الزحف. يعني: الهروب من صف القتال، قال تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال:16]. السابع: قذف المحصنات الغافلات المؤمنات. يقذف المؤمنة الغافلة المحصنة ويرميها بالزنا أو بالفاحشة، فهذا من الموبقات -والعياذ بالله-.

مسائل تتعلق بالميت

مسائل تتعلق بالميت الدرس الأخير: وهو يتعلق بالميت وتجهيزه، والصلاة عليه وتكفينه ودفنه.

الموت نهاية كل إنسان

الموت نهاية كل إنسان قال الناظم: الموت باب وكل الناس داخله يا ليت شعري بعد الباب ما الدارُ قال الناظم الثاني: الدار جنة عدنٍ إن عملت بما يرضي الإله وإن خالفت فالنارُ هما محلان ما للمرء غيرهما فاختر لنفسك أي الدار تختارُ الموت -أيها الإخوة- أول منازل الآخرة، وأول مراحل الانتقال إلى الدار الآخرة، إما إلى الجنة وإما إلى النار، ولا بد أن يكثر الإنسان من ذكره، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أكثروا من ذكر هاذم اللذات) وأيضاً يتذكره الإنسان بزيارة القبور من غير شد الرحال، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إني كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم بالآخرة). يقول: ما للمقابر لا تجيب إذا رآهن الكئيب حفرٌ مسقفة عليهن الجنادل والكثيب فيهن أطفال وولدان وشبان وشيب كم من حبيب لم تكن عيني بفرقته تطيب غادرته في بعضهن مجندلاً وهو الحبيب تترك حبيبك وراءك في القبر وتمشي وعينك تدمع، وسوف يأتي يوم يتركك أحبابك ويدخلونك ويدسونك في هذا المكان، في بيت الوحشة، بيت الظلمة، بيت الدود، ما معك فراش، ولا معك مخدة، ولا بطانية، ولا أنس، ولا سعة، وإنما ضيق، ومقاسات محددة، يقول مالك التميمي وهو يوصي حينما كان غازياً في جيش إبَّان بن عثمان بن عفان، ونزل ثم ارتحلوا فجاء وركب وأدخل رجله في نعله، وكانت قد دخلت في نعله حية، فلسعته في رأس إصبعه وقضت عليه، فكان يوصي وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، يقول: خذاني فجراني ببردي إليكما فقد كنت قبل اليوم صعباً قياديا ولا تنسيا بارك الله فيكما من الأرض ذات العرض أن توسعا ليا وأشقر صنديدٍ يجر عنانه لم يترك له الدهر ساقيا يقول: لا أحد يسقيه، وهو يرثي نفسه، وهذا ميراث عظيم أعده العلماء من عيون الشعر الذي يرثي فيها الإنسان نفسه. فالموت أمر مهول ومفزع وأمر فضيع جداً، ولذا ينبغي أن تذكره وألا تنساه، تذكره وأنت على الفراش، وتذكره وأنت على المعاش، وتذكره وأنت تسير، حتى تستعد لما بعد الموت؛ لأن نسيان الموت يؤدي إلى نسيان الاستعداد لما بعد الموت، ومن ضمن الاستعداد للموت: أن تعرف كيف تغسل الميت؛ لأن المصيبة الآن إذا مات ميت في بعض القرى لا يعرفون كيف يغسلونه، يذهبون إلى قرية أخرى لكي يغسلوه، بل بعض المدن يقولون: ابحثوا لنا عمن يغسله، والمفروض أن يعرف كل إنسان كيف يغسل الميت، وأن يعلم أهله، حتى يستطيعون تغسيله إذا مات، وإذا مات أحد من أهله يعرف كيف يغسله، وكيف يجهزه، وكيف يكفننه، وكيف يحنطنه، وكيف يصلون عليه، ومعظم الناس غافل عن هذا كله وليس في باله، فإذا أتى الموت بدءوا يتذكرون ويبحثون عن كفن فلا يجدون، ويبحثون عن حنوط فلا يجدون، لماذا؟ لأنهم في غفلة، كل شيء مستعد له إلا الكفن، استعد -يا أخي- بكفنك في بيتك، اجعله ضمن ملابسك، دولاب الملابس اجعل في أسفله كفن الموت، اللباس الذي تخرج به من هذه الحياة، اجعل معك حنوطاً، وعلم أهلك كيف يغسلونك إذا مت حتى تكون مستعداً لذلك.

آداب يجب مراعاتها عند موت الإنسان

آداب يجب مراعاتها عند موت الإنسان أما الآداب التي تراعى إذا تيقن موت الإنسان، يعني: خرجت روحه، وأغمضت عيناه، وشدا لحييه؛ لأن الروح إذا خرجت تبعها البصر، ويهمل اللحى، لا توجد حياة ترفع لحيه وتضمه، وإذا كان ينزل إذا رفعته فلا مانع من أن تربطه ومن علامات الموت: انخفاس الصدغين، وميل الأنف؛ لأن الأنف فيها حياة، فإذا خرجت الروح أصبحت الأنف عوجاء، ومن العلامات: انفلات المفاصل، وبرودة الأطراف، والتفاف الساق {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} [القيامة:26 - 30] الله أكبر! يا ويل من يقدم على الله ووجهه أسود!! {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} [القيامة:30] ما عذرك إذا أقبلت على الله وكان عملك سيئاً، هل ستقول: {رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون:99] وهل تكون لك رجعة؟ من الآن اعمل الصالحات، ولا تترك العمل حتى تطلبه وتتمناه، إنما الذي يطلب العمل بعد الموت مثل طالب يهمل طوال السنة فإذا دخل قاعة الامتحان وأعطوه الأسئلة قال لرئيس اللجنة أو مدير اللجنة: أطلبكم ساعة لأطالع الأسئلة وأعود، فهل يطيعونه ويعطونه فرصة ليأتي بالأسئلة؟ لا. يقولون: ما معك إلا الذي معك، وكذلك هذا الذي يقول: {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99 - 100] قال الله: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100].

كيفية غسل الميت

كيفية غسل الميت عند تغسيل الميت تخلع جميع ثيابه ويبقى عليه السروال القصير الذي يغطي العورة، ثم يرفع قليلاً من عند ظهره بحيث يجلس قليلاً وتعصر بطنه عصراً رفيقاً ليس بقوة، ليخرج منه ما كان قابلاً للخروج من الأذى؛ لأنه ليس عنده قدرة على التحكم في إمساك الأذى أو إخراجه، وإنما يعصر لكي يخرج ما بقي في بطنه، ثم يلف الغاسل على يده خرقة، ويغسل قبله ودبره من تحت السترة من غير أن يمسها، بطريقة مباشرة وإنما من تحت الخرقة، ومن غير أن يرى بعينه، يدخل يده من تحت السترة ويغسله، ثم بعد ذلك يوضئه وضوءه للصلاة، ويزيل الخرقة التي غسل بها دبره ويرميها، ويلبس خرقة ثانية، ثم يوضئه وضوءه للصلاة: يغسل يديه، ويمضمض فمه وأنفه لكن لا يدخل الماء إلى داخله؛ لأنه يمضمضه من خارج فمه وأنفه، ويغسل وجهه، ويغسل يديه إلى المرفقين، ويمسح برأسه ومنه الأذنين، ويغسل قدميه، ثم يغسل بعد الوضوء رأسه ولحيته بماءٍ وسدر، السدر موجود في الأسواق ومعه كافور، والكافور يصلب الجسد، والسدر يرغي وينظف، وإذا لم يكن هناك سدر يُغسل بالصابون، -أي نوع من الصابون- ثم بعد أن يغسل الرأس تبدأ تغسل شقه الأيمن مما يظهر لك وهو مستلق على ظهره، ثم تقلبه هكذا وتغسل شقه كاملاً، من أعلى ومن أسفل، ثم شقه الأيسر، ثم تعيد الغسل مرة ثانية وثالثة. وفي كل مرة يمر يده على بطنه فإن خرج منه شيءٌ غسله ثم يسد المحل بعد الثالثة بقطنة، فإن لم يستمسك فبأي شيء يمسكه؛ لأن بعضهم يكون عنده شيء يخرج باستمرار فيسده بأي شيء يمسك خروج هذا الشيء، بلزقة أو بأي شيء يمنعه، فإن لم تنظفه الثلاث الغسلات فزد إلى خمس -وتر- فإن لم تكف الخمس زد إلى سبع، ثم ينشف بمنشفة ويجعل الطيب في مغابنه ومواضع سجوده، الطيب المعروف وليس الكلونيا؛ لأن طيب الكلونيا فيها كلام للعلماء أنها نجسة، فتضع له طيب الورد، أو طيب الزعفران، أو طيب العود، أو العنبر، أو أي طيب متوفر عندك ليس فيه كحول، وإذا كان شاربه طويل فيقصر، أو أظافره طويلة تقلم، ويوضع ما أخذ منه معه في كفنه، ولا يسرح شعره، ولا يمشط، والمرأة يظفر شعرها ثلاثة قرون بدون تمشيط، قرن في الجنب الأيمن، وقرن في الجنب الأيسر، وقرن في المؤخرة، ثم يسدل عليها من ورائها -توضع الثلاث من وراء ظهرها- أما الرجل فيغسل رأسه ولا يظفر ولا يمشط، هذا هو الغسل، وهو مفهوم بإذن الله وليس فيه أي إشكال.

كيفية تكفين الميت

كيفية تكفين الميت يكفن الميت إذا كان رجلاً في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ولا إزار، أطول من الرجل من عند رأسه بزيادة ذراعين، ومن عند رجله بزيادة ذراع، توضع اللفافة الأولى ثم توضع مثلها عليها، ثم توضع الثالثة، ويترك من عند رأسه بقدر ذراعين ومن عند رجله بقدر ذراع، ثم يرفع طرف اللفافة الأولى ويوضع على جنبه، ثم يرفع الطرف الثاني ويوضع على جنبه، ويصنع بالثانية كذلك، ثم اللفافة الثالثة كذلك من الطرفين، بعد ذلك يربط من عند رأسه ومن عند أرجله، ومن عند ركبتيه، ومن عند فخذيه، ومن وسطه، خمسة رباطات، ثلاثة بالوسط، وواحد عند الرأس وواحد عند القدم. أما المرأة فتكفن بخمسة أثواب: اثنان منها لفايف مثل لفايف الرجل الثلاث، وقميص، وهو عبارة عن قطعة من القماش الطويل تعطف وتقص من الوسط، ويدخل رأسها المكان المقصوص فيكون القميص من أمامها وآخر القميص من وراء جسمها، والرابع إزار تؤزر به، والخامس: الخمار وهو مثل الغترة، قطعة مربعة نثلثها ونضعها على رأسها ثم نربطها من تحت لحيها. قميص وإزار وخمار ولفافتان، كم صارت؟ خمسة. أما الطفل إذا كان صبياً فإنه يكفن في ثلاثة أثواب، وإذا كانت بنتاً فتكفن في قميص ولفافتين فقط ليس عليها إزار ولا خمار، يعني: ثلاثة أثواب: قميص ولفافتين هذا هو التكفين.

أولى الناس بغسل الميت

أولى الناس بغسل الميت أولى الناس بالغسل الأب، ثم الجد، ثم الأقرب فالأقرب من العصبات، والأولى بغسل المرأة الوصية التي أوصتها، ثم أمها، ثم جدتها، ثم الأقرب فالأقرب من نسائها، وللزوج أن يغسل زوجته، وللزوجة أن تغسل زوجها. وإذا كان الميت ذكراً في مجموع نساء وليس بينهن إلا زوجته غسلته زوجته، وإن لم يكن فيهن زوجته، كأن يموت رجل وليس عنده زوجة ولكن عنده أمه وأخواته وعماته وليس هناك رجل يغسله، لا يغسل، وإنما ييمم بدون غسل، ولا تغسله أمه ولا ابنته ولا أخته.

كيفية الصلاة على الميت ودفنه

كيفية الصلاة على الميت ودفنه صفة الصلاة على الميت: أن يكبر الإنسان التكبيرة الأولى، ثم يقرأ الفاتحة، وإن قرأ معها سورة قصيرة أو آية أو آيتين فلا بأس لورود حديث في ذلك، ثم يكبر التكبيرة الثانية ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إلخ. الصلاة الإبراهيمية، ثم يكبر التكبيرة الثالثة ويدعو بالدعاء المأثور للميت، ويقول: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، إنك تعلم منقلبنا ومثوانا، إنك على كل شيء قدير، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته فتوفه على الإيمان، اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله، واغسله بالثلج والماء والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر، ومن عذاب النار، وافسح له قبره، ونور له فيه. هذا الدعاء المأثور الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يكبر التكبيرة الرابعة ولا يقول بعدها شيئاً وإنما يسلم عن يمينه تسليمة واحدة، ويرفع يديه مع كل تكبيرة، وإذا كان الميت امرأة فإنه يقول: اللهم اغفر لها، وإذا كان الميت صغيراً فيقال: اللهم اجعله فرطاً وذخراً لوالديه وشفيعاً مجاباً، اللهم ثقل موازينهما، وأعظم به أجورهما، وألحقه بصالح المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم، وقه برحمتك عذاب الجحيم. السائل: أين يقف الإمام في الصلاة؟ الشيخ: يقف الإمام عند صدر الرجل وبطن المرأة. السائل: كيف يُدخل الميت القبر؟ الشيخ: هناك كلام لأهل العلم حول إدخال الميت في القبر، قال بعضهم: يدخل من جهة القبلة ويكون الذي في القبر يستلمه ويستقبله ويوضعه، وقيل: يدخل من عند رجليه -من جهة القبر- وهو الصحيح الذي عليه الدليل، يبدأ برأسه من عند باب القبر ويدخل فيه حتى يوضع في مكانه، ثم إذا وضع في القبر يوضع وراء ظهره شيء يمنعه من الانقلاب على الظهر؛ لكي يبقى مستقبلاً القبلة، وتبسط يديه بجانب جسده، ثم تحل الأربطة التي عند رأسه والتي على جسده؛ لأنه بعد أيام ينتفخ وتحول الأربطة دون الانتفاخ، ولا يكشف عن وجهه؛ لأنه لا دليل عليه. وعند إنزال الميت وإهالة التراب عليه يقال: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:55] ثم يهيلون عليه التراب. أسأل سبحانه وتعالى أن يختم بالصالحات أعمالنا، وأن يثبتنا وإياكم على الإيمان، وأن يخرجنا من هذه الدنيا وهو راض عنا، وأن يحشرنا في زمرة النبيين والمرسلين غير خزايا ولا مفتونين. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأمانة بين الحفظ والضياع

الأمانة بين الحفظ والضياع لما خلق الله الخلق كلفهم بحمل أمانة الدين وألزمهم بها، ثم جعل العقاب والثواب مبنياً على الالتزام بهذه الأمانة أو تضييعها. وهذه الأمانة تنقسم باعتبار الحقوق إلى ثلاثة أقسام: قسم يتعلق بحق الله، وقسم يتعلق بحق النفس، وقسم يتعلق بحقوق العباد.

الأمانة في الكتاب والسنة

الأمانة في الكتاب والسنة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الأحبة في الله: الأمانة جوهر الدين، وحقيقة الإسلام، وعنوان المؤمن، وصفة الموحد، وضد الخيانة. وتعريفها عند أهل العلم: حفظ ما يعهد به إليك، وتستأمن عليه، ويطلب منك حفظه ورعايته وحمايته هذه هي الأمانة. والأصل فيها كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أما من الكتاب فقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال:27] وقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:58] وقوله سبحانه وتعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72]. ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، قوله في توجيه نبوي كريم: (أدِ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك) بل جعلها النبي صلى الله عليه وسلم هي الإيمان، ونفى الإيمان عمن لا أمانة لديه فقال صلى الله عليه وسلم: (لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له). فهذه الأمانة وهذا الخلق العظيم اتصف به وبأعلى قدر وبأعظم نسبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شك أنه صلى الله عليه وسلم له من الكماليات البشرية ما ليس عند غيره؛ كل صفة من صفات الكمال فعند الرسول صلى الله عليه وسلم أعلى نسبة منها، ولكن في الأمانة كان صلى الله عليه وسلم مبرزاً، حتى كان يلقب عند أهل مكة قبل البعثة والرسالة بالأمين، وكان الناس يستودعونه أماناتهم وأموالهم، حتى إنه صلى الله عليه وسلم من حرصه وحفظه للأمانة لما أمره الله تعالى بالهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة النبوية المباركة، كانت عنده أمانات لبعض أهل مكة، وخشي صلى الله عليه وسلم أن يسددها للناس بنفسه فتنكشف مسألة خروجه، فيحصل على أذى؛ لأن كفار قريشٍ دبروا مؤامرة خبيثة للقضاء على النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت المؤامرة في السر بعد مؤتمر عقدوه وحضره الشيطان، وأشار عليهم بأن يختاروا من كل فخذ من قبيلة قريش شاباً، ثم يُجمعوا بضرب النبي صلى الله عليه وسلم بالسيوف ضربة واحدة فيتفرق دمه بين القبائل، فلا تستطيع بنو هاشم أن تثأر له، فتقبل الدية. ولما عزموا على تدبير وتنفيذ هذه المؤامرة كشفها الله، وأوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم بتفاصيلها، وأمره بالهجرة، فهاجر صلى الله عليه وسلم، لكنه كلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه بالتأخر في مكة من أجل رد الأمانات إلى أهلها، وبين له الأمانات، الناس عندما علموا أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج، كل واحد فيهم طلب حقه وأمانته، فـ علي موجود، قال: تعالوا وخذوا حقوقكم، وهذا من باب حرصه صلى الله عليه وسلم على أداء الأمانة. وكذلك أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم من بعده، وكذلك التابعون وسلف هذه الأمة وخيارهم ممن سار على نهجهم إلى يومنا هذا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، يتميز الإنسان المؤمن عن غيره من الناس بحرصه على أداء الأمانة، فحفظها -أيها الإخوة- دليل الإيمان وعنوان السعادة، وضياعها دليل النفاق وعنوان الخسارة في الدنيا والآخرة. نعم. لا خيار لك في أن تكون أميناً أو ألا تكون أميناً، فمقتضى أن تكون مؤمناً أن تكون أميناً؛ لأن الإيمان والأمانة متلازمان، فلا يمكن أن يكون إيمان بدون أمانة، لماذا؟

أهمية الأمانة وعظمتها

أهمية الأمانة وعظمتها لأنه خلق المؤمن؛ حتى قال صلى الله عليه وسلم: (لا إيمان لمن لا أمانة له). للأمانة تعريف واصطلاح عند العلماء، تعريف عام، ويقصد بها: جميع ما استودعك الله عز وجل عليه، وائتمنك عليه وطلب منك حفظه من أمور دينك ودنياك، ومما يتعلق بما بينك وبين الله، وبينك وبين نفسك، وبينك وبين الناس، سواء كان الناس أقارب أو أباعد، كل هذا أمانة، وأنت مطالب بحفظها. ولها تعريف خاص وهي: حفظ الودائع -مدلول خاص- أي شخص يضع لديك ودائع فلا بد أن تستأمن عليها ولا تخون، ومن هنا -أيها الإخوة- ندرك مدى عظمتها؛ إنها الدين كله. فالأمانة هي الإسلام كله، ولهذا لما عرضها الله عز وجل على السماوات والأرض والجبال، أشفقن من حملها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً. ظلوماً لنفسه إذا لم يحملها، جهولاً بعظمتها وأهميتها، ولذا تجد هذه الحقيقة في القرآن ماثلة في كثير من الناس؛ كثير من البشر يعيش عيشة البهائم، لا يتصور إلا أنه يأكل ويشرب وينام وينكح ويسهر ويسمع ويذهب ويأتي ولا همَّ له غير هذا، وما عرف أنه خلق في الدنيا للابتلاء والامتحان والقيام بهذه الأمانة أو غيرها، والله تعالى يقول: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا} [الكهف:7] فلماذا زينة لها؟ من أجل أن يأكلوا ويشربوا؟ لا. {لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الكهف:7] ويقول عز وجل: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] ويقول عز وجل: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ النَّارِ} [ص:27] ويقول جل ثناؤه: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115] وكثير من الناس مفاهيمه معكوسة ومقلوبة، لا همَّ له في ليله ونهاره إلا كيف يأكل؟ وكم يأكل؟ وماذا يأكل؟ وأين يذهب؟ وأين ينام؟ وماذا يصنع؟ وماذا يشاهد؟ وماذا يقرأ؟ فقط هذا مفهومه، لكن هل فكر أنه مسئول ومؤتمن على كل شيء في هذه الحياة؟ وسوف نتعرض بشيء من التفصيل لمدلولات الأمانة.

أمانة العمر

أمانة العمر الوقت والعمر جعله الله وعاءً لك لتملأه بالإيمان والعمل الصالح، أم بالنفاق والعمل السيئ؟ هذا أمانة؛ لأنه ساعات محدودة، وأنفاس معدودة، يوم يذهب ولا يعود. أنت -أيها الإنسان- مجموعة أيام وشهور وسنين، كل يوم يمر لا يرجع عليك بنفسه، بل يرجع في يوم آخر، اليوم مثلاً (14/ 6) لن يعود هذا اليوم إلا يوم (14/ 7) بعد شهر، و (14/ 6) يعود ولكن عام (1419م) بعد سنة، لكن هذا اليوم انتهى وذهب وودعته بما عملت فيه، إن خيراً وجدته وإن شراً وجدته: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:30]. مضى يومك الماضي شهيداً معدلا وأعقبه يوم عليك شهيد فإن كنت بالأمس اقترفت إساءة فبادر بإحسان وأنت عنيد ولا تبق فعل الصالحات إلى غدٍ فرب غدٍ يأتي وأنت فقيد الوقت -أيها الإخوة- أمانة، ما من لحظة تمر عليك إلا وهي جزء منك، وهي شاهدة لك أو عليك، فلا تضع أنفاسك -يا أخي- في غير طاعة الله سبحانه وتعالى، فإنك مؤتمن وستُسأل، قال صلى الله عليه وسلم كما في السنن: (لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة) فتثبت أقدام الخلائق يوم القيامة، وتُسمّر في عرصات القيامة، ولا تزول ولا يتحرك أحد، أنت الآن تذهب من هنا أو من هنا، ولكن أين تذهب يوم القيامة؟ أين المفر؟ لا يوجد مفر، الناس كلهم وقوف وأقدامهم مثبتة في العرصات، حتى يجاب على هذه الأسئلة الأربعة، إما إجابة صحيحة فيتحرك إلى الجنة، وإما إجابة خاطئة فيتحرك إلى النار.

أمانة المال وحفظها

أمانة المال وحفظها (لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن علمه ماذا عمل به) فقل لي بربك يا من تخون الأمانة وتسرق وتغش وتكذب كيف تواجه ربك؟! وبم تجيب ربك إذا سألك من أين هذا المال؟ وأيضاً: فيم أنفقه؟ المشكلة في المال مشكلة مزدوجة؛ لأنه يوجد سؤال في الاكتساب وسؤال في الإنفاق؛ مسئول عن كل ريال يدخل جيبك، ومسئول عن كل ريال يخرج من جيبك، وإذا بها مشكلة. الذي يشتري (دش) (بعشرة آلاف) أو (بخمسة عشر ألفاً) ويضعه فوق البيت، ويمد ذراعيه إلى السماء يستمطر ما في القنوات الفضائية من الشر، ثم يدش به على أهله، فالذي سماه (دش) الحقيقة صدق؛ لأنه دش، أنت الآن عندما تتكلم على واحد وتهلكه بالكلام، تقول: والله أعطيته (دش) أي: أهلكته بالكلام، كذلك أنت ركبَّت على بيتك (دش) فماذا يمطر على أهلك؟ وماذا ينزل عليك وعلى أولادك وزوجتك؟ هل ينزل الخير؟ لا والله. بل يظل الرجل جالساً عند زوجته وبيده (الريموت كنترول) وينتقل من قناة إلى قناة، كلما أغلق شراً دخل في آخر، وكلما انتهى من فيلم دخل في فيلم، وكلما انتهت مسرحية دخل في مسرحية، وكلما انتهت أغنية بحث عن أغنية، ما هذا؟ الله خلقك لهذا؟ عندك إجابة على هذا؟! الآن أنت خجلان أمام قريبك أو أحد جيرانك، لا تريد أحداً يعلم أن عندك (دشاً) وبعضهم يغشيه داخل البيت ويضعه في السطح ويضع من هنا جداراً ومن هناك جداراً، ويقول: ليس عندي شيئاً، لكنه لا يعمل إلا في السماء، إذا وضعته في الغرفة لا يصلح، وهذا من العوائق التي لا يعصى الله به إلا مجاهرة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الصحيحين: (كل أمتي معافى -أي: تحت العافية- إلا المجاهرون) من المجاهر؟ الذي يفضح نفسه بهذه الفضيحة، وهذه موجودة فوق البيت؛ فضيحة ظاهرة. أخي في الله: يا من وقعت في هذه المصيبة، أحضر من الآن جواباً وهيئ للسؤال رداً، واعلم بأن الله تعالى سائلك، يقول الله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات:24] ويقول عز وجل: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر:92 - 93]. ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث كما في الصحيحين: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، الرجل راعٍ في أهل بيته) زوجتك وأولادك أنت الراعي والمسئول عنهم يوم القيامة، فإذا فسد الولد في المستقبل وأصبح خبيثاً شريراً كان عليك إثمه إلى يوم القيامة؛ لأنك أنت الذي أفسدته بيدك، وجلبت له هذه الوسيلة التي تفسده، وإذا فسدت المرأة كذلك، إذا فسدت البنت كذلك كلٌ مسئول عن رعيته. الآن الراعي الذي يرعى الغنم لا يضيع الغنم بل يحفظها، ما رأيك براعٍ يدخل الذئب إلى غنمه؟ هذا راع أم مضيع للغنم؟ هذا مضيع للغنم، فكذلك أنت ما أتيت بذئبٍ واحد، بل وضعت على رأسك مائة ذئب، كل ذئب ينهش من زوجتك وأولادك وابنتك وعرضك، حتى تيبس عيونهم، وبعضهم لا ينام إلا وقد يبست عينه ولا يستطيع أن يغمضها، فإذا غمضت عينه اشتغل (الدش) من داخل عينه؛ تراه نائماً و (الدش) شغال؛ لأن الصور انطبعت في ذهنه وعينه. فحياته كلها (دش)! وفي النوم واليقظة (دش)! ويقول عليه الصلاة والسلام: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن شبابه فيم أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به).

الأمانة التي بين العبد وربه

الأمانة التي بين العبد وربه عمرك أمانة، وهذا العمر هو الفترة الواقعة بين سن التكليف إلى ساعة النزع والموت ومفارقة الحياة، كلها أمانة عندك، وتقوم خلالها ويطلب منك فيها أن تؤدي الأمانة في ثلاثة اتجاهات: الاتجاه الأول: فيما بينك وبين الله، فالله سبحانه وتعالى ائتمنك، وجعل عندك أمانة وطلب منك أن تحفظها، وقال: {لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال:27] فيلزمك بناءً على أن الله عهد إليك بهذه الأمانة أن تؤديها وإلا أصبحت خائناً. ما هي الأمانة التي بينك وبين الله؟ كثيرة ولكن سنخصص الضخمة الكبيرة المشهورة:

أمانة العقيدة والتوحيد

أمانة العقيدة والتوحيد الأمانة الأولى: أمانة العقيدة؛ لأن الله سبحانه وتعالى حينما خلق الناس فطرهم على العبادة، وجعلهم حنفاء، أي: مستقيمين، يقول الله عز وجل في الحديث القدسي في صحيح البخاري: (إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين) وفي الحديث الآخر في الصحيحين يقول: (كل مولود يولد على الفطرة -أي: الإسلام والتوحيد والعقيدة- فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) والله يقول في القرآن في هذا المعنى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [الروم:30] الفطرة هي هذا الدين، فالله سبحانه وتعالى أقام الفطرة عليك، ثم أقام الحجة عليك بعد الفطرة بالعقل. العقل: هو آلة يميز الإنسان به بين الخير والشر، والحق والباطل، والهدى والضلال، والنور والظلام، ولهذا هو مناط التكليف؛ إذا رفع العقل رفع التكليف: (رفع القلم عن ثلاثة: الصغير حتى يبلغ، والنائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق). ثم أقام الحجة بعد الفطرة والعقل بالرسالات فبعث الرسل وأنزل عليهم الكتب لإقامة الحجة؛ لأن الحجة لا تقوم فقط بالفطرة أو بالعقل؛ لأن الفطرة أرضية، والعقل موجه، لكن ماذا يصنع الإنسان؟ كيف يعبد الله؟ هل يعبد الله بعقله؟ هل يعرف ما يحبه وما يبغضه الله بعقله؟ لا. لا بد من الرسل، ولهذا يقول الله عز وجل: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لأَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء:165] فلقيام الحجة على الناس أرسل الله الرسل، ولهذا يقول سبحانه وتعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15] أي: لا تقوم الحجة على الخلق إلا ببعثة الأنبياء وببلاغ الدين، ولذا يسأل الله سبحانه وتعالى، وتسأل الملائكة الناس يوم القيامة إذا دخلوا النار: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا} [الملك:8 - 9] {أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى} [الزمر:71] فقيام الحجة لا يكون إلا ببعثة الرسل. بعث الله إليك الرسل، وبلغك الدين، وعرفت أنه مطلوب منك أن تكون موحداً، تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهذه الكلمة اسمها: كلمة الإخلاص، وهي الركن الأول من أركان الدين، وهي أساس الإسلام، ومفتاح الدخول في الدين، والتي يودع الإنسان الدنيا بها إذا مات، ومفتاح الجنة، وأول واجب، هذه الكلمة هي: لا إله إلا الله، هي ميثاق وعهد بينك وبين الله، ولهذا أي شخص يدخل في الإسلام ماذا يطلب منه قبل كل شيء؟ يطلب منه أن يقول: لا إله إلا الله، ولو صلَّى قبل أن يقول: لا إله إلا الله فما حكم صلاته؟ غير صحيحة، ولو حج قبل أن يقول: لا إله إلا الله، فحجه مردود باطل، ولو أخرج الزكاة لا تقبل، ولو ذهب يجاهد في سبيل الله وقتل قبل أن يقول: لا إله إلا الله لا ينفع مهما عملت، أول شيء وقع العقد بينك وبين الله، وما هو هذا العقد: لا إله إلا الله محمد رسول الله. هذا هو الميثاق، ولهذا قال الله سبحانه وتعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} [الرعد:19 - 20] هذا عهد الله {وَلا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ} [الرعد:20] هذا العهد يوم أن دخلت في الدين قلت: لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق إلا الله؛ فلا أدع ولا أخاف، ولا أذبح إلا لله، ولا أتوكل، ولا أخشى، ولا أنذر، ولا أستعين، ولا أصلي، ولا أزكي، ولا أي شيء من أنواع العبادة إلا لله، لماذا؟ لأني قلت: لا إله إلا الله. وهذه الكلمة ليست سهلة؛ هذه الكلمة كان الكفار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يعرفون مدلولها، ولهذا لا يقولونها إلا صادقين. حتى أبو طالب عند الموت، كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصاً على أن يقول هذه الكلمة؛ لتكون حجة للرسول في أن يشفع له عند الله، لما قدمه من حماية للدين؛ هذا الرجل أبو طالب قدم حماية عظيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى كان يقول عليه الصلاة والسلام: (ما زلت في عز ومنعة حتى مات أبو طالب). لما مات أبو طالب في (السنة العاشرة) للبعثة سمَّي هذا العام: عام الحزن؛ لأنه مات فيه أبو طالب وماتت فيه خديجة، وانكشف ظهر النبي صلى الله عليه وسلم، واستطاع الكفار النيل من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يكن هناك أبو طالب، فلما جاءته وفاته أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكافئه على خدمته للدين، لكنه لا يستطيع أن يعمل شيئاً؛ لأنه مشرك -أي: ما وقع العقد والعهد مع الله- قال: (يا عم قل: لا إله إلا الله) الآن لا صلاة ولا صيام ولا أي شيء ستموت الآن: (قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله)، فنظر إلى الجلساء وقرناء السوء؛ أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية وهم جلوس عنده، قالوا: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ يعرفون أن معنى الكلمة هذه -لا إله إلا الله- رفض لملة عبد المطلب؛ ملة الشرك والآلهة المعبودة من غير الله، فالرجل قال: بل على ملة عبد المطلب ومات عليها! فقال صلى الله عليه وسلم: (والله لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك) ولما أراد أن يستغفر له منعه الله أن يستغفر له وقال: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة:113]. فنهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستغفر لعمه؛ لأنه مات مشركاً، إذ لا تنفعه شفاعة الشافعين، وقد نفعته شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم أن خفف عليه في العذاب؛ ووضع في ضحضاح من نار، والضحضاح: هو الماء الذي يغطي الكعبين، إذا دخلت في زرع أو طريق أو شيء وهو يغطي إلى كعب رجلك هذا يسمى ضحضاحاً أي: راكداً، وأبو طالب يعيش في ضحضاح من نار، تخيلوا شخصاً يعيش وكعبيه في النار! كيف يكون وضعه وهو أقل الناس عذاباً في النار؟ ويرى هو في نفسه أنه لا أحد أشد عذاباً في النار منه، وهو أخف أهل النار والعياذ بالله! فعقيدة التوحيد -يا أخي في الله- أمانة استأمنك الله عليها في ألا توحد إلا الله توحيداً بأقسامه الثلاثة: التوحيد الأول: توحيد الربوبية: وهو توحيد الله بأفعاله، وسميت الربوبية؛ لأنها أعمال الرب سبحانه وتعالى لا يشاركه فيها أحد، وهي: الخلق والرزق، والإحياء والإماتة، والإعطاء والمنع، والنفع والضر؛ هذه كلها لله، فلا بد أن توحده، وهذا لا يكفي، إذ لا بد من توحيد الألوهية؛ لأن التوحيد هذا وحَّده به المشركون، ويوحِّده به الآن كثير من الناس، ويظن بعض الناس أن هذا هو التوحيد، فبعض المشركين والقبوريين الآن الذين يدعون الأولياء ويذهبون إلى القبور وينذرون ويذبحون إذا قلت لهم: يا جماعة! هذا شرك لا يجوز، قالوا: لا. نحن موحدون، نحن نعتقد أن الله هو المعطي، المحيي، المانع، الضار، قلنا: هذا توحيد الربوبية وقد أقر به حتى الكفار، قال الله: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} [الزخرف:9] {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف:87] فهم يعترفون أن الله هو الخالق لهم، لكن توحيد الألوهية هو الذي سقطوا فيه وقامت من أجله الخصومات بين الأمم والرسل، وشرعت من أجله ألوية الجهاد، والذي ميز الله به بين الحق والباطل. التوحيد الثاني توحيد الألوهية: وهو توحيد الله بفعل العبد؛ أنت وحدت الله بفعل الرب وقلت: إنه الخالق، وهو الرازق والمحيي، هذا ليس لك فيه فضل أنت؛ لأنه فعل الله، اعترفت أم لم تعترف، ولكن يلزمك أن تعترف به، لكن المهم فعلك أنت، ما هو فعلك؟ العبادة، وحِّد الله بعبادتك أنت، فلا تدع، ولا تذبح، ولا تنذر، ولا تستعن، ولا تخش إلا الله، هذا معنى توحيد الألوهية: وهي صرف جميع أنواع العبادة لله وحده. التوحيد الثالث توحيد الأسماء والصفات: وهو أن توحد الله بإثبات جميع الأسماء والصفات التي أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تأويل ولا تعطيل، وإنما نؤمن بأنه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] فنثبت لله عز وجل ما أثبته لنفسه، يقول الله عز وجل: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] هذا إثبات للصفة، وننفي التأويل والتمثيل يقول تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] فهو سميع لكن سمعاً يليق بجلاله، وهذه هي عقيدة الأمة الصافية وعقيدة السلف، أما الذين دخلوا في علم الكلام والتأويل والنفي والإثبات ضاعوا -والعياذ بالله- لكنك عندما تأخذها كما جاءت، وكما أقرَّها النبي صلى الله عليه وسلم وتلقاها سلف هذه الأمة تجدها أسهل من الماء، لماذا؟ لأنها عقيدة صافية؛ هذا التوحيد هو أمانة بينك وبين الله، فلا بد أن تكون موحداً، وأن تبرأ إلى الله مما يناقض التوحيد وهو الشرك. والشرك أقسام: أكبر وأصغر وخفي؛ شرك الدعوة والطاعة والإرادة والمحبة، الشرك: صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله؛ مثل تصديق الكهنة، والذهاب إلى السحرة، والاعتقاد في

أمانة الصلاة

أمانة الصلاة الأمانة الثانية التي بينك وبين الله الصلاة: أمانة استأمنك الله عليها وأمرك أن تقوم بها وقال: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43] ولا أحد يدري أنك صليت أو لم تصلِّ، بإمكانك أن تجلس في الشارع وتذهب وتقول: صليت، بإمكانك أن تخرج من البيت ولا تذهب إلى المسجد وترجع وتقول: صليت، فهذه أمانة؛ إن حفظتها حفظك الله، وإن ضيعتها ضيعك الله، وضيعت نفسك أنت. ويسبقها -أيضاً- الاستعداد لها بالوضوء والطهارة، فهما أمانة، والغسل من الجنابة أمانة، من يعرف أنك جنب أو غير جنب؟ لا أحد في الدنيا يعرف أنك على جنابة إلا الله! ولذا فهي أمانة، والوضوء الآن، من يدري أنك متوضئ ودخلت تصلي وأنت على وضوء أو على غير وضوء؟ لا أحد يعلم إلا أنت، إذ بإمكانك أن تقول: أنا متوضئ والناس لا يدرون، من يستطيع أن يقول لك: لا. أنت غير متوضئ؟ سوف تقول له: ما أدراك؟ أنا أدرى بنفسي؛ أمانة بينك وبين الله! ولهذا فهي خيانة عظيمة أن تأتي تصلي وأنت غير متوضئ، كما نسمع من بعض الطلاب في المدارس أنهم يصلون الظهر وهم على غير وضوء، لماذا؟ من أجل المدير والمدرسين، هؤلاء خانوا الله والرسول وخانوا أماناتهم، فصلاتهم هذه ليست لله، بل هي شرك؛ لأنهم صلوا لغير الله، صلوا للمدرس أو للمدير والعياذ بالله! الصلاة هي حبل بينك وبين الله، ولهذا سميت صلاة، أي: صلة، وعلى قدر تمسكك بهذا الحبل يحسب دينك وأمانتك، وإذا أردت أن تعرف منزلتك عند الله، فاسأل نفسك عن منزلة الصلاة في قلبك، إن كانت الصلاة لها موضع وحب وإشراقة وفرحة في قلبك، بحيث إذا جاءت الصلاة قمت فرحاً مثلما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، ويقول في ضمن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (ورجل قلبه معلق بالمساجد) قلبه في المسجد متعلق، جسمه في (الدكان) وحين سمع الأذان مباشرة جاء يصلي، ويقول في حديث في صحيح مسلم: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط) رواه مسلم. تنتظر الصلاة بعد الصلاة؛ تصلي المغرب وأنت تنتظر العشاء، وتصلي العشاء وأنت تنتظر الفجر، وتصلي الفجر وأنت تنتظر الظهر، وتصلي الظهر وأنت تنتظر العصر، رباط مع الله! هذا هو المؤمن، وهذا هو صاحب الأمانة، لكن ذلك المضيع المفلس الخاسر الذي لا خير فيه، فالصلاة آخر شيء في اهتماماته، إن أتت صلَّى، وإن ذهبت ترك. هذا مضيع للأمانة التي بينه وبين الله، ولهذا من حفظ الصلاة حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، وآخر ما يفقد العبد من دينه الصلاة! آخر باب يخرج منه الإنسان الصلاة! وآخر موقع يخسره في الدين الصلاة! ولهذا جاء من حديث جابر في صحيح مسلم: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة)، وفي سنن أبي داود ومسند أحمد حديث بريدة بن الحصيب: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) هذه هي الصلاة، ولن نزيد على هذا حتى لا يفوتنا الوقت.

أمانة الزكاة

أمانة الزكاة الأمانة الثالثة التي بينك وبين الله: الزكاة: الزكاة أمانة، ولا أحد يعلم أن لديك مال أم لا، بإمكانك أن تقول: ما عندي شيء عندنا زكاة أخرجناها أو ما عندنا أصلاً نصاب، ولكن الله استودعك واستأمنك على هذا المال، وجعل يدك هي العليا، وأعطاك (100%) وطلب منك (2. 5 %) سبحان الله! هذا فضل أم ليس بفضل؟!! لو أن شخصاً دعاك وقال: تعال. أنا أعطيك مليون ريال، لكن أريد في كل سنة أن تخرج لي من هذا المليون خمسة وعشرين ألفاً، ماذا تقول له؟ تقول: جزاك الله خيراً، ولو تريد أن أخرج لك نصفه فسوف أخرجه، وهو صاحب الفضل، فسبحان الله! الله يعطيك هذا المليون ويطلب منك (2. 5 %) ولا تخرجها؟! وقد يقول شخص من الناس: هذا المال مالي. كلا. ليس مالك، من أين أتيت به حين جئت من بطن أمك؟ هل كان معك مال؟ كلا. خُلِقت ضعيفاً والله أعطاك المال، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:6 - 8] فما الذي غرك؟ {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:94] المال مال الله، ليس لديك أنت شيء. يوجد أناس مثلك وعشرة أمثالك، بل آلاف من الناس أقوى منك جسماً وليس عندهم مال، وأكبر منك عقلاً وليس عندهم مال، وأكثر منك تفكيراً وليس عندهم مال، والله أعطاك المال، لماذا؟ ابتلاء، وليس محبة؛ بعض الناس يعطيه الله المال ابتلاء، الله يعطي المال من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من يحب، ولهذا اعتبرها سليمان عليه السلام بلاء عندما قال: {لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل:40]. فالمال لا يأتي بقوة الذكاء والجسم، فأنت الآن ترى -مثلاً- صاحب العمارة عند موقف (الإسمنت) يشتري شاحنة (إسمنت) ويأتي بها وفيها أربعة أو ثلاثة عمال ينزلونها، ينزلون الكيس مثلاً (بنصف ريال) كأنه آلة أو (ماكينة) ينزل (الإسمنت) في نصف ساعة ويمشي، فلو أعطيت صاحب العمارة هذا (مائة ألف) وقلت له: أنزل (الإسمنت) هذه الشاحنة، ينزلها؟! أعطه مليوناً، ينزلها؟! ما يستطيع ينزلها؛ لأن ظهره سينكسر، ماذا يفعل بالمليون وقد انكسر ظهره؟! قد يتشجع ويقول: والله مليون آخذه، ويستعد ويأتي ويعصب رأسه، وينزل كيساً وكيسين وثلاثة وأربعة عشرة انكسر ظهره، ويقول: والله لا أقدر لو يعطوني الدنيا كلها. وذاك نزلها (بنصف ريال). نعم. فهل المال يأتي بالقوة؟ لو كان يأتي بالقوة لكان الحمال هو صاحب المال، هل المال بالذكاء؟ أبداً. تذكر كتب العلم: أن رجلاً حكيماً ذكياً عالماً لكنه مبتلى بالفقر، كان يعيش وما عنده حذاء، واستطاع خلال فترة أن يعمل أعمالاً بسيطة حتى جمع له درهمين، وهبط إلى السوق لشراء نعل، وبينما هو يمشي إذا برجل يلحقه ومعه أربعون حماراً، وتراه يحدها ويردها ويسوقها فسأله: إلى أين يا أخي؟! قال: أبيع الحمير هذه في السوق، الحمير كانت هي وسائل النقل الرئيسية، مثل السيارات الآن، قال: وهذه كلها لك؟ -فالذي عنده حمار في تلك الأيام مثل الذي عنده سيارة هذه الأيام- قال: نعم. قال: طيب. اركب على واحد منها، قال: عندي مشكلة، قال: ما هي؟ قال: إذا ركبت عليها صارت تسعة وثلاثين؛ لأنه إذا ركب يعدها وينسى الذي تحته، فيعد الذي أمامه، فتنقص وتصير تسعة وثلاثين فإذا نزل من عليها عدها وإذا هي أربعين، قال: فأنا أمشي وتصير زيادة وإذا ركبت تنقص، فتعجب هذا وقال: سبحان الله! أنا بعقلي وعلمي وحكمتي، لا أملك نعلاً في رجلي، وهذا مغفل لا يعرف كيف يعد حميره وعنده أربعين حماراً، فهل الرزق يأتي بالذكاء؟ لا. فالله أعطاك المال، فالمال مال الله، لا تقل مالي، ولهذا يقول الله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور:33] المال لله أصلاً؛ أعطاك (مائة ريال) وأوجب عليك (2. 5 %) وجعل هذا أمانة بينك وبينه؛ شيء سري لا يعلم به أحد، ولا يعلم أحد أنك أخرجت الزكاة أم منعتها إلا الله، فلا تبخل بها، ولا تخن أمانتك، فإن عدم إخراج الزكاة مصيبة من المصائب، وهو سمة من سمات النفاق {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} [التوبة:75 - 77].

أمانة الصيام

أمانة الصيام الأمانة الرابعة: الصيام أمانة بينك وبين الله، إذ بإمكانك أن تظهر للناس أنك صائم وأنت مفطر، فمن يدري أنك صائم، صائم من أجل أنك تسحرت معهم وتفطر معهم، ولكن في الظهر تدخل الغرفة ومعك (بسكويتاً) أو علبة عصير، ولا أحد يدري إلا الله، طيب. هذه خيانة، ولهذا أحد الصغار دخل غرفة لا يوجد فيها أحد، وأخذ (غطاء الزير) ووضعه على رأسه وأخذ يشرب، قالوا: ما بك؟ قال: كي لا يراني ربي؛ لأنه عرف ألا أحد يراه إلا الله في تلك اللحظة، لكن الله عز وجل لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه:7]. فالصيام أمانة، ولهذا جاء في الحديث: (كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) قال أهل العلم: كيف أن الصوم لله؟! طيب الزكاة والحج أليس لله؟ قالوا: كل العمل لله، لكن الصيام لله؛ لأنه لا يمكن أن يشعر أحد أو يعلم بأنك صائم إلا الله، فهو عمل خاص بينك وبين الله.

أمانة الحج

أمانة الحج الأمانة الخامسة: الحج: فهو أمانة بينك وبين الله. بر الوالدين أمانة، وصلة الأرحام أمانة، والإحسان إلى الجيران أمانة، والدعوة إلى الله أمانة، وتعليم العلم للناس أمانة، ومن يعلم العلم إذا لم يعلمه العلماء؟! من يدعو إلى الله إذا لم يدع المسلمون؟! هل اليهود يدعون إلى الدين؟ لا توجد رسل بعد النبي صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل ورث هذه الدعوة إلى أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقال: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108] وقال: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33] فالدعوة إلى الله أمانة، وستسأل عن هذا الدين: حفظت أم ضيعت؟ دعوت أم لم تدع؟ كل هذه -أيها الإخوة- هي الأمانات التي بينك وبين الله، فيم يتعلق بالعلاقة التي بينك وبينه، وهذا هو الشق الأول.

الأمانة التي بين العبد وبين الناس

الأمانة التي بين العبد وبين الناس الشق الثاني: الأمانة التي بينك وبين الناس هذه مهمة جداً؛ لأن حقوق العباد قائمة على المشاحة، بينما حقوق الله قائمة على المسامحة؛ وإذا قصرت في حق الله في التوحيد ثم تبت إلى الله تاب الله عليك، إذا قصرت في الصلاة ثم تبت إلى الله تاب الله عليك، أما حقوق العباد أمر لازم وإن تبت فلا بد أن ترجعها، إذا أخذت من أحد شيئاً ثم تبت إلى الله، هل تقول: اللهم اغفر لي وانتهى الأمر؟ لا. الله يغفر لك، لكن بعد أن ترد حق الناس إليهم؛ لأن حق الناس قائم على المطالبة والمشاحة، بينما حق الله قائم على المسامحة، والله غفور رحيم، ولهذا يقول بعض أهل العلم: إن الأمانة التي بينك وبين الناس أعظم من الأمانة التي بينك وبين الله؛ لأنه يلزمك رد الأمانة التي بينك وبين الناس، أما فيما بينك وبين الله فيلزمك فقط التوبة إلى الله منها. والله عز وجل يغفر لك إذا علم منك اليقين والصدق بأنك جاد في التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، وهذه التي بينك وبين الناس تنقسم إلى فروع:

أمانة بر الوالدين

أمانة بر الوالدين وهذه من أعظم الأمانات، فإن الله سبحانه وتعالى كلف المسلم ببر والديه، وجعل بر الوالدين من أعظم القربات، وجعل عقوقهما من أعظم الكبائر، والحديث في الصحيحين عن أبي بكر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكم على أكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس، ثم قال: ألا وقول الزور، ألا وقول الزور، ألا وقول الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت). فبر الوالدين قربة منجية من عذاب الله، وعقوق الوالدين كبيرة عدلت بالشرك، وقرن الله عز وجل برهما بعبادته في ثلاثة مواضع من القرآن: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء:23] {أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان:14] {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [النساء:36]. فبر الوالدين أمانة، ثم هو مكيال إذا وفيته وفىَّ الله لك في أولادك، وإذا أنقصته أنقص الله عليك من أولادك فهو دَين، البر دَين؛ كما تريد أن يكون أبناؤك كن لأبويك، بل الأبناء يزيدون؛ إن كنت باراً فأولادك أبر، وإن كنت عاقاً جاء أبناؤك أعق، قال صلى الله عليه وسلم: (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم) ونعرف من القصص في حياة الناس الشيء الكثير. رجل كان يضرب أباه، ويسحبه من رأس القصر إلى بابه، ثم يرميه في الحوش، وبعد ذلك مات هذا الشيخ، وهذا الرجل ما بقى شاباً فقد كبر ودارت به عجلة الزمان، حتى أصبح شيخاً مسناً، وجاء ابنه من صلبه يكيل له بمكياله، فكان يضربه ثم يسحبه من رأس القصر إلى الباب، ثم يرميه في الحوش، ثم يسحبه إلى الباب الخارجي ويرميه في الشارع، ولما كان عند الباب الداخلي صاح الأب وقال: يا ولدي! اتركني هنا؛ والله إني ما كنت أضرب أبي إلا إلى هنا، قال: صدقت. ولكن أنا أزيدك قليلاً. فأنت إذا أردت أن يكون أولادك بارين بك عليك أن تكون باراً بأبيك، ومن منا -أيها الإخوة- يود أن يكون أولاده عاقين له؛ عقوق الولد من أعظم المصائب، وترى بعض الآباء الآن ليله ويل! ونهاره ليل! وتراه مكلوماً مهموماً، فيه مصيبة ولا عليه شيء إلا ولده، الذي سود الدنيا عليه، ولده! لو كان يعلم أن هذا الولد سوف يأتيه ما تزوج بأمه، فأصبح مصيبة على أبيه بالعقوق؛ لأنه يأتي لينام في الليل فلا يجده، ويبحث عنه في الفراش وليس موجوداً، يتصل إلى أقربائه فلا يلقاه، ويجلس يتقلب على الفراش لا تغمض له عين إلى أن يأتي ولده، ومتى يأتي؟ الساعة الواحدة أو الثانية! يا ولد: أين كنت؟ قال: كنت مع زملائي. من هم زملاؤك؟ قال: زملاء. فلا إله إلا الله! هذا من أعظم العقوق، لا تخرج من بيت أبيك من بعد العشاء ما في زملاء؛ هذا الزمان لا زملاء فيه إلا في المسجد فقط، أما أن تخرج تلف وتدور وتذهب مع الشياطين والمنحرفين وتجعل أباك وأمك في عذاب وأنت في عذاب ومشكلة لماذا؟ هل هذا من البر؟! لا والله. بل إنه من أعظم العقوق. فيا أيها الشاب! احفظ هذه الأمانة وكن باراً بوالديك؛ لأنك إذا كنت باراً بوالديك رضي الله عنك في والديك، ووفقك وحفظك وسترك؛ لأن والدك إذا جاء الصباح، قال: الله يوفقك ويحفظك ويرشدك وييسر أمرك ما أحسن هذا! لكن إذا كنت أنت عاقاً، قال أبوك: الله يجعلها في وجهك، الله لا يوفقك، اذهب. الله لا يردك. أحد الناس أراد أن ينام فجاءه ولده نصف الليل، قال: أريد أن أتمشى قليلاً، قال: يا ولدي! نم لا وقت للتمشي الآن، قال: لا. إني أحس بأرق، قال: قلت لك: لا تذهب، فغضب الولد وقال: إما أن توافق على الطلب وإلا فسأغضب! وهذا عقوق، لا. اطلب وإذا قال أبوك: لا، انتهى الأمر. فذهب هذا الولد إلى أمه غاضباً وقال: أريد أن أخرج وأبي لم يوافق. قامت الأم تشفع، وجاءت إلى الأب، وقالت: الولد طيب ويريد أن يتمشى قليلاً؛ لأنه تعب من الدروس، ارتكه يتمشى، قال: اتركيه يذهب الله لا يرده، فقط. ومن فمه إلى السماء، وركب السيارة وخرج، وفي إحدى المنعطفات تصدمه سيارة وتقطعه قطعة قطعة، ويجلس الشيخ المسكين ينتظر ساعة ساعتين ثلاث أذن الفجر وما جاء الولد، والشيخ ما عرف طعم النوم، ويعرف في قلبه أن الكلمة التي قالها صعدت إلى السماء مباشرة، يقول: خرجت أصلي الفجر ورجعت وطلع النهار وما جاء، قال: فذهبت إلى الشرطة أسأل: ولدي خرج من الليل وما رجع، قالوا: ما اسمه؟ قال: فلان بن فلان، اتصلوا بالشرطة وبالمرور، قالوا: في حوادث الليلة، ولكن المصابين في المستشفى، فليذهب وينظر، فذهب إلى المستشفى وفتحوا الثلاجة وإذا أقرب شخص وآخر شخص طرحوه هو ولده! مضرج بالدماء منتهٍ، نعم. هذه أسباب العقوق. فلا تعق والديك ولا تلجئ والديك إلى أن يدعوا عليك، الوالد لا يريد أن يدعو أصلاً لا أحد يريد أن يدعو على ولده، ولكن بعض الأولاد يضطر أباه أن يدعو عليه، لماذا تضطر أباك أن يدعو عليك؟ المفروض أن تقنع أباك أن يدعو لك، ومتى يدعو لك أبوك؟ عندما تكون طيباً، يقول: فلان! فتقول: حاضر لبيك، وبعد ذلك: سأذهب وهكذا، هذا هو الولد الصالح، وهذا هو الموفق الذي يوفقه الله في دراسته، وحياته، ورزقه، وزوجته إذا تزوج، وأولاده، وعافيته، وقبره، وحشره، ويدخله الله الجنة وينجيه من النار بأسباب بر الوالدين. هذه أمانة بر الوالدين. الأولاد هؤلاء الذين هم عندك أمانة ائتمنك الله عليهم وجعل رعايتهم في عنقك ومسئوليتك، فعليك أن تربيهم على الدين، وتمنعهم من الشر، ولا تستقدم لهم شيئاً من وسائل الشر، وتعلمهم القرآن والصلاة، وتأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر، وتحول بينهم وبين قرناء السوء، وتأخذهم معك إلى المسجد، خصوصاً بعد السبع؛ لأن بعض الناس لا يأمر ولده بعد السبع، يقول: هذا صغير، صحيح هو صغير ولكنك مأمور بأن تجعله يصلي، لماذا؟ لأن الصلاة عملٌ شاق؛ إذا ما دربته عليها من الصغر وصار بالغاً فإنه لا يصلي وقتها، لكنه إذا صلى وهو ابن سبع وثمان وتسع وعشر وإحدى عشر واثنا عشر يبلغ خمسة عشر وهو يصلي؛ متدرب عليها، لا يجد صعوبة؛ لأنها صارت شيئاً من عمله، لكنك إذا تركته إلى أن صار عمره خمسة عشر، وبعد ذلك قلت له: صلِّ، كيف يصلي؟ لا يطيعك؛ لأنه ما تدرب عليها يقول: إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت ولا تلين إذا صارت من الخشب الغصن أخضر ولين؛ تعدله على مرادك، لكنه إذا صار خشبة معوجة؛ يظل معوجاً إلى أن ينكسر، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع) هل معنى هذا أن الصلاة واجبة عليهم؟ لا. الصلاة لا تجب إلا بعد البلوغ، لكن الأمر بالتدريب عليها من السابعة، حتى إذا جاء في البلوغ وإذا هو جاهز، فلا بد أن تهتم بهذا؛ لأنها جزء من أمانتك التي بينك وبين الله.

أمانة الزوجة

أمانة الزوجة ومن الأمانات التي بينك وبين الناس: الزوجة: وقد جاء النص عليها في الحديث، قال عليه الصلاة والسلام: (أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله) فهي أمانة، هي بنت الناس، أبوها قبل أن يزوجك لا يرضى أن أحداً يمد عيناً عليها أو يضع عليها إصبعاً؛ بعض الآباء يغار على ابنته من الشمس والريح، لكنه بأمر الشرع يسلمك ابنته، نعم. ويأتي بها إلى بيتك، ويذهب ويتركها لك تتمتع فيها بكل شيء، وبعد ذلك أعطاك الشرع قيادة وقوامة عليها، بحيث تأتي وتأخذها من بيت أبيها، وتقول: هذه زوجتي وهؤلاء أولادي، ما لك عليهم أمر، نعم. أي: ولو أنت أبوها، ما دمت زوَّجتها فمالك عليها سلطة. لكن جعلها الله أمانة في عنقك، ليس معنى هذا أن أباها أعطاها لك أن تأتي وتهينها؛ لأنه لا يكرم المرأة إلا كريم، ولا يهينها إلا لئيم؛ لأن من الناس من هو نعجة أو دجاجة أمام الناس، لكنه أمام المرأة أسد، تنظره يضرب ويفعل، لكنه إذا خرج إلى الخارج لا يضرب حتى قطة، وإذا دخل البيت كان أسداً: أسد علي وفي الحروب نعامة فتخاء تهرب من صفير الصافر لا يا أخي الكريم! إن خير وأبر الناس من هو عند زوجته أفضل الناس، قال صلى الله عليه وسلم: (خياركم خياركم لأهله) ويقول: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) وكان خير الناس صلى الله عليه وسلم؛ كان يسابق عائشة، وكان يعجن لها، ويقوم بشئون أهل بيته؛ يطبخ ويكنس ويفعل، فمن منا يصنع هذا الآن؟! لا إله إلا الله! فهذه أمانة؛ تبتسم لها، وتسلم عليها إذا دخلت، وتطعمها مما طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، لا تذهب تأكل في المطعم وتأتي لها بخبز، بعض الناس يذهب المطعم يأكل (كبسة) أو سمكاً أو (حنيذاً) بمائة أو بمائة وخمسين، وإذا دخل أخذ (سندوتشاً) أو خبزاً وأعطى زوجته، هذا حرام، يجب أن تأكل مثل أكلك، وإذا أكلت أكلاً مفضلاً عليها فأنت خائن للأمانة. ثم يجب عليك أن تراعي حقوقها الكاملة؛ لأن الله تعالى قد جعل لها عليك حقاً، ومن حقهن الأول المعاشرة بالمعروف، قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] وقال: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228] أليس لك حق عليها؟ تقول: نعم. لي حق عليها لأني رجل، أيضاً لها حق عليك مثل حقك: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228] وبعد ذلك قال الله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:228] ما هي هذه الدرجة؟ قالوا: القوامة، أي: الإدارة، مثل موظف ومدير، الموظف عليه واجبات، والمدير له واجبات، لكن للمدير عليه درجة؛ لأنه المسئول، كذلك الأسرة. فالأسرة إدارة؛ الزوجة فيها موظف والزوج هو المدير له درجة، لكن ليس المعنى الأفضلية، فيمكن أن هذه المرأة أفضل عند الله من الزوج، فكم من النساء فاضلات فيهن خير تعدل زوجها بمليون مرة؛ قوامة صوامة عابدة لله، وهو فاسق قليل دين -والعياذ بالله- ويقول: أنا رجل. القوامة لا تعني الأفضلية، وإنما تعني المسئولية أمام الله سبحانه وتعالى، فهي أمانة عندك؛ في رقبتك وعنقك يوم تلقى الله؛ أن تحسن إليها، وتعاشرها بالمعروف، وألا تضربها، ولا تهينها، ولا تشتمها، ولا تضيع حقوقها، ولا تعتدي عليها، ولا تكره أقاربها، ولا تسبهم، ولا تلومهم أمامها، فهي لا ترضى أن تلوم جماعتها أو قبيلتها أو إخوانها؛ أو أعمامها أو أخوالها تنتقصهم وتتكلم عليهم، لا. فهذا جرح لها وتنقص، كما أنك لا تريد أحداً أن ينال من أقاربك ولا جماعتك، كذلك هي زوجتك إنسانةٌ مثلك هذه حقوقها. ومن حقوقها عليك: أن تحفظها من وسائل الفساد، وتأمرها بالحجاب، وتعلمها أمور الدين، وتدعوها إلى الله كل هذه من الأمانة التي بينك وبين هذه الزوجة.

أمانة الجار وحقوقه

أمانة الجار وحقوقه ومن الأمانات التي بينك وبين الناس: أمانة الجار: فالجار أمانة، تغض بصرك عن عرضه، وتحفظ ماله وتأمنه، قال صلى الله عليه وسلم: (والله لا يؤمن! والله لا يؤمن! والله لا يؤمن! قالوا: من يا رسول الله! خاب وخسر؟ قال: من لا يأمن جاره بوائقه) الذي لا يأمنه جاره بوائقه هذا ما آمن بالله، ولهذا إذا أردت أن تعرف هل أنت مؤمن أم لا؟ فاسأل الجيران، إن قالوا: والله فلان أمين هذا نستأمنه حتى على محارمنا. ولهذا المؤمن أمنه الناس على دمائهم وأموالهم: (والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) فالجار أمانة، وعليك أن تحفظه في غيبته وحضوره، وفي عرضه وماله وجميع شئونه؛ لأنك ألصق الناس به. بعض الناس لا يرى أخاه ولا قريبه إلا في الشهر مرة، لكنَّ الجار تراه كل مرة، فعليك أن تكون جاراً صالحاً.

أمانة طاعة ولي الأمر

أمانة طاعة ولي الأمر ومن الأمانات التي بينك وبين الناس: أمانة طاعة ولي الأمر: من ولاه الله أمرك، الولاية هذه من الله، فإذا ولى الله عز وجل عليك في أمر من الأمور عبداً لزمك أن تكون أميناً على ما ولاك الله عز وجل عليه؛ لأن الخيانة لولي الأمر خيانة لله ورسوله، بأن تؤدي ما طلب منك. أولاً: الطاعة إلا في معصية. ثانياً: الدعاء: وقد قال الإمام أبو الحسن بن علي البربهاري وهو من أئمة السنة، مات سنة (329هـ) في أول القرن الرابع، يقول: إذا رأيت الرجل يدعو للسلطان فاعلم أنه صاحب سنة، وإذا رأيته يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى. لأن الذين يدعون على السلاطين هم الخوارج والمعتزلة، يرون أن من دينهم الدعوة على السلطان والخروج عليه، لكن هذا ليس من معتقد أهل السنة والجماعة؛ معتقد أهل السنة والجماعة أنهم يدعون للسلطان بالهداية والصلاح، ويطيعونه في غير معصية الله، ولا يرون الخروج عليه؛ لما يترتب على ذلك من الفتن. فمن الأمانة أن تقوم بهذا ليس لعاطفة حب أو كره، ولا لمصلحة نفعية أو مادية، ولكن دين تدين الله به وعقيدة، ولهذا مسألة طاعة أولياء الأمور من مسائل العقيدة التي تقررها كتب العلم، والتي يهتم بها علماء أهل السنة فهم يقررون هذا في كتبهم ويؤكدون عليه، خصوصاً عند بروز الفتن وظهور القلاقل لما يجر الجهل به إلى الفساد الكبير الذي لا منتهى له، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم يقول: ومن تأمل تاريخ المسلمين وجد أن كل مصيبة حلَّت بالأمة إنما تنتج عن الجهل بهذا الأصل وهو: طاعة ولاة الأمر في المعروف أما في المعصية فلا: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، وهذا من الأمانة التي ائتمنك الله عز وجل عليها.

أمانة الإخلاص للناس وحبهم

أمانة الإخلاص للناس وحبهم ومن الأمانات التي بينك وبين الناس: الإخلاص لهم، أن تحب لهم ما تحب لنفسك؛ عدم الإيذاء لهم، وحفظ أموالهم وأعراضهم، وحقن دمائهم وعدم التعرض لهم بسوء، هذا هو المفهوم الثاني للأمانة التي بينك وبين الناس.

الأمانة التي بين العبد ونفسه

الأمانة التي بين العبد ونفسه المفهوم الثالث: الأمانة التي بينك وبين نفسك: يوجد أشياء متعلقة بك، والله جعلها عندك أمانة وهي: الحواس، والجوارح، هذه ركبها الله في جسمك وجعلها لديك أمانة، وأعطاك الحرية في استخدامها، إن تستخدمها في طيب فأنت حفظت الأمانة، وإن تستخدمها في سيئ فقد ضيعت الأمانة.

أمانة الجوارح

أمانة الجوارح أول أمانة العين هذه جعلها الله عندك أمانة، وأمرك أن تنظر بها فيما يحب ويرضى: {قُلْ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [يونس:101] وأمرك أن تغضها عما لا يحب سبحانه وتعالى ويأبى؛ أن تغض عن محارمه، وأعطاك الحرية في أن تستخدمها فيما تريد، من منا يستطيع أن يتحكم في عين إنسان آخر؟ أبداً. عينك في رأسك تتحكم بها أنت، ولا تستطيع أي قوة في الأرض أن تلزمك أن تنظر إلى شيء وتترك شيئاً، حتى لو أردت أن تنظر في بيت وقال لك صاحبه: لماذا تنظر في بيتي؟ تقول له: لا أنظر في بيتك أنا أنظر في البيت الذي وراءه، لكن الله يعلم أين تنظر: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19] فعينك هذه أمانة، وستسأل عنها بين يدي الله يوم القيامة: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} [الإسراء:36] من السائل؟ إنه الله، والجواب إن كان سيئاً فالنار، وإن كان صحيحاً فالجنة. بقية الجوارح، وسميت جوارحاً؛ لأنها تجرح في دين العبد. الأذن أمانة ائتمنك الله عز جل عليها، وأمرك بحفظها عن سماع الباطل، وألا تسمع بها إلا ما يحب؛ لأنها قناة تصب في القلب، وإذا سمعت الخير تأثر القلب بالخير، وإذا سمعت الشر تأثر القلب بالشر. اللسان أمانة: أنت مسئول عنه بين يدي الله يوم القيامة، وحفظ اللسان علامة الإيمان، يقول عليه الصلاة والسلام: (من يضمن لي ما بين لحييه وفخذيه أضمن له الجنة) وقال: (أكثر ما يدخل الناس النار الفم والفرج) أي: اللسان وما فيه من المصائب، والفرج وما فيه من المصائب. فاللسان أمانة وفيه الكلمة، والكلمة لها مسئولية أمام الله، يقول عليه الصلاة والسلام والحديث في الصحيحين: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) وقال: (وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب) وربَّ كلمةٍ قالت لصاحبها: دعني، فالكلمة مسئولية أمام الناس، ومن لا يقم للكلمة وزناً تجده يهذي بما لا يدري، ويخوض فيما لا يعنيه، وهذا مما يؤدي به إلى العطب والوقوع فيما لا يرضيه، فزن كلامك ولا تتكلم إلا بخير، ولا تقل إلا خيراً أو اسكت.

أمانة اليد والرجل

أمانة اليد والرجل كذلك اليد أمانة: كان بالإمكان أن يشل الله يدك، لكن الله عز وجل متعك بهذه اليد لتنفعك، فلا تمدها إلا إلى الخير أو الحق، لا تمدها في باطل: بسرقة مال، أو بغمز غير محرم، أو بعدوان، أو بكتابة باطل. والرجل هذه أمانة: لا تحملك إلى باطل، ولا تمش بها إلى منكر.

أمانة الفرج والبطن

أمانة الفرج والبطن الفرج أمانة: لا تطأ به في منكر. الأمانة الثامنة: أمانة البطن، لا تأكل فيه منكراً أو حراماً، كل هذه الجوارح أمانة عندك واصنع ما شئت، فالآن لا أحد يسألك، لكن يوم القيامة تسأل، والذي يشهد عليك هي نفس الجوارح، يقول الله عز وجل: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت:19 - 21] الذي أنطق لحمة اللسان ينطق غيرها، وينطق كل شيء؛ لأن الله قادر على كل شيء سبحانه وتعالى. فهذه أيها الإخوة أمانات مستودعة عندك فاتق الله فيها، وهذا هو المفهوم العام -أيها الإخوة- وإن كانت الكلمة -الأمانة- تحتاج إلى الحديث بشكل أوسع؛ لأنها تشمل الدين كله، لكن نكتفي بهذا في الثلاثة الفروع: الأول: بينك وبين الله من توحيده وعبادته، الثاني: بينك وبين الناس من القيام بحقوقهم والإحسان إليهم، سواءً كانوا أقارب أو أباعد، الثالث: بينك وبين نفسك في الحواس والجوارح التي منحت لك من أجل أن تستخدمها في الخير ولا تستخدمها في الشر. فاسأل نفسك: هل حفظت هذه الأمانة أم ضيعتها؟ وعلى ضوء حفظك للأمانة أو ضياعك لها يتقرر مصيرك في الدار الآخرة، إما الحفظ فالنجاح والفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، وإما الضياع فالدمار والخسار والنار والعار في الدنيا والآخرة. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعيننا وإياكم على حفظ الأمانة، وأن يجعلنا وإياكم ممن يؤديها حق أدائها، كما نسأله سبحانه وتعالى أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، وأن يبرم لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل الطاعة، ويذل فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، إنه سميع الدعاء. اللهم احفظ لنا ديننا وأمننا ونعمتنا واستقرارنا، اللهم من أرادنا في ديارنا أو غيرنا من ديار المسلمين بسوء أو شر أو كيد فاجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره، وأنزل عليه بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين. اللهم وفق ولاة أمورنا وعلمائنا ودعاتنا ومشايخنا وشبابنا وشاباتنا وجميع المسلمين إلى العمل بهذا الدين والدعوة إليه والحرص عليه والمناصرة له، إنك ولي ذلك والقادر عليه. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة

حكم استخدام الأمانة بدون إذن صاحبها

حكم استخدام الأمانة بدون إذن صاحبها Q رجل وضع عندي أمانة من المال فاحتجتها وأخذتها، وبعد مدة طلب مني أمانته فاستلفت الأمانة وأعطيته، هل عليَّ إثم؟ A نعم. الذي يعطيك أمانة ينبغي لك ألا تتصرف فيها إلا بإذنه، أعطاك مبلغاً من المال وقال: أمانة. فاحتجتَ إلى هذا المبلغ، فقبل أن تتصرف فيه تسأله وتقول: يا فلان! فلوسك عندي وأنا محتاج منها شيئاً، تسمح لي؟ فإن أذن لك تصرفت، وإن لم يأذن لك فلا يجوز لك أن تتصرف في ماله إلا بإذنه، وعليك إثم، وبالتالي يلزمك التوبة إلى الله عز وجل، وأيضاً إشعار الرجل هذا واستئذانه حتى يعفو عنك.

الجمع بين الآية: (ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) والحديث: (لن يدخل الجنة أحد بعمله)

الجمع بين الآية: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) والحديث: (لن يدخل الجنة أحد بعمله) Q كيف نجمع بين قول الله عز وجل: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل:32] وقوله صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل الجنة أحد بعمله)؟ A لا تعارض بين الآية والحديث، فإن الجنة ليست ثمناً للعمل الذي نعمله، فالعمل الذي نعمله لا يستحق أن يعطى الإنسان عليه الجنة، لكن العمل سبب، وهذا ما يعنيه النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل أحد الجنة بعمله) أي: لن يدخل أحد الجنة مقابل عمله، صليت؟ نعم. صليت بجسم خلقه الله، وتصدقت بمال أعطاكه الله، وجاهدت بجسم خلقه الله، فكل شيء من الله، فلن يدخل أحد الجنة نظير العمل، أي: مقابل العمل، ليست الجنة سلعة ومقابلها العمل، لكن معنى الآية: {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل:32] أي: بسبب ما كنتم تعملون، فالعمل سبب لدخول الجنة وليس ثمناً لها، وهذا معنى الحديث.

تحريم العيش مع تارك الصلاة ومرتكب المحارم

تحريم العيش مع تارك الصلاة ومرتكب المحارم Q هل يجوز العيش مع رجل لا يحافظ على أداء الصلاة، ودائماً على المفاسد مثل (الدش)؟ A إذا كان الرجل لا يصلي وتاركاً للصلاة بالكلية، فلا يجوز العيش معه ولا معاشرته، حتى الزوجة لا يجوز لها أن تبقى في بيته ولا يجوز لها أن تمكنه من نفسها؛ لأنه كافر، وإذا مكنته من نفسها فإنما يأتيها زناً، والأولاد الذين يأتون منه أولاد سفاح؛ لأن العقد باطل، فإنه استحلها وهو في الإسلام، فلما ترك الصلاة كان كافراً، فلا يجوز أن تبقى، ولا يجوز لوليها أن يبقيها في بيته. وكذلك إذا كان زميلك لا يصلي فلا يجوز أن تجالسه أو تؤاكله أو تشاربه أو تسلم عليه أو تزوره إذا مرض، ولا تتبع جنازته، ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين إذا كان تاركاً للصلاة. أما إذا كان يصلي ولكنه متهاون؛ مرة في المسجد ومرة في البيت ولا يترك الصلاة، فهذا عاصٍ، ولا شك أنه وقع في إثم وتَرك واجباً، وينبغي مناصحته، ولكنه لا يكفر ولا يخرج من الدين.

الأمانات التي على النساء

الأمانات التي على النساء Q ما هي الأمانات التي على النساء؟ A جميع الأمانات التي على الرجال هي على النساء كذلك، فالنساء مثل الرجال، ولكن عليهن أمانات مختصة بهن: أولاً: عرض الزوج وماله وأولاده وبيته كلها أمانة، فلا يدخل أحد إلا بإذنه. ثانياً: الحجاب أمانة: فالحجاب الذي تتحجبين به أمانة؛ لأنه لا بد منه؛ لأنك إن لم تتحجبي خنتي الأمانة التي بينك وبين الله.

حكم المتخلف عن الصلوات

حكم المتخلف عن الصلوات Q ما نصيحتكم لمن يتخلف عن الصلوات خصوصاً الفجر، مع وجود من يوقظه لكنه لا يستيقظ؟ A الذي لا يستيقظ لصلاة الفجر فيه علامة من علامات النفاق، فإذا أردت أن تعرف نفسك هل أنت مؤمن أم منافق، فلا تسأل أحداً واسأل نفسك عن صلاة الفجر، فإن كنت من أهلها وبانتظام فاعلم أنك مؤمن، وإن كنت بعيداً متهاوناً فيها ومضيعاً لها فلتعلم أنك منافق، والدليل في الصحيحين، قال صلى الله عليه وسلم: (أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً) فالذي لا يصلي الفجر في الجماعة على خطر عظيم؛ لأنه متصف بصفة النفاق والعياذ بالله.

موقف من يأمره أبوه بترك مخالطة الصالحين

موقف من يأمره أبوه بترك مخالطة الصالحين Q أنا ملتزم والحمد لله، ولكني لا أسمع كلام والدي، خصوصاً إذا كان الكلام يتعلق بإخواني الطيبين ولقاءاتهم، فأرجو منكم النصيحة لي ولأمثالي من الشباب؟ A يا أخي الكريم! ما دمت لا تسمع كلام والدك فأنت غير ملتزم بل عاق، كيف لا تسمع كلام أبيك؟!! أما فيما يتعلق بكلام أبيك بإخوانك الطيبين ولقاءاتهم فأطع أباك، فإذا كان يقول لك: لا تذهب مع هؤلاء ولو كانوا طيبين، قل له: طيب. ولا تذهب، وعاود اللقاءات مع الطيبين بسماع الشريط، وبقراءة الكتاب، حتى تطع والديك، وتجمع بين الخير وتحصيله وطاعة أبيك، لكن تذهب وتجتمع مع إخوانك في الله وتعق والدك، مثل من ينفق ريالاً ويخسر (مائة) تصدقت بريال وخسرت (مائة ريال)، فالله لا يسألك يوم القيامة: لماذا لم تجلس مع إخوانك في الله؟ ولكن يسألك: لماذا لم تطع أباك؟ طاعة الوالد مقدمة على الذهاب والجلوس مع الإخوان في الله.

حكم من دخل وقت الصلاة وهو في علاج مرضي

حكم من دخل وقت الصلاة وهو في علاج مرضي Q رجل مصاب بفشل كلوي ويغسل في وحدة الغسيل ثلاث ساعات، وأحياناً يبدأ الغسل الساعة السادسة قبل المغرب وينتهي بعد العشاء، فكيف يصلي المغرب إذا كانت الصلاة في وقت الغسيل؟ A أولاً: نسأل الله سبحانه وتعالى له ولأمثاله ولجميع المرضى الشفاء والأجر والثواب في الآخرة على هذا. ثانياً: يجب أن نذكر هذه النعمة التي نحن فيها الآن؛ الذي عنده كليتين معافى وفي نعمة لا يعرفها ولا يقدرها إلا الذي فشلت كلاه، أحد إخواننا نعرفه مصاب بفشل كلوي، يقول: ما عرفنا نعمة الكلى إلا لما ضيعناها، ثم أجريت له عملية زرع كلية، وعادت إليه الحياة الأولى ومارس خروجه للخلاء وخرج منه البول -أكرمكم الله- قال: ما شعرت بأني في نعمة إلا لما خرج هذا البول، فالذي عنده فشل كلوي لا يبول؛ لأنه ما عنده كلية تخرج البول، فيخرج هذا عن طريق الآلة. أنت الآن في ظهرك كليتين، كل كلية قدر قبضة اليد، في كل كلية (ثلاثة ملايين) وحدة تنقية، هذه الآلة الآن التي مثل (الدولاب) فيها (50 ألف) وحدة تنقي من الدم (10%) من السموم فقط، لكن الكلية التي في ظهرك تنقي (100%)، ولا تدري أنت بهذه النعمة فاحمد الله على هذه النعمة! واستخدمها في طاعة الله سبحانه وتعالى. ثالثاً: أما السائل الكريم: فإذا حان وقت الصلاة وخشي أن يستمر الوقت حتى يخرج وقتها، جاز له أن يصلي وهو مستلق على قفاه على السرير؛ يصلي إيماءً ويدخل إلى الغرفة وهو متوضئ، ثم إذا جلس وأدخلوا فيه الإبرة وبدأوا يسحبون الدم وذهب إلى الكلية الصناعية وعاد إليه وقد أصبح منقى! وكل يومين يفعل هذا ولا يموت، فلا إله إلا الله! نكتفي بهذا -أيها الإخوة- ونسأل الله لنا ولكم التوفيق. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الخسران المبين

الخسران المبين إن خسران الدنيا هين لأنه ينتهي، ولكن المصيبة والخسارة الحقيقية هي: مصيبة الإنسان في دينه، فهي تعود عليه بخسارة في الدنيا؛ لأنه يعيش فيها عيش الهمل، فضلاً عما ينتظره في الآخرة من العذاب المقيم في جهنم، فقد ذكر الله الخاسرين وما لهم في الآخرة في آيات كثيرة من كتابه، وحذرنا أن نكون منهم، وبين طريق السعادة لنسلكه.

الخسارة الحقيقية في الدنيا والآخرة

الخسارة الحقيقية في الدنيا والآخرة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: اللهم لك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا من قديم أو حديثٍ، أو شاهدٍ أو غائبٍ، أو حي أو ميت، لك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالقرآن، لك الحمد في كل حال، ولك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. بعد أن زالت الغمة، وماتت الفتنة، وهدأت العاصفة التي اقتلعت جذور العدوان، وألقته إلى غير رجعة في مزبلة التاريخ، وخسر البعث الكافر، وخسر صدام الطاغية، والغربان الناعقة، والشعارات الفارغة، والطبول المجوفة، وأم المهازل، والشجعان وأصحاب المنازلات بعد هذا الخسران، ماذا عساه أن يكون؟! إن خسران الدنيا هين؛ لأنه ينتهي وله أمد، ولكن هناك خسران عظيم مبين واضح يشمل هؤلاء الخاسرين؛ لأنهم بغوا، وعلى الباغي تدور الدوائر: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [يونس:23] ويشملهم لأنهم معتدون، والله عز وجل يصب كيده على المعتدي، ويشملهم لأنهم خونة، والله لا يهدي كيد الخائنين، ولكن يشمل معهم كل من لم يسر على منهجه، وكل من لم يسر على كتابه، ويتبع هدي رسوله، هذا خاسر ولو ظن أنه رابح؛ لأن مقاييس الربح والخسارة ليست مقاييس الدنيا، ما الدنيا بالنسبة للآخرة إلا كقطرة من بحر {يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم:55] يوم القيامة طوله خمسين ألف سنة من أيام الآخرة، واليوم من أيام الآخرة كألف سنة مما نعد، اضرب (1000× 50.000) هذا يوم القيامة وبعده ماذا؟ {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً} [النبأ:23] {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [هود:107].

مقاييس الربح والخسران

مقاييس الربح والخسران مقاييس الربح والخسران ليست في الدنيا فقط، فكم من رابح في الدنيا وهو خاسر يوم القيامة {أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر:15] وكم من خاسر في نظر الناس في الدنيا ولكنه يربح عند الله الربح العظيم يوم يدخل الجنة، يقول الله عز وجل: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185] والناس بحكم ضعف إيمانهم، وتعلق قلوبهم بالمادة والدنيا والحياة، ونسيان معظمهم لأمر الآخرة يقيسون الربح والخسارة على هذه الدنيا، فإذا اشترى رجلٌ سيارة وانقلبت قال: خسارة، وإذا تزوج زوجة وطلقها قال: يا خسارة، وإذا فصل من وظيفته قال: خسارة، وإذا انهدم بيته قال: خسارة، لكن إذا هدمت عقيدته، أو ضيع صلاته، أو خان أمانته، أو نظر بعينه إلى الحرام، أو سمع بأذنه الحرام، هل يعتبر نفسه خاسراً؟! لا. لماذا؟ لأن مصيبة الناس في دنياهم أعظم من مصيبتهم في دينهم؛ لعظم وشأن وقيمة وأهمية الدنيا، أما الدين فهو بسيط في قلوب أكثر الناس إلا من رحم الله. أبني إن من الرجال بهيمة يعني: بقرة، في صورة الرجل السميع المبصر، عيون ورأس آدمي لكن عقليته ونفسيته وأفكاره أفكار البهائم. أبني إن من الرجال بهيمة في صورة الرجل السميع المبصر فطن لكل مصيبة في ماله وإذا أصيب بدينه لم يشعر ولذا الناس لما هدأت الأمور أمنوا، فلما أمنوا عادوا إلى ما كانوا عليه من المعاصي والذنوب رغم أنهم في مصيبة من قبل ومن بعد، فالذي لا يصلي في المسجد هذا في مصيبة وينتظره عذاب الله الأكيد، ومن يسمع الحرام ويتكلم بالحرام وينظر بعينه إلى الحرام ويأكل الربا والحرام ويقع في الزنا واللواط ويمد يده إلى الحرام ويسير بقدمه إلى الحرام هؤلاء كلهم أصحاب مصائب لكن لا يشعرون بها، يشعرون بمصيبة البطون إذا جاعت كما تشعر البهائم بمصيبتها إذا جاعت، ويشعرون بمصيبة البيوت والأمن إذا اختل، لكن لا يشعرون بمصيبة الدين إذا اختل.

الخسارة الحقيقية هي المصيبة في الدين

الخسارة الحقيقية هي المصيبة في الدين إن المصيبة الحقيقية هي مصيبة الإنسان في دينه، ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: (اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا) لأن كل مصيبة دون مصيبة الدين فهي هينة، لها نهاية ومخرج، لكن مصيبة الدين لا مخرج منها؛ لأن نهايتها النار -والعياذ بالله- فالخسارة الحقيقية هي التي ينبغي أن نراجع أنفسنا معها وأن نعرف فيها ربحنا. صحيح ربحنا الحق؛ لأننا على الحق؛ ولأننا أصحاب قضية عادلة، نناصر المعتدى عليه، ونناصر المظلوم، ونقف مع المغلوب، لكن يجب علينا أيضاً مع هذا أن نراجع أنفسنا، كيف نحن مع الله؟ هل نحن رابحون معه أم خاسرون؟

مآل الخاسرين في الآخرة

مآل الخاسرين في الآخرة من هو الرابح مع الله، ومن هو الخاسر؟ اسمعوا ماذا يقول الله عز وجل: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر:15] هذا هو الخاسر، ليس الخاسر الذي ضاعت عمارته أو انقلبت سيارته، بل الخاسر الذي إذا مات خسر نفسه وأهله ودخل النار {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} [الزمر:15 - 16] هذه الخسارة يوم يكون الظلال ناراً، ومن تحتك نار، وأنت بين ناري السماء والأرض {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الأعراف:41] هذه الخسارة الحقيقية. أما الدنيا فأعظم ما في الدنيا أنك تموت، وإذا مت تخلصت نفسك من هذه المصائب كلها، لكن النار ليس فيها موت، فالموت أعظم أمنية عند أهل النار، ينادون وهم في شعابها بكياً من ترادف عذابها، ينادون: يا مالك! قد نضجت منا الجلود، يا مالك! قد تقطعت منا الكبود، يا مالك! قد أثقلنا الحديد، يا مالك! أخرجنا منها فإنا لا نعود، فلا يجيبهم، بعد ذلك يدعون مالكاً في الهلاك يقولون: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف:77] يعني: أمتنا {قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [الزخرف:77 - 78] فالله يقول: إن الخاسرين الحقيقيين هم الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، ألا ذلك هو الخسران المبين، ما هو الخسران؟ قال: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر:16] أي: اتقوا عذابي، هذا كلام الله، أخوفكم يا عبادي! من عذابي فاتقوا عذابي، اتقوا عذابي بماذا؟ بفعل طاعة الله وترك معصيته، هذه هي التقوى، اجعل بينك وبين عذاب الله عز وجل وقاية، يعني: حاجزاً ساتراً، وما هذا الواقي لك؟ فعل طاعة الله وترك معصية الله، إذا فعلت الأمر، وتركت النهي، وخضعت للشريعة، وأسلمت نفسك لله، وجعلت بينك وبين عذاب الله وقاية، فلست من أهل هذا الوعيد، ليس لك ظلل، بل أنت في غرف من فوقها غرف مبينة تجري من تحتك الأنهار في جنات النعيم، لماذا؟ لأنك رابح ربحت الدنيا وربحت الآخرة، حتى ولو أنك في الدنيا كنت تمشي حافي القدم، عاري البدن، خاوي البطن، تنام على الرصيف وليس عندك رصيد ولا راتب ولا بيت ولا زوجة، ولكن معك الإيمان والدين والعقيدة والصلة بالله والخوف من الله، أنت رابح. لكن إذا كان العبد يفقد ويفتقد هذه الأشياء والله لو ملك الدنيا بأسرها، هل سيملك أحد مثل ملك فرعون؟ كان فرعون ملك مصر، وكان يدعي أنه الرب، وكان يقول: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:24] وكان يقول لبني إسرائيل: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} [الزخرف:51 - 52] يعني: موسى {وَلا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف:52] أين فرعون الآن؟ في خسران، يقول الله فيه: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ * وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} [غافر:46 - 48] الكبير والصغير في جهنم. فمهما كان ملك الإنسان وليس معه إيمان ولا عقيدة فهو خاسر، ومهما كان مال الإنسان وليس معه إيمان، ولا عقيدة، ولا دين فهو خاسر، هل سيجمع أحد أموالاً مثل قارون؟ قارون الذي كانت له مخازن الذهب الأحمر والفضة البيضاء ومفاتيحها لا تحملها العصبة من الرجال، ويقول الله فيه: {أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً} [القصص:78] أين هو الآن؟ أين أمواله؟ هل حجزته أمواله من عذاب الله؟ إنه الآن يتجلجل في بطن الأرض إلى يوم القيامة، قال الله: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} [القصص:81] ابتلعته الأرض، أوحى الله إلى الأرض أن تفتح فتحة بمقدار قصوره وأمواله ومخازنه وأولاده وحشمه وخدمه وما عنده، فانفتحت ثم انطبقت فهو الآن في بطنها إلى يوم القيامة: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:81 - 83] اللهم اجعلنا من هؤلاء المتقين الذين اتقوك يا رب! وجعلوا مخافتك بين أعينهم فلم يقدموا على معصيتك ولم يتأخروا عن طاعتك، هؤلاء لهم العلو ولهم السيادة، والفوز والنجاح يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، هنالك يعلم الذين ظلموا أي منقلبٍ ينقلبون {يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:52] هؤلاء خاسرون لماذا؟ لأنهم ضيعوا دين الله، {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر:15].

خسارة من لم يصدق عمله دعواه

خسارة من لم يصدق عمله دعواه

أسباب الخسارة في الآخرة

أسباب الخسارة في الآخرة هل هناك خاسرون آخرون؟

التكذيب بلقاء الله

التكذيب بلقاء الله يقول الله: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [الأنعام:31] كيف كذبوا بلقاء الله؟ قد يقول شخص: أنا مصدق بلقاء الله، نقول: فتش عن عملك فالصادق يظهر تصديقه على عمله، والكذاب يظهر تكذيبه في عمله، أما الكلام فلا ينفع، لا ينفع أنك صادق بدون دليل أو برهان، هل ينفع الكلام عند الناس بدون دليل؟ هل ينفع أنك تذهب الآن في أي مكتب عقار وتقول: عندي عمارة وأريد أن أبيعها، فيقول لك صاحب العقار: أين؟ فتقول: في حي من أحياء جدة، على شارعين وأربعة أدوار، وفيها ثمان شقق ومحلات تجارية ودخلها مائتا ألف، فقال: أين هي؟ وكم سعرها فتقول: فقط خمسمائة ألف، فإذا جاء إليها صاحب العقار وطلب منه ما يثبت له أن هذه العمارة هي له قال: لا يوجد، فلا يقبل صاحب العقار كلامه لأنه ليس عنده حجة، فيتهمه صاحب العقار بالجنون ثم يشتمه لأنه أتعبه!! ما رأيكم في هذا، عمارة على شارعين، أرضيتها (20 × 20) لا يمكن أن تحصل عليها إلا بصك شرعي إنه إيمان وعمل صالح ولقاء الله، ثم تقول: إنك مصدق به وليس عندك دليل عليه، هات الدليل؟ والله ليس عندي دليل فقط بقلبي، العمارة هذه لي بقلبي، والإيمان بقلبي لا ينفع، لا بد من عمل. بين الله تبارك وتعالى في القرآن أن الكاذبين يحلفون يوم القيامة مثل ما كانوا يحلفون في الدنيا، كانوا في الدنيا يحلفون بالكذب ويدعون الدعاوى ويريدون أن يدخلوا الجنة بالكذب وباليمين، قال الله عز وجل: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ * اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة:18 - 19] لأنهم يريدون الجنة بالكذب وبالأيمان الكاذبة. فهذا الذي يكذب بلقاء الله تظهر آثار التكذيب في تصرفاته، والذي لا يصلي جماعة في المسجد هذا لا يعد صادقاً في إيمانه، هذا منافق؛ لأنه لو كان يعرف حقيقة قيمة الصلاة، وأهمية الصلاة في المسجد، وأن الذي لا يأتي إلى الفجر والعشاء منافق، لأتى المسجد، ولو يعلم أن في المسجد أموالاً تقسم على كل صلاة عشرة ريالات يعني خمس صلوات يومياً بخمسين ريالاً، لكن الفجر عليها عشرين من أجل أنها في وقت نوم، هل سيدع أحد الصلاة في المسجد؟ والله لن تتسع لهم مساجد جدة، ويأتي الرجال والشيوخ والبنات والنساء والأولاد وتمتلئ الشوارع، ويصفون من نصف الليل في الصف الأول، من أجل أن يستلم ويمشي، لماذا؟ من أجل عشرة ريال، لكن لما يقال له: إن صلاتك في المسجد تفضل صلاتك في بيتك بسبع وعشرين درجة، يقول: أريد درجة واحدة، وليس له درجة، الحديث في الصحيحين: (صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبعٍ وعشرين درجة) لكن مع العذر، يعني: أنت معذور نمت أو مرضت أو غلبت أو نسيت وما تعمدت، وفاتتك الجماعة، وتقطع قلبك عليها، وتندمت كأنك خسرت شيئاً كبيراً، ورجعت إلى بيتك تصلي فلك درجة، أما أن تسمع المؤذن وتقول: لا. سأصلي هنا، فمالك إلا الوعيد من لعنة وغضب، لماذا؟ لأن العلماء يقولون: لا مفاضلة بين ما هو واجب -وهي صلاة الجماعة- وبين ما هو محرم -وهو ترك الصلاة في المسجد- ليس هناك مفاضلة بين الواجب والمحرم، المفاضلة في الحكم الواحد، فهي واجبة، أما محرم تفاضل بينه وبين واجب!! لا. ولهذا عَدَّ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه الاختيارات الفقهية حضور الجماعة شرطاً في صحة الصلاة، ولا تقبل الصلاة إلا بالجماعة إلا بعذر، لحديث: (من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذر لم تقبل منه الصلاة التي صلاها) ولحديث في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنقلب معي رجالٌ معهم حزمٌ من حطب، فأحرق على قومٍ بيوتهم لا يشهدون الصلاة، لولا ما فيها من النساء والذراري) لماذا يحرق عليهم؟ أعلى ترك سنة أم على ترك واجب وارتكاب محرم فهذا الذي لا يصلي في الجماعة، ولا في المسجد ليس مصدقاً بكلام الله، بل عنده تشكيك، ووالله لو كان مصدقاً وجازماً بلقاء الله لما ترك صلاة الجماعة الآن الذين عندهم تصديق في قلوبهم لا يمكن أن يصلوا إلا في بيوت الله قلبه مربوط بالمسجد، في مكتبه وقلبه في المسجد، في فراشه يتقلب طوال الليل وعينه في الساعة متى يأتي الأذان؟ بل قبل الأذان وهو في بيعه وشرائه وسوقه وعينه على وقت الصلاة متى يأتي لماذا؟ لأنه مصدق بلقاء الله، أما ذاك لا، بل حتى لو ذكرته فإنه لا يريد، لماذا؟ ليس عنده يقين، لم يحصل عنده الإيمان والتصديق الكامل بلقاء الله عز وجل.

الجمع بين الأعمال الصالحة والمعاصي

الجمع بين الأعمال الصالحة والمعاصي إن الذي يسمع الأغاني ويعرف أنها حرام، ولكن يعلل ويتعذر ويقول: قلوبنا نظيفة، وهذه بسيطة، وليت ما عندنا إلا هي، هذا مسكين مضلل، هذا معاند لله ومشاق لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنقول له: (من سمع الأغاني صب الله في أذنيه الآنك -الرصاص المذاب- يوم القيامة) ونقول له: (صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة) ونقول: إن الغناء ينبت النفاق في القلب، والآيات والأحاديث كلها تدل على تحريم هذا الشر المستطير الذي ينخر القلوب، ويسوس الإيمان، وينزع الدين من القلوب، ويهيج الجريمة، ويحرض على الفساد، وينسي عبادة الله، ويذكي الشيطان في النفس، وتقول لي: إن قلبك نظيف، وإن هذا الأمر هين، لا! وعليك أن تنزه نفسك عن هذا، نزه هذا السمع فلا تسمع به إلا كلام الله، {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يضع إصبعيه في صماخي الأذن ومعه ابن عمر الغلام الصغير ومروا على راعٍ ومعه بوق، لو سمعته فإنك ستهرب منه، لكن يسد أذنيه ويقول للغلام: أتسمع؟ حتى إذا قال الولد: لا أسمع؛ أبعد يديه صلوات الله وسلامه عليه، كيف بمن يسمع الموسيقى الآن، والآلات الحديثة التي تنخر القلب نخراً، وتهز الإنسان وتسلب عقله وتجعله يرقص بدون قصد شيء مرعب، ما يبقى أبداً للإيمان في القلب شيء. يقول ابن القيم: حب الكتاب وحب ألحان الغنا في قلب عبدٍ ليس يجتمعان لا يجتمع الضدان ولا يلتقي النقيضان، ما تجمع النار والبارود، ولا تجمع الطيب والعذرة، والقلب إناء تضع فيه قليلاً من كلام الله وقليلاً من كلام الشياطين فيصعد كلام الله، أو كما يقول بعض الجهلة: (ساعة لربك وساعة لقلبك)، ليس في هذا شرك، الساعات كلها لله، الله يقول: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام:162 - 163] لا يوجد ساعة لقلبي وساعة لربي، ساعة أصلي وساعة أرقص وأغني، لا. ساعتي لله، ليلي ونهاري، وسري وجهاري وحياتي وموتي، في بيتي ومكتبي، وسوقي ومع أهلي، كل حياتي مع الله في كل حين، مع الله في كل وقت وآن، لماذا؟ لأنك عبد لله تبارك وتعالى، هذا معنى الإسلام؛ ولأن الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:208] يعني: بالكلية، لا يوجد دخول جزئي، أدخل قليلاً وأخرج قليلاً، مثل القطة كل حين وهي في طريق، لا. دين دين، الزم نفسك، وليس معنى هذا أنك لا تعصي الله، لا. قد تعصيه، لكن تعصي ويندم قلبك، وترجع وتتوب إلى الله، فيغفر الله ذنبك، ويقبل الله توبتك، ويبيض وجهك، وتشعر بلذة؛ لأن الله عز وجل غفور رحيم للمذنبين أمثالي وأمثالكم، فنحن نذنب ونلم، ولكن لا نصر ولا نداوم وإنما عرض، لهذا سماه الله: لمم، قال الله عز وجل: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم:32] يعني: الذي يتعرض للذنب فقط، ليس دائماً في الشارع وينظر إلى النساء ينظر إليها من رأسها إلى قدميها، هذا ليس لمماً، لكن من يغض بصره ثم في لحظة من اللحظات نظر دون قصد وإذا به تقع عينه على امرأة فغض بصره، هذه معصية لكنه ما تعمدها ثم استغفر الله، فهذه ربي يغفرها له، أما أن يظل ينظر إليها ويقول: هذه بسيطة، هذه أحرقت قلبه ولا حول ولا قوة إلا بالله.

صور من التكذيب بلقاء الله

صور من التكذيب بلقاء الله يقول عز وجل: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ} [الأنعام:31] وظهر طبعاً هذا التكذيب في عباداتهم الميتة أو المنعدمة والمفقودة، وفي سلوكهم المنحرف، وأخلاقهم السيئة، وعقائدهم الفاسدة، وحياتهم كلها التي يحكمها الشيطان. كثير من البشر الآن محكومين بمنهج الشيطان؛ لأنه إما ولي لله أو ولي للشيطان، وقد جاء هذا في القرآن الكريم، يقول عز وجل: {وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً} [النساء:119 - 120] لا يوجد في الدنيا إلا منهج الله أو منهج الشيطان حزب الله أو حزب الشيطان أولياء الله أو أولياء الشيطان، أين أنت؟ ومع أي حزب؟ المعركة قائمة بين جند الله وجند الشيطان، بين حزب الله وحزب الشيطان، بين أولياء الله وأولياء الشيطان، والحبل ممدود وكل واحد يمسك من طرف، أين أنت ومع من تسحب؟ اسأل نفسك هي مع من؟ إن كانت مع النساء والنظر إليهن وإلى الأفلام والمسلسلات والخلاعات؛ فأنت تسحب مع الشيطان، تجر نفسك بعينك إلى النار، إن كانت أذنك تسمع الأغاني؛ فأنت تسحب نفسك بأذنك إلى النار، ولهذا يوم القيامة يقولون لآذانهم ولأبصارهم ولجلودهم: {لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا} [فصلت:21]؟! أي: لماذا فضحتمونا في هذا اليوم الذي نريد فيه النجاح؟ {قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت:21] الذي أنطق هذه اللحمة -اللسان- ينطق الجلد لماذا تستغرب أن الله أنطق هذه؟! وقل للسانك: لماذا تكلمت؟ كيف تكلم لسانك، من الذي أنطق لسانك؟ {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:8 - 10] الذي أنطق هذه اللحمة يجعل تلك اللحمة تنطق يوم القيامة، بل أنطق الله الآن الحديد، ترفع السماعة فتتلكم بها، حديد يتكلم معك! أسلاك من أرض وفي أرض، مسجل يسمع الصوت فيسجله وبعد عشر سنوات تفتحه وإذا به هو، كيف؟ سألت مهندساً قلت: كيف تسجلون هذا الصوت؟ قال: هذه ذبذبات تلتقطها هذه الأجهزة، ثم ترصدها في ذلك الشريط، ثم بعد ذلك تعاد مرة ثانية، قلت: ما هي الذبذبات علمني؟ قال: لا أعلم، الله عز وجل أنطق هذه الآلات. آية {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت:53] فالذين يصدقون بلقاء الله عز وجل يحكمهم منهج الله.

التفريط في الدين

التفريط في الدين إن الله تبارك وتعالى أكرمك بأن جعلك وليه، وتولى تبارك وتعالى تسديدك وتوفيقك وتوجيهك في كل جزئية من جزئيات حياتك، حتى علمك في الشريعة أن تأكل بيمينك، يقول النبي صلى الله عليه وسلم للغلام: (يا غلام - عمرو بن سلمة - سَمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك) ثلاث كلمات فيها آداب الطعام كله، أولاً: سم الله؛ لأن معنى اسم الله أولاً: حجز للشيطان أن يأكل معك، ثانياً: ذكر الله، تذكر الله باسمه، وأن هذه النعمة من الله. ثانياً: كل بيمينك تخصيص؛ لأن الأجهزة يمين وشمال وكل واحد له وظيفة، يمينك غير شمالك، شمالك لها وظيفة في التنظيف والاستنجاء وإزالة القذر منك، يمينك لها وظيفة في مدها إلى الرجال، وأكل الطعام، والتصدق بها في كل عمل طيب، اليمين هذه تستخدم في أكل الطعام، لكن غير هذا النهج كان يمينك مع شمالك، وشمالك مع يمينك، مرة تأكل بالشمال ومرة باليمين، ومرة تضع يمينك في عورتك، ومرة تضعها في فمك، من يعلمك أن هذه حلال وأن هذه حرام؟ كثير من الكفار الآن يغسل عورته بيمينه، وإذا جاء يأكل يأكل بيمينه وقد غسلها، صحيح ليس فيها قذارات، لكن تستقذر معنوياً أن تضع شيئاً في عورتك وبعدها في فمك، ولو عقمته وغسلته لكنه مستقذر، فالإسلام جاء لينظم حياتك في كل جزئية من جزئياتك حتى في هذه الحالة. ثالثاً: وكل مما يليك، أدب إسلامي، لا تكن شرهاً فتقتحم على الآخرين طعامهم، تنظر في اللحمة التي عند ذاك، وتنظر في الشيء الذي من هناك، وتمد يدك إليها، هذه قسمة من ربي، اجلس عند أي صحن، واجلس على أي لحمة؛ لأن بعضهم منذ أن يدخل على السفرة ينظر أين اللحم الجيد، ويقعد بعضهم هنا، يقال له: تعال هنا، قال: أريد هنا، هذا (جيولوجي) يعرف مكان اللحم الجيد والأرز الجيد، لا يصلح يا أخي! اجلس في أي مكان، وبعد ذلك هب أنك أكلت لحمة جيدة، وذاك هناك ما رأى إلا شحمة أو عظمة أو رأساً أو كرشة وشبعت ماذا سوف يطلع لك أنت بعد ذلك، هل اللحمة تكون في ظهرك سنام؟ أو هل ستصبح سميناً؟ والله الذي يأكل لحمة والذي يأكل الفول كلهم سواء، وبعد ذلك الذي يخرج منك مثل الذي يخرج من ذاك، ما تكون أنت ذهب أصلي وذاك ليس بأصلي. اعلم أن هذه الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، فالإسلام يقول: وكل مما يليك، كل مما قسم الله لك، وارض بما قسم الله لك، إن كان طيباً فحظك، وإن كان قليلاً فحظك، وهذا أدب من آداب الإسلام. أي تكريم أيها الإخوة أعظم من هذا التكريم، أن يتولى الله تبارك وتعالى بنفسه عز وجل توجيهك في مثل هذه الأمور، حتى كيف تدخل الخلاء وكيف تقضي حاجتك؟ جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أنك تدخل بالشمال، وتستعيذ بالله من الشيطان، ومن الرجس النجس ومن الخبث والخبائث، وتسمي الله ثم تدخل، وحين تنتهي تخرج وقد أخرج الله منك الأذى، فلو بقي الأذى فيك، فمن يخارجك منه؟ احمد الله أن الله أذهب عنك أذاك وأبقى لك ما ينفعك، وخلصك من هذه القذارات التي تحملها -أيها الإنسان- وتستغفر الله لأنك جلست فترة من الوقت لم تذكر الله داخل الحمام، فتخرج وتقول: غفرانك، ورد في الحديث أنه إذا خرج يقدم رجله اليمنى ويقول: (الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني، غفرانك) غفرانك يا رب من اللحظات التي قضيتها في الحمام ولم أذكرك فيها؛ لأنه ممنوع أن تذكر الله في الحمام. ما ظنكم فيمن حياته كلها مثل الحمام، لا يذكر الله من الصباح إلى الليل، إذا كنت تستغفر من جلوسك في الحمام دقيقتين أو ثلاثاً؛ لأنك لم تذكر الله، فكيف بمن يقضي يومه وليله وشهره وسنته لا يذكر الله، ولا يعرف الله عز وجل، هذا مسكين، عبد وولي الشيطان، اتخذه ولياً من دون الله؛ فالشيطان إذا وجد ولياً من أوليائه يشغله، يعدهم المواعيد ويمنيهم الأماني ولكن: {وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً} [النساء:120] يركب على ظهورهم، ويتنقل على رقابهم، ويقضي حاجته عليهم، ويؤزهم {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} [مريم:83] ترجه رجاً {فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً} [مريم:84] هي أيام وليالي ثم يجدون جزاء أعمالهم عند الله تبارك وتعالى. يقول الله: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ} [الأنعام:31] من المكذب بلقاء الله؟ الذي لا يعمل الواجبات ولا ينتهي عن المحرمات، ويرتكب المحرمات ويترك المأمورات هذا مكذب بلقاء الله، ولو قال إنه مصدق فلا نصدقه؛ لأن الله عز وجل قد كذبه، الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم قال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:8 - 9] وقال: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً * إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً * لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً} [الفرقان:8 - 14] {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ} [الأنعام:31] الساعة المقصودة هنا ساعة الموت، يعني: لكل واحد منا ساعة معلومة عند الله مجهولة عندنا، إلزامية إجبارية، وإذا جاءتهم الساعة أتتكم بغتة، لا بموعد. فكل البشر لا يعرف أحد منهم متى يموت، يقول الله عز وجل: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:34] بالعلم بالمال بالجاه أريد أن أعرف أريد أن أطمئن! أنا الآن قلق لا أدري متى أموت، وأريد أن أدري متى أموت؛ من أجل أن أنام وأرتاح وقبلها بأسبوع أو بأسبوعين أتجهز وأصلي، لكن لا يدري أحد، حتى الأنبياء! حتى الأولياء والصالحون! ليس هناك شخص يَسلم، من أجل أن تبقى دائماً مستعداً محزماً فراشك على ظهرك من حين يدعوك الداعي وإذا بك إلى الجنة، أما أن تنام وما تدري متى يدعوك الداعي تقول: آه اصبروا، دعوني أصلي وأصوم، لعلي أعمل، قالوا: لا. فات الأوان ما صليت ستين سنة وأنت قاعد وتريد أن تصلي الآن، ماذا غرك من قبل؟ وما الذي ضيعك عن دينك من قبل؟ قال الله عز وجل: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون:99] لماذا؟ قال: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:100] قال الله: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100]. {حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً} [الأنعام:31] الله أكبر! ماذا يحصل للإنسان من اليقين عند الموت؟ تنكشف الحجب، وتزول الحواجز، ويرى الأمر رأي العين كما أراكم الآن وتروني، يقول عليه الصلاة والسلام: (والذي نفس محمد ٍ بيده إن أحدكم ليرى منزله من الجنة أو النار وهو في بيت أهله) لا يزال على السرير فينظر الجنة أو هناك أمامه، فيحصل عنده يقين لو قسم على الدنيا لكفى، لكن لا ينفع.

التفريط في جنب الله

التفريط في جنب الله =6000819>حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً} [الأنعام:31] وقد كذبوا بلقاء الله، وضيعوا فرائض الله، وانتهكوا محارم الله {قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} [الأنعام:31] تتقطع قلوبهم حسرات وتذوب أفئدتهم في أجوافهم ندماً على ضياع فرصة العمر، فرصة وحيدة ليس هناك غيرها، كل خسارة غير خسارة الإيمان والدين هينة، أما هذه الفرصة التي لا تعوض والخسارة التي ليس فيها ربح أبداً {يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} [الأنعام:31]. والتفريط هو: تضييع الشيء لغير حساب، يعني: معك مسبحة ثم انقطعت وتطايرت حباتها وضاعت، ماذا تقول؟ تقول: انفرطت علي، تقطع واحدة وتذهب منك عشر، هذا المفرط فرط في دينه، فضاع عليه إيمانه وعقيدته، وإخلاصه، وعبادته، فهو مفرط في كل شيء، تحاول أن تجمع له من هنا وهنا فلا تجد شيئاً، لماذا؟ لأنه منفرط عليه أمره {وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28] قال عز وجل إنهم يقولون: {يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا} [الأنعام:31]. ثم ليتهم جاءوا وليس عليهم شيء، بل أتوا بالمعاصي فوق ظهورهم، قال عز وجل: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ} [الأنعام:31] طول حياته بارك للمعاصي مثل (صبيح) المعاصي؛ تعرفون (الصبيح) عند أهل البادية الصبيح يعني: الثور، يقولون في المثل: (ما غبر صبيح فعلى قرنه)، يأتي الثور ويركز قرنه في الطين وبعد ذلك يرفعه إلى أعلى يظن أنه يرش التراب وهو يرش قرنه على رقبته، ثم يردها بعد ذلك ويخرج وهو ممتلئ غباراً، من أين؟ من قرنه، كذلك صبيح المعاصي الذي غبر على نفسه، ويحمل على ظهرك، تنظر إلى الحرام معصية سجلت عليك، سمعت أغاني، تكلمت بالزور، كل شيء عليك، بالعكس غضيت بصرك، صنت سمعك، تكلمت بالخير، أديت الفريضة لك، إما لك وإما عليك قال عز وجل يوم القيامة: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [الأنعام:31] ساءت حياتهم، ومصيرهم، وأوزارهم، وأحمالهم، بماذا أتيت؟ ماذا غنمت من هذه الحياة؟ قال: عندي عشرة ملايين، قالوا: أين هي؟ قال: وراء {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ} [النبأ:40] قالوا: ابحث عنها، الذي وراء لا نريده، عندك شيء هنا؟ عندي عمارات، قالوا: أين هي؟ قال: وراء، قالوا: ابعث لها وراء، ماذا عندك الآن؟ عندي منصب، جاه، أولاد، قالوا: هذه كلها هناك نفعتك، يوم كنت حياً نفعك المال ونفعك الأولاد ونفعك المنصب، لكن يوم مت ما أحد دخل معك في القبر، ولا وضعوا معك رصيداً، أو كرسيك أو الدجلة أو الثوب في القبر، من وضعوا معك في القبر؟ وضعوا معك أوزارك وعملك وما اقترفت من المعاصي، فتحملها فوق ظهرك {أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [الأنعام:31]. هل عندك صلاة؟ أو صيام أو حج أو عمرة أو تلاوة أو أمر بالمعروف أو نهي عن منكر أو حب في الله أو بغض لله أو طلب علم؟ هذا ما ينفعك يوم القيامة، هل عندك ترك للحرام؟ هذا ينفعك، لكن ما عندك من هذا شيء، ما عندك إلا الذنوب قال عز وجل: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُون} [الأنعام:31] نعوذ بالله وإياكم من هذا النداء، (ألا) هنا أداة استهلال وتنبيه أنه ساء حملهم وساءت معاصيهم عند الله يوم خرجوا من الدنيا متوجين بغضب الله ولعنته والعياذ بالله.

الاستمرار في العيش على الباطل

الاستمرار في العيش على الباطل ومظاهر الخسارة وصور الخسران كثيرة، فإن المبطلين يوم القيامة يخسرون، قال عز وجل: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ} [الجاثية:27] والدنيا ليس فيها إلا رجلان: رجل محق، ورجل مبطل، فالمحق من عاش على الحق ممثلاً في كتاب الله وسنة رسوله، والمبطل من عاش على الباطل ممثلاً في مناهج الشياطين والفسقة والمنافقين، فيوم القيامة ينجح أهل الحق ويزحزحون عن النيران ويدخلون الجنة، ويخسر المبطلون: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ * وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ * وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنَّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ * وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الجاثية:27 - 33] نعوذ بالله وإياكم من الخسارة، فالخسران للمبطل، وأنت أعرف بنفسك؛ لأنه واضح. أيها الإخوة: لا يقول شخص: والله ما أعلم أنا محق أو مبطل، لا. الباطل واضح والحق واضح، والذي على الحق يعرف، والذي على الباطل يعرف، ممثل فيك كل تصرف من تصرفاتك، من نظرك، وسمعك، ولسانك، ويدك، ورجلك، وفرجك، وبيتك، وتعاملك مع زوجتك، وتربيتك لأولادك، ومشاهداتك، وأفلامك، وشريطك، وكتابك، وزملائك، وأسلوب حياتك تعرف أنك على باطل أو على حق، فالذي على حق يكون مصبوغاً بصبغة الإيمان، والذي على باطل يكون على باطل، والذي عمله مخلوط، فهذا لا يصلح، أنت الآن عندما تقدم لك زوجتك طعاماً مخلوطاً من رز، وإدام. ومحلبية وتفاح وبرتقال وخضرة، ثم ذهبت إلى المطبخ وخلطتها كلها (عباس على دباس) وأعطتك إياها في السفرة هل تستطيع أن تأكل؟ تقول: (الله أكبر عليك) لماذا جعلتِها هكذا؟ لماذا لم تجعلي كل شيء لوحده؟ قالت: لأنه يختلط في البطن وأنا أخلطه أمامك، تقول: لا. أريد، أخلطه أنا بنفسي في بطني بعدما أمضغه في فمي، وكذلك: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} [التوبة:102]. لماذا تقعد تحت عسى؟! يمكن أن يأخذك الله ثم لا تصبر على جمرة في النار؛ لأن بعض الناس يقول: أنا والحمد لله أحتفظ بالإيمان، وبالعقيدة وبالتوحيد وأقيم أركان الإسلام، وإذا كنت مقصراً فالمعاصي هذه لا تضر، وهي تحت رحمة الله في الدار الآخرة إن شاء عذب بها وإن شاء غفرها، وهذا صحيح، ولكن لماذا تجعل نفسك تحت المشيئة؟ لماذا تقعد تحت الخطر؟ لم لا تمشي في الأمان؟ الأمان أنك تمشي صح (100%)، وإذا زلّت بك القدم تتوب إلى الله عز وجل، أما أن تقعد في المعاصي تحت خطر المشيئة هذا خطر، افرض أنك أتيت يوم القيامة والله لم يغفر لك، أخذك بالحساب وحاسبك على النظرة: (من ملأ عينيه من الحرام ملأهما الله من نار جهنم) (من استمع إلى مغنّ أو مغنية صب الله في أذنيه الرصاص المذاب) إذا عامل بالربا: (الربا بضعٌ وسبعون باباً أدناه ذنباً كأن ينكح الرجل أمه) (درهم تأخذه من الربا أعظم من ست وثلاثين زنية في الإسلام) (شاهد الزور لا تزول قدمه من مجلس الحكم حتى تجب له النار) اليمين الغموس تحلف بالله كاذباً لازم غمسة في جهنم، اسمها غموس؛ لأنها تغمسك في النار، الغيبة في مجالسنا، وهي تحويل حسناتك إلى الآخرين، وتحويل سيئاتهم على ظهرك، أنت تصلي لهم وهم يعصون لك، الآن الذين تغتابهم هم يعصون الله لكن في ظهرك؛ لأنك تغتابهم وتأخذ سيئاتهم، وأنت تصلي وتصوم لكن لهم؛ لأنك تغتابهم وتحول حسناتك لهم، فلماذا تعطي الناس حسناتك وتأخذ سيئاتهم؟ اجعل سيئاتهم لهم وحسناتك لك، واشتغل بعيوب نفسك، عيوبك أكثر من عيوب الناس، وإذا بدأت تطلع على عيوب الناس، فاعلم أن عيوبك أكثر وأنت أعمى لا تراها: لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسن وعينك إن أبدت إليك معايباً فصنها وقل: يا عين للناس أعين لا تتصور أن الناس ما ينظرون الذي عندك؛ لأن اشتغالك بعيب غيرك ينسيك عيب نفسك، أما اشتغالك بعيب نفسك يجعلك تصلحها باستمرار، ولكن إذا نسيت نفسك، وبدأت تشتغل بالآخرين ضيعت نفسك في الدنيا والآخرة -والعياذ بالله- فالمبطل مبطل والمحق محق {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ} [الجاثية:27].

عدم الإكثار من الأعمال الصالحة

عدم الإكثار من الأعمال الصالحة هناك صور للخسارة وهي: خسارة نقص الأعمال؛ لأن الأعمال يوم القيامة هي الموازين، فالله عز وجل ينصب موازين تزن وترجح بالخردلة، يقول الله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:40] {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47] وبعد ذلك يصير ترجيح في الأعمال {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [المؤمنون:102] وخفت سيئاته، وثقلت موازين أعماله، قال عز وجل: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} [المؤمنون:102 - 103] جاء بكفة ميزانه في السيئات كثيرة جداً حتى طاشت الكفة الأخرى كفة الحسنات ورجحت كفة السيئات قال: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:103 - 108] تنتهي المراجعات عند هذه الكلمة، فلا ينبس أحدهم ببنت شفة، وما هو إلا الشهيق والزفير، لماذا؟ قال عز وجل: {اخْسَئوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108] نعوذ بالله من عذاب الله عز وجل.

تضييع العلم وعدم العمل به والدعوة إليه

تضييع العلم وعدم العمل به والدعوة إليه من صور الخسران يوم القيامة ما ذكره الله في سورة العصر؛ وسورة العصر هذه من أعظم السور في القرآن الكريم، يقول فيها الإمام الشافعي: لو لم ينزل الله على الخلق حجة إلا هذه السورة لكفتهم. وهي قوله عز وجل: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:1 - 2] يقسم الله بالعصر وهو الدهر والزمن، ولله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته، وليس للعبد أن يقسم إلا بالله وحده، أما الله فيقسم بما شاء، يقسم بالليل فقال: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل:1] ويقسم بالنهار قال: {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل:2] ويقسم بالشمس قال: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس:1] ويقسم بالقمر قال: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا} [الشمس:2] ويقسم بالعصر، ويقسم بالقيامة، ويقسم بكل شيء؛ لأنه خلقه فمن حقه أن يقسم بما شاء، أما أنت فليس من حقك أن تقسم إلا بالله (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله) فالله يقسم بالعصر قسماً، والمقسم عليه الإنسان أنت وأنا وكل من على وجه البسيطة، والألف واللام هنا للجنس، أن جنس الإنسان لفي خسر، أنا في خسر، وأنت في خسر، وكل من على وجه الأرض في خسر، إلا من توفرت فيه أربع صفات: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] فهؤلاء ليسوا بخاسرين، وقد استخرج منها شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أربع قواعد مفيدة درسناها في الابتدائي بعنوان: اعلم رحمك الله أنه يجب على كل مسلمٍ ومسلمة تعلم أربع مسائل: العلم. العمل به. الدعوة إليه. الصبر على الأذى فيه. أخذ هذه الأربع من الآية نفسها، العلم من الإيمان، والعمل من العمل الصالح، والدعوة من تواصوا بالحق، والصبر من و (تواصوا بالصبر)، هذا الذي آمن وأيقن ثم ترجم هذا الإيمان في عمل وصدق لا إيمان وعمل باطل، إيمان والدخان في الجيب، واللحية محلوقة، والأغاني عند رأسه، ويقول: مؤمن، مؤمن بالباطل! ما آمنت بالحق، مؤمن ولا يصلي في المسجد، وزوجته متبرجة، وينظر إلى الحرام، ويأكل الحرام: (إلا الذين آمنوا) ثم ماذا؟ (وعملوا الصالحات) هناك تلازم -أيها الإخوة- بين الإيمان والعمل، ليس هناك انفصال، والذي يدعي أنه مؤمن بغير عمل كذاب، لا بد من أن تصدق إيمانك؛ لأن الإيمان كلام، والكلام سهل، ولهذا قال الله عز وجل: {مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} [المائدة:41] لأن الإيمان إذا كان من اللسان لا يتجاوز إلى العمل، ولهذا بعض الشباب الذين يلتزمون وكانوا من قبل مؤمنين لكن منذ أن حصلت القناعة في قلبه قال: التزمت ما معنى التزمت؟ يعني: دخل اليقين في قلبي وأقنعني أنه ما في الدنيا طريق إلا طريق الدين، هذا أنا أمسك فيه التزمت وتمسكت، ولما التزمت كان المغني يغني وحين أسمعه قال: لا أريد، لماذا؟ قال: حرام، رغم أنه شاب وعنده دافع، وشهوة، ومثل ما عند ذاك الذي يغني ويقطع قلبه الأغاني، لكن حب الله أعظم من الأغاني، كان ينظر إلى الحرام وعندما التزم حين يرى امرأة مباشرة يغض بصره، كان يأكل الربا والآن لو يموت جوعاً ما يعمل بالربا، أو يعمل في مكان فيه ربا، أو يأكل ربا، كان يعتدي على لحيته وكان يخجل من أن يطيل لحيته، وإذا به يتركها قال: أقعد بلحيتي بين الناس يقولون لي: خبث، الآن يربي لحيته وإذا أحد قال له شيئاً قال: هذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم أفخر بها، إذا فخر الناس باتباع الشياطين، فأنا أفخر باتباع أفضل الخلق أجمعين عليه صلوات الله وسلامه، القضية ما هي قضية شعر -أيها الإخوة- قضية انتماء، وحب، وفخر واعتزاز بهذا النبي الذي أمرنا بهذه السنة، فنحن نبقيها بوجوهنا لا (ديكوراً) ولا شكلاً ولا جمالاً، وإنما اتباعاً لهدي النبي صلوات الله وسلامه عليه، هذا الملتزم الذي التزم بدين الله حصل عنده القناعة، هذا معنى العمل {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} [العصر:3] خرجوا من نطاق النفس إلى دائرة المجتمع القريب وهم الأهل، والبعيد وهو المجتمع كله، وبدأ يتواصى بالحق وينصح، يلقى هذا فينصحه ويجلس مع هذا فينصحه، ويجلس مع ذاك فيقول له: لماذا؟ يريد أن ينجح ويخرج من هذه الخسارة. وتواصوا بعدها بالصبر؛ الصبر على ماذا؟ أول شيء الصبر على المدعو، لا تتصور أن تدعوه وأنه مباشرة سيجيبك، لا. قد يرفض هنا برئت ذمتك فاصبر، يقول الله: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} [الأحقاف:35] الهداية بيد الله، تدعو الإنسان مرة ومرتين وعشراً وعشرين ومائة ولا يهديه الله؛ لأن الهادي هو الله ليست أنت، ولكن إذا أذن الله بالهداية كنت أنت السبب فيه، أما أنك تريد أن تدعو وهو يستجيب على الفور فهذا لا يكون. إن الله عز وجل له حكمته وهو أعلم بمن يهدي، يقول الله: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56] ويقول: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [النحل:37] الهداية ليست بيدك، عليك الدلالة والإرشاد، ولهذا تحتاج إلى صبر، ومن الناس من ليس عنده صبر، عنده زميل في المكتب وما عنده صبر عليه، ولهذا دعاه أول يوم وثاني يوم وثالث يوم وبعد ذلك ما صبر عليه، بعد ذلك ضاقت نفسه منه وقطعه وهجره وحوله إلى عدو له، هذه ليست دعوة، يا أخي! متى تحوله إلى عدو؟ إذا هو عاداك، أما إذا نصحته وقال: طيب جزاك الله خيراً، برئت ذمتك، واصبر مدة وذكره وأعطه موضوعاً آخر، لكن متى تهجره؟ إذا قلت له: يا أخي! هذا أمر، قال: اسكت لا أمر ولا نهي ولا تكلمني في هذا الموضوع، وأمر الدين هذا لا تناقش فيه، هذا عدو لله مباشرة تقطع علاقتك معه؛ لأن الله عز وجل يقول عن إبراهيم: {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:4] أما ما دام يستجيب منك ويأخذ كلامك ويقول: جزاك الله خيراً، ووفقنا الله وإياك، وهدانا الله كما هداكم، استمر واصبر، وما هو شرط في هذه السنة الهداية، بعض الناس ما اهتدى إلا بعد سنوات طويلة، وبعد ذلك أنت تضرب، وهذا الضرب في هذا المكان له أثر، ولكن متى يكون المؤثر به؟ بعد ذلك بعلم الله تبارك وتعالى، فلا بد من الصبر ولذا الداعية الذي لا يصبر لا ينجح، شج وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وضرب وأدميت عقبيه الشريفة، وكسرت رباعيته، وذهب إلى أهل الطائف فطردوه، ورجع وفي الطريق قال له ملك الجبال: (إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين) لو كان مستعجلاً لقال: نعم. دمرهم، لكن قال: (إني أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده) نظرة بعيدة، أمل عريض في دين الله، يقول: إذا هؤلاء قد قسيت رءوسهم فإن أملي في الله أن يبقوا أحياء؛ حتى يخرج من أصلابهم من يعبد الله، وهذا الآن حاصل، كثير من كبار السن الذين تربوا قديماً في أيام الجفوة يخرج الآن من أصلابهم شباب الصحوة، من البيوت الجاهلية الآن هناك شباب مسلمون طيبون، والآن كانت المعارك في الماضي تدور بين الأولاد والآباء الأب يريد الدين والابن لا يريد الدين، الآن المعارك بين الآباء والأولاد، الولد يريد الدين والوالد لا يريده، بعض الآباء لا يريد الدين بالمرة، وبعضهم يريد بعض الدين، يقول: لا. مرة هب لنا على كيفنا، يعني: فصل لنا دين على قدرنا، نصلي لكن نغني، حجاب على البعيدين لكن أما الأقارب أخوك وولد عمك لا تغير علينا يا ولدي، سفرة هنا وسفرة هنا وكلما دخلت أقعد هنا وأقعد هنا، يعني: تغيير هذا! دين الله تغيير، شريعة الله تضييق عليك، الله أكبر! كيف تضيق نفسك من أمر الله، والله إذا ضاقت نفسك من أمر الله ما آمنت، يقول الله: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء:65] هل حكمت شريعة الله في الحجاب؟ صعب عليك أنك تضع صحن أرز للنساء وصحن أرز للرجال، صعب هذا على أمر الله!! لكن يريدون ديناً مفصلاً مهذباً على هواهم، هذا ما يصلح لا بد من أخذ الدين جملة واحدة، ولا بد من الصبر، وهذه الأربع يسميها بعض العلماء: إطارات عربة النجاة، النجاة لا تكون إلا على عربة لها أربع إطارات: الإطار الأول: (إلا الذين آمنوا). الإطار الثاني: (وعملوا الصالحات). الإطار الثالث: (وتواصوا بالحق). الإطار الرابع: (وتواصوا بالصبر). الذي يمشي هكذا هو الرابح، لكن إذا أنقص إطاراً لا يستقيم، عنده إيمان لكن ما عنده عمل صالح، عنده إيمان وعمل صالح لكن ما يدعو إلى الله، ولا يحب في الله، ولا يصبر على طاعة الله، يمشي بنصف عربة النجاة لكن يمشي على فلان ما ينفع لا بد أن تمشي بعربتك الإيمانية على أربعة إطارات من الإيمان، والعمل الصالح، والدعوة إلى الله، والصبر على الأذى في الله؛ لأن لقمان يقول لابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان:17] تغيير عادات ومألوفات الناس لا يقابل باستحسانٍ منك، شيء ألفه الناس ما يقابلونه باستحسان، لا بد يغيرون عليك ويرفضونه ويعيبون كلامك، ويقفون في وجهك، منهم زوجتك وحليلتك لما تأتي وتقول لها: تحجبي وهي طول حياتها ما عرفت الحجاب ما تقول: شكراً، بل تقول: لماذا هذا؟ يعني: ما تثق فيَّ، القضية ما هي قضية ثقة، لو أني ما أثق فيك ما كنت زوجة لي، أثق فيك لكن هذا أمر ربي، الآن شخص نقول له: صلِّ، قال: ماذا يعني: ما تثقون أني مؤمن، أنا مؤمن ولو ما صليت. جاء رمضان ودخل رمضان وجاء شخص في الظهر

الإشراك بالله وابتغاء منهج غير الإسلام

الإشراك بالله وابتغاء منهج غير الإسلام وهناك مظهر من مظاهر الخسارة وهو: أن يبتغي الإنسان منهجاً أو ديناً في هذه الدنيا غير الإسلام قال عز وجل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85]. ومن مظاهر الخسران العظيم وأختم به المجلس هو: الشرك بالله؛ خسارة ليس بعدها ربح، كل خسارة في المعاصي تتعوض بالتوبة أو بالمغفرة أو بالتهذيب أو بالتنقية في النار، أما الشرك فلا يغفره الله إلا إذا تاب الإنسان منه قبل الموت؛ وإذا مات مشركاً فإن الله قد حكم على أهله بالخسارة، قال عز وجل: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65] سبحان الله! أوحي إلى الرسول وإلى الذين من قبله من الرسل شريعة عامة من أول الرسل إلى آخرهم محمد، أوحي إليهم فبلغوا ونبهوا وأكد عليهم وكرر عليهم أن الشرك عظيم، وأنه إذا أشرك الرجل ولو كان نبياً {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65].

حقيقة الخسارة ومفهومها

حقيقة الخسارة ومفهومها فهذه مظاهر الخسارة التي تحصل للإنسان إذا ابتعد عن دين الله عز وجل، أما ما هي الخسارة؟ فسوف أتحدث عنها إن شاء الله باختصار. بغير الدين تكون خسارة الدنيا؛ قلق واضطراب وحيرة وضيق وهم وأمراض خذ ما شئت في الدنيا، وعند الموت يخرج خاسراً لا يستطيع أن يقول: لا إله إلا الله، نعم إذا خرج من الدنيا ما يقدر يقول: لا إله إلا الله. هذا خسران؛ لأن علامات حسن الخاتمة أن يقول الشخص: لا إله إلا الله، وعلامات سوء الخاتمة ألا يقول: لا إله إلا الله، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه في الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) وهذه لا أحد يستطيع أن يقولها إلا الذين عاشوا عليها، من صبغ حياته بلا إله إلا الله، وعجن نفسه حتى صارت لا إله إلا الله تسير في عروقه وتتردد مع أنفاسه، وعينه محكومة بلا إله إلا الله، وأذنه ويده محكومة بلا إله إلا الله، ولا إله إلا الله تهيمن عليه، عند الموت يقول: لا إله إلا الله، ما يحتاج من يذكره، لماذا؟ أصبحت لا إله إلا الله متكاملة فيه، لكن من عاش على غير لا إله إلا الله فإنه لا يستطيع أن يقولها عند الموت، وإذا خرج بغير لا إله إلا الله هذه علامة سوء الخاتمة والعياذ بالله. كثير من الناس يموتون ويلهمون لا إله إلا الله، وقد أخبرني رجل من إخواننا في الله عن رجلٍ صالح مات وهو مؤذن كان يشتغل مؤذناً وحصلت له وعكة، وأصيب بغيبوبة وفقد شعوره أسبوعاً كاملاً، لا يعرف ليلاً ولا نهاراً ولا صلاة ولا شيئاً، يقول ولده: وكنت عند رأسه أشرف على تمريضه، وبعد منتصف الليل وأنا نائم عنده وهو في الغيبوبة، ولا يأكل ولا يشرب حتى أذاه لا يعرف ما يخرج منه، يقول: وإذا به يوقظني وجلس واستقبل القبلة وقال: أشهد أن لا إله إلا الله ثم وضع جنبه على الأرض ومات، ختم له بخير، من الذي علمه؟ من الذي ثبته؟ من الذي لقنه؟ هذا عمله ثبته هنا ليخرج متوجاً بلا إله إلا الله، يخرج يحمل بطاقة ورخصة مرور إلى الجنة اسمها لا إله إلا الله، جواز سفر يقدمه لرضوان ويدخل الجنة، هذا الجواز الذي ينفع. وناس ما قالوا لا إله إلا الله، شخص يخبرني عن رجل كان يبيع ويشتري في العقارات، ولكن بغير الطريق الشرعي، وإلا فالبيع والشراء في العقار ليس فيه شيء إذا راعى الإنسان أوامر الشرع وخاف الله، صدق وبين ولا دلس على أحد ولا كذب، أما إذا خان فقد غدر والله لا يهدي كيد الخائنين، كان هذا الرجل -والعياذ بالله- سيئ في معاملاته، ولم يكن يراعي أمر الله، كان يضيع صلاته ودينه من أجل العقار، ولما جاءه الموت قالوا له: قل لا إله إلا الله! قال: على شارعين، ما يعرف لا إله إلا الله، يعرف أرضية على شارعين، قالوا: قل لا إله إلا الله قال: رخصة بلدية، ومات على شارعين جهة على جهنم وجهة على لظى، لماذا؟ لأنه عاش عليها، ومن عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه. رجل كان يعمل في حراج السيارات، وطوال الليل وهو يصيح على الميكرفون، ولما جاءه الموت قالوا: قل لا إله إلا الله قال: (خربان تربان)، قل لا إله إلا الله قال: (سكر في موية كومة حديد)، ومات. وشخص كان يغني ومات وهو في السيارة، وعصر (الدركسون) بطنه ومات وكان يغني مع المغنية، وأتوا عليه ميتاً ومنتكساً وفي آخر لفظ من حياته والمسجل شغال على الأغنية وهو يردد بعدها ويقول: (هل رأى الحب سكارى مثلنا)، يغنى مع (أم كل شوم) (هل رأى الحب سكارى مثلنا)، لا والله ما رأى أفشل منك، نعم الآن كمل السكرة هناك لا حول ولا قوة إلا بالله. من الآيات التي تلوتها في المحاضرة في سورة المجادلة قوله عز وجل: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ * اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة:18 - 19]. ومن سورة الفرقان يقول عز وجل: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} [الفرقان:12] الله أكبر! تشهق وفي الحديث: (والذي نفس محمدٍ بيده! إن النار لتشهق على صاحبها كما تشهق البغلة على الشعير) تغيظاً وزفيراً عليه {وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً * إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ} [الفرقان:11 - 13] نار وضيق، نعوذ بالله من النار والضيق، ومقرنين يقرنون في الأصفاد كما تقرن البقرة في الأضماد في يديها مع رجليها ورقبتها {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً * لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً} [الفرقان:13 - 14]. خسارة عند الخروج من الدنيا حين يخرج ولا يقول: لا إله إلا الله، والله عيب أن تعيش -يا أخي- ستين أو سبعين سنة وتخرج من الدنيا وليس معك من الدنيا حتى لا إله إلا الله، أين تضعها؟ تسجلها في ورقة من أجل أن يلقنونك إياها عند الموت؟ تضعها في مسجل؟ ليس لك إلا أن تثبت عليها من الآن، تثبت عليها يثبتك الله عليها؛ لأن الله يقول: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [إبراهيم:27] يعني الآن {وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم:27] يعني في القبر، حينما تسأل في قبرك من ربك؟ ومن دينك؟ وما نبيك؟ فتقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد. تثبيت، من يثبت الله؟ الذين آمنوا {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} [إبراهيم:27] يضله الله عن لا إله إلا الله ما يقولها؛ حتى أن شخصاً مدخناً قالوا له: قل لا إله إلا الله، قال: أعطوني دخاناً! يريد أن يكيف حتى في القبر، لا يوجد دخان لا يوجد إلا عذاب الآن، قل لا إله إلا الله، قال: والله ما أقولها أنا بريء منها، ثقلت على لسانه وما استطاع أن يقول لا إله إلا الله، مصيبة وخسارة {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] وفي القبر يضله الله فلا يقول ربي الله، يقول: هاه لا أعلم. وفي القبر ربح لأهل الإيمان، يكون قبرك روضة من رياض الجنة، يُفتح لك باب من عند رأسك إلى الجنة وأرجلك إلى الجنة، وعن يمينك ويسارك إلى الجنة، ويأتيك من روحها وطيبها ونعيمها، ويأتيك عملك على أحسن هيئة ويقول: أبشر بالذي يسرك، قال: من أنت فوجهك الذي يأتي بالخير، قال: أنا عملك الصالح حفظتني فحفظك الله، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين. وبعد ذلك يوم القيامة تبعث من قبرك لا خوف عليك؛ لأنك ناجح ورابح، يقول الله عز وجل: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185]. ويظلك الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، وتشرب من حوض النبي شربة لا تظمأ بعدها أبداً، ينقطع الظمأ عند تلك الشربة وتأخذ كتابك بيمينك، ثم توزن فيرجح ميزانك ثم يقال لك: ادخل الجنة {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:70 - 71] هذا فوز عظيم في كل مراحل الحياة في الدنيا، والموت، والقبر، وعرصات القيامة، والجنة دار السعداء -نسأل الله من فضله- التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، أما بغير الإيمان وبغير الدين خسارة في الدنيا ولو معك مال فهي خسارة، وخسارة في الدنيا ولو معك منصب وعندك دنيا وكل شيء لكن لا يوجد الدين خسارة، تخسر الأمن، والراحة القلبية، وتعيش في قلق وفي حيرة واضطراب، ثم عند الموت تخرج وقد خسرت لا إله إلا الله، وفي القبر خسر البعيد من ربه وما دينه ومن نبيه، ويوم القيامة يخسر خسارة ما بعدها خسارة، يطرد عن الحوض طرداً، يأتي يريد أن يشرب فتذوده الملائكة بسياط من نار، اذهب لا تشرب من هنا، من زمهرير، من الغسلين، اشرب من الحميم والغساق، لماذا؟ لأنك كنت تشرب من المعاصي في الدنيا، ما كنت تشرب من السنة والقرآن والدين، كان مشربك معكراً خطأ من أوله إلى آخره، هناك {وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ} [الحاقة:36 - 37]. ويوزن فيخف ميزانه؛ لأنه تافه رخيص لا وزن له لا قيمة له، ماذا عند العاصي إلا المعاصي، لكن الطائع عنده وزن وعنده إيمان. وأيضاً يأخذ كتابه بشماله؛ لأنه كان يمشي خطأ، كان يمشي على الشمال، ما كان يمشي مع الله، ما كان يمشي بالاتجاه الصحيح، كان اتجاهه دائماً خطأ في خطأ، ولهذا يأخذ كتابه بشماله ويقول: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة:25 - 27] ثم بعد ذلك لا يظله الله في ظل عرشه، ويسحب على وجهه في النار -أعوذ بالله من النار- يسحب على وجهه يقول الله: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} [القمر:48]. هذا -أيها الإخوة- هو الخسران المبين، فلنراجع حساباتنا مع الله، ولنصحح أوضاعنا، ومن كان مذنباً فليستغفر.

فضائل شهر رمضان

فضائل شهر رمضان قد أظلنا -أيها الإخوة- شهر الرحمة والغفران، جاءنا شهر رمضان، اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان، بعد يوم أو يومين يدخل علينا رمضان، شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، شهر تفتح فيه أبواب الجنان فلا يغلق منها باب والحديث في الصحيحين، وتغلق فيه أبواب النيران فلا يفتح منها باب، وتغل فيه مردة الشياطين، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر. يغفر الله فيه للأولين والآخرين من أهل هذه القبلة، التائبين المنيبين المذنبين الراجعين إلى الله عز وجل، شهر عظيم يقول فيه النبي عليه الصلاة والسلام: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) هذا في البخاري ومسلم. وفي الصحيحين أيضاً: (من قام رمضان -يعني: التراويح والقيام- إيماناً -يعني: تصديقاً- واحتساباً -طلباً للمثوبة عند الله عز وجل- غفر الله له ما تقدم من ذنبه) تخرج من آخر رمضان مغسولاً كيوم ولدتك أمك ما بقي عليك ذنب واحد. في الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: (رغم أنف من أدرك رمضان ولم يغفر له) إذا لم يغفر لك في رمضان متى إذن يغفر لك؟!! الحسنة بعشر أمثالها إلى مائة إلى ألف حسنة، متى إذن يغفر لك؟ تغل فيه الشياطين ولا يوجد فيه شيطان، لا يوجد إلا شياطين الإنس، ولهذا الذي لا يهتدي في رمضان ليس معه قرين من الجن يضله هو نفسه شيطان؛ لأنه إضلال في غير رمضان عن طريق الوسواس، ولكن في رمضان الوسواس حقك مربوط هناك، ولكنك شيطان البعيد حتى في رمضان، ولذا ترون المؤمنين الذين حبست شياطينهم طيبين، فإذا جاء ليلة العيد فك الله الشياطين فجاء اليوم الثاني فلم يصل في المسجد، ركبه إبليس ورده ينام مع زوجته، فلا يصلي في المسجد، لماذا؟ ركب عليه كما كان يركبه في شعبان، لكن لما انحبس في رمضان جاء يصلي وجاء يقرأ القرآن، بدأ يذكر الله، وبدأ عنده خير، هذا خير لعل الله أن ينفعه به ويتوب عليه إذا واظب والتزم وواصل واستمر في عبادة الله عز وجل بعد رمضان كما كان في رمضان.

استغلال الفرص في الرجوع إلى الله

استغلال الفرص في الرجوع إلى الله أيها الإخوة! من رحمة الله أن أتاح الله لنا مثل هذه الفرص وأعطانا مثل هذه المناسبات من أجل أن نقبل عليه، ومن أجل أن نزداد ولهذا ينادي: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولكن وللأسف الشديد فقد فهم الناس من رمضان غير ما يريده الشرع منهم، فهموا أن رمضان شهر الأكل فقط، ولهذا من الآن يعددون الأكلات وكل امرأة تقدم لزوجها قائمة بيان (كرتون محلبية) و (كرتون موز)، و (كرتون لوز)، من كل شيء (كرتون)، وكم تأكلون؟ كم نأكل وجبات في رمضان؟ نأكل فيه وجبتين، فطور وسحور، وفي غير رمضان فطور وغداء وعشاء، إذن مصروفنا الذي في رمضان أقل من مصروفنا في غير رمضان، لكن بالعكس بدل ما تأكل وجبة فيها شكل أو شكلين لابد أن تكون عشرين شكلاً، يخرج من الصباح إلى الظهر يقضي الحاجات، وهي من الظهر إلى المغرب تطبخ، ولهذا بعض النساء ما تقرأ من القرآن آية واحدة لماذا؟ مشغولة بالطبخ، شهر تلاوة وعبادة وتراويح وقرآن وذكر، لا. حولناه شهر أكل و (دحس)، (يدحس) الشخص بطنه من المغرب إلى العشاء، ثم يقوم محملاً لا يستطيع أن يقوم، وبعد ذلك يريد أن يصلي التراويح، لا يستطيع لصلاة العشاء ويبدأ بالتراويح وإذا به يذم نفسه متى يصل ثم يبحث له عن إمام يصليها في أربع دقائق، وإذا لقي شخصاً يصلي صلاة جيدة قال والله: (أفتان أنت يا معاذ) هذا طول علينا، هذا نفر الناس من الصلاة، وإذا نظر شخص الله أكبر الله أكبر قال: (الله يذكره بالخير ذاك المطوع خفيف الدم، صلاته جيدة مثل الحلاوة) يعني: مثل (قدر الضغط) يطبخها ويرجع إليها بعد خمس دقائق، لا حول ولا قوة إلا بالله، لماذا؟ لأنه ما عرف من رمضان إلا الأكل، هو مستعجل من أجل أن يرجع (يدحس) الباقي ويملأ بطنه من المغرب إلى الفجر، ثم ينام من الفجر إلى العصر وقام من أجل أن يملأ، شغلته أكل فقط، أو يذهب إلى السوق المركزي ويأتي أو يذهب الأسواق ويأتي بفواكه ويحمل السيارات. سبحان الله!! الله شرع الصوم لنجوع أو لنأكل؟ شرعه لنجوع ولنحس بألم الجوع، ونعرف أن هناك من الفقراء من يعيشون جائعين صائمين طوال الزمان، فالله أمرنا أن نجوع شهراً من أجل أن تحرقنا بطوننا فنشعر بألم الجوع لمن يجوع طوال العام ونعطيه، ولهذا نقول: رمضان كريم، ما معنى كريم؟ يعني: أن نصير نحن كرماء، ليس كريم من أجل أن نأكل، تجده يجمع الأكل ماذا فيك؟ قال: يا هذا رمضان كريم دعنا نكون كرماء، وليس معنى هذا أنك ما تعطي أهلك، أعطهم ليس هناك بأس لكن بمقدار، ويأكلون أما أن تقضي على عشرة أشكال أو خمسة عشر شكلاً أو عشرين شكلاً ثم تأكل من كل شكل قليلاً والباقي يسكب في الزبالة هذا حرام يا عباد الله. كثير الآن يفتح الحبة البرتقال ويأكل جزءاً منها، ويفتح الموزة ويأكل رأسها، ويأكل تفاحة يأخذ منها حبة أو جزءاً منها، و (المحلبية) يأخذ له ملعقتين أو ثلاثاً والباقي يرميه، والعيش يكسره ويأخذ كسرة منه والباقي يرميه، والأرز يأكلون من طرفه والباقي يرمى به، كل شيء يرمونه لماذا؟! هذا هو الإسراف، إن الله غيور على النعمة -أيها الإخوان- إذا لم نرعها ونحاول أن نقلل ونقتصد في الطبخ والزايد نرسله لمن يجوع الآن من إخواننا المجاهدين في الأفغان وهذه رسالة من الشيخ المشرف على جمع التبرعات الشيخ/ محمود محمد باحاذق في جدة يطلب أن يحث الناس على هذا الإنفاق -أيها الإخوان- هناك من الأسر الفقيرة من إخوانكم الأفغان من يموتون جوعاً، بعض المجاهدين يبيع سلاحه من أجل أن يشتري لأولاده عيشاً، العيش الذي يأكلونه ليس مثل عيشكم، أنت لما تأتي إلى الفرن وتجد القرص موجوداً تقول: لا أريد هذا، لماذا؟ قال: أريد حاراً، هو حار وما تأكله إلا وقد برد، لكن من زيادة البطر، هذا لا أريده؛ لأنك أخرجته من قبل دقيقتين أريد واحداً حاراً، وبعد ذلك يبرد وآكله، حسناً هذا بارد كله من الآن قال: لا. هل تدرون ما هو طعام الإخوان هناك؟ أكياس من العيش الناشف له عدة شهور تأتي عندهم فيطحنونه على الماء ثم يأكلونه. تموت الأسد في الغابات جوعاً ولحم الضأن تأكله الكلاب نرمي لحم الضأن للكلاب عندنا والأسود يموتون جوعاً، فإنا الله وإنا إليه راجعون!

تعليم الناس وتذكيرهم بفضائل هذا الشهر وما يجب عليهم فيه

تعليم الناس وتذكيرهم بفضائل هذا الشهر وما يجب عليهم فيه فنريد -أيها الإخوة- أن نفهم زوجاتنا وأولادنا في بداية شهر رمضان لما تقدم لك كشف الحساب فإن قلت: نأتي بشربة فقل: آتي علبة أعطنا مكرونة أعطيكم علبة، أما أن أعطيكم كرتون شربة، شخص طلبت منه امرأته كرتون قطر الموز؛ قطر الموز العلبة الواحدة تكفي شهرين، لأنها قطرة ريحة على المحلبية، لكن تريد كرتون الدنيا كلها تكرتنت لا حول ولا قوة إلا بالله، وجاءك (الكرتون) هذا الزوج، وذهب يملأ كراتين وامتلأت الدنيا وضاع ديننا وضيعننا أموالنا في شهوات بطوننا، وما عرفنا إلا أن شهر الصوم شهر الأكل فقط، لا قل لها هذه ثلاثة آلاف ريال أو ألفين مصروف البيت لكن نريد أن نبقي شيئاً لله عز وجل، فنريد أن نفطر إخواننا المجاهدين الأفغان، وهناك مشروع عند الإخوان هنا إنه إفطار الأسرة في الأفغان ثلاثين يوماً بثلاثمائة ريالٍ، كل يوم بعشرة ريالات، نصف دجاجة بخمسة ريالات، وكيلو أرز بريال ونصف، وكيلو دقيق بريال ونصف المهم عشرة ريالات، اعملي وجبة كاملة فطور وسحور لأسرة مكونة من خمسة أو ستة أفراد في أفغانستان بثلاثمائة ريال كل يوم عشرة ريالات، هل تريد أن تفطر أسرة وتنال أجرها، ومن فطر صائماً كان له مثل أجره دون أن ينقص من أجره شيئاً، أي نعم، قل: أريد أن أفطر عشر أسر أو خمس أسر هذه ثلاثة آلاف ريال ألف وخمسمائة نأكلها، وألف وخمسمائة نفطر بها إخواننا المجاهدين ونأكلها بين يدي الله يوم القيامة، هذا أعظم عمل، هذه واحدة. أيضاً فهم الناس من شهر رمضان أنه شهر السهر وشهر اللعب، فبمجرد دخول الشهر يبدءون في تنظيم (البشكات)، وتسجيل وإقامة الحلقات، حلقات (البلوت) والسهر على الأرصفة، والمقاهي، والكرنيش، من أجل أن يسهر يقول: نريد أن نسهر في رمضان، فيسهر على غير طاعة الله وعلى غير ذكر الله عز وجل، بينما كان المفروض عليه أن يسهر في قيام وذكر، وعبادة، وبقية النهار يشتغل في أمور حياته، لا تقل الليل سهر والنهار نوم فمتى نحس بالصوم؟ وهذه مصيبة لا حول ولا قوة إلا بالله.

دعوة الغارقين في الدنيا للرجوع إلى الله

دعوة الغارقين في الدنيا للرجوع إلى الله أيضاً هناك مسئولية على إخواننا الدعاة الطيبين الملتزمين أمثالكم تجاه إخواننا الذين يجلسون في الأرصفة، والكرنيش، والمقاهي أن نحمل لهم الدعوة يعني: لما تنظر إلى مجموعة من الشباب أربعة أو خمسة وهم جالسون يدخنون أو (يعزفون على العود) أو معهم طبل، أو جهاز، أو يسمعون أغانٍ، أو يلعبون ورقة وأنت معرض، مر على أي مكتبة إسلامية واشتر لك أربعة أو خمسة أشرطة على عددهم وبعد ذلك وزعها عليهم، وإذا كان لا يوجد معك نقود قف عليهم وقل: السلام عليكم، طبعاً يقولوا: وعليكم السلام، بعد ذلك ربما يقولوا: ماذا تريد؟ ويظنون أنك تتغير عليهم أو تأتي تشتكيهم أو تريد أن تأخذهم إلى (الهيئة) أو غير ذلك، أي نعم أنت من حين تقف قل: السلام عليكم، واضحك لهم، مثل الطبيب الذي يضحك للمريض، هم سوف يقولون: وعليك السلام، ماذا تريد؟ قل: لا شيء أنا زميلكم وأخوكم في الإسلام مررت وأريد أن أجلس معكم أتسمحون لي أن أجلس معكم، سوف يقولوا: تفضل، لماذا؟ لأنك أتيتهم بأدب من حين ما تجلس معهم قل لهم: كيف حال الإخوان طيبون ماذا تعملون والله نلعب، جيد! أنا أريد أن ألعب معكم ما رأيكم؟ أنا أريد ألعب ماذا تلعبون؟ بلوت؟ أوه! أنا حريف في البلوت، ها ألعب معكم؟ قالوا: إيه تلعب معنا، ينبسطون لك، قل: حسناً قبل اللعبة عندي كلام ممكن كلمتين فقط، يقولون: تفضل تعطيهم وتقول: يا إخواني! ما هذه الحياة؟ ولماذا نعيش؟ على ظهرها؟ ولماذا خلقنا الله؟ وكيف مصيرنا يوم نموت ونلقى الله؟ هذا الكلام لما تدخله في قلوبهم ما سمعوه وما سمعوا شريطاً وما حضروا محاضرة، مساكين مضللين، يدخل الكلام في قلوبهم يقومون معك إن شاء الله، بعد ذلك بعد ما تنتهي قل: أريد أن ألعب لكن لا أستطيع يا إخوان، تسمحوا لي أن أنصرف، فيقولوا: تفضل، أنت أقمت عليهم الحجة، يأتي آخر بعدك ويقعد معهم ويعطيهم كلمتين، ويأتي الثالث يقولون: طيب الناس كلهم كذا ونحن نلعب والناس على الدين، والإيمان، والعمل الصالح، لماذا لا نكون مثلهم، والله هذا كلامهم صحيح، يبدءون يشترون شريطاً يسمعون كلاماً طيباً ويحضرون المحاضرات ويذهبون إلى المسجد. هذه -أيها الإخوان- مسئوليتنا تجاه هؤلاء، وليس بالضرورة أن يهتدي كلهم على يديك لو الجلسة فيها خمسة أشخاص وواحد استمع منك طيب، وإذا لم يستمع إليك أحد فقد برئت ذمتك وأعذرت إلى الله عز وجل.

التوسع في تهذيب الأخلاق في رمضان

التوسع في تهذيب الأخلاق في رمضان شيء أختم به المجلس وهي قضية التوسع في الأخلاق في رمضان، رمضان شهر تهذيب الأخلاق، والانتصار على النفس، والتمرد على الشهوات والمباحات، والحلال فضلاً عن الحرام، ولذا جاء في الحديث وهو في الصحيحين قال: (فإن سابه أحد فليقل: إني صائم) أخلاقك هادئة، وأعصابك باردة، ولا أحد يستثيرك أبداً، وإذا أغضبك شخص واستثارك لا تغضب عليه ولا تنفر منه؛ لأنك صائم، وإنما تقول: جزاك الله خيراً، سامحك الله -يا أخي- أنا صائم ولا أستطيع أن أقول شيئاً، لماذا؟ لأنك متمرد على الشهوات، فكيف تقع في هذا، لكن الواقع الآن والذي يحصل أن الناس كلهم غاضبون في رمضان، لا تقرب منه سيذبحك، يا ويلك إن دخلت على مدير إدارة أو موظف تراجع بعد الظهر، حتى الفراش يقول: لا تدخل عليه الآن؛ لأنه صائم ورمضان كريم، فيضع عمامته على فمه، وإذا أتيت تنظر إليه وتسلم عليه ما يرد السلام، لماذا؟ قال: رمضان كريم، اذهب عنا، رمضان كريم يعني تضارب الناس، من أجل أن بطنك خاوية، يعني: الذي يتحكم في أخلاقك ومشاعرك بطنك، إذا كانت بطنك ممتلئة أنت مبسوط، وإذا بطنك ليس فيها شيء فأعوذ بالله. رمضان كريم يعني أخلاقك كريمة، مراجع غضبان من مراجعته، ودخل عليك وأنت جالس في المكتب وقال: أنت مقصر وأنا كل يوم آتي ما ألقاك والله أشتكيك، وأنت صائم ماذا تقول له؟ تقول له: جزاك الله خيراً، صدقت أنا مقصر، وأنا فعلاً عندي ظروف، وأنا صائم الآن لا أستطيع أن أرد عليك، أين معاملتك يا أخي؟ معاملتي عندك يا شيخ! أنت الذي أخرتها، أنجزها الآن أين هي؟ وأذهب لمتابعتها حتى أنجزها له، لماذا؟ لأني صائم ما أنتقم منه، لكن عندما أكون شكلاً آخر أين معاملتك؟ عندي. طيب تعال غداً وذهب يبحث لها ومزقها، وذهب لصاحب الوارد قال المعاملة رقم كذا أتتني كذا استلمتها أنا، قال: نعم استلمتها توقيعك عليها، قال: لا ليس توقيعي هذا، هذا مقلد عليه، ما رأيتها وهو قد مزقها، فإذا جاء المراجع من غده قال له: المعاملة عندك. قال: ليست عندي. قال: موقع عليها، قال: ذهبت أمس أبحث عنها أو انظر توقيعي فإذا هو ليس بتوقيعي، شخص ضيعها وزور التوقيع، لماذا؟ وهو يقول: إنه صائم هذا الكذاب، يمزق معاملات المسلمين ويعمل غشاً على الناس ويكذب على الله، لماذا؟ لأنه ما عرف الصيام حقيقة. فنريد -أيها الإخوة- أن نفهم من الصيام أنه تهذيب للأخلاق ورفعة للنفس وإعطاء وبذل، وفي الحديث: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فلهو أجود بالخير من الريح المرسلة). هذه -أيها الإخوة- بعض المعاني عن رمضان الكريم.

نصيحة للمدخنين في استغلال شهر رمضان بترك التدخين

نصيحة للمدخنين في استغلال شهر رمضان بترك التدخين نصيحة لإخواننا الصالحين الذين نحبهم في الله، والذين هم مبتلون بالدخان أو الشيشة إلا أن معهم الآن فرصة للتوبة إلى الله منها في رمضان، فكما استطاع أن يمسك عنها من السحور إلى الإفطار كم ساعة؟ أربعة عشر ساعة، ونفسه ماشية مثل الحمار لا تقول كلمة، لماذا؟ لأنه قهرها، هل يستطيع في الظهر أن يأخذ له سيجارة؟ لا يستطيع ولو نفسه توسوس لا يستطيع يوسوس لماذا؟ لأنه منتصر عليها، لكن إذا أفطر أتت إليه وقالت: هيا أفطرت، لا قل: الذي حرمها وأنا صائم يحرمها وأنا مفطر، إلى متى، والله ما أشربها، واليوم الثالث أو الرابع يأتيك صداع وزكام خذ لك حبة نعناع في جيبك، ومسواك وادع الله، وسلمت من عذاب الله ووفرت صحتك ووفرت مالك وأرضيت ربك، وكنت قدوة صالحة لأولادك، وكنت قدوة صالحة لمجتمعك، وصرت رجلاً ربانياً طيباً، أما دخان تدخن على من؟ تحرق ريالك وتغضب ربك، وتخرب جوفك، وتقوي مصانع الأعداء؛ لأن أكثر مصانعهم دخان؛ لأنهم خبثاء ما عندهم إلا خبث -والعياذ بالله- وتكون قدوة سيئة لأولادك ودينك كل هذا خسارة عليك سواء شيشة أو دخاناً؛ لأن بعضهم يقول: أبشرك تركت الدخان لكن وقعت في الشيشة، هذه ألعن من تلك -والعياذ بالله- وكلها خبيثة والله حرم الخبائث وقال: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157]. - وفي الختام -أيها الإخوة- هذا كتاب جاءنا من فضيلة الشيخ شيخنا وحبيبنا الشيخ/ سعيد بن عبد الله الدعجاني حفظه الله، ومتعنا بحياته، وبارك في عمره، وهو مشرف الآن على مشاريع خيرية في هذا البلد، ومن ضمنها المشروع الخيري لإعانة الشباب المتزوجين، وهذا المشروع -أيها الإخوة- سبق أن تكلمت معكم فيه وقلت: إنه من أهم المشاريع الخيرية التي ينبغي أن نساهم فيها، وأن يكون لنا دور في دعمه، وأن يكون لنا ولو لبنة واحدة في بناء أسرة مسلمة؛ لأن الشاب الذي يريد أن يعف نفسه ويكمل دينه وليس له مال، ثم يأتي الصندوق فيمده بقرض، أو يعطيه إعانة ولك منها عشرة ريالات، أو خمسة، أو خمسون، هذه لبنة في بناء أسرة إسلامية قامت على دين الله لك ثوابها إلى يوم القيامة، فنرجو منكم المساهمة وهناك صناديق ستكون عند الأبواب للمجاهدين الأفغان ولهذا المشروع. وأسأل الله أن يتقبل منا ومنكم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

قوارب النجاة

قوارب النجاة إن كثيراً من الناس اليوم يبحثون عن قوارب النجاة في هذه الحياة الدنيا التي هي دار فناء، فمنهم من يريد أن يؤمن مستقبله، ومنهم من يريد أن يؤمن عيشة أولاده إلى غير ذلك، ولكن القليل منهم من يبحث عن قوارب النجاة التي توصله إلى الآخرة القارب الذي ينجي العبد من ساحل جهنم ويدخله إلى جنة الله سبحانه، وإن من أعظم القوارب المنجية تلاوة القرآن الكريم وتدبره، وإقامة الصلاة كما شرعها الله سبحانه، وذكره سبحانه في كل وقت.

سبيل النجاة في الدنيا والآخرة

سبيل النجاة في الدنيا والآخرة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أولاً: أشكر رئيس نادي الوديعة وهيئة الإدارة على إتاحة هذه الفرصة المباركة؛ لنلتقي في هذه الليلة المباركة في سمر إيماني رمضاني نصل فيه عبادة الصيام بعبادة التراويح والقيام، بعبادة السمر الإيماني في روضة من رياض الجنة تحفنا فيها الملائكة، وتغشانا الرحمة، وتنزل علينا السكينة، ويذكرنا الله عز وجل فيمن عنده؛ لأن التكامل في حياة المسلم مطلوب، وهو يعيش في هذا الشهر العظيم حياة روحية عظيمة يقضي يومه في الصيام، ثم يقضي جزءاً من ليله في التراويح والصلاة والقيام، وهو أيضاً مطالبٌ بأن يقضي سمراً مفيداً نافعاً له في دينه ودنياه، فجزى الله الإخوة القائمين على أمر النادي خيراً. وفي الحقيقة هذا هو الوضع الطبيعي للأندية، وهذه هي الوظيفة الرئيسية لرعاية الشباب؛ لأن النادي مركز تربوي يهتم برعاية الشباب اهتماماً متكاملاً في جميع مناحي الحياة، لا يغلب جانباً على جانب، يهتم بأرواح الشباب وبعقائدهم وبدينهم وبإيمانهم وبثقافتهم، كما يهتم بأجسادهم وأجسامهم، والناس يفهمون رسالة الأندية فهماً خاطئاً، ولذا يقصرونها في الجانب المادي، وأن النادي فقط مركز لتربية الأجساد، ولا يظنون أن من واجبه أيضاً حماية الأرواح؛ لأن الجسم لا قيمة له إلا في ظل صلاح الروح. يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته أتطلب الربح مما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسانُ الروح راكب، والجسد مركوب، والإكرام دائماً للراكب، فإذا أكرمت المركوبة وأهين الراكب كان هذا قلباً للحقائق، فلو كنت ضيفاً وجئت إلى مضيفك كان الناس في الماضي على الحمير والجمال والبغال، فمن إكرام الضيف: إكرام دابته، لكن إكرام الضيف بما يليق به، وإكرام الدابة بما يليق بها، لكن ما ظنكم لو أن ضيفاً أتى على دابته إلى مضيفه فأدخل الدابة في المجلس، وأخذ بيدك وأدخلك في الصالة وربطك برجلك ووضع لك علفاً، وأخذ الحمار وأدخله المجلس وأعطاه الرز واللحم، هل هذا عرف حقيقة الأمر؟ ولو ادعى وقال: يا أخي! أنا أكرمك، تقول: صحيح أنت تكرمني لكن لا تعطيه كرامتي، أكرمه بما يليق به، وأكرمني بما يليق بي. وكذلك هذا البدن مركوب، والراكب الروح، فإذا أكرمنا ونعمنا وريضنا وعالجنا وحفظنا الجسد، ثم أهملنا الروح، بل ليتنا أهملناها فقط، وإنما سممناها، وقتلناها ونحرناها وعذبناها، عاش الإنسان في قلب للموازين، يعيش في عذاب بروحه مهما تنعم جسده، وهاهي البشرية تعيش هذا العذاب، يقول الله عز وجل: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:124] وإن سكن العمارات، وامتطى أحدث الموديلات، وتزوج أجمل الزوجات، وامتلك ملايين الريالات؛ لأنه إنما يرفه بهذه الإمكانيات عن كائنه الجسدي، أما كائنه الروحي وهو أهم شيء في عنصريه فلن يجد سعادة إلا في ظل الدين والإيمان الذي إذا فقده فقد السعادة. وها هي البشرية اليوم تفقد سعادتها وهي تعيش في أوج قمتها المادية، حطمت المادة وسخرتها وفجرتها، واستخدمتها أعظم استخدام، وحققت من الإعجاز والإنجاز العلمي ما يبهر العقول، ولكن على حساب الروح، المادة في تطور والروح في تأخر، فماذا حققت؟ حققت الشقاء والعذاب، وها هم في أوروبا وأمريكا والدول المتطورة يعيشون حياة القلق، حتى يقول علماؤهم ومفكريهم بأنهم لا ينامون إلا بفعل الحبوب المخدرة، لا يوجد نوم، قلق مستمر وعذاب، وهذا وعد الله عز وجل حين يقول: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124]. فبناء الشباب في الجزئيتين المتكاملتين: بناء روحه عن طريق الثقافة الإسلامية، والمحاضرات الإيمانية، وإقامة الشعائر الدينية، هذا مطلوب في النادي كمركز تربوي، إلى جانب حماية جسده عن طريق الألعاب الرياضية التي لا تتعارض مع مبدئها الأصلي الذي هو عقيدته ودينه وإسلامه، هذا هو واجب الأندية، والحمد لله أننا نلمس هذا الاتجاه بشكل واضح في جميع الأندية الموجودة في المملكة مما يدل على اهتمام القائمين على أمرها، فبارك الله فيهم وفي جهودهم، ونسأل الله عز وجل أن يحقق الخير لأبناء المسلمين على أيديهم إنه على كل شيء قدير. أما محاضرة هذه الليلة؛ فهي بعنوان: "قوارب النجاة" هذه الحياة -أيها الإخوة- بحر هائج ومحيط متلاطم ينزله الإنسان؛ فإما أن يسبح فيه وينجو، وإما أن يهلك فيه ويغرق، ولا خيار للإنسان حينما جاء إليها، يقول أحدهم: جئت لا أدري من أين ولكني أتيت ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟ لست أدري ولماذا لست أدري؟ لست أدري جاء إلى هذه الحياة وهو لا يدري لماذا جاء إليها، ولا إلى أين سيذهب بعد أن يؤدي دوره على مسرحها؛ فتولد عن هذا الجهل العذاب والشقاء والضلال والحيرة والقلق والاضطراب، مثل من يعيش في صحراء لا يدري إلى أين يتجه، هذه الحياة -أيها الإخوة- جئنا إليها، ونحن على يقين أننا سننتقل منها، ونحن مسافرون منذ أن وطئت أقدامنا على ظهر هذه الحياة، وما من يوم يمر ولا ساعة ولا شهر ولا سنة تدور إلا ونحن نقطع مرحلة من مراحل أعمارنا على هذه الحياة، ونقترب من المصير المحتوم الذي سنفاجأ به في نهاية المطاف وهو الموت، وهناك ننزل من مسرح الدنيا ونعامل في الآخرة على ضوء سلوكنا في هذه الدار، إما إلى الجنة وإما إلى النار. الموت باب وكل الناس داخله يا ليت شعري بعد الباب ما الدار وقال الآخر: الدار جنة عدن إن عملت بما يرضي الإله وإن خالفت فالنار هما محلان ما للمرء غيرهما فاختر لنفسك أي الدار تختار ليس هناك في الآخرة من دار إلا الجنة أو النار، وأنت في هذه الدنيا تسير، وسيرك فيها يجب أن يكون فيه نوع من التوقي والحماية؛ لأنك معرض فيها لمعاطب ومشاكل، والله أوجدك على ظهرها وجعل لك هذه المعاطب، وأمرك بالتوقي وبالتقوى حتى تصل سالماً إلى جدار الموت، أما إذا لم تتوق ووقعت في حفرها وأشواكها وحبائلها وزجاجاتها ومعاطبها؛ فإنك سوف تعطب، وسوف تنالك هذه الجروح، ولكن لن تشعر بها إلا إذا وقفت عند الموت تريد النزول وإذا بك معطل من كل جانب، عينك وأذنك ويدك ورجلك معطلة ومسمومة بالحرام، وإذا بك مدمر في كل جزئياتك، وهناك تطلب الرجعة من أجل التصحيح، فلا يستجاب إلى طلبك، كما قال عز وجل: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99] يطلب الرجعة ليصحح الوضع مع الله وليتق الله، لكنه فوت الفرصة فلا مجال له، قال عز وجل: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:101]. هذه الحياة يشبهها العلماء بالبحر المتلاطم، وليس من وسيلة للنجاة فيها إلا عن طريق قوارب النجاة، والقوارب موجودة ومتوفرة، وبإمكان كل من أراد أن ينجو من محيط هذه الحياة وبلياتها ومصائبها أن ينجو، وإذا تعلق وركب في القوارب نجا، وإذا أهمل الأسباب وعطل الوسائل وعاش معتمداً على الأماني هلك، والطالب في الجامعة أو المرحلة الثانوية أو المتوسطة أو الابتدائية يهتم بالدراسة من أول العام، ويحصل ويجتهد، ويحل الواجبات، ويحضر المحاضرات، ويلخص الدروس، ويراجعها أولاً بأول، ويستعد للمذاكرة، حتى إذا جاءت ساعة الصفر ودخل صالة الامتحان كان معبأً بالمعلومات التي اكتسبها خلال عامه الدراسي، فيجيب على الأسئلة، ويقدم الورقة مملوءة بالإجابة الصحيحة، ويتوقع النجاح والتقدم في درجات العلم، هذا هو المنطق؛ لأنه أخذ بالأسباب، وركب في قوارب النجاة من الامتحان. لكن ما ظنكم في طالب بليد مهمل لم يحضر درساً، ولم يتابع محاضرة، ولم يحل واجباً، وإنما اكتفى بالأماني واللعب والفوضى والبلادة وعدم المتابعة، وفي آخر العام حينما علق الجدول قيل له: هذا الجدول علق، انتبه، قرب الامتحان، قال: دعونا من التعقيدات ودعونا نعيش فقط، إذا جاء الامتحان يفرجها الله، وأخذ الجدول ومزقه، وفي أول يوم من أيام الامتحان أخذ قلمه وذهب إلى الامتحان وعقله فارغ من المعلومات ودخل إلى الصالة، وحينما قعد على الطاولة وسلم ورقة الأسئلة وقرأها، وإذا به لا يعرف جواباً ولا حرفاً واحداً، فما كان منه إلا أن رفع إصبعه ودعا رئيس اللجنة، وقال: من فضلك أريد أن تعطيني ساعة أخرج إلى الخارج أنظر في الإجابة وآتيك، ما رأيكم هل يطيعونه في الدنيا؟ ما سمعنا بهذا، ما رأيكم لو أطاعوه؟ لو أن رئيس اللجنة أخذته الرحمة، وقال: ما دام أنك تعبان ولا تعرف فلا مانع، هذه الورقة ولك ساعة واحدة، خذ الدفتر وأجب على الأسئلة وتعال بها، هل تبقى هناك قيمة للامتحانات؟ السنة الثانية الطلاب جميعهم لن يذاكرو، ويقولوا: سنفعل مثل زميلنا هذا، ونأتي في آخر السنة ونطلب من الأستاذ ونخرج فنجيب على الأسئلة لماذا نتعب طوال العام؟ وبالتالي تتحطم العلوم والمعارف، ولا يبقى علم أبداً في الأرض، لماذا؟ لأن الناس سيكونوا جهلة، يحملون شهادات فارغة من المضمون؛ لأنهم ما ذاكروا ولا درسوا، وإنما يجلسون يلعبون إلى آخر السنة، ومن ثم ينقلون الأسئلة من كتاب الإجابة ويحضرونه وهم لا يفهمون ما فيه، هذا لا يصير أبداً في عرف الناس، فكيف يمكن أن يصير عند الله عز وجل؟ كيف تتصور أن تعيش عبداً لشهواتك، وملبياً لرغباتك، ومعانداً لمولاك، وقاطعاً لبيوت ربك، هاجراً لكتاب ربك، ثم تتمنى الأماني وتقول: الآخرة إن شاء الله يحلها حلال، مثلك كمثل هذا الطالب البليد الذي لن يجاب إلى ما يطلب، كما قال الله عز وجل عنهم أنهم يقولون إذا دخلوا ال

حال فريق اليمين والشمال يوم القيامة

حال فريق اليمين والشمال يوم القيامة لا تظنن أنك مضيع، والله ما من كلمة ولا خطوة ولا عمل تعمله إلا وهو مسجل عند الله عز وجل، يقول الله عز وجل: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة:6] أنت نسيت كل شيء في حياتك، هل تذكر شيئاً مما تم خلال ذلك اليوم من أعمالك؟ هل تذكر المعاملات التي مرت عليك؟ هل تذكر ماذا تسحرت أو أفطرت، ومن قابلت أو زرت وزارك؟ لا، بل تنسى، هل تذكر قبل شهر أو قبل سنة أو قبل سنواتك كلها؟ لا. لكن الله لم ينس شيئاً: {فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة:6] نسيت لكن الله لا ينسى: {فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه:52] كل شيء مسجل ستجده بين يديك في يوم القيامة؛ فإما أن ترفع رأسك: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً} [آل عمران:30] وتأخذ كتابك بيمينك وتقول: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:19] مثل الطالب المجد الذي يأخذ شهادته ويرفعها وهو في الطريق، بعض الطلاب وهو يمشي في الطريق لا يعرف أحداً لكن يري الناس وهم لا يعرفوه، يقول: أنا ناجح، ونحن ما علينا منك ولو أنك ناجح، أنا أذكر مرة إنى كنت سائراً في الشارع وإذا بأولاد خرجوا من المدرسة يبشروني وأنا لا أعرفهم وهم لا يعرفوني، لكن من شدة فرحتهم بالنجاح كل واحد يقول: أنا ناجح، قلت: مبروك. فيقول الإنسان يوم القيامة: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:20] هذه شهادتي: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة:20] فعملت صالحاً: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:21 - 24] ليس كلوا واشربوا بما فكرتم، أو جمعتم، أو أخذتم من مناصب، أو وفرتم من جاه، لا. هذه لا تنفع عند الله يوم القيامة ولا تسقي صاحبها ماء، جاهك ومنصبك ونسبك ومالك وأولادك ومنزلتك وسمعتك، دعاية الناس لك، وثناء الناس عليك، ومحبتهم لك لا ينفع عند الله شيء إلا العمل الصالح. والعمل السيئ يضر، فيقولون: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} بالأرصدة التي عملتموها في أيامكم الخالية. {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ} [الحاقة:25] أخذ الشهادة باليسار، فلا يري الناس، مثل الطالب الذي يأخذ شهادته، وإذا بها مملوءة بالدوائر الحمراء، راسب! ما رأيكم يذهب يريها أهله؟ لا. يأخذها ويضعها في جيبه، وإذا ذهب إلى البيت، قالوا: بشرنا، عساك ناجح، قال: لم تظهر النتيجة، وهو يعرف أنها ظهرت، لكن يريد يمهد للفشل، وذهب اليوم الثاني ورجع إليهم، هاه؟ قال: ظهرت، قالوا: بشر، قال: يقولون إنهم سمعوا اسمي، قالوا: إن شاء الله خير غداً تتأكد، وذهب غداً وأهله ليسوا فرحين عرفوا أن فيها شيئاً، من يوم أتى بالخبر من أول يوم لا يوجد خبر صحيح، جاء في اليوم الثالث، هاه؟ قال: الحمد لله أبشركم كلها تمام ما عدا مادتين فقط، الحمد لله، يحمد الله على الفشل الغبي، ولكن والده نظر وإذا بها ثمان! ما المقصود بالمادتين؟ قال: المادتان صعبة أما البقية فهي يسيرة، هذا البليد في الدنيا يخجل من الناس ومن أبيه وأمه؛ لأنه سقط، وسقطة الدنيا يسيرة، مثل الذي يسقط من على الطاولة إلى الأرض، هناك دور ثانٍ، وإذا لم يكن هناك دور ثانٍ فهناك سنة ثانية، وإذا لم يكن هناك سنة ثانية فالدراسة ليست ضرورية، أذهب وأتوظف ولو حتى في حجر وطين. لكن سقطة الآخرة سقطة من الدرجات العلى إلى دركات النار، سقطة ما بعدها سقطة، ليس هناك درجة ثانية ولا دور ثانٍ ولا غرفة ثانية، وإنما نار وعذاب أبدي نعوذ بالله من النار. فهذا الذي يأخذ شهادته بشماله وكتابه الذي عبأه ولطخه بالجرائم والمنكرات والمعاصي والسيئات، فإذا رآه، قال: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} [الحاقة:25] يتمنى أنه ما رأى هذه الشهادة: {وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ} [الحاقة:26] يقول: ليتني لم أعلم عن هذا الحساب، ولا نوقشت إياه، ولا اطلعت عليه: {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة:27] يتمنى أنه قضي عليه ولم يبعث: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} [الحاقة:28] يتذكر ما الذي كان يشغله في الدنيا عن الدين وإذا به المال، أو السلطة والوظيفة والمنصب: {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:29] يقول: ذهب مني المال ولم يغن عني، وهلك عني السلطان ولم ينفعني، فيقول الله للزبانية: خذوا هذا الدجال الكذاب الذي كان يلعب على الحبلين، يلعب في الدنيا ويريد الآخرة بدون عمل: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} [الحاقة:30] والغل هو: وضع القيد في الرقبة واليدين والرجلين، يقول الله: {فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} [الرحمن:41] أي: تربط ناصيته في قدمه، ثم يوضع في قيد واحد برقبته: {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} [الحاقة:31] أي: أوصلوه في النار: {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:32] السلك هو: إدخالها من فمه وإخراجها من دبره، من أجل أن يشتوي في النار، وكأن قائلاً يقول: يا رب! ما فعل هذا؟ فقال عز وجل: {إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ} [الحاقة:33] ما عنده تصديق بلقاء الله، الذي لا يعمل صالحاً ما آمن بالله، والذي يعمل المعاصي والمنكرات ما آمن بالله، لماذا؟ لأنه لو آمن وصدق لعمل وانتهى. الآن الموظف عندما يؤمن بصرامة المدير ومراقبته على الدوام وأنه دقيق، من السابعة والنصف ليس هناك أحد يوقع إلا من عنده، تجد كل الموظفين يأتون الساعة السابعة والنصف، لكن إذا عرفوا أن المدير يأتي الساعة التاسعة، يأتون هم الساعة التاسعة إلا خمس، ويوقعون الساعة السابعة والنصف؛ لأن المدير يأتي الساعة التاسعة، لكن لو أن المدير يأتي الساعة السابعة ونصف، ويقول: يا فلان ادخل أحضر الكشف، ويقول: التوقيع من على طاولتي، لا أحد يوقع من عند السكرتير، وكل موظف يأتي ينظر إليه كم الساعة يا فلان؟ ثمانية، ضع ثمانية، ثم يفرغ جدول الموظفين هؤلاء في ورقة صغيرة، ويقول: على شئون الموظفين اعتماد الحسم على التالية أسماؤهم: فلان الفلاني يوم كامل ويعطيه، ما رأيك في شعور الموظفين، من غد هل يأتون من الساعة السابعة والنصف؟ وربما من السابعة تجده على الطاولة، لماذا؟ آمن بالعقوبة، وعرف أن هناك حسم وأنه يوجد مدير حازم، لكن إذا كانت الأمور تمشي بتساهل تجد نصف الدوائر الآن يأتون الساعة التاسعة والتاسعة والنصف والعاشرة، ما أتى الفراش ليفتح فضلاً عن الموظف أو المدير، لماذا؟ أمنوا العقوبة فأساءوا العمل. وكذلك الذي يأمن العقوبة في الآخرة يسيئ العمل، لا يعمل صالحاً ولا ينتهي عن محرم؛ لأنه ما آمن حقيقة فيقول الله: {إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ} [الحاقة:33 - 37]. - قوارب النجاة في الحياة الدنيا: فإذا أردت النجاة فعليك بقوارب النجاة، هذه القوارب الثلاثة أخذتها من آية من كتاب الله في سورة العنكبوت الآية رقم (45) يقول الله عز وجل موجهاً الأمر للرسول صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله رحمة للعالمين، وما وجه له من الأوامر فهو موجه بالتالي لأتباعه، يقول الله له: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ} [العنكبوت:45] هذا القارب الأول {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت:45] هذه هي قوارب النجاة الثلاثة، تلاوة الكتاب الكريم، وإقامة الصلاة، وذكر الله عز وجل.

من قوارب النجاة تلاوة القرآن الكريم وتدبره

من قوارب النجاة تلاوة القرآن الكريم وتدبره أما تلاوة القرآن فللآتي:

سبب كون القرآن من قوارب النجاة

سبب كون القرآن من قوارب النجاة لأن الكتاب هو الذي ربط الأرض بالسماء، فبعد نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم أصلح الله الأرض، قال الله عز جل: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} [الأعراف:56] بم أصلحت الأرض؟ أصلحت بالرسالة، وبتعاليم السماء، والتوجيهات الربانية، كانت الأرض عبارة عن غابة، شريعة الغاب هي التي تحكمها، القوي يأكل الضعيف، سلب وقتل ونهب، وزنا وخمور وفجور، وجور وميسر وقمار كل ما شئت من المعاصي موجود في الأرض، لماذا؟ لأنه لا توجد شريعة تحكم، ولا توجيهات توجه من الله. حتى بعث الرسول صلى الله عليه وسلم ونزل عليه الكتاب الكريم، فأصلح الله الأرض بتعليمات السماء، وضبط مسارات الناس، وجعل لكل واحد مساراً، عينك لها مسار تنظر بها في مساراتها، لا تنظر بها إلى شيء آخر، عينك هذه أمانة في رأسك، يقول الله عز وجل: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:8 - 10] مادامت العين لله وليست لك، ولا ركبتها أنت في رأسك، ولا اشتريتها من السوق، بل هي من الله، فالله هو مالكها وآمرها، أمرك الله بأمر ونهاك عن نهي ما هو؟ أمرك أن تنظر بعينك هذه في ملكوت السماوات والأرض، قال عز وجل: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس:101] {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} [ق:6]، وأمرك بأن تنظر بها في مصالحك، وأن تنظر بها في كتاب ربك وفي سنة نبيك وفي هديك وتعاليم إسلامك، ونهاك أن تنظر بهذه العين إلى ما حرم عليك، لا تنظر بها إلى محارمه؛ لأن الله يغار على محارمه، ومحارمه أن تأتي ما حرم، لا يجوز لك أن تطلق عينك في امرأة لا تحل لك، لماذا؟ لأنك تعذب قلبك. والمرء ما دام ذا عين يقلبها في أعين الغير موقوفاً على الخطر يسر ناظره ما ضر خاطره لا مرحباً بسرور عاد بالخطر فأنت إذا فتحت عينك على النساء رأيت أشكالاً وألواناً وموديلات جديدة، ومن ثم لا تقدر عليها ولا تصبر عنها، وبالتالي تنعكس على قلبك الهموم والمشاكل وتعيش معذباً، وأكثر الذين يفتحون عيونهم في الحرام الآن يعيشون في عذاب، يخرج من بيته وليس في قلبه هوىً واحداً، لكن يذهب إلى السوق أو المعرض ويرى واحدة فترميه بعينها ويرميها بعينه، فيرجع إلى البيت وهو مريض، لا يتعشى ولا ينام ولا يفعل شيئاً، ما بالك؟ قال: آه، الله المستعان! ماذا حصل؟ ما الذي احترق في الدنيا؟ احترق قلبه، ما الذي أحرق قلبه؟ النظرة المحرمة: كم نظرة فعلت في قلب ناظرها فعل السهام بلا قوس ولا وتر وأنت إن أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر ويقول الآخر: وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتل فالله من أجل أن يحميك أنت ويحمي حرمات الناس حرم عليك النظر، وقال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:30] وقد يأتي شخص ويقول: لماذا؟ قال الله: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30] والذي يعيش في تعليمات هذه الآية ويغض بصره ولا ينظر إلى الحرام يعيش في سعادة وفي راحة عظيمة ليس بعدها راحة. ولكن قد يقول قائل من الشباب: ماذا أعمل أنا؟ كيف أعمل بغرائزي؟ وماذا أفعل بإمكاناتي؟ أنا شاب وأحب الجمال، وأريد النساء وأريد أن ألتفت؟ نقول له: تلفت، لكن متى؟ أخِر النظر إلى أن تتزوج، فإذا تزوجت ودخلت عليك زوجتك في غرفتك وأقفلت الباب، ابلعها بعيونك، لماذا؟ لأنك تنظر إلى شيء بيدك، وفي إمكانك أن تصل إليه، ولكن عندما تلتفت إلى شيء بيد الناس، مثل واحد يموت جوعاً والناس معهم طعام في قدورهم، وهو جالس يشم، ما رأيكم هل الشم يغذيه ويشبعه؟ بل يقطع قلبه، ماذا نقول له؟ نقول له: قل: باعدوا قدوركم هذه منا، دعونا على خبزتنا وكسرتنا؛ فإن هذه الروائح قطعت قلبي، وما شبعت من الرائحة. ونحن نقول للناس: ذلك أزكى لكم، أن تغضوا أبصاركم عن الحرام؛ فإن من ملأ عينيه من الحرام ملأهما الله من جمر جهنم غضوا أبصاركم، واحفظوا فروجكم، وصونوا أسماعكم، ذلك أزكى لكم. فالله عز وجل حينما أنزل القرآن ربط الأرض بتعليمات السماء، وأصبح الناس وهم في الأرض يعيشون، لكنهم يعيشون وهم معلقون بالله، عيونهم في الأرض لكنها عيون ربانية لا تنظر إلى حرام، أسماعهم في الأرض لكنها أسماع ربانية لا تستمع الحرام: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ} [الأحقاف:26] {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:78]. فبتلاوة الكتاب، وبالارتباط بالله عن طريق القرآن تنجو، لماذا؟ لأنك تصبح عبداً ربانياً لست عبداً شهوانياً شيطانياً تحكمك شهواتك، وتسيطر عليك غرائزك، وتسيرك نفسك، ويمشيك شيطانك، الآن الذي ينفلت شيء واقع ما للواحد خيار فيه، إما أن تلتزم بدين الله فتكن مع الله، أو تنفلت عن الدين فتكن مع الشيطان، كبديل لا بد منه، لا يوجد شخص يقول: لا والله أنا لا أريد أن ألتزم بدين الله، وأيضاً أنا أريد أن أبقى حراً من الشيطان، لا. ما من أمر لله إلا ويقابله أمر للشيطان، فلمن تكون؟ خير لك أن تكون لربك أم لعدوك؟ لخالقك أم لمخرجك من الجنة؛ الذي أقسم عليك أن يردك إلى النار، وقال: {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:82]؟

التمسك بالقرآن الكريم نجاة يوم القيامة

التمسك بالقرآن الكريم نجاة يوم القيامة القرآن إذا تمسكت به وبتعليماته نجوت، يقول الله عز وجل: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى:52] سمى الله القرآن روحاً ينفخ الله به الحياة في قلوب الناس: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ} [الشورى:52] أي: القرآن {وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى:52 - 53] ويقول في القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [يونس:57] أي: القرآن {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس:57] في قلبك شيء من الأمراض علاجها في القرآن الكريم، الأمراض المعنوية، مرض الزنا والغناء والنوم خصوصاً نوم الصبح الذي يتغنى به الناس، لا يوجد في الشرع نوم الصبح، يوجد استيقاظ (بارك الله لأمتي في بكورها) لكن اليوم الناس يتغنون بنومة الصبح! حتى يقول بعضهم: نومة الصبح تسوى ملك كسرى وعداً يوه على وزن قصيدة: بالله عليك يا موزع شي معاكم بريد يوه كنت أسمع هذه القصيدة وأغني بها في السابق، والآن أفكر أقول: ما معنى كلمة يوه؟ لكن نسمع الأغاني ونردد كلماتها كالببغاء، ما موقعها من الإعراب (يوه)؟! فقال الثاني على وزنها: نومة الصبح تسوى ملك كسرى وعداً يوه لا والله ما عند المؤمن نومة الصبح، نومة الصبح هذه هي نومة الشيطان، يبول فيها الشيطان في أذن النائمين عن صلاة الفجر، ويقول لهم: نم عليك ليل طويل. إذا كان عندك في قلبك مرض من هذه الأمراض، مرض نومة الصبح والنظر إلى الحرام، واستماع الحرام، وحب الزنا، والربا، والرشوة، وشهادة الزور، وعقوق الوالدين فإن الشفاء في كتاب الله {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ} [يونس:57 - 58] أي: القرآن {وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58] إذا فرح الناس بالمال فافرح أنت بالقرآن، وإذا فرح الناس بالوظائف والمناصب فافرح أنت بكتاب الله، إذا فرح الناس بالزوجات والأولاد فافرح أنت بالقرآن، وإذا فرحوا بالعمارات والسيارات فافرح أنت بالقرآن؛ لأن الله يقول: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58]. اتل القرآن {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ} [العنكبوت:45] يقول الله عز وجل في القرآن الكريم: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] ويقول: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82]. فأول وأهم قارب تسعد به في الدنيا والآخرة هو هذا القرآن، يقول الله عز وجل فيه: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} [الفرقان:32]. فإذا أردت أن تنجو عليك بكتاب الله، ووالله الذي لا إله إلا هو ما يعاني الناس اليوم من جفاف في الأرواح ومن فقر في القلوب والإيمان ما هو إلا نتيجة لبعدهم عن القرآن، وانظروا اليوم حينما يدخل رمضان ويتوجه الناس إلى المصاحف ويشترونها من المكتبات ويأتون المساجد ويقرءون كيف تتحول أخلاقهم، وتهدأ نفوسهم، وتنمو أرواحهم بأسباب قراءة القرآن، هل تتصورون شخصاً شريراً والقرآن في جيبه؟! هل تتصورون شخصاً عاصياً وهو يقرأ القرآن؟! لا. لكن إذا ترك الشخص القرآن تسلط عليه الشيطان. كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول

كيفية توثيق الصلة بالقرآن كقارب نجاة

كيفية توثيق الصلة بالقرآن كقارب نجاة إذا كنا نقرأ القرآن ونهجره ولا نعمل به فهذه مصيبة، فأول قارب ينبغي لك يا من تريد النجاة هو أن تُحكِم وتوثق صلتك بكتاب الله عز وجل عن طريق خمسة أشياء. أولاً: تلاوة القرآن: لأن الله يقول: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل:4] والترتيل: هو قراءة القرآن بمعرفة الوقوف ومخارج الحروف، لا تقرؤه كما تقرأ جريدة أو تقرأ مجلة أو كتاباً، لا. هذا كلام الله يختلف عن كلام البشر، يقول الله: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17] تقرؤه كما أنزل، وتتلقاه كما ورد عن طريق عالم، وإذا لم تستطع فعن طريق المصحف المعلم، هناك أشرطة المصحف المعلم تضع الشريط والمصحف أمامك ويقرأ الشريط وتردد بعده، وتعرف بعد فترة -إن شاء الله- كيف تقرأ القرآن تلاوة. وليكن لك ورد يومي ليس أقل من جزء في كل يوم، إذ لا ينبغي لمسلم أن يمر عليه شهر دون أن يختم كتاب الله مرة واحدة، ومن لم يختم القرآن في الشهر مرة فهو هاجر لكلام الله والهاجر لكتاب الله سيكون عرضة للشكوى التي ستقدم فيه يوم القيامة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرها الله في سورة الفرقان، قال الله عز وجل: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} [الفرقان:30] يجب أن يكون لك ورد يومي لا يقل عن جزء، وأحسن وقت للتلاوة بعد صلاة الفجر، وبعد صلاة العشاء، وبعد صلاة المغرب، وقبيل الصلوات الخمس، عندك فرص بفضل الله متاحة لك، إذا كنت في الدوام بمجرد أن يؤذن المؤذن أوقف كل عمل، حتى القلم الذي بيدك والمعاملة التي أمامك إذا سمعت الله أكبر، الله أكبر من كل شيء، إذا كنت في اجتماع قل: انتهى الاجتماع، بعض المدراء لا يعقدون الاجتماع إلا وقت الصلاة، فلا يوفق هذا الاجتماع؛ لأنه اجتماع عصي الله فيه بتضييع فريضة الله، لا. إذا دعاك الله لا تؤخر أمره؛ لأنه إذا دعاك المدير أو الأمير أو الوزير وأنت عندك اجتماع ما رأيك؟ تقول: أكمل الاجتماع وآتيك، أم تقول: عن إذنكم! عندي مكالمة من المسئول الأعلى؟ لا تستطيع أن تتأخر، دعاك الله، أمر الله عندك أهون من أمر غيره، ما عرفت الله ولا قدرته عز وجل، دعاك الله: الله أكبر، أغلق الكتب وضع القلم، وقم وتوضأ واذهب إلى المسجد وفي الصف الأول واقرأ، ستقرأ بين الأذان والإقامة ربع جزء، وفي العصر مثلها، وفي المغرب مثلها، وفي العشاء مثلها، يمكن يمضي عليك اليوم وأنت قد قرأت جزءاً، هذا أول شيء، واجعل هذا وردك. يقول بعض الإخوة: أحسن طريقة أن تجعل لك في اليوم الجزء الذي يوافق اليوم من الشهر، بالطبع رمضان يختلف، رمضان يجب أن تختم فيه أقل شيء في كل ثلاثة أيام مرة، يكون وردك في كل يوم عشرة أجزاء؛ لأن هذا شهر القرآن، كيف تفعل وأنت في شهر القرآن؟ اتل الكتاب وسبح فيه مجتهداً فإنه شهر تسبيح وقرآن ليس هناك شغل في رمضان إلا كتاب الله والصيام والقراءة؛ لأنه في يوم القيامة يشفع لك الصيام والقرآن، لكن في غير رمضان تبدأ من أول يوم في الجزء الأول، اليوم الثاني في الجزء الثاني، وفي اليوم الثالث وهكذا، تقرأ في ثلاثين يوماً ثلاثين جزءاً، لماذا؟ لأنه يسهل عليك الحساب، وتعرف أنك اليوم في أربعة عشر يوماً فتقول: إذاً أنا اليوم في الجزء الرابع عشر، المصحف الذي بجيبي أقرأ فيه، فإن لم يكن بجيبي أقرأ في المسجد في الجزء الرابع عشر، ليس في المسجد فقط في السيارة أو المكتب، أو أي مكان أقرأ وردي، هذا أول شيء تلاوة القرآن، إذا أردت أن تنجو، قد يقول شخص من الناس: أنا لا أستطيع، نقول: على راحتك لا تستطيع، لكن ستعض على أصابع الندم، وتقول: يا ليتني أطعت الله وأطعت الرسول، يا ليتني أخذت هذا القرآن، يا ليتني عملت به، لكن (يا ليتني) لا تنفعك يوم القيامة أبداً. ثانياً: تدبر كتاب الله. والتدبر بأن تتدبر من القرآن في كل يوم صفحة واحدة، أي: تقرأ الصفحة وتنظر تفسيرها من تفسير ابن كثير أو من كتاب أيسر التفاسير للجزائري، وأما أن تقرأ القرآن ولا تفهمه فما أنزل الله القرآن من أجل ألا يفهمه الناس، هل توقع على معاملة بدون أن تفهمها؟ وإذا وقعت عليها بماذا يصفك الناس؟ بأنك مجنون، إذ كيف تقرأ كلام الله ولا تفهمه؛ لأنك مخاطب به، وفيه أوامر ونواهي وأخبار وأحداث وقصص، كتاب فصلت آياته ثم أحكمت، لا بد أن تعرف كتاب ربك تدبراً. ثالثاً: العمل. قرأت وتدبرت ومن ثَم تعمل، مررت على آية: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30] تقول: فتغض بصرك، مررت على: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ} [الإسراء:36] لا تسمع الحرام، مررت على: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الإسراء:33] {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام:152] انتهينا، أقيموا الصلاة تمتثل آتوا الزكاة. لا بد، لماذا؟ تعمل بتعليمات ربانية وأنت عبد مؤمن، تصدق كتاب ربك وتعمل بكتابه، أجل تلوت وتدبرت وعملت. الرابع: تدعو إلى كتاب ربك. لا تجلس في مجلس إلا وأنت تبشر بهذا القرآن، تقول لزميلك: يا أخي! لماذا لا ترتل القرآن؟ لماذا أنت معزول عن الله؟ كيف تعيش بدون كتاب الله؟ كم وردك من القرآن؟ تدعو إليه حتى تكون من أهله. الخامس: الاستشفاء بالقرآن الكريم؛ لأنه شفاء لما في الصدور، يقول الله عز وجل: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82] سواءٌ من الأمراض الحسية أو المعنوية، فهو مجرب، الفاتحة شفاء، وآية الكرسي شفاء، المعوذتان شفاء، لكن لا يترتب الشفاء إلا بأمرين: أولاً: صلاح ويقين المستشفي أي: القارئ. ثانياً: صلاح الموضع والمحل الذي يقرأ عليه الإنسان. أما إذا انتفى صلاح الفاعل أو المفعول به لا تحصل العافية. هذا التفصيل الموجز والمختصر حول المركب والقارب الأول من قوارب النجاة وهو قارب: تلاوة كتاب الله عز وجل.

من قوارب النجاة إقامة الصلاة

من قوارب النجاة إقامة الصلاة القارب الثاني: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45] أقم الصلاة، والتبرير بعدها يفسر أهميتها؛ لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والصلاة صلة بين العبد وبين الله، الصلاة رابطة وحبل ممدود من السماء إلى الأرض، والذي معه رابطة بالله ومستمسك بحبل الله لا يمكن أن يفعل فحشاء أو منكراً؛ لأنه يشعر بأنه مع الله، كيف يعمل الفحشاء في الصباح وهو يعرف أنه سيأتي بعد قليل يقف بين يدي الله في الظهر؟ كيف يفعل الفحشاء بعد الظهر وهو يعلم أنه سيقف بين يدي الله في العصر؟ لا يمكن أبداً؛ لأنه يستحيي. ولذا يلحظ المتدبر والمتأمل لحكمة تشريع الصلاة أنها العبادة الوحيدة التي تلازم الإنسان على مدار حياته في كل أحواله، الصوم شهر في السنة، أحد عشر شهراً لا يوجد فيها صوم إلا نافلة، الزكاة مرة في العام، وإذا كان هناك مال ودار عليه الحول وبلغ النصاب، الحج مرة في العمر، وجميع الفرائض محددة بأزمان وهيئات إلا الصلاة فليست مرة في العمر، ولا العام، ولا الشهر، ولا اليوم، بل كل يوم خمس مرات، أول ما تفتح عينك قبل أن تأكل وتشرب تصلي، هل يمكن لشخص أن يعمل أو يأكل قبل الفجر؟ لا. تفتح عينك على الصلاة، ومن ثم تمشي بيومك إلى أن ينتصف النهار تأتي صلاة الظهر، فإذا أوشك النهار على الانصراف صليت العصر، فإذا انصرم النهار ودخل الليل صليت المغرب، فإذا أردت أن تودع الليل والنهار بالنوم تصلي العشاء، فتنام بعد صلاة، وتستيقظ على صلاة، وتنتصف في نهارك في صلاة، وتصلي العصر والمغرب: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء:78] أي: في زوالها {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء:78] لأنها حبل. يقول أحد العلماء: (الترمومتر) الإيماني الذي تقيس به إيمانك موجود معك وهو الصلاة، لا يمكن أن يكون (ترمومتر) الإيمان صيام رمضان؛ لأنك قد تصوم رمضان وترتفع عندك نسبة الإيمان فترفع درجته بـ (الترمومتر) الإيماني إلى أعلى درجاته، لكن الصوم ينتهي ويأتي شوال وذو القعدة وذو الحجة ينزل، فنأتي لنقيسك فليس هناك مقياس مثل المقياس في رمضان، وفي الحج يمكن أن تصفو روحك، وتتوب إلى الله، ومن ثم تنزل لا نستطيع نقيسك، وكذلك الزكاة، قالوا: المقياس الثابت هو الصلاة. إذا أردت أن تعرف نسبة الإيمان ودرجته عندك فقسه على المقياس الثابت الملازم لك طوال الليل والنهار وهو الصلاة.

قدر الصلاة ومكانتها في الإسلام

قدر الصلاة ومكانتها في الإسلام الصلاة هي الفرق ما بين المسلم والكافر، يقول عليه الصلاة والسلام والحديث في صحيح مسلم: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة) ويقول كما في سنن أبي داود وهو صحيح: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) وأجمعت الأمة على أنه ليس عمل تركه في الإسلام كفر إلا الصلاة؛ لأنه يقطع صلته بالله، ويهدم إسلامه؛ ولأنها عمود الإسلام، وفي سنن الترمذي وسنن أبي داود حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه -وهو حديث صحيح- حينما سأل النبي صلى الله عليه وسلم: عن عمل يدخله الجنة ويباعده عن النار؟ قال له: (ألا أدلك على رأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة) ولا يمكن أن يقوم إسلام لعبد وهو لا يصلي، إذ أنها آخر موقع يخسرها الإنسان في دينه، أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، فمن ترك الصلاة فلا دين له ولا أمانة، يقول عمر: [أما إنه لا حظ في الإسلام لمن أضاع الصلاة] وكان صلى الله عليه وسلم يوصي في آخر حياته ويقول للأمة: (الله الله بالصلاة، الله الله بالصلاة، الله الله بالصلاة وما ملكت إيمانكم) والله يقول: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} [مريم:59]. والذي يترك الصلاة يكفر بالله، وإذا كفر بالله انتفت عنه حقوق المسلمين وانتهى، هو مسلم بالصلاة؛ فإذا تركها تنتفي عنه كل حقوق المسلم، لا يؤاكل ولا يشارب، ولا يجالس ولا يسلم عليه، ولا يشمت إذا عطس، ولا تجاب دعوته إذا دعا، وإذا مات لا تشهد جنازته ولا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، حرام عليك إذا كان عندك ولد أو أخ وتعرف أنه لا يصلي حرام عليك إذا مات أن تأتي للناس وتقول: تعالوا خذوه وصلوا عليه وأدخلوه مع المسلمين، وإذا غدرتهم وخنتهم فإنك خائن لأمانة الله؛ لأنك قبرت كافراً بين مسلمين، وجعلت المسلمين يصلون على كافر، وغسلته وهو كافر، وإنما قال العلماء: يسحب برجله، وتحفر له حفرة، ويكب على وجهه، ولا يوجه، ولا يوضع على القبلة؛ لأنه ليس من أهل القبلة. ومن ثم تحرم عليه زوجته، إذا كان متزوجاً فبمجرد ترك الصلاة ينفسخ العقد، ولا يحتاج الأمر إلى طلاق؛ لأن الطلاق للمسلم، أما الكافر فإن عقدة يصبح فاسداً وباطلاً، ولا يجوز للمرأة المسلمة أن تمكن نفسها من كافر لا يصلي، وإذا جلست في بيته وهو لا يصلي وتعرف أنه لا يصلي، ويمر عليه الوقت ولا يصلي؛ فإنه إذا مكنته من نفسها فإنما يزني بها زنا، وأولادها منه أولاد حرام وسفاح -والعياذ بالله- وإذا علم أبوها أو أخوها أن زوجها لا يصلي وأنها معه؛ فإنما يرضون بأن تأتي ابنتهم الفاحشة والزنا وهم ينظرون؛ لأنهم إنما زوجوها بالإسلام، فلو أن عندك بنتاً أو أختاً وجاءك يهودي أتزوجه؟ هل هناك مسلم يزوج يهودياً؟ لو أعطاك عشرة ملايين ريال وهو يهودي اسمه شارون أو شامير أتعطيه ابنتك؟ والله لا تعطيه حمارك، إذاً ما الفرق بين اليهودي والذي لا يصلي؟ لا شيء، عندما زوجته زوجته باسم الإسلام؛ لأنه مسلم، وأعطيته ابنتك بكلمة الإسلام، وبخطبة الإسلام، وبآيات الإسلام؛ فإذا ترك عمود الإسلام حرمت عليه الزوجة، وإذا رضيت أن تقعد معه وأنت تعرف أنه لا يصلي فإنا لله وإنا إليه راجعون.

أهمية إقامة الصلاة جماعة

أهمية إقامة الصلاة جماعة قال عز وجل: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ} [هود:114] والتعبير بـ (أقم) فيه دلالة، ما قال الله: وصل؛ لأن إقامتها غير صلاتها وأدائها، أقم: أي أدها كما شرع الله، أولاً: في بيوت الله مع جماعة المسلمين؛ لأنه لا تقبل الصلاة كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد قرأت هذا الكلام أخيراً في كتابه العظيم الاختيارات الفقهية، يقول: إن الجماعة في المسجد شرط في صحة الصلاة إلا من عذر. أي شخص صحيح البدن ويصلي في البيت وليس مريضاً ولا خائفاً، يقول: أنا أصلي هنا وهي مقبولة، صلاته غير صحيحة، من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذرٌ لم تقبل منه صلاة صلاها. ولهذا نقول للناس الذين هم صحيحوا البدن ولا يصلون في المسجد: لا تتعبوا أنفسكم، لماذا تخدعونها؟ بالله هل سمعتم بدوام في البيوت؟ ما رأيكم في موظف يقول: أنا لا أريد أن أداوم في الإدارة، وسوف آخذ طاولتي والمعاملة ترسلوها إلي، وأنا سأجلس أداوم في البيت من أجل تكون زوجتي عندي والفراش والشاي، وإذا نمت نمت، ما رأيكم. هل يعطونه راتباً؟ يقولون: لا. دوام الحكومة في دوائر الحكومة، فإذا أردت أن تداوم في بيتك خذ الراتب من عند زوجتك. وكذلك هذا الذي يصلي نقول له: صلاة الله في بيوته، والذي يريد أن يصلي في بيته يأخذ الراتب من زوجته، ليس له أجر على صلاته هذه إلا من عذر، وما العذر؟ خوف أو مرض، إذا خرجت خفت أن تقتل، أو مرض إذا دخل عليك الدب الأسود من غرفتك ما قمت تصلي. أما وأنت معافى وآمن، فلا تصح فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص للأعمى الذي كانت تحيط به ظروف قاسية جداً، جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله! إني رجل أعمى، ضرير البصر) وتصور لو أنك أعمى وطلب منك الآن أن تخرج من هذه الصالة، تغمض عينيك دقيقة فقط ولا تزيد، كيف تتحول الحياة في نظرك؟ من يسوق سيارتك؟ وإذا رجعت إلى بيتك كيف ترى بيتك؟ وكيف تعرف جمال زوجتك؟ وكيف تعرف جمال غرفة نومك وجمال أولادك؟ كيف تعرف السماوات؟ كيف تعرف موديلات السيارات؟ كيف تعرف أشكال العمارات؟ كيف تعرف اتساع الشوارع؟ من الذي يعطيك تعبيراً وتفسيراً لكل هذه الدنيا وجمالها، ولهذا من صبر على فقد عينيه كان له عند الله الجنة. فهذا الرجل ضرير البصر أعمى، يقول: إنني أعمى، بعيد الدار، يقولون: كان بينه وبين المسجد أكثر من أربعة كيلو مترات، والمدينة كثيرة الهوام، ليست الشوارع مزفلتة ولا مضاءة، لكن حفر وأشواك ووديان وهوام، وحيَّات وعقارب وسباع، ومن ثم قال: (وليس معي قائد يقودني). يقول: ما معي واحد على مدة أربع وعشرين ساعة باستمرار، قد أجد شخصاً مرة ولا أجد الثانية، ومن يدلني على المسجد؟ وكيف أتخبط يا رسول الله! وأنا أعمى وبعيد الدار؟ وكيف أفعل؟ قال: (أتسمع النداء؟ قال: نعم. قال: فأجب. لا أجد لك رخصة). إذاً: فما رأيك أنت يا من ترى ألك رخصة؟ احكم على نفسك بنفسك! ما رأيك أنت يا من أنت قريب من المسجد ألك رخصة؟ ما رأيك يا من تربطك بالمسجد شوارع مزفلتة ومضاءة؟ بل بعضهم لديه سيارة عند بابه، يشغلها إذا كان بعيداً ويمشي إلى المسجد ويصلي، يقوم من غرفة نومه لا يخرج إلى الخلاء كما كان الناس في الماضي، كانوا يخرجون من بيوتهم إلى الخارج يأخذون من القربة ماء، فتلفحهم الرياح الباردة في الظلام الدامس، ويتوضئون في الخلاء، ومن ثم تتشقق أقدامهم ووجوههم من البرد والماء البارد، اليوم لا. تخرج من غرفة نومك إلى الحمام الخاص بغرفتك، حتى ما تخرج إلى غرفة أخرى، كل موديلات البيوت الآن غرفة نوم وحمام داخلي، ومن ثم تدخل وتفتح الصنبور فينزل عليك الماء حاراً، تريد أن تعدله تفتح الصنبور الثاني فيصبح من أحسن ما يمكن. وقد أخبرتكم أن شخصاً من تهامة جاء مرة عندي، ففتحت له الصنبور يريد أن يتوضأ، فنزل عليه الماء وإذا به حار، قال: أوه! قلت: ماذا بك؟! قال: ماء حار نزل من الجدر علي، لم ير (طباخة) ولا (دافوراً)، قلت: ماء حار من عندنا، قال: الحمد لله. هذه نعمة -يا إخوان- تفتح وتتوضأ بالماء الحار، وأنت واقف والمنشفة أمامك تمسح، وتدخل غرفة نومك تلبس ملابسك الداخلية، ثم تلبس ملابس الصلاة، ثم تخرج تذكر الله في شوارع مضاءة ومزفلتة: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور:36 - 37]. هل لك عذر بعد هذا؟ ليس لك عذر والله، فأقم الصلاة في المسجد، وبكامل الطهارة في البدن والثوب والمكان، ومن ثم بكامل حضور القلب والخشوع.

أهمية الخشوع في الصلاة

أهمية الخشوع في الصلاة لا تأت تصلي وأنت تخطط لمزرعتك وعمارتك ودروسك، ولتجارتك ومشاغلك، بعض الناس يدخل في الصلاة ويقول: الله أكبر، ثم يسلم ولم يعرف ما قرأ الإمام، هذا ما صلى حقيقة؛ لأنه يكتب للعبد من صلاته ما حضر فيها قلبه، حضرت ربعها لك ربعها، حضرت نصفها لك نصفها، لم تحضر ما لك شيء، فلا بد أن تحضر قلبك -يا أخي- لا توسوس وتستسلم للشيطان، ومن ثم إذا انتهت الصلاة -ومدتها عشر دقائق- اقعد ووسوس إلى الفجر. يأتي بعض الناس صلاة العشاء، كم صلاة العشاء؟ أطول صلاة للعشاء عشر دقائق، فمن بداية دخوله للصلاة وهو يوسوس، وبعد أن ينتهي من الصلاة ينتهي الوسواس، إذا أحضروا له سفرة الطعام الأرز، واللحم، والشربة، والإدام، والحلوى، والفواكه؛ لا يوسوس في شيء إلا في الصحن هذا، من أين يأكل؟ ومن أين يأتي؟ وبقي هذه، وبقي قسمنا هناك، لكن في الصلاة تأتيه الأفكار، وإن كان عنده عمارة جاءه الشيطان قال: ما رأيك في العمارة؟ المخطط ليس سليماً، و (البرندة) الفلانية ما تستفيد منها، والدرج ليس موقعه جيداً، وذلك الجانب تشكيلته ليست جيدة، فيعطيه أفكاراً؛ فإذا انتهى من الصلاة شطب على المخطط ونسيها، فلا صلى ولا خطط. من أين تأتي الأفكار للناس؟ من الشيطان في الصلاة، فلابد من حضور قلبك؛ لأنك إذا لم يحضر قلبك فلا صلاة لك، يقول العلماء: إن الصلاة جسد والخشوع روح، ولا قيمة للجسد إلا بوجود الروح، إذا مات الميت الآن ما الذي يخرج منه؟ الروح، إذا خرجت الروح هل بقي شيء من الجسد؟ الجهاز الهضمي والسمعي والبصري والتنفسي والعظمي والدموي كل شيء موجود، لكن ذهبت الروح، فماذا يسمونه؟ يقولون: الجنازة، أو المرحوم، أو الهالك، لكن إذا ردت الروح إليه تصبح له قيمة، ولو ذهبت عينه أو يده، أو تقطع قطعة قطعة وبقيت روحه له قيمة، وكذلك الصلاة لا قيمة لها إلا بالخشوع وبروحها، فإذا حضر القلب في الصلاة لها قيمة، فلا بد من حضور قلبك في الصلاة. ومن ثم حتى تكون مقيماً للصلاة لا بد أن يكون لها أثر في حياتك؛ لأنه إذا كان هناك انفصال بين سلوكك وصلاتك فكأنك ما صليت؛ لأن الله يقول: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45] فكونك تصلي وتخرج من باب المسجد تنظر إلى النساء فما صليت حقيقة، بعضهم يخطط للمعاصي في الصلاة، أين أسهر الآن؟ وأين أذهب أتلفت؟ ومن أكلم في الليل؟ ومن أطلع له؟ ومن أكتب له؟ ومن أمشي معه؟ وهو يصلي، يخطط لمحاربة الله في الصلاة، ما رأيكم في صلاته هذه؟! أعوذ بالله من الشيطان الرجيم! {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر} [العنكبوت:45] فوالله -يا أخي- ما دمت متمسكاً بالصلاة؛ فإن الله عز وجل يريد بك خيراً؛ لأنك مع الله، كلما دعوت الله عز وجل أجابك، بينك وبين الله اتصال. يقول العلماء: إن الصلاة صلة بين العبد وبين الله، بإمكانك أن تتصل إلى الله في كل حين، لكن إذا قطعت الحرارة وقطعت الصلاة واتصلت على الله لا يجيب؛ لماذا؟ لأنه ليس بينك وبين الله رابطة، الحرارة مقطوعة، ما سددت فواتير الهاتف، ما ذهبت إلى المسجد تصلي، مقطوع عن الله، وقولوا لي بربكم: أي قيمة لإنسان يعيش في هذه الحياة وهو مقطوع عن الله؟!! أي وزن له وأي معنىً له؟!! والله لا معنى للإنسان بغير دين ولا صلاة، مثله كمثل الحيوان، بل أشد وأنكى عند الله، يقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12]. هذا القارب الثاني وفيه صعوبة، لا تتصورون أن المسألة فيها يسر، فيها صعوبة كونك تلزم نفسك بالصلوات الخمس في أول الأمر تجد صعوبة، شأنك في هذا شأن أي شخص يمارس أي عمل جديد، الطفل الصغير إذا وقف ويراد منه أن يمشي يجد أن المشي من أصعب المشقات عليه، تراه واقفاً وأبوه يجلس بعيداً عنه ويقول: تعال تعال! فأحياناً يقع وأحياناً يسير، ومن ثم في اليوم الثاني يمشي مرة خطوة، ومرة خطوتين، وبعد أسبوع يمشي، وبعد أسبوع لا يدع مكاناً في البيت، يذهب يكسر، حتى أمه تقول: يا الله يمشي، فإذا مشى قالت: الله أكبر عليك، وبعدها تربط رجله في الباب، أليس كذلك؟ فكل عمل يمارسه الناس في أول الأمر يصير فيه صعوبة، لكن بعد الاستمرار فيه يصير سهلاً. أنت الآن عندما تأتي في عملك وتسلم عملاً جديداً عليك، وترى التعليمات والنظم واللوائح والتعاميم، تقول: والله هذا لا أقدر عليه، أظن أني سأفشل فيه، لكن ما إن يمر فيه شهر أو شهران أو ثلاثة، وتراجع معاملاتك، وتمر عليك حالات جديدة وتعالج، وتستشير هذا، وتأخذ رأي هذا، وتأتي بمعلومات من هذا، بعد سنة وإذا بك عندك خبرة كاملة، ولذا يعتد ويعتبر بالخبرة الآن في حياة الناس، إذا كنت تريد أن توظف مهندساً جديداً عندك، شخص تخرج منذ فترة قليلة وشخص تخرج قبل خمس سنوات، وأتاك أحدهما تقول له: كم مدة خبرتك؟ يقول: خمس سنوات، تعطيه أفضلية في التعيين، لماذا؟ لأن خبرته زودته بإمكانيات لتسيير عمله، لكن الجديد هذا يجلس سنتين يجرب ويتعلم. فكذلك أنت إذا جئت ودخلت من باب الإيمان، لتركب إلى ساحل النجاة وقارب نجاة الصلاة، سوف تجد صعوبة في أن تستيقظ لصلاة الفجر كل يوم؛ لأنك متعود طيلة حياتك أنك تنام هذه النومة، لكن اجبر نفسك، تجد صعوبة أنك كل يوم خمس مرات آت ذاهب إلى المسجد، لكن بعد أيام يصبح خلقك الصلاة في المسجد، شخص من الناس كان جارنا يسكن في بيته ومن ثم لم يأت ليصلي، فجاء إليّ جيرانه، وقالوا: يا إمام! الرجل هذا لا يصلى معنا، قلت: هيا نزوره، فزرناه، وقدم لنا شاياً، وقلنا: جزاك الله خيراً، أنت ضيف جديد على الحي والمسجد قريب منك، ونريد منك إن شاء الله أن تصلي معنا؛ لأنك مسلم، ونحن إخوة نحبك في الله ونريد لك الخير مثلما نحب لأنفسنا، قال: جزاكم الله خيراً، وإن شاء الله أصلي، فودعناه وشكرناه وخرجنا، جاء وصلى فريضة واحدة، وبعدما صلى فرحنا، وانقطع أسبوعاً أو أسبوعين ولم نعد نراه، جاء جماعته، قالوا لي: يا إمام! الرجل صلى معنا مرة ومن ثم لم نعد نراه، قلت: نذهب إليه، ذهبنا لزيارته، قلنا: جزاك الله خيراً زرناك قبل هذه المرة، وقلنا لك عن الصلاة، وأتيت صليت، قال: نعم الحمد لله صليت، قلنا: كم صليت؟ قال: مرة، قلنا: لا. ليست مرة، قال: كيف؟ قلنا: كل يوم خمس مرات، قال: الله! كل يوم خمس مرات! قال: خمس مرات ذاهب وخمس مرات راجع؟!! قلنا: خمس مرات ذاهب وخمس مرات راجع، قال: والله هذه صعبة! يقول: قلت: وما ظنك؟ قال: أنتم قلتم لي صل، يعني: صلاة واحدة فقط، يظن أنها صلاة واحدة، ويريد أن يدخل الجنة بصلاة واحدة، وهو يدرس (12) أو (16) سنة، حتى وجد له وظيفة بألفي ريال، وهو يريد أن يدخل الجنة بركعتين صلاها في المسجد، وقال: صليت، سبحان الله ما أجهل الناس! قلنا: لا يا أخي! لا بد أن تصلي كل يوم خمس مرات، في الفجر الساعة كذا وفي الظهر وهكذا، قال: حاضر، وفي اليوم الثاني أخبرني الجيران أنه ذهب وأحضر سيارة وخرج من البيت، قال: والله ما تخارجني هذه الشغلة! فلا بد أنك تصبر في بداية الأمر، وفي فترة التدريب، ومن ثم بعد أسبوعين شهرين ثلاثة شهر تصبح خلقك ومزيتك الصلاة.

من قوارب النجاة ملازمة ذكر الله سبحانه وتعالى

من قوارب النجاة ملازمة ذكر الله سبحانه وتعالى القارب الثالث من قوارب النجاة: ذكر الله عز وجل. وذكر الله من أعظم ما ينجو به العبد من عذاب الله في الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (ألا أدلكم على أفضل الأعمال عند مليككم، وأزكاها لكم عند ربكم، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: ذكر الله عز وجل). وقال عليه الصلاة والسلام فيما يحكيه عن ربه عز وجل: (أنا مع عبدي ما ذكرني أو تحركت بي شفتاه، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إليَّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إليَّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة، وكنت إليه بكل خير أسرع) حول (الموجة) على الله وسترى أن ربي يقبلك ولا يردك، لكن إذا أعرضت عنه وزغت عن طريقه لا يرجعك؛ لأنه غني عنك، قال الله: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5] وقال: {انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [التوبة:127] والعياذ بالله. فانتبه لئلا تزيغ، ولا تنصرف عن الله، ولا تولي وجهك عن ربك وإنما ولِّ وجهك إلى الله، ومن ثَم أبشر ستتوجه لك كل خيرات الدنيا والآخرة إذا وجهت وجهك إلى الله: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:50]. ذكر الله من أعظم القربات، يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل الذي يذكر الله والذي لا يذكر الله كمثل الحي والميت) ويقول الله عز وجل: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] ويقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] وأثنى الله على عباده المؤمنين والمؤمنات فقال: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:35]. وذكر الله مطلوب من العبد في كل أحواله، حتى قال الله في آخر سورة آل عمران: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران:190] من هم؟ قال: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران:191] وهذه هي الحالات الثلاث التي لا يكون العبد إلا فيها، إما قائماً أو قاعداً أو نائماً؛ فهو يذكر الله قائماً وقاعداً ونائماً، قال: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191] فذكر الله عز وجل مطلوب منك أيها المسلم.

أقسام ذكر الله

أقسام ذكر الله الذكر له خمسة أقسام أذكرها لكم بسرعة: القسم الأول: ذكر الله عند ورود أمره. إذا ورد عليك أمر الله بالصلاة أو بالصوم أو بالحج، فإنك تذكر الله بتلبية الأمر؛ لأن الله يقول: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:14] لو أنك نائم في الفراش وسمعت المؤذن ورددت معه، ثم استعذت بالله من الشيطان وقمت تصلي، هذا هو الذكر، أنت ذاكر ذكراً عملياً، لكن لو أن شخصاً ردد مع المؤذن ووضع البطانية تحت رأسه وجلس يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، ولم يقم يصلي، ما رأيكم في ذكر هذا؟ هذا ذكر كذاب، إنما الذكر ما أقامه إلى الصلاة. القسم الثاني: ذكر الله عند ورود نهيه. أنت تمشي في الشارع ومرت عليك امرأة متبرجة وجميلة، ودعاك الشيطان والهوى إلى النظر، ولكنك ذكرت أن الله ينظر إليك ويراك، فصرفت بصرك، ما الذي جعلك تصرف بصرك؟ ذكر الله، ليس ذكر الله الكلامي، ذكر الله العملي، ذكرت أن الله يراك، فغضضت بصرك، أنت ذاكر لله أعظم ذكر. القسم الثالث: ذكر الأحوال والمناسبات. ذكر الصباح والمساء، والأكل والشرب، والنكاح، ودخول المنزل والخروج منه، ولباس الثوب؛ لأن ما من حركةٍ من حركات المسلم ولا سكنة من سكناته إلا وعليها أمر وشرع وهدي من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، كل شيء، إذا أتيت لتنام فهناك ذكر، تقول: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، ففرق بينك وبين من يأتي ينام، فيضع يده على الراديو ويبحث إلى أن يجد إذاعة فيها أغنية ومن ثم ينام -والعياذ بالله- فتأتي الملائكة ترى هذا الجيفة الذي لا يستحق أنه يحرس فتتركه، فيأتي الشيطان ويسيطر عليه -والعياذ بالله- أما إذا قلت: باسمك ربي وضعت جنبي، وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين، هرب الشيطان وتولى الملك حراستك، حتى يوقظك لصلاة الفجر، فتنام على ذكر الله. إذا انقلبت من النوم كلما انقلبت من جنب إلى جنب قل: لا إله إلا الله، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله. في الحديث والحديث صحيح (من تعارَّ من الليل -أي: من انقلب أو انتبه في الليل- فقال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ثم صلى ودعا الله إلا استجيب له). ومن ثم إذا استيقظت أول ما تفتح عينك وأنت جالس تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور، اللهم ابعثني إلى كل خير، أصبحت على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، ودين نبينا محمد، وملة أبينا إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين. ثم تستعيذ من الشيطان، وتقوم تتوضأ. قبل أن تدخل الحمام هناك تقدم رجلك الشمال وتقول: باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، ومن الرجس النجس الشيطان الرجيم. ومن ثم إذا قضيت حاجتك وخرجت، عندما تخرج تقدم رجلك اليمنى وتقول: باسم الله، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني، غفرانك، ثم تتوضأ فتقول: باسم الله، انتهيت من الوضوء تستقبل القبلة، وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين. ومن ثم إذا لبست ثيابك ففيه ذكر، وإذا نظرت إلى المرآة أمامك فيه ذكر. إذا خرجت من بيتك إلى الخارج تقول: باسم الله، توكلت على الله، آمنت بالله، اعتصمت بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله! اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أظلم أو أظلم، أو أزل أو أُزل، أو أجهل أو يجهل علي، اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي سمعي نوراً، وفي قلبي نوراً، ومن أمامي نوراً، ومن خلفي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن شمالي نوراً، ومن فوقي نوراً، ومن تحتي نوراً، اللهم أعظم لي نوراً. ما رأيك في هذا الكلام؟ هل ربك يتركك وأنت على هذا الذكر. تدخل المسجد تقدم رجلك اليمنى، وتقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، باسم الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك واغفر لي ذنوبي، ومن ثم تصلي، وتنتهي من الصلاة وتخرج، ومن ثم تلبس ثوبك، وتأكل الطعام، وتأتي زوجتك، تسمع الرياح تهب، ينزل المطر، تأكل من الثمار، كل حياتك فيها ذكر، من أين تتعلمها هذه؟ من كتب العلم، وهناك كتاب أدلكم عليه اسمه: " الوابل الصيب من الكلم الطيب " الذي ليس موجوداً عنده فليشتره ولو من هذه الليلة، ثمنه عشرة ريالات قيمة كيلو عنب، كيلو عنب تأكله، ولكن هذا الكتاب يظل معك إلى أن تموت، وإذا مت تورثه لأهلك، وهذا الذكر الثالث اسمه ذكر الأحوال والمناسبات. القسم الرابع: الذكر العددي، الذي طلب الشرع من المكلف فعله بعدد معين، مثل حديث رواه البخاري عن ابن عمر قال: قال عليه الصلاة والسلام: (من قال في يوم مائة مرة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير؛ كتب الله له مائة حسنة، ومحا عنه مائة سيئة، وكانت حرزاً له من الشيطان يومه ذلك، وكان كمن أعتق عشر رقاب، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به، إلا رجل قال مثلما قال أو زاد) في صحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (من قال في يوم مائة مرة: سبحان الله وبحمده غفر الله له ذنوبه ولو كانت عدد رمل عالج، أو زبد البحر) وفي صحيح مسلم: (من قال عقب كل صلاة: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر) وبعدها يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. هذا هو النوع الرابع، اسمه: الأذكار العددية التي حددها الشرع بعدد معين؛ لأن العدد مقصود ومراد لذاته، فينبغي أن تعده كما تعد الذهب. القسم الخامس والأخير هو: الذكر المطلق في كل أحوالك. في طريقك وفي سيارتك وعلى فراشك تقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ لأنهن الباقيات الصالحات، يقول فيهن النبي صلى الله عليه وسلم والحديث صحيح: (لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، خير وأحب إليّ مما طلعت على الشمس) هذا قارب وستر ونجاة كبيرة من النار ومن عذاب الله عز وجل ألا وهو ذكر الله عز جل. فيا من تريد النجاة تمسك واركب في هذه القوارب، اركب معنا ولا تكن مع الكافرين، ولا تكن كما قال ابن نوح: {سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} [هود:43] لأنه لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم، حتى لا يحول الموت بينك وبين قوارب النجاة فتكون من المغرقين الهالكين، هناك تندم وتقول: {يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} [الفرقان:27 - 29]. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن ينجينا وإياكم من عذابه، وأن يعيننا وإياكم جمعياً على سلوك هذا الطريق، وركوب هذه القوارب، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الأسئلة

الأسئلة

ضرورة التوازن بين الاهتمام بالجانب الروحي والجانب الجسدي

ضرورة التوازن بين الاهتمام بالجانب الروحي والجانب الجسدي Q ذكرتم يا فضيلة الشيخ! أن الإنسان لا بد أن يوازن بين الجانب الروحي والجانب الجسدي، ولكن الشباب الملتزمون يهتمون بالجانب الروحي ويهملون الجانب البدني، ظناً منهم أن ذلك لا يليق بالمسلم، فهل هذا صحيح؟ A لا. ليس صحيحاً، لكن الاهتمام بالجانب الجسدي ليس كما نتصوره نحن فقط هو الاهتمام بالرياضة، الاهتمام بالجسد يشمل الرياضة، وحفظ الصحة، والغذاء الصحي المناسب، ويشمل الكساء والفراش والبيت، كل هذه اسمها حقوق الجسد، ليس حقوق الجسد فقط محصورة في مزاولة التمارين أو الجري أو لعب الكرة أو غيرها، هذا جانب، فكون الشاب لا يمارس الرياضة المتعارف عليها، لا يعني أنه لا يهتم بجسده، لا. ولكن إذا تصور هو أن ممارسة الرياضة تتنافى مع التزامه فهو مخطئ، أبداً، ليس في ممارسة الرياضة البريئة التي تمارس وفق الشرع، ولا تصد عن ذكر الله، ولا عن الصلاة، ولا تكشف فيها عورة، ولا يلتقي فيها بإخوان سوء يعملون منكراً أو يعينون على منكر ليس فيها شيء، بل ربما تكون وسيلة دعوة إن شاء الله، أعرف أنه يوجد من الشباب من التزم واحتك بزملاء آخرين عن طريق الرياضة وأثر فيهم وقادهم إلى ساحل النجاة والدعوة إلى الله عز وجل.

النفخ في الصور

النفخ في الصور إن يوم القيامة يوم عظيم؛ ولأجل ذلك سمي بأسماء كثيرة، وهو يبدأ بالنفخ في الصور، حيث يمثل النفخ في الصور الفترة الانتقالية الفاصلة بين عالم الدنيا وعالم الآخرة، وهذا الحدث له ما بعده وله أهميته هذا هو موضوع حديث الشيخ في هذا الدرس، فقد تحدث عن النفخ في الصور، مبيناً صفته وصفة النافخ فيه، والفرق بين نفخة الصعق ونفخة البعث، ثم ذكر أن هناك أقواماً استثناهم الله تعالى من نفخة الصعق فهم لا يصعقون.

فضل مجالس العلم والإيمان

فضل مجالس العلم والإيمان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين. وبعد: يحتاج المسلم وهو يسير في هذه الحياة ويقطع مراحلها ويشهد تقلباتها يحتاج إلى غذاء وزاد، وما هذه الجلسات الإيمانية والدروس العلمية التي يحرص عليها المؤمن إلا زاداً يزيد المسلم والمؤمن قوة، ويمده بتأييد وعون حتى يستطيع مواصلة السير في ثبات وقوة وأمان واستقرار؛ لأن العوائق والموانع كثيرة، والمثبطات والمؤثرات كثيرة جداً، وما لم يتولاك الله برعايته ويحميك بعنايته بعد أن تقبل عليه، وتبحث عن أسباب النجاة بين يديه، وتعود وتعاود، وتكرر الجلوس في بيوته، وإلا فإن الإنسان عرضة للانزلاق وللخطر والهلاك في هذا الزمان الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بغربة الدين في آخر الزمان، ولكن بالمداومة على مجالس الذكر وبسماع العلم ينشط القلب ويستمر في السير؛ ولذا فإن من أهم ومن ضروريات حياة المؤمن أن يحرص على هذه المجالس، وهي لا تشكل مشكلة من فضل الله، وما هي إلا وقت بسيط ويسير بين المغرب والعشاء مرة أو مرتين أو ثلاثاً في الأسبوع، لو قست ساعات الجلوس فيها على ساعات الأسبوع كاملة لكانت النسبة ضئيلة، ولكن فيها بركة وخير تستطيع بها -إن شاء الله- أن تثبت على الطريق وأن تسير على خطا قوية ثابتة تعرف كيف تعبد الله وتسير إلى إليه وتتجنب المخاطر والمعاطب والمعوقات حتى تصل إلى الله بسلام. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يثبتنا وإياكم على السير في هذا الطريق، وأن يحمينا وإياكم من المعوقات حتى نلقاه وهو راض عنا إنه على كل شيء قدير.

عظمة يوم القيامة

عظمة يوم القيامة موضوع اليوم سيكون عن (النفخ في الصور) بعد أن تكلمنا في الأسبوع الماضي عن (أسماء يوم القيامة) وذكرنا أن لها أسماءً كثيرة استطعنا أن نتحدث عن اثنين -أو ثلاثة- وعشرين اسماً من أسمائها، وقلنا: إن تعدد الأسماء للشيء يدل على عظمته، فعظمة الساعة وشدة هولها جعلت لها مسميات كثيرة، هذه المسميات بمدلولاتها تبين جزءاً من عظمة هذه الأهوال التي تكون يوم القيامة: الحاقة الصاخة الطامة الواقعة كل هذه أسماء كثيرة جداً تقرع القلوب، وتهز النفوس، وتبين عظمة الأحداث التي سوف تكون في ذلك اليوم.

بداية يوم القيامة

بداية يوم القيامة يبدأ أول حدث من أحداث يوم القيامة وهي الفترة الانتقالية الفاصلة بين عالم الدنيا وعالم الآخرة بالنفخ في الصور، ولذا فهذا الحدث له ما بعده، وله أهميته، فالكون العجيب الذي نعيش فيه يعج بالحياة والأحياء الذين نشاهدهم والذين لا نشاهدهم، فإن ما غيب الله عز وجل عن أبصارنا أعظم مما أبدى لنا، ولهذا يقول الله عز وجل: {فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الحاقة:38 - 43] فما أبصرنا وما كشف الله لنا في عالم المشاهدة ليس إلا شيئاً يسيراً مما أخفاه الله من العوالم الأخرى التي لا نراها؛ ولذا فقد وصف الله عز وجل أهل الإيمان بأن من أبرز صفاتهم ومن أهم علاماتهم الإيمان بالغيب فقال: {ألم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:1 - 3] هذه أول صفاتهم، فما غيب الله عن أبصارنا أكثر مما أظهر لنا والعالم المشاهد ليس إلا نماذج بسيطة من العالم المغيب عن الأبصار. وهذه العوالم ما كان منها في عالم الغيب أو عالم الشهادة فإنها في حركة دائبة لا تتوقف ولا تهدأ، وستبقى على هذا الحال في حركتها إلى أن يأتي اليوم الذي يأذن الله تبارك وتعالى بفناء العالم وهلاك من على وجه الأرض حين يقول: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27] ويقول عز وجل: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88] وهذا الحدث سيكون عندما يأمر الله عز وجل بالنفخ في الصور فتنتهي الحياة في الأرض وفي السماء وتنتهي جميع عوالم الأرض والسماء المشاهدة وغير المشاهدة، يقول عز وجل: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} [الزمر:68 - 70].

أقسام الناس يوم القيامة

أقسام الناس يوم القيامة ينقسم الناس بعد الحساب وبعدما يؤتي بالكتب وبالموازين ويفصل بين العباد إلى فريقين: فريق يساق إلى النار، وفريق يساق إلى الجنة، يقول عز وجل: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً} [الزمر:71] أي: مجموعات، كل مجموعة مع من يشاكلها، وهذا فيه زيادة للعذاب، أي: يجمع الزناة سواء، فما يأتي زان أو اثنان، بل كل الزناة على وجه الأرض منذ خلقهم الله إلى يوم القيامة يأتون كلهم في شعب واحد وتسوقهم الزبانية إلى النار قال العلماء: إن في سوق كل أهل معصية سواء فيه تيئيس من الرحمة؛ لأن الزاني إذا رأى نفسه لوحده قال: يمكن أن أدخل في رحمة الله، لكن عندما يراهم ملء الوديان والشعاب يقول -وهؤلاء كلهم مثله-: إذاً ليس هناك أمل في النجاة، فالزناة سواء، واللوطة سواء، واللصوص سواء، والقتلة سواء، والملاحدة سواء {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً} [الزمر:71] وهذا معنى قول الله عز وجل: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً} [النبأ:18] أي: مجموعات، يفوج الناس ويجمعون ويقسمون ويفصلون بحيث يكون كل فوج وكل مجموعة مع ما يشاكلها من العمل. {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الزمر:71] * {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر:72] نعوذ بالله جميعاً من هذا المصير! وأما أهل الإيمان -جعلنا الله منهم- فيقول الله تعالى فيهم: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً} [الزمر:73] أي: مجموعات، لتبدو رحمة الله عليهم؛ الشهداء مع الشهداء، والنبيون مع النبيين، والصالحون مع الصالحين، الأولياء مع الأولياء، وأهل الصيام مع أهل الصيام، وأهل الزكاة المتخصصون الذين يبذلون أموالهم في سبيل الله سواء مع بعضهم؛ ليعرف الواحد أنه ليس لوحده في هذا المجال وليس لوحده في هذا الطريق، بل معه المجموعة الكبيرة من عباد الله، فيأنس ويفرح إن كان من هؤلاء الناجين -نسأل الله وإياكم من فضله-. {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ} [الزمر:73] الأمن والطمأنينة والسلام عليكم؛ لأنكم سلمتم من عذاب الله، فقد سالمتم الله في الدنيا، وما تعرضتم لمساخط الله، ولا اجترأتم على حرمات الله عشتم في الدنيا في سلام ومتم في سلام وبعثتم في سلام، فالسلام والأمن عليكم، {طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر:73]؛ لأنكم كنتم طيبين في الدنيا، طابت أعمالكم، وأخلاقكم، وسلوككم، وعقائدكم، وعبادتكم، وحياتكم، وبيوتكم، وأسماعكم، وأبصاركم، وفروجكم كنتم طيبين لا تقعون إلا في الطيب (طِبْتُمْ) أي: في الدنيا، نسأل الله من فضله {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الزمر:74] يقول أهل الجنة هذه الكلمة بعد أن يبشروا بالجنة {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} [الزمر:74]؛ لأن المؤمن معه وعد من الله إلى الآن ولا يدري ماذا عليه، لا يدري هل يحقق الله له وعده بدخوله الجنة إذا سلم من الآفات، أم يردَّ عمله عليه بسبب منه وإن الله لا يظلم أحداً! الله لا يظلمك ذرة لكن قد يكون المانع منك أنت، فقد تعمل عملاً وتفسده، وقد تعمل عملاً تظن أنه صالحاً وهو غير صالح، ليس لوجه الله، ولكن اعمل واجتهد واجتنب أمرين: الشرك، وهو الرياء، فهو الذي يحبط العمل، والمخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، واجعل عملك خالصاً وصواباً، وثق بأن الله لن يضيع عملك؛ لأن الله تعالى يقول: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:195]. {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [الزمر:74] * {وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزمر:75]، نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلنا وإياكم وآباءنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا وزوجاتنا وذرياتنا وجميع إخواننا المسلمين من هذه الزمر الناجية التي تساق إلى الجنان سوق التكريم والتشريف مع عباد الله الصالحين، إنه على ذلك قدير.

نفخة الصعق

نفخة الصعق هذه هي النفخة الأولى، قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الزمر:68] تسمى النفخة المدمرة؛ نفخة مدمرة مهلكة لا يبقى معها حياة، صعق، والصعق هو: الموت والفناء والدمار والهلاك، يصعق الناس فيموتون في لحظة واحدة مع هذه النفخة، نفخة مدمرة يسمعها المرء فلا يستطيع أن يوصي بكلمة واحدة بل يموت لتوه، ولا يقدر أن يعود إلى أهله أو بلاده أو خلانه يقول عز وجل: {مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ * فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} [يس:49 - 50]؛ لا يستطيع أن يوصي بعد النفخة، ولا يستطيع أن يعود. وفي الحديث الذي يرويه الإمام مسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتاً ورفع ليتاً) والليت: هو الرقبة؛ صفحة العنق. وأصغى، أي: أمال، فأنت عندما تريد أن تسمع كلاماً كثيراً تميل رأسك وتركز من أجل سماع الصوت، فما يسمع هذه النفخة أحد إلا أصغى ليتاً ورفع ليتاً: (وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله) أي: ينظف الحوض الذي تشرب فيه الإبل، فقال: (فيصعق ويصعق الناس من بعده) وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سرعة هلاك العباد فقال: (ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه) أي: شخص يشتري ثوباً فينشر الثوب لكي يراه وهو بينهما فلا يبيعانه ولا يطويانه من سرعة الأمر (ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه) أي: أخذ اللبن من الناقة فلا يذهب به إلى بيته ليطعمه (ولتقومن الساعة وهو يلوط حوض إبله فلا يسقيها، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فمه فلا يطعمها) والحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه.

تعريف الصور وصفة النافخ فيه

تعريف الصور وصفة النافخ فيه حسناً ما هو هذا الصور الذي ينفخ فيه؟ الصور في لغة العرب: القرن، وقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عنه ففسره بما يعرف العرب من كلامهم، وفي سنن الترمذي وأبي داود وابن ماجة ومسند أحمد ومستدرك الحاكم، وقال الحاكم: هذا الحديث صحيح الإسناد، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأعرابي سأله: (ما الصور؟ قال: الصور قرن ينفخ فيه، وهو حاوٍ لجميع أرواح العباد) هذا الصور ما من روح تخرج من جسد إلا وتذهب إلى هذا الصور، لها محل تستقر فيه إلى أن يأتي ذلك اليوم الذي ينفخ فيه النفخة الثانية، أما النفخة الأولى فهي نفخة الصعق، والناس لا يخرجون مع النفخة الأولى، إنما يخرجون مع النفخة الثانية، قال تعالى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68]. والنافخ في الصور المشهور عند أهل العلم أنه ملك من الملائكة العظام وهو إسرافيل عليه السلام، وقد وقع التصريح باسمه في أحاديث، منها: حديث أبي هريرة في حديث الصور الطويل الذي صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة. وإسرافيل ملك عظيم، والملائكة كلهم ضخام غلاظ، يعني: لهم خلقة تختلف عن خلقة البشر، وما البشر بالنسبة لهم إلا كالذر بل أصغر من الذر؛ إذا كان الواحد من حملة العرش يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم والحديث ذكره الإمام السيوطي في صحيح الجامع، يقول: (أذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام) وفي بعض روايات الحديث: (خفق الطير) أي: سرعة الطير، هذه رقبته التي هي عندنا تساوي (5سم) أو أربع أصابع رقبتي ورقبتك! أما الملك فطول رقبته مسيرة سبعمائة عام، وفي الأحاديث الصحيحة حينما وصف النبي صلى الله عليه وسلم جبريل شديد القوى؛ أخبر أن له ستمائة جناح، وأنه فرد اثنين منهما حين جاء بالوحي فسدَّ ما بين الخافقين، أي: ما بين المشرق والمغرب انحجب باثنين من الأجنحة، وبقي خمسمائة وثمانية وتسعون جناحاً، وأن جبريل حينما أرسله الله لتعذيب وتدمير قرى قوم لوط غرس جناحه فدخل في الأرض إلى أن استقر في الأرض السابعة، ثم حملها بقراهم ومدنهم وبكل ما معهم حتى الكلاب والقطط، إلى أن بلغ بهم عنان السماء على جناحه ثم قلبها عليهم! قال الله تعالى: {مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ} [التحريم:6] وورد في بعض الآثار صفة إسرافيل هذا: (أن رجليه تحت تخوم الأرض السابعة، وركبتيه في السماء السابعة، والعرش على كاهله، ورقبته ملوية تحت العرش، وقد قدم رجلاً وأخر أخرى، وعين في الرحمن وعين في الصور ينتظر الأمر من الله عز وجل بالنفخ في الصور) حتى ورد في بعض الآثار أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رآه ليلة الإسراء والمعراج قال: (إني ظننت من تأهبه أني ما أبلغ الأرض حتى تقوم الساعة) وذلك لاستعداده، وقال في حديث آخر: (كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم الصور). وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن إسرافيل مستعد دائماً للنفخ فيه منذ أن خلقه الله عز وجل، ففي مستدرك الحاكم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن طرف صاحب الصور منذ خلق مستعد ينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه، كأن عينيه كوكبان دريان) العين مثل الكوكب الدري، وهو النجم الكبير! إذاً كيف الرأس؟ وكيف الجسم؟! مهما تتصور فلن تقدر على تصوره، ويقول عليه الصلاة والسلام: (إنه منذ خلقه الله ووكل بالنفخ في الصور وعينه في الله عز وجل؛ يخشى أن تغيب عينه طرفة واحدة فيؤمر بالنفخ) ولذا فهو مستعد دائماً، والحديث صحيح صححه الحاكم ووافقه الذهبي. وهذا الكلام يقوله النبي صلى الله عليه وسلم قبل (1400) سنة، وأما في زماننا هذا وبعد هذه السنين الطويلة الذي اقتربت فيه الساعة وحدثت فيه أشراطها وعلاماتها فقد أصبح إسرافيل أكثر استعداداً وتهيؤاً للنفخ في الصور، فقد روى ابن المبارك، والترمذي، وأبو نعيم في الحلية، وابن حبان في صحيحه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف أنعم -أي: كيف أستريح وأستقر- وقد التقم صاحب القرن القرن، وحنى جبهته، وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر أن ينفخ فيه فينفخ! فقال الصحابة لما سمعوا الخبر: كيف نقول يا رسول الله؟) أي: إذا نفخ في الصور ونحن موجودون معك كيف نقول؟ لأنهم تصوروا أنه من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنه يمكن أن ينفخ تلك الليلة أو غداً أو بعده -يعني: قريباً- قالوا: (كيف نقول يا رسول الله! قال: قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، توكلنا على الله، حسبنا الله ونعم الوكيل، توكلنا على الله).

يوم الجمعة هو يوم النفخ في الصور

يوم الجمعة هو يوم النفخ في الصور أما متى ينفخ؟ وما هو اليوم الذي ينفخ فيه؟ فإنه ورد في الأحاديث الصحيحة أنه ينفخ في الصور في يوم محدد من أيام الأسبوع وهو يوم الجمعة، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة؛ فيه خلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أخرج منها، ولا تقوم الساعة إلا يوم الجمعة) وفي حديث آخر أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الساعة تقوم في يوم الجمعة وأنه يبعث الناس فيها، فعن أوس بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أفضل أيامكم يوم الجمعة؛ فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة عليَّ) صلوات الله وسلامه عليه. ولما كانت القيامة لا تقوم إلا يوم الجمعة فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن جميع المخلوقات في كل يوم جمعة تكون خائفة مشفقة وجلة مصيخة مذعنة إلا الجن والإنس، وهما المعنيان بالقيامة، ولكن بالرغم من هذا فهم غافلون؛ لا يتنبهون ولا يتورعون، بل يجعلون يوم الجمعة يوم الفسحة والتمشية والنزول إلى البحر وضياع صلاة الجمعة، وللأكل والشرب واللعب والسهر، يسهرون طوال الليل إلى الفجر، وبعد ذلك ينامون من بعد الفجر إلى العصر، ولا يعرفون لله أمراً ولا نهياً في هذه النزهات إلا من رحم الله. نحن لا نقول: لا يتنزه الناس، لكن لتكن النزهة في يوم الخميس، أما يوم الجمعة فيوم عبادة، وما أعطتك الدولة يوم الجمعة عطلة أسبوعية إلا لتتفرغ لعبادة الله، ولكي تبكر في يوم الجمعة من الصباح، فتغتسل وتتطهر وتتنظف وتتطيب وتلبس ملابسك وتأتي إلى الجمعة في الصفوف الأولى، وتقرأ سورة الكهف، ثم تصلي ما شاء الله لك من النوافل، ثم تقرأ العديد من الأجزاء، ثم إذا دخل الخطيب تنصت للخطبة، ثم تخرج من الصلاة وقد امتلأ قلبك إيماناً وعلماً وهداية ونوراً، فتسير في الأرض على ذكر الله، قال الله تعالى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً} [الجمعة:10] فقد أمر الله بذكره بعد الصلاة مع السير في الأرض، أما الذهاب وقضاء ليلة الجمعة ويومها في الغفلة فيمكن أن تقوم الساعة وأنت على معصية الله والعياذ بالله! ورد الحديث في سنن أبي داود، ومسند الإمام أحمد، وموطأ الإمام مالك، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة؛ فيه خلق آدم، وفيه هبط، وفيه تيب عليه، وفيه مات، وفيه تقوم الساعة، وما من دابة إلا وهي موصخة -أي: منتظرة وخائفة ووجلة- يوم الجمعة من حين تطلع الشمس، حتى تغرب إشفاقاً من الساعة إلا الجن والإنس).

الفرق بين نفخة الصعق ونفخة البعث

الفرق بين نفخة الصعق ونفخة البعث الذي عليه العلماء في أصح قوليهم: أن النفخ مرتان: الأولى يحصل بها الصعق، والثانية يحصل بها البعث، قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى} [الزمر:68] وهذه النفخة الثانية {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68] وقد سمى الله في القرآن الكريم النفخة الأولى بالراجفة، وسمى الثانية بالرادفة قال تعالى: {يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ} [النازعات:6] أي: الأولى {تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} [النازعات:7] أي: الثانية التي يبعث الناس من قبورهم على أساسها. وفي موضع آخر سمى الأولى الصيحة، وصرح بالثانية بأنها النفخ فقال عز وجل: {مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ * فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ} [يس:49 - 51] أي: القبور {إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [يس:51] أي: يخرجون. وجاءت الأحاديث النبوية الصحيحة مصرحة بالنفختين، ففي صحيح البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما بين النفختين أربعون، قالوا: يا أبا هريرة! أربعون يوماً؟ قالوا: أبيت. قال: أربعون شهراً؟ قال: أبيت. قالوا: أربعون سنة؟ قال: أبيت) أي: لا أستطيع أن أقول لكم: هل هي أربعون يوماً أو شهراً أو ساعة، وقوله: أبيت، أي: لا أدري كم العدد أربعون. والحديث صحيح. وفي صحيح مسلم أن عبد الله بن عمرو بن العاص سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ثم ينفخ في الصور فلا يسمع أحد إلا أصغى ليتاً ورفع ليتاً، فتنفخ منه أجساد العباد -ينزل مطر بعد النفخة- ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون). وأخرج البيهقي عن ابن مسعود رضي الله عنه موقوفاً وليس مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: [ثم يقوم ملك بين السماء والأرض فينفخ في الصور -والصور قرن- فلا يبقى خلق في السماوات ولا في الأرض إلا مات إلا ما شاء ربك، ثم يكون بين النفختين ما شاء الله أن يكون] وروى أوس بن أوس قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن أفضل أيامكم يوم الجمعة؛ فيه الصعقة، وفيه النفخة) فدل الحديث على أن النفخة شيء والصعقة شيء آخر، فالصعقة هي الأولى والنفخة هي الثانية، وقد رجح هذا الأمر معظم العلماء الذين استدلوا على ذلك بالآيات والأحاديث التي سقناها. وذهب بعضهم إلى أنها ثلاث نفخات: نفخة الفزع، ونفخة الصعق، ونفخة البعث. ولكن الصحيح الذي تسنده الأدلة أنها نفختان؛ للأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك.

أقوام استثناهم الله من الصعق

أقوام استثناهم الله من الصعق هناك أقوام لا يصعقون عندما ينفخ في الصور النفخة الأولى، يقول الله عز وجل: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر:68] ولكن من هم هؤلاء المستثنون الذين لا يصعقون حينما يصعق الناس كلهم؟ من هم الذين شاء الله ألا يصعقوا؟ اختلف العلماء فيهم ومن هم هؤلاء الذين قال الله فيهم: {إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر:68] فذهب كثير منهم وهو رأي الإمام أحمد بن حنبل وابن تيمية رحمهما الله إلى أن المراد بهم: الذين في الجنة من الحور العين والولدان، فإن هؤلاء لا يصعقون من ذلك، يقول ابن تيمية: وأما الاستثناء فهو يتناول ما في الجنة من الحور العين، فإن الجنة ليس فيها موت، فالذين في الجنة من الحور العين والولدان المخلدين ليس فيها موت حتى يموتوا، ولذا يصعق كل من على وجه الأرض، أما الذين في الجنة فإنهم لا يموتون. وقد ذهب بعض العلماء إلى مذاهب شتى في غيرهم، ولكن يقول بعض أهل العلم: الأولى بالمسلم التوقف في تعيين من استثناهم الله؛ لأنه لم يصح في ذلك نص يدل على تقسيمهم، وإنما هي فقط اجتهادات من أهل العلم. وقال بعضهم: إنهم إسرافيل وميكائيل وجبرائيل وعزرائيل ملك الموت، ثم يأمر الله عز وجل ملك الموت فيقبض روح إسرافيل ويقبض روح جبرائيل ويقبض روح ميكائيل، ثم يقول الله له: من بقي؟ فيقول: ما بقي إلا أنت الحي القيوم وبقي عبدك. أي: بقي هو الذي يقبض أرواح الناس، فيقول الله له: لتذق ما أذقت الناس، لتمت. فيموت فلا يبقى أحد! فيقول الله تعالى: لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ فلا يرد عليه أحد، فيقول الله ويرد على نفسه: لله الواحد القهار. وبعدها يحيي الله عز وجل إسرافيل، ثم يأمره بالنفخ فيحيا من على وجه الأرض. وهذه الأقوال وردت في كتب أهل العلم، ولكن الصحيح الذي يطمئن إليه القلب: أن يسلم المسلم ويتوقف في التعيين؛ لعدم وجود الدليل المصرح الذي ينص على المراد بهؤلاء الذين استثناهم الله. هذه الأشياء هي كل ما يتعلق بالنفخ -نفخة الصور- وما بعده من الأهوال سيكون موضع -إن شاء الله- موضوع المحاضرات أو الدروس القادمة، ونكتفي بهذا. ونسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يؤمننا وإياكم يوم الفزع الأكبر، وأن يجعلنا وإياكم ممن يظلهم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الجلوس لعزاء أهل الميت

حكم الجلوس لعزاء أهل الميت Q ما حكم الشرع في نصب الخيام والتجمعات للعزاء عند أهل الميت؛ مع العلم أن أهل الميت لم يكلفوا بشيء من نصب الخيام ولا الطعام الذي يقدم للناس فيها؟ A هذه من الأمور التي حدثت في هذا الزمان وعمت وانتشرت وطمت، وقد صدرت الفتاوى من العلماء: بأن هذا الأمر غير جائز، وأنه منكر ومحرم، ولا ينبغي قبوله ولا السير مع الناس فيه، للأحاديث: روى الإمام أحمد في المسند حديثاً عن جرير بن عبد الله البجلي قال: [كنا نعد الجلوس للعزاء وصنع الطعام في بيت الميت جزءاً من النياحة] والنياحة هي: إظهار أي مظهر للتبرم والاعتراض على قضاء الله وقدره في الموت؛ إما بشق الجيوب، أو بلطم الخدود، أو بنتف الشعور، أو برفع الأصوات، أو بالتجمع وتعطيل الأعمال والجلوس؛ الجماعة كلهم يقعدون من أولهم إلى آخرهم، كل شخص يستأذن من عمله ويعطل دكانه ومزرعته ويجلس لماذا لم تداوم؟ قال: العزاء عند بيتي، كيف أدعهم وأذهب؟ فالجلوس هنا جزء من النياحة؛ لأن الناس في تجمهرهم وتجمعهم كأنهم يعترضون على قضاء الله وقدره، وهذا لا ينبغي، فكيف يعزى إذاً؟ قالوا: كان السلف يعزي بعضهم بعضاً في المقبرة وفي الطريق وفي المسجد وفي السوق، وحتى صاحب العزاء كان لا يجلس، بل كان يرجع من المقبرة ويذهب إلى مزرعته، ولا يقول: سوف أذهب فإن الناس سوف يأتوني، وإذا جاء أحد وسأل في البيت عن صاحب العزاء قيل له: هو في المزرعة، ثم يذهب ويعزيه في المزرعة. ولكن ما يحدث الآن من نصب الخيام، وفرش الفُرُش، وإيقاد الأنوار، وتجمعات الناس وبعد ذلك توضع قائمة للأكل: الغداء خروفان، والعشاء خروفان، والفطور خروفان هذا لم يعد عزاءً! أصبح حفلاً! وليمة! لو بعث الميت من قبره وجاء ودخل البيت ورآهم في هذه الحفلة، سيتصور أن أحداً تزوج في بيته أو أن عنده شيئاً من الأفراح، فإذا قالوا له: لا والله. ما عندنا زواجاً؛ ولكن تجمعنا لنأكل الخرفان لأنك مت، نذبح خروفين غداء وخروفين عشاء على رأسك، فماذا سيقول هذا المسكين؟ سيقول: حسبي الله ونعم الوكيل، كنت أتصور أنكم إذا مت لن تأكلوا الطعام وإذا بكم فرحتم بموتي وذبحتم الأغنام فرحاً وعيداً بموتي. فلا ينبغي هذا -يا أخي المسلم! - وإذا حصل هذا وجلسوا عندك فقل لهم: يا جماعة، لا يجوز لكم الجلوس، أنا أشكر لكم حرصكم ومواساتكم ورغبتكم في أن تقوموا باستقبال الضيوف أو المعزين، لكن سألت العلماء فقالوا: لا يجوز، فالآن أطلب من كلٍّ منكم أن يذهب إلى عمله. سوف يشكرونك ويقولون: بارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، وكل شخص يريد الخروج، الكل يريد أن يذهب إلى عمله، لكن بعضهم يجلس خوفاً من العار، حتى أن شخصاً في قرية من القرى أخبرني أنه جاءه ضيوف في بيته وكان في العزاء فأرسلوا إليه الأولاد في العزاء قالوا: الضيوف في البيت. فأراد أن يأتي ليرحب بهم، فأتى إلى راعي العزاء وقال: جاءني ضيوف وأرسل إليَّ الأولاد، يقولون: الضيوف على الباب، هل أذهب أم لا؟ قال: والله لو تذهب خطوة واحدة فلن آتي إلى بيتك مدى الحياة والرجل مسكين، يقول: فخفت أن أقطعه وأعمل لي مشكلة فرجعت إلى أولادي وقلت لهم: قولوا لهم: الرجل في العزاء لن يأتي، وأنا والله كنت من الضيوف، ولم يأت الرجل، ثم ذهبنا. وقد حصل هذا عند كثير من الناس، أخ من الإخوة لما توفي عمه وجاء إليه الناس والجيران وعزوه، قال لهم: جزاكم الله خيراً، وبارك الله فيكم، والله يحفظكم ولا يريكم مكروهاً، لكن اعلموا أنه لا يجوز الجلوس، لا أنا سأجلس ولا أنتم ستجلسون، تفضلوا في أمان الله. فقالوا: الله يبارك فيك ويريحك، والله إننا نحمل همها؛ لأنه دائماً قيام وقعود، أي: كلما دخل شخص قالوا: أهلا بمن جاء، ثم يقومون ويقعدون، وهكذا، وبعضهم لا يأتيه المغرب إلا وقد تعبت عظامه من النهوض والقعود، مع أنها ليست في ديننا مما يثاب عليه الإنسان؛ وإنما هي عادة سنها الشيطان ولا داعي لها. فعليك إذا حصل عندك عزاء في بيتك أن تعتذر للناس، وإذا حصل عند جار لك أن تأتي إليه وتقول له: العزاء الذي عندك علي، وأنا أواسيك، وأسأل الله أن يغفر لميتك، وأنا لن أذهب لأداوم أو أذهب إلى عملي أو إلى مزرعتي من أجل أن أتركك، ولكنا سألنا العلماء عن الجلوس فقالوا: لا يجوز، فأرجو أن تعذرني وتعذر بقية الإخوان. فإن عذرك فالحمد لله، وإن أبى وقال: لا. لا أعذرك. فرب العالمين يرضى عليك، وعليك أن ترضي الله (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق). أما الطعام الذي يصنع فإن السنة أن يصنع الجيران طعاماً لأهل الميت؛ فإذا حصلت وفاة في بيت فعلى الجار أن يقول: يا إخوة: الغداء عندي اليوم، والله لا تصنعون في بيتكم شيئاً ولا تشبون ناراً، ثم يأتيهم في الظهر ويأتي لهم بنصف ذبيحة أو ذبيحة كاملة ويضعها في صحنين ويدخلها على أهل البيت: صحن للرجال وصحن للنساء، ولا يذوقه في البيت رجل من الضيوف، أو من القرية، إنما هو لأهل الميت، أما الطعام الذي يحصل الآن فإنه للجماعة، يأكلونه كلهم، وكل من أتى من هنا قالوا: هناك غداء فاذهب، هذا ليس لك! هذا هو دارك، هذه بدعة، وبعد ذلك أهل البيت ما يأتيهم شيئاً، وإن أتاهم شيئاً أتتهم العظام والصحون وغسلوا ونظفوا السفر. يقول لي أحد الإخوة -وقد توفي أخوه في قرية من القرى- يقول: والله لقد أتعبونا تعباً لا يعلم به إلا الله، يقول: نحن في عزاء وقلوبنا مكسورة وخواطرنا مسكورة -فقد مات أخوه في حادث مروري- يقول: والله ما عند الواحد منا فرصة أن يشرب كوباً من القهوة؛ فالصحون طالعة ونازلة! فقط، أكثر من (25) خروفاً ذبحت في أيام العزاء! يقول: يأكلون ويقولون: نحن قلوبنا مقطعة لا نريد أن نأكل، وهم فقط يأكلون حتى الصباح. الذي يكثر من اللحم يقسو قلبه، يقول الغزالي: لا يكن قلبك أو بطنك مقبرة للحيوانات. تقبر فيه التيوس والخرفان والدجاج حتى يقسو قلبك؛ لأن الذي يأكل اللحوم من الوحوش هي من السباع المفترسة والطير أكلها الحبوب، والأنعام أكلها الحشائش والخضراوات، لكن الذي يأكل اللحوم هو الأسد والذئب؛ ولذا فالذي يكثر من اللحم يصير قلبه قاسياً جداً، فيقسو قلب الإنسان فلا يذكر الله ولا يذكر الموت وإنما يفرح؛ فكلما مات شخص قال: الحمد لله (نجلس فيها أسبوعاً نأكل). كذلك نصب الخيام لا مبرر له أصلاً، لماذا الناس ينصبون الخيام؟ ينصبونها لكي يتجمعوا، لكن لو أن كلاً في بيته، فالحمد لله كل منا الآن بيته واسع لا يحتاج إلى الخيام، وإذا جاء معزٍ لن يجلس أصلاً، سيأتي ويقول: السلام عليكم، أحسن الله عزاءكم، بلغنا وفاة فلان، ويعطيهم ويسلم ويمشي، ولكن لو جلسوا وهم ستون أو سبعون أو ثمانون رجلاً أو! أين يجلسون؟ لا بد أن يستأجروا لهم خيمة بثلاثة -أو أربعة- آلاف ويجلسون فيها، والثلاثة آلاف هذه لو أرسلت للمجاهدين الأفغان على نية الميت لكانت خيراً والله له ولهم، وثواباً يلحقهم إلى يوم القيامة. يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين: إنها إذا حولت إلى ذكر فإن هذا بدعة؛ لأنه إقرار للمنكر، إذا أردت أن تذكر فاذهب في غير هذا المكان، أما أن تقول: أنا أستغل التجمع هذا وأدخل عليهم وأقول لهم: يا إخوان! هذا الأمر لا يرضي الله. وامش، أما أن تجلس وتذكر فإنك بهذا تعطي شهادة بأن هذا الأمر مشروع، وتعطيهم مبرراً لهذا الموضوع، فعليك أن تخرج ولا تجلس في هذه الأماكن، وتحذر من هذا، تأتي إلى المجلس وتقول لهم: يا إخوان! هذا الأمر لا يجوز الجلوس فيه. وتمشي، فإن أطاعوك فالحمد لله، وإن لم يطيعوك فقد اكتسبت أجراً إن شاء الله.

حكم الاستنجاء من الريح

حكم الاستنجاء من الريح Q بعض الناس ربما يفهم من كلامك في بعض الندوات عن الاستنجاء أن الريح لا ينقض الوضوء، وقد فهم بعض الناس هذا وصححت لهم فهمهم، وأخشى ألا يكون هذا الفهم عند الكثير من الناس، فأرجو التوضيح. A نحن وضحنا وقلنا: إن الريح الذي يخرج من الإنسان ينقض الوضوء لكنه لا يوجب غسل القبل والدبر، أي: إذا خرج منك ريح وأردت أن تتوضأ من جديد فعليك أن: تغسل يديك ثم تتمضمض وتستنشق، ثم تغسل وجهك ويديك إلى المرفقين، ثم تمسح برأسك وتغسل رجليك، ولا تغسل موضع خروج الريح؛ لأن الريح ليس له أثر مادي حتى تغسله، لكن بعض الناس يتصور أن الاستنجاء جزء من الوضوء، وهذا خطأ، فإن الاستنجاء شيء والوضوء شيء آخر؛ الاستنجاء هو: إزالة الخارج من السبيلين بالماء، والاستجمار هو: إزالة الخارج من السبيلين بالحجارة، والوضوء هو: رفع الحدث عن طريق غسل الوجه واليدين إلى المرفقين ومسح الرأس وغسل والرجلين، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة:6] ولم يقل: اغسلوا تلك الأماكن، لكن بعض كبار السن وبعض الناس أصبحت عنده عادة ولو لم يخرج منه شيء، فإذا أراد أن يتوضأ ذهب واستنجى، لماذا تستنجي؟ قال: أريد أن أتوضأ، يا أخي! لا تستنج إلا عندما يخرج منك شيء، أما إذا لم يخرج منك شيء فاذهب واغسل أعضاء الوضوء فقط، وبعضهم يقول: أنا أجدد، لن أتوضأ لكن سأجدد! يسمي الوضوء مع غسل القبل والدبر وضوءاً، ويسمي الوضوء بدون غسلها تجديداً، فليس هناك تجديد، هذا هو الوضوء الشرعي، فيفهم هذا الكلام إن شاء الله.

حكم صرف الزكاة لصالح الدعوة

حكم صرف الزكاة لصالح الدعوة Q ما رأيكم في من عنده زكاة واشترى بمثل هذه الزكاة -أو المبلغ الذي يريد إخراجه- أشرطة دينية ووزعها على مجموعة من الأفراد للدعوة إلى الله، فهل يعتبر هذا إخراجاً للزكاة؟ A لا يعتبر إخراجاً للزكاة؛ لا يجوز أن يدعو إلى الله بمال الفقراء؟ لمن هذه الزكاة؟ يقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج:24] لمن؟ {لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:25] فأخرج الزكاة وأعط الفقير يأكلها، وأخرج للدعوة من جيبك، أما أن تدعو إلى الله من حق الفقير وحقك وراء ظهرك فما أخرجت الزكاة! وكثير من الناس يريد أن يحتال على الله في هذه المواضيع! الزكاة هذه ليس لك فيها فضل أبداً ولا لك فيها تصرف؛ هي مال الله الذي آتاه لك، وهو الذي أخذه تبارك وتعالى وأمرك بصرفه في وجهته الشرعية، وليس لك أن تتدخل فيها بحيث تصرفها وفق رغباتك وتحابي بها وتجامل، أخرج مال المسكين للمسكين والفقير, وبعد ذلك إذا أردت أن تدعو فعندك -يا أخي- (97. 5%) من كل مائة، وأخرج (2. 5) للفقير، لكن تأخذ حق الفقير وتضعها للأشرطة و (97) تجعلها وراء ظهرك فهذا لا يصح، ومن يعمل هذا فعليه أن يخرج الزكاة من ماله.

العدد الذي تصح به الجمعة

العدد الذي تصح به الجمعة Q نحن سكان قرية صغيرة جداً، وفي يوم الجمعة لا يحضر سوى عدد قليل لا يتجاوز أربعة عشر رجلاً، فهل تصح صلاتنا بهذا العدد أم لا بد من وجود أربعين شخصاً؟ A لا يشترط حضور أربعين شخصاً؛ لأن من اشترط من الفقهاء وهم الحنابلة وبعض الأئمة كانت أدلتهم أدلة ظنية اجتهادية فقط، إنما الصحيح من مذاهب العلماء: أن الجمعة تنعقد بما تنعقد به صلاة الجماعة، فلا يشترط لها أربعة عشر ولا أربعون وإنما يشترط لها ما يشترط للجماعة، فإذا حضر اثنان أو ثلاثة وخطب أحدهم واستمع الاثنان فقد حصلت الجمعة بإذن الله عز وجل.

كيفية اختيار الأخ الصالح

كيفية اختيار الأخ الصالح Q كيف أحصل على أخ في الله وصديق صالح؟ A الأخ في الله ضروري جداً من ضروريات الحياة الإيمانية، ولهذا فالنبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر من مكة إلى المدينة ما هاجر لوحده، بل هاجر ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه؛ للاحتياج؛ لأن الطريق يحتاج إلى رفيق، ولهذا كان يثبته ويعينه، وكان يمشي مرة أمامه ومرة خلفه، ومرة عن يمينه ومرة عن شماله، فيقول عليه الصلاة والسلام: (ما لك يا أبا بكر؟ قال: أذكر الطلب -أي: من ورائه- فآتي وراءك، وأذكر الرصد -أي: من قدامه- فآتي أمامك) اللهم صلِّ وسلم على رسول الله. قال: (يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟! لا تحزن إن الله معنا) فالرحلة طويلة جداً، والمشقات والمعاطف فيها كثيرة، ولا بد من رفيق صالح تختاره. أما كيف؟ فتختاره -أولاً- من المسجد، من أهل الصلاة والإيمان. ثانياً: تعرفه من سلوكه؛ من تصرفاته، وكلامه، ونظراته، وماذا يسمع، وماذا يقرأ، ومن الملابسات التي تحصل معك أنت وهو، فإن رأيته صالحاً في كل تصرفاته فعليك أن تمسك به وتسير معه في الطريق، أما إذا رأيته يأمرك بمنكر ويحبب لك السوء ويبغض إليك الطاعة ويزين لك المعصية؛ فاعلم أنه رفيق سوء! فاحذر منه وفر منه كما تفر من الأسد.

الثبات على الدين

الثبات على الدين Q أسأل الله أن يجعل لك حظاً أوفر ولي ولجميع المسلمين في الدار الآخرة أنا شاب هداني الله ثم ذهبت إلى الجهاد، ومكثت مدة طويلة وعدت إلى السعودية ورجعت إلى الدنيا وارتكبت معاصي كثيرة والله المستعان! فأرجو الدعاء لي في هذا، وأرجو إرشادي وتوجيهي لعل الله يرحمني. A هذه هي المصيبة -أيها الإخوة- والنكسة! هذه مصيبة؛ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور) والنكسة هذه صعبة جداً جداً، وقد ينتكس الإنسان نكسة تدخله النار -والعياذ بالله- {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} [المنافقون:3] وأنت -يا أخي الشاب- يا من هداك الله ثم رفعك إلى أعلى درجات الدين؛ إلى ذروة الجهاد في سبيل الله، ثم ذهبت هناك ليس لأن تتنزه تركت المعاش والفراش والأهل والنوم والأمن وذهبت لتضحي بروحك وتقدم قلبك وقالبك في سبيل الله، هذه نعمة وفضل كبير لا يناله إلا أصحاب النفوس الكبيرة والحظ الأوفر عند الله عز وجل، ثم لما عدت لماذا انتكست؟! لماذا ترجع إلى المعاصي؟! لا إله إلا الله! ما ذقت طعم الإيمان؟! ما عرفت حلاوة الدين؟! أين إيمانك وأنت تقف في الخنادق -هناك- تسمع أزيز الطائرات وانفجار القذائف والقنابل من جانبك وعن يمينك وأنت تتمنى أن واحدة تأتي إليك لتقطعك قطعة قطعة لكي تمسي تلك الليلة في الجنة؟! أحد الإخوة لما رجع من هناك قلت له: كيف وضعكم؟ نحن هنا عندما نسمع الجهاد نشعر بالخوف؟ قال: والله ما هناك خوف، يقول: لما ذهبت هناك والله إنها لتنفجر على بُعد أمتار منا، وإني عندما أراها تنفجر أتمنى أن تأتي فيَّ لكي أمسي في الجنة، يقول: ولا تأتيني، ما هناك خوف، هناك أمن كامل، يقول: كنا نخرج من المعسكر إلى الجبهات كأننا والله نخرج في نزهة، إذا خرجت أنا الآن من هنا إلى القرعة أو إلى السودة وأنا في نزهة أشعر بخوف أن يأتني حادث مروري فأموت، لكن هناك يقول: الطائرات تضرب والقذائف تنفجر ونحن في خنادق الموت ولكن لا يوجد خوف، بل نفرح بالموت! فما دام أن الله ثبتك -يا أخي- وجعلك من عباد الله المجاهدين فلم ترضى بالدنية؟ لماذا ترجع وتتمرغ في القاذورات؟ لماذا ترجع توسخ نفسك بالمعاصي؟ إن المعاصي حجاب بينك وبين الله، ويُخشى عليك -يا أخي- أن يختم على قلبك، فنسأل الله الذي لا إله إلا هو الذي هداك وقواك وأذهبك إلى الجهاد الأفغاني ثم رجعت إلى هنا أن يعيدك إلى ما كنت عليه من الثبات والإيمان والهداية، وأن يثبتك على هذا حتى تلقاه وجميع شباب المسلمين. أما الوصية التي نرشدك إليها: فعليك أولاً أن تكثر من تلاوة كتاب الله؛ لأنه أعظم مثبت، فلا يوجد مثل القرآن، والله ما من شخص ينتكس إلا بسبب ترك القرآن، فأكثر من تلاوة القرآن بالليل والنهار، واجعل المصحف في جيبك، واتل التلاوة الشرعية التي فيها تدبر، لا تترك فرصة من الفرص إلا وأنت تفتح المصحف؛ لأن الله تعالى يقول: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} [الفرقان:32] فالقرآن مثبت. ثانياً: أكثر من الطاعات الأعمال الصالحة؛ فالأعمال الصالحة كثيرة جداً جداً، منها: قيام الليل، وصيام الإثنين والخميس من كل أسبوع، والحضور إلى مجالس الذكر اجعل أوقاتك كلها مجالس ذكر، لا تترك ندوة ولا تسمع بها في الخميس أو في أبها أو في أي مكان إلا وتشغل سيارتك وتذهب إليها؛ لأنك لا يمكن أن تخرج من مجلس من مجالس العلم إلا بخير، لكن لما تبعدْ تضعفْ وتهزلْ. ثالثاً: احذر من المعاصي والذنوب، ومن سماع الأغاني؛ لأنها تبدأ الخطوات خطوة خطوة، الشيطان لا يأمرك رأساً أن تعصي الله وتترك الدين، بل يأتيك خطوة خطوة؛ يزين لك، ويخطط للمؤامرة ويقول: اسمع طرف الأغنية، هذه موسيقى اسمعها، فإذا سمعتها قليلاً قليلاً إلى أن تنتكس تماماً ولا حولا ولا قوة إلا بالله! واحذر من سماع أصوات النساء خصوصاً في المكالمات الهاتفية، فإن التليفون الآن يفتن ويسبب إزعاجاً كبيراً للمؤمن، فاقطع الخط بمجرد أن تسمع صوت امرأة، ولا تتكلم معها أبداً إلا إذا كانت ذات محرم لك، حتى ولو كان هدفها طيباً. وبعض الشباب يقول: إنها تسألني عن أمر ديني. نقول لك: لا تتكلم ولو كان عن أمرٍ ديني، دع دينها لها ودينك لك، نريد الربح فنعود بربحين ونصبح في مواضيع أخرى! حولها على المشايخ والعلماء كبار السن؛ لأن هناك من العلماء والمشايخ من بلغوا درجة من السن والثبات والقوة في الإيمان بحيث أصبحت هذه الأمور عندهم شيئاً طبيعياً -لم يعد يحصل لهم فتنة؛ لأن الله عز وجل قد جعل لهم نوراً في قلوبهم، كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث في صحيح مسلم: (تعرض الذنوب -أي: المعاصي- على القلوب كالحصير عوداً عوداً) وفي رواية: (عَوداً عَوداً) أي: مرة بعد مرة، لكن رواية: (عُوداً عُوداً) أقوى؛ لأنه يوضحها: كالحصير؛ حصير الفراش الذي فيه عيدان (تعرض الذنوب على القلوب كالحصير عوداً عوداً) هذا الحديث -يا إخواني- من أعظم الأحاديث في صحيح مسلم (فأي قلب أشربها -أي: قبلها؛ قبل الذنب ورضي به- نكتت فيه نكتة سوداء) أول ذنب نكتة سوداء، وثاني ذنب نكتة ثانية، وثالث ذنب نكتة ثالثة وهكذا (وأي قلب أنكرها) بمجرد ما عرض عليه ذلك الذنب بنتاً رأيتها فغضضت بصرك وأغنية سمعتها فأغلقتها ودخاناً تركت مكانه أي منكر يعرض عليك تتركه (وأي قلب أنكرها صقل قلبه -أي: جلي- حتى يكون أبيض مثل الصفا) قال: (حتى تصير القلوب على قلبين: قلب أسود مرباد -من كثرة النقاط السود، مرباد: يعني متراكم- كالكوز مجخياً -أي منكوساً- لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه) لا يعرف معروفاً؛ تقول له: هذا معروف. يقول: المعروف الأغاني والنوم والتمشية لماذا؟ لأنه منكوس، والله لو قرأت عليه القرآن كله وأعطيته الأحاديث كلها حتى ولو بعث النبي ليكلمه لم يعد ينفع فيه وعظ؛ لأنه ليس عنده مجال للاستيعاب فهو منكوس، وبعد ذلك قلبه مغطى بطبقات كبيرة من الظلام والران من كثرة المعاصي؛ حتى لم يعد للقرآن أثر يصل إلى قلبه؛ لأنه محجوب، يقول الله تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [المطففين:14] أي: غطى على قلوبهم {مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14]. قال عليه الصلاة والسلام: (حتى تصير القلوب على قلبين: قلب أسود مرباد كالكوز مجخياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه) المعروف عنده: ما عرفه الهوى، والمنكر عنده: ما أنكره هواه لا ما عرفه الشرع وأنكره الشرع (وقلب أبيض كالصفاء -نسأل الله جميعاً من فضله، القلب الثاني: أبيض كالصفاء- لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض) أي فتنة تأتي ترجع، مهما قيل ومهما عمل فيه لا يمكن أبداً. شخص من السلف سلطت عليه امرأة وتعرضت له، فلما تعرضت له ذكَّرها بالله فرجعت صالحة، وكثير من الناس تسلط عليهم فتن ومصائب من أجل إغوائهم ولكن عندهم (صدامات) قوية وموانع بحيث من حين تأتي المعصية تهرب مباشرة ولا تقرب منه. فنقول لك: عليك بطاعة الله، وانتبه من معصية الله، احذر منها ولو كانت صغيرة، فإن الصغيرة تجر إلى الكبيرة ثم تسقط والعياذ بالله، ودليل هذا قول الله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} [النساء:66] فعلوا ما وعظوا به: ما وعظك الله به هو فعل طاعته وترك معصيته. رابعاً: عليك برفقاء الخير، رفقاء الإيمان، رفقاء الدرب إلى الله، ابحث لك عن رفقة صالحة: اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة تجلس معهم وتذهب معهم وتسمر معهم يعينوك على دين الله! واحذر ثم احذر من رفقاء السوء، فإنه لا ينفعك رفيق الخير إذا كان معك رفيق سوء، فلو معك مائة رفيق خير ورفيق سيء والله ما يقومون بهدايتك وأن هذا يستطيع أن يضلك؛ لأن رفقاء الخير يبنون ورفيق السوء يهدم، والهدم أسرع من البنيان، وقد قيل: أرى ألف بانٍ لا يقوم لهادم فكيف ببان خلفه ألف هادم؟! البنيان صعب والهدم سهل، أما ترى الباني وهو يبني الجدار من الصباح إلى المغرب، لكن إذا أتى شخص يريد أن يهدمه ماذا يصنع به؟ يضربه ضربة واحدة فقط ويسقط كله، البناء يوم والهدم لحظة، فأنت إذا جلست مع طيبين ثم جلست مع واحد فاسد أضلك، فلا بد من الحماية للصلاح؛ فاحذر من قرناء السوء!

الحذر من المعاصي في الخلوة

الحذر من المعاصي في الخلوة Q شاب يشعر بأنه منافق ومراءٍ بالرغم من أنه يحفظ ربع القرآن، ويحافظ على الصلوات الخمس في المسجد، ويحضر دروس العلم، وينصح الناس، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولا يستمع إلى الأغاني ولا إلى الأفلام، ولكنه إذا خلا لوحده ارتكب بعض المعاصي وخاصة الاستمناء باليد، وكلما حاول أن يترك هذه المعصية عاد إليها، فما نصيحتكم؟ A أولاً: كونك تشعر -أيها الإنسان- بأنك مراءٍ أو منافق، فقد قال العلماء: إن الذي يشعر بأنه ليس مخلصاً أو أن عنده نفاقاً فإن ذلك برهان إنه ظاهرة صحية تدل على صلاح في القلب؛ لأنه ما أمن النفاق إلا منافق، ولا خافه إلا مؤمن، ويقول ابن أبي مليكة: [أدركت ثلاثين صحابياً كلهم يخشون على أنفسهم من النفاق] وكان عمر بن الخطاب يأتي إلى حذيفة بن اليمان ويقول له: [أسألك بالله هل عدني رسول الله من المنافقين؟] عمر وهو فاروق الإسلام ومشهود له بالجنة ويخاف من النفاق! لكن الذي نخاف عليك منه هو المعصية؛ لأنك الآن عندك خير؛ تحفظ شيئاً من القرآن، وتحافظ على الصلوات الخمس، وأيضاً تحضر دروس العلم، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ولا تسمع الأغاني لكنك إذا خلوت بنفسك بارزت الله بهذه المعصية، وهذه ليست سهلة؛ لأن الله عز وجل يغضب عليك إذا مارستها، قال الله تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ} [النساء:108] {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ} [التوبة:13] وجاء في حديث ثوبان وهو في السنن: (يأتي يوم القيامة أقوام بحسنات كأمثال الجبال فيقول الله لها: كوني تراباً. فتصير تراباً وهباءً، فيقال: لم؟ قال: كانوا إذا خلوا بأنفسهم بارزوا الله بالعظائم). والاستنماء باليد الذي يسمونه بـ (العادة السرية) أو (نكاح اليد) من الكبائر! ولا ينبغي لك -أيها المسلم- أن تقع فيها بأي حال من الأحوال، ولا يفهم من كلامي -أيها الإخوة- أن الشخص لا يعصي ويصبح ملكاً من الملائكة؛ فإن العبد خطَّاء، ولا بد من الذنب، ولكن الذي نخشاه على الإنسان الاستمرار في الذنب، إنما كونك تخطئ وتتوب هذا جيد؛ لأنك إذا تبت تاب الله عليك وأرجعك إلى مكانك الأول، بل ربما يزيدك منزلة أكبر، لكن لا تتعمد الذنب، وإذا وقعت فيه فسارع بالتوبة منه ولا تصر عليه، وإذا تبت فحقق شروط التوبة، ومن ضمن شروطها: العزم على عدم العودة. هذا ونكتفي بما حصل، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق في الدنيا والآخرة، والله أعلم.

فرصة الرجوع إلى الله

فرصة الرجوع إلى الله إن من نعم الله العظيمة علينا أن جعل لنا مواسم نعرض فيها أنفسنا على الكتاب والسنة، ونراجع أنفسنا فيما بيننا وبين خالقنا جل وعلا. ومن هذه المواسم التي وهبها الله لهذه الأمة شهر رمضان بما يحمله من رحمات، وما يحويه من أحكام تجعل المسلم راغباً في الرجوع إلى ربه، والأوبة إلى خالقه وباريه. وهذا الموسم على ما فيه من المزية والفضل إلا أنه لا يخلو من الأخطاء التي يرتكبها البعض من إسراف في المآكل والمشارب، والسهر في غير ما طاعة، والتكاسل عن السعي في طلب الرزق بحجة الصيام والقيام، وغيرها من الأخطاء التي جرى التنبيه إليها في هذه المادة.

فضل شهر رمضان وأهميته

فضل شهر رمضان وأهميته الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تبق فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروما. اللهم خذ بنواصينا إلى الخير، وأعنا على طاعتك وعلى شكرك وذكرك وحسن عبادتك، واصرفنا يا مولانا عن السيئات والمعاصي والذنوب، فإنه من تقِ الذنوب والمعاصي والسيئات فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم.

استقبال رمضان

استقبال رمضان أيها الإخوة في الله: يستقبل المسلمون ضيفاً كريماً، وغائباً عزيزاً، طالما انتظروه بقلوبٍ مفعمةٍ بالشوق حينما يستقبلونه، وبالحزن والأسى والندم حينما يودعونه، ضيفٌ إذا جاء أقبل معه الخير، وجاءت معه البركات من كل جانب، شهرٌ عظيم يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (أتاكم شهر رمضان، شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار) ينادي منادٍ في أول ليلة من لياليه: (يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر) تفتح فيه أبواب الجنة فلا يغلق منها باب، مفتوحة على مصاريعها، إنها فرصة عظيمة لمن يريد أن يعود إلى الله، وتغلق فيه أبواب النيران فلا يفتح منها باب، وتغل فيه مردة الشياطين فلا يخلصون إلى شيء مما كانوا يخلصون إليه في غير رمضان. يضاعف الله فيه الحسنات، من عمل فيه حسنة كان كمن عمل ألف حسنة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، يغفر الله عز وجل في كل ليلة لعددٍ عظيم من الخلق، كلهم قد استوجبوا النار، وهو موسم لا ينبغي للمتاجر مع الله أن يدعه.

رمضان موسم التجارة مع الله

رمضان موسم التجارة مع الله الناس الآن في حياتهم التجارية لديهم مواسم، فكل إنسان عنده تجارة لا بد أن يكون عنده جزء من العام، يضاعف فيه جهوده، أعطيكم مثالاً الآن: تجار الملابس والأزياء يعدون للصيف ملابسه ويعدون للشتاء ملابسه، فإذا جاء وقت الشتاء فماذا يجهزون؟ الأصواف (والأكوات والفنايل والشراريب والغتر) التي تصلح للشتاء، ويعرضونها ويكثرون منها في هذا الفصل، فإذا جاء الصيف فإنهم يأخذون كل هذه الملابس ويردونها إلى المخازن ويأتون بشيء يصلح للصيف، وهكذا كل تاجر يعرض ما يناسب في الوقت المناسب، وأيضاً يعطي رعاية لهذه البضاعة التي يقدمها ويقبل عليها الناس في هذا الموسم. والناس كذلك في تجارتهم مع الله التجارة الرابحة التي يقول الله عز وجل فيها: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر:29] والتي يقول فيها عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الصف:10] هذه التجارة الرابحة مع الله عز وجل على مدار العام، عبر فرائض محددة، وواجبات معينة، ومنكرات ممنوعة، وكبائر محذورة، ولكن هناك فرص ومواسم يتيحها الله لأهل هذه التجارة ليضاعف لهم الحسنات. ومن أعظم المواسم التي مَنَّ الله بها على هذه الأمة: شهر رمضان المبارك، وهو فرصة لمن أراد أن يتوب، وإن الله عز وجل يقبل توبة التائبين في كل وقتٍ، ولكن في رمضان يزيد فتح عطائه على الناس: فيا من جفت روحه! ويا من قسا قلبه! ويا من قاده شيطانه واستفزه إلى المعاصي والذنوب! هاهي فرصتك لتتوب عبر هذا المشوار العظيم مع الله عز وجل في شهر رمضان.

رمضان دورة تدريبية للمؤمنين

رمضان دورة تدريبية للمؤمنين وهو أيضاً دورة تدريبية إلزامية للمؤمنين على العمل الصالح، يلزم الله عباده المؤمنين بأن يدخلوا ضمن هذه الدورة التدريبية التي مدتها شهر، يتدربون فيها على الصيام، ويتدربون فيها على القيام، ويتدربون فيها على الإنفاق، ويتدربون فيها على الصبر والتحمل وكظم الغيظ، ويتدربون فيها على حفظ أسماعهم؛ لأنهم صائمون، فكيف يصوم ويسمع الأغاني؟! ويتدربون فيها على حفظ أبصارهم، كيف يصومون ويطلقون أبصارهم في الحرام؟! ويتدربون فيها على حفظ ألسنتهم، إذ كيف يسوغ لهم أن يصوموا عن الحلال ويفطرون بألسنتهم على الغيبة والنميمة، والكذب واللعن، والسب والشتم وشهادة الزور؟ وهذه أصلها حرام قبل الصوم وفي رمضان صارت أشد حرمة! وبهذه الدورة التدريبية يطبع المسلم نفسه على أخلاق أهل الإيمان فلا ينتهي رمضان إلا وهو متدرب، ويبدأ بعد رمضان حياة الإيمان متكاملة، هذا هو الذي قبل الله صيامه أن يكون حاله بعد رمضان أعظم منه قبل رمضان، دورة تدريبية إلزامية.

فرض الصوم والحكمة من ذلك

فرض الصوم والحكمة من ذلك

صيام رمضان ركن من أركان الإسلام

صيام رمضان ركن من أركان الإسلام هذه الفريضة العظيمة ركن من أركان الإسلام، ومبنى من مبانيه، يقول الله فيها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ} [البقرة:183] ومعنى كتب: فرض وأوجب عليكم {الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] * {أَيَّاماً مَعْدُودَاتٍ} [البقرة:184] وهذه الفريضة قد فرضها الله عز وجل على سائر الأمم من قبلنا، فما من أمة بعث إليها نبي وأنزل إليها كتاب إلا وقد فرض عليها الصوم، ولكن يختلف في الهيئة والكيفية، والعدد والمدة والكمية عنه في هذه الأمة؛ لأن الله يقول: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} [المائدة:48] ولكن المدة تختلف عن مدتنا، فكان من ضمن صومهم الكلام، يمسكون عن الطعام والشراب والنكاح وأيضاً عن الكلام، فمن تكلم كلمة بطل صومه، ولهذا قالت مريم لما قابلها قومها: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً} [مريم:26] * {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً} [مريم:27] * {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} [مريم:28] فما تكلمت بل أشارت؛ لأنها لو تكلمت لأفطرت ونقضت صومها: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً} [مريم:29] * {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً} [مريم:30] * {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً} [مريم:31] فالصوم فريضة عظيمة.

الحكمة من فرض الصوم

الحكمة من فرض الصوم ثم بين الله عز وجل العلة التشريعية من فرضية هذا الصيام فقال: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] أي: هذه الفريضة الغرض من فرضها أن تتقوا الله، والعلماء يقولون: إن جميع الشرائع الغرض منها أن يتقي العبد ربه، لكن على وجه الخصوص الصيام؛ لأنه عبادة قلبية لا تظهر لأحدٍ على وجه الأرض، ولا يمكن أن يكتشف ما في قلبك أحد أو يعرف أنت صائم أم مفطر إلا الله، إذ بإمكانك أن تتظاهر للناس، فتتسحر مع أهلك السحور، وتخرج مع الناس صائماً في رمضان، ولكن تستطيع أن تختفي عن أعين الناس وتتناول شيئاً من المفطرات ولكن الله يراك، ولذا الذي لا يتناول شيئاً من المفطرات لا مع الناس ولا مع نفسه يبرهن على أنه يتقي الله، ويدلل على أنه يشعر برقابة الله، ولذا جاء في الحديث القدسي: (يقول الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) فالصوم خالص لله ليس لك؛ لأنك تعبد الله فيه كأنك تراه، فأين تذهب؟ أتدخل في الغرفة لتأكل؟ لكن ربي يراك، ولذا إذا لم تأكل وأنت لوحدك ولا أحد يراك دللت على أنك تراقب الله، وأنك تؤمن بأن الله يراك، وهذه مرتبة المحسنين، وهي: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم والحديث في الصحيحين: (بني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام من استطاع إليه سبيلا). والله فرض هذا الصيام لحكمٍ جليلة أعظمها وأهمها كما قلت: أن يتقي العبد ربه وأن يشعر بمخافة الله.

الحكم الأخرى من فرضية الصيام

الحكم الأخرى من فرضية الصيام ومن ضمن الحكم التي شرعها الله عز وجل في حكمة الصيام التي يذكرها العلماء في كتبهم: أن يشعر الإنسان بـ (لذعة) الجوع أثناء رمضان، فيحس ويدرك أن هناك فقراء من المسلمين يشعرون بهذه الـ (لذعة) وهذه الحرارة من الجوع على سائر أيام العام، هناك فقراء في العالم الإسلامي رمضان عندهم ليس شهراً واحداً، بل هو عندهم سنة كاملة، لا يعرفون كيف يأكلون، وقد رأيتم فيما عرض عليكم في الذين اجتاحتهم المجاعة في أفريقيا من المسلمين المساكين لما قدمت لهم الأطعمة ما استطاعوا أن يأكلوها، أحدهم ليس متعوداً أن يأكل هذا الطعام، وهناك أناس يعيشون طوال العام على الفقر، ويعانون من آلام الجوع طول الزمان، فالله عز وجل أذاقك هذه الحرارة وهذه الـ (لذعة) من أجل أن تواسي إخوانك المسلمين بجزء من مالك، وتتعرف على الفقراء، وتعطيهم حتى يعطيك الله عز وجل يوم القيامة. من ضمن الحكم: أن يستعلي الإنسان على شهواته وعاداته، فيبرهن بقوة إيمانه أنه أكبر من الشهوات وأكبر من العادات، أنا متعود أن أتغدى كل يوم لكن الله أمرني بالصيام، إذاً لا أفطر، أنا كنت أغضب لأتفه الأسباب وكنت عصبي المزاج وحاد التصرف؛ لكن إذا كنت صائماً فلو ضربني الناس فسأقول: اللهم إني صائم، ولهذا جاء في الحديث: (فإن سابه أحد فليقل: إني صائم) يقول: أنا فوق، أنا لست في درجتك يا من تسبني! يا من تستثيرني! يا من تريد أن تسحب لساني فأقع معك في معصية تفسد عليَّ صومي، أو تنقص عليَّ أجري أنا صائم، ولذا فسب، واعمل ما شئت، قل ما تشاء، أنا لا أنزل إلى مستواك أنا صائم. هذا انتصار على النفس، هيمنة وسيطرة وقوة على النفس البشرية. ومن ضمن الحكم أيضاً: حفظ الصحة للعبد، وفي الحديث وهو في السنن: (صوموا تصحوا) والعلماء الآن يقولون: إن في الغرب - أمريكا وأوروبا - العلاج الآن بدأ بأسلوب جديد من الأساليب الحديثة هو أسلوب العلاج بالصوم؛ لأن المعدة والجهاز الهضمي على مدار العام يحصل لديه تعب من كثرة ما يتناول الإنسان فيه من الأكل، ويحتاج إلى إجازة، كما أن الموظف عندنا الآن يحتاج إلى إجازة سنوية، فكل سنة يأخذ له شهراً يرتاح فيه من أتعاب العمل ومشاكل العمل، ويأخذ أهله وزوجته وأولاده ويذهب إلى مكة، أو يذهب إلى أهله في القرية من أجل أن يجدد نشاطه ويعود إلى العمل بنفسية منفتحة، وبقلب مشرق، وبأداء متميز لماذا؟ لأن الإنسان يتعب من الدوام المتكرر كل يوم، فيعطونه في أنظمة العمل وفي أنظمة الموظفين شهراً إجازة، ولله المثل الأعلى. هذه المعدة عبر توالي الشهور والأيام عليها وهي تشتغل في الصباح وفي الظهر وفي المساء، فلا بد لها من إجازة، فأعطى الله للمسلمين شهراً من أجل أن يعطوا راحة لهذه المعدة من كثرة الطعام.

فهم الناس لرمضان على غير مراده

فهم الناس لرمضان على غير مراده المصيبة أن الناس فهموا رمضان على غير مراده، فهموه بغير الطريقة التي أرادها الله منهم، ففهموه أنه شهر أكل، وشهر مطاعم ومشارب، وشهر تفنن في تنويع الأكلات، ولذا ترون التجار يستغلون هذه الموسم فيجلبون البضائع والأنواع التي تطلب منهم في رمضان ويعرضونها. انظر الآن أمام الدكاكين؛ كل تاجر يعرض المكرونة والشعيرية والعصيرات والكريمات وهذه الأصناف التي تشترى منهم في رمضان، ويأتي الرجل في أول رمضان، بدلاً من أن يشعر بأن من واجباته أن يخفض المصروفات، فإذا كان يستغرق في كل شهر ذبيحة واحدة، فبحكم دخول رمضان ينبغي أن تخفف الذبيحة إلى ذبيحة إلا ثلث، لأن الوجبات كانت في الماضي ثلاث وجبات، وفي رمضان تصبح وجبتين (عشاء وسحور) فالفطور لا يحسب؛ لأنه تمرة وفنجان قهوة لكن الآن بدلاً من أن كانت الذبيحة واحدة في الشهر صارت في رمضان ثلاث ذبائح، يعني: ليتنا جعلنا رمضان مثل شعبان وشوال، لكنا زدنا على رمضان أضعاف ما يحتاجه رمضان، وبعد ذلك ليست ذبيحة واحدة وإنما ذبائح من الغنم، ومن الدجاج، ومن الأسماك، ومن الطيور، وبعد ذلك من جميع ما لذ وطاب مما منح الله العباد من الأرزاق.

مخالفة الناس لآداب رمضان

مخالفة الناس لآداب رمضان

الإسراف في المآكل في رمضان

الإسراف في المآكل في رمضان يحصل الآن مبالغة، وعند الناس عرف وعادة فيقال: سنة ما تخدم شهر ليست سنة، أنا أوفر حق سنة من أجل آكله في رمضان كله، فهو: يريد أن يحارب الجوع بأي وسيلة، فلا تراه في نهار رمضان أو قبل رمضان إلا مستعداً بالكراتين، وقد قلت للإخوة اليوم في الثانوية التجارية: إن واحداً من الأقارب اطلعت على بيان قدمته له زوجته بمطالب رمضان وإذا فيه (كرتون مكرونة) -وكان هو وزوجته وطفلان معهم- (كرتون شعيرية)، (كرتون نشا)، (كرتون قطر الموز)، وأنا كل شيء فهمته إلا (كرتون قطر الموز)، قطر الموز العلبة منه تكفي سنة؛ لأنك تضع على المحلبية قطرتين أو ثلاث من أجل تغيير النكهة، لكن أن تشتري (كرتوناً) لماذا؟ فلما قرأ علي قلت: يا أخي! لماذا هذه (الكراتين) من الذي سيأكل عندكم؟ قال: رمضان كريم! قلت: رمضان كريم من أجل تأكل ما في السوق؟ رمضان كريم من أجل أن تكون أنت كريماً، من أجل توفر جهداً مما عندك وجزءاً من مصروفاتك في شعبان وتصرفها على الفقراء والمساكين، تتعرف على الجيران، تأتي وأنت في الحي فتفيق في لحظة من اللحظات وتبحث عن البيوت التي بجوارك فتجد هذا موجوداً وهذا غير موجود، وهذا راتبه قليل، ثم تتعرف عن طريق السؤال وعن طريق التقصي على بيتٍ من بيوت جيرانك وتعرف أنه محتاج، فتأخذ الثلث الزائد أو أكثر منه من المصاريف وتذهب إلى السوق، وتشتري لهم نصف ذبيحة، وتضع معها من العلب التي تعتادها الناس في رمضان: الشربة، و (المكرونة)، والعدس وغيرها، ثم تحملها وتذهب بها إلى الفقير فهذا معنى (رمضان كريم) يعني: أن تكون أنت كريماً، أما كريم على بطنك فقط فهذا ليس بكرم، الكرم أن تخرج هذه الأشياء لمن يستحقها من عباد الله المؤمنين، فتجده يكدس ويملأ الدنيا فإذا بدأ رمضان، ففي الصباح بعد أن يخرج من دوامه يذهب إلى السوق، ويمضي ساعة أو ساعات وهو متنقل في البقالات وفي الأسواق المركزية، ولا يأخذ بيده، ولا يأخذ (بقرطاس)، بل يأخذ (عربية) ويطوف على كل ما في الدكان، ثم يملأها، شيء يأكله وشيء لا يأكله، بعض الناس يضع أشياء تفسد وتنتهي مدتها وهي في البيت، فلا يأكلها، لكن يريد أن يدفع عربية أمام الناس ليقولوا إنه كريم، وإنه إنسان يشتري لأولاده من كل ما لذ وطاب، ولكن لو طلبت من هذا الكريم عشرة ريالات للمجاهدين الأفغان أو لفقيرٍ مسكين لصعبت عليه العشرة الريالات، وكأنها مليون ريال، يقول: وعند مراد الله تفنى كميتٍ وعند مراد النفس تشدي وتلجم إذا كانت النفقة لله فبخلاء، وإذا كانت للنفس والشهوات والشيطان فما أكرم منا، ولا حول ولا قوة إلا بالله! وبعد ذلك يذهب بها إلى البيت وفي الليل يذهب إلى السوق، يمر على الحنيذ ويشتري، ويمر على المقلي من (السنبوسة) و (الطرمبة) و (القطائف) و (الحلبة) والخضار فيأكل، وأنا رأيت شخصاً ذهب وحمل من الجرجير والفجل والبصل والخس، قلت: ما عندك؟ ظننت أن عنده حظيرة بهائم؛ لأن هذا سوف يكفي لأربع أو خمس أبقار، قلت: ما عندك؟ قال: هذا يا شيخ للأولاد، هذه خضرة وفيها حديد وبدأ يعدد لي فوائدها، قلنا: زادك الله خيراً، نسأل الله أن يعيننا وإياك على هذه الأمور. الشاهد في الموضوع أن الواحد إذا أتى في المغرب أو قبل المغرب بساعة ويعود إلى البيت، وإذا عاد إلى البيت وجد ما لا يمكن أن يتصوره العقل، المرأة المسكينة تعلن حالة الاستنفار لكامل إمكانياتها وقواها البدنية من بعد صلاة الظهر، وتبدأ في إيقاد النيران، وقد كان بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الهلال ثم الهلال ثم الهلال ولا يوقد في أبياته النار (لا توجد نار) قال عروة بن الزبير لـ عائشة رضي الله عنها: [يا أماه! فما طعامكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء] وعبرت بالأسود أي: رديء التمر. الأسودان التمر والماء، ثلاثة شهور لا توقد النار، ونحن توقد في بيوتنا النيران من كل جانب خصوصاً في شهر رمضان، فتجد الموقد فيه ست عيون كلها شغالة، وتحت فرن وفوق فرن، تحت شغال على (الكيك) والثاني شغال على (الرواني)، وفوق (السنبوسة) تقلب، وتدعو المرأة زوجها تقول: تعال قلِّب (السنبوسة)، وانتبه للسمك لا يحترق، وأنا سأذهب أنظر العيش لا يحترق، المهم غلبة وشغلة طويلة عريضة، والأولاد يشتغلون، وكل هذا من أجل ماذا؟ من أجل بطنك، هذا وقد كان آباؤك وأجدادك يفطرون على قهوة وعلى كسرة شعير، وهذا مر بنا، فكنا نعرف رمضان وليس رمضان إلا كسرة من الشعير وفنجان قهوة، ووالله إنها ألذ وأبرك من عشرين نوعاً من طعامنا هذا، ويقوم الناس للصلاة وبطونهم خفيفة، وأيضاً أمراضهم منعدمة، وحالتهم طيبة، وقلوبهم فيها خير، لكن الآن تجد المرأة واقفة على قدم وساق تدور وتصول وتجول، تملأ مائة صحن وهي تقرب من كل شكل، وبعد ذلك تدخل بها في الغرفة وتسردها، سفرة طويلة عريضة، فهذا هو العشاء. أما الفطور فحدث ولا حرج عن الفطور؛ الفطور هذا لو أكله جمل لفسدت معدته: فيقدمون صحن تمر، وخمسين أو ستين حبة (سنبوسة)، ومائة أو مائتين حبة (لقمة القاضي)، وصحنين قطائف، وأربع أو خمس (جيكات): عصير برتقال، وعصير توت، وعصير تفاح، وعصير عنب، هذا الفطور فقط، فمن يأكل هذا؟ فتنتهي الصلاة في المسجد وهو لا يزال يأكل، رغم أن الطب الآن يتوافق مع ما جاءت به السنة من الأمر بأن يفطر الرجل المسلم على تمرات، فإن لم يجد فماء، فإن لم يجد فلبن، قال العلماء والأطباء: إن المعدة خلال إمساك الإنسان من أول النهار إلى آخره تضمر وتحتاج إذا أردت أن تشغلها إلى عملية إدفاء، عملية تحريك لها، وهذا يتم عن طريق التمرات؛ لأن التمرة فيها سعرات حرارية، فإذا أخذ الإنسان تمرة أو تمرتين أو ثلاث تمرات أو سبع، هذه التمرات تذوب في المعدة وتشغلها، وتبدأ تهضم على مهلها حتى تكون قادرة على هضم الطعام، لكن إذا أتيت وأعطيتها كثيراً من (السنبوسة)؛ و (السنبوسة) هذه من أعقد الأطعمة؛ لأنها تحتوي على الخبز وعلى الزيت المقلي، وعلى اللحم وعلى البيض وعلى الخضار، كل هذه من أعقد الأطعمة وتحتاج المعدة وقتاً لكي تهضمها، فيأكل الإنسان هذه الأكلة ثم يذهب إلى الصلاة متأخراً، بعضهم يأتي وقد فاتته صلاة المغرب، ولا يدرك تكبيرة الإحرام؛ لأنه يأكل فيريد يسابق على هذه الأشياء. وبعضهم يأخذ (السنبوسة) لقمة واحدة ليس مستعداً يمضغها، لماذا؟ لأنه يريد يأكل كثيراً بسرعة من أجل أن يلحق الصلاة، وإن بلع الطعام قبل المضغ ففيه إتعاب للمعدة؛ لأن ما لم تمضغه بلسانك تضطر معدتك إلى هضمه بشكل أصعب، وبالتالي تتعب معدتك وتمرض في أول فرصة وفي أول مناسبة، ثم يصلي الإنسان ويعود بعد الصلاة ويجد السفرة الممدودة أمامه ذات الطول وذات العرض التي فيها كل ما لذ وطاب، ولا يعلم بأي شيء يبدأ، فيأكل من هذا ومن هذا، ولا بد من أن يعمم على جميع الأطعمة، ويا ويله إن كان أكل من نوع واحد؛ لأن أم العيال سوف تغضب منه، وتقول: أنا عملته لمن؟ وأنا تعبت من أجل مَنْ؟ والله ستأكل لقمة والله لتذوقنه، فيجيب يا بنت الحلال امتلأ بطني، قالت: لا. ما عملنا إلا لك، فيأكل ويرضيها ويملأ بطنه إلى أن يبلغ الحلقوم، وبعدها لا يستطيع أن يقوم من مقامه، حتى الماء يطلب إحضاره إليه، يقول: هات الماء أغسل يدي هنا، وبعد ذلك هاتوا المخدة؛ لأنها (بنشرت الكفرات) ونام، بعضهم ينام قبل العشاء، ثم يؤذن للعشاء وتقام الصلاة في المساجد وهو لا زال في البيت يغالط نفسه، وبعضهم يأتي وقد صلوا الفريضة ويصلي ركعتين أو أربع ركعات أو ست ركعات من التراويح ثم يخرج، ويقول: قد سمعنا يقولون إنها سنة، يعني: السنة ليست جيده في نظره؛ لأنه متعب حقيقة، هذا مسألة العشاء. وبعد العشاء بعد التراويح خذ ما تشاء من الأطعمة الأخرى والمكسرات والمشروبات وإلى وقت السحور، ثم السحور يتسحر الإنسان والسحور فيه بركة ولا نقول فيه شيئاً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر به مهما كان، فتسحروا كما قال عليه الصلاة والسلام (تسحروا فإن في السحور بركة) هذه مسألة الطعام الذي من أجله ومن أجل الحد منه فرض الصيام، فكثرنا منه، أجل نحن قابلنا رمضان مقابلة غير صحيحة.

الخصومات والمشاحنات في رمضان

الخصومات والمشاحنات في رمضان أما مسألة الغضب في رمضان، فهذه شائعة عند الناس، ترى الرجل في نهار رمضان خاصة في نصف النهار وقد قطب جبينه وربط غترته على أنفه وعلى وجهه، فلا تقل له: السلام عليكم فيضاربك، وإذا كان مديراً أو موظفاً فلا تراجعه، فلو كانت سهلة عقدها عليك، لماذا؟ قال: رمضان كريم، أنا زعلان لأن بطني فارغة، يعني: لو كنت شَبِعاً فسوف أصلح معاملتك لكن (رمضان كريم)، فـ (رمضان كريم) من أجل تصير أنت كريماً أيضاً في خلقك، وفي معاملاتك وفي طبعك، حتى لو كنتُ مخطئاً ودخلت عليك وأغضبتك فلا تغضب عليَّ لماذا؟ لأنك صائم تقول لي: اللهم إني صائم، لكن بالعكس الآن تجد المضاربات في الأسواق، والمضاربات في المكاتب والدوائر، والزعل كله من أجل رمضان، لماذا؟ لأن الذي يتحكم فيه بطنه لا يتحكم فيه عقله، فلما جاع بطنه ذهبت أخلاقه، لا حول ولا قوة إلا بالله! خصوصاً إذا كان ممن يتناولون الدخان، الدخان إذا تناوله الإنسان ثم انقطع عنه في نهار رمضان قامت قيامته، وأظلمت الدنيا في وجهه، فلا حول ولا قوة إلا بالله! هذه أيها الإخوة: مسألة الطعام ومسألة الغضب.

السهر وصرف الأوقات في غير الطاعة

السهر وصرف الأوقات في غير الطاعة يبقى شيء ثالث تعوّده الناس في رمضان وهذا خطأ وهو: ليالي رمضان المباركة، ليالي القيام وليالي التراويح، وليالي العلم، وليالي الزيارة وصلة الرحم، وليالي العبادة وقراءة القرآن؛ هذه تحولت في زمان المسلمين إلا من رحم الله إلى ليالي ميتة، ليالي خبيثة، تملأ بالسهر القاتل، وباللهو الباطل على الورق، وعلى (الشيش)، وعلى الدخان، وعلى (الكيرم)، وعلى (الضومنة)، وعلى الأفلام -والعياذ بالله- وعلى المسلسلات، وعلى اللعن والشتم والسب والقصص الفارغة، حتى إن بعضهم ليستعد لرمضان من قبل دخوله بتشكيل (البشكات)، يقول: والله نريد نعمل لنا (بشكة)، لماذا؟ قال: (رمضان كريم) نريد نسمر لنحيي ليالي رمضان، وهو في الحقيقة لا يحييها وإنما يميتها.

برنامج مقترح لاستغلال رمضان استغلالا صحيحا

برنامج مقترح لاستغلال رمضان استغلالاً صحيحاً إن إحياء ليالي رمضان لا يكون إلا بطاعة الله عز وجل، وحتى يكون المسلم على بصيرة من أمره فإنا نضع له برنامجاً إن شاء الله إذا سار عليه في رمضان فإنه يكون من الصائمين الصادقين المخلصين.

برنامج الأكل المناسب للصائم

برنامج الأكل المناسب للصائم أولاً: لا تستعد لرمضان بشيء من المأكولات أكثر مما كان في شعبان، اجعل الأمر طبيعياً، ولا تصغ للنساء إذا طلبن منك وقل: حاضر أبشروا! لكن اتركه يدخل من أذن ويخرج من الأخرى، وأحضر ما يكفيك أنت وأهلك، وترى السوق مليان ولا تجد أزمة في الأسواق، هات لهم الذي يكفيهم ذاك اليوم، ونوعين أو ثلاثة أو أربعة ولا تكثف، فالغداء الذي كنت تتغداه أنت وأولادك من أرز ولحم اجعلوه عشاء وانتهى الموضوع، أما عشاء (كبسة) ورز وإدامات، ومن كل شكل ولون، وحلويات وأطعمة، هذه كلها لا تستطيع لها، فهي ترهقك وبالتالي أكثر الناس الآن في رمضان عند أبوابهم تجد الزبائل مليئة بالفضلات، نعم يا إخواني! والله لا يجدونها في بعض الدول وإنهم يموتون جوعاً ولا يرونها، ونحن نرميها في الزبائل، ولا نخاف الله عز وجل. وأكثر الناس في رمضان وقد أخبرني أحد الأطباء يقول: إن المستشفيات تجند نفسها في بداية رمضان بمجموعة كبيرة من الأطباء خصوصاً أطباء الباطنية، لما يحدث عند الناس من مرض في بطونهم في أول رمضان، ولذا إذا أتيت المستشفى في رمضان بعد العشاء فستشاهد طوابير، وعلى من؟ لا تجد عند طبيب الأذن ولا واحد، ولا طبيب العين ولا واحد، ولا طبيب العظام، وإنما عند الباطنية، وعند هذا طابور وكل واحد يدخل يقول: يا دكتور بطني، بطنك من يدك، الله أكبر عليك، أوقف يدك يصلح بطنك، وبعضهم معه حبوب فجيبه ممتلئ، أكثر الناس معه حبوب ما هذه؟ قال: هذه حبوب الهضم حبوب الحموضة، يخرب من هنا ويصلح من هنا، خفف الأكل وكل بمقدار معين، وليس هناك داع للحبوب، أما أن تبني وتهدم فلا يا أخي! وفي هذه الليالي المباركة البرنامج الإيماني الذي نقترحه:

الاستعداد النفسي لاستقبال رمضان

الاستعداد النفسي لاستقبال رمضان أولاً: أن يستعد الإنسان قلبياً ويفرح نفسياً برمضان، ويسأل الله أن يبلغه رمضان، كان الصحابة يقولون: [اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان] والناظم يقول: يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجبٍ حتى عصى ربه في شهر شعبان ها قد أظلك شهر الصوم بعدهما فلا تصيره أيضاً شهر عصيان اتل الكتاب وسبح فيه مجتهداً فإنه شهر تسبيح وقرآن كم كنت تعرف ممن صام في سلفٍ من بين أهل وجيران وإخواني أفناهم الموت واستبقاك بعدهم حياً فما أقرب القاصي من الداني ومعجبٌ بثياب العيد يقطعها فأصبحت في غدٍ أثواب أكفان حتى متى يعمر الإنسان مسكنه مصير مسكنه قبر لإنسان وناظم آخر يقول: أيا شهر الصيام فدتك نفسي تعجل بالمجيء والانتقال فلا أدري إذا ما عدت يوماً على كل البرية كيف حالي أتلقاني مع الأحياء حياً أو أنك تلقني في اللحد بالي لا تعلم -يا أخي- يعود عليك رمضان أم لا، فرصة لك -يا أخي- مجيء رمضان، فجدد وضعك مع الله، واستقبله بنفسٍ مشرقة وقلبٍ حي، على أنه فرصة للعمل الصالح تنجح فيها -بإذن الله- ولذا جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر وقال: (آمين آمين آمين، فقالوا له: يا رسول الله إنك تقول: آمين، وما سمعنا أحداً يكلمك؟ قال: أتاني جبريل فقال لي: رغم أنف -أي: خاب وخسر- من أدرك رمضان ولم يغفر له قل: آمين، فقلت: آمين). إذا لم يغفر لك في رمضان، وما تبت في رمضان، ولا اهتديت في رمضان؛ فمتى تتوب؟ أئذا دخلت النار تتوب وتقول: ردوني أعمل صالحاً، مثلما يقول أهل النار: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون:99] ليس لك فرصة هناك، الآن فرصتك، الآن مد الله في أجلك، وأعطاك فرصة عظيمة عليك أن تستغلها. ثم قال لي: (رغم أنف من أدرك أحد أبويه أو كلاهما فلم يدخلاه الجنة -يعني: بالبر- قل: آمين، فقلت: آمين) الذي أمه وأبوه موجودان ولا دخل الجنة عن طريقهم فهذا خاسر، فرصة، وإذا مات أبوك وأمك فمن أين تأتي بهما؟ هل هناك آباء وأمهات يُشتَروْن في الأسواق من أجل تدخل بهم الجنة؟ والله لا يوجد، ليس معك إلا أمك وأباك، فإن هم أحياء فاستغلهم، فإنهم ضيوف عندك وسوف يموتون، عليك أن تبحث عن طاعة الله عن طريق طاعتهم، عليك أن تسلك إلى الله طريقاً عن طريقهم فإنهم باب الجنة: (الجنة تحت أقدام الأمهات) {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان:14] {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء:23] والذي لا يتعرف على والديه ولا يتعرف على طاعتهم في الدنيا هذا جدير ألا يتعرف على طاعة الله؛ لأن أعرف الناس وأوثق الناس بك فضلاً بعد الله هم أبواك. والثالث قال: (ورغم أنف من ذكرت عنده ولم يصلَّ عليك قل: أبعده الله، قلت: آمين) لماذا؟ لأنه ما الذي ينقص عليه لما يقول: اللهم صلَّ على محمد {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب:56] فإذا كنتم في الأرض محرومين لا تريدون أن تصلوا عليه، فالله في السماء وملائكته في السماء يصلون على النبي، ثم قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] وفي الحديث الصحيح: (من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا) فأنت لست بخاسر، صلِّ واحدة وربي يعطيك عشرة منه.

البرنامج العملي للعبادات في رمضان

البرنامج العملي للعبادات في رمضان فتبدأ نهار رمضان بالإشراقة النفسية والرغبة في التوبة، وبعد ذلك تخرج إلى المسجد مبكراً بمجرد تناولك طعام السحور لكي تقرأ ما يسر الله من التلاوة قبل الصلاة. وبعد الصلاة إن كنت موظفاً أو طالباً فليس هناك مانع من أن تعود إلى البيت لتنام حتى توفر لك جزءاً من الوقت أكثر؛ لأنك ربما ما نمت في الليل، فتنام من بعد صلاة الفجر، أما إذا كنت غير موظف وليس عندك دوام ولا شيء؛ فإن الأولى لك أن تجلس في المسجد تذكر الله وتقرأ القرآن ثم تصلي ركعتي الإشراق، ثم تذهب إلى البيت وتنام، خصوصاً إذا كنت تاجراً أو صاحب عمل، أما الطالب والمدرس والموظف فإذا أراد أن يجلس فهذا خير، وإن تعذر عليه لضيق الوقت ولرغبته في استغلال أكبر قدر من النوم، فلا مانع من أن يعود إلى بيته وينام إلى الساعة العاشرة إلا ربع؛ لأن الدوام سيكون الساعة العاشرة بمعنى قبل الدوام بربع ساعة يجب أن تقوم وتتوضأ وتتهيأ، إن أمكنك أن تصلي ركعتي الضحى فهذا طيب، وإلا فتذهب إلى مدرستك أو إلى عملك أو إلى وظيفتك وتستمر إلى أذان الظهر. وبعد ذلك أثناء العمل تمسك لسانك، ليعرف الناس أنك صائم، لا تتكلم غيبة ولا نميمة، وكلما جرك زملاؤك إلى شيء مما كنت عليه في الماضي قل: اللهم إني صائم، تخلق بأخلاق الصُّوَام، إلى أن يأتي الظهر فإذا أذن فبمجرد سماع الأذان اترك عملك واذهب إلى المسجد وخذ المصحف، وطبعاً يجب أن يكون لك مصحف من أول رمضان تقرأ فيه القرآن، ويجب أن تختم القرآن أقل شيء في كل ثلاثة أيام مرة، يعني: تقرأ في كل يوم أقل شيء عشرة أجزاء، كان السلف يختمون القرآن ستين مرة، يعني: يختمون ختمة في الليل وختمة في النهار، وكانوا يعطلون كل جلساتهم وعلومهم وكل أشغالهم ويتفرغون للقرآن؛ لأنه شهر القرآن: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:185] لكن بحكم عدم تفرغنا نحن فلا مانع أن نختم في كل رمضان عشر مرات، يعني في كل ثلاثة أيام مرة، وهناك تقسيم آخر لأحد الإخوان يقول: تقرأ بعد كل فرض جزأين أو قبله كما تريد، تقرأ جزأين بعد الفجر أو قبله، بعد الظهر أو قبله، بعد العصر أو قبله، بعد المغرب أو قبله، بعد العشاء أو قبله لابد أن تقرأ جزأين في خمس صلوات في رمضان تختم عشر مرات كتاب الله عز وجل، وهذا فضل عظيم، ثم بعد ذلك تصلي مع الجماعة في المسجد وتعود من الصلاة إلى مواصلة عملك إلى أن ينتهي النهار والدوام، ثم تعود إلى المسجد وتصلي في المسجد مع الجماعة وتجلس تقرأ القرآن في المسجد إلى المغرب، فلا داعي أن تذهب إلى البيت أو السوق؛ السوق هذا لا تنزل فيه إلا لغرض ضروري جداً تأخذ غرضك وتمشي، اجلس في المسجد اقرأ إلى أن تغرب الشمس ثم اذهب إلى بيتك ونبه على زوجتك على ألا تقدم أي نوع من الطعام إلا التمر فقط، فكل تمرات وتراً ثلاث أو خمس أو سبع تمرات، ثم اشرب عليها فنجان قهوة أو فنجان ماء، واذهب إلى المسجد مبكراً وصل المغرب، وبعد صلاة المغرب عد إلى بيتك وتناول طعام العشاء الخفيف الذي لا ترهق فيه بطنك ولا معدتك، وإنما تلبي فيه احتياجك بقدر الضرورة؛ لأن الأطباء يقولون: إن الحاجة في الطعام للثلث فقط، وإذا ترست الثلثين فالبقية كله يحول إلا أجزاء المعدة وإلى الهضم من أجل يخرج فضلات، فما دام أنه يخرج فضلات فاجعله في الثلاجة يا أخي، لماذا تحمل نفسك وتقعد تكظمه وتهضمه وبعد ذلك يذهب في الخلاء، وما استفدت منه شيئاً؛ لأنه لا يستفيد جسمك أبداً إلا من ثلث بطنك، وإلا لو تتصورون إن الإنسان يستفيد من كل الطعام الذي يأكله كان الشخص منا ليس مثلنا الآن كان مثل (القصبة)، كم أكل من يوم خلق وهو يأكل (تيوس وخرفان وغزلان ودجاج وسمك) أين هي؟ ليس هناك شيء، إنما الثلث فقط يذهب غذاء لجسمك والباقي يحول إلى فضلات، فكل بالثلث فقط، وما علامة الثلث؟ لأن بعضهم لا يأكل إلا بالثلث قلت: ما العلامة؟ قال: إذا (ترغت) من هنا، إذا امتلأ (التانكي) قال: غلق الثلث، يعني: عبا الثلاثة الأثلاث حتى الهواء فلا يوجد، فالهواء يخرج من رقبته، لا. علامة الثلث أن تشعر بأنك لا تزال جائعاً، هذا معناه أن الثلث عندك اكتفى، إذا شعرت أنك لا زلت محتاجاً إلى الطعام فمعنى هذا أنه امتلأ الثلث عندك، أما إذا شبعت فقد امتلأت الثلاثة الأثلاث كلها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجال: (نحن قومٌ لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع) يعني: يقوم قبل أن يشبع، فقم قبل أن تشبع من الطعام، وبعد ذلك تقوم إلى المسجد، وابحث عن إمام يؤدي الصلاة بتؤدة وخشوع، وبطول قراءة وقنوت، تبحث عن إمام تطمئن إلى قراءته، وإلى إنسان يطول القراءة ويعطي القراءة حقها من التجويد والترتيل والإطالة والركوع والسجود، حتى تعرف أنك في رمضان، أنت في رمضان ما أنت في لعب، فتصلي معه، وتأتي قبل الأذان في الصف الأول، وتأخذ مصحفك وتقرأ إلى أن يصلي العشاء والتراويح.

البرنامج الليلي بعد التراويح

البرنامج الليلي بعد التراويح وبعد التراويح يجب أن تنظم وقتك مع بعض إخوانك في الله، فتشكل لك مجموعة من أربعة أو خمسة أو ستة نفر أو ثمانية بقدر الحاجة وبقدر الموجودين وبعد ذلك تقول: نحن نريد أن نحيي ليالي رمضان، كيف برنامج هذه الليلة؟ بعد الوصول إلى صاحب البيت الذي فيه الجلسة أو السمرة يقدم القهوة والشاي ولا بأس بنوع من المشروبات الخفيفة، وبعد ذلك يدار المصحف ويخرج كل شخص منكم مصحفه وتبدءون من سورة: ق، من المفصل، سورة ق تقرأ كلها تلك الليلة، وبعد قراءتها يطلب من الشيخ الفاضل ابن كثير رحمه الله -وهو جالس في المكتبات بستين ريال أو بخمسين ريال- نقول له: يا ابن كثير! نريد أن تعلمنا تفسير هذه الآيات، فيأخذ واحد منه التفسير ويقرأ علينا تفسير ابن كثير لهذه السورة، تستغرق هذه الحصة نصف ساعة أو ساعة إلا ربع، بعدها هات الماء يا ولد، أو هات حليب، أو شاهي، أو مشروب من أجل ينوعون. وبعدها درس في الفقه، يؤتى بكتاب الفقه وليكن الروض المربع أو زاد المستقنع أو المغني إذا كانوا من الطلبة الكبار الذين فيهم تبحر في العلم، وتبحث مسائل، ولنبدأ من باب الطهارة، من تقسم المياه، من باب الآنية، كيف نتوضأ؟ كيف نغتسل من الجنابة؟ أحكام الغسل، هذه مجهولة عند كثيرٍ من الناس، حتى عند بعض طلبة العلم لا يعرف كيف يغتسل من الجنابة وكيف يبدأ وكيف ينتهي، نتعلم درساً من الفقه لمدة نصف ساعة أو ساعة إلا ربع، فإذا انتهينا منه نأخذ درساً في التوحيد، نأخذ كتاب فتح المجيد الذي هو حق الله على العبيد، أو نأخذ كتاب الإيمان للشيخ/ عبد المجيد الزنداني، أو نأخذ من كتب التوحيد التي هي مجموعة كتب الشيخ الدكتور/ عمر سليمان الأشقر، الإيمان بالله والملائكة والبعث والآخرة والكتب والرسل، موجودة هذه الكتب كلها وأظنها بخمسين ريالاً أو ستين ريالاً، أكثر من ثمانية كتب نقرأ في هذه. بعد ذلك فرغنا منها نقول: هاتوا درساً من السيرة العطرة، فنأخذ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، نبدأ بمولده صلى الله عليه وسلم، والليلة الثانية نأخذ كيف بعث، بعد ذلك نأخذ الغزوات؛ لأن السيرة لذيذة وشيقة، وتأخذ فيها أحسن كتاب أدلكم عليه هو سيرة ابن هشام، سيرة ابن هشام رحمه الله أربعة أجزاء في مجلدين تقرءونها، بإذن الله تجدون فيها من العذوبة كأنك في أعظم روضة في ليلتك، انتهيت من درس التوحيد والفقه والحديث والتفسير في نحو الساعة الثانية عشرة، فلا تطل السهر إلى الساعة أربعة أو ثلاثة، لماذا؟ لأن لأهلك عليك حقاً إن كنت متزوجاً، أو لنفسك عليك حقاً إن كنت عزباً لترتاح، أو لدروسك وواجباتك عليك حقاً إن كنت طالباً، فلا بد أن تعطي الحقوق كاملة، أما أن تسمر حتى ييبس رأسك، ثم تملأ بطنك وتنام، ولا تصلي الفجر في المسجد فهذه مصيبة، بل تذهب إلى البيت لتنام مبكراً حتى الساعة ثلاثة أو ثلاثة ونصف ثم تستيقظ، وبعد الاستيقاظ تتوضأ وتصلي ركعتين، بعض الناس يقول: ما هاتان الركعتان، نقول: هذه ركعتان في جوف الليل خيرٌ من الدنيا وما عليها، ليس لها علاقة بالإمساك ولكنها من قيام الليل، وما دام قمت والله عز وجل أقامك إلى السحور فعليك أن تحمد الله على هذه النعمة وتذهب تتوضأ وما هناك كلفة عليك يا أخي. احمد الله، كان الأولون إذا أرادوا أن يتوضئوا ينزلون من البيت ولا توجد لهم حمامات ويذهب إلى الحوش ويلقى الجوحل (والجوحل إناء فخاري) أو قربة قد صار الماء فيها ثلجاً وتوضأ، وبعد ذلك خرج لأنه لا يوجد حمام في البيت وتوضأ، ورجع والهواء يلفحه ويقطعه، وأرجله حافية وما عنده (فازلين) وليس له حذاء ولا ثياب ويذهب يصلي، لكن أنت الآن في نعمة ليس بعدها نعمة، تستيقظ من نومك وتقوم من غرفتك وتخرج فتجد الحمام، وتجد المغسلة، وتفتح الصنبور فينزل عليك الماء الحار المحمى من الليل من أين ينزل الماء؟ من الجن، كما قد قلت لكم مرة: شخص من أهل تهامة طلع إلى (السراة)، ويوم أن وصل عند صاحب (السراة) فأدخله الحمام ليتوضأ، فيفك الصنبور وإذا به ينزل الماء من الجدر ساخناً، فصرخ، قال: ماذا بك؟ قال: ماء حار من الجدر، فما صدق، لأنه لم يشاهد (طباخة) ولم يشاهد (دافوراً) ولم يشاهد شيئاً، أين (الطباخة) و (الدافور) لا توجد؟ لكنها معلقة في الحمام وتنزل لك ماءً حاراً، تتوضأ وتنشط، ثم تدخل في غرفتك بدون هواء وبدون مشكلة وتفرش سجادتك وتصلي ركعتين لربك، فربما لا يثقل ميزانك عند الله يوم القيامة إلا هاتان الركعتان، ما فيها والله تعب عليك، وبعد ذلك تأتي إلى سحورك وتتناول ما تيسر منه، ثم بعد السحور تذهب إلى المسجد كما قلنا. هذا هو البرنامج الإيماني الذي نسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن يقوله ويعمله، أنا لا أدري أطبقه أم لا، لكن ربما تستفيدون مني أكثر من أن أستفيد من نفسي، ولكن أعوذ بالله أن أكون ممن يقولون ما لا يفعلون؛ لأن الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:2 - 3]. هذا ملخص عن شهر رمضان الذي نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يبلغنا إياه، وأن يتقبله منا، وأن يعيننا وإياكم على صيامه وعلى قيامه إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أحكام تتعلق بالصيام

أحكام تتعلق بالصيام ولا بد من إلمامة بسيطة من بعض الأحكام المتعلقة بالصيام حتى يكون الصائم على فقه من دينه.

حكم الأكل والشرب نسيانا أو خطأ للصائم

حكم الأكل والشرب نسياناً أو خطأً للصائم أولاً: إذا تناول الصائم شيئاً من المفطرات مأكولاً أو مشروباً ناسياً أو جاهلاً فلا شيء عليه وعليه أن يتم صومه؛ لأنه بحكم العادة ربما في الدوام أو في البيت وهو صائم يجد شيئاً ويأكله ناسياً أنه صائم فلا شيء عليك حتى إذا أكلت وشبعت، فإنما أطعمك الله وسقاك. وهذه -أيها الإخوة- يقول العلماء: فيها إشارة إلى عدالة الله، وفيها إجابة على القدريين والجبريين الذين يقولون: أنا مجبور على العصيان، ما أنت مجبور، إذا نزع الله منك الاختيار نزع عنك التكليف، ولذا إذا أكلت ناسياً فما عليك شيء إنما أطعمك الله وسقاك، إذا حصل لك احتلام في المنام في نهار رمضان، فتقوم تغتسل وتكمل صيامك ولا شيء عليك، لماذا؟ لأنك احتلمت بغير اختيار، لكن لو أن الإنسان تسبب في الإمناء؛ فإنه أفسد صومه، ولزمه القضاء، ولحقه الإثم والعقوبة؛ لأن من أفطر يوماً من رمضان لم يقضه ولو صام الدهر كله، لا يقضي إثمه إلا التوبة، فإنها تجب ما قبلها، فإذا نسي الصائم فأكل أو شرب لم يفسد صومه؛ لأنه ناسٍ، ولو أكل أو شرب وهو يعتقد أن الليل باقٍ فتبين أنه طلع النهار فهذا حكمه حكم الناسي، لماذا؟ لأن الأصل بقاء الليل، فلا ينقض الأصل بما يحدث عليه، لكن إذا أكل أو شرب ظاناً أن النهار قد انتهى وبعد قليل ظهرت الشمس بعد أن ذهبت الغيوم، ففي هذا اختلف أهل العلم: يقول جماهير العلماء -والحنابلة يتزعمون هذا- يقولون: عليه صوم، يقضي هذا اليوم، لماذا؟ لأن الأصل بقاء الصوم، فلا ينقض بما يحدث عليه، وبعض أهل العلم وهم أهل الحديث يقولون: ليس عليه قضاء، لماذا؟ لأنه جاهل والله يقول: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] وأنا أخطأت في تقدير الصوم، فلا شيء عليَّ، ولكن الراجح هو قول الأئمة والجمهور، لماذا؟ لأن المسلم مأمور بالاحتياط في دينه، فلا ينبغي له بمجرد ما يأتي غيم يقوم يأكل ويترتب على هذا إفساد صومه. كذلك لو تمضمض الإنسان فدخل الماء إلى حلقه من غير قصدٍ لم يفسد صومه، ولكن ينبغي له أن يحتاط للحديث الذي في السنن: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)، فإذا كنت صائماً فعليك أن تتمضمض وتستنشق لكن بدون مبالغة، لكن إذا تمضمضت بغير قصدٍ للمبالغة وسقطت قطرة عن غير قصدٍ وإنما سهواً فلا شيء عليك؛ لأن هذا من المعفو عنه إن شاء الله.

مفسدات الصوم

مفسدات الصوم أما المفسدات للصوم فهي كثيرة، وأعظمها الجماع في نهار رمضان، والدليل فيه: حديث سليك الغطفاني الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (هلكت، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم في رمضان) فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على كلمة هلكت، فإنها هلكة حقيقة ولا ينبغي للمسلم أن يمارسها، ولكن هذا الرجل كان مبتلى (عنده شبق جنسي) وما كان يصبر عن امرأته إذا رآها، فوقع عليها، وجاء يستفتي النبي صلى الله عليه وسلم. (قال له: أعتق رقبة، قال: لا أجدها يا رسول الله! قال: صم شهرين متتابعين، قال: وهل أتيت إلا من الصوم -يقول: ما ذبحني إلا الصوم تريدني أصوم شهرين، ما قدرت أصوم شهر واحد- فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أطعم ستين مسكيناً قال: ليس في المدينة أفقر مني ولا عندي شيء، فبينما الرسول جالس والصحابي جالس إذ جاء رجل بعرق -مكتل- فيه تمر، قال: خذ هذا المكتل وقسمه على ستين مسكيناً، قال: والله ما بين لابتيها أفقر مني يا رسول الله! قال: خذه وأطعمه أهلك، فخرج الرجل يضحك ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك) صلوات الله وسلامه عليه، ما أعظمه من مربٍ! وما أعظمه من إنسان! {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] هذا جاء بهذه المشكلة وخرج ومعه مكتل تمر فربح الخطين، لكن لا يعملها شخص منكم ويقول: لا. أنا سوف أربح الخطين، وإنما ينبغي لك أن تدع الجماع ودواعيه، وكل ما يوصل إليه؛ لأن ما كان حراماً فما يوصل إليه حرام، لا تقرب من المرأة ولا تقبلها، ولا تضاجعها، وإنما تنام في فراش وهي في فراش إذا كنت تخاف على نفسك، أما إذا كان الرجل كبيراً وشيخاً هرماً ولا يحصل منه شيء من الانتشار أو من الرغبة، فإنه لو قبل زوجته فلا حرج فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل عائشة وهو صائم كما جاء في الحديث الصحيح قالت: (كان يقبلني وهو صائم، لكنها قالت: وكان أملككم لإربه) ما كان شهوانياً صلوات الله وسلامه عليه. إنزال المني يفسد الصيام بشرط: أن يكون عمداً باستمناءٍ، أو مباشرة، أو تقبيلٍ، أو نظرٍ، أو ينظر في النساء حتى يمني فهذا أفسد صومه. الأكل والشرب سواءً كان نافعاً أو ضاراً، ويدخل فيه اللبان، ويدخل فيه الدخان، ويدخل فيه معجون الأسنان؛ لأنه في حكم الأكل والشرب. حقن الإبر الغذائية لا الدوائية، الإبر تنقسم إلى قسمين: إبر غذاء، وإبر دواء، فالإبر الغذائية التي يستعاض بها عن الغذاء وهي الجلوكوز أو غيره هذه تفطر؛ لأنها في حكم الغذاء، أما الإبر الدوائية التي تعطى كدواء ولا لها علاقة بالغذاء فهذه لا تفطر ولو أخذها الإنسان وهو صائم فلا شيء عليه إن شاء الله، ولكن الأولى له خروجاً من الخلاف والأحوط أن يتناولها في الليل؛ لأنه لا يوجد أحد يأخذ إبرتين في النهار والليل، إنما بإمكانه أن يأخذ يومياً إبرة يأخذها في الليل، لكن لو كانت الجرعة عنده إبرة صباحاً وإبرة مساءً، يأخذ إبرة في الصباح إذا كانت علاجية ولا شيء عليه ويأخذ إبرة في الليل إن شاء الله وهو مفطر. كذلك من المفطرات: حقن الدم، مثل أن يحصل للصائم نزيف فيحقن له دم، يحصل له حادث ويأتون يعطونه قربة دم أو نصف قربة لأن هذا غذاء، بل هو لب الغذاء؛ لأن الغذاء كله يتحول إلى الدم فيفطر الصائم بذلك. خروج دم الحيض والنفاس أيضاً تفطر به المرأة، أما دم الاستحاضة، أو دم العرق، أو دم العلة، أو دم النزيف، فهذا لا تترك بسببه الصلاة ولا الصيام، -مثلاً- امرأة حامل في الشهر الخامس وخرج منها قطرات دم نزيف، وهذا ربما يخرج من الحامل فلا هو حيض ولا هو نفاس، عليها أنها تصوم وتصلي وتعتبره في حكم البول تغسله من الثوب وتتوضأ منه ولا شيء عليها، هذا دم الاستحاضة والنزيف والعلة والعرق، أما دم النفاس الذي يخرج عقب النفاس أو دم العادة الشهرية الذي يخرج في زمنها، وهذا معروف عند النساء فإنها تدع الصوم وتدع الصلاة ولكنها تقضي الصوم بعد رمضان ولا تقضي الصلاة. خروج الدم من الإنسان إما بالحجامة، أو بالسحب (سحب الدم) للإسعاف، أما سحب الدم اليسير للتحليل قال العلماء: لا يؤثر؛ لأنه بسيط، والرعاف بسيط لا يؤثر، ونزع الضرس وخروج دم بعده لا يؤثر، وخروج الجرح البسيط الذي يخرج من دمك وسيل الدم منه بسيط لا يؤثر، لكن ما يحصل بسحب الدم فإنه يؤثر على الإنسان، وبالتالي حكمه حكم المريض يلزمه أن يفطر ويلزمه شيء من المشروبات ليعوض هذا الدم الذي سحب منه. أما موضوع الحجامة فهو موضوع مختلف فيه بين أهل العلم: طائفة من أهل العلم يرون أنها لا تفطر لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه احتجم وهو صائم) وحديث آخر يعارضه ومن أراد أن يرجع إليهما فليرجع إلى سبل السلام للشيخ/ الصنعاني، أنه صلى الله عليه وسلم مر على رجلٍ يحتجم فقال: (أفطر الحاجم والمحجوم). ولكن يرجح أئمتنا ومشائخنا منهم الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين أنها تفطر، فإذا احتجم الإنسان فإنه يخرج منه دم كثير، وهذا الدم يتعبه وبالتالي ينبغي له أن يأكل شيئاً. مما يفطر وينقض الصوم القيء، إذا تعمد الإنسان في إخراجه، أما إذا غلبه وذرعه من غير قصدٍ ولا عمدٍ منه فلا شيء عليه. هذا ما يتعلق بالمفطرات.

من فضائل الصوم

من فضائل الصوم من فضائل الصوم: أنه سبب لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات لما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) هذه كرامة عظيمة لا يتركها إلا خاسر (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) وهذا بإمكانك إن شاء الله، ومعنى إيماناً: أي: رضاً وتصديقاً بفرضية صومه، ومعنى احتساباً: أي: احتساب الأجر والمثوبة عند الله، لا كارهاً للفرضية، فإن من الناس من يصومه كارهاً، إذا دخل رمضان فأثقل شيء عليه رمضان، فلا يحب أن يدخل رمضان، لماذا؟ لأنه يمنعه من الكبسة ومن الغداء، وتشوفه يعد لياليه وأيامه كأنه أثقل ضيف، هذا لا يغفر له ذنبه؛ لأنه ما صام رمضان إيماناً واحتساباً وإنما صامه كارهاً والعياذ بالله. ومن فضائل رمضان: أن الثواب الذي رتبه الله عليه لا يتقيد بعددٍ ولا بحدٍ معين، بل يعطى للصائم أجراً بغير حساب، كما قال عز وجل: (كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) كم يجزي به ربي؟ لا نعلم، والله كريم، ولا راد لفضله تبارك وتعالى. ومن فضائل الصيام: أنه يشفع لصاحبه يوم القيامة لما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله وعليه وسلم والحديث رواه الإمام أحمد في مسنده قال: (إن الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: ربي! منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه، ويقول القرآن: ربي منعته النوم بالليل فشفعني فيه، قال: فيشفعان فيه حتى يدخلاه الجنة) الصوم والقرآن شافعان، يشفعان لك يوم القيامة.

أعذار الفطر وأحكامها

أعذار الفطر وأحكامها أما بعض الأحكام المتعلقة بالناس في رمضان، يعني الناس ليسوا كلهم على وتيرة في فرضيته وإنما يتفاوتون بتفاوت أحوالهم ومناسباتهم. فالصوم واجب وفرض على كل مسلم بالغٍ عاقلٍ قادرٍ مقيم، وبهذه الخمس التعريفات يخرج من المحترزات أصناف منها: المحترز الأول: أن الكافر لا يصوم، ولو صام لم يقبل منه، وإذا أسلم لا يقضي الذي فاته؛ لأن التوبة والإسلام يجب ما قبله، إذ يشترط فيمن يصوم أن يكون مسلماً؛ لأن الإسلام هو أساس كل عمل. الصغير الذي لم يبلغ سن الرشد، وسن الرشد يعرف بواحدة من ثلاثة أشياء: إما بالإنبات، أو بالاحتلام، أو ببلوغ الخامسة عشرة، ومن بلغ خمس عشرة سنة أو أنبت أو احتلم فقد بلغ، ووجب عليه الصوم، وإذا لم يصم فمعناه أنه ترك ركناً من أركان الإسلام، لكن الصغير يعود عليه، ويدرب من الصغر، من السبع سنوات يدرب يوم في رمضان هذا يصوم يومين أو ثلاثة أو أربعة فيأتي رمضان القادم فيصوم أسبوعاً وعمره إذا كان ثمان سنوات يصوم عشرة أيام وهكذا كما قالت عائشة رضي الله عنها: [كنا نلهي الصبيان باللعب حتى يفطروا في المغرب] فكونك تدربه فعل حسن لأن بعض الناس يقول: لا أريد أذبح الولد، فالولد يريد يصوم لكن يصيح أبوه، يقول له: أفطر يا بني -سبحان الله- تذبحه يوم يصوم لرب العالمين، لا إذا صام في صحته وفي عافيته إن شاء الله فهو تدريب على الخير فقوِ فيه هذه الروح ولا تحبطها فيه ولا تخذله. المجنون لا يجب عليه الصوم ولا الإطعام؛ لأنه غير مكلف، وإذا فاق وعاد إليه رشده وعقله فإنه يصوم من وقته ولا يقضي ما فاته لارتفاع التكليف عنه، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: الصغير حتى يبلغ، والنائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق). العاجز عن الصوم بسبب كبرٍ، أو بمرضٍ لا يرجى برؤه، وقرر الأطباء المسلمون أن الصيام مضرٌ به، فإن هذا يسقط عنه الصوم ولكنه يطعم عن كل يومٍ مسكيناً، فإن كان عاجزاً لا يستطيع حتى الإطعام سقط عنه الإطعام والصيام، وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى. المريض الذي يمرض مرضاً طارئاً وقتياً، فهذا يفطر ولكنه يقضيه بعد أن يمن الله عليه بالشفاء للآية الكريمة: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:184] يعني: فعدة ما أفطرت من أيام أخر بعد رمضان. الحامل التي في بطنها جنين، أو المرضع التي ترضع جنينها ويترتب على صيامها ضرر عليها أو على جنينها، فإنها تفطر، وتصوم بعد أن تضع أو بعد أن تفطم هذا الولد، وفرق أهل العلم فقالوا: إن كانت تخاف على جنينها أو على ولدها فإنها تفطر وتطعم إذا قضت، أما إذا خافت على نفسها فإنها تصوم ولا تطعم، ولكن المحققين من أهل العلم يقولون: لا دليل على التعزيز بالإطعام، وإنما إذا أفطرت فإن عليها القضاء ولا كفارة مع ذلك، وإنما هي من اجتهادات أهل الفقه رحمهم الله تعالى. الحائض والنفساء لا تصومان ولكن تقضيان الصوم ولا تقضيان الصلاة بعد رمضان. الذي يضطر اضطراراً بالغاً للإفطار مثل: إنقاذ غريق، إنسان مسلم سوف يموت في البحر، وهذا يريد ينقذه، ولكنه لا يستطيع أن ينقذه إلا إذا كان متزوداً بشيء من الإمكانيات فهذا يجوز له أن يفطر من أجل إنقاذ هذا الإنسان، وقد نص على هذا أهل العلم، وقاسوا عليه من يكون مستعداً لإخراج الدم لإنقاذ حياة مريض، مريض وقع له حادث مروري وقالوا: إذا لم يوجد دم الآن سوف يموت هذا الإنسان، فيعطيهم ويفطر، فهذا مضطر لأن يفطر، لأنه أنقذ إنساناً من الموت بإذن الله عز وجل. أما المسافر فإنه مخير بين الصوم وبين الإفطار بحسب ما يتيسر له، فإن كان الإفطار أيسر له فعليه أن يأتي بهذه الرخصة؛ لأن الله يحب أن تؤتى رخصه، وإذا كان الصيام في حقه أفضل فيتبع ما شاء، لأن بعض الناس تجده يسافر للعمرة وفي الطريق يجوع ويعطش، وأولاده يجوعون ويعطشون ولكنه يرفض أن يفطر، وهذا إذا كان عليه مشقة فإنما يرد رخصة الله، ويريد غير ما أراد الله؛ لأن الله يقول: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:185] فكأنك أنت بالصيام تريد لنفسك العسر والله يريد بك اليسر، فما دام الله سمح لك فلماذا تشق على نفسك يا أخي؟! أفطِر، ويضرب أهل العلم مثالاً: لو أن عندك عاملاً في مزرعتك ودخلت عليه وهو صائم ويشتغل في المزرعة، فلما رأيت عرقه يتصبب وجهده واضحاً أشفقت عليه فقلت له: يا فلان! قف من الشغل واذهب فما بقي من النهار فهو إجازة، إذا وضع المسحاة وشكر لك وقال: الله يجزيك خيراً، يكون أحب إلى نفسك من أن يستمر ويقول: والله لا أتوقف إلا وقت الغروب، ما رأيك أنت تقول: الله لا يعينك، ما دام رحمناك وأبيت فالزم مكانك، ولله المثل الأعلى، الله يرحمك ويقول: إذا كنت في سفر وعليك مشقة ولحقك ضرر، وأردت لنفسك يسراً بما يسر الله عليك من الإفطار فلا تختر لنفسك عسراً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في يومٍ من الأيام وهو في سفرٍ؛ ومن الصحابة من كان صائماً، قال: (ما صنع العصاة؟) سماهم العصاة وقال للذين أفطروا: (ذهب المفطرون اليوم بالأجر) ولكن بحكم أن وسائل السفر اليوم عندنا بفضل الله تغيرت عن وسائل الماضي وأصبح الإنسان يسافر بالطائرة أو بالسيارة فهو مخير بين الإفطار والصيام بحسب ما يتيسر له من دون أن يلحق بنفسه مشقة. أحد الناس قال لي: أنا سوف أذهب آخذ عمرة، والعمرة سنة، فكيف أذهب آتي بعمرة وأضيع فريضة؟! قلت له: لا تأخذ عمرة، لو أردت أن تسافر إلى جدة تشتري قطعة غيار لسيارتك هل يجوز أن تفطر؟ قال: نعم. قلت: كيف تذهب تأخذ قطعة غيار لسيارتك وتضيع فريضة، الفريضة أهم أو قطعة سيارتك؟! فسكت الرجل، فالقضية ليس أنك ذاهب تأخذ عمرة أو غيرها، بل ما دمت في سفر والسفر حدده العلماء فقالوا: إما أن يكون سفراً واجباً، أو سفر طاعة، أو سفر مباح، أما سفر المعاصي فللعلماء فيه كلام، كمن يسافر ليفطر، مثل الأعرابي الذي دخل عليه رمضان قالوا: جاء رمضان، قال: والله لأبددن شمله بالأسفار، قال: أريكم فيه كل يوم أنا في أرض، من أجل يفطر كل يوم، هذا لا يفطر، لماذا؟ لأنه متى يقضي والعياذ بالله؟ أو سفر معصية، كمن يسافر من هنا فيخرج إلى خارج المملكة ليشرب الخمور أو ليزني، فهذا لا يفطر؛ لأنه سوف يذهب يستعين بهذا الإفطار على معصية الله -والعياذ بالله- فشرط أن يكون السفر سفر طاعة أو سفراً مباحاً كعلاج أو دراسة أو بيع أو شراء، أو زيارة، أو سياحة أو تمشية، فإنه يجوز لك أن تفطر فيه إذا لحقت بك المشقة.

فوائد تتعلق بالصوم

فوائد تتعلق بالصوم هذه بعض الفوائد المتعلقة بالصيام وهي مهمة جداً: يجوز للصائم أن يصبح جنباً من احتلامٍ أو من إتيانٍ لأهله ثم يقوم يتسحر ويعقد نية الصيام ثم يغتسل ويذهب يصلي في المسجد، إذ أن الطهارة لا تشترط للإمساك، فقد كان صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً فيتسحر ويغتسل ويذهب يصلي. أيضاً إذا طهرت المرأة في رمضان قبل الفجر فعليها أن تصوم وإن لم تغتسل، يعني: لو طهرت وانقطع دمها مع الإمساك وما وسعها الوقت لتغتسل فتعقد نية الصيام وتصوم، ولا تغتسل إلا بعد ذلك على مهلها إن شاء الله بحيث تدرك وقت صلاة الفجر. يجوز للصائم أن يدهن نفسه ورأسه بالدواء مثل الفكس، فيجوز أن تضعه في رأسك وظهرك، لكن لا تدخله داخل الأنف، ويجوز قلع الضرس، ومداواة الجرح، والتكحل في العين، والتقطير في العين والأنف والأذن، ولا يفطر بذلك حتى ولو أحس بطعمه في حلقه؛ لأنها ليست منافذ للطعام. يجوز أيضاً للصائم أن يتسوك في نهار رمضان من أول النهار وآخره لحديث: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يستاك في نهار رمضان يقول: لا أحصي مرات ما رأيته صلوات الله وسلامه عليه). أيضاً إذا كان الإنسان في منطقة حارة وشعر بالحرج والحر فإنه يجوز له التبرد بالماء، كأن يدخل في الحمام ويفتح الدش عليه ليبرد، أو يأخذ ماء ويصبه على الفراش وينام عليه، لا شيء في هذا، وهذا لا يؤثر على صومه. يجوز للصائم إذا كان مريضاً بالربو أن يبخ في فمه هذا البخاخ، ولا علاقة له؛ لأنه ليس طعاماً ولا شراباً، أو في حكمهما، وإنما هو هواء مثل الأكسجين، بل هو أكسجين مضغوط، فإذا تناوله بفمه إذا كان عنده ربو فلا شيء عليه ولا يؤثر بإذن الله. يسن للصائم أن يؤخر السحور إلى قبل الفجر، وأن يعجل الفطور بعد غروب الشمس، ويفطر على رطبٍ فإن لم يجد فعلى ماء. أيضاً يجب على الصائم أن يكمل صيامه بابتعاده عن المحرمات؛ خصوصاً الغيبة والنميمة، واستماع الأغاني، والنظر المحرم والسب والشتم، ويجب عليه أن يحافظ على الواجبات مثل الصلوات الخمس ويؤديها جماعة في المسجد، ومثل الإكثار من قراءة القرآن والتلاوة وفعل الخير، وزيارة الرحم والصدقات في هذا الشهر المبارك. هذا ونسأل الله عز وجل التوفيق والهداية، والقبول لنا ولكم ولسائر المسلمين.

الأسئلة

الأسئلة

حكم ركوب المرأة مع السائق الأجنبي

حكم ركوب المرأة مع السائق الأجنبي Q هنا رسالة مهمة من أحد الإخوة يقول: منظرٌ يحرق قلبي وأنا أشاهده كل يوم، خصوصاً عند أبواب مدارس البنات، وأنا آتي آخذ أهلي فأشاهد الفتيات يركبن في سيارات مع السائقين وليس معهن محرم، فما هذا وكيف فقدت الغيرة من قلوب المسلمين؟ وكيف دفنت المروءة والشهامة إلى هذا الحد فإنا لله وإنا إليه راجعون؟! A هذه أيها الإخوة (مشكلة السائق) حقيقة أنها معضلة خطيرة ومشكلة اجتماعية هامة جداً، وقد كان يمكن للناس أن يستوردوا عمالاً في كثيرٍ من أعمالهم للحاجة، إنما لا يسوغ لهم أن يستوردوا سائقاً لعوائلهم؛ لأن العائلة من ألصق الأشياء بك أنت، يعني: إذا كنت لا تسوق بأهلك فماذا بقي بعد هذا، هذه اختصاصاتك أنت، أنت الذي تسوق بزوجتك وأمك وبأهلك، أما أن تأتي بشخص يسوق السيارة لزوجتك وابنتك فماذا بقي معك؟ ولا يجوز كما قال العلماء أن تستورد سائقاً بأي حالٍ من الأحوال للسياقة بأهلك، بل عليك أن تسوق أنت أو يسوق ولدك، أو اجعلها لا تدرس إلى يوم القيامة، أما أن تأتي لها بسائق فلا. قال العلماء: ويجوز استيراد سائق عند الضرورة لرجلٍ كبير السن ولا يعرف يسوق، شيبة، أو أعمى ولا يستطيع يسوق وما عنده أولاد، وله مصالح ويريد يأتي بحاجاته وعنده سيارة فهذا قال العلماء: يجوز للضرورة، لكن بشروط: أولاً: أن يكون هذا السائق مسلماً فلا تأتِ بكافر. ثانياً: أن يكون هذا السائق رجلاً مسناً كبيراً قد انعطف ظهره، وسقطت أسنانه، وليس فيه عرق يلف، من أجل يسوق السيارة إن كنت تريده يسوق السيارة، وبعد ذلك هذا المسن هذا الذي ظهره قد انحنى يأتي بزوجته معه، لا تأتي به لحاله ولو كان مسناً، والمسن فيه خطر أيضاً، هات شايب وعجوز معه، وبعد ذلك تستأجر لهم بيتاً بعيداً عن أهلك، ولا يدخل بيتك في أي حالٍ من الأحوال ولا تركب معه زوجتك أو ابنتك أو أمك أو أختك إلا وأنت موجود، أما أن ينفرد بهم فهذا حرام. وما نراه -كما ذكر الأخ- والله إنه يدمي القلب أن ترى الرجل شاباً في عمر الخمسة والعشرين والثلاثين وكافر فلبيني أو كوري، وبعد ذلك يركب مع البنت يذهب بها المدرسة، وقد ورد في الحديث: (ما خلى رجلٌ بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) وإعطاء الثقة المطلقة في النساء تجر إلى كوارث، لا ننزع الثقة من النساء، نحن نثق فيهن، لكن إلى جانب الثقة نتقيد بأوامر الشرع، فإذا رفضنا الشرع وجعلنا الرجال مع النساء من باب الثقة حصلت الكوارث والمصائب، فإنا لله وإنا إليه راجعون!

حكم الجوائز التي يضعها التجار للتنافس

حكم الجوائز التي يضعها التجار للتنافس Q ما حكم جوائز (المراعي) فالناس يتسابقون عليها من أجل الجائزة؟ A يريد يشتري سيارة بخمسة ريال، سيارة قيمتها ثلاثين ألف يقول: يريدها بخمسة ريال: وقد رأيت شخصاً في سوق المركزي جاءه شاب واشترى عشر علب بخمسين ريال وفتحها وهي على (الماسة)، كلما فتحها وإذا بها عشر (هللات) عشر (هللات) فإذا كملت فإنه يلعنهم ويأخذها ويضرب بها التراب، ونتسابق عليها كلنا وإنه يلحقني منها اثنتان مجاناً، هذا -أيها الإخوة- أسلوب شيطاني من وسائل اليهود من أجل ابتزاز أموال الناس، بعض الناس لا يريد لبن لكن يقول: يا شيخ! لبن تأتي معه سيارة، ولذا ينفقون، وكم يضعون؟ يصنعون عشرة مليون علبة ويضعون فيها سيارة، وبعد ذلك على فرض إنك اشتريت أول علبة وطلعت لك سيارة، سيارة بأي حق تأخذها، من أين أخذتها من ظهور هؤلاء الذين يلاعنون والذين هم قاعدون يشترون سنين ولا طلعت لهم سيارة، أجل دخلت عليك السيارة من غير طريق شرعي وحرام، وفي هذا فتوى صريحة للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله وهي صادرة منه وهو الرئيس العام لـ إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد. يقول: بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة على رسول الله. أما بعد: لوحظ قيام بعض المؤسسات والمحلات التجارية بنشر إعلانات في الصحف وغيرها عن تقديم جوائز لمن يشتري من بضائعها المعروضة مما يغري بعض الناس ويدفعهم إلى الشراء من هذا المحل دون غيره، أو يشتري سلعاً ليس له فيها حاجة طمعاً في الحصول على إحدى هذه الجوائز، وحيث أن هذا نوعٌ من القمار المحرم شرعاً -اسمعوا هذا كلام الرئيس العام الذي أطبقت الأمة على قبول كلامه رحمه الله وأطال وأمد بركة علمه- يقول: إن هذا نوعٌ من القمار المحرم شرعاً والمؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل لما فيه من الإغراء، والتسبب في ترويج سلعته وإكساد سلع الآخرين المماثلة ممن لم يقامر مثل مقامرته، لذلك أحببت تنبيه القراء على أن هذا العمل محرم شرعاً، والجائزة التي تحصل من طريقته محرمة شرعاً -ساعة أو قلماً أو سيارة أو غير ذلك لا تأخذه أبداً- لكونها من الميسر المحرم شرعاً وهو القمار، فالواجب على أصحاب التجارة الحذر من هذه المقامرات وليسعهم ما يسع الناس، وقد قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29] * {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} [النساء:30] وهذه المقامرة ليست من التجارة التي تباح بالتراضي بل هي من الميسر الذي حرمه الله لما فيه من أكل المال بالباطل، ولما فيه من إيقاع الشحناء والعداوة بين الناس كما قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة:90] * {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:91]. والله المسئول أن يوفقنا وجميع المسلمين لما فيه رضاه وصلاح عباده، وأن يعيذنا جميعاً من كل عمل يخالف شرعه إنه جواد كريم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام لـ إدارة البحوث العلمية والدعوة والإرشاد. فرحم الله امرأً انتهى إلى ما سمع، والذي يلزمك هو أن تقاطعها كنوع من ردة الفعل، لماذا؟ لأننا في مجتمع مسلم متماسك، فإذا أرادت شركة أو محل تجاري أن يبتز أموالنا أو أن يضرب الآخرين، الغرض من هذا ضرب المحلات الأخرى. مثلاً: هناك في السوق ألبان (الصافي) -مثلاً- فالناس كلهم يتوجهون إلى ألبان (المراعي) ويتركون (الصافي) وبالتالي تضطر (الصافي) تعمل نفس العملية وتبدأ المنافسة في الاستهلاك وهذا لا يجوز، ولكن من باب ردة الفعل وباعتبارنا شعباً مسلماً وفي بلد مسلم إذا رأينا مثل هذا فلنقاطعها ولنأخذ من الذين لا يروجون لسلعهم بهذه الطرق المحرمة حتى يتأدبوا؛ لأنه عندما يرى أنه رصد جوائز وأعلن إعلانات ولا أحد اشترى منه، نسبة المبيعات عنده كانت -مثلاً- في اليوم في الماضي مائة ألف علبة لكن لما عمل الدعاية نزلت النسبة إلى ثلاثين ألف علبة قال: إذاً المسألة لا تمشي على هؤلاء، هؤلاء عقلاء وأهل إيمان وتوحيد، ويرجع إلى وضعه الأول، ويحاول أن يكسب السوق إما بإرخاص الثمن مثل (الصافي)، فالحليب (الصافي) كان بخمسة ريال والآن بأربعة ريال، أو بتحسين الجودة فيصنع لبناً ممتازاً.

حكم الفيديو والألعاب في البيت

حكم الفيديو والألعاب في البيت Q يقول الأخ الكريم: ما رأيكم برجل يشتري الفيديو لعياله وهو من أهل الصلوات الخمس ويقول: لأني أريد أن أسليهم؟ A نقول: من يشتري الفيديو والألعاب هذه لأولاده فقد خان أمانته، والله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال:27] ويقول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] وهؤلاء الأولاد أمانة في عنقك إلى يوم القيامة، فأحسن إليهم، ولا تسليهم بمعصية الله وإنما ربهم على الإيمان وأدبهم بأدب القرآن، وقدهم إلى ساحل النجاة إلى الجنة، أما أن تسليهم الآن من أجل أن يعذبوا في النار فيوم القيامة سوف يلعنونك لعنة طويلة، ويقولون كما قال الله عز وجل: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعراف:38] فلا -يا أخي- لا داعي أنك تسليهم بمعصية الله تبارك وتعالى.

حكم بيع الشيشة والدخان

حكم بيع الشيشة والدخان Q هل يجوز لرجلٍ لا يفارق الجماعة في المسجد حتى في صلاة الفجر ويأمر أولاده بالصلاة إلا أنه لديه قهوة (للشيش) يشرب فيها الناس ويتاجر بها هو، هل يجوز له ذلك؟ A لا يجوز له ذلك، (الشيش) هذه -يا إخواني- أوكار من أوكار الفساد، وهي بمنزلة مساجد الشيطان، وهي خطر على المسلمين، وولاة الأمر إن شاء الله لديهم نية وقد أخبرني مسئول في جدة أن هناك أوامر صدرت بعدم تجديد الرخص لأهل المقاهي وإعطائهم فرص لتصفيتها، وتغييرها إلى محلات ثانية؛ لأنهم وجدوا من خلال الأحداث التي تحدث كالمخدرات والخمور والزنا واللواط أن كل الأسباب تتجمع من أين؟ من القهوة، وإذا أردت أن تعرف فمر في قهوة من المقاهي وستشاهد الوجوه الجالسة في المقاهي كلهم -والعياذ بالله- من المنحرفين إلا من رحم الله، وبعد ذلك ماذا تشاهد؟ أجواء الدخان وأجواء مآذن الشيطان هذه (الشيش) هذه التي يقول فيها الشيخ حافظ: كذاك معشوقة الشيطان قد نصبت بها فخاخ لأرباب الجهالات ثم يقول: من أي وجه أتاها الحسن لقد أخطأ الطريق إليها في المرادات من حسن لمعتها من طول قامتها من ذلك الحبل مطوياً بليات يقول: ما هذا من أين جاءها الجمال؟ وبعد ذلك: بداخلها ماء يقاس على بول الكلاب، فالماء الداخل في العلبة تلك مثل بول الكلب، ويأتي يضع (المخمج الأسود) فوق ويضعون فوقها النار ثم تشب وذاك جالس (يقرقر) تحتها، وإذا أكمل مسحها وقال: هات، ويأخذ الثاني، وهكذا. وقرأت أنا بحثاً علمياً أجرته جامعة الملك عبد العزيز في جدة كلية الطب مدعوماً بالأرقام، فوجدوا أن هناك الآن إيدز جديد يهدد الناس اسمه الفيروس الكبدي، وأن سبعة وخمسين في المائة من الشعب يحمل هذا الفيروس، وأكثر هؤلاء من أصحاب (الشيشة)، فأصحاب (الشيشة) عندهم فيروس كبدي. فاترك -يا أخي- (الشيشة)، واترك أنت يا صاحب القهوة القهوة، اتركها ولا تؤجرها، وإذا كان عندك أحد فأخرجه، أما أن تصلي الفجر وأنت من أهل الإيمان وترضى بالمنكر فلا يجوز ذلك. الآن بعض الشباب ينام في بيت أهله، فإذا جاءت الساعة الحادية عشرة أو الثانية عشرة استغل غفلة أبيه ووجود النوم وقام وفتح الباب وخرج، أين يذهب؟ يذهب المسجد، لا. بل يذهب إلى القهوة، ومن يجد في القهوة؟ ربما يريد يشرب كأس شاهي فقط، لكن مع كأس الشاهي يأتي زميل له يقول: لماذا لا تدخن؟ فيقول: يا شيخ! لا أدخن، قال: يا شيخ! تمرن ماذا في الدخان، والله تأخذ واحدة تشاهد مصر من هنا، هذا يا شيخ! ليس فيه شيء جرب حبة، فتبدأ القضية بالتقليد فقط، جرب حبة ومن الحبة انزلق، أو جرب حبة مخدرات، المخدرات الآن يدخل الشخص القهوة وليس عنده شيء، ماذا فيك؟ قال: زعلان، طيب جرب هذه الحبة، هذه الحبة تفعل في الإنسان فعل النار؛ لأنها تسممه وتقضي على دمه، وبعد ذلك يصبح مدمناً، ولا يهمه عواقب مدمن المخدرات. أقيمت ندوة في الثانوية التجارية، اشتركت فيها أنا ودكتور من الشئون الصحية ودكتور في علم الاجتماع، وتناول كلٌ منا جانباً من الجوانب، أنا تناولت الجوانب الشرعية، وآخر تناول الجوانب الطبية، وآخر تناول الجوانب الاجتماعية، وهذا الشريط موجود الآن في المكتبة، ويباع بعنوان: أضرار المخدرات والتدخين، وأنا أنصح كل شاب أن يسمع هذا الشريط؛ لأنه تكلم فيه هذا الطبيب الذي عنده درجة الدكتوراه في الطب وفي كلامه يقول: والله إن الدخان لا يقل خطورة بل هو أعظم من المخدرات في فتكه بالجسد، وفي فتكه بالمعدة، وفي السبب الذي يسببه على الإنسان من الأمراض الخطيرة ولذا يقول: ليس حراماً وإنما هو أعظم من حرام، وهو طبيب وليس عالماً، وأما دكتور عام الاجتماع فتكلم بكلام تشيب منه الرءوس. فالقهوة هذه وكر من أوكار الفساد، يتجمع فيها الشباب ويلعبون الورق ويلعبون (الكيرم)، وبعد ذلك يأتي الشيطان فيقوم شخص يقول: أين أنتم ذاهبون؟ قالوا: نذهب نتمشى، وذهبوا يتمشون يتتبعون أعراض المسلمين، ويدقون على الناس بيوتهم، وبعضهم يذهب يسرق في الليل إذا لم يكن عنده فلوس ليشتري مخدرات، وبعضهم إذا ما وجد امرأة يزني بها يلوط برفيقه، والجرائم كثيرة جداً في أسباب المقاهي هذه. فنقول للمسلم هذا: اتق الله، وعليك أن تتوب إلى الله عز وجل من فتح هذا المقهى وأن تتركها خوفاً من الله.

حكم الوساوس في القلب

حكم الوساوس في القلب Q يقول: الشيطان يوسوس لي وساوس خطيرة تؤدي إلى الشبه، فهل أنا محاسب بتلك الوساوس ولو لم أكن راضياً؟ A لا. لست محاسباً، وقال الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! إنا نجد في نفوسنا شيئاً لا نستطيع أن نعلمك به فقال: الحمد لله الذي رد كيد عدو الله إلى الوسوسة، ثم قال: ذلك صريح الإيمان، ذلك صريح الإيمان، ذلك صريح الإيمان) وأخبر صلى الله عليه وسلم وأمر من يجد في نفسه مثل هذه الأسئلة أن يقول: (أستغفر الله لا إله إلا الله) ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، فإنه إن شاء الله لا يضره.

حكم اللقطة التي لا يعرف صاحبها للمسافر

حكم اللقطة التي لا يعرف صاحبها للمسافر Q شخص وجد مالاً من الريالات وهو في سفر وليس قريباً من أحدٍ، وهو بحاجة إلى هذا المال؛ لأنه في سفر فهل يأخذه؟ A لا يجوز له ولو كان محتاجاً إليه، بل عليه إذا أخذه أن يعرفه عاماً كاملاً، فإن لم يستطع أن يعرفه فلينفقه في وجوه البر على نية صاحبه، أما أن يأخذه ويستحله قبل التعريف فلا.

أقسام القلوب

أقسام القلوب Q يقول: إني أحبك في الله، وأرجو منك أن تبين لنا أقسام القلوب ونريد الأمثلة عليها؟ A أقسام القلوب والأمثلة عليها تحتاج إلى وقت طويل، ولكني أحيلك إلى شريطٍ في السوق اسمه: أمراض القلوب، وهي محاضرة ألقيت في الأطاولة في زهران، وقد عددنا فيه أنواع القلوب وسبب أمراض القلوب، وعلاج أمراض القلوب، وعلامات أمراض القلوب، وهو شريط مفيد بإذن الله عز وجل.

نصاب الزكاة

نصاب الزكاة Q كم نصاب الزكاة في النقود بالريال؟ A في كل مائة اثنين ونصف وفي الألف خمسة وعشرين، وفي العشرة آلاف مائتين وخمسين، في الأربعين ألف؛ ألف ريال، وهكذا.

كلمة (واضي) هل هي من أسماء الشيطان؟

كلمة (واضي) هل هي من أسماء الشيطان؟ Q يقول لي أحد الأصدقاء: أنَّ (واضي) اسم من أسماء الشيطان، فيكره أن يقول للإنسان: أنت واضي ولكن يقول: أنت متوضئ؟! A نعم. قال بعض أهل العلم: أن هذا اسم من أسماء الشياطين، وأسماء الشياطين كثيرة، منها، و (لهان)، و (الولهان) شيطان الوضوء، ومنها (خنزب) وهو شيطان الصلاة، فإذا أتيت تصلي قام يوسوس عليك من أجل أن يأخذ قلبك ويذهب بك في متاهات، وأيضاً اسمه (مبسوط) لا بسطه الله، فإذا أحد قال لك: مبسوط قل له: لا ما أنا مبسوط، يعني: ما أنت شيطان، ومنها (واضي) وكثير من الأسماء، لكن إذا قالها الواحد وهو لا يعني بها الشيطان فما فيها شيء.

حكم الإقامة بعد الأذان مباشرة

حكم الإقامة بعد الأذان مباشرة Q هل تقام الصلاة إذا توفرت الجماعة بعد الأذان مباشرةً لمصلحة العمل؟ A نعم. إذا كان الناس في الإدارة وجاءوا كلهم مع الأذان وكلهم موجودون فأذنوا وأقاموا الصلاة لا شيء في ذلك إن شاء الله.

حكم ترك المؤذن أو الإمام المسجد لحضور محاضرة

حكم ترك المؤذن أو الإمام المسجد لحضور محاضرة Q ماذا تقول في بعض الأئمة والمؤذنين الذين يحرصون على حضور هذه الندوة ولكنهم يتركون مساجدهم؟ A نقول لهم: إن طلب العلم فريضة، ولكن قيامهم بالواجب أفرض إلا أن يوكلوا، فإذا كنت أوكلت أذانك إلى من تبرأ به الذمة وأوكلت إمامتك إلى من تبرأ به الذمة فلا حرج أن تأتي إلى طلب العلم، أما إذا كنت تعرف أنه لا أحد يؤذن في المسجد ولا أحد يصلي بهم فأنت مؤتمن على تلك الوظيفة فلا تتركها، فقيامك بالواجب أفضل وأولى، وبإمكانك أن تشتري الشريط بخمسة ريال وتسمعه أنت وأهلك. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حال الناس في القبور

حال الناس في القبور القبر محطة مهمة في طريق الإنسان إلى ربه، يدرك الكافر فيه بعضاً مما سيحل به، وينعم المؤمن بما سينال من أجر على جده وتعبه. وقد بدأ الشيخ حفظه الله هذا الدرس بمقدمة عن الذكر وفضله، ثم انتقل إلى موضوع الدرس بذكر أدلة إثبات عذاب القبر ونعيمه، من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومنها الحديث المفصل لأحوال المؤمن والكافر من بداية نزع الروح إلى عودتها من السماء.

الذكر حياة القلوب

الذكر حياة القلوب الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين. وبعد: أيها الأحبة في الله: فإن حاجة القلوب إلى سماع العلم والذكر أعظم من حاجة الأرض إلى نزول الغيث والمطر، فكما أن المطر والغيث هو حياة الأرض فكذلك العلم والدين والإيمان هو حياة القلوب، وحينما يحبس المطر عن الأرض ينعدم خيرها، ويسوء منظرها، وتستحيل الحياة فيها، قال الله: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج:5] وكذلك القلوب إذا انحبس عنها الذكر والعلم، والإيمان والقرآن انعدمت فيها الحياة وتحجرت، وانقطع عنها الخير وكثر فيها الشر، فإذا جاء القرآن وجاء الإيمان اهتزت وربت وآتت أكلها بإذن ربها، وظهر الخير في سلوك الإنسان وفي تعامله وعقيدته بناءً على سماع العلم والقرآن، ولذا كانت وظيفة الرسل والأنبياء التذكير بهذا الكلام، وقد حدد الله للنبي صلى الله عليه وسلم مسئوليته بقوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية:21] إنما: أداة حصر، حصر للمسئولية التي بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم لها، وهي تذكير الأمة: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية:21] ويقول له: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ} [الذاريات:55] لا تنفع الناس كلهم، بل تنفع شريحة واحدة من المجتمع وفئة واحدة من الناس -أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم- وهم أهل الإيمان: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55] والله يحدد صفات أهل الإيمان في أول سورة الأنفال فيقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً} [الأنفال:2 - 4] هذه شهادة من الله: {أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال:4].

من علامة الإيمان: حب مجالس الذكر

من علامة الإيمان: حب مجالس الذكر إذا عرفت -يا أخي- أنك تحب الذكر وتسعى إلى مواطن الذكر وتشتاق إليه، وتتطلع إلى مواعظ الذكر فاعلم أن هذه علامة الإيمان -فاسأل الله أن يزيدك إيماناً- وإن تكن الأخرى وهو الفتور وعدم الرغبة في مجالس العلم، وإذا قيل لك: هناك درس تقول: قد سمعنا كثيراً فماذا عندهم من جديد؟ ماذا تريد من جديد؟ هل العلماء والدعاة يغنون حتى يأتوا لك بجديد؟ لا. العلماء والدعاة أصحاب رسالة يبلغون دين الله، وهل هناك أفضل من كلام الله؟ هل هناك جديد أعظم مما يخبر الله به ويخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم؟ فإذا وجدت في نفسك عزوفاً وعدم رغبة وكسلاً وفتوراً عن هذه المجالس فاعلم أن هذه نقطة الخطورة، وبداية الانحدار، وعلامة الهلاك -والعياذ بالله- لماذا؟ لأن القلب تؤثر فيه عوامل التعرية، وعوامل الهدم والنحت من جراء الحياة، ويحتاج القلب إلى صيانة وحماية، ثوبك إذا لم تغسله اتسخ، وسيارتك إذا لم تجر لها صيانة دورية خربت، قلبك لا يريد له صيانة بل يريد له تعهداً لكن كيف تتعهده؟ في مواطن الذكر، وفي مجالس الإيمان، ولذا يخبر الله عز وجل أنه لا يوجد أظلم ممن يذكر ثم يترك الذكر، فهو ظالم في أعلى مستويات الظلم، يقول عز وجل: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السجدة:22] قال المفسرون: أي: لا أظلم منه، ويخبر الله عز وجل عن حالة المؤمن إذا سمع الذكر، قال عز وجل: {الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنفال:2] أي: خافت، ويخبر عن حالة البعيد -أعاذنا الله وإياكم منه- صاحب القلب المنكوس أنه يشمئز قلبه، قال عز وجل: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر:45] أي شيء دون الله، يعبد مباراة أو سهرة أو أكلة أو رحلة أو جلسة، أي شيء يستبشر به، لكنه ينقبض من جلسة علم، لا يريدها. لماذا؟ لأن قلبه منكوس قال تعالى: {الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} [الأنعام:113].

حاجتنا إلى العلم

حاجتنا إلى العلم إخوتي في الله: نحن في زمن أحوج ما نكون فيه إلى سماع العلم، لقد كانت المؤثرات في حياة الأولين قليلة ومحدودة ولم يكن هناك انفتاح مثلما هو حاصل الآن، كان التأثير محصوراً في قنوات محددة: في الأم، والأب، والشارع المحيط بالإنسان، لكن اليوم لم يعد هناك حواجز على الأمم والشعوب، أصبح العالم كله مفتوحاً، تأثير من كل اتجاه ومن كل جانب؛ مما يحتم عليك أن تحمي قلبك مما قد يتسلل إليه من أفكار، أو يغزوه من نزغات، فتحميه بالحماية العظيمة عن طريق سماع العلم المقتبس من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه نور، ولأنه حياة، ولأنه روح، يقول الله عز وجل: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى:52 - 53] وإن مما غزا القلوب وغطاها وغلفها نسيان القبور.

القبر إحدى المحطات التي يمر بها الإنسان

القبر إحدى المحطات التي يمر بها الإنسان القبر هو المحطة الثالثة من محطات رحلة الحياة؛ لأن الإنسان في رحلة وسفر منذ أن يوضع نطفة في الرحم إلى أن تستقر قدمه، إما في الجنة وإما في النار، فهو في رحلة، وهذه الرحلة تتم عبر أربع محطات: المحطة الأولى: عالم البطن والأرحام، ومدة الرحلة تسعة أشهر في الغالب. المحطة الثانية: عالم الحياة ومدة الرحلة من الستين إلى السبعين وقليل من يجاوز المائة أو يصل إليها. ثم يرتحل الناس عنها، وهذه المحطات الارتحال عنها إجباري وليس بالاختيار. فيوم خلقت هل أخذ رأيك؟ لا. ويوم ولدت هل أخذ رأيك؟ لا. ويوم تموت هل يؤخذ رأيك؟ لا. ولو أخذ رأي الشخص فإنه لا يريد أن يموت. من الذي يريد أن يتنقل من القصر إلى القبر؟ فكل شخص يريد أسرته وزوجته ويريد أولاده وبيته خاصة، ولا يأتي الموت إلا إذا زانه فإذا زانك من كل شيء جاء الموت يخربها من كل شيء: لهوت وغرتك الأماني وعندما أتمت لك الأفراح فوجئت بالقبر ... ما للمقابر لا تجيب إذا رآهن الكئيب حفر مسقفة عليهن الجنادل والكثيب فيهن أطفال وولدان وشبان وشيب كم من حبيب لم تكن عيني لفرقته تطيب غادرته في بعضهن مجندلاً وهو الحبيب تغادر أحب الناس إليك وتهيل عليه التراب ثم تنسى، وتدور الأيام دورتها ويأتي الدور عليك وتدخل في الحفرة ويهيل الناس عليك التراب ثم يخرجون وينسونك تخرج إلى الدنيا وأنت تبكي والناس حولك يضحكون فلا يولد مولود من بطن أمه إلا وهو يصيح، لماذا؟ هنا سرٌ فأنت كنت في الضيق فلماذا تصيح إذا خرجت إلى السعة؟ قال العلماء: لأن الشيطان ينزغه في ضلعه الأيسر فيصيح الولد؛ ويقول: (واء) كل طفل يصيح إلا الميت الذي يكون ميتاً في بطن أمه فإنه لا يصيح، ولهذا يعتبر الفقهاء بالنسبة للميراث أنه إذا استهل صارخاً أي: إذا خرج مستهلاً للحياة صارخاً حكم بحياته وحكم بميراثه، وإذا لم يستهل صارخاً فلا يحكم بميراثه وتأتي الرحلة الثانية ويخرج الإنسان وتنتقل المسألة، فالذين يضحكون يوم خرجت هم الآن يبكون، وأنت حين خرجت وأنت تبكي ماذا خرجت تفعل؟ هنا يتحدد مصيرك بحسب عملك، إن كان عملك حسناً تخرج وأنت تضحك، جئت تبكي وهم يضحكون والآن اقلب المسألة، دعهم يبكون وأنت تضحك، ولكن جئت تبكي وهم يضحكون وبعد ذلك هم يبكون وأنت تبكي هذه مصيبة. ولدتك أمك يا ابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سرورا فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسرورا

نسيان القبر علامة موت القلب

نسيان القبر علامة موت القلب ويعيش الإنسان فترة العمر ثم يموت، وهذا الانتقال -كما قلت- إجباري وينتقل إلى أين؟ إلى القبر، ومما أصيبت به الأمة وهذا من علامات الخزي، وعلامات موت القلب: نسيان الآخرة، ونسيان أول محطة من محطاتها وهي القبر، وهذا مشاهد الآن على مستوى الأفراد والبشر وعلى مستوى الأحياء والمجتمعات، في الوسائل والصحف والمدارس، كم نسبة ذكر الموت؟ اسأل نفسك في بيتك كم تذكر الموت؟ وأنا كم أذكر الموت؟ في البيوت نذكر كل شيء إلا الموت: الأخبار نذكرها، الأكل نذكره، النزهة نذكرها، المذاكرة للأولاد نذكرها، ماذا نتغدى؟ ماذا نتعشى؟ أين نسمر؟ وأين نذهب؟ ولكن هل نجلس جلسة ونقول: تعالوا نرى ماذا بعد الموت؟ هذا غير موجود إلا قليلاً. والآن أمامنا المخططات في مدينة جدة وأنا أقول لأحد الإخوة هذا اليوم: أين يدفنون الناس في جدة؟ جدة مدينة الملايين، والمخططات فيها تتوسع ذات اليمين وذات الشمال، والشرق والغرب، والجنوب والشمال، وكل المخططات لا توجد فيها مقبرة ولا مقابر، كأن الناس لا يموتون، كأنهم خلقوا ليبنوا الدنيا وينسوا الآخرة، وإذا وجد مخطط وفيه مقبرة لا أحد يشتري بجانب المقبرة، يقول: نريد مكاناً حياً فالمقبرة وحشة، قف بسيارتك وانزل وسلم على المقبرة وقل: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين) هذه السنة الآن ضاعت وماتت؛ نظراً لأن الناس كانوا يمشون على أقدامهم، فإذا مروا تجدهم بطبيعة الحال ينظرون إلى المقبرة ويسلمون على أهلها، لكنهم الآن يمشون في السيارات، والسيارات تمشي مسرعة، السائق مشغول بالسيارات أمامه وخلفه ويدقق النظر في الإشارة ولا ينظر إلى أمامه ولا ورائه وضاعت سنة زيارة القبور، وإذا نظرت إلى القبور تجد فيها هدوءاً وسكوناً، فغالباً يكون ضجيج السيارات في الخارج لكن تعال إلى المقبرة تجد الهدوء والسكينة، يقول علي رضي الله عنه وهو يخاطب أهل القبور: [يا أهل القبور! أما النساء فقد تزوجت، وأما الديار فقد سكنت، وأما الأموال فقد قسمت] إذا مات الإنسان وترك مالاً وأولاداً وزوجة وبيوتاً، فالبيوت تسكن، والزوجة تتزوج، والأولاد يتقسمون المال وهو في الحفرة، ثم قال لهم: [هذه أخبارنا فما أخباركم؟] هذه نشرة الأخبار عندنا بعدما ذهبتم عنا أيها الأموات! هذه أخبارنا: وهي أن بيوتكم سكنت، وزوجاتكم نكحت، وأموالكم قسمت، هذه أخبارنا فما أخباركم؟ ماذا عندكم أنتم؟ ثم قال: [أما والله لو تركوا لقالوا: ((وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)) [البقرة: 197]] ونحن نعرف هذا حقيقة حين نخرج إلى المقابر مع الأموات، فيخرج مع الميت ثلاثة: ماله الممثل في النعش أو الشيء الذي يؤخذ معه من ماله، وأولاده، وعمله، فيرجع المال ويرجع الولد ويبقى معه العمل، ونحن الآن نحب المال والولد ونكره العمل، نكره صديق الشدة ونحب صديق العافية، فصديق العافية الولد والمال، لكن إذا جاءت الشدة تبرأ منك الولد وتبرأ منك المال. من الذي معك؟ العمل. يقول العمل: أنا معك، سأكون معك كما كنت معي، إن كنت محسناً كنت لك محسناً، وإن كنت مسيئاً فأنا لك مسيء.

تذكر القبر يعين على الطاعة

تذكر القبر يعين على الطاعة يا أيها الإخوة: إن من المعقول جداً بل من المفروض أن ننتبه لحياتنا بعد هذه الحياة، وأن نعرف ما هي أحوالنا في القبور؛ لأن هذا مما يساعدنا كثيراً على العبودية وعلى القيام بالطاعة وترك المعاصي كلما تذكرنا القبر والموت. وأنت أيها الإنسان إذا صححت عملك، وضبطت موازينك تجد أنه عندما يبدأ الانحراف تذكر الموت لماذا؟ لأن هذا الانحراف لا يأتي إلا من الغفلة، لكن حين تذكر الموت والقبر، والجنة والنار تتحقق المفاهيم وتنضبط المسارات، وفي نفس الوقت تضع ضوابط على تصرفاتك فتسير في الطاعات وتترك المعاصي. أخي في الله: أنسيت القبر؟ أنسيت أن القبر يناديك ويقول: يا ابن آدم! ألم تعلم أني بيت الدود؟! ألم تعلم أني بيت الوحشة؟! ألم تعلم أني بيت الوحدة؟! ماذا أعددت لي؟! تصور -يا أخي- أنك الآن في القبر وقد طرحت في حفرة مظلمة، في حفرة قصيرة الطول ضيقة العرض؛ فاشتدت بها وحشتك، واستبانت بها غربتك، ضمتك ضمةً كسرت عظامك، وقطعت أوصالك، وقد كنت غافلاً عن هذا المصير، بما كنت تجمع في هذه الدنيا من الحطام، غافلاً عن هذا المكان، فتأمل -رحمك الله- وادفع عن نفسك جوانب الغفلة، واطلب من الله عز وجل أن يؤانس وحشتك في هذا المكان، لعل الله أن يرحمك ويغفر ذنبك ويقبل توبتك.

الجزاء في القبر من جنس العمل

الجزاء في القبر من جنس العمل أيها الأحبة: القبر هو أول منازل الآخرة، فبعد الموت وانقطاع الحياة ينتقل الإنسان إلى الآخرة عبر هذا المسار -مسار القبر- ليبدأ الجزاء على الأعمال، فمن كان محسناً كافأه الله على إحسانه بتحويل قبره إلى روضة من رياض الجنة، ومن كان مسيئاً -عياذاً بك اللهم من هذه الإساءة- عاقبه الله في قبره بتحويله إلى حفرة من حفر النار، ثم يستمر العذاب أو يستمر النعيم فترة البرزخ وهي فترة طويلة غيبية، لا يعرف الإنسان مدتها، ولا طولها، ولا عرضها، إلى أن تقوم الساعة ويبعث الناس من قبورهم، ثم يفصل بينهم في أرض المحشر وينقسمون إلى فريقين: فريقٌ في الجنة وفريق في السعير.

الإيمان بعذاب القبر جزء من عقيدة المسلم

الإيمان بعذاب القبر جزء من عقيدة المسلم إن قضية الإيمان بعذاب القبر أو نعيمه جزءٌ من عقيدة المسلم، أي: ليس أمراً بسيطاً، بل هو شيء من العقيدة، ولهذا يبوب العلماء في مسائل الاعتقاد؛ أن الاعتقاد ينقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: عقيدة التوحيد. القسم الثاني: عقيدة النبوة. القسم الثالث: عقيدة المعاد واليوم الآخر. والإيمان باليوم الآخر يشمل: الإيمان بالموت، وعذاب القبر ونعيمه، والبعث بعد الموت، والحوض، والصراط، والميزان، والكتب، ثم بعد ذلك الجنة أو النار.

الأدلة من القرآن على وجوب الإيمان بعذاب القبر

الأدلة من القرآن على وجوب الإيمان بعذاب القبر أيها الإخوة: هذه كلها قضايا عقدية من شئون المعاد والبعث بعد الموت، وقد جاءت الأدلة من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الموجبة للإيمان بقضية عذاب القبر، منها: قول الله عز وجل: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] نزلت هذه الآية كما يذكر ذلك المفسرون في عذاب القبر، ففي الصحيحين عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أقعد المؤمن في قبره) -أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هؤلاء-: (إذا أقعد) تبدأ حياته الجديدة، حياة القبر وهي عالم آخر غير عالم الدنيا، له نظامه، مثل عالم البطن الذي له نظامه، أليس الطفل في بطن أمه حي، وترصد حركته؟ لكنها حياة غير حياتنا، عنده أنف لكنه لا يتنفس منه؟ لا يوجد أكسجين في البطن، عنده فم لكنه لا يأكل به؟ فلا يوجد طعام في البطن، عنده عينان لكنه لا يرى بها؛ لأنه لا يرى في الظلمات؟ عنده أذن لكنه لا يسمع بها الكلام الذي في الخارج؟ عنده أقدام لكنه لا يمشي عليها؟ فإذا خرج إلى الدنيا تغير النظام كاملاً، فأصبح يتنفس من أنفه، ويأكل من فمه، ويرى بعيونه، وأصبح له أذن يسمع بها، ويد يبطش بها، ورجل يمشي عليها، فقد خرج إلى عالم جديد غير عالم البطن، ونسبة عالم البطن إلى عالم الحياة كنسبة عالم الحياة إلى عالم القبر، ولو جئنا عند طفل في بطن أمه مهيأ للخروج وقلنا له: يا طفل! سوف تخرج بعد دقائق إلى دنيا فيها جبال وسيارات وسماوات وأرض وأشجار وأنهار وبحار وعمارات وغيرها، فإذا فكر الولد الجنين في بطن أمه بعقلية البطن ونظر يميناً وشمالاً ماذا سوف يقول لهذه الأخبار؟ يقول: هؤلاء مجانين، هؤلاء رجعيون، عقولهم متخلفة، ويؤمنون بالخرافات، أين السماوات؟ وأين الأرض؟ وأين الجبال؟ والسيارات؟ وأين العمارات؟ لا يوجد إلا بطن أمي؛ لأنه لم ينظر إلا بطن أمه، أمامه العمود الفقري وعلى يمينه الطحال ومن هنا الكبد ومن هنا الجهاز الهضمي للأم، فإذا سجلت كلامه الذي قاله وهو صغير ثم خرج إلى الدنيا وعاش، وقلنا له: نحن وأنت صغير كلمناك في بطن أمك وقلنا لك: إنه يوجد دنيا وأنك ستخرج فيها فكذبت، ما رأيك في معلوماتك التي قلتها صحيحة أم خاطئة؟ حتماً سيقول: لا والله خاطئة، فلماذا تُكذِّب؟ قال: والله أنا قست على بطن أمي وتلفت في بطن أمي وما رأيت إلا هذا، فأحسبه كذلك، والآخرة عندما تقيسها على الدنيا تحسب أنه لا يوجد غيرها، لكن عندما تموت وتنظر الآخرة حقه: {كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ} [المؤمنون:112 - 113] ثم يقولون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر:37] ربنا ردنا مرة ثانية لكي نعمل، لكن لا ينفع، نفس الكلام، نفس الميزان، عالم القبر عالم. عندما تغطى القبور ويدفن الأموات وتبدأ الحياة الثانية، قد يأتي شخص ويقول: كيف يبدأ حياة ثانية؟ من أين يأكل؟ نقول له: يعيش بدون أكل، لكن الجسم يفتت، وتأكله الأرض والطين والدود ويذهب. كيف يتعذب وهو تراب؟! يذكر ابن القيم في كتابه (الروح) على هذا مثالاً عظيماً يقول: ينام رجلان في غرفة واحدة، هذا على سرير وهذا على سرير، ويرى أحدهما رؤيا حسنة يرى أنه تزوج، وأنه في ليلة العمر ليلة الدخلة، وأنه دخل على الزوجة الجميلة التي يحبها وتحبه، وعاش سعيداً، طوال الليل، والشخص الذي بجواره الذي في السرير الثاني يرى رؤيا سيئة أنه تسلط عليه شخص ومعه سكين وطعنه في بطنه وفي ظهره، يطعنه طوال الليل، فهذا طوال الليل في عذاب، وهذا طوال الليل في نعيم، وجاء شخص وأقامهم وجاء عند صاحب الرؤيا الحسنة قال: قم وتلفت ولم يجد شيئاً لا امرأة ولا غيرها، فقال: لماذا توقظني؟ كنت في حلم جميل: كان عندي زوجة وانبسطت معها، وهذا الذي كان نائماً ويرى أنه يطعن حين أقمته قال: الحمد لله الحمد لله، لا إله إلا الله، جزاك الله خيراً، أيقظتني الحمد لله ليس هناك شيء وينظر وإذا به لا يجد شيئاً، إذاً هذا تنعم طوال الليل، وهذا تعذب طوال الليل، والأجساد سليمة، هذا الجسد نائم على الفراش وليس معه امرأة ولا به شيء، وهذا الجسد الثاني لم يطعن ولا حصل له شيء، لكن من الذي تنعم وتعذب؟ الروح، تنعمت الروح في الحلم الجميل فتنعم الجسد رغم عدم وجود امرأة، ليس معه إلا الفراش، لكنه طوال الليلة معه امرأة زوجة، وهذا الذي يطعن تعذب بالطعن وهل يوجد طعون في جسده؟ لا. لكن العذاب في الروح، هذا ما سيحصل في القبر، فإذا كان المؤمن من أهل الإيمان فإنه يتنعم، لكن ليس ساعات في ليلة بل عمر طويل لا يعلمه إلا الله، يتنعم ويعيش في روضة من رياض الجنة، وذاك -أعوذ بالله وإياكم من ذلك، أسأل الله السلامة والعافية- يتعذب نار وحيّات وعقارب، ضمة القبر ومنكر ونكير، والجسد صار تراباً، ولكن الروح تتعذب، وذلك الجسد صار تراباً لكن الروح تتنعم، هذا هو ما سيحصل للناس في قبورهم، قال عليه الصلاة والسلام والحديث في الصحيحين قال: (إذا أقعد المؤمن في قبره أتي -أي: يؤتى من قبل الملائكة- ثم يشهد أن لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله فذلك القول الثابت) هذا القول الثابت، قال عز وجل: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم:27] أين؟ {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [إبراهيم:27] أي: الآن تعيش على لا إله إلا الله محمد رسول الله، وفي الآخرة أي: في القبر، من عاش على لا إله إلا الله وحكم نفسه بلا إله إلا الله وعاش عليها في كل شئون حياته يثبته الله، ومن عاش على غير لا إله إلا الله يضله الله كما قال عز وجل: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] هذا في الصحيحين. الدليل الثاني من أدلة أهل السنة والجماعة على إثبات عذاب القبر ونعيمه: قول الله عز وجل عن آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46] فدلت الآية على أن عذابهم يوم القيامة في النار ولكنهم الآن في البرزخ يعرضون على النار، قال عز وجل: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً} [غافر:46] أي: فترة البرزخ: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} [غافر:46] أي: يوم تنتهي فترة البرزخ في القبور: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46] هذا دليل صريح في إثبات عذاب القبر. قال قتادة -والنقل عن الطبري في تفسيره - يقول قتادة: [يقال لهم: يا آل فرعون هذه منازلكم غدواً وعشياً] على سبيل التوبيخ، وعلى سبيل النقيصة والصغار -والعياذ بالله- وأعوذ بك اللهم أن يكون مصيرنا إلى النار، يعرضون عليها غدواً وعشياً، فرعون الذي كان يقول: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:24] وكان يقول لأهل مصر: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] وكان يقول: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51] كانت جداول نهر النيل تتخلل قصوره، وتسري في بساتينه ثم يقول: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ} [الزخرف:52] يقول: أنا أفضل: {مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ} [الزخرف:52] أي: موسى: {وَلا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف:52] لا يستطيع أن يتكلم، لكن أين هو اليوم؟ في سافلة آل فرعون في النار {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46]. الدليل الثالث من أدلة أهل السنة والجماعة: قول الله عز وجل: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ} [الطور:47] قال ابن جرير: اختلف في العذاب الذي توعد الله به الظلمة قبل يوم القيامة، فقال معظم أهل التفسير: هو عذاب القبر؛ لأن الله تعالى يقول: {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ} [الطور:47] أي: قبل العذاب الأخير الذي في الآخرة، أين يكون هذا؟ قال أهل التفسير: هو في القبر.

الأدلة من السنة على ثبوت عذاب القبر ونعيمه

الأدلة من السنة على ثبوت عذاب القبر ونعيمه الأدلة من السنة قد جاءت كثيرة جداً، أكتفي بثلاثة أدلة: الدليل الأول: حديث في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها: (أن يهودية دخلت على عائشة فذكرت عذاب القبر - عائشة ذكرت عذاب القبر- فقالت اليهودية، أعاذك الله من عذاب القبر، ثم خرجت فدخل النبي صلى الله عليه وسلم، فسألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم عما قالت اليهودية: كيف أعاذك الله من عذاب القبر؟ فقال: نعم عذاب القبر حق) رواه البخاري، هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم. الدليل الثاني: حديث في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع، يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) رواه البخاري ومسلم، فهذا حديث في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا تشهد أحدكم) أي: إذا انتهى من التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهذا يكون في آخر الصلاة في التشهد الأخير قبل السلام حتى عده بعض أهل العلم ركناً من أركان الصلاة، أركان الصلاة أربعة عشر، وبعض أهل العلم يرى أنها خمسة عشر، والركن الخامس عشر: الاستعاذة من أربع في آخر التشهد قبل السلام (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع: من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) والدلالة من النبي صلى الله عليه وسلم، والأمر للأمة بالاستعاذة من عذاب القبر بمعنى: أنه حق وأنه كائن، إذ كيف يأمر أمته أن تستعيذ من شيء ليس صحيحاً، والحديث في الصحيحين!

وقفات مع حديث البراء في عذاب القبر ونعيمه

وقفات مع حديث البراء في عذاب القبر ونعيمه الدليل الثالث: حديث البراء بن عازب وهو -أيضاً- حديث صحيح رواه أبو داود، ورواه الإمام أحمد، وصححه الحاكم وهو صحيح، هذا الحديث فيه تفصيل وفيه تصوير كامل لأحداث القبر وكيف يكون حال الناس في القبور. قال البراء بن عازب رضي الله عنه: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجلٍ من الأنصار) وهذه سنة نبوية أن تخرج مع الميت وتتبع جنازته؛ لأن حقوق المسلم على المسلم ست ومنها: إذا مات أن تتبع جنازته، وفي اتباع الجنازة والصلاة على الميت ثواب عظيم، وفي دفنه ثواب عظيم، يقول عليه الصلاة والسلام: (من تبع الجنازة حتى يصلى عليها كان له من الأجر قيراط، ومن تبعها حتى تدفن كان له من الأجر قيراطان، قيل: وما القيراط يا رسول الله؟ قال: القيراط مثل جبل أحد). جبل أحد يكون حسنات إذا تبعت جنازة حتى يصلى عليها، لكن أكثر الناس الآن لا يتبع جنازة يرى جنازة فيقول: أنا مشغول، لا يريد قيراطاً، مشغول! لا إله إلا الله! ألا تعلم أن في خروجك إلى الجنازة موعظة لك؟ فكثير من الناس لم يهتد إلا عندما جاء إلى المقبرة ورأى القبر ورأى الميت وهو يدفن ويدخل في ذلك المكان، وتصور أنه في يوم من الأيام سوف يكون في هذا المكان فذهب يصحح وضعه قبل أن يكون هذا وضعه، وهذا هدي السلف رحمهم الله، استجابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم فإن الرسول كان يأمر بزيارة القبور يقول: (ألا إني كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة) وكان يزور المقابر صلى الله عليه وسلم، والأحاديث في هذا كثيرة جداً لكن هذه السنة قد ماتت -لا حول ولا قوة إلا بالله-.

الوقفة الأولى: تجهيز القبر واللحد

الوقفة الأولى: تجهيز القبر واللحد يقول البراء بن عازب: (خرجنا في جنازة رجلٍ من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد) أي: لم يلحد بعد؛ لأن اللحد شق داخل الشق ولا أدري هل يصلح عندكم في جدة لحود أم لا فالذي أعلمه أنه يحفر حفرة بمقاس الإنسان (متر ونصف) في (نصف متر) أو أكثر ثم ينزلون متراً واحداً ثم يأتون به من جهة القبلة ويدخلونه في مكان ضيق، ثم يدفنونه في ذلك المكان، أي: يضعه أحد الناس ما كأني أنا ولا أنتم سنوضع في هذا المكان، تصور -يا أخي- وضعك إذا وضعت في ذلك المكان، أنت الآن إذا أتيت تنام في غرفة النوم سرير النوم عندك (2م×2،40م) وهناك أسرة (3×3م) ورأيت بعيني (4×5م) هناك غرفة نوم (10×10م) فقلت للزوج صاحب العمارة: ماذا تريد من هذه؟ السرير عشرون متراً من ثمانين متراً ما هذا هل تريد أن تفعل مطاردة أنت والمرأة أم مسابقة في الغرفة؟ قال: أريد أن أوسع خاطري، قلت: والله لا تتوسع -يا أخي- إلا بذكر الله، والله لو أنك تعيش على حصير وقلبك ممتلئ بالإيمان فإنك في راحة، ووالله لو أنك تنام في ملعب كرة وتنبطح من طرفه إلى طرفه وقلبك ليس فيه إيمان ولا دين فإنك في عذاب، لماذا؟ لأن السعادة والروحانية والإيمان لا ينبع من الأشياء الخارجية وإنما ينبع من القلب الذي ينبع منه السعادة، فإذا كان القلب فيه سعادة فكل شيء جيد، وإذا كان فيه عذاب فكل شيء قبيح. انظروا إلى الغرب، لما أقفرت قلوبهم وأرواحهم عن الدين كيف حياتهم تعيسة، رغم أنهم في الجانب المادي في أعلى درجات المادة، لكن هل حققت لهم المادة سعادة؟ لا. أسوأ عيش هو عيشهم؛ لأنه عيش الكلاب، فلا ينامون إلا بالحبوب المخدرة، وأمراض نفسية، وجنون مسرحي وتمثيلي وكروي -والعياذ بالله- وتفكك اجتماعي، وانتحار، فكل شخص يستعمل له حبوباً ويرمي نفسه من جبل، لماذا؟ لكي يتخلص من الحياة، فإنها تضغط على نفوسهم حتى تفجرها من الداخل لماذا؟ لأنه لا يوجد دين، فأنت الآن إذا أتيت تنام على غرفتك (2×20 =40م) ما شاء الله تتقلب من الطرف إلى الطرف، لماذا تتوسع؟ حسناً في تلك الحفرة كيف تتوسع؟ كيف تنقلب؟ كيف تكف رجلك في ذلك المكان؟ لا إله إلا الله! قال: (ولما يلحد، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة وجلسنا حوله، وكأن على رءوسنا الطير) وهكذا شأن المؤمنين إذا جلسوا في المقابر يعتبرون وينظرون ويتفكرون وينزجرون ويتوبون ويبكون، لكن في بعض المقابر -وقد رأيت هذا- على المقبرة يبيعون ويشترون، يبيعون الأراضي في المقبرة، بل جئت في يوم من الأيام وأنا مار في أبها على المقبرة وإذا بشخص من الحفارة جالس بعيداً عن القبر يدخن، يدخن داخل المقبرة!! فأخذته قلت: تعال -يا أخي- بالله هل تسكن في هذا المكان؟ قال: نعم. قلت: كيف تدخن؟ قال: أنا كنت أحفر وتعبت، يقول: لا أقدر أن أواصل الحفر إلا إذا دخنت، قلت: إذا سكنت هناك وجاءك منكر ونكير يسألانك ماذا تقول لهما؟ تقول: أريد (دخاناً) لا أجيب الآن، ائتوا لي بدخان، سيعطونك دخان لكنه دخان في جهنم {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ} [الدخان:10] أين عقلك -يا أخي-؟ يقال: إن رجلاً من الذين يشربون الشيشة ويسمونها المعسل، رجل صالح ولكنه مبتلى بهذه الشيشة، فرأى في المنام أنه مات وأن الله أدخله الجنة وأعطاه في الجنة كل شيء، لكنه لم يجد شيشة ولا معسلاً، فقال: أريد شيشة يا ربي! قال: لا توجد شيشة، ولا تصلح الشيشة إلا بنار، وليس في الجنة نار، قال: لابد من شيشة، فلا أنبسط إلا بالشيشة، قال: افتح الغرفة هذه ففتح النافذة وأدخل يده يريد أن يأخذ رأساً ويريد حجراً لكي يضعها وينبسط فاحترقت يده في المنام، وحين استيقظ في الصباح إذا بيده محروقة سوداء كأنها فحمة. هذه القصة في صحتها نظر لكنها تقال، ولا نجزم بصحتها والعهدة على الناقل، المهم عندما تجلس على القبر فلا تفكر إلا فيه، فهي لحظة اعتبار يمكن أن يتحدد مصيرك في هذه الجلسة.

الوقفة الثانية: إخراج روح المؤمن

الوقفة الثانية: إخراج روح المؤمن يقول البراء: (فجلسنا وكأن على رءوسنا الطير، وفي يده عودٌ ينكت به في الأرض -في يد الرسول صلى الله عليه وسلم عود- فجعل ينظر إلى السماء وينظر إلى الأرض، وجعل يرفع بصره ويخفضه ثلاثاً، كأنه رأى شيئاً، ثم قال: استعيذوا بالله من عذاب القبر) اللهم إنا نعوذ بك من عذاب القبر، ثم قال: (إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا -أي: انتهت أيامه وساعاته ودقائقه- وإقبالٍ إلى الآخرة -أي: أزفت الرحلة- نزل إليه من السماء ملائكة بيض الوجوه -هذا من هو؟ المؤمن- كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يأتي ملك حتى يجلس عند رأسه ويقول: يا أيتها النفس الطيبة المطمئنة كانت في الجسد الطيب اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان) اللهم إنا نسألك من فضلك، انظروا هذا النداء: يا أيتها النفس الطيبة؛ طيبة طابت بذكر الله، لا تكون طيباً إلا بالدين وبالإيمان، وبالصلاة وبالقرآن، وبالعمل الصالح، لكن بغير هذا هل تكون طيباً؟ لا. والناس كلهم يحكمون الآن أي شخص ليس عنده دين يقولون: إنه خبيث. تشكو لي امرأة وتقول لي: إن زوجها متدين فيه خير، ولكنها قالت: جاءتها الشغالة وقالت لها: زوجها ليس طيباً، تقول: أنا أعرف زوجي من ظاهره ومن صلاته لكنها تعطيني معلومات عكس ذلك، قلت: لماذا؟ قالت: هو يمسكها، كأنه مر من عندها وأمسكها، فأتت بالزوج، وقالت: كيف أنت متدين وظاهرك جيد وتصلي وهذه تقول فأراد أن ينكر فقالت: ما الذي يجعلها تقول: إنك لست طيباً، هذه شغالة، ليس لها مصلحة تريد راتبها فقط، فهل من المعقول أنها تأتي لتقول: إنك لست طيباً؟ فأسألك بالله لا تكذب، تقول له زوجته: لا تكذب ولا تغالطني ولو كذبت عليَّ لن تكذب على الله، أخشى أنك تحلف فتحيط بك، لكن تب إلى الله، قال: صَدَقَتْ أنا لست طيباً وأتوب إلى الله وأستغفره، تقول: وتاب، وتاب الله عليه إن شاء الله، هذا أدنى مستوى من المعاملة، أن الشغالة تقول لك: أنت خبيث، لماذا؟ لأنك لست طيباً، مددت يدك إلى الحرام، وما عندك خوف من الله، جاء في الحديث: (من مد يده إلى امرأة لا تحل جاء يوم القيامة ويده مغلولة إلى عنقه) ستسأل عن هذه اليد لماذا مددتها إلى الحرام؟ -لا إله إلا الله- فهنا تقول الملائكة ويقول ملك الموت يخاطب الروح: (يا أيتها الروح الطيبة) أتريد -يا أخي- أن يقال لك هذا الكلام؟ أم تريد أن يقال لك: يا أيتها الروح الخبيثة؟ لا أحد يريد، من الآن اضبط نفسك وكن طيباً، أما أن تصير خبيثاً وتريد أن يقولوا لك: يا أيتها الروح الطيبة، فلا، الخبيث خبيث، فالناس يقولون له: خبيث، وزوجته تقول له: خبيث، وهو نفسه يعرف أنه خبيث، وحين الموت يقول له ملك الموت: خبيث أين يدخل هذا؟ في دار الخبث والخبائث في النار، والطيب طيب، والله طيب، والجنة طيبة للطيبين -اسأل الله أن يجعلني وإياكم من الطيبين- والملائكة تقول لأهل الإيمان: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ} [الزمر:73] أنتم طيبين: {فَادْخُلُوهَا} [الزمر:73] الله أكبر!

الوقفة الثالثة: صعود روح المؤمن إلى السماء

الوقفة الثالثة: صعود روح المؤمن إلى السماء قال: (فتخرج روحه) وخروج الروح كما بينا لكم، فيه ألم لكنه ضعيف، تخرج روحه (تسيل كما تسيل القطرة من فم السقاء -أي: من فم القربة- حتى إذا خرجت روحه صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض) هذا أول شيء، قبل صلاة الناس، يصلي عليه كل ملك بين السماء والأرض، وكل ملكٍ في السماء، فيأخذها -أي: يأخذ الروح- فإذا أخذها أصبحت الروح في يد من؟ في يد ملك الموت، وملائكة الرحمة ينتظرون خروجها؛ فليس لهم سلطة وهذه اختصاصات، هؤلاء لهم وظيفة، وهؤلاء لهم وظيفة، فإذا خرجت الروح يأخذونها مباشرة منه قال: (فلا يدعها في يده طرفة عين) مباشرة يأخذونها فيضعونها في ذلك الكفن الذي من الجنة، وفي ذلك الحنوط الذي من الجنة، فذلك قوله عز وجل: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} [الأنعام:61] الروح عندما تخرج يخرج منها ريح كأطيب ريحٍ وجد على وجه الأرض؛ لأن ريح الخبيث والطيب الآن غير ظاهرة، الناس الآن مستورون، مثل قدور الضغط، ولكن إذا كشفنا الغطاء ظهر كل واحد بما فيه، فالذي في قلبه إيمان وقرآن وذكر ودعوة وعمل صالح وحب في الله وبغض في الله أي خير، هذا تكون ريحه جيدة. والذي في قلبه -والعياذ بالله- أغانٍ وأفلام ومسلسلات ونساء وخمر ونوم عن الصلوات ومعاصٍ وفواحش ماذا نجد إذا كشفنا قدره والعياذ بالله؟ خبث وخزي ويظهر منه ريح كأنتن ريح جيفة وجدت على ظهر الأرض، أما ذاك فكأطيب ريح وجد على ظهر الأرض، قال: (فيصعدون بها -هذه الريح يصعدون بها- فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قال الملائكة: ما هذه الروح؟ وما هذه الريح الطيبة؟ فيقولون: روح فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا) تشريفات تصعد من سماء إلى سماء، واسمك يمر فلان بن فلان، جاء من الأرض جاء العبد الصالح، جاء العبد المؤمن المصلي المتزكي الذاكر التالي صاحب الخشية، هذا هو الفخر، لكن ذاك سترون كيف يقال له -والعياذ بالله- قال: (حتى ينتهون بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون لها -وكل سماء لها أبواب ومغاليق وملائكة- فيفتح لهم) لماذا يفتح؟ قالوا: لأنه معروف عند أهل السماء، فأعمالك الآن تسجل وترفع إلى السماء: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر:10]. فأهل السماء يعرفونه، كل يوم وأنت تمشي للصلاة، فلك حسابات مع أهل السماء، الآن إذا لك حسابات في أي مصرف أو بنك وتأتي ولك حساب جارٍ عندهم، ولك معاملات وتطلب أو تعطي، فأنت معروف عندهم، لكنك عندما تأتي وأنت مجهول وليس لك رصيد عندهم وتطلب منهم يقولون: من أين نعطيك؟ لا نعرفك، كذلك المؤمن له حسابات في السماء، فإذا فتح له قيل: فلان بن فلان، فيقال: ادخل! هذا معروف، هذا يصلي كل يوم، كل يوم يصعد له صلاة فجر وصلاة ظهر وصلاة عصر وصلاة مغرب، ويصعد له قرآن ويصعد له ذكر، هذا حساباته جارية ومتواصلة مع الله عز وجل، فيفتح له السماء الأولى: (ثم يتبعه من كل سماء مقربوها إلى السماء الثانية، حتى ينتهى به إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين) عليين: درجة من الجنة قال الله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين:19 - 21]-نسأل الله من فضله-. فيكتب كتابه في عليين، أي: كما قال العلماء: يحجز مكانه، ويحجز كرسيه، قد عرف وسجل أنه من أهل الجنة، وهذا مكانه في عليين، ثم يعاد من أجل إتمام بقية مؤهلات الجنة.

الوقفة الرابعة: إعادة روح المؤمن إلى الأرض

الوقفة الرابعة: إعادة روح المؤمن إلى الأرض يقول: (وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، فيرد إلى الأرض وتعاد روحه إلى جسده، ويأتيه ملكان شديدا الانتهار، فينتهرانه ويجلسانه ويقولان له: من ربك؟) وهذا الانتهار لكل واحد؛ لأنه إلى تلك اللحظة لا يعلمون أنه مؤمن، الملائكة الذين يسألون لا يعلمون، فهو آت من الدنيا وهم لا يعلمون الغيب والسؤال واحد: (من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ -لكن المثبت إذا سئل- قال: ربي الله؛ -لأنه لا يعرف رباً إلا الله- فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام -ما له دين إلا الإسلام، ليس دين الهوى والشهوات- فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله، فيقولان له: وكيف علمت وما أدراك؟ قال: قرأت كتاب الله وآمنت به وصدقت، فذلك حيث يقول الله عز وجل: ((يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ)) [إبراهيم:27]) تلك اللحظات لحظات حرجة، إذا لم يكن هناك تثبيت من الله، تضيع العقول وتذهب الألباب وتتبعثر المعلومات، لماذا؟ لأنك أمام ملائكة، وفي قبر وفي عالم آخر ولا تدري ماذا تقول، لكن الله يلهمك حجتك ويثبتك -اللهم ثبتنا بالقول الثابت-. (فينادي منادٍ من السماء: أن صدق عبدي فافرشوا له من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة، فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره) انظروا إلى القبور الآن، القبر بجانب القبر، بعضها لا يبعد نصف متر، لكن أحدهم في حفرة من حفر النار، والثاني في روضة من رياض الجنة على مد بصره، كم مد بصرك؟ بصرك يمكن أن تنظر مسافة 40كم مد بصرك هذا مكانك روضة من رياض الجنة: (ثم -وهو في تلك اللحظات- يأتيه رجلٌ حسن الوجه، جميل المنظر، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول له: أبشر بالذي يسرك، أبشر برضوان من الله وجناتٍ فيها نعيم مقيم، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: وأنت من أنت بشرك الله بالخير؟ فوجهك الوجه الذي يأتي بالخير) يقول: تبشرني بشرك الله بالخير لكن من أنت وأنا في وضع عظيم؟ (قال: أنا عملك الصالح) الله أكبر! أنا صلاتك، وزكاتك، وحجك، وبرك، وإحسانك (فوالله ما علمتك إلا كنت سريعاً في طاعة الله، بطيئاً عن معصية الله فجزاك الله خيراً) يشهد له العمل ويقول: والله ما عرفتك إلا سريعاً في طاعة الله، بطيئاً عن معصية الله فجزاك الله خيراً (ثم يفتح له بابٌ إلى الجنة، وباب إلى النار ويقال له: هذا منزلك لو أنك عصيت الله، أبدلك الله به هذا المنزل -حين أطعت الله- فإذا رأى ما في الجنة قال: رب أقم الساعة) يريد أن تقوم الساعة لكي يدخل الجنة (رب عجل قيام الساعة لكي أرجع إلى أهلي ومالي فيقال له: اسكن ونم نومة العروس) ونومة العريس أحسن نومة.

الوقفة الخامسة: مع إخراج روح الكافر من جسده

الوقفة الخامسة: مع إخراج روح الكافر من جسده قال: (وأما العبد الكافر أو الفاجر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال على الآخرة نزل عليه من السماء ملائكة غلاظٌ شداد، سود الوجوه، معهم مسوح من النار وكفن من النار، فيجلسون مد البصر، ثم يأتي ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: يا أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب) لا إله إلا الله! كم بينك يا أخي وبيني وبين أن يدعونا الداعي إما هذا أو هذا، ما أقرب -أيها الإخوان- هذا، يمكن أن أحدنا يدعى هذه الليلة، قال: (فتتفرق روحه في جسده) لا تسيل مثل القطرة. قال: (فتتفرق في جسده فينزعها كما ينزع السفود -وهو الحديد ذو الشاحب من الصوف المبلول- فتتقطع معها العروق والعصب، فيلعنه كل ملك بين السماء والأرض وكل ملك في السماء، فتغلق أبواب السماء) إذا صعد بالروح منع من الدخول، لماذا؟ ليس معروفاً، يقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف:40] الله أكبر! علقهم الله على المستحيل، إذا دخل البعير في خرق الإبرة دخلوا الجنة، هل يعقل هذا؟ لا. {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأعراف:40 - 41]-نعوذ بالله من عذاب الله-.

الوقفة السادسة: مع صعود روح الكافر في السماء

الوقفة السادسة: مع صعود روح الكافر في السماء قال: (فتغلق أبواب السماء ليس من أهل باب -من السماء- إلا وهم يدعون الله ألا تعرج الروح من عندهم) يقولون: لا نريده، لماذا؟ لأن له ريح منتنة -والعياذ بالله- قال: (فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في ذلك المسوخ، فيخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على ظهر الأرض) الجيفة هي: الدواب التي تموت حتم أنفها ثم ترمى في الصحراء وتمر عليها أيام ثم تتعفن فتخرج منها ريح، الذي يمر من مسافة بعيدة يعرف أن هناك شيئاً ميتاً، جيفة لا يتحملها أحد أي: يكاد يموت، فهذا ريحته ريحة الجيفة، من أين جاءت الجيفة فيه؟ لأنه خبيث، لا يعرف الله، ولا يحب بيوت الله، ولا يحب الصلاة، ولا يحب الطاعة -والعياذ بالله-. قال: (فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون: روح فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى ينتهى بها إلى السماء الدنيا، فيستفتح له فلا يفتح له باب، ثم يقول عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين -قال عز وجل: {كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المطففين:7 - 10]- ثم يقال: أعيدوا روحه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: فتطرح روحه طرحاً) يرجم بها من السماء، وذلك قوله عز وجل: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:31] (فتعاد روحه إلى جسده، وإنه ليسمع خفق نعالهم وصفق أيديهم) وما زالوا عند المقبرة يصفقون، وقد صعدت الروح ونزلت فيأتيانه -الملكان- فينتهرانه ويقولان له: من ربك؟ وهنا لا يعرف؛ لأن الله يقول: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ} [يس:65] يمكن في الدنيا يعرف بالكذب، لكن هناك لا يوجد كذب، (فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون فقلت، فيقال: لا دريت ولا تليت -يعني: جعلك ما تدري- ثم ينادي منادٍ من السماء: أن كذب عبدي، فافرشوا له من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه القبر، وتضمه الأرض حتى تختلف الأضلاع -أضلاع اليمين في الشمال، وأضلاع الشمال في اليمين- ثم يأتيه رجلٌ قبيح الوجه قبيح المنظر منتن الريح فيقول له: أبشر بالذي يسوءك -أصبح هو في سوء ويقول: أبشر بالذي يسوءك. قال:- هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت بشرك الله بالشر؟) هل تبشرني على ما أنا فيه؟ من أنت؟ قال: (أنا عملك الخبيث، فوالله ما علمت إلا أنك كنت بطيئاً في طاعة الله، سريعاً في معصية الله، فجزاك الله شراً) من الذي يقوله؟ عملك، لماذا تعمل شيئاً يضرك؟ غريب والله -يا إخواني- هذا يدل على نقص العقول، أنت تعمل عملاً تعرف أنك غداً سوف تؤاخذ عليه، لماذا تعمله؟ هذه عينك الآن تحت حكمك، لماذا تنظر بها إلى الحرام وأنت تعلم أنك غداً سوف تسأل عن نظرك؟ وهذه أذنك تحت حكمك لماذا تسمع بها الأغاني وأنت تعرف أنك غداً سوف تسمع -بعد هذا السمع- رصاصاً مذاباً في جهنم؟ أين عقلك؟ أنت مؤمن بهذا أم لا؟ لكن -أيها الإخوة- القضية كلها ضعف الإيمان.

الوقفة السابعة: حال الكافر في قبره

الوقفة السابعة: حال الكافر في قبره قال: (ثم بعد هذا يفتح له باب إلى النار، ويقيض له الفتان أعمى أصم أبكم) هذه صفات الفتان، أعمى من أجل لا ينظر إليه فيرحمه، وأصم من أجل لا يسمعه، وأبكم لا يتكلم لا يعرف إلا الضرب، (وفي يده مرزبة من حديد لو ضرب بها جبل لكان تراباً، فيضربه ضربةً حتى يصير بها تراباً، ثم يعيده الله كما كان، فيضربه ضربةً ثم يعيده الله كما كان، ثم يصيح صيحة يسمعها كل شيءٍ إلا الثقلين ولو سمعوها لصعقوا) يقول عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده لولا ألا تدافنوا لسألت الله أن يسمعكم صيحة واحدة فقط) لكن لو سمعتموه فلا أحد يدفن الثاني كلكم تموتون سواء وتصعقون، ولهذا القبور الآن ترونها ساكنة لكن بداخلها حسرات وعذاب أو نعيم -نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل النعيم-. (ثم يفتح له باب إلى النار) فينظر النار والعقارب والحيات والأهوال فيقول: (رب لا تقم الساعة) يقول: هذه أحسن من تلك، رغم أنه في نار، لكنه يرى النار الكبرى فيقول: رب لا تقم الساعة.

الوقفة الثامنة: فوائد معرفة الحديث

الوقفة الثامنة: فوائد معرفة الحديث أخي في الله: هذا الحديث يعلمك الكثير. أولاً: أن الإيمان بعذاب القبر ونعيمه جزءٌ من عقيدتك، فإن المخبر بذلك الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه. ثانياً: يرشدنا إلى أن من كان مع الله في الدنيا كان الله معه في القبر. ثالثاً: يفهمنا أن المنافق أو الكافر أو الفاجر ينساه الله من رحمته؛ لأنه نسي أمر الله وطاعته. رابعاً: يعرفنا أن أهل السماء يعرفون أهل الإيمان. خامساً: يعرفنا -أيضاً- أن أبواب السماء ترحب بنا يوم نموت، وتغلق أمام الكافرين والمنافقين، ويعلمنا -أيضاً- أن المؤمن في قبره في روضة من رياض الجنة، وأن العاصي في حفرة من حفر النار، ويخبرنا الحديث أن العبد يكال له بما كال به لنفسه، الوفاء والنقص مكيال، فإن أردت الوفاء فأوف، وإن أردت النقص فأنقص، والله يجازيك بما عملت لنفسك، يقول الله عز وجل: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل:89 - 90]. أخي المسلم: كيف تؤمن بعذاب القبر ونعيمه ثم لا تعمل، أين توحيدك لربك؟ أين متابعتك لسنة نبيك؟ أين صلاتك؟ أين خشوعك في صلاتك؟ أين صلاتك في الفجر؟ أين برك لوالديك؟ أين صلتك لرحمك؟ أين توبتك وندمك؟ هل حفظت ذلك؟ أسأل الله عز وجل أن يتوب عليَّ وعليك، ونعوذ بك اللهم من عذاب القبر، اللهم قنا عذاب القبر، واجعل قبورنا روضة من رياض الجنة. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

طلب إلقاء درس شهري في مدينة جدة

طلب إلقاء درس شهري في مدينة جدة Q نحن أهل جدة نحبك في الله ونشهد الله على ذلك، ونقول لك: ليتك تخصص لنا درساً شهرياً طالما أنك قريبٌ في مكة، وليكن في هذا المسجد؛ نظراً لسعة المسجد ووجود المواقف المتسعة؟ A أولاً: أحبكم الله يا أهل جدة، وأنا أحبكم كذلك، وأسأل الله عز وجل أن يظلنا وإياكم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ببركة الحب فيه. أما تخصيص درس شهري، فهذا منذ سنتين -والحمد لله- درس شهري في مدينة جدة، الأخ كأنه لا يعلم بالموضوع، والدرس كل أربعة أسابيع في يوم السبت من آخر كل شهر، وكان الدرس ينتقل من مسجد إلى مسجد، لكن اليوم تم الاتفاق مع مدير مركز الدعوة والإرشاد على تثبيته في مسجد، وتم اختيار هذا المسجد سبحان الله! بالمناسبة أن يكون ثابتاً فيه لعدة اعتبارات: أولاً: سعة المسجد. ثانياً: جودة التهوية، وأيضاً جودة التكبير للأصوات. ثالثاً: عدم وجود أعمدة كثيرة أي: بإمكان أي مستمع في المسجد أن يرى المحاضر. رابعاً: مواقف السيارات -والحمد لله- جميع طلبة العلم يأتون إلى المساجد والمحاضرات بالسيارات، حتى لو كان المسجد قريباً منه سيأتي بالسيارة، إلا أن هذا لن يكون من الشهر القادم، نظراً لسبق الارتباط، فستكون محاضرة الشهر القادم في مدينة الحرس الوطني بعدها إن شاء الله في شهر ذي الحجة سيكون الدرس ثابتاً في هذا المسجد إن شاء الله، ونسأل الله عز وجل أن ينفعنا وإياكم بما نقول وما تسمعون.

حكم المقابر التي جرفتها الأمطار

حكم المقابر التي جرفتها الأمطار Q توجد مقابر وهذه المقابر جرفتها السيول، فماذا يجب علينا أن نفعل؟ A المقابر يجب حمايتها عن طريق تسويرها، وهذه مسئولية البلديات وأمانة العاصمة، فإذا وجد شيء في مدينة جدة تعرفونه، فعلى الحي الذي بجوار هذه المقبرة أن يعدوا استدعاء ويتقدمون إلى الأمانة من أجل القيام بتسويرها وحمايتها، وهذا شيء معروف في كل البلديات -والحمد لله- وإذا كان خارج المدينة، فنفس الناس الذين هم قريب منها، يتبرعون أو يتصلون بالمحسنين ويجمعون تبرعات ويقيمون حولها سوراً إما بالإسمنت إن تمكنوا، وإما فلا أقل من شبك حتى يحموها من المواشي أو الدواب أو من الاعتداء عليها، وربما بعد أيام يعتدى عليها وتحول إلى أرض، ويحفر فيها بيارات ويسكن فيها، وهي مقابر لمسلمين وهذا لا يجوز.

حكم خروج المرأة المتطيبة

حكم خروج المرأة المتطيبة Q يقول: لو تطيبت المرأة في بيتها، وبعد ذلك اضطرت إلى الخروج، فماذا تصنع؟ A إذا أرادت أن تخرج وقد تطيبت في بيتها فإن عليها أن تغير الملابس التي تطيبت فيها؛ لأن الطيب تضعه المرأة دائماً في ملابسها، وإذا كانت وضعت الطيب في شيءٍ من جلدها في وجهها أو في غيره فتغسله حتى لا تتعرض للوعيد الشديد الذي ورد في إثم وعقوبة من تتطيب ثم تخرج ويشم الرجال ريحها، حتى عدها النبي صلى الله عليه وسلم زانية قال: (أيما امرأة استعطرت ثم خرجت ليشم الرجال ريحها، فهي زانية زانية زانية) -والعياذ بالله- فلا ينبغي، لماذا؟ لأن الريح يفتن، إذا مرت المرأة وشم الرجال ريحها وهي محجبة سرت الفتنة إلى قلوبهم برائحتها ولو كانت قبيحة، وإن كانت متغطية وشموا الريح قالوا: ما جاء الريح إلا ووراءه شيء، إذاً فلا يجوز لها أن تتطيب. يقول الأخ: هل عليها أن تغتسل أم تتوضأ؟ لا. الجنابة هنا والزنا ليس حسياً حتى يلزمها، إنما عليها أن تتوب إلى الله وألا ترجع إلى هذا.

الكرامات في القبور

الكرامات في القبور Q يقول: نسمع كثيراً عن أناسٍ فتحت قبورهم بعد دفنهم بثلاث سنوات فوجدوا أنهم على حالهم، فهل هذا يمكن؟ A نعم. يمكن، الأنبياء لا تأكل الأرض لحومهم، قال عليه الصلاة والسلام: (إنا معشر الأنبياء حرم الله على الأرض أكل لحومنا) أي: لو جئنا إلى قبور الأنبياء تجد الجثة كما هي يوم وضعت، وكذلك قد ينال هذه الكرامة غيرهم من الأولياء والصالحين والشهداء، وقد سمعنا الكرامات التي حصلت للمجاهدين الأفغان أيام الجهاد الأفغاني كثيرة، وجد بعض الشهداء بعد شهر أو شهرين وجدوا رائحته مثل المسك، بينما الكافر من اليوم الثاني بعد دفنه إذا بطنه مثل الكيس انتفخ وأصبح ريحته -والعياذ بالله- متعفنة.

نصيحة لمن ابتلي بالعادة السرية

نصيحة لمن ابتلي بالعادة السرية Q يقول: أنا شاب مبتلى بالعادة السرية ولا أستطيع الزواج فماذا أفعل؟ A استعف -يا أخي- فإذا لم تستطع الزواج فعليك بالعفة؛ لأن الله يقول: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:33] ما أمرك الله أنك إذا لم تستطع النكاح أنك تنكح يدك، لا؛ والعادة السرية وهذا من تلطيف اسمها، أما اسمها في الشرع فهو نكاح اليد، وهي محرمة ولا تجوز، وأدلة تحريمها كثيرة جداً منها في القرآن الكريم يقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المعارج:29 - 30] أي: الأمة التي يملكها الإنسان {فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ} [المعارج:30 - 31] وتدخل العادة السرية في وراء ذلك {فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ} [المعارج:31] أي: المعتدون المتجاوزون لحدود الله. وفي الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة -أي: النفقة والزواج- فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم) ما قال: فعليه بيده، ولو أنه يجوز لبينه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، ولو أنه جائز وما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم لكان هذا من كتمان الرسالة، ومن عدم إكمال الدين، لكن الرسول ما أمر إلا بالصوم، بالإضافة إلى الآثار التي وردت: (أن ناكح يده ملعون) (أن ناكح يده يبعث يوم القيامة ويده حبلى له)، وأنه ما من حيوانٍ منوي يخرج عن طريق الاستمناء باليد إلا تحمل به اليد لكن آثار الحمل لا تظهر إلا يوم القيامة. فهذه مصيبة عليك -يا أخي المسلم-. فنقول لك: عليك أن تتوب وأن تلتجئ إلى الله عز وجل وهناك وسائل تعينك على العفة: أولاً: الإكثار من قراءة القرآن وذكر الله؛ لأن الاستمناء يأتي عن طريق وسوسة الشيطان، فإذا أكثرت من الذكر لله وقراءة القرآن خنس الشيطان. ثانياً: عليك أن تمارس عملاً مهنياً حتى تستنفذ الطاقة؛ لأن عندك طاقة فاستعملها في عمل بدني، إما في عمل مع أبيك، أو في تجارتك، أو في مزرعتك، أو في رياضة، حتى لو فعلت لك في البيت عقلة أو أتيت بأثقال حتى تفنى، فإذا تعبت فاذهب ونم فلن تفكر في شيء وسوف تنام سريعاً. ثالثاً: لا تكثر من الأطعمة المهيجة للجنس ما دمت عزباً، كل قوتاً خفيفاً لكي تعيش، إلى أن تتزوج، فإذا تزوجت فكل؛ لأن معك امرأة، لكن تكثر من الطيبات، وليس معك امرأة أين تذهب؟ تعود إلى يدك، هذا ليس جيداً، دع الطعام ولا تأكل إلا الأشياء الخفيفة، لكن تأكل من العسل والبر والسمن والشحم واللحم والمغذيات هذه لا تصلح لك، اتركها حتى تتزوج إن شاء الله. رابعاً: لا تنظر إلى الأفلام والمسلسلات، ولا تنظر إلى النساء في الشوارع، ولا تقرأ قصص الغرام والجنس؛ لأن هذه تُذكي فيك الغريزة وتهيج فيك الجنس. خامساً: إذا أويت إلى فراشك فلا تأتي إلا وأنت تريد أن تنام، من أجل أن تضع رأسك وإذا بك نمت، لكن تأتي وليس فيك نوم وتقعد تتقلب فيأتيك التفكير في هذا الأمر، كيف تصنع؟ اقعد اقرأ في القرآن، اقرأ في السنة، اقرأ في التاريخ، احفظ أبياتاً من الشعر، فإذا تعبت من القراءة قم وصلِّ ركعتين، وإذا جاء الشيطان دفعته بركعتين، والله لن يأتيك أبداً، أحد الإخوة قلت له هذا الأمر يقول: والله فعلتها وما أتاني أبداً؛ لأنه وسواس، كلما جاء الشيطان فعلها يقول: حتى مات مرة واحدة. سادساً: اسأل الله العفة -نسأل الله العفة- جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عنده شهوة وجنس يريد النساء فقال: (يا رسول الله! آمنت بك وصدقت ولكن ائذن لي في الزنا) يريد رخصة تصريح في الزنا، فالصحابة استغربوا هذا السؤال الذي لا يعقل، كيف يأذن له في الحرام؟! وكل واحد منهم يضع يده على السيف ينتظرون الإشارة لقطع رأسه، فالنبي صلى الله عليه وسلم هدأ روع الرجل وقال له: (تعال أدن مني، ولما دنى قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا. -الرجل لا يحبه لأمه- قال: أتحبه لبنتك؟ قال لا. قال: أتحبه لأختك؟ قال: لا. قال أتحبه لزوجك؟ قال: لا. قال: والناس كذلك لا يحبونه لأمهاتهم ولا لأزواجهم، ثم وضع يده على صدره وقال: اللهم طهر قلبه، وحصن فرجه، واغفر ذنبه) هذه ثلاث دعوات والحديث في الصحيح قال: (اللهم طهر قلبه، وحصن فرجه، واغفر ذنبه، ثم قام الرجل يقول: فوالله إنني قمت وليس في الدنيا أكره عندي من الزنا) وهذا مجرب. عليك دائماً أن تقول في الدعاء: اللهم طهر قلبي، وحصن فرجي، واغفر ذنبي، حتى يحصن الله فرجك -إن شاء الله- من كل شيء، ويطهر الله قلبك من النظر، انتبهوا لا أحد يتساهل ويقول: النظر بسيط، أول شيء تنزلق فيه إلى الزنا العين، ولهذا لما تغضها تستريح، قال الله: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30] وحين تزل بك القدم في النظر لن تبقى على العين فقط، ستستمر سنة وسنتين وأنت تنظر وبعد ذلك؟ ينقلك الشيطان إلى الثانية وهي: الكلام، والتليفون، وبعد ذلك تقعد على المكالمات فترة، ثم ينقلك الشيطان يقول: إلى متى هذه المكالمات فإنها لا تنفع؟ ثم موعد ولقاء وزنا ثم جهنم، لكن لو أنك أقفلتها من أول باب من عند العين ارتحت، ولهذا ليس في الدنيا أسعد قلب ولا أريح بال من المؤمن الملتزم الذي يغض بصره ولا يرى شيئاً، كلما رأى امرأة، غض بصره وذهب البيت ونظر إلى امرأته ملكة جمال، وإن كان ليس عنده امرأة صبر حتى تأتيه امرأة، لكن الذي لا يغض بصره في النساء يرى أصناف النساء وبعد ذلك لا يقدر أن يصبر عليهن كلهن، فيتقطع قلبه ويقول: وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتل؟ وإنك إن أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر ثم إذا عندك زوجة وذهبت البيت ونظرت إليها وقد نظرت إلى أحسن منها، فتنظر فيها أنها قبيحة، فمن حين تدخل تعمل مشكلة معها ولا تسلم، لماذا؟ لأنك رأيت امرأة في الخارج جميلة، وتقول: ما هذه المرأة القبيحة؟ فيأتي إليها الشيطان ويقول: هذا الذي لا يسلم لماذا لا تأخذي رجلاً أحسن؟ وتذهب تبحث عن رجل يسلم، وتصير الحياة تعيسة بسبب إطلاق النظر، لكن لا تنظر إلا إلى امرأتك، فإذا لم تر إلا هي ترى كأنها ملكة جمال الدنيا؛ لأنك لا ترى إلا زوجتك، ولهذا قال الله: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30].

الشفاعة وشروطها

الشفاعة وشروطها Q أحب الصالحين ولست منهم وأرجو أن أنال بهم شفاعة هل هذا القول سليم؟ أم أنه يمس في العقيدة؟ A الأخ طالب علم، جزاه الله خيراً ويقصد بهذا شفاعة الصالحين، هل تصح أم لا؟ أقول: قد تحدث العلماء عن الشفاعة وهي جزء من قضايا العقيدة، وقسمها العلماء إلى ثمانية أقسام. وهذه الشفاعة لا تتم إلا بشرطين: أولاً: الإذن من الشافع وهو الله. ثانياً: الرضا عن المشفوع وهو الذي يشفع له، قال الله عز وجل: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة:255] هذا هو الشرط. والثانية قال الله: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:28] فإذا أذن الله ورضي عن المشفوع له نفعت الشفاعة، أما إذا لم يوجد أذن ولا رضا فقد قال الله: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:48] فهذا البيت صحيح وينسب إلى الشافعي، يقول: (أحب الصالحين ولست منهم) يقول هذا على باب التواضع، وإلا فـ الشافعي من أعظم الصالحين، الشافعي -رحمه الله- له سيرة عطرة وتراجم لو المقام يسمح لأتيت لكم بشيء كثير منه، شيء يعطر القلوب، شيء عجيب لدرجة أنه أوتي قدرة وحافظة وكان إذا أراد أن يقرأ كلاماً يضع المسطرة على السطر الثاني حتى لا تسبق عينه السطر الثاني فيحفظه قبل الأول، حفظ الموطأ وهو أعقد كتاب من كتب الحديث، إذا قرأته تريد لك تراجم فيه، حفظه من قراءة واحدة، ولما جلس على الإمام مالك قال: حفظته من قراءة واحدة، قال له: إنك امرؤ نور الله قلبك لكن لا تطفئها بظلمة المعاصي. ولما خرج إلى السوق فرأى عقب امرأة، عندما هبت الريح فكشفت عن رجلها، ورجع يقرأ وإذا به لم يستطيع أن يحفظ، كما كان من قبل، فذهب إلى وكيع بن الجراح يشكي إليه، وقال له: إني لا أحفظ مثلما كنت، قال له: أين ذهبت اليوم؟ قال: إلى السوق، قال: ماذا رأيت؟ قال: رأيت عقب امرأة، قال: هذه هي، ارجع وتب إلى الله، ويقول في أبيات: شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نورٌ ونور الله لا يؤتى لعاصي بعض الناس يقول: أريد أن أقرأ القرآن وأحفظ العلم، وهو طيلة ليله على الأفلام والمسلسلات، من أين يأتيك العلم والقرآن؟ والله لا ينظر لك ولا يمر من عندك، العلم يريد له قلباً منوراً قلباً مفتوحاً لله، أما قلب يعشق الشر ويحب المجون ويريد أن يحفظ القرآن، فلا يمكن أبداً، فيقول الشافعي: أحب الصالحين ولست منهم وأرجو هنا أرجو محمولة على أن المرجو هو الله (وأرجو أن أنال بهم) أي: بحبهم وبحب الصالحين وبمجالستي إياهم. (وأرجو أن أنال بهم شفاعة) عند الله عز وجل. ثم يقول: (وأكره من بضاعته المعاصي) يقول: الذي عنده بضاعة (معاصي) أكرهه. (وإن كنا سواءً في البضاعة) يقول: ولو أن بضاعتي مثله، لكنه ليس عنده شيء، فإذا كان عقب امرأة رآه عمل له مشكلة فكيف عنده معاصي؟ فقال له الثاني: تحب الصالحين وأنت منهم وحب القوم يلحق بالجماعة وتكره من بضاعته المعاصي يقيناً لست من أهل البضاعة يقول: ما أنت من أهل بضاعة المعاصي -أثابك الله- وأنا رقعتها ولا أدري هل البيت كذا أم لا. أكتفي -أيها الإخوة- بما قلت، وأرجو الله عز وجل أن ينفعني وإياكم بما قلته، ونعدكم إن شاء الله بمحاضرة يوم خمسة وعشرين، وسيعلن عنها، ولكن أعلن عنها من الآن حتى يكون الإنسان على علم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أهوال القبر

أهوال القبر تحدث الشيخ في بداية الدرس عن محبة الرسول عليه الصلاة والسلام، وما يناقض هذه المحبة من الابتداع، مثل بدعة المولد النبوي التي لم يقم عليها دليل من كتاب أو سنة ولا من فعل الصحابة أو التابعين ومن تبعهم بإحسان، ثم ساق أدلة تحريم هذه البدعة. ثم تحدث عن القبر وأهواله وفظاعته، وإكثار النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته من تذكر الموت والقبر الذي هو أول منازل الآخرة. وفي القبر فتنة سؤال منكر ونكير التي لا يتجاوزها إلا من ثبته الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة.

محبة الرسول عليه الصلاة والسلام

محبة الرسول عليه الصلاة والسلام الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة في الله! أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، وألا يبقي فينا ولا معنا شقياً ولا محروماً، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، نجد ثوابه إن شاء الله يوم الوقوف بين يدي الله عز وجل. قبل أن أبدأ في موضوع الدرس أحب أن أشير بالمناسبة إلى شيء اعتاد الناس أن يفعلوه في مثل هذه الأيام على اعتبار أنه دين وليس بدين. كلكم يعلم أن محبة النبي صلى الله عليه وسلم دين يدين المسلم به لله عز وجل، وأنه قربة من أعظم القرب، وأن بغضه أو كراهيته أو بغض شيء مما جاء به صلوات الله وسلامه عليه، كفر بدين الله مخرج لصاحبه من الملة، فقد ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالته نواقض الإسلام، أن من ضمن النواقض: بغض الرسول صلى الله عليه وسلم، أو بغض شيء مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، حتى ولو عمل بهذا الأمر ولكنه من قرارة نفسه يبغضه أو يكرهه، فإنه يكفر ولو عمل به؛ لأن الله عز وجل يقول: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] وقال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب:36]. محبة النبي صلى الله عليه وسلم قربة وطاعة ومن أعظم الطاعات، بأبي وأمي هو صلى الله عليه وسلم معلم البشرية، ومنقذ الإنسانية، والذي أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور، وهدى الله به من الضلالة، وعلم به من الجهالة، فصلوات الله وسلامه عليه، صلاة دائمة متتابعة ما تتابع الليل والنهار.

البدعة تنافي محبة رسول الله عليه الصلاة والسلام

البدعة تنافي محبة رسول الله عليه الصلاة والسلام اعتاد الناس أن يقيموا احتفالات يسمونها حفل المولد، وحفل المولد جاء من عادة نصرانية الغرض منها التذكير بحالة المحتفل به؛ لأن الإنسان ينسى في زحمة الأعمال، وكثافة الأشغال من لا يذكره باستمرار، حتى إنك الآن ربما تنسى أباك الذي مات منذ سنوات ولا تذكره إلا إذا ذكرك شيء به، فلا تتذكره باستمرار، بخلاف إذا مات في الأسبوع الأول أو الشهر الأول تتذكره في كل حين، وترى آثاره في كل وقت، لكن بعد مضي سنة أو سنتين أو ثلاث ينسى الإنسان. وما سمي الإنسان إلا لنسيه ولا القلب إلا أنه يتقلب فهم شرعوا لأنفسهم حفلاً يقيمونه، يحتفلون فيه في كل عام بمولد هذا الإنسان الذي يريدون أن يذكروه، ثم صيروا ذلك شعيرة من شعائرهم، يحتفلون فيها حتى بمولد نبيهم عيسى عليه وعلى نبينا وعلى سائر الأنبياء أفضل الصلاة والسلام. وجاء المقلدون والرعاع من هذه الأمة يريدون أن يحتفلوا بذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وما علموا أن ذكراه صلى الله عليه وسلم حية في كل وقت وحين، فنحن لا ننساه، ننسى أنفسنا وآباءنا وأمهاتنا وأزواجنا وأولادنا، بل ننسى ذواتنا ولا ننساه صلوات الله وسلامه عليه، كيف ننساه ونحن نسمع ذكره يعلو على كل مأذنة في كل يوم خمس مرات؟ فما من أذان يرفع إلا وفيه أشهد أن محمداً رسول الله، كيف تنساه الأمة وهي مطلوب منها وهي تصلي في كل يوم خمس صلوات، ولا تقبل صلاتها إلا بالصلاة عليه في تشهدها الأوسط والأخير، فأنت تقول: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، اللهم صلِّ على محمد. هل يمكن أن تنسى هذا الإنسان الذي تذكره في كل وقت وحين؟ تذكره وأنت تدخل البيت، فتتذكر أن هناك هدياً وسنة لا بد أن تقولها، ثم وأنت تأكل الطعام، ولما تشبع من الطعام، ثم وأنت تنام، وعندما تستيقظ، وتذكره وأنت ترى القمر، وتسمع هبوب الرياح، وترى المطر ينزل، وتذكره وأنت تأكل من باكورة الثمار، تذكره في كل شيء؛ لأن معالمه وبصماته صلوات الله وسلامه عليه مرسومة في كل هديك، وسلوكك وتصرفاتك، فهل نحتاج بعد هذا إلى أن نحتفل بذكراه مرة في العام ثم ننساه؟!!

محبة أهل البدع للرسول محبة زائفة

محبة أهل البدع للرسول محبة زائفة إن من يحتفلون بمولده صلوات الله وسلامه عليه هم أهل البدعة والخرافة والتضليل، يحتفلون ويقيمون السرادقات، ويضيئون الأنوار، ويأكلون الحلوى، وينشدون الأشعار والمديح والتغني فيه، ثم يخرجون وينسونه إلى أن يأتي مثل هذا اليوم من السنة المقبلة، لا يحيون سنته، ولا يرومون طريقته، ولا يتبعون هديه، وإذا جاء الاحتفال احتفلوا به، وإذا أنكر عليهم وقيل لهم: هذه بدعة، قالوا: نحن نحب الرسول صلى الله عليه وسلم وأنتم تكرهونه ولا تحبونه ولذا لا تحتفلون بمولده، أما نحن فنحبه. نقول لهم: خسئتم والله، بل أنتم أعداؤه، أنتم لا تحبونه؛ لأن من كان يحبه فليسر في هديه: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ} [آل عمران:31] فماذا؟ {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ} [آل عمران:31] نحن نحبه أشد حباً: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة:165] ومن محبة الله محبة رسوله صلى الله عليه وسلم. ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: -الأولى- أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) ويقول عليه الصلاة والسلام يوماً لصحابته: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهله وماله والناس أجمعين) فيقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يعرف وزن الكلمة وقيمتها، ليس إنساناً مغالطاً، أو يقول الكلام على عواهنه، قال: (والله يا رسول الله! إنك أحب إليَّ من أهلي ومالي ومن الناس أجمعين إلا من نفسي) لا يعرف الكذب، ولا التملق، قال: (لا يا عمر -حتى الآن ما آمنت- حتى أكون أحب إليك من نفسك) فلما وازن وقارن بين ما يمكن أن يربحه إذا أحبه أكثر من نفسه وهي الجنة، وبين ما يمكن أن يخسره إذا لم يحبه أكثر من نفسه فقال: (والله لأنت أحب إلي يا رسول الله! من نفسي وأهلي ومالي والناس أجمعين، فقال عليه الصلاة والسلام: الآن يا عمر، الآن يا عمر) اللهم صلِّ وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. فهؤلاء المبتدعة يبتدعون في الدين ما لم يأذن به الله، ويوردون ديناً على الناس وليس بدين، وقد ذكر علماء الإسلام أن عملهم هذا محرم، ولا يجوز إقراره، ويجب إنكاره، ولا يجوز السكوت عليه، بل ينبغي من درس التوحيد، وعرف هدي السلف، ثم ذهب إلى أي بلاد من هذه البلاد، وعلم بأنه يقام مثل هذا الاحتفال في هذه البلاد بأن ينصحهم ويعظهم؛ لأننا نعرف ونسمع أن هناك من خفافيش الظلام من لا يستطيعون أن يظهروا في الضوء، فهم يعيشون في الظلام ببدعتهم. سألني شخص هذا اليوم، قال لي: متى يوافق اليوم الثاني عشر بالضبط؟ قلت: لماذا؟ قال: أريد أن أصوم هذا اليوم، قلت: ولم؟ قال: لأنه مولد النبي صلى الله عليه وسلم، قلت: هل أمرك أن تصومه؟ قال: لا. قلت: هل صامه خلفاؤه الراشدون؟ قال: لا. قلت: هل صامه سلف هذه الأمة؟ قال: لا. قلت: من أمرك؟ قال: الناس عندنا يصومون هذا اليوم في باكستان، قلت: سبحان الله! تأخذ دينك من الناس، هذا دين لا يؤخذ إلا عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لا تصم هذا اليوم، وإن صمته على أنه قربة فأنت آثم ولست بمأجور؛ لأنك تبتدع بدعة أعظم في الدين من ثواب هذا اليوم الذي تريد أن تتقرب به وليس بقربة.

أدلة تحريم بدعة المولد

أدلة تحريم بدعة المولد يقول علماء الإسلام: إن هذا العمل محرم لأدلة شرعية كثيرة، منها ثمانية أدلة:

المولد لم يفعله النبي لنفسه ولا صحابته من بعده

المولد لم يفعله النبي لنفسه ولا صحابته من بعده الدليل الأول: أنه صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولو كان هدى لكان أول من يفعله هو، فيحتفل بمولده هو صلى الله عليه وسلم، فإنه يعرف فضائل الأعمال، ولو كان خيراً لسبق إليه، وأيضاً لم يحتفل بذلك خلفاؤه الراشدون وأصحابه البررة، فهم كانوا أحب الناس إليه، وهو أحب الناس إليهم، وحينما افتقدوه في أول يوم، يقول أحد الصحابة: [والله ما عدنا من المقبرة إلى البيوت إلا وقد تغير كل شيء في حياتنا، حتى الشمس والليل والنهار] أنكروا كل شيء بعد النبي صلى الله عليه وسلم لكنهم ما ابتدعوا في الدين، وجاءوا يوم ميلاده وقالوا: نحيي ذكراه، فهو حي في كل وقت وحين، وأيضاً لم يفعله سلف هذه الأمة في القرون المفضلة، التي قال فيها عليه الصلاة والسلام: (خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) هذه الثلاثة القرون هي النماذج الحية للإسلام وللتطبيق السلفي لدين الله، فلما لم يفعله الرسول، ولم يفعله خلفاؤه، ولا الصحابة، ولا التابعون، ولا السلف الصالح، دل هذا على أنه ليس بدين، وأن من أتى به فهو مردود على وجهه، لا نقبله منه.

المولد فيه دعوى أن الدين لم يكتمل

المولد فيه دعوى أن الدين لم يكتمل الدليل الثاني: أن الله عز وجل أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع آية، يقول الله فيها: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] فلا يجوز أن نكذب الله وأن نقول: الدين ما كمل إلى الآن، نحن نريد أن نضيف فيه إضافات؛ لأننا نحب الرسول صلى الله عليه وسلم، فنحتفل بهذا اليوم، ونتهم الرب عز وجل وتعالى في ذلك أنه ما أكمل لنا الدين ونحن نكمله، هذا لا يجوز، وفيه ردٌ لهذه الآية، ومن رد حرفاً أو آية من كلام الله فقد كفر، وقوله عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7] وقد علم في الدين أنه لم يأمر به صلى الله عليه وسلم ولم يفعله.

مخالفة المولد للسنة

مخالفة المولد للسنة الدليل الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود والترمذي قال: (عليكم بسنتي -أي: هديي وطريقتي- وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ) والنواجذ هي: الأسنان الواقعة في طرف الأضراس مما يلي الجسم، والنواجذ لا تستعملها أنت إلا في الأشياء الصعبة، إذا كان معك عظم تريد أن تكسره فتضعه بين هذه النواجذ، فالنبي صلى الله عليه وسلم، يقول: (عضوا عليها -أي: هذه السنة- بالنواجذ) كناية عن التمسك بالسنة بأقصى قوة، وبأعظم إمكانية وهي النواجذ، وفي هذا استعارة لطيفة من بلاغته صلوات الله وسلامه عليه، ثم قال: (فإنه من يعش منكم فسيرى بعدي اختلافاً كثيراً) يخاطب الصحابة أن من يعيش بعده منهم فسيرى اختلافاً، فكيف بمن بعدهم؟ كيف وأنتم في كل يوم تضيعون سنناً وتحدثون بدعاً؟! وهذه من البدع التي أحدثها أعداء الله، اقتبسوها من النصارى وسموها ديناً، ووصفوا من لا يفعلها، والذي يذب عن هديه، ودينه، يسمونه (وهابي) يقولون: أنت لا تحب الرسول صلى الله عليه وسلم، سبحان الله! كيف انقلبت المفاهيم وانعكست الموازين، وأصبح أتباعه هم أعداؤه، وأصبح المبتدعة هم أحبابه، يقولون: نحن أحبابه، وقد خسئوا فهو منهم براء، صلوات الله وسلامه عليه. (إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، ثم قال: وإياكم -تحذير- ومحدثات الأمور) أي: في الدين، ليس المحدثات في الأمور العادية وعادات الناس، يجب أن يفهم الناس ما معنى المحدثة، المحدثة في الأمر أي: في أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، أما في عادات البشر فليس عليه حرج، كونك تركب سيارة، أو تأخذ ثلاجة، أو تلبس ثياباً، أو تفرش بيتك، هذه كلها لم تكن موجودة وهي مما أباحه الله عز وجل. إنما الشيء المرسوم، والمحدد بإطار معين، والمحاط بسور الاتباع هو دين الله، وما أمر به الله أو أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) وقد سمعت شخصاً من المبتدعة المفتونين يتكلم ويكتب ويقول: إن البدعة منها ما هي بدعة حسنة، ومنها ما هي بدعة محرمة وغير ذلك، فقسم البدعة إلى خمسة أقسام على أقسام الحكم التكليفي. الحكم التكليفي كما تعرفون في الأصول أقسامه خمسة، فقال: بدعة محرمة، وبدعة مكروهه، وبدعة واجبة، وبدعة مستحبة، وبدعة مباحة. الله أكبر! ما هذا الفقه؟! والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) كل ضلالة في جهنم. فهذا الحديث يبين لنا أنه لا ينبغي لأحد أن يستن إلا بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وبهدي خلفائه الراشدين، وألا يعمل أمراً أو يضيف ديناً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد خلفائه الراشدين، فالدين ما شرع الله وما سن رسوله صلى الله عليه وسلم.

المولد بدعة محدثة في الدين

المولد بدعة محدثة في الدين الدليل الرابع: روى البخاري ومسلم في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في ديننا هذا ما ليس منه فهو رد) أي: باطل مردود، مضروب به في وجهه، لا نقبل الدين بالآراء، نحن لسنا عبيداً إلا لله، ونحن أتباع لهذا الرسول صلى الله عليه وسلم، لسنا إمعات، لا لعالم ولا لولي ولا لصالح، إن جاءنا العالم يقول قولاً: قلنا هات الدليل، وإذا كان معك دليل سمعنا وأطعنا، وإن لم يوجد معك دليل فلا سمع ولا طاعة، لا نقبل ديناً بالآراء والاستحسانات، فمن أحدث في دين الله ما ليس منه فهو رد، مردود باطل مضروب به في وجهه، لو جاء رجل الآن عندكم، قال: أنتم تصلون المغرب الآن ثلاث ركعات، وتصلون العشاء أربع ركعات، يأتي المغرب وأنتم ما زلتم نشيطين في أول الليل ويأتي العشاء والواحد مرهق ومسترخ يريد أن ينام، لماذا لا نجعل المغرب أربعاً والعشاء نجعلها ثلاثاً، من أجل أن العقل يحكم بهذا، وبعد ذلك في الصباح لماذا لا نجعل صلاة الفجر -ونحن نشيطون وقائمون من النوم وليس فينا تعب- نجعل صلاة الفجر أربعاً، والظهر التي هي في وسط الدوام والشخص يريد أن يجلس نجعلها اثنتين، ما رأيكم بهذا الرأي؟ نقول له: لا. الدين ما شرع الله لا ما شرعت أنت، رأيك اجعله لك؛ لأن الله أعلم وأحكم تبارك وتعالى، (فمن أحدث في ديننا) وهذا إحداث في الدين. قد يقول قائل: إن هذه الاحتفالات من الأمور العادية، نقول لا. ليست من الأمور العادية؛ إنها من الأمور الشرعية الدينية؛ لأن كل ما كان له علاقة بالكتاب، أو بالسنة، أو برسول الله صلى الله عليه وسلم فهو دين، فكونه يحتفل به على أنه قربة، وأن هذا يقرب إلى الله؛ لأن هذا رسول الله، والاحتفال به شيء عظيم، فقد جعله من الدين، وليس عليه دليل، فهو مردود.

الإجماع منعقد على أن العبادات توقيفية

الإجماع منعقد على أن العبادات توقيفية الدليل الخامس: أن أهل العلم أجمعهم -بدون خلاف- قالوا: إن العبادات الأصل فيها التوقيف، يعني: ليس للإنسان رأي في أن يأتي بشيء من عند نفسه، لا بد أن تقف فيها على دليل، ولا مجال للاستحسان والرأي، فإن الحسن ما حسنه الشرع، والقبيح ما قبحه الشرع، ولا مجال لإدخال العقل في قضية العبادات، فإنها كلها توقيفية ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله يقول: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21].

متابعة النبي صلى الله عليه وسلم علامة محبة الله

متابعة النبي صلى الله عليه وسلم علامة محبة الله الدليل السادس: أن دعوى محبة النبي صلى الله عليه وسلم لتبرير هذا العمل دعوى باطلة ومردودة؛ لأن محبته صلى الله عليه وسلم تظهر جلية في متابعته لا في الابتداع عليه، ومخالفة أمره، محبة الرسول صلى الله عليه وسلم بالسير على منهجه، وقد امتحن الله الأمة بهذه الآية كما يقول ابن عباس، قال: [امتحن الله العباد بهذه الآية، قال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31] فعلق محبته للعباد على اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم].

إقامة المولد تشبه باليهود والنصارى

إقامة المولد تشبه باليهود والنصارى الدليل السابع: أن في ذلك تشبهاً باليهود والنصارى، فهم يحتفلون بعيد الميلاد في كل حياتهم، حتى مواليدهم الصغار، إذا ولد له ولد مثلاً في يوم (8/ ربيع الأول) بعد سنة كاملة يقيم حفلاً، وبعض الإمعات والجهلة من المسلمين الذي يظنون أنهم متطورون -وهم في الحقيقة متثورون- إذا جاء له ولد وبعد سنة قال: اليوم عندنا وليمة، ماذا عندك؟ قال: نطفئ الشمعة الأولى من عمر فلان المديد. اليهود والنصارى يعتقدون أنك إذا ما احتفلت بعيد ميلاد ولدك هذا فإنه قد يموت، فأنت كل سنة يمر عليك تقيم له حفلاً، وتدعو الناس، وتطفئ شمعة وتشعل شمعة جديدة، وإطفاء الشمعات وإشعالها هذا ليس منك، والأعمار بيد الله، والله تبارك وتعالى هو الذي يقضي بالليل والنهار على عباده، ولا راد لأمره تبارك وتعالى، ولا معقب لحكمه، وهذه بدعة نصرانية مردودة. فلا ينبغي للمسلم أن يكون ذيلاً لهم، وإذا علم أن هذه الوليمة أو هذا العشاء بمناسبة مرور ثلاث أو خمس أو ست سنوات على زواج فلان، أو على ميلاد فلان، يرفضه ويقول: لا أحضر إلى بدعة ليس عليها دليل من النبي صلى الله عليه وسلم. والتشبه باليهود والنصارى محرم بدليل الحديث الذي رواه الإمام الترمذي في السنن وهو صحيح، قال عليه الصلاة والسلام: (لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى، فإنه ليس منا من تشبه بغيرنا) وفي حديث آخر، قال عليه الصلاة والسلام: (من تشبه بقوم فهو منهم) والتشبه أن تعمل أعمالهم. لا يا أخي كن إنساناً استقلالياً، لا تكن تبعياً، كن إنساناً بارزاً لك قدوة وأسوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21].

منكرات الموالد والشرك الحاصل فيها

منكرات الموالد والشرك الحاصل فيها الدليل الثامن: يقع في تلك الاحتفالات من المنكرات والعظائم ما لا يعلمه إلا الله، وأعظم ما يقع فيها الشرك بالله، فإنهم في تلك الاحتفالات يتصورون أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر، وبينما هم في المديح، والأدعية، والثناء، وهز الرءوس والتطريب يقولون: اسكتوا! وتقدم الحلاوة والذبائح والأكلات والبسطات، وبعد ذلك يقولون: جاء الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقومون قياماً، ويرخون رءوسهم، وينعقون ويبدءون في تقديم الدعاء، يدعون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقولون: يا مفرج الكروب، يا قاضي الحاجات، يا شافي الأمراض. الله أكبر! لا إله إلا الله! يشرك برب الأرض والسماوات، وهذا هو الذي نزل من أجله الكتاب، وشرع من أجله الجهاد، وبعثت من أجله الرسل؛ أن يدعى الله وحده، والله يقول: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن:18]. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول للصحابي الذي قال له: (ما شاء الله وشئت، قال: أجعلتني لله نداً؟! قل ما شاء الله وحده) (ولا يقل أحدكم: عبدي وأمتي ولكن يقول: فتاي وفتاتي) والله يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65] هذا الرسول {وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ * وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الزمر:65 - 67] سبحانه وتعالى عما يشركون علواً كبيراً، فيدعون الرسول صلى الله عليه وسلم. وهؤلاء نقول لهم بمنطق العقل: إذا كان في أكثر بقاع العالم هذه الاحتفالات، وكلهم يزعم أن الرسول جاء، فكيف انقسم عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم، ودخل كل حفل من احتفالاتهم؟!! كيف قام ووصل إلى كل هؤلاء، وخرج من عند هؤلاء في خلال ساعة، أو في يوم، أو في ليلة واحدة؟!! أهذا كلام يعقل؟ سبحان الله! رسول الله صلى الله عليه وسلم ميت صلوات الله وسلامه عليه، كما قال الله: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30] وقال: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء:34 - 35] هو ميت ولكنه حي، كأكمل حياة الشهداء، حياة برزخية، ليست حياة مثل حياتنا، حياة بزرخية كأكمل حياة الشهداء صلوات الله وسلامه عليه، وهو لا يخرج من قبره ولا يعلم ما يحدث في أمته من بعده، ولهذا يوم القيامة يوم تذاد مجموعة من الأمة عن الحوض فيقول: (أمتي أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، لا زالوا يرجعون عن دينهم القهقرى، فأقول: بعداً بعداً، وسحقاً سحقاً) وأقول كما يقول العبد الصالح: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة:117] إلى آخر الآيات. فهذه المنكرات يحصل فيها الشرك بالله، بالإضافة إلى الإسراف، والتبذير في إقامة الولائم، ونصب السرادقات، وإضاءة الأضواء، وإهلاك الأموال في هذا الأمر الذي لم يأذن به الله، ولم يشرعه رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يسعنا -أيها الإخوة- إلا ما وسع السلف [ومن كان مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تأمن فتنته]. ونقول للناس الذين يبتدعون هذا: لو كان خيراً لسبقنا إليه صحابة رسول الله وسلف هذه الأمة، وما لم يسبقونا إليه فليس بدين، وما لم يكن في عهدهم دين فلن يكون في عهدنا دين، فقد ضيع هؤلاء أكثر دين الله، ثم يحدثون فيه ما ليس من دين الله، فنريد -أيها الإخوة- أن نعرف هذا الأمر على حقيقته، وأن نعرف أدلة رده حتى إذا ما ناقشنا مبتدع، أو جاء ليضللنا ضال؛ لأن كثيراً من المسلمين -فقهنا الله وإياهم بالدين- بحبهم للنبي صلى الله عليه وسلم وبفطرتهم السليمة، إذا جاءهم مبتدع وسوغ لهم هذا الأمر، ربما ينطلي عليهم، وربما بدافع الحب للنبي صلى الله عليه وسلم يصنعون هذا الأمر وهم لا يشعرون، فنريد أن يعي إخواننا، وهم بدورهم ينقلون هذا إلى كل من يسمعون أنه يحدث مثل هذه البدعة، ويقولون له: هذا ليس بدين، بل هي بدعة، والبدعة طريق الشرك. فأَقَلّ بدعة كما يقول شيخ الإسلام ابن القيم: أعظم عند الله من أعظم كبيرة من كبائر الذنوب، يعني: البدعة الصغيرة أعظم من كبيرة الخمر والزنا، لماذا؟ قالوا: لأن صاحب الخمر والزنا يرجو أن يتوب، لكن صاحب البدعة يحسب أنه على هدى، ولا يفكر أن يتوب أبداً؛ لأنه يدعو إلى بدعته، والعياذ بالله! هذا -أيها الإخوة- ما أردت أن أذكره لكم كبداية في هذه الجلسة.

القبر وأهواله

القبر وأهواله أما موضوعنا الذي سوف نواصل البحث فيه، فهو عن القبر وفظاعته وأهواله، نسأل الله عز وجل أن يخفف عنا وعنكم في تلك اللحظات الحرجة.

الإكثار من تذكر الموت والقبر

الإكثار من تذكر الموت والقبر الحديث عن القبر ينبغي أن يكون نصب أعيننا في كل وقت وحين، فإننا ما دمنا نذكره، فسوف نستعد له، وإذا نسيناه غفلنا عنه، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يكثر ويأمر أصحابه بالإكثار من ذكر الموت والقبر، وكان يقول: (إني كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزورها فإنها تذكر بالآخرة) والناس اليوم قليل من يزور القبور؛ لأن الناس لا يمشون على أقدامهم، كنت قبل أن أشتري سيارة أمشي على قدمي، وما أمر بمقبرة إلا أسلم عليها؛ لأني أرى القبور، وهي ليست مرتفعة، وليس عليها سور، ولا مناظر جميلة من أجل أن تلهي الناس، فكلما رأيت قبراً أسلم، وبعدما اشتريت سيارة، فانشغلت بالسيارة فلا تنظر عيني إلا في الخط، ولا أستطيع أن أنظر، والمفروض أن أنتظر لحظة وأسلم، وليس بالضروري أن يستمر نظري إلى المقبرة مسّلِماً، وإنما إذا مررت بالمقبرة أسلم وأركز على الخط، لكن العبرة في هذا أقل من العبرة لو سرت بقدمي ووقفت على طرف المقبرة ونظرت إليها، وشاهدت ظاهر القبور وما يحصل فيها من الهدوء والوحشة والانفراد، يحدث بهذا تأثر كبير، إذا مارسه الإنسان. يحدث هانئ مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: [كان عثمان بن عفان رضي الله عنه إذا وقف على قبر يبكي، حتى تبتل لحيته] ودائماً تسمعون في أكثر الأحاديث بكى حتى ابتلت لحيته، لكن لو بكى أحدنا وليس معه لحية، فماذا نقول: حتى ابتلت جلدته، حتى يبتل ذقنه، ماذا نقول؟ ليس هناك شيء يبتل. إذاً اللحية معلم من معالم الرجولة، وسنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، لا بد من إبقائها في الوجه عملاً وتطبيقاً لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. قيل له: (يا أمير المؤمنين! نراك تذكر الجنة والنار فلا تبكي، ثم تذكر القبر فتبكي، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر، وإن لم ينج منه فما بعده أشد) قال: (وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما رأيت منظراً قط إلا والقبر أفظع منه) رواه الترمذي، وابن ماجة، والإمام ابن الأثير في جامع الأصول، وقال الشيخ الألباني في تعليقه عليه: سنده حسن، وأخرجه وحسنه في صحيح الجامع للسيوطي. حقيقةً القبر -أيها الإخوة- من أفظع ما يمكن على الناس؛ لأنك لو نمت في غرفة، هذه الغرفة مساحتها (2م×2م) أو (2م×1م)، وبعدها تعرف أنه لا يوجد معك أحد باستمرار، وليس عندك طعام ولا شراب، وسقفها قريب منك، إذا كنت في غرفة، أو سجن، أو زنزانة، أو غرفة كبيرة لا بد أن يكون سقفها بينك وبينه (2م) أو (3م)، لكن إذا كانت الغرفة التي تنام فيها (1. 5م×1. 5م)، وارتفاع السقف شبر واحد، والحجارة فوق ظهرك، هذا شيء فضيع (ما رأيت منظراً إلا والقبر أفظع منه)، وليته رقود ولا شيء بعده، ولكن هناك أشياء: ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت راحة كل حي ولكنا إذا متنا بعثنا ونسأل بعده عن كل شيء

القبر أول منازل الآخرة

القبر أول منازل الآخرة فالقبر أول منزل من منازل وأول درجة من درجات الآخرة، وهو إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار. فلذا كان عثمان رضي الله عنه إذا ذكر القبر بكى وارتعد، وإذا ذكر الجنة والنار لم يبك؛ لأنه يرجو ويخاف، يرجو في رحمة الله أن يكون القبر روضة من رياض الجنة، ويخاف من عذاب الله أن يكون القبر حفرة من حفر النار، فيخاف من القبر؛ لأنه يعلم أن ما بعده أيسر أو أشد منه، ولما كان ما بعد القبر أيسر منه لمن نجا، فإن العبد إذا رأى في قبره ما أعد الله له من نعيم قال: كما في حديث البراء بن عازب: (رب أقم الساعة، رب أقم الساعة، رب أقم الساعة، فيقال له لم؟ قال: لعلي أرجع إلى أهلي ومالي) أين أهله وماله؟ ليس ذلك في الدنيا، وإنما يرجع إلى أهله وماله في الجنة؛ لأنه يرى قصوره ويرى الحور وما أعد الله له من النعيم، فهو في القبر في روضة من رياض الجنة، لكنه يريد ما هو أعظم، يريد الجنة. وأما الكافر -والعياذ بالله- والمنافق والفاجر، فإنه وهو في حفرة من حفر النار يرى الحيات والعقارب، والسلاسل والأغلال والأنكال وأودية العذاب، والنار يحطم بعضها بعضاً، عند ذلك يقول: رب لا تقم الساعة، رغم أنه في عذاب لكن ما بعده أفظع، فهو لا يتمنى أن تقوم الساعة عليه؛ لعلمه بأن ما بعده أعظم مما هو فيه، والعياذ بالله! أما ظلمة القبر، فالقبر له ظلمة وله نور أيضاً، فهو ظلمة على أهل المعاصي، ونور على أهل الطاعات، نور الله قلوبنا وقلوبكم وقبورنا وقبوركم، وقبور آبائنا وأمهاتنا وجميع إخواننا المسلمين، وفي الحديث الذي رواه الإمام البخاري، ومسلم، وأصحاب السنن: والبيهقي، وأحمد في المسند - قال: (ماتت امرأة كانت تقمّ المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) تقم المسجد: أي تزيل القذر، والقذر غير النجاسة، إذ لا يتوقع أن يكون في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم نجاسة، لكن القذر: ما يتقذر منه، كالشعرة، والعود، والورقة، والكناس، أي شيء من هذا الذي تجده في المسجد، من أعظم القربات أن تحمل هذه الشيء. ولقد قال لي أحد المشايخ يقول: رأيت شاباً في مقتبل العمر وهو جالس في المسجد يذكر الله ويقرأ، فرفع رأسه فرأى أمامه أعواداً، يقول: فجمع الأعواد من أمامه وفتح جيبه وجعلها في جيبه. يقول: سبحان الله! كيف ترق نفس المؤمن وتصبح شفافة إلى أبعد درجة، لدرجة أنه يجعل المسجد أعظم حرمة من ثوبه وجيبه، يجمع أذى المسجد ليضعه في جيبه، الإنسان لا يضع في جيبه إلا الشيء الغالي أليس كذلك؟ تضع النقود، والشيكات والأوراق الغالية والنفيسة، لكن تضع القمامة في جيبك؟! لو كنت في بيتك ووجدت أي قمامة لا يمكن أن تضعها في الجيب، تأخذها وترميها أو تتركها؛ لكن في بيت ربك، لا. جيبك أولى بالقمامة من بيت ربك. فهذا العمل بسيط في ظاهره كونه يأخذ الحبة ويضعها في جيبه، لكنه عند الله عظيم، لا إله إلا الله! بدليل حديث البخاري ومسلم: أن هذه المرأة التي كانت تقم المسجد أي: تكنسه وتنظفه، ففقدها النبي صلى الله عليه وسلم، فقدها وفقد آثار عملها، رأى بعض الأشياء في المسجد، ففقدها من فقدانه لأثر فعلها، وهو تنظيفها للمسجد فسأل عنها، فأخبروه: أنها ماتت بالليل وأنهم دفنوها، ولم يخبروه صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كرهوا إيقاظه وإزعاجه، لعلمهم بما كان يبذل صلى الله عليه وسلم من جهد جهيد في سبيل خدمة الدعوة الإسلامية، فكانت حياته كلها لله. فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (أفلا آذنتموني؟ أفلا آذنتموني؟ ثم طلب من أصحابه أن يدلوه على قبرها، ثم جاء إلى قبرها، فصلى عليه صلوات الله وسلامه عليه -صلى عليها صلاة الجنازة- ثم قال: إن هذه القبور مليئة بالظلمة على أهلها، وإن الله عز وجل منورها لهم بصلاتي عليهم) رواه البخاري ومسلم. فالظلمة موجودة في القبر؛ وسبب الظلمة ما يكتسبه الإنسان من دخان المعاصي في الدنيا، فمن يعيش في بيته على دخان المعاصي يعيش في دخانها هناك، وفي ظلمتها في القبر، وعلى الصراط، وفي دار الظلمات، يوم أن ينادي أهل الإيمان ويقول: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً} [الحديد:13] من أراد النور فعليه بالتعبئة من الآن من محطات النور وأماكن الطاعات، فالطاعة نور والمعصية ظلام -أعاذنا الله وإياكم من ذلك- هذه ظلمته!

ضمة القبر وضغطته

ضمة القبر وضغطته ضمة القبر ثبتت بالأحاديث الصحيحة، وثبتت مع من كان من أكابر الصحابة، والذي شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة، واهتز له عرش الرحمان، ونزل سبعون ألف ملك يشيعون روحه، وأيضاً مات شهيداً في سبيل الله، والشهداء في المراتب التي تلي مراتب الأنبياء، وبالرغم من هذا ضغطه القبر. والعلماء يحققون في هذا، يقول الإمام الذهبي: وليست ضغطة القبر التي تعرض لها سعد بن معاذ رضي الله عنه من عذاب القبر في شيء؛ لأنه مشهود له بالجنة، ومن أهل الجنة، فلا يتصور أن يضغطه القبر عذاباً، ولكن قالوا: إن ضغطة القبر وألم الضغطة الذي تعرض لها سعد، وسوف يتعرض لها كل إنسان، هي من نوع الألم الذي يجده الإنسان عند الموت مثل الحشرجة، والألم الذي يجده الإنسان عند المرض والجوع ووخز الإبرة، هذه كلها آلام تأتي للجسد.

قصة إسلام سعد وجوانب من سيرته

قصة إسلام سعد وجوانب من سيرته إذا وضع المؤمن في القبر، وفي الظلمة يحصل له ضمة، لكنها ليست عذاباً، إذ أن سعداً ليس من أهل العذاب، فهو مشهود له بالجنة، ومن السابقين إلى الإسلام، ومن كبار الصحابة، وأسلم مع السابقين، وكان إسلامه فتحاً ونصراً للإسلام والمسلمين؛ لأنه أسلم على يد مصعب بن عمير، وكان مصعب بن عمير أول سفير يرسله الرسول صلى الله عليه وسلم للدعوة إلى الله، فأرسله إلى المدينة، وجلس يعلم بعض رجالها، فلما سمع سعد بن معاذ به أرسل إليه أسيد بن حضير، قال: أسكته، فإن سكت وإلا فأت برأسه -ليس عندهم لعب- فذهب إليه، فقال له: اسكت، قال: اسمع ما نقول: فإن أعجبك وإلا كففنا عنك، قال: لقد أنصفت، فقرأ عليه من القرآن، فلما انتهى، قال: ماذا يقول من يريد أن يدخل في دينكم؟ قال: يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم قال: إني ذاهب إلى زعيم القوم، فاصدق الله فيه فإنه إن يُسلِم تُسلم المدينة كلها، يقول: أي ادعو الله أن يهديه، أدعوه بإخلاص وبيقين وبصدق. فذهب إلى سعد بن معاذ وقال له اذهب أسكته أنت، فغضب سعد، وكأنه استشف أن مصعباً رفض أنه يسكت، فأخذ حربته وسيفه وقدم على مصعب يريد قتله، فقال له: تسفه الأحلام وتغوي الأبناء، اسكت، قال له: يا هذا اسمع ما نقول، فإن أعجبك ما نقول وإلا كفننا عنك -وكانوا عقلاء، عندهم إنصاف- قال له: لقد أنصفت، فجلس عنده، وسمع منه ما سمع من القرآن الكريم، فقال: ماذا يفعل من يريد أن يدخل في دينكم؟ قال: يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم رجع، ثم جاء إلى قومه قال: ما أنا فيكم؟ قالوا: أنت سيدنا وابن سيدنا، وخيرنا وابن خيرنا، قال: فكلامكم وطعامكم وشرابكم عليّ حرام إن لم تأمنوا بمثل ما آمنت به، فما أمسى بيت من بيوت عبد الأشهل إلا وقد دخله الإسلام في تلك الليلة. هذا إنسان عظيم من كبار الصحابة، كان في الجاهلية صديقاً لـ أمية بن خلف، وكان أمية بن خلف زعيم الكفار وصنديداً من صناديدهم، إذا ذهب إلى الشام يمر على المدينة فيجلس عند سعد؛ لأنه زعيم الأوس، وكان إذا اعتمر سعد بن معاذ أو ذهب إلى مكة لزيارة الحرم والطواف بالبيت على طريقة الجاهليين يجلس عند أمية، فبعد أن أسلم سعد ذهب إلى مكة ليعتمر، ونزل عند أمية صديقه، فلما نزل عنده قال: ما جاء بك؟ قال: جئت معتمراً، قال: اجلس حتى يضحي النهار ويخف الناس -يقول: ما أريد أن تطوف وأنا معك ويعرفون أنك قد آويت الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتأتي هكذا آمناً، اترك الناس يذهبون وبعد ذلك نطوف أي: نطوف خفية- قال: لا. بل أطوف، وذهب يطوف، وبينما هو يطوف رآه أبو جهل -عليه من الله ما يستحق- فجاء إليه وأمسكه -ولكن سعداً بطل- قال له: أتطوف آمناً وقد آويت من آويت -تطوف ببيتنا وبيت الله وفي مكاننا وأنت آمن- قال: اسكت، والله لئن منعتني لأقطعن عليك التجارة من الشام فلا يمر لكم جمل من عندي -قول وفعل فقال أمية بن خلف لرفيقه سعد: لا ترفع صوتك على أبي الحكم فإنه سيد الوادي. ولما جاءت غزوة بدر وخرج كفار قريش لمحاربة الله ورسوله، خرجوا بحدهم وحديدهم وقضهم وقضيضهم، وقالوا: بعد أن سمعوا أن القافلة قد نجت، قالوا: والله ما نرجع حتى ننحر الجزور، ونشرب الخمر ونستأصل شأفة محمد، وتعلم العرب عنا، وترقص القيان بين أيدينا على بدر؛ لأنهم علموا أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد خيم على بدر فقام أمية وجاء إلى أبي جهل -لأنهم رفقاء- قال له: أريد منك أن تسمح لي قال: يا أمية! ماذا يقول الناس وأنت من رجال القوم وصناديدهم، ولكن اخرج معنا يوماً أو يومين، ثم ارجع، فخرج معهم، ولكنه لم يرجع؛ فقد قتله صحابة صلى الله عليه وسلم يوم بدر.

شجاعة سعد

شجاعة سعد هذا سعد بن معاذ رجل عظيم، فقبل معركة بدر صف رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيش، وكان عليه الصلاة والسلام قد بايع الصحابة من الأنصار أنهم يمنعونه مما يمنعون منه نساءهم وأموالهم وأنفسهم، وما بايعهم على أن يغزو بهم الناس، وقد قالوا هم: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل، فخشي في ذلك اليوم ألا يلتزموا بشيء؛ لأنه ليس في رقابهم بيعة على المقاتلة. فقال: (أيها الناس أشيروا عليّ، فقام المهاجرون وقالوا: نحن معك يا رسول الله! قال: أيها الناس أشيروا عليّ ثلاث مرات، فقام سعد البطل وكان رجلاً طويل القامة أبيض الوجه جميل المحيا، قال: كأنك تعنينا يا رسول الله! قال: نعم. قال: والله ما نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إن هاهنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا فإنا معكما مقاتلون، ولقد علمت العرب أننا لصدق في الحرب، صبر عند اللقاء، وليرينك الله منا ما تقر به عينك). أشهد بالله أنه بطل، ثم قال: (والله لئن خضت بنا البحر لخضناه معك، ما تخلف منا رجل) وفعلاً كانوا صدق في الحرب لا يعرفون الرجوع إلى الوراء. هذا سعد بن معاذ رضي الله عنه لما كان في يوم الخندق، وكانت عليه درعه، والدرع من حديد، الدروع كانت تصنع من الحديد وهي حلق، وأول من صنعها داود، والله قال له: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ} [سبأ:11] سابغات: أي دروع كاسية، تسبغ الإنسان وتغطيه {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ:11] أي: ضيق في الحلق؛ لأنه كلما كانت الحلق أضيق كان الدرع أقوى، لكن عندما تكون الحلق متباعدة يمكن أن يدخل من هذه الحلقة أي شيء، وهذه من حكمة الصنعة التي علم الله نبيه داود عليه السلام: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} [سبأ:11]. فكان عليه درع، وخرج منه يمينه؛ لأنه كان طويلاً، فوقع فيه سهم فقطع أكحله -الأكحل العرق- فدعا الله تبارك وتعالى، فقال: [اللهم إن كنت قد أبقيت من قتال أعدائك قريش شيئاً فلا تمتني حتى أقاتلهم، ثم قال: ولا تمتني حتى تحكمني في قريظة] ويهود قريظة في غزوة الأحزاب نقضوا العهد، وخالفوا الأوامر، فلما انتهت المعركة وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينهي المعركة، جاء جبريل، قال: إن الملائكة ما وضعوا السلاح، أنتم انتهيتم من الكفار والأحزاب، لكن بقي المنافقون واليهود الذين تخلفوا ونقضوا العهد. فلبس عليه الصلاة والسلام سلاحه وقال عليه الصلاة والسلام للصحابة: (لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة) فمشى الصحابة كلهم، منهم من صلى في بني قريظة تبعاً للأمر، ومنهم من أدركته الصلاة قبل بني قريظة فصلى في وقته، وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم كلهم على فقههم واجتهادهم، وبعد ذلك قبض على الرجال من اليهود من بني قريظة، وبعد ذلك قال: (اختاروا حكماً) قالوا: نحكم سعداً، وكان سعد حليفهم في الجاهلية، فظنوا أن حكم سعد سيكون خفيفاً؛ لأنه حليف، والحلف في العرب معروف أنه رابطة قوية، لكن جاءت رابطة الدين فنقضت كل رابطة، ولم تبق إلا رابطة الدين فقط. فقال سعد لما جاءوا به وكان يعالج في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في خيمة قد نصبت له في المسجد، وكان يعالجه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أشرف جرحه على الاندمال، فجاءوا به على حمار حتى أدخلوه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بني قريظة، قال: (هذه قريظة تريد أن تحكمك فاحكم فيها بحكمك) -احكم فنحن نازلون على حكمك وهم راضون بحكمك- قالوا له: يا سعد أنت حليفنا ورفيقنا ونحن قبلنا حكمك، قال: قبلتم حكمي، قالوا: نعم. قال: [لقد آن لـ سعد ألا تأخذه في الله لومة لائم]، اللهم صلِّ وسلم على رسول الله. انظروا الطراز العظيم، لا تأخذه في الله لومة لائم (إني أحكم بقتل رجالهم، وسبي أموالهم وذراريهم -الله أكبر! - قال صلى الله عليه وسلم: لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع سموات) ثم حفر الحفر وجاء بالجلادين، وأتوا بهم واحداً واحداً، حتى خرج حيي بن أخطب، خرج وكان زعيمهم وعليه ثوب جميل، وبردة حرير، فخرق الثوب كله قالوا له: لماذا؟ قال: لا أريد أن يلبسوه بعد قتلي لا يريد أن يلبس المسلمون ثوبه بعد قتله، وقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك فجر الله أكحل سعد، بعد ما أكمل الحكم ومات شهيداً رضي الله عنه وأرضاه.

ضمة القبر لسعد

ضمة القبر لسعد هذا الصحابي الجليل، ضمه القبر، يقول: لا ينجو من ضمة القبر أحد، صالحاً كان أو طالحاً، فلقد جاء الحديث: أن القبر ضم سعد بن معاذ رضي الله عنه، وهو الذي اهتز لموته واهتز عرش الرحمن، وفتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألفاً من الملائكة، لما دخل عليه الصلاة والسلام المسجد يريد أن يصلي عليه أخذ حذاءه وجعلها في يده وجعل يتوكأ في الأرض، كأنه يتوقى مع أنه، لا يوجد أحد أمامه، قالوا: ما بك يا رسول الله! قال: إني أرفع رجلي عن أجنحة الملائكة، الآن سبعون ألف ملك نزلوا من السماء يشيعون جنازته، عظيم هذا الرجل، وبالرغم من هذا ضمه القبر، رضي الله عنه وأرضاه. روى النسائي في سننه بسند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا الذي تحرك له عرش الرحمن، وفتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألفاً من الملائكة، لقد ضم ضمة ثم فرج عنه). وفي مسند الإمام أحمد عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن للقبر ضغطة لو كان أحد ناجياً منها لنجا منها سعد). وعند الطبراني في الكبير والأوسط عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو نجا أحد من القبر لنجا سعد بن معاذ، ولقد ضمه ضمة ثم فرج عنه) هذا الحديث رواه أيضاً السيوطي في جامعه وقال: إسناده صحيح. ومما يدل على أن ضمة القبر لازمة لكل إنسان، حتى الصبيان الصغار لا ينجون منها، ما رواه الطبراني عن أبي أيوب الأنصاري بإسناد صحيح، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو أفلت من ضمة القبر أحد لنجا منها هذا الصبي) صبي دُفن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وقد قلت لكم: إن هذا الأمر لا يعتبر من عذاب القبر، وإنما هو شيء من الآلام التي تحدث للإنسان بحكم طبيعته، وبحكم تكوينه البشري. وقد أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم جبة -والحديث في البخاري ومسلم، والجبة هذه من سندس- أعجب بها الناس، يعني: شيء ما تعوده أبداً، فقال: (تعجبون من هذا، والذي نفسي بيده لمناديل سعد في الجنة أعظم منها) يعني: ومناديله وكسوته في الجنة أعظم من هذا الذي تعجبون منه، والحديث صحيح رواه البخاري ومسلم.

فتنة القبر

فتنة القبر أما كيف تكون فتنة القبر؟ وما هي الكيفية التي تأتي بها هذه الفتنة؟

حال المؤمن عند فتنة القبر

حال المؤمن عند فتنة القبر ذكرت الأحاديث الصحيحة كيفيتها: وهو أن الميت إذا وضع في قبره جاءته الملائكة على صورة منكرة، في سنن الترمذي قال: (إذا قبر الميت جاءه ملكان أسودان أزرقان) يقول المحققون: كيف يكون أسود وأزرق؟ هذه من الأشياء المتضادة، الأسود لا يكون أزرق، والأزرق لا يكون أسود، قالوا: أسودان في خلقتهما ووجوههما، وأزرقان في عيونهما، زرقة العين في بياض الوجه جمال، لكن زرقة العين مع سواد الوجه فيها تخويف، ولذا (أزرقان أسودان، يقال لأحدهما منكر والآخر نكير، فيقولان للإنسان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ -يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم- فيقول إذا كان مؤمناً: هو عبد الله ورسوله) أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، اللهم ثبتنا يا رب بالقول الثابت في الدنيا والآخرة. وإن كان منافقاً لا يعرف الرسول؛ لأن المنافق يعرف الرسول معرفة سطحية، والذي يعرف الرسول صلى الله عليه وسلم معرفة سطحية لا تبقى، والذي يعرف الرسول صلى الله عليه وسلم معرفة عملية باتباع هديه، والعض على سنته، والتمسك بطريقته، هذا هو الذي يلهمه الله حجته، أما الذي يعرف الرسول وهو ضد سننه، لا يقيم لله أمراً، ولا لرسول الله سنة ولا وزناً، هذا لا يعرف الرسول صلى الله عليه وسلم. قال: (وإن كان منافقاً أو فاجراً قال: سمعت الناس يقولون قولاً فقلته، لا أدري) هذا رواه الترمذي في كتاب الجنائز وقال: حديث حسن، وقد رمز له الشيخ محمد الألباني في كتابه وتصحيحه للجامع، قال: بأنه حسن. وأيضاً جاء في الحديث الذي يرويه البراء بن عازب رضي الله عنه؛ والبراء صحابي جليل، من كبار الفقهاء والمحدثين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى أكثر من ثلاثمائة وستة أحاديث، وكان قد شهد الغزوات كلها إلا بدراً فإنه اسْتُصْغِر، أي: ما أذن له؛ لأنه كان صغيراً، ففي معركة بدر خرج حتى الصبيان، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم يراهم، رأى أنهم أولاد أعمارهم أربع عشرة أو ثلاث عشرة سنة فردهم، فكان البراء وابن عمر وسمرة بن جندب ممن كانوا عند الرسول يرى رءوسهم، كان الواحد يقف على أطراف أصابعه ويتطاول؛ من أجل أن يأذن له الرسول في الخروج لا ليذهب إلى الملاهي والألعاب، بل يتطاول من أجل أن يذهب لكي تضرب رقبته بالسيف، أو يموت، لأنه يريد الجنة، فاستصغره النبي صلى الله عليه وسلم ورده يوم بدر، رضي الله عنه وأرضاه. هذا البراء بن عازب له حديث عظيم، حديث رواه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه، وهو صحيح قال: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار)، والحديث طويل جداً نأخذ منه الشاهد وهو: (فيأتيه ملكان شديدا الانتهار) والانتهار: هو شدة القول، وهو دائماً شأن كل محقق، فأي شخص يحقق في قضية مع أي متهم لا يقدم له السؤال بالصيغة الطيبة، فيقول له: يا (أفندي)! يا (طويل العمر)! يا (سعادة الأستاذ)! نريد أن تقدم رأيك في هذا الموضوع، هل يقول له ذلك؟ لا. بل ينتهره، لماذا؟ لأنه متهم بقضية حتى تثبت براءته أو إدانته، ولذلك المحققون في القبر ينتهرون المحَقَّق معه: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ انتهار شديد، وليس انتهار ضابط، ولا عسكري، ولا مفتش مثلك، بل انتهار مَلَكٍ شديد قوي أسود أزرق، صوته قوي، وأنت عارٍ، ضعيف، فقير، ليس معك مال، ولا سلطان، ما معك أحد في تلك الحفرة، وفي قبر ضيق، وظلمة، وهذا أمامك. لا إله إلا الله ما أعظم القبر أيها الإخوة!! قال: (فيجلسانه ويقولان له: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟) وهي آخر فتنة، تعرض على المؤمن، وآخر شيء يوجه للمؤمن هذه الفتنة، فتنة المؤمن عند حشرجة الموت وعند ضغطة القبر؛ لأن الملائكة لا يعلمون الغيب حتى يعاملونه معاملة حسنة، فهم يسألونك كأي شخص من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ فإذا قلت: ربي الله، ديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، كشفت عن هويتك، بينت أسلوبك، أخرجت شهادتك، بعد ذلك لا فتنة عليك إلى يوم القيامة، فقط يقولون لك: (على هذا عشت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله، وينادي منادٍ من السماء: صدق عبدي، فافرشوا له من الجنة، وافتحوا له إلى الجنة). فذلك حين يقول الله عز وجل: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] قال: (فإن كان مؤمناً قال: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، فينادي منادٍ من السماء: أن صدق عبدي).

حال الكافر عند فتنة القبر

حال الكافر عند فتنة القبر قال: (وأما العبد الفاجر، الكافر، والمنافق) العاصي الهارب عن الله، الذي لا يعرف الله ولا رسول الله، ولا الإسلام، إنما يعرف الهوى، والغناء، والزنا، واللعب، واللهو، والأفلام، والمسرحيات، ومتابعة الفتيات، والمكالمات، والمعاكسات، يعيش عبداً لشيطانه وشهواته، هذا ماذا يقول؟ يقول: (هاه)، (يقال له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري). لقد كان نائماً، واستيقظ الآن، ما استيقظ إلا في القبر، (فتقول له الملائكة: لا دريت ولا تليت)، أي: تدعو عليه: جعلك الله لا تدري! قال: (فينادي مناد من السماء: أن كذب عبدي) فإنه يدري، بلغته الحجة، لكنه كذاب مماطل دجال، عبد للشيطان (كذب عبدي، فافرشوا له من النار، وافتحوا له باباً من النار، فيأتيه من حرها وسمومها حتى تقوم الساعة) نعوذ بالله وإياكم من ذلك! وعن أنس رضي الله عنه، والحديث أيضاً في صحيح البخاري وصحيح مسلم ورواه أبو داود في السنن والنسائي يقول عليه الصلاة والسلام: (إن العبد إذا وضع في قبره تولى عنه أصحابه -أي: آخر من يدفنه- وإنه ليسمع قرع نعالهم) أي: أرجلهم وهم راجعون يسمعها الميت، وسوف أسمعها وتسمعها أنت ويسمعها كل واحد منكم في القبر، هذا الحديث صحيح. وفي صحيح البخاري وصحيح مسلم (إن الميت إذا وضع في قبره، وتولى عنه أصحابه سمع قرع نعالهم إذا انصرفوا، وأتاه ملكان فيقعدانه ويقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل -محمد- فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، وأما الكافر والمنافق -وفي رواية: وأما المنافق والكافر- فيقول: لا أدري لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس فيه، فيقال: لا دريت ولا تليت) يروي هذا الحديث أنس بن مالك رضي الله عنه. وأنس هذا صحابي جليل رضي الله عنه، وهو خادم الرسول، وقريب الرسول لأمه، وتلميذ النبي صلى الله عليه وسلم، تتلمذ على يديه عشر سنوات، وهو آخر من مات من الصحابة رضي الله عنه، أمه أم سليم بنت ملحان رضي الله عنها وأرضاها، جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: (يا رسول الله! إني أعطيك هذا خادماً لك، ولكن ادع له، فدعا له وقال: اللهم أطل عمره، وأكثر ماله وولده) فأطال الله عمره حتى بلغ عمره مائة وثلاث سنوات، وأكثر الله أولاده حتى خرج من صلبه مائة وستة ولد، جيش من صلبه بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وكثر الله ماله، حتى كانت بساتين الكرم -العنب- والنخيل تثمر في السنة مرتين، وجميع ثمار الأرض كلها تثمر مرة واحدة في السنة، إلا نخيل وعنب أنس، وفي يوم من الأيام رضي الله عنه جاءه عامله في بستانه فقال له: إن بستانك قد أقحل وليس فيه ماء، فنظر إلى السماء وكان في يوم صيف قائظ، والشمس في وسط النهار، فدعا الله عز وجل أن يمطره، يقول: فثار السحاب في وسط السماء، ثم جاءت على مزرعته، فأمطرتها حتى ملأتها، يقول: ثم لما جاء وأخبروه، قال: انظروا هل تجاوزتها، قالوا: والله ما تجاوزت حدودها، وسقيت المزرعة كاملة ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل العظيم، ويقول: [منذ موت النبي صلى الله عليه وسلم ما نمت ليلة إلا رأيته فيها] عظيم هذا الرجل، نحن ما نرى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا نعتبره حرماناً، لماذا؟ لأن الشيطان لا يتمثل بالنبي صلى الله عليه وسلم، ومن رآه في المنام فقد رآه حقاً، لقد كان يحب الرسول ويعيش مع النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: [ما نمت ليلة إلا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها بالمنام] رضي الله عنه وأرضاه، هو راوي هذا الحديث، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم في أول أمره أن القبور فيها فتنة، وأن الأمة تفتن في قبورها، ثم أوحى الله له بهذا العلم.

فتنة الأمة في قبورها

فتنة الأمة في قبورها حدث عروة بن الزبير، وعروة هذا أيضاً من خيار التابعين، ليس صحابياً؛ لأنه لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن من كرامته أن تعلم عليه بعض الصحابة، وكان أحد فقهاء المدينة السبعة، وكان عالماً عظيماً من علماء المسلمين، وأيضاً كان يتتلمذ على خالته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، فإن أباه الزبير بن العوام حواري الرسول صلى الله عليه وسلم، وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها ذات النطاقين، فهو كريم المحفد من الأم والأب، جده أبو بكر لأمه، وأبوه الزبير بن العوام رضي الله عنه، فهذا رجل عظيم في ثقافته وفي فكره، وقد روى كثيراً من الأحاديث، وكان من أشهر عباد الله عز وجل، كان يقول: [ما تركت ربع القرآن ليلة -كل ليلة يقرأ سبعة أجزاء ونصف- إلا ليلة قطعت رجلي فلم أستطع] كيف قطعت رجله؟ قطعت رجله بعد أن دبت فيها الآكلة، وهو داء يأكل العظام، فنصح بقطعها من أسفلها فأبى، قال: ما أريد أن تقبر رجلي لوحدها، فلما وصلت إلى ركبته قالوا له: إن لم تقطعها فسوف تتجاوز إلى أكثر من ذلك، فأشار إليه الخليفة أن يقطعها، فوافق على قطعها، وكيف قطعها؟ قالوا له: نريد أن نسقيك مسكراً -وهو المخدر- قال: لا. إني أحتسب على الله ألمها كما أحتسب فقدها، يقول: أحتسب فقدها، ولكن تفقد مني بألم أحتسبه عند الله، فجيء إليه بالسكين وقطع اللحم، ثم جيء إليه بالمنشار فنشر العظم، ثم انتهوا منها وجاءوا بالسمن المحمي ووضعت رجله فيه حتى لا ينزف دمه فيموت، ثم قال: وقد رفع رأسه إلى السماء: [اللهم إنك ابتليت فعافيت، وأخذت وأبقيت، جعلت لي أربعة أطراف وأخذت منها واحداً وبقي ثلاثة] رضي الله عنهم وأرضاهم. هذا التابعي الجليل العظيم لما نظر إلى رجله في الطست بعدما وضعوها رفع نظره إلى السماء وقال: [اللهم إنك تعلم أنها ما حملتني إلى معصية قط] يقول: والله ما حملتني إلا إلى طاعة الله عز وجل، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، إنه رجل عظيم ولكن ابتلاه الله سبحانه وتعالى بها ولكنه يحتسبها عند الله، وستكون سابقة له عند الله عز وجل، أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا وإياكم من أتباع رسوله صلى الله عليه وسلم. هذا عروة بن الزبير يحدث حديثاً، والحديث صحيح عن خالته عائشة رضي الله عنها، قالت: (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي امرأة من اليهود، وهي تقول: هل شعرتم أنكم تفتنون في قبوركم؟ فارتاع الرسول صلى الله عليه وسلم وهي تقول ذلك، وقال: إنما تفتن يهود -يقول: الفتنة ما هي للمسلمين، تفتن يهود فقط- قالت: عائشة فلبثنا ليالي بعدها، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه قد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور، قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يستعيذ بالله كثيراً من عذاب القبر) هذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه، لقد كان لا يعلم قبل ذلك أنه تفتن الأمة في قبورها، ولكن أوحي إليه بعد ذلك أنه تفتن الأمة في قبورها، فكان يستعيذ بالله من عذاب القبر أعاذنا الله وإياكم من عذاب القبر! والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الشيشة

حكم الشيشة Q تكلمت في بعض المحاضرات عن التدخين ولكنك لم تتطرق إلى الشيشة وهي أخبث من السيجارة، وبعض المشيشين يقولون: إن الشيشة ليست في حكم السيجارة؛ لأنها أخف منها، فما الحكم فيها؟ A بل الشيشة أفظع -والعياذ بالله- وأنجس، ولكن الشيشة هذه هل تدرون من أين تصنع؟ هذه الشيشة طبعاً كما يقول الشيخ حافظ الحكمي وهو يصفها، يقول: كذاك معشوقة الشيطان قد نصبت بها فخاخ لأرباب الجهالات وبعد ذلك يقول إنهم يتغنون فيها يقولون: إنها جميلة: من أي وجه أتاها الحسن لقد أخطأ الطريق إليها في المرادات من حسن لمتها في طول قامتها من ذلك الحبل مطوياً بليات يقول: مثل البغي الزانية التي تقبل من ألف فم، أعوذ بالله من هذه المهزلة، هذا (الجراك) الذي يوضع فيها أصله فضلات الفواكه، الموز والتفاح والبرتقال الذي يرمى عندنا في الزبالة يجمع هناك في بعض البلاد، وبعد ذلك يوضع في مصاهر، ويضاف إليه عروق التبغ وبعض أشجار الدخان تضاف إليه، ثم يصهر إلى درجة حرارية قوية جداً حتى يسود، ثم يجمع في أواني وعلب، ويكتب عليها (باز بيد)، و (بال بيد)، ويأتي إلى بلدنا يشترونها بأربعين ريالاً وبثلاثين ريالاً، علبة الطحينية بخمسة ريالات وعلبة هذا الأسود الخبيث بثلاثين، هذه مصيبة ولا حول ولا قوة إلا بالله! فهذه الشيشة خبيثة، والمسلم منزه عن الخبث والخبائث، والله يقول: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157].

حكم كشف المرأة لوجهها

حكم كشف المرأة لوجهها Q هناك كثير من الناس الفضلاء والذين نعدهم من الصالحين ونحسبهم والله حسيبهم، يسمحون لزوجاتهم بكشف الوجه إذا ركبوا في السيارة، وتبقى امرأته معه حاسرة الوجه، بل ربما حاسرة الرأس، مما يولد في القلب شيئاً من الاستحقار لهذا الشخص، كيف يرضى بذلك وهو يعرف أن الأدلة على تحريم ذلك كالشمس في رابعة النهار؟ A نعم. بعض الإخوة يتساهل في هذا الأمر، ويكشف وجه زوجته في سيارته، ومعروف أن وجه الزوجة هو مجمع الفتنة، وهو عنصر وجماع كل شيء؛ لأنه من المعروف أن المرأة تغطي وجهها منذ زمن بعيد، فالحجاب حجاب الوجه؛ لأن الوجه مجمع الزينة: فيه العين، والأنف والشفتان، والأسنان، والخدان، وكل شيء في الوجه، ولذا إذا أردت أن تتزوج بامرأة، ماذا ترى فيها؟ تنظر إلى وجهها، فإذا أعجبك وجهها زال كل شيء، فالإنسان زينته في وجهه، فالله أمر بتغطية الوجه؛ لأنه قال: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} فلا يضرب الخمار على الجيب إلا مروراً بالوجه، والله عز وجل يقول: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31] نهى الله المرأة أن تضرب برجلها حتى لا تفتن، فكيف يسمح لها بأن تكشف وجهها، والأدلة الصريحة الصحيحة من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ترد قول من يقول بكشف الوجه، ولا دليل معهم إلا دليل ضعيف لا يحتج به وإما منسوخ، ومن أراد المزيد في المسألة والتحقيق فليقرأ كتاب أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ محمد الأمين الشنقيطي، عند الكلام على قول الله عز وجل: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31] تكلم هناك على كلمة (ما ظهر منها) وما المقصود بها، وبين أن الزينة التي عفي عنها هي الزينة المكتسبة؛ لأن الله قال: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31] والضمير عائد على أقرب مذكور كما هو معروف في اللغة، وأقرب مذكور هنا الزينة، والزينة قسمان: زينة مكتسبة، وزينة خلقية، زينة يضيفها الإنسان، وزينة خلقها الله فيه، نرجع إلى كلمة الزينة في القرآن كله، نجد أن القرآن استعمل كلمة الزينة في الزينة المكتسبة، قال الله في قارون: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} [القصص:79] أي في هيلمانه ورجاله، وما أضيف حوله، والزينة في القرآن كلها مقصود بها الزينة الخلقية، فالله عفا عن المرأة {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور:31] لا تبدي زينتها {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31] أي: إذا لبست عباءتها، وخرجت منتقلة من بيتها إلى بيت جارتها، أو عملها، أو مدرستها، أو أي شيء، ورغم هذا ففيه فتنة. أما ترون المرأة إذا مرت وهي متغطية من رأسها إلى قدمها، لكن الشيطان يفتن بها، ولكن هذا أمر خارج عن إرادتها، فماذا تفعل؟ هل تدفن نفسها في الرمل، أم تتخذ نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء، قال الله: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31] هذا هو المعفو عنه.

حكم (الشرعة) للعروس

حكم (الشرعة) للعروس Q يوجد عندنا جيران عندهم زواج بعد أيام، ويسألون عن حكم الشرعة؟ A ( الشرعة) شرعها الشيطان، واستجاب لها أتباعه، وهي لباس فضفاض كبير أبيض، وفوقه مثل سنم البعير، وتأتي واحدة تقعد تزينها من الصباح، يسمونها (المصففة) أو (الممكيجة)، تقعد (تصفصفها) من الصباح ولا تصلي ظهراً ولا عصراً ولا مغرباً ولا عشاء، فتخرج كأن حملاً فوق رأسها، وتأتي تركب بالسيارة، ويرخون المقعدة حتى لا تدق رأسها بالسقف، ثم يضيئون السيارة من هنا ومن هنا، وإشارات وأضواء، ويجمع العريس أصحابه، ويطوف بالناس يُريهم امرأته! فهذا تافه سافل لا قيمة له، إنما الزواج ستر وليس فضيحة. إذا تزوجت يا أخي اجعل زوجتك تلبس ثيابها الشرعية، وتخرج من بيت أهلها إلى بيتك معززة مكرمة بظلمة الليل ولا يرافقها أحد إلى بيتك وأدخلها في سترك، أما أن تفعل بها مظاهرة، وتعلن الاستنفار للناس من أجل أن يخرجوا وينظروا إلى امرأتك، هذا عيب والله! وأنا والله إذا رأيت من هذا المنظر أتقزز، ولا أعتبر من يفعله من الرجال، فلو كان فيه ذرة من الرجولة ما عمل مثل هذا العمل المنكر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

كيفية معرفة التقوى

كيفية معرفة التقوى Q يقول الله: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27] فكيف يعرف الإنسان أنه من المتقين حتى يسير في طريقهم؟ A تعرف أنك من المتقين بثلاثة أمور: الأمر الأول: فعل أوامر الله. والأمر الثاني: ترك ما نهى الله. والأمر الثالث: تصديق أخبار الله. فتصير بهذا من المتقين. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عقيدة أهل السنة والجماعة

عقيدة أهل السنة والجماعة تحدث الشيخ في هذا الدرس عن أسئلة مهمة، وقد أفرد هذا الدرس للإجابة عن بعضها، فكان السؤال الأول عن عقيدة أهل السنة والجماعة فأجاب مبيناً مجمل عقيدتهم، وأن منها: وحدة الأمة، ووجوب الاعتصام بالوحيين على فهم السلف، وذكر أركان الإيمان، وعقيدتهم تجاه الصحابة، وولاة الأمر ثم أجاب عن أسئلة حول: الضوابط والآداب لخروج المرأة المسلمة من بيتها، والتعاون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعقوبة تارك الصلاة وغيرها.

مجمل عقيدة أهل السنة والجماعة

مجمل عقيدة أهل السنة والجماعة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الأحبة في الله: أولاً: أعتذر للإخوة الطلبة الذين يستعدون لأداء امتحانات الفصل الدراسي الأول من هذا العام، لوقوع المحاضرة في هذا الوقت المحرج، الذي هم فيه أحوج إلى الساعة أو الدقيقة لصرفها في الاستعداد للامتحان، ولكني أرجو الله الذي لا إله إلا هو أن يجعل في هذه الساعة التي يقضونها في طلب العلم عوناً لهم، وفتحاً في قلوبهم، وتهيئة لفهمهم على تلك العلوم التي ينتظرونها إن شاء الله؛ لأن التقوى من أعظم وسائل التوفيق في هذه الحياة، يقول الله عز وجل: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً} [الأنفال:29]. فأسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يفتح على إخواننا الطلاب مغاليق العلوم، وأن يوفقهم ويعينهم على أداء امتحاناتهم، وأن يكلل مساعيهم بالنجاح، إنه على كل شيء قدير. الأمر الثاني: في نهاية كل درس من الدروس الماضية كانت ترد مجموعة من الأسئلة، ولا نتمكن من الإجابة عليها لضيق الوقت، ووعدت الإخوة بأن نجيب عليها في إحدى الحلقات، وكان من المناسب أن تكون الإجابات في هذه الليلة إن شاء الله، خصوصاً الأسئلة ذات الصيغة العامة التي تنفع العموم، وليست مختصة بقضية شخصية، ومن أهمها وهي التي دفعتني إلى تخصيص حلقة للإجابة على هذه الأسئلة، سؤال مهم جاءني من بعض طلبة العلم الذين يجلسون في مجالس العلم ويتابعون المحاضرات والدروس، وأقرأ عليكم Q السؤال يقول: نحن طلبة علم نحرص على حضور المحاضرات وسماع الخطب ومتابعة الدروس، ونسمع عن الفرقة الناجية وعن أهل السنة والجماعة، وعن معتقد أهل السنة والجماعة، وعن أصول أهل السنة والجماعة، ولكنا نسمع هذا ولا نعرف شيئاً عنه، وإذا رجعنا إلى الكتب لم نجد فرصاً أو كتباً تعالج هذا الموضوع بشيء من الاختصار دون الإطالة، ونسمع عن الجماعات الإسلامية التي تعمل في الساحة، وأن كل جماعة تدّعي أنها هي الفرقة الناجية، وأنهم هم أهل السنة والجماعة، فهل من بيانٍ يكشف هذا اللبس، وهل من توضيحٍ لهذا الموضوع؟ A هذا السؤال -أيها الإخوة- مهم؛ لأن عدم الإدراك والإلمام به؛ قد يؤدي إلى وقوع الشاب وهو متدين وملتزم في الفرق الضالة وهو لا يدري، بينما هو يحب أن يسير في رضا الله، وأن يحقق طاعة الله، لكن إذا لم يعرف هذه الأصول والمعتقدات، معتقد أهل السنة والجماعة، معتقد الفرقة الناجية، ربما يقع بجهله وبعدم علمه وباندفاعه إلى الوقوع في الفرق الضالة وهو لا يدري، فقد يكون خارجياً أو قدرياً أو مرجئاً أو رافضياً وهو لا يدري. إذاً من هم أهل السنة والجماعة؟ ومن هم أهل الفرقة الناجية؟ وما أصولهم؟ وما معتقدهم؟ هناك شيءٌ مهم جداً ينبغي أن يعرفه الشاب حتى يسير على نور وهدىً وبصيرة، ولقد رجعت في بحث هذا الموضوع إلى كلام العلماء، واستطعت أن أخرج بزبدة الموضوع بشكل مختصر من غير إطالة، بما يكفي ويستوعبه طالب العلم؛ لأن طالب العلم المبتدئ لا يريد أن يُكثر عليه في المسائل، وإنما يكفيه من المسائل رءوس الأقلام التي تحفظ له عقيدته وتنور بصيرته ويستقيم بها على مذهب أهل الحق، مذهب أهل السنة والجماعة، مذهب الفرقة الناجية والطائفة المنصورة.

الالتزام بالوحدة العامة وفق الوحيين

الالتزام بالوحدة العامة وفق الوحيين أولاً: أمة الإسلام أمة واحدة، وربها واحد، ودينها واحد، ونبيها واحد، وكتابها واحد، يقول الله عز وجل: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:92] والمسمّي لهذه الأمّة بأمة الإسلام هو الله عز وجل: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج:78] فلا مسمَّى لهذه الأمّة غير هذا الاسم، ولا داعي للعاملين في ساحات الإسلام من أن يرفعوا لوحات أو شعارات بغير مسمّى الإسلام؛ لأن الانتماء إلى أي مسمّى والالتفاف حول أي شعار يلزم منه الولاء له وترك الولاء لغيره، وبالتالي تتشتت الأمّة وتتفرق، وإذا تفرقت فشلت؛ لأن الله قد أمرنا بالاعتصام وبأن نكون مجتمعين، يقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَق تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران:102 - 103] ويقول أيضاً: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46] ويقول: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام:159]. فلا سبيل -أيها الإخوة- إلى نصرة الإسلام عن طريق التشتت والتشرذم والتفرق، لا بد من الاجتماع على الحق، وما دامت هذه الجماعات تدّعي أنها كلها على مذهب أهل السنّة والجماعة فلمَ الفرقة ولمَ الخلاف؟ ولمَ التنازع؟ ولمَ الشتائم والسباب؟ ولمَ التفسيق والتبديع؟ ولمَ التجهيل؟ إن هذا كله من كيد الشيطان، ما دامت أمتنا واحدة، وربنا واحد، وكتابنا واحد، ومنهجنا واحد، وطريقنا واحد، فيجب أن نسير في هذا الخط، أما إن اختلفت الأساليب فقط، يعني: أنا أدعو إلى الله على منهج أهل السنّة والجماعة بأسلوب أرى أنه هو الذي ينفع الناس، ويأتي رجل آخر فيدعو إلى الله على مذهب أهل السنّة والجماعة لكن يرى أن أسلوبه هو أفضل من أسلوبي، ليعمل هو بأسلوبه وأعمل أنا بأسلوبي وذاك يعمل بأسلوبه، وفي النهاية نلتقي كلنا عند نقطة واحدة وهي: نصرة هذا الدين، فلا بأس في ذلك، أما أن أختلف معه في الرأي وفي الأسلوب، فيأخذ من الاختلاف في الأسلوب ذريعة إلى الاختلاف في المنهج والطريق، فهذا شر لا ينبغي أن يقع. أهل السنّة والجماعة هم الفرقة الناجية التي قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمّة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) هذا هو المنهج، فإذن جميع الفرق التي تنتمي إلى الإسلام، وتقول: إنها تعمل للإسلام، إن لم تكن على مثلما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ فإنها في النار. حسناً! كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف كان أصحابه؟ هاهو المنهج أمامنا: كتاب الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولقد شرع الله عز وجل للأمة وأمرها بالاعتصام، وشرَّع لها من العبادات ما يدعوها إلى الاعتصام، وما يؤهلها إلى الاجتماع، فما الصلوات الخمس، والجمعة، والحج، والعيدين؛ إلا طريقٌ من الطرق التي يهيئها الله عز وجل للاجتماع حتى لا تتفرق هذه الأمّة. وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بخبر الافتراق وتحقق، وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم، قال: (وستفترق هذه الأمّة) وتحقق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فافترقت الأمّة في أواخر عهد الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، بينما في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ما كانت هناك فرق أبداً، وفي عهد أبي بكر الصديق وعمر وعثمان ما كانت هناك فرق، وإنما كان كلهم معتصمين بالكتاب والسنّة، أما في عهد علي فقد بدأت الفتن تخرج أعناقها، وبدأت الصراعات تحصد، وخرجت فرقة اسمها الرافضة، وجاءت أخرى كردة فعل للرافضة اسمها الخوارج، فـ الرافضة تُؤَلِّهُ علياً، والخوارج تكفر علياً، فكانت ردة فعل! ثم جاءت الفرق من بعدهم، فجاءت القدرية، والمعتزلة، والأشعرية، كل هذه الفرق ضلت عن منهج الحق وعن منهج الكتاب والسنّة، وتحقق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وازداد هذا التفرق، فكلما بعدت الأمّة عن القرون المفضلة -قرن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والقرن الثاني، والثالث- كلما ازدادت الأمة تفرقاً، وتوسعت زاوية الانفراج والبعد عن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، وعن هدي أصحابه رضوان الله عليهم؛ وكثرت النحل وتعددت الملل، وكثرت المذاهب الباطلة. ولكن بقيت الفرقة الناجية والطائفة المنصورة المتمسكة بالإسلام الصحيح تدعو إلى الله، ولا تزال ولن تزال بحمد الله مستمرة صادقة حتى يأتي وعد الله عز وجل. هذه الفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة، وهم الذين على الكتاب والسنّة، على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وتتميز هذه الفرقة بميزة غير موجودة في جميع الفرق، وهو الذي جعلنا نجزم بأنها هي الفرقة الناجية، هذه الميزة هي: الاعتصام بالكتاب والسنّة وبالاجتماع وعدم التفرق، هذه ميزتهم: أنهم يقفون عند النص، فإذا سمعوا: قال الله! صدروا عنه، فإذا لم يجدوا في كتاب الله رجعوا إلى السنّة: قال رسول الله، فأخذوا بها، فإذا لم يجدوا من السنّة نظروا فيما قال السلف، ثم ما أجمعت عليه الأمّة وأخذوا به. هؤلاء الذين يأخذون أحكام الله من هذه المصادر ويقفون عندها، هم أهل السنة والجماعة، بخلاف الفرق والملل والنحل الأخرى الذين يقدمون الآراء على كتاب الله، فإن وافق القرآن معتقدهم أخذوا به، وإن عارضه أَوَّلُوْه، وإن وافقت السنّة معتقدهم أخذوا بها، وإن خالفته أبطلوها، وقالوا: هذه أحاديث غير صحيحة، وهي صحيحة لكنها تخالف ما يعتقدون. إذن الذي يرجعون إليه ليس الكتاب ولا السنّة، وإنما ملتهم نحلتهم فرقتهم مذهبهم إذاً ليسوا هم الفرقة الناجية، فالفرقة الناجية هي من تقف عند كلام الله وعند سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعند التطبيق المثالي الصحيح للكتاب والسنّة، وهم: الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اعتقاد أهل السنة في أركان الإيمان الستة

اعتقاد أهل السنة في أركان الإيمان الستة وهذه الفرقة فرقة أهل السنة والجماعة لها ثوابت ومعتقدات وأصول يسيرون عليها، ويدعون إليها في العقيدة والعبادة والسلوك، وكلها مدعَّمة ومُدللٌ عليها من كتاب الله، ومن سنّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته رضوان الله عليهم، وهذه الأصول يمكن جمعها فيما يلي، وسوف أذكرها لكم باختصار إن شاء الله:

الإيمان بالله وترسيخ توحيد الربوبية

الإيمان بالله وترسيخ توحيد الربوبية أولاً: الإيمان بالله. هذا أصل من أصول أهل السنة والجماعة، ويقتضي الإقرار بأنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات. توحيد الربوبية: هو توحيد الله بفعله، وفعله مثل: الخلق والرزق، والإحياء والإماتة، والضر والنفع، والخفض والرفع، والبسط والمنع، كل هذه من أفعال الله، فهو الذي يحيي ويميت، ويخلق ويرزق، ويرفع ويخفض، ويعز ويذل، هذه كلها من أفعال الله، ينبغي لك أيها الموحد! أن توحد الله بها فلا تشرك معه أحداً، فلا تعتقد أن أحداً يرزق غير الله أو مع الله، أو أن أحداً يخلق غير الله أو مع الله، أو أن أحداً يضر أو ينفع غير الله، أو أن أحداً يحيي أو يميت غير الله، بل له الأمر وله الخلق، وهذا كله اسمه: توحيد الربوبية، وهذا التوحيد لا يكفي وحده، فقد أقر به الكفار، ومع هذا قوتلوا ولم يدخلوا في الإسلام، يقول الله عز وجل عنهم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:25] يقول الله عن الكفار المشركين: لو سألتهم: من خلق السماوات والأرض؟ لقالوا: الله، ولكن هل نفعهم هذا؟ لا. لا ينفع وحده. حتى يُعتبر الإنسان موحداً، لا بد أن يقر بالأنواع الثلاثة.

الإيمان بالله وترسيخ توحيد الألوهية

الإيمان بالله وترسيخ توحيد الألوهية الثاني: توحيد الألوهية وهو: توحيد الله بفعلك أنت، فكما وحَدَّته بفعله توحده بفعلك، ما هو فعلك؟ العبادة، فلا تجعل مع الله في عبادتك شريكاً، فتصرف جميع أنواع العبادة منك إلى الله، وإذا صرفت منها شيئاً لغير الله فهذا هو الشرك، مثل الدعاء، والدعاء نوع من العبادة، بل هو العبادة، يقول الله عز وجل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} [غافر:60] أي: عن دعائي، فسمّى الله الدعاء عبادة، وقال عز وجل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186] {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن:18] فالدعاء يجب أن يصرف منك -أيها العبد- لله: {فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن:18] فلا يُصرف لنبي، ولا لولي، ولا لإنس، ولا لجن، ولا لأحد؛ لأن الدعاء إذا صرفته لغير الله أشركت، حتى النبي صلى الله عليه وسلم لا تدعُه، بعض الناس يقول: مدداً يا نبي! وهذا هو الشرك الأكبر، لا تقل ذلك. بل قل: مدد يا ألله؛ لأنك تدعو النبي والنبي صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن ينفعك أو يعطيك أو يمنعك، بل لا يعلم شيئاً بعد وفاته صلوات الله وسلامه عليه، إلا أن الملائكة تبلغه السلام فقط. أما ما تحدثه الأمّة من بعده فهو لا يعلم عنه شيئاً، ولهذا جاء في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم يشفع في أقوام من أمّته يذادون عن الحوض، فتقول الملائكة: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ} [المائدة:117] سحقاً سحقاً وبعداً بعداً لمن غير وبدل) فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن ينفعك الآن إذا قلت: مدداً يا نبي! وكذلك لا يجوز دعاء الأولياء أصحاب الأضرحة والقبور، كما يُصنع في بعض البلدان، يأتي الرجل أو المرأة إلى صاحب القبر يدعوه من دون الله، يدعونه دعاءً لا يُصرف إلا لله، يقول الرجل منهم: (يا سيد العارفين! العارف لا يُعرّف، والشكوى على أهل البصيرة عيب، أنت تعرف ما في قلبي، وتعرف غرضي؛ أعطني غرضي). من الذي يعرف ما في قلبك إلا الله، هذا هو الشرك الأكبر، فلا تصرف الدعاء إلا لله، والذبح إلا لله قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} [الأنعام:162] والنسك يعني: الذبح {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام:162 - 163] فلا تذبح لغير الله: لا لقبر، ولا لولي، ولا لجن، ولا لأي غرض، فإنك إن ذبحت لغير الله أشركت، ولا يدخل في هذا ذبيحتك في بيتك لضيوفك، حتى لا يأتي بعض الناس فيقول: أنا لن أذبح للضيف؛ لأن الذبح لغير الله شرك، لا. اذبح للضيف فإنه لله، لماذا؟ لأنك تقول: باسم الله والله أكبر. أما الذبح لغير الله؛ فهو أن تذبح عند القبر ولا تسمي الله، أو تسمي باسم القبر أو باسم الولي، أما إذا ذبحت لله وذكرت اسم الله وكان الغرض من هذه الذبيحة إكرام ضيفك، أو الذبح لأهلك حتى تأكل في بيتك، فهذه لله إن شاء الله. كذلك النذر، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والاستعانة، والاستغاثة، والاستعاذة، كل هذه من أنواع العبادة فلا تصرف منها شيئاً إلا لله، وإذا صرفت -أيها العبد- منها شيئاً لغير الله؛ فهذا هو الشرك الأكبر المخرج للإنسان من الملة. هذا هو التوحيد الثاني واسمه توحيد الألوهية، وهو: توحيد الله بأفعال العبد.

الإيمان بالله وترسيخ الاعتقاد في الأسماء والصفات

الإيمان بالله وترسيخ الاعتقاد في الأسماء والصفات الثالث: توحيد الأسماء والصفات، وهذا هو التوحيد الذي ضلت فيه أكثر الأمّة، من أهل الكلام من الأشاعرة والمعتزلة والجهمية والقرامطة فقد ضلوا في هذا الباب؛ لأنهم دخلوا بعقولهم الصغيرة، وبأفئدتهم وألبابهم المحدودة في هذا المجال المقفل الذي لا يدخله إلا من عنده دليل من كتاب وسنّة، فعطلوا صفات الله، بل بعض غلاة الجهمية سلبوا عن الله النقيضين، حتى قالوا: (إن الله لا موجود ولا معدوم) وقالوا: إن أثبتنا لله الوجود شبهناه بالموجودات، وإن قلنا: إنه معدوم شبهناه بالمعدومات، فوصفوه بالممتنعات، لأن الذي ليس معدوماً ولا موجوداً هو الممتنع، فهربوا من شيء ليقعوا في شر منه. أهل السنة والجماعة يثبتون لله عز وجل جميع الأسماء والصفات التي أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تشبيه ولا تعطيل، بل يؤمنون بأن الله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] هذا معتقد أهل السنة والجماعة. بينما أثبت الأشاعرة لله سبع صفات فقط: العلم، والسمع، والقدرة، والإرادة، والحياة، والكلام، سبع صفات فقط، والباقي نفوها عن الله، لماذا؟ قالوا: إذا أثبتناها شبهنا. حسناً! كيف يكون محذوراً في الباقي، ولا يكون محذوراً في السبع التي أثبتموها، فإما أن تنفوا أو أن تثبتوا كل شيء. وجاءت المعتزلة لتنفي عن الله الصفات كلها وأثبتوا الأسماء، فقط، يقولون: إن الله عليم لكن بلا علم، يقولون: هذه الأسماء مثل اسم سعيد، لا يعني أنك سعيد؟ أو اسم محمود، لا يعني أنك محمود؟ أو اسم علي، لا يعني أنك علي، فهذه الأسماء فقط لا تدل على معاني، فيقولون: إن الله عليم بلا علم، وسميع بلا سمع، وحكيم بلا حكمة. لا إله إلا الله!! كيف هذا؟ قالوا: إذا أثبتنا الصفة لزم من إثبات الصفة التشبيه بالمخلوق، فنحن ننفي الصفة عن الله حتى لا نشبه الله بالمخلوقين. ومن قال لكم: إن صفة الله مثل صفة المخلوقين؟! يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في الرسالة التدمرية: كما أن لله ذاتاً تختلف عن ذوات المخلوقين، فإن لله صفات تختلف عن صفات المخلوقين، ولذا السؤال عن الصفة بدعة وضلالة: لا تقل كيف استوى كيف النزول أنت لا تعرف من أنت ولا كيف تبول جاء رجل إلى الإمام مالك فقال له: كيف الاستواء؟ قال: الاستواء معلوم والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وسأل آخر ربيعة فقال: كيف الاستواء؟ قال ربيعة: كيف الله؟ قال: ما أدري، قال ربيعة: وأنا لا أدري كيف صفته. فلا نعرف ذاته ولا نعرف صفته، ولكن نؤمن بها على حقيقتها دون توقف، بل نؤمن بجميع الصفات ونثبتها لله كما أثبتها لنفسه، وكما أثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم. هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة وفيه مخرج مما ضلت فيه الأمم والفرق الضالة الذين نفوا عن الله الصفات. وهناك فرق ضالة نفت عن الله الاسم والصفة وهم الجهمية، قالوا: إن الله عز وجل لا اسم له ولا صفة، وغلاة الجهمية نفوا عن الله كما ذكرت لكم النقيضين وقالوا: (إن الله لا موجود ولا معدوم) فشبهوه بالممتنعات: {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون:4] وتعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. هذا هو الإيمان بالله وتوحيده، هذا أصل من أصول أهل السنة والجماعة.

الإيمان بالملائكة

الإيمان بالملائكة ومن أصول أهل السنة والجماعة: الإيمان بالملائكة، والتصديق بوجودهم، وأن الله عز وجل خلقهم لعبادته، وأنهم موكلون ببعض الوظائف. فنؤمن بهم على الإجمال والتفصيل، فعلى الإجمال: نؤمن بأنهم من جنود الله: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الفتح:4] {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:31] أما على التفصيل فنعرف بعضهم وبعض وظائفهم، فنعرف جبرائيل وأنه أمين الوحي، ونعرف ميكائيل وأنه ملك الغيث الموكل بإنزال الغيث، ونعرف إسرافيل وأنه نافخ الصور، ونعرف مالكاً وأنه خازن النيران، ونعرف رضوان وأنه خازن الجنان، ونعرف رقيباً وعتيداً الموكلان بكتابة الحسنات والسيئات، وغير ذلك ممن وردت بهم الأدلة، هذا على التفصيل. وأيضاً يقتضي الإيمان بالملائكة وبوظائفهم: أن نلتزم بما يقتضيه هذا الإيمان، فإذا آمنتُ أن هناك رقيباً يسجل حسناتي، وعتيداً يسجل سيئاتي، فإنني أصنع الحسنة وأبتعد عن السيئة، فأحذر من أن يُسجل علي شيء، وأرغب في أن يسجل لي شيء، لكن الذي يقول: أنا مؤمن برقيب وعتيد، ولا يعمل سوى السيئات؛ فهذا كاذب، فلو أنه صدر أمر، مثلاً: أن الناس يذكرون الله، ولذا تقرر أن يعلق مع كل شخص مسجل في رقبته، وفي نهاية كل يوم يُفتح هذا المسجل، وتحسب ألفاظه، فمن ذكر الله عز وجل: سبح الله أو حمد الله أو هلل أو أثنى على الله، فإن له في كل تسبيحة ريالاً، وبكل تحميدة ريالاً، وبكل تهليلة ريالاً، بينما الذي يلعن أو يسب أو يشتم، أو يغتاب أو ينم، أو يكذب؛ على كل كذبة ضربة، ما رأيكم من منا لن يذكر الله عز وجل؟! والله لن نشتغل إلا بذكر الله! وإذا أتاك شخص يكلمك فستقول له: لا يا شيخ! سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، لماذا؟ قال: سأكسب ريالاً على كل ذكر، ويجيء آخر النهار ويفتح المسجل ويجد عشرة آلاف تسبيحة ويأخذ عليها شيكاً بعشرة آلاف ريال، بينما آخر لم يجد سوى ألف تسبيحة أي بألف ريال، ما رأيكم في شعور هذا الذي حصل على ألف ألا يحزن ويندم؟ سيبيت الليل كله يقول: يأخذ عشرة آلاف وأنا ألف فقط! والله ما أقول كلمة في الغد إلا سبحان الله، لماذا؟ لأنه آمن بقيمة الريال الشرائية. حسناً! ما الذي يمنع الناس الآن من التسبيح والتهليل؟ وما الذي يدفعهم إلى اللعن والسب والشتيمة والغناء واللهو إلا عدم إيمانهم بأن هناك من يسجل الحسنات والسيئات، وما آمنوا أن الله: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ} [ق:18] أي: أي كلمة تخرج من فيه: {إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18]! فهذا معنى الإيمان بالملائكة، أنك تؤمن بالملك وبوظيفته، وينقدح في ذهنك شيء من إيمانك به، وهكذا تؤمن بمنكر ونكير، وأنهما ملكا سؤال، وتؤمن بمالك خازن النيران، ولا تود أن تمر من عنده، وتؤمن برضوان وتتمنى أن الله عز وجل يدخلك الدار التي هو مسئول عنها، هذا هو معنى الإيمان بالملائكة. ومن أعظم ما يقوي الإيمان في قلب الإنسان بإذن الله: الحديث عن الملائكة: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء:20] يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذكره السيوطي في صحيح الجامع وصححه الألباني يقول: (أُذن لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة خمسمائة عام) أي: رقبته فقط، فأنت لا تتجاوز رقبتك بضع أصابع، بينما هذا الملك طول عنقه مسيرة خمسمائة عام، لا يعصي الله طرفة عين، وأنت رقبتك أربع أصابع وتعصي الله، ماذا أنت بالنسبة له وهو من حملة العرش؟ وحملة العرش ثمانية، قيل ثمانية من الملائكة، وقيل ثمانية صفوف {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة:17].

الإيمان بالكتب المنزلة والرسل

الإيمان بالكتب المنزلة والرسل ومن أصول أهل السنة والجماعة: الإيمان بالكتب المنزلة التي أنزلها الله على أنبيائه ورسله. فالتوراة أنزلها الله على موسى، والإنجيل أنزله على عيسى، والزبور أنزله على داود، والقرآن الكريم أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن القرآن الكريم هو المهيمن، وهو الناسخ لجميع الرسالات، وهو الكتاب الذي ليس بعده كتاب؛ لأنه آخر الكتب، ونبينا آخر الأنبياء، وأمتنا آخر الأمم. ويعتقد أهل السنة والجماعة أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق حروفه ومعانيه، لم يُخلق منه شيء، خلافاً للجهمية والمعتزلة والأباضية الذين يقولون: أن القرآن كله مخلوق حروفه ومعانيه. وخلافاً للأشاعرة الذين يقولون: إن كلام الله هو المعاني فهو منزل، أما الحروف فهي مخلوقة، وكلا القولين باطل، والقول الصحيح المدعَّم بالدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هو: أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ} [الكهف:1] {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ} [الزمر:23] أدلة كثيرة بالنسبة لتنزيل القرآن، لكن سبحان الله! كيف ضلت تلك العقول، وذهبت إلى ما يضلها في دنياها وآخرتها من غير حاجة؟ لكن الشيطان سول لهم وأملى لهم. أيضاً من أصول أهل السنة والجماعة: الإيمان بالرسل صلوات الله وسلامه عليهم، وأن أولهم نوح وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه خاتم الأنبياء، وأنه لا نبي بعده، ونؤمن بالرسل كلهم ولا نتبع شريعتهم، وإنما نتبع شريعة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن شريعته ناسخة لجميع الشرائع، لو أن أحداً أتانا وقال: أنا أؤمن بكل الأنبياء إلا نبياً واحداً لا أؤمن به، قلنا: كفرت بكل الأنبياء، لا بد أن تؤمن بكل الأنبياء الذين جاء ذكرهم في الكتاب والسنّة، وأنهم رسل، فنعتقد عقيدة من قلوبنا أنهم أنبياء الله ورسله، ولكن لا يلزمنا اتباع شريعتهم، وإنما نتبع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم.

الإيمان بالبعث وما يترتب عليه

الإيمان بالبعث وما يترتب عليه أيضاً من أصول أهل السنة والجماعة: الإيمان بالبعث بعد الموت، وبكل ما يكون بعده مما أخبر الله به، وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم. أولاً: عذاب القبر ونعيمه، فإن هذا غيب، ومن معتقد أهل السنة والجماعة الإيمان به، والإيمان به يقتضي الاستعداد له، فإذا عرفت أنك مسئول في القبر وأنك معذب أو منعم؛ فإنك مباشرة تقف عند الأوامر وتنتهي عند النواهي، فتفعل ما أمرك الله به، وتنتهي عما نهاك الله عنه. وأيضاً البعث: وهو إعادة الناس إلى الحياة كما كانوا أحياء، وأن الله يردهم مثلما كانوا، وأن الناس يفنون، وتتفرق أجسامهم، وتتقطع أوصالهم، ولا يبقى منهم إلا عَجبُ الذنب؛ وهي: حبة صغيرة في آخر العمود الفقري، وهذه أصل الإنسان، تبقى في التراب إلى أن يُنزل الله عز وجل ماء من بحر يقال له الحيوان من السماء، فتنبت منه هذه الحبَة كما تنبت الحِبة في حميل السيل، حتى يعود الناس كلهم كما كانوا أول مرة يوم أن خلقهم الله عز وجل، وهذا بعد النفخة الأولى، أما في النفخة الأولى فيصعقون، ثم ينزل هذا الماء وينبتون، ثم يُنفخ النفخة الثانية فتطير الأرواح من الصور إلى الأجساد، فيقوم الناس لرب العالمين: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَق وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [الزمر:68 - 69]. ثم بعد البعث الحشر، إلى المكان الذي هيأه الله عز وجل وأعده ليكون موعد الفصل والحساب للناس، ثم الحساب، وهو: محاسبة الناس على الأعمال، ووزن الأعمال ونشر الدواوين والدواوين هي: الكتب التي قد كتبت علينا، ما من إنسان إلا وله كتاب وديوان مسجل فيه كل عمله، فإذا مات قيل له: اقرأ كتابك: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:13 - 14] وقال تعالى: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَق إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية:29]. ثم الصراط: وهو جسر على متن جهنم لا يمكن الوصول إلى الجنة إلا عن طريقه، والناس يجتازونه على ضوء أعمالهم وتمسكهم بكتاب الله وسنة رسوله في هذه الدار. والإيمان بالجنة وما أعد الله فيها من النعيم، وبالنار وما أعد الله فيها من العذاب الأليم، والاستعداد لهذا كله بالإيمان والعمل الصالح. هذا معتقد أهل السنّة والجماعة في البعث بعد الموت.

الإيمان بالقدر خيره وشره

الإيمان بالقدر خيره وشره ومن الأصول عند أهل السنة والجماعة: الإيمان بالقدر خيره وشره من الله عز وجل. ومعنى الإيمان بالقدر: أن الله عز وجل قد علم كل شيء؛ ما كان وما سيكون، وقدره الله عز وجل وكتبه، وأن للعباد إرادة وقدرة واختياراً لما يقع منهم من طاعة أو من معصية، ولكن ذلك تابعٌ لإرادة الله ومشيئته، وهذا خلافاً للجبرية، الذين يقولون: إن العبد مجبر على أفعاله، وكثير من الناس الآن جبري، إذا قلت له: يا أخي! أترك المعاصي قال: الله جبرني، هذا جبري؛ لأنه يدعي أن الله جبره على المعصية، وطائفة الجبرية فرقة من الفرق الضالة فيكون جبرياً وهو لا يدري، ولو درى أنه جبري لتوقف، فـ الجبرية يقولون: إن العبد مجبر على فعله. وخلافاً أيضاً للقدرية الذين يقولون: إن العبد يخلق فعله، وإن إرادة العبد غالبة على إرادة الله. وهذا باطل، إذ لا يمكن أن يكون في الكون شيء خارج عن إرادة الله عز وجل، ولكن للعبد إرادة ولله إرادة، والله عز وجل يقول: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:29] فأثبت الله للعبد مشيئته رداً على الجبرية، وأثبت الله مشيئته التي تتبعها مشيئة العبد رداً على القدرية، وهذا من أعظم ما أجيب به في هذا الموضوع، وهو الذي يتمشى مع عقل الإنسان، إذ كيف يسلبك الله الإرادة ويجعلك مجبوراً على عمل ثم يحاسبك عليه؟ هل هذا معقول؟! الله منزه عن هذا، بدليل: ألست -أيها المسلم- مأموراً بالصلاة في المسجد؟ وإذا سمعت حي على الصلاة حي على الفلاح ولم تأت وأنت قادر على الصلاة فأنت آثم معرض نفسك للعذاب، لكن إذا مرضت فمن الذي أمرضك؟ الله، ومن الذي أمرك بالصلاة في المسجد؟ الله، فسلبك الله القدرة على القيام بالصلاة وعندها هل يطلب منك أن تصلي في المسجد؟ لا. بل صلِّ في بيتك، وهل يحاسبك الله إذا صليت في بيتك؟ لا. لحديث: (صلِّ قائماً فإن لم تستطع فصل جالساً) مع أن القيام في الصلاة ركن، القيام مع القدرة ركن من أركان الصلاة، فلو أن شخصاً صلى جالساً وهو قادر على القيام لبطلت صلاته. وكم أركان الصلاة؟ أربعة عشر، القيام مع القدرة أول ركن، وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة هذه أركان الصلاة، لكن لو أن شخصاً لا يستطيع أن يقوم ليصلي، سلبه الله العافية، فكيف يصلي؟ يصلي جالساً، لماذا؟ لأن الله سلبه العافية فرفع عنه التكليف، وهذا يتماشى مع كل أحكام الشرع. فالله لا يمكن أن يأمرك بشيء وقد سلبك القدرة على فعله ثم يحاسبك عليه؛ لأن الله منزه عن الظلم، يقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:40].

وسطية أهل السنة بين الفرق

وسطية أهل السنة بين الفرق

وسطيتهم في الإيمان

وسطيتهم في الإيمان ومن معتقد وأصول أهل السنة والجماعة: أن الإيمان قول وعمل واعتقاد، قول بالألسن، وعمل بالأركان والجوارح، واعتقاد بالقلوب، يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، وليس الإيمان قول وعمل دون اعتقاد، فهذا إيمان المنافقين، فالمنافقون في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون: آمنا {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة:8] وكانوا يصلون، يقول الله عز وجل: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142] وكانوا أيضاً يتصدقون، يقول الله عز وجل: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة:54] فأثبت الله لهم صلاة وصدقة، لكن افتقدوا الشرط الثالث وهو الاعتقاد، فما كانت عقائدهم سليمة، ولو كانوا يعملون عملاً صالحاً، ويقولون قولاً صالحاً لكن عقائدهم من الداخل كانت فاسدة، فهم يؤمنون بألسنتهم ويكفرون بقلوبهم فلم ينتفعوا، فليس الإيمان قولاً وعملاً دون اعتقاد، وهذا إيمان المنافقين. وليس الإيمان مجرد المعرفة بدون قول ولا عمل فهذا إيمان الكافرين، فالكافرون إذا سألتهم من خلق السماوات والأرض يقولون: الله، لكن لا يؤمنون ولا يعملون. وليس أيضاً مجرد اعتقاد وقول من دون عمل، فهذا عمل المرجئة، والمرجئة فئة من الفئات الضالة يقولون: لا يضر مع الإيمان معصية، ولا ينفع مع الكفر طاعة، وقالوا: إن إيمان جبريل مثل إيمان الشيطان الرجيم، لماذا؟ قالوا: لأن جبريل مؤمن بالله وإبليس مؤمن بالله، يقول: {رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [ص:79] {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:82] فما دام مؤمناً مُقراً بقلبه ولسانه فإنه يكفيه الإيمان فقط، ولا يوجد حاجة إلى العمل، وهؤلاء هم المرجئة الذين دمروا الإسلام في فترة من فتراته، حيث أعطوا مؤشراً وتصريحاً للناس في ترك الدين، عندما قالوا لهم: أنتم مسلمون بمجرد أن يقول الواحد منكم: لا إله إلا الله، وإن لم يصلِّ ويصم، ولم يمتنع عن فعل المحرمات، وهذه يسمونها عقيدة الراحة والإباحة، راحة من التكاليف وإباحة للمنهيات، يزني ويسكر ويعمل كل شيء ثم يقول: الحمد لله أنا أشهد أن لا إله إلا الله، والإيمان في القلب، ربنا رب قلوب، وهؤلاء هم المرجئة. وما أكثر المرجئين في هذا الزمان تراه وهو منغمس إلى أذنيه في المعاصي وتقول له: اتق الله، فيقول لك: يا أخي: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم -وما أكملُ الحديث- وأعمالكم) يقولون: إن الله ينظر إلى القلوب! هذه قاعدة الإرجاء، وهي مخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة، أما مذهب أهل السنّة والجماعة فإن الإيمان قول باللسان، واعتقادٌ بالجنان، وتطبيق وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعات، وينقص بالعصيان، والدليل على زيادته قول الله عز وجل: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} [الأنفال:2] فالإيمان يزيد بالطاعة، ودليل النقص قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) لأنه ينقص إيمانه، ويرتفع عنه الإيمان والعياذ بالله إذا مارس هذه الجريمة.

وسطيتهم في حكم مرتكب الكبيرة

وسطيتهم في حكم مرتكب الكبيرة من أصول أهل السنّة والجماعة: أنهم لا يُكَفِرون أحداً من المسلمين، انتبهوا! لا يكفرون، أما التفسيق والتبديع لمن يستحق فهو من معتقدات أهل السنّة والجماعة، فهم لا يطلقون كلمة الكفر على مسلم إلا إذا ارتكب ناقضاً من نواقض الإسلام العشرة، أو ترك شيئاً تركه كفر مثل الصلاة، لأن الصلاة أتت فيها أدلة خاصة بأن تاركها كافر، والدليل في مسلم عن جابر بن عبد الله قال: قال عليه الصلاة والسلام: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة) وفي سنن أبي داود ومسند أحمد عن بريدة رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر). أما الكبائر كبائر الذنوب؛ فإن أتى شخص بالأركان ولم يأت بناقض من نواقض الإسلام ولكن وقع في معصية أو كبيرة أو صغيرة فإنهم لا يكفرونه بها وإنما يرون أنه فاسق عاصٍ لله، ناقص الإيمان، وهو تحت مشيئة الله في الدار الآخرة، إن شاء الله عز وجل عذبه، وإن شاء غفر له، وهذا هو المذهب الوسط، وهو الوسط بين الخوارج الذين يكفرون بالكبيرة -إذا وقع أي أحد في كبيرة يرون أنه كافر- وبين المرجئة الذين يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة، أما مذهب أهل الحق فيكفرون من نقض إسلامه، أما بالكبائر والذنوب فلا يكفرونه، والأدلة على ذلك كثيرة لا أستطيع حصرها. أول دليل في مسلم: (أن رجلاً جيء به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقد شرب الخمر فحدَّه -أي: ضربه وأقام الحد عليه- ثم ذهب فشرب الخمر مرة أخرى فجيء به فحدَّه، فشرب الخمر مرة أخرى فجيء به فحدَّه، فقال أحد الصحابة: لعنه الله، ما أكثر ما يؤتى به، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لصاحبه: لا تقل هذا! لا تعينوا الشيطان على أخيكم، والله إني لأعلم أنه يحب الله ورسوله) هذا الرسول صلى الله عليه وسلم يشهد لهذا السكير مرتكب الكبيرة، لكن مسكين وقع في هذه المعصية بحكم ضعفه البشري ولكنه يحب الله ورسوله. فنحن لا نكفر صاحب الذنب ولو كان كبيراً ولكن نسميه عاصياً، ونسميه فاسقاً، وهو تحت مشيئة الله، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه بقدر معصيته وكبيرته، لكن نهايته إلى الجنة متى ما أقام أركان الإسلام، أما إذا ترك الصلاة، ولو لم يشرب الخمر فهو كافر، ولو لم يسمع الأغاني فهو كافر، لماذا؟ لأن ترك الصلاة كفر يخرج من الملة والعياذ بالله.

عقيدة أهل السنة في الأبواب الأخر

عقيدة أهل السنة في الأبواب الأخر

وجوب طاعة ولي الأمر

وجوب طاعة ولي الأمر ومن عقيدة أهل السنّة والجماعة، ومن معتقدهم وأصولهم: وجوب طاعة ولي الأمر المسلم. وهذه المسألة تخفى على كثير من طلبة العلم، وينبغي أن نتوسع ونتوقف فيها، لأن القضية ليست قضية مجاملات أو مداهنات، بل هو أصل من أصول أهل السنة والجماعة، يجب أن تفهمه على أنه عقيدة، ليس هوىً ولا خوفاً ولا مجاملة للسلطان، ولا رغبة فيما عند السلطان. والله! ما نقول هذا إلا براءة لذمتنا، وبياناً لعقيدتنا التي هي عقيدة أهل السنّة والجماعة أنه يجب على كل مسلم طاعة ولي الأمر المسلم ما لم يأمر بمعصية الله، طاعته في المعروف، أما إذا أمر بمعصية الله فلا طاعة له فيما أمر به من معصية، وتجب طاعته في خلاف ذلك، يعني: إذا أمرك بمعصية فلا تطعه في المعصية، لكن لا تعصه في بقية الأوامر؛ لأنه لا يجوز لك أن تخرج عن طاعته، فعقيدة أهل السنّة والجماعة أنه يجب طاعة ولي الأمر المسلم فيما ليس بمعصية، أما المعصية فلا يجوز طاعته فيها ويجب طاعته فيما بقي، يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] ويقول عليه الصلاة والسلام: (أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمَّر عليكم عبد) وحديث العرباض بن سارية حديث مشهور، والذي قال فيه: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب فقال في نهايتها: وعليكم بالسمع والطاعة وإن تأمَّر عليكم عبدٌ حبشيٌ كأن رأسه زبيبة) هكذا معتقد أهل السنّة والجماعة. وهذا ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية، وذكره شيخ الإسلام ابن القيم وذكره الإمام أحمد، وذكره الإمام البغوي في كتاب شرح السنّة، وذكره الأئمة كلهم، منهم شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمة الله تعالى عليه، ذكره في المسائل التي خالف الرسول صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية فيها، وهي مائة مسألة ذكر في المسألة الثالثة: اعتقاد بعض الناس -وهذه مصيبة حتى بعض الشباب قد يقع فيها وهو لا يدري- أن مخالفة ولي الأمر وعدم طاعته فضيلة وقوة في الله وصدع بالحق وعدم الخشية في الله من لومة لائم، وأن السمع والطاعة لولي الأمر ذل وإهانة ومداهنة، فخالفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بالصبر على جور الولاة، وأمر بالسمع والطاعة لهم، والنصيحة لهم وغلَّظ في ذلك وأبدأ وأعاد، لما في عدم طاعة ولاة الأمر من المفاسد التي لا يعلمها إلا الله. ويقول عبد الله بن المبارك: أصل جميع الفرق الضالة وهي اثنتان وسبعون فرقة تجتمع في أربع فرق، القدرية والمرجئة والرافضة والخوارج، فمن قدم أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترضى عن الصحابة كلهم، ولم يتكلم في بقيتهم إلا بخير، ودعا لهم، وكف عما حصل بينهم فقد خرج من التشيع أوله وآخره، ومن قال: الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فقد خرج من الإرجاء أوله وآخره، ومن قال بالصلاة خلف كل إمام بر أو فاجر وجاهد مع كل خليفة، ولم ير الخروج على السلطان، ودعا لهم بالصلاح، فقد خرج من قول الخوارج أوله وآخره، ومن قال: المقادير كلها من الله خيرها وشرها، يضل من يشاء، ويهدي من يشاء، فقد خرج من قول القدرية أوله وآخره، وهو صاحب سنّة. هذا هو معتقد أهل السنّة فيما يتعلق بولي الأمر، إذ أن الخروج على ولي الأمر المسلم انتبهوا! ولي الأمر المسلم مقيدة بالإسلام أما ولي الأمر الكافر هذا له تعامل آخر لكن ولي الأمر المسلم الذي يحكم بالشريعة فإنه يجب طاعته حتى ولو حصل منه ظلم، ولو حصل منه مخالفة أو جور، فلا ينبغي الخروج عليه، ولا ينبغي طاعته إذا أمر بمعصية، ولكن يطاع في غيرها ويدعى له، فإن الدعاء له طاعة لله. يقول: الفضيل بن عياض: لو أني أعلم أن هناك دعوة مستجابة لصرفتها لولي الأمر، وتروى هذه الحكاية عن الإمام أحمد رحمة الله تعالى عليه؛ لأن في الدعوة له مصلحة للإسلام والمسلمين، نسأل الله عز وجل أن يصلح وأن يوفق ولاة أمورنا لما يحبه الله ويرضاه. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: لا يكاد يُعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من المفاسد أكثر من الذي خرجت لإزالته. اقرأ التاريخ؛ فلا يكاد يعرف عن طائفة خرجت على ذي سلطان إلا ووقع بخروجها من المفاسد عليها وعلى الأمّة أعظم مما خرجت من أجله، فهي خرجت لتزيل مفسدة فوقعت في مفسدة أكبر، ولهذا تقدم المصالح وتدرأ المفاسد، هذا معتقد أهل السنّة والجماعة.

الكف عما شجر بين الصحابة

الكف عما شجر بين الصحابة ومن أصول أهل السنة والجماعة: سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبهم لهم، والترضي عنهم، والكف عن الخوض فيما دار بينهم، خلافاً للرافضة والخوارج. فيرون أن الخليفة بعد رسول الله أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ثم إنهم يحبون أهل بيت رسول الله -هذه عقيدة أهل السنة والجماعة - فنحن لا نكره أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل نحبهم ونتولاهم، وآباؤنا وأمهاتنا وأنفسنا فداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته. ومن أهل بيته أزواجه خلافاً للرافضة، فـ الرافضة يقولون: إن أزواجه لسن من أهل بيته، سبحان الله! أزواجه هن أهل بيته، ومَن أهل بيته إن لم تكن أزواجه من أهل بيته؟! فأول أهلك زوجتك، وأهل بيت رسول الله زوجاته رضي الله عنهم وأرضاهم، وأهل بيته قرابته وهم الصالحون منهم، أما غير الصالحين فليسوا من أهل بيته كعمه أبي لهب، ما رأيكم في أبي لهب؛ هل هو من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم؟ هو عم رسول الله، والرسول صلى الله عليه وسلم اسمه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب وأبو لهب هو: أبو لهب بن عبد المطلب، هو: عبد شمس ويُدعى أبا لهب؛ لأنه من أهل اللهب والعياذ بالله في النار، فـ أبو لهب عم الرسول ولكنه ليس من أهل بيته، بل أهل بيته من سار على نهجه واتبع سنته وكان له قرابة، فنتولاه ونحبه بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول عليه الصلاة والسلام: (يا معشر قريش! لا أغني عنكم من الله، يا عباس! يا عم رسول الله! لا أغني عنك من الله شيئاً، يا صفية عمة رسول الله! لا أغني عنك من الله شيئاً، يا فاطمة بنت محمد! سليني من مالي ما شئت، لا أغني عنك من الله شيئاً) ويقول: (يا فاطمة! يا آل محمد! لا يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، اعملوا لا أغني عنكم من الله شيئاً) وهؤلاء القرابة لهم علينا حق الإكرام، وحق المحبة، وحق الاحترام، من غير غلو فيهم، فلا نتقرب إليهم بشيء من العبادة، ولا نعتقد أنهم يتصرفون في الخلق، أو أنهم ينفعون أو يضرون، يقول الله لنبيه: {قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً} [الجن:21] {قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلا نَفْعاً إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} [يونس:49] فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فكيف بغيره، وهذا خلاف لمعتقد الرافضة الذين يعتقدون أن الأئمة ينفعون ويضرون، وأن بهم قامت السماوات والأرض، وأن الرعد والبرق صوت علي، وأن كل شيء بيده، وهذا كله من الشركيات والضلالات التي ما أنزل الله بها من سلطان.

التصديق بكرامات الأولياء

التصديق بكرامات الأولياء ومن معتقد أهل السنة والجماعة: التصديق بكرامات الأولياء. ما هي الكرامة؟ الكرامة: هي أمر خارق للعادة يجريه الله عز وجل على أيدي بعض عباده الصالحين، أما المعجزة: فهي أمر خارق للعادة يقصد به التحدي، يجريه الله على أيدي أنبيائه، والكرامات مثل كرامة عمر وهو في المدينة يخطب الجمعة فرأى الجيش يأتي من وراء سارية فقال: [يا سارية! الجبل] هذه كرامة من كرامات عمر رضي الله عنه. والكرامة تختلف عن الشعوذة والكهانة، فإن الكرامة تجري على أيدي الصالحين وسبيلها الطاعة، أما الشعوذة والكهانة فتجري على أيدي السحرة وسبيلها الكفر والمعصية والعياذ بالله، حتى لا يختلط على الناس معنى الكرامة ومعنى السحر، فإن من الناس من يعمل على يديه أشياء يتضح بها أنه يسحر الناس. وقد أخبرني أحد الإخوة عن بلدهم يقول: كنت أزور شيخ طريقة، ظناً مني أنه رجلٌ صالح يقربني إلى الله، يقول: فجلسنا عنده من المغرب إلى العشاء، وكان يأمرنا بالأذكار والتسبيح وذكر الله، يقول: ولما حان وقت الصلاة، قال لنا: قوموا صلوا، فقلت أنا -وأنا جديد على الجلسة، يقول ما أعرف آداب المريد ولا آداب التابع للشيخ- وأنت يا شيخ! لماذا لا تصلي؟ قال: أنا أصلي في الحرم، وهو في بلد بعيد بينه وبين المسجد الحرام ألفا كيلو تقريباً، يقول: فقمنا وذهبنا نصلي، يقول: لم يدخل في عقلي أنه يصلي في الحرم، كيف يصلي بالحرم وهو في الغرفة؟ يقول: فلما أقيمت الصلاة وأنا في المسجد خرجت من الصف وذهبت إلى بيت الشيخ، أريد أن أرى كيف يصلي في الحرم، يقول: فجئت وهو مقفلٌ على نفسه الباب، والباب خشب لكن فيه شقوق في الطول، فنظرت وإذا بالرجل راقد لا يصلي. فهو أصلاً يعرف أنه ليس له صلاة، هو ضال، ولكن يضحك على هؤلاء بأنه يصلي في الحرم، هذا من الضلال، فإذا رجعوا إليه قالوا: أين صليت؟ قال: صليت في الحرم، هذه كرامة لي، وهذه ليست بكرامة وإنما ضلالة والعياذ بالله.

الاعتماد في التشريع على الكتاب والسنة وفق فهم السلف

الاعتماد في التشريع على الكتاب والسنة وفق فهم السلف ومن أصول أهل السنة والجماعة: أنهم يستدلون بالكتاب والسنّة، واتباع ما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يستدلون بالآراء ولا بكلام العلماء، إلا إذا كان كلام العلماء مقتبساً ومستنداً إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولذا سُمُّوا أهل السنة والجماعة؛ لأنهم مجتمعون على كتاب الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا يعتقدون العصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل عقيدتهم: أن العصمة لرسول الله، وأن كل من بعده قد يخطئ، حتى الصحابة قد يخطئون؛ لأنهم بشر غير معصومين. وأيضاً: لا نتعصب إلا للحق، ونعتقد أن المجتهد يصيب ويخطئ، وأنه إذا أصاب فله أجران، وإذا أخطأ فله أجر الاجتهاد وليس عليه ذنب الخطأ، وأن الاجتهاد لا يزال مسموحاً به ومفتوحاً لمن توفرت فيه شروط الاجتهاد إلى يوم القيامة. ويعتقد أهل السنّة والجماعة أن الاختلاف وارد، لأن الناس ليسوا متساوين جميعاً في الفهم، فالله خلق الناس مختلفين: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود:118 - 119] ولكن هذا الخلاف لا يفسد للود قضية، ولا يُوجِد بين المؤمنين عداوة، بل يحب بعضهم بعضاً، ويوالي بعضهم بعضاً، ويصلي بعضهم خلف بعض، ويلتمس مصيبهم لمخطئهم العذر، مع اختلافهم في المسائل الفرعية التي هي محل نظر واجتهاد، فإذا أخطأ واحد منهم يأتون إليه وينصحونه ويصححون خطأه، ولا يلتقطون هذا الخطأ عليه ويفسقونه ويبدعونه به، ويخرجونه من الملة، ويحذرون الناس منه، لا. بل يصححون خطأه ويعتذرون له، ويدعون له. يقول الشافعي رحمة الله عليه: كلامنا صواب يحتمل الخطأ، وكلام غيرنا خطأ يحتمل الصواب. انظروا كيف أدبهم رحمة الله عليهم، يقول: كلامي صواب، ما أعتقد إلا الصواب، لكنه يحتمل الخطأ، وكلام خصمي خطأ ولو أعرف أنه صواب لاتبعته لكن يحتمل أن يكون صواباً، لكن أين الكلام الصواب الذي لا يحتمل الخطأ؟ إنه كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، أما ما دمنا بشراً فإن كلامنا مهما كان صواباً فإن احتمال وقوع الخطأ فيه وارد، وهذا مذهبهم رحمة الله تعالى عليهم.

تعظيم شعائر الله

تعظيم شعائر الله وأخيراً من أصول أهل السنة والجماعة: أنهم يحافظون على إقامة شعائر الإسلام، خصوصاً الصلاة في جماعة المسلمين، وينصحون لكل مسلم وخصوصاً ولاة الأمر لأن (الدين النصيحة قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم) والحديث في مسلم. ويتعاونون على البر والتقوى ويصبرون عند البلاء، ويشكرون عند الرخاء، ويرضون بمر القضاء، ويتحلون بمكارم الأخلاق، ومحاسن الأعمال، مثل: بر الوالدين، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، وينهون عن الفخر والخيلاء والبغي والظلم؛ لأن (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقا). هذا معتقد أهل السنّة والجماعة. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلنا وإياكم من هذه الفرقة الناجية، وأن يثبتنا جميعاً عليها إنه ولي ذلك والقادر عليه. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد.

خروج المرأة أحكام وضوابط وآداب

خروج المرأة أحكام وضوابط وآداب Q ما هي ضوابط وآداب خروج المرأة المسلمة من بيتها؟ A الأصل في المرأة المسلمة أن تستقر في بيتها، وتمضي معظم عمرها في بيتها؛ لأن بيتها عرشها، ومكان عزها وسترها، ولا يستطيع الشيطان أن يتسلط عليها ما دامت في بيتها، لكن إذا خرجت جاء في الحديث: (إذا خرجت المرأة من بيتها استشرفها الشيطان) يعني: استفزها، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان) والله أمر المرأة بأن تستقر، قال عز وجل: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33] فعلى المرأة المؤمنة أن تربي نفسها على هذا الطبع، وأن تَلزم البيت باستمرار، وتستطيع المرأة أن تعرف هل هي مؤمنة أم غير مؤمنة عن طريق عرضها على حب البيت وعدم حبه، فإن كانت تألف البيت وتحبه ولا تحب الخروج منه إلا مغصوبة وكارهة فهي مؤمنة، أما التي تضيق في البيت، ولا ترتاح إلا إذا أخذت عباءتها وخرجت، فهذه ليست بمؤمنة، هذه تعرِّض نفسها للفتنة، وعليها أن تتوب إلى الله عز وجل، هذا الأصل. لكن هل يجوز الخروج؟ نعم يجوز الخروج في حالات، منها: الخروج للصلاة، وخصوصاً إذا كان هناك مصلحة علمية كحضور درس -مثل هذا الدرس- أو حضور صلاة تراويح في رمضان، إذا كانت المرأة في بيتها لم تصلِّ التراويح كما ينبغي، يشغلها أطفالها في البيت، لكن في المسجد تصلي صلاة كاملة، أو حضور صلاة الجمعة مع أنها لا تجب عليها، لكن لو حضرتها أجزأتها من أجل أن تسمع الخطبة، أو حضور صلاة العيدين، تقول أم عطية: [كنا نُخرج الحُيَّض وذوات الخدور يشهدن الخير ودعوة المسلمين] فيجوز في هذه الأمور، أيضاً أن تخرج إلى العمل إذا كان عملها مباحاً -مثل: التعليم، ففيه مصلحة لبنات المسلمين- وهي ملتزمة ومتدينة، فيحصل على يديها خير من تعليم بنات المسلمين، أو الخروج لزيارة رحم أو قريب، أو عيادة مريض، أو زيارة جار، وفي أضيق الظروف هذا يجوز كله، لكن بآداب شرعية أذكرها لكم وهي خمسة آداب: الأدب الأول: ما يتعلق باللباس، أن يكون لباسها ساتراً لها من أخمص قدميها إلى مشاش رأسها، لا يبدو منها شعرة ولا ظفر ولا إصبع، ولا يد، ولا رجل، ولا شعر، ولا شيء حتى الأيدي مُلبسة حتى الأقدام عليها جوارب أسود، ويكون هذا الستار نفسه غير ملفت للنظر؛ لأن بعض العباءات الآن مزينة بحيث تحتاج المرأة إذا لبستها أن تلبس عليها عباءة ثانية؛ لأنها مطرزة، أو موشاة بالقصب (الذهب)، أو بالفضة، والقصد من العباءة الستر، فإذا كانت العباءة فاضحة؛ فإنها تستتر عليها بعباءة ثانية لكي تستر نفسها. هذا أول شرط من شروط اللباس. الشرط الثاني: أن يكون هذا اللباس هادئاً غير ملون، وغير ملفت للنظر، ليس مزركشاً، حتى ولو كان تحت العباءة، فتلبس لوناً واحداً رمادياً أو بنياً أو أي لون هادئ ليس مزركشاً ولا ملفتاً للنظر؛ لأن هذه الألوان تثير الغرائز، أنت إذا رأيت لوناً مزركشاً ملفتاً للنظر يستثيرك، أما إذا كان لوناً عادياً هادئاً فإنه لا يكون هناك إثارة، هذا المطلوب في ثوب المرأة الذي تخرج به إلى تلك التجمعات، وعليها أن تدع الثوب المزركش والجميل للزوج في البيت، وهو المطلوب من المرأة؛ لأن بعض النساء تلبس في البيت أسوأ الثياب، تطبخ وتكنس وتغسل تعمل كل ذلك في ثوب واحد، فإذا دخل زوجها يراها في ثوبها فكأنها قردة والعياذ بالله، فإذا أرادت أن تخرج تلبس الثياب الجميلة للشارع وللزيارات، والثياب السيئة للبيت، فإذا دخل وراءها كأنها شيطانة، فيكرهها ويخرج إلى الخارج يبحث عن المتزينة، لكن لو أنه كلما دخل وإذا بها في لون جديد، وكل يوم وهي في ثوب، فسيرى أنها أجمل امرأة في الدنيا، وإذا خرجت تلبس الثوب السيئ الذي لا يلفت أنظار الناس إليها، هذا الشرط الثاني من آداب اللباس. الشرط الثالث: أن يكون سميكاً أي: يكون هذا الثوب متيناً سميكاً، ليس بشفاف ولا يصف؛ لأن بعض الثياب ترى الجلد وراءه، فهي كاسية عارية، فلا يجوز أن يكون الثوب إلا سميكاً لا يشف ولا يصف. الشرط الرابع: أن يكون واسعاً فضفاضاً مثل الخيمة، عباءة كاملة، ويدخل في هذا التحريم (الكاب) الذي تلبسه النساء الآن، هذا (الكاب) ليس عباءةً ولا ستاراً، ولا يكفي للحجاب، بل لا بد من العباءة، لأن (الكاب) يُظهر رقبة المرأة ورأسها ويظهر أثداءها ويظهر أكتافها، ويظهر أردافها، وبالتالي كأنها لابسة ثوباً معتاداً لا حجاباً، لكن إذا لبست عباءة فإن العباءة تنزل من الرأس على الجسم بشكل هرمي فتخفي جميع تقاسيم المرأة ومحاسنها. وفي هذا فتوى من سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز أنَّ لبس (الكاب) غير جائز للمرأة المسلمة إذا أرادت أن تخرج به وينبغي أن تلبس العباءة الساترة. أيضاً من شروط اللباس: ألا يكون فيه تشبه بالكافرات، مثل لبس القصير، فإن هذا مما اختص به نساء أهل الكفر، فلا ينبغي للمرأة أن تتشبه بهم؛ لأن (من تشبه بقوم فهو منهم). ولا أن يكون فيه تشبه بالرجال، مثل لبس البنطال، الآن نعرف أن بعض النساء بدأت تلبس بنطالاً، كأنها رجل، وهذا من التشبه بالرجال، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال، ولعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء) هذا الأدب الأول في اللباس. الأدب الثاني ويتعلق بالعطر: إذ يحرم على المرأة أن تتعطر ثم تخرج، والعطر إما أن يكون في ثيابها من السابق أو أخذته في نفس الوقت إذا خرجت؛ لأن بعض النساء لا تتعطر في ذاك الوقت ولكن تخرج وثيابها معطرة، فإذا قيل: في ثوبك عطر، قالت: لا. هو فيه منذ زمن، ولو كان فيه منذ زمن، دعي الثياب التي فيها العطر، وخذي الثياب غير المعطرة، لما روى الإمام أحمد في المسند أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن تفلات) وتفلة يعني: غير متعطرة، رائحتها رائحة عادية، ليس فيها أي شيء مُلفت للنظر؛ لأن العطر يثير غريزة الرجل، فإذا مرت من عنده وفيها رائحة فإنها تفتنه، وروى الإمام أحمد ومسلم -أيضاً- أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد الصلاة معنا) فمنعها الرسول صلى الله عليه وسلم من دخول المسجد إذا كانت رائحتها بخور. وفي مسند أحمد وفي السنن الأربعة إلا ابن ماجة -وهو صحيح- قال: (أيما امرأة استعطرت في بيتها ثم خرجت فمرت بقوم ليجدوا ريحها فهي زانية) وهذا وعيد شديد، حتى ولو خرجت إلى بيت الله تبارك وتعالى. الأدب الثالث فيما يتعلق بالخروج: وفيه أن تتصف المرأة بصفة الحياء، فالحياء قرين الإيمان، فإذا نزع الحياء نزع الإيمان، وأكثر ما ينبغي أن تكون عليه المرأة حياءً إذا خرجت من بيتها، ويكون هذا بأمرين: فالحياء يظهر في صورتين: الصورة الأولى: أن لا تمشي في وسط الطريق، إذا خرجت فعليها أن تمشي في الطرف، لا تمشي في الطريق كأنها عسكري أو رجل، وإنما تمشي في طرف الطريق، حتى إذا تعرضت للفتنة تتعرض من جانب واحد فقط، والجانب الآخر هو الجدار، لكن عندما تمشي في الوسط، فإن الذين على جنبات الطريق ينظرون إليها ويفتنونها وتفتنهم، وهذا فيه حديث صحيح، يقول عليه الصلاة والسلام: (يا معشر النساء! استأخرن والزمن حافة الطريق) فلا ينبغي أن تمشي المرأة إلا في حافة الطريق، هذا الأدب الأول في الحياء. يثني الله على المرأة التي دعت موسى عليه السلام: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص:25]. الصورة الثانية: أن تغض طرفها وأن ترخي رأسها وأن لا تلتفت يميناً ولا شمالاً؛ لأنها إذا تلفتت فإن في هذا إشارة مرور من الشيطان أنها ما التفتت إلا تريد شيئاً، وإلا لماذا التفتت! فليس هناك إلا الأمام فقط وعلى الأرض، لا ترفع رأسها ولا تلتفت، وتغض بصرها لأن الشرع نهى المرأة عن النظر إلى الرجال كما نهى الرجال عن النظر إلى النساء، والآية في سورة النور، قال الله عز وجل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30] وقال بعدها: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور:31] فكما أن الرجل مأمور بغض بصره؛ فالمرأة مأمورة بغض بصرها، فلا تقول أنه لا يراها أحد، فهي لا تُرى ولكنها تَرى، والفتنة تقع منكِ وعليكِ -أيضاً- وهناك حديث صحيح رواه الإمام أحمد في المسند ورواه الترمذي وصححه ابن حبان من حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: (كنت عند ميمونة -أمهات المؤمنين- فدخل ابن أم مكتوم الأعمى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهما: احتجبا عنه، قلنا: أوليس أعمى يا رسول الله؟! قال: أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه) فإذا كان الرجل لا يراك لأنه أعمى، فإنك ترينه، فغضي بصرك أيتها المرأة المؤمنة؛ نظراً لأن في غض البصر مصلحة وتنفيذ لآداب الله تبارك وتعالى، وهذا الأدب الثالث وهو الحياء. الأدب الرابع: أن تدخل المسجد من باب النساء المخصص لهن، وأن تدخل السوق المخصص للنساء، وأن تشتري السلعة في وقت لا يكون فيه رجال ولا زحام رجال، وألا تتكلم هي إذا دخلت السوق فتشتري وتبيع مع الرجل؛ لأن في بيعها وشرائها فتنة لها وللرجل الذي يبيع ويشتري معها، هذه كلها آداب المرأة. الأدب الخامس: أن يكون معها محرم إذا خرجت، فلا تخرج لوحدها، فإنها إذا خرجت لوحدها كانت عرضة لسطو المعتدين عليها من الرجال، إما بالكلام أو بالغمز أو بالملاصقة، أو بأي تصرف يكون، لكن إذا رأى الرجل الشرير أن امرأة معها رجل بجانبها فإنه يصرف النظر عنها، ولا يمد يده أو عينه أو يحاول أن يؤذيها بأي أذى، فإذا خرجت إلى المسجد فأنت معها، أو إلى السوق وأنت معها وليس شرطاً أن يكون زوجها، المهم أن يك

التعاون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

التعاون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر Q نرجو توجيه كلمة للذين يجادلون رجال الهيئة ولا يتعاونون معهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. A الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس مسئولية رجال الهيئة فقط، إنه مسئولية كل مسلم، واسمعوا ماذا يقول الله في سورة آل عمران: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110] فالذي لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر كأنه يقول: أنا لست من هذه الأمّة، كأنه ليس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فقول: {كُنْتُمْ} [آل عمران:110] أي: أنتم كلكم، وليس رجال الهيئة بمفردهم: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110] قدَّم الله الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان، مع أنه لا يصح الأمر ولا النهي إلا بالإيمان؛ لبيان عظم شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فهي مسئوليتك ومسئوليتي، فإذا وجدتُ رجلاً من رجال الهيئة الذين جعلتهم الدولة مسئولين فوق مسئوليتهم؛ لأنهم مكلفين من قبل الدولة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومسئولين -أيضاً- أمام الله، فإذا وجدتُ رجلاً من رجال الهيئة في السوق أو في أي مكان يأمر وينهى فموقفي أن أساعده، وأقول: نعم. صدقت! وأتعاون معه ويقوم السوق كله مناصراً لهذا الرجل؛ لأننا أمة الأمر والنهي، أمة الدعوة، أمة النهي عن المنكر، لكن إذا قام رجل الهيئة يتكلم: يا امرأة غضي بصرك، صاح عليه ذاك: ماذا عملت؟ ما لك ولها؟ أعوذ بالله! إذاً أنت تأمر بالمنكر، والله قد ذكر في سورة التوبة أن الذين يأمرون بالمنكر هم المنافقون، يقول الله عز وجل: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} [التوبة:71]-اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين- حسناً! والذي لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر بل بالعكس قال الله فيه: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة:67]. فإذا رأيت رجلاً صالحاً من أهل الحسبة ممن كلف بهذا العمل، وهو يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر يجب أن تشد أزره وأن تساعده وتتعاون معه، وتقمع المنكر؛ لأنك إذا قمت بهذا برهنت على أنك مؤمن، أما إذا قمت ضده وساعدت صاحب المنكر عليه فأنت بهذا تُعَدُّ آمراً بالمنكر، وهذه صفة والعياذ بالله من صفات المنافقين.

عقوبة تارك الصلاة

عقوبة تارك الصلاة Q ما عقوبة تارك الصلاة والمتهاون فيها بعد النصح والإرشاد؟ A الناس ثلاثة: تارك بالكلية، فهذا كافر بالإجماع. والثاني: متهاون يصلي ويترك، أي: في غير جماعة كسلاً فيصلي في البيت، وهذا منافق. والثالث: مصلٍّ مواظب في جماعة المسلمين وهذا مؤمن. ذاك تارك الصلاة الأول حكمه وعقوبته: أنه كافر وعليه أن يتوب إلى الله؛ لأنه يلزم من كونه كافراً أن تطبق عليه الأحكام الشرعية السبعة وهي: الأول: أنه لا يُزوَّج مسلمةً لأنه كافر. الثاني: وإذا كان متزوجاً فإن امرأته تحرم عليه، ولا ينبغي لوليها أن يرضى لها أن تبقى في بيت هذا الرجل، وإذا بقيت هي في بيته فإنما يزني بها، وأولادها منه أولاد سفاح وزنا، لأنها حرمت عليه بمجرد كفره وتركه للصلاة، والله يقول: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة:10]. الثالث: ثم لا يجوز له دخول مكة لأن مكة بلد محرم مطهر مقدس، أرضه طاهرة لا يجوز أن تطأها إلا قدم مسلم طاهر، أما الكافر فهو نجس، يقول الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:28] وإذا دخل مكة وهو لا يصلي نجسها، ووالله إنه أنجس من الكلب، يدخل الكلب ولا يدخل هذا. الرابع: أنه لا يجوز له أن يذبح ذبيحة، ولا أن تؤكل ذبيحته؛ لأنه إذا ذبح فإن ذبيحته تأكلها الكلاب ولا يأكلها مسلم. الخامس: أنه لا يرث ولا يورث، لا يَرث إذا مات وليه، ولا يُورث إذا مات، بل ماله لبيت مال المسلمين. السادس: لا يؤاكل ولا يشارب ولا يُجالس ولا يُسلم عليه، ولا يزار إذا مرض، ولا تتبع جنازته، ولا يُغسل ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين. السابع: أنه لا يترحم عليه بعد موته، فلا يقال: رحمة الله تعالى عليه؛ لأن الله نهى عن الترحم على الكفار وقال: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة:113].

حكم النظر إلى النساء

حكم النظر إلى النساء Q يقول: مشكلتي أنني أنظر إلى النساء منذ زمن بعيد، وكلما أردت التوبة رجعت إليها؟ A مشكلتك خطيرة، وأنت عبد شهوة، وينبغي لك أن تحارب نفسك، وهذا الموضوع يخصك، فليس هناك أزرار نستطيع أن نركبها في عينك بحيث إذا رأيت امرأة تغلقها، إنما الأزرار في قلبك، أزرار الشعور بأن الله أمرك وقال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:30] واعلم بأن النظر مضرة عليك، وما دمت عاقلاً فلا تتبع نظرك في منظر يضرك، غض بصرك! فإنه أتقى لربك وأهنأ لقلبك، وأكثر راحة لبالك، وأسلم لدينك، أما إطلاق النظر فليس منه مصلحة بأي حال من الأحوال، لأن الله يقول: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30] ووالله ليس هناك أهنأ في الدنيا ممن يغض بصره، ولا أتعس وأشقى ممن يطلق بصره؛ لأن الذي يطلق بصره يرى أشكالاً غريبة وعجيبة وبالتالي: وإنك إن أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظرُ رأيت الذي لا كله أنت قادرٌ عليه ولا عن بعضه أنت صابرُ وطريق السلامة أن تغض بصرك، قد يقول شخص: كيف أغض بصري؟ بالمجاهدة، جاهد! فعينك برأسك ومن الذي سوف يفتح عينك بالقوة، من الذي يفتح عينك ويقول لك انظر؟ الشيطان! الشيطان يأتي إليك ويقول: التفت! هذا منظر جميل؛ لأن بعض الناس يغض عن المناظر العادية، ثم إذا رأى شيئاً باهراً قال: لا يفوتني هذا، لا. غضك للبصر واجب عن كل منظر، فإذا أتاك هذا الشعور قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

حكم الشدة والعنف عند المصافحة

حكم الشدة والعنف عند المصافحة Q نرجو منك توضيح حكم الشرع في: شخص يصافحني ويشد على يدي ويهز يدي حتى يكاد يخلعها من كتفي أو يكسرها؟ A لا حول ولا قوة إلا بالله! هذا الذي يشد على يدك ويهزها ينبغي أن لا تعطيه يدك، وإنما تعطيه رجلك لكي يقبضها؛ لأن الإنسان يحتاج إلى تدليك الرجل، وقل له: أما أن أعطيك يدي لكي تحييني فتهز يدي حتى تخلعها من كتفي فلا. بعضهم إذا كان قوياً يمسكها، فيجمع الأربع الأصابع ثم يضغطها بشدة، فإن قيل له: ما هذا؟ قال: أحبه في الله، هذا ليس حباً في الله، وإنما سوء أدب. وأيضاً ليس من الأدب أن تعطيه يدك كأنه سارق، بل أعطه بتوسط واعتدال، وشد عليه بلطف وحنان، أما شد العداوة فهذا مخالف لتعاليم الشرع. السائل: يقول: شخص آخر إذا مددت له يدي صافحني، ولكن يسحب يده مني بسرعة؟ الشيخ: هذا أيضاً من سوء الخلق، وقد لاحظته في بعض الناس، ما إن يعطيك يده إلا ويسحبها، وأنا أحد الناس حياني وعانقني ومد يده، وإذا به بسرعة يسحب يده من يدي، فقلت: ما بك تسحب يدك من يدي، ماذا بك؟ قال: لا شيء، قلت: فلماذا تسحبها بقوة؟ قال: عادة، قلت: بئس العادة! اجعل يدك في يدي حتى أنتهي، ثم مع السلامة، فتسأل عن الحال ثم تفك وأفك، لكن منذ أن تسلم علي تسحب يدك كأني ممسوس، أو كأن يدي ثعبان التف على يدك، أو أن في يدي ناراً أحرقتك، أو نجاسة أصابتك، فإذا كنت لا تريد أن تحييني فلا تحيني أصلاً، فهذا من سوء الأدب من المسلم مع أخيه المسلم.

حكم صلاة الرجل منفردا خلف الصف

حكم صلاة الرجل منفرداً خلف الصف Q أفيدونا أثابكم الله: ما حكم من صلى منفرداً خلف الصف؟ A هذه المسألة موضوع خلاف بين العلماء، دخل رجل المسجد والصف الأول مكتمل ولم يجد أحداً يصلي معه خلف الصف، وانتظر فما رأى أحداً، فماذا يصنع؟ هذه قضية خلافية: مجموعة من أهل العلم يقولون: ينتظر حتى يأتي شخص آخر، فإذا لم يأت أحد فيبقى واقفاً حتى تنتهي الصلاة، فإذا انتهت الصلاة يقيم الصلاة ويصلي وحده، لماذا؟ قالوا: لحديث: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) وإذا صليت وحدك وكبرت وحدك فالصلاة باطلة؛ لأنك منفرد، وهذا قول طائفة من أهل العلم، ويرى بهذا الرأي شيخنا سماحة الوالد عبد العزيز بن باز. وقال بعضهم: يسحب شخصاً، وردوا عليه فقالوا: لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتموا الصفوف) وهذا نقص من الصف، وإذا سحبته من الصف الأول نقص أجره لأنه رجع إلى الصف الثاني، ثم لماذا زعزعة الصف؟ فإنك بمجرد أن تسحبه فإن الصف يضطرب لأن الكل يتحرك ليسد الخلل، إذاً لا يصح هذا. وقال آخرون: يبحث له عن فرجة، بحيث يقارب الصفوف قليلاً ثم يدخل، أو يدخل مع الإمام إن وجد، أو ينتظر إن أمكن، فإن لم يجد فيصلي لوحده خلف الصف، قالوا: لأن حديث المنفرد هذا إنما هو إن صلى وهو يجد فرجة في الصف الذي أمامه، انطلاقاً من الحديث الآخر: (أتموا الصفوف الأول فالأول) وبهذا القول يفتي الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين وشيخه الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمة الله تعالى عليهم، وهو الذي يميل إليه القلب لأن الشرع قد حض على الجماعة، والأدلة قد رغبت في الجماعة، وما دام هذا الشخص دخل المسجد ولم يجد ما يفعل فلا تفوته الجماعة، يصلي وأمره إلى الله عز وجل والله أعلم.

حكم مسح اليد بعد الأكل بالخبز

حكم مسح اليد بعد الأكل بالخبز Q هناك شاب وجدته في مطعم يأكل ولما انتهى من الأكل مسح يده بقرص العيش؟ A أعوذ بالله! هذا مما لا يليق بالمسلم، وليس من شكر نعمة الله عز وجل؛ لأن هذا العيش وضع للأكل وليس للتمسح، لكن من سوء الأدب مع الله ومن بطر النعمة أصبح الشخص يمسح يده في قرص العيش، فلا ينبغي أن يمسح به، وعليه أن يتوب إلى الله. والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أسباب تزكية النفس

أسباب تزكية النفس النفس جزء من الأجزاء الرئيسية التي يتكون منها الإنسان، وهذه الأجزاء الخمسة هي: الجسد، والروح، والنفس، والعقل، والقلب، وقد اهتم الناس بالجزء غير المهم وهو الجسم، أما الأجزاء الرئيسية الأخرى فقد أهملوها، والنفس هي من الأجزاء التي يجب الاعتناء بها وتزكيتها، لأنه ورد في القرآن ذكر النفس وثواب من زكاها، وقد تكلم الشيخ عن الأسباب التي تعين على تزكية النفس.

مكانة الجسد في الإسلام

مكانة الجسد في الإسلام الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الأحبة في الله: النفس جزء من الأجزاء الرئيسية في هذا الإنسان، والإنسان يتكون من خمسة أجزاء رئيسية، ومن المؤسف جداً أن الناس لا يفهمون إلا جزءاً واحداً، وهو الجزء الغير مهم، أما الأجزاء الرئيسية المهمة التي لها أثر في تسيير حياة الإنسان، إما إلى النار وإما إلى الجنة، وإما إلى الهلاك وإما إلى النجاة، وإما إلى السعادة وإما إلى الشقاء، فهي مهملة في حياة الإنسان، ولا يعرف الإنسان إلا الشيء الذي لا يقوم به مدح ولا ذم، ولا يتعلق به نجاة ولا يتعلق به هلاك. هذه الأجزاء الرئيسية الخمسة أول جزء منها: الجسد: وهذا هو المعروف عند الناس، ولذا يحرص الناس على الجسد حرصاً شديداً، إذا مرض عالجوه، وإذا جاع أطعموه، وإذا عطش سقوه، وإذا برد أدفئوه، وإذا شرب بالحرارة بردوه، وإذا تعب أراحوه، المهم لا يعرفون إلا هذا. يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته أتعبت نفسك فيما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان الجسد ما ورد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم مدح لصاحبه، بل ورد العكس، ورد في مسلم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم) هذه ليست محل نظر الرب، كون صورتك حسنة، وجسمك متين، أو قوي، أو كبير، أو أبيض، أو جميل، هذه لا تنفع عند الله (ولكن إلى قلوبكم وإلى أعمالكم). بل عاب الله عز وجل على المنافقين ضخامة أجسادهم قال: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون:4]. وألغى الإسلام قضية الافتخار والاعتداد بالأجسام والألوان، والأعراق والأنساب، وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13] والتقوى عمل قلبي، وعمل نفسي، وليست عملاً جسدياً. ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم عندما جاء على مجتمع لا يقيم اعتباره إلا لهذه الأشياء، أعلن الوحدة للجنس البشري، وحطم هذه المعايير، وأقام المعيار الصحيح وهو التقوى، حتى انتشر هذا المفهوم في المجتمع الذي لم يكن يقبله ولا يمكن أن يقبله، لكن قوة التأثير -تأثير العقيدة- في تحويل النفوس البشرية أزاحته حتى جعلت عمر بن الخطاب وهو القرشي المخزومي يقول: [أبو بكر سيدنا أعتق بلالاً سيدنا] سيد من بلال وهو عبد حبشي؟! يباع بيع الرقيق، اشتراه أبو بكر وأعتقه، صار سيداً لـ عمر، بِمَ ساده؟! بالجسد! باللون الأسود! بالشعر المحبب! لا. لكن بالإيمان العميق، بالنفس المشرقة، بالقلب المنير، يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إيه يا بلال! والذي نفسي بيده، إني لأسمع قرع نعليك في الجنة- بلال عبد حبشي، لكن رسول الله يسمع قرع نعاله في الجنة، وهو في الدنيا حي- فماذا تصنع يا بلال؟ قال: لا شيء يا رسول الله غير أني كلما أحدثت توضأت، وكلما توضأت صليت لله ركعتين). عبد في الأرض، لكن له ذكر في السماء له عمل دائماً على طهارة، دائماً في نظافة وفي تزكية، وكلما تطهر، صلى ركعتين، يصل الأمر بالسماء في كل لحظة وفي كل حين. وابن مسعود الهذلي راع من رعاة مكة، وليس له قيمة عند الناس، أمسك بأذنه أبو جهل لما سمع أنه أسلم، وكاد أن يقطعها من رأسه، وقال: صبأت يا رويعي الغنم، يقول: [فما رددت عليه، لا أقدر أن أقول شيئاً، ولو قال شيئاً لقتله، يقول: ثم أخذني وسحبني إلى الجدار، وأخرج مسماراً من جيبه، ودق أذني في الجدار، وعلقني بمسمعي في الجدار. يقول: وسال الدم، ومر الصبيان يضحكون عليَّ ولا أحد يستطيع أن يفكني، حتى مر أبو بكر رضي الله عنه ففكني ونزع المسمار والدم يسيل من أذني]. وتمر الأيام، وفي المدينة يصعد ابن مسعود إلى شجرة من أجل أن يأخذ سواكاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتهب الريح فتكشف عن ساقيه وكانتا دقيقتين، وكان جسمه قصيراً من أصغر الصحابة، فضحك بعض الصحابة وتبسم النبي صلى الله عليه وسلم من دقة ساقيه، وقال: (أتعجبون من دقة ساقي ابن مسعود؟ والذي نفس محمد بيده لهما في الميزان عند الله أثقل من جبل أحد) هاتان ساقان دقيقتان، لكنهما تحملان قلباً قوياً. وبعض الناس ساقه مثل ساق الحمار لكنها لا تنفعه، وبعض الناس ساقه مثل ساق البغل لكنها لا توقظه للصلاة، يصول ويجول في الملعب وإذا جاء وقت الصلاة نام فلا يقوم، هاتان الساقان إلى النار، هذا جسم -والعياذ بالله- إلى جهنم، هذا نجم لكن حقه الرجم، هذا بطل لكنها بطل إلى النار. إن البطولة والنجومية والرفعة في أن تملأ هذا القلب بمفاهيم الكتاب والسنة، وتملأ هذا القلب بالإيمان، ثم تترجم هذه المفاهيم في سلوك وعمل واستقامة وعبادة ودعوة، وفي خير للناس وللأمة وللمجتمع. وتدور الأيام دورتها، وتأتي معركة بدر، ويخرج ابن مسعود مقاتلاً في جيش الإسلام، وما مر آخر اليوم إلا وأبو جهل يتشحط في دمه، قد ضربه معاذ ومعوذ ابني عفراء، بضربتين مختلفتين، لكنه لم يمت، ما زال يلفظ أنفاسه، وإذا به يئن من الموت الذي في بطنه، فقد قطعوا بطنه بالسيوف، فقام ابن مسعود على صدره، وأخرج سيفه وأمسك بلحيته، فقال له أبو جهل: لقد ارتقيت مرتقىً صعباً يا رويعي الغنم، يقول: صعدت على مكان لا أحد يصعد عليه -على صدره- قال: فإذا قطعت رأسي فأطل عنقي، أي: لا تقطعني من أعلى الرقبة، اقطعني من أسفل الرقبة، حتى يكون الرأس كبيراً بالرقبة يريد أن يكون رأسه كبيراً حتى وهو ميت، انظروا الكبرياء والأنفة -والعياذ بالله- الغطرسة حتى في الموت، فقام وجز رأسه ثم سحب رأسه يريد أن يذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليخبره بموت عدو الله -فرعون هذه الأمة- فما استطاع أن يحمله؛ لأن ابن مسعود رجل صغير، والرأس هذا رأس ثور -رأس كبير- لا يحمله إلا اثنان من الرجال، فقام وأخرج السيف وخرم في مسمع أبي جهل وربطه بحبل، وأخذ يدهد رأسه وراءه، حتى رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في السقيفة في العريش، ولما رأى الرأس قال: (ما هذا يا ابن مسعود؟! قال: هذا رأس عدو الله أبو جهل، قال: يا ابن مسعود! الأذن بالأذن، والرأس زيادة). أي: مسمع في مكة بمسمع هنا، والرأس مكسب؟ خرم أذنك وأنت خرمت أذنه والله أعطاك رأسه فوق هذا، هذا ابن مسعود دقيق الساقين، والجسد لا يعمل على خدمته إلا بمقدار ضرورته، لا نقول: لا تخدم الجسم، لا. اخدم الجسم، أنت مأمور بهذا، أنك إذا مرضت تتعالج، وإذا جعت تأكل، هذا من الدين، لكن ركز على الأجزاء المهمة فيك.

أهمية الروح في الحياة

أهمية الروح في الحياة الجزء الثاني: الروح، والمقام ليس مقام تفصيل في هذه الأشياء؛ لأن الموضوع آخر، والروح هذه سر من أسرار الله لا يعلمه البشر: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:85] ولا تعرف البشرية من أمر الروح شيئاً، إلا أنها تصعد، قال عليه الصلاة والسلام: (أول ما يتبع الروح البصر). ولهذا ترى الميت إذا خرجت روحه يشخص بصره، فمن السنة أن تغمض بصره، هذه أوصاف ثبتت بالسنة، لكن كنه الروح وحقيقة الروح، إذا نمت أين تذهب روحك؟ الروح في جسدك ملازمة لك مثل الكهرباء في هذا الجهاز الذي تشغله، إذا لم توجد كهرباء لا يشتغل الجهاز. جسدك إذا لم تكن فيه روح لا يشتغل، الجهاز البصري موجود، لكن إذا خرجت الروح هل تشتغل العين، العين هي التي ترى، لكن المشغل للعين: والروح إذا مات الإنسان عينه موجودة لكنه لا يرى، وأذانه موجودة لكنه لا يسمع، وأنفه موجود -جهاز الشم- لكنه لا يشم، وقلبه موجود -جهاز ضخ الدم- لكنه لا يعمل. ولهذا الآن في عمليات زرع الأعضاء، إذا مات الإنسان أخذوا قلبه ووضعوه في وحدة ثانية، ويشتغل قلبه، لماذا يشتغل هنا ولا يشتغل هناك؟ لأن المشغل هناك موجود وهو الروح، إذاً الحياة أين هي؟ في القلب، أو في الرئة، أو في الكبد، أو في الكلى، أو في الجسد كله؟ الحياة بالروح، ما هي الروح؟ سلوا البشر الآن في جامعات الطب، وفي أشهر مستشفيات الدنيا، وتحت المجاهر، تعرفون الروح؟ قالوا: لا. ولو أن الروح شيء يمكن الوصول إليه لكان الناس قد وصلوا إليه؛ لأنهم قد وصلوا إلى ما لا يمكن أن يوصل إليه، اكتشفوا الفيروسات والجراثيم عبر (مكرسكوب إلكتروني) وفيه راديو بالموجات، يكبر، أنا رأيت بعيني في أحد المستشفيات عبر مكبر يكبر ثلاثة مليون مرة، أي: الملي يجعله ثلاثة كيلو، ووضع أمامي الأخ شريحة عليها عينة بسيطة، وإذا بعالم من الجراثيم لا يعلمه إلا الله، فلو أن الروح يمكن أن ترى أو أن تكشف، لكان الإنسان قد اكتشفها، ولكن قال الله: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:85]. وقد قرأت في بعض المجلات أن عالماً من علماء الغرب، أجرى تجربة على حياة إنسان يلفظ أنفاسه، ووضعه في صندوق زجاجي وأجرى له وسائل الحياة وجعل يرصد حركته بحيث يعرف أين تذهب الروح، والأجهزة تعمل، وتخرج الروح ولا يدري أين ذهبت، أنت الآن إذا أتيت تنام، تموت وتخرج روحك، لكنها موتة صغرى، يقول الله عز وجل: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر:42] أي: التي لم تمت يتوفاها وسمّاها الله وفاة، يتوفاها في منامها: {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى} [الزمر:42]. أي: التي في النوم {إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} [الزمر:42] ولهذا ورد في الحديث: (أنك إذا وضعت جنبك، تقول: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي - إن كانت آخر نومة- فارحمها، وإن أرسلتها، فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين) وفي حديث آخر: (باسمك اللهم أموت وأحيا)، (الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور). فالنوم موت، لكنه موت أصغر، فما معنى موت أصغر؟ قالوا: تخرج الروح، لكنها لا تذهب بعيداً، بل تخرج خروجاً جزئياً قريباً من الجسد، ويبقى الجسد موجوداً، فأنت تضع أمام عين النائم ألواناً فلا يراها، وتضع عند أنف النائم عطراً فلا يشمه، تحدث أصواتاً بسيطة عند أذن النائم فلا يسمع، تتكلم عنده وهو نائم فلا يسمع، لماذا؟ لأن الروح ليست موجودة؟ أينها؟ هي قريبة، فإذا كنتم تريدونها تأتي تقولون: فلان فلان انهض، فيستيقظ، ضع له رائحة يشم، ضع له منظراً يرى، وأين كان؟ كان موجوداً قريباً، وأنا أشبهها -وقد قلت هذا في مناسبة- مثل الإجازة القصيرة؛ الروح انفصالها عن الجسد في حالة النوم مثل الموظف الذي يعطى إجازة عن عمله لكنهم يأخذون رقم التليفون، إذا أرادوه قالوا: اتصلوا به. أما انفصال الروح عن الجسد بالموت مثل الفصل، فصل الروح عن الجسد لا تعود إلا يوم القيامة، هذا الجزء الثاني.

النفس وأهميتها

النفس وأهميتها الجزء الثالث من الأجزاء الرئيسية: النفس: وهي موضوع المحاضرة: أسباب تزكية النفس. وأذكر الرابع: العقل، والخامس: القلب، ولسنا بصدد الحديث عنهما، ولكن الحديث سيكون فقط عن النفس.

ذكر النفس في القرآن الكريم

ذكر النفس في القرآن الكريم النفس جاء ذكرها في القرآن الكريم، وهي من أهم أجزاء الجسد، وعلى ضوء صلاحها وتزكيتها، يكون مصير الإنسان، أو هلاك الإنسان إذا كانت غير صالحة، أقسم الله بها في كتابه، قال عز وجل: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:7 - 10]. {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} يقسم الله بالنفس وما سواها، أي: والذي سواها وهو الله. فألهمها: أي: فطرها، كل نفس ملهمة هذين الأمرين: {فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} كل نفس قادرة على أن تسلك سبيل الفجور، وقادرة على أن تسلك سبيل التقوى، لكن من الذي يحدد الاتجاه إلى الطريق السليم أو الطريق الخطأ، أنت: قد أفلح قد فاز قد نجا من زكاها من صعد بها من طهرها من نقاها من اعتنى بها قد أفلح من زكاها. وقد خاب: خسر أو هلك -والعياذ بالله- من دساها، دنسها قذرها وسخها مرغها كل العبارات السيئة يمكن أن تضيفها في هذا الجانب. {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} ومن الذي يزكي نفسك ويدسيها؟ أنت، ولا تتصور أن أحداً غيرك يمكن أن يقوم بهذه المسئولية، ولهذا جعل الله الجزاء يوم القيامة على هذا، تستحق الجنة، إذا زكيت نفسك، ومتوعد الوعيد في النار إذا دس العبد نفسه، وأقسم الله عز وجل بها في قوله عز وجل: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ} [القيامة:1 - 2]. قوله: (ولا) لا عمل لها، أي: أقسم بيوم القيامة، وأقسم بالنفس اللوامة، ويخبر الله عز وجل في كتابه الكريم أن دورك في عملية هذه النفس هو المجاهدة والنهي لها والرفض لكل حركاتها، وقصرها على الطاعة، هذا دورك أنت، يقول الله عز وجل: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:40 - 41] اللهم إنا نسألك من فضلك يا أرحم الراحمين، كم هو عظيم أن يكون مأواك ومأواي الجنة، اللهم إنا نسألك من فضلك يا أرحم الراحمين. إذا قلت مأواك (الفلة) مأواك المزرعة العمارة، لكن مأواك الجنة، عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فيها القصور العالية، فيها الأنهار الجارية، فيها الثمار اليانعة، فيها الزوجات الجميلات، فيها ولدان مخلدون، وبعد ذلك أبد الآبدين، ليس ستين أو سبعين سنة ثم تخرج. إذا نزلت من العمارة وسكنت فيها ستين سنة، أنزلوك على رأسك، لكن في الجنة: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا} [المائدة:37] {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [النساء:57]، في نعيم لا يتصوره العقل، يقول الله عز وجل: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة:17] كل ما خطر، اذهب بخيالك كل مذهب، وتصور كل نعيم ثم قف بخيالك، عاجزاً أن تتصور ما في الجنة من النعيم، وأعلى نعيم في الجنة وأعظم نعيم في الجنة النظر إلى وجه الله الكريم، في الدار الآخرة، هل هناك أعظم من هذا النعيم؟ نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهله، اللهم متع أبصارنا بالنظر إلى وجهك الكريم في الدار الآخرة يا رب العالمين.

تفسير كلمة الهوى

تفسير كلمة الهوى هل هناك أعظم من سماع خطاب رب العالمين في الجنة؟ يقول عليه الصلاة والسلام: (ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان) يكلمك رب العالمين، من أنت؟ أي رفعة وأي عزة؟ وأي مكان أعظم لك من أن تكون طرفاً في مناقشة وفي محادثةٍ الله الطرف الثاني فيها؟ وأي فخر وأي عزة -أيها الإخوة- لماذا نضيع هذا؟ ومتى تناله؟ بهذا الشرط: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات:40] فقط خاف مقام الله، خاف وقوفه بين يدي الله، فاتق الله وضع بينك وبين عذاب الله وقاية، وبعد ذلك انه النفس عن الهوى، ما هو الهوى؟ المزاج. الذي يقول أكثر الناس الآن: على مزاجي، أو على هواي، لا. لست على كيفك ولا على مزاجك، ولا على هواك، أنت على مراد خالقك ومولاك، أنت على مراد ربك، أنت عبد مقهور لمعبود قوي قهار، أمرك ونهاك، لم يدع في حياتك جزئية من جزئياتك إلا وعليها أمر ونهي، كل حركة من حركاتك عليها أمر ونهي، منذ أن تفتح بصرك، من يوم أن تستيقظ إلى أن تغمض بصرك وأنت نائم، ما تنفك عن أمر لله أو نهي لله. حتى المباحات ليس لها علاقة في الدين، افعلها أو لا تفعلها، لكنك إذا فعلتها بنية حسنة تتحول إلى دين، يقول عليه الصلاة والسلام: (وفي بضع أحدكم صدقة) ويقول: (تبسمك في وجه أخيك صدقة) ويقول: (إماطة الأذى عن الطريق صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة) كل هذا تعظيم من الله سبحانه وتعالى لشأن هذا الإنسان. وقد كنت مرة من المرات، أجلس مع رجل في بلد إسلامي في مؤتمر للإعجاز العلمي، ومعنا رجل كافر من أشهر أهل الأرض في علم الجولوجيا وهو من إحدى البلدان الغربية، وألقى محاضرة على الناس، ودلل بالدليل العلمي عن طريق الشرائح والأبحاث والصور التي التقطت عن طريق الأقمار الصناعية، والتي تغوص حتى في باطن الأرض، دلل على أن كل جبل في الدنيا له وتد في الأرض، وقرأ قوله تعالى: {وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً} [النبأ:7] الجبال أوتاد لتثبيت الأرض: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل:15]. أي: لئلا تميد بكم، لولا الجبال كانت الأرض تميد، لكن الله أرساها: {وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} [النازعات:32]. ثبت الأرض بالجبال، وكل جبل جزئين منه فوق وثلاثة أجزاء تحت، إذا وضعت وتداً للخيمة أي جزء أكثر في الأرض فوق أو تحت؟ الذي تحت، لو جعلت -مثلاً- الجزء الأعلى سقطت الخيمة، لكن تثبت الخيمة بوضع ثلثي الوتد أسفل، وهذا الذي يحصل الآن في الجبال. وعندما انتهى من المحاضرة سألت الذي بجانبي، وكانت المحاضرة مترجمة وعندي جهاز يترجم، قلت: هذا آمن بلسانه، كلامه كله يدل على الإيمان حتى القرآن قرأه، هذا مسلم؟ قال: لا. لم يسلم إلى الآن، فقلت في نفسي: سبحان الله! سبحان الله! يقول الله: {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا} [الأعراف:146]. ثم سبحان الله في ثالث ليلة وكنا في المطعم، جلست أنا وأحد الإخوة نتعشى فعرف ذاك، قال: لنذهب نتعشى معه -وكان وحده- قلت: لا والله لا أذهب معك، كيف آكل مع كافر؟ قال: لنذهب يا أخي! ندعوه إلى الإسلام، قلت: ليس عندي مانع، فقمنا وأتينا إليه وجلسنا فعرفه بي وقال: فلان من السعودية ويدعوك إلى الإسلام، وقد أعجب بمحاضرتك، وسمع استشهاداتك العلمية، فقال لي -انظروا شبهته، شبهة بسيطة جداً هي التي أوقفته عن الإسلام- يقول: أنا أعرف أن الإسلام هو الحق، وأن هذا القرآن من عند الله، وأن الرسول نبي من عند الله، إذ لا يمكن أن يعرف هذا الكلام إلا رسول موحى إليه، ولكني أكره في الإسلام شيئاً واحداً، وهو: أن الإسلام يتدخل في جزئياتي الشخصية، يجعلني آكل نوعاً معيناً من الطعام، وأترك أنواعاً، ويجعلني آتي نوعاً من النساء وأترك أنواعاً، وأنا إنسان أحب أن أكون حراً آكل ما أشاء وأرفض ما أشاء، وأنكح من أشاء، قلت: هذه فقط، قال: فقط، قلت: قل له: نحن المسلمون نعتبر هذا وساماً نعلقه على رءوسنا، أن الله يكرمنا لدرجة أنه يحدد لنا أمورنا بحيث لا نأكل إلا بأمره، بدلاً من أن آكل بشمالي آكل بيميني، ومن الذي أمرني أن آكل بيمني؟ ربي، هذا شرف أم ليس بشرف؟ شرف أن الله يأمرك كيف تأكل، بل يعلمك كيف تدخل الحمام وكيف تخرج من الحمام، أي عزة للإنسان نالها في ظل الإسلام. ثم قلت له: هذه الشهوات التي تتمتع بها، وهذه الأمور أليس فيها طيب وغير طيب؟ بالعقل وبصرف النظر عن الدين. قال: نعم. قلت: أي شيء حرمه عليك الشرع والدين وهو طيب؟ وأي شيء أباحه لك الشرع وهو غير طيب؟ قال: لا يوجد. لأنه يعلم أن الزنا حرام وخبيث يجر إلى الإيدز وإلى الفساد. وآخر ما قرأت في مجلة أن في بلد إسلامي -قريب- فيه فنادق تمارس فيها الجرائم، وبعد ذلك صدر أمر بالقبض على البغايا، وحللوا فوجدوا إحدى وثلاثين منهن يحملن فيروس الإيدز، الذي يأتي عن طريق الزنا، والعلاقات المحرمة والعياذ بالله. فالله عز وجل لم يحرم الزنا وفيه خير: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] فاعترف الرجل لي أن كل ما أحله الله طيب، وكل ما حرمه الله خبيث، لكن: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة:41].

نهي النفس عن الهوى

نهي النفس عن الهوى النفس هذه مهمتك أن تنهاها عن الهوى والمزاجية، وأن تخضع الهوى للشرع، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) هذا معيار، هل هواك الآن ومزاجك تبعاً لما جاء به الرسول أم ما جاء به الرسول تبعاً لهواك؟ بعض الناس الآن ما جاء به الرسول من الدين تبعاً لهواه، إن أراد شيئاً أخذه وإن لم يرده تركه، ولهذا يصلي الظهر في الدوام، ولا يصلي الفجر في المسجد، ولا يصلي العصر في المسجد، لماذا؟ لأن صلاة الظهر توافق الهوى؛ لأنه يريد أن يتخلص من المكتب ويذهب يتطهر ويجلس ويتأنى ويصليها من وقت الدوام، ولهذا لا أحد يترك صلاة الظهر في المسجد. لكن اختبره بصلاة العصر، إذا خرج الساعة الثانية والنصف من الدوام، ووصل البيت الساعة الثالثة إلا ربع أو الثالثة تماماً، وتغدى وملأ بطنه، ثم أذن العصر، فهنا يكون الإيمان الصادق، هل ما جاء به الرسول هو الذي يحكمك، أم الهوى؟ وإن كنت قد نمت وتركت الصلاة فالذي يحكمك هواك، وهو ليس تبعاً لما جاء به الرسول، ولكن ما جاء به الرسول تبعاً لهواك، أخذت منه صلاة الظهر وضيعت العصر، وبعد ذلك يقوم الساعة الرابعة والنصف أو الخامسة ويقعد يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان، قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً، ثم ذهب يصلي المغرب، والعشاء ربما، لكن إذا بحثت عنه في الفجر لا تجده، ما هذا الانتقاء؟ كأنه ينتقي ويختار، وكأنه يخطئ الواحد القهار، فيأخذ الذي يناسبه، ويترك الذي لا يناسبه، هذا ليس بدين، ولهذا يقول الله: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء:103] أي: معلوماً مفروضاً محدداً. ليس لك حق أنك تأخذ الذي تريد وتترك الذي لا تريد، أنت عبد، والله يقول: انهض الساعة الرابعة والنصف للصلاة فتجعلها الساعة السابعة من أجل الدوام، وتقوم تصلي وتذهب للدوام، وإذا لم يكن هناك دوام فإنه لا يصلي إلا الساعة العاشرة؛ لأن الخميس والجمعة ليلة سهرة، وصلاة الفجر الله يرحمها، ما هذا -أيها الإخوة-؟! (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه -مزاجه، فكره- تبعاً لما جئت به) ويقول عز وجل: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية:23] اتخذ إلهه هواه ليس مولاه، ولا خالقه ولا سيده، فماذا حصل لما اتخذ إلهه هواه: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية:23] أضله الله على علم؛ لأنه اتخذ إلهه هواه، ولو أنه اتخذ إلهه مولاه لهداه الله، لكن لما اتخذ إلهه هواه أضله الله: {وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ} [الجاثية:23] ختم على سمعه فلا يسمع كلام الله، وإن سمع لا يدخل، تصبح أذنه فيها وقر، يسمع كلام الله فلا يبالي كأنه يكلم غيره، وقلبه مقفل لا تدخل فيه موعظة: {وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} [الجاثية:23]. غشاوة أي: حواجز لا يرى بسببها طريق الخير، ولا يرى طريق النور، ويراها بصورة غير صحيحة، قال عز وجل: {فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:23] من أين يأتي هذا كله؟ نتيجة اتخاذك للهوى إلهاً من دون الله عز وجل.

دور الإنسان أمام نفسه

دور الإنسان أمام نفسه أقول: ما هو دورك أمام هذه النفس؟ دورك أمامها الحرب، إن أردت النجاة، فأعلن الحرب على النفس، وقل لها: يا نفس! لا بد من أن نعرف كيف نتعامل معك؟ وأن نخضعك غصباً لأمر الله، النفس من طبيعتها أنها تحب الدعة وتكره القيود، وتحب الشهوات وتكره الطاعات، وتحب النوم وتكره الصلاة، وتحب الأغاني وتكره القرآن، وتحب الدخان وتكره الطيبات، لماذا؟ لأنها نفس أمارة بالسوء، تحب هذا كله، لكن أنت ما دورك مع النفس؟ أن تأخذها بصوت التربية والتهذيب، ولا تكن عبد نفسك. يقول ابن القيم رحمه الله: الناس رجلان، رجل امتطى نفسه فجعلها فرساً له يسير بها في طاعة الله، ورجل ركبت عليه نفسه فجعلته حماراً لها تسيره في معصية الله. ولهذا بعض الناس حمار نفسه، تقول له: أين أنت؟ قال: والله نفسي قالت: أسهر الليلة في الفندق، والليلة الثانية يقول: نفسي الليلة أسهر على فلم نفسي تقول لي أن أنام، عجيب هذا! نج نفسك إذا مت، دعها تنفعك ذاك اليوم: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ} [النازعات:40]. وأنت جالس على نفسي نفسي، لا. خالف النفس، لابد من مخالفة النفس ومحاربة النفس ومعاداة النفس حتى تستقيم على أمر الله.

أنواع النفوس

أنواع النفوس النفوس كما ذكرها ابن القيم، ثلاثة أنواع: نفسٌ أمارة بالسوء، ونفسٌ لوامة، ونفسٌ مطمئنة، وقد جاء ذكرها في القرآن الكريم، متى تكون أمارة؟ ومتى تكون لوامة؟ ومتى تكون مطمئنة؟ قال ابن القيم رحمه الله: النفس الأمارة بالسوء هي: نفس الإنسان بالبداية؛ لأنها تريد أن تهلكك، فهي تأمر بالسوء، وليست آمرة، لا. أمّارة، وعلماء اللغة يقولون: هذه العبارة تعني: المبالغة، عندما تقول: فلان يأكل، لكن إذا قلت: فلان أكّال، أي: لا يترك شيئاً، فلان لاعب لكن فلان لعّاب، صيغة مبالغة. هذه النفس ليست آمرة، بل أمَّارة، أي: شأنها باستمرار، أن تأمر بالسوء، والسوء أي: السيئات، والمعاصي، والشرور، والآثام. وأعطيك مثالاً الآن، في رمضان إذا وقفت بعد الإمام في صلاة التراويح، كم يصلي أكثر الأئمة؟ عشر ركعات أو ثمان ركعات، وفي الحرم يصلون عشرين ركعة، والصلاة لا تستغرق أكثر من ساعة، كيف تدخل نفسك عليك في هذه الصلاة؟ وتضخمها وتطولها وتهولها، وإذا أكملت التسليمة الأولى، أتت النفس وقالت: يالله، بقي تسع ركعات من يقوم لها ويقعد؟ وكل قليل تراه ينظر في الساعة، ويقدم رجلاً ويؤخر أخرى، وإذا ركع رجم بنفسه من أعلى، وإذا قام الإمام من التسليمة الثانية جلس إلى أن يقرأ الإمام الفاتحة، وبعضهم يجلس إلى أن يركع الإمام ثم يقوم. من أجل ساعة لله كيف تفعل النفس؟ وعندما تكمل صلاة التراويح، ويخرج إلى السوق، والزوجة الله يكرمك تقول: ما عندي حذاء خذ لي حذاء، وأين تذهب بها؟ في سوق الأحذية الأوروبية، وتدخل من معرض إلى معرض ومن دكان إلى دكان، وبعد ذلك تخرج وتقول: لم أجد المطلوب، وتصل البيت تنظر الساعة من الساعة الحادية عشرة إلى الساعة الثانية، ثلاث ساعات من أجل حذاء وما تعبت، وساعة من أجل الكبير المتعال وخرجت وأنت متعب. يقول بعضهم: يا شيخ! الإمام هذا فتان، والله ما أكمل الصلاة إلا وقد كسر ظهورنا، الله يكسر ظهره، الله ينصرنا عليه، والله لا أصلي معه، لماذا؟ قال: يا شيخ! هذه ليست تراويح، هذا تهجد، يتهجد بنا من أول رمضان، لا إله إلا الله! انظر نفسك أمام مشاهدة كرة القدم، إذا انتهى الوقت النظامي للمباراة، وهو تسعون دقيقة، والمباراة على كأس والفريقان متعادلان، يتمنى كل مشاهد ألا يدخل جول في تلك اللحظات، لماذا؟ قال: من أجل التمديد لوقت إضافي، لكي نرى كذلك نصف ساعة كرة، وهم وقوف في المدرجات، يصلون لكن للكرة، لماذا النفس تجعلك هنا ولا تجعلك هناك؟ إنها أمارة بالسوء، خذ صحيفة وخذ مصحفاً، الصحيفة تقرؤها حرفاً حرفاً، من أولها إلى آخرها، والمصحف من أول ما تراه، بعضهم يقول: شكراً ما نريد، الحسنات كثيرة لا نريد قرآناً. لكن ما هو دورك أنت مع نفسك؟ دورك أن تتدخل، تأتي النفس تقول لها: الصلاة فتقول: إنها متعبة، تقول: لا. صلي، والله لن تخرجي إلا بعد آخر ركعة، يقول لي أحد الإخوة من إخواننا الشباب جزاه الله خيراً، يقول: سمعت درساً لك، وآليت على نفسي أني لا بد أن أربيها، وقلت: أول تربية لها في رمضان، يقول: لأول مرة في حياتي أصلي عشرين ركعة في الحرم، يقول: كنت أصلي تسليمة أو تسليمتين وبعد ذلك أخرج، وإذا تقويت ثلاثاً أو أربعاً، لكن أكمل عشرين ركعة، هذا مستحيل في حياتي، يقول: وفي أول ليلة من رمضان، قلت: والله لو تكسرت تكسيراً سوف أصلي عشرين ركعة، يقول: وصليت وجاء آخر رمضان والله ما وسوست لي ولا قالت لي كلمة؛ لأنها عرفت أن معها رجلاً، لكن لو أنه جلس يماليها ويشاورها، قالت: نم. الآن شارب الدخان، هل يستطيع أن يشرب الدخان في نهار رمضان؟ لا يفكر أبداً؛ لأنها عرفت أنه مصمم لا يقرب الدخان، لكن إذا أفطر وأذن للمغرب وأتى بتمر، تأتي النفس وتقول: واحدة فقط، وقام يدخن، ويشرب، لماذا ما أتته في العصر أو الظهر؟ لأنها علمت أنه لا يطيعها، وهذه النفس كما يقول البوصيري: النفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم فاصرف هواها وحاذر أن توليه إن الهوى ما تولى يَصم أو يُصم

أمثلة من حياة السلف على مجاهدة النفس

أمثلة من حياة السلف على مجاهدة النفس أحد السلف، وهو صلة ابن أشيم العدوي، الشهيد ابن الشهيد، كان في الجهاد، ومات شهيداً، وكان يقوم في الليل، ويجاهد في النهار، كانوا فرساناً في النهار رهباناً في الليل، يقال عنه: أنه كان إذا قام من الليل ثم فتر، أخذ السوط وقام يضرب رجليه، ويقول: والله إنك لأحق بالضرب من دابتي، تتعبين من الصلاة، فتقوم رجله تصلي، إما صلاة وإما ضرب. هؤلاء الرجال يا إخواني! وهؤلاء الأبطال، هم الذين عرفوا كيف يربون أنفسهم، يقول ثابت البناني: [جاهدت نفسي على قيام الليل عشرين سنة، وتلذذت بها عشرين سنة أخرى]. ويقول سعيد بن المسيب: [والله ما نظرت إلى ظهر مصلي أربعين سنة] في الصف الأول، لا يُعرف وجهه، ولا سمع الأذان من خارج المسجد أربعين سنة، ما يؤذن المؤذن إلا وهو في الروضة إلا ليلة واحدة سمع الأذان من خارج المسجد وهي ليلة زفاف ابنته على أبي وداعة، وأبو وداعة تلميذ من تلاميذه، ماتت زوجته، ولما توفيت جلس في عزائها ثلاثة أيام فافتقده الشيخ سعيد بن المسيب إمام التابعين، فقال: [أين أنت؟ قال: توفيت زوجتي وجلست في عزائي والتجهيز لها، قال له: أتريد زوجة؟ قال: من أين؟ -فقير ما عنده شيء- قال: أزوجك ابنتي، ترضى؟ قال: نعم. أرضى] ومن الذي لا يرضى أن يتزوج بنت سعيد بن المسيب وقد خطبها أمير المؤمنين الخليفة الأموي لولده، وجاء بعشرات الجمال محملة بالذهب والفضة والملابس، ولما وصلت إلى المدينة، ردها وقال: ابنتي مخطوبة، لا نريد أن نزوجها، ثم زوجها لـ أبي وداعة، وعقد له ذاك اليوم بعد العصر، وراح أبو وداعة إلى البيت، ولما جاء بعد المغرب، تذكر سعيد بن المسيب أن أبا وداعة، سينام هذه الليلة وليس عنده زوجته، وهذه زوجته عنده ولا يجوز أن يبقيها في بيته، فقال للبنت: انهضي، قالت: أين؟ قال: زوجتك بأحد التلاميذ، ولا بد أن تنامي هذه الليلة في بيته، قالت: حسناً. ما قال له: نريد قصر أفراح، ونريد شرعة باثني عشر ألفاً، ثم في النهاية يطلقها بعد شهر؛ لأنه زواج قام على غير طاعة الله، وما قال: نريد قصراً فخماً، وستين خروفاً، وأربعين أو خمسين سيارة، وسيارة مزينة يلبسونها بعشرة آلاف، زينة السيارة! أين هذه العقول الضالة؟ انظروا هذا الرجل العظيم قال لابنته: انهضي، وذهبت معه في يده حتى وصل إلى باب أبي وداعة وطرق الباب وهو يؤذن للعشاء، قال: [من بالباب؟ قال: سعيد، قال: من سعيد؟ -يقول أبو وداعة: تصورت كل سعيد في الدنيا إلا ابن المسيب؛ لأن هذا الوقت ما هو في البيت في المسجد- قال: سعيد بن المسيب، قال: ففتحت الباب، يقول: فلما فتحت الباب، أخذ البنت ودفعها من ظهرها، وقال: هذه زوجتك، ذكرنا أنك تنام هذه الليلة عزباً فكرهنا، خذ بارك الله لك] فدخلت بنت سعيد بن المسيب، وجلس معها أياماً، ولما أراد أن يذهب إلى بيت الشيخ سعيد من أجل أن يطلب العلم، قالت: إلى أين؟ قال: إلى الشيخ سعيد؟ قالت: ولم؟ قال: أطلب العلم، قالت: اجلس فعندي علم سعيد. تقول: الذي عند سعيد هو في رأسي، كان يربيها على الدين، ما رباها على الفساد، ولا أحضر لها دشاً من أجل أن يمطرها بما في الأرض من فساد، كما يفعل بعض الآباء اليوم فيذهب يشتري دشاً بخمسة عشرة أو بعشرين ألفاً ويضعه فوق بيته من أجل أن يغرق زوجته ويغرق ابنته ويربيهم إلى آخر الليل وهم يطاردون الإذاعات والقنوات، من قناة إلى قناة، كلما أغلقت قناة حولوا قناة أخرى، حتى أن بعضهم إذا جاء ينام، لا يستطيع أن ينام، لا يستطيع أن يغمض عينه، قد يبست عينه، ثم يغمضها حتى تغمض وصلاة الفجر الله المستعان لا حول ولا قوة إلا بالله! فلا بد -يا إخوة- من مجاهدة النفس. الأنفس كما قلت ثلاثة: أولاًَ: أمّارة بالسوء: وهي نفس الإنسان في بداية الطريق، وبعد ذلك إذا رأت أنه رباها، اعتدلت وصارت تأمر بالخير، لكنها أحياناً تسقط وتأمر بالشر، لكن تلومك على فعل الشر، ثم بعد ذلك إذا ربيتها أكثر ترفعت، وصارت نفساً مطمئنة، وإذا أصبحت مطمئنة لم يكن لها مكان في الدنيا إلا الجنة، يقول الله: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30].

أسباب تزكية النفوس

أسباب تزكية النفوس وموضوع الدرس هو (أسباب تزكية النفس) كيف تزكي هذه النفس؟ خذوا الأسباب:

تلاوة كتاب الله

تلاوة كتاب الله السبب الأول: تلاوة كتاب الله الكريم: أعظم علاج لهذه النفوس، وأعظم دواء لهذه القلوب، يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:57 - 58]. هذا هو العلاج الرباني والدواء الإلهي لأمراض النفوس، كتاب الله، ويوم أعرضت الأمة عن كتاب الله مرضت وتدهورت، بل ماتت إلا من رحم الله، تصور أنك إذا قرأت القرآن شافى الله قلبك ونفسك، أجل علينا أيها الإخوة بالعودة الصادقة إلى كتاب الله. أولاً: قراءة القرآن بالتجويد والترتيل؛ لأن الله أنزل القرآن هكذا، لا يقرأ كما تقرأ الصحيفة لا. لا بد أن تقرأ القرآن بالترتيل، يقول الله: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل:4] لا بد من الترتيل، ويقول ابن الجزري في منظومته: والأخذ بالتجويد حتم لازم من لم يجود القرآن آثم لأنه به الإله أنزلا وهكذا منه إلينا وصلا وهو أيضاً حلية التلاوة وزينة الأداء والقراءة الآن إذا قرأ رجل بتجويد، وقرأ آخر بدون تجويد، ما رأيكم بالقراءتين؟ ومعنى تجويد أي: تحسين وضبط. عندما تقول للعامل وهو يبني لك جداراً، تقول: جوِّد البناء، جوِّد المكان، أي: أتقن، كذلك القرآن هو أولى بالإتقان، وأولى بالتجويد، فأولاً: يجب أن تعود إلى القرآن عن طريق شيخ، والحمد لله لقد قامت الحجة على العباد، ما من مسجد إلا وفيه عالم يدرس القرآن للأطفال والكبار، قالوا: الكبار مشغولون، نقول: القرآن ما أنزل لمخاطبة الصغار -يا إخواني- القرآن هذا للأمة كلها كبيرها وصغيرها، يجب أن يجلس الكبير والصغير والشيخ والطفل كلهم عند ركب العلماء لتعلم القرآن، وهل لك عمل غير كلام الله؟ أي: ما تتجرد أن تكون مشغولاً بالقرآن، مشغول بالجلوس في الدكاكين وفي مكاتب العقار، وفي الشوارع، وعلى رءوس الطرقات، مشغول بمتابعة الأخبار والمباريات، هل هذا شغل؟ أشغل نفسك بكلام الله، إنها والله مصيبة على الأمة، أن تعزف عن القرآن. فمرضت النفوس بأسباب عدم التداوي بالقرآن الكريم، ولذا نقول لكل مسلم من الآن: برمج أيامك ووقتك، بين المغرب والعشاء، لا تشتغل بعمل، ولا تذهب إلى وليمة ولا تذهب إلى سوق ولا إلى مكان إلا في المسجد، ابدأ بالحفظ؛ لأن الله عز وجل أثنى على الذين يحفظون القرآن، قال الله عز وجل: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:49] اللهم اجعلنا وإياكم منهم. وأشراف الأمة هم حفظة القرآن الكريم، ومن حفظ القرآن فقد استدرج النبوة غير أنه لا يوحى إليه، والله أثنى على القراء في قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر:29] كل تجارة معرضة للربح والخسارة إلا التجارة مع الله لن تبور، ما هي التجارة؟ قال عز وجل: {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:30] قراءةً وحفظاً وعملاً وتطبيقاً ودعوةً. يقول لي أحد المسئولين في أحد السجون: كان عندهم سجين محكوم عليه بعشرات السنين في قضية مخدرات، يقول: وفشلت كل وسائل التوجيه والضرب والتعزير له عن السلوك السيئ في السجن فهو شرير، ويضاف -أيضاً- فله سنوات على ما هو فيه ولا يبالي، يقول: ويأتي أحد الدعاة، ويتكلم مع السجناء، ويدل الناس على القرآن الكريم، ثم يأتي هذا المسجون بنفسه ويسأل قال: أنا أسمع أن هناك مكرمة للذي يحفظ القرآن أنه يسقط عليه من سنوات السجن، هل هذا ينطبق عليَّ؟ قال: لا أدري نسأل لك، وسأل آمن السجن، قال: نعم. ينطبق عليه. قال: إذاً أنا بدأت أحفظ، يقول: ويحفظ القرآن كاملاً عن ظهر قلب، وهو صاحب مخدرات، يقول: وتستقيم أخلاقه وتتغير حياته، ولم يعد ذلك الشرير، ولا ذلك السيئ، وإنما ذلك الرجل الهادئ، لا نراه إلا والمصحف في يده، لا نراه إلا قواماً في الليل، ويتغير كل الذين كانوا معه في غرفته إلى طيبين، فقد أثر فيهم، ويقول: أيام وليال وتأتي المكرمة ويخرج من السجن، وكان قد دخل في السجن في قضية أخرى، وكلما أخرجوه عاد، يقول: في آخر مرة عندما خرج وهو حافظ القرآن، خرج داعية إلى الله، واستقامت أموره، وصلحت أحواله، وهو الآن من أحسن الناس ديناً في المنطقة الغربية، بسبب القرآن. أول شيء وأول سبب وأعظم سبب لتزكية النفس القرآن، وستبقى النفس هينة وستبقى النفس مريضة كلما ابتعدت عن القرآن الكريم، ولذا نقول قولاً -أيها الإخوة-: اعمروا حياتكم بكتاب الله، ولا يمر عليكم يوم إلا بتلاوة من القرآن، واقرأوا في مجالسكم ومع أولادكم شيئاً من القرآن، واسمعوا إذاعة القرآن، واسمعوا أشرطة القرآن، واجعلوا أنفسكم دائماً مع القرآن، هذا السبب الأول.

دراسة سنة النبي صلى الله عليه وسلم

دراسة سنة النبي صلى الله عليه وسلم السبب الثاني: من أسباب تزكية النفس، دراسة سنة النبي صلى الله عليه وسلم: فإنها المكملة للقرآن والموضحة له، وهي أحد الوحيين، وهي التي فصلت لنا كتاب الله، وما جاء صلى الله عليه وسلم بشيء منها من عنده، وإنما هو من عند الله: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:4]. وما ينطق عن الهوى صلوات الله وسلامه عليه، فاجعل لك موعد مع السنة، اختر كتاباً من كتب السنة، وليكن بلوغ المرام، أو رياض الصالحين، واقرأ يومياً حديثاً واحداً، ثم أتبعه على زوجتك، وعلى أولادك، ثم بالتليفون كلم به زميلك، ثم احفظ في كل يوم حديثاً، كم يكون لديك بعد سنة؟ تكون عالماً من العلماء، إذا عندك ثلاثمائة وستون حديثاً، خلال سنة واحدة، هذا علاج للنفس، لكن القرآن مرفوض والسنة مرفوضة، والنفوس مريضة ومتى تتعالج، أردنا أن نعالجها فوضعنا (الستلايتات) فماتت، كان فيها بصيص، فجاء هذا وقضى على البقية الباقية، إن علاج النفوس في كتاب الله، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كثرة ذكر الله عز وجل

كثرة ذكر الله عز وجل الدواء الثالث من الأدوية، التي تعالج النفس وتزكيها: كثرة ذكر الله: وهذا كالإجماع عليه بين الأمة، يقول ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى في الجزء العاشر في السلوك، وقد سئل عن أفضل عمل قال: أما أفضل عمل فهو كالإجماع بين الأمة أنه ذكر الله، ويستشهدون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم في السنن: (ألا أدلكم على أفضل الأعمال عند ربكم، وأزكاها عند مليككم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم، فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم، قلنا: بلى يا رسول الله! قال: ذكر الله عز وجل). ويروي الترمذي عن عبد الله بن بشر وذكره صاحب جامع العلوم والحكم وأضافه إلى الأربعين النووية، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقال: (يا رسول الله! كثرت عليّ شرائع الدين، فأخبرني بعمل أتشبث به وأوجز -يقول: لا تكثر عليّ، ولكني سأمسك العمل هذا، فقال له صلى الله عليه وسلم في جواب يدل على نبوته، بل من دلائل نبوته أنه أوتي جوامع الكلم- قال له: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله) لأن اللسان الرطب من ذكر الله لا يمكن أن يعمل المعاصي، هل الزاني يزني ويذكر الله؟! هل شارب الخمر إذا شرب الخمر يذكر الله؟! الذي يشرب الدخان ويقول: بسم الله الرحمن الرحيم! الذين ينظر إلى الأفلام هل يمكن أن يذكر الله؟ لا. من الذي يعمل هذه الجرائم والمعاصي؟ الغافل عن الله، لكن من يذكر الله، ورطب لسانه بذكر الله، وعينه تدمع من خشية الله، وقلبه منور بخوف الله، هذا ينجح بإذن الله، ويفوز في الدنيا والآخرة. فكيف أذكر الله؟ يقول الله تبارك وتعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] والله يمتدح الذاكرين فيقول: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:35] ويقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] ما هو الذكر؟ قال العلماء: الذكر خمسة أنواع: النوع الأول: ذكر الله عز وجل عند ورود أمره، إذا ورد عليك أمر الله وقمت بتنفيذ أمره فأنت ذاكر حقيقي، لأن الله يقول: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:14] لكن عندما تنام وهو يؤذن وتقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر وأنت نائم، فأنت ذاكر صوري، لا. إذا سمعت أمر الله فانهض، هذا الذكر الحقيقي، ذكر الله عند ورود أمره. النوع الثاني: ذكر الله عند ورود نهيه، إذا كنت في الشارع ورأيت امرأة متبرجة فاتنة، وذكرت الله وخوفك من الله، وذكرت أن الله مطلع عليك، وغضيت بصرك، هذا الذكر الحقيقي، أنت ذاكر لله: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:135 - 136]. هذا أهم شيء، أن تذكر الله عند الأمر فتقوم به، وأن تذكر الله عند النهي فتتركه. النوع الثالث: ذكر الله في الأحوال والمناسبات: فإنه ما من حالة إلا ولها ذكر من حين أن تستيقظ حتى تنام، إذا استيقظت تفتح عينك وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور. وعندما تدخل الحمام، قبل أن تدخل، تقدم اليسار وتقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، ومن الرجس النجس الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم، فإذا أكملت الوضوء وقضاء الحاجة وخرجت، تقدم اليمنى وتقول: غفرانك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني. وكذلك عند دخول المسجد والخروج منه، وأذكار النوم وأذكار اليقظة، وأذكار الأكل، وأذكار النكاح، وأذكار لبس الثوب، وأذكار نزول المطر، وكل شيء له ذكر. وحالة الذكر يجب عليك أن تعرفها، وتحفظها وتقولها وهذا معنى حديث عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم: (كان يذكر الله في سائر أحواله) أي: في كل أحواله، وفي ملابساته، التي كانت تلابسه خلال حياته. النوع الرابع: الذكر العددي الذي شرعه الشارع وحدد فيه عدداً معيناً، مثل قوله صلى الله عليه وسلم والحديث في البخاري: (من قال في يوم مائة مرة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، كتب الله له مائة حسنة وحط عنه مائة خطيئة، وكانت حرزاً له من الشيطان، وكان كمن أعتق عشر رقاب، ولم يأت أحد بأحسن أو أفضل مما جاء به إلا رجل قال مثلما قال أو زاد). لا بد أن تأتي بالمائة بالضبط؛ لأن العدد هنا مقصود، ما دام حدد العدد في الشرع، فإن العدد مراد، وإذا زدت فلا بأس، لماذا؟ لأنه في الحديث قال: (أو زاد) لكن إذا لم تأت زيادة فحدد مثل حديث مسلم: (ومن قال عقب الصلاة: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، ثم قال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفر الله له ذنوبه ولو كانت كزبد البحر). انظروا الجزاء -يا إخواني- والعمل بسيط، العمل لا يتجاوز دقيقتين، لكن الجزاء أن يغفر الله ذنبك ولو كان كزبد البحر، لكن الشيطان يحرص على ألا تقولها، فيذكرك بشيء حيث تخرج قبل أن تقولها، أو تقولها بغير عدد، ما إن ينصرف الإنسان من الصلاة حتى يبدأ يقول: كذا، وهذا ليس تسبيحاً، هذه بسبسة، التسبيح: سبحان الله والحمد لله والله أكبر، سبحان الله والحمد لله والله أكبر، سبحان الله والحمد لله والله أكبر، وإذا قاطعك أحد وشغلك لا تنشغل به، تعد هذا كالذهب، والله أعظم من الذهب، والله لسبحان الله هذه أعظم من الدنيا وما عليها، إذا كانت تملأ ما بين السماء والأرض كيف تضيعها؟ لكن بعضهم يسبح ولا يعد، ولا يعلم أنهن مستنطقات، فعليك أن تعد وتحصر حتى تأتي بتسعة وتسعين، ثم تقول: لا إله إلا الله، وترجو الله أن يقبل منك، الآن إذا استلمت الراتب، تعده أولا تعده؟ تعده وقلبك مفتح وعيونك مركزة، وتفركها، لئلا يكون هناك نقص وإذا أتى شخص وحياك، أو سلم عليك وأنت تعد تقول: السلام عليكم، واحد اثنين ثلاثة أربعة خمسة عشر ستة عشر ثمانية عشر، لماذا؟ لأن هذه فلوس، لا يمكن أن تعدها وأنت لاهٍ عنها، لأنها حلت في قلبك. تذكر كتب العلم: أن سليمان بن داود كان على البساط، والله قد سخر له الريح تجري بأمره رخاءً حيث أصاب، غدوها شهر ورواحها شهر، أي: مسافة شهر تأخذها في غدوة، ومسافة شهر تأخذها في روحة، فكان في رحلة ومعه أهله وحاشيته، فمر على قرية وحجب البساط الشمس عن الأرض، فنظر فلاح في مزرعته، يرى الشمس فلا يراها، وإذا بالريح تحمل البساط وعليه أسرة سليمان، فقال: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً كبيراً، فسمعه سليمان من فوق فأمر الريح أن تنزل وأتى إليه، وقال: ماذا قلت يا أخي؟ قال: ما قلت شيئاً، خاف، قال: بل قلت كلمة، قال: لقد قلت: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً، قال: والذي نفسي بيده، إن الكلمة التي قلتها أعظم مما أوتي آل داود. سبحان الله: تنزيه لله، تعظيم لله، وما تأتي سبحان الله إلا بعد شيء يوصف به الله، وهو لا يليق به، فيقول: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً} [الإسراء:93] أجل ذكر الله العددي مطلوب بعدده. الخامس: ذكر الله في كل وقت وهو الذكر المطلق: أن تقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، وما شاء الله، لا إله إلا الله، سبحان الله، فإذا قلت ذلك لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله، يقول الله في الحديث القدسي: (أنا مع عبدي ما ذكرني أو تحركت بي شفتاه) كلما ذكرت الله، الله معك. (أنا مع عبدي ما ذكرني، أو تحركت بي شفتاه، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خير منهم، وإن تقرب إليَّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إليَّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة، وكنت إليه بكل خير أسرع). هذا معنى ذكر الله الذي هو شفاء للقلوب والنفوس، وانظروا واستقرءوا دائماً الذي نفسه مريضة لا يحب ذكر الله، بعضهم يمر عليه شهر أو شهران، ما قال: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، والذي نفسه حية، وقلبه حي وصحيح، لا يفتر عن ذكر الله، وقد جاء في الحديث: (مثل الذي يذكر الله والذي لا يذكر الله، كمثل الحي والميت)، الحي يذكر الله، والميت لا يذكر الله، فهذا هو سبب رئيسي مثل السببين الأولين. الأول: تلاوة القرآن وتعلمه وحفظه، وتطبيقه، والاستشفاء به. الثاني: تعلم السنة، والانصياع لها والتمسك بها. الثالث: ذكر الله عز وجل.

المحافظة على الطاعات والابتعاد عن المعاصي وقرناء السوء

المحافظة على الطاعات والابتعاد عن المعاصي وقرناء السوء الرابع: من وسائل وأسباب تزكية النفس، المحافظة على الطاعات كلها، وفي مقدمتها الصلوات الخمس. الخامس: البعد عن المعاصي والذنوب، صغيرها ودقيقها، وجليلها؛ لأن هذه حماية للنفس من المرض. السادس: الابتعاد عن قرناء السوء؛ لأن قرناء السوء، يدنسون النفس. السابع: الحرص على الرفقة الصالحة والزملاء الصالحين، الذين يعينونك على طاعة الله، ويذكرونك إذا غفلت، هؤلاء من أسباب علاج نفسك وتزكيتها. أعتذر أنني أوجزت في النهاية؛ لأن الوقت ضاق عليّ، ولعل فيما حصل كفاية وأسأل الله تبارك وتعالى أن يزكي نفوسنا، وأن يؤتيها تقواها. اللهم آتي نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، وقبل الإجابة على الأسئلة وردني تصحيح من بعض الإخوة، يقول فيه: أنت قلت: إنه لم يرد في القرآن ثناء على الجسد، والله يقول: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة:247] وهذا الأخ الكريم معه حق ولكن ما فاتتني هذه، وقد اطلعت في التفسير على أن الثناء على الجسم في هذه الآية لطالوت كان تبعاً لنعمة العلم والنبوة والرسالة، فالجسم هنا مثنى عليه بالتبعية لا بالأصالة، وهذا ليس فيه شيء حتى في السنة، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير) لكن الذي لم يرد عليه ثناء في القرآن ولا في السنة هو: الجسد المجرد من الدين ومن العلم، أما هنا الجسد جاء الثناء عليه بعد الثناء عليه بالعلم، فإذا آتاه الله العلم والنبوة وأعطاه جسداً قوياً يستعمله في طاعة الله، ويستعمله بالجهاد في سبيل الله، فهذا نعم الجسد، الذي يصرف في طاعة الله عز وجل.

الأسئلة

الأسئلة .

حكم الخطرات غير الشرعية التي تخطر في النفس

حكم الخطرات غير الشرعية التي تخطر في النفس Q النفس لها خطرات وأماني غير شرعية، فهل هي محاسبة على هذه الخطرات أم لا؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ A جزاك الله خيراً، وأيضاً أنا أحبكم في الله، وأسأل الله أن يجمعني وإياكم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله؛ لأن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، ومن ضمن من يظلهم الله في ظل عرشه: المتحابون في الله، نسأل الله أن يظلنا في ظل عرشه، ببركة الحب فيه. أما الخطرات التي تأتي في النفس الإنسانية، ولا تترجم إلى عمل، فإن الله عز وجل لا يؤاخذ عليها، يقول عليه الصلاة والسلام: (إن الله عفا عن أمتي الخطأ والنسيان وما حدثت به نفسها مالم تعمل أو تتكلم) ولما نزل قول الله عز وجل: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ الله} [البقرة:284] شق ذلك على الصحابة، فنزل الفرج بعدها بقوله عز وجل: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة:286]. فإذا خطرت في نفسك خواطر أو نزعات، ولم تترجم إلى عمل فإن الله لا يؤاخذك عليها، لكن ابن القيم رحمه الله يقول: إن في هذه الخطرات خطورة على الإنسان لا تسجل، لكنها قد تجره إلى أن يعمل بعد هذه الخطرات، فإن الأعمال لا يمكن أن تأتي إلا بعد الخطرات، هي تبدأ خطرة ثم نظرة وهكذا، فهي أول خطوة في طريق الانحدار وهي التفكير، ولذا لا ينبغي أن يجول فكرك إلا في الخير، ولا ينبغي أن تفكر إلا في طاعة الله، أما إذا بدأت تحوم حول الحمى بالتفكير، تفكر في الأغاني، تفكر في النساء، تفكر في شيء من الحرام، فهذه الخطوة الأولى الله لا يؤاخذك عليها الآن، لكنك إذا عملتها آخذك، فالأحسن قطعها، لا تفكر ولا تعبث، وأسأل الله أن يعيننا وإياكم.

حكم كتابة قوله تعالى: (يا أيتها النفس المطمئنة) في الصحف عند التعزية

حكم كتابة قوله تعالى: (يا أيتها النفس المطمئنة) في الصحف عند التعزية Q إذا مات إنسان كتب في الصحف قول الله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30] هل هذا صحيح أم لا؟ A لا شك أنه غير صحيح، ما يدريهم أن هذه النفس مطمئنة، وهذا نوع من التألي على الله، ومن التزكية للنفس بغير حق، وإنما نرجو للمحسن الثواب، ونخاف على المسيء العقاب، ونسأل الله عز وجل الرحمة والمغفرة لكل مسلم. أما أن نخاطبه ونقول: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ} [الفجر:27] هذا قطع، ولا يقطع لأحد من أهل القبلة بجنة أو نار، لا يجوز لنا أبداً هذا، إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم، لما وقع السهم في صدر أحد الصحابة وهو مجاهد، وسقط قال أحدهم (هنيئاً له الجنة، أي: هذا شهيد، قال: كلا والذي نفسي بيده، إن الشملة التي غلها من المغانم ولم تصبها المقاسم لتشتعل على ظهره في النار). هذا الأمر ليس بالسهل -أيها الإخوة- فلا يجوز أن نتألى على الله، ولا أن نقطع بجنة أو نار لأحد من أهل القبلة، وإنما نرجو الله ونسأل الله عز وجل، حتى كلمة المغفور له، يقول العلماء: إن كانت على سبيل الدعاء، فلا بأس، أي: الذي أسأل الله أن يغفر له، فلا بأس، وإن كانت على سبيل القطع، أي: أنه عمل صالحاً، وعمل خيراً، فهو مغفور له، فهذا تألي ولا يجوز؛ لأن علمنا محدود بما يجري على الناس بعد الموت، ولا نعلم شيئاً إلا إذا قابلنا الله عز وجل ونحمد الله عندها، سيقول الإنسان: الحمد لله الذي هدانا لهذا، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم فمن يحمد الله عند اللقاء.

الرد على من يستدل بحديث: (إن الله لا ينظر إلى أجسامكم) على جواز حلق اللحية

الرد على من يستدل بحديث: (إن الله لا ينظر إلى أجسامكم) على جواز حلق اللحية Q بعض الناس يستدل على حلق اللحية بالحديث: (إن الله لا ينظر إلى أجسامكم الحديث) يقول: نرجو التوضيح؟ A الحديث دليل على أن اللحية مطلوبة؛ لأن الحديث قال: (ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) واللحية عمل من أعمال الدين؛ لأن عليها أمر من الرسول صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى) (أكرموا اللحى) (أرخوا اللحى) (أسدلوا اللحى). كل هذه أوامر، وأوامر الرسول يجب أن تترجم إلى عمل، فلحيتك عمل، والله ينظر إلى لحيتك، ويقيمك على ضوء وجود لحيتك، إذا كانت معك لحية أنت مؤمن إن شاء الله مع بقية أوامر الدين، وإذا لم تكن معك لحية فلديك مخالفة، وليست اللحية هي كل الدين، لكنها جزء من الدين، وليست من القشور إذ لا قشور في الدين، بعض الناس يقول: هذه من القشور لا. كل ما جاء من الله ورسوله فهو لباب، هل يأمر الرسول بقشور؟ لا. عليك أن تعظم أمر الله، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.

حكم التأخر عن صلاة الفجر

حكم التأخر عن صلاة الفجر Q ما حكم من لم يقم لصلاة الفجر، ولكن قام بعد ما يقارب عشر دقائق؟ A إن كان مرة في عمره، أو بسبب مرض أو بسبب نوم غلبه، أو بغفلة وليس هذا دأبه، فيقوم ويتوضأ ويستغفر الله، ويشعر بالانكسار والمراجعة للنفس، وبالحساب وبالندم وبالألم ويفكر ماذا فعل في الليل؟ وماذا فعل في الأمس؟ لأنه لا يمكن أن يضيع صلاة الفجر إلا بسبب ذنب؛ لأن الذنب يعاقب عليه الإنسان بالحرمان من الطاعة أو بالوقوع في معصية ثانية، وبعد ذلك يقوم ويتوضأ ويصلي ركعتي الفجر قبل الصلاة ثم يصلي، أما إذا كان هذا دأبه دائماً، لا يصلي إلا بعد أن يصلي الناس، فهذا -والعياذ بالله- فيه خطورة عليه أن يكون منافقاً؛ لأن الحديث في الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: (أثقل الصلوات على المنافقين صلاتي العشاء والفجر). ولذا إذا أردت أن تعرف هل أنت مؤمن أو منافق؟ فاسأل نفسك عن صلاة العشاء والفجر، فإن كنت من أهلها بانتظام، فاعلم أنك مؤمن، وعليك أن تكمل الباقي، وإن كنت لا تصلي الفجر ولا العشاء في المسجد، فاعلم أنك منافق أصلي، وعليك أن تتوب إلى الله وأن تراجع نفسك، وإلا فالمصير سيئ والعاقبة وخيمة والعياذ بالله.

حكم من يترك الرواتب والنوافل

حكم من يترك الرواتب والنوافل Q ما رأيك فيمن لا يحافظ على السنن سواء الرواتب أو غيرها، وما نصيحتك له؟ وقبل ذلك ما رأيك بمن يترك صلاة الفجر أو صلاة الجماعة، على إطلاقها؟ A أولاً: قضية: ما رأيك هذه لا ينبغي أن يسأل ويقال: ما رأيك؟ لأننا ليس لنا رأي، ولا لأحد من أهل الأرض رأي في دين الله، وإنما السائل يجب أن يقول: ما حكم الشرع؟ ما حكم الله في المسألة هذه؟ لأن الدين ليس آراء، الدين دليل وحُكْم حَكَم الله به، ما حكم الشرع فيمن يترك السنن والنوافل والرواتب؟ يقول العلماء ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية: وقد سئل عن رجل لا يصلي النوافل ولا الرواتب، قال: ذاك فاسق ترد شهادته، لماذا؟ قالوا: لأن ترك النوافل والرواتب سيؤدي إلى ترك الفرائض، وانظر إلى من لا يصلي النافلة، بعد سنوات أو شهور تجده لا يصلي الفريضة؛ لأن خط الدفاع الأول في مواجهة الشيطان النوافل، فإذا هزمك الشيطان، بقي معك خط الدفاع الثاني وهو الرواتب، فإذا هزمك الشيطان في المرة الثالثة، بقي معك الخط الدفاعي العظيم وهو الفرائض، لكن إذا كنت تواجه الشيطان بخط واحد فقط، وهو الفريضة فإذا هزمك أين تذهب؟ تخرج إلى الكفر، وهو ترك الصلاة -والعياذ بالله- لابد أن تحافظ على النوافل والرواتب، ثم هل تضمن -يا أخي- أن فريضتك كلها كاملة، حتى لا تصلي الراتبة؟ أما تعلم أنه يوم القيامة. إذا حُوسِبت على صلاتك يكون فيها نقص، ونحن إذا صلينا العشاء من الذي يصلي من حين أن يكبر حتى يسلم لا يوسوس لحظة واحدة؟ لا يوجد أحد، الشيطان موجود، لا بد أن يجعلك توسوس، بعض الناس يجعلهم يوسوسون الصلاة (100%)، من حين أن يكبر حتى يسلم، والله ما معه منها شيء، وبعضهم (90%)، وبعضهم (80%)، وبعضهم (50%)، وبعضهم (40%)، وهكذا بحسب قوة المجاهدة والمضادة للشيطان، فإذا ضيعت من الصلاة هذه (10%) وضيعت من المغرب مثلها، يؤتى يوم القيامة، فيبقى الذي لله، وهو الذي حضر فيها قلبك، والذي فيها خلل يقول الله: (انظروا هل لعبدي من نوافل؟ فإن كان هناك نوافل، قال الله: أكملوا بها فريضته) رحمة منه تبارك وتعالى، وإن كان لا توجد معك نوافل، من أين تكمل ذلك اليوم؟ تقول: دعوني أصلي، ما معك إلا هي، فعليك أن تحافظ على الراتبة والنافلة ولا تتركها، وإن هذا من الفقه الأعوج، أن بعض طلبة العلم تجده لا يصلي الراتبة ولا النافلة، لماذا؟ قال: هذه يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، الله أكبر يا هذا الفقيه! بينما تجد العامي من المسلمين لا يتركها أبداً، ذاك الفقيه، الفقه ليس ترديد أحكام، ومعرفة حروف وعبارات، الفقه عمل، بعض العوام لا يمكن أن يترك السنة أبداً، وبعض طلبة العلم يترك السنة بحجة أنها لا يعاقب تاركها. واعلم أنك إذا أصررت على ترك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد أمرك باتباع سنته والمحافظة عليها، فإنك على خطر. أما الذي لا يصلي صلاة الفجر، فقد قلنا: أنه -والعياذ بالله- في خطر النفاق.

كيفية التخلص من الهموم والغموم

كيفية التخلص من الهموم والغموم Q كيف يمكن القضاء على الهموم والغموم التي تأتينا، وأنا أحاول دفعها بأي شكل ولكنني لا أستطيع دفعها؟ A الغموم والهموم هي داء العصر في هذا الزمن، والدواء والشفاء لما في الصدور هو القرآن، من جعل الهموم هماً واحداً وقاه الله شر كل هم، ومن تشعبت به الهموم لم يبال الله به في أي واد هلك، إن كان همّ الرزق فالرزق على الله، يقول الله: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} [الطلاق:2] {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:3]. إن كان همّ المرض، فالذي كتب المرض هو الذي يرفعه. إن كان همّ الدراسة فالذي ينجح ويسقط هو الله عز وجل، اجعل همّك همّاً واحداً وهو كيف ترضي الله عنك؟ فإذا جعلت همّك هذا، قضى الله كل همّك، أما إذا اهتميت بالذي في الأرض وتركت الهم الذي يأتيك من الله، ضعت وتضاعفت همومك وكثرت، وأنا أدل الإخوة على شريط محاضره قلتها في الرياض بعنوان: القلق -أي: الهم داء العصر- أسبابه وعلاجه، ذكرنا عشرة أسباب وعشرة أدوية لهذا، اسمع الشريط يا صاحب الهمّ، وأسأل الله أن يزيل همي وهمك، وأن يجعل همنا وهمك مرضاته تبارك وتعالى، والله أعلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحقائق الثلاث

الحقائق الثلاث بدأ الشيخ بالحديث عن حتمية نفاذ سنن الله في الكون، مبيناً في إطار ذلك أن الخلق والموت والبعث من سنن الله الكونية، وفصل في كل منها على حدة، مبيناً أساليب القرآن في تقرير حقيقة البعث. ثم تطرق الشيخ إلى مشكلة الزواج عند الشباب، وأورد حلولاً لهذه المشكلة.

سنن الله الكونية حتمية النفاذ

سنن الله الكونية حتمية النفاذ الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الأحبة في الله! هناك حقائق ثلاث مترابطة، يلزم من وقوع أولاها وقوع الثانية، ومن وقوع الثانية وقوع الثالثة لا تنفك عن بعضها، وهي سنن كونية ربانية يجريها الله عز وجل على أهل هذه الحياة، ولا يستطيع أي إنسان مهما كان أن يخرج على هذه الحقائق الثلاث، ومن يعرفها ويعتقدها ويعمل بمقتضياتها هو من عرف حقيقة الحياة، ومن يجهلها ولا يتأملها ولا يعمل بمقتضاها فهذا ما عرف حقيقة الحياة، ولا حقيقة نفسه، ولا سر وجوده، فهو يعيش عيشة البهائم، ويموت كما تموت الأنعام، ولكن يبعث يوم القيامة ويسأل ويحاسب، فيخف في الموازين، ويتمنى أن لو صار تراباً، ويتحسر ويتألم على أنه ضيع هذه الحياة من غير أن يعرف تلك الحقائق الثلاث، وهي عنوان المحاضرة: "الحقائق الثلاث". وقد جاءت هذه الحقائق الثلاث كلها في آية واحدة في كتاب الله عز وجل، هذه الحقائق هي: أولاً: حقيقة الخلق: خلق الله لك أيها الإنسان. ثانياً: حقيقة الموت. ثالثاً: حقيقة البعث. هذه السنن تجري على الناس من غير اختيار، هل هناك أحد أُخذ رأيه حينما خلق فقيل له: أتريد أن تخلق أم لا؟ لا. تخلق من غير أن يؤخذ برأيك، وهل من أحد يؤخذ برأيه عند الموت: أتريد أن تموت أم لا؟ لا. وهل من أحد سيؤخذ رأيه عند البعث: أتريد أن تبعث أم لا؟ لا. فهي سنن كونية جارية. كنت أتحدث قبل فترة مع تاجر، فدعوته إلى الله، فكأنه استيقظ من النوم، وكنت قد دعوته إلى الله عن طريق الحديث عن البعث والآخرة والجنة والنار، فقال لي عبارة ساذجة، لكن لها معنى في قلبه، قال لي: حسناً! والذي لا يريد أن يبعث؟ أي: إذا جاءه الموت والشخص لا يريد أن يبعث؟ قلت: من لا يريد أن يبعث كمن لا يريد أن يموت، ما رأيك أنت تريد أن تموت؟ قال: لا. لكني سوف أموت رغماً عني، قلت: وتبعث رغماً عنك، مثلما أنك خلقت رغماً عنك، وتموت رغماً عنك، فإنك تبعث رغماً عنك. ولو أن شخصاً استطاع أن يخرج عن هذه السنن، وأراد الله له الخلق، فقال: أنا لا أريد أن أخلق، أو أراد الله له خلقاً فخلقه، ولما أراد الله له أن يموت قال: أنا لا أريد أن أموت، كيف أموت وأنا ملك، وكل شيء عندي؟ هل صنع أحد هذا من نبي أو قوي، أو تاجر وثري؟ لا. كل الناس يموتون، لا يوجد شخص يستطيع أن يشذ عن هذه القاعدة. ومادام أن قاعدة الخلق جرت على الناس كلهم، وقاعدة الموت جرت على الموتى كلهم، إذن تبقى الثالثة، وهي قاعدة البعث، ستجري على الناس كلهم، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده! لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتسألن عما كنتم تعملون).

بداية خلق الإنسان من طين

بداية خلق الإنسان من طين هذه الحقائق الثلاث -كما قلت لكم- جاءت في آية من كتاب الله عز وجل، وهي قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون:12] هذه الحقيقة الأولى. لست أنت من خلق نفسه، يقول الله: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ} [الطور:35 - 36] فما خلقت من غير شيء، وما أنت الخالق، وما من أحد خلقك إلا الله. يقول الله: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [الواقعة:58 - 59] الأم نفسها تحمل الجنين في أحشائها ولا تعرف عنه شيئاً، يقول الله عز وجل: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِنْ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [النجم:32] فالذي خلقك هو الله {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون:12] هذا الأصل، أصل الإنسان طيني السلالة، التكوين، التركيبة الأولى للإنسان طين، لكن عبر مراحل انتقل من الطين وصار نطفة. هل تصدق أن هناك من يقول: كيف كنت طيناً؟ أيعقل أني كنت طيناً؟ نقول: نعم كنت طيناً، كيف؟ نقول: انظر حين تمني وتضع المني في سروالك أو ثوبك، هل تصدق أنك كنت هذا؟ نعم. يا صاحب العضلات! يا صاحب العقل! كنت يوماً من الأيام هذه النطفة. ولهذا لما مر المهلب بن أبي صفرة على الحسن البصري، وكان يمشي متبختراً متكبراً، وهو قائد من قواد الجيوش، فقال له الحسن: [إن هذه مشية يبغضها الله، قال: أما تدري من أنا؟ -تقول لي هذا الكلام وما تدري من أنا؟ - قال: بلى أعرفك، أنت الطين، أنت الماء المهين، أنت من خرجت من موضع البول مرتين، الأولى من ذكر أبيك، والثانية من رحم أمك، أولك نطفة مذرة، ونهايتك جيفة قذرة، وفي بطنك وثناياك تحمل العذرة!]. من أنت أيها الإنسان؟!

أطوار خلق الإنسان في الرحم

أطوار خلق الإنسان في الرحم بعض الناس متكبر متغطرس يقول: أنا أتيت من السماء في صندوق، بل أنت في مرحلة من مراحل خلقك كنت طيناً، ثم مرحلة ثانية كنت نطفة، الرجل يضع في الدفقة الواحدة أربعمائة مليون حيوان منوي -واحد منها هو أنت- تموت جميعها ولا يبقى إلا واحد، البقاء للأقوى الذي يصل إلى البويضة في أعلى قناة فالوب، والبقية تموت في الطريق {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون:12]. ثم المرحلة الثانية والطور الثاني من أطوار الخلق؛ لأن الله يقول: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً} [نوح:14] أي: طوراً من بعد طور، ومراحل وتركيبات، قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [المؤمنون:13] جعل الله هذا الإنسان نطفة في قرار مكين، أين القرار المكين؟ قناة فالوب في أعلى رحم المرأة، قال عز وجل: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} [المرسلات:20 - 23] ولهذا بعض النساء حينما تمرض يؤدي مرضها إلى الإجهاض، ما هو الإجهاض؟ إن البويضة والنطفة إذا حصل بينهما امتزاج تخلق حينها المولود، وإذا كان الرحم والقناة فيهما مرض فلا يسمح ببقاء هذا المولود فتحمل شهراً أو شهرين ثم تسقط، فهذا مرض يعالج الآن، لكن غالبية النساء يحملن ويبقى الولد أو البنت في هذا المكان؛ لأنه قرار مكين، المرأة تتعرض لصدمات، ولآلام، ولشبع، وتنام على بطنها، وجنبها، وظهرها، والولد في مكانه في قرارٍ مكين، قال عز وجل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [المؤمنون:12 - 13]. ثم المرحلة الثالثة من مراحل الخلق، وهي: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} [المؤمنون:14] أربعون يوماً نطفة كما هي، ثم بعد أربعين يوماً يحول الله النطفة إلى علقة. والعلقة أنا رأيتها بعيني في المجهر عبارة عن قطعة من اللحم طويلة مثل الإصبع، أشبه بدودة صغيرة تعيش في المياه يسمونها علقة، يعرفها أهل البادية، فهي تأتي في الماء وتنفرد وتمشي وتعلق في ألسنة البهائم، تأتي البهيمة أو البقرة أو الجمل -مثلاً- فيشرب، فيمتصها مع الماء فتعلق في فمه وبالتالي لا يستطيع أن يأكل حتى يخرجها، وإلا ماتت البهيمة. فأصلي وأصلك مثل هذه التي سماها الله علقة: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} [المؤمنون:14] بعد ذلك {فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً} [المؤمنون:14]. ثم جاءت المرحلة الرابعة: {فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً} [المؤمنون:14] بعد أن تكون فترة أربعين يوماً علقة، تتحول بعد أربعين يوماً أخرى إلى مضغة، ما هي المضغة؟ قطعة لحم، كانت علقة دماً، ثم صارت دماً متماسكاً يعني: فيها نوع من التماسك، كأنها لقمة شخص مضغها على أضراسه وأخرجها، ولو دققت النظر في المضغة البشرية للإنسان لوجدت، هذه الآثار، ويقولون: إنها تأسيسات للعمود الفقري للإنسان، وتنظره متعرجاً، وآثار التضاريس طالعة ونازلة مثل آثار الأضراس إذا مضغت قطعة لحم ثم أخرجتها، فالإنسان في يوم من الأيام كان مضغة على هذا النحو. قال عز وجل: {فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً} [المؤمنون:14] فالمضغة هذه تصبح هيكلاً عظمياً كاملاً، وبعد ذلك: {فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً} [المؤمنون:14] هذه العظام تكون هيكلاً عظمياً كاملاً يشمل الجمجمة والعمود الفقري والأضلاع والذراعين والكتفين والساقين والفخذين والأقدام، وقد رأيت الأضلاع في مرحلة من مراحل الخلق كمثل الدبابيس منحنية ومتشابكة مع العمود الفقري من الوراء، ومتقابلة عند الصدر هيكل كامل! هذه المضغة تحولت إلى عظام، وهذه العظام يكسوها الله عز وجل لحماً وعضلات مترابطة لكي تتماسك هذه الخلقة في أصل تكوين الإنسان، قال عز وجل: {فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً} [المؤمنون:14].

اختلاف الصور رغم اتحاد الأطوار

اختلاف الصور رغم اتحاد الأطوار ثم قال: {ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ} [المؤمنون:14] هل هناك نسبة بينك وبين النطفة؟ لا. خلقاً آخر يختلف كل الاختلاف عن أصلك الطيني، ولكن ليس فيك طين، هل أنت طوبة نبني بك؟ لا. أصلك نطفة لكنك لست نطفة الآن، أصلك علقة لكنك لست علقة، بل خلق آخر: {ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:14] لا إله إلا الله ما أعظم الله في هذه الصنعة!! فهو أحسن الخالقين! وبعد ذلك خلق خلقاً آخر في كل واحد. الآن المطبعة تطبع كتاباً واحداً ملايين النسخ، والمصنع يصنع قطعة غيار وينتج منها مائة أو ألفاً أو عشرة آلاف، السيارة ينتجون من نوع واحد عشرات الآلاف. لكن ليس هناك إنسان مثل الإنسان الثاني أبداً، لو أتيت الآن بمن على وجه الأرض، وتعدادهم الآن خمسة مليارات إنسان، وأدخلتهم في فناء وأخرجتهم واحداً تلو الآخر فلن تجد اثنين متطابقين مائة في المائة، لابد من وجود اختلاف بينهم، ولن تجد شبيهاً لإصبعي الإبهام، هذه المنطقة الصغيرة (2سم×1سم) لا يوجد في الأرض الآن اثنين سواء، ولا يوجد في الأرض ممن ماتوا سواء، ولا يوجد ممن سيأتون إلى يوم القيامة اثنين سواء، ما هذا الخلق العجيب؟! لا إله إلا الله! كنت أتصور أن (الكوريين) سواء؛ لأنهم على صورة رجل واحد، أشاهدهم دائماً سواء في شكلهم وطولهم، وجوههم مستديرة، وعيونهم دائرية، وأنوفهم صغيرة، فقلت: إنهم كلهم سواء، ولهذا أقول: كيف يتعارفون؟ كيف يعرف الشخص أخاه وأباه وجده؟ وقدر لي أن عملت في شركة (كهرباء) الجنوب وأن أكون متعاملاً مع الكوريين، وحين اقتربت منهم وإذا بكل واحد منهم له خلقة ثانية، ليس هناك اثنان متشابهان أبداً بأي حال من الأحوال، الأفارقة ليس فيهم اثنان متشابهان، والأوروبيون كذلك، والعرب والهنود والباكستانيون والفلبينيون والأندنوسيون، جميع فئات الأرض لا تجد فيهم اثنين متشابهين، بل حتى التوأم لابد من وجود اختلاف بينهم، أنا مرة قدر الله لي أن أرى توأمين فيهما وجه شبه كبير، وكانا يعملان في إدارة حكومية في أبها، فهما في الطول والوجه سواء، لكن حين تكلما إذا بهذا صوته منخفض وهذا صوته غليظ، لابد من وجود فارق، من الذي يستطيع أن يوجد هذه الفوارق كلها؟ إنها قدرة الله {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:14]. هذه هي الحقيقة الأولى: حقيقة الخلق، وليس فيها مراء، هل من أحد عنده مراء أو جدال في هذه الحقيقة أيها الإخوة؟ لا. والذي عنده مراء ينظر حين يتزوج كيف يأتيه الولد، ثم يراقب مراحل النمو، يكون جنيناً أولاً، ثم يبلغ يومين وثلاثة وأربعة ثم سنة وإذا به يمشي ثم يذهب إلى المدرسة في السادسة، ثم صار بعدها في المتوسطة والثانوية، وإذا به يصبح رجلاً، ولم يعلم وهو يعيش هذه المراحل من النمو من الذي ينميه ويراعيه ويربيه. إنه الله {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:14] هذه هي الحقيقة الأولى.

المصير المنتظر بعد الخلق هو الموت

المصير المنتظر بعد الخلق هو الموت جاءت بعدها الحقيقة الثانية، قال عز وجل: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ} [المؤمنون:15] بعد حقيقة الخلق جاءت مباشرة حقيقة الموت، وهذه لا مراء فيها ولا جدالاً، ولا يوجد أحد يماري فيها؛ لأن الذي يماري نقول له: إذاً اصبر قليلاً، فأنت الآن لا تصدق بالموت، ولكن اصبر وستموت كما مات أبوك، وجدك، والبشر من قبلك، مذ آدم عليه السلام، يقول الشاعر: سر إن استطعت في السماء رويداً لا اختيالاً على رفات العباد خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد صاح هذي قبورنا تملأ الرحب فأين القبور من عهد عاد؟ يقول: إذا أردت أن تمشي متبختراً فطر أو امش لا مختالاً على رفات العباد، وعظام الناس، يقول: فما أظن أصل هذا الطين الموجود الآن إلا من رفات الذين قد ماتوا، كم عاش على وجه الأرض من البشر؟ ملايين بل مليارات من البشر عاشوا وماتوا كلهم وأكلهم الطين، خلقوا من الطين، وعادوا إلى أصلهم الطين، وهم الآن ينتظرون الحقيقة الثالثة. الحقيقة الأولى نحن الآن نعيشها وهي الخلق. والحقيقة الثانية وهي: الموت، نحن الآن قد حجزنا لها، وأكدنا الحجز؛ لأن الناس ثلاثة أصناف: - صنف سافروا. - وصنف حجزوا. - وصنف في الانتظار. فالذين سافروا هم الذين ماتوا، والذين حجزوا هم الأحياء، وكل شخص رحلته معلومة، والذين في الانتظار هم الذين لم يأتوا بعد، فإذا وصلوا حجز لهم. فمنذ أن كان الإنسان في بطن أمه حجز له متى يسافر إلى الآخرة. فهنا الحقيقة الثانية وهي حقيقة الموت، قال عز وجل: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ} [المؤمنون:15] والضمير هنا عائد على الخلق، أي: بعد ذلك الخلق لميتون. سبحان الله! لماذا يخلقك الله هذا الخلق العجيب ثم تموت؟ لابد من وجود حكمة، هل يعقل أن الله يخلقك هذا الخلق، وتتعب أمك في حملك ووضعك وتربيتك، ثم أنت تتعب في معاناة الحياة ومصارعة الدنيا لكسب العيش، ومقابلة المشاكل، والصبر على الأمراض والمصائب من أجل أن تموت؟! لا. لاشك أن هناك حكمة، لا بد أن الله خلقك لشيء، ما هو هذا الشيء؟ هو الذي أخبر الله به في كتابه، وهو العبادة: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]. ثم جاءت بعد ذلك في هذه الآية نفسها الحقيقة الثالثة، وهي الأخيرة من حقائق هذه الحياة، والتي بعدها ينقسم الناس إلى فريقين: فريق في الجنة وفريق في السعير، قال عز وجل: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:16] الخلق تم، ثم حصل الموت، ثم جاء البعث، وبعد البعث يأتي الحساب، حساب ونقاش ومؤاخذات وسؤال، ومن ينجح فاز، ومن يسقط خسر، والمنهج واضح، وهو الكتاب والسنة، والمصدق له الجنة، والمكذب والمتساهل والكافر والفاجر -والعياذ بالله- له النار قال تعالى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء:227]. هذه هي حقائق الحياة الثلاث، وسوف نتكلم عن كل واحدة بالتفصيل.

الحقيقة الأولى: حقيقة الخلق وما فيها من إعجاز

الحقيقة الأولى: حقيقة الخلق وما فيها من إعجاز يتم الخلق -أيها الإخوة- بقدرة الله عز وجل، وبعناية ودقة وإحكام متناهٍ.

اعتدال خلقة الإنسان وتسويتها

اعتدال خلقة الإنسان وتسويتها الحيوان المنوي الذي هو أصل الإنسان يتكون من ثلاثة أجزاء: رأس، وجسم، وذنب. الرأس والذنب للتوجيه، والجسم يحتفظ بكامل خصائص الإنسان، يعني: أنت -أيها الإنسان- موجود في الحيوان المنوي بكامل خصائصك، طولك وعرضك ولونك وذكاؤك، وبعد ذلك أعضاؤك، وبعد ذلك صورتك العامة، خلايا العين في مكان خلايا العين، خلايا القدمين في مكان خلايا القدمين، فلو جاءت خلية العين مكان خلية الأذن، وجاءت خلية الرجل مكان خلية العين، لخُلِقَ لنا ولد مشوه عينه في رجله، له رجل وعين تحت وله عين ورجل فوق، ما رأيكم، كيف تكون الحياة؟ بعد ذلك يكون له أذنان سواء، هل رأيتم في الدنيا شخصاً له أذن كبيرة وأذن صغيرة؟ بل أذنان متساويتان وعينان ويدان ورجلان، بعد ذلك تتأمل في مفاصل العظام، مفصل العظم الناتئ يدخل في العظم الذي يتجوفه، لو زاد هذا قليلاً لما صلح، ولو نقص لما صلح، من ركبه هذا التركيب؟ كم هي من عظام؟ وكم هي من عروق؟ ثلاثمائة وستون عرقاً، ثلاثمائة وستون عضلة، ثلاثمائة وستون مفصلاً، ثلاثمائة وستون عظمة، كل هذه مركبة فيك من أولك إلى آخرك. يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:6 - 8] خلقك فسواك فعدلك، ليس هناك أجمل من خلقة الإنسان، جميع الحيوانات تمشي وظهورها أفقية، إلا أنت فمستو على رجلين، وجرب أن تمشي يوماً من الأيام على أربع، كيف تمشي؟ لكن الله سواك فعدلك، وبعد ذلك في أي صورة -في أي شكل جمالي- ما شاء ركبك، ثم قال: {كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ} [الانفطار:9] فخالقك هذا الخلق العجيب، وبهذا الإبداع والتركيب هو الله تبارك وتعالى، يقول الله عز وجل: {الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن:1 - 4] الذي خلقك هو الله تبارك وتعالى، ويقول عز وجل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق:1 - 2] ويقول عز وجل: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ} [الإنسان:1 - 2] من نطفة أمشاج يعني: أخلاط، تختلط النطفة مع بويضة المرأة، نبتليه: نختبره {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:2 - 3]. ثم يتم هذا الخلق عبر المراحل التي ذكرناها، يقول نوح لقومه: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً} [نوح:13 - 14] من هي المرأة التي تستطيع أن تحملك لو أن الله خلقك بصورتك هذه في بطن أمك؟ لكن الله خلقك في بطن الأم نطفة، وبعد ذلك تتدرج في النمو وهي تعاني أياماً إلى أن تكتمل، وإذا جاء الشهر التاسع، والذي يسمونه شهر الكرب، يقولون: فلانة أكربت يعني: بلغ بها الضيق والكرب مبلغه؛ لأنك اكتملت وأصبحت جاهزاً للخروج فتصبر عليك شهراً واحداً فقط، ثم تخرج ويقولون: فرّج الله كربها؛ لأن الله خلصها منك، لكن لو أن الله خلقك هكذا كاملاً في بطن أمك، ترفس وتركل في بطنها من يوم أن خلقت، كيف تكون حال أمك؟ لا تستطيع أن تتحملك يوماً واحداً. أنت الآن إذا أكلت وشبعت، وأتيت لتنام لا يأتيك النوم فبطنك تؤلمك! لماذا؟ لأنك أكلت كيلو أو نصف كيلو لحم، وتبحث عن مهضمات أو عن شيء يخرج منك هذا الطعام، فكيف لو أنك مكتمل في بطن أمك. لكن الله خلقك أطواراً، تتدرج من نطفة إلى علقة إلى مضغة، إلى أن صرت إنساناً وأخرجك الله إلى هذه الحياة.

الإعجاز في تركيب الرأس جملة

الإعجاز في تركيب الرأس جملة هذا الخلق يتم بدقة وإعجاز لا يعلمه إلا الله، وسوف أذكر لكم شيئاً من الإعجاز في خلق الإنسان: الرأس: هذا الرأس يحمي الجواهر التي تتحكم في حياة الإنسان: العينين، الأذنين، الأنف، اللسان، الفم، الأضراس، هذه كلها في الرأس، ولو فقد الإنسان يده أو رجله يمكن أن يعيش، لكن لو قطعت رأسه مات؟ ولهذا الذي يحكم عليه بالإعدام ماذا يقطعون منه؟ رأسه، لكن لو قطعوا يده أو رجله فيمكن أن يعيش، لكن لو قطعوا رأسه لا يعيش. إن الرأس فيه أسرار من الخلق لا يعلمها إلا الله، فيها ثمانية أنهار، عينان تفرزان ماءً مالحاً، وأذنان تفرزان مادة صمغية، وأنف فيه فتحتان تفرزان مادة مخاطية لزجة، والفم يفرز مواد لعابية حلوة، ثمانية أصناف تصب من هذه الرأس، فإذن من الذي جعل العين تفرز ماءً مالحاً؟ لو كان هذا الذي في العين ليس مالحاً لفسدت العين من أول يوم؛ لأن العين شحمة، والشحم يتعفن، إذا لم تضع عليه ملحاً، فجعل الله في عينك مادة ملحية من أجل أن تبقى عينك سليمة، وتعمل على مدار اليوم. وجعل الله في أذنيك مادة صمغية، فحين تغسل أو تحك أذنك بقطعة من القطن حاول أن تضعها في فمك أو على لسانك، فتجد لها طعماً مراً أمر من العلقم، لماذا؟ من أجل الحشرات، فحين تنام وأذنك مفتوحة لا يدخل في أذنك شيء، فحين يشم الرائحة يمتنع عن الدخول، والله سبحانه وتعالى جعل هذه المادة في أذن الإنسان من أجل أن تحميه وهو نائم. وجعل الله عز وجل في أنفك مادة مخاطية من أجل أن تمسك الأتربة والغبار الذي تستنشقه أثناء تعاملك مع الحياة، هذا الجو الذي نحن الآن نعيش فيه جو ملطخ، مملوء بالأتربة، وبالميكروبات وبالجراثيم، ولو أننا نستنشق كل شيء كما هو لكانت رئة كل منا ممتلئة أتربة وغباراً، لكن جعل الله في هذا الأنف شعيرات، ومادة مخاطية تمسك الأتربة، ولهذا حين تشتغل بعمل مهني في تراب، ثم تأتي تتوضأ وتستنثر، تجد أن التراب يخرج مع الاستنثار، ولولا هذه الشعيرات لدخل هذا التراب في رأسك، وبعد يوم ويومين وثلاثة أيام يصير في رأسك طين فلا تقدر أن تعيش. بعد ذلك يكيف الجو هنا، فدرجة حرارة الجو غير درجة حرارة الجسم، فحرارة الجسم في الغالب سبع وثلاثون درجة، لكن في المناطق الباردة تجدها درجتين مئويتين أو خمساً أو عشراً فتجد الإنسان إذا برد يحصل عنده ظاهرة، وهي أن أنفه تصير حمراء، إذا برد الشخص احمّرت أنفه، لماذا تحمرُّ أنفه؟ قال العلماء: لأن أنفه تحتوي على خلايا دموية تستنشق الهواء البارد وتقوم بتدفئته وتكييفه من أجل أن يدخل الجسم وهو على درجة حرارة الجسم، وهي سبعة وثلاثون درجة، فهذا المكيف يكيف الجو، لكن بعض الناس إذا خرج من جو رطب إلى جو بارد مباشرة، فيدخل الهواء البارد الذي حرارته عشر درجات إلى الجسم الذي حرارته سبع وثلاثون درجة دون أن يكون لدى الأنف فرصة للتكييف، فيدخل الهواء البارد بسرعة، فماذا يحصل للإنسان؟ زكام، نزلة برد؛ لأنه دخل هواء أقل حرارة من حرارة الجسم. أهل المناطق الباردة إذا بردوا ترى الواحد منهم وجهه عادياً، وأنفه أحمر كالجمرة لماذا؟ لأن الدم يتدفق في الشعيرات الدموية والدماء تتدفق فيها أكثر فتحمر لكثرة حمرة الدماء في الأنف من أجل أن تقوم بتكييف الهواء الداخل حتى يتناسب مع درجة حرارة الجسم الداخلية، هذا خلق عجيب! {ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:14]. الفم يفرز مادة لعابية، هذا اللعاب حين تتذوقه تحس أن طعمه مستساغ، لو خرج هذا اللعاب من عينك لفسدت، ولو خرجت المادة الصمغية من فمك لما استطعت أن تأكل، فكلما أردت أن تأكل وإذا بهذا الصديد في فمك أو المادة الصمغية المرة تأكلها مع طعامك إذن تفسد حياتك، من علم الأذن أن تفرز هذه المادة؟ ومن علم العين أن تفرز تلك المادة؟ ومن علم الغدد اللعابية أن تفرز هذه المادة؟ إنه الله {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50].

الإعجاز في خلق الفم ووظائفه

الإعجاز في خلق الفم ووظائفه هذا الفم عبارة عن مصنع صغير لتجهيز الطعام، عندما تأكل الطعام عن طريق هذا الفم، وهذا الفم يقوم مباشرة بعملية التقطيع والطحن والتمزيق والتقليب، جعل الله فيه أداة اسمها: اللسان، هذه الأداة تقوم بخلط الطعام، وجعل الله فيه مجموعة من الأضراس تتقاسم الأدوار، فهنا اثنان للتقطيع، فإذا أردت أن تقطع شيئاً تضعه عند القواطع، واثنان للتمزيق وهي الأنياب، والبقية للطحن من أجل أن تطحن بها، فإذا كنت تريد أن تقطع تمرة فتضعها في موضع معين وإذا أردت أن تقطع قطعة خبز فتضعها بكيفية أخرى، ولكن تريد أن تطحن فتحول على الأسنان الداخلية من أجل أن تطحن، كما أن الله جعل لك خلايا يسمونها غدداً لعابية تقوم بإفراز اللعاب، فاللسان يعمل، والأسنان تعمل، وتلك الغدد تقطر اللعاب كي تهضم الطعام، فإذا أصبح الطعام جاهزاً قذف به عبر البلعوم، وهناك قناة تليها اسمها المريء، فالمريء للطعام والبلعوم ينظم دخول الطعام والهواء. وهناك قصبة هوائية غضروفية تنتهي بالحنجرة، وهي مفتوحة دائماً لدخول الهواء. أما البلعوم والمريء فقد جعلها الله من أجل أن تسمح بدخول الطعام وعدم خروجه، ولذا حين تأخذ الطعام وتبتلع اللقمة فالمريء فيه عضلات لا تسمح بعودة شيء إلى الأعلى، لكن يسمح بمرور الشيء، وبمجرد دخولها فإن العضلات تعصرها حتى تنزل، ولولا هذه العضلات لكنت تحتاج كلما ابتلعت لقمة أن تأتي بعصا وتدفعها في فمك حتى تنزل، ولكن اللقمة تنزل بسهولة، وإذا أردت أن ترجع اللقمة لا ترجع، فبعض الرياضيين ينتكس على رأسه وبطنه ممتلئ فهل يخرج من فمه شيء؟ لا. لماذا؟ لأن العضلة لا تسمح بذلك، متى تسمح؟ في حالة واحدة يسمونها الاستفراغ، إذا كان في الإنسان مرض، أو إذا ملأ إنسان معدته فوق طاقتها، فيقوم المخ بإرسال إشارة إلى تلك العضلة لإخراج الزائد. كما أن الأسنان مركبة ومرتبة ترتيباً خاصاً، فتجد الثنايا في الأعلى وتقابلها ثنايا مثلها في الأسفل، وناباً تحته ناب، وضرساً تحته ضرس حتى تتم الاستفادة منها، إذ لو ركب الله ناباً في الأعلى وركب ضرساً في الأسفل يقابله لما أدت عملها بشكل صحيح، كذلك لو ركب الله ثنية يقابلها ضرس. بعد ذلك أسنان الفك العلوي تنمو إلى أسفل، وأسنان الفك السفلي تنمو إلى أعلى، ثم تلتقي في مستوى معين وتتوقف عنده، من الذي أوقف نمو أسنانك عند هذا الحد؟ لماذا لم يستمر نمو الأسنان إلى أن وصل سنك إلى رأسك؟ ونزل السن الآخر إلى أن وصل إلى بطنك؟ فكيف تعمل بها؟ لا إله إلا الله! الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى!

الإعجاز في خلق الشعر ووظيفته

الإعجاز في خلق الشعر ووظيفته نأتي إلى الشعر الموجود في الجسم، فقد ركب الله عز وجل شعراً في الحواجب، هذا الشعر له مهمة في الرؤية لماذا؟ لأنه يجمع الأشعة الشمسية ويكيفها بحيث لا تصل العين إلا بقدر مناسب، وبعد ذلك جعل الله هنا جفوناً، هذه الجفون وسائل حماية، ولهذا ترى شعر الجفن ينمو بشكل مستقيم، وتكون مثل الرماح المركوزة للدفاع عن العين؛ لأنها جوهرة، وبعد ذلك شعر الجفون ينمو إلى حد معين، وشعر الحواجب ينمو إلى حد معين، ما رأينا شعر جفن نما إلى أن صار شبراً، ما ظنكم لو نما شعر الجفون وصار طويلاً جداً؟ الناس يتغنون الآن بالجفون الطويلة، والرمش الطويل، لكن الطويل المعقول، أما إذا صار رمشك أو جفنك شبراً، هل يتغنى بك أحد حينذاك؟ لو زاد طول شعر الحاجب عن الحد المعقول لغطى على العين ولما تيسر لك النظر، بينما شعر الرأس ينمو وتقصه وشعر اللحية ينمو إلى مستوى معين وتبقيه أو تحلقه إن كنت من الذين يحلقون لحاهم، لكن شعر العين لا. ينمو إلى مستو معين ويقف، من الذي أوقف نمو هذا الشعر ولم يوقف نمو الشعر ذاك؟ إنه الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى.

الإعجاز في خلق المعدة ووظيفتها

الإعجاز في خلق المعدة ووظيفتها ينزل الطعام إلى المعدة، والمعدة جهاز يستقبل الطعام ويقوم بإفراز مواد قلوية وحمضيات أشبه بالأسيد، ولهذا الذي يمرض ثم يتقيأ يصعد مع القيء سائل أصفر مر وحامض جداً، هذه هي الأحماض والعصارات القلوية الموجودة داخل المعدة، مهمة هذه الأحماض أنها تهضم الطعام، كيف تهضمه وهو ممضوغ داخل الفم؟ لكن إذا وصل إلى البطن فإنه يحتاج إلى هضم، أي: تتحلل أجزاؤه بعضها عن بعض، من يقوم بهذا الدور؟ المعدة، تهضم الطعام وهي لا تهضم نفسها، تهضم اللحم وهي لحم ولكنه لا ينهضم، فالمعدة عبارة عن لحمة تفرز مادة عصارية تهضم اللحوم لكنها لا تهضم نفسها، وبعد ذلك ينتقل هذا الطعام بعد الهضم إلى مراحل أخرى، وهي الأمعاء الدقيقة والغليظة، ثم يبدأ الناتج بالتوزع والمرور على أجهزة أخرى عن طريق الدم، ومن ثم تخرج المواد الزائدة عن طريق الجهاز البولي على شكل بول، والجهاز الإخراجي على شكل فضلات، وأنت لا تعلم كل ذلك، أنت تدخل الطعام وهناك معامل ربانية، وأجهزة صنعها الله لك لا تعلم عنها، ولكن الله يجريها لك.

الإعجاز في خلق الكلية ووظيفتها

الإعجاز في خلق الكلية ووظيفتها هناك جهاز واحد فقط أتكلم عنه باختصار؛ لأن أمراضه شائعة في هذا الزمان، وهو الفشل الكلوي. الكلية ركبها الله في ظهر كل إنسان، والكلية الواحدة أصغر من قبضة الكف، وتحتوي كل كلية على ثلاثة ملايين وحدة تنقية، أي: مركب لك أنت الآن ستة ملايين وحدة تنقية، وتستطيع أن تعيش بكلية واحدة، ولكن الله عز وجل ركب لك اثنتين من أجل إذا مرضت واحدة عملت بالثانية، أو إذا مرض أخوك أو أبوك أو زوجتك وتريد أن تسعفه تعطيه إحدى كليتيك، وتموت أنت ولديك كلية واحدة، هذه الكلية مهمتها استقبال الدم وتنقيته وتخليصه من السموم والشوائب والأملاح والأخلاط التي ترادفه ثم تحول هذه السموم والأخلاط إلى البول، والبقية من الدم يرجع إلى الجسم وقد تصفي مائة في المائة. وقد يحصل للإنسان مرض يسمونه مرض الفشل: وهو أن الكلية لا تستطيع أن تؤدي دورها كاملاً في تنقية الدم، فكان الناس في الماضي يعانون حتى الموت، لكن مع تقدم الطب استطاعوا أن يقوموا بإيجاد أجهزة يسمونها الكلية الصناعية، هذه الأجهزة تقوم بوظيفة الكلية، لكن ليس بكل وظائفها وإنما تقوم فقط بعشرة في المائة من وظيفة الكلى، وهي تخليص الدم من السموم، أما جميع الأشياء فلا، والكلية الصناعية كبيرة جداً، وفيها أجهزة معقدة وأشياء تبهر العقل، ومع هذا تحتوي كل كلية صناعية على خمسين ألف وحدة تنقية، بينما كليتك الصغيرة تحتوي على ثلاثة ملايين وحدة تنقية، والجهاز الكبير هذا يحتوي على خمسين ألفاً فقط، تصور إذا أردنا أجهزة على عدد وحدات كلية إنسان، كم نحتاج إلى أجهزة؟ نحتاج إلى عشرين كلية صناعية من أجل أن توفر مليون وحدة تنقية، أي: ستون كلية صناعية تقوم بدور واحدة فقط من كليتيك، أي: مائة وعشرون كلية صناعية تقوم مقام كليتين معلقتين في ظهرك وزن الواحدة منها ثلاثمائة جرام، أو مائتان وخمسون جراماً، هذه الكلى التي معك لا تعلم بنعمة الله عليك فيها، فأنت تأكل الطعام وتخرج منك هذه الفضلات، ولو حبس الله فيك البلاء لمت. أحد الإخوة أصيب بفشلٍ كلوي، فأصبح يغسل الدم مرتين كل أسبوع، يأتي يوم الأحد والأربعاء من كل أسبوع، ويجلس ساعتين تحت الكلية الصناعية، يسحبون دمه كله ويذهب في الكلية الصناعية ويرجع من هناك ويخرج وهو متعب يحتاج إلى ساعات من الراحة بعد هذه العملية الشاقة، وبعد ذلك تبرع له أحد أقاربه بكلية بشرية، وعملت له عملية، ونجحت العملية والحمد لله، يقول هذا الأخ: بعد انتهاء العملية كانت أول مرة أذهب فيها إلى دورة المياه منذ أكثر من خمس سنوات، فالبول من أين يأتي؟ عن طريق الكلية، فالذي عنده غسيل صناعي لا يبول أبداً، يقول: لما دخلت دورة المياه وخرج مني هذا البول حمدت الله حمداً لا أشعر بأن في الدنيا أعظم مني حمداً لله عز وجل، لماذا؟ يقول: لأنه خرج مني هذا الشيء بسهولة، كان يخرج مني بعد تعب عن طريق الكلية الصناعية، وأنت -يا أخي- الآن تعيش هذه النعمة ولا تقدر نعمة الله عليك. كان أحد العلماء عند أحد الخلفاء، وكان يوماً شديد الحر، فعطش الملك فقال لخادمه: عليَّ بالماء، فجاءوا له بالماء، فلما أراد أن يشرب، قال له العالم الذي بجانبه: يا أمير المؤمنين! لو حبست عنك هذه الشربة إلا بنصف ملكك أكنت تفتديها؟ قال: نعم. لأنه سوف يموت عطشاً، ماذا يعمل بملكه وليس معه ماء، قال: تفضل اشرب فشربها، فلما شرب وارتوى أراد أن يقوم، قال: إلى أين؟ قال: إلى الحمام، يريد أن يخرج هذه الشربة، قال: لو حبست فيك تلك الشربة إلا بالنصف الثاني من الملك أكنت تفتديها؟ قال: نعم. أفتديها، قال: والله لا أحزن على ملكٍ لا يساوي شربة ماء ولا دفقة بول. فخلقك عجيب -أيها الإنسان- وهو آية من آيات الله تبارك وتعالى الذي خلقك على هذه الهيئة، يقول الله عز وجل: {فَلْيَنظُرْ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق:5 - 6] المني {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} [الطارق:7 - 8] ويقول عز وجل: {قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} [عبس:17 - 19] ويقول: {كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ} [المعارج:39] يتنزه الله عز وجل أن يذكر ذلك، كأنه يقول لنا: إنه يعلم من أي شيء خلقنا؟ من أي شيء؟ مما يعلمون {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} [المعارج:40 - 41] يقول الله: {قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ * كَلاَّ لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ} [عبس:17 - 23] ويقول عز وجل: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} [المرسلات:20] لماذا تتعالون على الله وتتكبرون؟ لماذا التغطرس؟ أبالمال؟ المال مال الله. أبالخلق؟ الخلق من الله. أبالعز والجاه؟ الجاه من الله، يؤتي الملك من يشاء وينزعه ممن يشاء، ويعز من يشاء ويذل من يشاء، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، إذاً لا مبرر لأن تتكبر -أيها الإنسان- لا مبرر لأن تتعالى -أيها الإنسان- إنما تتعالى بشيءٍ يحصل منك، وليس يحصل منك شيء قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل:53] يقول عز وجل: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ} [الزمر:6] ظلمة الرحم، وظلمة البطن، وظلمة المشيمة: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} [الزمر:6] نطفة، ثم علقة، ثم مضغة: {خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [الزمر:6] وهذه العملية تتم أمامنا في كل يوم، ونشهد كل يوم مولوداً يولد، ويبشر بقدومه إلى هذه الحياة، مَنْ خَلَقَه؟ إنه الله الذي لا إله إلا هو. هذه الحقيقة الأولى: حقيقة الخلق والإيجاد.

الحقيقة الثانية: حقيقة الموت

الحقيقة الثانية: حقيقة الموت تأتي الحقيقة الثانية، الحقيقة المرة التي لا يودها أحد ألا وهي: الموت. الموت مفرق الجماعات، مبدد الشعوب والأمم، قاهر الظلمة، لا يستأذن على أحد، ولا يخاف من أحد، يقول الله عز وجل: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَاز} [آل عمران:185] هذا هو الفوز، وليس الفوز أن تبني عمارة، أو تنكح زوجة، أو تحتل وظيفة، أو يكون لك أي شيء في هذه الدنيا، فإن هذا فوز مؤقت محدد يزول بانتهاء الحياة، لكن الفوز يوم أن تزحزح عن النار وتدخل الجنة {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185] ويقول عز وجل: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:35] ويقول عز وجل: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء:78] ويقول عز وجل: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19] تحيد أي: تفر. هل هناك شخص يريد الموت؟ كل شخص يرى أن الموت آتٍ فهو يهرب منه لا يريده، لكن الله عز وجل يقول: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ} [الجمعة:8] كل شيء إذا فررت منه تبتعد عنه إلا الموت، إذا فررت منه اقتربت إليه، أي شيء تفر منه من ثعبان أو أسد فإن المسافة تزداد بينك وبينه، إلا الموت إذا فررت منه تقرب المسافة بينكما، إذاً لا تفر منه، واقترب منه، فإذا اقتربت فإنك تصل وأنت سالم، لكن إذا فررت كأنك تستعجل الموت أيها الإنسان، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُم} [الجمعة:8] وهل سمعنا أن أحداً استطاع أن يمتنع من الموت؟ قال عز وجل: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عليهمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران:154]. والموت سنة كونية لا تأتي بالحوادث ولا بالحروب ولا بأي شيء، وإنما وفق تقدير الله، تجد حادثاً مرورياً يموت فيه عشرة أشخاص إلا طفلاً رضيعاً، أصحاب العضلات ماتوا والطفل الرضيع وجدوه في مهده معافى. في الزلزال الذي حصل في مصر وجدوا شخصاً بعد ثمانين ساعة تحت الأنقاض، وأتوا عليه وهو سالم، لا هواء ولا ماء ولا غذاء والله كتب له النجاة، لماذا؟ لم يأذن الله بموته، ليس الذي يميت هو الزلزال أو البحر، أو الطائرات هذه أسباب لكن الذي يحيي ويميت هو الله، فإذا أراد الله أن تحيا حييت ولو كنت في البحر، أو الحريق أو الطائرة أو السيارة، وإذا أراد الله أن تموت فإنك تموت ولو كنت على فراشك. امرأة كان لها ولد يدرس في أمريكا، وجاء يقضي إجازته عندها، وبعد ذلك انتهت الإجازة وأراد أن يرجع إلى دراسته التي يريد أن يكملها في أمريكا، وأمه تريد أن يطيل الإجازة ولا تريده أن يسافر، فأخبرها بأنه حجز على الرحلة الفلانية، وطلب منها أن توقظه قبل الرحلة بحوالي ساعتين أو ثلاث من أجل أن يدرك الطائرة، فتركته ينام ولم توقظه من أجل أن يستيقظ وقد فاتت الرحلة، فيذهب ليحجز من جديد فيطيل المكث معها، الأم تطمع في ولدها، وهو مسكين يريد أن يسافر، فلما نام وانتهت الرحلة وهو نائم قامت تسمع الأخبار وإذا بها تسمع خبر أن الرحلة التي كان مقرراً أن يركب فيها هذا الولد قد أقلعت من المطار، وعند نهاية المدرج حصل في الطائرة خلل فاحترقت، وهلك جميع الركاب الموجودين في الطائرة، والطائرة لا زالت في بداية الإقلاع، وأذاعوا البيان والتعازي -وكان ذلك في بلد عربي قبل سنوات- فالأم فرحت أن ولدها لم يسافر، وأنها كانت السبب في أنه موجود، فجاءت تبشره أن الله نجاه، فلما جاءته وجدته ميتاً في فراشه، فكان متوقعاً أن يموت في الطائرة فمات في فراشه. آخر كان يعمل في عمارة في الدور السابع، وأثناء عمله فقد توازنه وسقط من أعلى، وأخذ يسقط على الألواح الخشبية الواحد إثر الآخر حتى سقط على كومة رمل أسفل العمارة، وإذا به واقف ولم يصبه شيء، فنظر فيمن حوله وضحك من الفرحة، والناس الذي رأوه يسقط من السماء يضحكون ويتعجبون من سلامته، وزملاؤه الذين معه في عجب، ففرح الرجل ومن فرحته قال لمن حوله: والله لأسقينكم شراباً، أي: بمناسبة السلامة، من أين يسقيهم شراباً؟ الشراب في بقالة مقابلة للعمارة، فقطع الشارع يريد أن يأتي بالشراب وكان ذلك مع مجيء سيارة مسرعة قطعته قطعة قطعة. الله عز وجل قد قدر عليه أن يموت في تلك اللحظة وهو في الدور السابع على الألواح، ولو نزل بواسطة الدرج فسوف يتأخر، فالله أنزله بقوة، أنزله بسقطة من أجل أن يموت في تلك اللحظة، قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجمعة:8]. فحقيقة الموت مرة نعيشها ونستقبلها، ولكن ليس الموت هو المهم، يقول خبيب بن عدي: وما بي حذار الموت إني لميتٌ ولكن حذاري جحم نار تلفع والآخر يقول: ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت راحة كل حي ولكنا إذا متنا بعثنا ونسأل بعده عن كل شيء والآخر يقول: لهوت وغرتك الأماني وعندما أتمت لك الأفراح فوجئت بالقبر الإنسان يتعب طيلة حياته ويجمع ويبني، فإذا تزينت له من كل جانب، فكثرت الأموال، وزادت العمارات، وكثر الأولاد، وأصبح منعماً، جاءه الموت فأفسد عليه تلك الحال. زرت رجلاً من الأثرياء جاءته تعويضات بالملايين عن أراضٍ له ومزارع وبيوت اخترقها مشروع حكومي، ولما صار عنده الملايين زرته، وإذا بالرجل مسكين في السبعين من عمره، وإذا به يكاد يتقطع قلبه من الحسرات والندامات، قلت: ما بك؟ قال: مصيبة يا ولدي، قلت: ما الأمر؟ قال: الملايين ما أتتني إلا وأنا كهل، يقول: ملايين وأنا كهل! ماذا أفعل بها؟ قلت: مم تشكو؟ قال: أشكو من السكري ولا أذوق شيئاً لا اللحم ولا الشحم ولا الرز لا آكل إلا خبزة يابسة مع فنجان حليب بدون سكر، والملايين موجودة في البنك، يقول: والمرأة لا أقدر على ضربها؛ لأنه كهل، يقول: والنوم لا يأتيني، يقول: أتمنى أن الملايين أتتني وأنا شاب، كنت استفدت منها، إذاً، قلت له: أتريد أن تستفيد منها؟ قال: نعم. قلت: أرسلها إلى الآخرة حتى تستفيد منها، قال: هل تريدني أن أضيع مالي، قلت: أنت مضيع مالك لا محالة ولكن قدمه لك فلا تضيعه، ليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت، يقول: إنك تريدني أن أضيع مالي، قلت: الذي يضيع ماله هو الذي يتركه، أما الذي يقدمه إلى الله عز وجل فإنه لم يضيّع نفسه ولا ماله، بل هو والله العاقل.

الحقيقة الثالثة: حقيقة البعث وأساليب القرآن في إثباتها

الحقيقة الثالثة: حقيقة البعث وأساليب القرآن في إثباتها فالموت -أيها الإخوة- يأتي على الناس وينقلهم من هذه الدنيا إلى الحقيقة الثالثة وهي: حقيقة الآخرة، حقيقة البعث، وهذه الحقيقة هي التي نحتاج أن نتوسع فيها إن شاء الله. قضية البعث من أبرز قضايا العقائد، وهي ركن من أركان الإيمان في حديث جبريل لما سأل عن الإيمان قال: (وأن تؤمن بالبعث بعد الموت) وكادت تكون القضية الكبرى بعد قضية التوحيد في كتاب الله، خصوصاً في القرآن الذي نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في مكة لتثبيت العقيدة، فكانت قضية التوحيد ومحاربة الشرك، والتركيز على البعث هما أهم قضيتين تناولهما القرآن: القضية الأولى: لإفراد العبودية لله. والقضية الثانية: للإيمان بالبعث. لأنه إذا آمن الإنسان بالبعث انضبط سلوكه، واستقام في منهجه؛ لأنه يعرف أنه سيبعث، فجاء التركيز عليها بشكل قوي، وعالجها القرآن بوسائل وأساليب كثيرة. ومن هذه الأساليب:

أسلوب القسم

أسلوب القسم أقسم الله في القرآن الكريم أن البعث كائن، والله لا يقسم بذاته عز وجل ولا يأمر نبيه أن يقسم بذاته إلا على أمرٍ هام، يقول عز وجل: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:7] الذين أنكروا البعث يصعب عليهم تصديق أن الله يرد هذا الطين آدمياً بعدما يصير طيناً، قال الله لهم: {وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:7] إذا كان صعباً عليكم لأنكم بشر ضعفاء، فليس بصعب على الله، ولما سألوا قالوا: كيف يخلقنا ربنا ويعيدنا كلنا وقد مات الأولون؟ قال الله عز وجل: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان:28] قال: خلقكم ومن قبلكم ومن بعدكم إلى يوم القيامة وبعثكم مثل خلق وبعث نفس واحدة، وقال عز وجل: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غافر:57] ويقول: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} [النازعات:27] أنت -يا إنسان- خلقك أشد أم خلق السماء؟ فكيف تستغرب أن الله يخلقك مرة ثانية وقد خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن؟ {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق:38 - 39] ويقول: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق:16 - 17] فيقسم الله، ويأمر رسوله أن يقسم ويقول: قل يا محمد، قل يا أيها النبي: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن:7] بعد أن قال: زعم، والزعم هو الكذب {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} [التغابن:7] قال الله: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:7] ويقول له: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ} [يونس:53] يقول: الكفار يسألونك: أحق البعث؟ قال الله: {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس:53] {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [يونس:53] هناك: وذلك على الله يسير، وهنا: وما أنتم بمعجزين. وقال عز وجل: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ:3] الذين كفروا قالوا: ليس هناك ساعة، قال الله: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ:3] ويقول عز وجل: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات:23] أمر البعث حقٌ مثلما أنك تنطق، ألست الآن تنطق؟ والله إن أمر البعث حق مثلما أنك تنطق، وبعد ذلك من الذي قال هذا؟ الله، يقول: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات:23] وبعد ذلك هذا الأسلوب الأول، أسلوب التأكيد عن طريق القسم.

أسلوب المعالجة العقلية

أسلوب المعالجة العقلية وعالج القرآن قضية البعث علاجاً عقلياً، عن طريق رد الإنسان إلى أصله، وتذكير الإنسان بأصل خلقته، فالقادر على البدء قادر على الإعادة، من صنع سيارة من أولها ثم تفككت بعد ذلك ألا يستطيع أن يركبها مرة ثانية؟ من صنعها من لا شيء قادر على إصلاحها وهي شيء، هذا بالنسبة للإنسان فكيف لا يكون الله قادراً على إعادة الإنسان وهو خلقه من غير شيء؟!! وإن الله ليس عنده شيء أصعب ولا شيء أسهل، كل شيء عنده سهل، قال عز وجل: {إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت:39] {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل:40] ليس هناك صعب ولا سهل عند الله. يقول الله عز وجل: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78] انظر كيف يكون الرد، قال الله: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:79] {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً} [يس:78] هذا العاص بن وائل أخذ عظماً من المقبرة وأتى به وفته في يد الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: أتزعم يا محمد أن ربك يعيدنا بعد أن نكون عظاماً رميماً؟ ثم نثر الطين بيد الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: (نعم. ويدخلك الله النار!) وفعلاً مات العاص بن وائل -أبو عمرو بن العاص - مشركاً ولم يسلم، ويدخله الله النار، ونزل القرآن مباشرة: {أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} [يس:77] خصيم أي: مجادل، يجادل النبي صلى الله عليه وسلم {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً} [يس:78] أي: بالعظم الذي قد رم {وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [يس:78] أي: نسي العظم الذي يحمل العظم، هو الآن جاء بعظم مفتت على عظم مركب، مَنْ خلق الأول حتى تنكر العظم الثاني؟ {وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78] قال الله: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس:79] الذي خلقها أول مرة، أليس قادراً على إعادتها ثانية؟ بلى إنه قادر تبارك وتعالى، فهذا رد عقلي. والرد الثاني: يقول الله عز وجل: {وَيَقُولُ الْأِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً} [مريم:66] قال الله: {أَوَلا يَذْكُرُ الْأِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً} [مريم:67] الإنسان يقول: أئذا ما مت لسوف أخرج حيا مرة ثانية؟ قال الله: {أَوَلا يَذْكُرُ} [مريم:67] أي: لا تذكر أنك كنت ميتاً فخلقناك ولم تك شيئاً، فالذي خلقك ولم تكن شيئاً فإنه قادر على أن يعيدك بعد أن تكون شيئاً، هذه ردود عقلية منطقية من أجل إيقاف الناس على حقيقتهم، ويقول عز وجل: {فَلْيَنظُرْ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق:5] إذا كان عندك شك في البعث فانظر من أين خلقت، ويقول عز وجل في سورة الحج {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ} [الحج:5] إن كان عندكم شك من البعث {فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً} [الحج:5] هذا المثال {ً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج:5 - 7] هذه خمس نتائج تقريرية للآية، إن كنتم في ريب من البعث فهذا الخلق يتم أمامكم، فالذي خلق وأمات يبعث، وهو الله تبارك وتعالى.

أسلوب نقل صور الآخرة ومشاهدها

أسلوب نقل صور الآخرة ومشاهدها ثم جاء الأسلوب الأخير في القرآن الكريم لتقرير قضية البعث، ينقل صور ومشاهد مما سيحدث يوم القيامة بين المصدقين والمكذبين بالبعث، أناس آمنوا -نسأل الله أن يجعلنا منهم- بالبعث وعبروا عن إيمانهم بالعمل؛ لأن الذي يؤمن بالبعث لابد أن يعمل الصالحات ويترك السيئات، أما الذي لا يعمل الصالحات ويقع في المعاصي والسيئات -والعياذ بالله- هذا إيمانه بالبعث قليل أو معدوم. علامة الإيمان بالبعث انضباطك، الآن الناس لماذا ينضبطون عند إشارات المرور؟ آمنوا بجندي المرور، علموا أن هناك جندياً أو سيارة تختفي في بعض الزوايا تضبط المخالفين، ولهذا يأتي الشخص فيقف عند الإشارة الحمراء ولو كان مستعجلاً، ولو كان معه مريض، آمنوا بالجزاء وأن هناك قسيمة بثلاثمائة ريال على قطع الإشارة، كل واحد يقف، لكن لو أن هناك إشارات لكن الدولة ألغت جهاز المرور، ,أعطت للناس حرية السير كيفما شاءوا فهل يقف أحد عند الإشارة؟ والله ما ترى شخصاً يقف عند الإشارة، لماذا؟ لا يوجد أحد عنده يقين أنه سوف يجازى! وكذلك الذي يعرف أنه سيجازى يوم القيامة ينضبط سلوكه، لا يزني؛ لأنه يعرف أن الزنا حرام، لا يلوط؛ لأنه يعرف أن اللواط محرم، لا يأكل حراماً، لا يغني، لا ينظر إلى حرام، لا يتكلم في حرام، لا يسمع حراماً، لماذا؟ انضبط سلوكه، لكن لو لم يكن مؤمناً فإنه يخبط خبط عشواء ذات اليمين وذات الشمال؛ لأنه ما آمن بالله، فالله عز وجل نقل لنا في القرآن الكريم صوراً من أحداث يوم القيامة، تبين حالة أهل الإيمان بالبعث، وحالة أهل الكفر الذين كذبوا بالبعث، في مشاهد كثيرة أذكر لكم بعضها: ومنها قوله عز وجل في سورة الصافات، بين رجل مكذب ورجل مصدق، قال عز وجل: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات:50] وهم في الجنة، أهل الجنة على الأرائك والسرر يتحادثون، ويتنادمون، ويتكلم بعضهم مع بعض، غاية النعيم أنهم يتحادثون في الجنة {قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ} [الصافات:51] واحد من أهل الجنة {إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} [الصافات:51] يقول: كان لي رفيق وصديق {يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافات:52 - 53] هذا الكافر يقول: أأنت مصدق أنا إذا متنا يبعثنا الله ونحاسب وندان بأعمالنا؟ يقول المؤمن: كان لي صديق بهذا الوضع، إذاً فأين هو الصديق هذا؟ وإذا بربك الرحمن يقول في القرآن: {قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} [الصافات:54] يعني: هل تريدون أن تنظروا حال هذا الرفيق؟ فهو موجود، لم يفلت من قبضة الله، وهو موجود في الدار الثانية، في النار {قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات:54 - 55] نظر إليه من الجنة، وإذا به يراه في سواء النار أي: وسطها، مثل الفحمة السوداء يتعذب في النار، فلما نظر إليه قال له: {قَالَ تَاللَّهِ} [الصافات:56] حلف بالله {إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي} [الصافات:57 - 58] أي: بثباتي على الإيمان والدين {لَكُنتُ مِنْ الْمُحْضَرِينَ} [الصافات:57] ثم قال لإخوانه: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ} [الصافات:58 - 61]. {قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنْ الْمُحْضَرِينَ} [الصافات:57 - 57] ثم التفت إلى من حوله من إخوانه في الجنة وقال مغتبطاً ممتناً بنعمة الله بأن أدخله الله الجنة ونجاه من النار {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ} [الصافات:58] يعني: انتهى الموت الذي كنا نخاف منه، من أن ينغص علينا نعيمنا في الدنيا، ويهددنا في أولادنا وأزواجنا، الآن توجد زوجات خالدات، وقصور عاليات، وأنهار جاريات، ونعيم -نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلنا من أهله وإخواننا في الله في جميع بلاد المسلمين وآبائنا وأمهاتنا- يقول: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ * إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ} [الصافات:57 - 61]. يذكر ابن كثير قصة في سبب نزول هذه الآية: أن رجلين من بني إسرائيل، رجلٌ مؤمن بالبعث وآخر كافر بالبعث، وكانا شريكين في تجارة، وكان صاحب الإيمان يعمل للتجارة، ولكنه يعمل لتجارة الآخرة أكثر، أما الكافر فكان يشتغل ليلاً ونهاراً على تجارة الدنيا، فكأنه ضجر من رفيقه المؤمن وطلب منه أن يفترقا، فاجتمعا وجمعا المال، فوجداه ثمانية آلاف دينار، فقسماه وأخذ كل واحد أربعة آلاف دينار، وقام التاجر الكافر واشترى بألف دينار أرضاً واسعة، واشترى فيها عبيداً بألف دينار أخرى، وبنى فيها قصراً بألف دينار، وتزوج زوجة كلفته في جهازها وتجهيزها ألف دينار، وعاش في هذه المزرعة الكبيرة، يخدمه العبيد، ومعه الزوجة الجميلة في القصر العالي. أما ذلك المؤمن فأخذ الأربعة الآلاف دينار، وكلما سمع بأن صاحبه عمل شيئاً للدنيا، عمل شيئاً للآخرة، فحين اشترى أرضاً، قال: اللهم إن رفيقي فلاناً اشترى أرضاً سيموت ويتركها، اللهم إني أشتري عندك أرضاً في الجنة بألف دينار، ووزعها على الفقراء، وبعد ذلك علم أنه اشترى عبيداً قال: اللهم إني أشتري عبيداً عندك في الجنة بألف دينار، وعلم أنه بنى قصراً قال: اللهم إن رفيقي بنى قصراً في الدنيا سيموت ويتركه، اللهم إني أشتري عندك قصراً في الجنة بألف دينار، ووزعها على الفقراء، علم أنه تزوج قال: اللهم إن رفيقي تزوج امرأة سيموت ويتركها أو تموت هي وتتركه، اللهم إني أخطب عندك حوراء عيناء في الجنة بألف دينار ودفعها، ولم يبق معه شيء من المال، فقد قدمه كله في سبيل الله، فأراد الله عز وجل أن يمتحنه، ويجري عليه اختباراً، فضاقت عليه سبل المعيشة، حتى أصبح يسأل الناس، وصدته الحياة ولم يجد من يعطيه لقمة عيش، فتذكر صاحبه وشريكه الأول فذهب إليه يدق عليه الباب، ويطلب منه أن يعطيه شيئاً، ولما قرب من القصر طرده العبيد؛ لأن عليه أسمالاً بالية وثياباً مقطعة رثَّة، قال له العبيد: اخرج ولا تأتنا ولا تقترب، حتى لا يأتي سيدنا فيراك ويعاقبنا؛ لأنك تشوه منظر القصر، فقال: قولوا لسيدكم: فلانٌ يريدك، قالوا: نقول له أنت تريده؟ ومن أنت؟ قال: قولوا له هذا الكلام فقط، فصعد شخص إليه وقال له: بالباب شخص فقير مقطع الثياب يقول: إنه يريدك واسمه فلان بن فلان، فتذكر فنزل إليه ولما رآه صافحه وسلم عليه، وقبل أن يتكلم معه قال له: قبل كل شيء أين أموالك؟ قال: أقرضتها، قال: من أقرضتها، ومن الذي يقرض ماله؟ قال: أقرضتها المليء الوفي، وأشار إلى الله، المليء الذي لا يأخذ حقك، والوفي الذي سوف يعطيك ويوفي لك، فنزع يده منه وضربه في صدره، وقال: اذهب إليه، فرجع الرجل بحسرة وندامة ما بعدها حسرة، وعاش بقية عمره إلى أن مات، ولما مات ودخل الجنة أعطاه الله القصر والأرض والعبيد والزوجة، وذاك مات وترك كل شيء ودخل النار. ولما دخل المؤمن الجنة أخبر الله بما سيكون يوم القيامة فقال: {إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} [الصافات:51] هذا الرفيق يقول: {يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَدِينُونَ * قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات:52 - 55] هذا يحصل بين من كذب بالبعث وبين من آمن به. مشهد ثانٍ من مشاهد القيامة ذكره الله في سورة الأعراف وهي قوله عز وجل: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} [الأعراف:50] أصحاب النار وهم في النار يعانون من لهيبها وحرها، وسمومها وسلاسلها، وأغلالها وأنكالها، وحياتها وعقاربها، وظلماتها -والعياذ بالله- نعوذ بالله من لظى جهنم، وهم في هذا العذاب الأليم يسمعون أهل الجنة وهم يتنادمون ويتحدثون فينادونهم كما قال الله: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعراف:50] من هم؟ {الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [الأعراف:51] هؤلاء الذين غرتهم الحياة الدنيا، واتخذوا آيات الله ودينهم هزواً ولعباً، وكانوا يجحدون بآيات الله، وبلقاء الله عز وجل، كانت نتيجتهم النار، وأولئك المؤمنون كانت نتيجتهم الجنة. فيا أخي في الله! يجب أن تعمق هذه القضية والعقيدة في قلبك، وأن تشعر بأنك مؤاخذ ومسئول عن كل عمل تعمله، والله تبارك وتعالى يقول: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18] والله ما من حركة تتحركها، ولا لفظةٍ تتلفظها، ولا خطوة تخطوها، إلا مسجلة عليك، وسوف يخرج الله لك كتاباً تقرأه يقول الله عز وجل: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية:29]. اسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقنا وإياكم الإيمان، وأن يوفقنا جميعاً للعمل الصالح، وأن يثبتنا على ذلك حتى نلقى الله، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير. كما نسأله تعالى أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته،

الأسئلة

الأسئلة

حلول عملية لمشكلة الزواج عند الشباب

حلول عملية لمشكلة الزواج عند الشباب Q نرجو من الشيخ أن يذكر لنا حلولاً لمشكلة العنوسة وكثرة العزاب؟ A أولاً: من الحلول العملية لمشاكل الأمة ومعضلاتها ما حصل في مدينة جدة، كانت أزمة ولكنها كبرت حتى صارت مشكلة، ثم نمت حتى أصبحت معضلة تهدد بانهيار مجتمعنا، ألا وهي: عضل النساء، وعدم تزويجهن، بيوت مملوءة ومكدسة بالنساء، وبيوت مملوءة ومكدسة بالرجال، وعراقيل وعقبات توضع في سبيل هذا اللقاء الشرعي وهو الزواج، مما اضطر الناس يوم أقفلت الأبواب الشرعية، أن يفتح لهم الشيطان أبواباً غير شرعية، لا سيما مع وفرة الإمكانيات التي توصل إليها، كان الناس في الماضي لا يستطيع أحد أن يصل إلى أحد، كل بنت في بيت أبيها ودونها جبال، الآن لا، أصبح الواحد يستطيع أن يقتحم البيت وأنت نائم لا تعلم عن شيء يقتحم البيت عن طريق رقم يرمي به الشاب عند الباب، وحصل ما حصل من الفساد. ولكن قيض الله لكم في هذه المدينة وغيرها من المدن بعض الرجال الصالحين الذي نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحداً، يتمتعون بشجاعة وجرأة في الحق، وأيضاً عندهم عقل استعملوه في تقديم حلول عملية، ليست الحلول كلاماً، مهما قلنا للناس ومهما حدثنا سيبقى الكلام توجيهياً فقط، لكن عملياً في حياة الناس لا بد من أن يقوم واحد بالمبادرات، ولديكم مبادرتان: المبادرة الأولى: مبادرة اللجنة الخيرية لمساعدة المتزوجين هذه تمثل جسراً بين الأغنياء القادرين، وبين الفقراء غير القادرين، تجمع التبرعات من المحسنين، وتتعرف على الشباب الذين لا يستطيعون أن يتزوجوا، ثم تهيئ لهم معونة مالية وأثاثاً، وتستأجر لهم شقة، وجائزة على أول مولود، وجائزة على ثاني مولود، من أجل تشجيعهم على النسل، هذا خير كبير، بعض الأثرياء عنده مال يريد أن يتصدق، لكن لا يعرف من يعطي، فلا يتصدق، لكن حين يجد من فيه خير ويقول له: هاتها وأنا أضعها في محلها، ويكون ثقة مثل هؤلاء المشايخ والعلماء، فهذه الجمعية المباركة تقوم بنشاط كبير، وقد حصل منها خير كبير، وتزوج منها آلاف البنات وآلاف الفتيان، وأنشئت منها آلاف الأسر، وحصل منها النسل الكثير، وما حصل إلا خير إن شاء الله، فنريد منكم إن شاء الله استمرار الدعم لهذه الجمعية. هذه الجمعية الخيرية ليس عملها عملاً منقطعاً، بحيث تهب لها مرة واحدة ثم تكف يدك، بل لابد أن تستمر في الخير ليكون لك مساهمة في بناء أسرة ولو بلبنة واحدة، ولو بعشرة ريالات من راتبك الشهري، في السنة مائة وعشرون تضعها في الصندوق من أجل المساهمة في القضاء على هذه المعضلة، وتزويج النساء والرجال، هذا شيء عظيم تحتسبه عند الله. ولذا يقف على الأبواب إخوانكم الذين يجمعون التبرعات لهذا المشروع، وأنا أحثكم وأسأل الله أن يعينكم عليه، وأيضاً يوجد صندوق عند النساء. المشروع الثاني: وهو عملي لا يقل عن الأول بل يمكن أن يكون أهم منه؛ لأنها الخطوة التي تسبق الزواج وهو قضية الدلالة والوساطة بين من يريد أن يتزوج ومن يريد أن يزوج، كثير من الناس عنده بنات يريد أن يزوجهن، لكن لم يأته أحد، فماذا يصنع؟ لا يستطيع أن يذهب إلى الحراج ويقول: والله عندي أربع بنات أو ثلاث أو اثنتان، فإن جاء أحد كان بها، وإلا قعدن في البيت، بعضهن بلغت من العمر أربعين سنة، وهي تريد الزواج ولكن لم يتزوجها أحد، لا يستطيع هو أن يخبر الناس، رغم أنه لو دعا أحداً من أهل الدين فليس عليه حرج، لكن بعض الناس رأسه جاهلي، يقول: أأذهب أعرض بابنتي؟ لا. لا تحرج عليها، لكن اختر لبنتك كما فعل من هو أكرم منك القرشي الهاشمي عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كان يدفن ابنته حية من العار، لكن لما هداه الله إلى الإيمان ما دفنها وهي حية في البيت، وإنما بحث لها عن زوج، عرضها على عثمان وأبي بكر فأعرضا عنها، لأنهما سمعا النبي صلى الله عليه وسلم يذكرها، وخطبها النبي صلى الله عليه وسلم ففرح عمر بذلك، وأصبحت أماً للمؤمنين وهي حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها وأرضاها. ليس عيباً إذا رأيت شاباً ملتزماً متديناً يصلي في المسجد، وتعرفت على أخلاقه عن طريق سؤالك عنه، لا يكفي فقط أن تأخذ من الصلاة دليلاً، الصلاة أكبر دليل لكن ابحث عن الأمور الأخرى عن تعامله وخلقه وحياته، فإذا تأكدت فادعه وقل: يا فلان، أنا عندي بنت أحبها مثل عيني، قطعة من كبدي، ومن حبي لها اخترتك لها، فما أريد أنك يوم من الأيام تقول: والله أنت الذي عرضتها علي ثم تنتقصني، تعال انظر إليها، فإن ناسبتك وأعجبتك قرنت بينكما وعقدت لك، فإن لم تناسبك فالسر عليه الله، لا تذهب وتقول: فلان دعاني ورأيت بنته، وهي ليست جميلة، تكشف عرضي، لم ينظر إليها أحد إلا أنت، أنا أغار عليها من الشمس تنظر إليها، ولكن بأمر الشرع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أمر أن تراها، فتأتي به إلى ابنتك ويراها وتراه، فإذا ناسبها وناسبته تعقد لهما على مائة ريال أو عشرة ريالات أو ألف ريال، هذا هو الزواج الشرعي، أما أن تنام كل ليلة عند زوجتك، وبيتك ممتلئ بالبنات أو الشباب ولا تزوجهم فهذه مصيبة، كثير من الناس يريد أن يزوج، ولكن لا يعرف ولا يستطيع. وقد قام أحد الإخوة في الله وهو الشيخ: عبد العزيز الغامدي حفظه الله، بهذا الجهد مشكوراً، وهذا الجهد متعب ومضنٍ جداً؛ لأنه تعامل مع شيء حساس في حياة الناس وهو العرض، صعب أنك تدخل في هذه الأشياء، لكن يحتاج إلى نوع من الصبر، ويحتاج أيضاً إلى نوع من السيطرة على النفس، وعلى الاستمرارية وعدم الضجر، فقام بهذا العمل جزاه الله خيراً ورتب إدارة وشكل جمعية، تقوم هذه الجمعية بتعريف الشباب، فالذي يريد أن يتزوج يذهب إليه ويقول: يا شيخ! أنا أريد أن أتزوج، وهذه مواصفاتي: أنا شاب جامعي، راتبي كذا وكذا، أسكن في كذا وكذا، الجنسية كذا، وهذا وضعي، وهذه مواصفاتي، وأنا أريد بنتاً مواصفاتها كذا، ويأتي الرجل من أهل الخير الذي عنده بنات، يقول: يا شيخ! أنا رجل عندي بنات وأريد تزويجهن، الكبيرة عمرها كذا، والثانية عمرها كذا، والثالثة عمرها كذا، وأنا أريد أن أزوج من صفته كذا ووضعه كذا، فيقوم الشيخ يقابل بين الشروط، فإذا رأى أن هذا يصلح لهذا دعاه وقال: تعال يا أخي! اذهب إلى فلان، وقل: دلني عليك فلان، ومن فضل الله يذهب ويتزوج وتقوم الأسر، وحصل خير كثير، والآن عنده كما يقول لي: أكثر من خمسين ألف من الشباب يريدون أن يتزوجوا، وعنده مثلها بنات، وهو الآن من فضل الله كل يوم وهو يزوج، لكن هذا الجهد يحتاج أيضاً إلى دعم منكم؛ لأنه يحتاج إلى إدارة، ومبنى مستأجر، وعاملين، ومكالمات هاتفية. ثم إن هذا الخير لم يكن محصوراً على مدينة جدة، بل تجاوزها إلى معظم مدن المملكة، بل نقرأ الآن في جريدة المسلمون أن هذا الخير وصل إلى البلدان الإسلامية الأخرى، نسمع عن فتاة من الجزائر، أو المغرب، أو سوريا، أو مصر تبحث عن زوج، وشاب من الكويت يريد زوجة، فحصل خير كبير، وتعارف الناس وحصل منهم خير كثير، بدلاً من بقاء البنت معزولة والرجل معزولاً، أو يلتقون عن طريق الشر، فهيأ لهم هذا الشيخ اللقاء الشرعي فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً. ونرجو من كل من يقدر على مساعدته أن يدعمه بالتبرع الذي يستطيع به مواجهة تكاليف هذا العمل الخيري الإيجابي، الذي نسأل الله أن يجعله في موازين حسناته.

الوسواس وحديث النفس

الوسواس وحديث النفس Q تحدث لي بعض الأفكار التي لا أستطيع ذكرها وهي تقلقني كثيراً فكيف التخلص منها؟ وهل أنا محاسب على هذه الأفكار؟ A هذه الأفكار والوساوس التي لا تزال في الذهن دون أن تخرج إلى الواقع لا تحاسب عليها، وهي من كيد الشيطان، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عنها؟ فقال: (الحمد لله الذي رد كيد عدو الله إلى الوسوسة) وقالوا: (يا رسول الله! إنا نجد في قلوبنا شيئاً لا نقدر أن نسألك عنه -أي: كأنه عن الله - فقال: ذاك صريح الإيمان) وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله عفا عن أمتي الخطأ والنسيان، وما حدثت به نفسها ما لم تعمل أو تتكلم) فشيء يدور في ذهنك لم يخرج إلى الواقع ليس عليك مؤاخذة، وهذا من الشيطان. أما كيف تصنع؟ فتستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، قال عليه الصلاة والسلام: (يأتي الشيطان إلى أحدكم فيقول: من خلقك؟ فتقول: الله، فيقول الشيطان: ومن خلق الله؟) هذا من الشيطان؛ لأن الشيطان يريد أن يكون الله مخلوقاً، وإذا قلنا هناك من خلق الله، فسيأتي ويقول: من خلق الذي خلق الله؟ وستستمر السلسلة إلى ما لا نهاية، إذاً فلابد من خالق لا يُخلق، من هو؟ الذي {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص:3] {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] فالله عز وجل له صفة أنه خالق وليس بمخلوق، لكن حين نقول: أنت مخلوق، من خلقك؟ الله عز وجل، من خلق الله؟ كأننا نريد أن يكون الله مثل الإنسان، الآن هل الباب مثل النجار؟ من صنع الباب؟ النجار، أليست صفة الباب غير صفة النجار؟ إذا تزوج الرجل نقول: يا باب تزوج! ما رأيكم؟! وإذا تحرك الباب نقول: قم يا نجار تحرك، لا. صفة الباب غير صفة النجار، وصفة الخالق غير صفة المخلوق. من صفات الله أنه الخالق قال تعالى: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر:24] ومن صفتك أنك مخلوق، فكيف تريد صفتك مثل صفة الله عز وجل؟! فإذا جاءك الشيطان بهذا قال: (فإذا جاء أحدَكم الشيطانُ فليقل: أعوذ بالله، آمنت بالله).

نصيحة لأصحاب الدشوش

نصيحة لأصحاب الدشوش Q يوجد حي يسمى حي (الدشوش) فهل من نصيحة لهم أيها الشيخ!؟ A والله ليس بفخر أن يسمى هذا الحي (حي الدشوش) هي في الحقيقة مسبة أن يتصف الإنسان بأنه ركب فوق بيته دشاً، هذا الدش يصب عليه حمم العذاب، ويجمع عليه -والعياذ بالله- الشر من كل حدب وصوب في العالم، المؤمن يحتاج إلى رحمة الله، المؤمن يحتاج أن يتنزل عليه رضوان الله، ليس بحاجة إلى شرور، كفى ما نحن فيه من الشرور -يا إخوان- شرور تغزونا من كل جانب ومن كل اتجاه، لم يبق إلا أن نركب شيئاً يزيد من الشر الموجود حتى في بلاد الكفار من أجل أن نصبه على نسائنا وأزواجنا وأولادنا وبناتنا، ونخرب بها بيوتنا، ونقضي على ما بقي عندنا من دين، ونخرب ما نحن فيه من أمن وطمأنينة. أما تعلمون أن هذا الفساد إذا حصل فهو سبب لزوال النعم التي نحن فيها؟ يقول الله: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} [الروم:41] هذه مصيبة، أنك ترضى بهذا المنكر -يا أخي- فكون حي كامل يسمى (حي الدشوش) فيعني ذلك: أنهم تعارفوا على تركيب هذا. فأنا أقول لهم: اتقوا الله في أنفسكم، اتقوا الله في أولادكم وأزواجكم وأمتكم، سوف تموتون، فبم تعتذرون إذا وقفتم بين يدي الله؟ ماذا تقولون وقد قال الله لكم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6]؟ ماذا تقولون وقد قال الله عز وجل لكم: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عليها لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه:132]؟ بأي وجه تقابل ربك وقد خنت الرسالة والأمانة وضيعت المسئولية؟ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث في الصحيحين: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، الرجل راعٍ في أهل بيته ومسئول عن رعيته). ومن الرعاية لهذه الأسرة: أن ترعى دينها، أما أن تضيع دينها بتركيب هذه الأجهزة التي تجمع الموجات المنتشرة في الفضاء من كل أجهزة الفساد في العالم ثم تصب هذا الشر على بيتك وتراه امرأتك، وبنتك، وولدك، ثم تفرط في هذا كله من أجل متعتك، تتمتع بذلك وأنت مؤمن بلقاء الله؟! تفرح وتمرح وأنت مؤمن بأنك ستموت؟! ألا تذكر القبر وما فيه؟ ألا تذكر الجنة وما أعد الله لأهلها المؤمنين؟ ألا تذكر النار وما أعد الله لأهلها الذين ينحرفون عن منهج الله؟ أنا أقول لهم محبة لهم ونصحاً: توبوا إلى الله، وأخرجوا إلى هذه (الدشوش) وحطموها إلى غير رجعة، وضع في بيتك الخير، الشريط الإسلامي، والكتاب الإسلامي، وجه بنتك، وولدك، وزوجك إلى الخير، اربط صلتك بالله تسعد في الدنيا، ويرضى الله عنك في الدنيا، ويبارك الله في عمرك وزوجتك وأولادك، وتعيش محبوباً عند الله، وعند خلق الله، ثم إذا مت لقيت الله ووجهك أبيض، وصحائفك بيضاء، وقبرك روضة من رياض الجنة، ثم إذا بعثت تبعث وأنت مكرم معزز، تمر على الصراط كالبرق الخاطف، وتأخذ كتابك بيمينك، وتوزن فترجح موازينك، وتشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم شربة لا تظمأ بعدها أبداً، هذا إذا كنت -أيها المسلم- تريد النجاة. أما الذي لا يريد، بل يريد أن يستمر على الدشوش تمطره بوابل من الشرور والمعاصي والمنكرات والأفلام النجسة الرجسة، والبوليسية، والإذاعات التنصيرية، ليسمعها ويتثقف عليها، أي ثقافة هذه أيها الإخوة؟ ثقافة الجنس، هل هي ثقافة؟! أن يشاهد الإنسان رجلاً عارياً ينزو على امرأة عارية؟ أن تراه ابنته، أهذه ثقافة -يا إخواني-؟ هذه الحيوانات تعرفها بدون دشوش، الحمار ليس محتاجاً إلى دش حتى يرى هذه الأشياء، فكيف نحتاج نحن البشر إلى مثل هذه الأشياء؟ والله إنها مصيبة، ولكن إنا لله وإنا إليه راجعون.

ظاهرة الجنس الثالث

ظاهرة الجنس الثالث Q انتشرت ظاهرة الجنس الثالث وخاصة في بعض المدن، والكثير منهم يجتمع في بعض الأماكن ليرقصوا رقصة (الراب) فما توجيهكم لهؤلاء؟ A أين هم الآن حتى نوجههم؟ أنا أتمنى أن أذهب إليهم في مطعم حتى نوجههم ونقول لهم: اتقوا الله، ولا يوجد جنس ثالث أصلاً، الله خلق جنسين، خلق رجالاً ونساء، ولكن هذا الذي يريد أن يصير نصف رجل ونصف امرأة، هذا يريد أن يخلق جنساً لم يخلقه الله أصلاً، ولهذا يعطل سنة الله في الخلق، وهو اعتداء على الله تبارك وتعالى، وتنازل عن رجولته، كأنه يقول: أنا لا أريد أن أكون رجلاً فهو أمر يصعب علي، ولا يستطيع أن يكون امرأة كاملة، فقال: آخذ من المرأة نصفها ومن الرجل نصفه، يأخذ من الرجل الشكل العام، ويأخذ من المرأة التخنث والتأنث، وبعضهم يلبس خواتم الذهب، ويقتني سلسلة، ما بقي إلا أن يضع حمالات للصدر وكعباً عالياً، والبعض يضع الشعر المستعار (الباروكة) ويضع حمرة على شفتيه، وبودرة على خديه، ويجلس أمام المرآة ساعة، هذا ما بقي إلا أن يعلن في الجريدة: (أنا راغبة في الزواج) ويريد له بعلاً والعياذ بالله. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الصبر والإيمان بالقدر

الصبر والإيمان بالقدر إن الإيمان بالقدر من أركان الإيمان التي لا يقوم إلا بها، ومتى ما تحقق هذا الإيمان؛ فإنه يؤدي إلى تمثل صفة الصبر في واقع حياة المؤمن، والتي تعتبر من أعز الصفات التي يؤتاها المؤمن، والتي يعد أجرها في الآخرة من أعظم الأجر، فالصابرون يؤتون أجرهم يوم القيامة بغير حساب.

الصبر خلق الأنبياء

الصبر خلق الأنبياء الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فإن الصبر يعتبر من أشرف مقامات السائرين إلى الله عز وجل، ومن أعظم منازلهم، وقد أخبر تبارك وتعالى أن كل عامل يوفى حقه يوم القيامة وفق عمله إلا الصابرين، قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10] وهل هناك أعظم من أن تعطى أجرك بغير قيد ولا شرط، يعني: أن تعطى حتى تكتفي، وتسعد. لكن بالحساب والعدل يمكن ألا تكتفي، أو يمكن ألا تبلغ الدرجة التي تضمن لك الفوز العظيم، ولكن بالصبر تعطى أجراً بغير حساب. وبعض الناس لا يفهم من الصبر إلا المفهوم الجزئي المتعلق بأنه الصبر على البلاء، بمعنى: أنه لو مرض شخصٌ أو حلت به مصيبة وصبر عليها فهو الصابر، هذا جزء من الصبر، ولكنه جزءٌ بسيط من المفاهيم الكبيرة للصبر؛ لأن الصبر يتعلق بثلاثة أمور تقسم وفقها، وكل قسم له ثلاثة أقسام، بمعنى: أن المجموع يصبح تسعة أنواع: فمن حيث تعلق الصبر بذات الصبر ينقسم إلى الأقسام الثلاثة التي ذكرتها في الندوة الماضية، وهي: التصبر، والصبر، والاصطبار. ومن حيث تعلق الصبر بالموضوع الممارس عليه، فالصبر ينقسم إلى ثلاثة أقسام وهو: الصبر على طاعة الله، والصبر عن معصية الله، والصبر على أقدار الله المؤلمة، وهذا هو المفهوم الذي يظن الناس أن الصبر يقتصر عليه، فهذه ستة أنواع للصبر. والتعلق الثالث يتعلق بما يريده الإنسان المؤمن بالصبر، أي: ما هي نيتك من الصبر؟ قالوا: وهو أيضاً ثلاثة أقسام: صبرٌ لله، وصبر بالله، وصبر عن الله؛ وهو أسوأ أنواع الصبر -أعاذنا الله وإياكم من ذلك- فالصبر الذي لله يقول فيه ابن القيم رحمه الله: هو صبرك عن معصية الله. فأنت تصبر لله. والصبر الذي هو بالله: صبرك للطاعة، فأنت تعبده بقوة منه وباستعانة وتأييدٍ وتوفيق منه تبارك وتعالى. والصبر الذي هو أسوأ أنواعه: وهو الصبر عن الله، وهو صبر الكافر والفاجر؛ لأنه يريد أن يصبر عن ربه؛ فيورد على نفسه من الأشياء التي تصرفه عن أن يذكر الله أو أن يستجيب لأمر الله بالملهيات والمشاغل، ولهذا فهو يحاول أن يصبر، لكن عمَّن يصبر؟ عن ربه وخالقه. والصبر مدحه الله وأثنى عليه في القرآن العظيم، وبين تبارك وتعالى قيمته وأثنى عليه في أكثر من تسعين موضعاً، فمرةً أمر به تعالى، فقال: ((وَاصْبِرْ)) [النحل:127]، ومرةً أثنى على أهله، ومرةً أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبشر أهل الصبر، فقال جل وعلا: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة:155]، ومرةً جعله شرطاً في حصول النصر والتأييد والعناية والرعاية من الله، ومرةً أخبر أنه مع أهله فقال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:153]، وأثنى به على صفوته من خلقه وهم الأنبياء والرسل.

صبر أيوب عليه السلام على أقدار الله

صبر أيوب عليه السلام على أقدار الله قال الله عن نبيه أيوب عليه السلام: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:44]، وقد تحققت في أيوب عليه السلام جميع أنواع الصبر؛ فكان صابراً لله على طاعته، وعن معصيته، وعلى أقداره المؤلمة، فقد ابتلاه الله في ماله وولده، وجسده بالمرض فصبر. وتذكر كتب التاريخ أنه عانى من المرض الشديد والبلاء العظيم في جسده ولم يشك ويتضجر ويتسخط، بل صابر على كل الأحوال، حتى إنه ما سأل الله أن يشفيه، وإنما كان يعلم أن قضاء الله خيرٌ له في كل الأحوال؛ فكان صابراً. ومرت به السنون والأيام حتى انتشر الدود في جسده، وأكل اللحم والعصب، ولم يبق إلا الهيكل العظمي، ولكن الله حمى له قلبه ولسانه، فكان قلبه شاكراً، ولسانه ذاكراً. ومرت السنون بعد ذلك فدخل الدود في اللسان الذاكر والقلب الشاكر، ورأى أيوب عليه السلام أنه سوف يتعطل عن الذكر والشكر بهذا الأمر؛ فابتهل إلى الله وقال: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء:83] يقول المفسرون: إن الضر الذي مسه ويشكو منه ليس ضر المرض، ولكن ضر التعطيل عن الذكر والشكر، فيقول: أما المرض فصابر عليه، ولكني لا أصبر عن ذكرك وشكرك، فاستجاب الله له، وقد قالت له زوجته رحمة بنت يوسف عليه السلام: أنت نبي مستجاب الدعوة، فسل ربك أن يرحمك ويشفيك، فقال لها: كم بلغت مدة مرضي؟ قالت: (18) سنة، قال: وكم بلغت مدة عافيتي قبل ذلك؟ قالت: ثمانون عاماً، قال: فإني أستحي أن أسأل ربي حتى تبلغ مدة مرضي مدة عافيتي. يقول: إذا أنهيت ثمانين سنة فأخبريني لكي أدعو الله أن يعافيني، يعني: سواء بسواء. أما نحن فيعافينا الله سنين طوالاً، فإذا أصاب الإنسان مرض ضجر، وقال: ما بالي أنا من بين الناس، كل الناس في عافية إلا أنا؟!! وليته يصبر ويسلك السبل الشرعية في التداوي؛ لأن التداوي لا ينافي التوكل، بل هو مأمور به، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عباد الله! تداووا ولا تداووا بحرام، فإن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها)، ولكنه يتداوى بالحرام، فيذهب إلى الكهنة والمشعوذين ويشكو ربه إليهم، ويبيع دينه -والعياذ بالله- ويخرج من الإسلام؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد، ومن أتاه ولم يصدقه لم تقبل له صلاة أربعين نهاراً). من الناس من يأتيه المس من الجن، وعلاج المس من الجن معروف وواضح في الدين والقرآن، فالرقية الشرعية للمس ليس هناك أنجع منها، لكن هناك علاج شيطاني عن طريق الكهنة والمشعوذين، بأن يذهب هذا المريض الذي عنده المس أو الصرع إلى هذا الكاهن، فيقوم هذا الكاهن بدعوة ذلك الجني الذي قد مس هذا الإنسي فيقول له: لا تقربه؛ لأن الرجل أتانا وهو من الجماعة -فمنذ أن أتى هذا الكاهن أصبح كافراً، يعني: خرج من الإسلام- فلو لم ننفعه لما اعتقد بنا، فلا تقربه. وحتى يضمن الكاهن تصديق هذا المسكين يأتي إليه فيكتب له عبارات مبهمة على أوراق ويقول له: انقعها واشرب ماءها، ويعطيه حرزاً طالباً منه أن يدفنه في غرفة مظلمة ليس فيها نور ولا صوت، وأحياناً يقول له: خذ تيساً أسود أو أبيض ليس عليه علامة وادخل به على هذا المريض، واذبحه ولا تسم. فيخرج بهذا الفعل من الدين والعياذ بالله. ولو كان صاحب عقيدة ودين وجاءه هذا المرض ولجأ إلى الله، فالله يختبره، فأحياناً يذهب إلى العالم أو إلى القارئ فيقرأ عليه القرآن مرة ومرتين وثلاث فلا ينتفع؛ لأن ابن القيم رحمه الله ذكر في كتابه زاد المعاد في علاج صرعى الجن قال: إن العلاج لا يقع إلا إذا توفر أمران: الأمر الأول: يأتي من القارئ، وهو مقدار يقينه وصدقه وصلته بالله. والأمر الثاني: يأتي من المريض المقروء عليه على مقدار يقينه وصدقه وصلاحه، فإن كان القارئ مخلصاً والمقروء عليه موقناً بالله؛ فإن العلاج ينجح بإذن الله، أما إن تخلف أحدهما بأن كان القارئ فاسقاً، أو جباناً، أو لم يكن عنده قوة عقيدة، أو تخلف المقروء عليه؛ بأن كان قليل دين -والعياذ بالله- ولولا أنه مرض لما عرف القرآن، فلا بد من توفر الشرطين. فصبر أيوب عليه السلام مضرب المثل، فقد تحقق له جميع أنواع الصبر، فقال عز وجل: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:44]. وقال لخاتم أنبيائه ورسله محمد صلى الله عليه وسلم: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} [الأحقاف:35] وقال: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل:127].

صبر يوسف عليه السلام عن معصية الله

صبر يوسف عليه السلام عن معصية الله قال يوسف الصديق لما دخل عليه إخوته وقالوا: {أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي} [يوسف:90] فقال بنيامين {قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} [يوسف:90] سبحان الله! ما أعظم صبر يوسف، قصته مشرقة في جميع البيوت الربانية التي يتلا فيها القرآن، فقد مكث في السجن بضع سنين، وبعد ذلك أرسلوا له: أن احضر إلى ربك فيقول للرسول: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} [يوسف:50] يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يرحم الله أخي يوسف لو كنت أنا لخرجت) أي: بمجرد أن يقولوا: اخرج من السجن فلن أطلب براءة، فالمهم الخروج من السجن. لكن يوسف يقول: لا أخرج من السجن حتى تثبت البراءة. وتثبت البراءة له عن طريق إحضار امرأة العزيز والنساء حين يقال لهن: {مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ} [يوسف:51] {قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ} [يوسف:51 - 52] هذه براءة تثبتها له صاحبة الشأن التي تسببت في اتهامه وسجنه. ويخطئ كثير من الناس في مقام الأنبياء المعصومين فيفسرون قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} [يوسف:24] تفسيراً خاطئاً لا يليق بمقام الأنبياء، فيقولون: إنها همت به، يعني: بالفاحشة وهو هم بها، أي: أرادها، وهذا خطأ، لماذا؟ لأنه لو هم بها فما الذي يمنعه؟ الاستثناء الذي بعدها في قوله تعالى: {لوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف:24] له تفسير في القرآن الكريم، وهو: أن معنى الهم في اللغة أي: العزم على مباشرة الشيء، هممت أن آكل، يعني: أردت أن آكل، هممت أن أقوم، يعني: أريد أن أقوم، هممت أن أنام، هممت بالسفر، وقد ذكر الله كلمة الهم في القرآن في أكثر من موضع: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا} [آل عمران:122]، ما معنى همت أن تفشلا؟ هل معناه همّت أنها تزني؟ لا. كلمة الهم تفسر من الحال الملابس لها، فالذي يقول: هممت أن أقوم يعني: همّ بالقيام، هممت أن أنام يعني: همّ بالنوم، والذي يقول: هممت أن آكل، يعني: همّ أن يأكل. فالهم يعني: العزم وإرادة الشيء، وتفسر بالمعنى الملابس لها، فالذي كان يلابس امرأة العزيز رغبتها في يوسف، فهمت به، يعني: لتباشر الزنا معه، والذي كان يلابس يوسف الرفض لأمرها، فهمّ بها، ما معنى: هم بها؟ قال المفسرون: همَّ ليضربها، همت به ليزني بها فهم بها ليضربها، واستبقا الباب، قال الله عز وجل: {لوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف:24] ذكر المفسرون في هذا كلاماً، لكن أصح الأقوال في هذا الموضوع: أن الله قذف في قلبه برهاناً وبصيرة في أن ضربك يا يوسف لهذه المرأة سيزيد من إدانتك، ويثبت عليك الحجة، يعني: لو جاء زوجها ووجد يوسف يضربها فستقول: هو يراودني عن نفسي وأنا أرفض فيضربني. فالله قذف في قلب يوسف ألا يضربها حتى لا يدين نفسه؛ لأن ضربه لها -رغم أنه يضربها حتى لا يزني بها- سيمكنها من قلب المسألة، وفعلاً قلبت المسألة، فلما استبقا الباب كان هو فاراً منها وهي في أثره، وأرادت أن تمسك بأي جزء منه، فقطعت ثوبه من الخلف: {وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ} [يوسف:25] أي: وجدا زوجها عند الباب، فعلى الفور قلبت المسألة رأساً على عقب: {قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يوسف:25] قال يوسف: {هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي} [يوسف:26] يقول: هي التي تراودني، فكيف به لو دخل عليه الملك وهو يضربها لكانت الحجة قائمة عليه، وهذا معنى ما سبق، وإلا فهو عليه الصلاة والسلام نبي، وبعض الناس من غير الأنبياء يتنزهون عن الزنا فكيف بنبي يقع في الزنا، أو يهم به؟! معاذ الله! والذي يرى هذا القول إنما ينال من جانب النبوة. فيقول يوسف: {قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} [يوسف:90] يقول المفسرون: إن صبر يوسف كان من أعظم المقامات في الصبر: الصبر الأول: أنه صبر في الجب. والصبر الثاني: أنه صبر في السجن. والصبر الثالث: أنه صبر على ممارسة الضغط عليه من قبل امرأة العزيز قبل ذلك، فإنه كان في بيت الملك وكان شاباً، جميلاً، وسيماً، غريباً، والغريب لو فعل شيئاً فلن يدري به أحد على الأغلب؛ لأن سمعته في بلده، كما أنه كان آمناً في بيت الملك؛ فلا يستطيع أحد أن يخبر به، وكانت امرأة العزيز من أجمل نساء العالمين، وهو مطلوب لها؛ لأن بعض الناس يتعفف حين لا يطلب منه، ولو طلب منه لما تعفف، وكانت الأبواب مغلقة عليه، قال الله: {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ} [يوسف:23] وهذه تسمى صيغة مبالغة، يعني: ما أغلقت، بل غلَّقت، يعني: ما ردت الباب، بل أغلقته بإحكام، وهو ليس باباً واحداً بل أبواب، باب أول وثانٍ وثالث من أجل أن يأمن، وبالرغم من هذا كله صبر يوسف وقال: {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف:23] ولم يزنِ. قال: {قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:90] وهذا يدل على أن الصبر من أجلِّ مقامات الإيمان والدين، وأخص الناس بالصبر هم أخص الناس بالله عز وجل، وأولاهم بالله أشدهم على الصبر تحققاً وقياماً به، والخاصة أحوج إليه من العامة.

المفهوم الصحيح لمعنى الصبر

المفهوم الصحيح لمعنى الصبر بعض الناس كما قلت لكم: يفهم أن الصبر لا يكون إلا على مرض أو مصيبة، وهو فهم خاطئ، فالصبر أولاً هو صبرك على طاعة الله، فإنك وأنت تمارس الطاعة تحتاج إلى قدر كبير من الصبر، فحينما تدعى لصلاة الفجر وأنت نائم، هناك دوافع كثيرة تمنعك من الصلاة، لكنك ترفضها كلها وتصبر، أليس هناك معاناة في تلك الساعة؟ بلى. هناك معاناة، فيكون النوم كثيراً، والجو بارداً، والفراش دافئاً، والمسجد بعيداً والطريق مظلماً، ولكن كل هذه لا تمنعك من أن تقوم إلى طاعة الله، وهذه تحتاج إلى صبر. صبرك على طاعة الله في ممارسة الصلاة في المسجد؛ لأن بعض الناس لا يصلي إلا المغرب، أو يوم الجمعة في المسجد. وباقي الصلوات أين يصليها؟ يصليها في البيت، وهذا أمر لا ينبغي، فإن الله تعالى يقول: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43] أي: مع المسلمين، ويقول: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} [النور:36 - 37]. وأذكر مرةً أن رجلاً سكن في شارعنا هذا ولم يأتِ ليصلي في المسجد منذ أن سكن، فأخبرني جاره وقال لي: إنه يوجد لنا جار لا يصلي. قلت: إذن نزوره، فذهبنا إليه في بيته بعد صلاة العشاء، وطلبنا منه أن يصلي بنوع من اللطف في بداية الأمر، ولو رفض لأخذنا على يده. فقال: حسناً: جزاكم الله خيراً وسأصلي إن شاء الله. وجاء وصلى مرة -أظنها صلاة مغرب أو عشاء- ثم انقطع، فجاءني جاره وقال: إن الرجل صلى مرة ولم نره بعدها. قلت: إن شاء الله ما دام أنه صلى مرة فأبشر بخير، وسأذهب إليه. وذهبت إليه مرة ثانية، وقلت: السلام عليكم، يا أخي زرناك ونريدك أن تصلي وأنت مسلم ومؤمن. قال: صليت يا شيخ! قلت: متى؟ قال: صليت ذاك اليوم الذي أتيتموني فيه. قلت: وبعدها؟ قال: يكفي، وماذا تريدون بعدها؟ قلت: ليست الصلاة مرة، فالصلاة هي أن تصلي كل يوم خمس مرات. قال: كل يوم خمس مرات ذهاباً، وخمس مرات إياباً! يعني: في الأسبوع كم مرة؟!! خمس مرات في سبعة أيام أي: خمساً وثلاثين مرة، يعني: في الشهر كم مرة؟ مائة وخمسين مرة ذهاباً، ومائة وخمسين مرة إياباً، يا شيخ! كيف تفعلون ذلك؟ قلت: سبحان الله! ألا تعرف أنت، أأنت مسلم؟ قال: أنا مسلم والحمد لله، لكن أنا أصلي هنا في البيت. قلت: صلاتك لا تكتمل هنا، زوجتك لها أن تصلي في البيت، أما أنت فلا بد أن تصلي في بيت الله. قال: حسناً إن شاء الله، وفي اليوم الثاني جاءني الجار الأول وقال: أبشر يا شيخ الرجل انتقل من المكان، فقد رأى أنه يصعب عليه أن يصلي كل يوم خمس مرات، فذهب إلى مكان حيث لا يقول له أحد: صل. فصبر الإنسان على الصلاة باستمرار علامة على إيمانه، فأنت الآن تذهب وتصلي المغرب، وبعض التجار لا يريد أن يغلق متجره، وأصعب شيء عليه أن يسمع: الله أكبر! فهذا مسكين؛ لأنك حين تغلق متجرك فإنك تقفل التجارة مع الدنيا وتفتح التجارة مع الله، وربنا لم يكلفنا كثيراً، بل كلفنا بخمس صلوات، كل صلاة تستغرق عشر دقائق في خمس مرات، فتقتطع خمسين دقيقة من أربع وعشرين ساعة لله عز وجل، والله يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، فلو نظرنا كم طلب الله منا وكم أعطانا، لكان ما طلب تبارك وتعالى قليلاً بالنسبة لما أعطى، فحين تصلي المغرب ثم تذهب إلى البيت، قد تجد في البيت شاغلاً، إما مباراة كما يتلهى الناس في هذه الأيام، ولا يأتون ليصلوا، لماذا؟ لأنه لا يريد أن تفوته الكرة؛ لأنه وازن بين الكرة وبين الله فوجد أن الكرة في قلبه أحب من الله، حقيقةً! لو قلت له: الله أحب إليك أم الكرة؟ سيقول: الله. الله أكبر! كيف؟! لكن؛ دعتك الكرة ودعاك الله، فلمن استجبت؟ إن كنت قمت إلى الله فأنت تحب الله، وإن كنت قعدت وأنت تعلم أن الله يدعوك في المسجد ولم تخرج لتصلي حتى لا تفوتك المباراة، أو الشوط، أو الهدف، الله يقول: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة:165]، لكن هؤلاء يحبونهم أعظم من حب الله، والله قال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة:165]. بل إن واحداً من الناس يقول: إنه جلس يصلي في البيت وما ذهب إلى المسجد؛ لأنه خاف أن تفوته المبارة، وبينما هو يصلي والمباراة في التلفاز كان يتلفت فلا يريد أن يفوته شيء، وأخيراً دخل هدف للفريق الذي كان يشجعه، فصاح الجمهور معبراً أنه دخل (جول). انظروا إلى هذا النصر، إن لم تدخل الكرة فهزيمة، وإن دخلت فهو النصر، فهل هذا هو النصر؟! هذا نصر الأطفال، هل نصر الأمة في هذه المفاهيم الصبيانية؟ إن دخلت الكرة إلى المرمى فما شاء الله! وإن لم تدخل فيحزن لذلك حزناً شديداً، وبعضهم لا يتعشى تلك الليلة ولا يرقد، لماذا؟ لأن الكرة لم تدخل المرمى، ويقول: ليتها دخلت، الله المستعان! إنا لله وإنا إليه راجعون! فأخص أنواع الصبر -أيها الإخوة- صبرك على طاعة الله، تخرج الزكاة وأنت تصبر؛ لأنك تحب المال، وترى الناس أهل الأموال يضعون أموالهم في البنوك ويتقاضون عليها فوائد وأرباحاً، وأنت لا يمكنك أن تأخذ ريالاً حراماً فتصبر، وتحج وتصبر، وتبر والدتك وتصبر، فهذا صبر على طاعة الله. الصبر الثاني: وهو مهم جداً، ألا وهو صبرك عن معصية الله، فحين ترى الناس يغنون وفي قلبك شوق إلى الغناء، فلا يمنعك إلا أنك تخاف الله، فتحتاج إلى قناطير وأطنان من الصبر حتى تحجزك عن معصية الله، وحين تسير في الشارع فترى المرأة المتبرجة، والشباب يتابعونها وأنت عندك مثل ما عند الشباب الذين يتابعونها، لكنك عندك نور من الله، وخوف ومراقبة لله تعالى؛ فتغض بصرك خوفاً من الله، فهل تستطيع أن تمارس هذا بغير الصبر؟ فهذا هو معنى الصبر، صبرت عن النظر إلى الحرام، وعن أن تسمع الأغاني الحرام، وعن أن تغتاب. وإن أحداً استثارك وسبك وشتمك وفي إمكانك أن تكيل له الصاع صاعين، وأن ترد عليه بأكثر مما قال، لكنك قلت: خوفي من الله يمنعني من هذا، لا تثريب عليكم اليوم. فهذا هو الصبر. يقول الشافعي وقد عوتب في رجل، دخل عليه وسبه في مجلس العلم وأقذع في سبه، فما رد عليه بكلمة واحدة رحمه الله -فهو يمثل العلم- ولما خرج الذي سبه، قيل له: يا إمام! ألا دافعت عن نفسك؟ كيف لا ترد على الأقل دفاعاً عن نفسك؟ فرد عليهم بأبيات من الشعر قائلاً: قالوا سكت وقد عوتبت قلت لهم إن الجواب لباب الشر مفتاح والصمت عن جاهل أو أحمق شرفٌ وفيه أيضاً لصون العرض إصلاح أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة والكلب يُخسأ لعمري وهو نباح يقول أما الكلام فأنا أقدر عليه، ولكن لا أريد أن أنزل إلى مستوى خصمي، ولهذا يقول رب العالمين إن أهل الإيمان يقولون: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص:55] ويقول: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان:72] يعني: لا يحضرون مجالس الفجور ولا الزور: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} [الفرقان:72] فمن يحملهم على هذه الأخلاق؟ إنه الصبر، فالصبر عندهم قيم ومبادئ ومفاهيم وعقائد. بعض الناس حين يستثار يقول: يا شيخ! ما استطعت أن أصبر، إذن فمتى تكون صابراً؟ أفي الحالات الطبيعية؟ أصلاً لا يبرز دورك في الصبر وضبط النفس إلا عند الاستثارة، أما في الحالة الطبيعية فكلنا صابرون، وحين يكون مزاجنا هادئاً فكلنا حلماء، وعلماء، وكرماء. لكن متى يبرز الحليم؟ عندما يستثار المرء، فيحجم عن الرد فهذا هو الصابر، يقول عليه الصلاة والسلام: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى)، لما مرَّ على امرأة تبكي على ولد لها مات، قال لها: (اصبري واحتسبيه عند الله، قالت: إليك عني -ما عرفت أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم- إنه ولدي وليس ولدك -وهي تبكي بحرارة- فتركها وذهب، فجاء الناس إليها وقالوا: هذا رسول الله -كيف تكلمينه هكذا- فلحقته وقالت: يا رسول الله! ما عرفت أنك أنت، فقال لها: إنما الصبر عند الصدمة الأولى). فالصبر مع أول الصدمة، أما بعدها فستصبرين رغماً عنك. لكن متى يكون الصبر؟ عندما يصاب الإنسان في أول الأمر، فهنا الصبر عظيم ومفاهيمه كثيرة.

الإيمان بالقضاء والقدر

الإيمان بالقضاء والقدر ننتقل الآن إلى مجمل ما سبق أن ذكرناه في الإيمان بالقضاء والقدر على سبيل الاختصار، وهو أن من أركان الإيمان الهامة ومن أسسه ومبانيه: أن المؤمن يؤمن بالقدر خيره وشره من الله تعالى، وهو تقدير الله للكائنات حسب ما سبق به علمه تبارك وتعالى.

مراتب الإيمان بالقدر

مراتب الإيمان بالقدر مراتب الإيمان بالقدر أربع مرات: المرتبة الأولى: العلم. فنؤمن بأن الله تعالى بكل شيءٍ عليم، علم ما كان وما سيكون، وكيف يكون بعلمه الأزلي الأبدي، فلا يتجدد له علم بعد جهل، ولا يلحقه نسيان بعد علم. المرتبة الثانية: الكتابة. فنؤمن أنَّ الله كتب في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة قال تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج:70]. ونؤمن أيضاً بالمرتبة الثالثة من مراتب الإيمان بالقضاء والقدر وهي: المشيئة، فنؤمن أن الله تعالى قد شاء كل ما في السماوات وما في الأرض، إذ لا يكون شيءٌ إلا بمشيئته، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. وتنقسم المشيئة إلى قسمين: مشيئة كونية قدرية، ومشيئة دينية شرعية، فالكونية القدرية تشمل كل شيء، والدينية الشرعية تشمل استجابة المكلفين بما أمر الله به، وأحبه. المرتبة الرابعة وهي: مرتبة الخلق. فنؤمن أن الله تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الزمر:62 - 63].

الأدلة على أن للعبد قصد وإرادة

الأدلة على أن للعبد قصد وإرادة هنا بيت القصيد، وأرجو التركيز عليه، مع كل ما سبق نؤمن بأن الله تعالى جعل للعبد اختياراً وقدرةً يفعل ما يختاره، والأدلة على أن فعل العبد باختياره وقدرته كثيرة منها: الدليل الأول: قوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة:223] أي: كيفما أردتم، ولكن في موطن الحرث: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة:223] يعني: يجوز للرجل أن يباشر زوجته كيفما يريد، ولكن في موطن الحرث، في القبل، أما إن باشر في الدبر فقد وقع في لعنة الله، وقوله عز وجل: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} [التوبة:46] فأثبت للعبد إتياناً بمشيئةٍ وإعداداً بإرادة. الدليل الثاني: من الأمور التي نستدل بها على أن للعبد إرادة ومشيئة أنه موجهٌ إليه أمرٌ ونهي من الله عز وجل، ولو لم يكن له اختيار وقدرة لكان توجيه ذلك من التكليف بما لا يطاق، وهو أمر تأباه حكمة الله عز وجل، ورحمته، وخبره الصادق إذ قال: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] فما دام أن العبد مأمور ومنهي، فهذا يقتضي أن يكون عنده قدرة على أن يأتي بالمأمور به وأن يترك المنهي عنه، ولو لم يكن له قدرة على أن يأتي بالمأمور به ويترك المنهي عنه لكان الأمر والنهي في حقه تكليفاً، والله قد قدّر التكاليف. الدليل الثالث: مدح الله المحسن على إحسانه، وذم المسيء على إساءته، وأثابه بما يستحق، ولولا أن الفعل يقع بإرادة العبد واختياره لكان مدح المحسن عبثاً، فكيف تمدحه على شيء لم يعمله باختيار وإرادة؛ ولكانت عقوبة المسيء ظلم، والله منزه عن العبث والظلم. الآن لو جاءت الشرطة والمرور وأقفلت الشارع في مكان معين -فالشارع فيه اتجاه للذهاب واتجاه للإياب- فإن جاءت الشرطة، وقالوا: يمنع السير إلا في اتجاه واحد، والاتجاه الآخر مغلق، فسيضطر السائقون إلى السير في اتجاه واحد؛ لأن الأمر بيد المرور، لكن إذا جاءت الشرطة ومنعوا السيارات من العبور وقالوا: إن هذا يخالف قوانين السير، ومن يفعل ذلك يعاقب، فسيقول السائقون: إن المرور هو الذي أجبرنا على ذلك، فكيف نعاقب! ولو صدر هذا الأمر من مدير المرور فماذا يسميه الناس؟ يقولون: إن مدير المرور مجنون، ثم يأتي كبار المسئولين يقولون لمدير المرور: كيف تكلف الناس بأمر وتجبرهم عليه ثم تجازيهم؟ فهذا لا يليق بالإنسان، فكيف يليق بالله أن يخلق الإنسان مجبولاً على المعاصي ويجازيه ويدخله النار؟! فمدح الله للمحسنين وذمه للمسيئين يدل على أن الفعل يقع باختيارهم وإرادتهم. الدليل الرابع: أن الله تعالى أرسل الرسل: {مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165] فلم تعد هناك حجة على الله، ولولا أن فعل العبد يقع بإرادته واختياره لما بطلت الحجة في إرسال الرسل؛ لأنك لو أرسلت رسولاً والإنسان ليس له اختيار، فبماذا ينفع الرسول وهذا العبد ليس له اختيار؟ فلا تقوم الحجة ولا تبطل المعذرة إلا بالاختيار من جانب العبد. الدليل الخامس: إننا نحن المكلفون العقلاء نشعر أننا قادرون على أن نفعل الشيء أو أن نتركه بغير إكراه من أحد. فالآن حين أذن المؤذن وكنتم في بيوتكم فخرجتم تصلون، فهل أخرجكم أحد رغماً عنكم لتصلوا؟ لا. وإنما خرجتم باختياركم. وهل كل من في المنطقة يصلون في المسجد؟ لا، فلو فتشنا البيوت لوجدنا مثل هذا العدد مرتين، فهل جلس أولئك باختيارهم وصليتم أنتم باختياركم؟ هل أجلسهم أحد في البيوت بالقوة كي لا يصلوا؟ وهل ساقكم أحد بالعصا إلى المسجد لتصلوا؟ لا. ففعلكم للصلاة باختياركم، وفعلهم لترك الصلاة باختيارهم. كما أن الإنسان يقوم ويقعد، وينام ويرقد، ويدخل ويخرج، ويسافر ويقيم بمحض إرادته، ولا يشعر بأن أحداً أكرهه، بل يفرق تفريقاً واقعياً بين أن يفعل الشيء باختياره وبين أن يكره على فعله. كذلك الدين فرق بين أن يفعل الإنسان شيئاً باختياره أو بين أن يفعل شيئاً مكرهاً عليه، فإذا أكره على شيء من أعمال السوء حتى ولو كان كفراً لم يكفر، ولهذا يقول الله: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل:106] وقد نزلت هذه الآية في عمار بن ياسر رضي الله عنه عندما أمسكه كفار قريش، وقالوا: (لا نتركك حتى تسب محمداً صلى الله عليه وسلم -وهو يعرف أن سب الرسول كفر- فسب الرسول صلى الله عليه وسلم فتركوه، فجاء إلى الرسول وهو خائف -الإيمان في قلبه ولكنهم أرغموه على شيء لا يعتقده- فقال: يا رسول الله! والله ما تركوني حتى نلت منك، قال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئن بالإيمان، قال: فإن عادوا فعد) قال: إذا أمسكوك ثانية وقالوا: عد لما فعلت، فعد. فالمهم ما سكن في القلب. فانظروا إلى سماحة الدين، إذا عملت الكفر وأنت مكره عليه فليس عليك شيء، لماذا؟ لأنه ما كان لك اختيار في هذا، لكن إذا كنت تملك الاختيار وتعمل الكفر، فإنك قد عملته دون إكراه واضطرار، فتجازى على ذلك.

دحض شبهة الاحتجاج بالقدر على المعصية

دحض شبهة الاحتجاج بالقدر على المعصية نرى أنه لا حجة للعاصي حين يعصي بقدرة الله عز وجل، كما يفعل بعض الزناة أو العصاة، فيقول: أنا أعصي لأن الله قدر عليَّ. فالعاصي يقدم على المعصية باختياره من غير أن يعلم أن الله قدرها عليه، فلا يعلم أحد قدر الله إلا بعد وقوعه، فكيف يصح الاحتجاج بحجة لا يعلمها المحتج. فالذي يعصي ويزني هل عرف واطلع على الغيب، ونظر في اللوح المحفوظ، وعرف أن الله قدر عليه هذه المعصية فعملها؟ لا. وقد رد الله عز وجل على من قال هذا الكلام وسماه مشركاً في سورة الأنعام، يقول الله عز وجل: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} [الأنعام:148] سماهم الله مشركين، ولهذا أنا أحذر كل مسلم أن يخطر في باله أو يدور على لسانه مثل هذه الكلمة، فيعمل شيئاً من المعاصي ويقول: قدر الله عليَّ، مثل شارب الخمر الذي جيء به إلى عمر فقال له: [لماذا تشرب الخمر؟ قال: قدر الله عليَّ، قال: اجلدوه ثمانين سوطاً، فلما جلدوه قال: وأنا قدر الله عليَّ أن أجلدك ثمانين سوطاً]. يقول أحدهم: إنه كان في الشام، فوقع في الزنا، فلقيه زميله، فقال له: لماذا تزني؟ قال: مقدر علي أن أزني، فهل ترد قضاء الله وقدره، فإذا بصاحبه يصفعه، فقال له متسائلاً: لم صفعتني؟ قال: قدر الله عليَّ أن أصفعك. قال: وإذا بالرجل انتبه، قال: كيف ترضى بقضاء الله وقدره في الزنا ولا ترضى بقضاء الله وقدره في الصفعة؟ فأنت زنيت باختيارك وأنا صفعتك باختياري. فالعاصي يقول كما يحكي الله عنه: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:148] أي: هذا كلام الكفار السابقين، يقولون: لو شاء الله ما فعلنا، وما زنينا، وما أشركنا، فسماهم الله مشركين، ثم قال الله عز وجل: {كَذَلِكَ} [الأنعام:148] يعني: هذه المقالة وهذا الزعم: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [الأنعام:148] أي: أجدادهم القدريون المحتجون بالقدر: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا} [الأنعام:148] يعني: عذابنا في النار {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام:148] أي: هل اطلعتم على اللوح المحفوظ ورأيتم القضاء والقدر، وما كتب لكم فعملتموه بناءً على رؤيتكم: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ * قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الأنعام:148 - 149] أي: الحجة البالغة الدامغة لله على خلقه حيث أعطاهم القدرة على الاختيار، وأمرهم بالطاعة ونهاهم عن المعصية، وأنزل عليهم الكتب، وأرسل إليهم الرسل، وفطرهم على الدين، وأبان لهم الطريق مثل الشمس في رابعة النهار: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ} [الأنعام:149] أي: لو شاء لسلبكم الإرادة والاختيار، ولجعلكم مسيرين في أداء العبادة، ولكن الله كرمكم وشرفكم فأعطاكم القدرة ولم يسلبكم الإرادة، فاستعملتم هذه القدرة وهذا التكريم في معصية الله عز وجل: {فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام:149] * {قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:150] ثم قال الله تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه، قل يا محمد: تعالوا أبين لكم وظيفتكم وعملكم ورسالتكم، أما غير ذلك فليس أمره إليكم، بل أمره إلى الله: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} [الأنعام:151]، ثم ذكر هذه الوصايا العشر. فهنا لا حجة للعاصي، فكيف يصح الاحتجاج بحجةٍ لا يعلمها؟ ونقول للعاصي المحتج بالقدر: لماذا لم تقدم على الطاعة مقدراً أن الله كتبها لك؟ لأن المعصية والطاعة في الجهل بتقديرها سواء. فأنت لا تدري أكتب الله عليك خيراً أم شراً، فلماذا افترضت أن الله كتب عليك الشر؟ لماذا لم تقدر أن الله كتب عليك الخير، وصرت مصلياً وطائعاً وباراً ومجاهداً؟ لماذا احتملت الاحتمال الأسوأ وقلت: إن الله قد قدر ذلك عليَّ؟ ما فعلت ذلك إلا لانهزامك أمام شهواتك، ولأنك عبدٌ لشهواتك ونزواتك. ولهذا لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن كل واحد قد كتب مقعده من الجنة أو النار، قالوا: (أفلا نتكل؟ -قالوا: إذاً نتكل ما دام أنها محددة مسبقاً- قال: لا. اعملوا -هذه وظيفتكم- فكل ميسر لما خلق له). ونقول للعاصي المحتج بالقدر: لو كنت تريد السفر إلى مكة، وقال لك أحدهم: هناك طريقان: طريق سهل موصل، وطريق صعب ينطوي على مخاطر؛ فإنك دون شك ستسلك الطريق السهل، ولن تسلك الآخر، وتقول: إنه مقدر عليَّ. وكذلك لو عرض عليك وظيفتان: إحداها ذات مرتب كبير، فإنك سوف تعمل فيها، ولن تختار ذات المرتب القليل. فكيف تختار لنفسك في عمل الآخرة ما هو أدنى وتترك ما هو أفضل؟! ونقول: إذا أصبت بمرض جسمي؛ فإنك بعقلك تطرق أبواب الأطباء، وتصبر على ما ينالك من آلام الجراحة والعمليات والدواء، فلماذا لا تفعل ذلك في مرض قلبك بالمعاصي؟ هذه أدلة على أن العبد يملك اختياراً وإرادة، وعلى أساسها كلفه الله، وعلى أساس التكليف توعده الله بالنار إن عصى، ووعده بالجنة إن أطاع. نقف عند هذا القدر، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يزيدنا وإياكم إيماناً ويقيناً. وطلب بعض الإخوة أن يغير موعد هذا الدرس إلى وسط الأسبوع، وقالوا: إن معظم الطلاب في الجامعات يذهبون إلى أهاليهم في جيزان، والباحة، ونجران، وظهران الجنوب؛ يومي الخميس والجمعة ويجدون صعوبة في الاستمرار طوال الأسبوع، ولكن حين يكون الدرس خلال الأسبوع فهو أفضل. ولذا إن شاء الله سيكون الدرس في الأسبوع القادم بعد أذان المغرب من يوم الإثنين، بدلاً من يوم الخميس. نسأل الله التوفيق لنا ولكم، والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

توجيهات للمرأة المسلمة

توجيهات للمرأة المسلمة هذه رسالة جمع فيها الشيخ حفظه الله ما من شأنه الذب عن حياض الدين، وما شرعه للمرأة من أحكام تنظم حياتها، وتتوافق مع طبيعتها، وتسعد بها في مجتمعها، فرد شبهات الأعداء، ووجهها ولفت نظرها إلى دورها ومكانتها في المجتمع، كما كان سلفها من الصالحات، وختم حديثه بتوجيهات قيمة تحيا بها على درب الإسلام؛ لتصل إلى جنات عدن عند رب كريم.

رد دعوى تحرير المرأة

رد دعوى تحرير المرأة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وحيا الله هذه الجموع المباركة، وهذه الوجوه الطيبة التي أقبلت على الله، أقبلت تريد طاعة الله حين أقبل الناس على الدنيا، وأقبلت على ذكر الله حين أدبر الناس عن هذا المنهل العذب، وأقبلوا على الغفلة واللعب، وأسأل الله الذي لا إله إلا هو كما جمعنا في هذا المكان الطاهر أن يجمعنا في دار كرامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وبعد: أيها الإخوة في الله: المصلحون في هذه الأمة والعلماء والدعاة يهتمون كثيراً بأمر المرأة، ويأتي هذا الاهتمام رداً على الحملات الشيطانية المكثفة التي يقوم بها دعاة الفساد والشر والضلال لطعن الأمة عن طريق المرأة، ولابد في مواجهة هذه الحملات من حملاتٍ وحملاتٍ؛ يبين فيها أهل العلم ما يريده أهل الفساد من شعاراتهم الزائفة، ودعواتهم المضللة التي يخدعون بها المرأة ينادون بتحريرها! والتحرير لا يكون إلا لمن هو مستعبد، لإنسان يعيش في ظل العبودية والقهر فينادى له بالتحرير. وحينما يقولون: تحرير المرأة، مِمَّ يحررونها؟ إنهم يحررونها من عبادة ربها وخالقها لتتمرد على الله يحررونها من أعظم منزلة أنزلها الله إياها وهي منزلة العبودية؛ لأن أشرف المنازل وأعلى الدرجات هي أن تكون عبداً لله، وأن تكون المسلمة أمةً لله، لا للهوى، ولا للنزوات، ولا للشهوات، ولا للدنيا، ولا للأزياء والموديلات (تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش) المرأة في ظل الإيمان بالله تعبد الله، فينادون بشعار تحريرها مم؟! إنهم إنما يريدون بذلك تحريرها من أمرين: من عرشها ومكان عزتها وهو البيت؛ لتخرج حتى تصل إليها أعينهم الآثمة، وتمتد إليها أيديهم الملوثة، ويمسحوا بها قذاراتهم ونجاساتهم، فيقولون: نحررها من البيت. والله قد أمرها في القرآن أن تستقر في البيت، فقال: {وقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33] هذا كلام الله، فيريدون من المرأة ألا تبقى في البيت. ويحررونها من شيء آخر -حتى ولو خرجت- وهو: الحجاب؛ لأنها إذا جلست في البيت لم يروها، وإذا اضطرت إلى الخروج محجبةً لم يروها، فهم يريدونها أن تخرج، ويريدون مع خروجها أن تكشف حجابها. من أجل ماذا؟ من أجل إرضاء وإرواء نزواتهم وشهواتهم. قالوا: تحرير المرأة. والإنسان ينخدع بهذا الشعار، ما قالوا: نحررها من عبادة الله لا، بل قالوا: نحررها من التقاليد! يسمون الإيمان والدين والقرآن تقاليد بالية عفا عليها الزمن، ويريدون أن يطوروها ويحمروها؛ من أجل أن تكون دابة يمتطوها، وتكون لعبة في أيديهم يشبعون بها رغباتهم ويمسحون بها وساخاتهم، من أجل ذلك يقوم العلماء دائماً بالتركيز على هذا الجانب، ويختارون مواضيع محاضراتهم وتأليف كتبهم للرد على كيد الضالين. ومن هذا المنطلق -أيها الإخوة- جاء اختياري لموضوع هذه المحاضرة وهو: (توجيهات للمرأة المسلمة). وهذه التوجيهات وإن كنا نخاطب بها المرأة إلا أن المخاطب بها الزوج؛ لأنها لا تستطيع هي بنفسها أن تنفذ هذه التوجيهات إلا بمعونة الزوج، لأنهما شريكان في المسئولية أمام الله عز وجل، والله عز وجل قد بين أن المرأة مخلوقة من نفس الرجل، يقول عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21] فالمرأة مخلوقة من نفس الرجل؛ ولذا لا يمكن أن تستقل هي بتوجيهات الله وأوامره والسير على صراطه إلا بمعونة من الرجل.

أهمية المرأة في المجتمع

أهمية المرأة في المجتمع أيها الإخوة في الله: لقد أخذت الأرض زخرفها وازينت، وظن أهلها أنهم قادرون عليها، وانصرف معظم الناس عن دينهم إليها، وانقاد السواد الأعظم لغرورها، وافتتنوا بحضارتها الجوفاء في الشرق والغرب، وخُدع بعض المسلمين بلمعان وبريق هذه الحضارة الزائفة، وقام أعداء الله بشن حملاتهم وحروبهم ضد الإسلام، فحملوا على الدين بخيلهم ورجلهم، وطعنوا فيه بسهامهم وسمومهم، وتعرفوا على مواطن القوة ومراكزها فاجتهدوا في إضعافها وتوهينها، وعلموا بعد ممارسة وخبرة أن المرأة من أعظم أسباب القوة في المجتمع المسلم، وأنها سلاحٌ ذو حدين، وأن لديها القابلية لأن تكون أعظم وسيلة للبناء أو أخطر وسيلة للهدم والتدمير؛ لأنها تملك مواهب ضخمة، فهي جديرة بأن تبني أو أن تهدم، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث الصحيح في مسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (إن الدنيا حلوة خَضِرَة) حلوة المذاق وخَضِرَة اللون، ودائماً الأخضر الذي له طعم كل إنسان يحبه (حلوة) في طعمها (خضرة) في لونها (وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون) أنتم تحت النظر الإلهي، لا يغيب عن الله من أمركم شيئاً (ألا فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) رواه مسلم. وفي البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: (ما تركت بعدي فتنةً أضر على الرجال من النساء) وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول أحد السلف: [والله لو أمنتموني على ملء الأرض ذهباً لوجدتموني أميناً، ووالله لا آمن نفسي على أمة سوداء أعلمها القرآن] لِمَ؟ لأن قضية المرأة تصادف غريزة في النفس، الله عز وجل ركب في الإنسان ميلاً إلى المرأة من أجل بقاء الجنس البشري، إذ لو أن الرجل لا يميل إلى المرأة وهي لا تميل إلى الرجل لبقي الرجل في جانب وبقيت المرأة في جانب، وانقرض الجنس البشري، وخلت الحياة من الناس، وتعطلت الوظيفة التي من أجلها خلق الله الأرض وهي: العبادة، فجعل الله مَيلاً عند الرجل، ومَيلاً عند المرأة، ونظَّم هذا الميل ليلتقيا في نقطة شريفة اسمها "الزواج" نقطة مسئولية، لكن عمل أعداء الإسلام على أن يلتقي الرجل بالمرأة في غير النقاط الشريفة في نقاط الضلال، فتدمرت الأخلاق والعياذ بالله! لقد كان للمرأة في بناء الأمة المسلمة دورٌ رائع؛ لما انتفعت الأمة بالحد النافع من سلاح المرأة في القرون المفضلة، حيث كانت نسيبة بنت كعب مجاهدة، وكانت عائشة رضي الله عنها معلمة، روت آلاف الأحاديث، وكانت أي: المرأة مربية، وقانتة، وعابدة، وصائمة، وقائمة؛ ومربية وداعية تصنع الرجال وتخرج الأبطال. ثم لم يلبث الحال أن تدهورت شيئاً فشيئاً، وجُرحت الأمة من الحد المهلك -من سلاح المرأة- حين سارت في الطريق الذي رسمه أعداء الإسلام لها، لتعطيل المرأة عن وظيفتها الأساسية، والزج بها إلى مواطن الفتنة، وتدمير الأخلاق تحت الشعارات البراقة: كالتحرير، والتجديد، والتقدم، والمساواة حتى قال أحد أقطاب الكفار والمستعمرين: "كأس خمرٍ وغانية -يعني: زانية- تفعلان في تحطيم الأمة المسلمة أكثر مما يفعله ألف مدفع". المدفع إذا حمل وقابلته القلوب القوية والإيمان القوي يُدمَّر؛ لأن الله مع المؤمنين، لكن إذا جاءت تلك القوى وقد دمرت القلوب من الداخل، ونسفت العقائد، ودهورت الأخلاق. هنا يسهل القضاء على الأمة المسلمة! لقد عز على أعداء الإسلام أن تجود المرأة المسلمة على أمتها -كما جادت من قبل- بالأبطال والعلماء والمجاهدين، فاجتهدوا ليجعلوها عقيماً لا تلد مثلَ عمر، ولا خالد، ولا صلاح الدين، ولا عائشة ولا سمية، اجتهدوا حتى لا تلد إلا الحيات والعقارب والحشرات من المغنيين والمغنيات، والتافهين والتافهات، المنسلخين عن القيم والمبادئ والمنسلخات، أصبحت لا تلد إلا كذاباً، ولعاناً، وسباباً، وشتاماً؛ لأنها كذابة، وسبابة، ولعانة، وشتامة أصبحت لا تلد إلا تاركاً للصلاة؛ لأنها لا تصلي، ولا تلد إلا قاطعاً للرحم؛ لأنها لا تصل رحمها أصبحت لا تلد إلا هاجراً للقرآن؛ لأنها لا تعرف القرآن أصبحت لا تلد إلا سارقاً؛ لأنها سارقة، ولا تلد إلا زانياً؛ لأنها عاهرة منحرفة والعياذ بالله ففاقد الشيء لا يعطيه! وأخرجوها من عرشها الذي تربعت عليه ردحاً من الزمن داخل مصنع رهبان الليل وفرسان النهار، لقد كانت تهز المهد بيمينها، ولكنها تزلزل عروش الكفر بيقينها؛ لأنها أم المجاهدين، وبنت المجاهدين، وأخت المجاهدين، وزوجة المجاهدين، بصماتها واضحة في حركات المجاهدين. الخنساء يخرج أربعة من أبنائها ويموتون في سبيل الله، ثم لما يعودون في آخر النهار يأتيها الخبر بأنهم قد استشهدوا كلهم في سبيل الله فتقول: [الحمد لله الذي شرفني بقتلهم في سبيل الله].

المرأة وخطاب الشريعة

المرأة وخطاب الشريعة لقد رغبتُ -أيها الإخوة- في إعطاء المرأة المسلمة جرعة من الحماس والوقاية ضد تلك الأفكار؛ لتعرف دورها الريادي الذي يجب أن تقوم به في المجتمع، نتوجه بهذه المجموعة القيمة من التوجيهات التي تخص المرأة علَّها أن تجد إلى قلبها طريقاً، ونحن نخاطب -أيها الإخوة- ونتوقع أن النساء أحد صنفين: الصنف الأول: صنفٌ مؤمن مصدق بالله راضٍ بشريعة الله، فواجبهن الانقياد والخضوع والاستسلام لأمر الله، شعارهن قول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب:36] لا يسع المؤمن ولا المؤمنة إلا أن يقولوا: آمنا بالله طاعةً لله، إذعاناً له واستسلاماً هذا هو موقف المؤمن والمؤمنة. أما الصنف الثاني: صنف من النساء مكذب منحرف، تربى على الكفر، وتغذى بغذائه، فهؤلاء نتوجه لهن بالدعوة إلى العودة إلى الله، والتصديق بدينه، والرضوخ لشريعته قبل أن يحال بينهن وبين ذلك بالموت، وقبل أن يواجهن المصير المحتوم، والعذاب الأليم، واللعنة والدمار في دار الخزي والبوار ندعوهن بدعاية الإسلام إلى إعلان العبودية لله وحده؛ لأن ذلك في مصلحتهن في الدنيا والآخرة. وقبل كل شيء نؤكد -أيها الإخوة- أن الشريعة وأن دين الله منزه عن الظلم؛ لأن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس:44] ولئن ساء وضع المرأة في فترات الزمن فإن السبب ليس التزامها بالإسلام، بل السبب الحقيقي هو: انحرافها وانحراف الناس عن الإسلام، انحراف الأجيال عن منهج الإسلام في التعامل مع المرأة. فنحن نعلم ما حاق بالمرأة من ظلم وإهانة؛ فهناك من يكلفها ما لا تطيق، وهناك من لا يرحم ضعفها، وهناك من يقسو عليها، ويهدر كرامتها، ويضيع حقوقها، ولكن ما علاقة الإسلام بأخطاء الآخرين؟ نحن لا نريد أن نعالج الخطأ بارتكاب خطأ أفدح منه، ونحن لا ننكر أن الهوة سحيقة والبون شاسع بين ما نحن عليه وبين ما يجب أن نكون عليه، ولكننا نقول لكل مسلمٍِ ولكل مسلمة ترجو الله واليوم الآخر: إنها مسئولة غداً بين يدي الله. إن ما يسمى بالاستسلام للأمر الواقع سوف يظل في ميزان الإسلام مرفوضاً ومردوداً ومنقوضاً، فالحق واحد لا يتعدد، والباطل مهما تقادم سيظل باطلاً، ولن ينتفع الناس إلا بالحق {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17]. هذا موقف الدفاع لرد تلك الحملات التي يستدلون فيها بالشبهات -مثلاً- يقولون: الإسلام ظلم المرأة! لم؟ قالوا: أعطاها نصف ما أعطى الرجل. قاتلكن الله وقاتلكم الله يا من تصفون الله بأنه ظالم حينما أعطاها النصف. أعطاها الله النصف وأعطى الرجل ضعف ما أعطى المرأة، لكنه كلف الرجل بكل شيء ولم يكلف المرأة بأي شيء، فهل أنصفها الإسلام أو لا؟! هذا هو الإنصاف، المهر والنفقة على الرجل، وله ضعف نصيبها من الإرث، مثلاً لو مات رجلٌ وترك ذرية ومواريثاً، ثم قُسمت المواريث فأخذ الذكر ثلاثة آلاف، والبنت ألفاً ونصفاً، ثم جاء الرجل ليتزوج فإنه سينفق من الثلاثة آلاف للمهر، والبيت، والنفقة، والبنت تأتي عندما تتزوج لا تدفع من الألف والخمسمائة ريالاً واحداً، إذن من الرابح في المسألة، الرجل أم المرأة؟! لاشك أن الرابح: المرأة. راعى الإسلام ضعفها. أما لو نظرنا إلى الميراث بمنطق الحسابات، فما دام أن الرجل عليه كل شيء فيكون الميراث للرجل؛ لأن عليه كل شيء، هذا بمنطق الحساب، لكن بمنطق الشرع والدين لا، الرجل عليه كل شيء لأنه يتحمل، والمرأة ليس عليها شيء لأنها ضعيفة، ومع ذلك فلها نصف ما للرجل، فهل هذا ظلم للمرأة أم أعظم عدل ورحمة؟! قاتل الله من يدعي أن الله ظلم المرأة.

المرأة في الإسلام

المرأة في الإسلام لا بد في البداية من إعطاء لمحة قصيرة عن المرأة عند الآخرين أولاً، ثم نعرف كيف أكرمها الإسلام.

المرأة ومنزلتها عند غير المسلمين

المرأة ومنزلتها عند غير المسلمين لقد كانت المرأة عند الإغريق محتقرةً ومهانةً حتى إنهم كانوا يسمونها رجساً، وكانت عندهم تباع وتشترى، مسلوبة الحقوق، محرومة الميراث. أما عند الرومان فكان شعارهم أن المرأة ليس لها روح، ولهذا اختلفوا هل هي من الإنس أم من الجن؟! ولذا كانت تعذب بسكب الزيت المغلي عليها، وكانوا يربطونها ويجرونها خلف حميرهم وبغالهم ويسحبونها حتى تموت. وقبل الإسلام -أي: عند العرب- لم يكن للمرأة قيمة عند الجاهليين، فلم تكن ترث، ولكن تُوْرَث، توضع مع المتاع (مع الثلاجة والغسالة)، وكأنها قطعة أثاث في البيت، لم تكن ترث شيئاً في الجاهلية بل تُورث ولا ترث. وكان العرب يخصون الرجال بطعام غير طعام النساء، قال الله تعالى: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا} [الأنعام:139] يأكل الرجل ولا تأكل المرأة، بل كانوا يدفنونها وهي حية، هل هناك أعظم من هذا الظلم؟! {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل:58 - 59] وهذه نزعة لا تزال فينا إلى اليوم، نزعة البشرى بالولد أو البنت، إذا بشروه قالوا: جاء لك ولد. قال: الحمد لله. وفرح، وإذا جاءت له بنت سكت، ويقولون: جاءت له راعية غنم! فيحزن ويقول: لو يرزقني الله برجل! من الذي يخلق الرجل ومن الذي يخلق البنت؟ من الذي يهبهم؟ {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً} [الشورى:49 - 50] لا تدري ما الخير فيه يا أخي! لعل الخير في هذه البنت، ولعل البركة والدين في هذه البنت، كم من بنت أدخلت على أهلها النور والإيمان والدين! وكم من ولد أدخل على أهله الشر والظلم والفساد ودمر حياة أهله كلها وهو ولد! لا تفرح إلا بما آتاك الله، فإن جاء ولد فاسأل الله أن يكون صالحاً، وإن جاءت بنت فافرح ولا تحزن، ولا تفعل كفعل الجاهليين: {يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} [النحل:59].

المرأة عند أهل الإسلام

المرأة عند أهل الإسلام استمر الناس على هذا الوضع حتى إذا شرقت شمس الإسلام نعمت المرأة -كغيرها من مخلوقات الله في الأرض- تحت ظله بكامل حقوقها، لم تنعم البشرية ولا الإنسانية فحسب ولكن العالم كله نعِم بظل الدين: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] هذا الدين كان النجاة للعالم كله، حتى سعدت الوحوش في البراري والقفار، وسعدت الأسماك في البحار، وصفت الأجواء، وطابت الثمار؛ لأن الأرض تصفو بطاعة الله وتشقى بمعصية الله، والله يقول: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} [الروم:41] بماذا؟ {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم:41] بمعنى: أنها إذا كسبت شراً ظهر الفساد، وإذا كسبت خيراً ظهر الصلاح، فنعِمت المرأة كغيرها تحت مظلة الإسلام، وأعيد لها كامل حقوقها وكرامتها، وقرر الإسلام أنها شقيقة الرجل لها ما له وعليها ما عليه، مع اختصاص الرجل بالقيادة والذود والحماية والإنفاق والولاية، يقول الله عز وجل: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:228] وهذه الدرجة ليست درجة أفضلية، ولكنها درجة مسئولية، مثلاً: المدرسون في المدرسة الآن كلهم خريجون جامعيون، ولكن إدارة التعليم تختار واحداً منهم مديراً، فهل معنى ذلك: أن المدير أفضل من المدرسين؟ لا. لعل المدرسين أفضل منه، لكن وقع عليه الاختيار لأنه قديم، وهو مسئول فقط. لكن ما ظنكم لو قلنا: كلكم يا مدرسون مدراء؟ هل تصلح المدرسة؟ لا تصلح الحياة إلا بمدير، فالحياة الزوجية لابد فيها من مسئول، من الذي يصلح للقيادة الرجل أو المرأة؟ في تصورنا نحن لا يصلح طبعاً إلا الرجل، فالشرع قرر أن الرجل هو الذي يصلح وذلك لميزات عنده، هو الذي يصلح لأن يكون مسئولاً لا لأنه أفضل فقد تكون المرأة أفضل عند الله من ألف رجل! مثلاً: امرأة فرعون، الله عز وجل أخبر أنها قالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم:11] فهي أفضل من فرعون الذي ملك مصر وكان عظيمها الذي كان يقول: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:24] وزوجته آسية بنت مزاحم كانت مؤمنة، ومع هذا كانت أفضل منه، فليست القضية قضية أفضلية، حتى لا يأتي أحد ويقول: لا، أنا رجل، أنا أفضل. لا، لست أفضل، أنت مسئول فقط، يعني: أن الدرجة التي عندك هي درجة أن الله جعلك مسئولاً عن الريادة والقيادة والقوامة في الأسرة؛ لأن عندك ميزات: قوة، وشجاعة، وقدرة، ومواجهة. أما المرأة فلا تستطيع، فهي مشغولة بوظائف أخرى لا تقدر لها أنت: المرأة تحمل، هل تقدر أنت أن تحمل؟ أنت إذا تعشيت وامتلأت بطنك قمت تصيح طوال الليل، تقول: أعطوني دواءً مهدئاً للهضم، أو مشروباً غازياً؛ هذا كله لأن في بطنك نصف كيلو من اللحم أو الأرز، كيف لو كان في بطنك طفلاً كبيراً وزنه أربعة كيلو جرام؟! وما يكون بعده؟؟! لكن الله جعل المرأة تستطيع أن تقوم بهذا العمل {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً} [الأحقاف:15] فلها وظيفة ولك وظيفة، يريدون أن يغيروا سنة الله في الأرض، يجعلون الرجل يأخذ وظيفة المرأة وهي تأخذ وظيفة الرجل، هذا تغيير: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الأحزاب:62] ومن يغير سنة الله هو الذي يتغير ويخسر وتبقى سنة الله جارية لماذا؟ لأن الله هو الخالق لهذه السنة، وهو الموجد لهذه السنن الكونية.

حق المرأة في الاستشارة

حق المرأة في الاستشارة ليست مسئوليتك مسئولية قهر، ولا استعباد، ولا استبداد، ولا تسلط كما يتصور بعض الناس، يقول: أنا الرجل. نعم، أنت رجل، لكن مسئوليتك مسئولية إشراف ورعاية وحماية، فإذا اتخذت قراراً فشاور، ليس عاراً عليك إذا أردت أن تتخذ قراراً فقل: حسناً، نرى، نتشاور. من الذي تتشاور معه؟ مع زوجتك، النبي صلى الله عليه وسلم شاور زوجته رضي الله عنها أم سلمة في قضية ليست سهلة، قضية إذا عصت الأمة الرسول صلى الله عليه وسلم عذبها الله! في صلح الحديبية لما كاتب الرسول صلى الله عليه وسلم كفار قريش على أن يرجع وأن إلى آخر صلح الحديبية، أمر الصحابة فقال: احلقوا رءوسكم. فالصحابة ترددوا فما حلقوا، فخشي عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم عذابٌ من الله؛ لأنه يأمرهم ولا يطيعونه، كيف لا يطاع الرسول؟ وإذا لم يُطَعِ الرسول فماذا يحصل؟ سيحصل تدمير. فدخل على أم سلمة وهو متغير، قالت: (ما بك يا رسول الله؟ قال: آمُر فلا أطاع. قالت: ابدأ يا رسول الله أنت احلق. فبدأ يحلق فقام الناس كلهم يحلقون) انظروا الرأي السديد عند هذه المرأة العظيمة، ما قالت: ادع عليهم، أو دمرهم لا. فأنت إذا أردت أن تعمل شيئاً شاور زوجتك، لو أردت أن تستأجر شقة فشاور زوجتك، أنت وهي سوف تسكنون، أنت سوف تقعد فيها ساعات وتخرج وهي تقعد فيها طوال الليل والنهار، قل لها: تعالي نرى الشقة هل هي مناسبة أو لا. بعض الناس يقول: والله ما آخذ رأيها، أنا الرجل! (ما دخلها) لماذا آخذ رأي امرأة؟! وإذا جاءت وقالت: ليست الشقة جيدة. قال: جيدة أو غير جيدة، اقعدي على رأسك. ويتصور أن هذا هو الدين، وأن هذه هي الرجولة، هذا قهر، واستبداد، وتسلط، ينبغي عليك أن تكون مرناً، وأن تكون رجلاً ذو عشرة حسنة؛ لأن الله أمر بهذا في القرآن الكريم فقال عز وجل: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228].

إكرام الله للمرأة في الخطاب الشرعي

إكرام الله للمرأة في الخطاب الشرعي يقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] حتى ولو كانت امرأة فهي أكرم إذا كانت عند الله أتقى، يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء:1] ويقول عز وجل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:7] ويقول عز وجل: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:195] ويقول عز وجل: {الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} [التوبة:71] ويقول عز وجل: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [الحديد:12]. هل هناك أعظم من هذا التكريم للمرأة في ظل القرآن الكريم! يخاطبها الله ويقول عز وجل: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب:35] إلى آخر الآيات، يذكر الرجال ويذكر النساء، لماذا؟ لأنهم سواء، لا يوجد تفضيل هنا، لماذا؟ لأن الله خلق المرأة لوظيفة وخلق الرجل لوظيفة، إلا أن الإسلام يتعامل مع الأمور بمنطق الواقعية لا بمنطق العاطفة والسطحية.

إسقاط التكاليف عن المرأة مراعاة لطبيعتها الخلقية

إسقاط التكاليف عن المرأة مراعاة لطبيعتها الخَلْقِيَّة أعلن الإسلام موقفه الصريح من إنسانية المرأة وكرامتها، وأيضاً نظر إلى طبيعتها وما تصلح له من أعمال، فأبعدها عن كل ما يتعارض مع طبيعتها فخصها ببعض الأحكام، وأسقط عنها بعض الواجبات: أسقط عنها الجمعة، لماذا؟ لأنه يترتب على خروجها للجمعة مفسدة، الناس كلهم مأمورون للخروج للجمعة، فإذا خرجت المرأة للجمعة -أيضاً- احتك الرجال بالنساء، فأسقط الله عنها الجمعة فلا تجب عليها ولها أن تصلي في بيتها. وأسقط عنها الإحرام، فالرجل إذا أحرم يكشف رأسه وجسمه ولا يلبس إلا رداءً وإزاراً، أما المرأة فلا تفعل مثله؛ وإنما تغطي كل شيء في جسمها إلا وجهها وكفيها، فإذا رأت الرجال تغطي حتى هذا الشيء، تقول عائشة: [كنا إذا قابلنا الركبان أسدلنا، وإذا جاوزونا كشفنا]. وأسقط عنها الجهاد، عليها جهاد لا دم فيه وهو الحج، المرأة ليست بمسئولة عن الجهاد؛ لأنه لا ينسجم مع تكوينها ولا يتلاءم مع ضعفها وطبيعتها. كما عفاها الإسلام من الصلاة والصوم في فترة الحيض، وهذه رحمة من الله بالمرأة، بعض الناس يقول: إن الإسلام عفاها من هذا الشيء من أجل النجاسة التي تخرج منها وهي: الدم. وليس هذا هو السبب، فإن المرأة أثناء الطهر يخرج منها شيء نجس وهو البول والغائط ومع هذا تتطهر وتصلي وهكذا الرجل، فالدم نجاسته ليست أشد من نجاسة البول والغائط، لكن الله عفاها من الصلاة والصوم أثناء فترة الحيض؛ لأن فترة الحيض تؤثر عليها صحياً، ونزيف الدم الذي يخرج منها يؤثر عليها، وقد أقر الأطباء في دراسات علمية حديثة: أن المرأة تتغير طبيعتها وتكوينها الصحي أثناء الحيض، فترتفع درجة حرارتها، وتصاب بمغص، وتعتريها آلام، وتشعر بتعب، فالله من رحمته بها أسقط عنها الصلاة والصيام. وبعد ذلك الصلاة لا تقضيها في وقت آخر، ولكنها تقضي الصوم؛ لأن لديها أحد عشر شهراً تستطيع أن تقضي فيه، ولكن لا تقضي الصلاة، وهذه رحمة من الله بالمرأة. لا إله إلا الله! ما أعظم رحمة الله بالعباد {وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس:44]. عفاها الإسلام من الصلاة والصوم لماذا؟ مراعاةً لوضعها الصحي ولعدم ملاءمته لها، وما يجب أن تكون عليه من الراحة النفسية.

تقسيم الواجبات والأعمال بين الرجل والمرأة

تقسيم الواجبات والأعمال بين الرجل والمرأة قرر الإسلام تقسيم الواجبات والأعمال بين الرجل والمرأة، فالحياة ذات تكاليف، والدنيا ذات أعباء ومشاق؛ فلابد من توزيع الاختصاصات، وهذا تقتضيه هندسة البناء الاجتماعي، الآن كل إدارة فيها وظائف متعددة واختصاصات، لو أتينا بالموظفين وقلنا: كل موظف يشتغل على الكيفية التي يريدها ماذا يحصل؟ تصير فوضى، لكن كل واحد له عمل، ووظيفة، كذلك الشركية الزوجية هذه لابد فيها من توزيع الاختصاصات بحيث يقوم الرجل بنوعٍ من العمل لا تقوم به المرأة ولا تقدر عليه، وتقوم المرأة بنوعٍ من العمل لا يقوم به الرجل ولا يقدر عليه، ومن الذي قسم هذا؟ إنه الله، وقسم الله هذه الواجبات بين الرجل والمرأة على ما يتلاءم مع الوظيفة التي خلقه من أجلها، قال تعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] الله يقول: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران:36]. ومن ضمن الأشياء التي جعل الله فيها فارقاً بين الرجل والمرأة: أنك تجد الطفل الصغير أو الطفلة الصغيرة عند الولادة أن لديهما شعراً في أجزاء من الجسم سواء بسواء، شعر في الرأس عند الولد والبنت سواء، وشعر في الحواجب والجفون، فإذا ما اكتملت أنوثة الأنثى ورجولة الرجل كان لهما شعر في الإبط والعانة سواء بسواء، ثم يتميز الرجل بأربعة أشياء عن المرأة: يظهر للرجل شعر في وجهه -أي: لحية- ويظهر للمرأة أثداء في صدرها، ويغلظ صوت الرجل ويرق صوت المرأة، وتعظم أكتاف الرجل وتعظم أرداف المرأة. هذه ميزات جعلها الله للمرأة وللرجل لما يتلاءم معها، لماذا؟ لأن المرأة لا تصلح إلا بهذا، ما رأيك لو أن المرأة صوتها ثخين -مثل صوت السيارة الكبيرة- إذا كلمتك؟ تقول: الله أكبر على هذا الصوت! لن تحبها، كذلك لو ذهبت البيت الآن من هذا المجلس المبارك ودخلت على زوجتك وإذا بها لديها لحية، هل تقبل زوجتك بلحية؟ لا تقبلها بلحية ولو كنت تحبها، ولو كان لك منها ذرية، ستقول لها: اذهبي إلى أهلك، لقد صرتِ رجلاً، لماذا أقعد مع رجل؟ لا يمكن أن تستمتع بها إلا إذا كانت بدون لحية. وكذلك أنت -أيها الرجل- لا يمكن أن تكون ممتعاً لزوجتك إلا بلحية، كما لا تريدها أنت إلا ملساء هي لا تريدك إلا بلحية، فإذا ما وجدتْ لديك لحية تصبح مسكينة؛ لأن ما عندها ورقة طلاق تقدر تطلقك، وقد أجري استفتاء لأربعمائة امرأة كلهن قررن أنهن يفضلن الرجل الملتحي؛ لأن المرأة تشعر أمام الرجل الملتحي بالأنوثة، ترى شيئاً ليس فيها، ترى فيه علامات مميزة عنها، لكن إذا رأته مثلها يحدث العجب، فأحياناً تضطر إلى أنها تصير هي الرجل، حتى في الطريق وهم يمشون تمشي أمامه، وتجعله يأخذ الولد، ويعلق الشنطة في كتفه، إذن ماذا بقي؟ لا حول ولا قوة إلا بالله!! فالإسلام خصص لهما بعض الأعمال والواجبات بمقتضى إمكانيات كل منهما، فالرجل يتميز بالقدرة والقوة الجسمية، والقدرة على الدفاع عن الأسرة، فحددت مسئوليته بالأعمال الخارجية، المرأة لا تقدر أن تدافع أبداً، ضعيفة هكذا، لكن الرجل يقدر، إذا حدث شيء مزعج يخرج ليتثبت من الأمر، وإذا سمع صوتاً في خارج البيت يخرج هو يستكشفه، ولا يقول: اخرجي يا امرأة! وأنا سوف أقعد، انظري ماذا بالخارج! لا، هو الذي يخرج ليكتشف الأمر، المرأة إذا سمعت صوتاً تذهب لتوقظ زوجها وتقول: هناك شيء، هناك حركة، سمعت شيئاً. مسكينة المرأة! لا تستطيع. فالله جعل الرجل يقوم بتلك الواجبات الخارجية، والمرأة اختصها الله عز وجل بأشياء أخرى: بالحمل، والإرضاع، والحضانة، والتربية، وتدبير أمور المنزل. فحددت مسئوليتها بالأعمال الداخلية، وهذا تنظيم تقتضيه طبيعة الحياة وهو أن الرجل عليه المسئولية خارج البيت، والمرأة عليها المسئولية داخل البيت، وقد تكون أعباء الداخل أكثر من أعباء الخارج ولكن يتعاون الرجل والمرأة في الحياة الزوجية بهذا الوضع فتستقيم الحياة.

حال المرأة بعد انتكاس الفطرة

حال المرأة بعد انتكاس الفطرة الآن دُمرت الحياة، أخرجت المرأة من البيت لتعمل في الخارج فضاعت بيوت المسلمين، يقول أحد الذين هداهم الله: إن بيوتنا غدت شبيهةً بالفنادق، لا نجد فيها الأنس ولا الروحانية ولا المتعة، وأبدت المرأة -وهي تمارس عملها خارج البيت- النشاط والحيوية والعطاء والبذل للعمل، وأبدت للبيت الكلل والملل والنوم، فلا تجد المرأة في بيتها نوعاً من القدرة على الإبداع والإنتاج وإنما تدخل وهي محطمة فترمي نفسها، ومن يقوم بأعباء الأسرة؟ الخادمة! وهل الخادمة تستطيع أن تقوم بهذا الدور؟ هل الخادمة تستطيع أن تقوم بدور عمارة البيت، والأسرة من الداخل، وتربية الأولاد؟ لا تستطيع، لأن هذا هو دور المرأة وليس دورها يتم خارج المنزل. ولما غير الناس هذه الطبيعة تغيرت حالتهم، ولا ينازع في قضية الاختصاصات إلا جاهل.

تعرية دعوى مساواة المرأة بالرجل

تعرية دعوى مساواة المرأة بالرجل والذي يدعو إلى مساواة المرأة بالرجل في العمل والوظيفة والخروج جاهل أو مخطئ، لأن هناك أعمالاً تقتضيها الظروف مثل تدريس النساء؛ لأن تعليم النساء خير، وأحسن من بقائهن جاهلات، لكننا نحارب قضية الدعوة التي نسمعها الآن والتي نراها تبث وتظهر رأسها وهي: أنه يجب علينا أن نستفيد من نصف المجتمع، ومن آلاف الخريجات، وعشرات الآلاف من البنات، لماذا يقعدن في البيوت ونحن بحاجة إليهن في السكرتارية، و (السنترالات)، وكاتبات ومراجعات ومضيفات؟؟ أخرجوا النساء، استفيدوا منهن!! هذه دعوة ماسونية علمانية، هدفها تدمير البنات والنساء؛ من أجل تدمير الإسلام، يريدون تدمير الحياة الاجتماعية النظيفة الطاهرة التي نعيشها: الأسرة طاهرة، والبيت والمكتب والشارع طاهر عندما كانت المرأة طاهرة والرجل طاهراً، لكن إذا أضرمت النار، ووضع عليها البارود، ساءت الحياة وفسدت وأسنت، وحصل ما حصل في المجتمعات الأخرى التي سبقتنا -نسأل الله أن لا يجعلنا نسير فيما سارت فيه- فقد وصلت إلى حدٍ لا تحسد عليه. والذين يقولون: نريد المساواة بين الرجل والمرأة: في العمل، والوظيفة، والخروج وغيره، نطلب منهم أيضاً المساواة معها في وظائفها، فنريد أن يحيض الرجل شهراً وتحيض هي شهراً آخر هذه المساواة! وأن يحمل بطناً وأن تحمل بطناً آخر، أما الحمل دائماً عليها وفي بطنها وأنت قاعد هناك وتقول: نريد المساواة! هذه ليست مساواة!! ونريد أن ترضع أنت ولداً وهي ترضع ولداً آخر، وهذا أمرٌ بطبيعة الحال غير وارد أصلاً؛ لأنه يتعارض مع فطرة الله التي فطر الناس عليها.

إكرام الإسلام للمرأة

إكرام الإسلام للمرأة لقد ساوى الله عز وجل بين الرجل والمرأة في الجزاء في الآخرة قال عز وجل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97] وساوى الله عز وجل في التوجيه في سورة الحجرات لما قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات:11] وكرَّم الله المرأة وخصها بنصيب عظيم من العناية من ذلك في جميع مراحل حياتها، فالله أكرمها أُماً في حين أن الجاهليين الآن في الشرق والغرب يرمون بالأمهات في الملاجئ؛ فإذا بلغت الأم خمسين سنة انتهى الانتفاع بها، وردةً مُصت واستنشقت فذبلت، فلما ذبلت ركلت يركلونها ويذهبون بها إلى دور العجزة، ولا يعرفها ولدها ولا بنتها ولا أخوها ولا زوجها ولا تبقى لتموت ببطء حتى تنتهي. أكرمها أماً: الإسلام كرَّمها أماً، فقال عز وجل: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [البقرة:83] وقال عز وجل: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا} [الإسراء:23] ويروي البخاري ومسلم في الصحيحين حديث الرجل لما سأل الرسولَ صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحابتي؟) يعني: من هو أولى الناس لأن أكون له أطوع، وأحسن الناس إليه، وأرفق الناس به؟ من هو؟ من هو؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (أمك) الله أكبر! فهذا الرجل أخذها على أنها في أعلى منزلة، قال: (ثم من؟) يريد أن يضع الثاني (قال: أمك) ضع أمك في المرتبة الثانية أيضاً (قال: ثم من يا رسول الله؟) يريد أن يضع أخرى (قال: أمك) ثلاث مرات: أمك. في الدرجة الأولى، والثانية، والثالثة (قال الرجل: ثم من؟ قال: ثم أبوك. ثم أدناك فأدناك) الآن أكثر الناس لا يتقي الله في أمه بل يجعل امرأته في القائمة الأولى، المرأة هي الأولى في القائمة والأم في آخر القائمة، البسمة للمرأة، والثوب الجيد، والتمشية، والسهرة، والراتب في يد المرأة، وأمه إن لم تكن في بيته فيأتيها في الشهر مرة وهو مستعجل، حتى إنه لا يتفرغ لكي يشرب عندها ماءً، يأتي ولا يطفئ حتى السيارة، يقول: مستعجل ذاهب للدوام عندي شغل عندي موعد بينما الجلسات كلها لامرأته، الله أكبر! لا إله إلا الله! وأكرمها الإسلام بنتاً، فقد كانت توأد في الجاهلية، والله عز وجل حرم هذه العادة وأبطلها، وجعل تربية اثنتين من البنات سبباً لدخول الجنة، ففي الحديث الصحيح من رواية مسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (من عال -أي من ربى- جاريتين -يعني: ابنتين- حتى تبلغا؛ جاء يوم القيامة أنا وهو معاً، وضم إصبعيه الاثنتين) من عنده اثنتان من البنات يربيهن على الإسلام ويعلمهن الإيمان إلى أن يزوجهن هذا رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة. والمرأة أكرمها الإسلام زوجةً، يقول عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) وامتدح الله رسله فقال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:38] وجعلها نعمة وآية من آياته قال: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم:21]. وأكرمها أيضاً مؤمنة، فكان أول قلبٍ مؤمن تألق بنور الإيمان هو قلب خديجة رضي الله عنها، فأول من آمن من النساء خديجة رضي الله عنها، وكانت أول شهيدة في الإسلام امرأة وهي سمية أم عمار بن ياسر وزوجة ياسر رضي الله عنهم. قتلها أبو جهل، وكانت الأسرة كلها مؤمنة: سمية وولدها عمار وزوجها ياسر. الأسرة كلها مؤمنة، وهم كانوا عبيداً وموالي، وكان أبو جهل يعذبهم تعذيباً لا يعلمه إلا الله، ويمر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ويقول: (صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة) ويمر الخبيث عليها فيطعنها بالرمح حتى ماتت ويسيل دمها على الأرض فكانت أول قطرة دم تقع على الأرض في سبيل الله، أي شرف أعظم للمرأة من هذا الشرف أيها الإخوة؟!! وامتدحها الله عز وجل صابرةً، هذه أم سليم بنت ملحان -في قصة طريفة جداً- مرض ولدها ثم مات، ودخل عليها أبو طلحة -زوجها- من المسجد وقد تطيبت وتصنعت وقالت لمن في البيت: لا تخبروه. وغطت الولد بعدما مات بلحاف، وقامت تتجمل، وتتزين، وتتعطر، ولما دخل أبو طلحة قالت لمن في البيت: لا تعلموه. فلما سألها عنه قالت: هو أسكن ما يكون. وصدقت لأنه في سكون تام، لكنه فهم أنه قد شُفي. قالت: هو أسكن ما يكون. ثم قدمت له العشاء، ثم أتما ليلتهما على أتم حال، فلما كان آخر الليل -طبعاً قد هدأت الدنيا، لم يعد هناك سخط ولا غضب، وإنما الأنس والوفاق- جاءت تعرض الخبر عرضاً أدبياً جميلاً، قالت له: يا أبا طلحة ألم ترَ آل فلان -ضربت مثلاً- استعاروا عارية ثم تمتعوا بها، ثم طُلبت العارية منهم فشق عليهم ردها -أبوا ردها وقالوا: لا نرد العارية- قال: ما أنصفوا، هذا ظلم، كيف يرفضون رد العارية؟! قالت: فإن ابنك كان عاريةً من الله فقبضه. الله أكبر ما أعظم صبر هذه المرأة! ما أعظم هذه العقلية! فالرجل قد ضربت له مثالاً، لم يعد بوسعه أن يعمل شيئاً فاسترجع وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. وحمد الله وقال: الحمد لله. وقال: والله لا أدعك تغلبيني على الصبر، أي: لا أجعلك تسبقيني إلى الصبر، سأصبر اقتداءً بك. فلما أصبحا من الغد ذهبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد نزل عليه الوحي من السماء وأخبره الله بخبرهما في الليل فقال: (بارك الله لكما في ليلتكما) فحملت تلك الليلة ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وولدت ولداً سماه أبوه عبد الله لم يكن في الأنصار شابٌ أفضل منه، ولم يمت حتى رزق عشرة من الأولاد كلهم حفظوا القرآن؛ ببركة هذا السلوك العظيم من هذه المرأة الطاهرة. لكن لو أنها من نسائنا ومات ولدها لصعقت وصاحت، وإذا دخل بعلها قالت: ما ذهبت به إلى المستشفى، أنت الذي أمَتَّ ولدي، وأنا أطلب منك أن تأخذه إلى الطبيب كل يوم، أنت راضٍ وقامت تضع المسئولية عليه بدلاً من أن تقول مثل هذا الكلام العظيم الذي قالته هذه المرأة الفاضلة، هذه المرأة الصابرة من أين اكتسبت هذا الصبر؟ ومن أين تحلت بهذه الأخلاق؟ لقد -والله- تحلت به من الإيمان الذي عمر قلبها، ومن النور الذي أنار باطنها، وهذا غيض من فيض، وقليل من كثير من حديث اهتمام الإسلام بالمرأة وإكرامها، يقول الشاعر: فلو كان النساء كمن ذكرن لفضلت النساء على الرجال وما التأنيث لاسم الشمس عيبٌ وما التذكير فخر للهلال

هدف الأعداء من الدعوة إلى المساواة بين الرجل والمرأة

هدف الأعداء من الدعوة إلى المساواة بين الرجل والمرأة ولكن أيها الإخوة! -وما أصعب (لكن) - صعُب على أعداء الإسلام أن تبقى المرأة المسلمة في عرشها وعزتها وعليائها، صعُب عليهم هذا التكريم فعملوا في سبيل إنزالها لتكون منشفةً يتمسحون بها، ولعبة يتلهون بها ويحققون عن طريقها الاستمتاع بمآربهم متسترين بالشعارات الخادعة والهتافات الكاذبة حين نادوا إلى تحريرها، ولكن مم يحررونها؟ من الشرف، والفضيلة، والحياء! وهتفوا بالعطف عليها، ولكنهم قسوا عليها أشد من قسوة الجاهلية الأولى، كلفوها ما لا تطيق، ادَّعوا إكرامها فأوردوها موارد الذل والحقارة، أرادوا تحريرها فاستعبدوها، عطفوا عليها فأهلكوها، وهم حولها وحوش مفترسة، وكلاب شرسة، ولصوص مختلسة، همهم في الحياة إشباع النزوات، وغايتهم إرواء الشهوات، ومقصودهم التمرد على الأخلاق والعادات، ووقعت المسكينة في حبالهم في معظم بلاد المسلمين، وساقوها إلى أسواق الرقيق الأبيض، أسواق التبرج والاختلاط، وما أدراك ما التبرج والاختلاط؟!

أحكام التبرج والاختلاط

أحكام التبرج والاختلاط ما هو التبرج؟ وما هو الاختلاط؟

النهي عن التبرج والاختلاط في كتاب الله

النهي عن التبرج والاختلاط في كتاب الله التبرج: هو أن تُظهر المرأة للرجال الأجانب ما أوجب الله عز وجل عليها ستره من زينتها الخَلقية أو الخُلقية، الزينة الطبيعية أو المكتسبة بقصد أن تلفت أنظارهم، وتضيف إلى هذا المساحيق والعطور والأصباغ والملابس لإقناع الناس بأنها جميلة. هذا اسمه تبرج، وهو مظهر من مظاهر الجاهلية، قال الله: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33]. أما الاختلاط: فهو اجتماع الرجل غير المحرم بالمرأة اجتماعاً غير شرعي في خلوة أو في سفر، ويمكنه من النظر إليها أو الحديث والكلام معها، وهو محرَّم بالكتاب والسنة، يقول الله عز وجل في التبرج: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33] ويقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب:59] ويقول عز وجل: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31] ما ظهر منها يعني: شكلها العام بعد الحجاب وليس وجهها، ومن قال بهذا القول فقوله مردود ومنقوض ولا يدعمه دليل من كتاب ولا من سنة، والأدلة التي أوردوها على هذا كلها مردودة: إما منسوخة، أو ضعيفة، أو موضوعة؛ كما قرر ذلك أهل التحقيق من أهل العلم، كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وكثير من علماء الأمة، ولم يقل بأن الوجه أو الكفين ليس بعورة أحد ممن يعتد بعلمه ويؤخذ بقوله، كيف يأمر الله المرأة بألا تضرب برجلها ثم يبيح لها أن تكشف وجهها؟!! إذاً: فما معنى الحجاب الذي يقول الله فيه: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب:53]؟! إنها دعوة تخدم أغراض الماسونيين، إذا نزع الحجاب فتح الباب وصار الشر وحصل الفساد والعياذ بالله! فالله يقول: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور:31] إلى آخر الآيات.

حكم وضع الحجاب عن القواعد من النساء

حكم وضع الحجاب عن القواعد من النساء ويقول عز وجل: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} [النور:60] القواعد من النساء، هل تدرون من القواعد؟ هي المرأة العجوز التي لصق ساقها بفخذها، ولصق فخذها ببطنها حتى قعدت، لم تعد تستطيع المشي على رجليها، حائرة مسكينة، أصبحت جالسة في مخدعها لم تعد تزحف إلا زحفاً، هذه هي التي أباح الله لها ذلك، وليس عليها جناح أن تضع الحجاب، لكن بشرط: وهي باقية في مخدعها، قال: {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} [النور:60] العجوز منعت من التبرج فكيف إذا تبرجت البنت؟!! وهب أن العجوز هذه تبرجت، هل هناك فتنة؟ نعم، يمكن أن هذا العجوز ما درى الناس أنها قاعدة فقامت واستعملت حُمرة أو حناءً أو تطيبت أو أخذت لها ملابس ودخل رجل مُسن ورأى العجوز، فقد يحصل ما يُعبر عنه المثل: (لكل ساقطة لاقطة!) قال الإسلام: هذه العجوز ليس عليها جناح أن تضع ثيابها لكن بشرط {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} [النور:60] وقال الله: {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ} [النور:60] لماذا؟ {خَيْرٌ لَهُنَّ} [النور:60] إذا تغطت العجوز ذات السبعين أو الثمانين سنة فهو أفضل لها، فكيف بالبنت التي عمرها عشرون سنة أو خمسة وعشرون أو ثلاثون تتبرج وتخرج في ثياب مزركشة، الآن هناك عباءات فاضحة، العباءة أصلاً وضعت للستر، أليس كذلك؟ فإذا أصبح الساتر فاضحاً؟ كما لو كانت العباءة منقوشة أو مطرزة أو ملمعة، بالإضافة إلى أنها مرفوعة من فوق الرجل، وأيضاً تلبسها على الكتف، وهو ما يسمونه (الكاب) هذا يُجسم صدرها ويكشف أكتافها، ثم تلبس الكعب العالي وتمشي عليه مع صغره كأنه حافر حمار، وكذلك تعلوها زينة وعطور ومشية مميلة و (باروكة) فوق الرأس! هذا كله حرام في دين الله، وتخرج أكثر البنات في هذا الوضع ولا ينكر عليها زوجها ولا أبوها ولا أخوها، وتمارس هذا الأمر وكأنه شيء طبيعي، هذا هو تبرج الجاهلية الأولى بل أشد. إذا خرجت المرأة فعليها أن تخرج في حذاء مستوٍ، فإن الله خلقها تمشي على رجلها، ولو أرادها أن تمشي بحافر حمار لجعل لها حافر حمار، وعلى المرأة المسلمة إن خرجت أن تمشي بعباءة ساترة من رأسها إلى قدمها فضفاضة واسعة تجر الأرض، وتمشي في ثياب مبتذلة، لا تأخذ ثياب الزينة ولا تتعطر، وكذا تخرج إذا خرجت للضرورة فقط، الخروج بالنسبة للمرأة أمر طارئ عارض؛ لأن الله يقول: {وَقَرْنَ} [الأحزاب:33] ما قال: اجْلِسْنَ، ولا امْكُثْنَ. والقرار: هو الدوام. يقال: الجبل قار يعني: لا يتحرك. ولا يقال: الجبل ثابت أو الجبل جالس، الجالس سوف يقوم، والثابت سوف يتحرك، لكن قار يعني: لا يتحرك ولا يخرج، قال الله: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33] حتى المرأة العجوز يقول الله عنها: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ} [النور:60]. ثم إذا كانت اللعنة قد وجبت على نساء بني إسرائيل لما خرجن إلى المساجد فكيف لا تجب على من تخرج إلى الأسواق والمجتمعات لنشر الفساد والمنكر وللدعوة إلى الجريمة؟!! روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: [رحم الله نساء الأنصار لما نزل قول الله عز وجل: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31] شققن مروطهن واختمرن بها] وفي الترمذي قال عليه الصلاة والسلام: (إن المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان). من هذه الأدلة -أيها الإخوة- يتضح تحريم التبرج تحريماً قطعياً لتصان المرأة من التهتك والسقوط؛ لأن الرجال فيهم البر والفاجر، والطاهر والعاهر، والحجاب يمنع الفتنة ويدعو إلى الحياء والعفة، ويحفظ المرأة من تعرضها للفسقة والأذى، والاختلاط لإبقاء الثقة بين الزوجين، ولقطع دابر الريبة والجريمة والشكوك، والتهم التي تؤدي إلى هدم البيوت وتفكيك الأسر، والبيت للمرأة المسلمة كالصدَفة بالنسبة للؤلؤة تزداد به حسناً وجمالاً وبهاءً ودلالاً، وحين تتبرج وتخرج يذهب جلالها، ويتضاءل جمالها، وينطفئ نورها.

نتيجة التبرج ومسرحية الهلاك

نتيجة التبرج ومسرحية الهلاك ولعل سائلاً يسأل: ما نتيجة التبرج؟ نتيجته الفساد والإغراق، أن تغرق المجتمعات في الجريمة والعياذ بالله، وللتدليل على ما نقول نورد -أيها الإخوة- مثالين من عالم الواقع في أسباب ما وصلت إليه المرأة -أعني: في بعض المجتمعات- وصلت رسالة تقول صاحبتها: أنا أبلغ من العمر تسعة عشر عاماً -طبعاً في غير هذه البلاد، والحمد لله هذا الكلام ليس في بلادنا- وأدرس في السنة الأولى من الجامعة، وهناك شاب اعتدت أن أراه في ذهابي وعند عودتي من الجامعة، ولأنني حاسرة الرأس عارية الصدر والسيقان والأذرع كان هذا المنظر يشده إلي أكثر، وكان يبادلني التحية والمجاملة، وصادف أن التقينا في مكان عام وطلب مني أن أمشي معه، وطلبني زوجةً له فرضيت، وتقدم لخطبتي، وإثر ذلك حدث بيني وبينه لقاء فقدت فيه بكارتي -يعني: أوقعها في الزنا- بعد أن وعدني بلسانه المعسول أن يتزوج بي، وبعد ذلك اختفى من حياتي وركلني بقدمه، وأرسل إلى أهلي طالباً منهم فسخ الخطبة، وإلى اليوم والحزن لا يفارق قلبي، وأصبحتُ أعيش في سجنٍ مليءٍ بالحسرة واللوعة والأسى والندامة، ولا يمكن أن أنسى ما أصابني من هذا الذئب البشري الضاري الذي أعطيته أغلى ما أملك بل كل شيء وجعلني لا أساوي شيئاً. ونحن نقول لها: إن هذا ثمرة عدم الشعور بالمراقبة لله عز وجل، فهذه الفتاة لم تصل إلى هذه الحالة المؤسفة إلا بعد أن أباحت لنفسها أن تتبرج وأن تختلط ثم تلتقي بهذا الذئب، ثم تسلمه نفسها من غير خوفٍ ولا مراقبة لله عز وجل. أما المثال الثاني: شاب جامعي كان يحيا حياةً مليئة بالحب مع حبيبته -كما يقول- ولكن مشكلته بدأت منذ شهور حين تقدم لهذه الحبيبة شاب آخر على جانبٍ من الجمال والثقافة والعلم، فقبلته ووافق أهلها عليه ويقول: ماذا أفعل؟ لقد صدمت، إنني لن أتركها تتزوج بشخص غيري، ولو كلفني ذلك حياتي؛ لأن حياتي لا تساوي شيئاً بعدها. وهذا بلا شك ثمرة التبرج والاختلاط والعياذ بالله! وإننا نعجب -أيها الإخوة- ممن تقرع سمعه مثل هذه المآسي ثم يستمر في تجاهل أمر الله، وفي حسن الظن بالشيطان فالشيطان له رغبة جامحة في الإغواء والإضلال، ولا يأمر بمعصية واحدة إلا بعد التخطيط لها ورسم خطواتها لأن الله يقول: {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة:168] فهو يلقي في نفس الفتاة أموراً منها: أن فلاناً الذي يكلمك عبر الهاتف حسن النية، وأن الحديث معه لا مانع منه ما دام الهدف هو الزواج، ثم يخطط للقاء تأكيداً للثقة، وشعارهم: (ماذا فيها إذا التقينا؟ الثقة موجودة)، أنا واثقة من نفسي، وهو يقول: أنا واثق من نفسي، نحن نخاف الله عز وجل، وإذا التقينا ماذا يصير؟ تحترق الدنيا تأكيداً للثقة، وأيضاً منعاً للكلفة وجلباً للألفة، ثم ينتقل الشيطان إلى خطوة هي التبسم معللاً ذلك بعامل الذوق والمجاملة، ليس من المعقول أن تلقى حبيبتك وأنت عبوس. ثم يستمر الشيطان في خطواته حتى تتلامس الأيدي وتحترق القلوب، فيصرخ الشيطان: المكان غير مناسب، والوقت ضيق، ولا بد من إعداد مكان وتهيئة وقت، وأن أفضل شيء لطرح القضايا هو الانفراد، وتوافق الفتاة، ويقفز الشيطان في المرحلة الأخيرة من أدواره ومسرحيته حين تتم الخلوة فتحصل الفاحشة؛ لأن تكوين الرجل والمرأة لا يسمح بالعواطف فقط ولا بد من وهنا تحصل الكارثة ويوجد العار وتتبدد الكرامة وتبدو الفضيحة ويخرج الرجل من المسرحية منكراً للمرأة سالباً لها شرفها، منكراً أن يكون له أي دورٍ في دمارها، بل يلومها كما يلومها الناس، ويعيرها كما يعيرها الآخرون، ثم يتركها وينفض يده منها لتعاني من آثار الفضيحة والحمل والولادة والإرضاع لطفلٍ حرام، أو الإقدام على قتل هذا الطفل، وهذا جرمٌ أكبر وأكبر!! وتلتصق آثار الفضيحة بالأسرة والأب والأم والإخوة، بل القبيلة بأكملها، ولا تجد بعض الفتيات سبيلاً للخلاص من فضيحتها إلا بالموت لتؤدي آخر دور في مسرحية الهلاك، وتغدو قاتلة لنفسها بالانتحار، وبالتالي إلى النار وبئس القرار، والعياذ بالله! كل هذا سببه الاختلاط والتبرج، وخروج المرأة عن طريق الله، وعدم وقوفها عند حدود الله عز وجل!

توجيهات لسعادة الأخت المسلمة

توجيهات لسعادة الأخت المسلمة وحتى -أيها الإخوة- لا نقع فيما وقع فيه الغير، ولكي تبقى لهذا المجتمع كرامته وعفته وطهارته نتوجه لأخواتنا في الله بهذه التوجيهات:

التبكير بالزواج

التبكير بالزواج أولاً: سارعي -أيتها الأخت- إلى الزواج من أول خاطب، فأنت يا أخي! إذا دخلت سوقاً ومعك بضاعة فعند أن يأتيك أول مشترٍ بع، وإذا رفضت عدت آخر اليوم لكي تبيعها بنصف القيمة، كذلك البنت إذا جاء خاطب ترضى دينه وأمانته فلتقبل؛ لأن الزوج ليس شيكاً في الجيب بحيث إذا أرادته أخذته لا، هذا قسمة من الله ونصيب، ونحن نعرف أن هناك بنات خطبْن ولكنهنَّ رَفضْن وتعللْن بالدراسة والجامعة والتخرج، ثم الآن رُفضْنَ، ولو أعلنوا عنهن في الجرائد ما خُطبن، وتتمنى أنها ما ردت ذاك الرجل. لتقبل المرأة الزواج من سن الخامسة عشرة، بمجرد بلوغ المرأة سن الحيض أصبحت جاهزة للزواج فلتتوكل على الله، وليس الزواج مانعاً لها من الدراسة فستواصل تعليمها وتدرس حتى ولو واصلت دراستها في الجامعة. وبمناسبة ذكر الجامعة فإنا لا ننسى أن نشيد وأن نشكر ولاة الأمر جزاهم الله خيراً على إلغاء نظام الساعات من التعليم الجامعي؛ فإن هذا النظام نظامٌ شيطاني أفقد الأسرة السيطرة على الأولاد والبنات، تخرج البنت الساعة السادسة بعد المغرب، ما عندكِ؟ قالت: عندي حصة، عندي ساعة. وتخرج الساعة الثامنة صباحاً وتقول: عندي ساعة. وتخرج الساعة الثانية عشرة وتقول: عندي ساعة. تبقى طوال اليوم كلما أرادت أن تخرج قالت: عندي ساعة وتبرر خروجها بذلك. الآن لا، لم يعد هناك ساعات إلا من الصباح إلى الظهر، والكل يظل في بيته، فالحمد لله، ونسأل الله عز وجل أن يتبع هذه الخطوة خطوات من الإصلاح فإنا نأمل من المسئولين تدارك الأخطاء وتصحيح الغلط، فإن الخطأ إذا صحح عادت الأمة إلى الصواب، ولكن إذا ترك الخطأ تولد عنه أخطاء؛ تتولد عن الأخطاء كوارث، والكوارث لا تصيب أحداً وتدع آخر بل تصيب الكبير والصغير، وتغرق السفينة كلها؛ لأن المجتمع مثل السفينة إذا تُرك الخارق فيها ليخرق غرق الخارق والساكت الذي رآه يخرق ولم يأخذ على يديه نعم، المجتمع يجب أن يكون متماسكاً، ونحن نأمل من المسئولين تصحيح الأوضاع الأخرى ليبقى لهذا المجتمع تماسكه.

الحرص على اختيار الزوج الكفء

الحرص على اختيار الزوج الكفء ثانياً: نقول لأختنا المسلمة عند الإقدام على الزواج: عليك أن تحسني اختيار الزوج، وهو من توفرت فيه معاني الالتزام بدين الله، والرضوخ والإذعان لشريعة الله، والرضا بالعيش في ظلال هذا الدين، واحذري من الإشاعات التي يروجها الشياطين عن المتدينين منها: عدم توفيره لوسائل اللهو، بعض البنات تقول: لماذا أتزوج إنساناً ليس عنده لا تلفاز ولا فيديو ولا شيء، هذا سوف يعقدني أو الخوف من التعدد، بعض النساء تقول: لا تتزوجي (مطوعاً) من يوم يأخذك سوف يأتي بواحدة غيرك، وأن هذه الحياة تكون معقدة معه، وفيها كلفة. هذه إشاعات مغرضة الهدف منها: تنفير الفتيات الملتزمات من الشباب الملتزم، وبالتالي التورط مع شريك حياة -زوجٍ- فاسقٍ لا يراقب الله ولا يقيم لدين الله وزناً. أما دعوى عدم توفيره وسائل اللهو فهذه تعتبر ميزة في الرجل المسلم وليست صفة نقص بل هي صفة كمال فيه؛ لأنه مسئول أمام الله عز وجل عن هذه الزوجة، ومسئوليته تفرض عليه أن يكون جاداً مع نفسه، وألا يترك لنفسه المجال إلا في حدود الحلال والمباح، وهو ما يتوفر في حياة الملتزمين -والحمد لله- من النكتة البريئة، والنزهة الهادئة، وهو ما تشعر به كل مؤمنة تزوجت بمؤمن، بل لقد صرحت بذلك إحدى المؤمنات وقالت: والله لو يعلم النساء الأخريات ما نحن فيه من السعادة لحسدونا عليها، تقوله واحدة لي في الهاتف: والله قد كنت أتصور أن حياة النساء مع الملتزمين عذاب، ولكن والله إنها أكرم وأعظم حياة أن تعيش المرأة مع رجل ملتزم يخاف الله عز وجل. أما دعوة التعقيد فمردودة من أساسها، فالمتدين ليس معقداً ولكنه إنسانٌ منضبط السلوك محدد الاتجاه، وهذا يسّهل العيش معه لمعرفة اتجاهه، أما ذلك المنفلت فمن الصعب التعامل معه، لأنه غير محكومٍ بمنهج وغير منضبطٍ بأي أمر. أما التعدد ودعواه أنه يتزوج، وما تخشاه المرأة من حصوله فهذا لا مكان له إذ لا يتم أولاً إلا نادراً، وعندما يتم فبشروطه: من العدل والإنصاف ومراقبة الله، وخير لك -أيتها الأخت في الله- ألف مرة أن تكوني زوجة أو أن يكون لزوجك امرأة أخرى حلالاً خير وخير من أن تكون له رفيقة حراماً، بعض النساء تقول: لا، لا أريد زوجي أن يعدد. فيقعد معها لكن معه عشرين صديقة ورفيقة وأقربهم الخادمة لأنها قريبة في المنزل، فكيف يذهب يبحث عن صديقة والخادمة في البيت، حتى إن أحدهم عندما يأتي بخادمة يسافر إلى الخارج ويقول: أعطوني صورهن لأرى. ويختار واحدةً كأنه يريد أن يتزوج بها، وترضى زوجته بأن يعاشر الحرام وما ترضى أن يعدد في الحلال؛ فيكون هو يعيش على الحرام وتكون هي تعيش على الحرام؛ لأنه إذا انتهك حرمات الله لم تبق هي قاصرة عليه؛ لأن من زنا زُني بأهله ولو بحيطان جداره: عفوا تعفُّ نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم إن الزنا دين فإن أقرضته كان الوفا من أهل بيتك فاعلم وكما يقال: (الذي يدور على الناس يدور الناس عليه) والذي يعف نفسه عن الناس فإن الله عز وجل يجعل الناس يعفون عن عرضه، فما دام هو فسد مع الخادمة وفسد مع الأخريات تفسد زوجته مع السائق والآخرين، والعياذ بالله! والجزاء من جنس العمل، وقد قيل: (من دق باب الناس دقوا بابه)، فخيرٌ لكِ أن يكون لزوجك امرأة أخرى حلالاً من أن تكون له رفيقة حراماً تدمر حياتك وحياة زوجك وأبنائك.

طاعة الزوج بالمعروف في غير معصية

طاعة الزوج بالمعروف في غير معصية ثالثاً: لتكن الطاعة لزوجك أساس الحياة؛ لأن طاعة الزوج مفروغ منها في الحلال وفي الطاعة؛ لتدوم المحبة ولتزرع المودة، ولكن الطاعة فقط في المعروف، إذا أمر بمعصية فلا، وهذا يتطلب منك معرفة حقوقه وواجباته التي ينبغي أن تقومي بها؛ لأن العبرة ليست بأن تتزوجي ولكن العبرة بأن تحتفظي بهذا الزوج، الزوج جوهرة، الزوج كنز، إذا رزقك الله هذا الكنز تمسكي به بِمَ؟ بالطاعة، بالحب، بالإخلاص، بالبر له، بالحرص على كل ما من شأنه أن يسعده فلا يتمنى غيرك، ولا يفكر في غيرك أبداً، لكن إذا عاملتيه بسوء سلوك ورأى أنك لا تلبين احتياجه، ولا تحلين مشكلته؛ فتبقى عينه بعيدةً إلى أن يأتي من يحل مشكلته، وإما أن ترضي وإما أن يطلقك، وإذا طُلْقتِ فنحن نعرف وضع المطلقة في مجتمعنا، وإذا كان عندك أولاد وأنتِ مطلقة فالكل يعرف كيف وضع الأولاد وأمُُّهُمْ في مجتمعنا. فنقول: إذا رزقك الله زوجاً فحاولي أن تحفظيه، وأن تتمسكي به بكل ما أوتيتِ من وسائل الخدمة أو المنافسة في تقديم أفضل عمل له؛ حتى تقصري عينه عليك ولا يفكر في غيرك.

المحافظة على الصلاة في أوقاتها

المحافظة على الصلاة في أوقاتها رابعاً: ركزي واهتمي -أيتها الأخت- بالصلاة، واحرصي على أدائها في أول أوقاتها بكامل الطهارة والتستر والخشوع والطمأنينة وحضور القلب، وأكثري من النوافل خصوصاً صلاة الضحى وقيام الليل؛ لأن بعض النساء تجعل الصلاة في آخر برنامجها، تراها طوال اليوم وهي في المطبخ، فإذا جاءت الساعة الثانية والنصف وجاء زوجها قال لها: صليتِ؟ قالت: لا، والله ما صليت. سبحان الله! الله لا يبارك في غدائك ولا طعامك ولا (طبيخك) وتظل طوال الليل تعمل حتى الساعة الثانية عشرة وإذا سألها زوجها عن الصلاة قالت: والله ما صليت حتى الآن. لا، مع أول الوقت بمجرد أن تسمعي الأذان أوقفي كل شيء وأقبلي على مصلاك، توضئي الوضوء الكامل واجلسي في مصلاك وصلي صلاةً خاشعة خاضعة، وأكثري من تلاوة كتاب الله.

المحافظة على الأذكار

المحافظة على الأذكار خامساً: احرصي -أختي المسلمة- على ذكر الله في كل حال، خصوصاً أذكار الصباح والمساء، وأذكار الأحوال والمناسبات، وقراءة القرآن وسماعه، وسماع المحاضرات الإسلامية من الإذاعة -من إذاعة القرآن- أو من الأشرطة الإسلامية، وإذا كان لديك أولاد فاحرصي على تربيتهم وتوجيههم توجيهاً شرعياً صحيحاً بغرس الفضائل، وتعليق المعاني الإيمانية فيهم، وتعويدهم على العادات الحسنة، وتجنيبهم العادات السيئة والعبارات التافهة، واحفظيهم من زملاء السوء، ولا تتركيهم في الشوارع، واحميهم من الأفلام والمسلسلات، يقول أحد العلماء: إلى الله نشكو جهوداً نبذلها في تربية أبنائنا تذهب بها المدرسة والشارع والأفلام!

الحذر من الغيبة

الحذر من الغيبة احذري -أختي المسلمة- من الغيبة فهي داء عضال يفتك بدينك، وهي البضاعة التي روجها الشيطان في مجالس النساء، وهي من كبائر الذنوب يقول الله: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات:12] وفي مسلم: (أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره. قالوا: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته).

عدم الإسراف في الكماليات

عدم الإسراف في الكماليات أختي المسلمة: إن أعظم ما يمكن اقتناؤه والاعتزاز به في هذه الحياة هو الإيمان والعمل الصالح، أما المظاهر والأشكال والملابس والحلي والمباهاة والتفاخر أمام الناس فهذه أشياء تافهة تدل على فراغ من يهتم بها، وخلوه من المبادئ والمفاهيم الأساسية لمعنى الحياة، فالحياة ليست أصباغاً ومساحيق ولا ملابس ملونة ولا حلياً مزخرفة، إن الحياة الحقيقية مبادئ وأخلاق ومُثُل، إنها إيمان وعمل وصدق ووفاء وكرم وبذل، فلا تهتمي -أختي المسلمة- بأخبار (الموضات والموديلات)، ولا تُكثري من التردد إلى الأسواق لشراء كل جديد ومعرفة كل طريد، ولا ترهقي زوجك بإحضار ما لا يطيقه، وركزي على الاهتمام بالمضمون والمحتوى لا بالمنظر والشكل، ولا يعني هذا أننا ندعوك إلى التبذل وعدم الاهتمام بالشكل لا، ولكن في حدود ما تسمح به ظروفك وظروف زوجك وما يحيطك بالجمال، أما المبالغة في هذا وإهمال الأمور الأساسية لمعايير الجمال فإن هذا خطأ: ليس الجمال بأشكالٍ نزينها إن الجمال جمال الدين والأدب إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى تقلب عرياناً ولو كان كاسيا فخير لباس المرء طاعة ربه ولا خير فيمن كان لله عاصيا بعض النساء يعطين اهتماماً كبيراً يفوق التصور لمواضيع الأكل وتعدد الأنواع والتفنن في الأشكال، حتى ألفت في ذلك المجلدات، أنا وجدت كتاباً مجلداً بمائتي ريال اسمه " فن الطبخ "! مائتا ريال في مجلد! قلت: لا إله إلا الله مائتا ريال أعمر بها مكتبة إسلامية في بيتي من كتب الإسلام! مائتا ريال في فن الطبخ! تباع هذه الكتب بمئات الريالات! وهذا يدل على فراغٍ نعاني منه، وتعاني منه المرأة المسلمة حين تجعل جل اهتمامها في هذه الأمور، حتى يصل الأمر بها إلى شراء تلك الكتب والعكوف عليها في حين لا تجد في بيتها كتاب الله، ولا تجد في بيتها أي كتاب إسلامي يرفع الروح ويبارك النفس ويزكيها. إن أمتنا الإسلامية ليست بحاجة إلى التفنن في الأكلات بقدر حاجتها إلى معرفة دورها ورسالتها في الحياة، إن موضوع الأكل سهل ومعتاد، ويكفي المرأة أن تعرف ما تيسر من أنواع الطهي مما هو شائع في مجتمعها، ومحاولة التجديد، ومعرفة تنويع الأشكال وأنواع الأطعمة في بيئات أخرى، تجديد فيما لا ينفع، بل ربما يضر، فإن الإنسان له رغبة فيما تعود عليه، وللجسم حاجة فيما ألفه. وأيضاً فإن التفنن في هذا النوع يدعو إلى الإسراف والإكثار من الطعام؛ وبالتالي إصابة المرأة بالسمنة، وإصابة الأولاد بالتخمة وأمراض كثيرة كالسكر والربو وغيرها، فنحن بحاجة إلى التقليل والاختصار والاكتفاء بما هو ضروري لضمان راحة القلب وسلامة الجسد.

الحرص على عدم تضييع الوقت

الحرص على عدم تضييع الوقت من سنن الله -أيتها الأخت المسلمة- أن جعل الليل لباساً وسكناً، وجعل النهار معاشاً، وهدوء المرأة ونومها بالليل وقيامها بواجباتها في النهار أمرٌ متفق مع سنة الله، فتعيش المرأة عيشةً هنيئة، وينال منها البيت والأطفال كل عناية؛ لأن لديها من الوقت الطويل في النهار ما يمكنها من القيام بواجباتها المنزلية دون الاحتياج إلى غيرها، وما يحدث الآن من السهر الطويل على الأفلام والمسلسلات، ثم الاستغراق في النوم طوال النهار أمر ليس بالسوي، تبقى نائمةً من بعد الفجر إلى الظهر، وتقوم في الظهر وقد انتفخت، وصار وجهها مثل الكرة غضبانة جداً ولم تعمل شيئاً، وانتهى اليوم وما زال الطعام غير جاهز وما زال الأكل غير مُعَدّ، ثم يأتي زوجها تقول: ما طبخت ما غسلت. لم تعمل شيئاً، لماذا؟ لأنها في النهار نائمة وفي الليل ساهرة، لو نامت في الليل وقامت في الصباح مبكرة لأصبحت في حياة سعيدة؛ لأن النوم في النهار يورث الكسل والعجز والخمول، ويؤدي إلى الترهل في الجسم، وهو الذي ألجأ إلى استخدام الخادمة من غير ضرورة، وترتب على وجود الخادمة مآسٍ وفجائع وكوارث حطمت كثيراً من الأسر، وخلخلت البناء الاجتماعي، وأدت إلى مشاكل ومعضلات لا تحمد عقباها. تقضي بعض النساء الكثير من الوقت في مكالمات الهاتف، وقد تكون مكالمات بريئة مع أمها أو أختها أو جارتها أو صديقتها، بدون داعٍ، وقد تستمر هذه المكالمات ساعات طوالاً، وهذا إهدار لقيمة الوقت والمال، ولحق الزوج، وتضييع للعمر فيما لا فائدة منه، والأخطر من هذا: إذا كانت المكالمات في غيبة أو نميمة: (فلانة طويلة، وفلانة قالت كذا، وقالت كذا)، أو أكل لحوم الناس، والأخطر أيضاً: أن تكون المكالمات في حرام!! والعياذ بالله!.

الاتزان والاعتدال في الزيارات للغير

الاتزان والاعتدال في الزيارات للغير بعض النساء تسرف في الزيارات للجيران والأقارب، وتبالغ بشكلٍ غير مقبول، حتى لا تمكث في بيتها ليلةً واحدةً، ولا يوماً واحداً، فتزعج الناس وتثقل عليهم، ويفضي هذا إلى كراهيتها واستثقالها من قبل الجميع، مع ما تولده تلك الزيارات من الغيبة، والمعاصي، وتفويت بعض المصالح وقد قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (زر غباً تزدد حباً) فإذا أردتِ أن تكوني محبوبة عند صديقاتك زوريهن في أوقات متباعدة لا متتالية: في الشهر مرة، أو في الشهرين مرة. أما كل يوم وأنتِ تزورينهم! هذا يؤدي إلى الملل.

التحذير من التعلق بالفسقة من أهل الرياضة والفن

التحذير من التعلق بالفسقة من أهل الرياضة والفن تتعلق بعض النساء بمعرفة أسماء المغنيين والمغنيات، والممثلين والممثلات، واللاعبين، وتهتم بمتابعتهم، ومعرفة أخبارهم، وصورهم، وأصواتهم، وينعكس هذا الاهتمام على أولادها، وبناتها؛ فيصبح هؤلاء قدوة للجيل الصاعد، وهذا يدل على فراغ المرأة، وعدم إدراكها لدورها في الحياة، وعدم معرفتها للحكمة التي خلقها الله من أجلها، فتقضي حياتها في اللهو والعبث، وتعيش معظم أوقاتها مع هؤلاء الفارغين الذين لا خلاق لهم في الدنيا ولا نصيب لهم في الآخرة.

تعلم ضروريات الدين

تعلم ضروريات الدين من الضروري للمرأة المسلمة: أن تكون فقيهة في أمر دينها، خصوصاً في الأمور المتعلقة بالعبادة: كالطهارة، والصلاة، والصوم، والزكاة؛ وأحكام الحيض، والنفاس، وأنواع الدماء، ومتى تترك الصلاة؛ لأن بعض النساء لديها شهادة جامعية لكنها لا تعرف أنواع الدماء، تسأل وتقول: الدم الذي يخرج مني هل هو حيض أو استحاضة؟ سبحان الله! إذاً ماذا درستِ؟ درستِ الهندسة، والزاوية المنفرجة والمنعكسة، و (أس تكعيب). ما درستْ الذي يهمها في أمر دينها، والذي هو أجدر بها وهي أحوج إليه وهو أمر الدين، والطهارة، والعبادة

البر بأم الزوج

البر بأم الزوج يحدث أحياناً أن تكون والدة الزوج موجودة وعلى قيد الحياة، وهنا يجب أن يكون دورك -أيتها الأخت المسلمة- بارزاً في حب هذه المرأة وخدمتها؛ لأنها سبب في إيجاد هذا الزوج، فلولا المرأة هذه ما جاء الولد هذا الذي أنتِ زوجته، فهي صاحبة فضل عليك، فلا تثيريها بل تحملي غلظتها، واصفحي عن أخطائها، ولا تشكيها إلى زوجك؛ لأنه لا يقدر على أن يفعل شيئاً تجاه أمه، والشكوى منها تعقد المشكلة، وتثير الفتن، وتؤدي إلى إقلاق الزوج، وإزعاجه، ووضعه في خيارات صعبة: إما التضحية بأمه، أو التضحية بك أنتِ، فحاولي امتصاص المشاكل بالصبر، والقضاء على المشاكل في مهدها، وعدم تصعيدها وترويجها، واعلمي أن أم الزوج ضيفة عليك، وسترحل عنكِ قريباً، وأنه ليس بالإمكان استبدالها بأفضل منها، ليس هناك معرض للأمهات تطلب منه واحدة جيدة! ما معك إلا هذه، وإنك في مستقبل الأيام ستكونين أماً وسيصبح لك ولد وله زوجة، فعاملي أم زوجك اليوم بما تحبين أن تعاملك به زوجة ولدك غداً.

الإحسان إلى الزوج قبل غيره

الإحسان إلى الزوج قبل غيره أختي المسلمة: هناك غطاء يجلل حياتك الزوجية ينبغي أن تحرصي عليه وألا تدمريه، هذا الغطاء هو: الحب المودة الرحمة التي يجب أن تزرعيها في قلبك لزوجك، وفي قلب زوجك لكِ؛ لأنها ثمرة الزواج، يقول الله عز وجل: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم:21] والمودة والرحمة والحب: إكسير الحياة الزوجية، وطعمها ولذتها، والحياة الزوجية بغير حبٍ، وبغير مودة ولا رحمة حياةٌ باهتة لا طعم فيها ولا لذة، وبالتالي لا سكن فيها ولا رحمة ولا ارتياح، بل قلق، واضطراب، ومشاكل، وقد تقولين: كيف أستطيع أن أكسب زوجي؟ وكيف أفرض عليه أن يحبني وأن يحترمني؟ هذا دورك وهذا اختصاصك بتقديم أفضل خدمة له، وبالطاعة المطلقة له إلا في معصية الله، وبمراعاة حالته وعدم إرهاقه، وبالقيام بالحقوق الواجبة له، وبالابتسامة في وجهه، وبالصفح والعفو عن زلاته، وعدم محاسبته على كل صغير وكبير من أمره؛ لأن كثرة العتاب والمحاسبة توجب النفرة والكراهية وتحمل على هذا. واعلمي -أيتها الأخت المسلمة- أن تقييم المرأة يتم عن طريق زوجها وعلاقتها به، وليس عن طريق علاقتها بأهلها أو جيرانها، فإذا كانت صالحة طائعة لزوجها فهي طيبة عند كل الناس، وهي موضع احترام الجميع، أما إذا كانت سيئة مع زوجها فهي سيئة في نظر الناس، وموضع ازدراء عند الآخرين لماذا؟ لأن العلاقة الزوجية هي المحك الصحيح الذي يكشف أخلاقيات المرأة، أما بقية العلاقات فهي مجاملات فقط، وعلاقات منافع ومصالح لا تكشف عن معدن المرأة ولا عن أخلاقياتها.

تذكر لقاء الله والدار الآخرة

تّذّكُّر لقاء الله والدار الآخرة أخيراً -أيها الأخت في الله- استشعري دائماً ضعفك وحاجتك إلى الله، وتذكري أن هذه الدنيا زائلة، وأن حياتها إلى موت، وعافيتها إلى سقم، وشبابها إلى هرم، وقصورها إلى قبور، ونورها إلى ظلمات، وتصوري وضعك وأنت على فراش الموت، واحتياجك إلى عملٍ صالح ينفعك بين يدي الله، ويساعدك على النجاة من أهوال يوم القيامة، فتوبي -أختي المسلمة- إلى الله، وابدئي صفحةً جديدةً مع الله، واعلمي أنك ميتةً مهما عشت، وأنك ستجدين عملك الذي قدمتيه بين يديك وأمامك، فإن خيراً فخير وإن شراً فشر: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً} [آل عمران:30]. واعلمي أن كسبك لك وحدك، فإن كسبت خيراً فلك، وإن كسبت شراً فعليك، وهناك لا تنفع المعاذير، ولا تقبل الحجج، ولا تعاد الفرص: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:52] إنها فرصة واحدة، إنها حياة واحدة فلا تتركيها تضيع، فتندمي أشد الندم يوم لا ينفع الندم!! مع تمنياتي لك -أيتها الأخت المسلمة- بحياة إيمانية سعيدة. والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. هذه الرسالة من أخيك في الله/ سعيد بن مسفر بن مفرح مدينة أبها يوم 18/ 6/1412هـ. ألقيت هذه الرسالة بمدينة الرياض بجامع الراجحي بحي الربوة بـ الرياض.

ثمار الهداية

ثمار الهداية يعرف الشيخ حفظه الله الهداية بمفهومها العام أنها: وضع الشيء في محله، ثم ضرب أمثلة تهدف إلى بيان أن الإنسان مخلوق ولابد من أن يشغل المحل الذي خلق له. ثم ذكر لكل مصنوع ومخلوق ثماراً إذا شغل محله، ومفاسد إذا لم يشغل محله. ثم ذكر الشيخ حفظه الله ثمار الهداية انطلاقاً من شغل الإنسان لمحله على أكمل وجه.

الهداية مفهومها وأهميتها

الهداية مفهومها وأهميتها الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:

الهداية هي وضع الشيء في محله

الهداية هي وضع الشيء في محله أيها الإخوة في الله! الهداية والاستقامة والاستجابة لله عز وجل شجرة وارفة، ونعمة كبيرة يستظل بظلها المؤمن، ويحقق بها سر وجوده وحكمة خلقه والغرض من مجيئه إلى هذه الحياة، ودائماً حينما يوضع الشيء في محله يمكن الاستفادة منه، وإذا وضع في غير محله تعطلت المصلحة وانعدمت الفائدة التي يمكن أن يحققها؛ نظراً لعدم استغلاله الاستغلال السوي الذي يمكنه أن يؤدي دوره، وهذه قاعدة يتفق عليها العقلاء: إنك إذا أردت أن تستفيد من الشيء فيجب أن تضعه في موضعه. فمثلاً: القلم، الغرض منه معروف عند الناس وهو مصلحة الكتابة، لكنك لا تستطيع أن تستخدم القلم لتجعله نعلاً في رجلك، ولو رأينا إنساناً يربط الأقلام في قدمه ويسير حافياً وحينما يقال له: لم تلبس الأقلام في قدمك؟ إذا قال: من أجل أن تقيني هذه الأقلام الحجارة والبرد! فبم نصف هذا الإنسان إذا سمعناه يقول هذا القول؟ نصفه بالجنون، ونعرف أنه إنسان يوظف الأشياء في غير الوظائف التي من أجلها وجدت. وإذا رأينا إنساناً يضع نظارته التي صممت ليضعها على عينه لتعطيه القدرة على الإبصار، أو لتعطيه تعتيم الأضواء إذا كان عنده ضعف في النظر، فلو رأينا إنساناً يضع هذه النظارة في ركبته، ما ظنكم بالناس بم يصفونه؟ سيقولون: هذا جنون! هل ركبتك ترى حتى تضع لها نظارات؟! فالمحل الطبيعي للنظارات هو العيون، فإذا وضعت الأشياء في غير موضعها فإنما يقلل من الكيفية الصحيحة لاستخدامها، ويعطلها عن أداء دورها. والثلاجة التي في بيتك إنما هي مصممة لحفظ الطعام، لكن هل يمكن أن تجري فيها عملية الغسيل، أي: تجمع فيها الأواني من الصحون والقدور وتغلقها، وتقول: اغسلي يا ثلاجة؟! أبداً. أو هل يمكن أن تقوم هي بدور غسيل الملابس؟! ولا يمكن أن يقوم الغاز بتثليج الطعام؛ لأنه لطهي الطعام وكل جهازٍ أو آلة من أصغر جزئية إلى أكبر جزئية في هذه الدنيا لا يمكن أن يستفاد منها إلا في مجالها الصحيح الذي وجدت من أجله، وإذا عطل مجالها الصحيح ووضعت في مجالٍ آخر فإنما نقضي عليها ولا تتحقق الفائدة من وجودها، هذه قاعدة عامة عند العقلاء.

الإنسان وطريق هدايته

الإنسان وطريق هدايته أيها الإنسان: يا أيها الجهاز المعقد! اسأل نفسك عن حكمة خلقك! وعن سر وجودك! وعن الغرض الذي من أجله خلقك الله على ظهر هذه الحياة! وعلى ضوء الإجابة تستطيع أن تعرف أين أنت، فإن كنت تسير في تحقيق هذا الغرض، وتخدم هذه الحكمة، وتتجه إلى هذه الأهداف التي من أجلها وجدت؛ حينها يمكن الاستفادة منك لأنك تحقق الغرض. أما إذا كان البعيد يعيش لغير حكمة خلقه، أو لا يعرف هو بنفسه ما هي حكمة خلقه، وما هو سر وجوده، فإنه بهذا سيظل عاطلاً، وسيظل عبئاً على هذه الحياة ومدمراً لقدراتها -والعياذ بالله- وسبباً في نكبتها، وهو ما تحقق في هذا الزمان على يد البشر حينما طورت المادة، وطوعت واستخدمت أحسن استخدام ولكن على حساب الروح على حساب الإنسان. طور الإنسان المادة ودمر الإنسانية، وحسَّن في الإبداع المادي لكنه أساء في الجانب الإيماني والروحي، فظهرت هذه الصور المشوهة وهذه النماذج -والعياذ بالله- الملوثة للبشرية، رغم أن المادة حسنة، لكن الذي يستخدم المادة هو سوء سلوكه وسوء تربيته، وعدم استقامته مما جعله يستخدم المادة لتدمير الإنسان. وهأنتم تسمعون كيف أن العالم اليوم يعيش في صراع وتسابق على التسلح، وفي غزو الفضاء، وحرب النجوم، والهيمنة والسيطرة على الأمم الضعيفة والشعوب المنكوبة، كل هذا لأن الإنسان الذي بيده المادة فاسد، لا يعرف الغرض الذي من أجله وجد، ولذا يفكر أنه وجد للسيطرة، والقوة، والاستعلاء على الناس؛ فهو في سبيل هذه الأغراض يحب أن يخترع ويكتشف الآلات المدمرة في سبيل أن يعلو هو، ولو كان يعرف من أجل أي غرض وجد لما كانت هذه أهدافه. فهذه قاعدة ننطلق منها إلى أن الإنسان يوم أن يعرف أنه إنما خلق لعبادة الله، فإنه سيستقيم على منهج الله، ويستجيب لداعي الله، ويتمسك بهداية الله، ونتيجة لهذه الاستجابة تتحقق له عدة معطيات، وعدة ثمار وآثار يجنيها في الدنيا، ويجنيها في الآخرة، ولسنا الآن بصدد الحديث عن ثمار ومعطيات الهداية والالتزام بالدين في الآخرة؛ لأن الناس قد جبلوا على حب العاجلة {إِنَّ هَؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً} [الإنسان:27] ويقول الله عز وجل: {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ} [القيامة:20] وحينما تحدث الإنسان وتطلب منه الهداية والاستقامة على الدين يقفز ببصره وعقله إلى الآخرة، ويقول: الآخرة بعيدة الآخرة مستأخرة تريد أن أترك ملذاتي وشهواتي وما تحققه لي هذه الدنيا من الملذات في سبيل أن أنجح في الآخرة، دعني أتمتع في الدنيا وعندما أكبر سأتوب، الآن سأقضي حياتي في اللهو واللعب والعبث وبعد ذلك أتوب. هذه تفكيرات الناس، ولذا يحكمون على كل من اهتدى واستقام أنه حرم نفسه من لذة الدنيا ولذة الحياة على أمل أن ينجو في الآخرة، هذه نظرة الناس السطحية المحدودة الخاطئة، ولكن الحقيقة الناصعة التي نقيم عليها الأدلة ونكشف رءوسنا ونصيح بها من على كل منبر، وفي أي مجتمع من مجتمعات العالم أن الإيمان والهداية والاستقامة على دين الله يحقق للإنسان الثمار الغالية التي يجنيها الإنسان في الدنيا قبل الآخرة، وأن الكفر والضلال والانحراف شجرة السم التي يتجرعها العاصي والفاجر والكافر في الدنيا قبل الآخرة، وأن الهداية تحقق للإنسان الربح والكسب -في الدنيا والآخرة- أما الكفر والمعاصي فإنها تحقق للإنسان الدمار والشقاء في الدنيا والآخرة. وأن لذاتها وجميع ما يتمتع بها العاصي لا تعدل نعمة واحدة من نعم الإيمان التي يجنيها المؤمن من ثمرة دينه وإيمانه في الدنيا قبل الآخرة.

ثمرات الهداية

ثمرات الهداية ونستطيع بإيجازٍ أن نلخص هذه الثمار في عدة نقاط:

ذهاب القلق والاضطراب والحيرة

ذهاب القلق والاضطراب والحيرة الثمرة الأولى التي يجنيها المهتدي والملتزم والمستجيب لأمر الله هي: أن الله عز وجل ينزع من قلبه القلق والاضطراب والحيرة، ويزرع في قلبه الطمأنينة والهدوء والسكون والارتياح. وهذه لوحدها كافية لأن تعدل كل لذة في الدنيا، فإن القلق داء العصر، وإن الاضطراب والحيرة مرض هذا الزمان، وسببه البعد عن الله، وأضرب لكم على هذا مثالاً: لو أراد رجلٌ أن يسافر إلى الرياض -تعرفون طريق الرياض عبر وادي الدواسر - ثم ضل في الطريق؛ خرج عن طريق (الإسفلت) لقضاء لازمٍ له، فلم يجد فرصة ولا دلالة للرجوع إلى طريق (الإسفلت) فجلس يبحث عن الطريق، والوقود عنده على وشك النفاد، والزاد الذي معه من طعامٍ وشراب أيضاً على وشك النفاد، ولا يدري أين الطريق، وظل يمشي مرة إلى الشمال ومرة إلى الجنوب ومرة يتجه إلى الشرق ومرة إلى الغرب، ما ظنكم بحالته النفسية؟ هل هو في قلق أو في راحة في تلك اللحظات؟ والطريق ملتبسة عليه، وزاده يكاد ينتهي، ووقوده كلما سار يتناقص، كيف ظنكم بنفسه في تلك اللحظات؟ أليس في حيرة؟ أليس في قلق وهلع وخوف؟ أليس إذا رأى أي بارقة لأمل يفزع إليها ولو جاءه شخص وقال: الطريق من هنا اتجه مباشرة إليها، ولقيه شخص هناك، قال: لا. لا تمش من هنا، فهذا الطريق يذهب بك في متاهات فارجع من هنا، فيرجع ويضل في حيرة ولا يدري أين يتجه؛ لأنه يحسب أن كل دقيقة تمر عليه تقربه إلى الهلاك، وكل كيلو يقطعه يقربه إلى نفاد الوقود والزاد، ولذا يفكر ثم يفكر، ويخرج من تفكيره هذا إلى أن الهلاك محقق وأنه على يقينٍ من الموت، فهو في قلق! حسناً إذا سار في الطريق ولقيه شخص، وقال: لماذا أنت تتخبط في الطريق؟ قال: يا أخي! أريد الرياض وأنا لا أعرف الطريق، قال: امش ورائي فأنا خبير بالطريق، ثم أخذه حتى أوصله إلى طريق (الإسفلت) فحين يرى (الإسفلت) يحصل في نفسه الفرح والهدوء والطمأنينة، وأول شيء يعمله أن يقف على جانب الطريق ويحمد الله على أن نجاه من المتاهات، وأيضاً يطلب طعاماً، ويطلب وقوداً، ويرتاح أحياناً نصف يوم أو يوم؛ لأنه كان في قلق وحيرة ثم بعد ذلك يواصل الطريق حتى يصل إلى الرياض. هذا مثل مضروب في حياتنا ولا نستطيع أن ننكره. فهذه الدنيا، وهذه الحياة صحراء ومتاهة كبيرة يعيشها الإنسان ويعاني منها، وترون العاصي والضال والمنحرف وهو يعيش في متاهات هذه الحياة؛ يعيش وهو لا يدري أين يتجه، ولذا فهو في غاية القلق، خاصة إذا تذكر الآخرة، وما تذكر أن الزاد سينفد والوقود سينتهي؛ لأن كل من على وجه الأرض يؤمنون بأنهم سيموتون، ولذا إذا ذكر لهم الموت وأن الوقود سينتهي فإنهم تقشعر أبدانهم وتضيق أخلاقهم، ويقولون بلسان حالهم ومقالهم: يا شيخ! اتركنا من الموت، يقولون: لا تذكرنا بالموت! أنت الآن تريدنا أن نموت قبل أوان الموت، فاترك ذكر الموت، وبعد ذلك! الآن نلعب ونسمر ونمرح ويغالطون أنفسهم باستمرار لينقلوا أنفسهم من الواقع المرير الذي يعيشون فيه بالمغالطة، فإذا اشترى أحدهم مجلة فإنه أول ما يقرأ: الصفحة الضاحكة! يريد أن يضحك، وإذا اشترى جريدة فإنه أول ما يقرأ: نكتة اليوم، وإذا سمع أن حفلة ستقام وفيها مسرحية وضحك ونكت فإنه يذهب لها، وبعضهم يشتري كتباً معينة. أنا أذكر شخصاً من الأشخاص يبحث عن كتب ويقول للبائع: أعندك كتب النوادر والضحك؟ لماذا يضحك؟ هل الضحك هوايته؟ لا. ولكن الضحك والبحث عن وسائله دليل على وجود ضيق في الداخل، وعذاب في الباطن يريد الإنسان أن ينتزعه وأن يخفف من هذا الواقع بهذه النكت وبهذه المغالطات، ولكن متى يسكن الإنسان ومتى ترتاح نفسه؟ إذا وجد من يدله على الطريق ويوصله إلى خط (الإسفلت) الإسلامي، والهداية الإيمانية وهناك يسكن ويرتاح ويطمئن ويقول: الحمد لله الذي نجاني بعد أن كنت من القوم الضالين! ولا يعرف نعمة الإيمان إلا من ذاقها وسار على طريقها. وطريق الإيمان طريقٌ واضح، قال الله تعالى فيه: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153] هذه النعمة نعمة الأمن والطمأنينة والهدوء والراحة التي يشعر بها المؤمن لا توجد إلا عند أهل الإيمان، ولا توفرها الإمكانات المادية. فبالرغم من أن البشرية في الغرب والشرق استطاعت أن تحقق لنفسها الكثير والكثير من الإنجازات والإمكانات المادية، إلا أن ذلك على حساب الروح التي تعيش الآن في شقاء، والإحصائيات الدقيقة تبين أن أكثر الدول تقدماً أكثرها نسبة في الانتحار، وكلما كانت الدولة راقية ومتطورة ومتقدمة تكون نسبة الانتحار فيها أكثر! فما هو الانتحار؟ الانتحار هو التخلص من هذه الحياة عن طريق التردي من جبل، أو الضرب بالمسدس، أو ابتلاع كمية من الحبوب، أو الدخول في البحر والغرق وما تشاهدون في التلفزيون أو في الجرائد أو ما تسمعون من أخبار سباق السيارات الذي يسمونه سباق الرالي، أو سباق أي شيء من السباقات التي فيها موت، أو سباق الدراجات النارية فالذي يراها يعرف أنها عملية انتحار، وأن هذا السائق الذي يسابق متيقن (90%) من بداية السباق أنه ميت! وقد سمعت أن سباقاً أقيم في بلد من بلدان إفريقيا مات فيه خلال يومين أحد عشر متسابقاً؛ لأنه يسرع ويموت، وهذه قضية خطيرة فليس هناك إنسان في الدنيا يتصور أنه يسابق ويموت من أجل الجائزة، وإنما هو إنسان في الأصل يريد أن يتخلص من الحياة، فهو يعرف أنه لا يتخلص منها إلا بموت، أو بمسدس، أو بحبوب، أو بتردي من جبل، ولكن يقول: لا. أنا أتخلص من الحياة بهذه الوسيلة، وإذا لم أمت فسأربح جائزة أو كأساً، أو أحقق رقماً قياسياً عالمياً بهذا السباق، وإن مت فلن أخسر شيئاً. فالموت أصلاً هدف من أهدافهم التخلص من الحياة هدف من أهدافهم، ولذا فإنك تنظر إليه وهو يسرع ويجري وينعطف في المنعطفات بطريقة لا تتصور أنت أن هذا عنده مثقال ذرة من رغبة في الحياة وإنما يرغب أن يموت، يريد أن يتخلص من هذه الحياة! هذا كله بسبب البعد عن الله تبارك وتعالى، والعناء والعذاب الذي يعاني منه الكفار في ضل كفرهم وبعدهم عن الإيمان، وعقيدة الإسلام السمحة التي تزرع في القلوب الأمن والطمأنينة، وتنزع منها القلق والاضطراب، وهذه والله -أيها الإخوة- نعمة لا تعدلها نعمة، يقول فيها أحد السلف: مساكين أهل هذه الدنيا، جاءوا إليها وخرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قالوا: وما أطيب ما فيها؟ قال: التلذذ بعبادة الله عز وجل. ويقول الآخر: والله لو يعلم أهل الجاه والسلطة ما نحن فيه من السعادة لجالدونا عليها بالسيوف. ويقول ابن تيمية: ما يصنع بي أعدائي؟ إن جنتي وبستاني في صدري، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وطردي سياحة. ويقول ابن القيم رحمه الله: كنا إذا ضاقت بنا المذاهب، يقول هذا وهو مطلق وليس بمسجون؛ لأنه كان يسجن عدة مرات مع شيخه ابن تيمية ثم يطلق، لكن ابن تيمية ظل مسجوناً طوال حياته، حتى مات في سجن القلعة في دمشق. يقول: كنا إذا ضاقت بنا المذاهب، وأظلمت علينا الدنيا؛ ذهبنا لزيارته في سجنه، فوالله ما إن نراه حتى يذهب الله ما في قلوبنا من الضيق والقلق، ونعيش معه في سعادة لا نجدها في الدنيا كلها. وهو مسجون! من أوجد له هذه السعادة؟ إنه الإيمان بالله، رغم أن الإنسان الذي لم يسجن هو حقيقةً يمارس جزءاً من السعادة والحرية لكن بجسده. وكان يقول: المسجون من سجن عن ربه، والمأسور من أسره هواه وشيطانه، فهذا هو المسجون الحقيقي! المسجون الحقيقي من حبس وسجن عن الله فلم يتصل بربه، ولم يتعرف على خالقه، فهو بعيد عن طريق المناجاة والعبادة والتقرب إليه، والمأسور من وقع في أسر نفسه وهواه وشيطانه هذا هو المأسور حقيقة، أما الذي يعيش مع الله فليس بمسجونٍ وإن كان مسجوناً في الظاهر، ولكن روحه طليقةٌ تعيش في ملكوت السماء -الملأ الأعلى- وتعيش في هذه الحياة مع الله في السر والعلن، والليل والنهار، والمحن والمنح وفي كل حالة، ومن كان مع الله فلا يخاف ظلماً ولا هضماً. هذه هي نعمة الإيمان التي تحقق في الإنسان هذه الكرامة العظيمة التي لا يمكن أن تباع في الصيدليات، أو تشترى من الأسواق المركزية، أو يحصل عليها بقوة العضلات، وبكثرة الريالات، وبعلو المناصب والرتب، وإنما يستطيع أن يحصل عليها كل إنسان؛ لأن مجال إدراكها عن طريق الاكتساب.

رفعة المكانة بين الناس

رفعة المكانة بين الناس يقول الله عز وحل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] وهذه عظمة الإسلام في أن التفاضل فيه ليس بالتوارث، إذ التفاضل بالدين، وبإمكان أي واحد من البشر أن يسابق بهذا الفضل وأن يصل إليه، ولهذا يقال: إن عطاء بن أبي رباح وهو من التابعين رحمه الله ورضي عنه، كان قد بحث عن مهنة يمتهنها فلم يجد، وكان دميم الخلقة، قصير القامة، أسود اللون، فكلما ذهب في عمل من الأعمال طرده الناس، أي: (لا عون ولا لون)، ماذا يشتغل؟ فدخل على أمه يوماً من الأيام وهو في مكة، قال لها: [يا أماه: ما أراني إلا قد شقيت -أي: لم أجد لي وسيلة للسعادة في هذه الدنيا، لم أجد مهنة أمتهنها- قالت له: ألا أدلك على عملٍ إن عملته هابتك الملوك وانقاد لك به الصعلوك، قال: عمل إن عملته يهابني الملوك وينقاد لي به الصعلوك! قالت: نعم، قال: ما هو؟ قالت: عليك بالعلم] فأخذ قلمه ومحبرته واتجه إلى الحرم، ولازم الحرم وطلب العلم على أيدي العلماء، وفتح الله له الآفاق، واستقبله في مجالات العلم، حتى أصبح عطاء الرجل الأول في العالم الإسلامي في العلم، بحيث إذا قيل في المسائل كلها ولم يقل فيها عطاء بقول تتوقف الأمة حتى يعرف ماذا قال فيها عطاء! ويحج الخليفة في سنة من السنين إلى بيت الله الحرام، ويتذاكر الناس في مجلسه في مسألة من مسائل العلم فيسأل هو: ماذا قال فيها عطاء؟ قالوا: لا ندري ماذا قال، قال: لا يقال وعطاء موجود ادعوه لي -أرسلوا إليه لنسأله عن هذه المسألة- فأرسلوا إليه، فلما أرسلوا إليه رد الرسول وقال: [قل لأمير المؤمنين ليس لنا فيما في يديه حاجة حتى نأتيه، وإن كان له حاجة فيما في أيدينا فليأت إلينا] انظروا جواب العزة والإيمان! يقول: ما لنا حاجة في الذي عنده من الدنيا حتى نأتي إليه؛ لكن إذا كان له حاجة فيما عندنا من العلم فليأت إلينا- فلما جاء الرسول وأخبره قال: صدق والله عطاء فليس له بنا حاجة، لكن نحن بحاجة إلى عطاء، يقول: فقام أمير المؤمنين ومعه رجاله وانطلق إلى بيت عطاء ليزوره، فلما جاء إلى البيت كان عطاء يصلي فطرق الباب، فنزل إليه ابن الشيخ عطاء بن أبي رباح، وإذا به خليفة المسلمين برجاله وهيلمانه وحرسه وحشمه، ماذا تريد؟ قال: نريد أباك، فصعد إلى أبيه يريد أن يستأذنه بدخول الملك، وكان يصلي فأطال الركعتين، لما عرف أن هناك أناساً يريدونه، وبقي الخليفة واقفاً عند الباب، ثم لما سلم والولد يصعد وينزل تحرجاً من الموقف، ويريد أن يسمح للخليفة بالدخول لكن ليس عنده إذن من أبيه، وفي نفس الوقت أبوه في الصلاة، فلما انتهى رفع يديه إلى السماء وجلس يدعو دعاءً طويلاً أطول من صلاة الركعتين، ثم لما انتهى قال لولده: إئذن له -اتركه يدخل- فدخل أمير المؤمنين، فلما دخل قام وحياه ورحب به وأجلسه، قال: ما هذا الجفاء يا عطاء؟ قال: أي جفاءٍ يا أمير المؤمنين؟ قال: دعوناك فما جئتنا، وزرناك فما أذنت لنا، قال: [أما إنك دعوتني يا أمير المؤمنين! فكما قلت لك: ليس لي فيما عندك حاجة حتى آتيك، وإذا كان لك حاجة فلتأت وقد جئت، وأما إني لم آذن لك فإني كنت أناجي من هو خيرٌ منك؛ كنت أناجي ربي فما كنت لأقطع مناجاة ربي لمناجاتك فلما فرغت من مناجاة ربي أذنت لك فحياك الله] فجلس ثم سأله المسألة فأعطاه الجواب ثم خرج، وأعطى واحداً من رجاله صرة فيها عشرة آلاف درهم للشيخ، فلما أخذها قال له: [ردها لأمير المؤمنين وقل له: ندلك على سبيل الفلاح وتدلنا على سبيل الهلكة] لا نريد شيئاً وردها له، فلما أخذها الخليفة قال: والله ما رأيت نفسي ذليلاً في حياتي إلا بين يدي هذا العبد. طبعاً أمير المؤمنين خليفة ابن خليفة ما رأى الذلة في حياته، ولكن يقول: والله ما شعرت بالذلة في حياتي إلا بين يدي هذا العبد الأسود. ما الذي رفعه هذه الرفعة العظيمة إلا الدين والإيمان. فأنت -يا أخي المسلم- تجني ثمرة الإيمان في هذه الدنيا عزةً وسعادةً وأمناً وطمأنينةً وراحة وهدوءً لا يمكن أن تجدها في غير الدين، وهذه وحدها كافية.

الضبط للسلوك حماية من المشاكل والزلات

الضبط للسلوك حماية من المشاكل والزلات الضبط للسلوك يصرف عنه الآفات والمحن، وأيضاً يحميه من الزلات والمشاكل التي ربما تجره إلى الويلات والنكبات في الدنيا والآخرة لو لم يكن مؤمناً، وقد يقول قائل: كيف؟ نقول: عندما يستجيب الإنسان لداعي الله، ويلتزم بدين الله؛ تنضبط تصرفاته. فأولاً: لا يستطيع أن يقتل حتى ولو استثير لأنه يعرف عاقبة القتل، وحرمة الدم في الدين، فدم المسلم ثقيل: (ولا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراما) وأيضاً أول ما يقضى يوم القيامة في الدماء، والمقتول يبعث يوم القيامة وأوداجه تشخب دماً ورأسه على يده، ويده الأخرى في تلابيب قاتله يسوقه إلى المحشر، يقول: يا رب! سل هذا فيم قتلني والله تعالى يقول: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93] القتل ليس بالأمر السهل، إن قابيل وهابيل لما قتل أحدهما صاحبه قال الله تعالى فيهما: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة:32] تصور إذا قتل إنسان واحد بغير حق كأنما قتل الناس جميعاً، ما المقصود بالناس جميعاً؟ الناس جميعاً منذ خلق الله آدم إلى يوم القيامة الآن كل مائة سنة يتجدد وجه الأرض كلها مرة واحدة، الآن على وجه الأرض في الإحصائيات التقريبية أربعة آلاف مليون -أربعة مليار- نسمة، والذي ولد اليوم فإنك بعد مائة سنة لا تجده، فكيف الذي ولد بالأمس أو قبل أمس فيتجدد وجه الأرض كل مائة سنة مرة، أي: إن كل مائة سنة يتجدد على وجه الأرض أربعة مليارات نسمة، وإذا قتلتَ واحداً فكأنما قتلت الناس جميعاً {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة:32]. ولما همّ قابيل بقتل هابيل، قال الله تعالى مخبراً عن رد هابيل لقابيل: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ} [المائدة:28] ثم قال عز وجل مخبراً عنه: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ} [المائدة:29 - 30] يقول المفسرون: إن هابيل كان أقدر في الانتقام والقتل من قابيل، ولكن منعه منه خوف الله تعالى، يقول: إن كنت بسطت يدك إلي لتقتلني أنا لا أقابل ذلك بقتلك، لماذا؟ ليس ذلة أو ضعفاً، ولكن قال: إني أخاف الله. ثم قال: إني أريد إن سطوت علي وقتلتني أن تبوء بإثمي وإثمك. ولذا جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث عن الفتنة في آخر الزمان، فقال رجل: (يا رسول الله! أرأيت إن أدركت ذلك الزمان؟ قال: اعمد إلى سيفك فاضرب به في حجر -اكسره ولا تشترك في القتال- قال: يا رسول الله! وماذا أصنع؟ قال: ادخل بيتك، قال: فإن دخل علي في بيتي؟ قال: الزم ركن دارك وخمر وجهك حتى لا ترى بارقة السيف، وكن كخير ابني آدم) يعني: كن كالرجل الأتقى من ابني آدم. الدم ثقيل! ولكن أكثر الناس يتساهل بقضية الدماء ويثور ويغضب لأتفه الأسباب؛ لأن الهداية انعدمت، والإيمان مزعزع غير مثبت، ولو كان مؤمناً ومهتدياً لما وقع في جريمة القتل التي هي من أعظم الجرائم التي يخسر الإنسان بها الدنيا والآخرة. يقول لي أحد المسئولين حكاية أو قصة موجودة الآن: إن شخصين كانا في تهامة يسيران سوياً في الخط، وأحدهما تجاوز الآخر، وبعدما تجاوزه أراد أن يرجع إلى الخط الأيمن، وكأنه رجع قبل أن يتجاوز هذا بمسافة كافية، أي: كأنه ضيق عليه طريقه قليلاً، فجاء الشيطان ونفخ في الذي ضُيِّق عليه، وقال: انظر كيف يتجاوزك ويضيق عليك! يريد أن يقلبك، اعمل به مثل ما عمل بك، فشد على البنزين وجاءه حتى تجاوزه، فلما تجاوزه ضيق عليه أشد منه حتى جعله ينحرف إلى الهاوية، فجاء الشيطان إلى الآخر، وقال: انظر! يريد أن يقتلك، هذا ما يريد له إلا أن تريه شغله، فشد على البنزين ولحقه حتى تجاوزه بمسافة بعيدة، ثم عرض السيارة في الخط ونزل وقال له: انزل، و (المشعاب) في يده والمسدس في اليد الأخرى، وذلك مثله مغفل، ولو كان عاقلاً لما وقف، لماذا؟ ماذا تتصور أن تكون النتيجة من وقوفك أمام رجل مثلك في يده سلاح وفي يدك سلاح، ماذا تعمل؟ أتنزل لتسلم عليه؟ أتنزل لتقول: كيف حالك؟ كلا. بل تنزل لتفكر كيف تذبحه وهو يفكر كيف يذبحك، من أجل ماذا؟ ما هي المشكلة؟ ماذا حصل؟ من أجل تجاوزك له في الطريق أو تجاوزه لك في الطريق؟ كم نسبة تجاوزك له مرات في الحياة؟ ربما من يوم أن خلقك الله إلى اليوم لم يتجاوزك أو تتجاوزه إلا هذه المرة، وربما بعد أن تتجاوزه ينتهي الأمر! هل كل يوم تلتقون للمطاردة في هذا الطريق؟ لكن الشيطان يعمي القلوب، ويورط الإنسان في الورطات. فلما رآه يقول: انزل، ولو أنه مر عليه وقال له: السلام عليكم سامحك الله في أمان الله ولن أقف لك لخجل من نفسه وانتهت المسألة، ويكون العرض موفوراً، والدم مصوناً، والدنيا بخير، وليس هناك داعٍ للقتال، لكنه حين قال: انزل، قال: أبشر! فوقف على جانب الطريق وأخرج حديدة، فرأى الآخر الحديدة وقال: لن أصل إليه لأنه سيضربني بها في رأسي وأموت فأخرج المسدس وقتله، وكان سائق (دركتر) يشتغل بجوارهم فسمع إطلاق الرصاص فأخذ رقم السيارة -لأن القاتل هرب- وبلغ الشرطة فقبضت عليه واعترف وهو الآن ينتظر الإعدام؛ ومتى يعدم؟ بعدما يكبر أبناء المقتول، أي: ربما يسجن عشر سنوات ثنتي عشرة سنة ثلاث عشرة سنة وبعد ذلك يقتل، يعني: يموت كل يوم، ويموت كل لحظة، ويموت كلما سمع أقدام العسكري، ويموت كل جمعة، وبعد ذلك إذا جاء قرار الإعدام فإنه يموت من يوم أن يخرجوه، ويقولون له: اغتسل، فيموت في تلك اللحظة، وإذا ركب السيارة يموت، وإذا أنزلوه في المغسلة يموت، وكل خطوة يموت فيها إلى أن يوضع تحت البندقية، والضربة تأتي في ظهره لتفتح في ظهره نافذة تخرج من صدره من أجل ماذا كل هذا؟ وليتها تنتهي المسألة بالموت لكان الأمر هيناً، لكنه إذا نظر إلى الناس في الموقف وهم كلهم يتفرجون عليه، ثم يذهبون بعد لحظات إلى بيوتهم وإلى زوجاتهم وأولادهم، وهو يذهب إلى الموت فإنه سيتندم! لكن لا ينفع الندم! ويتمنى أنه ما عرف هذه القصة، ولا عرف السيارة، ولا مر من تلك الطريق، ولكن لا ينفع الندم في تلك اللحظات، ما الذي ورطه في هذا؟ إنه الضلال وعدم الهداية، ولكن لو كان صاحب هداية وإيمان ودين، وعنده خوف من الله لسمح له بالمجاوزة وقال: ماذا يحصل لو تجاوزتني في أمان الله؟ الحمد لله الذي نجانا منك. وكثير من الناس يقعون في ورطات أسبابها عدم خوفهم من الله، وعدم مراقبتهم لما بعد هذه الحياة؛ لأن الذي يضبط سلوكك هو خوفك من الله، وإيمانك بالجنة، والنار، وتذكرك للآخرة، وتذكرك لعذاب القبر، ولهذا تقول: لا والله، أصبر على العار، ولا أصبر على النار، ولهذا يقول الناس: النار ولا العار. لا والله، بل العار والعار والعار ولا النار مرة واحدة، لماذا؟ لأن العار ينتهي، لكن النار لا تنتهي. لما قالوا للحسن بن علي رضي الله عنه وقد تنازل عن الخلافة لـ معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم أجمعين، قالوا له: يا أمير المؤمنين! يا ابن بنت رسول الله! هذا عار، قال: [العار ولا النار] فهو العاقل حقيقة ليس بجاهلي يقول: يلحقني العار ولا تلحقني النار، إذا استمريت في قتال معاوية وإزهاق أرواح المسلمين بغير حقٍ. فالإيمان والهداية والدين تضبط سلوكك، وإذا أردت أن تعرف نعمة الله عليك بالهداية فاذهب إلى السجون لترى فيها القتلة، واللصوص والمجرمين، والذين يهربون المخدرات ويتاجرون في المنكرات هؤلاء كلهم الآن يعضون على أصابع الندم ويتمنون أنهم ما وُجدوا لهذه المشكلات، ولكن الشيطان ورطهم إلى أم رءوسهم، وأنت والحمد لله معافى بنعمة الإيمان والهداية التي من أجلها أنت الآن مرتاح وفي نعمة، وهؤلاء الذين في السجون مثلك، لكن لما كانوا غير مهتدين وقادهم الشيطان بأنوفهم إلى أن ورطهم في هذه الورطات شقوا وتعسوا؛ فمن نعمة الله عز وجل أن بصرك وهداك، وأقامك على الصراط المستقيم وأنت سالم؛ لأن من الناس من يتوب لكن بعد دخول السجن، فلم تعد تنفع إلا في الآخرة أما في الدنيا فقد انتهى الأمر. يقول لي شخص منهم وقد ذهبت لألقي موعظة في السجن العام هنا، وبعدما انتهيت وفتحت له مجالاً في التوبة وفيما عند الله أمسكني وقال: يا شيخ! عندي سؤال؟ قلت: تفضل، قال: أين هذا الكلام قبل أن آتي إلى هذا المكان؟ يقول: هذا الكلام الذي تقوله، أين هو؟ ما سمعناه قبل أن نأتي إلى هنا؟ يقول: كنت أتمنى أن أعرف هذا الكلام قبل أن آتي إلى هنا، أي: أود لو أني اهتديت وآمنت واستقمت، قلت: ما هي قضيتك؟ قال: عليَّ رقبة، قلت: ما هو الحكم؟ قال: أنتظر القتل، يقول: لم يعد ينفع كوني أتوب الآن وأهتدي، لكن ينفع إن شاء الله في الآخرة. لكنه مسكين! يريد أن يعود إلى زوجته وأولاده! يريد أن يعيش مثلما يعيش الناس لكن توبته لا تفكه من السجن إلا إلى الموت! فأنت احمد الله الذي لا إله إلا هو، فهو الذي عافاك وما ابتلاك، وأقامك حتى عرفت نعمة الله عليك، وما كان ذلك ليحصل لك إلا بطريق الهداية والاستقامة على دين الله تعالى. وآخر كان نائماً في بيته قد خلع ملابسه واستسلم للنوم، وإذا بطارقٍ يطرق الباب عليه في الساعة الثانية عشرة فيقول له أهله: -أهل الولد يقولون للطارق- من تريد؟ قال: أريد فلاناً، قالوا: نائم -لا تستطع أن نوقظه لأنه نائم- قال: أيقظوه، الأمر ضروري، قالوا: الأمر ضروري! فذهبوا إليه وهو نائم: فلان فلان: يريدك فلان فقفز قفزة الأسد، لماذا؟ لا يمكن أن يتأخر عن صديق

البسط في الرزق

البسط في الرزق ومن ثمار التقوى والهداية أن الله عز وجل يبسط في رزق عبده المؤمن. فالله عز وجل يوسع للملتزم في رزقه، وبالاستقراء لم نر عبر حياتنا الطويلة رجلاً صالحاً ضيق الله عليه في معيشته، هل سمعتم بهذا؟ أبداً، طبعاً في زماننا هذا والحمد لله زمن الرخاء بسط الله الرزق على الطيب والخبيث؛ لكن في الزمان الأول وفي كل مجتمع وبيئة لا يمكن أن نجد إنساناً ضيق الله عليه في معيشته، بل كلما ضاقت وسع الله عليه. فـ حاتم الأصم وهو من التابعين: أراد أن يحج فقال لأهله ولأولاده: إنني أريد أن أحج، ولم يكن عنده نفقة ولا مئونة إلا ما كان معه، وأولاده ما كانوا يريدون أن يمنعوا والدهم من الإتيان بهذه الفريضة الكبرى والقربة العظيمة عند الله، فقالوا له: نحن ما عندنا شيء، فقالت البنت الكبيرة من بناته: أنا عندي شيء، فلما ذهب وودعهم مر عليهم اليوم الأول والثاني والثالث وما عندهم شيء، قالوا للبنت: أعطينا الذي عندك، أنت قلت أن عندك شيئاً، قالت: والله ما عندي شيء لكني ما أردت أن أحبس أبي عن الطاعة، ولكن إذا غاب أبونا فما غاب ربنا، تقول: الله عز وجل سوف ينفق علينا ولو كان أبونا ليس موجوداً. وفي الليل مر الوالي أو الحاكم الذي في البلد ومعه العسس يعس، وأمام البيت أحس بظمأ فطرق الباب عليهم، وقال لهم: أعطوني ماءً، فقامت الابنة -بنت حاتم الأصم - وتحجبت وحملت الماء وجاءت به إلى الوالي وهي لا تعرف أنه الوالي، فشرب، فلما شرب كان الماء بارداً والإناء نظيفاً فارتوى، حتى إذا ما انتهى أخرج ما في يده وجيبه من نقود، وأخرج الذي معه من الرجال كل ما في جيوبهم اقتداء بالأمير ووضعوه في الكأس وأعادوها، ولما رجعت الكأس وإذا بالكأس التي خرجت مليئة ماء قد رجعت مليئة بالنقود، فدخلت البنت إلى أهلها وهم لا يعلمون بالحادث هذا، وجاء اليوم الثاني وقالوا: أنت التي تركتي والدنا يذهب، ما عندنا شيء، قالت: بل عندي شيء، قالوا: أين؟ فقامت وجاءت بالكأس مملوءة بالنقود، قالت: هذا الذي عندي من الله الذي لا إله إلا هو {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 - 3] يقول ابن عباس: [أبى الله إلا أن يجعل رزق عبده المؤمن من حيث لا يحتسب] أنت تتوقع وتحتسب الرزق من كل طريق، ولكن بالتقوى يأتيك الرزق من كل طريق {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 - 3] وقد يقول قائل: ما هو الرزق المقصود في هذه الآية؟ يقول العلماء: ليس الرزق المقصود هو الرزق الكمي، أي: تأتيك كمية نقود كثيرة. لا. الرزق المقصود هو الرزق الكيفي، أي: أن الله تبارك وتعالى يجعل في رزقك بركة، وفي قلبك قناعة، فإذا كان راتبك ألفي ريال بالإيمان، وبالتقوى؛ تعدل هذه الألف ريال عشرة آلاف ريال، وإذا كان راتب العبد عشرة آلاف ريال لكن بالكفر، والنفاق والضلال، والمعاصي؛ تصبح قيمتها الورقية والاستعمالية أقل من ألف ريال، كيف؟! أولاً: يفتح الله عليك بصائر في حياتك، أي: بعض الناس يشتري سيارته وتمر عليه السنة، والسنتان، والثلاث، والأربع، والخمس سنوات ولم يغير فيها مسماراً؛ لأسباب بركة هدايته ودينه، حتى قال لي شخص: والله إن عندي سيارة موديل أربعة وثمانين إلى الآن، يقول: يمر عليها خمس سنوات ومشيت بها تسعين ألف كيلو متر، يقول: والله ما غيرت حتى عجلاتها، قلت: لا إله إلا الله سبحان الله! المعروف أن أقصى مسافة لعجلات السيارات ثلاثون أو أربعون أو خمسون ألف كيلو متر. وقليل هي التي تصل إلى ستين ألف كيلو متر، قلت: كيف يا أخي؟ قال: الحمد لله، يقول: والله ما غيرت عجلاتها ولا بنشر كفر واحد خلال تسعين ألف كيلو متر! قال: ولا بنشر ولا غيرت، قلت: ماذا تعمل؟ قال: فقط (أدق سلف) وأقول بسم الله الرحمن الرحيم في الصباح! فقط هذا هو السر! فحفظ الله سيارته. لكن من الناس من يركب السيارة وهو ضال -قليل دين والعياذ بالله- من يوم (يعشق) مباشرة قبل أن يقول: بسم الله، يضع الشريط ويشغل الاستريو، استريو من هنا ومن هنا، ومن أمامه ومن وراءه من أجل أن ترجه السيارة. أنا أقف أحياناً عند الإشارة فيأتي شخص بجانبي يغني فأقفل الزجاج؛ لأن سيارتي تهتز من رجة سيارته، يرج الإسفلت ويرجني معه، ما يقبل حتى بموسيقى، أي: بسيطة، بل يريد شيئاً يرجه من أجل أن تهز عقله -والعياذ بالله- فهذا لا تستمر معه سيارته مائة كيلو، ولا مائتين، ولا سنة إلا وقد خربت، فيذهب راتبه في تصليح السيارة، وبعضهم تذهب رواتبه في علاج زوجته وأولاده، وفي تغيير متطلباتهم، بأسباب ماذا؟ عدم هدايته، لكن لو كان مهتدياً لرزقه الله عز وجل القناعة في قلبه، والبركة في زوجته. فبعض النساء تقعد عشر سنوات ما تمرض مباركة، وأولاده ما يمرضون، وسيارته لا تخرب، وفرشه لا تبلى، و (موكيتاته) نظيفة، وكل حياته جيدة، لماذا؟ فيه دين، فيه بركة، فيه إيمان؛ ولذا تتوفر له هذه المبالغ، أما إذا لم يوجد دين ولا إيمان فكل شيء يخرب: ثوبه يلبسه الآن وبعد قليل يوسخه، ماذا بك؟! وبعض الناس يلبس الثوب أسبوعاً كاملاً ويأتي يخلعه كأنه ما لبسه، لماذا؟ لأنه نظيف ظاهراً وباطناً، لكن ذاك القذر قذر ظاهراً وباطناً، ويغسل ثوبه كل يوم ولكنه أيضاً ما تنظف؛ لأنه قذر من الداخل لا حول ولا قوة إلا بالله! فهنا الرزق المقصود في هذا هو الرزق الكيفي لا العددي، فقد ترزق مالاً كثيراً لا بركة فيه فتشقى به، وقد ترزق مالاً كثيراً فيه بركة فيبارك الله عز وجل فيه، وهذه لا تأتي البركة إلا عن طريق الدين.

محبة الخلق للعبد الصالح

محبة الخلق للعبد الصالح الثمرة الرابعة من ثمار الإيمان والدين: ثمرة محبة الخلق لك. وهذه تأخذها انتزاعاً تنتزعها من الناس، من الذي يستطيع في الدنيا أن يفرض على الناس أن يحبوه؟ هل يستطيع أحد؟ A لا. لماذا؟ لأن القلوب ليست بيده، القلوب بيد الله: (قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء) فقد تفرض على شخص أن يحبك. طيب أحبك وهو يكرهك مثل الشيطان الرجيم؛ لأن القلب ما تستطيع أن تدخله من أجل أن تعرف أهو يحبك أو لا؟ لكن بالإيمان وبمحبة الله لك يلقي الله لك المحبة في قلوب الناس أجمعين، كما جاء في الحديث الصحيح، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أحب الله عبداً نادى جبريل: يا جبريل! إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء: يا أهل السماء! إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبونه، ثم يلقى له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً نادى جبريل: يا جبريل! إني أبغض فلاناً فأبغضه، فيبغضه، ثم ينادي جبريل في السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، فيبغضونه، ثم يلقى له البغض والكراهية في الأرض) فترى كل شيء يبغضه حتى جلده وثوبه الذي على ظهره، ولقمته التي يأكلها، وحتى بيته الذي يسكنه، وزوجته، ودابته، وأولاده، فمن يوم أن أبغضه الله كل شيء يبغضه. أما ذاك المؤمن إذا أحبه الله فإن كل شيء يحبه، حتى أعداءه وأهل الشر يحبونه، ولعلكم تعرفون قصة يوسف عليه السلام لما دخل معه السجن شابان فرأى كل واحد منهما رؤيا من الذي ذهبوا إليه وقالوا: {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:36] وصفوه: {مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:36] ما ذهبوا للخمارين ولا للزناة ولا للقتلة ذهبوا لمن؟ للصالح يوسف عليه السلام، محبة وإكراماً له واعترافاً بأنه من الصالحين الذين لا يمكن أن يوجد العلم إلا عندهم. فإذا اهتديت -يا أخي- فهي نعمة أن تكون محط تقدير وموضع محبة الناس كلهم، أليست هذه نعمة؟ لأنك إذا أحبك الناس أولاً: إذا مت شهدوا لك، فلو مات رجل فاضل من فضلاء المجتمع: عالم أو داعية أو صالح، وسمع الناس في مدينة أبها أو في خميس مشيط أو في المنطقة الجنوبية أو في المملكة كلها أن فلاناً مات وهو رجلٌ صالح، فماذا تتوقعون أن يقول الناس عند موته؟ كلهم يدعون له ويثنون عليه، ويقولون: رحمه الله رحمة واسعة غفر الله له أسكنه الله فسيح جناته كان رجلاً عابداً كان قواماً كان صواماً كان صالحاً كان داعيةً كان عالماً كان معلماً للناس الخير هذه الدعوة تأتيه في قبره، وتجمع الأمة على أن تدعو له، والله عز وجل يمضي شهادة الناس؛ لأن الله تعالى يقول: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:143] ومر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازةٍ فقال: (وجبت) بعد أن أثنى الناس عليها خيرا، ثم مر عليه بجنازة مرةً أخرى فقال: (وجبت) بعد أن أثني عليها شراً، ثم قال عمر: يا رسول الله! قلت: وجبت في الأولى والثانية، قال: (أثنيتم على الأولى خيراً فوجبت لها الجنة، وأثنيتم على الثانية شراً فوجبت لها النار، أنتم شهداء الله في أرضه). فهل تريد أن يشهد لك الناس بالخير؟ هل تريد أن يدعو لك الناس إذا مت؟ هل تريد أن يحبك الناس إذا ذكرت؟ ذلك هدف من أهداف كل عاقل، وغاية نبيلة يسعى إليها كل إنسان فاضل، لكنك لا يمكنك أن تحصل عليها إلا بالدين، والإيمان، والهداية، وهنا تنتزعها وتجعل الناس كلهم يحبونك؛ لأنه إذا أحبك الله أحبك كل شيء، وإذا أبغضك الله أبغضك كل شيء، وهذه نعمة لا تعدلها نعمة من نعم هذه الدنيا.

قوة البدن في العبادة

قوة البدن في العبادة ومعطىً خامس أختم به هذا المقام وهو: أن الله عز وجل يرزق المؤمن قوة في بدنه، والمراد بالقوة هنا القوة في العبادة، فتراه قوياً في الصلاة، والصيام، والحج، والجهاد، والعلم وطلبه وكل ما يحبه الله ويرضاه، وتراه جباناً في الشر، ضعيفاً في مواطن الشر، هذا بأسباب ماذا؟ بأسباب الهداية والإيمان. وكن عن كل فاحشة جباناً وكن في الخير مقداماً نجيبا وبالضلال وبالكفر تنعكس المسألة، فترى الضال والعاصي -والعياذ بالله- قوياً في كل شيء إلا في الدين، قوياً في الكرة: يلعب من العصر إلى المغرب يصول ويجول ولا يتعب ولا يكل ولا يفتر، لكنه إذا أتت الصلاة بدا كسلاناً لا ترى فيه أي قوة ولا قدرة على الصلاة، وإذا جاء الصوم تنهار قواه ويتعب، ويطلب إجازة، وينام من صلاة الفجر إلى المغرب، هذا كثير من صوام زمانك: يأخذ إجازة وينام من حين أن يتسحر في الساعة الرابعة، يقال له: صل، فيقول: ليس الآن، وينام -قال: لا توقظني حتى أقوم- ولا يستيقظ إلا قبل الفطور، وصلاة الفجر والظهر والعصر لم يؤدها، وقام يغسل وجهه، ثم يتقدم السفرة من أجل أن يلتهم الفطور، وبعد الفطور يلعب: (بلوت) و (ورقة) و (سمرة) إلى السحور، وجاء وتسحر ونام إلى الفطور، هذا صيام أهل هذا الزمان! لماذا؟ لأنه لا يستطيع أن يقاوم، فيقضي الصوم كله في النوم، وطبعاً النائم لا يحس بالجوع ولا بألم الجوع، فإذا استيقظ وبقي على وقت الفطور نصف ساعة أو ساعة فإنه يتوضأ فيها يقوم ليأكل، فتجد العاصي ضعيفاً في الصلاة ولا يستطيع أن يأتي إلى المسجد كل يوم، بل بعضهم يرحمه إذا نظر إليه أحد الناس، واحد من الشباب يقول لي: إنه كان قبل هدايته يقول: كنت والله إذا نظرت إلى فلان من الناس وهو طالع إلى المسجد أرحمه، أقول: هذا المسكين عذب نفسه، يذهب ويأتي إلى المسجد، وفي الظهر طالع ونازل، وفي العصر طالع ونازل، يقول: والله إني أشفقت عليه ورحمته، رحمته من الصلاة والصوم ومن الذهاب إليها، قلت: والآن؟ قال: والآن الحمد لله الذي هداني للإيمان. وشخص يقول: ذهب إلى الرياض يقول: فمر على شارع اسمه شارع (السبيبري) يمكن طبعاً الآن ليس موجوداً أو تغير، هو آتٍ من شارع (البطحاء) ذاهب (للديرة)، فمر على مسجد بشارع (الفليلي)، وفي هذا المسجد إمام بارك الله فيه ووفقه يطيل الصلاة ويصلي بالناس التراويح صلاةً متأنية يطيل فيها، ولا يصلي معه إلا الذين يحبون الصلاة الجيدة، فمر عليهم هذا الشخص فرآهم يصلون، ثم ذهب إلى (الديرة) واشترى حاجاته وعاد وهو أيضاً يصلي للشيطان إلى أن تعبت رجلاه وهو واقف، ثم رجع وإذا بهم وقوف يصلون، يقول: والله إني رحمتهم، يقول: يا لله! هم من تلك الساعة وقوف يصلون؟ وهو نفسه يقول: والله ما ثنيت رجلي لجلوس وإنما بقيت واقفاً؛ لأنه لا يوجد مكان في السوق، لكن هو يصلي للشيطان في الأسواق، وهم يصلون للرحمن في المسجد فيرحمهم، يقول: فجلست وشربت ماء من ثلاجة المسجد، ويقول: انتظرت حتى سلموا من أجل أن أنظر إلى وجوههم كيف تبدوا وقد تعبوا. يقول: أتيت وإذا بهم كلهم كهول ليس فيهم شاب، أما الآن فالحمد لله الذي يملأ المساجد هم الشباب بارك الله فيهم وكثر الله من أمثالهم، هذه نعمة من نعم الله تبارك وتعالى، وهي القوة في دين الله عز وجل. ومرة في هذا المسجد أذكر لكم هذه القصة: سكن رجل في هذا الحي بجوار المدرسة، وبعد ذلك لم يأت ليصلي معنا، فجاءني الجيران، فقالوا: يا شيخ سعيد: عندنا جار لا يصلي معنا في المسجد، فنريدك أن تذهب وتكلمه، قلت: حسناً، فذهبت أنا وهم إليه وزرناه بعد المغرب فرحب بنا وجلسنا عنده، وقلنا: أنت ضيف جديد في الحي وجزاك الله خيراً، ومنذ أن سكنت انتظرناك لتصلي معنا في المسجد؛ لأنك تعرف أن الصلاة فريضة الله على عباده، ولكنك لم تأت فأتينا نرحب بك أولاً، ثانياً: ندعوك إلى الصلاة معنا إن شاء الله، وإن شاء الله تصلي ولا تتأخر حتى لا نضطر أن نرفع بك إلى المسئولين قال: جزاكم الله خيراً! إن شاء الله أصلي، ولما جاء صلى العشاء في تلك الليلة وجزاه الله خيراً فلم يقصر في الإجابة، وبعد فترة لم يصل! لا اليوم الأول ولا الثاني ولا الثالث ولا الرابع المهم مرت عليه فترة طويلة، قال الجيران: صلى ذلك اليوم فقط، ولم يأت بعد ذلك، فذهبنا له، ولما أتينا عنده قلنا له: المسألة أنا أتيناك في ذلك اليوم وقلنا: صل وما صليت معنا، قال: بل صليت، والله إني صليت معكم. قلنا: كم صليت؟ قال: صليت ذلك اليوم. وقلنا: لا. الصلاة كل يوم تأتي تصلي. قال: ماذا؟! كل يوم؟! قلنا: كل يوم! قال: كل يوم خمس مرات ذاهب وخمس مرات راجع وكل يوم؟ قلنا: كل يوم خمس مرات ذاهب وخمس مرات راجع -لا يتصور هو- قال: والله إن شاء الله، لكن في نفسه يقول: ما يخارجني هذا الكلام، يقول: كيف أطلع وأنزل كل يوم للمسجد خمس مرات، شيء صعب ما تعوده في حياته، المهم جاء اليوم الثاني فأخبرني جيرانه وقالوا: والله إنه لم يمس في هذا البيت، وأتى بسيارة كبيرة وأخذ عفشه وذهب في مكان ليس فيه مسجد لا حول ولا قوة إلا بالله! لماذا يستكثر الصلاة؟ ضعف بدني وإلا فهو ما شاء الله مثل الحصان عضلات، أي: يأخذ عشرة بيده، لكن الصلاة ثقيلة على النفس، والله تعالى يقول: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45] بينما تجد كبير السن الضعيف يأتي بعصاه من البيت إلى المسجد، ومن المسجد إلى البيت، ومن البيت إلى المسجد وهكذا، ما الذي قوى هذا؟ إيمانه وخوفه من الله قواه، والله إن بعض الكهول لو أتيت عليه في فراشه وكبلته وقيدته وضربته لا يمكنه أن يجلس إلا في المسجد، وبعض الشباب عضلاته مثل عضلات الحصان ولا يأتي يصلي، هذا ضعيف في دين الله فأضعف الله بدنه، وهذا قوي في دين الله فقوى الله بدنه. فمن ثمار دينك وثمار هدايتك أن الله يقويك ويحفظ لك جوارحك ويقويك على طاعة الله. هذه خمس معطيات وخمس ثمرات تجنيها ثمرة الإيمان في الدنيا، أهي خير -يا أخي المسلم- أم الضلال والفساد الذي يزرع في قلب العبد القلق والاضطراب؟ وأيضاً لا يضبط سلوكه؛ فيهلكه في أي مصيبة، ولا يوسع الله عليه في رزقه، ولا يجعل له محبةً في قلوب الناس، ويجعله ضعيفاً في كل شيء إلا في معصية الله فهو قوي، ومن كان في هذه الدنيا قوياً في معصية الله كانت قوة الله عليه عظيمةً يوم لا حول ولا قوة إلا بالله عز وجل في عرصات القيامة. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقنا وإياكم قوة في دينه، وبصيرة في شرعه، وتوفيقاً في هدايته إنه على كل شيء قدير. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة .

اللباس أحكامه وشروطه

اللباس أحكامه وشروطه Q إني أحبك في الله، أرى بعض الشباب الملتزم لا يلبسون العقال، فهل ورد دليل في ذلك؟ وإن لم يوجد فلم لا تلبسه أنت؟ A أحبك الله الذي أحببتني فيه، وأسأل الله أن يجمعنا وإياكم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ببركة الحب فيه والبغض فيه فإنه كما جاء في الحديث: (عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين أناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء، قيل: من هم يا رسول الله؟! قال: هم الذين يجتمعون على الذكر؛ ينتقون من الذكر أطايبه كما ينتقي آكل التمر من التمر أطايبه). وفي الحديث الآخر: (ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه) هؤلاء يظلهم الله في ظل عرشه نسأل الله من فضله. وإجابة على السؤال أقول: أولاً: لم يرد في دين الله عز وجل بأن يلتزم المسلم لباساً معيناً، أي: لابد أن يلبس المسلم هيكلاً أو أمراً معيناً، لا. إنما يلبس المسلم ما يريد على ألا يقع في شيء من المحذورات الأربع: أولاً: ألا يلبس حريراً. ثانياً: ألا يتشبه بالكفار وأعداء الله، بمعنى: اللباس الذي اختص به الكفار نحن نتركه؛ لأن: (من تشبه بقومٍ فهو منهم) لا لأنه في ذاته حرام، ولكنه أصبح شعيرة من شعائرهم ودلالة من دلالاتهم فنحن نبغضه في بغضهم. ثالثاً: ألا يتشبه بالنساء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم: (لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، ولعن المتشبهات من النساء بالرجال). رابعاً: ألا يكون فيه خيلاء ولا كبرياء، أي: لا تلبس شيئاً فيه كبر أو غطرسة أو خيلاء. وما لم تتوفر فيه أحدى هذه الأشياء فالبس ما شئت. أما موضوع العقال فهو من الأشياء التي تعارف الناس على لبسها، وتعارف أقوامٌ على عدم لبسها، وطلبة العلم غالباً لا يلبسونها؛ لأنه لا ضرورة لها عندهم؛ لأنها جزءٌ من الشكل الجميل الذي يهتم به بعض الناس فيريد أن يكون شكله مرموقاً، وهذه الأشياء بالنسبة لطلبة العلم أشياء ثانوية في حياتهم، فهم يهتمون بشيء أكبر من ذلك وأعظم وهو إن شاء الله صلاح قلوبهم، وأما الشكل الظاهري فأي ثوب وأي غترة وأي عقال المهم أن الإنسان لا يبتذل ولا (يتدروش) ويلبس أشياء لا تليق به كما يصنع بعض الناس؛ إذا رأيته ترى أن شكله غير جيد، لماذا؟ لأنه يتساهل، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده) ويقول: (إن الله جميل يحب الجمال) وكان له جبة يلبسها ويقابل بها الوفود، وكان صلى الله عليه وسلم يسرح شعره ويطيب مفرقه، وكان يكتحل ويدهن، ويحب أن يخرج إلى الناس ورائحته طيبة وشكله طيب، فالاهتمام بالشكل مرغوب فيه ومطلوب في الشرع لكن في حدود، ليس إلى الحدود التي تخرج الإنسان عن حد المعقول، ويظل فقط أمام المرآة، فبعضهم يظل أمام المرآة ساعة وهو يضبط مظهره ويتلفت لكن داخله خراب، فالمغالاة والتجاوز في الحدود ينقلب إلى أضدادها. فهذا يعني: عدم لبس العقال عند الكثير من طلبة العلم. وبعضهم يقول: إن العقال مأخوذ من العقل، يقول: فإذا نقص العقل زاد العقال، وكلما نقص تشاهده يزيد من حجم العقال من أجل أن يمسك العقل حتى لا يطير. وهذه طبعاً على سبيل النكتة وليس على سبيل الحقيقة! أما أنا فلا أحب أن ألبس العقال؛ لأن العقال لا يصلح لي؛ لأن رأسي مفلطح من فوق، فإذا لبسته فإنه يسقط وإلا ليس هناك أي سبب آخر.

التشبيه في صفات الله

التشبيه في صفات الله Q قلت: إن (قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن) ومثلت بإصبعك وهذا تشبيه؟ A صدق! وأنا أستغفر الله العظيم وأتوب إليه، إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ولا أشبه؛ لأن التشبيه ممقوت ومحذور في شرع الله.

التوبة وشروطها

التوبة وشروطها Q كيف يبدأ الإنسان بالتوبة؟ A هذا سؤال هام جداً، يحتاج إلى وقت طويل، لكن يقول العلماء: العتبة نصف الطريق، إذا أراد الإنسان أن يسافر هل يسافر وهو في البيت؟ الجواب: لا. لكن متى يقطع الطريق؟ إذا خرج من البيت، من أول ما يقطع عتبة البيت اعتبر أن الطريق نصفها ذهب؛ لأنه شرع في الطريق، وكذلك الذي يريد أن يتوب فالعتبة في طريق التوبة نصف الطريق، وهي ثلاثة أشياء: أولاً: الإقلاع من الذنب الذي أنت فيه. الثاني: الندم على ما فات فيه. ثالثاً: العزم على ألا تعود في الذنب. هذه هي التوبة. والأوقات ثلاثة: الأول: وقتٌ مضى، فاستغفر الله فيه. الثاني: وقتٌ مستقبل، فاطلب الله أن يعينك فيه على الهداية. الثالث: وقت حاضر، املأه بالطاعة، وحينها تكون من التائبين إن شاء الله! فتأتي إلى عينك التي تنظر إلى الحرام، وتقول: قفي يا عين! فأنا تائب، وتأتي إلى أذنك التي تسمع الغناء والحرام، تقول: والله لا أسمع، وتأتي إلى يدك التي كانت تمسك الحرام، تقول: تبت، ورجلك التي تسعى إلى الحرام تابت، وبطنك التي تأكل الحرام تابت، وفرجك إذا كان يرتكب الحرام تاب المهم أنك بالتوبة، لا تعمل شيئاً يغضب الله، وبعد ذلك إذا سمعت أمراً لله تذهب إليه إلى الصلاة في المسجد وإلى قراءة القرآن، وحلق العلم، وحفظ كتاب الله، والحب في الله وأصبحت من المهتدين، وعندما تمشي يوماً ويومين وثلاثة تكون قد قطعت نصف الطريق وأنت لا تدري إلا وأنت مع أهل الإيمان في روضة لا يجدها إلا هم في هذه الحياة.

حكم من قال بعد قراءة القرآن: صدق الله العظيم

حكم من قال بعد قراءة القرآن: صدق الله العظيم Q ما حكم من قال بعد قراءة القرآن: صدق الله العظيم؟ A اختلف أهل العلم في هذه الكلمة: فبعضهم يقول: لا شيء فيها، وبعضهم يقول: الأولى تركها، والراجح أن الأولى تركها؛ لأدلة: الدليل الأول: أنها لم تؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أمر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن يقرأ عليه والحديث في الصحيحين فقال له: (اقرأ، قال: أأقرأ وعليك أنزل؟ قال: نعم. فإني أحب أن أسمع من غيري، قال: فقرأت من سورة النساء حتى بلغت قول الله عز وجل: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً} [النساء:41 - 42] قال: فقال لي: حسبك، فنظرت إليه فإذا عيناه تذرفان بالدمع) صلوات الله وسلامه عليه، ولم يأمره بأن يقول: صدق الله العظيم. وكان يقرأ صلى الله عليه وسلم وينهي قراءته ولم ينقل أنه كان يقول: صدق الله العظيم، ولو قيل لنقل، ولم ينقل عن الصحابة ولا عن سلف هذه الأمة وإنما جاء في القرون المتأخرة. الدليل الثاني: قال العلماء: إن التصديق إنما يكون لمن يحتمل ويتوقع منه الكذب، فأنت تقول: صدق الله العظيم، لكن الذي لا يتوقع منه إلا الصدق ليس بحاجة إلى تصديقك أليس كذلك؟ فأنت إذا كنت مدرساً وسألت الطالب سؤالاً، ثم أجاب الطالب بعد أن سألته -أي: أعطاك الجواب الصحيح- ما هو موقفك أنت؛ لأنك أعلم من الطالب، ماذا تقول؟ هل تقول: صدقت أم لا؟ لكن إذا جاء الطالب وسألك وقال لك: يا أستاذ: كم أركان الإسلام؟ فقلت أنت: أركان الإسلام خمسة، قال لك الطالب: صدقت، ماذا تقول له؟ تصفعه على وجهه، وتقول: ليس لك دخل صدقت أو ما صدقت، أنت تصدقني أنت، أنا أعرف بالعلم منك. لا تقبل أنت أن يصدقك أحد وهو دونك؛ يقول: ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا إذا قلت: والله إن هذا السيف أحسن من هذه العصا، ما رأيك تمدحه أم تذمه؟ تذمه؛ لأنك فاضلت بينه وبين العصا التي ما تنفع، فكيف تجعله أحسن من العصا، وبدون شك أنت ذممته، فتصديقك لله وهو لا يتوقع منه إلا الصدق كأنه معرض ذم، ولذا إذا انتهيت لا تقل: صدق الله العظيم. وقال الشيخ عبد الله بن حميد رحمة الله تعالى عليه وقد سمعته بأذني وقد سأل في مكة عن هذه المسألة، قال: إن قاله إنسان فلا حرج إن شاء الله. والله أعلم.

الرياء حكمه وكيفية العلاج منه

الرياء حكمه وكيفية العلاج منه Q يقول الأخ الكريم: إنني أريد أن أعمل أعمال الخير، ولكني أحياناً أحب المدح من الناس، فما هو العلاج بارك الله فيكم؟ A الذي يعمل العمل من الخير ويحب أن يثني عليه الناس هذا هو المرائي بعينه، وهذا هو الرياء، وعلامة المرائي أمران: أولاً: أنه ينشط في الملأ ويكسل في الخلوة. ثانياً: أنه يزيد في العمل إن أثني عليه، وينقص إن لم يثن عليه. ومعنى هذا: أن عمله ليس خالصاً لوجه الله، وهذا هو الرياء. وطريق العلاج أن تعمل لوجه الله، وأن يستوي في نظرك المادح والذام، فإنه والله إن مدحك الناس كلهم لن ينفعوك، وإن ذمك الناس كلهم لن يضروك؛ لأن الذي ينفع مدحه ويضر ذمه هو الله، فإذا مدحك الله تعالى ولو ذمك الناس كلهم فحسبك الله، وإذا ذمك الله تعالى وقد مدحك الناس كلهم فإن الناس لن ينفعوك وقد ذمك الله تعالى، فعليك أن تخلص لوجه الله، وأن يستوي عندك الذام والمادح في دين الله عز وجل.

داعية يذكر قبرا يشتعل نارا

داعية يذكر قبراً يشتعل ناراً Q يقول: أحد الدعاة نحسبه والله حسيبه من خيار الدعاة في جدة ألقى محاضرة بعنوان: اليوم الآخر، وأقسم بالله إنه يوجد في البلدة التي يسكن فيها قبر يشتعل ناراً كل صلاة مغرب، يقول: كلما أذن للمغرب يشتعل هذا القبر ناراً. A هذا الأخ صادق، فقد ذكر ابن القيم قصصاً كثيرة جداً في هذا الموضوع، من ضمن القصص التي ذكرها: أن رجلاً صالحاً في قرية من قرى العراق في زمنه، كان ماراً في الليل من أمام المقبرة فوجد حماراً ينهق في المقبرة، فدار على القرية وصلى الفجر مع أهلها، وقال لهم: يا جماعة! مقبرتكم الآن أصبحت مزبلة للحمير، وحرمة الأموات كحرمة الأحياء، فاجعلوا عليها سوراً واحموها من الحمير حتى لا تؤذي الأموات في المقبرة، قالوا: لماذا؟ قال: لأني سمعت عندما أذن الفجر حماراً ينهق في المقبرة، قالوا له: إنه ليس حماراً، ولكن هذا شاب مات منذ أيام، وهذا الشاب كانت أمه إذا أيقظته للصلاة، تقول له: قم صل، فكان ينزعج منها ويقول لها: انهقي، ولا يقوم ليصلي، فلما مات كان كلما أذن للفجر سمع له نهيقاً من قبره كنهيق الحمار -والعياذ بالله- ينهق كما ينهق الحمار وهو معذب، فهذه القصص كثيرة جداً، وقد ذكرنا الكثير منها.

شرح أثر عن أحد السلف: (كيف وجدت الموت إلخ)

شرح أثر عن أحد السلف: (كيف وجدت الموت إلخ) Q يقول الأخ السائل: سئل أحد الصالحين: كيف وجدت الموت؟ قال: كأن السماء قد انطبقت على الأرض، وكأني أتنفس من ثقب إبرة، أذكر لنا هذا الوضع أو الشرح؟ A لا يحتاج الموضوع إلى شرح، فإنه أحد السلف لا يحضرني الآن اسمه، لما حصلت له الحشرجة وسكرات الموت ثم فرج عنه سأله أحد أولاده، قال: كيف وجدت الموت؟ قال: والله لقد رأيت كأني أتنفس من ثقب إبرة، وكأن السماوات قد أطبقت على الأرض من شدة الضيق والعذاب، وكأني أتنفس ليس من أنفي ولا من حنجرتي وإنما من خرق إبرة، ضاق نفسه! وهذا واقع؛ لأن الحشرجة والسكرات قوية، نسأل الله أن يخفف عنا وعنكم سكرات الموت.

علاج الانتكاسة بعد الصلاح

علاج الانتكاسة بعد الصلاح Q يقول: أنا في بداية طريقي اجتهدت في عبادة ربي من قيام الليل، وركعتي الضحى، وصيام يوم الإثنين والخميس، ولكن بعد ذلك أخذت أتركها واحدةً واحدةً؛ وذلك بسبب مصاحبتي للأشرار، أرجو منك أن تنقذني قبل أن أذهب للهاوية؟ A لا إله إلا الله! هذه المصيبة -يا إخواني- أن ينتكس الإنسان بعد أن يذوق طعم الهداية والطاعة، يقول الله عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} [المنافقون:3] وإن من أسوأ الأشياء -يا أخي- أن تذوق طعم الدين ثم تنتكس -والعياذ بالله- ولكن طالما وأنت تسأل هذا السؤال وأنت في هذا المسجد فطريق العلاج -يا أخي- وطريق النجاة والإنقاذ لنفسك: أن تعود إلى طاعة الله عز وجل، وأن تعرف أن هذه الدنيا فانية وأنك سوف تموت، وربما تموت هذه الليلة، أو غداً، أو بعد غدٍ، أو بعد سنة، أو بعد شهر، فعليك أن تسارع بالتوبة قبل أن يأتيك الموت وأنت على غير الهداية، فتندم ندامة لا تسعد بعدها أبداً.

حكم التصوير

حكم التصوير Q يقول: ما حكم التصوير؟ وهل تصوير نصف الجسم جائز؟ وهل يقصد بالتصوير النحت أو صورة الكاميرا؟ A يقصد بالتصوير: التصوير اليدوي بالقلم والريشة ولا يقصد به النحت، فالنحت هو التمثيل؛ لأن حديث علي الذي فيه بعث أبي الهياج، قال: [ألا أبعثك على ما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه؟ قال: نعم. قال: بعثني على ألا أدع تمثالاً إلا كسرته، ولا صليباً إلا حطمته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته، ولا صورةً إلا طمستها]. فالصورة التي تكتب باليد هذه هي المحرمة، ولا يجوز للمسلم أن يصور ذوات الأرواح، وإذا كان رساماً أو فناناً أو ممن يشتغل في التربية الفنية فعليه أن يرسم ما لا روح له، مثل: الجبال، والأشجار، والأنهار، والسيارات، والطائرات، والدكاكين، والعمارات، والشوارع، والسماوات كل هذه يجوز تصويرها؛ لأنه لا روح لها، وهذا مباح إن شاء الله، أما غيرها فلا. أما التصوير الفوتغرافي فقد اختلف أهل العلم فيه: فقال بعضهم: إنه لا يدخل ضمن دائرة التحريم. وقال البعض الآخر: إنه محرم. ودليل القول الأول: أن الإنسان لا يد له فيه، وإنما هو تثبيت للظل وحبس للصورة في الورق، كالمرآة إذا وقفت أمامها فإنك ترى صورتك، والوقوف أمام المرآة لم يقل أحد من أهل العلم أنه محرم، بل الرسول صلى الله عليه وسلم نظر إلى المرآة وقال: (اللهم كما زينت خلقي فزين خلقي) ولكن هذه المرآة مثل الكاميرا غير أنها تختلف عنها بأنك إذا ذهبت من أمام المرآة تذهب الصورة، أما الكاميرا فتثبت الصورة التي خلقها الله عز وجل، هذا دليل القائلين بالجواز. ودليل القول الآخر ودليلهم أقوى: إنه لا يمكن أن يحصل التثبيت للصورة إلا بفعل من الإنسان، فالإنسان هو الذي يضبط المسافات وهو الذي صنع العدسات وأدخل الفيلم ثم طبعه، وحمضه، وصور كل شيء، فأما الآلة فليست إلا وسيلة في سبيل هذا التثبيت، ولذا فإنه ينبغي للمسلم ألا يعمل هذا. وبعضهم اعتدل في ذلك وقال: إن كانت الصورة للضرورة فلا بأس، مثل صورة: (الحفيظة) وصورة التابعية، والجواز، والرخصة للسيارة والتي تدعو إليها الحاجة فهذا لضرورة الأمة، ولا شيء فيه إن شاء الله، وهذا هو الذي يميل إليه الشيخ: محمد بن عثيمين، والشيخ: عبد العزيز بن باز بارك الله فيهما وحفظهما ومتع المسلمين بحياتهما. وكذلك صور المجرمين فلو لم نعرف صور المجرمين ولم يعلن عنهم من أجل متابعتهم أو القبض عليهم أو التشهير بهم لما عرفنا ذلك، فهذه فيها مصلحة إن شاء الله.

الجراد تارة يأتي عذابا وتارة رحمة

الجراد تارة يأتي عذاباً وتارة رحمة Q يقول: انتشر الجراد وخيم على كثيرٍ من مناطق الجنوب، وخيم ضحى هذا اليوم على عددٍ من المناطق فنخشى، أن يحل بنا قارعة كقارعة اليمن الشقيق في الزلزال، أو السودان في الفيضانات وغيرها من بلاد العالم؟ A نقول يا أخي الكريم! نحن فعلاً كنا نخشى أن تصيبنا أو أن تصيب أي مسلم في كل بقعة من بقاع الأرض أي مصيبة أو قارعة أو زلزلة؛ لأن الناس عرضة لهذه المصائب، خاصة إذا أعرضوا عن دين الله عز وجل، فكلما أنعم الله على العباد ولم يشكروه فإنما يعرضون أنفسهم لسخط الله وغضبه، ولكن الجراد كما يقول أهل العلم: الجراد مثل المطر، يأتي أحياناً رحمة ويأتي أحياناً نقمة، فإذا جاء الجراد والناس جائعون فهو رحمة من الله بهم، وقد كان الناس في الماضي يعرفون هذا، وأنا أذكر أننا كنا نعتبر مجيء الجراد من أعظم نعم الله علينا -كان غوثاً من الله تعالى- يتابعه الناس ويمسون حيث أمسى ويسيرون كلهم برجالهم وحميرهم ودوابهم وجمالهم، ويعبئون الأكياس والبطانيات وكل شيء، وبعد ذلك يطبخونه في اليوم الثاني أعياد في البيوت، انظروا القدور مليئة بالجراد، ثم بعد ذلك يضعونه في المجالس -يفرغون المجالس كلها للجراد المطبوخ- ثم يقفلون عليها بالأقفال، ثم يأكلون سنة وسنتين وثلاث سنوات جراداً، هذه نعمة من الله عز وجل أحياناً، وأحياناً يأتي عذاباً، أي: عندما تكون الثمار جيدة وكل شيء ناضج ساقه الله فأكل الأخضر واليابس. وأذكر أنه جاءنا مرة تقريباً قبل خمسة وعشرين سنة جاءنا في وقت الظهر وما أتى المغرب إلا وما تجد في أبها ورقة خضراء! أكل الشجر حتى تركها مثل الحطب، وأكل المزارع والقضبان وأكل الأشجار، حتى الريحان الذي في البيوت والله إنه أكله، ولا ترك على عودٍ ورقة فهو عذاب مرة ورحمة مرة بحسب وضع الناس، مثل المطر: يأتي غيثاً ويأتي تدميراً، فلا يحكم به على كل حال بأنه عذاب.

حكم من قتل نفسه متعمدا

حكم من قتل نفسه متعمداً Q يقول: يوجد لي صديق عزيز عليَّ وقد قتل نفسه متعمداً نظراً لفشله في الدراسة، ونعلم من الحديث الصحيح: (أن من قتل نفسه فهو خالدٌ مخلدٌ في النار) فهل يجوز لي أن أترحم عليه، وأن أدعو له بالرحمة؟ A من قتل نفسه -أيها الإخوة- فهو كافر في النار لما روي في صحيح البخاري وصحيح مسلم قال عليه الصلاة والسلام: (من تردى من جبلٍ فهو في نار جهنم يتردى إلى أم رأسه إلى يوم القيامة، ومن احتسى سماً فهو يحتسيه في نار جهنم، ومن طعن نفسه بحديدة فهو يتوجأ بها في النار إلى يوم القيامة). وفي صحيح البخاري من حديث جندب بن جنادة رضي الله عنه: (أن رجلاً خرج فجرح في المعركة فما صبر، فقطع يده من أكحله حتى سال دمه ومات، فقال الله عز وجل: عبدي ابتليته فما صبر بادرني بروحه فهو للنار) والعياذ بالله. فهذا الذي قتل نفسه يقول العلماء: إن كان موحداً مصلياً مات على الإسلام وقتل نفسه فإنه سيعذب بمشيئة الله عز وجل، أو يغفر الله له بمشيئته، ولكن نهايته إلى الجنة، فيجوز لك أن تترحم عليه. أما إذا علمت أنه كان كافراً لا يصلي، وكان -والعياذ بالله- في دينه قدح فإنه لا يترحم عليه؛ لهذا السبب؛ ولأنه في الأصل كافر، هذا هو تحقيق أهل العلم في هذا الموضوع. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقنا وإياكم الإيمان والهداية. والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

غمرات الموت

غمرات الموت إن ظلم العبد لنفسه أو لربه أو لغيره لذنب عظيم يحتاج إلى توبة ورجوع إلى الله سبحانه وتعالى، ولا يقلع عن هذا الظلم إلا الصادقون مع الله سبحانه وتعالى، وإن من أعظم ما يعين المرء على ترك الظلم بكل أنواعه هو تذكر الموت وغمراته وشدة النزع عند توديع الدنيا والإقبال على الآخرة، فمن تذكر هادم اللذات ومفرق الجماعات فإنه حري به أن يتوب ويرجع إلى الله سبحانه وتعالى، ويحسن عمله فتحسن خاتمته إن شاء الله.

أقسام الظلم

أقسام الظلم هذا اليوم الموافق للرابع والعشرين من شهر رجب، سنة 1406هـ، وهو ضمن سلسلة دروس تأملات قرآنية، وتأملاتنا هذه الليلة ستكون بعنوان: (غمرات الموت) وهذا العنوان مأخوذ من آية قرآنية من سورة الأنعام، التي لا تزال تأملاتنا في آياتها، يقول الله عز وجل: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام:93] هذه الآية الكريمة توضح مشهداً مفزعاً مرعباً للظالم لنفسه، وللظالم لربه، وللظالم لغيره الذي تجاوز حدود الله، وانتهك محارم الله، وضيع شريعة الله، ثم حانت فرصة القبض عليه في محبس يقال له: الموت، لا يستطيع أحد أن يفلت من قبضة الله عند الموت. {وَلَوْ تَرَى} [الأنعام:93] لو ترى يا محمد! والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لو ترى يا محمد! ولو ترى يا مسلم! لو ترى الظرف والمناسبة والمشهد المفزع للرجل الظالم وهو في لحظات الموت، الظلم ثلاثة أقسام:

ظلم العبد لربه سبحانه وتعالى

ظلم العبد لربه سبحانه وتعالى الظلم الأول: ظلم العبد لربه: وهو بأن يشرك به، قال عز وجل حكاية عن لقمان وهو يعظ ابنه: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]. وهو في تعريفه اللغوي: وضع الشيء في غير موضعه. فالعبادة الموضع الشرعي لها أن تكون لله؛ لأنه المعبود بحق، وهو الذي يستحق العبادة؛ لأنه هو الخالق، وما دام هو الخالق لوحده فيجب أن يكون هو المعبود لوحده، فإذا قدمت عبادة لغير الله فإن هذا ظلم؛ لأنه وضع للشيء في غير موضعه، ولهذا يقول لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]. والشرك ثلاثة أقسام باختصار: أولاً: شرك أكبر مخرج من الملة، مخلد لصاحبه في النار، يقول الله عز وجل: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:72] ولو صلى وصام وتصدق وحج وعمل عملاً كالجبال لكنه أشرك، قال الله عز وجل: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23]، وقال للرسول صلى الله عليه وسلم: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65]. وتعريف الشرك الأكبر: هو أن تصرف نوعاً من أنواع العبادة مما لا يصرف إلا لله لغير الله، مثل: الدعاء، والدعاء هو العبادة، وفي الحديث الصحيح: (الدعاء مخ العبادة) ولا يدعى إلا الله، لا تدع نبياً، ولا تدع ولياً، ولا تدع صالحاً، ولا تدع ملكاً، ولا تدع جنياً، ولا تدع إنسياً، ولا تدع إلا الله، يقول الله عز وجل: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن:18] {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} [غافر:60] أي: عن دعائي {سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60]. ولهذا يصرف بعض الناس الآن الدعاء لغير الله، وهو لا يدري، فيقول: يا نبي! المدد، يا نبي، يا ولي!، يا جني! وبعض الألفاظ الشائعة على بعض ألسنة الجهلة يقول: خذوه يا عفاريت! يا جن! ويقول: هذه لهجة، لكنها شركية، إذا اعتقدها صاحبها وتوجه بالدعاء إلى غير الله أشرك بالله، ولم ينتفع بعد ذلك بعبادة. النذر يجب ألا ينذر إلا لله، الذبح لغير الله شرك، والطواف بالقبور، فلا يوجد طواف إلا ببيت الله، فمن طاف بقبر أو ضريح أو بأي شيء فإنه شرك. فالطواف عبادة، وإذا طيف بهذا القبر عُبد من غير الله، أجل شرك. كذلك التوكل الرغبة الرهبة الخشية الخشوع الخضوع الاستعانة الاستغاثة، كل أنواع العبادة هذه لا تصرف إلا لله وحده، فمن صرفها لغير الله فقد كفر أو أشرك. ثانياً: شرك أصغر لا يخرج من الملة، ولكنه من أكبر الكبائر، وإذا استمر عليه الإنسان نقله إلى الأكبر، لا يستمر صغيراً لا يوجد صغير دائم، هل رأيتم إنساناً يعيش صغيراً دائماً؟ لا. حتى الذنوب التي هي صغار مع الزمن تصبح كباراً، يقول الشاعر: لا تحقرن من الذنوب صغيرا إن الصغير غداً يصير كبيرا إن الصغير وإن تقادم عهده عند الإله مسطر تسطيرا الشرك الأصغر مثل الرياء وهو: أن يعمل الإنسان عملاً لله في أصله، لكن يدخل عليه تحسينات من أجل أناس، يعني: شخص دخل المسجد وهو ما أتى يصلي إلا لله، ما عندنا شك أنه ما أتى يصلي للناس، لكن لما أخذ يصلي جعل ينظر وإذا هناك شخص ينظر إليه وله عنده مصلحة؛ فضبط الصلاة لكي يراه الشخص فيقول: والله فلان ما شاء الله! هذه الصلاة عنده! فأصل العمل لله لكن خالطه بعمل لغير الله فهو شرك لكنه أصغر. أما إذا قصد الإنسان بالعمل أصلاً غير الله فهو شرك أكبر، مثل: الحلف بغير الله كالذي يحلف بالطلاق، أو يحلف بالنبي، أو يحلف بالأمانة، أو يحلف بأي شيء من غير الله، هذا شرك أصغر، لكن يقول العلماء: إن قصد به تعظيم المحلوف به صار شركاً أكبر، إذا كان يعتقد أنه لو حلف بالله يرى أنها يمين بسيطة، لكن لو حلف بالطلاق يرى أنه أعظم، وهذا عند كثير من الناس -خاصة الجهلة منهم- إذا أراد أن يقسم على قضية: إما على ضيوف، أو يريد أن يؤكد موضوعاً، أو يقول صدقاً، ويعلم أنه لو حلف بالله أن الناس لن يصدقوه فيطلق لكي يثبت للناس أنه صادق، هذا عدل عن الحلف بالله لتعظيم المحلوف الآخر وهو الطلاق، والناس لو حلف لهم بالله جعلوه يحنث، وإذا حلف عليهم بالطلاق يصدق، يعني: لو يأتيه ضيوف ويقول لهم: والله ما تذهبون، قالوا: جزاك الله خيراً، وخرجوا وتركوه، لكن لو قال: عليَّ الطلاق ما تذهبوا، فهل سيذهبون أو يجلسون؟ يقولون: لا تحرموه أولاده، لكن احرموه دينه، عرض عليهم وجه المرأة فأطاعوه، وعرض عليهم الله عز وجل فرفضوه، هذا ينقلب إلى شرك أكبر. ثالثاً: الشرك الخفي، وقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم وبين درجة خفائه وقال: (الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النملة السوداء، في الليلة الظلماء، على الصخرة الصماء) وتصوروا نملة سوداء، في ليلة ظلماء، على صخرة صماء، من يراها؟ الشرك أخفى منها وهو قول العبد: ما لي إلا الله وأنت، أنا متكل على الله وعليك، ومثل هذه الألفاظ، ولذلك شرع الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته وعلمهم دعاء يكفرون به مثل هذه الأمور وهو قول العبد: (اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم) هذا الظلم الأول: الشرك.

ظلم العبد لنفسه

ظلم العبد لنفسه الظلم الثاني: ظلم العبد لنفسه. وهذا يكون باقتحام محارم الله وترك أوامره، يقول الله عز وجل: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق:1]، لمَّا تنظر إلى الحرام من ظلمت؟ نفسك، لماذا؟ لأنك سببت لنفسك عذاباً بأن تمتلئ أذنك وعينك هذه من جمر جهنم، إذاً أنت ظالم، أنت تتصور بنظرك للنساء والحرام أنك ترتاح، وهذا ظلم لنفسك، إذا استمعت إلى أغنية فقد ظلمت نفسك؛ لأنك سببت لنفسك بسماعك لهذه النعمة عذاباً: (من استمع إلى مغنٍ أو مغنية صب الله في أذنه يوم القيامة الرصاص المذاب) إذا وقع العبد في الزنا فقد ظلم نفسه؛ لأنه جر على نفسه فاحشة وفضيحة تدمره في الدنيا والآخرة: (ما عصي الله بذنب بعد الشرك أعظم من نطفة يضعها في فرج لا يحل له)، (ومن زنا بامرأة في الدنيا كان عليه وعليها في القبر نصف عذاب هذه الأمة)، (ووالذي نفس محمد بيده إن ريح فروج الزناة ليؤذي أهل النار) ويأتي الزاني يوم القيامة ويوقف بين يدي الله فتسقط فروة وجهه بين قدميه خجلاً من الله، فضيحة، لا حول ولا قوة إلا بالله! فعندما يزني العبد ماذا يحصل له؟ ظلم لنفسه. عندما تأكل حراماً: ربا رشوة مخدرات سرقة خيانة غش، من تظن أنك ظلمت؟ تتصور أنك ظلمت الناس؟ لا. ظلمت نفسك؛ لأنك تأكل حراماً، لأن كل المسلم على المسلم حرام، ولا يجوز أن تأكل درهماً ولا (ريالاً) ولا (هللة) على مسلم، كيف تأكل حراماً؟! فتظلم أخاك وتظلم نفسك. من ظلم العبد لنفسه: ترك أوامر الله، عندما يسمع الأذان وينام ولا يقوم ليصلي هذا ظالم لنفسه؛ لأن الله دعاه إلى إنقاذ نفسه فظلمها، الذي يهجر القرآن ولا يقرؤه ظالم لنفسه؛ لأنه فوت على نفسه أرباحاً طائلة من الحسنات لا يعلمها إلا الله. الذي لا يذكر الله في الصباح ولا في المساء ولا في سائر الأحوال ظالم لنفسه، الذي لا يدعو الله ولا يهتم بأمر المسلمين ولا يهتم بهذا الدين ظالم لنفسه: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق:1].

ظلم العبد لغيره

ظلم العبد لغيره الظلم الثالث: ظلم العبد لغيره. وهذا من أشد أنواع الظلم، ثلاثة دواوين: ديوان لا يغفره الله وهو الشرك، وديوان لا يغادر منه شيء وهو هذا الظلم؛ لأنه حقوق عباد، وحقوق العباد قائمة على المشاحاة، وديوان يغفره الله إذا تاب العبد وهو الذي بينك وبين الله؛ لأن حقوق الله قائمة على المسامحة، وإذا تبت تاب الله عليك. أما حقوق الناس فلا. فظلم الغير ظلم، إما بهتك عرض، أو بسرقة مال، أو بإراقة دم، أو بغيبة، أو بعدوان، أو بأي نوع من أنواع الظلم، والظلم قد حرمه الله، والحديث في مسلم، حديث قدسي يقول الله عز وجل: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)، (الظلم ظلمات يوم القيامة) خصوصاً من لا يجد عليك ناصراً إلا الله، وهذا دائماً هو الذي يظلم. أما الكبير فلا أحد يقدر على ظلمه، لكن يقع الظلم غالباً على الطبقات السفلى، العامل يظلمه سيده: يظلمه بعمل شاق، يظلمه بتأخير إيجار، يظلمه بإساءة التعامل، يظلمه باحتقار وامتهان، لا، هذا يصبر على الظلم، لكنه عليك يرفع برقيات في الليل يدعو عليك، والله عز وجل يفتح أبواب السماء لدعوة المظلوم، يقول عليه الصلاة والسلام: (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) تفتح لها أبواب السماء تسري بليل، لا تظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله؛ لأنك إذا ظلمت شخصاً ضعيفاً ثم دعا عليك دعا عليك قوياً، وأنت لا تستطيع أن تمتنع من الله عز وجل. ظلم الزوجة، بعض الناس يمارس ضغطاً وظلماً على زوجته في التعامل السيئ، تجده طيباً وخلوقاً ومبتسماً ومنشرحاً مع الناس، فإذا دخل البيت غَيَّرَ الموجة: الابتسامة للناس، والنكتة للناس، والمزح للناس، لكن مع الزوجة القهر، والشدة في التعامل، والأوامر، والتسلط، والعنف، لماذا؟ من أخبرك أن هذا دين؟! بعضهم يقول: أريد أن أثبت شخصيتي، يقول: المرأة إذا ضحكت لها وكنت طيباً معها ركبت عليَّ، فأنا أريد أكون أعلى دائماً، من قال لك هذا الكلام؟ هذا الكلام غير صحيح، الصحيح أن تكون طيباً معها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيباً مع أهله، كان يقول: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) والله سبحانه في القرآن يوصي الأمة ويقول: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يودع الأمة في مرض وفاته: (الله الله في الصلاة -ثم قال:- ألا فاتقوا الدنيا، ثم أمر بالنساء قال: استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عندكم عوان) يعني: أسيرات، المرأة مسكينة أسيرة؛ فيجب أن تحسن معاملتها، وتحسن التعامل معها، وتبتسم في وجهها، وترفق بها، وأيضاً في نفس الوقت تتحملها، حتى لو تكلمت؛ لأنها لا تملك إلا الدفاع عن نفسها بالكلام، ليس بيدها شيء، بيدك أنت أن تطلق، وبيدك أن تضرب، وبيدك أن تهجر، وبيدك أن تتكلم، لكن هي لا تقدر على تطليقك، أو ضربك، أو هجرك؛ لأنها ضعيفة، فإذا أنت أحرقت أعصابها وسخنتها مرة واحدة، ودافعت عن نفسها بكلمة: اسكت، لكن بعض الرجال يريد آخر كلمة له ويريد أن تسكت هي، لماذا؟ أليست إنساناً؟! لا يجوز هذا. هذا رجل جاء يشتكي إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه من سلاطة لسان زوجته، فلما وقف بالباب يطرقه وإذا به يسمع زوجة أمير المؤمنين تتكلم على عمر بن الخطاب؛ الذي تهابه الجن والإنس! الجن لا يمشون في طريقه، والإنس تهتز له كراسي كسرى وقيصر، ولكن زوجته تتكلم عليه، فلما سمع الرجل المرأة تتكلم وعمر ساكت مشى قال: لستُ بأحسن من عمر، ففتح عمر الباب وإذا بالرجل قد ولى، فدعاه، قال: مالك؟ قال: لا شيء يا أمير المؤمنين! قال: عندك شيء ماذا تريد؟ قال: جئت أشكو زوجتي إليك؛ لأنها تتسلط عليَّ بلسانها، فسمعت زوجتك تتسلط عليك بأكثر من تسلط زوجتي عليَّ فسكت وقلت: لي فيك قدوة، فقال له: تعال يا أخي، ثم قال له: ألا يكفي أنها طاهية لطعامي، ومربية ولدي، وغاسلة ثوبي، وقاضية حاجتي؟! من يعمل لك هذه الأربعة: تربي ولدك، وتغسل ثوبك، وتطهو طعامك، وتقضي حاجتك!! تتحملك في كل شيء، ولا تتحملها في كلمة، إذا قالت كلمة فقل: حسناً، واخرج، وارجع ومن يوم ترجع ابتسم وهي تبتسم وانتهت المسألة، لكن بعضهم يجلس شهراً غضبان من أجل كلمة قالتها له، وربما يصل الأمر به إلى الطلاق، وإلى تشتيت شمل الأسرة؛ لسوء تصرفه، ولرعونته في أخلاقه؛ ولأنه ظالم، يريد كل شيء له ولا أن يريد يعطي المرأة شيئاً. فظلم المرأة حرام، والمرأة التي تظلم من قبل زوجها ثم تدعو عليه فإن الله عز وجل ينتقم منه إما في الدنيا وإما في الآخرة. فظلم الغير هذا نوع من أنواع الظلم وهو حرام.

أدلة إثبات سكرات الموت

أدلة إثبات سكرات الموت هؤلاء الظالمون لهم وضع عند الموت، وفي غمرات الموت، والله عز وجل سمى تلك اللحظات غمرات، والعلماء يقولون: معناها أن الآلام والمصائب والأحزان والشعور بالخوف والرعب والرهبة تغمر الإنسان غمراً فلا يستطيع أن يعرف شيئاً في تلك اللحظات، ولا يتصور العقل البشري مقدار آلام الإنسان في لحظات الموت، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم سيد البشر سيد ولد آدم أفضل خلق الله ما سلم من تلك السكرات، كان عند الموت يدخل يده في ركوة عنده فيمسح بها جبينه ويقول: (إن للموت لسكرات، إن للموت لسكرات، إن للموت لسكرات) إذا كان هذا خير خلق الله فكيف بي وبك وكيف بنا أيها الإخوان؟! ويقول العلماء: إن آلام وسكرات وغمرات الموت لا تعلم إلا بطريقين: إما بطريق سمعي يعني: دليل شرعي. أو بطريق عقلي.

الدليل العقلي على سكرات الموت

الدليل العقلي على سكرات الموت قالوا: أما العقلي فمتعذر؛ لأنه لا يوجد شخص مات وذاق ألم الموت ثم رجع وأخبر الناس بآلام الموت، لا يوجد كل واحد يأخذها ويذهب ولا يرجع مرة ثانية، ولكن قالوا: عقلي عن طريق القياس، قالوا: كيف؟ قالوا: نقيس، ما معنى الموت أصلاً؟ الموت: هو مفارقة الروح وإيذاء الروح في كامل أجزاء الجسد فيحصل للإنسان ألم، حسناً إذا أخذت سكيناً وقطعت في إصبعك قطعة بالسكين أو أخذت إبرة ووخزت بها جلدك أو أخذت قطعة نار أو عود ثقاب وأشعلت به إصبعك، ماذا يحصل؟ يحصل ألم، لماذا؟ لأن الروح أوذيت في هذا الجزء فيترتب على هذا ألم، فإذا أوذيت الروح ليس في الإصبع بل في كل جزئية، في كل شعرة، في كل بشرة، في كل عظم، في كل قطرة دم، في كل خلية من خلايا جسمك تنزع الروح منها كيف يكون الألم؟ لا يتصوره العقل، الآن لما آخذ عشر إبر وأدقها في ظهر شخص هل ألمها مثل ألم إبرة أم عشرة أمثال؟ عشر إبر، فإذا أخذت مائة إبرة كيف يكون ألمها؟ كألم الإبرة مائة مرة، والموت مثلها؛ لأن الروح تخرج من كل شعرة وبشرة، ومن كل ظفر وعظم، ومن كل مفصل وقطرة دم، ولهذا تنزع الروح، وهذا يجده البر والفاجر الطيب والخبيث المؤمن والكافر الكل يحس بألم سكرة الموت؛ لأنك الآن لو جئت إلى مسلم طيب بر دين تقي، وآخر فاجر خبيث، ودقيت هذا بإبرة وهذا بإبرة ألا يجدون الألم كلهم سواء؟ سيجد هذا الألم الطيب والفاجر سواء، ففي الحياة الآلام تقع على الطيب والفاجر سواء، لكن المؤمن يخفف عنه، فتخرج روحه كما جاء في الحديث بسهولة، الحديث صحيح في مسند أحمد في سنن أبي داود عن البراء بن عازب رضي الله عنه والحديث طويل قال: (إن المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال على الآخرة، نزلت ملائكة من الجنة، ومعها مسوح من الجنة، وحنوط من الجنة، وكفن من الجنة، فيجلسون له على مد البصر، ثم يأتي ملك الموت فيقول: يا أيتها الريح الطيبة! كانت في الجسد الطيب اخرجي إلى روح وريحان، وإلى رب غير غضبان، قال: فتخرج روحه) تخرج بلطف كما تخرج القطرة من فم القربة، الله عز وجل يجمع الروح وتخرج مرة واحدة، هذه سكرة الموت، لها ألم لكنه خفيف. (فلا يدعونها في يده طرفة عين حتى يأخذوها في ذلك الحنوط والكفن ويصعدون بها إلى السماء، ولها ريح كأطيب ريح وجد على ظهر الأرض) إلى آخر الحديث. قال: (وأما العبد الفاجر أو الكافر، إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال على الآخرة، جاءت ملائكة من النار معها مسوح من النار، وكفن من النار، فيجلسون له مد البصر، ويأتي ملك الموت ويقول: يا أيتها الروح الخبيثة! كانت في الجسد الخبيث اخرجي إلى عذاب من الله وغضب، قال: فتتفرق -تهرب الروح ما دام أنه دعاها إلى غضب وإلى لعنة أين تذهب؟ - قال: فتتفرق وتتشبث -تقعد في كل أجزاء الجسم- قال: ثم يجذبها -وشبه الجذب- كما يجذب السفود من الصوف المبلول) السفود: الحديدة ذات الشعب المتطرفة، تدخلها في صوف، والصوف مبلول أو القطن المبلول، ثم تطلعها، كيف تعمل فيه؟ تمزعه من كل جهة، كذلك الروح تخرج من جسد الفاسق والكافر على هذا الوضع فلا يدعها في يده طرفة عين حتى يأخذوها ويضعوها في ذلك المسوح من النار، ثم يصعدون بها إلى السماء، ولها ريح كأنتن ريح جيفة وجدت على ظهر الأرض، ثم في السماء الروح الطيبة تفتح لها أبواب السماء، والروح الخبيثة تغلق عليها أبواب السماء، وترمى إلى النار كما جاء في القرآن الكريم يقول الله عز وجل: {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف:40] إذا دخل البعير في خرق الإبرة أدخلهم الجنة، علقهم على المستحيل، يعني: أنهم لن يدخلوا الجنة. هذه أيها الإخوة! هي مختصرة من قضية غمرات الموت من الدليل العقلي.

الدليل السمعي على سكرات الموت

الدليل السمعي على سكرات الموت أما الدليل السمعي الشرعي فقد جاء، وهو قوله صلى الله عليه وسلم في ساعة الاحتضار: (إن للموت لسكرات) فدل هذا الكلام على أن هناك آلام لم يسلم منها حتى خير خلق الله وأفضل من عبد الله وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما دام أنه تعرض لها هو صلى الله عليه وسلم فنحن سنكون عرضة لها من باب أولى، نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يخفف عنا وعنكم تلك اللحظات. وحتى نستعد لها سوف نناقش القضية بنوع من المساءلات والوقفات الجادة مع النفس. أخي المسلم: -أنا وأنت- ماذا تفعل لو جاءك الموت الآن؟ الآن أنت تقابل الله، والروح في تغرغرها، وقد بلغت الحلقوم، فكيف يكون حالك؟ إنهم الآن يقفون عندك وبجوارك، هذا يبكي وذاك يصيح وذاك يتلوى وذاك يتألم وبعد لحظة خرجت الروح، وبدءوا يغسلونك، وفي الأكفان يضعونك، وفي القبر بعد أن صلوا عليك يتركونك، وبالحصى والطين يغطونك، فهل فكرت واستعددت لهذا العمل؟ هذا الكلام عندما نقوله للناس كأنه على الناس الآخرين!! أما نحن لا لن نموت ولن ندخل القبور! نحن سنرجع بعد إلى (الفيلا) والقصر وإلى العمارة وإلى الزوج، ومتأخر؟ لا، ليس متأخراً، ممكن يكون هذه الليلة، ممكن يكون غداً، ممكن بعد سنة، وهب أنه بعد عشر سنوات، وهب أنه بعد أربعين سنة ألست ستموت؟ كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول

مراحل أهوال يوم القيامة

مراحل أهوال يوم القيامة يا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه، يغلقون عليك القبر بالتراب، ويودعك الأهل والأحباب والأصحاب، وتواجه في القبر لوحدك السؤال والحساب، فأين الدنيا؟ أين المال؟ أين الولد؟ أين المنصب؟ أين الجاه؟ أين الرصيد؟ لا شيء، ليس معك إلا العمل، ويأتيك منكر ونكير ملكا السؤال ليسألانك، ويشددان في السؤال، وإلى هنا لا تزال القضية صعبة؛ لأن الملائكة لا يدرون، هؤلاء الذين في القبر منكر ونكير لا يدرون ماذا عندك؟ وهل أنت مؤمن أم فاجر؟ لا يدرون، ولهذا يوجهوا لك السؤال بقوة وبعنف، من ربك؟ ولهذا جاء في الحديث قال: (ملكان أزرقان ينتهرانه) انتهار! والإنسان ضعيف إذا جئت تنهره تذهب منه حتى المعلومات، وتتبدد منه الأفكار، فينتهران الإنسان، لكن الله يثبت المؤمن -أسأل الله أن يجعلني وإياكم من المؤمنين، وأن يثبتنا وإياكم في الدنيا والآخرة- يقول الله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] ولولا تثبيت الله، والله لو أن عندك كل المعلومات فإنها تضيع في تلك اللحظات، لماذا؟ لأنها لحظات حرجة، القبر وشدته، واللحد وظلمته، والملائكة ونهرتها، وأنت ما معك أحد، وعرفت أنه ليس هناك دنيا، وليس معك أحد تضيع المعلومات من رأسك، لكن الله يثبتك، فينتهرانك ويشددان عليك في السؤال، فهل يا ترى تجيب أم تتلعثم ويغلق عليك الجواب؟ وبعده الدود يمزق الأكفان، ويأكل اللحم، وينخر العظام، ولو يفتح على الميت في ثالث يوم، الله أكبر! منظر عجيب، ينتفخ البطن، وتسري الهوام والديدان، وتنبعث الروائح، ويصبح للإنسان منظر لا يتصوره العقل، فأين لذاتك؟ أين فراشك؟ أين شهواتك؟ أين ملابسك التي لصيفك وشتائك؟ أين بخورك وعطرك؟ لا إله إلا الله! هاأنت تخرج من قبرك يوم القيامة عارياً كما ولدتك أمك: (يحشر الناس يوم القيامة عراة حفاة غرلاً غير مختونين، قالت عائشة: يا رسول الله! الرجال والنساء؟ -يعني سواء الرجال والنساء ليس هناك ملابس- واسوأتاه، قال: الناس قد شغلهم أمر غير ذلك) لا أحد يتلفت لأحد، الناس شاخصة أبصارهم إلى السماء. تخرج عارياً لتعرض على أول محطة من محطات الحساب وهي الميزان، ثم هل يثقل ميزانك، أم يطيش؟ والموازين تثقل بالحسنات وتطيش بالسيئات، طارت صحائف الأعمال، وجئت في الموقف الثاني وهو أخذ الكتب، فآخذ باليمين وآخذ بالشمال: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً * وَيَصْلَى سَعِيراً * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً} [الانشقاق:7 - 13] كان مبسوطاً {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} [الانشقاق:14] ظن أنه لن يموت ويرجع إلى الله، آخذ باليمين وآخذ بالشمال. فاسأل نفسك يا أخي: ماذا تتوقع؟ هل تأخذ كتابك بيمينك، أم تأخذه بشمالك؟ هل أنت تمشي في اليمين الآن، أم تمشي في اليسار؟ هل أنت تعكس السير إلى الله، أم تمشي مع الكون كله إلى الله؟ أنت تعرف. هذه العين لها مسار إلى اليمين وهو النظر في ملكوت الله، والنظر في كتاب الله، والنظر في مصالحك، وفيه مسار واتجاه عكسي وهو النظر فيما حرم الله. هذه الأذن لها مسار صحيح وهو سماع القرآن والذكر والعمل الصالح، ولها مسار غلط وهو سماع الغناء والغيبة والنميمة، هذا اللسان له مسار صحيح وهو ذكر الله وتلاوة القرآن والدعوة إلى الله، وله مسار غلط وهو الغيبة والنميمة واللعن والزور والفجور. هذا الفرج له مسار صحيح وهو الحلال، وله مسار غلط وهو الزنا واللواط والحرام وهكذا. فهل تتوقع أن تأخذ كتابك بيمينك وأنت تمشي في اليسار؟! لا يمكن المغالطة؛ لأن الله لا يُغَالَط. وتأتي المحطة الثالثة: الصراط، أدق من الشعرة، أحد من السيف، أروغ من الثعلب، والجنة هناك والنار تحته، ولا يوجد طريق إلا من على ظهره، يا ترى هل تتجاوز أم تسقط؟ وعلى أي شيء تتجاوز؟ ما هي وسيلة العبور؟ (كبري) طائرة سيارة قدم؟ لا. إنها وسيلة واحدة وهي العمل، إذا كان عندك عمل تعبر، وإن لم يوجد تسقط، والناس يتجاوزون الصراط بناءً على أعمالهم ويتفاوتون في السرعة بتفاوت مراتبهم، حتى قال عليه الصلاة والسلام: (منكم من يمر كلمح البصر، ومنكم من يمر كالبرق، ومنكم من يمر كأجاود الخيل، ومنكم من يمر كأجاود الركاب، ومنكم من يمر كأشد الرجل -يعني: مثل الرجل المسرع- ومنكم من يمشي خطوة ويعثر بالثانية، ومنكم من يضع قدمه على الصراط والثانية في النار) ما يمشي خطوة واحدة على الصراط؛ لأنه ما مشى خطوة واحدة في طريق الله، والذي يمشي في طريق الطاعة وفي طريق الله يمشي بسرعة هناك. رؤي سفيان الثوري رحمة الله عليه من السلف الصالح بعد وفاته، قيل له: ما صنع الله بك؟ قال: وضعت قدمي الأولى على الصراط والثانية في الجنة. ما أبطأ، لديه عمل صالح، رحمة الله تعالى عليهم. حتماً وحقاً وصدقاً ستواجه هذه الأهوال، وستقف بين يدي الله، وستسأل عن أعمالك: صغيرها وكبيرها، دقيقها وجليلها، فهل أحضرت للسؤال جواباً؟ {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر:92]، {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ} [الصافات:24 - 25].

كيفية تحقيق العبودية لله

كيفية تحقيق العبودية لله أخي في الله! إن الله لم يخلقنا عبثاً حتى نعيش فترة العمر في عبث، ولم يتركنا الله عز وجل هملاً حتى نعيش عيشة الهمل، لقد حدد الله عز وجل الغاية من خلقنا، فقال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] وبين لنا المنهج وقال: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} [طه:123] يقول ابن عباس: [تكفل الله لمن اتبع القرآن -وهو الهدى- ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة]. لكن قال: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي} [طه:123 - 124] أي: عن هداي {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه:124 - 127] هذا هو المنهج هدى تمشي عليه لا تضل في الدنيا ولا تشقى في الآخرة، تعرض عنه تضل في الدنيا وتعذب وتشقى الشقاء الذي ليس بعده سعادة. فيا من تريد الحياة الطيبة! وتريد حسن المآل والمقام في الآخرة! يقول الله لك: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] ويقول: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النساء:134]. هل قمت بواجب العبودية؟ أنت عبد، والله خلقك للعبادة، هل أصبحت اهتماماتك اهتمامات الدين، أم أن اهتمامات الناس محصورة في الطعام والشراب والسهر والعبث؟ اهتمامات محصورة في الشهوات: شهوات البطون ومتع الفروج، وملذات الأجساد، وتجد أفكار الناس في هذا كله، أين اليوم وأين نسهر؟ والليلة ماذا نرى؟ وماذا نشهد؟ وأين نتمشى؟ وماذا نتغدى؟ وماذا نتعشى؟ وأين نذهب؟ فقط! لكن: ماذا نقرأ من كلام الله؟ كم نصلي؟ كم نذكر الله؟ كم ندعو إلى الله؟ كم نفكر في الجنة؟ كم نفكر في النار؟ كم نستعد للقبر؟ كم نعرف هذه الحياة؟ هذه موجودة عند قليل من الناس، إنما الجل من الناس اهتماماتهم دنيا، هل آمنوا هؤلاء بالقبر وبعذاب القبر وغمرات الموت؟ لا أيها الإخوة! ستذهب الأيام، وتكتب الآثام، ويبكي الإنسان بكاءً لكن لا ينفع البكاء ولا تنفع الملامة، يا أسفاً لك يا أخي إذا جاءك الموت ولم تتب! ويا حسرة لك إذا دعيت إلى التوبة ولم تجب!

أهمية التوبة والمحاسبة في تحقيق العبودية

أهمية التوبة والمحاسبة في تحقيق العبودية اسمع إلى هذا الموقف وهذه القصة، وتدبر ما فيها من عبرة: كانت امرأة جميلة لها جمال بارع، أمرها قوم وأغروها بمال أن تتعرض لعابد زاهد من عباد الله الصالحين اسمه الربيع بن خثيم، وكان هذا معروفاً بجماله، كان جميلاً كأشد ما يكون من الجمال، حتى أن المرأة إذا نظرت إليه لا تستطيع أن تملك نفسها، وقيل عنه: إنه كان يغطي على جزء من وجهه حتى لا يفتن النساء، ولكن كان مع هذا من أعظم عباد الله خوفاً من الله، فقام مجموعة من الفساق ودعوا امرأة وقالوا لها: إن فعلت وصرفت الربيع فلك ألف درهم. قالت: ولكم فوق هذا أن يزني وأن يفعل؛ لأنها على جانب كبير من الإغراء والجمال، وطمعت في الألف، وأرادت أن تفتنه وأن ينحرف عن طريق ربه، ولبست أحسن ما قدرت عليه من الثياب، وتطيبت بأطيب ما قدرت عليه من الطيب، وانتظرت الربيع حتى خرج من المسجد بعد صلاة العشاء وهو راجع إلى بيته، واختفت في مكان لا يراها فيه أحد حتى تهيئ المكان الذي يستطيع أن يسقط وأن يضعف؛ لأنه إذا رآه الناس قد يستحي، لكنها تريد أن تخلو به، وإذا خلت به يكون هناك واحد ثالث وهو الشيطان، فتستعين بالشيطان حتى تقهر هذا الرجل الصالح. ولما رآها الربيع رحمه الله ورضي الله عنه وأرضاه أحس بغدرها، وأدرك خطورة مكرها، فأراد أن يعظها لعلها أن تهتدي، فقال لها: يا أمة الله! كيف بك إذا نزل المرض بجسمك فغير ما أرى من لونك. يا أمة الله! كيف بك إذا نزل بك الموت فقطع منك حبل الوتين. يا أمة الله! كيف بك إذا سألك منكر ونكير في قبرك. ذكرها بالموت وذكرها بالقبر وبالسؤال، فارتعدت، ثم سقطت، ثم بكت، ثم ولت وانصرفت باكية، ومن ذلك اليوم تابت إلى ربها وأنابت، وتعاهدت وعاهدت على الاستقامة والسير في طريق الله حتى ماتت، فكانت تتعبد لله في محرابها، وكلما ذكرت معصيتها غمرها البكاء، ولم تفارق الدنيا حتى عرفت بكثرة العبادة لربها، وبلغت من عبادتها لربها أنها كانت يوم أن ماتت كأنها جذع محترق، من كثرة وقوفها ومن كثرة خشيتها لله عز وجل، احترقت من بكائها وخوفها من الله! أخي المسلم: ألست أنا وأنت أصحاب الخطايا؟ أين دموعنا؟ ألسنا أسير المعاصي والذنوب، أين بكاؤنا؟ هل نسينا الذنوب وصحفنا مملوءة بالخطايا والآثام؟ هل نصبر على الهاوية؟ وما أدراك ما هية؟ إنها نار حامية. لقد خرجنا من بطون أمهاتنا وحدنا، وسوف نموت وحدنا، وسندخل إلى القبور لوحدنا، وسنقف بين يدي الله لوحدنا، فهل حققنا معنى العبودية في نفوسنا؟ هل أدينا حق الوالدين علينا؟ هل قمنا بحقوق الزوج والأقارب والأبناء علينا؟ هل ربينا أبناءنا على ذكر الله وعلى الصلاة، أم على الغناء والأفلام والمسلسلات؟ إلى متى نصر على ترك الصلاة؟! إلى متى نستمر في هجر القرآن؟! إلى متى نهجر العلم؟! إلى متى لا نذكر الله؟! إن القبر ينتظرنا، والتراب فراشنا، والدود أنيسنا، والفزع الأكبر موعدنا، والوقوف بين يدي الله ينتظرنا، هل ننتظر حتى نموت وقد ضاع ديننا؟ لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من قوله: (يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب والأبصار! صرف قلبي على طاعتك) قال أنس: قلنا: (يا رسول الله! آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال: نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء) والحديث صحيح، أخرجه الإمام أحمد وأخرجه مسلم وصححه الترمذي وابن ماجة. فهل أمنا أيها الإخوة على قلوبنا؟ إذا كان سيد البشر يخاف ويقول: (يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك) ونحن لا نخاف! لا إله إلا الله! أخي المسلم: إن الموت آت بسكراته، والقبر ينتظرك بظلماته وأهواله، والبعث في انتظارك بأشكاله وأحواله، ويوم القيامة موعدك بشدائده وأهواله {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:22]. مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور قد كورت شمس النهار وأدنيت حتى على رأس العباد تسير وإذا الجبال تقلعت بأصولها ورأيتها مثل السحاب تسير وإذا البحار تأججت نيرانها ورأيتها مثل الحميم تفور وإذا الوحوش لدى القيامة أحضرت فتقول للأملاك أين نسير فيقال سيروا تشهدون فضائحاً وعجائباً قد أحضرت وأمور وإذا الجنين بأمه متعلق يخشى الحساب وقلبه مذعور هذا بلا ذنب يخاف لهوله كيف المقيم على الذنوب دهور إذا كان الطفل الصغير ينتابه الذعر ويشيب رأسه {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً} [المزمل:17] {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} [الحج:2] ما من سكر ولكنها شدة الأهوال {وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2]. هل تصورنا هذا يا أخي؟! مثل لنفسك، تصور الوضع! تخيله وهو حقيقة! ووالله الذي لا إله إلا هو إنها كائنة لا بد منها.

أهمية تذكر غمرات الموت في تحقيق العبودية

أهمية تذكر غمرات الموت في تحقيق العبودية أخي في الله: من الأمور التي تعينك على تحقيق العبودية لربك أن تتذكر غمرات الموت، قال سليمان بن عبد الملك وقد حج، فلما حج قال: هل بقي أحد من أصحاب رسول الله؟ قالوا: لا. قال: هل بقي أحد من التابعين الذين رأوا أصحاب رسول الله؟ قالوا: نعم. قال: عليَّ بواحد منهم، فجاءوا بـ أبي حازم، فلما دخل عليه وجلس بجواره قال له: يا أبا حازم: مالنا نكره الموت ونحب الحياة؟ وهذه صفاتنا كلنا، كل واحد لا يريد ذكر الموت، وإذا ذكر الموت في محاضرة يخرج الناس ويقولوا: والله تعبنا كل الكلام عن الموت، يا أخي! هذا موتنا قبل حياتنا، لا. مت الآن قبل أن تموت ولا تلقى عملاً، اذكر الموت عند من يخوفك حتى تأمن أحسن من الذي يؤمنك حتى تخاف، نحن الآن نخوف لكي نخاف فإذا جاء الموت أمنا، نقول: الحمد لله أننا ما فوتناها، لكن يقول لك شخص: لا. الآن الموت اتركنا منه، نحن الآن نأكل ونشرب، فإذا جاء الموت وأنت خائف تقول: رب ارجعون {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا} [المؤمنون:99 - 100] إذا جاء الموت قال: دعوني أعمل صالحاً، قال الله: {كَلَّا} [المؤمنون:100] أداة زجر وردع وتوبيخ: {إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100]. فيقول سليمان لـ أبي حازم: مالنا نكره الموت؟ أنا أكره الموت، وأنت تكره الموت، وكل واحد لا يريد الموت، فأجاب إجابة نعرفها نحن، قال: لأنكم عمرتم دنياكم وخربتم أخراكم، والإنسان بطبيعة الحال يكره أن ينتقل من العمار إلى الخراب. الآن أنت ساكن في (فيلا) ثم جاء أمر بإسكانك في كوخ. أترضى؟ معك غرفة النوم أترضى أن ترقد على حصير؟! لديك الحمام الإفرنجي والوسيع والدش أترضى أن تقعد في حفرة مكانك في الطين؟ بدلاً من الفراش اسكن في كوخ؛ مع البعوض والذباب والوساخات والهواء والروائح والماء ليس ببارد بل حار -يعني: ليس على ما تريد- هل من أحد يريد أن يترك (الفيلا) ويذهب إلى الكوخ؟ لا. لا أحد يرضى، كل واحد يقول: لا والله أريد هنا، لماذا؟ لأنه عمر (الفيلا) ولا يريد الخراب. يقول أبو حازم: لأنكم عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة. كيف عمرنا الدنيا أيها الإخوة؟ ليست عمارة الدنيا بأن تبني ببيتاً، لا، من الشرع أن تبني بيتاً، لكن اعمر البيت بطاعة الله، لا تعص الله في البيت، ومن الشرع أنك تشتري سيارة لكن اعمر السيارة بذكر الله؛ بأن تحملك إلى بيوت الله، وأن تمتطيها إلى حلق العلم ومجالس العلماء، اعمر الدنيا بزوجة صالحة تربيها على دين الله، اعمر الدنيا بأولاد تربيهم على الدين، اعمر الدنيا بفراش وبأكل لكي تستعين به على طاعة الله. لكن عمارة الدنيا أن نعمرها بمعصية الله: نشتري عمارة ونجعل فيها الأفلام والمسلسلات والأغاني ونركب (الدش) فوق البيت، ونأكل ونشرب ونضيع الصلاة ونضيع أوامر الله، ونشتري سيارة ونذهب بها إلى المعاصي وإلى الرحلات وإلى التبرج والسفور، والزوجة نأمرها بالمعاصي، وأولاد نتركهم على المعاصي، هكذا عمرنا الدنيا وخربنا الآخرة! صلاة لا يوجد زكاة لا يوجد صيام لا يوجد ذكر لا يوجد قرآن لا يوجد دعوة لا يوجد، بعد ذلك: معاص تقع من العين كالنظر إلى الأفلام والحرام والنساء، ومعاصٍ تقع من الأذن بسماع الغناء، ومعاصٍ تقع من اللسان باللعن والشتم والغيبة والنميمة والكذب والفجور والزور، ومعاصٍ من الفرج بالزنا واللواط، ومعاصٍ من البطن بأكل الحرام، هذا عمران الدنيا وخراب الآخرة! هل هناك أحد يريد أن ينتقل من العمار إلى الخراب؟ لا أحد. قال أبو حازم لـ سليمان بن عبد الملك: لأنكم أعمرتم دنياكم وخربتم أخراكم، فأنتم تكرهون الانتقال من العمران إلى الخراب. قال: يا أبا حازم! كيف القدوم على الله إذا متنا غداً؟ قال: يا أمير المؤمنين! أما العبد المؤمن فكالغائب يعود إلى أهله، وأما العبد الفاجر فكالعبد الشارد على سيده يقبض عليه مولاه. الآن شخص غائب عن أهله في غربة، غاب ورجع كيف يكون وضعه في أول ليلة عندما يدخل على أولاده وعلى أمه وأبيه وزوجته وعلى جماعته فرحين مسرورين؟ هو في غاية الفرح والسرور؛ لأنه رجع لأهله، لكن المملوك الذي شرد من سيده وتمرد عليه، ثم قبض عليه أين يرقده تلك الليلة؟ يضع القيد في رجله ويدعه مع الحمار في الإسطبل لماذا؟ لأنه عبد منحوس هرب، لا بد أن نحبسه مع الحمار لكيلا يهرب مرة ثانية. وكذلك -ولله المثل الأعلى- العبد المحسن يعود إلى مولاه ويرجع إلى أهله في الجنة، والعبد الشارد من الله، الهارب من طاعة الله، المحارب لأوامر الله، المعتدي على حرمات الله، عبد سيئ هارب يقبض عليه سيده أين يرقده؟ في النار. قال: أما العبد المؤمن فكالغائب يعود إلى أهله، وأما العبد السيئ فكالآبق يقبض عليه مولاه.

ضرورة محاسبة النفس على الذنوب والمعاصي

ضرورة محاسبة النفس على الذنوب والمعاصي يا أخي! هل تستطيع أن تذكر الموت وأنت تغني وأنت تشاهد الأفلام وأنت تتابع المسلسلات والتمثيليات؟ هل تستطيع المرأة أن تذكر الموت واهتماماتها محصورة في الموضات والتسريحات، والوجبات والأكلات، وطبق اليوم؟ ليس عندها وقت أصلاً. بعض النساء تمضي عليها ساعة أو ساعتان وهي أمام المرآة، ولهذا يشكو بعض الأزواج يقول: إذا قلت للمرأة: سوف نخرج لا بد أن أبلغها قبل ساعتين، وهي تلف وتدور مكانها، إلى أن تتصبغ وتتلمع وتقف وتقوم وتطلع وتنزل ساعتين من عمرها من أجل أنها سوف تخرج، لماذا هذا التزين؟ المفروض أن هذا التزين للزوج، لكنها إذا رجعت إلى البيت وضعت زينتها وغسلت وجهها، وأصبحت كأنها جنية ودخلت على زوجها، جميع وسائل الزينة للشارع، الصدر والهضاب المحشوة بالقطن في الشارع، والكعب الذي يجعلها مثل الغزال للشارع، والحمرة للشارع، والكحل للشارع، والأظافر المحرمة للشارع، فإذا دخلت البيت وضعت الكعب ورجعت على قامتها تلك، وأبعدت الحمالات رجعت على صدرها ذلك، وأبعدت الكحل ورجعت على وضعها، ما هذا؟! الزينة ما هي إلا للزوج ليست للشارع، جمال الشوارع هذا حرام، زينة المرأة ممنوعة إذا خرجت إلى الشارع، وإذا مشت متطيبة وشم الرجال ريحها فهي زانية، لكن إنا لله وإنا إليه راجعون!! متى تذكر الموت وهذا وضعها؟ ومتى يذكر الموت من اهتماماته ومداركه ومعارفه ومعلوماته كلها معلومات الممثلين؟ يعرف أسماء الممثلين كلهم وكذلك الممثلات، يرى امرأة يقول: هذه فلانة، وهذا فلان، ويعرف أسماء اللاعبين كلهم، ويعرف أسماء المغنين كلهم، ولو سألته عن صحابي من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عرفه، ولو سألته عن آية من كلام الله ما عرفها، ولو عرضت عليه حديثاً من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عرفه، هذا هل يذكر الموت؟!! لو حاسبت نفسك -يا أخي في الله- على الذنوب لكانت بعدد الرمل والتراب، ومع ذلك نحسن الظن بالله ونحن نسيء العمل، إن حسن الظن الشرعي يقتضي حسن العمل، وإن من يسيء العمل إنما يسيء الظن بالرب، ويتهم الله بأنه لا يعرف كيف يجازي خلقه. اسمع أخي إلى حكاية أبي بكر الكناني يقول: كان هناك رجل يحاسب نفسه، فحسب سنينه فوجدها ستين سنة، وحسب أيامه -ضرب ستين سنة في ثلاثمائة وستين يوماً- فوجدها واحداً وعشرين ألفاً وستمائة يوم، فصرخ وخرَّ مغشياً عليه، ولما أفاق قال: يا ويلاه! أنا آتي ربي بواحد وعشرين ألفاً وخمسمائة ذنب إذا كنت أرتكب في كل يوم ذنباً! فيا أخي: من الذي منا يذنب في اليوم الواحد ذنباً؟ إنه ولي من أولياء الله، ولكنها مئات بل آلاف الذنوب، فكيف إذا أذنبت ذنباً، يعني: في الشهر ثلاثين ذنباً، وفي السنة ثلاثمائة وستين، وفي العشر السنوات ثلاثة آلاف وستمائة، وفي عشرين سنة سبعة آلاف ومائتين وهكذا، إذا كان في كل يوم ذنباً، فكيف إذا كان كل يوم مائة ذنب أو مائتين أو ثلاثمائة بل بعضهم من حين يصبح حتى يمسي ما يطيع الله لحظة، كل حياته ذنب في ذنب: من عينه من أذنه من لسانه من يده من رجله من كل شيء، يشتغل في المعاصي مائة بالمائة، ولا تكتب له حتى حسنة واحدة، أما السيئات فهي ليل نهار، بل بعضهم يعصي الله وهو نائم! شخص من الناس يغني وهو نائم؛ لأنه كان يغني وهو مستيقظ. فلماذا يا أخي ترضى لنفسك أن تكون عاصياً وأن تأتي يوم القيامة وأنت تحمل على ظهرك هذه الأوزار؟ يقول الله: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [الأنعام:31] {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل:89 - 90]. أخي في الله! استيقظ من غفلتك، وعد إلى ربك، واذكر الموت؛ وهادم اللذات، ومفرق الجماعات، وميتم البنين والبنات، اذكر مبكي العيون ومغير الجفون، اذكر قاطع الأماني والأحلام، تفكر يا مغرور في الموت وسكرته وشدته ومرارته، تذكر يوم موتك وانتقالك من سكنك على ظهر الأرض إلى سكنك في بطنها. كان صلى الله عليه وسلم يقول: (أكثروا من ذكر هاذم اللذات) والحديث صحيح، رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه. لأن الذي يكثر من ذكر الموت يكرمه الله بثلاثة أشياء: أولاً: تعجيل التوبة. فأنت ما دمت تكثر من ذكر الموت فلماذا تستمر في المعاصي. ثانياً: القناعة، ما دمت سوف تموت تقنع بالذي معك، لكن الذي ينسى الموت لا يقنع مثل شارب البحر كلما زاد شربه منه زاد عطشه. أما الذي يكثر من ذكر الموت يقول: لا، تكفي هذه؛ لأنه يعلم أن الموت قريب. ثالثاً: النشاط في العبادة، الذي يكثر ذكر الموت يعجل التوبة، ويقنع بالذي عنده، وينشط في العبادة، بدلاً من أن ينشط في الدنيا ينشط في العمل الصالح، يزيد من الذكر من القراءة من الصلاة من قيام الليل من الصيام، لماذا؟ لأنه يكثر ذكر الموت، يقول: سوف أموت، قد لا أستطيع أن أصلي، وقد لا تأتيني فرصة أخرى. أما الذي ينسى الموت فيعاقب بثلاثة أشياء: أولاً: تأخير التوبة، وهذه مصيبة أن تؤخر التوبة فقد يأتيك الموت وأنت لم تتب. ثانياً: الطمع والحرص والجشع وانفتاح القلب على الدنيا. ثالثاً: الكسل في العبادة، فعند الصلاة تجده كسلان، وتجده يدفع إليها دفعاً الذكر لا يريده القرآن لا يريده، وإذا كسلت عن العبادة ضيعت أرباحك في الآخرة ولم يعد معك شيء؛ لأنه ليس في الآخرة إلا العبادة فليس هناك أموال، فأنت الآن تعمل في الدنيا وعندك أموال لكن إذا مت فلن يضعوا في قبرك أي ريال، بل يوضع معك العمل، وليس معك شيء من العمل.

السلف وكثرة ذكرهم للموت

السلف وكثرة ذكرهم للموت فهذه عقوبات من لا يكثر من ذكر الموت. وقد جاءت امرأة إلى عائشة رضي الله عنها تشكو قسوة قلبها، فقالت لها عائشة: [أكثري من ذكر الموت يرق قلبك] ففعلت المرأة ذلك العمل فرق قلبها، وجاءت تشكر عائشة رضي الله عنها وتخبرها بأن الله عز وجل قد رقق قلبها لذكره. وعندما تكثر ذكر الموت تهون عليك المصائب؛ لأن الموت أكبر مصيبة، فأي مصيبة تأتي في الدنيا فتذكر أن الموت سوف يأتي قريباً. يقول عمر بن عبد العزيز: [إذا كنت في سعة من العيش وأردت أن يضيق عليك العيش فاذكر الموت، وإذا كنت في ضيق من العيش وأردت أن يتسع عليك العيش فاذكر الموت] كيف؟ قال العلماء: إذا كنت في سعة وذكرت الموت ضاقت عليك السعة لأنك تعلم أنك سوف تموت وتتركها، وإذا كنت في ضيق دين هم غم، وذكرت الموت تقول: سوف أموت وما هي إلا أيام وليالٍ على الهم هذا. فالموت ما ذكر في كثير إلا قلله، ولا في واسع إلا ضيقه، وما ذكر في قليل إلا كثره ولا في ضيق إلا وسعه، فذكر الموت فيه الخير وفيه كل شيء. يقول أبو الدرداء: [ثلاث أحبهن ويكرههن الناس، قالوا: وما هن؟ قال: الفقر، والمرض، والموت. قالوا: ومن يحبها يرحمك الله؟ قال: أما الفقر فتواضعاً لربي، وأما المرض فتكفيراً لخطيئتي، وأما الموت فللقاء ربي]. وقد كنا مرة في طائرة متجهة من جدة إلى الرياض، وفي أثناء الطيران حصل خلل في الطائرة، حيث توقف أحد المحركات وبقي محرك يعمل، فتصعد الطائرة بالمحرك هذا إلى السماء لكي لا تسقط على الأرض، ثم تنزل أحياناً إلى مائتين أو ثلاثمائة متر سقطة واحدة، فتكاد القلوب أن تنخلع، وأعلن قائد الطائرة للناس: أنه يريد أن يرجع، وبدأ الناس بالبكاء والصراخ، وكان معي في الطائرة اثنان من الإخوة وكنا في ثلاثة مقاعد في الوسط، وكنت أنظر إليهم وإلى الذين في الطائرة؛ فأجد بعضهم قد وضعوا رءوسهم تحت الكراسي، وبعضهم يصيحون، وآخرون يولولون، وهؤلاء الإخوان كل شخص يقول: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها اللهم أحسن خاتمتنا اللهم الطف بنا، والعالم في ذهول ودهشة، وشاء الله أن تسلم الطائرة وننزل. وأقول للإخوان: كيف؟ قالوا: نحن لو متنا عندنا أمل في الله كبير أن يرحمنا برحمته، وإن كانت أعمالنا قليلة لكن حسن ظننا بربنا في تلك اللحظات يجعلنا نأمل خيراً، ولهذا ذكرنا الله، ولو متنا إن شاء الله فإن الخاتمة ستكون جيدة. وأنظر إلى هؤلاء وخاصة في أناس ليسوا مسلمين يظهر عليهم أنهم (خواجات) والله يا إخواني إنه بلغ بهم من الرعب شكلاً لا يتصوره العقل، وخصوصاً بعض مضيفات الطائرات. فذكرك للموت يجعلك دائماً تستعد، فإذا جاء الموت أو رسل الموت أو نذر الموت وإذا بك لا تخاف. ولما جاءت ساعة الاحتضار لـ عامر بن عبد قيس جعل يبكي، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: والله ما أبكي جزعاً ولا حرصاً على الدنيا، ولكني أبكي على ظمأ الهواجر، وعلى قيام ليالي الشتاء. يقول: حيل بيني وبين ظمأ الهواجر بالصيام، وقيام الليالي في الشتاء بالصلاة، والشتاء يسميه العلماء: غنيمة المؤمن، فإن نهاره قصير وليله طويل، فيستغله أصحاب التوفيق في صيام النهار، أو ما قدروا عليه من الأيام، وفي قيام الليل، فإن الليل طويل فيكفيك منه ساعات في النوم، ثم تستطيع أن تستيقظ آخر الليل فتصلي ما شاء الله لك، ثم تجلس تستغفر في الأسحار حتى يؤذن الفجر ثم تذهب تصلي الفجر في المسجد، فهذا توفيق عظيم، فإذا كنت قد حرمت قيام الليل في أيام الصيف لقصر الليل فلا يفوتك أيضاً قيام الليل في الشتاء، فهو غنيمة المؤمن. انظر أخي! كيف كانوا يذمون أنفسهم على تقصيرها مع حسن عملهم، أما نحن فقد جمعنا بين الإساءة في العمل والأمن من عذاب الله، يعني: ينبغي أن يحسن الإنسان العمل ويخاف مع هذا، يقول الله عز وجل عن الصحابة وعن السلف الصالحين: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17 - 18] وقال سبحانه وتعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:16]. وهكذا شأن الصالحين أنه يحسن في العمل ويخاف من الله. أما المخذول -والعياذ بالله- يسيء العمل ولا يخاف من ربه، وإذا قلت له يقول: يا شيخ! الله غفور رحيم، فهو عنده إساءة وأمن، وذاك عنده عمل طيب وخوف من الله، فهذا هو الطيب. يقول شداد بن أوس رضي الله عنه: [الموت أفظع هول في الدنيا على المؤمن، وهو أشد على المؤمن من نشر بالمناشير، وقرض بالمقاريض، وغلي في القدور، ولو أن الميت بعث ونشر فأخبر أهل الدنيا بألم الموت ما انتفعوا بعيش وما تلذذوا بنوم]. فكأنك بالعمر يا أخي! وقد انقرض، وهجم عليك الألم والمرض، وفاتك كل مراد وغرض! {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} [ق:22] شخص البصر، وسكن الصوت، ونزل بك ملك الموت: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} [ق:22] بلغت الروح إلى التراقي، ولم تعرف الراقي من الساقي، ولم تدر عند الرحيل متى التلاقي: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} [ق:22]. ذكرنا أيها الإخوة أن من الأمور التي تعينك على عبادتك لربك وانتشالك لنفسك من الغفلة ذكرك لسكرات الموت، ولكن كيف تعرف سكرات الموت؟ هذا موضوع طويل، أخذنا منه بطرف، ولكن التوسع فيه يحتاج إلى درس كامل، وهو إن شاء الله ما سيكون موضوع الدرس في الشهر القادم إن شاء الله وسوف يعلن عنه، هذا الدرس بعنوان: غمرات الموت، لكن القادم سيكون بعنوان: سكرات الموت، وستتوالى الدروس في هذا الأمر حتى نستيقظ، فإن الذي لا ينتبه ولا يتعظ ولا يستيقظ بالموت ولا بالقرآن فمتى يتعظ؟ الواعظان اثنان: القرآن والموت، فمن لم يتعظ بالقرآن ولا بالموت فلو تناطحت الجبال بين عينيه لم يتعظ والعياذ بالله. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يخفف علينا سكرات الموت، وأن يوقظ قلوبنا وإياكم من الغفلة، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، كما نسأله تبارك وتعالى أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة، ويذل فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر، إنك سميع الدعاء. اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا ونعمتنا واستقرارنا، اللهم من أرادنا في هذه الديار أو غيرنا من ديار المسلمين بسوء أو شر أو كيد أو مكر فاجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره، وأنزل عليه بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحبه وترضاه، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وسوف نجيب على الأسئلة باختصار، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة

ضوابط الإتيان بالأولاد إلى المسجد

ضوابط الإتيان بالأولاد إلى المسجد Q بعض الآباء يأتون بأبنائهم إلى المسجد ثم يتركونهم يعبثون في بيوت الله ويزعجون المصلين، فما توجيهكم؟ A الإتيان بالأبناء إلى المسجد له ضوابط وشروط وهو مطلوب؛ لأن الأمة لا بد أن تعيش بأجيالها، والأجيال هم هؤلاء الصغار، فإذا ربيناهم على الصلاة من الصغر وصلوا إلى سن الكبر وقد تدربوا على الصلاة، ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع)، وبعض الآباء يهمل هذا الحديث، فلا يأمر ولده على سبع، ولا يضرب ولده على عشر، فإذا بلغ ولده لا يصلي قال: ولدي لا يصلي، قلنا: أنت الذي أهملته صغيراً فكيف تريد أن يصلي وهو كبير؟! لا. إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت ولا تلين إذا صارت من الخشب الطفل الصغير ما دامت تعوده على الصلاة وهو صغير، وتزرع في قلبه حب الصلاة وهو صغير، لا يصل سن البلوغ إلا وهو يصلي، ولا يجد صعوبة؛ لأنه مدرب، أنت قد علمته، لكن تهمله وتضيعه إلى أن صار رجلاً ثم تقول له: صل، فلن يصلي، ويراها من أصعب الصعوبات عليه، فالأمر بالصلاة مطلوب للصغير، لكن إحضاره إلى المسجد له شروط: أولاً: أن يكون قد تجاوز السبع، فلا ينبغي أن تأتي بالذي سنه صغير لا يعرف مسجداً ولا طهارة، بعضهم يأتي بولده وعمره سنتان وثلاث وأربع، لماذا؟ لأنه يحب ولده، ويريد أن يدلله ويأتي به ليتمشى، اذهب به إلى غير هذا المكان اذهب به إلى الحديقة اذهب به إلى الشارع اذهب به إلى الملعب إلى أي مكان، لكن تأتي به إلى المسجد لا يصلح. بعضهم يأتي بولده ويهمله ويدعه يلعب ويجري ويعبث بالمصاحف ويقطع الصلاة على المصلين، ويحدث فوضى، لا يجوز؛ لأن هذا يؤذي المصلين، وإيذاء المصلين لا يجوز لأنه إيذاء لله عز وجل، فلا ينبغي أن تأتي به وهو دون السبع، بعد ذلك إذا كان فوق السبع تعطيه آداب المسجد تقول له: يا ولدي نحن نذهب إلى الصلاة، والصلاة هذه فريضة الله والشعيرة العظيمة، نقف فيها بين يدي الله، فينبغي أن نكون مؤدبين مع الله، إذا وقفت في الصلاة تجعل عينيك في موضع سجودك، وتضع يدك اليمنى على اليسرى على صدرك، ولا تلتفت كذا ولا كذا، وإذا سمعت قراءة الإمام تنصت، إذا ركعت تركع وتثني ظهرك، وإذا سجدت تخشع، علمه كيف يصلي، إذا قمت امش ولا تنظر ولا تجري ولا تعبث؛ لأن هذا بيت الله، تمشي وعليك السكينة، إذا علمت الولد هذه الآداب يتأدب، وبعد التعليم تأخذه في يدك تصلي جنبه، وإذا معك ولد لا تصل في الروضة حتى لا تؤذي الناس بولدك، اذهب وصل في الطرف، وأنا أفضل أن تصلي في الطرف وولدك إلى جنبك أحسن من أن تصلي في الروضة وولدك في وراء المسجد يعبث ويضيع على الناس صلاتهم، خذ أولادك بجانبك وصل معهم؛ حتى تضبط حركتهم، بهذه الضوابط لا يوجد مانع. أما أن يأتي المسلم ليصلي ويترك أولاده يعبثون في المسجد، ويسيئون في التعامل مع الناس، ويحدثون الأصوات والفوضى، ويجرون ويهرولون، ويمزقون المصاحف ويعبثون، ويضحكون ويصيحون، فإن هذا أذى، ولا يجوز، وأنا أخشى على من يأتي بأولاده أن تصدر دعوة من المصلين عليه وعلى أولاده، وقد تحيط به. وأذكر وأنا في أبها أن رجلاً كان يأتي بولده إلى المسجد، وهذا الولد يعبث يعني يعمل حركة والناس قد كلموه وهم ينصحونه وهو يرفض، فكأن واحداً منهم دعا عليه، وخرج من المسجد وولده معه، وانطلق الولد يقطع الشارع وتصدمه السيارة، وكثير من المصلين ما تأسف على موت هذا الولد؛ لأنهم ارتاحوا منه. فيا أخي! لا تزعج الناس فتجعلهم يدعون على ولدك فتستجاب الدعوة عليه وإذا به قد مات، لا، اترك ولدك في بيتك إلى فوق سبع، ثم أحضره بيدك، وأشغل ولدك بطاعة الله عز وجل.

مفهوم ظلم العبد لربه

مفهوم ظلم العبد لربه Q كيف يقع الظلم على الله؟ A وقوع الظلم هنا ليس معناه: أن الله يتأذى، لا، فالله عز وجل لا تضره معصية العاصين ولا تنفعه طاعة المطيعين، وإنما يقع الظلم أعني بالشرك بالله، فإذا أشرك الإنسان بالله وقع ظلم من العبد بشركه بالله عز وجل، لكن كون الله يتضرر، لا، لأن الله غني عن العالمين، الله يقول: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك) ويقول في الحديث القدسي في صحيح مسلم: (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً).

الأعمال التي تنجي من فتنة القبر

الأعمال التي تنجي من فتنة القبر Q هل هناك عمل ينجي من ظلمة القبر؟ A نعم. توجد أعمال، لكن ليس هذا المقام مقامها، هناك أعمال تنجي من ضغطة القبر، يعني ما يأتي للإنسان فتنة في القبر، من ضمنها الشهادة، ومن مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة هذا ما يأتيه شيء في القبر، والحديث صحيح في مسند أحمد، والشهيد ليس المراد الشهيد فقط الذي في المعركة، الشهداء كلهم: الشهيد من مات مطعوناً، أو مبطوناً، أو متردياً، أو غريقاً، أو حريقاً، والمرأة التي تموت على ولادة؛ هؤلاء كلهم شهداء، إذا ماتوا، بشرط أن يكونوا مؤمنين متدينين، وفيهم خير. أما إذا كان -والعياذ بالله- فاجراً أو قليل دين تاركاً للصلاة، ومات متردياً أو غريقاً أو أحرق فهذا عذاب عاجل -والعياذ بالله- ولا ينتفع بهذا، إنما الشهداء من المؤمنين الصالحين.

حكم العادة السرية وأضرارها وعلاجها

حكم العادة السرية وأضرارها وعلاجها Q ما حكم العادة السرية مع الدليل، مع بيان أضرارها وعلاجها وتقديم النصيحة فيها؟ A أما حكها فهو التحريم، وقد صرح بهذا العلماء، واستدلوا بقول الله وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن قول الله عز وجل يقول الله عن المؤمنين: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون:6 - 7] فالذي مارس العادة السرية وأخرج المني عن طريق الاستمناء باليد هذا ابتغى طريقة غير الزواج وملك اليمين فهو عَادٍ: يعني متجاوزاً لحرمات الله. وأما الحديث ففي الصحيحين يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فيه بالصوم) وما قال: فعليه بيده فإنها له وجاء. أما أضرارها فقد تكلم عنها العلماء والأطباء، وقالوا: إن أضرارها كثيرة جداً وتنقسم إلى قسمين: أولاً: أضرار دينية. من الأضرار الدينية أن صاحبها يتعرض للعنة لورود آثار تدل على اللعنة: [لعن الله ناكح يده] ووجدت آثار: [أن ناكح يده يبعث يوم القيامة ويده حبلى] ما يخرج حيوان منوي إلا وتحمل اليد به، لكن آثار الحمل لا تظهر إلا يوم القيامة. ثانياً: أضرار نفسية. فإن الذي يستمني بيده كثيراً تصبح نفسه -والعياذ بالله- دنيئة، ويصبح حيواني الطبع ليس له هم إلا ممارسة هذا الأمر الذي لا تمارسه الكلاب والقردة والعياذ بالله. وأيضاً: أضرار صحية، وأضرار اجتماعية، وأضرار بيئية، وأضرار تناسلية، يحصل عند الإنسان تهتك، يحصل عند الإنسان استهلاك للحيوانات المنوية، حتى قال العلماء: إنه إذا تزوج لا ينجب؛ لأنه قد انتهى، الذي عنده من الحيوانات المنوية ذهبت، وإن بقي عنده مني فإنه يكون ضعيفاً ونسله ضعيف -والعياذ بالله- فما ينبغي للمسلم أن يعملها. فأما العلاج: فأولاً: مخافة الله، وذكر الله، وأن هذا حرام ولا ينبغي له أن يعلمه. ثانياً: أن ينشغل بالطاعة والعمل الصالح وقراءة القرآن. ثالثاً: أن يمارس عملاً مهنياً شاقاً، وإن لم يجد فيمارس عملاً رياضياً حتى يستهلك طاقته في هذا الجهد. رابعاً: ألا يكثر من الأطعمة التي تبعث فيه القوة، وأن يأكل طعاماً خفيفاً، قوت حتى لا يموت، فقط، حتى يتزوج، فإذا تزوج يأكل كل ما أراد. خامساً: أن يبعد نفسه عن الأشياء التي تثير فيه غريزة الجنس مثل: سماع الأغاني، والنظر إلى النساء، وقراءة القصص الغرامية، والنظر إلى الأفلام والمسلسلات، وسماع الحكايات من الزملاء عن الجنس؛ لأن هذه كلها تشعل العامل الجنسي. سادساً: قراءة أخبار السلف وقصص الصالحين الذين كانوا يعفون أنفسهم عن الحرام. وبعد هذا كله دعاء الله، يدعو الله بالعفة؛ لأن الله يقول: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:33]، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ومن يستعفف يعفه الله) الذي يستعفف ويخاف من الله فإن الله سوف يعفه من الحرام ومن العادة السرية ومن كل أنواع الحرام.

نصيحة لمن تاب وقد عق والديه

نصيحة لمن تاب وقد عق والديه Q شاب كان يعق والديه، ثم التزم وتاب إلى الله وأقلع واتبع أصحاب الخير والصلاح، فهل يفعل أولاده به كما كان يفعل من العقوق على قاعدة: كما تدين تدان؟ A الحمد لله الذي هداه وتاب عليه إن شاء الله، فإن كان أبوه وأمه لا يزالان موجودين فليتدارك حياتهما بالبر، وليحسن إليهما، وليكفر عن عقوقه لهما بالبر الكامل، وإن كانا قد ماتا فعليه ببرهما بعد وفاتهما: أولاً: بكثرة الدعاء، فإن الدعاء يصلهما. ثانياً: بالصدقة عنهما. ثالثاً: بصلة رحمهما. رابعاً: بزيارة ودهما، الود الذي كان لهما ويزور أصدقاءهما. وهذا إن شاء الله يكفر عنه بإذن الله خطيئته، وسيجعل الله له إن شاء الله أولاداً صالحين؛ لأن التوبة تجب ما قبلها، ومن تاب تاب الله عليه. أكتفي بهذا أيها الإخوة، وأعتذر عن الإجابة عن بقية الأسئلة لضيق الوقت. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لو أن الله هداني

لو أن الله هداني إن الهداية منحة إلهية، يهبها الله لمن يشاء، فهي ليست أمنية يتمناها العبد، وينتظرها حتى تأتيه، بل هي إقبال على الطاعات، وابتعاد عن المعاصي والمنكرات، والمسارعة بالتوبة والأوبة والخضوع والانقياد، والقبول والاستسلام.

المسارعة إلى الله قبل الندم

المسارعة إلى الله قبل الندم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الإخوة في الله! يقول الله عز وجل: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة:13] ويقول عز وجل: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:99] ويقول عز وجل: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56]. اتصل بي شابٌ مؤمنٌ هداه الله ووفقه إلى الصراط المستقيم، وقال لي: إنه دعا أحد إخوانه في الله إلى الإيمان، وإلى الهداية والالتزام، فتعلل بهذه التعللات، واستشهد بهذه الآيات، وقال: إن الله لم يهده. فيقول لي الأخ: كيف أصنع به؟ وبماذا أجيب عليه؟ الإجابة على مثل هذا الذي يقول: إذا هداني الله اهتديت لو أن الله هداني لكنت مثلك أو أحسن منك؛ لكن لم يهدني الله إلى الآن. الجواب جاء في القرآن الكريم -وكأنه يعالج مثل هذه المشكلة، ويجيب على هذا التساؤل- في آخر سورة الزمر، يقول عز وجل: {وَاتَّبِعُوا} هذا أمر لكم أيها المكلفون {أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ} [الزمر:55] وأحسن ما أنزل هو كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم {مِنْ قَبْلِ} أي: فليس هناك مجال للتأخير أبداً، إن من يماطل أو يؤجل التوبة، لحظة واحدة خاسر؛ لأن التأجيل ليس من صالحه، التأجيل يعرضك لقضيتين خطيرتين: إما مفاجأتك بالقضاء والقدر على غير موعد، فتخسر خسارة كبيرة، وتندم ندامة لا تعوض، ولا تقوم لها الدنيا كلها، وإذا سلمت من الموت ولم تتب؛ فإنك تخسر خلال فترة التأجيل وقتاً ذهبياً من عمرك كان بإمكانك أن تستغله، وأن تملأه بالعمل الصالح، فالذي يماطل بالتوبة خاسر على الجانبين، ماذا يكسب عندما يظل بدون توبة؟ يكسب نوماً كثيراً، وأكلاً كثيراً، وشهوات كثيرة، ودنيا؟!! لا. بل إنه يخسر كل شيء، يقول الله عز وجل: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ} يعني: ماذا يضرهم {لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً} [النساء:39] يعني: ماذا ينقصهم ويضرهم لو أنهم ساروا على الخط الصحيح، والتزموا الإيمان بالله وباليوم الآخر، والإنفاق في سبيل الله ما الذي يضرهم؟! لا شيء، بل لهم لا عليهم، فالإنسان لا ينبغي له أن يؤجل التوبة {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ} [الزمر:55] يعني: الموت، وسماه الله عذاباً لأنهم في دائرة العذاب الموت للكافر والفاجر والعاصي هو الانتقال من العذاب الأدنى إلى العذاب الأكبر، الذي قال الله فيه: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [السجدة:21] فالعذاب الأدنى ما يناله الفاجر والعاصي من شقاء وضلال وقلق في هذه الدار، فإذا مات قال الله تعالى: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} [الزمر:54] من يستطيع أن ينصرك في تلك اللحظات؟ إذا مت ولقيت الله أيها العبد! ووجهك أسود، وصحفك سوداء، وعملك سيئ فمن ينصرك؟! هل المال ينصر في تلك اللحظات؟! الولد ينصر؟! هل المنصب والجاه، والملك والإدارة، والوزارة والإمارة؛ تنصر؟! لا. لا ناصر أبداً إلا الله. والله تعالى لا ينصر الكافر؛ لأنه قال: {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:47] نصرهم في الدنيا والآخرة، أما الفجرة فلا ينصرهم الله، بل يخذلهم ويتخلى عنهم أحوج ما يكونون إليه.

الدعوة إلى الإنابة والرجوع إلى الله تعالى

الدعوة إلى الإنابة والرجوع إلى الله تعالى {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} [الزمر:54] (وأنيبوا) أي: ارجعوا، والإنابة هي: سرعة التوبة، ليس تائباً فقط، بل منيباً مهرولاً إلى الله، مسرعاً لا يلوي على شيء، اتجاهه وعزمه وتصميمه في سيره إلى الله، في كل لحظة يتوب، يقول عليه الصلاة والسلام: (إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة) ويحسب له في المجلس الواحد الاستغفار سبعين مرة وهو الذي قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال الله تعالى: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [الفتح:2] وكان في كل أوقاته يردد: أستغفر الله العظيم وأتوب إليه، كان رجوعاً أواباً. {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ} [ق:31 - 32] يعني: الجنة {لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} [ق:32] أواب يعني: رجاع، حفيظ: محافظ على طاعة الله، حريص عليها، يضن بها أعظم من ضنه بالدرهم والدينار {مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} [ق:33 - 34] نسأل الله من فضله، وهذا هو الشرف والفضل يا أخي! إذا مت ورأيت في بيتك ملائكة الجنة معها كفن من الجنة، وجاءك ملك الموت، وقال لك: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر:27 - 28] والله لا تحزن على شيء، تحزن على ماذا؟ على الزوجة؟ تحزن على واحدة والله سيعطيك في الجنة سبعين زوجة، الواحدة منهن خيرٌ من الدنيا وما عليها؟ والله ما عاد تذكر واحدة في هذه الدنيا إلا إن كانت صالحة، ويجعلها ربي معك في الجنة. أتحزن على عمارة أو بيت والله سيعطيك قصوراً في الجنة من در مجوف، طول القصر ستين ميلاً في السماء؟ أتحزن على مزرعتك والله يعطيك مزرعة في الجنة، الغصن الواحد من شجرة الجنة مائة عام يقطعها بصرك، وأنت جالس تبصرها على مسافة مائة عام؟!

تصوير المعرضين عن التوبة وتحسرهم بعد الموت

تصوير المعرضين عن التوبة وتحسرهم بعد الموت {لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق:32 - 33] منيب: خاشع خاضع لله، يبكي من خشية الله لا يتعاظم على الله لا يتعالى على أوامر الله، إنما يرتعد، يخاف، يوجل، يشفق، كأن النار ما خلقت إلا له، يتصور أن الناس كلهم ناجون وأنه هو الخاسر، ويتصور أن الناس كلهم صالحون وأنه هو الفاسق، ويتصور أن الناس كلهم سيدخلون الجنة وأنه في النار، ولهذا في قلبه مثل النار. {لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [ق:32 - 33] هذه صفات أهل الإيمان أربع صفات: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:34 - 35]. يقول الله عز وجل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الزمر:53 - 55]. مسرع بالسيارة، وفجأة بنشرت العجلة، ليس عندك حساب أو تخطيطات للموت، كل حساباتك للدنيا، كثير من الناس يموت وفي باله كل شيء إلا الموت، في باله الوظيفة، والزوجة، والعَشاء، والأولاد، ولكن أن يأتيه الموت {بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الزمر:55] من غير أن تتصوروا أو تعقلوا. {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ} [الزمر:56] أي: لئلا تقول نفسٌ، وهنا نفس نكرة، أن تقول أي نفس عند الموت {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} [الزمر:56] يتمنى ويتحسر ويتندم على ما فرط في جنب الله، ما الذي فرط فيه في جنب الله؟ إما بارتكاب معصية، أو بترك طاعة. (يا حسرتى) هل يريد أحدنا يا إخواني! أن يقول هذه الكلمة عند الموت؟ والله ليس هناك عقل عند الإنسان الذي يعيا إلا على المعاصي والذنوب، ونقول له: يا أخي! اتقِ الله لا تزنِ، لا ترابِ، لا تترك فريضة، لا تعق والديك، لا تقطع رحمك، يقول: لا. يعني: فهل تستمر حتى تموت؟ وبعد ذلك تأتيك التحسرات وتقول: (يا حسرتى) هل تنفعك هذه التحسرات؟ هل تغني عنك وتنفعك هذه الأشياء؟ {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ} [الزمر:57 - 58] إذا رأيت النار ومنزلها {لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً} [الزمر:58] يطلب فرصة ثانية، يطلب إمهالاً {لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً} [الزمر:58] يعني: رجعة إلى الدنيا {فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الزمر:58] أرجع فأعمل عملاً صحيحاً، اعمل الآن إن كنت صادقاً، هب أنك مت، وأنك دخلت القبر، وأنك رأيت مصيرك وقلت: ردني يا رب، فالآن ردك ربي، لا زلت حياً! وبعد ذلك قال: {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي} [الزمر:57] هذا الشاهد من الآيات، مثل الذي يقول له: يا أخي! اتقِ الله، قال: لو أن الله هداني لكنت مثلك، هذا العذر يقوله الآن ويقوله إذا مات، يقول هذه الكلمة: يا رب! لو أنك هديتني لكنت مع الناس: {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [الزمر:57] قال الله عز وجل جواباً على هذا المكابر: {بَلَى} يا كذاب {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي} [الزمر:59] أي: قد هديتك، قال المفسرون: معنى: (جاءتك آياتي) أي: هديتك إليها بآياتي.

حقيقة الهداية ومعناها

حقيقة الهداية ومعناها معنى الهداية أي: الدلالة، يعني: لو أن أحداً لقيك في الطريق يقول لك: أين مسجد اليحيى؟ فتقول له: هذا الطريق وتدله عليه، لكنه بدلاً من أن يأتي من هنا، ذهب من الطريق الأخرى، وبعد ذلك ظل يبحث عنه إلى نصف الليل، وبعد ذلك لقيك فيقول: يا أخي! أين مسجد اليحيى؟ تقول: من أين جئت أنت؟ قال: جئت من هنا. حسناً! ألم أقل لك أن تسير من هنا، هل أنا هديتك؟ بلى! قد هديتك إلى المسجد، قد دللتك على الطريق، لكنك خضت شرقاً، وأنا أقول لك: اتجه غرباً لتصل إلى المسجد، فالله عز وجل يقول: ((بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي)) [الزمر:59] أي: قد هديتك إليَّ ولكن كذبت بها وتنحيت، تسمع آيات الصلاة وترفضها، تسمع آيات الزكاة ولكن المال عندك أحب من الله، كثير من الناس ليست الزكاة في حسبانه وعنده آلاف الريالات، وعشرات الآلاف، ولا يتصور أن الزكاة تجب إلا على الأثرياء، وأصحاب الملايين، ومتى تزكي؟ قال: ليس عندي شيء، كيف ما عندك شيء؟ عندك النصاب، النصاب لا يخلو منه جيبك في سائر العام، من هو الذي يخلو منا جيبه خلال العام كله من (56) ريالاً؟ هذا هو النصاب، إذا بلغ في جيبك (56) ريالاً وحال عليها الحول، يعني: دارت السنة وفي جيبك (56) أو أكثر تجب عليك الزكاة. أبو بكر يقول: [والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه] أي: لاستبحت دماءهم من أجله، تأتيك آية الصوم والحج والبر، وترك الزنا الربا الحرام التبرج، هذه آيات الله جاءتك الله هداك، قال: اعمل هكذا ولا تعمل هكذا، هذا معناه أنه هداك، هذا معنى الهداية.

التصور الخاطئ لمعنى الهداية

التصور الخاطئ لمعنى الهداية بعض الناس يتصور أن معنى: (الله هداني) أي: أن يسلبك الإرادة ويجعلك إنساناً آلياً تعبد الله بدون اختيار! ليس لك جنة إذا سلب الله منك الاختيار، كيف يجعل الله لك جنة وأنت تعبده بدون اختيار؟ وهذا معنى قول الله عز وجل: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} [السجدة:13] يعني: لو أردنا لسلبنا الإنسان القدرة على الاختيار، ولجعلناه آلياً في حركته يعبدنا بدون اختيار، ولكن هذه ليست حكمة الله؛ حكمة الله اقتضت أن يعطيه القدرة والاختيار، وجعل له جنة وناراً، والجنة والنار للإنس والجن من بين سائر الخلائق؛ الملائكة السماوات الأرض الشمس القمر الليل النهار النجوم الشجر الدواب الحجر البحار الأنهار، كم خلق الله في الأرض؟ لكن لا يدخل الجنة والنار شيء منها، كلها تؤدي دورها في الحياة لخدمة الإنسان؛ لأن الله عز وجل قال: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} [الجاثية:13] فإذا أغلقت الحياة، فالحيوانات تصبح تراباً، والشمس تكور، والنجوم تكدر، والأنهار تفجر، والبحار تسجر، وكلها تتغير ويأتي بك أنت يا (أبا اختيار) أنت الذي لك قدرة على أن تطيع، ولك قدرة على أن تعصي، فيقول: ماذا فعلت؟ أنا أعطيتك القدرة، وكرمتك، وفضلتك، وما جعلتك إنساناً آلياً، بل جعلتك سيد الكائنات، وجعلت لك القدرة على أن تسير في طريق الخير وطريق الشر، فماذا عملت؟ ماذا كنتم تعملون؟ وماذا أجبتم المرسلين؟ هذان سؤالان. فبعض الناس يتصور يقول: إن معنى الهداية أن الله ينزل ملكاً من الملائكة، ويربط في رقبتك حبلاً ويقول: سقه إلى المسجد كل صلاة، هذا ليس من حكمة الله؛ حكمة الله أنه بين لك الطريق، وأعطاك القدرة، وحين يسلبك القدرة يسلبك التكليف، انظروا حكمة الله، فالمجنون الذي ذهب عقله هل يعاقب؟ لا. لأنه ليس عنده القدرة على الاختيار، مسكين لا يدري: (رفع القلم عن ثلاثة) والقلم يعني: المؤاخذة والمسئولية، رفعت عن ثلاثة أصناف: (عن الصغير حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ) إذا أفطرت في رمضان ناسياً، كأن جئت إلى البيت وأكلت أرزاً ولحماً، ولما أكملت تذكرت: كيف أكلتُ وأنا صائم؟ يقول عليه الصلاة والسلام: (إنما أطعمه الله وسقاه) كل واشبع، لكن ليس عليك إثم، لماذا؟ لأنك أكلت وأنت ناس، والله لا يعاقبك وأنت ناس، إذا احتلمت في نهار رمضان وأنت صائم، فتقوم وتغتسل، ولا شيء عليك، لماذا؟ لأن الله سلبك الاختيار في تلك اللحظات، فأرغمك على فعل شيء من غير اختيار. كيف يرغمك على فعل شيء ثم يؤاخذك؟ هل هذا معقول في حق الله وهو العدل؟ هل هذا معقول في حكم البشر الآن؟ لو جئت من الخميس إلى الجولة، ووجدت رجل المرور يمنع الاتجاه إلى داخل الممساء، سيارات المرور واقفة، والإشارات شغالة، والعساكر يقولون: الاتجاه على المنهل، أنى اتجهت وجدت العسكري واقفاً يقول: لماذا تأتي من هنا؟ تقول للعسكر: ردوني، لا. أنت غلطان، هات مائة ريال، معقول يفعل المرور هذا، مدير المرور معقول أنه يسد الخط الداخل إلى أبها، وحولوا الناس على طريق الطائف، والذي يأتيكم فخذوا منه جزاء؟ ليس معقولاً، ولو كان مجنوناً، وإذا فعل ذلك مدير المرور، ماذا نقول له؟ هل نطيعه؟ لا. بل نقول: والله لا نعطيك، لماذا؟ لأننا ما أخطأنا، أنت الذي أجبرتنا أن نمشي من هذا الخط وتريد أن نعطيك نقوداً، والله لا نعطيك نقوداً ولو دخلنا السجن؟ فهل يعقل أن الله عز وجل يجبرك على سلوك طريق معين ثم بعد ذلك يدخلك النار؟ لا. متى يجوز للمرور أن يعاقبك؟ إذا وضع لك لوحة وفيها علامة إكس، وبالعربي تحتها ممنوع الوقوف، وأتيت ووقفت، يأتي يمسكُ السيارة ولا يفكها إلا بثلاثمائة ريال، ولما تأتي، لماذا قيدت أو أمسكت السيارة يا مرور؟ قال: انظر اللوحة، تقول: والله أنا آسف ضع عني هذه المرة، يقول: لا. هات ثلاثمائة، فتعطيه، ولا تقدر أن تتكلم عليه بكلمة واحدة؛ لأنك مخطئ، رأيت الإشارة واللوحة وجلست متحدياً للنظم والتعليمات، فتستحق الجزاء.

جعل الله المرء مختارا للخير والشر؛ لقيام الحجة عليه

جعل الله المرء مختاراً للخير والشر؛ لقيام الحجة عليه إن الله تبارك وتعالى -وله المثل الأعلى- أعطاك طريقين: طريقاً باتجاه اليمين وله علامات: صلاة صيام زكاة، هذه لوحات، علامات الطريق، وطريقاً باتجاه الشمال ممنوع الاتجاه إليه خطر خط أحمر: الزنا خطر، الحرام خطر، وأتى أحد الناس وقال: يريد أن يسلك هذا الطريق، امش في الطريق هذه، انظر هذا الاتجاه الصحيح، قال: لا. أريد أن أغني، لماذا تغني؟ الآخرة مستأخرة، حسناً! غن، لكن بعد ذلك والله ستخرج هذه الأغنية دماً من ضلعك كما جاء في حديث عمرو بن قرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن هذا وأمثاله يقومون يوم القيامة عرايا لا يستترون بهدبة، كلما قاموا صرعوا، ولهم عواء كعواء الكلاب) يعوي مثلما كان يعوي في الدنيا على الجنس، يعوي على الغناء، يعوي في النار ويضرب بالسياط، ويقيد بالسلاسل والأغلال، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فالله عز وجل يجيب على هذا وأمثاله ممن يحتجون بأن الله ما هداهم، قال الله تعالى: بلى! والله هديناك؛ هديناك يوم أن خلقناك بالفطرة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة) ما هي الفطرة؟ الفطرة هي الإسلام، ولهذا قال: (فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) ولم يقل: أو يمسلمانه؛ لأنه مسلم في الأصل، لكن أبواه يجعلانه إما يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً، يعني: على دين الأبوين، وهو مسلم، وفي صحيح البخاري يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي: (إن الله يقول: إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين) أي: أخرجتهم عن الحنيفية السمحاء، التي هي الدين الإسلامي، فالله خلقك وأودع فيك سلوكاً إسلامية، وركب طبيعتك على الإسلام، لتقوم عليك الحجة أكثر، أنزل لك كتاباً، وأرسل لك رسولاً، ومكنك من سلوك طريق الخير، وعدم سلوك طريق الشر، فلو أن أحداً من الناس، بمجرد ما يؤذن للصلاة يريد أن يصلي، لكن أصابه الله بمرض في قدميه، لا يستطيع أن يمدها، ما رأيكم في الإسلام، يقول: اذهب صل غصباً عنك، وإذا قعدت في البيت نجازيك بجزاء؟ ما دام أن الله عز وجل عطل فيك القدرة على أن تأتي إلى المسجد فصل في البيت، والمريض يصلي في بيته، فأركان الصلاة أربعة عشر ركناً، منها: القيام، لكن مقيد مع القدرة، لو صلى أحدُ الناس جالساً وهو يستطيع أن يقوم فصلاته باطلة، لكن إذا مرض فالذي أمرضه هو الله، حكم عليه بالمرض، والله أمره بالصلاة قائماً، فكيف يعاقبه إذا لم يصل قائماً وهو الذي أمرضه؟ فيسقط عنه التكليف بالقيام، صل قاعداً، ما استطاع أن يصلي قاعداً، فيصلي على جنب، ما استطاع على جنب فيومئ إيماءً بعينه. وآخر -مثلاً- بمجرد ما يرى المرأة في الشارع، ويريد أن ينظر بعينه، من قدرة الله أن ركب له بابين (أوتوماتيك) على العين يغطي العين بهما، فتقول: يا رب! والله لم أستطع أن أغطي عيني، بل يجب أن تغض بصرك، لو أن أحداً أراد أن يغض، ولما غض تفتحت عيونه، فالله لا يحاسبه، لماذا؟ لأنه ليس من اختياره، ولكن في قدرته أن يغض بصره. فالله تعالى يقول: يا من يدعي أن الله ما هداه: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي} [الزمر:59] بلى قد هديتك، بلى قد دللتك عليَّ، ولكن بدلاً من أن تأخذ آياتي هذه وتهتدي وتعمل بها كذبت، فتركت القرآن، وتركت السنة، وملت إلى الأغاني والمنكرات والمعاصي والأفلام، وصرت عبداً للشيطان يركب على رقبتك، ويذهب بك في كل حفرة ومتاهة، وإذا قال له أحد شيئاً، قال: إذا هداني الله، كيف إذا هداك؟ قد هداك: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [الزمر:59].

علم الله بمآل المرء إلى شقي أو سعيد هو علم سابق لا سائق

علم الله بمآل المرء إلى شقي أو سعيد هو علم سابق لا سائق وآخر يقول: ربما أن الله كتبني يوم أمر الملك بكتابة رزقي وأجلي وعملي، وشقي أو سعيد، أنني شقي، قلنا له: لماذا تتوقع أنك شقي؟ لماذا لا تتوقع أنك سعيد؟ لِمَ تحتمل الخيار الأسوأ ما دامت القضية محتملة؟ ومعنى الكتابة هنا أي: سبق العلم لا الإلزام؛ لأن الكتابة كما يقول العلماء سابقة لا سائقة، يعني: أن الله علم أنك سوف تأتي وتفجر، وتكون نهايتك بعد فجورك النار، فكتب أنك شقي، وليس معنى هذا أن الله كتبك أنك شقي أنك لا تستطيع أن تطيع الله، فسبق العلم صفة من صفات الله، إذ أن الإنسان إذا كان لا يعلم الذي في المستقبل والله لا يعلم، ففي هذه الحالة سيستوي الإنسان مع الله؛ وهذا محال، من الذي يعلم ما الذي يصير غداً؟ إنه الله، هذه صفة كمال في الرب؛ أنه يعلم ما سيحدث في المستقبل، فالله يعلم أنه سيأتي أحد من الناس ويعيش، ويكون عمله سيئاً وتكون نهايته أن يكون شقياً، فكتب عليه علماً وأزلاً أنه سيكون شقياً بما علمه الله من عمله، لا بما جبره الله وألزمه أنه لا يكون إلا عاصياً، فهذا يقول: ربما أن الله كتب عليَّ أن أكون شقياً، ولهذا أصبح مع الأشقياء، أتعرفون ما مَثَلُ هذا؟ مثل هذا كمدرس في بداية العام الدراسي، تعرفون أن المدرسين وبعض الموظفين تقدر لهم العلاوة الدورية على ضوء تقييمهم، على ضوء تقرير الكفاءة في آخر السنة، مدير المدرسة يأتي بنقاط التقييم ويقيس المدرس يشرِّحه واحدة واحدة: مظهره، أداؤه، دوامه، إخلاصه، تفانيه، إنتاجه، ويأتي به ويضع له كل شيء، بعض المدراء يضع بالكريك، لكل المدرسين ستة ستة ستة، وهو لا يساوي صفراً، ولكن يقول: يا شيخ! الله الرزاق وهو كريم، ولذلك لا يعرف الطيب من البطال بهذا التقييم، التقييم أمانة في عنقك أيها المدير، فلا تظلم الدولة فتعطي أحدهم تقييماً وهو لا يستحق، ولا تظلم المواطن أو المدرس فتعطيه تقييماً أقل مما يستحق، أعطه ما يستحقه من أجل أن يكون هناك تفاضل بين الناس، عندما يأتي المدرس الممتاز ويأخذ علاوة أكثر بـ (5%)، ويأتي المدرس الجيد جداً ويأخذ علاوة (4%) من راتبه، ويأخذ المدرس الجيد (3%)، والبقية محرومون -أي: المتوسط والضعيف- يأتي هذا الذي أخذ متوسطاً السنة المقبلة فيأخذ ممتازاً ويأخذ علاوة، لكن عندما تضع للضعيف (100%)، والممتاز (100%)، قال ذاك: والله إني أجتهد، وإن فلاناً بليداً وأنه مثلي، إذاً نصير بلداء سواء، ما دام القضية سواء، فيأتي المدير بنقاط التقييم ويضعها، وفي نهاية السنة يعطى للموظف العلاوة الدورية، على ضوء عدد العلامات، فهناك أحد المدرسين من أول السنة لا يحضر في طابور الصباح، ولا يأتي الحصة الأولى إلا وقد ضاعت نصفها، وقبل أن تصفر بربع ساعة يخرج على الباب، ويتلفت على المراقب، وبعد أن تصفر يتهرب، ويجلس في الإدارة، وبعد ذلك صفرت والمدير يقول له: قد بدأت الحصة يا إخوان، قال: حسناً! ويمشي بتباطؤ، يريد أن يصل إلى الفصل بعد ربع ساعة، وإذا دخل، قال: ما عندكم يا أولاد؟ من الذي عنده خبر جديد؟ هل سمعتم أخباراً جديدة؟ قالوا: يا أستاذ! حصة قرآن، قال: صحيح قرآن، لكن أولاً نرى ما هي الأخبار الجديدة، وهو يهمه أن يفوت الحصة بأي وسيلة، وبعد ذلك جاءه أحد المدرسين من زملائه، قال له: يا أخي! أنت مهمل في دوامك، وأدائك، وتدريسك، فلماذا هذا الإهمال؟ قال: ربما المدير يضعني آخر السنة ضعيفاً، ولهذا سوف أكون ضعيفاً من الآن، لماذا أتعب نفسي، وفي الأخير يضعني ضعيفاً في آخر السنة؟ أنا سوف أرقد، أنت فقط تحضر وتتعب وتشتغل وفي الأخير تجد نفسك في آخر السنة ضعيفاً، بالله ما رأيكم في هذا المدرس أهو مجنون أو عاقل؟ مجنون، نقول لك: يا مدرس! أنت واجبك أن تعمل، وواجب المدير أن ينصف، وأن يعطيك بالميزان، مثلما تعمل تأخذ. أما أن تهمل خوفاً من أن يضعك المدير ضعيفاً فهذا غلط. ومثال آخر يقرب المعنى أكثر: مدرس دخل على طلابه، من أول العام الدراسي، وبدأ يصنفهم إلى مجموعات وفئات: الجيدين يضعهم في الوراء، والكسالى يقربهم منه من أجل أن يعطيهم مزيداً من الاهتمام، ويركز عليهم، حتى ينتشلهم من وضعهم، إلى وضع أحسن، وبعد ذلك دخل عليه يوماً من الأيام مدير المدرسة، واختبر الطلاب ورأى مستواهم، انبسط، وقال له: يا أخي! الطلابُ عندك كم؟ قال: ثلاثون طالباً، قال: كم تتوقع نسبة النجاح فيها، وكم تتوقع نسبة الرسوب؟ فالمدرس بحكم معرفته -قد درسهم وعرفهم واحداً واحداً، وعرف الطيب والبطال- قال: أتوقع أن ينجح ثمانية وعشرون طالباً، وهناك اثنان ربما رسبوا، وهو يعرفهم المدرس، فواحد من طلاب الفصل، لما سمع الكلمة، ترك المذاكرة والدروس، ولا يحل واجباته، ولما جاء آخر السنة وسقط، قالوا له: مالك سقطت؟ قال: إن المدير قال في أول السنة: إن هناك اثنين سيسقطون، فتوقعت أني واحدٌ منهم، فلم أتعب نفسي بالمذاكرة، وبعد ذلك أسقط في آخر السنة، ما دام أن هناك اثنين سيسقطون ربما أني منهم، حسناً! لماذا ما يمكن أن تكون من الثمانية والعشرين الذين سينجحون؟ لكن انهزام الإنسان أمام شهواته، وحبه للخلود والراحة والأغاني، والأكلات والنومات والتمشيات، هذا يجعله يقول ربما أكون شقياً، لكن لو أنه أخذ بالعزيمة واحتمل أن يكون -إن شاء الله- سعيداً، وبعد ذلك كون الإنسان شقياً أو سعيداً في الأزل، هذا ليس من اختصاصنا، هذه ليست داخلة في دائرة اهتماماتنا، ما هو اختصاصك أنت؟ اختصاصك أن تطيع الله ولا تعصه فقط، وعندك يقين بعد هذا أن الله لا يظلم مثقال ذرة. أما أن تجلس وتبحث في علم الله، وماذا كتبتني يا رب، شقياً أم سعيداً؟ هذا ليس من شأنك، أنت عبد خلقك الله لعبادته، وبين لك الطريق إليه، وأعطاك القدرة على السير في الطريق، سر في الطريق، فعندك عقيدة ومن ضمن صفات الله العدل {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء:40] {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:195] لا يضيع الله عملَ عامل، فقط امش في الخط الصحيح، واعمل عملاً ووفر فيه شروطَ القبول، وهي: الإخلاص لله، والمتابعة لهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وابتعد عن شيء ثالث مهم يهمله الناس، لا ينفعك العمل في الآخرة إلا بانتفاء الموانع وإبعاد المبطلات؛ لأنك قد تعمل عملاً صالحاً، أردت به وجه الله مخلصاً، وسرت به على هدي رسول الله مقتدياً، ولكن بعدما فعلته أبطلته ونسفته، كيف تنسف العمل؟ بمبطلات كثيرة، منها: الشرك، والرياء، والمنّ والأذى تصل إلى ثلاثين مبطلاً، وسوف يكون هذا الموضوع دروساً بإذن الله بعنوان: مبطلات العمل، ما هو الذي يبطل العمل؟ تعمل عملاً حسناً؛ لكن بعدما تنتهي ترجع وتنسفه، يعني: كرجل يصلي صلاة حسنة، ثم يذهب يخبر بها الناس، أو يرائي بها فإنه ينسفها، وأحدهم يتصدق صدقة ويخفيها، وبعد ذلك يذهب ويمنُّ بها فيبطل صدقته: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} [البقرة:264] تؤذي هذا كلما تصدقت عليه، أو تمن عليه كلما لقيته، فدورك ومسئوليتك أن تعمل عملاً صالحاً، وتترك السيئات والمعاصي، وبعد ذلك يكون عندك يقين وجزم على أن الله لا يظلم أبداً: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر:20]. هذا الجواب قلته لأخي الكريم! الذي سألني، وأقوله لكم ليكون جواباً حاضراً في أذهانكم على من يقول: لو أن الله هداني. نقول له: قد هداك الله، لكنك لا تريد أن تهتديَ: {وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا} [لقمان:23] {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النمل:70] {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:128]. كنت أود هذه الليلة، أن يكون الكلام على سبب من أسباب عذاب القبر؛ لأنه بقي عندنا سببان، لكن كثرة الأسئلة، وبمراجعتها وجدت أنها مهمة جداً، وأن إهمالها ليس فيه مصلحة؛ فإن الأسئلة تنبع من حاجة، فهذا الذي يسأل سؤالاً، معنى ذلك أن في قلبه حاجة، ويريد أن يجاب على سؤاله، فوجدت أن الضرورة تقتضي أن أجيب على الأسئلة، والموضوع الذي كان ينبغي أن نأخذه في هذه الليلة نؤجله إلى الأيام القادمة بإذن الله عز وجل.

الأسئلة

الأسئلة

حكم مناوبة السماع بين الأشرطة الإسلامية وأشرطة الأغاني

حكم مناوبة السماع بين الأشرطة الإسلامية وأشرطة الأغاني Q ما رأيكم فيمن يجمع في سيارته وفي بيته الأشرطة الإسلامية وأشرطة الأغاني، ويسمع هذه فترة وهذه فترة؟ اذكر طريقة تبعدني عن الأغاني قليلاً قليلاً؟ A لا يوجد قليلاً قليلاً، ما رأيكم لو كان عندك نار تشتعل وجلست تطفئها قليلاً قليلاً، هل نقول: أطفئ النار قليلاً قليلاً, أو صب الماء صباً؟ أنت الآن تغني، وواقع في طريق النار، أبعدك قليلاً قليلاً، أم أبعد مرة واحدة، ليس هناك قليل قليل، تب إلى الله بسرعة، بدون قليلاً قليلاً، لا يصح أن تسمع أغاني وقرآناً، يقول ابن القيم: حب الكتاب وحب ألحان الغنا في قلب عبدٍ ليس يجتمعان وفي حديث ابن مسعود والحديث مرفوع، وقيل موقوف على ابن مسعود، قال: [لا يجتمع حب القرآن وحب الغناء في قلب عبد مؤمن] والذي يجتمع ذلك في قلبه، فيريد أن يغني ويريد أن يستمع أشرطةً إسلامية، في النهاية الغلبة للأغاني؛ لأن القرآن لا يحل في القلب الخرب؛ لأن القرآن نظيف، الآن لو أتيت بنجاسة وطيب، ووضعتهما في قارورة، ما الذي يبقى في القارورة؟ النجاسة، والطيب يتبخر ولا يبقى، الحق لا يتعايش مع الباطل، لا تجتمع في إناء واحد، كما يقول بعض الناس: ساعة لربك وساعة لقلبك، هذا شرك، ليس هناك ساعة لقلبك وساعة لربك، الساعات كلها لله؛ لأن الله تعالى يقول: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام:162 - 163] فالساعات كلها لله، الصلاة لله، وآكل لله، وأنام لله، وأستيقظ لله، والعمل في المكتب لله، والدراسة لله، والنزول للسوق لله، والنظر لله، والتأمل كل شيء في حياته لله، يقول ابن مسعود: [إني أحتسب على الله نومتي وقومتي] أما التشليح والتجزئة في الدين، ساعة لربك وساعة لقلبك، صل قليلاً وغن قليلاً، واسحبني قليلاً في الغناء، هذا لا يصلح، ولا يجوز لك يا أخي المسلم! يا من تسمع الأغاني: لا تجمع بينها وبين الأشرطة الإسلامية. ونقول لك: تب إلى الله، واجمع الأشرطة الخبيثة هذه التي في سيارتك وبيتك، واذهب بها إلى الاستريو الإسلامي واجعلهم يغيرونها، واسمع كلام الله، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنك إذا استمريت على هذا فإنه خطر جداً؛ لأن الشيطان يستفزك بالغناء؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسراء:64] ما هو صوت الشيطان؟ هذه الأغاني بدؤها من الشيطان، وعاقبتها سخط الرب.

أهمية عرض الشريط الإسلامي على الناس

أهمية عرض الشريط الإسلامي على الناس Q أرجو من أصحاب التسجيلات وبيع الأشرطة الإسلامية، عرض هذه التسجيلات يوم الجمعة، أو في يوم الثلاثاء، أو بعد الندوات، لتظهر الفائدة على الناس؛ لأن معظم الناس لا يعلم أن هناك أشرطة دينية؟ A هذه هي الحقيقة، الأخ جزاه الله خيراً يلفت النظر إلى هذا، وهو مهم حقيقةً، أنا ذهبت إلى الرياض، وإلى جدة ومكة، ولاحظت عقب كل محاضرة أو ندوة، أو كل مسجد نخرج منه والسيارات واقفة، وعليها عنوان المحل المرخص له من قبل السلطة؛ لأنه لا يصلح أن كل واحدٍ يبيعُ أشرطة، فلابد من مسئولية تركز على كل واحد يبيع، حتى لا يبيع لنا أشرطة فيها سم وشيوعية وإلحاد، وزندقة. لا بد من تحديد المسئولية، يوجد أناس يبيعون أشرطة إسلامية تدعو إلى الله، فيأتون بسيارات ومكتوب عليها مثلاً: تسجيلات الهدى، تسجيلات الفرقان، وبعد ذلك يجلس الواحد ويبيع الأشرطة الإسلامية، هذه طيبة جداً، بعد الندوة وأنت خارج تجد شريطاً وتأخذه، ربما يبعد عنك المحل، وقد رأيتها في الرياض، ومكة وجدة لكنها غير موجودة في أبها.

كتاب فقه السنة محاسنه والمآخذ عليه

كتاب فقه السنة محاسنه والمآخذ عليه Q ما رأيكم في كتاب فقه السنة لـ سيد سابق؟ A كتاب فقه السنة لـ سيد سابق كتابٌ جليلٌ، ومن أعظم الكتب التي ألفت في الفقه الإسلامي؛ لاختصاره وشموله واحتوائه على الدليل، فإنه لا يورد مسألة إلا ويحدد الدليل فيها ويخرج الحديث، غير أن هناك مؤاخذات عليه، ومن هو الذي ليس بمؤاخذ، فكلٌ يؤخذ من قوله ويرد، وهناك عدة مؤاخذات عليه في موضوع اللعب، وحلق اللحية، والأغاني، يعني: كانت له آراء قالها في زمن، وطبعت في كتبه، وهذه الآراء رد عليه العلماء فيها، فأنت إذا استطعت أن تشتري هذا الكتاب، فاشتره واستفد منه، لكن احذر من آرائه في هذه الأمور الأربعة: 1 - رأيه في الحجاب. 2 - والغناء. 3 - واللعب. 4 - وحلق اللحية؛ لأن الكتاب ألفه في وسط اجتماعي، يعني: لو أنه أعطاهم الحكم الشرعي في هذه، ربما رفضوا كتابه، فلعله ترخص أو تجوز في بعض الخلافات، لكن لا يوجد تردد، الدين ليس فيه أوصاف، ما فيه إلا قال الله، وقال رسوله، ومن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط.

جواز العمرة أكثر من مرة في الشهر

جواز العمرة أكثر من مرة في الشهر Q هل تكرر العمرة في الشهر أكثر من مرة؟ A ليس هناك مانع، فقد ثبت عن بعض الصحابة أنهم كانوا يعتمرون في الشهر أكثر من مرة، وقد ذكر هذا ابن القيم في كتابه زاد المعاد، ولكن بشرط أن ينشئ لكل عمرة سفراً مستقلاً. أما أن يكون في مكة، ثم يأتي بعمرة، وبعد ذلك يخرج من الحرم ويذهب فيحرم من التنعيم ويجيء، هذا كرهه أهل العلم، وقالوا: لا دليل عليه، ولم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة، وإنما أجازه صلى الله عليه وسلم لـ عائشة فقط تطييباً لخاطرها؛ لأنها دخلت وبعد ذلك حاضت، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تدخل عمرتها في الحج، فشعرت هي بنقص؛ لأن صاحباتها أخذن عمرة مستقلة؛ لأنهم كانوا متمتعين، وهي أخذت عمرة قارنة في الحج، فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أن يأخذها، وأن تحرم من التنعيم، من مسجد عائشة الآن تطييباً لخاطرها، فمن كان له ظرف مثل ظرف عائشة فربما جاز له ذلك. بعضهم يعتمر في اليوم أربع عمرات، قال: هذه عمرة، يقول: إن ذهابه من بيت الله إلى مكان التنعيم ورجوعه، ليست كأجر مَن لو طاف بالبيت وجلس يتعبد في المسجد، أما إذا جئت إلى أبها، وقد أخذت عمرة قبل خمسة عشر يوماً، وعندك غرض ثانٍ إلى مكة، وذهبت وأتيت بعمرة، فلا شيء في ذلك، لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) ولحديث في السنن: (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان عن المرء الفقر والذنوب كما تنفي النار خبث الحديد) والمتابعة تقتضي التكرار.

حكم طواف الوداع للعمرة

حكم طواف الوداع للعمرة Q هل للعمرة طوافُ وداعٍ؟ A اختلف أهل العلم في طواف الوداع بالنسبة للعمرة، فقال مجموعة من العلماء: إن لها طواف وداع؛ لأنه واجب، قلنا الدليل؟ قالوا: الدليل القياس على الحج، قالوا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع: (اجعلوا آخر عهدكم بالبيت) فنحن نقيس العمرة على الحج؛ لأن هناك تشابهاً في أحكامها. وقال آخرون: لا نوجب على الناس أمراً لم يوجبه الله عليهم؛ لأن الأصل في العبادات التوقيف، وعدم القياس، وما دام الرسول صلى الله عليه وسلم قال للناس في حجة الوداع: (اجعلوا آخر عهدكم بالبيت) نعم. يجب عليهم، لكن لم يقل لهم في العمرة، وهو اعتمر أربع عمرات صلوات الله وسلامه عليه، ولم يقل أحد: إنه اعتمر وأتى بطواف الوداع فيها، فدل ذلك على أنها للاستحباب، فمن طاف وداعاً فهو أفضل، ومن لم يطف فلا شيء عليه، والأول يرجحه الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، والثاني رجحه مجموعة، من أعضاء هيئة كبار العلماء.

حكم صلاة الوتر عند أذان الفجر

حكم صلاة الوتر عند أذان الفجر Q إذا أذن للفجر وأنا أصلي الوتر، فهل يحسب لي وتراً، علماً بأن بعض المؤذنين يؤذنون قبل دخول الوقت؟ A الحمد لله، الوقت الآن معروف عن طريق التقويم، فإن أذن للفجر وأنت تصلي الوتر، وكان هذا الأذان على التوقيت، فمعنى هذا: فاتك الوقت الشرعي لأداء الوتر، وعليك أن تقضيه قضاء، ما هو القضاء؟ تقضيه شفعاً، فإذا كنت تفعله واحدة فاقضه اثنتين، والقضاء يمتد معك، من بعدما يؤذن إن أردت أن تقضي بعد الأذان أو بعد الصلاة، أو قبيل الظهر، معك طوال اليوم، وإن كنت تصلي ثلاثاً فتقضي شفعاً أربعاً، وإن كنت توتر خمساً فتقضي ستاً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يوتر من الليل بإحدى عشرة ركعة، فإذا فاته الوتر من الليل، قضاه اثنتي عشرة ركعة. أما إذا تيقنت أن هذا المؤذن يؤذن قبل الفجر المعلوم في التوقيت، فإنك لا تنتبه له، وعليك أن تصلي وترك، فأنت قد أديته في الوقت الشرعي؛ لأن الفجر يدخل بطلوع الفجر لا بأذان المؤذن، وبعض المؤذنين يؤذنون قبل دخول الوقت، هذا ما علينا منه، ولهذا كان أحد السلف إذا سمع المؤذن يؤذن قبل الوقت ويقول: الصلاة خير من النوم، قال: كذبت، لماذا؟ لأنك توجب على الناس أن الصلاة خير من النوم، وهو ما زال لم يطلع الفجر، لا تقال هذه الكلمة يعني: التثويب إلا بعد طلوع الفجر.

جواز الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم أثناء خطبة الجمعة

جواز الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم أثناء خطبة الجمعة Q إذا دخل الخطيب يوم الجمعة للخطبة، هل يجوز أن نقول عند سماع ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم صل وسلم عليه؟ A نعم يجوز، إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فقل: اللهم صل وسلم عليه، فإنه ليس من الذكر المخالف لمضمون الجمعة والخطبة.

جواز السؤال والاستعاذة أثناء الخطبة

جواز السؤال والاستعاذة أثناء الخطبة Q إذا ذكرت الجنة والنار هل يجوز أن نستعيذ بالله من النار، أو نسأل الله من فضله عند ذكر الجنة؟ A نعم.

جواز التأمين عند دعاء الإمام في الخطبة

جواز التأمين عند دعاء الإمام في الخطبة Q ما حكم التأمين عند دعاء الإمام حينما نسمع الإمام يدعو؟ A التأمين مطلوب ومشروع، لكن رفع اليدين هو الذي ليس فيه دليل، إذا كان يوم الجمعة والإمام يقول: اللهم أعز الإسلام والمسلمين فمن حقك أن تقول: آمين، لكن رفع اليدين لم ينقل، ولو فعل لنقل، ولما لم ينقل دل على عدم مشروعيته، إلا في الاستسقاء، إذا قال الإمام: اللهم اسقنا وأغثنا، فيشرع له رفع يديه ويشرع للمؤمنين رفع أيديهم، وقد نقل هذا؛ (أنه صلى الله عليه وسلم رفع يديه، حينما استغاث للناس بالمسجد يوم الجمعة صلوات الله وسلامه عليه). فيؤمن الإنسان، ولم يرد في الشرع رفع أو خفض، ولكن نقول: أمن بصوت منخفض أو مرتفع، طبعاً بما لا يشوش أو يؤدي إلى الخروج عن العرف.

حكم مصافحة أم زوجة الأب

حكم مصافحة أم زوجة الأب Q هل يجوز أن أصافح والدة زوجة أبي، وخاصةً إذا كانت كبيرةً في السن؟ A زوجة أبيك يعني: هذه أمك، هناك أناس يأتون بأسئلة، يريدون أن يختبروا ذكاء الواحد، زوجة أبيك هي أمك، أو عمتك إن كان لأبيك اثنتين، حسناً زوجة أبيك يعني: عمتك زوجة ثانية، أمها أنت محرم لها؛ لأنها حرمت على أبيك، وبالتالي حرمت عليك أنت، لا يجوز لك أن تنكحها؛ لأنها محرمة على أبيك ومحرمة عليك، فيجوز لك أن تصافحها.

حكم ذهاب المرأة مع أجنبي ومعه زوجته

حكم ذهاب المرأة مع أجنبي ومعه زوجته Q هل يجوز لامرأة أن تذهب مع رجل وزوجته، وهو غير محرم لها في داخل المدينة كالمدرسة، أو المستشفى بعد موافقة زوجها؟ A لا يوجد في ذلك شيء، إذا لم يترتب على ذلك خلوة أو سفر؛ لأن المحرَّم في الشرع أمرين: إما خلوة ولو متراً واحداً فلا يخلو أحد بامرأة، أو سفر ولو كان يوماً واحداً، وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم) هذا حرام، لكن إذا كان في الانتقال مثلاً من البيت إلى المستشفى، امرأة في البيت واتصلت بزوجها وقالت: أنا مريضة، قال: أنا لا أستطيع أن آتي، قالت: فلان سيذهب هو وامرأته، هل تسمح لي؟ قال: ليس عندي مانع؛ لأن المسافة من المستشفى إلى البيت قليلة، ولا يتوقع فتنة، ولا خلوة؛ لأن معها امرأة، فهذه إن شاء الله ما فيها شيء.

حكم المذي وما يترتب عليه

حكم المذي وما يترتب عليه Q ما رأيكم؛ أنا رجلٌ مذاءٌ، ويعتريني المذي من وقت لآخر، وقد حصل أن أحسست به وأنا في الصلاة أكثر من مرة، فما حكم المذي الذي يخرج مِنِّي؟ وما حكم الملابس التي يقع عليها المذي؟ وما حكم الصلاة التي اعتراني فيها شيء من هذا المذي، مع العلم أنني لا أحصيها؟ وقد مرت بي حالات أجهل الحكم فيها؟ A المذي: سائلٌ لزجٌ يخرج من الرجل عند التفكير في النساء، ويخرج من غير تدفقٍ ولا لذةٍ، بينما المني: سائلٌ لزجٌ كثيفٌ يخرج من الرجل عند الجماع متدفقاً بلذة، وحكم المني أنه طاهر إذا وقع في الثوب، ولكن يجب منه الغسل. أما المذي فهو نجس يجب غسله من الثوب والوضوء منه، ولكنه لا يجب منه الغسل. وبالنسبة للملابس التي يقع فيها شيءٌ من هذا يجب غسلها. وبالنسبة للصلوات التي صليت فيها، وأنت تعرف أنه نزل منك شيء فعليك أن تقضيها ما دمت تستطيع أن تحصيها، وهنا يقول: إنه لا يحصيها، لكن حاول أن تحصرها، فإذا لم تستطع أن تحصرها مرة واحدة، فتتوب إلى الله عز وجل، ونسأل الله أن يتوب عليك.

كيفية صلاة المريض

كيفية صلاة المريض Q أنا شابٌ وبصحةٍ جيدةٍ، ولكن أصابني تمزق في العضلات وذلك نتيجة لعبة كرة القدم، ولقد ذهبت إلى العلاج الطبيعي ونصحني دكتور بأن أصلي وأنا جالس، مع العلم بأنني أحس بألم شديد حالة الركوع والسجود، ولكنني لا أصلي -والحمد لله الآن- إلا وأنا قائم، فما حكم الشرع في ذلك؟ A هذا الرجل ذهب ليلعب كرة القدم، لماذا؟ من أجل أن يتقوى، يريد الربح فرجع خسراناً، يريد أن يصير قوياً، فتمزقت عضلاته، ليتك ما لعبت كرة، وجلست هكذا! أما وقد لعبت وتمزقت عضلاتك، فإنك تصلي بحسب الحالة التي تستطيعها، فإن كنت تستطيع أن تصلي قائماً فصل قائماً، وإن نصحك الطبيب أن تصلي جالساً والطبيب موثوقٌ في دينه، ويعرف قدسية الصلاة وأهميتها، وتعرف أنك أنت لا تستطيع، فصل جالساً، أما إذا كنت تقدر على أن تصلي، وتعرف أن الدكتور هذا لا يعرف الصلاة، بل يريدك أن تتركها بالمرة فلا تطعه؛ لأنه لا يؤخذ بقول الأطباء فيما يتعلق بالدين، إلا إذا كانوا مسلمين ومؤمنين، ويعرفون قدسية الصلاة؛ لأن بعض الأطباء لا يصلي، فيقول لك: لا تصل مثله، ولا يعرف أن حكم ترك الصلاة كفر.

ضرورة الالتزام بغض البصر

ضرورة الالتزام بغض البصر Q أعاني من مشكلة الاختلاط مع عمي وأولاده؛ لأننا نسكن في بيت واحد، ولا يوجد عندنا سوى هذا البيت، ونحن في قرية صغيرة، مع عدم تطبيق الحجاب؟ A يقول: أنا مع عمي كأنه هو الذي رباه وأولاده، وعندهم بنات طبعاً، لا يحل له أن ينظر إليهنّ، نقول لك: اتق الله ما استطعت، وأنت بحكم كونك صغيراً، ومع عمك في بيت عمك، والبيت صغير ولا تستطيع أن تلزمهم بالحجاب، ولكن تستطيع أن تلزم نفسك بالحجاب، كيف؟ تغض بصرك، إذا جئت لتأكل لا ترفع نظرك إلى بنت من بنات عمك، بأي حال من الأحوال؛ لأنك إذا رفعت بصرك وقعت في الإثم، وإذا غضضت بصرك باستمرار، فإنك تشعرهم بأنه يجب عليهن أن يتحجبن، وسيأتي يوم من الأيام تفرض عليهم بهذا التصرف أن يتحجبوا إن شاء الله.

التوبة من المعاصي مهما عظمت

التوبة من المعاصي مهما عظمت Q أنا شابٌ وقعت في جريمة الزنا -والعياذ بالله- مرات، أفدني هل لي توبة؟ لأنني أريد أن أرجع إلى الله من هذا المسجد؟ A نقول: نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يردك إليه -وجميع المسلمين- رداً جميلاً، وبارك الله فيك ما دمت تريد الرجعة إلى الله، ولك توبة يا أخي! وتوبة عظيمة جداً، كيف التوبة؟ توبة يبدل الله فيها سيئاتك حسنات.

معنى تبديل السيئات حسنات يوم القيامة

معنى تبديل السيئات حسنات يوم القيامة Q كتب لي أحد الإخوة كتاباً يقول فيه: إنني أحبك في الله -جزاه الله خيراً وأحبه الله- قد ورد في سؤال لك حول التوبة من جريمة الزنا، قلت: إن الله تعالى يبدل سيئات الزاني حسنات، بل ملايين الحسنات -أنا قلت يوماً من الأيام: إذا كان لك مليون سيئة فإن الله يمحوها ويجعل بدلها مليون حسنة- الأخ له رأي يقول: أنا لا أعترض على الآية، ولا على كرم الله، ولا على جوده وفضله، ولكنني سمعت قولاً لأهل العلم: أن الحسنات المقصودة التي تبدل للتائب، والتي في سورة الفرقان، المقصود منها: أن الله يغفر ويعفو عن عبده ما فعل في الماضي، وهذا فضلٌ من الله وجود وكرم، أما أن يبدلها ملايين الحسنات، فلا، ليس لأن الله كرمه محدود ولكن لأن صاحب هذه الكبائر لا يستحق ملايين الحسنات، بدل الكبائر التي فعلها، ويكفيه أن الله قد غفر له، وعفا عنه، وقبل توبته، وهذا فضلٌ من الله ونعمة وكرم، ثم إن بعض ضعفاء النفوس -هذا كلام الأخ- قد يستغلون هذا الكلام، فيتمادون في طغيانهم، بحجة أنهم سوف يتوبون، ويبدل الله سيئاتهم حسنات، لا سيما وأن الناس يحبون ندواتك، ويقتنون أشرطتك، ويثقون في أقوالك، وهذا فضلٌ من الله عليك، فأرجو أن تنبه على هذا الموضوع في ندوة أخرى. A جزى الله هذا الأخ خيراً، وأقول له: إن هذا القول الذي ذكرته، ليس القول الراجح في أقوال أهل العلم في هذه المسألة، صحيح قاله بعض أهل العلم، ولكن الذي رجحه ابن كثير في تفسيره، عند كلامه على هذه الآية خلاف ما ذكرت، وقال: والصحيح الذي عليه الأدلة الشرعية من كتاب الله وسنة رسول الله؛ أن الله يبدل السيئات حسنات بعددها، ما هو الدليل؟ قال الدليل: ما رواه مسلم اسمعوا الحديث، صحيح لم يعد هناك كلام، إذا ورد نهر النقل بطل نهر العقل، اجعل عقلك يجلس، قال: ورد في صحيح مسلم عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولاً الجنة، وآخر أهل النار خروجاً منها، رجلٌ يؤتى به يوم القيامة فيقول الله: اعرضوا عليه صغار ذنوبه) آخر من يخرج من النار، وآخر من يدخل الجنة، أحدهم ذنوبه كثيرة، لكن الله أخرجه، قال: (فتعرض عليه ذنوبه، وترفع عنه الكبائر -يرى الصغار فقط- فيقال: هل عملت كذا يوم كذا وكذا؟ فيقول: نعم) لا يستطيع أن ينكر؛ لأنه إذا أنكر ظهر الشهودُ منه، وهو مشفقٌ من كبار الذنوب؛ يقول: الآن سألوني عن الصغار، كيف الكبار؟ سألوني عن النظرة، والضحكة كيف إذا جاءت الكبيرة؟ قال: (وهو مشفقٌ من كبار ذنوبه، فيقال له: فإن لك مكان كل سيئةٍ حسنة) هذا نص في الموضوع، مكان كل سيئة، يعني: من الذنوب التي أحصيناها لك، ليست من الذنوب التي في المستقبل ستعملها، لا. الذنوب التي عملتها، عملت كذا يوم كذا، قال: نعم، عملت كذا يوم كذا، قال: نعم، فيشفق من الكبار، قال: (فيقال له: فإن لك مكان كل سيئةٍ حسنة، فيقول: يا رب! قد عملت أشياء كبيرة ما رأيتها)؛ يقول: الآن أعطوني الكبار ما دام أن الله يبدلها حسنات، أخرجوا الكبار، سبحان الله! قال: (فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه) كان يتصور وهم يسألونه: عملت كذا يوم كذا يتصور أن هناك عقبة، ويقول: كيف لو أتوا بالكبار؟ ويوم عرف أن بكل سيئة حسنة، قال: هناك أشياء ما رأيتها، أين هي يا رب؟ ائتوا بها كلها من أجل أن آخذ مقابلها حسنات. هذا جواب عليك يا أخي! في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في الصحيح، ارجع إلى صحيح مسلم، وارجع إلى تفسير ابن كثير، لتجد هذا الحديث صحيحاً عن أبي ذر. وذكر ابن كثير حديثاً آخر، يرويه الإمام ابن أبي حاتم رحمه الله، ويقول: (جاء رجلٌ كبيرٌ هرمٌ قد سقط حاجباه على عينيه فقال: يا رسول الله! رجلٌ غدر وفجر، ولم أدع حاجة ولا داجة إلا اقترفتها -لو قسمت خطاياه بين أهل الأرض لأوبقتهم، يقول: سني كبير حتى سقطت جفوني على عيوني وأنا في المعاصي- فهل لي من توبة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أأسلمت؟ قال: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقال له: فإن الله غافرٌ لك، ومبدلٌ سيئاتك حسنات، فقال: يا رسول الله! وغدراتي وفجراتي؟! قال: وغدراتك وفجراتك، فولى الرجل يكبر ويهلل) وهو يقول: لا إله إلا الله، الله أكبر!! فهذا الحديث والذي قبله نصٌ في القضية، أما أن يقال: إنا إذا قلنا للناس: إن الذنوب تبدل حسنات فسيتمادون، فهذا ليس بصحيح، بل إذا قلنا: إن الذنوب تبدل إلى حسنات هو الذي يدفعهم إلى التوبة، أليس كذلك؟ عندما يعرفون فضل الله عز وجل يسارعون إلى الله بالتوبة، فهذا القول. وعلى كلٍ جزاك الله خيراً، وقولك الذي ذكرته، وقلت: قال به بعض أهل العلم، نقل عن مجاهد وعكرمة، ولكن الذي رجحه أهل العلم والمحققون منهم، ما اتفق مع الدليل، وما اتفق مع نص الآية، فإن نص الآية كما قال الله عز وجل: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان:70] والقرآن نزل بلسان عربي مبين، وقضية الإبدال، هو إخفاء شيء ووضع شيء، فالله تعالى قال: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان:70] فدل بالمنطق والعقل والدليل أنه يبدلها من سيئات إلى حسنات، أما أن يغفرها رب العالمين، فهذا فضل منه، وقد أخبر في آية أنه يغفرها، لكنه كريم يغفرها ويبدلها، ماذا نقص عليك؟ ربك كريم. سبحان الله العظيم! لا إله إلا الله!

ضرورة الصبر وتحمل التبعات في الدعوة إلى الله

ضرورة الصبر وتحمل التبعات في الدعوة إلى الله Q أعد لنا -حفظك الله- قصتك مع الشيخ المدخن؟ A كنت في طريقي من العمرة إلى أبها، ووقفت في الطائف أمام صاحب بنشر، من أجل أن أزيد هواء إطار السيارة، يعني: كنت ألاحظ أن في إطارات السيارة نقصاً، فبينما البنشري يعبئ، وأنا ماشٍ على سفر ومعي أهلي، رأيت شيبةً يبلغ ربما سبعين أو ثمانين سنة، قد حلق لحيته وشنبه؛ لأن اللحية تستر الرجال سواء كان مسناً أو شاباً؛ لأنه إذا كان شاباً وحلق لحيته شوهته، لأنه يتشبه بجنس ثانٍ، وإذا كان مسناً وحلق لحيته، أخرجت تجاعيد وجهه، وصار كأنه كاهنة، ولكن لو أبقى لحيته لكان مستوراً بها، فاللحية ستر، فهذا الرجل مجعد الوجه، ومحلوق اللحية، ومدخن، فسرت إليه، وقبل أن أصل إليه قلت: أنا ماش، وهذا المسكين مسلم، لماذا لا أنصحه؟ أليس الله أمرني بأن آمر بالمعروف؟ فتأثماً جئت إليه وبدأته بأحسن أسلوب، قلت له: السلام عليكم وأنا أبش في وجهه، قال: وعليكم السلام، قلت: بارك الله فيك، ووفقك الله، ونور الله بصيرتك، أنت من أهل الخير، انظر نور الإيمان في وجهك -وأنا لا أحبه والله؛ لكن قلت: لعل الله أن يهديه- وأنت أمد الله في عمرك، وأخرك في حياتك، ذهب الشباب وولى، وذهب الطيش والجنون، والآن جاء المشيب، الآن تقطف ثمرات عمرك تتوب إلى الله وتستغفر، وأنا مسافر ورأيتك تدخن، فحزنت عليك، وانظر إلى أهل السوق كلهم يدخنون، ما كلمت أحداً منهم إلا أنت؛ لأن النور في وجهك، وأنت غريب، والمفروض ألا تشرب الدخان. أنا كنت أتصور بعد هذا الأسلوب الجميل العظيم؛ أنه أقل ما يمكن؛ أنه يقول لي من باب المجاملة ومن باب الحياء: جزاك الله خيراً. وهذه الكلمة لا تكلفه شيئاً، وأنا سأقول: الله يوفقني وإياك، لكن أتعرفون ماذا قال لي هذا الشيخ العجوز، هداه الله وجميع المسلمين؟ هز رأسه وقال: عجيب أنت يا مطوع! اذهب اذهب أنت عاطل ليس عندك عمل، امش، الحقيقة لما قالها قلت: لم ينفع الهدوء معه، والكلام الحسن، وأن له قلباً خبيثاً، وصار في رأسي مثل الكهرباء، وجعلت أتلفت كيف أتخلص من هذا الموقف، كان باستطاعتي أن أضرب ذاك الشيخ العجوز؛ ولكن قلت له: اسمع، قال: نعم، قلت: بإمكاني أن أنتصر لنفسي من هذا الكلام، لكن أحيلك على من ينتصر لي يوم القيامة، ونسأل الله أن يهديه إن كان حياً، وأن يتوب عليه إن كان ميتاً.

الوتر أول الليل لمن لم يقم آخره

الوتر أول الليل لمن لم يقم آخره Q يفوتني باستمرار أو دائماً الوتر وبعض السنن، مع أنني لم أترك فرضاً، وذلك ليس عمداً، ولكنني أظن أنني سأقوم آخر الليل فأنام، فإذا جئت لأصلي الوتر بعد العشاء قلت: سأقوم في هذه الليلة، ولكني أنام ولا أقوم، فما الحكم؟ A نقول لك: ما دمت تعرف أنك على هذا الوضع، فعليك أن توتر أول الليل؛ لأن المجازفة في الوتر فيه خطورة عليك؛ لأن الوتر من آكد السنن، فأوتر قبل أن تنام الليل، وانو أن تقوم، فإن أمدك الله وأعانك وأيدك، وقمت آخر الليل، فاكتف بما أوترت أول الليل، وصلِّ ما بدا لك آخره، ولا شيء عليك، ولا داعي لأن تصلي ركعة كما يفعله بعض الناس فإنه لا وتران في ليلة، بل تكتفي بالوتر الأول، والخير لا يمنع من الخير، أما ما ورد في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً) فإنه على سبيل الندب والاستحباب، لا على سبيل الإيجاب، كما سمعت الشيخ عبد العزيز بن باز يقول هذا.

حكم الحك الكثير في الصلاة

حكم الحك الكثير في الصلاة Q رجل مصاب بالقشرة وهو كثير جداً، ويكثر حكه في الصلاة، فما حكم صلاته؟ A عليه أن يقاوم، ويصبر عن الحك ما استطاع؛ لأن الحك يؤدي إلى إزعاج المصلين، وإلى كثرة العبث، فعليه أن يتقي الله، وأن يسأل الله أن يتوب عليه، وأن يصبر ويتحمل، فإذا أكمل الصلاة فله أن يحك عشر دقائق بعد الصلاة.

حكم الركعتين بعد أذان المغرب

حكم الركعتين بعد أذان المغرب Q رجلٌ صلى بعد أذان المغرب ركعتين، وهي ليست سنة، كما يقول ابن تيمية: من صلى بعد أذان المغرب ركعتين وهو يعتقد أنها سنة فهو مخطئ، فصَّل لنا هذا الأمر؟ A هذا الأمر فيه حديث في السنن أنه: (بين كل أذانين صلاة) لكن قال صلى الله عليه وسلم في الثالثة: (لمن شاء) فإذا أذن وأنت في المسجد، وأردت أن تصلي فصلِّ، وإذا أردت ألا تصلي فلا تصل، ولا عليك إن لم تصل ولا عليك إن صليت؛ لأنه لمن شاء. أما من صلاها بعد الأذان، وقبل الصلاة، على أنها راتبة، ويعتقد أنها سنة، فلا، لماذا؟ لأنها ليست من سنن الرواتب، الراتبة للمغرب بعد صلاة المغرب.

حكم من ترك الصلاة عمدا ثم تاب

حكم من ترك الصلاة عمداً ثم تاب Q أنا شاب والحمد لله التزمت، وأبلغ من العمر تسعة عشر عاماً، ولكنني قلق بسبب أمر هام، وهو أنني تذكرت بأنني قد تركت بعض الصلوات، فماذا أفعل؟ وكنت أصلي بعض الأحيان بغير طهور؟ A نقول: ما دام أنك كنت تترك الصلاة، وتصلي أحياناً بغير طهور، فلا يلزمك إعادة الصلوات الماضية وما دام أنك اهتديت فقد أسلمت، والإسلام يجب ما قبله، والتوبة تجب ما قبلها، ونسأل الله عز وجل أن يتوب عليك في الماضي، وأن يثبتك في المستقبل والحاضر.

الشيخ وزيارته للمناطق

الشيخ وزيارته للمناطق Q يقول: ذهبتم في دعوتكم إلى الشرقية والرياض والوسطى والغربية، ونحن في نجران لا نبعد عنكم سوى كيلو مترات، فحبذا لو زرتمونا؟ A حفظك الله! إنها ثلاثمائة كيلو، نعم، جزاك الله خيراً، وسوف أزور نجران، وقد زرتها قبل الرياض، وقبل المنطقة الشرقية، والغربية، زرتها مرات، ولكن إن شاء الله أزورها مرة أخرى.

حكم صلاة المرأة مكشوفة القدمين

حكم صلاة المرأة مكشوفة القدمين Q هل للمرأة أن تصلي أمام النساء، أو أمام زوجها، أو المحارم وقدماها مكشوفتان؟ A لا. لا يجوز لها أن تصلي وقدماها مكشوفتان، يجوز لها كشف وجهها فقط وكفيها، أما رجلاها فتغطيهما، والدليل ما رواه أبو داود في سننه عن أم سلمة، قالت: (يا رسول الله! أتصلي المرأة في درع -الذي نسميه الشرشف- وخمار بغير إزار؟ قال: إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها) فدل الحديث -والحديث صحيح في سنن أبي داود - أنه يطلب من المرأة ألا تصلي ورجلاها مكشوفتان، بل يجب أن تلبس لباساً سابغاً يغطي رجليها، ولا يبدو منها إلا وجهها فقط وكفاها، إلا أن يراها أجنبي، فإذا رآها رجل أجنبي فإنها تغطي وجهها وكفيها.

حكم تسريح شعر المرأة للخلف

حكم تسريح شعر المرأة للخلف Q ما حكم تسريح شعر النساء للخلف؟ A ليس فيه شيء، تسرحه من الأمام أو من الخلف، المهم ألا يراها أجنبي.

وضع (السحاب) في ملابس المرأة

وضع (السحاب) في ملابس المرأة Q شخص سألني: ما حكم (السحَّاب) الذي في الظهر في ملابس النساء؟ A تضعه في الظهر، أو الجنب، أو الصدر يجوز كل هذا، بعض الناس يقول: لا تضعه في الظهر؛ لأنه حرام، ما هو الدليل؟ السحَّاب ضعه في أي مكان، ليس هناك شيء.

حكم من أخذ شيئا بغير حق

حكم من أخذ شيئاً بغير حق Q منزلنا مؤجر على مدرسة، وكان المدرس القائم بهذا العمل في هذه المدرسة وحيداً، والمدرسة في قرية من القرى، وكان حينما يخرج الطلاب والمدرس إلى صلاة المغرب؛ ولأن بيتي بجانب المدرسة، فأنزل من بيتنا وأفتحها، وآخذ منها إعاشة الطلاب -التي كانوا يصرفونها للطلاب في الماضي- وآكل منها، وكنت في ذلك الوقت جاهلاً، فما الحكم؟ الواجب: الأخ تسلط على الإعاشة التابعة للطلاب من حليب وغيره فنقول له: استغفر الله يا أخي! وتب إلى الله، ونسأل الله أن يتوب عليك؛ لأنك جاهل وصغير، واليوم الحمد لله أنت عاقل؛ ولأنه قد يكون لك في ذلك الشيء نصيب باعتبارك طالباً، نسأل الله أن يتوب عليك.

حكم تقبيل يد أم الزوجة

حكم تقبيل يد أم الزوجة Q هل يجوز أن أسلم على يد أم زوجتي، أو على رأسها؟ A أم زوجتك في حكم أمك، وأنت محرم لها، ولكن السلام على يدها غير مستساغ منك؛ لأن فيه منافاة لكرامتك، ولكن من باب التكريم سلم على رأسها، أما يدها فلا، أما أمك فلك أن تسلم على يدها، أو على يد أبيك إذا أردت؛ لأن فضل أمك ليس كفضل عمتك، نعم. عمتك لها فضل؛ لأنك زوج ابنتها، لكن أمك لها فضل؛ لأنها ولدتك وتعبت من أجلك فلا تساو بين أمك وعمتك.

من وكل شخصا في شراء شيء فباع له من نفسه

من وكل شخصاً في شراء شيء فباع له من نفسه Q رجل أعطاني عشرة من الريالات؛ لأشتري له أشرطة دينية، ويوجد عندي ما يريده، ويوجد عندي آلة تسجيل، فسجلت له عندي في البيت، وأخذت النقود وهي عشرة من الريالات، فهل هذه حلال أم لا؟ A أنت عقليتك تجارية، تريد أن تبيع لهذا الضعيف، أنا أقول: ما دام وصاك أن تشتري فيجب أن تشتري؛ لأن هؤلاء المساكين الفاتحين محلات أشرطة، فتحوا لماذا؟ من أجل نشر الدين الإسلامي، ومن أجل بث التوعية الدينية، وأيضاً لهم أتعاب وإيجارات، فإذا اشتريت شريطاً أو شريطين بعشرة ريالات، فإنك تساهم في دفع هذا الخير وترويجه، نقول لك: اذهب واشتر بالعشرة شريطين غير الذي طلبك وأعطه إياها، واعتبر الشريطين هدية وصدقة -إن شاء الله- تبرأ ذمتك.

ضرورة الحرص على الأبناء وأماكن ذهابهم

ضرورة الحرص على الأبناء وأماكن ذهابهم Q يا شيخ أريد حلاً: والدي يمنعني من حضور مثل هذه الدروس المفيدة، وهذه المحاضرات، ويقول لي: ما يدريك لعل هؤلاء يتكلمون خلسةً من غير علم المسئولين، فأنا أحضر دون علمه، وإذا رجعت إلى البيت فإنني أجده غضبان بسبب هذا الفعل مني، وكأنني ارتكبت جريمةً، أقول لك بوضوح: إنه أمرض قلبي؟ A لا. يا أخي! ما أمرض قلبك، بل جزاه الله عنك خيراً، فهو يحبك، ويحرص عليك، وعلى مصلحتك، ولا يريد أن تتعرض لشيء، ولكن أكد له وأقنعه واجزم له أنك تجلس في مجالس مرخص لأصحابها من قبل ولاة الأمر، مثل مجلس الشيخ عائض، وهذا المجلس، والمجالس الأخرى الدورية، هذه المجالس مرخص لأصحابها، ويمارسون هذا العمل بإذن رسمي من قبل الدولة وفقها الله، وبارك فيها وحفظها وهداها إلى الصراط المستقيم، فأقنعه وقل له هذا الكلام، إذا اقتنع فالحمد لله، وإذا رفض فعليك أن تطيع أباك؛ لأن طاعته واجبة، وبإمكانك أن تسمع الشريط الإسلامي الذي تسجل فيه هذه المحاضرات، فتجمع بين سماع العلم وطاعة الوالد. أما أن ترفض أمر أبيك وتأتي رغم أنفه وهو غير راضٍ، فإنه لا ينبغي، حتى ولو كان هذا من أجل طلب العلم؛ لأن بإمكانك أن تطلب العلم عن طريق الكتابة، والشريط، وتجمع بين الأمرين؛ لأن رضا الوالد مطلوب في الشرع، وقد يحصل لك عدم بركة في علمك إذا كان أبوك غير راضٍ. ولكننا ندعو هذا الأب الكريم -جزاه الله خيراً- الذي يحرص على ولده، نقول: إن من مقتضيات حرصك على ولدك أن تشجع فيه هذا الجانب الإيماني الذي يدفعه إلى حضور مجالس العلم، وأن تأتي معه، ما دام الله هدى ولدك ووفقه وسدده فافرح يا أخي! كثير من الآباء يحب أن يخسر نصف ملكه من أجل أن يهتدي ولده، لكن الهداية بيد الله عز وجل، فما دام أن الله هدى ولدك، ما رأيك لو أن ولدك ذهب إلى القهوة، أو المخدرات، أو مع المغنين، والفجرة واللوطة، هل ستكون مبسوطاً؟ لا. فكيف تمنعه من مجالس العلم؟ هل تريد أن ترده إلى الشر، فاتق الله يا مسلم! اسمح لولدك وتعال معه، وليس هناك مانع من أن تتأكد من نوعية المجالس التي يجلسها ولدك، حتى يطمئن قلبك إن شاء الله.

حكم العلوم الدنيوية وكيفية استغلالها

حكم العلوم الدنيوية وكيفية استغلالها Q سمعت من بعض المشايخ أن العلم الغير الشرعي ملعون، وبعضنا في أقسام الفيزياء والكيمياء والرياضيات، فما قولكم جزاكم الله خيراً؟ A ورد حديث في السنن: (إن الدنيا ملعونة معلونٌ ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، وعالماً أو متعلماً) ومعنى الحديث إن صح: أن الدنيا التي لا تعين على الدين، بل ضد الدين فهي ملعونة، واستثنى منها: ذكر الله وما والاه أي: ما أعان عليه، وعالماً أو متعلماً، فإذا كنت تتعلم الفيزياء والكيمياء والرياضيات، وهدفك من هذه العلوم أن تتخرج، وأن تعلم أبناء المسلمين في المدارس الثانوية، فتعلمهم الرياضيات، ومع الرياضيات تصبغها بالدين، وتخدم بهذه المادة الدين، فأنت إن شاء الله! أجرك كبير جداً، وأنت تطلب العلم -إن شاء الله- ولأن العلم هذا واجب أيضاً، يقول العلماء: إنه فرض كفاية على الأمة، إذا لم تقم به فإنهم يأثمون كلهم، نحن بحاجة إلى الطبيب المسلم، ومدرس الرياضيات، والمهندس المسلم، والضابط المسلم. والأمة الإسلامية أمة متكاملة، تحتاج إلى كل التخصصات، فإذا كان الواحد يريد بهذا التخصص خدمة الأمة، وسد ثغر من ثغور الأمة فإن له أجراً. أما الذي يتعلم هذه المواد وهو ناقم على الدين، ولا يريد الدين، ولا الشريعة، ولا رفع رأس الإسلام، وأن يتخرج إلى منصب ليحارب الدين، هذا هو المعلون حقيقةً، أما إذا كانت نيتك حسنة، فأنت تستطيع أن تخدم الدين في أي مجال، ولك أجرك إن شاء الله حسب نيتك.

حكم حلق اللحية بدعوى أن الله جميل يحب الجمال

حكم حلق اللحية بدعوى أن الله جميل يحب الجمال Q بعض الإخوة أدعوهم إلى إعفاء لحاهم، فيقولون: إن الله جميلٌ يحب الجمال؟ A نعم. صدقوا والله! إن الله جميلٌ يحب الجمال، وجمالكم يا شباب في لحاكم، والله ليس هناك جمال إلا في لحيتك، أما إذا حلقتها فقد شوهت نفسك، وغيرت خلق الله؛ لأن الله يقول: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4] والذي يحلق لحيته فقد جعل نفسه في أسفل سافلين.

حكم من مر بآية سجدة وهو في سيارة

حكم من مر بآية سجدة وهو في سيارة Q إذا كنت راكباً في سيارة وقرأت القرآن، ومررت بأية فيها سجدة، فماذا أفعل؟ A أومئ إيماء، إذا مرت بك سجدة فاسجد إيماءً بحسب استطاعتك إذا لم تستطع أن تصل إلى الأرض؛ لأنك إذا أوقفت السيارة دخلت عليك كلفة، فاسجد إيماءً، ولك -إن شاء الله- أجر.

مدح الزوج في وجهه ولعنه إذا غاب

مدح الزوج في وجهه ولعنه إذا غاب Q ما حكم الزوجة التي تسب زوجها في حال غيابه، وتلعنه وتلعن والديه، وإذا دخل البيت ضحكت في وجهه، وأثنت عليه ومدحته؟ A هذه والعياذ بالله مجرمة، منافقة، لها وجهان، ومن لقي الله بوجهين كان له وجهان من نار! لا بد من الوضوح، إذا كانت غاضبة عليه، أو كان لها عليه مؤاخذات تقول له: أنت عملت بي كذا واتق الله. أما أن تمدحه في الوجه، وتسبه وتشتمه وتلعنه في حيال غيابه، فهذه والعياذ بالله! ترتكب جريمة من أعظم الجرائم، وتأكل لحمه في كل حين، وتهديه حسناتها إن كان لها حسنات، أو تأخذ من سيئاته، وكلنا لنا سيئات.

عدم جواز منع الزوجة من زيارة أهلها

عدم جواز منع الزوجة من زيارة أهلها Q هناك زوج يمنع زوجته من زيارة أهلها، ولكن يقول لها: زوري أهلي، فماذا تقول له؟ A نقول له: لا يجوز لك أن تمنع زوجتك من زيارة والديها وأهليها إلا إذا خفت وقوع فتنة، إذا كنت تعرف أنها إن ذهبت إلى أهلها تفسد جاز لك منعها، ولكن مع هذا يجب أن تذهب -أيضاً- معها، لتحول بينها وبين الفتنة. أما أن تمنعها على الإطلاق، وكل يوم تذهب بها إلى أهلك، وتمنعها من أهلها، فهذا لا يجوز، وليس هذا من المعاشرة بالمعروف التي قال الله عنها: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] فكما تحب أنت أن تزور أهلك هي -أيضاً- تحب أن تزور أهلها، ومقتضى الحقوق التساوي في ذلك.

حكم تفضيل الآباء لبعض أبنائهم

حكم تفضيل الآباء لبعض أبنائهم Q ما حكم الإسلام فيمن يفاضل بين أبنائه -دائماً- خصوصاً مع وجود الأولاد البالغين، والصغار كذلك؟ A لا يجوز للمسلم أن يفضل بعض أبنائه على بعض، خصوصاً في حضرتهم، ولكن بإمكانه أن يُسِرَّ للطيب منهم المهتدي يأخذه على جنب؛ لأن هذا يخفض من معنوياتهم، ويوجد حقداً على أخيهم هذا؛ إذا جلسوا قال: والله ما فيكم إلا فلان فإنه مبروك، أما أنتم البقية ما فيكم خير، فإنهم سيقولون لوالدهم: ما دام ما فينا خير فأنت ما فيك خير. بل قل في المجلس: كلهم فيهم بركة، وكلهم فيهم خير، والحمد لله فيهم صلاح، واسأل الله أن يهديهم، وتأخذ الطيب وتقول له: إني راضٍ عنك أنت خصوصاً، أنت ملأت عيني؛ لأنك على الطريق المستقيم، وتمسك المنحرف منهم وتقول: يا ولدي! انظر إلى إخوانك فإنهم أحسن منك، أريدك أن تصير مثلهم، يعني: تتحدث معهم بالحكمة، أما التحطيم أمام الآخرين، فهذا لا يعالج وإنما يوجد مشكلة.

الحقوق المشتركة بين الزوجين

الحقوق المشتركة بين الزوجين Q ذكرتم حقوق المرأة وحقوق الرجل، أليست هناك حقوق مشتركة؟ A نعم. هناك حقوق مشتركة، وأنا نسيتها حقيقةً، فالحقوق المشتركة بين الطرفين: أولاً: حل استمتاع كل منهما بالآخر، فإنه يحل للرجل أن يستمتع بالمرأة، ويحل لها أن تستمتع به. ثانياً: ثبوت التوارث، فإنه بموته وبموتها يثبت التوارث، إذا ماتت قبله أو مات قبلها. ثالثاً: ثبوت نسب الولد، يثبت نسب الولد له ولها بالزواج. رابعاً: المعاشرة كما قلنا بالمعروف، فكما هو مطلوبٌ منه أن يعاشرها بالمعروف، فإنه مطلوبٌ منها أيضاً أن تعاشره بالمعروف.

الضرب للزوجات متى يلجأ إليه

الضرب للزوجات متى يلجأ إليه Q متى يستخدم الزوج الضرب لامرأته؟ وما هو الضرب المشروع؟ A أولاً: ليس هناك ضرب مشروع، وليس هناك مشروعية في الضرب، إنما الضرب مباح كعلاج عند دواعيه، وهو وسيلة ختامية، قال الله عز وجل: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} [النساء:34] النشوز هو: التعالي والارتفاع، يعني: التكبر على الزوج وعدم الطاعة {فَعِظُوهُنَّ} [النساء:34] فأول شيء التعليم والموعظة، وبعد ذلك: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ} [النساء:34] وبعد ذلك: {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:34] الثالثة: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} [النساء:34] والضرب هو الذي ذكره العلماء مثل: اللطمة في غير الوجه، واللكمة في المكان الذي لا تكسر عظماً، المهم أن لا يسيل دماً، ولا يكسر عظماً، ولا يقيم حداً؛ بعضهم إذا ضرب ظل يضرب ويضرب إلى أن يتعب، أنت لا تعزر ولا تقيم حداً شرعياً هنا، إنما تؤدب، عندما تشعر بأنك غضبان، اضرب مرة واحدة فقط، لكن لكم ولطم وضرب ودوس بالأقدام إلى أن يذبحها، هذا لا يجوز أيها الإخوة! والحياة الزوجية إذا لم تمش إلا بالضرب، فإنها حياة فاشلة، يعني: يجب أن يكون لك أساليب أخرى غير الضرب، ولا تلجأ باستمرار إلى الضرب، والرسول صلى الله عليه وسلم عاب الرجل الذي لا يضع سوطه عن رقبته، عندما جاءت فاطمة بنت قيس تستشير النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من الصحابة منهم أبو سفيان فقالت: ما رأيك في الزواج من فلان أو فلان؟ قال: (أما فلان فصعلوك) يعني: ليس معه شيء (وأما فلان فلا يضع سوطه عن عاتقه) يعني: ضراب، العصا معلقة في الدار، كلما فعلت شيئاً يغضبه قام بضربها، هذا لا يصح، ونصحها الرسول صلى الله عليه وسلم، بألا تتزوج بهذا الضراب، فصفة الضرب للمرأة ليست صفة رجولية، فالمرأة لا يهينها إلا لئيم، ولا يكرمها إلا كريم، وهي أمانة في عنقك، وهي أسيرة عندك، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنهن عندكم عوان) يعني: أسيرات، ولها حق عليك، فلا يكن الضرب ديدنك دائماً، لكن قد تضطر يوماً من الأيام إلى استخدام الضرب، وقد تلجئك الظروف.

حكم دفع الزكاة للمجاهدين

حكم دفع الزكاة للمجاهدين Q هل يجوز دفع الزكاة إلى المجاهدين الأفغان؟ A لم يكن جائزاً فحسب، بل هو واجب، فهو المصرف الشرعي الآن، والذي نحث أنفسنا وإخواننا إليه، هو الإنفاق على الإخوان المجاهدين، لا نقتصر على الزكاة فقط، بل نتصدق من أموالنا؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ} [الصف:10]؛ تجارة عظيمة رابحة، ماذا تعمل لكم، تنجيكم من الجوع والعطش والأكل؟ لا. وإنما: {تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الصف:10] من عذاب الله، وكأن الناس قالوا: نعم يا رب! نريد هذه التجارة، قال: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [الصف:11] فإذا قدرت بالمال والنفس فهو أفضل، وإذا لم تقدر إلا بالنفس، وليس معك مال فخير عظيم، وإذا لم تقدر بالنفس فلا أقل من أن تبذل المال. وقد أرسل لي أحد القادة المجاهدين يقول: اجمع تبرعات للمسلمين، وقل للمسلمين ليكن الجهاد في حسبان المسلمين، ولد أو طفلة تأخذ كل يوم من جيب أبيها ريالين، من هو الذي يترك ابنته أو ولده بغير نقود، هل هناك أحد يفعل ذلك؟! نقول: اعتبر أن لك طفلاً صغيراً يعيش في المخيمات، وأن لك أخاً مجاهداً يعيش في الثلوج، وفي قمم الجبال يجاهد أعداء الله بصدره، ويلتحف السماء، ويفترش الأرض، وليس عنده طعام إلا الخبز اليابس، وقد لا يجده إلا في بعض الأيام، فلنجمع كل يوم ريالين، حتى تصير في الشهر ستين ريالاً. {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة:41] فالجهاد بالمال واجب، خصوصاً علينا نحن في هذه البلاد المباركة التي فيها خير، وخصوصاً في الآونة الأخيرة؛ لأن الجهاد الآن قام، وقطوف الثمرة الآن، فالذي يتخلى عن الجهاد الآن فإنه يتخلى عنه دائماً، قام الجهاد، واستطاع بإذن الله أن يدحر أقوى قوة كافرة على وجه الأرض؛ وهي قوة روسيا الدب الأحمر التي قامت على القتل واكتساح الشعوب، وتدمير الأمم، لكنها فشلت وانهزمت واندحرت، وخرجت تجر أذيال الهزيمة أمام الرجال الأشاوس الأبطال، الذين لا يملكون إلا الإيمان! قوة ضاربة حقيقةً، دمرت روسيا وخرجت وهي صاغرة، والآن يريدون العودة وسينتصرون بإذن الله، فقد انتصروا على روسيا، وسينتصرون على الخونة الملاحدة الموجودين الآن في الحكم بإذن الله عز وجل، ولكن يحتاجون إليك الآن. والحمد لله هناك لجنة فرعية في المنطقة لجمع التبرعات وما عليك يا أخي! إلا أن تساهم في جهاد الأفغان بمالك الخالص. أما الزكاة فهو مصرف شرعي ليس لك فيه فضل {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة:60] إلى أن قال: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة:60] يعني الجهاد، فأخرج من مالك زكاته، وضعها في المصرف الشرعي للمجاهدين، وإذا كان هناك من المسلمين في بلدك مستحق، فيجوز لك أن تواسيه وتعطيه منها؛ ولكن لا تنس إخوانك المجاهدين.

صيام المرأة وزوجها شاهد، وصيام شهر غير رمضان

صيام المرأة وزوجها شاهد، وصيام شهر غير رمضان Q هل يجوز للمرأة الكبيرة أن تصوم من غير إذن زوجها؟ وهل يجوز صيام شهر كامل غير رمضان مثل شهر رجب؟ A أولاً: لا يجوز للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، سواء كانت عجوزاً أو بنتاً؛ لأن الحديث في البخاري ومسلم معلوم صحته قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه). أما صيام شهر كامل فإنه يجوز، ولكن فقط شهر شعبان لحديث عائشة تقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان حتى نقول: لا يفطر، وكان يفطر حتى نقول: لا يصوم) فقد صامه مرةً كله ومرةً تركه كله. أما رجب فلا دليل على صيامه، أو قيامه، أو عمرته، أو أي عمل يختص به، وكل حديث ورد في فضل عمرة رجبية، أو سبعة أيام من رجب، أو ليلة سبع وعشرين من رجب، أو أي فضل فيه، فإنه موضوع أو ضعيف ولا يحتج به.

الاستقامة هي لزوم العمل بالعلم

الاستقامة هي لزوم العمل بالعلم Q من الناس من يقول: إن الاستقامة فيما يحفظه الإنسان من معلومات إسلامية، فهل هذا صحيح، مع ضرب أمثلة من الواقع؟ A ليس بصحيح، ليست الاستقامة والإيمان هما العلم فقط، الإيمان والاستقامة هما العلم والعمل، فإذا كان عندك علم، وكان عندك عمل وتطبيق وخشية، فأنت المستقيم. أما أن تكون عالماً، وتحفظ من العلم لكن لا تعمل به، فهذا مثل إبليس يعرف كل الأديان والرسالات، والكتب يحفظها كلها عن ظهر قلب، لكنه من أهل النار، لماذا؟! لأنه لم يعمل.

حكم النظر إلى زوجة الأخ

حكم النظر إلى زوجة الأخ Q زوجة أخي دخلت بيتنا ونحن صغار، وقامت بتنظيفنا وإلباسنا وخدمتنا حتى أصبحنا رجالاً، فهل نحتجب منها، ولكننا لو أفصحنا لها بهذا فإننا نخاف أن تشتعل النار في العائلة، ويدب الشك فما هو الحل؟ A قولوا لها: جزاك الله خيراً على خدمتك لنا، ولكن أصبحنا رجالاً، وأنت أجنبية عنا، ولا يجوز أن ننظر إليك، وليس هذا الفعل لعدم الثقة بك، فثقتنا فيك كبيرة، ولكن هذا أمر الله عز وجل. أما أن البيت سيشتعل ناراً فلا، بل ستحل فيه الرحمة والبركة والرضوان من الله عز وجل، لا يتصور أحد أنه إذا وجد الحجاب تشتعل الأسرة، لا والله، بل تشتعل الأسرة إذا كان الحجاب غير موجود حقيقةً؛ لأنه يسبب هذا التكشف إلى اشتعال النار في الإنسان يوم القيامة. على كلٍ أختم الآن، وبالرغم من أن أسئلة الأسبوع الماضي لم تنته بعد، لكن الوقت ضيق، وما أريد أن أطيل على الإخوة، وقد أخذت تعهداً على نفسي أن لا أزيد على الثمانية. وأسأل الله الذي لا إله إلا هو، أن يجمعنا وإياكم على رضاه في الدنيا والآخرة.

فضل الإيمان وآثاره

فضل الإيمان وآثاره ضرورات الحياة المتفق عليها بين البشر ثلاث، وهي: الهواء والماء والغذاء، ولكن ضرورة الإيمان والدين تطغي على ذلك كله، فهي الباعثة على الأمن والسعادة في الدنيا قبل الآخرة، ولهذا الإيمان ثمار وآثار في الدنيا والآخرة تظهر على من التزمه وحققه. في ظلال هذه الأفكار والأطروحات كان موضوع الشيخ في هذه المادة، إضافة إلى الكلام عن نظرية داروين الحيوانية وكيف استغل اليهود هذه النظرية وطوروها من أجل خدمة أفكارهم وتحقيق أهدافهم.

الضرورات المادية في حياة البشر

الضرورات المادية في حياة البشر الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الإخوة في الله: هناك في حياة البشر ضرورات لا بد من توفرها، ولا يستطيع إنسان أن يعيش حياةً سعيدةً إلا بتوفر تلك الضرورات، وهذه الضرورات كثيرة في حياة الناس، ولضغط الحياة المادية وانعدام المقاومة لدى الإنسان في هذا الزمان؛ أصبحت معظم الأشياء ضرورية لدرجة أنه إذا انتهت أية مادة من مواد الأسرة فإن البيت يشعر بنقص، وبعدم قدرة على التكيف مع الوضع الجديد، إذ لا بد من توفير هذه الأشياء ولو في أبسط صورها، مثلاً: لو تنتهي من البيت حفاظات الأولاد لقامت مشكلة في البيت، تصيح المرأة بأعلى صوتها، وتقيم الرجل من مضجعه، وتوقظه من نومه، وتأمره بأن يذهب إلى السوق لشراء حفائظ الأولاد، وكأن القيامة قد قامت. رغم أن الناس منذ آدم إلى قبل عشر سنوات لا يعرفون حفاظات الأولاد، وما ظهرت إلا منذ الأيام القريبة، لكن انهزامية الناس أمام ضغط هذه الأشياء جعلت كل شيء ضروري، لكن الضروري حقيقةً ثلاثة أشياء: أولاً: الهواء. ثانياً: الماء. ثالثاً: الغذاء. فقط هذه؛ لأن على هذه الثلاثة مدار حياة البشر، إذ لا يستطيع الإنسان أن يعيش بغير الهواء لحظة واحدة، ولا أن يعيش بغير الماء فترة معينة، ولا بغير الغذاء فترةً أطول، لكن بغير هذه الثلاث يمكن أن يعيش الإنسان، بل يمكن أن يعيش بدون كساء، فيستر عورته بأوراق الشجر، وينام في الكهوف، ويستظل بالأشجار، ويسير على قدميه حافياً، فإذا وُجد الماء والهواء والغذاء وجدت الحياة، وإذا انعدمت هذه الثلاثة الضرورية انعدمت الحياة. لكن هل الإيمان والتدين والالتزام ضروريٌ للبشر كضرورة هذه الأشياء الثلاث؟ هل الإيمان -تنبه لهذا السؤال- والدين والعيش على منهج ضروري للإنسان كضرورة هذه الأشياء الثلاث، بحيث إذا لم يتوفر الإيمان في حياة الإنسان مع هذه الثلاث تصبح الحياة غير ممكنة؟! قبل الإجابة على هذا السؤال يجب أن نناقش الموضوع بعقلية وبمنطق. هذه الضرورات الثلاث من أين نتجت حتى أصبح الإنسان لا يمكن أن يعيش بدونها؟

الضرورة الأولى: الهواء

الضرورة الأولى: الهواء الهواء يحيط بالإنسان من كل جانب، ويسير معه في كل مكان، تدخل المسجد تجد الهواء أمامك، تركب السيارة تجد الهواء في انتظارك، تخرج إلى الشارع تجد الهواء يلامسك، تركب في الطائرة تجد الهواء معك، تدخل في غرفة النوم كذلك هو معك، وتدخل دورة المياه والهواء معك، أينما دخلت والهواء يحيط بك من كل جانب، لماذا؟ لأنك لا تستطيع أن تعيش بغير الهواء، فجعل الله الهواء معك في كل مكان، ولو أنه انحبس عنك لحظة واحدة لمت! بينما هذا الهواء تحصل عليه بالمجان. هل سمعتم أحداً يقول: أعطني كيلو هواء؟ ما ظنكم لو أن الهواء الذي يعيش الناس عليه يشترى بمال، لو حصل هذا لمات أكثر البشر الذين ليس لديهم مال، أو كان من معه هواء يحمله في قربة أو برميل فوق ظهره، وما عمله إلا مراقبة العيار متى ينتهي الهواء، لكن الله جعل الذي هو أغلى شيء في الوجود مجاناً، وهذه نعمة من الله عز وجل، وما سمعنا إنساناً يبيع الهواء أو يشتري الهواء، طبعاً لا تحتجون عليّ بهواء الإطارات الذي عند البنشر، فتقولون لي: نشتري هواء ونعبأه بثمن، لا. حتى هواء الإطارات مجاناً، فأنت عندما تقف عند صاحب بنشر، فتعاير الهواء وتزيد وتنقص لا تعطيه إلا ريالاً، وإذا أعطيته ريالاً قال لك: استحِ على وجهك، هذا هواء كيف نبيع الهواء؟ وأذكر مرة من المرات في بداية حياتي أني اشتريت سيارة، وما كنت أعرف شيئاً عن السيارات، كنت أعرف فقط أقود، وفي يوم من الأيام حصل في سقف السيارة أن انحلت بعض (الصواميل) وما رأيتها؛ لأنها مغطاة من الداخل باللباس، فاشتكيت إلى أحد السائقين القدامى، فقلت له: يا أخي! عندي قعقعة في سقف السيارة ولا أدري ما سببها؟ فقال لي: هل غيرت الهواء؟ قلت: هواء ماذا؟ قال: هواء الإطارات. قلت: لا والله ما غيرته. قال: من متى لم تغيره؟ قلت: السيارة معي منذ سنة. قال: قل: لا إله إلا الله! سنة كاملة وما غيرت الهواء!! والزيت كذلك ما غيرته؟ قلت: لا. الزيت كل (2000كم) أغيره. قال: جيد، الحمد لله تداركتها، لكن لا بد لك من تغيير الهواء. يقولون: إن الهواء يخزن داخل الإطار، وعندما يدور الإطار باستمرار يفسد الهواء، فيحصل قعقعة في السيارة، فأخذت كلام الرجل على محمله، وذهبت إلى صاحب البنشر وأوقفت سيارتي وقلت له: غيَّر الهواء؟ فنظر الرجل إلي نظرة استغراب وقال: ماذا بك؟ قلت: غيَّر الهواء. قال: هواء ماذا؟ قلت: هواء الإطارات. قال: أنت مجنون أم عاقل؟! قلت: أنت المجنون، غيّر الهواء فقط، فتركني وأدبر عني، وأنا من بالغ الاعتداد بنفسي ذهبت إلى الإطارات وفككت الإبر وفرغت الهواء كله على الأرض، وبعد ذلك أتيت (باللي) وعبأت الهواء وأرجعت الإبر وسلمته النقود، أعطيته ريالاً، فأخذه؛ لأنه قال: مجنون، نأخذ الريال من مجنون ولا نتركه له. وبعد ذلك مشيت بالسيارة في أول تجربة وإذا بالقعقعة هي هي، فذهبت إلى الرجل، فقلت: يا أخيّ غيرت الهواء وما ذهبت القعقعة، قال: وغيرته!! قلت: نعم. فجلس يضحك عليّ ويضحك معه من حوله. الشاهد في الموضوع أن الهواء أغلى ما في الوجود، ومع هذا لا يباع ولا يشترى وإنما هو مجاناً، ولو كان الهواء يباع لمات كثير من البشر؛ لأن على الهواء مدار حياة البشر، ولا يستطيع البشر أن يستغنوا عنه لحظة واحدة، فجعله الله مجاناً، وجعله في كل مكان وفوق كل أرض، وتحت كل سماء، وفي أي مكان في الدنيا لا تدخل إلا والهواء معك يحيط بك من كل جانب، هذه ضرورة واحدة.

الضرورة الثانية: الماء

الضرورة الثانية: الماء الماء عليه مدار الحياة، يقول الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء:30]. ولكن ضرورة الإنسان للماء أقل من ضرورة الإنسان للهواء، إذ يستطيع الإنسان أن يعيش بغير ماء أسبوعاً كاملاً، وفي المناطق الباردة يعيش أسبوعين، لكنه لا يستطيع أن يعيش لحظة واحدة بغير هواء، ولذا لم يجعل الله الماء مُلابساً للإنسان يخرخر فوق رأسه أينما دخل وأينما خرج، ولو جعل الله الماء في هذا الوضع لمات البشر، ولكن الله جعل الماء ينزل من السماء بِقَدر، يقول الله عز وجل: {يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ} [الشورى:27]. وإذا نزل هذا القَدْر من السماء على الأرض لا يجعله الله راسياً، فلو أنه شكل بحيرات ومستنقعات في الأرض لفسدت الحياة ولنمت الجراثيم، ولَجلبت العلل والأمراض، لا. إنما يفتح الله الأرض لهذا الماء فيسكن في بطنها، لا يسكن في أعماقها وإنما قريباً من السطح، ولو جعل الله الأرض تمتص هذا الماء، لذهب إلى أغوار الأرض البعيدة ولحُرم منه الناس ولم يستفد منه أحد، ومات كل من على ظهر الأرض، ولكن الله عز وجل جعل الأرض تمتصه حتى لا تفسد الحياة بوجود الماء على ظهرها، فتمتصه ويختزنه الله عز وجل للناس في الطبقة العليا من الأرض، يقول الله عز وجل: {فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} [المؤمنون:18] ويقول: {وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} [الحجر:22]. والماء لديه قدرة عظيمة على اختراق الأشياء، فإذا وجد مثل خرق الإبرة في أي إناء فإن الماء يخرج منه، لكن من الذي حفظ لك أيها الإنسان داخل الأرض بين الشقوق والشعاب والحفر والحجارة، فتجده موجوداً لا ينقص؟! أنت تأخذ وهو يزيد من عند الله تبارك وتعالى، هذه نعمة من نعم الله عز وجل. فجعل الله الماء موجوداً، لكن الحصول عليه يكون بمشقة، تحفر بئراً، أو تذهب إلى البحر فتجري تكريراً لمياه البحار، وبعد ذلك تأخذ منها الماء العذب وتترك الماء المالح، المهم أنه موجود لكنه بجهد، وليس بغالٍ، فالماء من أرخص وأكثر الأشياء في الأرض، بل إن ثلاثة أخماس الأرض ماء، وخُمسين من الأرض يابس، مع ما في بطن اليابس من المياه الغزيرة التي نحن من فضل الله في هذه البلاد نعيش عليها، ليس عندنا أنهاراً، ولكن جميع حياتنا الزراعية قائمة على مياه الأرض الباطنة، التي امتصت من مئات السنين من الأمطار التي تنزل إلى الأرض، ثم تسير على شكل وديان تمتصها الأرض وتحتفظ بها، إلى أن جاء الإنسان واستطاع بفضل الله عز وجل أن يصل إلى أعماق الأرض ويسحب هذه المياه، ويحول هذه الصحاري إلى مزارع وبساتين وجنان، وهذه كلها من نعم الله على الإنسان.

الضرورة الثالثة: الغذاء

الضرورة الثالثة: الغذاء الغذاء أقل ضرورة من الماء، إذ بإمكان الإنسان أن يصبر على الغذاء فترة أطول من فترة صبره علىالماء، فللإنسان قدرة على أن يعيش شهرين بدون غذاء ولا يموت، لكنه لا يستطيع أن يصبر فترة طويلة عن الماء مثل الغذاء، ولذا جعل الله الغذاء موجوداً في الأرض بمشقة أكبر من مشقة الماء، عن طريق حرث الأرض، ثم سقيها وبذرها ثم انتظار الثمر حتى يظهر، ثم حصده، ثم طحنه وخبزه وأكله، فلا يُأكل هذا القرص حتى يُتعب عليه كثيراً، ولكنه موجود. هذه الضرورات الثلاث هي ضرورات البشر.

ضرورة الإيمان والدين للبشر

ضرورة الإيمان والدين للبشر الضرورة الرابعة التي سنتحدث عنها ونسأل أنفسنا عنها، وهل هي ضرورية مثل الهواء والماء والغذاء أم لا، هي: ضرورة الإيمان والدين، فهل هي ضرورة حقاً؟ بالعاطفة كل شخص منا سيقول: نعم. الدين ضروري مثل الهواء والغذاء والماء، لكننا حينما نضع الإنسان على محك العلم والتجربة نجد أنه ليس عنده علم يثبت له أن الإيمان والدين ضروريٌ للإنسان كضرورة الغذاء والهواء والماء، بدليل أن معظم البشر الآن في الأرض يعيشون بلا دينٍ وبلا إيمانٍ، ولا يشعرون بأن الإيمان والدين ضروريٌ لهم. وحتى نجيب إجابةً علمية دقيقة على هذا السؤال يجب أن نسأل أولاً: ما هو الإنسان؟ وما هي مادته وأصل تكونيه؟

مادة البشر المكونة لأصلهم

مادة البشر المكونة لأصلهم سوف نتعرف على هذه الضروريات من خلال التكوين، وإذا أردنا أن نسأل عن الإنسان، فإن أعظم من يجيبنا على أسئلتنا هو خالق هذا الإنسان، وهو الله عز وجل: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14]. من الذي خلق الإنسان؟ إنه الله، فهو أعلم بأسرار الإنسان وبمادته، وبما يصلحه ويفسده، وأعلم بما هو ضروري له، وبما ليس ضرورياً له، فالذي يتحدث عن الصنعة صانعها، والله عز وجل هو خالق الإنسان، ولم يقل أحد في الدنيا بأنه هو الذي خلق الإنسان، والله سألهم في القرآن وقال لهم: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ} [الطور:35 - 36] فهم لم يُخْلقوا من غير شيء وليسوا هم الخالقين، ولم يخلقوا السماوات والأرض، فتعين أن يكون لهم خالق وهو الله تبارك وتعالى، يقول عز وجل: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:1 - 2]. فالذي خلق الإنسان هو الله عز وجل، ولذا نسأل ربنا تبارك وتعالى: مم خلق الإنسان؟ وما هي مادة تركيبه؟ وقد أخبرنا الله في القرآن الكريم أن الإنسان مخلوقٌ من عنصرين، ومركبٌ من مادتين: عنصر طيني أرضي، وعنصر روحي سماوي، يقول عز وجل: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ} [ص:71] هذا العنصر الأول: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص:72] فأخبر الله عز وجل الملائكة أنه سوف يخلق بشراً من طين، ولهذا لما حللوا عناصر الطين، وحللوا عناصر الذرة من الإنسان، وجدوا أن الإنسان يتكون من ستة عشر عنصراًً هي الموجودة في الطين. فمجموعك أيها الإنسان من ستة عشر عنصراً: فيك الحديد، والماغنسيوم، والملح، والماء، وكل شيء موجود في خلية الطين التي أنت مكون منها. هذا العنصر الأول. {إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ} [ص:71 - 72] وجاء العنصر الثاني المهم؛ لأن العلماء يقولون: إن الله ما أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم بعد خلق عنصره الطيني، بل أمرهم بالسجود له بعد نفخ الروح فيه، لماذا؟ لأنه كلمه بالروح. : {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص:72] فالسجود جاء بالأمر من الله عز وجل للملائكة أن تسجد لآدم بعد نفخ الروح فيه، لماذا؟ قال العلماء: لأن الروح هي الكريمة في الإنسان، بدليل أن الإنسان إذا مات وخرجت منه روحه فإنه لا يبقى لجسده قيمة أبداً، رغم أن العين موجودة والأذن، والرئة والجهاز التنفسي والهضمي والتناسلي والهيكل العظمي وكل الأجهزة موجودة، لكن لما خرجت الروح لم يبق لكل هذا قيمة، فمن يشتري هذا الجسد بريال واحد؟ لا أحد يشتريه، بل يتخلص الناس منه في أقرب فرصة، حتى إن أحب الناس إلى هذا الجسد يتولى سرعة تجهيزه، ويدق على الناس ويقول: لا نريده أن يبيت إلا في قبره، فلا يريده أن يبات معه ليلة واحدة. وإذا مات الناس في عمليات زرع الأعضاء، فإنهم يأخذون القلب من الإنسان الميت ويزرعونه في إنسان لم تخرج الروح من قلبه فيعيش هذا الإنسان، فلماذا وقف القلب في هذا الجسد وعمل في الجسد الثاني؟ لماذا لم يظل عاملاً مادام أنه سليم؟ لماذا لم يستمر في عمله؟ لأن الحياة ليست في الجسد وإنما في الروح، وما دام أن الروح قد خرجت فإن القلب يتوقف، فينقل القلب من جسدٍ قد ذهبت منه الروح إلى جسدٍ لا تزال الروح فيه فيعمل هذا القلب. وعملية زرع الكلى -أيضاً- وهي: أن تأخذ الكلية من مريض قد مات وتوضع في جسد آخر حي فتعمل؛ لأن هناك مشغلاً لها وهي الروح، فالحياة ليست في الكلى ولا القلب، ولا الرئة ولا جميع أجزاء الجسد، بل هي في الروح، والله تبارك وتعالى يقول: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي} [ص:72] فالروح بمنزلة الراكب، والجسد بمنزلة المطية أو المركوب، ودائماً الكرامة والشرف للراكب لا للمطية، وما نفعله الآن هو تكريم المركوب والمطية وتركنا الراكب عند الباب. فلو أنك نزلت ضيفاً على مطيتك إلى أحد إخوانك أو أرحامك، وبدلاً من أن يدخلك إلى المجلس ذهب بك إلى الاصطبل التابع للمواشي، وأدخل المطية في المجلس وأعطاها القهوة والطيب والعشاء، بينما أرسل لك أنت بكرتون من العلف، ولم يضئ لك الإصطبل، ولم يجهز لك الفراش، ثم بقيت إلى نصف الليل وأنت تنتظر فقلت له: ما بك يا أخي؟! قال: المطية وضعناها في المجلس! فهل تغضب أم ترضى؟ بالطبع تغضب وتقول: يا أخي! المطية أحضرها مكاني، وأنا ضعني في المجلس. فنحن الآن عكسنا الآية، نكرم الجسد الذي هو المطية، فالثوب الجيد، والعمارة الجيدة، والأكل الجيد، والعلاج، وكل شيء حسن للمطية، بينما الروح التي فيها الحياة مقتولة عند كثير من الناس، تعطى السم الأحمر الزعاف، وتتغذى على أسوأ الأغذية، وتسمع أسوأ ما يمكن أن يُسمع، وتقرأ أسوأ ما يمكن أن يُقرأ، تقرأ المجلات والقصص والخزعبلات، وتشاهد الأفلام، وتنظر إلى الجنس والخرافات، أي: تعيش على أرذل ما يمكن أن يُعاش عليه! فتعيش الروح مقتولة والجسد منعم، فلو اشتريت صندوق برتقال ووجدت فيه حبة فاسدة أو معطوبة، فإنك ترمي الصندوق كله، لماذا؟ تقول: طعام فاسد لا نستطيع أن نأكله، ولو اشتريت علبة لبن منتهٍ تاريخها فإنك ترميها، وأي شيء يسبب لك ألم في جسدك فإنك لا تتناوله، حسناً! وروحك إذا كان طعامها فاسداً؟ لا تجد أحداً يسأل عن صحة الطعام، هل هو سليم مائة بالمائة أم لا، بل يتعمد معظم الناس إلى شراء الأطعمة الفاسدة لعلل أرواحهم وقلوبهم، فيعيش أكثر الناس -والعياذ بالله- مريضاً في قلبه، لماذا؟ لما يتناوله من الطعام الفاسد؛ لأن صحة الأجسام والأرواح إنما تبنى على الغذاء الذي يقدم لها، فإذا كان الغذاء صحيحاً سليماً صحت الأجساد، وإذا كان غذاء الأرواح سليماً صحت الأرواح. فالناس الآن مهتمين بجانب الغذاء الجسدي على حساب غذاء الروح. فأنت أيها الإنسان! إن أردت أن تعيش حياةً سعيدةً، فأنت مطالب بأن تكون لك حياتين: حياة لجسدك، وحياة لروحك، حتى تكون إنساناً سوياً، فلو أنك عشت حياة روحية بدون جسد فلست إنساناً، ولو أنك عشت حياة جسدية مادية بدون روح فلست إنساناً. إذاً من الإنسان؟

حاجة البشر للدين والإيمان

حاجة البشر للدين والإيمان الإنسان الذي خلقه الله مكون من عنصرين: نفخة من الروح، وقبضة من التراب، هذا هو الإنسان، ويجب عليه إن أراد أن يعيش إنسانيته في أكمل صورها، وأعلى درجاتها أن يلبي لكل عنصرٍ متطلباته، ومتطلبات الجسد معروفة وهي: الغذاء الذي نأكله، والهواء الذي نشمه، والماء الذي نشربه، أما حياة ومتطلبات الروح ما هي؟ أهي غذاء؟ هل يمكن لشخص أن يأكل برتقالة أو تفاحة لروحه، أو أن يضع روحه على سرير، أو تحت مكيف، أو يتمشى بها في سيارة، أو يُسكنها في عمارة؟!! لا. غذاء الروح من أصل الروح، لذلك لما كان الجسد من الأرض كان غذاؤه منها، فالماء يخرج من الطين، والهواء يخرج من الأرض، والغذاء يخرج من الطين. كذلك الروح لما كانت عنصرها سماوي كان لها غذاء سماوي، ألا وهو الإيمان، فالدين هو غذاء الروح، فإذا أردت أن تعيش حياةً متكاملة لجسدك ولروحك لزمك أن تعطي جسدك غذاءه، وهو: الهواء والماء والغذاء، وأن تعطي لروحك غذاءها وهو الإيمان. أيصبح بعد ذلك الإيمان ضرورياً أم غير ضروري أيها الإخوة؟! ضروري لا شك، لا بد مثلما أنك توفر الماء والغذاء والهواء لجسدك أن توفر الإيمان لروحك؛ لتحيا حياةً كاملة تكون بها إنساناً، فالله قد أخبرك أنك إنسان، وأنه خلقك بطريقة تختلف فيها عن جميع المخلوقات: خلقك بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وعلم أباك آدم الأسماء كلها، وبعد ذلك أنزل إليك كتباً، وأرسل إليك رسلاً، ودعاك إلى الجنة وطاعته، وحذرك من النار ومعصيته. فأنت مخلوق مخاطب بشكل خاص من بين سائر المخلوقات، وجميع المخلوقات مسخرة لك، يقول الله: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} [الجاثية:13] فجميع ما في السماوات والأرض كله مسخر لخدمتك، ليس هناك ذرة في الكون إلا ولك مصلحة فيها أيها الإنسان علمتها أو لم تعلمها، وأنت لمن؟ لله. فإذا احتقرت أيها الإنسان نفسك ولم تعرف من أنت، فإنه يصعب عليك أن تعرف هل الإيمان ضروري أم غير ضروري، والذين عرفوا الإنسان من هذا المنطلق ومن هذه الزاوية بعد علمهم بكتاب الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، عرفوا أنه لا يمكن أن يعيش إنساناً سوياً إلا بتأمين غذائه وتكميل حياته؛ حياة الجسد وحياة الروح، فحرصوا على توفير متطلبات الجسد، ومتطلبات الروح، والذي يوفر متطلبات جانب على حساب آخر فقد أخطأ ولا شك. فلو أنك خرجت من دوامك أو مدرستك الساعة الثانية والنصف، ودخلت على زوجتك وقلت لها: أنا جائعٌ سأموت جوعاً، عجلي بالغداء، فقالت: لا يوجد لدينا غداء اليوم، ولكن اقرأ هذا الحديث وتغدى به، أو اسمع هذا الشريط وسوف تشبع، هل يمكن لقراءة الحديث أو سماع الشريط أو قراءة آية أن تشبعك، لا. فالحديث والشريط والآية والقرآن غذاء لروحك، أما بطنك فلا يسدها إلا الأكل ولا يسدها الكلام، فلا بد من غذاء لجسدك غير غذاء روحك، وكذلك الذي يكون قلبه ميت، وروحه منهارة ومنهزمة، فيقول: سأنعِّم روحي بتمشية إلى أوروبا أو بفسحة إلى بلاد الشرق، أو بأكلة، أو بتمشية على شاطئ البحر، أو بنومة على السرير في مكان جميل هذا كله لجسده، أما الروح فستبقى في عذاب حتى يقدم لها غذاءها الحقيقي، ألا وهو الإيمان بالله عز وجل، والخضوع لشريعة الله، والتمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

نفع الإيمان لأهله

نفع الإيمان لأهله إن الذين عرفوا الإنسان بهذا المفهوم قالوا: إن الإيمان ضروريٌ للإنسان بل هو أعظم من ضرورة الغذاء والماء والهواء، إذ أن الإنسان إذا عاش على الإيمان والدين وحيت ودبت الحياة في قلبه وروحه، ثم فُقد الهواء أو الغذاء في مجاعة -مثلاً- أو الماء ومات الإنسان وهو مؤمن فإنه يدخل الجنة، لكن إذا عاش على الهواء والغذاء والماء وجميع متطلبات الدنيا وليس عنده إيمان، وانتهت أيامه ومات فإنه يذهب إلى النار. إذاً: ضرورة الإيمان لا نستطيع أن نجعلها في مصف هذه الضرورات، أي: من الظلم وعدم الإنصاف أن نقول: إن الإيمان ضروري للإنسان كالهواء، لا. بل ضروري للإنسان أعظم من ضرورة الهواء؛ لأنك بغير الهواء تموت وتنتهي، وإذا لم يكن لديك إيمان حال الموت فإنك تدخل النار، يقول الشاعر: ولو أنا إذا متنا تركنا لكان الموت راحة كل حي ولكنا إذا متنا بعثنا ونسأل بعده عن كل شيء وأهل النار الذين تمتعوا في الدنيا بأجسادهم، وكانوا في ملك، وسلطان، وأبهة، وأموال، ورغد من العيش، عندما يدخلون النار يتمنون العودة، ويقولون كما قال الله: {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة:27] ثم يتذكر ما الذي أشغله عن حياة قلبه، وإذ به ملكه وماله، فيقول: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:28 - 29]. كان مهتماً بملكه وماله عن روحه، فروحه في عذاب وبعد عن الله، لا يعرف لله مسجداً، ولا يقرأ لله كتاباً، ولا يقيم لأوامر الله وزناً، بل مهمل لهذا الجانب في حياته، فلما أفلس وكتبت أمامه الحسابات، ورأى أنه ليس لديه شيء ينفعه من مالٍ ولا ملك قال: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:28 - 29] فيقول الله للملائكة: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:30 - 32] وكأن سائلاً يقول: لِمَ يا ربِّ؟ قال: {إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ} [الحاقة:33]. أي: لم يكن عنده الغذاء الإيماني، والذي هو الضرورة الأهم! نعم. كان عنده ملك وأموال وأولاد وجاه، وكان عنده عافية وصحة، كان عنده كل ما في الدنيا، لكن لم يكن عنده إيمان، فهل نفعته هذه الأموال؟ هل حالت أو دفعت عنه هذه المنزلة؟ لا. فهل الإيمان ضروري كضرورة الماء والغذاء والهواء أم لا؟ نعم. بل أهم.

ثمار الإيمان وآثاره في الحياة الدنيا

ثمار الإيمان وآثاره في الحياة الدنيا دائماً الضروريات، والأهميات تأتي من آثار الشيء، فما هو أثر الإيمان على الإنسان المؤمن حتى نقول: إن الإيمان ضروري؟

الأمن والاطمئنان والسعادة

الأمن والاطمئنان والسعادة قلنا: إن الهواء ضروري؛ لأن أثره واضح، ولذا تجد الناس الآن يرجفون خوفاً من الكيماوي، والمزدوج، والخردل، رغم أن الحياة ليست بيد الكيماوي، فالذي يحيي ويميت هو الله. ولكن عندما يذهب الإيمان من قلوب الناس فسوف يتصورون أن الذي يحيي ويميت هو صدام، وأنه إذا أطلق الصواريخ ووصلتنا فسوف نموت، وهذا معتقد كثير من البشر، مسكين صدام هذا، من هو؟ هل هو إله في الكون؟ لا. بل ذرة وحشرة من حشرات الدنيا، لا يملك في الكون مثقال ذرة. من الذي بيده مقاليد الأمور؟ من الذي يحيي ويميت؟ من الذي يقيم الحروب ويطفؤها؟ إنه الله الذي لا إله إلا هو، فإذا علقنا قلوبنا بالله عن طريق الإيمان به والخضوع لشريعته، والتوكل والاعتماد عليه، والعلم بأنه المعطي المانع النافع، وأنه الضار المحيي المميت، وأنه يعطي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، إذا اعتقدنا هذه العقيدة في قلوبنا، فوالله لو وقفت كل الدنيا أمامنا لن نخاف إلا من الله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ} [آل عمران:173 - 174] لماذا؟ لوجود الإيمان. أما المنافق الذي ليس عنده إيمان: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} [المنافقون:4] {لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} [آل عمران:156] وقال الله: {لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران:154] ويقول: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ} [النساء:78].

تحويل المصائب إلى نعم

تحويل المصائب إلى نِعم تأتي الضرورة للشيء من آثار الشيء، فنحن نحتاج إلى الهواء ونقول: ضروري لأن عليه مدار الحياة، ونحتاج إلى الماء؛ لأن عليه مدار الحياة، ونحتاج إلى الغذاء؛ لأن عليه مدار الحياة، لكن الإيمان ليس مدار الحياة الدنيا فقط، بل عليه مدار السعادة في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فهو أعظم ضرورة من الهواء والغذاء والماء، كيف؟ أولاً: لأن الإنسان في هذه الدنيا لا يخلو من حالتين: إما نعماء أو ضراء. وبغير الإيمان في النعماء يكفر وفي الضراء يضجر، فإذا أصابته نعمة بطر وتكبر وطغى، ولم ير إلا نفسه، وظن أن الناس كلهم غير موجودين إلا هو، وإذا أصابته ضراء في غير الإيمان يضجر، ويسخط، ويضعف، ويتلاشى، وتظلم الدنيا في وجهه، حتى إن بعضهم يموت داخل نفسه مما عليه من المصيبة، يموت وتكفهر الدنيا في وجهه، ويعيش حياةً لا يمكن أن يعيشها بشر، لماذا؟ لعدم وجود الإيمان، لكن إذا وجد الإيمان في القلب فالنعماء تتحول إلى نعمة، والضراء تتحول إلى منحة، فالنعماء إذا جاءت للمؤمن سخرها في طاعة الله، واستعان بها على ما يحبه الله ويرضاه، ولم يبطر ولم يكفر ولم يفجر ولم يتعاظم ولم يستكبر، وإنما استعان بكل ما آتاه الله عز وجل من نعم في طاعة الله، فتصبح النعمة له منحة؛ لأن الله يقول: {وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:145]. وإذا أصيب المؤمن بمصيبة ونظر إليها وإلى حجمها وضخامتها، ثم تذكر أن الله عز وجل إنما يبتليه ليرفع درجته، ويعلي منزلته ويثيبه عليها صبراً لها، وتلقاها بصدرٍ رحب وفرح بها، يقول تبارك وتعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة:155] من هم (الصابرين)؟ إنهم أهل الإيمان {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:156 - 157]. تجد المؤمن عندما يموت ولده ويتذكر أن الله أعد له في الجنة قصراً سماه (بيت الحمد) فيقول: الحمد لله، ويحمد الله من قلبه، وتكون هذه الكلمة على قلبه مثل الثلج النار تضطرم في سويداء قلبه حزناً على ولده، لكنه يتذكر القصر الذي أعده الله له في الجنة، فيقول: الحمد لله، إنا لله وإنا إليه راجعون، إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى: (إذا قبضت الملائكة روح عبدٍ مؤمن، قال الله لملائكته: قبضتم فلذة كبده؟ قالوا: نعم. فيقول الله: ماذا صنع؟ فيقولون: حمدك واسترجع -قال: الحمد لله، وإنا لله وإنا إليه راجعون- فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد). ومن كان له بيت في الجنة لا يدخل النار. فهذه بشرى، فمن له بيت في الجنة لا يدخل النار إلا إذا كان الخراب منك أنت، بنيت بيتاً لكنك رفضت أن تدخله، وذهبت إلى الدار الأخرى، فإذا بنيت بيتاً في الجنة بأن صبرت على مصيبة فقد ولدك، أو بنيت لله مسجداً، وقد جاء في الحديث: (من بنى لله مسجداً بنى الله له قصراً في الجنة) فأنت عملت بأعمال الدين حتى أدخلك الله الجنة، ثم أنت تخالف وتضع الموانع والعوائق والمنغصات، وتحول بينك وبين دخول الجنة، فالسبب والخلف جاء منك وليس من الله عز وجل. فالإيمان ضرورته تأتي من أنه يحوِّل لك النعمة إلى نعمة، والمصيبة إلى نعمة، فتعيش -أيها الإنسان- في نعمة طوال حياتك، فإذا كنت فقيراً وأنت مؤمن تقول: الحمد لله الذي زوى عني الدنيا، والله لا أريدها، كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (والله لو أردت الدنيا لسارت الجبال معي ذهباً وفضة، ولكن أريد أن أشبع يوماً وأجوع آخر) فإذا شبعت أو جعتَ حمدت الله عز وجل، فالفقر بالإيمان يصير نعمة، فإذا كان الفقير مؤمناً فلا تراه إلا متفرغاً لطاعة الله، تالياً لكتاب الله، عامراً لبيوت الله، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، محباً في الله، يزور إخوانه في الله، يقوم الليل، يصوم أكثر الدهر فهذا الفقر كان سبباً في دخوله الجنة. فهو نعمة. لكن إذا كان الفقير ليس عنده إيمان -والعياذ بالله- فهو مثل فقير اليهود. لا دين له ولا دنيا! أولاً: يتقطع قلبه وتذهب نفسه حسرات عندما يرى سيارة تعرض، أو عمارة تقوم، أو أرضية تُشترى، أو دكاناً يُباع، فيعترض على قضاء الله وقدره: لماذا الله أعطى هذا؟ ولماذا لا أكون مثلهم؟ فلان لديه سيارة وأنا ليس لدي سوى رجلين، ومعه عمارة وأنا أسكن في كوخ، فيتقطع قلبه، وبعد ذلك يملأ وقته بمعصية الله، تجده في المقاهي وبين المخدرات؛ لأنه ليس عنده شيء، وتجده -والعياذ بالله- في الأسواق وعلى الأرصفة، والأفلام، والسفر إلى الخارج بالباطل، لماذا؟ لأنه فقير فاجر -والعياذ بالله- لكن لو أنه مؤمن لكان فقره هذا سبب نجاته من عذاب الله.

تكفير الخطايا بالصبر على البلاء

تكفير الخطايا بالصبر على البلاء إذا مرض الإنسان وهو مؤمن تذكر أن هذا المرض ابتلاء من الله عز وجل؛ وفي الحديث: (إن من الذنوب ذنوباً لا تكفرها الصلاة، ولا الصيام، ولا يكفرها إلا طول البلاء) (وأشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على قدر دينه، كلما كان في دينه صلابة زيد في بلائه) فالله عز وجل لا يظلم الناس مثقال ذرة. الآن ترى بعض الكفار مثل الحمار، متعافٍ في عضلاته، وتجد بعض المؤمنين نحيلاً، مريضاً، يسعل وعنده ربو، هل لأن الله يحب هذا الكافر أعطاه العافية، ولأنه لا يحب المؤمن أعطاه المرض؟ لا. ولكن ليرفع الله درجة المؤمن بمرضه فيُكَفِّر عنه خطيئته، حتى يصل إلى الله عز وجل ولا خطيئة له. فالمؤمن قد يسير على الأرض قبل الموت ولا خطيئة له بأسباب البلايا، حتى قال عليه الصلاة والسلام: (حتى الشوكة يشاكها الرجل في الإسلام يثاب عليها) عندما نزل قول الله عز وجل: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:7 - 8]. قال أبو بكر رضي الله عنه: (يا رسول الله! أعلى مثاقيل الذر نحاسب؟ قال: يا أبا بكر! ألست تحزن؟ ألست تمرض؟ قال: نعم. قال: يكفر الله بها ذنبوك). إذا عملت من الذنوب شيئاً فإن الله يكفر عنك هذه الذنوب بما ينالك فإذا مرضت وأتتك حمى، وأتاك ألم أو حصل لك أي ألم في أي جارحة من جسمك، وتذكرت أن الذي أمرضك هو الله تبارك وتعالى، وأن الله ما أراد بهذا المرض إزعاجك أو تعذيبك، وإنما أراد تطهيرك، ورفع درجتك، وتكفير خطيئتك فتحمد الله، تقول: الحمد لله. حتى إن بعض المرضى الآن يحمد الله أكثر من المتعافين، فإذا سألت المتعافي فقلت له: كيف حالك؟ قال لك: طيب، وتسأل المريض: كيف أنت؟ فيقول لك وهو مريض: الحمد لله، لماذا؟ لأن الإيمان جعله هكذا، لكن إذا كان مريضاً ولم يكن عنده إيمان -والعياذ بالله- انتابه السخط، وأتاه الوهن، وأتته الهموم من كل جانب، وتصور الموت في كل طريق، تجده يقرأ جميع الصفحات الطبية، ويشتري جميع الأدوية ويقول: هذا يفيد كذا، وهذا يضر كذا، وأنا ذهبت إلى المستشفى الفلاني، وأنا مرضت ويعيش طوال حياته في أوهام، لماذا؟ لأنه ليس عنده إيمان، أما الذي عنده إيمان فإنه لا يفكر أبداً في هذه الأشياء؛ لأنه يعرف أن المرض لا يميت، وأن الذي يميت هو الله، والذي يعافي هو الله، ليس المرض والعافية، وأن الطبيب يكتب الدواء، بينما لا يستطيع أن يعالج نفسه. أما ترون الأطباء يمرضون ويدخلون المستشفيات ويموتون، إذاً لماذا لا يمنع الطبيب نفسه من المرض؟ قل للطبيب تخطفته يد الردى يا شافي الأمراض من أرداك قل للمريض شوفي وعوفي بعدما عجزت فنون الطب من عافاك يا أيها الإنسان مهلاً ما الـ ـذي بالله جل جلاله أغراك أفإن هداك بعلمه لعجيبة تزور عنه وينثني عطفاك ذقت الهوى مراً ولم أذق الـ ـهوى يا رب حلواً قبل أن أهواك دنياي غرتني وعفوك غرني ما حيلتي في هذه أو ذاك فإذا وجد الإيمان والإنسان مريض، كان هذا المرض نعمة، وإذا عدم الإيمان والإنسان مريض، كان هذا المرض نقمة -والعياذ بالله- فالإيمان ضروري؛ لأنه يحوِّل جميع المحن والأمراض والفقر والمصائب إلى نعم، ويحوِّل جميع النعم إلى العافية. إذاً: عندما يكون الإنسان متعافياً ولديه جسد قوي، وعضلات قوية، وعنده إيمان، فإنه يستخدم هذه القوة العضلية في طاعة الله، فلا تراه إلا ماشياً إلى المساجد، أو مجاهداً في سبيل الله، أو سائراً في طريق الخير، فيستعين بهذه القوة في طاعة الله؛ لأن جسد مبني على إيمان، أما إذا كان لديه جسد قوي وعضلات قوية ولكنه فاجر، فإنه يعتدي بهذه القوة على حرمات الله، ويستخدمها في معصية الله، تراه يعتدي بها على أولياء الله، ويؤذي بها عباد الله، فأصبحت العافية في حقه سبباً لعذابه في الدنيا، ونكاله -والعياذ بالله- في الدار الآخرة. فهذه ضرورة الإيمان في الدنيا قبل الآخرة.

من ثمار الإيمان: تحديد الاتجاه والمسار في الحياة الدنيا

من ثمار الإيمان: تحديد الاتجاه والمسار في الحياة الدنيا أيضاً ضرورة الإيمان في الدنيا تأتي من أنه يحدد مسارك أيها المكلف، ويرسم اتجاهك، ويجعل لك خط بداية ونهاية، ويجعل لك أيضاً خطة عمل في الدنيا، فما هو عملك؟ طاعة الله، وبعدك عن معصية الله، أين أذهب اليوم؟ أذهب إلى عملي، ومن العمل إلى بيتي، ومن البيت إلى المسجد، ومن المسجد إلى السوق لشراء أغراضي، هناك عمل آخر بعد ذلك؟ نعم. زيارة رحم، أو أخ في الله، أو والدين، عمل خير، حضور مجلس علم، المهم مصلحة في الدين أو الدنيا، فإن لم يكن هناك مصلحة في دين أو في دنيا أجلس في بيتي، هذه خطة عمل المؤمن، من الذي رسمها لك؟ إيمانك بالله، لكن بغير الإيمان والدين لا يكون عند الإنسان خطة عمل، فلا يدري أين يتجه، ترمي به الرياح في كل اتجاه، وتخطفه الشياطين في كل مكان، وبعد ذلك يمشي مُكباً على وجهه، لا يدري إلى أين يتجه ولا إلى أين يذهب، يقول الله عز وجل: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك:22]. فإذا سار الإنسان على غير هدى واتجاه وقع، وما أكثر من يقع في متاهات هذه الحياة وظلماتها وفتنتها ومشاكلها، يقتل نفساً بغير حق بسبب عدم إيمانه وخوفه من الله، رفقة سوء أخذوه إلى مكان وحصلت هناك مشكلة فقتل -والعياذ بالله- ويزني فيقع في جريمة ليس بعدها جريمة: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] بسبب قرناء السوء، وعدم وجود الإيمان الحاجز له عن معصية الله، يرابي، يسرق، يبيع المخدرات أو يروجها أو يتعاطها أو يهربها، يفتك بأعراض المسلمين، يعمل الجرائم، لماذا؟ لأنه ليس عنده إيمان يحجزه، ولو كان عنده إيمان ما فعل هذه الجرائم. ولذا لو أجريت إحصائية، أو زرت أماكن السجون الإصلاحية ووجدت مجموعة من البشر قابعون في السجون، لوجدت أن كل واحد منهم ما جره إلى هذا المكان إلا ضعف إيمانه، وعدم خوفه من الله عز وجل، تقول له: ما الذي أتى بك إلى هنا؟ قال: الشيطان، والشيطان إنما سلطانه على أوليائه؛ لأن الله يقول: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا} [النحل:99]. إذا أردت أن يعافيك الله من الشيطان، تسربل بسربال الإيمان، وتسلح بسلاح الإيمان، لن يكون له عليك سلطان أبداً: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل:99 - 100]. إذا أمسكت أول واحد منهم وقلت له: ما قضيتك؟ قال: قاتل، لماذا قتلت يا أخي؟! قال: الشيطان. ثم إلى آخر: ماذا عندك؟ قال: مخدرات، لماذا؟ قال: الشيطان، ثم إلى الثالث: ماذا عندك؟ قال: سرقت وسيقطعون يدي، لماذا تسرق يا أخي! ألم يكن هناك مجال للعمل؟ قال: الشيطان. من هذا الشيطان؟ الشيطان هو القوة الخفية التي هجمت على النفس البشرية ومزقتها وشتتها في غياب الإيمان، فلو وجد الإيمان والدين والخوف من الله والمراقبة لله، لكان هذا الرجل القاتل في بيته مع زوجته وأولاده، ولكان هذا المدمن الذي يتناول المخدرات وهذا السارق في بيته، ولعاش كل واحد منهم عيشةً آمنة مطمئنة ملؤها الهدوء والاستقرار والأمن والأمان بسبب الإيمان: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82]. نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقنا الأمن الكامل في قلوبنا بالإيمان المطمئن الذي يطمئننا على ديننا، فهذه ثمرة من ثمار الإيمان، أنه يحدد اتجاهك في الحياة، فتبقى متجهاً دائماً إلى الطريق المستقيم؛ لأن لديك إيمان، يقول الله: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} [الحديد:12] ويقول: {وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [الشورى:52]. فالقرآن والسنّة والإيمان نور يهدي الله به أهل الإيمان في هذه الدنيا، حتى يخرجوا منها وهم سالمون: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]. لكن بغير الإيمان -والعياذ بالله- من الذي يحكم تصرفاتك؟ ويحدد اتجاهاتك؟ ويضبط أعمالك؟ لا شيء. تغدو وتروح في كل اتجاه، وإذا وقعت تقول: يا ليتني ما عملت. وهنا أذكر لكم قصة عن شاب مسكين قُتل في السوق، أزيح رأسه من على جثته بسبب قرناء السوء، وقصة هذا الرجل: أنه كان نائماً في فراشه وقد لبس ثوب نومه، وإذا بطارق يطرق الباب، فترفع أمه سماعة هاتف الباب وتقول: من؟ فيقول: فلان، قالت: من تريد؟ قال: أريد فلاناً أنا زميله، فقالت له: قد نام، قال: أيقظيه، قالت: لا نقدر أن نوقظه، قد رقد -هذا في الساعة الثانية عشرة ليلاً، من الذي يأتي يطلب الناس في نصف الليل؟! - قال: أيقظيه فلدي أمر ضروري جداً. فقالت الأم: إنا لله وإنا إليه راجعون، وطرقت الباب عليه، يا فلان! قال: نعم. قالت: فلان على الباب يريدك في أمر ضروري، فقام كالحصان، ولو أنها أيقظته للصلاة أو ليحضر لهم لبناً من السوق أو ليأتي لهم بأي غرض ما استيقظ، بل لو أن أمه مرضت وستموت ودعوه أن يذهب بأمه إلى المستشفى ما استيقظ، لكن لما دعاه زميل السوء قفز كالحصان. قال: أنا فلان، قال: ما تريد؟ قال: أريدك في أمر ضروري، البس وخذ مسدسك وتعال، فدخل غرفته ولبس ثوبه وأخذ مسدسه وخرج، وقال: أنا الليلة لدي موعد مع صيد. فهم يصطادون لكن يصطادون محارم الله، فبئس الصيد وبئس الصياد! فلو أنك تصطاد أعداء الله مثلما يفعل إخوانك الذين يصطادون الكفار في أفغانستان هناك شباب في أفغانستان من هذه الديار، كل ليلة يصطادون رأساً أو رأسين من أهل الكفر، هؤلاء هم الصيادون، الذين يصيدون أعداء الله من الكفار والشيوعيين، لكن هذا يصيد محارم الله، يصيد أعراض المسلمين. قال: عندي صيد مواعدها وأريدك أن تحميني، أي: تحرسني إذا دخلت، قال: أبشر، فخرج معه وسارا في الطريق إلى أن وصلا إلى البيت المراد غزوه واصطياد ما فيه، فقال له: اجلس عند هذه الشجرة حتى تسمع مني صوتاً، أو تسمع أي صوت فتناديني. ثم دخل الآخر إلى البيت وتسلق السور، ولما دخل وأصبح بداخل البيت أحس به صاحب البيت، فحمل سلاحه وطارده، فلما رآه هرب واستطاع أن يفلت منه، ثم فتح صاحب البيت الباب فلم يجد سوى الحامي -الراقد في فراشه- فلما رآه انهال عليه ضرباً، فلم يجد ذاك فرصة في الدفاع عن نفسه إلا بالمسدس، فأخرج مسدسه وقتله قتل زوج هذه المرأة الخبيثة، وطبعاً حضر رجال الأمن وأمسكوا هذا الرجل وسلاحه يشهد عليه، فلا تزال حرارة الطلقة موجودة في السلاح، فأُخذ إلى السجن واعترف، وأتى بالقصة كاملة، ثم أتوا بصاحبه هذا، وحققوا معه، فقال: أبداً لا أعرفه ولا يعرفني، ولا أتيته ولا آتاني، ويشهد الشهود أني في القرية الفلانية من المغرب إلى الفجر، وفعلاً أتى له بشهود من أهل القرية يشهدون أنه ما خرج من القرية ولا فارقها، فلم يَثبت عليه شيء، وثبت القصاص على هذا، وأخرج إلى السوق ليقتل. شاب في مقتبل أيامه، في العشرين من عمره، ما الذي قتله أيها الإخوة؟! الشيطان عندما انعدم إيمانه بالله، فلو أنه مؤمن وعنده إيمان والتزام ودعاه هذا الرجل إلى مثل هذه الجريمة، فقال له: اتق الله يا عبد الله! خف من الله! أكان يأتيه شيء من هذا؟ فالإيمان يضبطك ويحميك من أن تقتل، أو تسرق، أو تزني، أو ترابي، أو تعتدي وتهرب، ولذا تعيش آمناً طوال حياتك، متنقلاً في مصالحك من مسجدك إلى عملك إلى بيتك، إلى ما يحبه الله ويرضاه، لكن بغير الإيمان لا تدري أين تضع قدمك، مرة في الطين، ومرة في الوحل، ومرة في الأشواك، ومرة في المسامير، ومرة في النار، فلا تضعها في الصواب أبداً. إذاً: من الذي يقودك في هذا؟ الشيطان، لأنك بغير إيمان أعمى، وتصوروا شخصاً أعمى يقوده عدوه، أين يذهب به؟ أعمى وعدوه يقوده، هل يذهب به إلى بيته أم يذهب به إلى الحفرة؟ حتى لو أنه أراد أن يمشي في الطريق الصحيح، لقال له: إلى شمال من أجل أن يقع. فالإنسان الأعمى هو الذي ليس عنده دين، فهل تتصور أن يقوده الشيطان إلى خير؟ لكن يا أخي الكريم! افتح عينيك على طريقك، وابصر بالإيمان، يقول الله تبارك وتعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122] هل يستوي هذا الذي له نور يمشي به في الناس، ليس راقداً ولا نائماً، يمشي بنوره، وبإيمانه، ويتحرك في الحياة بهذا الإيمان: {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122] فالمؤمن معه نور يمشي به، فإذا حضره الزنا قال: إني أخاف الله رب العالمين. إذا حضره الربا قال: لا. (لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه) إذا حضرته المخدرات قال: لا. السيف بتار، لا تصلح لنا هذه المخدرات إذا حضره العقوق قال: أبداً، لماذا؟ لأن عنده إيمان، ولكن بغير الإيمان والدين يقوده الشيطان ويضع خطواته في كل مصيبة، ثم يتخلى عنه، فلا يفارقه إلى أن يدخله النار. فإذا أدخله جهنم والعياذ بالله قال له: كما قال الله عز وجل في سورة النحل: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم:22].

آثار الإيمان في الآخرة

آثار الإيمان في الآخرة آثار الإيمان في الآخرة معروفة لديكم، ومنها:

أولا: التثبيت عند الموت

أولاً: التثبيت عند الموت عند الموت يثبتك الله عز وجل بالإيمان ويلهمك حجتك، تقول: لا إله إلا الله، ومن كان آخر كلامه من الدنيا (لا إله إلا الله) دخل لجنة، أتريد أن تخرج من الدنيا وأنت تقول: لا إله إلا الله أم لا؟ والله عار عليك وعيب، وسفه وحماقة أن يقال لك عند الموت: قل: لا إله إلا الله فلا تستطيع أن تقولها، إذاً ليتك ما عشت ستين أو سبعين سنة! ستين سنة وأنت تعيش على المعاصي، شخص مدمن للدخان قالوا له: قل: لا إله إلا الله، قال: أعطوني دخاناً، قالوا: قل: لا إله إلا الله، قال: هذا دخان حار، أعطوني دخاناً غيره؟ قالوا: قل: لا إله إلا الله سوف تموت، قال: والله لا أقولها، أنا بريء منها. لأنه من لم يعش إلا على الدخان فمات على الدخان. وآخر كان يبيع ويشتري في حراج السيارات، لما قالوا له: قل: لا إله إلا الله، قال: سكر في ماء، خربان تربان، كومة حديد، حتى مات عليها، وليس بيع العقارات والسيارات حرام، لكنهم كانوا يبيعون وليس عندهم إيمان بالله، ولا خوف من الله، يبيعون ويكذبون، ويغشون ويدجلون، حتى إن بيع أكثرهم في هذه السيارات حرام، تكون السيارة له ولرفيقه فيأتي ويضعها في استلام الأول، فيضعون السيارة تحت الميكرفون وهي تساوي عشرة آلاف ريال، فيفتتحون المزاد بثمانية آلاف ريال، ثم يتلفتون، يعرف بعضهم بعضاً، فإن كان هناك في المزاد غريب أغرقوه إلى أذنيه فيها، وكيسوه وربطوه ورموا به في البحر، وإن كان الذي يزيد على بعض هم فقط، رفض صاحب السيارة أن يبيعها، يقال: هذه بكم؟ يقول: بثمانية آلاف، فيقول ذاك: ثمانية ونصف، ويقول الآخر: تسعة، وآخر عشرة، وهي تساوي العشرة، وهو يريد أن يبيع لكن يعرف أن الذي يزاود فيها رفيقه وأنه لا يريدها، فيقول: لا لا. ردوها هناك. من أجل أن يأتي لها مغفل جديد، ما جاء هذه المرة شخص مغفل يريد سيارة. أما إذا رأوا مسكيناً يريد سيارة، قاموا فزودوا خمسين فزود ذلك خمسمائة، قالوا: تسعة آلاف وخمسين، قال: وخمسمائة، قالوا: خمسين. قال: عشرة آلاف، قالوا: خمسين. قال: أحد عشر ألفاً، فيورطوه ويقولون: بارك الله لك. هذا حرام، لأنه نجش والنجش محرم في الشرع؛ لأنك تزيد في السلعة ولا ترغب في شرائها، وإنما تريد من زيادة السلعة أن تعطي صاحبها مالاً، وهذا حرام، فالذي يعيش على هذا الوضع -والعياذ بالله- لما جاءه الموت قالوا له: قل: لا إله إلا الله، قال: أربعمائة وخمسين، وخمسين يزيدها، قالوا: قل: لا إله إلا الله، قال: سكر في ماء، كومة حديد. والآخر الذي يبيع العقار قالوا له: قل لا إله إلا الله، قال: على شارعين! ومات على شارعين، شارع جهة النار وشارع جهة لظى -والعياذ بالله- لماذا؟ لأنه عاش على المنكرات، لكن يوم أن تعيش على الإيمان وعلى لا إله إلا الله، يقولون لك: قل: لا إله إلا الله، تقول: لا إله إلا الله، بل تقولها من غير أن يقولها لك أحد. وقد حضرت يا إخواني! جنازة شخص كان يعيش في غيبوبة حوالي سبعة أيام، لا يعرف شيئاً من الدنيا حتى الصلاة لا يصلي، وكان لا يعرف من حوله، فوالله الذي لا إله إلا هو أنه حينما جاءته المنية وأنا جالس عند رأسه، وإذا بيده مبسوطة، يرد يده ويرفعها ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله -وهو أحد أقاربي- فما ظننت أنه مات. (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) من الذي يعطيك هذه الكلمة يا أخي؟! تعطيك إياها الشهادة المنزلة الملك المال الجاه المنصب؟ من يثبتك هنا في تلك اللحظات، يوم تزيغ الأفهام وتضل الألباب: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27].

ثانيا: التثبيت داخل القبر وعند الفزع وعلى الصراط

ثانياً: التثبيت داخل القبر وعند الفزع وعلى الصراط في القبر والحفرة المظلمة يثبتك الله عز وجل بالإيمان، فتلهم حجتك إذا سئلت الأسئلة الرهيبة: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ هناك يجيب عنك الإيمان ويقول: ربي الله، ديني الإسلام، ونبيِّ محمد صلى الله عليه وسلم. ثم يوم تقوم من قبرك، وأنت فزع مرهوب، ليس فزع حرب، لا. بل فزع يوم القيامة، فزع تشيب منه مفارق الولدان: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:1 - 2] {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً} [المزمل:17] الصغار تشيب رءوسهم، وأنت تقوم في ذلك اليوم آمناً لا خوف عليك ولا تحزن. {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} [الزخرف:70] لماذا؟ بإيمانك: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:19]. وبعد ذلك تمر على الصراط كالبرق الخاطف، وتشرب من حوض النبي شربة لا تظمأ بعدها أبداً، ويوزن عملك فترجح موازينك، ثم تأخذ كتابك بيمينك، ثم تعلنه على الخلائق وتقول: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:19] انظروا أنا عملي صحيح، أنا تعبت، أنا غضيت بصري وجاهدت، أنا صنت سمعي وتعبت، أنا حجزت نفسي عن الحرام، كان الناس ينظرون وأنا لا أنظر، وأحتسب ذلك عند الله، كان الناس يذهبون ويسكرون ويزنون وأنا لا أذهب وأحتسب ذلك عند الله، والآن نجحت في الامتحان، انظروا شهادتي! {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة:19 - 20] قال الله: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة:21]-نسأل الله من فضله- {فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ} [الحاقة:22 - 24] ليس بما لعبتم، ولا غفلتم، ولا جمعتم، ولا توظفتم، ولكن: {بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:24]. هذه الأيام الخالية نملؤها الآن إما بالعمل الصالح أو بالعمل السيئ، وسيجد كل إنسان ما عمل: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:30] وبعد ذلك تدخل الجنة يا عبد الله! يا صاحب الإيمان! فيقال لك فيها: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:70 - 72]. في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، تسمع خطاب الرحمن، وتنظر إلى وجه الرحمن، وتتغذى من غذاء الجنة، ويأتيك من نعيمها: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ} [الواقعة:18 - 20] {لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة:33]، ومن كل ما لذ وطاب، خالدين فيها مادامت السماوات والأرض كل ذلك بسبب الإيمان، فهل الإيمان ضروري أم لا؟ هل هناك أحد عنده شك؟ نعم والله، الإيمان ضروري أيها الإخوة!

لا سعادة إلا بالإيمان بالله

لا سعادة إلا بالإيمان بالله يتقرر الآن في أذهاننا وعقولنا وقلوبنا ويخالط دماءنا ويسيل في عروقنا عقيدةً ثابتةً جازمةً، تتحول الجبال، وتزول من أماكنها ولا تتحول هي، وهي: أنه لا سعادة ولا حياة ولا إمكانية للإنسان في هذه الدنيا إلا بالإيمان. إذا الإيمان ضاع فلا أمن ولا دنيا لمن لم يحي دينا ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قرينا هذه الأبيات قالها شاعر الإسلام محمد إقبال وهو يقول أيضاً في قصائده: أرى الإيمان أدركه ذبول ولم تعد العزائم في اشتعال وجلجلة الأذان بكل أرضٍ ولكن أين صوت من بلال منابركم علت في كل حي ومسجدكم من العباد خالي رحمه الله ورضي الله عنه. لنعرف أيها الإخوة! أنه لا سعادة لنا إلا بالإيمان بالله، والعمل بشريعة الله، والسير على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسعد في الدنيا والآخرة، أما بغير ذلك فإنه الشقاء، والعذاب، والدمار، والنار، وفناء في الدنيا والآخرة. أما في الدنيا، فالقلق والاضطراب والضياع -والعياذ بالله- والله مهما تمتع الإنسان بكل نعيم في الدنيا فإنه في عذاب، يقول الله: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:124] فإذا أعرضت عن دين الله وعن ذكره، فإن لك معيشة ضنكاً، والله لو سكنت في أعظم عمارة، وكنت في أعلى درجة فإنك في معيشة ضنكاً لماذا؟ لأنك أعرضت عن دين الله. أما المؤمن: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]. بالمال تطمئن الجيوب، وبالأكل تطمئن البطون، وبالزوجات تطمئن الفروج، وبالملابس وبالسيارات تطمئن الأجساد، لكن القلوب لا تطمئن إلا بالإيمان فقط، بذكر الله، وبدين الله {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ * الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} [الرعد:28 - 29] (طوبى) قيل: الجنة، وقيل: الدنيا، و (حسن مآب): الجنة. أسأل الله الذي لا إله إلا هو ألا يحرمنا وإياكم من ذلك. الذين نظروا إلى الإنسان وعرفوا أنه مخلوق من هذين العنصرين، قالوا: الإيمان ضروري؛ لأنه غذاء لروحه، وكما قلنا: إن الهواء والماء والغذاء غذاء لجسده، فلا بد من غذاء للروح ليعيش الإنسان.

إبطال نظرية داروين في تطور مراحل الإنسان

إبطال نظرية داروين في تطور مراحل الإنسان هناك من البشر من تحدث عن الإنسان وهو لا يعرفه، والذي يتحدث عن الشيء وهو لا يعرفه سيكون حديثه خطأ، وأحكامه غير صائبة؛ لأن الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره، ومادام تصورهم عن الإنسان خاطئ فستكون أحكامهم أيضاً خاطئة، يقول الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً} [الكهف:51] فيوم أن خلق الله الإنسان (آدم) ما كان أحد يراه في ذلك اليوم إلا الملائكة، ولا يوجد أحد من البشر حتى يرى كيف تمت الخلقة، ولكنَّ الله خلقه وهو أخبر به؛ لأنه خلقه من طين، وسواه ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته إلى بقية السلسلة من الخلق، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين، وهاهو النسل يتكرر، ويتم أمامنا في كل لحظة ووقت وحين إلى يوم القيامة. لكن هناك من البشر -كما قلت لكم- من تحدث عن هذا الإنسان من منطق لا يعرفه الإنسان وقالوا: إن الإنسان -طبعاً من غير علم- نظرية. فهذا طبيب نصراني مسيحي اسمه داروين ألف كتاباً اسمه أصل الأنواع وتحدث فيه عن أصل الإنسان وقال: إن الإنسان في بداية خلقه كان خلية، وهذه الخلية مرت بمراحل كثيرة عبر ملايين السنين من الارتقاءات، فكان خلية ثم قطعة من النبات، ثم صار هذا النبات على شكل حيوان، ثم حيوان فقاري، ثم قرد، ثم إنسان، فيقول: إن أصل الإنسان قرد. يا داروين! من قال لك هذه النظرية؟ من أين جاءت؟ قال: هذه تجارب، وكلام وأفكار. حسناً! مادام أن الإنسان تطور عبر المراحل من مرحلة إلى مرحلة لماذا استقر عند مرحلة الإنسان؟ لماذا لم يكن بعد ذلك شيئاً جديداً مادام أن القضية تطور، فالذي يتطور يتطور دائماً؟ فقال: سيصبح شيئاً آخر. متى؟ قال: سوف يتحول بعد خمسة آلاف مليون سنة إلى فأر. يقول: هذا الإنسان الموجود سيصبح بعد خمسة آلاف مليون سنة فأراً. حسناً والقرود الباقية الآن لماذا ما صارت إنساناً؟ ولماذا بقيت على حالها؟ لم يتحول ولا قرد من القرود الباقية إلى إنسان، من قال لك هذا الكلام؟ ولكنه قالها وخرجت هذه الفكرة منه.

استغلال اليهود لنظرية داروين

استغلال اليهود لنظرية داروين لقد وافقت نظرية داروين هوىً عند اليهود، فاليهود مقرر هذا في كتبهم المحرفة -مثل التلمود - ومكتوب عندهم: إن الله عز وجل خلق الخلق ليكونوا حميراً لبني إسرائيل، وإن الله خلق الناس حميراً على شكل بشر ليستعملهم اليهود بدون أن يتقززوا منهم، وأنهم هم في حقيقتهم حمير ليسوا آدميين، فيسمون أنفسهم شعب الله المختار، ويقولون: نحن أبناء الله وأحباؤه، ويقولون: ليس علينا في الأميين سبيل، أي: الأمم الأخرى. فهذه نظرية اليهود: أنهم هم المفضلون وأن بقية الشعوب إنما هي حميرٌ لهم، ولكن الشعوب لم تقبل هذا الكلام منهم، ولم ترض أن تصير حميراً لليهود، فقامت ضدهم وحاربتهم واضطهدتهم وشردتهم: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [البقرة:61] أي: في كل مكان وفي كل زمان، إلى أن جاءت هذه النظرية فتلقفوها تلقف الملهوف، وقالوا: هذه مؤصلة، وهذه التي تجعل الناس كلهم حميراً لنا؛ لأنها تجعل من الإنسان قرداً ومادام أصله قرداً -يعني: حيوان- والقرد قريب من الحمار فعلينا أن نقبل هذه النظرية، ولكن الناس رفضوا هذا؛ لأن الذي يرفض أن يكون حماراً أو قرداً إنما هو المؤمن الذي عنده رسالة دين، ويعرف أن الله عز وجل إنما خلقه إنساناً، ولكن حينما لا يكون مؤمناً ويرضى أن يكون حيواناً يسهل تطبيق نظريات اليهود عليه. فقام ثلاثة من اليهود: ماركس وفرويد، ودوركايم، كان ماركس هذا عالم اقتصادي، وفرويد عالم نفسي، ودوركايم عالم اجتماعي، وكلهم يهود، قاموا وتخطفوا هذه النظرية -نظرية داروين - التي تقول بحيوانية الإنسان، وأن الإنسان ليس مخلوقاً من التراب، وليس منفوخاً فيه من روح الله، وإنما هو في الأصل حيوان مثل القرد، وقد نظرنا إلى الحيوانات فرأينا الحيوانات تعيش بغير دين، والقرود والحمير والكلاب والخنازير تعيش بغير دين، ومادام أن الإنسان واحد من هذه القطعان والحيوانات، فلم نميزه بدين من بين هذه الحيوانات؟ فيمكن أن يعيش الإنسان بغير دين، لماذا؟ لأن أصله حيوان مثل الحيوانات. فنادوا بهذه النظرية -بحيوانية الإنسان- وقالوا: إن البشر لا يقبلون أن يقال لهم: أنتم حيوانات وإنما غيروا المسمى، فقالوا: تحرير الإنسان، تطوير الإنسان، وهذه الشعارات يصفعون بها الشخص على وجهه، ويقولون: هذه الصفعة ما هي شيء، هذه تلميع لوجهك، وهي في الحقيقة صفعة. فيأتون إلى المرأة ويقولون لها: اخرجي، تحرري، ثوري، اعملي وهم في الحقيقة لا يريدون أن يحرروها وإنما ليدمروها، يقتلون عفتها، ينتهكون شرفها، يمسحون قذاراتهم فيها، يستخدمونها، يمتهنونها ويلعبون على عقلها، ويقولون: تحرير المرأة، تحريرها مم؟ من الفضيلة، والعفة، والشهادة، وأن تكون ربة بيت، وملكة في بيتها، لتكون عارضة أزياء، وسكرتيرة في المكتب، ومضيفة في الطائرة، وممتهنة في كل وظيفة -والعياذ بالله- ثم يخدعونها بهذه الشعارات. وخدعوا الرجل كما خدعوا المرأة، فقالوا للبشر في أوروبا: إن هذا الدين هو الذي يقيدنا، ولا بد أن نرفض الدين من أجل التحرر والتطور، أي: نرجع إلى حيوانات، فهم في الحقيقة لا يحررون الإنسان ولكنهم يحمِّرونه، يجعلونه حماراً وحيواناً.

الأسئلة

الأسئلة .

حقيقة توبة محمد عبده

حقيقة توبة محمد عبده Q أولاً: كثير من السائلين يخبر أنه يحبك في الله عز وجل، وثانياً: كثر السؤال عن توبة محمد عبده، ويُذكر أنك التقيت به في مكة فما قولك تجاه هذا السؤال؟ A أولاً: أقول لمن يقول أنه يحبني في الله: أحبك الله، وأسأل الله عز وجل أن يجمعنا جميعاً في ظل عرشه وفي دار كرامته ببركة حبه. أما مسألة توبة محمد عبده أو غيره من المسلمين، فنحن ندعو الله عز وجل لكل مسلم، ولكل عاص أن يتوب وأن يرجع إلى الله، ونرجو الله عز وجل لأنفسنا أيضاً قبلهم أن نثبت وأن نكون على ما يحبه الله ويرضاه، وليس بغريب أن يتوب هو أو غيره؛ لأن الحق أحق أن يتبع، وللباطل جولة ويزهق، والفطرة البشرية الموجودة في نفس المسلم تدعوه باستمرار، وتهتف به في كل حين إلى أن يعود إلى الله، مهما حاول أن يغطي هذه الفطرة أو يتجاهلها، إلا أن الصارخ والهاتف والمنادي من داخل القلب يشعره ويدعوه ويقول له: الحياة ليست هكذا، الصواب ليس هكذا، فهناك النفس اللوامة التي تلوم الإنسان وتريد أن ترجع به إلى الحق الصحيح، ونسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يتوب على الأخ محمد عبده، وعلى جميع المسلمين وعلى جميع العصاة من المغنين وغيرهم. أما قضية توبته وهل تاب فأنا لا أدري، وإنما كانت هناك محاضرة في مسجد السعادة بـ جدة، ودعيت لحضور المحاضرة وكنت مسافراً إلى أبها فدعيت لتناول طعام الغداء عند إمام المسجد وأخبرني أنه سيكون من ضمن المدعوين محمد عبده وشخص آخر تاب إلى الله اسمه عدنان أكبر، أما هذا فصحيح أنه تائب ونسأل الله أن يتوب عليه، فجلسنا جلسة بعد الغداء لمدة نصف ساعة فقط، تحدثنا في قضايا الإيمان، وهذه الحياة الدنيا، وما ينبغي للإنسان أن يكون فيه من التوبة والرجعة إلى الله، وكان معي في هذا المجلس الشيخ أبو بكر الجزائري حفظه الله وبعض الإخوة في الله، وكانت الاستجابة طيبة من قبل الأخوين محمد وعدنان، ثم خرجت من هناك دون أن يتكلم الأخ بشيء من الاستعداد أو أنه ترك الفن أو اعتزله كما يقولون، وإنما مجرد أحاديث إيمانية تدل على أن الرجل متوجه إلى الخير، نسأل الله أن يأخذ بيده إلى الخير هو وكل مسلم، فهذا الذي حصل.

نصيحة ودعاء لمن أقبل على الله وتاب

نصيحة ودعاء لمن أقبل على الله وتاب Q هذا المجلس المبارك يضم كثيراً من الشباب الذين تابوا إلى الله في الأيام الماضية القريبة، فهل من كلمة إيمانية ونصيحة ربانية لهؤلاء الشباب؟ A أولاً أهنئهم بالتوبة والرجعة إلى الله، فإنهم الآن بدأت فيهم الحياة؛ لأن الناس موتى حتى يتوبوا إلى الله، والإنسان غير المستقيم وغير المؤمن ميت: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام:122] أي: كان ميتاً بالكفر والمعاصي فأحييناه بالإيمان والدين: {وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]. ويقول الله: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} [فاطر:19 - 23]. فأهنئهم بهذه الحياة وأسأل الله عز وجل كما أحياهم أن يثبتهم؛ لأن العبرة ليست بالحياة فقط، فعندما يولد لك ولد ثم يموت فإنك لا تفرح به، فلو أن شخصاً بشرك فقال لك: أبشرك بولدٍ لكنه مات، لقلت: ليتك ما بشرتني. المهم الاستمرارية، فإن تبت فاثبت؛ لأن العبرة بالخاتمة والنهايات، فلا بد من الثبات على دين الله عز وجل حتى نلقاه، ولا ندري متى ينقل الإنسان إلى الحياة الأخرى، فالغيب المغيب عنا وهو الموت يقتضي منا أن نكون دائماً على أهبة الاستعداد بالتوبة، حتى إذا فاجأنا الموت في لحظة فإذا بنا مستعدين؛ ألسنا كلنا عرضة للموت، هل هناك شخص منا يقول: لا أنا لن أموت؟ أبداً. في مجلس من المجالس كان هناك شباب جلوس في أبها، وكانوا يتحدثون في قضايا الإيمان والموت والآخرة، وكان هناك أحد الشباب -هو طالب في كلية الطب- يقول لهم: يا جماعة لابد أن نثبت على دين الله، لا ندري متى نموت يا إخواني! والله ما نضمن أنفسنا ولو ليلة واحدة، فأحد الشباب يقول -وقد تاب إلى الله-: تخوفنا بالموت، كلنا شباب وعمرنا ثماني عشرة، وست عشرة، وعشرون سنة، متى نموت؟ ممكن نموت بعد ذلك، لا نموت هذه الليلة، وبعدما انتهوا من الجلسة وذهبوا، وذهب هذا الولد الأخ الطيب الصالح وركب سيارته ومات في تلك الليلة، والله ما بات إلا في قبره رحمة الله تعالى عليه، وكان موته سبباً لهداية البقية الباقية. فنقول لإخواننا: مادام الإنسان لا يعرف متى يموت فالمفروض أن يكون دائماً على أهبة الاستعداد، فأوصيهم ونفسي بالثبات على دين الله. وهناك أشياء تثبتهم على الإيمان، وأهم شيء من مثبتات الإيمان: كثرة تلاوة القرآن الكريم؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول في القرآن الكريم: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} [الفرقان:32] قال الله: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} [الفرقان:32]. هل سمعتم أن شخصاً لازم القرآن وحافظ على تلاوته بالليل والنهار وأضله الله؟ أبداً. لا يضل الله إلا هاجر القرآن الكريم، فداوم على تلاوة القرآن أيها الشاب مع تفسيره، وقراءة سير الأنبياء والصحابة؛ لأن القصص القرآني والنبوي من العوامل المثبتة على دين الله، قال الله عز وجل: {وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود:120]. فهذه التثبيتات تأتي عن طريق قراءة السير، والمداومة على طاعة الله، وترك معصية الله، إذا داومت على الصلوات الخمس في المسجد، وعلى الأذكار الصباحية والمسائية، ومجالس العلم، وصيام النافلة والفريضة، والحج والعمرة فإن هذا يرسي قدمك، وكلما عملت طاعة رسخت أكثر، وكلما عملت طاعة تقوَّت مثل الشجرة التي تعمدها، وكذلك إذا تركت المعاصي فإنك تثبت، والعكس صحيح فلو أنك تساهلت في الطاعات وزدت في المعاصي لتزعزعت. فالشيطان يشد العاصي كل يوم حتى لا يبقى له جذر فيتركه يهوي في النار -والعياذ بالله- فتثبَّت بالإيمان، يقول الله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} [النساء:66] وافعل ما وعظك الله به، واترك ما نهاك الله عنه. ومن أعظم ما يثبتك: الإخوة الصالحين والرفقة الطيبة؛ لأن الطريق طويلة، والعقبة كئود، والسفر بعيد، والزاد قليل، ولا بد من رفيق يعينك على طاعة الله، فتعرف عليه من مجالس الذكر ومن أماكن الإيمان، من بيوت الله عز وجل، وابتعد بعد ذلك عن قرناء السوء، فإن قرين السوء هو الذي يردك عن الله عز وجل ويثبطك ويقلل عزمك حتى يهلكك والعياذ بالله. والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

سلسلة اليوم الآخر: علامات الساعة المستمرة [الحلقة الثانية]

سلسلة اليوم الآخر: علامات الساعة المستمرة [الحلقة الثانية] إن هذا الدين عظيم؛ لأنه من وضع خالق البشر الذي يعلم ما يصلح عباده، وما يضرهم، وما ينفعهم، وهو دين كامل شامل لا يعتريه النقص والتناقض، وسعادة البشرية تكمن في الالتزام به وتطبيقه في كل جوانب حياتها العملية. وفي هذه المادة ستجد استطراداً في هذا الموضوع نافعاً؛ كما ستجد حديثاً عن علامات الساعة الواقعة في زماننا هذا، فقد ذكر المؤلف علامتين مهمتين حادثتين، مستنداً في ذلك إلى أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، فما عليك إلا أن تفتش ثنايا هذا الموضوع وستجد فوائد جمة، كما ستستفيد من الأسئلة وإجاباتها.

عظمة الإسلام وكماله وشموله

عظمة الإسلام وكماله وشموله الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:

النظام الرباني المتكامل

النظام الرباني المتكامل عظمة هذا الدين وقوة هذا الإسلام إنما تتجسد وتظهر في كونه ديناً ربانياً، والذي شرعه هو الله الذي لا إله إلا هو، وهذه الصفة أكسبت هذا الدين صفة الكمال والشمول والعدل، فلا تعتريه جوانب نقص، ولا تزعزعه أو تلعب به الأهواء والرغبات؛ لأن الذي أنزله منزه عن النقص، والذي شرع أحكامه لا يراعي جانباً على حساب جانب، وإنما يحكم بعلم وبقدرة، وبإرادة تشمل مصلحة هذا الإنسان، ولذا سن له النظام والقانون الذي يصلحه في هذه الدنيا ويصلحه في الدار الآخرة، ولا اختلاف فيه كما هو موجود في الدساتير والأنظمة التي تضعها البشرية لنفسها. ما من نظام يوضع في أي زمن من الأزمان أو في أي بلد من البلدان إلا وتدخل عليه تفسيرات، وتعديلات وتبدو فيه جوانب نقص؛ لأن الذي يضعه ناقص وله أهواء ورغبات، ويراعي جوانب أناس ويهمل جوانب آخرين، يعرف شيئاً من أسرار النفس ويجهل أشياء منها، ولذا يعدل ويبدل وما إن يموت إلا ويأتي غيره فيكتشف أخطاء في النظام الذي سبق، فيلغي ويبدل ويعدل ويفسر ويحول من أجل أن النظام غير متكامل. لكن نظام الله كامل لا يعتريه نقص: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] كامل في أحكامه، شاملٌ في نظمه، فصفة الربانية فيه واضحة، ليس نظاماً بشرياً، ولو كان نظاماً بشرياً لتغلبت فيه جوانب العواطف والرغبات، وجوانب الطبقات، لكنه نظام رباني وضعه الله وهو يعلم أسرار هذه النفس وما يصلحها وما يسعدها في الدنيا والآخرة، ولذا فهو نظام لا يأتيه الباطل، قال الله عز وجل: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:41 - 42] لا يأتيه الباطل أبداً، والواقع يثبت هذا الأمر حينما يطبق نظام الله عز وجل؛ لأن الله اختار للبشرية فيه أعظم هدى، قال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9] وأقوم هنا للتفضيل، هذا القرآن يهدي ويدل ويرشد لما هو أفضل للبشرية في عقائدها، وعباداتها، وتشريعاتها، وأفضل في معاملاتها وآدابها، وأخلاقها، فما من شيء دل عليه الله وأمر به إلا وهو أفضل ما يكون على وجه الأرض، وما من شيءٍ حذر الله منه ونهى عنه إلا وهو أسوأ ما يمكن أن يكون في الأرض.

سعادة البشرية تكون في تطبيق دين الله

سعادة البشرية تكون في تطبيق دين الله ولقد طبقت البشرية فترةً من الزمن هذا النظام فسعدت وطابت الحياة، حتى مكث عمر بن الخطاب قاضياً لـ أبي بكر الصديق عامين كاملين وما قدمت له قضية واحدة، لأنه ليس هناك ما يرفع للحكام، فالناس منصفون، والناس يخافون الله، فعندما أختلف أنا وأخي ونصل إلى القاضي وأنا أعرف أن الحق عندي أو أن الحق عنده، إن كان الحق عندي أعطيته بدون حكم القاضي، وإن كان الحق عنده أعطاني بدون قاض، لكن إذا فسدت الذمم النفوس صعبت مهمة القضاة. يقال: لو أنصف الناس لاستراح القاضي؛ لأن القاضي لا يعلم كيف يحكم بين اثنين أصحاب دعاوى طويلة عريضة، وأصحاب حجج قوية، والحق واحد. وأيضاً العاطفة لا تحكم الكون، والأهواء لا تسيطر على نظام الحياة، ولو دخلت العواطف في نظام الكون لفسدت الحياة، يقول الله عز وجل: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ} [المؤمنون:71] ماذا يحصل؟ {لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} [المؤمنون:71] تفسد مباشرةً، لماذا؟ لأن أهواء الناس تختلف ورغباتهم تتنوع، وما يرضي زيداً لا يرضي عمراً، وما يصلح لهذا البلد لا يصلح للبلد الثاني، وبالتالي تبدأ الصراعات وتبدأ الرغبات والمنافسات، ويفسد نظام الحياة، أما النظام الواحد الموضوع من قبل الله، فيطبق على الكبير والصغير، وعلى الأبيض والأسود، وعلى العربي والأعجمي، فالناس أمام أحكام الله سواسية كأسنان المشط. ولهذا كان الجاهليون يستصعبون أن يقام الحد على العظماء والوجهاء، فحين سرقت المرأة المخزومية قالوا: لا يمكن أن تقطع يدها، لا بد أن نرى لها حلاً، وصعب عليهم الأمر، وما تجرءوا أن يشفعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالوا: ابحثوا عن أحب رجل عند رسول الله، فوجدوا أن أحب رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أسامة بن زيد، وكان يسمى حِب رسول الله، فجاءوا إليه وكلموه، فقام وتكلم مع النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب عليه الصلاة والسلام وقال: (أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة! والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها) لا تدخل هنا العواطف، وقال: (إنما أهلك من كان قبلكم -الذي أفسد نظام الحياة قبلكم في اليهودية وفي النصرانية وفي الجاهلية- أنهم إذا سرق فيهم القوي تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد). أما في ظل دين الله فلا، وهذا معنى الكمال في هذا الدين العظيم، أنه نظام عظيم، وإن من ضمن ما شرع الله عز وجل في كتابه الكريم: الحدود الشرعية التي تضمنت العقوبة الرادعة والعلاج الناجع لقطع دابر الفساد واستئصاله من أساسه؛ لأن الإسلام لا يعرف حلولاً نصفية. إذا كان في جسمك الدودة الزائدة وهناك علاج يسكنها لكن يحتمل أن تثور عليك في أي وقت ثم تنفجر وتموت، فماذا يقول الأطباء؟ يقولون: نجري لك عملية، ظاهرها شيء صعب، ولذا يأخذون عليك إقراراً قبل العملية، ويوقعونه من قبل شاهدين بأنك إذا مت فلا تعويض لك بريال واحد فتقول: لا مانع عندي سأوقع، أقرر أنا فلان بأنني راضٍ وموافق على إجراء العملية الجراحية لي، ومتحمل كل ما يحدث عنها من نتائج. وتدخل غرفة العملية وتسلم نفسك، وتتناول البنج وأنت تعرف أن بعد البنج المشاريط والسكاكين سوف تبدأ تقطع في جسمك وفي بطنك، وتغرق أمعاءك، ويبحثون عن شيء في بطنك يستأصلونه، لماذا؟ أليست هذه قسوة؟ أليست هذه وحشية؟ لماذا الأطباء قساة؟ ليسوا قساة ولكنهم عندهم رحمة بالجسد الكامل فقطعوا هذا العضو الفاسد لئلا يفسد الجسم كله، فتضحي بعضو في سبيل صلاح الجسد.

تطبيق الحدود ضرورته وثماره

تطبيق الحدود ضرورته وثماره شرع الله عز وجل هذه الحدود وهو أعلم تبارك وتعالى بما يصلح العباد، شرع الحدود بما يقضي على دابر الفساد. القاتل يُقتل، والسارق تقطع يده، هذه اليد في الدين كم ديتها؟ نصف الدية لكنها تقطع في ربع دينار، إذا سرق رجل ما قيمته ربع دينار من حرز وتوفرت شروط القطع تقطع اليد، ولهذا يقول المعترض على حكم الشرع: يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار أي: كيف تقطع في ربع دينار وثمنها خمس مئين ذهب، قال له الناظم الآخر: عز الأمانة أغلاها وأرخصها ذل الخيانة فافهم حكمة الباري هي غالية إذا كانت أمينة، لكنها رخيصة إذا خانت. وأيضاً: الزاني يجلد جَلدَ الحمار، يخرج في السوق ويمسك ويبطح ويضرب بما يضرب به الحمار في ظهره إذا كان بكراً، وإذا كان ثيباً فإنه يرجم ليوزع الألم والموت على كل جزئية من جزئيات جسمه، لماذا؟ لأنه تلذذ بالزنا في كل جزئية من جزئيات جسمه، ولذا يرجم ويموت مائة موتة، يموت مع أول حجر ويموت مع الثانية والثالثة والرابعة والخامسة وكم يأتيه من الموت، هذا عذاب الدنيا ولعذاب الآخرة أشد، لماذا؟ لأنه ما عرف حرمة أعراض المسلمين. والمحارب لله ورسوله يقتل أو يصلب أو تقطع يده ورجله من خلاف أو ينفى من الأرض بحسب جريمته وبحسب تقدير ولي الأمر لنوع هذه الجريمة، وما يقضي عليها وما يمنع فشوها وانتشارها، هذه أحكام -أيها الإخوة- من الذي سن هذه الأحكام؟ إنه أرحم الراحمين. يقول النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة من غزوات الإسلام -في غزوة ثقيف- وكان جالساً يقسم المغانم، إذ جاءت امرأة من النساء وهي تبحث في المعركة عن ولدها، فلقيت ولدها مع السبي وهو رضيع ضائع، وهي مسكينة تبحث عنه، فلما رأته انطلقت عليه مثل السهم ما فكرت في موت أو في حياة، ثم أخذته من الأرض وألقمته ثديها وحنت عليه وجلست تبكي، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أترون هذه تلقي ولدها في النار؟ قالوا: لا يا رسول الله! قال: والذي نفسي بيده إن الله أرحم بعباده من هذه بولدها) ومن رحمة الله أن شرع هذه الحدود، مثل الطبيب -ولله المثل الأعلى- يرحم المريض فيستأصل هذا العضو منه، ولكن ما ظنكم لو أن الطبيب قال: هذه قسوة وهذه وحشية، لكن خذ هذه الحبوب وهذا الشراب وهذا المرهم من فوق الجلد، أين الألم يا ولد؟ قال: بطني يا دكتور من الداخل، قال: هذا المرهم فقط مسكن وأعطاك مرهماً من فوق الجلد، ماذا يصير بعد أسبوع؟ تنفجر الزائدة ويموت هذا المريض، ما رأيكم في هذا الطبيب رحيم أم عدو للإنسانية؟ عدو، إذ كان بإمكانه أن يقطع هذا الداء؛ لكنه عنده رحمة سطحية محدودة قضت هذه الرحمة على هذا الجسد، ولله المثل الأعلى.

أهمية بتر العضو الفاسد

أهمية بتر العضو الفاسد المجتمع في نظر الإسلام كالجسد، والحديث في هذا صريح صحيح، يقول عليه الصلاة والسلام: (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) المجتمع المسلم كالجسد الواحد إذا فسد فيه عضو لا نرحمه؛ لأن فساده سوف يؤدي إلى فساد العضو الذي بجانبه، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، ثم إذا استمر المرض فسد الجسد كله، وبالتالي يصبح المجتمع فاسداً من أوله إلى آخره بسبب العضو الفاسد، لكن لو قطعناه من أول ما فسد لسلمت لنا الإصبع وسلمت الأصابع كلها، وسلمت لنا اليد، وسلم لنا الجسم كله في سبيل تضحيتنا بعضو من طرف بسيط من أطراف الأصابع وهو ما يحصل اليوم في المجتمعات الكافرة والمجتمعات التي لا تطبق شريعة الله يرحمون الجاني ولا يطبقون عليه شريعة الله، فماذا يحصل؟ يفسد هو ويفسد الذي بجانبه وينتشر الفساد، حتى غدت الجريمة في العالم أمراً سائغاً، وأمراً يمكن تصوره في أي حال من الأحوال. في البلدان التي فيها أجهزة للرصد، وفيها رجال أمن متطورون، وأنظمة وآلات وليس فيها شرع الله، نسب الجرائم هناك لا يتصورها العقل، في كل دقيقة في ولاية من ولايات أمريكا، في شيكاغو مثلاً في كل دقيقة أربع جرائم قتل، أو مائتا جريمة سطو، آلاف جرائم سرقة، لماذا؟ لأنه ليس هناك حدود، وليس هناك شرع رباني، لو طبق نظام الله فلا نحتاج إلى هذا كله، مرة واحدة نقطع عضواً واحداً وبالتالي يسلم المجتمع كله. وأذكر وقد ذكرت هذا اليوم أن لي قريبة أصيبت بمرض وهي تعمل في الحقل دخلت في إصبعها شوكة، ودخل مع الشوكة جراثيم وما عقمت وتساهلت فيها فانتفخت إصبعها بعد فترة وآلمتها كثيراً، وعالجوها في المستوصف في القرية بمرهم وحبوب (العلاج الأولي)، لكن انتشر المرض وما استطاعت أن تنام الليل، وجئنا بها إلى المستشفى العام في أبها، ودخل الطبيب الجراح وأشرف عليها وقال: لا بد من بتر إصبعها من المفصل الأول، وهذه بسيطة، قلنا: نحن موافقون، أتينا إليها فقالت: من أجل شوكة يقطع إصبعي! والله ما أقطعها! يا بنت الحلال الدكتور قال ذلك. قالت: إنها ستشفى، فرجعت وظلت تستعمل علاجات آخرى ورفضت العلاج الذي فيه رحمة، فزاد المرض ورجعت، وأجري لها إشاعة وقالوا: انتقل المرض من الفصل هذا إلى المفصل الثاني وإذا تريدون نعالجها لابد أن نقطع من المفصل الثاني، قالت: والله لا أقبل، قلنا: ارجعي فرجعت، وانتقل المرض إلى المفصل الآخر، فقال الأطباء: تقطع من أصل الإصبع، هل ترضي قالت: لم أرض بالمفصل الأول كيف أرض بهذا. فرجعت ومكثت مدة وانتقل المرض إلى المفصل الآخر وجئنا بها وأخيراً تدخلنا وقلنا لها: إذا انتقل هذا الداء إلى العظم فمن يوم يدخل في أول العظم ينتشر مباشرةً مثل النار في الهشيم، فرفضت، فقلنا: لا بد، وأخيراً قطعت من ذلك المكان، وكان بالإمكان أن تقطع من طرفها وتسلم، لكن الرحمة السطحية وعدم التعقل يجعل الفساد والشر ينتشر وبالتالي يقضي على الجسد كله.

الأمن والاستقرار من ثمار تطبيق الحدود

الأمن والاستقرار من ثمار تطبيق الحدود وهذه المجتمعات أيها الإخوة: كالأجساد إذا عولجت أمراضها بعلاج الله الرباني الذي شرعه في كتابه بقطع دابر الفساد، والقضاء على الجرثومة من أولها سلمت المجتمعات. وهاهو واضحٌ أمام أعينكم ما تعيشونه من أمن واستقرار في هذه البلاد المباركة بسبب تطبيق شريعة الله، وما قُطعت رقاب الناس كلهم، فكم يقطع في السنة؟ لا شيء، تظلون سنين وأياماً لا ترون قطعاً ولا ترون قتلاً، لماذا؟ لأن كل واحد يفكر ألف مرة قبل أن يقدم على القتل، ويفكر ألف مرة قبل أن يقدم على السرقة، أو الزنا، فالسارق يعرف وهو يسرق أنه سيقبل يده وينظر إليها نظرة وداع، لن يراها إلا في الآخرة فيقول: لا والله إن يدي أغلى من السرقة، وإذا كان يريد أن ينتقم من عدو أغضبه أو من زميل جرحه فيفكر وهو يريد أن يقتل أنه غداً مربوط في الخشبة، وأن السيف ينسف رأسه، وأن البندقية تخرق بطنه وتخرج كبده أمامه فيقول: لا أفعل الجريمة، لكن لو لم توجد شريعة فإنه لمجرد أي غضب يقتل، يقول: يا شيخ! اقتله والدية في الجيب والجماعة كثير، والواسطة كبيرة كما يحصل في بعض البلدان، يا شيخ اسرق وأعط المسئول من السرقة وسوف تمشي الأمور بيسر، وبالتالي تزهق الأرواح يوم أن نرحم روحاً واحدة ويوم أن نرحم سارقاً واحداً تنهب الأموال كلها، وتسفك الدماء وتنتهك الأعراض ويعيش الناس في قلق وفوضى وخوف وعدم أمن لتعطيل علاج الله الذي عالج الله به أمراض هذه المجتمعات. ويقول لي أحد الإخوة الزملاء في العمل وقد سافر ليقضي إجازته في تركيا -من الإخوة الوافدين- يقول: جلست شهراً متنقلاً بين الشام وتركيا وأنا في قلق، يقول: والله ما عرفت طعم النوم وراحته وأمنه إلا عندما دخلت وتجاوزت حدود السعودية، وجئت ووقفت بسيارتي على جنب ونزلنا وفرشنا أنا والأولاد ونمنا نومة ما لي بها عهد، قلت: لماذا؟ قال: كنت أنام وأنا خائف، أنام وأنا منتظر من يذبحني ويأخذ حقي، يقول: ولو رأى في جيبي علبة دخان لظنها دولارات، لكن لما دخلت السعودية، السيارة مفتوحة وأنا نائم وأولادي نيام ولا يأتيني شيء، لماذا؟ لأسباب العلاج العظيم الذي شرعه الله عز وجل لتطهير المجتمعات. وإن من أعظم نعم الله على هذه الأمة أن كشف الله لها أمر هؤلاء المجرمين الذين خططوا ودبروا من أجل إرهاب عباد الله الآمنين في بلد الله الآمن في شهر الله الآمن المحرم، بينما حجاج بيت الله من كل أرض من أقصاها إلى أقصاها، كل مسلم يجهز لنفسه مالاً حلالاً، ويتحلل من التبعات، ويستسمح أهل الحقوق، ويأخذ معه كتب العلم، ويسأل كيف يؤدي هذه الشعيرة، ويأتي إلى هذا المكان الطاهر من أجل أن يطوف بالبيت، ويقف بـ عرفات، ويسعى بين الصفا والمروة، ويرمي الجمار، وهو مبتهل إلى الله، خائف منه، يرجو رحمة الله ويخشى عقاب الله، كان هؤلاء المجرمون يجهزون الألغام والمتفجرات ويتدربون عليها نظرياً وعملياً، ويحملونها ويهربونها ويدخلون إلى بيت الله الحرام باسم حجاج يأتون إلى بيت الله، ويبحثون عن الحرم الشريف من كل جانب ليختاروا المكان الذي يستطيعون أن يفجروا فيه، ماذا يفجرون؟ يفجرون ويقطعون أجساد المسلمين، يذبحون المؤمنين عند أعظم مكان حرم فيه حتى ذبح الحمامة، تنظرون الحمام بالحرم لا أحد يجرؤ على صيدها، الحمام من ذبحها يذبح بدلاً منها شاة فدية، فكيف بذبح مسلم؟ كيف بترويع مسلم؟ كيف بتفجير منطقة من أجل أن تأخذ الناس وتزعزع أمنهم وتلطخ بهم الجدران، وتقطعهم، وتسيل دماءهم من أجل ماذا؟

تشريع الحدود رحمة

تشريع الحدود رحمة ثم نسمع بعض الناس يقول: إنها قسوة، وأقول: إن من يرحم هؤلاء مجرم؛ لأن أرحم الراحمين هو الذي سن هذه الشريعة، فهذه الشريعة سيقت لهم، يقول الله عز وجل: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا} [المائدة:33] وليس أن يقتَلوا بل يُقَتَّلُوا بتقطيعهم قطعة قطعة حتى يذوقوا وبال أمرهم، والرسول صلى الله عليه وسلم وهو أرحم خلق الله بخلق الله، حتى قال الله فيه: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] لكنه في حدود الله لا تأخذه في الله لومة لائم. قدم مجموعة من العرنيين عليه صلى الله عليه وسلم وكأنهم اجتووا المدينة، يعني: ما ناسبتهم المدينة، انتفخت بطونهم وصار فيهم وباء، رحمهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأشفق عليهم فأخذ مجموعة من الإبل وأعطاها لراع من الصحابة وقال: اخرج بهم في طرف المدينة لتأكل هذه الإبل من أشجار البادية ويشربون من ألبانها وأبوالها لعلهم يسلمون، وفعلاً شربوا من لبن الإبل فذهبت الأمراض عنهم، وانتفخت أجسادهم بالقوة والعضلات، وبعد ذلك قلبوا ظهر المجن وقتلوا الراعي وساقوا الإبل وسرقوها وسملوا عينيه، أخذوا حديداً وأحموه في نار وأدخلوه في عينيه بعدما قتلوه، فبلغ الخبر النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل في طلبهم مجموعة من الصحابة منهم علي وعمار وجيء بهم، ولما جيء بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم حكَّم فيهم شرع الله فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ثم سمل أعينهم، ثم تركهم في الشمس حتى ماتوا عقوبة لهم وردعاً لأمثالهم، ولهذا يقول الله: {ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة:33] هذه وجبة الإفطار والعشاء في جهنم، فنحمد الله الذي لا إله إلا هو الذي يسر للقائمين في هذه البلاد أمر القبض على هؤلاء واكتشافهم، وهذا من نعم الله، ودليل على أن الله يرعى هذه البلاد إذ لو لم تكن هناك إعانة ورعاية من الله فمن يكشفهم وسط هذه الجموع وهذه الملايين، لكن ربك بالمرصاد، ثم نشكر المسئولين على تنفيذ أمر الله بدون مجاملة؛ لأنه والله لو لم يقتل هؤلاء لجاءنا السنة الآتية أكثر منهم وبالتالي يكثر الفساد، لكن اقطعها تبرأ، ولن ترى مجرماً -بإذن الله- لأنه يعرف أن رأسه سيرمى به مثل الكرة، والله يقول: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً} [الإسراء:8]. فنسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يديم علينا وعليكم وعلى المسلمين في جميع ديار المسلمين أمننا واطمئناننا واستقرارنا، وأن يوفق حكام المسلمين للعمل بشريعة الله عز وجل وتحكيمها في شعوبهم، كما نسأله أن يوفق حكام هذه البلاد لزيادة التمسك والعمل بدين الله عز وجل وإعلاء كلمة الله؛ فإنهم في ذلك إنما يحققون ما أمر الله به من العدل والإنصاف والحياة المستقيمة على وجه هذه الأرض.

من علامات الساعة

من علامات الساعة أما الدرس فلا زال في علامات الساعة المستمرة. قلنا في الماضي: إن العلامات التي تدل على قرب الساعة منها ما وقع وانقضى، ومنها ما يقع ولا يزال يقع، ومن ذلك ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من فشو الفساد، وأنه مؤشر وعلامة من علامات الساعة؛ لأنه إنما يتحقق الرقي للأمم والسؤدد والتقدم والرفعة، بمقدار ما يكون فيها من أفراد صالحين يتحلون بالقيم الفاضلة، والعقائد السليمة، والأخلاق الحميدة والمعاملات الحسنة، ويسعون إلى إقامة العدل في الأرض وتقويم المعوج وإصلاح الفاسد، وهؤلاء هم الذين حملوا الأمانة يوم أن تخلت عنها السماوات والأرض: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72] والأمانة هي كل ما اؤتمن عليه العبد من الإيمان والعمل الصالح، وليست الأمانة محصورة في الودائع، فالودائع جزء من الأمانة، لكن كل ما كلفك الله به وائتمنك عليه فهو أمانة، صلاتك أمانة عندك من يحاسبك عليها إلا أنت، قد تقول: صليت، لكن الله يعلم أنك ما صليت، فهذه أمانة خنتها. وضوءك أمانة، فقد تصلي بدون وضوء خوفاً من مدير المدرسة، لكن الله يعلم أنك لست متوضئاً فقد خنت الأمانة، صيامك أمانة غسلك من الجنابة أمانة عينك أمانة أذنك أمانة فمك ولسانك أمانة بطنك وفرجك أمانة يدك وقدمك أمانة، كل ما أتمنك عليه الشرع وجعل أمره في عنقك أمانة عندك إن أديتها فأنت من أهل الإيمان، وإن خنتها فأنت من أهل الخيانة -والعياذ بالله- ولهذا قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال:27].

رفع الأمانة

رفع الأمانة وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمانة سوف ترفع في آخر الزمان، وهذا الرفع سيكون بطريقة تدريجية لا مرة واحدة؛ لكن ترفع تدريجياً، وفي زمن حذيفة رضي الله عنه وهو الصحابي الجليل صاحب الوضوح، صحابي كان متخصصاً في معرفة الشرور، وكان أمين سر النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: (كان الناس يسألونه عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة الوقوع فيه) وتبين الشرور أمر مهم يا إخواني، ومن ضروريات المسلم أن يعرف الشر ليتقيه لا ليقع فيه، وهذا الصحابي يقول: (كان الناس يسألونه عن الخير -عن الصلاة عن الصوم- وكنت أسأله عن الشر مخافة الوقوع فيه) في زمن حذيفة لاحظ شيئاً من ترك الأمانة، ولكن في زمننا هذا كثير من ترك الأمانة. روى الإمام مسلم في صحيحه حديثاً صحيحاً عن حذيفة رضي الله عنه قال: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر: حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال) الأمانة إذا استقرت لا تكون في السطح بل في جذر وفي عمق قلب الرجل، ولذا ترى الرجل غير الأمين في جوف الليل يسمع أغنية، من الذي يراقبك في تلك اللحظة؟ لا أحد يراقبك إلا الله، أمانتك فرضت عليك ألا تخون الله في أذنك، الرجل الأمين وهو في الشارع يمشي يرى أمامه امرأة متكشفة ليس معها زوج ولا أب ولا أخ، ولا أحد يراه فلا ينظر إليها، من الذي جعله يغض بصره؟ خوفه من الله وأمانته على استعمال هذه العين، يستلم الراتب ويعده مرة ومرتين وثلاثاً فيرى فيه خمسمائة ريال وبإمكانه أن يخفيها؛ لكن أمانته تفرض عليه أنه يرجع الخمسمائة ريال؛ هذه الأمانة إذا نزلت استقرت في جذر قلوب الرجال، والذي ما عنده هذه الأمور ما عنده أمانة، ولا في جذر قلبه شيء. قال: (إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة) يعني: جاءت الأوامر بعد الأمانة والإيمان، والآن تأتي الأوامر قبل الأمانة والإيمان فلا يعمل الناس بالقرآن، يقرأ القرآن وهو ليس بمؤمن ويقرأ القرآن أو يسمعه ثم يغني، ويقرأه ويقوم ليزني، ويقرأه ويكذب يقرأه وينهب، يقرأ ويشهد زوراً، ويقرأ ويعق والديه، يقرأ ويقطع الصلاة، لماذا؟ لأنه علم القرآن قبل أن تستقر الأمانة في قلبه أي الإيمان. قال: (فعلموا من القرآن وعلموا من السنة ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال: ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه ويظل أثرها مثل الوكت، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل المجل، كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبراً وليس فيه شيء) الجمر إذا دحرجته على رجلك أو يدك أو جلدك، ماذا يحدث؟ ينتفخ وينتبر وتراه كأنه شيء، لكنك لو فتحته ظهر الماء وهذا أثر الجرح، وإنما الأمانة يبقى لها شيء ظاهر لكن لو تختبرها فإنها لا شيء، اختبرها عند المرأة مباشرة تسقط، اختبرها عند الرجال مباشرة تسقط، اختبرها في صلاة الفجر فإنه ينام وليس هناك إلا أثر. (فتراه منتبراً -يعني ظاهراً كأنه أمين- وليس بشيء، ثم أخذ حصىً فدحرجها على رجله ثم قال: فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة، حتى يقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً) تصبح الأمانة شيئاً عزيزاً، وتصبح نادرة حتى يقال في القبائل: إن في آل فلان رجلاً أميناً، ولقد تحقق هذا في بعض البلدان، إن القرية من أولها إلى آخرها لصوص ليس فيهم شخص يخاف الله إلا واحداً أو اثنين، فيقولون: والله فلان أمين يخاف الله، بينما الأمانة كانت موجودة في صدور الرجال كلهم ليس فيهم إلا واحد أو اثنان ليسو أمناء، وهذا من إدبار الدين وإقبال الدنيا. قال: (حتى يقال للرجل: ما أجلده ما أظرفه ما أعقله، وما في قلبه من الإيمان حبة خردل -ذوق، أخلاق، والله يعلم أنه ليس في قلبه شيء من الإيمان- قال حذيفة: ولقد جاء عليَّ زمان وما أبالي أيكم بايعت، لئن كان مسلماً ليردنه عليَّ دينه، ولئن كان غير ذلك ليردنه على مواليه، وأما اليوم فما كنت لأبايع أحداً إلا فلاناً وفلاناً) وهذا كان في عهد القرون المفضلة يقول: لا يوجد من أبايع إلا فلاناً وفلاناً؛ لأني أعرفهم أمناء لا يغشون العسل، ولا يجعلون البضاعة الجيدة في الأعلى والرديئة في الأسفل، ولا يضغطون (التنك) من اليمين والشمال والرمان الكبار في الأعلى والصغار في الأسفل، أين الأمانة؟ ويريد أن ينزل مطر من السماء، بهذا ينزل عليه حجارة ولعنة من السماء، لماذا لا تضع الرديء على جنب والجيد على جنب، وتقول: هذه بخمسين وهذه بعشرة، من أجل الذي معه مبلغ كبير يشتري كثيراً، والذي لديه قليل من المال يشتري لأولاده على قدر ما لديه من المال ويأخذ له بعشرة، لكن أن تضع الجيد مع الرديء وتغش المسلمين وتريد من الله أن يرحمك؟! لا إله إلا الله! يقول حذيفة: (لقد كنت ما أبالي أيكم بايعت) يقول: كنت أبيع وأشتري وأنا مغمض؛ لأني أعرف أني أبيع وأشتري من أمين لا يغشني (واليوم ما كنت لأبايع أحداً إلا فلاناً وفلانا) معدودون على الأصابع في عهده رضي الله عنه فكيف بعهدنا؟! إنا لله وإنا إليه راجعون! من علامات الساعة، وهذه العلامات اسمها علامات فساد الضمير وفساد الذمم، ولكن ليس على العموم، بل يبقى في الأمة أفراد وتبقى في الأمة الفرقة الناجية، وبقدر وجود العلم وانتفاء الجهل وبقدر تدعيم قضايا الإيمان في قلوب الناس يوجد الإيمان، وأنا أعرف كثيراً من الناس -بفضل الله- أصحاب مزارع عندهم إيمان، وأذكر مرة أني صليت الفجر في المسجد وذهبت إلى السوق بعد صلاة الفجر لأجل أن أشتري حوائجي من بداية النهار؛ لأنه كما قال صلى الله عليه وسلم: (بارك الله لأمتي في بكورها) فجئت ووجدت أحد المزارعين جزاه الله خيراً أتى (بفرسك) في (زنابيل) فقلت: بكم؟ قال: هذا بخمسين ريالاً، قلت: وهذا بكم؟ قال: هذا بعشرين، قلت: ماذا في هذا؟ قال: انظر هذا أمام عينك، كله هكذا، يعني: رديء، وذاك جيد، قلت: اسكبه لي، فسكبه لي وإذا به فعلاً والله ما فيه حبة ترميها، قلت: بارك الله لك، قال: ماذا تريد! أغش ذمتي، وقد كنت أغشها وربي يضربها بالبرد، ويضربها بالبلاء ويأتيه آفة، ويأتيه جذم وذهب (الفرسك) يقول: ويوم سرت أنا بالطريق الصحيح ربي أعطاني، وإذا خرب شيء بسيط فإنما هو بسبب ذنوبنا، وعنده عشرون زنبيلاً الحبة -ما شاء الله- تشتريها وأنت مغمض عينيك، فالأمة فيها خير والحمد لله، ولكن تحتاج إلى توعية وإلى دعم وإلى علم حتى تستقيم على منهج الله سبحانه وتعالى.

تداعي الأمم على الأمة الإسلامية

تداعي الأمم على الأمة الإسلامية ومن علامات الساعة التي وقعت ولا تزال مستمرة: تداعي الأمم على الأمة الإسلامية، والتداعي يعني: التكالب، حتى غدا المسلمون كالأيتام على موائد اللئام، ونعني بالأمم: أمم الكفر الذين لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، والذين يتعادون في كل شيء إلا في حرب المسلمين فهم أصدقاء فيما بينهم، ويتحدون من أجل القضاء على المسلمين، ومن أجل ألا تقوم لهم قائمة، ولذا يحاربون المسلمين، ولا يريدون أن تقوم لهم قائمة في أي بيئة أو أي بقعة وفي أي زمان أو مكان، وهذا مصداق حديث النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث بمجموع طرقه صحيح، وقد أخرجه الإمام أبو داود وابن عساكر والإمام أحمد في مسنده وأبو نعيم في الحلية، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، والحديث عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها) ترون القصعة التي في وسط السفرة كل شخص يمد يده إليها وكذلك تصبح الأمة الإسلامية. وقد مر زمن على الأمة الإسلامية تداعت عليها دول الكفر وتقاسموها جزءاً جزءاً، فجزء أخذته بريطانيا، وجزء أخذته فرنسا، وجزء أخذته أمريكا، وجزء أخذته روسيا، وجزء أخذته ألمانيا، وجزء أخذته إيطاليا، أي: كما قال النبي صلى الله عليه وسلم. وبعدما تقاسموها صبغوا المسلمين في بلاد المسلمين بالكفر والضلال وخرجوا وسلموهم القيادة وقد صاروا مثلهم، وأصبح المسلم يتشبه بأخلاق الكفار، -ولا حول ولا قوة إلا بالله! - إلا في قليل من بلاد المسلمين، وهذا مصداق حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها، قال قائل: أومن قلة يومئذ نحن يا رسول الله؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل) وغثاء السيل: هو الذي يأتي في أول السيل ترونه كثيراً، لكنه بعر وعيدان وشوك، تمسكه بيدك وإذا به ينتهي وكأنه لا شيء، وهكذا أكثر المسلمين -إلا من رحم الله- غثاء كغثاء السيل: (ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم) اليهود شراذم مبعثرة في كل أطراف الأرض، قال الله فيهم: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [البقرة:61] وهم أصلهم أولاد الخنازير، وفي نفس الوقت قال الله فيهم: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ} [الحشر:14] لا يقدر اليهودي أن يبرز لك بسكين أو بعصا إلا من وراء جدار أو من وراء دبابة أو من فوق طيارة: {إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر:14] هؤلاء هم اليهود؛ لكن في زماننا ثار اليهود واستأسدوا، واحتلوا المقدسات، وأصبحوا يرعبون المسلمين، بينما كان المسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ينصر بالرعب لمسيرة شهر، مسيرة شهر أماماً ومسيرة شهر وراءً ومسيرة شهر يميناً ومسيرة شهر شمالاً كل من يسمع بالمسلمين يدخل في قلوبهم الرعب ويخافون، والآن هزمنا بالرعب مسيرة سنين، فإنا لله وإنا إليه راجعون. ولن يعود لهذا الدين ولهذه الأمة مجدها إلا بما عاد لأولها كما في الأثر: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، صلاح أولها بالزهد واليقين، وأيضاً يكون صلاح آخرها بالزهد واليقين، وهو إن شاء الله كائن بإذن الله عز وجل. قال: (وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، قال قائل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت) وقد وقع هذا كثيراً حينما تداعت الأمم الصليبية على المسلمين وغزوا الأمة، وحينما تداعت الأمم المغولية في عهد التتار؛ خرجوا وهم قبائل متوحشة من منغوليا ومن أواسط آسيا، وخرجوا يسلبون ويقتلون وينهبون، وأشاعوا الرعب والفساد في الأرض حتى وصلوا إلى بلاد المسلمين، ودخلوا بغداد وقتلوا الخليفة وقضوا على الخلافة الإسلامية، وقتل في بغداد أكثر من ستمائة ألف نسمة، وقيل: ثمانمائة ألف، وقيل: مليون، حتى ورد في كتب التاريخ أن المرأة من المغول كانت تأتي على المجموعة من المسلمين فتقول لهم: ناموا فينامون، فتقول: مكانكم فتذهب وتأتي ومعها الحجر وترضخ رأس الأول وذاك جالس بجواره وهكذا، فتضرب ثمانية أو تسعة، تهشم رءوسهم كما يهشم الحبحب، واختبأ الناس أربعين يوماً في الأقبية والبيوت حتى انتشرت الروائح وتسمم الجو ومات خلق لا يعلمهم إلا الله، وخرجوا من بغداد وجاءوا إلى الشام، ولكن وقف لهم المسلمون، وخرج الجيش المسلم من مصر في عين جالوت بقيادة قطز ومعه العلماء، ومن ضمن من معه العز بن عبد السلام، وأحمد بن تيمية يقول المؤرخون: فما استقر؛ لأنهم اختاروه، قالوا: نريد الحرب يوم الجمعة ونريدها ساعة الخطبة والأئمة على المنابر يدعون الله بالنصر للمسلمين، نريد أن نبدأ في تلك اللحظة، وبدءوا، وما هي إلا ساعة من نهار حتى رفع الله عن الكفار يده وأسلموا ظهورهم، وقتلهم المسلمون قتل رجل واحد بسبب الإسلام الصحيح. ولكن ما الذي يعصم الأمة من هذا التداعي؟ فهناك شيء يمنعها من التداعي ألا وهو دينها الذي يقف حاجزاً دون مطامع أعدائها، فمهما مكر الأعداء ومهما كانت قوتهم؛ فإنهم لن ينالوا من هذه الأمة نيلاً إذا كانت متمسكة بعقيدتها ودينها، وأقرب دليل: ما يعيشه إخواننا في أفغانستان، فدولة الروس العظمى، وهي القوة العظمى الثانية في العالم، فهي وأمريكا سواء، يتسابقون في مجال العلم وفي مجال القوة، اجتاحوا المجر في ست ساعات، ودخلوا أفغانستان وكانوا يتصورون أنها نزهة ست ساعات أو ثمان ساعات، لكنهم مكثوا بها تسع سنوات ولعقوا الدم من أجسادهم، ثم خرجوا يجرون أذيال الهزيمة بعد أن ركعوا، أمام من؟ أمام دول؟ لا، بل أمام مؤمنين مساكين ليس معهم سلاح إلا من أيدي أعدائهم. لما سألوا سيافاً: من الذي يمدكم بالذخيرة والسلاح؟ قال: سلاحنا من الروس نذبح الروسي ثم نأخذ سلاحه ونذبح إخوته. وقال لي أحد الإخوة: إن من الشباب المؤمن الذي ذهب من هذه البلاد شخص من المنطقة الشرقية من الثقبة يسمونه أسد الليل، وهو لا يعرف البندق، لا يعرف إلا (الساطور)، فكان إذا ناموا سرى في الليل مثل الأسد، ولا يأتي إلا ومعه رأس أو رأسان يسحبها، من الذي ربى الإيمان في قلبه، بينما هو من قبل كان مغنياً، لكن لما دخل الإيمان في قلبه أصبح أسداً يرعب جيشاً، مثل القعقاع بن عمرو، لما أرسل أحد القادة إلى عمر يطلب النجدة، قال: أرسلت لك القعقاع بن عمرو، وإن جيشاً فيه القعقاع لا يهزم. الذي يعصم من هذا -أيها الإخوة! - ويحفظ للأمة دينها ومقدساتها وبلادها هو دين الله، علينا بالدين فقط نتمسك به ولن يجعل الله لأحد علينا سبيلاً: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء:141] لكن يوم أن نتخلى عن الدين يسلط الله علينا الأعداء: (من عصاني وهو يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني) قبل عام (67) كان الناس يقولون في أغانيهم: (الميج يتحدى القدر). ويقول آخر: نحن على موعد مع أم كلثوم لتغني لنا في تل أبيب: (أنت عمري، جينا راحة الدنيا كلها). لا تل أبيب ولا غيرها، والله المستعان. لماذا؟ لأنا تركنا الله، ويوم جربوا في عام (73) الإيمان والدين والعلم؛ رد الله الكفار وقطعوا القناة وحطموا خط (برليف) الأسطوري الذي قالوا عنه: لا يمكن لأحد أن يتخطاه، قطعه الرجال بالماء وبالعزيمة، وهم يقولون: الله أكبر، ولو زاد الناس هداية لزادهم الله نصراً. وهكذا كن مع الله يكن معك، دين الله عز وجل هو الذي تكفل الله عز وجل أن ينصرنا به، وفي الحديث الذي يرويه ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال والحديث في صحيح مسلم قال: (إني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها الله بسنة عامة وألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة بعامة، وألا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها) لما تسمعون الآن تصريحات سياف وتصريحات قلب الدين حكمتيار، يعني تصريحات شخص رأسه في السماء، يطلبون منه أن يقابل وزير الخارجية الأمريكي يقول: لا نقابله، ما هؤلاء الرجال؟! قوة الإيمان والعقيدة، يقول هنا: (ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً) إذا كان بعضهم يقتل بعضاً نزع الله عنهم يده، وتخلى عنهم وبالتالي يحصل عليهم الفساد والدمار. ولذا -أيها الإخوة- فلا أمن ولا أمان ولا نصر ولا سؤدد لهذه الأمة إلا في ظل دينها. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يردنا إلى ديننا رداً قويماً، وأن يصلح شباب المسلمين، وجميع المسلمين، وحكام المسلمين في جميع ديار المسلمين، وأن يردهم إلى دينه القويم رداً جميلاً، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة .

بعض الألفاظ الشائعة وحكمها

بعض الألفاظ الشائعة وحكمها Q ما حكم هذه الألفاظ -وهي شائعة بين الناس-: (عليك وجه الله)، (مثل أمي)، (أفتح الكترة نشوف ربي وعواله)؟ A هذه الألفاظ منهي عنها وبعضها شرك -والعياذ بالله- أما (عليك وجه الله) فورد حديث والحديث رواه الإمام المنذري في الترغيب والترهيب وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب وهو من رواية الطبراني في معجمه أنه قال صلى الله عليه وسلم: (ملعون من سأل بوجه الله) فلا تقل: أسألك بوجه الله، أو عليك وجه الله؛ لأنه لا يسأل بوجه الله إلا الجنة، فإذا استرخصت هذا الأمر وعرضت وجه الله على كل شيء دل على أنك لا تعظم الله ولا تقدره، فبعض الناس يعرض عليك وجه الله على كأس ماء، عليك وجه الله أن تشرب وأنت قد شبعت ما تقدر لكن يجبرك -والعياذ بالله من ذلك- فلا يجوز، ومن وقع في هذا فعليه أن يتوب ويستغفر الله عز وجل. أما (مثل أمي) فهذا -والعياذ بالله- في حكم الظهار، هو يقول: إن زوجته عليه مثل أمه، يعني: أن المرأة التي يأتيها هي أمه، وهذا ظهار أو بمعنى ثانٍ يقول: مثل أمي، يعني أنا امرأة مثل أمي، كأنه يقول أنا أنثى مثل أمي، بعض الرجال أمه أحسن منه ويمثل، لكن هذه الألفاظ لا تجوز ولا تنبغي أن تخرج من فم الرجل، وبعض النساء تقول: عليَّ مثل أبي، أو مثل رءوس عيالي، وهذا كله من الألفاظ التي لا تليق. كذلك: فك الكترة أو افتح الشباك نشوف ربي وعواله، وبعضهم يقول: أشهدت عليك راعي ذا الكبد الخضراء من أجل السماء، يقول أن هذه السماء الكبد الخضراء لله، وهذا غلط وشرك والعياذ بالله. هذه الألفاظ لا ينبغي للمسلم أن تجري على لسانه.

حكم الجلوس في بيت الميت للعزاء وصنع الطعام

حكم الجلوس في بيت الميت للعزاء وصنع الطعام Q توفي هذا اليوم جار لي، ونصبت خيام، واجتمع الجيران لاستقبال المعزين وأنا من الجيران فهل أبقى معهم، أم أذهب بعد العزاء إلى عملي؟ A روى الإمام أحمد في مسنده حديثاً صحيحاً عن جرير بن عبد الله البجلي قال: (كنا نعد الجلوس للعزاء وصنع الطعام في بيت الميت جزءاً من النياحة)؛ لأن النياحة هي إظهار أي مظهر يعترض فيه على قضاء الله وقدره، ولها صور: فمن صورها: لطم الخدود، وشق الجيوب، ونتف الشعور، ورفع الأصوات، وهذه من صور النياحة. ومن الصور أيضاً: تعطيل الأعمال، والجلوس في البيوت، والمظاهرة والإضراب عن العمل، ونصب السرادقات والجلوس قياماً وقعوداً، كل ما جاء شخص قاموا وكلما خرج قعدوا، وأيضاً فيه: تعطيل أعمال الناس، ومصالح المسلمين بحجة أنه في عزاء، هذا ليس من هدي الصحابة، ولا من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا أصل له في دين الله، بل الأصل أن يدفن المسلم وأن يعزى صاحب العزاء في المسجد أو في المقبرة أو في الطريق أو في السوق ولا داعي للذهاب إلى بيته؛ أينما لقيته فعزه، أما أن يجلسوا ويجلس أقاربه والجماعة كلهم والذي يغيب يا ويله، وسود الله وجهه وما فيه شيمة، وآل فلان لا ينظرون إليه، وماذا نقول لهم، فهذه عادات جاهلية ما أنزل الله بها من سلطان. والذي يلزمنا -أيها الإخوة- نحن كطلبة علم أن نبدأ نحن بأنفسنا، إذا مات جارك أو قريبك فادخل وأنت عند الباب قل: أحسن الله عزاءكم، وجبر الله مصابكم، وغفر الله لميتكم، إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، ولا نقول إلا ما يرضي الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، أما الجلوس في العزاء فغير مسنون وهو بدعة، وبعض طلبة العلم يقعدون وبعضهم يأخذ كتاباً ويقرأ ويحدث ويقول: هذا تجمع أستغله، لا تستغل التجمع الذي هو بدعة؛ لأن التجمع الذي ما هو بطاعة الله لن يكون فيه خير في طاعة الله، وإلا تجدونهم يجلسون على السواليف وعلى العلوم التي ما أنزل الله بها من سلطان.

كيفية التعامل مع الأقارب ودعوتهم إلى دين الله

كيفية التعامل مع الأقارب ودعوتهم إلى دين الله Q أنا شاب هداني الله إلى طريق الحق، وأبعدني عن الضياع بسبب رفقة صالحة، وأخذت أدعو أهلي حتى -والحمد لله- ابتعدوا عن اللهو ومنكراته، إلا إن أحد إخواني أعرض، وهو لا يصلي ولا يزال يستمع الأغاني، وأنصحه فيعرض عني، وأحياناً يحصل بيني وبينه مضاربة ومشادة، وفوجئت في أحد الأيام أن أمي تمنعني عن أصحابي الطيبين حتى أرضيتها وقلت: لن أذهب اليوم، فما الحل أرشدوني وجزاكم الله خيراً؟ A أولاً: بارك الله فيك وهدانا الله وإياك إلى صراط الله المستقيم، وثبتنا الله وإياك على الإيمان، وما قمت به من دعوة أهلك هو الطريق الصحيح لأن: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) والذي لا ينجح مع أمه وأبيه لا ينجح مع الناس، وأسلوبك الطيب مع أمك وأبيك وإخوانك حتى استقاموا طيب، لكن يبدو أنك عنفت على أخيك بدليل أنك تقول: حتى أنك ضاربته، وهذه ما هي دعوة أن تضارب أخاك؛ لأنك إذا ضاربته استقطبت عداوته، وبالتالي خسرته، ولكن عليك باللطف معه، وعليك بالصبر والدعاء له، ودعوته والإهداء له، والتؤدة معه وعدم الاستعجال، الهداية ليست بيدك، أنت تريد أن يهديه الله والله ما أراد أن يهديه، والله يقول: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56] {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [النحل:37] ربما أنك حريص على هداية أخيك والله يعلم أنه ليس أهلاً للهداية، أتريد أن يغير الله سنته من أجلك؟ لا. أنت فقط تدعو والباقي على الله. أما أمك فيبدو أن تغيير موقفها ضدك ومنعك من الذهاب إلى إخوانك بناءً على تغيير موقفك أنت منها، أو من إخوانك، إما بعصيان أو بشدة أو بعنف، لكن عد إلى اللطف واللين، فما كان اللين في شيء إلا زانه، وما كان العنف في شيء إلا شانه. والحديث الآخر: (بشروا ولا تنفروا، يسروا ولا تعسروا)، (وما خير الرسول صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً) بعض الناس يبحث لأهله عن أشد الأمور حتى ينفرهم. يا أخي: انظر أرخص شيء وأقل شيء وسيرهم عليه ما لم يكن إثماً، لا يفهم بعض الناس من كلامنا هذا أنه يجلب لأهله المنكر ويقرهم على الشر ويقول: يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا، فهذا ليس تيسيراً، التيسير في حدود ما أحل الله، والتبشير في حدود ما أحل الله، أما أن تحل لهم الحرام وتعطيهم الحرام، وتغير الحدود وتقول: بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا، فما بشرت بل عثرت -والعياذ بالله- وخربت.

حكم الشيشة للنساء

حكم الشيشة للنساء Q هناك رجل يسمح لزوجته أن تدخن الشيشة، وعندما نصحته قال: إنني تزوجتها وهي تشرب الشيشة من عند أبيها، وهذا على مزاجها؟ A الله أكبر! يا هذا الإنسان المتحرر المتثور، حسناً تزوجتها وهي على الشيشة فما موقفك من شيشتها؟ موقفك أن تهديها -يا أخي- وأن تدلها، أما أن تتركها على مزاجها، فلا. هي على مزاجها في حدود دائرة الحلال أما في الحرام فليست على مزاجها، أنت تدلها على دين الله، أما هذه الشيشة فهي ضدك؛ لأنها تخرب فمها عليك وتحول فمها مثل البيارة -والعياذ بالله- ولو أنك قربت من شخص مشيش أو مدخن فإنك تهرب من رائحة فمه، فكيف إذا كان فم زوجتك -والعياذ بالله- مثل البلاعة كيف تسلم عليها؟ كيف تستأنس بها؟ إلا إذا كان فم هذا بلاعة ثانية، فإذا بهم سواء فالله المستعان.

استعمال اللين في تعليم الأم والصبر على ذلك

استعمال اللين في تعليم الأم والصبر على ذلك Q والدتي مسنة، وهي كثيرة الصلاة، ولكنها لا تعرف كيف تصلي، وإذا علمتها قالت: ما معي إلا ما معي؟ A لا حول ولا قوة إلا بالله، هذه الأم على الفطرة ولكنك تأتي تعلمها الصلاة بالمضاربة، قبل أن تعلمها الصلاة اقرأ عليها من كتاب الترغيب والترهيب، أو من الكتب التي فيها ذكر للجنة أو النار، وأنا أدل الإخوان على كتابين يجب أن يشتروهم هذه الليلة بإذن الله، الكتاب الأول اسمه: التخويف من النار والتعريف بدار أهل الخزي والبوار للشيخ ابن رجب الحنبلي، هذا الكتاب شيء يهول العقل، ويعطيك كل ما في النار من أولها إلى آخرها مما جاء في كتاب الله وفي سنة محمد صلى الله عليه وسلم. والجانب الثاني في الجنة: حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، وثمن الكتابين عشرون ريالاً، يعني هذا بعشرة وهذا بعشرة تزيد أو تنقص، أرجو أن تشتروهما هذه الليلة، وإذا أتيت إلى الوالدة خذ لها وصف الحور العين، وما أعد الله للمؤمنين في الجنة، وقل لها: يا أمي! أتريدين أن تكوني مع هؤلاء، تريدين أن تكوني حورية عيناء؟ قالت: نعم، فقط عليكِ بالصلاة، وفي الليلة الثانية تأتي لها العذاب والنار والأغلال والأنكال والسلاسل في النار، وتقول لها: تريدين تسلمين، الصلاة، كيف يا ولدي؟ صلاتك غير صحيحة، كيف أصلي يا ولدي؟ أعلمك كيف تصلين، اقرئي الفاتحة: الحمد لله رب العالمين، علمها هذه فقط، لكن بعضهم يأتي بالآيات كلها وبعدها يخليها سنة، كيف تتعلم؟ اضبطي هذه الليلة كلها الحمد لله رب العالمين، الليلة الثانية: الرحمن الرحيم، هي في السابق تقول: الرحمنُ الرحيم، قل: لا، الرحمنِ الرحيم. يا أخي: الحديد إذا أدخلته النار لان ولسان أمك لا يلين؟! يلين ولكن يريد صبراً، أنا أعرف أناساً والله كانت ألسنتهم أقسى من الحجر، ودرسوا على المشايخ وألسنتهم الآن مثل العسل بكتاب الله عز وجل، فأنت إذا لم تنجح مع أمك من تريد أن يكفيك بها؟ مسئوليتها عليك أنت، لكن بالترغيب وبالترهيب، باللطف، لكن بعضهم يقول: أنت لا تعرفين وليس لكِ صلاة، من يوم خلقت وأنت لا تصلي، قالت: وأنت لا ردك الله، ولا رد صلاتك؛ لأنها جاهلة لا تعرف جنة ولا ناراً، لكن رغبها بالجنة وخوفها من النار بأسلوب تستقيم معك إن شاء الله.

برنامج يومي نافع في تربية النفس والأهل

برنامج يومي نافع في تربية النفس والأهل Q طالب علم تزوج حديثاً يريد جدولاً ونظاماً ناجحاً يمشى عليه، بحيث يكون هذا البرنامج نافعاً في تربية نفسه أولاً، وتربية أهله، ودعوة الناس إلى الله؟ A هذا الموضوع يحتاج إلى محاضرة كاملة وليس هذا مكانه، وإنما أدل الأخ الكريم على شريطين أو شريط واحد اسمه: رسالة إلى كل عروسين بالإخراج الجديد. وبعض الإخوة كتب لي رسالة جزاه الله خيراً يقول فيها: نلاحظ أنك تدل الناس على أشرطتك، وهذا شيء لا نقبله؛ لأنه جزء من الدعاية للنفس. وأنا يعلم الله لو أعلم أن هناك شريطاً لغيري ينفع لدللت عليه، لكن مصيبتي أنني لا أسمع أشرطة غيري، والسبب: عدم وجود الوقت عندي، إلى درجة أنني لا أجد فرصة أجلس مع أهلي أو آكل أو أشرب معهم، فأنا بين عمل ودعوة، وبين سفر والتزامات ومجتمع، فما عندي فراغ لأسمع شريطاً لأدل الناس عليه، فإذا أحد سألني: ما هو أحسن شريط؟ فلا أعرف إلا أشرطتي فقط، فأقول: خذ الشريط هذا، ليس معنى ذلك أنه دعاية لي؛ لأني لا آخذ عليها فلوساً حتى أعمل دعاية لنفسي، أما لو أني أبيع الشريط بفلوس وأن المحلات يعطوني شيئاً كان يقال: إنها دعاية، لكن أشهد الله أني لا آخذ ريالاً؛ لأن الله أغناني من فضله، فإذا كنت أعرف شريطاً فيه مصلحة للمسلمين وقد سمعت أن الناس استفادوا منه، فما المانع أن أدل الناس عليه ولو كان لي، هل في هذا مانع يا إخوان؟ إن كان هناك مانع فلن أقول كلمة! قولوا بصراحة يا إخواني، بارك الله فيكم. وهناك شريطان: واحد اسمه: حقوق الزوج وواحد اسمه: حقوق الزوجة، وهذا يكفل للرجل أن يعرف حقوق زوجته عليه فيؤديها، وتعرف المرأة حقوق زوجها عليها فتؤديها، وبالتالي إذا قام كل بحقه وواجبه، وأعطى الحق الذي عليه انتصف الناس وعاشوا في سعادة، والمشاكل تحصل الآن من عدم الإنصاف، المرأة لا تقبل الظلم والرجل لا يقبل التقصير، إذا قصرت ضربها، وإذا ظُلمت قامت عليه، لكن إذا قام بحقوقها وقامت بحقوقه فكل واحد منهما يسير بالخط الصحيح من أجل أن يسعدوا إن شاء الله. أما هذا الموضوع فإنني إن شاء الله أطلب من الله أن يمكنني من إعطاء ندوة كاملة عن البرنامج الإيماني للمؤمن من أول يومه إلى آخره.

سلسلة اليوم الآخر: علامات الساعة المستمرة [الحلقة الثالثة]

سلسلة اليوم الآخر: علامات الساعة المستمرة [الحلقة الثالثة] إن من أركان الإيمان التي لا يتم إيمان المرء بدونها الإيمان باليوم الآخر. وقد أخفى الله عن عباده وقت قيام الساعة وذلك لحكم جليلة، ولكن وضع لها علامات تدل على قرب مجيئها لكي يستعد المسلم لذلك اليوم، وفي هذه المادة تكلم الشيخ حفظه الله عن الساعة ومجيئها، وما أعد الله للمؤمنين وما توعد به المكذبين، كما ذكر بعض العلامات الدالة على قرب الساعة.

الساعة آتية لا ريب فيها

الساعة آتية لا ريب فيها الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. وبعد: أيها الإخوة في الله: الحديث عن الساعة وأهوالها، وعن ذلك اليوم المهول الذي تحدث فيه تلك الأحداث الصعبة، والقضايا المذهلة، حديث ترتعد منه القلوب، وتقشعر منه الأبدان، إذا تصوره الإنسان التصور الحقيقي، وتخيله التخيل الإيماني. والله عز وجل يؤكد قضية الإيمان بالبعث وبالجزاء والنشور تأكيداً عظيماً بما يقسم به تبارك وتعالى من مخلوقاته، فإن له عز وجل أن يقسم بما شاء من مخلوقاته، وليس للعبيد أن يقسموا إلا به، ومن أقسم بغير الله فقد عظمه، ومن عظم غير الله فقد أشرك بالله، ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام: (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله) وفي الحديث الآخر يقول عليه الصلاة والسلام: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك).

إقسام الله عز وجل بمخلوقاته على قيام الساعة

إقسام الله عز وجل بمخلوقاته على قيام الساعة وقد سمعت في قراءة الإمام -جزاه الله خيراً- القسم بالمرسلات والعاصفات والناشرات والفارقات والملقيات، وهي الرياح والملائكة يقسم الله بها على شيء هو أن هذا الوعد كائن: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ} [المرسلات:7] أي: إنما توعدون من الجزاء والنشور والبعث والحساب، ودخول أهل الإيمان إلى جنات الرضوان، ودخول أهل الكفر والفسق والفجور والعصيان إلى النيران: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ} [المرسلات:7]. ويبين الله عز وجل حالة الكفار والمنافقين والمكذبين حينما يوقفون في عرصات القيامة ليس معهم شيء مما أشغلهم في هذه الدنيا من منصبٍ أو ولد أو مالٍ أو زوجة أو غير ذلك، ثم يقال لهم على سبيل التهكم والاستهزاء: {انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [المرسلات:29] يعني: اذهبوا وانظروا الشيء الذي كنتم تكذبون به وهو النار: {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ * لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ} [المرسلات:30 - 31] أي: ظل دخان النار، وظل لهب جهنم (لا ظليل) أي: ليس تحته ظل ولا يمنعك من النار، ولا يغني عن اللهب: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} [المرسلات:32] الشرارة الواحدة كالقصر العظيم. كأنه في تتابعه وتطايره جمالت صفر، قيل معنى جمالة: حبال السفن الغليظة بعضها يكون كغلظ الإنسان، وقيل: بمعنى الإبل، {هَذَا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ} [المرسلات:35] أي: ممنوع المراجعة، وممنوع الاستعتاب والتلطف والرجاء والاعتذار {وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات:36 - 37] الله أكبر! ويل لهم والله ثم ويل لهم! ويكرر الله هذه الكلمة مرات ويل يومئذ للمكذبين، ويل لهم حينما أخطئوا طريق الله، ويلٌ لهم حينما عرضوا أنفسهم لعذاب الله، ويلٌ لهم مع ضعفهم وقلة حيلتهم يوم يقفون عراةً حفاةً غرلاً بين يدي الله، لا يمنعهم من الله أحد.

تساؤل الكافرين عن كيفية البعث

تساؤل الكافرين عن كيفية البعث {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالأَوَّلِينَ} [المرسلات:38] لأن الكفار يقولون: إذا أمكن بعثنا فكيف نصنع بالأولين؟: {أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ} [الواقعة:48] يقولون: أين ذهبوا، قال الله عز وجل: {قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ * ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ * فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ * فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ * فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ * هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ} [الواقعة:53 - 56]. وتعجبوا من إمكانية الإعادة لهذه الأجساد التي بليت وتفتت، وذهبت شذر مذر، قالوا: كيف يعيدها؟ فهذا الذي قد بلي منذ زمن كيف يأتي به رب العالمين؟ فأجابهم الله وقال لهم: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان:28] إذا كان هذا صعباً عليكم فإن خلقكم وبعثكم كله لا يساوي عند الله جهد خلق نفس واحدة، ويقول لهم: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غافر:57] كيف تتعجبون من قدرة الله على إعادة الناس ولا تتعجبون من قدرة الله العظيمة في خلق هذه السماوات والأرض، إن الأولين ما ضاعوا وما ذهبوا، إنهم موجودون في سجل الله الخالد الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ} [المرسلات:38] من آدم إلى آخر شخص كلهم موجودون. ثم: {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ} [المرسلات:39] تحدٍ أتستطيعون أن تصنعوا شيئاً؟ كيدوا، وماذا يصنعون والملك الواحد من الغلاظ الشداد يأخذ بيده هكذا فيلقي سبعين ألفاً في النار؟ والملائكة: {غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] وجهنم يؤتى بها تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها، ولو تركت لأتت على أهل الموقف برهم وفاجرهم: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً * لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً} [الفرقان:12 - 14] تشهق عليهم كما تشهق البغلة على الشعير: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} [الفرقان:12]. قالوا للرسول: كيف تراهم جهنم ألها عينان؟ قال: أما سمعتم قول الله: إذا رأتهم نعم لها عينان، تراهم وتعرفهم، وأنهم غرماؤها؛ وأنهم الذين سوف تتولى تعذيبهم: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً * لِلطَّاغِينَ مَآباً * لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً * لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً * إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً} [النبأ:21 - 25] وأهل الإيمان يقولون: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً} [الفرقان:65] {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ} [المرسلات:39] هل يستطيع أحد أن يعمل شيئاً ذلك اليوم؟! لا.

صفة المتقين في الدنيا وابتعادهم عن معاصي الله

صفة المتقين في الدنيا وابتعادهم عن معاصي الله ثم يصف الله عز وجل حالة أهل الإيمان وأهل التقوى -جعلنا الله وإياكم منهم- أنهم صدقوا المرسلين، وآمنوا بالكتاب المبين، وساروا على النهج القويم، وخضعوا وأذعنوا واستسلموا لله رب العالمين، لا يرفعون رءوسهم على الله، بل إذا أمروا قالوا: سمعنا وأطعنا، ولو على قطع الرقاب، يقول عبد الله بن سلام لما نزل قول الله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} [النساء:66] قال: والله لو كتبها لقتلناها، وها هم -الآن- أهل الإيمان يقتلون أنفسهم في سبيل الله عز وجل، فالذين خضعوا لله، وسلموا أنفسهم وقيادهم لله، عيونهم راضخة لأمر الله فلا ينظرون إلا إلى ما أحب الله، أسماعهم مستسلمة لله فلا يسمعون إلا ما أحل الله، ألسنتهم رطبة بذكر الله، لا يمكن أن تتكلم بكلمة تغضب الله، يزنون الكلام قبل خروجه، فإن كان خيراً نطقوا به، وإن كان شراً ردوه، وإن كان شبهة سكتوا، والسلامة كرامة. فروجهم محفوظة عن الوقوع فيما حرم الله، وأيديهم مكفوفة عن الامتداد إلى ما حرم الله، وأقدامهم قاصرة عن أن تحملهم إلى معصية الله، هؤلاء رضخوا لله، ثم أعملوا البدائل: بدل النظر المحرم النظر المباح والحلال، النظر في كتاب الله، النظر في ملكوت الله، بدل السماع المحرم والكلام الخبيث أتوا بالكلام الطيب وهو تلاوة كتاب الله، ذكر الله، الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، بدل الزنا المحرم أتوا بالبديل وهو الزواج الحلال، وهكذا استخدموا أنفسهم في الطريق الصحيح الذي رسمه الله لهم، يقول فيهم تبارك وتعالى في نفس الآية قال: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ} [المرسلات:41]-نسأل الله من فضله- ظلال: ظلال أشجار الجنة، وعيون جارية: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ} [الأعراف:43].

صفة الجنة التي أعدها الله لعباده المتقين

صفة الجنة التي أعدها الله لعباده المتقين كل مؤمنٍ في الجنة تجري من تحت قصره أربعة أنهار، ونحن الآن تجري من تحت بيوتنا أنهار لكنها أنهار المجاري، لكن أنهار الجنة غير ذلك: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} [محمد:15] وهذه الأنهار نزع الله منها كل شيء يعيبها، إنها خمر فيها لذة، وخمر الدنيا ليس فيها لذة بل يزيغ منها العقل وتجعل الإنسان مثل الحمار يركب أمه أو أخته، ويتصرف تصرف المجانين، بينما خمر الجنة لا تنزف منها العقول، ثم إن عسل الدنيا ليس مصفى وعسل الآخرة مصفى. ثم من لبن لم يتغير طعمه ولبن الدنيا يتغير طعمه، ولهذا ينتهي تاريخ اللبن، وإذا شربته بعد أسبوع تسممت، أما بعد عشرة أيام فتموت، لكن لبن الجنة لا يتغير. لم يتغير طعمه، ثم {أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [محمد:15] أي: ليس راكداً متعفناً؛ لأن الماء إذا ركد أسن، وإذا أسن تعفن وظهرت منه رائحة، وأصبح غير صالح للشرب أو الاستعمال. يقول الله: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [المرسلات:41 - 42] ورد في بعض الأحاديث ذكر فواكه الجنة أنها أمثال القلال ألين من الزبد، وأحلى من العسل، ثم فواكه دانية يعني إذا كنت جالساً فإن الفاكهة تتدلى عليك، وإذا وقفت وقفت الفاكهة معك، قد تقول بعقليتك الصغيرة: كيف؟ نقول لك: كل ما في الجنة لا يمكن أن يتصوره عقلك، يقول الله عز وجل: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17] اذهب بالخيال كل مذهب، واذهب بالأفكار والتصورات إلى أبعد مدى، ثم اعلم أن أفكارك وتخيلاتك لن تصل إلى حقيقة ما في الجنة: {وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [المرسلات:42 - 43] الله أكبر! هنيئاً مريئا جزاءً على عملكم الذي كنتم تعملونه في الدنيا. كنتم تخافون الله وتراقبون الله، وكنتم ترتعدون من خشية الله، وكانت أقدامكم مصفوفة في بيوت الله، كانت أقدامكم وأصلابكم واقفة في الليل من خشية الله، كانت أعينكم مغضوضة عن محارم الله، كانت أسماعكم مصونة عن محارم الله، كانت ألسنتكم مكفوفة عن الحرام، والآن تأخذون الأجرة أليس كذلك؟ يقال: لا يحج الحاج إلا لمغفرة، ولا يعمل عامل إلا بأجرة، والذي عمل لله من الدنيا ما أخذ في الدنيا شيئاً، بل ربما يجد في الدنيا العذاب بعض أهل الإيمان يخرجون من الدنيا وهم مقتولون أو مسجونون، أو مضطهدون لم يجدوا شيئاً من راحة الدنيا، وبعض أهل الكفر والنفاق والجرائم والمعاصي يعيشون عظماء قادة تصفق لهم الدنيا، وتهتف لهم الجماهير، وبالرغم من هذا ألا يصل لهم جزاء؟ لا بد من جزاء، يقول الله: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} [القلم:35] ويقول: {أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص:28] ويقول: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر:20].

الدنيا سجن المؤمن، والآخرة فيها جنته

الدنيا سجن المؤمن، والآخرة فيها جنته هذه دار ابتلاء ليس فيها جزاء، ولهذا لما ركب الإمام ابن حجر العسقلاني وكان قاضي القضاة في مصر؛ ركب على خيله وخرج ومعه حاشيته، فاعترضه يهودي، وأمسك بالخطام وقال: يا شيخ! قال: نعم. قال: تزعمون أن رسولكم يقول: (إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) فأي سجنٍ أنت فيه وأي جنة أنا فيها؟! وكان اليهودي فقيراً مقطع الثياب فقال: أي سجن أنت فيه وأنت على الخيول ومعك هذه الأشياء وأي جنة أنا فيها؟ فرد عليه ابن حجر رحمه الله قال: ما ينتظره أهل الإيمان إذا قيس على ما أنا فيه فإنهم في سجن، وما ينتظرك وينتظر أهل الكفر إذا قيس على ما أنت فيه فأنت في جنة. أنت في بسطة إذا قيس على ما في النار. قال تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [المرسلات:43]. والمفسرون يقولون: لِمَ لم يقل الله عز وجل كلوا واشربوا وانكحوا واسكنوا والبسوا؟ لماذا لم يذكر إلا الأكل والشرب فقط رغم أن في الجنة أكلاً وشرباً ولباساً ونكاحاً وسكناً؟ قالوا: للأغلبية، فإن غالبية نعيم أهل الجنة أكل وشرب، يتلذذون بمطاعمها ومشاربها، ولهذا أربعة أنهار من تحت بيتك، هذه أربعة أنهار من أجل ماذا؟ من أجل أن تشرب من العسل، ومن الخمر، ومن اللبن، ومن الماء. أما الأكل: فمن لحم طير مما يشتهون، والفواكه متعددة ذكر الله منها نوعين في سورة الرحمن في الجنة الأولى: {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} [الرحمن:52] وفي الجنة الثانية قال: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} [الرحمن:68] فيقول الله: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [المرسلات:43 - 44] يعني هذا شأننا، وهذا عدلنا، وهذه مشيئتنا؛ أننا نجزي أهل الإحسان بما هم أهله {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ} [الرحمن:60] كيف تحسن ولا يحسن إليك المحسن؟ كيف تكون محسناً في هذه الدنيا في تصرفاتك ولا يجزيك المحسن العظيم؟ قال: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [المرسلات:44]. ثم يقول عز وجل وهو ملتفت إلى الكفار وهم في النار في طبقات جهنم يقول: {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ} [المرسلات:46] أي في الدنيا، يقول: كلوا واشربوا وتمتعوا قليلاً ستين سنة أو سبعين سنة، وهي لا تساوي لحظة من لحظات يوم القيامة؛ لأن اليوم الواحد من يوم القيامة يساوي خمسين ألف سنة من أيامنا في الدنيا. فيقول الله: {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ} [المرسلات:46] أولئك محسنون والله يجزيهم، وهؤلاء كانوا يتمتعون في الدنيا: {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ} [المرسلات:46 - 48]. إذا قيل لهم اعبدوا الله، خافوا الله، والتعبير بالركوع على العبادة للتغليب أيضاً؛ لأنها أشرف عبادة، أشرف عبادة على وجه الأرض الصلاة، أقدس موقف تقفه بين يدي الله هذا الموقف: {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ} [المرسلات:46 - 48]. بعد كل هذه النذر، وبعد كل هذه المحاذير، وبعد كل هذا الوصف (وصف النار)، وبعد كل هذه الأيمان بالمرسلات، والعاصفات، والفارقات، والناشرات، والملقيات، يهدد ويتوعد ويبين مصير أهل النار ومع هذا كله يرفضون ولا يركعون، قال الله: {فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [المرسلات:50] بماذا يؤمنون بعد هذا كله؟ إذاً لا فائدة، لا يؤمنون إلا إذا قيل لهم: {انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [المرسلات:29] وقيل لهم: {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [الطور:14].

بعض علامات الساعة

بعض علامات الساعة وقد كان الكلام في الماضي ولا يزال عن علامات هذا اليوم (يوم القيامة) العلامات التي تسبق وجوده، وقلنا إن العلامات منها ما انقضى وانتهى، ومنها الذي لا يزال مستمراً ولا نزال فيه، وهذه الليلة سنذكر لكم بعض تلك العلامات التي لا تزال مستمرة الحدوث وأخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم.

من علامات الساعة وقوع الخسف والقذف والمسخ

من علامات الساعة وقوع الخسف والقذف والمسخ من ذلك: الأحداث التي تحدث في الأمة من الخسف والقذف والمسخ الذي يعاقب الله به أقواماً من هذه الأمة، يخسف ببعض الناس ويقذف بآخرين، ويمسخ آخرون قردةً وخنازير، وهذا البلاء يقع بسبب تعاطي الأمة للذنوب والمعاصي وإعلانها بذلك؛ لأن المعصية إذا ظهرت ضرت الناس أجمعين، وإذا خفيت لم تضر إلا صاحبها، وفي صحيح البخاري وصحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) إذا أعلن المنكر ورفع عقيرته، وأصبح صاحب المنكر لا يبالي بأن يرتكب المعصية كشرب الخمور، ولبس الرجال للحرير، وللذهب، والوقوع في الزنا واللواط، وأكل الربا ونحو ذلك من الجرائم والكبائر التي ربما تصل إلى درجة الاستحلال، أعني: لا يمارسها الإنسان وهو يعرف أنه على ذنب، وإنما يمارسها مستحلاً لها -والعياذ بالله- راداً شريعة الله في تحريمها، إذا حصل هذا حصل العذاب. ففي معجم الطبراني بسندٍ صحيح عن سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيكون في آخر الزمان خسفٌ وقذف ومسخٌ، إذا ظهرت القينات والمعازف، واستحلت الخمور) إذا ظهرت القينات يعني: المغنيات، التي تسمى اليوم النجوم، وهي نجمة حقها الرجم والعذاب واللعن، ويسمونها: (كوكب الشرق) ونجمة المسرح، ونجمة الليلة، تجدها مسلمة تقول إنها مسلمة، وتقول: إن شاء الله أنا على موعد معكم في الموسم القادم على الأغنية الجديدة إن شاء الله، وبإذن الله يوفقني ربي أغني أغنية جديدة، كيف يوفقك الله لعمل هذه المعصية؟ لا حول ولا قوة إلا بالله!! إذا ظهرت القينات في الأمة وظهرت المعازف وآلات اللهو التي تصد عن ذكر الله، وتقسي القلوب، وتصرفها عن القرآن، وتجذبها وتشدها إلى الحرام، واستحلت الخمور وشربت، وهذا موجود في كثير من بلدان المسلمين، تباع الخمور علناً ويحميها القانون، ولا ينكرها أحد، والمغنيات لا تكاد تمشي عشرة أمتار أو عشرين متراً إلا وترى مسرحاً أو ملهى، والمعازف تباع كالكتب في الدكاكين، هذه إذا أعلنت حصل للأمة بسبب إعلانها خسفٌ وقذف ومسخ. وروى ابن ماجة عن عبد الله بلفظ: (بين يدي الساعة خسفٌ ومسخٌ وقذف) وله شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يكون في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف، قالت: قلت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: نعم إذا ظهر الخبث) والعياذ بالله. والخسف والقذف والمسخ فسر في كتب العلم بعدة تفسيرات، قيل المسخ هو: أن يمسخ باطن الإنسان فيصبح في أخلاق القردة والخنازير، لا يهمه في حياته إلا الجنس، وهذه حياة القردة والخنازير، ولا يغار على محارمه، لا على ابنته ولا على امرأته ولا على أخته أي: مثل الخنزير؛ لأنه تبلد شعوره إلى درجة أنه يفرح أن تكون ابنته معها عشيق ورفيق، بل يبارك لها إذا رآها مع رفيقها يقول: مبروك -إن شاء الله- على الخطوبة، يعني تتدربي معه الآن في الحرام وبعدها يخطبك ثم تصيري زوجته وهو زوجك، فهذا ممسوخ وهو قرد يمشي في ثوب رجل، هذا حصل له المسخ، وسيحصل له القذف والخسف والعياذ بالله. وروى البخاري عن أبي مالك الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزل أقوامٌ إلى جنب علم -يعني جنب جبل- يروح عليهم بسارحة لهم -غنم- يأتيهم لحاجة فيقولون: ارجع إلينا غداً فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة) وهذا الحديث وصله الطبراني والبيهقي بسندٍ صحيح. فهذه من علامات الساعة (ظهور القينات والمغنيات والمعازف، وشرب الخمور ولبس الحرير).

من علامات قرب الساعة أن يفيض المال فلا يقبله أحد

من علامات قرب الساعة أن يفيض المال فلا يقبله أحد ومن علامات قرب الساعة المنتظرة أو التي تسير الآن ونحن فيها: كثرة المال حتى أن الرجل ليعطى الزكاة فلا يقبلها، ويردها ويقول: هذه قليلة، ويبحث صاحب المال عن فقيرٍ يقبل صدقته فلا يجد، وقد قال صلى الله عليه وسلم لـ عوف بن مالك والحديث في صحيح البخاري وكان آنذاك في غزوة خيبر: (اعدد ستاً بين يدي الساعة -أي: عد ست علامات قبل الساعة- ذكر منها: استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار ويظل ساخطاً) وهذا الكلام لا نتصوره الآن؛ لأنك لو أعطيت شخصاً فلوساً لا يردها، بدليل أننا في الماضي قبل ثلاثين أو أربعين سنة ما كنا نتصور أن أحد يُعطى كسرة عيش ويردها أبداً، بل الذي يُعطى كسرة عيش يعتبر وجد كنزاً كبيراً، كان إذا هب ضيف وأعطوه كسرة وهو ضيف ولا أحد يأخذ كسرة إلا الضيف ثم قسمها نصفين وأكل منها نصفاً والباقي وضعه في جيبه، ليذهب به لأطفاله، فإذا دخلوا نظروا إلى يديه، أمعه شيء؟ وكانوا إذا ذبحوا الذبيحة لا يضعونها على الصحن المفطح ويقولون: كُلْ كيف شئت، لا. الذبيحة الواحدة للقرية كلها، يمكن فيها مائة رجل، وتوضع الذبيحة في إناء مطبوخة ويوضع المرق وقليل من العيش والعصيد بجانبه ويقوم الكبار ليأكلوا، وكانوا يقدرون الطعام على قدر الموجودين، وعلى قدر أهل البيت والجيران، فإذا أكلوا لقمتين لقمتين قام الكبير، فقاموا كلهم، لماذا؟ حتى يقولون له: عاد فوق البطن لحية، أي أن الشخص يستحي أن يأكل ولا يدع للذي بعده، فيقومون قبل أن يشبعوا، وتأتي المجموعة الثانية يأكلون قليلاً ثم يقومون، وتأتي المجموعة الثالثة كذلك، فإذا أكملوا وبقي شيء لأهل البيت، وبقي شيء يوصل للجيران من المرق والعيش، أما اللحم فلا يأتي إلا وهم مجتمعون كلهم، وأتوا بالمقسم فيقطع اللحم بالشفرة، ثم يجمع قليلاً وينفخ يده ويقول: الزم بعضها -ليس فيها إلا عظم- فيقول الآخر: اسلم! وهكذا، والقسم لا يعلم صاحبه هو جميل أم قبيح، يأخذ الشخص قسمه ويأكله، ولكن لا يأكله كله، يأكل جزءاً بسيطاً، والباقي يضعه بين ثوبه وجلده ويذهب به لأهله، وإذا بقي معه قطعة من الشحم فهذه كرامة ما بعدها كرامة، الذي نسميها اليوم (زفر) أو زهومة، لكن في الماضي كانت عندهم مثل العطر، إذا قام في الصباح يقول: شم! ما هذا؟ قال: على كرامة البارحة أبشرك، على شحم ولحم. قال: الله يهنيك! وإذا بقي معه قطعة من هذا الشحم فإنه يحتفظ به ويضعه في شنطته لماذا؟ من أجل أن يكون دهاناً لأقدامه المتشققة من البرد والتعب والحفى والشوك والحجارة، لا يوجد أحذية ولا جوارب، ولا نوم إلى الساعة الثامنة، ثم تغسل بالمغسلة بالماء الحار وتلبس الحذاء وتذهب لتداوم على طاولة وكرسي دوار وتركب سيارة، بل تقوم قبل نصف الليل تشد على الثور وتذهب إلى البئر لتعمل، وتذهب لجمع الحطب، وتكد وتكدح والذي لا يكد فإنه يموت، لا يقعد شخص في البيت أبداً، كل شخص في البيت له وظيفة، من الطفل الصغير إلى الرجل الكبير، والمرأة تذهب لتحتطب وتستقي، والبنت تذهب لترعى، والصغير يقعد مع البهائم، كل شخص لديه عمل، والذي ليس معه عمل يطردونه يقولون: اذهب! لي فيك خير، فقط تأكل وتنام بعده، فكلٍ يقوم بدور. ما كنا نتصور ولا كنا نصدق أن أحداً يعطى رغيفاً ويقول: لا أريده، الآن يأتيك فقير فتفتح له الباب وتقول: هذا قرص، وهذا أرز، وهذا لحم، وهذا إدام، فيقول: شكراً أريد أموالاً، فهو تاجر يريد رصيداً، لا يريد أكلاً، تقول: أعطيك أرزاً يقول: لا. أعطني عشرة ريالات أو خمسة ريالات، ومستقبلاً ومن علامات الساعة أن يفيض المال حتى تعطيه منه فيقول: شكراً. وهذا قد وقع -أيها الإخوة! - ولكنه ربما يتكرر، فقد ذكروا في التاريخ أنه في زمن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كانت الزكاة تخرج ولا يوجد من يقبلها، وكان يقول: [اجعلوا هذا حيث ترون من الفقراء، فما يبرح حتى يرجع بماله] يبحث عمن يأخذ فلا يجد، فيرجع بالزكاة لا يجد لها أحداً يأخذها، وهذا سيكون في هذا الزمان أو في الأزمنة المقبلة والله تعالى أعلم.

الأسئلة

الأسئلة .

شروط التوبة الصحيحة

شروط التوبة الصحيحة Q ناس يعملون الربا والزنا ويأخذون الرشوة ويقولون: نستغفر الله؟ A إذا كانوا صادقين في الاستغفار وتابوا إلى الله، فإن الله غفور رحيم يغفر الذنب العظيم مهما كان، ولو كان رباً أو زناً أو رشوة، إذا تاب الإنسان واستغفر الله ورجع إلى الله فإن الله غفور رحيم. أما إذا كانوا يستغفرون الله بألسنتهم وهم مقيمون على هذه الذنوب فهؤلاء يستهزئون بالله؛ لأنه ورد في الحديث: (التائب من الذنب والعائد إليه كالمستهزئ بربه) فالاستغفار والتوبة تقتضي من العبد خمسة شروط حتى تكون مقبولة: الأول: الإقلاع. الثاني: الندم. الثالث: العزم على عدم العودة. الرابع: إذا كان الذنب في حق آدمي التحلل منه. الخامس: أن تكون التوبة قبل الموت. فإذا انتقض شرط واحد من هذه لم تقبل التوبة.

حكم السب واللعن ومجالسة أهله

حكم السب واللعن ومجالسة أهله Q في بعض المجالس يكثر السب واللعن للوالدين، ولعن الشخص لأخيه، بل إن بعضهم إذا دخل على المجلس لا يسلم على أخيه ولكن يقول: لعنة الله عليكم أين كنتم! فماذا نقول لهؤلاء؟ وإذا كان الجلوس مع هؤلاء لظروف العمل فماذا أصنع؟ وهل أجلس معهم، وهل عليَّ إثم، وهل تلحق اللعنة بي وأنا مؤمن بالله، وإذا نصحت هؤلاء لا يستجيبون لي فما العمل؟ A السب واللعن والشتم من علامات الفسق؛ لأن المؤمن ليس باللعان ولا بالطعان ولا بالفاحش ولا بالبذيء، ليست هذه من أخلاق أهل الإيمان، أخلاق أهل الإيمان الطهر والصفاء، والعفاف والنقاء، والصدق والوفاء، ليس عندهم هذا الكلام الساقط، يقال: إن عيسى عليه السلام مر ومعه بعض حواريه على جيفة، فكل شخص وصفها، فشخص قال: ما أنتن رائحتها، وشخص قال: ما أقذر شكلها، وعندما أتى إليها هو قال: ما أحسن بياض أسنانها، قالوا له: ماذا بك؟ قال: لا أريد أن يعتاد لساني البذاءة فبحث عن أحسن شيء في هذه الجيفة وهو بياض الأسنان، قال: لا أريد أن أعود لساني البذاءة في القول. فالذي يسب ويشتم ويلعن -والعياذ بالله- يدلل على أنه ليس من أهل الإيمان، وأنه من أهل الفسق، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن باللعان ولا بالطعان ولا بالفاحش ولا بالبذيء) والحديث الآخر: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر، ولعن المؤمن كقتله). فلا ينبغي لك -أيها المسلم- أن يكون لسانك سباباً ولا شتاماً؛ بل عليك أن تكون ذاكراً لله، تالياً لكتاب الله، وقافاً عند أوامر الله عز وجل. وهؤلاء الذين تضطرك ظروف العمل لأن تجلس معهم عليك أن تنصحهم، وأن تحاول أن تصحح وضعهم، فإن استطعت فذاك -والحمد لله- وإن أبوا واستطعت أن تنتقل من هذا العمل فالحمد لله، وإن لم تستطع فاجلس ولكن في عزلة تامة عنهم (عزلة شعورية) وبعد ذلك لا يضرك من هذا شيء إن شاء الله، لأنك مكره على الجلوس معهم.

حكم الغناء في الإسلام

حكم الغناء في الإسلام Q ما حكم الغناء في الإسلام؟ وهل هو حرام أم حلال؟ A الغناء معروف حكمه في الشرع وهو الحرمة، والأدلة فيه كثيرة من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمقام لا يتسع لذكرها، وقد وعدت في أبها أن نخصص ندوة كاملة للحديث عن الغناء وحكمه في الإسلام، ولكني أنصح الإخوة المستعجلين بشريط موجود في الأسواق اسمه حكم الإسلام في الغناء للدكتور الشيخ عبد الرحيم الطحان، وهذا من سمعه -فإنه- يستأصل الأغاني من قلبه بإذن الله إذا كان فيه خير.

حكم إدراك الركوع والإمام راكع

حكم إدراك الركوع والإمام راكع Q ورد حديث: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) وفي بعض الأوقات ندرك الإمام وهو في الركوع ولا يمكننا قراءة الفاتحة، فهل تحسب الركعة أم نأتي بركعة ثانية؟ A هذا موضع خلاف بين أهل العلم، فالأئمة الأربعة، وجماهير العلماء يرون أن من أدرك الركوع مع الإمام قبل أن يرفع فقد أدرك الركعة، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم في سنن أبي داود: (من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة) ولحديث أبي بكرة في صحيح البخاري وصحيح مسلم حينما دخل وكبر والرسول صلى الله عليه وسلم راكع فركع خلف الصف ثم دخل وسأله قال: (من هذا؟ فأخبره قال: زادك الله حرصاً ولا تَعُدْ) وقيل: (ولا تُعِدُ) وقيل: (ولا تَعدْ). أما حديث: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) فهو في صحيح البخاري وصحيح مسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه وهو ما استدل به أهل الحديث يتزعمهم البخاري رحمه الله وهو يرى أنه لا بد من قراءة الفاتحة في كل ركعة، وأن من أدرك الركوع ولم يقرأ الفاتحة لا تحسب له ركعة، وهذا رأيه، أما رأي جماهير أهل العلم والأئمة الأربعة أنها تحسب ركعة للدليل، وأجابوا على هذا الحديث فقالوا: هو حديث صحيح ولكنه عام، وأما حديث: (من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة) فهو حديث خاص، والحديث الخاص مقدم على العام؛ لأنه في عين القضية.

حكم تحية المسجد وقت النهي

حكم تحية المسجد وقت النهي Q الذي يدخل المسجد في وقت النهي هل يحق له أن يصلي تحية المسجد؟ A أيضاً هذه مسألة خلافية بين أهل العلم، هل إذا دخل الإنسان المسجد في وقت النهي فهل يجلس أو يصلي؟ ورد في ذلك حديثان متعارضان: الحديث الأول: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) هذا حديث النهي عن الجلوس إلا بعد صلاة ركعتين. والحديث الآخر: حديث النهي عن الصلاة في هذه الأوقات، والجمع بينهما أن يقال كما قال الإمام الشافعي وبعض أهل العلم: إنها تصلى؛ لأنها ذات سبب، إذ أن النهي إنما هو عن النافلة المطلقة التي لا سبب لها، أما تحية المسجد فهي نافلة لها سببها وليست نفلاً مطلقاً، وسببها دخول المسجد، وما دام أنه جاءنا أمر أن لا نجلس حتى نصلي ركعتين فلنصل ركعتين ولنجلس، ومن دخل المسجد ولم يصل ركعتين وجلس فلا شيء عليه، فقد قال بعض أهل العلم بأنه يجلس ولا يصلي ركعتين، فالأمر فيه سعة، من صلى فله سلف، ومن جلس فله سلف ولا ينكر عليه، ولكن من وقف، لأن بعض الناس يدخل ويظل واقفاً فلا هو صلى ولا هو جلس، يعني لا أتى بحديث هذا ولا بحديث هذا، فأنا أقول: إذا دخلت فصل أو اجلس، أما أن تظل واقفاً فلا نعلم من أين أتيت بهذا.

واجب الزوج تجاه زوجته وتربيتها على ترك الحرام

واجب الزوج تجاه زوجته وتربيتها على ترك الحرام Q أنا شاب متزوج وزوجتي تسمع الأغاني، وقد نصحتها بعدم السماع وحدثتها ولكنها لا تستمع إلى الأحاديث، وتقول: إنها تحب سماع الأغاني ولا تحب أن تسمع الأحاديث! فماذا تنصحني؟ A أولاً: يا أخي الكريم: أنت أسأت الاختيار لهذه الزوجة ووقعت مع امرأة لا تحب الأحاديث بل تحب الأغاني، هذه لا تحب الله ورسوله ولا الدار الآخرة، فكيف تتزوج بمن لا تحب الله ورسوله ولا الدار الآخرة، هذه مصيبة. إن كنت تزوجت بها وكنت تسمع إلى الغناء مثلها، فمثلما أصلحت نفسك يلزمك أن تصلحها بالرضا أو بالقوة؛ لأن المرأة هذه بيدك وأنت الرجل: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:34] والله عز وجل أمرك بأن تقيها النار، قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6] فزوجتك إذا لم تستجب بالتي هي أحسن فإنها تستجيب بالغصب، أما إذا كنت مهتدياً وملتزماً وتزوجتها وأنت تعرف أنها لا تحب الله ولا رسوله وأنها لا تحب إلا الأغاني فأنت أخطأت. وقد يقول قائل من الشباب الملتزم: من أين لي بامرأة ملتزمة؟ نقول لك: ابحث فإن وجدت المرأة الصالحة فالحمد لله، وإن لم تجد فاشرط عليها، قل: حياتي كلها خاضعة للكتاب والسنة، لا أرتكب معصية ولا أقع في ذنب، فإذا أعلنت عن الرضا فالمؤمنون على شروطهم وستسير معك، وإذا قالت: لا والله لا أريد، قل: وأنا لا أريدك، إذا كنت لا تريديني، فأنا لا أريدكِ؛ لأن الحب في الله مقدم على الحب في الجنس، فإذا كانت فاسقة فكيف أحبها، وكيف أجلس معها وهي تحب الأغاني. ثم إن المرأة التي تحب الأغاني ما معنى كلامها؟ كأنها تقول: لا أريد صوتك، أريد صوت المطرب الفلاني الذي صوته كأنه مزمار، فهل ترضى لزوجتك أن تحب صوت مغن؟ ما رأيك لو دخلت البيت ورأيت معها رجل يغني لها وهي تستمع وتهز رأسها، أترضى؟! وما الفرق أنها تسمع أو ترى. فلا ترض -يا أخي- لزوجتك أن تسمع الأغاني، ونقول لهذه الزوجة المسكينة: اتقي الله أيتها المؤمنة! وتوبي إلى الله، وما دام أن زوجك صالحاً يدعوك إلى الله ويأمرك بطاعة الله، وينهاك عن معصية الله فاستجيبي له ولا تخالفي أمره، فإن أمره مطاع ما دام يأمر بطاعة الله عز وجل، وأنتِ في الأصل مأمورة بأن تطيعي الله ولا تعصيه ولا تستمعي إلى الأغاني لأنها من الأشياء التي حرمها الله عز وجل.

وقت وجوب الحجاب الشرعي على البنت

وقت وجوب الحجاب الشرعي على البنت Q متى يجب على البنت الحجاب الشرعي؟ A يجب الحجاب الشرعي وجوباً عند البلوغ، ولكنها تُدرب عليه عند التمييز، يعني بعدما تبدأ بسبع سنوات تبدأ تدرب بالأمر فقط، وعندما تبلغ عشر سنوات تدرب بالضرب، فلا يبلغ عمرها أربع عشرة سنة أو خمس عشرة سنة إلا وهي متدربة قد ألفت العباءة وألفت الحجاب، فبعضهم يدعها بدون حجاب وقد أصبح عمرها اثنتي عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة، تخرج وشعرها مكشوف، ووجهها ظاهر، لماذا؟ قال: إنها صغيرة، قلنا الصغيرة ستكبر، عوّدها من الآن على أن تتحجب وأن تتستر وألا تكون وقحة، وألا تكون جريئة على مجالسة الرجال.

حكم الكلام والإمام يخطب

حكم الكلام والإمام يخطب Q جلست يوم الجمعة بجانب رجلٍ وأخذ يقول لي: اجلس جيداً، وأنا لا أكلمه؛ فهل صلاته تبطل، وآخر دخل أحد الإخوان وأخذ يصلي فقال له الإمام: اجلس. A أما هذا الذي أمرك أن تجلس جيداً فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له، فصلاته لا تبطل لكن ليس له أجر الجمعة: (من قال اسكت والإمام يخطب فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له، ومن مس الحصى فقد لغا) والإسلام يركز ويؤكد على المصلين ضرورة الإصغاء والانتباه للخطبة؛ لأن الخطبة درس ووجبة أسبوعية كاملة، يتزود بها المسلم من الجمعة إلى الجمعة، لكن أن ينام أو يتكلم، أو يسهو أو يفكر في الدنيا ولا يعلم ماذا يقول الخطيب؛ فلا. عليك أن تنصت وتصغي وتركز وتتابع؛ بحيث لو خرج الإمام من الصلاة وسئلت أنت عن الخطبة لأجبت عنها كاملة، كأنك حفظتها. أما الذي دخل فصلى ومنعه الإمام فإن الإمام ما أصاب، إذا دخل الإنسان المسجد فينبغي له أن يصلي، وإذا جلس ولم يصل فإنه يطلب من الإمام أن يأمره بالصلاة؛ كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجل الذي جلس فقال له: (قم فصل ركعتين).

حكم الوضوء عند معاودة الجماع

حكم الوضوء عند معاودة الجماع Q إذا جامع الرجل زوجته وأراد أن يعود إلى الجماع مرة أخرى؛ فهل يجب عليه الغسل بينهما أم الوضوء؟ A لا يجب عليه الغسل ولا الوضوء، ولكن يستحب له الوضوء من باب الاستحباب لا من باب الإيجاب.

حكم قضاء السنة القبلية بعد الصلاة

حكم قضاء السنة القبلية بعد الصلاة Q هل يجوز أن أصلي السُنةَ التي قبل الصلاة بعدها؛ لأني لم أجد وقتا لأصليها؟ A نعم السنن الراتبة تقضى، فمثلاً صلاة الظهر قبلها أربع ركعات إذا أتيت والإمام يصلي فصلها بعد ذلك.

حكم الاستعانة بالجن ونماذج من ألفاظ العوام الشركية

حكم الاستعانة بالجن ونماذج من ألفاظ العوام الشركية Q ما حكم الاستعانة بالجن، كقولهم خذوه، وكش، وبقعى، وسبعة، وخذيه يا الطير؟ A هذه الكلمات كلها شركية، وقد سألت أنا بنفسي سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وقلت: عندنا بعض العوام يقولون هذه الكلمات ولا يعلمون أنها شرك، قال: يبين لهم أنها شرك، فإن تابوا تاب الله عليهم، وإن استمروا بعد العلم فهم مشركون لا تؤكل ذبائحهم، ولا تقبل صلاتهم؛ لأنهم يدعون غير الله، والدعاء هو العبادة {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ * وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن:17 - 18]. السبعة لا يضرون ولا ينفعون، ولا يضر ولا ينفع إلا الله الذي لا إله إلا هو، السماوات سبع، والأرضون سبع، وأيام الأسبوع سبع، والطواف حول الكعبة سبع، والسعي بين الصفا والمروة سبع، والأعضاء السبعة، لا يوجد سبعة من الجن فقط، إنما عليك ألا تدعو غير الله، أما إذا قلت (سبعة) أو (كش) أو (بقعى) أو (خذوه) أو (أهل الرمادة) أو (أهل الحماقة) أو (اختطفوه) أو (مصوا دمه) كل هذا شرك؛ لأنك دعوت الجن، ومن دعا غير الله فقد أشرك بالله، وهذا موجود عند النساء إلا من عصم الله، ولذا إذا ذهبت هذه الليلة إلى أهلك فأحضر زوجتك وأحضر أولادك ونبه عليهم، فهذا أعظم من الزنا، ومن الخمر، ومن الربا، أعظم من كل الذنوب؛ لأن من أشرك بالله ومات على هذا فإن الله لا يقبل منه صرفاً ولا عدلا، والله يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} [النساء:48] ويقول: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:72] {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:31]. كذلك الذي يقول (والنبي) (وشرفي) (وبالحرام) كل هذه أيمان لا تجوز وهي من الشرك -والعياذ بالله- فالذي يقول: و (شرفي) و (مخوتك) و (صداقتك) و (العيش والملح الذي بيني وبينك) و (النبي) بعض الناس يقسم بالنبي ويتصور أنها مسألة سهلة، وإذا نصحته، قال: هذه لهجة، حسناً والشرك لهجة، ولا إله إلا الله التي يدخل فيها الدين لهجة، وطلاق زوجتك عندما تقول أنتِ طالق لهجة، والبنت الذي يزوجها أبوها بك يقول: زوجتك ابنتي كل هذه لهجة، تقول والنبي! هذا شرك وإنما هو رسول الله وهو عبد الله وليس إلهاً مع الله نعبده، وإنما نؤمن به ونتبعه ولا نعبده أو نقسم به أو بأحد غير الله، فلا يجوز قول: (فلا والنبي) ولا غيرها، وأيضاً الرجل يقول (مثل أمي) والمرأة تقول (مثل أبي) ومثل (رءوس عيالي)، هذا كله -والعياذ بالله- من الشرك.

حكم الظهار

حكم الظهار Q ما حكم حلف الإنسان بالأقسام التالية: أنتِ عليَّ حرام كما تحرم عليَّ أمي، أو يقول: مثل أمي. A أما إذا قال الرجل أنت عليَّ حرام كأمي فهذا ظهار، والظهار سماه الله منكراً من القول وزوراً، والذي ظاهر من زوجته خولة بنت حكيم، وكان الطلاق لم يشرع بعد، وما كان أحد يعرف الطلاق، فالله عز وجل شرع الطلاق بعد هذه القضية، كان الرجل إذا أراد أن يطلق امرأته قال: أنتِ عليَّ مثل أمي، أو كظهر أمي، أو كبطن أمي، فظاهر منها فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشتكي قالت: يا رسول الله! لي أولاد كثير، إن تركتهم معه ضاعوا، وإن تركتهم عندي جاعوا، وسمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، تقول عائشة رضي الله عنها: ما أعظم سمع الله، تقول: والله لقد كانت خوله بنت حكيم تحدث الرسول في جانب الغرفة وأنا في جانبها الآخر والله ما سمعتها، ولكن الله يقول: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:1]. ثم بين الله الحكم وقال: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [المجادلة:2] ثم بين الله الكفارة وهي: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المجادلة:3 - 4] الذي يقول هذا فعليه صوم شهرين متتابعين، ولا ينتقل إلى الإطعام إلا إذا عجز عن الصيام، والعجز عن الصيام يعني عن صيام رمضان؛ لأن بعض الناس يقول: لا أستطيع أن أصوم وهو يصوم رمضان، فالمقصود أن الذي يعفى عنه هو الذي يعجز عن صوم رمضان.

كشف المرأة وجهها عند زوج أختها

كشف المرأة وجهها عند زوج أختها Q مشكلتي أن أزواج أخوات زوجتي -أي عدلاه- يدخلون بيت أبي وتكشف عليهم زوجتي وتجلس معهم، وقد كلمتها وكلمت أهلها ولكنها تغضب ويغضبون؟ A تغضب زوجتك عندما تقول لها تحجبي؟! أين رجولتك، فهل هي الرجل؟ لا. أنت الرجل، فعليها أن تتحجب غصباً عنها، وإذا ما تحجبت فلا تبق معك، إما حجاب وإلا الباب، عش عزباً إلى يوم القيامة وتدخل -إن شاء الله- الجنة ويزوجك ربك باثنتين وسبعين حورية بدل هذه التي ترفض الحجاب، أما أن تسكت وتعيش معك وهي متبرجة وتكشف وجهها بين الرجال فأنت ساقط جبان؛ لأنك لم تلزمها بأمر الله؛ ولأنك عبد شهوتك، ولم تكن عبد مولاك وخالقك، ويوم القيامة تسحبك بلحيتك إلى جهنم، وتقول: هذا الظالم يا ربِّ أنصفني منه، كان يأمرني بكل شيء ولا يأمرني بطاعتك، فيا أخي المسلم! مُرها بالقوة. وبالنسبة لأهلها فقل لهم: هذا الأمر يخصني؛ لأن حجاب زوجتي من خصوصياتي، أنا الذي أتحكم في هذه الموضوعات وفق أمر الله، والله أمر أن أحجبها من هؤلاء، ولا بد من الحجاب، إذا قالوا: لا، أو غضبوا، فقل: بضاعتكم ردت إليكم، كن ذئباً وارفضها، وبعد أيام يجعل الله لك عليها نصراً، ستدعوك هي ويدعوك أبوها ويقول: تعال تعال، إنما أردنا أن نفعل عليك حيلة.

حكم خلوة المرأة بالأجنبي ولو كان عفيفا

حكم خلوة المرأة بالأجنبي ولو كان عفيفاً Q زوج أختي يدخل بيتي عندما أكون موجوداً أو غير موجود، وكذلك يقوم بإيصال زوجتي إلى أهلها ويرجعها إلى بيتي بالسيارة بدون أن يكون معهم أحد، وقلت لها وللأهل: هذا حرام، فقالوا كلهم: ليس في ذلك بأس وأنت رجل كثير الشك؟ A يقول: إنه قال لأهلها: إن هذا حرام، ثم يرضى أن تركب مع زوج أخته وأن تذهب معه، وأن يدخل عليها في البيت، وأنت رجال شكوكي، الله أكبر يا إخواني! أين الغيرة، أين الشهامة، نحن لا نقول: إن زوجتك فيها بأس، ولا نتهم زوج أختك بأن فيه بأساً، وليس بالضرورة أن يكون فيهم بأس؛ لكن الحجاب أمر الله، ما دام أن الله أمر بالحجاب فلا بد أن نطيع الله، فقد تكون زوجتك عفيفة وطاهرة -إن شاء الله- وقد يكون هذا الرجل عفيفاً لكن يلزمهم مع العفة والطهارة الانصياع والإذعان لأمر الله، أما أن يتكلوا على أن قلوبهم طاهرة فيدل هذا على أن قلوبهم ليست طاهرة، إذ لو طهرت قلوبهم لاستجابوا لأمر ربهم؛ لأن الله يخاطب المؤمنين يقول: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:53].

حكم السفر إلى بلاد الكفار

حكم السفر إلى بلاد الكفار Q من يذهب إلى بلاد الكفر للنزهة والاستجمام بدون علم والده ولا رضاه، هل يجوز طرده وهجره؟ A أولاً: السفر إلى ديار الكفر على أربعة أقسام: قسم واجب، وقسم مستحب، وقسم مباح، وقسم محرم. فالقسم الواجب: سفر لجهاد، وسفر الدعوة (يسافر يجاهد في سبيل الله، أو يدعو إلى الله). القسم المستحب: إذا كان السفر لديار الكفر من أجل دراسة علم نافع لا يوجد في ديار المسلمين، وهذا العلم سيعود بالنفع على المسلمين، بشرط أن يكون آمناً على نفسه، قادراً على إظهار شعائر دينه. القسم المباح: وهو سفر العلاج وسفر التجارة، من يسافر يعالج أهله في الخارج، أو تجارة بشرط أن يكون آمناً على نفسه من الفتنة، قادراً على إظهار شعائر دينه. القسم المحرم: هو سفر التمشية والنزهة والاستجمام، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا بريء ممن بات بين ظهراني المشركين) وأيضاً: (لا يتراءى نار المسلم مع نار الكافر) وديار الكفر فيها من البلاء والمصائب ما لا يعلمها إلا الله، وقد حمانا الله بأن عشنا في ديار الإسلام، فلماذا يذهب الإنسان ويمتع بصره بما حرم الله؟ ذنوبٌ ومعاص صانك الله منها فلماذا تذهب لتلطخ نفسك بها؟ وبعضهم يقول: أستجم، وأتمشى، ما الذي تتمشى عليه إنما ترى وجوه الكفار! ترى الخمور! وترى الكلاب والزنا! وترى القردة والخنازير! إذا أردت الاستجمام فاذهب إلى ديار المسلمين بشرط أن تكون آمناً على نفسك من الفتنة قادراً على إظهار شعائر دينك. ولا يحتاج الأمر بذهاب النزهة إلى رضا الوالد حتى ولو رضي الوالد وأذن لك، فإن رضاه غير معتبر، ورضا الله قبل ذلك، إذا رضي أبوك أن تذهب إلى الخارج من أجل أن تستجم، فقد ارتكبت محرماً وارتكب الوالد أيضاً محرماً؛ لأن الراضي كالفاعل.

حكم الذهاب للجهاد بغير إذن الوالدين

حكم الذهاب للجهاد بغير إذن الوالدين السؤال ما حكم الذي يذهب إلى الجهاد، هل يشترط إذن الوالدين؟ A نعم. لا يصح أن يذهب الرجل إلى الجهاد إلا بإذن الوالدين؛ لأن حقهما مقدمٌ على حق غيرهما، والله يقول: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء:23] {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [النساء:36]. فحقوق الوالدين مقدمة على كل حقٍ بعد حق الله عز وجل، فلا بد من استئذان الوالدين.

حكم الصلاة في البيت وترك الجماعة بسبب المشاحنة

حكم الصلاة في البيت وترك الجماعة بسبب المشاحنة Q عمري ستون سنة، وأنا في قرية صغيرة، ويوجد فيها مسجد صغير وأريد أن أصلي مع الجماعة، ولكن حدث بيني وبينهم مشاحنة، والآن أصبحت لا أحب أن أصلي معهم؛ لأنهم يحبون أن يتكلموا في الناس وهم لا يحبونني، وأصبحت أصلي في بيتي كل الفروض، وهذا منذ أكثر من عشر سنوات، وأصبحت لا أستطيع أن أذهب إليهم بعد هذه المدة، أما صلاة الجمعة فأصليها والحمد لله ولا تفوتني، فهل أنا محاسب لو مت؟ A أنت محاسب إذا مت بعدم صلاتك مع الجماعة، إذا كان بينك وبين الناس مشاكل لماذا تطورها إلى أن تقطع بيت الله؟ ما ذنب المسجد، هل بينك وبين المسجد مشاكل؟! هل بينك وبين الله مشكلة؟ فلا يجوز أن تقطع بيت الله عز وجل عن صلاتك فيه. أما قولك يتكلمون في الناس فانصحهم ولا تتكلم معهم، ولا تحبهم، فليس شرطاً أن تحبهم ويحبوك، صلِ في بيت الله صلاتك واذهب إلى بيتك، أما أن ترتب على غضبك معهم أمراً آخر وهو ترك الجماعة فهذه مصيبة، فعليك أن تتوب إلى الله قبل الموت وتستغفر الله عز وجل عما حصل منك من تقصير.

حكم من لا يعرف اتجاه القبلة

حكم من لا يعرف اتجاه القبلة Q أنا في دار لا أعرف اتجاه القبلة، وكان ذلك الوقت وقت صلاة المغرب، فصليت على ما غلب ظني أنها قبلة، وعندما كنت في التشهد الأول مر بي صاحب سيارة وقال: القبلة على اليسار يا رجل، فقطعت صلاتي وأقمت من جديد وصليت فهل يجوز لي ذلك، أم أستدير إلى القبلة ويكفي هذا؟ A نعم. إذا اجتهدت واتجهت إلى القبلة ثم جاءك رجلٌ وأنت في الصلاة وقال: اتجه يميناً أو شمالاً، فاستدر يميناً أو شمالاً والصلاة صحيحة، ولا يطلب منك الإعادة، وإذا صليتها ثم سلمت منها واتضح لك أنك على غير القبلة فلا يلزمك إعادة؛ لأنك صليتها بناءً على اجتهادك والله لا يكلف نفساً إلا وسعها.

حكم التوكيل في إمامة المسجد

حكم التوكيل في إمامة المسجد Q هل يجوز التوكيل في أي حال من الأحوال، والسائل إمام مسجد؟ A نعم، إذا كان الإمام له عمل يذهب فيه، وهذا العمل نادر لا يمكث فيه طويلاً؛ لأنه لا يخلو رجل من عمل، فلا بد أن يذهب الإنسان إلى وليمة، أو يذهب في سفر، أو يذهب للعمرة، أو يذهب في مراجعة، وهو إمام أو مؤذن؛ فينبغي له أن يوكل ولا يدع المسجد بغير وكيل.

حكم التوسل بالرسل والصالحين والقرآن

حكم التوسل بالرسل والصالحين والقرآن Q هل يجوز التوسل بالرسل أو الصالحين أو بالقرآن؟ A لا يجوز التوسل إلا بالعمل، ولا تتوسل بالناس، بل توسل بعملك، كما في حديث الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار -والحديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم - فتوسلوا بصالح أعمالهم، ولهذا جاء في الحديث القدسي: (وما تقرب إليَّ عبدي بعملٍ أحب إلي ممن افترضته عليه) فتتوسل بعملك وجهدك لا بجهد غيرك.

حكم تعليم الإسلام للمرأة الأجنبية من قبل الرجل

حكم تعليم الإسلام للمرأة الأجنبية من قبل الرجل Q عند أقاربي خادمة نصرانية تريد أن تسلم، هل يجوز لي أن أعلمها الإسلام؟ A تعلمها بشرط عدم الخلوة، وإذا وجدت إمكانية لتعليمها عن طريق النساء فهو أفضل، فإذا لم تجد وأردت أن تبلغها فلا تخل بها، بل تبين لها أحكام الشرع وهي محجبة ولا تنظر إليها، ولا تفتتن بها، ثم إنه أخطأ الذي أتى بخادمة نصرانية؛ لأنه لا يجوز أن يستقدم عاملاً نصرانياً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمر فيه بإخراج الكفار من جزيرة العرب.

حكم الدخان

حكم الدخان Q الدخان والأغاني، ما حكمها؟ A أما الأغاني فقد أجبنا، وأما الدخان فحكمه حرام، وأدلة تحريمه كثيرة جداً، أذكر منها سبعة على سبيل الإيجاز: أولاً: أنه خبيث والله قد قال في القرآن الكريم: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [لأعراف:157] والعقول كلها مجمعة على أن الدخان خبيث، لا يوجد أحد يقول: إن الدخان طيب، حتى الحيوانات لا تأكله، في اليمن يضعون التبغ وهو أخضر في فم الحمار فيرفض أن يذوقه وهو أخضر، وأنت تشربه وهو يابس، لا حول ولا قوة إلا بالله! فهو خبيث، وما دام أنه خبيث فماذا يصير حكمه؟ الحرمة؛ لأن الله قال: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] والله يقول: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة:5] ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:172] والله طيب لا يقبل إلا طيباً، فإذا أكلت خبيثاً صرت خبيثاً، وبعضهم يقول: إنه مكروه، إذاً أنت مكروه، فتأكل المكروه يا مكروه، هل أحد يريد أن يصير مكروهاً؟! لا. ثانياً: أنه إسراف وتبذير، فالذي يحرق ريالاً أو أربعة ريال في (باكت) فهذا مجنون، ولو أحرقنا الآن عشرة ريال أمامكم ماذا تحكمون عليَّ؟ تحكمون عليّ بالجنون، فكيف بمن يحرق ريالاً ويحرق جوفه، إنه مجنونان وليس مجنوناً واحداً. الثالث: أنه مفتر ومسكر، والدليل على ذلك أن شارب الدخان في رمضان إذا أفطر وشرب واحدة تبنج وتخدر ولم يستطع أن يقوم، أما الآن فلا يتبنج؛ لأنه مدمن دخان، أصبح مزاجه كله دخاناً، مثل مدمن الخمر لا يسكره الخمر لإدمانه عليه. الرابع: أنه مضر بالصحة، والله قد حرم علينا كل مضر، قال: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء:29] والآن ترون (الباكت) مكتوباً عليه التدخين يضر بصحتك فلا تدخن، أليس كذلك؟ والناس يقرءون الكلام ويدخنون، لو أن شخصاً اشترى بسكويتاً وهو فاسد ولا يصلح للأكل هل تستطيع أن تأكله وهو بسكويت حلال؟ ولو اشترى شخص علبة (منجا) مكتوب فيها: هذه (المنجا) متسممة تضرك، هل سيشربها وهي طيبة؟ أعوذ بالله من عمى القلوب يا إخواني، الدخان مكتوب عليه تحذير رسمي، التدخين يضر بصحتك فلا تدخن، والشخص يشتري بأربعة ريال ويشعلها ويدخن. الخامس: أنه لا يذكر الله عليه، ليس هناك أحد يسمي ويقول: باسم الله على الدخان، والله يقول: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام:121]. السادس: أنه لا يحمد الله عند خاتمته، فلا يوجد شخص إذا انتهى من الدخان قال: الحمد لله الذي أطعمني وسقاني، على ماذا تحمد الله، على النار والعياذ بالله لو تكلمت بها يضحك الناس عليك. السابع: أنه يعلِّم صاحبه خصلة من خصال الحيوانات، وهي أن الإنسان إذا أكل طعاماً وبقي منه شيء رفعه، أما الحيوان إذا أكل طعاماً وبقي منه شيء داسه، وشارب الدخان إذا انتهى من (السيجارة) وضعها تحت قدمه وفحسها. والمصيبة الأخرى أن يكون المدخن شيبة، وهذه من أعظم المصائب؛ أن ترى شخصاً في رأسه شيب وما زال يدخن -أعوذ بالله- أنت الآن تتجهز إلى الآخرة وما زلت تشرب الدخان! تلقى الله عز وجل وأنت مدخن وفمك مثل (البيارة) فم شارب الدخان (والشيشة) والذي يمضغ القات فمه -والعياذ بالله- مثل الجيفة، إذا اقتربت منه فإنك تشم رائحة كريهة جداً؛ لأن رئته ملتهبة، وبلعومه كله مملوء (بالنيكوتين) وأسنانه مسوسة ومسودة، وشفته محرقة، وانظر في (شكمان) السيارة تجده أسود وهذا فمه وحلقه مثل (شكمان) السيارة، انظر في المطبخ وانظر في البيت، المطبخ أسود والبيت منور، فقلب المؤمن الذي لا يدخن منور، وقلب ذلك المدخن وصدره مثل المطبخ أو مثل (الشيشة) والعياذ بالله.

التوبة النصوح والاستمرار على الطاعة

التوبة النصوح والاستمرار على الطاعة Q أنا شاب أذنبت ذنوباً لا يعلمها إلا الله، ولكني تبت وأسأل الله أن يتقبل توبتي، وأنا الآن أصلي الفروض والنوافل وأقوم جزءاً من الليل -والحمد لله- وأصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وأتصدق بقدر ما أستطيع، فهل تنصحني بإضافة أعمال أخرى إلى ذلك، وهل يجوز قراءة القرآن نظراً في صلاة الليل، وأحياناً أتقدم بالناس وأحس في نفسي بالخوف؟ A أولاً: أسأل الله أن يتوب عليك -يا أخي- وأن يثبتنا وإياك على الإيمان، أما ما تقوم به الآن من عمل فهو عمل جليل أسأل الله أن يزيدك خيراً وهداية وتوفيقاً، والمنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، فلا تزد إلا إذا قدرت على هذه واستمريت، وكثر الله خيرك، أما قراءة القرآن في الليل نظراً من المصحف فلا بأس بها؛ لأن عائشة كان لها إمام يصلي بها التراويح نظراً. وأما كونك تتقدم بالناس وتحس بالخجل؛ فهذا شيء طبيعي أن تحس بالخجل، ولكن بالتعود والاستمرار سوف يذهب عنك هذا الخجل، وسوف تكون قادراً على مواجهة الناس من غير خجل بإذن الله.

علامة قبول التوبة عدم العودة إلى الذنب

علامة قبول التوبة عدم العودة إلى الذنب Q شاب له علاقة مع امرأة -والعياذ بالله- وقد عمل بها جريمة الزنا، فيتوب ويرجع، والآن هو تائب، فهل توبته الأخيرة مقبولة؟ وهل التوبات السابقة مقبولة؟ وهل يحاسب على ما فعله قبل التوبة الأخيرة؟ وهل هناك مكفرات لذنبه؟ A أما توبته الأخيرة إذا تاب بالشروط الخمسة المذكورة سابقاً فهي مقبولة -إن شاء الله- وتوبته السابقة ما دام رجع منها فهي غير مقبولة، إذ لو قبلت لاستمر، لكن دليل عدم قبولها أنه رجع وانتكس -والعياذ بالله- أما أنه يحاسب عليها فإذا تاب توبة صحيحة صادقة نصوحاً فلا يحاسب؛ لأن الله يغفر الذنب العظيم، ويقبل التوبة، ويعفو عن السيئة بشرط الصدق مع الله. أما هل هناك مكفرات فالمكفرات هي زيادة الحسنات؛ لأن الله يقول: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [هود:114 - 115]. وأسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يتوب علينا جمعياً، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله أعلم.

رسلا مبشرين ومنذرين

رسلاً مبشرين ومنذرين إن الله عز وجل قد خلق الإنسان لعبادته، ثم جعل له أدلة في طريقه لتدله على طريق الحق، وهي: الفطرة، والآيات الكونية، والعقل. وهذه كلها حجة على العبد باعتبارها دلته على طريق الحق، ثم لما لم تكن هذه الحجج قاطعة أرسل الله الرسل مبشرين ومنذرين، وأنزل معهم الآيات السمعية، وبها تكون الحجة قد اكتملت.

موقف النبي صلى الله عليه وسلم من تكذيب المكذبين

موقف النبي صلى الله عليه وسلم من تكذيب المكذبين الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الإخوة في الله! هذا الدرس يلقى بمدينة جدة في جامع الشعيبي، بعد مغرب يوم السبت الموافق (28 ربيع الآخر عام 1416) للهجرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وعنوانه: (تأملات قرآنية) وكما قلنا في أول درسٍ من هذه السلسلة: إن هذه التأملات ليست تفسيراً للآيات التي نتلوها، وإنما هي نظرات ووقفات وتأملات نسترشد فيها بهدي تلك الآيات، ونسير في الايحاءات القرآنية التي تهدف إليها تلك الآيات التي يتم اختيارها من بعض سور القرآن الكريم. وتأملاتنا هذه الليلة ستكون لآياتٍ من سورة النساء، هذه الآيات يقول الله عز وجل فيها: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً * وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً * رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً * لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} [النساء:163 - 166]. نزلت هذه الآيات على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يواجه موجةً عارمة من التكذيب، والرد، والرفض في كل الجبهات، وعلى كل الاتجاهات، فالكفار مغالطون ومعاندون، يجحدون هذه الرسالة ويأبون أن يصدقوا بها، رغم أن لديهم علم اليقين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صادق، ولهذا يقول الله تعالى له في سورة الأنعام: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ} أي: هم يعرفون أنك صادق {وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام:33] وقضية العناد هذه لا تملك لها علاجاً، قد يصر شخص على ألا يقبل منك ولا يصدقك ولو كنت صادقاً فكيف تتصرف معه؟ بل لم يكن عندهم شك في أن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق.

موقفه صلى الله عليه وسلم من تكذيب قريش له

موقفه صلى الله عليه وسلم من تكذيب قريش له عندما بعث الله الرسول صلى الله عليه وسلم بالكتب والرسل إلى ملوك أهل الأرض، بعث برسالة إلى هرقل -عظيم الروم- وقبل أن يقرأها كان عنده علم بصدقه صلى الله عليه وسلم، ويعرف أيضاً أنه زمن خروج نبي، فأراد أن يتثبت فقال: هل من جماعته أو عشيرته أو قرابته أو من العرب أحد في تلك الديار موجود عندنا؟ قالوا: نعم. فجاءوا بمجموعة من تجار العرب ومعهم أبو سفيان، فوضع أبو سفيان أمامه وصف البقية خلفه، وقال للذين معه: قفوا وراءه صفاً واحداً، وسوف أسأله أسئلة، فإذا كذب أشرتم إشارة تدل على أنه كذاب، يقول أبو سفيان: [والله لولا أنه يؤثر عني أني كذبت لكنت كذبت] لكن العربي لا يكذب حتى لو كان كافراً، فكيف يكذب وهو مسلم؟ ولقد أصبح اليوم المسلم لا يتمسك بعروبته ولا بإسلامه، فلقد أصبح أكذب شخص في الدنيا هو المسلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله! لكن العربي وهو كافر، يقول: خشيت أن ينقل أو يؤثر عني أني كذبت، فوقف أمامه وجعل يسأله الكثير من الأسئلة، والشاهد من هذه القصة: أنه سأله في النهاية: هل جربتم عليه كذباً؟ فقال: لا. فقال هرقل: ما كان ليدع الكذب على الناس، ثم يكذب على الله! الكذاب كذاب على الناس وعلى الله، والكذاب كذاب من يوم يولد وهو يكذب ويتعلم الكذب ولا يصل إلى الأربعين سنة إلا ومعه شهادة الكذب، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف الكذب في حياته، أي: ما كذب كذبة صغيرة ولا كبيرة، لا في جاهليته ولا قبل البعثة ولا بعدها، صلوات الله وسلامه عليه، ثم يكذب بعد أربعين سنة؟! لا. ما كان ليكذب صلى الله عليه وسلم، ولما نزل قول الله عز وجل: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] صعد على الصفا ودعا بني هاشم وبني عبد المطلب وقال: (إن الرائد لا يكذب أهله، والله لو كذبت الناس جميعاً ما كذبتكم) ثم قال: (أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً مصبحكم أو ممسيكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذباً قط -معروف أنك صادق، أو بعد أربعين سنة تكذب؟! - قال: فإني نذيرٌ لكم بين يدي عذابٍ شديد) قالوا: تباً لك، ألهذا جمعتنا؟! قالها أبو لهب، فأنزل الله فيه قرآناً يتلى إلى يوم القيامة: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1]. فلم يكن عندهم شك في صدقه صلى الله عليه وسلم، ولكنه العناد والإباء والرفض والاستكبار من هم؟ كفار مكة ومشركوها.

موقفه صلى الله عليه وسلم من تكذيب اليهود له

موقفه صلى الله عليه وسلم من تكذيب اليهود له أما الفئة الثانية: فئة اليهود: اليهود يعرفون أنه نبي، يقول الله عز وجل: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة:146] هل عندك شك في أولادك؟ أي: لو دخلت مجمعاً، أو مدرسة، أو ملعباً ورأيت ملايين الأولاد، هل تخطئ أولادك؟! والله إنك تعرف أولادك من بين ملايين الناس، كذلك اليهود يعرفون سماته وصفاته وعلاماته الموضحة في كتبهم كما يعرفون أبناءهم، ثم قال الله تعالى: {وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:146] وبعد ذلك لماذا كذبوا؟ {حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة:109] يعرفونه ولكن الحسد بدأ يأكل قلوبهم، يقول الله تعالى فيهم: {حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة:109] كيف تنتقل الرسالات من بني إسحاق إلى بني إسماعيل؟! الرسالات كلها كانت في إبراهيم، ثم في ولده إسحاق، ثم في ولده يعقوب، ثم في ولد يعقوب، ثم تسلسلت الرسالات على هذا المنوال، ثم نقل الله هذا الشرف من بني إسرائيل -وهم بنو يعقوب- إلى بني إسماعيل وهو محمد صلى الله عليه وسلم لِمَ نقله؟ لما حصل من اليهود من الرفض، والتكذيب، ونقض العهود، وقتل الأنبياء، والحيل، وارتكاب المعاصي حتى لعنهم الله تعالى، قال الله عز وجل: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة:78 - 79]. فالله عز وجل لما تمادوا في غيهم وطغيانهم قال فيهم: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ} [المائدة:13] لعنهم الله؛ لأنهم يعاهدون ثم ينقضون المواثيق، ويحتالون على الله، أي: يحرم الله عليهم الحرام فيصطنعون حيلة على الله ليحلوا ما حرمه. ومما حرم الله عليهم الصيد يوم السبت، فقالوا: نحفر حفراً يوم الجمعة، ويأتي السمك في هذه الحفر يوم السبت، ونمسكه يوم الأحد!! هذه حيلة على من؟! على من يحتالون؟! قال الله تعالى عنهم: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً} [الأعراف:163] حرم الله عليهم الصيد يوم السبت، ولهم أن يصيدوا يوم الأحد والإثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة، لكن في هذه الأيام لا توجد الأسماك؛ ويوم السبت يمتلئ البحر بالسمك، بل تأتي شرعاً، أي: تقلب بطونها لهم لتريهم، كأنها تقول لهم: إني موجودة، قال الله تعالى: {كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ} [الأعراف:163] فلما أخذوا منها، قال الله عز وجل: {فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة:65] مسخهم الله تعالى قردة. فهؤلاء عندما انتقلت الرسالة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، ومحمد صلى الله عليه وسلم ليس من نسل إسحاق بن إبراهيم، ولكنه من نسل إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام امتلأت قلوبهم حقداً وحسداً فكذبوا ورفضوا، أي: شككوا في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم رغم علمهم ويقينهم أنه رسولٌ من عند الله.

حزنه صلى الله عليه وسلم لمصير المكذبين

حزنه صلى الله عليه وسلم لمصير المكذبين كان النبي صلى الله عليه وسلم إزاء هذا التكذيب، وهذا الرفض والاستهزاء والإيذاء والمحاربة يكاد قلبه يتفطر؛ لأنه ليس أصعب على النفس البشرية من أن تكذب وهي صادقة، فلو أتيت بخبر إلى الناس تقول: إني رأيت بسيارة مقلوبة بسبب حادث فقالوا: كذاب. ما رأيك؟ ماذا تفعل؟ يتقطع قلبك، تقول: كيف كذاب؟! قالوا: كذاب كذاب، تقول: رأيت بعيني، يقولون: كذاب ماذا يحصل لك؟ وما هي ردة الفعل عندك؟ صعبة جداً لا تتحملها. فرسول الله صلى الله عليه وسلم يوحى إليه، والكفار يقولون: هو من الجن، ولو تيقنا أنه من الجن لعالجناه، وإن كان هذا الذي يأتيه خبال داويناه سبحان الله! صادق مصدق يأتيه الوحي من السماء بالقرآن المبين، ومع هذا يكذب! فكانت نفسه من داخله تتقطع أسىً وحسرة، ويعزيه الله عز وجل ويقول له: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً} [الكهف:6] أي: لعلك مهلك نفسك؛ تريد أن تقتل نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا القرآن لا عليك: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر:8] {وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} [لقمان:23] {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا} [الزخرف:83] {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ} [الحجر:3] اتركهم {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية:25 - 26]. ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، كان يتألم أن يكون هؤلاء في النار، كان يريد أن ينقذهم من النار، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: (مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً، فجعلت الفراش تتقحم في هذه النار وأنا آخذ بحِجزكم) أي: أنا أبعدكم عن النار وأنتم تتزاحمون للوقوع فيها، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد. ما أرحم هذا النبي! {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] فتأتي هذه الآيات في سورة النساء لتثبته، وتشعره بأنه نبي، وأنه يوحى إليه، وأن هذا الوحي ليس خاصاً به، وإنما سبقه فيه سلسلة من الأنبياء ممن اختارهم الله عز وجل، وجعلهم وسطاء وسفراء بين السماء والأرض، فاصطفاهم الله عز وجل، قال تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124] الله يصطفي ويختار؛ فاختار هؤلاء الأنبياء ليكونوا رسلاً يهدون الناس.

قصة نوح عليه السلام

قصة نوح عليه السلام قال الله عز وجل: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء:163]. ونوح هو أول الرسل؛ أول رسول بعثه الله إلى الأرض هو نوح عليه السلام، بعد أن بدل الناس دينهم، وعبدوا الأصنام، وعبدوا غير الله عز وجل، بعث الله عز وجل نوحاً عليه الصلاة والسلام، فمكث يدعو في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، ومارس ألواناً متعددةً وصنوفاً كثيرة من أساليب الدعوة: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً} [نوح:5] كان دءوباً في عمل الدعوة، أي: ما كان يدعو بمحاضرة في الشهر مثلنا، لا. بل ليلاً ونهاراً. {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [نوح:5 - 7] حتى لا يسمعوا {وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ} حتى لا يروه {وَأَصَرُّوا} أي: على الشرك {وَاسْتَكْبَرُوا} أي: على الآيات {اسْتِكْبَاراً} ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً} [نوح:8] أي: دعوة علنية {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً} [نوح:9] دعوة سرية، أي: كل واحد يدعوه لوحده {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} [نوح:10] وهذا من أعظم أساليب الدعوة أن تذكر الناس بنعم الله، فإنك إذا ذكرت الناس بنعمة الله أشعرتهم بحب الله لهم الذي تفضل عليهم بهذا الفضل {إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً * مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً * وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً} [نوح:10 - 18] إلى آخر الآيات. ورغم كل هذه الأساليب والطرق والوسائل والمدة الزمنية الهائلة -ألف سنة إلا خمسين عاماً- قال الله تعالى له: {وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [هود:36] وقال عز وجل: {وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود:40] قال المفسرون: كان نتيجة هذا العمر الطويل والجهد الكبير اثني عشر رجلاً فقط. ألف سنة ليلاً ونهاراً ثمرتها اثني عشر رجلاً! وبعد ذلك لما قال الله تعالى: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود:36] أي: لم يعد هناك من سيدخل في الدين، فدعا نوح ربه: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً} [نوح:26] أي: إذا لم يعد هناك من سيدخل في الدين فما الفائدة التي تنتظر من هؤلاء. {إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ} [نوح:27] إن كنت يا رب لم تعذبهم وتهلكهم فسَيُضلوا هؤلاء الاثنى عشر الذين معي ويزعزعوهم ويردوهم عن دينهم، وإذا ولدوا لا يلدون إلا فاجراً كافراً: {وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً} [نوح:27]. قال تعالى: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} [القمر:11] انظروا إلى الاستجابة الربانية! جاءت بعد بذل الجهد البشري وهكذا الأنبياء ما كانوا يدعون على أقوامهم مثل ما نفعل الآن؛ بمجرد أن تدعو واحداً ولم يستجب تقول: أهلكه الله سبحان الله! أنت تريده على مرادك؟! وهدايته ليست على مرادك، بل بإرادة الله، فإذا أذن الله له بالهداية نزلت، ولهذا نوح ما دعا من أول أسبوع، ولا أول سنة، ولا أول مائة سنة بل لم يدع بعدها إلا لما قال الله تعالى له: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ} [هود:36] قال: يا ربِ! ما دام أنه لن يؤمن أحد فما فائدة بقائهم؟ إنك إن تذرهم لا يؤمنوا، أنا يا رب لا أصبر عليهم إلا رغبة في إنقاذهم، لكن ما دمت قد أخبرتني بعلمك السابق أن هؤلاء لن يؤمنوا {إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ} [نوح:27] لم يبق منهم إلا الإضلال {وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً} [نوح:27]. فالله عز وجل علم صدقه، وجهده فعذبهم، قال الله تعالى: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر:11 - 12] أي: التقى ماء السماء مع ماء الأرض وحصل الطوفان والغرق! أغرق الله عز وجل أهل الأرض كلهم، ولم ينج من تلك الفيضانات وذلك الطوفان إلا من ركب في السفينة، وكان الله عز وجل قد أوحى إليه أن يصنع الفلك، وكان يصنعه في الصحراء -لا يوجد بحر- وكلما مر عليه ملأ من قومه سألوه، قالوا له: ما هذه السفينة يا نوح؟ قال: هذه السفينة سوف أركب فيها وأنجو وأنتم سوف تغرقون كلكم، قالوا: أين البحر؟ -أتصنع السفينة في الربع الخالي؟ السفينة تصنع عند البحر- قال تعالى: {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} [هود:38] يعني: ضحكوا عليه، ولكن كان عنده ثبات على الحق، وكان على يقين من أمر الله تعالى، وما كان ضعيفاً، وهكذا يجب أن يكون المسلم حتى ولو سخر منه. إذا سخر منك أحد؛ لأنك تمسكت بالدين، أو بالسنة، أو سلكت الطريق الصحيح، فيجب أن تثبت ولا يحملك هذا الاستهزاء على أن تتراخى، أو أن تضعف، أو ترى أنك على شيء غير طيب لا. {قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} [هود:38] أي: نحن أولى بالسخرية منكم، أنتم تسخرون منا ونحن على الحق، فنحن أولى بالسخرية منكم؛ لأنكم على باطل. ثم نزل الماء وحملت السفينة كل المؤمنين من أهله في العقيدة؛ لأن الله تعالى قال له: {فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ} [المؤمنون:27] يعني: أهله في العقيدة لا من النسب، ولكن نوحاً عليه السلام كان يظن أن معنى أهله: زوجته وأولاده وجماعته كما نظن نحن، فأركب المؤمنين وقال نوح لولده وكان كافراً: {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا} [هود:42] لكن عقلية الولد عقلية مادية، قال: سأذهب إلى جبل! يظن أن المسألة سهلة، والحقيقة أن هذا طوفان من رب العالمين، لا ينجو منه أحد: {قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} [هود:43] فقام نوح وتذكر أن الله قد وعده أن ينجي أهله: {فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} [هود:45] أي: أنت قلت لي: أركب الأهل وهذا ابني من أهلي، قال الله تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود:46] إن الأهلية -أيها الإخوة- هنا أهلية الدين، فإذا كان ولدك ليس على الإسلام فليس ولدك، وإنما رابطة العقيدة هي أعظم رابطة تربط بينك وبين الناس، والله تعالى يقول: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ} [المجادلة:22].

تتابع الأنبياء من بعد نوح

تتابع الأنبياء من بعد نوح أوحى الله إلى نوح وإلى النبيين من بعده، وعدد الأنبياء والرسل كثير، لم يقص الله علينا في القرآن إلا قصة أربعة وعشرين نبياً ورسولاً؛ جاء منهم ثمانية عشر في سورة الأنعام من قول الله عز وجل: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا} [الأنعام:83] وستة جاءوا متفرقين في ذكرهم في القرآن الكريم، قص الله عز وجل في القرآن بعضهم وبعضهم ما قصهم، قال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [النساء:163] ابن إسحاق. {وَالْأَسْبَاطِ} [النساء:163] أولاد يعقوب. {وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً} [النساء:163] الزبور الكتاب الذي أنزل على داود كان {وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ} [النساء:164] أي: في القرآن {وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء:164] وموسى مختص بهذا، كل الرسالات كانت تنزل وحياً إلا رسالة موسى فقد كلمه الله تعالى، يقول الله تعالى: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} [الأعراف:144] فهو كليم الله {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً} [الأعراف:143] إلى آخر الآيات. والرؤية المنفية هنا رؤية الناس لله في الحياة الدنيا، فإنهم لا يستطيعون ولا يقوون على مواجهة نور الله عز وجل، ولكن يوم القيامة يرون الله تبارك وتعالى كما صحت بذلك الأحاديث، وجاءت بذلك الآيات، وعقيدة أهل السنة والجماعة: أن أهل الإيمان يرون ربهم يوم القيامة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يرى ربه، وأن يمتع أبصارنا وإياكم برؤية وجهه الكريم في الدار الآخرة. وهذا خلافاً لعقيدة المعتزلة وبعض الخوارج كـ الإباضية فإنهم لا يرون أن الله يرى، لا في الدنيا ولا في الآخرة، وقد رد عليهم العلماء، فقالوا: نعم. لا ترونه؛ لأنكم في الدار الثانية؛ لأن الله تعالى يقول: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ} من هم هؤلاء؟ هم أهل النار {يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] وهذه الآية فيها دلالة على أن الله لما أخبر أن الكفار محجوبون عن الله، فيدل على أن أهل الإيمان ليسوا بمحجوبين عن الله سبحانه وتعالى، ويقول الله تعالى في آية أخرى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23] يستدل أهل السنة والجماعة على إثبات الرؤية بهذه الآيات، وكذلك الأحاديث في الصحيحين: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة النصف لا تضامون في رؤيته) هذا حديث في الصحيحين، وهو صريح ولا مجال لتأويله. هذا كليم الرحمن موسى عليه السلام، ثم قال عز وجل بعدها: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء:164].

وظيفة الأنبياء وأتباعهم

وظيفة الأنبياء وأتباعهم بين الله عز وجل وظيفة الأنبياء ودورهم، ودور أتباعهم إلى يوم القيامة فقال: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} [النساء:165] هذه وظيفة الداعية، سواء كان رسولاً أو وارثاً للرسول صلى الله عليه وسلم.

التبشير بالجنة لمن عمل صالحا

التبشير بالجنة لمن عمل صالحاً هم مبشرون برحمة الله وبما أعده الله لأهل الإيمان من السعادة في الدنيا، وعند الموت، وفي القبر وفي أرض الحشر، وفي دار السعداء في جنةٍ عرضها السماوات والأرض: (فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر). فهؤلاء الأنبياء يبشرون الناس بهذا، ويتصور بعض الناس أن آثار الدين والإيمان فقط في الآخرة! وهذا ظن خاطئ، إن بشرى الدين وآثاره معك في الدنيا قبل الآخرة، ففي الدنيا بشرى الأمن والطمأنينة والسعادة والراحة والرزق والتوفيق والهداية والسداد، كل هذه تأتي في الدنيا، والله إنه لا سعادة في الدنيا إلا في دين الله، يقول الله عز وجل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97] ما هي الحياة الطيبة؟ حياة الدين، والقلب، والإيمان حياة شرح الصدر! والتوجه إلى الله، ومحبته، ومحبة رسوله ودينه وبيوته وكتابه، والاستعلاء على النفس، والانتصار على الشهوات، والترفع عن النزوات هذا هو الدين، وهذه هي الحياة! ليست الحياة الطيبة زنا، أو كأس خمر، أو غانية، أو سهرة، أو رحلة، أو تمشية، أو أكلة؟! هذه حياة البهائم والحيوانات، والله تعالى يقول في الكفار: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12] ويقول الله عز وجل: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44]. فالرسل يبشرون الناس بهذه الحياة {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ} [النحل:30] أي: حسنة في الدنيا. ما هي هذه الحسنة في الدنيا؟ أنك تعيش مربوطاً بربك، أي: تعيش وأنت تتلقى توجيهاتك وتعليماتك في كل جزئية من جزئيات حياتك من الله، أي تكريم أعظم من هذا التكريم؟ أنت تتلقى كل توجيه حتى وأنت تأكل أي مادة، شهوة من شهوات النفس، تأكل باسم الله، وتأكل بيمينك، وتأكل مما يليك، بل تأتيك التعليمات الربانية التي جاءت على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنت تمارس شهوتك؛ تأتي أهلك، يقول عليه الصلاة والسلام: (ما من مسلم يأتي أهله فيقول: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، ثم رزق ولداً إلا عصمه الله من الشيطان) الله أكبر! ما أعظم هذه الحياة، أن تعيش في الأرض مربوطاً بالسماء؛ في كل حركة قبل أن تعملها تسأل نفسك: ماذا أصنع؟ ماذا قال الله سبحانه وتعالى؟ ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لكن بغير القرآن والسنة كيف يعيش الإنسان؟ يعيش ضائعاً ضالاً، تتخبطه الشياطين، وتتقاذفه الأهواء، وتلعب به الفتن، لا يدري إلى أين يتجه، ضال يقول الله عز وجل: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك:22] أهذا مثل هذا؟ {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122]؛ شخص يمشي في ظلمة الليل ومعه نور كلما مر على حفرة، أو مطب، أو شوكة، أو مسمار، أو أي شيء اهتدى بالنور الذي معه، وشخص آخر يعيش في الظلمة لا يدري أين يسير يتخبط {كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ} [الأنعام:122] ليست ظلمة واحدة ولكنها ظلمات {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40]. فتعيش في الدنيا بالإيمان بهذه الحياة -حياة الدين- وعند الموت إذا مت تجني ثمرات الإيمان، وأولها الثبات على لا إله إلا الله، وفي الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) يعني: من علامات حسن الخاتمة أن تقول عند الموت: لا إله إلا الله، هذه تعتبر جواز سفر وبطاقة مرور إلى الجنة، لكن من الذي يقولها هناك أيها الإخوة؟! هناك لا يتكلم اللسان إلا بتثبيت من الرب، يقول الله تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس:65] فمن ثبته الله على لا إله إلا الله في الدنيا ثبته الله عليها في الآخرة؛ لأن العلماء يقولون: إن أول واجب وآخر واجب هي: لا إله إلا الله، بمعنى: أن الشخص إذا أراد أن يدخل في الإسلام ماذا يلزمه أن يقول؟ لا إله إلا الله. ولو صلى قبل أن يقول: لا إله إلا الله، فما حكم صلاته؟ غير مقبولة، ولو زكى، وحج، وجاهد ومات في سبيل الله قبل أن يقول: لا إله إلا الله فإنها لا تنفع، فلابد أن تقول: لا إله إلا الله قبل أي عمل، لماذا؟ قالوا: لأن هذا عهد، أي: هذه اتفاقية توقعها مع الله قبل أن تدخل في الدين، تقول: لا إله إلا الله -أي: توقع الاتفاقية مع الله- وبعد ذلك تنفذ أحكام لا إله إلا الله، فإذا نفذتها فإنك عند الموت تقول: لا إله إلا الله، لماذا؟ لأنك صادق في كلمتك الأولى، ونفذت الاتفاقية، وأوفيت بالعهد، فكان على الله أن يثبتك عليها. ولكن إذا قلت: لا إله إلا الله، وبعد ذلك خنت العهد ولم تنفذ الاتفاقية، لم يثبتك عند الموت، لماذا؟ لأنك ساقط في الاتفاقية. شخص كان يدخن، وعندما مات قالوا له: قل لا إله إلا الله، قال: أعطوني دخاناً، قالوا: ما معك دخان، الرجل يريد أن يدخن حتى في القبر، لا يريد أن يمشي إلا بدخان، قالوا: سوف تموت الآن، قل: لا إله إلا اله، قال: أنا بريء منها، والله لا أقولها! بريء من لا إله إلا الله؛ لأنه ما عاش عليها. وآخر كان يسير بسرعة جنونية والسيارة ترقص على نغمات الأغاني، بل بعضهم يركب (ديسك) موسيقى صاخبة -غربية- ولا يدرك ما يقال، لا يدري أهو كلام إنجليزي أو فرنسي، ولكن فقط يراه مع الناس - (ما الخيل يا شقراء) - فكان يسير بسرعة جنونية فحدث له حادث مروري، وجاءوا عليه وقد قطع (الدركسون) بطنه، وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، قال له الناس: قل لا إله إلا الله، قال: هل رأى الحب سكارى مثلنا، وكان الشريط يغني هذه الكلمة، قالوا: قل لا إله إلا الله، ستموت الآن لا يوجد معك سكارى ولا حب، قال: أعطني حريتي أطلق يدي، يقول: فكوني! لكن لن يفكوك فهؤلاء ملائكة ليس عندهم لعب، أنت الآن مطلوب للمحاكمة عند رب العزة والجلال، أين المفر؟ {كَلَّا لا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ} [القيامة:11 - 12]. فهذه الكلمة: (لا إله إلا الله) هي العهد الذي بينك وبين الله، إذا وفيت بها عند الحياة تثبت عليها عند الموت، وإذا ثبت على لا إله إلا الله كانت هذه هي أول علامة من علامات حسن الخاتمة -نسأل الله وإياكم من فضله- والله كم هو شرف لك أن تقول: لا إله إلا الله عند الموت، وكم هو عار أن يصرف لسانك عن لا إله إلا الله، فتعيش ستين أو سبعين سنة وتموت ولا تقدر أن تقول: لا إله إلا الله! والذي لا يقدر أن يقول هذه الكلمة عند الموت كيف ستكون خاتمته؟ نعوذ بالله وإياكم من ذلك. وفي القبر يسأل ويثبت، وفي الحشر يثبت ويفرح، الملائكة عند رأسه تقول: {أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30] وبعد ذلك في الجنة يقال لهم: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ} أي: نظراؤكم {تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:70 - 72] الأنبياء والرسل هم المبشرون بهذا كله.

الإنذار من عذاب الله في الدنيا

الإنذار من عذاب الله في الدنيا منذرون، أي: من لم يستجب ينذرونه من عذاب الله في الدنيا، ولا يتصور أحد أنه إذا عاش في لذة وبسطة أنه في نعيم، لا والله. إنه في عذاب ولو ملك الملايين، يقول الله عز وجل: {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [التوبة:55] بعض الناس يتصور أن الأموال الحرام عذاب في الآخرة فقط، لا. بل هي عذاب في الدنيا أيضاً؛ عذاب في التجميع، والحصر والمحافظة والإنفاق في الحرام، وعذاب إذا مات، ويراها أمامه وإذا به يُجن. رجل من الأثرياء زرته لأطلب منه المساهمة في مشروع خيري، فقال: هذه الملايين ما جاءت إلا وأنا قريب من الموت، قلت: ما بك؟ قال: مصاب بالسكر، ولا آكل إلا الحبوب، حبة في الصباح وحبتين في المساء، وخبز يابس، وكوب من الحليب، لا شحم ولا لحم ولا أرز ولا فواكه ولا خضروات ولا أي شيء، قلت: قدمها أمامك، قال: أنت مجنون؟ ذهب عقلك؟! قلت: والله إنك أنت المجنون فلا أنك ستقدمها ولا ستأكلها، محروم فقط! محافظ عليها حتى يموت. أجل -يا أخي الكريم- عذاب هذه الدنيا إذا لم يكن فيها دين! والأنبياء والرسل ينذرون ويحذرون الناس من عذاب الدنيا إذا تركوا الدين، ولا نقول للناس: دعوا الدنيا، لا. إذا جاءتك الدنيا وأنت على دين فنعم المال الصالح في يد العبد الصالح، تستعين به على الطاعة، وتخرج منه الزكاة، وتؤدي فيه الحقوق، وتساهم في أعمال البر هذا مطية إلى الآخرة، بل يوجد ركن من أركان الدين لا يقوم إلا بالمال، وهو ركن الزكاة، وعثمان رضي الله عنه لما جهز جيش العسرة بثلاثمائة بعير، قال عليه الصلاة والسلام: (ما ضر عثمان ما صنع بعد اليوم) مال لكن نعم المال الصالح في يد العبد الصالح، ودعوتنا ليست لترك المال، ولكن لجمع المال من الحلال وإنفاقه في وجوه الخير والحلال، ولا مانع من التمتع بشيءٍ منه في الحلال؛ لأن الله تعالى يقول: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص:77]، ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده) إذاً: لا مانع أن تشتري سيارة جيدة فارهة ولو كانت غالية، لكن تجعلها في طاعة الله؟ فتذهب بها إلى العمرة، ومجالس الذكر، والمساجد، وتزور بها الأرحام، ولا مانع أن تذهب بها إلى المسجد النبوي، أو إلى النزهة بأهلك إلى الجنوب أو إلى أي منطقة، أو تقضي بها حوائجك، لا مانع، فهذا طيب. كذلك لا مانع أن تسكن في عمارة واسعة ومكيفة وجميلة، لكن تعمرها بذكر الله وبطاعة الله، ولا مانع أن تتزوج بزوجةٍ جميلة أو اثنتين إذا رزقك الله، ولكن تربيهن على الدين وهكذا. لكن المصيبة، واللعنة، والخسارة، والدمار، أن يعيش الإنسان في دنياه بمعزلٍ عن الدين؛ مال لكن من الحرام، وصرف لكن في الحرام، وعمارة لكن مملوءة بالحرام، وسيارة ولكن تستخدم في الحرام، ما قيمة السيارة هذه؟ بعد السيارة نعش، وبعد العمارة والقصر قبر، وبعد الحياة والنور ظلمات، وبعد التحصيل والأوامر سؤال، يقول الله عز وجل: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر:92 - 93] {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} [الصافات:24] وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تزولا قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع) الأقدام مثبتة في عرصات القيامة لا تتحرك حتى تجيب، فإذا أجاب سمح له بالتحرك إلى الجنة، وإذا لم يجب يسحب على وجهه إلى النار. (وعن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه) انظروا كلمة (أفناه) للعمر، لكن (شبابه أبلاه) مثل الثوب الذي كان جديداً ثم بلي، كذلك الشباب يبلى، أين أبليت شبابك؟ في طاعة الله؟ بعض الناس يقول: اتركني أبلي شبابي في المعاصي وإذا صرت شيخاً كبيراً تبت إلى الله، لا. يا أخي! فلعلك لا تتوب، فالذي يشب على شيء يشيب عليه، ويموت عليه، كم رأينا الآن كباراً في السن أعمارهم سبعين أو ثمانين سنة وهم ألعن من الشياطين! فالذي لا يوجد فيه خير في شبابه لا يوجد فيه خير في شيبته: إن الغصون إذا عدَّلتها أعدلت ولا تلين إذا صارت من الخشب فشبابك كالغصن تستطيع أن تلوي فيه نفسك على الدين، لكن إذا خشبت فلن تستطيع، خشب على قل الدين والعياذ بالله. أجل أنت -يا أخي في الله- يوم أن تعمل بطاعة الله تدخل الجنة {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:70 - 72] فالدنيا إذا لم تستقم على منهج الله، ورفضت إلا أن تعيش في الدنيا على المعاصي، فترقب عذاباً في الدنيا، وعند الموت، وما هو العذاب عند الموت؟ قال العلماء: الحرمان من نطق الشهادة، حتى إن الرجل ليقول: رب ارجعون. من أجل أن يعمل الصالحات ويقول: لا إله إلا الله، فتقول الملائكة: لماذا تريد أن ترجع؟ ما الذي تملكه هناك؟ قال: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً} [المؤمنون:100] لم يقل: لعلي أرى أولادي، أو مؤسستي، أو رصيدي، أو العمارة ما أغلقتها، والمزرعة ما رأيتها، والماسة مملوءة بالمعاملات، لا. هذا كلام فارغ، فقد عرف أن هذا لا ينفع، فقال: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً} [المؤمنون:100] حسناً لماذا لا تعمل عملاً صالحاً من الآن؟ تبقى على السيئات حتى يضرب رأسك في القبر، ثم تقول: ردوني؟ ما معك إلا ما عملت؟ {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [المؤمنون:100 - 104].

الإنذار من عذاب الله في القبر

الإنذار من عذاب الله في القبر ثم ينذرك الأنبياء والرسل من عذاب القبر. وعذاب القبر -أيها الإخوة- كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله منه، فقد ثبت في الصحيحين أنه كان يقول بعد فراغه من التشهد في الصلوات: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) وكان يقول صلى الله عليه وسلم: (استعيذوا بالله من عذاب القبر). وكان عثمان رضي الله عنه إذا ذكر عذاب القبر بكى، وإذا ذكر الجنة والنار لا يبكي، فقيل له في ذلك: قال: [إن القبر أول منازل الآخرة، فإن كان حفرة من حفر النار فمن بعده أشد، وإن كان روضة من رياض الجنة فما بعده أفضل] ولهذا كان يخاف من عذاب القبر؛ لأنه المنزلة الأولى، فإن كان قبرك روضة فما بعده الجنة، وإن كان القبر حفرة من حفر النار كان ما بعده النار؛ لأنه المقدمة، والوجبة الأولى، والوجبة الثانية والأخيرة في جهنم، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فالقبر تنجو منه بإذن الله عز وجل يوم تستجيب لأمر الله، لكن إذا عييت! يسأل في قبره: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول: هاه. لا أدري، وبعد ذلك في عرصات القيامة يبعث والخوف يغشاه، يقول الله عز وجل وهو يصور لنا هذا المشهد حتى كأننا لنراه رأي العين: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} [المعارج:43 - 44] ترهق، أي: تعلوه الذلة والخوف {ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [المعارج:44] وبعدما يتورط في ورطات يوم القيامة يمر على الصراط فيسقط على أم رأسه، ويأخذ كتابه بشماله، ويطرد من حوض النبي صلى الله عليه وسلم، ومن مظلة الرحمن، ويوزن فيطيش ميزانه؛ لأنه تافه ورخيص لا قيمة له عند الله: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} [الكهف:105] يسحب على وجهه إلى النار، لا يمشي مشياً، هل يريد أحداً أن يمشي إلى النار؟ لا. لكن الله عز وجل قال: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} [القمر:48] ويقول الله عز وجل: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} [الإسراء:97] وبعد ذلك إذا وصلوا إلى النار يدفعون فيها: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً * هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:13 - 16] نعوذ بالله وإياكم من سخط الله. وفي النار -أيها الإخوة- ما لا يتصوره العقل، يقول الله عز وجل: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47] يبدو لهم من العذاب ما لم يخطر لهم في بال وكما أن في الجنة ما لا يتصوره العقل وكذلك أيضاً ففي النار ما لا يتصوره العقل من العذاب، نعوذ بالله وإياكم من عذاب النار.

حجج الله تعالى على عباده

حجج الله تعالى على عباده {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} [النساء:165] أيها الإخوة! ألا يكفي هؤلاء الرسل، وخاتمهم محمد عليه الصلاة والسلام؟! لكن الله تبارك وتعالى جعل الحجة بالرسل، قال تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165] يعني: لا توجد حجج بعد الرسل؟ بلى. ولكن رحمة الله واسعة، فالله عز وجل قد أقام الحجة على الناس بأشياء كثيرة:

أولا: الفطرة

أولاً: الفطرة فطرهم على الدين، وهذا هو العهد الذي أخذه الله عز وجل على آدم وذريته في الأزل، يقول الله عز وجل: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف:172] هذا الميثاق الأول {شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا} [الأعراف:172] أي: لئلا تقولوا: {يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} [الأعراف:172 - 173] فالله عز وجل أخذ علينا العهد في الأزل، فقد ورد في الحديث: (إن الله عز وجل مسح بيده على ظهر آدم، فنثر ذريته كالذر، ثم أشهدهم على أنفسهم: ألست بربكم؟ قالوا: بلى) وهذه يسميها العلماء: الفطرة التي غرسها الله سبحانه وتعالى في طبع كل إنسان، فهو يعرف أن هناك خالق ومعبود وهو الله سبحانه وتعالى، ولهذا فالإنسان عابد بفطرته، لكن المشكلة أن من الناس من عبد غير الله؛ لأن الناس كلهم يعبدون، ولا يوجد أحد في الدنيا إلا وعنده إله، حتى في زمن الأولين عبدوا الهياكل، والكواكب، والنجوم، والشجر، والحجر، والبقر، والشيطان لكنها معبودات باطلة إلا الله فعبادته حق. ونتصور الآن أكثر من ألف مليون هندوسي يعبدون البقرة! انظروا إلى العقول الضالة بقرة لا تدري أين رأسها من عفاسها، وهم جلوس عند استها يعبدونها ما هذه العقول؟! ذهب أحد الإخوة إلى الهند، يقول: دخلنا في معبد من معابدهم وقت عبادتهم -ينظر ما هم عليه- يقول: فوجد مجموعة من كبارهم، دكاترة، وبريفسورات، وعظماء، عندهم عقول، وهم يحنون رقابهم مستسلمين خاضعين عند البقرة، والبقرة تستجر، تأكل ولا عرفت من الذي عند رأسها أو استها، أو من الذي يعبدها أو لا يعبدها، ومن الذي يحلبها أو يذبحها، لكنها عقول أضلها الشيطان -والعياذ بالله- وعبدوا الحجارة، يقول إبراهيم عليه السلام: {أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الأنبياء:67] كيف تعبدون هذه، {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:77] {الَّذِي خَلَقَنِي} [الشعراء:78] هذه حجارة ما خلقت، وبقرة ما رزقت، لكن الذي يستحق العبادة هو الخالق الرازق: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} [الشعراء:80 - 81] {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء:77 - 82] هذه هي خصوصيات الرب، اذكر لي واحداً من الآلهة تفعل هذا؟ من الذي يحييك ويميتك إلا الله؟ من الذي إذا مرضت يشفيك إلا الله؟ من الذي يطعمك ويسقيك إلا الله؟ لو أرد الله أن لا تطعم من في الأرض، وأرادت البشرية كلها أن تطعمك ما يطعمك إلا الله: {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَم} [الأنعام:14]. فهذه الآلهة الباطلة التي تعبد من دون الله ليس لها مقام، والله عز وجل قد خلق للناس فطرة العبودية، ولهذا جاء في الحديث يقول عليه الصلاة والسلام -والحديث في الصحيحين -: (كل مولود يولد على الفطرة -أي: الإسلام- فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) ولم يقل في الحديث: أو يمسلمانه؛ لأنه مسلم بفطرته، وفي الحديث القدسي في صحيح البخاري يقول الله عز وجل: (إني خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين) فهذه حجة العهد والميثاق الأول.

ثانيا: الآيات الكونية

ثانياً: الآيات الكونية بث الله عز وجل آيات وعلامات تدل عليه في السماوات والأرض والنفس البشرية، وهذه كافية، يقول الله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت:53] والله عز وجل في هذه الآيات يدعونا إلى التأمل والنظر: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ * أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} [ق:5 - 6] {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ} [آل عمران:190 - 191] وإذا استعملت النظر والتأمل والتبصر والتفكر كانت سبباً للهداية، ولهذا خاطب القرآن أصحاب العقول، فالأعرابي الذي فكر قبل الرسالة يقول: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، وأرضٌ ذات فجاج، وسماءٌ ذات أبراج، وبحارٌ تزخر، ونجوم تزهر، أفلا يدل ذلك على السميع البصير؟!! فهذه الآيات الموجودة حجة أخرى.

ثالثا: العقل

ثالثاً: العقل إن الله سبحانه وتعالى زود الإنسان بالعقل من أجل أن يعرف ربه، يقول عز وجل: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:78] ويقول: في آية أخرى: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأحقاف:26] لماذا؟ قال: {إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ} [الأحقاف:26] ألغوا العقول، والعقل نفسه حجة، ولهذا جعل الله العقل مناط التكليف، بحيث إذا سلبك العقل رفع التكليف عنك: (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق) لو أن شخصاً مجنوناً ليس عنده عقل فإن الله لا يؤاخذه يوم القيامة، لماذا؟ لأنه ليس له عقل. (والنائم حتى يستيقظ) لأن النائم لا يملك العقل، فهو يتصرف تصرفات وهو لا يدري، وإذا استيقظ، قالوا له: أنت تكلمت وفعلت قال: والله لا أدري. (والصغير حتى يبلغ) لأن تصرفات الصغير غير مسئولة، فالصغير ليس عنده ضوابط، ومتى يكتمل عقله؟ إذا بلغ: سِنَّ الرشد، والنضج، والتكليف، فإذا بلغ فإنه يؤاخذ، وأما قبل البلوغ فلا يؤاخذ. لماذا جعل الله مناط التكليف هو العقل؟ لأنه يعتبر هادياً ودليلاً، لكن هذه الأدلة وهذه الحجج غير كافية بالنسبة لرحمة الله، لماذا؟ قال العلماء: لأن الفطرة قد تمسخ؛ ولأن الآيات الكونية والدلالات الموجودة في الآفاق والأنفس قد تغطى؛ ولأن العقل قد تغلب عليه الشهوة، الآن هذا كله لا يعقله الناس ولا يستجيبون له؟ أعطيكم مثالاً: الدخان: كل شخص من الناس يعرف أنه مضر، حتى المدخن نفسه تقول له: أسألك بالله من ناحية عقلية، هل الدخان مضر أم مفيد؟ ماذا يقول لك؟ لا يقدر أن يقول لك: إنه مفيد، أي فائدة في الدخان؟ مضر اقتصادياً، وصحياً، واجتماعياً كل شيء فيه مضر -أي: لا توجد أي مصلحة- وإذا قال لك: نعم. إنه مضر، إذاً كيف تشتري المضر؟ أنت ألغيت عقلك؟ قال: نعم، لماذا ألغى عقله؟ لغلبة شهوته: شهوة العادة والألف والتعود. إنه يشعل (سيجارة) ويمصها وينفخها وإن رائحتها تغير مزاجه وتريحه قليلاً! جعلت هذه الشهوة سلطاناً عليه أعظم من سلطان عقله، ولهذا يلغي عقله. ولهذا فالعقل ليس كافياً ليكون حجة لوحده، انظر العقل كيف يشتغل عند الأطعمة: عندما تأتي الآن لتشتري لبناً من السوق وتنظر تاريخ الصلاحية -مثلاً- أمس (27) واليوم (28) وأنت اشتريتها وهي من يوم (27) هل تسكت؟ تدعو صاحب (البقالة) -أو سوبر ماركت- وتقول له: كيف تبيع هذا القديم، سأبلغ عنك البلدية، وفعلاً من حقك أن تبلغ البلدية؛ لأن هذا طعام غير صالح للاستهلاك -أي: طعام فاسد- وصاحب البقالة إنسان لا يهمه مصلحة ولا صحة الناس، أي: رجلٌ مادي يريد أن يمتص دماء الناس ولا يبالي بمن يموت! وبعض الناس يقول: هذه لا تضره (من رأى منكم منكراً فليغيره) هذا منكر، ومن المفروض أن يراجع صاحب (البقالة) كل الأطعمة التي عنده، ويتأكد من صلاحيتها البلدية أو الغرفة التجارية، لماذا؟ لأنه مؤتمن (ومن غشنا فليس منا). فإذا رأيت طعاماً منتهٍ صلاحيته فلا تتناوله، وكل طعام -في الدنيا- موجود في الأسواق له تاريخ بداية ونهاية إلا الدخان! الدخان ليس له تاريخ صلاحية، خربان منذ صنع، وكتبوا عليه في العلبة: التدخين يضر صحتك، يعني: خربان، ومع هذا لا أحد يشتكي ولا أحد يقول: هذا فاسد، بل يشتريه بأربعة ريالات، ولا حول ولا قوة إلا بالله! لماذا؟ لأن العقل مرفوض لطغيان الشهوة، وكذلك المخدرات، والزنا، فلو أن شخصاً مارس الزنا، وقارن بين جريمة الزنا وما يترتب عليها من آثار في الدنيا والآخرة وبين لذتها، لوجد أنه لا يوجد نسبة ولا تناسب، لذة لا تتجاوز عشرين دقيقة أو ساعة، وبعد ذلك كم تعقبك إذا اكتشفت وقبض عليك على أنك زانٍ سقوط الاعتبار، والعار، والفصل من الوظيفة، والجلد في السوق إن كان الإنسان أعزباً، أو الرجم بالحجارة إن كان سبق أن تزوج أي: محصن، بعد ذلك يوصف بين الناس بأنه زانٍ بعض الناس يقول: سأختبئ ولا أحد يكشفني! لكن أين تختبئ من ربك؟! وإذا خلوت بريبةٍ في ظلمةٍ والنفس داعية إلى الطغيان فاستح من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني إن الله يراك يا أخي! أين تذهب من ربك؟ {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً} [النساء:108] ألا تعلم أن الله محيط بعملك هذا وأنه يراك؟ أين خوفك من الله؟ لم جعلت الله أهون الناظرين إليك؟ لو أن أحداً يراك ألا تستحي؟ إنك لا ترضى أن تمارس الجريمة أمام طفل عمره سنة، تخاف أن يخبر، أو يشير إذا كان لا يتكلم، تقول: يمكن أن يشير لكنه ضعف الإيمان والعياذ بالله.

رابعا: إرسال الرسل بالبينات

رابعاً: إرسال الرسل بالبينات فالعقل ليس كافياً لإقامة الحجة، رغم أنه وسيلة من وسائل إقامة الحجة ومناطاً للتكليف، لكن ما هي الحجة القاطعة التي اقتضتها رحمة الله؟ هي إرسال الرسل ببيانات أو لمصالح: أولاً: أن العبد لا يمكن أن يعرف مراضي الله ومحابه، ولا مساخطه، ولا مكارهه إلا عن طريق الأنبياء، فقد يؤمن الإنسان بالله ويهتدي، لكن لا يعرف ماذا يحب الله حتى يأتيه، وماذا يكره الله حتى ينتهي منه؟ لابد من رسالة، فأرسل الله الرسل؛ لكي يعلموا الناس: هذا حرام وهذا حلال هذا يرضي الله وهذا يسخط الله. ثانياً: إقامة الحجة حتى لا يأتي من يقول: يا رب أنا لم أعلم، قال الله عز وجل: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15] {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء:165] فاقتضت حكمة الله عز وجل إرسال الرسل. نقف -أيها الإخوة- هنا بعض الوقفات: أولاً: ضخامة المسئولية بالنسبة للرسالة، وقد قام الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه بهذه المسئولية خير قيام، وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم لما أنزل الله تعالى عليه: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً} [المزمل:1 - 2] كان في هذا تربية وتجهيز وتأهيب لدور الرسول صلى الله عليه وسلم الذي سوف يباشره بهداية البشرية، وقبلها، قال الله تعالى له: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر:1] لأنه لما رجع من الغار قال: (دثروني) وقد أوحي إليه بإقرأ، وأرسل بالمدثر، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ} [المدثر:1 - 2] ليس هناك نوم {فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر:2 - 7]. من أول لحظة قال الله له: لا بد أن تصبر على هذه الدعوة، ويقول له في السورة التي بعدها: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} وهو يتزمل ويتدفأ في البيت {قُمِ اللَّيْلَ} [المزمل:2] تهيئة، وإعداد، وتدريب للقيام بالمهمة، وأول عمل: {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل:2 - 4] لماذا؟ قال: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} [المزمل:5] ستكلف بمهمة شاقة! ونحن نعرف -أيها الإخوة- مقدار مشقتها من عجزنا بتربية أولادنا، فبعض الناس عنده ولد أو اثنين أو ثلاثة، يقول: أنا والله عجزت عن تربيتهم، هو مكلف بتربية أولاده لكنه عاجز عن تربيتهم، فكيف بمن يكلف بهداية البشرية من أولها إلى آخرها إلى قيام الساعة؟!! هذه المهمة صعبة أم ليست صعبة؟ صعبة، وقد مارسها صلى الله عليه وسلم وقام بها خير قيام، ولقي في سبيلها العناء والمشقة، ولما قال له ورقة بن نوفل -ابن عم خديجة -: [إنه الناموس الذي أنزل على موسى ليتني كنت فيها جذعاً، لأنصرنك حين يخرجك قومك] فقال عليه الصلاة والسلام: (أو مخرجي قومي؟!) لم يكن يتصور أن قومه سيخرجوه؛ لأنه كانت له منزلة عظيمة عندهم، كان محبوباً؛ لأنه صادق ونظيف وطاهر وأمين، وفيه كل صفات النبل، وكمالات البشرية: (أو مخرجي هم؟) معقول! ما فوضوه في وضع الحجر الأسود إلا لحبهم له: لما اختلفت القبائل فكل قبيلة تقول: نحن نضعه، حتى تجردت السيوف، فقالوا: نحكم شخصاً، فدخل عليه الصلاة والسلام، قالوا: حكموه، هذا الصادق الأمين! فقال: هاتوا رداء، ووضع الحجر في وسطه، وجعل كل قبيلة ترفع من طرف حتى أوصلوه إلى مكانه، وبعد ذلك أخذه بيديه ووضعه في مكانه الشريف، فالقبائل تحبه، ومكة تعظمه، فهو لا يتصور أن يخرج أو يطرد، قال: (أومخرجي هم؟ قال: نعم. إنه لم يأتِ أحد بما جئت به إلا عودي). وهكذا أوذي عليه الصلاة والسلام، فقد صب على ظهره سلى الجزور، وبصق في وجهه صلوات الله وسلامه عليه، وأدمي عقبيه، وشج وجهه وطورد، وحوصر هو وقومه ثلاث سنوات في الشعب حتى أكلوا ورق الشجر، وتقرحت أشداقهم، وصاروا يبذلون كما تبذل الأباعر، طرد من مكة: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30]؛ أخرج من مكة إلى المدينة، وطورد بعدها في المدينة، وحورب من كل فئات الأرض، ومع هذا فحياته كانت جهاداً حتى نصر الله دينه، وبلَّغ رسالة ربه، وأدى أمانة الله لأمته، ووقف في يوم عرفة يقول للناس: (ألا هل بلغت، فقال الناس: اللهم نعم. فيقول: اللهم فاشهد، وكان يرفع يده إلى السماء ثم ينكتها إلى الأرض ويقول: اللهم فاشهد، اللهم فاشهد، اللهم فاشهد) وينزل عليه قول الله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] ثم يموت صلوات الله وسلامه عليه! ويترك هذه التركة، وهذه العهدة والمسئولية للدعوة إلى الله على أمته من بعده إلى يوم أن تقوم القيامة. كانت الأمم السابقة إذا مات نبيهم أتى نبي بعده إلى أن اختتمت الرسالات برسالة الإسلام وبرسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم سمى الله محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، ولا دين بعد دينه، ولا نبي بعده، وجعل مسئولية الدعوة من بعده على أمته، فأمته كلهم ورثة لهذه التركة، يقول الله عز وجل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا} [يوسف:108] أنا وحدي فقط؟ لا. {أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108].

ما يلزم الأتباع تجاه الدعوة بعد الرسل

ما يلزم الأتباع تجاه الدعوة بعد الرسل فإذا أردت أن تكون من أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم لزمك أن تكون داعية، أي: القضية لم تكن اختيارية، وليست بالمزاج والكيف؛ هل يمكن أن تكون داعية أو غير داعية؟ لا. بمقتضى أنك مسلم لا بد أن تكون داعية، وليس معنى هذا -أيها الإخوة- على مستوى المنابر والخطب، لا. داعية على أي مستوى، أقل مستوى أن تكون داعية على مستوى نفسك، من الذي يستطيع أن يقول يوم القيامة: يا رب: والله ما استطعت أن أدعو نفسي إلى الله -أي: ممنوع من دعوة نفسه- هل يستطيع أن يقول هذا أحد؟ ولو أن الأمة فقط دعت إلى الله على هذا المستوى؛ وأن كل مسلم دعا نفسه إلى الله وأمرها بطاعته ونهاها عن معصيته، كيف سيكون حال الأمة؟ لا نحتاج إلى دعاة، إلا مجرد التثبيت والتذكير فقط؛ لأن كل شخص داعية في نفسه، وإذا أنت صلحت في نفسك لم يبق صلاحك محصوراً عليك، سينتشر، هل يوجد في الدنيا صالح 100% ولم تصلح زوجته؟ أبداً. مستحيل، وأنتم تنظرون الآن والحمد لله كل الشباب الملتزمين زوجاتهم ملتزمات، وبعضهم يتزوج امرأة غير ملتزمة وبمجرد أن يعيش معها أسبوعاً أو أسبوعين يقرأ عليها القرآن والأحاديث، مباشرة تلتزم، تريد من يهديها إلى الله فاهتدت إلى الله. فصلاحك أنت دعوة، ثم الدائرة الأوسع من صلاح النفس صلاح الأسرة، وتبدأ الأسرة باللبنة الأولى بالزوجة (وخيركم خيركم لأهله) والناس يحملون الحديث: (خيركم خيركم لأهله) يعني: خيركم في الأكل والشرب والتعامل! لا. هي تشمل هذا، ولكن الخيرية الأعظم: (خيركم خيركم لأهله) ديناً وتربيةً، وكان صلى الله عليه وسلم خير الناس لأهله في هذا المقدار بالقدر المتكامل، أمهات المؤمنين كن كلهن فقيهات في الدين، لكن تجد بعض الدعاة والطيبين زوجته أجهل من الثور، ولا يوم من الأيام قرأ عليها حديثاً، وتراه يحدث الناس، لكنه في البيت إما أن يسكت أو يشاجر، سبحان الله! أولى الناس بالخير أهلك، أولى الناس بالبر والعلم أهلك لا بد أن يكون لك حلقة معهم، إذا كنت داعية وإماماً فعليك أن تذهب إلى البيت لتعلم أهلك ما علمته الناس، وإذا لم تستطع أن تعيد كل شيء فخذ الشريط واتركهم يسمعونه، فإذا انتقلت الدعوة من محيطك النفسي الذاتي إلى المحيط الزوجي الأسري. أيضاً تنتقل إلى المحيط الأسري الأكبر وهم الأم والأب والإخوة والأخوات، والأبناء والبنات، طبعاً المحيط الأسري الأكبر نوع من الحساسية والصعوبة، خصوصاً دعوة الوالدين والإخوة والأخوات، ليست كدعوة الزوجة، دعوة الزوجة سهلة؛ لأن لك عليها سلطان وقوامة، وتستطيع أن تفرض عليها الحق، وإن كان الأولى أن تقنع به، لكن إذا ما اقتنعت بالطيب تقتنع بالغصب، لكن بالنسبة لأمك وأبيك العلاقة حساسة، والنظرة إليك نظرة ليست متكاملة، أنت تنظر إلى نفسك بمنظار أن عمرك أربعون سنة أو خمسة وثلاثون سنة، لكن والدك ينظر إليك ويعطيك متوسط عمر، يعرف أنك كنت صغيراً، سنة أو سنتين أو خمس كنت مشاكساً وكسولاً وكذاباً ودجالاً ثم في يوم من الأيام هداك الله وتأتي إلى أبيك لتعلمه الدين، ماذا يقول لك؟ يقول: عجيب. مطوع! الآن تعلمني الدين، اذهب يا دجال، أنت ما تركت كذبة باردة إلا وقلتها! حسناً يا أبي: أنا كنت كذلك لكن الله منَّ عليَّ بالهداية لكن ماذا تفعل مع أبيك؟! تأتي إلى أبيك بمنطق الأستاذية والتعالم؟ لا. تعال من منطق الود والرحمة والحب والخدمة والعرض، لا تفرض على أبيك حراماً أو حلالاً! لا. قل: نسأل الشيخ، أو نسمع شريطاً، أو اترك غيرك يعلمه، أما إذا علمته أنت فلن يقبل منك أبداً؛ لأن من عرفك صغيراً حقرك كبيراً، فالناس الذين يعرفونك وأنت صغير يحقرونك وأنت كبير، لكن إذا ذهبت إلى أناس لم يعرفوك صغيراً، فسيقولون لك: يا شيخ، لكن الذين يعرفونه يقولون: هذا لعاب. نعرفه. ماذا تصنع مع أمك وأبيك؟ لا تصدر عليهم الأوامر، ولا تبين لهم الأحكام مواجهة، وإنما أولاً بالحب والخدمة، والبر، والصلة، والإحسان حتى يحبوك؛ لأن النفوس مجبولة هكذا؛ جبلت على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها. وبعض الشباب يوم أن يهتدي ينفصل عن الأسرة، ويخرج من الزملاء والإخوان والذهاب والمجيء، وكلما دعاه أبوه: تعال يا ولدي. أعطيني لبناً، يقول: مشغول، اذهب بأهلك إلى المستشفى، يقول: والله مشغول؛ معنا محاضرة، اذهب بهم إلى السوق، قال: عندي موعد، يقول: الله أكبر عليك وعلى محاضراتك ومواعيدك هذه، والله ما رأينا الشر إلا من يوم أن رأينا محاضراتك ودعواتك! كرهت أباك للدين بأسلوبك، لكن المفروض من حين أن اهتديت أن تلتزم البيت، ولا تذهب ندوة أو درساً، أو اجتماعاً، إلا بإذن أبيك، تقول له: يا أبي! أنا مشغول اليوم؟ تريد أن أذهب السوق؟ أو أذهب بالأهل إلى المستشفى، أو أذهب بهم إلى النزهة، هل يوجد ضيوف سوف يأتونك؟ لا يا ولدي ليس عندنا شيء. تريدني؟ لا. اجلس يمكن يأتي أحد، أذهب السوق؟ لا. فأنا أريد أن أحمل المشتريات عنك! بعض الآباء نراهم -يا إخواني- عمره ستين أو سبعين سنة وهو يحمل المشتريات على كتفه وولده نائم، ما عليك إذا كان ولده سيئ فاسق، لكن ولده طيب وملتزم لكنه لا يخدم والداه، وهذه الخدمة للوالدين من أعظم أنواع البر، بل سماها الرسول صلى الله عليه وسلم جهاداً؛ فإنه لما جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (ائذن لي بالجهاد، قال: أحيٌ والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد) يعني: ابذل جهدك في سبيل رضاهم، وبعض الناس يريد رضى أبيه بدون جهد، وإذا رأى أباه يشدد عليه، قال: أبي متعب جداً. لا تظهر طاعتك إلا مع الأب الذي مثل هذا، أتريد أباً مفصلاً على مرادك، إذ لا يظهر فضلك إذا كان أبوك طيباً، بل لا بد أن تكون باراً بالأب الذي ضد مقاصدك، أي: إذا أردت أن تذهب، يقول: لا تذهب، فتقول له: حسناً، ولو كان عندك مباراة، لكن عند أبيك ضيوف، من يصب الشاي؟ خاصة إذا كانوا يعلمون أن عنده ثلاثة أو أربعة أولاد بينما هو الذي يأتي بالشاي والقهوة ويصب وهو متعب! أين أولاده؟ ماذا يقول الناس؟ يقولون: لا بارك الله في أولاده! والله ما رأينا واحداً منهم. لكن عندما يأتي الضيوف وأولاده كلهم مصطفون، واحد يفتح الباب، وآخر يرحب بالضيوف، وآخر يحضر القهوة، وآخر يشغل المكيف وكل واحد يخدم من جهة! سيقول الناس: ما شاء الله! الأولاد من أمامه وعن يمينه ويساره يخدمونه، بارك الله فيهم، فإذا خدمت والدك بهذا الأسلوب أحبك، وإذا أحبك أحب الدعوة التي تدعوه إليها، ويحمد الله ويقول: الحمد لله، والله ولدي من يوم أن اهتدى ما شاء الله، الدين هذا خير وهداية، فقد اهتدى ولدي وجلس معي، ولم يذهب، ومن بعد العشاء يذهب، الله يوفقه، الله يرشده، لكن أن تخرج إلى الشارع؟ حتى ولو كنت على خير، لا. هذا لا يريده أبوك، أبوك لا يطمئن قلبه إلا إذا رآك في البيت، خصوصاً في هذه الأزمة -يا إخواني- وأنت سوف ترى عندما تكبر ويأتي لك أولاد كيف يتقطع قلبك إذا دق الباب عليك بعد منتصف الليل! لماذا تخرج إلى الشوارع؟ أما تعلم أنه لا يخرج في الليل إلا الحيوانات، فمن بعد العشاء اجعل قلب أبيك يرتاح، اجلس في البيت، اقعد على كتبك وانفع أهلك، هذا ما يجب أن تكون عليه. فإذا صلحت أنت في نفسك وأصلحت زوجتك وبنيك وبناتك، وأباك وأمك وإخوانك وأخواتك كنت داعية، وتبعث يوم القيامة مبعث الأنبياء، فكما جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (عرضت عليَّ الأمم، فرأيت النبي ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، والنبي وليس معه أحد) نبي يوحى إليه يأتي يوم القيامة ولا أحد معه، وثلاثة أنبياء في سورة (يس) معهم واحد، قال الله عز وجل: {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [يس:14]. فيا أخي في الله! لا خيار لك بحكم إسلامك وتبعيتك لهذا الدين، ومتابعتك لهذا الرسول الكريم إلا أن تكون داعية إلى الله، على أي مستوىً من المستويات، لكنك لا تعذر في مستوى نفسك وزوجك وأولادك، أما بعد ذلك فحسب الاستطاعة، فإن منَّ الله عليك بقدرة وعلم وتوفيق؛ فكلما زدت في هداية الناس زادك الله من فضله (لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم) (لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من الدنيا وما عليها) (ومن دلَّ على هدى كان له مثل أجر فاعله دون أن ينقص من أجورهم شيئاً). وكل عمل وعبادة فهي لازمة إلا عمل الداعية، فإن عمله متعدِّ، ونفعه دائم، وإذا هدى الله عز وجل على يديك رجلاً واحداً، فإن هذا الرجل وما يعمله من خير كله يسجل في حسناتك، إذا صلى فلك أجر مثل صلاته، وكذلك إذا زكى، وكل عملٍ يعمله لك مثل عمله، ما هذا العمل أيها الإخوة؟! فالله الله -أيها الإخوة- بأن يكون هم المسلم هذا الدين، على الأقل نفسك، لا تدع للشيطان وسيلة في إضلالك وأنت تستطيع أن تنقذ نفسك من النار {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء:165] ثم قال الله عز وجل بعد ذلك وهو يشهد {وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} [النساء:79] على أنه رسول من عند الله، قال: {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ} [النساء:166] رغم تكذيب هؤلاء، فإذا كذبك وعاندك الكفار، وشكك في رسالتك المنافقون واليهود، فالله يشهد أنك رسوله (لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} [النساء:166]. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يثبتنا وإياكم على الإيمان، وأن يشرح صدورنا وإياكم للإسلام، وأن ينور قلوبنا وبصائرنا بالقرآن، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة، ويذل فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، إنه سميع الدعاء. اللهم احفظ علينا ديننا وأمننا ونعمتنا واستقرارنا، ا

دعوة للإنفاق في سبيل الله

دعوة للإنفاق في سبيل الله وقبل البدء في الإجابة على بعض الأسئلة نقرأ رسالة جاءتنا من هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، فرع جدة، يطلبون الحث على التبرع للإخوة المسلمين في الشيشان، وأيضاً يطلبون الدعاء لهم؛ لأن وسيلة المناصرة لهؤلاء الإخوة تتم بأمرين: المناصرة بالدعاء، وهذا أعظم سلاح؛ لأن الله عز وجل لن يعدم الأمة من رجلٍ صالح يدعو، ولعل في دعوة مؤمن ما ينزل الله به النصر على هؤلاء، فلا نبخل حتى بالدعاء، فندعو الله أن ينصرهم ويثبت أقدامهم. وأيضاً نصدق دعاءنا بالتبرع، وما ننفق في هذا المجال إنما هو باقٍ عند الله تبارك وتعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96] والذي نأكله ونلبسه هذا يبلى ويفنى (يقول ابن آدم: مالي مالي وليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت) والبقية للورثة، أنت مسئول بتجميعها وتموت، والذي أكلته أفنيته، والذي لبسته أبليته، والتي تصدقت بها أبقيتها، والبقية للورثة، والله تعالى يقول: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:39] والإنفاق ليس من حقك فهو من حق الله، يقول الله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور:33] وبعد ذلك لمن تنفق، للجماعة أو لنفسك؟ {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ} [البقرة:272] فأنت رابح على كل الاتجاهات، فنطلب من إخواننا المساهمة في صناديق هيئة الإغاثة. وأيضاً هذه رسالة أخرى من الندوة العالمية للشباب الإسلامي، وهذه الندوة المباركة التي تقوم بأنشطة في خدمة الدعوة إلى الله عز وجل في جميع أنحاء العالم، وهي ممن يحظى بدعم وتأييد المسئولين في هذا البلد المبارك حفظهم الله، ولها أنشطة وبرامج ووسائل متعددة في نشر الدين ودعوة الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولهم أيضاً صناديق عند الباب، ونرجو ألا تعود هذه الصناديق كما جاءت، إنها جاءت خماصاً -يعني: لاصقة بطونها بظهورها- ونريد إن شاء الله ألا تعود إلا وهي بطاناً من الخير الذي تقدمونه إن شاء الله لإخوانكم.

الأسئلة

الأسئلة

وسيلة قضاء الدين

وسيلة قضاء الدين Q سائل يطلب منكم أن تدعو له في ظهر الغيب فإن عليه ديناً كثيراً، وآخر يسأل أن تدعو له جهاراً بالثبات على الدين؟ A أما الأول الذي عليه دين؛ فنسأل الله أن يقضي دينه، ولكن نقول له: انو الأداء؛ لأن من استدان ونيته الأداء أدى الله عنه، ومن استدان ونيته الإتلاف أتلفه الله، فمن الناس من يتورط في الديون وله نية على ألا يسدد، فهذا يتلفه الله؛ لأنه يريد إتلاف أموال الناس، ولهذا يتورط ويتوسع فيأخذ سيارة ديناً وهو يعرف أنه لا يستطيع أن يسدد، هذا متلاعب ومتهوك، ولا يجوز له أن يعمل هكذا؛ لأن كل شيء يمكن إلا الدين، الدين هذا يقول عليه الصلاة والسلام فيه: (والذي نفسي بيده! لو مات أحدكم شهيداً ما دخل الجنة حتى يوضع عنه دينه) نعم. الدين همٌ في الليل ومذلةٌ في النهار، وصبرك على نفسك أولى من صبر الناس عليك، وتعيش عزيزاً بأقل شيء من التكاليف التي تعيش عليها أفضل من أن تعيش ذليلاً تأتي بوجهك إلى كل شخص، لماذا؟ لأنك تريد سيارة جديدة، وكنباً، وغرفة نوم بخمسة عشر ألف ريال، وتريد من حقوق الناس، ماذا ينفعك؟ لا والله، نم على الحصير، وكل العيش الناشف، واسكن في كوخ وأنت عزيز النفس، سليم الذمة، بريء من هذا، فإذا كان عليك دين: أولاً: لا تتوسع في الديون. ثانياً: انو الأداء. ثالثاً: ضع برنامجاً للقضاء: مثلاً إذا كان راتبك ثلاثة آلاف ريال: حدد مصروفاتك واقتصرها إلى أضيق نطاق، وليس ضرورياً أن تشتري كل يوم لحماً، أو دجاجاً، أو سمكاً، إذ يمكنك أن تأكل في اليوم حبة بطاطة وعليها خيار وبصل وخبزة، وهذا مثل سَمكٍ بستين أو بسبعين ريالاً والإنتاج واحد، بل كلما كان الطعام أغلى كلما كان الطعام أخس في البذل، وقد سألت أحد الأطباء عنده دكتوراه في التغذية على أحسن الأطعمة، قال: أعطيك كلمة، قلت: نعم. قال: أرخص الأطعمة هي أنفع الأطعمة، وأغلى الأطعمة هي أضر الأطعمة، يقول: فأنت اكتفي -يا أخي- بشيء بسيط من الأكل، ووفر نقوداًَ من راتبك واقض دينك، ضع لهذا اليوم ألفاً، والشهر الثاني ضع ألفاً وهكذا، وبعد سنة أو سنتين تكون قد انتهيت من الدين، لكن بعضهم متورط في الديون، والأكل من أحسن ما يمكن، والسيارة بدل سيارة، والفرش والموكيت يغير كل سنة، والزوجة ذهبها من يدها إلى كوعها، والديون مائتين أو ثلاثمائة ألف، ويقول: ادع الله أن يقضي ديني، كيف يقضي دينك وأنت لا تشعر بأنك مديون؟ نسأل الله أن يقضي دينك، ولكن أعنا على نفسك بهذا الترتيب. أما الأخ الذي يطلب أن ندعو الله له بالثبات؛ فنسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يثبتنا جميعاً، وهذا الدعاء من وسائل الثبات، إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد الثابتين يقول: (يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك قال الصحابة له: أتخشى وأنت من الله بالمكان الذي أنت منه؟ قال: كيف لا أخشى وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء) والله يثني على أهل الإيمان ويقول: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8] فنحن نقول: اللهم ثبتنا بالقول الثابت يا رب العالمين حتى نلقاك، اللهم كما أنعمت علينا بنعمة الإسلام فلا تنزعه منا حتى نلقاك يا رب العالمين.

طريق القرب من الله

طريق القرب من الله Q ما هو الطريق للقرب من الله تعالى؟ A طريق القرب من الله عز وجل بثلاثة أمور: الأمر الأول: بالكتاب والسنة. الأمر الثاني: بتصديق الأخبار. كل ما أخبر الله به في كتابه أو أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته تصدق به وتأخذه مأخذ اليقين. الأمر الثالث: وتنفيذ أوامر الله وترك نواهيه، والقرآن والسنة كله إما خبر، أو أمر، أو نهي، فالخبر تصدقه، والأمر ترضخ له، والنهي تتركه، وبعد ذلك تصل إلى الله.

معنى كلمتي (المزيد) و (النجائب)

معنى كلمتي (المزيد) و (النجائب) Q ما هو يوم المزيد، وماذا يقصد بالنجائب؟ A يوم المزيد هو بمنزلة يوم الجمعة من أيام الدنيا، يوم القيامة، وهذا يوم يطلب الله عز وجل من أهل الجنة أن يذهبوا فيه للتسوق، وطبعاً السلع المعروضة في الجنة تؤخذ من غير ثمن، وفي هذا اليوم يتجلى الله عز وجل على الناس: فيرونه سبحانه من فوقهم نظر العيان كما يرى القمران ويحدثهم ويكلمهم كما يحدث أحدنا صاحبه، يقول عليه الصلاة والسلام: (ما منكم إلا وسيكلمه ربه مواجهة ليس بينه وبينه ترجمان) نسأل الله أن يمتعنا بهذا النعيم. أما النجائب فهي وسائل للنقل، أي: لنقلهم إلى القصور التي يسكنون فيها بالجنة. وكل ما تسمعونه من قصور ونجائب وأنهار هذه فقط أسماء، وأما الحقائق فلا يعلمها إلا الله، يقول الله تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة:17] ليس في الجنة من الدنيا إلا الأسماء، إنما الحقائق على حقيقتها، يقول الله تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُن جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17] فتأتي هذه النجائب وهي وسائل النقل لتحمل أهل الإيمان من قصورهم ودورهم ومنازلهم إلى السوق الذي أعد ليوم المزيد؛ من أجل التسوق، مشاهدة الرب تبارك وتعالى، ومن أجل النعيم الذي نسأل الله وإياكم ألا يحرمنا من فضله. وأكتفي بهذا والله أعلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وفرحوا بالحياة الدنيا [1،2]

وفرحوا بالحياة الدنيا [1،2] إن الفهم الخاطئ أو التصور الخاطئ للشيء يجر إلى الحكم الخاطئ والعمل الخاطئ، فتصور الإنسان لهذه الدنيا على غير حقيقتها يجر إلى عمل لا يفيد ولا ينفع، بل قد يضر، وبذلك يخسر المرء دنياه وأخراه، وبما أن صانع الشيء أعرف بصنعته وما يصنعه، فكذلك الدنيا، ولله في ذلك المثل الأعلى، فالله عز وجل هو من نلجأ إليه في معرفة حقيقة الدنيا لكي نسير سيراً صحيحاً فنفوز في الدنيا والآخرة.

فهم الناس للدنيا فهما خاطئا

فهم الناس للدنيا فهماً خاطئاً الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين. أيها الإخوة في الله! هذه الحياة التي نعيشها ونقضيها على ظهر الأرض ذات هدف، والذي يبدو من تصرفاتنا على ظهرها أننا ما عرفنا الغرض منها، ودائماً الحكم على الشيء فرع عن تصوره، تصورك للشيء وفهمك له يبعثك على الحكم عليه، فإذا كان التصور صحيحاً والفهم صحيحاً كان الحكم صحيحاً، فهذه قاعدة عند العقلاء كلهم، وإذا كان التصور خاطئاً والفهم خاطئاً ترتب على ذلك أن يكون الحكم خاطئاً، هذه الحياة فُهمت من قبل الكثير من الناس على غير مراد الله منها.

تصورات خاطئة للحياة الدنيا عند الناس

تصورات خاطئة للحياة الدنيا عند الناس هناك قوم ظنوها فرصة للعد من الشهوات، وللاستكثار من الملذات، فهم يتنافسون على الرغيف، ويتطاحنون في سبيل الريال، ويعضون ويستغرقون في مطالب البطن والفرج، لا يشبعون بشيء ولا يقنعون من شيء؛ لأن تصوراتهم أنها فرصة، ما دامت فرصة للشهوات: لماذا لا يلبس؟ ولماذا لا يأكل؟ ولماذا لا ينكح؟ ولماذا لا يتمتع؟ ولماذا ولماذا؟ يريد ألا يخرج من هذه الدنيا إلا وقد استغرق بكل شهواتها، فجمعوا في سبيل تحقيق هذه الشهوات الأموال، وظنوا أنهم بهذه الأموال يستطيعون أن يحققوا السعادة التي توفرها لهم هذه الإمكانيات والقدرات، وعند التطبيق العملي لهذه الفكرة الخاطئة فوجئوا بالحقيقة المرة التي تضعهم في المواجهة الصعبة في أن السعادة ما حققت بالمال، بل كان المال سبباً رئيسياً في شقائهم، يقول الله عز وجل: {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:55] سبحان الله! المال عذاب {يُعَذِّبَهُمْ بِهَا} [التوبة:85] نعم عذاب، عذاب في جمعه وتنميته وتثميره، وعذاب عند مفارقته والابتعاد عنه، فهو عذاب في البداية وفي الوسط وفي النهاية، عذاب في عذاب في عذاب والإنسان في الأصل ما جمع المال إلا ليرتاح ولكن بالمال شقي: ولست أرى السعادة جمع مال ولكن التقي هو السعيد وقوم ظنوا هذه الدنيا أو هذه الحياة مركزاً ورتبة ومنصباً وجاهاً ووظيفة، فقضوا الأعمار والسنوات الطوال في سبيل التحصيل حتى تسلموا أعلى المناصب وارتقوا إلى أعلى الرتب، وإذا بهم بالمناصب والرتب يشقون لا يسعدون. وقوم ظنوها بكثرة الأولاد وكثرة العيال وكثرة الزوجات وإذا بالأولاد والزوجات يتحولون إلى عذاب فوق عذاب. إن الثمار والنتائج كانت شيئاً طبيعياً لتصورات الناس، وإذا رأيتم الآن أصحاب الأموال الذين يستغرقون حياتهم في تثميرها ويتطاحنون عليها لا ترون عندهم نعيماً أبداً، هل يأكل التاجر (صاحب الأموال) ورقاً؟ يطبخ ورقاً أبو خمسمائة من أجل أن يأكل أحسن من الفقير؟ هل يفصل ثوباً قيمته خمسمائة؟ أو يلبس بشتاً مفصلاً من ورق؟ هل يسكن عمارة مبنية بالذهب؟ لا. بل يأكل كما يأكل الفقير، ويشرب كما يشرب الفقير، وينام كما ينام الفقير، ويركب كما يركب الفقير لكن هو فقير في ذاته، الأموال خلف ظهره وليس في عينيه إلا الفقر كما جاء في الحديث، يقول عليه الصلاة والسلام: (من أصبح والدنيا همه -مفتوح قلبه فقط على جمع المال من أين يأتي بالمال- جعل الله فقره بين عينيه) فلا يرى إلا الفقر، البنوك ممتلئة، والأرصدة مرتفعة، والمخازن كثيرة، والمحطات كثيرة، والأراضي كثيرة، والعمارات كثيرة، لكن كلها وراء ظهره وليس بين عينيه إلا الفقر فأينما ذهب فالفقر بين عينيه، وإذا سألته: كيف الأحوال؟ كيف الأمور؟ قال: والله يا أخي! الأمور متأزمة، والسيولة النقدية غير متوفرة، والعالم متخبط اقتصادياً، ونخشى أن يحصل زعزعة في المال. وهو مسكين فقير لماذا؟ لأن الفقر بين عينيه. (من أصبح والدنيا همه فرق الله عليه شمله) أول شيء، فرق الله عليه شمله: أي شتت عليه أمره، فتراه يسعى ولا يدرك، من الصباح إلى المغرب وإذا جئت تسأله: ماذا صنعت؟ ماذا عملت؟ قال: والله ما قضيت لي غرضاً، ذهبت البلدية وعقّدوها، ذهبت مكتب العمل وما أفلحت، وذهبت الجوازات وعلى الله أن يمشوا معاملتي، وذهبت الإمارة والله لم أجد أحداً يمشي المعاملة، لماذا؟ لأن أمره مشتت ومفرق؛ لأنه اهتم بالدنيا ولم يهتم بالآخرة. (وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له) والله لا الدنيا تأتي بالطلب والحرص، ولا الفقر يأتي بالكسل، وإنما الأرزاق مقسومة والأسباب مشروعة، والله يقول: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف:32].

ثمار الفهم الصحيح للدنيا

ثمار الفهم الصحيح للدنيا قال: (ومن أصبح والآخرة همه) أصبح وفي قلبه مثل النار تشتعل من خوفه من الله، ومن خوفه من لقاء الله، ينام على الفراش الوثير الطويل العريض ولكن هذا الفراش في غرفة النوم الواسعة لا تنسيه ضيق القبر، ويعيش على الأنوار الساطعة وفي العمارات الشاهقة ولكن هذه الأنوار وهذه السقوف المنقشة والمطلية لا تنسيه ظلمة القبر، يعيش مع زوجته وأولاده وأسرته وأقاربه ولكنه لا ينسى ظلمة القبر ووحشته، فهو يعيش هنا بجسده وقلبه في الآخرة، مسافر إلى الله بقلبه، جسده في الأرض وروحه عند الله عز وجل. يفكر! من حين أن يصبح وقلبه معلق بالآخرة: كيف يعمل الصالحات؟ كيف ينجو من السيئات؟ كيف يتقرب إلى الله؟ كيف يسلك الطرق الموصلة إلى الله؟ ينفذ إلى الله من كل باب، ويصل إلى الله من كل طريق، بالخطوة يمشي إلى الله، بالأذن والكلمة يسمع فيمشي إلى الله، باللسان يتكلم به في الخير ويعمل به الخير فيصل إلى الله، باليد يمشي إلى الله، المهم رجل ينتهز الفرص، متاجر مع الله، لا يحقر من المعروف شيئاً ولو أن يتبسم في وجه أخيه المسلم، إذا لقي أخاه يبدأه بالسلام ويقول: السلام عليكم، الله يصبحك بالخير، كيف حالك يا أخي؟! يريد أن ينال أجراً بهذا السبب رغم أنه لن يخسر شيئاً، يقول عليه الصلاة والسلام: (تبسمك في وجه أخيك صدقة) ويقول: (لا يحقرن أحدكم من المعروف شيئاً ولو أن يلقى أخاه بوجه طلِق) وفي رواية أخرى: (طلي) وفي رواية أخرى: (طلْ). المهم أن هذا هو المتاجر، وهذا هو الموفق الذي يريد أن يعيش لله يحول حياته كلها ويصبغها بصبغة الدين، موظف ولكنه موظف مؤمن فيدخل على الله ويصل من باب الوظيفة، يأتي مبكراً ويلقى المراجعين بأسلوب طيب ووجه بشوش، يقدم لهم الخدمات ويسهل لهم الأمور، ويفتح لهم الثغرات، ويجد لهم الطرق التي تمشي أمورهم وتقضي حوائجهم وفق الأنظمة، ولا يرى طريقاً يسيرة إلا سار بها بين الناس، وبعد ذلك إذا لم يجد فرصة اعتذر إليهم بوجه طيب وقال لهم: يا إخواني! أنا والله أتمنى أن أخدمكم ولكن النظام كما تعرفون يحتم علينا أن نعمل هكذا وهكذا وقد بحثت لكم عن إمكانية لقضاء اللازم لكن لم أستطع فلا تؤاخذوني، فما ظنكم بهذا الرجل؟ ماذا يقول الناس عنه؟ يقولون: جزاك الله خيراً وبارك الله فيك، والله كأنك قد عملت لنا المعاملة كلها. لكن بغير الأسلوب هذا يمكن أن يفتح الإنسان على نفسه طريقاً إلى العذاب والنار -والعياذ بالله- بأسلوبه السيئ، لا يأتي إلا متأخراً، وإذا دخل غرفته أغلق الباب عليه، وإذا جاء المراجع نهره وقال: ما الذي أتى بك؟ اخرج، امسك طابور، اذهب هناك، أنا مشغول الآن والمراجع ساكت لا يتكلم مع أن كل مراجع معه لسان، وكل مراجع معه يد يستطيع أن يضارب ويستطيع أن يصفعه، لكن يخاف أن يتكلم فتتوقف المعاملة، يخاف أن يمد يده فيصل في مكان ليس جيداً؛ ولذا يسكت ويتحمل ويقول: طيب، جزاك الله خيراً، أبشر، ندخل في الطابور كأنه شحات على بابه، فإذا جاء الله قال: عندك رقم؟ قال: لا. ليس عندي رقم، أنا مسكين لا أعرف الأرقام. قال: اذهب، ماذا تريد مني؟ أقلب لك في الدفاتر هذه كلها؟ أنا موظف لك لوحدك، اذهب واحضر برقم أو لا تأت عندي ولا تراجعني! لا إله إلا الله! فإذا خرج هذا المراجع من عند الموظف المخذول، فما رأيكم ماذا يقول؟ يدعو عليه، يقول: الله أكبر عليك ما هذا العفريت! من أين جاءنا هذا الجني؟ الله لا يوفقه، الله يجعلها في وجهه، وفعلاً يستجيب الله؛ لأن الناس شهداء الله في أرضه، إذا أجمع الناس على حب رجل؛ لأنه يقدم لهم الخير ويعمل لهم الخير أحبه الله، وإذا أجمع الناس على كراهية إنسان؛ لأنه شرير -والعياذ بالله- كرهه الله عز وجل.

الهم الأخروي يورث قناعة في القلب

الهم الأخروي يورث قناعة في القلب قال: (من أصبح والآخرة همه جمع الله له شمله) أي: يسر له أموره، لا يسير في طريق إلا وربنا ييسرها له، كل أمر ييسره الله له لماذا؟ لأنه جعل همه الله، وجعل همه الآخرة فقضى الله عنه دنياه وشئون دنياه. (جمع الله له شمله، وجعل غناه في قلبه) يقول في الحديث: (ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس) فقد تجد إنساناً فقير نفس وهو مليونير، وتجد غني نفس وهو فقير ليس عنده ريال واحد لكن اسأله عن حاله يقول: في نعمة والحمد لله، ولو سألته: هل معك في جيبك شيء؟ قال: ليس عندي شيء، ولكن عندي فضل الله، وأنا معافى، وآمن، ومتزوج، ومعي أطفال، ومعي البيت الذي يكفيني أنا وأولادي، معنا رزقنا الذي ييسره الله، الحمد لله على كل حال، وهذا هو الغني حقيقةً (ليس الغنى عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس). شكا رجل إلى أحد الصالحين قال له: إني أشكو إليك قلة المال، وضياع العيال، وليس عندي شيء. قال له: أتبيعني عينك؟ قال: لا. قال: أتبيعني إياها بمائة ألف دينار؟ قال: لا. والله لو أعطيتني مليوناً، والله لو أعطيتني الدنيا من أولها إلى آخرها ما أبيعها. قال: حسناً معك عينان بعني واحدة فقط. قال: لا. لا أقبل في واحدة منها شيئاً. قال: أتبيعني أذنك؟ قال: لا. قال: أعطيك فيها مائة ألف دينار. قال: والله لا أعطيك. قال: واحدة لك وواحدة بعها. قال: لا أبيعك شيئاً. قال: أتبيعني لسانك؟ قال: لا. قال: أتبيعني شفة من شفتيك؟ قال: لا. قال: أتبيعني يدك. قال: لا المهم عدد له النعم فكانت بقيمة مليون. قال: كيف تشكو الفقر وعندك سلع قيمتها مليون ريال؟ بالله الذي عنده هذه السلع فقير؟! والله ليس فقيراً {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ} [البلد:8 - 9]. الآن من فضل الله ورحمته حينما خلق الله للإنسان هذه الأجهزة زوده من كل جهاز مهم وضروري للإنسان ونافع اثنان لي يكون هناك احتياط، فإذا تعطلت عين عملت الأخرى، وإذا تعطلت أذن كأن تنحرف الطبلة بقيت الأخرى تعمل وكذلك الشفتان والأسنان واليدان والرجلان، لكن الأشياء الضارة والتي منها خراب كثير والتي تدخل صاحبها النار واحدة فقط. خلق الله للإنسان فماً ولساناً، فما رأيك لو أن شخصاً معه لسانين؟ كان والله لا يدخل الجنة -استغفر الله- لأن أكثر ما يدخل الناس النار الفم والفرج، والآن الشخص معه فرج واحد ولا يستطيع أن يضبط نفسه فكيف لو معه اثنان؟! لأحرق الدنيا بشهوته، فالنافع جعله اثنين اثنين، والضار جعله واحداً، وبعد ذلك أمر الله أن تضبط هذا الواحد، يقول عليه الصلاة والسلام: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه أضمن له الجنة) ويقول في الحديث -والحديث في جامع السيوطي وهو صحيح- يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا تزوج العبد أو المرء فقد استكمل نصف دينه فليتق الله في النصف الآخر) كثير من الشراح يعرف معنى هذا الحديث إلا أن بعضهم وهو ابن القيم رحمه الله إنسان متخصص في معرفة مقاصد الشرع ومعرفة أسرار الحديث النبوي فيقول: إن الحديث يقول: (إذا تزوج العبد بقي نصف دينه) بقي النصف الثاني ما هو؟ الدين حفظه على شيئين: نصف حفظ الفرج، ونصف حفظ اللسان، فإذا تزوجت استكملت نصف الدين، يعني: حفظت فرجك، فاتق الله في النصف الثاني -في لسانك- لأن أكثر ما يدخل الناس النار الفم والفرج. قال: (وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة) أجل.

معرفة ماهية المخلوق لا يكون إلا بالرجوع إلى الخالق

معرفة ماهية المخلوق لا يكون إلا بالرجوع إلى الخالق الذي يلزمنا كعقلاء أن نتعرف في الدرجة الأولى وفي أول أمرنا على هذه الحياة: ما هذه الحياة؟ هذا السؤال المهم، ولماذا جئنا إليها؟ وإلى أين ننتقل منها؟ هذه الأسئلة المحيرة حارت في فهمها العقول في القديم والحديث، والذي يعرف الإجابة الصحيحة عليها هو خالقها {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] أعرف الناس بالصنعة من؟ صانعها، وإذا تعطلت الآلة تأخذها إلى من؟ إلى من صنعها حتى يصلحها؛ لأنه أعرف الناس بأسرارها، فإذا تعطلت وذهبنا إلى غير صانعها زادها عطلاً، إذا توقفت الساعة فأين تذهب بها؟ إلى الوكالة، لكن لو ذهبت بها إلى صاحب (البنشر) وقلت له: يا (بنشري!) أصلح لي الساعة، قال: هاتها. وعبأها زيتاً وشحمها، ما رأيك تصلح أو تتعطل أكثر؟ إذا تعطل المسجل أو الراديو أين تذهب به؟ إلى مصلح الراديو، عند الوكالة، قطع الغيار عندهم والأسرار و (الكتلوج) لكن إذا ذهبت به عند النجار وقلت له: الراديو معطل لا يعمل. قال: هاته. وضرب له مسماراً، ودقه (بالقدوم) ونشره وقال: تفضل، فما رأيك يصلح أو يخرب؟ يخرب لماذا؟ لأنك ترد الصنعة إلى غير صانعها، الله خالقك أيها الإنسان! والله خالق هذه الحياة، والله منزل القرآن، إذا أردت أن تسير سيراً صحيحاً اعمل بتعليمات الخالق، واعمل بتعليمات الذي أرسله الله لتشغيل هذا الإنسان وهو القرآن: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29].

اللجوء إلى غير الله نتيجته الفشل

اللجوء إلى غير الله نتيجته الفشل لماذا فشلت البشرية اليوم؟ لماذا تريد أن تداوي عللها فتفسد نفسها؟ لأنها كلما أرادت أن تصلح رجعت إلى غير الله ففسدت، ويوم أن تعود إلى الله وتتعالج من أدوائها بأدوية القرآن والسنة وتسير على المنهج الصحيح تصلح كما صلحت في زمن من الأزمان وفي فترة من الفترات، يوم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الأرض وكانت القلوب غلفاً والآذان صماً والأعين عمياً، لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً، كانت العرب تزني بحليلة الجار، وتشرب الخمر، وتزني، وتلعب الميسر، وتقتل النفس، وتئد البنت، وكانت أخلاق شيطانية إلى أبعد الدرجات، فلو أنك أتيت بشخص من هؤلاء العرب الذين كانوا قبل الإسلام لا تجد فيه خصلة صالحة أبداً، لقد كان عمر بن الخطاب يعبد صنماً من تمر فإذا جاع أكله، أكل ربه! وكان يدفن ابنته، يكسر ظهرها ويضعها في الأرض ويدسها، فتصوروا قسوة قلبه كيف وصل إلى هذه الدرجة؟! ولما ردت الآلة إلى صانعها، لما عاد العرب بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله، وعملوا بتعليمات الكتاب والسنة، كيف صلح الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟! كيف انفتقت المواهب؟! كيف خرجت الطاقات وتحولت النفوس تحولاً رأسياً رأساً على عقب!

التحول العجيب في حياة عمر عندما رجع إلى الله

التحول العجيب في حياة عمر عندما رجع إلى الله عمر بن الخطاب الذي كان هذا قلبه وهذه قسوته يقول عبد الرحمن بن عوف: [مررت أنا وأمير المؤمنين وهو يعس] يعس: أي يقوم بتفقد أحوال المسلمين في الليل، مسئول عن المسلمين، لا ينام الليل، كان يشعر بعظم المسئولية ويقول: [والله لو عثرت بغلة في العراق لكنت مسئولاً عنها يوم القيامة: لم لم أمهد لها الطريق]؟ ويقول للمرأة التي مر عليها في الليل وهي تغلي الماء وتضع فيه حجارة والصبية حولها يتضاغون جوعاً قال: [يا أمة الله! ماذا تعملين؟ قالت: أولادي جياع وليس عندي طعام، فأنا أشعل النار على القدر وفيه ماء وحجارة، وأحرك في الحجارة والماء وأقول للأولاد: اصبروا اصبروا حتى يغلبهم النوم، قال لها: أنا آتيك بطعام، فرجع وهو يبكي، ودخل بيت المال وأتى لها بدقيق وسمن وأعطاها، فأبعدت الحجارة ووضعت الدقيق والسمن وأيقظت الأولاد وأشبعتهم، فلما أكملت قالت: والله إنك أفضل من عمر، ولم تعلم أنه عمر، قال لها: يا أمة الله! وما يعلم عمر عنك؟ هلا ذهبت إليه حتى يعطيك. قالت: لا يعلم عني وهو أمير المؤمنين؟! كيف يلي ويكون مسئولاً عن إمارة المسلمين ولا يعلم عني حتى آتيه؟! قال: والله إن الناس كلهم أفقه من عمر حتى هذه المرأة]. يقول عبد الرحمن: [كنت معه وهو يعس في الليل] لا ينام الليل كما روت السنن والسير أنه لم يكن له فراش، وكان النوم يسبقه ويسرقه إما تحت ظل شجرة، أو تحت حائط، أو في المسجد، المهم كلما غلبه النوم نام قليلاً وقام، فقيل له: [يا أمير المؤمنين! ألا نتخذ لك فراشاً؟ قال: لا. ما لي وللنوم، إن نمت في الليل أضعت نفسي، وإن نمت في النهار أضعت رعيتي] يقول: أنا لا أنام، الليل لربي أصلي، والنهار للرعية أرعى أمورهم. يقول: [فكنت معه، فمررنا على بيت فيه صبي يبكي، ثم عدنا والصبي لا يزال يبكي، فدق الباب -لم يتحمل عمر أن يسمع صراخ الصبي ولا يعرفه، لكن قلبه رقيق، القلب القاسي بالكفر أصبح رقيقاً، رقة متناهية في الإسلام- فدق الباب قال: يا أمة الله! أسكتي غلامك فإنك أم سوء -يقول: ألا ترحمين هذا الولد الذي يبكي طوال الليل؟ أسكتيه- قالت: كيف أسكته وعمر يفرض للفطيم خراجاً فأنا فطمته قبل الموعد من أجل أن يكتب له خراجاً من بيت مال المسلمين، قال: أرضعيه وسنكتب له خراجاً] يقول عبد الرحمن: [فوالله ما عرفنا قراءته في صلاة الفجر من كثرة نحيبه وبكائه! ثم نادى في اليوم الثاني مناد أن عمر يكتب خراجاً لكل مولود في الإسلام، فلا تفطم المرأة ولدها قبل الموعد وإنما له خراج منذ أن يخرج من بطن أمه] هذا عمر، وهذه رقته. أما عقليته المتحجرة التي كانت تأكل الصنم بعد أن تعبده فكيف كانت عقلية عمر بعد ذلك في الإسلام؟ كان يقترح على النبي صلى الله عليه وسلم فلا يوافقه الرسول فحسب وإنما يوافقه القرآن، وقد عد العلماء أن عمر وافقه القرآن في واحد وعشرين موضعاً، إذا قال كلاماً نزل الوحي يصدق عمر. قال: [لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى للرسول صلى الله عليه وسلم] فأنزل الله قوله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً} [البقرة:125]. وقال: [يا رسول الله! لو خاطبنا نساءك من وراء حجاب] فأنزل الله قوله: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:53]. وقال في غزوة بدر عندما انتهت المعركة وقبض على الأسرى استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في الأسرى يقتلهم أو يفدون، أو ماذا يصنع بهم؟ فأشار أبو بكر رضي الله عنه فقال: (يا رسول الله! أبناؤك وإخوانك وأبناء إخوانك لماذا تقتلهم؟ ولكن يفدون أنفسهم فنحن بحاجة إلى المال. قال: وأنت يا عمر. قال: لا يا رسول الله! أعداؤك وأعداء دينك قاتلوك وأخرجوك، اقطع رقابهم) قوي في دين الله! فالنبي صلى الله عليه وسلم مال إلى رأي أبي بكر؛ لأنه رحمة على العالمين، (ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما) صلوات الله وسلامه عليه {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] والله يقول: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] رحمة -صلوات الله وسلامه عليه- على العالمين، رحمة على الإنس، والجن، والطير، والحيوانات، وعلى كل شيء، حتى أنه مر ليلة من الليالي صلوات الله وسلامه عليه على قوم في البادية وعندهم خيمة، وإذا بوسط الخيمة ظبية مربوطة، وإذا بها تبكي وتهز رأسها، فقال لهم صلوات الله وسلامه عليه: (أتدرون ما تقول هذه؟ قالوا: لا. قال: إنها تقول: إنها تركت طفلين لها، وطلبت مني أن أشفع لها عندكم فهل تسمحون لها تذهب ترضعهم وترجع؟ قالوا: إن كانت ترجع يا رسول الله! فلا مانع؟ قال: ترجعين؟ -يخاطبها وهم لا يفهمون الكلام- فأشارت برأسها، قال: أطلقوها. فلما أطلقوها ذهبت وأرضعتهم وإذا بها تأتي تسلم نفسها! فقالوا: يا رسول الله! هي لله عز وجل، فأطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم) أرسل رحمة للعالمين صلوات الله وسلامه عليه. ولما جاءت القمرة تبكي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من فزعها بفرخيها. قال شخص: أنا يا رسول الله! قال: ردها) فهو رحمة على كل شيء صلوات الله وسلامه عليه. ولكن كان أمر عمر عند الله أفضل، اختيار عمر بقتلهم عند الله أفضل، قال الله: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} [الأنفال:67] ثم قال: {لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [الأنفال:68] يقول صلى الله عليه وسلم بعدها: (والله لو نزلت نار من السماء لاحترق هذا الوادي بمن فيه ولما نجا منها إلا عمر).

حقيقة الدنيا والسبب الذي خلقنا الله من أجله

حقيقة الدنيا والسبب الذي خلقنا الله من أجله هذه الحياة -أيها الإخوة- خالقها وفاطرها ومنشئها هو الله {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] إذا أردنا أن نعرف حقيقتها فلنسأل عنها خالقها، يا رب! ما هذه الحياة؟ هي دار لعب: {وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ} [الرعد:26] ويقول مؤمن آل فرعون في سورة غافر: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ} [غافر:39] {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:64].

الدنيا لهو ولعب

الدنيا لهو ولعب كأن سائلاً يسأل فيقول: يا رب! أخبرنا عن هذه الحياة، أخبرنا عن حقيقتها، وما المراد منها، وما الذي بعدها حتى نعمل لما بعد هذه الحياة؟ فيجيب الله في سورة الحديد بصيغة الأمر الموجه إلى الناس يقول: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [الحديد:20] اعلموا أنتم يا مكلفين! اعلموا حقيقة هذه الحياة {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ} [الحديد:20] هذه الدنيا التي نعيشها الآن لعب، أحب شيء عند الناس اللعب، لو علم أن هناك سمرة في الوادي ذهب لها من الخميس، ولكن لو قيل: إن هناك ندوة في المسجد قال: شغلتونا، كل يوم وأنتم تحدثون. والشيطان ما شغلك كل يوم وهو يلعب بك؟ وشغلة الشيطان سهلة ومحببة. الوظيفة التي من أجلها خلقك الله: سماع كلام الله، سماع حديث رسول الله في مجلس من مجالس الإيمان، في روضة من رياض الجنة، تحفك فيه الملائكة، وتغشاك فيه السكينة، وتنزل عليك فيه الرحمة، ويباهي بك الله في الملأ الأعلى، وينادي مناديه في آخر الجلسة: (أن قوموا مغفوراً لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات) هذه عند كثير من الناس شغلة، يقول: اشغلونا، حتى أن بعضهم يتورط في جلسة من الجلسات فإذا قام المحدث هرب كأنه شاهد ثعباناً أو أسداً، ولكن إذا كان هناك لعب أو (دقة عرقوب) أو ختان أو سمرة قال: دعونا نذهب نطرب، فتلك ليست شغلتك؟ لأنها في سبيل الشيطان، تظله فيه الشياطين، يغشاه القلق والاضطراب، تنزل عليه العذاب -والعياذ بالله- يباهي به الشيطان؛ لأنه مجلس لا يذكر الله فيه (وما جلس قوم في مجلس لم يذكروا الله تعالى فيه إلا كان عليهم هذا المجلس حسرة وندامة يوم القيامة) وفي الحديث: (ما من مجلس يجلس فيه الإنسان ثم يقوم ولم يذكر الله فيه إلا تفرقوا على مثل جيفة حمار). لكن تلك ترضي الشيطان، وبعد ذلك أين يجلس؟ على الطين، وبعد ذلك ليته يجلس مثل جلسة الإيمان التي -الحمد لله- كلاً منا جالس لا تعب ولا شيء، لا. يدق الأرض دقاً ويقفز ويضرب ويهز جسمه ولكن لا يشعر بتعب؛ لأن الشيطان ينفخه، كلما نقص هواه قال له: انتبه. وإذا أرادوا أن يبطلوا السمرة قال: يا جماعة! بدري الساعة الثانية عشرة، دعونا نسمر، هذه فرصة لا تفوت، فإذا انتهت السمرة وذهب، فك الشيطان سجنه، وذهب البيت وإذا به مرهق، كأنه مضروب من سنة! لماذا؟ يقول تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} [مريم:83] ترجه رجاً -والعياذ بالله- إلى المعاصي وإلى الذنوب، حتى إنكم لترون هذا الذي يشغل الاستريوهات في سيارته، يركب سماعة هنا وسماعة هنا، وسماعة هنا وسماعة هنا وبعد ذلك يقول: أريد مسجل استريو! لماذا الاستريو؟ قال: لا أريد موسيقى بسيطة، أريد موسيقى مرجوجة، لأن عقله مرجوج -والعياذ بالله- وإذا نام في البيت في غرفة النوم ركب سماعة كبيرة، والله إني دخلت عند شخص في غرفته ولديه سماعة مثل الدولاب! -لا حول ولا قوة إلا بالله- ما هذه؟ قال: هذه للموسيقى الغربية، يقول: إذا نمت أريد أن أسمع الموسيقى الغربية كي ترجني، لا يأتيه النوم إلا وقد ركبته الأباليس -والعياذ بالله- لا حول ولا قوة إلا بالله! ينام المسلم على ذكر الله وهذا ينام على ذكر الشيطان لترجه الموسيقى، قلت: لماذا هذه؟ قال: للموسيقى الغربية، هذه موسيقى حالمة، موسيقى تجلب الهدوء، موسيقى تريح النفس وتزيل الإرهاق وتريح الأعصاب. قلت: الحمد الله أنها تعطلت، والله ما منها راحة لا في الدنيا ولا في الآخرة لا حول ولا قوة إلا بالله! وإنا لله وإنا إليه راجعون! هذه الدنيا لعب ولهو يحبها الناس، فاللهو جزء من اللعب لكنه أخص منه، اللعب أعم واللهو أخص؛ لأنه يلهو به الإنسان، ويضيع الوقت به. ويقول بعضهم: تعال نلعب ورقة، وما هي الورقة؟ ورقة! يلعب بها العقلاء وكبار القوم والناس، يقتلون في سبيلها الأوقات الطوال، بعضهم يجلس بعد العشاء ولا يقوم إلا الساعة الثانية عشرة أو الواحدة أو الثانية وهو متقابل هو ورفيقه، يضرب الأرض بيده، ويزعل ويشتم ولماذا أنت ما أعطيتني؟ كيف أنا ما شفت إشارتي لك؟ ما قلت لك كذا بفمي ولا بعيني ولا بإصبعي؟ لا حول ولا قوة إلا بالله! بل بعضهم يسب بعضاً، يقول لي شخص وقد تاب الله عليه، يقول: والله ما وجدت في نفسي أنني في موقف ذلة في مثل مرة من المرات وأنا كنت ألعب هذا الورق -يقول- وفي مرة من المرات الذي أمامي اشترى -يعني: اللعب- واللعب عليَّ فلازم أعطيه شيئاً يمسك اللعب به؛ لأن الدنيا كلها عنده، وهو عينه في وأنا ما انتبهت -يقول- فوضعت قطعة من الورق أخذها أحد الأخصام -يقول- فقال لي ذاك: أصلك بقرة -يقلل من شأنه وهو مدير إدارة كبير- قال: يا أخي! وصل الأمر إلى هذا الحد؟ قلة الأدب إلى هذا الحد! أنا مدير إدارة ومسئول -يقول- فوضعت الورقة له وقلت: في أمان الله هذا عنده نفس أبية؛ لأن الله يقول: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:91] يقول: ومن تلك الليلة تبت إلى الله وتاب الله عليَّ. هذا هو اللهو، تعال نلهو، نسمر، نتمشى، نفحط، نتكلم، هذا لهو، كله باطل، لا يجوز لك، ما خلقك الله لتلهو، قلت لأحدهم: لا تمض أوقاتك في هذه الخزعبلات. قال: يا شيخ! فأين تريدني أن نذهب؟ قلت: تحفظ القرآن؟ قال: لا والله. قلت: حسناً هل تحفظ نصف القرآن؟ قال: لا. قلت: تحفظ ربعه؟ قال: لا. قلت: تحفظ جزءاً منه؟ قال: لا. قلت: تحفظ سورة الملك التي يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (وددت لو أنها في قلب -أو في صدر- كل مسلم من أمتي) لأنها تدافع عنه في القبر؟ قال: لا. قلت: تحفظ سورة الواقعة التي يقول فيها ابن مسعود: [أن من قرأها في ليلته كفاه الله شر الفاقة في الدنيا]؟ قال: لا. قلت: تقرأ سورة الدخان، تقرأ سورة يس التي هي قلب القرآن؟ قال: لا. قلت: حسناً يا أخي! عندك وقت تلعب؟ عندك وقت تلعب بلوت؟ هل تحفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم؟ هل تعرف تفسير: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} [الفلق:1 - 3] ما معنى غاسق إذا وقب؟ قال: لا أعلم. قلت: وتلعب بلوت -ما شاء الله- فارغ، ليس عندك وقت تملأه، لماذا لا تقرأ تفسير ابن كثير؟ لماذا لا تقرأ صحيح البخاري؟ لماذا لا تقرأ رياض الصالحين؟ لماذا لا تقرأ كتاباً في الفقه؟ لماذا لا تتعلم دينك لتعبد الله وتعيش مسلماً قوياًَ في إيمانك؟

هذه الدنيا زينة

هذه الدنيا زينة هذه الدنيا زينة، ترون البيت قبل أن يليس سمنت مع بطحاء مرصوص في قالب، لا يستطيع أحد أن يسكن فيه، لكن من أجل أن نخدع أنفسنا نليس، وبعد ذلك ندفن ونرش ونفرش ونأتي بالكنب والستائر، لماذا هذا؟ زينة فقط، ونغير كل سنة الموكيت والسيارات التي تشاهدونها الآن تمشي في الأسواق، حتى أن الكفار أدركوا أننا سطحيون، وأن عقولنا في عيوننا؛ ولهذا يخرجون موديلات كل سنة، وما هو الموديل هذا؟ يخرج موديل ما بينه وبين الموديل الأول إلا الخط الذي من الجنب، الباغة التي يلصقها، باغة صفراء أو باغة حمراء، قال: هذا موديل ثمانية وثمانين، ويضع لك اصطب من هنا أو مرآة كبيرة، وإذا أتيت بسيارتك سبعة وثمانين ورأيت المرآة قال: يا شيخ! أما موديل ثمانية وثمانين رهيب الله أكبر يا هذا الرهيب! ما فيه رهيب؟ قال: رهيب يا شيخ! المرآة كذا، والاصطبات شكل ثاني، (والطيس) -بعضهم يقول: حتى (الطيس) - في الموديلات تتغير، (الطيس) التي يدوس بها الإنسان في النجاسات، (الطيس) لا بد موديل ثمانية وثمانين. وبعضهم يبيع سيارته بخمسة عشر ألف وهو اشتراها بأربعين ألفاً، وذهب وأخذ سيارة بخمسين لماذا؟ موديل جديد، من أجل ماذا؟ زينة.

الدنيا تفاخر وتكاثر

الدنيا تفاخر وتكاثر وتفاخر بينكم: مفاخرة ومكابرة ومسابقة: فلان بنى، والله لأبني، فلان عمل، والله لأعمل، فلان عمل البئر وصبها، كيف تكون بئرنا غير مصبوبة وبئر فلان مصبوبة؟ فلان وفلان، المهم مفاخرة، وليست مفاخرة في الآخرة، مفاخرة في الدنيا، ولهذا يقول أحد السلف: إذا نافسك جارك في البنيان فنافسه في قيام الليل، وفي الصيام، وفي الحديث (ولا تنظر إلى من هو فوقك انظر إلى من هو دونك فإنه أحرى ألا تزدري نعمة الله) لكن في الدين انظر إلى من هو فوقك. {وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ} [الحديد:20] تكاثر، تسابق، تطاحن، تناحر، لا بد أني أكثر، لا بقليل يشبع ولا بكثير يقنع مثل شارب البحر كلما شرب كلما زاد عطشه، مثل النار: كلما قيل لها: هل امتلأت؟ قالت: هل من مزيد، هل بقي أحد.

ضرب الأمثال على حقيقة الدنيا

ضرب الأمثال على حقيقة الدنيا هذه الدنيا بخمسها: لعب، ولهو، وزينة، وتفاخر بينكم، وتكاثر في الأموال والأولاد، حسناً ما مثلها يا رب؟! لأن الأمثال تقرب المعاني، والله قد ضرب في القرآن بالأمثال العديدة وقال: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر:21] وقال: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43] ودائماً المثل هو وسيلة إيضاح تقرب المعنى وتفهمه وتدخله في الأدمغة، فهذه الدنيا كما قال قال: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ} [الحديد:20] ما مثلها؟ قال: {كَمَثَلِ غَيْثٍ} [الحديد:20] الغيث: النبات الذي يأتي في أول الزرع الأخضر الجميل، الذي منظره جميل وملبسه جميل وشكله جميل إذا هبت عليه الريح تراه يميل مع الريح ثم ترده الريح، وإذا أسقيته يميل، يعني منظر جميل، فهذه الدنيا {كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} [الحديد:20] الكفار هنا: يعني الزراع، ليس هم كفار بالمعنى الشرعي بل بالمعنى اللغوي؛ لأن الكفر بالشيء تغطية الشيء، وسمي الكافر كافراً؛ لأنه يغطي نعم الله ويغطي حقائق الإيمان ويخادع نفسه، والزارع يسمى كافراً في اللغة وليس كافراً في الشرع، لا. هو مؤمن، لكنه يضع الحب في الأرض ويغطيه فقال الله: {أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} [الحديد:20] هذه الدنيا أولها {ثُمَّ يَهِيجُ} [الزمر:21] يكبر {فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً} [الزمر:21] هذه هي المرحلة الثانية من الدنيا {ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً} [الحديد:20] يجبس ويتحطم ويسقط. يقول ابن خلدون في مقدمته: يذكر أن مراحل الحياة ثلاث مراحل: مرحلة الشباب، ومرحلة الأشد، ومرحلة الشيخوخة والكهولة، فمرحلة الشباب تبدأ من أول العمر إلى العشرين، والإنسان ينمو في هذه الفترة نمواً متعادلاً جسدياً وعقلياً، ينمو عقله وينمو جسده سواء، في توافق زمني بحيث لا يسبق عقله جسده ولا يسبق جسده عقله، يسمونه العمر الزمني أو العمر العقلي في التربية، إلى العشرين، وفي العشرين يقف نموه الجسدي، طول ثوبك وأنت ابن عشرين هو طول ثوبك إلى أن تموت، هل هناك أحد يزيد طوله بعد العشرين؟ يمكن يتوسع لكن بحسب العوامل الأكلية، إنما يطول، لا. ثوبه وهو ابن عشرين هو ثوبه إلى أن يموت، بعد العشرين يتوقف النمو الجسدي ويستمر النمو العقلي إلى الأربعين يكتمل النمو العقلي، والذي عقله وهو ابن أربعين ليس مثل عقل ابن عشرين، عقل ابن عشرين فيه طيش، فيه حماس، فيه تسرع، فيه غضب، لكن ابن الأربعين، لا. فيه انضباط، فيه تعقل، وتوازن، واعتدال يزن الأمور بموازينها، يقيس النتائج على مقدماتها، بعد ذلك يقيس المقدمات على نتائجها، ينظر من منظار أوسع، ولذا ما بعث الله نبياً إلا في الأربعين، قال الله عز وجل: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف:15] فعند الأربعين يكتمل أشد الإنسان ويكتمل عقله، فلا يزيد عقل الإنسان بعد الأربعين، ولهذا الذي لم يعقل قبل الأربعين لن يعقل بعدها، وورد في بعض الآثار: [إذا بلغ الإنسان الأربعين من عمره ولم يغلب خيره على شره قبله الشيطان بين عينيه، وقال: فديت وجهاً لا يفلح أبداً] وقال في الأثر الآخر: (إذا بلغ الإنسان الأربعين من عمره ولم يغلب خيره على شره فقد تجهز إلى النار) أي: حجز وقطع تذكرة إلى النار إلى جهنم؛ لأنه مدة أربعين سنة وهو مع إبليس متى سيعود إلى الله؟ لا إله إلا الله! يقول العلماء: بعد الأربعين تنعكس المسألة، يستقر النمو العقلي ويبدأ النمو الجسدي بالنزول، من الأربعين إلى الستين تنزل قدرتك الإنسانية، عينك التي كانت حديدية ترى البعيد أصبحت ضعيفة، أذنك المرهفة التي كانت تسمع أدق الأصوات أصبحت لا تسمع، ماذا تقول؟ ارفع صوتك، ما أسمع، أسنانك التي كانت تكسر أصبحت لا تكسر شيئاً، تبدأ تسوس وتخلعها وتركب تركيبة وترقع من هنا لكن لا ينفع شيء، يدك القوية المفتولة انتهت، عضلاتك انتهت، رجلك التي كنت تدق بها في الأرض مثل الحديد، ركبك التي كانت -ما شاء الله- تصعد الدرج وأنت صاعد تقول: (والله! إن ركبي ضيمة معي روماتيزم) فمتى يكون هذا؟ من الأربعين إلى الستين. يقول العلماء: في الستين ينزل الجسد والعقل معاً، حتى العقل يبدأ يضعف، ولذا ترون الشيبة في السبعين والثمانين نفسيته مثل نفسية الطفل يزعل من أتفه الأسباب ويحرق لأتفه الأسباب؛ لأن الله يرده، قال الله عز وجل: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} [النحل:70] وقال: {الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً} [الروم:54]. يقول لي أحد الإخوة: والله إني أعرف شيبة لا يأكل إلا بالرضاعة! وقد بلغ أكثر من مائة سنة -وهو في البيت- ما لديه سن، ولا يستطيع أن يأكل أي طعام فيعطونه الرضاعة وهي ممتلئة بالحليب ليرضع، مثلما كان يرضع وهو صغير. ولذا أمر الله عز وجل المسلم بالإحسان إلى والديه قال: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء:23] "أف" هذه ليست كلاماً أصلاً، لا يوجد أحد يقول: أف. ما معنى أف؟ هل لها مفهوم في اللغة؟ لا. الأف هي: عملية التعبير عن التضجر وعدم الرضا؛ هذه حرام أنك تقولها لأبيك، فكيف بمن يسب أباه؟ كيف بمن يشتم أباه؟ كيف بمن يتكلم على أبيه ويرفع صوته على أبيه ويقول: اسكت، شغلتنا يا ذا الشايب! الله أكبر! {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء:23]. حملتك أمك تسعة أشهر كرهاً، قال تعالى: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً} [الأحقاف:15] تصور: إذا أنت شبعت بالليل ثم ملأت بطنك ثم أتيت لتنام لا يأتيك النوم حتى ينهضم طعامك، والطعام كله يمكن مثل يديك هذه، لكن كيف وأنت تتغذى في بطنها تسعة أشهر؟ تأكل من غذائها، وتمتص من دمها، وتنمو من جسدها، وبعد ذلك بطنها لك غرفة كاملة مهيأة، تقوم وتشتغل وتنام وأنت قاعد في قرار مكين، وبعد ذلك وضعتك كرهاً، يقول العلماء: إنه في لحظة من لحظات خروج الجنين من بطن أمه حياً تمر المرأة بلحظة فيها من العذاب ما لولا أن الله تبارك وتعالى رحمها وأبقاها لما تتحملها الجبال! نعم. تصور رأساً وجسماً يخرج من ذاك المكان الضيق، من الذي أخرجه؟! قال الله: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} [عبس:20]. وبعد ذلك بعد أن تخرج بعد الآلام والمعاناة والتعب تأخذك أمك وتلصقك إلى ثديها، ويترجم حنانها وعطفها إلى لبن حلو عذب، من أحسن الأطعمة في الدنيا، تعطيك طعامها، وبعد ذلك في الليل إذا مرضت لا يأتيها النوم -تعرفون الذين عندهم أولاد إذا مرض ولدك تنام سبعين نومة، وهي جالسة- طوال الليل وأنت في حضنها، وإذا جاءك الأذى عندها وجئت إلى أبيك ورآك أبوك قال: يا ولد! اذهب إلى أمك، اذهب، يا امرأة! غسلي الولد! ماذا بك؟ ألست أبوه؟ لا يستطيع أبداً، لكن الأم لا تتقزز منك أبداً. يقول لي أحد الإخوة: هناك امرأة معروفة بأنها نظيفة إلى درجة بعيدة جداً، أي: امرأة لا تقبل أي شيء، لدرجة أنها إذا دخلت بيتها تأخذ المفتاح وتنفخه قبل أن تدخل المفتاح تقول: لكي لا يتوسخ ويكون هناك تراب يخرب علينا القفل من الداخل، وبعد ذلك تزوجت وأتى لها أولاد ووضعت النظافة تلك كلها بالنسبة لأولادها، يقول: والله إنها أحياناً تغسل أولادها ويأتي الطعام فلا تتحرج أنها تذهب تغسل يديها، تقول: كلها واحد، ترى أن أذى ولدها بالنسبة لها أنه طعام من حبها، من عطفها، من شفقتها عليك، ولو خيرت بين حياتك وموتها لاختارت حياتك بأعلى صوتها، بعض الأمهات تقول: والله إنني أريد أن أموت ولا يموت الابن. فإذا ما كبرت وأصبحت رجلاً (عضلات ووظيفة) قلبت الموجة على أمك، خاصة إذا تزوجت بواحدة وأحببتها فإنك تكره أمك، وتبقى مع زوجتك، البسمة للزوجة، والسمرة للزوجة، والذهب الأصلي للزوجة، والملابس الغالية للزوجة، والطيب الغالي للزوجة، والهدايا للزوجة، والكهلة هناك، إذا مر عليها في الأسبوع مرة صبحك الله بالخير، الله يحسن خاتمتك، وسلم على يدها أو على أنفها، وكذلك إذا اشترى لها ذهباً أخذ لها من (الفالصو) وقال: إنها قديمة، إنها عجوز. وإذا اشترى لها ملابس أخذ لها من أبو خمسة أو أبو ستة متر، لماذا؟ عجوز، والله لو كانت العصا قد خرقت يدها لكنها تعرف الجميل والقبيح، وتريد ذهباً أحسن مما تريد امرأتك. القضية قضية اعتبارية، لما ترى فلذة كبدها الذي شقها وعقها وأتعبها طوال حياتها خيره كله لبنت الناس، وأنا أين جميلي؟ أين تضيعني أنا؟ أين هذا؟ ولهذا جاء في الأثر: من فضل زوجته على أمه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، كيف يا أخي؟! هذه أمك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابي لما سأله: (من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك - ثم قال- ثم أدناك فأدناك) لم يقل امرأتك في الحديث كله، يعني: الأقرب فالأقرب، ولكن المرتبة الأولى والثانية والثالثة للأم، وبعد ذلك الرابعة للأب، والمراتب الأخرى هذه قسم الناس على كيفك يا أخي، لكن الآن: المرتبة الأولى للزوجة، والمرتبة الثانية للزوجة والمرتبة الثالثة للزوجة، والأم أين هي؟ ما لها ميزة ولا لها كرت عند أكثر الناس، ال

حقيقة ما بعد الحياة الدنيا

حقيقة ما بعد الحياة الدنيا هذه الحياة وهذه الدنيا، عرفناها يا رب! نريد الآخرة فما فيها؟ سنموت في هذه الحياة، سننتقل منها رغم أنوفنا، والله يقول: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء:34 - 35] والذي ليس عنده تصديق أنه سيموت ينتظر حتى يموت {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30]. وهناك عالم أو طبيب قرأت عنه في مجلة، كان يجري أبحاثاً على إمكانية إبقاء الروح في الإنسان، فماتت أمه فطمع في أن تنجح أبحاثه حتى يعيد الروح إلى أمه، وخشي أن يدخلها في القبر فتأكلها القبور فصفدها ووضعها في الثلاجة حتى ينهي الأبحاث ويردها لتعيش، ومضى عليها ثمان عشرة سنة وما انتهت أبحاثه، ثم مات أبوه فوضعه فوق أمه في الثلاجة، وبعد سنة مات صاحب الأبحاث وهو لا يزال يبحث، فأخرجوه هو وأمه وأباه ووضعوهم في المقبرة، فالموت حق. الموت باب وكل الناس داخله يا ليت شعري بعد الباب ما الدار وقال الآخر: الدار جنة عدن إن عملت بما يرضي الإله وإن خالفت فالنار هما محلان ما للمرء غيرهما فاختر لنفسك أي الدار تختار قبل أن تحدد من الآن، إن كنت تريد الجنة فاسلك سبيلها، وإن كنت تريد النار فاسلك سبيلها، يقول عليه الصلاة والسلام والحديث صحيح: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى -فاستغرب الصحابة وقالوا: من الذي لا يريد الجنة، أهناك أحد لا يريد؟ - قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟! قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) فالذي لا يريد طاعة الله هذا لا يريد الجنة، والذي يريد طاعة الله يريد الجنة (من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) ستموت، وستخرج من هذه الدنيا، ستخرج من القصر إلى القبر منكوساً رأسك الأول. بعد هذه الحياة حينما تنتهي أيامك على دهرها، ويأتيك داعي الله بالمغادرة إلى الدار الآخرة، تخرج منها كما دخلت فيها {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:94] ما رأينا في حياتنا رجلاً جاء إلى الدنيا وخرج منها ومعه دفتر شيكات لكي يكتب شيكات لمنكر ونكير ولملائكة العذاب لكي يسهلون عليه الأمور ويعرفون أنه صاحب مال وأنه صاحب مكانة، لا. لا يعلمون عنك، المال في الدنيا لكن في القبر ليس معك شيكات، ولو معك فلوس لا تمشي عملة الدنيا في الآخرة، عملة الدنيا ورق وعملة الآخرة حسنات، وأنت أتيت وتركت الورق وراء ظهرك والحسنات ليس منها معك شيء، مفلس، وتريد أن تأخذ الجنة بالفلس، صحيح أنك في الدنيا ما قصرت، ما عليك خلاف، عمارات وسيارات وأولاد وكل شيء، لكن الآخرة ما معك فيها؟ ماذا صنعت بالآخرة؟ هذا المهم، هذا المعول عليه. تخرج من هذه الدنيا كما يقول الناظم: ولدتك أمك يا ابن آدم باكياً والناس حولك يضحكون سروراً فاعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسروراً الإنسان يخرج إلى الدنيا، وهذه عادة وطبيعة يشترك فيها كل أطفال الأرض سواءً كانوا مسلمين أو وكفاراً عرباً أو عجماً يهوداً أو نصارى سوداً أو بيضاً، كلهم، أي طفل من حين أن يخرج يبكي، لماذا؟ ورد أن الشيطان يضرب الإنسان في ضلعه، فيخرج وهو يصيح، رغم أنه خرج من الضيق إلى السعة لكن يصيح لا يريد هذه الساحة، كان هناك محفوظاً فلما خرج ضربه الشيطان، فأنت تبكي ولكن الناس حولك يضحكون سروراً، بشروه بولد، الحمد لله جاءه ولد، جاء له رجل، يفرحون، يقول: فاعمل لنفسك -عملاً صالحاً- أن تكون إذا بكوا -لأنه سيأتي يوم تموت أنت ويبكون عليك- ضاحكاً مسروراً، لتخرج من الدنيا وأنت تضحك وهم يبكون مثلما جئت إلى الدنيا وأنت تبكي وهم يضحكون، لكن لا تأتي تبكي وتخرج منها تبكي إلى النار، تأتي باكياً وتخرج منها باكياً إلى جهنم، هذه هي المصيبة، سوف تخرج من هذه الدنيا. لهوت وغرتك الأماني وعندما أتمت لك الأفراح فوجئت بالقبر يتعب الإنسان ويكد ويجتهد ويأخذ الرتب ويأخذ المناصب فإذا زانت له من كل جانب جاء الموت ليخربها من كل جانب. أحد الناس كان عنده عقارات وجاءته شوارع وبعد ذلك جاءته ملايين فجئت أزوره وهو مريض فقلت له: كيف حالك؟ كيف أنت؟ إن شاء الله بخير، قال: بخير، لكن لم تأتني الأموال إلا وقد أصبحت شايباً، وعلى فراش الموت، يا حسرتي! يقول: أموال ماذا أصنع بها وأنا شايب. قلت: أنفقها تنفعك. قال: أين؟ قلت: في الآخرة. قال: أنت مطوع، قلت: جزاك الله خيراً، لكنه أبى أن يموت ويتركها، مخذول -والعياذ بالله- والله لو كان فيه خير لنفسه لعمل صالحاً من هذا المال، لكنه محروم حقيقة والعياذ بالله. كما يقص علينا أحد الإخوة قصة يقول: كان هناك رجل بخيل وعنده مال، ودائماً لا يأكل إلا خبزة ناشفة قبل أيام الفقر، وهناك في هذه القرية عامل يمني يشتغل لكن لا يشتغل أي عمل إلا ويتقنه ولكن يشترط شرطاً، يشترط أن الفطور قرص بر، والعشاء -لم يكن هناك غداء في تلك الأيام (ما مثلنا دحس) ولم يكن إلا وجبتين فقط- بر ومعه كأس من السمن، تريد أن يشتغل عندك تعمل هذا الشيء، ولا يشتغل عندك أبداً إلا بهذا الشرط، فجاء هذا الرجل المحروم إليه وقال: تعال. هذا تاجر عنده من السمن الكثير الكثير، قال: يا فلان! نريدك في شغل. قال: طيب، لكن بشرطي. قال: أبشر. اشتغل له يوم وجاء في الضحى وإذا به يذهب له وأتى له بقرص ذرة على غير الشرط. قال: ما هذا؟ قال: قرص ذرة. وإذا به يرجم بالمسحاة والحكل وقال: والله لن أشتغل معك مرة ثانية، أنت كذاب، كيف تكذب علي؟! قال: لا. أبداً، أكمل عملك ما يكلمه إلا أنت. قال: لماذا؟ أنا شرطي أنك تعطيني قرص بر وكأساً من السمن. قال: أبشر أبشر، لكن أنه عملك. قال: اذهب، والله لن أشتغل حتى تأتي بها. فذهب إلى البيت وأتى له بقرص بر وأتى له بكأس سمن، وأتى أيضاً بقرص الذرة، ما أتى لنفسه بقرص من البر مثل العامل، فقام هذا ووضع القرص في السمن وأكله، وذاك يأكل القرص الذرة ناشف. قال: غمس يا عمي غمس. قال: لا. لن أغمس، قطر أنت، قطر. يقول: كل وقطر لا تغمسها كاملة، يقول: كل اللقمة هكذا وقطرها حتى لا ينتهي السمن. قال: طيب، فيأخذها ذاك ويغطسها ويغطسها لا يقطر ولا شيء، وما إن انتهى من قرصه قام الآخر والتفت هكذا فأخذ السمن وشربه، ما بقي له ولا قطرة. ويوم أعطاه قال: أشهد بالله يا عمي أنك محروم. فبعض الناس محروم -والعياذ بالله- من الخير، أنت ستخرج من الدنيا وليس معك من الدنيا شيء، قدم أمامك عملاً صالحاً حتى تلقاه بين يدي الله تبارك وتعالى، ابن مسجداً، ساهم في عمل الخير، أرسل للمجاهدين الأفغان، ساهم في جمعيات القرآن الكريم، أنفق على الفقراء والمساكين، لا تتاح لك فرصة من فرص الخير والإنفاق في سبيل الله إلا وتضرب فيها بسهم ولو قليلاً، لو مائة ريال، لو ألف ريال، لو ألفين ريال، المهم لا تخرج من عمل فيه خير وأنت صفر مفلس، أبداً، كلما شرع لك مشروع فيه خير لا تقل: لا والله، لا أضع، اجبر نفسك، اجبرها على الإنفاق؛ لأنك بهذا تربح مع الله تبارك وتعالى.

أصحاب العذاب والمغفرة يوم القيامة

أصحاب العذاب والمغفرة يوم القيامة يقول تعالى: {وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} [الحديد:20] التي نعيشها {إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد:20] متاع الخداع، مثل الفقاعة، الفقاعة التي ترونها تطلع في الصابون ما شاء الله كبيرة لكن انفخها، هل بقي شيء منها؟ هذه الحياة فقاعة، بيتي، قصري، أولادي، عماراتي، وإذا ذهن الواحد وضربوا برأسه في القبر أين المرأة؟ والله ليس معي شيء، فأين العمارة! والسيارة! والأولاد؟! فلا يرى إلا ما قدم، لا يرى عن يمينه إلا ما قدم، وعن شماله إلا ما قدم، كذلك أمامه لا يرى إلا ما قدم، ألا (فاتقوا النار ولو بشق تمرة) لا يرى إلا جهنم أمامه، ولا يتقي النار إلا بشق تمرة بالمال والإنفاق في سبيل الله عز وجل. {وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد:20] لمن العذاب الشديد؟ ولمن المغفرة والرضوان؟ من هم أصحاب العذاب الشديد؟ ومن هم أصحاب المغفرة من الله والرضوان؟ هؤلاء ذكرهم الله في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع من القرآن: قال الله عز وجل حكاية عن موسى وهارون حينما قالا لفرعون: {إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [طه:48] {إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ} [طه:48] الذي ذكر الله فيه وقال: {وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [الحديد:20] {أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [طه:48] هذه أعمدة الكفر: تكذيب بالحقائق الإيمانية، وتولي عن التكاليف الشرعية، فلا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، ولا بالملائكة، ولا بالرسل، ولا بالأنبياء، ولا بالبعث، ولا بالجنة، ولا بالنار، ولا بالصراط، ولا بالميزان، ولا بالكتب، فهذا التكذيب. والتولي: لا يصوم، ولا يصلي، ولا يحج، ولا يتصدق، ولا يعمل الخير، ويقع في الشرور، وهذا عليه العذاب. وقال عز وجل: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى} [الليل:14] أي: تشتعل وتضطرم {لا يَصْلاهَا إِلَّا الْأَشْقَى} [الليل:15] من هو يا رب؟! قال: {الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [الليل:16]. وقال في سورة القيامة: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ} [القيامة:26] التراقي هي عظم الترقوة، والروح إذا أذن الله بخروجها تأتي إلى الترقوة ثم تبقى هناك، لا تنزل فيحيا ولا تخرج فيموت، يقول تعالى: {فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} [الواقعة:83] {وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ} [الواقعة:84] جلوس عند رأس الميت {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ} [الواقعة:75 - 86] هل عندكم قوة {تَرْجِعُونَهَا} [الواقعة:87] هل تقدرون أن تردوا الروح؟ من يستطيع أن يرد الروح إلى الداخل؟ هل يستطيع أحد في الدنيا؟ رئيس جمهورية الاتحاد السوفيتي " تشير نمكو " و" بودقرني " هؤلاء الكبار لما جاءهم الموت هل نفعتهم صواريخهم؟ قنابلهم؟ دباباتهم؟ جيوشهم؟ ترجع لهم الأرواح؟ لا. {تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الواقعة:87]. قال: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} [المدثر:26 - 27] راق هنا: أي: راقٍ يرقى، أو طبيب أو معالج {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ} [القيامة:28] أي: تأكد له أنه خارج من هذه الدنيا {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} [القيامة:29] يمكن حضر منكم أحد جنازة إنسان وكان ينظر في أرجله كيف كانت؟ أصبحت ملفوفة هكذا، ملفوفة على بعضها {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} [القيامة:29] لأن علامات الموت كثيرة منها: ميلان الأنف؛ لأن الأنف هذا غضروف والحياة تدب فيه، فإذا خرجت الروح منه مال الأنف، وانخفاس الصدغين، والصدغ هذا فيه حياة إذا خرجت الروح تصير هذه قعرة وهذه قعرة، وانفكاك المفاصل، وبرودة الأطراف والتفاف السيقان. {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} [القيامة:29 - 30] والله -يا إخوة- إن هذه الآية إنها تهز نياط القلوب لو كان في القلب إيمان وخوف من الله وقوة يقين {إِلَى رَبِّكَ} [القيامة:30] ربك يقول لك: إنك سوف تكون في هذا الوضع في يوم من الأيام طال أو قصر، سوف تكون في هذا الموقف الذي تلتف فيه ساقك بساقك، وتكون ضعيفاً لا حول لك ولا قوة! ثم {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} [القيامة:30]. كيف تلقى الله ووجهك أسود؟ كيف تلقى الله وعملك سيء؟ كيف تلقى الله وكتابك مملوء بالمعاصي والذنوب؟ {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ * فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى} [القيامة:30 - 31] عكس هناك {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ} [القيامة:31 - 32] ماذا؟ {كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [القيامة:32] هذا السبب {ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى} [القيامة:33] يتعجرف {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} [القيامة:34] أولى لك أن تطيع، الكفر ليس خياراً فاضل ولا بديل حسن لك، الأولى لك الهداية، أولى لك الإيمان، أولى لك الالتزام، أولى لك سنة النبي صلى الله عليه وسلم {أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} [القيامة:34 - 36] يتركك الله سدى هملاً؟ ما تركك الله وأنت نطفة -خرجت من ذكر أبيك مثل قطعة المخاط- ما تركك الله وأنت نطفة بل حملك نطفة إلى أن جاء مع البويضة وصار أخلاطاً، وصار من هذه الأخلاط علقة، وبعد العلقة مضغة، ومن المضغة عظاماً، ومن العظام إنساناً، ومن الإنسان شق الله سمعه وبصره، ثم أخرجه ثم رباه ثم كبره، إذا صرت رجلاً هل يضيعك الله؟ يحفظك وأنت نطفة ويضيعك وأنت رجل؟! {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة:36 - 40] بلى وهو على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82]. قال الكفار لما سمعوا بخبر البعث: كيف يبعثنا الله ونحن موجودون وقد مات أناس وبقي أناس يموتون؟ قال الله عز وجل: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان:28] صعب عليكم لكن عند الله ليس بصعب، وقال: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا} [التغابن:7] قال الله: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:7] وقال: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غافر:57] كيف تستبعد من الله أن يعيدك وأنت لا تتفكر فيما خلق الله وخلقك من لا شيء؟ الإعادة أسهل من البداية في عرف الناس أما في ميزان الله لا أصعب ولا أسهل، كل شيء عنده قادر عليه {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [الأنعام:134] وله القدرة الغالبة ولا غالب له {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف:21]. هذه الثلاث الآيات بينت لنا أن العذاب على من كذب وتولى.

المغفرة والرحمة لمن أحسن الظن وأحسن العمل

المغفرة والرحمة لمن أحسن الظن وأحسن العمل أما المغفرة والرحمة والرضوان التي يتشدق بها العصاة في أكثر الأوقات والأحيان حينما يدعون إلى الله وهم مقيمون على الذنوب ومنغمسون في الخطايا فيقولون: الله غفور رحيم، هؤلاء كما يقول ابن القيم: يسيئون الظن بالله؛ لأنهم يتصورون أن الله يعطيهم على المعاصي حسنات، ويعطيهم على المخالفات جنات. فهؤلاء ما عرفوا الله، ولهذا يقول: {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الحج:74] إنهم يصفون الله بصفة تتعارض مع صفات كماله وجلاله، كأن الله لا يعرف يجازي عباده، والله له سنن في الكون أنه يجازي فقال: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:31] وقال: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل:89 - 90] تعمل السيئات وتذهب عند ربي وتقول: الله غفور رحيم؟ يقول الحسن البصري: [إن قوماً غرهم حسن الظن بالله حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم يقولون: نحسن الظن بربنا. قال: كذبوا والله لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل] أنت إذا كنت مدرساً عند المدير تحضر أكمل تحضير، ليس تحضيراً صورياً، لا. تحضر، معنى التحضير: تطلع على المادة قبل أن تدخلها، وتراجع مراجع المادة، تعرف معاني الكلمات، تعرف أسرار الحديث، كل مادة سواءً رياضيات أو حديث أو اجتماعيات أو أدب أو أي شيء، تحضر المادة في الليل، تقرأها وتطلع عليها، تجيب على كل تساؤلات الطلاب، وبعد ذلك تأتي مبكراً مع أول الدوام، تقف في الطابور، تفتش على الطلاب، وبعد ذلك تدخل الحصة مع أول دقيقة، لا تخرج إلا بعد آخر دقيقة، لا تستأذن، طوال العام ما لك ولا إذن واحد، تقضي كل أغراضك بعد الدوام، وبعد ذلك إذا طلب المدير منك أي أمر، تقول: حاضر، حصة فارغة أنا آخذها يا أستاذ! لا يهمك، عندنا نشاط، تحسن العمل في كل شيء، وبعد ذلك ماذا تتوقع بعد كل هذا الإحسان؟ تتوقع الترقية كذا أو لا؟ تتوقع العلاوة، تتوقع البقاء في المدرسة، تتوقع التقدير، لماذا؟ لأنك محسن، فتحسن وتحسن الظن، تحسن العمل مع المدير، وتحسن الظن في المدير. لكن لو أنك فاشل في الدراسة، التحضير هذا لا تحضر، وكلما قال لك: أين التحضير، قلت: يا شيخ! التحضير هذا كلام صوري، أزعجتمونا بالتحضير، ليس فيه غير نكتب طوال الليالي، والله ما أقرأه ولا أفتحه وإني أرجم به على الماسة وإني لا أراجع فيه، يا أخي! التعليمات هكذا لازم تحضر مادتك، هذه التربية تقول: لازم، طرق التربية والتعليم -مثلاً- تحضر المادة، قال: يا شيخ! كلام فاضي، أنا أحضر من رأسي، رأسي ممتلئ بالعلم، وهو دجال وليس في رأسه حبة. وبعد ذلك لا يأتي إلا وقد بدأت الحصة، وإذا أتته الحصة وصفرت قعد يتكلم مع هذا ويتكلم مع المدير: يا مدير! ما رأيك؟ يقول له: يا أخي! الحصة بدأت، قال: حاضر، وبعد ذلك خرج ووصل إلى الغرفة حق الفصل بعد ذلك تذكر رجع إلى الفصل: آسف يا أستاذ! نسيت الطباشير، حسناً لماذا لم تدخل وتركت واحداً من الطلاب يأتي لك بالطباشير؟ قال: لا. لا أريد أن أكلف على الطلاب، وهو ما قصده إلا تضييع خمس دقائق من الحصة، وبعد ذلك رجع: هل الدفتر هنا، أريد وسيلة الإيضاح هذه، أريد الكرة الأرضية، أريد الخريطة هذه، أريد صورة الحمار أو الحصان أو الجمل، المهم يضيع الوقت. وإذا دخل على الطلاب جلس وقال: اقرءوا يا طلاب! جاء المدير فقام، وبعض المدرسين يغلق الباب من الداخل ويقول: اقرأ يا ولد! وينام على الماسة؛ لأنه سهران في الليل، وبعد ذلك ما رأيكم إذا عرف المدير، إذا أتت حصة أي مدرس قم عنه، قال: يا شيخ! كل ساعة وهذا غائب كل يوم، وأنت لا ترى إلا أنا، عندي شغل، المرأة مريضة، أريد أن أذهب إلى الصحة، أريد أن أذهب إلى السوق، كل يوم له عذر، بالله ما ظنكم بهذا المدير؟ هل يرقي هذا المدرس؟ طيب وإذا رقاه ماذا يكون هذا المدير؟ مغفل؛ لأنه لا يعرف كيف يجازي المدرس الطيب والمدرس البطال. أما يستحي الشخص أن يقول: إن الله غفور رحيم، وهو لا يتوب من الذنوب؟ يصر على الذنوب ويقول: إن الله غفور رحيم، والله يقول: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر:49 - 50] هو غفور رحيم لمن تعرض للرحمة {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ * إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:55 - 56] أما أن تقيم على المعاصي والذنوب وتداوم عليها وترجو من الله الرحمة والغفران فهذا كذب ودجل، وربنا تبارك وتعالى قد ذكر في القرآن لمن الرحمة ولمن الغفران فقال: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82] تريد أن تكون من أهل المغفرة وفر هذه الشروط الأربعة: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ} [طه:82] أي: أقلع وندم وارتحل عن الذنوب والمعاصي (وآمن) صحح قضايا إيمانه (وعمل صالحاً) سار في الخط المستقيم، وبعد ذلك (ثم اهتدى) استمر؛ لأن الهداية السطحية، الهداية الزمنية الوقتية، الهداية الموسمية يهتدي أسبوع وبعد ذلك ينتكس، ويهتدي في رمضان وبعد ذلك يترك في شوال، لا ما يصلح، هذا كذاب متلاعب، الهداية أن تهتدي وأن تستمر وأن تثبت على الإيمان حتى تلقى الله عز وجل، هذه هي الهداية الصحيحة، ثم اهتدى {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82]. هذه أسباب الرحمة وهذه أسباب العذاب، أسباب العذاب: التكذيب والتولية، التكذيب بالحقائق الإيمانية والإعراض عن التكاليف الشرعية، أما أسباب الرحمة والغفران فهي: التوبة، والإيمان، والعمل الصالح، ثم الاستمرارية حتى تلقى الله تبارك وتعالى. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلني وإياكم من أهل الرحمة والغفران، وأن يجيرنا وإياكم من العذاب والنيران، وأن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وأن يستعملنا فيما يحبه، وأن يجنبنا ما يسخطه إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير، والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

حكم مس عورة الغير وأثرها على الوضوء

حكم مس عورة الغير وأثرها على الوضوء Q فضيلة الشيخ هل مس عورة الغير ينقض الوضوء مثل أم الطفل إذا مست عورة طفلها، وهذا أمر منتشر بين الأمهات، أرجو تبيين ذلك وفقكم الله؟ A إذا مست المرأة عورة طفلها وهي تغسله فقد انتقض وضوؤها، سواءً كان هذا الطفل ذكراً أو أنثى؛ لأن مس الفرج قبلاً كان أو دبراً للإنسان أو لغيره كبيراً كان أو صغيراً ينقض الوضوء.

حكم ماء التحلية للوضوء

حكم ماء التحلية للوضوء Q نسمع من كثير من طلبة العلم أن ماء التحلية لا يجزئ في الوضوء نظراً لتغيير طعمه بمواد، أرجو الإجابة وفقكم الله؟ A ليس بصحيح، ماء التحلية ماء حلال؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل في الحديث الصحيح قال أحد الصحابة: (إنا نركب البحر وليس معنا من الماء ما يكفينا، أنتوضأ بماء البحر؟) فأجاب صلوات الله وسلامه عليه بالإجابة الشافية الكافية وزيادة وقال: (هو الطهور ماؤه، الحل ميتته) فإنه صلى الله عليه وسلم لما سمع أنهم قد خفي عليهم حكم طهورية مائه علم بمقتضى الحال أن خفاء حكم ميتته أعظم فبين بالجواب الشافي، وهذا من شأن العالم أنه إذا سئل عن جواب أجاب وزاد فقال: (هو الطهور ماؤه، الحل ميتته) والذي يأتي من التحلية هو من البحر في الأصل، فهو طاهر، والمواد التي تضاف عليه طاهرة؛ لأن الأصل في الأشياء الطهارة والإباحة إن شاء الله.

حكم طواف الوداع للمعتمر

حكم طواف الوداع للمعتمر Q ذهبت أنا وأخي لأداء العمرة، وعند دخولنا مكة مكثنا مدة لا تقل عن ساعتين نبحث عن سكن، ثم بعد ذلك أخذنا العمرة، وبعد ذلك جلسنا ثمانٍ وأربعين ساعة نصلي في الحرم ولم نوادع، فما الحكم في المسألتين؟ A المسألة الأولى: في البحث عن سكن أو الراحة قبل مباشرة العمرة، جائز ولا شيء فيه، دخلت مكة وأنت تعبان ولا تستطيع أن تطوف وأردت أن تبحث لك عن بيت، وجدت لك بيتاً ثم دخلت فيه وتوضأت أو كان وقت غداء أو عشاء أو راحة وارتحت ثم ذهبت تباشر العمرة لا شيء في ذلك إن شاء الله. أما الوداع للعمرة فقد اختلف أهل العلم فيه، واتفقوا على أنه بالنسبة للحج واجب لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (اجعلوه آخر عهدكم بالبيت) واختلفوا في حكم الوداع بالنسبة للعمرة: فقال قوم بالوجوب قياساً على الحج، وقال قوم بعدم الوجوب، ولكن حملوه على الاستحباب؛ لأن القياس في العبادات غير وارد؛ لأنها توقيفية. والصحيح الذي يفتي به أهل العلم أنه غير واجب، فمن استطاع أن يطوف فمستحب، ومن لم يستطع فلا شيء عليه ولا يلحقه شيء بإذن الله عز وجل.

حكم ترك الحج مع القدرة والاستطاعة

حكم ترك الحج مع القدرة والاستطاعة Q لي والدة لم تحج حجة الإسلام وهي في صحة طيبة، ولكن لا تقبل الركوب في السيارة وتقول: إذا مت حج لي، فما حكم ذلك علماً أنها في صحة جيدة، وتستطيع الحج ولكن نفسها غير قابلة الحج؟ أفتوني جزاكم الله خيراً؟ A يجب عليها أن تحج بنفسها ما دامت في صحة طيبة، حتى ولو لم تكن تقبل السيارة؛ لأنها إذا ما قبلت السيارة لماذا تقبلها في التمشيات وفي العزائم، يعني: لا تركب السيارة أبداً؟ ليس معقولاً، لا يوجد أحد في الدنيا لا يركب السيارة حتى الحمير والجمال والثيران والبقر، فهذه نعمة من نعم الله، فهذه المرأة عليها أن تذهب إلى الحج وتركب السيارة إلا إذا كانت مريضة فقد ورد في الحديث: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن أبي شيخاً كبيراً أدركته حجة الإسلام ولم يحج ولا يستطيع أن يستوي على الراحلة أفأحج عنه؟ قال: حج عنه) فإذا كانت المرأة صحيحة ومتعافية فتخوف بالله، وتدعى إلى أداء فريضة الله؛ لأنه من استطاع الحج ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً، وعمر يقول: [لقد هممت أن أرسل إلى الأمصار فأبحث عن قوم لم يحجوا وهم يستطيعون فأضرب عليهم الجزية، ما هم عندي بمسلمين، ما هم عندي بمسلمين، ما هم عندي بمسلمين] فتخوف بالله ويقال لها: اتق الله، وعليك أن تحجي حجة الإسلام، وفي زماننا الحمد لله الأمور مهيأة، والسيارات مرتاحة، والطرق معبدة، والأمور كلها هناك طيبة: أمن وعافية ورخاء فعليها أن تحج. أما إذا قرر الأطباء أنها مريضة، ولا تستطيع أن تركب السيارة، ولا تستطيع أن تتحمل مشاق الحج من زحام أو من طواف أو شيء، وكانت هرمة أو مقعدة جاز الحج عنها، والله أعلم.

حكم تعاطي الشمة

حكم تعاطي الشمة Q لي والدة تتعاطى (البردقان) وقد قمت بنصحها لكن تعتذر أن عندها ألم في الأسنان؛ لأنه يداويها، وقد حاولت أن أذهب بها إلى المستشفى لعلاجها ولكن تمنع، سؤالي: ما حكم الفلوس التي أدفعها لها، ونحن ندفعها في شراء هذه المادة، علماً أنه ليس لها مصدر عيش إلا من عندي بعد الله عز وجل، وما حكم عدم ذهابي بها إلى المستشفى لعلاجها نظراً لكونها تمنع من المستشفى؟ A أولاً: (البردقان) أو (الشمة) باللسان الدارج والدخان والجراك كل هذه خبائث -والعياذ بالله- لا ينبغي للمسلم مزاولتها أو إتيان شيء منها؛ لأن في الطيبات ما يغني عنها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:172] كلوا من الشحم واللحم والعسل والموز والبرتقال والتفاح، كم أحل الله من الطيبات؟! ولكن أكثر الناس ترك هذا كله أقبل على الخبائث، مثل أبي جعران، أبو جعران هذا لا ينبسط ولا ينظر الدنيا كلها إلا إذا غرس أنفه في قطعة من النجاسة ودقدقها برأسه حتى يعمل كرة، ولو وضعت عند أنفه قطعة من القطن وفيها ورد يموت، لا يستطيع يعيش إلا على القذارة، وإذا شم الورد قتل كما يقول ابن الوردي، فالطيبات فيها غنية وفيها كفاية {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً} [المؤمنون:51] أما الخبائث، جنس الخبائث فهي محرمة كما في سورة الأعراف: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:156 - 157] فكل طيب حلال وكل خبيث حرام، نأتي نسأل: (الشمة) والدخان و (الجراك) والشيشة طيبات أم خبائث؟! خبائث، ليس هناك شخص في الدنيا يقول: إنها طيبة، حتى الحمار -أكرمكم الله ومجلسكم- في اليمن يقول لي أحد الإخوة: إن مزارع التبغ -الدخان- خضراء مثل البرسيم، والحمير تموت جوعاً وتظهر أضلاعها ونأتي إلى عند الحمار بقطعة من الدخان نعطيه فيرفض، يقول: هذا لا يصلح، يقول: استحوا على وجوهكم، ولكن البشر لا يشربونه إلا وقد يبس، بعدما ييبسونه ويقرطسونه ويتبخرون عليه، لا حول ولا قوة إلا بالله! ومرة كنت ألقي محاضرة في جيزان في مدرسة من مدارس الثانوية فتكلمت عن هذا الموضوع، فأحد المدرسين قال لي: يا شيخ! أنتم تقولون: إن الله يحل الطيبات ويحرم الخبائث؟ قلت: نعم. هذا قرآن، قال: أنا أعتبر الدخان من الطيبات، قلت: لماذا؟ قال: هكذا، أنا أقول: طيبات. قلت: طيب، عندك أولاد يا أخي؟ قال: نعم. قلت: إذا رأيت في يد شخص منهم حلوى أو بسكويت أو تمر تزعل أو تغضب؟ قال: لا. لا أغضب. قلت: وإذا رأيت في يد ولدك دخاناً؟ قال: لا أرضى، قلت: لماذا؟ قال: لأنه بطال، وبلسانه والله، قلت: والبطال يعني خبيث. فضحك الرجل وضحك الناس عليه، وبعد ذلك في آخر الجلسة قال: أستغفر الله وأتوب إلى الله من الدخان. فهذه أمك لا تشتري لها هذه الشمة ولو لم يبق معها شيء، أما الفلوس التي تعطيها يجب عليك أن تعطيها فلوساً، كلما طلبتك فلوساً تعطيها، لكن لا تشتري لها، إذا أعطيتها الفلوس فأنت تعطيها بقصد إعفافها وإغنائها، فإذا أرسلتك تقول: أعطي لي بهذين الريالين شمة. قل: لا. أعطِ لها بدل هذه الشمة علبة سكر أو علبة طحينية أو حلاوة أو زبيب أو لوز أو شيء من الطيبات، أما هذه الخبيثة هذه التي رائحتها -والعياذ بالله- تعف، تجد الواحد جالس في مجلسه فمه كذا أو كذا ويبزق مثل الدجاجة، عيب عليك، هذه ليست جيدة حتى في خلق الإنسان فضلاً عن دينه.

حكم نقل الكلام الذي يحصل بين الزوجين

حكم نقل الكلام الذي يحصل بين الزوجين Q إني أخبركم أني أحبكم في الله تعالى، ثم أخبركم أنه قد حصل بين صهري وأمي نزاعاً حيث حصل بينه وبين زوجته نزاع، والله أعلم أن السبب من أمها، وقامت الأم بنقل الكلام إلى أبي البنت، ثم قام أبو البنت بسب صهري فقمت بهجر أمي في نقلها هذا الكلام تأديباً لها حتى ترجع إلى الحق، فما الحكم جزاكم الله خيراً؟ A أمك أخطأت خطأً بسيطاً، وأنت أخطأت خطأً مركباً، أردت أن تكحلها فأعميتها، وأردت أن تعربه فأعجمته، لا شك أن تدخل الأم بين الزوجة وزوجها حرام ولا يجوز؛ لأنه إفساد، وينبغي ألا تتدخل الأم إلا بالخير، وينبغي للزوجة ألا تشكي على أمها كل شيء، يعني: يجب أن توطن زوجتك وأهلك على أن أي خلاف بينك وبين زوجتك ينبغي أن يبقى في دائرة الأسرة ولا ينفذ إلى الأم؛ لأنه إذا نقل إلى الأم أو إلى الأب زعلوا، وأنتما تتراضيان من ثاني ليلة، وتقعد الأم زعلانة لماذا؟ لأن الزوج وزوجته الخلاف بينهم شيء طبيعي، لا بد من الزعل، مثل أواني المطبخ: الفنجان يدق في الملعقة والملعقة تدق في الشوكة، يعني: شيء طبيعي، فإذا زعلت عليك أو زعلت عليها وذهبت تخبر أمها أو هي أخبرت أمها من يرضي أمها؟ لكنك ترضي المرأة في اليوم الثاني وتصطلحون وتلك زعلانة، فوطن زوجتك على ألا تخبر أمها. والأم أيضاً ينبغي إذا نقلت لها ابنتها شيئاً فلا تكبر الموضوع، تقول: لا. تصطلحون، وهذا زوجك وأبو أولادك، ولا ينبغي أن تخبريني بشيء مما يحصل بينكم، أما تدخلها فهذا إثم وعليها ضرر. وأما أنت فدورك مع أمك دور الإصلاح لا دور الإفساد، دور النصح والتوجيه والإرشاد بأن تقول لها: يا أمي! بارك الله فيك ووفقك لما يحبه ويرضاه، أنت من أهل الخير، وأنت فيك خير، وتعرفين هذه زوجة الرجل وتريده وتحبه، ولكن الخلاف بينهما شيء طبيعي، فلا تحاولين أن تنقلي كلاماً بينهما، وإذا نقلتي فاستغفري الله والله يتوب عليك، وأنت من أهل الخير. أما أنك تهجرها، الله أكبر! ما هذا العلاج! تهجر أمك! هذا عقوق، والعقوق هذا من أعظم الكبائر، يقول صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، ثم كان متكئاً فجلس وقال: ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت) فاستغفر الله، وعد لمراجعة ومراضاة أمك، وإذا أردت أن تعالج أي أمر عند أبيك أو عند أمك ديني أو دنيوي فلا تراجعه ولا تعالجه إلا بأعظم أسلوب وبأسهل أسلوب فإذا أطاعوك وإلا فلست بمقصود.

كيفية دعوة الأهل

كيفية دعوة الأهل Q أشهد الله على محبتك في الله، وبعد مع الأسف أنا أحاول أدعو أهلي ولكني ضعيف الشخصية، فماذا أفعل؟ A أولاً: أحبك الله الذي أحببتني فيه، وأسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يظلنا وإياكم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله؛ لأن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين أقوام ليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء على مقامهم من الله عز وجل -يعني: على منزلتهم- على منابر من نور. فجفا رجل من آخر الجلسة -أعرابي- قال: جلهم يا رسول الله لنا. قال: أقوام من بلاد شتى يجتمعون على الذكر، ينتقون من الذكر أطايبه كما ينتقي آكل التمر من التمر أطايبه) فنسأل الله أن يظلنا في ظل عرشه بالمحبة له تبارك وتعالى (ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه) هذه من أوثق عرى الإيمان. أما دعوتك وأسلوبك في دعوة أبيك وأمك وأسرتك فأولاً: يجب أن تأخذ نفسك أنت بالكمال، يعني: أنت في نفسك وفي حقيقتك وفي سلوكك تأخذها بالكمال، ولا تحمل أهلك حملاً على أنك تغصبهم غصباً على الدين؛ لأنك كنت قبل أن تهتدي ضال، ولو أن واحداً من أهلك اهتدى قبلك وجاء بالأسلوب القوي لرفضته وما أطعته {كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [النساء:94] فأنت في نفسك خذ نفسك بكل ما أمرك الله به، أما إخوانك وأمك وأبوك فعليك أن تتدرج معهم، أولاً: قدم الخدمة المتناهية لأمك وأبيك، لازم أباك ملازمتك لظلك، إذا دق شخص عندكم في البيت تفتح الباب، وإذا جاء الضيف فإذا بك في البيت تصب القهوة، وإذا غاب أبوك وإذا بك موجود تحمي الأسرة، وإذا احتاج أبوك إلى غاز أو إلى ماء أو إلى مقاض وإذا بك تقضي اللازم. لكن بعض الشباب المتدين الطيب لا يجلس في البيت دقيقة، من يوم تشرق إلى نصف الليل وهو مع الإخوة في الله وفي الندوات وإذا دخل قام يصيح: هذا حرام هذا حلال، فيقول الأب: الله أكبر عليك وعلى حرامك وحلالك، لا نراك إلا من السواد إلى السواد وتدخل أوامر ونواهي! من يقبل كلامك هذا؟! لا يصلح، أول شيء قدم الخدمة، وبعد ذلك قدم الخدمة لأمك، إذا كانت أمك تقوم بخدمة البيت ورأيتها يجب أن تشاركها، رأيتها تأخذ الطعام بعدما تنتهون من الطعام قل: والله لا تأخذين الصحون، قد طبختي أنا سأرفع الصحون، وجمِّع الصحون واذهب إلى المطبخ وافتح الحنفية وغسلها، وهذا ليس عيب عليك، رأيتها تكنس وتدف المكنسة قل: يا أمي! دعيني أتريض، أحسن من اللعب في الشوارع، والله لا يكنس الدار إلا أنا، وبعد ذلك إذا قمت من سرير النوم في الصباح لا تقم وتدع غرفتك كأنه نام فيها جني أو عفريت، البطانية في أرض، والمخدة في أرض، والثياب في أرض، والسروال في أرض، وكتاب العلوم في أرض، والراديو في أرض، أعوذ بالله من بعض الشباب يخرج كأنه عفريت، لا. نظف غرفتك، وزع كتبك، رد فراشك، نظم المخدة، افتح النافذة، ثم بعد ذلك خذ المكنسة واكنس الغرفة واكنس الذي أمامها، تأتي أمك بعد ذلك عندما تراك تخدمها بهذا تبحث عن رضاك، فتقول لها: يا أمي! ما رأيك -الله يجزيك الخير- أنك تتحجبي، فإن الحجاب فيه طاعة الله، تقول: إي والله، الله يجزيك الخير ويوفقك الله يا ولدي! والله إن فيك خيراً، والله من يوم هداك أن فيك بركة. لكن بعض الأولاد حمل على الأمة، حتى منديل المخاط يجعل أمه تغسله، وبعد ذلك إذا دخل قال: يالله تحجبي، الله أكبر! أوامر، ضابط يأمر وينهي! فتقول أمه: الله أكبر عليك، لا تدخل إلا تضارب ولا تخرج إلا تضارب فقط، فلا يطيعونك، فأنت أولاً: خذ نفسك بالكمال، وتعلم العلم، وقدم الخدمة لأمك وأبيك، وأحسن إلى إخوانك، ثم بعد ذلك قدم الدين، اجعل هذا طعماً مثل الذي يريد أن يصطاد سمكاً ماذا يصنع؟ يضع لها طعماً في الأمام، لماذا؟ هل هو يريد أن يكرم السمكة؟ لا. يريد أن يغريها حتى يأتي بالسمكة فيلتقطها، وكذلك أنت عندما تريد أن تصطاد واحداً إلى الدين قدم له طعماً: من الخلق، من البذل، من الحب، من الوفاء، لكي يأتيك، لكن ما رأيك لو أن شخصاً جاء عند سمكة ويوم أتت أخذ حجراً ورجمها؟ تهرب السمكة، مثلما يصنع أكثر الدعاة الآن، بالقوة، يضرب أخاه، وينهر أمه، ويتكلم على أبيه: أبي هذا فاسق، أبي هذا ليس فيه خير، لا يصلي في المسجد، حتى قيل لي: إن أحد الشباب ساكن في بيتهم في صندقة فوق السطح، حتى أكله يقول: لا آكل معكم، لماذا؟ قال: عندكم منكر، أنت أكبر منكر، لو أنك طائع لكان أول بركة هدايتك أنك استطعت أن تنجح في هداية أمك وأبيك (لأن خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) والأهل يشمل الأم والأب والزوجة والإخوان والأولاد، أما أن تبقى في برج عال تنظر إلى الناس من علو، الناس ضالون، الناس فاسدون وأنت الصالح، ولا تقوم بأي دور، فهذه سلبية ليست من هدي الإسلام. أسأل الله أن يوفقني وإياكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حوار مع منتكس

حوار مع منتكس تحدث الشيخ في هذه المحاضرة عن الانتكاسة وهي: حالة مرضية تصيب بعض الملتزمين، كما عرفها الشيخ، وقد تكلم الشيخ في إطار هذا الموضوع عن الوسائل المعينة على الثبات، ثم ذكر أسباب الانتكاسة مبيناً الوسائل التي يمكن بها علاج هذه الظاهرة، والتي تعد من أخطر الظواهر المؤثرة على مسيرة التزام الشباب.

ظاهرة الانتكاسة: (أسبابها وعلاجها)

ظاهرة الانتكاسة: (أسبابها وعلاجها) الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين. وبعد: أيها الأحبة في الله: تلقيت قبل موعد أذان المغرب بنصف ساعة فقط، وبالتحديد في الساعة السادسة إلا ربع، مكالمة هاتفية من الشيخ/ جابر المدخلي الأمين العام للتوعية الإسلامية بـ مكة، يطلب مني أن ألقي هذه المحاضرة بديلاً عن الشيخ/ محمد المختار الشنقيطي وذلك لظروف مرضه، نسأل الله عز وجل أن يكتب له الشفاء العاجل. والحقيقة لقد ترددت -بل اعتذرت- والسبب أن البديل دائماً يكون ثقيلاً مهما كان، الناس جاءوا وهم متهيئون لسماع رجل بعينه، فإذا جاء الغير كان هذا الغير ثقيلاً لا يريد أحد أن يسمعه، وما أود أن أكون ثقيلاً على إخواني. فقلت للشيخ: سوف آتي وأشاورهم فإن رأوا أنني سأصبح ثقيلاً عليهم اعتذرت، وخرجنا وذهب كلٌ إلى بيته، والسلامة كرامة كما يقولون، وإن قبلوا بشرط ألا أكون ثقيلاً عليهم فلا مانع من الاستمرار معهم إلى العشاء، وأنا أعرض عليكم هذا الرأي فما رأيكم، هل تودون الاستمرار ولا أكون ثقيلاً عليكم؟ بارك الله فيكم. البديل ثقيل لماذا؟ هناك حكاية: رجل جاءه ضيوف ولا يود أن يكرمهم -يعني: ضيوف ثقلاء- ولكن لابد له من أن يقدم لهم وجبة الطعام، فنزل إلى المرعى الذي فيه الأغنام وأخذ واحدة من الأغنام وأخذ السكين وبدأ يذبح الذبيحة، فصاحت الذبيحة من ألم حرارة الموت، فقال لها يخاطبها يقول: اصبري فوالله إنكِ مغصوبة وأنا مغصوب، يقول: أنتِ مغصوبة لا تريدين الموت وأنا مغصوب لا أريد أن أذبح، وأنا أقول لكم: أنتم مغصوبون وأنا مغصوب فاصبروا على ما واجهتم. موضوع المحاضرة: "الانتكاسة أو الانتكاس أسبابه وعلاجه"، كنت قبل فترة ألقي درساً في جدة ووعدت أهل جدة بمحاضرة بعنوان: "حوار مع منتكس" ولما كان هذا الموضوع هو موضوع هذا الدرس فأنا أقدم هذا الموضوع الذي كنت سألقيه في جدة بعد أيام وليالي؛ لأنه موضوع جاهز. الانتكاسة: حالة مرضية تصيب بعض الملتزمين الذين وفقهم الله عز وجل للاستقامة على دين الله، وهي والحمد لله في مجتمعنا لا تشكل ظاهرة عامة، بحيث نخاف منها أو ننظر إليها بنظرة شؤم، لا. هي حالة نادرة تقع في أفراد بسطاء بدليل استقامة الآلاف المؤلفة، واستمرارية العاملين والحمد لله في سلك استقامتهم، فهذه ليست مثار خوف عندنا، ولكننا ننبه عليها للتحذير منها من باب الوقاية؛ لأن مسألة الثبات على الدين حتى الممات شيء لابد منه، إذ أن العبرة والمعوَّل على الخواتيم -الخاتمة- إنما الأعمال بالخواتيم، وأنت يقاس لك عملك على آخر أداء تؤديه قبل الوفاة، فلو ثبتَّ طوال حياتك وزللت قبل الوفاة بلحظات، لم تعد لك كل سابقة حياتك، ولو انحرفت طوال الحياة ثم ثبتَّ عند الممات لختم الله لك على هذا الثبات وهذا معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (منكم من يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، ومنكم من يعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) هذا الحديث له مغزى وله هدف، والمثبطون والمنهزمون أمام شهواتهم يستدلون به على غير وجهه الشرعي فيقول أحدهم وهو منغمس في الذنوب، يقول: أنا أعمل بعمل أهل النار حتى إذا كان بيني وبين النار ذراع عملت بعمل أهل الجنة، هذا كلام غير صحيح؛ لأنك لا تملك الهداية، لا. ليس هذا هو مقصد الحديث. مقصد الحديث: بيان أن على المسلم الذي يلتزم بالدين أن يتمسك ويثبت إلى أن يموت، حتى لا يعمل عملاً من عمل أهل النار فيختم عليه به ويدخل النار. والثاني: أن على العاصي الفاجر البعيد عن الله أن يسارع بالتوبة وألا يؤجل ولا يسوف، حتى يعمل عملاً صالحاً؛ لأنه قد يموت بعد هذا العمل الصالح فيدخله الله الجنة، هذا هو هدف الحديث؛ لأن العبرة بالخواتيم. ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله الثبات ويقول: (يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك) ويخبر الله عز وجل عن عباده المؤمنين بأنهم يقولون: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8] يدعون الله عز وجل أن يثبتهم وألا يزيغ قلوبهم بعد أن هداها، ويطلبون من الله رحمة وهذه الرحمة يقول عنها المفسرون: هي رحمة التثبيت. اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

وسائل الوقاية من الانتكاس: (عوامل الثبات)

وسائل الوقاية من الانتكاس: (عوامل الثبات) وقبل ذكر أسباب الانتكاس هناك وسائل للوقاية من الانتكاس -وسائل للثبات- أبدأ بها؛ لأنها المهمة:

الاعتصام بكتاب الله

الاعتصام بكتاب الله يقول الله عز وجل: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} [الزخرف:43 - 44] فالله عز وجل أمر الرسول صلى الله عليه وسلم والأمر عام للأمة بالتمسك بل: (استمسك) الفعل هنا مبني بالمزيد ليس مبنياً من الثلاثي ولا من السداسي (استمسك) والزيادة في المبنى تدل على الأصالة والعمق والقوة في المعنى: (استمسك) أي: بكل ما أوتيت (بالذي أوحي إليك) أي: بالقرآن الكريم. والله عز وجل يقول في القرآن الكريم أنه مثبت، يقول: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} [الفرقان:32] فهو مثبت لفؤاد النبي صلى الله عليه وسلم، ومثبت لفؤاد كل مسلم من بعده إلى يوم القيامة، وما علمنا أن رجلاً اعتصم بكتاب الله وعاش مع القرآن وأضله الله أبداً، اعتصم بالقرآن والله عز وجل يحميك من الضلال، وتثبت على الإيمان حتى تلقى الله تبارك وتعالى، هذا أعظم مثبِّت، والاعتصام بكتاب الله يكون بالتالي: أولاً: تلاوةً، ثم تدبراً، ثم عملاً وتطبيقاً؛ لأن التلاوة هي سبيل التدبر، والتدبر هو طريق العمل، والعمل هو الهدف من القرآن، فالله لم ينزل القرآن ليتلى وإنما أنزله ليطبق في عالم الناس: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [ص:29] فتتلو كتاب الله كما أنزل تلاوة شرعية: {وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل:4] الترتيل يقول فيه علي رضي الله عنه هو: [إخراج الحروف ومعرفة الوقوف] يعني: أحكام التجويد، إذا ضبطت أحكام التجويد صرت تالياً مع السفرة الكرام البررة مع الملائكة، لك فضل عظيم عند الله عز وجل. تلاوة ثم تدبر أي: تفهم لمراد الله عز وجل من هذا الكلام الذي وجهه إليك، وهذا بالرجوع إلى كتب التفسير المعتبرة، وأفضل ما ندل الشباب عليه خصوصاً المبتدئين كتاب أيسر التفاسير للشيخ/ أبي بكر الجزائري، وهو كتاب عظيم ألِّف بأسلوب عصري يشتمل على الآيات، ثم يأتي بعدها بمعاني الكلمات، ثم يأتي بالمعنى الإجمالي للآيات، ثم يأتي بالهداية التي هدت إليها هذه الآية -أي: الأحكام المستفادة من هذه الآيات- بأسلوب موجز فيه صفاء ووضوح ورقة وجذب للقارئ، وهذا من أعظم الكتب، وقد قرأت فيه وسررت كثيراً بما فيه. وبعد التدبر يأتي العمل. وهذا هو معنى الاعتصام بكتاب الله عز وجل.

فعل طاعة الله وترك معصيته

فعل طاعة الله وترك معصيته كل ما وعظك الله به، وكل ما أمرك الله به، وكل ما نهاك الله عنه، احرص على أن تطبقه لماذا؟ حتى تثبت، لماذا يكون عدم تنفيذ الأوامر سبيلاً إلى التراخي والرجوع والضعف والانتكاس ثم الردة؟ لأنك تسير إلى الله وسيرك حثيث، يقول الله عز وجل: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [الذاريات:50] ويقول عز وجل: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران:133] ويقول: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الحديد:21] وسرعتك ومسابقتك وفرارك تقتضي منك أن تكون جاداً، لكن ما رأيكم برجل مسرع ويتلفت يريد أن يرجع، أو يقف؟ هل يستمر إن وقف أمام معصية من المعاصي؟ أو أمام نظرة إلى امرأة، أو أمام أغنية يستمعها، أو أمام شهوة محرمة يقع فيها، أو أمام صلاة ينام عنها، أو أمام واجب شرعي يتركه؟ هذه معوقات تعيقك عن السير في سبيل الله، وبالتالي إذا وقفت يصعب عليك السير مرة أخرى، لكن ما دمت جاداً وتمشي بقوة فإنه يصعب على الشيطان إرجاعك. يقول ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين: لابد أن تسير إلى الله ولا تلتفت؛ لأن الالتفات يوهن القوى، يقول: انظر إلى الضبي -الضبي من الصيد الذي أوتي قدرة على السرعة في المشي، تجد بطنه لاصقة بظهره وأقدامه خفيفة، يعني: إذا مشى على الرمال يقفز قفزات كأنه ريح- يُرسل عليه الكلب المعلم، وقوته ليست كقوة الضبي وسرعته ليست كسرعة الضبي، لكن الكلب يدركه ويأتي به لماذا؟ قالوا: لأن الضبي يجري ويتلفت -عينه في الكلب- والكلب يجري ولا يلتفت، الكلب عينه أمامه يريد أن يأتي بالضبي، ولو أن الضبي استمر ولم يلتفت لما وصل إليه، لكن كلما تلفت رأى الكلب فيظن أنه قريب فيضعف، فينظر المرة الثانية فيقول: قد قرب وسوف يعضني فيضعف فيمسكه الكلب. كذلك أنت في طريقك إلى الله وفي فرارك وراءك كلب اسمه: إبليس يريد أن يمسك بك، فلا تلتفت؛ لأن التفاتتك تعني وقوفك عند المعاصي، تسمع أغنية كنت قد سمعتها في الماضي فتقول: أسمعها قليلاً، هذه التفاتة تنظر إلى امرأة، غض بصرك واستغفر الله لكن إذا طولتها قليلاً أو كررتها فهذه التفاتة يصيدك بها الشيطان. فعليك أولاً أن تنفذ كل ما أمر الله عز وجل به، وتبتعد عن كل ما نهاك الله عنه، حتى تثبت، ويقول الله في هذا المعنى في القرآن الكريم: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} [النساء:66] أشد تثبيتاً، أعظم مثبت لك أن تفعل ما أمرك الله، وتنتهي عما نهاك الله، (ما يوعظون به) ما جاء في كتاب الله، وأنا أعرف كثيراً من الشباب أوصلته انتكاسته إلى الردة، وإلى الكفر بالله، والخروج من الإسلام، وسببها: أنه وقف عند الأغاني بإيحاء من شيطان من شياطين الإنس، ولهذا العنوان قصة: شاب من شباب الصحوة التزم بالدين وتمسك به تمسكاً قوياً، بل غالى فيه وشدد على نفسه، وكنت أنصحه بالاعتدال والوسطية، حتى أنه كفر أهله في البيت وكفر أباه وقام بأعمال غير سليمة، وكنت أحاول أن أسدده، ثم لما زاد عليه الأمر خرج من بيت أهله وذهب إلى الجهاد الأفغاني، ومكث مع المجاهدين قرابة شهرين، ورجع وكان في استمراريته في العمل حماس ودعوة وانقطاع وأعباء، ليله ونهاره كله للدعوة، وبعد ذلك حصل له الموقف أن ركب مع زميل وكان هذا الزميل يستمع الأغاني، فمد يده إلى المسجل وأقفل، فقال له زميله: لماذا أقفلت؟ قال: حرام، قال: من قال أنه حرام؟ -زميله شيطان رجيم، شيطان ناطق- ثم قال له: العلماء والمشايخ وكل الناس والكتاب والسنة يقولون: لا. ليست حراماً الدين في القلوب، والأغاني هي كلمات تدخل من هنا وتخرج من هنا، تسمعها لتروح عن نفسك ومن الذي قال لك أنها حرام؟ قال: الشيخ/ سعيد بن مسفر، قال: ما عرفت إلا هذا الإنسان المعقد؟ لا تأخذ الدين منه، فأصابت الشاب المسكين هزة؛ لأن الرجل يحب الأغاني ويود أن يجد عليها طريقاً ويجد من يسول له ويرخص له فيها فأخذه ذلك الشيطان وذهب به إلى البيت، وقام أخرج له كتباً من الكتب التي تبيح السماع، وهناك بعض الأئمة مثل ابن حزم الظاهري يرى أن الغناء ليس الغناء بالآلة. والغناء بالعود والآلة والطنبور والكمان، جميع هذه الوسائل محرمة عند أهل العلم كلهم، لكن بعض أهل العلم يرى أن الغناء بالكلام الذي نسميه أناشيد إسلامية، يقول: إنها حلال، فهذا الذي يعنيه ابن حزم، وقد حملها على أنها الأغاني كلها، ورجع الشاب إلى البيت ليسمع الأغاني سماعاً صحيحاً بقوة وبإعجاب وبتركيز؛ لأنه قد منع نفسه منها ودخل الشيطان إلى قلبه من هذا الباب، وبرد في عبادته، ثم ترك الصلاة في المسجد، وصار يصلي في البيت، وبعد فترة ترك الصلاة بالكلية وارتد عن دين الله، وجاءني خبر أنه ترك الصلاة وأصبح له فكر آخر عن الحياة كلها. فذهبت إليه في بيته لزيارته وكنت حينما أزوره في بيته يفرح كثيراً بي، وينزل مثل الخيل ويستقبلني ويذهب معي، لكن ذهبت يوماً من الأيام وسيارته عند الباب فقلت: فلان موجود؟ قالوا: من نقول له، قلت: قولوا له فلان، فقالوا: ليس موجوداً فعلمت أنه لا يريدني، وذهبت وعدت مرة أخرى فقالوا: ليس موجوداً. ثم حاصرته إلى أن أمسكته، ويوم أمسكته وهو واقف بالسيارة أوقفت سيارتي ونزل من السيارة وكان يخجل مني كثيراً، فعانقته عناقاً حاراً وقلت له: ماذا بك هل عملت بك شيئاً؟ لماذا لا تريد أن تقابلني؟ قال: لا. وإنما أنا مقصر وأنا خجلان منك، قلت: لا. كلنا مقصرون تعال اركب معي، فركب وذهب معي في السيارة وأخذته إلى البيت وجلست معه. قلت له: بلغني أنك تركت الطريق وتنكبته ورجعت عن الإسلام؟ قال: نعم. قلت: الآن أريد أن أناقشك مناقشة جريئة وجادة ولا تجامل، المجاملة لا تصلح في هذا الموضوع، أنت تركت هذا الطريق فإما أن تقنعني أن هذا الطريق غير صحيح وأرجع معك، أو أقنعك أنه طريق صحيح وترجع معي، قال: تفضل، قلت له: أسألك بالله هل تركت طريق الالتزام والدين، ورجعت إلى طريق الانسلاخ والكفر؛ لأن طريق الإسلام والالتزام غير صحيح، والطريق الذي أنت فيه الآن صحيح؟ أريد أن ترد من قلبك، قال: من قلبي؟ قلت: نعم. قال: والله إني أعلم من قرارة نفسي أن طريق الدين والالتزام هو الصحيح، وطريق الكفر الذي أنا فيه هو الخطأ. قلت له: سؤال آخر: هل في الدنيا رجل عاقل يترك الطريق الصحيح ويرجع إلى الطريق الخطأ؟ قال: لا. قلت: إذاً أنت غير عاقل، قال: لا. أنا عاقل لكن أخبرك لماذا تركت الطريق، قلت: لماذا؟ قال: لأن الطريق الصحيح صعب، والطريق الخاطئ بسيط وسهل، قلت: الآن عرفنا النقطة، أمسكنا رأس الحبل الآن. قلت له: أنا معك أن طريق الالتزام وطريق الدين صعب، لكن هل تركت الصعب إلى السهل أم إلى الأصعب، قال: إلى السهل، قلت: لا. أنت مخطئ، تركت الصعب إلى الكارثة وإلى المصيبة والدمار، وإلى الهلاك في الدنيا والآخرة، قال: كيف؟ قلت: أليس غض نظرك عن الحرام صعب؟ قال: نعم. وهذا الذي أتعبني -يقول: بصره أتعبه، كل ساعة وهو يغض بصره مما أدى إلى أن تعب- قلت: لم تركت غض البصر وأطلقت لبصرك العنان للنظر إلى وجوه النساء وقعت في الأصعب؟ قال: ما هو الأصعب؟ قلت: أن يملأ الله عينيك من جمر جهنم، فانتبه الرجل. قلت: ما هو الأسهل أن تغض عينك وتصبر قليلاً أو يملأها الله جمراً من نار جهنم؟ قال: جمر جهنم أصعب، قلت: الأغنية التي تسمعها الآن، صون سمعك عنها صعب أليس كذلك؟ قال: نعم. قلت: وإذا سمعت الأغاني وقعت في الأصعب؟ قال: لماذا؟ قلت: من استمع إلى مغنٍ أو مغنية صب الله في أذنيه يوم القيامة الرصاص المذاب، هل الأسهل لك أن تصون سمعك عن الأغنية وتعاني معاناة بسيطة، أم أن تغني وتسمع الغناء ويصب الله عليك الرصاص المذاب؟ قال: لا. والله هذه أصعب. قلت: قيامك لصلاة الفجر صعب أليس كذلك؟ قال: نعم. قلت: القيام أصعب أم أن يرضخ رأسك بالصخر في النار؟ قال: هذه أصعب، قلت: إذًا أنت تركت الصعب إلى ما هو أصعب، أنا معك في أن طريق الاستقامة والدين صعب؛ لأن الصعوبة هذه توصلك إلى الجنة، وضربت له مثالاً قلت: هل الدراسة سهلة أم صعبة؟ قال: صعبة، قلت: نعم. صعبة من كل صورها، صعبة من النهوض مبكراً، أنت خلال الفترة الصيفية تنام إلى الظهر، لكن في الدراسة من الساعة السادسة والنصف وأنت تجمع كتبك وتركب وتذهب، وقد تتأخر فتجد المدير أو المراقب على الباب والعصا بيده، يصيبك واحدة منها على ظهرك، فتهرب منه، وتدخل على المدرس فيقال لك: أين الواجب؟ أين الدرس؟ حصة وامتحانات وبلاء ومشاكل، فيها صعوبة، قال: نعم. فيها صعوبة، قلت: لماذا يصبر الناس على صعوبة الدراسة؟ من أجل تأمين المستقبل، ونحن لماذا نصبر على صعوبة الإسلام وصعوبة الالتزام والدين؟ من أجل تأمين مستقبل ستين سنة، ومن أجل تأمين وظيفة وبيت وبعدها قبر. لا. بل من أجل تأمين مستقبل أبدي سرمدي إلى آخر الزمان، في جنة عرضها السماوات والأرض، نؤمن مستقبلنا في الدنيا والآخرة بهذا الالتزام بهذه الصعوبة. فقلت: يا أخي! أنا معك أن طريق الالتزام والدين صعب، ولكن الأصعب والأهم والكارثة والمصيبة يوم أن تترك هذا الطريق، وتسير في الطريق الخطأ، وبعد ذلك تمشي فيه يعني: معجباً ومخدوعاً بما فيه من اللذات والمتع البسيطة، ثم تقف عند جدار الموت وتنزل وتدخل النار وتقول بعد ذلك كما قال الله عز وجل: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون:99]. فتقول الملائكة: لماذا تريد أن ترجع؟ فيقول: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:100] فلا تستطيع؛ لديك فرصة واحدة، الآن الطالب المهمل إذا أهمل طوال العام الدراسي ودخل القاعة وسلموا له أوراق الأسئلة فقرأ الأسئلة ولم يستطع أن يجيب على سؤال واحد، فقال للمدير: من فضلك نصف ساعة أخرج خارج القاعة أقرأ الإجابة وأعود، هل يطيعونه؟ هذا مثل ذاك لما دخل القبر قال: يا رب! ردني أعمل صالحاً، قال الله: {كَلاَّ إِنَّهَا

قراءة قصص الأنبياء وأخذ العبر من القصص القرآني

قراءة قصص الأنبياء وأخذ العبر من القصص القرآني يقول الله عز وجل: {وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود:120] قصص الأنبياء في القرآن ليست كقصص الإسرائيليات أو التسالي أو للقضاء على الأوقات لا. قصص وعبر ودروس عملية وقعت في عالم الواقع، يقول الله عز وجل: {مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى} [يوسف:111] يعني: ما كانت روايات كاذبة، وقال: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ} [يوسف:3] {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ} [يوسف:111] هذه القصص القرآنية يجب أن تمر عليه باعتبار وبتدبر وبتأمل وبأخذ فائدة منه، حتى تثبت على دين الله تبارك وتعالى.

الدعاء

الدعاء المثبت الرابع: الدعاء في كل وقت وفي كل لحظة وفي سجودك وفي ليلك وفي نهارك: يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك، هذا من أعظم وسائل التثبيت حتى تثبت على دين الله تبارك وتعالى، وهذه هي أسباب الوقاية من المرض.

أسباب الانتكاسة

أسباب الانتكاسة أما أسباب الانتكاس أو لماذا ينتكس الإنسان؟ فهي كالتالي:

الغلو والتشدد في دين الله

الغلو والتشدد في دين الله السبب الأول: الغلو والتشدد في دين الله عز وجل؛ لأن الغلو يؤدي إلى تجاوز الحد وكل ما تجاوز حده انقلب إلى ضده، وتصبح ردود فعل، مثل البندول: البندول يتحرك حركة معقولة لكنه عندما ترفع إلى الأعلى ويشد ثم يترك ثم تضطرب حركته، وكذلك من يغلو في دين الله عز وجل ويتشدد ويتنطع ويحدث في دين الله ما ليس فيه، حتى ولو كان بنية صالحة، فالنبي صلى الله عليه وسلم حذر من الخوارج، وقال في الصحيحين لرجل اسمه حرقوص دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله ثم ولى، فقال صلى الله عليه وسلم: (يخرج من ضئضئ هذا أقوام تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم، وعبادتكم إلى عبادتهم، وأخبر أنهم يخرجون من الدين -ينسلخون من الإسلام- كما يخرج السهم من الرمية). فالعبرة ليست بكثرة العمل، وإنما العبرة بكيفية العمل، فكم من عامل يعمل عملاً ليس فيه أمر الله ولا أمر رسول الله ولا ينال عليه أجراً، فلابد من التوسط والاعتدال وهذا مؤشر دقيق؛ لأنه قد يساء فهمه؛ نظراً لبعد الأمة عن تعاليم دينها، وللفارق الزمني البعيد بينها وبين الكتاب والسنة حصلت عندها نظرة عكسية، بحيث نظرت إلى التمسك بالدين أنه من الغلو. يعني: بعض الناس الآن يطلقون التطرف والغلو على من يطبق الشرع الصحيح، إذا رفع ثوبه عن الأرض بحيث طبق السنة، قالوا: فلان متشدد لماذا؟ قالوا: ثوبه إلى نصف ساقه لكن لو سحب ثوبه كما تسحب المرأة عباءتها لقالوا: فلان ما شاء الله معتدل، وهذا عين خطأ. فالاعتدال: هو أن تأتي بالدين كما شرع الله وشرع رسوله صلى الله عليه وسلم، إذا رأينا شاباً يرفع ثوبه إلى نصف ساقه عملاً بالسنة قلنا هذا شاب معتدل، لكن إذا رأيناه يرفع إلى ركبته ماذا نسمي هذا؟ غلو، أليس كذلك؟ هذا هو منطق الشرع. رأينا إنساناً يكبر ويضع يده اليمنى على اليسرى على صدره في الصلاة، نقول هذا شاب معتدل، لكن إذا رأيناه يكبر ويضع يده اليمنى على اليسرى على رقبته، نقول: هذا غلو؛ لأن رواية وائل بن حجر في زيادة ابن خزيمة على صدره، كان يضع يده اليمنى على اليسرى على صدره، لكن بعض الناس قد يغالي ويضعها على رقبته ويخنق نفسه وهذا من الغلو. وإذا سمعنا إنساناً يقال له: أوصل الكهرباء إلى بيتك فيقول: لا. الكهرباء هذه تشغل الأغاني عند الناس فأنا أقاطع الكهرباء، وهذا غلو، أي نعم. وآخر عنده كهرباء لكنه لم يشتر مكيفاً لأولاده ولا مروحة لماذا؟ يقول: أريد أن أشعر بالتعب في سبيل الله، نقول: هذا غلو وليس من دين الله تبارك وتعالى. آخر معه إمكانية أن يشتري سيارة ولكنه لم يشتر، نقول له لماذا؟ يقول: أريد أن أتعب. لا. ليس هذا من دين الله فهذا هو الغلو، أما الاعتدال والوسطية، فهي الدين؛ لأن الله تعالى يقول: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة:143] أمة محمد هي أمة الوسطية والاعتدال، وعدم الغلو وعدم المجافاة وعدم التراخي والضعف وإنما على الكتاب والسنة، تؤدي صلاتك كما أداها النبي صلى الله عليه وسلم، تصوم كما صام النبي صلى الله عليه وسلم، تؤدي زكاتك كما أداها النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لا تزيد عما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين: (أن ثلاثة نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءوا إلى أزواج رسول الله، وسألوا عن عبادته فلما أخبروا بها كأنهم تقالوها، فقام أحدهم وقال: أما أنا فلا أنام الليل، وقال الثاني: وأنا لا أفطر الدهر، وقال الثالث: وأنا لا أتزوج النساء -أتبتل- فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بخبرهم نادى بالصلاة جامعة وقال: ما بال أقوام يقولون ويقولون ويقولون، أما والله إني لأعلمكم بالله وأخشاكم له وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني). اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، يرسم لأمته المنهج الوسطي، هذا غلا وقال: ما أفطر. لماذا؟ لأن صيام الدهر منهي عنه، وذاك قال: أقوم الليل، فلا ينبغي لك أن تقوم الليل كله، قم ثلثاً ونم ثلثين من الليل، لكن أن تقوم الليل كله دائماً فهذا لا تطيقه أنت ولا يطيقه غيرك، وهذا غلو في دين الله عز وجل، وقد جاءت الأدلة بالنهي عنه، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند: (إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين) وفي صحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (هلك المتنطعون) يعني: المتشددون على أنفسهم بغير دليل شرعي، تقول له: أأكل؟ قال: لا. لماذا؟ قال: هذا فيه ترفه وفيه تنعم. هذا تنطع، كُل مما حل الله لك: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:172] {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً} [المؤمنون:51]. إن الطيبات هذه أحلها الله تبارك وتعالى فكل منها واستعن بها على طاعة الله واعمر بيتك بطاعة الله، اركب جديداًَ والبس نظيفاً، وتزوج جميلاً، وابن جميلاً، لكن: اركب سيارة جديدة واستخدمها في طاعة الله، تزوج زوجة جميلة وربها على دين الله، ابن عمارة طويلة عريضة واستخدمها في طاعة الله، واعمرها بذكر الله، من قال لك أن هذا حرام، إن هذا هو النظر الذي يؤدي بك في النهاية إلى الانتكاس والعياذ بالله. أيضاً يقول عليه الصلاة والسلام والحديث في سنن أبي داود (لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم، وإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع) هؤلاء الرهبان شددوا وابتدعوا، قال تعالى: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَاكَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} [الحديد:27] ما كتبها الله عليهم ولكنهم هم الذين ابتدعوها وترهبوا، ويظنون أنها دين وليست بدين، وفي صحيح البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: (إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه) وكان يقول عليه الصلاة والسلام: (بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا) (وما خيِّر صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً)، بعض الشباب الآن يختار الأعسر يقول: من باب الحيطة، وهذا لا ينبغي، إذا خيرت بين أمرين فخذ الأيسر، لماذا؟ لأن هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم. وأيضاً في الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: (اكتفوا من الأعمال بما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا وإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل) يعني: ركعتين في جوف الليل تصليهما أفضل من أن تصلي في الليلة عشر ركعات ثم تنام شهراً لا تصلي، صل ركعتين فقط ولكنهما تؤثران في قلبك أعظم من أثر مائة ركعة في ليلة. الآن انظر إلى الماء: إذا صببت الماء قطرة قطرة على الصخرة بعد سنة تجد أن هذه القطرة التي نزلت على الصخرة قد حفرت في الصخرة أليس كذلك؟ لكن لو أخذت الماء الذي نزل ودفعته دفعة واحدة على صخر هل يتأثر؟ لا يتأثر، لكن الاستمرارية تتأثر فكونك تستمر في عمل صالح تنفق في اليوم ريالاً أفضل من أن تنفق في اليوم مائة ثم تقعد سنة لا تنفق ولا ريالاً، كلما رأيت فقيراً وقف عند سيارتك أعطه ريالاً، اجعل في شنطتك بعض الريالات، أفضل من أن تفتح الشنطة وتجد فقيراً واحداً فتعطيه عشرة ثم يلقاك عشرة فقراء فلا تعطهم شيئاً، فأيهما أفضل أن تنال دعوة من فقير واحد أو من عشرة فقراء؟ فأنت عندما تعطي عشرة فقراء تنال من كل فقير دعوة حتى يخلف الله عليك، قال تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:39] فهذا أول سبب من أسباب الانتكاس وهو: الغلو والتشدد أكثر مما شرع الله، وهذا القيد من عندي؛ لأن التمسك بما شرع الله لا يسمى غلواً ولا تشدداً، التمسك به هو الاعتدال وهو الوسطية وهو الحق، لكن الذي نخدر منه هو الزيادة على دين الله، حتى لا يجد المتفلتون طريقاً من هذا الكلام إذا رأوا شاباً متمسكاً قالوا: هذا متشدد لا. ليس متشدداً، الشاب المتمسك بالسنة ليس متشدداً بل هو معتدل؛ لأنه على الوسطية التي شرعها الله في كتابه، وسنها رسوله صلى الله عليه وسلم في هديه وسنته.

مفارقة الجماعة وإيثار العزلة

مفارقة الجماعة وإيثار العزلة ثانياً: من أسباب الانتكاسة: مفارقة الجماعة، وعدم الاختلاط بالصالحين، وإيثار العزلة، بعض الناس يكره الشباب الطيب، ويكره الجماعة، ويقول: لوحدي، ووحدك هذه فيها خطورة عليك؛ لأنه إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (عليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة) والله يقول: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] والرسول صلى الله عليه وسلم يقول والحديث في سنن الترمذي: (عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد) الشيطان مع واحد لكن مع الاثنين لا يستطيع عليهم، مع ثلاثة لا يستطيع أن يمشي معهم، لكن مع واحد يدخل عليه ويوسوس له حتى يضله، فعليك أن تتقي الله وتلزم الجماعة. Q من هم الجماعة؟ A هم الذين على الحق ولو كان واحداً، ليست الجماعة بالكثرة، ولا بالحزب، ولا بالدعوة الفلانية، الجماعة: من كان على ما كان عليه رسول الله وأصحابه، ولو ما في الأرض إلا شخص فهو الجماعة، والبقية صفر على الشمال، يقول الله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل:120] إبراهيم فرد في الأمة لكن هو الأمة، والبقية لا شيء؛ لأن الميزان عند الله هو الدين، والله يزن الناس على ضوء تمسكهم بكتابه وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فعليكم بالجماعة والجماعة هم أهل الحق ولو لم يكن إلا واحداً.

الغفلة عن الموت والدار الآخرة

الغفلة عن الموت والدار الآخرة ثالثاً: من أسباب الانتكاسة: الغفلة عن الموت والدار الآخرة: يغفل الإنسان عن المصير وينسى الآخرة فيقسو قلبه، وينتج عن هذه القسوة أثر في القلب فيرجع، فيجب عليك أن تتذكر الموت باستمرار، وأن يكون جسدك هنا وقلبك في الآخرة تنام في القصر، وقلبك في القبر، تنام على الفراش الوفير وقلبك في القبر الضيق، تنام على النور وعينك على الظلمة في القبور، يعني: مفاهيمك وأحاسيسك ومشاعرك كلها في الآخرة، وأنت جالس هنا، تعيش بقلبك أحوال الآخرة، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم شرع للأمة زيارة القبور، وقال: (إني كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم الآخرة). والزيارة الشرعية أن تزور القبر لتدعو لصاحبه، لا أن تدعوه وتستغيث به، والزيارة الشركية أن تذهب إلى لمقابر، كما هو موجود في بعض البلدان يذهبون إلى القبور ليطوفون بها ويدعونها من دون الله وهذا شرك؛ لأن هذا الذي تدعوه يقول الله عنه: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:14] فتدعو للقبر تقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين، أنتم السابقون ونحن اللاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، ثم تدعو لهم: اللهم اغفر لنا ولهم ولا تفتنا بعدهم إلى آخر الدعاء المأثور. ثانياً: لا تشد الرحال إليهم، أن تشد رحلك وتسافر إلى أي قبر ولو إلى قبر المصطفى الحبيب صلى الله عليه وسلم؛ لحديث صحيح: (لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا) يعني: المدينة، فإذا أردت المدينة يجب أن تكون نيتك زيارة المسجد النبوي، ومن المعلوم أنك إذا أصبحت في المدينة فإن من السنة أن تسلِّم على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكن لا يكون هدفك أن تشد الرحال لزيارة القبر ابتداءً؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك، أما إذا كنت في البلد في مكة، تسلم على المقابر تمر من عندها وتدعو لهم؛ لأن هذا حق لهم عليك.

التهاون بالعمل اليومي للمسلم

التهاون بالعمل اليومي للمسلم رابعاً: من أسباب الانتكاس: التهاون في العمل اليومي للمسلم: مثل النوم عن الصلوات المكتوبة، وتفويت تكبيرة الإحرام، أو تفويت ركعة أو ركعتين من الصلاة، لأن بعض الناس لا يأتي إلا بعد الأذان، ثم يتأخر حتى تقام الصلاة وهو غير متوضئ فيقوم لكي يتوضأ، ثم يأتي مسرعاً فيدرك ركعة أو نصف ركعة ويقوم ليقضي ما فاته، هذه بداية الانتكاس، فإذا رأيت شاباً يفعل هذا فاعلم أنه سينتكس، لأنه تهاون في عمل اليوم والليلة. وعمل اليوم والليلة لا بد منه، مثل: قراءة القرآن الكريم: فلابد أن يكون لك ورد يومي من القرآن لا يقل عن جزء، أيضاً إهمال النوافل والرواتب، بعض الشباب لا يصلي الرواتب سبحان الله! كيف تهون عليك راتبة رتبها لك النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضاً ترك قيام الليل، وصلاة الضحى، وأذكار الصباح والمساء، كل هذه اسمها عمل اليوم والليلة للمسلم، عملك ووظيفتك، فعمل الموظف الكتابة، وعمل العسكري الحراسة وعمل العامل البناء، وعملك كمسلم هذه وظيفتك -وظائف اليوم والليلة- لابد أن تقوم بها ولا تقصر فيها، وإذا قصرت فيها كان تقصيرك فيها وعدم اهتمامك بها سبيلاً مؤدياً إلى الانتكاس والعياذ بالله.

أكل الحرام

أكل الحرام خامساً: من أسباب الانتكاس: أكل الحرام: لأنك إذا أكلت الحرام غذيت جسدك بالحرام، ونبت لحمك من حرام، فالنار أولى بالحرام، وكل لحم نبت من سحت فالنار أولى به، لا ينفع عمل ولا ينفع دعاء؛ فالذي مطعمه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، أنى يستجاب له؟ وهذا معنى الحديث في صحيح مسلم، والدليل على أن العمل لا ينفع قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليأكل اللقمة من الحرام لا تقبل له صلاة أربعين نهاراً، ومن اشترى ثوباً بعشرة دراهم وفي ثمنه درهم من حرام لن يقبل الله له صلاة ما دام عليه هذا الثوب) فلابد أن يكون كسبك حلالاً (100%)، احذر من الحرام، جاء في الصحيحين قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه) حمى الله: محارمه لا تقترب منها، الراعي إذا قرب من المكان المحمي أفسدت بعض الغنم ذلك المكان، لكن إذا كان بعيداً فلا يحصل شيئاً، وكذلك أنت لا ترع دينك عند محارم الله، فتقع وأنت لا تدري. فعليك -يا أخي في الله! يا من تريد أن تستقيم وتلتزم وتستمر وتثبت- أن يكون كسبك حلالاً، وأن تراجع نفسك باستمرار في قضية تصفية الكسب، أي شيء يأتيك فيه حرام أوقفه، ولا يقول لك الشيطان: إن هذا يقلل من دخلك ويهز ميزانيتك لا وألف لا، من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، أعرف أحد الإخوة كان يعمل في بنك ربوي وكان راتبه ضخم جداً، وكلما أراد أن يقدم تذكر الشيك الذي في آخر الشهر وخدره الشيطان بالشيك، قال له: اقعد اقعد إلى أن جاءت لحظة من لحظات القوة الإيمانية، قرر وتقدم باستقالته وترك العمل، واختبره الله فترة بسيطة ثم عوضه الله برزق هو فيه أعظم من كل ما قد رزق من الحرام، ويقول لي بعد ذلك: والله إنني في راحة نفسية لو كنت آكل الطين لكان أعظم لي مما كنت أعيشه من عذاب داخلي يوم كنت آكل الحرام، فهذا أهم شيء، فلا تقل: إني إذا تركت الحرام يضيق عليَّ رزقي، قد يختبرك الله ويبتليك لكن اصبر، فإن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.

التقصير في حق البدن وحق النفس والأهل

التقصير في حق البدن وحق النفس والأهل سادساً: من أسباب الانتكاس: التقصير في حق البدن، وفي حق النفس، وفي حق الأهل، وفي حق الأولاد، بسبب اشتغال الإنسان العامل للإسلام بضخامة الأعباء من ندوات ومحاضرات، وقراءة وزوار وزملاء يذهبون ويرجعون، بعد ذلك لا ينام ولا يأكل، ولا يغسل ثيابه، ولا يجلس مع زوجته، يستمر مثل المنبت الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، ما أخذ محطة راحة، الآن عندما تأخذ مكينة وتشغلها أربعة وعشرين ساعة ماذا يصير؟ سوف يحصل لها خلل، لكن عندما توقفها عن العمل وتجعلها ترتاح لا يحصل لها شيء، فمكائن الكهرباء تعمل ثمان ساعات ثم يطفئونها ويشغلون مكينة أخرى حتى تبرد الأولى وهكذا، وكذلك نفسك تحتاج إلى محطات راحة، فعدم إعطاء النفس حقها يسبب لها الخلل والتوقف، وترى بعد ذلك الشخص الذي كان يعمل بجهد قد انتكس -والعياذ بالله- ولو أنه مشى على مهله وأعطى حقه وحق نفسه وحق أهله، لكان معتدلاً. وحق النفس مثل الخروج بالأهل في نزهة إلى الصحراء أو إلى البحر، بشرط ألا يختلط مع أناس، ولا يحدث منكراً، ولا تبرجاً، ولا تصويراً، ولا تضييع للفرائض، ولا يقع في معصية، فهذا حسن فالأنس بالأهل والسمر والجلوس معهم، شيء حث عليه الإسلام. يقول عليه الصلاة والسلام: (إن لربك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً فآتي كل ذي حق حقه) رواه البخاري في صحيحه، كن معتدلاً، لكن أن تعطي الحقوق كلها لله وتترك أهلك ونفسك فالله لا يريد منك هذا؛ لأنه غني عنك، فلا بد أن تعدل بالقسمة، حق الله لا تقدم عليه أي حق، وحق نفسك لا تضيعه من الراحة والاستجمام والهدوء والانبساط والأكل الطيب، والدابة الطيبة، والمركوب الطيب، والثوب الطيب، والفراش الطيب، هذا كله طيب يبعث فيك قوة ونشاطاً وتجديداً لحياتك، ومن حق زوجتك وأهلك أن يفرحون بك، فبعض الإخوان أهله لا يرون منه شيئاً، كلما دخل المنزل دخل ومعه زميل، ليس منظماً لوقته ولا منسقاً في وضعه، لا يستقبل المكالمات في وقت معين، ولا يستقبل الزوار في وقت معين، ولا يخرج مع الإخوان في وقت معين، بل يخرج كل وقت، ويستقبل كل وقت، وينام كل وقت، وبعد ذلك أهله يريدون بعضاً من وقته فلا يجدون، وكلما طلبوا منه شيئاً قال: لا أستطيع أنا مشغول، زوجته معه في عذاب، تتمنى زوجته أن ينتكس من أجل أن يعود ليجلس معها بل تدعو عليه -والعياذ بالله- فلابد من إعطاء النفس حقها؛ لأن هذا سبب من أسباب التثبيت إن شاء الله.

عدم تهيئة النفس لمواجهة معوقات وصعوبات العمل في طريق الله

عدم تهيئة النفس لمواجهة معوقات وصعوبات العمل في طريق الله السابع: من أسباب الانتكاس: عدم تهيئة النفس لمواجهة معوقات وصعوبات العمل في طريق الله، يتصور بعض الناس أن الالتزام وأن الدين طريق مفروش بالزهور، وهذا مخالف لسنة الله، والله قد قال في سورة العنكبوت: {ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:1 - 3] أي: أيظن الناس أنهم سيتركون بسبب قولهم هذه الكلمة ولا يقدم لهم ابتلاءات وامتحانات، إذا ظن هذا الظن سيسقط، لكن إذا هيأ نفسه، وأعدها لمواجهة أي صعوبة، يتوقع أنه يسجن، يتوقع أنه يمرض، يتوقع أنه يفقر، يتوقع أن امرأته تخرج من بيته، يتوقع أنه يقتل، يتوقع كل شيء في سبيل الوصول إلى مرضاة الله تبارك وتعالى، فإذا ما جاء هذا الأمر المتوقع، يجد النفس مهيأة لاستقباله فيكون الوقع هين، والأثر بسيط، لكن حينما لا تكون النفس متهيئة له، كيف يكون الأثر؟! النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبره ورقة بن نوفل وقال له: (ليتني معك إذ يخرجك قومك، قال صلى الله عليه وسلم: أومخرجي هم؟ قال: نعم. ما جاء أحد قومه بمثل ما تأتي به إلا أخرجه قومه وآذوه، فقال: الله المستعان) استعان بالله عز وجل. أيضاً عثمان بن عفان لما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي في الصحيحين يقول أبو موسى الأشعري: (تبعت رسول الله بعد أن خرج من المسجد ودخل بئر أريس -يعني: بستان أريس في المدينة - يقول: فجلس على شفير البئر ودلى رجليه ثم قال: يا أبا موسى! لا تأذن لأحد إلا بعد أن تخبرني، يقول، فقلت: الحمد لله أنا اليوم بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: فجاء أبو بكر فقلت: يا رسول الله! أبا بكر، قال: ائذن له وبشره بالجنة، يقول: وبعد قليل طرق الباب طارق، قلت: من؟ قال: عمر، قلت: عمر يا رسول الله! قال: ائذن له وبشره بالجنة، يقول أبو موسى فقلت: ليت أبا عامر يأتي) يقول: يا ليت أخي يأتي، يظن أن كل من جاء دخل، وهي ليست هكذا إنما هي لأناس معينين، يقول: (فليت أبا عامر يأتي، يقول: فجاء ثالث وطرق الباب، قلت: من؟ قال: عثمان، قلت: يا رسول الله! عثمان، قال: ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه، فقال عندما بشره: أبشر بالجنة على بلوى تصيبك، فقال: الله المستعان). هذه تهيئة الرسول صلى الله عليه وسلم هيأ نفسية عثمان لقبول البلاء، ولذا كان عنده يوم أن قتل أربعمائة عبد في حراسته وهم مملوكون وقد كان تاجراً، فقالوا: ندافع، قال: من ألقى سلاحه فهو حر، فوضعوا السلاح كلهم يريدون الحرية، وأعتقهم لوجه الله، وجلس على مصحفه لا يدفع عن نفسه حتى دخلوا إليه وذبحوه وسال دمه الشريف على المصحف، رضي الله عنه وأرضاه. فلا بد أن تتوقع وأن تهيء نفسك، للابتلاء، ولا تسأل الله البلاء وسل الله العافية، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تتمنوا لقاء العدو ولكن إذا لقيتموه فاثبتوا) نسأل الله العافية، ولكن نسأل الله أن يثبتنا إذا لقينا ذلك.

صحبة الأشرار والعصاة

صحبة الأشرار والعصاة الثامن: من أسباب الانتكاس: صحبة الأشرار والعصاة، مثل صحبة ذلك الرجل الذي أضل نفسه وأضل غيره معه؛ لأن القرين السيئ يعدي كما يعدي الصحيح الأجرب، أدخل جملاً أجرب في مائة جمل سليم، هل تعديه بالعافية أم يعديها بالجرب؟ يعديها بالجرب؛ لأن المرض ينتقل، والعافية لا تنتقل، وضع تفاحة معفنة في صندوق صحيح هل التفاح الصحيح يصلح المعفنة أم المعفنة تعفن الصندوق كله؟ كذلك ضع شخصاً خبيثاً مع عشرة صالحين يفسدهم كلهم، ولهذا في الحديث في الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل حامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك أو تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه ريحاً خبيثة) فإياك -يا أخي- من مجالسة رفقاء السوء فقد قيل عن جليس السوء: عن المرء لا تسل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم ولا تصحب الأردى فترد مع الردي ... ويقول الآخر: فلا تصحب أخا الفسق وإياك وإياه فكم من فاسق أردى مطيعاً حين آخاه يقاس المرء بالمرء إذا ما المرء ماشاه وللناس على الناس مقاييس وأشباه وللقلب على القلب دليل حين يلقاه كن مع شكلك، هل رأيت حمامة تمشي مع الغربان؟! هل رأيت كلباً يمشي مع الغزلان؟! لا يمشي معها إلا لأنه يريد أن يفترسها، لا تمش إلا مع من هو مثلك على الدين والاستقامة، وإذا مشيت مع قرناء السوء أهلكوك.

ارتكاب المعاصي والاستهانة بصغائر الذنوب

ارتكاب المعاصي والاستهانة بصغائر الذنوب التاسع: من أسباب الانتكاس: مقارفة المعاصي والاستهانة بصغائر الذنوب: يقول الله عز وجل: {كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [المطففين:14] أي: غطى القلوب: {مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين:14] تستهين بنظرة أو بأغنية أو بكلمة أو بخاطرة أو بمعصية فتنكت في قلبك، يقول عليه الصلاة والسلام والحديث في صحيح مسلم قال: (تعرض الذنوب على القلوب كالحصير عوداً عوداً فأي قلب أُشربها -أي: قبلها- نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب ردها نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير القلوب على قلبين: قلب أسود مرباد كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، إلا ما أشرب من هواه، وقلب أبيض كالصفاء لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض) فأنت اجعل في قلبك حاجزاً ضد الذنوب، كلما جاء ذنب رده، لماذا؟ حتى لا ينكت في قلبك نكتة سوداء ثم تتراكم هذه النكت السوداء ثم يصير راناًَ، فيكون قلبك مرباداً ثم ينكسر القلب وينتهي، وهذه الردة -والعياذ بالله- والكفر.

علاج الانتكاس

علاج الانتكاس أما العلاج من أجل أن تثبت في الطريق؛ لأن الطريق إلى الجنة ليس سهلاً، أشعر نفسك أنك تريد الجنة، عمير بن الحمام لما قال عليه الصلاة والسلام: (قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، قال: جنة عرضها السماوات والأرض؟! قال: نعم. قال: بخٍ بخ، قال: ما حملك على هذا؟ قال: أريد أن أكون من أهلها ثم رمى تمرات كانت في يده وقال: إنها والله لحياة طويلة أن أمكث حتى آكل التمرات وقام وقتل في سبيل الله) هذه طريق جنة حافظ على نفسك من الآن؛ لأن الطريق هنا صعب، والأصعب منه الصراط، والأصعب منه العرصات، والأصعب منه تطاير الصحف، والأصعب منه الطرد من الحوض، والأصعب منه خفة الميزان، والأصعب من ذلك السحب على الوجه إلى النيران. اضبط نفسك الآن وداوم واصبر وقل: يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك، وقل: يا رب سلِّم سلِّم، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، توقع أنك سوف تموت ذلك اليوم، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، توقع أنك تموت في الليل، وإذا صليت فصل صلاة مودع، فقد تصلي العشاء ولا تستطيع أن تصلي الفجر، هكذا المؤمن خطوة خطوة، إلى أن يقف عند جدار الموت وينزل إلى الجنة بإذن الله، وعلاج هذه الظاهرة بتسعة أمور:

الحرص والمواظبة على الطاعات

الحرص والمواظبة على الطاعات أولاً: الحرص الكامل والمواظبة على الطاعات: حرص كامل ومواظبة، لا يؤذن إلا وأنت في المسجد، وإذا كنت عبد سوء فتأتي بعد الأذان، أما بعد الأذان، ما معنى الأذان، معنى الأذان أن تقوم، لكن بعضهم يؤذن المؤذن فينام، جاء في الحديث الذي في صحيح مسلم: (من سمع المنادي فقال مثلما يقول ثم سأل الله لي الوسيلة وجبت له شفاعتي يوم القيامة) يعني: تقول مثلما يقول، أي: أنك تؤذن، ولهذا جاء في الصحيحين قوله عليه الصلاة والسلام: (لو تعلم أمتي ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا). فأنت تؤذن مع المؤذن وتأتي أول شخص، ولا بد أن تكون الأول دائماً في الطاعات، وفي مكة في الحرم إذا استطعت وكل مكة حرم إن شاء الله، في أصح أقوال العلماء، لكن تتفاوت مكة أيضاً فالذي بجانب الكعبة يختلف عمن هو بعيد منها، وأيضاً الصف الأول ليس مثل الصف الثاني، فخير صفوف الرجال أولها، ويتفاوت الناس فاحرص دائماً أن تصلي في الحرم، وأن تصلي في مسجد الكعبة، وإذا صليت في مسجد الكعبة فاحرص على الصف الأول، ليكن عندك هم وحرص، فأنت طالب آخرة، كل ما تعلم أنه يوصلك إلى الآخرة ويزيد من درجتك عند الله فاحرص عليه، ولا تفرط وتتساهل به، إذا سمعت بجنازة يصلى عليها فاقعد، وتجد بعض الناس يسمع بالجنازة يصلى عليها ويمشي وكأنه أمر عادي ولا يعلم أنه محروم من أجرها، وفي الحديث: (من حضر الجنازة حتى يصلى عليها كتب له من الأجر قيراط، وإذا حضر أحد الدفن كتب له قيراطان قيل: وما القيراط؟ قال: مثل جبل أحد) أي: حسنات. فلا بد من الحرص على الطاعة بكل صورها وأشكالها، طاعة الصلاة، وطاعة الصيام، وطاعة القيام، طاعة الزكاة، طاعة النافلة، طاعة الحج، طاعة العمرة، طاعة بر الوالدين، طاعة ذكر الله، طاعة قراءة القرآن، طاعة الدعوة إلى الله، طاعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، طاعة الحب في الله والبغض في الله، طاعة إكرام الضيف، طاعة الزيارة، هذه اسمها طاعات، فاحرص عليها وزد من الاهتمام بأمرها.

البعد عن المعاصي

البعد عن المعاصي ثانياً: البعد عن المعاصي دقيقها وجليلها: من أي باب ومن أي طريق، من باب النظر إلى الحرام، أو من باب سماع الحرام، أو من باب الغيبة والنميمة والسب والشتم الحرام، أو من باب الفرج والزنا واللواط، أو من باب البطن -أكل الحرام- أو من باب اليد -البطش الحرام- أو من باب الرجل -السير إلى الحرام- أقفل كل أبواب المعاصي، وضع من قلبك جندياً عليها، وقل: يا عين خافي من النار، يا أذن لا توجد أغانٍ، فالله ما خلق هذه الأذن للغناء، يقول الله: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} [الإسراء:36]. يا لسان قف! قل خيراً تغنم، واسكت عن الشر تسلم، يا رجل لا تحمليني إلا إلى طاعة الله وإلى المساجد وإلى حلق الذكر، وإلى الزيارة في الله، يا يد لا تمتدي إلى حرام، أقفل أبواب الشر من أجل أن تتعالج (100%).

الوسطية والاعتدال

الوسطية والاعتدال ثالثاً: الوسطية والاعتدال: عن طريق الرجوع إلى الكتاب والسنة، لا تقصر ولا تقفز؛ لأن تجاوز الدين خطأ والتقصير عنه خطأ، والحل هو الوسطية، والوسطية تعرف عن طريق العلماء الموثوق في علمهم، من تثق في علمه ودينه وأمانته تستشيره، وتحاول أن تأخذ دينك ممن هو على علم وعلى بصيرة.

ملازمة الصالحين وصحبتهم

ملازمة الصالحين وصحبتهم رابعاً: ملازمة الصالحين وصحبتهم وملازمة الجماعة وعدم العزلة: فإن الشيطان يفترس الإنسان إذا كان منفرداً.

الاستعداد وتهيئة النفس لمواجهة المصائب

الاستعداد وتهيئة النفس لمواجهة المصائب خامساً: الاستعداد وتهيئة النفس لتلقي ومواجهة أي صعوبة عن طريق الله عز وجل.

البعد عن قرناء السوء

البعد عن قرناء السوء سادساً: البعد كل البعد من قرناء السوء وإخوان الضلال وإخوان الشر والأشرار، انتبه! اقطع صلتك بهم مهما كان حبك لهم وحدد موقفك منهم بصلابة، وقل لهم: لستم مني ولا أنا منكم، كما قال إبراهيم: (كفرنا بكم). لابد أن يكون موقفك قوي: {إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:4] زميل دراسة أو جار، إذا رأيته تاب امشِ معه وإذا لم يتب اهجره في الله عز وجل؛ لأن الهجر في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان.

إعطاء النفس حقها

إعطاء النفس حقها سابعاً: إعطاء النفس حقها، فلا تقصر في هذا الجانب وتمنعها حقها من المباحات، ومداعبة الأهل، ومداعبة الأولاد، إذا دخلت باب البيت من حين أن تدخل خذ الولد وارفعه إلى فوق ولاعبه واضحك معه، كان الأطفال يركبون على ظهر رسول الله وهو في الصلاة، وقد صعد الحسن على ظهره، فأطال في السجود حتى كاد الصحابة يسبحون، فلما رفع رأسه اعتذر وقال: (إن ابني هذا ارتحلني) يقول: ركب علي. من وسائل العلاج: التكامل في حياة المسلم لإعطاء النفس حقها، وإعطاء الأهل حقهم، وإعطاء الأولاد حقهم، بالمداعبة وبالنكتة البريئة، وبالنزهة وبالرحلة وبالسمر اللطيف في المباحات، يروي الإمام مسلم عن حنظلة الأسدي أنه قال لـ أبي بكر وقد لقيه، قال: (نافق حنظلة! قال: ما ذاك؟ قال: نكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتكون قلوبنا في غاية الرقة، ثم نخرج فنعافس النساء والأولاد فتقسوا قلوبنا، قال أبو بكر: وأنا مثل ذلك -الذي عندك أنا أحس به، هيا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم- فذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال: لا يا حنظلة! ساعة وساعة) يعني: القلوب لا تبقى دائماً على وتيرة واحدة وإنما ساعة وساعة، ساعة تكون رقيقة، وساعة ينبغي للإنسان أن يعود فيها إلى مباحاته وإلى شئونه العامة، ثم قال: (أنتم بشر لستم ملائكة) يقول: (لو أنكم تبقون في الطرقات وفي الشوارع وعند أهلكم كما تبقون يوم أن تكونوا عندي لصافحتكم الملائكة في الطرقات) يعني: لانقلبتم عن بشريتكم ولأصبحتم ملائكة، ولكنكم بشر والبشرية ملازمة للإنسان، ففي حدود ما أباح الله لا ينبغي للإنسان أن يقصر، وأن يضيع هذا مدعياً أنه من الدين، فإن هذا قد يؤدي إلى ردود فعل عكسية قد لا تكون سليمة مع بعض الناس، قد تكره الإنسان في الدين، وتكره الزوجة في الإسلام، وتكره الأولاد، وينشئون معقدين لا يريدون أن يكونوا مثل أبيهم على الالتزام بأسباب تقديمه الصورة المعتمة القاتمة عن الدين، وإلا فإن في ديننا فسحة، وفي ديننا مجال لإظهار ذلك، والذين يمارسون الحياة الكاملة الطيبة الإسلامية مع زوجاتهم ومع أولادهم، يعيشون أكرم عيشة. نعم. بعض النساء تتصور أن ما في الدنيا أعظم من زوجها، ملتزم لكن يقوم بالحق الكامل، يدخل وهو مبتسم ويضع يده عليها يضمها ويقبلها ويلاعبها ويخرج معها، وهنا هو الصحيح، لكن بعضهم يدخل عندها كأنه عسكري لا يبتسم ولا يضحك ولا يمزح، وإذا دخل أخذ الكتاب وجلس يقرأ، تقول: الله أكبر عليك مع الكتاب ليل نهار، -يا أخي- اجعل للكتاب وقتاً، وللنكتة وقتاً، وللسمر وقتاً، أما أن تعقدها وتقدم هذا الشيء فهي تتصور أن هذا هو الدين فينعكس ذلك في نفسها تقول: ما هذا الدين الذي أتيت به أنت؟ لكن لو قدمت الدين بالقالب الصحيح، وقت الجد اقرأ، ووقت الأنس تجلس مع زوجتك وتلاعبها، فقد كان صلى الله عليه وسلم وهو أكرم خلق الله يداعب أهله، وقد سابق عائشة مرة فسبقته ومرة سبقها، من منا يسابق زوجته الآن، هل هناك أحد يسابق زوجته الآن؟ لو أن شخصاً آخر قام بهذا لقالوا: هذا أخبل مجنون، سبحان الله! ما أقسى قلوبنا. يا أخي! سابقها، داعبها، العب رياضة أنت وإياها، ابتسم لها، قبلها، خذها معك للمسجد الحرام تصلي معك، اخرج بها في نزهة، عوضها إذا منعتها من الحرام، بعض الشباب يقول: لا أدخل بيتي جهاز تلفزيون ولا فيديو ولا دش نقول: جزاك الله خيراً حميتهم لكن أوجد البدائل؛ لأن هذا يحدث فراغاً عندها، فإذا حدث الفراغ هذا وما ملأته أنت بالحق ملأته هي بالباطل، وإذا لم تأت بالتلفزيون تضطر أنها تسمع التلفزيون ولو بالتليفون، تقول لزميلتها: ضعي السماعة بجانب التلفاز حتى نسمع المسرحية، لماذا؟ بسبب سوء التطبيق من قبل بعض الناس، فوسائل العلاج أنك تعطي أهلك حقهم من المباحات.

تذكر الموت

تذكر الموت ثامناً: تذكر الموت: اجعل ذكر الموت بين عينيك، ألست ستموت؟ نعم. متى؟ لا تدري. أليس ممكن الآن؟ نعم. ممكن الليلة؟ نعم. ممكن في كل لحظة، هل جهزت نفسك؟ بعد كل لحظة ممكن أن تموت، يخبرني أحد الإخوان في رسالة لي هنا، يقول: هناك شاب حضر محاضرة للشيخ/ عبد الله الحماد الرسي وخرج من المسجد وذهب إلى البيت ونام، ومات بعد ساعة من نومته، مات لكن بعد خروجه من المسجد وبعد طاعة وبعد محاضرة، وبعد أيام رؤيت له رؤية حسنة، رآه بعض رفاقه فقالوا: ما صنع الله بك؟ قال: بشر أهلي أنني في الجنة، نسأل الله أن تكون هذه الرؤية حق، وأن يجعله في الجنة، ولا نقول إلا خيراً؛ لأنه خرج بعد الطاعة إن شاء الله، فأنت توقع الموت بعد كل لحظة، يمكن يقع هذا الكلام علي الليلة، ويمكن على أحد منكم. كم من إنسان ركب سيارته وما نزل منها باختياره، وكم من إنسان لبس ثوبه وما خلعه هو بل قطعت أزراره من رقبته، وكم من إنسان نام على فراشه وما استيقظ منه، وكم من إنسان خرج من بيته وما عاد إليه، فتذكر الموت؛ لأنك إذا تذكرت الموت تضبط نفسك وتمشي على الطاعة وتترك المعاصي.

محاسبة النفس ومراقبتها

محاسبة النفس ومراقبتها تاسعاً: محاسبة النفس ومراقبتها على فترات: إما يومياً أو أسبوعياً أو كل ليلتين، فلابد من جلسة مع النفس، محاسبة كما تحاسب الغريم، فتشارطها وتحاسبها وتتابع سيرها، تحاسب عينك، أين أنت يا عين؟ أين نظرتي؟ أين الإيمان؟ نظرت اليوم تقول: أستغفر الله وأتوب إليه، يا أذن ماذا سمعتي اليوم؟ سمعت غيبة أستغفر الله وأتوب إليه، يا لسان تكلمت اليوم في موضوع ما كان لي أن أتكلم فيه وليس لي علاقة به، أستغفر الله العظيم وأتوب إليه، وهكذا هذه المحاسبة لها أصل في الدين، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:18] هذه -أيها الإخوة- مجمل الوسائل التي يستطيع المسلم بها أن يثبت على دين الله، ومن حصلت له انتكاسة أو ضعف أو تراخٍ أو كسل في الدين يستطيع بالأسباب التسعة الأخيرة أن يعالج ضعفه وتراخيه وكسله، وأن يعود إلى الجدية والاستمرارية في طريق الله، وأن يسأل الله الثبات ويصبر على هذا الطريق، فإنه وإن كانت فيه صعوبة فإن نهايته مشرقة وهي الجنة. نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلنا وإياكم من أهلها، وأن ينجينا وإياكم من النار، وأن يثبتنا على هذا الدين حتى نلقاه، وأن ينصر دينه وأن يعلي كلمته وأن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويذل فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر إنه سميع الدعاء، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذه الأيام مطايا [2،1]

هذه الأيام مطايا [2،1] إن من أراد أن يعرف حقيقة الدنيا فعليه بكتاب الله عز جل، لأنه لن يجد كتاباً يصفها على حقيقتها كما وصفها القرآن الكريم، ومن خلال قراءة كتاب الله يجد المرء أن هذه الدنيا ما هي إلا محطة للتزود للآخرة. وزيادة من الله في بيان زيف الدنيا حذرنا من الشيطان ومصائده، وعهد إلينا بشديد عداوته لنا، وما من خديعة رصدها إلا وجعل الله لنا منها الفكاك والنجاة.

حقيقة الدنيا

حقيقة الدنيا الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وصف الله لحقيقة الدنيا

وصف الله لحقيقة الدنيا أيها الإخوة في الله! يقول الله عز وجل في كتابه العزيز مخبراً عن حقيقة هذه الحياة التي يبدو أننا لم نعرفها حتى الآن، وعرفنا منها ما لا يريده الله عز وجل منا، فجاء الأمر من الله عز وجل يصحح عقولنا ويلفت أنظارنا ويخبرنا عن حقيقة هذه الحياة؛ لأنه هو خالق هذه الحياة، فيقول عز وجل: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ} [الحديد:20] هذه خمسة أشياء عرفناها من هذه الدنيا، والله يقررنا على هذا بالأمر بالعلم بذلك، ولكن ما بعد هذه الحياة {وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ * سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الحديد:20 - 21] فهذه الحياة الدنيا مضمار وميدان سباق، ولكن إلى أين؟! إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض، لكن لما عاش الناس في غير الميدان الطبيعي الحقيقي لهم سابقوا ولكن إلى نار هاوية. {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الحديد:21] لمن يا رب أعدت هذه الجنة؟ وهيئت وزينت؟ {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21]. هذه الآيات تقرر حقيقة الدنيا، وحقيقة الآخرة، والمراد منا حينما أوجدنا الله في هذه الدار، إنها ميدان عمل، ومضمار تسابق، وإن الليل والنهار والشهر والسنة مطايا نركبها إلى الجنة أو إلى النار، بحسب السير، فمن الناس من قطع مراحل حياته متزوداً بغضب الله وسخطه ولعنته، يصبح على معصية الله، ويمسي على معصية الله، ويفتح عينه باستمرار في معصية الله، ويخصص أذنه على الدوام في سماع معاصي الله، ويتكلم بلسانه فيما يسخط الله، ويأكل بفمه وينزل في بطنه ما حرم الله، ويطأ بفرجه فيما حرم الله، ويمد يده إلى ما حرم الله، ويسير بقدمه ويسعى إلى ما يسخط الله، فهذا قد شد رحله وعزم وسافر إلى دار الدمار والنكال، أعاذنا الله وإياكم منها. ومن الناس من عرف سر وجوده وحقيقة وجوده، وعلم أنه يناط به أمر: قد هيأوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل فشد راحلته، وحمل عصا السير على عاتقه، وشمر وقال: إليك ربي لا ألوي عن راحلتي إلا إليك، فقطع رحلة عمره متجهاً إلى خالقه، مسخراً كل ملكاته وإمكانياته في مرضاة الله، فهو مع الله في الليل والنهار والسر والجهار، يصلي مع الله، ويعمل في مكتبه وهو مع الله، ينام على ذكر الله، ويأكل ويأتي أهله باسم الله، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحب ويبغض في الله، ولا يصرف دقيقة من دقائق حياته الغالية إلا بما يعود عليه بالنفع في الدار الآخرة. فهذا هنيئاً له هذا المسير، وليس بينه وبين الجنة إلا أن يقف في آخر مرحلة من مراحل هذه الحياة عند جدار يسمى الموت، وهناك يقال له: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30]. نسأل الله من فضله.

أثر مطية الدنيا على من امتطاها

أثر مطية الدنيا على من امتطاها عنوان المحاضرة (هذه الأيام مطايا) والناس راكبون عليها، ينزلون من مطية الليل ويركبون مطية النهار، وينزلون من مطية النهار ليركبوا مطية الليل، ومطية تحمل وأخرى تضع، حتى تنتهي الرحلة، وفي نهايتها يعامل الإنسان على ضوء ما عمل في هذه الرحلة. هذه الأيام مطايا أين العدة قبل المنايا أين الأنفة من دار الأنايا أين العزائم أرضيتم بالدنايا إن بليَّة الهوى لا تشبه البلايا وإن خطيئة الأحرار لا كالخطايا يا مستورين ستظهر الخفايا قضية الزمان لا كالقضايا ملك الموت لا يقبل الوساطة ولا يأخذ الهدايا أيها الشاب! ستسأل عن شبابك أيها الكهل! تأهب لعتابك أيها الشيخ! تدبر أمرك قبل سد بابك يا مريض القلب! قف بباب الطبيب يا منحوس الحظ! اشك فوات النصيب لذ بالجناب قليلاً وقف على الباب طويلاً واستدرك العمر قبل رحيله وأنت بداء التفريط عليلاً يا من عليه نُذر الموت تدور يا من هو مستأنس في المنازل والدور لا بد من الرحيل إلى دار القبور والتخلي عما أنت به مغرور غرك والله الغَرور بفنون الخداع والغرور يا مظلم القلب وما في القلب نور الباطن خراب والظاهر معمور إنما يُنظر إلى البواطن لا إلى الظهور لو تفكرت في القبر المحفور وما فيه من الدواهي والأمور كانت العين منك تدور يا من يجول في المعاصي قلبه وهمه يا معتقداً صحته في ما هو سقمه يا من كلما زاد عمره زاد إثمه يا قليل العبر وقد دق عظمه يا قليل العقل وقد تيقن أن القبر عما قليل يضمه كيف نعظ من قد نام قلبه لا عينه وجسمه قال الفضيل بن عياض رحمه الله: إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم، قد كبلتك خطيئتك. وقيل لـ ابن مسعود رضي الله عنه: [ما نستطيع قيام الليل، قال: قيدتكم خطاياكم]. قال الأصمعي رحمه الله: خرجت حاجاً إلى بيت الله الحرام، وزيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فبينما أنا أطوف بالكعبة بالليل، وكانت ليلة قمراء، إذ أنا بشاب ظريف الشمائل، حسن الوجه، عليه أثر الخير، وإذا هو متعلق بأستار الكعبة ويقول: [إلهي وسيدي ومولاي! غارت النجوم، وهدأت العيون، إلهي! أغلقت الملوك أبوابها، وقامت عليها حجابها، وبابك مفتوح للسائلين، جئت أنتظر رحمتك يا كريم] فما زال يردد هذا الدعاء حتى وقع مغشياً عليه، قال: فدنوت منه فرفعته فإذا هو زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، قال: فبكيت لبكائه، فوقعت قطرة من دمعي على خده فأفاق، وقال: من هذا الذي شغلني عن ذكر مولاي؟! فقلت له: يا ابن بنت رسول الله، أنا الأصمعي، فما هذا البكاء وما هذا الجزع؟ أليس الله يقول فيكم أهل البيت: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} [الأحزاب:33]؟ فقال: [هيهات هيهات يا أصمعي، إن الله خلق النار لمن عصاه وإن كان حراً قرشياً، وخلق الجنة لمن أطاعه وإن كان عبداً حبشياً] قال: فتركته على حاله ومضيت.

تعرف حقيقة الدنيا بما يأتي بعدها

تُعرف حقيقة الدنيا بما يأتي بعدها أيها الإخوة! هذه هي الدنيا، شباب ونضرة، ثم شيخوخة وهرم، قصور بعدها قبور، ونور بعده ظلام، وأنس بعده وحشة، وسعة في المنازل بعدها ضيق في القبور، ونعيم وطعام وشراب ولباس ولكن تنتهي أيام هذه الحياة، يقول الله عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} [الشعراء:205 - 207]. هب أنهم تمتعوا بكل متاع، وتلذذوا بكل لذائذ الدنيا، ولكن ماتوا وقابلوا ربهم والله ساخط عليهم، فماذا يبقى معهم من النعيم، إن النعيم واللذائذ تفنى وتذهب وتبقى آثامها وتبعاتها، وإن الطاعات والمعاناة في إتيانها تذهب وتنتهي ويبقى ثوابها وأجورها، فلا تغتر يا أيها الأخ في الله! وأنت تسير في مراحل هذه الحياة، لا تغتر بالمعوقات والمثبطات، بل اسلك سبيل الصالحين، ولا يغرك قلة السالكين، واحذر من طريق الهالكين، ولا تغتر بكثرة السالكين {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الأنعام:116]. اسلك السبيل الواضح الذي رسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، مستقيماً لا عوج فيه، ولا انحناءات ولا التواءات، بل محجة بيضاء ليلها كنهارها، ليس فيها غبش ولا ظلمة، لا يزيغ عنها إلا هالك.

صراط الله واحد، وسبل الشيطان متعددة

صراط الله واحد، وسبل الشيطان متعددة يقول الله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام:153] فالصراط واحد، والسبل المؤدية إلى النار كثيرة، أما الطريق المؤدي إلى الجنة واحد، ولكنه طريق متعدد المسارات، والناس يتسابقون فيه من كل مسار، والنهاية الجنة. أما طريق النار فهي سبل ملتوية، وطرق متعددة على رأس كل منها شيطان، يزين للناس ويضلهم ويمنيهم، ويعدهم، وما يعدهم الشيطان إلا غروراً. وأنت أيها المسلم في هذه الحياة تقف الآن على مفترق طرق: طريق الجنة وطريق النار، طريق الجنة قد نصبت لك أعلامه، ولاحت لك علاماته، وعليه لوحات إرشادية، بينها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللوحات الإرشادية التي على طريق الإسلام والجنة لوحات عظيمة، مكتوب فيها: الطريق فيه شيء من الصعوبة؛ أشواك، وحجارة، ومطبات وغيرها، ولكن نهاية هذا الطريق جنة عرضها السماوات والأرض، فيها (ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) فيها السرور والحبور، فيها القصور والحور، فيها أنهار اللبن والخمر والعسل وماء غير آسن: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17] هذه طريق الجنة، وفي الطريق نوع من المعاناة؛ لأنها حفت بالمكاره: بالجهاد بالصلاة بالصيام بالزكاة بالحج بغض البصر بحفظ الفرج بصون السمع بحفظ اللسان بترك الحرام بفعل الطاعات. لكن المؤمن إذا سار على هذا الطريق فإنه مأمور بالجدية، وبالمثابرة وبالتقوى، بحيث لا يضع يده ولا قدمه إلا في الطريق الصحيح، وهذا معنى التقوى: أن يشمر ويتقي الله. ليل نهارٍ، وشهراً وسنة، وسنة بعد سنة، حتى يقف عند جدار الموت، ويقال له: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:70 - 72] ماذا تظن الجنة؟ حوش بقر! تريد اثنين وسبعين حورية، وملكاً ينفذه بصرك مسيرة مائة عام، وأن تنظر ببصرك إلى وجه الرحمن، وتسمع بأذنك خطابه، ويكون لك في الجنة قصور من ذهب ومن در مجوف، ومن تحت قصورك أنهار تجري تريد كل ذلك بالمعاصي والذنوب، وبالأماني والكذب، لا والله. يقول ابن القيم رحمه الله: والله لو أن القلوب سليمة لتقطعت ألماً من الحرمان لكنها سكرى بحب حياتهاالد نيا وسوف تفيق بعد زمان يا سلعة الرحمن لست رخيصة بل أنت غالية على الكسلان يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحد لا اثنان يا سلعة الرحمن سوقك كاسد بين الأراذل سفلة الحيوان يا سلعة الرحمن كيف تصبر الـ خطاب عنك وهم ذوو إيمان يا سلعة الرحمن لولا أنها حجبت بكل مكاره الإنسان ما كان عنها قط من متخلف وتعطلت دار الجزاء الثاني لكنها حجبت بكل كريهة ليصد عنها المبطل المتواني وتنالها الهمم التي ترنو إلى رب العلا في طاعة الرحمن هذه امتحانات! وكلما كانت الرتبة أكثر كان الامتحان أصعب، أليس كذلك؟! الآن امتحانات الثانوية هل هي مثل امتحانات أول ابتدائي؟! وامتحانات الابتدائية هل هي مثل امتحانات الجامعة؟! كلما كانت العطية والغنيمة أكبر، كانت الأسئلة أكثر، لماذا؟ حتى لا يصل إلى هذا المكان إلا الأهل والكفء، أما لو أنها لمن جاء فكل واحد يريدها، لكن لا بد من الامتحان، ولا بد من الاختبار: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] أي: ليختبركم أيكم أحسن عملاً {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الكهف:7] هذا الطريق الأول، طريق الجنة وفي هذا الطريق مع الصعوبة والمعاناة أربعة أعداء متربصون بهذا الإنسان: إبليس والدنيا ونفسي والهوى كيف النجاة وكلهم أعدائي

عداوة إبليس للإنسان

عداوة إبليس للإنسان أما إبليس فعداوته أزلية قديمة قدم الإنسان، منذ خلق الله آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، فرفض الشيطان أن يسجد حسداً لآدم وقال: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} [الإسراء:61] وقال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِين} [الأعراف:12] فالله عز وجل لا يخطئ في حكمه {وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:70] {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف:54]. إبليس نظرته مقلوبة، ورأيه منكوس، يقول: النار تأكل الطين فهي أفضل من الطين؛ فلا ينبغي أن تسجد النار للطين، قال الله له: {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [ص:77 - 78] ما زنا، ولا سرق، ولا لاط، ولكن خطّأ الرب، وقال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِين} [الأعراف:12] قال: {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [ص:77 - 78] {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:82] ثم قال: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف:16] أي: لأزينن لهم في الأرض، وقال: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف:17] قال الله لآدم: {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ} [طه:117] {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:35] لا تقربا هذه الشجرة، كلا من كل ثمار الجنة، ولكن: من أرادها كلها أو حرمها كلها. ولكي تعرفوا كيف يأتي إبليس إلى الواحد منا، جاء إلى أبينا آدم، وآدم أحبَّ الخلود في الجنة؛ لأنه ليس من أهلها بالأصالة، بل هو خلق طارئ غريب، وليس من الملائكة، وإنما هو قبضة من التراب، ونفخة من الروح من السماء، فيخاف الغريب باستمرار أنه يخرج من هذه الجنة، يريد داراً مملوكة له. فأتاه إبليس من هذا الجانب وقال له: {وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف:20] وبعد ذلك حلف لهما: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:21] ولهذا لا تطع كل من يحلف لك أنه ينصحك؛ لأن إبليس حلف أنه ناصح وهو كاذب، وما كان آدم يظن أن أحداً يحلف بالله فاجراً، وبعد ذلك قال: {قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} [طه:120] إذا أكلت من هذه الشجرة تصبح من الملائكة! ولا تخرج منها! {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} [الأعراف:22] أي: بمكر وكيد وخديعة ودهاء {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} [الأعراف:22] كل شجر الجنة أكله لا يترك أثراً إلا رشحاً كالعرق وله ريح المسك، إلا هذه الشجرة من يأكل منها لابد أن يخرج منه أذى، ولذا قال الله لآدم: لا تأكل منها من أجل ألا تخرج أذى، وجاء الشيطان بعد أن أكل {يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا} [الأعراف:27]. قال الله عز وجل: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [طه:123] انزلوا جميعاً، فالعداوة ابتدأت في الجنة وانتهت بالاستقرار في الدنيا، والله يقول: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:123 - 126]. نزل آدم إلى الدنيا ورأى الدار غير الدار، كان عهده بالجنة وما فيها من الحور والقصور والأنهار، وإذا به يأتي إلى هذه الدنيا الدنيئة الحقيرة التي لم ينظر الله إليها منذ خلقها، والتي لا تزن عند الله جناح بعوضة، كما جاء في الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: (لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء) دنيا تافهة حقيرة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيها: (ما الدنيا في الآخرة -أي: نسبتها- إلا كما يدخل أحدكم إصبعه في اليم -أي: في البحر- فلينظر بم ترجع) ترجع بنقطة، هذه النقطة هي الدنيا والآخرة، ونحن نتطاحن عليها، ونضيع ديننا في هذه النقطة، ونتذابح ونتناحر في جناح البعوضة، ونترك جنة عرضها السماوات والأرض. نزل آدم ورأى الدار غير الدار فصحح الوضع، قال الله تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه:121 - 122] تاب ورجع. قال ابن القيم: (فحي على جنات عدن) يقول: أنت لست باقياً في هذه الدار، ولست مخلوقاً من أجل هذه الدار، نحن أصلنا في الجنة، وديارنا ومنازلنا في الجنة، وزروعنا وثمارنا وأنهارنا وزوجاتنا في الجنة، لكن العدو أخرجنا منها ولا بد من أن نرجع، يقول: فحي على جنات عدن فإنها منازلنا الأولى وفيها المخيم ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلم وقد زعموا أن الغريب إذا نأى وشطت به أوطانه فهو مغرم وأي اغتراب فوق غربتنا التي لها أضحت الأعداء فينا تحكم يقول: إن الغريب إذا فارق بلاده ودياره فإن قلبه يتعلق بدياره حتى يعود إليها، مهما تمتع في الدار التي هو فيها، لا يريد إلا داره، وكذلك قلوب أهل الإيمان معلقة بالجنان، يعيشون بأجسادهم في الأرض وأرواحهم في السماء، أرواحهم تحلق في العرش، يريدون العودة إلى دار الكرامة والسعادة، نسأل الله من فضله.

تحذير الله لنا من عداوة الشيطان

تحذير الله لنا من عداوة الشيطان إبليس هو أول عدو في طريق المؤمنين إلى دار السلام، نبه الله على عداوته، فقال: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً} [فاطر:6] لكن الحقيقة المرة: أن أكثر الناس اتخذه صديقاً، يقول بأن الشيطان عدوه، ولكنه في الحقيقة صديقه، يأمره الله بقراءة القرآن، ويأمره الشيطان بالغناء فيستمع الغناء ويترك القرآن، أليس هذا حقيقة؟!! ولو أجرينا استفتاء أو إحصائية لمن يستمع القرآن ويداوم عليه باستمرار، ومن يستمع الغناء ويداوم عليه باستمرار، لوجدنا فارق النسبة كبيراً بين من يستمع الأغاني ويترك القرآن، وإذا قلت له: الشيطان عدوك أم صديقك؟ قال: الشيطان عدو لي لعنة الله عليه، عدو لكنه راقد فوق رقبته! عدو لكنه يقوده ويوجهه! يلف بك على كل شر عنده، ما هو عدو لك بل صديق، الشيطان يأمر بالربا والله يأمر بالبيع، قال الله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} [البقرة:275] ولكن تجد سوق أرصدة المسلمين في بنوك الربا وتجدها بالمليارات ويرابون ويقولون: هذا ليس ربا، هذه فوائد، وهي في الحقيقة خسائر ونكبات ودمار؛ لأن الله ما أذن على صاحب ذنب كما أذن على صاحب الربا، وكيف تحارب ربك والله غالب على أمره. تخرج بعماراتك وسياراتك ودكاكينك وأكياسك ورتبتك تحارب ربك، لو سلّط عليك جندياً من جنوده البسطاء ما تقدر له. سلط الله على النمرود بعوضة كجندي بسيط من الجنود، دخل من أنفه واستقر في دماغه وامتص دمه، وتربى على مخّه حتى أصبحت كالحمامة في رأسه، وكانت تضطرب باستمرار، فدخل عليه رجل من خدامه وعبيده قال: اضرب رأسي، فضرب رأسه بالسيف فشقه نصفين، ونزل السيف على جناح البعوضة فكسره، فقالت: ربي دخلت بطاعتك، والآن انكسر جناحي، قال: تريدين دية أم تريدين جناحاً؟ قالت: ما هي الدية؟ قال: مثل الدنيا منذ خلقتها حتى أفنيها، قالت: ما أريدها، أريد جناحي، وإذا الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة. أنت ضعيف تحارب خالقك! قال الله عز وجل: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:279] يعني الذي يرابي قد أعلن الحرب على الله، والحرب قائمة الآن بينه وبين الله، ولكن الغلبة لمن؟! لله، من الذي يستطيع أن يغلب ربه؟!!

مزالق أوقعنا فيها الشيطان

مزالق أوقعنا فيها الشيطان الآن أوروبا وأمريكا التي تمردت على الله، واستباحت حرماته، سلط الله عليها جنداً من الجنود الذين قال الله فيهم: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الفتح:4] جندي بسيط لا يرى بالعين المجردة ولا بالتيلسكوب ولا بالمجهر الإلكتروني، هذا الجندي شبحه الآن يزعزع أمريكا وأوروبا ويخوفهم ويرعبهم، عجزت جامعاتهم، وكليات الطب فيهم، وأطباؤهم، بل يموت الطبيب وهم يرونه ولا يصنعون له شيئاً، هذا الجندي اسمه (الإيدز) وما أدراك ما الإيدز؟! أين كان هذا؟ الإنسان موجود من زمان، لماذا ما وجد مع الإنسان مثل ما وجدت الأمراض مع الناس؟! إن هذا جندي جديد من الجيش، من أفراد قوات الصاعقة الربانية، إنه بسيط لا تراه أمريكا حتى تحاربه، يدخل في الجسد فتنهار المقاومة ويموت الإنسان وينتهي، لماذا؟ عقوبة ودمار من الله للإنسان، فالذي يرابي يعلن الحرب على الله. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح عند البخاري عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، في حديث الرؤيا الطويل لما جاءه الملائكة قال: (قالا لي: انطلق انطلق، فانطلقنا، فأتينا على رجل يسبح في نهر من دم) وتصوروا نهراً من دم، أنت الآن إذا ذبحت ذبيحتك، وطاش الدم في يدك تقززت حتى تغسل يديك، وهل تأكل والدم في يديك؟! وإذا كنت ملطخاً بالدم فماذا تصنع؟! فكيف بمن يسبح في الدم (فإذا رجل يسبح في الدم، وآخر على طرف النهر وعنده كومة من الحجر وذاك يسبح إليه، فإذا قرب منه فتح فاه فرجمه في حجر وبلع الحجر في بطنه ثم يذهب إلى هناك ويرجع، فقلت: من هذا؟ قالا لي: انطلق انطلق -وفي نهاية الحديث- قال: أما الرجل الذي يسبح في الدم فهو آكل الربا). وفي مسند أحمد يقول صلى الله عليه وسلم: (لأن يزني الرجل بست وثلاثين زنية في الإسلام أعظم من درهم يصيبه من الربا) وعند ابن ماجة يقول صلى الله عليه وسلم: (الربا بضع وسبعون حوباً، أدناه ذنباً كأن ينكح الرجل أمه) وهذا أقل شيء، والآن يمارسه المسلمون إلا من عصم الله، أعلى شيء أن تأتي بأموالك وتقول: أريد عليها ربا، أو فائدة، أو كما يسمونها عمولة، أو تكاليف موظفين، يخففون الاسم ويستبيحون محارم الله بتغيير المسميات. يسمون الخمور مشروبات روحية، كيف مشروبات روحية؟! الروح شرابها من هذا الخمر؟! الروح غذاؤها من الله، لكنهم عكسوا المسألة وقالوا: الخمر مشروبات روحية، ويسمون الزنا الذي يقول الله فيه: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] ويقول فيه: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور:2] ويقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (ما عصي الله بذنب بعد الشرك أعظم من نطفة يضعها الرجل في فرج لا يحل له). يسمون الزنا علاقات جنسية، ويسمون السحر وألعاب السيرك ألعاباً بهلوانية، يأتون بساحر كذاب ويأخذ سيخاً ويركزه في الأرض ويحنيه إلى عينه ويخيل إلى الناس أن هذا المنتصب سيخ حديدي وهو في الحقيقة حبل، ومرة من المرات دخل رجل من الموحدين على مثل هذا الساحر وقال له: أنت تقول إن عينك تستطيع أن تثني سيخاً حديدياً طوله (16) ملي، وفعلاً يضعه أمامه ويضعه على عينه حتى يثنيه مرة ثانية بعينه، فقال له: نعم، قال له: إصبعي أقوى أم السيخ؟ قال: السيخ أقوى، طبعاً السيخ تدقه لا ينحني إلا بقوة فظيعة جداً، لكن الإصبع ممكن تنحني، قال: تدري ما نريدك تحني السيخ، أريد إصبعي تحنيها فقط، قال: لا. ما أقدر، فتفله في وجهه وطرده، لأنه دجال كذاب ساحر فيسمونها ألعاباً بهلوانية. ويسمون نكاح اليد بالعادة السرية، فالذي يرابي هذا ما اتخذ الشيطان عدواً، بل اتخذه صديقاً، والذي يترك الزواج وكلما أخذ إجازة خرج إلى خارج المملكة، لماذا؟ قال: أريد أن أكمل ديني، يذهب هناك يكمل دينه، ويأتي وقد أصبح في جهنم، أول ما ينزل في أي بلد يسأل، في سيرلنكا وفي الدول الخبيثة المجرمة، يأتي من أرض الحرمين ليأخذ عمرة، نسأل الله أن يأخذ عمره أو يتوب عليه، تترك المقدسات والحرمين الشريفين، تترك مكة المكرمة ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان، والله يخرجون لا يذهبون إلى العمرة في العشر ولا إلى قيام الليل في العشر الأخيرة، وإنما يذهبون إلى خارج الديار ليزنوا، وليخرجوا على الآداب والقيم والمفاهيم الإسلامية. هذا ما اتخذ الشيطان عدواً وإنما اتخذه صديقاً. والله حذرنا من الشيطان، فقال: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [يس:60 - 61] وقال لنا في آية أخرى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} [الكهف:50] بئس والله أن تبدل ربك بشيطانك، ربك الذي خلقك وأخرج إبليس من أجلك، تذهب تصادق إبليس وتترك ربك، أين عقلك؟! لماذا أخرج الله إبليس؟! لأنه ما سجد لك، فطرده الله إكراماً لك، وبعد ذلك عندما أطعت الشيطان، وخرجت من الجنة ونزلت إلى الأرض، قال الله عز وجل: {إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ} [طه:117] ثم تأتي تطيع الشيطان، قال الله تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} [الكهف:50]. وبعد ذلك عدو له صفة متميزة، عدو لا تراه، وهذه المشكلة فيه قال عز وجل: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:27] إذا كان عدو أمامك تستطيع أن تحاربه وتتقيه وتحاول أن تفتك به؛ لأنك تراه، لكن ما الحيلة في عدو لا تراه وهو يزين لك، يجعل القبيح حسناً، والحرام حلالاً، والخير شراً، والشر خيراً، والزنا جميلاً، والغناء جميلاً، والصلاة ثقيلة، والقرآن مزهداً، والدين معقداً، هذا هو الشيطان، وهذا هو إبليس يقلب لك الحقائق!

مداخل الشيطان على ابن آدم وموقفه منه

مداخل الشيطان على ابن آدم وموقفه منه موقفك منه التشمير لعداوته، والتصدي له بالاستعاذة بالله من شره، متى تستعيذ بالله من شر الشيطان؟ في أربع حالات:

الباب الأول: عند ورود أمر الله

الباب الأول: عند ورود أمر الله إذا كنت نائماً وسمعت المؤذن يؤذن لصلاة الفجر والجو بارد والفراش وثير والزوجة بجوارك جميلة، والمؤذن يقول: الله أكبر! والشيطان يقول: لا. النوم أكبر، وهو لا يقولها لك لكنها في إحساسك وذهنك، ثم يقول المؤذن: الله أكبر، ثم يأتي الشيطان ويقول: الفراش أكبر، الزوجة أكبر، لا يزال هناك وقت!! ماذا يسمى هذا؟ أذان إبليس، وهذه إيحاءات الشيطان، فما موقفك؟ تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأن الله تعالى يقول: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف:200] إذا كنت نائماً وهذه الصراعات تتجاذب نفسك فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، واقفز من فراشك كما يقفز الأسد، لا تقم بهدوء لأنك إذا قمت بهدوء يلحقك إبليس، والله إن بعضهم يلحقه إلى الحمام ويرده ليركب عليه ويبول في مسامعه؛ لأن الإنسان إذا نام عن صلاة الفجر كما جاء في الحديث: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل ينام الليل ولا يصلي الفجر في المسجد، قال: ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه) أي لغمه، ما رأيكم في واحد لغمه الشيطان إلى مسامعه، كيف يصبح هذا؟ يصبح شيطاني، لأن الوقود من الشيطان، لا يسمع كلاماً طيباً ولا يتكلم كلاماً طيباً، ولا ينظر إلى طيب، لماذا؟ لأنه مزود بالوقود الشيطاني. فأنت إذا كنت جالساً في فراشك وتتقلب وسمعت الله أكبر، فأول شيء تقوله بعد فتح عينيك: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور، أصبحت على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص وعلى دين نبينا محمد وملة أبينا إبراهيم، اللهم ابعثني إلى كل خير، واصرفني عن كل شر، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قم كالأسد، وهنا تنحل عقدة، كما جاء في الحديث: (إذا نام العبد حضره الشيطان وعقد على ناصيته ثلاث عقد) ثلاثة أقفال حتى لا تصلي الفجر، ورباط مقيد لا يربط بهدوء، لا بل يربط ربطاً لا ينفك إلا بالأمور الثلاثة هذه قال: (فإذا ذكر الله وقام انحلت عقدة) يعني: انفك القفل الأول (فإذا دخل وتوضأ وخرج وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون انحلت عقدة ثانية) وينفك القفل الثاني، ولكن بقي واحد فانتبه، فإذا خرجت إلى المسجد وذكرت الله عند بابك وتقول حين تخرج: باسم الله توكلت على الله اعتصمت بالله، لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أبغي أو يبغى علي، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي، اللهم ابعثني إلى كل خير، اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي سمعي نوراً، ومن أمامي نوراً، فتدعو بهذه الأدعية، ثم تذكر الله بأذكار الصباح إلى أن تصل المسجد، فتدخل المسجد وتقدم رجلك اليمنى وتقول: باسم الله، اللهم افتح لي أبواب رحمتك، اللهم صل على محمد، ثم تأتي وتصلي ركعتي الفجر، ثم تجلس فتقرأ القرآن، ثم تصلي بحضور قلب، ثم تقرأ بعد الصلاة الأذكار النبوية المشروعة، ثم إن كنت من أهل جلسة الفجر، من أهل العمرة والحج التامة التامة فتجلس، وإن كنت من أهل التصفير والتحضير والنوم، فارجع ومعك خير وقد انحلت عقدك الثلاث، وتصبح عبداً في حفظ رب العالمين، كما جاء في الحديث الصحيح: (من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي). معنى في ذمة الله أي: في عهده وأمانه، ولو عشت ذاك اليوم فتعيش مع الله، وإن مت فإلى الجنة، نعم، معقول يدخلك الله النار وأنت في أمانه وفي عهده وذمته، ويقول عليه الصلاة والسلام: (من صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله). فالشيطان يمكر ببعض الناس الطيبين ويقول لهم: قوموا الليل، فإذا قاموا الليل رقدهم عن صلاة الفجر، وبال في مسامعهم، والله ما نفعك قيامك؛ لأن قيام الليل نافلة، وصلاة الفجر فريضة، وأعظم شيء تتقرب به إلى الله هو الفريضة. (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) أحب شيء إلى الله الفريضة، وبعد ذلك، عندما تحافظ على كل الفرائض تأتي وتتحبب إلى الله بالنوافل قال: (وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه) وهنا أصبحت العلاقة بينه وبين الله قائمة، إذا سأل أعطى، وإذا استغفر غفر له، وإذا استعاذه أعاذه (ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن؛ يكره الموت وأنا أكره مساءته ولا بد له منه). هذا العدو اللدود -الشيطان- عند ورود أمر الله عليك مباشرة تستعيذ بالله منه. وعندما تأتي تخرج زكاة مالك فتعد الأموال ويأتي الشيطان، مثلاً: عندك مليون ريال، والمليون فيها خمسة وعشرون ألفاً، لا يأتي الشيطان ويقول: والله باقي بركة تسعمائة وخمسة وسبعون ألفاً، بل يأتي ويقول: خمسه وعشرون ألفاً، تخرجها كلها! هذه تشتري بها سيارة والله غفور رحيم. فيجعل لك الكبير هو الذي تخرجه لله، والصغير هو الذي يبقى لك، لكنك إذا سمعت مثل هذا الإيحاء قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، اخسأ يا عدو الله، وإذا دعيت للإنفاق في سبيل الله، مثلاً للجهاد وللمجاهدين الأفغان؛ لأن مساعدتهم ليست نافلة علينا بل واجبة، ليس لك خيار في مساعدة إخوانك الذين يواجهون الرصاص بصدورهم، ويلتحفون السماء ويفترشون الأرض، خاصة هذه الأيام، أنت الآن في بيتك مكيَّف بالمكيف، وعندك ثياب شتوية وملابس داخلية وعباءة والدفاية والزوجة، تخرج من البيت إلى المسجد كأنك من رجال الفضاء ما تجد الرياح إلى وجهك طريقاً، وبعد ذلك مملوء بالطعام، تدخل البيت على فراش ارتفاعه نصف متر، وتتقلب على هذا الفراش ثلاثة أمتار في ثلاثة أمتار، وتتبطح من طرفه إلى طرفه، ولك إخوان يعيشون على قمم الجبال، والثلوج تقطِّع أبدانهم. يقول لي أحد الإخوة الذين ذهبوا هناك: والله إنهم لا يلبسون إلا الثياب البيضاء التي نسميها نحن (لاس) يقول: والله إنها ملبدة بالثلج، وإن بعضهم لا يكاد يحرك يده أو أصابعه من البرد، ولكنه يذكر الله ومع الله، ثم ماذا يأكلون؟! يأكلون الرغيف الجاف، ينقعه في الماء ويدقه ويأكله، ولا فراش ولا ثلاجة ولا مكيف، ثم أين هو جالس؟! جالس تحت أزيز الطائرات والقنابل تنفجر عند رأسه، والمدافع ترميه وهو يزحف على بطنه حتى يذهب ويزعزع أعداء الله، وحق له ذلك والحمد لله، روسيا الدب الروسي الذي دمر العالم وأرهب واجتاح دولة المجر في ست ساعات، لكن تسع سنوات والمجاهدون الضعاف الذين لا يملكون شيئاً حتى السلاح إلا من أيدي أعدائهم ركع الروس على الأرض وانسحبوا صاغرين خائبين بسبب قوة الإيمان. ولهذا نقول لجيوشنا ولحرسنا ولقواتنا: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران:160] لا ينصرنا إلا الله، فلا نستطيع أن ننتصر على أعدائنا بقوة السلاح فحسب؛ لأنه يملك مثل ما نملك بل ربما أكفأ، لكن السلاح الفتاك الذي نملكه ولا يملكه العدو هو سلاح الإيمان، وإذا استعملنا هذا السلاح والله ما تقوم لنا الدنيا كلها بأسرها ولماذا؟ لأن الله معنا، ومن كان الله معه، فلا يهزم، يقول عمر رضي الله عنه في رسالته إلى قواد الجيوش الإسلامية، يقول: [والله إني أخشى عليكم من الذنوب والمعاصي أعظم مما أخشى عليكم من الأعداء، فإنما نقاتل بالله]. وأرسل نجدة إلى القعقاع بن عمرو وقال: [إن جيشاً فيه القعقاع لا يهزم] وكان القعقاع من العباد. كان محمد بن مسلمة في المعركة ومعه محمد بن واسع إمام من أئمة العلم، فكان محمد بن واسع في الليل يقوم وفي النهار يدعو، فيقول محمد بن مسلمة: [والذي نفسي بيده! إن إصبع محمد بن واسع أعظم عندي في الجيش من ألف شاب طرير، ومائة ألف سيف شهير] يقول: ما أريد شباباً أقوياء وسيوفاً مع معصية وكفر وزندقة وإلحاد، هؤلاء لا ينصرهم الله، نقول لجيوشنا ولحرسنا ولقواتنا: عليكم بطاعة الله واحذروا من معصية الله، فإن المعاصي تنخر أديانكم، والذنوب تدمر إيمانكم، وبعدها لا يصبح لكم شرف الرباط في سبيل الله، لأنكم اليوم تعيشون أعلى درجة من درجات الجهاد وهو الرباط، أنتم على ثغور الدين، والمقدسات، تذودون بنحوركم عن دين الله عز وجل، فإذا احتسبتم النية لله وأصلحتم العلاقة بينكم وبين الله كنتم مرابطين في الدنيا، وإذا متم على الفراش أو بالشهادة أنزلكم الله منازل الشهداء، أما إذا عشنا على المعاصي والذنوب وأصبحنا مرتزقة، فقط همُّ الواحد منا الراتب في آخر الشهر، والثلاجة تكون مملوءة، والفلة مكيفة وجميلة، وبعد ذلك لا عبادة ولا صلاة، فهذا خزي ودمار وعار ولن ينصر الله الدين بمثل هذه الأشكال.

الباب الثاني: عند ورود المعصية

الباب الثاني: عند ورود المعصية إذا مرت عليك معصية من المعاصي فإن الشيطان يقوم بدور الوسيط في سبيل إضلالك بهذه المعصية، تخرج إلى السوق وتمر امرأة كاشفة متبرجة ويقع بصرك عليها، فيأتيك الشيطان ويقول: انظر، ولكن إذا جاءك هذا الشعور قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. شكا إلي شاب من الشباب هداه الله والتزم، وجاءني في يوم من الأيام إلى المسجد وقال لي: يا شيخ! الحمد لله كل شيء طيب وأنا استطعت أن أتخلص من كثير من الذنوب، ولكن بقي شيء صعب عليَّ، إذا خرجت إلى السوق أو رأيت امرأة أحس أن قوة خارجة عن قوتي تلف رأسي غصباً عني إليها، إبليس ماسك (الدركسون) يلفه مع المرأة، كيف أصنع؟ قلت له: أعطيك علاجاً ولكن تعمل به؟ قال: ما هو، قلت: إذا أحسست بهذه القوة قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فذهب الرجل وبعد يوم جاءني، وقال لي: جزاك الله خيراً، قلت له: ماذا بك؟ قال: والله ذهبت أجرب هذه الليلة، وذهبت إلى السوق لأشتري أغراضاً فرأيت امرأة فغضضت بصري خوفاً من الله، ولكن شعرت أن هناك ما يجذبني نحوها فقلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا بي أنجح. يقول الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف:200] إذا جئت في الليل وأنت نائم، تمر يدك في مؤشر الراديو على أغنية من الأغاني وأنت تعرف هذه الأغنية من الماضي والشيطان يحببها لك، فلا تقف عندها بل أسرع بيدك واهرب من إبليس وقف على إذاعة القرآن الكريم وقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وإذا سلمك أمين الصندوق الراتب وأعطاك ستة آلاف أو سبعة آلاف وعددتها وإذا بها زائدة مائة ريال، وعددتها مرة ثانية وثالثة وإذا بها زائدة مائة ريال، والشيطان يقول: حق الحكومة، يا رجل! الناس يأخذونها (بالكريكات) وأنت هذه فقط! من مال الحكومة! لا. ليست هذه من مال الحكومة، بل مال هذا أمين الصندوق، وأمين الصندوق يدفعها من راتبه، كما أن مال الحكومة أيضاً ليس حلالاً، بل من أعظم الحرام، وإذا أخذته يكون من الغلول الذي يقول الله فيه: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:161] والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح: (لا ألفين أحدكم يأتيني يوم القيامة وعلى رقبته بعير له رغاء، يأخذه من بيت مال المسلمين، فيقول: أغثني) يريد أن يأخذ الجمل من على رقبته؛ لأن الله تعالى يقول: {يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ} [الأنعام:31] فشيء تأخذه اليوم تحمله يوم القيامة، (فيقول: أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يأتيني يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء) شاة أخذها من مطعم، أو التغذية عشرة كباش كل يوم، لكن يذبح ستة والباقي للجيب الخاص، هذه كلها مقيدة مربوطة إلى أن تموت، يربطها الله في رقبتك كلها ويدخلك بها النار، (فيقول: أغثني، فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يأتيني يوم القيامة وعلى رقبته رقاع تخفق) يقول المفسرون: رقاع تخفق أي الملابس، بدلة أو كوت أو فنيلة أو شراب ليس لك، أي: لم يسلم لك، ولكن أنت أمين المستودع تُلبِس الجماعة كلهم، وتلبس بناتك وعيالك كلهم، هذه كلها تأتي بها يوم القيامة في رقبتك، والله لو دبوس واحد أو قلم أو ورقة تحضرها. أحد السلف مات، فرؤي بعد موته فقيل له: ما صنع الله بك؟ قال: غفر لي، غير أني محبوس عن الجنة بإبرة استعرتها ولم أردها. فهو لم يسرقها ولكن فقط استعارها ولم يردها، كيف بالذي يأخذها من بيت مال المسلمين؟!! يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح في البخاري في قصة غلام اسمه كركرة في معركة من المعارك جاءه سهم فمات، فقالوا: هنيئاً له الجنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كلا والذي نفسي بيده، إن الشملة التي غلها من المغانم -لم تصبها المقاسم- لتشتعل على ظهره في النار). قال العلماء: إن هذه الشمله تساوي درهمين، فجاء رجل وقال: (يا رسول الله أخذت شراكين -شراكين من حق الغزو- فقال: شراكين من نار) مال الحكومة ليس سهلاً، لا تأخذ شيئاً من بيت مال المسلمين، مما أسند إليك ولو ورقة ولو قلماً ولو دبوساً، يكفيك راتبك فقط، فإذا جاءك شيطان يقول لك: المائة هذه خذها، قل: لا. وردها إلى أمين الصندوق وقل له: هذه زائدة وقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

الباب الثالث: في حالة الغضب

الباب الثالث: في حالة الغضب الغضب جمرة من الشيطان يشعلها فيك، ولهذا عندما جاء أبو هريرة وقال: (يا رسول الله! أوصني قال: لا تغضب، قال: أوصني، قال: لا تغضب) وأخبر عليه الصلاة والسلام: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم). أما ترى الإنسان إذا غضب كيف يتحول من إنسانيته إلى إنسان آخر، ترى الإنسان طبيعياً ولكن إذا غضب كيف يتحول، أولاً: تنتفخ عروقه؛ لأن الشيطان دخل منها، ثم تبرز عيونه، ثم يضطرب ويرتعد، ويسب ويشتم ويلعن، وربما يطلِّق ويضرب، وربما يقتل وهو غضبان، فإذا جئت إليه وقلت له: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ما يقولها، يقول: أنت لا تدري ماذا عمل بي هذا، تقول له: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يقول: أنت لا تدري ما عمل، يا أخي! قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، والله لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لجلس. الغضب أيها الإخوة! باب كبير وواسع من أبواب الشيطان، يهلك الكثير من الناس بسببه، يطلق الرجل زوجته من أجل سبب تافه، ولكن عن طريق الغضب، ثم يندم، فإما أن يذهب إلى العلماء ليستفتي إن كان له فتوى، أو يترك هذه الزوجة ويحطم بيت الزوجية، أو يضيع دينه ويبقى مع زوجته وهي حرام، ويصبح أولاده أولاد زنا، ويأتي زوجته سفاحاً والعياذ بالله، وسبب هذا كله الغضب، بعضهم يقتل أخاه المسلم بسبب الغضب، ثم يندم ولكن بعد فوات الأوان. كم من واحد الآن في السجن يعض أصابعه العشر ويتمنى أنه ما عرف هذه الحياة، وسبب القتل تافه وبسيط، بعضهم يقتل من أجل كلمة واحدة، ولو أنه مؤمن ومتقيد بآداب الشرع كان إذا جاءه الشيطان من هذا الباب قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. يخبرني أحد المسئولين عن رجل ينتظر الموت ومحكوم عليه بالسيف، وسببه أنه كان يسير في طريق وتجاوزه آخر، فلما تجاوزه رجع إلى الخط وضايقه، فجاء الشيطان ونفخ في هذا الرجل الأخير وقال له: انظر هذا يضايقك يريد أن يقلبك، ولو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم يريد أن يقلبني ولكنه ما قلبني، نفخه الشيطان فداس على البنزين ولحقه إلى أن تجاوزه وكان انتقامه أكبر منه، يريد أن يقلبه، ويقوم هذا للمرة الثالثة ويلحقه ويأتيه الشيطان ويقول له: هذا عدوك، وأصبحوا مثل الأطفال، حتى تجاوزه ثم أوقف السيارة واعترضه في الخط ونزل بالمسدس، والتقيا هذا معه مسدس وهذا معه شقوف، فأخرج مسدسه وقتله، وبعد ذلك قبض عليه وجيء به في السجن وهو الآن يموت كل لحظة، ذاك المقتول أخذها على غير موعد ومات، لكن هذا القاتل منذ قبض عليه وهو يموت، ومنذ أن حقق معه وهو يموت، وكل جمعة وهو يموت، وكل ثلاثاء وهو يموت، وعندما يسمع قدم عسكري يموت، وبعد ذلك إذا أخرج للقتل وقيل له: قم اغتسل واكتب وصيتك، وإذا أخذ وربط من يديه وقدميه وركب في سيارة الشرطة وغمضت عيناه وجيء به وأنزل من السيارة ورأى الناس كلهم ينظرون إليه، ونظر إليهم وهم يريدون أن يعودوا بعد لحظات إلى بيوتهم وأزواجهم وأعمالهم وهو يقاد إلى (المقصمة) ثم يجلس ويقرأ عليه الإعلان وهو يسمع، ثم بعد ذلك تأتي الرصاصة لتضرب في ظهره وهو ينتظرها، فرق بين من يموت فجأة، وبين من صدره مفتوح للبندقية ينتظر متى تنفضه نفضاً، ثم تفتح صدره وتخرج رئته وقلبه وكبده أمامه. وهذا كله عقاب الدنيا، وبقي شيء يشيب الرءوس في الآخرة، هذا كله بسيط قياساً على عذاب الآخرة، يقول ابن عباس عند قول الله عز وجل: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [النساء:93] قال: [كيف أحكم له بالتوبة وهذه من آخر ما نزل في آخر سورة النساء] واختلف أهل العلم في توبة القاتل: فقال بعضهم: لا توبة له، وقال بعضهم: له توبة؛ لأن القتل أقل من الشرك، والصحيح أن له توبة ولكن بشرط: أن يسلم نفسه لولي الدم، أما أن يقبض عليه باضطرار فلا. بمعنى: أنه إذا قيل له وهو في السجن: هذا الباب مفتوح تريد تجلس وتسلم من عذاب الآخرة، أو تذهب إلى أهلك والآخرة بعد ذلك؟ إن كان جلس وقال: والله ما أخرج. هذا تاب، وإن كان قال: لا. والله المرأة والعيال، فهذا كذاب دجال ما تاب. وأسباب هذه الجريمة والمصيبة أنه تجاوزه بالسيارة، طيب كم نسبة تجاوز الإنسان لك بالسيارة. كل يوم يتجاوزك، مرة بالسنة أو بالسنين كلها، وإذا أخطأ عليك ودقك، قل له: الله يسامحك وسلم عليه: لما عفوت ولم أحقد على أحد أرحت نفسي من هم العداوات إني أحيي عدوي عند رؤيته لأدفع الشر عني بالتحيات وأملأ الوجه بشراً حين مقدمه كأنما قد حشا قلبي مودات إذا رأيت عدوك يريد أن يقحمك في المآسي فتبسم، إن شر الناس من تركه الناس اتقاء شره، والحديث في البخاري يقول صلى الله عليه وسلم لما استأذن عليه رجل قال: (ائذنوا له بئس أخو العشيرة). فأنت يا أخي المسلم! في ساعات الغضب اضبط نفسك وقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. حضرت مرة بين رجلين، وأحدهم معه عصا والآخر معه فأس، وهم عمال في مزرعة وجئت وإذا بهم والشيطان قد شغل (المواطير) كلها، وما بقي إلا أن يعلن البدء، لكن الله عز وجل ساقني لهم في تلك اللحظات، فمسكت الذي رأيته كأن الشيطان (معشِّق) عليه، فمسكته على جنب وقلت له: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قال: ما تعرف ما صنع بي. قلت: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قال: ما علمت يا شيخ! قلت: قل أعوذ بالله. فقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإذا به جلس، والله الذي لا إله إلا هو إن عيناه رجعت، وعروقه هدأت وجلس، وقمت لذاك وإبليس راكبه، فقلت: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قال: ما علمت هذا ما صنع. قلت له: قل أعوذ بالله، فكررتها عليه ثلاثاً وأربعاً، حتى قالها فجلس فلما جلس قاما وتصافحا، قال: يا شيخ! أرأيت الشيطان كيف كان يورطنا، جزاك الله خيراً يا شيخ. {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف:200]. جاءنا رجل يسألنا في المسجد أنه طلق زوجته بعد صلاة المغرب بالطلاق الثلاث المحرمات ويريد فتوى، قلت له: ما هي الأسباب؟ وأين كنت؟ قال: كنت في الدوام وبعد ذلك معزوم، وما جئت إلا مع المغرب. قلت: لما دخلت سمّيت الله؟ قال: لا. والله يا شيخ نسيت. قلت: دخل معك إبليس؛ لأنك إذا دخلت بيتك فمن السنة أن تقول: باسم الله، وإذا تعشيت تقول: باسم الله، وإذا جئت زوجتك تقول: باسم الله، وإذا لبست نعلك تقول: باسم الله، وإذا رجلت رأسك تقول: باسم الله، لكن إذا سويت شيئاً من غير ذكر الله تراها كلها لإبليس، إذا دخلت دخل معك إبليس، وإذا تعشيت أكل معك إبليس، وإذا جئت زوجتك جاءها إبليس قبلك، ولهذا يصير الأولاد شياطين لأنهم أولاد إبليس، وإذا تدهنت وما سميت تدهّن معك إبليس، فقلت له: هل سميت حينما دخلت؟ قال: لا. والله. قلت: دخل معك إبليس، وماذا حصل؟ قال: دخلت وجلست، ولاحظت قمامة في المجلس، انظروا كيف الشيطان يصنع من الحبة قبة. قال للمرأة: لماذا لم تكنسي المجلس، ما عندك من عمل طوال اليوم؟! قالت: عجيب! تكمل دوامك، ثم تذهب تتغدى عند أصحابك وتتركنا ولا تجينا والآن تزيد تدخل تضارب. قال: أنتِ ما فيكِ خير. قالت: بل أنت ما فيك خير. المهم تشاجرا وتضاربا فصكعها فصاحت وشبت النار وقال لها: أنت طالق، وله ستة أطفال منها، ولد وبنت في المستوى الثانوي واثنين أولاد في المتوسط، واثنين أولاد صغار، قاموا يصيحون، وشبت النار في الأسرة وجاء الرجل وهو يرتعد: دلني يا شيخ، قلت: أعوذ بالله يورطك إبليس إلى فوق رأسك وبعد ذلك تأتي أدلك، ما عندي لك دلالة، ما عندي فتوى في هذا الموضوع، الطلاق بالثلاث، قال: طلاق بالثلاث، لا يفتي فيه أحد إلا شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في هذا الزمان، يفتي فيه ولكن ليس على الإطلاق، انظر المصلحة المرجحة، أما الذي يلعب بالأيمان، هذا دجال، يعزر ويضرب وقلت له: لو كنت في المحكمة وجئتني لجلدتك وعزرتك. فلا تغضب إذا المرأة غضبت، إذا دخلت وهي غضبانة قل لها: السلام عليكم، كيف الحال ما بك اليوم، واضحك لها، لكن إذا دخلت وهي زعلانة قلت: أكون أنا زعلان أكثر وتقابلتما وصارت مشكلة، لا تغضب أبداً لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب، وإذا رأيت في الطعام شيئاً لا تغضب ولا تسبه اسكت؛ لأنك إذا سبيت الطعام كأن يكون الملح أو الفلفل زائداً. أولاً: عبت الطعام فهذا خلاف للهدي النبوي؛ لأن هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه ما عاب طعاماً قط، إن أعجبه أكل وإلا ترك. ثانياً: لفت نظر الجالسين، ربما لم يعلموا بالذي علمت به أنت، فإذا لفتَّ نظرهم أصبح عندهم حساسية ضد الطعام هذا وما أكلوا منه. ثالثاً: أوغرت صدر المرأة المسكينة تتعب لك وأنت تخرب طعامها، ما الحل؟ تسكت، إن أعجبك كل، وإلا قف، قل: أنا شبعان أفطرت اليوم في المكتب فطوراً جامداً، وبعد ذلك عندما تكمل الطعام، تقول للمرأة: حقيقة طعامك اليوم من أروع ما يكون، والله ما أدري كيف سويتيه اليوم، بس ما أدري وأنت تحطي له الملح كأنك غمست الملعقة قليلاً طلع فيه ملح زايد، لكن غداً يحسن أنك تخففي الملح، تقول: والله قد بان لي أنك ما أكلت، أنا آسفة يا زوجي ويا عيالي، وغداً تصلح الطعام من الصباح، لماذا؟ لأنك عالجت الموضوع بحكمة، لكن ما ظنك لو أنك قلت من أول ما ذقته: ما هذا صبيتي الملح كله، أين عقلك؟! ما معك من شغل يا بنت الحرام، جالسة راقدة، أنا أكد وأشتغل وأتعب وأجيء والطعام هكذا، وقام، قالت: الله أكبر عليك يا ذا الجني، وهي قالت: والله ما أذوقه، وقال العيال: والله ما نذوقه، وصار اليوم تعب، وجاء الليل هي زعلانة وهو زعلان، هي في دار وهو في دار، والأولاد زعلانين، وإذا جاء الصباح تقوم تطبخ تسوي الرز، ماذا تصنع ما تسوي فيه ملح بالمرة خائفة من الرجَّل. فإذا جاء يأكل قال: الملح قليل، أمس ملح زيادة واليوم ما

الباب الرابع: عند ورود الشهوة

الباب الرابع: عند ورود الشهوة إن الشهوات التي تأتيك لتفتنك وتسيطر عليك وتدغدغ مشاعرك مثل شهوة المال والمنصب والجاه والنساء أو أي شهوة من الشهوات، هذه إذا رأيت أنك تورطت فيها قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إذا كنت آمراً وتحت يدك مأمورون وجاءتك شهوة الإمرة، تكون نقيباً أو ملازماً أو رائداً، أو مقدماً أو مسئولاً كبيراً وعندك صف ضباط، أو أفراد وجاءك الشيطان ينفخ فيك، يقول: انظر النجوم فوق ظهرك، انظر الضفادع! إذا جاءك تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] قل له: سأدخل القبر بدون بدلة، هل سمعتم أحداً دخل القبر ببدلته، جاء ومعه التيجان، من أجل أن يقولوا له: ما رأيك يا أفندي حساب أم لا حساب، لا والله لا يقولون لك: يا أفندي ولا أبندي! يعرفونك أنك مؤمن أو غير مؤمن، مصلي ومن أهل الإيمان ونعم بك، والله لو على ظهرك (درزن) نجوم ما تنفعك، يقول الله تبارك وتعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:101] إذا جاءتك شهوة المال والطغيان، وعندما يأتيك المال وتراه شيكات وأرصدة وأموالاً وراتباً، قل له: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ:37]. واذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم والحديث في مسند أحمد وهو صحيح قال: (التقى مؤمنان على باب الجنة، مؤمن غني ومؤمن فقير، فلو أنه غني فاجر ليس هناك طريق إلى الجنة؛ لأن تحويله على النار، لكن هذا مؤمن غني من أهل الإيمان- قال: فأدخل الله الفقير لتوه) ما عنده شيء، مثل الذي يريد أن يسافر المطار يريد أن يسافر جدة أو الرياض أو الدمام ويأتي يقول: ما عندي (عفش) وفي لوحة الركاب بدون عفش، أعطهم الورقة ويعطونك البطاقة ادخل الطيارة، لكن هذا الذي عنده عشرين أو ثلاثين (كرتون) ينزلها من السيارة ويحملها على العربيات، ويأتي يقف بها في الصف، وبعد ذلك قسائم وأوراق ويحملها، وما ينزل إلا آخر واحد من هناك ويجلس يرقبها، وهي رحلة بسيطة من هنا إلى مكة أو إلى الجنوب. لكن رحلتك إلى الآخرة إذا جئت وأنت محمل دنيا، وما عندك عمل صالح، قال: (فأدخل الله المؤمن الفقير لتوه، وحبس المؤمن الغني ما شاء الله أن يحبس) حساب بدون عذاب، سين وجيم، من أين وفين، وهو ما أخذ ريالاً حراماً، ولا صرف ريالاً في حرام؛ لأن مسئولية المال نوعان: مسئولية الأخذ، ومسئولية الإنفاق، فالأخذ يجب أن يكون حلالاً، والإنفاق يجب أن يكون حلالاً، لا تدفع ريالاً في علبة دخان، تأتي يوم القيامة تقول: صرفتها في دخان، ما الدخان؟ كيف تخرجها عند ربك؟ يسألك الملك: ما الدخان؟ غذاء؟ تقول: لا. شراب؟ لا. دواء؟ لا. لباس؟ لا. ما هو؟ تقول: دخان دخان، حسناً أكمل الدخان هناك في دار الدخان: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} [الدخان:10] أعوذ بالله أين عقلك؟! تحرق ريالك وتحرق جيبك، وتغضب ربك وتطرد ملائكته، تأخذ هذا المخزي الخبيث، الناس يتطيبون بالطيب ويشترونه بمئات الريالات وعشرات الريالات، وأنت تشتري بخورك من بول إبليس ومن شجرة الشيطان الرجيم، وتأخذها في علبة وتتبخر بها كل يوم. لا تصرف ريالاً في حلق لحية، كما يقولون الآن: يأتي الواحد عند الحلاق ويجلس هكذا، يضع له اثنتين عند أذنيه، ويجذب لحيته من الأذن إلى الأذن، وبعد ذلك يدبغه، ويأتي بالصابون وأيدي الحلاق وسخة؛ لأنه ما غسل يديه طوال اليوم، وذاك مستسلم مغمض عينيه! وبعد ما يكمل يضع اللحية عند رجليه! وبعد ما ينتهي يقول: نعيماً، الله لا ينعم عليك، ليس نعيماً بل جحيماً تحلق لحيتك وتقول: نعيماً، وهذا يقول: أنعم الله عليك، ويفتح الحقيبة ويطلع له أبو عشرة، تفضل هذه أجرة حلق اللحية، الله المستعان! ولا حول ولا قوة إلا الله! وعشرة أحاديث صحيحة في البخاري ومسلم والمسند نرفضها: (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى) (أكرموا اللحى) (أرخوا اللحى) (أسدلوا اللحى) (خالفوا المجوس). (خالفوا المشركين) وكلها على جنب ولكن من نتبع ريجن وجورباتشوف الذين لحاهم مجلدة ونحن مسلمون أتباع محمد بن عبد الله نحلق اللحى ونعارض الرسول صلى الله عليه وسلم معارضة قوية، قال: (قصوا الشوارب واعفوا اللحى)، قلنا: لا. نحلق اللحى ونخلي الشوارب، ترى شنبه كبير فتقول له: ماذا بك؟ يقول: شنب، شنب!! الشنب مأمور بحلقه وبإزالته وتقصيره، لماذا تخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم؟ والله أنك مسئول عن العشرة الريال بين يدي الله يوم القيامة، وبعضهم يقول: ما دام أنا مسئول إذاً أنا أحلقها، أنا أوريكم في لحيتي ويذهب إلى البيت ويشتري له سكاكين ومكائن ويجلس أمام المرآة ويجلد، ويحاربونها، تريد الحياة وهم يريدون لها الموت! كل يوم وهي تريد الحياة ولكن تحارب بالسلاح الأبيض، والله لو حاربنا إسرائيل كما حاربنا لحانا لأنهيناهم؛ لأن الحرب قائمة بيننا وبين اللحى ولا حول ولا قوة إلا بالله! فأنت مسئول عن كل ريال تنفقه، وبعض الناس ما يحلقها هكذا، بل يعمل فيها ديكورات مرة هنا مثل الختم الرسمي، ومرة هنا ويربطها بحبل ومرة يسوي خط إسفلت عرضه اثنين سنتيمتر من هنا ومن هنا! ومرة بعضهم يجعل له شنباً مع اللحية ويخلي فمه مثل الفتحة وسطها، يا جماعة الخير أين عقول المسلمين؟! ما هذا اللعب في وجوهنا ولحانا يا إخواني؟ وأصبحت مهزلة والله، هذه لحية زينك الله بها وجملك بها، وجعلها من أصل تكوينك، يقول الله عز وجل: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4] لو جئنا على واحد قطع نخرته ما رأيكم فيه، هل هو مشوه لنفسه؟ نعم. كذلك الذي يحلق لحيته يشوه نفسه؛ لأن الله ما أوجدها فيك وأمرك أن تبعدها، وما أمرك الرسول بحلقها، فأنت من الآن جهز الجواب، وإذا جاء يوم القيامة قل: والله كنت أحلق لحيتي بالفلوس هذه، هناك تعلم أن عذراً أقبح من ذنب. (فالتقى المؤمنان على باب الجنة، فدخل الفقير والغني حبس -حبس بالسؤال والجواب، أتدرون كم حبس؟ حبس خمسمائة عام، ثم دخل الجنة؛ لأن حرام الدنيا عقاب، وحلالها حساب- قال: فدخل المؤمن الغني الجنة، ولقيه صاحبه في داخل الجنة قال: والله يا أخي! لقد خشيت عليك، ما الذي حبسك عني؟ -يقول: يا أخي! خفت أنهم ذهبوا بك الدار الدانية، ما الذي حبسك؟ - قال: حبسني مالي، حبست محبساً سال مني من العرق ما لو أن ألف بعير أكلت من حمض النبات ثم وردت عليه لصدرت عنه رواء). ألف بعير، والبعير ما يرويه برميل إذا عطش، إذا أكل الحمض الذي يقطع جوفه من العطش ثم وفد على الماء يعبي برميلاً، هذا مقدار شرب ألف بعير هو عرق السؤال والجواب، كيف عرق العذاب؟! عرق العذاب يلجمهم في النار، كما جاء في الحديث: (أن أهل المحشر منهم من يلجمه العرق إلجاماً، ومنهم من يغطيه، ومنهم من يسبح فيه). فيا أخي المسلم! إذا جاءك المال ورأيته متزخرفاً فاصرفه في سبيل الله، استعن به على طاعة الله {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا} [القصص:77] ليس هناك مانع أن تسكن وتركب وتتزوج وتأكل وتكرم الضيف وتلبس ولكن الزائد حوله إلى الآخرة. أما أن تكنزه وتتباهى وتتعاظم به على المسلمين، فالمال هذا لا ينفع يوم القيامة بل يكون وبالاً على صاحبه في الدنيا والآخرة. هذه الأربعة الأحوال للشيطان، العدو الأول من الأعداء الأربعة الذين قلت: إنها في طريق الذاهب إلى الله، في طي المراحل على طريق المطايا، أربعة أعداء: إبليس والدنيا ونفسي والهوى كيف النجاة وكلهم أعدائي وقد تكلمت في هذا المجلس عن العدو الأول اللدود وهو إبليس. أما الحديث عن الدنيا فيحتاج إلى مثل هذا المجلس، والحديث عن الهوى يحتاج إلى مثل هذا المجلس، والحديث عن النفس الأمارة بالسوء يحتاج إلى مثل هذا المجلس، ولما كان الوقت ضيقاً فإننا نرجئ ذلك إلى فرصة أخرى بإذن الله، نسأل الله أن يقدرها على خير.

الأسئلة

الأسئلة الحمد لله رب العالمين، أولاً: أسأل الله العلي العظيم أن يجعل هذا الاجتماع اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، وألا يبقي فينا ولا معنا شقياً ولا محروماً. هذه المجالس المباركة أيها الإخوة! هي مجالس النفحات الرحمانية، والهبات الربانية، ومن يجلس فيها ويتابعها ويحبها ويألفها يحبه الله عز وجل ويألفه، وتعرفون الحديث الصحيح في البخاري ومسلم: (أن لله عز وجل ملائكة سيارة) والحديث بطوله لا أريده لكن الشاهد منه في آخر الحديث قال: (أشهدكم أني قد غفرت لهم، فيقول أحد الملائكة: إن فيهم رجلاً ليس منهم، فيقول الله: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم). فهذا المجلس نحن نطلب من الله عز وجل أن يرحمنا جميعاً ببركة الصالحين منا وبفضل المؤمنين، وإلا فنحن كثيرو الذنوب والمعاصي، مقصرون في حق ربنا، ولكن نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعل ذنبنا مغفوراً، وعملنا صالحاً مقبولاً، وأن نكون ممن يناديهم الله في آخر الجلسات: أن قوموا مغفوراً لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات. الإخوة المسئولون عن النشاط والثقافة في الحرس يلفتون النظر إلى ضرورة التبرع للإخوة المجاهدين في هذه الليلة، وهناك إخوة سيقفون على الأبواب وعندهم تنظيم رسمي في أخذ هذه المبالغ وإيصالها إلى الجهات المعنية إن شاء الله، وحتى يجتمع لنا الخير كله في سماع العلم والتدليل على أن هذا السماع صحيح، يجب أن نخرج من جيوبنا ما ينفعنا بين يدي الله يوم القيامة، ولنجعل نحن في هذه الليلة المجاهدين ضيوفاً علينا، وأعتقد أنه لو أتاك مجاهدٌ الليلة ودخل بيتك فلن ترده، أليس كذلك؟ تعشيه وأقل عشاء تعشيه مائة ريال، فلا نريد أن ينقص عشاء أي مجاهد هذه الليلة عن مائة ريال من جيبك، وإن لم تكن موجودة هذه المائة فأعلى فئة من الفلوس في جيبك؛ لأن بعض الناس إذا فتح الحقيبة يريد يتصدق قال هكذا، وقلب أم خمسمائة هذه ما عليها سبيل، وأبو مائة هذه تلحق بها، وأبو خمسين هذه ممنوعة، وأبو عشرة هذه كذلك، ويدور أبو ريال وأبو خمسة، لا. نريد اليوم إن شاء الله ترفع رأسك، ثم أنت من تعطي؟ تعطي ربك؟ الله عز وجل غني عنك، لكن يقول الله عز وجل: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً} [البقرة:245] فأنت الآن تضعها مائة تجدها يوم القيامة ملايين، يربيها ربك كما تربي فُلوك، ولكن إذا عييت وما أعطيت، خسرت أنت والله غني عنك، والجهاد قائم بدون ريالك ومائتك، لكن أنت محتاج إلى الله.

دور العلماء في دعوة الوافدين من غير المسلمين

دور العلماء في دعوة الوافدين من غير المسلمين Q قريباً ستكون الدورة العالمية في الرياض، وسيجتمع في هذا البلد جميع الديانات، وسيدخل النساء والرجال لأداء الألعاب مثل الكرة وغيرها، فما هو دور العلماء في هذا الموضوع؟ A دور العلماء وطلبة العلم والدعاة إلى الله واضح وليس عليه خفاء في أن يجري الترشيد والتنبيه واستغلال هذه التجمعات خصوصاً في أماكنها؛ لأننا نفترض أن الشباب الذين يأتون منهم فئات كثيرة غير مسلمة، وهؤلاء سينزلون في فنادق أو أماكن استراحة، ولا نتوقع أنهم يأتون إلى المساجد ولا نريد أن يذهبوا إلا بعد أن ينسق مع الجهات المعنية في الرئاسة العامة لرعاية الشباب، ويطلب تحديد مواعيد للقاءات بهم، ولتكن في الليل بعد صلاة العشاء، ويكون القادر على التحدث عنده قدرة في عرض الإسلام العرض الشيق؛ لأننا والحمد لله في بلدنا المسلم المتماسك، بلدنا نموذج من بلدان العالم، فإذا جاءوا ووجدوا هذا النموذج العملي المطبق في الأمن والاستقرار والرخاء والعلاقات والصلات، وفيما يسيطر على مجتمعاتنا بفضل الله من خير، ثم قيل لهم: إن هذا كله من ثمار الإسلام، الإسلام الذي يربي الإنسان على خلق معين في الدنيا والآخرة هذا فيه جزء من الدعوة. وأنا أقترح أن يقوم الإخوة المهتمون ومنهم صاحب السؤال، بالاتصال بسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، لتتولى الرئاسة العامة للدعوة والإفتاء والإرشاد التنسيق مع الرئاسة العامة لرعاية الشباب في هذه الدروس فهذه فرصتنا، ما نريد أن يأتوا ليلعبوا ثم يعودوا، نريد أن يأتوا ويستفيدوا مما عندنا من الخير؛ لأنه ليس على وجه البسيطة أمة على الهدى إلا أمة الإسلام، والحمد لله ونسأل الله الثبات عليه.

حكم تقصير اللحية بسبب الألم

حكم تقصير اللحية بسبب الألم Q إنني أحبك في الله، هل يجوز التقصير من اللحية لأن لحيتي تؤلمني عندما يتكاثف الشعر، وهل يجوز نتف الشعر من الوجنتين؟ A أحبك الله يا أخي! كما أحببتني فيه، ونسأل الله أن يظلنا وإياكم جميعاً في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، بسبب المحبة فيه؛ لأن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله. أما اللحية فاللحية اسم لما نبت في الذقن واللحيين، ولا يجوز للمسلم أن يأخذ منها شيئاً بل عليه أن يدعها كما خلقها الله، إن كانت طويلة فهي كرامة، وإن كانت على أي مقدار فلا تتعرض لها بسوء، اعقد معها هدنة وصلحاً وارفع عنها السلاح، سواء بالطعن أو بالنتف أو بالتخضيب كما يصنع بعض الشيبان، إذا طلع الشيب في وجهه: والشيب في رأس الفتى لوقاره فإذا تعلاه المشيب توقرا (وما من مسلم يشيب في الإسلام شيبة إلا كانت له نوراً على الصراط يوم القيامة) وهو النذير الذي قال الله عز وجل عنه: {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:37] يعني: نذير الموت، لكن بعض الناس إذا جاءه هذا الشيب عمد إلى الصبغ حق الأحذية ولطخ بها لحيته، من أجل أن يصبح شاباً مزيفاً، وكلما صبغها طلعت لكنها من تحت بيضاء، لا. لا تخضب، ولكن يجوز أن تخضب بالحناء والكتم يغير لون الشيب من البياض إلى الحمرة الداكنة، أما السواد فلا يقول صلى الله عليه وسلم: (إن أقواماً في آخر الزمان سيأتون يخضبون لحاهم كحواصل الحمام، لا يجدون ريح الجنة) وقال لـ أبي قحافة: (غيروا رأسه وجنبوه السواد). أما أن تقصرها أو تنتفها أو تحكحك فيها لا، لكونها تؤلمك، أبداً ليس بصحيح، ما السبب! لك لحية غير الناس، إنما هذا شيء في نفسك وحساسية عندك، لكن ألزم نفسك أنك ما تقربها.

عدم إمكانية الجمع بين اللعب وطلب العلم

عدم إمكانية الجمع بين اللعب وطلب العلم Q علمنا سابقاً أنك كنت تلعب في أحد النوادي وكنت كابتن الفريق ولك أيضاً مشاركات أخرى، السؤال: كيف استطعت أن تجمع بين النادي وطلب العلم، مع أني لم أستطع أن أفعل ذلك، وأيضاً نرجو منك إخبارنا ببعض تجاربك الرياضية؟ A أما هذا الماضي الذي ذكره الأخ فهو صحيح، ولكنه ماض عفا عليه الزمن إلى غير رجعة، ماضٍ لا أفخر به لا هنا ولا في الدار الآخرة، بل أحزن عليه، سنوات عجاف من عمري قضيتها لا دين ولا دنيا، ولم أستطع خلال فترة عمري فيها أن أكسب علماً حتى يقول الأخ: كيف استطعت أن توفق بين العلم والكرة، ما كان طلب العلم في تلك الأيام، وما جاء العلم إلا بعد أن حولت الموجة على طريق الله، ونسأل الله أن يثبتني وإياك على ذلك؛ لأن العلم واللعب نقيضان، كما لا يجتمع الليل والنهار لا يجتمع اللعب والعلم، اللعب يريد وقتاً والعلم يريد وقتاً، تريد تلعب وتتعلم ما يصلح. يقول الشافعي: من اشتغل عن العلم بشراء بصلة لم يتعلم. وكان ابن شهاب الزهري إذا دخل السوق يدخل مسرعاً قيل له: لمَ؟ قال: أخشى أن أسمع كلاماً من كلام الناس فيدخل في قلبي فيختلط بالحديث؛ لأنه كان يسمع ويسجل من أول مرة، وكان يحفظ من مرة واحدة، يقول: ترددت بين الشام والعراق والحجاز خمسة وأربعين سنة والله ما استطرفت فيها حديثاً واحداً. أي: لا يوجد حديث واحد إلا وهو في رأسي، ويقول: والله ما استودعت قلبي شيئاً فنسيه قط، لا يمكن يضع في قلبه حديثاً وينساه، وهذا ابن شهاب الزهري دخل هو وسليمان بن يسار على هشام بن عبد الملك، فقال هشام لـ سليمان بن يسار: من الذي تولى كبره في قضية الإفك؟ والمعروف أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين، لكن هشام يقول: لا. هو علي بن أبي طالب، وهو غير صحيح، فقال سليمان بن يسار: الذي تولى كبره عبد الله بن أبي، قال: كذبت، إنه علي، فقال سليمان: أمير المؤمنين أعلم، وسكت، ودخل الزهري قال له: يا بن شهاب من الذي تولى كبره؟ قال: عبد الله بن أبي، قال: كذبت بل علي، قال: أنا أكذب! لا أبا لك، بل كذبت أنت وأبوك وجدك، والله لو نادى منادٍ من السماء أن الكذب حلال ما كذبت. يقول: أنا ما أكذب فضلاً عن أن أعرف أنه حرام أو غير ذلك، فما يصلح يا أخي! أن تلعب بل نظم وقتك لطلب العلم، وابدأ بالقرآن الكريم قراءة وترتيلاً وحفظاً مع التجويد، ثم تدبراً وتفسيراً مع أيسر التفاسير، كتاب صدر حديثاً اسمه أيسر التفاسير للشيخ أبو بكر الجزائري، كتاب مفيد ثم اقرأ في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأدلك على كتاب يجمع الصحيحين وهو كتاب اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان لمؤلفه محمد فؤاد عبد الباقي، هذا جاء بالأحاديث التي اتفق عليها البخاري ومسلم وجاء بها على لفظ البخاري ورواية البخاري، ولهذا إذا قرأتها كأنك تقرأ قرآناً صحيحاً، ما في شك أبداً، اقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم واحفظ وانقل هذا العلم للناس، وأعط العلم كلك يعطيك بعضه، وإذا أعطيته بعضك لا يعطيك شيئاً.

قصة إخراج الجن من الإنس

قصة إخراج الجن من الإنس Q اعلم علم اليقين بأني أحبك في الله: ونأمل التكرم بإعادة قصتكم مع الجني والمرأة وجزاكم الله خيراً؟ A أولاً أحبك الله! أما القصة مع الجني فهي واردة في الشريط لكن ما هو جني والحمد لله، آخر واحد قبل أسبوعين كان على فتاة وجيء بها إليَّ وقرأت عليه وكان مارداً خبيثاً إذا قرأت عليه وهو في رأسها يتأذى ويصيح ثم يذهب في بطنها، فأقرأ عليه في بطنها فيذهب في كتفها، ثم يذهب في رجلها، المهم أتعبني كثيراً، ولكني استمريت معه حتى ضايقته بفضل الله عز وجل وأردت التحدث معه فتحدث وأخبرني. سألته عن اسمه فأخبرني باسمه وأخبرني بقبيلته من بلاد غامد وأخبرني بديانته بأنه يهودي، قلت له: في يهود هناك؟ قال: كل الفئات، يعني كل الأديان موجودة، فقلت له: لم جئتها؟ قال: أحبها، قلت له: لم تحبها؟ قال: هكذا، قلت: تخرج؟ قال: أخرج. قلت: ولا تعود؟ قال: بلى أعود، قلت له: لا. لا تعود، قال: لا أستطيع، المهم استمريت في القراءة معه وضايقته كثيراً وأخيراً قال لي: أخرج ولا أعود، قلت: تعاهد، قال: أعاهد، قلت له: قل: عاهدت الله، قال: عاهدت الله، قلت له: الذي لا إله إلا هو، قال: لا. لأن اليهود مشركون، قلت له: بلى! قال: لا. قلت له: بلى، قال: لا. وأخيراً ضربته وصفقته حتى قال: لا إله إلا هو، أنا أخرج من هذا الجسد ولا أعود إليه أبداً ولا إلى جسد مسلم، وقلت له: فإن عدت فعليك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، قال: لا. حرام عليك، قلت: لا حرام عليك أنت يا عدو الله، المهم لا زلت به إلى أن انتصف الليل وأعياني أن يقول هذه الكلمة، وأخيراً تعبت وانقطع صوتي وأنا أقرأ ورضيت به أن يخرج بدون أن يلعن نفسه، وخرج وذهبوا وهم في الخميس ساكنون، وبعد ليلتين اتصلوا بي وقالوا: جاء، قلت: أحضروه الله المستعان! وجاء وقرأت عليه وضايقته حتى خرج، وبعد ذلك إن شاء الله لم يرجع. وهذه قصة من عشرات القصص، ونحن نقول للناس: تحصنوا من الشيطان والجن بالدين؛ لأن الله تعالى يقول: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل:99] اقرأ في كل ليلة آية الكرسي وسورة الإخلاص والمعوذتين في بيتك، اقرأ سورة البقرة في بيتك فإن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله شيطان، اقرأ في كل صباح وفي كل مساء هذه الآيات آية الكرسي والمعوذتين والإخلاص، وأيضاً قل: لا إله إلا الله في اليوم مائة مرة، فإنها حرز لك من الشيطان، والحديث عند البخاري عن عبد الله بن عمر، المهم تحصن، أما إذا ما تحصنت فأنت عرضة للعدو.

حكم مشاهدة الكرة في التلفاز

حكم مشاهدة الكرة في التلفاز Q هل يجوز مشاهدة كرة القدم في التلفاز مع ما فيها؟ A لا أدري؛ لأن القول بالحرمة أو الحل فيه مسئولية، فأنا أطلب من الأخ أن يسأل الهيئة الدائمة للإفتاء.

توبة من اختلس أموال الكفار في بلادهم

توبة من اختلس أموال الكفار في بلادهم Q أنا شاب أمضيت أول حياتي في اللهو واللعب وذهبت إلى أمريكا للدراسة وحصل مني اختلاس لبعض المحلات هناك، ورجعت إلى بلدي وهداني الله وتبت إن شاء الله توبة نصوحاً فما هو العمل بالنسبة لما بدر مني تجاه الاختلاس وأذية الناس؟ A التوبة تجب ما قبلها، ومهما كانت غدراتك أو فجراتك أو آثامك، فإن الله يغفرها جميعاً بشرط التوبة؛ لأن الله تعالى يقول: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] لكن {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزمر:54] فكل شيء عملته من المعاصي فإنك بالتوبة تجبه وتقضي عليه بغير أثر رجعي. أما المال فإن كان لمسلم فإنه ينبغي لك أن تعيده إليه، وإن كان لكافر محارب فإنه يؤخذ ويرصد في مصالح المسلمين، وهؤلاء الذين أخذت عليهم في أمريكا ليسوا محاربين؛ لأن دارهم دار كفر ولكنك مستأمن فيها أيام دراستك، ولهذا نرى أن تأخذ هذا المال الذي أخذته وتعده وتحصره وترسله للمجاهدين الأفغان ليقتل به أعداء الله وتبرأ به ذمتك إن شاء الله.

حرمة الاختلاط وخطره

حرمة الاختلاط وخطره Q نخبرك أولاً أننا نحبك في الله، ونرجو أن تبين لنا خطر الاختلاط بين الرجال والنساء وخاصة عند أهل القرى والبادية، مع إفادتنا ما حكم كشف المرأة أمام الطبيب للمعالجة؟ A يقول صلى الله عليه وسلم والحديث صحيح: (إن الدنيا حلوة خضرة -طعمها زين ومنظرها أزين- وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون، ألا فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء) وفي الحديث أيضاً يقول صلى الله عليه وسلم: (ما تركت على أمتي فتنة أشد من النساء على الرجال) ومن أجل هذه الفتنة حرم الله عز وجل التبرج وأمر النساء بالحجاب وأمر الرجال بغض البصر، حتى تردم هذه الحفرة، ويقضى على هذه المعضلة، لكن إذا تبرجت المرأة وكشفت وجهها ونظر إليها الرجل واختلط بها، وُجدت الفتنة وشبت النار وتسبب هذا في فساد الدين ووجود الزنا. إن الرجال الناظرين إلى النساء مثل الكلاب تطوف باللحمان إن لم تصن تلك اللحوم أسودها أكلت بلا عوض ولا أثمان لا تتركن أحداً بأهلك خالياً لو كان في النساك مثل بنان فما موقفك أيها المسلم؟ أن تأمر زوجتك بالحجاب، وموقف المرأة المسلمة أن تلتزم بالحجاب طاعة لله لا انقياداً لأمر الزوج؛ لأن من الأزواج من يأمر زوجته بالتبرج، يقول: تكشفي؛ لأني ذهبت عند فلان وترك امرأته تكشف عليَّ، وأنت تتغطين، لا والله، ما أنت بأحسن منها، يعني أرني زوجتك أريك زوجتي، واشتراكية، ومسالفة في الأعراض، لا. وبعضهم عنده امرأة غير جميلة يريد أن يرى نساء الناس فيغصبها غصباً أن تتبرج، حتى إذا ذهب يرى نساء العرب، خليها تصب القهوة وتجيب النار، وأولئك يستحون يقولون: والله يوم عنده دخلنا ما جاء بالقهوة غير زوجته، هاتي القهوة يا فلانة! وهذا مرض خطير لا يجوز في الشرع، والله عز وجل قد ذكر ذلك في آية الحجاب في سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب:59] وقال: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ} [الأحزاب:60] والمنافقون هم الذين يرضخون في سوق التبرج ويحبون النساء {وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [الأحزاب:60] والمرض مرض الزنا ومرض الشهوات {وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا} [الأحزاب:60 - 61] هذه لعنة ربانية صدرت عليهم في كل مكان وجدوا فيه {أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الأحزاب:61 - 62]. فلا يجوز للمرأة أن تكشف إلا على من أجاز الله لها الكشف عليهم وهم ثمانية أصناف في سورة النور أربعة من الأقارب وأربعة من غير الأقارب: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} والبعل في الشرع واحد وليس القبيلة كلها {أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} أبو البعل أي العم {أَوْ أَبْنَائِهِنَّ} ولدها {أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} ولد بعلها من غيرها وهي عمته {أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ} [النور:31] ولد خالها وولد عمها، وقريب الزوج هذا الحمو، والحمو الموت، هؤلاء الأقارب ومن غير الأقارب أربعة: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} يعني: المرأة تكشف على المرأة {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} يعني: المرأة التي عندها عبد مملوك تكشف عليه؛ لأنه ما يستطيع يكشف عورتها؛ لأنه يخاف منها {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} [النور:31] التابع للزوج: مثل الخادم، والراعي، والعامل، والسائق، والتابع للزوج يجوز له أن يكشف على المرأة بشرط: أن يكون مخصياً كما قال الله عز وجل: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} يعني ليس له شهوة، فهو مخصي، لكن عندما نأتي بواحد فلبيني ونتركه مع المرأة والبنات يذهب بهن إلى المدرسة والسوق، حتى لا يسب عيالنا أحد، كيف أجعل واحداً يذب عن عرضي وأودع الذيب على الغنم. أصون عرضي بمالي لا أدنسه لا بارك الله بعد العرض بالمال الحياة بغير عرض حياة تعسة نكدة لا قيمة لها، أنا أسوق بناتي ولأولادي إلى المستشفى، ولا أرضى بأي حال من الأحوال أن يسوق أحد لأولادي أبداً ولو ماتوا، والله لو تموت في البيت ما تركب مع أجنبي، هذا هو الرجل المؤمن. أما أودعها من أجل أن يقولوا: والله معنا سواق، لا تأت بسواق، أنت سواق أهلك، بأي حال من الأحوال ولا تأت براع، يرعى الغنم في النهار ويرعى النسوان في الليل، ولا تأت بعامل في المزرعة، ولا تأت بأحد، وإذا اضطررت إلى عامل فاعمل له بيتاً في المزرعة، ويجلس فيها ولا يأتي البيت أبداً، أما أن يجلس يطلع وينزل ويسير ويجيء عاملنا وسائقنا وراعينا، هذا سم، هذا الموت الأحمر، {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور:31] الطفل الصغير غير المميز الذي لا يعرف الجميلة من القبيحة يجوز للزوجة أن تكشف عليه، أما إذا كان ذكياً مميزاً يعرف إذا رأى امرأة قال: والله فلانة جميلة هذا لا يجوز أن تكشف له وجهها. أما حكم الشرع في كشف المرأة على الطبيب فإنه ينبغي للرجل أن يحرص ألا يكشف إلا عند امرأة طبيبة، هذا في الدرجة الأولى، ولكن إذا لم يجد واضطر، فإنه يجوز عند الضرورة أن تكشف عند طبيب، ولكن تكشف العضو الذي فيه المرض، إذا كان ألمها في بطنها فليس هناك داعي أن تكشف وجهها، تنام على السرير وزوجها موجود، ويغطي المنطقة كلها إلا المنطقة التي يكشف فيها الدكتور بالسماعة أو بأي شيء. أما تكشف عن وجهها لكي تعالج بطنها فما الفائدة. أما غيره فلا، إذا كان المرض في الأسنان، فلا مانع، أو مرض في العين فلا مانع أيضاً، المهم عند الضرورة يجوز، وبغير ضرورة لا يجوز، ولكن مع وجود المحرم، لا تجعل الدكتور يجلس معها وراء الستارة وأنت قاعد هناك، لا. الطبيب ليس ملكاً بل بشر مثلك.

حكم تفريق المسلمين بإطلاق الألقاب والمسميات

حكم تفريق المسلمين بإطلاق الألقاب والمسميات Q ما رأيكم فيمن يفرق المسلمين، ويقول: نحن السلفيون وهؤلاء أهل الحديث وهؤلاء جماعة التبليغ هل يجوز هذا؟ A هذا تفريق ما أنزل الله به من سلطان، وهذه اللوحات والشعارات والدعايات هي التي تقسم المسلمين، ليس عندنا شعار ولا لوحة إلا لا إله إلا الله محمد رسول الله، ما عندنا إلا كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم، من سار عليها فهو من أهلها ومن اجتنبها فهو عدوها. أما أن أحمل شعاراً معيناً: أنا سلفي! أنا إخواني! أنا تبليغي! من أين جئنا بهذه الأسماء؟ ومن أين جاءت هذه المسميات؟!! يقول صلى الله عليه وسلم: (كلها في النار إلا واحدة، قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي). فلا ينبغي لنا أيها الإخوة! أن نقسم المسلمين شيعاً وأحزاباً وجماعات، ولا أن نتناحر ونتطاحن فيما بيننا وأعداؤنا يتربصون بنا، بل نسير في الطريق الإسلامي الموحد طريق الكتاب والسنة فقط، وهو واضح والحمد لله.

حكم لعب الورق والبالوت

حكم لعب الورق والبالوت Q نحن في هذه المحاضرة وكأن على رءوسنا الطير، ولكن بعد ذلك نجتمع على لعب الورق والبلوت لنتسلى ونقضي الوقت، نريد أن توضح لنا هل يجوز ذلك أم لا؟ A تتسلى، تتسلى والنار أمامك، تتسلى والقبر في انتظارك، تتسلى والصراط مضروب أمامك، كيف تتسلى يا أخي؟! عجبت للنار كيف ينام هاربها! وعجبت للجنة كيف ينام طالبها! كان سلفك يا أخي! قليلاً من الليل ما يهجعون، ما ينامون الليل ويراوحون بين ركبهم وجباههم يصلون وبالأسحار هم يستغفرون، وأنت تتسلى، كونك تتسلى ما عرفت حقيقة نفسك وتقول: تقضي وقتاً، لو سألتك يا من تقضي الوقت: هل حفظت القرآن كله؟ تقول: لا. هل تحفظ جزء عم؟ لا. هل تعرف تفسير: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} [الفلق:1 - 3] ما هو الغاسق إذا وقب؟ تقول: ما أدري! وتقول: تريد تقضي وقتاً، وما تعرف تفسير سورة من كلام الله، وما تعرف حديثاً من أحاديث رسول الله، وما تعرف سنة من سنن رسول الله وتلعب الورق، فالله المستعان! إنا لله وإنا إليه راجعون! يا أخي: ما عندك وقت الآن، وقتك كله يجب أن تملأه؛ لأن الوقت هو عمرك، فاملأه بطاعة الله وبذكره، وبطلب العلم، وبما ينفعك في الدنيا والآخرة. أما الساعات التي تقضيها في البالوت فقد جاء في الحديث: (ما من ساعة تمر على ابن آدم لا يذكر الله فيها إلا كانت عليه حسرة وندامة يوم القيامة) (وما جلس قوم في مجلس لم يذكروا الله تعالى فيه إلا تفرقوا عن مثل جيفة حمار، وكان عليهم هذا المجلس ترة) يعني: عهدة ومسئولية. فما هناك مجال نلعب يا إخواني! نحن أمة السيف والجهاد والقرآن والعلم والعمل، أما اللعب فليس هو لنا، اللعب للأمم التي تعيش في غير ميادينها الطبيعية، أما ميداننا فهو ميدان شريف جدي، ميدان عمل للدنيا وللآخرة، وبعضهم يلعب البالوت وإذا قالت له المرأة: أحضر لنا حليباً للولد، قال: لا. لا أستطيع أن أذهب؛ لأني مشغول بالبالوت، يدع ولده يبكي طوال الليل من أجل أن لا يقطع اللعب. وبعضهم عنده مسكة البالوت وما عنده غاز، تقول المرأة: ما عندنا غاز، قال: غداً، لا. يا أخي! خدمتك لزوجتك وقضاؤك لأهلك لوازمهم عبادة، لكن البالوت هذا أفيون هذا الزمان، وهو سحر عقول الناس، ثم لو فكرت فيه بعقلك تجد أنه لا يليق بك، ورق مصبغ (وولد وبنت وشايب وشريه وهاف وسبيد وديمن) وغيره هذه من أرشيف الماضي، وبعد ذلك تمر الساعة والساعتان والثلاث والأربع والوقت يمر؛ لأنه في طاعة الشيطان، بل بعضهم والله لا يريد يقوم إلا الفجر، وبعضهم يذهب يدق على الناس وهم لا يريدونه، لكنه يجلس؛ لأنه مخمور بعقله في البالوت، ثم يقوم اثنان ويأتي اثنان وهو جالس لا أحد يقول له: تفضل، ثم إذا مر الليل قال: أنا أريد قسمي معكم، أعوذ بالله من خسة النفس ودناءتها، وبعضهم تراه رجل عاقل أمامك مدير إدارة في رتبة ومنزلة ويأتيك بيده يخبط الأرض الله أكبر! ثم في آخر الجلسة يجب أن يتخاصموا: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:91] قولوا: إن شاء الله انتهينا. كان هناك مدير إدارة عندنا في الجنوب يلعب البالوت وكان يعلمني بنفسه وقد تاب الله عليه، يقول: الذي اشترى زميلي واللعب علي، فلازم أعطيه طلبه من أجل أن يمسك اللعب هو بالولد والتسعة والباقيات كلها، يقول: فأنا ما انتبهت عليه يريدني أنظر إليه ماذا يريد، يقول: ما نظرت ونزلت قطعة في غير يده، يقول: فغضب وقال لي -وهذا مدير إدارة كبير- قال له: أصلك بقرة! بعضهم ربما تقول له: بقرة فيقول: صدقت ما انتبهت لك، ما مديت لساني، لكن هذا حر أبي عنده شهامة فأوقف اللعب، وقال: إلى هذا الحد يا فلان، نزلت الآداب إلى أن أصبحت أنا بقرة، قال: يا أخي! ما رفعت رأسك أعلمك ما أريد، قال: هذا آخر عهدها، والله ما ألعبها مدى الحياة، وتاب الله عليه، هو ليس ببقرة، ولكن بعض الناس لا. والله المستعان!!

وصف الجنة والنار في أبيات من الشعر

وصف الجنة والنار في أبيات من الشعر Q أنا أحبك في الله، أرجو منكم أن تعطينا قصيدة في وصف الجنة والنار؟ A أحسن ما قيل في الجنة ما قاله ابن القيم في النونية الشافية الكافية رحمه الله يقول: فاسمع إذاً أوصافها وصفاتها تيك المنازل ربة الإحسان هي جنة طابت وطاب نعيمها فنعيمها باق وليس بفان أوما سمعت بأنه سبحانه حقاً يكلم حزبه بعيان ويرونه سبحانه من فوقهم نظر العيان كما يرى القمران أعظم نعيم على أهل الجنة أنهم يرون الله، يقول الله عز وجل: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ * وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ} [يونس:26 - 27] ماذا لهم؟ {جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [يونس:27] تريد هؤلاء أم هؤلاء؟ يقول الله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} يعني: الجنة {وَزِيَادَةٌ} يعني: النظر إلى وجه الله، فما أعطي المؤمنون في الجنة أعظم من النظر إلى وجه الله، {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [يونس:26] واحد كسب السيئات واشتغل في الدنيا على المعاصي بالنظر والغناء والكلام والسب وضيَّع الطاعات، قال: {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ} ما جزاء هذا، أنعطيه الجنة؟! لا. {جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً} [يونس:27] يسود وجه العاصي حتى يصبح مثل الليل الأسود. تشد أقدامهم إلى النواصي وتسود وجوههم من ظلمة المعاصي وينادون من جنابها بكياً من ترادف عذابها يا مالك قد أفقرنا الحديد يا مالك قد نضجت منا الجلود يا مالك قد تقطعت منا الكبود يا مالك أخرجنا منها فإنا لا نعود يا مالك العدم والله خير من هذا الوجود أما الأبيات في ذكر النار فكثيرة جداً منها: جهنمٌ ولظى من بعدها حطمة ثم السعير وكل الهول في سقر وبعد ذاك جحيم ثم هاوية تهوي بهم أبداً في حر مستعر لهم مقامع للتعذيب مرصدة وكل كسر لديهم غير منجبر نعوذ بالله وإياكم من النار.

حكم شراء العملة الأجنبية بعملة محلية

حكم شراء العملة الأجنبية بعملة محلية Q ما حكم شراء العملة الأجنبية بالعملة السعودية، بقصد التجارة حتى يرتفع سعرها ثم يبيعها ويصرفها عملة سعودية؟ A لا يوجد محذور، (إذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم) كما جاء في الحديث، تشتري دولاراً بريال سعودي، وتجعله عندك، وإذا ارتفع الدولار أو انخفض استبدلت العملة بكيفك، هذا يسمونه سوق العملة أو البورصة، ولكن بشرط التقابض، أما أن تشتري شيئاً بدون التقابض فلا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) لازم تدفع مائة ريال وتأخذ بها ثلاثين دولاراً، أما أن تدفع فلوساً ولا تأخذ شيئاً (دين أو في شيك أو في البنك فهذا لا يجوز).

حكم لبس البرقع

حكم لبس البرقع Q فضيلة الشيخ ما حكم لبس البراقع؟ A البراقع أسلوب من أساليب الشيطان في التبرج يوهم المرأة أنها محجبة وهي متبرجة؛ لأن البرقع يكشف أعلى شيء وأغلى وأجمل في المرأة وهو عينها، يقول الناظم: إن العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا وإذا أردت أن تتزوج امرأة أين تنظر؟ في أرجلها أم في أعينها؟ وإذا كانت غير جميلة، تقول: الله أكبر عليكِ! ما ترى الفم والأنف. لا ترى إلا العيون؛ لأن العيون التي فيها السهام، والرماح والمدافع، فما نريد حجاباً كهذا، وإنما حجاب ساتر؛ لأن بعض النساء تأخذ لها شيئاً خفيفاً، لا. نريد حجاباً قاتماً كالليل الأسود لا ترى خلفه شيئاً، وحجاب في يديها قلامس؛ لأن اليد إذا كشفت، يأتي الشيطان يقول: انظر إلى جمال اليد، أما المغطى، فلا. إذا خرجت امرأتك خليها تخرج من رأسها إلى قدميها ملبسة، على أرجلها جوارب سوداء وتلبس عباءة فضفاضة، وإذا دخلت بيتك تريد أن تتمتع ما في مانع، لكن لك لحالك، أما أن تخرج وتري الناس فيشاركونك في عرضك لا.

حكم إلزام أحد الناس بالزواج ممن لا يريد

حكم إلزام أحد الناس بالزواج ممن لا يريد Q هل يجوز هذا العمل في الإسلام كمن يقول: ابنة عمي لي ولا تخرج لرجل غيري أي: لا تتزوج غيري. وهذه العادة شائعة في هذا الزمان أرجو إبداء النصيحة؟ A هذه عادة الجاهلية جاء الإسلام فأبطلها وحرمها ونهى عنها، وقال: نهى أن يرث الرجل المرأة {لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْها} [النساء:19] كانت المرأة في الماضي تورث واليوم أيضاً تورث لابن عمها، لا يجوز؛ لأن النكاح نكاح رغبة ومحبة وود، وينبغي أن يقام على رضا وتفاهم وقناعة من الزوجة، أما أن تقصر على ابن عمها ولو كانت لا تريده فلا، أما إذا كانت تريده وهو يريدها فلا يوجد مانع، لكن إذا قالت: لا أريده، وقال أبوها: والله ما تعرفين إلا هو (لو تخلفي العصا يدك) فهذا حرام، سبحان الله تغصبها على طعام لا تريده، لا يجوز لك يا أخي! أو يأتون عند الولد ويقولون: بنت عمك لا تفوتك، قال: ما أريدها، قالوا: والله ما نرضى إلا أن تتزوج بها، تريد له واحدة لا يريدها، هذا لا يجوز، لا بد أن يتزوج الإنسان من يحب، الله يقول: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء:3] يعني: ما أحببتم، ولا يجوز الهجر ولا الحجر ولا يجوز الشغار، والشغار: أن تزوج الرجل بأختك على شرط أن يزوجك بأخته، أو تزوجه بابنتك حتى يزوج بنته لولدك هذا نكاح محرم وهو باطل والعقد فاسد، وإذا حصل فهو يفسد من الآن ولا يحتاج إلى طلاق؛ لأنه ليس هناك عقد، إنما يفرق بين الزوج والزوجة، والأولاد يلحقون بأبيهم إلحاقاً شرعياً، ولا يجوز الشغار ولا التحليل، شُبه المحلل في الحديث بالتيس المستعار، الذي يطلق زوجته ثم يأتي إلى رجل آخر فيقول: تزوجها وطلقها وحللها لي، افعل خيراً، هذا يفعل شراً؛ لأنه ملعون: (لعن الله المحلل والمحلل له) وإذا علمت المرأة فهي ملعونة، وإذا علم العاقد فهو ملعون، وإذا علم الشهود فهم ملعونون.

درجة حديث: (أهون الربا مثل أن ينكح الرجل أمه)

درجة حديث: (أهون الربا مثل أن ينكح الرجل أمه) Q ما صحة هذا الحديث الذي معناه: بأن (أهون الربا مثل أن ينكح الرجل أمة تحت الكعبة أو تحت أستار الكعبة). حيث إن كثيراً من الناس يعارضون ويقولون: إن هذا الحديث غير صحيح؟ A الحديث ذكره الإمام ابن ماجة في السنن والحديث فيه مقال، وهو يدور بين الضعف والحسن، ولكنه يستشهد به لما يعضده من الأدلة الصحيحة من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

حكم خروج المرأة إلى السوق بدون محرم

حكم خروج المرأة إلى السوق بدون محرم Q أنا امرأة ملتزمة بطاعة الله، ولكني أخرج من المنزل إلى السوق وقد استأذنت من زوجي ولكن ليس معي محرم ويكون معي بعض النساء؟ A ما دمت ملتزمة أيتها الأخت! بطاعة الله، فإن مقتضى الالتزام ألا تخرجي إلى السوق، لا لوحدك ولا مع زوجك؛ لأن السوق فيه رايات الشيطان، ويعرضك للفتنة برؤية الرجال الأجانب، والله يقول: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33] ولا ينبغي للمرأة المؤمنة أن تنزل السوق بأي حال من الأحوال إلا على سبيل الاضطرار، وكيف يكون هذا الاضطرار؟ كأن تريد سلعة لا يستطيع زوجها أن يأتي بها لأنه لا يعرفها، ولو كان هذا الأمر نحن نقوله للناس ولا نعمل به، أنا أولادي والله ما يدخلون السوق، وما أرضى أبداً، وأي شيء يريدونه آتي به، أتعب نفسي ولا أتعب ديني وعرضي، أي شيء يريدونه أذهب أحضره وأشترط عليه أن يصلح أو أرجعه، وأحياناً والله أرجع ثلاث أربع مرات لكن هذا عندي أهون من أن أدخلها على الرجال وتشوفه ويشوفها، ما رأيكم تعب الأجساد أم تعب القلب والدين! أطلع وأنزل وأطلع وأنزل وعرضي مرفوع أحسن من أن آخذها معي وأدخلها الدكان وتشوف الرجل ويشوفها، فلا يجوز، لكن عند الاضطرار نقول: لا بأس مع الزوج وفي وقت لا يكون فيه تجمعات للرجال، ومن أقرب دكان، لا تجلس تستعرض المعرض من أول الدنيا إلى آخرها، كلما دخلت دكاناً قالت: ليس بجميل، والثاني ليس بجميل، وذاك مثل التيس وراءها؛ لأن بعض النساء تدخل المعرض هذا، وتقول: كل أقمشته ليست جميلة، ويوجد ألف لون أمامها وتقول: ليس بجميل! ما ترضى جعلكِ لا ترضين! اختاري من الدكان الذي جنبه، ثم يجب أن تكون متحجبة حجاباً كاملاً، ثم لا تكشف أمام الرجل ولا تكلمه ولا تفاوضه ولا تساعره، المرأة إذا دخلت لوحدها عند صاحب الدكان وفرده لها وقال: هذا يا عسكري! فك الإشارة، فيه أسماء للأغاني يحطونه على القماش، قالت: ألله أيش هذا القماش بكم هذا؟ قال: ستين، قالت: لا تكفي ضحكت له، قال: على شان خاطرك بخمسين، هذا الضحكة في عرضك، لا. لا تبايع المرأة ولا تشاري، اشتر أنت وبع لأهلك وهم في البيت وأحضر الفاتورة والألوان، إذا اضطررت لغرض لا بد من رأيها فيه، مثل شراء موكيت للبيت قطعة دولاب، قماش يخصها تدخلها في مكان واحد تأخذ منه وترجع، وهي مثل السارقة. أما أن يتجمعن ثلاث أربع نسوة ويركبن السيارة ويذهبن والرجال في الدوام، وأنا استأذنت، فهذا لا يرضي الله يا أختي المسلمة!

دعوى الالتزام مع ملازمة سماع الأغاني

دعوى الالتزام مع ملازمة سماع الأغاني Q أنا شاب أبلغ من العمر عشرين عاماً ومغرم جداً بسماع الأغاني وأرى فيها ترويحاً عن نفسي وحلاً لمشاكلي، وأريد أن ألتزم وأتوب ولكن لا أستطيع فبم تنصحني؟ A يبدو أنك عبد شهوة، وجنس، ومن كان عبد شهوة وجنس لا يصلح أن يكون عبداً لله، الذي يريد أن يسمع خطاب الرحمن لا يصلح أن يكون سامعاً لخطاب الشيطان. ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس إذا كنت تريد طاعة الله حقيقة، فتب إلى الله من الأغاني أول شيء، فإنها تحرق إيمانك ودينك كما تحرق النار الحطب، إذ لا يجتمع حب القرآن والغناء في قلب عبد مؤمن، يقول ابن القيم في النونية: حب الكتاب وحب ألحان الغناء في قلب عبد ليس يجتمعان لا يجتمعان أبداً، وأما كيف تعمل فبعزيمة الرجال وتصميم الأبطال، أحضر المسجل أو الشريط أو أي شيء عندك من الأغاني وضع عليها ناراً وأحرقها، وبعد ذلك قل: والله ما أسمع مهما كانت الظروف والأحوال، وهو نوع من الجهاد، جاهد نفسك وسوف يقبلك الله عز وجل وسوف تمر عليك لحظة تجد نفسك أن الأغنية إذا سمعتها كأنما هي رصاصة دخلت من أذنك، وهذا شأن المؤمنين الآن، أهل الإيمان الآن إذا سمع أي نغمة يصيح، صك صك صك، لماذا؟ قلبه حي، أذنه ربانية مؤمنة. فأنت يا من تقول: إنها تدخل عليك السرور، جاهد نفسك واسأل الله أن يقبلك، ثم كلما جاءك هذا الشعور بأن تسمع الأغاني فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وفي الليل قم فصلِّ ركعتين واسجد، وفي السجود اطلب من الله أن يتوب عليك، وأن يعصم قلبك من الشيطان والأغاني وابك، فإن بكيت فاعلم أنك صادق، وإن لم تبك فاعلم أنك ما تبت إلى الآن، علامة قبول توبتك البكاء، ابك وحاول تعصر قلبك غصباً يبكي من خشية الله، قل: يا رب! يا ذا الجلال والإكرام! يا من بيده ملكوت كل شيء! اعصم قلبي من الأغاني والشيطان، يا رب! لا قدرة لي على النار، يا رب! أذني لا تتحمل الرصاص المذاب، (من استمع إلى مغنٍ أو مغنية صب الله في أذنيه يوم القيامة الرصاص المذاب) وابك واسأل الله أن يتوب عليك، وهذا إن شاء الله سبب من أسباب الهداية بإذن الله. ثانياً: يذكرني الأخ بأن نجعل بديلاً وهو بديل طيب وهو القصائد والأناشيد الإسلامية، فهناك أناشيد يرددها بعض الشباب المؤمن، قصائد إسلامية ترفع الروح وتحث على الجهاد والبر والإحسان، فهذه طيبة، ولكن لا يكثر منها مثل الملح في الطعام؛ لأن بعض الشباب لم يعد يقرأ القرآن وإنما يغني وينشد، طوال يومه أناشيد وأناشيد وأناشيد، قلت: أين المواعظ؟ قال: يا شيخ نتسلى، قلت: طيب، نريدك تبكي أيضاً، خذ موعظة تبكيك وخذ نشيداً يسليك، لكن تريد نشداً طوال اليوم فلا يصلح، لابد أن يكون في حياتك نوع من التكامل والتجانس. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد.

ولو ترى إذ وقفوا على النار

ولو ترى إذ وقفوا على النار إن المتأمل لنصوص الوعيد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يجد مشاهد مفزعة، وأهوالاً عظيمة، مما أعد الله فيها من ألوان العذاب والنكال للكفار والمنافقين. وفي هذا الدرس عرض الشيخ مواقف لأهل النار في عذابهم، وأصناف هذا العذاب من أكلهم، وشربهم، وملابسهم، وأليم عقابهم على أفعالهم، وطبقاتهم في النار.

تصوير قرآني لمشاهد من العذاب

تصوير قرآني لمشاهد من العذاب الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فيا أيها الأحبة في الله! هذا الدرس يأتي ضمن سلسلة الدروس الشهرية بعنوان: تأملات قرآنية) وهو يلقى في مدينة جدة في مسجد الحارثي بحي الإسكان الجنوبي، بعد مغرب يوم السبت الموافق (29 ذي القعدة 1415 للهجرة) على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام. وعنوان تأملاتنا هذه الليلة قول الله عز وجل: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّار} [الأنعام:27] واختياري لهذا العنوان؛ لأن هذه الآية جاءت في سياق تأملاتنا لسورة الأنعام. وذكر النار -أيها الإخوة- مطلوبٌ خصوصاً في هذه الأزمان التي شردت فيها القلوب عن الله، وغفلت النفوس عن تذكر الآخرة، حتى لكأن الذي يرانا يجزم بأننا إما أننا لا نؤمن بالنار، أو لا نعرف النار؛ لأن السلوك والأعمال والتصرفات توحي بهذا، فمن يعرف النار ومدى قدرته ومقاومته لها، ويؤمن بحقيقة وجود النار، ثم يسلك تلك المسالك ويتصرف تلك التصرفات، لا يمكن أن يصدق العقل هذا، لذا كان لا بد من ذكرها وما أعد الله عز وجل فيها، وما توعد الله الكفار والمنافقين والعصاة والفسقة من ألوان العذاب الذي لا يتصوره العقل. يقول الله عز وجل: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47]. كل ما يمكن أن يخطر في بال الإنسان من ضخامة وأصناف العذاب، فإن هذا الذي يخطر في البال لا يمكن أن يصل إلى جزء من حقائق ما سيكون في النار، ويكفينا قول الله عز وجل: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47].

مشاهد ورود أهل النار على النار

مشاهد ورود أهل النار على النار يقول الله عز وجل في سورة الأنعام وهو يصف لنا مشهداً من مشاهد العذاب يوم القيامة، وهذا المشهد هو: أخذ أهل النار وحبسهم على النار قبل إلقائهم فيها؛ لأنهم يساقون إليها، ويسحبون على وجوههم إليها، ويدفعون من ظهورهم دفعاً إليها، لا يأتون إلى النار باختيارهم، ولكن جاء وصف مجيئهم في ثلاث آيات: المشهد الأول: قال الله عز وجل: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً} [الزمر:71] سوق الإهانة والتهديد والعذاب الشديد {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [الزمر:71] تقول لهم الملائكة: أما جاءكم رسل ينذرونكم لقاء هذا اليوم ويحذرونكم من النار؟ {قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الزمر:71] بلى يعترفون {قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر:72]. المشهد الثاني: قال الله عز وجل: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} [القمر:48]. المشهد الثالث: قال الله عز وجل: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} [الإسراء:97]. المشهد الرابع قال فيه عز وجل: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً} [الطور:13] أي: يدفعون إليها دفعاً {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [الطور:14] ثم يحبسون على النار، والله يخبرنا عن هذا ويقول للنبي صلى الله عليه وسلم: لو ترى يا محمد! ولو تشهد هذا المشهد، انقل هذه الصورة إلى الأمة، بلّغ خلق الله هذا المشهد لعلهم أن ينزجروا أو يرتدعون، فيعملوا الصالحات قبل أن يصيروا إلى هذا المصير.

توضيح لقوله: (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه)

توضيح لقوله: (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ) قال عز وجل: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام:27 - 28]، يحبسون على النار، ويوقفون عليها، فيرون المزلة والغبن والحسرة والندامة، فيقولون: ((يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ)) يا ليتنا نعطى فرصة ثانية ونرجع إلى الدار الخالية، فنعمل فيها عملاً صالحاً؛ من أجل أن نفوز بالجنة وننجو من النار {وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنعام:27]. قال الله عز وجل: إن هؤلاء لو ردوا إلى الدنيا لعادوا لما نهوا عنه؛ لأن الذي ينقصهم ليس الدليل؛ الآن الذي ينقص العاصي والفاجر والكافر هل هو الدليل على أن الله أرسل رسولاً صادقاً، وأنزل كتابَ حقٍ، وشرع دينَ حقٍ؟ لا. الله عز وجل يخبرنا في القرآن أنهم لا يكذبون الرسول، قال الله: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام:33] ويقول عن فرعون: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً} [النمل:14]. فالأدلة قائمة، لكن ما الذي يجعل الواحد -والدليل قائم، والبرهان ساطع، والحق واضح- يأبى؟ بسبب طبيعة التكذيب في نفسه، وطبيعة الانهزام والشر والعناد والرغبة في الباطل، وعدم الرغبة في الخير، ولهذا حتى لو أدخله الله النار ثم أخرجه منها سوف يعود في المعاصي، كيف أيعقل هذا؟! نعم يعقل. وقد كنت أقول وأتأمل سبحان الله! كيف يكون هذا؟! حتى علمت من رجل وقع في ترويج المخدرات، وقبض عليه، وأودع في السجون، وفصل من وظيفته، وأسقط اعتباره، وصدرت عليه المحكوميات الطويلة، وعانى ما عانى من الهوان، وضاعت أسرته، وتشتت شمله، وضاعت أمواله، وفي يوم من الأيام قمت بزيارته ونصحته في السجن، وقلت له: هل لذة ومتعة المخدرات تساوي كل ما نالك من هذا العذاب في الدنيا، {وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه:127]؟ فصلت وكنت في مركزٍ مرموق، وبددت ثرواتك، وضيعت أسرتك، وشتت شملك، وأسقط اعتبارك غداً تخرج من السجن فلا يلقاك في الشارع أحد يسلم عليك، وإذا أردت أن تتوظف ما أحد يوظفك، وإذا أردت أن تتزوج ما أحد يزوجك، وإذا دخلت في مجلس ما أحد يقوم لك، وإذا سلمت ما أحد يرد عليك السلام؛ لأنك شوهت سمعتك، وأسقطت نفسك، ما الذي ألجأك إلى هذا؟! فقال لي: يا شيخ سعيد! يكفي لا تلمني. قلت: لن ألومك، لكن ماذا تنوي أن تفعل في المستقبل؟ هل أخذت درساً من هذا الوضع؟ قال لي: قد عضضت أصابع الندم يقول: عضيت على العشر وتبت إلى الله، وأعاهدك أنني إن شاء الله إن أخرجني الله سأسير سيراً حسناً، وسأسلك مسلكاً رشيداً، ولن تراني إن شاء الله على سوء بعد اليوم. ومرت السنون والأعوام، وقضى في السجن سنين تهد الجبال، وخرج من السجن وزرته بعدها، وذكرته بوعده، وقلت له: خلاص الآن أعاد الله لك حريتك وأصبحت الآن طليقاً، فاسلك سبيل الهدى والرشاد واستقم على طريق الخير، ووضعت له منهجاً وبرنامجاً، ومرت الأيام ثم يحيط به قرناء السوء من جديد ولا أسمع إلا وهو يسجن من جديد، ويبلغني الخبر، قالوا: ليس في قضية ترويج فقط، بل ترويج وتهريب؛ لأن الترويج عقوبته في المرة الأولى السجن، والمرة الثانية نسف الرأس، فهذا يكفيه يوم روج المخدرات أنه يقتل، لكن لا، يريد يروج وتعاقد على تهريب وهرَّب المخدرات وكشفه الله، وأودع السجن، وبعدها ذهبت أزوره، قلت: أين عهدك يا فلان؟ قال: الشيطان! قرناء السوء! قلت: سبحان الله! صدق الله عز وجل: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام:28] الآن ما عاد معك فرصة تخرج، ومضت عليه أيام وليالي وصدرت المحكوميات وإذا به يعلن وأنا أسمع في الإذاعة أنه قد أقيم عليه حد المحاربة لله بقطع رقبته وضربها بالسيف، وخسر كل شيء، هو روج المخدرات يريد أن يتاجر، وهربها يريد أن يربح، فخسر رقبته ونفسه وحياته، ولا أعلم كيف سيكون مصيره عند الله عز وجل. إذاً يا أخي! هذا المشهد لأهل النار يقول الله فيه: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ} [الأنعام:27 - 28] ما الذي كان يخفيه الكفار من قبل؟ قال العلماء: بدا لهم ما كانوا يخفون من الإيمان والفطرة والتصديق بالله، فإن الله فطر النفوس على الإيمان به، يقول الله عز وجل: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:30] {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} وهي الدين {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [التوبة:36] ولكن يأتي الإنسان فيغطي الفطرة من أجل شهواته وملذاته، فإذا بعث، قال الله عز وجل: {بَلْ بَدَا لَهُمْ}، بل هنا حصل لهم ما كانوا يخفون من الإيمان والفطرة، ولكن هؤلاء طبيعتهم التكذيب، ولو خرجوا {لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}. هذه النار التي توعد الله بها الكفار والفجرة والمنافقين والعصاة وحذر منها أهل الإيمان وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].

تكرار مشاهد النار في القرآن تأكيد لقيام الحجة

تكرار مشاهد النار في القرآن تأكيد لقيام الحجة أيها الإخوة! كان يكفي في القرآن والسنة أن تذكر النار ويهدد بها مرة واحدة، ومن عصى فالنار، ولكن لقيام الحجة ذكر الله النار في القرآن في مواطن كثيرة، ومواضع عديدة، وبأحوال متعددة، ذكرها وذكر جميع ما فيها؛ حرارتها، شدتها، أبوابها، طباقها، عذابها، حياتها، عقاربها، ماؤها، هواؤها، طعامها، شرابها، ولا تمر عليك في القرآن صفحة أو صفحتان إلا وذكر النار أمامك لماذا؟ هل هذا عبث؟ لا. لكن لقطع الحجة على الناس، وحتى لا يأتي أحد يوم القيامة يقول: ما أعرف النار يا رب! ثم جعل الله لنا أيضاً نموذجاً من النار مصغراً، حتى لا يقول أحد: يا رب! تحدثنا بالنار، ما ندري أن النار حارة، نحسب أن النار تمشية، أو نزهة، أو أكلة، وما أعطيتنا منها طرفاً، قال الله: لا. {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ * A=6005051> نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً} [الواقعة:71 - 73]. جعل الله هذه النار تذكرة بالنار الأخرى، وإلا ما هي منها، وليست في درجتها، هذه جزء من سبعين جزءاً، يقول أحد الصحابة: [والله إنها كافية]. وأنا أقول: والله إنها كافية، والله لو تهددنا ربي أن يسجننا في حمام لكان هذا كافياً فكيف إذا سجننا في النار، وليست هذه النار بل ضعفها بتسعة وستين جزءاً، أي: إذا كانت درجة حرارة هذه النار مائة درجة فتلك حرارتها سبعمائة ألف، أين هذا أيها الإخوان؟! لا إله إلا الله!! يا أخي! أجارنا الله وإياك من النار؛ النار دار عذاب، أعدها الله عز وجل وهيأها لعقوبة ونيل من يخالف أمره، ويعصيه ويرتكب محارمه ويترك فرائضه، وأعد الله فيها من العذاب بما يتلاءم مع ضخامة المعصية، فإن الله لا يحب أن يعصى، فالله عز وجل لما أمر إبليس أن يسجد وما سجد طرده من الجنة، ونهى آدم أن يأكل من الشجرة وأبى إلا أن يأكل؛ أخرجه من الجنة، وكذلك أنا وأنت -يا أخي- لا ينبغي أن نعصي الله؛ لأننا إن عصينا الله فقد تهددنا بأن يدخلنا النار ويحرمنا من الجنة، ولقد حذر الله عز وجل منها كثيراً كما ذكرت لكم.

وجوب وقاية النفس والأهل من النار

وجوب وقاية النفس والأهل من النار قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6] إن مسئوليتك تجاه نفسك وأهلك: زوجتك وأولادك وبناتك أن تقِهم، ماذا؟ ما قال: قِهم الجوع! أو البرد! أو الحر! أو المرض! هذه مسئوليات ثانوية، لكن قِهم أول شيء النار. لكن من الناس من يحمي ولده من الجوع فيطعمه، ومن البرد فيدفئه، ومن المرض فيعالجه، ويحمي ولده وبناته وزوجته من الحر؛ فيورد لهم المكيفات، ثم لا يحميهم من النار، بل يقذفهم بنفسه إلى النار، ويشتري لهم وسائل الإفساد إلى النار، وأنا أسأل من عنده عقل: من يشتري (دشاً) ليركبه فوق بيته: هل هذا يقي نفسه وأهله النار، أم يقحم أهله ونفسه في النار؟ ويجلس الواحد على الأريكة وأمامه الجهاز وفي يده (الريمونت) ماذا؟ قال: أنتقل، من أين تنتقل: من روضة من رياض الجنة إلى روضة من رياض الجنة؟ من آية كريمة إلى حديث شريف؟ لا. بل من فيلم إلى فيلم، ومن منظر خبيث إلى منظرٍ أخبث، ومن مسلسل إلى مسلسل، ومن شريط إجرامي إلى ألعن، ومن مباراة إلى أسوأ، ومن مصارعة وعورات مكشوفة إلى أشر، وهو جالس والمرأة والبنت والأولاد من حوله، ولماذا يا أخي المسلم؟! قال: لا أريدهم أن يخرجوا فيفسدوا في الخارج، أريد أن أفسدهم أنا بنفسي، يريد أن يتولى إهلاكهم هو بنفسه، سبحان الله العظيم ما أضل هذه العقول!! يا أخي! ولدك إذا فسد في الخارج فليس عليك ذنب إذا حرصت على ولدك ولكنه خرج من يدك وذهب إلى الشر احرص أيضاً لكن الله لا يسألك يوم القيامة عنه؛ لأنك ربيته على الدين وأبى إلا الشر، لكن إذا أوردته الشر أنت بنفسك وأقحمته في النار، ماذا سيكون عذرك أمام الله يوم القيامة، لا إله إلا الله! يقول لي أحد الناس وقد كان عنده هذا الجهاز وأخرجه يقول: والله إنني أنام وزوجتي بجواري، ثم أستغرق وأنقلب فلا أجدها، أقوم أبحث أين أولادي وآتي وإذا بها في الغرفة تنظر إلى مسلسل، وأولادي كذلك، يقول: أرقدهم من أجل المدارس، يقول: ثم أذهب وإذا بهم قد وضعوا المخدات فوق الفرش؛ حتى يوهموني أنهم ناموا، فأزيل الفراش وأنظر وإذا ما هو ولد بل مخدة راقدة، أين الولد؟ جالس ينظر إلى المسلسل الساعة الثالثة أو الرابعة قبل الفجر، ويذهب الولد إلى المدرسة وهو نائم. ويشكي المدرسون الآن من نوم التلاميذ في الفصول، يضع الطالب رأسه على الطاولة وينام، ولا واجبات ولا دروس، لماذا؟ من أين جاء هذا الشر يا إخوان؟! من الشر الذي ركب على البيوت، والله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ} [التحريم:6]. المسئولون عن إدارتها والمشرفون على التعذيب فيها ملائكة غلاظ في الخِلقة، شداد في التعامل. {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] إذا قال الله لهم: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} [الحاقة:30] تصوروا كم يقوم لتنفيذ أمر الله؟! سبعون ألف ملك، والمأخوذ واحد فقط، لكن الذين يقومون لتنفيذ أمر الله سبعون ألف ملك، ما هو حجم الواحد منهم؟ قال في الحديث: (إن الملك الواحد ليلقي بيده سبعين ألفاً في النار) لا حول ولا قوة إلا بالله!! والله يقول: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:24]. يؤتى بهذه النار يوم القيامة تقاد ولها سبعون ألف زمام، ومع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها ويمسكونها، ولو تركت لأتت على كل برٍ وفاجر. يقول عمر لـ كعب الأحبار: [يا كعب! خوفنا بالله، قال: يا أمير المؤمنين! اعمل عملاً وجلاً -أي: خائفاً- فوالذي نفسي بيده! لو جئت يوم القيامة بعمل سبعين نبياً إلى جانب عملك لظننت أنك لا تنجو من عذاب الله يوم القيامة ثم قال: إن جهنم لتزفر يوم القيامة زفرة لا يبقى معها ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا يخر على ركبتيه جاثياً] خوفاً من النار، {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً * لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً} [الفرقان:12 - 14] تغيظ مما فيها من غيظ على أعداء الله المقتحمين لحرمات الله، المضيعين لأوامر الله وفرائضه (وزفيراً) تزفر وتشهق كما تشهق البغلة على شعيرها، وكما يزفر العدو على عدوه؛ لأن هذا عدو، يقول الله: {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً} [الفرقان:65] (غراماً) مثلما يمسك الغريم بغريمه، وغريمتهم هنا النار؛ لأنهم تمردوا على أوامر الواحد القهار. يقول الله: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى} [النازعات:36] ويقول: {إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} [الفرقان:12].

طبقات جهنم بحسب أعمال أهلها

طبقات جهنم بحسب أعمال أهلها واعلم يا أخي! أن النار سبع طبقات، كل طبقة فيها عذاب أشد من الأخرى، وإن كان لكل طبقة من العذاب ما هو أعظم مما يتصوره العقل، يقول الله عز وجل: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} [الحجر:43 - 44]، هذه الطباق وهذه الأبواب الضخمة سبعة، جهنم طبقة أولى -أعاذنا الله وإياكم منها- ولظى طبقة ثانية، والحطمة، والسعير، وسقر، والجحيم، والهاوية. جهنم ولظى من بعدها حطمة ثم السعير وكل الهول في سقر وبعد ذاك جحيمٌ ثم هاوية تهوي بهم أبداً في حر مستعر ولقد ذكر الله لنا بعض الأعمال التي توصل إلى كل طبقة من هذه الطباق -والعياذ بالله-.

أولا: جهنم

أولاً: جهنم وهذه أسوأ شيء -والعياذ بالله- قال عز وجل: {إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً} [الكهف:102] وقال: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً} [الزمر:71].

ثانيا: لظى

ثانياً: لظى وهذه أخبر الله أنها للذين لا يشكرون الله عند الرخاء، ولا يصبرون عند البلاء، ويمنعون حق المال، ويعرض بعضهم عن الحق، فقال عز وجل في القرآن الكريم: {كَلَّا إِنَّهَا لَظَى} [المعارج:15] أي: النار {نَزَّاعَةً لِلشَّوَى} [المعارج:16] الشوى: أي: الفؤاد والقلب، إذا سمع بها الواحد ينتزع فؤاده من قلبه ويطير قلبه من داخله من الخوف {تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى * إِنَّ الْأِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ} [المعارج:17 - 22] جعلنا الله وإياكم منهم.

ثالثا: الحطمة

ثالثاً: الحطمة ثالثاً: الحطمة: وهذه ذكر الله عز وجل أنها مسكن أهل الغيبة والنميمة وتجميع الأموال من غير حقها، قال عز وجل: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} [الهمزة:1] يهمز ويلمز، أي: يغتاب وينم {الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ} [الهمزة:2] يجمع أموالاً، وعدده: أي: شكله ونوعه، وقيل: أي: يعده، فلا ينبسط ولا يرقد حتى يعده، صوت الدراهم بين يديه أعظم من التسبيح، لها لذة إذا صار يعدعدها {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} [الهمزة:3] (كلا) ما يخلد بهذا المال {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} [الهمزة:4] والنبذ: هو إلقاء الشيء بإهانة، تقول: نبذت النواة، أي: رميتها، ينبذ هذا في النار، لكن أين ينبذ؟ {لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ} [الهمزة:4 - 5] أما تعرفها يا محمد؟! إنها نار الله التي أوقد عليها {نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ} [الهمزة:6 - 7] أي: يصل عذابها إلى الفؤاد {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} [الهمزة:8] أي: مغلقة {فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ} [الهمزة:9] في سلاسل وأغلال.

رابعا: السعير

رابعاً: السعير وهو مسكن المكذب بيوم القيامة: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً} [الفرقان:11] {وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ} [الملك:5].

خامسا: سقر

خامساً: سقر وقد ذكر الله عز وجل عدة أعمال توجب دخول سقر، وهي أربعة: {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:43] الذي لا يصلي: {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [المدثر:44] الذي لا يتصدق: {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدثر:45] الذي ليس له اتجاه معين يخوض فيه، إن جلس مع الطيبين طيب، وإن جلس مع الفسقة فألعن منهم. {وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المدثر:46]، والذي يكذب بيوم القيامة. قال الله عز وجل: {إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر:39 - 47] يعني: حتى جاءهم الموت.

سادسا: الجحيم

سادساً: الجحيم وهذه للمتكبرين، يقول الله: {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ} [الدخان:47 - 48] لماذا؟ قال: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان:49] كنت متكبراً على الله، لا تأتي إلى بيوت الله ولا تصلي مع عباد الله، وتشعر أنك أكبر منهم، وأن حجمك أضخم منهم، منفوخ بالمال؛ وبالمنصب وبالعافية وبالجنس وباللون وبالشباب، هذا ضعوه في الجحيم: {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ} [الدخان:47] والعتل قال العلماء: هو الأخذ بقوة، خذوه بعتل وبقوة وبشدة، اسحبه على وجهه {فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الدخان:47] ما معنى سواء الجحيم؟ قالوا: وسط الجحيم، ما هو على الطرف؛ لأن الذي على الطرف قد يخرج لكن ضعوه في الوسط، أي: لن يخرج، {ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ} [الدخان:48] الماء المغلي صبوا فوق رأسه منه. يقول الله: {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ} [الحج:20] يحرق الجلد ويصهر البطن، كيف؟ قالوا: بمجرد أن يوضع على الرأس يخرق طبقة الرأس؛ لأن له حرارة شديدة ما يسيل فقط، يسيل ويخرق الرأس ويصل إلى البدن، لا حول ولا قوة إلا بالله!!

سابعا: الهاوية طبقة أهل النفاق

سابعاً: الهاوية طبقة أهل النفاق وهي أسفل طبقات النار، وهي للمنافقين -أعاذنا الله وإياكم منهم- يقول الله: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء:145] واختار الله لهم هذه الطبقة مع شدة عذابها ونكالها؛ لأنهم كانوا يخدعون أهل الإيمان، ويخادعون الله {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:9]. يقول الله: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:10] يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، قلوبهم قلوب أهل الإيمان، وأعمالهم أعمال أهل الكفر والشياطين -والعياذ بالله- فالله عز وجل يقول فيهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [البقرة:8 - 9]، وفي الحقيقة ما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون، {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} [البقرة:10] وهو مرض النفاق -والعياذ بالله- علامات النفاق معروفة؛ لأن النفاق ينقسم إلى قسمين: 1 - نفاق اعتقادي. 2 - نفاق عملي. فالنفاق الاعتقادي يخرج الإنسان من الملة -والعياذ بالله- ويخلده في النار. والنفاق العملي يجعل فيه خصلة من خصال النفاق ولكن لا يخرجه بالكلية من الدين. فالنفاق الاعتقادي هو: بغض الإسلام، وبغض الله والرسول صلى الله عليه وسلم، وكره تكاليف الشرع، حتى ولو مارسها وأداها وهو يبغضها فهذا نفاق؛ لأن المنافقين كانوا يؤدونها، يقول الله عز وجل: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة:54] كانوا يزكون لكن بالغصب، ويصلون لكن بكسل، فالله سماهم كفاراً، لا بد أن تصلي وأنت مرح مسرور، مبسوط القلب، منشرح الصدر أنك تؤدي صلاتك وتقف بين يدي مولاك وخالقك، وإذا أخرجت زكاةً فتفرح أن جعل الله يدك العليا، وجعل في مالك حقاً للفقير المسكين، وجعلك صاحب مال وثراء، كان بالإمكان أن تنقلب المسألة وأن تكون فقيراً تطلب، لكن الله جعلك من أصحاب اليد العليا، وهم خيرٌ من اليد السفلى. فتفرح بهذا، أجل بغض الإسلام، أو بغض شيء من الدين، أو كراهية انتصار المسلمين، أو الفرح بانتصار الكفار، أو التشفي من أهل الإيمان؛ هذا نفاق اعتقادي. النفاق العملي: لا يخرج من الدين ولكنه له خصال وهي خمس علامات: 1 - إذا وعد أخلف. 2 - إذا حدث كذب. 3 - إذا اؤتمن خان. 4 - إذا عاهد غدر. 5 - إذا خاصم فجر. (فمن كان فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها) هكذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله يقول: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} [القارعة:8] أي: من الإيمان وما عنده دين، {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [القارعة:9] أي: مكانه هاوية، وهؤلاء هم المنافقون الذين كانوا يتصورون أن معهم شيء من العمل بناءً على كلامهم الكاذب، لكنهم في الحقيقة كانوا يخادعون الله فليس لهم شيء، وموازينهم خفيفة وطائشة، {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة:9 - 11] والعياذ بالله. هذه -أيها الإخوة- بعض أوصاف وصفات أهل هذه الطباق السبع.

ذكر حر النار وبعيد قعرها

ذكر حر النار وبعيد قعرها أما عن حر النار وعمقها فإن: [حرها شديد، وقعرها بعيد، ومقامعها من حديد] كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه. يروي الإمام أحمد وأصحاب السنن حديثاً صحيحاً عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن ناركم التي توقدون جزءٌ من سبعين جزءاً من نار جهنم، قالوا: يا رسول الله! والله إنها كانت لكافية، قال: فإنها فضلت عليها بتسعة وتسعون جزءاً كلها مثل حرها). أنت الآن لو حاولت أن تقيس درجة حرارة النار، وأن تعرف مقاومة جسمك لحرارة النار، لعرفت أنك لا تستطيع الصبر على النار، لا تحاول أن تأخذ جمرة لكن خذ ماءً حاراً؛ إذا قدم لك الشاي وهو حار لا تقدر أن تشربه، وإذا أكلت طعاماً حاراً أحرق لسانك، وكوى بطنك، فكيف بمن يأكل ويشرب ناراً؟! وما هو حر نارنا هذه بالنسبة إلى تلك النار؟! لا حول ولا قوة إلا بالله، والحديث صحيح. ويروي الإمام مالك والترمذي بسندٍ صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أوقد على النار ألف عامٍ حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف عامٍ حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف عامٍ حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة). ويروي البخاري ومسلم حديثاً في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اشتكت النار إلى ربها فقالت: رب أكل بعضي بعضاً، فأذن لي بنفسين، فأذن لها بنفسين: نفسٌ في الشتاء، ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير والبرد). قال تعالى: {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة:81]. أما عمق النار إذا ألقوا فيها، فقد جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: (كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع وجبة -أي: هزة ورجة- فقال: أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إن هذا حجراً رمي في النار منذ سبعين خريفاً فهو يهوي في النار الآن) كم تتصور عمق النار؟ لا إله إلا الله!! بمعنى: أن من نزل فيها لا خروج له، من أين يتسلق؟ أطول سجن في الدنيا جداره عشرة أمتار فكيف الذي مسافة النزول فيه سبعين سنة، والحجر نزل ووصل في تلك اللحظة التي أخبرهم بها النبي صلى الله عليه وسلم. وقال في حديث آخر عند الترمذي: (إن الصخرة العظيمة لتلقى من شفير جهنم تهوي سبعين عاماً ما تفضي إلى قرارها) أي: ما تصل إلى قعرها، ويروي الترمذي حديثاً آخر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ويل وادٍ في جهنم يهوي فيه الكافر أربعون خريفاً قبل أن يبلغ إلى قعره) هذا ويل، ولكن تلك تحته والعياذ بالله. أما كيف يردها الناس فقد ذكرت أن ورود الناس على أربعة أقسام: 1 - ناس يساقون سوقاً. 2 - وناس يسحبون على وجوههم. 3 - وناس يدعون على وجوههم. 4 - وناس -والعياذ بالله- يحشرون على وجوههم عمياً وبكماًَ وصماً. ويساقون إلى النار جماعات وزمراً.

أحوال أهل النار

أحوال أهل النار يقول الله عز وجل: {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} [إبراهيم:49] مقرنين في الأصفاد كما تقرن البقر في الأضماد، كل ثلاثة أربعة في صفد واحد {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} [إبراهيم:50] سرابيلهم أي: ثيابهم {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} [الرحمن:41] يأخذه الملك من الملائكة بناصية رأسه مع رجله ثم يرمى به في النار -والعياذ بالله- ينبذ في النار، وهكذا تأخذهم الملائكة بهذا العذاب {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:30 - 32]. يقول في الحديث: (لو أن حلقة من السلسلة وضعت على جبال الدنيا لرضتها) أين؟ اسلكوه، أي: تدخل من فمه وتخرج من دبره، قالوا: لماذا؟ قالوا: ليشوى في النار كما تشوى الدجاجة في الشواية {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:31 - 32] لماذا؟ {إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ} [الحاقة:33].

صفة ثياب أهل النار

صفة ثياب أهل النار ما هي ثياب أهل النار؟ الثياب صفائح من النار، يقول الله عز وجل: {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الحج:19] وتصور ثوباً من نار!! أنت الآن لا تقبل ثوباً من كيس خيش، لو فصلنا لك وأعطيناك على جلدك وقلنا: ارقد في هذا الثوب. هل تتحمله؟ تقول: لا. والله لا أتحمله، لماذا؟ جلدك رقيق ناعم لا يتحمل كيساً ولا صوفاً ولا يتحمل إلا (فلينة) داخلية من القطن الملبد من الداخل، لكن ثياب أهل النار من نار، الثوب نفسه صفائح من النحاس المحمي الذي هو نار أحمر، ويلبس الثوب. يقول الله: {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج:19 - 22]-نعوذ بالله وإياكم من النار- بعد ذلك: {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} [إبراهيم:50] هذه الثياب.

صفة طعام أهل النار وشرابهم

صفة طعام أهل النار وشرابهم ماذا يأكل أهل النار؟ لا إله إلا الله!! العذاب من كل شيء، يقول الله: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} [إبراهيم:17]. أما الطعام فقد ذكر الله أنه الزقوم والضريع، يقول الله عز وجل: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ} [الدخان:43 - 45] أول الأمر ينشف في الحلق، فإذا نشف لا يطلع ولا يخرج وهو نار، فيتذكر أنه كان يجيز الغصة بالماء، قال الله: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:15] فيدخل الماء الحار مع الزقوم، فإذا جاء هنا قال الله عز وجل: {كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} [الدخان:45 - 46] مثلما يغلي الماء -والعياذ بالله- وبعدها يقول الله عز وجل: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ} [الصافات:62 - 63] فتنة أي: عذاباً {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} [الصافات:64]. وتصوروا شجرة تنبت في النار كيف تكون؟! المعروف أن النار تحرق الشجر، لكن هذه ضد النار، بل تنبت في أصل النار: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} [الصافات:64] {طَلْعُهَا} [الصافات:65] ثمرها وفاكهتها كيف؟ قال: {كَأَنَّهُ رُءوُسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات:65] قال المفسرون: وكيف تكون رءوس الشياطين؟ هل يعرف أحد رأس الشيطان؟ لا. لكن قالوا: على سبيل التمثيل، فإن أسوأ صورة وأسوأ شكل هو رأس الشيطان، هل تتصور أن رأس الشيطان جميل؟ لا. رأس الشيطان قبيح ومنظره كريه، وطلع الشجرة مثل رءوس الشياطين، قال الله عز وجل: {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا} [الصافات:66] من هذه الشجرة: الزقوم. وبعدها لن يأكل لقمة وانتهى الأمر، بل يأكل حتى يشبع، فهو لا يريد أن يأكل، لكنه مجبر عليه، فإذا جاء الطعام إليه وهو لا يريده أجبر على الأكل منه. قال الله: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ} [الحج:21] فتضربه الملائكة بالمقمعة فيعود يأكل خوفاً من المقمعة، وإذا أكل أول لقمة لا يريد الثانية {فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} [الصافات:66]. ثم يقول الله عز وجل: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} [إبراهيم:15 - 16] ما قال: يشربه، قال: (يسقى) يبنى هنا الفعل المجهول يشرب يسقى يغصب عليه {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ} [إبراهيم:16] قيح ودم يتجرعه، لماذا يتجرعه؟ بالقوة {وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ} [إبراهيم:17] ما يقدر يشربه، من الذي يشرب قيحاً ودماً؟ والله لو وضع أمامك كوباً قد ملئ قيحاً ودماً وواحد على رقبتك بالسيف يقول: اشرب أو السيف، والله تنقطع رقبتك ولا تشرب، لماذا؟ لأنك لو حاولت، وأخذت أول شربة كادت تخرج كبدك ورئتك وقلبك وتموت، فكيف بثانية وثالثة ورابعة؟ فكيف بالذي يشرب طوال حياته قيحاً ودماً وصديداً في النار؟ هل بلغ في تصورنا هذا -يا إخواني- أم أننا نتكلم عن أساطير، والله إنه كلام الله، فلا نقول كلاماً من عندنا، أين عقولنا؟! هل آمنا حقيقة بالجنة والنار؟! والله لو آمنا بالنار حقيقة ما كان هذا وضعنا، الذين آمنوا بالنار حقيقة حتى رأوها رأي العين حتى تغيرت حياتهم، يدخل الواحد في الإسلام ويتغير كل شيء في حياته، يقلب حياته رأساً على عقب على منهج الله، أما الدين البارد والإحساس المتبلد بحيث يسمع قرع وعذاب النار ولا يهمه، وكأن النار أعدت لغيره، لا. ما أعدت إلا لنا للناس {وَقُودُهَا النَّاسُ} [التحريم:6] لا البقر ولا الشجر، لا حول ولا قوة إلا بالله!! وهناك نوع آخر اسمه الضريع، يقول الله: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} [الغاشية:6] وما هذا؟ هذا -والعياذ بالله- {لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية:7] كلما أكل وإذا به جائع، أنت تأكل من أجل ماذا؟ من أجل الألم والحرقة التي تعاني منها في بطنك، فتأكل طعاماً فتسكت المعدة، لكن هذا الطعام إذا دخل في البطن لا يغني من جوع، ولا يسمنك، ولا تنتظر منه فائدة، {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية:6 - 7] ما هو الضريع؟ الضريع: هو شجر من شوك تأكله الإبل، نسميه نحن في الجنوب (شبرم) لا أدري ماذا تسمونه أنتم هنا، شجر ينبت في الصحراء ولكن فيه دوائر كبيرة، وهذه الدوائر مزروعة شوكاً لا يقدر أحد أن يقرب منه ولا حتى من شوكة واحدة منه، لكن الإبل أعطاها الله قدرة عليه، يأتي البعير يفتح فمه ويأكله؛ لأن فم البعير من الداخل شديد الجلد، يكسر الشوك ويمضغه، كذلك هذا الضريع، لكن هنا أخضر وهناك من نار وفيه شوك، إذا أكل لا يسمن ولا يغني من جوع، نعوذ بالله وإياكم منه. أما الشراب، فقد ذكرناه وهو الحميم والصديد والغسلين؛ والغسلين هو: ما يخرج من فروج الزانيات والزناة، يجمع في أواني من نار ويقدم شراباً لأهل جهنم، والعياذ بالله. ثم ذكر الله الطعام والشراب بقوله عز وجل: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيماً * وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً} [المزمل:12 - 13] ذا غصة: لا ينزل إذا وصل للحلق يبس. {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً} [الكهف:29] يغاثوا بماء: أي: كالقيح والدم، يشوي الوجوه: إذا وصل الإناء إلى فمه سقطت فروة وجهه في الإناء {بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً} [الكهف:29]. ويقول: {مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ} [إبراهيم:16 - 17] ويقول: {كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:15] والعياذ بالله.

ضخامة جسم الكافر في النار

ضخامة جسم الكافر في النار اعلم يا أخي! أن الكفار في النار لا يبقون على وضعهم في الدنيا، وإنما تضخم أجسادهم ويزاد في طولهم وعرضهم، ورد في الحديث: (ما بين منكبي الرجل من أهل النار مسيرة ثلاثة أيام)، وورد عند مسلم والترمذي قال عليه الصلاة والسلام: (ضرس الكافر مثل جبل أحد). إذا كان هذا الضرس! إذاً فكيف الرأس؟!! الذي فيه الرأس اثنان وثلاثون ضرساً، فإذا كان الواحد مثل الجبل كيف الرأس؟ ثلاثون جبل هذا في الرأس والرقبة، والمقعد جاء في الحديث قال: (مقعد الكافر في النار كما بين مكة والمدينة) (420كم)، هذا الكرسي الذي يجلس عليه في النار، لماذا؟ من أجل الإحراق؛ لأنه لو ترك هكذا تأكله النار على مسافة آلاف الأميال، لكن يضخم كي تأخذه النار ويبقى فيها. ثم جلده مسيرة ثلاثة أيام، وتبدل الجلود كل يوم أربعمائة مرة من شدة الإحراق، {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا} [النساء:56] لماذا؟ قال: {لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء:56] لا إله إلا الله! نستغفر الله ونتوب إليه، ونعوذ بالله من هذا المصير. والنار محكمة مطبقة مؤصدة محيطة من شمال وجنوب، ومن شرق وغرب، من فوق وتحت فلا مفر {كَلَّا لا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ} [القيامة:11 - 12] يقول الكافر: أين المفر؟ أين نذهب ونهرب؟ قال الله: {إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ} [الهمزة:8] أي: مغلقة مطبقة محكمة -والعياذ بالله- ويقول: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} [الكهف:29] أي: أسوارها وحصونها {وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً} [الكهف:29]. كم غلظ الجدار؟ ورد حديث في الترمذي يقول عليه الصلاة والسلام: (لسرادق النار أربع جدر -أي: الأسوار أربعة أسوار- كل جدارٍ مسيرة أربعين سنة) من يبني جداراً يجعله (20 أو 50 سم) إن كان صبة، أما في النار فهو مسيرة أربعين سنة، هذا جدار وبعده جدار وبعده جدار حتى لا يخرج، ومن يخرج من النار؟! لا حول ولا قوة إلا بالله! ويقول: {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت:55] ويقول: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر:16]. أما وسائل التعذيب في النار -والعياذ بالله- فشديدة، ومن أشدها وأبعدها -أعاذنا الله وإياكم منها- الحيات والعقارب، حيات كالجمال وعقارب كالبغال إذا لدغت الواحد يسري سمها في جسده أربعين سنة وهو يجد ألم اللدغة.

صراخ أهل النار وتلاعنهم وتلاومهم فيما بينهم

صراخ أهل النار وتلاعنهم وتلاومهم فيما بينهم لأهل النار صراخ وصياح وعويل ومجادلات وتكذيب وملاعنة {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعراف:38] يتلاعنون في النار ويصيحون ويصطرخون، ويقولون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا} [المؤمنون:107] لكن لن يخرج أحد منها، ويزفرون في النار، وبعضهم يرد على بعض: {هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ} [ص:59] قال أولئك: {بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ * قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ} [ص:60 - 61] أي: بعضهم يدعو على بعض، وهذا واقع الآن في الدنيا، لو مسكوا مجموعة من أهل جريمة لتلاعنوا وما دخلوا السجن، وتضاربوا قال: أنت، بل أنت، بل أنت، وهو سجن فيه أكل وشرب ونوم، كيف سجن النار لا حول ولا قوة إلا بالله؟! ثم يحصل في النار نوع من التلاوم، فيقولون كما أخبر الله عنهم: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا} [الأحزاب:66] يلوم نفسه أنه لم يطع الله، {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً} [الأحزاب:67 - 68] ويتحاجون أيضاً يقول الله: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} [غافر:47 - 48] يقول: نحن كنا نتبعكم, ونمشي على منهجكم وطريقتكم فعلى الأقل احملوا عنا أكثر مما نحمل نحن، قالوا: {إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} [غافر:48].

استغاثة الكفار في النار بمالك ثم بخزنة جهنم

استغاثة الكفار في النار بمالك ثم بخزنة جهنم ويخبر الله عز وجل أنهم لا يخرجون منها ولا يموتون {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} [فاطر:36] ويسألون عن المسئول؟ من صاحب الكلمة؟ فيقال لهم: هذا المسئول الأول. مالك، فيدعونه ويقولون كما قال الله: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف:77] لا يطلبون الخروج؛ لأنهم يعلمون أنه ليس هناك خروج، لكن يطلبون الموت، اطلب من الله يا مالك! أن يقضي علينا، فيقول لهم مالك: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [الزخرف:77 - 78]. وبعد أن ييئسوا من مالك يطلبون من خزنة جهنم التخفيف ولو إجازة يوم، يقول الله عز وجل: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ} [غافر:49] يريدون إجازة ليوم واحد في العمر الطويل الأبدي، يريدون يوماً واحداً يذوقون فيه برد النوم؛ لأنه لا نوم في النار، ولا في الجنة؛ لأنك تنام في الدنيا من أجل أن ترتاح، وأنت في الجنة مرتاح طوال حياتك، لماذا تنام؟ فالنوم يقطعك عن أنك تتمتع بالزوجات وبالمناظر، وبالأكلات في الجنة، وأيضاً النوم في النار متى ترتاح؟ فلا أحد ينام، يقول الله: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً} [النبأ:24] إلا عذاباً وشقاء. وتصور شخصاً يريد النوم، وكلما رقد ضربته، كيف تكون حالته، رجاء تعبان من العمل وقال: أريد أرقد قلت له: ما عليك ارقد وارتاح لكن لا تغمض عينك، قال: أريد أرقد نصف ساعة، قلت: لا ما في نوم، وكلما أغمض عينيه (صفعته) ما رأيك في هذا العذاب من أجل ساعة أو ساعتين بعد سهر يوم أو يومين، هؤلاء ساهرون طوال الحياة -والعياذ بالله- ما في نوم في النار يقول عز وجل: {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} [غافر:49 - 50] إن الله أدخلكم النار وقد أعذركم {قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} [غافر:50].

استغاثة الكفار بالله بعد يأسهم من خزنة جهنم

استغاثة الكفار بالله بعد يأسهم من خزنة جهنم بعد هذا يطلبون من الله، قالوا: ما نفعنا مالك ولا نفعونا خزنة النار، ادعوا الله فيدعون الله ويقولون: {رَبَّنَا} هذا الصوت جاء في النار، لو قالوا في الدنيا: ربنا. لقال الله لهم: لبيكم، لكن ربهم في الدنيا الهوى والشيطان ولما دخلوا النار {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:106 - 108]، فبعدها يقولون كما قال الله: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} [إبراهيم:21] ما لنا مهرب من العذاب سواء صبرنا أم جزعنا؛ فيبكون حتى يجف الدمع. ثم يبكون حتى تنقطع الدماء، ثم تسيل مجاري في خدودهم من كثرة الدماء، تسيل أخاديد خد الواحد ورأسه كبير رأسه مثل ثلاثين جبل من جبل أحد، والدموع والدماء تنزل من كثرة الصراخ والعويل والعذاب الشديد يصير في الخد نهر ويصير أخدود من كثرة العذاب والبكاء، ولا حول ولا قوة إلا بالله!! وهكذا -يا أخي في الله- يخلدون في النار في عذابٍ متواصل، لا يفتر عنهم يقول الله: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف:74 - 75] والإبلاس هو اليأس، ولهذا سمي إبليس إبليس؛ لأنه قد يئس من رحمة الله، والله قال له: {فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [الحجر:34 - 35].

صفات المؤمن الناجي من النار

صفات المؤمن الناجي من النار أخي في الله! كل ما سمعت من العذاب والنكال والأهوال إنما أعدها الله للكفار والمنافقين، ولم يعدها لأهل لا إله إلا الله، لم يعدها لأهل الإسلام، من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله من قلبه، وجرد لا إله إلا الله بالتوحيد، وجرد محمداً رسول الله بالمتابعة والاتباع، وأقام الصلوات الخمس حيث ينادى بهن في المساجد ومع جماعة المسلمين، وبكمال الطهارة والخضوع والخشوع وحضور القلب، وأدى الزكاة إذا توفر المال وتوفرت فيه شروطه، وصام رمضان، وحج بيت الله الحرام، وبر والديه، ووصل رحمه، وقرأ كتاب ربه، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وأحب في الله وأبغض في الله، وجاهد في سبيل الله بقدر ما يستطيع من الجهد، وبذل ما يستطيع من الإمكان، جهاد الكلمة واللسان والمال والنفس، كل هذا من الجهاد. ثم امتنع وابتعد وانزجر عما حرم الله من الكبائر؛ فحفظ عينه مما حرم الله، وحفظ أذنه، ولسانه، وفرجه، ورجله، وبطنه، وكف يده، إذا قام بهذا فإنه -أيها الإخوة- بعيدٌ من هذا العذاب كله. المؤمن سالم بإذن الله لا يأتيه شيء من هذا كله إلا مبرة القسم؛ لأن الله عز وجل قد قال: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} [مريم:71] بل إن النار تصيح تقول: يا مؤمن! جز -أي: امش- فقد أطفأ نورك ناري. نور المؤمن يؤثر على إخماد النار، فلا تصل إليه لتحرقه، وإنما هو يطفئها ويمر من عليها. أهل الكفر والنفاق هم أهل النار، أما أهل الإيمان، وأهل لا إله إلا الله، والاستقامة على دين الله، والحب في الله والبغض في الله، الذين صبغوا حياتهم بصبغة لا إله إلا الله، وصاغوا أمورهم على أحكام لا إله إلا الله، وساروا خاضعين خاشعين مستسلمين مذعنين منقادين لأوامر الله، لا يرفعون رءوسهم على أمر الله، ولا يشاقون الله ولا رسول الله، وإنما سمعنا وأطعنا، يقول الله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} [النساء:66]. قال عبد الله بن سلام: [والله لو أمرنا بقتل نفوسنا لفعلنا] رضي الله عنهم وأرضاهم، الله ما جعل علينا في الدين من حرج -أيها الإخوة- بل شرع لنا ديناً قويماً وهدانا صراطاً مستقيماً، ونزع منا الحرج، وما كلفنا إلا بما نستطيع، هل في تكاليف الشرع علينا مشقة أيها الإخوة؟! لا والله، نحن عبيد، كان بالإمكان أن نعبد الله ليل نهار مثل الملائكة، فرض الله علينا بداية خمسين صلاة، ولو صلينا خمسين صلاة كنا كل نصف ساعة في صلاة، لكن الله برحمته تبارك وتعالى، وبسبب مراجعة رسول الله له بإشارة من موسى عليه السلام له نزلها من خمسين إلى خمس، فبقيت خمس في الأداء لكنها خمسون في الثواب، صلِّ خمساً وخذ خمسين ثواباً، وتضيع الخمس كذلك، إذاً ماذا تريد بعدها؟ لم تعد تريد الدين، من ضيع خمس صلوات إذاً لم يعد يبقى له دين، تقعد من بعد الفجر تصلي الفجر الآن (4. 30)، وتقعد إلى (12. 30) كم جلست ساعات بدون صلاة؟ ثمان ساعات -يا إخواني- بدون صلاة، لا إله إلا الله! ما هذه النعمة! ثم تصلي الظهر (12. 30) وتقعد ثلاث ساعات ونصف، ثم تصلي العصر وتقعد إلى المغرب ساعتين ونصف، ثم إلى العشاء وتصلي وترقد إلى الفجر، ما هذه النعمة يا إخواني؟ ما علينا مشقة في الدين.

حرمة الزنا ومذهب أهل السنة في أهل الكبائر

حرمة الزنا ومذهب أهل السنة في أهل الكبائر حرم الله الزنا وأباح لنا ما هو أطهر وأنظف وهو: الزواج، والزواج والزنا سواء في العملية الجنسية، لكن الزواج نظيف والزنا خبيث، ما يكلف مسئولية ولا يجعل لك مسئولية على ولد، ويفسد الأنساب، ويحلل الأسر، ويهتك الأعراض، ويجعل الحياة بهيمية، الحيوانات ما عندها زواج، هل سمعت أن حماراً تزوج بحمارة؟ أو عقد ثور على بقرة؟ أو تيس على عنزة؟! لا. هذه حيوانات، كذلك الإنسان بغير الدين حيوان، ولهذا في أوروبا والغرب والشرق ما عندهم هذا، صحيح يقترن بزوجة رسمية، لكن الزنا شيء عادي، الزوجة واحدة ومائة صديقة وزانية والعياذ بالله. فالله عز وجل ما جعل علينا في الدين من حرج، بل شرع لنا ديناً عظيماً سهلاً هيناً وإنه ليسير على من يسره الله عليه، فإذا رفض الواحد شيئاً من الدين وكفر فالنار، وإذا أطاع فالجنة. أما صاحب الكبيرة والمعصية والذنب فهو مسلم إن حافظ على الصلوات وقام بالأركان ولكن تزل قدمه، قال العلماء: صاحب الكبيرة فاسق بمعصيته مؤمن بإيمانه، تحت مشيئة الله في الدار الآخرة، إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له، خلافاً للخوارج والمعتزلة. فـ الخوارج قالوا: صاحب الكبيرة كافر في الدنيا وهو مخلد في النار. والمعتزلة قالوا: في الدنيا لا كافر ولا مسلم، بل منزلة بين المنزلتين، لكنه في الآخرة كافر في النار مخلد. وهذا خطأ ومعارض للأدلة، والصحيح هو مذهب أهل السنة والجماعة: أنه مؤمن بإيمانه فاسق بمعصيته، تحت مشيئة الله في الدار الآخرة، إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه. ولا يعني هذا -أيها الإخوة- أن نقلل من أهمية المعاصي، فإن المعاصي صعبة، ولا تستطيع أيها المسلم! أن تتحمل لحظة واحدة في النار، فلا تجعل لك -يا أخي- خيارات، ولا تأتي وأنت على خطر، بل تب إلى الله من كل ذنب، واستقم على منهج الله دائماً، حتى تلقى الله وأنت مسلم؛ فيحلك دار الكرامة، وينجيك من دار الهوان، أعاذنا الله وإياكم من ذلك، إنه على كل شيء قدير. يمكث أهل الكبائر في النار بقدر ذنب كل واحد منهم، الذي معه ذنوب يقعد أكثر من غيره، والذي أقل ذنوباً يجلس أقل، بقدر الجريمة، فإذا خرجوا وما بقي أحد إلا أهل الكفر، تمنى الكفار أنهم كانوا مسلمين، يقول الله: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} [الحجر:2] يقولون: يا ليتنا كنا مسلمين، وعرفنا الله ولو بشيء بسيط؛ لأن أهل الكبائر خرجوا من النار.

ذبح الموت وحسرة أهل النار

ذبح الموت وحسرة أهل النار بعد خروج العصاة -أيها الإخوة- ودخول أهل الجنة الجنة واستكمالهم فيها، يؤتى بالموت في صورة كبش أملح، فيوضع بين الجنة والنار ويذبح ويقال: يا أهل الجنة! خلود فلا موت، ويا أهل النار! خلود فلا موت، والحديث في الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا صار أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار فيذبح، ثم ينادي منادٍ: يا أهل الجنة! خلودٌ فلا موت، ويا أهل النار! خلود فلا موت، فيزداد أهل الجنة فرحاً ونعيماً، ويزداد أهل النار حزناً وعذاباً أليماً) لأن عندهم أمل أنهم في أن يخرجوا أو يموتوا، لكن إذا قيل لهم: خلود فلا موت، فهؤلاء يحزنون، وأهل الجنة خلود فلا موت يفرحون، لماذا؟ لأن أي واحد يأتي إلى مكان يخاف ألا يخرج منه إن كان جيداً ويريد أن يقعد دائماً، فأهل الجنة خالدون فيها أبداً، وأهل النار خالدون فيها أبداً، وبعدها تسود وجوههم، يقول الله عز وجل: {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [يونس:27]. إلهي لست للفردوس أهلاً ولا أقوى على نار الجحيم فهب لي توبة واغفر ذنوبي فإنك غافر الذنب العظيم اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين. اللهم ارحمنا برحمتك، واغفر لنا ما سلف منا وكان من الذنوب، اللهم اغفر لنا وطهرنا بالتوبة يا رب العالمين! واستعملنا فيما يرضيك، اللهم طهر أعيننا من الخيانة، وألسنتنا من الكذب، وأيدينا من الجريمة وقلوبنا من النفاق، وجوارحنا من المعاصي، وارحمنا يا رب العالمين! واهدنا إلى سواء السبيل. اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشدٍ يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، إنك سميع الدعاء. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

صعوبة ترك المعصية بعد إلفها

صعوبة ترك المعصية بعد إلفها Q إني شخص قد منَّ الله عليَّ بالهداية، ولكن يوجد لديَّ معصية لا أستطيع تركها، وقد تركت كل المعاصي إلا هذه المعصية، أرشدنا بطريقة لكي أتركها؟ A أولاً: نحمد الله الذي هدى هذا الشاب، ونسأل الله أن يكمل له الهداية، ولكن -أيها الإخوة- الهداية دائماً تأتي ثمرة للمجاهدة كما في قول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69] لأن الجنة غالية، والنار حرها شديد، فلا يمكن لأحد أن ينال هذه السلعة وهي الجنة وينجو من النار بدون معاناة ومجاهدة وتعب، وكل المعاصي والذنوب والآثام إذا وجدت من الإنسان قوة في الإرادة وعزيمة وتصميماً فإنه يتغلب عليها بعد الاستعانة بالله عز وجل وأخذ الأسباب، لكن إذا ضعف الإنسان وتراجع أمام شهوة من الشهوات أو معصية من المعاصي فإن الشيطان يستغل هذا الضعف، ويبدأ معه في حرب وتراجع إلى أن يقحمه فيما هو أعظم. ولهذا نقول للأخ الكريم: تذكر وأنت تقدم على هذه المعصية تذكر أول شيء أن الله يراك. أوحى الله إلى نبي من الأنبياء أن بلغ قومك إذا أرادوا معصيتي هل يعتقدون أني أراهم أو لا يعتقدون؟ أسألك إذا خلوت بنفسك وأردت أن تمارس المعصية؛ هذه معصية العادة السرية، هل عندك عقيدة أن الله يراك، أو لا يراك؟ إن كنت تعتقد أن الله لا يراك فقد كفرت، ولا حاجة لأن تصلي وتصوم؛ لأنك كافر؛ لأن عقيدتك أن الله لا يراك. وإن كنت تعتقد أن الله يراك فلم لا تستحي منه؟!! لم كان الله أهون الناظرين إليك؟!! لو أحد رآك من زملائك أو من إخوانك أو أهلك وأنت على هذه القذرة هل ترضى؟ هل ترضى أن يراك طفل؟ إذاً كيف ترضى أن يراك الله ولا تستحي من الله؟ تستخفي من الناس ولا تستخفي من الله وهو معك، إذ تبيت ما لا يرضى من القول، لا إله إلا الله!! يقول الله في الحديث القدسي: (فلم كنت أهون الناظرين إليهم) لماذا كان الله في نظرك أهون ناظر بحيث تستحي من طفل ولا تستحي من الله؟! وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني هذه العادة السرية أنا أسميها: العادة الشيطانية وهم يسمونها: العادة السرية لتلطيفها، وإلا فاسمها في الشرع: نكاح اليد؛ لأن الإنسان يزني بيده، وقد ورد في الحديث لعنته: (لعن الله ناكح يده) وإن ناكح يده يوم القيامة يبعث ويده حبلى، وما من حيوانٍ منوي يخرج عن طريق الاستمناء باليد إلا وتحمل هذه اليد منه، لكن متى تطلع آثار الحمل؟ يوم القيامة، كيف تبرئ نفسك -يا أخي- إذا أتيت يوم القيامة ويدك حبلى فيها ثمانمائة أو تسعمائة ولد، مصيبة يا أخي! كيف هذا، هذه عادة خبيثة محرمة، والدليل قول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون:5 - 6] فقط، أي: أمة عندك، {فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون:6 - 7] أي: المعتدون المتجاوزون لأمر الله، لو كان نكاح اليد سائغاً لأباحه الله {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} [مريم:64]. الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين يقول: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع -ما قدر ما قال: فعليه بيده- فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء). فأولاً: يا أخي! استشعر عقوبة الله، وتذكر أن لذة المعصية البسيطة لذة الإمناء وأنت تمني فيها متعة ولذة بسيطة لا تعدل حرقة النار، ولا تعدل لذعة النار، فاغلب نفسك يا أخي! وجاهد نفسك مرة ومرتين وثلاثاً وأربعاً، وإن كان لك إمكانية في الزواج أو أبوك له إمكانية فتزوج، وإن لم تتزوج فعليك بالعفة، يقول الله عز وجل: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:33] ومن يستعف ماذا يصير له؟ يعفه الله، انظر إلى كثير من الشباب لا يعملونها ولا يفكرون فيها أبداً لماذا؟ استعفوا، أما أن تجلس وبالك وفكرك فيها أين إيمانك؟ وأين دينك؟ وأين خوفك من الله؟ تصور شخص أخذ لك صورة (بالكاميرا) في تلك اللحظة، ثم بعدها أراك، قال: انظر كيف كنت تعمل، أما تخجل؟ لا تفعلها إلا القردة والكلاب، هذا العمل لا يليق بالإنسان -يا أخي- أنت مسلم، مؤمن، من أهل لا إله إلا الله، يدك طاهرة ونظيفة، تسجد عليها، وتصلي لله، وتكبر بها، ثم تعمل بها هذه الجريمة والعياذ بالله!! حسناً كيف تصنع؟ أولاً: الخوف من الله، والمراقبة لله. وبعدها هناك وسائل تتخذها للابتعاد عن هذه العادة الشيطانية وهي كالآتي: 1 - لا تكثر من الطعام. حاول أن تعمل لك حمية بحيث لا تأكل إلا بعض الطعام الخفيف الذي يقيم جسمك وعودك، ولا يبعث فيك الشهوة. 2 - اعمل أي عمل مهني، إذا كان أبوك مزارعاً تعمل معه في المزرعة، أو كان أبوك تاجراً اشتغل في الدكان، خذ (الأكياس) واحمل (الكراتين) من أجل الطاقة هذه تذهب، ما عندك دكان ولا مزرعة، اعمل لك حركات رياضية وتمرن، ولا تبقي شيئاً إلى أن تطيح وتفنى، اعمل لك من هذه الأثقال وخذها وضعها، ودر على البيت ما في مانع، وإذا أتيت للفراش لا تأتي إلا وأنت منهك من أجل أن تنام. 3 - إذا أحسست برغبة في مثل هذا الشيء قم صلِّ لله ركعتين، أحد سألني فدليته على هذا الموضوع قلت: كلما راودتك نفسك صل ركعتين، وجاءني بعد فترة وقال: والله ما عاد جاءتني؛ لأن النفس علمت أني أصلي، قالت: إذاً هذا لا فائدة فيه وهكذا. 4 - اقرأ القرآن. 5 - ابتعد عن قرناء السوء. 6 - اسأل الله الهداية، اطلب من الله أنه يعفك، وبعدها إن شاء الله يعفك الله.

حكم ذكر الموت والخوف منه بشكل دائم

حكم ذكر الموت والخوف منه بشكل دائم Q أرجو بإذن الله إيجاد الحلول لحالتي النفسية وهي كما يلي: 1 - التفكير في الموت تفكيراً يطول عليَّ حتى يخيفني، وأقول: كيف نغدو ونروح والموت من خلفنا. 2 - إذا أخبرت أو أعلمت بمريضٍ مخطئ أو غير ذلك أفكر كثيراً وأقول: كيف أغفل وأنسى حالة فلان وهو سوف يموت، ويذهب عني حتى النوم. 3 - لو أسند إليَّ تجهيز ميتٍ فإنني أعتذر؛ لأنني أتصور حدوث حالةٍ نفسية لو فعلت ذلك. 4 - إذا رأيت الميت أفزع ويستمر الخوف حتى في الليل ويذهب عني النوم. A حالتك -يا أخي- ليست مرضاً نفسياً، وإنما هي حالة إيمانية، هذا هو الصحيح، ما تعيشه الآن من خوف من الموت أو إذا رأيت ميتاً، أو إذا ذكر الموت، هذا هو الذي يجب أن يكون؛ لأن الرسول أمرنا بهذا، قال: (أكثروا من ذكر الموت) وكان الصحابة هذا شأنهم عند ذكر الموت؛ يذهبون إلى المقابر، ويرون المرضى، ويحضرون صلاة الجنازة، ويغسلون الموتى ويكفنونهم ويصلون عليهم، من أجل ماذا؟ من أجل ذكر الموت؛ لأنه كلما أكثرت من ذكر الموت كلما حجزك عن المعصية، ودفعك إلى الطاعة. وأخونا مسكين يقول: إني مريض مرضاً نفسياً، لا والله لست مريضاً، بل المريض النفسي الذي لا يذكر الموت، هذا هو الغافل، أما أنت فأنت عندك قلب حي بذكر الله وبذكر الموت، فاستمر على هذا ولا تفكر في غيره، حتى يأتيك الموت وأنت مستعدٌ له إن شاء الله.

حكم التسبب في قتل النفس بسبب عدم إسعافها

حكم التسبب في قتل النفس بسبب عدم إسعافها Q هذا شاب قد أورد رسالة طويلة، ومضمون هذه الرسالة أنه يحكي قصته فيقول: بأنه صدم طفلة صغيرة، وخاف على نفسه من الورطة فذهب إلى بيته، وبعد فترةٍ علم أن الطفلة قد ماتت، ولكنه حتى الآن لم يخبر أهلها بأنه كان السبب في ذلك؛ لأن علته في ذلك أن هذه الطفلة قد خرجت هي بنفسها على السيارة ولم يصدمها هو بنفسه، فما هو الحل حيال هذه المشكلة؟ وكيف سيقابل الله عز وجل؟ وما ينبغي أن يعمله وإن كان في ذلك قطع رقبته مثلاً؟ A هذا الفعل شنيع جداً وجريمة، ولو كنت حاكماً أنا أو قاضياً وجاءني مثل من يفعل هذا الفعل يصدم إنساناً ثم يذهب ويتركه لحكمت عليه بالقتل؛ لأن كونك غير عامد صحيح، لكن صدمتها ماذا تعمل؟ تتركها! أدجاجة هي أم قطة! هذه إنسانة، ذهابك عنها بعد صدمها كأنك قتلتها عمداً، ولذا لو كنت قاضياً لحكمت عليك بالقتل؛ لأنه ارتكب جريمة. ثم -والعياذ بالله- ارتكب أشد منها، وضيع دم مسلمة، وضع الأسرة الآن كيف قلوبهم على هذه الطفلة؟ وهذه في ذمته، ولذا نقول له: عليه بالمسارعة إلى تسليم نفسه للسلطة، وإخبارهم باليوم والحادث والمكان، وهم سيراجعون السجلات وسيعرفون البنت ويعرفون أهلها، ويأتي أهلها ويقول لهم: أنا ارتكبت هذه الخطيئة، وكانت البنت هي التي خرجت عليَّ، ولكني جاهل لا أعرف، والآن تبت إلى الله، ومنَّ الله عليَّ بالهداية، والحمد لله، ووجدت أن من واجبي أني آتي لأضع يدي في أيديكم ونفسي لكم بما تريدون وما يحكم عليه الشرع، وطبيعي فإنهم سيكونون كرماء؛ لأنهم يعرفون أن الذي جاء بك إليهم هو الله وخوفك منه، ما أحد يعلم عنك لو أنك استمريت في معصيتك وضلالك، لكن لما جئتهم بالوجه الحسن، أتوقع إن شاء الله أن يكونوا كرماء وأن يقولوا: عفا الله عنك، وأن تأخذ منهم الرضا، ولا مانع من أن تمكث في السجن فترة عقوبة لما وقع منك، إذا جلست ستة أشهر أو سنة فالسجن هذا شيء بسيط حتى تسلم من النار وتبعد نفسك من وخز الضمير وألم القلب والنفس.

دخول الجن في بدن الإنس حقيقة

دخول الجن في بدن الإنس حقيقة Q ظهر في هذه الفترة أقوال لبعض المشايخ وهو الشيخ علي العمري، ينكر فيها دخول الجني إلى بدن الإنسي، ويقول السائل: إن هذا القول أحدث بلبلة عند الكثير من الناس؟ A أنا حقيقة الذي أعرفه وسمعته بأذني من كلام الشيخ علي العمري أنه لا ينكر دخول الجني إلى بدن الإنسي؛ لأنه يعرف أن هذا وارد في الكتاب والسنة، ويعرف أنه عايش الفترة من الزمان وعاش مع الجن وسمعهم، لكن الشيخ يقول: إن كثيراً من الحالات التي يتصور الناس فيها أنها تلبس بالجن غير صحيحة، وأنا أوافقه على ذلك، بعض الحالات هي إيحاءات نفسية، أي: الواحد نفسه متصور أن معه جنياً، وليس معه جني، ولذا إذا قلت له: هل فيك جني مسلم، أو كافر؟ قال: كافر، هو نفسه يقول: كافر؛ لأنه متصور أن عليه جنياً كافراً، ولا شيء عنده أصلاً، وقد مرت بي حادثة مثل هذه. جاءني شخص وأنا في أبها، الولد جالس وقال أخوه: هذا مصروع معه جنية، فقمت قرأت عليه، وبعد ما انتهيت من القراءة قلت: اخرجي يا عدوة الله، ظننت أن عليه جنية مسلمة أو كافرة فلم يتكلم قلت: إذاً هذا جني لا يتكلم، فضربته في رأسه، ثم ضربته الثانية، المهم فتح عيناه وهو مغمض طوال الوقت وأنا أقرأ، وقال: تكلمني أو تكلم الجني، قلت: أنت تسمع كلامي؟ قال: إي والله، قلت: وتشعر بضربي؟ قال: إي والله، قلت: قم، الله أكبر عليك! ما فيك جني ولا فيك شيء، المسكين جاء لي من بيته وهو متصور أن فيه جني، ولهذا حين كنت أكلمه وهو ساكت كان يحسب الكلام للجني الذي عليه، وهو ليس فيه شيء. فأكثر الحالات -أيها الإخوة- عند بعض النساء خاصة، يعني بينها وبين زوجها شيء، مثلاً تحب زوجها وتريده لها، وفيها شعور أنها مسحورة، ومن أين؟ والله بنت عمته تريد تتزوج به، وفعلت لي شيئاً، والله إني أحس نحو زوجي بنوعٍ من الفتور، كنت أحبه والآن أعزف عن فراشه، إذاً أنا مسحورة، فإذا ذهبت عند القارئ وقرأ عليها، قالت: مسحورة، من سحرك؟ فلانة سوت مشكلة بين الأسرة، ولا معها سحر ولا فيها شيء، كونها لا تحب زوجها بعض الأيام فكل المتزوجين هكذا، هل يبقى الزواج والحب طوال الأيام؟ الدنيا تتقلب والقلب يتقلب. إذاً: أيها الإخوة! معظم الحالات وأكثرها حالات نفسية توحي إلى النفس خاصة عند النساء وليس فيهن جن. إنما كون الجن يدخل في الإنسان نعم يدخل، وقد ثبت هذا بالكتاب والسنة، الرسول قال للرجل: (اخرج عدو الله) أي: ماذا؟ اخرج من البدن، وقال الله في القرآن: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة:275] أي: مس الجن. أما كون بعض الناس ينكرون فهذا الخطأ وقالوا: إن الجن من النار والإنسان من الطين، كيف يدخل هذا في هذا؟ أصلي وأصلك من طين، لكن هل أنا كومة طين؟ لا. الأصل طيني لكن بعد أطوار تسلسل وصار لحماً ودماً، كذلك الجن؛ الجن أصله ناري لكنه الآن ليس ناراً، الرسول مسكه، قال: (حتى وجدت برد لعابه على يدي) ما أحرق الرسول برد اللعاب، والشيطان من الجن، يقول: (ولولا دعوة أخي سليمان لربطته في سارية المسجد، ولأصبح غلمان المدينة يلعبون به) فكونه مخلوقاً من النار لا يمنع أنه يدخل في الإنسان؛ لأن له طبيعة غير طبيعته الأصلية التي كان عليها يوم خلقه الله من النار، فالجن يدخلون في الناس، والذي أعرفه وقد سمعته بأذني في محاضرة ألقاها الشيخ علي العمري في أبها قال: أنا لا أنكر أن الجن يدخلون في الإنس، لكني أقول بخبرتي الطويلة: إن معظم الحالات التي مرت عليَّ أكثرها ليست مساً من الجن، وإنما هي إما أمراض نفسية، أو إيحاءات داخلية، وما يحصل من كلامٍ على بعض ألسنة الناس إنما هو من النفس الباطنة. وما النفس الباطنة؟ نفسك مهيأة ومركبة على شيء وهي فاهمة، ولهذا ما إن يأتي كلاماً إلا أن تقول هذا الكلام، وليس حقيقة منك ولا من غيرك، وإنما هو من نفسك الداخلية الباطنة. أسأل الله لي ولكم أن يهدينا سواء السبيل والهداية. ثم أيها الإخوة! هذا الموضوع أنا أسميه من العلم الفضلة، والجهل به لا يضر والعلم به لا ينفع، وليست قضيتنا مع الجن، قضيتنا الآن مع الإنس، مع الدعوة إلى الله، مع تقوية الإيمان، مع تثبيت العقيدة، مع تحرير الناس من الكبائر. أما الجن وما يتعلق بهم، فنستعيذ بالله منهم، ونتحصن بالآيات والدلائل، وليس له سلطان علينا، يقول الله: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل:99 - 100]. والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أسباب الهداية [1،2]

أسباب الهداية [1،2] تحدث الشيخ في هذه المحاضرة عن نعمة الهداية مبيناً أنها من أجل النعم التي أنعم الله بها على عباده؛ لأنها هي التي تنفع في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، كما تحدث عن بعض النعم التي سماها بالنعم المؤقتة مثل المال والولد والوظيفة، وختم حديثه بذكر عشرة أسباب من أسباب الهداية.

من نعم الله على خلقه

من نعم الله على خلقه إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونستغفره ونتوب إليه، ونؤمن به ونتوكل عليه، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه واقتفى أثره واتبع منهجه وسنته، وعنا وعن جميع المسلمين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:

نعمة الهداية

نعمة الهداية أيها الإخوة في الله: إن نعمة الهداية نعمة لا تعدلها نعمة، نعمة تلحقك آثارها في هذه الدنيا فتعيش سعيداً، إذ لا سعادة بغير هداية: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12] {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:36 - 37] {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ * الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} [الرعد:28 - 29]. إن نعمة الهداية تلحقك آثارها في الساعات الحرجة، واللحظات الصعبة حينما تزول الحجب وتنكشف الحقائق وتبدو الأمور على وضعها الطبيعي، دنيا زائلة شباب فاني حياة منتهية آخرة مقبلة ملائكة نازلة وملك الموت موكل بقبض روحك ونقلك من هذا الدار إلى الدار الآخرة، هنالك تنفعك نعمة الهداية، فيثبتك الله بالإيمان: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا} [فصلت:30] هذا الكلام عند الموت، أي: لا تخافوا مما أمامكم ولا تحزنوا على من خلفكم، فهناك اطمئنان على المستقبل والماضي والحاضر، فالمستقبل لا تخافوا منه، والماضي لا تحزنوا عليه، والحاضر: {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30] لماذا؟ قالوا: {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ} [فصلت:31] لأنكم كنتم أولياء الله في الدنيا، فنحن أولياؤكم في الدنيا والآخرة: {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:31 - 32]. إن نعمة الهداية تنفعك في القبر المظلم الموحش، في القبر الذي نحن اليوم في غفلة عنه، نسكن القصور وننسى القبور، نعيش في النور وننسى ظلمات القبور، نرقد على الأسرة والفرش وفي غرف النوم الطويلة العريضة وننسى اللحد وظلمته، والقبر وضغطته، والسؤال وشدته، في تلك اللحظات تأتيك نعمة الهداية، ويلقنك الله عز وجل حجتك ويثبتك؛ لأنك كنت في الدنيا ثابتاً غير متزعزع أو متذبذب أو متلون، وإنما ثابت ثبوت الجبال الشوامخ، ثابت على دين الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [إبراهيم:27]. إذاً: من ثبت هنا ثبَّته الله في القبر، وعلى الصراط، وفي عرصات القيامة، حتى يدخله الله دار الثابتين -جعلنا الله وإياكم منهم- ومن زاغ هنا وانحرف، انحرف في القبر، وعند الموت، وعلى الصراط، وفي العرصات، حتى يدخل دار المنحرفين، أجارنا الله وإياكم منها. وفي القبر لن تنطق الشهادات ولا المناصب ولا الكراسي الدوارة، ولا العمارات والبنوك والمؤسسات، ولا العضلات، ولكن تنطق فقط القلوب المؤمنة المهتدية التي عرفت الله في هذه الدنيا. وفي عرصات القيامة مروراً بالجسر الرهيب المضروب على متن جهنم الجسر العظيم الذي جاءت مواصفاته في الأحاديث الصحيحة بأنه: أدق من الشعر، وأحد من السيف، وأحر من الجمر، وأروغ من الثعلب، والناس مأمورون كلهم بالسير عليه، إذ لا وصول إلى الجنة إلا من خلاله، ووسائل النقل ووسائل العبور هي العمل الصالح، فمن جاء بوسيلة نقل جيدة عبر، ومن جاء بغير وسيلة نقل خسر وهوى في النار. إن نعمة الهداية تجعلك تعبر الصراط، قيل لبعض السلف وقد رُؤي في منامٍ: ما صنع الله بك؟ قال: وضعت قدمي الأولى على الصراط والثانية في الجنة. أي: أنه ليس هناك تأخر أبداً، ولعله لم يكن لديه في الدنيا شيء سوى الإيمان والعمل الصالح، فترى في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، بأسباب نعمة الهداية. إذاً نعمة الهداية عظيمة، نعمة لا تعدلها نعمة، والنعم كلها من الله، يقول الله عز وجل: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [إبراهيم:34] ويقول: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل:53]. نعمة المال والولد والزوجات والمناصب والرتب، والعافية والصحة، والأرزاق والأمن، كل هذه نعم، نحمد الله الذي لا إله إلا هو عليها، ونسأله المزيد من فضله، لكنها نعم مؤقتة، فهي تنفعك إذا كنت حياً، لكن إذا خرجت من الدنيا فليس معك شيء من ذلك، وهناك فقط نعمة واحدة هي التي تنفعك هنا وهناك، والعقل يفرض عليك إذا كنت عاقلاً، أن تهتم بالنعمة التي تنفعك في الدنيا، وعند الموت، وفي القبر، وعلى الصراط، وتنفعك وبالعرصات وإلى أن تدخل الجنة؛ فعليك أن تعطي للنعم الأخرى بقدر ما تنفعك.

نعمة المال

نعمة المال إذا كانت نعمة المال تنفعك في الدنيا، فاشتغل بالمال بقدر ما ينفعك في الدنيا، والباقي حوله إلى الآخرة، كما قال الناصحون لقارون فإن قارون كان ثرياًً، بل كان من أثرى أهل الأرض، مفاتحه التي هي مفاتيح المخازن {لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ} [القصص:76] أي: إن العصبة الرجال لا يستطيعون أن يحملوا مفاتيح المخازن، فلما خرج متبختراً متزيناً مفتخراً بهذا المال، قال له قومه: {لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص:76]، أي: لا تفرح بالدنيا إذا سيقت لك، بل احزن منها وخف، فإنها استدراج لك وابتلاء واختبار، والله زوى الدنيا عن أنبيائه ورسله إكراماً لهم، وبسطها على أعدائه والعصاة من عباده إضلالاً لهم، ولم يبسطها إلا لنبي واحد وهو: سليمان، فاعتبرها بلية وقال: {لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل:40] فلم يعتبرها نعمة، وإنما اعتبرها مصيبة وابتلاء واختباراً، فقالوا له: {لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص:76]. ولكن إذا بُسطت عليك الدنيا وفتحت لك، فلا تردها إذا جاءت من الحلال، ولكن اعمل لها (تحويلة) إلى الآخرة: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ} [القصص:77] أي: بهذه الأموال {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:77] فقال هذا المغرور التعس، الغبي الجهول: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص:78] يقول: أنا صاحب عقلية تجارية، أنتهز الفرص وأغتنم المناسبات، وكلما أتيحت لي فرصة اغتنمتها، ولذا أُثريت وأصبحت صاحب مال، وما علم المسكين أن في هذه الدنيا من هو أشد قوة وأعظم عقلاً منه، ولكنه يعيش فقيراً. يقول أهل العلم: كان هناك رجل فقير وكان عقيماً، لكنه عاقل ولبيب، وكان هذا الفقير مبتلىً بالفقر أي: ليس عنده شيء، لم يستطع أن يجمع عبر شهور مبلغاً من المال ليشتري به حذاءً، فنزل إلى السوق يمشي على قدمين حافيتين، ومعه درهمين في جيبه قد رصدهما لشراء الحذاء، وفي الطريق التقى برجل يسوق أمامه أربعين حماراً، وكانت الحمير هي وسائل النقل الشائعة، أي: هي السيارات المنتشرة في عهدهم، وكان ذلك الرجل خلف الأربعين حماراً يضربها ويطردها من هنا إلى هنا، فلحقه الفقير قائلاً: يا أخ العرب! لمن هذه الحمير؟ قال: لي. قال: كلها لك. قال: نعم. كلها لي، فقال: هلا ركبت واحداً منها، لماذا تمشي وهي أمامك وكلها لك؟ قال الرجل: يا أخي! أنت لا تعلم ما هي المشكلة، قال: وما هي؟ قال: إذا ركبت عليها صارت تسعة وثلاثين حماراً، وإذا نزلت زادت وكانت أربعين حماراً. فهذا المغفل لا يعرف أن يعد حميره؛ إذا ركب على حمار عد الذي أمامه ونسي الذي تحته، فإذا نزل صارت كلها أمامه فأصبحت أربعين حماراً، فقال: إذاً نمشي وتزيد حماراً ولا تنقص، فتعجب هذا الرجل الحكيم وقال: سبحان الله! هذا الرجل لا يعرف أن يعد حميره وعنده أربعين حماراً، وأنا عندي عقلية عظيمة وليس لدي أحذية ألبسها. إذاً الرزق ليس بالعقلية، ولا بالفرص، وإنما بتقسيم الله، يقول الله عز وجل: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف:32] فالمال نعمة، ولكنه نعمة إذا استغل في طاعة الله. ولكي يكون نعمة فإن هناك شروط: أولاً: أن يجمع من الحلال، ويُنفق في الحلال، وأن يخرج منه الحقوق والواجبات، وإلا تحول المال إلى لعنة في الدنيا قبل الآخرة، يقول الله عز وجل في سورة التوبة: {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا} [التوبة:55] أي: بالأموال والأولاد {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:55]. ويذكر الإمام أحمد في مسنده حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (التقى مؤمنان على باب الجنة: مؤمن غني، ومؤمن فقير) أما لو كان الغني فاجراً، فإنه ليس له طريق إلى الجنة؛ لأن هناك (تحويلة) من الصراط على جهنم، لكن هذا مؤمن استطاع أن يعبر الطرق كلها وأن ينجو إلى أن وقف على باب الجنة بإيمانه، ولكن عنده مال، والآخر فقير وعنده إيمان، قال: (فأدخل الله المؤمن الفقير لتوه) هذا الفقير عنده إيمان ولكن ليس لديه متاع، عندما تسافر الآن من الرياض إلى جدة، وتأتي إلى الكونترول فتجد أن هناك لوحة مكتوب عليها: الركاب بغير عفش لا أحد يؤخرهم، يعطون البطاقة ويدخلون مباشرة، لكن إذا جئت عندهم ولديك عشرة كراتين وشنط، عندها يقولون لك: على جنب، قف هنا والتزم بالطابور افتح وزن ويتعبونك من أجل رحلة ساعة أو ساعتين. حسناً! والذي لديه رحلة مدى الحياة إلى الآخرة، كيف ينجو؟ كيف يكون تعبه في الطريق؟ فالأموال مسئولية وعهدة على صاحبها. قال: (وحبس المؤمن الغني ما شاء الله أن يحبس) أي: حبس للسؤال فقط، فليس هناك عذاب؛ لأنه ناجح، قال: (ثم أدخله الله الجنة، فالتقى به صاحبه الفقير المؤمن -التقى به في الجنة- فقال: يا أخي! لقد تأخرت عليّ حتى خشيت عليك) يقول هذا المؤمن الفقير: والله إني خفت عليك، فقد ظننت أنك ذهبت إلى النار، ما الذي أخرك؟ ما الذي حبسك عني؟ (قال: يا أخي! حبسني مالي، حبست محبساً سال مني من العرق ما لو أن ألف بعير أكلت من حمض النبات، ثم وردت عليه لصدرت عنه رواء) ألف بعير! هذا مقدار ما سال من العرق، البعير إذا أكل من حمض النبات لا يرويه برميل، فما بالك بألف برميل في سين وجيم! ليس هناك أذى ولا مطرقة، وإنما فقط سؤال عند الباب، فكم جلس هذا الغني؟ خمسمائة سنة، أي: نصف يوم بحساب اليوم الآخر: (يدخل فقراء المؤمنين الجنة قبل أغنيائهم، بخمسمائة عام) أي: بنصف يوم؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج:47]. إذاً نقول للناس: لا تردوا المال إذا كان من الحلال، ولكن استعينوا به على الحلال، أكرموا منه الضيف، صلوا به الأرحام، تفقدوا به الجيران، ابنوا به المساجد، أنفقوا منه في ميادين البر والإحسان، أمدوا بها المجاهدين المحتاجين إلى هذا المال، الذين يلتحفون السماء، ويفترشون الأرض، ويأكلون فتات العيش، ويجاهدون بنحورهم في سبيل الله، وأنتم لديكم أموال فأنفقوها في سبيل الله. يقول تعالى: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة:41] ويقول: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ} [القصص:77] وبعد ذلك ليس هناك مانع من أن تبني لك عمارة أو تشتري لك سيارة، أو تتزوج لك بزوجة جميلة، أو أن تأثث لك بيتاً بأحسن الأثاث، أو أن تأكل من أحسن الطعام، أو تلبس من أحسن الثياب (فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده) (وإن الله جميل يحب الجمال) والله عز وجل يقول: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الأعراف:32] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة:172]. إذاً: المال نعمة لكن بشرطه، وشرطه: أن يكون من الحلال، أما إذا كان من الحرام فالله لا يقبل منك به عمل؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، فإن لم يصرفه في الحلال، ويُخرج منه الحقوق والواجبات تحول هذا المال إلى نقمة. أكثر الناس الآن أصحاب الأموال (المليونيرات) تجده مبسوطاً؛ لأنه إذا دخل مجلساً فبمجرد أن يدخل من هناك والمجلس كله ينتفض له، ويقولون: وعليك السلام! ولو ما قال السلام عليكم، لماذا؟ لأن المال والشيكات والمنزلة الاجتماعية سلمت، وإذا جاء إلى مكانه تجد الكل يقولون: هنا يا أبا عبد الله، هنا يا أبا محمد، لكن إذا دخل الفقير وقال: السلام عليكم بأعلى صوته ما قالوا وعليك السلام، وإذا كان هناك من يرد السلام لقال: وعليك السلام بينه وبين نفسه، ولا أحد يقول تعال هنا، لماذا؟ لأن المال له قيمة هنا، لكن في الآخرة تؤخذ هذه الأموال على جنب: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ:37] {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89].

نعمة الولد

نعمة الولد الولد أيضاً نعمة، لكن لا ينفع إلا إذا أصلحه الله هنا، فإذا رزقك الله ولداً صالحاً وربيته على كتاب الله وسنة رسوله، وعلمته القرآن مثل هذ الولد المبارك الذي قرأ أمامكم فهذا ينفع الله به، نسأل الله أن يثبِّته على الإيمان وجميع أبناء المسلمين. وأنا أرجو أن يكون وقوف هذا الولد دعوة لكم يا من حضر في أن تعلموا أولاكم القرآن، إن هذا النموذج القرآني العظيم، الذي وقف أمامكم دعوة صامتة لكم، فلعلكم لديكم أولاد، بل بالتأكيد أن لديكم أولاداً، لكن هل أقرأتموهم هذه القراءة؟ هل ألحقتموهم بالمساجد؟ هل حرصتم على قراءة القرآن في المساجد كحرصكم على قراءة العلم في المدارس؟ ليس هناك شخص في بلادنا الآن إلا وهو يحرص كل الحرص على إلحاق ولده بالمدارس النظامية، حتى قبل السن القانونية، فبعضهم يأتي بولده وعمره أربع سنوات، يقول: سجلوه، اجعلوه مستمعاً، فيقولون: لا يجوز، النظام من ست سنوات فما فوق، فيقول: لا. أرجوكم من فضلكم الولد مستعجل على الدراسة لماذا؟ هل حباً في العلم أو الدين؟ لا. بل تعلم العلم لغير الدين، فيريد أن ينجح بسرعة من أجل أن يتخرج بسرعة، ويأخذ مرتبه بسرعة، أو يأخذ نجمة أو وظيفة بسرعة، الدنيا فقط، لكن هل جاء بهذا الولد إلى المسجد وقال للشيخ: علمه كتاب الله، وإذا غاب عن المسجد هل يغضب كما يغضب إذا غاب عن المدرسة؟ لا. فلو غاب عن المدرسة لقطَّع جلده، ولكن في العصر تجده يقول: لا تذهب يا ولدي فلديك واجبات، هل واجبات الدنيا أهم من واجبات القرآن، هل حرص الإنسان على الدنيا أهم من حرصه على الدين؟ هذه مصيبة! علم ولدك القرآن، وأدخله مدارسه، فإنه قد جاء في الحديث: إن الرجل والمرأة يوم القيامة يكسوان حلة لا تقوم لها الدنيا، ضوؤها أعظم من ضوء الشمس، فيقولان: بم هذا يا رب؟ فيقال: بإقرائكما ولدكما القرآن. هذه جائزة الأم المثالية التي تقرأ كلام الله، والتي تريد أن تقرأ كلام الله، وقد سمعت أنه يوجد هنا في هذا الحي المبارك مدرسة للنساء، وهي مدرسة لتعليم القرآن الكريم على كافة المستويات، ابتدائي للصغار، وبعد ذلك محو الأمية للنساء اللاتي لا يعرفن القراءة ولا الكتابة، وللمثقفات والمدرسات والجامعيات على كل المستويات، وما يلزم الشخص منا إلا أن يقول لزوجته أو ابنته: اذهبي إلى هذه المدرسة، وسجلي من بعد العصر إلى المغرب، وهذه نعمة في هذا الوقت الضائع، الذي تضيعه النساء في القيل والقال والتمشيات، وأذهب عند فلانة، وآكل مع فلانة! يأكلون لحوم البشر، ويذاكرون في الموضات والتقليعات والتفصيلات والكلام الفاضي، بل سمعت أن النساء الآن لهن اهتمام بالرياضة أعظم من الرجال، فكل واحدة معها لاعب مفضل، وإذا قيل لها: من لاعبك المفضل؟ قالت: فلان. إذاً: لا نعيب على الرجال إذا لعبوا أو أحبوا الكرة؛ لأنهم يلعبون أصلاً، لكن المرأة ما علاقتها بالكرة؟! وهذه مصيبة والله يا إخوان، ما بقي إلا هذه! تضاربت امرأتان، قالت إحداهما: فلان أحسن، فقالت الأخرى: لا. ذاك أحسن. فلا حول ولا قوة إلا بالله! فإقراء القرآن للأولاد وللبنات وللزوجات فضيلة، والحجة قائمة والحمد لله، ففي كل حي بل في كل مسجد مدرسة لتحفيظ كتاب الله، ولكن لا نرى فيها أبناء الذوات والشخصيات، بل نرى فيها الصغار والضعفة من الناس، الذين يرجون بذلك وجه الله عز وجل، ولكن البقية مشغولون بغير دين الله، فإنا لله وإنا إليه راجعون! فالولد نعمة إذا هداه الله في الدنيا، وبعد موتك لأنه سيدعو لك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث -ذكر منها-: وولد صالح) أي: ليس أي ولد، شرط، فإذا كان ولداً فاسداً ثم دعا لك رجعت دعوته على وجهه، كيف يدعو وهو فاسد؟ لا يشفِّعه الله إذاً، ولكن: (ولد صالح يدعو له). فالمال نعمة بقيده، والولد نعمة إذا هداه الله تعالى.

نعمة الوظيفة والمنصب

نعمة الوظيفة والمنصب الوظيفة نعمة إذا استعنت بها على طاعة الله، والرتبة أو المنصب نعمة إذا سخرتها لدين الله. أولاً: ما تعاليت بها على الناس ولا تكبرت، كما يصنع بها بعض الموظفين، أو رؤساء الأقسام، أو مدراء الإدارات؛ إذا دخل الإدارة فإنه من عند الباب يرفع (بشته) ويكون رأسه في السماء، وإذا مر على الناس أخذ ينظر فيهم ولا يسلم، فإذا قيل له: لماذا لا تسلم؟ قال: السلام ينقص من شخصيتي، ويضعف هيبتي أمام الناس، فأنا أريد أن أحتفظ بشخصية قوية من أجل أن يخاف الناس مني، ويسيرون العمل بشكل مضبوط، فتجده لا يسلم على الفراشين ولا الموظفين الصغار، وإذا دخل عليه أحد وهو جالس على الطاولة، رفع عينيه دون أن يرفع رأسه، كأنه يريد أن ينطحه، وإذا سلم عليه أحد لا يرد عليه السلام إلا همساً، وإذا أعطوه المعاملة، ما قبلها ولا مد يده لها، بل يقول: ضعها على الطاولة، ماذا تريد؟ الله أكبر! ما هذا الكبرياء والتغطرس بالوظيفة، فلو أن الوظيفة بقيت لغيرك ما وصلت إليك، والكرسي كما يقولون دوار. فكرسي الحلاق كل يوم عليه شخص، فلم يبق لغيرك حتى يبقى لك، إذاً لماذا تنتفخ؟ لماذا تتكبر على عباد الله بهذه الوظيفة وهي عارية عندك؟! لماذا لم تستخدمها في طاعة الله؟ فإذا دخلت إدارتك فلا تأت عند الباب إلا وقد بدأت بالسلام: السلام عليكم السلام عليكم ورحمة الله صبحكم الله بالخير كيف حالكم؟ فإذا دخلت المكتب فسلم على الفراش، وإذا جاءك أي شخص مراجع له عمل عندك، فعليك أن تقطع عملك وأن ترفع رأسك إليه، فتقوم إذا حياك، لا تحيه وأنت جالس، بل حيه على الهيئة التي هو عليها، إن كان هو جالس فأنت جالس، وإن كان هو واقف فأنت واقف، كن مثله، وبعد ذلك تصافحه وتقول له: أي خدمات يا أخي، ماذا تريد؟ أي غرض، غرضك اعتبره منتهياً، ولو ما انتهى، وإذا لم ينته تقول له: الله يوفقك ويبارك فيك ويرزقك ويكثر من أمثالك. هكذا تكون عابداً لله عز وجل بالوظيفة، وبعد ذلك إذا أذَّن المؤذِن للظهر وفي يدك أعظم معاملة، أو في أذنك أعظم مكالمة، أو كان عندك أهم اجتماع، فعندها تقفل القلم، وتضع السماعة، وتلغي الاجتماع وتقول: إلى الله، دعانا الله. لكن بعض المدراء لا يعقد الاجتماعات إلا في وقت الصلاة، وهذا اجتماع يخيم عليه الشيطان؛ لأنه ضاعت من أجله فريضة الله عز وجل، فالوظيفة هذه نعمة إذا سخرتها في طاعة الله، فنصرت بها الضعيف، أو أقمت بها الحق، أو قدمت بها خدمة للمسلمين، فخدمتهم فيما يتعلق بعملك، فبششت لهم، وقضيت حوائجهم، وسعيت في مصلحتهم، عندها تكون هذه الوظيفة رحمة عليك في الدنيا وعزة وسعادة في الآخرة. لكنّ هذه الوظيفة تكون فقط إلى الموت، وأما القبر فإنك لا تدخله بوظيفتك، هل سمعتم أن ضابطاً دخل القبر بنجومه على كتفيه؟ أو مديراً دخل ببشته أو طاولته؟ أو تاجراً دخل بشيكاته وصناديقه؟ لا. {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:94] أي: يخرج الغني والفقير، والقوي والضعيف، والأمير والمأمور، والملك والمملوك، كلهم يقوم في البدلة الرسمية الموحدة، وهي الكفن: الإزار والرداء واللفافة: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} [الأنعام:94] أي: ما جئتم بشيء، فقط جئتم بالعمل، والعمل من أين أخذتموه؟ من النعمة التي أرسلت لكم وهي رسول الله صلى الله عليه وسلم {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [آل عمران:164]. هذا هو الدين وهذه هي الهداية، فمن أخذ بها نفعته في الآخرة، ومن تركها ضل في الدنيا وشقي في الآخرة، يقول ابن عباس: [تكفل الله عز وجل لمن عمل بالقرآن ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة] {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} [طه:123] (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ) أي: من سار على هذه الهداية {فلا يضل ولا يشقى * وَمَنْ أَعْرَضَ} [طه:123 - 124] أي: الذي لا يريد الهداية، والطريق الواضحة أمامه، فأعلامها واضحة، وأماراتها واضحة، كالمحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يحيد ولا يزيغ عنها إلا هالك، فهذا قد أعرض أو رفض. قال الله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي} [طه:124] هذا الذي أعرض لابد أن أعطيه الفطور في الدنيا والعشاء في النار، ما هو الفطور؟ قال تعالى: {إِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:124] هذا الفطور وهو الوجبة العاجلة، ثم ماذا قال جل ذكره: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124] وهذا هو العشاء. تصوروا أن شخصاً يُحشر أعمى، ويؤمر بالسير على الصراط وهو أعمى، فكيف يمشي على الصراط؟ {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً} [طه:125] نعم. فالجزاء من جنس العمل: {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا} [طه:126] أي: هناك في الدنيا: {فَنَسِيتَهَا} [طه:126] تعاميت عنها تجاهلتها فكل شيء له في ميزانك وفي برنامجك مكان إلا القرآن والدين والهداية لا تريدها، فللمباريات وللتمشيات مكان، وللبلوت والكيرم وللدوام وللنوم وللطعام مكان، ولكن للعلم للقرآن للصلاة لهداية الله لا. عندما تأتي هذه الأشياء يصبح البرنامج مزحوماً ولا فيه فراغ، فتجده يقول: والله أنا مشغول، حسناً! تعال ندوة، قال: أنا مشغول، ماذا عندك؟ ليس عنده شيء، أشغل نفسه بما لا يشغله الله به، أشغل نفسه بما يضره في الدنيا والآخرة والعياذ بالله، قال عز وجل: {كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:126].

أثر الهداية في النجاة من عذاب الله ودخول الجنة

أثر الهداية في النجاة من عذاب الله ودخول الجنة نعمة الهداية -أيها الإخوة- نعمة عظيمة جداً، وجديرة والله بكل اهتمام، ويكفينا أنك بالهداية تنجو من عذاب الله في النار، يقول الله عز وجل: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ * وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف:74 - 77] هذه هي أمنيتهم! يقولون: نريد الموت! فلا يريدون الفكاك؛ لأنهم يعلمون أن الفكاك ممنوع، فقالوا: نريد الموت {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف:77] لماذا ماكثون؟ قال: {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ} [الزخرف:78] أي: القرآن والدين والهداية الربانية {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ * أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} [الزخرف:78 - 80] كانوا تاركين مضيعين؟ ولم يعلموا أن سرهم ونجواهم فضلاً عن أن ظاهرهم مسجل عند الله: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:80]. فكل شيء مسجل عليك: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية:29] {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:14] {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49] {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم:15 - 17]. {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} [الحج:19] أي: أن الثياب هناك من النار، وليست كثياب الدنيا، بل من النار، فتصور كيف تكون حالتك! {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} [الحج:19 - 21] إذا أعيوا من العذاب جيء بالمقامع: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج:22]. إخواني! من نار جهنم وما فيها من العذاب والأنكال؟! أما تعتبرون بهذه الأحوال؟! أما تحذرون من سلاسلها والأغلال؟! فواعجباً والله لمن يقرع سمعه ذكر السعير وهو بالله من عذابها غير مستجير! أفيك جَلَدٌ على الحميم والصديد والزمهرير؟! أفيك جَلَد على نار وقودها الناس والحجارة، أم قد رضيت لنفسك بهذه الخسارة؟! فيا ويح من كانت هذه الدار داره! ألا إنها نار وقودها الناس والحجارة! والنار منزل أهل الكفر كلهم طِبَاقُها سبعة مسودة الحفر جهنم ولظى من بعدها حطمة ثم السعير وكل الهول في سقر وبعد ذاك جحيم ثم هاوية تهوي بهم أبداً في حر مستعر فيها غلاظ شداد من ملائكة قلوبهم شدة أقسى من الحجر لهم مقامع للتعذيب مرصدة وكل كسر لديهم غير منجبر سوداء موحشة شعثاء مظلمة دهماء محرقة لواحة البشر فيها العقارب والحيات قد جمعت جلودها كالبغال الدهر والحمر لها إذا ما غلت زور يقلبهم ما بين مرتفع منها ومنحدر فيا إخواني! انجوا بأنفسكم من عذاب الله! فوالله الذي لا إله إلا هو، ألا نجاة في هذه الدار ولا فوز في دار القرار إلا بطاعة الله، والتمسك بهدي رسول الله والسير على دين الله. فإذا فعلنا ذلك أيها الإخوة! وتمسكنا بالدين، وعملنا العمل الصالح، ماذا سيكون جزاؤنا؟ ما هو الجزاء أيها الإخوة؟ هل هي وظيفة كما نشتغل الآن؟ إن هؤلاء الطلاب الذين ترونهم أيام الامتحانات لا يذوقون الطعام، ولا يهنأون بالمنام، ويجلسون في المساجد والطرقات وعلى الشوارع وهم يقرءون الكتب بالليل والنهار من أجل أن ينجحوا -وهذا حسن- لكن ماذا عملوا للآخرة؟! ماذا عملوا للجنة؟! إن الجنة -أيها الإخوة- سببها الهداية والعمل الصالح، والتوفيق من الله الذي لا إله إلا هو. إن الجنة ريحانة تهتز، وقصر مشيد، ونهر مضطرد، وثمرة ناضجة، وزوجة حسناء جميلة، وحلل كثيرة، ومقام أبدي في دار سليمة، وفاكهة وخضرة، وحبرة ونعمة، ومحلة عالية بهية، أرضها وترابها المسك والزعفران، وسقفها عرش الرحمن، وملاطها المسك الأذخر، وحصباؤها اللؤلؤ والجوهر، ثمارها ألين من الزبد وأحلى من العسل، وأنهارها من خمر لذة للشاربين، ومن ماء غير آسن، ومن لبن لم يتغير طعمه، ومن عسل مصفى، وفاكهتها مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون، غلمانها وخدمها ولدان مخلدون، كأنهم لؤلؤ مكنون، واسمع لزوجاتها يا من تريد الزوجات: فكن أيماً لما سواها فإنها لمثلك في جنات عدن تأيم وكن مبغضاً للخائنات بحبها لتحظى بها من دونهن وتسلم فيا خاطب الحسناء إن كنت راغباً فهذا زمان المهر والمقدم يا من تحبون النساء، يا من تريدون الجمال والعفة والشوق والحب العظيم، أخروه إلى أن تتزوجوا بالحلال، ثم التزموا لتجدوا الكواعب والأتراب في جنات رب العالمين. زوجاتها الكواعب الأتراب، اللاتي جرى فيهن ماء الشباب، تجري الشمس من محاسن وجهها إذا ضحكت، ويضيء البرق من بين ثناياها إذا ابتسمت، لو اطلعت على الدنيا لملأت ما بين السماء والأرض ريحاً، ولاستنطقت أفواه الخلائق تهليلاً وتكبيراً وتسبيحاً، إذا رأوها قالوا: لا إله إلا الله! من عظمة هذه المرأة الحورية، ولتزخرف لها ما بين الخافقين، ولأغمضت عن غيرها كل عين، -أي: خمارها- نصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها، لا تزداد بطول الأحقاب إلا حسناً وجمالاً. فليست نساء الآخرة كنساء الدنيا، نساء الدنيا تكون معها مدة تُسمى شهر العسل، وبعد ذلك تتحول الدنيا إلى بصل، ثم ولادة وحمل ونفاس وأطفال ومشاكل، لكن هذه لا. لا تزداد مع طول الأحقاب إلا حسناً وجمالاً، ولا يزيد طول المدى معها إلا محبة ووصالاً، مبرأة من الحبل والولادة والحيض والنفاس، مطهرة من البول والغائط وسائر الأدناس، لا يفنى شبابها، ولا تبلى ثيابها، ولا يخلق ثوب جمالها، ولا يمل طيب وصالها، لم يطمثها قبله إنس ولا جان، كلما نظر إليها ملأت قلبه نوراً، وكلما حادثته -أي: كلمته- ملأت أذنه لؤلؤاً منظوماً ومنثوراً، إذا ضحكت في وجه زوجها أضاءت الجنة من ضحكها، وإذا انتقلت من غرفة إلى غرفة أو من قصر إلى قصر، فكأنما هذه الشمس تنقلت في بروج فلكها. هذا وأعظم نعمة يمن الله بها على أهل الجنة: أن الله عز وجل يحل عليهم رضوانه، فلا يسخط عليهم أبداً، ويحادثهم ويتجلى لهم، ويرونه من فوقهم سبحانه، فيا لذة الأسماع بتلك المحاضرة، ويا قرة العيون بالنظر إلى وجه الله بالدار الآخرة، ويا خيبة العصاة المحرومين الراجعين بالصفقة الخاسرة. {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} [القيامة:22 - 25]. فاسمع إذاً أوصافها وصفاتها: تيك المنازل ربة الإحسان هي جنة طابت وطاب نعيمها فنعيمها باق وليس بفان أو ما سمعت بأنه سبحانه حقاً يكلم حزبه بجنان ويرونه سبحانه من فوقهم نظر العيان كما يُرى القمران ولهم منابر لؤلؤ وزبرجد ومنابر الياقوت والمرجان هذا وخاتمة النعيم نعيمهم أبداً بدار الخلد والرضوان فنسأل الله وإياكم من فضله، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، يا حي يا قيوم، يا فارج الهم، يا كاشف الغم، يا أرحم الراحمين، يا ذا الجلال والإكرام، نسألك باسمك الأعظم الذي إذا سئلت به أعطيت، وإذا دعيت به أجبت، أن تجعلنا وآباءنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا وجميع المسلمين من أهل هذه الدار، وأن تنجينا من دار الخزي والبوار برحمتك يا أرحم الراحمين. هذه أيها الإخوة! آثار الهداية، فإذا بقي أحد يقول: لا أريد الهداية! عندها نقول له: جعلك الله لا تريد، أبعدما رأيت الطريق لا تريد؟! فقد قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل:127] ويقول: {ومَنْ كَفَر فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} [لقمان:23] ويقول: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية:25 - 26] وكانت نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم تتقطع وتذوب ألماً وحزناً حينما يُكذَّب وهو صادق، فقال الله له: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر:8] أي: اتركهم وما عليك إلا أن تبين لهم الطريق: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْ

من أسباب الهداية

من أسباب الهداية أولاً: اعلم أن الله هو الهادي {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} [الرعد:27] {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56] ولكن لهذه الهداية وسائل وأسباب، مثل الرزق. الآن: أليس الله هو الرزاق ولكن للرزق أسباب أيضاً، فالله هو المطعم لكن للإطعام أسباب، والله هو المعافي والمشافي ولكن الشفاء والعافية لها أسباب، فالله هو الهادي ولكن للهداية أيضاً أسباب. ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس ومن أسباب الهداية عشرة، أو من أسباب الهداية عشرة، فلا نقول كل أسباب الهداية؛ لأن هناك الكثير غيرها.

السبب الأول: التوبة إلى الله

السبب الأول: التوبة إلى الله أول سبب يا من تريد الهداية، وأعظم سبب تحصل به على الهداية، وبدون تحقيق هذا السبب لا تتم لك الهداية، ألا وهو: التوبة إلى الله، إذ لا يهدي الله من لا يتوب، إن لو أن هناك شخصاً لا يتوب كيف يهديه الله وهو لا يتوب؟ فإذا كان مقيماً على الذنوب، عينه وأذنه ولسانه في الحرام ويقول: الله يهديني، وهو مُصر على الذنب، فهذا لا يمكن أبداً، فأول شيء قضية التخلية قبل التحلية. فإذا أردت رخصة مرور لزمك أن تتعلم قيادة السيارة، فتذهب إلى مدرسة القيادة، ثم تدفع الرسوم، ثم تداوم المدة، ثم تحضر الامتحان، ثم تأخذ الشهادة، ثم تراجع المرور، فتقف في الطابور، ثم تدفع النقود المقررة، وبعد ذلك تجيء في يوم ثان أو ثالث وتأخذ الورقة من أجل أن تعبر بها في شوارع الدنيا، فكيف تريد أن تعبر على الصراط وما عندك رخصة للآخرة؟ كيف تريد أن تتجول في شوارع الجنة، كيف تريد أن تطير في أنهار الجنة، وعلى أشجار الجنة وما عندك رخصة إلى الآخرة؟ ما رأيكم بشخص يريد أن يقود السيارة وهو جالس في البيت، يقول: أريد أن أقود السيارة، لكن لا أريد أن أتعلم، التعلم هذا ليس بحسن، ولا أريد رخصة، هل يُسمح لهذا بقيادة السيارة؟ كذلك في الهداية لا بد أولاً من التوبة، التوبة إلى الله، فالتوبة هي سبيل الهداية، يقول الله عز وجل: {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} [الرعد:27] يعني: الذي لا ينيب لا يهديه الله، ويقول: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] وبعد ذلك: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزمر:54] أي: إذا أردتم أن يهديكم الله فأنيبوا وارجعوا إليه. إذاً لا بد من التوبة. فيا من تريد الهداية! عليك أن تجري اختبار محاسبة لهذه النفس على الأعمال، وتأخذها جارحة جارحة، ومشكلة مشكلة، فتجعل بينك وبين نفسك مشارطة، وقد ذكر الشيخ أبو بكر الجزائري في كتابه منهاج المسلم، في مقدمة الكتاب. الآداب ومنها: الأدب مع الله، والأدب مع رسول الله، والأدب مع القرآن، والأدب مع الوالدين، والأدب مع الزوجة والولد، والأدب مع الجيران، والأدب مع النفس، وقال: إن هذه النفس لابد لها أولاً من مشارطة، فتشارطها شرطاً كأنك تشارط غريباً، فإنك إذا دخلت أنت وغريب في شركة فإن أول شيء تفعله معه هو أن تعقد معه عقداً أو تكتب معه شروطاً، فرأس المال كذا وكذا، وسوف يتحرك هذا المال بكذا وكذا، وسوف تقسم الأرباح بكذا وكذا، ونسبة الأرباح حسب نسبة الأموال. المهم أن هناك مشارطة مع النفس، وبعد المشارطة تأتي المراقبة، وبعد المراقبة تأتي المتابعة، وبعد المتابعة تأتي المحاسبة، وبعد المحاسبة تأتي المؤاخذة، إذاً هناك خمسة شروط: تشارطها، ثم تراقبها، ثم تتابعها، ثم تحاسبها، ثم بعد ذلك تؤاخذها، وكان هذا شأن السلف. خرج أحد السلف من بيته إلى المسجد فمر بعمارة، فسأل: لمن هذه العمارة؟ قالوا: لفلان، فذهب إلى البيت، ولما دخل البيت وأراد أن ينام بدأ يعيد شريط اليوم المحاسبي، قال: في الصباح صليت في المسجد ثم خرجت من المسجد إلى البيت، ومررت بطريق كذا وكذا، ثم مررت بفلان وسلمت عليه، ومررت بمسكين وأعطيته، ثم ممررت على ضعيف وواسيته، ثم مررت بفلان وفلان -المهم أنه حاسب نفسه- فوجد هذه الكلمة: مررت على عمارة وسألت عنها وقلت: لمن هذه العمارة؟ فقال في نفسه: لماذا يا نفس؟ ماذا تريدين؟ لماذا تتدخلين فيها؟ أتريدين مثلها؟ يا نفس يا أمّارة، ثم بدأ يعاتبها، وبعد ذلك أصدر الحكم عليها، فقال: والله لأعاقبنك بصيام سنة. فما رأيكم بهذا؟! فهذه نفسه بيده، لا تقدر أن ترفع نفسها عليه؛ لأن النفس كالجواد، إما أن تركبها أو أن تركبك، إن ركبتها ذهبت بك إلى الجنة، وإن ركبتك ذهبت بك إلى النار؛ تصير حمار نفسك، كثير من الناس الآن يقول: نفسي تقول لي، أي: ليس ربه الذي يقول له، ولا دينه، لا. بل يقول: هواي، وكيفي، ونفسي، وأنا على هواي وكيفي ومزاجي ورأيي، لا. فهواك ومرادك يجب أن يكون على مراد الله، وعلى ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلا بد أولاً من التوبة، وتأتي عن طريق المشارطة مع النفس، فتأتي إلى العين وتقول: يا عين! يا من كنتِ من أجل نعم الله عليّ في هذه الحياة، إذ لو طمس الله بصرك أيها الإنسان كيف تكون حياتك، أليست هذه النعمة عظيمة؟ تصور وضعك وأنت أعمى مغمض العينين، لكن أشرقت الأرض في وجهك {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ} [البلد:8] هذه من نعم الله عليك، فيا عين! أنت من صنع الله، لم تصنعك أمي، ولا اشتراك أبي، ولا أنا زرعتك في رأسي، إنما أنت نعمة من الله، ولا بد أن تسيري أيتها العين فيما يرضي الله، والذي يرضي الله هو: أن أنظر بها في كتاب الله، أو في سنة رسول الله، أو كتب العلم، أو ملكوت السموات والأرض لأهتدي بالنظر إلى الله، أو مصالحي المعاشية الدنيوية، أو أعمال رزقي ووظيفتي، تجارتي زراعتي لكن لا أنظر بها مطلقاً في ثلاثة أماكن: المكان الأول: لا أنظر بها إلى محارم الله، النساء، لماذا؟ لأن الله أمرني فقال سبحانه: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30] أي: قل يا محمد للمؤمنين: {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:30] وكأن أحداً يقول: يا رب لماذا؟ قال: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30] من الذي يعرف الأزكى؟ إنه الله، يعرفك، لأنه هو الذي خلقك: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} [الملك:14] فيعرف الذي يصلحك والذي يفسدك، فلم يأمرك بغض بصرك إلا لأن في هذا راحة لقلبك. فأشارط عيني على ثلاثة أمور: ألا تنظر إلى حرام، وألا تنظر إلى مسلم بعين احتقار وازدراء، وألا تنظر إلى ما متع الله به مسلماً من دنيا فانية: {وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [طه:131] فهذه هي المواطن الثلاثة حرام أن تنظر إلى امرأة لا تحل لك، حتى لا يسمّر الله في عينك مسمارين من نار بكل نظرة، وأن تنظر إلى مسلم بعين احتقار وازدراء إما لمال، أو لضعف، أو لجنس، أو للون، أو لمنصب، فالناس في الإسلام سواسية كأسنان المشط، (لا فضل لعربي على أعجمي، ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى). أو أن تنظر إلى أخ لك مسلم أعطاه الله دنيا، فتجيء وتقول: هذه العمارة له ونحن نحسبه فقيراً! هذه الأرضية له! هذه الوظيفة فيها! فلا. لأنك إنما تعترض على تقسيم الله عز وجل؛ لأن القسمة بيد الله، وهو الذي قَسم، فكأنك تقول: لماذا يا رب تعطي هذا وتترك هذا! فأنت ليس لك علاقة؛ لأن القاسم والرزَّاق هو الله عز وجل. فتشارط عينك هذه الشروط، ثم تنتقل إلى الجارحة الثانية والخطيرة وهي جارحة اللسان فتشارطها، وهذه الجارحة تفتك فتكاً عظيماً في الدين، إذ لا يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم، والحديث صحيح رواه الحاكم والترمذي بسند صحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، وفي نهاية الحديث قال له النبي صلى الله عليه وسلم وقد سأله عن عمل يدخله الجنة ويباعده عن النار: (لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه -ثم أخبر بالأوامر كلها وقال في النهاية:- ألا أدلك على ملاك ذلك كله؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله! قال: كف عليك هذا -أمسك لسانك- قال: يا رسول الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس على مناخرهم أو قال على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم). احذر لسانك أيها الإنسان لا يلدغنك إنه ثعبان كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تهاب لقاءه الأقران وقد وردت في اللسان أحاديث وآيات عظيمة تبين خطره، ففي البخاري ومسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سُئل: (أي المسلمين أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده) وفي صحيح البخاري ومسلم -أيضاً- قال عليه الصلاة والسلام: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) بمعنى: أن الذي لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر يتكلم الكلام النابي، والمرء مخبوء تحت لسانه، وإذا أردت أن تتعرف على ما في قلب إنسان فانتظر حتى يتكلم، فإذا تكلم فإنما يغرف من قلبه؛ لأن القلوب قدور، والألسنة مغاريفها، فمن كان في قلبه خير ظهر على لسانه، ومن كان في قلبه شر ظهر على لسانه، والإنسان قفل ومفتاحه لسانه. وفي صحيح البخاري ومسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من يضمن لي ما بين لحييه وفخذيه أضمن له الجنة) وفي صحيح البخاري ومسلم أحاديث لا تترك لأحد مجالاً، فليس هناك كلام أصح بعد كتاب الله عز وجل من صحيح البخاري ومسلم، قال عليه الصلاة والسلام: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب) كلمة واحدة. وفي صحيح مسلم عن جندب بن جنادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن رجلاً قال لأخيه وقد نصحه) كان أخوه مسرفاً على نفسه بالذنوب، وهذا رجل طيب اللسان، فنصحه ونصحه ولكنّ أخاه مسرف دائماً، فجاء يوماً وهو على المعصية فغضب وقال: (والله لا يغفر الله لك، فقال الله: من هذا الذي يتألى عليّ؟! قد غفرت له وأحبطت عملك). انظروا إلى الكلمة! بواعثها حسنة ودوافعها الحماس والغيرة على دين الله،

السبب الثاني: العلم

السبب الثاني: العلم إذ بغير علم لا يمكن أن تهتدي، كيف تهتدي وأنت أعمى؟ كيف تهتدي وأنت لا تعرف الطريق؟ فالعلم نور {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] ونعني بالعلم: العلم الموروث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، علم الكتاب والسنة، فلا بد أن تتعلم شيئاً من دين الله ليهديك به الله عز وجل.

السبب الثالث: الإيمان والتصديق

السبب الثالث: الإيمان والتصديق الإيمان والتصديق؛ لأن الله تعالى قال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} [يونس:9].

السبب الرابع: الدعاء

السبب الرابع: الدعاء أن تدعو الله بالهداية في الليل والنهار، وفي السر والجهر، وفي خلواتك وجلواتك، وركوعك وسجودك، تقول في كل لحظة: اللهم اهدني فيمن هديت، فلقد كان سيد الهداة صلى الله عليه وسلم، فيما ترويه عائشة -والحديث في الصحيح: (كان إذا افتتح صلاته بالليل، قال: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اخُتلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم). وفي الدعاء المأثور في القنوت: (اللهم اهدني فيمن هديت) فادع الله يا أخي، والله لا يردك أبداً بإذن الله؛ إذا أنت خضعت وجلست وتذللت بجبهتك وجبينك وأنفك في الأرض لله وأنت تدعوه في الهداية فلن يردك الله.

السبب الخامس: اتباع الكتاب والسنة

السبب الخامس: اتباع الكتاب والسنة والدليل قوله تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر:18].

السبب السادس: الاعتصام بالله

السبب السادس: الاعتصام بالله والدليل قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران:101] وفي الحديث القدسي يقول الله عز وجل: (وعزتي وجلالي ما اعتصم عبد من عبادي بي فكادته السموات والأرض إلا جعلت له منها مخرجاً، وعزتي وجلالي ما اعتصم عبد من عبادي بمخلوق دوني إلا قطعت عنه أسباب السماء، وأزحت الأرض من تحت قدميه، ثم لا أبالي في أي واد هلك) فاعتصم بربك والجأ إليه، وتمسك بحبله عز وجل.

السبب السابع: المجاهدة في الله

السبب السابع: المجاهدة في الله والدليل قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69] فكلمة (لنهدينهم) مؤكدة هنا باللام والنون المشددة الثقيلة، وبعد ذلك جاءت نتيجة الهداية، نتيجة المجاهدة: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69] والمجاهدة في أربعة أشياء: جهاد النفس، والشيطان، والمنافقين، والكفار، وكل واحدة من هذه لها مراتب، وما هذا بمقام تفصيلها.

السبب الثامن: الصلاة

السبب الثامن: الصلاة فمن أعظم وسائل الهداية المحافظة على الصلاة، فالذي لا يصلي لا يهديه الله؛ لأن الله قال في أول سورة البقرة: {ألم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:1 - 2] من هم؟ {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [البقرة:3] فهؤلاء يهديهم الله.

السبب التاسع: الرفقة الصالحة

السبب التاسع: الرفقة الصالحة الرفقة الصالحة الزملاء الطيبون الإخوان في الله، وهؤلاء تختارهم من المسجد، تتعرف عليهم من بين الركع السجود، أهل الأجسام النحيلة، والقلوب الرقيقة، والعيون الدامعة، والقلوب الخاشعة، الذين قد وقفوا بأقدامهم وبركبهم، يراوحون في الليل بين جباههم وأقدامهم بين يدي الله! تعرف عليهم وتحبب إليهم وخذ منهم: {قُلْ أَنَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:71]. يقول ابن كثير: هذا مثل ضربه الله عز وجل لمن له أصحاب طيبون يدعون إلى الهداية، وأصحاب ضالون يدعون إلى الضلال، فمن استجاب للهداة صار معهم، ومن استجاب للضلال صار معهم -والعياذ بالله- حيران في الأرض.

السبب العاشر: الابتعاد عن رفقة السوء

السبب العاشر: الابتعاد عن رفقة السوء عن المرء لا تسَلْ وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي يقول الإمام علي رضي الله عنه: فلا تصحب أخ الجهل وإياك وإياه فكم من فاسق أردى مطيعاً حين ماشاه يقاس المرء بالمرء إذا ما المرء ماشاه وللناس على الناس مقاييس وأشباه وللقلب على القلب دليل حين يلقاه (الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف) والذي يحب السيئين سيئ، والذي يحب الطيبين طيب، والقرآن قد أعطانا في هذا دليلاً واضحاً في قصة ذلك الرجل؛ وهو عقبة بن أبي معيط عليه من الله ما يستحق، فقد كان رجلاً حليماً رقيق القلب وأراد أن يسلم، لكن لما كان له صاحب خبيث منعه هذا الخبيث من الدين، فقد سافر هذا الخبيث إلى الشام فجاء عقبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجلس في مجلسه، واستمع إلى القرآن ورق قلبه وأراد أن يسلم، فلما وصل زميله ذاك في الليل سأل زوجته فقال: ما فعل خليلي؟ قالت: صبأ. -أي: اهتدى وأسلم- فترك البيت وذهب إليه وطرق عليه الباب وقال: سمعت أنك صبأت؟ فقال: أبداً ما صبأت، أنا معك، أنا رفيقك، فقال له: والله لا أرضى عنك حتى تذهب إلى محمد فتبصق في وجهه، فقال: أبشر -وليته ما بشر- فخرج وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وليس له من يحميه آنذاك، كان وقتها الغلبة والدولة للكفر، وكان المسلمون قلة مستضعفون في الأرض، فخرج إلى النبي وهو جالس في مكة عند الكعبة، فجاء إليه ودعاه قائلاً: يا محمد! فلما التفت تفل في وجه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يستطع الرسول أن يفعل شيئاً، لماذا؟ لأن عقبة هذا من صناديد قريش، ومن عظماء مكة، لا يستطيع أحد أن يقول له كلمة. فمات عقبة -قتل في غزوة بدر - ولقي الله فأدخله الله النار، فتذكر ما الذي أهلكه، وإذا به زميله هذا، فقال الله عز وجل: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} [الفرقان:27] أي: عقبة وغيره ممن كان على شاكلته، ولم يقل الله في الآية: يعض على إصبعه، بل قال: على يديه، أي: يأكلها كلها: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً} [الفرقان:27] أي: يا ليتني اتخذت مع الرسول طريقاً، يا ليتني مشيت وراءه {يَا وَيْلَتَى} [الفرقان:28] يدعو بالويل والثبور وعظائم الأمور {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً} [الفرقان:28] وهنا يقول المفسرون: إن فلاناً هنا نكرة، والتنكير للتعميم، وهو مقصود، إذ أن كل من أضلك عن الله يدخل في فلان سواء كان شريطاً أو كتاباً أو زميلاً أو مدرساً أو أخاً أو أي شخص أضلك عن الله، وسوف يقول الضال يوم القيامة: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً} [الفرقان:28 - 29]. كما أن هناك كثير من الشباب اليوم يهتدي لشهر أو شهرين أو ثلاثة، ثم لا يجلس جلسة واحدة على أغنية أو فيلم إلا وقد غُسل مخه من الدين وعاد ألعن مما كان عليه في السابق! ينتكس والعياذ بالله! قال الله عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [المنافقون:3] أي: أن الله قد ختم على قلبه؛ لأنه ذاق طعم الإيمان ثم انتكس، بصَّره الله بالطريق وأقامه على السبيل ثم بعد ذلك رجع، فهذا لا يهديه الله {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} [المنافقون:3] أي: لا يعلمون عن الله شيئاً والعياذ بالله. هذه هي العشرة الأسباب، وكل واحد منها يحتاج إلى ندوة أو ندوتين، لكن نحن نتكلم على سبيل التعميم، وإذا أمد الله في العمر، وهيأ فرصة مناسبة؛ فإن شاء الله نكملها، ولها توابع أخرى، فأسباب الهداية عشرة، وعلامات الهداية عشرة، وهناك موانع الهداية أو عوائق الهداية، وهذه أيضاً عشرة، فهناك عشرة موانع أو حواجز وسدود بين الإنسان وبين الهداية، لا يهتدي حتى يبتعد عنها كلها، إذاً كيف يهتدي وأمامه عشرة سدود؟! نقول: لابد أن يتجاوزها واحدة تلو الأخرى حتى يصل إلى الهداية، وهذه يراد لها عشرة أوقات. لكن نسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وأن يهدينا إلى سواء السبيل.

الأسئلة

الأسئلة

حكم صوت المرأة وكشف وجهها

حكم صوت المرأة وكشف وجهها Q سمعت لكم في أحد الأشرطة، أن مكالمة المرأة الغريبة بالتليفون حرام؛ لأن الأذن تعشق قبل العين، ولكن لدينا فتوى لأحد المشايخ -لا نذكر اسمه- أنه أجاز كشف الوجه للمرأة؛ لأنه ليس بعورة، ويجوز فيها سماع صوت المرأة؛ لأنه ليس بحرام، فما رأيكم؟ A ليس لي رأي ولا للشيخ رأي، وإنما الحكم لله ورسوله: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام:57] والحكم الذي لله ولرسوله يقتبس من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا جاء نهر النقل بطل نهر العقل، فلا نشغل فكرنا ولا نقبل كلام شيخ بعد أن يأتي الكلام عن الله ورسوله. أما الكلام عن الله في كشف الوجه وما يتعلق به، فقد ذكر العلماء أن الوجه أعظم ما يمكن أن يوجب الإسلام على المرأة تغطيته، إذ أنه مجمع الزينة والفتنة، ولا يتصور بحال من الأحوال أن يأمر الشرع المرأة المسلمة ألا تضرب برجليها ثم يبيح لها أن تكشف وجهها، يقول الله تعالى: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور:31] فكيف يكون هذا حراماً بينما يكون كشف الوجه حلالاً؟ والوجه هو الذي فيه العينين، والشفتين، واللسان، والأنف، والخدين، والجبين، والذقن، وهو مجمع الفتنة كلها، ثم نقول: اكشفوه، ولكن عليكم بحجاب الأرجل، والله قد قال في كتابه العزيز: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:53]. وقد قالت عائشة في قصة رجوعها من غزوة بني المصطلق وقد لحقها صفوان بن معطل رضي الله عنه، وكانت قد تأخرت -وبعد ذلك دارت حولها الفِرية العظيمة التي أفشاها وأشاعها عبد الله بن أبي عليه لعائن الله المتتابعة- فقالت رضي الله عنها: [وكان يعرفني قبل نزول آية الحجاب] يعني: أنها الآن متغطية لم يعرفها، إلا أنه يعرفها من قبل نزول آية الحجاب. وبعد ذلك يقول الله عز وجل: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31] ما هو الجيب؟ الجيب هو: فتحة الثوب التي تدخل منها المرأة رأسها، والله أمر بأن يضرب الخمار على الجيب، إذاًَ أين يقع الخمار؟ على الرأس، ولن يصل الخمار على الجيب إلا إذا مر بالوجه، إلا إذا عمِلت له تحويلة كي تغطي الأذن وتترك الوجه. أهذا يعقل؟! {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا} [النور:31] وقال عز وجل قبلها: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31] هنا المُعول على بعض كلمات المفسرين، قالوا: (ما ظهر منها) أي: الوجه والكفين، لماذا؟ قالوا: استثناها الله. بأي دليل؟ قالوا: بأدلة أخرى. إذاً فنأتي على أدلتهم دليلاً دليلاً ونفنّدها كلها، ونرد عليهم: دليل الفضل بن عباس، ودليل المرأة سفعاء الخدين، ودليل أسماء أن المرأة إذا بلغت سن المحيض فإنه لا يجوز أن يظهر منها إلا هذا وهذا، وقد رد أهل العلم على هذه الأحاديث: أما حديث الفضل بن عباس فإنه كانت المرأة الخثعمية محرمة، وإحرام المرأة في وجهها، والرسول ما أقر الفضل، بل صرف وجهه عن النظر إليها. أما دليل سفعاء الخدين فإنه كان قبل الحجاب، أي أنه منسوخ. أما دليل أسماء بنت أبي بكر، فإنه منقطع؛ لأن خالد بن شريك الذي روى الحديث ما أدرك أسماء، فالحديث منقطع، وهو ضعيف، بل قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله: إنه موضوع، ولا يحتج به. إذاً ماذا بقي معهم؟! بل هم في الحقيقة مفلسون، قال العلماء: (ما ظهر منها) أي: شكلها العام الذي لا تستطيع أن تخفيه. مثلاً: إذا تحجبت المرأة ولبست حجابها الكامل من الكفوف والشرابات وغيرها، ثم خرجت متحجبة مثل الغراب الأسود، فهل يبقى فيها فتنة؟ نعم. شكلها العام هذا فيه فتنة، لكن أين تذهب؟ تبتغي نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء؟! فالله عفا عن هذا الشيء، أما أن نقول: (ما ظهر منها) وجهها، إذاً ما هو الحجاب؟ وقد عُرف في الدين نزول آية الحجاب، وسورة الحجاب، والحجاب حجاب الوجه. أما الزينة التي قال الله عز وجل فيها: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31] أي: ما ظهر من الزينة؛ لأن الضمير في اللغة يعود على أقرب مذكور، وأقرب مذكور الزينة، والزينة هنا تنقسم إلى قسمين: زينة خلقية، وزينة كَسبية، والزينة الخلقية أي: الوجه والكفين، والزينة الكسبية أي: الملابس التي تلبسها، ولنرجع إلى القرآن الكريم، ونسأل المفسرين عن كلمة الزينة، وكيف استعملت في القرآن؟ وهل أريد بها الزينة الخلقية أم الكَسبية؟ لنرى أنها في أحد عشر موضعاً من كتاب الله أريد بها الزينة الكَسبية، ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتاب اسمه أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، فقد تكلم بكلام عظيم كالذهب الأحمر في كتابه المذكور في سورة الأحزاب عند قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:59] لماذا قال الله: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب:59]؟ أي: أن المرأة لا تُعرف بهذا الحجاب، ولكن تعرف بوجهها، فلو أتينا أمامك الآن بمائة امرأة، وبينها زوجتك وابنتك وأختك وهن كلهن متغطيات، ثم قلنا لك: أخرج لنا منهن امرأتك وأمك وأختك؟ هل تستطيع أن تخرجهن من بين النساء؟ فإذا كشفنا وجوههن، وقلنا: أين امرأتك؟ لقلت: تعالي يا فلانة. فالله أمر المرأة أن تغطي وجهها حتى لا يعرفها أحد فيؤذيها، يتعرف مثلاً على جمالها فيؤذيها: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب:59]. فالحجاب حجاب الوجه؛ لأن الوجه هو الإنسان، فأنا عندما أتكلم معك أنظر إلى وجهك، فلو أني أخذت أتكلم معك الآن وأنا أنظر إلى رجلك وأقول: كيف حالك؟ فسوف تقول لي: ارفع رأسك! الله أكبر عليك، تكلمني أم تكلم أرجُلي؟! ثم يأتي هذا فيقول: غطوا الأرجل ولكن اكشفوا الوجه. وأما الأحاديث الصحيحة الكثيرة فهي في مضانها، ولا مجال لأن نزعزع إيماننا، والذين قالوا بكشف الوجه والكفين علماء، لكن نسأل الله أن يغفر لهم زلتهم، وإنهم والله خدموا الماسونية خدمة جليلة بدون مقابل؛ لأن أول هدف من أهداف الماسونية في نبذ الدين وتشتيته هو: خلع الحجاب؛ لأنه إذا خُلع الحجاب فتح الباب، والأمم والشعوب التي وضعت الحجاب وضعت معه الدين، وهاكم ترون وتسمعون، ونحن في هذه البلاد نسأل الله ألا نضع الحجاب، وأن يحفظ لنا الحجاب على وجوه النساء، وأن يحفظ عيوننا من النظر إليهن ليبقى لنا ديننا، لكن يقولون: (ضع النار بجانب البارود ولا تشعل) وهذا مستحيل. أما الصوت فاسمع فيه كلام الله لا كلامي، يقول الله عز وجل: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [الأحزاب:32] فالذي قلت إنه حرام هو: المحادثة بالتليفون، وهي المحادثة المشبوهة، المحادثة التي فيها ريبة، وتأنث، وصوت رخيم، وتشبيب، فهذه لا تجوز، أما الرد على التليفون بالصوت المعروف، كما قال الله عز وجل: {وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [الأحزاب:32] فليس فيه شيء، فإذا تكلمت المرأة مع عالم تسأله، أو تكلمت مع رجل تشتري منه أو تبيع أو مع قاضٍ تشهد عنده فليس هناك شيء، أما أن تتكلم بكلام لين رطب فيه مرض وفيه جنس وفيه زنا؛ فهذا محرم؛ لأن الله تعالى يقول: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [الأحزاب:32].

الحث على مد يد العون للمجاهدين

الحث على مد يد العون للمجاهدين Q فضيلة الشيخ! إن إخواننا على الجبال يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، أجسامهم عارية وبطونهم جائعة، وقد حصل ما حصل لهم، وكثير من الناس يظن أنهم بعد تشكيل هذه الدولة استغنوا عن غيرهم، ولكنهم يقابلون الآن أعتى قوة، وهم يحصدون نتائج جهادهم، فهل من كلمة توجيهية لهذا الجمع المبارك لمد يد العون لهم والوقوف معهم؟ A جزى الله أخانا خيراً. أولاً: اعترافاً بالفضل لأهله، نقدر ونشكر باسم كل مسلم هذا الموقف النبيل الذي وقفه ولاة الأمر في هذه البلاد حينما أعلنوا كلمة الحق مدوية في العالم كله باعترافهم الصريح والمبادر الأول بحكومة الأفغان الإسلامية، فشكرَ الله لهم وثبتهم وهداهم ووفقهم، وهذه رفعت رأس المسلمين، وأوجدت راية للمؤمنين يعتز بها إخواننا المجاهدون، فإنهم يقولون: نحن نعتز باعتراف المملكة العربية السعودية بدولة الأفغان الإسلامية، وهذا الاعتراف يعدل اعتراف جميع دول الأرض كلها، فبارك الله في ولاة الأمر، ووفقهم الله عز وجل وهداهم إلى صراطه المستقيم. أما نحن فموقفنا ليس أن نتفرج كما نحن الآن عليه، بل يجب أن يكون موقفاً مضاعفاً؛ لأن الإخوة أرغموا الروس على التقهقر والانسحاب، لكن الروس مكرة، فجرة ملحدون، ما خرجوا إلا بعد أن لغموا الأرض بثلاثين مليون لغم، وهي موجودة الآن في الأرض، وممتدة عبر شبكات أرضية وعلى أشكال كثيرة، منها: الأقلام، ومنها الفراش، ومنها البرايات والحلوى وعلب السجاير، ألغام كثيرة، اللغم الواحد منها يفجر سيارة، ثم بعد ذلك لغموا الأرض بالسلاح ومدوا إخوانهم من الشيوعيين الكفرة الموجودين في الحكم بأعتى أنواع الأسلحة، بل إن هؤلاء مستميتون؛ لأنهم يعلمون أنهم لا يستطيعون أن يحيوا مع الإسلام، فهم كفار ملاحدة لا يسلمون بسهولة؛ ولذلك يقول القادة: نحن نحارب الآن أكثر من حربنا سابقاً؛ لأن الروسي كان يحارب وهو ينظر إلى الهزيمة ليخرج إلى بلده، بينما الأفغاني الكافر يحارب وأين يذهب؟ ليس معه إلا أنه يحارب حتى يموت، ولذلك فالمعركة الآن شديدة جداً جداً، وتستوجب منا جهداً مضاعفاً، لكن بم؟ إن عجزنا عن الجهاد بأنفسنا فلا أقل من أن نجاهد بأموالنا، وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [الصف:10 - 11]. وقد وصلتني رسالة من أحد الإخوة القادة، يقول لي فيها: نريد من كل مسلم أن يجعل الجهاد كواحد من أطفاله، فإذا كان لديك مثلاً ثلاثة أولاد، وتعطي كل ولد خمسة ريالات من أجل السندوتش والعصير، فهذا الأخ يقول: نريد أن يكون الجهاد ولداً رابعاً، فإذا كان عندك أربعة أولاد فاجعل الجهاد ولدك الخامس، وهكذا، اجعل فسحة للمجاهدين في حساباتك، كل يوم خمسة ريالات، فيكون في الشهر مائة وخمسون ريالاً، فلو أن كل مسلم دفع شهرياً مائة وخمسين من راتبه للمسلمين المجاهدين، لكان المسلمون المجاهدون على أعظم مستوى من القوة، فنقول لكم أيها الإخوة: جاهدوا بأموالكم وأنفسكم.

الرد على من يمتنع من الهداية بحجة أن الله قد كتبه من الأشقياء

الرد على من يمتنع من الهداية بحجة أن الله قد كتبه من الأشقياء Q فضيلة الشيخ! إذا دعوت بعض الناس إلى الله تعالى يحتج عليَّ ويقول: لو أن الله هداني لكنت مثلك، فكيف أرد عليه؟ A ترد عليه بما رد الله عز وجل على من قال هذه الكلمة: {لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي} [الزمر:57] هذه علة المنهزمين، وحجة الشياطين، يقول الله عز وجل: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ} [الزمر:54 - 56] يعني: لئلا تقول نفس {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي} [الزمر:56 - 57] فهذه الكلمة نفسها جاءت في القرآن الكريم: {لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الزمر:57 - 58] قال الله عز وجل: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا} [الزمر:59] أي: قد هديتك، فبعض الناس يقول: لو أن الله هداني، فالله قد هداك. ولكن ما معنى الهداية؟ الهداية هي الهداية الشرعية أي: الدلالة، فالله دلك ففطرك على الإسلام، ودلك فأنزل لك كتاباً وأرسل لك رسولاً، ودلك فبين لك الخير وأمرك به، وبين لك الشر وحذرك منه، فماذا تريد بعد ذلك؟ هل تريد أن يُنزِل لك الله ملكاً من الملائكة يأخذ بأذنك فيقول صلِّ إذا جاءت الصلاة. إذاً ليس هناك فائدة إذا اهتديت؛ لأنك إنما اهتديت بالقوة. فالهداية هي: الدلالة، والله تعالى يقول: {أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي} [الزمر:57] قال الله تعالى: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي} [الزمر:59] أي: بلغتك دلالاتي {فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [الزمر:59]. فليس لأحد حجة الآن؟ ما يدريك أن الله لم يهدك؟ هل اطلعت على الغيب؟ بعض الناس عندما تنصحه يقول لك: لا يا شيخ! يمكن أن الله كتبني شقياً. حسناً، لماذا لا تَحتمل أن الله كتبك سعيداً مادامت كلمة شقي وسعيد في علم الغيب؟ لماذا احتملت الخيار الأسوأ انهزاماً أمام شهواتك؟ إن قضية شقي وسعيد ليست من خصوصياتك، أنت عبد مأمور، عملك أن تطيع الله ولا تعصه، وأن تثق أن الله لا يظلمك أبداً {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء:40]. أما أن تتدخل في قضاء الله وقدره وتقول: لعل الله كتبني شقياً، ولهذا أنا سوف أصبح شقياً، فهذا من الانهزامية والتبعية للشيطان والنفس والشهوات.

كيفية تربية الأبناء

كيفية تربية الأبناء Q كيف نربي أولادنا وبناتنا، علماً بأن البنات لا يذهبن إلى المساجد لقلة وجود المدارس الخاصة بالنساء في المساجد؟ A هذا سؤال عام يحتاج إلى تفصيل ووقت طويل، لكن القول المختصر فيه: أن تربيهم على طاعة الله، وأن تحميهم من معصية الله، وطاعة الله في الأوامر، ومعصية الله ممثلة في النواهي، هذه هي التربية، فكونك تأتي إلى الولد فتقول له: الغناء والزنا واللعن والسب حرام، الصلاة واجبة، هذه هي التربية، وأما بالنسبة للبنات فيتعلمن أيضاً في البيوت، وتحاول أن تجتهد في البحث عن مدرسة قريبة من مدارس القرآن الكريم، وأعتقد أن في الرياض العديد من المدارس، وليس بالضرورة أن تكون هناك مدرسة بجانب بيتك، لا. احمل ابنتك بالسيارة واذهب بها إلى المدرسة لتقرأ كلام الله عز وجل، وانتظرها ساعة ثم ارجع لها وخذها، فهذه مسئوليتك وهذا دورك، فلا تتصور أن أحداً سوف يقوم بدورك عنك.

حكم المرأة المؤمنة التي تدخل الجنة وليس لها زوج

حكم المرأة المؤمنة التي تدخل الجنة وليس لها زوج Q فضيلة الشيخ! تكلمتم جزاكم الله خيراً عن نساء أهل الجنة من الحور العين، فما بال نساء أهل الدنيا في الجنة، وخصوصاً المرأة التي تدخل الجنة وزوجها إما أن يكون فاجراً أو كافراً والعياذ بالله ولم تتزوج بعده؟ A هذا تكلم عنه أهل العلم، وذكر شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله في كتابه حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح كلاماً عظيماً عن هذا الموضوع: وذكر أن المرأة المؤمنة التي تدخل الجنة وزوجها مؤمن فهي له -معه- لأن الله تعالى قال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور:21] وأخبر تبارك وتعالى أن الملائكة يستغفرون لمن في الأرض ويقولون: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر:7 - 9] فالمؤمنة إذا دخلت الجنة وزوجها مؤمن كانت له، أما إذا دخلت الجنة وكان زوجها فاجراً أو كافراً من أهل النار عوضها الله عز وجل بزوج مؤمن من الذين ليس لهم أزواج مؤمنات في الدنيا، والله عز وجل عدل: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49].

معالم على طريق الهداية

معالم على طريق الهداية Q إذا أراد الإنسان أن يهتدي فهل هناك معالم توصيه بها؟ A نعم. إذا أراد أن يهتدي وسار في طريق الهداية، فهناك دلالات ومعالم وإشارات على طريق الهداية: أول دلالة: قراءة القرآن الكريم. لا بد أن تجعل لنفسك ورداً من كتاب الله لا يقل عن جزء يومياً وهذا أقل ما يمكن، فالذي يختم في أكثر من شهر مقصر في كتاب الله عز وجل، فلقد كان السلف رضوان الله عليهم يعدون الذي يختم في أكثر من شهر هاجراً لكتاب الله، فاجعل لك ورداً يومياً من كتاب الله لا يقل عن جزء، ويكون هذا الجزء بالتدبر والتمعن ومعرفة أسباب النزول ومعاني المفردات والكلمات، وأيضاً المعنى الإجمالي للآيات، ولا تقرأه هذرمة. ثانياً: اجعل لك ورداً معيناً من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأعظم كتاب ندل عليه: اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، هذا الكتاب اشتمل على الأحاديث الصحيحة التي اتفق عليها البخاري ومسلم وأُوردت بنص رواية البخاري؛ لأن هناك روايات كثيرة، لكنه حذف المكرر وحذف رواية مسلم وجاء برواية البخاري؛ لأنها أشمل وأكمل، فاقرأ كل يوم حديثاً وتعرف على شرحه من كتب شروح السنة. ثالثاً: عليك بالطاعات والفرائض والمحافظة عليها محافظة دقيقة، ابتداءً بالصلاة. رابعاً: الابتعاد عن المعاصي والذنوب والكبائر والمكروهات. خامساً: البحث عن الرفيق الصالح، والحذر من رفيق السوء. فإذا سرت على هذه المعالم الست مباشرة، تصل إن شاء الله وتصبح من المهتدين.

كلمة توجيهية لاستغلال ليالي رمضان

كلمة توجيهية لاستغلال ليالي رمضان Q فضيلة الشيخ! لم يبق على شهر رمضان المبارك سوى أيام قليلة، ولكن وللأسف كثير من الشباب هداهم الله، يستعدون لقضاء لياليه الكريمة في السهرات الباطلة، والبعض الآخر يستعد للسفر لبلاد الكفر في آخر الشهر لقضاء إجازة العيد بين الفاجرات وارتكاب المعاصي، فما هي نصيحتكم لإخواننا هؤلاء؟ وما هو توجيهكم لاستغلال مثل هذه الليالي المباركة؟ A شهر رمضان موسم من مواسم الخير، وفرصة من الفرص الربانية التي يتيحها الله عز وجل للمؤمنين للدخول عليه من أوسع باب ومن أسهل طريق، وكان السلف يسألون الله عز وجل أن يبلغهم رمضان، يقولون: اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان. يقول الناظم: يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب حتى عصى ربه في شهر شعبان ها قد أظلك شهر الصوم بعدهما فلا تصيره أيضاً شهر عصيان أتل الكتاب وسبح فيه مجتهداً فإنه شهر تسبيح وقرآن كم كنت تعرف ممن صام في سلف من بين أهل وجيران وإخوان أفناهم الموت واستبقاك بعدهم حياً فما أقرب القاصي من الداني ومعجب بثياب العيد يقطعها فأصبحت في غدٍ أثواب أكفان حتى متى يعمر الإنسان مسكنه؟ مصير مسكنه قبر لإنسان ولقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح برغم أنف من أدرك رمضان ولم يغفر له، عندما صعد المنبر فقال: (آمين آمين آمين، قال الصحابة: لم يا رسول الله تقول آمين؟ قال: جاءني جبريل فقال: رغم أنف من أدرك رمضان ولم يغفر له) شهر رمضان تغلق فيه أبواب النيران، وتفتح فيه أبواب الجنان، وتغل فيه مردة الشياطين، وينادي منادٍ: يا باغي الخير أقبل! ويا باغي الشر أقصر! وتضاعف فيه الحسنات، وبعد ذلك تسهر للشر؟ يقولون: نحييه، أتشكل لك جماعة شر من أجل أن تحيي ليالي رمضان؟! أهكذ يكون إحياء رمضان؟! لا. إنما أحياؤه بالقيام وبالعلم، وبتدبر وتلاوة كتاب الله، أما إحياؤه بالورق والبلوت والجراك والشمة والدخاخين والسهرات القاتلة، فهذا إماتة لرمضان والعياذ بالله. فإذا جاء رمضان شكل لك جماعة، لكن جماعة إيمانية، كل ليلة عند شخص على شيء من علم، اليوم تفسير، وغداً حديث، وبعده فقه، وبعده توحيد، وهكذا أما اليوم على البلوت، وغداً على الورق، وبعده على الكيرم، فهذا لا يجوز. وأما من يذهب إلى خارج المملكة ليأخذ عمرة؛ لأنه ورد في صحيح البخاري: (عمرة في رمضان تعدل حجة معي) فالعمرة إلى مكة، لكن من يأخذ عمرة ويخرج خارج المملكة، ليقضي على دينه في الخارج! هذا لا يأخذ عمرة، بل يبيع عمره يضيعه والعياذ بالله، نقول له: اتقِ الله في نفسك! واتقِ الله يا ولي أمره! وإذا لم تخرج أنت وخرج ولدك فالمال الذي خرج به ليزني أو ليسكر والله إن إثمه كله في رقبتك. وقد أتانا في رمضان الماضي أحد الأثرياء في أبها ودخل معنا في المسجد يصلي، وبعد الصلاة دعاني فقال لي: هيا معنا، قلت له: وأين تسكن؟ قال: أسكن في شقة من الشقق التي للمصيفين، قلت له: الحق أن تأتي معي، قال: ما في حق ولا حقوق، نحن جيران المسجد، فدخلت عنده من باب الإكرام له، وكنت غير مشغول في تلك الليلة، وإذا جماعته الذين معه كلهم أصحاب دنيا، ملايين، فضاق صدري، وأصبحت مثل الطائر في القفص، أريد ذكر الله وهؤلاء ليس عندهم إلا الأراضي والعقارات، قلت: يا أخي. قال: نعم. قلت له: أنت من أهل الملايين؟ قال: نعم. قلت: أحسن الله عزاك في حياتك! وأين ملايينك؟ قال: الحمد لله في خير، قلت: كم بنيت من مساجد؟ قال: لا شيء. قلت: كم أرسلت للمجاهدين؟ قال: لا شيء إلا الزكاة، كم كم وأخذت أسأله، ثم قلت له: أين أولادك؟ قال: عندي أولاد في الرياض وأولاد في فرنسا. قلت: ما يفعلون؟ قال: يصيفون. قلت: ومن أين لهم المال؟ قال: المال مني. قلت: وزودتهم أيضاً بالمال، والله لا يعصون الله في شيء إلا وهي في رقبتك يوم القيامة، انتبه! لا تعط ولدك ريالاً واحداً ليخرج خارج هذه البلاد، وولاة الأمر حريصون على ألا يعطوا أحداً جواز سفر إلا بموافقتك أنت، كيف ترسل ولدك إلى الأماكن الموبوءة القذرة المنتنة، وتزوده بالمال وتقول له: اذهب، ثم تريده أن يرجع ومعه دين، لا. لا يمكن أبداً بأي حال من الأحوال. أما ما يصنعه الناس اليوم في استقبال شهر رمضان على أنه موسم من مواسم الأكل، فهذا خطأ وضد شريعة الصوم، وإنما شرع الصوم من أجل أن نعرف ألم الجوع ونعاني معاناة الفقير، ونصبر عن الطعام، لكن حولنا وقلبنا المسألة! أصبح رمضان شهر طعام ومطاعم، يقضي الرجل سحابة نهاره من الصباح إلى العصر وهو متنقل بين البقالات، بل رأيت أحد أقاربي وهو يريني كشف الطلبات وفيه كرتون شربة! كرتون شعيرية! قلت: كرتون! لماذا كرتون؟! قال: رمضان كريم! قلت: رمضان كريم لتأكل فيه؟! رمضان كريم لتشتري فيه كرتوناً وتوزعه على الفقراء الذين ليس لديهم شيء، ليس لكي تملأ مخازنك، وتأكل حتى تمتلئ كل أجزاء بطنك. تصوروا أن بعضهم لا يستطيع أن يقوم من السفرة؛ لأنه لا يفطر على تمرات، وإنما يفطر على تمرة وشربة وسنبوسة وحلوى، وشراب، وعصيرات، ولو أن جملاً أكل هذا الفطور كله لمات، ثم يذهب ليصلي فيبحث عن أقرب مسجد وأسرع إمام، ثم يرجع بعد المغرب إلى العشاء والسفرة ممدودة، ولا بد أن يعمم عليها كلها، كيف يترك هذه، بل يأكل من هذه وهذه ومن هذه، ولو أكل من كل نوع لقمة لامتلأت بطنه وانفقع، ولكن يأكل من هذه قليلاً ومن هذه قليلاً، وإذا انتهى قال: ائتوا بالماء لأغسل يدي، وبعد ذلك إذا أذَّن العِشاء لا يستطيع أن يقوم من مكانه، إذا أراد أن يقوم فاتته الفريضة. فكثير من الناس يدركون التراويح ويضيعون الفريضة، والتراويح سنة مؤكدة والفريضة فريضة، ويأتي يصلي النافلة ويترك الفريضة، فهذا منكوس -والعياذ بالله- وبعضهم يبحث عن إمام يصلي صلاة حسنة خفيفة، يعني: يريد أن يصليها في غمضة عين، وإذا وجد شخصاً مؤمناً يرتل كلام الله، ويخشع في كلام الله، قالوا: هذا مُعقد مُشدد! والله إن أرجلي قد تكسرت! ولماذا تكسرت رجلاك هنا ولم تتكسر في السوق وأنت من الصباح إلى المغرب هناك، في البقالات والأسواق المركزية، وعند الحنيذ والحلويات والمشويات والمقليات؟ لكن عندما تكون بين يدي الله في ركعتين أو أربع أو ست ركعات تتكسر أرجلك، وإذا بك متعب هنا ونشيط هناك، فهذا قلب فاسد والعياذ بالله. وأقول لكم يا إخواني: استقبلوا شهر رمضان بتلاوة كتاب الله، وبمدارسة العلم، ولا تشتر شيئاً جديداً، بل اترك رمضان مثل شعبان تماماً. وأنا شخصياً قلت لأهلي: والله لا آتي بشيء زائد عن شهر شعبان، بل أُنقص، لأننا كنا نفطر ونتغدى ونتعشى في غير رمضان، وفي رمضان ماذا جرى؟ هو سحور وفطور فقط، أي: وجبتين، إذاً أُنقص الثلث؛ لأنه لا يوجد غداء. وبعد ذلك اجعل أهلك يصنعون لك نوعاً أو نوعين من الطعام فقط، ثم أفطر على تمرات أو ماء، ثم قم إلى المسجد وارجع على نوعين من الطعام، وبعد ذلك صل، وبعد الصلاة ارجع إلى أهلك فإن كان هناك شيء خفيف تأكله وإلا فاصبر حتى تتسحر (تسحروا فإن السحور بركة). والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا

أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان لغاية عظيمة ولهدف جليل ألا وهو عبادة الله سبحانه وتعالى وإفراده بالتوحيد والعبودية، وأمر بذلك وأنزل الكتب وأرسل الرسل مبشرين ومنذرين، فمن أقر لله بالعبودية وأفرده بالتوحيد نال ما بشره الله به، ومن خالف وعصى نال ما توعده الله به، فعلى الإنسان في هذه الدنيا أن يعمر أوقاته بما يعود عليه بالعاقبة الحميدة في الآخرة.

الغاية من خلق الإنسان

الغاية من خلق الإنسان إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: عباد الله: ما هذه الحياة؟ وما حقيقتها؟ ولماذا جاء إليها هذا الإنسان؟ ومتى سينقل منها بعد أن يؤدي دوره على مسرحها؟ وما هو المصير الذي ينتظره بعد أن يخرج رغم أنفه منها؟ الموت باب وكل الناس داخله يا ليت شعري بعد الباب ما الدار الدار جنة عدن إن عملت بما يرضي الإله وإن خالفت فالنار هما طريقان ما للمرء غيرهما فاختر لنفسك أي الدار تختار أيها الإخوة في الله: هذه الحياة لغزٌ محير، حارت في فهمه العقول في القديم والحديث، وعجزت كل الفلسفات البشرية أن تحل هذا اللغز أو تقدم الإجابة الصحيحة على هذه التساؤلات، وضل الإنسان، وشقي وحار، واضطرب وتاه، وبقي سعفة في مهب الرياح في صحراء هذه الحياة، لا يدري من أين جاء، ولا يدري لماذا جاء، ولا يدري إلى أين يصير بعد هذه الحياة. إن حصول الشقاء لهذا الإنسان هو لقاء إعراضه عن مولاه، وتحقيق لقول الله عز وجل فيه: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه:124 - 127]. ضل الإنسان؛ لأنه لم يتعلم من الله الذي خلقه. إن حكمة الخلق لا يمكن أن يتعرف عليها الإنسان من عندياته، فلابد أن يتعلم هذه الحكمة من الذي خلقه، وأنت أيها الإنسان لم تخلق نفسك، قال الله: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ} [الطور:35 - 36] إن خالق الإنسان وخالق الكون هو الله الذي لا إله إلا هو: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الزمر:62 - 63] {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً * إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالاً وَسَعِيراً * إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً} [الإنسان:2 - 5]. الأبرار: أي المستجيبين لله: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان:5 - 6] ليسوا عباد الشهوات، ولا عباد الذنوب والمعاصي والمنكرات، ولكنهم عباد الله، أخضعوا أنفسهم في هذه الدنيا لأوامر الله، واستسلموا لشريعة الله، وآمنوا بالله، رضوا به رباً، وبدينه ديناً، وبنبيه نبياً، فعاشوا على نورٍ من الله وبرهان: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} [الإنسان:6 - 7]. تعلموا هذه الحقيقة من الله، أنهم ما خلقوا عبثاً؛ لأن العبث محال على الله، بل العبث غير لائق بك أيها الإنسان! لو بنيت جداراً في بيتك، أو صممت عملاً في محيط اختصاصك، ثم سألك أحد الناس، وقال لك: لمَ هذا؟ فقلت: عبثاً، أليس نقصاً في رجولتك؟ أليس قدحاً في عقليتك أن تعمل شيئاً عبثاً بدون حكمة؟ نعم. والمحال الأعظم أن يخلق الله هذا الكون وهذه العوالم، سماوات وأرض، وبحار، ونجوم، وجبال وشجر، ودوابٌ وأنعام، وليلٌ ونهار محال أن يخلقها الله عبثاً. يقول الله عز وجل: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} [المؤمنون:115 - 116] تعالى وتقدس أن يخلق شيئاً عبثاً: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:116] وقال سبحانه: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} [الدخان:38] {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:17 - 18]. ويقول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص:27]. إن الله عز وجل ما خلقك عبثاً، بل خلقك لحكمة، هذه الحكمة تعرفها من قول الله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] هذه حكمة خلقك، وهذا سبب وجودك: أن تعمر هذه الحياة بعبادة الله: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:58]. الرزق مكفول، والعمر محدود، والإمكانات موفرة، والمنهج واضح، والطريق مستقيم، وأنت مأمورٌ أن تسير على هذا المنهج، وأن تواصل السير على هذا الطريق المستقيم، وألا تلتف أو تنحرف؛ فإنك إن انحرفت عن هدي الله وعن طريق الله، كان المصير دماراً وعذاباً في الدنيا، ودماراً وبواراً في النار: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:124] يعني: في الدنيا معيشة ضنكاً، والله ولو امتطى أحدث الموديلات، ولو امتلك ملايين الريالات، ولو نكح أجمل الزوجات، ولو سكن أرفع العمارات، ولو احتل أحلى وأعلى الرتب والمناصب، وقلبه بعيدٌ عن الله، فإن هذه كلها لا تزيده إلا عذاباً.

السعادة في ظل الإيمان

السعادة في ظل الإيمان في ظل الإيمان بالله، وفي ظل الدين يعيش الإنسان سعيداً ولو سكن كوخاً، ولو أكل رغيفاً، ولو لم يتزوج زوجةً، ولو لم يحتل منصباً، ولو لم يملك ريالاً واحداً؛ لأن الله جعل السعادة في دينه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} [مريم:96] فالمنهج والحكمة التي خلقك الله من أجلها هي العبادة، والذي يعيش على غير هذه الحكمة، يعيش ضالاً ضائعاً منحرفاً. يقول شاعرهم: جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت كيف جئت؟ كيف سرت؟ كيف أبصرت طريقي؟ لست أدري؟ ولماذا لست أدري؟ لست أدري؟ ووالله إن هذا لمنتهى العذاب، أن يعيش الإنسان وهو لا يدري لماذا يعيش، وهذا السبب هو الداء الذي تعاني منه البشرية اليوم، رغم أنها استطاعت أن تحقق من الإنجاز العلمي في المجال المادي ما يبهر العقول، ولكنها في الجانب الروحي والإيماني تعيش في فقرٍ روحيٍ وخواءٍ إيماني؛ فسبب لها هذا الشقاء، فتجدهم -الآن- في الغرب ينتحرون وتزعزعهم وتقلقهم الأمراض النفسية. والطب النفسي لم يكن موجوداً، والأمراض النفسية سببها عدم القرب من الله، سببها التفكير في هذه الحياة، يفكر الواحد يقول: أنا لماذا أعيش؟ فيقول: أعيش لآكل، فيقول: حسناً! وأنا آكل لماذا؟ فيكون A إنك تأكل لتعيش، وتعيش لتأكل، وتأكل لتعيش، وهكذا تبقى في حلقة مفرغة، تأكل لتعيش، وتعيش لتأكل وبعد ذلك يجب أن تجيب بالجواب الحتمي: ثم أموت، تموت رغم أنفك، فلا يبقى لك منصب، ولا تبقى لك رتبة، إذ لو بقيت لغيرك ما وصلت إليك، ولا يبقى لك شباب إذ أن شباب هذه الدنيا إلى هرم، وعافيتها إلى سقم، وحياتها إلى موت، وقصورها إلى قبور، ونورها إلى ظلام.

دعوة إلى المحاسبة والاستدراك قبل الرحيل

دعوة إلى المحاسبة والاستدراك قبل الرحيل هذه الأيام مطايا أين العدة قبل المنايا أين العزائم أرضيتم بالدنايا؟ إن بلية الهوى لا تشبه البلايا وإن خطيئة الأحرار لا كالخطايا قضية الزمان لا كالقضايا! ملك الموت لا يعرف الوساطة ولا يقبل الهدايا أيها الشاب! ستسأل عن شبابك أيها الكهل! تأهب لعتابك أيها الشيخ! تدبر أمرك قبل سد بابك يا مريض القلب قف بباب الطبيب يا منحوس الحظ اشك فوات النصيب لذ بالجناب ذليلاً وقف على الباب طويلاً فأنت بداء التفريط والتسويف عليلا يا من عليه نذر الموت تدور يا من هو مستأنسٌ في المنازل والدور لا بد من الرحيل إلى دار القبور والتخلي عما أنت به مغرور غرك والله الغرور بفنون الخداع والغرور يا مظلم القلب وما في القلب نور الباطن خراب والظاهر معمور إنما ينظر إلى البواطن لا إلى الظهور لو تفكرت في القبر المحفور وما فيه من الدواهي والأمور كانت عين العين منك تدور يا من يجول في المعاصي قلبه وهمه يا معتقداً صحته فيما هو سقمه يا من كلما زاد عمره زاد إثمه يا طويل الأمل وقد تيقن أن اللحد عما قليلٍ يضمه استدرك العمر قبل رحيله فكيف نعظ من قد نام قلبه لا عينه وجسمه قال الفضيل بن عياض رحمه الله: [إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار، فاعلم أنك محروم، كبلتك خطيئتك]. فيا عباد الله! الحكمة التي خلقكم الله من أجلها هي العبادة، والذي لا يسير في هذه الحكمة ولا يمشي في هذا الخط سيعيش في عذاب، شاء أم أبى، يقول الله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:36 - 37]. بالإيمان تعيش سعيداً، وبالإيمان تموت سعيداً حينما يأتيك الطلب الذي لا يستطيع أن ينجو منه أحد الموت قاهر الجبابرة قاهر العظماء لا يمتنع منه أحدٌ لا ملك بملكه ولا أميرٌ بإمارته ولا تاجرٌ بتجارته ولا قوي بعضلاته ولا عالمٌ بمعارفه لكن الكل يموتون: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30] وهذه القضية عبر الاستطراد والاستقراء للتاريخ ما علمنا أن أحداً شذ عنها، هل سمعتم بأن إنساناً استطاع أن ينجو من الموت؟ لا.

البعث والنشور

البعث والنشور هذه قضية ثانية: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:16] فما دام أن الأولى حصلت وهي أن الموت سنة جارية على الكبير والصغير، فلابد أن تحصل الثانية وهي البعث، إذ لو تخلفت الأولى؛ لجاز أن نقول: تتخلف الثانية، وعندما يأتي الموت لا ينفع مالٌ ولا بنون، إلا من أتى الله بقلبٍ سليم. عند الموت لا تحاسب ولا تعامل على ضوء منزلتك الاجتماعية، ولا رتبك الوظيفية، ولا أرصدتك المالية، ولا وضعك الرياضي، ولا شهاداتك العلمية، كل هذه نفعتك في الدنيا؛ لكن عند الموت يوجد مؤهلات أخرى إذا جئت بها نلت الكرامة وإذا لم تأت بها ليس لك عند الله قيمة. ما هي مؤهلاتك في الآخرة؟ التوحيد الخالص الصلاة الخاشعة في جماعة المسلمين الزكاة المدفوعة الصيام الزاكي الحج المبرور بر الوالدين صلة الأرحام الدعوة إلى الله الأمر بالمعروف النهي عن المنكر العيش لهذا الإسلام الدفاع عن هذا الدين الحب في الله البغض في الله هذه مؤهلات تنفعك عند الموت ولو كنت في أقل رتبة، ولو كنت لا تملك ريالاً واحداً، لكن لو عندك أعلى رتبة وأعظم مال ولا تملك هذه المؤهلات فليس لك عند الله قيمة: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} [الكهف:105] هذه موازين الدنيا، لكن موازين الآخرة تختلف عن موازين الدنيا. مر رجلٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم في طمرين -طمرين يعني: ملابس رثة- باليين، وحالة رثة، وهيئة ضعيفة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (ما ترون في هذا -يعني: ما رأيكم في هذه الشخصية- قالوا: هذا رجل ضعيف، جدير إذا خطب ألا ينكح، وإذا تكلم ألا يسمع له، وإذا دخل ألا يقام له -يعني: ليس له قيمة في المجتمع- فهز صلى الله عليه وسلم رأسه، ثم مر رجلٌ آخر على حصان -شخصية بارزة- عليه ثيابٌ عظيمة، وفي يده سيفٌ مصلت، يمتطي جواداً عظيماً، قال: وما رأيكم في هذا؟ قالوا: هذا حري إذا خطب أن يزوج - لا أحد يرده- وإذا تكلم أن يسمع له، وإذا دخل أن يقام له، فقال عليه الصلاة والسلام: والذي نفس محمدٍ بيده إن الأول أفضل عند الله من ملئ الأرض من مثل هذا) لماذا؟ لأن الموازين هي موازين ربانية، فعند الموت لا تعامل على ضوء شيء من هذه الماديات، فانتبه لنفسك؛ لأن الله يقول: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:94] جئت إلى الدنيا واستقبلوك في خرقة، وعشت على ظهر الدنيا حتى تموت، ثم يخرجونك منها في خرقة ثانية، وأنت لما بين الخرقتين. هل سمعتم أن إنساناً دفن في قبره ومعه دفتر الشيكات؟ أو دفن في قبره وعليه البدلة الرسمية ذات الرتب العالية؟ أو دخل في قبره ومعه أولاده أو أمواله أو أزواجه؟ لا والله ما سمعنا بهذا، بل يخرج الإنسان من الدنيا كما تخرج الشعرة من العجين، ويلف في الكفن، ويفرد في قبره، ويوضع معه العمل، فإن كان قد تعرف على العمل وعمل صالحاً؛ فأنعم به وأكرم، وإن كان غافلاً، ضالاً، تائهاً، يشبع بالشهوات ويلهو في المعاصي والمنكرات، ولا يؤدي الفرائض ولا الواجبات، لا يعرف مسجداً، ولا يقرأ قرآناً، ولا يحني رأسه لدين الله؛ فهذا إذا ضرب رأسه في القبر انتبه مثل النائم السكران، وقد أخبر الله عنه بقوله: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون:99] لماذا؟ تقول له الملائكة لماذا ترجع؟ قال: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:100]. فلماذا لا تعمل من الآن؟ ما الذي غرك؟ تؤجل العمل حتى تدخل القبر ثم تقول ردوني أعمل صالحاً؟! كلا. لن يردوك، لم يعد هناك فرصة، فاعمل الآن قبل غد. {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:100]. قال الله: {كَلَّا} [المؤمنون:100] وكلا: أداة زجر وردع وتوبيخ: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} [المؤمنون:100] هذا المتلاعب، هذا المهمل يريد الشيء على ما يريد، ومثله كمثل طالب في المدرسة أو في الجامعة، أخذ المقررات الدراسية، وعرف الواجبات، ولكنه أهمل ولم يحضر حصةً، ولم يصغ لدرسٍ، ولم يحل واجباً، ولم يحضر المدرسة، وفي آخر العام الدراسي عُلق جدول الامتحان وقال له زملاؤه: بقي معك فرصة الامتحان بعد عشرين يوماً، أو بعد خمسة عشر يوماً، فذاكر واجتهد. قال: بلا امتحانات بلا تعقيد، دعوني أعيش بلا هم، هذا الامتحان يُعَقدني، ولما جاءت الامتحانات دعاه أبوه وجاء به غصباً ليمتحن، فدخل قاعة الامتحان، ولما قدمت له أوراق الأسئلة نظر إليها، ورأى أنه لا يعرف منها حرفاً واحداً، فقام وقال: أريد رئيس لجنة الامتحان. فسألوه: ما بك؟ قال: أريد رئيس اللجنة، فلما حضر قال له: يا أستاذ! أرجو منك أن تعطيني خمس دقائق أو عشر دقائق لأخرج خارج القاعة أراجع هذه المواد ثم أعود وأختبر. ما رأيكم هل يعطونه ذلك؟ لا يعطونه ذلك أبداً، يقولون: اذهب يا دجال، أنت كذاب لعاب، طيلة العام جالس على اللعب وبعد ذلك تريد أن تنجح مثل هؤلاء المجتهدين؟ لا. فليس معك إلا الذي معك، فالذي في رأسك اكتبه، إن كان صواباً تنجح، وإن كان خطأ تسقط وترسب. أيها الأحبة: هذه امتحانات الدنيا، وكذلك امتحانات الآخرة فذاكر من الآن، لا تهمل أوامر الله، ليس لديك إلا فرصة واحدة، وليس لديك إلا دور واحد، جنةٌ أو نار، لا يوجد بعدها فرصة أخرى، أما الدنيا إذا سقطت في الدور الأول تنجح في الدور الثاني، وإذا لم تنجح هذه السنة تنجح في السنة الثانية، وإذا لم تدرس أصلاً تعيش ولو بغير وظيفة أو بغير دراسة، لكن ليس في الآخرة إلا الجنة أو النار، ومؤهلات الجنة هي الأعمال الصالحة، تنفعك في الدنيا، وتنفعك عند القبر وعلى الصراط، وتنفعك بين يدي الله عز وجل. أما من يرفض الدين ويستمر سادراً في غيه، عبداً لشهواته؛ فهذا ما سنبين جزاءه في الخطبة الثانية. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الجزاء المترتب على عدم الاستجابة لداعي الله

الجزاء المترتب على عدم الاستجابة لداعي الله الحمد لله على إنعامه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه. أما بعد: عباد الله: قد علمتم جزاء الذين يستجيبون لداعي الله، يقول الله عز وجل: {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى} [الرعد:18] الحسنى: هي الجنة، والذين لم يستجيبوا؟ {لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [الرعد:18]. إذا كان الشخص لا يريد طريق الله يُترك؛ لأن الله يقول: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} [الزخرف:83] {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:3] {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ} [المرسلات:46] ويقول الله: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية:25 - 26] ويقول: {فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا} [لقمان:23]. الذي لا يريد السير على الطريق الصحيح سوف يندم، ويعضُّ على يديه وليس على أصابعه، يأكل يديه أكلاً، كما ذكر الله القصة في سورة الفرقان، يقول عز وجل: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} [الفرقان:27] الظالم لنفسه بالمعاصي؛ لأن الله يقول: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق:1] {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً} [الفرقان:27]. يقول: ليتني اتبعت طريق النبي وسنته وسرت على هديه: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً} [الفرقان:28] (فلان) نكرة، فلان خليل من فلان؟ فمن الممكن أن يكون زميلاً، أو شريطاً، أو كتاباً، ومن الممكن أن يكون ريالاً أو درهماً أو ديناراً، ومن الممكن أن يكون منصباً أو جاهاً، ومن الممكن أن يكون زوجة أو والداً أضله عن الله، يقول الله: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} [الفرقان:28 - 29] حرفني عن طريق الله بعد أن هداني الله: {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} [الفرقان:29]. يعض الرجل على يديه من الحسرة والندامة، حين يرى أهل الإيمان يقادون إلى الجنان، وهو يقاد إلى النيران، يُسحب على وجهه، يقول الله: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} [القمر:48] ويقول الله عز وجل: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً} [الإسراء:97]. قالوا: (كيف يا رسول الله يمشي على وجهه؟! قال: أليس الذي أمشاه في الدنيا على قدمين قادر أن يمشيه في الآخرة على وجه؟ قالوا: بلى) الآن نرى حيوانات وزواحف تمشي على وجوهها كالسلحفاة، والحية، والعقرب، والثعبان كلها تمشي على وجهها، ويوم القيامة يُبعث الكافر يمشي مثلما تمشي الحية، يزحف على وجهه إلى النار، ويُسحب، وكذلك الفاجر والعاصي: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:48 - 49]. ولا يوجد شيء عبثاً، الله خلقك وخلق فيك العينين، والشفتين، واللسان، والأذنين، واليدين، والرجلين، والقلب، والفؤاد من أجل ماذا؟ من أجل أن تأكل وتشرب وتلعب وتنام وتداوم؟! فقط من أجل هذا؟ لا. فهذه عمل الحيوان، فلو سألت الحمار أو البقرة أو الثور ماذا يفعل؟! ليس له إلا أن يأكل ويشرب وينكح ويرقد، وأنت تريد أن تصير مثله، هؤلاء الملاحدة والكفار الذين يقولون: نحرر الإنسان من الدين، وهم في الحقيقة ينزلونه إلى مرتبة الحيوان، يجعلونه كالكلب والخنزير، والقرد والحمار.

الفرق بين الإنسان وسائر المخلوقات

الفرق بين الإنسان وسائر المخلوقات إن الفارق بين جميع المخلوقات وبينك أيها الإنسان! هو هذا الدين وهذا الإيمان، والذي ليس له دين ليس له -والعياذ بالله- قيمة في هذه الحياة، والله يقول فيهم: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12] ويقول: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179]. لديه عقل لكنه لم يستعمله في طاعة الله، استعمله في المنكر والباطل وأمور الدنيا، وله عين لكنه ما استعملها في النظر إلى ملكوت الله، وإلى كتاب الله وسنة رسول الله، بل استعملها في النظر إلى النساء، ومتابعة الحرام، فيحرق قلبه ويُغضب ربه، وله أذن ما استعملها في سماع آيات الله، وبعض الناس يمر عليه الشهر ولم يسمع فيه آية من القرآن، وبعض الناس يدخل عليه الشهر ويخرج ولم يقرأ فيه من المصحف حرفاً واحداً، وإذا حمل المصحف في يوم جمعة أو في صلاة من الصلوات، قرأ من أي مكان، من غير تدبر ولا تمعن، والآن كلكم دخلتم قبل الخطبة وقرأتم القرآن، وبعد الصلاة لو وقف واحد على الباب وسأل كل واحد ماذا قرأت؟ وما هي السورة التي قرأت؟ يمكن أن تعرف السورة، ولكن ما هي المواضيع التي طرقها القرآن في قراءتك له؟ ما هي الأوامر الموجهة لك؟ ما هي النواهي المنهي عنها؟ ما هي الأخبار التي جاءت في القرآن الذي قرأت؟ يمكن لا ينجح (1%) قرأ القرآن من وقت دخوله وهو يتمتم، لكنه لا يدري ماذا يقول، فكيف تأتي الهداية؟ فالحسرة والندامة تقطع قلب الإنسان وهو يُقاد إلى النار، حينما يرى أهل الإيمان يقادون إلى الجنة، وفي الدنيا يعيش في عذاب، يعيش الإنسان في هذه الدنيا قبل الآخرة في عذاب، إذا لم يكن مسلح بالإيمان، ولذا يغالط الإنسان نفسه؛ بأن يضفي على حياته أشياء كثيرة من المسليات والملهيات، من أجل أن ينتقل من واقعه المرير؛ ليعيش في بعدٍ عن الله، إذا اشترى مجلة أول شيء يقرأه فيها الصفحة الضاحكة، يريد أن يضحك، وإذا اشترى جريدة فأول شيء يبحث عنه نكتة اليوم، وإذا علم عن فلم سارع بشرائه ليضحك، وإذا سمع بمسرحية يريدها لكي يضحك، فلماذا؟ لأن هذا الإنسان داخله في عذاب، ويريد أن يسلي نفسه عن هذا العذاب بهذه الأشياء؛ فيزيد الطين بلة، (يريد أن يكحلها فيعميها) إذا أراد أن يبعد ما في نفسه من العذاب فعليه بكتاب الله وبالتوبة إلى الله، وبالرجعة إلى دين الله، ينزع الله من قلبه القلق والحيرة والاضطراب، ويزرع الله في قلبه الأمن والطمأنينة والأمان؛ لأن هذه من ثمار الدين: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28].

حال المؤمن عند الموت

حال المؤمن عند الموت إن العبد المؤمن إذا جاءه ملك الموت تأتيه البشارات من الله، تبشره الملائكة وهو عند أهله، يقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت:30]. الله أكبر! قالوا: ربنا الله، ثم برهنوا على هذا الادعاء بالاستقامة. ما هي الاستقامة؟ هي السير على الطريق الصحيح، وأنتم تعرفون عندما يقال: فلان رجل مستقيم، أي: يمشي على الطريق الصحيح، وفلان منحرف، أي: مائل عن الطريق، يقع في الزنا في الغناء في الربا في الرشى في الكبر في الغلط وذاك مستقيم من بيته إلى مسجده إلى عمله إلى مسئولياته، فلا تراه إلا في الحق، ولا تجده إلا فيما يرضي الله، فقدمه لا تحمله إلى منكر ويده لا تمتد إلى منكر وعينه لا تمتد إلى حرام وأذنه لا تسمع لحرام ولسانه لا يتكلم بحرام وبطنه لا يمكن أن يسقط فيها شيء من الحرام وفرجه لا يمكن أن يطأ الحرام والاستقامة -كما يقول الرياضيون في تعريف الخط المستقيم: إن الخط المستقيم هو أقرب الطريق بين نقطتين- وهي نقطة الدنيا ونقطة الآخرة، وأقرب طريق موصل لها الخط المستقيم. لكن الخط المنحرف فيه منعطفات، وهذه المنعطفات توصل الإنسان إلى النار، فالله يقول: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت:30] ماذا يحصل لهم في الدنيا؟ قال الله: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ} [فصلت:30] أي: عند الموت: {أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30] لا تخافوا مما أمامكم، ولا تحزنوا على من خلفكم، أمان على الماضي والمستقبل، فالمستقبل: لا تخف، والماضي: لا تحزن، والحاضر: قال: {وَأَبْشِرُوا} [فصلت:30] هذا الحاضر: {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30] وكأن الواحد يقول: لماذا هذا الاستقبال؟ ولماذا هذه البشرى؟ ولماذا هذه الطمأنة؟ قالوا: {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [فصلت:31]. لما كنتم أولياء لله في الدنيا؛ نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولو كنتم أولياء للشيطان، تطيعونه وتعبدونه وتسيرون في خطه، لكنا لكم أعداء؛ لأن الله سمى هؤلاء أعداء: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ} [فصلت:19] أولياء الشيطان هم أعداء الله، وأولياء الله هم أعداء الشيطان، فالذي يوالي الله تواليه الملائكة، والذي يعادي الله تعاديه الملائكة، فتقول الملائكة: {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [فصلت:31]. كنا في الدنيا معكم نثبتكم على الإيمان، وفي الآخرة معكم. قال الله تعالى: {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ} [فصلت:31] لأنكم حجزتم أنفسكم في الدنيا عن الشهوات، يمر الشاب المسلم على الأغنية وهي تقطع قلبه مما كان يحبها في الماضي، لكنه يقارن ويوازن بين غضب الله وسخطه وبين هذه الأغنية، فيؤثر رضا الله ويترك الأغنية وقلبه يتقطع يريد أن يغني، هل تتصورون أن المهتدي والملتزم أنه لا يحب الأغاني؟ لا. بل يحبها، مثلما تحبها أنت، يمر على المرأة ويراها جميلة تؤشر له بعينها أو بيدها؛ ولكنه يغض بصره خوفاً من الله، ونوازع الشهوة في قلبه تحترق؛ لكنه يقهرها خوفاً من الله؛ فيصبر والعاقبة للصابرين. يقوم في الليل ليصلي، ويقوم إلى المسجد في الفجر ليؤدي الصلاة، والبرد قارص، والظلام دامس، والنوم جميل، والفراش دافئ، والزوجة جميلة؛ ولكنه يسمع: الله أكبر! فيترك كل شيء ويقوم إلى الله أكبر، هذه فيها تعب؛ ولكنه أرغم نفسه على هذا، يقول الله عز وجل يوم القيامة: {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ} [فصلت:31]. يبدلك الله بالزوجة اثنتين وسبعين زوجة، وبالأغنية -كما جاء في الحديث- تركب مزامير من مزامير آل داود على أوراق الجنة، ثم تعزف تلك المزامير بعد أن تهب عليها ريحٌ من تحت العرش، يقال لها: المثيرة، فتعزف بألحانٍ ما سمعت بمثلها الآذان، تغني معها الحور العين على ضفاف حضيرة القدس، يسبحن الله عز وجل بالعشي والإبكار، هذا السماع العظيم، بدلاً من (يا ليل يا عين)، تركت هذا من أجل ذاك، فنلت الدنيا والآخرة. {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت:31] أي: ما ترغبون وما تريدون، هذا جزاء المؤمنين، وذاك الذي لا يريد نقول له: اصبر وانتظر، يقول الله عز وجل: {فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ} [الدخان:59] {وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ} [السجدة:30] ويقول: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:3].

حال الكافر والعاصي عند الموت

حال الكافر والعاصي عند الموت إن الكافر يعيش هذه الدنيا في عذاب، ويوم يموت تأتيه ملائكة العذاب، وتقول: يا أيتها الروح الخبيثة! أخرجي إلى سخطٍ من الله وغضب، فتخرج روحه ثم لا يدعوها طرفة عين حتى يضعونها في مسوح من النار، ويصعدون بها إلى السماء، ولها ريحٌ كأنتن ريحِ جيفةٍ وجد على وجه الأرض، ثم يدعى بأسوأ الأسماء التي كان يعرف بها في الدنيا، فإذا بلغ بها السماء واستفتح لها، غلقت أبواب السماء دونها؛ لأن الله يقول: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} [الأعراف:40] لا يدخلون الجنة، ولا تفتح لهم أبواب السماء. لماذا؟ لأنهم استكبروا، والكبرياء خطيرة، الكبرياء هي منزلة للشيطان، تكبر فماذا حصل؟ يعني: صاحب الشهوة والمعصية يرجى له توبة، لكن صاحب الكبرياء يُخاف عليه من اللعنة، لأن آدم عصى مشتهياً فتاب وتاب الله عليه، وإبليس عصى مستكبراً، لما قال الله له اسجد: {أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:34] فكتبت عليه اللعنة، ونحن أكثر ما نخشى من الكبر، خصوصاً على أصحاب الرتب، فأصحاب الرتب يأتيهم الشيطان ويزين لهم الكبرياء والتعالي والتعاظم على من هو دونهم في الرتب، فيحصل لهم من هذا ضلالٌ لا يعلمه إلا الله، فتواضع لله يرفعك في الدنيا والآخرة؛ لأن من تواضع لله رفعه الله، ومن تعاظم على الله، وضعه الله. تجد مثلاً المدير أو القائد أو الزعيم أو اللواء أو الأمير، إذا تواضع (وبش) وسلَّم ورقَّ واحترم وقدر الناس، هؤلاء يحترمونه من قلوبهم. وإذا أحيل على المعاش والتقاعد بعد ذلك فلا تذهب منزلته من قلوبهم، تبقى منزلته في قلوبهم إلى أن يموت، ويوم أن يموت ويذكر يقولون: (الله يذكره بالخير)، لكن المتكبر المتعاظم يُحترم لكن بالقوة، فإذا زالت عنه الرتبة والله لا يسلمون عليه في الشارع، لا يقولون له: السلام عليكم، لماذا؟ لأنه كان يفرض عليهم بالقوة؛ لكن لو أنه أعطاهم الاحترام بالقدوة، وانتزع منهم الحب بالتواضع؛ لتغير ذلك نحوه، فمن تواضع لله رفعه، والذين يستكبرون كما جاء في الحديث والحديث في صحيح مسلم قال: (لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر) هذا مثقال ذرة فكيف بالذي عنده قنطار من كبر؟ يمشي وإذا مشى كأن أنفه معلق في السماء، لا يمشي وعينه في الأرض، لا. هكذا لماذا تتكبر؟ وبماذا تتكبر؟: {يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} [الانفطار:6 - 7] لماذا تتكبر؟! ارجع إلى أصلك، يا بن الأربعين سنة! أين كنت قبل أربعين سنة؟ كنت نطفة مذرة، خرجت من مجرى البول مرتين، الأولى: من ذكر أبيك، والثانية: من فرج أمك، وأنت بين هذا وذاك تحمل في بطنك العذرة، ثم نهايتك جيفة قذرة، لماذا تتعاظم على الله؟ تستكبر بمالك تستكبر برتبتك تستكبر بعضلاتك المال مال الله والرتبة من الله العضلات من الله العافية من الله الجمال من الله الشباب من الله لماذا تتعاظم على عباد الله بما هو لله وليس منك في شيء؟! عيب عليك هذا، تواضع لخالقك، يرفعك خالقك في الدنيا والآخرة، وإذا أبى إلا أن يتكبر، قال الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا} [الأعراف:40] بعض الناس تقول له: صلِ في المسجد، قال: لا يا شيخ! أنا أصلي في مكتبي، لماذا؟ قال: إذا صليت في المسجد يأتي بجانبي صاحب الرتبة الضعيفة، وأنا لا أريد أن يسقط اعتباري، أريد أن أصلي لوحدي ولا يصلي بجانبي إلا واحد مثلي، لا إله إلا الله! يسقط اعتبارك إذا أتيت في الصف الأول؟! يسقط اعتبارك إذا أتى بجانبك الجندي؟! والله يعلو اعتبارك، ووالله ترتفع منزلتك، لماذا؟ لأنك تتواضع لخالقك الذي بيده مقاليد الأمور، من الذي قلدك هذا المنصب، من الذي أعطاك هذه الرتبة؟! إنه الله، ليس أنت، إنه خالقك ابتلاك بهذا من أجل أن تتواضع له، وتتواضع لعباده، فإذا تعاليت وتعاظمت؛ وضعك الله واحتقرك في الدنيا والآخرة: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف:40]. إذا دخل البعير في خرق الإبرة؛ دخلوا الجنة، وهذا يسمونه العلماء تعليق على المستحيل، يعني: مستحيل أن يدخل الجمل في خرق الإبرة، وهؤلاء من المستحيل دخولهم الجنة: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ * لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأعراف:40 - 41]. ثم في القبر يذله الله، وفي النار يهلكه الله، من أجل ماذا؟ من أجل ارتكابه معصية الله، وتركه طاعة الله. بالله يا إخواني في الله! يا أهل العقول الرشيدة! هل يسوغ لنا العقل هذا أن نضيع سعادة الدنيا والآخرة، وأن نقع في خزي الدنيا والآخرة من أجل المعصية؟! لا والله لا خيار لنا، إن الخيار الأمثل، والبديل الأفضل أن نسير في طاعة الله، والله يقول: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36] الخيار الصحيح لك: الدين. الكفر والمعاصي والمنكرات ليست بخيار، شبعنا والله شبعنا، لعب الناس حتى تعبوا، ورقصوا حتى انثنوا، وغنوا حتى ملوا، ثم يأتي المغني (ونمططه ونراقصة ونلاعبه) فيخرج المغني والرقاص من الدنيا وليس معه شيء، لكن إذا تعبت في طاعة الله تخرج ومعك ذهب أحمر، تخرج ومعك عمل، يقول الله: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:30].

كل نفس بما كسبت رهينة

كل نفس بما كسبت رهينة عبد الله أنت الآن في سوق الدنيا، وسوف تصدر منها إلى الآخرة محملاً بما عملت، يقول الله: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} [النمل:89] إذا سابقت في هذا السوق وجمعت لك حسنات، وجمعت العمل الصالح ورجعت إلى الله، قال الله: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ} [النمل:89 - 90] عاش في الدنيا يجمع السيئات والعياذ بالله، ويلقط الجمر بعينه: فينظر إلى الحرام وبأذنه يسمع الغناء وبلسانه يتكلم بالغيبة والنميمة واللعن والسب والشتم، ويمشي إلى الحرام، جاء بالسيئة، ليته ما جاء. مثله كمثل رجل غاب عن أهله، جلس في العسكرية عشر سنوات وهو غائب يجمع المال، ثم رجع إلى أهله وليس معه إلا (مشعاب وباكت دخان) وليس معه شيء، ويوم دخل؛ أين نقودك يا ولدي؟! أنت عشر سنوات وأنت غائب، ماذا معك؟! قال: لا شيء، والله لا يوجد غير الراتب كنا نأخذه ونأكله، فما رأيكم في أهله هل يفرحون به؟ والله لا. فقد لا يصنعون له العشاء، ويطردونه من نفس البيت، (الله لا يكثر خيرك، ولا يجمل حالك) إن كنت تغيب عشر سنوات ثم تأتي بباكت الدخان، هذا لا نريده، وإذا قال: يريد أن يتزوج، لا أحد يزوجه؟! والله لا يزوجونه قط، لماذا؟ لأنه ضايع لا يحفظها. لكن ما رأيكم في رجل غاب عشر سنوات ويجمع الريال على الريال، ولما أكمل المدة، أخذ إجازة وجاء إلى أهله محمل سيارة كاملة، الفرش، والأثاث، والثلاجة، والغسالة، والأدوات المنزلية، والهدايا، كسا أهل القرية من أولهم إلى آخرهم، ما ترك رجلاً ولا امرأة إلا أهدى له غترة أو شيلة أو ثوباً، أو بشتاً، ثم دخل على أهله وأخرج الفلوس يعطي أمه، ويعطي أباه، ويعطي إخوانه، ويعطي أنسابه، ما رأيكم في هذا؟ كيف يبيت الليلة؟ كل واحد يسلم على رأسه، وكل واحد يسلم على يده، ويذبحون الذبائح له، ويأخذه أهل القرية من طرفهم إلى طرفهم، عزائم كل يوم، وإذا تكلم، وقال: أريد فلانة؟ قالوا: الذي تريد مع الذي تريد، الله يحييك (ومرحباً ألف). وأنت الآن خذ رجولتك من الدنيا، لا تأت إلى الآخرة بالمنكرات، لا تأت بقطع صلاة وقلة دين، بل جئ بإيمان وعمل صالح، يزوجك الله بالحور العين، يقول الله: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل:90].

أهمية المحافظة على الصلاة

أهمية المحافظة على الصلاة عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله وطاعته، وأول ما نوصيكم به: التوحيد الخالص والمحافظة على هذه الصلوات، فإنها عمود هذا الدين، فأنتم درع هذه الأمة، وأنتم حماة دينها وقوة دفاعها عن مقدساتها، فإذا ما تمسكتم بطاعة الله، وتمسكتم بدين الله، وحرصتم على أمر الله، وإلا فإن الدرع مكسور، والوقاية مخروقة، ولا ينفع درع وهو خربان، عليكم مسئولية، إن جاز للناس أن يتهاونوا في الدين فلا يجوز أن تتهاونوا به أنتم؛ لأنكم مرابطون على ثغور الإسلام: (رباط يوم في سبيل الله أعظم من صيام سنة). إن متم؛ متم شهداء، وإن عشتم؛ عشتم سعداء، تعيشون عيشة الرجال، وتقفون مواقف الأبطال، تذودون عن حماكم، وعن مقدسات المسلمين، وتقفون بنحوركم على ثغور المسلمين، ولكن صححوا وضعكم مع الله، واحذروا من الذنوب والمعاصي؛ فإنها حجابٌ بين العبد وبين الله، احذر من الذنب فإنك لا تقاتل العدو، إلا بدين وإيمان ونصرة من الله، فإذا استويت أنت والعدو هو عاصٍ وأنت عاصٍ، هو زان وأنت زان، هو فاجر وأنت فاجر، إذاً: هنا تكون الغلبة للسلاح، والسلاح يمكن عنده أكثر منك، لكن السلاح الفتاك والقوة التي لا تُقهر والعدد الذي لا ينقص هو الإيمان، ووالله إن رجلاً من المؤمنين ليعدل آلاف من الكفار. لما استنفر قادة المسلمين أرسلوا لـ عمر بن الخطاب يطلبون نصرة ونجدة، فأرسل لهم القعقاع بن عمرو، وقال: إن جيشاً فيه القعقاع لا يُهزم، عده العلماء بألف رجل، ألف رجل لكن القعقاع يضعهم على جنب، بماذا؟ ما كان قوياً في جسمه، لكن قوي في قلبه، عنده قلب أقوى من الجبال، السلاح الذي يحمله قلبٌ ضعيف هذا سلاح خربان. والله إذا وجدة قوة في قلب قوي وقلب مؤمن واثق بالله عز وجل لو ما عنده إلا عصا؛ فإن عصاه أفتك من المدفعية التي مع الإنسان الجبان الذي لا يريد الله ولا الدار الآخرة. فنقول لكم أيها العسكريون: أنتم في بلاد الإسلام، وفي مهد الإسلام، وفي ظل دولة الإسلام، تحكمكم شريعة الله، تذودون عن حمى الله، تذودون عن مقدسات المسلمين، واجبكم عظيم تجاه دينكم، والحرص على مقدساتكم، بحفظ ما بينكم وبين الله تبارك وتعالى. ألا وصلوا على خير خلق الله محمد بن عبد الله، فقد أمركم بذلك مولاكم، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وعلى الخلفاء الراشدين وعلى الصحابة أجمعين، وعن التابعين وعن تابع التابعين، وعنا معهم بمنِّك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر الكفرة واليهود والملحدين وأعداء الدين، اللهم أنزل عليهم بأسك الشديد، وعذابك الأكيد، فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم. اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعل عملهم في رضاك، اللهم اهدهم إلى هداك، اللهم من أرادهم أو أرادنا في هذه الديار أو غيرنا من ديار المسلمين بسوءٍ أو شرٍ أو كيدٍ أو مكر، فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره، وأنزل عليه بأسك الذي لا يُرد عن القوم المجرمين. اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وارزقهم البطانة الصالحة، واجعلهم عوناً لك ولعبادك على طاعة الله، ناصرين لدين الله، اللهم ثبت أقدامهم وانصرهم على القوم الكافرين، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم انصر عبادك المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لإعلاء كلمتك في الأفغان وفي فلسطين، وفي جميع بقاع المسلمين، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم قوِ قلوبهم، اللهم مدهم بعونك وتأييدك، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدام أعدائهم، واجعل أعداءهم غنيمة للمسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم نوِّر على أهل القبور قبورهم، اللهم اغفر للأحياء ويسر لهم أمورهم، اللهم فرج هم المكروبين، واشفِ مرضى المسلمين، واقضِ الدين عن المدينين، واكتب الصحة والسلامة والعافية لنا ولكافة عبادك المؤمنين، في برك وبحرك أجمعين، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا غيث الإيمان في قلوبنا، وغيث المطر في بلادنا وأوطاننا، اللهم إن بالبلاد والعباد من اللأواء والشدة والضيق ما لا نشكوه إلا إليك، فلا تحرمنا يا مولانا من فضلك، ولا تؤاخذنا بما فعله السفهاء منا، إنك أنت أرحم الراحمين.

فيم يفكر المسلم؟

فيم يفكر المسلم؟ يقول سبحانه وتعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فدلنا عز وجل على التفكر والنظر والتأمل، مبيناً أن من أعظم ما يفكر فيه العبد ويتأمله هو خلقه، متذكراً أنه خلق من ماء مهين، ثم يتفكر في كتاب ربه سبحانه وتعالى، والأمر الذي خُلق الإنسان من أجله، والنعم الكبرى التي وهبه الله إياها كالرزق والأولاد وغير ذلك.

كلام ابن مسفر عن أهمية التفكر في كلام الله ومجالاته

كلام ابن مسفر عن أهمية التفكر في كلام الله ومجالاته الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين. وبعد: أيها الأحبة في الله: الفكر والنظر والتأمل والاعتبار هو الخطوة الأولى التي تسبق قيام الإنسان بأي عمل في هذه الحياة، وعلى ضوء سلامة الفكر تتحدد سلامة الخطوات التي يخطوها الإنسان في هذه الدنيا، وهو شيء أمرنا الله عز وجل به، أمرنا بالنظر فقال الله عز وجل: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} [ق:6 - 8] إلى آخر الآيات، وأمرنا بالتفكير، فيقول عز وجل: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر:2] وفكر المسلم فكر نير لا يسير ولا يتجه إلا في الاتجاه الصحيح، يفكر في شيء مهم: كيف ينجو من عذاب الله؟ كيف يفوز بجنة رب العالمين؟ كيف يدخل الجنة؟ كيف ينجو من النار؟ يفكر في كل خطوة يخطوها، يفكر في كل نظرة ينظرها، يفكر في كل كلمة يتلفظ بها، يفكر في كل تصرف يتصرف به، وأثره عليه؛ أثره عليه في هذه الدار، وأثره عليه عند الموت، وأثره عليه في القبر، وأثره عليه في أرض الحشر، وأثره عليه في الجنة أو النار، هذا الفكر فكر نير، فكر رباني، وهو يأتي نتيجة فهم الإنسان لحقيقة الحياة، من فهم الحياة فهماً حقيقياً منبعثاً من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان تفكيره سليماً، أما من فهم الحياة فهماً مغلوطاً، فهماً بهيمياً، فهم منها ما تفهمه الحيوانات والبهائم والأنعام، فحصر اهتماماته وتفكيره في شهواته، كيف يأكل؟ كيف يشبع؟ كيف ينكح؟ كيف يلبس؟ كيف ينام؟ كيف يسكن؟ كيف يتوظف؟ كيف يركب؟ هذه مُتع، هذه أفكار بهيمية لا تعدو هذه الحياة. أما المؤمن المسلم فإنه يفكر تفكيراً يختلف عن هذا. أجل فيم يفكر المسلم؟ يفكر أيها الإخوة -كما يقول الشيخ ابن القيم عليه رحمة الله في كتابه البديع: الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي - ويقول قبله: إن على المسلم إذا أراد النجاة أن يحفظ أربعة أشياء: أولاً: الفكر أي: الأفكار. ثانياً: النظر. ثالثاً: اللفظ. رابعاً: الخُطا. فإن هذه هي المسارات التي يسلك بها الإنسان طريقه إما إلى الجنة وإما إلى النار، فمن حفظ أفكاره فلم يفكر إلا في خير، وحفظ نظراته فلم ينظر إلا في حلال، وحفظ ألفاظه فلم يلفظ إلا في حلال، وحفظ خطواته فلم تحمله خطواته إلا فيما يرضي الله، فهذا اكتب له السعادة وادع له بالجنة بإذن الله. أما من ضيع أفكاره يهيم بها في كل واد، وضيع نظراته ينظر بها إلى كل جميل ولو كان حراماً، وضيع ألفاظه يخوض بها في كل ميدان، وضيع خطواته يخطو بها إلى كل مكان، هذا ضائع ضال، وسوف يعض على يديه يوم القيامة ويقول: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} [الفرقان:1 - 2]. فيا أخي: من الآن حدد خطواتك ونظراتك وألفاظك، وحدد فكرك واهتماماتك. ثم يقول: إن فكر المسلم لا يعدو خمسة أشياء سوف نتحدث عنها إن شاء الله بشيء من الاقتضاب والاقتصار؛ لأن كل عنصر يحتاج إلى محاضرة: - الفكر الأول: التفكر في كلام الله، في القرآن الكريم، الكلام العظيم الذي هو هداية ونور، يقول الله فيه: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى:52 - 53]. تفكير المسلم يحتل جانباً كبيراً منه القرآن الكريم، ولهذا الصحابة لما نزل عليهم القرآن أطار النوم من أعينهم، لم يعد إلا التفكر في الآخرة التفكر في الجنة التفكر في النار، التفكر في الوعد، التفكر في الوعيد، التفكر في الخبر، التفكر في الحكم، كلٌ مع القرآن، ولهذا لم يَبْقَ في حياة المسلم فراغ لغير القرآن، يقول أحد السلف: آيات القرآن أطرن النوم من عيني. ولكن ما مجال الفكر في القرآن؟ كثير من الناس يريد أن يعتبر ويتدبر القرآن لكنه لا يدري ما المجالات والطرق والمسارات التي توصله إلى الفكر القرآني، الله عز وجل دعانا إلى التفكر، يقول الله عز وجل: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29]. ويقول عز وجل: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر:21]. ويقول عز وجل: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82]. ويقول عز وجل: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]. هذا هو السبب على القلوب الآن أقفال، ما يدخل الفكر القرآني في القلوب، أقفال ماذا؟ أقفال الدنيا، أقفال الشهوات، أقفال الشبهات، أقفال الغفلة، أقفال نسيان الآخرة. أما إذا انفتح القلب والله ما يسأم من كلام الله، يقول ابن القيم: والله لو صحت منا القلوب ما شبعت من كلام الرحمن. مسارات ومجالات التدبر لكتاب الله عز وجل كثيرة:

المجال الأول: التفكير في دلالة القرآن على صدق الرسالة

المجال الأول: التفكير في دلالة القرآن على صدق الرسالة أول مسار: أن تتفكر في كون هذا القرآن دليلاً واضحاً وبرهاناً ساطعاً على أن هذا هو محمد بن عبد الله رسول من عند الله، الله جعل القرآن للرسول صلى الله عليه وسلم معجزة ودلالة وبرهاناً على أنه نبي، وما من نبي يبعث إلا ويؤيد بمعجزات، وكانت معجزة النبي صلى الله عليه وسلم الخالدة هي القرآن الكريم، يقول الله فيها: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت:51] أي: ما كفاهم دليل على نبوته إنزال القرآن الكريم؟! هذا الكتاب الكريم معجز في كل شيء: معجز في بلاغته معجز في فصاحته معجز في بيانه معجز في تشريعاته معجز في أحكامه معجز في الاقتصاد معجز في السياسة معجز في الاجتماع معجز في الحدود معجز في الأخلاق معجز في الآداب وفي كل شيء، تلبس الإعجاز في كل كلمة من القرآن الكريم، وهل يمكن أن يأتي بهذا القرآن بشر؟! لا والله، والله ما فيه حرف إلا من الله تبارك وتعالى، ولهذا تكفل الله بحفظه وقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] وهاهو محفوظ بأمر الله منذ نزل إلى أن تقوم القيامة، ما يزاد فيه حرف، ولا ينقص منه حرف، لماذا؟ لأنه كلام الله. إذاً كلام النبي صلى الله عليه وسلم -الحديث النبوي- لفظه من الرسول ومعناه من الله؛ لأن الرسول لا ينطق عن الهوى، لا ينطق إلا بوحي من الله عز وجل، لكن كلامه الذي ينطقه هو بوحي من الله عز وجل معنىً، ولفظه من الرسول يسمى حديثاً، بينما كلامه الذي ينطقه عن الله تبارك وتعالى قرآناً هذا كلام الله. استطاع الكذابون والوضاعون أن يضيفوا أحاديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، سمعتم بهذا؟ طلبة العلم يعرفون هذا الأمر، وكتب الموضوعات كثيرة، ما معنى موضوع؟ أي: كذاب عدو للإسلام والمسلمين يضع حديثاً ويقول: قاله الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وتَقَبَّله بعض الأمة وهو مكذوب وموضوع، إلى أن قيض للأمة ولدين الله عز وجل من يحفظه بتمحيص وتفريق وتنقية الباطل من الحق، حتى بقي دين الله محفوظاً، لكن يوجد أناس تقولوا وكذبوا، لكن لا يوجد شخص كذب على الله وأضاف حرفاً واحداً في القرآن الكريم. حتى مسيلمة، مسليمة من؟ من يعرف أباه؟ لا يوجد شخص في الدنيا إلا يعرف باسم أبيه إلا مسيلمة، إذا قيل مسيلمة قالوا: الكذاب، وهو اسمه: مسيلمة بن حبيب الكذاب، هذا ادعى النبوة لكن ما استطاع أن يضيف في القرآن، كتب للنبي صلى الله عليه وسلم وقال: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله، أما بعد: فإني قد أُشركت معك، فلك نصف الأرض ولي نصفها. يحسب أنها ذبيحة! يقسم الأرض! فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم جواباً، انظروا جواب النبوة! قال: (من محمد رسول الله، إلى مسيلمة الكذاب أما بعد: فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده). من على وجه الأرض، هل يوجد في الدنيا الآن كم يشهد أن مسيلمة رسول الله؟ لا أحد، حتى عياله الذين من صلبه يقولون: مسيلمة الكذاب، لكن على وجه الأرض الآن أكثر من مليار مسلم يشهدون أن محمداً رسول الله، دين الحق دين عظيم، فهذا الكتاب الكريم يشهد شهادة بأعلى صوت ومن أعلى منبر أنه كلام الله، وأنه من عند الله، وبالتالي تطمئن نفسك إذا قرأت القرآن ورأيت إعجاز القرآن، تسكن نفسك وتسير في الخط؛ لأنك على يقين، تعبد الله على نور، تعرف أنك على الحق، والله الذي لا إله إلا هو أن من على وجه الأرض كلهم على باطل إن لم يسلموا. اليهود على باطل، النصارى على باطل، الملاحدة على باطل، الهندوس على باطل، البوذيون على باطل، كل هؤلاء إلى النار، من الذي على الحق؟ المسلم، وما نقول هذا من عاطفة أو من حماس أو من اندفاع أو من تعصب؛ لأننا مسلمون، لا. نقوله من منطق الحق عندنا وثيقة، ما هي وثيقتنا في هذا الكلام؟ القرآن الكريم. هل يمكن أن يكون هذا القرآن كلام بشر؟ لو كان كلام بشر لكان بإمكان البشر أن يأتي بمثل هذا الكلام، لكن لما عجز البشر أن يأتوا بمثل هذا الكلام يقول الله عز وجل: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء:88] لماذا؟ لأنه كلام الله، ولا يمكن أن يأتي البشر بكلام الخالق، خالق البشر تبارك وتعالى، فأنت حينما تقرأ القرآن وتتدبر، وتمر عليك آيات ومعجزات، يزداد قلبك إيماناً، وهذا مجال عظيم، يثبت فيه قلبك على الإيمان والدين.

المجال الثاني: مجال النظر في أوامر الله

المجال الثاني: مجال النظر في أوامر الله المجال الثاني من مجالات التأمل والتدبر للقرآن الكريم: مجال النظر في أوامر الله وما جرت عليه من صلاح، كل الأوامر، أمر الله عز وجل بالتوحيد والعقيدة، أمر الله بالصلاة، أمر الله بالزكاة، أمر الله بالحج، أمر الله بالصوم، أمر الله ببر الوالدين، أمر الله بصلة الأرحام، أمر الله بالدعوة إليه، أمر الله بالجهاد، كل أوامر الله ما إن تعمل الفكر فيها وتفكر إلا وتجد أن في مشروعيتها وفي أمر الله بها خيراً عظيماً لهذه الأمة. هذه الصلاة يقول الله عز وجل فيها: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45] الصلاة هذه لها مصلحة عظيمة، لماذا؟ لأنك تستحي أن ترى منكراً وستصلي بعد قليل أو كنت تصلي قبل قليل، هذه زاد وقوت لك، كأنها تمدك بطاقة من أجل أن تصارع الحياة وعندك إيمان تتزود به في كل يوم خمس مرات. ويقول الله في الزكاة: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ} [التوبة:103] هل تدري أنك إذا دفعت الزكاة أنك تطهرت وزكوت؟ وما معنى تطهرت؟ أي: انتصرت، كنت متنجساً بنجاسات المادة التي يمكن أن تجذبك وتجعلك أرضياً، لا. زكيت نفسك وطهرتها ارتفعت بها، علوت على المادة، انتصرت على النفس، أخرجت المال، وهو تحت قدمك، وصرت أنت سيد المال، لكن لما تبخل أنت على المال ولم تخرج زكاته تصير أنت عبد المال وعبد الدنيا. الصوم يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه). الحج، يقول عليه الصلاة والسلام: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197]. هذه الأحكام الشرعية التي أمر الله عز وجل بها، والأوامر كلها مصالح للعباد، أمر الله ببر الوالدين، بصلة الأرحام، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لماذا؟ لمصلحة العباد، فما من جزئية من أوامر الله إلا وفيها مصلحة، هذا مجال ثانٍ.

المجال الثالث: النظر والتأمل في المحرمات التي حرمها الله في كتابه

المجال الثالث: النظر والتأمل في المحرمات التي حرمها الله في كتابه المجال الثالث من مجال التأمل: هو مجال النظر والتأمل في المحرمات التي حرمها الله، ما من محرم حرمه الله إلا وفي تحريمه مصلحة، جاءت الشرائع كلها وفي نهايتها الشرع الإسلامي بحفظ الكليات الخمس لصالح العباد: الدين العقل المال النفس العرض. فحفظ الدين بقتل المرتد: (من بدل دينه فاقتلوه) حفظ الله العقل بتحريم الخمور، وحفظ الله المال بقطع يد السارق، وحفظ الله الأنفس بقتل القاتل، حفظ الله الأعراض برجم الزاني أو جلده إن كان بكراً، كل هذه أوامر الله، لولا تقييم الشرائع والشريعة الإسلامية لهذه الأحكام لضاعت أديان العباد وأموالهم وأعراضهم، وضاعت أنفس العباد وعقولهم، وإذا ضاعت هذه الكليات هل يبقى حياة؟ تصبح الحياة حياة بهائم، شريعة الغاب، فما من شيء أَمر الله به أو نهى الله عنه إلا وفيه مصلحة، يعرفها الإنسان وقد لا يعرفها، لكن بالتدبر والتأمل، لما تسمع قول الله تبارك وتعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:30] أمر من الله أنك تغض بصرك وتحفظ فرجك، يقول الله بعد ذلك: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30]. ذلك أفضل لك، والله! ما يعرف هذه الآية إلا من طبقها، أهل الإيمان لما طبقوها عاشوا في راحة وسعادة، تجد المؤمن كلما رأى منظراً صرف عينه إن كان حراماً، لكن الذي ما عنده إيمان كلما رأى امرأة أطال نظره إليها، الله يقول: غضوا وهو يقول: لا. وبعد ذلك ماذا يحصل بعد هذا؟ يرجع إلى البيت مريضاً، فهو قد رأى منظراً، ثم منظراً ثانياً، وآخر أحسن، وكم سوف تنظر، وكم تقدر عليه؟ حتى لو أردت أن تتزوج لا يحل لك إلا أربع في الشرع، لكن إذا نظرت إلى أربعمائة في الشارع تقدر تتزوج بهن كلهن؟ ما تستطيع، أجل، ما هناك حل إلا أن تغض بصرك، قال الله: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30]. أفضل وأريح لقلبك، وأتقى لربك، وأهنأ لنفسك أنك تغض بصرك من أجل أنك لا ترى إلا زوجتك، لكن لما تنظر إلى فلانة وفلانة وعلانة، تنظر إلى أشكال غريبة يزينها الشيطان، وترجع إلى البيت مريضاً، بعض الشباب -وقد ذكرت هذا الكلام- يخرج من بيته وما في قلبه مشكلة، ويرجع وهو مطعون القلب، يقول له أبوه: تعشَ يا ولد قال: ما أريد العشاء، ماذا فيك؟ قال: آه! الزفرة تقض صدره، لماذا؟ ماذا حصل؟ حريق في الصدر، من أين هذا الحريق؟ من نظرة واحدة فقط: كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وتر وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتل لكن غض بصرك يسترح قلبك، يقول المثل: (نافذة يأتيك منها ريح أغلقها واستريح). لكن تفتح عينك على الناس تفتح عينك على العذاب وعلى النار -والعياذ بالله- هذا المجال الثالث من مجالات النظر وهو أن تعرف أن في كل نهي وفي كل شيء حرمه الله مصلحة لك أيها الإنسان ليس قيداً، بعض الناس يقول: هذه قيود، هذه حدود من شخصيتي، هذا كبت، لا. هذه مصلحة لك، لولا القيود لكنت متفلتاً، تقيد الآن من أجل أن تنفلت عند الموت وتدخل الجنة، ترى كل شيء، وتنظر إلى وجه الله في الدار الآخرة، تنظر إلى الحور العين، تنظر إلى وجه المصطفى صلى الله عليه وسلم، تنظر إلى وجوه الأنبياء كلهم، تنظر إلى وجوه الصحابة كلهم، لكن تفتح عيونك الآن في وجوه الزانيات المومسات يقفل الله عز وجل بصرك عن نظرك إليه يوم القيامة: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15]. لا ترى الله يوم القيامة، من يرى البعيدُ والعياذ بالله؟ يرى فرعون وهامان وقارون وإبليس في النار، فيكمل معهم والعياذ بالله، هذا مجال ثالث.

المجال الرابع: التفكر في قصص القرآن والأمثال

المجال الرابع: التفكر في قصص القرآن والأمثال المجال الرابع: أن تتفكر في قصص القرآن، الله قص في القرآن علينا قصصاً، هذه القصص الهدف منها العبرة، يقول الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى} [يوسف:111] ليس حديثاً يفترى، وليس أساطير ولا روايات، ولا مسرحيات تكتب، هذه قصص حق: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ} [يوسف:3] فإذا مر عليك قصص القرآن قف عنده وتأمل وانظر وتدبر، انظر قصة يوسف وما بها من عبر، انظر قصة إبراهيم وما فيها من عبر، انظر قصة نوح وما فيها من العبر، كلما وجدت قصة خذ منها عبرة، وتصور أنك تستفيد من هذه القصص. وتفكر في أمثال القرآن الكريم: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر:21] يضرب الله لك مثل القرآن الكريم، يقول: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ} [الحشر:21]. لو خاطب الله بالقرآن الجبال الصم الرواسي لرأيتها خاشعة متصدعة، وقلبك أقسى من الجبل ما يخشع لكلام الله! {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ} [يونس:67] سبحان الله! عبرة لكن من يعتبر؟ صاحب القلب السليم الأمثال هذه مجال نظره.

المجال الخامس: التفكر فيما أعده الله للمؤمنين

المجال الخامس: التفكر فيما أعده الله للمؤمنين وأيضاً من مجالات الاعتبار بالقرآن الكريم: أن تتفكر فيما أعد الله عز وجل للمؤمنين في الجنة -نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها، وآباءنا وأمهاتنا وإخواننا المسلمين- تنظر لما أعد الله في الجنة للمؤمنين، حتى قال الله في القرآن: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة:17] وفي الحديث الصحيح يقول ابن مسعود: [إن أدنى أهل الجنة منزلة، من يعطى قدر الدنيا منذ خلقها إلى يوم يفنيها وعشرة أمثالها] قال راوي الحديث: انظر إلى ما يقول ابن أم عبد، عن أدنى رجل فكيف بأعلى رجل؟ قال: [ذاك ما لم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر]. هذا الملك العظيم يدلك على عظمة الثمن، ليس برخيص: (ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) عندما تعرف أنك لك اثنتين وسبعين حورية في الجنة، الواحدة منهن -من نساء الجنة- لو أشرفت على الأرض لطمس نورها ضوء الشمس والقمر، ولو أنها في المشرق ورجل مزكوم في المغرب لشم رائحتها، تخرق أنفه على بُعد المشرق والمغرب: (نصيفها -أي: شيلتها على رأسها- خير من الدنيا وما عليها) اثنتين وسبعين حورية تريدهن مجاناً؟! الآن امرأة واحدة ما لقيتها إلا بعد قَلْعِ ضرسك، لكن هذه حورية، كبدها مرآتك، وكبدك مرآتها، عليها سبعين حلة، ترى مخ ساقها من وراء الحلل، تريدها مجاناً؟!! بعض الناس يريدها وهو ينام عن صلاة الفجر، ويريدها وهو يغني، ويريدها وهو يدخن، يقال له: اترك الدخان، قال: والله يا شيخ أريد أن أتركه لكن ما استطعت، اجلس يا عبد السيجارة على ما أنت عليه! لا حول ولا قوة إلا بالله! فعندما تعرف ما أعد الله لأهل الإيمان في الجنة تقول: والله هذه السلعة غالية، والله تحتاج إلى تعب، ولقد قال عليه الصلاة والسلام: (ألا هل من مشمر للجنة؟ إن الجنة لا خطر لها، هي ورب الكعبة نور يتلألأ، وقصر مشيد، وريحانة تهتز، قال الصحابة: نحن المشمرون يا رسول الله! قال: قولوا: إن شاء الله). وشمروا رضي الله عنهم وصدقوا: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:23].

المجال السادس: التفكر فيما أعده الله للكافرين

المجال السادس: التفكر فيما أعده الله للكافرين وإذا نظرت في المقابل إلى ما أعد الله لأهل النار في النار، -أعاذنا الله وإياكم من النار- يقول الله في القرآن الكريم عن النار: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47]. النار وما أعد الله فيها من السلاسل والأغلال والأنكال، ومن الحميم والزقوم واليحموم، ومن العذاب الذي لا يتصوره العقل ولا يخطر في بال الإنسان، تعرف أن المعصية عليها أثر كبير في النار فتوقف، الله لا يتوعد بهذا الوعيد الشديد إلا لعظمة الكفر، ولعظمة المعاصي؛ لأن الله لا يُعصى، إذا كان الله عز وجل أخرج إبليس قال الله للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس: {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} [الحجر:34]. وأخرج أبوينا من الجنة بذنب واحد، قال الله لآدم: كل من الجنة إلا هذه الشجرة، جاء إبليس قال: كل منها، فلما أكل منها، قال تعالى: {اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً} [طه:123] وأنت ما زلت في الخلاء وتريد أن تدخل الجنة وعندك مليون ذنب، كيف المسألة؟! ما هي سهلة يا إخواني! نسأل الله يتغمدنا برحمته. والله صعبة جداً جداً، ولكن نحن نتكل على عفو الله ورحمته، ونتوب دائماً، ونرجع ونصحح الوضع مع الله تبارك وتعالى، فهذه مجالات التفكير في كتاب الله باختصار، أعيدها مرة ثانية: أولاً: مجال النظر في كونه دليلاً من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم. ثانياً: مجال النظر في كون أحكامه التي أمر الله بها ذات مصالح عظيمة على الأمة. ثالثا: مجال النظر في كون الحرام والمحرمات التي حرمها الله في تحريمها مصالح للمسلمين. رابعاً: مجال النظر في الأمثال وفي قصص القرآن وفيما أعد الله لأهل الجنة في الجنة -أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها- وفيما أعد الله لأهل النار من العذاب -أسأل الله أن يحرم أجسادنا ورقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا عليها- إنه على كل شيء قدير. أما المجال الثاني من مجالات التفكير: أن تتفكر أيها المسلم في مخلوقات الله عز وجل، فيما بث الله عز وجل من الآيات الدالة على عظمته في السموات وفي الأرض، وهذا العنصر يتكلم فيه بشيء من التفصيل والدقة أخي فضيلة الشيخ: ناصر بن مسفر الزهراني شاعر الدعوة وخطيب جامع الحارثي في مكة المكرمة، والمحاضر بجامعة أم القرى، فليتفضل حفظه الله، وأرجو منه ألا يطيل، ويختصر من أجل أن يبقى لي بعض الوقت.

التفكر في خلق الإنسان

التفكر في خلق الإنسان الشيخ: ناصر بن مسفر الزهراني الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. أيها الإخوة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أيها الإخوة المؤمنون: نزولاً عند رغبة فضيلة الشيخ وبعض الإخوة في أن أشارك في هذه الليلة الطيبة، استجبت لهذه الرغبة سائلاً الله تعالى أن ينفعني وإياكم بما نقول وما نسمع إنه على كل شيء قدير، وإن كان هذا المطلب وهذا العنصر بالذات الذي طلب فضيلة الشيخ أن أتحدث عنه هو أمر صعب وشاق، فمن هو الذي يستطيع أن يتحدث عن مخلوقات الله تعالى، وأن يلم بها، وأن يبين أسرارها، ومواطن الإعجاز فيها. مخلوقات الله تعالى أعظم وأجل وأكبر من أن تحصى ومن أن يحيط بها إنسان: فيا عجباً كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد عن أي شيء نتحدث أيها الأحبة! من مخلوقات الله تعالى؟ إن القرآن الكريم قد حثنا على التفكر في مخلوقات الله تعالى، وقد حثنا على التفكر في شيء يسير منها، لكي نستدل بهذا الجزء وبهذا القليل على الكثير الباقي من مخلوقات الله تعالى، فكان الحديث في القرآن الكريم عن أشياء وعن مخلوقات هي من أهم المخلوقات ومن أجلها ومن أعظمها، حثنا القرآن الكريم على التفكر في خلق السموات والأرض، وكم فيها من عبر؟! وكم فيها من أسرار من عظمة الله تعالى؟ وكم فيها من مواطن الإعجاز؟ أمرنا أن نتفكر في الشمس والقمر والليل والنهار والأرض والجبال، وفي مخلوقات الله تعالى للكائنات الحية، أمرنا أن نتفكر في الإبل، أمرنا أن نتفكر في أنفسنا، أشياء وأشياء كثيرة من مخلوقات الله تعالى حثنا القرآن على التفكر فيها. لكن أيها الأحبة! -كما ذكرت- ما دمنا لن نستطيع الحديث عنها، فيكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، سنتحدث عن أمر واحد من مخلوقات الله تعالى لكنه من أعظم تلك المخلوقات، وأشدها تعقيداً، وإعجازاً، نتبين من خلاله سر العظمة والإعجاز، نتبين من خلاله عظمة الواحد الأحد سبحانه وتعالى؛ لأن التفكير ليس أمراً مقصوداً في ذاته، إنما الغرض من هذا التفكير أن نصل إلى الغاية، وهي معرفة الله سبحانه وتعالى، معرفة عظمة الله تعالى، معرفة هذا الخالق العظيم سبحانه وتعالى، لذلك سنتحدث عن أمر وهو قريب منا جداً، سنتحدث عن أمر نعرفه جميعاً، أتدرون عن أي شيء سنتحدث؟ سنتحدث عنا نحن، عن أنفسنا، عن خلقنا، عن الإنسان، استجابة لأمر الله تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21] إنه حديث موجز وسريع ومقتضب، أشارك به في هذه الليلة في الحديث عن سر الإعجاز في خلق الإنسان، وحينما يتأمل الإنسان الآيات القرآنية التي تكلمت عن خلق الإنسان والله يجد العجب العجاب، ويجد فعلاً عظمة الله تعالى في خلق هذا الإنسان، هذا المخلوق العجيب، من يتصور أيها الأحبة! أننا نحن هذا الكائن الغريب؟! هذه الأجسام العظيمة، هذه العقول، هؤلاء البشر الذين يمشون على الأرض من يتصور أن أصل هؤلاء جميعاً هو من نطفة؟! بل من نطفة قذرة يتقزز الإنسان منها لو رآها على ثوبه، لو وقعت على ملابسه لتقزز الإنسان منها، كما قال الله تعالى: {مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} [السجدة:8]. بل حتى القرآن أحياناً يذكر هذه الحقيقة على استحياء: {كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ} [المعارج:39]. أدرى بنفسك، تعرف ماضيك، تعرف حقيقتك، (إنا خلقناهم مما يعلمون).

مراحل خلق الإنسان في القرآن الكريم

مراحل خلق الإنسان في القرآن الكريم وتعالوا بنا أيها الأحبة! قبل أن نعرج على ذكر شيء من أسباب العظمة، ومن أسرار الإعجاز الرباني في خلق الإنسان، نتأمل بعض الآيات القرآنية، آية أو آيتين، نتبين من خلالها حديث الرب سبحانه وتعالى عن خلقنا نحن، عن تكويننا، عن نشأتنا، عن سر الإعجاز في وجودنا، يقول الله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج:5 - 7]. ويقول تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:12 - 14]. أيها الإخوة المؤمنون: من خلية واحدة، من عشرات الألوف الكامنة في نقطة واحدة من ماء الرجل تتحد ببويضة المرأة في الرحم، ينشأ ذلك الخلق المعقد المركب، وهو من أعجب الكائنات الحية، الخلية هي الحجر الأساس في بناء الإنسان، ومنها يبدأ سر الحياة، هذه الخلية التي لا ترى إلا بالمجاهر الضخمة فهي على صغرها عبارة عن بحر متلاطم مليء بالحيوانات المختلفة، وهي مليئة بالعناصر فيها حوالي ثمانية عشر عنصراً من الأكسجين والفحم والكبريت والكلس والفسفور، في جسم الإنسان من هذه الخلايا ألف مليون مليون خلية، ويستهلك الجسم في الدقيقة الواحدة من خلاياه سبعة آلف وخمسمائة مليون خلية، من يصدق أن هذه النقطة الصغيرة المتعلقة بجدار الرحم تكمن فيها جميع خصائص هذا الإنسان المقبل من صفاته الجسدية وسماته من طول وقصر وضخامة وضآلة، وقبح ووسامة، وآفة وصحة، كما تكمن فيها صفاته العصبية والعقلية والنفسية، وأن هذه النقطة الصغيرة الضئيلة في هذا الإنسان المعقد المركب الذي يختلف كل فرد من جنسه عن الآخر فلا يتماثل اثنان في هذه الأرض على الإطلاق، وهذه من أعجب الأشياء، هذه النقطة الصغيرة كل البشر لا يمكن أن يأتي اثنان متشابهان في كل الأشياء، مستحيل. قد يتشابه اثنان مثلاً في لون الوجه، في لون العينين، في بعض الملامح البارزة لكن لا يمكن أن يتفق على وجه الأرض منذ فجر الخليقة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لا يمكن أن ترى اثنين يتشابهان في كل الأمور، وفي كل الصفات، وفي المزاج، وفي التفكير، وفي الطبائع، لا يمكن، بل اللمحة العجيبة في ذلك أن الإبهام لا يمكن أن يتشابه فيه اثنان على وجه الأرض أبداً، تدرون متى يمكن أن يتشابه إبهامان على وجه الأرض، يقول العلماء: يحتمل أنه في حوالي أربعة وستين ملياراً من البشر، يمكن أن يتشابه إبهام اثنين من الناس، أي: لو وجد عندنا من البشر أربعة وستون ملياراً لعل اثنين منهم يتشابهون في الإبهام ولا يمكن أن يتشابه اثنان في الإبهام، وانظر إلى هذه العظمة ولذلك بعض العلماء يقول: هذه المعجزة لها إشارة في كتاب الله تعالى وهو قوله: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة:4] قالوا: هذا هو المقصود. {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} فقلنا: لو أن في أربعة وستين ملياراً من البشر يمكن أن يتشابه فيهم اثنان، مع أن البشرية كلها على آخر الإحصاءات يمكن ما تصل إلى أربعة مليارات، ليس أربعاً وستين ملياراً، هذا المخلوق، هذه النطفة الصغيرة أيها الأحبة! من يصدق أنه سيتشكل منها ذلك المخلوق الكامل الذي هيأه الله سبحانه وتعالى وخلقه فأحسن صورته، انظر إلى هذا الإنسان كم فيه من بدائع صنع الله تعالى، كم فيه من الإعجاز، انظر إلى البصر، انظر إلى العين وما فيها من الإعجاز، انظر إلى السمع وما فيه من تعرجات تحفظها، انظر إلى السائل المر في الأذن، انظر إلى العين كيف جعل الله تعالى فيها سائلاً مالحاً؟! انظر كيف جعل الله تعالى الحدقة مصونة بالأجفان لتسترها وتحفظها وتسقلها وتدفع عنها الأقذاء، وجعل شعر الأجفان أسود ليساعد على استقبال الرؤية، وجعل كما ذكر ماء العين مالحاً وماء الأذن مراً وماء الفم حلواً؟! ولو أن ماء الفم على غير هذا الطعم، ما استطاع الإنسان أن يتلذذ بشراب على الإطلاق، وأعذب ماء في البدن الذي هو في الفم.

إحصائيات علمية تبين عظمة خلق الإنسان

إحصائيات علمية تبين عظمة خلق الإنسان ثم انظروا -أيها الأحبة- إلى هذه الإحصائيات السريعة الموجزة في خلقنا نحن؛ لتروا عظمة الله وبديع صنعه في خلق هذا الإنسان! وفي حفظه منذ بدايته حتى ينزل إلى هذه الأرض ويفارقها! سبحان الله! ما أعظم خلق الله تعالى! نحن -أيها الأحبة- ما نتفكر في أنفسنا، الإنسان منا ينام لكن ما يفكر في ليلة من الليالي كيف ينام، الإنسان يفكر ويحتفظ في عقله بالصور العظيمة العجيبة ما يفكر في هذا العقل، ما يفكر في اليد، ما يفكر في بديع خلق الله تعالى فيها، ما يفكر في نفسه، ما يتأمل خلق الله سبحانه وتعالى. دعونا نقف لحظات قصيرة جداً لنتأمل بعض سر الإعجاز في خلق الله تعالى للإنسان: وزن القلب حوالي ثلاثمائة واثني عشر جراماً، ينبض بمعدل سبعين نبضة في الدقيقة، أي: بمعدل مائة ألف مرة يومياً، هذا القلب، ينبض القلب الواحد في العام حوالي أربعين مليون مرة، تصور هذا الجهاز من حفظه، أي جهاز في الدنيا لا يمكن أن يعيش هذه المدة الطويلة بهذا الحفظ وبهذا الصون، مَنْ حفظه؟! وفي كل نبضة يدخل حوالي ربع رطل من الدم، ويضخ في يوم واحد اثنين وعشرين ألف جالون من الدم! -قد تستغربون، تقولون: هذا الشخص يمكن اليوم أتى بأشياء حلمها في الليل، هذا العلم أثبت هذه الأشياء، ليس من كيسي هذا العلم، هذا الطب، هذه الحقائق أتت حتى من غير المسلمين، هذا طب يفرض نفسه، ما هي اجتهادات ولا تخيلات، هذا علم- اثنين وعشرين ألف جالون من الدم، وحوالي ستة وخمسين مليون جالون على مدى حياة كاملة، يضخها القلب، فأي محرك يستطيع القيام بمثل هذا العمل الشاق؟! الدم الذاهب إلى الدماغ يعود إلى القلب في ثمان ثواني، بينما يعود الدم الذاهب إلى أصابع القدم في ثمانية عشر ثانية، وفي الدم خمسة ملايين كرية حمراء، في كل ملي متر مكعب واحد من الدم، خمسة ملايين كرية حمراء أي: تبلغ في مجموع الدم العام حوالي خمسة وعشرين مليون كرية حمراء. وتفرش هذه الكريات سطحاً مقداره ثلاثة آلاف وأربعمائة وخمسين متر مربع، وإذا صفت كريات الدم الحمر التي في بدن واحد بجانب بعضها البعض، أي: لو أتينا إلى الكريات الحمر في إنسان وصففناها بجانب بعضها البعض كم تتصورون أنها تمتد؟ كم يكون طولها؟ لو صفت بجانب بعضها البعض فإن مجموع هذه الكريات ينشئ طولاً يغلف الكرة الأرضية ستة أو سبع مرات، وتمشي الكرية الحمراء في رحلتها لنقل الأكسجين ألف ومائة وخمسين كيلو متر في عروق البدن، يحوي الجسم البشري أكثر من ستمائة عضلة، وأكثر من مائتي عظم، وتحوي العضلة المتوسطة الحجم على عشرة ملايين ليف عضلي، في كل يوم يتنفس الإنسان خمسة وعشرين ألف مرة، يسحب فيها مائة وثمانين متر مكعب من الهواء، يتسرب منها ستة أمتار ونصف متر مكعب من الأكسجين إلى الدم، عمل العضلات مجتمعة في اليوم يساوي ما حمولته عشرون طناً -عمل عضلات جسم الإنسان الواحد يساوي ما حمولته عشرون طناً- في المعدة حوالي خمسة وثلاثين مليون غدة للإفراز، في الدماغ ثلاثة عشر مليار خلية عصبية، ومائة مليار خلية دبقية استنادية تشكل سداً منيعاً لحراسة الخلايا العصبية من التأثر بأية مادة، في العين الواحدة حوالي مائة وأربعين مليون مستقبل للضوء، في العضو الذي يمثل شبكية الأذن حوالي ثلاثين ألف خلية سمعية لنقل كافة أنواع الأصوات، وهذا إعجاز أيضاً، لو تسمع ألف صوت من أول ما يكلمك الشخص تعرف صوته، من الذي أعطاك هذا التمييز تعرف صوت هذا من صوت هذا؟! في الدم الكامل خمسة وعشرين مليون مليون كرية لنقل الأكسجين، وخمسة وعشرين مليار كرية بيضاء لمقاومة الجراثيم ومناعة البدن، ومليون مليون صفيحة دموية لحفظ الدم ضد النزف وإيجاد التخثر في أي عرق نازف. ومما يذكر هنا أن الكريات الحمر تقوم بنقل ستمائة لتر من الأكسجين لخلايا الجسم كل أربع وعشرين ساعة، يعتبر الكبد أكبر غدد البدن، ويزن ألف وخمسمائة غرام، وفيه من الخلايا ثلاثمائة مليار خلية، في الكبد وحده! يمكن أن تتجدد هذه الثلاثمائة مليار كلياً خلال أربعة أشهر، الكلية تزن مائة وخمسين غراماً فيها مليون وحدة وظيفية لتصفية الدم، ويرد إلى الكلية في مدة أربعٍ وعشرين ساعة ألف وثمانمائة لتر من الدم، يضخ القلب حوالي ثمانية آلاف لتر من الدم، داخل الجملة الدورانية التي تمتد في جسم الإنسان حوالي مائة وخمسين كيلو متر. هذه أيها الأحبة! حقائق عظيمة، وكما ذكرت قد يستغرب الإنسان ومن يتصور أن هذا جزء يسير؟! والله ما أتيت إلا بغيض من فيض، وهذه الأشياء يسيرة جداً، وإلا فهذا المخلوق مخلوق عظيم عجيب، من يتصور أن هذا كله موجود في هذا الكائن الحي، في هذا الإنسان؟ فمتى تفكرنا -أيها الأحبة! - في بديع صنع الله تعالى، وفي عظمة خلق الله تعالى لنا؟ إن التفكر في الإنسان -أن يتفكر في نفسه- من أعظم الأشياء التي تقوده إلى معرفة الخالق، وإلى توحيد الله تعالى، وإلى إجلال الله تعالى، وإلى زرع مهابة الله تعالى في قلب الإنسان وفي صدره: وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى عالم أكبر فمن الأمور التي يفكر فيها المسلم أن يتفكر في نفسه، كما قال تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21]. وإلى غير ذلك من الآيات العظيمة، وأنا في الحقيقة أعلم أنكم ما أتيتم إلا حباً في الشيخ؛ لذلك اعتذر إن كُنت أخذت شيئاً من وقته ووقتكم، وأسأل الله العلي القدير أن ينفعني وإياكم بما سمعنا، وأترك المجال إلى الشيخ سعيد حفظه الله، فليواصل مشكوراً مأجوراً.

التفكر في نعم الله على العبد

التفكر في نعم الله على العبد الشيخ/ سعيد بن مسفر شكر الله لك، وأثابك الله، ونسأل الله عز وجل أن يجعل في هذه الإحصاءات ما يقوي إيماننا بالله عز وجل، وهذا أمر شرعي ندب إليه القرآن، يقول الله عز وجل: {فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} [الطارق:5]. لأن نظرتك هذه تبعد عنك الخيلاء والكبرياء، وتعرف أصلك أيها الإنسان، ثم نظرتك في خلق الله، وكيف خلق الإنسان: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات:21 - 22]. هذه تجعلك تؤمن عن يقين وتقول في ثقة: أشهد أن لا إله إلا الله، وإلا فمن خلقك؟ إن لم يكن ربك الذي خلق كل شيء من خلقك؟ الملاحدة ينسبون خلقك إلى الطبيعة، ما هي الطبيعة؟ الأرض التي تدوسها بقدمك تخلق؟! الأرض الصماء البكماء العمياء تمنحك السمع والبصر والعقل؟! لا والله، ما خلقنا إلا الله عز وجل. {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:1 - 3]. فنشهد أن لا إله إلا الله شهادة من أعماق قلوبنا، ونشهد أن محمداً رسول الله، ونشهد أن هذا هو الحق، وأن الدين هو الحق، وأن البعث هو الحق، وأن كلما جاء به كتاب الله حق، وهذه نتيجة كما سمعتم في سورة الحج في آية البعث، يقول: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج:6 - 7] هذا هو مجال النظر في مخلوقات الله. التفكير الثالث: التفكير في نعم الله عليك أيها الإنسان، وهذه ضرورة؛ لأنك إذا ذكرت نعم الله حصلت لك المحبة لله، فالذي ينعم عليك هو الله، وما من نعمة تمر عليك إلا والله مجليها ومسديها: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ * وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل:53 - 18]. نعمة الخلق والإيجاد، نعمة الرزق والإمداد نعمة العافية والإسعاد نعمة الإيمان، كل النعم من الله تبارك وتعالى، فإذا تفكرت فيها، وعرفت هذه النعم، حصل لك حب منعمها ومسديها، وطريق النظر أن تنظر إلى من هو دونك، طريق معرفة نعم الله عليك أن تعرف وتنظر إلى من هو دونك في النعمة، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (انظروا إلى من هو دونكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أحرى ألا تزدروا نعمة الله). إذا كنت في بيت متواضع فانظر إلى الذين يستأجرون، وإذا كنت تركب سيارة فانظر إلى الذين يمشون، وإذا كنت معافى فانظر إلى المرضى، وإذا كنت طليقاً في حرية فانظر إلى السجناء، وإذا كنت في وظيفة فانظر إلى العاطلين، المهم أنك تنظر إلى نعم الله التي تحل بك وحرمها غيرك، مثلاً إذا معك سيارة طراز (90) لا تنظر إلى سيارة طراز (93)؛ لأنك تقول: سيارتي قديمة، لكن طالع في الذي معه (83) أو (70)، تقول: والله سيارتي أحسن من غيري، فأنت أحسن من غيرك؛ لأن الناس يتفاضلون في النعم من أجل عمارة الكون، يقول الله عز وجل: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف:32] هذا المجال الثالث وهو النظر في نعم الله.

التفكر في النفس البشرية

التفكر في النفس البشرية المجال الرابع من مجال الفكر: النظر في النفس البشرية، ودناءتها كما يقول ابن القيم: النفس دنيئة وطبيعتها أنها أمارة بالسوء، ما هي آمرة، بل أمارة، وأمارة هنا صيغة من صيغ المبالغة، لا تأمر مرة، بل تأمر باستمرار، فإذا عرفت طبيعة نفسك كثفت جهدك لمحاربة نفسك، النفس تكره القيود، النفس تحب الدعة، تحب الخمول، ما تحب الالتزام في شيء، انظر إلى نفسك الآن إذا وقفت في الصلاة لمدة عشر دقائق كيف تشعر بضيق وقلق، لكن إذا خرجت السوق وجلست أربع ساعات تجوب الأسواق ما تشعر بتعب، أليس كذلك؟ لماذا؟ لأن هذا قيد وهذا فيه (فلتة). انظر إذا جلست في محاضرة ساعة، عينك كل قليل في الساعة، متى تكمل هذه المحاضرة، لكن انظر إلى اللاعبين والمشاهدين لملاعب الكرة، إذا انتهى الوقت الرسمي للمباراة يتمنون أن يكون تعادلاً؛ من أجل أنه يكون تمديد للمباراة ووقت إضافي، خاصة إذا كانت المباريات بالخروج المغلوب؛ وأنا أعرف هذا الكلام قد عشت فيه سنين، يقولون: نريد نصف ساعة، ويتمنون أيضاً أنه ينتهي الوقت الإضافي بالتساوي من أجل ركلات الجزاء، يريدون أن يطول الوقت، لماذا؟ لأنه (كلام فاضي) إنما الجد التي تعيشه النفس في محاضرة أو في سماع شيء طيب في حصة دراسية، والحصة الدراسية (45) دقيقة وعين الطالب كل وقت في الساعة، وكذلك المدرس، وكل واحد ينتظر متى يسمع الصفارة؛ لأنها قيد في مصلحة، لكن لو كان لعباً، لا أحد يريد أن يقوم، يجلسون على الورق من بعد صلاة العشاء إلى الفجر ولا يحسون بتعب، هذه النفس هكذا! ما مسئوليتك؟ مسئوليتك أن تفكر كيف تؤدب هذه النفس؟ كيف تسوقها إلى الله في بساط الخوف من الله؟ كيف تأخذ عليها؟ لأن نفسك إما أن تسيطر عليها أو تسيطر عليك، إن أرغمت نفسك وسخرتها، ولهذا جاء في الحديث: (الكيس من دان نفسه) إذا سخرتها بقوة الشرع حملتك إلى طريق الله، أما إذا سيطرت عليك هي وأصبح البعيد حمار نفسه، هذا تقوده نفسه إلى النار، ولهذا يقول الله: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:40 - 41]. ويقول عز وجل: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} أي: نفسه {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:23] ما هناك نظر، لا يوجد اعتبار، أنت إذا أردت أن تصلي صلاة الفجر تأتيك النفس تحدثك: ارقد بقي وقت، تقول لها: لا. كلما أوحت إليك نفسك بتأخر عن طاعة أو بتحفزٍ إلى معصية فاعلم أنها من النفس الأمارة بالسوء، جاهدها، كم يستمر جهاد النفس؟ يستمر جهاد النفس فترة إلى أن تشعر نفسك أنه ليس لها سيطرة عليك، وأنك رجل راجح العقل، ما تطيعها أبداً، تقوم تنتقل إلى مرتبة ثانية اسمها اللوامة، ثم بعد ذلك تسوقها إلى أن تصبح نفسك مطمئنة، تطمئن أي تسكن إلى الله، لا تريد إلا طاعة الله، ما تريد إلا الصلاة، ما تريد إلا المسجد. فإذا جاهد الإنسان نفسه حتى تطمئن على طاعة الله، وتصبح طاعة الله قرة عين الإنسان، ويحبب الله إليه الإيمان، كما قال عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان) هناك يستمر على هذا حتى ينتهي أجله، ثم يدعى الدعاء الخالد، الدعاء الرباني، المبشر بالجنة، والذي قال الله فيه: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر:27 - 28] راضية في ذاتها، مرضي عنها من قبل خالقها وبارئها: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:29 - 30]. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها. فهذه النفس يا أخي الكريم! لا بد أن تقف منها موقفاً جاداً، احذر أن تلعب عليك نفسك، أو أن تخدعك، أو أن تزين لك الباطل، أو أن تكرهك في الحق، قاومها إلى أن يسهل عليك قودها. يقول ابن القيم: إن النفس كالجواد. والجواد حينما تريد أن تدربه لا بد أن تأخذه بقوة إلى أن يمشي، أما إذا أخذته من غير عسف فإنه سوف يرميك، ولا بد أن يعسف الجواد، يعسف أي: يدرب على المشي والسباق، وهذه النفس لابد أن تدربها على السير في طاعة الله.

مقطوعة شعرية يلقيها الزهراني

مقطوعة شعرية يلقيها الزهراني حقيقة إنه لا بد من الاستعداد؛ لأن هذا شيء معروف، فالشعر له في النفوس منزلة كبيرة وما أذكر أني وقفت موقفاً إلا طلب مني شعر، وهذا لا يستغرب؛ لأن أمة العرب كما يقولون: أمة شاعرة، والعربي لا يخلو من رجلين اثنين: إما أن يكون شاعراً، أو متذوقاً للشعر، وجدت في جيبي مقطوعة من آخر القصائد أسمعكم إياها، وأسمعكم جزءاً من قصيدة أخرى. أما المقطوعة فكانت في أمسية شعرية في مكة المكرمة في ثانوية أبي زيد الأنصاري لتحفيظ القرآن الكريم، فكتبت مجموعة أبيات سميتها رسالة إلى أبي زيد الأنصاري وهو من حفاظ القرآن الكريم وممن جمع القرآن: طاب اللقاء بين أحباب وسمارِ وآن لي أن أبث اليوم أشعارِ يا فتية الحق أنتم فجر نهضتنا أنتم لأمتنا كالكوكب الساري يا من وعيتم كتاب الله طاب لكم أنساً وفخراً ونلتم خير تذكارِ أنتم فخار لنا أنتم سعادتنا وليس أصحاب طنبور ومزمارِ أمجادنا بـ أبي زيد وحنظلة بـ مصعبٍ وابن مسعودٍ وعمارِ كم من وسام أبا زيد ظفرت به مجاهد، حافظ، والفرع أنصاري نلت الهدى من رسول الله فزت به غضاً طرياً كمثل السلسل الجاري إن بات غيرك في غيٍّ وعربدة وفي خمول فأنت الساجد القاري نم يا أبا زيد مسرور الفؤاد فما زالت جحافلنا تمضي بإصرار هم فتية عشقوا نشر الهدى وأتوا من قرب مسرى رسول الله والغار ساروا على نهجه الميمون في ثقة وأعرضوا عن طريق الذل والعار وهذه قصيدة عن العميان نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المبصرين في الدنيا والآخرة، كنت في اجتماع لبعض الأطباء عن مكافحة العمى في العالم الإسلامي، فطلبوا مشاركة فقدمت هذه القصيدة، بدأتها طبعاً بذكر بعض أخبار العمى، ثم آخر القصيدة حول الموضوع الذي كانت حوله تلك الندوة وذلك اللقاء، لكن لضيق الوقت أقتصر بمقطع من أول القصيدة على حسب ما أحفظ منها: قالوا بلا بصر يمشي فقلت لهم عمى البصيرة أقوى من عمى البصرِ إن العمى أن ترى النهج القويم فلا تمشي إليه وتبقى حائر الفكرِ إن العمى أن يعيش القلب في شُبَهٍ كظلمة الليل في غيٍ وفي نكرِ إن العمى أن ترى الإنسان مظلمة حياته عاش بين الكأس والوترِ إن العمى أن ترى العينين مبصرة لكنها من هدى الباري بلا بصرِ وانظر عماية من ضلوا وما انتفعوا بأعين ماثلتها أعين البقرِ عين ترى كل ما في الأرض وامتنعت من نور خالقها يا خيبة النظرِ ليس التقى مظهراً أو حسن هندمة وليس في أعين فتانة الحَوَرِ إن التقى أن يعيش القلب ممتلئاً بنور مولاه يأبى ظلمة الخَوَرِ وأفضل الناس عند الله أعظمهم تقوى فما قيمة الأشكال والصورِ قد عاتب الله خير الناس في رجل أعمى وخلده في الآي والسورِ وكم إمام لنا قد كان ذا ضرر في أول العمر أو في آخر العمرِ كان ابن عباس أعمى وهو عالمنا وترجمان الهدى فاسأل عن القمر قتادة وعطاء سادة النجب والترمذي الذي قد ساد في الأثر والعكبري وأبو حيان والذهبي والشاطبي الذي قد جاء بالدرر وذو المصنف فانظر في مصنفه لهو ابن حنبل كم يلتذ بالسفر أئمةٌ كثرٌ لم يحصهم قلمي وجف عن ذكر أمجاد لهم حبري وانظر لباز التقى والعلم تبصره بدون عينين قد أربى على البشر عبد العزيز الذي تهفوا النفوس له وتشتري نظرة في وجهه النَّضِر كالبحر في علمه السامي وذو خلق كالمسك كالعنبر الفواح كالزَهَر وقبله ابن حميد فارس بطل مضى وسيرته من أطيب السير أنار بالعلم أنحاء الديار وما حال الـ ـعمى دون حسن الرأي والفكر رأى بنور الهدى ما غاب عن مقل النور للقلب ليس النور للبصر فرحمة يا إماماً عاملاً ورضاً يغشاك يا طيب الأنفاس والأثر إن كنت فارقتنا جسماً فما برحت روح التقى والهدى معطاءة الثمر ما مات من خلف الأبطال قد نهلوا من حسن تأديبهم من منهل عطر وقبلهم شيخهم مفتي الديار فهم مثل النجوم وذاك الشيخ كالقمر الشيخ ابن إبراهيم رحمه الله، هؤلاء كلهم عمي، لكنهم أُسُوْد، عمي لكنهم أبصروا بنور الله تعالى. وقبلهم شيخهم مفتي الديار فهم مثل النجوم وذاك الشيخ كالقمر ذاك الهزبر إذا ما صال صولته رأيت أعداء دين الله كالهرر شيخ أبي قوي في مبادئه وكل زيف وضعف فهو منه بري انظر فتاوى التقى ما كان يصدرها ممزوجة بانهزام النفس والخدر أئمة صبروا بالعلم واشتهروا ما ردهم ضرر عن قمة الظفر الطيب معدنهم والنصح ديدنهم نعم الرجال فهم فخر لمفتخر بشرى لمن عاش والقرآن قائده يمشي به في دروب الخير والظفر يا أمة غفلت عن درب عزتها ما بالها انغمست في الوحل والمدر يجدُّ أعداؤنا في دعم باطلهم ويبذلون ملاييناً بلا حذر حتى عمى العين نالوا منه بغيتهم بموفد بثياب الرفق مستتر الرفق ظاهرهم والمكر مبدؤهم أحفاد نقفور كلب الروم والتتر يعالجون عمى العينين كي يصلوا إلى عمى القلب يا للمبدأ القذر كم أدمغ غسلوا كم درهم بذلوا وهم وما بذلوا في أمهم سقر وأكتفي بهذا القدر والقصيدة موجودة ومسجلة، وحتى إن الإخوة أحرجوني أن أسجلها بصوتي، فهي مسجلة وموجودة في أمسية جديدة هي في طريقها إليكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

ماذا أجبتم المرسلين؟

ماذا أجبتم المرسلين؟ إن الله خلق العباد لمقصد نبيل، وغاية كريمة، ألا وهو عبادة الله سبحانه، ولذلك أرسل الرسل، وأنزل الكتب، وبناء على ما قدم في حياته توجه إليه الأسئلة وهو ما زال في قبره، ثم يوم القيامة يسأل مرة أخرى وبشكل مفصل عن كل ما عمل وقدم، فإن كان خيراً بشر به عند الموت، وذاق بعض نعيمه في حياة البرزخ، وإن كان عمله شراً بشر به عند الموت وذاق بعض عقابه في حياة البرزخ، ولذلك وجب على العباد الفرار إلى الله سبحانه، والتوبة إليه.

طريقك نحو العلم والدعوة

طريقك نحو العلم والدعوة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الإخوة في الله! أنفاس هذه الحياة معدودة، وساعاتها محدودة، ونفس يذهب فلا يعود، وساعة تمشي ولا ترجع، وأهوال تنتظرك -أيها الإنسان- يوم القيامة: يوم عبوس قمطرير هوله فيه تشيب مفارق الولدان فاتقوا {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً * السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً} [المزمل:17 - 18] وهناك أسئلة واختبارات صعبة جداً لا ينجح فيها إلا من ثبته الله عز وجل، فنسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المثبتين في الدنيا والآخرة. والناس في هذا الزمان -وفي كل زمان- الكثير منهم شغلوا أنفسهم أو تشاغلوا بما لا ينفعهم في الآخرة، وهذا من الفضول أن تشتغل بشيء لا ينفعك دنيا ولا آخرة، ويسميها العلماء علوم الفضلة التي الجهل بها لا يضر والعلم بها لا ينفع، إن علمت بها لم تنتفع، وإن جهلت بها لم يحصل عليك ضرر، وغالب الخلق في هذا الزمان ضالون بناءً على كيد من الشيطان ومكرٍ منه واستدراجه؛ لأنه العدو اللدود الذي أقسم أن يغوي الناس أجمعين، وأن يقعد لهم صراط الله المستقيم، وأن يأتيهم من بين أيدهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم. هذا الشيطان سول للناس وأملى لهم، وزين لهم قضية تضييع الأوقات في ما لا ينفع، وهناك أمثلة كثيرة مما يضيق الوقت عن الحديث عنه، ولكن مثال واحد وهو ما تعود الناس أن يقرءوه في كثير من الصحف والمجلات ما يسمونه بالكلمات المتقاطعة، في جريدة أو مجلة يتعب الإنسان عقله ويجهد فكره في البحث عن هذه الكلمة أفقية كانت أو رأسية، وثم الكلمات التي توضع في هذه المربعات كلها مما لا ينفع بل ربما العلم بها يضر عندما يأتيك ستة مربعات ويقول: النصف الأول من اسم مغنٍ أمريكي مشهور، فما يهمك من اسم كافر ينعق في أقصى أرض الله؟! فتجهد نفسك على هذا السؤال الفارغ على أن تتعرف على أسماء المغنيين الأمريكيين حتى تصبح عندك أرصدة كبيرة من الثقافة بحيث إذا سئلت عن النصف الأول من اسم هذا المغني الكافر عرفته، وبعضهم يقيس ثقافته على مقدار قدرته على حل هذه الكلمات المتقاطعة، وإذا استطاع في النهاية حلها رفع رأسه تيهاً وعجباً وفخراً أنه استطاع أن يحلها، ولو سألته عن آية في كتاب الله أو حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مسألة علمية من مسائل الفقه الإسلامي لوجدته أجهل من حمار أهله، ولكنه في الكلمات المتقاطعة يفهم، هذه الكلمات المتقاطعة الجهل بها لا يضر والعلم بها لا ينفع. والله سبحانه وتعالى قد أخبرنا عن الأسئلة التي ستكون لنا حتى نستعد لأدائها والإجابة عليها يقول الله عز وجل: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] هذا هو السؤال الهام: {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ} [القصص:66] عميت عليهم، اسودت في وجوههم، أظلمت أفكارهم؛ لأنها أخبار عجيبة، أخبار كانوا في غاية من الضلال عنها، لم يكونوا يرفعون بها رأساًَ، وما كانوا يحاولون أن يتعرفوا عليها بل كان همهم في غيرها، فهنا أصبحوا عمياً عنها، لما كانوا عمياً عنها في دين الله في الدنيا قال الله عز وجل: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} [الإسراء:72] وأيضاً يقول عز وجل: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر:92 - 93] فالسؤالان هما: ماذا أجبت المرسَل؟ أي الرسول صلى الله عليه وسلم، وماذا كنت تعمل؟ وجواب الأول هو: متابعة النبي صلى الله عليه وسلم بتجريد المتابعة له، وجواب الثاني وهو ماذا كنتم تعملون؟ بتجريد عبادة الله وحده وعدم الإشراك به. وهناك سؤال ثالث يقول الله عز وجل فيه: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} [الزخرف:44] تسألون عن هذا الذكر أي: القرآن، تسألون عن هذا الكتاب الكريم الذي أنزله الله نوراً وهداية للعالمين، تسألون عنه: عن حلاله وحرامه، وعن آياته وحدوده، وعن كل ما أمر الله به، وعن كل ما نهى الله عنه، وعن كل ما قص الله من خبر، وكل ما جاء فيه من حقائق: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} [الزخرف:44]. فستُسأل -يا أخي- عمن كنت تعبد؟ وماذا أجبت الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وعن هذا القرآن الكريم؟ والناس -وخصوصاً بعض الشباب- الذين وفقهم الله وهداهم وأقامهم على الصراط المستقيم ونور بصائرهم يشعرون ببعض الفراغ، وأيضاً لديهم حماس وتطلعات لخدمة الدين، ويريدون أن يقفزوا قفزاً، وأن يتجاوزوا أكثر من أحجامهم فيصبحون (كالمنبت الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى).

البداية في تعلم العلم الشرعي

البداية في تعلم العلم الشرعي يشكو عليَّ أحدهم فيقول: ثم ماذا يا شيخ؟! أنا كل يوم في ندوة، فمرة عند الشيخ عائض القرني وليلة أخرى في ندوة المسجد هذا، وأسمع المواعظ ثم ماذا أعمل؟ قلت له: هل حفظت القرآن؟ قال: لا. قلت: وهل عرفت شيئاً! وأنت تجلس عند الشيخ القرني طوال سنة ونصف؟ وهل حفظت حديثاً بسنده وبجميع تفاصيله وأقوال العلماء فيه وشروحه وأحكامه ومستنبطاته؟ فقال: لا. قلت: أنت الآن تريد أن تتجاوز أكثر من وضعك، أول شيء في مراحل التكوين الإيماني للمؤمن هو التدعيم بقوى العلم، وأنتم تعرفون عندما تقرءون سير السلف من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ومن التابعين وتابعي التابعين، ومن الصالحين، ومن أئمة الدين إلى يومنا هذا، أول ما يبدأ الإنسان في بناء نفسه عن طريق العلم فيحفظ القرآن كله، ولا نريد حفظاً كما يحصل الآن في بعض مدارس تحفيظ القرآن الكريم يحفظون في المدارس الرسمية أو المدارس الخيرية وينسون، مثل القربة تصب فيها من الأعلى وهي مخروقة من الأسفل، فلو جلست تصب فيها من يوم خُلقت إلى أن تَموتَ لا تجد فيها قطرة؛ لأنها مخروقة. فكثير من الناس يحفظون وينسون، لكن الجد كل الجد في أن تحفظ وتحتفظ، تحفظ السورة وتحتفظ بها، ولا تحتفظ بالسورة إلا إذا داومت عليها وأكثرت مراجعتها وكررتها، ثم بعد أن تكمل القرآن تظل باستمرار الحال مرتحلاً؛ ترتحل من آخر القرآن وتحل في أوله، وما دمت على هذا الوضع مع القرآن، يزداد إيمانك، وتتنور بصيرتك، ويثبت الله قدمك، ويجعل الله لك مجالاً في دين الله عز وجل لا يمكن أن تتصوره إلا عن طريق القرآن الكريم، أما أن تسأل وتقول: وبعد ذلك ماذا أعمل؟! وأنت ما حفظت ولا جزءاً واحداً من القرآن الكريم؟ فهذا دليل على أنك ما فهمت إلى الآن ما هي مقومات بنائك الإسلامي. ابدأ! أولاً: إن كنت قد حفظت القرآن ممن يسر الله لك الحفظ في مدارس تحفيظ القرآن الكريم فراجع محفوظاتك، وإن كنت لم تحفظ القرآن فابدأ بحفظ المفصل من سورة (ق) إلى سورة الناس، ابدأ بحفظ المفصل حفظاً جيداً واستوعبه حتى تهضمه بحيث يكون زادك الذي تقرأ به في كل مناسبة؛ لأن بعض الشباب تقول له: صل بالناس في صلاة الفجر يقول: لا أدري ما أقرأ، لا يدري ماذا يقرأ من القرآن! وإن كان قد حفظ فليس حفظاً متقناً وما حفظه ينساه. فلا بد أن تستوعب المفصل كاملاً، ثم بعد ذلك تراجع تفسيره في أشهر التفاسير وأيسرها ومختصرها بحيث تعرف أحكامه، وتعرف أسباب نزوله، وتعرف مكيه من مدنيه، وتعرف الآيات التي تدل على أحداث معينة، بعد ذلك إذا أردت المزيد وكان عندك طاقة أكبر خذ البقرة وآل عمران، ثم انتق من السور، ألا تستطيع أن تحفظ مثل سورة الكهف والإسراء ومريم وطه وغافر ويس والصافات والدخان وجميع السور التي وردت فيها فضائل معينة؟ احفظها، فإذا حفظت كل هذه السور بقي عليك عملية تربيط بينها، بحيث السورة التي حفظتها هنا وهذه ما حفظتها تربط بينها بسورة واسطة وبعد فترة من الفترات ستجد نفسك بعد سنتين أو ثلاث أو أربع أو خمس سنوات وإذا بك حافظ للقرآن الكريم عن ظهر قلب، لكن إن بقيت على الوضع هذا بدون محاولات ستمر عليك عشرات السنين وأنت على عهدك ما تغيرت ولا حفظت شيئاً، ومرت عليك السنون، وضيعت عمرك في غير فائدة، هذا بالنسبة للقرآن الكريم.

البداية في تعلم السنة

البداية في تعلم السنة أما بالنسبة للسنة المطهرة: ابدأ بالحفظ فيها، وأول ما تبدأ في حفظ الصحاح لتكون ثقافتك مبنية على صحيح كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بحيث تثق من نفسك بأنك تتكلم في أي موطن أو أنك تستشهد بأي حديث أنك لا تستشهد إلا بالحديث الصحيح، والصحيحان قد جمعا في كتاب واحد من مجلدات ثلاثة اسمه: اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، والمؤلف رحمه الله اقتصر على رواية مسلم؛ لأن كل حديث عند البخاري وعند مسلم يأتي بعدة روايات إما عند مسلم رواية أو روايتان أو عند البخاري رواية أو روايتان أو ثلاث أو أربع مثل حديث: (إنما الأعمال بالنيات) ورد فيه عدة روايات، لكن المؤلف رحمه الله الذي ألف هذا الكتاب ألفه واقتصر على الرواية المشهورة المتكاملة بأشهر الروايات وجاء بها، وذكر لك الباب والكتاب في الصحيحين بحيث إذا أردت أن تراجع في الفتح أو في شرح مسلم أو أن تراجع في أي كتاب من كتب الحديث فإنه يسهل عليك، فابدأ في حفظ كتاب اللؤلؤ والمرجان، واجعل لنفسك برنامجاً معيناً كأن تحفظ في كل يوم حديثاً واحداً وتراجعه، فيكون في الأسبوع سبعة أحاديث، في يوم الجمعة تراجعها جميعها، يصبح في الشهر ثلاثين حديثاً وفي آخر يوم من الشهر تراجع الثلاثين حديثاً. تجد نفسك بعد شهر وإذا بك عالم من علماء الأمة الإسلامية، ينصر الله بك الدين، ويفتح الله بك القلوب وينور بك الأبصار؛ لأنك أصبحت إنساناً معبأً بالثقافة الإيمانية الممثلة في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذا تعرف كيف تقضي وقتك ولا تشعر في يوم من الأيام بأنك في فراغ أو أنك تحتاج إلى من يقول لك: ثم ماذا؟ لأن هذا الذي يقول: ثم ماذا؟ مشى إلى أن وصل في منقطع أو في فلاة ولم يعلم أين يتجه، فهذا أخطر شيء على الإنسان، كأنه في مفترق طرق أو أنه في دويرة لا يعرف أين اتجاهه، الذي يقف تائهاً يسهل على أي شخص أن يقتنصه يقول: تعال من هنا، لكن عندما يكون منوراً بالقرآن ومنوراً بالسنة وبالثقافة الإسلامية الأصيلة المقتبسة من كتاب الله ومن سنة رسول الله يتضح له الطريق؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً: كتاب الله وسنتي) ويقول: (تركتكم على المحجة البيضاء -أي: الطريق الواضحة التي ليس فيها غبش- ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك). هذه مقدمة أردت أن أجيب عليها إجابة عامة على السؤال الذي ذكره لي أحد الإخوة لتكون الفائدة عامة أسأل الله لي ولكم التوفيق في الدنيا والآخرة.

ثبوت عذاب القبر ونعيمه

ثبوت عذاب القبر ونعيمه عذاب القبر ونعيمه: الإيمان به جزء من عقيدة المؤمن، فعقيدة أهل السنة قائمة على الإيمان به، وأنه حق، والأحاديث الواردة فيه متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم. يقول ابن أبي العز في كتابه شرح الطحاوية: تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لهذا أهلاً أو لذاك أهلاً نسأل الله أن ينجينا من عذابه وأن يجعلنا من أهل رحمته ورضوانه. وأيضاً سؤال الملكين: هذا ثابت بالأحاديث المتواترة، فيجب على المسلم المؤمن اعتقاد ثبوت ذلك، والإيمان به والجزم والقطع به، ولا يتكلم في الكيفية، إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته لكونه لا عهد له، وليس مما يلاحظ بالجوارح والحواس في هذه الدار، والشرع لا يأتي أبداً بما يستحيل على العقل، بل إن الشرع يأتي بما تحار به العقول أما تحيره فلا، فإن عودة الروح إلى الجسد بعد مغادرتها له عودة ليست كالعودة المعهودة لها في الدنيا، بل تعاد إليه إعادة تختلف كل الاختلاف عن الإعادة المألوفة في هذه الدار.

اختلاف خروج الروح عند النوم عن خروجها حال الموت

اختلاف خروج الروح عند النوم عن خروجها حال الموت فالروح تخرج من الإنسان مرتين: مرة عند النوم ومرة عند الموت، فتخرج من الإنسان عند النوم ولكنها لا تذهب بعيدة بل تكون قريبة بحيث إذا أردتها تأتي. أما الخروج النهائي فهو عند الموت تخرج ولا تعود في هذه الدار، تعود في مرحلة ثانية من مراحل هذه الحياة وهي بعد الموت في القبر، وعودتها هناك تختلف عن عودتها في الدنيا، يقول الله عز وجل: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر:42] أي: والتي لم يقض الله عليها بالموت يتوفاها أيضاً في منامها: {فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} [الزمر:42] ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين) ويقول الإنسان عندما يستيقظ من نومه: (الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور). ويقول أحد العلماء وهو يمثل لهذه القضية: إن الروح في خروجها عند النوم وفي خروجها عند الموت مثلها مثل الموظف الذي يترك العمل في إجازة والذي يترك العمل في استقالة وطي الكشف، فالذي يترك العمل في إجازة يترك عنوانه عند العمل بحيث إذا حصلت طوارئ أو حالة استدعاء عاجلة يتصلون به فيأتي؛ لأنه لا زال في العمل ولا زالت رابطة الوظيفة قائمة بينه وبين إدارة عمله، ولذا إذا أرادوه أن يأتي ولو كان في إجازة يقطعون إجازته، ولو كان في عمل لا يستطيع أن يقول: لا، بل يجب عليه أن يأتي؛ لأنها إدارته، أما المفصول نهائياً أو المطوي قيده تنتهي صلته بالوظيفة، ويستلم حقوقه، وينهي جميع التزاماته في هذه الوظيفة، ولو دعوه بعد ذلك يقول: ليس لي علاقة بكم! فالإنسان إذا نام تخرج روحه وتجلس قريباً من جسده، لماذا تخرج؟ قال العلماء: تخرج الروح ليرتاح الجسد؛ لأن الإنسان لا يمكن أن يرتاح إلا بغياب الروح، ولو بقيت الروح مع الإنسان ولم ينم فإنه لا يرتاح، ولذا الإنسان إذا أراد أن ينام وأتى من عمل أو دوام أو سفر وهو متعب ومنهك ومحطم القوى ويريد أن ينام، فإنه لا بد من خروج روحه في النوم حتى بعد ساعتين أو ثلاث أو أربع أو خمس أو ست ساعات حسب ساعات النوم توقظه، وإذا به مرتاح جداً ولم يعد هناك أي تعب ولا ألم ولا شيء. لكن! إذا أردت أن يرتاح على السرير ليس خمس ساعات بل عشرين ساعة، ولكن بدون نوم كلما نام أيقظته هل يرتاح؟ تقول له: حسناً! استرح لكن لا تنام! هل يرتاح؟ بل يتعذب رغم أنه مستلقٍ على السرير وجسمه مرتاح، ولا يؤدي أي دور لكن الروح موجودة، الراكب موجود على المركوب، والمركوب لا يستطيع أن يرتاح والراكب عليه، هل تستطيع إذا سافرت في سفر ومعك حمار أو جمل ثم أردت أن تنام فهل تنام على ظهر الحمار؟ لا يمكن -أبداً- بل يجب عليك أن تنزل من على ظهر الحمار، وتنزل العفش لكي يرتاح الحمار أو الجمل، ليمكنك السفر عليه مرة ثانية، والناس هكذا كلهم. في القديم إذا سافروا ووصلوا إلى مكان معين فإنهم ينزلون وينزلون عفشهم من على دوابهم من أجل أن ترتاح دوابهم. كذلك سيارتك هذه عندما تصل في مكان معين وتريد أن تنزل فهل تجعلها شغالة أم تطفئها؟ تطفئها، لكن إذا وقفت سيارتك وذهبت تنام وجعلتها شغالة إلى الصباح تأتي وقد انتهى الوقود وانفجر المحرك.

ثبوت عذاب القبر ونعيمه بالدليل العقلي

ثبوت عذاب القبر ونعيمه بالدليل العقلي وكذلك هذا الإنسان لا يمكن أن يرتاح جسده إلا في ظل غياب روحه، فخروج الروح من الجسد إلى القبر أو إلى النوم يختلف هذا عن هذا فهذا اختلاف جوهري كلي؛ لأن الاختلاف هنا شيء غير معتاد على ما ألفت عليه الروح في هذه الدنيا. وقال صاحب الطحاوية في موضع آخر: اعلم أن عذاب القبر هو عذاب الفترة البرزخية الواقعة بين موت الإنسان وبعثه منذ أن يموت إلى أن يبعث. هذه فترة اسمها البرزخ فترة حياة القبور، وكل من مات وهو يستحق عذاباً ناله نصيبه من العذاب، أو كان يستحق نعيماً ناله نصيبه من النعيم قبر أو لم يقبر، أكلته السباع أو احترق حتى صار رماداً، ولو نسف في الهواء أو صلب على الأخشاب أو عُلق في المشانق أو غرق في البحار وأكلته الحيتان أو كان في أي مكان فإن العذاب يصل إلى روحه وإلى بدنه كما يصل إلى الإنسان المقبور في القبر كيف؟ لا ندري، هذا عالم آخر اسمه (عالم البرزخ) لا نعرف حقيقته، ولكن يجب علينا الإيمان بحقائقه التي تواترت في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي يريد أن يعرف حقائق ما بعد هذه الحياة فإنه إنسان يريد أن يحمل عقله ما لا يتحمل، كعقل الطفل الذي في بطن أمه ويريد أن يعرف حقائق الحياة وهو لا زال في بطن أمه، لا يمكن حتى يخرج إلى الحياة ويكبر وينمو ويبلغ سن التكليف ويعرف الكثير في الدنيا. كذلك الإنسان لا يعرف ما في القبور إلا إذا دخلها، يعرف هل فيها نعيم أو جحيم -نعوذ بالله وإياكم من الجحيم- وما ورد من السؤال في القبر، وما ورد من الاختلاف للأضلاع والضغطة للميت كل ذلك حق يجب الإيمان به، ولو لم يدفن الإنسان في القبر ولو نسفته الريح وأكلته السباع والحيتان، فإن الله يجمعه وينال جسده من العذاب أو من النعيم ما يناله صاحب القبر، يجب أن يفهم هذا كله على مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم من غير غلو ولا تقصير. وقد أنكرت الملاحدة أصحاب العقول المادية المتحجرة التي لا تؤمن إلا بما ترى بعينها أنكروا حياة البرزخ وذهبوا إلى مذاهب بعيدة من الفلسفة والتمنطق وقالوا: ليس ذلك بحقيقة، وأولئك كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه، وقد ظن أولئك أن أبصارهم الضعيفة يمكن أن ترى كل شيء، وأن أسماعهم يمكن أن تسمع كل شيء، ونحن اليوم نعلم من أسرار الكون ما كانت أسماعنا وأبصارنا عاجزة عن سماعه ورؤيته رغم وجوده. الموجات الصوتية المنبعثة والمنتشرة في جميع أجواء الأرض هذا المسجد الآن ممتلئ بملايين الموجات، لكن لا نراها بأعيننا، ولا نسمعها بآذاننا، ولا نمسها بأيدينا، ولا نتذوقها بألسنتنا، ولا نشمها بأنوفنا، ولا يستطيع كتاب أن يأتي بها، وإنما يستطيع أن يلتقطها جهاز صغير هو (الراديو) ففيه وسيلة استقبال هذه الموجات والتقاطها من الأجواء وترجمتها، وإذا بك تفتحها فتسمع موجة آتية من جدة، فتحولها فتأتي موجة من الرياض، وتحولها فتأتي موجة من أمريكا ومن لندن ومن أقصى الأرض، من التقط هذه الموجات رغم أنك لا تراها وهي موجودة؟ التقطها (الراديو). الجاذبية الموجودة الآن وهي قانون من قوانين الكون أن الله جل وعلا جعل كل ما على الأرض مجذوباً إليها، وهذه حكمة منه؛ لأنه لو لم يجعل الجاذبية في خصائص الأرض لكان أي واحد يرتفع لن يستطيع أن ينزل إلا إذا ربطوه. يعني: إذا خرج أحدهم من السيارة وأراد أن ينزل فلا يستطيع أن يصل إلى الأرض إلا إذا أتى آخر وجذبه إلى الأرض، لماذا؟ لأنه لا يوجد جاذبية، ولكن الله وضع هذا القانون وهو أن كل ما على الأرض يجذب إليها، أين الجاذبية؟ هل نراها بأعيننا؟ هل رأينا حبالها وهي تربط الإنسان وتسحبه؟ موجودة لكننا لا نراها، وليس كل ما لا نراه غير موجود. الكهرباء الآن تسري في السلك الكهربائي ولا نراها، رغم أن السلك الكهربائي هذا والكهرباء موجودة منذ خلق الله الأرض، لكن ما اكتشفت إلا على سبيل الصدفة والمصادفة، اخترعها شخص مخترع وهو يدير جهازاً عبر تحويله فإذا به يحس شيئاً في يده، فقوى السلك وخرجت كهرباء، وطورها الإنسان حتى أصبحت عماداً من أعمدة الحضارة الحديثة. فكثير من الأشياء لا يمكن أن نراها ولا أن نلمسها بجوارحنا بالرغم من وجودها.

الأدلة الشرعية في إثبات عذاب القبر ونعيمه

الأدلة الشرعية في إثبات عذاب القبر ونعيمه أما الأدلة الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على ثبوت عذاب القبر ونعيمه فقد ترجم البخاري في كتابه: الصحيح في كتاب الجنائز لعذاب القبر فقال: باب ما جاء في عذاب القبر، وساق في الترجمة قبل الحديث قول الله عز وجل: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} [الأنعام:93] وقال عز وجل: {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} [التوبة:101] وقال: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:45 - 46]. فالآية الأولى ساقها الإمام البخاري مستشهداً بها في تعذيب الملائكة للكفار في حال الاحتضار، والآية الثانية استدل بها على أن هناك عذابين يصيبان المنافقين قبل عذاب الآخرة: العذاب الأول ما يصيبهم في الدنيا على أيدي المؤمنين، والثاني ما يصيبهم في القبر على أيدي ملائكة عذاب القبر، قال الحسن البصري في قوله عز وجل: {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} [التوبة:101] قال: [عذاب الدنيا وعذاب القبر]. {ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} [التوبة:101] فـ (ثم) هنا تفيد الترتيب مع التراخي، كأن العذاب المرتين هذا قبل عذاب يوم القيامة، مرتان في الدنيا يكون العذاب: وهو ما ينال الكافر والمنافق والعاصي والظالم والفاجر من ظلمة في قلبه وقسوة، ومن ضيق وحرج، ومن اضطراب وقلق، ومن تبرم -والعياذ بالله- وظلام في عقله، هذا والله إنه أعظم عذاب، عذاب لروحه عذاب لنفسه عذاب لقلبه، وبالتالي يندرج هذا العذاب على كل جوارحه، ثم العذاب الثاني ما يناله في القبر، وهذا من عظيم استشهاد العلماء رحمهم الله واستنتاجهم لأحكام القرآن: {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} [التوبة:101] قال: الأولى في الدنيا والثانية في القبر، وقال الطبري في كتابه تفسير ابن جرير التفسير الذي كل الأئمة عالة على ابن جرير فيه، يقول: والأغلب أن إحدى المرتين هي عذاب القبر والأخرى تحتمل أحد ما تقدم إما من الجوع أو من السبي أو من القتل أو من الإذلال أو من القلق أو من الحيرة التي تحصل للإنسان البعيد عن الله في هذه الدنيا. أما الآية الثالثة وهي قوله عز وجل: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46] فهي حجة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار لـ أهل السنة على إثبات عذاب القبر، فإن الله تبارك وتعالى قرر أن آل فرعون يعرضون على النار غدواً وعشياً، وهذا قبل يوم القيامة، ثم قال: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46] والعياذ بالله. قال القرطبي في كتابه أحكام القرآن: يقول: الجمهور على أن هذا العرض يكون قبل يوم القيامة يعني في البرزخ وهو حجة في تثبيت وتدليل الناس على عذاب القبر. ومن الإشارات القرآنية الدالة على ثبوت عذاب القبر ونعيمه قوله تبارك وتعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] وفي حديث البراء بن عازب الذي أخرجه الإمام أحمد في المسند وأخرجه الإمام أبو داود في السنن وهو صحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أقعد المؤمن في قبره أتي ثم شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فذلك قوله تعالى: ((يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ)) [إبراهيم:27]) نزلت هذه في عذاب القبر. وقد روت لنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، والحديث عنها عظيم جداً أم المؤمنين حب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصديقة بنت الصديق أبي بكر الصديق رضي الله عنه، اسمه أبو بكر بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عويمر، أول من أسلم على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وثاني اثنين في الغار، وخليفته صلوات الله وسلامه عليه، وضجيعه في القبر في غرفة عائشة رضي الله عنها، وهي زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأفقه نساء الأمة على الإطلاق، وكانت فقيهة عالمة بكل أمور الأمة في الدين، في الفقه وفي التفسير وفي الحديث وفي اللغة وفي الشعر وفي الطب حتى الطب كانت طبيبة، وسألها عروة بن الزبير ابن أختها فقال: [يا أماه! من أين تعلمت الطب؟ فقالت: كان الناس يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فيسألونه فأعي ذلك] عندها علم عظيم رضي الله عنها وأرضاها، أمها أم رومان بنت عامر رضي الله عنها وأرضاها، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة بعد وفاة خديجة؛ لأنه ما تزوج على خديجة حتى ماتت، وأيضاً دخل بها في المدينة بعد غزوة بدر، تزوج بها وعمرها ست، ودخل بها وعمرها تسع سنوات، روت علماً كثيراً مباركاً، أكثر من ألفين ومائتين وعشرة أحاديث، لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بكراً غيرها، ولم يحب من أزواجه مثلها، وكانت تفخر بذلك رضي الله عنها. يروي البخاري ومسلم في الصحيحين قالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أريتك في المنام ثلاث ليالٍ -قبل أن يتزوجها ورؤيا الأنبياء وحي- جاء بك الملك -أي جبريل- في قطعة من حرير فيقول: هذه امرأتك فأكشف عن وجهك فإذا هي أنت، فأقول: إن يك هذا خيراً يمضيه الله) وفعلاً تزوجت رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان يُظهر حبها للناس كلهم، ففي صحيح البخاري وصحيح مسلم أيضاً عن عمرو بن العاص رضي الله عنه: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا رسول الله! أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة، قال: فمن الرجال؟ قال: أبوها) فهي حب رسول الله، وأبوها حب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان الصحابة يعرفون ذلك فكانوا يتحرون بهداياهم يومها، فإذا كان عندها في اليوم الذي هو فيه يرسلوا الهدايا؛ لأنهم يعلمون أنه يحب أن يهدى إليه في بيتها رضي الله عنها وأرضاها، يروي البخاري ومسلم أيضاً أن عائشة قالت: (كان الناس يتحرون بهداياهم يومي وليلتي فاجتمعن صواحبي -يعني: أمهات المؤمنين- إلى أم سلمة رضي الله عنها فقلن: إن الناس يتحرون هداياهم في يوم عائشة وإنا لنريد من الخير مثل ما تريد، فقولي لرسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر الناس أن يهدوا إليه في أي بيت من بيوته) لا ينتظرون في ليلة عائشة ويأتون بالهدية، انظروا كيف النساء بطبيعتهن رغم جلالة قدرهن وعلو منزلتهن وأنهن أمهات المؤمنين، لكنهن بشر يخضعن لما يخضع له البشر ويحببن ما يحبه البشر من هدية أو كرامة. (فجاءت أم سلمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فسكت ولم يرد عليها -أول مرة- ثم جاءت ثانية فذكرت ذلك فلم يرد عليها، ثم جاءت ثالثة فذكرت ذلك فقال لها: يا أم سلمة! لا تؤذيني في عائشة فإنه -والله- ما نزل علي الوحي في لحاف امرأة منكن غيرها) صلوات الله وسلامه عليه ورضي الله عنها وأرضاها. يقول: لا تؤذيني فيها، لا تبلغن منزلتها، ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة أي: مع امرأة منكن غير عائشة رضي الله عنها، وهذا يبين عظم مكانتها ومنزلتها ويكفيها أنها الطاهرة المطهرة المبرأة من فوق سبع سماوات، نزلت براءتها من الله قرآناً يتلى إلى يوم القيامة، وسمى الله الحديث الذي دار حولها وحول عرضها سماه (إفكاً) والإفك: هو أكذب شيء في الكلام وقال: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور:15] وحذر الناس من هذا الإفك فقال: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ * سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور:15 - 16] هذا كذب عظيم لا يمكن أن يكون، لكن دار هذا الكلام وأشاعه المنافقون الذين يصطادون في الماء العكر، ويحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا فنزل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ} [النور:11] إلى آخر الآيات، يكفيها هذا شرفاً وفضلاً رضي الله عنها. وورد في صحيح البخاري وصحيح مسلم حديث صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون، وخديجة ينت خويلد وقاطمة ينت محمد وفضل عائشة على سائر النساء كفضل الثريد على سائر الطعام) الثريد: هو الخبز المقطع مع اللحم المقطع، هذا أفضل أكلة كانت في زمنهم! من يأكل لحماً ويأكل خبزاً معاً؟ في ذلك الزمن ما كان يأكل هذا إلا الم

سماع النبي صلى الله عليه وسلم لأصوات المعذبين في القبور

سماع النبي صلى الله عليه وسلم لأصوات المعذبين في القبور هل سُمِعت أصوات للمعذبين في القبور؟ نعم سمعت. أولاً: سمعت بالأحاديث الثابتة من قِبَلِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أطلعه الله وأسمعه وأعطاه القدرة على سماع عذاب أهل القبور أعطاه الله القدرة ففي الحديث الذي يرويه مسلم في صحيحه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: (بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط -بستان، والحائط يطلق على البستان الذي يكون فيه العنب- لبني النجار على بغلة له ونحن معه إذ جفلت به فكادت أن تلقيه وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة). أقبر: جمع قبر، والقبر على وزن (فَعْل) مما يجوز جمعه على وجهين: على وجه أَفْعُل وفُعٌوْل فتستطيع أن تقول: قبر وقُبُور، أو قَبْر وأقَبْرُ، وعلى وزنه مثل شَهْر فتقول أَشْهُر وتقول شُهُور فالله ذكرها في موضعين فقال: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً} [التوبة:36] وقال: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البقرة:226] فتجمع قَبْر على أَقْبْرُ وعلى قُبُور، ويجمع شَهْر على أَشْهُر وعلى شُهُور، فهنا جمعه النبي صلى الله عليه وسلم على وزن أَفْعُل. فقال: (إذا ستة أَقْبُر أو خمسة أو أربعة قال: من يعرف أصحاب هذه الأَقْبُر؟ فقال رجل: أنا أعرفها يا رسول الله! فقال: متى مات هؤلاء؟ قال: ماتوا في الجاهلية قبل الإسلام، فقال: إن هذه الأمة تبتلى في قبورها ولولا ألا تدافنوا -يعني: لو سمعتم صيحة معذب لمتم ولما وجد بعضكم من يدفن بعضاً من الخوف والهلع- لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه) رواه مسلم في صحيحه من رواية زيد بن ثابت رضي الله عنه، وزيد هذا ترجمته من أعذب التراجم وسيرته من أعظم السير، فهو زيد بن ثابت بن الضحاك الخزرجي البدري رضي الله عنه وأرضاه الصحابي الجليل شيخ المقرئين وإمام الفرضيين وكاتب وحي النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان من كتبة الوحي وأعلم الناس بالفرائض، قال: (أعلمكم بالحلال والحرام علي وأفرضكم زيد) حتى قال بعضهم: لو مات زيد لما علمت الأمة كيف تقسم الفريضة، وهذا العلم أعظم علم وهو أول ما يفقد من الأرض؛ لأن (العلم إما آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة وما سوى ذلك ففضل) والفرائض علم عظيم يتخصص به زيد وله مذاهب فيه، والذي درس الفرائض في الكلية يعرف مذاهب زيد في بعض أقواله التي تميز وانفرد بها من سائر الصحابة، هذا الصحابي الجليل حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ عليه القرآن، وتلا عليه ابن عباس وأبو عبد الرحمن السلمي، وهما من القراء الذين قرءوا على زيد بن ثابت رضي الله عنهم، وهو الذي تولى قسمة الغنائم يوم اليرموك، زوجته اسمها أم سعد بنت سعد بن الربيع رضي الله عنها، وسعد بن الربيع صحابي أنصاري قتل في غزوة أحد، وهو الذي قال: [والله! إني لأجد ريح الجنة من دون أحد] وما عرف إلا ببنانه عرفته أخته بأنملة ليس في جسمه مكان إلا وفيه ضربة، بنته هي زوجة زيد بن ثابت رضي الله عنه، ولد له اثنا عشر ولداً منهم وهو الكبير خارجة بن زيد وهو صحابي، وزيد بن ثابت أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتعلم لغة اليهود لما قدم المدينة وكان اليهود يكتبون ويكاتبون فخشي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمكروا فأمره أن يتعلم لغتهم العبرية، قال: [فتعلمتها في خمسة عشر يوماً] أتقن لغة اليهود وهي لغة كبيرة جداً في خمسة عشر يوماً رضي الله عنه وأرضاه، قدم مرة على ابن عباس ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبر الأمة وترجمان القرآن؛ فأخذ بركاب حصانه فقال له زيد: [تنحَ عني يا بن عم رسول الله! فقال له ابن عباس: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا]. هذا ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ينزل ويمسك بركاب حصان زيد وذاك يقول: تنح لا تمسكه يا بن عم رسول الله! أنت أفضل مني! أنت أقرب! أنت من بيت النبوة! فيقول: [هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا]. كلف أبو بكر الصديق رضي الله عنه زيداً بكلفة عظيمة وبجهد كبير؛ حفظ الله به الدين إلى يوم القيامة، كلفه أن يجمع القرآن بعد غزوة اليمامة ومقتل سبعين صحابياً من أهل القرآن، أشار عمر بن الخطاب رضي الله عنه على أبي بكر أن يجمع القرآن، فقال أبو بكر: [كيف نفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟] لأن الرسول لم يأمر بجمع القرآن، وإنما كان يأمر بحفظه، وما كان يأمر بتدوينه! فقال عمر: [إني أرى الموت قد استحر في الصحابة، وأكثر الذين يموتون أهل القرآن، فإن أردت أن تأمر فليحفظ وليكتب، قال عمر: فما زلت به حتى شرح الله صدره بما شرح به صدري، فجاء إلى زيد بن ثابت وكلفه بهذه المهمة، يقول زيد: والله! لحمل الجبال أسهل عليَّ من هذه المهمة -لأنه جهد، وليس بالسهل- فقال له: يا زيد! إنك شاب عاقل ولا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه، فقلت له: كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: والله إنه خير، فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح الله صدره وصدر عمر رضي الله عنهم، فكنت أتتبع القرآن من اللخاف والرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال] وقد بقيت هذه الصحف عند الصديق، ثم عند الفاروق عمر، ثم عند حفصة بعد موت عمر، ثم أرسلت به إلى عثمان فلما أخذه عثمان، أمر زيد بن ثابت وأمر مجموعة من كبار الصحابة أن يكتبوا المصحف العثماني الذي هو موجود بين أيدينا، وسيبقى موجوداً إلى يوم القيامة حتى يرث الله الأرض ومن عليها، أليس هذا جهداً عظيماً؟ من كلف به؟! من نال شرفه؟! من قام بمسئوليته؟! هذا الرجل موقفه هذا يعدل مواقف الأمم كلها إلى يوم القيامة إنه موقف عظيم رضي الله عنه وأرضاه، كان من فقهه رضي الله عنه -وهذا يجب أن يكون شأن طلبة العلم والدعاة إذا سئلوا- كان إذا سئل عن أمر قال: أوقع؟ فإن قيل: نعم وقع؛ أفتى فيه بما يعلم، وإن قيل: لا. ما وقع لكن لعله يقع، قال: دعوه حتى يقع؛ لأن بعض الناس يفترض أشياء ليست موجودة ولا وقعت ويورط العالم أو الداعية أو المفتي في أنه يقول كلاماً لقضية لم تقع أصلاً، فيكون قول القائل ليس له مبرر، فهذا من فقهه رضي الله عنه. بعض الناس يسأل يقول: يا شيخ! في شخص عمل كذا؟ فأقول: من الشخص هذا؟ فيقول: شخص، فأقول: دعه يتكلم هو؛ لأنه إذا كان يهتم بأمر دينه يأتي يسأل بنفسه؛ لنعلم ماذا قال لزوجته بالنص بالحرف؛ لأن الحكم فرع عن الكلام الذي يصدر من السائل (الحكم على الشيء فرع عن تصوره) فقد تسأل سؤالاً بأسلوب يكون حكمه غير الحكم الآخر فيما لو سأله إنسان آخر بأسلوب آخر، فكان رضي الله عنه من فقهه أنه إذا سئل يقول للسائل: أوقع الأمر هذا التي تسأل عنه؟ فإن قال: وقع، أجاب بما يعلم، وإن لم يكن قد وقع يقول له: اتركه حتى يقع، وكان من ألطف الناس وأكرمهم, ومن أحسنهم خلقاً ولكن مع مَن؟ مع أهله في بيته يكون متواضعاً بسيطاً لطيفاً مزاجاً كثير التلطف، ولكن كان من أشد الناس توقراً واحتراماً مع الناس، كان وقوراً يهابه الناس إذا رأوه، لكن إذا دخل بيته يضع هذه الهيبة؛ وهذا من هدي الكريم صلى الله عليه وسلم. بعض الناس تجده في خارج البيت صاحب أخلاق ما شاء الله! ولكن إذا دخل بيته يكون سيء الخلق مع أهله -والعياذ بالله- دخل الأقرع بن حابس على رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا به يقبل الحسن والحسين، فقال: (يا رسول الله! إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم، فقال: ما أصنع لرجل قد نزع الله الرحمة من قلبه؟!). لا يا أخي! يجب عليك إذا دخلت بيتك أن تتواضع، إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتحله الحسن والحسين ويقول: (نِعْم المطية لكما). وفي يوم من الأيام أبطأ الرسول صلى الله عليه وسلم في السجود حتى كاد الناس يسبحون وهو ساجد فظن الصحابة أنه نسي أو قبض فلما انتهى من الصلاة قال: (إن ابني هذا ارتحلني وأنا ساجد، فكرهت أن أزعجه). وكان صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر فدخل الحسن من الباب فجعل يتعثر من ردائه ويسقط ويقوم؛ فقطع الخطبة ونزل، حتى إذا جاء إليه حمله وأكمل الخطبة، هذه رحمة عظيمة منه صلوات الله وسلامه عليه، فيجب أن تكون أنت في بيتك رحيماً، إذا دخلت بيتك قَبّل أولادك قَبّل بناتك، لاعبهم، داعبهم، تواضع معهم، ادخل المطبخ وشارك المرأة؛ هذه الأمور تحببك إليهم وتجعلهم يألفونك، لكن إذا كنت غليظاً من يأتي يلطفهم؟ من تتصور أنه يقوم بهذا الدور؟ تتصور الجماعة يدخلوا يلاطفوا زوجتك؟ تتصور الجيران؟ لكن من الناس من إذا طرق عليهم أبوهم الباب وكأن الشيطان الرجيم دخل عليهم! يقال لأحدهم: أنت كيف تعمل إذا دخلت البيت؟ قال: إذا دخلت سكت المتكلم، واستيقظ النائم، وقعد القائم، طوارئ! دخل الغول! دخل العملاق الذي يسيطر! لكن هذا الغول إذا خرج إلى الخارج أذل من الدجاجة. أسد علي وفي الحروب نعامة فتخاء تنفر من صفير الصافرِ أي: عنده هنا بطولة على المرأة الضعيفة، وفي الخ

الأسئلة

الأسئلة

كيفية نصيحة من لم يحضر صلاة الجماعة

كيفية نصيحة من لم يحضر صلاة الجماعة Q وجهت بعض النصيحة لبعض الشباب في المحافظة على الصلاة في الجماعة في المسجد فقال لي: لست بمسئول عني أنا أصلي في المنزل -والله غفور رحيم- فماذا أعمل له؟ A استمر في نصحه وتهدي له بعض الكتب الإسلامية والأشرطة الدينية لعل الله أن يهديه؛ لأنه إذا صلى في غير المسجد أو في البيت من غير عذر شرعي؛ فإن بعض أهل العلم قد قالوا بعدم قبول صلاته، وبعضهم قال بعدم صحتها، وبعضهم قال: إنه ارتكب إثماً من أعظم الآثام؛ لأنه ترك واجباً دلت عليه الأحاديث والآيات من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. والصلاة جماعة في المسجد شيء معلوم من الدين بالضرورة، حافظ عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، وحافظ عليها أصحابه من بعده، وحافظ عليها سلف الأمة، وهو ديدن المؤمنين، وهو عنوان أهل الإيمان، ولا يصلي في بيته إلا منافق كما قال ابن مسعود: [من سره أن يلقى الله غداً مؤمناً فليحافظ على هذه الصلوات الخمس حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق] نسأل الله أن يهدي هذا الشاب لكي يصلي في المسجد حتى ينمو إيمانه إن شاء الله.

حكم معاكسة النساء وعمل قوم لوط

حكم معاكسة النساء وعمل قوم لوط Q بين لنا حكم معاكسة النساء؟ وحكم من يعمل عمل قوم لوط؟ والعياذ بالله! A أما معاكسة النساء والاتصال بهن سواء كانت هذه المعاكسة عن طريق الهاتف، أو عن طريق المراسلة، أو عن طريق المتابعة بالسيارات، أو عن طريق النظر إلى النوافذ والبيوت فكل هذا محرم في شريعة الله عز وجل، وهو ليس من أخلاق أهل الإيمان، بل هو من أخلاق السفلة عباد الشهوات الذي يمتلئ الإنسان منهم من رأسه إلى قدمه شهوة محرمة -والعياذ بالله- ولا يقيم لله أمراً، ولا يخاف من الله عقوبة، ولا يراقب الله ويعلم أن الله يراه في هذه اللحظات، فهذا عبد شهوته، هذا مثله مثل العير -والعياذ بالله- فإنه إذا رأى أنثى فإنه يرفع مسامعه ويطردها، لكن العاقل المؤمن إذا رأى شيئاً من هذا فإنه يخاف الله عز وجل ويغض بصره ويذكر أن الله يراه. يقول الحسن البصري لما قيل له: [كيف نستعين على غض البصر؟ قال: بعلمك ويقينك أن نظر الله إليك أسرع من نظرك للمرأة التي تنظر لها] وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني استشعر مراقبة الله عز وجل، واعلم بأن الله يراك تبارك وتعالى ويعلم ما في قلبك: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19] فإذا كنت في الليل لا تقتحم على المسلمين بيوتهم ولا تنتهك حرماتهم، ولا تستعمل هذه الآلة وهذا الجهاز (الهاتف) الذي هو وسيلة من الوسائل الطيبة التي أتاحها الله للناس في هذا الزمان ليقضوا أغراضهم لا تستعملها استعمالاً سيئاً -والعياذ بالله- فتقتحم على الأسر وتعاكس النساء، ماذا تستفيد بهذا؟ ماذا تكسب؟ تكسب سخط الله، تكسب إحراق قلبك، تكسب إحراق دينك ويقينك، تكسب خدش عرض أخيك المسلم؛ وكل هذه التبعات والمسئوليات تكتب عليك إن لم تتب إلى الله أو عوقبت عليها، ووالله! لتعاقبن على كل نغمة، ويوم القيامة تكون هذه تلوى عليك في النار إن لم تتب إلى الله عز وجل، لا تعاكس أحداً، وإذا كانت لك رغبة في المكالمة والمحادثة مع النساء فسارع في الزواج وتزوج؛ لأن المكالمات لا تحل إشكالك، بل تُذكِّي النار وتُشِبُّ الجحيم في قلبك؛ لأنك إذا كلمت امرأة لا تحل لك وأنت في أرض وهي في أرض احترق قلبك، فمن الذي سوف يجعلك تركب مع ابنته أو تقعد مع ابنته، وهب أنك استطعت أن تصل إلى الحرام فهل وصولك إلى الحرام يحل مشكلتك معها؟ لا. سيبقى الحرام يزيد ويزيد، لا يحل مشكلتك مع النساء إلا زوجة حلال، تتزوج بها وتستحلها بكلمة الله، ثم حدثها من الشروق إلى الغروب لا تنام، وكلمها بالهاتف، فهذه زوجتك وحلالك. أما عمل قوم لوط فهو محرم -والعياذ بالله- يقول عبد الملك بن مروان: [والله لو أن الله ما حدثنا في القرآن عن عمل قوم لوط والله ما صدقت أن ذكراً يركب ذكراً] لأن هذا غير موجود في الحيوانات لا يوجد حمار يركب حماراً، الحمار أعقل من الذي يعمل هذا العمل، القرود والخنازير والكلاب من أشد الحيوانات جنساً، ولهذا يضرب بها المثل في النذالة والخسة والحقارة لكنها -وهي أشد شيء في ذلك- لا يركب الذكر الذكر مستحيل أبداً، لا يركب قرد كلبة ولا يركب كلب حمارةً أبداً، وإنما من جنسه، لكن اللوطي -والعياذ بالله- لا يتورع أن يركب رجلاً، ولا يتورع أن يركب كلباً، ولا يتورع أن يركب حتى حمارة، لماذا؟ أقذر إنسان على وجه الأرض بل أقذر مخلوق -والعياذ بالله- ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) وحكم الصحابة فيه التحريق بالنار، وحكمهم فيه أنه يحمل إلى أعلى مكان في المدينة ثم يرمى ويتبع بالحجارة أخذاً من عمل الله بقوم لوط الذين قال الله فيهم: {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:82 - 83]. وقد ورد في بعض الآثار أنه (إذا ركب الذكر الذكر اهتزت السماوات والأرض لغضب الله عز وجل فتمسك الملائكة بأطراف السماء وتقرأ سورة الإخلاص حتى يسكن غضب الرب، ولولا البهائم الرتع والشيوخ الركع والأطفال الرضع لصب الله العذاب على أهل الأرض صباً بسبب هذا العمل) فالله يقول: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:80] إن هذا هو غاية المسخ للإنسانية، وغاية الشذوذ وإخراج الإنسان من إنسانيته أن يتحول إلى أن يكون أقذر من الكلاب والقردة والخنازير -والعياذ بالله- فلا يعمل، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط). أما عذابهم في الآخرة فلا يتصوره العقل نعوذ بالله وإياكم منه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مداخل الشيطان [2،1]

مداخل الشيطان [2،1] إن الشيطان هو عدو الإنسان الأول منذ خلق الله آدم عليه السلام، وقد جعل هذا العدو مهمته في هذه الحياة إغواء بني آدم بشتى الطرق والوسائل؛ ليعرض عن الله ويتنكب طريق النجاة. وقد اتبع الشيطان في سبيل تحقيق هذه الغاية وسائل متعددة، ومداخل مختلفة، وهذه المداخل هي التي تناولتها هذه المادة في معرض التحذير منها.

النعمة الحقيقية

النعمة الحقيقية السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله هذه الوجوه الطيبة، وجمعنا الله وإياكم في الدنيا على طاعته وفي الآخرة في دار كرامته ومستقر رحمته، اللهم آمين. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين. وبعد: أولاً: أشكر شباب هذه البلدة المباركة، الذين وفقهم الله وهداهم إلى الصراط المستقيم، وأدركوا المسئولية الملقاة على عاتقهم تجاه ذويهم وأهليهم، فبادروا إلى مثل هذه الندوات الإيمانية، والجلسات العلمية التي تحيي القلوب، وتبارك النفوس، وترضي الله تبارك وتعالى، وهذا من توفيق الله عز وجل لهم ولأهل هذه المنطقة الذين أحسبهم صالحين يستحقون مثل هذا الخير وهذا الفضل، فإن النعمة الكبرى على الناس ليست نعمة الأكل والشرب، ولا نعمة المال والوظائف، والسيارات، هذه نعم لكنها نعم تزول، إن النعمة الكبرى هي نعمة الإيمان، نعمة الدين، فمن أوتي الدين فقد أنعم الله عليه بأعظم نعمة على وجه الأرض، يقول الله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:3] أي: ديني، ويقول عز وجل: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} [الفتح:1 - 2] أي: دينه، فليس بمنعم على من يتقلب في النعم المادية وهو عدو لله عز وجل، ليس بُمنعم عليه من يتوعده الله بأن يسجنه في نار جهنم إذا مات وهو على طريق الشيطان، هذا ليس في نعمة، ولهذا يقول الله عز وجل للرسول صلى الله عليه وسلم: {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ} [التوبة:55] لا تتصور أن من عنده مال وأولاد وبيوت ومساكن ومؤسسات ومزارع ولكنه بعيد عن الله، وعدو لله؛ هاجرٌ لكتاب الله هاجرٌ لبيوت الله قاطعٌ لرحمه عاقٌ لوالديه والعياذ بالله سبَّاب شتَّام مغتاب نمام شاهد زور حالف فجور عدو لله لا تجده في موقع إلا وهو في الشر، وعنده ثراء ونعمة ولكنها ملغمة بسم، متى تنفجر؟ يوم أن يموت، وإذا بها تقطعه قطعة قطعة في جهنم، فيتمنى أنه ما عرف هذه النعم، يقول الله تعالى: {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:55]. فالنعمة الحقيقية -أيها الإخوة في الله- في مثل هذه المجالس، ووالله! للحظة يقضيها الإنسان في هذه الندوات، وساعة يقضيها في هذه الأماكن خير من الدنيا وما عليها وسوف يموت، وسوف يجد يوم القيامة الساعات والدقائق مسجلة، إما في ديوان الحسنات وإما في ديوان السيئات، ويتمنى أنه قضى كل حياته في مثل هذه المجالس، فهنيئاً لكم، وبارك الله فيكم، وبارك الله في شبابكم، ونطلب منكم المزيد، ونطلب منكم العون والتأييد، والدعم والجلوس معهم؛ لأنهم إذا وجدوا الإقبال ووجدوا الانصباب والانكباب على العلم استطاعوا أن يذهبوا إلى العلماء، وإلى الدعاة، وأن يجلبوهم لكم، فهم أطباء القلوب. لكن إذا رأوا الإعراض، فيأتي الداعية أو العالم ولا يجد أحداً من يكلم؟! يقول: كفى الله المستعان! وهنا تحصل النكبة، ويحصل الدمار والإعراض عن الله، ومن أعرض عنه الله عز وجل دمره الله في الدنيا والآخرة، ومن أقبل على الله بقلبه وقالبه، فإن الله عز وجل يبارك له في حياته وماله، ورزقه وأولاده، وزوجاته وفي كل شئونه.

حال المقبل على الدنيا المعرض عن الآخرة

حال المقبل على الدنيا المعرض عن الآخرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أصبح والدنيا همه) ككثير من الناس، ينسى الموت وينسى الآخرة، وكأنه لن يموت؛ قلبه مفتوح على مصراعيه للدنيا والعياذ بالله، (من أصبح والدنيا همه، فرق الله عليه شمله) فالعمل الواحد يصبح مائة عمل، أي: بدل أن يجمعها ربي يفرقها، ولا تتجمع في أي حالة من الأحوال (فرق الله عليه شمله، وجعل فقره بين عينيه) ولا يرى إلا الفقر ولو كان معه عشرون مليوناً، فالملايين في البنك لكن الفقر أمام عينيه، فكلما تلفت إذا بالفقر بين عينيه والعياذ بالله! فيطرد ولا يلحق، مثل شارب البحر: كلما ازداد شربه ازداد عطشه والعياذ بالله، حتى لو أتيت تسأله وهو ثري وغني وفي خير، كيف أنت؟ كيف الأمور؟ قال: والله! الأمور صعبة هذه الأيام، الأمور تعبانة، والميزانية متدهورة، والسيولة النقدية غير متوفرة، والأزمات قائمة، والعياذ بالله! كأنه لا يملك ريالاً لماذا؟! الفقر بين عينيه؛ الأموال وراء ظهره والفقر بين عينيه، فلا يرى إلا الفقر، فقير حتى على نفسه، فقير حتى على أولاده، وجماعته، ما منه خير والعياذ بالله! (جعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له)؛ المكتوب له لا بد أن يأتي ولا يحول دونه أحد. ثم يقول عليه الصلاة والسلام: (ومن أصبح والآخرة همه)؛ أصبح وهو يفكر في يوم الآخرة: يفكر في القبر وضغطته، واللحد وظلمته، والصراط وحِدَّته، والموقف وشدته يفكر في عمله يفكر في صلاته وقراءته للقرآن، ورضا والديه عليه؛ هل أصبحا يدعوان له أم يدعوان عليه يفكر في رحمه؛ هل أصبحت رحمه راضية عنه فهي تدعو له؛ كلما ذكرته قالت: مدَّ الله في أجله، الله يوفقه، الله يوسع له في رزقه، أم أنها تقطعه وهو يقطعها وهي تدعو عليه؛ تقول: الله يقطعه كما قطعني، ألهب الله عظامه فكثير من الناس موجه ظهره إلى الدنيا بل قامت العداوة بينه وبين جميع أقاربه وأرحامه من أجل الدنيا، والعياذ بالله! وتسبب في نكبة نفسه بلعنة الله وسخطه في الدنيا والآخرة فيفكر المؤمن في هذا وبعد ذلك يصحح الغلطات، كلما رأى في نفسه قصوراً أو خللاً تاب واستغفر ورجع وأصلح حاله مع الله عز وجل. (ومن أصبح والآخرة همه جمع الله له شمله) أي: يسر الله أموره، كلما أراد شيئاً إذا به يتيسر؛ إن جاء ليراجع تسهلت، وإن جاء ليشتري اتسعت، وإذا أراد أي شيء إذا به ميسر؛ يرى اليسر في كل طريق؛ لأن الله يسر له الموقف (جمع الله له شمله، وجعل غناه في قلبه) وليس فقره بين عينيه؛ غناه في قلبه ولو كان فقيراً تجده غنياً، لو لم يكن عنده شيء، كيف أنت؟ قال: الحمد لله؛ في ألف نعمة، أبشرك، آمنين سالمين آكلين شاربين راكبين ساكنين مستورين، من هو الذي في مثل نعمتنا في هذا الزمان، كيف كنا نتمنى قبل خمسين سنة، لو أتينا بالآباء والأجداد وقلنا لهم: تمنوا النعم كلها، لانتهت بهم الأماني دون أن يبلغوا ما نحن فيه من النعم، من كان يحلم أننا نعيش فيما نحن فيه اليوم، تغير كل شيء في حياتنا: تغيرت المساكن، والملابس، والمآكل والمشارب والمراكب والأواني، وتغير كل شيء هل بقي شي من الماضي في بيوتنا الآن؟ ما بقي شيء، أين هي؟ في المتاحف والآثار، إذا دخلت الآثار، يقولون: هذه آثار الماضي، وما هي؟ الملحف والنطع، والجاعد، والجلة، والفنجان الحيسي، والبرمة، والقدر ذاك، كل هذه آثار، آثار من؟ قال: هذه من العصور القديمة، وما عرف أنها من قبل ثلاثين سنة. أبي وأبوك وجدي وجدك عاشوا عليها وغير الله حالتنا كلها؛ تدخل على الرجل الآن في بيته فتجد المفارش والملابس والأشياء التي لم يحلم بها، يقول الواحد منا: أنا في الدنيا أم في الجنة؟ كان الناس في الماضي إذا جاء مطر وجاءت السيول، يخافون من المطر في الليل؛ لأنهم يخشون من (الغادي) من يستطيع أن يصعد ليسد تسرب الماء من السقف في الليل، فيتجمعون ويضعون الأواني تحت هذا (الغادي) كأس هنا، وتحت ذاك صحن، وتحت ذاك قدر، وتحت ذاك فنجال، وتبدأ النواقيط، طن طن تسمعها مثل الموسيقى طوال الليل، وأحياناً لا يبقى في البيت مكان، فيتجمعون في زاوية أو في ركن أو في (الريشة)، ويضعون عليهم (نطعاً) أو ملحفاً حتى لا يأتيهم (الغادي). واليوم من هو الذي لا يفرح بالمطر في الليل؟ وبيوتنا مسلح، لو يهطل بالليل والنهار لا نشعر به. وسياراتنا وجميع نعمنا، هذه نعم! فإذا أصبح الإنسان فيها آمناً وشعر بنعمة الله، وقيل له: كيف أنت؟ قال: الحمد لله، أنا في نعمة ما بعدها نعمة، قال عليه الصلاة والسلام: (وجعل غناه في قلبه).

توفر الدروس الوعظية نعمة وحجة

توفر الدروس الوعظية نعمة وحجة فأنتم أيها الإخوة! في جميع النعم؛ النعم المادية، والنعم الدينية؛ المادية هي ما تعرفون، والدينية هي هذه الندوة، هذه الجلسة، لا يوجد في كل قرى عسير وشهران وقحطان مثل هذا الدرس، ففي المدن نعم؛ في أبها والخميس، لكن البلدان الأخرى لا يوجد، ويسر الله لكم من أبنائكم من يأتون ويطلبون من العلماء، ووالله لقد خجلت كثيراً من كثرة إلحاحهم عليّ حتى خفت من الله، وأنا لا أرفض المجيء لأني مستغن عن الله؛ ولكن لأني مشغول ومرتبط كثيراً، حتى إن صوتي انقطع في بعض الظروف، ولكن من خجلي من هؤلاء الشباب وهم يأتون، كأنه يطلبني صدقة! يلح عليّ يقول: اتق الله، اتق الله، لابد أن تأتي فأخجل وآتي، وأقول: بارك الله في هؤلاء الشباب، وجزاهم الله عنا وعنكم وعن الإسلام خيراً، ونسأل الله أن يزيدهم؛ لأنهم نور، هؤلاء أنوار في قريتكم، والنور ما يسير بعده إلا النور. لكن ما ظنكم لو أن هؤلاء الشباب في المخدرات، أو في الزنا والخمور واللواط وفي الشرور، وجلبوا عليكم الشر والفساد، وأصبح الواحد في المجلس إذا جلس لا يريد أن يقال له: يا أبا فلان، لماذا؟ لأن فلاناً في السجن والمخدرات أو خمار، أو زاني، أو قليل دين، والآن كثير منكم يفرح إذا كان في المجلس، وقالوا: يا أبا فلان، قال: نعم. لماذا؟ لأن ولده كان على المنبر يخطب، ويدعو إلى الله، يبشر بدين الله، ما من هداية تحصل على يد هذا الولد إلا وكما هي في ديوان ولده فهي في ديوان أبيه مثله، لماذا؟ لأنه سبب فيه {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم:39] قال العلماء: إن الولد من سعي أبيه، وإن جميع حسنات الولد مثلها لأبيه إذا رباه على الدين، فلتفرحوا بهذا الخير، ولتؤيدوهم وتناصروهم وتأتون، ماذا يوجد من المغرب إلى العشاء؟ ماذا نعمل في البيوت إذا لم نأت؟ بعض الناس يقول: أقعد من المغرب إلى العشاء؟! وأين تذهب، إذا لم تجلس هنا أين تذهب؟ ما الذي يشغلك؟ لقد أراحك الله يا أخي! كان الناس في الماضي فعلاً لا يدخلون بيوتهم بعد المغرب إلا وقد تكسروا؛ الذي يرعى من وقت شروق الشمس إلى غروبها، أو على البئر من شروق الشمس إلى غروبها، أو يقطع أو يحطب، والآن ماذا معك من شغل؟ نائم من وقت شروق الشمس إلى غروبها، وإذا كنت موظفاً تأتيك النقود من الدولة وأنت جالس على كرسي، إذا تعبت وقعت وانصرفت. بعض الناس يقول: متعب، من ماذا؟! قال: من التوقيع، أو من كتابة معاملة، ويلف الورق ويضعها فوق بعضها، وبعضهم ريحه الله بأولاد صالحين وموظفين وليس عنده وظيفة فيأتونه بالخيرات وهو راقد، لا يرعى ولا يعمر ولا أي شيء؛ بل جالس، لماذا لا تستغل هذه النعمة؟ وإذا رأيت أنه يوجد درس مثل هذا الدرس وكان حتى في القرية الثانية فاذهب إليه، فكيف وقد جاء الله به إليك وأنت تترك ولا تأتي، هذا إعراض يا إخواني! الذي لا يأتي إلى مجالس الذكر خصوصاً مجلس الذكر في القرية فهو معرض، يجب أن تخصص هذا اليوم؛ ليلة الأحد من كل أسبوع لله، لا تعزم فيها ولا تنعزم، ولا تسافر فيها، ولو أن أحداً عزمك فقل له: معزوم، عند من؟ عند رب العزة والجلال، عند رب السماوات والأرض. إذا أردت أن تعزم أحداً، لا والله! إن كنتم ستأتون فلتأتوا بعد العشاء؛ لأن عندنا ندوة، وإذا ربطت نفسك ببيت الله وبالذكر خلال حياتك -كل أسبوع تأتي هنا لتسمع- فاعلم بأن هذه حياة قلبك بإذن الله، لكن إذا أعرضت عن الله: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا} [طه:124 - 126] أتتك آيتنا إلى قريتك، وجئناك بالعلماء من كل وادٍ ومن كل مدينة، شرفوهم طلابكم ثم تركتم المجيء، ما ظنكم لو جاء أمر في ليلة الإثنين أن من حضر الندوة يصرف له بعدها مائة ريال، هل أحد يترك ولا يأتي؟! والله إنهم سيأتون من العصر، والذي لا يستطيع فسيأتي بالعصا، كل يدق الثاني: أنا الأول أنا الأول لماذا؟ لأن الصرف بالصف الأول؛ مائة ريال. لكن ليس فيها مائة ريال، هل تدرون ماذا يوجد في هذه الجلسة؟ أعطيكم حديثاً في البخاري، يقول عليه الصلاة والسلام: (إن لله ملائكة سيارة -أي: متجولة، تطوف حلق الذكر، أي: مهمتها البحث عن أماكن الذكر- فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله -مثل جلستكم هذه- حفوهم إلى عنان السماء، ثم يصعدون إلى الله عز وجل فيسألهم الله وهو أعلم: كيف وجدتم عبادي؟ قالوا: وجدناهم يذكرونك ويسبحونك ويهللونك ويحمدونك، فيقول الله: ما وجدتموهم يسألونني؟ قالوا: يسألونك الجنة) نسأل الله وإياكم الجنة، والآن، ماذا تريدون في هذا المجلس؟ ما تريدون إلا رضا الله، من الذي قادكم بالعصا، أو أخذكم بالقوة، ومن الذي سيعطيكم نقوداً بعد هذه الجلسة؟ ما جئتم إلا لله، وعملكم بإذن الله خالص لوجه الله، ترجون رحمة الله وتخشون عذابه، كل منكم يقول: اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار. (فيقول الله: وهل رأوا الجنة؟ قالوا: لا، ما رأوها، قال: كيف لو رأوها؟ قالوا: لكانوا لها أشد طلباً وفيها رغبة، فقال الله: فما وجدتموهم يستعيذون بي، قالوا: وجدناهم يستعيذون بك من النار، فيقول الله: وهل رأوها؟ -هل رأوا النار وما فيها من الأغلال والأنكال والسلاسل والحميم والسموم واليحموم- هل رأوا ما بها من العذاب؟ قالوا: لا، قال: فكيف لو رأوها؟ قالوا: لازدادوا منها هرباً ولها خوفاً، قال الله عز وجل: أشهدكم أني قد غفرت لهم) اللهم إني أسألك من فضلك في هذه الساعة أن تغفر لنا ذنوبنا وذنوب آبائنا وأمهاتنا، وإخواننا وأخواتنا، وجميع المسلمين. يا إخواني: إن الله لا يعجزه شيء؛ الله كريم وفضله عظيم الله عز وجل يقول في الحديث القدسي: (لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فطلبوني فأعطيت كل واحد مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) إذا أدخلت الإبرة في البحر وأخرجتها كم ينقص البحر؟ أينقص شيء؟ هل يدري البحر أنك أخرجت الإبرة؟ اذهب من طرفه وانظر ما نقص هذا البحر إن خزائن رحمة الله واسعة! فنحن إذا طلبنا الله عز وجل في مجلس يقول الله عز وجل -والحديث في صحيح البخاري: (أشهدكم أني قد غفرت لهم، قال أحد الملائكة: رب! فيهم فلان بن فلان كثير الذنوب والمعاصي -ليس منهم؛ ليس من الصالحين والذاكرين لله- ولكن مر لحاجة فجلس، عرض قلبه لذكر الله- قال: رب! فيهم عبدك الفلاني ليس منهم، ولكن أتى لحاجة فجلس، قال الله عز وجل: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) حتى هذا الذي ليس من أهل الذكر، لكن لما لان قلبه لذكر الله وجلس غفر الله له، فهنيئاً لكم، وأرجو الله تبارك وتعالى أن يوفقكم للمحافظة والمداومة وأن يوفق شبابكم للمداومة ولو لم يجلس معهم أحد، ليس ضرورياً أن يمتلئ المسجد، حتى لا يقول أحد: ما جاء أحد، اجلس ولو لم يجلس معك إلا الأربعة العمدان هذه، اجلس واذكر الله في هذه الليلة، لو لم تكونوا إلا أربعة أو خمسة من الشباب، افتحوا كتاب رياض الصالحين، وتفسير ابن كثير، وصحيح البخاري، أو اقرءوا من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وكتب الفقه الإسلامي، تعلموا أمور دينكم ليلة في الأسبوع من بعد المغرب إلى العشاء، هذه ساعة تضيع على أكثر الناس، وكثير من الناس يضيعها في غير مصلحة؛ إما في كلام، أو علوم، أو جلسة، أو منادمة مع المرأة، أو عشاء، أو مشاهدة ما لا يرضي الله، أو سماع شيء مما لا يرضي الله لكن ساعة تقضيها في بيت من بيوت الله، وتخرج وقد غفر الله ذنبك، ورفع درجتك، وأعلى منزلتك خير لك من الدنيا وما فيها، هذه مقدمة.

الشيطان مكره وخطواته

الشيطان مكره وخطواته أما موضوع المحاضرة فهو بعنوان: (مداخل الشيطان) نعوذ بالله جميعاً من الشيطان. الشيطان العدو اللدود لهذا الإنسان، والعداوة قديمة قدم التاريخ، ضاربة في جذور الزمن، فمنذ بدء الخليقة حصلت العداوة بين الشيطان وبين أبينا آدم، وهي معركة ضارية، قامت وستستمر إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، وهناك تنتهي، فريق في الجنة وفريق في السعير، هذه العداوة بدأت بدافع الحقد والحسد والاستكبار والإباء، وهي من أمراض إبليس. لما خلق الله آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، اعتبر إبليس هذا تكريماً أكثر من اللازم، ونظر إلى عنصره ومادة تكوينه فوجد بعقله المقلوب أنه أحسن حالاً من آدم، فرفض السجود، قال الله عز وجل حينما قال للملائكة: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص:71 - 72] قال الله: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [ص:73].

امتثال الملائكة لأمر الله

امتثال الملائكة لأمر الله إن الملائكة لا تعصي الله؛ الملائكة الغلاظ الشداد لا يعصون الله ما أمرهم، يقول عليه الصلاة والسلام والحديث في صحيح الجامع: (أذن لي أن أتحدث عن ملك من حملة العرش ما بين شحمة أذنه وعاتقه مسيرة سبعمائة عام) هذه رقبته، يا أيها الإنسان! وتعصي ربك، وهذا من حملة العرش: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة:17] رقبته مسيرة سبعمائة عام، وفي بعض ألفاظ الحديث: (خفق الطير) أي: سرعة الطير، {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ} [التحريم:6] وإسرافيل؛ نافخ الصور، يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم الصور، وأصغى ليتاً) أي: أنصت بأذنيه لأمر الله، رجلاه تحت تخوم الأرض السابعة، وركبتاه في السماء السابعة، ورقبته ملوية تحت العرش، والعرش على كاهله. جبريل عليه السلام له ستمائة جناح، لما أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (فرد اثنين من أجنحته فسد ما بين الخافقين) ما بين المشرق والمغرب، اثنين! وكم بقي؟ خمسمائة وثمانية وتسعون جناحاً، أرسل الله جبريل مع الملائكة على قوم لوط، الذين كانوا يعملون باللوطية، وهو أن يأتي الذكر الذكر، وهذه معصية ما عملها أحد من العالمين إلا قوم لوط ومن سار على شاكلتهم، حتى الحمير والكلاب والقردة والخنازير لا تعملها؛ ما رأينا كلباً يركب كلباً، ولا حماراً يركب حماراً، ولا خنزيراً يركب خنزيراً، لكن سمعنا أن هناك من البشر من هو ألعن من الخنازير والكلاب والقردة والحمير، يركب الرجل الرجل، فعذب الله هذه الأمة بأن أرسل عليهم جبريل، قال: فغرس جناحه إلى أن بلغ تخوم الأرض ثم قلبها عليهم وكانوا أربع مدن، في كل مدينة أربعمائة ألف نسمة، وما هو بقليل، أربعمائة ألف نسمة؛ نصف مليون إلا قليلاً، قال: ثم حملهم على جناحه، جبالهم وزروعهم وثمارهم ودوابهم وبيوتهم وذكورهم وإناثهم، كلهم سواء، إلى أن سمعت الملائكة في السماء عواء الكلاب ونواء القطط! رفعهم إلى السماء، ثم قلبها عليهم، قال الله عز وجل: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:82 - 83] هذا جبريل، ملك من الملائكة، وهذا خلقه وهذا شأنه وهذا تكوين الله لخلقته، يطيعه ولا يعصيه. وكذلك كل الملائكة، قال الله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ} [ص:74] ولهذا فالعاصي قدوته إبليس، أتريد أن تكون كإبليس؟ أتريد أن تكون شيطاناً رجيماً ولا تكون من الملائكة؟ تخلَّق بأخلاق الملائكة وأطع الله ولا تعصه، فلا يعصي الله إلا إبليس ومن سار على دربه واتبع طريقته من ذريته؛ أعوان الشياطين -والعياذ بالله- فهم الذين يعصون الله تعالى: {إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [ص:74].

خطوات الشيطان في إخراج آدم من الجنة

خطوات الشيطان في إخراج آدم من الجنة لما سأله الله تعالى: لماذا لا تسجد يا إبليس؟ {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص:76] وهذا خطأ، فإنه كان يتصور أن النار أفضل من الطين، وهذا خطأ، إذ الطين أفضل من النار؛ لأن النار وسيلة إحراق وتدمير، والطين وسيلة حياة وتعمير، إذ كيف تخرج حياة الناس كلها إلا من الطين؛ الثمار، والفواكه، والخيرات كلها من الطين، فغير صحيح أن النار أفضل من الطين، قال الله عز وجل بعدها: {فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [ص:77 - 78]. نعم. لعنه الله، وطرده وقال لآدم وهو في الجنة: {يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ} [طه:117] بين الله له، كشف الله له الأمر: {إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه:117] انتبه! اجلس في الجنة، لا تطع عدوك {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} [طه:118 - 119] نعيم في نعيم، وبعد ذلك: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:35] هذه الشجرة يقول عنها المفسرون: إن جميع ثمار الجنة التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، كانت كافية لكل مطامع آدم، لكن هذه الشجرة؛ لأن كل من أكل من ثمار الجنة يخرج منه مسك؛ العرق ريحته ريحة المسك إلا هذه الشجرة، من أكل منها يخرج منه أذى، وما في الجنة مكان للأذى، فالله حرمها عليه وقال: لا تأكل من هذه الشجرة، وجاء الشيطان إلى آدم ليخرجه من الجنة، بعد أن بين الله له عداوته وقال: {إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ} [طه:117] انتبه. لا تطعه. وجاء إليه بالمكر والحيلة، وقال له: {يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} [طه:120] وهذه الشجرة في الحقيقة هي شجرة الخروج؛ الذي يأكلها يخرج من الجنة، لكن جاءه بغير الموضوع وقال له: (شجرة الخلد) أي: الذي يأكلها يصير خالداً في الجنة، وهذه هي لغة الشيطان وأعوانه، وكثير من الشباب الآن يقع في حبائل الشر والفتن والجرائم عن طريق المكر؛ يأتي واحد ويقول: تريد أن تذهب إلى خارج البلد وتذهب عنك الهموم وترى مصر وأنت هنا؟ قال: نعم. قال: دخن واحدة فقط، فتبدأ السقطة بدخانة تريد أن ترتاح وتذهب منك المشاكل؟ تريد أن تذاكر الدروس وأنت منبسط؟ قال: نعم، قال: خذ حبة من المخدرات، فيبدأ الانزلاق بأول حبة تريد أن ينشرح صدرك؟ ابحث فقط عن فتاة تتكلم معها في التلفون، أو ترسل لها رسالة، أو تقابلها في مكان، أو أي شيء. حتى يورطه في جريمة الزنا والعياذ بالله، من أين هذه الأفكار؟ من الشيطان، كما أضل آدم يريد أن يضل أبناءه إلى يوم القيامة، فجاء إلى أبينا آدم وقال له: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} [طه:120] لأن آدم كما يقول المفسرون: ليس من أهل الجنة في الأصالة، أهل الجنة بالأصالة هم الملائكة، أما آدم هو من أهل الجنة بالتبعية، أي: أصله من الأرض وجاء به الله عز وجل، فهو ليس من أهل الجنة بالأصالة؛ فهو خائف، ودائماً الغريب الذي يقيم في أرض طيبة أرض أمن أرض خيرات وهو ليس من أهل هذه الأرض، يخاف أن يخرج منها، فهو يريد أن يحصل على إقامة دائمة، لا يخرج منها، من أجل ما في هذه الجنة، فجاءه إبليس من هذا الجانب وقال له: {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف:20] يقول: إذا أكلتما من هذه الشجرة سوف تصبحان من الملائكة، وتصبحان من الخالدين في الجنة، ثم قال: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:21] حلف لهم بالله إنه لهم ناصح وهو كذاب، ولهذا لا تصدق الذي ينصحك بالباطل ولو حلف لك، لا تصدقه، فإن الشيطان قد حلف لأبينا آدم، وأخرجه من الجنة وهو كذاب، قال الله تعالى: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} [الأعراف:22] أي: دلاهما بكيد ومكر {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ} [الأعراف:22] بمجرد أن أكل الشجرة أبونا آدم {بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} [الأعراف:22]. أوجد الله لهما مخارج لهذا الأذى {وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [الأعراف:22] بدءوا يتسترون {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ * قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23] قال الله عز وجل: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [طه:123] أخرج الله آدم، وأخرج الله إبليس، أخرجهم إلى الأرض {اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً} [طه:123] يا آدم ويا إبليس كلكم {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} [طه:123] انتبه، لا تتخذ الشيطان صديقاً لك {وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً} [النساء:119]. سمعتم الآية: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} [طه:123] يقول ابن عباس: [تكفل الله لمن اتبع القرآن والسنة ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة] لكن من أعرض عن الدين والقرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، قال: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي} [طه:124] يتولاه الشيطان رأساً {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه:124 - 127].

عداوة الشيطان وحزبه للإسلام

عداوة الشيطان وحزبه للإسلام بين الله عز وجل عداوة الشيطان لنا وقال: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:6] هل في الدنيا أحد يريد أن ينصح عدوه بخير؟ لا أحد أبداً، فعدوك لا يمكن أبداً أن يأمرك بخير، أو يدلك على خير، عدوك عدوك؛ الآن اليهود أليسوا أعداء العرب؟ إسرائيل عدوة العرب الآن، وعدوة المسلمين الأولى، هل يمكن أن نثق في إسرائيل؟ هل يمكن أن تعطينا شيئاً فيه خير؟ لا، لماذا؟ لأنها عدوة، فإذا وثقنا فيها وصدقناها وأخذنا صادراتها، وتعاملنا معها، هل يمكن أن تدلنا على خير؟ لا. كثير من الناس الآن يقول الله تعالى لهم: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً} [فاطر:6] لكن اتخذوه ولياً، وصادقوه، وصادقوا جماعته وربعه، يرقص وهو في الجيب! وكثير من الناس أبغض شيء عنده بيت الله، يداوم كل يوم ولكن لا يدخل إلى المسجد إلا يوم الجمعة، يستمع الأغاني في الصباح والمساء وفي السيارة والمكتب وفي كل مكان، ولا يمكن أن يفتح المصحف إلا في رمضان، أو يوم الجمعة إن كان نشيطاً، هذا عدو لله ولي للشيطان؛ لأن القرآن كلام الله، والأغاني كلام الشياطين، وكثير من الناس الآن كرسيه محجوز في القهوة، كل ليلة وهو يخرج من بيته، يترك زوجته وأولاده، وأين تذهب؟ قال: أذهب أعمّر، ماذا تعمر؟ يعمر شيشة وهو يدمر ولا يعمر -والعياذ بالله- يدمر نفسه وأخلاقه وماله، يخرج ويترك زوجته وأولاده ويأتي ليقرقر، كما يقول أحد الإخوة، يقول: إن المقاهي مساجد الشيطان، وبعد ذلك المؤذنون فيها هم المغنون، وما دخلت أبداً ولا سمعت عن قهوة إلا وفيها سماعات ومسجلة وأشرطة وأغاني، هل سمعتم مقهى قرآن أو موعظة؟ هل دخل أحد مقهى وسمع فيها شريطاً للشيخ ابن باز أو للشيخ محمد بن عثيمين أو للشيخ عائض القرني؟ لا. ليس فيها إلا أشرطة الشياطين والمغنين، وبعد ذلك المرجانة -أي: الشيشة- مجالس إبليس! وكل واحد عند رأسه مرجانة وفي رأس المرجانة نار، النار هي نار الشيطان؛ لأنه مخلوق من النار، ولا تتزين شيشته إلا بالنار، يقرقرون ويكبرون للشيطان فإذا انتهى مسحها وأعطاها لزميله، وخرج بريحته الكريهة، إذا مررت من عنده تكاد تتقيأ من ريحة فمه والعياذ بالله! ورجع إلى بيته بريحته هذا عبد للشيطان، يقول الله عز وجل: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} [الكهف:50] بئس أن تستبدل ربك بالشيطان الرجيم، بئس للظالمين بدلا، ربك الذي خلقك ورزقك وغذاك ورباك وسترك وهداك ووفقك، تتركه وتأخذ عدوك الذي أخرجك وطردك ولعنك ويريد أن يوصلك جهنم، أتطيعه؟! أين عقلك أيها الإنسان؟!

الشيطان وتخويفه للإنسان بالفقر

الشيطان وتخويفه للإنسان بالفقر وبعد ذلك يسير كثير من الناس في ركاب الشيطان، كيف؟ بعض الناس يقول: كيف يدخل الواحد في ركاب الشيطان؟ نقول له: إن الله قد بين ذلك في القرآن، يقول الله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:268]. كل أمر تجده في نفسك رغبة في الشر فاعلم أنه من الشيطان، وكل أمر تجده في نفسك تقاعساً عن الخير فاعلم أنه من الشيطان؛ فإذا جئت لتخرج من جيبك نقوداً لتتصدق بها، اعتراك نوع البخل فمن هو الذي أمرك بهذا؟ الشيطان؛ لأنه يعدك الفقر، يقول: اغلق الشنطة!! تخرج منها خمسة أو عشرة!! فيغلق الشنطة، لكن قيمة الدخان! إذا جئت لتشتري دخاناً، يقول الشيطان لك: اشترِ هذا. ريال الدخان مخلوف، يقول إبليس: الذي يقع في يد الشيطان مخلوف، ولو جاءك فقير في صباح يوم من الأيام وطرقت عليك الباب امرأة وقالت المرأة: انقطعت بي السبل، ولم أجد بلاغاً إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي رزقك أن تعطيني خمسة ريالات لآخذ لأولادي شيئاً، أبونا ميت وأنا في حالة من الفقر، أريد بريال خبزاً وبريالين جبناً وبريالين طحينية، أفطر أولادي، أسألك بالله الذي رزقك! ربما يحن قلبك عليها وتقول: تفضلي هذه خمسة ريالات، ثم في اليوم الثاني جاءت، ودقت الباب: قالت: أسألك بالله، خمسة ريالات ثانية، فستقول لها: أنت جئت بالأمس؟ نعم جئت بالأمس، ما معي إلا الله ثم أنت، قال: طيب إن شاء الله، وإذا جاءت اليوم الثالث: هل تعطيها؟ ستغلق الباب، وإذا دقت الجرس تقول للمرأة: انظري فإن كانت تلك فاطرديها، أنا حكومة هنا كل يوم خمسة ريالات؟! وإذا خرجت عليها رأيتها وأصرت إلا أن تدق الباب فربما تأخذها بالعصا، وتقول: أعطيناك خمسة وثاني مرة خمسة وكل يوم خمسة خمسة، مائة وخمسين في الشهر، والله لا أفتح لك الباب، فلو أعطيتها خمسة، ففي الشهر ماذا يكون رصيدك عند الله يوم القيامة، ورد في الحديث: (إن الصدقة لتقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير، وإن الله ليربي لأحدكم صدقته كما يربي أحدكم فلوه) ويأتي الرجل يوم القيامة فيجد حسنات كأمثال الجبال، يقول: يا رب! من أين هذه؟ ليس عندي شيء، قال: هذه صدقاتك رباها الله عز وجل وضاعفها لأن الله تعالى يقول: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:276] {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ:39]. خمسة ريالات قدرت عليها، وفي اليوم الثالث تطردها، لكن أربعة ريالات قيمة الدخان؟ هل جاءك الشيطان وثبطك عن شراء الدخان؟ وبعضهم يستلفها، ولو يجعل أولاده يموتون جوعاً، وبعض الرجال ليس عنده أو عند أولاده نقود ويشتري دخاناً، لماذا؟ لأنه حق الشيطان، لمن يدعها؟ هذه مسواك إبليس؛ لأن الشيطان مخلوق من النار أليس كذلك؟ ومسواكه من أين؟ من النار، ولهذا أبى الشيطان إلا أن يمسوك أتباعه وأصحابه بمسواكه، إن مسواك النبي صلى الله عليه وسلم ثمنه ريال، يكفيك من يوم الجمعة إلى الجمعة، وقد يستمر معك جمعتين، وبعد ذلك (مطهرة للفم، مرضاة للرب)، يقول عليه الصلاة والسلام: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) والحديث في الصحيحين، ويقول الإمام الصنعاني في كتابه سبل السلام: يا عجباً لأمة تضيع سنة يقول فيها نبيها أكثر من مائة حديث. ورد في فضل السواك أكثر من مائة حديث، وجاء الشيطان عند أهل الدخان وأقنعهم بمسواك آخر من النار، ما هو؟ من الدخان، وبعد ذلك كم؟ هذا يكفيك عشرة أيام، أو خمسة عشر يوماً بريال، ومرضاة للرب ومطهرة للفم، ومن أعظم شيء يتقرب به العبد إلى الله، فجاء الشيطان إلى الناس، وأقنعهم بترك السواك، وأخذ سواكاً آخر لكن من مادة الشيطان، من خلق وتكوين وتركيب الشيطان، وبعد ذلك كم؟ مسواك يكفي في الأسبوع؟ لا. في اليوم عشرون مسواكاً (باكت) وبعد ذلك من مسواك إلى مسواك، وبعضهم أربعين مسواكاً. وهذا المسواك يطيب فم الإنسان أم يخبثه؟ يخبثه، فلو مررت من عند شارب الدخان وشممت رائحة فمه كأنك تشم رائحة بيارة والعياذ بالله، حتى إن من الرجال من يعذب امرأته؛ مدخن ويريد أن يسلم على امرأته وهي تتمنى أن تسلم عليه، لكن إذا قرب منها جاءت الريحة إليها، فغمضت، أو قبلته قبلة واحدة بسرعة ولفت، لماذا؟ لأنها لا تريد أن تشم رائحته والعياذ بالله! لقد أكرم الله الإنسان بفتحة طاهرة عليا وهي الفم، فجاء الشيطان وحول الفتحة العليا إلى رائحة كريهة والعياذ بالله، حتى إن بعض المدخنين إذا كان في إدارة حكومية أو محكمة أو مع رجال فيهم خير، ويريد أن يدخن لا يعرف أين يدخن، ممنوع التدخين في الدوائر الحكومية، فأين يدخن؟ في الحمام؛ فتجتمع له رائحتان فينبسط! والله لو أنه ليس في الدخان إلا هذا، هل سمعتم أن واحداً يستطيع أن يأكل سندويتشاً في الحمام؟ يستطيع أن يشرب شاياً في الحمام؟ لماذا؟ لأنه ليس مكانها لا تطيب لي نفس أن آكل في الحمام حتى ولو كنت في حد الموت. لكن يقدر أن يشرب الواحد الدخان في الحمام، لماذا؟ لأنه المكان الصحيح للدخان، لكن يشربه في المسجد، يشربه بين يدي العلماء؟ لا يقدر؛ لأنه خبيث، ولذا يا إخواني! نقول لشارب الدخان: اتق الله في نفسك، اتق الله، راجع نفسك من الآن وقرر، إذا كنت رجلاً وشهماً وصاحب إرادة قوية قرر من الآن التوبة، لتكون طيباً، لأن الله تعالى يقول: {وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} [النور:26]. هل الدخان طيب أم خبيث؟ خبيث، والذي يدخن كذلك، لأن الله تعالى يقول: {وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور:26] هل ترضى أن يقال لك خبيث يا شارب الدخان؟ لماذا تقبل الخبيث؟ لماذا تضعه في فمك؟ لماذا تشربه؟ لماذا تنفخه؟ لماذا تضعه في جيبك؟ لماذا تشتريه؟ لماذا تبيعه؟ لماذا تروجه؟ إنه خبيث، وقد حرم الله الخبيث وقال: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157].

أقسام العمل من حيث الخير والشر

أقسام العمل من حيث الخير والشر كثير من الناس سار في ركاب الشيطان، وأطاع الشيطان وترك الله عز وجل، وطبيعي أن من عاش مع الشيطان أهلكه الله في الدنيا والآخرة، ثم يموتون كلهم، أولياء الله وأولياء الشيطان، ويقابلون ربهم على ضوء الأعمال التي سلكوها، والأعمال عملان: عمل صالح، وعمل سيئ. العمل الصالح: ما أمر الله به، وما أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم. والعمل السيئ: ما أمر الشيطان به؛ لأن الله تعالى يقول: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة:268] كل سوء وكل شر هو من الشيطان الرجيم، وتجد حساباتك عند الموت، ويقدم لك كشف الحساب، يقال لك: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية:29]. هذا كتابك، اقرأ كتابك، اقرأ ملفك، هذه درجاتك وعلاماتك التي كنت عملتها في الدنيا {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً * مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:14 - 15]. ويقوم الناس من قبورهم بعد أن يكون أهل الإيمان وعباد الرحمن، ليسوا عباد الشيطان والشهوات، بل عباد الله الذين نزعوا أيديهم من الشيطان وسلموا أنفسهم لله؛ سلموا أعينهم لله فلا ينظرون بها إلى حرام، وسلموا آذانهم لله فلا يستمعون بها إلى حرام، وسلموا ألسنتهم لله فلا يتكلمون بها في غيبة أو نميمة أو لعن أو سب أو شتم أو شهادة زور أو يمين فجور أو حرام، وسلموا أيديهم لله فلا يمدونها إلا إلى ما أحبه الله، وسلموا أرجلهم إلى الله فلا تحملهم ولا يسيرون عليها خطوة واحدة إلا فيما يرضي الله، وسلموا فروجهم فلا يمكن أن يطئوا بها إلا فيما أباح الله، وسلموا بطونهم فلا يمكن أن ينزل بها لقمة إلا مما أحل الله عز وجل هؤلاء هم عباد الرحمن؛ رضخوا لله، وأذعنوا لشريعة الله، هؤلاء يوم القيامة يموتون ويقال لهم عند الموت: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30]. وفي القبر يثبتهم الله، يقول الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم:27] ويحول القبر إلى روضة من رياض الجنة، وتأتيهم أعمالهم على أحسن عمل، أنا عملك الصالح حفظتني حفظك الله، ويوم القيامة يبعثون من قبورهم {لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:62]. يمرون على الصراط كالبرق الخاطف، يأخذون كتبهم بأيمانهم، هذه شهادتك: ناجح، يردون الحوض فيشربون شربة واحدة، من شرب منه شربة واحد لم يظمأ بعدها أبداً، يوزنون وإذا بهم موازينهم راجحة ثقيلة، عمل صالح وتقوى، وخوف من الله ورجاء ودعوة وبر وقرآن. لكن ذلك ماذا عنده: دخان، وأغان، وحلق لحية، ومشعاب، وكذب، ومسجل، ويا ليل ويا عين هذه رجولته، وإذا خرج لعنه الله وطرده على أساس هذا العمل، والعياذ بالله! فالمؤمن له ميزان وله ثقل عند الله، وبعد ذلك يدخل الجنة، يقال لهم: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:70 - 71]. أما أتباع الشيطان، عبيد إبليس؛ لأن الله تبارك وتعالى سماهم عبيداً للشيطان؛ لأن العبودية ليست سجوداً وركوعاً، بل العبودية طاعة، فإذا أطعت الله فأنت عبد الله، وإذا أطعت الشيطان فأنت عبد الشيطان، ولهذا فهؤلاء يعيشون في الدنيا على طاعة الشيطان.

حرص الشيطان ومقابلته لأوامر الله بأوامره

حرص الشيطان ومقابلته لأوامر الله بأوامره واعلموا أيها الإخوة! أنه ما من أمر لله إلا ويقابله أمر للشيطان، فمن وقع في أمر الله فهو عبد الله، ومن ترك أمر الله وقع في أمر الشيطان شاء أم أبى؛ أمر الله بالصلاة والشيطان أمر بالنوم، فإذا كنت مع الله فإنك تقوم لتصلي، وإذا كنت مع الشيطان راقداً على الفراش في صلاة الفجر، هذا ميزانك؛ أمر بالصلاة في ذلك الوقت والشيطان أمر بالنوم في ذلك الوقت، أنت مع من؟ الله أمر بالقرآن، والشيطان أمر بالأغاني، أنت مع من؟ الله أمر بالنظر إلى الحلال، والشيطان أمر بالنظر إلى الحرام، أنت مع من؟ الله أمر بأكل الحلال، والشيطان أمر بأكل الحرام، الله أمر بالبيع والشيطان أمر بالربا، أين أنت؟ الله أمر بالعسل والطيبات والشيطان أمر بالدخان والخبائث والخمر والمخدرات، أين أنت؟ لا يمكن أن تقع بأمر لله عز وجل إلا وأنت متحرر من أمر الشيطان، ولا يمكن أن تقع في أمر من الشيطان إلا وأنت متحرر من أوامر الله، شئت أم أبيت، وقد يقول واحد من الناس: أنا لا أطيع الله ولا أطيع الشيطان، معقول؟! أنت لابد أن تنظر، وليس هناك شخص لا ينظر، لكن هناك من ينظر فيما يحبه الله ويرضاه، وآخر يتلفت إلى النساء، هذا عبد للشيطان، ولابد أن تسمع، فهناك من يسمع القرآن وآخر يسمع الأغاني، لا يوجد أحد يقول: لا والله، أنا لن أتلفت وسأغلق عيني. ولا أسمع، فسوف أسد مسامعي، ولا آكل ولا أشرب، ولا أقوم ولا أجلس، ولا أخرج ولا أجلس، من هذا؟ هذا الميت الذي مات، هذا نذهب به إلى القبر. أما الحي فلابد أن يسمع ويتلفت، وينظر ويتكلم، ولكن إما بما يرضي الله فهو عبد الله، أو بما يرضي الشيطان فهو عبد للشيطان. وهؤلاء الذين يعيشون في الدنيا على هذا الوضع هم عند الموت خبثاء، جاء في الحديث تقول لهم الملائكة: (يا أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب) اخرجي الآن للحساب، كنت خبيثة ومفلوتة، والآن اخرجي للحساب، إلى سخط من الله وغضب، وفي القبر يسأل: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ يقول: هاه، هاه، هاه، لا أدري؛ لأن الله يضله، يقول: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27]. وبعد ذلك يأتي عمله على أخس صورة، عمله دخان، وقطع لرحمه، وعقوق لوالديه، وإساءة لجيرانه وجماعته ومشاكله وتحريشه، وغيبته ونميمته، وإفساده، مثل قطة أبو عريش، فقد أحرقت أبو عريش بذيلها، احترق ذيلها في عشة وخرجت وذهبت إلى العشة الثانية وخرجت وأحرقت الثالثة، حتى أحرقت مدينة. وكذلك من الناس من دوره مثل دور قطة أبو عريش، يحرق القرية كلها بلسانه، يأتي عند فلان، ويقول: هاه سمعت ماذا قال فلان؟ قال: والله يقول: فيك وفيك، وأعطى وأخذ منه كلاماً، وراح عند ذاك حتى يفسد، يشعل النار والفتنة بين الجماعة والعياذ بالله.

العاصي وحاله يوم القيامة

العاصي وحاله يوم القيامة فالإنسان العاصي يوم يموت ويجد عمله يأتي عمله على أشوه صورة، وعلى أخس شكل، يقول له: (أنا عملك السيئ ضيعتني ضيعك الله) وبعد ذلك يبيت في قبره إلى يوم القيامة على العذاب، ثم إذا بعث من في القبور وخرج من قبره وإذا به يرى النكبات، لا إله إلا الله!! يقول الله عز وجل: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [المعارج:43 - 44] {خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} [القمر:7 - 8] يوم صعب والله. يوم عبوس قمطرير هوله فيه تشيب مفارق الولدان مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور الله أكبر! ما أعظم الأحداث، يخرج الإنسان وهو خائف وجل ليس عنده شيء، مفلس ما عنده عمل، وبعد ذلك يأتي على الصراط فيسقط، فيأتي ليأخذ كتبه في اليمين فتضرب يمينه على كتبه فتسقط يمينه، ما معه يمين، فيأخذها بشماله -رغماً عنه- لأن الله تعالى يقول: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} [الحج:21] ليس الأمر على ما يريده المرء، وبعد ذلك يأتي ليوزن عمله، فيخف ميزانه ليس عنده شيء، قال الله تعالى: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} [الكهف:105] وما هو وزن تارك الصلاة وما معه من قيمة؟ ليس له وزن في الدنيا حتى يكون له وزن في الآخرة، فالذي ليس له وزن هنا ليس له وزن عند الله تبارك وتعالى. وبعد ذلك يأتي ليشرب من الحوض فيطرد، يطرد كما يطرد الكلب! يذاد عنه، تطرده الملائكة، تقول: ما شربت من سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ما شربت دينه، ما عشت عليه حتى تشرب من هديه، وتشرب من حوضه صلى الله عليه وسلم، وبعد ذلك يسحب على وجهه إلى النار، قال الله عز وجل: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً} [الإسراء:97]؛ أصم أعمى أبكم، يسحب على وجهه! وأعز شيء فيك يا رجل وجهك، لأن تسحب على ظهرك وعلى رجليك وعلى ركبتيك وعلى كل عضو أهون من أن توضع على وجهك فيسحب وجهك على الطين والحجارة! هذا أسوء منظر أهل النار، يقول الله تعالى: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً} [الإسراء:97]؛ لأنه كان أعمى هنا عن الدين، كانت عيونه مفتحة لكن في الحرام، لا يستريح إلا إذا جلس مع النساء؛ يتكلم، ويأخذ ويعطي، مسرور، لكن بعد هذا السرور لعنة، يقول: (يا آكل الشحمة تخرجها شيئاً آخر) لا تنشرح نفسك بالمعصية الآن، خف من ربك الآن حتى يعوضك الله في الجنة، قد تجد معاناة؛ كون الإنسان لا يجلس مع النساء ولا يستمع الأغاني، ويتمسك بدين الله، قد يكون في ذلك نوع من المعاناة والصعوبة، لكنها لا تعدل شيئاً بالنسبة لمعاناة الآخرة، وبعد ذلك إذا جلست مع النساء في الدنيا بالحرام، وتفكهت معهن، أضعت على نفسك نعيماً عظيماً في الجنة، بينما إذا غضضت بصرك عن النساء هنا، يعطيك الله في الجنة نعيماً ليس بعده نعيم، من ضمنها اثنتان وسبعون حورية، يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لو أشرفت إحداهن -من حوريات أهل الجنة على الأرض- لآمن من على ظهرها بالله الواحد الديان) كلهم يقولون: لا إله إلا الله! ما هذا الجمال! نصيفها -شيلتها- على رأسها خير من الدنيا وما عليها، لو أنها في المشرق وواحد في المغرب لشم ريحها؛ رائحتها وهي في المغرب تشمها وأنت في المشرق، بعض النساء رائحتها إذا شممتها تنفر منها من شدة الرائحة العفنة والعياذ بالله! فمن ابتعد عن دين الله ليس له قيمة، وليس له وزن عند الله عز وجل، كان أعمى عن دين الله عز وجل فيحشره الله أعمى أصم، قال تعالى: {عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً} [الإسراء:97] أبكم عن الدين لا يقول كلمة خير، كلامه كله غيبة ونميمة وسب وشتم واستهزاء وسخرية، فلان كذا وفلان كذا فهل أنت الذي خلقته؟ من عاب الصنعة فقد عاب الصانع، لو أن أحداً يفصل نفسه لكان فصل على أحسن مقاس، لكن ربي هو الصانع، فلان الأسود، فلان الأبيض، فلان المتين، فلان الضعيف، فلان الأعور، فيقطع لحوم المسلمين، يأكل من لحومهم، ولكن يأكل دماً يوم القيامة، والعياذ بالله! لسانه أبكم عن ذكر الله، يغني يضرب: يا ليل، يا ليالي، في كل سمرة هو الأول، ولكن في كل ندوة لا تراه، أبكم عن الحق، والدين، والقرآن، لسانه يشتغل في الباطل، قال الله عز وجل: {عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً} [الإسراء:97] أصم عن دين الله، لكن منفتح على كل شر: {مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ} [الإسراء:97] أي: كلما انطفأت وتنازلت: {زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} [الإسراء:97]. نعوذ بالله من ذلك! ويصلون في النار، والنار -أجارنا الله وإياكم من النار- حرها شديد، وقعرها بعيد، وعذابها أكيد، وطعام أهلها الزقوم، وشرابها المهل والقيح والدم والصديد، أمانيهم فيها الهلاك، وما لهم منها فكاك، قد شدت أقدامهم إلى النواصي، واسودت وجوههم من ظلمات المعاصي ينادون من شعابها بكياً من ترادف عذابها: يا مالك! قد أثقلنا الحديد، يا مالك! قد نضجت منا الجلود، يا مالك! قد تقطعت منا الكبود، يا مالك! العدم والله خير من هذا الوجود، يا مالك! أخرجنا منها فإنا لا نعود. يقولون: أطلقنا نرجع نعمل عملاً صالحاً من أجل أن نتوب، قال الله عز وجل: {اخْسَئوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108] لا خروج أبداً من النار، لماذا؟ قال: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً} [المؤمنون:110] كثير من العصاة يضحكون على المتدينين، فلان مطوع، ماذا تكون أنت يا أبا السيجارة، اضحك على نفسك، ابك على نفسك، يا ضال، يا منحرف، يا عبد الشيطان! تضحك على عباد الله وأهل القرآن، والدعوة، والصلاة، والدين، والعفة، والشهامة، والمروءة، والطهارة، وأنت على الزنا والغناء وعلى قلة الدين، لا إله إلا الله! {فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} [المؤمنون:110 - 111] نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الفائزين. في تلك اللحظات وهو في النار، يتدبرون ويتفكرون في هذا العذاب العظيم الذي ما بعده عذاب، ويعيدون شريط الذكرى، لماذا نحن هنا؟ من الذي ورطنا هنا؟ فيجلس بعضهم مع بعض، ويقولون: الشيطان الشيطان. إنك لو جئت في درس على مجموعة من السجناء في السجن، وقلت لكل واحد: تعال، ما الذي أتى بك إلى هنا؟ من الذي ورطك في القتل؟ ماذا سوف يقول؟ يقول: الشيطان، وأنت ما الذي ورطك في الزنا؟ قال: الشيطان، وأنت ما الذي ورطك في السرقة؟ قال: الشيطان، كل واحد يقول: الشيطان ورطهم وتركهم في السجن. كثير من الناس ورطهم الشيطان وكأنهم ليسوا مسئولين، لكن إن لم يتوبوا فسوف يسجنون في سجن ما منه خروج، وهو سجن جهنم، وإذا جئت في يوم من الأيام تقول: ما الذي أتى بك في النار؟ قال: الشيطان، الشيطان أتى بي هنا، {أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} [الفرقان:29] يقول الله عز وجل: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} [الفرقان:27] يأكل من هنا إلى هنا، إنك إذا اشتريت سلعة بخمسة في السوق ووجدتها في دكان آخر بريال، ماذا يصير في قلبك؟ الندم، أم لا؟ وهي بريال، لكن أخذتها بخمسة من دكان، تقول: الله! كيف هذا الكلام، بخمسة وهي بريال، كنت سآخذ خمس حبات، لماذا آخذها؟ أين عقلي؟ أين تفكيري؟ لماذا لا أبحث في السوق؟ وتبقى في قلبك نقطة وحرقة لا تنساها. فإذا جئت يوم القيامة وقد اشترى أهل الإيمان الجنة وأنت شريت النار، قال الله عز وجل: {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [التغابن:9] غبن يقطع القلوب، وقد ورد في الحديث: (إن أهل النار يؤخذون إلى أن يؤتى بهم إلى الجنة، فتفتح الجنة على مصارعها، فيقال لهم: هذه الجنة، قالوا: نعم، قالوا: هذه قد أعدها الله لكم لو أنكم أطعتم الله ورسوله) فيرون شيئاً لا يتصوره العقل، (ولكن لما عصيتم الله ورسوله بدلكم الله بدار ثانية فيؤخذون فيرجعون بحسرة وندامة ما رجع بها الأولون والآخرون) قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} [الفرقان:27 - 29]. ويعيدون شريط الذاكرة إلى أن سبب نكبتهم في هذه النار هو الشيطان، فيلعنون الشيطان، ويتبرءون من الشيطان، لكن لا ينفع! أحد الناس جئته في السجن وأنا ألقي درساً عليهم وبينت لهم في جريمة القتل، ولما خرجنا أمسكني رجل مسن، قال: يا شيخ! أين هذا الكلام قبل أن آتي إلى هنا؟ قلت: ما قضيتك؟ قال: القتل، أنا أنتظر السيف في الغداة والعشي، يقول: والله لو أني سمعت هذا الكلام ما دخلت السجن، يضربني أو يذبحني، لكن لا أدري! الشيطان ورطني في مسائله، لكن لا أدري كيف أرقعها الآن؟ أحييه من الموت؟ لا. ليست إلا موت رقبتي. وما يدري ما عليه عند الله يوم القيامة، من الذي ورطه في هذا؟ الشيطان، فالشيطان يورط كثيراً من الناس في مثل هذه الأعمال، ثم يو

مداخل الشيطان

مداخل الشيطان ولكن ما هي مداخل الشيطان؟ وهذا موضوع المحاضرة. مداخل الشيطان كثيرة، نذكر منها فقط مدخلين رئيسين، بوابتين كبيرتين، يدخل الشيطان منها إلى قلوب كثير من أهل النار، وما أضل الشيطان الناس إلا من هذين البابين، يقول ابن القيم رحمه الله: ما أهلك البشر إلا شبهة أورثت شكاً في دين الله، أو شهوة أورثت تقديم الهوى على محبة الله. هذان البابان: شبهات، وشهوات.

مدخل الشبهات

مدخل الشبهات ما هي الشبهات؟ ما يلقيه الشيطان في عقل الإنسان من الأفكار الخبيثة: شبهة الكفر، شبهة وجود الله أو عدمه، شبهة أن الرسول صادق أو غير صادق؟! شبهة هل هذا الدين حق، أو ليس بحق؟ شبهة هل في القبر عذاب أم لا؟ شبهة هل في الآخرة نار وجنة أم لا يوجد؟ من يورد هذه الأفكار؟ الشيطان، قال الله تعالى: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً} [النساء:120]. شبهة حب الزنا وتزيينه، شبهة حب الربا وأنه أحسن شيء لتنمية الأموال، وتكثير الأرصدة في البنوك، شبهة الاعتداء والعدوان، هذه اسمها شبهات، ترد على الإنسان. ومحاربتها عن طريق تعميق قضايا الإيمان في النفس البشرية، وقطع دابر الشيطان بالقطع اليقيني وبالجزم الإيماني على أن كل حقائق الإيمان حق، لا يخالطك فيها شك، تزول الجبال ولا تزول عقيدتك في الله عز وجل، وأدلة هذا مبثوثة في الكون كله: ففي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد ويقول الله تبارك وتعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [محمد:10] {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} [ق:6] والكون مبثوث فيه جميع الآيات الكونية التي تدلك على الله تبارك وتعالى، بل السماء والأرض، والليل والنهار، والشجر، والجبال، والدواب والأنهار، والثمار، كل هذه إذا تفكرت فيها تجد أن آثار القدرة الإلهية فيها، تدلك على الله الذي لا إله إلا هو، يقول الشاعر: تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك عيون من لجين شاهدات بأن الله ليس له شريك وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد تبارك وتعالى، فحينما تتأمل وتتفكر تقطع الطريق على الشيطان وتقول: لا إله إلا الله، الله حق والشيطان يخسأ، قاتله الله، تفكر في نفسك أنت يا أخي، وفي خلقك وتركيبك وفي خلياتك وجزئياتك، وفي أكبر شيء فيك، في كل جزئية منك آية تدل على الله، وسوف أتكلم معكم فقط عن جزئية أو جزئيتين من خلقك أيها الإنسان أولها: القلب. القلب: مضخة أوجدها الله في الجسم، وهي مضخة حساسة ولها أهمية كبيرة، بحيث تشتغل مدى الحياة، وإذا توقفت لحظة ما الذي سوف يحصل؟ يموت الإنسان، إذا توقف القلب لحظة واحدة يموت الإنسان، يسمونها جلطة، أو السكتة القلبية، أي: سكت القلب فمات الإنسان، هذه العضلة يقول العلماء: تضخ في كل دقيقة ثمانين ضخة، هي عضلة، هذه الضخة ماذا تصنع؟ ترسل الدماء، مثل المكينة؛ تسحب الدم وتذهب به إلى العروق والجسد، وإذا توقفت هذه المضخة فإن الإنسان يموت مباشرة، فهي تضخ ثمانين ضخة في كل دقيقة، أي: في اليوم الواحد أكثر من مائة ألف ضخة، وفي عشرة أيام مليون ضخة، وفي شهر ثلاثة ملايين ضخة، وفي عشرة أشهر ثلاثين مليون ضخة، وفي عشر سنوات ثلاثمائة مليون ضخة، وأي جهاز وأي مكينة تقوم بهذا العمل ولا تخرب ولا تتوقف؟! لا إله إلا الله! من الذي يجري لها صيانة؟ من يزيتها؟ من يعرف عنها شيئاً؟ لا إله إلا الله! هذه المضخة العظيمة، التي هي آية من آيات الله تبارك وتعالى، تضخ بعضلة لا إرادية، أي: عضلة أوتماتيكية من عند رب العالمين، فما لك فيها علاقة أنت، لكن عضلة يدك بعضلة إرادية، هذه عضلة وهذه عضلة، عندما تريد أن قبض يديك تقبضها، أو تمد عضلة رجلك تقوم وتقعد وبكل عضلاتك، لكن قلبك بعضلة تشتغل بدون إرادة منك؛ لأنها لو توقفت لتوقفت حياتك، فالله خلقها عضلة أوتماتيكية، فما ظنكم لو أن عضلة القلب إرادية، بحيث من أراد أن يعيش يحرك عضلة قلبه، والذي لا يريد أن يعيش يوقف عضلة قلبه ويموت، هل كان أحد سوف يشتغل بغير قلبه؟ لا أحد يعمل عملاً إلا وقلبه ينبض حتى لا يموت؛ لأنه إذا وقف مات، وبالتالي كيف يعيش الإنسان؟ كيف يعمر؟ كيف يبني؟ كيف يشتغل؟ كيف يكتب؟ كيف يعمل أي شيء، بل كيف ينام؟ إذا جاء لينام يدعو امرأته، يقول: تعالي، أنا سوف أنام قليلاً، ضعي يدك على قلبي ويدك الثانية على قلبك، لكن لا تغفلي، سوف نموت كلنا، فيرقد له ساعة وبعد ذلك إذا أرادت أن تنام قامت ترمحه برجلها، قم شغِّل قلبي وقلبك، أريد أن أرقد ساعة، لكنك نائم وقلبك يعمل -يا أخي- ثمان ساعات وقلبك يشتغل! وزوجتك راقدة وقلبها يعمل، وأبناؤك راقدون وقلوبهم تعمل! من الذي شغل هذه العضلة؟! لا إله إلا الله! وبعد ذلك من أسرار الخلق أن الله جعل في كل آدمي من الأعضاء النافعة اثنين اثنين، والأعضاء الضارة واحداً واحداً، إلا القلب عضلة نافعة وهو واحد، فيوجد سر؛ العين منها اثنتان، لماذا؟ لأنها نافعة، فقد يصاب الإنسان بمرض بعينه أو عور أو ألم أو إصابة، فيكون معه عين ثانية، أليس كذلك؟ وكثير من الناس الآن عيونهم مفتحة لكن لا يرى إلا بعين واحدة، وواحدة فيها ماء، وكثير من الناس تصيبهم حوادث وتعمى عيونهم، فإذا تعطلت واحدة إذا بالثانية تعمل. وهناك أذنان، حتى إذا أصيبت واحدة بالصمم إذا بالثانية تعمل، وكثير من الناس لا يسمعون إلا بأذن، لماذا؟ انخرقت الطبلة؛ ما رأيكم لو كان له أذن واحدة؟ كانت مصيبة. وبعد ذلك جعل الله عز وجل يدين، تنقطع واحدة وإذا بالثانية شغالة، وجعل الله رجلين، وجعل الله كليتين، والناس الآن يعيشون بكلية واحدة، فترى أنه لا يشتغل الآن عندك إلا واحدة، تشتغل الاثنتين لكن بالتناوب، لكن إذا ذهبت واحدة تقوم واحدة مدى الحياة بالعمل، فأعطاك الله صفايتين، لماذا؟ من أجل ألا تخرب واحدة فتموت فوراً، وإذا بالثانية تعمل، أو تتبرع لأحد أقربائك فتعطيه كليتك، من ركب هذه الكلية؟! لا إله إلا الله! وهناك رئتان، إذا خربت واحدة إذا بالثانية شغالة، لكن الأشياء الضارة، واحدة واحدة، عضلة اللسان واحدة، وفرج واحد، ما رأيك لو أن معك لسانين، واحداً هنا وواحداً هنا، أنت الآن ما نجحت مع لسان، ما أمسكته، أفسدت الدنيا بلسانك، ولا نجحت في الدنيا بفرج واحد، ولو كان معك فرجان، كان ذلك هماً عليك كبيراً، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فجعل الله لك من النافع اثنين ومن الضار واحداً إلا القلب جعله واحد وهو نافع، لماذا؟ قال الله عز وجل: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب:4] لماذا؟ لو أن معك قلبين، والقلب هو مركز الإحساس، لكان قلب يريد أن يرقد، وقلب يريد أن يذهب للعمل، وقلب يحب فلاناً، وقلب يكرهه، وقلب يريد أرزاً وقلب يريد عصيدة ومرقاً، وقلب يريد أن يواصل الدراسة، وقلب يقول: لا والله، لا أواصل، فمن تطيع منهم الآن؟ فهذا لا يصلح، إنه لا يصلح إلا قلب واحد: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب:4]. هذه آية من آيات الله، في كل جزئية منك! ورأسك، من رقبتك إلى فوق، تجد أن الله أجرى في هذا الرأس أربعة أنهار: نهر في العين مالح، ونهر في الأذن مر، ونهر في الفم عذب، ونهر في الأنف مخاطي مالح، من الذي أفرز الأنهار هذه كلها والمادة كلها واحدة، مالح في عينك، لماذا؟ لأن عينك شحمة، لو لم يكن فيها مادة مالحة لتعفنت ودودت وظهر الدود من عينك، ومر في أذنك، لأن أذنك مجرى للسمع، فلو ما جعل الله هذه المادة الصمغية المرة موجودة لقمت في الصباح ومسمعك مليء بالبراغيث أو بالقمل، ودخلت في رأسك، فمن الذي سوف يخرجها من رأسك؟ لكن الله جعل هذه المادة السامة المرة، بمجرد وأنت نائم تأتي الحشرات إلى مسمعك، ثم تهرب ولا تدخل مسمعك من الذي قام في يوم من الأيام وقال: والله في مسمعي حشرات؟ لا تستطيع أن تدخل؛ لأنه يوجد مادة ضدها. وفمك جعل الله فيه اللعاب، اللعاب حلو ومذاقه طيب، لماذا؟ من أجل أن تهضم به الطعام وتمضغه، وتقطع وتكسر وبعد ذلك تنزل! وجعل الله المادة المخاطية في أنفك، لماذا؟ لتمتص وتحجز الأتربة والغبار الذي يدخل رأسك، ولو كنت الآن في المزرعة من الصباح إلى الظهر ثم جئت تتوضأ وتستنثر، أما تلاحظ أنه يخرج من الاستنثار تراب؟ أين كان هذا التراب؟ لقد أمسكته الأغشية التي في الأنف، ولولاها لدخلت إلى رأسك ودخل غداً مثلها وتتكون في رأسك كوم طين من يخرجها من رأسك؟ وما ظنك لو أن الله تبارك وتعالى جعل المادة التي في أذنك تفرز من فمك، فكيف تأكل؟! أو جعل الله المادة التي في أنفك تخرج من فمك؛ المخاط، كيف تصنع؟! أو جعل الله المادة الملحية تخرج من فمك، كيف تصنع؟ لكن من عَلَّم العين أن تفرز مادة ملحية؟ من علم الأذن أن تفرز مادة صمغية مرة؟ إنه الله الذي لا إله إلا هو. لا إله إلا الله نقولها ونقطع بها دابر الشيطان ونرد الشيطان، هذا في إيمانك في الله. أما في إيمانك برسول الله صلى الله عليه وسلم، فتؤمن به إيماناً جازماً ليس فيه شك؛ لأنه الصادق المصدوق، بعثه الله بالهدى ودين الحق، وأيده بالمعجزات الخالدات، أعظم معجزة على وجه الأرض القرآن، يقول الله تعالى فيه: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت:51] ثم أيده الله بمعجزات كثيرة، قال العلماء: إنها أكثر من ألف معجزة، كلها أدلة قائمة وبراهين على أنه نبي، منها: أذكر لكم أمثلة بسيطة وليس هذا مقام الحصر ولكنه مثال، وإلا فمعجزات النبي صلى الله عليه وسلم ما ورد في السنة من الأحاديث الكثيرة، منها: حنين الجدع. كان صلى الله عليه وسلم يخطب على جذع من نخل، وجاءت امرأة من بني النجار، وأمرت علامها فصنع له منبراً من ثلاث درجات، فلما جاء يوم الجمعة، صعد المنبر وترك الجذع، فبدأ الجذع يحن عليه كما تحن الناقة على فصيلها حتى سمع الصحابة كلهم حنين الجذع، فقطع الخطبة ونزل من المنبر، وجاء إلى الجذع، وضمه على صدره وجعل يسكته كما تسكت الأم طفلها حتى سكت، صلوات الله وسلامه عليه. منها: إيمان الضب؛ فقد كان رجل من بني سليم يكره النبي صلى الله عليه وسلم كراهية شديدة. يقول: دخلت مكة فإذا الناس مجتمعون على الرسول صلى الله عل

مدخل الشهوات

مدخل الشهوات هذا الباب الأول؛ باب الشبهات. الباب الثاني وهو باب عظيم، ويقع كثير من الناس فيه؛ يقودهم الشيطان إلى النار عن طريق باب الشهوات، وفيه خمسة مسارات: - الشهوة الأولى: شهوة الفرج. وأكثر ما يدخل الناس النار الفرج والفم، ويتم هذا عن طريق الزنا ودواعيه وأسبابه، وهذه الشهوة استطاع الشيطان أن يستغلها أسوأ استغلال؛ لأن الله عز وجل ركبها في الإنسان؛ شهوة الجنس وحُب النساء غريزة، خلق الله الإنسان وركبها فيه، لماذا؟ ليبقى الجنس البشري، حتى يكون عند الرجل ميل إلى المرأة، وعند المرأة ميل إلى الرجل، فيلتقيان عند نقطة شرعية اسمها الزواج، ويحصل من هذا اللقاء ذرية، وبالتالي يستمر النسل البشري، وتعمر الأرض بعبادة الله. لكن لو أن الله خلق الرجل لا يريد المرأة، وخلق المرأة لا تريد الرجل، وعاش الرجل لوحده، والمرأة لوحدها، ومات وماتت، ماذا بقي؟! تفنى الأرض أليس كذلك؟ وجعل الله هذا الميل من أجل عمارة الأرض لمن يعيش فيها، ولكن جاء الشيطان ودمر الإنسانية عن طريق استغلال شهوة الميل عند الرجل وعند المرأة عن طريق اللقاء في غير النقطة الشرعية؛ في غير الزواج، عن طريق الزنا، فحصل بالزنا الدمار والوبال والشر المستطير والعياذ بالله، والله حرمه، وحرم كل دواعيه، قال الله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} [الإسراء:32] ما قال: لا تزنوا، بل قال: لا تقربوا، كل ما يوصل إلى الزنا، فهو حرام. ما هو أول ما يوصل إلى الزنا؟ أول نافذة: النظر، هل يزني أحد دون أن يرى؟ الذي يغض بصره هل يزني؟ لا يزني؛ لأنه يغض بصره أصلاً، لكن أول شيء في طريق الزنا هو النظر، يقول الشاعر: كل الحوادث مبدؤها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر يضر خاطره ما سر ناظره لا مرحباً بسرور عاد بالضرر والمرء ما دام ذا عين يقلبها في أعين الغيد موقوف على الخطر ولهذا أمر الله بسد هذه النافذة وقال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:30]. وأمر النساء أيضاً بنفس الأمر وقال: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور:31] إلى آخر الآيات. فهنا الأمر بغض البصر، وأنت مأمور يا عبد الله! بغض بصرك؛ لأنك يوم أن تتمادى في النظر إلى الحرام، تقع في الشرور حتى تصل والعياذ بالله إلى الزنا، يقول أحدهم: نظرة فخطرة فسلام فكلام فموعد فلقاء فزنا فجهنم. بدأت بالنظر وانتهت بالنار، لا حول ولا قوة إلا بالله! وكما يقال: نافذة يأتيك منها ريح، سدها واسترح. هذه النافذة يأتيك منها ريح الزنا إذا فتحتها على النساء، سدها وغطها واسترح، وإذا غطيتها أرحت قلبك وأرضيت ربك، وأيضاً أحببت زوجتك؛ لأن الذي يتلفت في النساء يكره امرأته؛ لأنه يرى موديلات وأشكالاً عجيبة وغريبة؛ يذهب إلى زوجته يتفحصها، وإذا لم يجد الذي في النساء كلها، يكرهها، فإذا دخل لا يسلم عليها، قال: (الله أكبر عليك يا ذي الجنية) قالت: (وأنت الله أكبر عليك يا ذا العفريت)؛ لأنها رأت أحسن من بعلها، فيكرهها وتكرهه ويتضاربون وتصير المشاكل، لكن الذي يغض بصره، ولا يرى غيرها، إذا دخلت قال: ما هذه الجميلة! ولو كانت غير جميلة؛ لكن لأنه ما رأى غيرها، يقول: هذه ملكة جمال العالم ما رأى غيرها! وكذلك المرأة التي لا ترى إلا بعلها من يوم أن تراه تقول: ما شاء الله، الله يوفقك يا فلان، لماذا؟ لأنها ما رأت غيره، لكن إذا كانت مختلطة ومشتركة، وكل واحد يتلفت، يرى هذه عيناها جميلتان، وتلك أنفها جميل، وتلك فمها أجمل، وتلك خدودها فاتنة، وجبينها كذا وتلك خصرها كذا، ويتلفت في امرأته فقد تكون عيناها جميلة، لكن أنفها ليس جميلاً، أو قامتها غير جذابة، من أين تجمع لك واحدة مفصلة فيها حسن جميع نساء العالمين؟ ليس هناك واحدة كاملة، الذي يريد كاملة ففي الجنة، الكاملة هي الحورية ونساء الجنة. أما نساء الدنيا فلابد من النقص، وأنت تتلفت في النساء، ولذا فالذي يتلفت في النساء، يكره زوجته، وبالتالي تسوء عشرته، ويغضب ربه، ويطمس بصيرته، ويعمي الله قلبه عن الدين في الدنيا والآخرة. لا يمكن أن يفتح الله قلبك وأنت تنظر في النساء. أحد الشباب قال لي: كيف أتوجه للدين؟ قلت: غض بصرك فقط، أعظم شيء، قال: كيف أغض؟ قلت: إذا دعاك الشيطان إلى النظر فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، هذه شهوة الزنا عن طريق النظر، هذه باب إلى الحرام، وعن طريق الاختلاط والتبرج والمجالس المشتركة وهذه والحمد لله بدأت تتلاشى في مجتمعاتنا المسلمة والحمد لله. كان الناس في الماضي يختلطون ويجلسون، لكن اليوم سمعنا أن كثيراً من المؤمنين وقفوا وهداهم الله، وقالوا: إلى متى ونحن ضالون؟ إلى متى ونحن مع الشيطان؟ قد أخطأنا كثيراً، تبنا إلى الله، وفرضوا الحجاب والحمد لله. إن البادرة الآن تأتي من النساء أكثر من الرجال، يتصل بي تلفونياً المئات من النساء، يقلن: بعلي يريد أن أكشف على أخيه، أو أكشف على ولد عمه، أأطيعه أم لا. أقول: لا تطيعيه، قالت: يقول: سيطلقني، قلت: يطلقك، طلاقك وتدخلين إلى الجنة خير من أن تجلسي معه ويذهب بك إلى النار، لا يجوز أن تطيعيه؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإني لأعجب كثيراً والله من رجل يأمر زوجته بالتبرج، هي صالحة ومتدينة، يقول: لا. تلفتي في الجماعة كلهم، أعوذ بالله من الدياثة، هذه جزء من الدياثة، إن الله جعل المرأة خاصة بك، من أجل ألا ترى غيرها ولا ترى غيرك، تستأنس بها وتستأنس بك، وتسكن إليها وتسكن إليك. فالتبرج والاختلاط والتكشف والمجالس المشتركة، هذه مما حرمه الله في دين الله عز وجل؛ لأنه يؤدي إلى الزنا؛ ولأن البيوت النظيفة دائماً هي التي لا يوجد فيها أبداً اختلاطات، وقد يقول بعض الناس: ما عندنا زنا ونحن نتبرج، صحيح، ليس عندك زنا كبير، لكن عندك الزنا الأصغر؛ لأن زنا العينين النظر، وزنا اللسان الكلام، وزنا الأذن السماع، وزنا اليد البطش والغمزة والدقة، وزنا الأرجل المشي في ظلام الليل، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه، هذه هي، تريد أن تجلس إلى أن تقع في الكبيرة؟! بعض الناس يقعد ويقعد إلى أن يقع فيها، وهو يمشي في طريق الزنا خطوة خطوة والعياذ بالله! بل سدها من أول خطوة، وحجب أهلك، وحجب زوجتك، وحجب أخواتك، وحجب أمك، وارض بما أمرك الله به؛ لأن الله عز وجل شرع القرآن وشرع الحجاب في القرآن. الأمر بالصلاة في القرآن، لكن أين التفصيل؟ هل في القرآن صلاة ظهر وعصر ومغرب، وأربع ركعات وثلاث ركعات، لا توجد، ولكن توجد في السنة النبوية، والزكاة أمرها في القرآن وتفصيل الأنصبة في السنة، والحج أمره في القرآن والتفصيل في السنة، والصيام أمره في القرآن والتفصيل في السنة، لكن الحجاب أمره في القرآن، والتفصيل في القرآن! في سورة النور يقول الله عز وجل: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور:31] والبعل في الشريعة واحد. {إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} [النور:31] والأب في الشرع واحد، لكن بعض البنات تسلم على الشيبان كلهم: أبي محمد، وأبي علي، وأبي عبد الله، وأبي زعطان، وأبي فلتان، وتسلم على رأسه ويسلم على رأسها، وبعض كبار السن يحب هذا السلام، ولو كان مسناً ولكن ما زال في قلبه (أخضر) والعياذ بالله! ويدخل على البنات ويقول: تعرفين أني كالأب، والله أنت أبوها وأنت تنظر إليها لا حول ولا قوة إلا بالله! {أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} [النور:31] أبو بعلها أي: عمها؛ لأنه لا يجوز أن ينكحها بعد ولده. {أَوْ أَبْنَائِهِنَّ} [النور:31] ولدها. {أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} [النور:31] ولد بعلها من غيرها وهي عمته، لأنه لا يجوز له أن يتزوجها بعد أبيه. {أَوْ إِخْوَانِهِنَّ} [النور:31] أخوها من النسب أو من الرضاع. {أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ} [النور:31] أولاد أخيها وهي عمتهم. {أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ} [النور:31] أختها وهي خالتهم، يكفي إلى هنا، يبقى كثير من الأقارب؛ باقي ابن العم، وابن الخال. وخال الزوج، وعم الزوج بالنسبة للمرأة. وعندما سألوا الرسول قالوا: يا رسول الله! أرأيت الحمو؟ القريب الذي ما جاء أمر به، قال: (الحمو الموت، الحمو الموت، الحمو الموت) ونحن اليوم نحجب عن البعيد، ونكشف على الموت، هذا المتدين الملتزم أما المفلوت فهو يكشف على الموت وغيره، لكن من الناس من عنده دين وعنده غيره، لكنه يقول: والله لا أقدر أن أحجب امرأتي عن أخي. سبحان الله! وبعض الإخوان يغضب إذا حجب أخوه زوجته عليه، إذا جاء ليحجب زوجته قال: الله! تشك فيّ وأنا أخوك، وهل معنى الحجاب أنه شك؟ لا يا أخي، أنا لا أشك فيك، لكني أطيع الله عز وجل، ولا أشك في امرأتي، لو أني أشك في امرأتي ما أبقيتها في بيتي، ولو أشك فيك يا أخي ما آخيتك، ولكن أطيع الله وأمتثل أمر الله في الحجاب، أترون الذي يقول: أنا لا أحجب امرأتي على أخي؛ لأني لا أشك فيها، مثله مثل شخص جاء رمضان وبعد ذلك أكل في الظهر حتى شبع، ويوم قلنا له: ما لك؟ قال: يا جماعة الخير اتركوني، أنا والله أطيع الله ورسوله، وأحب الصوم، لكن لماذا أعذب نفسي؟! أتغدى الآن والصوم في القلوب! ما رأيكم فيه؟ هذا مثل الذي يقول: الحجاب في القلوب، وآخر قيل له: صل، قال: الصلاة هذه تعب؛ أقوم أصلي وبرد وطلعة ونزلة والله إني لأحب الله ورسوله ولو لم أصل! ما رأيكم فيه صادق أم كذاب؟ فكذلك آية الحجاب مثل آية الصلاة وآية الصوم. والذي يقول: لا والله. إن الحجاب في القلوب وإن قلبي طاهر؛ ولكن لن أحجب عائلتي، لماذا تؤمن بآيات القرآن في الصلاة والصوم ولا تؤمن بآية الحجاب؟!! يقول

حالات الاستعاذة من الشيطان

حالات الاستعاذة من الشيطان وأقول لكم في النهاية، ما الحل بالنسبة للإنسان الذي يريد ألا يقع في حبائل الشيطان؟ الحل: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، كيف؟ تستعيذ بالله في ثلاث حالات: - الحالة الأولى: عند ورود أمر الله عليك؛ إذا كنت نائماً وسمعت المؤذن يؤذن في أذان الفجر، فهناك: أمر بأن تصلي، وأمر آخر من الشيطان بأن ترقد. أما يجد الإنسان نوعاً من هذا؟ كلنا نجد رغبة في النوم والكسل والتثاقل من الذي يثقلك ويكسلك؟ الشيطان، والذي يدعوك هو الله، من تطيع؟ الله، قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف:200] قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، واقفز كالحصان، واذهب توضأ؛ لأنه جاء في الحديث: (إن الشيطان يعقد على ناصية ابن آدم إذا نام ثلاث عقد: فإذا قام وذكر الله انحلت عقدة، وإذا توضأ انحلت الثانية، وإذا صلى انحلت الثالثة، فأصبح طيب النفس نشيطاً، أما إذا رقد بال الشيطان في أذنيه وقال: نم، عليك ليل طويل) ويحدثني أحد الإخوة، يقول: عنده ولد فأيقظه وأخذه من الفراش (ودفدفه) إلى أن دخل الحمام، ويوم صلى وسلموا، تلفت يميناً ما رآه، وتلفت شمالاً ما رآه، وتلفت في الصفوف التي خلفه ما رآه، قال: عجيب، أقومه إلى الحمام ولا يأتي، فرجع الرجل وهو يشتعل غضباً والمشعاب في يده، قال: والله لأغلقن عليه وأضربه حتى يموت! هذا الرجل بطل، ما يضع البطانية عليه، ويقول: أرقد. الله يطول عمرك ويبارك فيك، خاصة إذا معه راتب، ما يريد أن يكسر خاطره، لكن يُغضب الله، ما يريد أن يغضب ولده، ويقول: أكسر خاطره ويذهب ويتركني! دعه يذهب ويخليك؛ لأن الذي يرزقك هو الله من قبل، هو الذي يلقي الرزق عليك، أتتخذه ولياً من دون الله، والله ما في حياته بركة، ولا في راتبه بركة، والله إنه يقودك إلى جهنم، أخرجه وتبرأ منه ولو تأكل الطين، والله إنه أفضل من أن تأكل من راتب هذا العدو لله، القاطع للصلاة، الهاجر لبيوت الله عز وجل، فالرجل دخل عليه بالصميل ويوم أن جاء إلى الفراش يبحث عنه وإذا به غير موجود في الفراش، وتلفت من الشباك لينظر السيارة فلعله صلى في مسجد آخر، وإذا بالسيارة واقفة! ليس بالمسجد أو بالفراش أين هو؟ تلفت وتلفت، وإذا به يرى نوراً من تحت الباب في الحمام، فاقترب ليسمع شيئاً فلم يجد حركة، دق باب الحمام ودق وإذا به ينتبه قال: نعم نعم، ففتح الباب، قال: ما بك؟ قال: رقدت فوق الكرسي، لا إله إلا الله! مسكين، ما استعاذ بالله من الشيطان الرجيم. في بيت الشيطان راح يصلي لإبليس، نعم؛ لأن الحمامات بيوت الشياطين والعياذ بالله. استعذ بالله كلما ورد أمر لله، فلو علمت أن هناك ندوة في مسجد في ليلة جمعة وبعد ذلك أردت أن تأتي، وبعد ذلك أتاك شعور تقول: برد، قد طبخت المرأة العشاء، من أجل أن نتعشى قبل العشاء ونرقد بعد العشاء، والعيال مسرورون لا، تعال. هذا من الشيطان، تعال اجلس، كلما أمرك الله بأمر ووجدت فيه مانعاً من الأمر فهذا من الشيطان، اذهب واستعذ بالله. الحالة الثانية: عند ورود نهي، إذا عرضت عليك معصية؛ مررت بالشارع ورأيت امرأة متبرجة، فنظرت إليها، هذا من الشيطان غض بصرك، إذا لم يتركك الشيطان فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا سمعت أغنية وأنت تبحث عن الأخبار أو تقلب الراديو فأغلقها وقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وكلما ورد عليك نهي من الله فاستعذ بالله. الحالة الثالثة: عند الغضب؛ لأن الغضب من الشيطان، أما ترون أن الإنسان إذا غضب كيف يتغير؛ أول شي ينتفض؛ لأن الشيطان اشتغل في عروقه، ثانياً: تخرج عروقه وقرينته تتحرك؛ الأوداج الكبار هذه، وبعد ذلك تبرز عيونه، وبعد ذلك تنتصب العروق في جبينه، وبعد ذلك تتصرف تصرفات خبل، إذا صورت تلك الحركات ورآها بعد ذلك تقول: انظر، قال: الله أكبر على إبليس، ما هو أنا، وفعلاً ما هو أنت بل الشيطان. أما ترى الذي يطلق زوجته وهو غضبان، ثم يندم إذا تذكر بعد ذلك، يذهب يطرق أبواب القضاء والعلماء، من واد إلى واد ومن أرض إلى أرض، يريد فتوى، يقتل هو غضبان ثم يندم، يضرب أولاده ويلاعنهم، ويخاصم جيرانه وهو غضبان. أخبرني أحد الإخوة اليوم في العمل، يقول: حضرت قصة؛ لأنه سمع شريطاً فيه من هذا الكلام، يقول: قصة والله أنا حضرتها بنفسي بين رجلين في قرية من القرى، رجل كبير السن ورجل شاب، يقول: وعندنا أن الشباب يحترمون الشيبان؛ في الماضي ما كان يستطيع الشاب أن يفتح فمه على شايب، لكن في قلة الدين وغمرة الدنيا أصبح لسان الشاب -والعياذ بالله- على كتفه؛ يسب الشيبان ولا يقدر كبيراً ولا يقدر أبداً شيبة، يقول: فجلس في المجلس، يقول: حضرت معهم وإذا بالشاب هذا منفلت بلسانه ومتعنت، يعطي الشايب هذا، أنت يا شيبة، يا يا، يقول: لما رأيت الرجل بلغ منه الغضب، قمت إليه، وقلت له: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال: لم يرض أن يتعوذ بالله من الشيطان، وبدأ يسب ويشتم، فما عرفت ماذا أفعل، وذاك الشايب بدأ يتكلم، فذهبت إلى الشايب فقلت: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فقال الشايب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فبرد وسكت، ورجعت إلى ذاك: قل: أعوذ بالله، قل أعوذ بالله لم يقل، لكن يقول: كررتها عليه، حتى قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يقول: فلما قالها جلس، ويوم أن جلس قال: جزاكم الله خيراً، يقول: وهدأ وصلح والحمد لله. فعليك إذا جاءك الغضب أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم. أما ترى الإنسان الآن إذا غضب، ثم قلت له: قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لا يقولها؛ لأن الشيطان معه في تلك اللحظات، ولو قالها لبرد، ولذهب الشيطان: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف:200] والله تعالى يقول: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون:97 - 98]. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يحمينا وإياكم من همزات الشيطان، وأن يحفظنا وإياكم من السوء والشرور والفساد والإعراض عن الله تبارك وتعالى، وأستسمحكم العذر في الإطالة عليكم، أشير إشارة إلى أسئلة وردت هنا فقط.

الأسئلة

الأسئلة

فضل الإنفاق في سبيل الله

فضل الإنفاق في سبيل الله Q يوجد في المسجد مندوب هيئة الإغاثة الإسلامية فنرجو التنويه بفضل الإنفاق في سبيل الله، وإغاثة إخواننا المسلمين الفقراء في مشارق الأرض ومغاربها، الذين يموتون جوعاً ويموتون من البرد ويحتاجون إلى قيمة الغذاء والدواء والكساء في أفغانستان وفي فلسطين وفي أفريقيا؟ A نعم. نحن في نعمة من الله، ومن المفترض علينا إذا أردنا أن نحفظ هذه النعمة أن نخرج منها، تريدون أن تبقى النعم؟ ما يبقيها إلا طاعة الله، فلنخرج من حقنا، قد كنا فقراء فأغنانا الله، وكنا عالة فأعطانا الله عز وجل، فنريد إن شاء الله أن يقوم الأخ الكريم المندوب معه كرتون عند الباب، وأخرج من جيبك، ولا تخرج من المسجد إلا بشيء، ولا تعمد إلى الدنيا ولا تأخذ خمسة أو عشرة، خذ أعلى شيء، لماذا؟ من تعطي؟ تعطي العرب؟ تعطي نفسك؟ {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ} [البقرة:272] {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} [الأنفال:60] أنت تضع المائة أو الخمسين، والله إنك تربح، والحديث صحيح تقول عائشة وقد ذبحوا ذبيحة قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (هل بقي منها شيء؟ قالت: ذهب كلها إلا كتفها -أنفقوها كلها إلا الكتف- قال: لا. قولي: بقي كلها إلا كتفها) الذي ذهب هو الباقي والذي عندنا هو التالف، يقول الله تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96].

عاقبة عقوق الوالدين وقطيعة الرحم

عاقبة عقوق الوالدين وقطيعة الرحم Q يقول: ما عاقبة عقوق الوالدين وقطيعة الأرحام؟ A عقوق الوالدين حرام، ومن عق والديه عقه أولاده، ويزيدون له قليلاً؛ لأنها كبيرة من كبائر الذنوب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر -والحديث في الصحيحين - فقال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين) ويقول الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء:23] ويقول تبارك وتعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:14] ويقول: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [النساء:36] إذاً ما هو العقوق؟ العقوق أن تقول لهم: أف، وأن ترفع صوتك عليهم، وتخالف أمرهم، وتتمرد عليهم، لو يقولون: دق مخ ساقك هنا، قل: حاضر، يقولون: قم نصف الليل، قل: حاضر، تعرفون الرجل الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين، جاء من المرعى -كان طوال يومه يرعى- وجاء وإذا بأبيه وأمه قد رقدوا، وحلب لهم وجلس بالقدح على رءوسهم وامرأته وأولاده يتضورون جوعاً عنده، قال: والله لا تشربون حتى يشرب أبي وأمي، والله لا أقومهم حتى يقوموا، فما قاموا حتى أتى الفجر، وهو واقف! طوال اليوم يرعى ثم يقف طوال الليل بالقدح، أين هذا يا إخواني؟ بعض الأولاد ليس فيه خير لا لنفسه ولا لأبيه والعياذ بالله. وأما الأرحام فكذلك؛ فإن قطيعة الرحم مما يقطع الله به الرزق، والله عز وجل يقول: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22 - 23] فالذين يقطعون أرحامهم عليهم من الله اللعنة، وأيضاً يصم الله آذانهم ويعمي أبصارهم، لماذا؟ لا يرون الحق؛ عندما تقول له: أختك -قريبتك- قطعتها، قال: ما أدري عنها، ليست مني، إنها ذهبت مع بعلها وتركتني، إنها إنها هذا أصم، ما يسمع كلام الله، وأعمى الله بصيرته، فهذا والعياذ بالله (من قطع رحمه قطعه الله و) (لا يدخل الجنة قاطع رحم) (ليس الواصل بالمكافئ، الواصل الذي إذا قطعته رحمه وصلها) والحديث صحيح في مسلم، قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: (إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأعطيهم ويحرمونني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، قال: إن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل). صل ولو أنك قد أخطأت، يا رجل (السماح رباح) إلى متى وأنت غضبان، وأختك غضبانة، أو قريبك أو جارك. والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مفهوم العبادة

مفهوم العبادة العبادة ليست شعاراً يرفع، بل هي هدف سام مرتبط بالعلم والعمل، وبدون العمل بالعلم، يصير العلم وبالاً على صاحبه، وكذلك العبادة بدون علم. والأمة تعيش في جاهلية جهلاء، ولن يخرجها من جاهليتها إلا الاهتمام بالعلم الشرعي، ونشره في جميع الأماكن، وعلى مختلف الفئات الموجودة في المجتمع، حتى يتسنى لها عبادة الله العبادة الصحيحة كما يريدها ربها.

سبيل استقامة القلوب وحياتها

سبيل استقامة القلوب وحياتها الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الإخوة في الله! إن حاجة الإنسان إلى سماع العلم والذكر أعظم من حاجة الأرض إلى نزول الغيث، فإن ذكر الله والعلم الشرعي هو غيث القلوب، وكما أن المطر هو غيث الأرض، فإذا انحبس المطر عن الأرض اغبرت، وأُجدبت وانقطع خيرها، وتغير لونها، وانعدمت فيها الحياة، وإذا نزل فيها المطر اخضرت وربت وأنبتت من كل زوجٍ بهيج، وتغير لونها، وطابت الحياة فيها. كذلك قلوب الناس، إذا نزل عليها الذكر، والعلم الشرعي، لانت وانقادت وصلحت واستقامت، وطابت حياتها، بل الحياة الحقيقية في قلوب الناس إنما تنبع من مقدار استجابة الناس لهذا الدين، ليست حياة الناس كحياة البهائم، إن الحياة المماثلة لحياة الحشرات والبهائم حياة مشتركة، لكن للإنسان حياة أخرى غير تلك الحياة، يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:24].

الإيمان والعمل الصالح

الإيمان والعمل الصالح ما الذي يحيينا؟ الإيمان بالله، والاستقامة، والعمل الصالح وفق هذا الدين، هذا الذي يحيينا، بمعنى: أن الذي لم يستجب ليس بحي، هو حي لكن حياة البهائم، ويقول عز وجل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97]. قال العلماء: كيف يكون من عمل صالحاً وهو مؤمن؟ يقول الله أنه سوف يحييه حياةً طيبة، وهو حي أولاً، فكيف يحييه ربي؟ قالوا: كان حياً، لكن كان في حياة خبيثة، بهيمية، يشاطره فيها الحيوان، إنما بالإيمان يحيا حياة سماها الله طيبة. ما هي الحياة الطيبة؟ هي حياة الجسد؟ لا. حياة الأكل الشرب الملابس المساكن المراكب المناصب الرتب الوظائف؟ لا. حياة الزوجات الأولاد إنها حياة القلوب. ولهذا قال الله عز وجل بعد هذه الآية التي قرأتها أولاً: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:24] إذا لم تستجب حال الله بينك وبين قلبك، وإذا حال الله بينك وبين قلبك فماذا تفعل له؟ يصبح كل عملك ضد نفسك، ولهذا يقول عز وجل: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر:19] يصبح الإنسان عدوَّ نفسه، ينظر بعينه إلى ما يضره، ويسمع بأذنه ما يضره، ويمشي بقدمه إلى ما يضره، يمد يده إلى ما يضره، ويأكل ويطأ ما يضره، وكل ضرر يترتب على نفسه يحرص عليه. وبعد ذلك! الأشياء المفيدة له يرفضها الصلاة تنفعه لا يريدها، لماذا؟ لأنها تنفع، هل هناك شخص في الدنيا يستطيع أن يقول: إن الصلاة تضر؟ لا يوجد. هل هناك شخص في الدنيا يقول: إن قراءة القرآن تضر؟! لا يوجد، لكن لا يريدها لأنه عدو نفسه، لكن قراءة المجلات يريدها، هل هناك شخص يستطيع أن يقول: إن دخول المساجد يضر؟! وهل رأيتم شخصاً دخل المسجد يوماً من الأيام، وقيل له وهو على باب المسجد: ادفع أجرة الدخول؟! لا. إن طاعة الله ليس فيها خسارة، بينما معصية الله تلحق ضرراً بالنفس والمال. هل هناك شخص يدخل دور السينما أو ملاعب الكرة أو يشتري مجلة بدون مقابل؟ إن الواحد ليدخل النار بماله، يدفع المال على نفسه حتى يصل بها إلى النار -والعياذ بالله-.

العلم الشرعي وذكر الله

العلم الشرعي وذكر الله يقول الله عز وجل: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:24] فلا تحيا القلوب حياة حقيقية إلا بالعلم والذكر، وما يعانيه الناس اليوم من جفاف في الروح، وقسوة في القلب، وتحجر في العين، وكسل في الجوارح عن العبادة، ورغبة في الشر، وتوازن وكسل في الخير، سببه الأول والأخير نقص العلم. بعضهم يمر عليه شهر لم يقرأ القرآن، وبعضهم تمر عليه سنة لم يحمل المصحف، ولا سمع كلمة الله، ولهذا أكد الله عز وجل على هذه الأمور تأكيداً عظيماً، حتى تستمر حياة القلب، ويضمن استمرارية حياة القلب، أَما أمرنا الله بالذكر، وشرع لنا أذكاراً في الصباح والمساء، وخطبة يوم الجمعة كوجبة أسبوعية للقلب، وأكد على ضرورة الإنصات فيها، لدرجة المنع من مس الحصى، تجلس والحصى بجانبك فلا تمد يدك عليه، والرجل بجانبك يتكلم لا تقول له: اسكت، وهذا أمر بالمعروف، لكن إذا قلت: اسكت فقد لغوت، ومن لغى فلا جمعة له، لماذا؟ لكي تستمر في التركيز الذهني على سماع الخطيب. لكن ما الذي يحصل اليوم عند المسلمين، إلا من رحم الله؟ لا يخرجون إلى الجمعة إلا بعد أن يخرج الخطيب، فإذا بدأ الخطيب يخطب قام صاحبنا من النوم، واغتسل ولبس، وركب السيارة، وذهب إلى المسجد مع انتهاء الخطبة، ثم صلى ركعتين في الخانة، ثم رجع فتراه يقول: صليت الجمعة، إنه مسكين!! لم يعرف قدر الجمعة، أخي! لماذا لا تأتي من الصباح؟ كان السلف يخرجون في الساعة الأولى، ففي الحديث الصحيح: (من جاء في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن جاء في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن جاء في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً ومن جاء في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن جاء في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة) بعد خمس ساعات، الساعة الأولى من أول النهار، إن الذي يأتي بعد ذلك الوقت لم يقرب شيئاً؛ تطوى الصحف بما سجل. لأنه إذا دخل الإمام طويت الصحف، والذي يأتي بعد دخول الإمام، لا يسجل من السابقين، يعني: أجزأته الجمعة؛ لكن هل هو من أهل الفضل والسبق، والعمل الصالح؟! إن الذي يأتي من أجل أن يباشر هذه العبادة، فإنه يقرأ القرآن، ويصلي ما شاء الله، ثم يهيء نفسه للاستماع للخطبة، وتلقي هذه البيانات الربانية. ماذا يقول الخطيب؟ يبلغ عن الله أمره، ويقول للناس: اتقوا الله، ويبدأ بالحمد لله، ويشهد أن لا إله إلا الله، ويبين أوامر الدين، وأنت معني بهذه الأوامر، أجل هذه وجبة لك ولروحك، لكن وجبة الروح الآن ضائعة عند كثيرٍ من المسلمين، وترتب على هذا الضياع فراغ في حياة الناس، مُلئ هذا الفراغ بالأشياء الأخرى الضارة، مُلئ بالسهرات وبالأفلام والمسلسلات وبمتابعة للكرة والمباريات وبالجرائد والمجلات وبالنزهات والخروجات وو. كأن الأمة لم تخلق للدين، إن حياة الأمة فراغ لكل شيء إلا الله! وإن في ترتيبات المسلم كل شيء إلا الله! وماذا يحصل بعد ذلك؟ يموت القلب، وإذا مات القلب -والعياذ بالله- انعدمت الحياة الحقيقية عند الإنسان، يقول الله تبارك وتعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام:122] بالدين، ويقول عز وجل: {وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ} [فاطر:19 - 21] ثم قال: {وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22]. الذي في قبره وهو ميت جسده لا يسمع، الآن تعال إلى صاحب قبر واقعد بجانبه، هل يسمعك؟ كذلك هناك ناس الآن مدفونون؛ لكن ليسو مدفونين في الأرض، إنهم مدفونون في أجسامهم يقول الشاعر: وأرواحهم في وحشة من جسومهم وأجسادهم قبل القبور قبور إنه مقبور، إنه قبر يمشي على رجلين، قلبه ميت لا يذكر الله، لا يحب الله لا يحب رسول الله لا يذكر الجنة ولا النار ولا القبر ولا العذاب، كل شيء في ذهنه إلا هذه الأمور، وهو يعلم أنه سوف يموت، ولكن إذا مات ورأى الأمور على حقائقها حضر عقله، فيقول كما قال الله: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون:99] فتسأله الملائكة: لماذا تريد أن ترجع؟ فيبين لماذا يريد أن يرجع، فلا يقول: لأرى أولادي، أو وظيفتي، أو عمارتي، أو المزرعة أسقيها، أو السيارة أسير بها، لا. لا. هذا كلام لا يريده كله، عرف أنه كان مشغولاً بما لا فائدة فيه، وإنما يقول: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً} [المؤمنون:100]. حسناً اعمل الآن، ما الذي يضرك لِمَ لا تعمل، تضيع العمل الصالح، وتستمر في المعاصي والذنوب والغفلة عن الله، وتترك الطاعة، إلى أن يضرب رأسك في القبر، ثم تقول: ردوني أعمل صالحاً، من يجيبه؟ أتدرون ما مثل هذا أيها الإخوان، مثله مثل طالب مهمل من أول العام إلى آخره لم يحضر ولا حصة، ولا فتح كتاباً ولا يعرف حرفاً، ويوم جاء الامتحان دخل مع الطلاب لكي يمتحن معهم في القاعة، وأعطي ورقة الإجابة، فلما قرأها لم يعرف شيئاً، لأنه لم يدرس شيئاً أصلاً، لو أنه ذهب إلى مدير اللجنة وقال: يا أستاذ، قال: نعم، قال: من فضلك نصف ساعة، أذهب لأرى الإجابة ثم أرجع فأكتبها، ما رأيكم هل يوافقونه على طلبه؟ لا. لا يوافقونه. لو وافقوه هل يسمى هذا امتحان؟ سيقول له رئيس اللجنة: اقعد على رأسك، إن كان عندك شيء فاكتبه وإذا لم يكن عندك شيء فهذا نتيجة إهمالك، وهذا هو نفس الوضع، لو أن شخصاً يعيش طوال حياته على المعاصي، وإذا مات دخل القبر فقال: رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً، قال الله: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100].

أهمية العلم الشرعي

أهمية العلم الشرعي لماذا أيها الإخوة جفت الأرواح، وتحجرت العيون، وقست القلوب، واشتغلت الجوارح بالمعاصي، وكسلت عن الطاعات، كل ذلك بسبب نقص العلم الشرعي عند الأمة. ولهذا فإن الله تبارك وتعالى أول ما أنزل من كتابه الأمر بالقراءة قال: اقرأ! والرسول أمي لا يقرأ، وأمية الرسول صلى الله عليه وسلم دليل من دلائل نبوته، إن الله لم يجعله نبياً متعلماً، لماذا؟ لأنه لو كان متعلماً وكاتباً وقارئاً لقال الكفار: هذا من بنات أفكاره، هذا القرآن من عنده ومن تأليفه، ولهذا قال الله: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} لو قرأت وكتبت {إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} [العنكبوت:48] ولحصل الشك. قال: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} [العنكبوت:49]، فالرسول صلى الله عليه وسلم أمي، ويأتيه ملك الوحي، والحديث في صحيح البخاري، وهو جالس في غار حراء، وقد حبب إليه الخلاء صلوات الله وسلامه عليه، كان يخرج من مكة ويذهب إلى جبل النور، ويجلس في غار حراء الليلة والليالي ذوات العدد، وكان يتزود بالزاد معه، يجلس يومين أو ثلاثة أو أربعة أو أسبوعاً أو عشرة أيام وهو يتفكر لأنه ما كان يقر بعبادة الأوثان، وما كان يقر ما عليه قومه من الشرك، والكفر، والزنا، والخمر، والميسر، والقتل، كل هذه لم يقرها؛ لأن الله رباه تربية خاصة، فكان يجلس في الغار، فجاءه جبريل فضمه، يقول: (فغطني حتى نال مني الجهد -حتى بلغت نهاية التحمل- ثم أرسلني، ثم غطني، ثم أرسلني، ثلاث مرات، ثم قال لي: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ -الرسول ليس بقارئ، ماذا يقرأ؟ - قال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، قال: اقرأ ثلاث مرات، قلت: ما أنا بقارئ، قال: اقرأ -لكن قراءة خاصة قراءة ربانية- {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1 - 5]) إذن! الإنسان بغير القراءة والعلم لا قيمة له، الآن من منا يخفى عليه شئون الطعام أو قيادة السيارة أو الملابس؟ يعني: متخصصون في هذه الأشياء، لكن عندما تأتي إلى الناحية الشرعية الدينية، التي هي الهدف الرئيسي من خلقنا، أصبحت ثقافة الناس الآن ثقافة موبوءة، فلو طُلِبَ الإجابة على سؤال، وقيل مثلاً للحاضرين في أي مجتمع كان، لو نعزف لكم الآن طرفاً من أغنية، ونطلب من الذي يسمع العزف أن يبين لنا من المغني؟ ومن وضع الكلمات؟ والملحن؟ تجد مئات الأصابع ترتفع، كل واحد يقول: أنا أعرف، إنها أغنية فلان، ولحنها فلان، لماذا؟ ثقافة موسيقية ضخمة، لأنه منكب على الأغاني ليلاً ونهاراً، مشغل جهاز الصوت في السيارة على الأغنية، ويدخل البيت على الأغنية، وينام على الأغنية، ويستيقظ ويقوم عليها، حتى أصبح رأسه أغنية، حتى إن بعضهم لا يكتفي أن يغني هو، لا. بل يريد أن تغني الدنيا كلها. وقد ذكرت هذا مرة، كنت مرة في أبها ووقفت عند إشارة مرور، وإذا بشخص بجانبي صاحب سيارة منذ أن وقف شعرت أن سيارتي تهتز، أصبحت ترقص، فطالعت كذا، فإذا بالرجل مركب في سيارته استريو على الأبواب، وفي المقدمة والخلف، ويرفع الصوت على آخر شيء، فكأن السيارة كلها تهتز، وسيارتي كأنها أصيبت بالعدوى؛ لأنها معه على أرضية واحدة، فأنزلت الزجاج وسلمت عليه، فطبعاً رآني ورأى شكلي، استحيا فخفض الصوت، قلت له: ما هذا الضجيج، قال: أيش، قلت: سيارتك ترقص كلها، يعني: لم تكتف بأن ترقص أنت، حتى الحديد تريده يرقص، بل رقصتني وأنا جالس بجانبك يا أخي! قال: يا شيخ! والله إنك تعرف الشباب، قلت: لا يا أخي! يعني شباب للنار، اتق الله، الأمة نضجت، الأمة شبعت من الأغاني، ما ضيعنا القدس إلا بالأغاني، وما حاربتنا إسرائيل إلا بجيش من المغنين والمغنيات، نحن أمة الجهاد، والدعوة، والكتاب والسنة رائدة قائدة، لسنا أمة مغنية وتافهة رخيصة، فلما قلت له هذا الكلام قال: جزاك الله خيراً، ثم أعطيته أشرطة إسلامية. الشاهد في الموضوع: أن ثقافة الناس مثل هذه النوعية، لكن لو تأتي بآية وتقول له: هذه الآية في أي سورة من كتاب الله؟ من يعرف؟ يتلفتون ولا يعرف أحد منهم، ابحثوا لنا عن مطوع يعرفها، وأنت؟! يعني: الدين خاص بالمطوع فقط؟ لو سألناك: أيش ديانتك؟ تقول: مسلم، حسناً هذه السورة من الإسلام، هذه من كتاب الله، هذا دينك، لكن للأسف لا يحفظ من كتاب الله شيئاً، وإنما يحفظ الأغاني، والرذائل، والحكايات، والعلوم، وأسماء المغنيين، وأسماء اللاعبين، وكل شيء إلا الكتاب، فلا يحفظ منه شيئاً، كيف يأتيه الدين أيها الإخوة؟!

الداعية واغتنام الفرص

الداعية واغتنام الفرص يقول أحد الإخوة -وقد كان في قاعة أفراح- يقول: دخلت قاعة الأفراح، وإذا هي مملوءة بالرجال، وكل واحد يتكلم مع الذي بجواره، وهم ينتظرون العشاء، يقول: فتدخلت، وقلت: هذا وقت ضائع يستفاد منه في الدين، فقال للناس وهم جلوس: يا جماعة الخير، الآن نعيش هذا الوقت في انتظار العشاء، فما رأيكم لو استفدنا من هذا الوقت؟ قالوا: جزاك الله خيراً، قال: كلكم والحمد لله مسلمون، وسمعتم من الخطب، والمواعظ، والمحاضرات، والدروس الشيء الكثير، منذ خلقنا الله ونحن نسمع، الآن أطلب منكم شيئاً واحداً، قالوا: ما هو؟ قال: أريد من كل واحد منكم أن يأتي بحديث مما يعرف من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فقط حديث واحد، هل أنتم مستعدون؟ قالوا: مستعدون، قال: ونبدأ الآن من جهة اليمين. وبدأنا بشخص من جهة اليمين، من غير ترتيب، هذا الشخص طبعاً يبحث ويبحث، قال: يا شيخ! فاجأتني الآن لا أعرف حديثاً واحداً، يمكن عنده لكن حين فاجأه لم يتذكر، قال: تدري يا شيخ، قال: ماذا. قال: انقل السؤال للذي خلفي، فنقل السؤال للذي وراءه، قال: هل عندك حديث؟ ظل يفكر، ثم قال: الذي ورائي، والذي خلفه قفز وهرب كي لا يلحقه السؤال، وكل شخص بدأ يتهرب ويبحث، وفجأة الذي بعده وجد حديثاً واحداً بعد ساعة، حسناً هذه أمة الإسلام لا تعرف أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم؟

ضرورة نشر العلم بين جميع فئات المجتمع

ضرورة نشر العلم بين جميع فئات المجتمع أين تجلس الأمة؟ ألا يوجد في البيت حلقات علم ألا يوجد في العمل حلقات علم، ألا يوجد في المسجد حلقات علم، قولوا لي أيها إخوة: من هو المسلم الذي في كل ليلة بمجرد أن ينتهي من العشاء، ينادي زوجته وأولاده وبناته، ثم يقول: اجلسوا، وقام بإحضار كتاب رياض الصالحين، ليعرفوا ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، فقرأ عليهم الحديث الأول وقال لهم: احفظوه كلكم بالشرح، قالوا: ننام على الحديث، أين هم هؤلاء أيها الإخوة؟ إن شاء الله يكن لهم وجود ولكنهم قلة، نحن لا نريدهم قلة بل نريدهم أغلبية، نريد حلقات العلم تنتشر في كل صقع، وبقعة، وبيت، ودار، وعمل، أين الزميل الذي يرفع السماعة على زميله: السلام عليكم، صبحك الله بالخير، كيف حالك يا أخي، يا أخي والله البارحة قرأت حديثاً للنبي صلى الله عليه وسلم، إنه حديث عظيم، اسمع هذا الحديث ثم يقرأه عليه، وذاك يسمعه ويسجله، ويرفع السماعة لشخص آخر ويسمعه الحديث. لكن للأسف فإن الذي يحصل الآن السلام عليكم، هل رأيت الفيلم ليلة أمس؟ الله! نهاية حزينة للبنت، مسكينة، والله يا أخي لقد توترت أعصابي، وما جاءني نوم ليلة أمس، والمرأة والأولاد يبكون، هذا والفيلم كله كذب في كذب، أصل المسلسل هذا تمثيل، ما معنى تمثيل؟ يعني: كذب، عندما آتيك وأتظاهر لك بأني معوق. تقول: ما بك إنك تمثل، وتضحك عليَّ، أنا أعرفك ليس فيك شيء، فكذلك هذا الممثل، يضحك على عقول الناس، ويجلس الواحد مشدود الأعصاب طوال الليلة. إنه كاتب روائي كذاب فعل القصة، وأتى بكذابين، وقال: طبقوها في الواقع، وظلوا شهرين يتدربوا عليها وجاءوا يضحكون على الناس، أفتكون ثقافتنا إلى هذه الدرجة الهزيلة؟ وهل أتتلمذ على هؤلاء؟! مصيبة أيها الإخوة!! فبدلاً من المسلسل الذي تجلس تنظر إليه، قم بإحضار رياض الصالحين، فإذا انتهيت من رياض الصالحين أو قبل ذلك تناول الكتاب الكريم، ثم قل: تعال يا ولدي اقرأ لنا من قول الله عز وجل: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} [الفجر:1 - 3]. هذه السورة احفظ منها ثلاث آيات، وأنا أحفظ منها ثلاث آيات، ثم قم بإحضار تفسير ابن كثير، أو إحضار أيسر التفاسير للجزائري، وتأمل ماذا يقول الله في هذه الآيات؟ ما معنى: (والفجر)؟ معناها: يقسم الله بالفجر. ما هي الليالي العشر: أهي العشر من ذي الحجة، أم العشر الأخيرة من رمضان؟ (والشفع والوتر) ما هو الشفع والوتر؟ لو تسأل الآن أطرف شخص من المسلمين تقول: ما معنى قول الله عز وجل: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} [الفلق:1 - 3] كم قد قرأنا هذه السورة؟ قرأناها آلاف المرات، ما معنى غاسق إذا وقب؟ من يدري ما معنى غاسق، وما معنى وقب، لماذا؟ لكن لو سأله عن أي سؤال آخر فإنه قد يجيب، أفيليق هذا -أيها الإخوة- بالأمة، أمة الإسلام والإيمان، الله تبارك وتعالى سيسألنا عن هذا الدين، الله يقول: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر:92 - 93]. ويقول في آية ثانية: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} [الأعراف:6] ويقول عز وجل: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} [الصافات:24] سيسألنا الله عن هذا الدين، وسيشكونا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الله يوم القيامة: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} [الفرقان:30] القرآن مهجور في قلوب الناس وحياتهم، مهجور هجر تلاوة، وتطبيق، وعمل، واستشفاء، والتحاكم والرجوع إليه، وموجود هناك في البيوت من أجل البركة، وإذا قرأ الواحد في المسجد قرأ قراءة لا يدري ما أولها وما آخرها. تدخل يوم الجمعة المسجد، تجد الناس يقرءون، لكن قف عند واحد وأغلق المصحف، وقل له: السلام عليكم كيف الحال؟ أنت تقرأ جزاك الله خيراً، فإني سائلك ماذا أمرك الله به، من حين بدأت القراءة إلى الآن ما هي الأوامر التي أمرك الله بها في الآيات التي قرأتها؟ يقول: لا أدري. ما الذي نهاك الله عنه؟ ما الذي أخبرك الله به؟ لأن القرآن ثلاثة أشياء لا يخرج عنها: إما أمر، أو نهي، أو خبر. أما أمر الله فمثل قوله: {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} [الأنعام:72]. أو نهي: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا} [الإسراء:32]. أو خبر: يخبرك الله عن الجنة، أو النار، أو الأمم، أو الرسل، أو الأنبياء. هذه أخبار الله. فمقتضى الأمر الاستجابة، ومقتضى النهي الابتعاد والانزجار، ومقتضى الخبر التصديق، فأنت تقرأ كلام الله، وفيه أمر الله لكن لا تعلم ما الذي أمرك به، لماذا؟ لأنك تقرأ بدون قلب، الواحد يقرأ وهمه آخر السورة متى ينتهي منها، يعد الورق، ليس همه أن يعلم ويتعلم، همه آخر الجزء، هذه الأمور أيها الإخوة! أمور خطيرة جداً، لا بد أن نراجع حياتنا وحساباتنا، وكيف نتعلم العلم الشرعي، حتى تحيا به هذه القلوب.

تعدد وسائل نشر العلم الشرعي

تعدد وسائل نشر العلم الشرعي عند إعادة الحلقات، والثقافة الإسلامية، فإنه قد هيأ الله تبارك وتعالى للناس من الفرص والإمكانيات ما لم يكن مهيئاً في الماضي، الآن أساليب طلب العلم الشرعي معك، تشتري الشريط بأربعة أو خمسة ريالات، وتذهب إلى البيت وتشغله. يشتغل ما لم تغلقه، ما يغضب عليك، ولا تعشيه ولا تغديه ولا ترحب به ولا شيء. من يمكن يدرس أهلك في البيت بخمسة ريالات، لو أخذت عالماً تقول: والله يا شيخ! تعال أريدك، فإنه يشغلك: يريد عشاءً، ومبيتاً، ويجلس يتكلم مع المرأة، وإذا أسكته غضب منك، لكن لا! شريط بخمسة من الريالات، فيه محاضرة تسمعها أنت وأهلك، ومتى تسمع؟ إذا لم تتمكن من الاستماع في البيت، وذلك لوجود بعض الموانع، فخذ زوجتك معك في السيارة وأسمعها الشريط؛ لأنها لا تستطيع أن تستمع مع وجود الأطفال. وتشتري الكتيب! الآن الكتيبات هذه يسمونها الوجبات السريعة، لأن عصرنا هذا عصر السرعة، لأنه لا يستطيع أحد أن يقرأ في المجلدات، ولذلك فقد قام العلماء وطلبة العلم باختصار هذه المواضيع، وتقديمها كتيبات للناس، عندما تدخل المكتبة تخرج مالاً من جيبك، وتشتري مجموعة من الكتب في جميع الفنون بمائة، تبني مكتبة بقيمة كبش، الكبش بأربعمائة ريال، لكن لم تشغلنا إلا بطوننا. أنا سألت أحد الأشخاص قلت له: يا أخي كم مضى عليك من حين اشتريت شريطاً؟ قال: من العام الماضي، معه شريط بخمسة خلال سنة، لعله سمعه مرة ورماه. قلت: حسناً واللبن متى اشتريتم؟ -اللبن بأربعة ريالات- قال: أشتري كل ليلة علبتين بثمانية ريالات، يشتري لبناً كل يوم بينما في السنة شريطاً واحداً بأربعة ريالات، كم أعطينا للروح وكم أعطينا للجسد؟ للجسد تسعة وتسعون في المائة من الراتب، وللروح واحد في المائة، وليته يصفى حتى الواحد في المائة. إن من النافع والمفيد أن نستمع إلى الشريط الإسلامي، ونقرأ الكتاب الإسلامي، ونسمع إذاعة القرآن الكريم، وقد هيأ الله عز وجل في بلدنا المبارك هذا إذاعة متخصصة في نشر الدين الإسلامي، اسمها (إذاعة القرآن الكريم)، تفتتح برامجها الساعة السادسة صباحاً، وتختتم برامجها الساعة الثانية عشر مساءً، ثمانية عشر ساعة، تبث بدون توقف لا تبث كلمة فيها شر. حتى الموسيقى التي تأتي قبل الأخبار، ممنوعة فيها فلا توجد، ليس هناك إلا قال الله، قال رسوله، وبرامج إسلامية، هذه اعتبرها مدرسة في البيت بل كما قال ابن باز -رحمه الله-: إنها جامعة. لكن هذه المدرسة نسميها الإذاعة اليتيمة، لا أحد يحبها إلا من رحم الله، وإذا جاء المؤشر على إذاعة القرآن، تراه يحرك المؤشر على إذاعة أخرى، تبث الأغاني والموسيقى. أمة هزيلة مريضة، المريض لو تعطيه الشحم لا يأكل منه؛ لأنه مريض لكن لو كان صحيحاً، لكان مثل البعير، يأكل الأخضر واليابس، الأمة يوم أن كانت حية، كانت تقبل على القرآن والسنة والعلم، لكن لما مرضت، ذهبت نحو الأطعمة السامة، أقبلت على الأغاني، والمسلسلات، والأفلام، والخزعبلات، وإذا جيء لها بالقرآن وبالسنة أعرضت عنهما، والسبب في ذلك أمراض القلوب، التي تؤدي عند الاستمرارية إلى موت القلوب -والعياذ بالله-. فيا إخوتي في الله! أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجزي خيراً من سعى إلى إنجاح هذا المجلس، وهم الإخوة القائمون على التوعية الإسلامية في سلاح الحدود، والمسئولون عنها، هؤلاء يدركون أهمية هذه الدورس، ويعرفون قيمة الدعوة، وضرورة حياة القلوب عن طريق العلم الشرعي.

الطريق إلى السعادة الحقيقية

الطريق إلى السعادة الحقيقية وأنا أقول لكم أيها الإخوة: إذا أراد الإنسان منا أن يحيا الحياة الإيمانية الحياة الحقيقية الحياة التي تكسبه السعادة في الدنيا والآخرة يسعد في هذه الدنيا بالإيمان ويسعد عند الموت حينما يموت وهو يقول: لا إله إلا الله ويسعد حينما يدخل القبر، ويجيب على الأسئلة؛ لأنه تعلم الإجابة في الدنيا فإذا قيل له: من ربك؟ فإنه قد عرف من هو الله، ما دينك؟ من نبيك؟ فتراه يجيب، هنالك يقول الله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27]. ويكون من السعداء يوم تقوم الساعة، ويخرج من قبره، والملائكة تطمئنه، وتقول له: {لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:98 - 72]. ليس بما كنتم تلعبون وتسهرون، إنه لمن العبث -يا أخي- أن تضيع عمرك في السهر على الورق، بعضهم يمضي أربع أو خمس ساعات من بعد العشاء إلى الفجر، وهو يلعب الورق، والنهاية ماذا؟ قال: والله خسرت، هل هذا كلام؟؟ لو رأيت أولادك يلعبونها مع أنهم أصحاب قيم، وأصحاب مبادئ، وأصحاب مراتب، وأصحاب رتب فماذا تقول لهم؟ تقول: والله كنت أحسب أنكم رجال، لكن وجدتكم أطفالاً، يا أخي! هذه ليست لكم، هذه مكعبات، الغرض منها إلهاء الأولاد؛ لأن الولد لا يستطيع أن يبني بيتاً كبيراً، فتراه يبني له بيتاً صغيراً على قدر عقله ومعرفته، لكن أنت أيها العاقل! لماذا لا تشتغل بحفظ كتاب الله؟ والله إنه لمن العار على الواحد أن يكون عمره أربعين أو خمسين سنة ولا يحفظ جزء عمّ، وإذا قدم للصلاة خبط في الآيات، أين أنت طول حياتك؟ لماذا لم تحفظ كتاب ربك؟ ما الذي أشغلك عن الله تبارك وتعالى؟ ولكي نحيا الحياة الحقيقية، ونسعد السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة، علينا بالرجوع إلى العلم، وطلبه، والعمل والتطبيق، فيما نتعلم من شريعة الله عز وجل. وحتى يمكن وضع برنامج، أو تصور بسيط لطلب العلم، نبدأ بالبدايات البسيطة:

حفظ كتاب الله وتفسيره

حفظ كتاب الله وتفسيره أولاً: يبدأ الإنسان بحفظ جزء عمَّ، من سورة الناس إلى عمَّ يتساءلون، وهذا بإمكان الإنسان أن يحفظه خلال شهرين، ولا يتم الحفظ إلا على يد من لديه القدرة على ضبط قواعد التجويد، يعني: ليس هناك مانع، من أن يجتمع ثلاثة أو أربعة من الزملاء يتعارف بعضهم على بعض، وبعد ذلك يحددون لهم جلسة، إما في سكن أو بيت، وكل ليلة يجلسون عند واحد، وليس بالضروري كل ليلة، بل حتى ليلة في الأسبوع، أو ليلتين في الأسبوع، ويجلسون على كتاب الله. من خلال جلوسهم مع بعضهم، يتعرفون على المتقن منهم، فيكون هو الذي يصحح لهم التلاوة ويبدأ كل واحد منهم الحفظ، ويسمعون لبعضهم البعض ما حفظوه، الله أكبر! (ما جلس قومٌ في مجلسٍ يقرءون القرآن ويتذاكرونه إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) لكن: (ما جلس قومٌ في مجلسٍ لم يذكروا الله تعالى فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان عليهم هذا المجلس ترة ومسئولية يوم القيامة). فكم من مجلس نجلسه الآن نقوم منه عن مثل جيفة حمار؟ وكم من مجلس نقوم منه وقد حفتنا الملائكة؟ فأول شيء حفظ جزء عمَّ، بعد حفظ جزء عمَّ، مراجعته بالتفسير، وأحسن كتاب أدلكم عليه هو كتاب في خمسة مجلدات للشيخ أبو بكر بن جابر الجزائري اسمه أيسر التفاسير، وهذا الكتاب ألف بطريقة حديثة، ومختصر من جميع كتب التفاسير، ومبوَّب بطريقة منظمة، يأتي بالآيات، ثم يشرح المفردات، ثم المعنى الإجمالي، ثم يأتي بالأحكام والهدايات التي هدت إليها هذه الآية، إنه عظيم من أعظم ما أُلف في التفسير، تقرأ الآية وتقرأ تفسيرها وانتهى الموضوع. أكملت جزء عمَّ، انتقل إلى جزء تبارك، أكملت جزء تبارك، انتقل إلى جزء قد سمع، انتهيت من قد سمع، أكمل حفظ المفصل إلى سورة ق، ما شاء الله، أصبح عندك المفصل حفظاً وتفسيراً، إنك بهذا تصبح عالماً إن من يحفظ المفصل وتفسيره، يصير عالماً، هذا في القرآن الكريم.

حفظ الأحاديث النبوية

حفظ الأحاديث النبوية ترجع بعد ذلك إلى كتب السنة، وأحسن كتاب ندل الناس عليه هو كتاب رياض الصالحين، وله شرح في مجلدين، اسمه نزهة المتقين لشرح رياض الصالحين، أيضاً مؤلف عصري، ألفه مجموعة من الدكاترة، من أصحاب العقيدة السليمة، تأخذ الحديث وتجد فيه نفس الأسلوب، شرح المفردات والشرح الإجمالي والأحكام. وكل يوم تقرأ الحديث مع إخوانك، وزوجتك، وبعد ذلك أخذت اليوم حديثاً، وليكن الحديث الأول قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد) هذا في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، تعرف على معنى الحديث ثم قم بترديده، ترجع إلى البيت فتعلم زوجتك، اجعل ولدك يردده، ما يمر عليك اليوم الثاني إلا وقد قلته عشرين أو ثلاثين مرة، وبعد ذلك يكون قد انطبع في ذهنك، ثم الحديث التالي ثم التالي وهكذا. لكن بعضنا الآن تمر عليه السنة، وما حفظ فيها حديثاً واحداً، لكن لو أنك كل يوم تحفظ حديثاً، كم ستحفظ في السنة؟ ستحفظ ثلاثمائة وخمسين حديثاً، رياض الصالحين فيه من الأحاديث ألف وتسعمائة، يعني خلال أربع سنوات نحفظ رياض الصالحين، إذا حفظنا كل يوم حديثاً، الآن من الكبار لم يحفظوا إلا رياض الصالحين، وبلوغ المرام، فإذا حفظوا هذين الكتابين، بلوغ المرام في أدلة الأحكام، ورياض الصالحين في فضائل الأعمال، لم يبق شيء في الدين، كل الدين محفوظ، فما عليك إلا أن تحفظ يومياً حديثاً مع شرحه.

التفقه في دين الله

التفقه في دين الله ترجع بعد ذلك إلى كتب الفقه الإسلامي من أجل أن تعرف كيف تعبد الله؟ كيف تصلي وتصوم وتحج وتتصدق وتتعامل؟ لا بد من فقه، هناك كتاب اسمه: السلسبيل في معرفة الدليل، هذا الكتاب يشرح أدلة زاد المستقنع، وهو مختصر في فقه الحنابلة، ومقرر على الطلاب في المعاهد العلمية، وشرحه الروض المربع المقرر على الطلاب في كلية الشريعة، لكنه مشروح بتوسع، فالشيخ الذي ألف الكتاب هذا رجل صالح. ألفه بالدليل، يأتي بالمسألة، والدليل عليها كذا وكذا، ثم يأتي بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، هذا ما شاء الله! فلو أنك أخذت كل يوم صفحة مع نفسك، مبتدئاً بباب الطهارة وأقسام الماء، فإنك تجد أنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام: طهور، وطاهر، ونجس، ما هو الطاهر؟ ما هو الطهور؟ ما هو النجس؟ متى يتنجس الماء؟ هذه أحكام فقهية، يجب أن نعرفها، بعض الناس يا إخواني! زوجته معه منذ عشر سنوات، ومع ذلك لا تعرف كيف تغتسل من الجنابة!! ولا تعرف أحكام الحيض!! وإذا جاءها الحيض تقعد بعد الحيض يومين أو ثلاثة لا تصلي، وهي لا تدري، وإذا تركت صلاة واحدة كفرت، من ترك صلاة واحدة من غير عذر فقد برئت منه ذمة الله، لكن لا تدري، تقول لها: لماذا لا تصلين؟ قالت: أريد أن أطهر، وهي قد طهرت منذ أسبوع، لكنها تريد أن تهرب من الصلاة، وزوجها لا يدري، لكن لو يدري أنها لم تصلح الغداء في يوم من الأيام كسر ظهرها؛ لأنه يريدها تطبخ له، لكن تتعلم الدين هذا لا يهمه، لأننا ما يهمنا إلا الأمور المادية -والعياذ بالله- هذا الكتاب الثالث اسمه السلسبيل في معرفة الدليل.

العلم بعقيدة أهل السنة والجماعة والسيرة النبوية

العلم بعقيدة أهل السنة والجماعة والسيرة النبوية الرابع: كتاب في العقائد، لكي تكون عقيدتك قوية، وأحسن كتاب ندل عليه الناس الآن، كتاب اسمه: معارج القبول في شرح سلم الوصول للشيخ/ حافظ الحكمي، عالم من علماء المملكة توفي رحمة الله عليه، وهو من أهل المنطقة الجنوبية، من أهل جيزان، عالم عظيم، ألف رسالة اسمها سلم الوصول، ثم قام بعد ذلك بشرحها في مجلدين وهو موجود في الأسواق، أو في ثلاثة مجلدات كما في بعض الطبعات، تأخذ منه عقيدة أهل السنة والجماعة. أيضاً كتاب خامس، ينبغي أن يكون عندك، وهو في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، كتاب اسمه مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم للشيخ/ محمد بن عبد الوهاب، هذا مختصر سيرة الرسول، يأتيك بجميع أحداث السيرة وأسرارها، والمعاني المقتبسة منها، تضع هذه الخمسة الكتب عند رأسك. وتأخذ بعض الكتب الأخرى مثل: الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لـ ابن القيم لأنه علاج القلوب، يبين لك أسباب المعاصي، وعقوبات المعاصي، وزاد المعاد في هدي خير العباد لـ ابن القيم يبين لك هدي النبي صلى الله عليه وسلم، يعني أنا أضمن أن تشتري هذه الكتب كلها بما لا يزيد عن مائتي ريال، يعني: بقيمة نصف كبش، تكوِّن مكتبة إسلامية عند رأسك، وتتعلم وتعلم زوجتك، وأولادك، وينور الله بصيرتك، ويحيي الله قلبك، وتصبح إنساناً مرموقاً، تصبح لك أهمية، تصبح ثقافتك ثقافة إيمانية، لك قيمة، ووضع، ومعنى في الحياة. لكن بغير العلم والدين ما هي قيمة الإنسان؟ والله ليس له قيمة، ولا له أي معنى، لماذا؟ لأنه تافه، لأن اهتماماته تافهة، وأمانيه تافهة، اهتماماته كلها، أن يأكل ويشرب ويتزوج ويرقد، هذه اهتمامات الكفار التي يعملونها ويسعون لتحقيقها، لكن عندما تكون اهتماماتك من النوع الإيماني، أن تعبد الله، وتدعو إلى الله، وتستقيم على منهج الله، وتربي أهلك على طاعة الله، وتربي أولادك لتخرج للمجتمع رجالاً فضلاء ينفعون الناس. لكن بعض الآباء لا. لا يهمه إلا أن يأكل ويشرب، بل يخون الأمانة، ويورد على أهله الشر، وبلغ الناس مبلغاً لا يتصوره العقل، لا يمكن أن رجلاً عاقلاً يخاف الله، ويؤمن به يشتري صحناً للاستقبال، والبعض يسميه طبقاً، وفعلاً هو طبق الشيطان، أحضر الشيطان في هذا الطبق، جميع الشرور الموجودة في العالم، وأفلام الجنس والمسلسلات الخليعة التي تبث في العالم كله يجمعها هذا الطبق، طبق الشيطان. ويحضرها لأولاده وزوجته فتراهم يتنقلون عبر الموجات عن طريق الزر، ينتقلون عبر هذه القنوات فلا يجدون إلا الشرور، يقول شخص من الناس: أدخلته إلى البيت فأفسد عليَّ الأسرة في شهرٍ واحد، ولدي والله كان ترتيبه الأول، بعد إدخال هذا الصحن الخبيث وبعد شهر، صار ترتيبه الحادي عشر، والشهر الثاني يطردونه من المدرسة، يقول: آمره بالنوم فيتناوم، وبعد ذلك أذهب كي أنام، وإذا به يقوم ولا ينام، أراقبه في الصباح فإذا به عند التلفاز، بل يقول: أنام أنا بنفسي، وزوجتي بجانبي وأعلم أنها بجانبي، يقول: وأقوم نصف الليل، وأتلفت ولا أجد زوجتي، ذهبت لمشاهدة الفيلم، هربت وذهبت تنظر إلى المسلسل. مصيبة يا إخواني! أليس هذا من خيانة الإنسان لدينه وتضييعه لأمانته؟ والله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6] كيف تقيهم النار؟ بتعليمهم الشرع والدين: {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] ليست حطباً ولا خشباً، بل هي حجارة؛ حجارة النار من الكبريت، لما سئل النبي عليه الصلاة والسلام: (يا رسول الله! أحجارة النار مثل حجارة الدنيا؟ قال: والذي نفس محمدٍ بيده! لصخرة من صخر النار أعظم من جبال الدنيا بأسرها) هذه التي تشتعل على الكافر في النار، والفاسق والعاصي، عليها ملائكة موكلون بالتعذيب، من هم؟ {مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ} [التحريم:6]. غلاظٌ في التعامل، شداد في الخلقة، يقول: لو أخرج واحد وجهه على أهل الأرض لماتوا من تشويه خلقته، وليس عندهم مجاملات ولا حسابات: هذا من الجماعة، ولا ينفع هاتف، ولا شيء: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]. تورد أهلك النار؟ الله يقول: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6] وأنت تورد نفسك وأهلك النار، وتشتري ما يقودك إلى النار؟ قولوا لي بربكم أيها الإخوة: هل الذي يعرض في هذه الأطباق والصحون خير أم شر؟ شر. وهل نحن بحاجة إلى شر حتى نستورد الشر، لا والله، نحن نحتاج إلى الخير، ولا نحتاج إلى الشر. هذا وأسال الله الذي لا إله إلا هو، أن يجزي من كان سبباً في إقامة هذا المجلس خيراً، وأن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وأن يحيي قلوبنا بنور العلم والإيمان، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

علامات الساعة المتبقية [1]

علامات الساعة المتبقية [1] تحدث الشيخ في أول المحاضرة عن محبة الله وكيفية حصولها، وذكر الأعمال المؤدية إليها من ترك المعاصي والقيام بالأوامر، وضرب على ذلك أمثله من بعض الأعمال، ثم بدأ بالحديث عن علامات الساعة المتبقية، وذكر منها عودة جزيرة العرب مروجاً وأنهاراً، وانتفاخ الأهله، وتكليم السباع والجمادات للناس، وإخراج الأرض لكنوزها.

أسباب محبة الله

أسباب محبة الله الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. نعمة تحبيب الإيمان وتزيينه في قلب المؤمن وتبغيض الكفر والفسق والعصيان، وكون الإنسان راشداً في كل تصرفاته، وفي كل ما يأتي ويذر هذه النعمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه ذكرها الله، في سورة الحجرات، فيقول ربنا عز وجل: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات:7]. وهذا التحبيب للإيمان والتزيين له في قلب المؤمن، والتبغيض للكفر، يقابله في الجانب الآخر في قلب الكافر والفاسق والمنافق والعياذ بالله أنه يحب الكفر والفسوق والعصيان، ويكره الإيمان ويبغض طريقه وأهله، وهذا هو الضلال بعينه. وحتى تكون ممن حبب إليه الإيمان، وزين في قلبه، وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان؛ لا بد من أشياء تسبق هذا الأمر، ولا بد من سلوك تسلكه، وطريق تسير فيه، وجهود تبذلها، وأسباب تتعاطاها، فإذا علم الله منك صدق الإخلاص، وقوة الطلب، وحسن المتابعة؛ قذف بعد ذلك النور في قلبك وهو معنى حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم. فهذا لا يأتي مباشرة من الباب، فلابد أن تبذل جهداً كبيراً حتى يصل هذا الأمر إلى قلبك، ومعنى هذا الأمر جاء صريحاً وواضحاً في الحديث القدسي الذي يرويه الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه تعالى، والحديث في صحيح البخاري: (ما تقرب إليَّ عبدي بعمل أحب إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه) فالله يحب منك شيئاً وهو الفريضة، وأيضاً حتى يحبك لا بد أن تأتي بالنافلة. فهو يحب منك العمل وهو الفريضة، ولكنه لا يحبك أنت إلا إذا تقربت إليه بالنوافل: (فإذا أحببته -إذا تقرب إليَّ بالفرائض ثم تقرب إلي بالنوافل، ثم حصلت له المحبة من الله- كنت سمعه الذي يسمع به) لا إله إلا الله! أي تكريم أعظم من هذا أن تسمع بالله، وأن يكون سمعك مسدداً، فلا تسمع إلا ما يرضي الله، ويكون سمعك ربانياً لا يمكن أن يستسيغ أو يستمرئ شيئاً يغضب الله، فتكون موفقاً في السمع؛ فلا ترضى ولا ترتاح إلى سماع كلمة تغضب الله، ولكنك تطمئن وتسكن وترتاح إذا سمعت كلاماً يحبه الله؛ لأنك تسمع بالله: (كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به) أي: أن يكون موفقاً، ومسدداً، ومحاطاً بالعناية الإلهية في بصره؛ فلا يمكن أن يقع ببصره في شيء يغضب الله، هل يمكن أن يبصر بالله إلى ما يبغض الله؟ لا. إن الذي يبصر بالله يبصر على أمر الله، وعلى ضوء إرشاد الله، ولا يمكن أن يقع بصره على شيء يغضب الله. من ذا الذي يسمع بالشيطان، ويبصر بالشيطان؟ إنه الذي يقع بعينه ويسمع بأذنه ما يبغضه الله، ولا يحب ما يحبه الله، بل يحب عكس ما يحب الله؛ لأنه لا يسمع ولا يبصر بالله، بل يسمع ويبصر بالشيطان، فيقع بسمع الشيطان وبصره فيما يغضب الله. (كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه) بلغت الدرجة فيما بينه وبين الله أنه بمجرد أن يسأل الله يعطيه، فهو عبد يعيش مع الله (كنت سمعه الذي يسمع به) فكل تصرفاته وحركاته، وبطشه، وسيره كلها بالله وعلى منهج الله، وبعد ذلك يحصل له من الله كرامة؛ فتزول بينه وبين الله الحجب، ولم يعد هناك إلا اتصالاً مباشراً: (ولئن سألني لأعطينه) لأعطينه: هنا مؤكدة بتوكيدين، النون المشددة الثقيلة واللام، لم يقل: أعطيه بل قال: (لأعطينه). (وإن استعاذني لأُعيذنه) وفي بعض روايات الحديث خارج صحيح البخاري، وهي زيادة في السنن: (وما ترددت بشيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن؛ يكره الموت وأنا أكره مساءته، ولا بد له منه) وهذا معنى الرشد، وهو أن تكون راشداً في كل تصرفاتك، ليس هناك غواية؛ لأن هناك رشد وهناك ضلال وغواية، فالراشد الذي يسير في طريق الراشدين مسترشداً بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الأعمال المؤدية إلى تحقق الإيمان في قلب العبد

الأعمال المؤدية إلى تحقق الإيمان في قلب العبد سألني أحد الشباب وقال لي: إنه التزم، واهتدى، ولكن يقول: بأي ضوابط وموازين أستطيع أن أعرف هل أنا مؤمن أم لا؟ يقول: أنا في قلبي خوف، وعندي أمل، لكن لا أعلم، أريد شيئاً أمسكه بيدي وأرى أني عليه، وأعلم إن شاء الله أني من المقبولين عند الله عز وجل. فقلت له: يا أخي الكريم! هذا من أبسط الأمور والحمد لله أننا نعبد الله عز وجل في طريق واضح، ومحجة ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، ليس في ديننا أسرار، ولا خيالات، ولا معميات ومتاهات، بل ديننا دين الوضوح، وموازيننا ثابتة، وضوابطنا واضحة، قلت له: إذا أردت أن تعرف هل أنت مؤمن أم لا؛ فاعرض نفسك على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لتعرف أين موقعك ومن أنت؟ فإن وجدت أنك مع الأوامر فتأتيها، ومع النواهي فتذرها، ومع الأخبار فتصدق بها؛ فاعلم أنك مؤمن، وكن على يقينٍ أن الله لا يضيع عملك، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:40].

اتباع الأوامر والحرص عليها

اتباع الأوامر والحرص عليها قال الرجل الشاب وهو جالس معي: وكيف أعرف ذلك من نفسي؟ قلت: سأعطيك أمثلة: هل تصلي صلاة الفجر في المسجد؟ قال: لا. قلت: لماذا؟ قال: نومي ثقيل والطقس بارد وأنا أسهر لأذاكر مع زملائي. قلت له: إذن كيف وصفت نفسك بأنك ملتزم؟ كيف عرفت؟ قال: الحمد لله أنا أحب الخير. قلت: هذه دعوى، فكل واحد يقول: أنا أحب الخير، ولكنها دعوى لا تثبت إلا بدليلها، فدليل حبك للخير هو الانقياد والإذعان لأوامر الله، والذي لا يصلي الفجر في المسجد هذا يعلن عدم إيمانه بالله، لماذا؟ للحديث الصحيح في البخاري ومسلم، يقول عليه الصلاة والسلام: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر) فهي أثقل من الجبال على المنافق (ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً) أي: لو يعلمون بعظم الثواب وعظم الدرجة والمنزلة العظيمة التي يتبوؤها صاحب صلاة الفجر. فهذا المنافق الذي يعيش في بيته ويسحب البطانية على رأسه ويستمر في نومه رغم أنه سمع حي على الصلاة، حي على الفلاح، وسمع الصلاة خير من النوم، والله لو كان يعلم معنى الإيمان حقيقةً لقام واستجاب وأتى ولو حبواً على ركبتيه ويديه، لكنه لا يعلم، يعني أن الإيمان عنده فاسد. (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً) وفي بعض ألفاظ الحديث: (ولو أن أحدهم يعلم أن في المسجد مرماتين حسنتين لشهد الجماعة) والمرماة هي: الضلع، والنبي صلى الله عليه وسلم يمثل بما هو في أذهان الناس، فإن في أذهانهم في ذلك الزمان الجوع والفقر، وعدم وجود شيء من الطعام، والضلع الواحد بما عليه من اللحم يشكل أكبر كرامة، ولو يعلم الشخص أن في المسجد ضلعين بلحمتها، (حسنتين) يعني عليها لحمة وشحمة لشهد الجماعة. واليوم الناس أتخمت بطونهم من اللحوم، ولو علموا أن هناك طعاماً فلن يأتوا، لكن نقول لهم بما يحبون: فلو قيل لكم من يشهد صلاة الفجر في جماعة يأخذ رقماً من البلدية ويأخذ منحة أرضية، والذي يأتي الأول يأخذ الأول، ويأخذ المواقع الجيدة على الشوارع الجيدة، ما رأيكم هل أحد ينام ذاك اليوم؟ بل والله ينامون في المسجد، ويتنازعون على الصف الأول والثاني، وكل واحد ينام في مكانه، وكل ذلك من أجل حب الأراضي والدرهم والدينار الذي دخل في قلوبنا. لكن حب الله وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيحاول. قال تعالى: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:14]، ولذا لا يقوم الإنسان المنافق لصلاة الفجر، ربما يصلي المغرب؛ لأنه آتٍ من التمشية، وربما يصلي الظهر؛ لأنه أدركه في الدوام، وهي فرصة للتخلص من العمل قليلاً، يعني: يمضي وقتاً، لكن العور يظهر في صلاة العصر وصلاة الفجر، ولذا رتب النبي صلى الله عليه وسلم عليهما الجنة، فقال: (من صلى البردين دخل الجنة) والحديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم، والبردين برد النهار: العصر، وبرد الليل: الفجر، وقد جاء الأمر بهاتين الصلاتين في القرآن على وجه الخصوص، ففي العصر يقول الله: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة:238] رغم أن الوسطى من الصلوات لكن التأكيد عليها لوحدها لدليل أهميتها، ويقول في الفجر: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء:78] ويقول صلى الله عليه وسلم: (من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي) ومعنى في ذمة الله: أي في عهد الله وأمانته، بمعنى أنك إذا مت في ذلك اليوم وأنت في ذمة الله لا يدخلك الله النار. كيف يعذبك وأنت في ذمته؟ (من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي، ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح، ومن مشى في ظلمة الليل إلى المساجد لقي الله بنور ساطعٍ يوم القيامة) (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) ونعرف هذا في واقعنا الآن، تجد مسجداً في أحد الأحياء يصلون صلاة المغرب ستة صفوف، أو سبعة وفي الفجر يصلون صفاً، ما بالهم؟ قد يقول أحد الناس نوم، نقول: لا. ليس نوماً، ما بالهم في رمضان لا ينامون؟ أفي رمضان ينامون عن السحور؟ والذي ما عنده ساعة ألا يذهب ويشتري ساعة؟ والذي ما عنده منبه تراه طول الليل يتقلب وعينه على الساعة، متى سوف تأتي الساعة الثالثة والنصف ويقوم يتسحر، لماذا؟ يخاف أن يصبح دون طعام، فيصوم بدون سحور، وتعتبر كارثة عند الشخص، إذا طلع عليه النهار ذلك اليوم ولم يتسحر، يقوم كأن الدنيا قد خربت، ما بالك؟ قال: طلع النهار علينا، وما أكلنا، ويذهب إلى الدوام مهموماً، وزوجته مهمومة، وأهله مهمومون، لكن هل يحصل له هذا الشعور إذا قام يوماً من الأيام ولم يصلِ الفجر في الجماعة؟ أبداً. طبيعي، لا يفكر أن يصلي في المسجد جماعة، ولهذا كانت الفجر مقياساً وضابطاً من ضوابط الإيمان. صلاة العشاء والفجر في جماعة المسلمين في استمرار لا يوفق لها إلا مؤمن، ولا يحرمها ويتكاسل عنها إلا منافق، أعوذ بالله وإياكم من النفاق. فقلت للأخ الكريم هذا ضابط، قال: عرفت أنني لست بمؤمن ولهذا إن شاء الله من غدٍ، أصلي الفجر؟

اجتناب المنهيات والبعد عن أسبابها

اجتناب المنهيات والبعد عن أسبابها قلت: نعم. لكن بقي شيء. إذا نظرت إلى امرأة وهي تسير في الشارع تنظر لها أو تغض بصرك؟ قال: والله أتلفت، قلت: أين الإيمان؟ مسكين أنت ما عرفت الإيمان، أنت تتصور أن الإيمان أشياء ذهنية، وأشكال ظاهرية، ولكن الإيمان يشمل الشكل الظاهري، والمعنى الباطني والذهني والسلوك العملي، الإيمان في تعريف أهل السنة والجماعة هو: قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وتطبيق بالجوارح والأركان، هذا هو الإيمان، يزيد بالطاعات، وينقص بالعصيان، كيف تنظر إلى امرأة والله قد قال لك في القرآن في سورة النور {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30]؟! إن الذي ينظر إلى النساء كأنه يقول: يا رب! أنا لست منهم، فالذي ينظر في الحرام وفي النساء ويمتع عينه بالحرام كأنه يقول: إنك يا ربِّ أمرت رسولك أن يوجه الأمر للمؤمنين، وأنا لست من المؤمنين. فالذي يرضى أن يكون من غير المؤمنين؛ ينظر أين يكون إن لم يكن منهم؟ أعوذ بالله وإياكم من النفاق: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:30] فلا توجد قوة في الأرض تستطيع أن تسيطر على بصرك إلا قوة الله بفعل إيمانك، تستطيع أن تضحك على الناس، وأن تنظر في بيت شخص وعينك على زوجته في الشباك، فإذا جاءك وقال: لماذا تنظر في عيالي؟ تقول له: وما عيالك؟ قال: أراها في الشباك، وأراك تنظر إليها، فتقول: سبحان الله! أنت نظرتك سيئة -يا أخي- أنا أنظر في نوع الألمنيوم للشباك يعجبني هذا المنظر ولهذا سوف أذهب لأعمل مثله، لكن الله يعلم أين تنظر أنت، فتستطيع أن تضحك على الرجل وتقول: إني لا أنظر في بيتك بل أنظر في العمارة أو الشكل الخارجي للمبنى، لكن الله يقول: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19] ولذا ورد في بعض الأحاديث في السنن: (من غض بصره احتساباً لوجه الله أبدله الله إيماناً في قلبه يجد حلاوته إلى يوم يلقاه) أي: ليس فيها رياء، ربما يدخل الرياء كل شيء إلا هذه المسألة لا يدخلها رياء؛ لأنك تغض بصرك ولا أحد يستطيع أن يضبطك إلا الله. قلت له: هل تسمع الأغاني؟ قال: نعم. قلت: ما أبقيت من الدين شيئاً، ما هو الالتزام في نظرك؟ قال: وماذا هناك في الأغاني؟ قلت: أما سمعت قول الله عز وجل وهو يصف أهل الإيمان في سورة المؤمنون فيقول: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون:1] أي: قد فازوا ونجحوا وحصلت لهم السعادة في الدنيا والآخرة بفوزهم في الدنيا بالإيمان، وبإنزالهم في الآخرة في الجنان: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:2 - 3] فالمؤمن يترفع ويتنزه عن هذه القذارات، فالأغاني أوساخ وكلام ساقط، وألحان هابطة، لو فكرت فيه بعقلك وليس بشهوتك -انتبه! إذا فكرت بشهوتك في الأغاني لقمت ترقص، لكن إذا فكرت بعقلك في الكلمات والألحان والبداية والشكل والمضمون- لتقيأت ورفضت هذا الكلام وترفعت عنه، وقلت: هذا كلام لا يصلح، ما خلقني الله لهذا، ثم اسأل نفسك: أتكون هذه الأغاني في ميزان الحق أو في ميزان الباطل يوم القيامة؟! من يقول: إنها في ميزان الحق؟ كل شخص يقول: إنها في ميزان الباطل، ولما سئل الإمام أحمد عن الأغاني. سألهم وقال: أحق هو؟ قالوا: لا. قال: فماذا بعد الحق إلا الضلال، ما دام ليس حقاً أين يكون؟ يكون في الضلال، فلماذا تعيش مع الضلال، فلا تسمع الأغاني وكن معرضاً عنها؛ لأن الله يقول: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص:55] إذا أتى في مجلس وسمعهم يغنون؛ يقول: سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين، وإذا أتى في حفل زواج ورآهم يرقصون؛ يقول: سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين، إذا أتى في مجلس فيه نميمة يقوم وينكر بالرفض والتحدي لماذا؟ {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} [القصص:55] {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون:3] هذه صفات أهل الإيمان، فكيف تسمع الأغاني وتنظر إلى الحرام، ولا تصلي الفجر في المسجد ومع هذا تقول: إني مؤمن؟ قس نفسك على هذا. ولو ذهبنا نستقصي الآيات والأحاديث لطال المقام جداً، لكني أتيت بها كمقدمة.

أعمال تنافي الإيمان

أعمال تنافي الإيمان وأذكر بعض ما ينافي الإيمان على سبيل الاختصار: الكذب: الكذاب ليس بمؤمن الذي يكذب على مديره، أو موظفيه، أو زوجته، أو أولاده، أو إخوانه، هذا الكذاب يقول الله عز وجل فيه: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} [النحل:105]، كان النبي صلى الله عليه وسلم عند امرأة فقالت لولدها: تعال أعطيك تمرة، فجاءها فأعطته تمرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما إنك لو لم تعطه لكتبت عليكِ كذبة) ليس هناك داع للكذب، لماذا تكذب أصلاً؟ لو احترقت الدنيا كلها لا تكذب، وكن واضحاً، فإذا جئت متأخراً في الدوام، وسئلت: لماذا؟ فقل: نمت ولا تقل: بنشر إطار السيارة،. فتبنشر على جسر جهنم؛ لأنك خفت هذا وما خفت الله. وبعضهم يخرج من الدوام ويأتي المدير يبحث عنه أثناء الدوام فيسأله: أين كنت؟ يقول: في الحمام تريدني أستأذن منك حتى في الحمام؟ وهو قد كان في السوق يتبضع يوم الثلاثاء ويريد أن يأخذ قسمه من السوق، ثم مرت الأيام وبعد يومين أو ثلاثة وإذا بواحد من زوار المدير أو من زملائه أو من جلسائه في مجلس من المجالس، قال: أما زال فلان عندكم؟ قال: نعم. قال: ما شاء الله، كنت أظنه قد استقال. قال: لماذا وما يدريك به؟ قال: رأيته أمس في السوق، يتبضع الله يوفقنا وإياه. قال: متى رأيته؟ قال: الساعة الحادية عشرة. قال: أمس الساعة الحادية عشرة كان في الحمام. ويدعوه المدير في اليوم التالي، ويقول: تعال يا فلان! أين كنت أمس، في الحمام أو في سوق الثلاثاء. قال: والله الذي لا إله إلا هو إني كنت في الحمام. فماذا تقولون لهذا؟ وإذا أتت الصلاة ذهب ليصلي، فهذا مستهتر بالله كذاب، والكذاب ليس فيه خير، لكن ما عليك إذا خرجت بدون إذن ورجعت إلى المدير ودعاك، وقال: أين كنت؟ قلت: والله كنت في السوق. فيقول: لماذا تخرج بدون إذن، هل العمل فوضى؟! فتقول: لا والله ما هو فوضى، لكن استحيت منك وخفت أن أطلبك فترفض، وإذا رفضت وخرجت بعد الرفض تصير العقوبة عقوبتين، فقلت: سأنزل، فإن رجعت ولم تعلم بخروجي سلامات والحمد لله، وإن كشفتني فالله يعينني على الجزاء، فهذه أبسط والله مليون مرة من أن تقول له: والله الذي لا إله إلا هو إنني ما خرجت، لماذا؟ لأنه باليمين سيصدقك، لكن من داخل قلبه يكذبك، ويقول: فلان صادق ليس له مصلحة في أن يخبرني عنك، وبعدها تسقط من عينيه إلى يوم القيامة عرف أنك كذاب، لو تأتي غداً بخبر صادق مائة بالمائة لقال: كذاب؛ لأنه قد جرب عليك كذباً، لا تخاف الله، ولا تحترم أوامر الله عز وجل، قال تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النحل:105] {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} [النحل:105] فالغش مُنافٍ للإيمان، يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث، والحديث في السنن: (يطبع المؤمن على كل شيء إلا الكذب والخيانة) فيمكن أن يكون جباناً، أو بخيلاً، أو عنده بعض صفات النقص؛ فالكمال لله، لكن يستحيل أن تجد في المؤمن خصلتان هما: الكذب والخيانة، فلا يعقل أن يخونك سواء علمت أو لم تعلم؛ لأن الخيانة مضادة لصفات المؤمنين، يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال:27] وفي الحديث يذكر صلى الله عليه وسلم صفات المنافقين والحديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم فيقول: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان). كذلك الوعد: فوعد المؤمن صادق، وإذا أرغم على إخلافه كان ذلك بمبررٍ شرعي وبعذر مقبول، وقبله يستبيحه، أما أن يقول: طيب ولا يأتي، لا. فإنه يسهل عليك ألف مرة أن تقول: لا. قبل الموعد ولا تخلف بعد الموعد، فإنك تستطيع أن لا تلزم نفسك، فتقول لأخيك لا أستطيع يا أخي! أتريدني أن أقول: حسناً ثم أكذب؟ لا. أقول لك: لا. أحسن مما أشغلك وأشغل نفسي. فهذا أحسن لك وأحسن للناس. ذكر الله عز وجل من علامات المؤمنين، الخوف من الله عند ذكره، فقال عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال:2 - 4]. هذه مجمل صفات الإيمان وإلا فهي كثيرة جداً جداً، وما عليك -يا أخي- إلا أنك كلما مررت بصفات المؤمنين تقف عندها وتراجع نفسك وتسأل أين أنت من هذه الصفات؟ فإن وجدت أنك معها وأنك تدور في فلكها؛ فاعلم أنك مؤمن ولا يخالطك شك، وكن فقط في حالة من الخوف والرجاء خوف أن لا يقبل الله منك، ورجاء أن يقبل الله منك، وإلا فإن الله عز وجل لا يضيع عملك، يقول الله عز وجل: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:195] ويقول: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} [التوبة:105]. فلسنا والحمد لله في حاجة إلى أن يعيش الإنسان في أوهام، وإنما عليه أن يثق بعدل الله، ويثق برحمة الله، ويتعرض للأسباب التي توصله إلى هذه العدالة، وهذه الرحمة، التي نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا وإياكم من المؤمنين إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.

علامات الساعة الآتية

علامات الساعة الآتية علامات الساعة التي تحدثنا عنها في الماضي علامات جاءت وانقضت، وعلامات حدثت ولا زالت مستمرة إلى اليوم ويمكن أن تستمر إلى قيام الساعة، وعلامات لم تحدث بعد، وهي ستحدث وليس بينها وبين الساعة كبير وقت، يعني إذا أتت فهي آخر إنذار، فالإنذارات الأولى هي العلامات التي أتت، والعلامات التي لا زالت تأتي. والتي ستأتي هي ما سنتحدث عنه في هذا الوقت.

أولا: عودة جزيرة العرب مروجا وأنهارا

أولاً: عودة جزيرة العرب مروجاً وأنهاراً كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه والحديث في صحيح مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض، وحتى يخرج الرجل زكاة ماله فلا يجد أحداً يقبلها، وحتى تعود أرض العرب جناتٍ وأنهاراً) وعودتها مروجاً وأنهاراً إما بسبب ما يقوم به أهلها من حفر الآبار، وزراعة الأراضي، مما هو حادث الآن في زماننا، إذا ذهبت إلى الصحاري القاحلة التي لا عيش فيها ولا حياة تجدها أصبحت مروجاً خضراء، فقد حفر الناس الآبار، وأخرجت الأرض خيراتها من الماء، ثم استغلت هذه المياه بشكل علمي منظم حديث وزرعت هذه الأماكن حتى حصل الاكتفاء الذاتي والحمد لله وحصل التصدير للعالم، وهذا ما كان يتوقع أبداً، وكان الخبراء يراهنون على أن هذا غير ممكن، فكيف بأرض صحراوية يموت الناس على ظهرها عطشاً تصدر الحبوب؟ لكن هذا من فضل الله ورحمته وبركته. وإما بسبب آخر وهو الذي يرجحه العلماء: وهو أن الأرض عبر آلاف السنين يحصل تغير في مناخها، ويتحول مناخ المناطق الحارة إلى مناخ المناطق الباردة، وبالعكس مناطق باردة تصير صحاري بفعل الشموس والقحط وانحباس الأمطار. وأن جزيرة العرب كانت في يوم من الأيام مروجاً وبساتين وأنهاراً، ثم صارت إلى ما هي عليه الآن وسيمر أزمان وتعود كما كانت، وهذا التفسير هو الذي يتفق مع نص الحديث فإن الحديث يقول: (ولا تقوم الساعة حتى تعود) ولم يقل حتى تصير أو تكون، كأنها كانت في وضع وستعود إليه، فهذه العودة ستكون في آخر الزمان مروجاً وأنهاراً، حيث تصبح سهولها الجرداء سهولاً خضراء فيحاء، وهذا هو الأظهر الذي يتفق مع نص الحديث. وراوي الحديث صحابي جليل، وهو أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه، عبد الرحمن بن صخر الدوسي، حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم آلاف الأحاديث، رغم قصر مدة إقامته مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأسلم في السنة السابعة، وما جلس مع الرسول إلا زهاء الأربع سنوات أو تقل، وبالرغم من هذا كان يلازمه وما كان يفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي قد دعا له بالحفظ، فلا يسمع شيئاً من رسول الله إلا حفظه، وأخبر صلى الله عليه وسلم: (أنه لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق) فلا يحب أبا هريرة وأمه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق. يقول أبو هريرة في الحديث الصحيح: (خرجت من مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أتلوى من الجوع وقد مرت بي ليالٍ ما ذقت طعم الطعام، يقول: فجلست أتعرض للصحابة أسألهم عن آيةٍ في كتاب الله، يقول: والله إنني أعرفها، لكني أسأل لعله يقول: تعال معي، يقول: فمر أبو بكر فسألته فأجابني وذهب ولم يدعني إلى بيته، يقول: ثم سألت عمر فأجابني وذهب ولم يدعني إلى بيته، يقول: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته فأجابني وقال: اتبعني يا أبا هريرة) اللهم صلِّ وسلم على رسول الله، وتدرون ما في بيت النبي صلى الله عليه وسلم ذاك اليوم؟ والله ما فيه حبة تمر، من منّا ما في بيته طعام الآن، كانت تمر ثلاثة أهلة لا يوقد في بيت آل محمد النار، قال عبد الله بن الزبير لـ عائشة: [يا أماه! وماذا كنتم تأكلون؟ قالت: ما كان لنا من طعام إلا الأسودان التمر والماء] يعني رديء التمر الأسود والماء. وهل اليوم يمر على بيت أحدنا ولا يوقد فيه النار؟ لا والله، بل نيران تضرم، فإذا دخلت المطبخ كأنك في معركة مع الصحون والقدور والمواقد ولا إله إلا الله! كل ذلك من أجل البطن، لا إله إلا الله! (قال: فتبعته، فلما دخل بحث في بيته فما وجد شيئاً، يقول: وإذا بهديةٍ تهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجيران قعب فيه قليل من اللبن، يقول: فقلت: الحمد لله، سأشرب أنا وإياه وسيكون لي نصيب منه، قال: يا أبا هريرة! قلت: نعم، قال: ائتني بأهل الصفة -وأهل الصفة سبعين رجلاً وماذا يكفيهم هذا؟ - يقول: فذهبت وأتيت بهم). وأهل الصفة هم فقراء المؤمنين الذين هاجروا إلى المدينة وليس لهم أهل ولا معهم شيء، فهم جالسون في المسجد (قال: فدعوتهم فجاءوا، فلما دخلوا المسجد قال: اسقهم، قلت: في نفسي وما أصيب من هذا؟ يقول: لو أني كنت الأول لشربت، لكن أنا الذي أسقيهم -والذي يسقي لابد أن يكون آخر شخص يشرب- يقول: فأعطيت الأول والثاني والثالث والرابع حتى أكملوا، يقول: والله ما نقص منه شيء) فقلت: (بقيت أنت يا رسول الله! وأنا، قال: اشرب، قال: فشربت، قال: اشرب، قال: فشربت، قال: اشرب قلت: والله ما أجد له مسلكاً يا رسول الله! فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذا أبو هريرة رضي الله عنه -والذي سبه البعض من المنحرفين عن عقيدة السلف- يقول: (لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض، حتى يخرج الرجل زكاة ماله فلا يجد من يقبلها، وحتى تعود جزيرة العرب مروجاً وأنهاراً).

انتفاخ الأهلة

انتفاخ الأهلة ومن العلامات: انتفاخ الأهلة، يعني: أن يرى الهلال عند ظهوره كبيراً، حتى يقال: في ليلة ظهوره هذا الهلال عمره ليلتين أو ثلاث ليال، فهذه من علامات الساعة، والحديث أخرجه الألباني في صحيح الجامع الصغير وقال: صحيح الإسناد، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اقتراب الساعة -أي من علامات قرب وقوع الساعة- انتفاخ الأهلة) وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اقتراب الساعة أن يرى الهلال فيقال لليلتين، وأن تتخذ المساجد طرقاً، وأن يظهر موت الفجأة) هذا الحديث أيضاً عزاه في صحيح الجامع إلى الطبراني وقال إسناده حسن. (أن يرى الهلال يقال لليلتين، وأن تتخذ المساجد طرقاً) يعني أن يكون الواحد له حاجة في السوق وبيته في الجانب الآخر، فيصعب عليه أن يلتف فيختصر الطريق ويتخذ المسجد طريقاً، وهذا موجود في مكة المكرمة، ولما قرأته مرة على أحد الإخوان قال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، كثير من الناس لا يغدو ولا يمشي إلا باختراق المسجد الحرام؛ لأن اللفة طويلة، فهو يختصر الطريق، فيدخل من باب ويخرج من الباب الثاني، ويتخذ المسجد طريقاً. (وأن يظهر موت الفجأة) وموت الفجأة هو ما يحصل للناس من وفاةٍ غير متوقعة، إما بمرض مفاجئ، أو بحادث مروع، وهو للمؤمن راحة، وعلى المنافق حسرة، فالمؤمن لا يدري إلا وقد انتهى، والمنافق عليه حسرة؛ لأنه لا يمكن من التوبة ولا يعطى فرصة لتصحيح الوضع مع الله عز وجل، وهذه كثيرة، ما كان موت الفجأة مشهود بكثرة عند الناس، فما يأتي موت إلا بمرض وتعب، أما الآن لا. قَلَّ من يموت على فراشه، وما نسمع الموت إلا في حوادث، ينزل الواحد وما يتصور أنه يموت ويموت في ذلك اليوم الذي ما يتصور فيه، يموتون بالمئات، تسقط الطائرة وفيها ثلاثمائة راكب كلهم كانوا أحياء وفي لحظة إذا بهم أموات، تنقلب السيارة بالأسرة كاملة، الرجل والمرأة والأولاد بعضهم يضحك، وبعضهم يتكلم، وبعضهم يشرب العصير، وفي لحظة واحدة كلهم يموتون. وقد سمعنا بالحادث الذي وقع لبعض طلاب العلم والشباب المؤمن الملتزم الذي نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يسكنهم فسيح جناته، اللهم أسكنهم فسيح جنانك، وأدخلهم في رحمتك ورضوانك، وعوض أهلهم خيراً، واجبر قلوبهم إنك على كل شيء قدير. وهذا الحادث المروري وقع لبعض إخواننا في الله وكانوا صائمين، وأحدهم كان متوفياً والمصحف في يده، والثاني الذي لحقه بعد فترة أمضى في الإنعاش عشرة أيام أو أكثر أو أقل ومات بالأمس. وكان صائماً يوم أن وقع له الحادث ودخل في غيبوبة حتى توفي رحمة الله تعالى عليهما، ما كانوا يفكرون بموتهم في تلك اللحظات، وآلاف الحوادث تحصل للناس ولكن هنيئاً للمؤمن، وويلٌ للمنافق. ويلٌ له يوم أن يموت، كما سمعتم قصة ذلك الشاب الذي وقع له حادث وهو يغني، وجاءوا عليه بدل أن يقول: لا إله إلا الله، كان يقول في نفس اللحظات: هل رأى الحب سكارى مثلنا؟ فكان يغني بأغنية أم كلثوم ويقول: هل رأى الحب سكارى مثلنا؟ والشريط يغني وهو معصور بطنه، وقلبه بمقود السيارة وهو لا زال يغني، قُبض على هذه الكلمة، والله ما رأى الحب أسكر ولا أفشل منك يا بعيد، عاش على شيء فمات عليه والعياذ بالله. فمن علامات الساعة أيضاً موت الفجأة.

تكليم السباع والجمادات للناس

تكليم السباع والجمادات للناس من علامات الساعة: تكليم السباع والجماد للناس، كيف هذا؟ اسمعوا الحديث، روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: عدى ذئبٌ على شاة -في عهد النبي صلى الله عليه وسلم- فتبعه الراعي، وانتزعها منه -طارده حتى أطلقها- ولما أخذها أقعا الذئب على ذنبه -أي جلس على فخذه وذنبه وارتكز على يديه هذا هو الإقعاء- وقال: ألا تتقي الله تنزع مني رزقاً ساقه الله إلي، فقال الراعي: عجباً! ذئبٌ مقعٍ على ذنبه يكلمني كلام الإنس، قال الذئب: ألا أنبئك بأعجب من ذلك؟ -أن أكلمك بلسانك ولكن أتريد الأعجب من هذا؟ - محمد صلى الله عليه وسلم بـ يثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق، قال: فأقبل الراعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة، فزواها إلى زاوية من زوايا المدينة ثم أتى رسول الله صلى عليه وسلم فأخبره الخبر، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنودي بالصلاة جامعة، ثم خرج فقال للراعي أخبرهم، فأخبرهم، فقال صلى الله عليه وسلم: صدق! وهذه من علامات الساعة، ثم قال: (والذي نفسي بيده! لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الإنس، ويكلمه عذبة سوطه، وشراك نعله، ويخبره فخذه بما أحدَث أهله بعده) هذه من علامات الساعة. وقد يكون هذا الذي يخبر به النبي صلى الله عليه وسلم إما شيئاً خارقاً للعادة والمألوف كما نشهده فيما أخبر الله عز وجل عنه به من شهادة الأعضاء على الإنسان يوم القيامة: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس:65] أو كما قال عز وجل: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [فصلت:19 - 20] يمكن أن يكون هذا هو المقصود، أو بما سيمكن الله البشر من علوم ومخترعات يستطيعون بها تسجيل الأصوات مثلما هو حاصل الآن، بعض الناس يضع مسجلاً في زاوية من زوايا البيت لا تعلم بها المرأة، وإذا رجع فتح المسجل، وقام المسجل يعطيه كل شيء، وبعضهم يضع المسجل على التلفون، فيسجل المكالمات التي تأتيه ولا يدري أحد بها، هذا مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم.

إخراج الأرض لكنوزها

إخراج الأرض لكنوزها من علامات الساعة إخراج الأرض كنوزها، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تفيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الاسطوان من الذهب والفضة، فيأتي القاتل فيقول: في هذا قتلت، ويأتي القاطع فيقول: في هذا قطعت، ويأتي السارق فيقول: في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً) وهذه آية من آيات الله، حيث يأمر الحق أن تخرج الأرض كنوزها، وقد سمى الرسول بأفلاذ الكبد، وأصل الفلذ قطعة من كبد الإنسان أو كبد البعير، ومعنى الحديث: التشبيه، أي: تخرج الأرض ما في جوفها من القطع المدفونة والكنوز والجواهر على شكل الاسطوانات والسواري، وعندما يرى الناس كثرة الذهب والفضة يزهدون فيها ويتألمون؛ لأنهم ارتكبوا المعاصي وقطعوا الطريق، وسرقوا من أجل الحصول على هذه الأشياء، وهذه ستكون في آخر الزمان. هذه أيها الإخوة! بعض علامات الساعة التي تسبق قيامها، وبقي العلامات الأخيرة وهي العشر العظام: طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، وخروج النار التي تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر، ونزول عيسى، وخروج الدجال، وغير ذلك من العلامات التي سوف نتحدث عنها إن شاء الله في الجلسة القادمة، وإذا وقعت واحدة منها تتابع وقوعها كنظام انقطع، يعني مثل عقد معك انقطع تبدأ الأولى والبقية كلها وراءها. نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يلهمنا رشدنا، وأن يثبتنا جميعاً على الإيمان؛ إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.

الأسئلة

الأسئلة

صلاح الظاهر وفساد الباطن

صلاح الظاهر وفساد الباطن Q أنا شاب يحسبني الناس ملتزماً ويعدونني من الشباب المؤمن، ولكنني في الخلوة والانفراد أتابع المسلسلات، وأستمع الأغاني، وأختلس النظرات إلى الحرام رغم أنني أعلم أن ذلك حرام، وأتحرج بعد ذلك إذا رآني الناس، أرجو أن ترشدوني؟ A نقول لك: عليك أن تتقي الله أيها الشاب! وأن تراقب الله تبارك وتعالى، وألا يكون لك ظاهر صالح، وباطن سيء، لا تكن معروفاً عند الناس بالالتزام والدين، ومعروفاً عند الله بالفسق والفجور، فإن الناس لا ينفعونك ولا يضرونك، والله لو مدحك الناس كلهم من أولهم إلى آخرهم، والله يذمك ما يمنعونك من الله، ووالله لو ذمك الناس كلهم والله يمدحك لا يضروك ولا ينفعوك عليك أن تراقب الله بالدرجة الأولى. جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! أعطني فإن مدحي جميل وذمي قبيح قال: كذبت! ذاك هو الله) إذا مدحك الله سعدت، وإذا ذمك الله شقيت، لكن الناس إذا مدحوك في المجالس والأماكن، فما تسمع إلا: فلان طيب ما شاء الله! لكن سلوكك مع الله في الباطن فاسد فماذا يصنع لك الناس؟ هل عندهم شيء ينفعك؟ الحياة، والموت، والرزق، والرفعة، والعافية؛ كل هذه بيد الله، وكل شيءٍ بيد الله، والناس لا يعطونك مثقال ذرة إلا بأمر الله، إذن لِمَ تراقب الناس؟ عليك أن تراقب الله، وإذا رضي الله عنك أرضى عنك الناس كلهم.

حكم الاكتفاء بالبرقع -النقاب- دون الخمار في الحجاب

حكم الاكتفاء بالبرقع -النقاب- دون الخمار في الحجاب Q ما حكم البرقع في البادية، فإنهم لا يقدرون على الخمار هل يجب عليها لبس الخمار أم أن البرقع يكفي، كما أن بعض الناس يقول: أنه سمع في بعض البرامج أن البرقع ليس فيه شيء؟ A أقول أنا وقد سمعت أن بعض العلماء يقولون إن البرقع ليس فيه شيء، أما أنا فأقول: فيه شيء، بل أنا أقول: لو خرجت المرأة ووجهها مكشوف أفضل من أن تخرج وعليها برقع يرى الناس عينها؛ لأن العيون هي مجمع الزينة، وهي القتالة: إن العيون التي في طرفها حورٌ قتلننا ثم لم يحيين قتلانا يسلبن ذا اللب حتى لا حراك به وهن أضعف خلق الله إنسانا ما قال: إن الشفاه أو الأنف أو الخدود. هذه مكملات، الكلام للعيون، إذاً: عيون جميلة تذبح كما يقولون: كل شيء جميل، وإذا كانت العيون بها عيب فكل شيء قبيح، ولذا إذا كلمت الشخص أتنظر في رجله؟ أو مسمعه؟ في عينه، ولو نظرت في صدره وأنت تكلمه، لقال: ارفع رأسك وكلمني، أتكلمني أم تكلم بطني؟ كلمني وانظر في عيني، يعني العيون هي المعنية بالكلام، فإذا حجبت المرأة أنفها وفمها وأظهرت عينيها، فماذا بقي؟ بل ربما يكون فمها ليس حسناً، ولا أنفها، ولا خدودها، لكن عينيها جميلة وأظهرت العيون؟! وقد كنت مرة في تبوك؛ ووجدت ظاهرة البرقع منتشرة هناك في الشمال، فقلت لهم: لو وضعت البرقع على عنز -وجربوا وكل شخص في بيته غنم أخذ برقع المرأة وألبسه العنز- إذا ما تقع صريعاً عند رأسها ميت تفتنك العنز بعيونها؛ لأنها أجمل ما في العنز، ولكن البرقع يخفي أنفها وفمها فإذا أخفيت أنفها وأظهرت عيونها تقع مباشرة في الفتنة بها. فنقول للنساء: لا تلبسن البرقع وعليكن بالحجاب، وبعض النساء تقول: نلبس من فوق البرقع خماراً، فما فائدة البرقع ما دام أن هناك خماراً من فوقه؟ لا. ضعي البرقع وخذي خماراً كثيفاً؛ لأن بعضهم يقول: يستدل بما أثر عن ابن عباس أنه كان يسمح بوضع خرق في العين، الخرق هذا ليس مثل البرقع، فالخرق الذي في العين على مستوى يمكن (1سم2) أما هذه الفتحة الطويلة (3سم × 6سم) ثم من هنا واحدة تقطبه لكي لا ينفتح كثيراً، ثم تبدوا العيون كلها، فالجفن والحواجب والعيون تطلع، ولا يبقى شيء، بل توجد الآن موضة جديدة وهي اللثام، قلنا: ما هذه؟ قالت: متحجبة، الله المستعان! يقول لي أحد الإخوة بعدما وصلنا هنا: جزاك الله خيراً، قلت: لماذا؟ قال: ذهبت من تلك الليلة وأخذت البرقع ووضعته على العنز، يقول: ما رقدنا تلك الليلة، قلت: عافاكم الله من البلاء.

إهمال المدارس في جمع الطلاب للصلاة

إهمال المدارس في جمع الطلاب للصلاة Q ما رأيكم في بعض المدارس التي لا تأمر الطلاب بالصلاة في المدرسة فهل على المدير أو المدرسين مسئولية في هذا، رغم أن المدرسين في هذه المدرسة يشهد لهم بالخير؟ A نعم عليهم مسئولية، ومن أعظم الوسائل التربوية التي نربي بها أبناءنا في المدارس أن نعلمهم الصلاة، ولا ينبغي لمدير يتقي الله، ولا لمدرسين يخشون الله؛ أن يمر وقت الصلاة في المدرسة دون أن يصلي الطلاب؛ لأنها جزء من التربية العقدية، صحيح أن في خروج الطلاب ووضوءهم كلفة لكنها كلفة في حقها، لماذا لا نشعر بهذه الكلفة في حصة الرياضة، وهي حصتان في الأسبوع ولها مدرس، ويقوم الطلاب بتبديل ملابسهم وهناك موجهون يراجعون؟ أما الصلاة عمود الإسلام، وفرق ما بين المسلم والكافر، فيأتي الشيطان عند المدير ويقول: ما عندك ماء، كيف يصلون بغير وضوء؟ لا. والله لو أدفع من راتبي نصفه ثمن ما يتوضأ به الطلاب، لست خسراناً؛ لأنه ما من طالب يتوضأ بهذا ويصلي إلا وأجره لي دون أن ينقص من أجره شيئاً. وإذا كنت لا أستطيع أنا وأنا المدير بمفردي أقوم مباشرة مع المدرسين بالتبرع، ونعمل صندوقاً خيرياً للصلاة في المدرسة، بينما والحمد لله عند المدارس إمكانيات عن طريق إدارة التعليم التي تؤمن ذلك، وإذا لم تتوفر الإمكانية نذهب للمحسنين ونقول: أعطونا ليصلي أبناءنا، ونقول للآباء كذلك، المهم نسلك كل سبيل في سبيل إقامة الصلاة في المسجد، ولا يجوز للمسلم مديراً أو مدرساً أن يصرف الطلاب ولم يصلوا؛ لأن بعض المدرسين يضغطون البرنامج حتى ينتهي عند السادسة مع الأذان، ثم يقول: كلٌ يصلي في بيته، فتضيع الصلاة بين البيت والمدرسة، ويذهب الطالب إلى البيت ويقول: صلينا، وهو لم يصل، أو صلينا في الطريق، وإن أتى يصلي، فيصلي متأخراً، لكن صلاة الجماعة في المدرسة تعكس اهتمام المدير بالصلاة، وتغرس في ذهن الطالب وقلبه حب الصلاة وأهمية الصلاة، ثم ملاحظة الأخطاء، وضبط الطلاب بكلمة قبل الصلاة، وكلمة بعد الصلاة، وتوجيه الطلاب، هذا كله من أساسيات التعليم، وكل تعليم ليس فيه صلاة فهو فوضى، لا بارك الله في تعليم يتم في مدرسة وليس فيها صلاة؛ لأن الصلاة هي الثمرة، فما الفائدة من يوم دراسي كامل من الصباح إلى الظهر ثم نضيع الثمرة، مثل هذه الشجرة الطويلة التي ليس فيها ثمرة، لو متّ جوعاً ليس فيها إلا مثل البعر -هذا شجر البلدية- ما فيه ثمرة، هل فيه فائدة؟ علم بلا عمل كشجر بلا ثمر.

الفرق بين الغلو والغلول

الفرق بين الغلو والغلول Q ما هو الفرق بين الغلو والغلول؟ A الغلو: الزيادة وتجاوز الحد في دين الله بإحكام شيء ليس من دين الله. والغلول: أخذ شيء من بيت مال المسلمين بغير حق. والغلو: التنطع، والتشدد -التطرف كما يسمى- طبعاً ليس على مفهومهم الآن في المجتمعات المنحلة، فعندهم المتطرف يعني الذي يصلي إذا رأوه يصلي في المسجد قالوا: هذا متطرف، يصلي في المسجد. وإذا رأوه أطلق لحيته قالوا هذا متطرف ترك لحيته، وأنتم؟ قالوا: نحن والحمد لله مسلمون نصلي في البيوت ونحلق لحانا. لا أنتم متطرفون، وذاك ليس متطرفاً بل هو المعتدل، المعتدل هو الذي يتقيد بشريعة الله، والمتسيب هو الذي يترك دين الله، والغال هو الذي يأتي بدين ليس في دين الله، كأن تقول له: تعال عندنا للعشاء، قال: وما عشاكم؟ قلنا: عشانا رز ولحم قال: لا. هذه تقسي القلب، أنا لا آكل إلا الشعير، هذا غلو في دين الله، والله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:172]. يقولون له: تزوج قال: لا. أريد زوجاً خيراً منهن في الآخرة، نقول له: لا. هذا غلو، الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أفضل من عَبَدَ الله كان يتزوج، يقول: (إني أتقاكم وأخشاكم لله، ولكني آكل اللحم، وأتزوج النساء، وأصوم، وأفطر، وأنام، وأقوم؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني) هذا غلو. يقال له: استعمل الكهرباء، قال: لا. هذه الكهرباء ليست جيدة، وهذه الكهرباء لن تدخل بيتي، لماذا؟ يقول: هذه التي جلبت لنا الشر، فالناس يشغلون عليها الأغاني، والتلفزيونات، والمنكرات، ولهذا أنا لا أحب الكهرباء، حسناً على هذا فالهواء الذي تستنشقه الآن الناس الذين يعصون الله يستنشقونه، أليس كذلك؟ فلا تستنشق الهواء؛ لأن العصاة يستنشقونه، ولا تشرب الماء؛ لأن العصاة يشربونه، ولا تأكل الطعام، وبالتالي تنتهي وتموت. يا أخي! هذه الكهرباء نعمة من نعم الله، من استغلها في طاعة الله فعليه من الله الرحمة، ومن استعان بها على معصية الله، فالله الذي يحاسبه يوم القيامة، أما أن تقول: لا! بعضهم في بيته يقول: لا تضع مروحة، فهي تشغلك عن ذكر الله وتبرد عليك في بيتك، فهل هذا اسمه غلو والله قد قال: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء:171]. والغلول كما قلت لكم: هو أخذ شيء من بيت مال المسلمين بغير حق، ويدخل فيه هدية الموظفين. فإذا كنت مديراً أو ضابطاً، أو مسئولاً، ويوجد من المراجعين من له معاملة عندك، ويريدها أن تنجز ولكنها تعقدت، ويعرف أنه لو أتى بطريقة مكشوفة وأتى يريد أن يعطيك مالاً فيمكن ألا تقبل؛ فيعطيك هدية، فتقبلها وطبيعي أن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها، فإذا أعطاك هدية في الليل، جئت في الصباح تسأل عن معاملته، أين معاملة فلان؟ أنجزوها فهذا رجل فيه خير، الله يبارك فيه! لماذا؟ لأنه في الليل أتاه بخروف في البيت. وأحدهم مدير مدرسة أتاه أبو الولد، وقال: رمينا لكم بلحمة في البيت، قال: وما هي اللحمة قال (طلي) والله ما شريته لكن من وسط الغنم، أبشرك من فضل الله علينا سارحة من البيت، وأتينا بخروف للعيال، لماذا؟ لأنه قبل الامتحانات، والولد تحصيله العلمي ليس جيداً، فأعطاه. ومن يوم أن رآه ومدير المدرسة في الامتحانات يوصي المدرسين ويقول: انتبهوا فهذا يهمنا أمره؛ لأن الثلاجة مليئة باللحمة من أبيه. فهذه رشوة، فهل قام هذا الرجل صاحب الغنم ووزع على كل المسلمين خرافاً؟ أم أعطاك أنت أيها المدير؛ لأن ولده عندك، وإذا نجح الولد وأصبح في المتوسطة هل سيأتي في الابتدائية ويعطيك خروفاً؟ والله لا يعطيك شعرة، وبعضهم يأتي بصندوق تمر، وصندوق زبيب، وكعك بالسمن والعسل، لكي تمشي المعاملة، هذا اسمه رشوة وهي أمحق وألعن من الرشوة الصريحة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم غضب على عبد الله بن اللتبية لما استعمله على الزكاة فرجع من الزكاة وهو يقول: هذا لي، وهذا لبيت مال المسلمين، قال: من أين لك؟ قال: أهديت إلي -ما هي التي أهديت له؟ شملة- فغضب صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً حتى لكأنه يفقع في وجهه حب الرمان، ونادى الصلاة جامعة، ثم قال: (ما بال أقوامٍ نستعملهم على الزكاة فيعودون ويقولون هذا لبيت مال المسلمين وهذا أهدي لنا، أفلا قعدوا في بيوت أمهاتهم وآبائهم، أكان يأتيهم شيء؟) لا. إلا رجل تتهادى أنت وإياه بسبب قبل الوظيفة وبعد الوظيفة، بينك وبينه صلة صداقة، أو رحم أو جيرة وبينك وبينه هدية، فإذا أتى إليك أهداك، وإذا أتيت إليه أهديته، ثم صرت أنت في منصب واستمرت الهدية وليس لها أي مصلحة عندك، فهذه ليس فيها شيء، لكن من له مصلحة عندك فحديث النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (هدايا العمال -المسئولين- غلول) والله يقول: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:161]. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من الأغنياء بدينه إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وأسأل الله لنا ولكم العافية في الدنيا والآخرة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

علامات الساعة المتبقية [2]

علامات الساعة المتبقية [2] البعث نبأ أزعج الكفرة؛ لأن بعده الجزاء والحساب، وقد غيب الله علم الساعة لحكم جليلة ولكن وضع له علامات تدل على قرب وقوعه؛ ليتأهب المرء لذلك اليوم بالعمل الصالح المستمر، وفي هذه المادة كلامٌ نفيس عن الساعة وعلاماتها الكبرى.

تقرير مبدأ البعث

تقرير مبدأ البعث الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن نبأ البعث والقيام من القبور للجزاء والحساب والمؤاخذة نبأٌ أزعج الكفرة، وزلزل كيان قلوبهم؛ لأنهم لا يريدون أن يسمعوا بهذا الخبر، يريدونها حياةً متفلتةً من الضوابط والقيود، والمؤاخذة والمسئولية، يريدون أن يعيشوا في هذه الدنيا عيشة البهائم والحيوانات ويتنافسون في الشهوات، ويستغرقون في الملذات، ثم يموتون كما تموت الحمير والبقر ولا يبعثون ولا يسألون ولا يؤاخذون، هذه إرادتهم وهذا منتهى آمالهم، ولكن إرادة الله عز وجل وحكمته في الخلق اقتضت غير ذلك. فالإنسان ليس حيواناً ولا بهيمة، الإنسان مخلوقٌ مكرم خلقه الله عز وجل لغاية ولحكمة أكبر من حكمة الأكل والشرب، والشهوات والملذات؛ خلقه الله عز وجل لأرفع عمل وأقدس رسالة ألا وهي العبادة: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] وهذا معنى التكريم الذي يقول الله عز وجل فيه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء:70] والذي يقول عز وجل فيه: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج:18]. إرادة الله عز وجل اقتضت إعطاء هذا الإنسان نوعية خاصة من بين سائر المخلوقات ألا وهي الإرادة، لم يجعله الله إنساناً آلياً يعبد الله بغير إرادة ولا اختيار، بل منحه القدرة وأعطاه الاختيار على أن يسلك طريق الإيمان، أو أن يسلك طريق الجحيم والكفر والنيران -والعياذ بالله- ووعده إن أطاعه بالجنة، وتوعده إن عصاه بالنار، وجعل لهذا الفصل ولهذا الامتحان موعداً، وضرب له أجلاً، ألا وهو يوم القيامة، ويوم القيامة هو اليوم الذي حدده الله عز وجل ليكون موعداً لفصل القضاء بين الناس، ومحاسبتهم على ضوء أعمالهم، ومجازاتهم على سلوكهم.

الحكمة من جعل موعد البعث والموت غيبا

الحكمة من جعل موعد البعث والموت غيباً وقد غيب الله علم هذا اليوم عن الناس لحكمة عظيمة، وهذه الحكمة هي أن يكون الإنسان متأهباً باستمرار؛ حتى إذا فاجأه شيء من أحداث القيامة يكون مستعداً، كما غيب الله عز وجل عن الإنسان موعد الموت، فهل يدري أحد متى يموت؟ لا يدري، ولهذا يقول الله: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:34] لا يستطيع أحد أن يحدد ماذا يحصل له في الغد، أو متى يموت، أو في أي وقت، أو في أي زمانٍ ومكان، وقد غيب الله علم الموت عن الإنسان ليكون متأهباً باستمرار، إذا أتى الموت وإذا به حاضر. لكن لو علم موعد الموت لأمكن للإنسان أن يتفلت وأن يكفر وأن يشرد عن الله، وقبل الموت بأسبوع أو أسبوعين يتوب، وبالتالي ما تحققت الحكمة من العبادة، وسيبقى الناس كلهم كفرة وقبل شهر أو شهرين يتوبون وهل تعمر الأرض بالطاعة إذا عُلم الموت؟ لا. إذاً: غيب علم الموت وقيل للناس اعبدوا ربكم: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] وقال لهم: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] أي: حتى يأتيك الموت. وهذه الساعة ظل الكفار يتساءلون عن خبرها، وقال فيهم ربنا عز وجل: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ:1] أي: عن أي شيء يتساءلون ويخوضون؟ عن الحقيقة الكبرى التي يتجاهلونها ويعرضون عنها، ويسفهون حلم من قال بها رغم أدلتها القاطعة، وبياناتها الساطعة، ورغم آثار الله وقدرته في الأرض، فخلق الإنسان دليل على البعث فالله يقول: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غافر:57] {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان:28]. فيقول ربنا جل وعلا: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ:1] عن أي شيء يسألون ويتساءلون وهم ما بين مكذب ومصدق وظان وشاك؟: {عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ} [النبأ:2] الذي يستوجب منهم التصديق لعظمته؛ ولأن أمر البعث عظيم جداً، إذ بدون البعث لا يستقيم سلوك الناس في هذه الحياة: {عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ * كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} [النبأ:2 - 4] (كلا) أداة زجر وردع وتوبيخ: {ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} [النبأ:5] والتكرار للتأكيد.

الأدلة على حقيقة البعث والنشور في سورة النبأ

الأدلة على حقيقة البعث والنشور في سورة النبأ بدأ ربنا تبارك وتعالى في جولة أرضية وجولة سماوية بالتقرير على مبدأ البعث فقال تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً} [النبأ:6] ألم نمهدها ونهيئها من أجل استقبالكم للعيش عليها ولبلوغكم سن التكليف، ثم بلوغكم آيات الشرع وأحكام الشرع، ثم قيام الحجة عليكم؟: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً * وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاساً} [النبأ:6 - 10] وليس هذا وقت تفسير لبعض هذه الآيات وأسرارها، لكني أوردتها للدلالة على أمر البعث وأنه كائن لا محالة، ثم بعد ذلك قال عز وجل: {وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً} [النبأ:13] بعد الجولة الأرضية جولة في الملأ الأعلى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً} [النبأ:14] المعصرات: أي: السحب {لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً} [النبأ:15 - 16] كل هذا لماذا؟ {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً} [النبأ:17] عملنا هذا من أجل يوم الفصل فإنه كان ميقاتاً مضروباً، وموعداً معلوماً لفصل القضاء، وسمي يوم الفصل لأنه يفصل بين الخلائق، يفصل بينهم ويقسمون إلى فريقين: فريق: أهل الإيمان -جعلنا الله وإياكم منهم- إلى الجنة، وفريق: أهل الكفر والمعاصي والنفاق -نعوذ بالله جميعاً منهم- إلى النار. {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً} [النبأ:17] وكأن قائلاً يقول: يا ربِّ متى هذا اليوم؟: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً} [النبأ:18] لا يستطيع أن يتخلف أحد عن هذا المجيء؛ لأن الله يقول: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18] لا يخفى من الناس أحد على الله عز وجل، يحضرون كلهم من آدم إلى آخر واحد يموت: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً * وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً} [النبأ:18 - 19] لنزول الملائكة: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً * إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً * لِلطَّاغِينَ مَآباً} [النبأ:20 - 22] الطاغين: أهل الطغيان الذين طغوا وبغوا وتجاوزا الحدود، طغوا على أوامر الله، وطغوا على عباد الله، وطغوا على أنفسهم؛ لأن الطغيان ضلال وهلاك في الدنيا والآخرة، {لِلطَّاغِينَ مَآباً} ومصيراً: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً * لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً * إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً} [النبأ:23 - 25] وانظرا إلى التعبير بالحميم بعد البرد، قال الله {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً} [النبأ:24] يقول العلماء: (برداً) يحمل معنيين: نوماً، وقيل شراباً بارداً؛ ولكن ليس شراباً ولا برداً {إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً} [النبأ:25] والحميم هو الماء الذي بلغت درجة غليانه أقصى درجة، وتصور أنك عندما تكون وعطشان في مدينة من المدن الحارة ثم قدم لك ماء يفور فتشربه فيزيدك ناراً، لكن لو قدم لك ماء بارداً يبرد جوفك لكان ذلك حسناً، ولهذا يطلب أهل النار من أهل الجنة: {أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعراف:50]. أمر البعث أيها الإخوة! شيء لا محالة من وقوعه، وله علامات، وقد ذكرنا في الماضي بعض العلامات وسوف نختم هذه الليلة ذكرها، وذكرنا في الأسبوع الماضي في خميس مشيط اثنتين من علامات الساعة الكبرى التي تأتي قبل حدوث الساعة مباشرةً، يسمونها الآيات العشر العظام، التي إذا وقعت فلن يكون هناك شيء إلا الساعة بعدها، وإذا وقعت الأولى تتابعت كنظام، أي: كمسبحة أو عقد انقطع فتتابعت خرزاته.

من علامات الساعة الكبرى: نزول عيسى وخروج الدجال

من علامات الساعة الكبرى: نزول عيسى وخروج الدجال من علامات الساعة: نزول عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا وعلى سائر الأنبياء أفضل الصلاة وأزكى السلام، وقد أخبر الله عز وجل في القرآن الكريم أن اليهود لم يقتلوه كما يزعمون، وأن هذه الدعوة التي ادعوها باطلة، رغم أن النصارى صدقوها، والحقيقة التي يخبرنا الله عز وجل عنها وهي الصدق، والحق في القضية أن عيسى لم يقتل، ولكن الله عز وجل ألقى شبهه على غيره فقتلوا ذلك الشبيه، وهو شبيه طبق الأصل لعيسى بن مريم، فظنوا أنه قتل، والله يقول: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء:157] أما هو فقد رفعه الله عز وجل إلى السماء، وقضية عيسى كلها؛ من خلقه، ومن رفعه، ومن نزوله كلها قضية خاصة به، مغايرة لما اعتاد الناس عليه، فإن الناس يخلقون من أم وأب وعيسى خلق من أمٍ بلا أب، وقد أشكل هذا الأمر على اليهود والنصارى فقالوا: إنه ابن الله، تعالى الله عز وجل عن أن يكون له ولد، يقول الله: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:90 - 95]. صاحب هذه القوة هل يحتاج إلى ولد يساعده؟! صفة الولد هذه صفة كمال في البشر، فالرجل من صفات الكمال فيه أن يكون له ولد أليس كذلك؟ لأنه ضعيف يحتاج إلى مساعد، فيقول: (الولد للحورة والبورة والكبر والحاجة) لكن الله عز وجل صفة الولد له صفة نقص في كماله تبارك وتعالى، فلا يجوز أن ينسب له الولد؛ لأننا إذا نسبنا له الولد نبسنا له الحاجة وهو منزه عن ذلك، ولهذا قال الله لما سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينسب ربه: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص:1 - 2] أي: الذي تصمد وتحتاج وترجع إليه كل الكائنات ولا يحتاج إلى أحد {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:3 - 4].

بيان خلق عيسى عليه السلام

بيان خلق عيسى عليه السلام ولذا لما أشكل خلق عيسى عليهم وقالوا: كيف يكون ولد من أم بدون أب، لا بد أن يكون له أب، فمن أبوه؟ رد الله عز وجل عليهم كيف تستشكلون أمر عيسى أن خلق من أمٍ بلا أب، ولا تستشكلون أمر آدم أن خلق من غير أم ولا أب، ولهذا قال الله: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران:59]. والناس مخلوقون على أربعة أشكال: الأول: شكل من أم بلا أب وهو عيسى. الثاني: شكل من أب بلا أم وهي حواء، فمن هي أمها؟ ليس لها أم، خلقها الله من ضلع آدم الأيسر، ولهذا خلقت من ضلع أعوج وليس من ضلع سمح -أي مستقيم- ولهذا ليس هناك في الدنيا امرأة سمحة، لا بد أن يكون فيها عوج، وأعوج ما في الضلع أعلاه -أي لسان المرأة- ولهذا يقولون في المثل: أول ما يموت في المرأة عقلها، وآخر ما يموت لسانها. المرأة هكذا، ولذا أنت إذا تعاملت مع المرأة على هذه القاعدة استمتعت بها ونجحت معها دون مشاكل، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (إن النساء خلقن من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فاستمتعوا بهن على عوجهن) إذا كنت تريد امرأة ليس فيها عوج فلا توجد إلا في الجنة لماذا؟ لأن الله قال: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} [الواقعة:35] أنشأهن الله كرامة لك يا عبد الله في الجنة: {فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً} [الواقعة:36] * {عُرُباً أَتْرَاباً} [الواقعة:37] عُرُباً: يعني متحببات، المرأة العروب التي لا يكرهها الشخص، عروب يعني تتبعل لزوجها بشكل يجعلها ملكة جمال في عينه، تتبعل له في كلامها، وفي رائحتها، وفي ملابسها، في كل حياتها عروب: {عُرُباً أَتْرَاباً} [الواقعة:37] يعني في سن واحدة. فحواء خلقت من أبٍ بلا أم، أي: عكس عيسى، وآدم خلق من غير أم ولا أب قبضة من الطين، نفخ الله فيه من روحه ثم أسجد له الملائكة وأنزله بعد المعصية والمخالفة إلى هذه الأرض. وسائر الخلق كلهم مخلوقون من أبٍ وأم، فخلق عيسى في الأصل إعجاز وآية، لماذا خلقه الله عز وجل من أم بلا أب؟ قال الله عز وجل: {قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً} [مريم:21] نجعل خلق عيسى دلالة على قدرة الله وعظمته، آية من آيات الله أن يوجد مخلوق من أمٍ بلا أب، قد تقولون: كيف يوجد رجل هكذا؟ مستحيل الآن في العلم وفي الطب، لابد من حيوان منوي يخرج من رجل ويأتي إلى بويضة في المرأة ويحصل التلقيح والاختلاط ثم يعيش هكذا في عرفنا، لكنّ رب العالمين لا يعجزه شيء: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل:40] {إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت:39] تبارك وتعالى، ليس في حسابات الله شيء معجز أبداً، المعجز والصعب علينا نحن؛ لأننا بشر لا نملك من أنفسنا ولا لأنفسنا نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، أما الله فلا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء سبحانه تبارك وتعالى. فعيسى عليه السلام حينما خلق كان خلقه آية، وحينما رفع كان رفعه آية، ما مات ولا قتلوه، قال الله عز وجل: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء:157 - 158] وأشار الله عز وجل في القرآن الكريم إلى أن عيسى عليه السلام سينزل في آخر الزمان، وأن النزول سيكون علامة من علامات قرب قيام الساعة: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [الزخرف:61]. كما أخبر أن أهل الكتاب (اليهود والنصارى) في ذلك الزمان سيؤمنون به وهو يحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، قال عز وجل: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ} [النساء:159] يؤمنون به في آخر الأمر وهو يحكم بالإسلام، ينزل عيسى ليحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، وقد جاء تفصيل هذا في السنة المطهرة، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم خبراً صحيحاً وهو عندما تشتد فتنة الدجال، وفتنة الدجال تحدثنا عنها بإسهاب في الأسبوع الماضي في الخميس، والذين تابعوها وحضروا الجلسة حصل لهم فهم كامل فيها، والذين ما حضروها فأوصيهم أن يشتروا هذا الشريط، ليكونوا على علم؛ لأن فتنة الدجال فتنة من أشد الفتن التي ستمر بالبشر، ولم يعرفوا فتنة أعظم منها منذ خلق الله آدم إلى يوم القيامة، ليس هناك أعظم من تلك الفتنة، فإنه يأتي بأشياء لا يأتي بها أحد من الناس، فيحيي الأموات، ويأمر الأرض فتنبت، ويأمر السماء فتمطر، ويدخل الخربات فتخرج الكنوز معه، عنده جنة وعنده نار، يقتل الشخص ويرمي بكل شق في أرض ثم يجمعها ويحيه، ويدعي أنه الله، فينطلي هذا الكلام على كثير من البشر فيتبعونه بالملايين، والذي لا يتبعه يشق رأسه -ومن الذي يصبر على شق الرأس؟! - الذي لا يتبعه يضع المنشار على رأسه وينشره إلى أن يصبح شقين. والآن تجد الناس يخرجون من الدين بغير دجال، يخرجون من الدين بأغنية، أو بشبهة، أو بلعبة، أو بفلوس، بل بعضهم بدون أي شيء، فكيف إذا رأوا الدجال؟! ولكن الله عز وجل قد بين لنا أمر الدجال، وبينه صلى الله عليه وسلم في السنة بحيث أنه من يسمع ذلك الشريط كأنما يرى الدجال واقفاً أمامه، أعور والله ليس بأعور، والعور في عينه اليمنى، كأنها عنبة طافية مفقوعة، ثم أفجح، وهو رجل كبير ضخم طويل، يأكل ويشرب وينام ويبول ويتغوط، يجري عليه ما يجري على البشر، والله عز وجل ليست هذه من صفاته كلها، ولذا أهل الإيمان إذا رأوه علموا أنه الدجال؛ حتى ذلك الرجل الشاب المؤمن الذي يأتي إليه فيقسمه ثم يرجم به في الشرق والغرب ثم يرده مرة أخرى، فيقول: والله ما ازددت إلا إيماناً بأنك الدجال، فلا يسلط عليه ولا على أحدٍ من بعده من المسلمين، وعندما تشتد فتنة الدجال على الأمة ويضيق الأمر بأهل الإيمان في ذلك الزمن ينزل الله عز وجل عبده عيسى عليه السلام عند المنارة البيضاء شرقي دمشق في الشام. روى الطبراني في معجمه عن أوس بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ينزل عيسى عند المنارة البيضاء شرقي دمشق) وهذا الحديث صحيح ذكره الألباني في صحيح الجامع الصغير.

أول عمل يعمله عيسى في الأرض: هو قتله الدجال

أول عمل يعمله عيسى في الأرض: هو قتله الدجال وقد وصف لنا النبي صلى الله عليه وسلم صفة أو حالة نزوله فقال فيما يرويه أبو داود بسند صحيح: (ليس بيني وبين عيسى نبي، وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه رجلٌ مربوع -مربوع القامة- إلى الحمرة والبياض؛ كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل) أي: من الادهان كأن رأسه يقطر ولو لم يصبه بلل، وأول عمل يقوم به عيسى بعد نزوله هو مواجهة الدجال، يبحث عنه حتى يأتيه، فبعد نزوله يتجه إلى بيت المقدس، حيث يكون الدجال محاصراً لعصابة من عباد الله المؤمنين وبينما هو كذلك إذ يأتي عيسى من شرقي دمشق فيأمرهم عيسى -وهم بالداخل- بفتح الباب، فإذا انصرف قال عيسى: افتحوا الباب، فيفتحون ووراءه الدجال ومعه سبعون ألف يهودي من أتباعه، كلهم ذو سيف محلل وسياج، كلهم مقاتلون، فإذا نظر الدجال إلى عيسى عليه السلام ذاب كما يذوب الملح في الماء، فيهرب فيدركه عند باب لد، واللد مدينة من مدن فلسطين وهي موجودة الآن مع اليهود في فلسطين، يدركه عند باب اللد الشرقي فيقتله، يقضي عليه عند باب اللد، ويهزم الله عز وجل اليهود. هذا الحديث ذكره الإمام السيوطي وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير. وفي صحيح مسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رآه عدو الله -يعني الدجال- ذاب كما يذوب الملح في الماء، فلو تركه لذاب حتى يهلك، ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته) هو يذوب وعندما يراه يذوب لكنه لا يذوب حتى ينتهي إنما يتضاءل ويدركه ويقتله، والسر في قتله ولم يتركه حتى ينتهي ليزيل شبهة تبقى في قلوب الناس أنه ربما يرجع. وإن الله عز وجل أعطى لعيسى عليه السلام رائحة خاصة لنفسه إذا وجدها الكافر مات منها على بعد، والحديث في صحيح مسلم، عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: (فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق واضعاً كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمام كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريحه أو ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه) أينما يبلغ مدى عينه، نفسه يذهب على مدى عينه، فيطلبه -يعني يطلب الدجال- فيدركه في باب لد فيقتله، ثم يأتي عيسى بن مريم قوماً قد عصمهم الله من الدجال فيمسح وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم من الجنة.

الأعمال التي يقوم بها عيسى بعد قتله الدجال

الأعمال التي يقوم بها عيسى بعد قتله الدجال ما هي الأعباء التي سيقوم بها عيسى بعد قتله للدجال؟ يقضي عيسى على الدجال أولاً، ويخرج يأجوج ومأجوج في زمانه كما سيأتي، ويفسدون في الأرض فساداً عظيماً لا يعلمه إلا الله لكثرتهم، ويدعو عيسى عليه السلام ربه عز وجل، فيصبحون موتى لا يبقى منهم أحد، وعند ذلك يتفرغ عيسى بعد هلاك الدجال وهلاك يأجوج ومأجوج للمهمة التي أنزله الله من أجلها، ألا وهي تحكيم شريعة الله عز وجل، والقضاء على المبادئ والدعوات والأديان المنحرفة، فلا يبقى في الأرض دين ولا مبدأ، ولا دعوة إلا دعوة: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ففي صحيح البخاري وصحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً، فيكسر الصليب -الصليب شعار النصارى- ويقتل الخنزير، ويضع الحرث، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها) يعني من تسابق الناس ورغبتهم في فعل الخير، يعملون الأعمال الصالحة، ويتفاضلون ويتنافسون في عملها، حتى تكون السجدة الواحدة عند أحدهم أفضل من الدنيا وما عليها، سباق في العمل الصالح، لماذا؟ لأن الأرض كلها عمرت بدين الله عز وجل. وفي رواية لـ مسلم قال: (والذي نفسي بيده لينزلن ابن مريم حكماً عدلاً وليكسرن الصليب، وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية -لا يوجد إلا الإسلام أو السيف، إما دخول في دين الله أو القتل- ولتذهبن الشحناء من الناس، ولينقضين التباغض والتحاسد، وليدعون إلى المال فلا يقبله أحد) تقول: خذ فلوساً، يقول: لا أريد، لأنه مشغول بما هو أهم من ذلك، الخير موجود وهو مشغول بطاعة الله تبارك وتعالى. وفي صحيح مسلم أيضاً، عن النواس بن سمعان حين ذكر حديثاً طويلاً فيه الدجال ونزول عيسى بن مريم، وخروج يأجوج ومأجوج، وفي آخر الحديث ذكر صلى الله عليه وسلم دعاء عيسى ربه فقال: (فيستجيب الله ويهلك يأجوج ومأجوج، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم -زهم يأجوج ومأجوج؛ لأنه يأتيهم مرض في حلوقهم، مثل النغفة، تطلع له مصيبة في رقبته حتى تضيق عليه مجرى النفس فلا يستطيع أن يتنفس فيموتون كلهم، ثم ينزل عيسى وقد ملأ الأرض زهمهم يعني رائحتهم ونتنهم- فيرغب إلى الله عز وجل، فيرسل الله طيراً كأعناق البخت فتحملهم وتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطراً فيغسل الله الأرض حتى يتركها كالزلقة، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتكِ، وردي بركتك، فيأكل العصابة من الرمانة) العصابة: يعني مجموعة من الرجال، يأكلون رمانة ويشبعون منها ويستظلون بقحفها، يعني: المكان الذي كان فيه الرمان وهم عصابة من الرجال يأكلون من الرمانة، ثم ينصبونها خيمة ينامون تحتها من كبر الثمرة، هذه الثمرة مثل الخيمة فكيف الشجرة؟ لماذا؟ لأن الله عز وجل قد غسل الأرض من أدران العباد، إن الفساد الذي ترونه الآن في الثمار كله بأسباب ذنوب الناس ومعاصيهم، والله ما تغير شيء في الأرض من مطر، ولا من ثمر، ولا من مرض، ولا من وباء إلا بأسباب ذنوب العباد، يقول الله عز وجل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم:41] فإذا غسل الله الذنوب ولم يبق في الأرض شيء قال الله للأرض: أخرجي البركة التي كانت فيكِ، والتي كان يجب أن تكون موجودة فيك بكل زمان لو أن الناس استقاموا على دين الله: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً} [الجن:16] لكن كيف ينتظر الناس أن يسقيهم الله الماء والمطر وهم على المعاصي والذنوب، كيف؟ لا يمكن أبداًً، ولو سقاهم الله لسقاهم بدون بركة، ولو دعوا الله فلن يستجيب لهم؛ لأنهم لم يتوبوا من المعاص والذنوب، ادع الله وأنت نظيف طاهر من الذنوب والمعاصي ليستجيب الله لك، أما أن تدعو الله وأنت غافل، فلا يستجيب الله للغافل ولا للعاصي غير المضطر: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62]. (فتأكل العصابة من الرمانة ثم يستظلون بقحفها، ويبارك الله في الرسل -الرسل: اللبن- حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس) يعني الواحدة تكفي القبائل، الفئام: يعني: القبائل من الناس، قبيلة عسير وقحطان وشهران تكفيهم لقحة واحدة، من البركات التي أنزلها الله عز وجل: (وإن اللقحة من البقر لتكفي القبيلة الواحدة، وإن اللقحة الواحدة من الشاة لتكفي الفخذ من الناس) يعني المجموعة الذين هم (مائة مائتين ثلاثمائة أربعمائة نفر) تكفيهم واحدة من الغنم، وهذا كله بسبب البركة التي تنزل على الناس حين يحكمون بشريعة الله، ويلتزمون بمنهج الله، ولا يبقى في الأرض كفر، ولا معصية، ولا دين إلا دين الإسلام حتى لا يوجد شخص يعصي الله عز وجل، فهناك تنزل عليهم البركة. ومما يؤخذ من النصوص في موضوع عيسى عليه السلام أنه نازل لا محالة في آخر الزمان، والتكذيب بنزوله تكذيبٌ بالقرآن وبما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أشار الله إلى ذلك في قوله عز وجل: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً} [النساء:159]. ثانياً: أن عيسى عليه السلام يحكم بشريعة الإسلام. ثالثاً: أنه يقضي على جميع الأديان ولا يقبل من أحدٍ إلا الإسلام، ولهذا فإنه يكسر الصليب وهو رمز النصارى، ويقتل الخنزير الذي حرمه الله عز وجل، ويضع الجزية فلا يقبل من اليهود والنصارى إلا الإسلام، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (يقاتل الناس على الإسلام ويدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويهلك الله بزمانه الملل كلها إلا ملة الإسلام). الرابع: أن الرخاء يعم، وأن سيادة السلام والأمن في ذلك الزمان تنتشر ولا يبقى في الناس حرب ولا قتل ولا شحناء، وإنما أمن وأمان وإسلام ورخاء لم تعرفه البشرية عبر حياتها الطويلة. أما مكثه في الأرض ومدة بقائه: فإنه يمكث في الأرض أربعين سنة، وهذا ورد في حديث صحيح في سنن أبي داود قال: (فيمكث في الأرض أربعين سنة ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون) وهو في أثناء إقامته أربعين عاماً يحكم بالإسلام، ويصلي إلى قبلة المسلمين، كما ثبت أنه يحج البيت العتيق عليه صلاة الله وسلامه، ففي صحيح مسلم، وفي مسند أحمد قال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم بـ فج الروحاء حاجاً ومعتمراً) والروحاء مكان على طريق مكة والمدينة يبعد عن المدينة حوالي أربعين ميلاً، والرسول يقسم أنه سوف يهل، أي سيأتي من بيت المقدس على طريق المدينة، ويهل من طريق الروحاء بين مكة والمدينة على بعد أربعين ميلاً حاجاً ومعتمراً، اللهم صلِّ وسلم على رسول الله.

من علامات الساعة الكبرى: خروج يأجوج ومأجوج

من علامات الساعة الكبرى: خروج يأجوج ومأجوج من علامات الساعة: خروج يأجوج ومأجوج، وهما أمتان عظيمتان من ذرية آدم، ثبت في الصحيحين أن الله عز وجل يقول لآدم: (يا آدم! أخرج بعث النار، قال: ربي وما بعث النار، قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة -لا إله إلا الله- فحينئذٍ يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها، فقال صلى الله عليه وسلم لما رأى الصحابة تأثروا: إن فيكم أمتين ما كانتا بشيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج) وطبعاً من كل ألف واحد إلى الجنة صعب جداً، متى تكون أنت؟ في المائة الأولى أم المائة الثانية أم المائة الثالثة؟ تسعمائة وتسعة وتسعون للنار، وأنت واحد من الألف -نسأل الله لنا وإياكم أن نكون من الناجين- لكن التسعمائة والتسعة والتسعين التغطية والنقص يأتي من يأجوج ومأجوج، ليفرح أهل الإيمان، وليطمئنوا إلى أنهم إن شاء الله من الناجين والله عز وجل لا يخلف الميعاد: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس:44]. المهم أنك تأتي بالذي عندك من عبادة وعقيدة وسلوك ومعاملة وإخلاص وأخلاق إذا أتيت بها فلا تخف لأن الله لا يظلمك: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النساء:40] ويقول: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل:89 - 90]: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام:160] إذا أتيت بحسنة واحدة آتاك الله عشر حسنات. وقد أخبر الله تبارك وتعالى أن السد الذي أقامه ذو القرنين مانع لهم من الخروج، هم الآن موجودون في علم الله ولا نعلم مكانهم حتى لا يأتينا أحد ويقول: أنا رأيت الكرة الأرضية وطلعت إلى القمر ورأيناهم، نقول: إنهم موجودون أو إنهم سيأتون، يعني إذا أذن الله عز وجل بخروجهم خرجوا، وبعض العلماء يقول: إن العدد الذي يتكاثر منه الآن شعب الصين عدد غير معقول أبداً فقد بلغوا الآن ألف مليون، يعني ربع سكان الأرض من الصين، وهم يتكاثرون مثل الجراد، وبعض الصينيات تلد ستة في المرة الواحدة، بطنها صغير لكنها تلد ستة أو سبعة أو ثلاثة أو أربعة، بينما المرأة هنا لا تلد إلا واحداً. ومدينة بكين عاصمة الصين عدد سكانها عشرة مليون نسمة، يعني بقدر سكان المملكة العربية السعودية، هذا في مدينة واحدة ومدنهم كثيرة جداً. فلا نستطيع أن نجزم أنهم هؤلاء؛ لكن قد يكونون من ذريتهم، يعني هؤلاء الألف مليون الآن أليسوا يتزوجون؟ يتزوجون ويتناكحون ويتناسلون، بمعنى أنهم يتكاثرون فلا تمر فترة من الزمن إلا وقد صاروا مثل عددهم الآن عشرات المرات. يقول الله عز وجل: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً} [الكهف:97]. وهنا تعبير جميل وإشارة لطيفة في قول الله عز وجل: (اسطاعوا)، (واستطاعوا) {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} [الكهف:97] لا يقدرون على الظهور، ثم قال: {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً} [الكهف:97] ما قال (اسطاعوا) لأنهم ما داموا عاجزين عن الظهور فهم أعجز من أن ينقبوه؛ فزاد في بناء الكلمة، هناك (اسطاعوا) رباعي، وهنا (استطاعوا) سداسي، والزيادة في المبنى تدل على العمق والأصالة والقوة في المعنى، فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقباً، لكن إذا جاء وعد الله وأمر الله قال الله: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ} [الكهف:98] ولا يمنعهم سد في ذلك الوقت، ويخرجون مثل الجراد: {وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً} [الكهف:98] ثم يخرجون كموج البحر مثل البحر إذا فاض على الناس، يقول الله عز وجل: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [الكهف:99] وذلك قرب قيام الساعة: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً} [الكهف:99]. وقد أخبر الله عز وجل في موضع آخر عن نقبهم السد وخروجهم منه، قال عز وجل: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ * إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء:96 - 98]-نعوذ بالله جمعياً من ذلك- {لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ * لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ} [الأنبياء:99 - 100]. وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه فتح من ردم يأجوج ومأجوج في عصره فتحة بسيطة، وهذا إنذار أنه إذا فتح من شيء شيء فبداية الفتح الكبير، والحديث في صحيح البخاري تقول زينب بنت جحش رضي الله عنها: (دخل صلى الله عليه وسلم يوماً عليَّ فزعاً مرعباً وهو يصيح، لا إله إلا الله، ويل للعرب من شرٍ قد اقترب، فتح من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها، قالت زينب: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟! -أليس الصلاح أمان من العذاب- قال: نعم إذا كثر الخبث) إن الغالبية تأخذ حكم الندرة، أنت الآن عندما ترى ثوراً أسود وفيه شعرات بيض، فماذا تقول: أبيض أو أسود؟! تقول: ثور أسود ولو وجد فيه مائة شعرة بيضاء، وإذا رأيت ثوراً أبيض وفيه مائتا شعرة سوداء ماذا تقول: أسود أو تقول أبيض؟ تقول أبيض، فالغالبية تأخذ الحكم، إذا كثر الخبث، وكثر الفساد نزل التدمير والعذاب، وإذا كثر الصلاح وعم الخير ولو وجدت جزئيات فساد فإن الله عز وجل يرحم العباد.

من علامات الساعة الكبرى: طلوع الشمس من مغربها

من علامات الساعة الكبرى: طلوع الشمس من مغربها من علامات الساعة: طلوع الشمس من مغربها، وهذه علامة كبيرة وآيةٌ دالة على وقوع الساعة والحديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا جميعاً فذاك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً) وتلك الليلة يقول المفسرون عنها: أنها تكون طويلة، أي: تغرب الشمس من هنا وينتظر شروقها بعد عشر ساعات أو إحدى عشر ساعة حسب طول الليل والنهار، لكن في تلك الليلة التي تشرق من مغربها ترجع إلى هنا عشر ساعات، ثم تستأذن الله في أن تشرق من مشرقها كالعادة، فالله عز وجل لا يأذن لها؛ لأن ما من يوم تشرق فيه الشمس إلا بإذن الله، فيطول ليل الناس، لأن الشمس ما طلعت عليهم؛ لأنها رجعت، وبينما هم ينتظرون في الليلة الثانية إذا بها تشرق من المغرب، فعند ذلك كل واحد يقول: لا إله إلا الله، لكن لا ينفع، قال عز وجل: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ} [الأنعام:158] الذي آمن من قبل تلك الليلة بلحظة واحدة تنفعه، لكن عندما يراها وقال: لا إله إلا الله! لا ينفع، لا بد من التوبة قبلها، ما لم تطلع الشمس من مغربها أو يغرغر الإنسان، تقبل توبة الناس كلهم ما لم تطلع الشمس من مغربها، لكن إذا طلعت من الذي سيبقى على كفره، حتى جورباتشوف سيقول: لا إله إلا الله؛ لأنه رآها طالعة من المغرب فهنا {لا يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} [الأنعام:158].

من علامات الساعة الكبرى: خروج الدابة

من علامات الساعة الكبرى: خروج الدابة من علامات الساعة: خروج الدابة، والدابة آية من آيات الله تخرج في آخر الزمان؛ حين يكثر الشر ويعم الفساد، ويكون الخير قليلاً في ذلك الزمان، وهذه الدابة ذكرها الله عز وجل في القرآن، قال تبارك وتعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآياتِنَا لا يُوقِنُونَ} [النمل:82] وهذه الدابة هي مغايرة لما تعارف عليه الناس وعرفوه من دواب الأرض؛ لأنها تخاطب الناس وتكلمهم، ومعها ختم ولها شم، تختم في جبين المؤمن يا مؤمن، وتختم في جبين الكافر يا كافر، حتى يتبايع الرجلان في السوق بكم يا كافر؟ قال ذاك: بخمسين يا مؤمن، ما عاد محمد ولا علي ولا زيد؛ إلا كافر ومؤمن فقط، ثم إنها مكتوبة في جبينه لا يستطيع أحد أن يمسحها، أو يجري عملية ليزيلها، مختومة في جبينه إلى أن يدخل النار، وذاك مؤمن إلى أن يدخل الجنة بإذن الله عز وجل. وقد ذكرت جملة أحاديث؛ منها ما رواه الإمام البخاري والإمام أحمد وذكرها البغوي في حديث علي بن الجعد، وأخرجه أبو نعيم بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنه يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تخرج الدابة فتسم الناس على خراطيمهم ثم يعمرون -يعني يعش الناس وعليهم هذه العلامة- حتى يشتري الرجل البعير فيقول: ممن اشتريته، فيقول: اشتريته من أحد المخطمين) أي الذي فيه العلامة كافر أو مؤمن -نسأل الله تبارك وتعالى أن يحمينا وإياكم- وهي تخرج من صدعٍ تحت الصفا من جبل في مكة -وهو غار تخرج منه- فتحشر الناس وتسوقهم وتتركهم لا يفوتها هارب، ولا يدركها طالب، وتأتي به وتضع في جبينه ذلك الأمر، ونعوذ بالله من أن يكتب في جبين أحدنا كافر.

خروج النار من قعر عدن

خروج النار من قعر عدن من علامات الساعة أيضاً: خروج النار التي تحشر الناس إلى أرض المحشر؛ لأن المحشر لا أحد يريد أن يأتي فيه، والناس يتفلتون منه، مثل -الآن- المرور إذا أمسكوا ناساً على الإشارات، أو الفحص الدوري أو الرخص، فلا يمسكون إلا الذي يرونه؛ لكن إذا رآهم شخص من بعيد لف، إذا كنت ذاهباً الخميس ورأيت أنهم يمسكون الناس عند السجن هناك إذا بك تأخذ الطريق على اليسار تريد الهروب. كذلك رب العالمين يحشر الناس كلهم يخرج ناراً تحشر الناس حشراً، تبيت معهم حيث باتوا، إذا ناموا نامت، وإذا قاموا قامت، وتقيم معهم حيث قاموا، وتحشرهم إلى أن تذهب بهم إلى أرض المحشر، هذه النار تخرج في آخر الزمان من قعر عدن، وقد حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كيفية حشر الناس بالنار، ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يحشر الناس على ثلاث طرائق راغبين وراهبين، وعلى بعير وعلى بعيرين، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الناس لا يستطيعون الخلاص منها، وأنها تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا) هذه سبع علامات من علامات الساعة العظام.

من علامات الساعة الكبرى: وقوع ثلاثة خسوف

من علامات الساعة الكبرى: وقوع ثلاثة خسوف وبقي ثلاث وهي الخسوف التي تحصل في الأرض، خسفٌ في المشرق، وخسفٌ في المغرب، وخسفٌ يقع في جزيرة العرب، فإذا وقعت هذه الأمور كلها فإن الساعة بعدها تقع بدون أي تأخير -نعوذ بالله أن تقوم الساعة علينا- لأنها لا تقوم إلا على شرار الخلق، ولا تقوم حتى لا يقال في الأرض الله الله، حين ينزع القرآن، ويسرى عليه بالليل، فلا يبقى من القرآن على المصاحف هذه حرف واحد، فيصبح الناس ولا في صدر أحدهم آية، ولا في كتب أحدهم سطر واحد، فيعيشون لا يعرفون حلالاً ولا حراماً، ثم يصير مثل الحكاية أن في مكان كذا رجل يقول: لا إله إلا الله، يعرف لا إله إلا الله، يقول: لا يعرف من الدين إلا هذه الكلمة، وهذا شيء غريب ونادر، هنالك تقوم الساعة على شرار الناس، نعوذ بالله وإياكم من معصية الله ومن غضب الله تبارك وتعالى.

الأسئلة

الأسئلة

مسألة: الكفارة إذا تعددت الأيمان

مسألة: الكفارة إذا تعددت الأيمان Q عليَّ أيمانٌ كثيرة لا أعرف عددها هل أكفر بكفارة واحدة أم ماذا أعمل، أنا في حيرة من أمري؟ A إذا حلف الإنسان على شيء معين ثم رأى أنه حنث في يمينه فإنه عليه كفارة يمين، وهي على التخيير بثلاثة أشياء: عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، لا ينتقل إلى الصيام إلا بعد العجز عن هذه الثلاث، وإذا كانت يمينين، حلف مرة في مناسبة ثم حلف أخرى في مناسبة، ثم حلف في مناسبة على هذا الشيء المعين، كأن يكون حلف أنه لا يدخل على جاره، ثم ذكر في موضع آخر وقال: والله لا أدخل عليه مرة أخرى، ثم في مجلس آخر قال: والله لا أدخل عليه، حلف أكثر من مرة ثم أراد أن يكفر فإنه يكفيه لجميع هذه الأيمان كفارة واحدة. أما إذا حلف على أشياء متعددة حلف أن لا يدخل على جاره فعليه كفارة، ثم حلف أن لا يذهب إلى زميل له مثلاً وحنث في يمينه فعليه كفارة أخرى، وهذا الأخ عنده أيمان متعددة ولا يعرف كم عددها، يسأل نفسه هل هذه الأيمان على شيء واحد أو على أشياء متعددة؟ إن كان على شيء واحد وهي أيمانٌ متعددة فيكفي كفارة واحدة، وإن كانت هذه الأيمان على أشياء متعددة فيحصر هذه الأشياء ويعدها، ويكفر على كل نوع من هذه الأيمان كفارة لكل واحدة.

وسائل تعين على الابتعاد عن التدخين

وسائل تعين على الابتعاد عن التدخين Q أريد أن أبتعد عن التدخين، فما هي الطريقة الصحيحة إلى ذلك؟ A هناك طرق علمية ذكرها العلماء والأطباء، ولكنها أثبتت فشلها، إنما الطريقة الصحيحة استشعار عظمة الله، والخوف من عذاب الله، ويقينك أيها المدخن أنك مسئولٌ بين يدي الله عن كل ريال تنفقه في هذا الدخان، وأنك مؤاخذ بين يدي الله عن كل تصرف منك في السبيل؛ لأن الحديث: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: منها: عن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه) فهل يستطيع شارب الدخان أن يقف بوجه قوي أمام الله ويقول: كنت أشتري بهذا الريال دخاناً؟ لا يستطيع، لا يستطيع أن يشرب في المسجد، ولا بين يدي العلماء، ولا في المحاكم، ولا مع أهل الفضل، فكيف يستطيع أن يعترف به يوم القيامة؟ فاستشعر هذا. ثم اعرف ضرره المالي عليك، وضرره الجسمي، وضرره الخلقي، وضرره الديني، وضرره العقلي، واعرف أنه لا خير فيه من طريق من الطرق، ليس فيه خير أبداً ولا أي مصلحة، والعالم كله يعترف بأنه مضر، والمسلم أولى الناس بأن يتركه، فاستعن بالله واطلب من الله أن يعصم قلبك، وصمم بتصميم الرجال، وعزيمة الأبطال، واستشعر أن بينك وبين هذه السيجارة معركة وانظر هل أنت أقوى أم هي؟ فإن كنت أقوى من السيجارة انتصرت عليها وصممت على تركها، وإن كنت أضعف من السيجارة تقول: والله ما أقدر عليها، إذاً: الذي ينهزم أمام سيجارة من سجائره هذا مسكين مهزوم في كل شيء، ولن يستطيع أن ينجح لا في الدنيا ولا في الآخرة والعياذ بالله. ثم وسائل عملية منها: أولاً: أن تبتعد عن المدخنين، ومجالس المدخنين؛ لأنك كلما ذكرت وشممت رائحتهم تذكرت الدخان. ثانياً: أن تضع في جيبك علبة الدخان التي تفرغها من السجائر وتضع فيها من حلوى النعناع، بحيث إذا أردت أن تخرج جمرة تخرج بدلها حبة حلوى، ومصها، مرة ومرتين وثلاث حتى يعينك الله عز وجل، ثم لا بد من الإرادة، فأهم شيء الإرادة، الأطباء الآن والدكاترة كلهم يقررون ويعترفون أن الدخان سبب رئيسي في إصابة الإنسان بأمراض خطيرة، ومع هذا أكثر فئة تدخن هم الأطباء. وقلت مرة لطبيب دخلت عليه وهو يدخن وقلت: أليس الدخان مضراً؟ قال: بلى. قلت: هل تنصح الناس منه؟ قال: نعم والله، قلت: من تنصح؟ قال: أنصح أصحاب القرحة المعدية، وأصحاب التهاب القلوب، وأصحاب التهاب الرئة، قلت: لماذا؟ قال: هذا يفتك بهم، قلت: وأنت ما تتوقع؟ قال: والله أتوقع لكن أنا ضعيف إرادة، مسكين ضعف إرادة وهو يعرف أن هذا خطير وأنه مضر، وهو أعرف الناس بأمراضه وآثاره ومع هذا يدخن.

حكم زكاة الحلي ومقدارها

حكم زكاة الحلي ومقدارها Q كيف تخرج زكاة الذهب؟ A زكاة الذهب في أصح أقوال العلماء أن الذهب الذي يلبس والذي لا يلبس فيه زكاة إذا بلغ النصاب، يعني إذا زاد عن ثمانين جراماً، تؤخذ هذه الحلي كلها في وعاء ويذهب بها إلى الصائغ ويزنها، ثم تُسعر بسعر وقتها، ثم يضرب ناتج قيمتها في اثنين ونصف وتخرجه، إذا كان ثمن هذه الحلي عشرين ألف تخرج خمسمائة ريال، وإذا كان ثمن هذه الحلي عشرة آلاف تخرج مائتين وخمسين ريالاً، وهكذا؛ والباعة والصائغون يعرفون هذا، تقول له: كم زكاتها؟ يزنها ويحسبها ويضربها ويقول لك: عليها مائة ريال أو مائتا ريال أو ثلاث أو أربع، تخرجها أنت إن أردت تبرعاً عن امرأتك وهو جائز، وإلا فالواجب أن تخرجها صاحبة الذهب من ذهبها أو من مالها الذي عندها، وإذا لم يكن عندها شيء تبيع قطعة منها وتخرج الزكاة.

كيفية دعوة الأقارب وغيرهم

كيفية دعوة الأقارب وغيرهم Q أنا شابٌ اهتديت بفضل الله سبحانه وتعالى، وأردت أن أبلغ أهلي دعوة الله، وأنتزعهم مما هم فيه من الضلالٍ عملاً بقوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] وبقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6] ولكنني وللأسف الشديد فشلت، وقد وقف في وجهي والدي بحجة واهية، وهي أنني متشدد أو متزمت، والعكس صحيح فأنا لست متزمتاً، ولقد سلكت معهم جميع الطرق في الحكمة، ولكن للأسف ما أفادت، فوالدي لا يريد أن يسمع الأشرطة الدينية، أيضاً لا يأمر إخوتي بالمعروف، ولا ينهاهم عن المنكر في الدين، أفيدوني ماذا أعمل؟ A الدعوة دائماً -وهذه خذوها قاعدة أيها الشباب- حينما تأتي من الأسفل إلى الأعلى يكون قبولها صعب؛ لأن الأب ينظر إلى مصدر الدعوة من مَن؟ فإذا بها من ولده الذي كان يعهده أنه جاهل، وربما كان لهذا الولد ماضٍ سيئ منحرف، فهو يقيسه بأثر رجعي، ويزنه بمنظور قديم، ثم يزيد الطين بلة أن الولد أحياناً يكون شديداً يعنف أبيه، ويقسو على إخوانه، ويقسو على أمه، فتحصل بينهم الفجوة، ويتكهرب الجو بينه وبين أهله، ويؤدي هذا إلى رفضهم الحق رغم أنهم يدركون أنه على الحق، لكن لأن الحق مصدره ولدهم فلا يريدونه؛ عناداً له، يقول أبوه أقوم أصلي، قال: والله إنه قام من أجلي، والله ما أقوم حتى يذهب، يعاند ولده بمعصية الله، وبعض البيوت الراديو مغلق ليس فيه أغانٍ، لكن من يوم يسمعون ولدهم دخل قال: شغلي الراديو، أتى المطوع، (خليه يقول كلمة واحدة) فإذا رفعوه ودخل الولد قال: غلقوه، قال: وما دخلك يا ملقوف وقام ولطمه، رغم أن الراديو مقفول قبل أن يأتي الولد، لكن لماذا؟ عناد، وهذا ابتلاء من الله للمؤمن، واختبار لك أنت أيها المؤمن، وفي نفس الوقت ربما يكون عقوبة له، كأن يكون أسلوبك شديداً؛ لأنهم يقولون: إنك متزمت ومتشدد، لأن التزمت في نظر الناس الآن هو التمسك بالدين، في بعض البيئات إذا التزم الشخص وأطلق لحيته، ورفع ثوبه، وصلى في المسجد وحجب زوجته قالوا: متطرف، متطرف عندهم، يعني: تمسك بالدين، وإذا ترك الصلاة وزنا وسكر قالوا: مستقيم، لماذا؟ لأنه على الأغاني وعلى الطرب وعلى اللعب، وهذه أعراف جاهلية، فالمستقيم حقيقةً يسمونه متطرفاً، والمتطرف حقيقةً هم الذين تطرفوا لكن بجانب الشيطان والعياذ بالله. وصار أهلك يقولون: إنك متزمت لا نقول: إنهم صادقون، لكن ربما معهم مبرر بسيط من قسوتك، فأنت عليك أولاً أن تصبر، وأن تدعو الله لهم في الليل، وتدعوهم إلى الله في النهار، ثم عن طريق الحكمة والموعظة الحسنة، والابتسامة، وعدم البغض. انظروا يا إخواني! أيها الشباب! أيها الدعاة! الداعية لا يبغض في الله، قضية الحب في الله والبغض في الله هذه أمر عام، لكن الداعية يؤجل قضية البغض؛ لأنك إذا أبغضته في الله كيف يستجيب لك، هل يستجيب لك وأنت تبغضه؟ بعض الناس يقول: سوف أبغضه في الله إلى أن يهتدي، فإذا اهتدى راضيته! لا يهتدي أصلاً وأنت تبغضه وإذا اهتدى فقد تكون هدايته عن طريق غيرك الذي ما أبغضه، وبالتالي يفوتك أجره، افتح قلبك له، أحبه ولو كان عاصياً لا مداهنة وإنما طلباً وأملاً في نجاته وهدايته، إذ لا يمكن أبداً أن يطيعك وأنت تبغضه، أول درجات الطاعة أنه يحبك وتحبه، ثم بعد ذلك يستجيب لك، أما إذا أبغضته فهذه سلبية تجعل الناس كلهم فسقة وعصاة ومجرمين وأنا أبغضهم في الله، لكن ستأتي عليك لحظة ما معك في الدنيا شخص واحد؛ لأنك تبغض الناس كلهم، لكن لو كنت تحب الناس، وتدعو الناس مثلما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الناس، يأتي حتى الكفار، يجلس عند أبي الوليد ويقول: اسمعني يا أبا الوليد وهو المغيرة بن شعبة يعطيه كلام الله ويناديه باسمه، ويقول: يا أبا جهل، يدعوهم ولا يهجرهم، فالداعية لا يبغض ابتداءً. وأذكر لكم قصة يعلمني بها أحد مدراء المدارس الثانوية في منطقة من المناطق يقول: كان عندنا مدرس، وهذا المدرس خريج جامعة الملك سعود، يدرس كيمياء وفيزياء شيطان رجيم -والعياذ بالله- تجمعت فيه جميع الشرور، ما من شر في الأرض إلا وفيه، يقول: وجاءنا في المدرسة وأفسد علينا في المدرسة ما لا يمكن أن يتصوره العقل، فماذا نصنع به؟ وكلما ذهبنا للإدارة ونقول لهم انقلوه قالوا: أين نذهب به ما معكم إلا هو، يقول: أفسد الطلاب، أفسد المدرسين، يقول المدير: اتخذت موقفاً منه فأبغضته وأبغضه كل الطيبين في المدرسة، يقول: ثم جاءنا مدرس صالح نسأل الله أن يبارك في جهوده، يقول: لما أتى عُين في المدرسة مدرس دين (خريج كلية الشريعة) وداعية، كان بإمكانه من يوم أن أتى ورأى الناس يتكلمون عن هذا كان قال: أبغضه في الله، فلما حذروه في المدرسة قالوا له: انظر هذا الرجل فاسد، خبيث، مجرم، انتبه منه، قال: من هو؟ قالوا: فلان، قال: خيراً، المدرسون كلهم في غرفة لوحدهم يجلسون وهذا جالس هناك في غرفة لوحده، يدخن السيجارة؛ لأن التدخين ممنوع في المدرسة وضعوا له غرفة لوحده، فهو يريد أن يستوعب خمس دقائق في تدخين مستمر فتراه ينتهي من الأولى ويشعل الثانية وهكذا، يقول: دخلت عليه وجلست معه، السلام عليكم، كيف الحال يا أخي؟ فتعجب منه بلحيته ومدرس دين، ويعرف أنه مدرس دين، ويأتي يحييني بهذا الأسلوب، وفي اليوم الثاني كذلك، وفي اليوم الثالث ذهب إليه وجلس معه في الغرفة، قال: يا أخي! قال: نعم. قال: أنا مدرس جديد وبحثت عن سكن ما لقيت، وعلمت أنك عزوبي فهل تقبلني يا أخي أسكن معك؟ قال: أنت تسكن معي وأنت مطوع؟ قال: نعم أسكن معك يا أخي؟ قال: ما أصلح لك، والله ما أصلح لك يا أخي، قال له: يا أخي دعني أسكن معك على الأقل مؤقتاً إلى أن أجد لي بيتاً أو تجربني يا أخي ربما أنفع وأصلح للسكن معك، جربني على الأقل يا أخي أنا جالس في الفندق ليس عندي بيت وما وجدت، هل تسمح لي بغرفة أسكن معك فيها؟ قال: بشروط، قال: أنا لا أصلي، قال: وما لي ولك إن كنت لا تصلي، وهل تصلي لي؟! الصلاة لربك، إن صليت فالله يجزيك خيراً وإن رفضت فما أنا وكيل عليك يا أخي! قال: أنا أدخن، قال: دخن إلى أن تدوخ، قال: عندي أغانٍ، وأفلام، ويأتينا أناس، قال: إن شاء الله لا ترى مني إلا كل خير فذهب ووضع له غرفة وسكن معه، ولم يقل له كلمة في الدين إنما خدمة، يذهب قبل نهاية الدوام، يذهب هو قبله ويغسل الصحون وينظف ويطبخ الغداء ويعمل السلطة، ومن يوم يأتي يحضر له ويأتي يتغدى، إذا غلق يريد ذاك مسكين يريد يكافئه يقوم قال: والله لا تغسل صحناً، يا أخي أنا، قال: أنا عزوبي منذ أن خلقني الله، ولهذا لا يمكن أن تغسل الصحون أو تطبخ ما دمت معك، فأنا طباخك وأنا الغسال حقك، قال: جزاك الله خيراً، وقام وأخذ الصحون ونظفها. ويأتي في يوم الجمعة أو الخميس الذي فيه الغسيل يدخل بهدوء ويفتح غرفته عليه، ويأخذ شراريبه، ويأخذ ثيابه وبجامته، ويذهب يغسلها، ولا يقوم ذاك من النوم إلا والفطور مجهز، والجبنة والقرصان قد أحضرها من السوق، واستمر على هذا فترة من الزمن وهو يخدمه ولا يكلمه ولا كلمة في الدين، ولا يقول له شيء، فإذا رآه يدخن أو يغني أغلق غرفته ويذهب لوحده، فعندما رأى ذاك الرجل الخدمة المتناهية والبذل والعطاء أحبه حباً لا يمكن أن يحب أحداً مثله؛ لأن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها، وبغض من أساء إليها. أما أن تأتي إلى شخص وتبغضه وتقول أنا أبغضه في الله وأريده أن يهتدي؟ لا يمكن أبداً، هذا يبذل ويبذل ويهديه، وكلما نزل إلى جدة؛ لأن هذا الداعية أهله في جدة، كلما نزل إلى جدة لا يأتي من هناك إلا بهدية، ما هي الهدايا التي يأتي بها؟ لم يأتِ له بشريط إسلامي، ولا بكتاب إسلامي؛ لأنه يعرف أنه مريض لا يقبله، أتى له مرة ببجامة، ويأتي له بمناشف، وشراريب، وجزمة من جنس ما يريد، وهذا كلما تأتيه هدية ما هذا الإنسان؟ هذا إنسان غريب! أخيراً في يوم من الأيام وهم يتغدون قبل صلاة العصر قال: يا أخي أراك دائماً مسروراً ومبسوطاً وفرحاً، فما هو السر الذي يجعلك مسروراً، ويجعلك مبسوطاً، قال: الصلاة، أنا والله يا أخي تنتابني الهموم والمشاكل والغربة والتعب فإذا دخلت المسجد وصليت، والله إن الله عز وجل يذهب ما في قلبي ويشرح صدري؛ حتى كأني أشعر أنني أسعد إنسان في الدنيا، قال: ما رأيك؟ أصلي معك اليوم، قال: نجرب، لو أنه قال له: قم صل معي لقال: لا. لكن جاءت منه عرضاً، قال: لكن ما يصلح لك وضوء اغتسل، فذهب واغتسل ولبس ثوبه وخرج يصلي، وهو ذاهب إلى المسجد وقف في الصلاة وقال: اللهم إني يا ربي وقفت بين يديك فلا تردني خائباً، وقف بين يدي الله عز وجل وصلى صلاة العصر ولما رجع قال: والله صدقت، والله إني أشعر الآن بحالة ما كنت أشعر بها في الماضي، قال: إذاً: اسمع هذا الشريط، وسمعه، وأكمل الشريط وأخذ شريطاً آخر وكتاباً آخر وهكذا. فيقلب الله حياته رأساً على عقب، وأصبح من الشباب المؤمن الملتزم، وحصل على بعثة وذهب إلى أمريكا لدراسة الماجستير والدكتوراه، وهو الآن لا يزال هناك، حصل على الدكتوراه، ورفض أن يرجع إلى هنا، لا زال هناك يقولون: يبذل حياته للدعوة إلى الله، ينتقل وما معه شغلة ولا وظيفة ولا عمل إلا الدعوة إلى الله، يتنقل من ولاية إلى ولاية، ومن عمارة إلى عمارة، ومن اجتماع إلى اجتماع، ويخوض أمريكا كلها بالدعوة إلى الله، وكل هذا بأسباب صبر ذلك الرجل عليه، لكن لو أنه أتى من أول يوم وقال: هذا خبيث هذا قليل دين وما فيه خير، لا يا أخي! فأنا أقول لأخينا هذا الصالح المبارك الطيب الشاب: الله يوفقنا وإياك، اصبر على أبيك، واصبر على أهلك. فندعو الأخ الكريم إلى الصبر على أهله، وإلى التودد والتحبب إليهم، والخدمة لهم، وليعلم أن قضية الهداية وقلب القلوب هذه ليست بالأمر الهين، خصوصاً عند كبار السن الذين قضوا أعمارهم المديدة على نوعٍ ونمطٍ معين من الحياة، ثم يريد الشاب أن يغيرها بين يوم و

حكم ظهور المرأة أمام زوج أختها

حكم ظهور المرأة أمام زوج أختها Q أنا امرأة أسكن مع أختي وبناتها، وزوج أختي في الخمسين من عمره، وبناته متزوجات، فهل لي أن أظهر عليهم وأنا مغطية رأسي لأنني ساكنة معهم؟ A أما على أختك وبناتها فاظهري عليهن ولو كان رأسك غير مغطى، أما زوج أختك أو أزواج بنات أختك فإنهم أجانب وغير محارم، ولا ينبغي أن تكشفي لهم لا رأسك، ولا وجهك، ولا يديك، ولا شيئاً من أجزاء جسدك ولو كنت ساكنة معهم، فعليكِ إذا كنت ساكنة معهم أن تخصصي جزءاً من السكن لإقامتك فيه إذا دخلوا البيت، وأما إذا خرجوا وذهب الرجال إلى دوامهم فتحركي في البيت بحريتك التامة، لكن إذا علمتِ أنهم دخلوا فالزمي غرفتك وحددي حركتك بين الغرفة التي أنت فيها والأماكن التي تعلمين أنهم لا يصلون إليها؛ لأنه لا يجوز شرعاً أن تكشفي لهم بارك الله فيكِ.

حكم لبس الخلاخل للنساء

حكم لبس الخلاخل للنساء Q هل لبس الخلخال في قدم المرأة بدون صوت حرام؟ A لبس الخلخال في قدم المرأة حلال سواءً بصوت أو بغير صوت، حتى لو كان فيه صوت فإنه حلال، لكن المرأة مأمورة إذا سارت في الطريق أن لا تضرب بأرجلها ومعها خلخال يحدث صوتاً، أن تسحب أرجلها في الأرض سحباً دون أن تهزها حتى لا يسمع أو يعلم السامع زينتها، يقول الله: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور:31] أما كونه حلالاً فهو حلال إن شاء الله.

حكم لبس القفاز للمرأة في الصلاة

حكم لبس القفاز للمرأة في الصلاة Q هل لبس القفازات للمرأة أثناء الصلاة حرام؟ A لا، لبس القفاز للمرأة أثناء الصلاة أمر مباح، لكنه غير واجب أن تغطي هذه المناطق، أما في الإحرام فلا يجوز للمرأة أن تلبس القفازات في الإحرام، وعليها أن تبعدها وتكشف وجهها إذا لم يرها الأجانب، أما إذا كان هناك رجال -كما هو كائن الآن في مكة لا يمكن للمرأة أن تطوف في الحرم والحرم خالٍ من الرجال، فإن الرجال موجودون في كل الأوقات- فإنها تغطي لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كنا إذا قابلنا الركبان أسدلنا، وإذا جاوزونا كشفنا) لأن إحرام المرأة في وجهها وكفيها.

حكم المال المتبقي عند أمين الصندوق

حكم المال المتبقي عند أمين الصندوق Q أنا محاسب، ويتوفر عندي في بعض الشهور هللات وأنصاص وبعض الريالات وتصل إلى مائة وخمسين ريالاً، وبعض الشهور ينقص عليَّ من الرواتب مثلها أو أكثر منها، فأدفع من راتبي، فهل يجوز لي أن آخذ ما يتوفر لي مقابل النقص الذي يحصل عليَّ؟ A لا. لا يجوز لك، إذا كنت أميناً للصندوق فعليك أن تدفع لكل صاحب راتب راتبه حتى الهلل؛ لأن بعض الموظفين أو المحاسبين أو أمين الصندوق له -مثلاً- ألفان وخمسمائة وستون ونصف ريال، وهو لا يأخذ معه هللاً؛ لأنه يريدها تتوفر، وذاك يستحي أن يظل يقاحطه ويماحطه على نصف ريال، فيقول: هل عندك فلوس؟ قال: ما عندي امش، لكن لو أعطيته فوقها أعطه النصف قبل الراتب، الفلوس هذه قائمة على حقوق، ولن يقول لك خذ النصف، هل سيقول هذا؟ ما يقول لك شخص: امسك النصف، كان قال لك خذ حتى المائة أو المائتين، لا فهو يريد حقه كله، لكنه يستحي أن يقول: أعطني نصف ريال أو ربع ريال أو خمسين هللة، فعليك إذا كنت محاسباً أن تصرف ضمن مبالغك التي تصرفها تصرف الفلوس، ثم تجمعها وتعطيهم، فإذا أكملت حساباتك واجتهدت على أنك تعطي كل ذي حق حقه وبقي عندك شيء فلا يجوز لك أن تأخذها، وإنما تنفقها في مصالح المسلمين، على المجاهدين الأفغان، أو تضعها في جمعية خيرية، أو في جمعية القرآن الكريم على نية أصحابها، أما ما تتحمله من نقص في الرواتب في بعض الشهور فهو عقوبةً لك جزاء إهمالك في العد؛ لأنك عديت المائتين ثلاثاً ووضعتها ورقتين تحسبها ورقة واحدة، فزدته واحدة، فإذا نقصت من يتحملها؟ يتحملها المتسبب، والمتسبب هو أنت، وعليك أن تعد المرة الأولى بإتقان، ثم تعد المرة الثانية، ثم تسلمه إن شاء الله، ولا ينقص عليك شيء بعد العد المتقن، وكذلك هناك مقابل، فالدولة تصرف مبلغاً قدره (20%) تسمى بدل أمانة الصندوق أو المحاسبة، بينما بعضهم يأخذ (20%) ومن يوم أن توظف لم يخصم من راتبه ريالاً، وإذا خسر ريالاً فيريد أن يأخذ من المائة والخمسين مقابل الهلل.

حكم تعاطي الشيشة

حكم تعاطي الشيشة Q ما قولكم فيمن يتعاطى الشيشة ويقول: بأنه لا يستطيع أن يتركها حينما تقام الصلاة، ثم إنه يقول: إنها لا تؤثر على عقله؟ A حتى السكران لا تؤثر الخمرة على عقله، الآن ترون السكارى في الغرب مدمنين، يشرب الواحد قارورة ويركب الطيارة يسوق، ويركب السيارة ويذهب إلى العمل، لماذا؟ لأن أمزجتهم أصبحت أمزجة خمرية لا يؤثر فيها الخمر، الآن أحضر شخصاً ما شرب الدخان وأعطه سيجارة، منذ أن يأخذها يسعل ويدوخ، ويسقط ويتقيأ، ويأتيه مثل السكار، لكن شارب الدخان المدمن يشرب ولا يؤثر فيه. أحضر شخصاً لأول مرة يأخذ الشيشة تراه يتقيأ ويكح، خبيثة -والعياذ بالله- لكن إذا تعود عليها أصبح مزاجه شيشة والعياذ بالله. أما كونه لا يستطيع أن يصبر عنها حتى وقت الصلاة نقول له: قل لنا بربك إذا دخلت قبرك ماذا تقول؟ أعطوني شيشة لا أصبر عنها، وإذا أتاك منكر ونكير يقولان: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ ماذا تقول؟ تقول: أعطوني تعميرة أول شيء أركب الرأس ثم أجاوبكم، يحضرون لك تعميرة لكن من جهنم، ولا حول ولا قوة إلا بالله. هناك قصة سمعتها من شريط وقد سمعتها من عالم من علماء اليمن أخبرني بنفسه أن رجلاً من علماء اليمن صالحاً ولا نزكي على الله أحدا، كان مبتلىً بالشيشة، ورأى في منامه أنه مات وأن الله أدخله الجنة بفعل إيمانه وصلاحه وتقواه، وأعطاه الله في الجنة كل نعيم، ولكن رأى كل نعيم وما انبسط منه؛ لأنه لم يلق الشيشة، فطلب من الله أن يعطيه الشيشة وهو في الجنة، قال الملائكة: وما هي الشيشة، فعلمهم، قالوا: لا يوجد في الجنة نار حتى نضع لك ناراً، فكأنه ما انبسط، قالوا له: انظر هذه النافذة افتحها وخذ لك ناراً، فقام وفتح النافذة وأدخل يده ليأخذ نار من أجل أن يعمل الشيشة، يقول: فاحترقت يمينه من بنانه إلى منكبه، وقام في الصباح ويده فحمة سوداء، وعاش طول حياته بدون يمين، وجاءه هذا العذاب في الدنيا، هذا الكلام سمعته في شريط وحدثني به أحد العلماء قبل فترة طويلة، والعهدة على الراوي.

حكم الجلوس مع رفقاء السوء

حكم الجلوس مع رفقاء السوء Q أنا ساكن مع شباب لا يصلون، ويشربون الشيشة والدخان، ويسمعون الأغاني؛ فهل يجوز لي أن أبقى معهم وقد نصحتهم ولكنهم لم يستجيبوا لي؟ A لا يجوز لك أن تبقى معهم، مادام أنهم مدخنون، ومشيشون، ويسمعون الأغاني ولا يصلون، وأنت شاب، ولست داعية، ويخشى عليك من أن يجروك معهم، نقول: اتركهم واذهب إلى مكان آخر، أما لو كنت داعية مثل ذاك فإن بإمكانك معايشتهم ودعوتهم إلى الله، لكن ما دام أنك سليم بس؛ لأن الناس ثلاثة: أطباء وسالمون ومرضى، فالذي يدخل بين المرضى من هم؟ الأطباء، لا يدخل بين المرضى إلا الطبيب، أما السالم ماذا يعمل به؟ يعمل له حجر صحي، حجر إيماني، يقال: لا تذهب هناك، لو ذهبت ستنتقل إليك العدوى.

حكم بقاء المرأة تحت رجل لا يصلي

حكم بقاء المرأة تحت رجل لا يصلي Q لي أخت متزوجة من رجل لا يصلي ولا يصوم ويمنع ولده من الصلاة، فما حكم ذلك؟ A لا يجوز لك أن تبقيها تحت هذا الرجل الكافر، فالذي لا يصلي ولا يصوم كافر، وبالتالي بقاء أختك معه حرام، والله تبارك وتعالى يقول: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء:141] والإسلام يعلو ولا يعلى عليه، والله يقول: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة:10] هذا إذا كانت مسلمة وتصلي، أما إذا كانت مثله فوافق شن طبقة. الذي يترك الصلاة كافر، ولو ترك صلاة واحدة، الذي يصلي واحدة ويترك واحدة ما صلى، الصلاة تؤدى كاملة: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء:103].

حكم الشركة الإسلامية الاستثمارية

حكم الشركة الإسلامية الاستثمارية Q هناك شركة إسلامية اسمها الشركة الإسلامية الاستثمارية للاستثمار الخليجي؛ لا نعرف ما حكم هذه الشركة، وهل هي إسلامية أم لا، وهل يجوز لنا أن نستثمر أموالنا فيها؛ نرجو منك توضيحاً لهذه المسألة للناس ورد الشبهات التي ترد عليها إن كانت إسلامية أثابك الله؟ A حقيقةًً كنت متوقفاً في هذه المسألة، إلى أن اطلعت على جميع أعمال هذه الشركة عن طريق مديرها المهندس عبد الهادي الشهري مدير الإدارة الإقليمية في المنطقة الجنوبية وهو من إخواننا الدعاة الذي نحسبهم كذلك ولا نزكي على الله أحداً، ذهب معنا إلى منطقة تهامة وجلست معه وناقشته وكان معي أحد الإخوان والمشايخ واستفسرت منه من كل الشبهات التي ترد على هذا العمل، وكيف تستثمر الأموال، وبيَّن لي بياناً شافياً بما لا يدع مجالاً للشك في أن هذه الشركة الإسلامية هي البديل الإسلامي الناجح للبنوك الربوية، وأنه يلزم كل مسلم أن يتعاون معها، وأن يؤدي دوره في خدمتها لتكون نموذجاً إسلامياً لاستثمار أموال المسلمين. وقلت لهم في سؤال وهي شبهة يقولها الناس: إذا وضع شخص ماله عندكم، ثم أراد أن يسحب منه فأعطيتموه شيكاً على البنك، فكأن أموالكم في البنك، قال: صدقت، قلت: كيف؟ قال: لكن متى نعطيه الشيك؟! نعطيه بعد ثلاثة أيام قلت: لماذا؟ قال: لأن الأموال ليست في البنك، لو أن أموال الشركة في البنوك لكان بمجرد ما يسحب ماله نعطيه شيكاً مباشرةً بنفس اليوم، لماذا نؤخره ثلاثة أيام؛ لأن أموالنا ليست في البنوك، والبنوك هي قضية تحويل فقط، يأتينا مال وما عندنا مال نضعه في البنك ونحوله في نفس الليلة، ولا يبيت في البنك ليلة واحدة، نرسل برقية رأساً لـ جدة يأخذونه، ومن جدة يرسل إلى المقر الرئيسي للشركة الاستثمارية، يقول: فإذا أردنا أن نقبض المال -المال ليس موجوداً- نقوم نطلبه ونطلب من المشترك أن يصبر علينا اثنين وسبعين ساعة حتى ترسل منا برقية إلى البنك أن سلموا فلاناً الفلوس، ونعطيه ورقة على البنك، بحيث لا يبقى المال في البنك الربوي ولو يوماً واحداً، فنقول: إن شاء الله أن هذه من البدائل الإسلامية التي هي بدائل طيبة.

حكم التورية

حكم التورية Q ما حكم التورية؟ A التورية أن يقول الإنسان كلاماً يفهم منه غيره غير ما يعنيه هو، يقول العلماء فيها إنها من الكذب، ولكنها جائزة فقط عند الضرورة، أما بغير الضرورة فلا تجوز. ما هي التورية؟ التورية شخص من السلف أظنه الذهبي، كان عنده في بيته غرفة اسمها دمشق، وكان إذا دق عليه أحد وما أراد أن يخرج ذهب إلى الغرفة التي اسمها دمشق، وإذا سأل الناس زوجته أو بنته عنه، قالت: في دمشق، فيفهم الناس أنه في دمشق الشام، وهي تعني أنه في غرفته دمشق. وأحدهم كان يقول لزوجته ضعي دائرة في الجدار وهي عند الباب ترد عليه، فيقولون: فلان موجود فتضع إصبعها في الدائرة وتقول: ليس هنا، يعني قصدها ليس في الدائرة، وذاك يفهم ما هو هنا يعني ليس في البيت، هذه عند الضرورة تجوز، لكن بغير الضرورة لا تجوز؛ لأنها تعلم الكذب.

حكم سماع الأغاني مع عدم الرضا

حكم سماع الأغاني مع عدم الرضا Q لي إخوة وهم أولاد خالي، وأنا أذهب معهم إلى المدرسة في الصباح وفي المساء ويشغلون المسجل على الأغاني، ولا أدري ماذا أفعل هل أذهب معهم أم أسير على أقدامي، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ A أقول لك: الأفضل لك ألا تذهب معهم في السيارة وألا تسمع الأغاني؛ لأنه يُخشى عليك ما دمت شاباً والأغاني اليوم فتنتها في القلوب أعظم فتنة على الناس، من الشباب من ينسلخ من دين الله على أغنية، يتوب ويمشي في الهداية أسبوع أسبوعين، سنة سنتين، ثم يسمع أغنية ويترك الدين من بعدها، فلا حول ولا قوة إلا بالله، فنخشى عليك، ولهذا أتعب نفسك وامش على أقدامك، أو امش على سيارات غيرهم، أما هم فلا تركب معهم، وإذا كانت السيارة (هيلوكس) فاركب في الصندوق لكي لا تسمع أغاني.

حكم التهاون في المواعيد

حكم التهاون في المواعيد Q ربما أعد بعض الإخوة بموعد وأنسى فهل أنا من المنافقين؟ A لا؛ لأن الله عفا للأمة ما حدثت بها نفسها، أو أخطأت أو نسيت: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة:286] فإذا وعدت شخصاً ونسيت، فإن الله لا يؤاخذك، لكن بشرط أن لا تكذب من البداية.

مسألة: المسبوق يصير إماما إذا قام بعد سلام الإمام

مسألة: المسبوق يصير إماماً إذا قام بعد سلام الإمام Q إذا أدرك مع الإمام ركعتين في الصلاة الرباعية وقام ليكمل الباقي فأتى رجل آخر ثم دخل معه، فهل يصح أن يكون إماماً؟ A نعم يصح، إنسان دخل المسجد وأدرك ركعتين، ثم لما سلم الإمام قام يكمل، فأصبح بقيامه إماماً للمسجد منفرداً عن إمامه الأول يجوز له أن يكون إماماً لغيره، كما يجوز للمنفرد أن يكون إماماً لمن يدخل معه في الصلاة.

حكم ظهور المرأة على أخي الزوج

حكم ظهور المرأة على أخي الزوج Q أنا شاب ملتزم إن شاء الله، ولكني أسكن مع أخي في البيت والوالد متوفى، وامرأته لا تتحجب عني وأنا أغض بصري بقدر ما أستطيع فما الحل؟ A استمر في غض بصرك، وكلما دخلت فغض بصرك، حتى تخجل المرأة ولا تجلس معك، وأرجو أن تكون ملتزماً حقيقة لا كما سألني بعض الإخوة في مدرسة تحفيظ القرآن الكريم بالأمس حين كنت عندهم، فقال لي شاب من الشباب: أنا ملتزم ولكنه قال: إن الأغاني وحب الكرة يسري في دمي وعظمي وجسدي، وأسمع المسلسلات، وأشاهد الفيديو. قلنا: هذا ملتزم!! ملتزم بالشيطان، أين الالتزام؟ أظن الرجل يتصور أن الالتزام هيكل أو شكل، ربما أنه رفع ثوبه، أو ربما ترك لحيته، ليس هذا التزام يا إخواني! هذا بعض الالتزام، رفع الثوب وإطلاق اللحية من السنة لكن ليست هي كل الدين، هي شيء من الدين، ومن أخطر ما يمكن أن تقنع نفسك بأنك ملتزم حينما تظهر للناس أنك ملتزم والله يعلم من قلبك أنك خربان، ومطلع عليك أنك من الداخل تحب الأغاني وترى الزنا والنساء، وتكره الصلاة ولا تصلي، فيكون لك وضع عند الناس ولك وضع آخر عند الله، عند الناس دين ولحية وثوب قصير وملتزم، ولكن إذا خلوت بربك بارزت الله بالعظائم، وكما جاء في حديث ثوبان قال: (يأتي أقوامٌ يوم القيامة بحسنات كأمثال الجبال، فيقول الله لها: صيري تراباً فتصير تراباً، فيقولون: ربنا لِمَ؟ قال: كنتم إذا خلوتم بي بارزتموني بالعظائم) فالله يذهب بعملهم كله والعياذ بالله. فلا نريد أن يفهم الناس أن الالتزام شكل أو شيء معين، فالالتزام يعني الخضوع والانقياد والإذعان الكامل لكل شريعة الله، وليس معنى هذا أن يكون الإنسان معصوماً، لا. قد يقع في الخطأ، قد ينام عن صلاة، قد يخطئ، لكنه يتوب، ويستغفر ويصحح الوضع؛ لكن المصيبة فيمن يدعي أنه ملتزم ثم يصر على المعاصي، يعني عينه باستمرار في النساء وهو ملتزم، بعض الشباب تراه في السوق تراقبه وهو نازل أو طالع عندما يرى امرأة يقعد يتلفت، وأين الالتزام يا فلان، الله يقول: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30] وأنت لماذا تفتح؟ قد يقول بعضهم إنه يحب الاستطلاع، استطلاع ماذا؟ استطلاع الشر، بمجرد ما ترى خيال امرأة أو شبح امرأة أو سوادها غض بصرك يستريح قلبك أول شيء؛ لأنك إذا نظرت النظرة الأولى هذه مسموح بها، الثانية جمرة، الثالثة جمرتين، الرابعة تصبح مريضاً، لكن غض بصرك من أول الأمر؛ لأنه لا يوجد أعظم من غض البصر.

حكم الذهاب للجهاد بدون إذن الوالدين

حكم الذهاب للجهاد بدون إذن الوالدين Q أنا شابٌ ملتزم وأحب الجهاد حباً عظيماً، ولكنني حاولت الذهاب ووالديَّ غير موافقين، وكذلك عملي غير موافق، أرجو منك نصيحة يا شيخنا والسلام عليكم؟ A نصيحتي لك يا أخي المسلم أن تقنع والديك إذا استطعت بالموافقة، مسألة العمل وما يتعلق به هذا أنت حر فيه، لكن المهم موافقة الوالدين؛ لأن طاعتهما وبرهما مقدم على الجهاد، إن الله يقول: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [النساء:36] فلا يجوز لك أن تذهب وهما غير راضيين، وعليك أن تقنعهما وأن تأخذ موافقتهما فإن وافقا فالحمد لله، وإن رفضا برئت ذمتك وانتهى دورك، وبقي عليك أنك تجمع الفلوس وترسلها لإخوانك المجاهدين، فإن الله جعل الجهاد بالمال عوضاً عن الجهاد بالنفس، إذ يقول عليه الصلاة والسلام: (من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا).

حكم الذبح لغير الله لأجل العلاج

حكم الذبح لغير الله لأجل العلاج Q لي طفل أصابه المرض ولم أدع طريقاً بـ المملكة إلا اتبعتها؟ A إن شاء الله ما اتبعت طريقة الشرك بالله -والعياذ بالله- لأن بعض الناس يقول: لم أدع شيئاً، حتى الشرك ذهب له، لماذا تذهب إلى الشرك؟ (من ذهب إلى كاهن أو ساحر فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد) اذهب في علاج نفسك وأولادك إلى الطرق المشروعة، إما في المستشفيات أو إلى الرقية الشرعية، أما الكهنة والسحرة فحذار من الذهاب إليهم. السائل: وأخيراً ذهبت إلى من يقال عندهم: (طب شعبي). الشيخ: هذا هو الطب الشيطاني. السائل: وأوصاني بعمل أشياء علمت بعدها أنها لا ترضي الله، كأن أذبح دون ذكر اسم الله. الشيخ: يقولون له: اذبح ولكن لا تسم، يقول واحد: لماذا لا أسمي؟ قال: الاسم للإنس، إذا أردت أن تذبح لك أنت ولعيالك فاذبح وسم، أما الجن لا يريدون الاسم، فإذا ذبحت وسميت ما ذاقوها، أنت تذبح لكي يذوقونها تريد يأكلونها أو لا؟ قال: لا أدري قال: لا. إذا لم تذبح لهم ما عافوا ولدك، فذبح لهم بغير اسم الله وهذا هو الشرك: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام:163 - 163] لعن الله من ذبح لغير الله، من ذبح للجن فعليه لعنة الله والعياذ بالله. السائل: كأن أذبح لغير الله، وندمت أشد الندم ولا أعلم ما الكفارة. الشيخ: الحمد لله أنك أدركت أنك أخطأت، وعليك أن تتوب إلى الله عز وجل، والكفارة التوبة وتجديد التوحيد والاستقامة على دين الله، والثبات، ولو ابتليت بكل أمراض الأرض كلها لا تذهب إلا إلى الله، كن عبداً ربانياً في السراء والضراء، لا تكن عبد عافية إذا كنت في عافية وحدت، وإذا أتاك مرض ذهبت للمشركين، وبعض الناس يقول: المريض (خبل) لا والله ما هو (خبل) المريض المشرك (خبل)، أما الموحد والله لو قطع قطعة قطعة، ولو جلس مريضاً إلى أن يموت فلا يمكن أن يذهب إلى غير الله؛ لأنه يقارن بين عافية مؤقتة وبين شرك وخلود في النار، فيجد أن العذاب الذي يناله من المرض مع تكفير السيئات ورفع الدرجات أعظم والله وأخف من أن يناله عذاب ولو ليلة في النار؛ نعوذ بالله وإياكم من النار.

مجاملة الآخرين في سماع الأغاني في السفر

مجاملة الآخرين في سماع الأغاني في السفر Q أنا طالب في الجامعة ولا يوجد لدي سيارة، وأضطر في بعض الأوقات الذهاب إلى الديرة مع زميل لي في السلك العسكري، وفي الطريق يشغل المسجل على الأغاني، وعندما أحاول منعه، يقول لي: أنا أصلي وأسمع الأغاني ويقول: لا تكتمنا، حيث المسافة ثلاثمائة وثمانون كيلو متر، فما الحكم؟ A لا تكتمنا!! هذه المصيبة يا إخواني! إن القرآن أصبح عند كثير من الناس كتمة، والأغاني هي الكتمة حقيقةً، لما تسمع الأغاني وهي تغضب الله، وتصب بأذنيك يوم القيامة الرصاص المذاب، هذه هي اللعنة والكتمة، أما لما تسمع كلام الله الذي يبارك النفس والروح ويزكيها هذا هو النعيم، نقول لك: ثلاثمائة وثمانون كيلو يعني أربع ساعات تسمع أغاني كيف قلبك إذا وصلت بيتك؟ ممسوخ -والعياذ بالله- لا تذهب معه ولو تمشي على وجهك أو تقعد في بلدك هذا الذي أنت فيه سنة أو سنتين لا ترى أهلك، لا تمش معه في أي حال من الأحوال، قد تقول: ما عندي فلوس، ما عندي سيارة نقول: لا داعي الآن أن تذهب، عطلة الأسبوع اقضها في أبها والأسبوع الثاني ييسر لك من يحملك إلى بلدك أو يأتيك من المكافأة مبلغ لتذهب إلى بيتك وأنت سالم من المعصية، لا حول ولا قوة إلا بالله.

الدليل على أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر

الدليل على أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر Q قلت إن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، فما الدليل حيث أن الصلوات خمس وكل واحدة تصير الوسطى؟ A صدقت، ولو لم يرد دليل لكانت المغرب وسطى بين الظهر والعصر، وبين الفجر والعشاء، لكن العصر هي الوسطى حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قلوبهم وأجوافهم نارا) فدل حديثه على أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر.

حكم الجمعيات

حكم الجمعيات Q نرجو التوضيح في الجمعيات فقد كثر الكلام فيها، وقد سمعنا بعض المشايخ يقول إنها حرام، وسمعنا أخيراً أنها صدرت فتوى فيها بأنها حلال، فما الحكم في ذلك؟ A الجمعيات سبق أن تكلم عنها الشيخ صالح الفوزان في أبها وقال: إنها حرام، وناقشت أنا والشيخ عائض القرني الشيخ عبد العزيز بن باز فيها وأخبرنا بأنها حرام، ولكننا ناقشناه جزاه الله خيراً فوعدنا أن يعرض أمرها على هيئة كبار العلماء، وفعلاً عرضت في الجلسة الأخيرة في الطائف على مجلس كبار العلماء وصدرت فتوى بأنه لا مانع منها، هذه الفتوى برقم (164) في 26/ 2/1410هـ وقد قيل فيها: بعد النظر بهذه القضية قرر المجلس بالأكثرية -يعني أكثرية أعضاء المجلس- أنه لا مانع من هذه المعاملة؛ لأنه لا يلحق أو لا يترتب على هذا القرض منفعة للمقرض حتى تصير ربا، وإنما يستعيد المقرض ماله فقط بدون أي زيادةٍ أو نقص، وقالوا في نفس التقرير: إن الشرع المطهر لم يرد برد المنافع وإنما بمشروعيتها، فما دام فيها منفعة للناس، وليس فيها ضرر عليهم فإن شاء الله أنها جائزة، وهي بديل طيب عن الاستقراض من البنوك، فإن الإنسان لا يخلو من حاجة، يحتاج إلى شراء سيارة، يحتاج إلى ترميم بيته، يحتاج إلى تزويج ولده، يحتاج إلى زواج نفسه إذا كان ليس متزوجاً، أو عنده زوجة وأراد التعدد، يحتاج إلى حفر بئر إذا كان مزارعاً، يحتاج إلى تسوير مزرعته، وراتبه قد يكون ألفين أو ثلاثة فلا يستطيع أن يوفر شيئاً، فإذا أراد شيئاً يذهب مع مجموعة من زملائه في إدارته أو مدرسته أو في أي مكان (عشرين شخصاً مثلاً) يقول: ما رأيكم نعمل جمعية من ألف ريال، ولكن أريدها أنا الأول؛ لأني محتاج، قالوا: حسناً أعطوه عشرين ألفاً يفك عن نفسه، فهذه الجمعية كل شهر ألف ريال بدون زيادة أو نقص، أحسن من أن يستلف من البنك ويعطيهم أرباحاً (10%) أو (20%). فنحن نرى أن هذه الجمعية إن شاء الله مباحة، وليس فيها شيء بإذن الله عز وجل، وهذا هو ما قرره مجلس كبار العلماء بأكثريتهم، نسأل الله عز وجل لنا ولكم التوفيق في الدنيا والآخرة.

الأذى والابتلاء في حياة المؤمنين

الأذى والابتلاء في حياة المؤمنين الابتلاء سنة ربانية جارية إلى يوم القيامة، وقد تكلم الشيخ في هذا الدرس عن الأذى والابتلاء في حياة المؤمنين، وتناول صوراً للابتلاء، فذكر التكاليف الشرعية، وذكر الفتة في الدين، ومثّل لذلك بما لاقاه الرسول صلى الله عليه وسلم من أذى قريش، وما لاقاه أصحابه، وذكر منهم آل ياسر وبلالاً وخباباً وغيرهم.

الابتلاء سنة ربانية

الابتلاء سنة ربانية الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين. وبعد: أيها الأحبة: هذا الدرس يلقى في مسجد الشربتلي، بحي الربوة، بمدينة جدة، بعد مغرب يوم السبت الموافق: (29/ رجب عام 1418 للهجرة)، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم. وهو ضمن السلسلة المعنونة: بـ (تأملات في السيرة النبوية) وعنوان هذه المحاضرة: (الأذى والابتلاء في حياة المؤمنين). إن الابتلاء سنّة ربانية، يبتلي الله عز وجل بها من يدعي الإيمان؛ لأن الادعاء سهل، لكن إثبات صحة هذا الادعاء أمرٌ عسيرٌ، فمن السهل عليك أن تدعي ملكية عمارة أو شارع كامل، أو مدينة بأسرها؛ أو دولة بأسرها، لكن إذا طُلب منك إثبات ملكيتك بالدلائل فإنه من الصعب على الإنسان أن يثبته إلا إذا كان صادقاً في هذا الادعاء. فادعاء الإيمان ليس أمراً هيناً نظراً لأن ثمرة هذا الادعاء سعادة الدنيا والآخرة، فالذي يكون مؤمناً حقيقياً فإن الإيمان الحقيقي يضمن له الفوز في الدارين، والسعادة في الحياتين، فهذه الثمرة ليست سهلة حتى يكون الإيمان سهلاً، لذا فإن الله لا يترك الناس عند هذه الدعوى، بل لا بد من ابتلائهم؛ يقول الله عز وجل في أول سورة العنكبوت: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:1 - 2] لا يفتنون أي: لا يُختبرون: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:3] ويقول عز وجل: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:142] ويقول عز وجل: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214]. ومجال الامتحان والابتلاء والفتنة لا يحدده العبد؛ وإنما الذي يحدده هو الله، وإذا استعجل العبد الفتنة وطلبها وكله الله إلى نفسه، وخلى بينه وبين نفسه، ولهذا لا تتمن الفتنة ولا البلاء ولكن سل الله العافية، يقول عليه الصلاة والسلام: (لا تتمنوا لقاء العدو) لأن بعض الصحابة كانوا يقولون: متى نراهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تتمنوا لقاء العدو ولكن إذا لقيتموهم فاثبتوا) وآخرون استعجلوا القتال فقال لهم الله: لا يوجد قتال، لا يوجد إلا صلاة وصوم فقط، ففي فترة الاستضعاف التي كانت تعيشها الأمة في بداية عهد النبوة، لم يكن قد أذن بالقتال؛ لأن القوة غير متكافئة، والإمكانيات غير متقابلة، فالمؤمنون في قلة وفي ضعف، والكفر كان في قوة، فأي مناوشة للكفر بقتال معناه القضاء على الإسلام، وهذه سنّة ثابتة في حياة الأمة إلى يوم القيامة، فحينما تكون الأمة مستضعفة فليس من مصلحتها أن تواجه القوة الكافرة، ولكن الأولى أن ينصرف الناس إلى شيء آخر غير القتال. قال الله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ} [النساء:77] أي: عن القتال: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} [النساء:77] أي: لما كتب الله عليهم القتال، كان أول من انتكس هم هؤلاء الذين كانوا يقولون: متى القتال؟ فلا تستعجل، وعليك أن تعبد الله سبحانه وتعالى على بصيرة وعلى كتاب وسنّة، وإذا فرض الله عليك البلاء من غير طلب منك ولا سؤال له، فإن الله عز وجل يعينك ويثبتك، وصوره كثيرة: فمن صور الابتلاء: الابتلاء بالتكاليف الشرعية: كالصلاة والصوم والزكاة والحج، فهذا من البلاء؛ لأن فيه تعباً ومشقة. ومن صور الابتلاء: الابتلاء بتحريم المحرمات من الشهوات؛ لأن في النفس البشرية ميل إلى الشهوات، فالله حرمها والنفس تريدها. وتصديق الأخبار -أيضاً- من الابتلاء، فالله أخبرنا في القرآن، وأخبرنا رسوله صلى الله عليه وسلم في السنّة بأشياء يلزمنا أن نصدق بها، حتى ولو لم تهضمها عقولنا؛ لأن عقولنا محدودة، نعم. لها قدرة على الاستيعاب والفهم، ولكن هذا العقل لا يستطيع أن يلم بكل حقائق الكون، فعليك أن تقبلها مادامت عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا مجال إن جاءت أن تحكم عقلك فيها؛ لأنك إذا أردت أن تخضعها لذلك فلعلك تخطئ، ومعناه: أنك قدمت العقل على أمر الله وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله قد ذكر أن أهل الإيمان إيمانهم في قلوبهم، ليس في عقولهم، قال الله تعالى: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:1 - 3] والغيب ما لا يدركه العقل! فنحن آمنّا بالله رغم أننا لم نره، ولكنه أخبرنا عن نفسه في كتابه، وأخبرتنا عنه رسله في جميع الرسالات، وعرفناه بالعقل، وعرفناه بآياته ومخلوقاته التي بثها في الكون، فلا ينبغي لنا أن نعطي العقل أكبر من حجمه، بحيث نقول: لا نؤمن بالله حتى نراه بأعيننا، ونلمسه بأيدينا! ولما أراد موسى عليه السلام أن يمارس هذه العملية وهو كليم الله ومن أولي العزم، قال الله: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} [الأعراف:144] ولما كلمه الله سبحانه وتعالى وأعطاه موعداً للمقابلة مرة ثانية، قال عز وجل: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} [الأعراف:143] يريد أن يرى رب العالمين، فإنه ليس عند موسى شك في الله؛ لأنه كلمه، لكن من باب حب الاستطلاع، يريد أن ينظر بعينه إلى الله، فقال له الله عز وجل: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:143] أي: لن تثبت عينك ولن تستطيع أن تتحمل قوة رؤية الله: {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ} [الأعراف:143] جبل الطور: {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف:143] أي: أنه يمكن لك ولكن بشرط أن تكون مثل الجبل بالقوة، ولكنك لست في قوة الجبل: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً} [الأعراف:143] هذا الجبل الأشم المخلوق من الحجارة الصم، صار دكاً كله، ولكن أين موسى؟ موسى بعيد عن الجبل، لم ينظر موسى إلى الله، وإنما تجلى الله للجبل، فمن أثر تجلي الله على الجبل خر موسى صعقاً وقال: {سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف:143]. فعقلك أيها الإنسان محدود وإمكانياتك محدودة، فإذا جاءت الأدلة من الكتاب أو من السنة، فهذا معناه أن الأمر انتهى وآمنا بالله؛ لأنه لا أحد أصدق من الله: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} [النساء:87] {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} [النساء:122]. وإذا أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخبر صدقنا به حتى ولو لم تقبله عقولنا.

صور من البلاء الذي مر به أهل الحق

صور من البلاء الذي مر به أهل الحق من صور البلاء أيها الإخوة: ما يتعرض له المؤمن من فتنة في دينه، نسأل الله السلامة والعافية، وهذا يكون دائماً في فترات ضعف الأمة، حينما يصير للكفر قوة وللباطل غلبة، لا يرضى الكافر أن يبقى المسلم معافى في دينه وفي عقيدته، بل يتحرش به، ويفتنه في دينه، وهذا تعرض له رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في بداية الدعوة الإسلامية بشكل أكبر، وتذكره كتب السيرة وسوف نستعرض بعضه في هذه اللحظات في هذه الليلة المباركة. لم تُجدِ جميع الوسائل ولا الأساليب ولا الطرق التي عملها كفار قريش، لصد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دعوته، وما بقي إلا القوة، وكما يقال: آخر العلاج الكي، فحملوا معول الهدم، وبدءوا في الأذية والابتلاء للنبي صلى الله عليه وسلم وللصحابة من السابقين الأول رضي الله عنهم وأرضاهم، وكان أبو لهب -عليه من الله ما يستحق- إذا سمع عن رجل أنه أسلم وله شرف وله منعة، أنبه وشتمه وقال له: تركت دين أبيك وهو خير منك، لنسفهن حلمك ولنضعفن رأيك، ولنضعن شرفك. وإذا كان تاجراً جاء إليه وقال له: سوف نكسد تجارتك، ونهلك مالك. وإن كان ضعيفاً، ضربه وآذاه وأغرى به غيره.

بلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم

بلاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استفحل الأذى حتى في الفترة التي أعلن فيها النبي صلى الله عليه وسلم الدعوة، وأضحى يظهر شعائر الدين، مثل الصلاة عند الكعبة، فلم تستطع قريش أن تصبر؛ فقد روى مسلم في صحيحه: أن أبا جهل قال: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ فقيل: نعم، فقال: واللات والعزى، لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته أو لأعفرن وجهه في التراب، قال فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وصلى حول الكعبة، فقام كفار قريش وأخبروا أبا جهل، فجاء وهجم على النبي صلى الله عليه وسلم، وما فاجأهم إلا وهو ينكص على عقبيه، ويتقي بيديه، كأن شيئاً يهدده، فقيل له: مالك؟ -لأن الناس لا يرون شيئاً، إنما يرونه يتقي بيديه كأن أحداً يصفعه، قيل له: مالك؟ قال: إن بيني وبينه لخندقاً من نار وهولاً وأجنحة، فقال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لو دنا مني؛ لاختطفته الملائكة عضواً عضواً) قال: وأنزل الله عز وجل: {كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى} [العلق:6] إلى قوله عز وجل: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْداً إِذَا صَلَّى} [العلق:9 - 10] ثم قال عز وجل: {كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:19]. يروي البخاري أيضاً عن عروة بن الزبير قال: سألت عبد الله بن عمرو عن أشد ما صنع المشركون بالنبي صلى الله عليه وسلم قال: [رأيت عقبة بن أبي معيط -عليه من الله ما يستحق- جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فوضع رداءه في عنقه، فربطه في عنق النبي صلى الله عليه وسلم ثم خنقه خنقاً شديداً حتى كاد يقضي عليه، وفي هذه الأثناء أقبل أبو بكر فدفعه عنه وقال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم]. وهذا من مواقف أبي بكر الخالدة، أنه منع النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الكافر. وروى البخاري ومسلم أيضاً من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس، وقد نحرت جزورٌ بالأمس، نحرها أصحابها، وأخرجوا أذاها وسلاها وروثها من بطنها؛ فقال أبو جهل: أيكم يذهب إلى سلى جزور بني فلان، فيأخذها ويضعها بين كتفي محمد إذا سجد) وسلى الجزور أقذر ما فيها، فلما رآه ساجداً قال: اذهبوا وخذوا هذا السلى وضعوه بين كتفيه إذا سجد، فانبعث أشقاهم والعياذ بالله، وأخذ السلى، فلما سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه صلى الله عليه وسلم، فضحك القوم، وجعل بعضهم يميل على بعض من شدة الضحك، يقول: وأنا قائم أنظر، يقول: لو كان لي منعة لطرحته عن ظهر نبي الله صلى الله عليه وسلم والرسول صلى الله عليه وسلم ساجدٌ لا يرفع رأسه، حتى انطلق رجل فأخبر فاطمة في البيت، فجاءت وهي جويرية، أي: وهي صغيرة، فطرحته عن ظهر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أقبلت عليهم تشتمهم فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته رفع يديه إلى السماء ودعا عليهم، يقول ابن مسعود راوي الحديث: [فوالذي نفس محمد بيده، لقد رأيت الذين سماهم صرعى يوم بدر ثم سحبوا إلى القليب، قليب بدر] وحملهم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى القليب، والقليب: البير الذي ليس فيه ماء، وخاطبهم فقال: (هل لقيتم ما وعدكم ربكم؟ فالصحابة قالوا: تخاطب قوماً لا يسمعون؟ قال: والذي نفسي بيده لهم أسمع لكلامي منكم، ولكنهم لا ينطقون). وآذى عتبة بن أبي لهب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفل في وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (اللهم سلط عليه كلباً من كلابك) فاستجيب دعاؤه، وأكله السبع وهو في الزرقاء في الشام، إذ كانوا في سفر، وكان ينام وسط الناس خوفاً من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، فأتى إليه الأسد وأكله من وسطهم وهم نيام.

ابتلاء الصحابة رضي الله عنهم وتعرضهم للأذى

ابتلاء الصحابة رضي الله عنهم وتعرضهم للأذى هذا بعض الأذى للنبي صلى الله عليه وسلم وأوذي أيضاً معه الصحابة، ومنهم أبو بكر قام خطيباً في المسجد الحرام، فضربه المشركون ضرباً عنيفاً وممن ضربه عتبة بن ربيعة، جعل يضربه بالنعل على وجهه، حتى سال الدم فلم يعرف وجهه من كثرة الدماء. وممن ضُرب من الصحابة عبد الله بن مسعود، وكان أول من جهر بالقرآن بين أظهر المشركين، وحذره النبي صلى الله عليه وسلم من عدوان المشركين عليه، وعندما فعل ذلك ضربوه على وجهه حتى أثروا فيه، فقال له الصحابة: هذا ما خشينا عليك، فقال: ما كان أهون أعداء الله عز وجل منهم الآن، والله لئن شئتم لآتينهم غداً بمثلها. وممن أوذي أيضاً عثمان بن مظعون، وقصته يا إخواني تبعث على العجب وتبين لنا قوة إيمان هؤلاء الرجال، عثمان بن مظعون رجع من الهجرة الأولى إلى الحبشة ولكن قريشاً رفضت أن يدخل أحدٌ إلا في جوار أحد، فدخل في جوار الوليد بن المغيرة، وهو من كبار قريش، ولما رأى عثمان بن مظعون الأذى الذي يقع على الذين دخلوا في غير جوار، ورأى نفسه لا أحد يؤذيه لأنه في جوار رجل عظيم، فقدم إلى مجلس قريش ولما قدم إلى مجلس قريش في مكة وفيهم لبيد بن الأبرص شاعر جاهلي، يقول: ألا كل شيء ما خلا الله باطل قال عثمان: صدقت، فلما جاء بالشطر الثاني: وكل نعيم لا محالة زائل قال: كذبت، فإن نعيم الجنة لا يزول، قال: لبيد الشاعر الجاهلي: يا معشر قريش! والله ما كنت أظن أن أؤذى وأنا في مجلسكم! فقال رجل من القوم: إن هذا من سفهاء قومه، قد فارقوا ديننا، فلا تجدن في نفسك من قولهم شيئاً، فرد عليه عثمان حتى تفاقم الأمر، فقام إليه ذلك الرجل فلطمه على عينه ففقأها، والوليد بن المغيرة قريب منه، وقبل ذلك رأى عثمان بن مظعون أن الصحابة يتعرضون للأذى فجاء إلى مكة وقال: إني قد تركت جوارك يا وليد إلى جوار الله، لأنه يريد أن يأتيه أذى، فهو يرى الصحابة يؤذون وهو لا يؤذى، فقال: خرجت من جوارك يا وليد بن المغيرة إلى جوار الله، ولما جاء في مجلس قريش وآذوه والوليد جالس ينظر، قال له: يا ابن أخي والله إن كانت عينك لفي غنى مما أصابك، لقد كنت في ذمة منيعة، فقال عثمان: بل والله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في ذات الله! -الله أكبر! لا إله إلا الله!! - وإني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس، فقال له الوليد: هلم يا ابن أخي إن شئت فعد إلى جواري، فقال: لا، وترك جوراه. وممن كان يعذب أيضاً من الصحابة، الزبير بن العوام كان يعذبه عمه، ويعلقه في حصير ويشعل عليه النار، ويقول: ارجع إلى الكفر فيقول الزبير: لا والله لا أرجع.

آل ياسر وما نالهم من البلاء

آل ياسر وما نالهم من البلاء أما من ناله العذاب بشكل أكبر فهم الموالي، أي الأرقاء، الذين كانوا عبيداً مسترقين ثم أسلموا، فهؤلاء تحملوا نصيباً كبيراً من الأذى والتعذيب. وأول أسرة تعرضت للعذاب وكلها أسرة موالي، كلها أرقاء، أسرة آل ياسر، رضي الله عنهم وأرضاهم، كانت هذه الأسرة يضرب بها المثل فيما لاقاه المستضعفون من الابتلاء في أول تاريخ الإسلام، وقد كان بنو مخزوم وهم أسياد آل ياسر يخرجون بهم إذا حميت الظهيرة، فيعذبونهم برمضاء مكة، ومر بهم النبي صلى الله عليه وسلم ذات مرة وهم يعذبون، فنظر إليهم، وقال لهم: (صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة) وكانت أول شهيدة في الإسلام هي سمية بنت خياط أم عمار وزوجة ياسر، طعنها أبو جهل عليه من الله ما يستحق، مر عليها وهي مقيدة بيديها وأرجلها في الرمضاء وهي تقول: أحد أحد، فطعنها بالرمح في قبلها وماتت، وكانت أول من أريق دمه وأول شهيدة نالت شرف الشهادة في سبيل الله في الإسلام، وأيضاً مات زوجها ياسر، مات شهيداً من شدة العذاب، ورمي ابنه عبد الله بسهم فمات، وتفننوا في إيذاء عمار بن ياسر ولد سمية، حتى أجبروه في يوم من الأيام على أن يتلفظ بكلمة الكفر بلسانه، وقد ذكر جمهور المفسرين، أن سبب نزول قول الله عز وجل: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً} [النحل:106] أنها نزلت في عمار؛ لأنهم عذبوه حتى انتهى صبره، ثم قالوا له: والله لا نتركك من هذا العذاب حتى تسب محمداً، وتكفر بمحمد، فقال كلمة الكفر مضطراً، ثم لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم شكا إليه وقال: (يا رسول الله! والله ما تركوني حتى نلت منك وسببتك، قال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئناً بالإيمان، قال: إن عادوا فعد) ونزل قول الله عز وجل: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ} [النحل:106].

بلال بن رباح وصبره على الأذى في سبيل الله

بلال بن رباح وصبره على الأذى في سبيل الله وممن أوذي أيضاً وناله قسط كبير من الأذى والابتلاء في سبيل الله بلال بن رباح الحبشي، وأمه اسمها حمامة رضي الله عن الجميع، كان طاهر القلب، صادق اللسان، قوي الإيمان، عميق الإسلام، وكان سيده أمية بن خلف، يخرجه إذا حميت الظهيرة -وكانت مكة من أشد البلاد حرارة، حتى يتحاشا الناس المشي فيها حفاة؛ لأنها تحرق أرجلهم- ثم يجرده من ثيابه، ثم يضعه على البطحاء التي هي مثل النار، ثم يؤتى بصخرة عظيمة قد حميت مثل حمى الأرض فيضعها على صدره، ثم يقال له: لا تزال هكذا حتى تموت، أو تكفر بمحمد وتعبد اللات والعزى، فكان وهو في هذا البلاء العظيم يردد: أحدٌ أحد أحدٌ أحد أحدٌ أحد، لا يهمه أن يناله ما ناله في سبيل الله، ولذلك بلغ رضي الله عنه وأرضاه منزلة عظيمة من الإسلام، كان يحبه النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عمر بن الخطاب يقول: [أبو بكر سيدنا، وأعتق بلالاً سيدنا]. عمر المخزومي يجعل بلالاً سيداً، رغم أنه في ميزان الناس عبد، لكنه في ميزان الإسلام والإيمان والدين سيد، بلغ درجة جعلت عمر المخزومي يجعله سيداً من سادات المسلمين رضي الله عنه وأرضاه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: (إيه بلال، ما الذي تصنع؟ فوالذي نفسي بيده، إني لأسمع خشخشة نعليك في الجنة قال: لا شيء يا رسول الله، غير أني كلما أحدثت توضأت، وكلما توضأت صليت لله ركعتين) لأن الوضوء سلاح المؤمن، وأنت مخلوق للعبادة، وما دام أنك مخلوق للعبادة، فيجب أن تكون مستعداً باستمرار للعبادة، وتكون مستعداً باستمرار للعبادة بالوضوء، بحيث إذا أردت تصلي إذا بك متوضئاً، وإذا دخلت فريضة إذا بك متوضئاً، المهم أنك دائماً على طهارة، وبعد ذلك إذا توضأت وصليت ركعتين، صار نور على نور، فالصلاة نور والوضوء نور، ولهذا كان هذا العمل العظيم الذي يفعله هذا الرجل العظيم، وأقره النبي صلى الله صلى الله عليه وسلم فيعتبر من سننه صلى الله عليه وسلم بالإقرار. يقول بلال أعطشوني يوماً وليلة، ثم أخرجوني فعذبوني في الرمضاء في يوم حار. وعندما رآه أبو بكر في هذه الحالة، ساوم سيده على شرائه، فاشتراه وأعتقه رضي الله عنه وأرضاه.

خباب بن الأرت وصبره على الابتلاء

خباب بن الأرت وصبره على الابتلاء وممن عذب من الموالي خباب بن الأرت، وهو من خزاعة سبي في أيام الجاهلية، وبيع بيع الرقيق في مكة، وكان مولى لامرأة يقال لها: أم أنمار الخزاعية، ثم حالف بني زهرة وكان يعمل حداداً يصنع الأسنة والسيوف، وكان من السابقين إلى الإسلام، وعندما أظهر إسلامه، لاقى صنوفاً شتى من العذاب في المال والنفس، ومما روي في ذلك أنهم كانوا يأخذون بشعر رأسه فيسحبونه بشعر رأسه ويلوون عنقه بعنف، وأضجعوه مرات عديدة على صخور ملتهبة، وأوقدوا ناراً ووضعوه عليها فما أطفأها إلا شحم ظهره، حتى بردت النار، كما ذكر خباب ذلك عن نفسه وقد كشف ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم. وكانوا يضجعونه على الرضف وهي الحجارة المحماة، ومع ذلك لم ينالوا منه ما أرادوا من الردة، بل كان ثابتاً ثبوت الجبال على عقيدته، وله قصة مشهورة مع العاص بن وائل، وهو من صناديد قريش والقصة مذكورة في البخاري ومسلم والذي يرويها هو نفسه، خباب بن الأرت، يقول: كنت قيناً -أي حداداً- في مكة، فعملت للعاص بن وائل سيفاً، فجئت أتقاضاه، فقال: لا أعطيتك حتى تكفر بمحمد، فقال: لا أكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى يميتك الله ثم يبعثك، قال: أجل إذا أماتني الله ثم بعثني، فسوف أقضيك، من باب التهكم والاستهزاء، فأنزل الله عز وجل فيه قوله سبحانه وتعالى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً} [مريم:77 - 78].

عبر وفوائد من الابتلاء

عبر وفوائد من الابتلاء وعندما اشتد البلاء بـ خباب وببعض الصحابة، اشتكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم صبروا حتى زاد ذلك على طاقتهم كبشر، فأتوا إلى النبي والحديث في البخاري، أتوا إليه وهو متوسد بردة في ظل الكعبة، وهو مستضعف صلى الله عليه وسلم وهم مستضعفون، فقالوا له: ألا تستنصر لنا يا رسول الله! ألا تدعو الله لنا، قال: كان الرجل فيمن كان قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه إلى نصفه، أي يغرسون إلى نصفه، ثم يجاء بالمنشار فيوضع على رأسه بين عينه فيشق اثنتين، ينشرونه من مفرق رأسه إلى آخره، حتى يصير قسمين، ما يصده ذلك عن دينه، هذا فيمن كان قبلنا، أي: وأنتم الآن جاءكم شيء بسيط بالنسبة لما جاء الأولين، فنحن جاءنا -أيها الإخوة-: نحن الآن ما نصبر على صلاة الفجر، فلا نقوم نصلي الفجر، وبعضنا لا يصبر على سماع أغنية، يقول: لا أستطيع وإذا سمعت الأغاني انغلق قلبي، نقول له: أفتريد الجنة مع هؤلاء؟ وبعضهم ما يصبر على سيجارة يقول: أريد أن أتركها لكن ما قدرت، لا إله إلا الله! وبعضهم لا يستطيع أن يغض بصره عن الحرام، هذا ابتلاء، فكيف لو أن أحداً ضربك على الدين، وقال لك: لو صليت ضربناك عشرة أسواط، الآن ترك الصلاة بدون سوط بدون تعب بدون شيء ما ينتظرون أحداً يضربهم على الصلاة، هؤلاء الذين كان الرجل يؤخذ ويوضع في حفرة إلى نصفه ثم يؤتى بالمنشار ويوضع على مفرقه ثم ينشر، تصور أنك أنت في هذا الوضع؟ وضعت في الحفرة وأتوا بالمنشار وبدءوا في النشر برأسك، كيف يكون وضعك في تلك اللحظات؟ تكفر أم لا تكفر عندما ترى المنشار أمامك، تقول: ماذا تريدون؟ سوف أكفر سبعين مرة، لكن ذلك لا يكفر وهم يشقون رأسه وينشرونه وينزلونه على مخه ثم على عيونه، ثم أنفه ثم رقبته، ما قد مات إلى الآن، ثم بعد ذلك إلى أن يكون نصفين وهو ينشر ولا يصده ذلك عن دين الله، لا إله إلا الله!

عظم مكانة المبتلين في الدين

عظم مكانة المبتلين في الدين كذلك بقية الموالي مثل حمامة والدة بلال وعامر بن فهيرة، وأم عبيس، وامرأة اسمها زنيرة، وأخرى اسمها النهدية، وجارية بني عدي، التي كان يعذبها عمر قبل أن يسلم، وقد أعتق هؤلاء أبو بكر رضي الله تعالى عنه، يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (لو وزن إيمان الأمة بإيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر بالأمة كلها، إلى يوم القيامة، وما طلعت الشمس على أفضل بعد النبيين من أبي بكر) وانظروا إلى أعماله، فمن ضمن من دخل على يديه في الإسلام سبعة من العشرة المبشرين بالجنة، كلما سمع أن أحداً من المسلمين يعذب اشتراه، وأعتقه لوجه الله. ولما رآه أبوه وهو أبو قحافة يشتري هذه الرقاب العظيمة، وهذه الأنفس الأبية التي تعذب في الله، ويعتقها، قال: يا بني! إني أراك تعتق رقاباً ضعيفة، فلو أنك إذ فعلت ما فعلت أعتقت رجالاً يمنعونك ويقومون دونك، فقال له أبو بكر: يا أبت إني إنما أريد بذلك وجه الله عز وجل، فأنزل الله فيه قوله سبحانه وتعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل:5 - 7] إلى أن قال عز وجل: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل:19 - 21] هذه نزلت في أبي بكر وعده الله أنه سوف يرضى يوم القيامة. ولما أسلمت زنيرة وأعتقها أبو بكر، أصيبت بمرض في عينها فعميت، فقال كفار قريش: والله ما أعماها إلا اللات والعزى، فبلغ الخبر أبا بكر الذي أعتقها، فقال: كذبوا والله، والله لا تضرها اللات والعزى ولا تنفعها، اللهم رد بصرها فرد الله بصرها وأخزى هؤلاء الكفرة، قال تعالى: {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} [الشعراء:72 - 74] فكانوا يعبدون الأصنام التي لا تضر ولا تنفع؛ لأن من مقتضيات الإله الذي يعبد أنه قادر على الضر والنفع، أما إله لا يضرك ولا ينفعك، بل بعضهم يبول عليه، وبعضهم يأكله، فكيف تعبده؟!

تأخر النصر يبين الصدق والنفاق

تأخر النصر يبين الصدق والنفاق ربما يتساءل بعض الناس ويقول: لماذا هذا العذاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللصحابة أليسوا على الحق؟ لماذا لم ينصرهم الله ابتداء؟ ولماذا لم يعصمهم الله من إيذاء الكفار والمشركين؟ والجواب على هذا التساؤل هو: أن للإنسان في الدنيا أول صفة أنه مبتلى، وأنه مكلف بإعلاء الدين وإظهار كلمة الإسلام، العبودية لله سبحانه وتعالى، فالله يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] وقال: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ} [الملك:2] أي: يختبركم {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] وقال: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الكهف:7]. فمستلزمات العبودية والابتلاء والتكليف تحمل المشاق، ومجاهدة النفس والأهواء، والصمود في وجه الابتلاءات والفتن، والفتنة والابتلاء هي المحك وهي الميزان الذي يميز به بين الصادق والكاذب، قال الله تعالى فيهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:8 - 10]. وجد أناس قالوا: آمنا؛ لكن لما جاء المحك، لما جاء الابتلاء لم يثبتوا تأتي صلاة الفجر فلا يصلون، وأثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر، جاء الجهاد فتخلفوا، جاء الإنفاق فكانوا يلمزون في الصدقات، لما طلبوا للجهاد قال أحدهم: لا تفتني أنا إذا جئت ورأيت النساء لا أستطيع أن أقاتل، قال الله: {أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التوبة:49] طلب منهم الإنفاق قالوا: هذه أخت الجزية. أيها الإخوة: البلاء سنة إلهية، وسنة كونية ربانية، فإنه لا بد من البلاء للإنسان، حتى يتميز أهل الإيمان من أهل النفاق، لكن كما ذكرت لكم -أيها الإخوة- وهو أن المسلم عليه أن يسأل الله العافية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس حين سأله وقال: (أدع الله لي يا رسول الله، قال: سل الله العافية، قال: زدني، قال: سل الله العافية، ثم قال: يا عباس! يا عم رسول الله ما أوتي عبد في الدنيا ولا في الآخرة أحسن من العافية) فنحن نسأل الله السلامة والعافية، ولكن إذا نزل البلاء فلنصبر ولنحتسب ذلك عند الله سبحانه وتعالى. وفيما نحن فيه من الابتلاء ما يكفينا ويغنينا عن ابتلاء آخر في جسدك أو في مالك أو في نفسك، عليك أن تثبت وأن تستعين بالله سبحانه وتعالى وأن تقوم بالتكاليف فإن فيها غنية. فالتكليف بالصلوات الخمس نوع من الابتلاء فإن أوقات الصلوات تتعارض مع راحة البال، فالموظف يجئ من الدوام الساعة الثانية والنصف ويتغدى وبعد قليل يؤذن العصر، فإما أن يذهب يصلي، وإما أن ينام، إن كان عنده إيمان ذهب وصلى، وإن كان إيمانه ضعيفاً أو عنده نفاق فإنه ينام عن صلاة العصر، وفي البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله) وحبط أي: فسد، والحبط هو داء يصيب المواشي إذا أكلت شيئاً من أنواع النبات، فتنتفخ بطونها حتى تحبط وتموت، كذلك العمل يحبط، أي: يفسد إذا ضيعت صلاة العصر. وفي مسلم: (من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر ماله وأهله) أي: كأنه خسر ماله كله وأهله كلهم، والله يقول: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة:238] والصلاة الوسطى قال بعض العلماء: إنها صلاة العصر، الله أفردها بالذكر لأهميتها، نضرب مثالاً على ذلك لو أنك موظف، ويأتيك المدير بمجموعة من المعاملات، ويقول لك: اعمل الإجراءات على المعاملات هذه وخصوصاً هذه، ويخرج لك إحدى المعاملات ويقول أكمل الإجراءات على كل المعاملات، وبالذات هذه فانتبه، فماذا تعمل؟ وبأي معاملة سوف تبدأ؟ تبدأ بهذه التي نبهك عليها، لكن لو أتممت كل المعاملات إلا التي نبهك عليها، وأتيت اليوم التالي وأعطيته المعاملات فقال: أين التي قلت لك عليها؟ فتقول: والله ما عملتها، يغضب أم يرضى عليك؟ يغضب، يقول: على شأن يأكد لك من أجل أن تسويها تقوم تضيعها، ولله المثل الأعلى، الله يقول: حافظوا على الصلوات كلها، لكن قال: والصلاة الوسطى، فضيعنا الصلاة الوسطى -يا إخواني- الآن أقل معدل في الصلوات صلاة الفجر والعصر، العصر دائماً الناس يأتون من الدوام وحين يتغدى ينام، ويسمع الأذان فيقول: أتسطح، فيتسطح ثم يتبطح ثم يركبه الشيطان والعياذ بالله، ولا يقوم إلا الساعة الرابعة أو الخامسة. من حين تسمع الأذان مباشرة قم إلى المسجد، واحذر من هذه النومة التي قبل صلاة العصر، ما في إمكانية، خصوصاً هذه الأيام أيام الشتاء؛ لأن الليل طويل والنهار قصير، فما تنام إلا إذا كان لا بد من النوم فلا مانع بعد العصر، أما أن تنام قبل العصر، فلا. حتى لا تضيع وقت صلاة العصر، هذه فيها بلاء، ود الناس لو أن المسألة بالمزاج، كأن صلاة العصر الساعة الثانية والربع، حدد الدوام؛ لأنه قد صلى الظهر في الساعة الثانية عشرة ومن الساعة اثنتين وربع يصلي إلى اثنتين ونصف ويتغدى وينام إلى المغرب، لكن الله هو الذي يقول: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء:103] أي: مفروضاً معلوماً في جميع الأوقات، فالذي حددها هو الله، يقول الله: {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء:78] أي: الظهر والعصر: {إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء:78] أي: المغرب والعشاء ثم قال: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء:78] أي صلاة الفجر. فالصلاة فيها تكليف، والزكاة فيها تكليف؛ لأن المال محبوب إلى النفس، وإذا جئت لتخرج الزكاة فأنت تبرهن في إخراجك على أن حبك لله أكثر من حبك لهذا المال، والصيام فيه تكليف، تدع شهوتك وطعامك وشرابك وزوجتك من أجل الله، فهذا نوع من التكليف، والحج تكليف، كل التكاليف الشرعية فيها مشقة، وهي نوع من الابتلاء، وكذلك الشهوات المحرمة، فميل النفس إلى الزنا، وميلها إلى لخمور، وميلها إلى ممارسة الربا، وميلها إلى شرب المحرمات، وكل هذا في النفس البشرية، وهو ابتلاء، ولكن المؤمن عنده إيمان قوي يحجزه ولو قطعوه قطعة قطعة؛ لأنه يخاف الله، بل لو دعي إلى الجريمة يقول: إني أخاف الله رب العالمين. هذه أيها الإخوة: إشارة إلى الابتلاء وهذا في حياة المؤمنين، ونترك ما بقي من الوقت للإجابة على بعض الأسئلة التي وردت منكم؛ لأني كنت قد وعدتكم في تخصيص بعض الحلقات للأسئلة لكن من الصعب أن نخصص حلقة كاملة، وسوف نختصر الدرس ونعطيكم وقتاً كافياً للأسئلة.

الأسئلة

الأسئلة

قراءة القرآن أفضل من سماعه

قراءة القرآن أفضل من سماعه Q امرأة لا تجيد قراءة القرآن، فهل يجزئ سماعها للقرآن عن القراءة؟ A الله تعبدنا بقراءة القرآن، وأمرنا بالتلاوة، وأخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن من قرأ حرفاً من القرآن كان له بكل حرف حسنة والحسنة بعشرة أمثالها، فهذه المرأة التي لا تجيد القراءة عليها أن تتعلم، ووسائل التعليم متوفرة، وحلقات العلم الآن موجودة، فبإمكانها أن تذهب إلى حلقات العلم، وتبدأ تتعلم حتى يكون لها أجر في التلاوة إلى جانب تعلمها وتلاوتها بلسانها، ولا بأس أن تستمع القرآن بأذنها، فإن سماع القرآن -أيضاً- فيه دواء، فقد ثبت في الصحيحين أن ابن مسعود قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرأ عليَّ يا بن مسعود! قال: كيف أقرأ عليك وعليك أنزل؟! قال: اقرأ فإني أحب أن أسمعه من غيري) فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم لسماع القرآن من غيره دليل على أنه في ذلك فضيلة، وأن ذلك مشروع، ولكن لا يكفي أن تسمع للقراءة فقط، لا بد أن تتعلم؛ لأن الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأه وهو يتعتع فيه، وهو عليه شاق له أجران، أجر التلاوة وأجر المشقة، ففي ذلك فضل كبير إن شاء الله.

تفسير قوله تعالى: (ومن يوق شح نفسه)

تفسير قوله تعالى: (ومن يوق شح نفسه) Q ما معنى قول الله عز وجل: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9]؟ A الشح أقصى درجة من درجات البخل، والعياذ بالله، والبخل من أسوء الصفات التي يتصف بها الرجل، والسخاء يغطي كل عيب في الرجل، والبخل يفضح كل مكرمة في الرجل، ولهذا من صفات الله أنه كريم، ولما خلق الجنة قال: (تكلمي قالت: قد أفلح المؤمنون، قال: بعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل) فلا تكن شحيحاً ولا تكن بخيلاً، ولا تكن مقتراً؛ لأن درجات البخل ثلاث، بخيل ومقتر وشحيح، فالبخيل هو الذي إذا عزم رجلاً قدم له من الطعام ما يكفي نصف واحد، يعطيه نصف قرص وما يكفي إلا قرص، أعطاه نصف قرص، هذا بخيل والذي أخس منه المقتر الذي يصنع له ربع قرص، والشحيح من يعزم الآخرين، ويقول: ما عندنا شيء، والبيت مليء، أصعب شيء عليه أن أحداً يأكل في بيته، ولهذا سئل شخص شحيح، قالوا: من الشجاع في نظرك؟ قال: من سمع وقع أضراس القوم على رغيفه ثم لم يتفطر قلبه، يقول: هذا أشد الأبطال، الذي ما ينقطع قلبه حين يسمع الناس يهرسون في قرصه، فهذا بطل، والعياذ بالله، فالله سبحانه وتعالى ذم هذه الصفة، وبين أن الذي يوقى ذلك فقد أفلح، قال الله عز وجل: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ} [التغابن:16] أي من يكفيه هذه الصفة ولا يكون عنده شح {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التغابن:16] لأن الفلاح يأتي نتيجة الكرم. أيضاً الكرم فيه شيء ممنوع؛ لأن الكرم ثلاث درجات، كرم وهو ممدوح، وتبذير وهو ممقوت، وإسراف، فالمبذرين إخوان الشياطين، والمسرف: {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31] هؤلاء من هم، وكيف تفصيلهم؟ فالكريم هو الذي يعزم الرجل ويقدم له طعام رجل فقط. والمبذر: هو الذي يعزم رجلاً ويقدم له طعام رجلين، والمسرف: -وكلنا في هذه الدرجة- من يعزم رجلاً ويقدم له طعام ثلاثة. الآن يعزم الواحد ويقدم له طعام مائة، أي نعم، إذا قيل له: قال: الزاد للعيون ما هو للبطون، وهذا كذب وهو رياء ونفاق، لا والله العيون لا تأكل الذي يأكل البطن، وكان من طعام النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقدم لضيفه ما يكفيه، حتى ثبت أنه كان يلعق الإناء، أي: يلحسه بإصبعه أي أنه أكمل الزاد، وهذا ليس فيه شيء، من منا الآن يطبق هذه السنة في زماننا هذا، لو أردنا أن نلعق الآنية لتفقعت بطوننا، ليس على مجال العزائم فإن العزائم فيها إسراف لا يعلمه إلا الله، ولا يرضي الله، ودليل عدم رضى الله أن الناس كلهم لا يفكرون أن هذا إسراف، يعني ينفقون بسخاء، ولو طلب من أحد منهم ريالاً، أي: لو يخرج هذا الذي ذبح لك خروفاً أو خروفين، ويرى شخصاً عند الباب يريد ريالاً لطرده، لكن في سبيل الشيطان، الألف عنده أهون من ريال. لكن على مجال البيت العادي، تجد البيت يقدم الطعام في السفرة، ويكفي للأسرة التي تأكل ويمكن معها أسرتين، ما تكفي المرأة أن تأتي بقدر أو بصحن من الإدام، تضع أربعة أو خمسة صحون، وتضع صحن الرز مملوءاً، وتضع اللحم من فوق، ثم بدل أن تأتي بقرص تقسمه على الأسرة، تأتي بخمسة أقراص، وكل واحد يكسر له من القرص كسرة، ويرمون الباقي، التفاحة يفتحونها ويأخذون قطعة صغيرة ثم يرمون الباقي، الإدام يأخذ من طرف الصحن ويترك الباقي، الرز يأخذ من طرف الرز ويترك الباقي، اللحم يأكل ويترك الباقي، هذا الباقي أين يذهب؟ يوضع كله في البلاستك، ويحمل ويوضع في الزبالة، نِعم عظيمة، قدرات إمكانات ثروات! والله تكفي لإغاثة المسلمين في جميع بلاد الأرض، كلها في الزبالة، ولذلك ترون كل يوم من الأيام عند كل بيت وعند كل شقة زبالة، لو فتحتها لوجدتها كلها عيش ولحم ورز وإدام وفواكه، وفي اليوم الثاني تجد الرجل يصعد بزنبيل مليء بالمقاضي، وفي الصباح ينزل زبالة، وضاعت حياة المسلمين بين الزنبيل والزبالة، كان هناك رجل دائماً كلما خرج من بيته قالت له زوجته: هاتٍ هات! تطلب طلبات، بل ما ينزل الآن إلا بكشف، يذهب إلى السوق ومعه بيان؛ لأنه يا ويله إذا رجع ونسي شيئاً يرجع يأتي به غصباً عنه، فقال: لها يوماً من الأيام أنت كل يوم تقولين: جيب معك، جيب معك، ما في يوم قلت لي خذ ولو شيئاً، قالت: خذ الزبالة نزلها معك، فقط هذا عمل الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولا بد -أيها الإخوة- أن يكون للرجال مواقف جادة مع النساء؛ لأن هناك فلسفة شيطانية، وفكراً منحرفاً عند كثير من النساء، وهو عملية نتف ريش الزوج بالمصاريف الزائدة، وتأتي هذه الفلسفة من عقول بعض النساء الجاهلات تقول لابنتها أو لجارتها: انظري لا تتركي له ريشاً؛ لأنه إذا وفر المال سوف يتزوج ويتركك، فأنت انتفي ريشه أولاً بأول، لا يأتي آخر الشهر وباقي عنده ولا ريال، وهذا النظر غلط، هذا النظر حقيقة هو الذي يحمل الرجل على أن يتزوج، إذا وجد أن زوجته -والعياذ بالله- مسرفة وغير مُدبِّرة، وأنها تحاول أن تستهلكه وتستنفذ طاقته وإمكانياته وتتركه فقيراً على الحديدة باستمرار، يقول: بنت ندم ما هي زوجة، هذه نار، ويذهب يشتري سيارة ويستلف ولا ينتظر توفري له أنتِ، ويأتي بزوجة، أقول: إن من أعظم ما يجعل الزوج يحتفظ بزوجته، ويعيش معها عِشرة جميلة، ولا يفكر في غيرها، إذا رآها امرأة مؤمنة تخاف الله، تدبر الطعام، إذا طبخت أرزاً تضع فنجاناً فقط، ولا تضع ملء القدر، وتضع من الإدام ملء الإناء، لكن تقدم في السفرة صحناً واحداً، لها وله، وفاكهة تأتي بحبة أو حبتين، وإذا بقي شيء، أي شيء تأخذه وتضعه في الثلاجة، وتقدمه في العشاء في اليوم الثاني، يأتي آخر الشهر يجد الزوج وإذا معه مبلغ من المال، يقول: ما هذا؟ تقول: وفرنا الحمد لله، ما رأيك عندك مشروع تريد تتصدق في سبيل الله، ما رأيكم يذهب يتزوج على هذه؟! يذهب يدق عينها وهي التي تعيش معه همومه ومشاكله، وتحاول أن توفر عليه؟ أبداً ما يفعلها، أي رجل في الدنيا لماذا؟ لأن النفوس هكذا، النفوس تحب من أحسن إليها، فإذا المرأة أحسنت إليك، فتعاملها بالإحسان، لكن هذا الفكر المقلوب عند كثير من الجاهلات من النساء، يحملهن على أن تستهلك الزوج، فيذهب يبحث له عن امرأة أحسن منها، فيداويها بما كانت هي الداء لها.

تائب يخاف من عدم قبول التوبة ومن شماتة الناس به

تائب يخاف من عدم قبول التوبة ومن شماتة الناس به Q قصرت كثيراً في جنب الله، بالوقوع في كثير من الذنوب والمعاصي ولكنني والحمد لله تبت إلى الله، وهناك أمر يلاحقني وهو أنني أشعر بأنه ليس لي توبة، وكذلك يعيرني أصحابي بما كنت عليه قبل أن أتوب فهل من توجيه؟ A الحمد لله الذي هداك وتاب عليك، وأسأل الله أن يهدينا جميعاً وأن يتوب علينا وعلى جميع المسلمين، وأما شعورك الذي يلاحقك بأنه ليس لك توبة، فهذا هو مصداقية توبتك؛ لأن من شروط التوبة: الندم، وهذا الندم هو الذي تشعر به الآن، إن قلبك يتقطع أسفاً وحزناً وندماً على ما فات منك في المعصية، وخوفك هذا وشعورك هو دليل صدق توبتك، وعليك أن تحسن الظن بربك، فإن الله سبحانه وتعالى لا يخلف الميعاد، يقول الله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ} [طه:82] وكلمة غفار هنا صيغة من صيغ المبالغة {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82] ويقول سبحانه وتعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الحجر:49] ويقول: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53] وقال: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} [آل عمران:133 - 135] مثلما فعلت أنت! {أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:135 - 136] هذه الآيات كلها تبين لك وتفتح لك باب التوبة، وتعلمك أن ذنبك مغفور مائة بالمائة، وليس عندنا شك في هذا، فالله لا يخلف الميعاد، إنما الذي عليك أن تستمر في هدايتك ولا ترجع إلى ما كنت عليه، وثق بأن الله سبحانه وتعالى قد قبل توبتك.

نصيحة على أبواب الاختبارات

نصيحة على أبواب الاختبارات Q ما نصيحتكم والاختبارات على الأبواب، هل من توجيه؟ A أولاً: أنصح الشباب بتقوى الله سبحانه وتعالى؛ فإن التقوى سبب من أسباب فتح المغاليق للعلوم: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282] {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً} [الأنفال:29] فإذا تبت إلى الله من الذنوب وكان بينك وبين الله علاقة قوية بالإيمان والتقوى منحك الله فكراً، ومنحك الله ذكاء وقدرة على إدراك العلوم والمعارف، سواء علوم دينية أو علوم دنيوية. ثانياً: ننصح إخواننا بعدم الغش في الامتحانات، فإن الغش محرم ومن غشنا فليس منا. ثالثاً: نطلب من إخواننا تنظيم الأوقات بالنسبة للمذاكرة، فيجعل الإنسان له برنامجاً بحيث يذاكر المواد بشكل منظم، وإذا أعطي جدولاً فليبدأ في مذاكرة المادة التي تقدم له في أول يوم، ثم في اليوم الثاني المادة الثانية، هذا في الأسبوع الأول، وفي الأسبوع الثاني يرجع عليها بنفس الترتيب في المذاكرة الثانية، في أول يوم من الامتحان يذاكر المادة الأولى وتكون المراجعة هذه للمرة الثالثة، ويأتي الامتحان فيستطيع أن يجيب؛ لأنه قد مر على هذه المسألة ثلاث مرات، ولكن بعض الشباب لا ينظم وقته، ولا يعرف يرتب أوقات المذاكرة، فيترك مادة من المواد إلى آخر يوم فيأتي يذاكرها ولا يزال ذهنه بعيداً عنها فلا يجيب في الامتحان لكن إذا كررتها مرة ومرتين وثلاثاً سهلت عليك الإجابة بإذن الله، وننصح إخواننا بعدم السهر، فإن التجربة والواقع أثبتت أن السهر الطويل في المذاكرة يؤدي إلى عدم القدرة على الإجابة على الأسئلة في يوم الامتحان، فإن للإنسان طاقة، ولعقل الإنسان قدرة محدودة فإذا أجهده في الليل، ثم نام قليلاً، وقام إلى الصالة ودخل فإنه لا يستطيع العقل استذكار تلك المعاني التي حفظها؛ لأنه في غاية من الإجهاد، وقد جرب أن أفضل الأشياء هو النوم المبكر، والمذاكرة المبكرة، أي ليلة الامتحان، فمن الأفضل أنك تنام مبكراً في الساعة التاسعة أو العاشرة، ولا مانع من أن تستيقظ آخر الليل، ثم بعد ذلك تقوم بالمذاكرة من بعد صلاة الفجر إلى وقت الامتحان.

عقد القران يصير المرأة زوجة حقيقية

عقد القران يصير المرأة زوجة حقيقية Q أنا شاب منّ الله عليَّ بعقد القران على إحدى البنات الصالحات، وإلى الآن لم أدخل بها، فهل تعتبر زوجتي وهل يحل لي منها ما يحل للرجل من زوجته؟ A بعقد القران أصبحت زوجتك، ويحل لك أن تتصل بها وتحادثها وأن تزورها في بيت أهلها وأن تجلس معها، ولكن قضية الدخول والخلوة هذه لا بد من إذن أهلها، لا بد أن تستأذن أهلها ويأذنوا لك، ولا مانع أن تدخل بها في بيتها بعد معرفة أهلها، لماذا؟ لتحديد المسئولية؛ لأن بعض الناس يقول: زوجتي ثم يذهب بها ويخلو بها، ولا يدري أهلها، ولا يدري أهله، ولا يدري المجتمع، ثم يحصل شيء من القدر ويتخلى، ثم يتركها أو يطلقها، والناس ما عرفوا أنه قد دخل بها، فيحصل لها مشكلة في حياتها، فيشترط العلماء بخلوة الرجل بزوجته بعد أن يعقد عليها أن يكون ذلك بعلم أهلها وأهله، أو بعلم المجتمع عن طريق وليمة متواضعة، يعرفون أنه دخل بزوجته، من أجل أن هذه الآثار المترتبة على خلوته بها يتحملها هو، فإذا تخلى عنها في يوم من الأيام عرف أنه قد خلى بها، وهذا أفضل شيء. أنا لا أرى داعياً لقضية تأجيل الزواج بعد العقد، لماذا؟! ما دامت زوجته فليأخذها من نفس اليوم ويمشي ولا داعي لقصور أفراح هذه كلها أشياء عفا عليها الزمن، وتحررت منها عقول البشر، وأصبحت مظاهر كلها كذابة، ويترتب عليها آثار سيئة على الزوج وعلى الزوجة، إن أبرك الزواج هو أيسره، إذا كان سعيد بن المسيب: يقول لـ أبي وداعة لما عقد له في المسجد بعد صلاة العصر وذهب؛ لأنه سأله: قال له: ما بك تأخرت؟ قال: ماتت زوجتي، قال: أزوجك ابنتي قال: ما عندي شيئاً، قال: ما أريد منك شيئاً، وزوجه بما عنده من القرآن، وبعد ذلك لما جاء بعد المغرب، وراح أبو وداعة في البيت، لم يتصور أنه يأتي بالبنت الآن، يريدها بعد زواج ووليمة، أذن للعشاء وإذا بالباب يطرق، فقلت: من؟ قال: سعيد، يقول: فقمت، كل سعيد أحتمله في الدنيا إلا سعيد بن المسيب؛ أربعون سنة ما سمع الأذان خارج المسجد قط، أربعون سنة وهو في المسجد، لكن أدركه الأذان في ذلك اليوم وهو خارج، قال: سعيد بن المسيب، قال: ففتحت الباب، خاف أبو وداعة: ماذا حدث؟ يكون تأسف ويريد أن يلغي الزواج أو أن هناك شيئاً، يعني: وقت حرج، لماذا تأتي في هذه اللحظة يا سعيد؟ ولما فتح الباب وإذا بزوجته (البنت) وراءه، أخذها بيدها ودفعها من ظهرها وقال: إن هذه زوجتك، وإني ذكرت أنك هذه الليلة ستبيت عزباً فكرهت ذلك، خذها بارك الله لك. يقول: كيف ترقد الليلة عزوبياً وامرأتك عندنا، أين الآباء من هذا يا إخوان؟ لا إله إلا الله، زوجته لماذا تمسكها؟ مادام أنت أملكته وزوجته، لماذا تحجزها عنه وتحجزه عنها؟ من أقل أن تذبحوا وتذهبوا قصر الأفراح، وتخسروا، لا، من نفس عقد الزواج، امرأتك على كيفك إذا أردت تأخذ لك شقة في عمارة أو تستأجر لك غرفة في فندق فخذها، وإذا تريد تردها عندنا اتركها ترتاح ابنتك، بعض الناس يقول: لماذا؟ أتركها ينبسط على ابنتي ويتمتع بها، لا. أبداً، أصلاً هي التي تنبسط ليس هو الذي ينبسط، أي نعم، وهي التي تتمتع ما هو الذي يتمتع، فأنت تمتع ابنتك لكن بعض الناس عقولهم والعياذ بالله ناقصة.

من نسي فصلى بغير وضوء فعليه إعادة الصلاة

من نسي فصلى بغير وضوء فعليه إعادة الصلاة Q صليت صلاة الفجر بدون وضوء نسياناً، ولم أتذكر إلا بعد صلاة العصر، فما العمل؟ A عليك أن تستغفر الله، وأن تتوضأ من جديد، وأن تقضي صلاة الفجر، أما صلاة الظهر والعصر، فإن كنت صليت على نسيانك وما توضأت، فأعد الصلوات كلها، وإن كان توضأت للظهر وللعصر فأعد فقط صلاة الفجر؟

تبرك الصحابة بآثار النبي صلى الله عليه وسلم

تبرك الصحابة بآثار النبي صلى الله عليه وسلم Q هل الصحابة كانوا يأخذون البصاق والنخام لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويتبركون به، وهل شرب عبد الله بن الزبير دم الرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ A نعم ثبت ذلك، ثبت أن الصحابة رضي الله عنهم، كانوا يتبركون بفضل طهوره صلى الله عليه وسلم وبصاقه صلى الله عليه وسلم، وبكل شيء من آثاره، لأنه بركة على أمته صلوات الله وسلامه عليه، ولكن هذه البركة محصورة فيما دل عليه الدليل، فلا نتجاوز حدودها، لأن بعض الناس يأتي إلى الشيخ ويتمسح به تبركاً وهذا خطأ؛ لأنه ليس كرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولأن الصحابة ما كانوا يتبركون بعضهم ببعض، ولم يثبت أنهم بعد أن مات صلى الله عليه وسلم كانوا يتبركون ب أبي بكر، أو يتبركون ب عمر، أو يتمسحون بعلي أو بـ عثمان، فالرسول فقط يتبرك به، لأن الرسول شخص مميز -صلى الله عليه وسلم- وهو خير خلق الله، وأقرهم على هذا. أما التبرك بالصالحين، أو بالأولياء، أو بالطيبين والتمسح بهم، أو بجلسة معهم، هذا كله، قد يؤدي إلى الشرك وهو بدع وليس عليا دليل من كتاب ولا سنة.

حكم تأخير الصلاة عن وقتها

حكم تأخير الصلاة عن وقتها Q أنا امرأة ملتزمة والحمد لله، ولكني ضعيفة في العبادة، حيث يمر الوقت ولا أصلي إلا بعد مرور الوقت بأكثر من ساعة؟ A أجل ملتزمة بماذا؟ مادام أنها ضيعت الصلاة، وتقول أنها ملتزمة والحمد لله! ملتزمة بضياع الصلاة! بقية السؤال: وذلك لأنني مشغولة في المنزل والأولاد ولا أجد همة تجعلني أصلي في وقت الصلاة؟ فكيف الحل الذي يجعلني ألتزم بالصلاة؟ الجواب: الالتزام -أيها الإخوة- ليس ادعاء، الالتزام يكون حقيقة ومضموناً، ومن أعظم علامات الالتزام الالتزام بالصلاة في وقتها، ومع جماعة المسلمين بالنسبة للرجال، وأما بالنسبة للمرأة فإنها مع أول الوقت، فحين تسمع الأذان المرأة أو الرجل يقوم الرجل يصلي في المسجد، وهي تدخل في غرفتها تصلي، وتقطع كل شغل، أي عمل في الدنيا عندها تتركه خلفها، لماذا؟ لأنها جاءت فريضة الله، تقول: أولادي فهل الأولاد أهم عندك من الله؟! الطبيخ أهم عندك من الله؟! الغسيل؟! سبحان الله!! {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً} [النساء:103]. فلا ينبغي أن تنشغل المرأة بأي عمل غير الصلاة بل إذا سمعت الأذان. ومن يوم تسمع الأذان كأنه لسعها حنش، تترك كل شيء وتدخل الحمام وتتوضأ، ثم تخرج وتلبس ملابس الصلاة، وتستتر ستراً كاملاً لا يبدو منها شعرة واحدة، ولا ظفر، ولا إصبع ولا بطن كف ولا ظهر كف، ولا ظهر قدم، حتى ظهر القدم ما يمكن أن يظهر في الصلاة، تأخذ شرشفاً كبيراً، وسيعاًُ طويلاً عريضاً يسترها حتى ما يبقى إلا وجهها ثم تستقبل القبلة، وتذهب إلى غرفتها لا تصلي في أي مكان، في الغرفة في مخدعها في مكان نومها، تفرش لها شيئاً طاهراً تصلي عليه، ثم تصلي السنن القبلية، إن كانت الظهر تصلي قبلها أربعاً وبعد ذلك تصلي الفريضة، ثم تأتي بالسنن البعدية، بهدوء وخشوع وخضوع وحضور قلب، ثم تقوم لتكمل شغلها، هذه الملتزمة الحقيقة، أما تلك التي تشتغل مثل المكينة في البيت، والصلاة تتركها حتى تتعب فإذا فنيت أتت تصليها قاعدة، لماذا؟ قالت: تعبانة تعبانة من صلاة، وأما على المطبخ وعلى المكنسة وعلى الشغل مثل الجنية والعياذ بالله، وإذا أتت الصلاة قالت: تعبانة، وملتزمة كذلك!

مقالة: الله ما رأيناه لكن بالعقل عرفناه

مقالة: الله ما رأيناه لكن بالعقل عرفناه Q بعض العوام يقولون: الله ما رأيناه لكن بالعقل عرفناه؟ هل عندكم توضيح لهذه العبارة وهل فيها خطأ؟ A لا. ليس فيها خطأ، فالله ما رأيناه بأبصارنا، لكن آمنا به بقلوبنا ورأينا علامات قدرته وآثار وجوده بعقولنا، ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [آل عمران:190] أي: العقول، من هم؟ {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران:191] يتفكرن بماذا؟ بعقولهم، فالعقل جارحة خلقه الله للتفكر والاعتبار، من أجل النظر والاستدلال على الخالق سبحانه وتعالى، فالعبارة ليس فيها خطأ لكنها عامية، أي ليست سلفية حتى نقول: إنها صحيحة مائة في المائة، فهي كلمة عامية، لكن معناها صحيح.

رجل يصلي في الصف الأول وأولاده لا يصلون

رجل يصلي في الصف الأول وأولاده لا يصلون Q ألاحظ إهمال كثير من الآباء لأولادهم في أمرهم بالصلاة فتجد أن أحدهم في الصف الأول، ولكن أبناءه في البيت، لا يحضرون الصلاة ولا يوقظ منهم أحداً، فهل من توجيه؟ A لا شك أيها الإخوة أن أول مسئوليات المسلم أمام الله سبحانه وتعالى أن يأمر أهله بالصلاة؛ لأن الله قد ضمن له الرزق، وقال: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132] سبحان الله! يا أخواني فكروا معي في هذه الآية، لو أن مسئولاً كبيراً، جاء بك وكلفك بمهمة، وقال لك: عليك بهذه المهمة، ولا تلتفت للرزق فرزقك علينا، ما رأيك؟ هل سيحمل هماً؟ يذهب يشتغل بتلك المهمة وخلاص مكفول على المسئول، الله سبحانه وتعالى الرزاق الذي يرزق كل ما في الأرض {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود:6] يقول: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132] وظيفتك أنك توجه أهلك وزوجتك للصلاة، وبعد ذلك قال: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه:132] فماذا حصل؟ اشتغل الناس بالرزق وضيعوا الصلاة، تجده من الصباح إلى الساعة العاشرة وهو في الدكان، وإذا جاء الرزق، طيب وأولادك صلوا؟ قال: ما أدري عنهم، اهتم بالمكفول ضيع والواجب، وبعض الآباء ليس عنده شغل حتى بالرزق وإنما إهمال، يقول: يصلي ويخلي أولاده، لا يا أخي الكريم، لا تبرأ ذمتك إلا برعايتك لأولادك، وستجد صعوبة طبعاً، لكن اصبر وبعد أعظم وسيلة خذوها مني وهي نتيجة تجربة، هذه التجربة مارستها في تربيتي لأولادي والحمد لله، ونجحت فيها لحد بعيد، قضية الأمر بالصلاة، يقول لي أحد أولادي وربما تسمعون به وهو الشيخ أنس، داعية والحمد لله الآن يدرس الماجستير، يقول لي: كذا بالنص، يقول: يا أبتي كنت إذا أنت تدخلنا المسجد تأمرنا بالقوة، يقول: أشعر بضيق وتعب وأنا صغير، يقول: وأحس وأنا أرى الأولاد يلعبون في الشارع، أقول: الله يهنيهم، أبوهم لا يقول لهم: صلوا، ويقول: أشعر بأنك تعقدنا وأنك تزعجنا، كل ساعة صلاة صلاة، يقول: وبعدين مع الزمن أحببنا الصلاة، يقول: حتى لما كبرنا ما رأينا صعوبة ونحن نصلي؛ لأننا مدربون عليها من حين خلقنا، وكذلك يا أخي أولادك، هذه أعظم وسيلة، فتجد صعوبة، الولد ما يحفظ عن الصلاة أنها عمل عبادة، والولد لا يدرك العبادة، ولا يدرك لها لذة، ولذا هي جهد ضايع عنده، قد يصلي بغير وضوء، وقد يصلي بغير خشوع، لكن اجعله يصلي، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر) رغم أنهم ليسوا مكلفين، لماذا؟ لكي يعتادوها فتسهل عليهم إذا كبروا لكن حين تتركه وهو ابن سبع، وتتركه وهو ابن عشر، ويصلي ابن خمس عشرة وهو مكلف إذا لم يصل صار كافراً، تقول له: صل، ما تدرب صلاة، ماذا يصلي؟ يراها أكبر من الجبال، ولا يصلي ولا يطيع لو تضربه وتحط ظهره على الحديد، ما يصلي، لماذا؟ وكما يقال: إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت ولا تلين إذا صارت من الخشب الغصن الأخضر قد تميله على كيفك، لكن إذا صار خشبة يابسة، تعال اعوجها أو صلحها! فلا يا أخواني الله الله في قضية أولادكم في الصلاة، وبعد ذلك القضية والأمر يحتاج إلى صبر؛ لأن الله يقول: {وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132] والاصطبار هنا فعل أمر من الخماسي، ما قال واصبر بل قال اصطبر وهو فعل خماسي، ويقول علماء اللغة: إن الزيادة في المبنى -أي مبنى الكلمة- من الرباعي أو الخماسي أو السداسي يدل على الزيادة في المعنى، فالله ما قال: اصبر بل قال: {وَاصْطَبِرْ} [طه:132] والاصطبار هو أقصى درجات الصبر.

الطلاق لا يقع بحديث النفس

الطلاق لا يقع بحديث النفس Q هل يقع الطلاق من حديث النفس؟ A حديث النفس وسواس، والوسواس من الشيطان، والشيطان لا يجوز له أن يطلق امرأتك فلا يقع بحديث النفس، هي امرأتك أم امرأة الشيطان، حتى يطلقها بالوسواس، لا. الذي يأتي في النفس أي شيء في النفس، ما يخرج ويترجم إلى كلام وإلى كتابة وإلى فعل، هذا ليس شغلك، أي شيء، بعض الناس يشتكي، يقول: يا شيخ والله أنا أوسوس، أفكر في الله، أفكر في الجنة، ويأتيني خوف، نقول له: الوسواس هذا ممن يقول: للشيطان ثم أترك الشيطان يوسوس حتى يذوب مادام أن أصله وسواس هذا عمله، أنت تريد الشيطان ما يوسوس هو يوسوس غصباً عنك؛ لأنه هذه وظيفته، أتركه يوسوس ولا عليك أي مسئولية من وسواسه، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام واشتكى الصحابة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (الحمد لله الذي رد كيد عدو الله إلى الوسوسة) فإذا جاءك وسواس في أي شيء لا تلتفت إليه، فإنك غير مسئول عنه ولا مؤاخذ عليه، يقول عليه الصلاة والسلام: (إن الله عفا عن أمتي الخطأ والنسيان وما حدثت به نفسها ما لم تعمل أو تتكلم) إذا عملت أو تكلمت، إذا أنت وسوست في طلاق امرأتك، لا يؤثر، لكن إذا أخذت القلم وكتبت الورقة، خلاص طلقتها، أو دعيتها وتكلمت معها، وطلقتها، لكن مادام وسواساً، فهو للشيطان وبالتالي لا يمكن أن نحملك فعل غيرك، فعل الشيطان يتحمله الشيطان، والشيطان اتركه يطلق امرأته، أما امرأتك فليس له علاقة بها، ما يطلق هو.

الابتلاء بزوجة لا تطيع زوجها

الابتلاء بزوجة لا تطيع زوجها Q ما رأيك فيمن ابتلي بزوجة لا تطيعه ولا تحترمه ولا تطيع له أمراً وهو يتأذى من ذلك فهل يطلقها أم يصبر عليها؟ A نعوذ بالله وإياكم من مثل هذه المرأة، وهذه مصيبة المصائب، وعقدة العقد ومشكلة المشاكل، أن يبتلى الرجل بامرأة من هذا النوع، لا تطيع ولا تحترم ولا تنفذ أمره، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة) وهي التي إن نظرت إليها سرتك، وإن أمرتها أطاعتك وإن غبت عنها حفظتك في نفسها وفي مالها، والمرأة التي لا تطيع الزوج لا شك أنها آثمة، وهذه معصية لله سبحانه وتعالى، والملائكة تلعنها إلى أن يرضى عنها زوجها، والتي لا تحترم زوجها أيضاً آثمة، والملائكة تغضب عليها، والله يغضب عليها من فوق سبع سماوات، إن الزوجية رق، المرأة كأنها عند زوجها رقيقة، بل حق الزوج مقدم على حق الأم والأب، الرجل حق الأم أهم شيء، ثم الأب ثم أدناك أدناك، أما المرأة فأولى الناس بالحق عليها زوجها قبل أمها وقبل أبيها، ولما جاءت عمة عمران بن حصين أخت حصين بن معبد، قال لها الرسول: (أذات زوج أنتِ؟ قالت: نعم يا رسول الله، قال: كيف أنت معه؟ قالت: لا آلوه جهداً -أي في الطاعة- ما حقه؟ قال: لو أن به قرحة، -أي قرحة يسيل الدم والقيح منها، من رأسه إلى قدمه- ثم لم تجدي أن تمسحيه إلا بلسانك ما قمت بحقه) وقال صلى الله عليه وسلم: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) فنقول لهذه المرأة إن كانت تسمع الكلام: اتقي الله، واعلمي أن طاعتك لزوجك أعظم من أي عمل تعملينه بعد فرائض الله سبحانه وتعالى. أما قضية الطلاق أو الصبر عليها فهذا شيء يرجع تقديره إليك، نحن لا نعرف ظروفك كاملة حتى نقول لك: أمسكها أو طلقها، أنت الذي تقدر، فإن رأيت أن من مصلحتك أن تبقى معك هذه الزوجة وكانت تصلي وحافظة لما بينها وبين الله عز وجل، فيجب أن تنظر إليها نظرة كاملة؛ لأن بعض الناس ينظر إلى السلبيات من زوجته ويترك الحسنات، لا، الرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كما في البخاري: (لا يفرك مؤمن مؤمنة) أي: لا يبغضها (إن كره منها خلقاً رضي منها آخر) النساء ما فيهن كاملات، ما في امرأة إلا وفيها وفيها، فيها حسنات طيبة وفيها سيئات، فأنت انظر إلى المرأة بمنظار كامل، ثم وازن بين سلبياتها وإيجابياتها، فإذا رأيت جانب الإيجابيات غالباً فاصبر، ولو فيها نقص، لأن المرأة خلقت من ضلع أعوج، هل رأيتم في الدنيا ضلعاً مستقيماً مثل المسطرة؟ (وإن أعوج ما في الضلع أعلاه) فأعوج ما في المرأة لسانها (فاستمتعوا بهن على عوجهن) فالذي يريد امرأة مثل المسطرة ما فيها ولا عوجة، هذه في الجنة، أما في الدنيا ما في واحدة، فأنتم مشوها نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم الصالحات.

درس تربوي عملي في عدم الحلف بالله

درس تربوي عملي في عدم الحلف بالله نكتفي بهذا -أيها الإخوة- وحقيقة والله لا أريد أن أترك هذه الأسئلة؛ لأن أشعر بالإثم أن أسأل ولا أجيب، لا بد من الإجابة على سؤال الناس، ولكن يعلم الله أن ليس بالإمكان هذا، أي شيء فوق طاقة البشر، أن يجيب على كل الأسئلة، فأنا أقول للإخوة الذين ما أجيب على أسئلتهم لا يهملون الأسئلة، يكررونها مرة ثانية أو يتصلون تلفونياً بالمشايخ، وبالدعاة، وبالإمكان الاتصال بي، وتلفوني موجود في الدليل دليل الهاتف، يمكن السؤال (905) يعطوك التلفون وتتصل في أي وقت، ونسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق لما يحبه ويرضاه، وإلى اللقاء إن شاء الله في الحلقة القادمة وفي الجلسة بالشهر بالماضي ودرس التربوي لهذا الشهر تعودنا في كل شهر أن نأخذ درساً تربوياً حتى تتحول مجالسنا من مجالس سماع إلى مجالس عمل وتربية، وقد اخترت لكم في هذا الدرس أو في هذه الليلة، درساً تربوياً أطلب منكم الالتزام به، على مدار الشهر هذا، إلى السبت الأخير من شهر شعبان أن شاء الله، ثم بعد ذلك الاستمرار عليه، طبعاً نحن نعطي هذه الفترة تدريبية، لكن بعده ما تترك؛ لأن الله يقول واعبد ربك حتى يأتيك اليقين، فقط هذا فترة تدريب، هذا الدرس التربوي هو ألا تحلف بالله مطلقاً لا بار ولا فاجر، لماذا؟ لأن هذا يدل على تعظيم الله، يقول تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة:224] فلا ينبغي لك أن تحلف لا باراً ولا فاجراً، إذا طلب منك يمين فتعود على ألا تحلف، لماذا؟ لأنك إذا حلفت بالله باراً قادك هذا إلى أن تحلف بالله فاجراً، أما -إذاً- تحرجت من الحلف بالله وأنت بار، فهل يمكن أن تحلف بالله فاجراً، ما رأيكم؟ ما أقدر أحلف بالله، خذها بدون يمين، أنا ما أحلف، أنا أعظم ربي، هل يحلف بالله هذا فاجراً؟ لكن إذا حلف بالله والله والله، والله، وهو صادق، وبعد أيام يحلف وهو كاذب؛ لأنه استهان بالله، يقول العلماء: إلا إذا طلب منك عند قاضٍ في دعوى، تقتضي منك إظهار حق بإنكار، بيمين طلبها القاضي وأنت صادق، فلا بأس، إنما تجعل لسانك على كتفك، والله، والله، والله، والله، طوال اليوم فهذا استخفاف بالله، فنريد -أيها الإخوة- من الآن، أن نلزم أنفسنا، قلت: أترك اليمين غداً فضع ورقة في جيبك وكلما حلفت سجل مرة، آخر الشهر ترى كم حلفت، إن كان جاء آخر الشهر وأنت ما حلفت ولا يمين لا باراً ولا فاجراً، فأنت ناجح مائة في المائة، وإذا كان قد كان في واحد اثنتين ثلاث إلى عشر أنت ناجح تسعين في المائة، وهكذا، وأنت الذي تقيم نفسك حتى تعود نفسك على ألا تحلف بالله لا باراً ولا فاجراً والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصبحه وسلم.

الطريق إلى الهداية [1، 2]

الطريق إلى الهداية [1، 2] من أجل نعم الله على هذا الإنسان: نعمة الإيمان والهداية. ولذلك ينبغي للإنسان أن يحرص على الحصول عليها وأن يسعى في سبيل تحقيقها. وبالهداية يجد المسلم السعادة في حياته الدنيا ويعيش طمأنينة عجيبة. أما طريقها فسهل لمن سهله الله له: وهو بإعلان التوبة مما مضى، وعقد النية على الحرص على الأعمال الصالحة في المستقبل، وإحسان العمل في الزمن الحاضر.

فضل مجالس العلم وأهله

فضل مجالس العلم وأهله الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الإخوة في الله: أولاً جزى الله القائمين على مدرسة تحفيظ القرآن الكريم في هذا المسجد خيراً، حينما هيأت هذا اللقاء، وأعادت للمسجد بعضاً من رسالته، فإن المسجد كان كل شيء في حياة المسلمين، وجزاكم الله خيراً حينما أجبتم الدعوة وجئتم لتشجعوا داعي الإيمان، ولتحضروا مجالس الذكر التي تحتاج إليها القلوب أكثر من حاجة الأرض إلى المطر، فإن غيث القلوب هو العلم، وغيث الأرض هو المطر، وأنتم ترون أن الأرض إذا حُبس عنها المطر أجدبت وأقحلت وتغير شكلها ولم تؤتي خيراً، وكذلك القلوب إذا حرمت من سماع العلم والذكر فإنها تجدب وتقصر وتقسو ولا يأتي منها خير. وترون الأرض إذا نزل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، وكذلك قلوب أهل الإيمان إذا نزل عليها العلم -وأعني بالعلم هنا علم الكتاب والسنة: قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم- وسمعت الذكر والعلم الإيماني اهتزت كما تهتز الأرض، تهتز وتضطرب، وتخاف وتوجل وتشفق، ثم بعد هذه الحركة القلبية تزداد إيماناً، عبر الله عز وجل في الأرض المادية فقال: {اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج:5] وقال في قلوب المؤمنين {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} [الأنفال:2] فتنبت القلوب حينما تسمع العلم من كل زوج بهيج من العمل الصالح، والبعد عما حرم الله. وما دام الأمر كذلك فإن من الضروري أن يحرص المسلم على حضور مجالس الذكر ومتابعتها، وأن يجعلها في صلب برنامجه اليومي، ولا يجعلها على الهامش بحيث إن تيسرت حضر وإن لم تتيسر لم يحضر، وإنما يجعلها شيئاً رئيسياً وضرورياً في حياته؛ لأنها غذاء لقلبه، والله تبارك وتعالى يقول: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:22] ويقول: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ * الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} [الرعد:28 - 29]. هذه مقدمة لبيان فضل هذه المجالس التي نسأل الله عز وجل أن يجعلها في ميزان الحسنات، وأن يجعل الجلوس فيها وسماع العلم وقوله خالصاً لوجه الكريم.

نعمة الهداية والإيمان وعظيم قدرهما

نعمة الهداية والإيمان وعظيم قدرهما إن نعمة الهداية والدين والالتزام، والسير على الصراط المستقيم، من أجلِّ نعم الله على العبد؛ لأنها نعمة ترافقك آثارها في هذه الحياة، وعند الموت، وفي القبر، وعلى الصراط، وفي أرض المحشر حتى تدخل الجنة ببركة نعمة الإيمان. إن الكفر والمعصية والنفاق والضلال مصيبة، ونكبة على الإنسان في هذه الدنيا وعند الموت، وفي القبر، وعلى الصراط وفي عرصات القيامة، ويوم يسحب على وجهه ويقذف على أم رأسه في النار، أعاذنا الله وإياكم من ذلك. والناس اليوم يتطاحنون، ويتناحرون، ويتسابقون في سبيل تحصيل المال، وكثرة العيال، وعلو المنصب والجاه، وهذه النعم: نعمة المال والأولاد والمنصب والجاه نِعمٌ لا تنفع في الآخرة {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى} [سبأ:37] لا يقربك مالك، ولا ولدك، ولا جاهك عند الله خطوة واحدة، إلا بمؤهلات الإيمان والعمل الصالح {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ:37].

الإيمان غذاء الروح وراحة البدن

الإيمان غذاء الروح وراحة البدن نعمة الإيمان هي النعمة التي ينبغي أن نحرص على الحصول عليها، وأن نَجِد السير في سبيل تحقيقها، وإذا حصلت فينبغي لنا أن نقبض عليها، وأن نعض عليها بالنواجذ حتى لا نحرمها؛ لأنها ترافقك في هذه الدنيا، فأنت في الدنيا بنعمة الإيمان تعيش حلاوة هذه الحياة؛ لأن هذه الدنيا لها طعم، ولذة هي لذة الإيمان، يقول ابن تيمية رحمه الله: (إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة)، ولما سجن رحمه الله في سجن القلعة في دمشق كان يقول لسجانه: (ما يصنع أعدائي بي، أنا جنتي وبستاني في صدري، سجني خلوة، وإخراجي من بلدي سياحة، وقتلي شهادة)، وكان ابن القيم رحمه الله يقول: (والله إنا كنا نزوره في السجن ولسنا مسجونين وقد جمعت علينا هموم الأرض فوالله ما إن نرى وجهه وهو بين الجدران وفي الحديد حتى يسرى عن قلوبنا). وهذا بسبب نعمة الإيمان التي يقول الله فيها: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} [آل عمران:139 - 140] ويقول: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104]. فالمؤمن بإيمانه يعيش في سعادة ولو لم يمكن من في شيء من ملذات هذه الحياة، والله لو سكن الكوخ، وركب الحمار أو مشى على قدميه، ولبس الثياب البالية المقطعة، وأكل من خشن العيش ومعه الإيمان؛ فوالله إنه في سعادة أعظم من سعادة الملوك، يقول أحد السلف: لو يعلم أهل الجاه والسلطان ما نحن فيه من اللذة والسرور لجالدونا عليها بالسيوف، أما بغير نعمة الإيمان، فوالله لو سكن الإنسان أعظم عمارة، ولو امتطى أحدث موديلات السيارات، ونكح أجمل الزوجات، وتغذى بأشهى المأكولات، وامتلك الملايين من الريالات وهو ليس ذا إيمان فوالله ما يزداد إلا عذاباً وشقاء؛ لأنه بهذه الإمكانات المادية إنما يرفه عن جسده؛ لأن الإنسان مكون من عنصرين: عنصر مادي وعنصر روحي، فالعنصر المادي الجسد غذاؤه من الأرض، لكن العنصر الروحي غذاؤه من السماء، فإن لم يتكامل في غذاءيه بعنصريه المادي والروحي فإنه يعيش مشلولاً، مقسوماً لا تحصل له السعادة إلا بالتكامل في حياته في مطالب الروح والجسد. ولكن إذا سعُدت الروح حتى ولو لم تكتمل مطالب الجسد فإن الروح هي الراكب. يقول ابن القيم رحمه الله: الإنسان بدنه مركوب وروحه راكب، ودائماً القيمة للراكب. لو جاءك ضيف على دابة من وسائل الأولين وأدخلت حماره في المجلس، وأدخلت الصيف مكان الحمير ما ظنك بهذا؟ هل يعد هذا إكراماً؟! فيعيب عليك يقول: كيف تضعني هنا وتضع الحمار في المجلس، وإذا جاء العشاء قدمت العشاء للحمار وتركته بدون عشاء، وإذا جاء سألك قلت: والله ما أردت إلا إكرامك، أنا أعلم أن هذا الحمار هو الذي جاء بك، وهو الذي حملك وتعب حتى أوصلك عندي فأردت أن أكرمه؛ لأن إكرام الحمار إكرام لصاحبه، فيقول: صحيح، لكن الكرامة الكبيرة لي أنا، وأعط الحمار ما يستحق من الكرامة، أما أن تحرمني وتعطيه فهذا خطأ. وكذلك الناس الآن يكرمون المركوب ويتركون الراكب، يكرمون المركوب وهو الجسد بالغذاء الحسن، واللباس الجميل، والمسكن الجميل، والمركب المريح، وإذا أصيب بمرض سارعنا في علاجه، وإذا جاءه الحر أخذنا الملابس الخفيفة للتخفيف عنه، وإذا جاء البرد لبسنا الملابس الشتوية لمقاومته، لا نريد أن ينال هذا المركوب شيء، والراكب محروم من غذائه، مسجون ما أعطيناه من حقه شيئاً، ولذا عاشت أرواحنا في ضيق، وعاشت أجسادنا في سعة: يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته أتعبت نفسك فيما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان أما ترون حينما ينام الإنسان، إذا تعب الإنسان في عمله، أو سفره، أو مذاكرته؛ فإنه يحصل له إرهاق وتعب، ويشعر بانحطاط في قواه، ووهن في عضلاته وهو يريد أن يرتاح، فما الذي يحصل لو أراد الإنسان أن يرتاح هكذا بدون نوم؟ كلما نام جاء شخص وأيقظه، وهو مستلقٍ على السرير، يقول له: استرح لكن لا تنم؟ أنت تريد أن ترتاح من العمل والتعب فخذ راحتك على السرير، ولكن إياك أن تنام، وكلما نام صب عليه الماء، ما رأيكم هل يرتاح هذا النائم؟! لا وإنما يرتاح إذا نام، لماذا؟ يقول العلماء: لأن الروح الراكب تنزل من المركوب، فيجد الجسد راحة من عدم ركوب الراكب، ولذا الإنسان إذا تعب طول يومه ثم نام ساعة أو نصف ساعة أو ساعتين أو ثلاث ساعات، يقوم بعد النوم وهو نشيط كأنه ما عرف التعب، فما الذي حصل له؟ هل دخل في ورشة النوم؟! لا يوجد فيه ورشة، إنما الذي حصل أن الروح نزلت من هذا الجسد وبعدت في إجازة قصيرة لكنها سوف تعود، أما لو ذهبت ولم تعد فقد أصبح هذا موتاً، ولذا إذا أتيت إلى النائم بالرائحة عند أنفه يشمها فلا يشمها رغم أن حاسة الشم موجودة، وتأتي إليه بالأصوات الخفيفة عند أذنه فلا يسمعها، وتفتح عينه وتمرر أمامه أجساماً فلا يراها. أجل العين ليست هي التي ترى، والأذن ليست هي التي تسمع، والأنف ليس الذي يشم، ولو وضعت في فم النائم قطعة سكر ما أحس بها، تريد أن تنادي الذي يشم، ويسمع، ويرى ويتذوق أين هو؟ ليس موجوداً الآن، تريد أن تناديه؛ أيقظه وقل له: فلان فلان، فإذا استيقظ فأعطه الرائحة يشمها، وأعطه الشيء يراه، ما الذي كان غائباً؟ الروح، إذا ذهبت الروح نزل الراكب من على الجسد فيرتاح الإنسان، وإذا رجعت بقي، مثل الآن الذي يركب سيارته باستمرار ولا يتوقف لابد أن يريحها، والذي يركب حماره ويسافر من أرض إلى أرض دائماً وما ينزل من على حماره سيموت الحمار، وكذلك هذه الروح.

لا سعادة تعدل سعادة الإيمان

لا سعادة تعدل سعادة الإيمان هذه الحياة كلها؛ لذتها وطعمها في حياة الروح، وإذا حُرِم الإنسان من غذاء الروح -الغذاء الإيماني- عاش في عذاب وشقاء، ولذا ترون البشرية اليوم في الشرق والغرب، في أوروبا وأمريكا بلغوا من التطور والتقدم والاكتشافات العلمية ما لا يصدقه العقل، أراحوا الجانب الجسدي لأبعد درجة، لدرجة أنه في أمريكا يقال: في المناطق الباردة ينامون وعليهم بطانيات كهربائية يضبط العيار عنده فيجعله مثل الخيمة الصغيرة، ويربط (الفيش) بالكهرباء وبعد ذاك عنده عيار يضبط به درجة الحرارة، كم يريد من الحرارة. عشرين ثلاثين، وينام طوال الليل على هذا، بالرغم من هذا التكييف الذي يحصل له، وبالرغم من أن كل شيء في الدنيا مهيأ إلا أنهم في عذاب، حتى إن أعلى دول العالم نسبة في الانتحار هي أعلى دولة نسبة في التقدم والرقي وهي الدول الإسكندنافية: الدنمارك والسويد والنرويج أعلى نسبة الانتحار فيها؛ لأنهم ما وجدوا السعادة ولا الراحة في كل ما حققوه لأنفسهم من الماديات، فلما لم يجدوا راحة بل وجدوا أنهم في ضيق تخلصوا من الحياة بالانتحار. يفكر أحدهم ويقول: أنا لماذا أعيش؟ فيقول: أنا أعيش من أجل أن أموت، فما دام أني أعيش من أجل أن أموت فأموت من الآن، لماذا أجلس سنة أو سنتين أو عشر وأنا آكل وأشرب وأصبح وأمسي حتى أموت، فيقفز قفزة إلى الموت ليتخلص من هذه الحياة، لكن الذي يقدم لك الراحة والطمأنينة، وينزع من قلبك القلق والاضطراب والحيرة، ويوجد في قلبك الاستقرار والأمان هو الإيمان، هو دين الله عز وجل، هي الهداية. ولا تسعد في هذه الدنيا إلا بالهداية؛ لأن من الناس من يتصور أن آثار الدين فقط في الآخرة، ولهذا يقول: الدين سيحرمني من لذات الدنيا، فأنا أتمتع فيها والآخرة بعد ذلك، وهذا خطأ، الدين آثاره معك في الدنيا قبل الآخرة، والكفر معك آثاره في الدنيا قبل الآخرة، الكفر يزرع في قلب الإنسان الخوف والقلق، والحيرة والضلال، والتيه وعدم الرضا، مهما شبع ومهما ولغ من الشهوات؛ لكنه لا يجد الراحة والطمأنينة إن كانت أموال فهي عليه وبال، يقول الله: {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:55] إن كن زوجات وأولاد يقول الله عز وجل: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن:15] ليس بديلاً للإيمان شيءٌ في هذه الحياة، فلا يوجد في الدنيا بديل للإيمان لإسعاد الإنسان في هذه الحياة.

حال المؤمن والكافر في الحياة الأخروية

حال المؤمن والكافر في الحياة الأخروية عند الموت هناك الساعات الحرجة، وهناك يقال: ستعلمي حين ينجلي الغبار أفرس تحتك أم حمار هناك تنكشف الأغطية يقول الله: {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:22]. عند لحظات الموت للإنسان المؤمن فإنه يتعرف على ثمرة الإيمان، ويحمد الله الذي هداه إلى الإيمان، وثبته بالإيمان بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وفي القبر يجيب، وجنانه ثابت، ولسانه طلق ويقول: ربي الله وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، ويوم القيامة يُبعث أبيض الوجه يقرأ كتابه بيمينه، ويقول: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة:19 - 20] ويمر على الصراط كالبرق الخاطف، ويوزن عمله فيرجح ميزانه، ثم يرد الحوض على النبي صلى الله عليه وسلم فيشرب شربة لا يظمأ بعدها أبداً، هذا الحوض كيزانه وأوانيه عددها كعدد نجوم السماء، وماؤه أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، من شرب منه شربة واحدة لم يظمأ بعدها أبداً. ثم بعد ذلك يدخل الجنة ويقال له: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:70 - 71] في نعيم أبدي سرمدي، هذه كلها هي ثمرة الإيمان والعمل الصالح. أما الكفر مع المال، أو الملك، أو الجاه، والأولاد فهذه لا تنفع شيئاً، بل تكون على صاحبها وبالاً في الدنيا والقبر، وعند الموت لا ينفعك المال ولا الأولاد ولا الجاه، وفي القبر لا تدخل القبر بمالك أو بكرسيك أو وظيفتك أو ملابسك أو ببدلة رسمية أو بنجوم أو بأولاد أو بأحد معك: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:94] ثم بعد ذلك يوم القيامة تأتي في السؤال فلا تعرف، من ربك ما دينك من نبيك؟ لأنك ما ثبت على الدين هنا فلا تثبت على الجواب هناك {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27]. ويوم القيامة يقوم الإنسان فزعاً مذعوراً خائفاً؛ لأنه قد أمن الله في الدنيا فيخوفه الله يوم القيامة، فلا يجمع الله على عبده أمنين، ولا خوفين، من خاف الله في الدنيا {أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82] أما من أمن هنا فهناك الخوف الذي يقطِّع قلوبهم والعياذ بالله: {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} [المعارج:44] ذلة وخوف ومهانة {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [المعارج:43 - 44]. ويأتون إلى الصراط كي يعبروا عليه فلا يمكنون من العبور؛ وأنهم لا يجدون وسائل نقل من العمل الصالح، وهذا ليس عنده شيء ولو كان هنا عنده ملايين، ولو عنده سيارة مرسيدس آخر موديل، وعمارة، ووظيفة، لكنه تركها وراءه وما أخذها معه إلى الآخرة، فيأتي على الصراط يريد مرسيدس، ولكن لا يمشي هناك إلا العمل وليس معه عمل، فماذا يحصل؟ من أول خطوة يضعها على الصراط يسقط، فيهوي في النار -والعياذ بالله- وبعد ذلك يريد أن يأخذ كتابه بيمينه ويريد أن يأخذ الجنة حتى بالكذب، ويرى أهل الإيمان يأخذون كتبهم بأيمانهم فيمد يمينه فتضربه الملائكة بمطرقة من حديد على كتفه فتخر يمينه فليس له يمين، فلا يستطيع أن يأخذ إلا بالشمال، فإذا أخذ كتابه بشماله قال: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة:25 - 27] يقول: ليتني مت وما بعثت، ثم يتذكر ما الذي أضله وألهاه في الدنيا فيقول: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} [الحاقة:28] كان يلهث وراء المال كالكلب لا يشبع من كثير ولا يقنع بقليل، مثل جهنم: هل من مزيد. وطالب الدنيا مثل شارب البحر، كلما ازداد شربه ازداد عطشه، يملأ بطنه فيزداد ويلتهب جوفه، وهكذا طالب الدنيا {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:28 - 29] أي: ذهب عني السلطان، وذهبت عني الوظيفة، وذهبت عني المنزلة والمنصب والجاه، ويسترحم ولكن لا يرحم يقول الله: {خُذُوهُ} هذا الكذاب هذا الفاجر {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} [الحاقة:30] والغل هو وضع القيد في الرقبة مع اليدين والقدمين، توضع يديه مع قدميه في رقبته في غل واحد {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:31 - 32] اسلكوه: تدخل السلسلة من فمه وتخرج من دبره، ينظم فيها كما تنظم الخرزة في المسبحة، لماذا؟ قال: {إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ} [الحاقة:33 - 37] أعاذنا الله وإياكم من ذلك، ويأتي يريد أن يزن أعماله وليس معه شيء، ما عمل إلا السوء -والعياذ بالله- فيرجح ميزانه بالسيئات. وبعد ذلك يرد الحوض فتطرده الملائكة من بعيد، ما له طريق إلى الحوض، ثم يكردس في النار، أعاذنا الله وإياكم من النار كما قال الله عز وجل: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر:71 - 72]. هذه آثار نعمة الإيمان، فهل هناك أعظم من هذه النعمة؟ لا والله، والله إن الأحرى والأجدر بالعاقل ألا يشتغل عن الآخرة وأن يجعل همه في كيف يحصِّل نعمة الإيمان، ثم كيف يثبت عليها.

كيفية تحصيل نعمة الإيمان

كيفية تحصيل نعمة الإيمان أما كيفية تحصيل هذه النعمة؛ فسبيلها سهل، وطريقها يسير، كما يقول ابن القيم: هلمَّ لتدخل على الله من أقرب الطرق وأوسع الأبواب؛ لأن من الناس من يريد الهداية ولكن الشيطان يضخمها عليه، ويقول له: أنت لا تستطيع أن تهتدي، والدين ثقيل وكبير جداً، ولا مانع من أن تتدين لكن لا تأخذ الدين بعروقه -كما يقولون- وإنما خذ ورقة من رأس الدين، وعندها هل سيكون معك دين؟ إذا أردت أن تزرع شجرة في بستانك فماذا يتطلب الأمر منك؟ أن تأخذ (الشتلة) بعروقها، لكن لو جئت تأخذ من رأس الشجرة ورقة وتغرسها في البستان، فهل تغرس لك شجرة؟ لا. لابد أن يؤخذ الدين بكليته، والله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:208] لا يوجد دخول جزئي أو نصفي، أو فيما أريد وأترك ما لا أريد فلا آخذ من الدين، إلا الذي يوافقني، لا. لابد أن تأخذ الدين جملة واحدة؛ لأن التشليح في الدين لا يصلح، هل تأخذ سيارة ناقصة، لو جئت تشتري سيارة، وجئت تنظر إلى الإطارات وإذا بالإطار فيه ثلاثة مسامير والرابع ليس موجوداً فيعتبر هذا عيباً فيها، فلن تشتريها، وإذا اشتريتها تذهب بها على أن تكمل النقص، لا تريد أن تمشي في سيارتك وهي تنقص مسماراً واحداً، لكن من الناس من يريد ديناً؛ لكن ليس معه من الدين إلا ما يعادل مسماراً واحداً، بعض الناس ما معه من الدين إلا (البوري)، يعني: معه إسلام لكن ليس فيه شيء، لو نظرنا إلى شخص ركّب له في رأسه (بوري) ووضع له (حجاراً) ويمشي في الشارع ويضرب (بوري) نقول: ما هذا؟ يقول: سيارة أما تنظرون إليها؟ نقول: والله هذا مهبول وليس معه عقل، ومن الناس من ليس معه من الدين إلا المساحات، أو العيون.

الهداية لا تعني العصمة من المعاصي

الهداية لا تعني العصمة من المعاصي نحن لا ندعي أن صاحب الدين كامل لا يعصي الله عز وجل، لا. فالعصمة للأنبياء، والعاصم هو الله، لكن نعني أنك تضع نفسك وتخضع كل حياتك لدين الله، عينك تخضعها للدين فلا تنظر بها إلى الحرام، وإذا نظرت مرة تستغفر وتتوب، أما أن تخصص عينيك للشر وللشيطان وأنت تصلي في المسجد فهذا حرام، لكن من يوم تخرج من صلاة العصر إلى المغرب وأنت في المعارض والأسواق تتتبع أعراض المسلمين، وتتلصص على محارمهم، وتملأ عينيك من الحرام وتقول: يا شيخ! أنا أصلي والحمد لله! نعم. صليت ولكنك ما اتقيت الله في هذه العين، والله يقول: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:30]. أنت تخضع عينيك لدين الله ولكن لست بمعصوم، فقد تقع منك زلة و (قد) هنا لما يستقبل من الزمان على التقليل، وقد يقع منك شيء، فإذا وقع شيء تقول: أستغفر الله وأتوب إليه، ولذا شرع الاستغفار وشرعت التوبة، وبيّن الله أنه غفور رحيم، ولا يكون كذلك إلا لمن يخطئون ويذنبون؛ لأن هذه صفة من صفات الله، قال عز وجل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. معنى الدخول الكلي في الدين أنك تقول: يا رب أنا عبدك وأنت خالقي وسيدي ومولاي وإلهي، وأنا عبدك خاضع بين يديك، أخضع كل حياتي لأمرك، فعيني لا أنظر بها إلا ما تريد، وهذا معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يرويه عن ربه عز وجل قال: (يقول الله تبارك وتعالى: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بعمل أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به) إذا أحبك الله أصبحت عبداً ربانياً، لا تسمع إلا ما يحبه الله (كنت سمعه الذي يسمع به) هل تسمع شيئاً يغضب الله؟ لا. لماذا؟ لأن أذنك هذه ربانية. (وبصره الذي يبصر به) تصبح عينك هذه عيناً ربانية مهتدية؛ لأنها تبصر بالله، هل يمكن أن تبصر حراماً؟ لا. (ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته، ولا بد له منه) لا بد من الدخول الكلي بكل جوارحك، بسمعك، وبصرك، ولسانك، وبطنك، وفرجك، وقدمك، ويدك، تخضع نفسك لله، وتمشي في الخط، هذا معنى الاستسلام لله، الإسلام هو: الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك والبراءة من أهله؛ هذا معنى الإسلام.

فرح الله بتوبة العبد

فرح الله بتوبة العبد يقول ابن القيم: هيا إلى الدخول على مولاك، فإنه أشد فرحاً بعودتك من رجل فرت عليه ثم وجدها كما جاء في الحديث: (كان في فلاة ومعه راحلته، وعليها زاده ومتاعه، فضلت عنه ولم يجدها، فبحث عنها حتى أيس منها، فنام تحت ظل شجرة ينتظر الموت فردها الله عليه، فلما أفاق وإذا بها واقفه عند رأسه عليها متاعه وزاده وماؤه فقال من شدة الفرح) لأنه كاد أن يموت حقيقة، إذا ما رجعت لمات، لكن كان في رجوعها حياة له، فكأنه قد حكم عليه بالموت والإعدام والله أعتقه. ما رأيك في هذا الإنسان؟ إنسان حكم عليه بالقصاص وأخرج إلى السوق في ساعة الإعدام، ونزل من السيارة، ورأى (العساكر) مصطفة، ورأى الجموع محتشدة، وهو موثق بالقيود يساق إلى ساحة الإعدام، ووضع في القيد وقرأ عليه الحكم، وقبل إطلاق الرصاص عليه أو ضرب رأسه بالسيف قال له صاحب الدم: فكوه، هو معتوق لوجه الله، ما رأيكم في فرحة هذا الإنسان؟ هل يمكن أن تقاس؟ لو أخذنا شريحة من قلبه وحللناها كيف سيكون وضعه؟ وكيف هي نفسيته؟ هل في الدنيا أسعد منه وأعظم حالة منه في تلك اللحظات؟ لا. فهذا الرجل لا يوجد في الدنيا أعظم حالة منه لما كان سيموت، ويوم استيقظ وإذا بالراحلة موجودة عند رأسه فقام وقال: (اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح) يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لله أشد فرحاً بتوبة عبده من فرحة هذا الرجل براحلته) لا إله إلا الله ما أعظم حلم الله، وما أعظم عفوه ورحمته! يفرح بك ربك إذا رجعت إليه أعظم من فرحة هذا الرجل الذي كاد أن يموت، أي فرح هذا، وأي نعمة هذه من الله عز وجل.

كيفية إصلاح الأزمنة الثلاثة بالعمل الصالح

كيفية إصلاح الأزمنة الثلاثة بالعمل الصالح أنت يا إنسان! بين ثلاثة أوقات -أنا وأنت وكل كائن على وجه الأرض بين ثلاثة أزمنة- زمن مضى، وزمن مستقبل، وزمن حاضر، هل هناك غير هذه الأوقات الثلاثة؟ قال: أما الماضي كله فتصلحه بالاستغفار والتوبة، وهذا عمل قلبيٌ ولا تعب فيه، فلو أن الله كلفنا بأن أي ذنب عملته لابد أن تكفر عنه، وأي صلاة تركتها لابد أن تقضيها، وأي صوم ما صمته لابد أن تصومه، وكل كلمة قلتها تجازى عليها، لكن من رحمة الله تبارك وتعالى أنك إذا عملت أي عمل، أو أسأت أي سيئة، أو قصرت أي تقصير في الماضي ثم تبت فإن الله يغفر الذنوب جميعاً، يقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الفرقان:68] قتل وإراقة دم {وَلا يَزْنُونَ} [الفرقان:68] زنا وفاحشة {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان:68 - 70] الماضي تستغفر الله فيه، وتتوب إلى الله من الذنوب والله يغفرها ويقلبها حسنات، هذا فضل أم ليس بفضل؟ أتعبٌ أن تقول: أستغفر الله؟ أم مشقة أن تقول: أتوب إلى الله مما عملت؟ لا والله ليس فيه تعب ولا مشقة، هذا الماضي كله. والمستقبل: قال: والمستقبل تصلحه بالنية الحسنة؛ بأن تعزم على ألا تعصي الله، وهل في هذا تعب أن تعزم وتنوي بأنك لن تعمل سيئة؟ ليس فيه تعب، عمل قلبي ليس فيه مشقة عليك، ماذا بقي؟ ما دام ذهب الماضي، وذهب المستقبل ما بقي إلا الحاضر، ما هو الحاضر؟ لحظتك هذه التي أنت فيها يقول: ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها الساعة التي أنت فيها الآن اجتهد فيها ألا تعصي الله، وأن لا تضيع أمر الله فقط، هل في هذا تعب؟ لا والله ليس فيه تعب، يقول معاذ بن جبل -والحديث في سنن الترمذي وسنن أبي داود وهو حديث صحيح- قال: (أصبحت في سفر وناقتي بجوار ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت يا رسول الله! أخبرني عن عمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار؟ قال: لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج بيت الله الحرام ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله! قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، ثم قال له: ألا أدلك على أبواب الخير؟ قلت: بلى يا رسول الله! قال: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم قرأ {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:16 - 17] ثم قال: يا معاذ! ألا أدلك على مِلاك ذلك كله -ألا أدلك على السور الذي يجمع لك أركان الإسلام، وعموده وذروة سنامه ورأسه، ويجمع لك أبواب الخير كلها- قلت: بلى يا رسول الله! قال: كف عليك هذا وأخذ بلسان نفسه، قال: قلت: يا رسول الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم). إن طريق الهداية سهلة جداً، ويسيرة على من يسرها الله عليه، وهي أنك تعلن التوبة والاستغفار من ذنوبك وخطاياك التي قد اقترفتها في الماضي مهما كثرت؛ لأنها ليست كثيرة على الله، يقول سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ} [الزمر:53]، يقول الواحدي رحمه الله كما في تفسير ابن كثير: إن هذه أرجى آية في كتاب الله، أولاً: قال للرسول صلى الله عليه وسلم: (قل: يا عبادي)، و (عبادي) هنا عبارة فيها تلطف وتشويق أنه: يا مذنبين ما زلتم عبادي، يا مسرفين في الذنوب ما زلتم عبادي. (قل: يا عبادي) يدعوهم الله، وبعد ذلك يصفهم أنهم الذين أسرفوا أي: أكثروا من الذنوب والخطايا والمعاصي: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53] (إن) هنا حرف توكيد ونصب، فأكد ربنا تبارك وتعالى مغفرة الذنوب بهذا المؤكد، ثم أكد بتوكيد لفظي أخير قال: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53] أي: مهما كثرت، ثم قال تذييلاً مناسباً: {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] أي: فلا تستغربوا يا أهل الذنوب، ويا أهل الآثام، ويا أهل الإسراف؛ لا تستغربوا أن الله يغفر الذنوب؛ لأنه هو الغفور الرحيم، فمهما كثرت الخطايا والذنوب والمعاصي من زنا أو من خمور أو لواط أو شرك أو عقوق أو فجور أو أي شيء من الذنوب فإن الله يغفرها كلها: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:82] {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر:49 - 50]. فعليك أن تتوب إلى الله تبارك وتعالى مما كان في الماضي، ولا يوجد في الدنيا من يقول: أنا لا أستطيع أن أستغفر، أو لا أستطيع أن أقول: أستغفر الله العظيم وأتوب إليه؛ إلا رجل محروم شقي ليس فيه خير، هذا الذي لا يستغفر ولا يتوب إلى الله، هذا لا يريد الله، ولا يحب الله، ولا الجنة، نقول له: الماضي كله بذنوبه يذهب، بل يبدل الله سيئاتهم حسنات، إذا كان عليك مليون سيئة يجعلها الله مليون حسنة، أي فضل هذا -أيها الإخوة- وأي كرم؟ لو أن عندك شخص أسأت إليه، كأن سرقت عليه ألف ريال -مثلاً- وبعد ذلك اعترفت في يوم من الأيام وأتيت عنده وقلت: يا أخي أنا كنت في يوم من الأيام في دكانك وسرقت عليك ألف ريال، والآن أشعر بصحوة في ضميري وأخاف من لقاء ربي، ولذا أنا أعترف لك بأن عندي ألف ريال، فأنا جئت بهذه الألف لك، وأنا أريدك أن تعفو عني، إذا كان كريماً جداً فسيقول لك: سامحك الله، وفلوسنا رجعت والحمد لله، وإذا كان كريماً وأعز قليلاً فسيقول لك: جزاك الله خير وسامحك الله، والله أنا لا أعلم عن هذه الألف، لكن ما دام أن فيك خيراً وجئت من أجل صحوة الضمير فالألف لك سامحك الله، لكن هل هناك شخص في الدنيا يعطيك الألف ويقول: هذه ألف أخرى من عندي جائزة؟! لكن أكرم الأكرمين تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعاً ويبدلها كلها حسنات، فليس هناك شخص يأتي ويقول: لا أستطيع أن أستغفر، بل تستطيع أن تستغفر إذا كنت تريد الهداية. والمستقبل: لا يوجد شخص يستطيع أن يقول: لا أستطيع أن أنوي الخير، لماذا؟ قل: إن شاء الله ما أسرق، ولا أزني، ولا أترك فريضة، ولا أعق والدي، أسأل الله أن يعينني، وبهذا تكون قد أصلحت الماضي والمستقبل. بقي معك الحاضر فاجتهد فيه، إذا خرجت من المسجد ورأيت امرأة فغض بصرك؛ لأن الله يراك، إذا دخلت البيت وسمعت أغنية فأغلقها؛ لأن الله يسمعك في هذه اللحظة ويراك، أو عُرض عليك حرام فلا تأكله؛ لأن الله عز وجل يعلم حالك، فإذا أذن المؤذن فقم إلى المسجد ولا تنم؛ لأن الله يراك، فإذا ظللت على ذلك يوماً ثم يومين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة فستشعر في أول الطريق بنوع من الوحشة والضيق؛ لأنك تتعود على أمر لم تتعوده، لكن دائماً كل الطريق تسير في أولها يكون ففيها صعوبة أليس كذلك؟ الطفل الصغير إذا بدأ يمشي كيف يمشي؟ أيجري مباشرة أم كيف يفعل به أهله؟ يوقفونه أول شيء، وينظرون أنه أتى بشيء من الدنيا، وبعد ذلك يأتي أبوه يقول: تعال فيأتيه يخطو الأولى، لكن لا يستطيع أن يأخذ رجله، فيمد له أبوه أصبعه يمسكها وينقل الخطوة الثانية بعد مشقة، هذا أول يوم، وثاني يوم ينقل الثانية، وبعد أسبوع يمشي، وبعد شهر يمكن يخرب البيت كله، وتقول أمه: اربطوه برجله، وهي من قبل كانت تقول: يا رب تمشيه يا رب تسيره، لكن إذا مشى أشاهد بعض الأمهات تربطه بحبل تقول: مؤذٍ.

كيف تتعامل مع الشهوات بعد التوبة

كيف تتعامل مع الشهوات بعد التوبة يا من تريد أن تسير في طريق الإيمان أول ما تدخل في قضية الإيمان تشعر بأنك تريد أن تسقط، كلما تسمع أغنيه تريد توقف عندها، كلما تشاهد امرأة تريد أن تلتفت؛ لكن لا تلتفت، ولا تسمع، ولا تنم عن الفريضة، لا تعق والدك، لا تعص أمك، لا تحب إخوان السوء، لا تحتقر إخوان الخير، لا تمل من مجالس الخير، اقرأ القرآن، أحب في الله وأبغض في الله، أسبوع أو أسبوعين أو ثلاثة أو أربعة، وكلما ثبتَّ قويت، وكلما سرت في الطريق قويت حتى تسير في الطريق ولا أحد يسبقك، وبعد ذلك لا تشعر في الدنيا بلذة إلا بطريق الإيمان. من الناس من لو تأخر عن الصلاة لشعر بأن قلبه فارغ، لا يستطيع العيش بدون صلاة، تجده طول الليل نائماً متعباً ولكن ما إن تأتي صلاة الفجر -وليس عنده ساعة ولا يسمع المؤذن- وقبل الأذان بساعة وإذا به جالس، من الذي أجلسه؟ الله تبارك وتعالى، كما يقول ابن القيم قي كتابه الجواب الكافي، يقول: إن الطاعات تولد أمثالها، وإن المعاصي تولد أمثالها، فالطاعة تولد طاعة حتى تصبح الطاعات هيئات راسخة، وملكات ثابته يمارسها الإنسان بدون عناء، تصبح الصلاة في حق المؤمن غذاء لا يستطيع أن يعيش بدونها. بعض الشباب الذين هداهم الله إلى الإيمان إذا سمع نغمة موسيقية يضطرب وكأنها صعقة كهربائية، رغم أنه شاب، وبعض الشباب الآخرين الذين يحبون الأغاني إذا سمعها قام يرقص، وذاك كأنه مسه جني وشرد منها، لماذا ذاك يخاف من الأغنية وهذا يحبها؟ هذا يخاف من الله، وجاهد نفسه حتى كرهها الله إليه؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً} [الحجرات:7 - 8] فإذا كره الله إليك الكفر والفسق والعصيان، إذا رأيت امرأة كأنك ترى جنياً أو شيطاناً فتغض بصرك، ليس لأنك ملك من الملائكة، أو لأنه لا توجد عندك شهوة الجنس، بل ربما لديك شهوة هي أضعاف شهوة ذاك، لكن الله عز وجل كره إليك الكفر، وكره إليك الفسوق والعصيان، وحبب إليك الإيمان وزينه في قلبك فأنت راشد {فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً} [الحجرات:8] {أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ} [الحجرات:7]. أما الآخر الذي ما كرّه الله إليه الكفر والفسوق العصيان، إذا شاهد امرأة ولو أنها ليست بجميلة نظر إليها ولم يغض بصره؛ لأنه قد زين الشيطان في قلبه المعاصي، وكره إليه الطاعات، أي: أن الشيطان يتولى الإنسان فيزين له الكفر ويحبب إليه المعاصي والإيمان ويكرّه إليه الطاعات، فكن عبداً لله عز وجل وسر في الطريق وأبشر؛ فإن الله تبارك وتعالى يقول في الحديث القدسي: (يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم) ويقول: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17]. وطبعاً إذا أردت الهداية فلا بد أن تسلك سبيلها. ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس إن في الكون أسباباً وسنناً، ومن سنن الله في الكون: أن الله عز وجل يرزق الهداية لمن أرادها (فاستهدوني أهدكم). اطلب من الله عز وجل هداية يهديك، لكن إذا أعرض العبد عن الله قال الله: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5] {انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [التوبة:127] الهارب من الله لا يرده الله، والمقبل على الله لا يرده الله، بل إذا تقربت إليه شبراً تقرب إليك ذراعاً، وإذا تقربت إليه ذراعاً تقرب إليك باعاً، وإذا أتيته تمشي أتاك هرولة، وكان الله إليك بكل خير أسرع.

كيفية الحصول على الهداية

كيفية الحصول على الهداية عرفنا الآن طريق الهداية فكيف نهتدي؟

تجديد النية بالعمل الصالح

تجديد النية بالعمل الصالح نهتدي عن طريق إصلاح الماضي بالاستغفار، وإصلاح المستقبل بالعزم على عدم المعاصي، وإصلاح الحاضر بالاجتهاد، فلا تعلم -يا أخي- متى تموت، ربما تموت الليلة وقد جددت النية، يقال: إن شخصاً من الإخوة في مصر كانوا جماعة في مسجد ولهم جار، وهذا الجار لا يصلي لا في المسجد ولا في البيت، وهو حشاش وطوال ليله في القهوة، أي: عربيد، دخل اثنان من الجماعة أو ثلاثة المسجد فقالوا: جارنا فلان لا يصلي، أين هو؟ قالوا: جالس في القهوة بعد العصر، فذهبوا إليه وهو جالس يلعب (الكتشينة) يسمونها الورقة وشخص أمامه، فواحد منهم دق عليه الماسة، قال: ماذا تريد؟ قال: أريدك لو تكرمت، قال: تفضل استريح، طلبوا (شاي) وشربوا معه، قالوا: نريد منك هذه الليلة أن تحضر في هذا المسجد المجاور، قال: لماذا أحضر؟ قال: هناك عالم سيلقي خطبة، وهذه الخطبة أسأل الله أن ينفعك بها، فجرد هذه الليلة لله عز وجل، فالله عز وجل فتح قلبه لهذا الكلام، ليس فيه موعظة بليغة، ولكن الإخلاص يدخل الكلام القلوب، فقال الرجل: أنا أجرب، يقول: نجرب، وأنه سيذهب يقول: جاء المغرب ونزل وأولئك ينتظرونه في القهوة، فأخذوه بيده وذهبوا به إلى المسجد وقالوا: أنت متوضئ؟ قال: وما متوضئ؟ (لا يعرف يتوضأ). قالوا: تتوضأ للصلاة ألا تعرف تتوضأ؟ قال: لا أعرف، قالوا: تعال، وأدخلوه مكان الوضوء وتوضئوا أمامه وتوضأ مثلهم ودخل وصلى، وبعد أن سمع القرآن في صلاة المغرب ثم في الموعظة إلى العشاء وبعد صلاة العشاء، أمسك هؤلاء وهو خارج من المسجد قال: يا جماعة! أنا والله كنت في ضلال، وأنا أريد أن أصلي الفجر معكم في المسجد لكن كيف أستيقظ؟ قالوا: نحن نوقظك -لأنهم جيران- وندق عليك، قال: بالله عليكم ما تأتون إلى المسجد إلا وأنا الأول ولو كسرتم الباب علي تكسيراً أنا نومي ثقيل، لكن لا تمشوا إلا وقد استيقظت، قالوا: حسناً، وذهبوا معه إلى الباب وودعوه ودخل بيته. دخل بيته في ساعة مبكرة على غير العادة، لم يكن يأتي بيته إلا وقد نامت زوجته، فلما دخل عليها بعد العشاء استغربت ماذا حصل لماذا أتيت في هذه الساعة؟ قال: نحن كنا مع ربنا هذه الليلة، قالت: الحمد لله الذي هداك، ماذا بك؟ قال: صليت المغرب والعشاء وسأذهب أصلي الفجر، فوالله ما أترك ولا صلاة، قالت: ومن يوقظك في الفجر؟ قال: الجيران، قالت: أنا أسمع الأذان وأوقظك، فجاء في الصباح في صلاة الفجر وأرادت أن توقظه فوجدته قد مات في فراشه، جلست توقظه وإذا به ميت فشعرت بالخوف، وإذا بالباب يطرق من قبل أولئك الإخوة الذين يريدون أن يصلي معهم، فتحت الباب قالوا: فلان أيقظيه ليصلي، قالت: الرجل ميت، دخلوا فوجدوه ميتاً، حملوه وغسلوه؛ أخرجوه إلى المسجد وصلوا عليه، ودفن وختم له إن شاء الله بحسن الخاتمة. فلا تدري -يا أخي- ربما أنك تموت هذه الليلة فتب من الآن، ماذا تخسر لو تبت؟! تخسر ترك الصلاة، والأغاني، واللعن والسب والشتم، هذه ليست خسارة، بل تركها مكسب، إنك تكسب كل شيء مهم ولا تخسر شيئاً، وإنك بالمعاصي تخسر كل شيء ولا تكسب شيئاً مهماً، فمن الآن تب ولا تسوف ولا تجازف ولا تماطل، فإن المجازفة والمماطلة والتسويف أعظم خسارة، وكما ورد في الأثر: [أن أكثر صياح أهل النار وهم في النار يقولون: واهاً لمسوف]، يعني الذي يقول: (سوف سوف) وأنت لا تعلم متى تموت؟ لو عندك علم بذلك فليس عندنا مانع، لكن يمكن تموت الآن، فكيف تؤخر التوبة وأنت ليس عندك علم متى تموت، إن هذا من نقص العقل. فهذه طريق الهداية وكيفية الحصول عليها، عن طريق: الاستغفار من الماضي، والعزم على عدم ممارسة الذنب في المستقبل، وإصلاح الحاضر بالاجتهاد وبالسير في طريق الله، وبالمحافظة على طاعة الله والبعد عن معصية الله، ويلزم هذا كله الدعاء والمجاهدة: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].

الأخذ بسنن الله في الكون

الأخذ بسنن الله في الكون رتب الله تبارك وتعالى لنا في الأرض أسباباً نتعلم منها أنه لا يكون في هذه الدنيا شيء إلا بجهاد وتعب، لو أردت قرص عيش من الفرن ما أتاك القرص يمشي ولكن أنت تمشي إليه، ولو رجعت من السوق أو المسجد ودخلت بيتك، وبيتك يبعد عشرة كيلو عن المسجد أو السوق، أو قرية من القرى، ولما دخلت قالت زوجتك: نسيت أن أقول لك: ائت بكبريت، ماذا تعمل؟ تقول (حاضر) وتشغل السيارة وترجع إلى السوق وتأتي بالكبريت يمكن العلبة بكاملها قيمتها قرش، وفيها خمسين عوداً، لكنك تعود من أجلها، ليس هناك شيء في الدنيا يأتي إلا بتعب، هل يمكن لشخص أن يحصل على وظيفة وهو ما درس، أما الذي يدرس ويتعب -مثلاً- ست سنوات ابتدائي، وثلاث سنوات متوسط، وثلاث سنوات ثانوي، وأربع سنوات جامعة، وبعد ذلك -مثلاً- ماجستير أو دكتوراه يتعب حقيقة ويعاني ويسهر، لكن يتعب قليلاً ويستريح طول عمره، يذهب إلى منصب ووظيفة والناس كلهم يحترمونه، لكن شخص آخر درس إلى خامس ابتدائي أو سادس وقال: أنا آخذ وظيفة على قدري؛ وذهب يتوظف عسكري أو فراش أو عامل، يقعد ذليلاً إلى أن يموت، وذاك ينهره كل وقت انهض امش هات اصعد لماذا تأخرت ما الذي أتى بك؟ أنا أشاهد بعض الضباط ممن تخرج من الثانوية وجلس ثلاث سنوات في الكلية وبعد ذلك صار ملازماً، وذلك الذي توظف رقيباً من حين يراه يقول: هذه تعاسة؛ لكن هذا تعب ثلاث سنوات وسيرتاح طول حياته، هذا في مقام الدنيا وإلا قد لا يستريح في الآخرة، يمكن يكون ملازماً فاجراً قليل دين فلا يستريح ولو استراح في الدنيا فإنه يصير ملازماً في النار -والعياذ بالله- لكن نعني الملازم الطيب الذي يلازم دين الله في الدنيا والآخرة، هذا خير له في الدنيا والآخرة. فنقول للناس: إنه ليس هناك شيء في الدنيا يحصل إلا بتعب، صاحب الدكان هل يأتيه المشتري وهو جالس في البيت؟! أبداً لا يأتيه إلا إذا ذهب صاحب الدكان يفتح الدكان، ويجلس ينشر البضاعة ويلمعها، لكن لو قعد في البيت وأغلق الدكان وقال: اللهم اجلب لي الزبائن كلهم واجمعهم لي يا رب، وبعد ذلك آخذهم كلهم وأبيع لهم في ساعة وأرجع أنام، هل يأتون؟ بعض الناس يقول: أنا لا أستطيع أن أفتح اثنتي عشرة ساعة، أجلس أرقبهم، لا. أريدهم كلهم يرتصون عند الباب، وأبيع لهم كلهم، وأرجع لأنام وأرتاح، أيحصل هذا لتاجر من التجار؟ أبداً لا يحصل هذا. والمزارع إذا أراد أن يزرع وجاء إلى المزرعة ونظر إليها مقحلة وليس فيها شيء، وقام يدعو: اللهم أنزل لي حراثة من السماء، وركب لي على البئر ماطوراً يا رب العالمين، وازرعها لي كلها بدون عمال وبدون شيء، هذا دعاء الكذابين، ما ينزل رب العالمين حراثة من السماء، لماذا؟ لأن لله سنناً في الكون لا يلغيها من أجل هذا الضعيف البليد الكسلان، وإلا فالله قادر أن ينزل؛ لكن الله يقول: {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الأحزاب:62] سنن الله جارية رغم أنف الكسلان، تريد مزرعة اذهب واحرث بنفسك؛ لأن الله أعطاك رجلاً وقدماً ويداً وقوة وعقلاً، وبعد ذلك ازرع، وشغل المكينة واسقها ماء، وقل: اللهم يا رب أنبتها؛ لأن الإنبات ليس لك، الإنبات لله: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة:64] الله هو الذي يزرع، وأنت تأخذ بالأسباب وتترك الباقي على الله عز وجل. وكذلك من يريد ولداً! أبصر الناس عندهم أطفال يملئون البيت سروراً وحبوراً وقال: أنا أريد أولاداً أريد بنتاً أو ولداً لأدخل البيت وأنبسط معهم وأمزح معهم، قالوا له: تزوج، قال: مشاكل الزواج من يوم تزوجت بهذه المرأة وهي تشغلني أين ذهبت؟ لماذا تسمر؟ لماذا تأتي؟ وهذا الزنبيل، وهذه المقاضي، وأحضر لي كسوة، وأخرجني لأهلي وللتمشية، هذه شغلة أنا لا أريدها، أنا أريد ولداً مباشرة، اللهم أنزل لي ولداً، ما رأيكم؟ هل يأتيه هذا الكسلان ولد؟ لا يأتيه ولد إلا إذا تزوج وتعب، الزواج لا يأتي بسهولة، يبقى يفكر: أين الزوجة؟ وبعد ذلك يختار ذات الدين، ثم بعد ذلك يعمل وساطات، ويرسل مراسيل، ويظهر لساناً عذباً وكأنه من الملائكة فلا أحسن منه، كما يقولون: على لسان الخطاب عسل، وبعد ذلك يدفع المهر، ثم يفعل الحفلات والولائم ويأخذ المرأة، وبعد ذلك يجلس مدة ثم تحمل المرأة وترتفع بطنها ويذهب بها كل أسبوع إلى المستشفى، وبعد ذلك ولادة، ثم يكبر الولد، ولا يأتي مباشرة يتكلم ويمشي، بل يريد له رضاعة، وحفائظ، ولفافات، وناموسية، أشياء كثيرة، وبعد سنة أو سنتين يمشي الولد، وتبدأ تحب البيت الذي فيه الولد، هذا بعد تعب شديد، هذه هي الدنيا.

السعي وراء الهداية وطلبها

السعي وراء الهداية وطلبها بعضنا يريد الهداية وهو لا يسلك مسالكها، يقول: اللهم اهدني فيمن هديت، ولكنه لا يقوم إلى الصلاة، يقول: اللهم اهدني يا رب العالمين وأنا قاعد على الأغاني، أريد أم كلثوم، أنبسط مع طلال مداح ومحمد عبده الشيطاني، اللهم اهدني يا رب العالمين، أنت لا تريد الهداية، ولو كنت تريدها لأغلقت الأغاني، الله أعطاك يداً مثلما تعرف تحركها على الأغاني حركها على القرآن، وأعطاك قدماً مثلما تحملك إلى القهوة تحملك إلى المسجد، وأعطاك عيوناً مثلما تنظر بها إلى المجلات العارية والمسلسلات انظر بها إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. لماذا تشغل نفسك بالشيطان وتقول: اللهم اهدني فيمن هديت؟ لماذا لا تشغل نفسك بطاعة الله وتقول: اللهم اهدني فيمن هديت؟ تكون هناك صادقاً مثل الذي يزرع الزرع ويقول: اللهم أنبت لنا الزرع؛ ما رأيكم في شخص جاء على مزرعته ورشها بترولاً وقال: اللهم أنبت لنا الزرع، ما رأيكم أينبت له الزرع وهو يسقيها البترول؟ لا. فكيف الله يهديك وأنت تسقي قلبك بنزيناً يحرق إيمانك وهو الغناء، لا يجتمع حب الغناء وحب القرآن في قلب عبد مؤمن، والله إنه أخطر على الإنسان من كل خطير، ومن أراد المزيد في حكم الغناء فليقرأ كتاب إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، كيف أن الغناء محرم من أربعة وعشرين وجهاً شرعياً، والناس اليوم مفتونين بالأغاني، ما تمر سيارة إلا وفيها أغاني، وما تشتري من عند خباز إلا والأغاني فوق رأسك، حتى رأيتهم وهم يصلحون سقف البيت والمسجل معلق عند رءوسهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله، كأننا أمة الغناء ولم نكن يوماً ما أمة القرآن. فهذه طريق الهداية، هل فيها صعوبة يا إخوان؟ والله ليس فيه صعوبة، إلا واحد يقول: لا أريد، الذي لا يريد فعلى ما يريد، ولن نحزن عليه، الله يقول: {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل:127] ويقول: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً} [الكهف:6] ويقول: {فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا} [لقمان:23] {مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} [الروم:44] {وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً} [فاطر:39] فلا تخف على شخص رفض أن تهديه وأنت تحب له الخير ولا تحزن عليه، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتقطع قلبه أسفاً وندماً وحزناً على أمته، قال الله عز وجل: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ} [الكهف:6] أي: مهلك نفسك {عَلَى آثَارِهِمْ} [الكهف:6] لا. {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:127 - 128].

وقفة مع من يريد الشفاعة يوم القيامة

وقفة مع من يريد الشفاعة يوم القيامة أذكر لكم حديثاً بالمناسبة، والحديث في صحيح مسلم، يقول عليه الصلاة والسلام: (من سمع المؤذن فقال: مثلما يقول ثم سأل الله لي الوسيلة وجبت له شفاعتي يوم القيامة) وما أحوج المسلم والمؤمن إلى شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأنبياء والرسل من نوح إلى وعيسى وهم أولو العزم يطلب منهم يوم القيامة الشفاعة فلا يستطيعون التقدم لها وكل منهم يقول: نفسي نفسي! وهم أنبياء، كعب الأحبار يقول له عمر: [يا كعب ذكرنا بشيء من الآخرة، قال: يا أمير المؤمنين اعمل عمل وجل -أي عمل خائف- فو الذي نفسي بيده! إن جهنم يوم القيامة لتزفر زفرة ما يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا يخر على ركبتيه جاثياً، ثم قال: والذي نفسي بيده! لو جئت يوم القيامة ومعك عمل سبعين نبياً إلى جانب عملك ما ظننت أنك تنجو] فيوم القيامة يجعل الولدان شيباً، فهو مهول. مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور قد كورت شمس النهار وأدنيت حتى على رأس العباد تسير وإذا الجبال تقلعت بأصولها ورأيتها مثل السحاب تسير وإذا البحار تأججت نيرانها ورأيتها مثل الحميم تفور وإذا الوحوش لدى القيامة أحضرت فتقول للأملاك أين نسير؟ فيقال سيروا تشهدون فضائحاً وعجائباً قد أحضرت وأمور وإذا الجنين بأمه متعلقٌ يخشى الحساب وقلبه مذعور هذا بلا ذنب يخاف لهوله كيف المقيم على الذنوب دهور فما أشد خوف الإنسان يوم القيامة، وما أحوجه إلى شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنها تجب لمن قال هذا الدعاء عقب كل أذان، ووالله إنه لسهل، ومع عظمه أكثر الناس مفرطون فيه، دائماً الشيء الثمين الغالي الشيطان يثقله على النفس، مثل: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، ونهايته تقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، هذه في صحيح مسلم: (أن من قالها عقب كل صلاة، غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر) فلا يقولها إلا القليل، وعقب كل صلاة بشرط أن يعدها عداً مثلما يعد الذهب، لكن من الناس من لا يقولها إلا بالتخمين، بدون عد وهذا تفريط، أين التسبيح؟! بينما إذا كان يعد الراتب، يقول: واحد اثنين، ثلاثة ويفحصها لعل أن ورقتين تلاصقتا؛ لأنها فلوس، ولو شخص سلم عليك وأنت تعد لا ترد السلام عليه، ولو أشغلك تقول له: اسكت يا أخي! دعنا نعد الفلوس، وإذا كانت مضبوطة تقول: وعليك السلام، ماذا عندك؟ لكن التسبيح سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (سبحان الله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرض) ويقول: (كلمتان خفيفتان على اللسان، حبيبتان إلى الرحمن، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) وكان سليمان عليه السلام في يوم من الأيام يسير على بساط الريح، فحجب الريح ضوء الشمس عن مزارع في قرية من القرى فتلفت الفلاح وإذا هو يرى الريح تمشي {تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص:36] فقال: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً كبيراً، فسمعه سليمان فنزل، وقال: ماذا تقول؟ قال: أقول: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً كبيراً، قال: والذي نفسي بيده إن الكلمة التي قلتها أعظم مما أوتي آل داود. يقول عليه الصلاة والسلام: (لأن أقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إلي مما طلعت عليه الشمس) كم طلعت عليه الشمس؟ تصوروا، نأخذ الكلام هكذا، أبها هذه لحالها، ما هي أبها، لو قال شخص: سبح ونعطيك عمارة من عمارات أبها لجلس يسبح عشرين سنة من أجل أن يعطوه عمارة، فكيف مما طلعت عليه الشمس وغربت؟ الجزيرة العربية كلها وليس المملكة العربية السعودية، وما هي المملكة؟ هي جزء بسيط في الجنوب الغربي من قارة آسيا، وما آسيا بالنسبة للأرض كلها؟ وما الأرض كلها بالنسبة للكرة الأرضية؟ الكرة الأرضية اليابس منها خُمسان، والماء ثلاثة أخماس، واليابس ست قارات، آسيا وأوروبا وأفريقيا وأستراليا وأمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية. وما الأرض بالنسبة لبقية العوالم؟ آخر إحصائية قرأتها يقولون: إن الشمس حجمها أكبر من حجم الأرض مليون ومائتين ألف مرة، وآخر إحصائية يقولون: إنه اكتشفت الآن كواسارات، ليس مجرات ولا مجموعات (كواسارات) اكتشفت بواسطة (التلسكوب الراديوي) ليس الإلكتروني، أو البصري؟ لا. عبر الموجات، يعني يرصد الأشياء بترددات وبذبذبات الصوت، اكتشفت هذه (الكواسارات)، يقولون: إن الأرض كلها بالنسبة لها كقبضة رمل على شاطئ البحر. وهذه كلها من مخلوقات الله تعالى، لا إله إلا الله! (سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر) أحب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم مما طلعت عليه الشمس وغربت.

الأسئلة

الأسئلة .

عقوبة المستهزئ بأحكام الله وسنن رسوله صلى الله عليه وسلم

عقوبة المستهزئ بأحكام الله وسنن رسوله صلى الله عليه وسلم Q ما عقوبة المستهزئ بأحكام الله، وبسنن الرسول صلى الله عليه وسلم، وبأهل الدين؟ A الدين له حصانة صانها الإسلام، وحذر من النيل من أهل الدين، واعتبره كفراً، يقول الله عز وجل في سورة التوبة: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة:65] وهذه نزلت في المنافقين، كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فجلسوا تحت شجرة، وقام واحد منهم -كذاب منافق- يريدهم أن يضحكوا، وإلا فهو يعرف أنه كذاب، قال: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً وأجبن عند اللقاء! يعني بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، -عليه من الله ما يستحق- وهو يعرف أنهم أعف الناس بطوناً وأشجع الناس عند اللقاء، قد لصقت بطونهم بظهورهم من الجوع، لكنهم أسود الشرى. يقول علي: [كنا إذا حمي الوطيس اتقينا بظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم] وفي يوم حنين يوم كشف ظهر المسلمين، ما تراجع الرسول، بل ركب بغلته وقال: (أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب) هنا قال الله: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا} [التوبة:26] وليلة من الليالي، يقول علي: [أفزعنا أمر في المدينة، قام منه الرجال وجفل منه النساء، وبكى منه الأولاد، وخاف الناس -صوت غريب- فخرجنا بسيوفنا جهة الصوت، فما هالنا إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم راجع من عنده قال: لم تراعوا]. فاطمأننا أنه لا يوجد شيء، قد ذهب وأتى بالخبر صلوات الله وسلامه عليه، وهذا الكذاب المنافق يقول: إنهم أجبن عند اللقاء. وقال: إنهم أرغب بطوناً -أي: يأكلون كثيراً- وكان صلى الله عليه وسلم يواصل الصيام الليلة والليلتين والثلاث والأربع، ولما أراد الصحابة أن يواصلوا، قال: (لا تواصلوا، فإني أبيت يطعمني ربي ويسقيني). خرج أبو بكر وعمر يوماً، وكل منهم يتلوى من الجوع ليس عنده شيء، فلما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم كشفوا عن بطونهم وإذا بكل واحد قد ربط على بطنه حجراً؛ لأن البطن -هي المعدة- إذا فرغت من الطعام صارت فيها حرارة، تطلب طعاماً، فماذا يحصل؟ لا يوجد شيء، يضطر الواحد منهم أن يضع شيئاً من أجل أن يلتصق بطنها بظهرها فتسكت، ويربطون على بطونهم الحجارة، فلما كشفوا عن بطونهم كشف صلى الله عليه وسلم عن بطنه وإذا بحجرين، فما كان شهوانياً، ولا بطونياً صلوات الله وسلامه عليه، وهذا الكذاب يقول: هؤلاء أرغب بطوناً، فواحد من المؤمنين سمعه، قال: كذبت يا عدو الله والله إنك لمنافق، والله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام يخبر الرسول، وأما أولئك الذين ضحكوا فأصابهم شيء من العذاب، فوجد الوحي قد نزل، وقد سبق الرجل، قال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66]. فالله أثبت لهم إيماناً ثم نفى عنهم هذا الإيمان، وأثبت لهم الكفر بعد ذلك لهذا السبب، ومن يضحك من الأئمة، أو المؤذنين، أو الدعاة، أو الخطباء، أو القضاة، أو أهل العلم، أو أي شيء في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما يضحك باللحية أو بالثوب، أو بأي شيء من معالم الدين، هذا كفر مخرجٌ من دين الله. يقول راوي الحديث: (كأني به - هذا الرجل- وهو متعلق بنسعة ناقة النبي صلى الله عليه وسلم والحجارة تنكب رجليه وهو يقول: يا رسول الله! والله ما أعنيها، إنما كنت أقطع بها حديث الركب - أريد أقطع الطريق بالكلام هذا- يا رسول الله أأدخل النار وأنت بين أظهرنا، يا رسول الله فكلما قال له شيئاً قال: {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66]). فحذار -يا أخي المسلم- انتبه! فهناك حصانة إسلامية لأهل الإيمان، لا تسخر من عالم، ولا قاضٍ، ولا شاب متدين، ولا إمام، ولا خطيب، ولا مؤذن، ولا من أي شيء فيه دين الله؛ لأن من ضحك من شيء في دين الله فقد استهزأ بالله، ومن استهزأ بالله كفر، ويوم القيامة يؤخذ المستهزئون فيدخلون في النار، أجارنا الله وإياكم من النار، ثم تفتح أبواب النار على مصاريعها، وتناديهم الملائكة تقول لهم: اخرجوا، هذه أبواب النار مفتوحة، جاءكم عفو فاخرجوا فيأتون مسرعين تتقطع قلوبهم، فيخرجون من النار، فإذا وصل أولهم الباب قفل الأبواب عليهم، فيرجعون بخيبة وبحسرة وندامة، ما ندم بها الأولون والآخرون، فيقولون: ما بكم؟ قالوا: إن الله يستهزئ بكم كما كنتم تستهزئون بعباده. يقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين:29] إذا مر المؤمن قالوا: جاءك (المطوع)، وأنت ماذا؟ عاصٍ؟ جاءك صاحب اللحية، وأنت ماذا؟ (كوع) تسبني بلحيتي الذي خلقني ربي بها، أنا أسبك (بكوعك) هذا الذي حلقته، كما قال أحد الإخوة: التقى شاب مسلم متدين ذو لحية بشخص ليس معه لحية، وهذا المسكين صابر ما أراد أن يرد عليه، احترمه لكن ذاك (ملقوف). قال: لماذا أنت تربي لحيتك، (أنكر عليه تربية اللحية). قال: وأنت لماذا تحلق لحيتك؟ بنفس المنطق. قال الحليق: أنا حر. وقال صاحب اللحية: وأنا لست عبداً، وأنا كذلك حر. قال: الشعر يحلق بأماكن ويترك بأماكن. قال: ماذا تعني؟ قال: الشعر يترك في الرأس ويحلق في أماكن ثانية. قال: أنا أحب أن تكون لحيتي مثل رأسي وأنت تحب أن تكون لحيتك مثل شيء آخر تعرفه أنت، فسكت. فلا يحوز أن تستهزئ بصاحب لحية، قال الله: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ} [المطففين:30 - 31] أي: يتفكهون، كأن الله شبه أعراض المؤمنين بالفاكهة للعصاة، يأكلون من رمان المؤمنين وأعراضهم، ويتفكهون بهم: {وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ} [المطففين:32]. قال الله: {وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} [المطففين:33] ليسوا مسئولين عنهم {فَالْيَوْمَ} [المطففين:34] انقلبت المسألة اليوم، ورجعت الأمور على موازينها {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} [المطففين:34]. إذا غاروا عند أبواب النار ثم قفلت، قالت الملائكة: إن الله يضحك عليكم وأهل الجنة ينظرون، يقولون: انظروا، لكن ضحك الآخرة غير ضحك الدنيا: {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففين:36] نعم. جازاهم الله على فعلهم. فلا -يا أخي المسلم- انتبه على نفسك، لا تضحك من شيء، فبعض الناس يقول فكاهات في بعض الآيات، تكون آيات قرآنية فيحرفونها ويقدمونها ويؤخرونها، هذا كفر، وبعضهم يأتي بفكاهات على الأحاديث، والأئمة، والمؤذنين، يقول: أريكم كيف الإمام الفلاني يصلي؟ وأريكم كيف أذان ذاك، ثم يضحكون كلهم، هذا لا يجوز في الشرع.

نصيحة للآباء بسرعة تزويج البنات

نصيحة للآباء بسرعة تزويج البنات Q بم تنصح الآباء حينما يريدوا أن يقرروا تزويج بناتهم؟ وما هي المعايير الشرعية لاختيار الزوج الصالح؟ A أولاً: أنصح الآباء أن يسارعوا في تزويج بناتهم؛ لأن البنت كالثمرة تقطف عندما تنضج، وإذا تركتها مكانها إلى أن تسقط فسدت، من الذي سوف يأخذها من الأرض؟ ما تأخذها إلا دابة أو قطة أو كلب، فلا أحد يأتي قاصداً التقاطها من تحت، يقول: لا والله سوف آخذ شيئاً ما زال في مكانه، لكن إذا سقطت خربت، متى تعنس البنت؟ إذا تجاوزت سن الشباب، تتزوج بنت من تسع سنوات، إلى خمسة وعشرين، وبعدها تبدأ في العد التنازلي، تصل إلى الثلاثين وتنتهي فترة الزواج ثم تعنس، هل يأتي شخص عمره خمس عشرة سنة أو عشرين يأخذ امرأة عمرها ثلاثين مثل أمه؟ لا. بل يأخذ امرأة في مثل سنه أو أقل منه، فلا يتزوجها أحد لكبر سنها، فأنت سارع بتزويج ابنتك؛ لأنك تلبي احتياجها الفطري؛ ولأنه ورد في بعض الآثار أن من لم يزوج ابنته، أو عضل ابنته أنه يوم القيامة يشرب من حيضها الذي كانت تحيضه في الدنيا. والحيض عند المرأة دليل على أنها قابلة للإنجاب وللزواج، وهذه كل شهر تحيض وهم يحبسونها من أجل أنها موظفة، وكلما جاء من يخطبها قال: لا والله، إنها موظفة، فإذا جاء شخص قبيح وفيه عيب قال: جاءنا فلان ما رأيك؟ قالت: لا أريده، فإذا جاء من يصلح لها، لا يخبرها حتى لا توافق؛ لأنها تستلم كل شهر ستة أو سبعة أو ثمانية آلاف، يريد أن يكمل العمارة أو يشتري السيارة، أو يصلح المزرعة، أو يحفر البئر من ظهر الضعيفة وهي مربوطة في غرفتها، وهو كل ليلة مع أمها. هذا لا يجوز في الشرع، فزوج بنتك بأول نصيب يأتيك، وإذا لم يأتك نصيب فابحث أنت، فالرجل الشهم والكريم هو الذي يريد أن يعيش مستور العرض، مأمون الجانب، كما صنع عمر رضي الله عنه، عمر أراد أن يزوج حفصة رضي الله عنها فعرضها على عثمان، فاعتذر، ثم عرضها على أبي بكر فسكت لأنه قد سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يعرض بها ويوري، فعلم أن له بها حاجة، ثم أبدله الله عز وجل بخير منهما، رسول الله، زوجه الله بـ حفصة، فكانت أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، عرضها عليه وقبل، فهذه سنة عمرية. تأتي إلى رجل وتقول: أنا أحبك في الله، وعندي بنت تصلح لك، ومن غلاها عندي عرضتها عليك، وما هي رخيصة عندي، لو أنها رخيصة لتركتها في البيت وأريدك أن تكون زوجاً لها. ما هي معاييرك التي تتحراها في الزوج؟ الدين (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه -وفي رواية: وأمانته- فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير). الدين والخلق؛ لأن بعض الناس عنده دين لكن ما عنده أخلاق، يصلي لكن خلقه سيئ، هذا ما يصلح، وبعض الناس عنده خلق مثل العسل لكن لا يصلي، الله أكبر عليه وعلى خلقه، لكن المتكامل الذي خلقه طيب، وعبادته طيبة، خواف من الله، وقاف عند حدود الله، فابحث عنه، ولو جاز في الشرع أن تمهره أنت لكان، لكن لا يجوز المهر إلا من الزوج {وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34] فاظفر بصاحب الدين، وابحث عنه، وإذا أتاك فلا ترده، إنك إن تفعل ورددته تكن فتنة في الأرض وفساد كبير. ولا تغال -يا أخي- في المهور، ولا المظاهر، ولا الاحتفالات التي ما أنزل الله بها من سلطان، والتي تتعب الزوج وتتعب المزوج، وأهل البيت ونهايتها لا شيء، بعضهم يخرج وهو مريض، ويتعب نفسه شهراً في نصب الخيام، والكراسي، مثلما وقع في الطائف، أخذوا البنت وهربوا بها وهو آخذ بالكراسي، لماذا المشكلة على نفسك، زوج بنتك بزواج إسلامي بسيط ما فيه كلفة ولا تعقيد، ولا خيام، ولا ضجة، فإن الزواج ستر. قل لزوج ابنتك أو رحمك: تعال أنت وأبوك واثنان أو ثلاثة أو خمسة أو عشرة أو عشرين من جماعتك (الله يحييكم)، ويدخلون إلى بيتك، تذبح لهم ذبيحتين أو ثلاثاً أو ما يكفيهم بالضبط، واركبوا في السيارة وانتهى الموضوع، أما أن تقيم الدنيا وتقعدها وتتعب نفسك ورعيلك بهذه المظاهر التي ما أنزل الله بها من سلطان، هذا والله ما هو براحة في الدنيا وليس عليه أجر في الآخرة، إنما هو عذاب في الدنيا وقد يعاقب عليه الإنسان يوم القيامة. أما ما ينفق من الأموال للمطبلين هؤلاء فهو سحت وحرام؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإعلان النكاح والضرب عليه بالدف، والدف غير الزلفة، الدف: إطار مثل المنخل عليه جلد تضرب به أمة (قينة)، تضربه ضربات متواليات. ولا ترفع الحرة صوتها ولو بالذكر، وإذا أخطأ الإمام وفي المسجد نساء، قال: (سبح الرجل وصفقت المرأة)، لا تقول سبحان الله، هناك وهم في المسجد بين يدي الله، خاشعين خاضعين، إذا قالت واحدة سبحان الله، الشيطان قال: اسمعوا الصوت، وفتنهم، لا تسبح، فكيف بالتي تغني، يقول: إن هذا من السنة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أعلنوا النكاح، واضربوا عليه بالدف)؛ لكن لا يوجد صوت، فصوت المرأة عورة {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [الأحزاب:32] المرأة عورة ولسانها فتنة: يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحياناً من النساء من صوتها مثل المزمار ولو كانت عفريتة، لو رأيتها هربت منها، لكن صوتها يخذلك. والأذن تعشق، أما ترى أنك إذا رفعت السماعة واتصلت على أحد زملائك أو جيرانك أو أقاربك ثم ردت عليك زوجته وصوتها جميل أنها فتنة، فأغلق التلفون ولا تطول معها الكلام، وأوص زوجتك أو أختك أن لا ترد إلا بأقصر عبارة، وإذا استطعت أن لا ترد هي فحسن؛ لأن الأذن تعشق قبل العين أحياناً. فما يدفع لهؤلاء المطبلات ثمانية آلف وبعضهم يقول: عشرة آلف، وبعضهم محجوز من شهور، عشرة ألف -يا أخي- تبني بها مسجداً، أو ترسلها للمجاهدين الأفغان، أو لإخوانك المساكين في السودان، أو لـ بنجلادش، تنقذ بها أسراً، لا تنفقها في سبيل الشيطان -والعياذ بالله- وكذلك هؤلاء الشعراء والمنشدون يعطونهم ألفين أو ثلاثة، كل هذه -والعياذ بالله- ما أنزل الله بها من سلطان.

شروط التوبة الصحيحة

شروط التوبة الصحيحة Q ما هي شروط التوبة الصحيحة إلى الله؟ A شروط التوبة كما بينها العلماء ثلاثة: أولاً: الإقلاع عن الذنب. ثانياً: الندم على ما فات منك. ثالثاً: العزم على عدم العودة إليه. وهناك شرط رابع يضاف إليها إذا كان الذنب متعلقاً بحق آدمي يمكن إظهاره مثل الدين، إذا أخذت عليه مالاً ترجعه إليه، أما إذا كان في إظهار ذلك الحق مفسدة فلا، مثل أن يقع الإنسان مع زوجة أحد في معصية ثم تاب فلا يذهب إليه ويقول: إني تبت وأنا كنت فعلت مع ابنتك أو مع أختك، لا؛ لأن هذه تثير فتنة ومشكلة ولكن يستغفر الله، ولعل الله أن يتوب عليه.

التوازن في الاهتمام بالرقائق والمناهج العلمية والتربوية

التوازن في الاهتمام بالرقائق والمناهج العلمية والتربوية Q ما يلاحظ على بعض الشباب الملتزمين في هذه المنطقة هو الاهتمام بالرقائق فقط، دون الاهتمام بالمناهج التربوية، مثل كثير من أشرطة الدعاة المشهورين، وكذلك يعتمد البعض على العاطفة عند متابعة الكتب والتسجيلات، وقد يتلقى معلومات من طرق غير صحيحة، فنرجو منكم النصيحة؟ A المناهج التربوية والعلم المؤصل على قواعد شرعية ضرورية لبناء حياة الإنسان الديني، لأن الرقائق مثل الملح في الطعام، والرقائق سماع المواعظ، والأحاديث التي فيها رقائق، والأبيات الشعرية، والقصص، هذه تحلي القلوب وتجليها وتصفيها، وتحببها إلى الدين، ولهذا صلى الله عليه وسلم كان يهتم بهذا الجانب، لكن لا بد من أسس يبني فيها الإنسان هدايته، ويتعلم فيها أصول دينه، يتعلم العقيدة، وأركان الإسلام، والإيمان كلها، وأدلة الإيمان بالله، وبالرسل، وبالكتب، وبالملائكة، وبالبعث بعد الموت، وبالقدر، وبالحوض، وبالصراط، وبالميزان، وبكل القضايا الإيمانية، ثم يتعلم بعد ذلك قضايا العبادات كيف يعبد الله، ولا مانع من أن يأخذ من هذه الرقائق مع التأكد على مصادرها، وأنها صحيحة إذا كانت متعلقة بأحكام شرعية، وإذا لم تكن بأحكام شرعية تحرم حلالاً أو تحلل حراماً فلا مانع من سوقها؛ لأنها ترقق القلوب ولا يترتب عليها شيء إن شاء الله.

حكم من مات وعليه صوم

حكم من مات وعليه صوم Q لي والدة توفيت وعليها صوم أربعة أيام من رمضان الماضي، وذلك بسبب مرض الكبد، فماذا أفعل وفقكم الله؟ A إذا أفطرت من رمضان بعذر شرعي وهو المرض، ثم استمر بها المرض حتى ماتت فلا قضاء عليها؛ لأنها لم تتمكن من القضاء، أما إذا أفطرت ثم عوفيت بعد رمضان وتمكنت من القضاء ولكنها لم تقضي، فإن هناك خلاف بين أهل العلم، فمنهم من يقول: عليها أن تصوم وهو ما يرجحه الجمهور، ومنهم من يقول: لا تصوم إلا إذا كان صوم كفارة أو نذر أوجبته على نفسها، وهو ما يرجحه الإمام أحمد في مسنده وابن قدامة في المغني، ومن أراد المزيد فليراجع المسألة. فإذا كانت أمه استمر بها المرض حتى ماتت فليس عليها قضاء، لأنه ما أوجب عليها فهو يجب مع القدرة، والله يقول: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185] وليس هناك أيام أخر، فإذا ماتت ليس عليها شيء إن شاء الله.

حكم دخول الحمو على زوجة أخيه التي ربته

حكم دخول الحمو على زوجة أخيه التي ربته Q يقول: توفيت والدتي وأنا في الثالثة من عمري، فقامت زوجة أخي بتربيتي، وقد بلغت الآن من السن خمسة وعشرين سنة، فهل يجوز لي الجلوس والتحدث معها مع العلم بأنها تعتبرني كأحد أولادها، وهي تقول لي كذلك؟ A نحن نقول لك -يا أخي المسلم-: زوجة أخيك ليست محرماً لك، ولست بمحرم لها، وعليك أن لا تدخل عليها، ولا تجلس معها، ولا تكشف عليها، وأن تعلمها أنه لا يجوز لها أن تكشف لك حتى وإن ربتك، إلا إذا كنت قد رضعت من لبنها فإنها تكون أمك من الرضاع، أما بغير ذلك فإن الربيب من الولد لا يحرم، ربائب الرجل يعني الزوج الذي عنده زوجة وعنده بنت من زوجته التي دخل بها: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء:23] هذه تحرم عليك بنتها؛ لأن أمها قد دخلت بها. أما إذا كان بنت زوجتك ولا تدخل بها، ولكن عقدت عليها فإن البنت لا تحرم عليك، ولا تسمى ربيبة إلا بالدخول.

حكم حلق اللحية

حكم حلق اللحية Q بعض الناس يقول: إن إعفاء اللحية سنة، والسنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها فنقول: إذاً حلق اللحية ليس محرماً ما حكم الشرع في ذلك؟ A الناس يخلطون في مسألة السنة المنهجية، وبين السنة العبادية، السنة التكليفية التي هي قسم من أقسام الحكم التكليفي، ففي الشرع الأقسام التكليفية خمسة، واجب ومحرم ومسنون ومكروه ومباح. فالواجب هو: ما طلب الشرع من المكلف فعله طلباً جازماً كالصلاة. المحرم هو: ما طلب الشرع من المكلف تركه طلباً جازماً مثل الزنا. المسنون هو: ما طلب الشرع من المكلف فعله طلباً غير جازم مثل السواك. المكروه هو: ما طلب الشرع من المكلف تركه طلباً غير جازم مثل أكل الثوم والبصل. المباح هو: ما خير الله المكلف بين فعله وتركه، مثل أن تأكل أو تشرب أو تقوم، أو تلبس لباساً جميلاً، هذه مباحات. نأتي إلى اللحية، ما حكم اللحية؟ فهل نضعها من السنة، أي: المسنون؟ لا. هذه سنة من سنن المنهج؛ لأن الدين كله ماذا نسميه؟ سنة، الرسول يقول: (من رغب عن سنتي) أي ماذا؟ عن منهجي، وطريقي، وديني، ويقول: (عليكم بسنتي) أي: بمنهجي وبطريقي، ما هي سنته: أهي السنة العبادية في التكليف الشرعي؟ لا. السنة في المنهج، نأتي إلى اللحية نضعها على واحدة من هذه الخمس، فنرى أنها واجب، لماذا؟ لأن الشرع طلب من المكلف فعلها طلباً جازماً ولم يقم على الصرف إلى الاستحباب قرينة، فقد ورد أكثر من عشرة آحاديث: (قصوا الشوارب) (أعفوا اللحى) (أكرموا اللحى) (أرخوا اللحى) (خالفوا المجوس) (خالفوا المشركين) وفي حديث الرجلين اللذين جاءا من اليمن وقد أرسلهما كسرى، فلما رآهما النبي صلى الله عليه وسلم وقد أطالا شواربهما، وحلقا لحاهما قال: (من أمركما بهذا؟ قالا: ربنا -أي: كسرى- قال: أما أنا فقد أمرني ربي بإعفاء لحيتي وقص شاربي). فهو أنكر عليهم، وهذه قرينة تؤيد أن الفعل المأمور به للواجب إلا أن تأتي قرينة تصرفه إلى الاستحباب، وأيضاً لم يؤثر أنه صلى الله عليه وسلم حلق لحيته، ولا أحد من أصحابه، فدل الأمر بإبقائها على الوجوب، وعلى هذا يقول أهل العلم: إن حلقها محرم وإبقاؤها واجب، وحالقها آثم، وعليه أن يتقي الله، ماذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الأوامر: (أرخوا اللحى) (أكرموا اللحى) (خالفوا المجوس) (قصوا الشوارب) (اعفوا اللحى) هذه أوامر، وتقول: لا والله إنها سنة ما يدريك، وها نحن نقول لك إنها واجب.

حكم تخفيف اللحية

حكم تخفيف اللحية Q الذي يخفف اللحية ما حكمه؟ A لم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ من لحيته شيئاً، ونقل البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا أحل من نسكه قبض لحيته، ثم قص ما زاد عليها، ويقول أهل العلم: إن فعل الصحابي إذا عارض قول النبي صلى الله عليه وسلم لم يعمل به، ولكن نقول للناس الآن: هبوا أنا لنا لحية ونضع إصبعاً فقط -لأن أطول لحية هي لحية الشيخ الأفغاني أنا جعلته يمسكها، وقبض عليها فما زادت إلا قليلاً- أين القبضة، والآن عند بعض الناس لحيته واحد (سم) ويقول معي لحية وكل يوم يقصرها، لا. اترك لحيتك كما خلقها الله تبارك وتعالى؛ لأن لحيتك أوجدها الله، والله يقول: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4] فلحيتك جميلة، وهيبة لك وجمال.

حكم الاستمناء باليد

حكم الاستمناء باليد Q تبت من أحد الذنوب وهو نكاح اليد، ثم عدت إليه مرة أخرى وأنا على هذا الحال أتوب ولا أقصد العودة، وأعود فما الحل؟ A نقول لك: تب إلى الله الآن ولكن لا تلعب -يا أخي- لأن التائب من الذنب والعائد إليه كالمستهزئ بربه، تب إلى الله واعتصم به، وإذا جاءك الشيطان في لحظات يريد منك أن تمارس هذه العادة، فاقرأ القرآن واذكر الله واخرج من البيت، لا تنفرد بالشيطان حتى ينفرد بك فيوقعك في هذه الجريمة؛ لأنها -والعياذ بالله- محرمة كما نص أهل العلم عليها، وقد سألني أحد الإخوة قبل أسبوع، يقول: ما الأفضل الزنا أو نكاح اليد، فقلت له: لا مفاضلة في الحرام، ما هو الأفضل لحمة الميتة أو مرقتها، كلها ميتة، سواء مرقة أو لحمة، وهذا نكاح اليد أو زنا، كله حرام، الزنا محرم بالأدلة الشرعية، ونكاح اليد محرم بالأدلة الشرعية. وعليك بالصوم إن كنت لم تستطع النكاح، وبعد ذلك ابحث عن الزواج، والحمد لله مجتمعنا الآن مجتمع متماسك، وما في أب من فضل الله يذهب له ولده ويقول: يا أبي أنا رجل الآن أريدك أن تزوجني، ما أظن أباً في الدنيا يقول: لا أزوجك، بل لو يستلف أو يبيع قطعة من بلاده أو السيارة، لازم يزوج ولده، لكن أكثر الشباب ترك الزواج وعزف عنه، وجالس على يديه -والعياذ بالله- ولا يريد أن يخسر شيئاً.

حكم من يرتد ثم يسلم

حكم من يرتد ثم يسلم Q عندما يلتزم الإنسان ثم يرتد عن دين الله تعالى هل يحبط عمله؟ A اختلف أهل العلم في ذلك، وذكر ابن القيم رحمه الله أنه إذا خرج وارتد عن دين الله طبع على قلبه، ولكن بعض أهل العلم قال: إذا تاب توبة صالحة صادقة، رده الله إلى منزلته التي كان عليها وزيادة إن شاء الله، المهم يتوب إلى الله.

حكم إمامة المدخن لغيره

حكم إمامة المدخن لغيره Q هل تجوز الصلاة للمدخن؟ A كيف؟ يعني: لا يصلي، الدخان معصية، ولا يكفر، وعليه أن يصلي، ولكن أظنه يعني هل يجوز أن يكون إماماً أظن السؤال هكذا، المدخن لا ينبغي له أن يؤم الناس إلا إذا كان الذي بعده كلهم مثله، فزكاة الأرض منها، فيؤمهم واحد منهم. أما إذا كان يوجد شخص غير مدخن فلا ينبغي للمدخن أن يؤم؛ لأن الإمامة شفاعة: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، وإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سناً) والفسق هذا قدح في عدالة الإمام، فلا ينبغي له أن يؤم الناس، وعليه أن يتوب إلى الله من الدخان.

وقت قيام الليل

وقت قيام الليل Q هل تجوز صلاة القيام قبل النوم؟ A صلاة قيام الليل يقول الله عز وجل فيها: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} [المزمل:6] قال العلماء: ناشئة الليل هي التي ينشئها الرجل بعد نوم، أي: بعد ما يقوم من نومه، وأفضل الصلاة ما كانت بعد النوم، ولكن إذا كان الإنسان يخشى أنه إذا نام لا يقوم، وصلى العشاء -مثلاً- في المسجد، وأخر الوتر إلى أن ينام الساعة عشرة ونصف أو إحدى عشرة، ثم قام من الليل ركعتين أو أربعاً، ثم أوتر ونام، فهو من القائمين إن شاء الله، ولكن الذي يقوم بعد النوم أفضل؛ لأنه يجاهد نفسه، وجاء في الحديث: (يعجب الله من رجل يعالج نفسه وهو نائم حتى يقوم ليصلي) أجره لا شك أعظم.

القرآن والسنة الصحيحة لا يخالفان الإثباتات العلمية

القرآن والسنة الصحيحة لا يخالفان الإثباتات العلمية Q بعد أن تطرقت للأرض والشمس أريد أن أعرف موقف المسلمين ومشايخنا من دوران الأرض، وقد سمعت أن بعضهم لا يؤيد ذلك، فما رأيك فيما أثبته العلم والأقمار الصناعية؟ A نقول -يا أخي- إن هذا من فضلة القول والحديث؛ لأن الله لن يسألنا يوم القيامة: لماذا لم تؤمنوا بأن الأرض تدور؟ يسألنا الله عز وجل: {مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] هذا السؤال {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر:92 - 93]. الله يسألك عن هذا ولا يسألك عن الأرض تدور أو لا. إنما الذي ثبت والذي هو حقيقة ثابتة للعيان بالأقمار الصناعية وبالتصوير الصناعي أن الأرض كروية وأنها تدور، وقد أثبت القرآن في مفاهيمه وفي مضامينه أنها تدور؛ لأن الله تعالى يقول: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس:38 - 40]. عندما تدور الأرض وأنت لا تشعر بها طبيعي، أنت الآن عندما تكون راكب في السيارة، والسيارة تمشي، هل معنى هذا أن تنتقل من كرسيك إلى كرسي آخر، الطائرة تسير بسرعة ثمانمائة ميل في الساعة وأنت على الكرسي وما تحس بها، فدوران الأرض وعدم الإحساس بها لا يعني أنها ما تدور، ومادام ثبت بالعلم فليس في الدين ما يعارض ذلك، وعلماؤنا ومشايخنا يثبتون ذلك؛ لأنه لا يتعارض مع نص شرعي من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا لا يراد من الإنسان أن يدخل نفسه في هذه المعاني حتى يكذب الله ورسوله، خمس من الغيب استأثر الله بعملها، وما عداها فالله يقول: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس:101]. أمر الله البشر أن يسيروا في الأرض، وينظروا، ويتأملوا في خلق الله: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} [العنكبوت:20] فإذا توصلنا بواسطة العلم التجريبي إلى حقيقة من حقائق القوم وأثبتها العلم، فلا يمكن أن يختلف القرآن مع حقيقة علمية؛ لأن صانع الكون ومنزل القرآن هو الله {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14].

قاعدة في مخالفة أهل الكتاب وغيرهم

قاعدة في مخالفة أهل الكتاب وغيرهم Q إن أحد المدرسين يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (خالفوا اليهود والنصارى، قصوا الشوارب واعفوا اللحى) يقول: فالآن اليهود والنصارى يعفون اللحى فنحن نخالفهم فنحلقها؟ A الله أكبر! يا هذا الفقيه! أعطيكم قاعدة من أجل أن تسيروا عليها، نحن أمة الإسلام أصل والأمم كلها لها تبع، ما رأيكم الآن إذا اليهود والنصارى يصدقون، ماذا نفعل نحن؟ نكذب من أجل أن نخالفهم، ماذا؟ إذا صدق اليهود والنصارى في مواعيدهم أنخلف الوعد؟ أنا سأخلف الميعاد معك، وإذا جئت تسألني لماذا تخلف الميعاد؟ قلت: لأن اليهود والنصارى يصدقون في مواعيدهم والرسول قال: (خالفوا اليهود والمشركين) فأنا أكذب، ما رأيكم في هذا الكلام؟ هذا مجنون صاحبه، نحن أصلاً عندنا دين، ما جاءنا من الله نعمل به، وبعد ذلك إذا اليهود والنصارى أخذوا صفة من صفاتنا فلا ينبغي أن نتركها من أجل أن نخالفهم. نحن نعمل بديننا كأمر تلقيناه من الله، ونصدق في المعاملات، فإذا اليهود والنصارى صدقوا في المعاملات فهي صفة كمال نفخر بها أن اقتبسها اليهود والنصارى منا، نحن لا نخلف المواعيد، فإذا اليهود والنصارى لا يخلفون المواعيد، نحن نقول: صفة كمال في اليهود، أخذوها منا، لا نغش في البيع والشراء، وإذا هم لا يغشون لا نغش نحن حتى نخالفهم، ولكن نتمسك نحن بعدم الغش ونقول صفة كمال كانت فينا واقتبسها اليهود منا، كذلك إذا اليهود والنصارى أطلقوا لحاهم وأصبحوا باللحى، لا نحلق لحانا ونقول: صفة كمال فينا، وشيء من ديننا، وهو إطلاق اللحى، وهم اقتبسوه منا؛ لأننا نحن أصل وهم فرع، نحن أصل وهم تبع لنا، أما أن نكون تبعاً، إذا حلقوا اللحى خليناها وإذا خلوها نحلقها، نصير نحن الذيل لهم، هذه القاعدة مفهومة -يا إخوان- بارك الله فيكم ووفقنا وإياكم لما يحب ويرضى.

خلود الكافرين في النار

خلود الكافرين في النار Q هل هذا قول صحيح: أن الكافرين يعذبون بنار جهنم، ثم يرحمهم الله، ويدخلهم الجنة؟ A لا. الله يقول: {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:167] الذين يخرجون من النار بعد أن يمحصهم الله هم أهل التوحيد، الذين ماتوا وهم يوحدون الله عز وجل ولا يشركوا به شيئاً، ولكنهم كانوا ملمين بشيء من الذنوب والآثام والمعاصي، هؤلاء في الدار الآخرة تحت مشيئة الله، إن شاء غفر لهم وأدخلهم الجنة بدون عذاب في النار ببركة توحيد الله، وإن شاء عذبهم في النار بقدر أعمالهم السيئة؛ لكن خاتمتهم إلى الجنة؛ لأنه كما جاء في الحديث (يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان) أي من توحيد. أما الكافر فهو خالد فيها، يقول الله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} [البينة:6 - 7] نسأل الله من فضله {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [البينة:8] الأولى ليس فيها أبداً، الأبدية في سورة الأحزاب يقول الله عز وجل، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [الأحزاب:64 - 65] وفي سورة البقرة (آية 167) ذكر الأبدية، وقد بوب ابن القيم رحمه الله في كتاب له عظيم اسمه حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح في آخر الكتاب تكلم بكلام عظيم حول الجدل القائم بين أبدية النار وبين فنائها، ورجح هو فيما رجح، أنها تفنى؛ ولكن مذهب أهل السنة والجماعة أنها أبدية، وأنها لا تفنى، بالأدلة الشرعية، منها قول الله عز وجل (وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّارِ} [البقرة:167]. ومنها قوله عز وجل: {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [المائدة:37] ومنها أن الله أخبر أن أهل النار لو خرجوا من النار لعادوا إلى الدنيا وكفروا، قال: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام:28] لأن نية الكفر متجددة في نفوسهم؛ فالله عز وجل جدد لهم العذاب وأبقاه أبد الآبدين: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً * لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً} [النبأ:23 - 24] نعوذ بالله وإياكم من النار.

حكم إمامة المسبل ثيابه

حكم إمامة المسبل ثيابه Q هل تصح الصلاة خلف المسبل؟ A نعم الصلاة صحيحة ولكن المسبل آثم، والمسبل: هو الذي يرخي ثوبه أو (بشته) أو سرواله، أو بنطلونه، أو إزاره، وقد ورد فيها حديث، ومن أراد أن يراجع ذلك ففي رياض الصالحين، فسيجد عشرة أحاديث كلها صحيحة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب عظيم، المسبل إزاره، والمنان في عطائه، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة) ومنها قوله عليه الصلاة والسلام (ما أسفل من الكعبين ففي النار) ويعجبني أحد المشايخ يقول: إن شخصاً مر على شخص يسحب ثيابه في الأرض، فأمسكه بيده وسلم عليه وقال له: النار في أرجلك، ذاك مسكين خاف يحسب أن فيها ناراً، وإذا هو يرى قال: أين النار؟ قال: النار في ثيابك؟ قال: ليس هناك نار، قال: بلى. الرسول صلى الله عليه وسلم أليس بصادق؟ قال: نعم. قال: يقول الرسول: (ما أسفل من الكعبين ففي النار) والله أنت بما أسفل من الكعبين ثوبك في النار لكن ما تحس به الآن، تحس به إذا مت ودخلت القبر، أحرق الله ما تحت كعبيك، فالرجل رأساً ارتعد وذهب وقص ثوبه مباشرة. أزرة المسلم إلى نصف الساق، فإن أرخاه إلى الكعب فما تحت الكعب ففي النار، وحديث خزيمة الأسدي رضي الله عنه وقد قال عليه الصلاة والسلام (نعم خزيمة الأسدي لولا طول جمته وإسبال إزاره، فلما سمع عمد إلى جمته فقصها، وإلى إزاره فقطعه) وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل). وقد قال العلماء: إن هذا خرج مخرج التهديد، وإلا فإن الصلاة في الدنيا مقبولة ولكن تحت نظر الله يوم القيامة، يقبلها أو يردها، لكن في الدنيا يسقط عنك سيف الإسلام، وأما سيف الآخرة فلا يسقطه عنك إلا اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، فنقول للذي ثوبه مسبل: عليك أن تقص ثوبك، وقد رأى عمر وهو مطعون شاباً يمشي وهو مسبل إزاره قال: [ارفع ثوبك؛ فإنه أتقى لربك، وأنقى وأبقى لثوبك] انظروا إلى الذي ثوبه طويل أول ما يتسخ من عند أرجله؛ لأنه يسحبه، ترى شكله قبيح والعياذ بالله. لكن الثوب المرتفع نظيف وطيب، وإذا صلى تجوز الصلاة خلفه، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (صلوا خلف كل بر وفاجر، فإن أحسن فله ولكم، وإن أساء فعليه ولكم) أي: تصح الصلاة خلف المسلم حتى ولو كان فاسقاً أو فيه معصية، لكنه يأثم، والله أعلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تأملات قرآنية في سورة الأنعام [1]

تأملات قرآنية في سورة الأنعام [1] اختص الله الإنسان من بين كل المخلوقات بخصائص كثيرة، ومن هذه الخصائص والصفات التي وهبها الله إياه ملكة التأمل في كل ما يحيط به، وذلك حتى يتسنى له الإطلاع على حقائق الأشياء، ومن ثم الاقتناع بها دون حيرة أو شك. ومن أجلِّ ما يُمكن للإنسان تدبره القرآن الكريم بما فيه من الحقائق الواضحات، والآيات الباهرات. وقد تناولت سورة الأنعام الكثير من القضايا التي يجدر بالمرء التوقف عندها، ومن أهم هذه القضايا قضية الإيمان والعقيدة الصحيحة، حيث تناولت السورة مناقشة هذه القضية مع عقل الإنسان، طارحة له الأدلة والبراهين التي لا يسعه أمامها إلا التوقف والتسليم.

ضرورة التدبر لمعاني آيات القرآن

ضرورة التدبر لمعاني آيات القرآن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تبقِ فينا ولا معنا شقياً ولا محروماً. اللهم اجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، وذهاب همومنا وغمومنا، وجلاء أحزاننا، اللهم علمنا منه ما جهلنا، وذكرنا منه ما نُسِّينا، وارزقنا تلاوته، والتأمل والنظر فيه، والعمل بأحكامه آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضيك عنا، واجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك، يا أرحم الرحمين! هذا الدرس يلقى في مدينة جدة بمسجد (الأمير متعب) في مساء يوم السبت، الموافق: (23/جمادي الثاني/1415هـ)، وهو بعنوان: (تأملات قرآنية)، ليس تفسيراً، وإنما هو وقفات وتأملات ونظرات، تتبعتُها وجمعتُها من كلام بعض المفسرين، وأسأل الله الذي لا إله إلا هو أن ينفعني وإياكم بها، وأن يرزقنا النظر والتأمل والتفكر والاعتبار في هذا القرآن العظيم. إن من أعظم المصائب التي مُنِيت بها الأمة أيها الإخوة: أن حيل بينها وبين كتاب ربها، تقرأه ولكنها لا تعيه ولا تفهمه، تجد الرجل يقبل على القرآن ويتناول المصحف ويهذُّه هَذَّ الشعر، وينثره نثر الدَّقْل، وينتهي من آخر سورة، وتسأله: ما الذي فهمت من خلال هذه القراءة؟! فلا تكاد تجد أنه قذفهم شيئاً، وإنما يقرأ وهمه آخر السورة. إن القرآن ما أنزل لهذا أيها الإخوة! لقد طلب الله منَّا أن نتأمل القرآن ونتدبره، قال تبارك وتعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29]. ويقول عز وجل: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82]. إذا وجدت أنك لا تعي ولا تتدبر ولا تتأمل ولا تعتبر فلتعرف أنَّ على قلبك قفلاً أو أقفالاً، فحاول أن تفتح هذه الأقفال، وأن تزيلها حتى تدخل في ميدان النظر والتأمل في كتاب الله عز وجل، إنَّ على القلوب أقفالاً كثيرة أيها الإخوة؛ أقفال الشبهات، والشهوات، والماديات، والمشاغل كلها تحول بين الإنسان وبين فهم كلام الله عز وجل؛ ولكن إذا أزال الإنسان هذه المعوقات، وأبعد هذه الحواجز، ودخل بنية خالصة لوجه الله ليقرأ وليتأمل كلام الله، وليشعر مَن هو هذا المتكلم بهذا الكلامَ؟ وما هو هذا الكلام؟ أي عظمة لك يا أخي! أن يخاطبك الله من فوق سبع سماوات؟ أي عزة أن ينزل الله عليك قرآناً؟ أي كرامة أن تخاطَب من الملك الجليل تبارك وتعالى؟ إنه فخرٌ عظيم، ومقامٌ جليل، لكن لمن عرفه وقدره. والتأملات في هذه الدروس إن شاء الله ستكون من خلال النظر في سورة الأنعام.

سورة الأنعام وما تحتويه من معالم عقدية سامية

سورة الأنعام وما تحتويه من معالم عقدية سامية سورة الأنعام من السور المكية التي نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مكة المكرمة، وهي كغيرها من السور المكية تحمل معاني غرس العقيدة في قلوب ذلك الرعيل الأول.

الاهتمام ببناء العقيدة بناء صحيحا وقويا

الاهتمام ببناء العقيدة بناءً صحيحاً وقوياً إن القرآن الذي نزل في مكة المكرمة في أول بعثة النبي صلى الله عليه وسلم كان يعالج قضايا العقيدة كان يهتم ويركز ويؤسس ويبني القضايا الهامة في الدين، وهي بمنزلة القواعد. إذا أراد إنسانٌ أن يقيم عمارةً فإن تركيزه يكون على: على دراسة التربة أولاً. ومعرفة قوة تحملها. ثم معرفة حجم الأساسات. ويبذل جهده ويركزه ويخسر كثيراً في سبيل تأسيس العمارة. وكلما فكر في أن يزيد أدوار العمارة ويرتفع بها إلى أعلى؛ كلما كان التفكير في التأسيس مناسباً لارتفاع العمارة. وبناء وعمارة الدين الإسلامي، بناء شامل، وعمارة ضاربة في جذور الزمن، وممتدة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فكان لا بد أن يكون لها أساس قوي لا تُبنى على جرف هار حتى تنهار، ولا تبنى على تصورات واندفاعات وحماسات وخيالات وتذوقات، إنما تبنى على عقيدة في الله، توحي وتفسر كل ما هو حول الإنسان في هذه الحياة، مقتبسة من الوحي الرباني، والهدي النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والسلام. فكانت هذه المدة الطويلة -ثلاث عشرة سنة- من عمر الدعوة وهي تُصْرف في تثبيت هذه العقيدة قبل تلقي أي شيء من الأحكام، فلما ثبتت العقيدة، واستقرت حقائق الإيمان في النفوس، جاءت التكاليف الشرعية، فجاءت سهلة، بل طلبها الناس قبل مجيئها، طلبوا القتال قبل أن يؤذن لهم فيه، جاءت الصلاة فباشروها، والزكاة فدفعوها، والصيام فصاموا، والحج فحجوا، وتحريم الخمر فحرموه دفعة واحدة، منهم من كان الكوب في يده فرماه، ومنهم من كان في فمه فوالله ما شرب الشربة تلك {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:91]؟! مباشرة: قالوا: انتهينا انتهينا، لماذا؟! لأن القاعدة قوية، والأساس سليم، ابنِ ما شئت، حَمِّل هذه القاعدة ما شئت؛ لكن يوم أن يُبنى البناء على قاعدة هشة لا تتحمل شيئاً، ولو كانت الطلاءات جميلة، والجدران مزخرفة، والنوافذ من الألمونيوم، والأبواب من الخشب، والفُرُش ضخمة؛ لكن الأساس فاسد، ولذا لا تعجب من دين إنسان مهما بلغ دينه مهما بلغت عبادته وأذكاره، انظر إلى التوحيد؛ فإن كان متيناً، وعقيدته قوية؛ فابن عليه، لماذا؟ لأنه أسِّس على رضوان من الله تبارك وتعالى، وعلى هدى، وإن كان شيئاً فارغاً من غير عقيدة ولا دين فإن هذا سينهار إما في الدنيا وإما في الآخرة.

معالجة سورة الأنعام لقضايا العقيدة الأساسية

معالجة سورة الأنعام لقضايا العقيدة الأساسية هذه السورة تعالج قضية العقيدة الأساسية: قضية الربوبية أولاً. ثم قضية الألوهية. ثم قضية الأسماء والصفات. وهذه الأشياء الثلاثة هي أقسام التوحيد. واهتمام بعض الناس بالألوهية، والأسماء والصفات، وإغفال جانب الربوبية خطأ في الدعوة، لا بد أن نعمق توحيد الربوبية في قلوب الناس؛ لأنهم إذا عرفوا الرب وحَّدوه، لماذا يحصل الشرك في حياة الناس؟ لعدم معرفتهم بالرب تبارك وتعالى، أو يعرف معرفة ذهنية صورية؛ لكن نريد معرفة حقيقية، ولذا الذين عرفوا الله وحَّدوه {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ} [فاطر:28] مَنْ؟! {الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] أي: إنما تقع الخشية والخوف لله من العلماء، العلماء يخشون الله؛ لأن مَن كان بالله أعْرَف كان منه أخْوَف.

توحيد الربوبية في سورة الأنعام

توحيد الربوبية في سورة الأنعام بث الله في كتابه الكريم الآيات العظيمة التي تدلِّل وتعمِّق وتؤسِّس في قلوب البشر توحيد الربوبية: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ} [الأنعام:12]. {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الأنعام:1]، هذه ربوبية. {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا} [المؤمنون:84]. {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأنعام:12]. قل قل قل في القرآن الكريم وفي سورة الأنعام بالذات تأكيدٌ أكيدٌ وشديدٌ على قضية الربوبية. وعندما يحصل عند الإنسان قناعة ويقين على أنَّ الله هو خالق الكون لا يسعه إلا أن يوحِّد خالق الكون، يوحِّده بفعله؛ لأن توحيد الربوبية هو: توحيد الرب بفعل الرب، فلا تجعل لله شريكاً فيما فعل، فتعتقد أنه الخالق، والرازق، والمحيي والمميت، والمعطي والمانع، والمدبِّر، والمسيِّر لهذا الكون، لا ينازعه بهذا أحد، وهذا أقرَّ به المشركون؛ لكن يأتي نتيجةً لتوحيد الربوبية التوحيدُ الآخر وهو: توحيد الألوهية، وهو: توحيد الرب بفعل العبد.

توحيد الألوهية في سورة الأنعام

توحيد الألوهية في سورة الأنعام أنت عبد، والعبد من شأنه أن يكون عبداً وعابداً لله عز وجل، وهذه العبودية يجب أن تنصبَّ كلها في مسار التوحيد لله وحده، فكما وحَّدت الله بفعله، ولم تزعم بأن مع الله خالقاً، فلا بد أن توحِّد الله بفعلك، فلا تصرف لغير الله شيئاً من عبادتك، وهو: توحيد الألوهية؛ أن توحِّد الله بفعلك: فلا تعبد إلا الله. ولا تدعُ إلا الله. ولا تذبح إلا لله. ولا تنذر إلا لله. ولا تستغث إلا بالله. ولا تستعن إلا بالله. ولا تتوكل إلا على الله. ولا ترجُ إلا الله. ولا تخَف إلا من الله. ما رأيك إذا استقرَّت هذه القضايا في قلب الإنسان كيف سيكون توحيده؟! لا نعني بالاستقرار هنا الاستقرار الذهني، لا، بل الاستقرار اليقيني. إذا عرفتَ أن الحياة بيد الله، ماذا بقي عندك من خوف؟! إذا عرفتَ أن الرزق بيد الله، ماذا بقي عندك من الخوف من الفقر؟! من يبيع الدخان في دكانه إذا قيل له: لا تبع الدخان، هذا حرام، لا يجوز لك. قال: الدخان يجلب الزبون، إذا لم يوجد دخان يأتي الزبون يقول: هل يوجد دخان؟ فأقول: لا، فيذهب، ولا يشتري مني، لكن عندما يكون الدخان موجوداً فإنه يشتري مع الدخان جريدة وسكراً وأرزاً، يا هذا ليس الدخان هو الرزاق؛ لكن هذه عقيدته، مسكين! لم يوحد الله، لم يعرف توحيد الألوهية إلى الآن، هل الرزاق هو الدخان أم الرحمن؟! {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ} [الذاريات:58] هو الذي يجلب المشتري، ويجعله يقف على دكانك، ويشتري منك غير الدخان. أنت أيها الزبون عندما تشتري من السوق، لماذا تقف عند هذا وتصرف نفسك عن هذا؟ هل هذا أعطاك شيئاً أو دعاك، أو ذاك طردك؟! لا؛ لكن الرزاق جعل في مالك رزقاً لهذا فساقك إليه، ولم يجعل في مالك رزقاً لهذا فصرفك عنه فلماذا تعتقد أيها البائع في سيجارة أنها ترزق؟! لا إله إلا الله!! هذا خلل، ينبغي أن تراجع فيه نفسك وحساباتك، فتكون عابداً بكل تصوراتك وأحوالك.

قضية الأسماء والصفات وتبسيطها للناس

قضية الأسماء والصفات وتبسيطها للناس تأتي السورة لتعالج أيضاً قضية توحيد الأسماء والصفات، وهذا بأبسط الطرق وبمفهوم العوام -حتى لا ندخل في متاهات علماء الكلام- وليكن بفهم الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم والسلف الصالح؛ فإنهم فهموا توحيد الأسماء والصفات فهماً شرعياً بسيطاً منطقياً، فالله سمَّى نفسه بأسماء، ووصف نفسه بصفات، ورسول الله صلى الله عليه وسلم سمَّى الله بأسماء، ووصف الله بصفات، فما موقفنا من هذه الأسماء والصفات التي جاءت عن الله وعن رسوله إلا أن نثبتها ونقرها، ولكن من غير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل، بل نؤمن بأنه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]، فكما أنَّ لله ذاتاً لا تشبه الذوات، فكذلك له صفات لا تشبه الصفات. ولهذا يقول ربيعة لما جاءه الرجل المبتدع قال: كيف استوى الله؟ يريد أن يسأل عن الاستواء، والاستواء قضية ضلَّت فيها أممٌ حتى عطَّلوا الله عن الاستواء الذي أثبته الله عز وجل في القرآن في سبع آيات {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] فعطلوا هذه الصفة، لماذا تعطلونها؟ قالوا: لتنزيه الله. فذهبوا إلى التنزيه فوقعوا في التعطيل. فجاء المبتدع يسأل ربيعة: كيف استوى؟! فقال له ربيعة الرأي -شيخ الإمام مالك -: كيف الله؟! قلب السؤال عليه، يعني: كيف ذات الله؟! قال المبتدع: لا أدري قال: وكذلك الصفة فرع عن الذات، فكما أن الله لا يُكَيَّف، فأيضاً الصفات لا تُكَيَّف. لا تقل كيف استوى كيف النزولْ أنت لا تعرف من أنت ولا كيف تبولْ! ولما جاء الرجل يسأل الإمام مالك عن الاستواء قال له: الاستواء معلوم -يعني: معناه الشرعي واللغوي عندنا معلوم- والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، ثم طرده، وقال: اخرج إنك مبتدع. فلا تسأل عن الصفة، وإنما تؤمن كما قال الله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] بمعنى: أنك لا تستطيع أن تكيِّف الصفة، (الكاف) هنا للتشبيه، ليس مِن شبيهٍ مثل الله، ليس كمثل الله شيء {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]. فنؤمن بجميع الأسماء والصفات، وهذه العقيدة أيها الإخوان! هي عقيدة السلف، والذين ضلوا من الأشاعرة والجهمية والمعتزلة وأهل الكلام والكَرَّامية؛ ضلوا لأنهم دخلوا بعقولهم البسيطة في هذه القضايا، فضاعوا وتاهوا، وتمنوا وهم يموتون أنهم ما تاهوا في هذه الضلالات، حتى قال واحد منهم اسمه الخونجي: ها أنا أموت وليتني أموت على عقيدة جدتي أو أمي. وهو عالم من علماء الكلام. والآخر يقول: نهاية إقدام العقول عِقالُ وآكثر سعي العالمين ضلالُ ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا لكن اترك القيل والقال، واسمع مقال الملك المتعال قال الله، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، والذي يقتصر على الوحيين: الكتاب والسنة بفهم السلف؛ فهذا طريق النجاة، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11]

معرفة الله بآياته وأسمائه وصفاته

معرفة الله بآياته وأسمائه وصفاته هذه السورة تعالج هذه القضايا لتعريف العباد برب العباد: من هو؟! ما مصدر هذا الخلق؟! ماذا وراءه من أسرار وألغاز؟! كيف تعرف؟! مَن يخبرك؟! يخبرك الذي يعلم السر في السماوات والأرض، وستبقى ضالاً وتائهاً حائراً إذا لم تتعلم مَن الذي خلق الكون والحياة، فجاءت السورة لتخبرك: مَن هو الله عن طريق عرض بيان أسمائه وصفاته: مَن هو الخالق لهذا الكون؟! ما وراء هذا الكون؟! ثم مَن هم العباد؟! مَن الذي جاء بهم إلى هذا الوجود؟! مَن أنشأهم؟! مَن الذي يطعمهم؟! مَن الذي يكفلهم؟! مَن الذي يدبر أمورهم؟! مَن الذي يقلِّب أفئدتهم وأبصارهم؟! مَن الذي يقلِّب ليلهم ونهارهم؟! مَن الذي يبدئهم، ثم يفنيهم، ثم يعيدهم؟! ولأي شيء خلقهم؟! عبثاً؟ لا. إن الله مُنَزَّهٌ عن العبث، والله قد أبطل هذه الفِرْية التي عند الناس، وتوعد من قال بها بالويل في النار، يقول عز وجل: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [المؤمنون:115 - 116]. ويقول عز وجل: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} [الأنبياء:16] يعني: عبثاً، {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:17 - 18]، لهم الويل بما يصفون الله بأنه خلق هذه الدنيا عبثاً. ويقول عز وجل: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً} [ص:27] أي: عبثاً، {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص:27]. الآن البشرية كلها مِن أولها إلى آخرها كثير ممن هم على وجه الأرض -إلا الموحِّد المسلم- يقولون: إن الدنيا خلقت عبثاً، فقط. وإذا سئل: لماذا خُلِقْتَ؟ قال: لنأكل، ونشرب، ونتمتع؛ ولذا يقضون ليلهم ونهارهم في التنافس والإكثار من الشهوات، لماذا؟ مستعجلون؟ لأنهم يعرفون أنهم سيموتون، فيريدون أن يشبعوا ويحصلوا أكبر قدر منها؛ لأنهم لم يعرفوا من الدنيا إلا هذا، ولهذا يسميهم الله بهائم، حيوانات يقول عز وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12]. إذاًَ: ما دام أن الله لم يخلقك عبثاً فلا بد أن يكون هناك حكمة من خلقك، من أين تعرفها؟ مِن عندك؟ لا؛ لأنك لست أنت الذي خلقت نفسك، لو أنك خلقت نفسك لعرفت حكمة خلقك؛ لكن أنت خُلِقت رغم إرادتك، إذاً: الذي خلقك هو الذي يعرف لماذا خلقك. فمن الذي خلق الناس؟! الله. ولأي شيء خلقهم؟! وإلى أي أجلٍ أجَّلهم؟ وإلى أي مصيرٍ يُسْلِمهم؟ هذه الحياة المبثوثة في كل مكان في الأرض من يبثها ويوجدها بعد الموت؟! هذا الماء الهاطل، والنبات النابت، والحب المتراكب، والنجم الثاقب، والصبح البازغ، والليل الداجي، والضحى الساجي، والفلك الدوار، والقمر المنير، والشمس المضيئة، والكون كله، مَنْ وراءه؟! وماذا وراءه؟! وما هو خبره؟! الناس يموتون فلماذا يموتون؟! وإلى أين يذهبون؟! وأناس يولدون، لماذا يولدون؟! لماذا لم يستمر أولئك في الحياة ويأتِ أناسٌ جُدُد؟! لكن هذا يمشي رغماً عنه وهذا يموت، وهذا يولد رغماً عنه وهذا يمشي، هذا يؤدي دوراً، وذاك يؤدي نفس الدور، ويختلف معه بحسب سلوكه للسبيل السَّوِي أو السبيل الغَوِي! أسرار مجاهيل! هذه الأمم: أمة تباد، وأمة تحيا. هذه القرون: تذهب، وتجيء غيرها، وتُهلك. وأمم تُسْتَخْلف، مَن الذي يستخلف الأمم؟! ومن الذي يهلك الأمم؟! ولماذا يدركها البوار؟! وماذا بعد الاستخلاف والابتلاء؟! وماذا بعد الوفاة من مصير وحساب وجزاء؟!

ما تهدف إليه سورة الأنعام

ما تهدف إليه سورة الأنعام تطوف هذه السورة بالقلب البشري، وتحلق به في الآماد والآفاق، والأغوار والأعماق؛ ولكنها تمضي كلها على منهج القرآن، إنها لا تهدف إلى تصوير نظرية العقيدة، ولا إلى جدل يشغل الذهن والفكر؛ ولكن تهدف إلى تقرير حقيقة إلى تعريف الناس بربهم الحق؛ لتصل بهم من خلال هذا التعريف إلى العبودية الحقة لربهم الحق، فلا يعبدون الهوى، ولا الشهوات، ولا الأهواء والنفعيات، وإنما يعبدون الله يعبدونه بضمائرهم، وقلوبهم، وأرواحهم، يعبدونه بسعيهم وحركتهم، يعبدونه بشعائرهم، يعبدونه في واقعهم، فكله لله؛ لأنه السلطان الذي لا سلطان لغيره في الأرض ولا في السماء، هذا هو هدف السورة. ويكاد اتجاه السورة يمضي إلى هذا الهدف من أولها إلى آخرها: الله هو الخالق، وتلمس هذه القضية من أول آية: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الأنعام:1] وماذا بعد ذلك؟ {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام:1] جعل الظلمات ثم جمعها ووحد النور، النور واحد، والظلمات كثيرة: ظلمات الكفر، والنفاق، والشُّبَه، والضلالات، والأهواء، والشهوات كثيرة؛ لكن طريق الله واحد، ولهذا يقول الله عز وجل: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ} [البقرة:257] أي: الظلمات الكثيرة، {إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:257]. فمِن أول وهلة وأنت تقرأ السورة تجد ثناءً على الله. لِمَ هذا الثناء؟! لأنه أهل الثناء والمجد؛ لأنه الخالق. {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الأنعام:1]، وليس الحمد لِهُبَل، ولا للشيطان، ولا لِلاَّت، ولا للنفس، ولا للرغبات، بل لله، لماذا؟! {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} [الأنعام:1] نور تكشف به. يقول العلماء: إن النور مهما كان ضئيلاً يبدِّد الظلمات مهما كانت معتمة، إذا دخلت مجلساً أو صالة وقد انطفأت الكهرباء وخيَّم الظلام حتى لا ترى يدك، وأردت أن تبدد الظلمة من هذا المكان، ماذا تصنع لتبديد الظلام؟ تأخذ العصا؟! تلاكم؟! تضارب؟! لا، لا تفعل شيئاً، عليك أن تشعل النور، أي نور كان، مهما كانت نسبته، ولو صفراً، هذه (السهَّارية) نور، لو أن القوة فيها صفر أو (5) وات، أو (5) شمعات، لو أنرتها فإن الظلام الذي يملأ الغرفة أين يذهب؟! سوف يخرج من الباب، ولن يبقى، لماذا؟! لأنه دخل الذي يخرجه، وهو النور. فإذا كان في قلبك ظلمة فكيف تخرجها؟! أشعل النور، بعض الناس في قلبه ظلمة، فيحاول إخراج الظلمة فيضيف ظلمة، عنده هم وغم فيقال له: أنت غضبان؟ فيقول: نعم. فيقال: هيا نتمشى، نرى منظراً جميلاً. فيخرج إلى السوق ليرى منظراً محرماً فتزداد الظلمات في قلبه. أو يقول: هيا لنشتري شريطاً فيه أغنية، فيسمع الأغنية من أجل أن يزيل الظلمة، فيزيدها ظلمة على ظلمة. أو يشتري شريط فيديو، أو يركِّب فوق سطح بيته صحناً فضائياً من أجل أن تنصبَّ عليه حمم الظلمات من كل أرض، ما عاد يريد ظلمة واحدة، بل يريد ظلمات العالم كله فوق رأسه، تخرخر على رأسه وامرأته وعياله، وكلما انتهت ظلمة انتقل إلى ظلمة، يعيش على الظلمات، هذا مظلم -والعياذ بالله- {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور:40]. والذي يعيش في ظلمات هنا يموت وهو مظلم القلب، ويتحول قبره إلى ظلمات، ويُحشر يوم القيامة في الظلمات.

بين نور الإيمان وظلمات الكفر

بين نور الإيمان وظلمات الكفر يقول الله تبارك وتعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} [الحديد:12] ما هو نورهم؟! كهرباء؟! كشاف؟! إنه نور القرآن، والإيمان، والدين، واليقين، معك نور في الدنيا، وكذلك عند الموت والقبر والصراط فالنور ملازم لك، وفي دار الأنوار النور كله، {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الحديد:12]، أما أهل الظلمات، الذين كانوا في ظلمات الدنيا، وما تعرفوا على أنوار الله، وما حاولوا أن يدخلوا هذا النور في قلوبهم؛ فإنهم أدخَلوا كلَّ أنوار الدنيا إلا نور الله، وسمعوا كل كلام الناس إلا كلام الله ما سمعوه، وقرءوا كل كتب وجرائد الناس ولم يقرءوا كتاب الله، واهتدوا بكل هدي، ولم يهتدوا بهدي رسول الله، فعاشوا في الظلمات، تركوا مصدر النور؛ لأن القرآن سماه الله نوراً، يقول الله عز وجل: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً} [النساء:174]. وسَمَّى رسوله نوراً: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً} [الأحزاب:45 - 46]. وسمى الله نفسه نوراً تبارك وتعالى، ومن أسمائه الحسنى: النور: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور:35]. فإذا اكتسبت الأنوار من عبوديتك للجبار، وقراءتك لكلام الله، ومن الرسول صلى الله عليه وسلم عشت في النور، ولهذا يقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ} [الحديد:28] ماذا؟! {نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} [الحديد:28]. ويقول الله عز وجل: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:122] وهل هذا مثل هذا؟! ما رأيكم برجل في ليلة مظلمة كُلِّف أن يعبر الطريق من قرية إلى قرية، وليس معه شيء، فكيف يصل هذا المسكين؟! لن يصل إلا وقد جرحته الحجارة، وأصابته الأشواك، وربما يقع في الحفر، ويسقط ويتعثر في (المطبات)، ويصطدم في الجدران، مسكين، ليس عنده نور. وآخر كُلِّف بالمشي في نفس الطريق، وقالوا له: خذ (الكشاف)، ثم مشى، إذا رأى حفرة أو جداراً تجنبه، وإذا رأى شوكة تعداها، ويصل إلى المكان الذي قصده سليماً يسألونه: ماذا رأيتَ؟! لا شيء. لماذا؟ معي نور؛ الحمد لله. وهذه الدنيا هكذا، أنت مكلف أن تعبر هذه الدار إلى الله، وتمر وتجوز من هذه الدنيا إما إلى الجنة وإما إلى النار، فكيف تمشي بدون نور؟ إذا كانت الرحلة ساعة أو ساعتين فإنك تتعثر فيها إذا كنت بغير نور، فكيف تعيش ستين سنة بدون نور؟! أين هذا النور؟! تذهب إلى شركة الكهرباء؟! لا، هذا نور الدنيا، ينوِّر لك البيت فقط؛ لكن تريد نوراً ينور لك الدنيا والآخرة فبتمسكك بكتاب الله وبسنة النبي صلى الله عليه وسلم تحصل على النور.

من ظلمات النفاق في أرض المحشر

من ظلمات النفاق في أرض المحشر فهؤلاء الذين لم يكن لديهم نور الإيمان، وكانوا يعيشون في الظلمات، يقولون وهم يرون أصحاب الأنوار الربانية يمشون على الصراط: {يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} [الحديد:13]. يقول المفسرون: {انظرونا} [الحديد:13] لها معنيان: أي انظروا إلينا؛ لكي تنعكس أنوار وجوهكم علينا فنرى الطريق. وقيل: {انظرونا} [الحديد:13] يعني: انتظروننا، كشخص عنده نور وهو ماشٍ بسيارته، وأنت ليس عندك نور وتطارده، وتمشي على نوره، وفرَّ وتركك، فتقول: على مهلك، دعنا نرى الطريق معك، فيقول لك: إي نعم هذا في الدنيا. يقولون: فررتم وتركتمونا، انتظرونا نقتبس من نوركم. {قِيلَ} [الحديد:13] هنا فعلٌ ماضٍ مبني للمجهول بنى الله الفعل للمجهول لماذا؟ قال العلماء: لجهالة المخاطَبين، هؤلاء المنافقون مجهولون عند الله، ولذا لا يستحقون أن يقول الله لهم إلا هكذا، ولا يستحقون أن تقول لهم الملائكة إلا هكذا، ولا يستحقون أن يقول لهم المؤمنون إلا هكذا، وإنما (قيل) من القائل؟! مجهول، {قِيلَ ارْجِعُوا} [الحديد:13] ابحثوا لكم عن نور من الوراء، {ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ} [الحديد:13] اذهبوا إلى الدنيا، هذا نورنا تزودنا به من دار العمل، ارجعوا وراءكم، ابحثوا لكم عن نور، يقول العلماء: إن في هذا نوعاً من التهكم بأهل النار والمنافقين؛ لأنهم يحوِّلونهم إلى المستحيل، {ارْجِعُوا} [الحديد:13] وهم يعلمون أن الرجعة مستحيلة. وقيل: إن في هذا لفت نظرهم إلى النار؛ لأن النار من ورائهم، يقولون: ابحثوا لكم عن نور من النار، والنار ليس فيها نور، نار الدنيا فيها نور؛ لكن نار الآخرة لا نور فيها؛ لأنها مظلمة؛ أوقد الله عليها ثلاثة آلاف سنة، ألف سنة حتى احمرَّت، ثم ألف سنة حتى ابيضَّت، ثم ألف سنة حتى اسودَّت، فهي سوداء مظلمة كالليل البهيم، نعوذ بالله وإياكم من النار. {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:13] يفصل الله بين أهل النور وهم المؤمنون -جعلنا الله وإياكم منهم- وبين أهل الظلمة -نعوذ بالله وإياكم منهم- وأنت هل تريد النور، أو الظلمة؟! لا بد أن تعلم من الآن، بعض الناس يقول: أريد أن أكون مع المؤمنين؛ لكن لا أعمل، مثلاً: شخص بنى عمارة وقال: أريد أن أدخل الكهرباء، ماذا يتطلب الموضوع منه؟! شخص يريد الكهرباء ولم يضعه في المخطط، عندما جاء المخطط الكهربائي قال: لا، لا نريد، وقال للمقاول: انتبه! نحن لا نريد الكهرباء، ثم لما اكتملت العمارة قالوا له: أدخل الكهرباء. قال: لا. ودخل في العمارة، هل يستأجرها أحد منه، أو يسكن فيها، لا يريد كهرباء من أساسها؛ لكن نحن حينما نضع مخطط العمارة هناك لوحة اسمها: المخطط الكهربائي، ثم نختار أحسن مخطط، وأحسن منفذ، وإذا انتهى نختار أحسن أسلاك، ومفاتيح، و (أفياش)، وإذا انتهينا ذهبنا لنقدِّم الطلب: هات ملفاً، اعمل، ادفع، قل حاضر، تفضل، خذ. ارتفعت التسعيرة لا يهم، بسيط، هي كهرباء، لا نقدر أن نعيش من غير كهرباء لماذا وهي نور الدنيا، ونور ستين سنة. إذاً: نور القبر ما رأيك فيه؟!

مواضع التماس الإيمان في الدنيا

مواضع التماس الإيمان في الدنيا أتريد أن يكون قبرك روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار؟! تريد أن يكون معك نور في القبر يضيء لك، وهي الصلاة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (الصلاة نور) فأنت إذا أردت هذا النور اشغل نفسك به، راجع محطات النور هذه المساجد هي محطات النور الربانية، اجعل لك علاقة بها، بحيث أنك لا تغادرها في اليوم خمس مرات، في الفجر والظهر والعصر وأنت الأول، تكتسب الأنوار من محطة النور، ثم اجعل لك ورداً مع القرآن الكريم، اجعل لك ورداً مع السنة المطهرة، اجعل لك موعداً مع العلماء، الآن جلستكم في هذا المجلس هي نور لكم، ليس مني هذا النور؛ ولكنه من الله؛ لأنكم ما جلستم تريدون مالاً، ولا ثَمَّ عشاء بعد الجلسة، وإنما جلستم من أجل الله، والله ما أتى بكم إلا الله تبارك وتعالى، ولا نزكي على الله أحداً، هذه الجلسة نور، وستشعرون وأنتم تخرجون من المجلس كيف هي قلوبكم؟! هل هي مثلما دخلت، أم أنها ازدادت نوراً، إن شاء الله تزداد نوراً. عندما تجلس في محطات النور، وتجلس عند العلماء والدعاة يزيدك الله تبارك وتعالى نوراً، إي نعم، {قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ} [الحديد:13] الذي من جهة أهل الإيمان -اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين- وما أفقرنا أيها الإخوان! وما أحوجنا إلى رحمة الله في الدنيا والآخرة -اللهم ارحمنا برحمتك في الدنيا والآخرة. الملائكة تدعوا لكم يا إخواني! وأنتم في هذا المجلس، ملائكة الرحمن، وحملة العرش، يقول الله تبارك وتعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [غافر:7] أي: لكم {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ} [غافر:7] لأهل صفتين: {لِلَّذِينَ تَابُوا} [غافر:7] ثم ماذا؟ {وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} [غافر:7]. أول شيء: التوبة، بعض الناس يتبع سبيل الله وهو على المعاصي، ما نَصَح؛ لأنه يبني ويهدم، تراه يصلي ويذهب ليغني، يصلي ويذهب ليطارد النساء في الشارع، يصلي ويذهب ليدخن عند باب المسجد هذا ما تاب. أول شيء: (التَّخْلِية) كما يسميها العلماء، إذا كان عندك كوب مملوء بالتراب، وأردت أن تشرب في هذا الكوب لبناً أو ماءً فماذا تعمل؟ وماذا ينبغي لك أن تفعله؟! العقل يقول لك: صُب التراب من الكوب، ونظِّفه، ثم ضع فيه ماءً أو حليباً واشرب؛ لكن لو قال لك واحد: اغسل كوبك من التراب؛ لكي نصب لك فيه حليباً أو ماءً، فقلتَ: لا، ما يهمك، يصلح، ضع الحليب على التراب، ماذا يحصل؟! هل تشرب بعد ذلك؟! هل تنتفع بالحليب؟! لا، رغم أنه حليب؛ لكن وضعته على تراب، كذلك بعض الناس يضع طاعةً، وصياماً، وصلاةً؛ لكن يضعها على تراب في قلبه، قلبه مملوء بالزيغ والضلال، نظف قلبك، ولهذا الملائكة تقول: {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا} [غافر:7] أي: أقلعوا عن الذنوب {وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} [غافر:7 - 9] هذه دعوة من الملائكة، اللهم استجبها يا رب! فينا وفي إخواننا المسلمين، تدعوا لك الملائكة أن الله يقيك السيئات، أي: يحميك من الذنوب، ثم قالت: {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ} [غافر:9] أنت تعرف الآن هل أنت ممن رحمك الله، أم لا؟ إذا رأيت نفسك وعرضتها على المعاصي والسيئات، فإن كنت صرفت نفسك، أعانك الله، فقد رحمك الله، وإن كنت وقعت فمسكين، ابحث عن رحمة الله، وهذه في يديك، وأنت تمر على مؤشر المذياع على أغنية سيئة، إذا أبعدتها فقد رحمك، وقاك السيئة {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر:9]. هذا هو الفوز، هذه هي العزة، هذا هو الانتصار أن تنتصر على نفسك وشهوتك، وإن من ينتصر على نفسه سيكون حرياً بالنصر في كل ميدان؛ لكن المهزوم داخل نفسه كيف ينتصر على غيره؟! ولهذا تجد بعض الناس مهزوماً أمام سيجارة، أو منظر امرأة، يقف في الشوارع والطرقات، ويخرج إلى الأسواق ويتلصص بعين سقيمة مريضة إلى محارم الله، تراه مثل الكلب يُشَمْشِم، هذا مهزوم، لا يصلح؛ لكن ذاك المنتصر إذا رأى امرأة يقول: صحيحٌ أنه منظرٌ جميل، لكن طاعة الله أحلى، عذاب الله أقوى، أنا أقارن بين لذة المعصية وبين عقوبتها فأجد أن لذتها بسيطة، وعقوبتها طويلة عظيمة، إذا كان (مَن ملأ عينيه من الحرام ملأهما الله مِن جمر جهنم) و (من استمع إلى الغناء صبَّ الله في أذنيه يوم القيامة الآنك -أي: الرصاص المذاب-) إذاً كيف تعمل؟! صعب جداً عليك أيها الإنسان. إذاً: {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ} [غافر:9] اللهم قنا السيئات يا رب العالمين. هكذا أيها الإخوة: السورة من أولها إلى آخرها تبدأ وتطوف وتحدد هذه المعاني العظيمة: فأولها: يدلك على الخالق: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الأنعام:1] وهو الرازق، {يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ} [الأنعام:14] رزق العباد كلهم عليه، نفقة العباد كلهم عليه، ثم إنه مالِك؛ صاحب قدرة، الناس كلهم في قبضته، مَن الذي يستطيع أن يخرج عن قبضة الله؟! مَن الذي يستطيع أن يمتنع عن الله؟! والله لا غني يمتنع بغناه، ولا قوي يمتنع بقوته، ولا ملك يمتنع بمُلكه، ولا صاحب مال يمتنع بماله، وإنما الناس كلهم ضعفاء أمام قوته، فهو المالك المتصرف في الكون ومن فيه، بيده مقاليد الليل والنهار، بيده ملكوت السماوات والأرض، {يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ} [المؤمنون:88]، {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:6] وهو العليم بالغيوب والأسرار، {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59] لا إله إلا الله! ولو كانت ورقة من شجرة في صحراء تنزل {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ} [الأنعام:59] لا إله إلا الله! هل يُعْصى هذا الرب؟! أين أنت يا إنسان؟! إذا كانت الملائكة لا تعصي الله لأنها عرفت الله، عرفته المعرفة الحقيقية، يقول عليه الصلاة والسلام: (أطَّت السماء -أي: احدودبت وانحنت- وحُقَّ لها أن تئط، فما فيها موضع قدم إلا وملك راكع أو ساجد، يسبحون الليل والنهار) مِن الملائكة مَن هو راكع من يوم أن خلقه الله إلى يوم القيامة، وإذا بُعِثَ ونُفِخ في الصور بُعِث وهو يسبح ويقول: سبحانك! ما عبدتك حق عبادتك. {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء:20]، يقول صلى الله عليه وسلم، وهو يتحدث عن ملك من حملة العرش، والحديث ذكره السيوطي في الجامع الصغير وصححه الألباني، يقول: (أُذِنَ لي أن أحدث عن ملك من حملة العرش، ما بين شحمة أذنه إلى عاتقة مسيرة سبعمائة عام) هذا رقبة الملك وما بين شحمة الأذن إلى العاتق مسيرة سبعمائة سنة، إذاً: كيف الباقي؟ لا يعلمه إلا الله. وجاء في الحديث الصحيح عن وصف جبريل أنه: (جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد فَرَد اثنين من أجنحته، فسَدَّ ما بين الخافقين) ما بين المشرق والمغرب، اثنان فقط، بقي بعدهما خمسمائة وثمانية وتسعون جناحاً، له ستمائة جناح، اثنان سَدَّا ما بين المشرق والمغرب.

العلم بالله يورث الخشية والتأدب مع الله عز وجل

العلم بالله يورث الخشية والتأدب مع الله عز وجل فهذه الملائكة رآها الرسول صلى الله عليه وسلم، رأى جبريلَ عند العرش وهو كالحِلْس البالي من خشية الله ومخافته، ومن الذين عرفوا الله: الأنبياء؛ الأنبياء عرفوا ربهم معرفة حقيقية، ولهذا يتأدبون معه، لا يعصونه، وحتى في الخطاب عندما تسمع وتتأمل في القرآن الكريم، تجد خطابات الأنبياء لله تبارك وتعالى عظيمة جداً.

أدب عيسى عليه السلام مع ربه وخشيته منه

أدب عيسى عليه السلام مع ربه وخشيته منه هذا عيسى عليه السلام يقول له الله يوم القيامة: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة:117 - 118]. يقول العلماء: كيف يسأل الله تبارك وتعالى عيسى عليه السلام وهو يعلم أنه ما قال هذا الكلام؟! قالوا: ليقطع العذر على عُبَّاد عيسى، يعني: عُبَّاد عيسى قد يقولون يوم القيامة: إنَّا عبدناه لأنه قال لنا، فالله بدأ بعيسى: أنت قلت لهم يعبدونك وأمك من دوني؟ قال: ما قلت لهم. فلا يأتي واحد منهم يقول: يا رب! إنَّا عبدناه لأنه قال لنا، انتهى لقد قطع الطريق عليهم من أول شيء؛ لكن انظروا أدب الخطاب مع الله.

أدب يوسف عليه السلام مع ربه وتواضعه له

أدب يوسف عليه السلام مع ربه وتواضعه له وهذا يوسف عليه السلام يقول: {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف:101]. يقول: أنا لستُ منهم؛ لكن ألحقني بالصالحين، وهو العابد الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم؛ يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام وسائر الأنبياء.

أدب موسى عليه السلام مع ربه وافتقاره إليه

أدب موسى عليه السلام مع ربه وافتقاره إليه وهذا موسى عليه السلام: لما خرج إلى مدين وجاء إلى الظل ورأى الناس يسقون جَلَسَ، ولم يطلب من أحد شيئاً إلا من الله عز وجل وبأدب جم قال: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص:24]، يقول: الذي يأتي منك يا رب! أنا محتاج له؛ أنا أقبله.

أدب أيوب عليه السلام مع ربه وحياؤه منه

أدب أيوب عليه السلام مع ربه وحياؤه منه وهذا أيوب عليه السلام: (18) سنة وهو مريض ما قال: يا رب! أريد العافية، يستحي، ولما قالت له رحمة بنت يوسف: أنت نبي مستجاب الدعوة، اطلب من الله أن يعافيك. قال: منذ متى وأنا مريض؟ قالت: منذ ثماني عشرة سنة. قال: وكم مكثت متعافٍ من قبل؟ قالت: ثمانون سنة. قال: إني أستحي أن أطلب العافية حتى تبلغ مدة مرضي مدة عافيتي. يقول: إذا أكملنا ثمانين سنة أخبريني أو أعلميني حتى أطلب من ربي أن يعافيني. هؤلاء هم الذين يعرفون الله. ثم لما دخلت دودة في قلبه، ودودة أخرى في لسانه، وبدأت تقرص، لم يبق هناك لحم، لم يبق إلا العظم، وحمى الله لسانه بالذكر، وحمى الله قلبه بالشكر، فلما أن جاءت الدودة تبحث وأرادت لسانه، صاح، وقال: ربِّ {إنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ} [الأنبياء:83] ولم يقل: فعافني، وإنما قال: {وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء:83]، إن كنت تريد أن تعافيني يا ربِّ، أو تميتني، أو تتركني فأنت أرحم الراحمين، رحمتك أختارها، انظروا إلى الأنبياء!! يقول العلماء: إن الضر الذي مس أيوب ليس ضر الألم، فقد مسه الضر منذ ثماني عشرة سنة؛ لكنه ضر التعطيل عن ذكر الله وشكره، هؤلاء هم الأنبياء.

أدب النبي صلى الله عليه وسلم مع ربه وتحمله لأذى قومه

أدب النبي صلى الله عليه وسلم مع ربه وتحمله لأذى قومه وهذا محمد صلى الله عليه وسلم لما رجع من الطائف وقد رجمه أهلها، وأغروا به السفهاء، وأدموا عقبيه، وطردوه، وبعد أن طردوه صار يمشي في طريق وعرة، يطلع جبلاً، وينزل وادياً، حتى يصل إلى وادي نخلة، وإذا به في الطريق ينزل عليه ملك الجبال بعد أن قال هذا الدعاء: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، إلى من تكلني-إلى أن يقول- إن لم يكن بك غضب عليَّ فلا أبالي) يقول: إن كان ما يأتيني ليس بسبب غضبٍ منك يا رب! فلا أبالي (غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح به أمر الدنيا والآخرة؛ أن ينزل بي سخطك، أو يحل بي عقابك، لك العتبى حتى ترضى) هذا هو الدعاء العظيم. فالذين يعرفون الله تبارك وتعالى؛ الملائكة، والأنبياء، والصالحون، يعرفون الله فلا يعصونه، وإذا وقعوا في معصية رجعوا إلى الله تبارك وتعالى. فالله عز وجل هو الذي يقلب القلوب والأبصار كما يقلب الليل والنهار، هو الحاكم في الكون، الأمر أمرُه، والنهي نهيُه، والشرع شرعُه، والحكم حكمُه، لا تحليل لما حرم، ولا تحريم لما أحل، هذا كله من خصائص الرب وخصائص الإله، {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف:54] ما دام أنه الخالق لوحده فلا بد أن يكون هو الآمر لوحده، ولا يجوز أن يمارس أحدٌ هذه الأشياء مع الله تبارك وتعالى، أو مِن دون الله؛ لأنه لا يخلق ولا يرزق إلا الله، ولا يحيي ولا يميت إلا الله، ولا يضر ولا ينفع إلا الله، ولا يمنح ولا يمنع إلا الله، فلا يملك أحدٌ لنفسه ولا لغيره شيئاً في الدنيا ولا في الآخرة، فكيف ينافس الله في خصائص الألوهية، ما دام أن كل هذه الخصائص لله إذاً فله الأمر، وهو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، وهو على كل شيء قدير.

عظمة سورة الأنعام ومكانتها

عظمة سورة الأنعام ومكانتها هذه السورة لما نزلت لم تنزل كغيرها من السور، وإنما نزلت بهيئة عظيمة، يروي ابن مردويه بسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نزلت سورت الأنعام ومعها موكبٌ من الملائكة سدَّ ما بين الخافقين، لهم زجل بالتسبيح، والأرض ترتج بهم، ورسول الله يقول: سبحان الله العظيم، سبحان الله العظيم) نزلت هذه السورة ومعها موكب من الملائكة نزل مع السورة عددهم سبعون ألف ملك، لهم زجل؛ ولهم صوت بالتسبيح، والأرض بهم ترتج من عظمة هذا الشيء الذي نزل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (سبحان الله العظيم! سبحان الله العظيم!) ينزه الله تبارك وتعالى. هذا الموكب من الملائكة، وهذا الارتجاج في الأرض واضح في السورة، كما يقول بعض المفسرين: إنها هي نفسها ذات موكب، وموكبها ترتج له النفس، ويهتز له القلب، إنها مملوءة بالمواقف، وبالإيحاءات، وبالمشاهد، وبالمعاني، فما جاء في هيئة الملائكة من المعاني موجود فيها. وتبدأ السورة بمواجهة المشركين؛ الذين يتخذون آلهة ويسوونها بالله، {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1] أي: يسوون، حتى إنهم من فرط جهلهم ساوموا النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: اعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة، يعني: مبادلة، القضية تجارية، سنة بسنة، فقال الله عز وجل حاسماً للقضية: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:1 - 6]، دينكم باطل فكيف أتبعه، آلهتكم مزيفة باطلة لا تملك، لا تخلق، لا تعطي، لا جزاء عندها، ولا جنة، ولا نار، فكيف أعبدها، {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون:1] مفاصلة؛ ولذا جاءت السورة: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1] يتخذون آلهة من دون الله، بينما دلائل التوحيد تجبههم وتواجههم وتحيط بهم في الآفاق، والسماوات والأرض، والليل والنهار، والشمس والقمر، بل تلامسهم في أنفسهم وكل ما حولهم، وكل ذرة من ذراتهم، وكل خلية من خلاياهم شاهدة على أن الله واحد وفي كل شيء له آيةٌ تدل على أنه واحدُ ولكن ما الذي يحملهم على الشرك؟! إنه الجحود والإنكار، ولهذا يقول الله في السورة: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام:33]. تبدأ السورة بثلاث سمات ترسم الوضع كاملاً: أول سمة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1] وفي هذه اللحظة تبدأ تعرض: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} [الأنعام:1 - 2] أعندكم شك بعد كل هذه الآيات؟! {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} [الأنعام:3] ثلاث آيات تغطي الوجود الكوني كله. الأولى: في خلق السماوات. الثانية: في الوجود الإنساني كله. الثالثة: في إحاطة معاني الألوهية كلها. أي إعجازٍ وأي روعة في كلام الله عز وجل!! إنه كلام الله، لا يمكن ولا يتصور أن هذا الكلام كلام بشر، إنه كلام الله الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42]. ثم تعرض السورة بعد ذلك موقف المكذبين الذين يرون آيات الله مبثوثة في الكون والحياة مِن حولهم، بل مع أنفسهم، ومع هذا العرض ينكرون، فيأتي التهديد بعرض مصارع الأمم التي كذَّبت، ويتجلى السلطان القاهر الذي أوقع بهم هذه المصارع والقوارع، فيبدوا عجباً موقف هؤلاء المنكرين، {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ} [الأنعام:4]، والآية هنا تعني: العلامة والدلالة، ما تأتيهم دلالة، ولا حجة، ولا علامة مِن العلامات التي تدلهم على الله {إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ} [الأنعام:4] فماذا ينفع فيهم هؤلاء؟! قال الله: {فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأنعام:5] هؤلاء الذين كذبوا بالحق المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم واستهزءوا بالحق الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يأتيهم الخبر. تروي كتب السنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم بدر على أهل القليب، وفيهم أبو جهل، وأمية بن خلف، ومجموعة من صناديد قريش، ثم قال لهم: (هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ ثم سكت، ثم قال: أمَّا أنا فقد وجدت ما وعدني ربي حقاً) قال الصحابة: يا رسول الله! كيف تخاطب قوماً قد جيَّفوا؟! -كفار ماتوا، وانتفخت بطونهم، كيف تكلمهم؟! - قال: (والذي نفس محمدٍ بيده! إنهم أَسْمَع لكلامي منكم) يسمعون كلام الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر مما يسمعه هؤلاء؛ فهو على سبيل التقريع والتوبيخ. {فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ} [الأنعام:5] إذا قال الله: سوف يأتيهم؛ فمن الذي يرد حكم الله؟! {فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * أَلَمْ يَرَوْا} [الأنعام:6] أما عندهم نظر؟! أليس هناك تأمُّل؟! {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ} [الأنعام:6] الأمم السالفة مكن الله لهم من القدرات، وأعطاهم من القوى والإمكانات ما ليس لكفار قريش كعاد قوم هود {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ} [الفجر:7 - 8] وقوم صالح هم هؤلاء بجانبنا هنا في مدائن صالح، كانوا ينحتون الجبال -بدون جرافات- بأصابعهم، يحفرون الجبال وتحفر لهم، ويبنون في الجبال بيوتاً، ثم يدخلون في الجبل، ويخرِّمونه من الداخل، ويعملون مجالس، وغرفاً، ومستودعات داخل الجبل، ولهذا الذي يمر منها ويراها يبكي، ويمر وهو مسرع -كما جاءت به السنة- لأنها منازل القوم الظالمين، ظلموا أنفسهم، فالله يقول لكفار قريش: {أَلَمْ يَرَوْا} [الأنعام:6]، أما رأوا هذه الأشياء؟! أما سمعوا بعاد، وثمود، والأمم السالفة الذين أفناهم الله؟! أين هم؟! ألم يأخذوا العبرة منهم؟! أليس الذي أفنى أولئك قادر على أن يفني هؤلاء؟! {أَلَمْ يَرَوْا} [الأنعام:6] في هذا لفت نظر قوي: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ} [الأنعام:6] فماذا حصل؟! {فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} [الأنعام:6] وكما أهلكناهم بذنوبهم سوف يهلك الله كل صاحب معصية وذنب ويؤاخذه {فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ} [الأنعام:6] عملية تجديد للبشر، يأتي أناس ويذهب آخرون، والذي يذهب يذهب بما عمل، والذي يأتي يأتي ليجد ما يعمل، وكلٌّ يمر واللقاء عند الله تبارك وتعالى.

كن مع الله كما يحب؛ يكن الله معك كما تحب

كن مع الله كما يحب؛ يكن الله معك كما تحب يقول الله تبارك وتعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا} [النمل:89] {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ} [النمل:89] مَن عمل في الدنيا حسنات وجاء بها، فله خير من هذه الحسنات، {وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} [النمل:89 - 90] {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ} [النمل:90] كيف تريد أن يعطيك الله جائزة حسنة وأنت جئت بسيئة؟! {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا} [النجم:31] أي: بالسوء، {وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:31] إذا أردت أن يكون الله لك كما تريد، فكن أنت لله كما يريد. إذا أردت أن يكون الله لك كما تريد: رحيماً. غفوراً. ودوداً. يدخلك الجنة. ينجيك من النار. يجعل قبرك روضة من رياض الجنة. يجعلك في درجات عالية. يعطيك النعيم؛ فكن أنت له كما يريد. ماذا يريد منك أن تكون؟ يريدك أن تكون: عبداً. طائعاً. تواباً. منيباً. خائفاً. وجلاً. مشفقاً. في قلبك مثل النار. كأن النار ما خلقت إلا لك. ترى كل حسنة تعملها تقول: ربما لن يقبلها ربي. ترى أي معصية تعملها كأنها جبل. هذا هو المؤمن، يرى الحسنات العظيمة يقول: هذه بسيطة، ماذا فعلتُ؟! ويرى السيئة البسيطة يقول: الله! أنا أعملها؟! أأنظر إلى النساء؟! أأسمع أغنية؟! أأنا آكل ريالاًَ حراماً؟! أأنا أنام عن صلاة مفروضة؟! أأنا أعق والدتي؟! أأنا أرفع صوتي على أبي؟! أأنا أقطع رحمي؟! أأنا أخون؟! أأنا أكذب؟! أأنا أغش؟! أأنا ألعن؟! أأنا أغتاب؟! أأنا أنم؟! حاسب نفسك، أنت بهذا الوضع تكون لله كما يريد، فيكون الله لك كما تريد، {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [النمل:89] {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ} [النمل:89] ليس معه إلا الذي جاء به، ماذا تريد من الله أن يعطيك؟ غير الذي جئت به؟! {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل:90]، الآن كل واحد منا يأتي بشيء، واحد يأتي بذهب، وواحد جاء ببَعَر -أكرم الله السامعين-، ذهب إلى زريبة الغنم وجمع البعر وملأ حقيبته، ونزل إلى السوق، ماذا سيلقى هذا؟! يلقى بَعَراً، وذاك عندما أتى بالذهب فإنه سيلقى ذهباً.

خبر وتعليق

خبر وتعليق أريد أن أعلِّق على الدرس الذي أعلن عنه فضيلة الشيخ حامد حفظه الله مدير مركز الدعوة والإرشاد بـ جدة، والذي سيلقيه الشيخ الدكتور أحمد بن عبد اللطيف العبد اللطيف، وموضوع الدرس: الرسالة التدمرية لشيخ الإسلام ابن تيمية. هذه أيها الإخوة! بشرى حقيقية لأهل جدة، وهي فضل من الله ورحمة ونعمة؛ أن يأتي العلماء من أماكنهم ليلقوا الدروس عليكم في هذه المدينة الطيبة الطاهرة إن شاء الله، وخصوصاً أصحاب الاختصاص؛ الدكتور أحمد معروف لدى طلبة العلم، ومعروف لديَّ أنا شخصياً، ولا أزكِّي على الله أحداً، معروف بالفضل والعلم والنبوغ، فقد كان أحد المناقشين لي في رسالتي للماجستير، وقد عرفت منه العلم والغزارة والاطلاع والعمق. وهذه الرسالة رسالة الإمام ابن تيمية كتبها لأهل تدمر، تتحدث في مضمونها عن مجمل اعتقاد السلف؛ العقيدة الصحيحة لسلف هذه الأمة تضمنتها هذه الرسالة، فبناها على ثلاثة أشياء: على مَثَلَين. وعلى أصْلَين. وعلى سبع قواعد. من أدرك المَثَلَين، وعرف الأصْلَين، وعرف السبع القواعد عَرَفَ مجمل اعتقاد السلف. وهذه الرسالة ليست سهلة، فهي من أصعب الكتب لطالب العلم، وقد مرت بي أنا؛ كانت مقررة علينا في السنة الأولى، في كلية الشريعة، سنة: (1396هـ)، يعني: قبل عشرين سنة، لكن الجامعة فيما بعد -جامعة الإمام محمد بن سعود- غيرت المنهج، وجعلتها بعد أن كانت مقررة على السنة الأولى جعلتها مقررة على السنة الرابعة، وكنا نسميها ونحن في السنة الأولى شريعة: إنجليزي الكلية؛ لأنها مثل الطلاسم، مبهمات، ما ندري ماذا يقول الأستاذ؛ لأن ابن تيمية ألَّفها بأسلوب المناطقة، وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية كلام قوي، كأنما يَفْصُل من جبل؛ ولكن إذا وجدتْ هذه الرسالة العالم -ولا نزكي على الله أحداً- مثل الشيخ أحمد، فسيبسطها إن شاء الله وتفهمونها بإذن الله. ولذا أدعو كل من في المجلس هذا أن يخصص يوم الثلاثاء من كل أسبوع من المغرب إلى العشاء، ساعة لعقيدتك، ساعة لسلامة قلبك من الضلالات، تعرف كيف هي العقيدة، إذا عرفت هذه العقيدة - الرسالة التدمرية - تستطيع أن تقف في أكبر مكان في الدنيا، وأمام أكبر عالم في الدنيا، وتُثْبِت عقيدة السلف؛ لأن عندك قواعد؛ عندك أصلان، ومثلان، وسبع قواعد تبني عليها العقيدة. أرجو من الإخوة الكرام! طلبة العلم، أن يأخذ كل واحد منهم دفتراً، ويشتري الكتاب -والكتاب موجود في السوق، وله طبعة خرَّجها أحد طلبة العلم، ونال عليها درجة الماجستير- ويحضُر إلى المجلس بعد صلاة المغرب، ثم يعرف أن يوم الثلاثاء هذا اسمه: يوم التدمرية، إن كان معزوماً، فليقل: أنا معزوم من قبل، وإن كان سيسافر، فليجعل السفر يوم الأربعاء، لا يسافر يوم الثلاثاء، مهما كان، استمر مع الشيخ في جلساته، وستجد بإذن الله مصلحة ومنفعة كبيرة، أسأل الله أن ينفعني وإياكم بما نسمع وبما نقول.

الأسئلة

الأسئلة

أهل الكلام وخوضهم في الأسماء والصفات بغير علم

أهل الكلام وخوضهم في الأسماء والصفات بغير علم Q صدرتَ كلمتَك بالتعريج على التوحيد، وذكرت في كلمتك: ونترك متاهات العلماء بخصوص الكلام عن التوحيد. فما المقصود بكلمتك: المتاهات؟ جزاك الله خيراً. A المقصود بالمتاهات هو: الخلط في علم الكلام، وعلم الكلام المقصود به كما يعرفه العلماء: هو العلم الذي يتناول قضايا الأسماء والصفات والخوض فيها. والذي ينصح به العلماء والذي هو معتَقَد أهل السنة والجماعة هو: إثبات الأسماء والصفات بمعانيها ومدلولاتها الشرعية واللغوية أيضاً، من غير تكييف لها ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل. هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة. أما الذين خاضوا في الكلام وخرجت بهم أفكارهم عن مدلولات الشرع، وعن نصوص الكتاب والسنة وأخضعوا القضية لعقولهم فقد ضلوا، وما وصلوا إلى شيء، بل -كما ذكرتُ لكم- ماتوا وهم لم يعرفوا شيئاً. هذا هو المقصود.

مخالطة الناس ودعوتهم إلى الهداية والصبر عليهم ونصحهم

مخالطة الناس ودعوتهم إلى الهداية والصبر عليهم ونصحهم Q أنا شاب موظف ويوجد لديَّ زملاء هداهم الله ولكنهم يفعلون كثيراً من المعاصي، منها: ترك بعض الصلوات، والتخلف عن الجماعة، وشرب الدخان، والغيبة، والنميمة، وسب العلماء، والاستهزاء بالشباب الملتزمين، فما هي نصيحتكم لي. هل أبقى معهم أم لا، مع أنني مستمر في نصحهم؟ A مخالطة الناس، وتغيير وضعهم، والصبر على أذاهم أفضل في نظر الشرع من اعتزالهم؛ لأن الاعتزال عمل سلبي يقدر عليه كل واحد، ولكن الإيجابية في أن تختلط بالناس صعبة، ولكن بشرط: أن تؤثر فيهم بالخير، ولا يؤثرون فيك بالشر، شأنك في ذلك شأن المصلحين، أو الأطباء، فالطبيب إذا دخل بين المرضى أعطاهم الدواء، وامتنع عن أخذ الداء؛ لكن إذا انعزل عن المرضى وقيل له: هنا مرضى، قال: أنا لا أحب المرضى ولا أقدر أن أدخل عليهم، وأنا طبيب سأقعد لوحدي، ابحثوا لي عن أناسٍ أصحاء أجلس معهم، هل هذا يسمى طبيباً؟! لا. فأنت أيها الرجل الصالح! أيها الأخ الملتزم! ما دام أن عندك زملاء مرضى؛ إما بالمعصية، أو بالفسق، أو بالاستهزاء، وهذا كفر -والعياذ بالله- لأن الاستهزاء بالله يصل بالإنسان إلى درجة الكفر -والعياذ بالله- فأنت مطلوب منك بحكم موقعك وعملك معهم أن تعالج أمراضهم، وأن توجههم، وتستمر في نصحهم، ولا تستعجل منهم الهداية، فإن الله لا يعجل لعجلة أحد، الهداية بيد الله، والله ليس على ما تريد، إي نعم، أنت على مراد الله، عليك الإبلاغ والنصح، والله هو الذي يتولى الهداية، وقد تستمر في النصح شهوراً وسنوات ولا يستجيب الله. لكن متى يلزمك أن تنتقل من هذا المكان؟! إذا رأيت عليك خطورة منهم، بحيث أنهم أصبحوا يشككونك، أو يؤثرون فيك، أو لا يسمعون كلامك، أو أنت نفسك لم تعد تدعوهم، لا بد لك أن تنجو بجلدك وتفر منهم.

أهمية العلم ومكانته في مواجهة أهل البدع والخرافات

أهمية العلم ومكانته في مواجهة أهل البدع والخرافات Q هذا سائل من إحدى البلاد الإسلامية طلب مني أن أكتب له هذين السؤالين، يقول: إنه في ذلك البلد من قبيلة مسلمة ولله الحمد؛ ولكنهم يعملون أعمالاً تتنافى مع العقيدة، مثل: التوسل بأهل القبور، وطلب الأشياء منها، وعدم الصلاة، والذهاب إلى الكهنة والمشعوذين، وما إلى ذلك من الأعمال التي تتنافى مع كمال التوحيد، وأنهم يضغطون عليه، ويسخرون منه؛ لأنه متمسك بدينه، وهو يحاول نصحهم وإرشادهم إلى آخر سؤاله. ثم يقول: نرجو من سماحتكم نصحه وإرشاده كيف يتعامل معهم، وكذلك نرجو أن تقدموا نصيحة لهؤلاء القوم لأنه يريد أن يعرض هذا الشريط عليهم إن شاء الله؟! A أولاً -أيها الإخوة- إن من فضل الله عز وجل على كثير من إخواننا المسلمين، أن جاءوا إلى هذه البلاد، جاء بعضهم للحج أو للعمرة أو للعمل والتكسب؛ لكن المفروض عليهم والمطلوب منهم أن يتزودوا بالعلم الشرعي المتاح في هذا البلد، وخصوصاً العقيدة الخالصة من شوائب الشرك، والبدع، والخرافة، وقد مَنَّ الله تبارك وتعالى على هذه البلاد بالعلماء الربانيين الذين يبيِّنون للأمة أصول دينها، وصحيح عقيدتها، المأخوذة من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. لا يوجد عالم من العلماء الربانيين يأتيك ويقول لك: هذه عقيدة إلا ويعطيك دليلاً من كتاب أو سنة. لا يوجد من يقول: قال شيخي، وقال الولي، وقال العارف، لا: بل قال الله، قال رسوله. فإذا رزقك الله الإقامة هنا فينبغي لك أن تركز على علم العقيدة، ثم إذا ذهبتَ إلى بلدك، فلتحمل معك مع الهدايا، ومع الريالات، تحمل معك هذا العلم، وشيئاً من الكتب الشرعية والأشرطة من أجل أن تبدأ الدعوة هناك، وتبدأ التعليم، ولا شك أنك قبل أن تبدأ بالتعليم يجب أن تكون أيضاً على علم؛ لأنك إذا وقفت هناك وجادلت من عنده علم، وليس عندك علم فلا شك أنك ستكون مفلساً؛ لكن إذا تضلَّعت بالعلوم والأدلة من كتاب الله، ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وواجهتهم، فإنك ستواجههم بقوة وبحزم، ولن يستطيعوا مقاومتك؛ لأنهم يفتقرون إلى الدليل، وأنت عندك النور: الكتاب، والسنة. ثم لا تتصور أن القضية سهلة؛ لأنهم عاشوا على هذا الفكر أو على هذا الأمر منذ سنين، فسيكون تغييرهم صعباً، فلا بد من الصبر، وابدأ بطلبة العلم، وبمن عنده رغبة في الخير والحق، ولا تأتِ إلى المتصلِّب، والمتعصب، ولا إلى الذي قد امتلأ رأسه من هذا الضلال، دعه واشتغل بغيره من الناشئة، كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه لما جاء إلى مشركي مكة كان تركيزه على الشباب، أما صناديد قريش لم يكن فيهم مصلحة، يعني: تضييع للوقت معهم، فكان يهتم بالشباب، ويهتم بالضعاف، ويهتم بالموالي، فهؤلاء اهتدوا، وأجرى الله عز وجل التغيير في الأرض على أيديهم. فأنت إذا جئت فلا تبدأ بالعلماء الكبار؛ لأنك إذا أتيت بدعوة التوحيد إلى هؤلاء فكأنك تنافسهم أو تزيلهم من مواقعهم، فيتصدون لك؛ لكن دعهم على ضلالهم، وابدأ بمن تستطيع أن تصل إليه. حتى تتمكن وتنتشر الدعوة ثم ادع الكبار. أما النصيحة إلى هؤلاء فنقول لهم: اتقوا الله تبارك وتعالى، واعلموا أنه لن يمنعكم من الله أحدٌ، ولن يقبل الله عزَّ وجلَّ منكم عبادة، إلا إذا توفر فيها شرطا العبادة الصحيحة: الشرط الأول: أن تكون خالصة لوجه الله. الشرط الثاني: أن تكون صواباً على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأي عبادة، أو عمل يتقرب به العبد إلى الله إذا لم يكن فيه إخلاص ومتابعة، فهو مردودٌ وباطل، وما نلمسه أو نسمعه من شتى بقاع الأرض من عبادات وأذكار، وطواف بالقبور، وذبح ونذور للأضرحة، كل هذا ليس عليه أمر الله، ولا أمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو لا يخلو من الشرك أو البدع والخرافة والعياذ بالله.

الحجاب ستر وعفاف وعبادة

الحجاب ستر وعفاف وعبادة Q مِن أسباب فتنة بعض النساء للرجال: جهلهن بصفة الحجاب الشرعي وحكمه، فنأمل من فضيلتكم بيان ذلك؟ A الحجاب أيها الإخوة! كما سبق وأن قلنا: هو دين وشريعة، تعبَّد الله المرأة به، كما تعبَّدها بالصلاة وبالزكاة وبالصيام وبالحج، أيضاً تعبَّدها بالحجاب، فالذي شرع الحجاب هو الذي شرع الصلاة، والذي أمر بالحجاب هو الذي أمر بالزكاة، فالمرأة تمارسه لا على أنه عادة، أو أنه تقليد، أو أنه نوع من الكبت، لا، بل تمارسه لأنه مأمور به شرعاً، تلبس الحجاب وهي تستشعر وقوفها بين يدي الله، فإذا استشعرت هذا، وجدت لذة وأنساً وطعماً لهذا الحجاب، الذي تنفِّذ فيه أمر ربها وخالقها. الحجاب أيها الإخوة! الحجاب ليس جلباباً فحسب، بل الحجاب عقيدة ودين، مَن الذي أمر أيها الإخوة! أيها الأخوات! يا من تسمعون كلامي في المسجد أو في خارج المسجد! مَن الذي أمر بالحجاب؟! إنه رب الأرباب، إنه الله، يقول الله للنساء: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ} [النور:31] بدأ الحجاب هنا {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ} [النور:31] الخمار هو: الغطاء الذي تغطي به رأسها، تضرب المرأة بخمارها على جيبها {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31] أي: مروراً بوجهها، {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا} [النور:31] لثمانية أصناف من الأقارب، وأربعة من غير الأقارب، {إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور:31] البعل، وهل يحتاج الأمر إلى بيان هذا، معروف أن المرأة تبدي زينتها لبعلها؛ لكن لماذا الله يذكرها؟! لبيان أن غيره حرام، {إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} [النور:31] أبوها؟! ينص الله على أنها تكشف وجهها له حتى يكون على غيره حراماً، {أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} [النور:31] أبو بعلها، {أَوْ أَبْنَائِهِنَّ} [النور:31] أولادها، {أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} [النور:31] ولد زوجها من غيرها، وهي عمَّته، {أَوْ إِخْوَانِهِنَّ} [النور:31] إخوتها، {أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ} [النور:31] أبناء أخيها، {أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ} [النور:31] أبناء أختها، فقط، وقُفِلَ الطريق، لم يعد هناك أحدٌ من الأقارب. أما ولد العم، وولد الخال، والجماعة؟! لا، (الحمو الموت)، فأخو الزوج هو الموت؛ لأنه أجنبي، لو مات الزوج لتزوجها بعده، ما الذي يمنع؟! فلا يجوز. أما الأربعة من غير الأقارب {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور:31] المرأة تكشف على المرأة، {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور:31] امرأة غنية وعندها عبد مملوك ملك اليمين فهي تكشف عليه؛ لأنها سيدته؛ ولكن لا تكشف عورتها، {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} [النور:31] التابع للزوج، كالخادم، والسائق، والعامل، وأي واحد يتبع الزوج، تحت كفالته، أو تحت سيطرته وهيمنته؛ لكن بشرط أن يكون هذا السائق أو هذا العامل مَخْصِيَّاً، هذا كلام الله، {أَوِ التَّابِعِينَ} [النور:31] ماذا؟! {غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ} [النور:31] يعني: مَخْصِيَّاً، ليس معه ما مع الرجال؛ لكن إذا كان السائق ليس مَخْصِيَّاً، وتجعله يوصل المرأة؟! أين الغيرة يا إخواني؟! لا إله إلا الله! إنا لله وإنا إليه راجعون! والله مصيبة! أشهد بالله أنَّا نضحك مما يُبْكى منه يا إخواني! ثم قال بعدها: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ} [النور:31] الطفل؟! الطفل له قيود؟! نعم، ولو كان طفلاً، بشرط: أن يكون الطفل هذا لم يظهر على عورات النساء، أما لو كان رجلاً بالغاً فهذا ليس فيه خلاف سواءً ظهر أم لم يظهر؛ وإذا كان طفلاً عمره ست سنوات، ويعرف كيف يميز الجميلة من القبيحة فإن المرأة تحتجب منه؛ لأن بعض الأطفال ولو كان عمره خمس سنوات تجده ذكياً مميزاً، يدخل البيت ويرى المرأة ويصورها كلها ماذا بك؟! دخلت البيت وفيه امرأة جميلة. فهذا يجب أن تحتجب منه؛ لأنه يعرف الجميلة من القبيحة، {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور:31]. هذا كلام الله يا إخواني! فالمرأة المؤمنة تمارس الحجاب على أنه طاعة، ولذا تلبسه وتهتم به، بأن تغطي كل شعرة، وظفر وبشرة منها، لا يظهر منها شيء، تلبس القفازين في يديها، وتلبس (الشراب الأسود) في رجليها، وتلبس الحذاء العادي الذي ليس بكعبٍ؛ لكي لا يرفع عجيزتها، وتلبس الغطاء المتين الذي لا يصف ولا ينمُّ عن وجهها، وتلبس العباءة المسيطرة والمهيمنة على كل جسمها، ثم إنه ليس هناك عباءة مزركشة، في لبس المرأة المسلمة سمعنا الآن أن هناك -وقد رأينا- عباءات مطرَّزة، هذه لم تعد عباءة، ولم تعد حجاباً، هذا الحجاب أصبح فتنة. وسمعنا الآن أن نساءً يلبسن كاباً، ما هو الكاب؟! الكاب: مثل ثوب الرجل، ترى صدر وثدي المرأة، وكتفيها، ورقبتها، ومؤخرتها، لا يصلح هذا، لا بد من عباءة من رأسها إلى قدميها، بحيث لا يدري الناس ماذا تحته، فقط يرون شكلاً أسوداً؛ لكن الكاب يفصِّل المرأة، وترى كل شيء في المرأة، بدلاً من أن تلبس الثوب الأحمر، أو الأخضر، فلتلبس الثوب الأسود، هذا هو الأصلح، وبعضهنَّ تلبس شيئاً مثل البِشْت على رقبتها كأنها رجل، لا بد أن تلبس العباءة من فوق رأسها إلى أسفل قدميها وتسحبها؛ لأن بعض النساء الآن بدأن يرفعن العباءات إلى نصف الساق، ونخاف من أن ترتفع إلى الركبة، الرجل يرخي ثوبه، والمرأة ترفع ثوبها، بالعكس، الله يأمرنا بأن نرفع ثيابنا، والنساء تسحب ذيلها؛ لكن نحن بالعكس؛ الرجل يرخي، والمرأة ترفع، لا حول ولا قوة إلا بالله! ولا تتبرج بعطر ولا برائحة، وتلزم جانب الطريق، إذا خرجت المرأة في أي طريق لا تلتفت، لا تطالع إلا في موضع قدمها؛ لأن الالتفات دليل الرغبة في التفات الغير، فإذا رأى الناس واحدةً تتلفت هنا وهنا قالوا: والله إنها تبحث عن شيء؛ لكن عندما يرونها ماشية في الطريق، لا تلتفت لا يميناً ولا يساراً؛ فإن الرجل يعرف أن هذه ماشية مستقيمة، هذه (لا تعرف اللف ولا الدوران). فلا تلتفت، ثم تلزم جانب الطريق، وتلتصق بالجدار، ولا تسلم على أحد، ولا ترد السلام، لماذا؟ لأن صوتها فتنة. هذا هو الحجاب الشرعي، وما سوى ذلك فهو مغالطة وكذب. والله أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

تأملات قرآنية في سورة الأنعام [2]

تأملات قرآنية في سورة الأنعام [2] إن المتأمل لآيات سورة الأنعام يجد أنها ناقشت قضية العقيدة بأسلوب عقلي، وبعد أن انتهت من سرد الحقائق التي لا يسع العقل ردها، بينت أن رحمة الله واسعة لكل من سلم بهذه الحقائق، وأوضحت الأجر الجزيل الذي ينتظر هذه الفئة من الناس. بعد ذلك تحول الأسلوب إلى أسلوب وعيد وتهديد لكل من حمله عناده على التردد في قبول هذه الحقائق فضلاً عن رفضها بالكلية، وقد جاء في إطار ذل بيان مصارع المكذبين، ومصير المعرضين.

تفسير آيات الرحمة من سورة الأنعام

تفسير آيات الرحمة من سورة الأنعام الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الأحبة في الله: هذا الدرس بعنوان: (تأملات قرآنية) ويأتي ضمن سلسلة الدروس التي هي بهذا العنوان، وتلقى بشكل دوري، مرة في كل شهر، ونتناول فيها بعض المفاهيم والنظرات والوقفات التي تهدي إليها وتدل عليها بعض آيات سورة الأنعام. والآيات التي سوف نتأملها هذه الليلة هي في سعة رحمة الله عزَّ وجلَّ، وقد جاءت في بيان الله عزَّ وجلَّ أنه كتب على نفسه الرحمة، وجاءت هذه الآية في أعقاب الحديث عن التكذيب والإعراض والسخرية والاستهزاء، وما ختم الله عزَّ وجلَّ به من التهديد المخيف، ومن الوعيد الشديد لأولئك المكذبين والمعرضين، والذين يعدلون بالله عزَّ وجلَّ غيره من آلهتهم المزعومة، ثم ما جاء به من لفت الأنظار، وتوجيه القلوب إلى الاعتبار بمصارع المكذبين من الأمم الغابرة، وأن مصير من يكذب لن يختلف عن مصير أولئك المكذبين. كما أنها تأتي -هذه الآيات- بعد الحديث الذي عرض حقيقة الألوهية في المجال الكوني والمجال الإنساني، وفي كل مجالات الحياة؛ عرضت حقيقة الألوهية في مجال خلق السماوات والأرض، فافتتح الله عزَّ وجلَّ السورة بقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:1]. ثم لفت النظر من خلال خلق الإنسان من طين: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} [الأنعام:2]. ثم إحاطة علم الله عزَّ وجلَّ بسر وجهر الناس، وبما يكسبونه: {يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} [الأنعام:3]. تأتي هذه الآيات بسؤال يوجهه الله عزَّ وجلَّ إلى الناس، ويأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقوله لهم، فيقول ربنا عزَّ وجلَّ للرسول صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأنعام:12] ثم يأمره الله بالجواب، فيقول: {قُلْ لِلَّهِ} [الأنعام:12] فإنه المالك، ولا يستطيع أحد أن يقول أو يتطاول أو يزعم أن له ما في السماوات وما في الأرض إلا الله، قد يزعم أو يتطاول بعض الناس فيدعي أن له شيئاًَ مما في السماوات والأرض، فقد تقول أنت: هذه أرضي ومزرعتي وعمارتي وشقتي؛ هذه جزئية لك، بقدرك بحسبك، وقد يقول -مثلاًَ- أمير منطقة: هذه منطقتي، ويقول رئيس دولة: هذه بلادي مملكتي دولتي لكن من يجرؤ على أن يقول: الأرض كلها أرضي، والسماء كلها سمائي، وما بينهما وما تحت الثرى لي، وما فوق الأرض والسماء لي؟! من يستطيع إلا الله؟! فالله تعالى يقول: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام:12 - 13].

تفسير قوله تعالى: (قل لمن ما في السموات والأرض)

تفسير قوله تعالى: (قل لمن ما في السموات والأرض) هذه المساءلة تأتي لبيان وتقرير، ثم لمفاصلة، ومن ثَمَّ يبدأ التوجيه للنبي صلى الله عليه وسلم في هذه المواجهة، مواجهة المشركين الذين يعرفون أن الله هو الخالق، وما كان مشركو العرب ينكرون هذه الحقيقة: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:25] فما كانوا يشركون في الربوبية، فقد كانوا يعرفون أن الخالق هو الله؛ لكنهم لا يتبعون هذه الحقيقة -حقيقة الربوبية- بالحقيقة الملازمة لها، وهي حقيقة الألوهية، فما دام أنه الرب فإنه المعبود لوحده، لكنهم كانوا يفصلون بينهما، ويعبدون آلهة مع الله. وبدأت المواجهة بتقرير الربوبية من أجل جعلها لازماً للألوهية، فيقول عزَّ وجلَّ: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأنعام:12] التي لا يجادلون فيها، فيقول الله تعالى: {قُلْ لِلَّهِ} [الأنعام:12] ولقد كان العرب -كما قلت لكم- في جاهليتهم أخف ضلالاً من جاهلية الناس في هذا الزمان، لماذا؟ تلك الجاهلية فيها ضلال وزيغ؛ ولكن الجاهلية الحديثة؛ جاهلية البعد عن الله في أبشع الصور، وهي درجة الإلحاد، هذه لا تؤمن بالحقائق، ولا تعرف حقيقة أن الله هو خالق الكون والحياة، والتي هي متعلقة بفطرة الإنسان وبتكوينه، وأن الله هو الذي خلق الإنسان وفطره على الإيمان به، يقول الله عزَّ وجلَّ: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:30]. حتى الفطرة المركبة في الإنسان والتي هي أرضية لاستنبات هذا الدين، مُسخت هذه الفطرة وغُيِّرت، وجُعلت مضادة لما يمكن أن يكون صالحاً لإسعاد هذا الإنسان، إنهم كانوا يعرفون ويقرون أن لله ما في السماوات والأرض؛ ولكنهم ما كانوا يرتبون على هذه القضية نتائجها المنطقية من إفراد الله عزَّ وجلَّ بالعبودية والحاكمية في الأرض، وبهذا اعتُبروا من المشركين، وسُميت حياتهم بالحياة الجاهلية، فكيف -أيها الإخوة- بمن يخرجون على أمر الله كله، وعلى اختصاص الله كله، ويزاولون هذا بأنفسهم؟! بماذا يوصفون؟! وبماذا يمكن أن توصف به حياتهم؟! لا بد من إعطائهم صفة أخرى غير الشرك؛ إنها الكفر، والظلم، والفسق، كما قررها الله عزَّ وجلَّ في سورة المائدة: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة:45] {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47].

تفسير قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله)

تفسير قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله) يتصور بعض الناس أن هذه الآية فقط مصروفة إلى الحُكَّام والرؤساء الذين لا يحكمون الشرائع، وهي آية عامة تشمل الحاكم والمحكوم، والكبير والصغير، وكلُّ مخاطب بهذه الآية يجب أن يحكم أمر الله فيه. فعينُك هذه محكومة بأمر الله، أي: أمَر الله فيها بحكم، وقال لك: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:30]، هذا حكم الله في عينك، هل أخضعت عينك لحكم الله؟! أم أن عينك متمردة على حكم الله؛ فهي تنظر إلى ما حرم الله؟! وأذنك هذه مأمورة بأمر، فلا تسمع ما حرم الله، فهل حكَّمت فيها أمر الله فمنعتها من استماع الغناء وما حرم الله؟! ولسانك هذا محكوم بأمر الله، فهل أخضعت هذا اللسان لشرع الله، وحكمته بشريعة الله؟! أم أنه محكوم بالهوى والشهوة والعادة والطبيعة؟! وفرجُك، ويدُك، ورجلك، وبيتك، وزوجتك، وعملك، ومؤسستك، وحياتك كلها ما من جزئية من جزئياتك إلا وفيها أمر لله، هل حكمته بأمر الله؟! {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44]. قال العلماء: كيف تعدد الحكم بين: (كافرون، ظالمون، فاسقون)؟! رغم أن المعصية واحدة. قالوا: الناس أمام أمر الله ثلاثة أصناف: الأول: صنف يواجهه أمر الله، فلا يؤمن به أصلاً، ويرفضه، ويتصور أن أمره أحسن من أمر الله، فهذا كافر. الثاني: صنف يواجهه أمر الله وهو ظالم، وأمر الله يأمر بالعدل، فيرى أن أمر الله يرد ظلمه، فيرفضه ليستمر في ظلمه، فهو ظالم. الثالث: صنف يواجهه أمر الله، ويعرف أن أمر الله حق؛ لكن أمر الله يحول بينه وبين ممارسة فسقه ومعاصيه، وهو إنسان يحب الشهوات، وإذا عرف أن أمر الله ينفذ عليه، فلا يريده من أجل الشهوة، فهذا فاسق. والذي تتوفر فيه الثلاثة كلها؛ يرفض أمر الله؛ لأنه لا يريده أصلاً، ولا يرى أنه أفضل شيء، ثم هو ظالم، ثم هو فاسق، فتجتمع فيه الصفات كلها -والعياذ بالله-.

تفسير قوله تعالى: (قل الله)

تفسير قوله تعالى: (قل الله) {قُلْ لِلَّهِ} [الأنعام:12] اكتفى بالرد بهذه الآية فقط؛ إذ لا سبيل إلى المرية أو الشك أو المنازعة في هذا، لا يوجد أحد يستطيع أن يقول: إن أحداً مع الله شريك في السماوات والأرض، والدليل على ذلك: أن كل من يدَّعي ملك شيء يترك هذا الملك، فبيتك هذا تقول: بيتي. طَيِّبٌ! لا تقل: بيتي، قل: بيت الورثة؛ بعد سنة أو سنتين إذا بك نازل على رأسك وقد كنت تمشي على رجليك، والآن تُنَزَّل منكوساً، إذاً هذا بيتك، أم بيت الناس؟! بيت الناس. تقول: هذه سيارتي. تَرَكْتَها. تقول: هذه زوجتي. تَرَكْتَها. تقول: هذه إدارتي. فصلوك منها. تقول: هذه رتبتي. نزعوها من على كتفك وتركوك. تقول: هذه وزارتي. أحالوك. تقول: هذه مملكتي. متَّ وأخرجوك. إذاً: لمن الملك أصلاً؟! لله. ولهذا يوم القيامة بعد أن يفني الله عزَّ وجلَّ الكون كله، ينادي تبارك وتعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر:16]؟! أين الجبابرة؟! أين القياصرة؟! أين الأكاسرة؟! فلا يجيبه أحد، فيجيب على نفسه تبارك وتعالى فيقول: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:16] لا شريك له فهو المالك. ولهذا لَمْ تأت الآية بمزيد توضيح؛ إذ لا مجال للمراء والشك في هذه القضية، فهي قضية من المسلَّمات، {قُلْ لِلَّهِ} [الأنعام:12] لكن العبرة والعظة فيما جاء بعدها: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:12] سبحانه ما أعظمه! المالك الذي لا ينازَع في ملكه؛ ولكن منه فضلاً ورحمة ومِنَّةً كتب على نفسه الرحمة، مَن ألزمه بأن يكتبها؟! من طلب منه أن يكتبها؟! كتبها ابتداءً منه وفضلاً منه، {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:12] كتبها بمشيئته وبإرادته، لم يوجبها عليه موجِب، ولم يقترحها عليه مقترح، ولم يقتضها منه مقتضٍ، ولم يطلبها منه طالب؛ ولكنها إرادته المطلقة، وربوبيته الكريمة.

رحمة الله تعريفها وضابطها

رحمة الله تعريفها وضابطها

تعريف الرحمة

تعريف الرحمة الرحمة كما يقول العلماء: قاعدة قضائه في خلقه؛ الأصل في كل شيء رحمة الله؛ لسعتها وشمولها، ولأنها مكتوبة؛ كتبها الله عزَّ وجلَّ بإرادته وفضله، {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:12]. فالرحمة قاعدة معاملته مع خلقه في الدنيا والآخرة، ولو أن الله يؤاخذ الناس بغير الرحمة ما ترك على ظهرها من دابة، ولأهلك الناس من زمن طويل، ولم يبق أحداً؛ لأن كل واحد يذنب في كل يوم ذنباً؛ لكن ما أعظم رحمة الله عزَّ وجلَّ! انظر إلى نفسك أنت كم تخطئ في اليوم الواحد؟! وكم تقترف من الذنوب والمعاصي؟! ففي هذا اليوم من الصباح إلى المغرب كم نظرت إلى النساء؟! هل سمعت منكراً؟! هل تكلمت في محذور؟! هل فكرت في حرام؟! هل صليت في المسجد؛ الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء؟! هل عملتَ خيراً؟! تصدقت؟! أصلحت؟! أمرت بمعروف، نهيت عن منكر؟! كل هذه الأسئلة يجب أن تدور في ذهنك وستجد في المقابل الثاني معاصٍ، فلو أخذك الله بالمعاصي لأهلكك اليوم، وأهلك أهل أمس، وما بقي أحد؛ ولكن القاعدة الأصلية في تعامل الله عزَّ وجلَّ مع خلقه، ويعاملهم به في الدنيا وفي الآخرة هي: رحمته فله الفضل والمنة، وله الشكر على هذه النعمة.

مقتضى رحمة الله لعباده

مقتضى رحمة الله لعباده هذه -أيها الإخوة- تقتضي مِنَّا أن نكون مؤدبين مع الله؛ فعندما نعلم أنه واسع الرحمة يجب أن نكون كثيري الطاعة، لا المعصية معتمدين على سعة الرحمة، كما يقول الحسن البصري: [إن قوماً غرَّهم حسن الظن بالله حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، يقولون: نحسن الظن بالله، كذبوا والله، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل]. مثال: ولله المثل الأعلى؛ إذا وُجد مدير إدارة، ذو خلق كريم، وشهم يقدر الرجال، يؤدي العمل ويحترمه، ويحترم الأفراد العاملين معه، ويراعي ظروفهم، ويحقق مصالحهم، ويهيئ لهم كل فرص تحسين الوضع، وإذا وقع لأحد العاملين ظرفاً ساعده وفزع له ويعطيه إجازة، وإذا حصل عليه شيء يجمع له، المهم رجل شهم بمعنى الكلمة، كيف يتعامل الناس مع هذا المدير؟! على رجلين: الأول: موظف شهم فاضل؛ فيتعامل معه من هذا المنطلق، فتجده من أحسن الناس أداء، ودواماً، وإتقاناً؛ لماذا؟ لأنه يحترم المدير، يقول: هذا المدير رجل فاضل، نستحي والله أن نتأخر، أو أن نؤخر العمل عندنا، أو أننا نغلط معه، هذا رجلٌ أَكْرَمَنا وغطَّانا بفضله، كيف نتعامل معه؟! هذا هو منطق الأخلاق؛ أن تتعامل مع المدير بمثل ما يتعامل معك به. الثاني: موظف سافل لا خير فيه، ولا خُلُق، استغلَّ طيبة المدير وخلقه وكرامته وشهامته؛ فضيَّع العمل ما رأيكم في هذا الإنسان؟! بماذا سيتعامل معه المدير؟! هل بنفس الأسلوب أم يغيره له، ويقلب له ظهر المجن، تجد المدير هذا الذي هو أحسن واحد، يصير أشرس واحد، لماذا؟ يقول: هذا لا يستحق التعامل الحسن. ولله المثل الأعلى! إن سعة رحمة الله يجب أن لا تطمعنا في معصيته، وتجرِّئنا على مخالفة أمره، وهذا مذهب المرجئة، يقول فيهم زيد بن علي: " إني أبرأ إلى الله من المرجئة؛ فإنهم أطمع الفسَّاق في رحمة الله، وأجرؤهم على معصية الله. " ولكن هناك توازن في التعامل مع الله، فتطمع في رحمته وتشفق من عقوبته، فتحملك معرفتك برحمته على الرجاء، وتحملك معرفتك بعقوبته وشدة بأسه على الخوف، فتعيش متوازناً بين الخوف والرجاء، هذه هي مسألة المؤمن؛ فالمؤمن يعيش بين الخوف والرجاء إلى أن يموت، وفي ساعات الموت ماذا يفعل؟ يدع الخوف ويُغَلِّب الرجاء، لماذا؟ لأنه لم يعد هناك مجال للعمل؛ أي: لم يعد معك إلا ما تحسن به الظن، ويضرب العلماء في هذا مثالاً: الطالب وهو يذاكر أثناء العام الدراسي يعمل بين الخوف والرجاء، الخوف من نتائج الامتحان والأسئلة التي سوف يضعها الأستاذ، والرجاء لأنه والحمد لله مذاكر وذكي وفاهم للمادة، وأيضاً الأستاذ يعرف كيف يصحح الأسئلة والإجابات الصحيحة، هذا خوف ورجاء؛ لكن إذا دخل الصالة، ماذا يُغَلِّب؟! ووقع الورقة وكتبها وخرج إلى الخارج وقرأ الأسئلة وقارنها لم يعد عنده خوف، بل يصير عنده رجاء؛ رجاء في عطف الأستاذ ورحمته، ورجاء في اللجنة التي يسمونها لجنة الشفقة -لجنة الرحمة- التي تنظر في الأوراق إذا بقيت نصف علامة أو علامة ونصف فتضيفها. وأنت كذلك يجب عليك في هذه الحياة أن تعيش متوازناً بين الرجاء والخوف؛ ولكن تغلِّب في الدنيا جانب الخوف لكي تنحجز عن المعاصي وتمشي في الطاعات، فإذا كنت مودعاً للدنيا إلى الآخرة تغلب جانب الرجاء، يقول عليه الصلاة والسلام: (لا يموت أحدكم إلا وهو يُحسن الظن بالله)، وإحسان الظن كما يقول ابن القيم: يقتضي إحسان العمل، فمن أحسن الظن بالله أحسن العمل في التعامل مع الله عزَّ وجلَّ.

مظاهر رحمة الله تعالى

مظاهر رحمة الله تعالى إنَّ رحمة الله عزَّ وجلَّ هي الأساس والأصل في تعامل الله عزَّ وجلَّ مع العباد، وهذه الرحمة لها مظاهر وصور، وما من لحظة من لحظات الحياة إلا وهي رحمة الله عزَّ وجلَّ ظاهرة فيها، بل لو تخلت عنك رحمة الله لحظة واحدة لهلكت. تصور والله عزَّ وجلَّ يجري لك النفس الذي تستنشقه من الهواء، فيدخل إلى الرئتان، وتنقله الرئتين إلى القلب والدم، ويؤكسد الدم وينظفه ويصعد، لو حُبست عنك هذه اللحظات -أي: لو حبس النفس لحظة واحدة- ومنع الله منك رحمة الهواء، كيف تعيش؟! ولو سقطت قطرة من قطرات الماء التي تشربها ونزلت في البلعوم الخاص بالهواء، ماذا يحصل؟ تسمى: شَرْقَة، والشَّرْقَة هي: نزول الماء أو الغذاء في البلعوم، لأن في الرقبة قصبتين: الأولى: المريء، وهي قصبة من الفم إلى فم المعدة، وهذه القصبة فيها عضلة، فإذا دخلت اللقمة تضرب العضلة فيها، وتعصرها حتى تنزلها إلى تحت، وبعد ذلك تنطبق ولا تسمح بخروج شيء، ولهذا ترى الواحد إذا انتكس على رأسه يمارس الرياضة، لا ينزل الذي في بطنه؛ لأنها تُقْفَل؛ لكن من هنا مفتوحة، أي شيء ينزل ولا يصعد. الثانية: بجانبها قصبة ثانية، اسمها: البلعوم، وهذه قصبة غضروفية مفتوحة باستمرار، وتوصل إلى الرئة. وبين القصبتين -بين المريء وبين البلعوم- جندي واقف يسمح بمرور الطعام والهواء بالتناوب، تسمى عندنا في الجنوب: (الطُّرَّاعة)، وتُسمى في بعض الأماكن: (اللهاة)، واسمها في العلم: (لسان المزمار)، وهي لحمة موجودة، إذا تكلم الواحد سدت الفتحة الخاصة بالطعام؛ لأنه يتكلم بالهواء؛ وإذا أراد أن يأكل سدت الفتحة الخاصة بالهواء، فإذا تكلم وهو يأكل ماذا يصير؟ يصدر أمراً إلى هذه اللحمة أن افتحي هنا وافتحي هنا، فتدخل حبة أرز أو قطرة ماء في القصبة الخاصة بالهواء، فيحس الإنسان بشَرْقَة، هذه الشَّرْقَة كفيلة بأن تجعلك تموت، من يخرج الحبة من رئتك إذا دخلت؟! من ينزل قصبة تخرج القطرة التي نزلت إلى رئتك، رئتك لا تقبل قطرة ماء، ولا تقبل حبة أرز؛ لكن رحمة الله تدركك، فتصدر إشارات من المخ إلى الرئة أنه يوجد جسم غريب دخل، اطردوه، فتقوم الرئة تطلق صفارات الإنذار على الدفاع الداخلي ويحدث السعال، وإذا طُرِدَت النقطة قال: الحمد لله، كنت سأموت! وترى عينيه ترقرقت بالدمع، من أجل قطرة تموت؟ ما أضعفك! ما أحقرك أيها الإنسان! من أجل قطرة، لو أن الله ما طرد منك هذه القطرة لكنتَ متَّ؛ لكن رحمة الله عزَّ وجلَّ تدركك. هذه الرحمة -أيها الإخوة- لها صور، ولها مظاهر كثيرة جداً، ولو تكلم عنها الإنسان ساعات طوال ما أدركها ولا أحاط بها؛ لكن سنتكلم عن بعضها، وعن أشملها وأظهرها:

إنزال القرآن الكريم

إنزال القرآن الكريم أنزل الله القرآن رحمة للعالمين، وتصوروا -أيها الإخوة- لو أننا نعيش بغير قرآن، كيف ستكون حياتنا؟! إنها والله حياة بهيمية، إن أسوأ حياة يعيشها الإنسان يوم يعيش مقطوعاً عن الله، لا تتصوروا أن أصحاب الحضارة الغربية والشرقية التي قامت بتقديس المادة، وتدنيس وتدمير الإنسان أنهم في سعادة، لا والله! هم في الحقيقة في سعادة مادية؛ لكنهم في عذاب داخلي، ويعرف هذا عقلاؤهم؛ يقررون ويكتبون ويتوقعون معضلات تحصل بسببه، وما حصل بسببه الآن فهو معروف: الانتحار المخدرات الأمراض النفسية التحلل الأسري التفكك الاجتماعي الجنون المسرحي الجنون الكروي كل هذه مظاهر، جاءت بسبب انقطاع الناس عن وحي السماء؛ يعيشون بغير قرآن، يعيشون كما تعيش البهائم والأنعام، كما قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12]، كما تأكل البهائم؛ لكن ليسوا بهائم في الأصل، هم أناس، خلقهم الله للعبادة، فعطلوا هذه الوظيفة واشتغلوا بما اشتغلت به البهائم، فقصروا أرواحهم على عيشة ما خلقت لها، عيشهم يجب أن يكون على دين؛ لكنهم جعلوها حيوانية، ولهذا هم يعذبون أنفسهم، فهم الآن في عذاب لا يعلمه إلا الله، من أين جاء هذا العذاب؟ بسبب حرمانهم من وحي السماء. والله سمَّى القرآن رحمة، يقول الله عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ} [يونس:57]، {قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} [يونس:57] وهو القرآن، {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس:57] ما هو الذي في الصدور؟ القلوب، إن الله تعالى يقول: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي} [الحج:46] أين؟ {فِي الصُّدُورِ} [الحج:46] وليس المقصود هذا الذي يضخ الدم، لا. هذا القلب مادي، لكن القلب المعنوي: هو القلب الذي يفقه عن الله ما الذي يشفيه، ويجعله حياً يخاف من الله ومقبل إليه؟ هنا القلب القرآن شفاء له؛ لكن كيف يأتيك الشفاء وأنت معرض عن القرآن؟! الأمة الآن مريضة؛ لأن القرآن ليس في حياتها، إذا مرَّ الواحد على القرآن في الإذاعة أقفله، وإذا مرَّ على الأغنية قام يلعب ويرقص، كيف يأتي الشفاء؟ هذه مصيبة الأمة، فالشفاء في كتاب الله تعالى، قال عزَّ وجلَّ: {قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:57 - 58]. {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ} [يونس:58] أي: بإنزاله القرآن، {وَبِرَحْمَتِهِ} [يونس:58] أي: بالقرآن، {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58] إن كان عندك هذه الرحمة والفضل والقرآن فلتفرح، وإن كنت محروماً من هذا الفضل والقرآن فلا تفرح؛ لأنك ضيعت الشيء الذي بسببه تحصل الفرحة: {هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58]. ويقول عزَّ وجلَّ: {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:52]. ويقول عزَّ وجلَّ: {أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ} [الأنعام:157] أي: لا أَظْلَمَ، إذا سمعتَ: {فَمَنْ أَظْلَمُ} [الأنعام:157] أي: لا يوجد أحد أظلم من صاحب هذا الظلم وهذا الفعل {مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا} [الأنعام:157] أي: أعرض عن آيات الله المقروءة أو المنظورة؛ المقروءة في القرآن أو المنظورة في الكون، {وَصَدَفَ عَنْهَا} [الأنعام:157] أي: تعامى وأعرض عنها، {سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ} [الأنعام:157] أي: يعرضون {عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ} [الأنعام:157]. فنزول القرآن رحمة. اسأل نفسك: كم نصيبك من هذه الرحمة؟ كم تحفظ من القرآن؟ تحفظه كاملاً؟ إذن عندك (100%) رحمة. تحفظ نصفه؟ إذن عندك (50%) رحمة. تحفظ عشرة أجزاء؟ إذن عندك (33%) وهكذا، وإن كنت لا تحفظ شيئاً فعندك (0%). بعض الناس لا يحفظ حتى آية، لكنه يحفظ مليون أغنية! هذا عنده (100%) عذاب بدلاً من الرحمة. خلقك الله لتعمل بكتابه؛ من أجل أن تقرأ وتعمل بالقرآن الكريم هذا رحمة، كم عندك؟! اسأل نفسك: كم عند زوجتك من القرآن؟! كم عكست ما عندك إلى أهلك؛ عند بنتك وولدك وجماعتك؟! لأنه الرحمة، فيجب أن يستفيد الناس من الرحمة التي فيك؛ لكن الذي ما عنده رحمة في نفسه كيف يكون في الناس رحمة له وقد حرم نفسه من الرحمة العظيمة التي أنزلها الله رحمة للعالمين، وهي هذا الكتاب الكريم؟! فنزول القرآن رحمة من الله، كما قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58].

بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة

بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم رحمة يقول الله عزَّ وجلَّ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً} [الأنبياء:107] لمن؟ للناس؟! لا. بل: {لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] وكل ما سوى الله فهو عالَم، رحمة للسماوات وللأرض، ولليل وللنهار، وللأشجار وللبحار، وللإنسان وللحيوان، وللنبات وللجماد كل شيء، لقد شملت هذه الرسالة وعمَّت رحمتها كل شيء، حتى المطر إذا نزل على أرضٍ فيها صلاح ودين يصير رحمة، وإذا كان فيها معاصٍ يصير عذاباً وتدميراً، لماذا؟ لأنه في الأصل رحمة، وأحياناً لا يكون هؤلاء أهلاً للرحمة فينزل عليهم عذاباً -والعياذ بالله-. فبعثة النبي صلى الله عليه وسلم رحمة، وتصوروا أيها الإخوة، لو لم يكن لنا رسول، فمن يكون قدوتنا في الحياة؟! إن المؤمن ليطمئن وتهدأ نفسه حينما يعلم أنه يتلقى تعليماته وقدوته وأوامره ويسير في حياته على منهج أكرم بشر، وعلى طريقة أفضل مخلوق، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، شرف عظيم لك أن يكون قدوتك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لكن إذا كنتَ بغير قدوة ورسالة ما حالك؟ انظروا إلى التائهين الضالين، يربي له (زنَّارة). ماذا به؟! قال: هذا خُنْفُس. هذا قدوته الخُنْفُس. وآخر حلق رأسه إلى أن صار رأسه مثل البطاطا تماماً. ماذا به؟! قال: هناك جماعة في أوروبا اسمهم: جماعة الأرانب، أنا من أعضاء جمعية الأرانب. هذا خُنْفُس وهذا أرنب! وآخر يلبس بنطالاً ضيقاً على استه حتى يخنقها، ثم يوسع على رجله ويجعله متراً من تحت. ما به؟ قال: هذا (شارل استون). ما هذا؟! من قدوة هؤلاء الضالين الضائعين -والعياذ بالله-؟! رأيت مسابقات يجرونها الآن في العالم تُضْحِك، قبل أيام سمعنا واحداً أُجريت له مسابقة، وحقق رقماً قياسياً في الضحك، مكث ساعة يضحك، حتى آلم فمه وهو يضحك وإذا وقف، قالوا: اضحك أو اخرج من المسابقة. أهولاء يعيشون في سعادة؟! وآخر أجريت له مسابقة في أطول شنب؛ مكث طول حياته ليس همه إلا أن يمسح شنبه، ويسقيه بالمواد الكيماوية، ويسحبه، ويهتم به، حتى كبر، أتدرون كم كبر؟! مترين وأربعين سنتيمتر شنب ملفوف! ليس لهم قدوة هؤلاء ضالون ضائعون، لكن أنت مربوط بالسماء، وموجَّه إلى شخص كريم، اختاره الله واصطفاه، وجعله رسولاً، وقال للناس: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] فتطلق لحيتك وتعفيها؛ ليس لأنها قضية شعر، ولا ديكور، لا؛ ولكن لأن الرسول أمر بها، وقال: (قصوا الشوارب، وأعفوا اللحى) ولذا هي كريمة عندك، لا لكرامة الشعر، ولكن لكرامة الآمر بها والذي حثك عليها، وتموت وتُقطع رقبتك ولا تقطعها، لماذا؟ لحبك لمن أمر بها صلوات الله وسلامه عليه؛ لكن حينما تهون محبة الرسول في قلبك تهون لحيتك عليك، وتحلقها بنقود عليها، وتدع الحلاَّق يَرْصَعها وعينك تنظر، بل بعضهم يحلق في الحمام، وتذهب لحيته مع الكرسي! أين كرامة الإنسان؟! أين كرامة الرسول صلى الله عليه وسلم في قلوبنا؟! {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] إن أعظم ما رحم الله به العباد هو: بعثة هذا الرسول، وإنزال هذا الكتاب الكريم.

صرف السيئات عن عباده المؤمنين وتوفيقهم للطاعات

صرف السيئات عن عباده المؤمنين وتوفيقهم للطاعات ومن مظاهر رحمته تبارك وتعالى بالأمة، وبالمؤمن على وجه الخصوص: أن يصرف الله عنك السيئات، بحيث يوفقك للطاعة، ويصرف عنك السيئة. ويجعل عينك هذه عيناً طاهرة؛ إذا رأت المرأةَ تغُضُّ. ويجعل أذنك أذناً نظيفة؛ إذا سَمِعَتِ الأغنيةَ تغلقُ. ويجعل لسانك لساناً طاهراً؛ لا يتكلم إلا بذكر الله، وبالعمل الصالح، وبالكلمة الطيبة، لا يلعن، ولا يسب، ولا يشتم، ولا يغتاب، ولا يكذب، ولا يحلف، ولا، لسانك لا يقول إلا خيراً. ويجعل يدك هذه نظيفة عفيفة؛ لا تمتد إلا إلى الفضائل ومعالي الأمور. ويجل رجلك هذه طاهرة؛ لا تحملك إلا إلى المسجد والطاعة والعمل الصالح. ويجعل فرجك طاهراً نظيفاً؛ لا يقع إلا فيما أحل الله له. ويجعل بطنك هذه نظيفة؛ لا يدخله إلا ما أحل الله. ويجعلك كلك من أولك إلى آخرك على الطاعات، ويمنعك من السيئات، هذه رحمة أم ليست رحمة؟! نعم رحمة. اسمعوا ماذا يقول الله عزَّ وجلَّ عن الملائكة: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا} [غافر:7] هؤلاء الملائكة في السماء، وأنت جالس هنا، وهم يستغفرون لك في السماء فاغفر لمن؟ لمن توفرت فيهم صفتين: {لِلَّذِينَ تَابُوا} [غافر:7] وبعد التوبة؟ {وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ثم تقول الملائكة: {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} [غافر:7 - 9] تطلب الملائكة من الله أن يقيك السيئات، وأن يصرف عنك المعاصي والذنوب: {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر:9]. هذا هو الفوز العظيم، أن يقيك الله السيئات، وتصبح آلِيَّ العبادة والطاعة، كأنك مركب على أزرار؛ من بيتك إلى مسجدك إلى عملك، إذا رأيت معصية تهرب منها، وإذا رأيت طاعة تقبل إليها، فأنت من رحمك الله، {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر:9] أي: الذي ما وقاه الله السيئات ما رحمه الله، وما ناله نصيب من رحمة الله، فمن الناس من لا يعرف الطاعات أصلاً، ولا يتعرض للطاعات، وإنما هو واقع في المعاصي والسيئات منذ أن تستيقظ عينه حتى تنام، فهو يستيقظ على معصية الله، وينام على معصية الله؛ يستيقظ ويده على السيجارة، يحسب الباكت، يبحث عنه وهو ما زال مُغْمِضاً عينيه، من أجل أن يشعل الدخان، ويستيقظ ويده على مؤشر الراديو لكي يستفتح النهار بأغنية، أو على الشريط، وعندما يركب السيارة يشغل الأغنية، فيذهب إلى العمل على الباطل، ويمشي في الشارع على الباطل حياته كلها معاص في معاص؛ لأنه حُرِم من رحمة الله عزَّ وجلَّ. إذاً: يا أخي الكريم: تعرَّض لرحمة الله عن طريق فعل الطاعات وترك السيئات، وهذه تقتضي منك مجاهدة؛ لأنك إذا جاهدت نفسك في ترك المعاصي، والابتعاد عن السيئات، وممارسة الطاعات، فكأنك تستمطر رحمة الله؛ يا ربِّ هات رحمة منك، وأنت مأمور بهذا، لكن عندما تأتي الطاعة إليك فتقول: لا، وتُعْرَض عليك المعصية فتقول: هيا، فكأنك ترد رحمة الله، وتستمطر غضب الله ولعنته وسخطه في الدنيا والآخرة. كما قال الله تبارك وتعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران:132].

من مظاهر رحمة الله: سماع القرآن الكريم

من مظاهر رحمة الله: سماع القرآن الكريم أيضاً: من مظاهرها: سماع القرآن:- {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:204]. فإذا سمعت القرآن فأنت مُعَرَّض لرحمة الله تبارك وتعالى. رحمة الله عزَّ وجلَّ ليست مختصة بفئة؛ ولكنها على عباده تسعهم، وبها يقوم وجودهم وكيانهم، وهي تتجلَّى في كل مظهر من مظاهر حياتهم ومن مظاهر وجودهم على هذه الحياة:

من مظاهر رحمة الله: مجازاة الله عز وجل

من مظاهر رحمة الله: مجازاة الله عز وجل تتجلى أيها الإخوة أولاً في: مجازاة الله عزَّ وجلَّ: أي: أنه يضع لك على السيئة سيئة، وعلى الحسنة عشر حسنات، إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة. هذه رحمة أم ليست برحمة؟! مقتضى العدل: السيئة بسيئة، والحسنة بحسنة؛ لكن لا إله إلا الله! سيئة بواحدة، وحسنة بعشر، إلى سبعمائة، إلى أضعاف كثيرة. وعندما تريد أن تعمل سيئة فيحجزك منها خوف الله، ماذا تُكْتَب لك؟ حسنة. فعندما تهم بصدقة أو حسنة، لكن لا تقدر عليها، تُسَجَّل لك حسنة. وتمر على فقير في الشارع تراه يمد يده، فتدخل يدك في جيبك تبحث عن ريال فلا تجد ريالاً؛ لن يضيع لك ربك هذه النية الحسنة، يقول: سجلوا له ريالاً، كأنه عمل حسنة. هذه مظاهر رحمة الله عزَّ وجلَّ.

من مظاهر رحمة الله: تجاوزه تعالى عن عباده

من مظاهر رحمة الله: تجاوزه تعالى عن عباده أيضاً من مظاهر رحمة الله تبارك وتعالى: تجاوز الله وتوبته عن العبد إذا تاب قبل الموت بل أشمل من تجاوزه: تبديل سيئاته حسنات، رجل كان مسرفاً في المعاصي، وعاش حياته كلها على الذنوب، ثم تاب، وقد سُجِّل في دواوين سيئاته ملايين السيئات، ثم تاب وحسنت توبته، والله تبارك وتعالى من فضله ورحمته يمحو هذه السيئات ثم يثبت بعددها حسنات، كأنه كان يعمل حسنات، هذا فضل ورحمة، أم لا؟! يقول الله تبارك وتعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:70]. جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والقصة يذكرها ابن كثير نقلاً عن ابن أبي حاتم، يقول: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد سقط حاجباه على وجهه، من كثرة طول سنه، وتقدم عمره، فقال: (يا رسول الله! رجلٌ غدر وفجر، ولم أدع حاجة ولا داجةً إلا اقترفتها، ذنوب لو قسمت على أهل الأرض لأهلكتهم، فهل لي توبة؟ قال: أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قال: نعم، قال: اذهب، فإن الله قد كتب لك بكل سيئة حسنة، قال الرجل: وغدراتي وفجراتي يا رسول الله؟! -يعني: الكبار، التي ما يُتَصَوَّر أن يغفرها الله تعالى- قال: وغدراتك وفجراتك. فولى الرجل وهو يقول: لا إله إلا الله! سبحان الله!). فما أعظم فضل الله، وهذا الكلام نوجهه لأنفسنا وللمسرفين في الذنوب، والذين عندهم ذنوب كثيرة، ويقولون: ربنا لن يقبلنا لا والله، مهما كان ذنبك، فإن رحمة الله أوسع من ذنبك، فقط غيِّر الوجهة: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزمر:54] {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53] وبعد ذلك: {وَأَنِيبُوا} [الزمر:54] بعضهم يأخذ آخر الآية ويترك أولها، يقول: إن الله غفور رحيم، لكن أين {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} [الزمر:54] أي: توبوا وأسرعوا، {وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزمر:54]. فلا بد من التوبة والإنابة والرجوع إلى الله. أما التوبة بعد فوات الأوان لا تنفع {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [النساء:18] لم تعد تنفع: {وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} [النساء:18]، وقبلها يقول: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً} [النساء:17]. فأنت عليك أن تتوب الآن. ولا داعي -أيها الإخوة- للمجازفة في قضية التوبة، فإن المجازفة في التوبة مجازفة خاسرة؛ لأنه إذا كان الإنسان يعصي الله فتقول له: الآن هل أنت راضٍ عن وضعك وعن معصيتك، أم لا؟! سيقول لك: لا، أنا ليست براضٍ. هل قرَّرتَ أن تتوب إلى الله، أم لا؟! سيقول: قرَّرتُ أن أتوب. متى تتوب؟! حدد لي يوماً معيناً. سيقول: فيما بعد. متى بعد سنة؟ سيقول: لستُ أدري. بعد شهر؟ سيقول: لستُ أدري. إذاً: أنت كذابٌ، لا تريد أن تتوب، لو أنك تريد أن تتوب فلا بد أن تحدد. وإذا قال: أحدِّد، بعد سنة. نقول: هل عندك ضمان أنك تعيش إلى بعد سنة. فإذا قال: ليس عندي ضمان. قلنا: إذاًَ: لماذا تؤخر على غير ضمان، إذاًَ: يلزمك أن تتوب الآن، فإنك إن تبت الآن، ومدَّ الله في عمرك، كانت حياتك كلها طاعة، وسلمت من سوء الخاتمة، وإن لم تتب الآن، ومد الله في عمرك وأنت عاصٍ، كانت حياتك كلها وبال عليك، وكنت عرضةً لسوء الخاتمة، فربما تموت الليلة، أو غداًَ على سوء الخاتمة. إذاً: الخيار الأفضل لك أيها الإنسان ولي ولكل مسلم هو التوبة؛ ولهذا جاء في الحديث عن الأغر المزني يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر في المجلس الواحد مائة مرة). وفي صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (توبوا إلى الله يا عباد الله! إنه ليُغان على قلبي فأتوب إلى الله سبعين مرة) ما هو الغَيْن؟ قالوا: يُغان على قلب الرسول يعني: طبقة خفيفة من الغفلة، وإلا فإن الرسول لا يغفل عن الله، فالرسول مِن أَذْكَر عباد الله ومن أخشى الناس لله ومع هذا يقول: يُغان، لم يقل: يَغْفُل؛ لأن الغَين: يعني: طبقة خفيفة سريعة تأتي على القلب فيستغفر منها الرسول سبعين مرة، ونحن لا نستغفر! نستغفر الله الذي لا إله إلا هو ونتوب إليه، نستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه، نستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ونتوب إليه. فمجازاة الله للعباد قائمة على الرحمة، ولهذا إذا تاب الإنسان مسح الله كل ذنوبه، وهذا من أعظم ما يمكن أن نصف به مظاهر رحمة الله تبارك وتعالى.

دخول الجنة برحمته تعالى

دخول الجنة برحمته تعالى أيضاً: من مظاهر رحمته: أنه لا أحد لا يدخل الجنة بعمله، وهذا يبين لنا عظمة الجنة، وأنها لا توازي العمل، قال عليه الصلاة والسلام: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته). إذاً: كيف عبادتنا قياساً على عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم؟! أنا أعطيكم نماذج ونتفاً من عبادة النبي صلى الله عليه وسلم: أولاً: من عبادته: - في الصوم: كان يصوم ويواصل، أتدرون ما معنى الوصال؟ الوصال أنه يصوم من الصباح -أي: يتسحر ويصوم- ويأتي المغرب فلا يفطر، ويأتي السحور فلا يتسحر، ويواصل اليوم الثاني، ويأتي المغرب فلا يفطر، ويأتي اليوم الثاني فلا يتسحر، وكان يواصل اليوم واليومين والثلاثة والأكثر من ذلك، ولهذا قال له الصحابة: يا رسول الله! أنت تواصل، ألسنا مثلك؟ لا بد أن نواصل، قال: (إنكم لستم مثلي، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني) والحديث في البخاري، قال ابن حجر وهو يعلق على هذا الحديث: كيف يكون الرسول صلى الله عليه وسلم مواصلاً وهو يبيت عند ربه يطعمه ويسقيه، لو أنه يُطْعَم ويُسْقََى من طعام الدنيا ما كان هذا وصالاً؛ لكن ليس من طعام الدنيا؛ يطعمه ويسقيه بما يفضي على قلبه من شآبيب رحمته، فيعوضه هذا عن الطعام والشراب في الدنيا، لا إله إلا الله! هذا في صيامه من منا يصوم هذا الصيام؟! - قيامه صلى الله عليه وسلم: وقيامه صلى الله عليه وسلم توضحه الأحاديث:- تقول عائشة رضي الله عنها: (كان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تفطرت أقدامه) رجلاه من كثرة الوقوف تشققت، ونحن تشققت أقدامنا من اللهث وراء الدنيا! أقدامنا مُشَقَّقَة من الدنيا؛ لا من الطاعة. ثانياً: الجهاد: حياته كلها منذ أن بُعث إلى أن مات جهاد، صلوات ربي وسلامه عليه. ثالثاً: شجاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي مضرب المثل: يقول علي، وهو من الشجعان، يقول: [كنا إذا حَمي الوطيس، واحمرَّت الحُدُق ندلق بظهر الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يُرى أقرب منه للعدو]. وفي غزوة حنين لما انكشف ظهر المسلمين، وقف يرتجز على البغلة الشهباء، وهو يقول: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب) يقول: انظروني، موجود، تعالوا، وما ثبت إلا هو، ومعه مائة من أهل الشجرة، حتى أنزل الله جنوداً قلبوا كفة الميزان لصالح المؤمنين. رابعاً: كرمه صلى الله عليه وسلم وبذله وعطاؤه: ما كان أجود منه صلى الله عليه وسلم في الأرض، كان أجود من الريح، وكان يعطي عطاءَ مَن لا يخشى الفقر. جاءه رجلٌ أعرابي يكفيه أنه يعطيه شاة أو نحوها، فأعطاه غنماً بين الجبلين جاءت من الفيء، وادٍ مليء قال: خذ، هذه لك، فرجع الرجل إلى قومه، قال: أسلموا، والله هذا رجل يعطي عطاءَ من لا يخشى الفقر؛ فجاءت القبيلة كلها تسلم. اللهم صل وسلِّم عليه. ادخر له بلال تمراً قليلاً حتى إذا جاع الرسول أعطاه له، فسأله يوماً: (أعندك شيء؟ قال: لا يا رسول الله! إلا تمرات ادَّخرتُها لك، قال: هاتها يا بلال، أنفق ولا تخشَ من ذي العرش إقلالاً) هذا رسول، لو أنه ليس رسولاً والله ما يفعل هذا؛ لكن هذا نبي، اللهم صل وسلِّم عليه. وفي حديث عقبة بن نافع في صحيح البخاري يقول: (صلَّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر، فانفتل من الصلاة، فقام من ساعة أن انفتل -دخل حجرته- ثم رجع، فقلنا: يا رسول الله ما لك؟! قال: ذكرتُ في صلاتي شيئاً من تِبْر -يعني: ذهباً- عندي، كرهت أن أقعد حتى أنفقه، فقسَّمتُه ورجعت إليكم) هذا رسول، اللهم صل وسلِّم وبارك عليه. خامساً: حلمه: دائماًَ الذي عنده عَظَمَه يكون عنده حلم عظيم، وعظمة الرسول صلى الله عليه وسلم تتجلَّى في كل جزئية من جزئيات حياته. حلمه: يأتي الأعرابي ويجذبه جذبة عنيفة، أثرت في عاتقه الشريف، والصحابة وقوف والسيوف في أيديهم -ما كانوا يقدرون على رفع أبصارهم إليه، وهذا الأعرابي يأتي ويشده ويقول: أعطني من مال الله الذي عندك، لا من مالك ولا من مال أبيك، فالصحابة كل واحد منهم بيده سيفه يريد أن يأخذ به رأسَه؛ قال لهم: دعوه، دعوه، وجاء بالعطية وأعطاه، قال: صدق، ليس مالي، هو مال الله، وتركه يذهب، اللهم صل وسلِّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم. إنه رحمة صلوات الله وسلامه عليه: ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، حتى في المعارك، ففي غزوة بدر لما انتهت المعركة، وجيء بالأسرى -أسرى المشركين- استشار الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في هؤلاء، ماذا يصنع فيهم؟ قال أبو بكر: يا رسول الله! أبناؤك وإخوانك وأبناء عمك، اعفُ عنهم، قال عمر: لا يا رسول الله! أعداؤك وأعداء كتابك وأعداء دينك، أخرجوك وحاربوك، اقتلهم، فماذا صنع صلى الله عليه وسلم؟ مال إلى الرأي الأول رأي الرحمة وعفا عنهم، ثم جاء القرآن من السماء يصحح رأي عمر، ويقول: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال:67] فقال صلى الله عليه وسلم: (لو نزلت نار من السماء لأحرقت أهل الوادي، ولما نجا منها إلا عمر) لكن رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم عظيمة. ولما نزل من الطائف، وقال له ملك الجبال: (أأطبق عليهم الأخشبان؟ -لو كان واحد منا لقال: هؤلاء ما فيهم خير، يا رب دمِّرهم- فقال صلى الله عليه وسلم: لا. إني أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبده، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون!). ولما ذهب الطفيل بن عمرو إلى بلاد زهران، ودعا قومه طردوه، وسبوه، وشرَّدوه، فإذا به يرجع، فقال: (يا رسول الله! هلك الدَّوس، قال: ما أهلكها؟ قال: أدعوهم إلى الله فيكذبونك، ادعُ عليهم، قال: ارفع يديك، فرفع الطفيل يديه، والرسول رفع يديه، يريد أن يدعو، قال: اللهم اهدِ دَوساً، وائت بهم جميعاً، قال: يا رسول الله! ما دعوتَ عليهم، قال: اذهب وانظر)، وعندما ذهب إذا به يجد دَوساً كلها قد أسلمت، وجاءت سبعون بيتاً من دَوس، ولا يزال لقبيلة زهران وقبيلة دَوس الفضل بدعوة الرسول إلى يومنا هذا، هاهي كتب التاريخ والسير والمسانيد والأحاديث تبين لنا أن من هذه القبيلة مشاهير الصحابة، يكفيهم أنَّ منهم: عبد الرحمن بن صخر الدوسي (أبو هريرة) رضي الله عنه، الذي روى أكثر من خمسة آلاف حديث، فالدين أغلبه جاءنا من طريق أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107]. وما يبلغ أحد فعل النبي صلى الله عليه وسلم وعمله ومع هذا العمل كله لا يؤهله لدخول الجنة، ولهذا الصحابة استغربوا، (قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته) فإذا كان الرسول لا يدخل الجنة بعمله، فهل أدخل أنا وإياك بعملنا؟! ما هو عملنا يا إخواني؟! ماذا نعمل؟! والله لو عُرض على زبَّال لرفضه، فصلاتنا نصفها وساوس وأفكار، وكذلك صيامنا! وصدقاتنا الله المستعان! نشكو أمرنا إلى الله؛ لكن نسأل الله أن يدخلنا في واسع رحمته. اللهم أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، ربنا لا تؤآخذنا بما فعلنا، ولا بما فعل السفهاء منا، ربنا أدخلنا في رحمتك، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين.

من مظاهر رحمة الله: إنزاله لرحمة يتراحم بها الخلق في الدنيا

من مظاهر رحمة الله: إنزاله لرحمة يتراحم بها الخلق في الدنيا أيها الإخوة: هذه الرحمة ضرب لها النبي صلى الله عليه وسلم أمثلة وقربها إلى القلوب حتى تُفهم، وهذا شأنه صلى الله عليه وسلم في حياته الدعوية أنه كان يقرب المفاهيم والمعاني إلى قلوب الناس بالأمثلة، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر:21]. أخرج البخاري ومسلم حديثاً عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (جعل الله الرحمة مائة رحمة، أمسك عنده تسعاً وتسعين، وأنزل في الأرض جزءاً واحداً من المائة، فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق، حتى إن الدابة لترفع حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه) بسبب هذه الرحمة! وتصور جزءاً واحداً العالم كله يتراحم به الآن، فتجد الناس في قلوبهم رحمة؛ إذا مَرَّوا على طفل صغير يبكي يأخذونه، ولو لم يكن ولدهم، وإذا رأوه مريضاً واقعاً في الأرض يسعفونه، ولو أنهم لا يعرفونه، إذا رأوه جائعاً يرحمونه، كم؟ كل الناس يرحمون. حتى الكفار في قلوبهم رحمة؛ توجد عندهم جمعيات: الرفق بالحيوان، وجمعيات الإغاثة، وجمعيات المنكوبين، وجمعيات اللاجئين هذه الجمعيات سببها ماذا؟ وجود رحمة. والبهائم فيها رحمة؛ فالدجاجة وهي دجاجة صغيرة، ترحم فرخها وتحن عليه، وتمتنع من الطعام والشراب، وإذا قط يريد أن يأكله، ماذا تفعل الدجاجة؟ تستسلم وتهرب من القط، والقط عدوها يأكلها؟ لا، تتحول الدجاجة إلى مصارع وعدو، تأخذ جناحيها وتفعل بطرفيها هكذا، وتقفز إلى ظهره، وتنقره في عينه -لماذا تأتي على فراخي- ما الذي أعطاها هذا؟ الرحمة، رحمة الله تبارك وتعالى. والتبيع الصغير يخرج من بطن أمه ويقع في الأرض لا يوجد مستشفى يؤخذ إليه، ولا ولادة، ولا حفائظ ولا أي شيء، تقوم الأم البقرة بالمهمة فتخرج لسانها وتمسحه، إلى أن تنظفه وتجعله مثل الوَدَعَة، من علَّم البقرة أن تعمل هذا العمل؟ والحديث يقول: (وبها ترفع الدابة حافرها) ما أدرَى الدابة أن هذا يستحق الرحمة الآن، إذ لو رَصَعَتْه مات. القطة تضع أولادها الصغار ثم تأخذهم من مكان إلى مكان، تراها آخذة ابنها، تمسكه من رقبته من هنا، وتأتي به، وتضعه هناك، وترضعه، وتصيح إذا لم يتركها أحدٌ ترضعه من؟ إنه الرحيم الرحمن تبارك وتعالى. وهذا التمثيل يقرب للإدراك البشري تصور سعة هذه الرحمة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه ذلك، يقول عمر رضي الله عنه: قُدِمَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي، فكانت فيه امرأة من السبي، تسعى وقد تحلَّب ثدياها، مرضع ضاع منها ولدها، ولمَّا سُبيت وجدت ثدييها تدرَّان باللبن، وإذا بعينيها تزوغ، تبحث عن ولدها في أي مكان، يقول: ثم نظرت، فإذا صبيها موجود، فأسرعت إليه، واحتملته، وألصقته بصدرها، ثم حنت عليه، وأرضعته، فقال صلى الله عليه وسلم للصحابة: (أترون هذه مُلْقِيَةً بولدها في النار وهي تقدر؟ قالوا: لا، قال: والله إن الله أرحم بعباده من رحمة هذه بولدها) اللهم أدخلنا برحمتك يا أرحم الراحمين. يا إخواني: والله كل هذه الأحاديث وكل هذا الكلام يجعل الواحد منا يخجل أن يعمل معصية مع الرحيم المتعالي؛ لكن ما ظنكم بواحد يسمع بالرحمة ويقول: سأظل عاصياً لكي يرحمني. كذَّاب. لا يرحمك وأنت عاص: {إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [الأعراف:56] مِن مَن؟ {مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56] يرحمك إذا تعرَّضتَ له، أما إذا عاندته وعصيته وشاققته وتوليت عنه وهربت وحاربته، كيف يرحمك؟! {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر:49 - 50]، {إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأعراف:167]. فلا بد -أيها الإخوة- أن نفهم هذه المفاهيم حتى لا يغلظ علينا جانب ونقول: أن الله غفور رحيم؛ ما دام الله يرحمنا إذاًَ نجلس كلنا في المعاصي، ويرحمنا الله. لا، بل نتعرض لهذه الرحمة حتى يرحمنا الله تبارك وتعالى.

الراحمون يرحمهم الرحمن

الراحمون يرحمهم الرحمن يقول عليه الصلاة والسلام، فيما أخرجه أبو داود: (الراحمون يرحمهم الله، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء). وأخرج البخاري عن جرير قال: (لا يرحم الله من لا يرحم الناس) إذا أردت أن تكون أهلاً لرحمة الله فربِّ نفسك على رحمة الناس ارحم عاملك الذي يعمل عندك، وخادمك الذي يخدم عندك، والموظف الذي يعمل عندك في الوظيفة، ارحم جارك، وزوجتك، وولدك، وابنتك، والحيوان، والبهيمة وارحم كل شيء، واجعل الرحمة مدراراً في قلبك على الناس؛ لكن الذي لا يرحم لا يرحمه الله، فالرجلُ الفَظُّ العُتُلُّ الجعظريُّ المتحجرُ الشديد قوي على زوجته وأولاده وجيرانه وأمه وأبيه، فهذا نزع الله الرحمة من قلبه، فلا يستحق أن يكون مرحوماً من قبل الله عزَّ وجلَّ. يروي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن الحسن بن علي دخل على النبي صلى الله عليه وسلم، والأقرع بن حابس عنده -رجل من كبار العرب- فقام صلى الله عليه وسلم وقبَّل الحسن فقال: يا رسول الله، أتقبلون صبيانكم؟! -يقول: تقبلون الأولاد؟! - إن لي عشرة من الولد، ما قبَّلتُ منهم واحداً، فقال صلى الله عليه وسلم وقد نظر إليه: مَن لا يَرحم لا يُرحم، ما أفعل لك إن كان الله قد نزع منك الرحمة) قطع النبي صلى الله عليه وسلم الخطبة يوم الجمعة لما دخل الحسن وجعل يتعثر في ثوبه فقطع الخطبة ونزل من المنبر وذهب فأخذه، ثم أكمل الخطبة وهو في يده. بعض الناس إذا جاء ليصلي ومر ولده من أمامه صَفَعَه كفَّاً، وبهذا لن يحب الولدُ الصلاة، ولن يصلي مدى الحياة، يقول: لماذا صفعتني؟! يا أخي دع الطفل يمر؛ هذا لأنه لا يقطع صلاتك، لكن هذا الأب يحافظ على الدِّين، يقول: يا ولد! فيصفعه؛ لأنه مرَّ من بين يديه. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سجد فركب على ظهره الحسن، فأطال السجود صلى الله عليه وسلم، والصحابة لا يسبحون له، لماذا؟ لأنهم يخافون أن يكون فعله تشريع، وأحياناً ينسى لبشريته؛ لكن لا يسبحون حتى يعرفون، فأطال فلما انتهت الصلاة، قال: (لعلكم أدركتم طول سجودي، قالوا: نعم يا رسول الله، قال: إن ابني هذا ارتحلني -يقول: ركب عليَّ- فكرهتُ أن أنزله حتى نزل) هذا سيد البشر وأكرم خلق الله، راحلة للحسن، اللهم صل وسلِّم على عبدك ورسولك محمد. ويصور النبي صلى الله عليه وسلم الرحمة في مشهد عجيب جداً يخرجه البخاري ومسلم، يقول عليه الصلاة والسلام: (بينما رجل يمشي اشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فيها وشرب، ثم خرج، وإذا بكلب يطوف بالبئر، يأكل الثرى من العطش -قد مدَّ لسانه على الأرض، لا يقدر أن ينزل، ولا عنده دلو يُنَزِّله، وهو فوق، والماء في البئر- فرآه الرجل فأشفق عليه وقال: والله لقد بلغ العطش من هذا الكلب مثلما بلغ بي، ثم نزل البئر فملأ خفه -الخف: الحذاء، ليس عنده إناء ولا شيء إلا خفه- ثم أمسكه بفمه -وضع حذاءه بفمه، وهو مليء بالماء- ورقى حتى صعد البئر، وسقى الكلب، قال: فشكر الله له، وغفر له، وأدخله الجنة) رواه البخاري ومسلم. هذا كلب رحمه فأدخله الله الجنة، كيف إذا رحمتَ غيرَك؟! إذا رحمتَ مسلماً؟! إذا رحمتَ زوجتَك؟! ولا نتصور أن الرحمة أننا نسقي ونغذِّي، إذا رحمتَ زوجتك بأن حُلتَ بينها وبين العذاب؛ دعوتها إلى الله، أبعدتَ من بين يديها وسائل الفساد، ليس راحماً من يجلب لزوجته وسائل الفساد ويركِّب فوق بيته دُشَّاً، هذا رَحِم زوجتَه أم عذَّب زوجتَه؟! والله عذَّبها وعذَّب أولادَه، إن من يدخل في بيته هذا الداء يسبب كارثة لا يعلمها إلا الله؛ كأنه يعطي تأشيرة خروج للدين من بيته، وللفضيلة، وللرحمة، وللخير، فلا يبقى خيراً، كيف يأتي الخير -يا إخواني- وفوق رأسه أربعون قناة تصب بشرورها على رأسه؟! من أين يأتيه الخير؟! وبعضهم يبست عيونهم في الليل؛ إذا جاء ليرقد لن تُغْمِض عيناه، إذا انتهت قناة، انتقل إلى الثانية، فإذا انتهت انتقل إلى الثالثة، وإذا جاء ليرقد أبت عيناه أن تنطبقا، قد نشفت عيناه مما نظر في هذا الشر -والعياذ بالله- وصلاة الفجر هذه الله يحسن فيها الختام، وأحسن الله العزاء فيها، والله لا يصلُّونها ولا يعرفونها، ولا يقوم بعضهم إلا الساعة الثامنة أو التاسعة أو العاشرة، ويذهب إلى الدوام، حتى إنه لا يصلي، وإن صلى فصلاة المنافق: (يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً). إذاًَ: رحمة لزوجتك: أبْعِدْ هذا الفساد، ارحمها من عذاب الله. وبعضهم يقول: أنا رحمت المرأة ورحمت الأطفال. ماذا هناك؟ قال: الأولاد مساكين، جالسين هكذا، فرحمتهم وأتيت لهم بجهاز فقط، لكي يشاهدوا كراتين. يرحمهم! انظروا انقلبت الرحمة! هذا يعذِّب أولاده، والله ما رحمتَهم، بل عذَّبتهم، وأهلكتهم وأحرقتهم بالنار، هؤلاء أمانة في عنقك، الله سائلك يوم القيامة عنهم، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6] ارحموهم من النار، أما كونهم يصيحون يريدون شيئاً، فهل أنت مَعْبراً هنا فقط! كل ما طلبوا تأتي به، حتى لو طلبوا النار تأتي لهم بالنار؟! لا حول ولا قوة إلا بالله! لا يجوز أيها الإخوة. وفي رواية أخرى للبخاري ومسلم أيضاً: (أن امرأة بغيَّاً زانية من بني إسرائيل رأت كلباً في يوم حار يطيف ببئر، قد أدلع -أي: أخرج- لسانه، فنزعت موقها -أي: خفها- وسقته، فغفر الله لها بهذا العمل). وعن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنهم أجمعين قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم -والحديث أخرجه أبو داود - قال: فرأينا قُمَّرَة -نوع من الطيور- معها فرخان، فأخذناهما -أخذوا الفروخ- والقُمَّرَة ليست موجودة، فجاءت القُمَّرَة ما وجدت الفروخ، فجاءت تعرِّش بجناحيها، وترخيها، وتُدْني، وتصعد، وتَنْزِل على رأس النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآها الرسول -وهذا من إعجازه، ومن دلائل نبوته أنه عرف ماذا تريد عن طريق الوحي- قال: من فجع هذه بولَدَيْها؟! فقال الصحابة: نحن يا رسول الله! فقال: ردوهما عليها) فأخذوا الفرخان وردوهما في وكرها. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً قال: (قَرَصَتْ نملةٌ نبياً من الأنبياء فأحرق الأمة كلها، فأوحى الله إليه: أن قَرَصَتْكَ نملةٌ، فأحرقتَ أمة، فهَلاَّ نملة؟) يعني: إذا كان لا بد من القصاص، وقرصتك نملة فابحث عن النملة هذه واحرقها؛ لكن تحرق الأمة كلها من أجل نملة؟! لكن العلماء يقولون: إذا كان النمل في مكان خاص في الصحراء، وأنت جئت إليها، وأخذت تتمشى، وقَرَصَتْك، فقمتَ لتحرقها؛ لأنك ذهبت لتتمشى وقَرَصَتْك هذا حرام، من الذي قال لك أن تأتي النمل؟! فأنت تستحق القرص؛ لكن لو جاء النمل إلى بيتك، ودخل في مطبخك، وأفسد عليك طعامك وآذاك، يجوز لك أن تقضي عليه؛ لكن بغير الإحراق؛ لأنه لا يعذب بالنار إلا الله، يجوز لك أن تهلك وأن تقضي على هذه الحشرات والزواحف بالوسائل الحشرية المبيدة، كأن تضع مسحوقاً أو فليتاً أو أي شيء، بشرط أن يكون عليك منها ضرر؛ لأن الضرر والصائل مأمور بدفع صولته، وإبعاد ضرره، أما من غير سبب، تذهب وتضع السم وتطارد، مثل مَن يطارد القطط الآن، بعض الناس إذا رأى قطة في الشارع لَفَّ عليها بالسيارة معركة مع القطط. ماذا هناك؟ قال: قتلتها. لِمَ يا أخي تقاتل القطط؟! لكن إذا هي تعمدتك ودخلت عليك، وما دريتَ، فما عليك شيء؛ لكن أن تقتلها عمداً هكذا. (امرأة دخلت النار في هرة، حبستها حتى ماتت، لا هي أطعمتها ولا أطلقتها تأكل من خشاش الأرض). وفي النهاية يقول الله تبارك وتعالى: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:12] ثم قال: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنعام:12] وهذا مشهد آخر من مشاهد رحمة الله وهو: أن الله سوف يجمعنا يوم القيامة. وكيف يكون هذا اليوم رحمة؟! قالوا: لأن العاصي يرى جزاءه، والمؤمن يرى ثوابه، فيطمئن قلب المؤمن، ويقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا} [الأعراف:43] لكن لو أن الله يجمعنا يوم القيامة، ويدخل العاصي والكافر النار، ويدخل المؤمن الجنة، والمؤمنون قد حرموا أنفسهم من المعاصي والذنوب، وذاك قد تمتع بالذنوب والمعاصي، يصبح من الظلم ألا يدخل هذا النار، وألا يجد هذا جزاءه الجنة، فمن كمال رحمة الله عزَّ وجلَّ أن يدخل الناس الذين عملوا بطاعته في الجنة، ويدخل الكفار الذين عملوا بمخالفاته وخالفوا شرائعه وأنبياءه النار، قال الله: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنعام:12] والإشارة إلى جمع الله الناس يوم القيامة جاءت مؤكدة بعدة مؤكدات: ((لَيَجْمَعَنَّكُمْ)) [الأنعام:12] لام التوكيد، ونون التوكيد المثقَّلة الشديدة، {إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنعام:12] بيانها، وبعد ذلك: {لا رَيْبَ فِيهِ} [الأنعام:12] توكيد ثالث، ثم قال بعد ذلك: {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} [الأنعام:12] في ذلك اليوم تظهر الموازين وتنكشف الحسابات، فيخسر الناس الذين ضيعوا أنفسهم في هذه الدنيا من طاعة الله، يخسرون أنفسهم بدخولهم النار، فهم لا يؤمنون في هذه الدنيا، ويحصل لهم بعدم الإيمان في هذه الدنيا خسارة الدارين في الدنيا والآخرة. ثم يقول تبارك وتعالى في لفتة أخرى: {وَلَهُ مَا

الأسئلة

الأسئلة

نبذة عن مؤسسة الحرمين الخيرية

نبذة عن مؤسسة الحرمين الخيرية Q نرجو أن تذكر لنا نبذة عن مؤسسة الحرمين الخيرية؟ A الخير في هذه الأمة -أيها الإخوة- لا ينقطع والحمد لله، والهيئات واللجان والجمعيات التي تقوم في هذا البلد المبارك وفي غيره من بلاد المسلمين، هذه وسائل عظيمة من أجل إيصال الخير إلى أهله، فهي بمنزلة الجسور الممتدة بين المحسنين والمحتاجين، فإن كثيراً من المسلمين يود أن يحسن، وعنده خير؛ لكنه لا يجد من يوصل هذا الخير إلى أهله، وليس عنده إمكانية، فقامت هذه الهيئات، ومن ضمنها: مؤسسة الحرمين التي يقوم عليها مجموعة من الرجال الفضلاء، الذين هم موضع ثقة في دينهم وأمانتهم، وفي توجهاتهم، ويحملون تزكيات من أصحاب الفضيلة، وفي مقدمتهم سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز، وقد أثنى في كتاب له هنا وقال: سرَّني كثيراً ما تقوم به المؤسسة من الأعمال الطيبة في سائر أنحاء المعمورة من النشاط في الدعوة إلى الله، ومساعدة ذوي الحاجات، فالحمد لله على ذلك، وأسأل الله أن يوفق القائمين عليها لكل خير، وأوصي الجميع بالإخلاص لله في العمل. لأن المسلمين في كل مكان بحاجة إلى من يعينهم على الخير، ويشجعهم عليه، وعلى الثبات عليه، كما أن غير المسلمين في حاجة إلى الدعوة والتوجيه والتأليف. وفقكم الله جميعاً، ونفع بكم عباده. - هذا الكتاب موجه إلى مدير عام المؤسسة فضيلة الشيخ/ عقيل بن عبد العزيز العقيل. وهذه المؤسسة لها أعمال خيرية كثيرة جداً منها: 1/ الدعوية: في ترسيخ العقيدة، والتركيز على تعليم السنة. 2/ الإغاثية: في إغاثة المسلمين، عند نزول الكوارث، وعند حلول المشاكل والنكبات. 3/ التعليمية: كبناء المدارس. 4/ الصحية: كبناء المستشفيات، والمستوصفات. 5/ حفر الآبار إلخ. كل هذه الأعمال تقوم بها هذه المؤسسة، وهي قائمة على المحسنين، ولها صناديق الآن موجودة في هذا المسجد، ولا أظن أنك تبخل على نفسك بأن يكون لك دور ومشاركة ولو شيئاً يسيراً، فإن الله تبارك وتعالى يربي للمتصدق صدقته، حتى تكون يوم القيامة كالجبل، فضَع شيئاً في هذا الصندوق: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:39] {وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ} [محمد:38] والله عزَّ وجلَّ لا يضيع صدقة أحد، وليس الإنسان ينفق من ماله بل من مال الله، يقول الله تبارك وتعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور:33] {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد:7]. فأسأل الله أن يوفقني وإياكم للإنفاق في كل مجال، ومن ضمن المجالات، مجال هذه الجمعية المباركة التي هي مؤسسة الحرمين، ولها صناديق، وعليها بعض الإخوة، وموجودة عند أبواب المسجد.

توبة من يخشى العوائق الاجتماعية

توبة من يخشى العوائق الاجتماعية Q أريد أن أتوب إلى الله، ولكن يمنعني من ذلك أشياء: منها: المجتمع، وإخواني، وأصدقائي وأقربائي، وعلاقاتي الرجاء إجابتي عن هذه المشاكل، وكيف أتغلب عليها؟ A تذكر -يا أخي- وأنت تريد أن تتوب وتمنعك هذه الموانع، أن هذه الموانع لا تمنعك من عذاب الله، ولا يمنعونك من الموت، ما رأيك إذا جاءك الموت، هل يمنعك المجتمع وإخوانك وقرابتك وزملاؤك وأصدقاؤك من الموت؟! لا. وما داموا لا يمنعونك من الموت فيجب ألا يمنعونك من التوبة. سارع يا أخي إلى التوبة، ولا تلتفت إلى المجتمع، فإنك عبد الله لا عبد المجتمع، ولا تلتفت إلى الأصدقاء ولا القرابة، وإنما ضع أمامك هماً واحداً وهو: هم الله، ضع توجهك توجهاً واحداً وهو: إلى الله، وتذكر العذاب، والخسارة العظمى التي تجنيها يوم أن تموت وأنت غير تائب إلى الله من المعاصي، وقد تقول: إن التوبة لها ضغط وشدة، والمعاصي لها طعم ولذة، نقول: صدقت، إن التوبة لها تعب؛ ولكن الأتعب منها الاستمرار في المعصية، فإن تعب التوبة لا يُقاس بألم وتعب المعصية؛ تعب التوبة محدود ينتهي بمعاناة بسيطة، ثم يقبلك الله ويجعلك من التائبين؛ لكن تعب المعصية غير محدود، يشملك في الدنيا ثم ينتقل معك في القبر، ثم ينتقل معك في عرصات القيامة، ثم يوردك النار، إذ لا خيار لك في التوبة. وأسأل الله أن يتوب علينا وعليك وعلى جميع المسلمين.

حكم استقدام الخادمة بدون محرم ومعاكستها

حكم استقدام الخادمة بدون محرم ومعاكستها Q ما رأيك في من يترك زوجته ويتجه إلى معاكسة الشغالة، وزوجته تعرف ذلك وتتجاهله؟ A أولاًَ: لا يوجد أحد يأتي بشغالة إلا من أجل امرأته؛ لأن المرأة هي التي تطلب الشغالة، فإذا جاءت بالشغالة، ثم توجه الرجل إلى الشغالة وتركها، فعلى نفسها جنت براقش، هي التي تستحق، من قال لها أن تأتي بشغالة؟! أصبحت دَغَّالة لم تعد شغالة، ولهذا ننصح بأن لا يأتي أحدٌ بشغالة بأي حال من الأحوال، ويحاول أن يحرص ألا يأتي بها، لماذا؟ لأنها امرأة أجنبية في بيتك فلا بد أن يجرك الشيطان إليها، لاسيما مع ضعف إيماننا، وقلة ديننا ضع النار بجانب البارود وقل: لا تشتعل. لا بد أن تشعل النار البارود، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (ما تركتُ على أمتي فتنة أضر من النساء على الرجال، ألا فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء). لكن قد يضطر الإنسان إليها اضطراراً، فإذا اضطُرَّ إليها اضطراراً فبالقواعد الشرعية، متى الضرورة؟ كأن تكون زوجتك معلِّمة، وعندها أطفال، ولا يمكن أن تدع أطفالك في البيت بدون أحد، وليس لك أقارب تضع أطفالك معهم، ولا يمكن أن تأخذ أولادها هي إلى المدرسة تدرِّس بهم، هل تضيِّع أولادك؟! لا، هل تفصل زوجتك من العمل التعليمي، وتجلس في البيت تربي أولادك، وتترك تربية أهل المسلمين؟! لا، هذه نظرة قاصرة؛ لأن زوجتك الصالحة إذا جلست في البيت، وأنت الصالح جلست في البيت، وأولادنا نوصلهم ليدرسوا، فمن يبقى في المدارس؟ يبقى الفاسدات، إذاً كأننا نقدم بناتنا وفلذات أكبادنا للسوء في المدارس، ونقعد زوجاتنا عن العمل العام الذي فيه تصحيح، وتربية، ودعوة، فيقعدن يربين، بدل أن تربي زوجتك الصالحة ثلاثمائة طالبة، تربي ثلاثة أطفال. ماذا نصنع؟! الجواب: نرتكب أقلَّ الضررين؛ نحن بين مفسدتين، نأخذ أقلها، ما هي الأقل؟ نأتي بشغالة؛ لكن بشروط شرعية: أولاً: أن تكون مسلمة: فلا تأتي بكافرة، يحرم عليك أن تأتي بكافرة؛ لأنها تربي ولدك على الكفر، وهناك طفل في الرياض عندما جاءوا به في سنة أولى ابتدائي، في أول مواد الدرس: قال الأستاذ: لا إله إلا الله. قال: لا. يا أستاذ، الله ثالث ثلاثة. فلما رجعوا، وجدوا النصرانية الخادمة قد علَّمته أن الآلهة ثلاثة. وطفل آخر يصيح حتى مات، ثم اكتشفوا، وإذا في رأسه دبُّوس، غرزته الشغالة في رأسه حتى مات. وطفل ثانٍ وجدوا أن الشغالة عندما تكون أمه في المدرسة وهي في البيت إذا بكى أعطته إصبع رجلها الكبيرة ليرضع، طول اليوم يرضع إصبع رجلها. وأخرى تضع بولها على السلطة في الغداء (خَل) ويستحق هذا من يأتي بالكافرة، وما أدراك أنها وضعت ليمون أو بولاً؟! وهي كلها أملاح ومواد حامضة، هل أنت جالس في المطبخ؟! الشغالة في المطبخ وأنت في العمل، وصنعت هي السلطة ووضعت عليها فنجان بول، وجاء ذاك ليأكل، ويتأدم ببول الكافرة. لا تأتي بكافرة، وإذا كانت عندك كافرة فاعمل لها خروجاً بلا عودة الآن، لا تمسي الكافرة في بيتك. هذه أولاً؛ أن تكون مسلمة. ثانياً: أن يكون معها زوجها؛ لكي تأتي بمحرم إذا قدرت، ليكون هو سائق للأسرة والبيت، وهي زوجته، فتضمن أن زوجته معه، لا تنظر إليك، ولا تنظر إليها أنت. ثالثاً: أن تكون كبيرة السن: فلا تأتي بواحدة في العشرين أو الخامسة عشرة، بعضهم يذهب إلى هناك، كأنه يريد أن يتزوج، ويستعرضها وينظر، ويأخذ واحدة عبارة عن وجه، ما هذا؟! هذه خادمة؟! هذه ليست بخادمة، بل نأخذ واحدة كبيرة السن. رابعاً: أن تكون غير ملفتة للنظر: شوهاء، إذا نظرتَ إليها صُدَّ عنها، أما أن تأتي بواحدة أجمل من زوجتك! هناك خادمات أجمل من الزوجات، وهنا تقول المرأة: ما رأيكم، والزوجة تعرف، ما شاء الله! أتعرف الزوجة؟! إذاً كيف ترضين بها أن تقعد في بيتك؟! لا حول ولا قوة إلا بالله. خامساً: أن تفرض عليها الحجاب: تلزمها بالحجاب، وأن لا تكشف عليك. الشرط السادس: أن لا تخلو بها: زوجتك في العمل، وأنت في العمل، لا تذهب إلى البيت وتدخل البيت وهي موجودة لوحدها، ولو كنتَ مثل ثابت البناني في العبادة، لماذا؟ (ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) وتصور! لو كان قلبك نظيفاًَ هل يكون قلبها نظيف؟! ولو كان قلبها نظيف هل يكون قلب الثالث الذي بينكما -وهو الشيطان- نظيف؟! فلا تخلو. إذا جئت والمرأة ليست في البيت، فاجلس في الخارج في الشارع، أو اذهب إلى المسجد، أو اجلس في السيارة إلى أن تأتي زوجتك، ولا تتساهل في هذه القضية؛ لأنك قد يجرك الشيطان إلى الثقة في نفسك، ثم تسقط لحظة، فتنظر، ثم تسقط الثانية، ثم يسحبك إبليس على أنفك إلى أن يوصلك النار، وهي بدأت بخطوة، كن حذراً جداً في هذه الجوانب. ونقول لأختنا هذه: إن كنتِ لستِ موظفة وما عندك أطفال، فلا داعي للشغالة؛ لأن بعض النساء ليست موظفة، ولا عندها أطفال، ولكن تقول: ليس عندي شغالة، وكل النساء معهن شغالات. لماذا الشغالة؟ قالت: لكي ترد على التليفون، وتأخذ الحقيبة لي وأنا ماشية. عجيب! أصبحت المسألة مظهراً من مظاهر (الفخفخة) فيعاقبها الله ويضع لها شغالة تغير قلب زوجها، وتتمنى أنها ما عرفت الشغالات. اشتغلي أنتِ في بيتكِ، إن مسئولية المرأة في بيتها كبيرة، وما أصيب النساء بالأمراض وبالسكر وبالترهل في الجسم وبالسمنة وبالأمراض -والعياذ بالله- إلا بسبب عدم القيام بواجبات المنزل، المرأة إذا قامت في منزلها، وقامت تشتغل من الصباح كالغزال، تكنس وتطبخ وتغسل هذه حركة رياضية، تجد بطنها لاصقة في ظهرها، وليس عندها مرض، لكن إذا رقدت من الصباح إلى الظهر، وقامت ووجهها مثل أنفها، مثل الكرة، لا تدري أين رأسها من عَفاسها، وسمنت، وسمنت ثم جاءها السكر، أو جلطة، أو سمنة، أو سكتة، بأسباب ماذا؟! لأنها نائمة، لماذا إذاً؟! قومي أنتِ بالخدمة في بيتِك، ألست تشعرين بأن خدمتك لزوجك شرف وعبادة تتقربين بها إلى الله؟! خدمتك لأولادك وغسيلك لهم خدمة تتشرفين بها وتمارسينها بلذة من خدمكِ أنتِ؟ يوم أن كنتِ صغيرة عند أمكِ، متى جاءونا بفكرة الخدامات هؤلاء يا إخواني؟! والله ما أحدٌ عرفها إلا قريباً، وإلا فكل واحدة تخدم وتغسل وترى النساء الأُوْلَيات ما شاء الله مثل الغزال، تكنس وتطبخ وتغسل وترضع، حتى إن بعضهن تتجاوز مهامها خارج البيت، تجدها تحطب وتأتي بالغنم وما شاء الله، لا تمرض، وتحبل سنة وترضع سنة، أما الآن من يوم أن ينزل الولد من بطنها وإذا الحليب قد جف من ثديها. ماذا بكِ؟! قالت: والله لا أريد الحليب. لماذا؟! قالت: من أجل الرشاقة. فيبتليها الله بسرطان الثدي، سرطان الثدي هذا مرض يصيب المرأة التي لا ترضع أولادها؛ لأن الحليب هذا ينحبس فيها، ويصير فيه بلاء، ويتكون إلى سرطان، ولهذا نسبة علمية تقول: إن أكثر شيء هو في اللاتي لا يرضعن أولادهن، فبدل أن تريد الرشاقة إذا بها لم يعد لديها أثداء، قد قُطِع، لماذا؟ لأنها ليست هي التي تشتغل في بيتها.

علاج من عجز قلبه عن الطاعات

علاج من عجز قلبه عن الطاعات Q ما هو علاج من مرض قلبها، مع العلم بأنها كانت صاحبة قلب حي وسليم ويقظ ومرتبط بالله؛ ولكن أغواها الشيطان بما أمرض قلبها، وقضى عليها، ومضى عليها عام كامل، وهي تحاول العودة؛ ولكن دون جدوى، وكلما حاولت الاستقامة عادت كما كانت، فما هو المنهج العملي للعلاج؟ A المنهج العملي للعلاج: علاج وقائي وعلاجي: الوقاية: أولاًَ: تمتنع من قرناء السوء وقرينات السوء. ثانياً: إن كان الشر الذي يأتيها عن طريق الهاتف تقطع الهاتف. ثالثاً: وإن كان عن طريق المجلة ترمي المجلة. رابعاً: وإن كان عن طريق الفيديو لا تنظر إلى الفيديو. هذه يسمونها: وقايات، حجْر إيماني عليها. العلاج:- أولاً: تجعل لها ورداً يومياً من كتاب الله، لا يقل عن جزء، وصفحة تقرأ تفسيرها. ثانياً: تجعل لها ورداً يومياً من حديث النبي صلى الله عليه وسلم لا يقل عن حديث واحد تقرأه وتحفظه، ويتم تفسيره. ثالثاً: تحافظ على الطاعات والفرائض محافظة دقيقة جداً. رابعاً: تنتهي عن المعاصي والذنوب كلها، كبيرها وصغيرها، ودقيقها وجليلها. خامساً: تبحث لها عن رفقة صالحة، امرأة طيبة فيها خير، لكي تعينها. سادساً: تكثر من ذكر الله. سابعاً: تسمع الشريط الإسلامي. ثامناً: تقرأ الكتاب الإسلامي. تاسعاً: تحضر مجالس الذكر. عاشراً: تجاهد نفسها: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].

حكم بقاء الزوجة مع زوج لا يصلي ألبتة

حكم بقاء الزوجة مع زوج لا يصلي ألبتة آخر سؤال أيضاً من الأخوات، ونحن نعطي أهمية للأسئلة التي تأتي من الأخوات؛ لأن الإخوة الذين لا يجدون جواباًَ على أسئلتهم يمكنهم أن يسألوا مشافهة؛ لكن الأخت التي لا تجد جواباً كيف تعلم؟ ليس معها إلا الورقة، فنحن نعطيها أولوية، وليس معنى هذا: عدم الاهتمام بالأسئلة الأخرى، بل الأسئلة الأخرى ستكون محط عناية مكتب مركز الدعوة إن شاء الله؛ بحيث يُتاح لها الفرصة إن شاء الله في مناسبة قادمة. Q هناك أم لستة أطفال، والدهم لا يصلي، فما حكم معاشرتها لهذا الزوج، وقد سألت هذه الأم شيخاً، ونهاها أن تعيش معه؛ ولكنها عطفت على أولادها، وحنَّت عليهم، واستمرت في حياتها مع زوجها، على الرغم من إجابة الشيخ لها، واستمرت في تربية أبنائها متوكلة على الله، فهل من ذنب عليها؟ A نعم. عليها ذنب عظيم، إذ أنها استمرت في معاشرة رجل كافر، وقد أجمع أهل العلم على كفر تارك الصلاة، وما دام هذا الزوج لا يصلي، فإنه يحرم عليها، ولو عليها مائة ولد وليس ستة فقط، ولو وراءها قبيلة، فلا تحن ولا تشفق عليهم، وإنما تشفق على نفسها أولاًَ من أن تستمر في بيت الكافر، فهذا الرجل الذي لا يصلي تمسكه، وتقول له: أنت إنما استحللتني بكلمة الله؛ لأنك مسلم، والآن لا تصلي، فأنا أخيرك بين أن تصلي فأنا زوجتك، وأم أبنائك، ومعك على درب الإيمان إن شاء الله، أو لا تصلي فأنا لستُ منك، ولستَ مني، ولستُ أنا لك، ولستَ لي، سأذهبُ إلى بيت أهلي. إن كان لها بيت أهل تذهب إليه، وإن لم يكن لها بيت أهل وأولادها معها، ولا تريد أن تتركهم، فإنها تجلس في هذا البيت؛ لكن تحتجب عنه، لا تراه، ولا تمكنه من نفسها وإن غُلِبَت على أمرها ولم تستطع، تخرج من البيت، ولو أن تعيش على الرصيف، فلها والله أن تعيش وتنام على الأرض، ولا تنام ليلة في النار. أسأل الله أن يهدي هذا الرجل، وأن يوفق هذه المرأة، ويثبتها على الإيمان، وأن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه. والله أعلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

فوربك لنسألنهم أجمعين (1، 2)

فوربك لنسألنهم أجمعين (1، 2) إن الله عز وجل لم يخلقنا عبثاً، وإنما خلقنا لعبادته وحده، وأوجدنا في هذه الحياة، لنغتنمها بما يعود علينا بالنفع في الآخرة، فنحن مسئولون عن كل عمل نعمله في هذه الدنيا، قال تعالى: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، فلنعد للسؤال جواباً، وللجواب صواباً؛ لننقذ أنفسنا من عذاب الله، وذلك بلزوم الاستقامة على شرع الله، فلزوم الاستقامة كرامة، والميل عنها خزي وندامة.

السؤال الأول: (عما كانوا يعملون)

السؤال الأول: (عما كانوا يعملون) الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. إن من أوجب الواجبات، ومن أعظم مسئوليات المسلم في هذه الحياة، أن يستغل فرصتها، وأن يغتنم فترتها، ليتعلم كيف يجيب على السؤالين الهامين، اللذين أخبر الله عز وجل في كتابه الكريم، أنهما سيقدمان إلى كل مكلف في هذه الدنيا؛ لأن بمقدار قدرته على الإجابة الصحيحة على هذين السؤالين، يكون مقدار فوزه وسعادته، أو هلاكه وخسارته -والعياذ بالله- وانشغال الناس الآن، وبذل القسط الأوفر والجزء الأكبر من حياتهم، لشيءٍ لا ينفعهم في الآخرة، هذا من نقص عقولهم، ولذا يوم القيامة حينما تنكشف لهم الحقائق وحينما تزول الحجب ويرون الأمور على حقائقها يعترفون بأنهم لم يكونوا عقلاء، قال عز وجل: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:10]. أي يقولون: والله لو عندنا عقول وأسماع، ما تورطنا هذه الورطة، ولا تركنا هذه الفرصة، وما كنا بضلالنا وجهالتنا وإعراضنا وانشغالنا بما لا ينفعنا، ما كنا في أصحاب السعير، ولكن الذي جعلهم -والعياذ بالله- في السعير؛ أنهم ما كانوا يسمعون، ولا كانوا يعقلون، فلم يكونوا يسمعون عن الله، ولم يعقلوا دين الله، لكنهم يسمعون شيئاً لا يريده الله منهم، ويعقلون ويتفكرون ويبدعون، لكن في غير الميدان الطبيعي الذي خلقهم الله له، فإذا زالت الحُجب ورأوا أن جهدهم ضياع وعمرهم هباء قالوا: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:10]. ما هذان السؤالان؟ ورد السؤال الأول في كتاب الله عز وجل، يقول الله عز وجل فيه: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر:92 - 93] هذا هو السؤال الأول، والخطاب موجه للنبي صلى الله عليه وسلم، والله يقسم بنفسه تبارك وتعالى في هذا الأمر الهام، والذي يتأمل الأقسام القرآنية كما يقول ابن القيم في كتاب مخصص اسمه أقسام القرآن: يعني بهذه الأشياء التي أقسم بها الله عز وجل، فلا يقسم الله عز وجل بذاته إلا في الأشياء المهمة، مثل: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:7] ومثل: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات:23]. وفي هذه الآية يقول الله عز وجل: {فَوَرَبِّكَ} [الحجر:92] يا محمد {لَنَسْأَلَنَّهُمْ} [الحجر:92] وجاء الأمر بعدة مؤكدات: لام التوكيد، ونون التوكيد الثقيلة {لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر:92] توكيد لفظي {عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر:93] و (ما) هنا: اسم موصول تعم العاقل وغيره، تعم كل شيء، {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر:92 - 93].

تذكرة الآخرة وأحوال أهل النار

تذكرة الآخرة وأحوال أهل النار قل لي يا أخي! بربك إذا وقفت ذلك الموقف الرهيب، تصور -يا أخي- ولا تعش في الخيالات ولا تلغِ عقلك. مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور قد كورت شمس النهار وأدنيت حتى على رأس العباد تفور وإذا الجبال تقلعت بأصولها ورأيتها مثل السحاب تسير وإذا البحار تأججت نيرانها ورأيتها مثل الحميم تفور وإذا الوحوش لدى القيامة أحضرت وتقول للأملاك أين نسير فيقال سيروا تشهدون فضائحاً وعائبٌ قد أحضرت وأمور وإذا الجنين بأمه متعلق يخشى الحساب وقلبه مذعور يخاف، يقول الله: {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً} [المزمل:17] كيف أنا وأنت ذلك اليوم؟ الأمر أصعب من ذلك، بم تجيب إذا سُئلت هذا السؤال؟ ماذا كنت تعمل؟ ماذا تقول؟ أعد من الآن الجواب. وأنت الآن في الدنيا إذا مت وفارقت الحياة عند القبر، وقيل لك: ماذا كنت تعمل؟ وقلت لهم: كنت مديراً، هل ينفعك هذا؟ كنت ملازماً، طبيباً، وزيراً، أميراً، ملكاً، رياضياً، نجماً، روائياً، مطرباً، كل هذه لا تنفعك، عندك شيء ثانٍ، ابحث عن غير هذه الوظائف، هذه كلها تنفعك هنا في الدنيا، لكنها عند الموت لا تسقي صاحبها شربة ماء. يقولون: ماذا كنت؟ كنت مصلياً، قواماً في الليل، صواماً، آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، تالياً لكتاب الله. هل كانت مخافة الله بين عينيك، فترى عذاب الله دائماً، كأنما لا يعذب في الدنيا إلا أنت، أم أنك تقتحم الذنوب والمعاصي كأنك ضد النار. فالذي يرى أعمال بعض العباد يقول: إما أن هؤلاء ضد النار أو أنهم مكذبون بالنار، فإن كانوا هم ضد النار فليجربوا وليأخذوا عود كبريت، لا نقول: يأخذوا جمرة، ولا تنوراً كبيراً، ولا النار الكبيرة التي يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سمع وجبةً وهو مع بعض أصحابه فقال: (أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: إن هذا حجر ألقي من شفير جهنم منذ سبعين خريفاً والآن وصل). ولما نزل قول الله عز وجل: {النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [البقرة:24] قال رجلٌ: (يا رسول الله! أحجارة جهنم كحجارة الدنيا؟ -أي: مثل الجبال هذه- قال: والذي نفس محمد بيده! لصخرة من صخر جهنم أعظم من جبال الدنيا بأسرها) ويذكر الإمام السيوطي في صحيح الجامع حديثاً يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إن مقعد الكافر في النار كما بين مكة والمدينة - أربعمائة وعشرون كيلو متراً، هذا الكرسي للكافر في جهنم، وهذا ذكره في صحيح الجامع -: وإن ضرس الكافر في النار مثل جبل أحد) وهذا الضرس! فكيف بالرأس الذي فيه اثنان وثلاثون ضرساً. والجسم له سبعة جلود؛ لأن الله يقول: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء:56] لأن وسائل الإحساس في الجلد، فلو احترق هذا الجلد وما بُدل فلن يحس بالنار، فالله يبدل الجلود، لكي يستمر الإحساس بعذاب النار، وأنت عندما تدخل الإبرة في جلدك، تحس بها في أول الوخزة؛ لكن بعدها لا تحس؛ لأن وسائل الإحساس جعلها الله في خارج الجسد، حتى يحمى الجلد، بحيث تحس بأي شيء، لكن إذا لم يوجد إحساس فإنه يمكن لشخص أن يؤذيك، ويخرج دمك، وأنت لم تحس، وهذه من حكمة الله. سبعة جلود ما بين الجلد والجلد مسيرة ثلاثة أيام، وغلظ الجلد مسيرة ثلاثة أيام، ومن شدة الإحراق تبدل في كل يوم أربعمائة مرة، فستسأل في ذلك اليوم: ماذا كنت تعمل؟ وهناك: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:52] {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء:227] {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47] ما لم يكن يخطر في باله من العذاب، شيء لا يتصوره العقل إذا سقطوا في الإجابة على هذا السؤال. فمن الآن صحح المسار، واضبَّط العمل، واعرف أنك عن كل شيء مسئول، والله يقول: {وَقِفُوهُمْ} [الصافات:24] أي: قفوهم في عرصات القيامة: {إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} [الصافات:24] أي: مناقشون ومحاسبون: {مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} [الصافات:25 - 26] فليس هناك أنصار، ولا شيع، ولا أحزاب، ولا قوميات، ولا معسكر شرقي، ولا معسكر غربي، إنما بعضهم يلعن بعضاً: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً} [الأعراف:38] إذا تجمعوا: {قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ} [الأعراف:38] فكل جماعة تقول: هؤلاء الذين أضلونا لينالوا ضعف نصيبهم لكن: {قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:38] نعوذ بالله وإياكم من النار. فأعد لهذا السؤال جواباً، واجعل هذا السؤال بين عينيك: {عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر:93] فإذا أردت أن تسهر في الليل، فاسأل نفسك: هل هذا العمل ستجيب عليه ورأسك مرفوع، أم منكوس؟ فإن كان مما تفخر به بين يدي الله فاعمله، وإن كان مما تخجل منه بين يدي الله فكف عنه: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} [الصافات:24] {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر:92 - 93].

النفس بين المجاهدة والدعة

النفس بين المجاهدة والدعة النفس أيها الإخوة! تحب الدعة، وتكره القيود، تحب اللعب والغفلة، وأنت تعرف نفسك إذا أعطيتها لعبة، فإنك تبذل فيها أربع أو خمس ساعات لا تمل ولا تكل، لكن أعطها كتاب علم أو آية أو حديثاً تضيق، لكن ما هو موقفك أنت أمام نفسك؟ هل الانهزام أم السيطرة؟ اسمعوا لهذه الآية الكريمة: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} [النازعات:40] وماذا؟ {وَنَهَى} [النازعات:40] لم يستسلم {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات:40] الهوى هو: الكيف الذي يقولون الآن: أنا على كيفي، وأنا على هواي، وأنا حر. أنت حر لكن سوف تندم فيما بعد، وعلى هواك الآن وعلى كيفك، لكن إذا دخلت الحفرة فأنقذ نفسك هناك، والله ستذهب الحرية والكيف والهوى، وتتمنى لو ترجع كي تلغي كيفك، وتشطب على هواك، وتبعد حريتك، وتعلن عبوديتك وخضوعك لربك فتستسلم؛ لكن لا تجاب إلى هذا، وهل أجيب إنسان على هذا الطلب؟! يا إخواني! لماذا لا نستقرئ التاريخ، فمنذ آدم عليه السلام إلى يومنا هذا، هل وجد شخص طلب الرجعة وأرجعه الله؟ لا. إذاً لماذا نماطل في العمل، حتى يصير الإنسان إلى هذا المصير الأسود؟ -أعوذ بالله وإياكم منه- فالنفس تحب الدعة، ليكن موقفك من نفسك السيطرة، والحديث صحيح في سنن الترمذي: (الكيس من دان نفسه) دانها أي: غلبها وسيطر عليها؛ لأن النفس مثل الحصان، إن ركبته قادك، وإن أطلقته داسك ثم ركب عليك، وكثير من الناس الآن هو مطية نفسه، نفسي تقول لي! عقلي يقول لي! كيفي يقول لي! لكن عندما يكون عبداً لمولاه وخالقه، فنفسه تمشي مثل الحمار تحته، فيأمر نفسه بالصلاة فتنصاع له، وتدغدغه للدخان فينهاها؛ لكن الذي نفسه ركبته، فإذا رأى (سيجارة) قام إليها متلهفاً، وإذا سمع الأغنية أصغى لها، وإذا رأى فتاة ضيع دينه؛ لماذا؟ لأن نفسه مسيطرة. أما المؤمن المسيطر على نفسه فلا: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:40 - 41] نسأل الله وإياكم من فضله: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت) الكيس في اللغة: العاقل الفطن اللبيب، صاحب العقل والنظرة البعيدة، ومن سيطر وقهر وغلب نفسه، وعمل لما بعد الموت، فالدنيا في يده والدين في قلبه، والآمر هو الدين، والدنيا هي المأمورة، ولذا تمشي كلها في طاعة الله، يأتيه المنصب يقبله لكنه يسخره في دين الله، تأتيه الأموال يأخذها لكنه ينفقها في سبيل الله، يأتيه الأولاد يقبلهم لكنه يربيهم على طاعة الله، الزوجات كذلك يربيهن على طاعة الله، كل شيء في حياته يسخره في هذا الاتجاه؛ لماذا؟ لأن الآمر هنا (عمل لما بعد الموت) رفع نظره وعلا ببصره إلى ما بعد هذه الحياة. والخامل العاجز الكاسل الفاشل من أتبع نفسه هواها، والشيطان يأخذه من زبالة إلى زبالة، من زبالة الغناء إلى زبالة الزنا، إلى زبالة اللواط، هذه زبالات وقاذورات من تلطخ بها هنا فلا تنظفها إلا النار، إلا من كان يتنظف منها هنا، لكن من توسخ بهذه القاذورات، ثم لقي الله وهو ملطخ بها فأين نغسله؟ لا يوجد في الآخرة إلا مغسلة واحدة، اسمها: جهنم ينظف فيها، فإن كانت الأوساخ عالقة -أي: سطحية- نظف بقدرها، ثم يخرج جوهرة، ويذهب إلى الجنة إن كان موحداً، وإن كانت هذه الأقذار والأوساخ عميقة داخلة في قلبه من كفر ونفاق -والعياذ بالله- يخرجه من الدين، فهذا لا يطهره شيء وإنما يقعد فيها حتى أبد الآبدين. والعاجز -والتعبير عنه بالعاجز يدل على أنه إنسانٌ شهواني، ضعيف الإرادة، خسيس النفس، عاجز الهمة، لا يصلح للجنة- إنما نظر بعينه الهابطة، فلم يرفع نظره، ولو رفعه لرأى الحور العين، وعندما يرى الحور العين يقول: تهون علينا في المعالي نفوسنا ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر ونحن أناس لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر فهو عندما يرفع نظره، ويرى الحور العين، ويرى القصور العالية والأنهار الجارية، والثمار الدانية، ويتذكر أنه في يوم من الأيام سوف يدخل هذه الجنة، وفي يوم من الأيام سوف يدعى إلى سوق المزيد، وفي يوم من الأيام سوف يدعى للمحادثة مع الله عز وجل، والمكالمة مع ربه، كما جاء في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة النصف لا تضامون في رؤيته) وكما جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما منكم إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان) هذا المؤمن، أما العاجز فلا يستطيع؛ لأنه أَتْبَع نفسه هواها، ومع عجزه وضعفه وخسته ودناءة نفسه -أيضاً- يتمنى على الله الأماني، ويقول: أريد الجنة، تريد الجنة! الجنة لها طلاب، والطريق شاق. يقول ابن القيم في الجواب الكافي وفي الفوائد: يا مخنث العزم! الطريق شاق، والعقبة كئود، قذف فيه في النار إبراهيم، وعرض فيه على السكين إسماعيل، وألقي فيه في الماء يونس، وشج فيه وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وبنيت عليه جماجم الشهداء، لو عرف من قتل في سبيل الله لسالت منه الجبال رءوسهم. وهذا على المعاصي أربعة وعشرين ساعة، وهو يقول: الله غفور رحيم، إن شاء الله نحن على خير، يحسن الظن بربه ويسيء العمل مع الله. يقول الحسن البصري في هذا: [إن قوماً غرهم حسن الظن بالله حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم -يقولون: نحسن الظن بالله- كذبوا والله لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل] لكنهم أساءوا الظن بالله، وظنوا أن الله يجزي الجنة على المعاصي فأساءوا العمل وهذا من سوء الظن بالله، أن تظن أن ربك يعطيك على السيئة حسنة، وهو يقول: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل:89 - 90]. فمن الآن يا أخي! لا تستسهل شيئاً ولا تستبسطه، تقول: لا أريد الدخان؛ لكن أريد الشيشة أخف منه، فليس هناك خيارات، ولا يوجد بدائل ولا أنصاف حلول، هناك إيمان وكفر، هناك إسلام، وهناك معاصٍ ونفاق، فأنقذ نفسك يا أخي! من الغيبة والنميمة والورق واللعب والمنكرات، وكن عبداً ربانياً، والتحق بربك، ولا تعمل عملاً يسوؤك غداً أن تراه. يقول الحسن البصري رحمه الله: [اكنز ما تود وتحب أن تراه] أما أن تكنز عقارب وحيات وجمراً فهذا لا ينبغي، بل لا بد أن تكون من أهل الإيمان، الذين يعرفون كيف يغتنمون هذه الحياة، ولا يفرطون في شيء، محافظين على أمر الله عز وجل، هذا هو السؤال الأول.

السؤال الثاني: (ماذا أجبتم المرسلين)

السؤال الثاني: (ماذا أجبتم المرسلين) السؤال الثاني: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] أرسلت لكم الرسل، وأنزلت عليهم الكتب، وأمرتهم بتبليغكم ديني وشرعي، بينوا لكم الحرام، وأمروكم بالابتعاد عنه، وبينوا لكم الحلال وأمروكم بالسير فيه، فماذا أجبتموهم؟ قال الله عز وجل: {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ} [القصص:66] عميت عليهم لماذا؟ لأنهم ما أجابوا المرسلين، عميت عليهم الأخبار، وضاعت منهم الحجج، وفقدوا القدرة على الإجابة؛ لأنه بأي شيء يجيبون؟ هل يقولون: أجبنا المرسلين بالأغاني! أجبنا بالزنا! أجبنا باللعب واللهو! هل هذه إجابة؟ ليست هذه إجابة. والأنبياء المرسلون هم نماذج بشرية، كانت تؤدي الدين وتنفذ الرسالات، في واقع العمل كقدوة، يقول الله عز وجل: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] وخاتمهم وأفضلهم على الإطلاق محمد صلى الله عليه وسلم، وعندما تأتي لتتأمل سيرة كل نبي تجد أن كل نبي، كان على القمة في كل شيء، ثم تجمعت صفات كل الأنبياء كلها في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا أعطاه الله الشهادة العليا فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] خلق عظيم من كل الناس، ليس هناك خلق في الأولين والآخرين إلا وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم القدر الأعلى منه صلوات الله وسلامه عليه.

الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو قومه

الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو قومه كان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل، بعد أن نزل قول الله عز وجل: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح:2] الله أكبر! ما هذا الضمان؟ {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} [الفتح:1] وفي الأخير قال: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [الفتح:2] كان وقوف النبي صلى الله عليه وسلم في الليل، ليس وقوفاً كوقوفنا اليوم، القائم منا إذا وقف عشر دقائق أو ربع ساعة قال: أنا أقوم الليل، وهذا كثر الله خيره، على الأقل تشبه بالصالحين، وفي صحيح البخاري وصحيح مسلم من حديث حذيفة بن اليمان قال: (صففت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالليل فقرأ بالبقرة فقلت: يركع في المائة الأولى، يقول: فلم يركع، فقلت: يركع بالمائة الثانية فلم يركع، فقلت: يركع في آخر السورة، -انظروا البقرة ننتهي منها في مسجدنا في التراويح في الليلة السابعة ويعتبروننا مطولين، وهو في ركعة واحدة انتهى من البقرة- فقلت: يركع في آخر السورة فلم يركع، ثم افتتح بالنساء، فقلت: يركع في المائة الأولى فلم يركع، فقلت: يركع في نهايتها فلم يركع، ثم افتتح بآل عمران، فقلت: لعله يركع، يقول: فلم يركع إلا في نهاية سورة آل عمران) هذه أكثر من خمسة أو ستة أجزاء. هذا الوقوف الطويل ماذا يفعل بقدم النبي صلى الله عليه وسلم؟ تتفطر، لأنه ثقل عليها، جسم وطول قيام حتى تشققت، ونحن اليوم تشققت أرجلنا من أمر آخر، الذين تشققت أقدامهم في المزارع والمعامل واللعب؛ لكن نحن لا. أقدامنا مثل قوالب الصابون. لقد استغربت عائشة هذا الوضع وقالت: (يا رسول الله! أليس قد غفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ -عندك شهادة وضمانة أنك من أهل الجنة؛ لأن الله غفر لك ذنبك كله، فبماذا تنفعك الصلاة؟ - قال: أفلا أكون عبداً شكوراً) أي: إذا غفر لي ربي هل يعني هذا أن أترك؟ لا؛ بل أزيد شكراً لله على مغفرته لي فصلوات الله وسلامه عليه. وفي ليلةً من الليالي وبعد أن قطع الرسول صلى الله عليه وسلم الطريق من مكة إلى الطائف هارباً بدينه، ينشر دين الله ويريد أن يبلغه في الأرض، وصل إلى سوق عكاظ، وسوق عكاظ سوق كان الناس يجتمعون فيه، وكان مهرجاناً يتبادل فيه الشعراء قصائدَهم، وتقام فيه المدائح والأخبار، فاستغله النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا شأن الداعية أن يستغل مكان التجمع، ولا يقول: والله هؤلاء ليس فيهم خير، كما نسمع بعض الناس اليوم، إذا قلت له: تعال اجلس مع الشباب وألق عليهم موعظة، واجلس معهم، قال: لا يا شيخ! دعنا منهم، هؤلاء ليس فيهم خير. سبحان الله! من هم هؤلاء الذين في النادي؟ إنهم أبناء المسلمين، يا أخي! فيهم خير، استغل وجودهم وتجمعهم وازرع فيهم الخير، لكن تجعل بينك وبينهم هوةً وحاجزاً وتتركهم ولا تدعوهم، هذا ليس من أسلوب الدعوة، ولا من شأن الأنبياء، فكان صلى الله عليه وسلم يستغل كل تجمعٍ لنشر دعوة الله، وإبلاغ دينه، فجاء إلى سوق عكاظ وصعد على حجر وقام وقال: (يا أيها الناس! فاجتمع الناس حوله فقال لهم: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا) والناس يعرفون أنه صادق ولا يكذب، وهو لا يكذب على الناس فضلاً عن أن يكذب على ربه، وكيف يكذب وهم يلقبونه بالصادق الأمين. ولكن اللعين أبا لهب عليه لعائن الله المتتابعة تبعه من مكة يطارده، ويوم رآه على الحجر واقفاً، قام بجانبه، وقال: من هذا الذي تكلم؟ قالوا: ابن أخيك، قال: لو كان صادقاً لصدقته، إنه كذاب. قالوا: عمه أعرف الناس به، فمادام عمه مكذبه فنحن كذلك مكذبوه، فكذبوه كلهم وطردوه، بل أغروا به السفهاء، وأمروهم برجمه بالحجارة؛ حتى سال الدم من عقبه الشريف صلوات الله وسلامه عليه، وخرج من الطائف، وجلس عند حائط ببستان من البساتين، ونادى بدعاء قال فيه: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس) (ضعف قوتي) ليس له قوة، (وقلة حيلتي) لم يعد عندي شيء، فماذا أعمل؟ طرقت كل باب، وسلكت كل وسيلة، وجئت إلى كل مجتمع، وتكلمت بكل بيان، ولم يعد عندي شيء يا رب؟! لكن لم يبق إلا أن أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي، وأيضاً- ليس لي وضع اجتماعي يحميني، لدرجة أن الذي يرجمني الأطفال وليس الكبار فقط: (إلى من تكلني، أنت رب المستضعفين، إلى قويٍ ملكته أمري، أم إلى بعيدٍ يتجهمني، إن لم يكن بك غضبٌ عليَّ فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت به الظلمات، وصلح به أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي سخطك، أو يحل بي عقابك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك). فيقول صلى الله عليه وسلم إن كان ما يأتيني من التكذيب والإهانة ناتجاً عن شيء غير غضبك فلا أبالي، المهم ألا يكون ذلك عن غضبٍ عليَّ يا ربِّ! فكان يخاف من غضب الله، وهو في المعاناة الداخلية النفسية، وبعض الشباب أو الدعاة اليوم يقول له بعض الناس كلمة فقط، تجده ينفعل ويثور ويضارب، أنا على الحق، سبحان الله! ما دام سرت في طريق الهداية لم يعد لك عرض، ولا نفس، ولا كرامة، قدمها قرباناً إلى الله. ومع هذا ما انتقم لنفسه صلّى الله عليه وسلم، فيرسل الله له ملك الجبال، ومعه جبريل، ويقول جبريل: (السلام يقرؤك السلام يا محمد! ويقول: هذا ملك الجبال إن شئت أن يطبق عليهم الأخشبين -الجبلين فتبلعهم الأرض- فقال: لا. لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يقول: لا إله إلا الله) الله أكبر! هذه تكشف لك نفسية النبي صلى الله عليه وسلم وأنه رسول حق. والله لو كان شخص منا، فسيقول: نعم فهؤلاء ليس فيهم خير.

صبر نوح عليه السلام على دعوة قومه

صبر نوح عليه السلام على دعوة قومه لقد بذل نوح عليه السلام وسائل عديدة من أجل الدعوة، لا يستطيع أن يبذلها أحد، وظل تسعمائة وخمسين عاماً يدعونه، وبعض الناس يقول: والله يا شيخ! إن لي معه شهراً وأنا أدعوه، والله ليس فيه خير، فنوح جلس تسعمائة وخمسين سنة، وبعد ذلك عدّد جميع أساليب ووسائل الدعوة: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ} [نوح:5 - 7] إذا قام يحدث وضعوا أيديهم في أذانهم، فمن يحدث وهم قد وضعوا أيديهم في أذانهم؟ وأنتم لو تخليتم عني، سأقول: بما أنهم لا يريدون الذكر فليذهبوا في داهية. لكن نوحاً لم يقل هذا، إنما قام يحدث وهم جالسون وهو يعرف أنهم لا يسمعون، ولكنهم يرونه، فقال: لعلهم إذا رأوني وأنا أتحدث يرحموني، فيسمعون كلام لله عز وجل، فماذا يعملون؟ يستغشون ثيابهم، كل شخص يغطي وجهه، ويقولون: لا نسمعك ولا نراك: {جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً} [نوح:7 - 9] دعوة فردية وجماعية، ودعوة سرية وعلنية: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} [نوح:10] لفت نظرهم إلى قدرة الله وعظمته {إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ} [نوح:10 - 11]. لكن بعد أن يئس وعرف أن بيئتهم غير صالحة، قال: {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً} [نوح:26] وكان مسوغاً في دين نوح أن يدعو عليهم؛ لأنه ليس خاتم الأنبياء، لكن ليس مسوغاً في دين نبينا صلى الله عليه وسلم أن يدعو على أحد، ولهذا لا يدعو ولا تهلك هذه الأمة باستئصال، لماذا؟ لا بد من بقاء هذا الدين وهذه الرسالة إلى يوم القيامة. قال: (إني أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبده) فأخرج الله من أصلابهم من يعبده، وحقق الله لرسوله صلى الله عليه وسلم وعده، وأمله، وأمنيته، فأخرج الله من أصلاب الكفار: العاص بن وائل أخرج من صلبه عمرو بن العاص، والوليد بن المغيرة أخرج من صلبه خالد بن الوليد، وأبو جهل أخرج الله من صلبه عكرمة بن أبي جهل، وهكذا. ف Q { مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65] هؤلاء رسل اطلعوا على ما لم تطلعوا عليه، وعلموا ما لم تعلموا، وأدوا هذا الدين في واقع الحياة -الواقع العملي- كنماذج بشرية تطيق تطبيق هذا الدين فماذا أجبتموهم؟ هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قلت لكم، هذا وضعه وصلته بربه مغفوراً له، ونوح عليه السلام لما ركب الفلك وقال للناس: اركبوا وركب مع أهل الإيمان وكان قد سمع من وعد الله: {فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ} [المؤمنون:27] فظن نوح أن الأهلية هنا هي: أهلية النسب، فقال للناس: اركبوا وقال لولده: {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا} [هود:42] لأنه من أهله: {وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ} [هود:42] فرفض، وقبل أن يغرق توسط نوح إلى ربه لولده: {فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ} [هود:45] وأنت قد قلت: أركبهم، ولكن أبى أن يركب، أريدك يا رب أن تنجيه، فقال الله له مصححاً النظرة في كلمة أهلك: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود:46] رغم أنه ولده، لكن الله يقول: ليس من أهلك، إن أهلك أهل عقيدتك، ولو كان من غير صلبك، وإن أهلك من هو على مثل ما أنت عليه من الدين، أما ولدك وإن كان من صلبك، فلا تربطك به رابطة إذا كان على غير دينك: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة:22]. فمستحيل أن تجد شخصاً عنده إيمان بالله واليوم الآخر، وعنده مودة لمن يحاد الله ورسوله، ثم قال الله عز وجل: {وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:22] مهما كانت قرابتهم: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} [المجادلة:22] ومن كتب الله في قلبه الإيمان فلا يمحوه أحد: {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة:22] مثبتون ومؤيدون من الله، قال الله: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود:46] الله أكبر! هذا الكلام لنبي من أولي العزم، يقول الله له على هذه الكلمة فقط: (إن ابني من أهلي) ولم يقل: يا رب! نجه، وإنما أذكرك يا رب بوعدك: {وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود:45 - 46] هذا كلام من الله يوجه لنوح، انظروا كيف البراءة من الذنب والعودة إلى الله: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [هود:47]. وقيل بعد هذا: {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [هود:48] فهذا موقف نوح مع الله.

نماذج أخرى من الرسل ودعوتهم

نماذج أخرى من الرسل ودعوتهم هذا موسى عليه السلام لما خرج من مصر خائفاً يترقب، وجاء إلى الماء: {وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ} [القصص:23] أي: تردان غنمهما عن الماء فسألهما قال: لم لا تسقون، ما خطبكما؟: {قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} [القصص:23] فقالتا: لا نزاحم الرجال، فكأنه يقول لهما: بما أنكما لا تزاحمان الرجال، فلماذا تخرجون أنتما، ولا يخرج غيركم؟ فبينّا العذر: {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} [القصص:23] ونحن ننتهز الفرص التي ليس فيها تجمعات، حين يصدر الناس، ونأتي لنسقي، فهو رأى أن من الإحسان والبر، أن يسقي لمثل هاتين الفتاتين الطاهرتين العفيفتين، فسقى لهما بدون أجر، ثم تولى إلى ظل شجرة، وماذا قال وهو يدعو ربه وهو بوضع نفسي متعب ومطارد ومحكوم عليه بالإعدام وليس عنده شيء؟ {فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص:24]. وإبراهيم عليه السلام يقول: {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} [الشعراء:87] كيف يخزيك ربي يا إبراهيم، وأنت أبو الموحدين؟ يقول: لا تخزني يوم القيامة، ولم يقل: أدخلني الجنة، وإنما قال: ولا تخزني: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]. وهذا عيسى عليه السلام يقول الله له يوم القيامة: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة:116] والله يعلم أن عيسى لم يقل ذلك؛ لكن ليقرره في عالم الواقع، أما الكفرة الذين اتخذوه إلهاً وأمه من دون الله فإنهم عملوا شيئاً لم يأمر الله به، فيقول له: {قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة:116] ثم قال: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [المائدة:117] هؤلاء الأنبياء مغفور لهم، مجتبين مصطفين أخيار، وهم الذين طبقوا الدين، ونحن الذين بعدهم نسأل عنهم: {مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} [القصص:65].

البصر والسمع في ميزان إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم

البصر والسمع في ميزان إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم لقد أمرك الله وأمرك رسوله صلّى الله عليه وسلم بغض بصرك، فهل أجبت؟: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30] وغض البصر يا إخواني! كما أقول باستمرار: والله راحة لقلبك في الدنيا، وقد كنت أسير أنا وأحد الإخوة ونحن خارجان من المسجد ذاهبان إلى بيتي بعد صلاة العصر، وإذا بامرأتين مقبلتين، وأنا أراقبه أريد أن أرى ماذا يفعل، هل سيلتفت إليهن أم ماذا؟ وأنا -أسأل الله أن يثبتني وإياكم- أجاهد نفسي كأي إنسان لكنه شاب، وأنا كبير في العمر، فنظرت إليه، وإذا به يغض بصره فجزاه الله خيراً، فلما تجاوزناهما، قلت: ما رأيك في غض البصر، هل هو أريح أم النظر؟ قال: والله يا أخي! إن غض البصر أريح. قلت: لماذا؟ قال: لو أني نظرت ربما رأيت شيئاً قد لا يكون جيداً، وقد يشغلني، لكن غض البصر أريح. فغض البصر راحة لقلبك؛ لأن الله يقول: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:30] لماذا؟ {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30] ذلك أفضل لكم؛ لأن العيون الدانية الهابطة التي دائماً تتلصص على المحارم ترسل نيراناً إلى القلب، ويبقى القلب تحت وطأة النظر في عذاب مستمر، فكلما رأى امرأة جاءته طعنة، والنظر يفعل في القلوب فعل السهام بلا قوس ولا وتر، فما دام أنك تطعن قلبك بنفسك لماذا لا تُسلم قلبك وتحميه، والناظم يقول: وأنت إذا أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر رأيت الذي لا كله أنت قادرٌ عليه ولا عن بعضه أنت صابر ويقول الآخر: وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتل ويقول: يا رامياً بسهام اللحظ مجتهداً أنت المراد فلا ترم بما تصب يقول: لا. أنت المراد فلا ترمِ نفسك، ارفعها لا تصب عمرك، لا تحدد النظرة فإن النظرة في قلبك، فالله أمرك ورسوله أمرك بغض البصر، هل أجبت المرسلين؟ إن شاء الله. الله أمرك بأن تحصن سمعك وتحفظه ولا تسمع به حراماً لا غناءً، ولا غيبةً ولا نميمةً، ولا كلاماً ساقطاً، وإنما اجعل أذنك أذناً ربانية، لا تستمع إلا إلى كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، هل عملت هذا؟ إن شاء الله أجبت المرسلين، وقس على هذا كل شيء. بعض الناس يقول: نعم أجبت المرسلين، وهو عاكف على الأغاني والمنكرات، والدخان و (الجيراك) و (الشمة) وقطع الصلاة، وشراء المجلات العارية، وقراءة القصص الهابطة، ومرافقة السيئين، والسهرات القاتلة -والعياذ بالله-. فهو يعيش في وادٍ بعيد عن الدين، ويظن أنه أجاب المرسلين، لا والله ما أجبت المرسلين، فهذا تعمى عليه الأنباء يوم القيامة، ويسقط سقطة لا يقوم منها -والعياذ بالله-. قال الله عز وجل: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ * فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ} [القصص:65 - 66] فلا يتساءلون، وإنما كل إنسان يفكر في الإجابة. وأنا أضرب لكم على هذا مثالاً واقعياً، باعتبار أن أكثركم من الطلاب، فالطالب حينما يبدأ عامه الدراسي بالجد فينتبه لشروح المدرس ويسجل في مذكراته التعليقات الهامة والبارزة التي يتوقع أنها يمكن أن تكون موضع سؤال خصوصاً في الدراسات الجامعية، المدرس الجامعي يعيد مواداً قد أخذها الطالب في الثانوية وفي المتوسطة، وفي الابتدائي فالفاعل الآن يدرس في كلية اللغة العربية وفي كلية الشريعة في سنة ثانية، ونحن درسناه في صف خامس ابتدائي: اسم مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره، لكن الفاعل هناك له صفات؛ عمدة وركن وغيرها، وهذا الفاعل يعاد درسه؛ لكن بطريقة متوسعة ودقيقة، فتتمدد إلى أكثر من جزئية، ثم يأتي المدرس أو الدكتور من أجل التمييز بين الطالب المجتهد والمتابع، وبين الطالب المايع، وبين الطالب المنتظم والملتزم، وهو يسجل الأشياء المهمة في المحاضرات، والدكتور عندما يضع الامتحان، يضع من هذه التعريفات وهذه الألفاظ، ليميز بها بين من كان عقله موجوداً، ومن كان يلعب إلى آخر السنة، ويقول: والله أنا سأصور المذكرات، وأحفظها في البيت، ولن ينجح إلا ذاك المتابع من أول السنة، لأنه أولٌ بأول، فإذا دخل الصالة للامتحان في آخر العام، دخل والمادة مكتوبة في رأسه كأنها بين عينيه، فإذا أعطوه الورقة لم يلتفت لا يميناً ولا يساراً، ولكن ينظر في دفتره وباسم الله، مثل السيل السائل، والبحر يتدفق علماً، ويقلب الثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة ويغلق، راجع، قال: لا يحتاج مراجعة، المسألة مضبوطة، فهذا الذي ينتفع في حياته الدنيا، وإن شاء الله في الآخرة ينتفع أكثر. لكن ما رأيكم في طالب مهمل ما أجاب المدرسين، ولا تابع (الدكاترة) ويوم جاء جدول الامتحان، لم يأخذ الجدول، وإن أخذ الجدول، قال: الامتحان بعد أسبوعين، أول مادة عندنا لغة عربية، ذاكِرْها، قال: يا شيخ! الجدول هذا يعقدني، أرجوك دعها إلى ذلك اليوم إن شاء الله يفتح عليَّ، إن شاء الله! رئيس اللجنة يرحمني، إن شاء الله يجعل ربي بجانبي زميل طيب، يعطيني بعض الكلمات، ويتمنى على الله الأماني، وبعد ذلك دخل صالة الامتحان وجيء بالأسئلة وقسمت عليه، وأخذ الأسئلة وقام يقرأ: السؤال الأول الثاني الثالث، وبعد ذلك تلفت وقال بيده كذا، وبعينه في السماء يريد أحداً يأتيه من السماء، ويعصر مخه، والله ليس معك إلا الذي معك، ولا أحد ينفع، وبعد ذلك قال: طيب. السؤال الأول هذا صعب وأخاف أني أفشل فيه، آخذ السؤال الثاني، ويكتب الإجابة على السؤال ويقعد يضبطها؛ لأن هذه إضافية ما عليها درجات، وينسخها ويجعل لها هامشاً من اليمين، وهامشاً من اليسار ويجعل ترقيماً بالأحمر، أي: يضبطه منها يريد أن يخدع الدكتور؛ لكن لا تمشي على الدكاترة هذه، ولا تمشي على المدرسين نريد علماً، هل عندك شيء اكتبه؟ لكن ليس عنده شيء، وبعدها يتذكر ماذا درس في الثانوية؟ وماذا درس في الكفاءة؟ وماذا درس في الابتدائية؟ وأتى بمعلومات من الشارع ليست من الجامعة، فرق بين طالب الجامعة، وطالب الشارع الذي يأتي لك بأي كلام، طالب الجامعة مركز، يأتي بالمسألة من الحديث، هذا الحديث رواه فلان، وخرجه فلان، وفي سنده فلان، وبعد ذلك ذكر فيه أهل العلم كذا وكذا، اختلفت أقوال العلماء فيه، قيل فيه سبعة أقوال: القول الأول للشافعية ودليلهم كذا، القول الثاني للهادوية ودليلهم كذا، القول الثالث للحنابلة ودليلهم كذا، ثم بعد ذلك يراجع، ثم يقلب، ثم يعلق، ثم يقدم ويؤخر، ويأتي الدكتور فيجد علماً فيقول: خذ الدرجة كاملة. أما ذاك فيقول: اختلف فيه العلماء على سبعة أقوال: الأول نسيت، والثاني والله لم أدر به، والثالث إن شاء الله أذكره بعد قليل، فما رأيكم في هذا؟ ما عرف إلا سبعة أقوال. ويقول لك: سبعة أصفار مكعبة على طرفك، وبعد ذلك يخرج من المادة عميت عليه الأخبار قال الله: {فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ} [القصص:66] أولاً هل يقدم الورقة؟ ينظر يقول: يمكن يغفل الأستاذ ويتلفت، لعله يجد فرصة للغش، ما ينفع هذا كله، فيضطر أن يسلم الورقة للدكتور، وفي الخارج يسأل الطلاب: ماذا قلتم في السؤال الأول؟ وفي السؤال الثاني؟ لكن مع ذلك يأتي أمل قال: يمكن تنزل عليه الرحمة والشفقة، يمكن الدكتور يكون منبسطاً في ذلك اليوم، ورأى كلامي فيه بركة؛ وإن جاءت النتائج، جاء مع الناس مع الأول، ماذا تريد؟ قال: أريد النتيجة، النتيجة ألست تعرفها من أول؛ لكنه مغفل يضحك على نفسه. يوجد طلاب أعرفهم والله عندما كنا ندرس في الجامعة كانوا لا يسألون عن النتيجة، ماذا يسألون؟ يقولون: لا نريد النتيجة هذا شيء في الجيب، بل نريد الأول والثاني والثالث والرابع، وواحد من إخواننا، يقول: أريد أنجح بالمقبول، وآخرون يقولون: لا نريد مقبولاً ولا جيداً، نريد ممتازاً. لنا الصدر دون العالمين أو القبر هذا في مجالات وامتحانات الدنيا، لكن امتحانات الآخرة يقول الله: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ * فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ} [القصص:65 - 66]. فيا إخواني في الله: لا بد أن نتفكر، وأن نعرف كيف نجيب المرسلين، بمراجعة الأوامر والنواهي، ومعرفة الطلب الذي طلبه منا الرسول صلى الله عليه وسلم، وكيف أجبناه، حتى نأتي يوم القيامة مثل ذلك الطالب الذي أعطى ما في رأسه، وخرج يذاكر مادة ثانية، نأتي يوم القيامة وقد أجبنا المرسلين، ماذا كنت تقول في هذا الرسول؟ صدقت به وآمنت وشهدت أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقال في القبر: صدقت، على هذا عشت، وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله، أما ذاك الذي ما علم شيئاً يقول: هاه هاه -مثل ذلك الذي ما عنده شيء- هاه هاه لا أدري، فيقال له في القبر: لا دريت ولا تليت، أي: جعلك الله لا تدري، فيضرب عند رأسه بمطرقة فيكون طحيناً من لدن قرنه إلى قدمه، هذا يضربه الفتان؛ فتان القبر هذا موكل بفتنة الكفار في القبور، وهذا أصم أبكم أعمى، أصم فلا يسمع بكاء، أعمى فلا ينظره حتى يرحمه، أبكم فلا يتخاطب وعنده مرزبة، ويضرب في الرأس، لماذا كنت عاصياً، فاجراً، عدواً لله! لكن يا أخي! ليس لك في الورطة هذه كلها يا أخي! امش في الخط، اضبط المسار على هدي النبي صلى الله عليه وسلم -والله- تكسب الدنيا والآخرة. أسأل الله الذي لا إله إلا هو؛ أن يلهمني وإياكم الحجة وأن يقيمنا وإياكم على الطريق الصحيح، وأن يثبتنا وإياكم على الإيمان حتى نلقاه، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.

مصير من يهجر القرآن

مصير من يهجر القرآن هجر القرآن سبب من أسباب عذاب القبر، ففي صحيح البخاري، من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه، في حديث الرؤيا الطويل، الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنه أتياه رجلان فقالا له: انطلق انطلق فانطلق بهما ومر على أناس يعذبون في البرزخ، ومن ضمنهم أنه رأى رجلاً مستلقٍ على ظهره وآخر على رأسه بحجر يرضخ رأسه ثم يتدحرج الحجر، فلا يعود له ويأخذه إلا وقد أعاد الله ذاك كما كان، فيرضخه، وكلما ذهب الحجر أتى به ورضخه، فقال لجبريل ولمن معه: ما هذا؟ فقال له: هذا الرجل يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة) رأس مليء بالنفاق، أخذ القرآن وحفظه ثم رفضه. والله بعض الحفظة الآن يمر عليه الشهر والشهران لا يقرأ آية، وهو قد حفظ القرآن، هذا وعيد شديد على من هذا فعله، لا حول ولا قوة إلا بالله! أنار الله بصيرته، وقذف الله القرآن في قلبه، وجعله مستودعاً وقمطراً للعلم. كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول وتجد بعضهم قد استعاض عنه بالأغاني والمسلسلات، والصحف والمجلات، واللهو واللعب، وترك القرآن، هذا ثقل رأسه عن القرآن، فتولد عنه الإعراض عن القرآن، تثاقله عن الصلاة المكتوبة؛ لأن القرآن هو الذي يبعث فيك الإيمان، فإذا هجرت القرآن وثقل رأسك عنه فإن النتيجة حتمية أن يثقل رأسك عن الصلاة، فلا تقوم إلى الصلاة، ولا بد لكل رأس خربان من دواء، ودواء هذا الرأس الخربان أن يرضخ في القبر بحجارة. يا إخواني! والله ما تتحمل العي، إذا كان عندك قدرة فخذ حجراً صغيراً ودق بها أُصبعك، فكيف إذا رضخت بها على رأسك؟ -والعياذ بالله-. وسوف -إن شاء الله- نتكلم بشيء من الإسهاب، وجمع للأدلة على هجر القرآن؛ وأنه كبيرة ومعصية من المعاصي الكبيرة، وعلى نسيان القرآن، وعلى المراء في القرآن، وعلى عدم التحاكم إلى القرآن، وتدبر القرآن، وقراءة القرآن؛ لأنه نور أراد الله لهذه الأمة أن تعيش به، ونفخ فيها الحياة به فجعله روحاً لها، قال عز وجل: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً} [الشورى:52] هو روح للأمة بمعنى: الذي ليس عنده قرآن، جسده ميت لا حياة فيه: {رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى:52 - 53].

الأسئلة

الأسئلة

درجة حديث (من استمع إلى مغن) من حيث الصحة والضعف

درجة حديث (من استمع إلى مغن) من حيث الصحة والضعف Q أرجو منك يا شيخ! أن تبين مدى صحة هذا الحديث: (من استمع إلى مغنٍ أو مغنية صب الله في أذنيه الرصاص المذاب). A هذا الحديث ضعيف، ولم يخرجه أهل السنن ولا الصحاح، وإنما ذكر في بعض الكتب التي تورد الضعاف، ولكن وردت أحاديث صحيحة، مثل حديث البخاري: (يأتي على الناس زمان يستحلون الحِر والحرير والخمر والمعازف) هذا في صحيح البخاري، المعازف أي: الأغاني، والحديث الآخر الصحيح: (صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة، مزمار عند نعمة، ورنة عند مصيبة) والحديث الآخر الصحيح حديث عبد الله بن عمر (حينما كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمعا راعياً ينفخ بوقاً، فأدخل صلى الله عليه وسلم إصبعيه في أذنيه، وكان يسدهما حتى مشى، ثم قال لـ ابن عمر: أكنت تسمع؟ حتى قال: ما عدت أسمع فأخرج يده). أجاب العلماء على سماع ابن عمر، أنه كان صغيراً غير مكلف، ولا يؤذيه ذلك، وإلا لم يكن ليرخص له النبي صلى الله عليه وسلم لو كان مكلفاً؛ ولأن هذا الناي أو العود لا يصل إلى درجة الفتنة التي تفتنه، ولكن خشية الرسول صلى الله عليه وسلم على نفسه، باعتباره وعاء العلم، ومبلغ عن الله، مما جعله لا يستمع لهذا الشيء، هذا بالنسبة لهذه الأحاديث.

حكم التعزية في الإسلام وكيفيتها

حكم التعزية في الإسلام وكيفيتها Q ما حكم التعزية في الإسلام؟ لأنني سمعت رجلاً يقول: إنها بدعة وهو من أهل العلم وطلبته، وهي غير واردة في الدين وأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما عزى أحداً؟ A هذا الكلام فيه نوع من التجني على الدين، كون الشخص يصف شيئاً أنه بدعة، وهو وارد وله أصل في الدين، وهي باتفاق أهل العلم أنها مستحبة ليست بدعة ولا مباحة، بل مستحبة؛ لورود الأدلة التي أثبتت فضيلة التعزية، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزى ابنته حينما أخبروه بوفاة ابن ابنته قال: (مروها فلتصبر ولتحتسب، فإن لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى) هذه من التعزية، وأيضاً ذكر ابن ماجة والبيهقي بسند حسن عن عمرو بن حزم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مؤمن يعزي أخاه بمصيبة إلا كساه الله عز وجل من حلل الكرامة يوم القيامة). وعند الترمذي بسندٍ فيه لين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عزى مصاباً فله مثل أجره) ذكر هذا الكلام الشيخ ابن قدامة في المغني، ومدة العزاء ثلاثة أيام ما لم يكن المعزى غائباً، فليس هناك داعٍ لأن تذهب إليه، أما إذا كان قريباً منك، ويمكن أن تتصل به وتعزيه، فإن هذا سنة ومستحب، والسنة أن يعزى أقارب الميت في أي مكان، في البيت، في الشارع، في المسجد، في الطريق، وليس من السنة أن يجلس صاحب العزاء في البيت، كما يصنع الآن في مجتمعاتنا، هذا ليس من السنة في شيء، وأظن الأخ الذي قال بهذا الكلام، يعني به هذا الوضع، لا يعني به مطلق التعزية، فليس من السنة أن يجلس للعزاء في البيت، فقد روى جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: [كنا نعد الجلوس للعزاء نوعاً من النياحة].

تعريف النياحة وبدع العزاء

تعريف النياحة وبدع العزاء Q ما هي النياحة؟ A النياحة هي: إظهار أي مظهر يعترض فيه على قضاء الله وقدره؛ إما بشق جيب، أو بلطم خد، أو بنتف شعر، أو برفع صوت، أو بالتجمهر مثل ما يفعل الآن في القرى، إذا مات شخص يعلنون كلهم الإضراب عن العمل، منهم موظفون وطلاب ومزارعون يأخذون إجازات ويجلسون كلهم في بيت العزاء، وكلما دخل شخص قاموا: لا هان من جاء، وجلس وأفلح، ولمن العزاء، لكم أنتم؟! المفروض أنكم أتيتم تعزون، فتعزون في المقبرة وذهب كل واحد إلى عمله. أما الجلوس للعزاء من قبل الجماعة، أو من أهل البيت فليس هذا من السنة، والأدهى والأمر أنهم يجلسون ويعطلون أعمالهم، ثم يحولون العزاء إلى فرح، فتذبح الخرفان ويتقاسمونها بينهم، قال فلان: الفطور عندي هذا اليوم، قال الثاني: والغداء عندي، قال الثالث: والعشاء عندي، الله أكبر والكرم! ولو قيل لهم: هاتوا الخرفان هذه لنجعلها في سبيل الله، ونرسلها لإخواننا المجاهدين، الذين يأكلون الخبز الناشف، الذي يدقونه بالحجارة، قال: والله لا أُسلم ريالاً. لكن عند مراد الله يفنى كميتٍ وعند مراد النفس يسجي ويلجمُ يوم أن صارت رياءً ونفاقاً وكذباً، فهي ليست لله ولا ترضي الله، قد يصل الذبح عند البعض في العزاء إلى مائة خروف، أربعة غداء، وأربعة عشاء، وأربعة فطور حنيذ، حتى فرح بعض الناس فتراهم يقولون: اللهم اجعل كل يوم ميتاً؛ ما دام أن فيها عزائم وأكلات، لا حول ولا قوة إلا بالله! لا يجوز الجلوس، ولا يجوز الأكل في بيت الميت، والذي يجوز هو أن يعزى هذا الرجل في أي مكان، فإن لم تجده في أي مكان وأنت تعرف أنه لن يخرج، فلا مانع من أن تصله في بيته، لكن تعزيه وتمشي، أما أن تأكل أو تجلس أو تأتي بأكل أو طعام، لا. يجوز أن يضع الجيران طعاماً لأهل الميت فقط، أما أن يأتي بطعام لا يكفيهم؛ ويحضر الرز واللحم في قدور ويأكلونه ويرسلون بالعظام والصحون للنساء ليقمن بغسل الصحون فهذا ليس من الدين في شيء.

حكم نقض الشعر عند الغسل بالنسبة للحائض

حكم نقض الشعر عند الغسل بالنسبة للحائض Q امرأة حائض ورأسها مشدود وطَهُرت من الحيض، فهل يجب عليها أن تنقض شعرها وتفكه، أم تغتسل بدون نقض؟ A هذا النوع فيه تفصيل: إن كان الغسل من جنابة، فلا تنقضه، وإنما تروي أصوله، ولا يلزمها أن تنقضه شعرة شعرة، وهذا باتفاق إن كان الغسل من جنابة. أما إن كان الغسل من حيض، فاختلفت فيه أقوال العلماء على قولين: القول الأول: وهو للحسن وطاوس: أنها تنقضه، لحديث عائشة وهو في صحيح البخاري عندما شكت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (انقضي رأسك وامتشطي). البخاري (1/ 120) دار اليمامة. وقال بعض العلماء: لا يجب النقض، وحملوا هذا الدليل على الاستحباب، قالوا: إن الأمر هنا للاستحباب وليس للوجوب، ولكن الأولى للمسلمة أنها تنقضه بعد الحيض، ولا تنقضه من الجنابة.

حكم من واقع زوجته في صيام التطوع

حكم من واقع زوجته في صيام التطوع Q بالنسبة لصيام التطوع -الإثنين أو الخميس- إذا وقع الرجل على زوجته في ذلك اليوم، فما الحكم؟ هل عليه قضاء أم كفارة أم لا؟ A إذا كان صيام نافلة تطوعاً؛ فإنه يجوز للرجل أن يأتي زوجته، ولو كانت صائمة صياماً تطوعاً؛ لأنه لا يجوز لها في الأصل أن تصوم إلا بإذنه إذا كان شاهداً، فإذا أذن لها؛ لزمه أن يتم إذنه، لكن لو غُلب على أمره وأراد زوجته وهي صائمة صيام تطوعٍ، جاز له أن يأتيها ولا قضاء عليه ولا كفارة؛ لأن المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر.

ما يجوز للرجل الذي عقد على امرأة ولم يدخل بها

ما يجوز للرجل الذي عقد على امرأة ولم يدخل بها Q ما هي الأشياء الجائزة التي يستطيع الرجل عملها مع زوجته التي عقد قرانه عليها ولم يدخل بها، هل تكشف له؟ هل يصافحها؟ هل يسلم عليها؟ هل يذهب بها إلى المستشفى أو المدرسة أو غير ذلك؟ A أول شيء: بارك الله لك في زوجتك التي عقدت عليها، والحمد لله الآن الشيك في جيبك، ولو لم يكن إلا المكالمة منها، فإنك لا تتكلم إلا على شيء قد أصبح لك، والرباط أصبح في يدك، أنت رجل ممتاز، لكن الذي يعيش على الخيالات والأوهام، ويتلفت ويكلم، وليس معه إلا التراب في يده، هذا خاسر -والعياذ بالله- فنقول: بارك الله لك في زوجتك، ونسأل الله الذي لا إله إلا هو! أن يهيئ قلب أبيها وأبيك، بأن يعجلوا لك بالزواج، أما ما يحل لك فبمجرد عقدك عليها أصبحت زوجتك، يجوز لك منها كل شيء، حتى جماعها يجوز لك، لكن بشرط أن يعلم أهلها وأهلك؛ وذلك لسد الذريعة، خشية أن يحصل شيء بعد ذلك، ثم يقول لها أهلها ويقول أهلك: من أين جاء هذا الشيء؟ لا. إذا كنت مستعجلاً فاذهب إلى أهلها، وقل لهم: أنتم واعدتمونا في السنة القادمة، وأنا لن أصبر، هذه زوجتي وأريد أن أنام معها هذه الليلة، فإذا قالوا: تفضل، والذبائح والعرس في وقت آخر، فلا بأس، وأخبر أهلك، وهذه زوجتك، بارك الله لك فيها إن شاء الله، لكن لا تطمع أكثر من اللازم.

حكم فرقعة الأصابع في الصلاة وتشبيكها

حكم فرقعة الأصابع في الصلاة وتشبيكها Q ما حكم طقطقة الأصابع في الصلاة وتشبيكها؟ A طقطقة الأصابع وفرقعتها مكروه ومنهيٌ عنه، في حديث ابن ماجة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجلٍ: (لا تفرقع أصابعك وأنت في الصلاة) وأيضاً روى ابن ماجة في السنن عن كعب بن عجرة أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في المجلس يشبك أصابعه، قال له: (فرج بين أصابعك) والسبب في النهي عن التشبيك كما يقول العلماء: إنه يحول بينه وبين التسبيح؛ لأنه إذا جلس وشبك عطل هذه الوسائل، فالأولى أنك لا تشبكها من أجل أن تشتغل بالتسبيح بها إن شاء الله، والحكمة إن لم تكن هذه فالحكم تعبدي، المهم أنك منهي عن الفرقعة والتشبيك.

صيام الأيام البيض

صيام الأيام البيض Q هل الثلاثة الأيام التي تصام في الشهر التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم هي البيض: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، أم من أي أيام الشهر شاء؟ A الأيام البيض التي جاء الأمر بها هي: الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، لحديث أبي ذر رضي الله عنه وهو عند النسائي وصححه ابن حبان ووافقه الذهبي، قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصوم من الشهر الثلاثة الأيام البيض) يعني: الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وهي كصوم الدهر، ولكن لو لم تصم، وفاتتك البيض، يجوز لك أن تصوم ثلاثة أيام من الشهر غيرهن إن شاء الله.

حكم قضاء السنن الرواتب

حكم قضاء السنن الرواتب Q السنن الراتبة التي تفوت الإنسان مثل سنة ما قبل الظهر أو بعده، إذا فاتت الإنسان فهل يقضيها؟ A نعم يقضيها؛ لأنه ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى نافلةً فاتته في الظهر بعد العصر، واستدل العلماءُ بذلك على أنه يجوز قضاء النافلة، حتى في وقت النهي؛ لأنها ذاتُ سبب، وسببها فواتها وليست نافلة مطلقة، فتقضيها إن شاء الله.

حكم صلاة المسبل إزاره

حكم صلاة المسبل إزاره Q لقد ذكرت أن الشيخ/ عبد العزيز بن باز ذكر أن الحديث الذي معناه: (إن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل) أنه حديث ضعيف، ولكنني قرأت في كتاب رياض الصالحين أن هذا الحديث رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط مسلم، فأرجو أن تبين لي الصحيح في ذلك؟ A هذا الحديث ذكره النووي في رياض الصالحين وهو حديثٌ ضعيف كما ذكر الشيخ ابن باز، وعلته أنه مرسل، ولا يبنى به حكمٌ في إبطال صلاة المسلمين، يعني: لا تبطل صلاة مسلم إلا بدليل قطعي الثبوت، قطعي الدلالة، أما ما دام فيه كلام وضعف فلا تقوم به حجة، لكن فيه ترهيب من إطالة الثوب، لاشك أن من يصلي وثوبه مسبل أنه آثم، وأنه تحت خطر عظيم، كأن يخسف الله به، وأن الله يوم القيامة لا يزكيه، ولا ينظر إليه، وأن ما كان تحت كعبيه فهو في النار، كل هذه أحاديث، لكن لا نقول إن صلاته باطلة بحديث ضعيف لم يثبت، وعلته الإرسال.

تفسير قول الله عز وجل: (ولكن لا تواعدوهن سرا)

تفسير قول الله عز وجل: (ولكن لا تواعدوهن سراً) Q ما معنى قول الله عز وجل: {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً} [البقرة:235]؟ A ليس المفهوم من الآية أنه يجوز أن تواعدوهن علناً، {لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً} [البقرة:235] وإنما هذه الآية نزلت في المعتدة التي يرغب الناكح في الزواج بها، ولكنها لا تزال في العدة، فماذا يصنع؟ رخص الله ذلك، قال: {ولا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة:235] يعني: أجاز الشرع للرجل إذا أراد أن يتزوج بامرأة لا تزال في عدتها، أن يعرض ولا يصرح، لا يذهب إليها ويقول: أنا أريدكِ، أكملي العدة أربعة أشهر وأنتِ محجوزة من الآن، هذا لا يجوز، بل يجوز التعريض، يعني: كلام يفهم منه أنه يريد أن يتزوجها، لكن لا يأتي بهذه الصراحة الواضحة، ثم قال الله عز وجل: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ} [البقرة:235] يعني: بعد انقضاء عدتهن سوف تبقى في أذهانكم وتذكرونهن، {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً} [البقرة:235] يعني: لم يرخص الله تبارك وتعالى بالكلام إلا بما جوز من التعريض، هذا ما ذكره أئمة التفسير أن المستثنى: {إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً} [البقرة:235] يعني: التعريض، هذا لمن أراد أن ينكح امرأة لا تزال في عدتها.

حكم التبرع بالدم والأعضاء البشرية للمرضى

حكم التبرع بالدم والأعضاء البشرية للمرضى Q تحدثتَ في مناسبة سابقة عن الكلى وأهميتها في جسد الإنسان، وأنها نعمة من نعم الله عز وجل ينبغي أن يشكر الإنسان ربه على هذه النعمة، فما حكم التبرع بها بعد الوفاة؟ وهل يُعد التبرع بذلك من قبيل الصدقة الجارية؟ وما حكم التبرع بالدم؟ وهل هو من الصدقة الجارية؟ علماً بأن الدم الذي يستورد من الخارج فيه أمراض كثيرة وأن حالة الإيدز تأتي منه؟ A حقيقةً والله إنها من أجل النعم، وما عرفناها إلا في هذا الزمان، كان الناس قديماً يموتون مباشرةً، لكن لما جاء غسيل الكلى، ولقد رأينا كم يبذل الواحد من الجهد في غسيل الكلى، جهد لا يعلمه إلا الله! ففي كل ثمان وأربعين ساعة يغسل مرة، ويجلس تحت الكلية الصناعية أربع ساعات؛ يسحب دمه كله ويذهب إلى الكلية الصناعية، ويعاد مرة ثانية وقد نقي منه عشرة في المائة من السموم القاتلة، ويبقى تسعون في المائة فضلات، وماذا ينقيه، دولاب في ظهرك؟ صفايتان مثل يدك معلقة، واحدة تعمل، والأخرى بالتناوب، ولو خربت واحدة فالأخرى تعمل إن شاء الله. أما بخصوص حكم التبرع بالكلى والدم: أولاً: هيئة كبار العلماء بقرارها رقم (99) أفتوا بالإجماع بأن التبرع بالعضو جائز شرعاً، بل مرغبٌ فيه، إذا كان التبرع لمسلمٍ؛ وتستطيع أن تنقذ حياته بإذن الله، ويستطيع أن يعبد الله فترةً من الزمن بسبب هذه الكلية. وكذلك الدم إذا نقل من إنسانٍ إلى إنسان آخر على سبيل التبرع من أجل إنقاذ حياة مسلم، فذلك طيب إن شاء الله، ومرغبٌ فيه، ونسأل الله عز وجل أن يثيب من يفعله.

كثرة الدروس والمحاضرات في مساجد المدينة الواحدة

كثرة الدروس والمحاضرات في مساجد المدينة الواحدة Q ما رأيكم في كثرة المحاضرات في الأسبوع، فإنها تبعث على الملل، فأعتقد أن درس الشيخ: عائض القرني ومحاضرتك تكفي في الأسبوع؟ A لا يا أخي! نريد في كل ليلة درساً، ثم يترك للناس حرية الاختيار، الذي يريد أن يأتي هنا، والذي يريد أن يذهب إلى الشيخ عائض، والذي يريد أن يذهب إلى الشيخ الجبرين، والذي يذهب إلى النماص، حتى يكون هناك نوع من التنويع: درس في التوحيد، ودرس في التفسير، ودرس في الحديث، ودرس في السيرة، ودرس في الفقه، أما أن تقام في كل ليلة محاضرة في أي مسجد فهذا شيء قليل جداً في مدينة فيها أكثر من مائة ألف نسمة، ولا يعقد فيها على مدى الأسبوع إلا خمس محاضرات في المساجد، لا نطلب التقليل، وإنما نقول: كثروا كثر الله الخير، وبالنسبة لك أنت فليس من الضروري أن تشهد جميع المحاضرات، إنما تحضر لمن تريد، ولمن يوافقك وتنسجم معه.

حكم أكل مال اليتيم

حكم أكل مال اليتيم Q ما حكم أكل مال اليتيم؟ A أكل مال اليتيم من الكبائر: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} [النساء:10] وأكل مال الغير كله حرام، لكن مال اليتيم أعظم؛ لأن اليتيم لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، وأما الكبير فيدافع عن نفسه، فلا تسقط الهمة إلا عند مال اليتيم!! ولا يجرؤ على أكل مال اليتيم إلا دنيء الهمة، ساقط العزم، الذي لم يستطع أن يأخذ حق الناس، فرجع على الضعيف، ولكن الضعيف ينصره الله: {إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} [النساء:10].

عمة الزوجة ليست محرما للزوج

عمة الزوجة ليست محرماً للزوج Q لي أحد القرابة دخلتُ عليه، ودخلت أمه عليَّ في المجلس فجلست عندنا، ولكني لم أسترح في ذلك الوقت من جلوسها علماً بأنها عمة زوجتي -أخت أبيها- فهل يجوز لي أن أجلس معها، وهل هي من المحارم؟ A عمة زوجتك أخت أبيها ليست محرماً لك ولا يجوز أن تجلس معها، ومادام أنها دخلت هي وجلستْ، فعليك أن تخرج، وإذا عرفتْ أنك خرجت من أجل الحجاب، فستخجل من أن تتكشف عليك. أيضاً قلتُ في الأسبوع الماضي -هذا استدراك أستدركه الآن- وقد سئلت عن حكم نظر الولد إلى أم زوجة أبيه الثانية، فقلت أنا: إنها محرم له، ولكن بالتتبع والمراجعة وبلفت النظر من بعض الإخوة جزاه الله خيراً اتضح أنها ليست من المحارم، يعني: إذا كان لأبيك زوجتان فأمك طبعاً بطبيعة الأم، وزوجة أبيك أنت محرم لها؛ لأن الله قال: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء:22] أما أمها فإنها أجنبية عنك ولست لها بمحرم، ولو أردت أن تتزوج بها جاز، وأنا وقعت في الخطأ من باب القاعدة: (أن ما حرم على أبيك حرم عليك) لكني وجدت أن القاعدة منقوضة في قضية بنت الأخت، فإنها تحرم على أبيك وتحل لك؛ لأنها بنت عمتك.

حكم استئذان الزوجة من زوجها قبل الدخول بها

حكم استئذان الزوجة من زوجها قبل الدخول بها Q هل يجوز للزوجة أن تخرج بدون إذن زوجها؛ إذا كانت في بيت أبيها، أي: لم تزف إليه بعد؟ A حتى وإن لم تزف إليه بعد، لا ينبغي لها أن تخرج إلا بإذنه؛ لأنها منذ دخولها في عقده أصبحت في عصمته، ولا يجوز لها الخروج من بيت أبيها إلا بإذنه، وعليه هو أن يكون سهلاً، لا يذهب إليها عند أهلها فيقول لها: لا تذهبي عند أحد، ويقول: ما دام أنك كذا فلا تخرجي.

حكم رفع اليدين بالدعاء أثناء الخطبة

حكم رفع اليدين بالدعاء أثناء الخطبة Q ما حكم رفع اليدين في الدعاء يوم الجمعة والإمام يخطب؟ A لم يثبت ولم ينقل من طريق صحيح ولا ضعيف ولا قوي ولا موضوع أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الدعاء أو أحد من أصحابه يوم الجمعة إلا في الاستسقاء، فإذا استسقى رفع يديه، أما الدعاء الآخر فإنه لا يرفع يده، ولا يرفع الناس أيديهم، أما إذا استسقى يوم الجمعة ورفع يديه فالناس يرفعون أيديهم يوم الجمعة أو في استسقاء خاص.

حكم حلق اللحية

حكم حلق اللحية Q هل حلق اللحية من اللمم الذي يغفره الله أم أنها من الكبائر؟ A عرف العلماء الكبائر بتعريفات: أنها ما توعد الله عليها بعذاب في الدنيا، أو لعنة في الدنيا، أو في الآخرة، وقيل: هو ما نهى عنه الشرع نهياً جازماً، ولم يقم على النهي قرينة تصرفه إلى الكراهة، وحلق اللحية هذا ورد فيه النهي الجازم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس من الصغائر، وعلى فرض أنه من الصغائر فإنه بالاستمرار يتحول إلى الكبائر، فلو أن شخصاً حلق لحيته جهلاً قلنا: هذه صغيرة، لكن نقول له: دعها، فإذا قال: لا. وسوف أحلقها مرة ثانية، فهذا معناه: أن الصغير يصير كبيراً مع الاستمرار بالحلق، فالذنب الصغير يصير غداً مثل الجبال مع الاستمرار.

وجوب اختيار الرجل الصالح للمرأة من قبل وليها

وجوب اختيار الرجل الصالح للمرأة من قبل وليها Q إذا كان المتقدم لزواج أختي غير مستقيم ولا ملتزم، فهل يجوز لي أو لوليها أن يمنعها من الزواج، وإن وافقت هي بالزواج منه؟ A لا. وإن وافقت هي بالزواج منه وهو غير مستقيم، فلا يجوز ولا ينبغي لك أن تزوجها به وهو غير مستقيم، أما هي لا يؤخذ لها رأي في هذا الموضوع، وإنما لِمَ جعل الولي؟ يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: (لا نكاح إلا بولي) لأن الولي يقدر المصلحة بدافعٍ من المصلحة، ليس بدافع من العاطفة، والمرأة عاطفتها وعقلها في عينها؛ إذا رأت شخصاً متزيناً، قالت: أريده، لكن الولي عندما يبحث عن زوج لموليته أو يأتيه خاطب فإنه يسأل عن دينه وشهامته ومروءته وجميع المقومات الرجولية فيه، ثم بعد ذلك يقول: هل تريديه؟ فإن قالت: لا. قل: انتظري إلى أن يأتي شخص نريده، أما أن تطيعها وتزوجها من شخص قليل دين، فلا. فقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (فمن زوج موليته غير ديِّن؛ فقد قطع رحمه).

حكم السؤال بوجه الله تعالى

حكم السؤال بوجه الله تعالى Q ما رأيك بالذي يسأل بوجه الله؟ أرجو أن تعيد الدليل الذي ذكرته من السنة؛ لأن كثيراً من الناس ذكروه؟ A ذكر الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب حديث الطبراني من طريقين وصححه: الحديث الأول: (ملعون من سأل بوجه الله، وملعون من لم يجب). والثاني: (من سأل بوجه الله فهو ملعون) وكلاهما حديثان صحيحان، فمن سأل بوجه الله فهو ملعون، فلا تسأل بوجه الله إلا الجنة، اللهم إني أسألك بوجهك الكريم، وبسلطانك القديم، أن تسكنني الجنة، هذه تستحق أن تسأل بوجه الله، أما على كوب أو على خروج، أو فهذه مهزلة، فليستغفر الله، وليتب إلى الله!

الأسباب المؤدية لضياع شباب المسلمين

الأسباب المؤدية لضياع شباب المسلمين Q ما أسباب ضياع بعض شباب المسلمين؟ هل هو من آبائهم، أو من مصاحبة أصدقائهم السيئين، أو من الصحف، أو اللعب، أو آلات الموسيقى؟ A من هذه الأسباب كلها؛ من أصدقاء السوء، ومن الصحف السيئة، واللعب، وآلات الموسيقى، أما الآباء إذا كانوا آباء سوء فمنهم، أما إذا كانوا صالحين فنسأل الله أن يعينهم على تربية أبنائهم. الشاب -يا إخوان- يكون على الاستقامة، فإذا اتخذ رفقة سيئة كانت سبباً في انحرافه، فاحذر يا أخي الشاب! ولهذا جاء في الحديث والحديث صحيح: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وشابٌ نشأ في عبادة الله) يعني: لم يلوث نفسه بشيء من المعاصي، من يوم أن شب وهو مع الله، الله أكبر ما أعظم هذا الإنسان!

الإقدام على الله بالتوبة طريق الفوز والفلاح

الإقدام على الله بالتوبة طريق الفوز والفلاح Q شاب يريد أن يلتزم، ويريد أن يتوب، ولكنه يتردد في هذا، وأصحاب السوء يحيطون به من كل جانب، فما هو العمل؟ A أولاً: تخلص من أصحاب السوء. ثانياً: لا تتردد وأقدم على الله وتب، والتوبة ليست عملاً تحمله فوق ظهرك، التوبة هي أن تقول عن الماضي: أستغفر الله، وعن المستقبل: أتوب إلى الله لا أعمل شيئاً، وعن الحاضر: أجتهد في العبادة والعمل الصالح وأترك المعاصي والذنوب، إذن أصبحت ملتزماً من الآن، يعني: بإمكانك الآن أن تتوب، وتعود إلى بيتك مغفور ذنبك كله، أما أن تتردد، فكيف تترد على باب الجنة؟! إذا قالوا لك: تفضل على أرز ولحم؛ فهل تتردد أم تتفضل؟ وربي يدعوك إلى جنة عرضها السماوات والأرض، فيها اثنتان وسبعون حورية، وقصورها من ذهب، وأنهار جارية، وأنت تفكر، هل أدخل أم لا؟! تب إلى الله قبل أن تموت.

اختيار الزوجة الصالحة

اختيار الزوجة الصالحة Q الفتنة في هذا الزمان هي في النساء، والرجل يريد أن يتزوج بالفتاة الجميلة؛ ليغض بصره، ويحفظ فرجه، ثم يجتهد بعد الزواج بالتزامها واستقامتها، فما رأيك؟ A ليس هناك مانع، أن تبحث عن الزوجة التي تغض بصرك، نحن لا نقول لك: ابحث عن واحدة قبيحة إذا رأيتها هربت منها، بل ابحث عن فتاة جميلة وحسنة، لكن قبل أن تكون جميلة وحسنة تكون أيضاً ديِّنة وملتزمة، ولو لم تكن ملتزمة ودينة مرة واحدة، لكن عندها قابلية للاهتداء، يعني: أبين لها أني مؤمن وملتزم، وأني أريد أن أتزوج بها، وأن عندها قصوراً وعندها نوعاً من السلبيات، وترى وضعي كذا وكذا وكذا، فإذا قالت: نعم، أنا موافقة، معنى ذلك أنها سوف تتعايش معك، والباقي عليك، أما إذا قالت: لا، لا أريدك أن تعقدني، أنا أريد أن أغني وأرقص، قل لها: اقعدي، والله سيعطيك أحسن منها بإذن الله؛ لأنه كما جاء في الحديث: (خير متاع الدنيا المرأة الصالحة التي إذا نظرت إليها سرتك) فأنا لا آمرك أن تأخذ امرأة غير جميلة، لكن خذ امرأة جميلة لكن دينة.

حكم المعاكسات وجزاء مرتكبها

حكم المعاكسات وجزاء مرتكبها Q يتجمع الشبان حول مدارس البنات مما يثير المنكر، نرجو إسداء النصيحة! A لا يجوز لشابٍ يخاف الله، ويخشاه أو يغار على أعراض المسلمين أن يقف على المدارس، وأنا أعرف أن السلطة مركزة على هذا الموضوع، وواضعة بعض الرجال ممن لهم صفة سرية بمتابعة هذا الموضوع، لأخذه وحمله في سيارة، وإحضاره إلى الإمارة ويجلد فوراً؛ يضرب عشرة أسواط أو عشرون أو ثلاثون وجبة عاجلة؛ لأنه قذر، هذا يحرج أبا البنت ويحرج البنت ويحرج الناس، لماذا يقف بجوار مدرسة البنات؟ قاعد مثل الكلب يتلصص على محارم المسلمين! فهذا لا يجوز، وأيضاً يجب على كل بنت تخاف الله إذا رأت أحداً يعاكسها بسيارة أو أي شيء، أن تأخذ الرقم فقط وتعطي أباها، وأبوها يقدم هذا الرقم للإمارة؛ والإمارة تأتي به برقمه وسيارته، وتضربه وتقطع ظهره، أما أن نسكت على المنكر حتى يستشري، فهذا لا يجوز أبداً.

حكم رسم ما له روح

حكم رسم ما له روح Q مدرس التربية الفنية يأمر الطلاب برسم ذوات الأرواح، فرفضت ولكنه هددني بنقص الدرجات، فماذا أفعل؟ A قدم أمرك إلى مدير المدرسة، فهناك تعليمات بمنع الرسم لذوات الأرواح، لكن يرسمون ما لا روح له مثل الجبال، والأشجار، والأنهار، والبيوت، والسيارات، والعمارات، وأما رسم الروح فلا؛ لورود النهي عن رسمها، وإذا رأيت المدرس يهددك فاذهب إلى مدير المدرسة، والمدير إن شاء الله سوف ينصفك منه.

مجاهدة الشيطان عند الوسوسة في الصلاة

مجاهدة الشيطان عند الوسوسة في الصلاة Q عندما أكون في صلاتي أضطرب وأفكر بأشياء كثيرة، وبعض الأحيان أنسى كم صليت، وقد كثر عندي ذلك حتى أن كل صلاتي لم تخلُ من سجود السهو؟ A يبدو أن الشيطان يلعب بك كثيراً، فلا تكن لعبةً في يد الشيطان، إذا عرفت أنك وقفت في صلاتك؛ فاعرف أنك وقفت بين يدي الله، لا نقول: إنه لا يأتيك، فالشيطان يأتيك، لكن لا تستسلم له، هذا عدو يريد أن يقودك إلى النار، فجاهده بالذكر، وبالتأمل في القرآن، وبالتكبير، والتسبيح، ويأخذ منك وتأخذ منه، أما أن تسجد للسهو في كل صلاة فلا، فاستغفر الله وجاهد نفسك -يا أخي- ولا تستسلم، فإنه يكتب للعبد من صلاته ما حضر فيها قلبه.

حكم كتابة الأشعار الغزلية في الزوجة وغيرها

حكم كتابة الأشعار الغزلية في الزوجة وغيرها Q هل يجوز للزوج أن يكتب أشعاراً غزلية بحيث يمدح زوجته ويذكر لها الصفات الحسنة؟ A اكتب ما تشاء، لو أن عندك مليون قصيدةٍ غزلية لامرأتك؛ فاكتب ما تشاء، أما لغيرها فلا، بعضهم يعمل قصائد غزلية لحبيبته، هذا لا يجوز، لا غزل ولا مكالمة ولا شيء؛ لأن هذا يبعث على الفتنة على شيء لم يحصل، أما إذا صارت زوجتك فتغزل إلى أن تموت.

حكم البكاء عند سماع القصص من السيرة النبوية

حكم البكاء عند سماع القصص من السيرة النبوية Q عندما أسمع قصص السيرة النبوية أبكي ويرق قلبي، وأخاف أن يكون هذا من الرياء وعلامات النفاق أو من الشيطان؟ A لا. ليس هذا من الرياء ولا من النفاق، فإنه لا يمكن أن يحصل في قلبك الرقة والخشية والخوف إلا من الله، فجزاك الله خيراً ولا تجعل للشيطان على نفسك سبيلاً.

ما يقوله الزوج عند دخوله على زوجته في أول ليلة

ما يقوله الزوج عند دخوله على زوجته في أول ليلة Q أنا شاب مقدم على الزواج، حيث إنني قد عرفت حقوق الزواج، ولكن ما هي الأمور المتبعة التي يجب اتباعها في أول ليلة، حين الدخول على زوجتي؟ A هذا شاب مقدمٌ على الزواج ولا زال بينه وبين الزواج وقت طويل، ويسأل عن الأمور التي تكون في أول ليلة، هذا متفائل بارك الله فيه، وأسأل الله أن يحقق له أمنيته وأن يجمع بينه وبين زوجته. وبالنسبة للسنة في أول ليلة، فإنه إذا دخل على زوجته، يسلم عليها، ثم بعد ذلك يصلي ركعتين، ثم يأخذ بناصيتها، ويقول كما ورد في الحديث: (اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه) ثم بعد ذلك يخبرها -كما فعلت امرأة القاضي شريح - يخبرها عن مبدئه في الحياة، ويقول: أنا وضعي كذا، وهذه القائمة التي أحبها، وهذه القائمة التي أكرهها، وأريد منكِ أن تكتبي لي في الورقة نفسها، القائمة التي تريدينها؛ وما هو الذي يؤذيكِ؟ وما هو الذي يرضيكِ؟ فإذا أوضحتي ما يؤذيكِ أتجنبه، وأنتِ كذلك، هذه اسمها قاعدة الحياة، وبعد ذلك نسأل الله أن يستر عليه وييسر عليه أمر حياته الزوجية.

حكم الصلاة بين الأذان والإقامة

حكم الصلاة بين الأذان والإقامة Q بعض الناس يصلون بعد الأذان ركعتين مستدلين بحديث: (بين كل أذانين صلاة) فما صحة قولهم؟ A نعم. هذا الحديث صحيح رواه الجماعة، لكن الحديث كاملاً: (بين كل أذانين صلاة لمن شاء) فإذا أذن، يعني: بعد الأذان وقبل الإقامة لك أن تصلي إذا شئت، وإذا لم ترد أن تصلي فاقعد، ليس هناك شيء يلزمك أن تصلي.

درجة حديث (تخيروا لنطفكم)

درجة حديث (تخيروا لنطفكم) Q ( تخيروا لنطفكم، فإن العرق دساس) ما صحة هذا الحديث؟ A هذا الحديث موضوع، وقيل: إنه ضعيف، ولكنه إلى الوضع أقرب، وأما معناه فصحيح: (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) يعني: إذا أردت أن تتزوج فابحث عن المرأة الطيبة، التي نبتت في المنبت الطيب، فإن العرق دساس، لكنه لا يصح، أما معناه فقد يكون فيه شيء من الصحة.

أنواع الحب وحكم كل نوع

أنواع الحب وحكم كل نوع Q ما رأيكم فيما يسمى اليوم بالحب؟ A ما هو الحب؟ حب ماذا؟ حب اللحم والرز؟ كل ولا تبالي، حب البرتقال والتفاح؟ ليس هناك مانع، حب الوالد والوالدة؟ طيب، أما حب الحرام فحرام، وقد سئل بهذا الكلام الشيخ الإمام حسن البنا رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته، قالوا له: ما حكم الحب في الشرع؟ قال: حب الحرام حرام، وحب الحلال حلال. انظروا كيف المنطق، يقول: حب الحرام حرام، يعني: بنت الجيران التي هي حرام عليه، أيحبها؟! حرام حبها، أما زوجتك إذا كنت تحبها فهذا الحب حلال، وبعضهم يقول: إني لا أحب إلا تلك، أحد الشباب يقول: يا أخي! ما أقدر على تركها؛ لأنه أحب واحدة، ولما تاب إلى الله وأراد أن يتزوجها، صارت هناك عوائق عن الزواج، قلت له: اترك حبها وابحث عن أخرى، قال: لا يمكن أبداً، فأنا مطبوع على حبها هي وحدها، قلت: وقبل أن تحبها وقبل أن تراها كيف كنت؟ قال: طبيعي، قلت: والآن أحب واحدة أخرى وتزوجها، ووالله لن تحب هذه، ولا تطيق أن تلتفت إليها، قال: لا يمكن أبداً، قلت: جمد العلاقة مع هذه وجرب، وفعلاً كلمته بالهاتف يوماً من الأيام، فقال لها: أنا حاولت الزواج منك، ولكن أهلك رفضوا فالآن هذه آخر مكالمة، وبعد ذلك اتصلت به مرة ثانية، فكأن ضعفاً جاءه، فقلت له: أنت رجل فيك ضعف لا تصلح للجنة، إذا كَلَّمَتْكَ فأقفل في وجهها، فكلمته مرة ثالثة، فلما كلمها قال لها: أقول لكِ: أنا لا أريد أن تكلميني، أنتِ ليس عندكِ شهامة، ثم بصق في وجهها، فقامت تسبه، وبعد ذلك يقول: انقطعت العلاقات، ثم بحث عن واحدة أخرى، وتزوج بها، وله الآن منها ولدان، والآن عندما يأتيني أسأله: كيف الحال؟ قال: والله لم أعد ألتفت إلى تلك، وأما هذه فإنها حياتي كلها. فحب الحلال حلال، وحب الحرام حرام.

حكم صيام المرأة بغير إذن صريح

حكم صيام المرأة بغير إذن صريح Q ما الحكم إذا صامت المرأة دون أن تستأذن زوجها، ولكنه لا ينكر عليها ذلك، بل هو يخفف عليها من الشغل في البيت إذا كانت صائمة؟ A لا بأس إذا كان راضياً، والرضا سواء كان عن طريق الإقرار، أو عن طريق الاستئذان، ليس فيه شيء إن شاء الله.

حكم استئذان المرأة ولدها للخروج

حكم استئذان المرأة ولدها للخروج Q إذا كان ابنها موجوداً وزوجها غير موجود، فهل يجوز لها أن تخرج للزيارة لأهلها وتستأذن من ولدها؟ A لا. ولدها لا يملك الإذن لها، إلا إذا كان مفوضاً من قبل أبيه، إذا قال له أبوه -وهو مسافر- إذا أردتم أن تخرجوا، فاستأذنوا من فلان، ليس هناك مانع، أو رخص هو لهم بالخروج في أماكن معينة، ليس هناك مانع، أما أن يأخذ الولد الصلاحيات من أبيه، ويرخص لأمه وأخواته، فلا.

الأبراج والحظوظ شرك وكهانة

الأبراج والحظوظ شرك وكهانة Q ظهر شريط بعنوان: أبراج الحظ تدمر أسوار الإسلام للمنجد نرجو التنبيه عليه؟ A نعم. الشريط أنا سمعته، وهو قيم جداً؛ لأن الاعتقاد في هذه الأبراج له علاقة بالشرك، وأبراج الحظ هذه موجودة في الجرائد، حظك هذا الشهر وهذا الأسبوع، هذه كلها من الكهانات العصرية، فأنصح أن يسمع هذا الشريط.

حكم قضاء الصوم لمن أدركه رمضان قبل أن يقضي

حكم قضاء الصوم لمن أدركه رمضان قبل أن يقضي Q سألني صديقٌ فقال لي: إن أمه وضعته في شهر رمضان، ثم لم تقضه، حتى جاءت السنة الثانية، ووضعت من بعده في شهر رمضان، وسألت في هذه الأيام، فقيل لها: عليك القضاء، فقالت: أنا لا أستطيع أن أصوم شهرين، فما العمل؟ A عليها القضاء مهما كان، وعليها أن تقضي وتطعم؛ هذا إذا كان تأخير الصيام بغير سبب مشروع، وأما إذا كان باستمرار مرض، أو استمرار حمل، أو استمرار إرضاع؛ فإنها تقضي ولا كفارة، وليس لها مخرج إلا القضاء.

اختيار الزوج الصالح للمرأة

اختيار الزوج الصالح للمرأة Q إذا لم يتقدم للزواج من أختي أو ابنتي إلا رجل مهمل في أمور الدين ويؤخر الصلاة عن أدائها في المسجد ومع الجماعة، أو يستمع إلى الأغاني، فماذا أفعل؟ A لا تزوجها إلا لشخص متدين، ولو أن الناس تواصوا بهذا الموضوع، أي: كلما جاء شخص يخطب، قالوا: لا نزوجك حتى تصلي، لأصبح الناس كلهم مصلين، لكن المسألة الآن انعكست؛ إذا جاء واحد يصلي، قالوا: سيعقدها، زوجوها بشخص لا يصلي من أجل أن يتركها تفعل ما تشاء.

حكم الصور المطوية والملفوفة والمهانة

حكم الصور المطوية والملفوفة والمهانة Q في الحديث عند البخاري ومسلم: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا تصاوير) هل الصور الموجودة في المجلات وفي بيوتنا تمنع من دخول الملائكة؟ A سألت عن هذا السؤال الشيخ عبد العزيز بن باز، فقال: لا تمنع؛ لأن الصور المحرمة هي الصور التي تعلق وتقدس، أما الصور التي هي مطوية، أو ملفوفة، أو مهانة، أو ممزقة، أو معلقة، يعني: موضوعة في وسادة أو شيء، فهذه مما لا يمنع، وقال: إن هذا مما عمت به البلوى، وأصبح الاحتراز منه غير ممكن؛ لأنك تجد الصورة في فنيلتك، وتجدها في سروالك، وتجدها في علبة الحليب، وتجدها في علبة اللبن وفي كل شيء، لكن اتق الله ما استطعت؛ وما عجزت عنه فنسأل الله عز وجل ألا يؤاخذنا وإياكم.

حكم تقبيل المرأة كبيرة السن على رأسها

حكم تقبيل المرأة كبيرة السن على رأسها Q والدتي كبيرة في السن، ويأتي بعض الجيران لزيارتها ويقبلون رأسها، علماً بأنهم غير محارم لها، فما ترون في ذلك؟ A لا يجوز لهم أن يقبلوا رأسها ولو كانت كبيرة في السن، فتقبيل الرأس لا يكون إلا للأم والمحرم، أما أن كل واحد يسلم على رأس أمي، فهذا لا يجوز.

اشغل نفسك بالطاعة حتى لا تشغلك بالمعصية

اشغل نفسك بالطاعة حتى لا تشغلك بالمعصية Q أرجو أن تنصحني، كيف أستطيع أن أمسك لساني عن كثرة الكلام، مع أنني حاولت عدة مرات؟ A اشغل نفسك؛ لأن نفسك إذا لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، اشغل نفسك بالعلم، وبالذكر، وبالتلاوة، وبمجالسة أهل العلم، أما أن تسكت فلا يمكن، لابد من أن تتكلم بحق أو بباطل، فإن لم تشغل لسانك بالحق شغلك بالباطل.

عدم طاعة الوالد فيما يخالف الشرع

عدم طاعة الوالد فيما يخالف الشرع Q تخرجت من الجامعة، وأرغب في الزواج من بنت ذات دين، ومن أسرة متدينة، ولكن والدي يرفض زواجي من هذه البنت، بسبب أن أهلها ليسوا في منزلتنا الاجتماعية، فهل أطيع والدي أم لا؟ وما نصيحتك لمثل هؤلاء الذين يفرقون بين الناس بغير حق؟ وما حكم هذه التفرقة في الإسلام؟ A قلنا في الماضي: إن هذه التفرقة ما أنزل الله بها من دين في الشرع، وليس لها أساس، وأن الناس كلهم أبناء آدم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات:13] وإذا وجدت صاحبة الدين فعليك أن تتزوج بها، وأما أخذ رأي أبيك فهو طيب، فإذا كان رأي أبيك فقط من هذا المنظار، أي: ليس له إلا هذه النظرة الجاهلية، فإنه لا ينبغي لك أن تطيعه، أما إذا كانت لأبيك آراء أخرى أبعد من نظرك؛ فإنك تأخذ برأيه فيما يتفق مع الشرع، أما إذا قال: لا، من أجل أنهم ليسوا من مستوانا، فلا يجوز ذلك إذا كانت هي دينة وأهلها متدينون وملتزمون.

مجاهدة الشيطان عند قراءة القرآن وإخلاص النية

مجاهدة الشيطان عند قراءة القرآن وإخلاص النية Q عندما أقرأ القرآن والناس من حولي أحس بأني منافق فماذا أفعل؟ A هذا من الشيطان، فاقرأ القرآن ولا تبالِ، واسأل نفسك، لماذا تقرأ القرآن؟ هل تقرؤه من أجل الناس؟ إن كان من أجل الناس فهذا رياء، لكن إذا كنت تقرأ لله، والشيطان يريدك أن تسكت وتتوقف لكي لا تعمل العمل، فترك العمل من أجل الناس رياء، وفعل العمل من أجل الناس رياء، بعض الناس تقول له: صلِّ في المسجد، يقول: لا يا شيخ! أنا أخاف أن أصلي في المسجد فيقول الناس: إني مراءٍ، فترك العمل من أجل الناس، فذاك راءى بالعمل، وهذا راءى بالترك، والعلماء يقولون: من راءى بالترك فهو أعظم إثماً من الذي راءى بالفعل.

معرفة أهل الأهواء على حقيقتهم طريق للابتعاد عنهم

معرفة أهل الأهواء على حقيقتهم طريق للابتعاد عنهم Q ماذا أفعل! فلم أستطع أن أبتعد عن المسلسلات التي تعرض عليَّ، وإني أحبك في الله وأريد أن تنصحني أن أبتعد عن التمثيليات والمسلسلات؟ A تحتاج إلى قوة وعزيمة وتفكير، وأن هذا ليس فيه مصلحة. والله إني لا أرضى أن أعطيهم حتى نظرة واحدة، عندما أنظر إلى الممثل وهو قاعد على الكرسي ويتكلم، أقول في نفسي: ماذا يفعل؟ هل هو صادق الآن! حينها أعرف أنه ممثل، ما معنى ممثل؟ كذاب، يعني: يمثل عليَّ، يلبس عليًّ، فأظل أعيش مع الممثل الكذاب وكلامه ليس صدقاً، والله إني لأستكثر النظرة الواحدة، فكيف بمن يقعد ساعة أو ساعتين! ويحزن في نهاية المسلسل، ثم يترقب موعده في الأسبوع القادم.

الخوف من الله من صفات المؤمنين الصادقين

الخوف من الله من صفات المؤمنين الصادقين Q إنني أشعر بالهم والغم بالرغم من أنني والحمد لله أصلي الصلوات الخمس، وأقرأ القرآن، وأذكر الله في الصباح وفي المساء والحمد لله، ولكن ما هو السبيل إلى إبعاد الحزن، الذي يلازمني في كل ساعة ودقيقة؟ A إن كان الحزن والخوف من الله، فهذه منزلة كبيرة ودرجة عظيمة، لا يبلغها إلا أهل الإيمان القوي، وقد أخبر الله أن أهل الجنة يقولون: {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور:26 - 27] والله تعالى يقول: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن:46] ويقول عز وجل: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون:60] أي: خائفة، وصفة الحزن صفة من صفات المؤمنين: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90] والرسول صلى الله عليه وسلم كان كثير البكاء، كثير الخوف، والحزن من الله، وما رئي ضاحكاً إلا في مرات قليلة معدودة على الأصابع، فإذا كنت تبكي وتحزن خوفاً من الله، ومن القبر، ومن النار وطمعاً في الجنة، فهذا عظيم جداً، أما إذا كان خوفك وحزنك من أجل الدنيا والوظيفة، والمستقبل والأيام، فهذا حزن لا محل له في الدين، وعليك أن ترجع إلى الله. والله أعلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله

دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله في محاضرة الشيخ حفظه الله في الغرفة التجارية وجه نصائح وتوجيهات للتجار، ابتدأها بذكر الحكمة من خلق الإنسان، ثم انتقل للحديث عن الدعوة إلى الله: من حيث مسئولياتها، وأولوياتها، وموقفنا من الدعوات المنحرفة، وتطرق إلى أهمية التجار في الدعوة قديماً وحديثاً، ثم تكلم عن أسس مهمة من أسس الدعوة، منها: الشعور بالمسئولية، والتخطيط السليم ببرامج مدروسة والتهيئة العلمية والنفسية، واستغلال الطاقات البشرية ثم تحدث عن توجيهات مهمة تتضمن حقيقة الاستثمار والإنفاق، وبعض أحكام التجارة

أهمية معرفة الهدف من خلق الإنسان

أهمية معرفة الهدف من خلق الإنسان الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الأحبة: هذا الموضوع هو عن دور رجل الأعمال في الدعوة إلى الله عز وجل، وهو موضوع هام؛ لأنه يتناول شريحة من شرائح المجتمع تملك إمكانات وقدرات لو سخرتها التسخير الشرعي الصحيح لحقق الله عز وجل على يديها الخير الكثير والنصر المبين لهذا الدين العظيم. وقبل أن أبدأ بطرح هذا الموضوع أود أن أعطي فكرة عما يغيب عن أذهان الناس في هذا الزمان في معظم بقاع الأرض عن الغاية والهدف الذي من أجله خلقهم الله سبحانه وتعالى، وفي ظل غياب هذه الأهداف فقد الإنسان قيمته، وأصبح يعيش حياة بدون معنى؛ لأنه لا يدري لماذا يعيش، وحينما تضيع هذه الأهداف أيضاً يستغرق الإنسان في متع الحياة ولذائذها وشهواتها، ويقضي عمره ولم يشبع من هذه الشهوات. لقد ظن قوم أن الهدف هو المتاع فتنافسوا عليه، وسقطوا بهذه الاهتمامات من كرامتهم التي أرادها الله عز وجل لهم، إذ أن من يعيش وهمه الشهوات إنما يعيش بعقليات البهائم التي لا هم لها إلا هذه الأمور، ولذا فالكفار مهما بلغوا من التقدم والرقي المادي إلا أن اهتماماتهم هي اهتمامات البهائم، يقول الله عز وجل فيهم: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12] ويقول عز وجل: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] ليتهم مثل الإنعام لكنهم أضل من البهائم والأنعام؛ لأن تفكيرهم مثل تفكير البهائم، أي إنسان منهم تسأله: لماذا تعيش؟ فسيقول: لآكل، لأشرب، لأتمتع. إن البهائم لو استطعنا الآن أن نتكلم معها وقلنا: ما هي اهتماماتها؟ ما هي آمالها في الحياة؟ لوجدنا نفس الاهتمامات مع فرق نوعي. أي أن الإنسان باعتبار أنه إنسان عنده عقل وتفكير وقدرة على الإبداع والاختراع والإيجاد استطاع أن يطور نفسه، بحيث يسكن في ناطحات السحاب، ويسبح في الفضاء، ويطوع المادة لخدمة نفس الأهداف التي تهدف إليها البهائم. وخسر الإنسان -حقيقةً- قيمته وكرامته التي أرادها الله {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء:70] بماذا كرمه الله؟ بهذا الدين العظيم. وظن آخرون أن الله عز وجل خلق هذه الحياة عبثاً، وقد أبطل الله سبحانه وتعالى هذا الظن، وكذَّب هذا الزعم، وقال في كتابه الكريم: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} [المؤمنون:115 - 116] تعالى الله عن العبث! لا إله إلا هو! ويقول عز وجل: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً} [ص:27] يعني: عبثاً {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص:27] ويقول عز وجل: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} [الأنبياء:16] يعني: عابثين {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:17 - 18]. ثم إن الناظر والمتأمل في الكون وسماواته وأرضه وشمسه وقمره ونجومه وكواكبه وبحره وبره وأنهاره وأشجاره وما بث الله فيه من المخلوقات، ما فيها من الدقة والتدبير والحكمة والتقدير من أصغر جزء في المادة وهو الذرة إلى أعظم جزء في الدنيا وهي المجرة يشهد أنها خلقت كلها لحكمة. إذاً: ما هي الحكمة التي خلق الله الناس من أجلها؟ وهل بإمكان الناس أن يعرفوها من عند أنفسهم؟ لا. مهما كان ذكاء الإنسان، ومهما كانت عبقريته لا يستطيع أن يعرف لماذا خلق لماذا؟ لأنه لم يخلق باختياره وإنما جيء به، لو أنه جاء باختياره لعرف لماذا جاء، لكن يجاء به من غير اختيار، لا يدري من الذي جاء به، وهل أُخذ رأيك -أيها الإنسان- يوم خُلقت، وهل أنت جئت باختيارك؟ لا {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ} [الإنسان:2] لماذا خلقك؟ أنت لا تعرف! فمن الذي يعرف؟ الذي خلقك، فاسأل الله لماذا خلقك؟ وأنا جئتكم الآن من مكة باختياري، ولذا لو سألني أحد في الطريق: إلى أين؟ لقلت: إني ذاهب إلى جدة، إلى الغرفة التجارية، لدرس أو محاضرة. لكن لو أنني خرجت من بيتي ووقفت عندي سيارة، ونزل منها رجال مسلحون متنكرون، وأداروا أكتافي ووضعوا القيد في يدي ورجلي، ووضعوني في سيارتهم، وذهبوا بي إلى الصحراء أو الجبال ورموني في حفرة أو كوخ، ويأتي شخص ويسألني: لماذا أنت هنا؟ ماذا أقول له؟ أقول له: لا أدري. لأني أُخذت، وكذلك أنت أيها الإنسان! لماذا جئت؟ لا تدري!

عبادة الله هي الحكمة من خلق الإنس والجن

عبادة الله هي الحكمة من خلق الإنس والجن أيها الإخوة! لقد كانت وظيفة الأنبياء والرسل من أولهم إلى آخرهم بيان الحكمة التي من أجلها خلق الله الناس، ما جاء نبي يدعو الناس إلى الإيمان بوجود الله؛ فإن وجود الله مما استقر في فِطَرِ الناس، فقد فَطَرَ الله الناس على الإيمان بوجوده، يقول الله: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:30] إن الله حينما خلق الإنسان فطره على الإيمان به، ولهذا (كل مولود يولد على الفطرة) فطرة الإسلام، لكن المسخ والتغيير يأتي من المؤثرات، وعَبَّر الحديث بقوله: (فأبواه) لأن التأثير الأكبر إنما هو للأبوين، لكن اليوم لم يعد الأبوان فقط، بل الأبوان وشياطين كثر يؤثرون في حياة الناس. فالأنبياء والرسل كل رسالاتهم تبين لماذا خلقك الله، يقول عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25] ويقول عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} [النحل:36] ويقول عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] والحصر بين (ما) و (إلا) يفيد أن الغرض هو العبادة فقط، ما خلَقَنا الله لنأكل ونشرب ونتوظف ونبني ونتزوج بل لنعبد الله فقط، ولا يعني هذا أننا لا نأكل ولا نشرب ولا نتزوج أو نتوظف لا، نحن نأكل ونشرب ونتزوج وندرس ونتوظف ونبني ونسكن لنعبد الله، كل هذه إنما هي وظائف جانبية أو هامشية مساعدة تُسخر لخدمة الغرض الأساسي وهو العبادة، لكن -وللأسف الشديد- انشغل الناس بالأهداف المساعدة عن الهدف الأساسي الذي من أجله خلق الله الإنسان. وأذكر أنني كنت قبل سنوات مسافراً من أبها إلى مكة عبر طريق الساحل، ثم وقفت أتزود بالوقود من إحدى المحطات، وبينما أنا أقف وإذ بي أحس بالسيارة ترقص! فنظرت فإذا تسجيلات غنائية ينبعث منها موسيقى غربية يسمونها (الديسكو) عبر سماعات من أضخم ما يكون ترج الأرض رجاً، وإذا بسيارتي ترقص وأنا أرقص، فأطفأت السيارة ونزلت وقصدته، فلما رآني خفض صوت الموسيقى، وأنا أرى الأشرطة تتراقص على الرفوف من قوة الصوت، فلما دخلت سلمت عليه ورد علي، قلت له: يا أخي! يقول الله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا} [الذاريات:56] وسكتُّ! فقال: {لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] قلت: أأنت متأكد؟ قال: نعم. قلت: إلا ليعبدون أو إلا ليلعبون؟ قال: أستغفر الله يا شيخ! {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]. قلت: أسألك بالله لو كان هكذا كما تفعل أنت يكون إلا ليعبدون أو يلعبون؟ فسكت. قلت: أخبرني؟ قال: لا والله -يا شيخ- يلعبون. قلت: ليتك تلعب بمفردك، إنك تلعب وتجعل الأمة تلعب، ما من شريط يباع من دكانك هذا إلا وعليك إثمه إلى يوم القيامة، إن الله خلق الناس للعبادة وأنتم جعلتموهم يلعبون ولا يعبدون الله. قال: حسناً، وماذا أصنع يا شيخ؟ قلت: يا أخي غيِّر هذا النشاط، مجالات الرزق كثيرة، أما وجدت إلا هذا المجال الخبيث الذي يضر دينك وعقيدتك، تصرف الناس عن الله، وتقطع الطريق بين العباد وبين خالقهم، وتنشر الباطل؟! قال: إن شاء الله. وذهبت وتركته. ومرت سنوات وأتيت في مناسبة أخرى، وتعمدت أن أقف عند تلك المحطة لأرى أتلك البذرة نفعت أو لم تنفع؟ ووقفت ونزلت إلى الدكان، وإذا ببقالة وإذا بالرجل نفسه، فسلمت عليه، ولم يعرفني، قلت: يا أخي الكريم! يقول الله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا} [الذريات:56] وسكتُّ! قال: هو أنت؟ قلت: هو أنا، ويقبل عليَّ ويسلم عليَّ، ويقول: جزاك الله خيراً يا شيخ! والله من ذلك اليوم ما بعت شريطاً واحداً، وقد خلف الله علي برزق وبركة وأمن وراحة في قلبي، من قبل كنا -والله- بالفعل نطرب ونسمع الأغاني ونكسب، لكن هنا شيء مثل النار في قلبي لست راضياً عنه -يعرف أن هذا العمل سيء وأنه سوف يُسأل عنه إذا مات- لكن الآن قلبي مستريح مطمئن، لا أبيع إلا الحلال ولا أمشي إلا في حلال. قلتُ: الحمد لله.

شمولية العبادة لجزئيات الحياة

شمولية العبادة لجزئيات الحياة تأمل لم خلق الله الناس؟ أليس للعبادة؟ بلى، ولكن بمفهومها الشرعي الواسع الشامل الذي ينظم كل جزئية من جزئيات حياتك، ليست العبادة -أيها الإخوة- محصورة فيما يفهمه الناس أنها الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، هذه أركان العبادة وأسس الدين، لكن العبادة كما يعرفها شيخ الإسلام ابن تيمية: (اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة). أفعالك تتحول كلها عبادات، حتى جعل النبي صلى الله عليه وسلم إبعاد الأذى عن الطريق صدقة -وإن كان عمل البلدية! - وجعل تبسمك في وجه أخيك صدقة، بل أعظم من هذا، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه في يوم من الأيام: (وفي بضع أحدكم صدقة) فتعجب الصحابة! كانوا يظنون أن الصدقات تكون في الجهاد والإنفاق في سبيل الله، كيف يأتي الرجل زوجته ويكون له بذلك أجر من الله عز وجل؟! قالوا: (أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر؟! قال: أرأيتم إن وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: وكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر). هذا الدين عظيم يتيح لك الفرصة للدخول على الله من كل ميدان. هذا المفهوم للعبادة حملته الرسل، ولا تأتي أمة إلا ويبعث الله فيها رسولا، قال عز وجل: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر:24] وقال: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد:7] وقال: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء:165] هؤلاء الرسل يُرسلون إلى الأمم، وكلما انقرضت رسالة وخلت الأرض من الهدى بعث الله رسولاً بنفس المبدأ والمنهج، المنهج واحد: وهو دعوة الناس إلى عبادة الله وحده وتوحيده، وإن اختلفت الشرائع من رسالة إلى رسالة، كما قال عليه الصلاة والسلام: (نحن معاشر الأنبياء أولاد علات، ديننا واحد وأمهاتنا شتى) الرسالة واحدة وهي التوحيد، والشرائع مختلفة {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} [المائدة:48] إلى أن ختم الله عز وجل الرسالات برسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم وليس بعده نبي، قال: {رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40] ومن ضمن عقيدة المسلم أن يؤمن بأنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ومن اعتقد أن هناك نبياً يبعث بعد محمد صلى الله عليه وسلم فقد كفر؛ لأنه كَذَّب ما هو معلوم من الدين بالضرورة.

الدعوة إلى الله وتحميل تبعاتها للمسلمين

الدعوة إلى الله وتحميل تبعاتها للمسلمين كان الأنبياء عليهم السلام يدعون إلى دين الله، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم فهو خاتم الأنبياء وبعد ذلك أتاه الموت، كما قال الله: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30] وقال: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء:34 - 35] هل بقاء الدين واستمراريته مرهون ببقاء النبي صلى الله عليه وسلم؟ لو كان ذلك لما اختاره الله إلى جواره ولما مات؛ من أجل أن يستمر الدين، لكن الله قضى أن يموت محمد صلى الله عليه وسلم، وأن تبقى الرسالة إلى يوم القيامة. والأجيال التي تأتي من يدعوها إلى الله؟ لم يعد هناك رسول يُبعث، والرسول الخاتم مات، فلم يجعل الله سبحانه وتعالى مسئولية الدعوة في هذه الأمة على الرسول فقط وإنما عليه وعلى كل من تبعه إلى يوم القيامة، قال الله عز وجل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا} [يوسف:108] أنا وحدي فقط، لا {وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108] إذاً ليس لك خيار في المسألة، ما دمت اتبعت الرسول فيلزمك أن تكون داعية شئت أم أبيت، ولم يكن أحد -أيها الإخوة- من الصحابة يفهم أن بإمكانه أن يعيش مسلماً دون أن يكون داعية إلى الله. بل كان الرجل منهم يسْلم ويأخذ حديثاً أو حديثين أو آية أو آيتين ويرجع مباشرةً إلى قومه داعية، ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، وكان هناك مجموعة من الجن من وادي نصيبين في اليمن فمروا فصرفهم الله عز وجل لحضور القرآن وسماعه، وذكر الله القصة في سورة الأحقاف: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} [الأحقاف:29] دعاة من أول ليلة {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} [الأحقاف:31] لماذا؟ حتى يستمر هذا الدين بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم. وهناك دعوة مضادة يقوم بها اليهود والنصارى لمسخ الإسلام وعودة الناس إلى الكفر، كما قال الله عز وجل: {وَلَنْ تَرْضَى} [البقرة:120] و (لن) هنا: الأبدية {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120] ليس حتى تترك دينك فقط. لا. هم سيجعلونك تخرج من دينك كخطوة أولى، والخطوة الثانية هي أن تصير مثلهم، ويقول عز وجل: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة:109] ويقول: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء:89] فالدعوة المضادة مستمرة من اليهود والنصارى وأعداء الدين والملل، وأبناء الإسلام لا يدعون، إذاًَ كيف يبقى هذا الدين؟ حتى يبقى هذا الدين باعتباره الدين الذي أراده الله، ولأنه ليس هناك دين غير الإسلام قال جل وعلا: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85] {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:19]؛ جعل الله سبحانه وتعالى مسئولية هذا الدين على كل مسلم.

أولويات في الدعوة إلى الله

أولويات في الدعوة إلى الله أيها الإخوة! كلنا سنسأل عن التوحيد وقضايا الإيمان؛ وهذا الدين هل بلغنا؟ وماذا عملنا له؟ لأنه مسئوليتنا، من نتوقع أن يقوم بهذا الدور غيرنا؟ وليس معنى هذا أن يكون الداعية خطيباً على المنابر فحسب لا، فالدعوة لها أساليب وطرق ومجالات كثيرة، منها ما لا يعذر فيه الإنسان: وهي دعوة الإنسان لنفسه إلى الله، هل يُعذر أحد في هذا؟ هل يقول: أنا لا أقدر أن أدعو نفسي إلى الله؟ لا. ففي ظل الاتحاد السوفيتي المنهار والذي مارست فيه الشيوعية صنوفاً متعددة من القمع في سبيل إبعاد الناس عن عقيدتهم، فسدت الشيوعية وانهارت وبقي الإسلام في صدور أولئك الرجال، وما استطاعت أن تسيطر عليهم أو تمنعهم من الإسلام لماذا؟ لأنه عقيدة. هذه مسئوليتك: أن تدعو نفسك إلى الله، لا تدعو الناس كلهم، أولاً ادعُ نفسك فقط، ولو أن المسلمين دعوا إلى الله بهذا القدر فقط لعم الخير، أي: لو أن كل مسلم دعا نفسه إلى الله؛ لما احتجنا إلى كل هذه الجهود التي تبذل الآن في دعوة المسلمين ولوفرناها لدعوة غير المسلمين. إن العلماء والدعاة والعاملين في الدعوة يركزون الآن جهودهم كلها لدعوة المسلمين لماذا؟ لأنهم يقولون: إن المسلمين الآن يخرجون من الدين، أنت عندما تكون طبيباً وتجد شخصاً ميتاً وآخر مريضاً، من تعالج المريض أو الميت؟ تعالج المريض؛ لأن الآخر ميت، فالأمة الإسلامية الآن فيها مرض، ولهذا الدعاة كلهم متوجهون لاستعادة الحياة فيها. لقد ضاع الجهد وصرف في المسلمين على حساب دعوة غير المسلمين، لكن لو أن كل مسلم دعا نفسه إلى الله، وأقامها على صراط الله المستقيم، وألزمها عقيدة صافية، وعبادة خالصة، وسلوكاً مستقيماً، وتعاملاً سليماً، وحياة طاهرة نظيفة في نفسه، ثم انتقل بهذا الدين الذي حمله إلى أسرته ومحيطه الضيق، هل يوجد أحد يستطيع أن يقول: لا أستطيع أن أربي زوجتي على الدين؟ من الذي يدخل معك في بيتك ويقول لك: لا تقل لها: صلِّ؟! هذه مسئوليتك، ثم انتقل إلى أولادك وبناتك وأقم أسرة مسلمة، فإذا نشأ مع الأسرة المسلمة مسلم ومسلمة، وتكوّن المجتمع المسلم من اللبنات التي هي الأسر الصالحة، ومع هذا المجتمع مجتمع ثانٍ، وانتصر الدين، وظهر دين الله في الأرض، فإذا رأى الكفار الإسلام ممثلاً في حياة الناس دخلوا في دين الله أفواجاً، لكن حينما يتخلى الإنسان عن هذه المسئولية ويقول: هذا ليس عملي، هذا على الدعاة والمشايخ، أما أنا فليس عليَّ شيء. حتى نفسك ألا تدعوها؟ فكيف تكون داعية إلى الله سبحانه وتعالى؟!! لذا -أيها الإخوة- لا بد من الإحساس والشعور بهذه المسئولية؛ لأن الدعوة وظيفة هذه الأمة، والدعوة مسئوليتنا، والسائل لنا هو الله، والإجابة عنها صعبة، والنتيجة: إما إلى الجنة وإما إلى النار.

استغلال الأموال في الدعوة إلى الله

استغلال الأموال في الدعوة إلى الله هذه الدعوة -أيها الإخوة- يجب أن يمارسها المسلم من خلال وضعه الذي يعيشه، فالطبيب والمهندس والضابط والموظف والمرأة والمزارع بإمكانهم أن يكونوا دعاة إلى الله، لكن أبرز الناس قدرة على الدعوة إلى الله بالمال هو التاجر وذلك لأن عنده إمكانية. لقد مارس سلفنا وسلفكم التجار هذا، ونصر الله بهم الدين، وتعرفون الأمثلة: خديجة رضي الله عنها سخرت أموالها لخدمة الدعوة بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم. أبو بكر رضي الله عنه يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (ما نفعني مال كمال أبي بكر). عثمان رضي الله عنه تاجر الصحابة في غزوة العسرة، جاءت تجارته من الشام بثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها، محملة بالسمن والدقيق، في زمن مجاعة، وكانت الأرض مثل الرماد، وسمي ذلك العام بعام الرمادة، انحبس المطر حتى أصبحت الأرض مثل الرماد، ولا يوجد هناك إلا ما يأتي من السماء، والناس في شدة وضيق، ولما جاءت القافلة بثلاثمائة بعير قام التجار كلهم في المدينة من أجل أن يكسبوا، فأعطوه في الدينار ديناراً -أي: مكسب (100%) - قال: أُعطيتُ أكثر. فأعطي ديناران في الدينار -أي: (200%) - قال: أُعطيتُ أكثر. ويعرفون أنه صادق لا يكذب، ليس مثل بعض التجار يقول: أُعطيتُ أكثر. وهو كاذب، إذا قال هذا الكلام وجاءه ربح أكثر بناءً على كلمته فدخله حرام (100%)؛ لأن ذاك صدقه! مثلاً: يقال للبائع: السيارة هذه بكم؟ قال: أُعطيتُ فيها ثلاثين ألفاً. ولم يعطَ ذلك المبلغ، إذاً لماذا تريد أن تزيد في السعر، ليعطيك فرقاً فيعطيك واحداً وثلاثين ألفاً، لأنك افترضت ثلاثين كذباً، إذاً هذا الدخل حرام. أما عثمان فصادق - ذو النورين الذي تستحي منه الملائكة رضي الله عنه وأرضاه- قال: أعطيت أكثر. حتى وصلت إلى خمسة -أي: (500%) - قال: أُعطيتُ أكثر. فاجتمع التجار كلهم، قالوا: من الذي أعطاه؟ نحن كلنا تجار المدينة، هل هناك أحد جاء من السماء؟ لا يوجد إلا نحن، والرجل لا يكذب، ثم جاءوا إليه وقالوا: قد تشاورنا ولم نجد أحداً أعطاك أكثر مما أعطيناك، فمن أعطاك؟ قال: أعطاني الله، أعطاني في الدينار عشرة دنانير إلى أضعاف كثيرة، قال: هي في سبيل الله. فلما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة بعير محملة قال فيه: (ما ضر عثمان ما صنع بعد اليوم) هذا هو المال الرابح أيها الإخوة! أبو الدحداح رضي الله عنه وأرضاه لما سمع قول الله عز وجل: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} [البقرة:245] قال: [ربنا يستقرضنا؟ قال: اقرأ بقية الآية {فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:245]] الله غني، لا يستقرض منك لأنه فقير، لكن من أجل أن يزيد ويضاعف لك الأجر. وأبو طلحة لما نزل قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران:92] قال: يا رسول الله أحب مالي بيرحاء -وهو بستان في المدينة - أشهدك أنها لله عز وجل، قال: (بخٍ! ذاك مال رابح! ذاك مال رابح! ذاك مال رابح!). وهكذا استمرت -أيها الإخوة- أيادي الدعوة والخير تنتقل، بل دخل دين الإسلام عن طريق التجار إلى دول مثل: إندونيسيا، وماليزيا، وتايلاند، وسنغافورة، فهذه البلاد فيها مئات الملايين من المسلمين، لم تفتح بلادهم عنوة ولا بالسيف وإنما بالتجار المسلمين الذين كانوا يحملون هَمَّ الدعوة، انتقلوا بالتجارة ومعهم الإسلام فدعوا إلى الله سبحانه وتعالى، دعوا إلى الله بألسنتهم وبفعلهم وتطبيقهم، فدخلت تلك الدول في دين الله.

أسس ومقومات الدعوة إلى الله

أسس ومقومات الدعوة إلى الله أيها الإخوة: بالإمكان أن يمارس رجال الأعمال في هذا الزمان نفس الدور الذي مارسه أسلافهم في الزمان الأول، وأن يصدروا هذا الدين للعالم كله يوم أن يحملوا هَمَّ هذا الدين؛ وحتى يقوموا بهذا الدور لا بد من مراعاة بعض الأمور:

الشعور بالمسئولية

الشعور بالمسئولية وهذا يبدأ كقاعدة وأساس: الإحساس والشعور بالمسئولية تجاه الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى لهذا الدين. وهذا يحصل إذا بدأ الإنسان يفكر فيه، لكن إذا لم تحصل عنده فكرة أصلاً أنه مسئول عن الدين كيف يهتم؟!

التخطيط السليم

التخطيط السليم الأمر الثاني: التخطيط السليم، واستشارة المختصين من العلماء والدعاة والمهتمين، ووضع (البرامج) المدروسة للتعرف على مجالات وأساليب العمل الدعوي التي يمكن أن يسلكها التاجر. نحن نعرف -والحمد لله- أن التجار الأثرياء يقومون بجهود طيبة خيرية، لكن معظمها إغاثي، أو عمل خيري في بناء مساجد، أو مساعدات في الملاجئ أو في أي شيء، لكن هذا كله ليس كالعمل الدعوي؛ لأنه صدقة جارية! أنت إذا عملت عملاً ينقطع أجره ليس كعملٍ يجري أجره دائماً، والذي يجري دائماً هو الدعوة؛ ففي الحديث المتفق عليه يقول عليه الصلاة والسلام: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمْر النعَم) فإذا سخرت مالك لدعوة غير المسلمين وأسلم واحدٌ منهم بسببك هذا في ميزانك يوم القيامة، تبعث يوم القيامة مبعث الأنبياء، لأنه جاء في الحديث الصحيح قال عليه الصلاة والسلام: (رأيت النبي ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، والنبي وليس معه أحد) فإذا جئت وأنت معك واحد أسلم على يديك بمالك تُبعث مبعث الأنبياء، وتكون سلسلة من الخير مستمرة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأنت في قبرك والحسنات تأتيك، خصوصاً إذا أوقفت شيئاً من مالك للعمل الدعوي؛ لأن هذا التبرع المقطوع ينتهي، لكن إذا اختزنت شيئاً من مالك كعمارة أو كأرض كبيرة توقفها ليكون دخلها وريعها للدعوة إلى الله تكون أنت في قبرك والملايين من الحسنات تأتيك، وإلى متى؟ إلى أبد الآبدين. هذا الأمان الرابح، وهذا العمل العظيم يأتي عن طريق التخطيط والاستشارة للجهات التي تهتم بهذا الجانب والتي سوف نذكرها إن شاء الله.

التهيئة النفسية للاهتمام بقضايا الدعوة

التهيئة النفسية للاهتمام بقضايا الدعوة أيضاً: لا بد للتاجر أو رجل الأعمال المسلم من التهيئة النفسية وذلك بكثرة الاطلاع على الكتب التي تعالج قضايا الدعوة كالمجلات والصحف والأشرطة الإسلامية، لا يكن طيلة النهار همك كله في التجارة حتى تصاب بالإرهاق، ولا تعرف إلا الهاتف، والفاكس، والأرصدة وسوق البورصة فقط ولا تذكر الله! بل اجعل لك وقتاً معيناً للاهتمام بالدين فقط، وظِّف عندك أناساً لخدمة هذا الغرض: يجمعون لك المعلومات، يعطونك الأخبار، تسمع منهم لماذا؟ لأنك أنت ابن الدنيا والآخرة، كم نسبة بقائك في الدنيا؟ ستون سنة، كم تبقى في الآخرة؟ إلى أبد الآبدين، كيف تضيع حياتك في ستين سنة وتضيع آخرتك فيها؟ وإذا بك تخرج من الدنيا لا دنيا ولا دين لا، فلابد من الاستعداد النفسي بحيث تجعل لك اهتمامات دينية عن طريق الاطلاع ومعرفة العالم الإسلامي وأحوال المسلمين في كل مكان.

استغلال الطاقات البشرية عن طريق الأموال

استغلال الطاقات البشرية عن طريق الأموال هناك إمكانيات بشرية هائلة موجودة في الأمة لكن ينقصها الدعم المالي، وهذا في يد رجل الأعمال، إذ بإمكانه أن يسخر العديد من طلبة العلم والعلماء في كثير من بلدان العالم الإسلامي في الدعوة إلى الله، فيكفل مجموعة من الدعاة والعلماء، ويفتح المدارس الدينية، ويفتح المعاهد، ويفرغ طلاباً لدراسات عليا في بعثات في جامعات حتى يتخرج بسببه علماء، ويكون هذا الخير كله بسبب هذا المال الذي أعطاه الله سبحانه وتعالى.

غريزة حب المال والاستثمار الحقيقي مع الله

غريزة حب المال والاستثمار الحقيقي مع الله لا نستطيع أن ننكر أن الله سبحانه وتعالى غرز في طباع الناس حب المال، يقول الله عز وجل: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً} [الفجر:20] ويقول: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} [العاديات:8] لا يوجد أحد في الدنيا يكره المال فقد حبب الله الناس في المال؛ لأن الإنسان خليفة الله في الأرض، ولا بد أن يعمرها، يعمرها بماذا؟ بالمال، ولذا فإن حب المال موجود عند كل إنسان حتى الطفل، انظر إلى الطفل الذي عمره سنة إذا أعطيته ريالاً وورقة أخرى أيهما يأخذ؟ يأخذ الريال ويدع الأخرى ولا يأخذها، بل حتى المجانين، يقول لي أحد الأطباء في مستشفى الأمراض العقلية في الطائف: والله يا شيخ سعيد! عندنا مجانين لا يفهمون شيئاً أبداً، لكن إذا رأى العملة فئة خمسمائة أو مائة عرفها وأخذها، يعود إليه عقله الذي قد غاب. المال والنقود!! كل إنسان يحب هذا المال، وكل إنسان يحب أيضاً الاستثمار خصوصاً التجار، فعقلياتهم عقليات تجارية استثمارية، حتى لو أردت أن تزاحم في التجارة وأنت لست صاحب اختصاص فإنك تخسر، ولذا بعض الناس يدخل في الميدان ويريد أن يصير تاجراً ويترك وظيفته، فنقول له: ابق في وظيفتك، ويا صاحب المهنة! ابق في مهنتك، التجارة لها أناس يفهمونها بالإشارة! هؤلاء المستثمرين أصحاب المال ورجال الأعمال غاب عن أذهانهم مجال من مجالات الاستثمار وهو الاستثمار في سبيل الله، ليس مجال الاستثمار في سبيل الله العائد عليه في الآخرة فقط بل هناك عائد جديد يحصل لك في الدنيا: وهو البركة والزيادة، يقول الله في القرآن الكريم: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ:39] أما عندك يقين في الله؟ الله يعدك أن أي شيء تنفقه في سبيل الله فهو يخلفه {وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:39] فما دام أنك تعلم أن المال يرجع بالزيادة من يوم أن تنفق فلماذا لا تنفق؟؟ بل في الحديث: (ما نقص مال من صدقة). أنا أعرف -أيها الإخوة- قصة وقعت أمامي: فقد كنت خارجاً من الحرم في رمضان ومتجهاً بعد صلاة التراويح إلى سيارتي، وإذا بسيارة قريبة من الحرم لرجل أظنه ذا مكانة عالية، وسيارته من السيارات الفارهة فمررت بجانبه، ورأيته ممسكاً مقود السيارة ويمشي ببطء لأن الناس كثير، وإذا برجل فقير من الفقراء لحقه عندما رآه بسيارة، وقال: أعطني لله فقال هذا الرجل: على الله! وهذا الفقير قال: أنا أعلم أن رزقي على الله، لكني أريد أن أختبرك؛ لأن الله ابتلاني بالفقر فما صبرت، وأنت ابتلاك بالغنى فما أعطيتني، الله يعطيني، أنت لا تعطيني، أنا لا أريد منك شيئاً. وأنا أسمع الكلام وأرى الرجل وهو يتكلم بهذه الحدة، وكان هناك امرأة إفريقية تجلس على طرف الجدار وكانت تبيع بعض الحلوى، وعندما رأت المنظر وسمعت ما سمعته قامت وأعطت هذا الرجل المسكين ريالاً! أما صاحب السيارة تحرك على بعد عشرة أمتار ثم توقف تأثر وانتبه ضميره فوقف، ثم فتح الباب وأخرج من جيبه عشرة ريالات وراح يبحث عن الرجل فلم يجده، فأعطى الإفريقية عشرة ريالات. قلت: لا إله إلا الله! أنفقتْ ريالاً فرد الله لها عشرة ريالات {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:39] أهذا مجال استثماري أم لا؟ الله يقول: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:276] {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم:39]. هذا مجال استثماري في الدنيا، هل هناك أحد تصدق أيها الإخوة؟ في الدنيا بمال وندم فقال: والله خسرت بالصدقة؟ لا، والله لا تخسر، بل تزيد وتزيد وتزيد، فأنت تنفق في سبيل الله فيأتيك الشيطان يقول: تصور أن المال نقص. فإذا جاءك هذا الإحساس فاستعذ بالله فإنه من الشيطان، والله يقول: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:268] فضلاً، أي: رزقاً، فهذا المجال الاستثماري من أعظم مجالات تنمية المال، وما عرفنا أحداً سلك مسالك الإنفاق في سبيل الله إلا وفتح الله عليه أبواب الرزق من كل جانب. نعرف كثيراً منهم -ولا نذكر الأسماء- ويحدثوننا ويقولون: والله ما رأينا الخير إلا لما أنفقنا. لأنك عندما تعطي الله ماذا يحصل؟ ماذا يعطيك ربك وقد وعدك {فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:39] ثم أنت عندما تبخل تبخل عن نفسك أولاً.

فائدة الإنفاق في سبيل الله في الدنيا والآخرة

فائدة الإنفاق في سبيل الله في الدنيا والآخرة هناك بعض الناس يتصور أنه إذا أعطى فإنما يعطي من حقه، وهذا تصور خاطئ؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور:33] ليس لك من المال شيء، وما حقيقة أمرك لما جئت من بطن أمك هل كان معك شيء؟ لقد جئت وأنت عارٍ واستقبلت في خرقة، وستعيش فترة من العمر ثم تخرج عارياً في خرقة أخرى وهي الكفن، فالمال مال الله ساقه إليك من حيث لا تحتسب، فأنفق من مال الله فليس من حقك {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد:7] وما المال والأهلون إلا ودائع ولا بد يوماً أن ترد الودائع انظر الآن في واقعنا كم من الأثرياء يموتون فبماذا يخرجون من الدنيا؟ لا شيء إلا الكفن! بل والله أعرف رجلاً من أكبر التجار عندنا في أبها اقترضوا له الكفن! نعم مات في ساعة متأخرة حوالي الساعة العاشرة، وأبها مدينة صغيرة، أهل الأسواق يقفلون محلاتهم في وقت مبكر، لا تجد بعد العاشرة إلا البقالات، أما أصحاب الملابس والأقمشة ينامون، من يشتري قماشاً في الساعة العاشرة في قرية بسيطة أو مدينة بسيطة مثل أبها؟ فمات الرجل وغسلوه وقالوا: نريد كفناً. فذهبوا إلى الأسواق فلم يجدوا إلا (سوبر ماركت) أو أسواق مركزية، ويقولون: هل عندكم كفن؟ فيقال لهم: أعوذ بالله! فال الله ولا فالك، كل واحد يقول: فال الله ولا فالك، تريدنا أن نموت قبل آجالنا، لا يوجد كفن اذهب، ما يريدون أن يسمعوا كلمة (الكفن)، أخيراً قالوا: انظروا مؤذن المسجد لعله مدخرٌ كفناً لرجل فقير فيه خير، فجاءوه فقالوا: هل عندك كفن؟ قال: نعم عندي كفن قد هيئته لي لكن خذوه صدقة لوجه الله، يتصدق على من؟ على صاحب الملايين الذي لم يجدوا له من ماله حتى الكفن! إذاً: ما الفائدة من هذا المال، فاتقِ الله! وأنفق من مال الله الذي آتاك. يظن بعض الناس أنه إذا أنفق فإنما يعطي الناس وأنه يضيع ماله! لا، فإن الله يقول: {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ} [البقرة:27] لماذا تكون عدو نفسك يا بن الإسلام؟ الله يقول: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ} [محمد:38] أنت تقول مالي مالي مالي، والحقيقة أنه ليس بمالك، وليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت، وما بقي فهو للورثة، يقول عليه الصلاة والسلام لأصحابه يوماً من الأيام: (أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: ما فينا أحد يا رسول الله، كل واحد منا يحب ماله، قال: بل كلكم مال وارثه أحب إليه من ماله، قالوا كيف؟ قال: ليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت، وما سوى ذلك فللورثة). وفي ذات يوم يذبح النبي صلى الله عليه وسلم شاة، فقامت عائشة رضي الله عنها فتصدقت بها كلها ولم تبقِ إلا الكتف؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحب الكتف والذارع، قال: (ما صنعت الشاة؟ قالت: ذهبت كلها إلا الكتف، قال: لا. قولي: بقيت كلها إلا كتفها) الذي نأكله هذا هو الذي ذهب، والذي أعطينا لله هو الذي يبقى؛ لأن الله يقول: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96] (والمرء تحت ظل صدقته يوم القيامة). يحدثنا أحد المشايخ في أبها عن قصة حدثت قبل خمسين أو ستين سنة عن رجل كان في جبال تهامة مسافراً وفي ليلة شاتية باردة مطيرة ومظلمة، فدخل في غار من المطر الذي كاد أن يقضي عليه، فدخل غاراً وإذا به قبر، كان الناس في الماضي يجعلون الكهوف قبوراً يقول: ونام هذا المسافر من البرد ومن الجوع والسفر والتعب، وبينما هو نائم رأى رجلاً في القبر ومعه امرأته وعندهم بقرة يحلبونها ويشربون من لبنها، لكن لفت انتباهه أن هذه البقرة ليس عليها جلد، والدماء تخرج من جسدها، ليس لها جلد وهي واقفة تحلب، فسأل الرجل: ما هذه البقرة ومن أنت؟ قال: أنا من سكان هذه القرية وقبل سنوات حصلت مجاعة عندنا في القرية، ورأيت الناس في حاجة وكان عندنا هذه البقرة فذبحتها لوجه الله وتصدقت بلحمها كله للفقراء والمساكين، غير أن جلدها أخذته وبعته، فلما مت أعطاني الله عز وجل هذه البقرة بدلاً من بقرتي فأنا أحلبها، لكن ما عليها جلد. يقول: إنني أتأسف على الجلد، تمنيت أني أَتْبَعْتُ البقرةَ جلدَها حتى أُعطى بقرة بجلدها. فأنت حينما تتصدق بشيء إنما تعطي نفسك، لكن إذا لم تعط نفسك وأعطيت أولادك، من الذي سيتصدق عنك؟ هل أبناؤنا الآن قد بلغ عندهم الوعي الديني أو الإيمان بالله درجة بحيث إذا متنا قالوا: سوف نعمل له عملاً خيرياً؟ لا. ليس هناك أحد إلا النادر، وإنما يقولون: هذا المال مالنا أما أبونا فقد ذهب. أحد الناس في مكة جاءته مائة مليون تعويضات فوضعها في البنك ولم ينفق ولا مرةً ريالاً واحداً، حتى أنه لا يمشي إلا في (شبشب) ومضيق على أولاده وحياته وساكن في شقة، وكل ليلة وهو يَعُدّ ويتصل بالبنك قائلاً: كم الرصيد؟ كم الأسعار؟ فيراه الناس دائماً مشغولاً بالمال وأخيراً مات، فلما مات، رأى أولاده -وكانوا ستة أولاد- أن حجر العثرة قد ذهبت من طريقهم؛ لأنه كان يحول بينهم وبين متاع الحياة، وكانوا يدعون الله غداةً وعشياً أن الله يقبض روحه حتى يتمتعوا بهذا المال. فلما مات الرجل انطلقوا مباشرةً بعد أيام العزاء الثلاثة يجمعون مال أبيهم وأوراقه ورصيده واقتسموا الأموال وبدءوا مباشرةً يسحبون الرصيد، واشتروا لهم ست سيارات (مرسيدس بنز) كل واحدة تبلغ ثلاثمائة ألف، جاء عمهم من الطائف، وإذا بهم أصبحوا في عمارة في العزيزية، وإذا بالسيارات الفخمة واقفة تلمع كلها! فتعجب قائلاً: ما هذا يا أولاد؟ قالوا: اسكت يا عم، راح (أبو شبشب!) هل تريد أن تكون هكذا يا أخي؟ لا أكلت ولا أبقيت ولا قدمت، هل تعتقد أن هؤلاء سيبنون مسجداً لأبيهم أو شيئاً ينفعه في قبره؟ لا. وإنما يقولون: لو كان فيه خير لوضع لنفسه، ما وضع لنفسه أنضع نحن عنه؟! وصحيح فيمن لا يضع لنفسه لن يضع له أولاده، فأنت لم تضع لأبيك فكيف أولادك يضعون لك؟! إذاً: الإنفاق في سبيل الله ليس للناس بل هو لك، فلا تكن عدو نفسك.

الإنفاق في سبيل الله من علامات الإيمان

الإنفاق في سبيل الله من علامات الإيمان الإنفاق في سبيل الله نصرةً للدعوة من أعظم الدلائل على الإيمان بالله سبحانه وتعالى، فإن المال محبوب، وعندما يقدمه الإنسان يدل على أنه مؤمن، وأن له جدوى عند الله، ولهذا يقول أبو الدرداء: [من كان له كنز فليكنزه في السماء فإن القلب معلقٌ بالكنز] فقلبك معلق بمالك، ومالك عند الله، فيبقى قلبك معلق بالله دائماً. لكن إذا لم تنفق فهذا برهان على أن إيمانك هزيل أو غير موجود؛ لأنك ترى أن الإنفاق ضياع ومهلكة لمالك، ولذا تقول: لا. إذاً: الإنفاق في سبيل الله من أعظم الدلائل على الإيمان بالله عز وجل.

الزكاة أحكامها ومصارفها

الزكاة أحكامها ومصارفها هناك مسألة مهمة جداً ينبغي أن تسبق قضية الإنفاق التطوعي، وهي قضية: إخراج الزكاة، فإن الزكاة ركن من أركان الدين، قرنها الله عز وجل بالصلاة في كل القرآن؛ لأن الصلاة عبادة بدنية قد يسهل على الإنسان أن يؤديها، لكن الزكاة عبادة مالية قد يصعب على الإنسان أن يدفعها، ولهذا فرضها الله سبحانه وتعالى وقرنها بالصلاة وسماها طهرة للمال، قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة:103] كأنهم متلوثون متنجسون في الدنيا، فإذا أخرجوا الزكاة طهرت أموالهم، وزكت أرواحهم، وأصبح إيمانهم قوياً بالله، لكن يوم أن يمنعوا الزكاة تتلوث قلوبهم وأموالهم؛ لأنهم عاشوا حياة الكفار، فالكافر لا يعطي شيئاً، وأنت تريد أن تكون مثله لا تدفع شيئاً حتى الزكاة، فلا بد من إخراج الزكاة أيها الإخوة! ولهذا قاتل أبو بكر الصديق مانعي الزكاة، وقال: [والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة] ولما أراد قتالهم قال عمر: [كيف تقاتلهم وقد شهدوا أن لا إله إلا الله؟ قال: إلا بحقها -وحقها الزكاة- والله لو منعوني عقالاً أو عناقاً كان يؤدونه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه] أي: كان يأتي صاحب المال بالفريضة ومعها العقال من أجل أن لا تفر، يقول: والله لو أتوا بالفريضة فقط ومنعوا العقال لأقاتلنهم عليه. وهذا دليل على أنك لو كنت صاحب أعمال أن تتحرى الجرد في كل أموالك، ولا تخرج الزكاة بالتخمين، لأن بعض الناس يخرج بالتخمين، يأتي عند الدكان أو البقالة ويقول: نخمن، ما استطعنا أن نجرد. وخمن، لو خمنت سوف تنقص لأن نفسيتك ناقصة، فلا تقبل إلا الجرد الكامل، لو أخرجت الزكاة كلها إلا ريالاً واحداً ما أخرجت الزكاة، مثلاً: زكاتك على ألف الألف ألفان ونصف، فأخرجت ألفي ريال وبقي عليك خمسمائة، أو أخرجتَ ألفين وأربعمائة وبقي عليك مائة، أو أخرجت ألفين وأربعمائة وتسعة وتسعين وبقي عليك ريال، فنقصُ ريال مثل نقص مليون. مثل المصلي إذا صلى صلاة العشاء أربع ركعات ولم يبقَ إلا أن يسلم لكنه لم يسلم، وقام، ما هو حكم صلاته؟ باطلة؛ لأن التسليم ركن، كذلك الزكاة، لا بد أن تخرجها بعد أن تجرد مالك حتى تكون صحيحة مائة في المائة. وإذا أردت أن تخرج الزكاة فليس على مزاجك! فإن الله تولى تقسيم الأصناف الذين تصرف لهم الزكاة، وما وكلها حتى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم؛ وذلك لعلم الله أن هناك تلاعباً وأهواء، مثلما هو حاصل الآن، أكثر الزكاة تذهب لغير المستحقين، فترى أحد التجار يرسل مائتي ألف أو ثلاثمائة ألف أو أربعمائة ألف ويقول: قسموها بمعرفتكم. يعني: على مزاجكم! على من تضحك؟! ومن تخادع؟ أنت وزع زكاتك بنفسك، أو من تثق به ممن عرف بالدين، أو هيئة متخصصة في أخذ هذه الأموال ووضعها في المصارف الشرعية {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة:60] ثمانية أصناف إذا صُرِفَتْ الزكاة على غير هؤلاء لم يسقط الواجب، وبقيت الزكاة في ذمتك معلقة، إن الله لا يقبل إلا ما خرج وفق شرعه وكان خالصاً لوجهه سبحانه وتعالى. وهناك -أيها الإخوة- مؤسسات وفق الله سبحانه وتعالى القائمين عليها للقيام بواجب الدلالة على الخير، وتشكل بهذا جسوراً بين المؤمنين المحسنين من رجال الأعمال، وبين المستحقين من الفقراء والمساكين، في داخل المملكة وخارجها، كما تقوم أيضاً بالدلالة على الأعمال الدعوية المتعددة، والفرص الخيرية المتاحة: كبناء المساجد، وتشييد المدارس والمعاهد، وحفر الآبار، وكفالة المدرسين، وطبع الكتب والأشرطة وتوزيعها، ومن أبرز هذه المؤسسات الموجودة في المملكة والحمد لله مؤسسة الحرمين الخيرية، والندوة العالمية للشباب الإسلامي، وهيئة الإغاثة العالمية الإسلامية، ولجنة توزيع الكتب الدينية التي توزع على الحجاج والمعتمرين والتي يشرف عليها فضيلة الشيخ طلال حفظه الله، والذي قام بهذا الدور العظيم الذي كان الناس في غفلة عنه، يأتي حجاج من بلاد أخرى مساكين لا يعرفون شيئاً، ويحجون ويرجعون وما عرفوا شيئاً عن الحج، فقام بدور عظيم وهو طباعة الكتب الإرشادية باثنتين وعشرين لغة، جميع اللغات التي يتكلم بها الحجاج المسلمون، والحاج ينزل من الميناء أو من الطائرة فيستلم كتاباً بلغته كيف تحج فيذهب ليحج على بصيرة، ثم يعيش فترة الحج وهو يقرأ. ثم إذا أخذ يودع البلاد المقدسة أعطوه كتباً (هدية الحاج) ثلاثة كتب بلغته: كتاب في العقيدة، كتاب في العبادة، كتاب في الأخلاق، ويقدر عدد هذه الكتب في العام الماضي بخمسة ملايين كتاب، ما معنى خمسة ملايين كتاب؟ يعني خمسة ملايين أسرة يدخلها هذا الكتاب. بل يخبرني أحد المشايخ فيقول: صار الحجاج ينسخونها الآن في بلادهم ويطبعونها ويوزعونها على بعضهم. هذا عمل عظيم وخير عَمِيْم، ولذا فإن دعم مثل هذا العمل الخيري له أجر عظيم عند الله، هذا عمل دعوي مائة في المائة، لا يوجد إغاثة، لأنهم لا يشترون أرزاً ولا شيئاً وإنما يشترون كتباً ويوزعون أشرطةً، بل الآن عندهم مشروع الشريط القرآني بريال! ومشروع كتاب بريال! فأنت عندما تضع عشرة آلاف ريال ويشترى لك عشرة آلاف شريط جزء عم للشيخ سعود الشريم والشيخ عبد الرحمن السديس وترسلها خارج المملكة يحصل الخير الكثير. نحن في بلادنا هنا لا نحس بقيمة العلماء؛ لأن (كثرة الإمساس تذهب الإحساس) لكن في بلدان المسلمين الأخرى هناك ألف مليون مسلم مبعثرون على وجه الأرض إذا سمعوا هذا الكلام تتقطع قلوبهم شوقاً إلى الحرمين الشريفين؛ لأن هذه الأصوات تذكرهم بـ مكة، فإذا سمع أحدهم شريطاً يسمعه وكأنك أهديته الدنيا كلها، وبريال! ريال (البيبسي) وريال الماء الذي ترميه، يا إخواني! مجالات عظيمة تتاح لنا ولكن نحن في غفلة عنها! هذه -أيها الإخوة- الأمور التي يمكن -إن شاء الله- لرجال الأعمال أن يستعينوا بها في مباشرة عملهم الرائد ودورهم البارز في خدمة هذا الدين، ولا نكون -أيها الإخوة- أقل حالاً من تجار النصارى واليهود، فإن عملية التنصير قائمة الآن على قدم وساق في العالم كله، مدعومة برءوس أموال التجار النصارى، يرسلون البعثات التنصيرية في دول أفريقيا، وآسيا، والأرض كلها، يحملون معهم الأدوية والأغذية والمال والكتب والأناجيل، وينشرون بين الناس دعوةً للباطل والكفر. ورجال الإسلام الذين عندهم مال لماذا لا ينفقونه؟ فإذا كان صاحب الباطل ينشط في باطله أفلا ينشط صاحب الحق في حقه؟

أحكام التجارة وآدابها

أحكام التجارة وآدابها وما دام الكلام حول التجارة وما يتعلق بها فإني أرى أن أعرض عليها بشيء من التنبيه لعل هناك من يهتم بهذا الموضوع: التجارة مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع، يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء:29] ويقول عليه الصلاة والسلام: (التاجر الأمين الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء) رواه الترمذي، وقد عمل النبي صلى الله عليه وسلم بالتجارة قبل البعثة، وعمل بها أكثر العشرة المبشرين بالجنة من الصحابة، وعملها كثير من الصحابة، وهي من أفضل طرق الكسب وأشرفها، ففي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام وقد سأل عن أطيب الكسب؟ فقال: (عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور) رواه الإمام أحمد في المسند بسند صحيح. وبما أن التجارة مبرورة فلابد أن يكون لها أحكام وآداب:

السماحة

السماحة أن يكون التاجر سمحاً، وأن يترفع عن التضييق والمشاحة في بيعه وشرائه، يقول عليه الصلاة والسلام: (رحم الله امرءاً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا قضى، سمحاً إذا اقتضى) لأن بعض الناس إذا جئت تشتري منه أو تبيع منه يجف حلقك قبل أن يعطيك هذه السلعة، لا يا أخي، لتكن سمحاً، قل كلمةً واحدة، أعطِ الناس السعر وأرح نفسك، لكن لا تفاصل ولا تضيق حتى تحرج الناس وتخسر دعوة النبي صلى الله عليه وسلم.

الصدق

الصدق الصدق في الأسعار؛ لا تكذب؛ لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: (… التاجر الأمين الصدوق …) هكذا كان تجار الصحابة وتجار السلف صادقين لا يعرفون الكذب أبداً، وأحد السلف وضع غلامه مكانه وذهب يصلي، ولما رجع جاءه الغلام فبشره، وكان يبيع الشملات، الشملة بمائتي ريال، فقد قال الغلام لعمه: لقد بعتها بأربعمائة. يعني كَسَّبْتُك، فالذي اشترى مسكين لا يعرف الأسعار، فباعها بأربعمائة. قال: أين هو؟ قال: ذهب. قال: اذهب وائت به. فذهب ليبحث عنه فما وجده. قال: ائت به وأنت حر لوجه الله. فذهب العبد وجَدَّ في البحث إلى أن أتى به. قال: سيدي يريدك. قال: ماذا يريد مني؟ قال: يريدك. قال: ألم أشتر أنا؟ قال: لا. السعر ليس بصحيح. فتصور الرجل أن البائع سيزيد في الثمن، ولما جاء إليه قال له: السعر الذي باع لك به الغلام غير صحيح. قال: إني رضيت. قال: لا، أنت اشتريت بأربعمائة والثمن مائتان، هذه مائتان أو خذ شملة أخرى. قال: بارك الله لك في رزقك. هؤلاء التجار بالفعل، لكن لو أن أحداً من تجارنا باع له عامله شيئاً بزيادة في السعر ماذا سيقول له؟ سيقول له: أحسنت! الله يبارك فيك. ويمدحه؛ لأنه زاد له حراماً والعياذ بالله! فالصدق مطلوب، فقد كان التاجر إذا استفتح في أول النهار وجاءه مشترٍ يبيع له، فإذا جاء مشترٍ ثانٍ يقول له: اذهب لجاري لماذا؟ يقول: قد استفتحت، لكن الآن يراه من هناك فيناديه: تعال، لا تأتِ عند جاري، الجيد عندي والخبيث عند جاري! أين الصدق؟ وأين الأمانة أيها الإخوة؟! لا بد أن تكون صادقاً، والصدق في التجارة من أعظم أنواع الكسب؛ لأنك تكسب ثقة الناس، إذا عرف الناس أنك صادق في أقوالك فإن الناس كلهم يأتونك، وإذا عرفوا أنك كذاب تهامزوا عليك في كل مجلس وميدان، كذبت مرة ونجحت بها لكنك تخسر بعد ذلك في الدنيا وتخسر في الآخرة.

بيان العيوب التي في السلع

بيان العيوب التي في السلع بيان العيوب في السلعة؛ لأنك إذا بينت العيب بارك الله لك، وإذا كتمت العيب محقت بركة بيعك، مثلاً إذا أردت أن تبيع سيارة وأنت تعلم أن بها كسراً أو عطلاً، فمن الناس مَنْ إذا قلت له: بَيِّنْ السلعة. قال لك: إذا بينتها نقص الثمن. كذبت! نقص الثمن لكن ارتفع رصيدك عند الله، إذا أتيت بالسيارة وقلت: لا أعرف ما فيها. فإنها تباع بعشرة آلاف، ولكن إذا قلت: السيارة بها عطل، فإنها تباع بخمسة آلاف، فماذا خسرت وماذا ربحت؟ خسرت خمسة آلاف لكن كسبت رضا الله سبحانه وتعالى، فبين، ولا يجوز شرعاً أن تقول: لا أدري، أو اكشف عليها، أو (سكر في ماء) لا ندري عنها. لابد أن تبين العيب، يقول صلى الله عليه وسلم: (فإن صدقا وبينا بورك لهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما) ولهذا تجد أكثر الناس في بيعه وشرائه لا توجد بركة ولو كان رصيده بالملايين والعياذ بالله! ولا يرى إلا الفقر بين عينيه، لكن لو أن عنده تجارة شرعية لكان الإيمان يملأ قلبه، ورصيد الإيمان هو الذي يسهل له كل أموره في دنياه وفي آخرته.

عدم المبالغة في الوصف لإغراء المشتري

عدم المبالغة في الوصف لإغراء المشتري عدم المبالغة في تزيين السلعة وإغراء المشتري في شرائها، ويدخل في هذا الإعلانات التجارية، فتراهم يبالغون حتى يصفوها بشيء ليس فيها، ولكن إذا وصَفْتَ فَصِفْها بالصدق ولا تبالغ، وإذا أعطيت السلعة وصفاً ليس فيها وبالغت فيه وترتب عليه شراء هذه السلعة فقد غششت المسلم، ومن غش مسلماً فليس من المسلمين، هكذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم.

التبكير في العمل التجاري

التبكير في العمل التجاري ومن الآداب الشرعية: التبكير في العمل التجاري، وهذا ضائعٌ اليوم والله المستعان! ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا فقال: (بارك الله لأمتي في بكورها) إذا بكَّر التاجر من الصباح، والمزارع، والعامل تجد أحدهم يومه كله بركة، لا ينتهي اليوم إلا وقد أنجز كثيراً من أعماله، لكن إذا نام إلى الساعة العاشرة أو الحادية عشرة أَذْهَبَ بركة يومه، يُؤَذَّن للظهر والعصر والمغرب وكأنه لم ينجز شيئاً، ولا ينقضي له أمر، وإذا انقضى فبالكاد، البركة موجودة في عمل البكور، فحاول إذا كنت صاحب عمل تجاري أن تبكر. والتبكير هذا يقضي على سهر الليل؛ لأن الناس الآن لماذا ينامون في الصباح؟ لأنهم يسهرون في الليل، وعلى ماذا يسهرون؟ يسهرون على معصية الله: على الأفلام والدشوش، والمسلسلات والشر؛ يترتب على هذا ضياع ليلهم ونهارهم، ودنياهم وآخرتهم إلا من رحم الله.

عدم الاتجار في الحرام

عدم الاتجار في الحرام من الآداب: عدم المتاجرة فيما حرم الله سبحانه وتعالى من الأشياء المحرمة مثل: الخمور والمخدرات، أو المفترات كالدخان، أو غيره من الخبائث. لا تبع إلا الحلال؛ لأن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه، حتى الدخان، فقد أفتى العلماء بحرمته ولذلك لا يجوز لك أن تبيع فيه وتشتري ولو كنت لا تشربه، لأن بعض الناس يقول: أنا والله لا أشربه لكن أبيعه. وهذه هي المصيبة، ما من (سيجارة) تباع من دكانك إلا وعليك إثمها إلى يوم القيامة، ليتك تشرب فحسب، الذي يشرب يشرب (باكت)، لكنك بعت ألف (باكت)، فكان كما لو شربت ألف (باكت)، وعليك إثمها إلى يوم القيامة. لا تبع الدخان؛ لأنك مسلم ومأمور بأن تحمي مجتمعك من هذه الشرور.

تجنب الحلف حال البيع والشراء

تجنب الحلف حال البيع والشراء تجنب الأيمان في البيع والشراء، فإن (الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة)، وفي الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: المنان في عطائه، والمسبل إزاره، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) لا تحلف على أي شيء ولو كنت صادقاً؛ لأنك إذا حلفت اليوم وكنت صادقاً حلفت غداً وأنت كاذب، لكن لا تحلف لا بَرّاً ولا فاجراً، إن الذي يجلب لك الزبائن هو صدقك، وأيضاً تنزيل سعرك، فأنت قد تبيع مثلاً سلعة بعشرة ريالات وهي في السوق تباع بخمسة ريالات، ويشتريها أحد الناس بعشرة وبعد ذلك يكتشف مع الأيام أنها بخمسة، هذا الشخص يتحول إلى لوحة دعائية ضدك في كل مكان، يحذر الناس منك. لكن إذا بعتها بخمسة ريالات يصبح لوحة دعائية لك في كل مكان، يقول: فلان هذا يبيع بسعر جيد. إذاً الذي يجلب لك المشترين هو الصدق، والمراعاة، وخفض الأسعار. وهذا الأسلوب عند اليهود، فعقلياتهم تجارية ولهذا استحوذوا على رءوس الأموال، وإن كانوا لا يكسبون كثيراً في السلع، فمثلاً سلعة بريال يكسب فيها (قرشاً) ويبيع ألف سلعة، لكن بعض تجار المسلمين إذا كانت السلعة بريال يكسب فيها ثلاثة ريالات، فيبيع ثلاثة أرباع ويظل الباقي في متجره أو يرميه بعد ذلك، ثم يشتري بضاعة أخرى جديدة. اكسب قليلاً حتى تيسر على الناس وأنت بالتالي تبيع بضاعتك، وتكسب أنت قبل أن يكسب الناس.

الوفاء في الكيل والميزان والزرع

الوفاء في الكيل والميزان والزرع هذا مطلوب في التاجر؛ لأنه إذا نقص وطفف فقد توعده الله عز وجل بالويل: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [المطففين:1 - 3] بل زد، فإذا بعت ورأيت أن الميزان قد استوى فزد قليلاً فذلك بركة وصدقة، وسيعود المشتري مرة أخرى إذا رأى أن وزنك جيداً، لكن إذا وزنت له بالتمام دون أدنى زيادة يقول: الله أكبر عليه، لو زاد في الميزان ولو قليلاً! ولا يرجع إليك مرةً أخرى، فزد له لك يزد الله سبحانه وتعالى.

عدم ترك العبادات من أجل التجارة

عدم ترك العبادات من أجل التجارة عدم المتاجرة في الأوقات المحرمة التي حرم الله عز وجل البيع والشراء فيها، مثل: بعد الأذان الثاني يوم الجمعة؛ لأن الله عز وجل نهى عن ذلك فقال: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة:9]. أيضاً: أوقات الصلوات، إذا أذن المؤذن فأقفل الدكان ولا تبع ولا تشترِ، وأي مشترٍ يأتيك بعد الأذان فهو شيطان يريد أن يصرفك عن الله، فقد كان الصحابة إذا كان الميزان في يد أحدهم وسمع المؤذن يقول: الله أكبر. لا يكمل الوزن، ويقول للمشتري: اذهب وائتني بعد الصلاة؛ حتى يبارك الله له في تجارته.

عدم التعامل بمعاملة محرمة كالربا

عدم التعامل بمعاملة محرمة كالربا الحذر -أيها الإخوة- من البيوع المحرمة ومنها الربا؛ لأن الله أحل البيع وحرم الربا وهو رأس أو قمة البيوع المحرمة، الربا الذي فشا وانتشر ووقع فيه كثير من الناس في هذا الزمان كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من دلائل نبوته حيث قال: (يأتي على الناس زمان يأكلون فيه الربا، ومن لم يأكله أصابه من غباره) فكثير قد أكلوا الربا والبقية في الغبار، أما التعامل السليم مائة بالمائة فلا يوجد أحد إلا من شاء الله، فاجتنب الربا؛ لأن الربا كبيرة من كبائر الذنوب، بل عده النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات -أي: المهلكات- وقرنه بالشرك بالله وقتل النفس والسحر والتولي يوم الزحف فقال: (وأكل الربا) وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خمسةً كما في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم (لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه) وما أذن الله بالحرب على صاحب ذنب كما أذن على صاحب الربا فقال: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ} [البقرة:279] ومن حاربه الله غلبه. وأخبر صلى الله عليه وسلم عن أقل الربا فقال: (الربا بضع وسبعون حوباً) أي: ذنباً، صورة، شكلاً (أدناها) يعني: أقل شيء، في الدرجة السفلى (كأن ينكح الرجل أمه) وهذا في سنن ابن ماجة وحسنه الألباني. وفي مسند أحمد يقول عليه الصلاة والسلام: (درهم يصيبه الرجل من الربا أعظم من ست وثلاثين زنية في الإسلام) هذا ذنب ليس سهلاً، والله سبحانه وتعالى أخبر أنهم يقومون يوم القيامة كالذي يتخبطه الشيطان من المس، كل إنسان يقوم بعقله إلا صاحب الربا يقوم وهو يتخبط، قد أصابه الجنون بسب الربا، وإن صاحب الربا يبعث يوم القيامة وبطنه مملوءة بجميع الأموال الربوية كثرت أو قَلَّت، حتى إن بعضهم يأتي وبطنه مثل الجبل وجسمه هو نفسه، جسمه صغير لكن بطنه مثل الجبل مليئة بالسيارات والعقارات والعمارات، وهو يسحبها يوم القيامة، فارحم نفسك من هول ذلك اليوم. بل في صحيح البخاري من حديث سمرة قال عليه الصلاة والسلام: (ثم أتينا على رجل يسبح في نهر من دم، وعلى طرف النهر رجل عنده حجارة، فيأتي ذلك الرجل الذي يسبح فإذا قرب من الشاطئ رماه بحجر في فمه، فيرجع إلى طرف النهر ثم يأتي) وتصوروا واحداً يسبح في دم، أنت إذا وقعت نقطة دم في ثوبك تتقزز، كيف بواحد يسبح في الدم! (قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا آكل الربا) هذا عذابه إلى يوم القيامة، فاتق الله في نفسك يا أخي! ما هو الربا؟ الربا ينقسم قسمين: ربا فضل وربا نسيئة، ربا الفضل: معاوضة مال بمال بزيادة، أعطيك عشرة آلاف وتعطيني أحد عشر ألفاً، نسبة: عشرة أو اثنان أو ثلاثة في المائة هذا ربا الفضل. ربا النسيئة: لك مال عند إنسان وحان الأجل وما سددت فتقول له: سدد ما عليك أو زد ولا أسألك، عشرة آلاف ريال يجب عليك سدادها الآن أو أشكوك للجهة المسئولة. فيقول لك: ما عندي. وتقول له: حسناً، فلتكن المدة سنةً أيضاً وتصير أحد عشر ألفاً هذا ربا الجاهلية، نَسِّئْ وَزِدْ، فلا تعمل بهذا العمل. ومنه ربا العينة، وهي: أن يبيع السلعة بثمن مؤجل ويسترجعها بثمن حال. هذه اسمها عينة، لأنها حيلة على الربا، يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم بأذناب البقر، وتركتم الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى تراجعوا دينكم). وجميع البيوع الأخرى المحرمة التي ليس هذا مجال تفصيلها ينبغي للمسلم أن يكون على فقه في دينه فيما يحل أو يحرم في معاملات التجارة، وإذا كان صاحبَ عملٍ كبير فليأخذ له رجلاً متخصصاً ليعمل عنده، مثلاً: إذا كان لا يعرف المحاسبة القانونية فليوظف شخصاً شرعياً ويقول له: اشرف على الأعمال، إذا كان هناك حرام فهو في ذمتك، أنا لا أريد حراماً، أنا أريد حلالاً في حلال. هل تتوقع إذا عملت هذا أن الله سبحانه وتعالى سينقص مالك؟ لا والله، بل يزيده لأنك تريده (من ترك شيئاً لوجه الله عوضه الله خيراً منه). هذه -أيها الإخوة- هي بعض الوصايا والآداب التي ينبغي لرجل الأعمال المسلم أن يتمسك بها في تجارته؛ حتى يجعل الله سبحانه وتعالى في تجارته بركة، ويعيش حياة مباركة، ويموت ويلقى الله سبحانه وتعالى وأمامه العمل الصالح الخير {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً} [النبأ:40]. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه، وأن يجزي إخواننا الذين أتاحوا لنا هذا اللقاء والقائمين على مركز الدعوة والإرشاد واللجنة والغرفة التجارية خيراً، وأن يجزيكم أنتم خيراً في مجيئكم في هذه الليالي التي تكون المحاضرات فيها غير مقبولة وثقيلة؛ لأن الإنسان يخرج من صلاة التراويح والعشاء وقد تعب وهو بحاجة إلى أن يذهب ليتناول شيئاً من الطعام، وليؤانس زوجته وأهله، ولكن أجركم على الله سبحانه وتعالى. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

الجمع بين الدعوة وممارسة التجارة

الجمع بين الدعوة وممارسة التجارة Q كيف يستطيع رجل الأعمال أن يوفق ما بين الاهتمام بالدعوة وأمور الأمة ومشاكلها، وبين اهتمامه بالتجارة والبيع والشراء؟ A هذا أمر سهل جداً! بقليل من التفكير والترتيب والتنظيم يستطيع، بحيث يعطي لتجارته ما تحتاج من الوقت ويعطي لدعوته ودينه ما يحتاج من الوقت، ولا يُغلِّب جانباً على آخر؛ لأن الإنسان المسلم متوازن ومنظم، يعطي زوجته حقها، وأولاده حقهم، ويعطي التجارة حقها، لكن تغليب جانب على جانب يكون على حساب الجانب الآخر، فلا بد من التوازن والتفكير والتخطيط في تنظيم الأوقات، أما العشوائية والارتجالية في هذه الأمور فهذا يؤثر، لكن نقول: لا يترك الإنسان تجارته لأن المال السائب عرضة للسرقة، وإذا ضيعت مالك ضعت، بل احفظ مالك وأعطه جزءاً من وقتك، لكن احفظ -أيضاً- دعوتك ودينك وأعطها من وقتك، والناس الآن ليسوا في حاجة أن نوصيهم في مالهم فقد جنوا وعموا وصموا في مالهم، نحن نوصيهم في دعوتهم أما هذه التجارة فلا توصي عليها؛ لأن كل إنسان يحب نقوده.

كيفية المبادرة لعمل الخير قبل التكاسل عنها

كيفية المبادرة لعمل الخير قبل التكاسل عنها Q لعل بعض التجار يتحمسون وينفقون ولكنهم سرعان ما يتركون هذا العمل، فما هي نصيحتكم لمثل هؤلاء؟ A أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل، والمساهمة في العمل الإسلامي والدعوي بالعاطفة هذا معناه أنه لن يستمر؛ لأنك الآن تستثيرك الأحاديث أو الآيات أو الموعظة فتعزم، لكن تبرد ويفتح الشيطان أمام قلبك ملايين الأبواب من الفقر؛ حتى يصرفك عن عمل الخير، ولذا دائماً (اطرق الحديد وهو ساخن)، من يوم أن ترى في قلبك نشوةً للعمل الصالح فمباشرةً وقبل أن يصدك الشيطان أنفق، فإبليس لا يريدك أن تنفق ريالاً واحداً في سبيل الله، لكن لو أنفقت الملايين في سبيل الشر لن يقول لك الشيطان: لا. أما في سبيل الله فهو أكثر قدرة في أن يردك عنها. وأفضل الطرق للحرب على الشيطان في هذا الوقت: استعمال الوقف، وهذا كان شأن السلف، فإن السلف ما كانوا يجعلون الأعمال الخيرية مزاجية بل يجعلونها ثابتة، ينظر أفضل ماله ويوقفه لله، فلا يأتي الشيطان يرده بعد ذلك.

دور الشباب في الدعوة

دور الشباب في الدعوة Q لقد تطرقت في حديثك للأساليب التي يتخذها التاجر في الدعوة إلى الله، فما هو دورنا والأساليب التي لابد لنا منها نحن معشر الشباب الذين ليس لهم علاقة بالتجارة ولكن فينا من يحمل هم هذا الدين وجزاكم الله خيراً؟ A هذا موضوع طويل جداً يحتاج أن نتكلم فيه؛ لأن أدوار الناس كثيرة، وكل شريحة من المجتمع لها دور، فالشباب لهم مجال عظيم في خدمة الدعوة إلى الله، وليس هذا مجال التفصيل في هذا، نحن نخاطب الآن التجار وفي مكان التجار، فالكلام لا يتعلق بالشباب، إلا أن لهم دوراً بارزاً ولكن مجال التخصيص فيه والتفصيل يحتاج إلى وقت، ونحن أطلنا عليكم وما نريد أن نفصل أكثر من ذلك. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

سوء الخلق

سوء الخلق لقد جاء الدين الإسلامي ناسخاً للأديان ومهيمناً عليها، ولقد كان العرب في الجاهلية يتمتعون بخصال حميدة، وصفات كريمة، فجاء الإسلام لتهذيبها وإقرارها، بانياً بذلك أساساً يوضح أهمية الأخلاق في حياة المسلم، وعلى النقيض من ذلك حذر أشد التحذير من سوء الخلق، مبيناً خطره على المسلم في الدنيا والآخرة؛ لأن سوء الخلق من الآفات التي لا يكاد يسلم منها حتى بعض الدعاة إلى الله، فضلاً عن غيرهم من المسلمين.

الفرق بين حسن الخلق وسوء الخلق

الفرق بين حسن الخلق وسوء الخلق الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الأحبة في الله! عنوان المحاضرة: سوء الخلق، صوره ومظاهره، وأسبابه وعلاجه. حسن الخُلق غرض من أغراض الدين, وهدف من أهداف بعثة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم, يقول في الحديث الذي رواه الإمام مالك في موطئه: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) فكان من أهداف بعثته صلى الله عليه وسلم التي منها إصلاح الأرض ودعوة الناس إلى عبادة الله وحده, وترك الشرك, وإلى عمارة الأرض بهذا الدين. أيضاًَ من ضمن الأغراض للبعثة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم: إكمال مكارم الأخلاق, وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم منزلة حسن الخلق وعاقبته, وأثره على الإنسان, حتى قال صلى الله عليه وسلم: (كاد حسن الخلق أن يذهب بخيري الدنيا والآخرة)، وقال عليه الصلاة والسلام وهو يبين منزلة صاحب الأخلاق الإسلامية الفاضلة يوم القيامة، قال: (إن أقربكم مني منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً)؛ كلما كنت على خلق قويم، وخلق فاضل كان ذلك مدعاة إلى أن تكون قريبا ًمن منزلة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة, وقد أثنى الله سبحانه وتعالى وامتدح نبيه صلى الله عليه وسلم ووصفه بأنه على خلق عظيم فقال: {نْ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:1 - 4] , هذا الخلق العظيم سئلت عنه عائشة رضي الله عنها -والسائل من الصحابة؛ يريد أن يعرف ما هو هذا الخلق الذي تحلى به النبي صلى الله عليه وسلم وامتدحه الله به وأثنى عليه- فلما سئلت قالت: (كان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن)، فمن أراد أن يعرف خلق النبي صلى الله عليه وسلم فليتعرف وليقرأ القرآن ليجد جميع الصفات وجميع الكمالات البشرية، وجميع الخصال الحميدة التي جاءت في كتاب الله متمثلة بأعلى صورها وأعظم مقاماتها في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم, فهو أكرم الخلق، وسيد ولد آدم، وصاحب اللواء يوم العرض, وأول من تنشق عنه الأرض, وصاحب الشفاعة العظمى يوم القيامة, وأول من يدخل الجنة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم, فقد أوتي من الأخلاق ما لم يؤته أحد غيره حتى الأنبياء؛ الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أعطوا من مكارم الأخلاق الشيء العظيم، ولما قص الله عز وجل أخبارهم قال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] كل ما عند الأنبياء من فضائل هي مجموعة في شخص النبي صلى الله عليه وسلم, ونحن مأمورون باتباعه, يقول الله سبحانه وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21]، الأسوة والقدوة والمثال الذي ينبغي أن يقتدى به وأن يحتذى وأن يسار على طريقه: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم, لكن لمن؟ لفئة من الناس، قال الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21]؛ الذي يرجو الله ويرجو لقاء الله ويرجو اليوم الآخر ويذكر الله كثيراً قدوته محمد صلى الله عليه وسلم, لا يرفع رأسه بأحد إلا برسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو الذي تميز به صحابته, حتى عد القرن الذي عاش فيه النبي صلى الله عليه وسلم خير القرون, وعد صحابته أفضل الخلق بعد الرسل, حتى تلقت الأمة كل أقوالهم بالقبول, وحكموا بعدالة كل صحابي حتى ولو جهل, ولهذا يقول العلماء من أهل الجرح والتعديل في الحديث: لا تضر جهالة الصحابي، فإن الصحابة كلهم عدول؛ لأنهم اتبعوا هذا الرسول صلى الله عليه وسلم, وتمثلوا أخلاقه, وساروا على هديه وسنته صلى الله عليه وسلم. وسوء الخلق والعياذ بالله مناقض ومعارض لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ولحياة النبي صلى الله عليه وسلم, ولهذا يدل سوء الخلق على قلة التوفيق -والعياذ بالله- وعلى الخذلان لمن يكون سيئاً, وبعض الناس لا يدري ما هو سوء الخلق! تراه يظن أنه من أحسن الناس أخلاقاً وهو من أسوئهم أخلاقاً, نظراً لعدم وضوح القضية في ذهنه, يرى نفسه بمنظار الجمال والحسن والاستقامة والخلق، ولا يحكم على نفسه بنظرة غيره. أنت لا تقيم نفسك! الذي يقيمك هو غيرك؛ لأن الإنسان كالجمل لا يرى عوجة رقبته؛ لأن رأسه وعيونه ترى الذي أمامه لكن لا يستطيع أن يلف رأسه ويرى عوجة رقبته التي هي أعوج رقبة في الدنيا, وكذلك بعض الناس مثل البعير لا يرى عيوب نفسه وعوجة رقبته, من الذي يراك؟ غيرك, ولهذا الله سبحانه وتعالى جعل هذه الأمة المحمدية شاهدة على الأمم، فقال: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة:143] وفي الصحيح يقول الرسول صلى الله عليه وسلم وقد مرّ عليه بجنازة فأثنى الناس عليها خيراً فقال: (وجبت، ثم مرّ عليه بجنازة أخرى فأثنى الناس عليها شراً, قال: وجبت، فتعجب الصحابة، قالوا: يا رسول الله! ما وجبت؟! الأول ذكره الناس بخير وأثنوا عليه بالخير فقلت: وجبت, والثاني ذكره الناس بشر وأثنوا عليه بشر فقلت: وجبت -يعني: الاثنين سواء؟ - قال: الأول أثني عليه خيراً فقلت: وجبت أي: الجنة, والثاني أثني عليه شراً فقلت: وجبت أي: النار, لماذا؟ قال: أنتم شهداء الله على خلقه) , وأنت لا تنتزع الشهادة من الناس بالقوة أو بالإغراء أو بالمال، تنتزعها بالخلق, ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام: (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن تسعوهم بأخلاقكم) هل تستطيع أن تعطي كل الناس مالاً من أجل الثناء عليك؟ لا. لا تقدر ولو كنت من كنت, لكن تستطيع أن توزع على العالم كله خلقاً؛ لأنه لا يكلف, كونك تبتسم في وجه أخيك المسلم, وتعوده وتكرمه؛ تكون صادقاً وتكون وفياً وتكون براً وتكون تقياً وتكون حليماً وتكون شجاعاً، وتكون صاحب مروءة، وصاحب نخوة وشجاعة، وصاحب أخلاق بمجموعها المعروفة, هذا تقدر عليه وبالتالي تفرض عليهم احترامك, ولا يجدون مدخلاً عليك ولا يستطيعون أن يسبوك أو يلوموك، لماذا؟ لأنك إنسان فاضل ذو خلق, حتى عدوك لو سئل عنك لقال: نعم. لا أقول فيه شيئاً؛ لأنه لو قال فيك شيئاً لقال الناس: كذاب, فهو لا يريد أن يُكذَّب.

صور ومظاهر سوء الخلق

صور ومظاهر سوء الخلق ما هو سوء الخلق؟ وما صوره؟ وما مظاهره؟ وسوف نعرض إن شاء الله بشيء من التفصيل, ونضع النقاط على الحروف, ونشخص هذا المرض ليعرف كلاً منا هل هو حسن الخلق أم سيئ الخلق؟ طبعاً أنت أعرف بنفسك وليس هناك أحد أعرف منك بنفسك، يقول الله تعالى: {بَلْ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة:14] لو العالم كله يعرفك بخلق وأنت تعرف نفسك بغيره فأنت على الذي ما في نفسك، أحياناً يتظاهر الإنسان ويبدي للناس دائماً الشكل الجميل الجذاب الطيب, لكن يخالفه, فيغالط نفسه، فهو يعرف نفسه حتى لو مدحه الناس, فأنت الآن أمام هذه الصور وأمام هذه المظاهر التي سوف أذكرها كعلامات على سوء الخلق طبقها على نفسك, فإن توفرت فيك هي أو أكثرها أو بعضها أو واحدة منها فلتعلم أن فيك من سوء الخلق بقدر ما فيك من هذه الصفات, وإن كان الله عز وجل عافاك وسلمك وليس فيك من هذه الصور كلها فلتحمد الله، فإن حسن الخلق من أعظم ما يمنّ الله سبحانه وتعالى على عبده المسلم, (إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم) قسمة الأخلاق مثل قسمة الأرزاق, شخص مليونير وآخر صفر في المال, وكذلك شخص مليونير أخلاق, وآخر ما عنده أي صفة أخلاق، سيئ خلق في كل شيء والعياذ بالله, فماذا تصنع إن كانت الأخرى؟ عليك أن تنتبه للعلاج وتتلافى الأسباب حتى ترزق وتوهب من قبل الله سبحانه وتعالى خلقاً تسعد به في الدنيا وتسعد به يوم تلقى الله سبحانه وتعالى.

الغلظة والفظاظة والعنف

الغلظة والفظاظة والعنف أولاً: الغلظة والفظاظة والعنف: دائماً تجد سيئ الخلق غليظاً دائماً, وفظاً دائماً, وعنيفاً دائماً مع نفسه ومع زوجته وأولاده، ومع جيرانه وزملائه في العمل، ومع مرءوسيه ورؤسائه, غليظ مثل الحجر, لا تعرف الابتسامة إلى وجهه طريقاً, ولا تعرف الكلمة الطيبة إلى لسانه مسلكاً, وإنما ناشف! وهذا ليس من حسن الخلق, كان النبي صلى الله عليه وسلم هيناً ليناً صلى الله عليه وسلم, والمؤمن هين لين, يلين مع إخوانه يبتسم لإخوانه, إذا دخل إلى بيته رأيت علامات الخلق وهو من عند الباب, حتى من طرْق الباب, ثم يبدأ بيته بالسلام, يدخل على زوجته ويسلم، بعضهم لا يسلم على امرأته, بل من وقت أن يدخل وعينه مفتوحة على الأخطاء، فإن رأى خطأ يخرج ما في نفسه المملوءة بالحقد على هذه المسكينة, وهي تنتظره، مسكينة! من تتوقع أن يدخل على زوجتك غيرك؟! طوال اليوم ترقبك من أجل أن تدخل وأنت تفاجئها بهذا الخلق وبوضع النظر وتسليطه على السلبيات والأخطاء! وهل هناك بيت يسلم من الأخطاء والسلبيات؟ لكن سيئ الخلق كالذباب لا يقع إلا على القذر, يرى الأشياء الحسنة فلا يشكر, لكن يرى سيئة واحدة فيندب، لماذا؟ لأنها توافق الرغبة وتوافق التركيبة التي في داخله, تركيبته النفسية فض غليظ عنيف شديد, لا يريد أن يكون ذا خلق طيب, فإذا رأى أي شيء استثار هذا وأخرج من بضاعته التي امتلأ بها جوفه وبدأ يكيل السباب والشتائم والعنف وربما الضرب! لماذا لا تطفئون الكهرباء؟ لماذا الصنبور يصب منه الماء؟ لماذا الباب مغلق؟ لماذا تأخر الغداء؟!! ما كنستم البيت!! أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, حسناً ادخل وقل: السلام عليكم الله يمسيكم بالخير كيف حالكم وكيف يومكم، عساكم طيبين؟ وبعد ذلك إذا كان هناك أخطاء عالجها بلطف وحكمة, ما كان اللين في شيء إلا زانه، وما كان العنف في شيء إلا شانه, تتحطم الأسر وتتفرق, ويتشتت شملها بأسباب سوء الخلق, دخل رجل -وقد جاءني في أبها يستفتي- دخل على زوجته وقد تأخر وكان معزوماً على الغداء وما أعلمها, وذهب وتغدى هو وزملاؤه في المنتزه, وهي مسكينة جلست تنتظر إلى الساعة الثانية والنصف, أولادها يريدون الغداء قالت: لا. والله لا تذوقونه حتى يأتي أبوكم, تحسب أن أباهم قلبه معهم, أبوهم على لذاته وشهواته وما كأن هذه بشر ولا كأن عندها أولاد, وأصبحت الساعة الثالثة وما قد جاء! فبدأت الهواجس في نفسها: ما الذي أخره؟ لا إله إلا الله! يمكن حدث له حادث, يمكن مات في الطريق, وهو يأكل في المنتزه! فنام الأولاد فلما رأت أن الشمس غربت اتصلت بأهله، وكادت تتصل بالجهات المرورية والأمنية لتسأل عنه, ولم تذق الغداء -مسكينة- وأولادها أعطتهم من الغداء في غير وقته, وبعد صلاة المغرب جاء أخونا, ووقت ما دخل -طبعاً هي غضبانة- عليها وسلّم, وردت السلام بصوت فيه نوع من التأثر؛ لأنها بشر, ولما دخل وقعد في الغرفة رأى عود كبريت مكسوراً قال: لماذا ما كنستم المجلس؟ قالت: ما شاء الله عليك! ما عينك إلا على نظافة المجلس! وأنت مضيع لنا من الصباح ما جئتنا ولا أخبرتنا, قال: ما دخلك! أنا تحت أمرك؟! قالت: ما في مانع لكن أخبرنا, قال: لماذا؟ هل أنا عسكري عندك؟ أنا موظف حتى أستأذن؟ قالت: عجيب! وما أنا بإنسانة في بيتك, المهم كلمة منها وكلمة منه حتى تطور الأمر وأخيراً قام وضربها على وجهها, وما إن ضربها حتى قامت دافعت عن نفسها وضربته على وجهه-واحدة بواحدة والقلوب نظاف- وما إن ضربته على وجهه لم يصبح عنده إلا استعمال السلاح المدمر، السلاح النووي لدى الرجل وهو الطلاق, وقال: أنت طالق بالثلاث, فإذا الأولاد يصيحون والبنات ينحن, والمرأة رجعت غرفتها وأخذت تأخذ ثيابها وأغراضها تريد أن تمشي, وهو يرى نفسه أنه خاسر امرأته وأولاده, فما السبب؟ سوء تصرفه وخلقه السيئ! فسوء الخلق -أيها الإخوة! - يبدأ مع زوجتك, ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله, وأنا خيركم لأهلي) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم, حصل في يوم من الأيام في بيته خلاف عائلي بينه وبين عائشة كما يحدث بين الرجل وامرأته ولكن خلاف بسيط, فاستدعى الرسول صلى الله عليه وسلم والدها أبا بكر من أجل أن يحل المشكلة البسيطة, فلما جاء أبو بكر رضي الله عنه وأراد الرسول أن يتكلم -يعرض القضية- قامت عائشة بسرعة النساء وقالت: (أحلف عليك يا رسول الله ألا تقول إلا الحق, وأبو بكر بجانبها فلطمها وقال: أو يقول رسول الله غير الحق يا عدوة نفسها؟! -تحلفين عليه أنه لا يقول إلا الحق وهو لا يقول إلا الحق؟ هل يكذب صلى الله عليه وسلم؟ - ولما لطمها قامت وذهبت وراء ظهر الرسول صلى الله عليه وسلم, تحتمي به من أبيها, فالرسول صلى الله عليه وسلم أوقفه وقال: ما دعوناك لهذا يا أبا بكر! -دعوناك تصلح لا تضارب- فقالت: لا تخبره يا رسول الله بالأمر). فالشاهد أيها الإخوة! أن سوء الخلق من مظاهره الغلظة، لا تكن غليظاً، بعض الناس حتى مع أولاده لم يسلم على ولده من يوم خلق! الأقرع بن حابس رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن , قال: (أوتقبلون صبيانكم؟ قال: نعم. قال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً, فقال عليه الصلاة والسلام: من لا يَرحَم لا يُرحَم) , كان يقبل أبناءه صلى الله عليه وسلم, وكان يأخذهم في حجره, بل كان وهو يصلي يمتطي الحسن ظهره وهو ساجد, فلا يرفع الرسول صلى الله عليه وسلم ظهره حتى ينزل, ولما سلم استغرب الصحابة طول السجود, فقال: (إن ابني هذا ارتحلني -أي: ركب علي- فكرهت أن أزعجه حتى نزل) , اللهم صل وسلم على رسول الله، إذا أتى الآن شخص يصلي وجاء الطفل من أمامه لطمه, لماذا تأتي من أمامي؟ فيقول الولد: لماذا لطمني؟ من أجل أنه يصلي، إذاً الصلاة هذه ليست طيبة!!! فتنشأ في نفس الولد عقدة ضد الصلاة التي لطم من أجلها، بل قطع صلى الله عليه وسلم الخطبة عندما رأى الحسن يدخل من باب المسجد وكان ثوبه طويلاً فجعل يتعثر, فقطع الخطبة ونزل وأخذه, ورجع إلى المنبر وأكمل الخطبة, هذا من كمال رحمته صلى الله عليه وسلم! فإذا أردت أن تكون من أتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فانزع هذا الخلق كلياً. لا تكن غليظاً, ولا تكن شديداً, ولا تكن عنيفاً, وإنما كن هيناً ليناً بسيطاً طيباً مع زوجتك وأولادك، ومع جيرانك ومع زملائك في العمل، ومع رؤسائك ومرءوسيك ومع الدنيا كلها, لماذا؟ يقول عليه الصلاة والسلام: (إن أقربكم مني منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبعدكم مني منزلة يوم القيامة كل عتل جعظري مستكبر)، هذا الغليظ العنيف، تراه دائماً مكشر الوجه, مقطب الجبين, دائماً غاضب حتى على نفسه والعياذ بالله, هذا مظهر وصورة من صور سوء الخلق. قس نفسك واعرف نفسك، لا أحد يعرفك, إذا دخلت البيت ففرح بك أهلك فأنت ذو خلق حسن, وإن دخلت البيت قالوا: جاء العفريت! فأنت ذو خلق سيء، بعض الناس إذا دخل بيته استيقظ النائم, وقعد القائم, وقام القاعد وحصلت طوارئ! وبعضهم إذا دخل بيته ينهال عليه أفراد أسرته, هذا يتعلق في رقبته وهذا يسلم عليه, والمرأة تستقبله، لماذا؟ لأنه جاء روحهم, وجاء حياتهم, وجاء نورهم, جاء الذي ينتظرونه, رب الأسرة، هذا الذي يجدون عنده الحنان, ويجدون عنده العطف, ويجدون عنده الشفقة، يمسك هذا على يده ويسلم عليه, ويأخذ الصغير يلاعبه, والكبير يلاطفه, والبنت يسألها: كيف الدروس؟ كيف أنت اليوم؟ طيبة جيدة ما شاء الله، هكذا الأخلاق, هذا من حسن الخلق.

سرعة الانفعال وشدة الغضب

سرعة الانفعال وشدة الغضب المظهر الثاني من مظاهر سوء الخلق: سرعة الانفعال وشدة الغضب, بعض الناس مثل الدافور! بمجرد أن تقول له كلمة انفعل, وبعض الناس هادئ, الهادئ هذا هو صاحب الخلق الحسن, أما صاحب الخلق السيئ فهو سريع التأثر سريع الغضب, وأيضاً يتصرف ويبني على سرعة هذا الغضب أحكاماً وتصرفات يندم عليها بعد ذلك, ولهذا جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (أوصني يا رسول الله؟ قال: لا تغضب, قال: زدني يا رسول الله؟ قال: لا تغضب, قال: زدني يا رسول الله؟ قال: لا تغضب) ثلاث مرات, ووجّه النبي صلى الله عليه وسلم أمته أنه إذا غضبت وأنت واقف فاجلس, وإذا غضبت وأنت جالس فاضطجع, وإذا اضطجعت وما زلت غاضباً فابحث لك عن أرض فيها تراب واقعد فيها من أجل أن تمتص الأرض غضبك, ثم استعذ بالله، يقول تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف:200]؛ لأن هذا الغضب من الشيطان, ولهذا الذي يغضب لا يستعيذ من الشيطان, أي شخص يضارب أو يخاصم قل له: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ماذا يقول؟ يقول: ما علمت ما فعل هذا وهذا لكن لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, سيخرج الشيطان وتهدأ الأمور, ولذا ترون الذي في حالة الغضب عروقه تنتفخ وتبرز؛ لأن الشيطان شغال فيها, الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، أي: في العروق, وإذا اشتغل الشيطان انتفخت عروقه، فتبرز عيونه ثم تأتيه رعشة -تكهرب- فيشتعل في أي شيء, يطلق زوجته وهو غضبان ثم يندم, يقتل وهو غضبان ثم يندم, يضارب يشتم وهو غضبان, ثم إذا ذهب الغضب ندم وتأسف ولكن حين لا ينفع الندم. فحاول يا أخي! ألا تكون سريع الغضب وإن جاءك الشيطان من باب الغضب فاستعذ بالله.

بذاءة اللسان

بذاءة اللسان المظهر الثالث من مظاهر سوء الخلق: بذاءة اللسان, وهو ألا يتلفظ إلا بأبشع وأقبح الألفاظ, وهذا منافٍ لحسن الخلق, الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث: (ليس المؤمن باللعان, ولا بالطعان, ولا بالفاحش, ولا بالبذيء) , لا يخرج المسلم من لسانه إلا الكلام الطيب, وابن القيم يقول: القلوب كالقدور, والألسن مغاريفها, فإذا أردت أن تعرف شخصاً فارقبه حتى يتكلم، فإذا تكلم ظهر على لسانه ما كان في قلبه, إذا كان في قلبه خير ظهر على لسانه, وإن كان قلبه مليئاً بالشر ظهر على لسانه, والناس أوعية مختومة ومفاتيحها ألسنتها, فبعض الناس لسانه بذيء لا يتكلم إلا بالكلام الساقط, حتى إذا تحدث في القضايا تحدث بالكلام السيئ, بينما المؤمن يعف نفسه ولا يتكلم إلا بالكلام الطيب, ويستحي أنه يقول كلاماً غير لائق. القرآن الكريم يعلمنا الأخلاق، والذي تمثله النبي صلى الله عليه وسلم حينما ذكر قضية لقاء الرجل بامرأته في الحلال، قال سبحانه: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة:223] انظروا التعبير البياني البليغ, وقال سبحانه: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة:187] وعائشة رضي الله عنها في الحديث الصحيح تقول: (ما رأى مني رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا رأيت منه) انظر الألفاظ! لم تأت بالألفاظ الأخرى, ولم تأت بالألفاظ الجارحة الفاضحة، هكذا أيها المسلم! لا تقل إلا لفظة طيبة؛ لأنك طيب, والمؤمن لا يخرج من لسانه إلا طيب. أما من يتخصص باختيار الألفاظ البذيئة ولا تجد على لسانه إلا السباب والشتائم حتى في تعامله مع المرءوسين عنده، مثلاً يكون في منصب أو رتبة أو في شيء فلا ينادي الموظفين عنده بأسمائهم، بل يقول: أنت يا متين، أنت يا طويل، أنت يا قصير، لماذا تسمي الناس بغير أسمائهم؟ لماذا تتعمد إساءتك إلى الناس بألفاظك هذه؟ أتدري أنك بهذه الألفاظ تسقط نفسك من عيون الناس؟ حتى ولو كنت مسئولاً كبيراً, يصبرون عليك لكن من داخل نفوسهم يقولون: الله أكبر عليه، الله يأخذ هذا العفريت وإذا جاءتك إحالة على المعاش أو مصيبة قالوا: الله لا يرده, ما كان يترك كبداً بارداً والعياذ بالله! فالبذاءة في اللسان من علامات سوء الخلق, يجب أن يكون لسانك نظيفاً, ولا يتكلم إلا بما هو نظيف.

قلة الحياء

قلة الحياء من صور سوء الخلق: قلة الحياء؛ لأن الحياء من الإيمان، كما جاء في الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام: (الإيمان بضع وسبعون -وفي رواية البخاري: بضع وستون شعبة- أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) , وقد تمثل النبي صلى الله عليه وسلم بأكمل الحياء حتى كان أشد حياءً من العذراء في خدرها, وكان يرى للحياء أثراً في وجهه حتى لكأنه يفقع في وجهه حب الرمان, أي: يحمر وجهه من الحياء صلوات الله وسلامه عليه وهو سيد الخلق. فبعض الناس ليس عنده حياء ولا يستحي, لا يستحي أن يقول زوراً, ولا يستحي أن يقع في منكر, أو أن يرى في مكان لا يليق, هناك رجال من يوم أن خلقوا إلى الآن لم يدخلوا قهوة, لا يستطيع أن يدخل القهوة، يقول: والله لو أموت جوعاً لا أدخلها، لماذا؟ قال: لأنها لا تصلح, انظر إلى الحياء! وبعضهم بالعكس أحسن مكان عنده القهوة, حتى قال شاعرهم: أعز مكان في الدنا بطن قهوة وخير جليس خنفس وكلاب بينما الأول يقول: أعز مكان في الدنا سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب وسرج سابح أي: ظهر جواد، لكن تغير هذا الجيل وأصبح أحسن مكان عنده القهوة, تراه في البيت يضيق مع زوجته ومع أولاده، قالوا: اسمر معنا, قال: لا. أذهب أعمر الشيشة, ويدخل في القهوة وتأتيه الشيشة بعنقها الملوي، وبريحتها العفنة، وقد مصها قبله أكثر من واحد, حتى قال فيها الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله: كذلك معشوقة الشيطان قد نصبت بها فخاخ لأرباب الجهالات وإذا انتهى مسحها وقال لزميله: خذ, (من أجل ذاك وقبلها ذاك وذاك) وإذا انتهى قال: هات الورق والكيرم والدمنة إلى آخر الليل, والله إن الذي فيه حياء يستحي أن يمر من الشارع الذي بجانب القهوة، فضلاً عن أن يدخل فيها أو يقعد فيها، فقلة الحياء مظهر من مظاهر سوء الخلق.

البخل

البخل من مظاهر سوء الخلق: البخل؛ وهو: عدم القيام بالواجبات الشرعية في الإنفاق, فإن الله سبحانه وتعالى أوجب على الرجل أن ينفق على أهله وعلى ضيفه، وعلى الوجهات الشرعية المطلوبة, ولكن باعتدال وتوازن فلا تبذير وإسراف، ولا بخل وتقتير, وإنما وسط، ولذا يقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان:67] وقال عز وجل: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً} [الإسراء:29] هذه منزلة الكرم؛ لأن منزلة الكرم وسط بين البخل والتبذير, فبعض الناس بخيل وبعضهم مبذر, وكلا الخُلقين مذموم، والخلق الصحيح: الكرم, وكان صلى الله عليه وسلم أكرم من الريح المرسلة, وأكرم ما يكون في رمضان, لكن كان كرمه مقيداً، لا يتكلف مفقوداً ولا يبخل بموجود, إذا أتاه أحد يدخل بيته يقول: أعندكم شيء؟ فإذا لم يكن عندهم شيء لا يذهب ليستلف مثل بعض الناس الآن, بعض الناس فقير وما عنده شيء، فإذا أتاه الضيوف ذهب ليستلف ويذبح الكبش من ظهور القبائل, وبعد ذلك لا يسدد، ويموت وما زالت ذمته غارقة في كرم أخرق! هذا ليس بكرم, الكرم بالموجود، ولو كان ما عندك إلا فنجان ماء قدمه وقل: ما عندنا إلا هو, يقول: الله يخلف عليك. أما أن تذهب وتذبح بالدين وإغراق ذمتك وذمة الناس من أجل أن تظهر أمام الناس بأنك كريم فهذا ليس بكرم, هذا إسراف وتبذير, وبعضهم يقدم للضيف ما لا يأكله, مثلاً الضيف شخص وذبح له ذبيحة, ويأتي ضيف آخر ويقول: والله لا أضع فلاناً مع فلان! لا بد له من رأس، ثم يذبح اثنين وقال: الله يحييكم على شرف فلان وفلان!! لماذا؟ هل سيأكل الذبيحة كلها؟ لماذا؟ هل مع الرجل بطن أم قلاب؟ وهل تدري أنك عندما خصصت له ذبيحة أنك أهنته لأنك حملته ديناً في ظهره؟ بمجرد أن يراك في قريته أو مدينته يقول: يا ليته ما جاء! لماذا؟ قال: والله ذبح لي في الرياض فلابد أن أذبح له ذبيحة! فلماذا تحمل الناس ديوناً؟! فلو أنك أدخلته في الذبيحة الأولى سيأكل هنيئاً ويقول: الله يخلف عليك, هذه العادات والأعراف كانت في الجهل، أما اليوم والحمد لله الناس تعلموا, والناس فقهوا, والناس تثقفوا، فلا ينبغي أن تتمسك بالعادات التي ما أنزل الله بها من سلطان, عادة الكرم عادة محمودة في العرب، لكنها معتدلة ليست مطلقة بحيث يقع الناس في الإسراف والتبذير, وتبديد الثروات فيما لا مصلحة منه ولا فائدة ولا طائل, لا. الإسلام وسط, فالبخل من سوء الخلق. والبخل يجعل صاحبه يقتر على أهله ولا يأتي لهم بما تعود الناس بحسب المستوى المعيشي للأمة, الناس يأكلون في بيوتهم كل يوم لحمة بينما هذا لا يأتي لهم بلحمة! يقول: اليوم الغداء خبز وشاهي!! قالوا: والعشاء؟ قال: جبنة وخبز, قالوا: والفطور؟ قال: ما يحتاج الفطور! الفطور غير مناسب! فهذا بخيل. هناك قصة ذكرها أحد الكتاب في كتاب سيار في الرياض يسمونه أبو الرءوس، وفي المنفوحة عنده أراض وبيوت من قبل أربعين سنة, وعنده عمارات لكن الرجل متخصص في شراء الرءوس, إذا جاء المجزرة لا يشتري إلا الرءوس, لا يشتري اللحم, ويشتري الكروش ومعها الأمعاء, ويجمعها ويذهب بها إلى امرأته, قالت: ما في غيرها؟ قال: أبداً أحسن ما في الذبيحة الرأس: فيه العيون وفيه المخ وفيه المسامع, والرجل ما فيه إلا رأسه, والذبيحة ما فيها إلا رأسها, حتى إن المسكينة انذبحت من رأسه, ومرت الأيام والرجل لا تراه إلا يراقب الرواتب من أن تصرف ويذهب يأخذ الديون, فيذهب إلى صاحب الدين ويصلي العصر عنده، فإذا لم يجده صلّى المغرب، يرقبه في المسجد فإذا لم يأت قعد حتى صلّى العشاء فإذا به لم يأت، فتعجب فسأل عنه قالوا: غير موجود يمكن أنه مسافر, وكان في المسجد رجل عليه علامة الخير وعلامة العافية والصحة، مظهره حسن وريحته حسنة, رأى الرجل فإذا به جالس في طرف المسجد ظن أنه فقير أو شحاذ, فأتى إليه وقال: يا فلان قال: نعم. قال: تفضل معنا نتعشى, فقال: حاضر جزاك الله خيراً, وهذا البخيل فرح بالعشاء من أجل أن يوفر العشاء في البيت لليلة ثانية, فذهب معه البيت وأدخله البيت، وإذا به ما شاء الله! البيت مزهر والنور والفراش الحسن, ويضع ذاك العشاء الطيب, فهذا استغرب وقال: هذا أمير أو موظف كبير أو تاجر من رجال الأعمال فسأله فقال: ما عندك من عمل؟ قال: ليس عندي أي عمل, فقال له: ما وظيفتك؟ قال: ليس عندي وظيفة, فقال له: أعندك تجارة؟ قال: ليس عندي تجارة, فقال له: فمن أين هذه الفلوس وهذه الخيرات، من أين تأتيك؟ قال: من الله عز وجل، الله رازقنا! فقال له: كيف رازقك؟ قال: والله أنا متخصص والحمد لله في مراقبة الناس الذين يموتون وهم بخلاء, وما إن يموت أحدهم حتى أذهب وأتقدم لزوجته وأرى ما كان من خير وراءه, فقال له: أصحيح؟ قال: نعم. قال: وهناك بخيل في المنفوحة يقولون له: أبو الرءوس، والله إني أرقبه إلى أن يموت من أجل أن آخذ ماله!! فقال له: وتفعل هذا؟ قال: نعم. فوقعت في قلبه، وبعد أن انتهى من العشاء استأجر سيارة أجرة بعشرة ريال، وأول مرة في حياته يستأجر سيارة، فقد كان يمشي بالأقدام حتى يصل إلى بيته! فنزل في السوق ويأتي بسيارة ويحملها كيس أرز وكيس دقيق وكيس سكر وصندوق شاي, ومن قبل كان لا يأتي إلا بالقرطاس! وعلى هذا لا يعطي المرأة، عنده شنطة عليها أقفال ويخرج لها بالحبة, لكن الآن جاء بالسيارة وهي مليئة بالملابس والطيب والصابون والخيرات, ويأتي بالسيارة على الباب ويفتح الباب وينادي: يا أم فلان قالت: نعم. هي تعرف ما معه, ما معه إلا رءوس, قال: تعالي أنت والعيال, قالت: لماذا؟ -لأنه معودهم أنه لا يأتي بشيء- قال: تعالي احملي, قالت: ماذا نحمل ما الذي جئت به الآن! لعلك لم تترك رأساً واحداً في المجزرة؟ قال: لا. تعالي هناك أخبار طيبة, فنزلت المرأة ورأت ما في الباب وقالت: من الذي أعطانا؟ قال: تعالي احملي واستدعي الأولاد، ففرح الأولاد عندما رأوا الخيرات، ويقوم الرجل صاحب السيارة ينزل الأكياس والمقاضي, والأولاد أخذوا الحلوى, والصابون أدخلته المرأة في الحمام؛ لأنه ما كان يشتري الصابون, يقول: الصابون هذا يخرب ويحرق الأجساد, والوسخ يجعل الجسم قوياً! والصابون يقطع القماش، وإذا غسلت القماش كل يوم تقطع القماش، اتركوا الغترة وسخة إلى أن تتقطع من نفسها!! ثم تغسلت وغسلت أولادها وعطرتهم بعد أن كانت ريحتهم منتنة من الكروش والرءوس التي كان يشتريها, ويدخل وإياها في ذاك الليل ويرتاحون, وليلة طيبة, وفي الصباح قالت: يا ابن الحلال! ما الذي حصل؟ وما الذي غيرك؟ قال: العلم عند الذي يرقب أبو الرءوس. فالشاهد يا أخي الكريم! لا تكن بخيلاً, فإن البخيل بعيد من الله, بعيد من الناس قريب من النار, والكريم قريب من الله قريب من الناس قريب من الجنة: (لما خلق الله جنة عدن قال لها: تكلمي؟ قالت: قد أفلح المؤمنون, قال: وعزتي وجلالي لا يجاورني فيك بخيل) فلا تكن بخيلاً, ولا تكن أيضاً مسرفاً ولا مبذراً، وإنما كن وسطاً معتدلاً, أكرم الضيف إذا أتاك لكن لا تذهب تستلف له, أعطه الموجود في بيتك, وإذا رأيت الضيف لا تتجنبه، اعزمه ولكن لا تحلف عليه؛ لأن بعض الناس يحرج الضيف، والأولون كانوا يحلفون؛ لأن الضيف متشوق للعزيمة لكن يستحي أو لا يريد أن يثقل, الآن لا. الضيف هو صاحب الفضل, والناس ظروفهم تغيرت، فإن حلفت عليه أو طلقت فقد قيدت حريته وضايقته, ولكن اعرض عليه الكرامة وأكدها ثم إذا اعتذر فاعذره؛ لأن الإكرام محبة لا بإكراه ولا قيد. هذا مظهر من صور سوء الخلق.

الغيبة

الغيبة من سوء الخلق -أيها الإخوة- ومن مظاهره: الغيبة, وهي داء وبيل -والعياذ بالله- ينم عن خلق ذميم فإن الذي يغتاب الناس يريد أن يرفع نفسه على أكتاف الآخرين, وقد حرمها الشرع, وقال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم, قال: ذكرك أخاك بما يكره -فأي شيء يكرهه أخوك المسلم أن تذكره في غيبته فهذه غيبة- قال: أرأيت يا رسول الله! إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته, وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته) , فإما بهتان أو غيبة والعياذ بالله, والغيبة أعظم الكبائر والعياذ بالله وهي من الموبقات, حتى عدها الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم من الزنا, والله تعالى يقول: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات:12] , فشبه الله المغتاب بمن يأكل لحم أخيه ميتاً, ما رأيك لو رأى رجلاً ميتاً وأخذ السكين وقطع من ظهره وأخذ يأكل؟!! أعوذ بالله, هذا هو المغتاب, ثم إن المغتاب يبدد حسناته ويضيع أعماله، قد يصلي ويصوم لكن يهديها للناس, فلا تكن مغتاباً ولا تكن -أيضاً- سامعاً؛ لأن السامع هو أحد المغتابين، الغيبة لا تتم إلا من طرفين, ليس هناك أحد يغتاب وحده، لا بد من أحد يسمعه, فإذا سمعته فأوقفه, أما إذا أعطيته إشارة وشجعته على الغيبة فأنت أحد المغتابين، وعليك من الإثم مثل ما عليه.

النميمة

النميمة أيضاً من سوء الخلق: النميمة, وهي: نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد, يسمع الإنسان كلاماً في مجلس فيذهب إلى الآخرين الذين تُكلم فيهم بدل من أن ينصح ويذب عن عرضهم, لا. بل يقول: والله فلان قال فيك وقال فيك فيزرع البغضاء والحقد والضغائن ويحصل فيها الشحناء والقطيعة بين الناس بأسباب النميمة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة نمام) أي: قتات, والعياذ بالله.

إخلاف الوعد

إخلاف الوعد أيضاً من مظاهره: إخلاف الوعد, المؤمن دائماً صادق, وإذا وعد لم يخلف, وإذا عرف أنه سيخلف لا يوعد, فأنت لست مضطراً، إذا عرفت أنك لا تستطيع أن تفي بالوعد احتفظ لنفسك بحق وقل: لا أستطيع, أو إذا قال: آتيك قل: لا تأت، لست بموجود, لكن بعضهم يقول: تعال, قال: حاضر, ونيته ألا يأتي, أو قال: أزورك في البيت, قال: متى؟ قال الساعة التاسعة، قال: تعال, ويقوم هذا من الساعة الثامنة ويمشي, فهذا من سوء الخلق؛ لأن إخلاف الوعد من علامات النفاق (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب, وإذا وعد أخلف, وإذا اؤتمن خان) , فلا يجوز لك أن تخلف الوعد, وإن أخلفته كان ذلك علامة من علامات سوء الخلق.

سوء العشرة

سوء العشرة أيضاً من علامات سوء الخلق: سوء العشرة، وهذه تحدثنا عنها, سوء العشرة الزوجية؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمر بالمعاشرة بالمعروف فقال: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] , وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن المرأة عند الرجل كالأسير، حتى إنه وصى في آخر حياته صلى الله عليه وسلم بالنساء فقال: (استوصوا بالنساء خيراً, فإنهن عندكم عوان) أي: أسيرات, فهذه مسكينة أسيرة في بيتك, تركت بيت أبيها وأهلها وعزها وجاءت عندك, وأبوها استودعها في ذمتك, وسلمك إياها أمانة فلا تهنها ولا تهن أباها وتهن أهلها, بل أكرمها حتى ولو وجدت منها عوجاً, فإن المرأة مخلوقة من ضلع أعوج, هل رأيتم في الدنيا ضلعاً مستقيماً مستحيل! ليس هناك ضلع في الدنيا إلا وهو أعوج, ولا امرأة في الدنيا إلا وفيها عوج, ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (إنهن خلقن من ضلع, وإن أعوج ما في الضلع أعلاه -أي: لسانها- فاستمتعوا بهن على عوجهن) , (مشي حالك مع هذه العوجة إلى أن تموت)، أتريد مستقيمة (100%) في الجنة إن شاء الله التي ما فيها عوج أبداً, ثم -أيضاً- لا ينبغي لك أن تنظر إلى السيئات من أخلاق زوجتك, بل انظر دائماً إلى الحسنات، يقول عليه الصلاة والسلام: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي آخر) وازن, اجعل عندك نظام الموازنة في الحكم, وانظر إلى المرأة بمنظار العدل, قد يكون فيها قصور لكنَّ فيها كمالاً, تجد فيها صلاة فيها حفظ لعرضك, فيها أمانة, فيها إكرام لأهلك, لكن قد تجد فيها قصوراً، أتريد امرأة كاملة؟ الكاملة غير موجودة؛ لأنك أنت أيها الرجل لست بكامل حتى تريد كاملة, النقص فيك وفي المرأة, عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كانت الجن تهابه, يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إيه يا عمر! والذي نفسي بيده ما سلكت فجاً إلا سلك الشيطان فجاً آخر) , الشيطان الذي أتعب البشر اليوم لا يستطيع أن يمشي مع عمر , كانت تهابه العفاريت والجن, ولكنه في بيته لطيف المعشر. جاء رجل إليه يشتكي زوجته فلما طرق الباب وإذا به يسمع امرأة عمر وهي تتكلم على عمر بكلام مثل الرصاص, فقال الرجل: هذا أمير المؤمنين وهذه زوجته تفعل به هكذا؟! فتراجع, ففتح عمر الباب وقال: ما لك, قال: يا أمير المؤمنين جئت لغرض وانتهى الغرض, قال: ما هو الغرض؟ قال: جئت لأشكو زوجتي عليك فسمعت زوجتك تقول لك أكثر مما قالت زوجتي عليّ, قال: أما يرضيك أنها طابخة الطعام, وغاسلة الثوب, ومربية ولدي, وقاضية حاجتي, أفلا أصبر لها إذا جاء منها شيء؟ من الذي يقدم لك هذه الخدمات إلا هذه المرأة المسكينة، فلا تقعد تحاسب الدقيق والقطمير والنقير وإنما غض الطرف وابذل ما تيسر وتجاوز عما لا يمكن حصوله؛ لأن هذا من حسن الخلق, أما ذاك الحرفي الدقيق الذي يحاسب على أقل غلطة فهذا سيئ خلق, والذي هو سيئ خلق في بيته سيكون أسوأ عند الناس والعياذ بالله!

التقصير وعدم القيام بحقوق الأخوة

التقصير وعدم القيام بحقوق الأخوة أيضاً من مظاهر سوء الخلق: التقصير وعدم القيام بحقوق الإخوة في الله, فهم أيضاً لهم حقوق: أن تزورهم إذا مرضوا, أن تتبع جنازتهم إذا ماتوا, وأن تبارك لهم إذا حصل لهم ما يسرهم, وأن تزورهم في الأعياد, وأن تجيب دعوتهم إذا دعوك, وأن تشمتهم إذا عطسوا, فهذه حقوق الإخوان, لكن بعض الناس يقصر في هذا الجانب خصوصاً إذا منّ الله عليه بنعمة ورزقه منه منزلة أو مكانة, فإنه يتغير, كان طيباً لكن من يوم أن ترقى أو صار في منزلة أو مرتبة تغير، فهذا يدل على سوء خلقه والعياذ بالله, هذه -أيها الإخوة- بعض مظاهر سوء الخلق.

أسباب سوء الخلق

أسباب سوء الخلق أما الأسباب التي يقع فيها الناس:

ضعف الإيمان والدين

ضعف الإيمان والدين أول سبب هو: ضعف الإيمان والدين, فإن الذي ليس عنده إيمان ولا دين فإنه هو الذي يبرز منه هذا الخلق والعياذ بالله؛ لأن الدين جمع كل خير, والإيمان يدلك على كل خير, فإذا كان إيمانك قوياً ودينك قوياً حملك الدين والإيمان على حسن الخلق. أما إذا ضعف الإيمان وضعف الدين فإن هذا مدعاة إلى وقوعك في سوء الخلق وإن لم تشعر.

الجهل

الجهل ومن الأسباب: الجهل, فإن الجهل داء, والجهل ظلمة والعلم نور, والله سبحانه وتعالى أثنى على العلم وأهله فقال: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11] وقال سبحانه: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] وقال سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] , فالعلماء هم الذين يخشون الله سبحانه وتعالى, وأول كلمة نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم {اقْرَأْ} [العلق:1] دعوة إلى العلم, فلا ينبغي لك يا أخي! أن تكون جاهلاً, لا سيما وقد توفرت وسائل العلم والحمد لله, لا بد أن ترفع أميتك, وأن ترفع أمية زوجتك, فمدارس محو الأمية موجودة ومنتشرة في كل مكان, حتى ولو كانت بعيدة اركب سيارتك واذهب, أقل شيء أن تتعلم القراءة, فتقرأ القرآن وتقرأ السنة وتقرأ الكتب، لماذا؟ من أجل أن تتذكر وتعرف أمور دينك. أما أن تبقى أمياً لا تعرف شيئاً كالجماد، تعطى القرآن ويقال لك: اقرأ! تقول: لا أستطيع أن أقرأ, لماذا لا تتعلم؟ قال: أتعلم الآن؟!! نعم. تعلم الآن, العلم من المهد إلى اللحد, والعلم سهل: هذا (أ) ألف, وهذا اسمه (ب) وثلاثة وأربعة حروف وبعد ذلك ركبها حتى تصبح كلمات, وبعد الكلمات جمل, وهكذا تكون قد عرفت قدرها وأصبحت تقرأ, أما أن تستحي إذا قعدت في المجالس والناس يتناولون الأوراق والكتب وأنت قاعد مثل الجماد لا تعرف أن تقرأ حرفاً؟! هذا لا ينبغي لك, العلم نور والجهل داء ووبال على الرجل وعلى المرأة, لكن اقرأ، بمن؟ باسم ربك, فرق بين من يقرأ الكتاب الكريم والسنة المطهرة وبين من يقرأ المجلات الرخيصة العارية والجرائد الفاضحة، فهذا يقرأ باسم الشيطان. أما الذي يقرأ باسم الرحمن باسم الله فإنه يقرأ كتاب الله, ويقرأ سنة رسوله، ويقرأ كتب الإسلام ويقرأ المجلات الإسلامية فهذا يكون عنده نور. أما الذي يقرأ الباطل فهذا ظلام على ظلام والعياذ بالله.

سوء التربية

سوء التربية ومن الأسباب أيضاً: سوء التربية, فإن التربية التي يتلقاها الإنسان في بيته ربما تؤثر على الإنسان فينشأ سيئ الخلق, يتعلم سوء الخلق من والده, ويتعلم سوء الخلق من أمه, ويتعلم سوء الخلق من مدرسيه, ويتعلم سوء الخلق من زملائه, فالإنسان يتأثر بطبعه بمن يعاشر ويحتك بهم، ولهذا أثر في سلوك الإنسان وفي سوء خلقه والعياذ بالله.

الغفلة عن عيوب النفس

الغفلة عن عيوب النفس ومن الأسباب: الغفلة عن عيوب النفس, أي: أن الإنسان لا ينظر إلى عيوب نفسه، دائماً عينه على عيوب الناس وينسى نفسه, وكذلك اليأس من إصلاحها؛ يحصل عنده قنوط فييأس؛ لأنه لا يوجد أمل لإصلاح نفسه, فالأمل موجود والطبع بالتطبع, والأخلاق تكتسب، فإذا كان خلقك سيئاً فيمكن أن يكون حسناً, إذا كنت سريع الغضب فتستطيع أن تكون بطيء الغضب, إذا كنت بخيلاً فتستطيع أن تكون كريماً, لماذا؟ بالتطبع, الطبع بالتطبع، والعلم بالتعلم، والصبر بالتصبر. أما أن تيأس وتقول: أنا هكذا إلى أن أموت!! معناه: سترضى أن تبقى سيئاً وخلقك سيئ إلى أن تموت, وبهذا تحكم على نفسك بسوء الخلق، وتحكم على نفسك بالدمار والشذوذ والخذلان في الدنيا والآخرة والعياذ بالله.

رفقة ومصاحبة الأشرار

رفقة ومصاحبة الأشرار أيضاً من أسباب سوء الخلق: رفقة السوء ومصاحبة الأشرار, فإن القرين يؤثر في قرينه، يقول: عن المرء لا تسَلْ وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي يقول: من صاحبت يا أبا زيد كنت له نديداً، فهل رأيت قرداً يمشي مع الغزلان؟ أم غزالاً يمشي مع القرود!! أو غراباً يمشي مع الحمام؟ لا. الغراب مع الغربان والقرد مع القرود, فإذا رأيت شخصاً طيباً يمشي مع السيئين فهو سيئ, لو أنه طيب لذهب مع الطيبين, إلا أن يكون قصده الدعوة وإصلاحهم فمحمود, أما أن يرضى بمنكرهم ولا يغير عليهم فما هي إلا أيام وليالي وإذا به مثلهم, هذه بعض أسباب الوقوع في سوء الخلق.

علاج سوء الخلق

علاج سوء الخلق أما العلاج فأرجو الانتباه إليه؛ لأن الموضوع مهم, ونحن كلنا -أيها الإخوة- على تقصير في هذا الجانب, ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يمن علينا بحسن الخلق:

تقوية الإيمان بالله

تقوية الإيمان بالله أول شيء من وسائل العلاج: تقوية الإيمان بالله وسلامة العقيدة وقوة الصلة بالله والاحتساب, احتساب أن الخلق دين, وأن الخلق عقيدة وتربية وسلوك وتعامل, فأنا عندما أعرف أنني عندما أكون ذا خلق حسن أجد عليه ثواباً من الله سبحانه وتعالى يحملني هذا إلى أن أتحلى بحسن الخلق, وأتخلق بحسن الخلق طلباً للأجر والثواب وهذا بدءاً من المعتقد.

الدعاء

الدعاء ومن وسائل العلاج: الدعاء: أن تدعو الله سبحانه وتعالى أن يهبك خلقاً حسناً, وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو ويقول: (اللهم اهدني لأحسن الأخلاق, لا يهدي لأحسنها إلا أنت, واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت) , كان يدعو الله أن يهديه لأحسن الأخلاق وهو من شهد الله له بأنه على خلق عظيم, فالأولى بالدعاء أنا وأنت، فاجعل هذا الدعاء في صلاتك وفي سجودك, وفي ليلك, وبين الأذان والإقامة, فالدعاء هذا من أعظم وسائل العلاج لسوء الخلق.

النظر في عاقبة سوء الخلق

النظر في عاقبة سوء الخلق أيضاً من وسائل العلاج: النظر في عاقبة سوء الخلق: تأمل وتدبر وفكر في العاقبة والمآل الذي يجر إليه سوء الخلق؟! وستجد دائماً أن سوء الخلق يؤدي إلى أسوأ العواقب: أولاً: كراهية الله سبحانه لك, وكراهية الرسول لك, وكراهية الصالحين لك, وقربك من النار, وبعدك عن الجنة, وكراهية الخلق, فلماذا تعمل على أن تكون مكروهاً عند الله وعند خلقه؟ العاقبة وخيمة, والنهاية والمآل سيئ, فإذا فكرت حملك التفكير على أن تصحح من مسارك وتصلح من وضعك بحيث تجتنب سوء الأخلاق ومظاهره وصوره، وتعمل على أن تكون في مكارم الأخلاق وفي أحسن الأخلاق حتى تصل إلى النهايات الجيدة وإلى العواقب الحميدة.

الصبر

الصبر من وسائل العلاج: الصبر: والصبر من الدين بمنزلة الرأس من الجسد, وقد جاء الأمر به في القرآن الكريم في أكثر من تسعين موضعاً، والله تعالى يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف:35] ويقول سبحانه: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10] , فتحلى دائماً بالصبر؛ لا تكن سريع الانفعال, وإنما اصبر واكتم وتبين وتأكد واستوضح حتى تجمع المعلومات، ثم فكر وأنت تتخذ القرار في النهايات والعواقب، وهل القرار هذا سيكون محمود النتائج أم نتائجه سيئة؟ وما هي النتائج والعواقب؟ فهذا الصبر يهديك إليه, والعجلة والانفعال والسرعة في اتخاذ القرار وعدم الصبر يؤدي دائماً إلى الندامة.

الترفع عن السباب

الترفع عن السباب ومن وسائل العلاج: الترفع عن السباب, إذا سبك أحد فلا تنزل إلى مستواه, يقول الشافعي رحمه الله: يخاطبني السفيه بكل قبح فأكره أن أكون له مجيبا يزيد حماقة فأزيد حلماً كعود زاده الإحراق طيباً العود الأصلي -العود الأزرق- كلما زدت في إحراقه كلما زادت ريحته, كذلك الرجل الصالح صاحب الخلق الكريم؛ كلما زدت في إزعاجه كلما ظهر حلمه, ودخل عليه مرة رجل وهو في مجلسه فسبه وشتمه وأقذع له في القول, فلم يرد عليه الشافعي بكلمة, فلما خرج الرجل قالوا: يا إمام! ألا دافعت عن نفسك؟ فرد عليهم بثلاثة أبيات يقول لهم: قالوا سكت وقد عوتبت فقلت لهم إن الجواب لباب الشر مفتاح والصمت عن جاهل أو أحمق شرف وفيه أيضاً لصون العرض إصلاح أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة والكلب يخزى لعمري وهو نباح الكلب ينبح طوال الليل لكن هل يخاف منه أحد؟ والأسد ساكت لا يقول ولا كلمة ولكن الناس تخاف منه، فلا تكن كلباً نباحاً, والآخر يقول: لو كل كلب عوى ألقمته حجراً لأصبح الصخر مثقالاً بدينار يقول: لو كلما نبح كلب رميته بحجر لأكملت الحجارة, وأصبحت الحجارة غالية والصخرة بمثقال! لكن لا ننتبه ولا نتأثر بنبح الكلاب. فعليك يا أخي الكريم! أن تكون مترفعاً عالي الهمة, يقولون في المثل: ما يضير السحاب نبح الكلاب، وهذا مثل عند العرب، وما كنت أعرف سبباً لهذا المثل إلى أن قرأت في كتاب الحيوان للجاحظ عن عادات الكلاب، يقول: إن الحيوان الوحيد في الأرض الذي يكره المطر هو الكلب, جميع المخلوقات تحب المطر, الإنسان يحب المطر, البهائم تحب المطر, الطير تحب المطر؛ لأن حياتها على الله ثم المطر, إلا الكلب؛ إذا رأى السحاب قام ينبح, يريد السحاب أن يتراجع، لماذا؟! قالوا: لأن المطر إذا نزل تبلل جلد الكلب, وإذا تبلل جلده انبعثت منه رائحة كريهة تؤذي الكلب حتى يود أن ينسلخ من جلده, فلا يريد المطر, لكن هل يتأثر السحاب من نبح الكلاب؟ هو ينبح يريد السحاب أن يذهب لكن السحاب لا يتأثر، وكذلك أنت كن كالسحابة لا تتأثر بما تسمع من سباب أو من شتائم، وإنما اصفح وأعرض عن الجاهلين.

مصاحبة الأخيار ومجالستهم

مصاحبة الأخيار ومجالستهم من وسائل العلاج: مصاحبة الأخيار والارتباط بهم ومجالستهم, حتى تكتسب شيئا ًمن صفاتهم, وتتعرف على شيء من أخلاقهم, وبهذا تكون مثلهم, يقول الناظم: فلا تصحب أخا الفسق وإياك وإياه فكم من فاسق أردى مطيعاً حين آخاه يقاس المرء بالمرء إذا ما المرء ما شاه وللناس على الناس مقاييس وأشباه وللقلب على القلب دليل حين يلقاه فعليك أن تبحث عن الرفقة الصالحة وعن الأخيار, وأن تجلس معهم وأن تصاحبهم حتى تكتسب شيئاً من صفاتهم, ومن أخلاقهم. وأيضاً من وسائل العلاج: الحلم, وهو سيد الأخلاق, والحلم هو أن تتمهل وتتثبت، يقول النبي صلى الله عليه وسلم للأحنف بن قيس: (إن فيك خصلتان يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة) , الحلم: أن تحلم ولا تستعجل ولا تتسرع، وهذا يحملك باستمرار إلى النتائج الطيبة, لا يوجد أحد ندم على الحلم وعلى التثبت, لكن كم ندم من أناس على السرعة وعلى الانفعال. هذه -أيها الإخوة- مجمل الأسباب والوسائل التي يمكن للإنسان أن يكون بها حسن الخلق, وأن يجتنب سوء الخلق. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا إلى أحسن الأخلاق, وأن يجنبنا سيئ الأخلاق, وأن يوفقنا لصادق الإيمان وصالح الأعمال، وأن ينصر دينه وأن يعلي كلمته, وأن يبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل الطاعة ويذل فيه أهل المعصية, ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر إنه سميع الدعاء. كما نسأله سبحانه وتعالى أن يحفظ لنا ديننا وأمننا ونعمتنا واستقرارنا، وأن يجعل كيد من يريدنا في ديارنا أو غيرنا من ديار المسلمين أن يجعل كيده في نحره, وأن يجعل تدميره في تدبيره, وأن ينزّل عليه بأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين, كما نسأله عز وجل أن يوفق ويصلح ولاة أمورنا، وأن يوفق علماءنا ومشايخنا ودعاتنا وشبابنا وشاباتنا وجميع المسلمين للعمل لهذا الدين والدعوة إليه والمنافحة عنه، إنه ولي ذلك والقادر عليه والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة

نصيحة لطلاب العلم في تحسين معاملتهم مع الناس

نصيحة لطلاب العلم في تحسين معاملتهم مع الناس Q من المحزن أن نشاهد بعض الملتزمين يظهر عليهم الشدة والغلظة والتكشير والعبوس, فما نصيحتكم؟ A صحيح والله! إن هذا من المحزن, ومن المؤسف جداً أن ترى هذه المظاهر على الطيبين, وأيضاً من المحزن أن يبررون هذه المواقف, وأن يعتبرونها ديناً, وأن يقولوا: هذا من الحب في الله والبغض في الله, فنحن نتعامل مع الإخوة في الله بأخلاق, إذا رآه يبش له ويقبل عليه ويحتضنه, وإذا رأى شخصاً آخر ليس مثله في الالتزام أو أقل منه كشر فيه ونفر فيه ولم يسلم عليه وأعرض عنه، ويظن أن هذا من الدين، أو يظنه من الحب والبغض وهذا من سوء الفهم وقلة العلم, لا يا أخي الكريم! هذا الذي ترى عليه علامات القصور يحتاج إلى دعوة منك, وإلى اجتباء وإلى حب, وآخر علاج عندك أن تبغضه. أما أن تبدأه بالبغض فكأنك بهذا تطرده, وتجعل بينك وبينه حاجزاً بحيث لا يقبل كلامك, وإذا سمع أنك أبغضته قال: وأنا أبغضه, وإذا أبغضك أبغضك وأبغض المبدأ الذي أنت عليه والدين الذي تدعو إليه, فيكون تصرفك أنت بالبغض ابتداءً كأنك قاطع طريق بين هذا وبين الهداية, بدلاً من أن تدعوه بالخلق الكريم وبالابتسامة وبالإكرام حتى يقول: ما شاء الله! انظر إلى هؤلاء المتدينين, لا أرى لنفسي قيمة ولا أرى لي احتراماً إلا عندهم! فيحمله هذا الاحترام والتقدير إلى أن يلتزم, لكن إذا رآك قال: الله أكبر على هؤلاء، كلما أرى واحداً كأنه الشيطان يريد أن يأكلني! ما بهم هؤلاء المتدينين؟! يظنون أن هذا من الدين وليس من الدين, لا بد أن نتحلى بالأخلاق الكريمة وأن نبش في وجوه الناس، وأن نكرم الناس؛ لأننا نريد أن نصدر على هذا ونمرر على هذا الخلق ما عندنا من مبادئ, وما عندنا من أخلاق, وما عندنا من دين وعقائد, فربما لا يقبلها الناس أبداً إلا من رجل ذو خلق, ولهذا اختار الله عز وجل لحمل هذا الدين ولإبلاغه للناس أكرم الناس خلقاً صلى الله عليه وسلم الذي قال الله له: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] حتى كان الكفار يلقبونه بأنه: الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم, فلا ينبغي لك -أيها الأخ في الله- إلا أن تظهر الخلق الطيب. متى يكون البغض في الله؟ عندما تكون قد استنفذت جميع الوسائل, ثم وجدت أن البغض يؤدي دوراً أو أنه ينفع فلا بأس. أما إذا عرفت أن البغض يضر فلا يجوز لك, ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: البغض والهجر دواء يستخدم عند الحاجة, وحينما يكون له أثر نافع, أما إذا كان له ضرر فيحرم الدواء, فالحبوب هذه تأخذها من أجل أن تعالجه، لكن إذا أخذتها وأحرقت بطنك فلا يجوز أن تستخدمها، وكذلك الهجر؛ تهجر من ينفعه الهجر، مثلاً زوجتك إذا هجرتها ينفع الهجر، لماذا؟ لأنها محتاجة إلى أن تلاطفها, فإذا أعرضت عنها وهجرتها هجراً شرعياً سألتك: ما لك غاضب؟ تقول: غاضب لأنك تبرجتِ, أو لأنك لم تصلي, أو لأنك ما قرأتِ القرآن, أو تأخرتِ عن الصلاة, فتقول: حقاً؟ سأتوب إن شاء الله ولا أعود, لكن عندما تهجر جارك ولا تسلم عليه فإذا سأل جارك: ما به؟ قيل له: فلان هجرك لأنك لا تصلي في المسجد, قال: الله لا يجعله يرضى إلى يوم القيامة, والله لن أصلي حتى في البيت من أجل خاطره! فهجرك هذا نفع أم ضر؟ هجرك هذا ضر الرجل, لكن لو أنه لا يصلي صبرت عليه وأصبحت تكرمه وتعزمه وتهدي له وتزوره، وكلما رأيت مناسبة قذفت عليه بكلمة, أو أعطيته كتاباً, أو شريطاً يستحي أن يرده ويستحي أن يرد عليك؛ لأنه يراك ذا أخلاق كريمة, فيجاملك إلى أن يأذن الله بهدايته, والهداية ليست بيدك, أنت تحرص على هدايته والله هو الهادي, وللهداية ساعة لا تحددها أنت, ولكن الذي يحددها هو الله, والله تعالى يقول: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [النحل:37] وقال سبحانه: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة:272].

نصيحة للآباء المتدينين القساة على أبنائهم

نصيحة للآباء المتدينين القساة على أبنائهم Q ما رأيكم في الأب المتدين الذي يقسو على أولاده بالنظرات المخيفة والتسرع بالكلمات القاسية التي أغلبها ظلم؟ A هذا أيضاً من الخطأ, الرجل المتدين من مقتضيات تدينه أن يكون ذا خلق مع أبنائه خصوصاً في دعوتهم إلى الله, بعض الآباء إذا أتى ليوقظ ابنه يضربه على الصلاة فيلطمه أو يركضه برجله: قم يا حمار! قم يا قليل الدين، الله لا يوفقك فكيف يصلي وقد قلت له: يا حمار ودعوت عليه أن الله لا يوفقه؟! لكن ما الذي يضيرك إذا أتيت عنده تمسك رأسه وتقول له: فلان فلان الله يوفقك الله يشرح صدرك, الله يأخذ بيدك قم, فيقوم وينشط؛ لأنك دعوت له. أما أنك تدعو عليه لا يجوز ولا يجوز التخون ولا النظر بالشك, ولا العبارات الجافية للأبناء, إنما اجعل عباراتك طيبة, ادع لأولادك, ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (لا يدع أحدكم على مال ولا ولد) , لأن دعوتك قد تكون في وقت استجابة، يمكن أن تقول لولدك: الله لا يردك فيستجيب الله, مع أنك لا تريد أن يحصل لابنك أي مكروه، ولكن من الغضب ومن الحمق بعض الآباء يدعو على أولاده ثم يندم إذا استجيبت دعوته, فلا تدع عليه, اجعل بدل الدعاء عليه الدعاء له, وبدل الله يهلكك الله يصلحك، الكلمة واحدة لكن هذه تنفع وهذه تضر، خاصة وأنك متدين ولا يتوقع منك في تدينك إلا الخير, والخير مع أقرب الناس إليك وهم أولادك، وإذا لم يكن فيك خير لأولادك فلن يكون فيك خير للناس.

حث الملتزمين على الصبر تجاه ما يلقونه من استهزاء

حث الملتزمين على الصبر تجاه ما يلقونه من استهزاء Q أنا شاب ملتزم والحمد لله ولا أزكي نفسي, وهناك شخص آخر يستهزئ بي ويتلفظ عليّ بكلام بذيء وأنا أسكت وأقول: لعل الله أن يهديه ويراجع نفسه ويقلع عن هذا, ولكنه زاد أكثر فأمسكته يوماً من الأيام وضربته ضرباً مبرحاً، وبعد هذا تركني ولم يعد يتعرض لي لا من هنا ولا هناك, ولكني لم أضربه إلا بعد أن نصحته وكلمته أن يبتعد عن طريقي, والسؤال: هل هذا الفعل صحيح, وإن كان غير ذلك فبماذا تنصحني وتنصح بقية الشباب الملتزمين الذين يتعرضون لكثير من هذه الأمور التي تحز في النفس وتجرح القلب؟ A الأفضل الصبر؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى:43] , فإذا صبرت على ما تلقى من أذى أو سباب أو شتائم أو استهزاء , فإن ذلك أرفع منزلة لك عند الله, وإذا أخذت حقك ونزلت -الرجل سبك وأنت لم تسبه- فضاربته ورب العالمين أعانك عليه, لكن نخاف أن تضارب شخصاً آخر فيضربك, فأنت لا تعتبرها قاعدة مسلّمة, ولا ننصح الشباب أنهم إذا أوذوا أن يضربوا؛ لأن الضرب ليس وسيلة للتعامل, وأيضاً الشرع منع كف الأيدي, قد تريد أن تأدبه فيموت تحت يديك ويذهب بك إلى السجن، فأنت لا شك أخطأت في ضربك له، كما أخطأ هو في سبك وفي الاستهزاء بك, ولكن الحمد لله, فهذه إن شاء الله تعوض الضربة, وعليك ألا تعود إلى هذا ولا ننصح إخواننا بالمضاربة؛ لأن المضاربة من أخلاق الناس التافهين؛ لا أحد يضارب وهو رجل، لا يضارب إلا السوقة والناس الذين ليس لديهم عقل, فالعاقل لا يمد يده على الآخرين، وإنما يعفو ويصفح ويحلم ويتحمل. أما المضاربة فليست من أخلاق الكرماء وليست من أخلاق الرجال الفضلاء إلا في ميدان, فإذا رفع لواء الحق أمام لواء الباطل فالميدان ميدانه, وإنما مجرد مضاربات وكلمات وكل يوم تريد أن تضارب ومعك سكين وعصا، واخرج لي في الوادي وسوف أجلس لك عند بيتكم، فهذه من أعمال الأطفال وليست من عمل الرجال.

حكم سفر المرأة لوحدها مع عائلة فيها نساء

حكم سفر المرأة لوحدها مع عائلة فيها نساء Q نحن نعلم أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر لوحدها بدون محرم, ولكن هل يجوز لي أن أبحث لها عن عائلة طيبة يكون ظاهرهم الالتزام, وأجعل هذه المرأة تسافر معهم ولو لم تكن تعرفهم بحيث تبقى ملازمة للنساء في تلك العائلة، علماً بأنها ستسافر جواً, أفيدونا؟ A لا يا أخي الكريم! قد صرح العلماء بناءً على الحديث الصحيح أنه: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا ومعها ذو محرم) سواء مع أسرة, أو مع غير أسرة, ملتزمة أو غير ملتزمة، تعرفهم أو لا تعرفهم؛ لأن المرأة عورة ولا يحميها إلا الرجل, إذا سافرت المرأة منفردة استشرفتها الشياطين, وامتدت إليها الأعين, حتى ولو كان السفر جواً, والسفر جواً ربما يؤدي إلى مفسدة, فقد تجلس في كرسي وهي لا تملك إلا الكرسي هذا, ويكون الكرسي الثاني لرجل, وقد تذهب الرحلة غير المكان المقصود. أحياناً الطائرة تتجه إلى الرياض لكن الجو غير مناسب فتنزل في جدة , فمن يستقبلها وقد تتأخر الرحلة, وقد تحصل طوارئ كثيرة, فلا يا أخي الكريم! لا تسافر زوجتك إلا وأنت معها. بعض الناس يبخل بتذكرة قيمتها (200) أو (300) ريال, ويعرض نفسه للإثم ويعرض عرضه للضياع: أصون عرضي بمالي لا أضيعه لا بارك الله بعد العرض في المال

الحث على بر الوالدين

الحث على بر الوالدين Q لي أخ هداه الله لا يدري بحسن الخلق مع الوالدين خصوصاً الأم لا يحسن التصرف معها, علماً بأن عمره (14) سنة؟ A الولد صغير ويحتاج إلى تربية وتوجيه منك ومن والده ووالدته في أن يتعامل بتعامل إسلامي؛ لأن أعظم عمل يجب أن تتخلق به هو مع والديك؛ لأن أكثر الناس فضلاً عليك بعد الله سبحانه وتعالى هما الوالدان, والله عز وجل قد قرن طاعته بطاعتهما وقال: {اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:14] وقال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء:23] وقال سبحانه: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [النساء:36] فمن شكر لله ولم يشكر لوالديه لم يقبل الله شكره, فلا بد أن تكون باراً بوالديك, حسن التعامل معهم؛ لأن تعاملك مع الوالد مهم جداً والوالدة, وكما تحب أن يكون أولادك بررة فيجب أن تكون باراً بأبيك وبأمك. أما إذا عققتهما فإن الجزاء من جنس العمل, سيجعل الله لك أولادا يعقونك, ويزيدون فوق ذلك.

الواجب على المرأة المتوفى عنها زوجها

الواجب على المرأة المتوفى عنها زوجها Q أنا امرأة مات زوجي منذ عشرة أيام وأنا أريد أن أتم العدة في بيت زوجي، وبعض الناس يقولون: لا أخرج من غرفتي ولا أنزل ولا أري النساء شعري, ولا أغتسل إلا يوم الخميس, ولا ألبس إلا ملابس سوداء, فما رأيكم؟ A هذه الأشياء ليس عليها دليل, المرأة من الناحية الشرعية إذا مات عنها زوجها فإنها تعتد عدة الوفاة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام في البيت الذي بلغها فيه الوفاة -بيت زوجها- ولا تنتقل منه حتى تنتهي الأربعة الأشهر والعشرة الأيام, ولا تنتقل ولا تخرج إلا لما لا بد منه مثل المستشفى، أو إذا كانت معلمة فيجوز أن تخرج لأداء الوظيفة وترجع, وأيضاً إذا اقتضى حضورها إلى المحكمة لعمل وكالة أو لإثبات صك وراثة, فإنها تذهب ولا حرج. أما أن تخرج للعزائم أو للتمشيات أو التسوق فهذا ممنوع, وإنما تمكث في بيتها. أما أثناء مكثها في بيتها فيجوز لها أن تخرج في فناء بيتها وتصعد سطح المنزل, ويجوز لها أن تغتسل في كل يوم وفي كل ليلة, ولكنها تجتنب أشياء: أولاً: تجتنب وسائل الزينة كلها من الذهب والخضاب والحناء والكحل والملابس المزركشة ووسائل الطيب, ولكنها يجوز أن تغتسل بالصابون ولو كان فيه رائحة طيب, هذه هي العدة. أما أنها تلبس ملابس سوداء كما يقولون, أو لا تظهر على السطح من أجل ألا يراها القمر؛ لأن في القمر رجال قاعدون كما يقولون, أو لا تخرج في الحوش, أو لا ترد على التليفون, ولا تري النساء شعرها هذا كله ليس له دليل, وليس له أساس وغير مشروع، والذي ذكرنا هو الذي يلزم المرأة فقط, ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعوضها عن زوجها بخير, وأن يرزقها الصبر وأن يحسن خاتمة الميت.

كيفية التعامل مع الكفار

كيفية التعامل مع الكفار Q كيف نتعامل مع الكفار الذين يتواجدون معنا في أماكن العمل مثل الهندوس والنصارى, وهل نظهر لهم الأخلاق الطيبة أم نتعامل معهم بغلظة؟ A في مقام الدعوة وفي حالة الرغبة إلى جلب قلوبهم للإسلام يجب علينا أن نظهر لهم هذه الأخلاق الطيبة كمرحلة من مراحل الدعوة, على أساس جذبهم إلى الدين, وإعطائهم بعدها كتباً وأشرطة وعرض الإسلام عليهم, فإن قبلوا فالحمد لله, وإن لم يقبلوا وحددوا موقفاً وقالوا: لا نريد أن نسلم, هنا يلزم بعد ذلك أن تبغضه في الله, وألا تتعامل معه إلا بما تحتاجه ظروف العمل وفي نطاق العمل فقط. أما أن تزوره أو تعزمه أو تتمشى أنت وهو, أو تتكلم معه أو تضحك له فلا, ليس من الحب في الله والبغض في الله؟ وهذا كافر والله تعالى يقول: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ} [المجادلة:22] , فتبغضهم بقلبك ولا تتعامل معهم بالتعامل الذي تتعامل به مع إخوانك المسلمين, لكن لا تحاربهم ولا تعاديهم؛ لأنهم ليسوا محاربين, الكفار الذين دخلوا إلى هذه البلاد دخلوا بعقد أمان, هم معاهدون وفي عقد أمان مع ولي الأمر, فلا يجوز قتلهم, ولا يجوز العدوان عليهم, ولا إهانتهم وأخذ أموالهم, لا. وإنما نبغضهم بقلوبنا ونصبح وإياهم في عزلة شعورية إذا يئسنا من استجابتهم للدين؛ لأن هذا هو التعامل الشرعي. وفي الختام أسأل الله تعالى لي ولكم التوفيق والسداد، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛؛؛

كيف يكون النشور؟!

كيف يكون النشور؟! البعث والنشور حقيقة حتمية لا مفر منها، ومستقبل متحقق لا محالة، والمصير بعده الجنة أو النار، وفي هذه المادة بيان لمراحل البعث وكيفيته، مع فوائد مهمة عن الفرق بين الصور والحقائق، وأن حقيقة الإيمان اعتقاد يتبعه عمل.

لكل شيء صورة وحقيقة

لكل شيء صورة وحقيقة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: لكل شيء في هذه الحياة صورةٌ وحقيقة، والصورة لا تغني عن الحقيقة شيئاً، ولا تقوم بدور الحقيقة، تقوم بدورها في الإعلام والبيان والإخبار فقط، أما في المسئولية والقيام بالواجب والدور الذي يُطْلَب من الحقيقة فلا تستطيع الصورة أن تؤدي دور الحقيقة.

أمثلة للصورة والحقيقة

أمثلة للصورة والحقيقة صورة العمارة في الحقيقة تُعْجِب في المنظر؛ لكن لا يستطيع صاحبها أن يسكن فيها، هل تسكن في عمارة من الورق؟! لا. وصورة السيارة جميلة في المنظر؛ لكنك لا تستطيع أن تركبها؛ لأنها صورة وليست حقيقة. وصورة الورقة النقدية لو أن أحداً أخذ [500] ريال وصوَّرها وذهب بها إلى السوق هل تصرف له؟ يقولون: هذه صورة لا نقبلها، رغم أن الرقم والتوقيع وكل شيء مطابق؛ لكنها صورة، فالصورة لا تنفع. حتى في المعاملات الرسمية الآن لا يُتَّخَذ إجراء مالي على صورة؛ الإجراء المالي على أصل القرار، فلو أن شخصاً تَعَيَّن أو نُقِل أو انتُدِب، أو ابتُعِث ويريد صرف مبالغ مالية مترتبة على هذا التعيين، أو على هذا البعث، أو على الانتداب، على ماذا يتخذ الإجراء؟ على أصل القرار، لماذا؟ لأنه هو الذي ينفع، أما الصورة فهي للإحاطة؛ ولا تؤدي دور الحقيقة. بل إن الحقيقة وإن كانت ضئيلة فهي تؤدي الدور عن الصورة مهما كانت الصورة عظيمة، ألا ترون صورة الأسد المعلَّق الآن في بعض جدران بيوت المسلمين وهذا خطأ، فتعليق صور الحيوانات في البيوت يكون سبباً في طرد الملائكة والعياذ بالله، فالملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلب أو صورة، وهذا في الصور المعلقة، أما الصور الممتهنة أو التي ليست معلقة فقد أفتى سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز أنها مَعْفُوٌّ عنها، مثل: الصور التي تكون في شهادة أو في أي شيء مما تدعو إليه الضرورة- فصورة الأسد تراها لكن هل أحد يخاف من هذه الصورة؟! بل لو دخل الفأر وهو أضعف المخلوقات ويضرب به المثل في الذلة، ووجد صورة الأسد من قماش فإنه ربما يأكلها! فحقيقة الفأر تأكل صورة الأسد، ولا تمتنع صورة الأسد من حقيقة الفأر، فالحقيقة مهما صَغُرت أعظم قدراً من الصورة مهما كَبُرت. لو دخل أسد إلى المدينة الآن فهل أحدٌ سيخرج؟! بل ستتحرك وسائل الدفاع المدني والإسعافات، والكل سيدخل بيته، ولن يخرج شخص، بخلاف الصورة فإنها معلقة في الصحف وفي الجدران ولا أحد يخاف منها.

الإيمان له صورة وحقيقة

الإيمان له صورة وحقيقة لكل شيء في الحياة صورة وحقيقة. ويوم أن كان المسلم حقيقة كان له دور، كان يقوم بدور الأسد، يقول عليه الصلاة والسلام: (نُصِرْتُ بالرعب مسيرة شهر) مسيرة شهر في الأمام، ومسيرة شهر في الخلف، ومسيرة شهر في اليمين، ومسيرة شهر في الشمال، والرعب يقطِّع قلوب أعدائه على مسيرة شهر! لماذا؟! لأنها حقيقة المسلم، الإيمان حل في قلوبهم، فنصرهم الله بالرعب الذي يقذفه في قلوب أعدائهم؛ لكن لَمَّا عُدِمت الحقيقة الإيمانية من قلوب المسلمين هُزِموا بالرعب مسيرة سنة، فإسرائيل في طرف الأرض؛ لكنهم يخافون منها وهم في الطرف الثاني، وهم الذين قال الله فيهم: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [البقرة:61]. ويقول: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُر} [الحشر:14] لا يستطيع اليهودي أن يبرز في الميدان ليقاتل بالسلاح الأبيض أبداً، ولهذا الآن السلاح الذي حمله أطفال الحجارة. وهي حجارة صغيرة، حتى قال بعض أهل العلم: إن الحجارة الآن أصبحت نادرة في فلسطين، ولم تعد هناك صخور، فقد جمَّعها اليهود؛ لأنهم يخافون من الحجارة، وترى اليهودي جالساً وراء الجدار وبندقيته معه، ورشاشه معه، مدججاً بالسلاح؛ ويخاف من الحجر الصغير؛ لأنه مضروب عليه الذل، فممن يخاف؟! من طفل أو طفلة، يطارد، ويضرب بالقنابل المسيلة للدموع، ويقتل، من أجل الحقيقة التي وُجِدَت في قلوب المؤمنين، من الصغار الذين يجاهدون الآن في فلسطين، ولا أحدٌ يدري عنهم، إلا كل يوم تسمعون: شهيد شهيد شهيد إلى متى هذا؟ لا إله إلا الله!

صورة الإسلام لا تغني عن حقيقته

صورة الإسلام لا تغني عن حقيقته حقيقة المسلمين يوم أن كانت موجودة كان لها أثر، والصورة -كما قلنا- لا تعمل عمل الحقيقة. ونحن نأمل إن شاء الله أن تعود الحقيقة إلى هذه الأمة بإذن الله، مع هذا التوجُّه الذي نلمسه الآن، وهذا الإقبال الذي نلحظه في صفوف الشباب، وفي صفوف المسلمين بصفة عامة، حين تُعْمَر بيوت الله بالذكر، وتُعْمَر بيوت الله بالصلوات، ويبتعد الشباب -والحمد لله- عن طرق الفساد، ووسائل الشر، ويتركون الغناء والزنا والمحرمات، ويقبلون على العلم، وعلى قراءة القرآن، وعلى دراسة كتب الصحاح من كتب السنة، ويقبلون على الله، فهؤلاء سيكون -بإذن الله عزَّ وجلَّ- على أيديهم الحقيقة؛ لأنهم يدركونها، بإذن الله عزَّ وجلَّ. يقول الناظم: في قديم الدهر كنا أمة لهف نفسي كيف صرنا أمما؟! ويقول الثاني: مَلَكْنا هذه الدنيا قرونا وأخضعها جدودٌ خالدونا وسَطَّرنا صحائف من ضياءٍ فما نسي الزمانُ ولا نسينا حملناها سيوفاً لامعاتٍ غداة الرَّوْعِ تأبى أن تلينا إذا خرجت من الأغماد يوماً رأيتَ الهولَ والفتحَ المبينا وكنا حين يأخذنا عدوٌ بطغيانٍ ندوسُ له الجبينا صرخت امرأة في عمورية وقالت: وامعتصماه!! لأنها ذات يوم كانت تبيع وتشتري، فجاء علج كافر من ورائها، وربط طرف ثوبها إلى ظهرها وهي جالسة ولم تعلم، فلما قامت انكشفت عورتها، فقالت: وامعتصماه! وهو في بغداد، فجهز جيشاً أوله في عمورية وآخره في بغداد، ولكن رُبَّ وا معتصماه انطلقتْ ملء أفواه الصبايا اليُتَّمِ لا مست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصمِ ويقول آخر: وكنا حين يأخذنا عدوٌ بطغيانٍ ندوسُ له الجبينا ثم قال: وما فتئ الزمان يدور حتى مضى بالمجد قومٌ آخرونا وأصبح لا يُرى في الركب قومي وقد عاشوا أئمته سنينا تُرَى هل يرجع الماضي فإني أذوب لذلك الماضي حنينا ملكنا حقبة في الأرض مُلْكاً يدعِّمه شبابٌ طامحونا شبابٌ لم تحطِّمه الليالي ولم يُسْلِم إلى الخصم العرينا وما عرفوا الأغاني مائعاتٍ ولكنَّ العُلا صيغت لحونا وما عرفوا التخنُّث في بناتٍ وما عرفوا التأنُّث في بنينا إذا جن المساء فلا تراهم من الإشفاق إلا ساجدينا هؤلاء -إن شاء الله- سيكون على أيديهم نصرة الإسلام، وعودة القدس بإذن الله، وسيطرة الإسلام على العالم بعد أن رأينا بذور النصر وفجره يطل من أرض الأفغان، فهناك شباب عزل ليس عندهم شيء إلا الإيمان.

حقيقة الإيمان في أفغانستان هي السبب في هزيمة الروس

حقيقة الإيمان في أفغانستان هي السبب في هزيمة الروس يقول سياف بعدما سَحَبَت روسيا جيوشها البشرية، وأوجدت الجيوش المدرَّبة من الشيوعيين الملاحدة الذين ربَّتهم وغسلت أدمغتهم من الإيمان، وزوَّدتهم بأفتك الأسلحة، وبأعظم ما تملك من قدرات، فيقول له الصحفيون: ماذا بك؟! هل تتصور أنت أن المسألة ليست لصالح المجاهدين بعد أن قامت روسيا بمد جسر جوي من الذخائر والإمكانات والقوى، بينما المجاهدون لا أحد يعطيهم شيئاًَ، إلا ما غنموه من أيدي الكفار. وعندما سألوه: مَن يزودكم بالسلاح؟ قال: روسيا. قالوا: كيف ذلك؟! قال: نقتِّلهم ونأخذ أسلحتهم. فقال لهم سياف نحن قد بايعنا الله على الجنة بأموالنا وأنفسنا، وأما النصر على الأعداء، وفتح جلال أباد، واحتلال كابل، وطرد الشيوعيين فهذا ليس من ضمن العقد إنما هو ربح؛ لأن الله قال: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا} [الصف:13] ما هي؟! {نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} [الصف:13] وهذه ليست ضمن العقد؛ العقد: أن لكم الجنة بالمال والنفس، ادفعوا المال والنفوس ولكم الجنة، والربح إن جاء من الله فهو فضل. يقول: وإن لم يأتِ فالعقد الذي بيننا وبين الله قد أمضيناه، وما بقي إلا هذه، إن أتت فهي مكسب، وإن لم تأتِ فنحن والله لن نقف حتى نموت أو ننتصر. هذه هي القوة العظيمة، حتى اضطرت روسيا إلى أن تنسحب من أفغانستان، وأن تراجع حساباتها مع مبادئ ماركس، وأن تعلن التمرد عليها، ثم ينتشر هذا في الدول الشرقية: شرق أوروبا، في رومانيا، وتشيكوسلوفاكيا، ويوغسلافيا، وبلغاريا؛ بلغاريا التي -قبل ثلاثة أشهر- تجبر كل مسلم أن يغير اسمه، إذا جاء له ولد لا يسميه محمد، ولا علي، ولا عبد الله، لا بد أن يسميه باسم كافر وإلا فالذبح، وقبل ثلاثة أيام اجتمع مجلس الشعب الخاص بهم وقرر إعطاء المسلمين حريتهم في اختيار أسمائهم، وممارسة عباداتهم، وعدم ممارسة أي ضغط عليهم: {نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ} [الصف:13] فهذه هي الحقيقة -أيها الإخوة- وهذه هي الصورة.

حقيقة الإيمان

حقيقة الإيمان الإيمان في القلوب له حقيقة وله صورة، فما حقيقة الإيمان؟ الإيمان له ثلاث حقائق: - حقيقة في اللسان. - وحقيقة في القلب والجنان. - وحقيقة في الجوارح والأركان. أما حقيقة اللسان فهي: النطق بالشهادتين. وحقيقة القلب هي: الجزم الذي لا يخالطه أدنى شك على قضايا الإيمان. وأما حقيقة الإيمان في الجوارح والأركان فهي: الخضوع والإذعان والاستسلام لكل أوامر الله، والبعد كل البعد عن كل ما حرم الله، وهذا هو الإيمان الحقيقي. ومن الناس من يقول: آمنتُ بلساني، ولكنه كذاب، ويقول: آمنتُ بقلبي، ولكنه كذاب. يقول الله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:8 - 10].

كيف يعرف الشخص حقيقة الإيمان في قلبه

كيف يعرف الشخص حقيقة الإيمان في قلبه إذا أردت أن تعرف هل في قلبك حقيقة الإيمان أم صورته، فاعرض نفسك وعملك وبرنامج حياتك وجميع أعمالك وتصرفاتك، على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، منذ أن تستيقظ إلى أن تنام، اعرض وانظر، فإن وجدت أنك تسير مع الأمر والنهي، مع أوامر الله منفذاً لها، ومع النواهي تاركاً ومرتدعاً عنها، فاعلم أن حقيقة الإيمان قد استقرت في قلبك، فزِدْ واسأل من الله أن يثبتك عليها حتى تلقى الله؛ لأن هذه الحقيقة هي التي دفعتك إلى أن تعمل العمل الصالح، وهي التي دفعتك إلى أن تستيقظ لصلاة الفجر في المسجد؛ لأنك آمنتَ أن صلاة الفجر في المسجد فريضة، وأنها علامة صدق الإيمان، وأن: (مَن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله) وأن: (مَن مشى في ظلمة الليل إلى المساجد لقي الله بنورٍ ساطعٍ يوم القيامة) وأن: (مَن صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي).

الإيمان الصادق والإيمان المزيف

الإيمان الصادق والإيمان المزيف هذه حقائق قالها الرسول صلى الله عليه وسلم، إذا استقرت في قلبك وصدقتَ بها دفعتك هذه الحقائق إلى أن تقوم لتصلي؛ لكن إذا نُمْتَ ولم تقم لتصلي صلاة الفجر وأنت تعلم هذه الأوامر، فاعلم أن حقيقة الإيمان ما استقرت في قلبك؛ لأنه لو قيل لك: إن في المسجد في وقت صلاة الفجر خمسين ريالاً تُصْرَف، لو صدر أمر الآن أن خمسين ريالاً لِمَن يصلي الفجر في المسجد -الآن استقرت في قلوب الناس حقيقة الإيمان بالريال، وقوة الريال الشرائية- فإذا صلى الفجر وأخذ الخمسين من الإمام، فإنه يغدو إلى البيت ويأتي بفطور، ويأتي بغداء، ويشتري فاكهة، وغير ذلك ويبقى راتبه وراء ظهره، فمَن الذي يترك الصلاة في المسجد ذاك اليوم؟! هل أحد يتركها؟! لا تجد أحداً يتركها، هل سيقوم ليصلي ويترك أولاده نائمين؟! لا والله لا يخرج إلا وهم معه، ولو بالعصا. وأيضاً لو قيل للناس: إن الذي يأتي في الصف الأول يستلم الأول، والذي في الصف الثاني يستلم الثاني، والذي يأتي في الأخير ربما لن يستلم إلا الساعة السادسة والنصف أو السابعة؛ ما رأيك؟! هل يتضاربون على الصف الأول أم لا؟! بل بعضهم يأخذ بطانيته من نصف الليل، ويأتي لينام في الصف الأول: ما بك؟! قال: أنا مشغول غداً، لا أريد أن يفوتني الطابور، وهو ليس بمشغول؛ بل يريد أن يأخذ الفلوس. لكن من يؤمن بهذه الحقائق؟! الذين استقر الإيمان في قلوبهم. فتلك الخمسون ريالاً استقر الإيمان في جدواها، ومن أجلها نأتي لنصلي؛ لكن إذا لم تكن هناك فلوس، وليس هناك إلا الثواب والأجر، والجنة والإيمان فمن الذي يأتي؟! الذي استقر الإيمان في قلبه. أما ذلك المنافق المنكوس القلب الذي لا يؤمن إلا بلذاته وشهواته إذا سمع: الله أكبر، الله أكبر، مَطَّ البطانية ونام، هذا كذاب في إيمانه، دجال، ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام: (فرق ما بيننا وبين المنافقين صلاة العشاء والفجر). ويقول: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً). الآن آمَنَ الناس إيماناً جازماً ما خالطه شك بنظام المرور! مَنْ السائق الذي يأتي إلى الإشارة الحمراء ويقطعها؟! لا أحد، ولو كانت زوجته معه ستلد، أو كان معه مريض سيموت فإنه لن يقطعها؛ لأن الإشارة حمراء، وإذا قطعها وهي حمراء ماذا يقول الناس عنه؟! الذي بجانبه، والذي وراءه، كلهم ينظرون إليه، ويطاردونه، ويأخذون رقمه، ويبلغون به: كيف تقطع الإشارة؟! حسناً الاتجاهات الآن بين أبها والخميس، اتجاه من اليمين ذاهب، واتجاه من اليسار عائد، أليس الناس كلهم على هذا الخط، أصحاب اليمين في اليمين، وأصحاب اليسار في اليسار؟! ما رأيكم لو أن شخصاً جاء من جوحان يقصد الخميس، فلا بد له أن يفترق من عند مفروشات المطلق؛ لكنه يقول: أنا مستعجل يا جماعة، لن أمشي من هناك، سأمشي من هنا، وعكس الخط ومشى، وكلما جاءته سيارة لَفَّ منها، ما رأيك؟! أليس كل مَن يأتي من الخميس ينكر عليه، ويضرب له المنبه، ويقف جانباً، ويقول: ارجع، لا يراك الناس، يا غلطان؟! لماذا؟! لأنه عاكسٌ للخط، وقد آمن الناس بهذا، ولذا لا أحد يعكس الخط، ولا أحد يقطع الإشارة، وكل واحد في خطه. لكن من الناس من يعكس الخط مع الله، ويقطع الإشارات على الله، لماذا؟! لأنه ما آمن بأن هناك من يراقبه ويسجل عليه، آمن بأن هناك من يراقبه إذا قطع الإشارة، ولذا إذا جئت في نصف الليل، أو الساعة الواحدة، أو الساعة الثانية، والإشارات لا زالت حمراء، فإنك تلقى السائق واقفاً، رغم أن الخط فارغ، ومع ذلك لا يمشي: ما بك لا تمشي؟! يقول: فلعل جندياً هناك وراء تلك الزاوية يراني. إيمان بالغيب حتى ولو أن الجندي نائم أو ليس بموجود؛ لكن استقرت هذه الحقائق في قلوب الناس. ولكن لم تستقر في قلوب الناس حقيقة الإيمان بعقوبة الله للعاصين وبثواب الله للطائعين، ولذا نرى الكثير من الناس يتساهل في الطاعات، ولا يهمه أمرها -والعياذ بالله- يتساهل في المعاصي ويقع فيها، ولا يقف عندها إلا أهل الإيمان، أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلني وإياكم منهم. صاحب الإيمان يضطرب قلبه ويتقطع لنغمة يسمعها في الإذاعة عندما يريد سماع الأخبار؛ حيث يسمع قبلها موسيقى أو غيرها من آلات اللهو لماذا؟! لأنه مؤمن. لكن صاحب النفاق، لا ينبسط إلا إذا سمع تلك النغمات والآلات، بل يشتريها بفلوس، بعضهم يشتري الأسطوانات بعشرين وبثلاثين ريالاً، والأشرطة والأفلام ويسمعها! يشتري بماله ما يهلك نفسه ويسهر ليله، والشياطين تبرك عليه، وتغويه إلى أن يتفتت قلبه، ويطير قلبه في كل وادٍ وفي كل بيداء وفي كل صحراء بعيداً عن الله. فللإيمان صورة وحقيقة -كما قلت لكم- وصورة الإيمان لا تغني عن حقيقة الإيمان شيئاً، يوم القيامة يأتي المؤمن الحقيقي فيجد أن حقيقة إيمانه تنفعه؛ لأنه جاء بعملة أصلية، أما الذي جاء بصورة الإيمان فإيمانه مُزَيَّف. فالذي يأتي يوم القيامة بصورة الإيمان الذي ما أيقظه لصلاة الفجر، ولا حجزه عن الأغاني، ولا حجزه عن النظر إلى المحرم، ولا حجزه عن الكلام المحرم، ولا عن الغيبة، ولا عن النميمة، ولا عن أكل الحرام، ولا عن الوقوع في الزنا واللواط والحرام، هذا الإيمان لا يغني عنه شيئاًَ؛ لأنه إيمان مزيف، وإيمان كاذب.

كيف يكون النشور

كيف يكون النشور درسُنا في هذه الليلة سيكون عن (كيف يكون النشور؟!) امتداداً لدروس في الماضي عن البعث واليوم الآخر، وسيكون هذا الدرس بعنوان: (كيف يكون النشور؟!). أي: كيف يتم بعث العباد ونشرهم من قبورهم؟! وهذا الدرس معادٌ، كنت قد ألقيته في الأسبوع الماضي في خميس مشيط، وقد عزمنا إن شاء الله على أن يُكَرَّر الدرس، فالذي يقال هنا يكرَّر هناك. لماذا؟ لثلاث فوائد: الفائدة الأولى: أن المكرَّر يتقرَّر:- فالدرس إذا أخذتَه هنا وكررته في الخميس يُحْفَر في قلبك، ولن يضيع أثره، مثل الخط أو القلم إذا كتبتَ به على ورقة، الخط الأول واضح؛ لكن أعد عليه بالخط الثاني، ماذا يصير؟! أوضح، أليس كذلك؟! فالمكرَّر يتقرَّر. هذه واحدة. الفائدة الثانية: أن من فاته درس أبها لا يفوته درس الخميس. الفائدة الثالثة: أنه يسهِّل أيضاً على الملقي قضية المراجعة:- بحيث يمكنه أن يُعِدَّ ويراجع ويبحث خلال خمسة عشر يوماً، خاصة إذا كان مثلي، فأنا لا أجد فرصة كبيرة للمراجعة؛ نظراً لكثرة ارتباطاتي ومواعيدي. أسأل الله أن يعيننا وإياكم، وأن يجعل كل أعمالنا وإياكم في سبيل الله عزَّ وجل وخالصة لوجهه الكريم.

معنى البعث والنشور

معنى البعث والنشور كيف يكون النشور؟! وما المراد بالبعث؟! وما هو معنى النشور؟! المراد بالبعث: إعادة الأجسام، وإحياء العباد في يوم المعاد. والنشور معناه موافقٌ لهذا المعنى، يقال: نُشِر الميت نُشُوراً أي: إذا عاش بعد الموت، يقول الله عزَّ وجلَّ: (ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عبس:22] أي: بعثه وأحياه، فإذا شاء الله تبارك وتعالى إعادة العباد وإحياءهم أمَرَ إسرافيل؛ وإسرافيل ملك من حملة العرش موكل بنفخ الصور، ينفخ فيه نفختين، النفخة الأولى للصعق والإهلاك والإبادة، والنفخة الثانية: للإحياء والإعادة، فهاتان نفختان، وهما اللتان قال الله فيهما: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى} [الزمر:68] هذه النفخة الثانية {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68].

نفخة البعث وقيام الكافرين فزعين

نفخة البعث وقيام الكافرين فزعين قد حدث الله عزَّ وجلَّ عن مشهد البعث العجيب الغريب الرهيب الذي تشيب منه مفارق الوليد، فقال: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [يس:51] ينسلون: يخرجون من القبور، كل واحد ينسل من قبره، والأجداث هي القبور، من يوم أن يُنْفَخ في الصور تراهم ينسلون. {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس:52] يقول هذا أهل الكفر والنفاق يقولون: مَن ردنا إلى هذه الحياة؟! فيرد عليهم أهل الإيمان: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يس:52] يقول هذا المصدق صاحب الإيمان: هذا البعث وهذا الخروج وهذا النشور هو ما وعد الله به وصدق المرسلون حينما أخبروا بالبعث، وهاهو اليوم يتحقق، قال عزَّ وجلَّ: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس:53].

نزول ماء من السماء تنبت منه أجساد العباد

نزول ماء من السماء تنبت منه أجساد العباد قد جاءت الأحاديث الصحيحة الصريحة مُخْبِرة بأنه يسبق النفخة الثانية نزول ماء من السماء، ينزل هذا الماء في فترة زمنية محددة بأربعين قيل: أربعون سنة، وقيل: أربعون يوماً، والخلاف وارد فيها، فبين النفخة الأولى التي يموت فيها الناس والنفخة الثانية التي يبعث فيها الناس، فترة زمنية ينزل فيها ماء من السماء كمَنْي الرجال، وهذا الماء تنبت منه أجساد العباد، كما تنبُت من الماء ثمار الأرض وخيرات الأرض، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم والحديث في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: (ثم يُنْفَخ في الصور، فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتاً ورفع ليتاً) والليت هو صفحة العنق، أي: إذا سمعوا الصوت فكل واحد ينتبه، من باب الاستعداد والترقب والتوجس لسماع هذه الصيحة، (وإن أول من يسمعه رجلٌ يلوط حوض الإبل -أي: يغسله- فيصعق ويصعق الناس، ثم يرسل الله، أو قال: ينزل الله مطراً كأنه الطل، فتنبت منه أجساد العباد، ثم يُنْفَخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون).

أدلة البعث والنشور

أدلة البعث والنشور تنبت أجساد العباد كما تنبت الحبة في حميل السيل من الماء الذي ينزل من السماء، ثم تأتي النفخة الثانية والأجساد جاهزة بمجرد رجوع الروح، الروح قد خرجت ومات الإنسان؛ لكن إذا أعيد الجسد تأتي الروح ليقوم الإنسان مثلما يقوم من النوم، وإنبات الأجساد من التراب من معدنها الأصلي، فإن الإنسان في الأصل من أين جاء؟! من التراب: {الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [غافر:67] فالإنسان أصله مخلوق من التراب، ثم إذا مات يعود ويتحلل ويفنى، ويذهب في التراب، ثم إذا أراد الله إنباته مرة ثانية أخرجه من التراب: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:55] فمن الأرض خُلِقْنا، وإليها نعود، ومنها نخرج، فهي أمنا، هي الكافتة، الله يقول: {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً * أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً} [المرسلات:25 - 26] أحياءً تكفتهم، وأمواتاً تكفتهم، تكفتهم على ظهرها وتكفتهم في بطنها.

بعث الناس يشبه إنبات النبات

بعث الناس يشبه إنبات النبات يقول عزَّ وجلَّ وهو يخبر عن مثال يضربه للناس في قضية الإحياء بعد الموت بالقياس على إحياء الأرض بعد موتها؛ لأن إنباتَ الأجساد يماثل إنبات الأرض إذا نزل الماء عليها، ولذا فإن الله قد أكثر في القرآن الكريم من ضرب المثل للبعث والنشور بإحياء الأرض بالنبات الذي ينبت عقِب نزول الغيث؛ لأنه مساوٍ له، يقول عزَّ وجلَّ: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ} [الأعراف:57] سبحان الله! كيف يسوق الله الغيث؟! السحاب يأتي من هنا، يطلع من البحار، ثم يتخلل إلى السماء، ثم يرسل الله الرياح فتسوقه، ثم يقسِّمه الله على الأرض بحكمة وعدل، يقول الله عزَّ وجلَّ: {يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ} [الشورى:27] أي: ما تنزل قطرة في الأرض إلا بتقدير من السماء، تجد السحب تمر على أبها وتمر على الخميس، وتذهب في وسط الصحراء فتُنَزِّل، لِمَ لَمْ تُنَزِّل هنا؟! لِمَ لَمْ تُنَزِّل في الخميس؟! لِمَ لَمْ تُنَزِّل في أبها؟! مَن الذي أوصلها إلى بيشة؟! مَن الذي أوصلها إلى وادي الدواسر؟! مَن الذي يسوقها؟! إنه الله تبارك وتعالى. فالله هو الذي قال: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى:28]. فيقول عزَّ وجلَّ: {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأعراف:57] كما أحيينا الأرض بعد موتها نحيي الناس بعد موتهم. أنت الآن عندما تأتي إلى شجرة بعد المطر، كانت غبراء والأرض كانت غبراء؛ ولكن بعد نزول الغيث وبعد أسبوع أو أسبوعين فتأتي وإذا بالأرض خضراء، وقد نبتت من تحت الشجرة زهور حمراء وزرقاء وخضراء وصفراء، ونباتات ملونة، يقول الله عزَّ وجلَّ: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج:5] فأين كانت هذه البذور؟! في الأرض موجودة، ولماذا لم تنبت؟! لأنه ليس هناك ماء، فلما جاء الماء طلعت. إذاً: بذور البشر الآن الذين قد ماتوا من آدم إلى يومنا، أين هي الآن بذورهم؟! موجودة في الأرض، لماذا لا ينبتون؟! لأنه لا يوجد ماء ينبتهم، إذا جاء ماؤهم من السماء نبتوا سواءً بسواء. ويقول عزَّ وجلَّ: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} [فاطر:9] أي: كذلك البعث. ويقول عزَّ وجلَّ: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكاً فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقاً لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق:9 - 11] أي: كذلك البعث يوم القيامة. ويقول عزَّ وجلَّ: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى} [الروم:48 - 50] الذي أحيا الأرض بعد موتها إنه لمحيي الموتى {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الروم:50].

الإعادة أهون من البدء

الإعادة أهون من البدء يقول عزَّ وجلَّ في سورة الحج وهو يلفت نظر الناس الذين يكذبون بالبعث إلى عملية الخلق التي تتم الآن يومياً، ما من يومٍ يمر على الناس في أي بلد وفي أي قرية وفي أي مدينة إلا ويأتي مولود جديد، يذهبون بأمه إلى المستشفى، وتلد، ويأخذون طفلاً، فينظرون فيه، فيقولون: سبحان مَن خَلَق! وأمه -التي هو في بطنها- لا تعلم عنه شيئاً، وإذا به مُصَوَّرٌ ومُرَكَّبٌ مِن عينين، وسَمْع، وبصر، ولسان، وفؤاد، ويَدَين، ورِجْلَين. مَن الذي خلق هذا الإنسان؟! ومَن صوَّره؟! ومَن ركَّبه؟! ومَن شقَّ سمعه؟! ومَن شقَّ بصره؟! ومَن نفخ فيه الروح؟! مَن أعطاه هذا التناسق، وهذا البناء العظمي، والبناء الهضمي، والبناء الدموي، والبناء التنفسي؟! كل أجهزته متناسقة ومنظَّمة، ما رأيكم لو جاءت خلية الرِّجْل عند رأسه؟! فطلعت رِجْلُه في رأسه وعينه في رجله؛ لأنه ما من جزئية من جزئياتك إلا ولها في الأصل خلية صغيرة، فخلية العين تنبت عيناً، وخلية الإصبع تنبت إصبعاً، وخلية السمع تنبت سمعاً، وخلية الرِّجْل تنبت رِجْلاًَ؛ لكن وقت أن تضع هذه النطفة في رحم الأم فإن الخلايا كلها تكون موجودة، وكل خلية في مكانها، لا تتحرك حركة واحدة عن مكانها الثابت، ثم يحصل التوقيع، ويحصل النمو في تطور مراحل التقويم، ثم يجعل الله هذا الطفل في قرارٍ مكين، يقول الله: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ * وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات:20 - 24]. يخرج الطفل هذا وإذا به مخلوق، فمَن خلقه؟! الله. حسناً الذي خلقه أليس قادراً على أن يعيده؟! لا إله إلا الله! {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الروم:27] يذكر الله تبارك وتعالى في سورة الروم أن الإعادة أسهل من البداية. عندما تبني جداراً ثم تهدمه، فإعادته أسهل من بدايته، لماذا؟! لأنك عندما بدأته جئت بحجارة، وجئت بطوب، وتعبت؛ لكن لَمَّا ترده فكل شيء موجود، الأعضاء موجودة؛ وهذا في مقاييس البشر، ولكن ليس عند الله أهون ولا أصعب؛ لأنه على كل شيء قدير. يقول عزَّ وجلَّ في سورة الحج: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مَنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج:5 - 7] فالله تبارك وتعالى ذكر في القرآن عملية البعث، واستشهد عليها بمثالٍ يَتِمُّ الآن أمام أبصارنا وهو: إحياء الأرض بعد موتها، والذي أحياها قادرٌ على إحياء الناس بعد موتهم. وهناك مماثَلة ومشابَهة بين إعادة الأجسام في إنباتها وبين إنبات النبات بنزول الماء، فإنها إذا نزل عليها الماء في الأرض تحركت وأنبتت ودبت فيها الحياة، وضربت الجذور في الأرض وسُقِيَت بماء السماء، فإذا هي نبتة خضراء جميلة فيها ثمار.

الإنسان ينبت من عجب الذنب الذي لا يبلى

الإنسان ينبت من عجب الذنب الذي لا يبلى كذلك الإنسان في الآخرة يتكون ويبدأ مِن عظمٍ صغير، عندما يصيبه الماء الذي ينزل من السماء ينمو ويعود كما كان، وهذا العظم هو عَجْبُ الذنب، وهو عظم صغير في آخر السلسلة الفقرية -العمود الفقري- يَفْنَى الجسد، أو يُحْرَق، أو يُفَتَّت، أو يُطْحَنَ، وهذا العظم الصغير لا يَفْنَى. توجد بذور الآن تُحْرَق حرقاً، بل تُهْضَم وتؤكل وتتحوَّل، وإذا خرجت إلى الخارج تجدها تنبت، مثل بذور الطماطم، إذا أكل الإنسان الطماطم، وبعد أن يأكلها ويهضمها وتقطعها معدته، ثم إذا تغوط في الخلاء، وجاء المطر ترى نبت الطماطم يخرج، من أين؟! من النبتة التي ما هضمتها المعدة. كذلك هذه الحبة عَجْبُ الذنب الموجودة في آخر العمود الفقري؛ يَفْنَى كل شيء في الإنسان إلا هي، إلى أن ينزل عليها ذلك الماء من السماء. وأصل الذنب في آخر العمود الفقري دل عليه الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بين النفختين أربعون، ثم ينزل من السماء ماءٌ فينبتون كما ينبت البقل، وليس في الإنسان شيءٌ إلا يَبْلَى، إلا عظم واحد وهو عَجْبُ الذنب، منه يُرَكَّب الإنسان يوم القيامة). وهذا العظم في آخر العمود الفقري، قال في الحديث: (إن في الإنسان عظماً لا تأكله الأرض أبداً، منه يُرَكَّب يوم القيامة، قالوا: أي عظمٍ هو يا رسول الله؟! قال: عَجْبُ الذنب). وفي رواية في صحيح البخاري وفي الموطأ أيضاً، وعند أبي داوُد، والنسائي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل ابن آدم تأكله الأرض إلا عَجْبُ الذنب منه خُلِق وفيه يُرَكَّب).

حفظ الله لأجساد الأنبياء

حفظ الله لأجساد الأنبياء قد دلت الأحاديث الصحيحة أن أجساد الأنبياء لا يصيبها البلاء، فجميع البشر تأكلهم الأرض إلا الأنبياء، وبعض الشهداء الذين يكرمهم الله عزَّ وجلَّ فلا تأكلهم الأرض، وقد حصلت هذه الكرامات لبعض شهداء أفغانستان، شهداء ماتوا ووجدوهم بعد فترة طويلة ودماؤهم ما زالت تنزف، وأجسادهم ليِّنة رطبة كأنهم ما توا في تلك اللحظة. كذلك أجساد الأنبياء لا تأكلها الأرض لِمَا رواه أبو داوُد بسندٍ صحيح قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) لا تأكلهم الأرض فأجسادهم موجودة كما ماتوا إلى يوم القيامة، وإذا بُعِث الرسول يوم القيامة وإذا بجثته التي كان عليها يوم أن مات -صلوات الله وسلامه عليه-. وقد ذكرت كتب التاريخ أن مجموعة من النصارى أرادوا أن يسرقوا جسد النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسلوا اثنين منهم، وجاءوا إلى المدينة المنورة، وتعبدوا في الحرم -وهم نصارى- وأظهروا النسك والعبادة، وانقطعوا للعبادة في الحرم النبوي، وكانوا لا يخرجون من المسجد أبداً، بالليل والنهار عبادة، وقراءة، وبكاء عند القبر وعند الحُجْرَة، مِن أجل أن يبلغوا حاجةً في صدورهم، وهي سرقة جسد النبي صلى الله عليه وسلم، وأَمِنَهم الناس، وأحبهم الناس، ورأوا أن فيهم علامات الصلاح والولاية، وشيئاًَ لا يتصوره العقل. وكانت لديهم نقود أتوا بها من بلادهم والدول التي أرسلتهم، فقاموا واشتروا داراً قريبةً من حُجْرة النبي صلى الله عليه وسلم التي فيها قبره، وصاروا يجلسون طوال اليوم وجزءاً من الليل في المسجد، ثم يذهبون وينامون في غرفتهم التي بجوار المسجد. ثم حفروا لهم حفرةًَ في وسط الغرفة، وبدءوا ينبشون الأرض من الداخل، من أمام المنطقة التي تصل بهم إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وبطريقة مخفية وسهلة ولا يكتشفها أحد، وعلى مدة من الزمن، فهم لا يريدون أن يسرقوا الجسد في سنة، أو سنتين، أو ثلاث، بل لا يُخْرجون في بعض الأيام من التراب إلا زنبيلاً أو زنبيلين؛ لكن مع الزمن يقال: (جبال الكحل تفنيها المراود). فهؤلاء بدءوا في طريقتهم حتى لم يبقَ بينهم وبين جسد النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه إلا شيئاً يسيراً. وإذا بالإمام المجاهد العظيم نور الدين الزنكي وهو في دمشق -حاكمٌ من حكام الدولة الأيوبية- إذا به يرى في المنام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول له: يا نور الدين، أنقذني مِن هذين، وهما رجلان أمامه، فتفرَّس في وجهيهما ورآهما، فإذا بعلامات الصلاح والهداية والنور تبدو منهما. قال: فقمتُ وصليتُ ثم نمتُ، وإذا به مرة ثانية في الليل يقول: أنقذني يا نور الدين مِن هذين. قال: فصليتُ ونمتُ وعزمتُ أن أعمل شيئاً، وإذا بي أرى الرؤيا مرة ثالثة: يا نور الدين، قم أنقذني مِن هذين. وإذا بالرجل لم يعد يأتيه نومٌ، فقام ونادى وزراءه، وأمر بالجيش وجهَّزه، وأخذ المال والرجال، وما أمسى بعد أسبوعين إلا في المدينة المنورة. ولما قَدِم المدينة المنورة نزل في بيته، وأعد وليمة وهدايا، وطلب من حاكم المدينة أن يجمع أهل المدينة كلهم، وأن يدخلهم من أمامه ليعطيهم الجوائز، فجمع الناس كلهم في صعيدٍ واحد وبدءوا يدخلون من أمام الملك والملك يقسِّم عليهم، وينظر في وجوههم، إلى أن انتهى الناس كلهم، ولم يجد أحداً تنطبق فيه صفات هذين الرجلين الَّذَين رآهما في المنام، سأل الأمير قال: بقي أحد في المدينة؟ قال: أبداً، لم يبقَ أحد إلاَّ رجلَين زاهدَين عابدَين منقطعَين في العبادة، لا يريدان الدنيا، ولا يريدان العطايا، ولا يرغبان في الجوائز، ولا يخرجان من المسجد، فهما من أهل الله، لا يأتون أبداً، قال: ائتوا بهم إليَّ. فأرسل الرجال، فأخذوهما، وجاءوا بهما، وعندما دخلا عليه، وإذا بهما هما اللذين رآهما في المنام، وهما صاحبا الصورة، فقال: أدخلوهما. فأدخلهما السجن، وبدأ التحقيق معهما، وتفتيش بيتهما، وعندما جاءوا إلى البيت وإذا بظاهره فراش ولا أحد يشك فيه، ففتحوه وإذا بالحفرة تحته، فنزلوا فيها وإذا بهم لم يبقَ بينهم وبين قبر الرسول إلا قريباً من شبر فقط. فأمر بقطع رأسيهما بعد أن اعترفا، فقالا: نحن جئنا من الجهة الفلانية لسرقة جسد النبي صلى الله عليه وسلم. فأمر بقطع رقبَتَيهما في السوق علناً، ثم أمر فضُرِب حول قبر النبي صلى الله عليه وسلم بدائرة صبَّت بالرصاص، بحيث لا يستطيع أحد أن ينقضها بأي حالٍ من الأحوال، وهذا من حماية الله لجسد النبي صلى الله عليه وسلم. يبعث الله العباد على ما ماتوا عليه، ولهذا احذر لا تمُت وأنت حالقٌ للحيتك، فتُبعث حالقاً للحيتك. بأي وجه تقابل الرسول ووجهك ليس مثل وجه الرسول صلى الله عليه وسلم؟! كيف تقابل الرسول وأنت حليق؟ مَن قدوتك وأنت حالق؟! اسأل نفسك الآن: مَن الذي يحلق؟! هل هو الرسول؟! لا. هل هم الصالحون؟! هل هم الصحابة؟! لا. الذي يحلق هم المجوس واليهود والنصارى، فليسوا قدوتك أنت، الله يقول: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] لكن من هو الذي له أسوة حسنة في رسول الله؟! {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب:21] ولا تتذرع ولا تتعذر وتقول: والله اللحية لا تعني شيئاً، الإيمان في القلوب، نقول: صدقتَ، ولا نقول لك: إن الإيمان في اللحية، بل الإيمان في القلوب؛ ولكن للإيمان شواهد في الجوارح، ومِن شواهد الإيمان في الجوارح هذه اللحية، ولا نعني بذلك أن كل مَن ترك لحيته أصبح مؤمناً، لا. فقد يترك الإنسان لحيته وقلبه خاوٍ من الإيمان، ونحن لا نريد اللحى الشيطانية والجاهلية، نريد لحىً مبنية على الإيمان، الغرض منها التأسي والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولا تقُل: لا يا شيخ! هذه قشور، والكلام في اللباب، لا. ليس في الإيمان قشور ولا لباب، الدين كله لباب، الذي يقول: إن في الدين قشوراً ولباباً فهذا يهد الدين، وهل أمْرُ الرسول قشور؟! ليس هناك أمر للرسول إلا لباباً، صلوات الله وسلامه عليه.

ما يختلف فيه حال المرء في الدنيا عن الآخرة

ما يختلف فيه حال المرء في الدنيا عن الآخرة فالله يعيد العباد أنفسهم؛ ولكنهم يُخْلَقون خلقاً يختلف عما كانوا عليه في هذه الحياة، هناك اختلافات، ما هي الاختلافات؟ الاختلاف الأول: أنهم بعد هذه الإعادة لا يموتون أبداًَ: لأن الله يقول: {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} [إبراهيم:17] لا أهل الجنة يموتون ولا أهل النار يموتون، لا أهل الجنة يموتون بزيادة النعيم، ولا أهل النار يموتون بزيادة العذاب. وفي الحديث الذي رواه الإمام الحاكم بسندٍ صحيح قال: عن عمرو بن ميمون الأودي قال: (قام فينا معاذ بن جبل فقال: يا بني أود -قبيلة- إني رسول رسول الله إليكم، أُعْلِمُكم بالمعاد إلى الله، ثم إلى الجنة أو النار، وإقامة لا ظعن فيها، وخلود لا موت فيه، في أجسادٍ لا تموت ولا تبلى). وراوي الحديث هذا عمرو بن ميمون الأودي هو راوٍ لحديث في صحيح البخاري، حديث القِرَدة، في فضائل الصحابة، في مناقب الأنصار في صحيح البخاري: الحديث: (أنه كان في سفر من مكة إلى المدينة، وفي الطريق نام تحت حجر في هضبة، وبينما هو مستلقٍ يرتاح، إذا بالقردة عنده، فرأى قرداً كبيراً في السن معه قردة شابة -زوجته- نائمة هي بجانبه، وبينما هما نائمان إذ أخْرَجَتْ -نزعت- يدَها من تحت رأسه وتركته وذهبت وراء الحجر، فجاءها قرد شاب وفعل بها، ثم رجعت وأدْخَلَتْ يدَها تحت رأسه ونامت -كأنه لم يحصل شيئاً- لكنه لما استيقظ شم سوءتها، ثم صاح صياحاً عنيفاً، فاجتمع القردة وأمسكوا بها ووضعوها في الوسط، وبدءوا يفتشون كل القردة حتى جاءوا بذاك القرد الذي فعل بها، وجمعوه مع القردة، وعملوا لهما دائرة، ورجموهما بالحجارة حتى ماتا) هذا الحديث في صحيح البخاري، ويستدل به العلماء على أن الزنا جريمة وفاحشة تأنَف منه حتى الحيوانات، حتى القردة لا تمارسه، وبعض البشر يمارسه والعياذ بالله. هذه خاصية؛ أنهم لا يموتون. الخاصية الثانية: أنهم في الآخرة يُبصرون ما لم يكونوا يبصرونه في الدنيا: فإنهم يرون الملائكة: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً} [الفرقان:22] ويرون الجن، هذه خاصية ليست موجودة في الدنيا. الخاصية الثالثة: أن أهل الجنة لا ينامون، وأهل النار أيضاً لا ينامون: فأهل الجنة لا ينامون حتى لا يفوتهم شيء من النعيم، وأهل النار لا ينامون حتى لا يستريحوا من شيء من العذاب؛ لأن النوم راحة؛ لكن ليست هناك راحة في النار، وليس هناك فوات لِلَحظة من لحظات النعيم في الجنة، بل نعيم في نعيم. الخاصية الرابعة: أنهم لا يتغوَّطون، ولا يبصقون، ولا يتبوَّلون: وإنما أكلهم في الجنة رَشْحٌ، لونُه لون الرشح والعرق، وريحه ريح المسك. وهذه خاصية ليست موجودة في الدنيا. الخاصية الخامسة: أنهم يرون الله تبارك وتعالى في الجنة، بالنسبة لأهل الإيمان، وأهل النار لا يرون الله تبارك وتعالى.

من أحوال البعث والنشور

من أحوال البعث والنشور

أول مبعوث وأول شافع محمد صلى الله عليه وسلم

أول مبعوث وأول شافع محمد صلى الله عليه وسلم وأول مَن يُبعث ويخرُج من الأرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه خاصية له وكرامة؛ لأنه أول مَن يَشفع في الناس، وأول من يُبعث من مبعثه يوم القيامة، يقول -والحديث في صحيح مسلم -: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول مَن ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفَّع) صلوات الله وسلامه عليه، وفي صحيح البخاري وصحيح مسلم حديث: (استَبَّ رجلٌ من اليهود ورجلٌ من المسلمين، فقال المسلم: والذي اصطفى محمداً على العالمين، وقال اليهودي: والذي اصطفى موسى على العالمين، فلطم المسلم اليهودي عندما قال: والذي اصطفى موسى- فاشتكى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فأخبره بالذي كان من أمْرِ المسلم ولَطْمِهِ له، فقال: لا تفضلوني أو لا تخيِّروني على موسى، فإن الناس يُصْعَقون، فأكون أول من يفيق، فإذا موسى قائم بجانب العرش، فلا أدري أكان فيمن صَعِق فأفاق، أو كان ممن استثْنَى الله) كما في قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [النمل:87] أي: لم يمت أصلاً. يقول العلماء: إن هذا خرج من الرسول صلى الله عليه وسلم مخرج التواضع، وعدم التعالي على الأنبياء، وإلا فإنه سيد ولد آدم ولا فخر، فهو سيد العالمين، حتى أن الأنبياء يوم القيامة منهم موسى نفسه يقول: اذهبوا إلى عيسى، فإني قد قتلتُ نفساً بغير حق، وإني لا أستطيع أن أشفع لكم إلى الله عزَّ وجلَّ، ورغم كرامة موسى على الله وعِظَم منزلته فإن الله عزَّ وجلَّ قال فيه: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه:41] وقال فيه: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} [الأعراف:144] فهو مصطفىً حقيقةً، ومن أُوْلي العزم الخمسة، وهم: نوح - إبراهيم - موسى - عيسى - محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. بلا جدال ولا مراء، وبالأدلة القرآنية والنبوية يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرم الخلق، وأول مَن تنشق عنه الأرض يوم القيامة.

كل الناس يحشرون ولا يفلت أحد من قبضة الله

كل الناس يحشرون ولا يفلت أحد من قبضة الله يُحشر الناس كلهم ولا يبقى أحد، لا أحد يفلت من قبضة الله، مَن عاش مِن يوم أن خلق الله آدم إلى يوم القيامة لا بد أن يبعثوا كلهم يوم القيامة، ولا يغيب عن ميزان الله أحد، ولهذا سَمَّى اللهُ يومَ القيامة يومَ الجمع، أي: جمع الناس، يقول الله: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ * فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ} [هود:103 - 109] لا يُنْقَصُ أحد مثقال ذرة من عمله، كان خيراً أو شراً. ويقول الله: {قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الواقعة:49 - 50]. ويقول عزَّ وجلَّ: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18] وقدرة الله عزَّ وجلَّ تحيط بالعباد مِن أولهم إلى آخرهم؛ لأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وإن هلك العباد فإن الله قادرٌ على الإتيان بهم، فلو هلكوا في الفضاء، أو هلكوا في أعماق الأرض، أو أكلتهم الطيور، أو افترستهم الحيوانات أو أسماك البحار، أو حُرِّقوا أو بُدِّدوا، فإن الله قادرٌ على أن يأتي بهم، يقول الله: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:148]. ويقول عزَّ وجلَّ: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان:28]. ويقول عزَّ وجلَّ: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غافر:57]. وكما أن قدرة الله غالبة وقادرة ومحيطة على الإتيان بهم، فكذلك علمه محيطٌ بهم، فلا ينسى منهم أحداً. يقول الله: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ} [مريم:93 - 94] من يقدر أن يفلت وقد أحصاه ربي؟! {وَعَدَّهُمْ عَدّاً} [مريم:94] معدودون كلهم في ميزان الله {لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:94 - 95]. وقال عزَّ وجلَّ: {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً} [الكهف:47].

بعث جميع المخلوقات حتى السباع

بعث جميع المخلوقات حتى السباع جميع النصوص الواردة تدل على أن جميع المخلوقات؛ الجن، والإنس، والملائكة، والهوام، والوحوش، والسباع، والطيور، كلها تُحْشَر. ولكن اختلف العلماء فقط في قضية البهائم! هل تُحشر أم لا؟ والصحيح من أقوال أهل العلم وهو الذي يرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية: أنها تُحشر، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: أما البهائم فجميعها يحشرها الله سبحانه كما دلت على ذلك الأدلة من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عزَّ وجلَّ: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام:38]. ويقول عزَّ وجلَّ: {وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} [التكوير:5]. ويقول: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} [الشورى:29]. وحَكَى الإمام القرطبي خلافاً بين أهل العلم في حشرها؛ ولكنه رجح كما رجح شيخ الإسلام ابن تيمية أن الحشر لكل المخلوقات ومن ضمنها الوحوش، بنص الآية وبنص الأحاديث التي وردت في هذا. نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يحشرنا وإياكم في زمرة النبيين، وأن يبعثنا وإياكم مبعث الصالحين، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة

حكم صلاة النساء في مكان لا يرين فيه الإمام ولا من خلفه

حكم صلاة النساء في مكان لا يرين فيه الإمام ولا من خلفه Q يقول الأخ الكريم: إنه قرأ في مجلة الدعوة سؤالاً موجهاً للشيخ عبد العزيز بن باز، عن وجود مسجد، وفي نهايته أرض يريد السائلون إقامةَ مبنىً مُسَوَّرٍ، يصلي فيه النساء، ولا يَرَين الإمام، ولا يَرَين مَن يصلي خلفه، فهل تصح الصلاة؟ فذكر وقال: إن الشيخ أجاب وقال: إن في المسألة خلافاً بين العلماء، إذا كُنَّ لا يَرَين الإمام ولا يرين مَن وراءه؛ ولكن يسمعن التكبير، وقال الشيخ: إن الأحوط ألا يصلين في هذا المكان، وأن عليهن أن يصلين في بيوتهن خروجاً من الخلاف. فيقول: ما رأيكم فيما هو حاصل في معظم مساجد أبها ومنها هذا المسجد، فإن المسجد الآن فيه ملحق وفيه النساء، ولا يَرَين الإمام، ولا يَرَين مَن يصلي بعده؟! A حكمها مثلما أجاب فضيلة الشيخ ابن باز؛ لكن القضية كما ذكر سماحته قضية خلافية بين العلماء: فمن العلماء مَن أجاز مثل ذلك. ومنهم مَن منعه. والشيخ عبد العزيز أخذ بالأحوط وهو المنع؛ ولكن الجواز وارد على لسان أهل العلم. ونقول نحن كما جاء في الأحاديث الصحيحة: (إن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، وصلاتها في غرفتها أفضل من صلاتها في بيتها، وصلاتها في مخدعها -أي: في مكان نومها- أفضل من صلاتها في أي غرفة من غرف بيتها) لأن المرأة كلما اختفت واستترت بعبادتها كان فضلها وأجرها عند الله أعظم؛ ولكن إذا كان حضورها للمسجد ليس للصلاة فقط وإنما لسماع العلم مثلما هو حاصل الآن، فإن المرأة لا تأتي إلى هذا المسجد للصلاة، وإنما تأتي لغرض حضور مجلس العلم، وبالتالي تصلي مع الإمام المغرب والعشاء. فنقول: ما دام أن هناك مصلحة راجحة من وجود المرأة في مجالس العلم لسماع العلم؛ ولأن الأمة تفتقر إلى الداعيات في صفوف النساء، والمرأة لها دور كبير في الدعوة فنحن نقول: إن شاء الله لا بأس بصلاتهن في المسجد في مثل هذا المسجد، وصلاتهن إن شاء الله صحيحة، وعليهن أن يقتدين بالإمام في صلاة المغرب والعشاء، ولكن بشروط: أولاً: أن تكون نية المرأة من حضورها إلى المسجد خالصة لوجه الله: لا تكون نيتها المباهاة، والرياء، والإخبار بأنها كانت البارحة في المسجد، وإنها حضرت البارحة إلى المسجد، فبعض النساء تتمدح بمثل هذا، ولا تدري أحضرت أم لم تحضر! أقُبِل عملها أم لم يُقْبَل! ثانياً: أن تأتي بغير أطفالها، وقد تقول: الأمر صعب؟! نقول: مثلما إذا كنتِ في مدرسة، هل تداومين بأطفالك في المدرسة؟! اتركيهم في البيت، فإذا كنت في المدرسة فإنك تتركينهم من الصباح إلى الظهر، بينما في المسجد من المغرب إلى العشاء، فاتركيهم في البيت. إذا قالت: ما عندي أحد، نقول: اجلسي في البيت، واستمعي للشريط؛ لكن أن تأتي بالأطفال في المسجد فهذا مستحيل أن تنتفعي مع وجودهم؛ لأن الطفل مشغلة لأمه، يشغلها بالبكاء، وغير ذلك. فإذا كان عندها طفل فلا تأت به، وكثَّر الله خيرها، وجمَّل الله حالها، وإذا أرادت أن تسمع فلتشتر الشريط. ثالثاً: أن تصغي إلى سماع العلم، وألا تشتغل بالكلام والسلام والمحادثة مع النساء:- فإن بعض النساء لا يجدن بعضهن إلا في مثل هذه الحلقات، فواحدة ساكنة في المنهل، والأخرى في اليمانية، وواحدة في شمسات، وواحدة في رصد، وواحدة في الشرف، وفرصة التجمُّع والكلام في هذه الندوة: هاه! بشريني، كيف حالك؟! وهل أنت بخير؟! وكم معك من الأولاد؟! وأين أنتم تشتغلون؟! وكيف الحال معكم؟! وظلت تتكلم معها، وتقول: إني أحضر مجالس العلم، وإني كنت البارحة في الندوة! الله أكبر! ما هذا الحضور! ليتك ثم ليتك ما حضرتِ، لماذا؟! لأنكِ أعرضت عن ذكر الله؛ لأن الإعراض عن ذكر الله يقول الله فيه: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:124] أنتِ جئتِ لتستمعي، ولم تأتِ لتعرضي! فإذا كنت جئت من أجل أن تنشئي كلاماً فارغاً، وتكتسبي ذنباً، فالأَولى ألا تحضري، واجلسي في البيت، واستمعي إلى الشريط.

حكم اليمين بالطلاق

حكم اليمين بالطلاق Q وصلتُ عند أحد الإخوة فطلَّق خمس مرات أن يذبح لي ذبيحة، وأنا طلقتُ خمس مرات أني ما أذوقها، ولكني لَمْ آكل، وإنَّما أكلتُ من الأرز، والأرز مطبوخ بالمرقة، والمرقة عصارة الذبيحة التي طلقت منها؟ A أقول: إن السائل هذا الذي طلَّق جاهل، والثاني الذي طلق أجهل منه؛ لأن الطلاق شَرَعه الله كمخرج نهائي حينما تكون الحياة الزوجية مستحيلة بين الزوجين، فيقال لها: اخرجي، والله ييسر لك: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ} [النساء:130] وليس الطلاق سيفاً يسله الرجل على المرأة في كل مناسبة، وليس شيئاً عظيماً يبرهن به على صدقه في كل مناسبة، بحيث لا يصير كريماً إلا إذا طلق، وإذا ما طلق قال الناس: هذا ليس كريماً؛ لأنه حلف بربي، لا. هذا لعب، هذا تلاعب بالأيمان، ولو كنت قاضياً وعرفتُ صاحب السؤال لأتيتُ به وعزرتُه وعزرتُ الذي طلَّق، وجعلتهما عبرة للمسلمين، بدل خمس طلقات أصُكُّه بخمسين سوطاً حتى يخرج قلبه، ولن يعود يطلق مرة أخرى. أقول للأخ هذا الذي طلق، والثاني الذي طلق: عليهما أن يذهبا لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز فوراً، قبل أن يمسا النساء؛ لأن الفتوى التي أنا أفتي بها الآن: أن الذي طلق وحنثَ حَرُمَت عليه زوجته، وهذه الفتوى ليست مني، هذه فتوى صادرة بإفتاء وإجماع هيئة كبار العلماء؛ أن الطلاق المعلَّق على شيء لمنعٍ أو دفعٍ إذا وقع وقع، والشيخ عبد العزيز بن باز ومعه مجموعة من أهل العلم أعضاء هيئة كبار العلماء لهم وجهة نظر وتحفُّظ على هذه الفتوى، وقالوا فيها: إن كان المراد بالطلاق القَسَم فكذا، وإن كان كذا فكذا، لهم تفصيل لا آتي به الآن؛ لكن أنا هذا الذي فهمتُه وقرأتُه وتحقَّق عندي من خلال المراجعة للنصوص، وناقشتُ فيه العلماء، واتصلتُ بهم وقلت: كيف يقول سماحتكم: إن كان نيته الطلاق وهو يطلق، بينما ورد في الأحاديث الصحيحة: أن (ثلاث جِدُّهُن جِدٌّ وهزْلُهن جِدٌّ)؟! فلو أن واحداً وهو جالس مع امرأته حالما يتعشون قال لها: يا فلانة. قالت: نعم. قال: لاحظي أنك مطلقة بالثلاث! أنا أمزح. ما رأيكم في طلاقه؟! طلاقه يقع مباشرة، ولو كان يمزح، لماذا؟! لأنه لا لَعِبَ في الطلاق! فكيف بواحد يطلق خمس مرات وليس ثلاث مرات أنه لا يأكل ثم يأكل؟ فالآن أقول لكما أيها السائلَان: عليكما أن تذهبا إلى سماحة الشيخ، فتأخذا فتوىً عاجلة قبل أن تمسَّا النساء. وانظروا إلى هذا الجهل يا إخواني! لماذا تطلِّق؟! لماذا؟! إذا جاءك ضيف قل: ما رأيك؟! أعشيك؟! تريد أن أذبح لك؟! نأكل من الموجود! فأنت ستخسر [1000] ريال أو [500] ريال، فإن قال: لا. فقل: الله يكثر خيرك، ووفَّرتَ، والخمسمائة ريال سنرسلها للأفغان الذين يموتون جوعاً، ويأكلون العيش الناشف، إي نعم. وإذا قال: نعم. فقل: الحمد لله، والله سنذبح لك، ولكن أن يكون غصباً فلا. وإذا كان قد حلف العازم وطلَّق، فدعه يطلِّق ويذبح، حتى لو ذبح سبعين ذبيحة، ما دام أنه جاهل وأحمق دعه يذبح؛ لكن الآن النساء في مشكلة، وهم في مشكلة، وذاك يأكل منها كأنه يأكل من دمه. وقد ذكرتُ لكم قصة في مسألة الذبائح هذه، عندما يأتيك ضيفك، أو جارك، أو قريبك. كان الناس في الماضي يذبحون ويعزمون الجيران، لماذا؟! كرماً ومواساةً؛ لأن كل بيت يشم مرق البيت الذي فيه الوليمة، فإذا رأوا أن فيه ذبيحةً ووليمةً ولحماً وشحماً وأرزَّاً، قالوا: يكون في هذا البيت ولا يعزموننا؟! الله يهديهم، هكذا لا يعزموننا؟! إذاً نغضب عليهم؛ لأننا عشنا في ليلة البارحة على كسرة ناشفة، أو على عيش ناشف. لكن اليوم في كل بيت ذبيحة، أليس كذلك؟! أين البيت من بيوت المسلمين الذي ليس مليئاً باللحم، أو الدجاج، أو السمك؟! إذاً: لا حاجة إلى أن تعزم أحداً، بل إن مِن الناس مَن إذا عَزَمْته أغضبته، لماذا؟! لأنك تجعله بين خيارين: إما أن يأتي عندك ويتعشى عندك، ويترك عشاءه مع أولاده، وعنده في بيته عشاء مع أولاده أطيب، كونه يمد يده مع زوجته وأطفاله أهنأ له من أن يمد يديه مع جماعة القرية كلهم أو أولاد الحارة. أو أنه يترك وليمتك ويقعد في بيته يأكل، وبالتالي تغضب عليه أنت، وتقول: أعزمه ولا يأتي؟! كيف هذا؟! أيقطعني؟! فالأَولى ألا تحرج أحداً بالوليمة؛ وإنما إذا جاءك رحمك أو قريبك فقل: انظر، هذه هي الذبيحة ذبحناها؛ وإذا أردتَ أن نطبخها كلها ونعزم العرب عليها، فإن أتوا أكلوا، وإن لم يأتوا أكلنا من الموجود، ودعهم كلٌّ يأكل في بيته، أو أن نطبخ لك شيئاً منها والباقي نتركه في الثلاجة، إن قعدت عندنا إلى أن تأكلها كلها فجزاك الله خيراً، وإن ذهبتَ فسنأكلها فيما بعد، وبدل أن تكفينا في وجبة تكفينا في عشر وجبات -هذا هو المنطق- والفلوس الزائدة نحولها للذين يستحقونها. قصة يبرمجها صاحبها: يقول: جئت عند قريب لي، فدعوته، وقلت له: يا أخي! انظر، جئت وأنا مرهق، أريد أن أسمر معكم هذه الليلة، إذا كان في الثلاجة لحمة فاطبخوا لنا، أو عصيدة، أو مرقاً، أو أرزاً، ودعني آكل معك أنا وأختي -زوجة الرجل هذا- وأولادها وأنت، ودعنا نسمر ونتعشى، أريد أن أسمر معك. قال: أبشر، ولن نعمل شيئاً أبداً، أنت جئت إلينا، ونحن نهب لك الموجود، ولن نتكلف شيئاً. فلما خرج من الغرفة ذهب إلى التليفون، ودقَّ على المندي وقال: خروفان تكون بعد المغرب جاهزة. يقول الرجل: فجلستُ معهم إلى المغرب، ودخلنا المسجد وصلينا، ورجعنا، ثم أرسل ولده إلى الحارة كلها، إعلان استنفار: تعالوا لتتعشوا، فما هي المناسبة؟! إنه جاءنا ضيف. يقول: لما دخلنا بعد المغرب جلستُ، وأنا جالسٌ دَخَلَ شخصٌ ما عرفتُه: السلام عليكم. فأقوم لأحييه: وعليكم السلام. ثم أقْعُد. والثاني: السلام عليكم. فأقوم لأحييه، ثم أقعُد. والثالث: السلام عليكم. فأقوم لأحييه، ثم أقعُد. يقول: فما أذَّن العشاء إلاَّ وقد قمتُ وقعدتُ (100) مرة تقريباً. هذه أول عشائي. يقول: ثم إن البيت فيه حالة من الاستنفار، الكهرباء مُوَلَّعة، والنساء هناك يعملون الإدامات، ويقطِّعون السلطات، ويعملون المحلبيات، والغرف مفتَّحة، ودنيا، أي: (هَيْلَمَة). يقول: وعند صلاة العشاء خرجنا لنصلي، وبعد صلاة العشاء جاء الناس كلهم، فأتعبوني، فلا أنا أعرفهم، ولا هم يعرفونني، ولا يتكلمون معي، ولا أتكلم معهم. وأخيراً قال: تفضلوا. فدخلنا، وعندما جئنا على السفرة، وإذا به قد ذبح خروفين، وعندما جئت لأقعد وضعوني أمام الذنب والرأس، الذنب لا لحم فيه، والرأس ليس فيه إلا العظام. يقول: فشهَّر بي، وأعلن على رءوس الملأ، قال: الله يحييكم على شرف فلان -أي: لاحظوا! هذا فلان الذي دمَّر بيتنا، وخرَّب علينا هذه الليلة، وذبحنا له خروفين، الله يحييكم. فقلت: الله يخلف عليك، يقول: فعمدتُ أبحث لي عن شيء آكله، فالذنب لا يؤكل، والرأس لا أحبه، وليس فيه إلا العظام، وأبحث عن الأرز، فما أراه؛ لأنه غطي عليه بالذنب، فأُرَى كأني سارق، أدخل الملعقة وأخرجها نصفها من الأرز، والناس هناك يأكلون من الظهر ومن الجُنوب في الصحون الأخرى، فلا أحد منهم تنبَّه لي ووَهَبَ لي لحمة، ولم أستطع أن أمد يدي؛ لأنني استحييت، فأكلت؛ ولكن ليس إلا مُسارَقة حتى أكملتُ وقمتُ، والله إني قمت وأنا جائع، وإني قلتُ في نفسي: الله لا يخلف عليك، ما هذا؟! هذا عشاءٌ للجماعة؟! ما لي ولهم، أريد أنا أن أتعشى، لا أريد أن تُعَشِّي الجماعة! يقول: ولما سرى الناس وخرجوا، قامت أختي مسكينة تأخذ الصحون وتأخذ الطعام هي وبناتها وأهل البيت، في عذاب وفي تعب وفي مشكلة. يقول: وعندما جاءت الساعة العاشرة، قد تفلَّخت وقد تملَّخت من التعب، دعوتُها: هاه! تعالي، هل معكم خبزة؟! قالت: كيف يا أخي؟! قال: والله لم أتعشَّ بعد، قالت: كيف ما تعشيت؟! قال: ماذا أفعل؟! وضعوا الذنب أمامي والرأس، فلا أنا آكل الذنب، ولا أنا آكل الرأس، واستحييت من الناس أن أقول: هبوا لي لحمة، فأنا الآن جائع. فذهبَتْ إلى المطبخ وإذا بالمطبخ كسرة خبزة، فجاءت بها على بقية سلطة. يقول: والله الذي لا إله إلا هو إن تلك الكسرة أهنأ إلى قلبي من ذبيحته. طيب! ما رأيكم لو أنه أخذ له نصف كيلو لحمة أو كيلو أو اثنين وطبخها له، وتعشى هو وأهله، ثم أرسل الألف ريال أو الألفي ريال إلى المجاهدين؟! كيف سيكون ثواب ذلك عند الله؟! لكن يوم ألا تكون النفقة لله يكون الشخصُ كريماً، لو طُلب منه وقيل له: ضع الألف ريال. لقال: لماذا؟! وما لي وما لـ أفغانستان؟! لا يضعها لله؛ لكن يضعها للشيطان، وللرياء، وللمكابرة، وللمجابرة، هذه -والعياذ بالله- مصيبة.

حكم الرضاع الشرعي وعدده

حكم الرضاع الشرعي وعدده Q أرضعت أمي بنتَ أختي بغير علم، فهل تعتبر بنتُ أختي أختاً لي أم لا؟! علماً بأنها أختي من أمي وأبي، وهذه ليست أول مرة أسأل فيها هذا السؤال؟ A إذا أرضعَتْ أمك بنت أختك سواءً بعلم أو بغير علم الرضعات الشرعية، وهي خمس رضعات، والرضعة في الشرع هي الفترة التي يلتقم فيها الطفل الثدي ثم يمصه ويدعه من نفسه، ولو مصة واحدة أو مائة مصة، أعني: لو مسك الطفل الثدي، وجلس يرضع ساعة، ثم تركه صارت واحدة، ولو مسك الطفل الثدي مرة ومصَّة لحظة ثم تركه صارت واحدة، فإذا رضَعَت هذه البنت من أمك خمس رضعات فقد أصبَحَت أختك من الرضاعة، رغم أنك أنت خالها؛ لكنها أختك من الرضاعة.

تحل ملك اليمين لسيدها بدون عقد ولا صداق

تحل ملك اليمين لسيدها بدون عقد ولا صداق Q يقول عزَّ وجلَّ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون:5 - 6] هل تحل ملك اليمين لسيدها بدون عقدٍ وصداق، أم يتزوجها بعقدٍ وصداق؟ A لا بعقدٍ ولا بصداق، وإنما بالتسرِّي، يجوز للرجل الذي عنده أَمَة مملوكة أن ينكحها بدون عقد؛ لأنها ملك اليمين، هي له يبيعها كما يبيع السلعة، ينكحها، ويتسرى بها، ولا تُحْسَب مِن ضمن زوجاته، يجوز أن يتسرى ولو كان عنده ألف واحدة، الزواج أربع، أما التسري فيتسرى الإنسان بما يشاء من ملك يمينه، فينكح ما شاء بغير عقدٍ ولا نكاح.

أسباب الخلاف بين الأئمة الأربعة

أسباب الخلاف بين الأئمة الأربعة Q ما سبب الخلاف بين الأئمة الأربعة رحمهم الله؟ A الجواب على هذا السؤال يحتاج وقتاً طويلاً؛ لكني أدلُّ السائل والإخوة على كتاب لشيخ الإسلام ابن تيمية، وهو موجود في الأسواق، اسمه: رفع الملام عن الأئمة الأعلام، اعتذر فيه رحمه الله عن الأئمة بعشرة أو أحد عشر عذراً في سبب الخلاف الواقع بينهم رضي الله عنهم ورحمهم أجمعين.

حكم الصور الممتهنة التي عمت بها البلوى

حكم الصور الممتهنة التي عمت بها البلوى Q بالنسبة للصور التي تملأ البيوت في حاجات الطعام، والعلب، والجرائد، والحفائظ، وغيرها، هل إذا دَخَلَت المنزل تذهب الملائكة؟ A قد ذكرتُ هذا؛ أن سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن باز قال: الصور الممتهنة التي عَمَّت بها البلوى والتي يصعب على الإنسان طمسُها فهي إن شاء الله مما هو معفوٌ عنه؛ ولكن -أيضاً- لِيَتَّقِ اللهَ الإنسانُ ما استطاع، حاول بقدر استطاعتك أن تغيِّر، علبة الحليب، حاول أن تشطب عليها، علبة اللبن، حاول أن تشطب عليها، أي شيء تراه حاول أن تغيره؛ لأنه عبادة إذا غيرت الصورة وشطبت عليها، فالله يقول: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا} [التغابن:16].

حكم الحركة الكثيرة في الصلاة وأنها تنافي الخشوع

حكم الحركة الكثيرة في الصلاة وأنها تنافي الخشوع Q ماذا تقول فيمن يلعب بغترته، ويبعثر لحيته أكثر من مرة بعد تكبيرة الإحرام؟ أفتونا ولكم جزيل الشكر؟ A هذا الرجل الذي يعبث بلحيته ويلعب بغترته قلبه غير خاشع؛ لأنه لو خشع قلبه لسكنت جوارحه، فإذا رأيت الإنسانَ يعبثُ ويصول ويجول ويتحرك، ويُكثر، فاعلم أن قلبه ليس موجوداً في المسجد؛ لأن القلب إذا شَرَد تمردت الجوارح، العين تبدأ تنظر، والأذن تبدأ تسمع الكلام الذي في الخارج، واليد تبدأ تحك، والجسم يبدأ يضطرب، وكل شيء يبدأ في الحركة، أما إذا حضر القلب، وبدأ الإنسان يركز ويفكر ويؤكد على قضية الخشوع فإن كل شيء يخشع؛ لأن القلب ملك الجوارح، إذا كان مدير الإدارة موجوداً في الدائرة فما رأيكم في بقية الموظفين؟! الكل على مكتبه، أليس كذلك؟! لكن إذا خرج المدير فماذا يفعلون؟! يسألون: المدير موجود؟! فيقال لهم: لا. فيقال: إذاً: عندي عذر، أو عندي معاملة، أو أريد أن أذهب إلى السوق، أو أريد أن أذهب إلى المستشفى. ولن يقعد أحد. وكذلك فمدير الجوارح هو القلب، إذا حضر تجد كلَّ شيء مكانه، العين لا تقدر أن تنظر، والأذن لن تسمع، واللسان كذلك، لماذا؟! لأن القلب موجود، أما إذا خرج القلب خرجت الجوارح، هذا مثال واقعي تماماً (100 %). فنقول للأخ الكريم: إن هؤلاء نسأل الله أن يتوب علينا وعليهم، وأن يحمينا وإياهم من نزغات الشيطان. وهناك وسائل كثيرة لجلب الخشوع في الصلاة، وإن شاء الله سوف أقدم درساً خاصاً في هذا الموضوع بعنوان: (كيف يخشع المسلم في صلاته؟!) فالخشوع ليس سهلاً -يا إخواني- هذا لا يقدر عليه إلا أفراد من البشر؛ لأن كثيراً من الناس يستطيعون قمع الشيطان، وقهره بأداء الصلاة جماعة في المسجد؛ لكن الشيطان يعرف أنه لا يُكتب للإنسان من صلاته إلا ما حضر فيها قلبُه، فهو يَسْمَح لهم بأن يأتوا ليصلوا؛ لكن لا يسمح لهم بأن يصلوا بخشوع، ولذا جرب أنت من الآن، لما نصلي العشاء الآن جرب وحاول وأنت تسمع الفاتحة أن تركز على المعاني، وأن تفكر في الصلاة، وفي الآخرة، وفي الجنة، وفي النار، ولا تركز في أي شيء خارج الصلاة، كيف تشعر؟! تشعر بضيق، تشعر بانقباض، من أين جاء الضيق والانقباض؟! من الشيطان، ولا يزال بك إلى أن يأخذ قلبك فتخرج من الصلاة، وكثير من الناس يخرج قلبه من الصلاة؛ لكن لو جئت تأكل لتتعشى، ووضعوا أمامك؛ سفرة الطعام؛ وفيها الأرز واللحم والمحلبية والسلطة والإدام والعيش واللبن، هل يفكر الإنسان في غير هذه؟ أيوسوس في غير الأرز؟! أم يوسوس في غير اللحم؟! أبداً، لا وسواس إلا في هذا؛ لكن في الصلاة لا يحضر قلبك، لماذا؟! لأن الشيطان حريص عليك أنك لا تصلي. فالموضوع هذا مهم جداً، ولا يثبُت له ولا يستطيع عليه إلا من وفقهم الله، وإن شاء الله نتعرض لهذا الموضوع بشيء من التفصيل في رسالة كاملة إن شاء الله، أو في موضوع درس كامل (كيف يخشع المسلم في صلاته؟!) لأن الخشوع له أسباب: أسبابٌ قبل الصلاة: أسباب تبدأ وأنت ما زلت في البيت. وأسبابٌ في مشيك، وأسبابٌ في وقوفك في صلاتك كتحية المسجد، وأسبابٌ في قراءتك للقرآن: أتدري أن قراءتك للقرآن بين الأذان والإقامة لها دور في خشوع القلب، وأسبابٌ في الدعاء: الدعاء الذي تدعو به بين الأذان والإقامة؛ لأنه وقت إجابة، فله سبب في حضور القلب، وأسبابٌ في التفكُّر، وأسبابٌ في التذكُّر، وأسبابٌ في المراعاة، وأسبابٌ بعد الصلاة: في أثر الصلاة في حياتك. هذه كلها تؤثر على خشوع القلب. لكن من يقعد في بيته إلى أن تقام الصلاة، ثم إذا أقيمت جاء جرياً، ثم دخل: الله أكبر، بسم الله الرحمن الرحيم {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:1] وهو مُتعب ويسرع في صلاته، كيف يخشع هذا في صلاته؟! هذا مسكين، هذا مخدوع. لكن ذاك الذي يأتي من الأول، ويصلي، ويجلس، ويدعو، ويقرأ، ويرتل، ثم يقوم وهو مستعد، هذا الذي يصير في قلبه خشوع. وإن شاء الله سوف نتعرض لهذا بإذن الله في المستقبل. والله أعلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

انشراح الصدر [1،2]

انشراح الصدر [1،2] الهداية نعمة عظيمة يمنحها الله لمن يريد من عباده، وهي ضمان لجلب السعادة وانشراح الصدر. وقد شرح الله صدور أنبيائه، فقاموا بالدعوة على وجهها الأكمل، وامتن الله بهذه النعمة على رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. وقد حوت هذه المادة بياناً لعاقبة الإعراض عن الله، مع إيراد قصة أسئلة قريش التي أخذوها من اليهود، ووجهوها للرسول صلى الله عليه وسلم، بالإضافة إلى الحديث عن أسباب انشراح الصدر.

نعمة الهداية وانشراح الصدر

نعمة الهداية وانشراح الصدر الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، لك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالقرآن، ولك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالصحة والعافية في الأبدان، ولك الحمد بالأمن والطمأنينة والاستقرار في الأوطان، ولك الحمد بالأرزاق التي تُجلَب رغداً لنا من كل مكان، اللهم لك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا، من قديم أو حديث، أو شاهد أو غائب، أو حي أو ميت، اللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد بعد الرضا، ولا حول ولا قوة إلا بك. أيها الإخوة في الله! إن من أجلِّ النعم ومن أعظم المنن على العبد في هذه الحياة، أن يشرح الله صدره للإسلام، نعمة ليست كسائر النعم، لأن جميع النعم تؤدي دوراً ثم تنتهي آثارها، أما نعمة شرح الصدر للإسلام فهي نعمة تلاحقك آثارها في الدنيا، وعند الموت، وفي القبر، وعلى الصراط، وفي عرصات القيامة حتى تدخل الجنة. فالمال نعمة -ولا أحد ينكر هذا- وهو مما حبب إلى الناس، ولكن ينفع فقط إلى أن يموت الإنسان فإذا مات فلا مال له، والمال للورثة من بعده. والمنصب نعمة، الأمر والنهي والتكريم والتبجيل نعمة، وكل إنسان يحبها، ولكنها نعمة تنتهي بانتهاء المنصب، فإذا انتهى المنصب انتهت النعمة. والعافية نعمة، والأولاد نعمة، والزوجات نعمة، وكل متع هذه الحياة في الغالب نعم، ولكنها نعم وقتية زائلة تنفع ثم تنتهي، ولكن النعمة الكبرى هي النعمة التي لا تنتهي، ولا تنقطع آثارها، هي: (نعمة شرح الصدر لهذا الإسلام).

امتنان الله على رسوله بنعمة شرح الصدر

امتنان الله على رسوله بنعمة شرح الصدر امتن الله بها على خير خلقه وأكرم رسله؛ خير من وطئ الثرى، وخير من أقلت الأرض، وصاحب اللواء يوم العرض، نادى الله كل الأنبياء في القرآن بأسمائهم: يا نوح يا إبراهيم {يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ} [القصص:31] يا عيسى، كلهم بالاسم إلا محمداً لم يقل الله له: يا محمد، بل قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} [الأحزاب:45] وقال: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:67]. ناداه باسم النبوة والرسالة أكرم درجة على وجه الأرض، وهذا النبي الكريم امتن الله عليه بنعمة شرح الصدر، فقال له: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1] في معرض النعم، وجاءت هذه بعد قصة حصلت للنبي صلى الله عليه وسلم ضاق لها صدره في هذه الأرض؛ لأن الله أخر الوحي عنه خمس عشرة ليلة، حينما جاء كفار قريش وأرسلوا مندوبين إلى يهود المدينة، وقالوا: إنكم قوم أهل كتاب، وقد ظهر فينا رجل يزعم إنه نبي، ونريد أن نسألكم: هل هو نبي أم لا؟ فقال اليهود عندما رجعوا إلى كتبهم: اسألوه ثلاثة أسئلة، فإن أعلمكم بالجواب فهو نبي، وإلا فهو كذاب متقول، قالوا: وما هي الأسئلة؟ قالوا: اسألوه عن رجل صالح طاف الأرض، واسألوه عن فتية آمنوا بربهم وزادهم الله هدى، واسألوه عن الروح، فأخذوا الأسئلة، وجاءوا إلى مكة، وقابلوا النبي صلى الله عليه وسلم، وقدموا له الأسئلة، وهو لا ينطق عن الهوى، ولا يجيب إلا بما يوحى إليه من ربه، ولو تقدم بكلمة واحدة أو تأخر عن الوحي لعاقبه الله، ولهذا قال الله تعالى: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً} [الإسراء:73] إلى قوله تعالى: {إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} [الإسراء:75] بسبب الافتراء، ولكنه حاشاه صلى الله عليه وسلم، ولما قدمت له الأسئلة قال لهم: تعالوا في الغد، ونسي أن يقول: إن شاء الله، من بالغ اعتماده وثقته بربه أنه لن يتخلى عنه، خصوصاً في مثل هذا الموقف الحرج الذي يترتب عليه إسلام أهل مكة أو كفرهم، وهذا موقف مصيري جداً. والله يربي نبيه صلى الله عليه وسلم، ويعلم تبارك وتعالى من هو الذي سيسلم ومن هو الذي لن يسلم، ويعلم أنهم {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً} [الأعراف:146] فالقضية ليست قضية عدم قناعة إنما هي عدم رضا بالدين أصلاً، ويرون الآيات الدالات الواضحات، يقول الله تعالى فيهم: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت:51]. وتأملوا في القصة التالية مدى تأثرهم بالقرآن، يذكر أصحاب السير أنه اجتمع الأخنس بن شريق وأبو جهل والوليد بن المغيرة، ويأتون -وهم من صناديد قريش- في الليل ليستمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يسحرهم ويجذبهم ببلاغته وبيانه وفصاحته؛ لأنهم ملوك البيان وأساطين الفصاحة، وهم يتلذذون بالكلام العظيم، وأتوا يسمعون، فتلاقوا في الطريق، فقال بعضهم لبعض: أنتم الكبار، فإذا رآكم سفهاء قريش فماذا يصنعون؟! قال الأخنس بن شريق: نتعاهد على ألا نرجع، فتعاهدوا على ألا يرجعوا، وفي الليلة الثانية إذا بهم يتقابلون، وقد نقضوا العهد وجاءوا لسماع القرآن، لم يستطيعوا أن يصبروا عن بلاغة القرآن؛ لأنهم أصحاب تذوق في هذا المجال، فقال الأخنس: ما دمنا نحن العقلاء ونتعاهد ونخلف، فلماذا لا نسلم، ما يضرنا لو أسلمنا؟ فقام أبو جهل -عليه من الله ما يستحق، فرعون هذه الأمة- وقال: والله لا نسلم، قال: ولِمَ؟ قال: نحن سابقنا بني هاشم في المجد حتى إذا كنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي، فمتى يصير هذا منا، والله لا نسلم!! عنده عنجهية وعناد وإلا فهو واثق أنه رسول الله. وأبو طالب الذي يلفظ أنفاسه على ملة عبد المطلب يعرف الحق، وهو القائل: ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا هو على يقين من صدقه ويدافع عنه، ولكن رأسه (يابس) وصلب، على الكفر ما تزحزح -والعياذ بالله- فهم لا يكذبون الرسول؛ لأنهم يعلمون صدقه، ولكنه إنكار وجحود وتكبر وعناد، ولهذا قال الله: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام:33].

تأخر الإجابة عن أسئلة قريش والحكمة من ذلك

تأخر الإجابة عن أسئلة قريش والحكمة من ذلك انتظروا أن يأتيهم النبي صلى الله عليه وسلم بالخبر، وانقطع عنه الوحي تلك الليلة، وفي اليوم الثاني جاءوا إليه، وقالوا: أخبرنا عن إجابة الأسئلة الثلاثة، قال: ما جاءني وحي من الله، فأقاموا الدنيا وما أقعدوها!! وأرغوا وأزبدوا، وقالوا: بطل سحر ابن أبي كبشة -وأبو كبشة هو زوج حليمة السعدية التي أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يسبون الرسول صلى الله عليه وسلم به ويقولون: ابن أبي كبشة -. ونالوا من الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف، ولكنه صامت وصابر، ومر اليوم الثاني، والليلة الثالثة، والرابعة، حتى مر خمسة عشر يوماً وليلة والوحي منقطع لا يأتيه، والرسول صلى الله عليه وسلم في حرج لا يعلمه إلا الله، ثم بعد ذلك ينزل الفرج على رسول الله صلى الله عليه وسلم بنزول سورة الكهف، وهي تبدأ بالحمد، وبذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه عبد الله، وتقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا * قَيِّماً لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً * وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً * مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف:1 - 5] ثم قال الله تعالى له: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ} [الكهف:6] أي: تريد أن تهلك نفسك إذ لم يؤمنوا ولم يهتدوا، لا. لا تهلك نفسك، فالمصير والمرجع إلينا، {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً * إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً * وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً} [الكهف:6 - 8] ثم بدأ الله تعالى بالإجابة عن الأسئلة: الجواب عن السؤال الأول: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ} [الكهف:9] هؤلاء الشباب المؤمنون {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً} [الكهف:13] إلى آخر القصة. وجاء الجواب عن السؤال الثاني: {وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً} [الكهف:83] الآيات. وجاء الجواب عن السؤال الثالث في سورة الإسراء قبل سورة الكهف: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:85].

إكرام الله للرسول صلى الله عليه وسلم برفع ذكره

إكرام الله للرسول صلى الله عليه وسلم برفع ذكره وينزل الفرج بعدها بقوله تبارك وتعالى: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى:1 - 3]. سبحان الله! كيف العذر؟! وما أعظم هذا الرسول عند الله! يقسم الله تعالى له بالضحى، والليل إذا سجى: أي: غطى الأكوان كلها، والضحى: حين شروق الشمس وانتشار الضياء، والليل إذا سجى أي: تسجى به الأرض -أي: مثل الغطاء- ما ودعك أي: ما تركك ولا قلاك ولا هجرك، ولكن هناك شيء محذوف فما هو؟ هو أن يربيك الله سبحانه وتعالى حتى لا تغلط فتقول غداً أفعل ولكن قل: إن شاء الله؛ لأنك لا تعلم ما يكون غداً، قال الله تعالى له: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:23 - 24] الأمر بيد الله وليس بيدك، اربط كل شيء في حياتك بمشيئة الله، أما أن تكون لك مشيئة خاصة منفردة عن مشيئة الله فلا، ولهذا قال واحد من الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم: (ما شاء الله وشئت يا رسول الله! قال: أجعلتني لله نداً، بل قل: ما شاء الله وحده) ما لي مشيئة إلا تحت مشيئة الله تبارك وتعالى، فقل: ما شاء الله وحده، وهذا من ضبط العقيدة، ومن سد ذرائع الشرك، فلا تقل لأحد: ما لي إلا الله وأنت! أو أنا متكل على الله وعليك! تعتقد أنه يضر وينفع؛ فلا ضار ولا نافع ولا معطي ولا مانع إلا الله. {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى:1 - 5] ثم امتن الله تعالى عليه بالنعم فقال له: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} [الضحى:6 - 8] ثم بعد ذلك تنزل سورة الشرح يقول الله تعالى له: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح:1 - 4] ليس على وجه البسيطة -ولن يكون إلى يوم القيامة- أعلى ذكراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، فأكرم أهل الأرض وأكرم الخلق أجمعين رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهل يوجد الآن في الأرض أعظم ذكراً منه؟ فالمسلمون اليوم عددهم ألف مليون مسلم على وجه الأرض، وكل المصلين يصلون عليه كل يوم، وكل فرد منهم يصلي عليه ويشهد أنه رسول الله عدة مرات في الأذان والتشهد وغيرها، ولا تقبل صلاته إلا إذا قال في تشهده: (التحيات لله الصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله). وكم مؤذن يرتفع صوته ويشق عنان السماء في كل يوم! وهو يقول في أذانه: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله) فهل هناك أعظم من هذا الذكر؟ وهل هناك في الخلق أعظم ذكراً من محمد صلى الله عليه وسلم؟ لا يوجد، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يذكر حياً ويذكر ميتاً وكلما صلي عليه -صلوات الله وسلامه عليه صلاةً دائمةً متتابعة ما تتابع الليل والنهار- امتن الله عليه بالرفعة والمكانة العظيمة.

أهمية انشراح الصدر في قيام الأنبياء بالدعوة

أهمية انشراح الصدر في قيام الأنبياء بالدعوة وقد سأل هذه النعمة -وهي انشراح الصدر- نبي الله موسى عليه السلام، وهو نبي من أولي العزم، وورد في فضله آيات كثيرة وأحاديث، منها قول الله عز وجل: {قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} [الأعراف:144] {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه:41] ومنها قوله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:39] وهو رسول نبي من أولي العزم من الرسل، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (إني أبعث فإذا بموسى آخذ بساق العرش، فما أدري أبُعِثَ قبلي أم أنا قبله) وذلك من فضله، ولكن الصحيح أن أول من يبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صاحب اللواء يوم العرض صلى الله عليه وسلم. وهو صاحب الشفاعة العظمى، حتى أن موسى يوم القيامة يأتي إليه الناس، ويقول لهم: (نفسي نفسي، إن الله قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإني قتلت نفساً). فيقول: أذنبت ذنباً، ولي سابقة لا أستطيع أن أقابل ربي بها، ولا أستطيع أن أتكلم شافعاً لديه، وكذلك إبراهيم يقول: (لا أستطيع) وعيسى يقول: (لا أستطيع، اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم) قال: (فآتي فأسجد تحت العرش، وأثني على الله، فيقال: يا محمد! سل تعطه واشفع تشفع). موسى عليه السلام كلفه الله تعالى بحمل رسالة عظيمة، وهي دعوة طاغية من طغاة الأرض طغى وبغى وتجبر وادعى أنه الرب الأعلى، وقال لأهل مصر: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:24] فهل هناك أعظم من هذا؟ وبعد ذلك يقول: {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الزخرف:51] {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف:52] وهو -والله- المهين. خرج موسى من مصر هارباً بعد أن قتل نفساً، خرج وفرعون غاضب عليه لفعلته! ثم يقول الله له: اذهب إلى فرعون -فيا لله ما أعظمها من مهمة! اذهب إلى فرعون - هذا الذي يقول بأنه رب، وأَخْبِرْه أنه عبد، وادعه إلى عبودية الله وحده؛ فشقت عليه المهمة، ولكن لا خيار له في أمر الله، فاعتذر وقال: يا رب! أخي أفصح مني لساناً: {فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ} [الشعراء:13] {فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ} [القصص:34] وبعد أن كلفه الله بالرسالة قال: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} [طه:25] أي: أعطني مؤهلات أستطيع بها أن أمارس هذه المهمة العظيمة، إن أعظم وسيلة تعينك على القيام بمهمة الدعوة أن يشرح الله صدرك للإسلام: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه:25 - 32]. أذلك من أجل أن نبني عمارة أو ننشئ مؤسسة؟ كما يقول الواحد منا: أنت أخي وأنا أخوك، تعال نتعاون على الدنيا، نشتري مزرعة ونجعل فيها (رشاشات مياه)، وعشرين برجاً، ونعمل مؤسسة، ونشاطاً متعدداً، ولوحةً طولها عشرون متراً، من بداية العمارة إلى نهايتها (مؤسسة التجارة والمقاولات والمواد الغذائية والملبوسات والعطر والسباكة) ما ترك للمسلمين شيئاً، أخذ الدنيا كلها في راحة يده، لا يريد أحداً أن يُرزق معه -والعياذ بالله- إذا قيل له: دع الناس يربحون معك، فسيقول: لا؛ أريدها كلها، تدخل دكانه من باب، وتخرج من الباب الثاني، تجد الدنيا كلها في دكانه (سوبر ماركت) سوق مركزي، حتى أغلق أصحاب الدكاكين الصغيرة دكاكينهم، كان الناس يُرزقُ بعضُهُمْ من بعض، دكان بجوار دكان، وألف دكان يستفيد منها ألف بيت، الآن ألف دكان أصبحت في دكان واحد يستفيد منها بيت واحد، يدخل الزبون من باب ويخرج من الثاني، كما يقولون: من الملعقة إلى كل شيء، واللوحة العريضة في الواجهة يريد الدنيا بأجمعها. لكن موسى يقول: {اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه:31 - 32] لماذا؟ {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى * وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى} [طه:33 - 37] إلى نهاية القصة. فشرح الله تعالى صدره للقيام بهذه المهمة العظيمة. وأنت تدرك -يا أخي- مدى وعظم أهمية الرسالة والدعوة، مثلاً يوم تجد نفسك عاجزاً عن هداية أهلك في بيتك، تمارس كل وسائل الدعوة، مع أمك وأبيك، وأختك وأخيك، وابنتك وزوجتك، وشخص يستجيب وعشرة لا يستجيبون، وهذا نبي يقول الله له: اذهب إلى فرعون ويقول: {قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا} [طه:45] فهذا طاغية ملعون، كيف نقول له: أنت عبد وهو يدعي أنه رب؟ كيف يقبل منا الكلام؟ {إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى} [طه:45] فجاءهم الأمان من الله قال: {قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46]. اذهبا فقط والمظلة الربانية تحميكما، والعناية الإلهية معكما، فلا تخافا: {إِنَّنِي مَعَكُمَا} [طه:46] ومن كان الله معه فلا يخاف. وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالمخاوف كلهن أمان

انشراح صدر الرسول صلى الله عليه وسلم في رحلته إلى الطائف

انشراح صدر الرسول صلى الله عليه وسلم في رحلته إلى الطائف شرح الله صدر الرسول صلى الله عليه وسلم في مواقف تضيق فيها صدور الرجال، ولكن صدره كان منشرحاً: يخرج من مكة ويذهب إلى الطائف، وكان يلاحقه عمه أبو لهب بن عبد المطلب -والرسول صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب- وهذا الخبيث متخصص في تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، وكلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في جمع من الناس يدعوهم إلى الله وإذا انتهى صلى الله عليه وسلم، قال لهم أبو لهب: من أنا؟ قالوا: أنت عمه، قال: والله! أنا أدرى به منكم، والله لو كان صادقاً لكنتُ أول من يصدقه، ولكنه كذاب، قالوا: مَن كذبه عمه كذبناه! فـ أبو لهب عدو لله ملعون، أنزل الله فيه سورة تتلى إلى يوم القيامة: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1] أي: خسرت يداه، وبارت صفقته، وعليه من الله ما يستحق. ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف عن طريق مر الظهران، وقطع المسافة في يومين، ونحن نقطعها اليوم في ساعة بالسيارة الأمريكية، ويقول الشخص منا إذا نزل: ظهري يؤلمني، وإذا قيل له: لماذا؟ قال: والله! أنا كنت مسافراً من الطائف!! عجباً؛ تقول هذا وأنت قاعد على السيارة وتزعم أن ظهرك يؤلمك، سبحان الله! وأنت في سيارة مريحة تنزل وتقول: إن ظهرك يؤلمك وأنت جالس، وهذا الرسول عليه الصلاة والسلام يمشي في الجبال الشاهقة، وهو أيضاً مطارد مكذب، حافي القدم، خاوي البطن، ليس معه شيء. (ولما وقف على سوق عكاظ والناس موجودون في السوق، صعد على حجر ونادى في الناس: قولوا لا إله إلا الله، تفلحوا) فلما انتهى قام اللعين أبو لهب وراءه، وقال: يا قوم! من هذا؟ قالوا: ابن أخيك، قال: ومن أنا؟ قالوا: أنت عمه، قال: لو كان صادقاً ما كذبته أنا، أتصدقونه وأنا عمه أعلم به، قالوا: من كذبه عمه كذبناه! ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يريد النصرة منهم والدخول في الإسلام، لكنهم رفضوا دعوته ولم ينصروه بل أغروا به السفهاء، وجمعوا أطفالهم وقالوا لهم: خذوا الحجارة واطردوا هذا، وجاءوا وراءه صلى الله عليه وسلم يرمون ظهره وأقدامه بالحجارة حتى أُدميت رجلاه، وينزل وهو مكسور القلب، ويجلس تحت جبل ويقول دعاءً عظيماً: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس) نبي يوحى إليه، ويكذبه هؤلاء الكفار: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، أنت رب المستضعفين، إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني أم إلى صديق ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي) يقول: إن كان ما يأتيني ليس ناتجاً عن غضبك فلا أبالي، ولكن أخشى أن يكون هذا بغضب منك يا ربِّ! ثم قال: (غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح به أمر الدنيا والآخرة، أن ينزل بي سخطك أو يحل بي عقابك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك). كلام عظيم من صدر منشرح بالإيمان، ليس لديه أدنى شك في موعود الله، وبعد أن عبّر النبي صلى الله عليه وسلم عن انشراح صدره ينزل جبريل عليه السلام في تلك اللحظات، ويقول: (يا محمد! السلام يقرؤك السلام، ويقول: هذا ملك الجبال، إن شئت أن يطبق عليهم الأخشبين فعل) والأخشبان هما الجبلان اللذان في مكة، يعني: يضع أحدهما على الآخر فيقضي على أهل مكة جميعاً، لو كان صلى الله عليه وسلم رجلاً يحب الانتقام لنفسه بعد هذه المواقف المؤلمة الصعبة لقال: نعم. هؤلاء ليس فيهم خير، مثل ما يقوله المتقولون، الذين إذا تعرض أحدهم لأي أذى في سبيل الدعوة غضب، وذهب يشتكي، وذهب يسب ويشتم، ولا يسمح ولا يحلم ولا يتنازل، ويقول: لماذا نتعرض للأذى، ونحن على حق؟! يا أخي! هل عرضك أعظم من عرض النبي صلى الله عليه وسلم؟! فمن أنت قياساً بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ فلا تشتك إذا تكلم عليك، ولا تضجر إذا كذبت، اصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، هذه طريق الأنبياء، ماذا قال صلى الله عليه وسلم؟ قال: (لا. إني أرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده) فنظرة النبي صلى الله عليه وسلم عالية، وليست نظرة عند أقدامه، بل هي نظرة بعيدة المدى تتجاوز ذلك الجيل، وقال: إني أرجو الله أن يخرج من أصلاب هؤلاء الكفار من يعبده، وبالفعل فقد تحقق للنبي صلى الله عليه وسلم ما كان يرجوه، وأخرج الله من صلب أبي جهل: عكرمة، ومن صلب الوليد بن المغيرة: خالداً، ومن صلب العاص بن وائل: عَمْراً، ومن صلب أبي طالب: علياً، وهكذا الصحابة الشباب جلُّهم أو أكثرهم جاءوا من أصلاب الكفار، وهذه هي نظرة النبي صلى الله عليه وسلم. وبالله! مَنْ يقول هذا الموقف إلا من شرح الله صدره للإسلام؟!

انشراح صدر الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء الهجرة

انشراح صدر الرسول صلى الله عليه وسلم أثناء الهجرة وشرح الله صدر النبي صلى الله عليه وسلم للإسلام وهو يخرج من مكة مهاجراً مهدداً بالقتل: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30] وبعد ذلك يعمي عليهم الله أمره، ويخرج وهم جلوس عند البيت محيطون به يريدون أن يذبحوه، فيذر على رءوسهم التراب وهم نائمون، ويأتي إلى الغار ويجلس مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ويجعل كفار مكة مائة بعير جائزة لمن يأتي به حياً أو ميتاً، وتنتشر قبائل قريش في آفاق الجزيرة تبحث عن هذا الرجل لعلها تنال هذا الجُعْل العظيم، فأين المائة البعير، كأن تقول الآن: مائة سيارة (مرسيدس) فهي بمثابة البعير في ذلك الزمان، وهو سفينة الصحراء، وكل شخص يضرب الأرض يريد أن يحصل عليه. في أثناء تتبعهم وصلوا إلى الغار الذي كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه، فيقول أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! والله لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا) يقول: هم الآن فوقنا لو خفض أحدهم رأسه لرآنا مباشرة، فقال صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما) {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40]. من أين جاء هذا الكلام؟ هذا من شرح الصدر: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح:1] وهذه نعمة لا تعدلها نعمة، وفي ضدها نقمة ومصيبة، وهي قسوة القلب.

الإنسان بين انشراح الصدر وقسوة القلب

الإنسان بين انشراح الصدر وقسوة القلب يقول الله عز وجل: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الزمر:22] فهما صورتان متقابلتان متضادتان:

حال من شرح الله صدره للإسلام

حال من شرح الله صدره للإسلام 1/ صورة من شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه، ومعه أضواء من الله يسير بها، والناس في الظلمات وهو في أضواء الإيمان، يرى بها كل دقيق، ولهذا إذا وقع هذا الضوء على المعصية انعكس هذا الضوء وصور له هذه المعصية في المخ أنها معصية، وإن كانت دقيقة فإنه يراها كالجبل؛ فهي تغضب الله، لماذا؟ لأن الأضواء عنده قوية، والأضواء لديه كاشفة، يرى بها المعاصي فيبتعد عنها هذا المؤمن -جعلنا الله وإياكم منهم-. يقول ابن القيم متحدثاً عن ابن تيمية: كنا إذا ضاقت بنا الدنيا ونحن في دمشق ذهبنا لزيارته في السجن في القلعة، فوالله ما هو إلا أن نراه حتى يُسرى عنا. ويقول: عندما ننظر إليه تنشرح صدورنا وهو المسجون ونحن طلقاء!! ثم يقول: وكان يقول لنا: المسجون من سجنه هواه، والمأسور من أسر عن مولاه. ويقول: ما يصنع أعدائي بي أنا جنتي وبستاني في صدري، إن سجني خلوة، وإن ترحيلي سياحة، وإن قتلي شهادة، فما يصنع بي أعدائي. هل عندهم أكثر من القتل والموت والسجن والترحيل؟! ويقول: مساكين أهل هذه الدنيا؛ جاءوا إليها وخرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها! قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: التلذذ بعبادة الله. ويقول الآخر: والله لو يعلم أهل الجاه والمال والسلطان ما نحن عليه من السعادة لجالدونا عليها بالسيوف!

حال من قست قلوبهم

حال من قست قلوبهم 2/ والصورة الثانية: صورة معتمة وصورة مشوهة: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الزمر:22] فأولئك في ضلال مبين: حسي ومعنوي. ويل لهم ثم ويل لهم ثم ويل لهم!! ويل لهم في هذه الحياة قبل الممات، فهم يتجرعون مرارة الكفر والمعصية، ومرارة البعد عن الله، أتتصورون أن هؤلاء الذين هم على الكفر وعلى المعاصي والذنوب ليسوا في عذاب الآن؟ والله! إنهم في عذاب الآن قبل الآخرة؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف:36] ويقول: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} [طه:124] فوالله! إنهم لفي عذاب. ويل لهؤلاء الذين يعرضون عن الله، وتقسو قلوبهم عن ذكر الله، وتعيش قلوبهم في ضلال مبين، فويل لهم اليوم وويل لهم غداً عند الموت، يوم تأتي أحدهم الملائكة وتقول له: (يا أيتها الروح الخبيثة -كانت في الجسد الخبيث- اخرجي إلى سخط من الله وغضب). وويل لهم يوم يدخلون في قبورهم وتأتيهم الملائكة وتقول لكل منهم: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول: هاه هاه هاه لا أدري، لا يعلم الجواب، فقد ضيع حياته في معصية الله، فتقول له الملائكة: (لا دريت ولا تليت). وويل له يوم يأتيه عمله الذي عمله في الدنيا، فيتمثل له ذلك العمل في صورة رجل، ويأتيه على هيئة العمل الذي صنعه، إن كان عمله سيئاً فيأتيه، فيقول له: (أبشر بالذي يسوءك، فيقول: من أنت فوجهك الذي يأتي بالشر، يقول: أنا عملك السيئ). ويل له وهو يوقد عليه القبر جمراً أحمر يتقلب عليه ليلاً ونهاراً. ويل له والقبر يضغطه حتى تختلف أضلاعه وتلتقي أضلاع اليمين بالشمال، والشمال باليمين. ويل له ثم ويل له يوم القيامة يوم يبعث من في القبور: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنْ الأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} [المعارج:43 - 44] والذلة ذلة المعصية والكفر {ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [المعارج:44]. ويل لهم يوم {يَخْرُجُونَ مِنْ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِي يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} [القمر:7 - 8]. ويل لهم {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً * هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:13 - 16] يعني: سواء صبروا أم لم يصبروا، فهل هناك أحد يصبر على النار؟ لا والله لا أحد يصبر على النار، فلا حول ولا قوة إلا بالله. ويل لهم بعد ذلك: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} [القمر:48]. ويل لهم يوم ينادون لأخذ كتبهم وأخذ شهاداتهم، إذ هي شهادات ملطخة بجرائمهم؛ لأنه يوجد شهادات مشرفة، وهي الشهادات المملوءة بدرجات عليا مشرفة، فترى في الدنيا الطالب يأخذها ويقول لأهله: انظروا، أما الساقط البليد الذي شهادته كلها دوائر حمراء فلا يعطيها لأهله خجلاً وخوفاً، ولا يذهب لأخذها من مدرسته، وإذا سأله أهله: هل خرجت النتيجة يقول: لا. وهي قد خرجت، ولكن لا يريد أن يعلمهم بالفضيحة، يقول لأهله: قالوا بعد غد، حسناً وبعد غد يقولون له: طلعت النتيجة؟ يقول: نعم طلعت، قالوا: بشرنا، قال: قرأوا الأسماء قبل أن أحضر، وقد سمعوا اسمي، وهو يريد أن يأتي بها بالتقسيط كي لا يأتي بالخبر المهول، ولكن غداً إن شاء الله أتأكد، وجاء يوم الغد، قالوا: بشّر، قال: الحمد لله ثلاث مواد فقط، الحمد لله، هناك مجموعة من الزملاء منهم من سقط في ثمان وفي تسع وفي عشر مواد، أما أنا فالحمد لله لك الحمد يا رب، ثلاث مواد فقط أعيدها، ولكن ما يهمكم! أيها الساقط في الدنيا! معك دور ثانٍ وفصل ثانٍ وعلم ثانٍ، وإذا لم تدرس فيمكن أن تعمل. لكن هؤلاء ويل لهم يوم يعطون كتبهم بشمائلهم؛ لأنهم يوم القيامة يريدون أن يغالطوا الله ويأخذوا الكتب باليمين، يرون أهل الإيمان يأخذون كتبهم، يريد أن يكون في الآخرة كذاباً كما كان في الدنيا، يقول الله: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمْ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْكَاذِبُونَ} [المجادلة:18] فيرفعون أيمانهم فتضربهم الملائكة بمقامع من حديد على مناكبهم فتسقط أيمانهم، فما يبقى معه إلا الشمال، فيأخذ كتابه بشماله ويقول: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتْ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة:25 - 27]. ثم يتذكر ما الذي غره؟ ما يغر الإنسان في الدنيا إلا أمران: المال والسلطان، فيقول: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} [الحاقة:28] ما نفعني مالي، فأين السلطة والوظيفة إذ لم ينفع المال؟ {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:29] فلا مال ينفع ولا وظيفة تنفع، وإذا به يقول بلسان حاله: أنا الآن في موقف صعب جداً، ثم بعد تلك الحسرة والندامة قال الله تعالى: {خُذُوهُ} [الحاقة:30] أي: خذوا هذا المجرم الكذاب: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} [الحاقة:30] والغل: هو وضع القيد والسلاسل في الرقبة: {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً} [الحاقة:31 - 32] في الحديث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لو أن حلقة من حلق هذه السلسلة وضعت على الأرض لأرفضتها) {سَبْعُونَ ذِرَاعاً فاسْلُكُوهُ} [الحاقة:32] والسلك: أنها تُدخل من فمه وتُخرج من دبره، من أجل أن يتقلب كالدجاجة في الشواية {إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ} [الحاقة:33] كان قلبه قاسياً عن ذكر الله، وكان يعيش في ضلال مبين، لم يشرح الله صدره للإسلام لأنه ما طلب الهداية ولا عمل بمقتضاها، فقلبه مغلق عن الدين، مفتوح على كل شيء إلا طاعة الله، يحب كل شيء إلا الصلاة، ويطرب لكل شيء إلا القرآن، ويألف كل شيء إلا المساجد، ويحب الناس كلهم إلا أهل الخير منهم، هذا عبدٌ شيطاني ما نور الله قلبه، ولا شرح الله صدره، وإنما قلبه قاسٍ مقفول عن محبة الله تبارك وتعالى وطاعته، فويل له ثم ويل له ثم ويل له: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:22].

أسباب انشراح الصدر وهدايته

أسباب انشراح الصدر وهدايته كيف نحصل على هذه الهداية وهذا الشرح؟ يقول الله عز وجل: {فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:125] فكيف يشرح الله صدرك للإسلام؟ هذه تأتي بمبادرة منك وبإجابة من الله، فالله هو الهادي وأنت طالب الهداية، والله هو الشارح للصدور وأنت طالب شرح صدرك، تأتي منك فإن طلبت جاءك الطلب، وإن أعرضت فالله غني عن العالمين.

الدعاء

الدعاء يقول الله عز وجل في الحديث القدسي الذي رواه الإمام مسلم، حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه وفيه ثمان مرات: يا عبادي يا عبادي يا عبادي ومن ضمنها (يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم) كان سيد الهداة فيما روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته بالليل بقوله: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) فسيد الهداة يقول: اهدني، فلتكن الهداية أول شيء تطلبه من الله، وعليك أن تتملق لربك، وأن تمرغ وجهك في الأرض لله، وتقول: (يا ربِّ اهدني فيمن هديت، يا ربِّ ثبتني على دينك) فأهل الإيمان يقولون: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ} [آل عمران:53] ويقولون: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ} [آل عمران:193] ويقولون: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8] فاطلب الهداية من ربك! يقول الله: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] فهذا وعد من الله عز وجل، وأمر منه بالدعاء، ووعد منه بالإجابة، فإذا امتثلت الأمر فدعوت الله فلن يخلفك ما وعدك أبداً، إلا إذا وُجِدَت موانع! وتوجد أحياناً موانع لإجابة الدعوة، والموانع هذه منك فعليك أن تجتنبها وعندئذٍ تأتيك المنن من الله، لكن إياك أن تضع عقبات بينك وبين الله، لأنه إذا كان بينك وبينه عقبات فلن يأتيك شيء من إجابة دعائك. وليس هذا مقام التفصيل فيما يتعلق بموانع الدعوة، ولكن ادعُ الله {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن:18]. فأول سبب من أسباب شرح صدرك: أن تدعوَ الله في ذلك، ومتى تدعو الله؟ عليك أن تتحرى الدعاء في أوقات الإجابة ومنها: الثلث الأخير من الليل والناس نيام، فقم وتوضأ وصل ركعتين واسجد، وفي السجود ألح على الله، قدّم السؤال وقدّم العريضة ولا تنصرف بسرعة، إلا إذا شعرت أن الله قبلك، وكيف تشعر؟ إذا بكيت ورق قلبك، معنى هذا أن عريضتك قبلت، فلا مانع من دخولك على الله. أما إذا كان قلبك متحجراً فاعلم أنك لم تكن صادقاً في دعائك، ليس عندك حقيقة الإلحاح؛ لأن هناك فرقاً بين من يسأل وهو مُلح، وبين من يسأل وهو مستغن، مثلاً -ولله المثل الأعلى- عندما يأتيك فقير يقول: أعطني من فضلك، وتقول له: ليس عندي شيء، ينصرف عنك، لكن لو كان مُعرَّضاً للموت جوعاً وقال: أعطني من فضلك، فتصرفه، فيأتيك ويلحقك، فتقول له: ليس عندي شيء، فيقول لك: من فضلك ما عندي غداء من فضلك أعطني ريالاً، فتصرفه ثم يلحقك، ويقول: يا أخي! طلبتك مرة، وثانية، والله! ما ردني عليك إلا الحاجة، والله! ما عندي شيء أعطني بالله عليك ريالاً، تصرفه وتقول له: اذهب -يا شيخ- أنا ليس عندي ما أعطيك، يلحقك مرة رابعة، فعندئذٍ تعطيه ريالاً ولو لم يكن معك غيره، لأنه ألح عليك وأحرجك، وكذلك (إن الله ليحب الرجل الملحاح في الدعاء) يقول: لا تسألنّ بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب فما على باب الله من حاجب: الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب لأن ابن آدم فقير، والفقير يسأل فقيراً، بينما الله غني، والغني مهما تسأله فلا يمل سؤالك، بل كلما سألته أعطاك، كما جاء في الحديث يقول الله: (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) أدخل مخيطاً (إبرةً) في المحيط الهادي وأخرجه، فما الذي يخرج معه من الماء بالنسبة للمحيط؟ هذا مثل الذي ينقص من عند الله، والباقي في خزائن الله، فاسأل الله تبارك وتعالى من فضله. وأول شيء تسأله من الله الهداية، فتدعوه في جوف الليل، وبين الأذان والإقامة، وبعد صلاة العصر يوم الجمعة إلى المغرب، وحين صعود الخطيب إلى المنبر يوم الجمعة، وحين نزول المطر، وهناك أوقات أخرى قد ذكرها الشرع، وهذه الأوقات مظنة الإجابة، المهم كلما رفعت يدك قل: (اللهم اهدني فيمن هديت).

أهمية الأخذ بأسباب الهداية

أهمية الأخذ بأسباب الهداية ثم بعد الدعاء تأخذ بأسباب الهداية، إذ لا يكفي أن تدعو وأنت هارب، لا بد أن تدعو وأنت مقبل على الله. وبعض الناس يقول: اللهم اهدني، بلسانه! وهو هارب من الله بعمله، يقول: "اللهم اهدني فيمن هديت" وهو يسمر على الأغاني إلى نصف الليل، يُحوِّل الراديو من إذاعة إلى إذاعة إلى أن يجد أم كلثوم أو أي مطرب أو مطربة، وهناك يرفع يده عن الراديو فقد وجد أمنيته، فهل هذا يريد أن يهتدي؟ هذا كذاب، هذا لا يريد الهداية حقيقة بل يريد الضلال. أحد الإخوة يقول: هناك سيارة وقع لها حادث مروري، وبعد ذلك جاءوا إلى الولد السائق وهو يحتضر، يلفظ أنفاسه الأخيرة ويقول: (هل رأى الحب سكارى مثلنا؟) والشريط في نفس السيارة لـ أم كلثوم تغني وهو معها يردد: (هل رأى الحب سكارى مثلنا؟) هؤلاء سكارى حق، فلا حول ولا قوة إلا بالله. ولا بد عليك وأنت تدعو الله بالهداية أن تسلك السبيل الموصل إليها. الآن الواحد منّا إذا أراد زوجة وقال: اللهم ارزقني زوجة صالحة، دينة جميلة هادئة ذات خلق ودين، وبعد ذلك تراه جالساً في البيت، وكلما قالوا له: تزوج، قال: لا، يا شيخ! الزواج مشكلة، أنا أطلب من الله أن يزوجني فقط، هل تأتيه زوجة؟ يريد أن تأتيه واحدة (مقرطسة) من السماء، لا. ادع الله. ومن ثَمَّ ابحث في المجتمع، وأرسل أهلك وأقاربك يبحثون لك عن زوجة، وإذا قالوا لك: عند فلان بنت صالحة، فعندئذٍ تذهب وتسأل عنه وعن هذه التي ستتزوجها وعن سيرتها وخلقها، وإذا اطمأننت تذهب وتتكلم مع أبيك، ثم يذهب أبوك إلى أبيها، وبعد ذلك مراحل أخرى ثم تجتمعون في الليلة الأولى للمفاهمات الأولية، ثم تحددون موعداً للعقد، ثم موعداً للزفاف، ولا تدخل عليها إلا وقد تكبدت معاناة شديدة. وهي امرأة من نساء الدنيا، لعلك تظل معها (شهر العسل) وبعد ذلك تتحول الدنيا كلها إلى (بصل) وتعلمون أن (شهر العسل) هذا ليس عرفاً إسلامياً وإنما عادات وافدة، أما نحن فليس عندنا (شهر عسل) نحن في الإسلام حياتنا كلها عسل، لكن الكفار لا؛ لأنهم يلتقون لقاءً بهيمياً، فيحددون (شهر العسل) فإذا انتهى الشهر صار عدواً لها وهي عدوة له، وعاشوا في مشاكل إلى يوم القيامة، لكن الإسلام لا يهمل هذه العلاقات، بل ينسق ويربط الصلة بين الزوج والزوجة وتصير حياتهم كلها عسلاً إلى يوم القيامة، ويكملون الحياة السعيدة -إن شاء الله تعالى- في الجنة إذا كانا صالحين؛ لأن الله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور:21]. ويقول: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:23 - 24] ويذكر لنا تبارك وتعالى أن الملائكة تقول: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [غافر:8] فلا يطيب لك قرار في الجنة، ولا تحصل لك السعادة كاملة، إلا بأمك وأبيك وزوجاتك وأولادك، إذا كانوا مؤمنين، أما إذا كانوا فجرة فيُذهَب بهم إلى جهنم ويعوضك ربي عنهم في الجنة إن شاء.

تلاوة القرآن

تلاوة القرآن أنت إذا أردت أن تتزوج فلا بد أن تسلك أسباب الزواج، كذلك إذا أردت أن تهتدي يجب أن تسلك أسباب الهداية، وأسباب الهداية ما هي؟ هذا موضوع مستقل، ولكني سأطرق منه رءوس أقلام فقط. من أسباب الهداية: أولاً: تلاوة كتاب الله. أول شيء عليك بالقرآن الكريم، قال الله تعالى فيه: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ} [الشورى:52 - 53] ويقول سبحانه: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [المائدة:15] ويقول سبحانه: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً} [النساء:174] ويقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:57 - 58]. فعد إلى كتاب الله؛ عد إليه تلاوة! عد إليه تدبراً! عد إليه عملاً وتطبيقاً! عد إليه التزاماً واحتكاماً! عد إليه استشفاء! عد إلى القرآن، واجعل حياتك كلها مع القرآن، ليلك مع القرآن، ونهارك مع القرآن، فحين تجلس في المكتب، وليس عندك عمل فخذ المصحف، واقرأ وبمجرد أن يؤذن وأنت الأول في الصف تأخذ المصحف، لكن علاقة الناس اليوم بالقرآن -يا إخواني- علاقة واهية وضعيفة جداً. وهذا هو الذي ترتبت عليه قسوة القلوب، لبعدهم عن كتاب الله وعن النور العظيم، الذي يقول الشاعر في معناه: كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول ترون الناس الآن وسوء علاقتهم بالمصحف، فلو سألت طالب علم -مثلاً-: كم تختم القرآن؟ هل تختم في الشهر مرة؟ قال: لا. الله أكبر! ثلاثون يوماً تمر عليك وما تمر على القرآن مرة واحدة، كان السلف يختمون في كل ثلاثة أيام، وكانوا يختمون في كل أسبوع، وكانوا يختمون في كل عشرة أيام وكانوا يختمون في خمسة عشر يوماً، فأنت أقل ما يمكن أن تختم في كل شهر مرة، كيف ذلك؟ تقرأ كل يوم جزءاً، حتى تكمل الثلاثين ثم تبدأ من أول القرآن إلى أن تنتهي منه بشكل مستمر، تكون -إن شاء الله- بهذا من القارئين للقرآن، وبعضهم يمر عليه العام كله ولا يختم مرة، وإنما تراه يدخل المسجد إذا بقي وقت للقراءة فيجلس لا يستطيع أن يقوم ويأتي بمصحف؛ تصوروا كأنه يستكثر القيام للمصحف ويراه أكثر من حاجته، فيظل جالساً إلى أن يرى -لعل الله يجعل- أحدهم يقوم، فإذا قام واحد ناداه: من فضلك مصحف، نحن تكسرت أرجلنا فلا نستطيع أن نأتي بمصحف، فلا إله إلا الله! وبعضهم اليوم يدخل المسجد ويأخذ المصحف فإذا فرغ من القراءة وضعه في حجره؛ من أجل ألا يقوم مرة ثانية، سبحان الله! ما أكسلك! وما أعجزك يا هذا الإنسان! وبعضهم -والعياذ بالله- يقوم أحدهم يقرأ، ويأتي بالمصاحف وينظر من بجانبه لعلهم يكسبون أجراً وثواباً ويؤجر معهم، فيأتي بمصحف لأحدهم فيقول: شكراً، لا أريد، هؤلاء ممتلئون حسنات، مستغنون. ووالله! لو أعطاه مالاً ولو أقل من خمسمائة ريال ماذا يقول؟ هل يقول: شكراً لا أريدها، لا. بل يلتقطها قبل أن ينظر إليها أحد؟ سبحان الله! تستغني عن كلام الله! لا ترد المصحف، مهما كنت، خذ المصحف واقرأ ولك بكل حرف عشر حسنات: (لا أقول: (ألم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) ثلاثين حسنة تأتيك إذا قلت (ألم) والحسنة الواحدة تساوي الدنيا كلها، ولكن أين عقل الإنسان عندما يضيع هذه الفرص؛ هذا عقله خَرِبٌ، وقلبه ليس منشرحاً لكتاب الله، فارجع إلى كتاب الله وأكثر تلاوته، واحذر من هجرانه.

أبيات من المنظومة الميمية للشيخ الحكمي

أبيات من المنظومة الميمية للشيخ الحكمي يقول الشيخ حافظ الحكمي في أبيات اخترتها فأحضرتها حتى تسمعوها، وهي أبيات عظيمة في منظومة له اسمها: المنظومة الميمية في الآداب العلمية، وقد أوصى طالب العلم بالقرآن وأوصاه بالسنة، وأوصاه بآداب يجب أن يتمسك بها، واخترت منها بعض الأبيات فيما يتعلق بالأدب مع القرآن، يقول: وبالتدبر والترتيل فاتل كتا ب الله لا سيما في حندس الظلم حَكِّمْ براهينه واعمل بمحكمه حِلاً وحظراً وما قد حده أقم وعن مناهيه كن يا صاحِ منزجراً والأمر منه بلا ترداد فالتزم هو الكتاب الذي من قام يقرأه كأنما خاطب الرحمن بالكلم هو الصراط هو الحبل المتين هو الـ ميزان والعروة الوثقى لمعتصم هو البيان هو الذكر الحكيم هو الـ تفصيل فاقنع به عن كل منبهم هو البصائر والذكرى لمدكر هو المواعيظ والبشرى لغير عم هو المنزل نوراً بيناً وهدى وهو الشفاء لما في القلب من سقم لكنه لأولي الإيمان إذ عملوا بما أتى فيه من علم ومن حكم أما على من تولى عنه فهو عمى لكونه عن هداه المستنير عمي والله تعالى يقول: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى} [فصلت:44] والوقر يعني الحفرة، فالذي أذنه محفورة ليس فيها طبلة تستجلب الصوت وإنما هو مخروق الأذن ما يسمع كلام الله، وهو عليهم عمى: أي: إذا سمع يضيق، يقول هنا: لكنه لأولي الإيمان إذ عملوا بما أتى فيه من علم ومن حكم أما على من تولى عنه فهو عمى لكونه عن هداه المستنير عمي فمن يقمه يكن يوم المعاد له خير الإمام إلى الفردوس والنعم كما يسوق أولي الإعراض عنه إلى دار المقامع والأنكال والألم كفى وحسبك بالقرآن معجزة دامت لدينا دواماً غير منصرم فانظر قوارع آيات المعاد به وانظر لمن قص من عاد ومن إرم وانظر به شرح أحكام الشريعة هل ترى بها من عويص غير منفهم أم من صلاح ولم يهد الأنام له أم باب هلك ولم يزجر ولم يلم أخباره عظة أمثاله عبر وكله عجب سحقاً لذي صمم الله أكبر كم قد حاز من عبر ومن بيان وإعجاز ومن حكم رحم الله قائل هذه الأبيات الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي وأسكنه فسيح جناته وجمعنا به في دار كرامته. أول وسيلة -أيها الإخوة- من وسائل شرح الصدور: القرآن الكريم، وننادي بأعلى أصواتنا: عودوا -يا عباد الله- عودة إلى كتاب الله القرآن الكريم. كثير من الناس لا يحفظون من القرآن شيئاً، تراهم يلعبون البلوت من بعد العشاء إلى منتصف الليل، وإذا قلت له: اقرأ لي بالله عليك: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] لا يعرف كيف يقرؤها، وإذا قلت له: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} [الكافرون:1 - 2] قام ولعب فيها ووضع "لا أعبد" مكان "أعبد"، لا يعرف، لماذا؟ لأنه يلعب البلوت، ومع هذا يقول: ليس عندنا شغل! إذا لم يكن عندك شغل فالقرآن معك، وأنت لا تحفظ فيه ولا تراجعه، هل فرغت من كتاب الله؟ هل فرغت من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لا. بل تجده من أجهل الجاهلين ويقضي عمره في عمل البطالين وعمل العابثين الغافلين اللاعبين والعياذ بالله. فنقول لكم ولأنفسنا قبلكم: عودوا إلى كتاب الله، ورتبوا لأنفسكم مواعيد للتلاوة، وأحسن وقت بعد صلاة الفجر، حينما تعودون من الصلاة فإن كنت تقعد في المسجد فحباً وكرامة، وإن لم تكن في المسجد ففي البيت قبل أن تنام اجعل عند رأسك مصحفاً، فعندما ترجع من الصلاة أشعل المصباح واقرأ القرآن لمدة ربع ساعة على الأقل، لابد أن تنام وآخر عهدك بالقرآن لا تنم على الأغاني، وبعد ذلك رتب لنفسك أوقاتك قبل الصلاة، ألزم نفسك ألا يؤذن إلا وأنت على أهبة الاستعداد لإجابة النداء، بحيث لو كان بيدك أعظم شغل في الدنيا، ونادى المؤذن: الله أكبر، تترك كل شيء على الفور، وإذا كنت بائعاً تضع الميزان مباشرة، أو كنت موظفاً أغلق الدفتر وأجب النداء، تقول عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا ونحادثه، فإذا سمع المؤذن قام وكأنه لا يعرف منا أحداً) دعاه ربه، ترك كل شيء، فألزم نفسك بهذا الخلق، وبمجرد أن تسمع الأذان -مهما كان عملك، ومهما كان شغلك، فقد دعاك الله- اترك شغلك وتوضأ، وإن أذن المؤذن وأنت متوضئ فهذا أفضل، وبادر إلى الصف الأول في الروضة: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة:10 - 11]. وقد ذكر المفسرون في هذه الآية من سورة الواقعة: أن الناس يوم القيامة قربهم من الله بحسب قربهم في الصفوف الأولى من المسجد، فالذي هو في الصف الأول هنا يكون في الصف الأول هناك، والذي هو في الصف الثاني هنا يكون في الصف الثاني هناك، والذي لا يأتي هنا فلن يأتي هناك، ولا يدخل الجنة، وإنما يذهب إلى دارٍ ثانية، إلى النار والعياذ بالله. فرتب وقتك، فمن بعد الأذان باستمرار إلى الصلاة يكون لك مصحف تقرأ فيه قبل الظهر وقبل العصر ثلث ساعة، وقبل المغرب عشر دقائق، وقبل العشاء ثلث ساعة، فما شاء الله هذا الوقت كله كم مقداره، تجد فيه أقل شيء ساعتين أو ساعةً ونصفاً للقرآن فبإمكانك أن تختم في كل شهر ثلاث مرات، فهذا هو السبب الأول من أسباب شرح الصدر.

أهمية الإكثار من ذكر الله

أهمية الإكثار من ذكر الله السبب الثاني من أسباب شرح الصدر: كثرة ذكر الله ودوام ذكر الله، فالله يقول: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] تطمئن أي تنشرح {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} [الرعد:29] ذِكرُ الله عز وجل يشرح صدرك، أما ترى نفسك إذا كنت ضائقاً مهتماً، وعندك مشاكل، فإذا قلت: لا إله إلا الله أستغفر الله العظيم وأتوب إليه، لا حول ولا قوة إلا بالله، تشعر بأنه يوجد مثل الماء البارد ينصب على جوفك، تشعر براحة وطمأنينة فهذا الشرح يأتي من مرة، فكيف لو أنك تداوم على ذكر الله؟ وكيف لو أنك ملازم لذكر الله؟ {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] فما دام أنك مع الله فكيف يضيق صدرك؟ هل يضيق صدرك وأنت مع من يشرح الصدور؟ هل تضيق أمورك وأنت مع من بيده مقاليد الأمور؟ أبداً والله! ولكن ما الذي يسبب لك ضيق الصدر؟ إنه الغفلة وعدم الذكر، والغناء، وقراءة الصحف والمجلات الرخيصة العارية والقصص والروايات التافهة التي يضيق من جرائها الصدر. أما ذكر الله وقراءة القرآن وكتب السنة وكتب سلف الأمة؛ هذه تشرح صدرك وبنص القرآن {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] ولكن ما هو الذكر?

أصناف الذكر

أصناف الذكر الذكر خمسة أصناف: الأول: ذكر الله عند ورود أمره، يعني: إذا كنت جالساً في البيت، وسمعت المؤذن وقمت إلى الصلاة فأنت ذاكر؛ لأن الله تعالى يقول: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:14]. الثاني: ذكر الله عند ورود نهيه، أنت ماشٍ في الشارع وإذا امرأة كاشفة متبرجة والشيطان يدعوك للنظر إليها، والله أمرك بالغض من بصرك عنها فغضضت خوفاً من الله، أنت بذلك تعد ذاكراً لله؛ لأن الله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] فأنت إذا عرضت عليك المعصية وصرفت نفسك عنها، فقد ذكرت الله، وهذا ذكر عظيم، ذكر عملي. الثالث: ذكر الأحوال والمناسبات، أن تتعلم من سنة النبي صلى الله عليه وسلم لكل عمل ومناسبة وحالة ذكرها، فإن الشرع رتب للمسلم أذكاراً في كل حال، ابتداءً من الاستيقاظ حتى تنام، إذا استيقظت قبل أن تفتح بصرك وقبل أن تشاهد أي شيء تقول: (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور) كأنك تقول: يا ربِ أعطيتني فرصة أخرى كي أعبدك فلك الحمد، أعطيتني فرصة من أجل أن أصحح الخطأ وأعمل العمل الصالح فلك الحمد يا ربِ! لو أردت لجعلتها موتةً واحدةً، وبعد ذلك كيف أصلي؟ كيف أستغفر؟ كيف أعمل؟ ولكن من فضلك ورحمتك ومنتك أن أعدتني إلى الحياة فأقول أنا: (الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور) وبعد ذلك تخرج إلى الحمام وتقدم رجلك اليسرى وتقول: باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) ومن الرجس النجس الشيطان الرجيم. وتقضي حاجتك، ثم تخرج وتقدم رجلك اليمنى، وتقول: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني، غفرانك. وبعد ذلك تلبس الثوب وتذكر الله، وتنظر إلى المرآة أمامك وتذكر الله، تخرج إلى المسجد وتذكر الله، هناك أذكار معينة إذا دخلت المسجد، وإذا خرجت من المسجد، وإذا عدت إلى البيت، وإذا أتيت زوجتك، وإذا أكلت طعامك، وإذا رأيت البرق، أو سمعت الرعد، أو نزل المطر، كل حال من أحوالك عليها خاتم الذكر، ويجب أن تتعلم هذه الأذكار، وهذه يسمونها: أذكار الأحوال والمناسبات. الذكر الرابع: الأذكار العددية، التي عدها الشرع وحدها بعدد معين، وتعبدنا بعددها مثل: (من قال في يوم مائة مرة: سبحان الله وبحمده؛ غفر الله ذنوبه وإن كانت مثل رمل عالج أو مثل زبد البحر) وقال صلى الله عليه وسلم: (من قال عقب كل صلاة: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، ثم قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفر الله له ذنوبه ولو كانت كزبد البحر) وهذا الحديث في صحيح مسلم وهو حديث صحيح، والعاملون به قليل؛ لأن الشيطان يأتيك وأنت تصلي ويذكرك ويقول: قم الحق امش، من أجل ألا تقعد دقيقتين فقط تذكر الله فيها. شخص من الإخوان بدأ يقولها: سبحان الله سبحان الله بأحسن أداء، وحسبنا الوقت فوالله ما أخذت دقيقتين، لكن الشيطان يخرجك من هنا ويجعلك تضيع وقتك فتجلس مع رفاقك عشر دقائق في السوق، لكن هنا لا تجلس دقيقتين! فلا بد أن تقول هذا الدعاء عقب كل صلاة، كما في الحديث: (من قال عقب كل صلاة) لأنه ليس في العشاء فقط، وفي الفجر تتركها ولا تقولها، وفي الظهر ترجع من الدوام ولا تقولها، وفي العصر تذهب لكي تنام، لا، بل عقب كل صلاة لا تقم -ولو احترقت الدنيا، وأنت في المسجد- إلا بعد أن تكملها، دقيقتين -يا أخي- وبعد ذلك قلها بأداء صحيح وقلبك حاضر، ليس كما يفعل أكثر الناس، نرى الناس يُسبحون ولا ندري كيف يقلقل قلقلة؟ هل هذا تسبيح؟ متى سبح؟ ويتلفت في المسجد هل هذا تسبيح؟ هذا لعب! لا تتلفت انظر في أصابعك، تقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، هذه -والله- إنها كالذهب. فالآن عندما تستلم راتبك كيف تعده، هل تعده وأنت تتلفت أم أن عينك في النقود وتفحصها؟ ولو أن واحداً جاء يسلم عليك وأنت تعد الفلوس هل تسلم عليه؟ لا، والله! ما ترد السلام عليه، وإذا بك بعد ما تنتهي تقول له: آسف -والله- كنت أعد الفلوس، هذه فلوس ما هي لعبة! فالفلوس لا نضيعها، لكن التسبيح كم سبحت قال: لا أعلم، نسأل الله أن يتقبل! لا -يا أخي- عدها إن (سبحان الله) أعظم من الدنيا وما عليها. يُحكى أنه في ذات مرة مرَّ سليمان بن داوُد هو وحاشيته وجنده على بساط تحمله الريح، البساط الذي يسره الله له وسخر له الريح تمشي بأمره رخاءً حيث أصاب، غدوها شهر ورواحها شهر، الغدوة مسيرة شهر، والروحة مسيرة شهر، ثم هي بأمره إذا قال: انزلي أنزلته، بلا مطارات، وبلا وقود، سفينة ربانية! فمر على مدينة من المدن فحجب البساط ضوء الشمس عن الأرض، وكان هناك فلاح في الأرض يعمل فرفع رأسه وقال: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً كبيراً. فسمعه سليمان عليه السلام وهو على البساط، فأمر الريح أن تُنزِله فأنزلته وجاء إليه وقال له: ماذا قلت؟ قال: ما قلت شيئاً، فخاف؛ لأن سليمان ملك ونبي، قال: لم أقل شيئاً، قال: بلى قلت، فماذا قلت؟ قال: قلت: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً كبيراً، فقال سليمان: والذي نفسي بيده! إن الكلمة التي قلتها أعظم عند الله مما أوتي آل داود. سبحان الله! تعظيم لله وتنزيه لله، فعليك أن تسبح عقب كل صلاة وقد ورد أيضاً حديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم وفيه أيضاً عدد، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (من قال في يوم مائة مرة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، كان كمن أعتق عشر رقاب، وكتب الله له مائة حسنة وحط عنه مائة خطيئة، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجلاً قال مثل ما قال أو زاد، وكانت حرزاً له من الشيطان يومه ذاك) فهذه خمس كيف تضبطها بالعدد بأن تعد، وهذه هي الأذكار العددية. النوع الخامس: الذكر المطلق، أن تذكر الله على كل حال وفي كل حين، وأفضل ما يذكر الله به: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، إذ هن الباقيات الصالحات، يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم والحديث صحيح قال: (لأن أقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس وغربت). كم أشياء طلعت عليها الشمس وغربت من المزارع والمباني والبنوك والعمارات، ولكن هذه الأربع أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل ذلك. فهذان عنصران هما: قراءة القرآن وذكر الله.

ضرورة تلاوة القرآن وتدبره والعمل بمقتضياته

ضرورة تلاوة القرآن وتدبره والعمل بمقتضياته قراءة القرآن أرجو ألا يتصور بعض الناس أنها فقط مجرد التلاوة، بل هي التلاوة والعمل بمقتضاها، إذ مجرد التلاوة بدون عمل لا تغني ولا تنفع، فلو أن لك -ولله المثل الأعلى- ولداً يدرس في أبها وأنت في مكة وأرسل لك ورقة من أبها كتب فيها إليك: يا أبي إن البرد القارس يقطع أوصالي ويفتت عظامي، وأنا أعيش في غرفة وليس معي مدفأة أتدفأ بها ولا معطف ألبسه، والناس من حولي معهم المعاطف و (العبي) وأنا لا أملك نقوداً، ولهذا أطلب منك يا والدي أن ترسل لي بألف ريال أشتري بها مدفأة وملابس، ولما وصلت الرسالة إلى والده في مكة وهو جالس في الحر والدفء تأثر حقيقة، فقرأها فبكى، وقرأها على أمه فبكت، ولكن ما أرسل نقوداً، وبعد ذلك جاء الولد وقال: يا والدي أرسلت لك رسالة فهل وصلتك؟ قال: نعم. بلغتني، والله لقد أثرت فيَّ هذه الرسالة، وبلغت مني كل مبلغ، وقرأتها وتقطع قلبي لما بها، وبكيت، قال: يا أبي أنا ما أرسلتها لكي تبكي، أرسلتها لكي تعطيني ألف ريال، ما رأيكم بهذا الأب هل هو صادق في تأثره؟ لا بل كاذب في تأثره، ولو أنه متأثر حقيقة فمن يوم قرأها يمشي إلى البنك ويحول لولده بألف ريال من أجل أن يستدفئ ولله المثل الأعلى. الله أنزل هذا القرآن لنعمل به وليس لنقرأه فقط، فالآن لو أنك موظف وجاءك تعميم من الوزارة أو من الإدارة وقال لك مدير الإدارة: الإخوة الموظفون! للإطلاع والتوقيع بالعلم، وطلب منك أن توقع في التعميم بالعلم، ماذا يتطلب منك الأمر? يتطلب منك أن تقرأ التعميم، فمن الذي يوقع قبل القراءة؟ ولو أن شخصاً وقع قبل القراءة ماذا نسميه؟ نقول: هذا مغفل وأحمق، توقع على تعميم أتى من الوزارة وما قرأته، افرض أن فيه قرارات افرض أن فيه شيئاً. والتعميم الرباني من الله، تقرأ القرآن ولا تعلم ماذا هناك، تقرأ قول الله: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} [الإسراء:36] وأنت تسمع الأغاني، كم مرة سمعت أن الأغاني حرام، وكم مرة قرأت هذه الآية، وما انتهيت عن الأغاني، فما معنى هذا? معناه: إصرارك على أن تعصي الله على علم، يكفي -يا أخي- أنت عبد الله، بمجرد أمر واحد أو فتوى واحدة أن الأغاني حرام فتمتثل ولا تستمع، هي قرآن الشيطان ووحي إبليس وهي ضد القرآن، فلماذا تعاند ربك وتستمر عليها وأنت تعلم أنها حرام، وأنت تسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول والحديث في صحيح البخاري: (ليكونن في آخر الزمان أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) وهناك حديث مرفوع وقيل موقوف على ابن مسعود: [الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل] وفي بعض الآثار: [من استمع إلى مغنية صب الله في أذنيه يوم القيامة الرصاص المذاب] وفي سنن ابن ماجة حديث عن عمرو بن قرة الجهني قال: جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: (يا رسول الله! ما أراني أُرزق إلا من دفي بكفي -فهو لديه دف يضرب به على أولاد المدينة فيعطونه تمراً فيأكل، فهو يقول ليس عندي عمل- فرخص لي يا رسول الله -سهل لي فيها أمراً في غير ما فاحشة، يقول: ما أريد أن أغني بفاحشة- قال صلى الله عليه وسلم: قم يا عدو الله كذبت، والله لولا أنك سبقت بالتقدمة لحلقت رأسك ولجعلت مالك نهبة لصبيان المدينة) فقام وبه من الذل ما لا يعلمه إلا الله، فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (إن هذا ومن هو على شاكلته يبعثون يوم القيامة عرايا لا يستترون بهدبة كلما قاموا صرعوا) هؤلاء أهل الفن، يخلده الفن في النار، ولهم عواء كعواء الكلاب في جهنم -والعياذ بالله- فلا تقترب منهم -يا أخي- ولا تكن مشجعاً لهم ولا تكن من جمهورهم. كن من أهل القرآن ومن المشجعين لكتاب الله، كن من أهل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول ابن القيم رحمه الله: برئنا إلى الله من معشر بهم مرض من سماع الغنا فعشنا على سنة المصطفى وعاشوا على دندنا دندنا و (يا عين) و (يا ليل) وبعد ذلك يتجرع نتائجها يوم القيامة فلا حول ولا قوة إلا بالله! فيا أخي المسلم! العبرة من التلاوة أن تعمل بالتلاوة: {إِنَّ السَّمْعَ} [الإسراء:36] عرفت هذا، فلا تستمع إلى غيبة، ولا نميمة، ولا قول زور. {وَالْبَصَرَ} [الإسراء:36] لا تنظر إلى الحرام، ولا تملأ عينك الحرام (من ملأ عينيه من الحرام ملأهما الله من جمر جهنم) ما معنى أن الله تعالى يقول لك: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ} [النور:30] من هم المؤمنون؟ أهل روسيا أو بريطانيا؟ لا. بل أنت الذي ولدت في بلد الإسلام ومن أهل الإيمان: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30]. ولكن بعض الناس يقرأ الآيات ويسمع القرآن وإذا رأى امرأة نظر بعينيه وحركها بشرهٍ، يعني: يريد أن يبتلعها بعيونه، الله تعالى يقول: غضوا، وهو يقول: فتحوا، أعوذ بالله! هذه العين ما علاجها إلا من جهنم؛ لأن (النظرة سهم مسموم من سهام إبليس من تركه ابتغاء مرضاة الله أبدله الله إيماناً في قلبه يجد حلاوته إلى يوم يلقاه) كما ورد في الحديث. {وَالْفُؤَادَ} [الإسراء:36] فلا تفكر ولا تسر إلا فيما يرضي ربك، فلا تمش بقدمك إلى حرام، ولا تمدَّ يدك إلى حرام، ولا تتكلم بلسانك في حرام، وقيد نفسك بتعاليم القرآن، وكن قرآناً متحركاً، وكن قرآناً حياً كما قالت عائشة لما سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (كان خلقه القرآن) والحديث صحيح. تريد خلق النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال الله تعالى عنه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] فخلقه القرآن، وتعاليم القرآن كلها انعكست وتمثلت في شخصه صلى الله عليه وسلم. فاقرأ القرآن، واعمل بالقرآن، واستشف بالقرآن، واحتكم إلى القرآن، وتدبر القرآن، تعلم القرآن، احفظ القرآن، كن قرآناً؛ لأنك إذا أردت أن تعرف منزلتك عند الله فاسأل نفسك عن منزلة القرآن في قلبك، فإن كان للقرآن منزلة في قلبك فاعلم أن لك منزلة عند الله، وإن كان لا يوجد للقرآن منزلة في قلبك فاعلم أنه لا منزلة لك عند الله. ومن الناس -والعياذ بالله- من إذا حرك مؤشر المذياع وسمع قرآناً كأنك ضربته على وجهه، لا يريد ريح القرآن، فإذا وجد أغنية استقر عليها وانبسط، فيعرض عن الله ويبتعد -والعياذ بالله- وهذا مدبر ولا خير فيه. والله أسأل في هذه الساعة المباركة ولعلها ساعة إجابة، أن يشرح صدورنا وإياكم إلى الإسلام، اللهم اشرح صدورنا، ويسر أمورنا، واغفر لنا في دنيانا وآخرتنا، واجمعنا وجميع أحبائك إخواناً في الله في دار كرامتك، إنك على كل شيء قدير وبالإجابة جدير. والله أعلم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة

أمراض القلوب وعلاجها

أمراض القلوب وعلاجها Q يقول الله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:10] ما هو علاج هذا المرض? A هذه الآية يذكر الله عز وجل فيها المنافقين في أوائل سورة البقرة؛ لأن الله تعالى ذكر الناس وقسمهم إلى ثلاث فئات: أصحاب قلوب سليمة صحيحة وهم أهل الإيمان -جعلنا الله وإياكم منهم- وأصحاب قلوب ميتة وهم أهل الكفر، وأصحاب قلوب مريضة وهم أهل النفاق. فذكر الله أصحاب القلوب الصحيحة بأربع آيات، وذكر الله أصحاب القلوب الميتة بآيتين، وذكر أصحاب القلوب المريضة بثلاث عشرة آية حتى يكشفهم ويعريهم فقال في أول سورة البقرة: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2] يعني: أهل القلوب الصحيحة يكون القرآن سبباً في هدايتهم. فما صفاتهم؟ قال: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:3] أي: لا يعيشون في سجن المادة المنظورة بالعين، بل يؤمنون بعالم الغيب والشهادة، فما غيب عنا فإنه أعظم بملايين المرات مما ظهر لنا {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [البقرة:4] أي: القرآن {وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:4 - 5] الله أكبر ما أعظم هذا التذييل المناسب (أولئك) اسم إشارة للبعيد، لعلو منزلتهم ولعلو درجتهم عند الله {عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة:5] يعني ليس هناك ضلال {وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:5] جعلنا الله وإياكم منهم. ثم ذكر الله أصحاب القلوب الميتة التي لا حياة فيها، فقال سبحانه فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:6] لأن الله علم عدم انتفاعهم بالإنذار، ولماذا? قال تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة:7]. ثم انتقل إلى أصحاب القلوب المريضة الذين أظهروا للناس شيئاً وأبطنوا غيره، فأظهروا للناس الإيمان وأبطنوا الكفر والنفاق، فهؤلاء أمرهم مشكل، ووضعهم غريب، فلا بد من توضيح حالهم وكشف احتيالهم، فكشفهم الله تعالى فقال: {وَمِنْ النَّاسِ} [البقرة:8] أي ليس مؤمناً من الأولين وليس كافراً من الآخرين، ولكن يلبس لبوس الإيمان، ويخفي الكفر قال: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:8 - 10]. وشفاء هذا المرض وعلاجه بأدوية: أعظمها القرآن الكريم؛ لأن الله تعالى قال: {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس:57]. ثانياً: السنة المطهرة، هدي النبي صلى الله عليه وسلم وطريقة عيشه، كيف يعبد الله؟ هديه في كل شيء. ثالثاً: حب المساجد؛ لأنها مشافي القلوب، والملازمة لها والمداومة عليها؛ لأن من ألف المسجد ألفه الله، ومن أحب المسجد أحبه الله، ومن مشى إلى المساجد في ظلمة الليل لقي الله بنور تام يوم القيامة، فحبك للمسجد مما يقوي إيمانك ويسلم قلبك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: (ورجل قلبه معلق بالمساجد) فحب المساجد مهم جداً. رابعاً: حب العلماء؛ لأنهم أطباء القلوب، فإذا أحببتهم ولازمتهم وجلست معهم سلم قلبك. خامساً: حب الأخوة في الله، عليك أن تتعرف على مجموعة من الصالحين وتربط بهم علاقة الإيمان وتجالسهم، إن كسلت نشطوك وإن غفلت نبهوك، وإن نسيت ذكروك، وإن أخطأت رجعوك، المهم معك في الطريق يعينونك على طاعة الله. سادساً: بغض أهل الفسق والمعاصي والحذر من مجالستهم، فإنهم مرضى، ولا بد من الحظر الصحي عليهم، فمن جالس المرضى مرض، أليس كذلك؟! فواحد عنده سل، وثان عنده إيدز، وثالث عنده سرطان، تجلس معهم وتأكل وتشرب، لا والله! ولو كانوا إخوانك لا تأكل وتشرب معهم، تقول: والله! ما أقعد معكم. فاعلم أن هذا عنده سل في دينه، وإيدز في أخلاقه، وسرطان في عقيدته، ما رأيك بهذا تجلس معه؟ خطأ، إذا جلست معه أوردك النار، فاحذر منه وبهذه الأسباب الستة إن شاء الله يسلم قلبك بإذن الله.

المعاصي وأثرها السيء على الفرد والمجتمع

المعاصي وأثرها السيء على الفرد والمجتمع Q أنا أحد المسلمين أؤدي فرائض الله من صلاة وصيام وحج، وأوحد الله، ولكني أرتكب بعض المعاصي مثل شرب الدخان والشيشة وحلق اللحية وسماع الأغاني وإسبال الثوب، وقد حاولت أن أتفادى هذه المعاصي أو بعضها ولكن الشيطان كلما تبت منها أوقعني مرة أخرى، فبماذا تنصحونا جزاكم الله خيراً? A المعاصي -أيها الإخوة- حجاب بين العبد وبين الله، لها آثار مدمرة على الإنسان في الدنيا والآخرة، تذهب بركة العمر، وتذهب بركة الرزق، وتذهب بركة العلم، وتذهب بركة الأولاد والأموال، المهم أن المعاصي نار وشنار وعار في الدنيا والآخرة، والله تبارك وتعالى قد حذر منها وقال: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب:36]. المعصية هذه هي سبب لإبعادك وإقصائك عن الله، فلا تستصغر شيئاً من المعاصي؛ لأنه لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار. لا تحقرن من الذنوب صغيرا إن الصغير غداً يصير كبيرا الصغير اليوم يكبر، واليوم ذنب وغداً ذنبين وبعده ثلاثة، تأتي يوم القيامة تلقاه مثل الجبل، ما هذا? يقال لك: هذا الذنب الصغير أصبح اليوم كبيراً، وكل شيء يكبر. إن الصغير وإن تقادم عهده عند الإله مسطر تسطيرا وفي الحديث وهو في السنن قال صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحقرات الذنوب فإنها تجتمع على المرء فيهلكنه) وهذه الذنوب التي وقعت فيها -يا أخي- ليست من الصغائر بل هي من الكبائر، سماع الغناء الذي هو ضد القرآن قال ابن القيم: حب القران وحب ألحان الغنا في قلب عبد ليس يجتمعان لا يمكن أبداً أن تجمع قرآناً وأغاني في قلبك، ولذلك ترى الذين يحبون الأغاني لا يحبون القرآن، وإذا أحبوه لا يحفظوه، والذي يحب القرآن لا يحب الأغاني، وإذا سمع لا يريدها، لماذا؟ لأنها متضادة، مثل النار والماء، مثل الشرق والغرب، مثل السماء والأرض لا يمكن أن تجتمع، أما كما يقول بعض الناس: ساعة لقلبك وساعة لربك، لا فهذا شرك، والله تعالى يقول: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162] حتى الموت لله، أما ساعة للقرآن وساعتين للأغاني، فلا. فسماع الأغاني مصيبة. وإسبال الثوب أيضاً من الكبائر؛ لأنه من المخيلة والأحاديث الصحيحة وردت في النهي عنه سواءً كان هذا الإسبال خيلاء وتكبرً أو كان غير ذلك، فإن كان خيلاء وتكبراً فقد ورد في الحديث الصحيح: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة) وإن جر ثوبه عادة لا خيلاء، فقد ورد في الحديث وهو أيضاً صحيح: (إزرة المسلم إلى نصف الساق، فإن كان مرخياً فإلى الكعب، وما تحت الكعب ففي النار) سواء خيلاء أو غيره. فيا أخي المسلم! إسبال الثوب من المخيلة والله سبحانه وتعالى لا يرضاه، والحديث في صحيح مسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب عظيم: المنان بعطائه، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب، والمسبل إزاره). وبعض الناس يستشهد بفعل أبي بكر، وهذا مسكين، هناك فرق بين الثرى والثريا، فـ أبو بكر لما سمع هذا الحديث قال: (يا رسول الله! إن إزاري يسترخي، وإني أتعاهده) يقول: أنا لا أتركه أنا أتعاهده، ولكن أحياناً أسهو عنه أو أغفو فينزل، قال صلى الله عليه وسلم: (إنك لست ممن يفعله خيلاء) هذا أول شيء شهادة تزكية لـ أبي بكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، ولكن أنت من يزكيك حتى تكون مثل أبي بكر؟ وأبو بكر يقول فيه صلى الله عليه وسلم: (ما طلعت الشمس بعد النبيين على أفضل من أبي بكر، ولو وزن إيمان الأمة بإيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر) أثنى الله تعالى عليه في القرآن: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40] أيُّ رجل عظيم هذا؟ وبالرغم من هذا يقول: إن إزاري يسترخي؛ لأن الرجل كان بطنه ملتصقاً بظهره، بل كان جُل الصحابة بطونهم ملتصقة بظهورهم، فهم من شدة الجوع يربطون على بطونهم بالحجارة. فكان أبو بكر يربط إزاره، ومع الجوع يصير فراغاً فينزل ويتعاهده ويرجعه، ثم يذهب الواحد منا إلى الخياط ويقول: دع الثوب يسحب، ثم تجده يقول: أنا مثل أبي بكر، هذا يعني أنك متعمد أن تنزل ثوبك، من أجل أن تمشي في الشارع وتخفي قدميك، لماذا تخفي قدميك، لماذا? هل هي تفتن الناس؟ المرأة مأمورة بأن ترخي ثوبها حتى لا تفتن الناس بقدميها، أما أنت فرجلاك لو رآها الناس لفروا منك، من الذي افتتن بك، ارفع ثيابك، وكن رجلاً، لا تسحب ثوبك كأنك امرأة، (عيب والله عيب!!) هذا عمر وهو مطعون والدم يخرج من بطنه رأى شاباً يسحب ثوبه قال: [يا غلام! ارفع ثوبك فإنه أتقى لربك وأنقى لثوبك] يقول: أتقى لله وأنقى لثوبك، هذا الذي يسحب ثوبه ففي كل يوم زوجته تغسله، كل يوم يكنس الشارع ويذهب عند زوجته تنظف، لكن لو رفع ثوبه بقي أسبوعاً بدون غسل. أما الدخان وما أدراك ما الدخان (أبو قط) وليس (أبو نمر) ولا (أبو أسد) ولكن اعلموا أنه من القطط وإلى القطط، أبو قط ترى الرجل يأخذ العلبة ويضعها في جيبه، فتظنها نقوداً تملأ جيبه، فلا حول ولا قوة إلا بالله. الدخان خبيث ورائحته خبيثة، ولا ينبغي للمسلم أن يتعاطاه بأي حال من الأحوال، وقد صدرت فيه الفتاوى الشرعية من العلماء أنه محرم بأدلة شرعية، سبعة أدلة: والواحد منها يكفي، وفيه تحذير رسمي من الدولة على كل علبة: التدخين يضر بصحتك فلا تقربه، ولكن من الناس من هو أجهل من الثور، يرى التحذير ويشتريه بمال ويشعله بنفسه. فسبحان الله! منظمة الصحة العالمية بإجماع أطبائها غير المسلمين يقررون أنه سبب رئيسي لإصابة الإنسان بسرطان الرئة الذي ما له دواء إلا الموت؛ لأن الرئة مثل الإسفنج إذا دخل فيها سرطان كأنك ولعت في إسنفجة فكيف تطفؤها؟ ومن أراد المزيد فليستمع إلى شريط في حكم الدخان اسمه: (القاتل المهذب) يقتل ولكن بأدب، هذا موجود في الأسواق وينفع إن شاء الله والذي يسمعه يستفيد منه إن شاء الله. وأذكر لكم قصة، وأنا أكررها باستمرار لأن بعضكم ربما لم يسمعها: كنت ذات مرة في جيزان، فسئلت عن حكم الدخان في مدرسة ثانوية، فبينت حكمه بما أعرف من شرع الله، فقام أحد المدرسين واعترض وقال لي: يا شيخ! نريد آية في القرآن يقول الله تعالى فيها: الدخان حرام عليكم، كما قال: حرمت عليكم الميتة والدم، فقلت له: يا أخي أنت تأكل الموز والبرتقال والتفاح، قال: نعم. قلت: أريد آية في القرآن أحلت لكم الموز والبرتقال والتفاح، هات آية، قال: لا يوجد. قلت له: يا أخي! القرآن ليس كتاب مطعم، يعطي لك قائمة بالأطعمة هذا حلال وهذا حرام، بل هذا منهج أمة، ودستور حياة، جعل الله تعالى فيه ميزاناً في سورة الأعراف: {وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] فائت بكل طيب وكله، واترك كل خبيث واعلم أنه محرم عليك. قال: أنا أقول بأن الدخان من الطيبات، أنتم تقولون: إنه من الخبائث وهو حرام، وأنا أقول بأنه من الطيبات فهو حلال، فقلت له: عندك أولاد، قال: نعم. قلت: لو رأيت في يد أحدهم حلوى أو بسكويت أو تمرة، تغضب؟ قال: لا. قلت: لو رأيت في يد واحد منهم سيجارة تغضب؟ قال: نعم. قلت: لماذا؟ قال: لأنه ليس طيباً -بلسانه، والله! - قلت له: غير طيب يعني: خبيث، فضحك الناس عليه كلهم في الصالة، وهو بعد ذلك رفع يديه وقال: تائب والله، والله لا أشربه بعد اليوم، وبعد أن انتهينا سلم علي بحرارة وقال: يا أخي! أنا كان عندي شبهة ولم يقنعني أحد إلا أنت؛ فجزاك الله خيراً وأنا أتوب إلى الله منه. فالدخان -يا إخواني- عيب والله، فالذي يشربه عليه أن يتوب إلى الله منه، فبعض الناس يقول: والله صحيح الدخان خبيث، لكن ما نصنع، والله ما استطعنا، ويريد أن يبكي، أعوذ بالله! ما هذا الضعف؟ تنتصر عليك سيجارة وتغلبك وأنت رجل، لماذا لا ترميها من يدك؟ وتقول: أعوذ بالله منك! والله ما أشربك، سبحان الله! الطفل الصغير يفطم من ثدي أمه وقد ألف ثديها وهو طعامه وغذاؤه الوحيد لمدة سنتين فإذا فطموه ووضعوا له قطران أو شيئاً آخر على الثدي، ثم أعطوه للولد بعد يومين أو ثلاثة ماذا يقول? يقول: (كخ) (خلاص) لا أريدك ويريد طعاماً جديداً، وأنت بلحيتك لا تقول لهذا الخبيث (أبو قط) و (روث مان) وتعرفون ما معنى ( man مان). والشيشة وما أدراك ما الشيشة، وبالمناسبة، قرأت قبل ثلاثة أو أربعة أيام ويمكن قرأتم معي بحثاً في جريدة عكاظ مع التحفظ على هذه الجريدة طبعاً، لكن البحث كان قيماً، كان عن إيدز جديد اسمه الفيروس الكبدي نسبة الإصابة به في المملكة العربية السعودية (56%) وهذه الدراسة جاءت عن طريق جامعة الملك عبد العزيز -كلية الطب، جاء بها علماء وأطباء متخصصون، فليس مجرد كلام، بل دراسة علمية، مبنية على إحصاءات وأرقام (56%) من الناس عندهم هذا الفيروس. وهو ينقسم إلى قسمين فيروس ( A) وفيروس ( B)، فالفيروس ( A) خطير ما بعده إلا الموت، وفيروس ( B) خطير ولكن أقل خطورة، هل تعلمون ما هي أسبابه وما أعظم أسبابه؟ إنها الشيشة، هكذا بهذا النص قال الأطباء: وقالوا أكثر من (40%) من المصابين به سببه تعاطي الشيشة، فهذه الشيشة -يا إخوان- لا ينبغي للمسلم أن يحقر نفسه، بعضهم عنده شيشة في المكتب وشيشة في السيارة لا يمشي إلا وهو يقرقر، وشيشة عند رأسه، بل إنه قد أصبح شيشة متحركة، وبعضهم يحليها ويزينها ويلبسها ثوباً -أعوذ بالله من هذا الشيء-. أما حلق اللحية فمخالفة لسنة النبي صلى الله ع

نصيحة في التعامل مع الولد المدخن

نصيحة في التعامل مع الولد المدخن Q أنا رجل متدين ولله الحمد ولا أزكي نفسي، لي ابن يبلغ من العمر تسعة عشر عاماً، وقد زوجته من سن الثامنة عشرة، بحسب طلبه للزواج، فزوجته بفتاة متدينة والحمد لله، ورأيت في المنام أنه يدخن، فأحرقته بالسيجارة في المنام، ثم انتبهت من المنام، وبعد هذه الرؤيا بأيام قليلة بلغني أنه يشرب الدخان حقيقة، فأغضبني هذا، ولأني أحب في الله وأبغض في الله، فأرشدني جزاك الله خيراً ماذا أفعل معه إذا لم يسمع نصيحتي? A أولاً: أريد أن أقف قليلاً عند الرؤيا حتى لا يتصور الناس أن كل رؤيا يراها حق، نحن لا نتلقى تشريعنا وديننا من الرؤى والأحلام، المصدر عندنا كتاب الله وسنة رسول الله والإجماع والقياس، هذه مصادر الشرع المتفق عليها، وهناك مصادر أخرى مختلف فيها، وهي: شرع من قبلنا، والاستصحاب، والاستحسان، والمصالح المرسلة، والتقليد، والاجتهاد، هذه مصادر مختلف فيها بين الأمة هل هي مصادر تشريع، وليس هذا مقام تفصيل فيها. ولكن المصادر الشرعية لتلقي الأحكام: الكتاب والسنة والقياس والإجماع، أما الرؤى والأحلام فليست كل رؤيا تؤخذ على ما هي ونفسرها؛ لأن منها ما يكون حديثاً للنفس، ومنها ما يكون من الشيطان، ومنها ما يكون من الله، والرسول صلى الله عليه وسلم قد علمنا أنه إذا رأى أحدنا ما يكره في نومه فليتفل عن يساره وليستعذ بالله من الشيطان، لا يخبر بها أحداً فإنها لا تضره. لكن لو أخبر بها وعُبرت فربما تقع، وإذا رأى ما يحب فليخبر من يحب، والرؤيا تسر ولا تضر، وأحياناً يريد الشيطان أن يوقع بين المسلمين والمؤمنين البغضاء ويزعزع ثقتهم في بعضهم، فيريك رؤيا أن فلاناً يدخن أو أن فلاناً حالق لحيته، أو أن فلان رأيته في المنام يزني مع واحدة، هذه من الشيطان من أجل أن تأتي في اليوم الثاني وذاك الذي كنت تحبه ورأيته في المنام أنه يزني تكرهه، لماذا؟ لأنك رأيته في المنام يزني، حسناً ما ذنبه هو؟ الشيطان هو الذي تصور لك ولعب عليك وجعلك تكره أخاك، فلا تبن حكماً على رؤيا. أما كونك رأيت ولدك على هذا الشيء ثم أصبح حقيقة، فهذا علاجه بوسائل: أولاً: تبحث؛ مع من يجلس ولدك المتدين؟ اسأل مع من يجلس؟ لأنه ما دخل عليه الدخان اعتباطا، ما جاء الدخان إلا مع شخص يأخذه معه وجلسا سوياً وقال له: ما رأيك خذ يا شيخ فيرفض، فيقول: إذاً أنت مسكين أنت لا تعيش الحياة التي نعيشها ثم يقول: أنا إذا دخنت أرى الدنيا كلها في يدي، أنبسط وتذهب الهموم والغموم والمشاكل ويقولون: دخن عليها تنجلي. أي مشكلة تدخن عليها وترى الدنيا كلها آمالاً. ذلك المسكين قال: سنجرب فنحن نريدها أن تنجلي، فيأخذها ويمصها أولاً ثم ثانياً ثم ثالثاً، حتى يستسيغها، فابحث أولاً مع من يجلس ولدك؟ وَحُلْ بينه وبين جلساء السوء، ثم ما دام ولدك قد أصبح رجلاً كبيراً فاجلس معه جلسات منطقية متعقلة، وقل له: يا ولدي، يا ولدي، يا ولدي، ربيتك أدبتك زوجتك، يا ولدي هذا الشيء ليس لي ولا لك، هذا الشيء نعوذ بالله منه، نذهب أنا وأنت إلى العلماء، نذهب إلى طلبة العلم نسأل ونستفيد، إن كان حلالاً أنا أشرب معك يا ولدي، وإن كان حراماً فلا. والله! لا أريدك أن تشرب حراماً، وهكذا وادع الله تعالى له في الليل وخذه إلى مجالس العلم، وأسمعه الأشرطة الإسلامية، واربطه بجلساء طيبين، فإن استقام فالحمد لله، وإذا أصر بعدها فعليك هجره؛ لأن آخر العلاج الكي.

خطورة التهاون في صلاة الفجر مع الجماعة

خطورة التهاون في صلاة الفجر مع الجماعة Q لدي مشكلة هي أنني لا أصلي صلاة الفجر في المسجد؛ لأني نائم? A ما رأيك يا نائم لو صدر الأمر أن الدوام الساعة الخامسة، والله تقوم، لو عندك رحلة سفر إلى خارج أو داخل المملكة وقالوا: الرحلة الساعة الرابعة صباحاً تقوم ولا تنام؟ ولا تقول لهم: يا جماعة أخروا الطائرة إلى الساعة السابعة؛ لأني أريد أن أنام؟ يقولون: يا مجنون نؤخر الطائرة من أجل خاطرك. فهذه صلاة الفجر تؤخرها وتضيعها وهي عنوان الإيمان وهي دليل الإيمان: (أثقل الصلوات على المنافقين العشاء والفجر) والحديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم، وهذا والله مقياس ضعه في قلبك واعرف أين أنت، فإن كنت من أهل الفجر فاعلم أنك مؤمن، وإن كنت من أهل النوم فاعلم أن فيك نفاقاً والعياذ بالله. أما كونك تصلي في البيت، فهذا للعلماء كلام فيه حول صحة صلاة من يصلي في بيته، فمنهم من يقول بأنها صحيحة مع العقاب والإثم إذ أنه ترك واجباً وهو صلاة الجماعة، ومنهم من يجعل حضور الجماعة شرطاً في صحة الصلاة بحيث يقول: إنها لا تقبل، وفي الحديث: (من سمع حي على الصلاة، ثم لم يمنعه من اتباعها عذر، لم تقبل منه الصلاة التي صلاها) وهذا موضوع خلاف بين أهل العلم. ولكن نقول لك: اتق الله في نفسك، وما دمت تصلي الأربع الصلوات، إلا هذه الأخيرة والمهمة فاضبط نفسك، ووقَّت الساعة قبل أن تنام، ونم وأنت تقرأ القرآن، ونم مبكراً، ولا تنم على مسلسل، ولا على فيديو، ولا على مسرحية، ولا على قصة داعرة، ولكن نم على الذكر والقرآن واطلب من الله تعالى أن يوقظك لصلاة الفجر، ونبه على زوجتك إن كنت متزوجاً ونبه على أهلك إن لم تكن متزوجاً، وقل لهم: والله إن لم توقظني لصلاة الفجر فلا أذهب إلى المدرسة، وانظر والله سيوقظونك من أجل الذهاب إلى المدرسة، من أجل أن تأخذ الشهادة، لكن بعض الشباب إذا أيقظه أهله قال: أزعجتمونا. أزعجوك! هذا النوم راحة لك يا عدو الله، فلا حول ولا قوة إلا بالله، نعوذ بالله من غضب الله.

نصيحة موجهة إلى البنات والأمهات في البيوت

نصيحة موجهة إلى البنات والأمهات في البيوت Q ما هي نصيحتكم للبنات والأمهات في البيوت يرحمني الله وإياكم? A رحمنا الله وإياك يا أخي، أما النصيحة للبنات والأمهات في البيوت بأن يتقين الله الذي لا إله إلا هو، وتقوى الله هي خير وصية يوصي بها المسلم أخاه، وهي وصية الله للأولين والآخرين، قال عز وجل: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131] وتقوى الله -أيتها الأخت المؤمنة- أن تجعلي بينك وبين عذاب الله وقاية من طاعة الله. والذي نحذر منه النساء هو تأخير الصلوات؛ لأن بعض النساء لا تصلي الفجر إلا الساعة العاشرة، ولا تصلي الظهر إلا الساعة الثالثة، ولا تصلي العصر إلا مع المغرب، وتصلي المغرب آخر الليل، والعشاء يمكن تنام وتتركها، هذه -والعياذ بالله- مجرمة في حق نفسها، لا تؤخري الصلاة، بل إذا سمعتي الأذان ضعي كل عمل وصلي، ثم صلي صلاة شرعية بكمال الطهارة، وكمال الخضوع والخشوع والتستر، البسي حجاباً ورداءً فضفاضاً واسعاً يغطي كل جسمك حتى شعرك، لا تظهري شعرة ولا تبدي ظفراً، ولا يبقى إلا وجهك في الصلاة، إذا لم يكن هناك أجنبي، أما إذا وجد أجنبي فغطي وجهك، ثم تستقبلين القبلة، وتقرأين الفاتحة، وتخضعين وتركعين وتسجدين وتطمئنين أما السرعة والمسابقة، بعض النساء تأخذ الصلاة في غمضة عين، وتقول: قد صليت، وهي تكذب، وقد تقول: لو تركتها كلها الله غفور رحيم، لكنها نسيت أن الله شديد العقاب لمثلك أيتها المجرمة في حق نفسها. حافظي على الصلاة، اتركي الغناء لا يجوز أن تسمعيه، في البيت، كل الأشرطة التي عندك بدليها، اذهبي بها إلى مكتب الدعوة وسلمي الأشرطة التي عندك، يطبعونها ويسلمون لك آخر الأشرطة الإسلامية، بدل أن كانت باطلاً تصبح حقاً، وبريال واحد فقط، والله أكبر! ما أعظم هذا الفضل! وبعد ذلك تحجبي والتزمي بالحجاب حتى ولو كان زوجك يرفض؛ لأن من الأزواج من لا يهمه هذا الأمر بل يحب أن تكشف امرأته بشكل مستمر، من أجل إن كانت جميلة يباهي بها، وإن كانت كريهة وليست جميلة فلأجل أن يجعل الناس نساءهم يرينه؛ لأنه لو غطى زوجته وهي كريهة أو قبيحة غطى الناس نساءهم عليه، والعياذ بالله. هذه جوهرة لك لا يراها إلا أنت، ولا تكشف. وإذا أمركِ بالكشف فلا تطيعيه؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ثم احذري من مرض خطير جداً منتشر في أوساط النساء وهو مرض الغيبة؛ لأنها تأخذ عباءتها وتخرج من بيتها إلى أين؟ قالت: عند الجيران، ما هي المناسبة التي معكم؟ قالت: نتحدث، يعني: نأكل لحوم الناس، وتجد بعض النساء قد فنيت عباءتُها من عند رأسها من كثرة ما تلبسها، فكل يوم وهي على رأسها من بيت إلى بيت ماذا هناك، قالت: تتحدث، هل نتحدث بذكر الله؟ لا. بالقرآن؟ لا. لكنها تتحدث عن ماذا قالوا في فلان، ما قال أهل فلان، أما فلان أعوذ بالله منه، والله أما فلان فسلام الله عليه، قطع ونشر وطعن وقضم وهضم في لحوم المسلمين. تخرج وهي قد شبعت من نار جهنم -والعياذ بالله- فنقول: لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا أعراضهم؛ لأنَّ (من تتبع عورة مسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع عورته فضحه وهو في جوف بيته) أو كما قال صلى الله عليه وسلم. والنميمة وهي داء خطير عند النساء: وهي نقل الكلام بين البيوت، تأتي عند هذه تسمع كلامها وتذهب عند تلك وتقول: والله كنت عند فلانة بالأمس وسمعتها وهي تقول: فيك وفيك وما عملتِ بها، قالت: الله أكبر! صدقيني! والله إنها بنت حرام، وذهبت عند من نمت عليها وقالت: والله كنت عند فلانة بالأمس وذكرتك بشيء وقالت وتقول! وهذه أحرقت الأسر -والعياذ بالله- والنمام يفسد في ساعة ما لا يفسده الساحر في سنة، فهذه أمراض النساء وكثيرة هي أمراضهن. ونصيحة أخيرة: طاعة الزوج؛ لأن طاعة الزوج من طاعة الله، فهاهي عمة حصين بن محصن لما جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم والحديث في السنن، قال: (أذات بعل أنت؟ قالت: نعم، قال: كيف أنت منه؟ قالت: أجتهد -يعني: لا أقصر- قال: إنه جنتك ونارك) فالنار والجنة من عند الزوج، ثم قال: (أيما امرأة صلت فرضها، وصامت شهرها، وأطاعت بعلها، وحصنت فرجها فلتدخل من أي أبواب الجنة شاءت). إن طاعة الزوج مسئولية كبيرة ولكن في طاعة الله، وتستطيع المرأة الموفقة أن تصل إليها بألطف الأساليب، فالزوج لا يريد مالاً، ولا يريد خدمة شاقة، يريد بسمة، يريد كلمة طيبة، يريد وجهاً بشوشاً، يريد رائحة جميلة، يريد ثوباً نظيفاً، يريد طعاماً مطهياً عاجلاً، يريد أن ينام ولا يسمع تكديراً، وإليكم مقولة المرأة التي زفت بنتها إلى زوجها، فلما زفتها قالت لها: إنك ستخرجين من بيت درجت فيه إلى عشير لم تألفيه، فكوني له أمة يكن لك عبداً. لأن بعض النساء تقول لبنتها: لا ينتصر عليك، كوني عزيزة النفس، إذا قال كذا قولي: لا. كوني عزيزة! فتحدث المشاكل من أول يوم دخلت فيه، ولكن عندما تصير المرأة أمة للزوج، ماذا يكون هو؟ عبداً لها. وبعد ذلك قالت: لا يشمن منك إلا أطيب ريح، ولا تقع عينه منك إلا على كل مليح، وإياك في تأخير طعامه، أو تنغيص منامه، فإن تأخير الطعام ملهبة، وتنغيص المنام مغضبة، كيف ذلك؟ بعض النساء تظل نائمة حتى الساعة الثانية، وزوجها يأتي الساعة الثانية والنصف، وبعد ذلك قامت الساعة الثانية ولم يبق إلا نصف ساعة وخربت الدنيا كلها، ويأتي الزوج ويقول: هل الطعام جاهز؟ فتقول: اصبر قليلاً لازال القدر على النار، أين كنت من الصباح، (اللهم طولك يا روح) وبعد قليل أتت به بعد نصف ساعة وهو يلتهب، والطعام إذا كان حاراً كأنه نار نعوذ بالله من النار، كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يحب الطعام الحار، ولما قدم له قال: (إن الله لم يأمرنا أن نطعم النار) وبعد ذلك تجده إما مطهياً طهياً غير جيد، يعني: لابد أن يكون فيه عيب؛ لأنها أصلحته بسرعة، لكن لو أنها من أول الأمر قد دبرت أمرها وجهزت طعامها، بحيث إنها حين تسمعك وأنت عند الباب تدق الجرس، لا تدخل إلا والطعام أمامك حتى لا تغضب. وتنغيص المنام مغضبة، وبعض النساء إذا علمت أن زوجها نائم تقفل عليه الباب وتأخذ أطفالها وأهلها وتذهب في غرفة بعيدة عن منامه وتسكتهم حتى لا يزعجوه، وعندما يأتي الوعد الذي قرر فيه القيام، تأتي إليه بالدقيقة وتنهضه قائلة له: يا فلان قم بارك الله فيك الموعد حل (يا سلام!) هذه الزوجة موفقة، نسأل الله أن يوفقها. ولكن بعض النساء إذا نام فتحت الباب وأتت بعيالها كلهم، يقول لها زوجها: أريد أن أنام، قالت: لماذا تنام، حسناً أتيت من الدوام من أجل أن تنام، نريد أن نقعد معك، فإن الزوج يدعو عليها: لأنه وجدها مصممة على إزعاجه وبعد ذلك ذهب النوم وخرج وغضب عليها وحدثت مشاكل، كان عليها أن تغلق عليه الباب ساعة أو نصف ساعة بحيث يرتاح قليلاً؛ لأن الرجل يعاني بالخارج ويتعب في عمله فأين يذهب؟ هل يذهب إلى (القهوة) لينام؟ أم يذهب إلى المسجد؟ أم يذهب إلى الناس يطلب منهم مكاناً لينام فيه؟ هذه عذاب -والعياذ بالله- يقول المثل: حرب الخلاء ولا حرب الدار. فإخلاص المرأة يكون بطاعتها لزوجها، وبكل هذه الأساليب إن شاء الله يمكن أن تكون المرأة طيبة، وهناك شريط إن شاء الله سوف يخرج بعد أيام اسمه (رسالة إلى كل عروسين) وجهته أنا إلى العرسان الجدد، ولكن يصلح حتى للقدامى، لعله ينفع ويعالج أغلب المشاكل التي بين الزوج وزوجته، وإن شاء الله سيصدر قريباً فلا تستعجلوا عليه، ربما يبقى شهراً؛ ولكن يوجد شريطان الآن في السوق، الأول بعنوان: (حقوق الزوج) والآخر: (حقوق الزوجة) هذا موجود وبإمكان الشخص أن يشتريه ويستفيد منه.

حكم التغيب عن العمل بدون عذر شرعي

حكم التغيب عن العمل بدون عذر شرعي Q يقول: أعمل في إحدى الإدارات الحكومية وأنا شاب مستقيم ولله الحمد، وهذا من فضل الله علي، ولكني إذا تغيبت من غير عذر شرعي، وأردت أن أطلب من رئيسي أن يخصم من مرتبي عن ذلك اليوم الذي غبت عنه؛ لأنه حرام أن أتقاضى راتب ذلك اليوم الذي غبت فيه، ولكن الناس يقولون: خذ أجر ذلك اليوم ولا حرج عليك? A لا يجوز للإنسان أن يتغيب بغير عذر شرعي؛ لأنه مسموح له بقوة النظام أن يأخذ إجازة من الإجازات العادية أو الإجازات الاضطرارية، أو إذناً من رئيسه إذا كان يملك صلاحية في هذا، فلا يجوز له إلا بإذن أو يقدم خطاباً: سعادة مدير الإدارة تغيبت يوم كذا وكذا أرجو خصم راتب ذلك اليوم. إذا جاء المدير وقال: لا يا شيخ، فضل الحكومة واسع. قل له: صدقت، الحكومة فضلها واسع، أمدها الله ووفقها وبارك فيها، لكن ظهري لا يتحمل العذاب، وأنا أجير عند الدولة، فأنا آخذ اليوم راتباً وآخذ بدلاً عنه عذاباً في النار، يحوله إلى شئون الموظفين لخصم راتب ذلك اليوم، وإذا رفض فارفعها للمدير العام من أجل يخصم عليك يوماً مثل يومك؛ لأنه مدير متساهل وأخبره بذلك. والله أعلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أسماء يوم القيامة

أسماء يوم القيامة تحدث الشيخ في محاضرته عن هول يوم القيامة، وأنه آتٍ لا شك فيه، ثم ذكر أسماء لذلك اليوم: القيامة، اليوم الآخر، الساعة إلخ، مبيناً السبب في إطلاق هذه التسميات على ذلك اليوم الرهيب، ومثبتاً في إطار ذلك أن كثرة الأسماء تدل على عظم المسمى.

أهوال يوم القيامة

أهوال يوم القيامة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يوم القيامة يوم عظيم، يومٌ تحدث فيه من الأحداث والمشاهد العظيمة ما يجعل الولدان شيباً، والمرضعة تذهل عما أرضعت، والحوامل يضعن أحمالهن؛ خوفاً وفزعاً ورهباً من تلك الأحداث العظيمة التي تتغير فيها معالم الكون. يوم القيامة لو علمت بهوله لفررت من أهل ومن أوطانِ يوم عبوس قمطرير أمره فيه تشيب مفارق الولدانِ ويقول الآخر: مَثّل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمورُ إذ كورت شمس النهار وأدنيت حتى على رأس العباد تسيرُ وإذا الجبال تقلعت بأصولها ورأيتها مثل السحاب تسير وإذا البحار تأججت نيرانها ورأيتها مثل الحميم تفورُ وإذا الوحوش لدى القيامة أحضرت فتقول للأملاك أين نسيرُ؟ فيقال سيروا تشهدون فضائحاً وعجائباً قد أحضرت وأمورُ وإذا الجنين بأمه متعلق خوف الحساب وقلبه مذعورُ هذا بلا ذنب يخاف لهوله كيف المقيم على الذنوب دهورُ يوم القيامة هائل جداً، طوله خمسون ألف سنة، وخمسون ألف سنة سهلة باللفظ لكنها في التعداد العملي صعبة! خمسون ألف سنة والناس واقفون في ذلك اليوم العظيم الذي تتقطع فيه القلوب، وتشخص فيه الأبصار، والناس فيه يتوقعون كل عذاب، وهناك أناس آمنون لا يغشاهم الحزن: {لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء:103] نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم. هذا اليوم ضربه الله عز وجل موعداً لفصل القضاء، وللجزاء، وللوعد والوعيد، يوم تنصب فيه الموازين، وتنشر فيه الدواوين، ويبعث فيه الخلق أجمعون، وتتفطر السماء، وينزل منها الملائكة: {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} [الرحمن:37] وتحضر الأعمال، ويجزى الناس على ضوء أعمالهم في هذه الحياة. وهذا اليوم يسبقه إبادة شاملة وكاملة لجميع الأحياء؛ لأن النفخة نفحتان: النفحة الأولى: نفخة الصعق: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} [الزمر:68] هذه نفخة الصعق لا يبقى بعدها أحد، كل الناس يموتون، والنفخة الثانية: نفخة البعث: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68] قيل: ما بين النفختين الأولى والثانية أربعون عاماً، وهذه المدة من أجل إعادة تكوين الأجساد البشرية كما كانت، وفي هذه المدة ينزل مطر من ماءٍ يقال له: ماء الحيوان، تنبت منه أجساد العباد؛ لأن الناس إذا ماتوا يفنى منهم كل شيء، إلا عجب الذنب في آخر العمود الفقري، وهو مثل بذرة الذرة، فأنت عندما تأتي ببذرة الذرة تكون صغيرة، إذا ما قستها مع الشجرة التي تنتج هذه البذرة أين هذه من تلك؟ تضعها في الطين وتسقيها بالماء، وتنبت لك نبتة الذرة وفيها سنابل، وأعذاق، وأوراق، وأغصان، وأصلها ماذا؟ حبة ذرة. كذلك أنت -أيها الإنسان- أصلك نطفة، ولا يبقى منك إلا هذا العضو الصغير -عجب الذنب- لا يفنى، ولا ينبت في الأرض بأي ماء إلا بالماء الذي ينزله الله في آخر الزمان، وهذا الماء ورد في الحديث أنه يشبه مني الرجال، ينزل على الأرض فتنبت منه أجساد وأجسام العباد كما تنبت الحبة في حميل السيل، حتى تعود الأجساد كما كانت -يوم موت أصحابها- لكن بدون أرواح. ثم ينفخ النفخة الثانية، والنفخة الثانية في الصور (البوق)، والصور: قرن من نور حاوٍ لجميع أرواح الخلائق، كل الخلائق الموجودة يموتون عند النفخة الأولى، وإذا كانت النفخة الثانية تطايرت الأرواح، وعادت كل روح إلى جسدها، فيقوم الناس كلهم من القبور كأنهم كانوا في نوم عميق، يقول تبارك وتعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [يس:51] والأجداث القبور، وينقسمون إلى قسمين: أناس يقولون: {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس:52] وأهل إيمان يقولون: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس:52 - 53] هذا اليوم الذي تباد فيه الخلائق كلها، كما قال الله عز وجل: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ} [الرحمن:26 - 27] وكما قال الله تبارك وتعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88] وكما قال سبحانه وتعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185]. وفي هذا اليوم يلاقي العباد شيئاً عظيماً من الكربات والأهوال؛ لأن الشمس تدنو من الرءوس حتى تصير على بعد ميل -قيل: ميل المكحلة، وقيل: ميل المسافة- حتى إنها لتغلي منها أدمغة العباد كما يغلي اللحم في القدور، والعرق يبلغ من الناس مبلغاً، لدرجة أن منهم من يسبح في عرقه، وورد في الحديث الصحيح: (أن منهم من يبلغ عرقه إلى كعبيه، ومنهم من يبلغ إلى ركبتيه، ومنهم من يبلغ إلى حقويه، ومنهم من يبلغ إلى ثدييه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً، ومنهم من يغطيه، ومنهم يسبح في العرق) ولك أن تتصور مقدار الحرارة في ذلك اليوم! في الدنيا، لو كانت الحرارة مائة درجة فإنه الناس يموتون بل حتى إذا بلغت حرارة الجو [50مه]، [55مه]، [60مه] هناك من يموت، ونسمع في الأخبار أن موجات من الحر تمر على بعض الدول فيموت الناس من الحر، وهذه الدرجة لا تبلغ أن يسيل من الإنسان عرق بحيث يصير مثل الماء يُطبخ فيه، نعم! يسيل منه عرق لكن إذا كان كثيراً يبلل ثيابه، إما أن يسيل عرقه حتى يكون مثل السيل أمامه فلا! أيها الأحبة: وهناك في يوم المحشر أقل واحد هو من يسير في عرقه، فكيف الذي يغطيه؟! لا إله إلا الله. هذه الأهوال والكربات لا ينجو منها إلا من أعد لذلك اليوم عدته، واستعد لذلك اليوم، وقدم المؤهلات من الإيمان والعمل الصالح؛ فإنه ينجو في ذلك اليوم، أما من يأتي يوم القيامة وهو مفلس من الإيمان، والعمل الصالح؛ فإنه يشقى، ويتعذب، ويكابد؛ ولو كانت عنده أموال الدنيا وزينتها من أولاد، وعمارات، ومؤسسات، وسيارات، ومنصب، وجاه؛ لم تغن عنه ولم تنفعه يوم القيامة بشيء. والكفار كانوا في الدنيا يعتدون بأموالهم، كما يعتدي الناس الآن، صاحب الثراء والمنصب تجده مبسوطاً كل يغبطه هؤلاء الكفار في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا معتدين بأموالهم وبأولادهم، فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم كما قال الله عز وجل في القرآن الكريم: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [سبأ:35] يقولون عندنا مال، ورجال، والعذاب منا بعيد، ولا يقدر علينا؛ لأن عندنا ما نمتنع به، فالله عز وجل قال: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى} [سبأ:37] ما تغني عنكم ولا تنفعكم شيئاً: {إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ:37]. وفي نهاية هذا اليوم بعد التمحيص والاختبار، والفحص والتقسيم والتمييز بين الخلائق؛ ينقسم الناس إلى فريقين: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7] نعوذ بالله من دار السعير، ونسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلنا من أهل الجنة.

أسماء يوم القيامة

أسماء يوم القيامة هذا اليوم العظيم ورد ذكره في القرآن الكريم بأسماء عديدة، وكل أسمائه مخيفة مرعبة؛ لأنه يستحق أن يسمى بمثل هذه الأسماء، فهو يوم تدمير وتغيير لجميع معالم الكون. في الدنيا إذا هبت رياح عاتية، أو نزلت أمطار غزيرة، أو جاءت عواصف تقتلع البيوت والأشجار؛ كيف الناس عند ذلك؟ تجدهم في حال من الخوف والرعب، فكيف: {إِذَا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ} [الانفطار:1]، {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} [التكوير:1 - 8]، أحداث ضخمة تجعل الإنسان في غاية الرعب والخوف بحيث يذهل عن أهم شيء عنده، وقد عبر الله عز وجل بذهول المرضعة ورضيعها؛ لأن المرضعة هي أحنى وأعطف وأرحم الناس برضيعها، فقد تنسى نفسها ولا تنسى رضيعها، لكن في حالات الرعب القصوى تذهل عنه ولا تذكره، بل حتى نفسها لا تذكرها. هذا اليوم الذي هو يوم القيامة سماه الله عز وجل بأسماء عديدة منها:

يوم القيامة

يوم القيامة (يوم القيامة) ورد هذا الاسم في كثير من آيات الله؛ لأنه الاسم الدال على هذا اليوم، يقول الله عز وجل: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ} [النساء:87] ويقول: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً} [الإسراء:97] يحشر الله الكفرة، والفسقة الذين تعاموا وتصامّوا في الدنيا عن دين الله يحشرهم الله على وجوههم من جنس صنيعهم وفعلهم: لما تعاموا في الدنيا أعماهم الله هناك في الآخرة، ولما تصامُّوا عن الدين، كما يفعل كثير من الناس الآن يصمّ أذنيه فلا يريد أن يسمع هدى الله، حتى لو أعطيته شريطاً وقلت له: اسمع، يقول: يا شيخ! اتركنا لا تعقدنا، تلاحظ أنه أصم، لكن أعطه شريط أغانٍ، يقول: شكراً على هذه الهدية، إذا قلت له: خذ كلام الله، لا يريده، وإذا قلت: خذ كلام الشياطين، يريده، لماذا؟ تراه أصم أذنيه عن دين الله، وإذا أعطيته كتاباً، أو مجلة إسلامية، أو جريدة إسلامية، أو موضوعاً إسلامياً، وتقول له: اقرأ، يقول: ما هذا؟! شكراً!! لكن أعطه مجلة رخيصة هزيلة، عارية فاضحة، يقول: شكراً. لماذا؟ لأنه أعمى، لا يريد أن ينظر إلى دين الله، أو يسمع كلام الله، أو حتى يتكلم بشيء مما يرضي الله عز وجل، هؤلاء يحشرهم الله يوم القيامة من جنس صنيعهم: عمياً كما كانوا عمياً هنا، بكماً كما كانوا بكماً هنا، صماً كما كانوا صماً هنا. والزيادة ماذا؟ {عَلَى وُجُوهِهِمْ} [الإسراء:97] كيف على وجوههم؟ سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن كيفية ذلك فقال: (أليس الذي أمشاهم في الدنيا على أقدامهم قادر على أن يمشيهم يوم القيامة على وجوههم؟) بلى قادر. وفي الدنيا حيوانات نعرفها تمشي على وجوهها كالزواحف والحيات والثعابين، كذلك هذا يبعث يوم القيامة كالحية يمشي على بطنه أو وجهه -والعياذ بالله- والله يقول: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:48 - 49] فهذا يوم القيامة، يقول الله فيه: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ} [الإسراء:97] أي: كلما انطفأت وخف توهجها {زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} [الإسراء:97] ويقول: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الزمر:15] والله هذا هو الخسران، ثم يقول الله بعدها: {أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر:15] ليست الخسارة أن تخسر وظيفتك، أو زوجتك، أو دراستك، أو سيارتك أو عمارتك، نعم. كل خسارة يوجد عوض عنها، يقول الشاعر: وكل كسر فإن الدين جابره وما لكسر قناة الدين جبران كل كسر في الدنيا ومعك دين فهو يجبره، لكن إذا انكسر دينك فمن يجبره؟! {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ} [الزمر:15 - 16] هذه هي الخسارة، ولا حول ولا قوة إلا بالله! والقيامة مصدر من قام يقوم قيامة أو قياماً، من أصل كلمة (قام)، ودخلتها تاء التأنيث للمبالغة والتعظيم في هولها وعظمها، وهي مأخوذة من قيام الناس لرب العالمين، يقول الله عز وجل: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:6] ويوم القيامة هو من أبرز أسماء اليوم الآخر.

اليوم الآخر

اليوم الآخر من أسماء ذلك اليوم: (اليوم الآخر) في قوله: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة:177] إلى آخر الآية. وكذلك يقول الله عز وجل: {ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة:232]. ويقول الله عز وجل: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة:18]. وأحياناً يسمى في القرآن بـ (الدار الآخرة)، يقول الله تعالى: {وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} [البقرة:130] {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ} [النساء:74] {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83] {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [العنكبوت:64]. وسمي ذلك اليوم بـ (اليوم الآخر) أو بـ (الدار الآخرة)؛ لأنه لا شيء بعده، هذه اسمها (دنيا) وتلك اسمها (آخرة)، والآخر: ليس وراءه شيء، إذا دعوت ضيوفاً عشرة، وجاء تسعة ثم جاء آخر واحد، هل ستنتظر أحداً؟ لا. فآخر واحد ما بعده شيء، وكذلك أيام الله عز وجل، أيام دنيا ويوم آخر، فإذا جاء يوم الآخرة فما بعده شيء؛ ولذا سمي اليوم الآخر؛ لأنه لا شيء بعده من الأيام، وما بقي إلا أيام الله الخالدة في الجنة لأهل الإيمان -جعلنا الله وإياكم منهم- ولأهل النار في النار أعاذنا الله جميعاً منهم.

الساعة

الساعة من أسماء ذلك اليوم العظيم: (الساعة) سماها الله الساعة، يقول عز وجل: {وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر:85] ويقول سبحانه: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى * فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} [طه:15 - 16] أي: فتهلك، ويقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج:1]. والساعة إذا أطلقت يراد بها جزء من الوقت، كما تقول لشخص: انتظرني ساعة وسآتيك، هذا في الإطلاق اللغوي، وإذا حُددت وأُريد بها جزء من أربعة وعشرين جزءاً من اليوم: الليل والنهار، كما إذا حددت الساعة الرابعة، أو الخامسة، أو السادسة أُريد بها هذا، وإذا أطلقت فإنه يراد بها أي جزء حتى لو كان يسيراً أو لحظةً من الوقت، وإذا قيدت بصفة فإنما تطلق على اليوم الآخر. وسميت القيامة بالساعة لعدة أسباب: إما لقربها، ومهما كانت بعيدة فهي قريبة فإن كل ما هو آتٍ قريب، أي شيء سوف يأتي فهو قريب، وإن جاء اليوم أو غداً أو بعده. وإما أن تكون تسميتها بهذا للدلالة على ما فيها من الأحداث الضخمة التي تصهر الجلود، وتذيب الجبال، حتى تصير كالهباء. وقيل: إنما سميت بالساعة؛ لأنها تأتي بغتة، أو في لحظة، أو في ساعة معينة وإذا بالقيامة قد قامت، والناس غير منتبهين لتلك الأحداث.

يوم البعث

يوم البعث من أسماء ذلك اليوم: (يوم البعث) يقول عز وجل في سورة الحج: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ} [الحج:5] من البعث أي: من يوم القيامة، الذي يُبعث فيه من في القبور، ويقول عز وجل: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ} [الروم:56]. ويوم البعث أي: الإحياء والإخراج إخراج الموتى من قبورهم، وإعادة الحياة إليهم، وبعثهم مما كانوا فيه من العدم والتلاشي إلى الوجود والإعادة، كما كانوا قبل أن يموتوا، لفصل القضاء، وبعث الموتى هو: إخراجهم من قبورهم؛ لفصل القضاء عند الله عز وجل.

يوم الخروج

يوم الخروج سمي أيضاً يوم القيامة بـ (يوم الخروج)، يقول الله عز وجل: {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} [ق:42] ويقول: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [المعارج:43 - 44]. وسمي بيوم الخروج كما في قوله عز وجل: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} [الروم:25]. والخروج يعبر به عن حركة يؤديها الإنسان، كما لو كان شخص في بيته، لا أحد يراه، ثم فتح بابه، قالوا: خرج؛ لأنه كان مختفياً في دكانه أو مكتبه، لكن لو كان ظاهراً أمامهم، لا يقولون: خرج، وإنما يقولون: جاء. كذلك سمي يوم الخروج؛ لأن الناس كانوا في قبورهم مقفلاً عليهم، هذه القبور الآن لا نعلم ما هي أوضاع الناس فيها، ولكن يوم القيامة تخرج كل الخلائق من القبور، لعل من الناس من يخرج من العمارات حتى هذه المباني لعل جزءاً منها هو من عظام البشر، يقول الناظم: طر إن استطعت في السماء رويداً لا اختيالاً على رفات العباد خفف الوطء ما أظن أديم الـ أرض إلا من هذه الأجساد صاح هذي قبورنا تملأ الرحب فأين القبور من عهد عاد؟ أين الناس من عهد عاد؟ لعل الآن عمارتك كم فيها جماجم وعظام، وتنظر وقد خرج عليك يوم القيامة من جدار البيت، لا تدري عن هذا، فسمى الله عز وجل يوم القيامة يوم الخروج؛ لأنهم يخرجون من الأماكن التي دفنوا فيها: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [المعارج:43 - 44].

القارعة

القارعة من أسماء يوم القيامة: (القارعة). وسميت بالقارعة؛ لأنها تقرع القلوب بأهوالها، يقول الله عز وجل: {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة:1 - 3] والتكرار هنا للتهويل والتعظيم، وقوله: (وما أدراك ما القارعة) أيضاً للتهويل والتعظيم، ويقول الله عز وجل: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ} [الحاقة:4] لأنها تقرع القلوب، يقال: قد أصابتهم قوارع الزمان، وفلان قرعه الدهر، أو الزمان، أو الحوادث؛ أي: ضربته، وأصابته وآلمته، فيوم القيامة سُمي قارعة؛ لأنه لا يقرع فلان ولا علان، ولا مجموعة من الناس؛ بل يقرع العالمين منذ خلق الله آدم إلى يوم القيامة، وكلهم يعيشون في أهوالها. {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} [القارعة:1 - 4] والفراش من أضعف الحشرات، ويضرب به المثل في الضعف، إذا قالوا فلان فراشة، يعني: أقل ضربة تُسقطه فيموت منها، فالناس يوم القيامة في حالة من الضعف يكونون معها كالفراش المبثوث. {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ} [القارعة:4 - 5] الجبال الضخمة تكون يوم القيامة كالقطن المنفوش، ولاحظ أنك إذا ضغطت على قطن منفوش يصير لا شيء. {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ * فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ} [القارعة:5 - 11].

يوم الفصل

يوم الفصل من أسماء يوم القيامة: (يوم الفصل) يقول الله عز وجل: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ} [الدخان:40] ويقول: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً} [النبأ:17] ويقول: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ} [المرسلات:38] ويقول: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [الصافات:21]. والفصل يعني: التقسيم والتمييز بين الأشياء المختلفة، أنت لما تحصد الحب من مزرعتك، قبل أن تخزنه تفصل التبن من البر، ثم تخزن كل شيء بما يناسبه، تخزن البر في مخازنه، وتخزن التبن في مخازنه، يقول ابن القيم: الناس زرع -نبات- وملك الموت حاصده. كل يوم وهو يحصد في الزرع، والقبر دراسه -يعني المكان الذي يفصل الناس فيه- والجنة والنار مخازنه. فالجنة يخزن فيها أهل الإيمان، والنار يخزن فيها أهل الكفر، وتعرفون أن التبن أكثر من البر دائماً، فإذا حصد الإنسان عشرة أكياس بر حمل معها مائتي كيس تبن، ولذا أكثر الناس غير صالحين، يقول الله: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103] ويقول: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الأنعام:116] يعني: لا تجعل عبرتك بالكثرة فالكثرة لا يعتد بها، الآن إذا الذهب غالٍ؟ لأنه نادر، لكن لو أنه كثير لكان مثل الطين، فهو نوع من المعادن لكن لما كان نادراً وعنصره فريداً ونفيساً أصبح غالياً جداً، وما ذاك إلا لندرته، وكذلك المؤمن لندرته غالٍ عند الله يوم القيامة، وفي يوم القيامة يخرج الله بعث النار، والحديث في صحيح البخاري، يقول الله عز وجل لآدم: (أخرج بعث الجنة من بعث النار، قال: رب، وكم بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون لجهنم وواحد إلى الجنة) الله المستعان!! هذا الحديث شق على الصحابة لما سمعوه وخافوا منه خوفاً شديداً، ونحن ينبغي أن نخاف؛ لأنه من كل ألف واحد إلى الجنة وتسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار -والعياذ بالله- لكن أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن العدد يُغطِّى من الأمم التي سوف تأتي في آخر الزمان، وهي أمم الكفر: أمم يأجوج ومأجوج وغيرها، وأن المؤمنين في هذه الأمم مثل الشعرة البيضاء في الثور الأسود {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ} [المرسلات:38] يقول عز وجل: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [السجدة:25]. والخلاف الآن قائم، ووجهات النظر متباينة في أمر البعث، ولكن يوم القيامة تستقر وجهات النظر على الحقائق، وكل شخص يعرف الحق من الباطل، حتى أهل النار والكفر يقولون: هذا يوم الفصل، ثم يطلبون الرجعة من أجل التصحيح، ولكن لا يجابون، وتتضح الأمور على أصولها في يوم القيامة، فسمي يوم الفصل لفصل الجزاء، ولأنه فيه من الأمور والقضايا ما يعيد الأمور إلى حقائقها ونصابها.

يوم الدين

يوم الدين أيضاً من أسماء يوم القيامة: (يوم الدين). يقول الله عز وجل: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ} [الانفطار:14 - 15] ويقول: {وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ} [الصافات:20] ويقول عز وجل: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار:17 - 19] والدين في لغة العرب هو الحساب والجزاء. حصادك يوماً ما زرعت فإنما يدان الفتى يوماً كما هو دائن يدان كما هو دائن، تدان: أي: تحاسب وتجازى بما فعلت، وسمي ذلك اليوم بيوم الدين؛ لأن الله عز وجل يجزي ويحاسب الخلائق، ثم يدينهم بما عملوا في ذلك اليوم العظيم.

الصاخة

الصاخة من الأسماء أيضاً: (الصاخة). يقول عز وجل: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:33 - 37]. يقول عكرمة: الصاخة التي تصخ القلوب والأسماع. أنت الآن إذا سمعت صوتاً خفيفاً لا تتأثر به، لكن إذا سمعت صوتاً هائلاً مرعباً يكاد يفجر أذنيك، ويطير قلبك فزعاً منه؛ فإنك تخاف وتفزع منه، هذه من أسماء يوم القيامة؛ لأن أحداثها وأهوالها تصخ القلوب، وتفجر الأسماع والأذان، والتعبير بها أيضاً فيه نوع من القوة في البلاغة والبيان، يقول عكرمة: (الصاخة) هي التي تصخ القلوب، وهي النفخة الأولى التي يسمعها الخلق كلهم فيموتون وتتقطع قلوبهم في أجوافهم، وهو معنى قول الله عز وجل: {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الزمر:68] يصعق أي: يموتون كلهم من تلك النفخة. وعكرمة هذا تابعي، ونأخذ جزءاً من سيرته العطرة، فهو تابعي وحافظ وعلامة ومفسر لكتاب الله عز وجل، وكان مولىً لـ ابن عباس، مولى أي: عبد مملوك لـ عبد الله بن عباس، وأخذ عنه العلم، وحدث عن جمع كبير من الصحابة وحدث عنه خلق كثير، أجازه ابن عباس في الإفتاء، وكان مولى عنده، وقال له ابن عباس في يوم من الأيام: [انطلق فأفت الناس -يقول: اذهب فإذا سألك أحد فأفته- وإذا سألوك عن أمر مشكل فأنا لك عون] يقول: إذا أشكل عليك من الأمور شيء فأنا لك عون، قال عكرمة وهو معتد بعلمه ويريد أن يطمئن ابن عباس إلى أنه أهل للفتيا، قال: والله لو كان الناس ومثلهم مرتين لأفتيتهم، قال: انطلق. أي: اذهب ما دام أنك على هذا المستوى. أيضاً مما يحكى عنه أنه كان رجلاً طويلاً، له عمامة بيضاء، ولحيته بيضاء، ويلبس أرديةً بيضاء، رضي الله عنه، قال عنه شهر بن حوشب: لم يكن في الأمة حبر إلا هذا الرجل -يعني: ابن عباس - وإن مولى ابن عباس -يعني: عكرمة - هو حبر هذه الأمة. وقال عنه ابن عباس نفسه: [ما حدثكم عني عكرمة فصدقوه؛ فإنه لم يكذب عليَّ في حياته مرة قط] الله أكبر! سبحان الله! هذه الأخلاق عندهم، عبد مولى يشتغل عنده ويقول عنه: [ما حدثكم عني فصدقوه؛ فإنه لم يكذب عليّ مرة قط]. وقيل لـ سعيد بن جبير: تعرف أحداً أعلم منك في الأرض؟ قال: نعم عكرمة. ويقول عنه الشعبي: ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة رضي الله عنه. ويقول عنه قتادة: كان أعلم التابعين أربعة: عطاء وكان عالماً بالمناسك وسعيد بن جبير في التفسير، وعكرمة في السيرة، والحسن البصري كان أعلم الناس في عهده بالحلال والحرام رضي الله عنهم. وعطاء هو: عطاء بن أبي رباح، كان رجلاً قصير القامة، مشوه الخلقة، أسود البشرة، بحث عن مصدر للرزق فلم يجد، وكان كلما ذهب إلى عمل طرد، لا جسم ولا لون، فدخل على أمه في يوم من الأيام وقال لها: ما لقيت رزقاً ولا مصدر عمل. قالت له: ألا أدلك على عمل إذا عملته هابتك الملوك، وانقاد لك به الصعلوك، فتعجب الرجل! وقال: الملوك يهابونني! أنا ما لقيت لقمة عيش الآن! كيف يهابني الملوك؟! قالت: نعم. يهابك الملوك إذا عملته. قال: ما هو؟ قالت: عليك بالعلم. فأخذ قلمه ومحبرته ونزل مكة، وعكف على العلم، فحفظ كتاب الله، ثم حفظ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم آلت إليه الفتيا في عصره، فلا قول إلا قول عطاء، الأمة الإسلامية من شرقها إلى غربها إذا اختلفت في أمر، قالوا: ماذا قال فيه عطاء؟ حج أحد الخلفاء، فلما حج ودخل مكة سأل عن أعلم أهل الأرض؟ قالوا: عطاء، قال: أين هو؟ قالوا: في بيته، قال: احضروه إليَّ، فلما أرسل له قال: إن كان لك حاجة فيما عندنا فتعال، أما أنت فليس لنا حاجة فيما عندك، -يقول: الذي عندك لا نريده، والذي تريده عندنا! - قال: لقد أنصف عطاء، فلما جاء إلى بيته، وكان جالساً يصلي، طرق الباب، فنزل إليه ولده، وإذا بأمير المؤمنين، ورجاله، وخيله بالباب، فذهب إلى أبيه يقول له: أمير المؤمنين بالباب، وكان يصلي ركعتين فانتهى من الصلاة، وزاد ركعتين، ثم انتهى، وقعد يدعو، وذاك واقف عند الباب، وبعدها بفترة، قال له: ائذن له، فدخل فلما دخل غضب الأمير وقال: ما هذه الإهانة يا عطاء!؟ قال: أي إهانة تعني يا أمير المؤمنين؟ قال: دعوناك فلم تأتنا وجئناك فلم تأذن لنا، قال: أما دعوتك لي وعدم مجيئي فقد أخبرتك، ما لي حاجة فيما عندك، وإذا كان لك حاجة فيما عندي أتيت، أما عدم دخولك وعدم الإذن لك فإني كنت بين يدي من هو أعظم منك فكرهت أن أقطع مقابلته لمقابلتك، فلما فرغت من مقابلته فتحت لك، فسأله بعض المسائل فأجابه، فلما ذهب أرسل واحداً من صبيانه بصرةٍ فيها عشرة آلاف دينار، فلما أعطاه ركلها برجله وطرده بها وقال: ردها وقل له: ندله على ما ينجي، ويدلنا على ما يُفني. نعطيه النجاة، ويعطينا الهلاك، يعني: الدنيا، يقول الخليفة: والله ما رأيت نفسي ذليلاً في حياتي إلا بين يدي هذا العبد، خليفة وملك يقول عن نفسه: أنه ما رأى في يوم من حياته ذلة إلا بين يدي هذا العالم العظيم. وهذا معنى كلام أمه: هابتك الملوك وانقاد لك به الصعلوك. وكان أعلم الناس في الفقه والمناسك وغيرها. قال حبيب بن أبي ثابت: اجتمع عندي خمسة -اجتمع في بيتي في مناسبة عشاء خمسة- قل أن يجتمع مثلهم على طعام واحد في الدنيا كلها -من هم الخمسة؟ - قال: عطاء بن أبي رباح، وطاوس اليماني، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة -خمسة من رءوس التابعين- يقول: فأقبل مجاهد وسعيد يلقيان التفسير على عكرمة فما سألاه عن آيةٍ إلا فسرها يناقشونه وهم قمم، من نماذج البشر القلائل في هذه الحياة. قال الثوري: خذ التفسير عن أربعة: سعيد، ومجاهد، وعكرمة، والضحاك. لقيه عالم اسمه سليمان بن الأحول ومعه ولده، قال له: أيحفظ هذا من حديثك شيئاً يا عكرمة؟ يظن أن ولده مثله، يقول: أيحفظ هذا من حديثك شيئاً؟ قال: ألا تعلم أنه يقال: أزهد الناس في عالم أهله، هذه كلمة قالها وقيلت قبله وهي حقيقة، أن أزهد الناس في عالم، وداعية، وفاضل أهله، تجد بعض الناس في أرض بعيدة يتمنى أن يراه بعينه، وبعضهم يتمنى أن يجلس معه لحظة، وتجد ولده أو زوجته أو بنته تضيق منه ولا يريدون أن يقعد معهم، نعم: أزهد الناس في عالم أهله، يعني: كأنه يقول ولدي هذا لا يعرف من حديثي شيئاً، وليست قاعدة مطردة فقد يكون من الأولاد من هو على منهج والده ويسير على خطاه، ويأخذ عنه العلم، والفضل، ويسير مثله في منهج الدعوة، ويرث هذه التركة العظيمة، فإن خير ما يورث في هذه الدنيا العلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر) لأن العلم هو نور المجد والحياة في هذه الدنيا، والناظم يقول: ففز بعلم تعش عزاً به أبداً الناس موتى وأهل العلم أحياء العالم لا يموت بل يحيا يوم يموت، ابن القيم هو الآن ميت أم حي؟ حي لا يمر يوم إلا ويذكر اسمه، ولا يُقرأ كتاب له إلا ويُقال: قال المؤلف رحمه الله، وما يذكر في مكان إلا ويقال: غفر الله له، فهو حيٌ بذكره وإن كان قد مات، لكن أصحاب الأموال ماتوا، وبعد أن ماتوا تقاسمها أولادهم ونساؤهم، بل لعلهم لا يدعون لهم، بل ربما ولده يدعو عليه، ويقول: ألهب الله عظامه ما حاول أن يشتري لنا أرضية على الشارع العام، ولا اشترى لنا مزرعة يوم أن كانت الأراضي رخيصة الثمن، فما استغلها تلك الأيام، بل ضيع الفرص، أبونا هذا غافل، وهو قد أعطاهم خيراً، لكن ما يريدون منه إلا الدنيا، لا حول ولا قوة إلا بالله! وكان عكرمة سريع البديهة، ذكياً جداً، شكا إليه شخص وقال: قذفني فلان في المنام. قال: إذا وقف في الشمس اضرب ظله، واجلده ثمانين سوطاً. انظر كيف التعبير الذكي، يقول: إن فلاناً قذفني في عرضي، وأنا نائم. قال: إذا وقف في الشمس ورأيت ظله فاضرب ظله ثمانين سوطاً. يعني أنك تضرب شيئاً غير حقيقي كما أنه ما قذفك حقيقةً، هل الإنسان يملك أنه يرى رؤيا؟ هل الإنسان يحدد الرؤيا وهو يراها؟ لا. ولذا الرؤى أمرها مشكل عند كثير من الناس. جاءني أحد الإخوة يقول: رأيت فلاناً من الناس يشرب الدخان، والرجل الذي رؤي أنه يشرب الدخان رجل فاضل ولا نزكي على الله أحداً. فقلت: ما رأيك؟ قال: أظن أنه لا خير فيه. قلت: لماذا؟ قال: لأني رأيته يشرب الدخان. قلت: هل أنت تعمدت أن تراه يشرب الدخان. قال: لا. قلت: هل هو تعمد أن تراه وهو يشرب الدخان؟ قال: لا. قلت: هل له ذنب أنك رأيت هذه الرؤيا؟ قال: لا. قلت: هل يؤاخذه الله على رؤيا أنت رأيتها؟ قال: لا. قلت: إذن، لماذا تحكم أنه ليس فيه خير، لعلك أنت ليس فيك خير؛ لأن الرؤيا منك، الناس يقاسون ويوزنون على ضوء تصرفاتهم وأعمالهم لا على ضوء ما يُرى لهم، لعل الشيطان يريد أن يزعزع ثقتك في أخيك المسلم، فجاءك في صورته، ومعه سيجارة من أجل أن تراه فتك

الطامة

الطامَّة من أسماء ذلك اليوم: (الطامة). يقول الله عز وجل: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ مَا سَعَى} [النازعات:34 - 35] يوم القيامة يتذكر الإنسان ما سعى لا ما قال أو ترك، ما سعى، يعني: ما قدم: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى * فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى * يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا} [النازعات:36 - 46]. وسميت الطامة؛ لأنها تطم، والطم هو الغلبة والعلو، طم الشيء يعني غلبه وغطاه، فهي من أهوالها تطم القلوب والخلائق ويغلب عليهم هذا الأمر. قال الحسن: الطامة هي النفخة الثانية. وقال عكرمة: الصاخة هي النفخة الأولى. وكل على حق، النفخة الأولى تصخ؛ لأنها قوية، والنفخة الثانية تبعث فتطم القلوب بأهوالها. وأسماء القيامة أسماء مرهبة مرعبة للدلالة على عظمتها وضخامة الأحداث التي سوف تكون في هذا اليوم، حتى تنتبه القلوب، وترتعد النفوس، وتصلح التصرفات في هذه الدنيا، فلا يفاجأ الإنسان بيوم القيامة، وينبأ بأعمال وإذا بها فاسدة، ويطلب الرجعة ولكن لا يرجع، كما قال ربنا تبارك وتعالى عن أهل النار، {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:25 - 29] لا ينفع التلوم ولا التحسر هنالك.

يوم الحسرة

يوم الحسرة من ضمن أسماء يوم القيامة: (يوم الحسرة)؛ لأن القلوب في ذلك اليوم تتقطع ندماً، وأسفاً، وحسرةً على ما فاتها من طاعة الله. يتمنى أنه قضى عمره كله في طاعة الله، ولم يقض ليلة، ولا ساعة، ولا لحظة إلا فيما يرضي الله ويحبه عز وجل، وحينما يرى السلع تقسم يوم القيامة على الناس على قدر الأثمان المقدمة، الذي يأتي بثمن يأخذ سلعته، والذي يأتي مفلساً يغمس في النار. فأهل الإيمان يأتون بثمن: إيمان، وعمل صالح؛ والسلعة الغالية: الجنة، والخاسر ما عنده شيء، ضيع أيام الفراغ التي كان يمكن أن تستغل وتملأ بالعمل الصالح والإيمان، وأوقاته ضيعها في العلم الفاسد، والكفر، والنفاق، والعصيان، ليله ونهاره في معصية الله، منشغل أربع وعشرين ساعة مع الشيطان الرجيم، فإذا مات وأُقدِم على الله عز وجل فلن يجد ثمن جنة عالية، وقصور عالية، وأنهار جارية، وزوجات جميلات، وولدان مخلدون، وثمار دانية؛ لأن هذه كلها تريد ثمناً، وليس عنده ثمن؟ مفلس، ما عنده شيء ينفعه يوم القيامة، فيتندم ويقول: لماذا هذا أخذ، وأنا ما أخذت؟ كان معي في الدنيا؟ لأنه تزودَ بالمال الذي ينفعُ هنا، وبالعمل وبالإيمان الذي ينفع هنا، وأنا ما عندي شيء، فيحصل في قلبه حسرة وندامة ما حصلت على قلب إنسان على وجه الأرض، يقول الله عز وجل: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} [مريم:39] أنذرهم وخوفهم مما يحصل للناس من حسرة في ذلك اليوم: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [مريم:39]. وسمي (يوم الحسرة)؛ لشدة تحسر الخلائق وتندمهم على ما فاتهم، سواء كانوا مؤمنين أو كافرين، أما الكفار فلعدم الإيمان، يقول عز وجل: {حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [الأنعام:31]. والكفار أيضاً يتحسرون يقولون: {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الزمر:57 - 58] يقول الله لهم: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [الزمر:59] ويقول الله تعالى: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} [الزمر:60] مسودة من ظلمة المعاصي {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الزمر:60 - 61] نسأل الله أن ينجينا وإياكم من النار، وينجي الله من؟ الذين اتقوا: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمْ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الزمر:61]. وتبلغ الحسرة ذروتها، وتتناهى الحسرة عند أهل الضلال؛ عندما يتبرأ منهم أتباعهم والذين أضلوهم؛ لأنهم في النار لا يوجد أحد إلا وقد أضله أحد الضالين! والذي أضل الناس كلهم من البداية هو إبليس، القائد العام للعصاة والمجرمين، وهو أول من عصى الله، قال الله: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ} [الحجر:30 - 31] هذا أول عاصٍ وبعدها: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:82] أجعلهم كلهم عصاة معي، قال الله: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سبأ:20] فهؤلاء أول من يتبرأ منهم يوم القيامة إبليس، ويحصل عليهم بهذا حسرة وندامة لا يعلمها إلا الله. وجاء في القرآن في سورة إبراهيم ذكر ذلك، يقول عز وجل: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [إبراهيم:22] يقول العلماء: إن هذا الكلام على أهل النار أعظم عليهم من كل عذاب في النار، عذاب قطع قلوبهم، يركب عليهم الشيطان ويقودهم كالحمير حتى يصل بهم إلى جهنم، فإذا وقعوا قال لهم: من أمركم أن تطيعوني؟ ما كان لي عليكم من سلطان، ولا أخذتكم بالقوة، وإنما دعوتكم فاستجبتم لي، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم. وفي النار أيضاً يتبرأ شياطين الإنس من بعضهم، وهم الذين كانوا في الدنيا يدعون بعضهم إلى الكفر والضلال، وهؤلاء يقول الله فيهم: {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا} [البقرة:167] قال الله: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:167] حسرات، تتقطع قلوبهم حسرات وندماً، يقول: أنا عشت أربعين أو ستين سنة مع الشيطان، لِمَ لم أعشها مع الله؟ أنا كنت أنظر، لِمَ لم أنظر إلى ما يحبه الله؟ أنا كنت أسمع، لِمَ لم أستمع إلى ما يحبه الله؟ أنا كنت أتكلم وأخوض في المجالس، لِمَ لم أتكلم بما يحبه الله؟ أنا كنت آتي وأذر، وأقوم وأقعد، وأسهر وأنام، لماذا لم أجعل عملي كله في طاعة الله؟ قال الله: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة:167] هذه حسرة الكفار. أما أهل الإيمان فعندهم حسرة أيضاً، ولكن كيف يتحسرون؟ يتحسرون على أنهم ما زادوا من العمل الصالح، كل واحد يحب أن يزيد، فالذي بنى مسجداً يقول: ليتني بنيت مسجدين، والذي يصلي يقول: ليتني كنت أول شخص يدخل المسجد، والذي ما يقوم الليل يقول: يا ليتني كنت أقوم الليل، والذي كان باراً بوالديه يقول: يا ليتني بررت بهم أعظم ما دام أن طريق الجنة من عندهما، والذي كان واصلاً لرحمه غير أنه مقصر قليلاً، يقول: ليتني كنت أعلم أن ثواب صلة الرحم مثل هذا، والله ما كنت أدعها كل يوم لابد أن أتصل بها، ولابد أن أعطيها، ولابد أن أهدي لها، حتى أطلب منها دعوة وأنا خارج: سامحيني يا أختي يا عمتي يا خالتي، فأنا مقصر في حقك، تقول: سامحك الله، مد الله في أجلك، وسع الله في رزقك، نوَّر الله عليك، هذه الدعوات ليست سهلة عندما تأتيك من رحمك، لكن ما ظنك لو قطعت رحمك، وقالت: قطع الله رزقه، وألهب عظامه، إذا قالته الرحم، هل تدري أن هذا الدعاء لا يرد، لماذا؟ لأن (من قطع رحمه قطعه الله، ومن وصلها وصله الله). فكل واحد من أهل الإيمان وهم في الجنة يتحسرون ويتندمون على أنهم ما زادوا في العمل الصالح، وما استزادوا من أعمال البر؛ لأن أعمال البر كثيرة، ومجالات الخير واسعة، والإنسان لا يشبع من خير حتى تكون نهايته الجنة. هذا الاسم اسمه يوم الحسرة، تتقطع القلوب فيه حسرات على الجنة والتفريط في العمل الصالح في الدنيا.

الغاشية

الغاشية من أسماء يوم القيامة: (الغاشية). يقول الله: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية:1] أي: هل علمت وهل بلغك أخبار اليوم العظيم، يوم الغاشية الذي يغشى الناس فيه عذاب عظيم، إن الناس في ذلك اليوم ينقسمون إلى قسمين: قسم كانت وجوههم خاشعة: {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} [الغاشية:3] لكنها: {تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً} [الغاشية:4] لأنها ما عملت لله، ولا سارت على منهج الله. وقسم: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ * لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً * فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} [الغاشية:8 - 16]. الناس في يوم القيامة في جنة وهم أهل الإيمان، أو في نار وهم أهل العذاب، هذا يوم الغاشية، يوم يغشى الناس فيه العذاب أو تغشاهم الرحمة. وسميت غاشية؛ لأنها تغشى الناس بالأهوال والعظائم وتغمهم. ومن معانيها أيضاً: أن الكفار يغشاهم من عذاب النار، ويحيط بهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم، يقول الله: {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} [العنكبوت:55] ويقول سبحانه: {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الأعراف:41] ولذا فهي غاشية تغشى أصحاب النار بالعذاب من كل اتجاه من فوقهم ومن تحت أرجلهم، أجارنا الله وإياكم من النار.

يوم الخلود

يوم الخلود من أسماء هذا اليوم العظيم: (يوم الخلود). يوم الخلود إما في الجنة أو في النار؛ لأن الناس يصيرون في ذلك اليوم إلى الخلود، ليس هناك فناء كما يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (يؤتى يوم القيامة بالموت على هيئة كبش أملح فيجعل بين الجنة والنار، ثم ينادي: يا أهل الجنة تعرفون هذا؟ قالوا: نعم. هذا الموت -مررنا عليه وعرفناه ولا ينكره أحد- ويا أهل النار تعرفون هذا؟ قالوا: نعم. هذا الموت، فيذبح الموت بين الجنة والنار، ويقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت). يقول أهل العلم: إن هذا الكلام بالنسبة لأهل الجنة أعظم نعيم، لماذا؟ يطمئنهم أنهم خالدون وليس هناك خروج أبداً، وهذا الكلام على أهل النار أعظم عذاب، لماذا؟ ليس هناك أمل للخروج؛ لأن أهل النار وهم في النار عندهم أمل أن يخرجوا، مثل السجين الذي عنده أمل في الخروج، لكن إذا قيل له: سجنه مؤبد، انقطع أمله، يتمنى السجين أن يقال له: تموت، ولا يقال له: تؤبد؛ لأنه يموت حقيقة، هو يموت لكن في قبر فوق الأرض، ممنوع من كل شيء، وهؤلاء في النار لا يموتون أيضاً: (خلود فلا موت)، فيكون عليهم هذا الكلام أعظم من كل عذاب. يقول الله لأهل الجنة: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} [ق:34] والنار يقول فيهم: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:39] وأما أهل الإيمان فيقول الله فيهم: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران:107]. وهذا الكلام يدفعك إلى أن تصحح الوضع الذي أتت فيه، وتغير منطق التعامل مع نفسك ما دام أن خلودك في النار من أجل المعاصي، وتساءل عن الخلود في النار أو الجنة، هل أنا تخلدت في المعاصي أو الطاعات؟ لا. خلودك في الطاعات غير موجود مهما صليتَ فسوف تموت وتتركها، لكن من فضل الله أن يعطيك جزاءً خالداً، مع أنك ما عبدت الله بشكل خالد دائم، وكذلك بالمقابل الخلود في المعاصي: إذا خلدت نفسك في المعاصي فإن الله يخلدك في النار، وما دام أن القضية خلود في جنةٍ أو نار، فلا ينبغي لك أن تجازف من أجل شهوة عاجلة أو لذةٍ -والعياذ بالله- فانية تريحك في الدنيا، ثم تلقى الله وهو عليك ساخط، فيشقى -البعيد- شقاءً لا يسعد بعده أبداً.

يوم الحساب

يوم الحساب من أسماء يوم القيامة: (يوم الحساب). ومعنى الحساب: المحاسبة للعباد، المحاسبة معرفة ما لك وما عليك، معرفة مركزك وسنتك المالية، ميزانيتك، أين أنت؟ الآن لا أحد يدري عنك، ولا يدري أحد في الدنيا ما نحن عليه الآن، نحن نعمل، والمحاسبة للنفس يجب أن تكون من الآن، لكن ما تنكشف لنا الأوراق إلا يوم القيامة. ولهذا أهل الإيمان يوم القيامة يقولون: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف:43] فيوم الحساب يؤتى بسجل الحسنات، ويؤتى بسجل السيئات، ويحاسب الإنسان على كل دقيق وجليل من تصرفاته، يؤتى بأمواله كلها، ويحاسب على كل ريال دخل أو خرج، ويؤتى بساعاته كلها، ويحاسب على كل دقيقة أين قضاها؟ كما يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فِيمَ أفناه، وعن شبابه فِيمَ أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفِيمَ أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به) هذا يوم الحساب، يقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:26] أي ينحرفون عن منهج الله: {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص:26] لأنهم نسوا يوم الحساب فضلوا عن سبيل الله، لو تذكروا يوم الحساب ما ضلوا عن سبيل الله: {وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} [غافر:27] قال الإمام القرطبي: معنى الحساب: أن الله عز وجل يسجل ويحصي ويعدد على الخلق أعمالهم من إحسانٍ أو إساءة، ثم يعدد عليهم نعمه التي تقلبوا فيها: نعمة الخلق والإيجاد، والرزق والإمداد والإسعاد، والهداية والدين، ثم يقابل بعضها ببعضٍ؛ فما زاد عن الآخر حكم للزائد بحكمه الذي عينه له بالخير أو بالشر، يقول عليه الصلاة والسلام: (ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان) هذا معنى الحساب.

الواقعة

الواقعة من أسماء يوم القيامة: (الواقعة). سميت الواقعة لتحقق وقوعها، إذ لا شك في وقوعها، يقول الله عز وجل: {إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ} [الواقعة:1 - 3] (خافضة) لأهل المعاصي والكفر، (رافعة) لأهل الإيمان والعمل الصالح {إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً} [الواقعة:4 - 5] أي: فتتت: {فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً} [الواقعة:6] مثل الهباء، الجبال التي ترونها عظيمة تكون مثل الهباء: {وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً} [الواقعة:7] أقسام وفرق: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ} [الواقعة:8 - 10] ثلاث فرق يوم القيامة، سابقون، وأصحاب يمين، وأصحاب شمال، ولذا ينبغي أن تكون من السابقين، سَابِقْ من أجل أنك إذا سقطت! وكانت بالسقطة قريبة فتسقط في أصحاب اليمين، لكن لا تقل: أنا أريد أن أكون من أصحاب اليمين، فإذا سقطت فأين تذهب؟ مع أصحاب الشمال، هذا لا ينفع، دائماً اجعل نفسك في الأمام، لكن إذا قلت: لا والله أريد أن أكون مع أصحاب اليمين، ثم جئت ولست منهم فأين تذهب؟ ترجع إلى الخلف إلى جهنم مع أصحاب الشمال: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ} [الواقعة:41 - 44].

يوم الوعيد

يوم الوعيد من أسماء يوم القيامة: (يوم الوعيد). الوعيد هو: ما توعد الله به عباده العصاة من العذاب، يقول الله عز وجل: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ} [ق:20] وحقيقة الوعيد: هو الإخبار عن العقوبة، أما الوعد: فهو الإخبار عن المكافأة، ولهذا يوم القيامة هناك وعد ووعيد، وعد لأهل الإيمان بالجنة، ووعيد لأهل الكفر والنفاق والعصيان بالنار. {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:20 - 22].

يوم الآزفة

يوم الآزفة من أسماء يوم القيامة: (يوم الآزفة). ومعنى الآزفة: يعني: القريبة، وسميت بالآزفة؛ لقرب وقوعها ولاقتراب حدوثها، يقول الله عز وجل: {أَزِفَتِ الْآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} [النجم:57 - 58] ويقول تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:18 - 19] {يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ} [غافر:18] القلب أصبح في الحنجرة من الخوف، وتعرف هذا إذا كنت في الطائرة ثم حصل هبوط مفاجئ أو مطب هوائي ماذا يحصل عندك؟ يرتفع شواك (أي: جلد رأسك)، وتحس أن قلبك تزداد نبضاته، ونفسك يكاد ينكتم لماذا؟ لأنه حدث حدثٌ صعبٌ، تتصور أن الطائرة تحطمت، وهي ما تحطمت، وإنما نزلت عشرة أمتار، أو عشرين متراً، أو خمسين متراً، وإذا كان الهبوط قوياً مفاجئاً فإن بعض الناس يموتون، ولذا يؤمر الركاب بربط الأحزمة من أجل أنه إذا حدث شيء إذا بهم على الأقل جهزوا أنفسهم. لكن يوم القيامة أهوال ليست مثل هذا الهول، أهوال يقول الله عنها: {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:18 - 19]. والساعة آزفة وقريبة، ومعروف أن كل آت فهو قريب، وإن غداً لناظريه لقريب مهما بعد. والساعة بعد ظهور علاماتها تكون أكثر قرباً ووقوعها أكثر احتمالاً، إذا كانت هناك سيارة سوف تأتي -مثلاً- من الرياض، ويعطيك شخص خبراً عنها بواسطة تليفون أو برقية، متى تصل السيارة؟ يقول لك: تحركت السيارة من الرياض الساعة السابعة صباحاً، تضرب لها زمناً قياسياً تقول: تقريباً عشر ساعات أو اثنا عشر ساعة على أبعد تقدير، فلا تذهب تنتظرها من أول الوقت، تقعد للساعة الرابعة أو الخامسة ثم تجلس في الطريق، وكلما جاءت سيارة تقول: لعلها هذه، لعلها هذه؛ لأنه أزف موعدها. أي: قرب، فإذا هو أعطاك علامات: بأن السيارة لونها كذا، أو شكلها كذا، ثم رأيت سيارة شبيهة لها قلت: هذه هي، وإذا رأيتها على ما وصف لك قلت: نعم، هذه هي، فالآن الله أخبرنا عن الساعة، وعلاماتها، وقد رأينا أكثر علاماتها، فإذن هي آتية، وكل ما هو آتٍ آت، وما أتت علامته فقد أصبح وقوعه أكثر قرباً.

يوم الجمع

يوم الجمع من أسماء يوم القيامة: (يوم الجمع). لأن الله يجمع فيه الأولين والآخرين، فلا يستطيع أحد أن يفلت من هذا اليوم، يقول الله تبارك وتعالى في سورة الحاقة: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:13 - 18] لا يغيب أحد بين يدي الله، منذ خلق الله آدم إلى يوم القيامة وكلهم يحضرون؛ ولذا سمي هذا اليوم يوم الجمع، يقول عز وجل: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7] ويقول الله عز وجل: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود:103 - 108] نسأل الله من فضله. وسميت القيامة بيوم الجمع؛ لأن الله يجمع الخلائق من الأولين والآخرين، وحقيقةً أن يوماً يجتمع فيه الناس كلهم يوم رهيب جداً جداً، الآن إذا اجتمع الناس في يوم عرفة كم يجتمع في عرفة؟ في الغالب أعلى مستويات الحج مليونين أو ثلاثة ملايين، ولو اجتمع أهل السعودية كلهم في يوم عرفة عشرة ملايين أو خمسة عشر مليوناً، كيف يكون الوضع في عرفة؟ كيف يكون الزحام؟ تكون الحركة صعبة جداً، ولو اجتمع أهل قارة آسيا كلهم! لو اجتمع المسلمون كلهم -ألف مليون مسلم- في عرفة كيف يصير؟ وإذا اجتمع أربعة آلاف مليون، يعني: كل إنسان على وجه الأرض اليوم، لو اجتمعوا كلهم الآن في مكان واحد كيف يكون الوضع؟ هؤلاء الآن أربعة آلاف مليون وبعد مائة سنة لن تجد منهم أحد إلا النادر كما ورد في الحديث وهو صحيح: (أنه على رأس المائة لا يكون على وجه الأرض أحد ممن كانوا عليها). يجدد الله الأرض كلها، ويبدل وجه الناس كلهم وكل مائة سنة يأتي بمجموعة جديدة، الذي يولد اليوم بعد مائة سنة لن تلقاه، فيموت في السبعين، أو الثمانين، أو التسعين، أو المائة وهذا نادر وقليل، والنادر لا حكم له، والقاعدة أن الناس كلهم يموتون دون ذلك السن، فإذا كان في كل مائة سنة أربعة آلاف مليون فمنذ خلق الله آدم إلى يومنا هذا كم عاش؟ وكم مات؟ ومن الآن إلى يوم القيامة كم سيأتي؟ لا يعلمهم إلا الله، هؤلاء كلهم موجودون، وأنت منهم في ذلك اليوم، وأنا واحد منهم، في ذلك اليوم يكون كل منا عارياً حافياً جائعاً، في وضعٍ لا يعلمه إلا الله، والناس وقوف كلهم في ذلك الموقف {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} [القمر:8] ولا يوجد إلا مظلة الرحمن، الشمس تغلي منها أدمغة العباد، ولا يوجد إلا مظلة واحدة اسمها مظلة الرحمن، فيها سبعة أصناف من الأمة تعرفونهم في الحديث، منهم: (شاب نشأ في عبادة الله) أسأل الله أن يجعل شباب المسلمين منهم؛ لأن هذه الصحوة التي نراها ونلمسها في الشباب تبشر بخير، ولكن نرجو الله أن يثبتهم على الإيمان، ويلهمهم الرشد في طريق صحوتهم؛ فإن هذه الصحوة ينبغي أن تسير راشدة على كتاب الله وسنة رسول الله، من غير شطط أو جنوح أو غلو؛ لأن الغلو خطر على الدعوات، ويجب أن يسعك ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن تأخذ الدين من منبعه الأصلي من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أخذت وتمسكت بالهدي النبوي نجوت وكنت من ضمن السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله. وذلك اليوم العظيم -الذي هو يوم الجمع- يخففه الله على أهل الإيمان، فلا يشعرون بطوله، ولا يشعرون فيه بحزن ولا بخوف، يقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:30 - 32].

الحاقة

الحاقة من أسماء يوم القيامة: (الحاقة). سميت بالحاقة؛ لأنه يتحقق فيها الوعد والوعيد، والعذاب والنعيم الذي وعد الله به الناس {الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ * كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ} [الحاقة:1 - 4] كذبوا بالبعث وبالنشور {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} [الحاقة:5 - 8]. إذا كان الله عذب ثمود بالطاغية، وعذب عاداً بالريح الصرصر العاتية، وهم كانوا كباراً في الأجسام، ضخاماً في الخلق؛ لكن مع هذا عذبهم الله: {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} [الحاقة:8] فإن من عذبهم وأهلكهم قادر على أن يهلك كل من على الأرض، ويوم القيامة يحقق الله عز وجل وعده ووعيده، يقول البخاري في صحيحه: الحاقة؛ لأن فيها الثواب والعقاب، وفيها الجزاء والوعد والوعيد.

يوم التلاق

يوم التلاق من أسماء يوم القيامة: (يوم التلاق). لأنه تلتقي فيه الخلائق كلها، حتى إن آدم عليه السلام يلتقي بآخر من يخلق من ذريته من بنيه، آدم أول إنسان مخلوق، وآخر مخلوق من ذريته يلتقي به يوم القيامة، تلتقي الأم بولدها، والأب بولده، والأخ بأخيه، لكن كل واحد يلتقي بمن يعرفه ويفر منه عندما يراه: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:34 - 37]، كل شخص لا يريد الصديق في ذلك اليوم؛ لأن الصديق لا ينفع صديقه بل يضره، ولاحظ إذا كنت في الرياض منقطعاً وما عندك شيء تبحث عن صديق أو أحد من الجماعة أو الأقارب لعله ينفعك ويشد من أزرك، لكن يوم القيامة لا تريد أمك ولا أباك، لماذا؟ لأن كل واحد يقول في ذلك اليوم: نفسي نفسي، وورد في الحديث: (أن الأم تأتي إلى ولدها فتقول: أنا أمك؟ قال: نعم. قالت: غذيتك بلبني؟ قال: نعم. قالت: كان حجري لك مهاداً، وكنت أعطيك وتعدد عليه النعم، قال: نعم. قالت: أسألك بحق أمومتي عليك أن تعطيني حسنة واحدة ترجح ميزاني، قال: نعم أنت أمي، وغذيتني، وأعطيتني، أسألك بحق بنوتي لك إن تعطيني أنتِ حسنة) تريد هي منه حسنة، فيريد هو منها حسنة، فيفر وهي تفر، ما أحد ينفع أحداً يوم القيامة، ولا ينفعك إلا عملك. يوم التلاق يقول الله عز وجل فيه: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ * يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [غافر:15 - 17] فالناس يلتقون يوم القيامة من أولهم إلى آخرهم. وقيل سمي (يوم التلاق)؛ لأن أهل السماء يلتقون مع أهل الأرض، ومعروف أن أهل السماء ينزلون، قال الله: {وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً} [الفرقان:25] {فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} [الرحمن:37] ملائكة السماء الدنيا ينزلون على الأرض فيحيطون بها من جوانبها كلها، والخلائق كلهم في الوسط، ثم يأذن الله لملائكة السماء الثانية فينزلون، فيكونون أعظم من أهل السماء الدنيا، وأعظم من أهل الأرض، فيحيطون بها كلها، ثم ينزل ملائكة السماء الثالثة، فكل سماء ينزل منها من الملائكة أعظم من الذين كانوا قبلهم كلهم: {وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً} [الفرقان:25] في ذلك اليوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض. وقيل: سمي (يوم التلاق) لأن فيه يلتقي الخلق بالخالق تبارك وتعالى في ذلك اليوم الرهيب. وقيل: يلتقي الظالم والمظلوم، والقاتل والمقتول، والصالح والطالح، في ذلك اليوم يلقى كل عاملٍ ما عمل من خير أو شرٍ، يا عامل اعمل ما تشاء فإنك ملاقيه، لن تجد إلا ما عملت: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غافر:52].

يوم التناد

يوم التناد من أسماء يوم القيامة: (يوم التناد). أي: إطلاق النداءات، وهذا دائماً يحصل في الكوارث، فإذا ما حصل حريق -عافى الله المسلمين- في بيت، ماذا يحصل؟ الكل يصيح، اتصلوا بالمطافي، هاتوا ماء، قربوا ابعدوا انظروا، هذا يصيح، وذاك يصيح، ويوم القيامة ليس حريقاً معتاداً، إنما هو حريق العالم كله، الأرض كلها تحترق، والعالم في رهبة وخوف لا يعلمه إلا الله، والناس في نداءات، وصراخ، وصياح، وأمور مشكلة عليهم، يقول الله عز وجل، كما قال مؤمن آل فرعون وهو ينصح قومه: {وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ} [غافر:32 - 33]. وسمي بذلك لكثرة ما يحصل فيه من النداء والصياح، فكل إنسان يُدعى ويُنادى باسمه للجزاء وللحساب، يسمعه أهل الموقف كلهم، وأصحاب الجنة ينادون أصحاب النار، كما قال عز وجل: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [الأعراف:44] وينادي أهل النار أصحاب الجنة: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} [الأعراف:50] وأهل الأعراف ينادون {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [الأعراف:48] ويُنادى في ذلك اليوم على المؤمن: ألا إن فلان بن فلان قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً، فيبيض وجهه ويأخذ كتابه ويقول لأهل الموقف: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:19 - 24] وينادى على الرجل من أهل النار باسمه الذي يعرف به في الدنيا يسمعه أهل الموقف: ألا إن فلان بن فلان قد شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبداً، فيسود وجهه، ويعطى كتابه بشماله: {فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة:25 - 27]. فهذا يوم النداءات يوم التناد، مثل يوم -ولله المثل الأعلى- ظهور النتائج في المدارس، لا توجد إلا بيانات تقرأ من الميكرفون، الناجحون من الصف السادس إلى المتوسط، الناجحون من الخامس إلى السادس، الناجحون من الثالث إلى الرابع، وتظهر قوائم ونداءات الراسبين والمكملين، ناجح وساقط فقط، هل ينفع في ذلك اليوم عمل؟ ما رأيكم لو أن أحداً من الساقطين يوم ظهور النتيجة قال: يا جماعة أريد أن أعمل الآن! يقولون له: طارت الطير بأرزاقها، ما معك إلا ما معك، كنت ذاكرت بالأمس، -أمس ذلك اليوم- ذاكر الآن واعمل صالحاً الآن قبل أن تموت، وتلقى الله في يوم النداءات، وينادى عليك بين الخلائق، فضيحة والله ما أعظم منها فضيحة، أن تدعى باسمك، ويقال: أنت شقي، ويعرف كل الناس أنك شقي وعدو لله ملعون في النار، وفخر والله عظيم -يا أخي- أن يدعوك الله على رءوس الخلائق، ويقال: إن فلاناً قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً.

يوم التغابن

يوم التغابن من أسماء يوم القيامة: (يوم التغابن). سمي يوم التغابن لما يحصل لأهل النار فيه من الغبن حينما تفوتهم الجنة، ويدخلون النار، والغبن: شعور بالخسارة في معاوضة تجارية، هذا الغبن هو: أن تشتري سيارة بعشرين ألفاً، ثم تأتي تبيعها بخمسة آلاف، يحصل عندك غبن، تشتري عمامة من دكان بستين ريالاً، وتخرج لتراها في دكان ثانٍ نفس الموديل، والتصميم، والماركة بأربعين ريالاً، هل يحصل عندك غبن أو لا؟ فأهل الجنة يوم القيامة اشتروا الجنة بالعمل الصالح، قدموا الثمن في الدنيا واشتروا، وجاء هؤلاء ما عندهم شيء، وإذا بهم يشعرون بغبن اشتروا النار بالمعاصي، يشتري الأغاني والمجلة الرخيصة بنقود، يذهب إلى الخارج لكي يزني ويسكر ويخمر بنقود، اشتروا العذاب بأموالهم، ويوم القيامة يحصل لهم الغبن، يقول الله عز وجل: {يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [التغابن:9] وقد ورد أن أهل النار يؤخذون إلى طرف الجنة ثم يقال لهم: ما هذه؟ قالوا: الجنة، قالوا: وهذه منازلكم فيها لو أنكم أطعتم الله، لكنكم لما عصيتم الله أبدلكم الله عز وجل بمنازل أخرى وهي النار، فيرجعون إلى النار بغبن ما رجع به الأولون والآخرون، ويتمنون ويقولون: ربنا لو أدخلتنا النار لكان أهون من أن تدخلنا بعد أن نرى الجنة، ولكن زيادةً في العذاب، نعوذ بالله من النار!

أسماء أخرى ليوم القيامة

أسماء أخرى ليوم القيامة هذه أشهر أسماء يوم القيامة، وقد وردت أسماء وأوصاف كثيرة اشتقها العلماء من الآيات والأحاديث مثل: يوم عسير، ويوم عظيم، ويوم عبوس، ويوم مشهود، ويوم قمطرير، ويوم عقيم، وأيضاً أخذت من بعض الآيات، مثل: يوم الخزي، يوم الهوان، يوم الذل، يوم الافتقار، يوم الاحتقار، يوم الصغار، يوم الانكسار، يوم الميقات، يوم المرصاد، إلى غير ذلك من الأسماء، هذه الأسماء الكثيرة لِمَ تعددت ولِمَ كثرت ولم يكن لها اسم واحد فقط؟ يقول العلماء: كلما عظم شأن الشيء تعددت أسماؤه وصفاته، وهذا شائع في كلام العرب، الشيء الحقير ما له إلا اسم واحد فقط، لكن الشيء العظيم له أسماء كثيرة، فالأسد له أسماء كثيرة: اسمه أسد، وليث، وغضنفر؛ لأنه أسد، لكن الثعلب ما له إلا اسم واحد ثعلب ماذا نسميه؟ ابحثوا له عن اسم ثانٍ، ليس معه إلا اسم ثعلب فقط، فالشيء إذا احتقر لم يسم إلا باسم واحد، وكل ما عظم تعددت أسماؤه، وهذا شائع ومعروف في كلام العرب، ألا ترى أن السيف له أسماء كثيرة: مهند، فيصل، بتار، له أسماء كثيرة لماذا؟ لأنه بتار، بينما الأشياء الحقيرة ليس لها إلا اسم واحد. والقيامة لعظمتها ولهولها، ولعظم أمرها؛ سماها الله عز وجل بهذه الأسماء الكثيرة، ووصفها بهذه الأوصاف المتعددة. نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن ينجينا وإياكم من عذابه، وأن يؤمن خوفنا يوم القيام له بين يديه، وأن يجعلنا في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

الأسئلة

الأسئلة

كفارة الجماع في نهار رمضان

كفارة الجماع في نهار رمضان Q اتصل بي رجل يقول: إنه كان جندياً يعمل في الرياض، وجاء في إجازة في رمضان، ودخل بيته بعد صلاة العصر، وزوجته موجودة، ولم يبق على أذان المغرب إلا ساعتين أو ساعة ونصف، ولكنه لعدم خوفه من الله، وعدم وجود الإيمان القوي الذي يحجزه عما حرم الله، ما استطاع أن يصبر على ساعة ونصف، فواقع زوجته في رمضان وهو صائم وهي صائمة، يقول: ومشت الأيام، ثم هداني الله عز وجل فماذا عليَّ؟ A عليك صيام شهرين متتابعين بدل ساعتين، لماذا؟ كفارة وتوبة من الله، ثم صامها الرجل لما قوي إيمانه، وجاءني بعد فترة يبشرني قال: أبشرك صمتها، صام الستين يوماً لما قوي إيمانه، ولم يصبر ساعتين لما ضعف إيمانه.

خرافات يجب الحذر منها

خرافات يجب الحذر منها Q أرسل إلي شخص رسالة يقول: ما رأيكم في هذه الورقة -وصلته في ظرف- يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:62] إخواني المسلمين! وأخواتي المسلمات! مرضت فتاة وعمرها ثلاثة عشر عاماً مرضاً شديداً، وعجز الأطباء في علاجها، وفي ليلة اشتد المرض عليها، وبكت المسكينة حتى غالبها النوم، فرأت في منامها السيدة زينب رضي الله عنها وأرضاها، فوضعت في فمها قطرات، وبعد أن استيقظت من النوم وجدت نفسها قد شفيت من مرضها تماماً، وطلبت منها السيدة زينب رضي الله عنها أن تكتب هذه الرؤيا ثلاث عشرة مرة، وتقوم بتوزيعها على المسلمين والمسلمات لينظروا في قدرة الله سبحانه، تقول البنت: وعند توزيعها: النسخة الأولى وصلت إلى يد فقير فكتبها ووزعها على الناس، وبعد مضي ثلاثة عشر يوماً أصبح الفقير غنياً-نزل له كرتون من السماء مملوء بالأوراق النقدية! - والنسخة الثانية وصلت إلى يد عامل أهمل كتابتها، وبعد مضي ثلاثة عشر يوماً فقد عمله، وفُصل من عمله؛ لأنه ما كتبها، والنسخة الثالثة وصلت إلى يد أحد الأغنياء ورفض كتابتها وبعد مضي ثلاثة عشر يوماً فقد كل ما يملك من ثروته وأصبح فقيراً، فبادر -يا أخي المسلم ويا أختي المسلمة- عند وصول هذه الرؤيا بكتابتها ثلاث عشرة مرة، ووزعها على الناس لتنال ما تتمنى، وصلى الله على نبينا محمد، جزاكم الله ألف خير، يقول: فاعل خير. A هذا فاعل شر، وليس فاعل خير، ولا جزاه الله عن الإسلام ولا عن المسلمين خيراً. هذه الأكذوبة وهذه الخرافة نسمعها ونسمع مثلها، كما سمعنا في الماضي خرافة الشيخ أحمد نزيل المدينة وحارس حجرة النبي صلى الله عليه وسلم، الذي قال في كذبته: أنه رأى النبي وأخبره النبي أنه سوف يموت في كل جمعة مائة وستون ألفاً على غير الإسلام، وراجت هذه الكذبة، وهي كذب وافتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء الكذابون ليمارسوا كذبةً من نوع جديد وخرافة جديدة، يريدون بها أن يصوروا الدين على أنه أساطير وخرافات، هذه لها علاقة بالدين! تراها مستفتحة بآية، وأن هذه من أولياء الله السيدة زينب، وأن عليك أن ترسلها، وإذا أرسلتها ومر ثلاثة عشر يوماً، ولم يحصل لك شيء، ماذا ينعكس في ذهنك؟ أن هذا الكلام كذب وخرافات، وتقول: الدين كله خرافات. هم يصورون هذا من أجل أن يغرسوا في نفوس الناس أن الدين خرافات، هذا الكلام باطل وحكايته على الأولياء باطلة، لأن السيدة زينب أو غيرها من الأولياء لا يملكون ضراً ولا نفعاً لأنفسهم فضلاً عن غيرهم حتى يشفوا المرضى، يقول الله عز وجل: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:14] لا يستطيع أحد أن ينفع أحداً، سواء كان ولياً أو غير ولي، الولاية والصلاح تنفع صاحبها فقط يوم أن يموت والله راضٍ عنه، يوم القيامة تنفعه، أما وهو في قبره لا تنفعه ولايته، حتى إنه لا يستطيع أن ينفض عن ظهره التراب، أو يرجع إلى بيته؛ فضلاً عن أن يقوم من قبره ويأتي إلى المريضة ويضع في فمها قطرات وتعطى العافية، هذا كله كذب، ثم يُتَوَّج هذا الكذب بهذه الخرافات أن من كتبها ثلاث عشرة مرة وأرسلها يأتيه ماذا؟ إذا كان فقيراً يصير ثرياً، كيف يصير ثرياً؟ وإذا كان موظفاً مخلصاً في عمله، يأتيه قرار بالفصل لماذا؟ ألا يوجد نظام يحمي الموظف؟ أليس هناك نظام عمل وعمال؟ أليس هناك نظام موظفين؟ وإذا كان غنياً ووصلته، وما أرسلها يصبح فقيراً، ما يبقى معه ولا ريال، هذا كذب. والعجيب -أيها الإخوة- أن هذه الأساطير والخلافات تنطلي على عقول الناس. أنا أقول وقد قلته البارحة في أبها: لو أتينا بقطيع من البقر وأدخلناها في حوش، وقرأنا عليها هذا الكلام وقلنا: يا بقر ما رأيكم هل هذا كلام صحيح أو لا؟ لهز كل ثور رأسه وقال: هذا كلام فارغ، ليس هناك رزق في ورقة، لا أصير غنياً بورقة أكتبها ثلاث عشرة مرة، أمعقول: أمعقول أن أكتب ورقة ثلاث عشرة مرة وأصورها ثلاث عشرة صورة بثلاثة عشر ريالاً، وأرسلها وأصير غداً عنياً؟! نعم، كل واحد سوف يعملها، ونصير غداً كلنا أثرياء، وأرصدة بالملايين، هذا كلام لا فائدة فيه!!! هذا ونسأل الله عز وجل لنا ولكم التوفيق.

المشكلات الزوجية أسبابها وعلاجها

المشكلات الزوجية أسبابها وعلاجها لقد اهتم الإسلام بالحفاظ على بناء الأسرة المسلمة واهتم بحل مشكلاتها والبحث عن أسبابها حتى يعطيها العلاج الناجع؛ فجعل للرجل حرية اختيار الزوجة، وكذلك جعل للمرأة حرية اختيار الزوج؛ حتى تقوم الأسرة على التفاهم ولكن بالرغم من ذلك فكل بيت مسلم لابد وأن تعتريه أوقات تظهر فيه المشكلات، حتى لتكاد في بعض الأحيان تعصف باستقرار الأسرة المسلمة، وقد ذكر الشيخ في هذا الدرس أسباب المشاكل الزوجية مع ذكر علاجها من الكتاب والسنة.

أهمية علاج المشاكل الزوجية

أهمية علاج المشاكل الزوجية الحمد لله رب العالمين، والصلاة السلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الأحبة في الله: موضوع المحاضرة موضوع هام وذلك لأمرين: أولاً: لعلاقته بكل أسرة وبكل فرد وبكل ذكر وأنثى. ثانياً: للآثار المترتبة على حدوث المشاكل الزوجية، من تشتت الأسر، وتهدم كيانها، وضياع أفرادها، وما لذلك من انعكاسات خطيرة على أخلاقهم، وعلى تصوراتهم وأفكارهم، وبالتالي من أضرارٍ خطيرة على مجتمعهم وأمتهم. وبعض الناس لا يقيم لهذه المسألة وزناً، ويعتبر هذه القضية من القضايا الهامشية، وما علم الاهتمام الشديد والتركيز الأكيد الذي حظيت به قضية الأسرة من قبل الدين والتشريع الإسلامي العظيم.

ضرورة اختيار الزوج والزوجة وفق معايير شرعية

ضرورة اختيار الزوج والزوجة وفق معايير شرعية لقد جعل الإسلام من مسئوليات الرجل وهو يبدأ في تكوين اللبنة الأولى من لبنات المجتمع -جعل من مسئوليته أن يحسن اختيار الزوجة؛ لأن سوء الاختيار يجعل الإنسان يعيش المشكلة من أساسها، فهو لم يعرف كيف يختار شريكة حياته، ورفيقة دربه، وأم ولده، في هذه الحياة، أو أنه وضع لاختياره معايير ليست شرعية، معايير تحكمها الأهواء والرغبات والمتع والنزوات، أو التصلب في الأفكار والآراء، ونسي الجوهر الذي أكد عليه النبي صلى الله عليه وسلم، والاختيار يأتي من الذكر وأيضاً للمرأة في الشرع حق الاختيار وإبداء الرأي في من تقبل أن يكون شريكاً لها، إذ ليس للولي من الناحية الشرعية حق في أن يفرض على موليته زوجاً لا تريده، وتعبر عن رأيها في عدم رغبتها فيه، إذ أن الحياة الزوجية بناء، وهذا البناء لا يقام إلا على أساس من الرضا، والقبول، والقناعة، والفهم لكل طرفٍ من أطراف الزواج. فبالنسبة للرجل: يضع الرسول صلى الله عليه وسلم مبادئ ومنهجاً في اختيار الزوجة؛ إذ يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي في صحيح البخاري: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها)، هذه اهتمامات الناس، حينما يريدون الزواج من أي امرأة لا يسأل أحدهم إلا عن هذه الأربع، ويغلب بعضهم جانباً على جانب آخر، وبعضهم يهمل جانباً ويهتم بآخر، أما المؤمن والرجل الرباني الذي يريد أن يقيم الأسرة على أساس سليم فيبحث عن الأربع كاملة، ثم يركز على الأخيرة؛ لأنها الجوهر، ولا مانع من الاهتمام بأن تكون المرأة جميلة، وأن تكون ذات مال، وأن تكون ذات حسب، لكن إذا لم تجد الجمال، ولم تجد المال، ولم تجد الحسب، ووجدت الدين فاظفر بذات الدين، قال عليه الصلاة والسلام: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)، وهذه دعوة من النبي صلى الله عليه وسلم على من لم يجعل في تقديره واهتمامه الرغبة في المرأة المتدينة، دعا عليه بأن تمتلئ يداه بالتراب، (تربت يداه) أي: ما معه إلا تراب من زوجته؛ لأنه خسر ذات الدين. وبالنسبة للمرأة أيضاً: يقول النبي صلى الله عليه وسلم للأولياء، وهم الذين لديهم الصلاحيات في قبول الزوج، وفي عرضه على المرأة، وفي إبرام العقد، إذ لا نكاح إلا بولي، وليس من فرقٍ بين الزواج والزنا إلا الولي، إذ أن الحرة لا تزوج نفسها، ولا يزوجها إلا وليها، ولكن التي تزوج نفسها هي الزانية، تبيح نفسها لغيرها، فلا نكاح إلا بولي، وإذا عدم الولي فينتقل إلى الذي بعده في الولاية. والولي بالنسبة للمرأة: الأب، فإن عدم فالابن، فإن عدم فالأخ الشقيق، فإن عدم فالأخ لأب وهكذا، كالولاية وكالقربى في الوراثة، وإذا لم يوجد ولي للمرأة وكانت مقطوعة لا ولد ولا والد ولا أخ ولا عصبة ولا لها أي قريب، انتقلت الولاية للحاكم الشرعي، فإن الشرع والقاضي ولي من لا ولي له، تذهب إلى القاضي فتقول: أنا امرأة لا ولي لي فزوجني. فيزوجها بمن يرضى لها دينه وأمانته يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)، انظروا المعيار الدقيق، من ترضون أمرين: الدين والخلق، ثم قال: (إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير). فإذا قامت الأسرة على هذا الأساس امرأة متدينة ورجل متدين، والتقوا على كتاب الله، وحصل بينهم التفاهم من أول ليلة على أن المنهج الذين يسيرون عليه والذي يحكم حياتهم الزوجية هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإن المشاكل ستكون قليلة، إذ لا يمكن أصلاً أن تنعدم المشاكل، بعض الناس يتصور أنه يمكن أن تكون هناك حياة زوجية من غير مشاكل، وهذا مستحيل! حتى في أكرم البيوت وأعظمها على الإطلاق، بيت النبوة بيت محمد بن عبد الله خير البشر وسيد ولد آدم، كان يحصل بعض المشاكل من قبل الزوجات مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن كان يعالجها بالأسلوب الشرعي المثالي في أعلى درجات الكمال صلوات ربي وسلامه عليه، لكن المشاكل في البيت المؤمن الذي أقيمت دعائمه وأسست أركانه على تقوى من الله وبرهان، وعلى قناعة ورضا وحسن اختيار من قبل الزوج ومن قبل الزوجة؛ تكون المشاكل قليلة، وأيضاً نسبتها محدودة، ونوعيتها طفيفة.

أسباب المشاكل الزوجية

أسباب المشاكل الزوجية إن المشاكل العويصة التي تدمر الأسر، وتزلزل بنيانها، وتؤدي بها إلى الانهيار، وبالنهاية إلى الطلاق، وتشتيت شمل الأسرة، وضياع الأبناء، وضياع النساء، وضياع الرجال، هذه تحصل -أيها الإخوة- من أسباب، وهذه الأسباب هي عنوان المحاضرة في هذه الليلة.

التهاون في الذنوب والمعاصي

التهاون في الذنوب والمعاصي أول الأسباب وأكثرها تأثيراً في تدمير الأسرة وحصول المشاكل بين الزوجين: التهاون بالذنوب والمعاصي فإن المعاصي تزيل النعم، وتجلب النقم، وتشتت القلوب، وتدمر المبادئ والقيم، ويحصل بوجودها في البيت تمرد وشذوذ، فالمرأة لا تطيع زوجها؛ لأنها ترى فيه أثر المعاصي، وترى فيه الاستغراق في الذنوب، وترى فيه عدم الوقوف عند أوامر الله، فتتمرد عليه عقوبة له، وكذلك الزوج يرى أن زوجته لا تقيم أوامر الله، ولا تستجيب لداعي الله، وتستمع إلى الحرام، وتنظر إلى الحرام، وربما مارست شيئاً من الحرام، وتكاسلت عن الطاعات والفرائض، فيتولد في قلبه كرهاً لها، وبغضاً لها، وأيضاً يتمرد عليها، ويقسو عليها، ويمارس ضدها أسوأ أنواع العشرة لماذا؟ عقوبة من الله عليها. يقول أحد السلف: إني لأعصي الله فأرى أثر ذلك في سلوك زوجتي ودابتي. يقول: أقع في معصية فأجد العقوبة ظاهرة في سلوك الزوجة وسلوك الدابة، عقوبة عاجلة، لكن يوم يكون الزوج طائعاً لله، واقفاً عند حدود الله، قائماً بفرائض الله، متمسكاً بعروة الله، وتكون الزوجة كذلك، فمن أين للمشاكل أن تأتي في هذا الجو الإيماني؟ وإذا جاءت فيقضى عليها في مهدها؛ نظراً لأن النور موجود، نور الإيمان يعمر القلوب يعمر قلب المرأة وقلب الرجل، وأيضاً التأدب بآداب الشرع موجود، الرجوع والتحاكم إلى الكتاب والسنة موجود، فإذا حصل أي ضعف أو أي نقص من الزوج أو من الزوجة بسبب بشرية الزوج والزوجة وضعفهما فإن هذا الضعف سرعان ما يتلافى، وسرعان ما يُقضى عليه عن طريق الرجوع إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ومن المعاصي التي تلاحظ في كثير من البيوت: أولاً: التهاون بأمر الصلاة، سواءً من قبل الزوج أو من قبل الزوجة. بعض الزوجات صالحات وتجد مشقة عظيمة وهي تعاني من كسل زوجها، وعدم رغبته في القيام بفرائض الله، ولا يقوم إلى الصلاة إلا بتعب، وإذا قام صلى في البيت، ولم يصلِ في المسجد، فيتحرق قلب الزوجة المسكينة الدينة الطيبة، تسمع الأذان، وتسمع الناس وهم يقولون: آمين. ملء المسجد، ثم تنظر إلى هذا المنكب على وجهه، فتقول: الناس كلهم يصلون، وهذا لماذا لا يصلي؟ فيتولد في قلبها بغض له وكراهية، فإذا أراد أن تقوم بحقوقه، وأن تستجيب لطلباته، فإنها لا تجد في نفسها رغبة في الانصياع لأوامره، ولا الانقياد لطاعته وهو عاصٍ لله، وهو متمرد على الله، فترفضه ولا تطيعه، وتتولد من ذلك المشاكل ما السبب؟ إنها المعصية، ترك الصلاة أو التهاون به. وقد يكون الرجل متديناً، وفيه خير وصلاح، لكن زوجته متساهلة في الصلاة، يصلي المغرب ويدخل البيت ويجدها جالسة، فيقول لها: هل صليتِ؟ قالت: لا. لماذا؟ قالت: حتى يؤذن العشاء، أو تنام إلى الساعة الثانية عشرة أو الواحدة بعد نصف الليل ولم تصل العشاء، والفجر ما تصليه إلا الساعة العاشرة أو الحادية عشرة ظهراً، والظهر تجعله مع العصر، وهكذا تلعب بالصلاة، وينصحها كلما دخل: صلي (يا بنت الحلال)، اتقي الله، قالت: حسناً، وبعضهن تقول: الصلاة لي أم لك؟! الصلاة لكِ، أنا ما أقول: صلي من أجلي، صلي من أجلكِ أنتِ، لكن مسئوليتي كزوج تفرض عليَّ أن أتابعك في الصلاة؛ لأن الله يقول: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132]. فالصلاة مهمة؛ ولا بد أن يقوم كل من الزوج والزوجة بالمحافظة عليها، وأدائها في أول الوقت بالنسبة للمرأة، وفي جماعة المسلمين في المسجد بالنسبة للرجل. ومن المعاصي المنتشرة: انشغال الزوج أو الزوجة بآلات اللهو، والانهماك في سماع الغناء، ومتابعة الأفلام والمسلسلات، والأمور الشريرة في هذه الوسائل من قبل الزوج أو من قبل الزوجة، ويترتب على هذا مشكلة سوء العشرة؛ فالرجل يريد زوجته وهي قاعدة على الفيلم تتابع المسلسل، أو هي تريد أن يسمر معها وهو جالس يتابع فيلماً أو مسلسلاً أو مباراة، فتشعر بنوع من العزلة والانفراد، وتقول: أنا أتيت إلى هذه الغرفة لكي يحبسني في البيت وفي الغرفة وهو جالس على الأفلام؟! بعضهم من المغرب إلى الفجر وهو مع الأفلام، وبعض النساء كذلك، فيترتب على هذا مشاكل من سوء العشرة؛ نظراً للمعصية التي وقع فيها الزوج أو وقعت فيها الزوجة بالانشغال بهذه المنكرات وهذه المعاصي الخطيرة، التي تدمر الأسر وتقضي على أساسها والعياذ بالله هذا أول سبب من أسباب المشاكل الزوجية. والعلاج: التوبة إلى الله، أن تتوب أيها الرجل من الذنوب صغيرها وكبيرها، دقيقها وجليلها، وأن تتوبي أيتها المرأة إلى الله عز وجل من الذنوب، وأن تعلما أن الله خلقكما للطاعة والعبادة، وأن المعصية شذوذ، وأن المعصية انحراف، وأن المعصية عقوبة، وأن العقوبة على المعصية عاجلة بتدميركم في الدنيا وفي الآخرة، وأن الطاعة -أيها الإخوة وأيتها الأخوات- سعادة وعزة ورفعة في الدنيا والآخرة. ومن أعظم فوائد الطاعة: أن يدوم الوئام، وأن يحصل الوفاق بين الرجل وبين المرأة، وأن تقل المشاكل بل تنعدم في البيت الطائع الذي لا تظهر فيه معصية لله سبحانه وتعالى.

إهمال الحقوق

إهمال الحقوق السبب الثاني من أسباب وقوع المشاكل الزوجية: إهمال الحقوق فلا يقوم كل طرف بالحقوق الواجبة عليه تجاه الطرف الثاني؛ فيترتب على هذا فساد وخلل في التعامل، وإذا قام شخص بالحق وأعطاني إياه الحق كاملاً، أقوم أنا بأن أبادله فأعطيه الحق كاملاً، وبالتالي لا تقع أي مشكلة، لكن عندما تقصر المرأة في الحقوق الواجبة عليها تجاه زوجها، أو يقصر الرجل في القيام بالحقوق الواجبة عليه تجاه زوجته؛ يحصل الإشكال، وتحصل الأدوار المتباينة، هي تقصر في حق فيقصر هو في حق آخر، أو هو يقصر في حق فتعاقبه بأن تقصر في حقه، فإذا قصرت أو قصر هو تولدت الكراهية، وحصلت ردود الأفعال، وتصاعدت المشاكل، حتى تؤدي في النهاية إلى تدمير الأسرة بسبب إهمال الحقوق الزوجية التي يجب على كلٍ من الزوج والزوجة القيام بها.

حقوق الزوجة على زوجها

حقوق الزوجة على زوجها والموضوع بالنسبة للحقوق يحتاج إلى تطويل، لكني سأمر عليه مروراً، وإلا فالمفروض أن يفرد بمحاضرة مستقلة، حقوق الزوج والزوجة، وقد أفردت في بعض الأشرطة، لكني أذكرها باختصار، ونبدأ بحقوق الزوجة؛ لأن النساء دائماً يقلن: أنتم الرجال تؤكدون على حقوقكم دائما وتهملون حقوقنا! لذلك سنبدأ بحقوق الزوجة:

المعاشرة بالمعروف

المعاشرة بالمعروف أولاً: العشرة بالمعروف؛ لأن الله أمر بهذا وقال: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] لا يجوز لك -أيها المسلم- أن تعاشر هذه المرأة إلا بالمعروف، والمعروف: هو الذي يتفق مع مبادئ الشرع؛ من الكلمة الطيبة، والعبارة الطيبة، والبسمة الطيبة، والتعامل الطيب، والبحث عن أفضل ما عندك لزوجتك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) والذي ليس فيه خيرٌ لأهله ليس فيه خيرٌ للناس؛ لأن من الناس من تجده ذا ذوق وأخلاق وتعامل، وتجده اجتماعياً وطيباً مع الناس، لكن إذا دخل بيته خلع كل هذه الأخلاق عند الباب، ودخل شرساً سيء الخلق، حتى إن بعضهم لا يسلم على امرأته، وبعضهم لا يتكلم مع امرأته، ولا يأكل معها، وبعضهم عندما ينام في غرفة امرأته ينعزل، وهذا كله من سوء الخلق، ومن سوء العشرة، والله يقول: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19].

العدل

العدل ثانياً: العدل معها كما يجب أن تعدل مع نفسك يجب أن تعدل معها؛ لأن الله قال: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:228] ما هي الدرجة؟ القوامة، المسئولية، جعل الله القوامة للرجل لا لأنه أفضل؛ ولكن لأنه أكمل وأقدر، وإلا فقد تكون بعض النساء أفضل عند الله من زوجها، لكن الذي يستحق أن يكون قائماً هو الرجل، للميزات التي ميزه الله سبحانه وتعالى، من القوة والصلابة والشجاعة والقدرة والمواجهة، والمرأة لا تصلح ولا تستطيع أن تعمل شيئاً، وقد تكون أفضل عند الله من الرجل بدينها وبإسلامها وبتمسكها بطاعة ربها، فدرجة القوامة مسئولية؛ لأن الحياة الزوجية في نظر الشرع شركة، ولا بد لكل شركة من مسئول ومدير، ومن المؤهل لأن يكون مديراً؟ الرجل؛ لأنه يحمي الأسرة ويدافع عنها، فلو كنت أنت وزوجتك في بيتكم ثم سمعتم خبطة أو شيئاً انفتح، فمن الذي يقوم ليرى؟ الزوج أم الزوجة؟ المرأة رأساً تذهب إلى أقصى غرفة، وتدعي زوجها وتقول: انظر من الذي خبط الباب، هناك شيء، لكن ما رأيكم لو ذهب هو وقال: اذهبي أنت وانظري، ستقول: أنت الرجل أم أنا؟ فالرجل له قوامة، وله قدرة، ولذا كان هو المسئول {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:228] أي: القوامة والمسئولية.

تعليمها أمور دينها

تعليمها أمور دينها إن من حقوقها: التعليم تعليمها أمور دينها، وهذا أمر -أيها الإخوة- يغفل عنه كثيرٌ من الأزواج، ويتعامل مع زوجته على أنها متعلمة مائة في المائة، حتى لو كانت تحمل أعلى شهادة فلا بد من تعليمها أمور الدين؛ لأن الله قال: {فَعِظُوهُنَّ} [النساء:34] بحيث تجعل لزوجتك جلسة علم، وتبدأ أنت وإياها في كتاب من المختصرات، خصوصاً المتعلق بالمرأة والتعامل الزوجي، وتبدأ بحقها؛ لأنك إذا بدأت بحقوقك رأت فيك الأنانية، والرغبة في استغلالها عن طريق الناحية الدينية، بل قل: أول شيء نقرأ حقوقكِ أنت، لكي أعطيك حقك، ثم نقرأ حقوقي أنا، وهكذا. والتعليم يقضي على كثير من المشاكل، وكم من معضلة وقعت في الأسر بسبب جهل المرأة بهذه المسألة، ولو كانت تدري ما وقعت، ولو كانت على علم بأمر الله فيها ما أوقعت نفسها ولا زوجها في هذه المشكلة، فمن حقها عليك أن تعلمها أمر دينها، وأن تعلمها ما يصلح حالها في الدنيا والآخرة.

النفقة عليها بالمعروف

النفقة عليها بالمعروف إن من حقوقها: النفقة لقد جعل الله عز وجل من مسئوليات الرجل الإنفاق فقال: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34] فما دام أنك القوام عليها فعليك أن تدفع النفقة، وكيف يكون الإنفاق؟ على حسب قدرة الرجل، قال الله عز وجل: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق:7] أي: ضيق عليه {فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:7]. والنفقة على المرأة أمرٌ نسبي يخضع لظروف معيشة المجتمع، ولظروف دخل الرجل، فكلما كان في دخلك زيادة فيجب أن توسع على أهلك {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق:7] أي: من ضيق عليه، فيمد نفقته على قدر دخله وعلى قدر موارده، وعلى المرأة ألا تحمله ما لا يطيق، وألا تقيس به الآخرين، وتقول: لست مثل فلان ولا علان، وبيت آل فلان كذا وسيارة آل فلان كذا حسناً، آل فلان غيري، آل فلان يمكن أن دخلهم يصل إلى ثلاثين أو أربعين ألفاً وأنا دخلي ثلاثة آلاف ريال، أذهب وأسرق لكي أصبح مثل آل فلان؟ هذا لا يجوز في شريعة الله عز وجل، وإنما ينفق الرجل مما أتاه الله عز وجل.

مراعاة شعورها

مراعاة شعورها من حقوقها: مراعاة شعورها امرأتك ينبغي أن تراعي شعورها، إذا غضبت فتغاض عنها، وإذا تكلمت فاسكت على كلامها، بعض الرجال لا يريد أبداً أن يترك لها فرصة أن تعبر عن رأيها، وإنما يستذلها، ويمارس معها أعلى درجات السيطرة و (الدكتاتورية)، بحيث يقول: أنا رجل لا تتكلمي، آخر كلمة لي وأول كلمة لي!! سبحان الله! كيف تصادر هذه الإنسانة؟ هذا ظلم، النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصنع هذا، جاء في صحيح البخاري: (كان صلى الله عليه وسلم عند إحدى زوجاته، فصنعت له الأخرى طعاماً وبعثته في قدح مع غلام لها، فطرق الباب فخرجت زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما فتحت الباب وجدت الغلام يحمل في يده الإناء وفيه الطعام، فغضبت لماذا ترسل تلك طعاماً للرسول وهو بيتها؟ فقالت: تتابعينه حتى في بيتي وتعطينه طعاماً! فضربت يد الغلام، فوقع القدح وانكسر وانتثر الطعام، والرسول صلى الله عليه وسلم يرى المنظر). ما رأيكم؟! لو أن هذا حدث مع واحد منا، ماذا سيحصل؟ سيقوم ويضربها حتى يكسر ظهرها، ثم يطلقها، ويطردها، ويقول: تعملين هكذا؟ وما دخلك؟ هذا بيتي وهذه امرأتي آكل ذلك ولا آكل طعامك! لكن الرسول صلى الله عليه وسلم سكت، ثم اعتذر لها -وهي عائشة رضي الله عنها- وقال: (غارت أمكم، غارت أمكم، غارت أمكم) ثم قام صلى الله عليه وسلم وأخذ قدحاً لها في بيتها، وجمع الطعام، وأخذ الطعام ورد القدح، وقال: (طعام بطعام وقدح بقدح) مثلما كسرتيه تحمليه والطعام نأكله. هكذا لم يجرح الرسول مشاعرها، وما هو شعور عائشة؟ لقد غارت، والغيرة أمر طبيعي في المرأة، ولا تتولد الغيرة إلا من الحب، والمرأة التي لا تغار على زوجها يعني أنها لا تريده، وتقول: الله لا يرده، لكن تلك التي تغار دليل على الحب والوفاء والإخلاص، فقدر لها هذا الأمر، وإذا كانت الغيرة قد جاوزت الحدود فإنها تكون مذمومة، وسوف نخصها في عنصر خاص من أسباب الخلافات الزوجية، فوجودها ظاهرة صحية، لكن إذا تجاوز بها الحدود تنقلب إلى ضدها، فيجب على الزوج مراعاة شعور امرأته في كل الأحوال، إذا دخل عليها وهي غضبانة فلا يضحك ويفرح، وإذا وجدها مريضة فلا يذهب في رحلة، وإذا رآها في حالة نفسية فلا يذهب ليتمشى ويسهر إلى آخر الليل، بل يجب أن تعايشها وأن تعيش معها في ظروفها، وفي ملابساتها، وفي ما يهمها ويراعي مشاعرها.

عدم إفشاء سرها

عدم إفشاء سرها أيضاً من حقوقها: ألا يفشي سرها؛ لأنه لباس لها، وإذا جلس مع الرجال وأفشى سرها، وذكر عيبها، وقد يكون في زوجته عيب، ولا أحد يعلم بعيب المرأة إلا أنت، لكن من الناس من لا يراعي هذا الجانب، ويقول: امرأتي فيها كذا، أو عملت فيها كذا -والعياذ بالله- من هتك الستر لعرضه ولعرضها فمن حقها عليه ألا يفشي سرها وألا يذكر عيبها.

عدم السهر خارج المنزل وترك الزوجة لوحدها

عدم السهر خارج المنزل وترك الزوجة لوحدها أيضاً من حقها عليه: ألا يسهر خارج المنزل إلى ساعات متأخرة ويتركها في البيت وحدها، فإن المبيت جزء من الحقوق المترتبة على الزوجية، فإذا أخلَّ به الرجل وقطع معظم الليل مع زملائه، مع (بشكات الورق)، (والبلوت)، والسهر، ثم جاء آخر الليل وهي نائمة فقد أحرمها الليلة، وبالتالي تترتب على هذا ضياع حقها، ويمكن يترتب على ضياع هذا الحق أن تقع المرأة في جريمة، إذا لم يكن عندها دين ولا خوف من الله، يمكن أن يحملها تصرف الرجل على السهر مع زملائه أن تبحث هي عمن تسهر معه، وبالتالي تضيع المسألة، ويضيع عرض الرجل، وتدمر الأسرة بالكامل والعياذ بالله!

عدم الأخذ من مالها إلا بإذنها

عدم الأخذ من مالها إلا بإذنها أيضاً من الحقوق عليه ألا يطمع في راتبها إذا كانت تعمل؛ فإن راتب المرأة لها، والله قد أعطاها حرية التملك، فللمرأة في الشرع أن تتملك وأن تتصرف في مالها كما تريد، وهذا الراتب لها استحقته نظير عملها، فلماذا تأخذه؟ وبأي حق؟ والله قد حرم على المسلم أن يأكل مال المسلم، قال عليه الصلاة والسلام: (إن أموالكم وأعراضكم ودماءكم حرام عليكم) فإذا أخذت مال زوجتك بغير رضاها كأنك تأخذ مال امرأة من الشارع وتسرقه عليها، ولا يبرر لك كونك زوجها أن تعتدي على مالها، بل حتى المهر أمر الله بإعطائها فقال: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء:4] والخطاب موجه للأولياء وللأزواج، فإذا طابت نفس المرأة عن شيء من المهر، أو عن شيء من الراتب من باب التطوع والمشاركة الوجدانية في الأسرة وفي تكاليفها فلا بأس، وهذا الذي ينبغي، إذ لا ينبغي أن تكون المرأة أنانية مادية تعمل وتأخذ الراتب وتضعه في رصيدها ولا تساهم في الأسرة بأي شيء، هذا يجعل الزوج يشعر نحوها بشعور غريب، يقول: هذه ليست زوجة متعاونة، لمن تجمع الفلوس؟! لكن عندما تأخذ راتبها بدون ضغط أحد وتقول لزوجها: هذا المبلغ يساعدك هذا الشهر، إذا اشتريت سيارة فهذا معونة؛ لأن السيارة أنا سوف أستخدمها، أيضاً ملابسي لا تحمل همها، وشئوني الخاصة أنا سوف أتولاها، بهذا يحصل للزوج ثقة في زوجته، ويطمئن إليها، أما حينما تكون مادية بحتة فلا يثق فيها، وبالتالي تتولد المشاكل. فلا يجوز للزوج أن يطمع في مال زوجته وراتبها ويأخذه قسراً عنها ولا ينبغي لها أن تكون أنانية إلى الدرجة التي لا تساهم في تكاليف الحياة مع زوجها، وهي تراه يتعب ويكد ويساهم، ويصرف كل دخله على الأسرة وهي جالسة، هي غير مكلفة شرعاً، لكن من الناحية الأدبية ينبغي أن يكون لها مشاركة حتى تدوم الحياة والألفة والسعادة على الأسرة عندما يكون هناك نوع من التضامن، والتعاون، والتكاتف على القيام بشئون الأسرة وإسعادها.

حقوق الزوج على زوجته

حقوق الزوج على زوجته وأما حقوق الزوج فهي كالتالي:

الطاعة بالمعروف

الطاعة بالمعروف قال عليه الصلاة والسلام: (لو كنت آمراً أحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) فطاعة الزوج شيء مقدم على كل أمر ما لم يتعارض مع أمر الله، حتى أمر الوالد وأمر الوالدة، فلو أمرها أبوها بأمر وأمرتها أمها بأمر، وزوجها قال: لا. فلا تقدم أمر أحدٍ على أمر زوجها، الطاعة المطلقة حتى جعلها النبي صلى الله عليه وسلم ربع الطريق إلى الجنة، ففي سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد، يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها -انظروا ربع الطريق- قيل لها: ادخلي من أي أبواب الجنة شئتِ)، فطاعة الزوج ليست أمراً اختيارياً، ولا أمراً مزاجياً بمزاج المرأة تطيع أو لا تطيع، لا. إذا قالت الزوجة -مثلاً- لزوجها: أريد أن أذهب إلى الجيران، فقال: لا. قالت: أذهب إلى أهلي، قال: لا. قالت: نتمشى اليوم، قال: لا. لكن بعض الأزواج تقول الزوجة: نتمشى اليوم، فيقول: لا. قالت: لماذا؟ كل الناس يخرجون، والعرب كلهم يروحون، والجيران كلهم يتمشون، وأنت تريد أن تحبسنا المسألة ليست زوجية، ليست هذه طاعة، هذه مضاربة، فإما أن يخرجها وهو غاضب وإما أن يمنعها ويضربها وتسوء العشرة. إن على المرأة إذا أرادت من زوجها وهي مؤدبة ولبيبة وذكية فلا تطلب منه وإنما عن طريق العرض ما رأيك يا أبا فلان أن نذهب نتمشى اليوم، أم أنت متعب؟ حتى لو كان متعباً فإنه سيقول: نتمشي اليوم، لماذا؟ لأن المسألة أتت بعرض وبأدب، لكن إذا قالت: امش بنا للنزهة، ولو كان نشيطاً لقال: لا. والله ما أخرجك، اقعدي الله لا يردك، أنت سيئة خلق تريديني أن أخرج بك للنزهة، ويذهب هو للنزهة ويتركها فلا بد من الطاعة، المرأة يجب أن تطيع، وقد تقول بعض النساء: لماذا أطيع؟ لأن الله أمركِ بهذا، قال تعالى: {كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ} [التحريم:10] فأنتِ امرأة، وهو رجل لا بد أن تطيعيه بالمعروف، أما في المعصية فلا، إذا قال لها: اكشفي وجهك وادخلي على الجيران، أو على الأقارب، أو اسهري على المنكر، أو نذهب إلى منكر، فلا طاعة له، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

حسن العشرة مع الزوج

حسن العشرة مع الزوج كما هو مأمور بأن يحسن عشرتها أيضاً هي مأمورة بأن تحسن عشرته، وتبحث عن الأسباب التي تجلب له السعادة، وتهتم به، حتى يشعر بأن زوجته جديرة بأن تكون شريكة الحياة؛ لأن الزواج -أيها الإخوة- مسئولية، بعض النساء تهتم بكل شيء إلا الزوج، تهتم بالطبيخ، وتهتم بالغسيل، وتهتم بالكنس، وتهتم بالأطفال، والزوج آخر من تهتم به هذا غير صحيح، الزوج لا يريد نظافة الجدران، ولا رائحة الطعام، بل يريد أن يجد اهتماماً به شخصياً، اهتماماً بموعد نومه، واهتماماً بموعد أكله، واهتماماً بملابسه، واهتماماً بمشاعره، واهتماماً بكل شئونه، حتى الدواء إذا كان مريضاً وعنده حالة مرضية وعنده دواء ويأتي بالعلاج هي التي تذكره، وإذا ذهب إلى الدوام تقول له: أخذت الحبوب معك؟ ما أعظم هذه المرأة! إذا جاء بعد صلاة الظهر وجاء موعد الدواء تتصل به وتقول: أبا فلان! لا تنسى العلاج حقك فموعده الساعة الثانية ما رأيكم لو يسمع رجل هذا الكلام من امرأته ماذا سيقول؟ سيقول: الله يذكرها بالخير، الله يجزيها خيراً، انظروا كيف تهتم بي وأنا في الدوام وهي في البيت، وقلبها معي، حريصة على صحتي وعلى عافيتي، لكن بعض النساء لا تدري هل هو مريض أو في عافية، بل يمكن لو رأت العلاج حقه أخذته ورمت به في الدولاب وقالت: الله لا يرده، أشغلنا بهذه الأدوية التي يجلبها، وهو مريض طوال حياته، وكلما دخل وهو مريض، إذا مات نستريح منه، فما رأيكم بهذه الزوجة؟ وهل هذه زوجة؟ هذه شيطانة والعياذ بالله! فمراعاة مشاعر الزوج مطلوبة، إذا دخل عليها وهو غاضب تقول له: خيراً يا أبا فلان، إن شاء الله ليس هناك شر، ماذا صار عليك؟ أعندك مشكلة في الدوام؟ سُرق عليك شيء؟ تخاصمت مع المدير؟ هل خصموا عليك؟ ثم تدخل معه، وتقول: ما يصير إلا كل خير، والأمر سهل، لكن إذا دخل وهو غضبان وقالت: مالك غضبان؟ هل ضربوا رأسك هذا اليوم؟ تستاهل! لأنك قد آذيتنا أعوذ بالله! أصبحت هذه عدوة وليست زوجة، تنتظر كل مشكلة تحل على زوجها وتدق على رأسه، النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل على خديجة رضي الله عنها وقال: (دثروني دثروني، زملوني) قالت: ما حدث؟ أخبرها بالذي حصل، فماذا قالت له؟ قالت تستحق؛ لأنك كل ساعة وأنت في هذا الغار، نقول لك: تعال تعشَ معنا، واقعد معنا، وتخرج ليلتين، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخرج إلى غار حراء الليلة والثلاث والأربع يتعبد، ولا يأتي، وخديجة تعرف أنه يتعبد في الغار، ولو أنها إنسانة سطحية أو مصلحية لاستغلت هذا الحدث، وقالت: تستحق، لا تذهب إلى هذا الغار، فقد نصحناك، نقول: اقعد مع أهلك، اقعد مع عيالك، ورفضت، لكن ماذا قالت رضي الله عنها؟ قالت: (كلا والله لا يخزيك الله أبدا: إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق) انظروا التأييد، انظروا الدعم، هذه المرأة المثالية، ولهذا اختارها النبي صلى الله عليه وسلم وعمرها أربعون سنة، وعمره خمس وعشرين، شاب في ريعان الشباب، وهي امرأة في آخر العمر، ويتزوجها صلى الله عليه وسلم، ويلغي الجانب النزوي والشهواني في حياته، وتبقى وحيدته حتى ماتت، لم يتزوج عليها، ومتى ماتت؟ بعد خمس وعشرين سنة من زواجها، ماتت وعمرها خمس وستون سنة، وعمر الرسول صلى الله عليه وسلم خمسون سنة، استمروا في حياتهم الزوجية خمسة وعشرون عاماً، ولما ماتت تزوج صلوات الله وسلامه عليه لماذا؟ لكبر عقلها، وعظمة نفسها، ولم تكن النواحي الجنسية والنزوات هذه في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ذات أهمية، وإنما كان يغلب الجانب الإيماني، وكانت هي كذلك تغلب الجانب الإيماني فلا بد من مراعاة شعوره، وحسن العشرة معه، كما هي تريد ذلك.

الاعتدال في الغيرة

الاعتدال في الغيرة من حقوقه عليها: أن تعتدل في الغيرة تغار لكن بنسبة، خصوصاً إذا كان الرجل معدِّداً؛ لأن الغيرة دائماً تكون من بعض النساء على الزوج تجاه الأخرى، فتغار، لا نقول: تترك الغيرة؛ لأن تركها مستحيل، فهي فطرة، لكن هذبي الغيرة، ولا تتعمقي في التجسس وفي التحسس، وفي التدقيق وفي المراقبة بعض الأزواج إذا دخل عليها زوجها من عند شريكتها الثانية، أول شيء تعمل له مسح وتفتيش من رأسه إلى قدمه ماذا فيه من عطر؟ وهل غير ملابسه أو لا؟ وهل اغتسل أو لا؟ وكيف نام ومتى؟ سبحان الله! هذا لا يجوز، هذا كشف لعورة امرأة مسلمة أخرى، ثم أيضاً فيه إزعاج لكِ أنت، لا تسألي عن أشياء إن تبد لك تسؤك، وإنما اتركي ذلك كله، تغارين في حدود تتعلق بك، أما أن تغاري وتتجاوزي الحدود إلى ما يتعلق بامرأة مثلك لها من الحق الشرعي مثلما لك؛ فهذا عدوان، وقد يترتب على هذا الطلاق. وقد أوصى أحدهم ابنته فقال: إياك والغيرة فإنها مفتاح الطلاق، وما حصل كثير من المشاكل إلا بسبب الغيرة الغير منضبطة.

حماية عرضه وماله وأولاده

حماية عرضه وماله وأولاده من حقوقه عليها: حماية عرضه وماله وأولاده فإنها مؤتمنة على هذا، العرض أمانة ولا ينبغي لها أن تسمح بأن يدنس عرضه، أو أن يضيع شيء من ماله، أو أن تضيع أولاده، لماذا؟ لأنها مؤتمنة عليه والرجل لا يعلم، فإذا خانت هانت، وسقطت من عين الله، وحصل لها دمار في الدنيا والآخرة، إن الخيانة الزوجية -والعياذ بالله- من أسوأ ما يمكن، ويترتب عليها فساد في الدنيا والآخرة.

عدم الخروج إلا بإذنه

عدم الخروج إلا بإذنه من الحقوق أيضاً: عدم الخروج إلا بإذنه لماذا؟ لأنه صاحب القرار، المدير العام للأسرة، الموظف الآن هل يستطيع أن يخرج من غير إذن المدير؟ لا. وإذا خرج من غير إذنه ماذا يحصل؟ وسأل عنه المدير: أين كنت؟ قال: خرجت، لماذا لم تستأذن؟ استعجلت ولم أجدك، سوف يخصم عليه، كذلك المرأة إذا أتى الرجل من الدوام وهي ليست في البيت، وقال لها: أين أنت؟ قالت: عند الجيران، سبحان الله! لماذا لم تستأذني؟ قالت: اتصلت بك ولا أحد يرد فلا تخرجي إلا بالإذن ليعرف الرجل أين أنتِ، أما أن يأتي إلى البيت ولا يدري أين أنت، يترتب هذا على ضياع الأسرة، فلا يجوز أن تخرج المرأة من بيتها إلا بإذن زوجها. هذه هي مجمل الحقوق، وإلا فالتفصيل في هذه المسألة يحتاج إلى وقت كبير؛ لأنه مهم جداً وله علاقة بكل أسرة.

أسباب أخرى للمشاكل الزوجية

أسباب أخرى للمشاكل الزوجية نعود إلى أسباب المشاكل الزوجية:

تدخل الأقارب والجيران في الخلافات الزوجية

تدخل الأقارب والجيران في الخلافات الزوجية من أسباب المشاكل الزوجية: تدخل الأقارب والجيران في الخلافات الزوجية البسيطة، وتصعيدها، وزيادتها، والمساهمة في نموها وكبرها، حتى تقضي على الأسرة، لكن من أين يأتي التدخل؟ يأتي الخلل من الزوج أو من الزوجة، فالزوج عندما يذهب يشتكي إلى أمه، أو إلى أبيه أو إلى أخيه، ويقول: زوجتي عملت وعملت، فماذا يقول الأب؟ يقول: لا تصلح لك، اتركها، نحن نعلم أنها سوف تعاملك هكذا، من يوم ما عرفناك وأنت رجل تداهن معها، لكن لو ضربتها وتعاملت معها بشدة وبعنف لصارت امرأة، فإن المرأة لا تصير امرأة إلا بالرجل الذي يضربها ويخبطها، ويقوم بشحنه، ثم يذهب إلى البيت ومن حين تقول له: السلام عليكم، قال: لا سلام ولا كلام، ثم يلطمها على وجهها، وماذا بعد؟ ترتب على هذا فساد العشرة، ومن الذي أفسد؟ أنت الذي أعلمت أباك. أو يذهب يشكي إلى أمه، والأم دائماً ما تحب زوجة الولد، هذه طبيعة، تغار عليها وتكرهها ولو كانت من أحسن الناس، إلا من هدى الله، يوجد بعض البنات طيبة ومنصفة، لكن معظم العمات غمات، فإذا أتى يشكي إلى أمه قالت: تستحق؛ لأنك ما عرفت تتعامل معها من أول الأمر، ركبت عليك حتى أنك الآن تحتها، ولا تقول أنت إلا ما تقول هي حسناً وماذا أعمل يا أماه؟ قالت: اقلب لها المسألة الآن، اجعل صبيح يصير جني، وإذا قالت: شرق، قل: غرب، إذا قالت: قم، فاقعد، خالفها في كل شيء، فيرجع الرجل وهو مشحون بهذه الوصايا المغرضة التي تصدر عن عقل جاهل، فيتعامل مع زوجته بهذا الأسلوب؛ فتنفر منه زوجته، وتترك عشها، وتذهب إلى أهلها، وتمكث بائنة منه أو مطلقة مطرودة، أو عاصية وناشزاً عن طاعة زوجها، وهذا كله من تدخل الأقارب. وكذلك المرأة قد تذهب وتشتكي إلى أهلها، تذهب لأمها وتقول: ضربني وعمل بي، فتشحنها أمها، أو تشتكي إلى أبيها فلا يجوز ولا ينبغي للرجل ولا للمرأة أن يكشف أحدهما سره لأهله ولا لأقاربه لماذا؟ لأنكم تختصمون الآن ثم تصطلحون آخر الليل، لكن إذا ذهبت المرأة تخبر أهلها، تولد في قلوب أهلها غيظ على الرجل، فالرجل يصطلح هو والمرأة وأبوها غضبان، يمكث سنة أو سنتين وهو غضبان وهم قد اصطلحوا في ذلك اليوم، فلا تخبر المرأة أهلها بما يحصل من خلاف بينها وبين زوجها؛ لأنه لا يتوقع في الغالب إلا تصعيد الخلاف، وأحياناً يكون هناك شواذ، وقد يكون الأب صالحاً، والأم صالحة، ويرى الولد أن زوجته فيها نوعٌ من الانحراف في التعامل فيذهب إلى أمها أو إلى أبيها لكن بشرط أن يكون قد عرف أن هذا الأب وهذه الأم عاقلة وصالحة وتخاف الله وتحرص على هذه الأسرة فلا مانع من أن يستعين بتوجيههم وأن يعرض المشكلة عليهم، أما إذا عرف أنهم من الطراز الثاني فلا يجوز؛ لأن هذا يؤدي إلى زيادة المشاكل. كذلك بعض النساء تكشف مشاكلها لجارتها، فتملي عليها الجارة رأياً غير شرعي، فتفسد حياتها. فعليك ألا تعلمي أحداً، حاولي أن تحلي المشكلة أنت بنفسك، ابحثي عن سبب المشكلة واقضي عليه، وبالتالي يزول الإشكال وتعود الحياة إلى وضعها الطبيعي، والمياه إلى مجاريها الطبيعية.

عدم النظر إلى المحاسن والتركيز على الأخطاء

عدم النظر إلى المحاسن والتركيز على الأخطاء كذلك من الأسباب: عدم النظر إلى المحاسن، وتركيز النظر إلى الأخطاء فقط يفتح الرجل عينه على ما يحدث من خلل في المرأة، وهي تفتح عينها على ما يبدو من أخطاء أو سلبيات في الرجل، أما المحاسن فتهملها، وهو أيضاً يهملها، وبالتالي لا يرى إلا الشيء السيئ؛ فيتولد عن هذا كراهية للمرأة، وهذا مخالف للعدل، ومخالف للشرع، يقول عليه الصلاة والسلام والحديث في صحيح البخاري: (لا يفرك مؤمنٌ مؤمنة -أي: لا يبغض مؤمن مؤمنة- إن كره منها خلقاً رضي منها آخر) هذا أمر بالتوازن والاعتدال في النظر، إذا نظرت إلى المرأة انظر إليها بميزان العدل، وإذا رأيت منها خلقاً سيئاً فانظر للخلق الطيب الذي فيها، فإنك إذا وضعت الحسنات بجوار السيئات ضاعت السيئات، أما إذا ألغيت الحسنات وضخمت السيئات ولم تر إلا السوء، وكذلك المرأة تنسى حسنات زوجها ولا ترى إلا السوء؛ استمر هذا السوء يكبر في نظرك، واستمر السوء يكبر في نظرها حتى يتولد منها البغضاء والكراهية والشحناء وبالتالي تسوء الحياة والعشرة الزوجية، فينبغي أن تنظر إلى المرأة وإلى محاسنها أولاً تنظر إلى أنها حافظة لعرضك جاء رجل يشكي امرأته إلى عمر بن الخطاب، فطرق الباب وإذا بزوجة عمر تتكلم على عمر، وعمر أمير المؤمنين، الرجل القوي الذي كانت الجن تهابه، الشيطان يمشي في طريق آخر إذا مشى عمر في طريق، وهذه المرأة لسانها حاد على أمير المؤمنين، والرجل جاء يريد أن يشتكي زوجته؛ لأنها كانت بذيئة اللسان، فلما سمع كلامها على أمير المؤمنين، وفتح الباب عمر وإذا بالرجل قد ولى، فدعاه وقال: [تعال ماذا بك؟ قال: لا شيء يا أمير المؤمنين، قال له: ما أتيت إلا لحاجة هات حاجتك، قال: يا أمير المؤمنين! جئت أشكو زوجتي إليك من بذاءة لسانها، فسمعت زوجتك تقول لك أكثر مما تقول زوجتي لي، فقلت: لي بأمير المؤمنين أسوة -يقول: لست بأحسن منك، سأصبر عليها- فقال له عمر رضي الله عنه: أما يرضيك أنها طاهية طعامي، وغاسلة ثوبي، ومربية ولدي، وقاضية حاجتي؟] أليست هذه حسنات للمرأة؟ من الذي يغسل ثوبك؟ من الذي يكنس بيتك؟ من يربي ولدك؟ من يقضي حاجتك الجنسية والطبيعية فيك إلا زوجتك؟ هذه رقيق في بيتك، ثم إذا حصل منها غلطة واحدة تلغي كل هذه الحسنات وتضخم هذا الخطأ!! يا أخي! غض الطرف عنها، سامحها فيه، انظر إلى حسناتها، هكذا ينبغي -أيها الإخوة- لأن المشاكل تنتهي، أما إذا جلست تحد النظر وتركز؛ فإن الأسرة سرعان ما تتهدم. أذكر مرة من المرات وأنا في أبها جاءني رجل بعد صلاة المغرب وأنا في المسجد، فقال لي: يا شيخ! أفتني، قلت: ماذا عندك؟ قال: طلقت زوجتي ثلاثاً، قلت: لِمَ؟ وما الذي حصل؟ قال: أنا موظف عُزمت على الغداء في السودة مع زملائي، وأردت أن أخبرها في البيت أني معزوم فكرهت أن أخبرها؛ لأني لو أخبرتها لم تطبخ الطعام لأولادها، والمرأة من بالغ اهتمامها بزوجها إذا كان زوجها عندها تطبخ طعاماً جيداً، وإذا عرفت أنه معزوم، أو ذهب إلى أي مكان تعمل أي شيء، ليس مثل بعض النساء، إذا كان زوجها غائباً عملت أحسن طبخ، وقالت: خلينا نشبع اليوم، الزوج غائب، وإذا هو موجود عملت له أي شيء، لكن هذه امرأة صالحة، ولكن الرجل أخطأ، انتهى الدوام ولم يخبرها، على الأقل يجعلها تطبخ وقبل الدوام يقول لها وهي قد طبخت، تغدوا أنا معزوم، لكن الرجل نسي وركب سيارته مع زملائه، وذهب إلى السودة، وتغدى، وتمشى إلى غروب الشمس، والمسكينة في البيت انتظرت إلى أن انتهى الدوام ولم يأت بخبر، قامت الاحتمالات في رأسها لماذا الرجل لم يأتِ؟ يمكن حصل خلاف، أو حادث مروري، يمكن مرض، يمكن بالمستشفى، اتصلت بالشرطة، تسأل دوائر المرور، تسأل المستشفيات، أذن المغرب، لم تتغدَّ قال لها أولادها: وهي في غاية القلق، والرجل يتمشى ويتغدى، وليس مهتماً بها، فجاء ودخل البيت، ولما دخل كانت مغضبة، قال لها: السلام عليكم، فردت عليه بأسلوب جاف وقالت: وعليكم السلام، ثم جلس وهو غضبان وهي غضبانة، ويريد هو أي شيء يثير الغضب، فنظر في المجلس -هو الذي يخبرني هكذا- فإذا به يرى قطعة مرمية في المجلس فقال: لماذا ما كنستي المجلس؟ قالت: ما شاء الله عليك، عجيب والله ما قصرت! تحاسبنا على أننا قصرنا وما كنسنا المجلس ولا تحاسب نفسك أنك جالس من الصباح إلى الآن، لم تعلم أن معك عيالاً وأهلاً ولا اتصلت، قال: وما دخلك، أنا موظف عندكِ لازم عليَّ أن أستأذن منك؟! قالت: لا. أنا في بيتك، أنا أم أولادك، كلمني أنك لن تأتي، نحن إلى الآن لم نتغدَّ، اتق الله، قال: أبداً ما لكِ دخل، قالت: إلا المهم كلمة منها وكلمة منه، ثم قام ولطمها ولطمته، كلمة بكلمة، ولطمة بلطمة، يركلها برجله، وتركله برجلها، ثم ماذا بقي عنده؟ بقي عنده (السلاح النووي) الذي لا يوجد معها وهو الطلاق وطلقها ثلاثاً، من أجل ماذا؟ من أجل قشة.

سوء الظن من قبل الزوجين وفقدان الثقة

سوء الظن من قبل الزوجين وفقدان الثقة من الأسباب التي تؤدي إلى وقوع المشاكل الزوجية: سوء الظن من قبل الزوج؛ فيظن السوء دائماً بامرأته، أو من قبل الزوجة دائماً تسيء الظن، حتى تفقد الثقة ويفقد الثقة، وفقدان الثقة بين الزوجين من أعظم عوامل تدمير الأسرة، لا بد أن يعمل كل زوج وكل زوجة على أن يعمق الثقة في قلب الآخر حتى يكون أهلاً لها، لا ينبغي أن تخفي المرأة عن زوجها شيئاً، أو أن تعمل في غيبته شيئاً؛ لأن بناء الثقة يحتاج إلى سنين، لكن هدمها مرة واحدة فقط، وإذا جرب الرجل على امرأته خللاً واحداً، وخيانة واحدة في مال أو عرض أو شيء هدمت كل ثقة في نفسها، ولو تظل تبني سنين، ويقول: المؤمن لا يلدغ من جحرٍ مرتين، أنتِ قد عملتيها، وكذلك المرأة إذا فقدت الثقة في زوجها لا تأمنه في حال من الأحوال، فعلى كل من الزوج والزوجة أن يولد الثقة في قلب الآخر بالوضوح وعدم إخفاء أي شيء، حتى لو أخطأ الإنسان يعلم، وتقول: أنا أخطأت وعملت كذا ولا أخفيك شيئاً، لماذا؟ من أجل أن يعرف أن ظاهرها وباطنها سواء، ما لها صورة جميلة وفي الوراء (عفريتة) ثم لا تحملها على سوء ظن؛ لأن الله نهى عن الظن فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات:12] وفي الحديث: (لا تظنن بأخيك ظناً سيئاً وأنت تجد له في الخير محملاً)، الأصل في الزوجة وفي الزوج البراءة، والتعامل على حسن الظن حتى لا يقع خلاف الأصل، أما ابتداءً يسيء الظن بها فلا، وهذا مما يولد المشكلة بين الزوجة والزوج.

عدم معرفة الوسائل الشرعية في علاج الخلافات

عدم معرفة الوسائل الشرعية في علاج الخلافات أيضاً من الأسباب: عدم معرفة الوسائل الشرعية في علاج الخلافات الطفيفة التي تحصل في الأسرة؛ فيتبادر إلى ذهن الزوج والزوجة عند حدوث أي خلل إلى الطلاق، لا يرى علاجاً إلا الطلاق، ولا ترى هي علاجاً إلا أن تقول: طلقني، أو اذهب بي إلى أهلي، وهذا خطأ، فإن الطلاق آخر مرحلة، والله سبحانه وتعالى قد جعل سبع وسائل لعلاج الخلافات الزوجية قبل الطلاق: أولاً: قال عز وجل: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} [النساء:34] التعليم، إذا رأيت أنها عاصية فعلمها، إذا لم ينفع التعليم: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء:34] وسيلة ثانية: إذا لم ينفع التعليم توليها ظهرك وتهجرها في المضجع، تنام في مكان غير الذي الذي تنام فيه، في غرفة واحدة لكن في فراشين مختلفين، ثم إذا لم ينفع هذا: {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النساء:34] ضرباً غير مبرح ويجتنب الوجه، ولا يسيل دماً ولا يكسر عظماً وإنما مثل اللطمة في غير الوجه أو اللكمة أو ما شابهها، ثم إذا ما نفعت هذه الثلاث الوسائل: {فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا} [النساء:35] إذا كان الخلاف مستمراً فنأتي بشخص من هنا وشخص من هنا، ويأتون بالمشكلة ويحلونها، وإذا ما نفعت هذه مرة فيطلق الرجل الطلقة الأولى، لكن بشروطها: أن تكون واحدة، ثم في طهر لم يأتها فيه، لا يطلقها وهي حائض، ولا يطلقها وهي طاهرة لكن قد جامعها، وإذا حصل الطلاق بهذا وقع لكنه آثم؛ لأنه طلاق مبتدع، وطلاق السنة: أن يطلق الرجل في طهر لم يأتها فيه طلقة واحدة، أعطاها فرصة، ثم رأى أن الوضع يمكن أن يصلح راجعها، ثم إذا لم ينفع ذلك يطلق الثانية، وانتهت الحياة الزوجية ولم تعد تصلح إلا مرة واحدة: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان} [البقرة:229] {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعاً حَكِيماً} [النساء:130] أما أن يأتي شاب تزوج قريباً، وبمجرد خلل بسيط طلق، أو قالت: طلقني، قال: خذي، فلا يجوز أن يلجأ الرجل إلى الطلاق ابتداءً، ولا يجوز للمرأة أن تسأل الرجل الطلاق ابتداءً، بل الطلاق آخر الحلول، وينبغي أن نسلك الطرق الشرعية في حل الخلافات الزوجية دون اللجوء إلى الطلاق إلا في الظروف الضيقة جداً، والتي تنتهي به آخر الحلول وبالتالي نضمن -أيها الإخوة- سعادة الأسر وسلامتها، واكتمال بنيانها، ودوامها واستمرارها، وعدم تشتت أبنائها وبناتها؛ لأن معظم المشاكل -أيها الإخوة- ومعظم الانحرافات التي تلاحظ الآن عند الشباب، في المدارس، وفي السجون، وفي دور الملاحظة بالبحث والتقصي؛ وجد أن سبب الانحرافات ناتجة عن سوء العشرة في البيوت، فالبيت الذي فيه الأب يلعن المرأة ويضربها ويسيء عشرتها، ينشأ الأولاد على هذا الخلق، والبيت الذي تكثر فيه الخلافات تتولد في نفوس الأولاد العقد النفسية، والمشاكل الاجتماعية، لكن البيت المتفاهم تجد الأولاد أذكياء، لماذا؟ لأنهم لا يعرفون مشاكل، ولا يعرفون خلافات، ولا يعرفون العقد، تأتي وهم متفوقون في الدراسة، لكن يأتي الطالب في المدرسة ولا يعرف شيئاً، مسكين مشتت، خرج من البيت وأبوه وأمه يتضاربان، أو يتلاعنان، فيذهب إلى المدرسة ويقول: ماذا أعمل؟ أمي وأبي يعملون كذا، وينشأ عنده مرض في نفسه، فتنسد نفسه عن الدراسة، ثم ربما يقع ضحية للإجرام، ويقع في الفساد بأسباب تلك المشاكل. وهناك أسر تحطمت، فالولد في بيت أبيه ليس مع أمه، أو عند أمه وليس مع أبيه، فلا يجد الولد عند أبيه أماً تحنو عليه، ولا تجد البنت عند أمها أباً يحميها ويشفق عليها، فتسلك سلوك الانحراف، أو يسلك الولد سلوك الانحراف بأسباب تصدع بنيان الأسرة بوجود الطلاق. فحتى نحمي -أيها الإخوة- مجتمعنا، ونحمي أبناءنا وبناتنا وأفرادنا علينا أن نحمي أسرنا، وأن نتعامل مع أزواجنا وفق آداب الشرع، وأن نبحث عن المشاكل وأسبابها، ثم نعالجها بالعلاج الشرعي. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا الإيمان القوي، وأن يوفقنا للعمل الصالح، كما نسأله سبحانه وتعالى أن يديم علينا نعمة الدين والأمن والطمأنينة والاستقرار، ونسأله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يوفق ولاة أمورنا وعلماءنا ودعاتنا وشبابنا وشاباتنا وجميع المسلمين لما يحبه ويرضاه والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

ضابط حرية اختيار المرأة في قبول الزوج أو رده

ضابط حرية اختيار المرأة في قبول الزوج أو رده Q هناك كثيرٌ من أولياء البنات يعطون بناتهم كامل حرية الاختيار، حتى ولو كان اختيارها خاطئاً في قبول الزوج أو رده، فما تعليقكم على ذلك؟ A جزى الله الأخ خيراً حين استدرك عليَّ مثل هذا الأمر، فحينما نقول: إن المرأة لها حرية الاختيار للزوج الذي تريده؛ لا نعني أن نلغي السلطة والمسئولية التي أعطاها الشرع للوالد وللولي في توجيه المرأة، وفي تصحيح اختيارها حتى لا تختار إلا الزوج الصالح، لكننا نعني أن نعطي المرأة حقها في اختيار من تريد أن يكون شريكاً لها بشرط أن يكون صالحاً، أما إذا اختارت المرأة رجلاً سيئاً -والعياذ بالله- قليل الدين، قاطعاً للصلاة، سكيراً عربيداً، وصاحب مخدرات، عاقاً فاجراً، وتأتي وتقول: أنا أريده! لا وألف لا! فلماذا الولي موجود؟ إنما إذا كان رجلاً متديناً، ورجلاً صالحاً، وهي تريده عندما تقدم لها، لكن أبوها لا يريده لسبب من الأسباب وليس سبباً شرعياً وإنما لمجرد الهوى والتسلط، فهنا لا يجوز له أن يمنعها، ويجوز لها أن تنقل ولايتها إلى الحاكم الشرعي.

أسباب العنوسة وعلاجها

أسباب العنوسة وعلاجها Q تكثر العنوسة في بيوت المسلمين، فما هو توجيهكم في ذلك؟ وما هو السبب في ظنكم وفقكم الله؟ A العنوسة من المشاكل الاجتماعية الخطيرة التي وقعت في مجتمعنا، ولو اطلعتم على الأرقام المذهلة التي تظهر عند المختصين في الاستفتاءات لتعجبتم كثيراً، وسبب العنوسة يتحمله عدة جهات: أولاً: الأب؛ فإن من الآباء من يرد الخاطب، إما لرغبته في راتب البنت، أو لبحثه عن أغراض أخرى حتى يفوتها قطار الزواج. ثانياً: البنت نفسها؛ فإن بعض البنات تغالي في طلب المواصفات، وتضع شروطاً خيالية لا يمكن أن تتوفر لواحد في الأرض تريد واحداً طويلاً بمقدار، لا هو طويل ولا قصير، ولا متين، ولا هو نحيف، ولا أبيض ولا أسود، ولا أشقر!! أين نفصل لها هذا؟! في أي مصنع؟! فلا تجد، وكلما أتى شخص قالت: لا أريده، إلى أن يفوتها قطار الزواج، ثم بعد ذلك تنتظر ولا يأتيها شخص، حتى أن بعضهن تعلن في الصحف والمجلات فلا يأتيها أحد، فالزواج قسمة ونصيب، والخاطب ليس (شيكاً) في الجيب إذا أردتيه أخرجتيه، إذا أتى النصيب لا ترديه، وإذا توفر فيه الشرط الشرعي وهو الدين فلا ترديه، لماذا؟ (إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير). السبب الثالث: أحياناً تكون الأم؛ فكلما جاء خاطب فالأب موافق، والبنت موافقة، وإذا بالأم تقول: لا والله لا تنكحه، لماذا؟ أريد شخصاً آخر، فتتعطل البنت. وأحياناً الإخوان يعترضون، وأحياناً بعض الأقارب، وأحياناً الزميلات، تشاورهن فيقلن لها: لا. فيؤدي هذا إلى فوات المسألة. فلا يجوز ولا ينبغي أن يتدخل أحد، إذا جاء الخاطب فلنسأل عن المعيار الأول صاحب دين، الحمد لله، إن توفر شيء من الباقي فالحمد لله، وإن لم فالدين والأمانة يكفيان، النبي صلى الله عليه وسلم زوج بعض الصحابة بخاتم، وزوج بالقرآن، وزوج جليبيب وليس عنده شيء، عبد أسود زوجه وليس عنده شيء، قال له: (اذهب إلى آل فلان وقل: أنا رسول رسولِ الله، زوجوني فزوجوه) وليس عنده شيء، لماذا؟ لأنه رجل صاحب دين، وفي الغزوة قتل سبعة وأخذه الرسول وقال: (جليبيب مني وأنا منه)، فقد رأى سبعة مجندلين عند رأسه، فالمسألة مسألة دين الدين رأس المال فاستمسك به فضياعه من أعظم الخسرانِ والعنوسة -أيها الإخوة- مشكلة يترتب عليها أحد أمرين: إن كانت البنت دينة، وفيها خير، وتحمي عرضها وعرض أهلها وبلغت سن العنوسة فإنها تتحطم نفسياً، وتعيش في كآبة، وفي حرمان، ترى النساء تزوجن، وعندهن أولاد، وعندهن بيوت، وهي محرومة من نعمة الولد، ومن نعمة الزوج، ومن نعمة الأسرة، ومن نعمة الحياة، فيصير عندها مرض، وبعضهن تموت قهراً. وإن لم يكن عندها دين فتحت باباً للشر، ووقعت في الرذيلة، وحطمت عرضها وعرض أهلها وعرض قبيلتها -والعياذ بالله- وأفسدت حياتها وآخرتها، فنحن لا نريد العنوسة، إذا جاءك الخاطب فزوجه، وإذا لم يأتك أحد فابحث أنت إذا كنت شهماً، عمر وهو أغير الناس كان يبحث لـ حفصة حتى زوجها بالنبي صلى الله عليه وسلم، ليس عاراً ولا عيباً عليك أن تبحث لابنتك؛ لأنها فلذة كبدك، وقطعة منك، تبحث عن سعادتها، ودائماً الثمرة تقطف عند النضج، والمرأة متى تنضج؟ إذا بلغت خمس عشرة وحاضت أصبحت قابلة للزواج، ليس ضرورياً أن تكمل التعليم، تكمل التعليم وهي مع زوجها، وإذا تزوجت فإنها تتعلم وتتفوق؛ لأن معها زوجاً يحميها ويحفظها ويأخذها، لكن أن تتركها إلى أن يصير عمرها خمساً وعشرين أو ثلاثين أو خمساً وثلاثين أو أربعين فإنها مصيبة. وأذكر من القصص أن رجلاً كان يرد الخُطّاب عن بنته؛ لأنها توظفت ويريد أن يستلم راتبها، حتى بلغت خمساً وثلاثين سنة، ومرض الرجل وأدخل المستشفى، وعندما أتت لتزوره مع أهله وهو يلفظ أنفاسه أدرك وأحس بجريمته نحوها، فقال لها: يا ابنتي! قالت: نعم. قال: سامحيني، قالت: الله يلهب عظامك! ودعت عليه، قال: قولي لا إله إلا الله، قالت: نعم. حرمتني نعمة الحياة، خطبت وعمري عشرون، ولو أنك زوجتني وعمري عشرون لكان عندي ولد الآن عمره خمس عشرة سنة، يقوم بشئوني بعد أن تموت أنت، والآن تموت وأنا لا أحد يتزوجني، إن جلست جلست معطلة، وإن ذهبت عند إخواني صرت خادمة لزوجاتهم، وإن ذهبت عند أخواتي صرت عبئاً عليهن، أين أذهب؟ ثم قامت تبكي حتى لفظ أنفاسه فلماذا -يا أخي- تعرض نفسك وتعرض ابنتك لهذا الكلام؟ دعها تتزوج واجعلها تبتسم، ولا تغال في مهرها، ولا تكلف على الزوج، بل نقول: زوجوهم وأعطوهم، الله يبارك فيه الذي سوف يستر عرضك ويأخذ منك هذا الحمل.

الحد الأدنى الذي يقبل من المرأة في الالتزام

الحد الأدنى الذي يقبل من المرأة في الالتزام Q نخبرك أننا نحبك في الله، وسؤالي: ما هو الحد الأدنى الذي يقبل من المرأة في الالتزام؟ وهل يطلق الرجل زوجته إذا كانت حائلاً بينه وبين الدعوة إلى الله؟ A أولاً: أحبك الله كما أحببتني، وأسأل الله أن يجمعنا وإياكم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ببركة الحب فيه. ثانياً: الحد الأدنى: القيام بالفرائض والأركان، والبعد عن المحرمات والكبائر، هذا الحد الأدنى، أما قضية الكمال في المرأة فهذا أمر نسبي، إذا وجد الإنسان القوّامة الصوّامة الدّاعية الذّاكرة فهذا طيب، لكن ما دامت تصلي خمسها، وتصوم شهرها، وتحفظ فرجها، وتطيع بعلها، فهذا هو الحد الأدنى في المرأة، أما المرأة التي لا تعين زوجها على الدعوة فلا ينبغي له أن يسعى إلى طلاقها، بل عليه أن يدعو إلى الله سبحانه وتعالى ويدعوها هي، أما أن يطلقها لأنها تحول بينه وبين الدعوة فلا، لا يطيعها في أن يمتنع عن الدعوة، وأيضاً لا يغلب جانب الدعوة على حقوقها؛ لأن من الأزواج من تستحوذ الدعوة على كل وقته ولا يعطي لزوجته شيئاً، فهذا جور وظلم (إن لنفسك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، وإن لربك عليك حقاً، فآتِ كل ذي حقٍ حقه) الدعوة لها حق فأعطها حقها، لكن زوجتك لها حق، إلا إذا أصبحت مثلك في الفهم والوعي والاحتساب فتقول: اذهب الله يعينك، وأحتسب خروجك عند الله، الضرر حاصل ولكن أضحي بنفسي ومصلحتي ما دمت أعرف أنك ستذهب في طاعة وتذهب إلى الدعوة، أما إذا قالت: (لا يا ابن الحلال)! أريدك أن تجلس عندي، فأعطها حقها، وكم حقها؟ من كل أربع ليالٍ ليلة، اجعل ثلاث ليالٍ للدعوة وليلة لها.

حكم من قال عند ذكر المرأة: أكرمكم الله! ونحوها

حكم من قال عند ذكر المرأة: أكرمكم الله! ونحوها Q ما رأيكم في من يقول عند ذكر المرأة: أكرمكم الله؟ A هذا جاهل وما أظن أن هذا الصنف موجود الآن، وإن كنا نسمع أن بعضهم إذا ذكرت المرأة قال: أعزكم الله، أكرمكم الله! أكرمكم الله من ماذا؟! أنت من أين أتيت أصلاً؟! من أين خرجت إلا من أنثى؟! هذه التي تقول عنها: أكرمكم الله هي أمك، هي ابنتك، هي زوجتك، هي أختك، المرأة شقيقة الرجل، لماذا تستعلي؟ أما تعلم أن بعض النساء تعمل عمل مليون رجل؟! الله سبحانه وتعالى أثنى على نساء فقال: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم:12] وقال: {امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم:11] بعض النساء تعمل عمل ملايين من البشر، فلا نقول عند ذكر المرأة: أعزك الله! أو أكرمك الله! بل نفخر بالنساء الصالحات الدينات المؤمنات، وندعو للغافلات والضالات أن يهديهن الله.

نصيحة بعدم المغالاة في المهور

نصيحة بعدم المغالاة في المهور Q أنا شاب أريد الزواج ولكن شروط القبيلة صعبة، وأنا مطالب بمهر بما يعادل مائة وخمسين ألف ريال، فما توجيهكم لي حول مشكلتي هذه؟ وما توجيهكم لأولئك القبائل؟ A توجيهي لك أن تذهب إلى غير القبيلة، لا تتزوج منهم، هؤلاء يريدون مائة وخمسين دعهم. وأما بالنسبة للقيبلة فأقول: اتقوا الله في بناتكم، لماذا مائة وخمساون؟ هي سيارة أو أرضية أو عمارة! الدية الشرعية خمسون ألفاً، دية المرأة نصف دية الرجل، فلماذا مائة وخمسون؟! ثم هذا المسكين من أين يأتي بمائة وخمسين؟! يقع تحت طائلة الديون، ويظل مديوناً مكسوراً قلبه طوال حياته من أجل هذه البنت! ثم هل يتصور الولي الذي يطلب مائة وخمسين أنه يأكل حلالاً؟! لا يوجد في مهر المرأة بركة؛ لأنه حرام، ولا يجوز أن يأكله الزوج ولا الولي، الله يقول: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء:4] فمهرها لها، لماذا تأخذ مهرها أنت؟ من الذي تزوج بك أنت حتى تأخذ المهر؟! المهر للبنت، طيب الله خاطرها بهذا المهر، فلا تأكله أنت، ولا تغال في مهر البنت، وليس في مهر البنت بركة.

نصيحة لمن يدعو على أولاده بالشر

نصيحة لمن يدعو على أولاده بالشر Q معي زوجة طيبة ولكنها تدعو على أولادي بدعاءٍ شر، فما نصيحتكم لها وجزاكم الله خيراً؟ A من الأخطاء الشائعة عند الرجل وعند المرأة الدعاء على الأولاد، أو على النفس، أو على المال، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا يدع أحدكم على أهلٍ ولا ولد ولا مال؛ فقد يصادف باباً مستجاباً) الإنسان إذا دعا على ولده، أو المرأة إذا دعت على عيالها هل هي صادقة؟ ليست صادقة، تود أن الشوكة التي في رجله في عينها، لكن من باب الغضب تقول: الله يهلكك، الله يكسر ظهرك، الله يعمي بصرك، الله أكبر عليك، وهي ليست صادقة، وإذا استجاب الله عز وجل ماذا يكون حالها؟ إحدى النساء تمسك ولدها وتقول: لا تخرج، وهو يريد أن يخرج، ورفض إلا أن يخرج، فقالت: الله يأخذ روحك، فخرج من الباب والسيارة أمامه فصدمته ومات، فسقطت أمه على الأرض مغشياً عليها وهي ترى المنظر، وذهلت وحملت إلى المستشفى وجلست في الإنعاش، ثم لما أفاقت قالت: أنا الذي قتلت ولدي، قالوا: كيف؟ قالت: قلت: الله يأخذ روحك، فأخذ الله روحه، استجاب الله الدعوة. فلا تدعُ عليه، بل ادع له، بدل الله يأخذ روحك، الله يوفقك، لكن بعض الناس لا يهدأ قلبه إلا إذا دعا بالشر، فعليك أن تقول: الله يحفظك، الله يوفقك، الله يسعدك، الله يشرح صدرك، وغيرها من الدعوات، حتى في الصلاة إذا أقمت ولدك لا تقل: قم الله يهلكك! قم الله ينتقم منك! قل: الله يهديك! قم الله يوفقك! قم الله يشرح صدرك! قم الله يعينك! الكلمة الطيبة والخبيثة سهلة النطق، لكن تلك خير وتلك شر، فانتبه لنفسك ولا تدع إلا بخير. يخبرني شخص -وهذه القصة فيها عظة وعبرة وأنا أكررها، يخبرني أن له ولداً باراً تقياً ملتزماً متديناً، وهو يدرس في الجامعة وكان يذاكر دروسه حتى تعب، وحينما تعب أحس برغبة في أن يمشي للنزهة، فجاء إلى أبيه ولا يستطيع أن يخرج بغير إذن أبيه من صلاحه، وهو لابس ثوب النوم، وقال: يا أبي أريد أن أتنزه في البلد، لقد تعبت من المذاكرة، قال له أبوه من حبه له: يا ولدي لا تخرج، الليل ليس في خروجه خير، فلا تخرج في هذا الوقت، الساعة الآن الثانية عشرة من الليل، قد تأتيك مصيبة، اجلس يا ولدي، فانصاع الولد ورجع وقلبه مغير وذهب إلى أمه وقال: انظري يا أمي، طلبت من أبي أن أخرج فرفض أن يسمح لي، فقومي وادخلي على أبي، فقالت الأم للأب: حطمت الولد، عقّدت الولد، كلما طلب منك الخروج رفضت، يريد أن يخرج فلماذا تمنعه؟ وما زالت به حتى جعلته يوافق غصباً، فوافق وقال: دعيه يذهب الله لا يرده، بهذا النص، يقول: والله إنها خرجت من فمي وكأنها رصاصة، عرفت أنها وقعت، لكنه ذهب وركب سيارته بثوب النوم وخرج، فانتظر الأب نصف ساعة، وساعتين، وثلاث، أذن للفجر وما أتى الولد، خرج يصلي، نظر في المسجد فما رآه، وهو كان يراه كل وقت، ومن المسجد ركب سيارته وذهب إلى الشرطة يسأل، واشتغلت الهواتف والاتصالات بين مراكز الشرطة والمرور، فقالوا: هناك حوادث آخر الليل فيها وفيات، أين هم؟ في المستشفى، اذهب إلى (الثلاجة) فذهب إلى (الثلاجة) يبحث وفتح الباب وإذا ولده آخر واحد في (الثلاجة) بثوبه الذي خرج وهو يراه، يقول: لما خرج عرفت أني الذي قتلته؛ لأني دعوت عليه أن الله لا يرده ولم يرده ربي فعلاً، يقول: فلا أزال أذكر هذا حتى أموت، لا أنساه، يقول لي هذا الكلام والدمع يقطر من عينيه، يقول: يا ليتني ما قلتها، لكن هو الذي حملني على أن أقولها. فبعض الأبناء يحمل أباه بالعناد إلى أن يدعو عليه، فلا تحمل أباك فيدعو عليك، وأنت يا أيها الأب: إذا صار ولدك عنيداًَ لا تكن أيضاً جاهلاً فتدعو عليه، كان المفروض أن تقول: الله يردك، هيا اذهب الله يحفظك، لكن الله لا يردك، وأنت صادق، وقعت عند الله واستجاب الله عز وجل، فلا ينبغي للمرأة ولا للرجل الدعاء على الأولاد أو على الأنفس أو على الأموال.

حكم عدم النفقة على الزوجة لأن عندها راتبا

حكم عدم النفقة على الزوجة لأن عندها راتباً Q ما رأيك في من لا ينفق على زوجته لاستلامها الراتب؟ وما رأيك في من يجلس عاطلاً لشغل زوجته؟ A أولاً: كونه لا ينفق عليها لأن عندها راتب لا يجوز له، لا بد أن ينفق، إلا إذا تطوعت هي وتبرعت وصارت كريمة، وقالت: طلباتي عليَّ، فهذا طيب وجزاها الله خيراً، لكن إذا قالت: لا. فلازم عليه أنه ينفق؛ لأن الله يقول: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34]. أما من يجلس عاطلاً وهو قادر على العمل فإن هذا نقص فيه ولا شك، الرجل قوَّام، والمرأة إذا أصبحت تصرف عليك فإنك تفقد قوامتك، إذا كنت لا تستطيع أن تصرف شيئاً، لم تعد لك سلطة، ولم تعد أنت الرجل، تكد عليك حتى لقمتك التي في فمك هي منها! أما إذا غلب على أمره وما وجد فرصة للعمل، فإن بعض الرجال يبحث عن فرصة لكنه لا يجد وعنده قدرة، ويطرق أبواب الرزق ويذهب في كل مجال لكن ضيق عليه ولم يجد مجالاً؛ فلا بأس مع الحرص والقدرة على البحث عن أي عمل حتى يستغني ويكون في بيته عزيزاً؛ لأن المرأة تمنُّ، طبيعة المرأة أنها تمنُّ على الزوج مهما كان، في يوم من الأيام تحصل أي مشكلة فتقول: فعلت لك كذا وكذا، نسأل الله الستر لماذا؟ تمنُّ بحقها، ومن حقها أنها تمنُّ.

فوائد العلم بأشراط الساعة

فوائد العلم بأشراط الساعة إن الإيمان بالساعة وقيامها؛ وما يسبقها من أشراط وعلامات، لهو من الأسباب التي تدعو المسلم إلى العمل الصالح، وابتغاء مرضاة الله عز وجل والحذر من أليم عقابه، وقد بين الشيخ في هذه المادة الفوائد المتحققة من العلم والتصديق بأشراط الساعة مبيناً أن ذلك يحقق جزءاً من الإيمان بالله ورسوله، كما أنه يعالج صفة فطرية في الإنسان تتمثل في حبه وتطلعه إلى استشراف المستقبل، بالإضافة إلى ما يترتب على كل ذلك من نيل الأجر في الآخرة.

أقسام الناس في اليوم الآخر

أقسام الناس في اليوم الآخر الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: لما كانت قضية الإيمان بالبعث من أبرز وأهم قضايا العقيدة استلزم الأمر أن تناقش وأن تؤكد وتؤصل في معظم زمن الرسالة، والزمن الذي قضاه الرسول صلى الله عليه وسلم في دعوة الأمة كان ثلاثاً وعشرين سنة، قضى منها ثلاث عشرة سنة في تثبيت العقيدة في قلوب المؤمنين ومن أبرز قضاياها بعد قضية التوحيد قضية الإيمان بالبعث؛ لأنه إذا ما استقر في يقين الإنسان، وثبت في قلبه أنه مؤاخذٌ ومجزيٌ على كل عملٍ يعمله استقام سلوكه، وانضبطت تصرفاته؛ لأن من أدرك وقوع عقوبة على شيء خاطئ ارتدع عن هذا الشيء خوفاً من العقوبة، ومن أدرك حصول جائزة على شيء صائب اندفع رغبةً في هذه الجائزة.

نتيجة الكدح الإنساني

نتيجة الكدح الإنساني الإيمان بالبعث يشمل الأمرين، زجر فاعل المخالفات بالنار، وحفز فاعل الطاعات بالجنة، فكلا الأمرين متحقق في الإيمان بالبعث، والإنسان في هذه الدنيا يعمل ولا بد له أن يعمل، وسمى الله العمل كدحاً، قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الإنشقاق:6] لا يوجد أحد يقول: أنا لن أعمل، لا بد أن تعمل، وسوف تجد ما تعمل، إن لم تعمل لله عملت للشيطان، وإن لم تعمل خيراً عملت شراً، وإن لم تشغل نفسك بالحق أشغلتك بالباطل، كذلك لا بد أن تنظر، وهل يستطيع الإنسان أن يعيش بغير نظر؟ لابد أن ينظر، ولكن إما أن ينظر إلى ما أحل الله أو ما حرم الله، ولا بد أن يسمع، ولكن إما أن يسمع ما أحل الله أو ما حرم الله، ولا بد أن يأكل، ويبطش، ويسير في الأرض، وينكح، وكل هذه المتطلبات ضرورية للإنسان، وإذا لم يعملها معناه أن الإنسان غير موجود. من هو الذي لا يستطيع أن يأكل ولا يشرب ولا ينكح ولا يبصر؟ إنه الميت، أما الحي فلا بد له من عمل، ولهذا قال الله: {يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6] النداء هنا للإنسان، والألف واللام هنا تسمى لام الجنس {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ} [الانشقاق:6] جنس الإنسان {إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ} [الانشقاق:6] أي: أنك ستعمل عملاً، وسوف تقدم بهذا العمل إلى ربك، وسوف تلقى نتيجة هذا العمل.

القسم الأول: فريق الجنة

القسم الأول: فريق الجنة حينما ينفصل الناس يوم القيامة ويقسمون إلى فريقين: فريق في الجنة وفريق في السعير، يتميز الناس على ضوء عملهم في هذه الدنيا {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} [الحاقة:19] أخذ كتابه بيمينه استحقاقاً وبناءً على عمله الذي أهّله لأخذ الشهادة باليمين؛ لأنه من أهل اليمين، وكان يسير في الخط اليمين، عينه وأذنه إلى اليمين في الحلال، لسانه ويده ورجله وبطنه وفرجه كلها متجهة إلى الحلال، ولا يمكن أن يطأ بها إلا في الحلال، لا يترك لله أمراً، ولا يرتكب له نهياً، فهذا أهل نفسه وعمل أسباباً تؤهله ليكون من أصحاب اليمين، قال: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} [الانشقاق:7 - 8] اللهم إنا نسألك من فضلك، لا أعظم من يوم تحاسب فيه حساباً يسيراً، يعني تمشى أمورك؛ لأنك من أهل اليمين: {وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً} [الانشقاق:9] أين أهلك؟ أهلك في الجنة، ليس أهلك في الدنيا، الأهل الحقيقيون هم الذين سوف يقدم عليهم المؤمن في الجنة، فإن كانوا أهله في الدنيا من أهل الإيمان فهم سواء، ويجتمع بهم في الدار الأخرى كما اجتمعوا به في الدار الأولى، وإن لم يكونوا من أهله في الدنيا كأن تكون أمه سيئة، أو أبوه كافراً، أو زوجته -والعياذ بالله- فاسقة وخبيثة؛ فإن الله يبدله في الجنة بأهلٍ خير من أهله حور عين وولدان مخلدون نعيم لا يتصوره العقل {وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً} [الانشقاق:9] فرحاً مغتبطاً كفرح ذلك الطالب الذي يتخرج من الجامعة أو الكلية ويحصل على الرتبة ويأتي ليخبر أمه وأباه وزوجته وأولاده -إذا كان قد تزوج- كيف وضعه؟ مسرور {وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً} [الانشقاق:9] هذا هو الفريق الأول.

القسم الثاني: فريق النار

القسم الثاني: فريق النار الفريق الثاني: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ} [الانشقاق:10] لا يأخذه باليمين وإنما يأخذه مقلوباً؛ لأنه كان مقلوباً، كان يمشي للوراء، ولهذا ورد في الحديث في السنن: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن أقواماً يوم القيامة يأتون إلى الحوض فتردهم الملائكة وتطردهم منه، يذادون كما تذاد الإبل من حوض الماء، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: أمتي أمتي! -يشفع فيهم الرسول ويقول: دعوهم يشربون هؤلاء مني- فيقال: يا محمد! إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك؟ إنهم لا زالوا يرجعون عن دينهم القهقرا) لا يسيرون إلى الأمام وإنما إلى الخلف، تجد أكثر الناس -والعياذ بالله- من الذين محقت بركة أعمارهم يتقدمون في الدنيا ويتأخرون في الدين، فلو أجريت لأحدهم مقايسة في أوضاعه المادية، والاجتماعية، والزوجية، تجده يسير إلى الأحسن، بعد سنة راتبه زاد، ورتبته ارتفعت، وأولاده كثروا، وسيارته جددها، وعمارته بناها، وفرشه غيره، كل شيء تغير في حياته إلى الأفضل، لكن اسأله في الدين تجده يرجع إلى الخلف إلا من هدى الله ممن هداهم الله وساروا إلى الأمام. فهؤلاء الذين يأخذون كتبهم من وراء ظهورهم {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً} [الانشقاق:10 - 11] والدعاء بالثبور هو: أن يدعو الإنسان على نفسه بأن يثبره الله في كل مصير؛ لأن المصيبة ليست سهلة، أن يُقاد الإنسان إلى النار مصيبة ليس بعدها مصيبة: {وَيَصْلَى سَعِيراً} [الانشقاق:12] لماذا؟ قال الله: {إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً} [الانشقاق:13] كان مرتاحاً على الدوام، بعكس المؤمن ليس مسروراً في الدنيا بل حزين، يقول الله في المؤمنين أنهم يقولون: {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} [الطور:26] المؤمن في قلبه مثل النار من الخوف من الله، الناس يأكلون بكثرة وهو لا يأكل إلا قليلاً، وينامون بارتياح وهو في نومه غير مرتاح، ويتمتعون في الدنيا وقلبه في الآخرة، يعيش بمشاعره في الآخرة، ولذا كلما تذكر الآخرة شب في قلبه مثل النار {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} [الطور:26] وأهل الإيمان لا يطمئنون ولا يرتاحون إلا إذا قيل لهم عند الموت: {يَا َيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر:27 - 28] هنا يقولون: الحمد لله نجحنا. أما ذاك فمسرور {إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً} [الانشقاق:13].

أثر الإيمان بالبعث والنشور على الإنسان

أثر الإيمان بالبعث والنشور على الإنسان تجد العاصي ليس عليه قيد، ولا شرط، ولا أمر، يذهب إلى الدوام متى ما يريد، ويتغدى من كل ما لذ وطاب، ثم ينتقل إلى غرفة نومه لينام إلى الساعة الرابعة والنصف أو الخامسة بدون صلاة عصر، ثم يستيقظ ليجد أمامه الشاي والقهوة والمكسرات والخيرات ليأكل من نعم الله، ثم يركب سيارته ليقوم بجولة على المنتزهات في هذا الجو الجميل وهذه البلاد الآمنة المباركة، ثم يعود في الساعة الثامنة أو الثامنة والنصف ليتناول طعام العشاء، ثم يذهب في سهرةٍ يقتل فيها ليله بالورق أو بالأغاني أو بالأفلام أو بالتمشيات إلى الساعة الثانية أو الواحدة بعد منتصف الليل، ثم يذهب لينام إلى الساعة التاسعة، فهذا مبسوط مسرور، لكن بعد هذا البرنامج مواقف يشيب منها شعر رأسه، يتمنى أنه ما عرف هذه الحياة {إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً} [الانشقاق:13] ما كان يحزن ولا يخاف من الله، ولا يذكر القبر وظلمته، ولا الصراط وحدته، ولا الموقف وهيبته، ولا النار والعذاب وإنما يذكر شهواته وملذاته {إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً} [الانشقاق:13] ثم جاء السبب الكبير قال الله: {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ} [الانشقاق:14] هذا هو السبب. والشاهد من هذا الكلام كله: أنه لو اعتقد وتيقن هذا الغِر أنه لن يرجع إلى الله والله لو آمن بأنه سيرجع ما ترك الصلاة ولا الزكاة، وما ملأ بطنه من الحرام، ولا سمع ولا قال الحرام، لكن ما ظن ولا اعتقد أنه سيسأل، ولذا يعمل ما يشاء لا ما يشاءه الله منه! {إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً} [الانشقاق:14 - 15] ظن أنه لن يحور إلى الله لكن الله يعلمه، ويعرف حقائقه، ويسجل عليه أعماله، وما غاب عن سجل الله، ولا استطاع أن يفلت من قبضة الله: {بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً} [الانشقاق:15] لا يعمل الإنسان أي عمل إلا والله معه {إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} [يونس:61] وما يعزب عن علم الله شيء: {وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59]. دبيب النملة السوداء في الصخرة الصماء في الليلة الظلماء يسمعه الله عز وجل، إن الله لا يعزب عن علمه شيء: {إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران:5] وهذا الذي كان يعمل على مزاجه، ويظن أنه لن يرجع إلى الله كان مسجلاً عليه عمله، قال الله: {بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً} [الانشقاق:15]. فوقوف الناس عند إشارة المرور إيماناً بالعقاب والجزاء فالأعمى -أعمى البصيرة- الجاهل، المتعلم، الكبير، الصغير، المستعجل، الذي عنده مريض، أو ميت كل شخص يجب أن يحترم نظام المرور، ويقف أمام إشارة المرور مهما كانت عجلته فلا بد أن يقف، وإذا قطع شخص الإشارة فماذا يحصل؟ أولاً: الناس كلهم يؤاخذونه على هذا الاتجاه، وينظرون إليه: لماذا تقطع الإشارة يا قليل الأدب؟ والذي عنده غيرة على أموال ودماء المسلمين ينظر في اللوحة ويأخذ الرقم ولون السيارة وجنسها ويعطل غرضه ويذهب إلى أقرب مركز مرور ويقول: يوجد سيارة الساعة كذا لونها كذا جنسها كذا ورقمها كذا تجاوزت الإشارة، وهذا من باب التعاون؛ لأن احترام نظام المرور شيء مفروغ منه؛ لأن هناك حماية لدماء وأموال المسلمين، والناس الآن كلهم متمسكين بهذا، وإذا شخص أخطأ مرة انتقده الناس كلهم، وجازاه المرور، ولا يرحمه أبداً. وإذا جاء مخالف للمرور عند الجندي أو المسئول، وقال: اسمح لي، قال: ما أسمح لك، قال: قطعت الإشارة وتريدني أن أسمح لك؟! كيف تتحدى النظام ترى الضوء الأحمر وتتجاوز أين عقلك؟ أين عينك؟ لا أقدر لو كانت مخالفة أخرى ربما أسمح لك، فلو وقفت في مكان خطأ ما فيها خطورة، لو أقفلت الطريق على شخص بسيارتك فخطورتك على الذي أقفلت عليه لكن عندما تخالف الإشارة، محتمل في تلك اللحظة أن تحدث لك كارثة أو تفعل كارثة، لكن لو أنك وقفت مكانك فلا الأرواح تزهق ولا السيارات تدمر، وإذا بالناس كلهم يحترمون نظام المرور وإشاراته؛ لأنهم آمنوا بعقوبة الجزاء، لكن ما رأيكم لو وجدت إشارات وما من مرور يراقبها هل أحد سيحترم الإشارة؟ والله ما ترى إلا هذا يقطع وهذا يعمل حادثاً ولو أشرت سبعين إشارة، لماذا؟ لأنه لا إيمان عند الناس بأن هناك جزاء بعدها، والناس -أيضاً- يؤمنون بالإشارة حتى بالغيب، أنا أحياناً أمر الساعة الثانية عشرة ليلاً فأجد الإشارة حمراء والاتجاهات كلها ليس فيها ولا سيارة فأقف، وأرى الناس واقفين، فأقول في نفسي: لماذا لا أمشي ما دام ما في سيارة لا من هنا ولا من هنا؟ أصلاً الإشارة وضعت من أجل تنظيم السير للناس الآن هذا فاضي، لماذا لا أمشي؟ فأقول في نفسي: قد يكون هناك عسكري جالس خلف هذا الباب، يمكن في اللحظة هذه تأتي سيارة المرور، أو يأتي جندي بدراجته النارية، الأفضل أن أصبر ربع دقيقة، لأن أطول إشارة لا تتجاوز نصف دقيقة أو دقيقة كاملة، لماذا؟ آمنت برجل المرور في الغيب وليس في الشهادة، ولذا انضبط سلوك الناس في قضية الإشارة. لكن الإشارة الربانية لا أحد يقف عليها إلا المؤمنون، كما توجد إشارات حمراء وخضراء للسير أيضاً يوجد في القرآن إشارات حمراء وخضراء، فمن الإشارات الحمراء لا تقتل {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام:151] لا تزنوا، لا تسرقوا، لا وهذه لا يعني خطر لا تمش فيه، وهناك إشارة خضراء أقيموا الصلاة، آتوا الزكاة، صلوا الأرحام، بروا الآباء، اعملوا الخير، هذه اسمها إشارة خضراء. لكن لضعف الإيمان ولعدم وجود اليقين بالبعث والجزاء والثواب والعقاب في الجنة أو النار نرى الكثير لا يقفون عند إشارات المرور الربانية، فنراهم يقتحمون إشارة الزنا، بل بعضهم يفتخر أنه قطعها ودخل في جريمة الزنا، ولا يعلم أنه باقتحام هذه الجريمة عرض نفسه لعقوبة جهنم، يقول الله عز وجل في القرآن الكريم: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور:2] وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (ما عصي الله بذنبٍ بعد الشرك أعظم من نطفة يضعها الرجل في فرج لا يحل له) المؤمن لو يسحبونه بأنفه لا يزني أبداً، حتى ولو سجن لا يمكن أن يرتكب جريمة الزنا، لماذا؟ لأنه يقارن بين لذة الجريمة وألم العقوبة فيجد أن لذة جريمة الزنا لذة زمنية بسيطة تعقبها الحسرة والندامة، بينما العقوبة عقوبة لا يعلمها إلا الله، ولا تتحملها الجبال، فيقول: لا. نصبر على معاناة ترك الزنا من أجل أن يعوضنا الله في الدنيا، ويعوضنا في الجنة بالحوريات، ونسلم من النار، فهو رابح في كلا الحالتين. البعض يمر على إشارة الربا ويقع فيها، وأمواله في الربا، ويعمل في محلات الربا، ولا يعرف أنه يحارب الله؛ لأن من أكل الربا فقد أذن الله بحربه، قال الله: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة:279] أخبرهم الله، وأطلق وأعلن الحرب عليهم. من الناس من لا يقف عند الإشارة الحمراء كالنظر لمحرم، والسماع لمحرم، والكلام المحرم؛ لأنه ليس بمؤمن، والله لو كان مؤمناً ما عملها، وهذا نلمسه الآن في سلوك الشباب الملتزمين الذين رضخوا لله، إذا خرجوا إلى الأسواق ترى الواحد عينه بين قدميه، لا يرفع نظره عن الأرض، وإذا رأى امرأة غض، وذاك الذي ليس عنده إيمان قوي بالبعث يخرج وعينه معلقة بالسماء، بل بعضهم يسقط في الحفر وهو لا يشعر؛ لأن عينه في كل اتجاه، وإذا رأى امرأة نظر إليها، الله يقول: غضوا وهو ينظر، عكس أمر الله، فذاك آمن وهذا لم يؤمن. إن الإيمان بالبعث مهم، وسوف نركز عليه بإذن الله في دروس كثيرة جداً.

فوائد وحكم من العلم بأشراط الساعة والمغيبات

فوائد وحكم من العلم بأشراط الساعة والمغيبات أولاً: أشراط وعلامات الساعة.

الحكمة من إخفاء العلم بوقوع الساعة

الحكمة من إخفاء العلم بوقوع الساعة وإذا كان الله قد أخفى علم وقوعها عن عباده، واختص به سبحانه؛ إذ لا يعلمه ملك مقرب، ولا نبي مرسل، وهذا لحكمة الغرض منها: دفع الناس إلى العمل باستمرار حتى لا يتوانوا أو يتكاسلوا لعلمهم بوقوعها، ولكن من رحمة الله عز وجل أنه أعلمهم بأمارات وعلامات تدل على قرب وقوعها، وقد سمى الله عز وجل هذه العلامات في القرآن أشراطاً، قال عز وجل: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا} [محمد:18] أي: قد جاءت علاماتها. أنت -مثلاً- إذا قيل لك: سوف يأتي أخوك من الرياض وخرجت في الليل لانتظاره، وقال لك: سيارتي جيمس وسوف أكون عندكم وقت المغرب، وذهب هو من الرياض في الصباح وانتظرت المغرب وجاء العشاء وحان الوقت فماذا تصنع؟ تنتبه وتترقب قدومه في كل لحظة؛ لأنه حان الوقت الذي حدده لك، لكن إذا قال لك: سوف أصل الساعة كذا، في آخر النهار، ثم قلت له أنت: ما علامة سيارتك؟ قال: سيارتي جيمس (موديل 89) اللون أسود وأحمر، اللوحة رقمها كذا، فتقوم أنت رأساً على الطريق وترى العلامات إلى أن ترى علامته، وتقول: جاء. والله عز وجل أخفى عنا علم الساعة لكن أخبرنا بعلاماتها، فإذا رأينا العلامات رأينا الساعة، هذه العلامات أطلق عليها بعض أهل العلم اسماً فسموها الآيات، وهي أيضاً كالأمارات أو كالعلامات التي تنصب على الطرق أو التي ترفع على شواطئ البحار من أجل دلالة السفن، أو تلك التي توضع قرب المدن كي تبين مدينة أبها -مثلاً- الاتجاه إلى السودة، أو الطائف، أو تلك التي تبين مقدار المسافة المقطوعة من الطريق بين كل عشرة كيلو، هذه اسمها علامات.

قيمة البحث في علامات الساعة

قيمة البحث في علامات الساعة قد يقول قائل: ما قيمة البحث في علامات الساعة؟ ونحن نقول له: إن القيمة عظيمة جداً، والغاية التي من أجلها ذكر الله عز وجل هذه العلامات في القرآن والسنة غاية عظيمة، وليس لنا خيار في دراسة الغيبيات التي سوف نستقبلها، والاطلاع بهذا والتصديق به من صميم ديننا الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعضها أخبر بها القرآن، وبعضها صحت بها الأحاديث الصحيحة في السنة، وبعضها جاءت عن الصحابة نقلاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اشتغل الصحابة بها واهتموا بها اهتماماً كبيراً، وكان الإيمان بالغيب ومن مقدمته الإيمان بعلامات الساعة صفة مدح الله بها أهل الإيمان في أول سورة البقرة فقال: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:2 - 3] فأول شيء هو الإيمان بالغيب.

فوائد العلم بأشراط الساعة

فوائد العلم بأشراط الساعة وقد يقول قائل: لماذا كل هذا التركيز في محاضرة كاملة ودروس مسلسلة عن هذا الموضوع، ما هي الفائدة؟ نقول: الفائدة ما يلي: أولاً: أن الإخبار بهذه العلامات إذا تحققنا صدقها حققنا جزءاً من الإيمان بالله وبرسول الله، إذ كيف نؤمن بالله وبرسوله ثم لا نصدق خبره؟! قال الله عز وجل: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:2 - 3] فإذا أردت أن تعرف مقدار إيمان إنسان فإنك تسأله عن العلامات، فإذا آمن بها فهذا إيمانه مطلق، كامل؛ لأنه آمن بما أخبر به الله، وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم، ففي ذكرها فائدة وهي زيادة الإيمان، إذ كلما عرفت الفائدة ازداد إيمانك، هذه فائدة. ثانياً: أن وقوع تلك المغيبات على النحو الذي أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم وحدَّثت بها الآيات أو السنن، يعتبر مثبتاً للإيمان؛ لأنه يعطيك دليلاً على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى أنه مرسل من عند الله، وعلى أنه لا ينطق عن الهوى، وإلا فمن الذي أخبر بهذا الخبر إذا لم يكن رسولاً؟ هذا يقوي الإيمان كما قلت لكم في حديث الصنفين الذين من أهل النار والذي منهم نساء كاسيات عاريات، وقد رأيناهن وماكن موجودات في الماضي، من أخبر الرسول؟ إنه الله، فهذا رسول من عند الله عز وجل. والمسلمون منذ موت النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا يشاهدون وقوع أحداث أخبرت بها الأدلة مطابقة لما جاء الخبر بها، فقد شاهد الصحابة رضي الله عنهم انتصار الروم على الفرس، قال الله: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ} [الروم:2] هذا خبر عن شيء حدث في عهد الصحابة: {فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} [الروم:3] متى؟ قال الله: {فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الروم:4] البضع من واحد إلى عشرة، وفعلاً لم تمض ست سنوات إلا وقد غلبوهم، ثم أخبر الله أن الغلبة ستكون للمسلمين على الفرس والروم؛ لأن الله قال: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الروم:4 - 5] على من؟ على الروم والفرس. من أخبر بهذا؟ الله عز وجل في القرآن الكريم وحدث هذا، فهذا يزيد إيمانك بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم. من كان يتصور أن أمة العرب تنتصر على الفرس والروم بالموازين البشرية والخرائط الأرضية التي تضعها أيدي البشر مستحيل؛ لأن العرب كانوا أهل بادية، حفاة عراة، يعيشون في وسط الجزيرة العربية، استطاعت الفرس أن تصل إلى حدود اليمن؛ لأن اليمن السعيد فيه الجبال، وفيه المزارع والهواء الجميل، والروم استطاعوا أن يسيطروا على شمال الجزيرة العربية التي فيها المزارع والأنهار والأماكن الطيبة، أما وسط الجزيرة العربية فماذا فيها؟ صحاري قاحلة، ورمال مميتة، ولذا تركوها لأهلها البدو الذين لا حول لهم ولا قوة، بل كانوا إذا ضاقت بهم المعيشة يذهبون إلى فارس والروم يقتاتون ويأخذون الصدقات، فهل يعقل أن هؤلاء الأعراب يسيطرون على الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية الرومانية ويهدونها عن بكرة أبيها في أقل من خمسة وعشرين سنة؟ أمعقول هذا بموازين الأرض؟ لا. بل وما كان أحد يصدق هذا. حتى إن الصحابي الذي وعده الرسول بسواري كسرى وهو سراقة بن مالك الذي كان ممن طلب النبي صلى الله عليه وسلم وطارده وقت الهجرة حتى يحصل على الجائزة التي وضعتها قريش لمن يأتي بخبر الرسول أو يأتي به حياً أو ميتاً، وضعوا جائزة مائة بعير، يعني مثلما نقول الآن: مائة مرسيدس؛ لأنها وسائلهم وأموالهم وخير ما يمتلكون، فخرج بعضهم يريد هذه الجائزة، وكان الذي أدرك النبي صلى الله عليه وسلم سراقة، فلما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم دعا عليه فساخت قدما فرسه في الأرض حتى نشبت، فعرف أنه لا يستطيع الإمساك به فقال: يا رسول الله! ادع الله أن يرفع فرسي ولن أخبرهم، فأخذ الرسول عليه العهد ألا يخبر قريشاً بالأمر وقال: (كيف بك يا سراقة إذا لبست سواري كسرى؟!) وسواري كسرى من يلبسها؟! يلبسها هذا الأعرابي الذي يبحث عن مائة بعير؟! كأنك تقول لأحد الأعراب في أي منطقة: كيف بك إذا جلست على كرسي بوش، أو جورباتشوف، معقول هذا؟! لا يصدق بل يقول: هذا الأعرابي يأتي يجلس مكان ذاك! وفعلاً حقق الله نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي خلافة عمر بن الخطاب استطاع المسلمون أن يهزموا الرومان والفرس ثم جاءوا بإيوان كسرى، وجاءوا معه بسواره وأخذها عمر وسلمها لـ سراقة ولبسها تحقيقاً لوعد النبي صلى الله عليه وسلم. فشاهد الصحابة هذا -وهذا يزيد في إيمانهم برسول الله صلى الله عليه وسلم- وشاهدوا كثيراً بعدها من النبوءات، ولا نزال نشاهد كل يوم خبراً يصدق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، مما يوحي ويثبت لنا بالأمر اليقين أن رسول الله لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. هذه الفائدة الثانية. ثالثاً: من فوائد ذكر أشراط القيامة: تثبيت الإيمان بها ودعوة الناس إلى الاستعداد لها، إذ أنهم إذا رأوا علاماتها دفعهم هذا إلى الاستعداد لها، فقد تقوم عليهم القيامة فلا يماطلون، فيدفعهم الإيمان بها إلى أن يستعدوا للعمل بعدها. رابعاً: بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم دالاً على الخير محذراً عن الشر، وقد دلَّ النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على المنهج الأمثل الذي يلتزمونه عند حدوث بعض علامات الساعة، سواء كانت هذه العلامات من الصغرى أو الكبرى، وفي إخباره بالمغيبات المقبلة توجيه وتوعية للمسلمين من بعده كيف يتصرفون عند هذه الأحداث، ومن ذلك ما أخبر به عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: (كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فحذرنا من الدجال وفتنته، وأخبرنا أنه يمكث فينا أربعين يوماً: يوماً كسنة، ويوماً كشهر، ويوماً كجمعة، وسائر أيامه كأيامنا هذه، فقال أحد الصحابة: يا رسول الله! كيف نصنع بالصلاة في اليوم الذي كسنة؟ -انظروا الاهتمام من الصحابة، ما قالوا: ماذا نأكل في ذلك اليوم الذي طوله كسنة، أو أين ننام؟! اهتماماتهم بالدين- قال: اقدروا له قدره) اقدروا لهذا اليوم قدره من الصلوات، لولا هذا الخبر لكان الواحد منا يقول ما دام كسنة أنا سأقدر له خمس صلوات، أصلي في كل شهرين صلاة، لا ليس كذلك. بل قدر للسنة قدرها من الصلوات، يعني صلِّ في هذا اليوم صلاة سنة كاملة، اقدروا له قدره، أي: في اليوم الذي كأنه شهر مثلاً صل له صلاة شهر كاملاً، اقدروا له قدره وأعطوه ما يستحق من الصلوات، ومن كان سيعلم الصحابة هذا العلم لو لم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

فائدة التوجيه النبوي بذكر المغيبات

فائدة التوجيه النبوي بذكر المغيبات وفيه توجيه للصحابة بالتصرف عندما يدركون بعض هذه الأمور، يقول أحد الصحابة: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلاً، فمنا من يصلح حذاءه، ومنا من ينتقش، ومنا من هو في جلسة، إذ نادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم فاجتمعنا إليه، فقال: إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعلت عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأموراً تنكرونها، وتأتي فتنٌ، يرقق بعضها بعضاً، فتأتي الفتنة بعدها -يعني: أكبر منها- فيقول الأول: هذه مهلكتي، فتأتي فتنة ثم تنكشف، وتأتي فتنة ثم تنكشف، وتأتي فتنة فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت للناس الذي يحب أن يؤتى له) هذا خبر من النبي صلى الله عليه وسلم أنه في آخر الزمان ستكون فتن، وهذه الفتن ضخمة، وبعضها يرقق بعضاً، كيف ذلك؟ قال العلماء: كلما أتت لك فتنة قلت: الأولى أخف من هذه، ويرقق يعني: يسهل، فالأخيرة أعظم من الأولى، وهكذا ثم قال عليه الصلاة والسلام: (من أراد أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة -إزاء هذه الفتن- فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت للناس الذي يحب أن يؤتى له). ومن هذه التوجيهات التي كان لها أثر عظيم في حياة السلف وحياة الصحابة الذين أدركوا بعض هذه الفتن، منها: ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أن عثمان تأتيه بلوى، والحديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فدخل بئر أريس -حائط من بساتين المدينة - يقول: فتبعته، فقال: يا أبا موسى! أقفل الباب ولا تفتح لأحد إلا بإذني، فقلت: لأكونن اليوم بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني: شرف عظيم أني اليوم بواب النبي صلى الله عليه وسلم- يقول: فجلست فأتى أبو بكر، فطرق الباب، فقلت: من؟ قال: أبو بكر، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: افتح له وبشره بالجنة، قال: ففتحت له وبشرته بالجنة، فدخل وسلم وجلس على البئر بإزاء النبي صلى الله عليه وسلم ودلى رجليه مع رجلي النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: وبينما أنا جالس طرق الباب طارق، فقلت: من؟ قال: عمر، فاستأذنت له النبي فأذن له وقال: ائذن له وبشره بالجنة -الله أكبر! - يقول أبو موسى: فقلت في نفسي ليت أخي يأتي) يظن أن من أتى ودخل بُشر، المسألة ليست هكذا، هذه جنة لا يدخلها الشخص إلا بعد تعب {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214] يقول: (قلت في نفسي: ليت أخي فلان يأتي حتى يبشره بالجنة، يقول: وبينما أنا جالس جاء عثمان فطرق الباب فقلت: من؟ قال: عثمان، يقول: فاستأذنت له، قال: ائذن له وبشره بالجنة مع بلوى تصيبه -ما أتت الجنة بلا ثمن هنا وإنما أتت ببلوى- يقول: فقلت له: بشرك رسولك بالجنة مع بلوى تصيبك، يقول: فقال عثمان: الله المستعان). الله أكبر! ما أعظم هؤلاء الرجال! يقول: أستعين بالله على هذه البلوى، ما دام في المسألة جنة فأنا أستعين بالله حتى أصل الجنة، وهذه البلوى حصلت له رضي الله عنه، ذُبِح ذَبْح الشاة وهو يتلو كتاب الله والمصحف بين يديه، وكان الصحابة من حوله والعبيد عنده أربعمائة مولى بالسيوف، قالوا: والله لا يصلون إليك ونحن أحياء، قال: [من وضع سيفه فهو حر لوجه الله] فكلهم وضعوا السيوف، وما امتنع بشيء، وصبر على البلوى واقتحموا البيت ودخلوا عليه ورفعوا لحيته عن رقبته وذبحوه وسالت الدماء الزكية الطاهرة على مصحفه وهو يقرأ كتاب الله. (ذو النورين الذي دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس، وقد دخل في الأول أبو بكر والرسول ماداً رجله، وطرف إزاره منحسر عن طرف رجله، فلما دخل أبو بكر ما فعل شيئاً، ودخل عمر فما فعل شيئاً، فلما دخل عثمان كف رجله ورد إزاره، فقالت عائشة: يا رسول الله! دخل أبو بكر ثم عمر فلما دخل عثمان أصلحت إزارك! فقال: ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟) رجل ذو هيبة ووقار، يقول الصحابة فيه: [ما كان أشد هيبة ولا وقاراً منه]، رجل ألقى الله عليه من المهابة ما لا يعلمه إلا الله، وأنا أتصور هكذا وأتمنى في بعض جلسات لي وأقرأ سيرة الصحابة أرى عمر وصفاته، وأرى أبا بكر وصفاته، وأرى عثمان وصفاته، وأرى علياً وصفاته، ثم أقول في نفسي-وأسأل الله أن يحقق لنا ذلك كله أيها الإخوان-: لو دخلنا الجنة ورأيناهم أنا أقول في نفسي وأسأل الله أن يحقق فراستي في ذلك أني سوف أرى أبا بكر وسأقول: هذا أبو بكر من شكله، ومن وصفه في السنة، وعثمان أقول: وهذا عثمان من هيبته ووقاره، وعمر أقول: هذا عمر من شدته وقوته في دين الله، وأرى علياً فأقول: هذا علي لماذا؟ لأنه جاءت السنة بهذا، فـ عثمان رضي الله عنه أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بأن بلوى تصيبه وقد تحققت وصبر رضي الله عنه، وهذه فائدة من فوائد علامات الساعة.

فوائد المغيبات في قصة عمار بن ياسر

فوائد المغيبات في قصة عمار بن ياسر أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن عمار بن ياسر تقتله الفئة الباغية، والحديث في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المسجد، فكان الرجل منا ينقل لبنة لبنة، وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين -رجل قوي ومخلص لا يمالي ولا يجالي- يقول: حتى ترب رأسه وهو يحمل، فمسحه صلى الله عليه وسلم ونفض عنه التراب وقال: ويحك يا بن سمية تقتلك الفئة الباغية) والحديث في صحيح مسلم، وفعلاً تحققت نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم وقتلته الفئة الباغية في معركة الجمل في يوم صفين، في سنة (37هـ) في المعركة التي كانت بين علي وبين معاوية رضي الله عنهما. ولنأخذ لمحة بسيطة عن عمار بن ياسر وهو مولى وأصله من اليمن، جاء أبوه ياسر واثنان من أعمامه إلى مكة في طلب ولد لهم، ثم لم يجدوه فرجعوا وجلس ياسر، ثم أعتقه أبو حذيفة بن المغيرة بن شعبة ثم تزوج بـ سمية رضي الله عنها وأرضاها وولدت له عماراً وعبد الله، ولما جاء الإسلام أكرمهم الله عز وجل بالإسلام كلهم، فأسلم ياسر وأسلمت سمية، وأسلم عمار، وأسلم عبد الله، ونالهم من الأذى والتعذيب ما لا يعلمه إلا الله، وكان يمر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يعذبون ويقول لهم: (صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة) وكانت سمية أول شهيدة في الإسلام، قتلها أبو جهل عليه من الله ما يستحق، حينما مر عليها وهي تعذب وكان يعذبها أمية بن خلف سيدها فقال: لِمَ تستمر في عذابها وأخذ رمحه وضربها في قبلها فماتت شهيدة، فهي أول من أريق دمها في سبيل الله عز وجل رضي الله عنها وأرضاها. يسمى عمار ويلقب بـ أبي اليقظان، كان من السابقين إلى الإسلام، وكان من أعيان المسلمين، وأيضاً من أصحاب بدر، وأصحاب بدر لهم ميزة على سائر الصحابة، وأمه سمية، ولما عذبه المشركون في يوم من الأيام عذبوه حتى كادوا يقتلونه فلم يدعوه حتى سب النبي ومدح آلهتهم، فجاء إلى النبي وقال: (يا رسول الله! والله ما زالوا بي حتى نلت منك ومدحت آلهتهم، قال: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئناًبالإيمان، قال: إن عادوا فعد) قال: فنزل قول الله عز وجل: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ} [النحل:106]. الذي يكره على شيء والله يعلم أن قلبه مطمئن بالإيمان، فإن الله عز وجل لا يؤاخذه؛ لأن في هذا ضرورة والمهم القلب، واستأذن يوماً على النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند أصحابه، فقال: (من هذا؟ قالوا: عمار بن ياسر، قال: مرحباً بالطيب المطيب) هذه شهادة، والحديث ذكره الترمذي في السنن، وأخرجه وصححه الحاكم في مستدركه، وقال عليه الصلاة والسلام فيه: (إن عماراً ملئ إيماناً إلى مشاش رأسه) وروى الإمام أحمد في المسند وصححه الحاكم أيضاً، ووافقه الذهبي على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعدي بهدي ابن أم عبد) يعني: ابن مسعود رضي الله عنه، وأخرج الإمام أحمد بسند صحيح عن خالد رضي الله عنه قال: (كان بيني وبين عمار خصومة، فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من عادى عماراً عاداه الله، ومن أبغض عماراً أبغضه الله). وكان رضي الله عنه مسدداً وموفقاً ولا يختار أمراً إلا والله يسدده فيه، يقول فيه صلى الله عليه وسلم: (ما عرض على عمار أمران إلا اختار أرشدهما) بتوفيق الله عز وجل له، قاتل يوم اليمامة واشترك في حروب كثيرة جداً حتى قتل وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه تقتله الفئة الباغية، وأن قاتله وسالبه من أهل النار، قاتل يوم اليمامة ولما انكسر المسلمون صعد على صخرة وقال: [يا معشر المسلمين! ما لكم تفرون من الجنة] وقاتل قتالاً شديداً ثم جدعت أذنه، فقاتل حتى آخر النهار وأذنه تنزف دماً، رضي الله عنه وأرضاه. هذه بعض الفوائد.

فوائد العلم بأشراط الساعة بالتطلع للمستقبل

فوائد العلم بأشراط الساعة بالتطلع للمستقبل خامساً: من الفوائد: أن التطلع إلى المستقبل وما يحدث فيه أمر فطري عند الإنسان، فالإنسان يجد في نفسه رغبة ملحة وشديدة في أن يعرف الكائنات والأحداث التي سوف تحدث للإنسان في المستقبل، ولذلك فإن الناس قبل الإسلام كانوا يعتمدون على الكهنة والسحرة والعرافين ويطلبون منهم أخبار المغيبات، فجاءهم الله بالحق الذي ليس فيه باطل، وذلك عن طريق الوحي من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما أولئك فإنهم كذبة لا يعرفون الغيب وإنما يسترقون السمع فيكذبون على الكذبة الواحدة مائة من الكذبات، ثم يخبرون بها الناس، والناس يصدقونهم، فيما يسمونه بخط الرمل، وهو التنجيم، وطرق الحصى وهو الحساب، والنظر في المرآة وهو -والعياذ بالله- يسمونه قراءة ما في الغيب، وحظك -كما يأتي في بعض الصحف- حظك في هذا الشهر. شخص من الناس قال: والله -يا أخي- إن شخصاً رآني في الشارع وقال: أرني يدك؟ يقول: فأعطيته يدي، فنظر فيها وقال: خيراً إن شاء الله، قلت: خيراً ماذا هناك؟ -والولد مسكين ضعيف ما عنده عقيدة- قال: بينك وبين أحد أقاربك عداوة، وهو يخطط لك في قضية خطيرة، وبعد أسبوعين سوف يأتيك خبر مفرح، وحصل في قلبك حزن قبل فترة ليست ببعيدة، فالولد صادف أن هذه الثلاث عنده، فأحد أبناء خاله تخاصم معه قبل أيام، وصار له حزن قبل أيام، وأيضاً يتوقع هو أن ينجح في الدور الثاني؛ لأنه يذاكر والدور الثاني في ثلاثة وعشرين، فجاء الولد المسكين وأنا خارج من المسجد، فقال: يا شيخ! قلت: نعم. قال: شخصٌ قبض يدي، وقال لي أخباراً كلها صحيحة. قلت: ماذا قال؟ قال: قرأ في كفي. قلت: أقرأها أنا؟ فعندما قرأت لم أجد فيها شيئاً. قلت: ما في كفك شيء يا أخي. قال: لا. بل قرأه. قلت: أهو عالم؟ قال: لا. بل رجل عادي، قلت: وماذا مكتوب في كفك إنجليزي أو عربي أو عبري؟ ما مكتوب شيء؟ قال: لكنه قرأ. قلت: قرأ على عقلك، يعني لبس عليك، وكذب عليك. فهو كشخص يأتيك بورقة بيضاء ما فيها ولا شيء، ويقول: أقرأ عليك تعميماً، فتقول: قلت: ماذا قال لك؟ قال: يقول: إن شخصاً تخاصمت معه من أقاربي وأغضبني، قلت: كل الناس يتشاجرون مع أقاربهم، ومن الذي لا يتشاجر هو وأقاربه، حتى أنت وامرأتك تتشاجرا كل يوم وكل أسبوع، قال: وقال لي: إنه سوف يأتيني شيء مفرح، قلت: وفعلاً في المستقبل يأتيك شيء تفرح فيه إن شاء الله؛ لأن الحياة تتقلب بين حزن وفرح، وقال: إن شيئاً أحزنني قبل أيام وكذلك كل الناس يأتيهم حزن في الماضي أو المستقبل، ويأتيهم فرح في الماضي أو المستقبل. ومرة جاءني شخص من كبار السن وقال: قرأت حظي في مجلة الأسبوع العربي حظك في هذا الشهر، قلت: ماذا فيها؟ قال: ستشعر بعد فترة بألم في ركبك، قلت: كم عمرك؟ قال: ستين سنة، قلت: طبيعي الروماتيزم سيأتيك في ركبك غصباً عنك، كل كبير يأتيه في ركبه شيء، فهذا الكذب وهذا الدجل الذي يضحكون به على عقول الناس هو جزءٌ من تلبية احتياجات الناس في كشف المغيبات، والله قد كشف لنا المغيبات بما هو حق، ألا وهو خبر أشراط الساعة.

أقسام أشراط الساعة

أقسام أشراط الساعة وأشراط الساعة تنقسم إلى قسمين: أشراط صغرى، وأشراط كبرى. والأشراط الصغرى تنقسم إلى قسمين: أشراطٌ مضت وانقضت، وأشراط نحن الآن فيها، وأشراط ننتظرها، وأما الأشراط الكبرى فهي واضحة ولم يأت منها شيء وسوف تأتي كما أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الأشراط ما دام أن الشيخ عبد الرحيم سيتحدث عنها في الأسبوع القادم فنريد أن نقف عندها وإلا فقد كنت هيئتها لكن نقف عندها لنشد أذهانكم وأنظاركم إليها بإذن الله فتحضرون ليلة الإثنين بعد مغرب يوم الأحد إن شاء الله في هذا المسجد، ونسأل الله أن يكون هذا المسجد وجميع مساجد المسلمين منبر نور وهداية وعلم يستفيد منه الناس ليعرفوا دينهم وليسيروا في طريق الله عز وجل على الوجه الذي يرضي الله تبارك وتعالى.

الأسئلة

الأسئلة

واجبنا تجاه إخواننا في أفغانستان

واجبنا تجاه إخواننا في أفغانستان Q إخواننا في أفغانستان يمرون بأخطر مراحل الجهاد، وهم الآن في أصعب المواقف وأهم الظروف، نرجو منكم التنبيه على الإخوة بالدعاء لهم جزاكم الله خيراً؟ A أولاً: ننبه على أمرين. الأمر الأول: الدعاء. الأمر الثاني: البذل والعطاء. لأن الدعاء سهل لكن لا يكون الدعاء صادقاً إلا إذا كان هناك بذل يرافقه، وإذا كنت عاجزاً عن أن تجاهد بنفسك فلا أقل من أن تجاهد بمالك، والله قد قال في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الصف:10] وكأن الناس قالوا: نعم. نريدها يا رب فما هي؟ فقال: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف:11] فدعوة أوجهها إليكم -أيها الإخوة- في التبرع بما تستطيعون عليه ولا يحتقر الإنسان شيئاً، وها هي جمعيات التبرع موجودة في كل مدينة، والحسابات موجودة في كل مكان، بإمكان كل مسلم إذا استلم الراتب أن يخرج منه ورقة -إن كان من أولي العزم وراتبه كبير- خمسمائة، وإن كان أقل يخرج مائة، أو خمسين، المهم لا يمر شهر إلا ولك مساهمة، يقول الدكتور عبد الله عزام وقد كتب لي كتاباً يطلب مني أن أحث الناس على التبرع، يقول: قل للمسلمين أن يجعلوا الجهاد في حياتهم كطفل من أطفالهم، إن طفلاً من أطفالك لا يذهب إلى المدرسة يومياً إلا بمال، وكم المال؟ ريالين أقل شيء أو ثلاثة أو خمسة، يعني تصير في الشهر ستين ريالاً، اجعل الجهاد واحداً من أطفالك، أعطه مالاً شهرياً ستين أو مائة ريال تدفعها من راتبك وتجعلها في سبيل الله يربيها لك الله يوم القيامة حتى تأتي يوم القيامة وهي كأمثال الجبال: {مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96] {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:39] هذا الأمر الأول. الأمر الثاني: الدعاء، اجعل في دعائك وسجودك وصلاتك وليلك ونهارك لازمة من لوازم دعائك قل: اللهم انصر إخواننا المجاهدين، وقد سئل أحد قادة المجاهدين في الأفغان عندما قالوا له: لماذا تأخر فتح جلال أباد قال: تأخر الدعاء والعطاء من المسلمين، يقول: تطالبوننا بفتح جلال أباد ونحن نستقبل الرصاص والقنابل والصواريخ في صدورنا وأنتم على أسرتكم، كل واحد يشتري ست أو سبع جرائد يقرأ الأخبار، لا تشتري جريدة بل أرسل المال للأفغان يأكلون بها خبزاً، لا تدفع خمسة أو عشرة آلاف للمطبل لكي تعصي الله تبارك وتعالى وتصد الناس عن ذكر الله بل أرسلها للمجاهدين ليكون زواجك وزواج ولدك مباركاً، تؤسسه على تقوى من الله، لا تسرف في كل كمالياتك وإنما اصرف بالمقدار الشرعي والباقي اجعله لك عند الله عز وجل.

نصيحة لمن يواجه مصاعب في طريق التوبة

نصيحة لمن يواجه مصاعب في طريق التوبة Q أنا شاب مقبل على الله وأريد التوبة ولكني أجد كثيراً من العوائق فبم تنصحني؟ A أنصحك أن تقبل وتتجاوز هذه العوائق، وتقدم على الله بقوة، وتتوب التوبة الصادقة النصوح من جميع الذنوب صغيرها وكبيرها، وتلتزم بالطاعات كلها إذا عملت هذا فقد تبت، أما أن تقف تتردد وتقدم رِجلاً وتؤخر أخرى، فإن العوائق كثيرة، ولكن عليك أن تذكر المصيبة إذا مت وأنت غير تائب حين ترد النار وتخسر الجنة.

تلبيس الشيطان على المسلم بترك العلم كي لا يعمل

تلبيس الشيطان على المسلم بترك العلم كي لا يعمل Q أتردد كثيراً في شراء الكتب الإسلامية وحضور المحاضرات الدينية، أو شراء الأشرطة الإسلامية؛ لأنني أخشى أن أحمل أعباء العلم ولا أعمل به؟ A هذه مصيبة عند أكثر الناس أتاهم الشيطان يقول: العلم مسئولية فلا تتعلم ثم تعمل، فماذا أعمل؟ قال: لا تتعلم، هذا الحل؟! يعني يظل ثوراً أعمى، الحل أنك إن كنت تتعلم ولا تعمل أن تعمل؛ لأنك إذا تعلمت فأنت قريب من العمل، لكن إذا لم تتعلم كيف تعمل؟ إن الشيطان يدل الإنسان ويقول: لا تتعلم ولا تتحمل مسئولية، إذا أتيت الندوة حملت المسئولية، لكن إذا قعدت في البيت بقيت خالي المسئولية، نعم. ليس عليه مسئولية ولكن عليه من الله وبال لا يعلمه إلا الله عز وجل.

توجيه لأهل المعاشات المتقاعدين

توجيه لأهل المعاشات المتقاعدين Q فضيلة الشيخ أشهد الله على حبك، ولكن في الدرس الماضي هاجمت المتقاعدين مما جعل بعض أفراد أسرتي يدعون لك، وأنا أؤمن على الدعاء، فضيلة الشيخ! عندما كنا نحن المتقاعدون على رأس العمل كان بعضنا لا يدخل بيته إلا في الليل؛ لأنه في واجباته الوظيفية، والبعض يذهب في الليل ولا يأتي إلا في الصباح؛ لأن عمله في الليل، ويدخل بيته متعباً فلا يسأل عن شيء، وبعد التقاعد تفرغنا لمشاكل بيوتنا وأولادنا ونسائنا، ونلاحظ أموراً فيها بعض الخطأ ونريد تعديله، ولكن بعد كلامك لا يستجاب لنا فماذا تقول؟ أما برنامجنا فهو طيب، ولكن ماذا تقول وما تعليقكم على هذا الأمر؟ A أولاً أصحح كلمة الأخ، يقول: إنني هاجمت المتقاعدين وأنا في الحقيقة ما هاجمت المتقاعدين وإنما هنأت المتقاعدين، وغبطتهم وقلت: الحمد لله الذي مد في أعماركم، ثم أعطاكم فرصة للعيش بغير تعب ولا عمل، وأعطاكم الراتب كاملاً، راتبك الذي كنت تأخذه وأنت تكد قالت الدولة: كثر الله خيرك، قد أديت واجبك وقمت بشرف الوظيفة حتى خرجت منها سالماً تفضل خذ الراتب وأنت نائم، من أجل ماذا؟ تتفرغ لعبادة الله، ولكني قلت: إن بعض المتقاعدين لما فرَّغتهم الدولة لما يهمهم في حياتهم تفرغوا للمرأة والأولاد، وأصبح الرجل ما معه أحد يأمره وينهاه فقد كان مسئولاً أو مديراً أو عريفاً أو رقيباً أو ضابطاً وكان يأمر وينهى، وعندما دخل الإدارة بعد التقاعد لا طاعة له ولا أمر ولا نهي، وعندما ذهب إلى السوق لم يرحب به أحد، وعاد ودخل على المرأة ويا ويلها إذا ما احترمته، لماذا؟ لأن الأمر الآن قد صار على المرأة والأولاد، وجلس بالمرصاد على الكرسي، يتسمع ويراقب الحركات ويصحح الغلطات، وأدى هذا إلى أن المرأة لا تفرح به. كان المفروض -يا أخي المسلم- يوم أن فرَّغك الله من العمل أن تتفرغ للعمل الأخروي، ومن ضمن العمل الأخروي: الإشراف على شئون أسرتك لكن بشيء من الحلم والحكمة وغض البصر؛ لأن الأمور في البيوت لا تمشي على الوضع الذي يرضاه، الذي يريد الأمور كلها مائة بالمائة يتعب؛ لأنه لا بد من الغلط، ولا بد من أن ينكسر قلص، أو تدخل ترى الكهرباء مسرجة أو النافذة مفتوحة والهواء قد غبر المكان، ليس كل شيء كما تريد، فأنت إذا انزعجت من أجل هذه، وهذه أشغلت نفسك وأزعجت أهلك، وجعلتهم يكرهونك، لكن إذا دخلت والكهرباء مسرجة أطفئها أنت، ولا تقعد تضارب عليها، وإذا دخلت والباب ليس مغلقاً أغلقه واسكت، أو رأيت شيئاً مكسوراً غض البصر ثم صحح بالتي هي أحسن. وأيضاً نقول -حتى لا ينزعج أخونا- للنساء بارك الله فيهن: مادام الزوج متقاعد فعليكن أن تضبطن الأمور، واعرفن أنه ليس غائباً فقد صار موجوداً، فراعن مشاعره، وحاولن أن تخففن من الغلطات، وحاولن أن تصححن من الأمور وإذا رأيتنه انزعج فاعذرنه؛ لأنه كان موظفاً يأمر وينهى، والآن ليس معه إلا أنتن، فاصبرن عليه حتى يتأقلم مع الجو ويصبر إن شاء الله على الأمور.

حكم حلق اللحية بحجة عدم الرياء

حكم حلق اللحية بحجة عدم الرياء Q ما رأيك فيمن يحلق لحيته؛ لأنه يرغب أن يكون باطنه أحسن من ظاهره، ويخشى أنه إن أطلقها أن يقع في الرياء؟ A هذا من مكر الشيطان؛ لأن الشيطان له أساليب ووسائل يستطيع بها أن يغزو قلوب الناس ويصطادهم، فيأتي إلى هذا ويقول: إذا أطلقت لحيتك صار ظاهرك سنة، لكن باطنك غير ذلك، تعرف ماذا تعمل؟ قال: لا. قال: اجعل ظاهرك وباطنك متساويان، من فوق ومن تحت، فيقول: أنا أريد أن أصلح الباطن، إذا أردت أن يصلح الباطن فأصلح الظاهر؛ لأنك إذا أصلحت الظاهر فإن شاء الله تقدر على الباطن، فابدأ أول شيء بإطلاق لحيتك؛ لأن من إطلاق لحيتك صلاح باطنك، يقول أحد العلماء: لا تقولوا للناس ربوا اللحية، قلنا: لماذا؟ قال: والله لا تنبت في الوجه إلا وقد نبتت محبة رسول الله والإيمان في القلب، ولا يحلقها لو تذهب رقبته، لكن إذا لم توجد محبة فإنكم تطلبون منه شططاً، وتكلفونه بما لا يطيق، هو كلما نام ورأى وجهه أملساً يفرح، لكن إذا تركته يعفيها؟ ونحن نقول لك: إن صلاح باطنك لا يتحقق إلا بامتثال أمر الله والعمل بسنة رسول الله في كل شيء ومنها إطلاق لحيتك، أما أن تحلقها من أجل ألا تقع في الرياء إذاً: ضاع الدين على هذه القاعدة، إذاً: لا تذهب للحج خوفاً أجل الرياء، وإذا جاء رمضان وجاء الظهر اطبخ كبسة رز وأكل، وإذا قالوا لك: لماذا؟ قل: أخاف الرياء، فأنا آكل حتى لا أصوم رياء، وإذا جاءتك الصلاة فلا تصلِّ، لماذا؟ قل: أنا أترك الصلاة من أجل الرياء، ما رأيكم في هذا؟ أهذا كلام يقال؟ يقول العلماء: إن العمل من أجل الناس شرك وترك العمل من أجل الناس رياء، والسلامة أن تعمل من أجل الله فلا تترك للناس ولا تعمل للناس.

كشف المرأة على إخوة الزوج

كشف المرأة على إخوة الزوج Q أنا شاب -والحمد لله- محافظ على الصلاة، ولكن عندي مشكلة وهي: كشف الزوجة في أسرتنا على إخوان الزوج؛ لأن البيئة تجبرنا على ذلك؟ A البيئات والعادات والتقاليد هذه إذا صادمت وعارضت السنة والدين وجب رفضها، وما حوربت أديان بأعظم من العادات، وكان كلما جاء نبي إلى قومه بدين: {قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:22] فعاداتنا في كشف الرجال على زوجات الأخ أو زوجة الأخ هذه عادة منكرة، وطريقة محرمة، ولا يحل للمسلم أن يكشف على زوجة أخيه، وهذه المشكلة ينبغي التغلب عليها بالصبر والمصابرة والمرابطة، ولو انزعج الأهل أو الأخ فإنك بهذا العمل ترضي الله، والذي يرضي الله لا بد أن يتعب، والجنة تحتاج إلى نوع من الصبر والتعب، والله يقول: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف:35].

حكم صلاة المنفرد خلف الصف

حكم صلاة المنفرد خلف الصف Q هل يجوز أن أصلي مفرداً في الصف خوفاً من فوات الركعة خصوصاً إذا لم يكن في الصف الذي قبلي فراغ؟ A هذه المسألة أيها الإخوة: مما اختلف فيه أهل العلم، إذا دخلت المسجد والصف مملوء وليس هناك فرجة ولم تجد أحداً يصلي معك، فكيف تصلي؟ تصلي بمفردك، أو تنتظر مجيء شخص آخر، أو ماذا تصنع؟ اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين: القول الأول: أنك لا تصلي لحديث وابصة بن معبد رضي الله عنه وهو في السنن قال: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) والشيخ ابن باز يرى هذا الرأي، ويقول: أنت بالخيار إما أن تقارب الناس وتجد لك فرجة، أو تنتظر حتى يأتي من يدخل معك، أو تستطيع أن تدخل مع الإمام إذا لم يكن في المحراب، أو تتخذ لك أي حيلة، فإذا لم تستطع فتبقى واقفاً إلى أن تكمل الصلاة ثم تصلي لوحدك، ولا تدخل في المسجد وتصلي وأنت منفرد للحديث: (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) هذا رأي الشيخ عبد العزيز بن باز. الرأي الثاني: وهو لطائفة من أهل العلم، ويرجحه الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين وهو: أن تجتهد لتجد لك فرجة، فإن لم تجد فتصلي لوحدك، وجوابهم على حديث وابصة: (لا صلاة لمفرد خلف الصف) قالوا: هذا الحديث يحمل على من يجد فرجة، يعني: شخص أتى وفي الصف فرجة ثم ذهب يصلي هناك، فهذا ليس له صلاة، لكن من لم يجد فرجة ماذا يعمل؟ يسحب مصلياً من الصف، قالوا: هذا السحب والاختلاج لا دليل عليه؛ لأنه يعارض أدلة صحيحة، الدليل الأول: الأمر بإتمام الصفوف والذي يسحب ينقص الصفوف، الدليل الثاني: أنه أحرم صاحب الحق الأول من حق الذي اكتسبه بكونه من الصفوف الأولى، ولحديث: (خير صفوف الرجال أولها). الأمر الثالث: أنه أربك الصف كله وأوجد فيه حركة واضطراباً لأن كل واحد يقرب من الثاني، من غير دليل ولا مبرر، قالوا: فماذا نصنع؟ قالوا: يصلي بصائغ الاضطرار والله عز وجل غفور رحيم. هذان هما الرأيان وكلاهما صحيح، والذي يعمل بأي رأي منهما فهو على حقٍ إن شاء الله.

وجوب صلة الأرحام

وجوب صلة الأرحام Q عمي يخاصمني كثيراً ولكني أذهب إلى بيته وأسلم عليه ولا يرد عليَّ ولا يكلمني، فهل بقي عليَّ إثم أم لا أذهب إليه؟ A عمك صنو أبيك، أي: مثل أبيك، وإذا كنت قد أخطأت عليه حتى خاصمك -لأننا لا نتصور أن يخاصمك عمك من غير سبب- فعليك أن تعتذر وأن تسعى إلى الإصلاح، وأن تقدم له كافة المبررات التي ترضيه عنك، وإذا لم يرض فاستمر في استرضائه والسلام عليه وتقبيل رأسه حتى يرضى عنك، هذا إذا كان الخصام في الدنيا، أما إذا كان الخصام في الله، كأن أبغضته في الله، أو كان -والعياذ بالله- بعيداً عن الله، فإنه يجوز لك قطيعته إذا كان مستمراً على معصية الله.

حكم ما يسمى بالأغاني الدينية

حكم ما يسمى بالأغاني الدينية Q ناقشت أحد الشباب في حكم الأغاني فقال: بعض الأغاني الدينية حلال، مثل أغنية أم كلثوم (حديث الروح)؟ A الدين ليس فيه أغاني، غداً سوف يصنعون لنا زنا ديني، وربا ديني، وخمر ديني ثم يقولون: كفر ديني، ما معنى: غناء ديني؟! الغناء شيء والدين شيء فلا يصح أن نقول: أغاني دينية، هذا الكلام خطأ -يا إخواني- وهذه من المهزلة أن نسمي كلاماً يأتي عبر أصوات فاتنة وموسيقى صاخبة كلام ديني. وربما الكلام نفسه الذي قاله محمد إقبال في حديث الروح كلاماً جيداً، لكن عندما غنته شوهته، يقول: إذا الإيمان ضاع فلا أمانُ ولا دنيا لمن لم يحي دينا حسناً أين الدين؟ وأين دينكِ أنتِ؟ فهذا الكلام غلط وما في أغاني دينية، والأبيات إذا كانت سليمة ينبغي أن تبقى سليمة ولا تنجس ولا تلطخ بالمعازف والأشياء التي لا ترضي الله.

خير المتخاصمين البادئ بالسلام

خير المتخاصمين البادئ بالسلام Q لي صديق تخاصمت معه، وهو من بدأني بالخصام، فمن الذي يبدأ بمراضاة الآخر أنا أم هو؟ A الذي فيه خير هو الذي يبدأ، في الحديث: (وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) إذا أردت أن يكون الخير فيك فاذهب أنت الأول، وإذا كنت لا تريد الخير فربما يسبقك هو، فأنت كن من أهل الخير واذهب إليه لتكسر رقبة الشيطان، ولا يأتيك الشيطان فيصرفك عن هذا الخير.

حكم كشف الزوجة على أخي الزوج

حكم كشف الزوجة على أخي الزوج Q كثير من الناس يسكن معه في بيته أخوه، وزوجته لا تحتجب عنه، فما رأيك في هذا؟ A أقول لك: حرام، (الحمو الموت)، ولا يجوز لك، وإذا كان أخوك معك فليس معنى هذا أنك تطرده من البيت، أخوك يسكن معك لكن لا يسكن مع زوجتك، يسكن معك في بيتك، خصص له غرفة وحماماً، ويجلس في البيت وليس بالضروري أن يجلس معك ويرى المرأة، أو تقول: يا أخي اخرج أو هو يقول: والله لا أسكن معه؛ لأنه غطى امرأته عليَّ، يعني عندما غطيت امرأتي لا تريد أن تقعد معي، أجل ربما من أجل المرأة تجلس عندي، وعندما غطيتها خرجت، جعلك الله ما ترضى، اذهب.

صحة حديث المعراج المنسوب لابن عباس

صحة حديث المعراج المنسوب لابن عباس Q هناك كتاب يسمى الإسراء والمعراج فيه ثلاثون صفحة، وهو منسوب لـ ابن عباس، هل هذا صحيح؟ A لا. ليس بصحيح، هذا الحديث الموجود فيه ليس بصحيح، لأنه جمع فيه الأحاديث ووضعها وقال: عن ابن عباس رضي الله عنه قال قال ثم أتى بثلاثين صفحة، لا يوجد في الدنيا حديث مكون من ثلاثين صفحة، فهو مجمع من الحديث الصحيح والضعيف والموضوع ولا يعتمد له، ولا يرجع إليه، وليس له أصل.

نصيحة لمن لا يغض بصره

نصيحة لمن لا يغض بصره Q كنت شاباً أمشي مع شباب ملتزم، ثم سافرت إلى هذه المنطقة، وكنت أغض بصري قبل السفر، ولكني بعد أن تركتهم ووصلت هنا أصبحت في حرب مع الشيطان من أجل غض البصر، فقل لي قولاً يعينني؟ A أقول لك يا أخي: اتق الله في نظرك، وكما قال الحسن: [اعلم بأن نظر الله إليك أسرع من نظرك إلى المرأة التي تنظر لها] تذكر وأنت تتلفت أن الله يراك في تلك اللحظة؛ لأنهم قالوا للحسن البصري: بم نستعين عل غض البصر؟ قال: [بعلمكم بأن نظر الله إليكم أسرع من نظركم إلى النساء] فاتق الله يا أخي! وحاول وأنت تصطاف أن تبحث عن رفقة طيبة.

حكم الاختلاط بالنساء الأجنبيات

حكم الاختلاط بالنساء الأجنبيات Q نحن أهل بادية نجلس مع نساء جيراننا وجماعتنا على القهوة بدون حجاب، فهل علينا إثم؟ A نعم عليك إثم، وما من نظرة تنظرها إلى امرأة لا تحل لك إلا سمَّر الله يوم القيامة في عينيك مسمارين من نار، وسمر الله في جسدها التي نظرت إليها مسمارين من نار، فلا تنظر لها ولا تنظر لك -يا أخي- فعليك أن تتقي الله؛ لأن الله قد أمر بالحجاب، وقال للصحابة: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:53].

حكم الخلوة في السيارة بالأجنبيات

حكم الخلوة في السيارة بالأجنبيات Q أنا في البادية، وأصادف أحياناً بعض النساء وما هن بمحارم لي ويطلبن مني إيصالهن إلى السوق أو إلى المستشفى، فهل يجوز لي أن أحملها في السيارة؟ A لا. لا يجوز لك أن تحمل امرأة لا تحل لك في السيارة بغير محرم، إذا كان محرمها معها فلا مانع، أما امرأة لوحدها فلا يجوز (ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما).

سقوط الفاتحة عمن أدرك الركعة

سقوط الفاتحة عمن أدرك الركعة Q إذا دخلت والإمام في الركوع فهل يسقط عني دعاء الاستفتاح وقراءة الفاتحة؟ A نعم. تسقط عنك قراءة الفاتحة ودعاء الاستفتاح ولا ينبغي لك أن تضع دعاء الاستفتاح مع قراءة الفاتحة في مرتبة واحدة، دعاء الاستفتاح سنة، وقراءة الفاتحة ركن، لكن تسقط للحديث في سنن أبي داود: (من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة) ولكن بعض أهل الحديث يتزعمهم الإمام البخاري يرى أن إدراك الركوع لا تتم به إدراك الركعة لحديث عبادة بن الصامت: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ولكن الصحيح الذي عليه أهل العلم والأئمة الأربعة كلهم أن: (من أدرك الركوع فقد أدرك الركعة).

حكم صب فضلات الأشربة في المجاري

حكم صب فضلات الأشربة في المجاري Q هل يجوز صب الشاي والقهوة وغيرها في المجاري والغسالات التي تذهب إلى البيارات والمجاري العامة؟ A نعم لا شيء في هذا، ولا تشدد على نفسك -يا أخي- فيشدد الله عليك؛ لأن هذه الفضلات التي انتهت أصبحت بحكم الفضلة التي في يدك، أي لم يعد لها حرمة الطعام الطيب، أصبحت من الأشياء التي تتخلص منها من قدور أو من إناء، لكن بشرط ألا يكون طعاماً تراه بعينك، يعني لا تأتي المرأة بنصف قدر من أرز وتصبه في البيارة، لا يجوز هذا. لكن أقصد الفضلة التي تأتي في طرف القدر من غير أن يكون طعاماً بارزاً فهذا ليس فيه شيء إن شاء الله؛ لأننا لو قلنا للناس لا، معناه يلزمنا نعمل في مدينة أبها مجاري أخرى، وهذا ليس فيه دليل يحكم به.

أحكام في لباس المرأة

أحكام في لباس المرأة Q ما رأيكم في سحاب ثوب المرأة الذي من الظهر أو الجنب أو الأمام؟ A على ما تراه من الظهر أو الأمام أو، بعض الناس يحمل نفسه ويقول: حرام أن تضع السحاب من الظهر، من الذي قال لك: بأنه حرام؟ ما دام أن هذا الظهر أو الصدر لا ينكشف على أجنبي، أما السحاب تضعه من الأمام أو من الخلف كله سواء.

حكم ذبيحة من لا يصلي ولا يصوم

حكم ذبيحة من لا يصلي ولا يصوم Q لدي قريب لديه مسلخ دجاج في أبها، ويعمل فيه عاملان بأجر شهري، ولكنهم لا يصلون ولا يركعون لله ركعة، فهل يجوز أكل ما يذبحون من الدجاج، مع العلم أنهما يكبران ويتوجهان إلى القبلة، وقد يصيح يقول: الله أكبر! وهو لا يصلي؟ مع العلم أنهم لم يصوموا شهر رمضان؟ A والله لو يكبر بميكرفون فإن ذبيحته حرام، بعض السلاخين يرائي، أقول له: هل أنت تصلي؟ قال: إن شاء الله، وإذا به يصيح الله أكبر، يظهر لك أنه يكبر ويصلي، لكن إذا كان لا يصلي فهو كافر ولا يجوز أكل ذبيحته وإذا كان صاحب مسلخ فأنت تطعم الناس حراماً، إذا علمت أن هذا العامل لا يصلي ينبغي أن تسفره الآن، ولا يذبح غداً دجاجة واحدة؛ لأن كل دجاجة تذبح من هذا الكافر فإنما تؤكل حراماً، لو أنه يهودي فإنه أفضل من هذا الذي لا يصلي، لو أتيت بيهودي أو نصراني. مع العلم أنه لا يجوز إدخاله الجزيرة العربية؛ لأن الرسول أمر ألا يبقى في الجزيرة العربية إلا دين واحد، فلا تأتي بيهودي ولا نصراني إلى الجزيرة لأنه لا يجوز، لكن لو أن يهودياً ذبح فذبيحته حلال، وذبيحة هذا الكافر الذي يترك الصلاة لا تحل.

حكم إهمال صلاة الفجر

حكم إهمال صلاة الفجر Q أنا شاب في الثانوية أقيم الصلاة والحمد لله ولكني لا أصلي صلاة الفجر؟ A وماذا تصلي؟ أجل تصلي الصلاة التي تكون مستيقظاً وقتها، إن صلاة الفجر هي المقياس، وهي ترمومتر الإيمان، يقول العلماء: إن الظهر والعصر والمغرب والعشاء مثل الامتحانات الفصلية، لكن هناك امتحان نهائي، ما رأيكم إذا حضر الفصلي كله، وعندما جاء الامتحان النهائي ما أتى، أينجح أو يرسب؟ يرسب ولو يأتي في امتحانات الفصل الدرجة كاملة، فالله جعل صلاة الفجر امتحان نهائي للمؤمنين، وقال فيها: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء:78]. وقال فيها النبي في الصحيحين: (أثقل الصلوات على المنافقين صلاتي العشاء والفجر) فيا أخي! يا شاب! يا من وفقك الله للصلاة: إن كنت تريد أن تكون مؤمناً فأقم صلاة الفجر واحرص عليها، ومن لا يؤديها في المسجد باستمرار فهذه علامة النفاق، لا تسأل أنا منافق أو مؤمن، أنا من أهل الجنة أو من أهل النار؟ لكن اسأل نفسك في صلاة الفجر، فإن كنت من أهلها باستمرار فاعلم أنك مؤمن، وإن كان العبد لا يشهدها فاعلم أنه منافق، وليس بينه وبين عذاب الله إلا أن يموت، فهذا كلام الرسول يا إخواني، والحديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم يقول: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاتي العشاء والفجر). حسن أيها الشاب! يا صاحب السؤال، أسألك بالله -أنا لا أعرفك ولا تعرفني- لو صدر أمر هذه الليلة أن صلاة الفجر من حضرها يأخذ مائة ريال، فما رأيك أتقوم أم لا؟ والله إنك سترى هذا المسجد يمتلئ إلى الباب، وسوف يأتي الناس من قبل الصلاة؛ لأنه يقول: سوف يكون التسليم للصف الأول فالأول، فالذي يأتي بالصف الأول يستلم الأول، والذي يأتي هناك ينتظر إلى الساعة التاسعة، ما رأيك؟! إنهم سوف يتقاتلون (بالمشاعيب) على الصف الأول، بل بعضهم سيأتي بمخدته وينام هنا، يقول: لن يأتيني النوم في البيت أنا أخاف أن تفوتني الصلاة، ولو قام وما أيقظ أولاده فسوف يزعلون كلهم، ولو أيقظهم وذهب المسجد وأتى وهم نائمون لضربهم، إذا عندك ثلاثة أولاد ستربح ثلاثمائة ريال ستفضون بها وتتغدون وتتعشون وراتبك وراء ظهرك فمائة ريال أعظم أو الجنة؟! فاسأل نفسك الآن، إن كنت تريد الجنة صل الفجر بالمسجد، وإن كنت تخدع نفسك وتصلي صلاة وتدع صلاة الفجر في المسجد فاعلم أنك مخذول -والعياذ بالله- وعليك أن تتوب إلى الله عز وجل.

حكم استخدام الأدوات العامة لأغراض شخصية

حكم استخدام الأدوات العامة لأغراض شخصية Q أنا أشتغل في مكتب فهل يجوز لي أن أستخدم الأوراق والأقلام التابعة للمكتب في عملي الخاص؟ A لا يجوز، إن كان المكتب لإنسان صاحب عمل شخصي واستأذنت صاحبه وسمح لك فلا مانع، وإن كان المكتب رسمي للدولة فالدولة لا تسمح لك أن تستعمل مقدراتها في أغراضك الخاصة، لا دبوس ولا قلم ولا مسطرة، ولا ظرف، ولا ورقة: ومن أخذ فهو غلول {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:161] ولو ظرف تأخذه من المكتب يأتي يوم القيامة وأنت تحمله على رقبتك، ولا تقل: الأمر هين؛ لأن موازين القيامة ترجح بالخردلة {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه} [الزلزلة:8] لا تلم إلا نفسك، قد تقول: إني قد فعلت في الماضي فنقول: رده، تقول: لا أعلم نقول: قدّر وزد على ما تقدره، إذا كنت أخذت أقلاماً ردها، أو مساطر أو دباسة أو أي شيء تعرف أنك قد أخذته أحضره، تحلل منه اليوم قبل أن تحمله يوم القيامة في رقبتك، قال الله: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ} [الأنعام:31] وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (لا ألفين أحدكم يأتيني يوم القيامة وعلى رقبته بعير له رغاء فيقول: أغثني يا رسول الله! فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك، ولا ألفين أحدكم يأتيني وعلى رقبته يوم القيامة بقرة أو شاة أو صامت أو رقاع) كلها تأتي بها وتأخذها من فوق ظهرك تحلل منها الآن قبل أن تموت.

قبول توبة المريض بالمرض الخبيث

قبول توبة المريض بالمرض الخبيث Q هل توبة المريض بالمرض الخبيث كالسرطان والإيدز مقبولة؟ A نعم. توبة المريض مقبولة ما لم يغرغر، إذا غرغر والروح في حلقه لا تنفع التوبة، أما إذا كان مريضاً فإن المريض يمرض وربما يعيش سنين عديدة، فإن توبته مقبولة بإذن الله عز وجل.

حكم مجالسة أهل المعاصي

حكم مجالسة أهل المعاصي Q يعلم الله أني أحبك في الله وأرجو أن تساعدني على هذا السؤال، فإن عندي أصدقاء أجالسهم ولكن يعلم الله أني لا أعمل أي منكر يفعلونه، وكذلك لا أسمع الأغاني والحمد لله، وإني أسمع المحاضرات، فهل عليَّ إثم من جلوسي معهم؟ A نعم. الأصدقاء الذين تجالسهم وهم ليسو من المؤمنين عليك منهم إثم، إلا أن تكون مجالستك لهم بقصد الدعوة، وغرض الهداية، فأنت كالطبيب تصبر عليهم، أما إذا كنت معهم وساكت فإن عليك خطر بأن تكون مثلهم في يوم من الأيام.

حكم ترك العمل خوف الرياء

حكم ترك العمل خوف الرياء Q شاب داعية إلى الله يثني عليه الناس، فترك الدعوة إلى الله خوفاً من ثناء الناس؟ A هذا كمن يترك الصوم خوفاً من الناس، لا تترك الدعوة خوفاً من ثناء الناس؛ لأن الصحابة سألوا قالوا: (يا رسول الله! الناس يثنوون على الإنسان فيستبشر، هل هذا من الرياء؟ قال: لا. ذلك عاجل بشرى المؤمن) إذا عملت العمل لوجه الله، ثم أثنى عليك الناس بما أنت عليه من خير، ووجدت في نفسك اغتباطاً فهذا عاجل البشرى لك، مثلما أثنى الرسول صلى الله عليه وسلم على عمر وقال: (ما سلكت وادياً إلا سلك الشيطان فجاً غيره) وأثنى على أبي بكر وقال: (إيه يا أبا بكر لو وزن إيمان العالمين بإيمان أبي بكر ما وزن بإيمان أبي بكر) وأثنى على عثمان وقال: (ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة) وأثنى على علي، وأثنى على كثير من الصحابة وفرحوا فهل في هذا رياء؟ لا. أبداً.

البث المباشر ومخاطره

البث المباشر ومخاطره Q ما صحة ما يقال عن البث المباشر، وما واجبنا نحوه؟ A يا إخواني مسألة البث المباشر نحن نستبق الأحداث، وأنا أقول: إن الخوض في هذه الأمور من الخوض في الأمور التي لم يحن أوانها، فلكل حادثة حديث ونسأل الله أن يكفي المسلمين كل بلاء في الدنيا والآخرة.

حكم زواج الشغار

حكم زواج الشغار Q شابان يريد كل منهما أن يتزوج بأخت الآخر بغير شرط؟ A لا يصح لا بشرط ولا بغيره؛ لأنه وإن لم يشترط الشرط فهو مشترط في القلب، وهذا يسمونه نكاح الشغار وهو حرام في الشرع، لكن إذا أتيت تتزوج من واحدة من غير أن يكون في ذمتك أو تواطئك أو أنكم اتفقتم أن هذه بهذه؛ لأن بعض الناس يتحايل وما على الله حيلة، لكن لو تزوجت ببنت واحد، وبعد ما تعارفتم تبين لك أن عندهم ولد وعندهم بنت وأردتم أن تتزوجوا فليس هناك شيء.

حكم خروج الزوجة بدون إذن زوجها

حكم خروج الزوجة بدون إذن زوجها Q سمعنا أن المرأة التي تخرج بدون إذن زوجها عليها لعنة الله، فما رأيكم في المرأة التي تخرج من بيت زوجها في غيابه وبالملابس الجديدة؟ A هذا محرم عليها، لا يجوز لها أن تخرج في غيبته سواءً كان موجوداً أو غائباً إلا بإذنه، وإذا خرجت فلا يجوز لها أن تخرج متبرجة.

حكم الاستهزاء بالملتزمين

حكم الاستهزاء بالملتزمين Q كنت عاصياً في شبابي والآن تبت إلى الله، ولكن للأسف زملائي لا يزالون يستهزئون بي ويسخرون مني، خصوصاً عندما أطلقت لحيتي وهي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فماذا أصنع؟ A اصبر على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، واعلم بأن سنة الله جارية في أن المجرمين يستهزئون بالمؤمنين، هذه سنة والله يقول: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين:29] {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ} [الحجر:95] {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ} [الأنعام:112] فهؤلاء أعداء يحاولون زعزعة عقيدتك وأقل درجة أنك تثبت على الإيمان، كيف تريد أن تدخل الجنة وأنت لم تثبت على شيء من دينك مقابل استهزاء الناس، بعض الناس يقولون له: يا مطوع! قال: وأنا مالي في هذه الورطة، أنا عندما أطلق لحيتي أضع عليها لوحة أني مطوع، ويناديني الناس: يا مطوع يا مطوع، إذاً كن أحلس أملس وضع رأسك مع الرءوس وامشي، فهذا خطأ لحيتك في وجهك سنة وصيانة وحماية لك، لا تستطيع أن تعمل سوءاً وأنت صاحب لحية، تستحي، فجزاها الله خيراً لأنها تعينك على الخير. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

آثار الصدق

آثار الصدق قبل أن يتحدث الشيخ في موضوع المحاضرة تحدث عن الدعاء وأهمية مرافقة العمل له، مبيناً أن من شروطه توخي الكسب الحلال، وقد أعقب ذلك بالحديث عن موضوع المحاضرة وهو الصدق، فذكر بعض الآيات التي فيها مدح للصدق وأهله، ثم تحدث عن الكذب بحجة الضرورة، ذاكراً قصة كعب بن مالك رضي الله عنه في تخلفه عن غزوة تبوك رضي الله عنه، ومبيناً فيها النهاية الحميدة لقصته.

أهمية مرافقة العمل للدعاء

أهمية مرافقة العمل للدعاء السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد: أسعد الله أوقاتكم، وجمعنا الله وإياكم في الدنيا على الهداية، وفي الآخرة في دار الرحمة والغفران، وآباءنا وأمهاتنا وإخواننا المسلمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وهذا الدعاء ينبغي أن يرافقه العمل؛ لأن العلماء يقولون: إن المؤمن يعيش دائماً بين الخوف والرجاء، الخوف من عذاب الله، والرجاء في رحمة الله. ومن الرجاء والخوف ما يكون رجاءً وخوفاً حقيقياً, ومنها ما يكون رجاءً وخوفاً صورياً كاذباً. والرجاء الحقيقي: هو الذي يكون مصحوباً بالعمل. والخوف الحقيقي: هو الذي يكون مصحوباً بالامتناع عن المحرمات، والقيام بالفرائض والواجبات. أما الذي يرجو رحمة الله دون أن يتعرض لها، ويخشى عقاب الله دون أن يهرب منه، فهذا رجاؤه كاذب، وخوفه كاذب. وقد ذكر الله عز وجل في القرآن الكريم نماذجاً من الرجاء الصادق، فقال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر:29]. عملوا المقدمات التي يبرهنون بها على أن رجاءهم صادق. وأضرب لكم على ذلك مثالاً لمن يرجو الرجاء الصادق، ومن يرجو الرجاء الكاذب: لو أن إنساناً يريد نعمة الولد؛ ونعني بالولد: الذكر والأنثى؛ لأنه إذا أُطلِق، فهو يُراد به الجنسَين، حتى لا يظن أحد أن المراد به الذكر دون الأنثى، يقول الله عز وجل: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء:11] {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة:233]، إلى غير ذلك من الآيات، فالذكورة والأنوثة تندرج تحت لفظ الولد، فإذا أراد رجل أن يُنعم الله عليه بنعمة الولد؛ لِمَا تحدثه هذه النعمة من زينة في هذه الحياة؛ فإن الله قد نص على هذا في القرآن فقال: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:46]، ولا يستطيع الإنسان أن يعرف قدر هذه الزينة إلا إذا مارس أسبابها -إذا تزوج- ووجد أن قطعة من جسده وفلذة كبده تسير على الأرض أمامه؛ فإنه يحس بنوع من الجمال تضفيه هذه النعمة على حياته. فلو أراد إنسان هذه النعمة وجلس يدعو ويرجو الله أن يرزقه ولداً، دون أن يتزوج، فهل يُسمى هذا الرجاء رجاء صادقين؟! لا. إذا أردتَ أن تُرزق هذه النعمة فإنك لا بد أن تتزوج، ثم بعد ذلك تطلب من الله أن يرزقك الولد، ولكن إذا ظللت في الصباح والمساء تطلب من الله أن يرزقك بولد يملأ عليك الحياة سروراً وحبوراً دون أن تتزوج؛ فإن هذا يُسمى: رجاء الكاذبين؛ لأن لله سنناً في الكون، لا يُنَزِّل لك ولداً من السماء هكذا بدون زوجة، بل لا بد أن تتزوج. وكذلك لو أن عند إنسان مزرعة، وهذه المزرعة قابلة للحراثة، وقابلة للزراعة، ولكن الرجل كسلان، لا يستطيع أن يعمل فيها، ويزرعها، ويسقيها، ويتعهدها، فجاء إليها، وطلب من الله عز وجل أن يزرع له هذه المزرعة، وأن ينبت فيها الأشجار، وأن يوجد فيها الثمار، وأن يشق فيها الآبار، وأن تكون خضراء صيفاً وشتاءً، ودعا بأدعية كثيرة، فهل يمكن أن يكون هذا؟! وطلب من الله عز وجل وقال: اللهم أنزل لي (دَرَكْتَرات) من السماء و (حراثات) من عندك، يا رب العالمين، وعمالاً يعملون فيها بالليل، وآتي في النهار وهي مزروعة. هذا دعاء المغفلين! لا يمكن أن يحصل هذا! متى تكون راجياً وداعياً حقيقياً؟! إذا جئتَ على المزرعة، فنظَّفتَها، ثم حرثتَها، ثم بذرتَها، ثم أسقيتَها، وبعدما انتهى كل شيء مما عندك، بقي ما عند الله، وما هو؟ هو الإنبات، {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة:64]، فتأتي فتقول: اللهم أنبت لنا الزرع، اللهم بارك لنا في ثمارنا، اللهم احفظها من الآفات. هنا يكون دعاؤك ورجاؤك دعاء الصادقين، الذين أخذوا بالأسباب وتعرضوا لها، واعتمدوا على مسببها وهو الله عز وجل.

أهمية الأكل الحلال في استجابة الدعاء

أهمية الأكل الحلال في استجابة الدعاء لا نريد أن نسهب في هذا الموضوع؛ ولكني جئت إليه من باب أن دعاءنا ينبغي أن يكون مرافَقاً ومصاحَباً للعمل؛ فإذا دعا العبد ربه وعمل صالحاً كان حرياً أن يكون -إن شاء الله- من أهل الاستجابة، أما ذلك الرجل الذي تعرفونه في الحديث، والحديث في صحيح مسلم: (الرجل أشعث أغبر)، أي: جميع ملابسات ودواعي الاستجابة موجودة، أشعث، أغبر، وبعد ذلك، (يمد يديه إلى السماء) يرفعها، وبعد ذلك يقول: (يا رب! يا رب!) يدعو الله، ويكرر، هذه كلها وسائل إجابة؛ لكن: (مطعمه حرام، ومشربه حرام، وغُذِّي بالحرام) فهل يُستجاب له؟ قال: (فأنى يستجاب له؟!) ما أخذ بوسائل الدعاء الحقيقية من الكسب الحلال؛ لأن الكسب الحرام حاجز بين العبد وبين الله بالدعاء، لا يستجيب الله لجسد نُبِتَ على سُحت أو غُذِّي بالحرام، وكما جاء في الحديث، والحديث موجه لـ سعد بن أبي وقاص، خال النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (يا سعد! أطِبْ مطعمك تُجَبْ دعوتُك) إذا أردت أن تكون مستجاب الدعوة ففكِّر في المال الذي تأكله، ولا يدخل بطنك إلا حلالٌ، وطبعاً هذا الحلال هو من الدخل الذي يأتيك، فراتبك إن كنت موظفاً، يجب أن تحرص كل الحرص على ألا يكون فيه ريالٌ من حرام، كيف؟! عن طريق الدوام المخلص المنضبط، من أول دقيقة إلى آخر دقيقة، وإذا تأخرت فيكون بعذر، ولدى صاحب الصلاحية علم ليأذن لك، أما التهرب والتسيُّب والتأخر، كأن تأتي في الساعة الثامنة ثم توقِّع على الساعة السابعة والنصف، فتتأخر كل يوم نصف ساعة، فهذه ستخرج منك يوم القيامة دماً، تخرج عذاباً من ظهرك، فإن حضرت في الساعة السابعة والنصف فوقع في الساعة السابعة والنصف، وإذا جئت في الساعة الثامنة إلا ربعاً فَضَعْ الساعة الثامنة إلا ربعاً، واذهب إلى المدير وقل له أنك تأخرت ربع ساعة، فإن أردت أن تحسبها احسبها؛ لأن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، لكن إذا كان هناك مدير جيد يريد أن يربي العاملين عنده على الجدية والإخلاص، وقام بهذا الأمر اتخذه كل الناس عدواً، وقالوا: فلان مشدِّد، هذا منفِّر. وذلك المتساهل المتسيب، الذي ليس عنده من عمل، يقولون عنه: هو طيب، الله يذكره بالخير، الله أكبر يا ذاك الرجل! ما أحسن منه! سبحان الله! انعكست المفاهيم! أصبح المتساهل هو الطيب، والجِدِّي هو الرديء، لماذا؟ لأن مفاهيمنا مغلوطة، ونظراتنا معكوسة، فإنا لله وإنا إليه راجعون! فلا بد من الأخذ بالأسباب.

مدح الصدق وأهله في القرآن الكريم

مدح الصدق وأهله في القرآن الكريم أيها الإخوة في الله! سبق أن قلنا: إن أسوأ الأخلاق وأقبحها وأشنعها في الدين والأخلاقيات عند الأمم هو: الكذب، وأن أفضلها وأرقاها وأعظمها هو: الصدق، والصدق فضيلة، حثت عليه الأديان، وأيضاً هو خلق كريم، تتخلق به الشعوب الراقية. فالأمم المتمدنة الناهضة ترى أن من العيب أن تكذب، حتى ولو لم تكن على دين؛ لأن الكذب يلغي شخصية الإنسان، والكذب يجعل الإنسان كأنه غير موجود، ليس له قيمة؛ لأن قيمتك في صدقك وثقة الناس فيك، فإذا كنتَ لستَ بصادق، ولست موضع ثقة للناس، فلا قيمة لك، بل قيمتك قيمة حيوانية، لا مفاهيم، ولا مبادئ وأخلاق. كان الصدق عند العرب شيء معروف، لا أحد يكذب أبداً. وقبل أن يبعث النبي صلى الله عليه وسلم كان يُسمى: الصادق الأمين صلوات الله وسلامه عليه، وكان أبو بكر الصديق صِدِّيق هذه الأمة، وأيضاً أثنى الله في كتابه على إسماعيل، فقال: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً} [مريم:54 - 55]. ويقول عز وجل وهو يمتدح صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن صدقوا حقيقة في إيمانهم فقال: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} [الأحزاب:23]. وقال: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} [الأحزاب:8]. وقال: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} [الزمر:33]. فالصدق: محمدة في الدنيا والآخرة.

حكم الكذب بحجة الضرورة

حكم الكذب بحجة الضرورة وبعد أن تكلمنا في الأسبوع الماضي عن الكذب وعاقبته، وأنه دمار وخسارة ووبال في الدنيا والآخرة، وأنه مادة الكفر والنفاق، فإن الكفر والنفاق بناء أساسه وأركانه وأعمدته وقواعده الكذب، وأي شيء يُبنى على الكذب هل تكون له خاتمة؟! لا والله، بعدها قُدِّمت أسئلة كثيرة، واتصل بي بعض الإخوة بعدما خرجت من المسجد يسألون قائلين: ما حكم من يلجأ إلى الكذب اضطراراً -أي: أنه لا يريد أن يكذب عن اختيار؛ لكنه مضطر- لأنه لو صدق لتعرض للضرر، ولعرَّض نفسه لشيء من العنت والحرج والمشقة، فما الحكم؟ نقول له: إن الصدق مطلوب، والكذب غير وارد أبداً، حتى ولو كان الصدق يعرضك لشيء من الأذى والمشقة؛ لأنك في هذا الموقف الذي تريد أن تصدق فيه أو تكذب وقعت بين فَكَّي (كمَّاشة)، بين عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة، أنت إن كذبت سلمت من سخط الدنيا، أو ضيق الدنيا، أو مؤاخذة الدنيا، كأن تكذب على الأستاذ لكي تسلم من العصا، أو تكذب على أبيك كي تسلم من المؤاخذة، أو تكذب على زوجتك حتى تسلم من اللّوم، أو تكذب على جارك، أو تكذب على قريبك، وتقول في نفسك -مثلاً-: لو قلتُ له الصدق ربما يغضب عليَّ، فأنا أداري خاطره؛ لكي لا يغضب عليَّ، فكذبتَ هنا؛ لكن رتَّبت بكذبتك هذه عليك عقوبة من عقوبات الآخرة، تنتظرك، ولو أنك صدقت في الدنيا لرتَّبت على نفسك عقوبة من عقوبات الدنيا، تنتهي منك، فأنت وازن وقارن بين عقوبة الدنيا وعقوبة الآخرة، تجد أنه لا نِسْبة ولا تناسب، إذا كانت عقوبة الدنيا واحدة، فعقوبة الآخرة ملايين، دعهم يغضبوا، ماذا هناك؟! اصدق عند المرأة، ودعها تغضب؛ لأنك لو كذبتَ فليتَها ترضى، اصدق عند الجار، واصدق عند المدير، وبعد ذلك إذا صدقت باستمرار أرحتَ نفسك؛ لأن الصدق عُملة واحدة لها وجه واحد فقط، ليس عندك إلا الصدق؛ لكن الكذب فيه تلوُّن، ولهذا يقول الحكماء: إذا كنتَ كَذوباً فكن ذَكوراً. أي: اجعل ذاكرتك قوية لكي لا تقول كذبة الآن، وتأتي غداً تنقضها، وكم جهدك تتذكر كل ساعة، ودائماً الذي يكذب ينسى. وأذكر مرة من المرات، وأنا مسئول، جاءني أحد العاملين يطلب مني إجازة اضطرارية لمدة ثلاثة أيام، فقلتُ له: لِمَ؟ ماذا عندك من شُغل؟! فطبعاً لا بد أن أقتنع بالعذر حتى أعطيه الإجازة، فقال: عندي أختي مريضة، ومنوَّمة في المستشفى، وهو ليس لديه أخت، ولا معه مريضة، وإنما معه عمل آخر، قلتُ: لا مانع، فوقعت له على الإجازة، وذهب، وبعد فترة، أظنها حوالي بعد شهر، ونحن جالسون، وهو يصب الشاي، فكأنه أتى بقطعة خبز من حب جيد، فقلت له: والله هذا الحَب جيد، يا أخي! فقال: تريد أن أعطيك من هذا الحب؟ قلت: من أين؟ قال: معي في المنزل أتيت به من المزرعة، فقلتُ: متى؟ قال: يوم أخذت تلك الإجازة، فقلت له: أنت أخذت ثلاثة أيام؛ لأن أختك مريضة، أم لكي تسوِّي الزرع والجرجير، قال: الله أكبر على الكذب! فقلت له: كفى، عرفتُ الآن أنك كذاب. فكم تساوي هذه الكذبة؟! فلو أنه جاءني ذاك اليوم وقال لي: عندي (عَرْنة) في الزرع، وأريد أن (أدوسها)، وما عندي فرصة، فأنا أخرج من الدوام بعد العصر، فهل سأقول له: لا؟! بل أقول: نعم. لا مانع؛ لكن وضَعَها كذبة، ونسيها؛ لأنها ليست صدقاً. فالصدق هو الذي لا ينساه الإنسان، أما الكذب فينساه الإنسان. فيقول الحكماء: إذا كنتَ كَذوباً فكن ذَكوراً. أي: شغِّل (مخَّك) إلكترونياً، بحيث لا تنسى أبداً. ومرة من المرات، وكنا في الدوام، افتقدت أحد العمال، وما وجدتُه، وكان يوم ثلاثاء -وتعرفون أن يوم الثلاثاء أكثر الناس يخرجون دون إذن؛ لكي يتقضون من السوق- فبحثنا، أين فلان؟ أين فلان؟ فأجاب رجل آخر وقال: غير موجود، فجلست أبحث عنه حتى جاء بعد صلاة الظهر، فقلت له: أين أنت يا أخي؟! فقال: بل أين أنت؟ أنا بحثت عنك وما وجدتُك، فقلت له: أنا موجود وما خرجت، قال: جئتك إلى مكتبك وما وجدتُك، فظننتُك ذهبتَ هكذا أو هكذا، قلتُ: ماذا هناك؟ قال: جاءني اتصال هاتفي أن أختي توفيت في المستشفى -وهذا غير الأول وطبعاً يعرفون أننا لا نعرف أهاليهم؛ لأنهم من بلاد بعيدة- فقلت: توفيت؟ قال: نعم. توفيت، واستلمنا الجثة، ونتصل الآن على الجماعة، لكي يأتوا بعد العصر، ثم ظهر من بعد أن الرجل لديه ثلاثة رءوس من الغنم، ويريد بيعها في سوق الثلاثاء، وما لديه فرصة إلا اليوم، وما استطاع أن يعتذر، فجاء بهذه الكذبة، فقلت: جزاك الله خيراً، وأحسن الله عزاءكم، ما اسم الأخت الكريمة المتوفاة؟ قال: فلانة، قلت: تعال نسجلها، وفي أي قسم؟ قال: في قسم النساء، -فهنا يتضح أن الكذب لا يمكن أن يستمر- قال: قسم النساء، قلت: خيراً، ثم استدعيت أحد الموظفين وقلت له: اكتب كتاباً إلى إدارة المستشفى، واطلب منهم معلومات كافية عن المتوفاة فلانة بنت فلان؛ نظراً لأن أخاها يعمل عندنا، ونريد أن نمنحه إجازة من أجل العزاء، قال العامل: اكتب اكتب -أي: يريد أن يتحداني- قلت للموظف: اكتب، واذهب أنت، فذهب العامل، وإذا بالموظف يكتب فعلاً، والعامل قلق، يتتبع الخبر، هل سيكتب حقيقة أم مجرد تخويف؟ أخيراً: كُتب الكتاب، وجيء به إليَّ من أجل التوقيع، وعندما أردت التوقيع إذا بالعامل يدخل عليَّ، ويقول: حذار، الكذب ليس بجيد، أنا أتيت لكم بهذا العذر، أريد أن تعذرني فتورطني وتكتب للصحيَّة، وليس هناك من أحد، والله ما ماتت أختي، ولا معي أخت، فقلت: إذاً لماذا تكذب عليَّ؟! هل أنا مغفل؟! قال: لا. قلت: فماذا؟ قال: استحييتُ منك، قلت: سبحان الله! والله ما استحييت مني، لو أنك استحييت مني لصدقت معي؛ لكنك ظننتَ أنني (كرتون) جالس على الكرسي، وأن كذبتك ستنطلي عليَّ، أتدري؟ والله لأضاعِّفنَّ عليك العقوبة، فالعقوبة عندنا: (50%)، ثم: يوم على الكذب، والإدلاء بمعلومات غير صحيحة، فأصُكُّه بيومين، قال: كفى تبت ولن أكذب إلى يوم القيامة. فالشاهد في الموضوع -أيها الإخوة- أنه لا يوجد داعٍ للكذب، ونحن نقول هذا -أيها الإخوة- ونؤكد عليه باستمرار: لا يوجد داعٍ للكذب، لكن أكثر الناس يكذبون من غير داعٍ ولا ضرورة، فكيف تكذب؟! لا. بل كن صادقاً في كل شيء، في كل تصرفاتك، وعوِّد أولادك على الصدق، واجعل لهم ثواباً، فلو دخلت المنزل ووجدتَ -مثلاً- (راديو) مكسوراً، أو (ثلاجة) مخلوعة، ثم جاء ولدك وقال: أنا فعلت ذلك يا أبي، فقل له: لا يهمك -إن شاء الله- لن تكررها، ولو أنك كذبتَ ثم اكتشفتُ بعد ذلك لعاقبتُك عقوبة مضاعفة؛ لكن ما دمتَ صادقاً فأنا أشكر فيك هذه الشجاعة الأدبية، وأشكر فيك هذا الصدق والوفاء، سامحك الله، فبهذه الطريقة! يحب الولد الصدق إلى يوم القيامة؛ لأن الصدق نجاة.

قصة كعب بن مالك رضي الله عنه

قصة كعب بن مالك رضي الله عنه وسوف أذكر لكم الآن القصة التي وعدتُكم بها؛ لنعيش في أجوائها، وكان بالإمكان أن آتي بها مما حفظت من الحديث، ولكني آثرتُ أن أنقل لكم الحديث بنصه، كما رواه الإمام البخاري في صحيحه، وهو من حديث كعب بن مالك، حديث الثلاثة الذين خُلِّفوا؛ لننتقل جميعاً إلى ذلك الجو العظيم، وتلك المشاهد التي مرت بهذا الصحابي الجليل وهو مشهد التخلف، ثم مشهد المعاناة بعد رحيل النبي صلى الله عليه وسلم، وذهابه إلى الغزو، ثم مشهد الألم الذي حصل له بعد أن رجع الرسول، ماذا يقول ويكذب، ثم مشهد الصدق، ثم مشهد المعاناة، وأخيراً مشهد الفرج الذي جاء بعد توبة الله عز وجل على كعب بن مالك، وصاحبيه هلال بن أمية ومرارة بن الربيع رضي الله عنهم وأرضاهم.

نبذة مختصرة عن راوي الحديث ابن شهاب الزهري

نبذة مختصرة عن راوي الحديث ابن شهاب الزهري الحديث يرويه الإمام البخاري في صحيحه، وهو من رواية ابن شهاب الزهري، الذي ذكرنا لكم طرفاً من سيرته، والسيرة ذكرها الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء: [وهو أنه دخل هو وسليمان بن يسار على هشام بن عبد الملك، فسأل هشامٌ سليمانَ بن يسار -وهذا الأخير إمام من أئمة الدين- قال له: من الذي تولى كِبْرَه؟] وذلك في قضية الإفك، التي دارت حول عرض عائشة رضي الله عنها، قال الله: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور:11]، وبني أمية متعاطفين مع عائشة وضد علي رضي الله عنهما. فقال: [من الذي تولى كِبْرَه؟ قال سليمان بن يسار: عبد الله بن أُبَي بن سلول -زعيم المنافقين- قال: كذبتَ، بل علي بن أبي طالب، فسكتَ سليمان، قال: أمير المؤمنين أعلم، ثم دخل الزهري قال له: يا زهري! من الذي تولى كِبْرَه في الإفك؟ قال: عبد الله بن أُبَي بن سلول، قال: كذبتَ، بل علي بن أبي طالب، قال: أنا أكذبُ -لا أبا لك-؟! بل كذبتَ أنتَ وأبوك وجدك، والله لو نادى منادٍ من السماء أن الكذب حلال ما كذبتُ] ابن شهاب هذا لا يعرف الكذب رضي الله عنه وأرضاه، وهو إمام وعَلَم من أعلام الإسلام، وحافظ من حفاظ الأمة، وهو تابعي، أدركَ أبا هريرة، ولقي بعض الصحابة، مثل ابن مسعود، وأخذ عنهم. يقول هو عن نفسه؛ فهو حافظ، وعقليته عقلية كمبيوتر، لا ينسى شيئاً، فيقول: [والله ما استودعتُ قلبي شيئاً فنسيه قط] ولم يكن له في بيته كتاب واحد، كانت كتبه كلها في رأسه، وما عنده مرجع واحد إلا رأسه، وكانت تودع عنده الأمانات من العلم، إذا أراد الرجل أن يحج أو يغزو أو يسافر، وعنده عشرة أحاديث أو خمسين حديثاً أو ستين حديثاً فإنه يذهب إلى ابن شهاب الزهري ويستودعها عنده حتى يرجع؛ لأنه يخاف أن يسافر، وينساها من جراء أعمال السفر. وتذكر كتب العلم أن رجلاً غزا في سبيل الله، وكان معه مائة حديث، فجاء إلى ابن شهاب الزهري، وقال: [إن عندي مائة حديث، وإني أخشى أن تتفلت عليَّ، وإني ذاهب للغزو في سبيل الله، أريد أن أستودعها عندك، قال له: كثرت عندنا الأمانات؛ لكن هات ما عندك، فسمَّع ذاك، وهذا يسجل، من مرة واحدة فقط، فذهب الرجل، وبعد عشر سنوات من الجهاد استوطن، ثم حنَّ إلى بلاده ورجع، فلما رجع كان أول شيء يسأل عنه الحديث، يريد أحاديثه، فجاء إلى ابن شهاب، وقال له: يا إمام! إني كنتُ قد استودعتُ عندك مائة حديث قبل سفري إلى الغزو، وقد جئت اليوم، وأنا أريدها، قال: متى؟ قال: قبل عشر سنوات، قال: أبطأتَ علينا -أي: تأخرت علينا- لكن سجل، هات قلمك -ثم يُمليها عليه كاملة، مائة حديث، كأنها مكتوبة بين عينيه-] ويقول هو عن نفسه: [ترددتُ بين الحجاز والشام خمساً وأربعين سنة، والله ما استطرفت بها حديثاً واحداً -يقول: ما وجدتُ طريفاً، أي: جديداً في الشام ولا في الحجاز - إلا وهو في رأسي] كل الأحاديث الموجودة في الشام وفي الحجاز موجودة في رأسه، رضي الله عنه وأرضاه. يقول الإمام مالك: [جلستُ إلى الزهري، فحدثني بمائة حديث ثم التفت إليَّ -ومالك لا يحتاج إلى تعريف؛ لأنه علاَّمة- فقال: يا مالك! كم حفظتَ من الأحاديث؟ -أي: التي قلتُها لك الآن؟ - قال: حفظتُ أربعين -ومن الذي يحفظ من مرة واحدة أربعين حديثاً؟ أي أن نسبة الحفظ عنده (40%) - قال: حفظتُ أربعين، فوضع الزهري يده على جبهته، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون! كيف نقص الحفظ] يقول: كيف نقص الحفظ؟ لم تعد تحفظ إلا (40%)؟ أما الزهري فيحفظ (100%) كلها فلا ينقص، رحمة الله عليه. وكانت علومه كلها من رأسه، وكان يكثر من شرب العسل، ويقول: [إن شرب العسل يُقوي الذاكرة] وأنا لا أدري، هل هذا الكلام صحيح أم لا؟ لكن ذكره عنه العلماء، والذي أعرف أن شرب العسل شفاء من كثير من الأدواء، خصوصاً أدواء البطن والقرحة والتهابات القولون وأدواء الباطنية، فهذه كما نص القرآن: {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاس} [النحل:69]، ففيه شفاء؛ لكن أفادنا الإمام هذا أن شرب العسل يقوي الذاكرة، ويجعل الإنسان سريع الحفظ، وبالإمكان -والحمد لله- أن نشرب العسل باستمرار؛ ولأنه لا يضر؛ لأن بعض الشباب أو الناس يقول: أريد أن آكل عسلاً، فإذا أكلت ملعقة يضيمني ويحرقني، هذا بالطبع يحصل؛ لأنه يأكله، فلا تأكله بل اشربه، فهناك فرق بين من يأكل ويشرب؛ لأنك إذا أكلته هكذا ونزل إلى معدتك، فإنه يكون ثقيلاً وحاراً، أما إذا ذوَّبتَه في الماء الفاتر، ثم شربته، فإنه يسري مباشرة من الفم إلى المعدة، والمعدة لا تجري عليه إي إجراء، كل أطعمة الدنيا تحتاج إلى هضم إلا العسل فإنه مهضوم في بطن النحلة، ينزل مباشرة إلى الدم ويسري في الجسم مباشرة، فلا يحتاج إلى أي إجراءات داخلية؛ لأنه كان يكثر من شرب العسل. يحدث عنه عمرو بن دينار -وهذه عظيمة جداً- يقول: [ما رأيتُ أنَصُّ للحديث من الزهري -أي: أحْفَظَ لِنَصِّ الحديث- وما رأيتُ أحداً أهون عنده الدنيا منه، والله لقد كانت عنده الدراهم كالبَعَر -يقول: الدنيا هذه إذا رآها فما كأنه يقلب إلا بَعَراً- لا يحسب لها حساباً، ولا يعرف لها وزناً]. ويقول عنه عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: [عليكم بـ ابن شهاب، فإنكم لا تجدون أحداً أعلم بالسنة منه رضي الله عنه وأرضاه]

تخلف كعب رضي الله عنه عن غزوة تبوك

تخلف كعب رضي الله عنه عن غزوة تبوك يحدِّث هذا الحديث الذي نحن بصدده، فيقول: عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب بن مالك -ولده الكبير- وكان الذي يقود أباه ويلازمه عندما كَبُر وعمي، يقول: سمعت كعب بن مالك -أي: أباه- يحدِّث حين تخلف عن غزوة تبوك، فيقول: لم أتخلف عن غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا في غزوة تبوك، غير أني كنتُ تخلفتُ بـ بدر، ولم يعاقب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً تخلف عنها؛ لأنه إنما خرج لاقتطاع عير قريش، حتى جمع الله بينه وبينهم على غير ميعاد، ما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم في بدر للقتال، بل خرج لاقتطاع القافلة؛ ولكن وقعت المعركة، ونصر الله فيها رسوله وحزبه، ولقد شهدتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة - كان من النقباء الذين بايعوا في العقبة - يقول: وما أحب أن لي بها بدراً، -يقول: ما أحب أني شهدتُ بدراً ولا شهدتُ بيعة العقبة - إن كانت بدر أذكر في التاريخ منها -أي: أن بدراً مشهورة في تاريخ الإسلام أكثر من شهرة قصة ليلة العقبة -. ولقد كان من خبري: أنني لم أكن أقوى ولا أيسر حين تخلفتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة ثم يقول: والله ما اجتمعت عندي راحلتان قط إلا في تلك الغزوة -يقول: ما كنت أقدَر ولا أيسر مني في تلك الغزوة- وما اجتمع عندي راحلتان -أي: جَمَلان في أي غزوة إلا تلك الغزوة- ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوة إلا وَرَّى بغيرها -وَرَّى، أي: أخفى جهة السير إلى هذه الجهة، وذكر أنه سيذهب إلى جهة أخرى- إلا هذه الغزوة، فقد غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر المسلمين بها -لم يقل لهم: نذهب إلى جهة معينة غير الجهة التي ذهب إليها لأنه كان في حر شديد، وفي سفر بعيد، وملاقاة عدو كثير-. فجلَّى للمسلمين أمرها، حتى يأخذوا الأُهبة، ويستعدوا لها كامل الاستعداد، والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يومها كثير جداً، لا يجمعهم كتاب حافظ -أي: لا يوجد ديوان يستطيع أحدٌ أن يعدهم فيه؛ لأنهم كما ذُكِر في السنن أنهم بلغوا أربعين ألفاً، وقيل: ثلاثين ألفاً، وقيل: عشرة آلاف، والصحيح: أنهم ثلاثون ألفاً-. قال كعب: فما رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أنه سيخفى -أي: من كثرة الناس يعتقد أن أي شخص يريد أن يتأخر أنه لن يظهر- ما لم ينزل فيه وحي، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين طابت الثمار والظلال، وتجهز رسول الله، وتجهز المسلمون، وطفقتُ أغدو لكي أتجهز، فأرجع ولم أقضِ شيئاً، فأقول في نفسي: إنني قادر. ولم يزل يُنادَى بي حتى اشتد بالناس السير، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أقضِ من جهازي شيئاً، فقلت: أتجهز بعده بيوم أو يومين، ثم ألحق بهم، فغدوتُ بعد أن فصَلُوا لأتجهز، فرجعتُ ولم أقضِ شيئاً، ثم غدوتُ، ثم رجعتُ ولم أقضِ شيئاً، فلم يزل بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو، وهممتُ بعدهم أن أرتحل فأدركهم، وليتني فعلتُ، فلم يُقدَّر لي ذلك -ما عنده أي عذر، إنما كان يُسَوِّف، ويقول: سأخرج، حتى ذهب عليه الوقت ولم يخرج- ثم كنتُ إذا خرجتُ إلى السوق بعد خروج النبي صلى الله عليه وسلم فطفتُ في السوق أحزنني أنني لا أرى إلا رجلاً مغموساً في النفاق -يقول: المخلفون كلهم كانوا من المنافقين، وهو مؤمن- فيقول: ما من أحد أراه إلا منافقاً، فأحزن كثيراً، أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء الذين اعتذروا وأعفاهم الله من الغزو -الأعمى والأعرج والمريض هؤلاء أعذرهم الله عز وجل- ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك، فقال وهو جالس في تبوك: ما فعل كعب؟ فقام رجل من بني سلمة، وقال: يا رسول الله! حبسه بُرْداهُ، ونَظَرُه في عِطْفِه -البُرد: الثوب، ونَظَرُه، أي: تَلَفُّتِه في جنبه، أي: مشغول بشكله وجماله- فقام معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه وقال: بئس ما قلتَ، والله يا رسول الله! ما علمنا عليه إلا خيراً. الله أكبر! ما أعظم الدفاع عن المؤمن بظهر الغيب، وهذا يجب أن يحيا في نفوس الناس، فإذا سمعتَ أن رجلاً ينال من مؤمن، وأنت تعرف البراءة في المؤمن أن تدافع عنه، وتقول الحق، وتقول: والله ما علمنا عليه إلا خيراً؛ لأن هذا الرجل أراد بها منزلة عند النبي صلى الله عليه وسلم من أنه هو جاهد وغزا، وذلك جالس. قال: حبسه برداه، ونظره في عطفه، فقال معاذ: بئس ما قلتَ، والله ما علمنا عليه يا رسول الله إلا خيراً، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً.

مشهد الصدق من قصة كعب رضي الله عنه

مشهد الصدق من قصة كعب رضي الله عنه قال كعب: فلما بلغني أنه قفل راجعاً من تبوك -جاءت الأزمة الشديدة الآن، ماذا يقول كعب لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ - حضرني همي، وطفقت أتذكر الكذب، وأقول: بماذا أخرج من سخطه غداًَ؟ واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل: إن رسول الله قد أظل قادماً زاح عني الباطل، وعرفتُ أني لن أخرج منه أبداً بشيء من الكذب، فأجمعتُ وعزمتُ على صدقه مهما كانت النتائج، وأصبح رسول الله قادماً، وكان إذا قدم من سفرٍ بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس، فلما فعل جاءه المخلفون من الأعراب -المنافقون الذين جاءوا يعتذرون- فطفقوا يقدمون الأعذار، ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلاً، فقَبِل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم، وبايعهم، واستغفر لهم، فسلموا من سخط الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن ماذا حصل؟ نزل قول الله عز وجل فيهم: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة:80]، هذه أول المصيبة، فما العمل الآن؟! {يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ} [التوبة:94]. يقول: (أما أنا فلما سلمتُ عليه تَبَسَّم تَبَسُّم المُغْضَب -أي: المعاتب- لماذا يا كعب تتخلف عن الجهاد؟ -ثم قال: تعال، فجئتُ أمشي حتى جلستُ بين يديه، قال: ما خلَّفك يا كعب؟! ألم تكن قد ابتعت ظهراً؟ -اشتريت لك ظهراً، أي: جملاً- قلتُ: بلى. ثم قلت: إني والله لو جلستُ عند غيرك من أهل الدنيا لرأيتُ أني سأخرج من سخطه بعذر -يقول: سألفق له، وهو رجل قدير على الكلام- ولقد أعطيت جدلاً -عندي إمكانية- ولكن والله لقد علمتُ لئن حدثتُك اليوم بحديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك عليَّ في الدنيا أو في الآخرة -يقول: لا أستطيع الكذب- والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفتُ عنك، فقال صلى الله عليه وسلم: أما هذا فقد صدق، قم حتى يقضي الله فيك -لا يستطيع رسول الله أن يستغفر له؛ لأنه ليس له عذر، كيف يستغفر له؟! فقال: الحكم فيك لله تبارك وتعالى- قال: فقمتُ وخرجتُ وقام رجال من بني سلمة واتبعوني، وقالوا: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنباً قبل هذا -لا يوجد لك أي ذنب- ولقد عجزت ألا تكون اعتذرت إلى رسول الله بما اعتذر به المتخلفون، ولقد كان كافيك استغفار النبي صلى الله عليه وسلم -فلو استغفر لك الرسول فقد انتهى عذرك وقُبِل، وما عليك شيء- يقول: فما زالوا بي يؤنبونني حتى أردتُ أن أرجع فأُكذب نفسي -فيقولون له: ارجع؛ لأنه الآن أصبح في مصيبة، فما دام أنه لم يستغفر له، لم يبقَ إلا سخط الله وعذاب الله-، يقول: هل بقي معي أحدٌ غيري؟ -أي: هل قال هذا الكلام أحدٌ غيري؟ - قالوا: نعم. رجلان، قلتُ: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع وهلال بن أمية، فذكروا لي رجلين قد شهدا بدراً -انظروا كيف يكون الزملاء الصالحون، يقول: ذكروا لي اثنين من أهل بدر، صادقين- فقلتُ: والله إنَّ لي فيهما أسوة -أنا معهم، مصيري مصيرهم- فمضيتُ حينما ذكروهما لي).

مشهد المعاناة من قصة كعب رضي الله عنه

مشهد المعاناة من قصة كعب رضي الله عنه يقول كعب: (ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا نحن الثلاثة من بين من تخلَّف عنهم، فاجتنبنا الناس، وهجرونا، وتغيروا لنا، حتى تنكَّرت في نفسي الأرض، فما هي بالأرض التي أعرفها، فلبثنا في ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي -يعني: هلال ومرارة - فقعدا في بيوتهما، واستكانا يبكيان، وأما أنا فكنتُ أشَبَّ القوم وأجْلَدَهم، كنتُ أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق، ولا يكلمني منهم أحد، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأسلم عليه وهو في مجلسه في الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرَّك شفتيه برد السلام، أم لا؟ ثم أصلي قريباً منه، فأسارقه النظر -أتلفت إليه بعيني- فإذا أقبلتُ على صلاتي نظر إليَّ، وإذا التفت نحوه أعرض عني، حتى إذا طال عليَّ ذلك من جفوة الناس مشيت يوماً من الأيام، وتسوَّرتُ جدار حائط لـ أبي قتادة -ابن عمه- أحب الناس إليَّ، فسلمت عليه، فوالله ما رد عليَّ السلام). انظروا كيف تكون الاستجابة والانقياد والامتثال؟ ما دام أن الرسول نهى ولو أنه ابن عمه، ولو أنه أقرب الناس إليه، ما دام أنه منهي عنه فيجب الامتثال، من كان يراقبه وهو في الحائط لو أنه سلَّم عليه، وقال: لا عليك يا رجل! وإن شاء الله تفرج؟! ولكنهم يخافون الله، ويعملون العمل بمراقبة عظيمة، قال: (فوالله ما رد عليَّ السلام، فقلتُ له: يا أبا قتادة! أنشدك بالله، هل تعلمني أحب الله ورسوله؟ فسكت، فعدتُ فنشدتُه، فسكت، فعدت فنشدته، فقال: الله ورسوله أعلم -فقط لم يرد عليه سوى بهذه الكلمة- ففاضت عيناي بالدمع، وبكيت، وتوليت، حتى تسورت الجدار، فبينما أنا أمشي في سوق المدينة، جاءت محنة جديدة، إذا بنبطي من أنباط أهل الشام، ممن قدم بالطعام يبيعه في المدينة، يقول: من يدلني على كعب؟ فطفق الناس يشيرون له إليَّ، فجاءني ودفع إليَّ كتاباً من ملك غسان، فإذا فيه: يا كعب! أما بعد: فإنه بلغنا أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسك). يقول صاحب الفتح: رحم الله كعباً، فلقد ملئ إيماناً. لو كان ضعيف الإيمان لانهار أمام هذا الإغراء، ولقال مباشرة: ما دام أنهم هجروني فسأبدل بأرضهم أرضاً أخرى. لكن يقول: (فطفقت إلى التنور، ويَمَّمْتُه، وسجرت فيه الرسالة، وقلت: هذا البلاء. يقول: وبعد أن مضت علينا أربعون ليلة إذا برسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني ويقول: إن رسول الله يأمرك أن تعتزل امرأتك -هذه مصيبة أكبر- قلت: أطلقها؟ قال: لا. بل اعتزلها ولا تقربها، وأرسل إلى صاحبيَّ مثل ذلك، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلكِ، فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر. قال كعب: فجاءت امرأة هلال بن أمية إلى رسول الله وقالت: يا رسول الله! إن هلالاً شيخ كبير ضائع، والله يا رسول الله! ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا -رضي الله عنهم وأرضاهم- فأذن لي أن أجلس معه، قال كعب: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنتَ رسول الله كما استأذنت امرأة هلال، فقلتُ: والله لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يدريني ماذا يقول لي وأنا رجل شاب؟ -ربما لن يسمح لي- فلبثتُ بعد ذلك عشر ليالي -وذلك مع الأربعين ليلة، كم صارت؟ صارت خمسين ليلة- حتى كَمُلَت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله عن كلامنا).

مشهد الفرج من قصة كعب رضي الله عنه

مشهد الفرج من قصة كعب رضي الله عنه يقول: فلما صليتُ صلاة الفجر صُبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينما أنا جالس أذكر الله في الحالة التي ذكر الله في القرآن، قد ضاقت عليَّ نفسي، وضاقت عليَّ الأرض بما رحُبت، سمعتُ صوت صارخ يأتي من جهة جبل سَلْع، بأعلى صوته: يا كعب بن مالك! أبشِرْ -يُسْمِعُهُ في آخر الليل، أحد الصحابة يصيح ويبشره- قال: فخررتُ ساجداً، وعرفتُ أنه قد جاء الفرج، وآذَنَ رسولُ الله بتوبة الله علينا، فذهب الناس يبشروننا، وذهب قِبَل صاحبيَّ مبشرون، وجاء إليَّ رجلٌ وهو راكب على فرسه، وسعى ساعٍ من أسلم، فأوفى على الجبل، وكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعتُ صوته يبشرني بتوبة الله عليَّ نزعتُ له ثوبيَّ، فكسوتُه إياهما ببُشراه، ووالله ما أملك غيرهما يومئذٍ. وهذا فيه جواز تبشير البشير، فإذا جاءك شخص يبشرك بمولود، أو يبشرك برُتبة، أو يبشرك بأي أمر تفرح به، ففيه جواز أن تعطيه بشارة؛ لأن هذا مما يوحد ويؤلف القلوب. قال: (فانطلقتُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلقاني الناس فوجاً فوجاً، يهنئونني بالتوبة من الله، يقولون: لِتَهْنَكَ توبة الله عليك يا كعب! قال كعب: حتى دخلتُ المسجد، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس، فقام إليَّ طلحة بن عبيد الله. -وهذا أيضاً مما ينبغي أن يكون عليه خلق المسلم يقول: فقام إليَّ طلحة بن عبيد الله - يهرول، حتى صافحني وهنَّأني، والله ما قام إليَّ رجل غيره، ولا أنساها لـ طلحة أبداً، قال كعب: فلما سلَّمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجُهه يبْرُق من السرور؛ لأن الرسول كان إذا أُعجِب وسُرَّ بشيء يُرَى ذلك في وجهه صلوات الله وسلامه عليه، يقول: فقال لي: أبشر يا كعب! بخير يوم مرَّ عليك منذ ولدتك أمُّك، فقلتُ: أمِنْ عندك يا رسول الله، أم من الله؟ قال: بل من عند الله عز وجل، وكان إذا سُرَّ استنار وجهُه حتى كأنه قطعة قمر، وكنا نعرف ذلك من وجهه صلوات الله وسلامه عليه، فلما جلستُ بين يديه قلتُ: يا رسول الله! إن من توبتي أن أنخلع من مالي كله صدقة إلى الله وإلى رسوله، فقال صلى الله عليه وسلم: بل أمْسك عليك بعض مالك، فهو خير لك -أي: تصدَّق بشيء منه فقط، وأمسك على الباقي- قلت: فإني أُمْسك سهمي الذي بـ خيبر، فقلتُ: يا رسول الله! إن الله إنما نجَّاني بالصدق، وإن من توبتي ألا أحدِّث إلا صدقاً ما بقيت، قال كعب: فوالله ما أعلم أحداً من المسلمين أبلاه الله بصدق الحديث منذ ذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن مِمَّا أبلاني، ما تعمَّدتُ منذ ذكرتُ ذلك إلى يومي هذا كذباً، وإني لأرجو أن يحفظني الله عز وجل فيما بقي). وأنزل الله عز وجل على رسوله توبة الثلاثة في قوله: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة:117 - 118]، ثم أنزل الله عز وجل في الذين كذَبوا واعتذروا بالأعذار الكاذبة، فقال: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:95 - 96]، ثم نزل قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119]. هذه هي القصة، كما أوردها الإمام البخاري في صحيحه، ونستخرج منها العبر والعظات، ونقتدي به رضي الله عنه، ونتحمل آثار الصدق؛ فإنها مهما بلغت لن تصل إلى آثار الكذب التي فيها العذاب والدمار في الدنيا وفي الآخرة. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلني وإياكم من الصادقين، وأن يحمينا وإياكم من الكذب، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، والله أعلم. أذكر لكم الآن بعض الإجابات المختصرة على بعض الأسئلة.

الأسئلة

الأسئلة

حكم هجر الأخ لأخيه بسبب رفضه إعارته حاجة من حاجاته

حكم هجر الأخ لأخيه بسبب رفضه إعارته حاجة من حاجاته Q أحد الإخوة يقول: لديَّ سيارة، وطلبني أحد الإخوة في السيارة ذات مرة، فاعتذرتُ إليه؛ لظروف خاصة بي، فغضب عليَّ، ومن ساعة منعتُ أن أعطيه لا يكلمني ولا يرد عليَّ السلام. فهل أنا مخطئ في منع السيارة، أو لا؟ A أولاً: لستَ بمخطئ في منعك السيارة، فأنت حرٌّ في حقك، إن شئتَ أعطيتَ، وإن شئتَ منعتَ، وهذا الرجل أو الأخ الذي طلبك ارتكب خطأً مركباً: أخطأ في السؤال، وأخطأ -أيضاً- في المؤاخذة بغير حق، والسيارة مما لا ينبغي للإنسان أن يعيرها، ولا ينبغي أيضاً للأخ أن يسألها؛ لأنها إلى جانب كونها وسيلة نقل فهي -أيضاً- وسيلة قتل، أليس كذلك؟ والحُكماء المعاصرون يقولون: ثلاث لا تُعار: الأول: المرأة، فلا أحَدَ يُعِيْر امرأتَه. الثاني: السلاح، فإذا كان لديك سلاح شخصي، وعليه ترخيص رسمي، وجاء رجل وقال: أنا أريد سلاحك، فقلتَ له: لماذا؟ قال: لديَّ ضيف، أريد استقباله بالبُنْدُق، فلا تعطه؛ لأنه لو قُتل به أحدٌ أو أخطأ به فمن المسئول؟ المسئول هو أنت، فلا تعر سلاحك. الثالثة: السيارة. لأنها وسيلة قتل، فلو أعطيت شخصاً سيارتك، وذهب ودهس بها شخصاً آخر، فعلى مَن ستقبض السلطات؟ ستقول لك السلطات: السيارة لمن؟ ستقول: لي، فتقول لك: لماذا إذاً تعطيه سيارتك؟! وأيضاً فهي من الوسائل التي يمكن أن يترتب على إعارتها ضرر فيها، وربما كان الضرر هذا والخراب من وجودها عند المستعير، فربما كان في سيارتك ضرر، فجاء شخص وأخذها منك، يريد بها مشواراً، وذهب بها في الطريق، ومن ساعة أن ذهب بها مشواره تعطل شيء في السيارة، وطبعاً لم يتعطل هذا الشيء من تلك اللحظة، وإنما كان نتيجة استعمال كثير، ولكنه أجْهَزَ عليه المستعير في آخر لحظة، فماذا سيفعل؟ هل سيأتي إلى صاحب السيارة ويقول له: خذ مفتاحك، شكراً، أم يذهب ليصلحها؟! طبعاً إذا كان صاحب مروءة، وإحساس، وهو الذي عطلها، فلا يردها إلا صالحة، رغم أنه لم يكن سبباً في تعطيلها بالكلية، وإنما العطل موجود منذ زمن، وكذلك ربما تؤدي إلى خراب فيها عن طريق حادث مروري، فيأخذها المستعير، ويذهب بها، فيصدم بها، ثم يأتي عند صاحبه صاحب السيارة، فيقول له: أخذتُها وصدمتُ بها، فماذا يكون موقفك منه؟! طبعاً السيارة لك، فيؤلمك قلبُك، وسيكون موقفك مؤلم، فيضطر إلى أن يستلف ويذهب لإصلاح السيارة، ويعطلها عن العمل شهراً أو عشرين يوماً في الورشة، فلماذا يُحرج المستعير نفسه هذه الإحراجات؟ فيا أخي! لا ينبغي أن تسأل زميلك السيارة إلا إذا كان الغرض للدعوة وللخير، وكان تطوعاً من صاحب السيارة، وقال لك: خذ سيارتي واذهب، أما أن تقول له: من فضلك، هات المفتاح، أقضي لازماً، أو أذهب مشواراً، فلا. لا تسأل أحداً شيئاً، وهذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم قالها لأحد الصحابة، قال: (لا تسألنَّ شيئاًَ، ولو سوطاً)، فسوطُك الذي يقع منك، لا تقل لآخر: من فضلك أعطني السوط، لا. بل خذه أنت، ولو كنتَ في المسجد وأنت جالس، وتريد مصحفاً، وقام رجلٌ من جانبك إلى رف المصاحف فلا تقل له: هات مصحفاً، لا. بل قم أنت وخذ المصحف، لماذا تتعب الناس؟ من هم الناس؟! هل الناس خدم لك؟! بعض الناس عندما يكون في المسجد ويريد القيام، يقول: من فضلك، هات العصا؛ لكي لا يمد بنفسه ويأخذ عصاه، أو يقول: من فضلك، أسندني، هذه إحراجات لا تنبغي، الإسلام يربي فينا الاستقلالية، ويربي فينا الاكتفاء، وعدم الإحراجات للناس، يقول أحد الحكماء: صبري على نفسي، ولا صبر الناس عليَّ. أليس كذلك؟ اصبر على نفسك، امشِ على رجلك، اذهب على سيارة أبيك، أو أخيك، أو لا داعي للمواعيد، أو يأتي صاحب السيارة الذي تريد أن تذهب على سيارته ويوصلك هو بنفسه ويسوق سيارته بنفسه، أما أن تحرجه وتضعه في موقف حرج، إما أن يعطيك وهو كاره، أو يعتذر منك فتغضب عليه، مثلما صنع أخونا المستعير، فهذا خطأ. فنحن نقول للأخ الذي سأل السيارة: أخطأت في هجرك لأخيك، وعليك من الآن، بمجرد أن تصلي إن كنت معنا -وأعتقد أن السائل ما سأل إلا وزميله هنا- فبمجرد ما تخرج من المسجد، أو الآن قبل الصلاة سلِّم عليه، وقل له: سامحك الله، وأنا أخطأت عليك، واعفُ عني؛ لأنه لم يخطئ عليك، وإنما منع سيارته، وسيارته من حقه، فهل تؤخذ غصباً؟! فلا تغصبه على حقه يا أخي! فعندما اعتذر تغضب عليه؟! (أحشفاً وسوء كيلة؟!)، ما يجوز لك يا أخي! هذه سيارته، لا يريد أن يعطيك، وكثَّر الله خيره، وربما منعك من شر، وربما لو أخذتَها حصل لك حادث أو دهستَ بها شخصاً أو انقلبتَ، فقد حال بينك وبين السوء. فلا ينبغي أيها الإخوة أن ننهي العلاقات بيننا بهذه الجزئيات البسيطة، لا تستعر يا أخي! من أحد شيئاً، وإذا استعرت من أحد مضطراً، واعتذر إليك، فلا تأخذ على خاطرك منه ولا تغضب عليه بأي حال من الأحوال.

حكم حديث: (من سأل بوجه الله فهو ملعون)

حكم حديث: (من سأل بوجه الله فهو ملعون) Q ما مدى صحة حديث: (من سأل بوجه الله فهو ملعون، ومَن لَمْ يُجِبْ فهو ملعون)؟ A هذا الحديث حديث صحيح، والناس يتساهلون في هذا الأمر، فهو حديث صحيح رواه الطبراني، وذكره الإمام المنذري في الترغيب والترهيب، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، وورد في روايتين: رواية عن رفاعة، ورواية عن ابن مسعود رضي الله عنهما، رواية ابن مسعود حسنة، ورواية رفاعة صحيحة، ونص الحديث عند ابن مسعود: (ملعون من سأل بوجه الله، وملعون مَن لَمْ يُجِبْهُ إلا أن يَسأل فُحْشاً) والفُحْش: هو الشيء الغلط، أن تسأل شخصاً أكثر مما يستطيع، كأن تقول له وهو واقف على بئر: أسألك بوجه الله إلا نزلت البئر. لا، لا يجوز الإرغام على النزول إلى البئر؛ لأن هذا مما لا يستطيعه، لكن الحديث الصحيح الذي عند الطبراني، وصححه عن رفاعة، قال: (ملعون من سأل بوجه الله، وملعون مَن لَمْ يُجِب) وفيه هنا محذوف، وتقديره: وهو يقدر، أي: إذا كان شيئاً بإمكانك فعله، وسئلت فيه بوجه الله، فالذي سأله ملعون، وأنت لا بد أن تجيب، وإلا كنتَ ملعوناً، ولهذا ما هو طريق السلامة؟ طريق السلامة: ألا تسأل بوجه الله إلا الجنة؛ لأن وجه الله عظيم يا إخواننا، كثير من الناس يقولون: عليك وجه الله أن تشرب القهوة، عليك وجه الله أن تقوم، عليك وجه الله أن تقعد، عليك وجه الله أن تخرج، لعبوا كثيراً بهذه الأيمان، لا تعرِّض وجه الله على شيء، وإذا أحدٌ عرَّض عليك وجه الله فالله يعينك، لا بد أن ترد إذا كان بإمكانك. ويُذكر أن الخضر عليه السلام مرَّ على رجل فقير فقال له الفقير: أسألك بوجه الله أن تعطيني، وليس لدى الخضر شيء، فذهب إلى رجل، وباع نفسه عليه بثمن بخس، وقال: أنا رقيق آبق، أريد أن أبيع نفسي عليك، فأعطني شيئاً، فاشتراه منه، وأعطاه النقود، وأخذ النقود، وذهب بها وأعطاها الفقير، وأصبح رقيقاً، فكان رقيقاً عند رجل لديه أعمال كثيرة وصاحب سلطة وقهر على الأجراء والعمال عنده، فكان يكلفه كل يوم بتقطيع الجبال حجارة، ونقلها، فيعمل في اليوم الواحد ما تعجز عن عمله وحمله الرجال؛ لأن الله أعانه، فجاء الرجل في يوم من الأيام، وقد نحت جبلاًَ كاملاًَ، قَطَّعَه قِطْعة قِطْعة، فتعجب الرجل، وقال: هذا ليس من المعقول أن يكون شغل عامل واحد، لا بد أن هناك من يعينه، فقال له: أسألك بوجه الله إلا قلتَ لي من الذي صنع لك هذا العمل؟ قال: لا إله إلا الله! وقعتُ في الرق من أجل وجه الله، والآن تسألني بوجه الله؟ الذي أعانني هو الله عز وجل، قال: لماذا وقعتَ في الرق؟ فأخبره بالخبر، فأعتقه لوجه الله عز وجل، ورده حراً كما كان. فلا ينبغي لك يا أخي المسلم أن تسأل بوجه الله شيئاً مهما كانت الظروف. السائل: هل (أسألك بوجه الله) مثل (أسألك بالله)؟ الشيخ: لا. فالحديث صريح: (ملعونٌ من سأل بوجه الله) لأن الله عز وجل يقول: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء:1]، أي: الذي تساءلون بالله عز وجل به، فقد تسأل وتقول: أسأل بالله، هل مرَّ بك هذا؟ وذلك مثلما فعل الصحابي الذي كان في طريقه إلى المدينة، وبعد أن جاءه من السماء الرجل الذي أنجده، وقال له: أسأل بالله، أمَلَكٌ أنت، أم من الإنس، أم من الجن؟! فقال: أنا من سكان السماء الرابعة. والقصة ذكرها صاحب حياة الصحابة الشيخ محمد يوسف، وهي لـ أبي مَغْلَق رضي الله عنه، وهي في السنن أيضاً، وكمال القصة: أن الصحابي كان في طريقه من مكة إلى المدينة مهاجراً، فمرَّ في طريقه على رجل من قُطاع الطريق، قال له: إلى أين؟ قال: إلى المدينة، قال: هل أدلك على طريق أقصر وأقرب؟ قال: نعم. فأخذه، ولما أخرجه من الطريق، أخذ سيفه وأراد قتله، قال: لِمَ؟ قال: أريد قتلك. قال: خذ فرسي، وخذ ما معي من المال، واعتقني لوجه الله. قال: لا، انظر إلى العظام، وإذا بحوالي عشرين جثة، كلهم عظامهم قد بَلِيَت -وهذا قاطع طريق، يأخذ الرجل ويقتله- قال: أعزمتَ؟ قال: نعم. قال: دعني أصلي ركعتين. قال: صلِّ ما بدا لك، فتوضأ وصلى ركعتين، فلما كان بعد الانتهاء من السلام دعا ورفع يديه، وقال: يا غفور، يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا فعَّال لِما تريد، أغثني أغثني أغثني، فما أكمل الكلمة الثالثة إلا وذلك الفارس يخرج من غبرة الأرض، وفي يده الرمح، ويأتي ويضرب هذا الرجل بالرمح في صدره، ليخرج من ظهره وهو يلمع، فقال له الصحابي: أسألك بالله، من أين أنت؟ من أنتَ؟ أمِن الجن، أم من الإنس فقد أغاثني الله بك؟ قال: إن سألتني فأنا من سكان السماء الرابعة، دعوتَ بدعوتك الأولى، ففُتحت أبواب السماء، ودعوتَ بدعوتك الثانية، فسُمع لأبوابها قعقعة، أي: كل مصاريعها تفتحت، وهي دعوة المظلوم، {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} [النمل:62]، ودعوتَ بدعوتك الثالثة فسألتُ الله أن يجعل شرف إغاثتك على يدي، فأذن لي ثم بعد ذلك اختفى ومضى، فركب الصحابي هذا حصانه، ورجع إلى طريقه وسافر. فلا شيء إن شاء الله بالنسبة للسؤال بالله؛ لكن السؤال بوجه الله هو المحظور.

قبول الله لتوبة الكاذب

قبول الله لتوبة الكاذب Q الذي يُكتب عند الله كذاباً، هل له توبة؟ وكيف يفعل الذي كذب على أحد؟ هل يقول: أنا كذبتُ عليك، ويخبره بالصدق، أم لا؟ A نعم. الذي كذب وتحرَّى الكذب، حتى كُتب عند الله كذاباً، ثم تاب، يكتب الله له توبة، ويمحو الله عنه الخطايا كلها والسيئات، ولا يلزمه أن يذهب إلى الناس ليخبرهم أنه قد كذب عليهم؛ لأن التوبة تجب ما قبلها، والإسلام يهدم ما قبله، وليُحسِن فيما بقي. يا من أسا فيما مضى ثم اعترفْ كن محسناً فيما بقي تُعط الشرفْ أما سمعتَ الله في قرآنه إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ

حكم استخدام كلمة: ليس موجودا

حكم استخدام كلمة: ليس موجوداً Q بخصوص الكذب: أنا أعمل بمكان تكثر فيه الاتصالات، وأحياناً يصادف أن يكون من المتصلين أناس لا أرغب مكالمتهم، تجنباً للإحراج فيما يطلبونه مني، والذي لا أستطيع تسهيله لهم، ولو حدث أن كلمتهم أو بُحتُ لهم بالصراحة لغضبوا، فهل يجوز أن أقول لمدير مكتبي أو سكرتيري: قل لهم: ليس موجوداً؟ A لا يجوز؛ لأنك تربي هذا السكرتير أو مدير المكتب على الكذب، وأيضاً تتعوَّد أنت الكذب، ثم لماذا تكذب؟ الناس لم يتصلوا بك يا أخي إلا لأن الله جعل في يدك حاجتهم، وما دام الله تبارك وتعالى جعل حوائج العباد على يديك، لماذا تبخل على نفسك بفعل المعروف، فمن الناس من يضيق صدره إذا جاء أحدٌ يتوسط له أو يريده أن يصنع له جميلاً لدى إدارة أو نحوها، لا يا أخي، (خير الناس أنفعهم للناس) (واشفعوا تؤجروا) (من استطاع منكم أن يصنع لأخيه معروفاً فليصنع)، ومن استطاع أن يعمل خيراً فليعمل، واحرص على ما ينفعك، ما دام ذلك بإمكانك فاعمل، أما إذا كان ليس بإمكانك فاعتذر، ليس في ذلك شيء، والذي يغضب لأنك اعتذرت له بأنك لا تستطيع، فهذا مغفل، دعه يغضب إلى يوم الدين، فإذا قال لك: اصنع لي كذا، فقل له: يا أخي! والله أريد أن أصنع لك؛ لكن لا أملك شيئاً، لا أستطيع أن أفعل في موضوعك شيئاً، ولا لي أي دور في هذا الموضوع، أو فقل له: أبشِر، إن تيسر ذلك، سأحاول، وحاول إن كنتَ تستطيع، إنما كلمة: ليس موجوداً، فلا تجدي، فإن كنت لستَ موجوداً الآن، فسوف يأتي إليك بنفسه، بعض مدراء المكاتب إذا استعملوا كلمة: ليس موجوداً، قال المتصل: يبدو أن التليفون لا يُجدِي، لا بد أن أذهب إليه بنفسي، وأتاه إلى مكتبه، فإذا حصل هذا، كيف ستفعل؟ لو اعتذرت له بالتليفون عن عدم استطاعتك في موضوع المتصل أسهل لك من أن تعتذر وهو جالس أمامك، فأنت الذي ورطتَ نفسك. فلا يا أخي الكريم، لا ينبغي أن تقول هذا، وعليك أن تكون صادقاً.

الواجب على من تكشف زوجة أخيه أمامه

الواجب على من تكشف زوجة أخيه أمامه Q زوجة أخي تكشف عليَّ، ولا تتحجَّب مني، وكلمتُ أمي لكي تنصحها؛ ولكن أمي رفضتْ، فلم أنصحها مرة أخرى، فماذا أفعل؟ وما الحُكم؟ A نقول: عليك أن تخبر أخاك أنه لا يحل له أن يكشف زوجتَه عليك، وتخبر زوجتَه بواسطة رسالة تكتبها لها أن هذا حرام، وتخبر أمك، فإن استجابوا فالحمد لله، وإن رفضوا فحجِّب نفسك أنت، كيف تحجِّب نفسك؟ بأن تديم النظر إلى الأسفل، فإذا كنت على العشاء فكُلْ وأنت شبه مغمض العينين، أو كل وأنت منزل رأسك إلى أسفل، فعندما تراك وعينُك في الأرض فإنها ستقوم وتقول في نفسها: والله هذا لا ينبغي أن نضايقه إلى هذه الدرجة. ويقول لي أحد الإخوة أنه صنع هذا فنفع، يقول: كلما دخلت إلى المنزل أجعل عيني إلى أسفل هكذا، فقالت المرأة: ما به لا يرفع رأسه؟ قالوا: يقول: إنه لا يجوز الكشف عليه، قال: فأفلح الصنيع، وذهبت، وكفَّه الله عز وجل منها؛ لكنها إذا لم تحتجب، فإنك تظل تتلفَّت فيها، وإذا أخطأت هي تخطئ أنت، وهذا لا يصلح؛ لأن عينك في رأسك تستطيع التحكُّم فيها، فلا يوجد لديك عذر للنظر عندما تتكشف لك النساء.

حكم دخول الطلاب في السكن الجامعي على بعضهم البعض دون إذن

حكم دخول الطلاب في السكن الجامعي على بعضهم البعض دون إذن Q يدخل بعض الطلاب على بعضٍ في غرفهم بدون استئذان -كأن يكون الأخ في الجامعة، في السكن الجامعي- وربما يحتجُّون بأن آية الاستئذان في سورة النور خاصة بالأطفال والمملوكين؟ A لا. يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} [النور:27 - 28]، هذه عامة؛ لأنه لا يجوز لمسلم أن يدخل على مسلم سواء في بيته، أو في غرفته الخاصة في السكن الجامعي، إلا بعد أمرين: الاستئناس، والاستئذان، ما الاستئناس؟ وما الاستئذان؟ الاستئناس: اختيار الوقت المناسب، أنك تختار الوقت الذي تعرف فيه أن أخاك قابل لزيارتك، هذا هو الاستئناس، ثم بعد ذلك تستأذن، هذا إذا كان بغير وعد، أما إذا كان بوعد، فلا يحتاج إلى استئناس، ولكن يحتاج إلى استئذان، فإن سمح لك فالحمد لله، وإن ردّك، فارجع وأنت مرتاح، لا ترجع وأنت تسبه، وتقول: هذا ما فيه خير، أدق على بابه فيطردني من عند الباب، لا. لا تقل ذلك، فالله يقول: {هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} [النور:28]، ألا تريد الأزكى؟ فالأزكى: أن ترجع. ولهذا زرت أحد الإخوة زرتُه مرة من المرات وكانت ليلة باردة، وجئت -في الحقيقة- على غير وعد؛ لكن لي غرض منه، فلما استمع من عند تليفون البوابة، قلت: السلام عليكم، قال: وعليكم السلام، قلت: أأدخُل، قال: تريد الأزكى أو الذي ليس بأزكى؟ قلتُ: والله أريد الأزكى، قال: ارجع، قلت: جزاك الله خيراً، كأن الرجل قد رَقَد.

كتب نافعة

كتب نافعة Q دلني على كتب تفيدني في أمور ديني؟ A طبعاً الكتب كثيرة؛ ولكن ندل الناس -خاصةً المبتدئين منهم- على بعضها. فيا إخواننا! من الكتب التي ندل عليها -وبالطبع كتاب الله لا يقال له أنه من الكتب؛ لأنه لا يُقارن بغيره من كتب البشر-: أولاً: من كتب السنة: اقرأ: كتاب اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان وابدأ بحفظ أحاديثه؛ حتى تكون ثقافتك الحديثية صحيحة، فكل حديث تقرأه من هذا الكتاب كأنه من القرآن؛ لأنه اتفق عليه البخاري ومسلم، في صحيحيهما. ثانياً: من كتب السلف: اقرأ كتب ابن تيمية رحمه الله. واقرأ كتب ابن القيم رحمه الله، خصوصاً كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد، وكتابه إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان، وكتابه الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، وكتابه الوابل الصيِّب من الكَلِم الطيِّب، وكتابه طريق الهجرتين وباب السعادتين، وكتابه مدارج السالكين في منازل إياك نعبد وإياك نستعين، وكتابه حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، وكتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين، كل كتب ابن القيم قيمة، أي كتاب تلقاه لـ ابن القيم اقرأه. ثالثاً: من كتب المعاصرين: اقرأ كتب سيد سابق، وكتب أبي الأعلى المودودي، وكتب أبي الحسن الندوي، وسيد قطب، ومحمد قطب، واقرأ كتب يوسف القرضاوي، والشيخ أبي بكر الجزائري، واقرأ كتب الشيخ عبد العزيز بن باز؛ فله رسائل كثيرة، وله كتاب اسمه الفتاوى بطبعتين: طبعة دار الدعوة، وفتاوى طبعته مجلة البحوث. هذه الكتب جميعها موثوق في أهلها، فإذا اشتريت هذه الكتب وقرأتها -إن شاء الله- فستكون عندك ثقافة إسلامية كبيرة -بإذن الله-. والله الموفق.

توضيح قول القائل: بأن الناس يصلون خمس ركعات بعد صلاة العشاء

توضيح قول القائل: بأن الناس يصلون خمس ركعات بعد صلاة العشاء Q ورد أن السنة الراتبة لصلاة العشاء ركعتين؛ ولكنني ألاحظ البعض من الناس يصلون خمس ركعات، أرجو بيان ذلك؟ A لا يوجد إشكال يا أخي المسلم! فإن الركعتين التي يؤديهما الناس عقب صلاة العشاء هي الراتبة التي وردت بها السنة؛ ولكن ما تلاحظه أنت من أن الناس يصلون خمس ركعات، هي أنهم يصلون ركعتي الراتبة، ثم يصلون ثلاث ركعات، فهذه الثلاث الركعات هي وتر، والوتر شيء خارج عن الركعتين الراتبة التي وردت بها السنة، فموضوع ركعتي الراتبة هذا ليس فيه كلام، لكن الوتر يأتي بعدها، وأقل الوتر واحدة، وأكثره ثلاث عشرة ركعة، أو إحدى عشرة ركعة، ومعظم الناس الآن يوترون بثلاث ركعات، ولو أوتر بواحدة لأجزأه، وإذا أوتر بثلاث أجزأه، وإذا أوتر بخمس أجزأ، وإذا أوتر بسبع أو تسع أو إحدى عشرة أو ثلاث عشرة أجزأه، وكلما كان الوتر أكثر كان الثواب أكثر، فلا إشكال -إن شاء الله- في الموضوع.

حكم الطرف الكاذبة

حكم الطرف الكاذبة Q هناك كثير من الطُّرف الكاذبة التي ترِدُ في مجالسنا بكثرة ليضحك الناس، فما الحكم في ذلك؟ A يقصد الحكايات، الحكم في ذلك عدم الجواز، وقد كان صلى الله عليه وسلم يمزح؛ ولكن لا يقول إلا حقاً، فيمكن لك أن تمزح؛ لكن بالصدق، أما أن تصنِّف لك أكاذيب لكي تضحك الناس فهذا هو المتَوَعَّد به في حديث سَمُرة بن جندُب في صحيح البخاري: (فإذا رجل جالس، ورجل قائم بيده كلوب من حديد، قال: إنه يدخل ذلك الكلوب في شدقه حتى يبلغ قفاه، ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك، ويلتئم شدقه هذا، فيعود فيضع مثله ثم قالا له: أما الذي رأيته يشق شدقه فكذاب، يحدث بالكذبة، فتحمل عنه حتى يبلغ الآفاق)، فلا يصح أن تكذب، حتى لا تضحك الناس وتبكي يوم القيامة.

حكم الكذب بحجة الضرورة

حكم الكذب بحجة الضرورة Q عندي مشكلة تسبب لي مصائب كثيرة، ولا يمكن أن تُحل إلا بتغيير الحقيقة قليلاً؟ A لا تغير الحقيقة، وكن صادقاًَ؛ لأننا نريد من الناس أن يربوا أنفسهم على الصدق، ولا نريد أن نجعل لهم فرصاً أو مجالات، ونقول: هذا قليل، لا. بل خذ نفسك بقوة من أول الأمر، لا تكذب مرة واحدة، ولو كان فيها قطع رأسك، حتى تتحرَّى الصدق باستمرار، ويكتبك الله صِدِّيقاً، فإذا كتبك صِدِّيقاً، فما عليك من شيء، {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ} [النساء:69]، لكن يحتاج منك إلى تضحيات، ومعاناة ومقاساة شديدة، وترويض وتدريب للنفس عليها، درِّب نفسك من الآن، وإذا رأيتَ في نفسك أنك تكذب فمباشرةً صحِّح الوضع، وحاول أن تصدُق، حتى تصير بعدها -بإذن الله- صِدِّيقاً، فلا تكذب، ودعِ المشكلة تحصل لك، وتصير لك المصاعب الكثيرة؛ لكي يكتبك الله صِِدِّيقاً، أما أن تتخلص من المصاعب بالكذب، ويكتبك الله كذاباً فإنك تقع في المصاعب الكثيرة، وفي الآلام العظيمة.

حكم الكذب خوفا من الرياء

حكم الكذب خوفاً من الرياء Q ألجأ أحياناً إلى الكذب اضطراراً، خصوصاًَ إذا سئلتُ: هل أنت صائم، أو لا؟ فأقول: لا. وإذا سئلتُ: هل تقوم الليل، أو لا؟ فأقول: لا. لأن عملي بيني وبين الله خير لي من العلانية، فهل هذا من الكذب؟ A نعم. هذا من الكذب، لا يجوز لك أن تكذب، بل يجب أن تكون صادقاً، وأيضاً لا ينبغي للسائل أن يسأل، كما يقول العلماء: إذا رأيت شخصاً لا يأكل فلا تقل له: أأنت صائم؟ فإنك تلجئه إلى أمرين كلاهما مر، إما أن يقول لك: نعم. فيظهر عمله، وتسبب له إحراجاً، وإما أن يقول لك: لا. فيكذب، فالأولَى ألا تسأل، لكن إذا سئلتَ ووقعت في الأمر هذا فلا بد لك أن تُجيب، ليس في الأمر شيء، فكونك تقول: والله أنا عملي سوف يصبح رياءً، فلا مجال لحديث النفس هذا؛ لأن الله مطلع على قلبك وقت أن صمت في الصباح، هل كان للرياء، ومن أجل أن يرى الناس عملك، أم كان له تعالى، فالله يعاملك على أمور قلبك، وقلبك -إن شاء الله- سليم، وأيضاً كونه يخرج من السر إلى العلانية إذا خرج نتيجة صدقك، فإنه لا ذنب لك، بل سيبقى -إن شاء الله- سراً، ويكون فوق عملك السري أنك صادق، أما أن تسر عملك الصالح بالكذب، فهذه مصيبة، فكُن صادقاً في كل أمورك.

حكم كتابة الخطبة من الشريط وإلقاءها على الناس

حكم كتابة الخطبة من الشريط وإلقاءها على الناس Q هل على من أخذ الكلام من الشريط المسجل وكتبه في ورقة، وقرأها على المسلمين في خطبة أو درس من الدروس، هل عليه شيء؟ A ما عليه شيء، ولكن بشروط: أولاً: أن يكون الذي ينقل عنه ثقة، وموثوق في دينه. ثانياً: أن يتثبت من صحة الأحاديث والآيات، فإنه وإن كان المنقول عنه ثقة؛ لكنه قد يورِد في كلامه آية ويخطئ فيها، أو يورد في كلامه حديثاًَ وهو غير صحيح، أو -مثلاً- يصححه وهو حسن، فعليك إذا نقلت الآية أو الحديث أن تتثبت بشأنهما من كتب العلم، أو ممن هو أعلم من الذي أخذت منه، أما كونك تنقل كلاماً لتستفيد من سبقه للموضوع، أو إخراجه للقضية، فلا شيء في ذلك -إن شاء الله-؛ لأن الشريط مثل الكتاب، فكما يجوز لك أن تنقل من كتاب، يجوز لك أن تنقل -أيضاً- من شريط؛ ولكن -أيضاً- من الإنصاف إذا اضطررتَ أن تقول -مثلاًَ-: وما أفضل، أو أحسن ما ذكر بعض طلبة العلم أو العلماء في شريطٍ له أو في كتابٍ له، حتى تنسب الفضل لأهله؛ ولا يسمع الناس الكلام هذا فيظنوا أنه من تأليفك، ثم بعد ذلك يسمعونه في الشريط من صاحبه، فيقولوا: والله إنه يكذب، هذا الذي سمعناه في الخطبة ظهر أنه من هذا الشريط. فهذه تسمى سرقة أدبية، فكن صادقاً خير لك، والصدق يا إخواني! أساس كل أعمالنا، فدائماً الصدق في كل شيء له تأثير في حياة الإنسان.

كفارة الكذب

كفارة الكذب Q كنتُ أكذب كثيراً، فما هي الكفارة؟ وهل يجب عليَّ أن أبين الصدق لمن كذبتُ عليه؟ A الكفارة أن تتوب، ولا يجب عليك أن تذهب إلى كل شخص كذبت عليه، وتقول له: إني كذبت عليك ذاك اليوم، لا. بل اكتمها، واستغفر الله، فإن الله غفور رحيم، والتوبة تجب ما قبلها.

أقسام الأيمان

أقسام الأيمان Q متى تكون كفارة اليمين؟ ومتى لا تكون؟ أي: ما هي اليمين الجائزة التي لا يكون فيها كفارة؟ وما هي اليمين التي إذا وقعت من الإنسان وجبت فيها الكفارة؟ A الأيمان ثلاثة أقسام: القسم الأول: يمين معقدة: عقدها الإنسان في نفسه. القسم الثاني: يمين لغو. القسم الثالث: يمين غموس. فأما اليمين الأولى: اليمين المعقدة: فهي التي يقصد الإنسان إلى الحلف عليها، وهو قاصد للإتيان باليمين، فهذا إذا حنث فيها وجبت عليه الكفارة، والكفارة على التخيير في ثلاثة بين: عتق، وإطعام، أو كسوة لعشرة مساكين، أو إذا لم يجد، فينتقل على الترتيب إلى صيام ثلاثة أيام؛ لأن من الناس من يصوم وهو قادر على الإطعام، فلا يصح هذا، لا يُنْتَقَل إلى الصيام إلا عند العجز عن الإطعام أو الكسوة أو العتق، هذه بالنسبة لليمين الأولى. أما اليمين الثانية: يمين اللغو، فهي التي لا يقصد الإنسان بها يميناً، وإنما تندرج على لسانه كلمة والله، مثل: خذ والله، بلا والله، قالت عائشة والحديث في صحيح البخاري: [هو قول الرجل لأخيه: بلا والله، ولا والله] فهذه لم يقصدها الشخص يميناً، ولا يحلفها، وإن كان تنزيه اللسان أفضل من أن تعرض الله عز وجل لهذه الأيمان، فلا كفارة فيها إلا التوبة، وعدم العودة إلى مثلها. وأما اليمين الثالثة: وهي اليمين الغموس: وهي التي يحلف فيها صاحبها على أمر وهو يعلم أنه كاذب، فهذه كفارتها أن يُغمس صاحبها في النار، ما لم يتُب ويتوب الله عليه، إذا تاب في الدنيا توبة صحيحة، وتاب الله عليه؛ انتهى الأمر، أما إذا مات وهو حلاَّف -والعياذ بالله- فإنه يُغمس في النار، عن كل يمين يحلفها كاذباً يُغمس غمسة في النار، ولا يُدرى كم مدة الغمسة، أهي غمسة يوم، أم غمسة سنة، أم غمسة أبد؟ الله أعلم، وقد يقول أحدٌ: الغمسة بسيطة، ولكنه لا يصبر لحظة واحدةً على نار الدنيا، فكيف بنار الآخرة؟

حكم أخذ الموظف لمال لا يستحقه

حكم أخذ الموظف لمال لا يستحقه Q أنا موظف، وفي كل شهر يكون لي انتداب، وأتقاضى عليه أجراً إضافياً، وفي آخر الأشهر آخذ إجازة شهر كاملة، ثم جئت بعد انقضاء إحدى الإجازات لأتقاضى راتبي فقط، فوجدتُ الانتداب أمامي مع الراتب، سجله زملائي معهم، على أنني في انتداب ولستُ في إجازة، فماذا أفعل؟ A الله أكبر من هذه الأخوة! ربما قالوا: والله بيننا رفقة ممتازة، الذي في الإجازة نسجله في الانتداب. فهم جداً متكاتفون على الباطل، متكاتفون على أكل الحرام، الله أكبر على هذه الأخوة التي توردك إلى النار! لا والله، والله لو كانت هناك أخوة لحجزتك عن الحرام، إن أخاك من نصحك، (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قالوا: يا رسول الله! عرفنا كيف ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟! قال: تحجزه عن الظلم) وأخذ المال من بيت مال المسلمين عن طريق الانتداب الكاذب، وعن طريق العمل الإضافي الكذب، هذا كله كذب وظلم، وعليك أن تمنعه، وتقول: لا يا أخي! وإن كنتم رضيتم لأنفسكم بالنار فأنا لا أرضى أن أكون معكم في النار، فعليك يا أخي! يا من وجدت الراتب موجوداً والانتداب معه، أن تستلم الراتب، وتَدَعْ الصندوق يُمْسك على أجر الانتداب، وتوجه خطاباً رسمياً، وتقول فيه: كنتُ في إجازة، وأخطأ زملائي في تسجيلي معهم في الانتداب، وأنا لستُ في الانتداب، واتركهم يسخطون عليك، لكي يرضى الله عنك.

حكم أخذ الفقير للمال الربا

حكم أخذ الفقير للمال الربا Q إذا كنتُ فقيراً، وأعطاني رجل غني من ماله شيئاً، وأنا أعرف أن هذا المال من الربا، فهل آخذه منه أو لا؟ A نعم. تأخذه منه؛ لأن المال لا يتجاوز ذمتَين، ولأن مال هذا المسلم لا يمكن أن يكون كله رِباً (100%)، فهو يسمى: مالاًَ مختلَطاً، فيه حلال وفيه حرام، وفيه راتب وفيه ربا، فأنت تأخذ هذا؛ لأنك فقير، ولعلَّ الله عز وجل يجعله من المال المختلط من الحلال، وأما إثم الربا فهو عليه؛ لكن يقول العلماء: الذي ماله كله حرام محض، ففيه خلاف، هل تأخذ، أو لا تأخذ؟ والصحيح: أنك تأخذ؛ لأنك لستَ مسئولاً، هو الذي سوف يسأله الله عن ماله، أما أنت فهو رزق ساقه الله لك تنتفع به.

بيان معنى الكذب الجائز والتورية

بيان معنى الكذب الجائز والتورية Q ما هو الكذب الجائز؟ وما هي التَّورِية؟ A الكذب الجائز، كما روت أم كلثوم، والحديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم، قالت: [ليس الكذاب الذي يُصلح بين رجلين] فيجوز الكذب في الإصلاح، ويجوز الكذب في الحرب، ويجوز الكذب على المرأة فيما ليس له علاقة بحقوقها، فيكذب على المرأة، ويقول: أنا أحبك، وأنت عندي مثل الدنيا كلها، وطعامك جيد، ورائحة البيت ممتازة، والأولاد نظيفون، فهذا وإن كان كذباً إلا أن فيه مصلحة؛ لأن يدفعها ويشجعها، فالمرأة دائماً تحب المدح، ولا تحب الذم، فعندما تأتي على طعام ليس بجيد وتقول: ماذا فعلتِ حتى صار هكذا؟! كيف صنعتِ؟! متى تعلمت هذا؟! فسوف تأتي في الغد وتصنع أحسن طعام، أما إذا صنعتْ طعاماً ليس بجيد، وأظهرت لها أنك لا تستسيغ تذوقه، وقلت لها: لماذا هذا الطعام هكذا؟! فإنك تخرِّب في نفسها، ولن تجد منها شيئاً جيداً، فكذبك عليها في سبيل تقويمها وإصلاحها طيبٌ، أما أن تأكل حقها، أو تضيِّع حقوقها الواجبة، فتكذب عليها، فهذا لا يجوز في الشرع؛ لأن الكذب له حدود. أما التَّورِية: أن يقول الإنسان كلاماً فيُفهم منه بغير ما أراد هو، فهو أراد شيئاً، وفُهم عنه شيء آخر؛ لكنه ما كذب، وذلك كما قلنا عن ذلك الرجل الذي كان عنده في بيته غرفة اسمها: دِمَشْق، فكان إذا جاء شخص ودق الباب عليه قال لزوجته: قولي له: هو في دمشق، وذهب إلى الغرفة، فيفهم الطارق أنه في دمشق، وهو في غرفة دمشق، فما كذب؛ لأنه في دمشق فعلاً، فقد سمى غرفته دمشق؛ لكنه ليس في دمشق التي فهمها ذاك الطارق، فهذه تسمى التَّورِية. وفي المعاريض والتَّورِية مَنْدُوحة عن الكذب، ولكنها ليست على الإطلاق، إنما عند الضرورة، فإذا اضطر الإنسان فإنه يجوز له، أما إذا لم يضطر فلا ينبغي له.

حكم من صدم حيوانا بغير قصد

حكم من صدم حيواناً بغير قصد Q صدمت قطاً غير متعمِّد، فهل عليَّ كفارة؟ A لا. إذا كنتَ تسوق السيارة، ودخل عليك قصداً كلبٌ أو قطٌّ أو قردٌ ولم تتعمد إصابته، ولم تستطع أن تتلافاه، ثم مات، فلا كفارة عليك؛ لأنك لم تتعمد، أما إن قصدت أن تتابع القطط والكلاب بالسيارة وتطاردها، فعليك -والعياذ بالله- من الله ما تستحق، لماذا تصنع هكذا؟! لأن الله فضلك وأعطاك سيارة؛ ولكي تتعجب بارتطام البهيمة ببطن سيارتك؟! لا يا أخي! لا يجوز لك أبداً، أما تعلم أن امرأة دخلت النار في هرَّة، وأن رجلاً دخل الجنة في كلب، أعطاه وأسقاه، فغفر الله له وشكر له، فلا يجوز لك أن تعبث. أما إذا كان يأكل الأغنام، أو يؤذي في المزرعة، فإنه يجوز قتله، فهذه القطط والكلاب والقردة التي تأتي إلى المزارع، وتفسد (البرسيم) وتفسد (الخُضرة) وتقلع (الخَس) أو (الجرجير) وتأكل الكلاب صغار الضأن، وتدخل البيوت، أو تأكل الدجاج فهذه كلها مُفسِدة وصائلة، والصائل في الشرع يُقتل ويُتَخلَّص منه، أما بغير حاجة فلا.

حكم الكذب خوفا من عواقب الصدق

حكم الكذب خوفاً من عواقب الصدق Q إذا كذب الإنسان بشيء من باب خوفه من عواقب الصدق، فهل يجوز له؟ A هذا الذي نحن بصدده، لا. بل اصدُق، ولو كان في الصدق ضرر عليك؛ لأن ضرر الكذب في الآخرة أعظم من ضرر الصدق في الدنيا، مهما كان ضرر الصدق عليك، فإنه ينتهي، لكن إذا متَّ وأنت كذاب، فإن ضرره لن ينتهي في الآخرة، ولا بد أن توازن بين الآخرة والدنيا يا أخي.

حكم رد السلام بقول: هلا هلا

حكم رد السلام بقول: هلا هلا Q ما حكم الذي ألقاه فأقول: السلام عليكم ورحمة الله، فيقول: هلا، هلا؟ A هذا -والعياذ بالله- مُهَلْهَل؛ لأن الله يقول: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} [النساء:86]، فإن كنتم بخلاء، لا تريدون الأحسن فيقول الله: {أَوْ رُدُّوهَا} [النساء:86]، فمن قال لك: السلام عليكم، فماذا عليك أن تقول؟ قل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ذلك أفضل، فإذا كنتَ بخيلاً فقل: وعليكم السلام، بحيث ترد عليه تحيته، فالبعض من الناس تقول له: السلام عليكم، فيقول: هلا، هلا، أو تقول له: السلام عليكم، فيقول: مرحباً، أو تقول له: السلام عليكم، فيقول: هلا، مرحباً، ماذا تريد؟ فتقول في نفسك: الله أكبر عليك! ما الْهَلا هذه؟! سأظل أسلم عليك حتى تعرف، فتقول: السلام عليكم، فيقول: هلا، فتقول: السلام عليكم، فيقول: مرحباً، فتقول: السلام عليكم، فيقول: هلا، صباح الخير، فتقول: السلام عليكم، فيقول: وعليكم السلام، من الواضح أنك مُطَوِّع!، وكأن السلام للمطاوعة فحسب. كذلك لا يجوز أن تبدأ المسلم إلا بالسلام، فلا تقل: مساء الخير، ولا تقل: صباح الخير، أما بعض الناس فقد أصبح متمدِّناً فيقول: ( good morning) الله أكبر! وكذلك إذا بدأك بمساء الخير، أو بصباح الخير، فلا يجوز أن ترد عليه، حتى يقول: السلام عليكم، قل له: قل: السلام عليكم، مره بذلك، وقل له: قل: السلام عليكم، حتى ينتصح مرة أخرى. أسأل الله لي ولكم التوفيق في الدنيا والآخرة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

علاقة الروح بالجسد

علاقة الروح بالجسد علاقة الروح بالجسد تأتي على أربعة أوجه، فهي تبدأ بعلاقة الروح بالجسد في بطن الأم، ثم في الحياة الدنيا، ثم في حياة القبر والبرزخ، ثم بعد ذلك في الحياة الآخرة. هذا ما تكلم عنه بالتفصيل فضيلة الشيخ حفظه الله.

السنن الرواتب وأهميتها في الإسلام

السنن الرواتب وأهميتها في الإسلام الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قبل البدء في الموضوع الذي سنتكلم فيه، أحب أن أشير إلى السنن الرواتب وأهميتها في الإسلام، ففي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من صلى في يومٍ اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتاً في الجنة). وهذه الاثنتي عشرة ركعة أخبر بها أهل العلم نقلاً من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، هي: أربع ركعات قبل صلاة الظهر، واثنتين بعدها، واثنتين بعد صلاة المغرب، واثنتين بعد صلاة العشاء، واثنتين قبل صلاة الفجر، فيصبح المجموع اثنتي عشرة ركعة. وابن القيم رحمه الله تعالى يقول في كتابه: زاد المعاد في هدي خير العباد: "إن من يطرق باب ربه في كل يوم أربعين مرة لجدير أن يفتح له". المعروف أن عدد ركعات الفرائض الخمس هي: سبع عشر ركعة، اثنتين في الفجر، وأربع في الظهر، وأربع في العصر، وثلاث في المغرب، وأربع في العشاء: سبعة عشرة ركعة هذه ركعات الفريضة، وعلى فرض أن الإنسان أدى اثنتي عشرة ركعة يكون مجموعها مع الفرائض: تسعاً وعشرين ركعة، وثبت في صحيحي البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في صلاة الليل في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة). فإحدى عشرة ركعة لقيام الليل مع الوتر، واثنتا عشرة ركعة الرواتب، وسبع عشرة ركعة فرائض، فيكون المجموع: أربعين ركعة، وفي كل ركعة ركن من أركانها، وهي قراءة سورة الفاتحة.

مكانة سورة الفاتحة من الصلاة

مكانة سورة الفاتحة من الصلاة سورة الفاتحة هي الشاملة الجامعة الشافية الكافية التي تكفي عن القرآن كله ولا يكفي القرآن كله عنها، فلو أن إنساناً صلى وبدأ بسورة البقرة وختم بسورة الناس ولم يقرأ الفاتحة لكانت صلاته باطلة وغير صحيحة، ولو أن إنساناً افتتح بسورة الفاتحة فقط ولم يقرأ بعدها شيئاً من القرآن لكانت صلاته صحيحة، فالفاتحة تُغني عن القرآن ولا يغني عنها القرآن كله، يقول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر:87] فذكرها الله عز وجل مقدمة لوحدها، وامتنَّ بها على رسوله صلى الله عليه وسلم، والقرآن العظيم أيضاً آتاه الله محمداً صلى الله عليه وسلم. في كل ركعة من ركعات الصلاة وفي كل آية من سور الفاتحة وأنت تناجي ربك، تقول: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] كما جاء في الحديث: (قال الله عز وجل: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله عز وجل: حمدني عبدي، فإذا قال العبد: الرحمن الرحيم، قال الله عز وجل: مجدني عبدي، فإذا قال العبد: مالك يوم الدين، قال الله عز وجل: عظمني عبدي -هذه ثلاث لله، وبقي أربع من السبع- قال: فإذا قال العبد: إياك نعبد وإياك نستعين، قال الله عز وجل: هذه بيني وبين عبدي) هذه مقسومة، فمنه العبادة ومني الإعانة، وفي قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]، تقديم المفعول على الفعل وهو يفيد الاختصاص، ما قال: نستعينك، ولا قال: نعبدك، وإنما قال: إياك؛ أي: نختصك يا رب لوحدك عمن سواك بالعبادة، ونختصك أيضاً بالاستعانة فلا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك، فيقول الله عز وجل: (هذه بيني وبين عبدي فمنه العبادة ومني الإعانة) فوالله لولا أن الله أعانك على العبادة ما عبدته. والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا والله عز وجل يقول: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60] ومن لوازم العبادة أن تطلب من الله عز وجل كل حوائجك وجميع شئونك، وأعظم حاجة لك وأعظم شأن أن تفوز به في الدنيا والآخرة: أن تطلب منه أن يعينك على العبادة كما تطلب منه أن يعينك على الرزق وأمور الحياة، واطلبه في كل حين ووقت على أن يعينك على عبادته، فتقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] فيقول الله: (هذه بيني وبين عبدي). (فإذا قال العبد: اهدنا الصراط المستقيم) أي: دلنا وأرشدنا وأقمنا على الصراط المستقيم، وكأن سائلاً يقول: وأي صراط تعنون؟ وأي طريق تريدون؟ إنها طرق، وشعاب، وفجاج، ولكن هناك طريقاً واضحاً؛ طريقاً أبلج ليله كنهاره لا يزيغ عنه إلا هالك: عليه الأعلام والمعالم واللوحات الإرشادية، فلا يمكن أن يضل إنسان سار بهذا الطريق، ألا وهو طريق الرسول صلى الله عليه وسلم، كأن سائلاً يقول: أي طريق؟ فيقول الله عز وجل: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] أي صراط؟ {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:7] من هم الذين أنعم الله عليهم؟ هم النبيون والصديقون والشهداء والصالحين؛ هؤلاء الذين أنعم الله عليهم: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ} [النساء:69] والنبيون لا شك أنهم صفوة أهل الأرض، فقد اختار الله عز وجل هؤلاء الأنبياء والرسل ليكونوا سفراء بينه وبين خلقه؛ فهم صفوة خلق الله، وهم -أيضاً- بينهم درجات في التفاوت، يقول الله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [البقرة:253] حتى الرسل فيهم تفاضل، وأفضلهم على الإطلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، سيد ولد آدم، يقول صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر، وأنا صاحب اللواء يوم العرض ولا فخر، وأن صاحب الشفاعة العظمى يوم القيامة ولا فخر) صلوات الله وسلامه عليه صلاة دائمة متتابعة ما تتابع الليل.

موقف الأنبياء في يوم القيامة

موقف الأنبياء في يوم القيامة أولو العزم من الأنبياء خمسة وهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد، ويوم القيامة هؤلاء الأنبياء يتخلون عن الشفاعة ويقولون: (إن ربنا اليوم قد غضب غضباً لم يغضب قبله مثله ولم يغضب بعده مثله: اذهبوا إلى غيري) يريد الناس وهم يقفون في عرصات القيامة من يشفع لهم إلى ربهم لفصل القضاء؛ لأنهم وقوف في اليوم العظيم الذي طوله خمسين ألف سنة للانتظار فقط، وقضية سنة، أو عشر، أو عشرين، أو مائة، أو ألف في التعداد الذهني سهلة لكنها في التطبيق صعبة جداً؛ لا يمر اليوم ولا الليلة على الإنسان إلا بصعوبة لولا أن الإنسان يغالط نفسه بكثرة الأعمال والمشاغل والالتزامات، ولو أنه جلس في مكان مثل المسجون فلن تمر عليه الليلة إلا كأنها سنة، فهؤلاء في يوم القيامة لا يمر عليهم اليوم بسهولة؛ لأنه ليس هناك شغل، ولا لعب، ولا أكل، ولا مباريات ولا تمشيات ولا وظائف؛ ليس هناك إلا عرصات حارة، وشمس تدنو من الرءوس تغلي منها أدمغة العباد، والقلوب فارغة، والأنظار شاخصة، والأهوال هائلة، وهم وقوف ينتظرون فصل القضاء، فيأتون إلى الأنبياء يطلبون منهم أن يشفعوا لهم، فكل نبي يقول: نفسي نفسي، لا أسألك اليوم إلا نفسي! اذهبوا إلى غيري. ونحن الآن -ولله المثل الأعلى- إذا كان المدير غضبان وأراد رجل أن يقضي حاجةً من عند المدير، فإنه يختار أولاً لقضاء هذه الحاجة أحب الناس إلى المدير، يقول: يا فلان! أنا أريد حاجة وأريد منك أن تدخل معي إلى المدير، أو تيسرها عن طريقك، فالمدير لا يرد لك طلباً، فهذا الوسيط سواء كان موظفاً أو قريباً لهذا المسئول لا يأتي المدير إلا في أحسن أحواله النفسية، إذا جاء إلى السكرتير قال: لابد أن أدخل إلى المدير، ماذا يقول له السكرتير؟ يقول: لا. أرجوك لا تأتي اليوم اذهب فالمسألة خطيرة المدير غضبان إلى أبعد درجة؛ إذا دخلت عليه فإنه سيصرخ في وجهك؛ فلا يمكن أن يدخل الإنسان، لكن إذا جاءه ودخل عليه وقال له: كيف الأجواء؟ قال: -أربعة وعشرون قيراطاً- المدير مبسوط! زار اليوم جميع المكاتب ورأى ما يسره، ورأى العمل يسير في الخط الصحيح، فهو مبسوط! ادخل الآن اطلب تجد فربنا يوم القيامة وله المثل الأعلى يغضب، ومن غضبه أنه يدمر الكون كله: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} [الأنفطار:1 - 4]. ويقول الله عز وجل: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير:1 - 7]. أحداث هائلة جداً! تهز القلوب! وهذه تكون كلها يوم القيامة، فالقضية ليست قضية عادية، فيوم القيامة تكون الدنيا كلها على غير الوضع الأول: القبور بعثرت، والناس حشرت، والأمور كلها في غير وضعها الطبيعي، والله عز وجل قد أذن بالجزاء -أذن بفصل القضاء- فلا يوجد أحد يستطيع أن يأتي إلى الله ليسأله الشفاعة، وكل إنسان يقول: نفسي نفسي: لا أسألك اليوم إلا نفسي، ففي هذه اللحظات يأتون إلى نوح فيقول: إن لي دعوة وقد استنفذتها ودعوت على قومي، وقلت: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً} [نوح:26] وانتهت دعوتي، ثم يأتون إلى إبراهيم عليه السلام، فيقولون له: يا إبراهيم: أنت خليل الله عز وجل وأنت أبو الأنبياء اشفع لنا إلى ربنا، فيقول: إني قد كذبت ثلاث كذبات، وإن ربي قد غضب اليوم غضباً لا أستطيع على مواجهته. أتدرون ما كذبات إبراهيم عليه السلام؟ يقول المفسرون: إن كذبته التي ظنها كذبة هي في الحقيقة ليست بكذبة، لكن موازين الأنبياء ومقاييسهم حساسة إلى أبعد الدرجات. قال العلماء: الأولى لما خرجوا في يوم عيدهم ليذبحوا لأصنامهم ولآلهتهم، قالوا له: هيا معنا، هيا يا إبراهيم، ماذا قال؟ قال: إني سقيم؛ يقول: أنا مريض اليوم ولا أستطيع أن أخرج، وحق له أن يكون مريضاً! وقد كان مريضاً، أي: ذو كبدٍ مقروحة على الدين؛ لأنهم كانوا يعبدون غير الله، ففي قلبه لوعة وحرقة، وهذا شأن المؤمن الذي يتألم ويتقطع قلبه حينما يرى حدود الله تنتهك، وشريعة الله لا تحكم، وفرائض الله لا تؤتى، إنه يتقطع ويذوب قلبه في جوفه كما يذوب الملح في الماء، أما صاحب الإحساس البارد، والدم -والعياذ بالله- المتجمد؛ فإنه لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، ولا يتمعر وجهه في الله عز وجل -لا يغار ولا يغضب لله- هذا قلبه متقطع، وقال: إني مريض في قلبي، أنا مقروح في كبدي! أنا لا أستطيع أن أخرج معكم في عيدكم، فظنها كذبة صلوات الله وسلامه عليه. والثانية: أنه لما قدم إلى مصر وكانت معه زوجته سارة؛ وكانت امرأة ذات جمال، وقد عُرف ملك مصر بأنه رجل شهوانيٌُ خبيث يحب النساء، فلما أخبر عن زوجة إبراهيم طلبها من أجل -والعياذ بالله- أن يفعل بها الفاحشة، فلما جيء بها سأل إبراهيم، قال: ما هي لك؟ فكان إبراهيم ذكي: أي: لو قال: زوجتي لقتله وأخذها، لكن قال له: أختي؛ وهو يعني أنها أخته في الإسلام، إذ ليس على وجه الأرض مسلم إلا هي وهو، فقال: هاتها. نريد أن نأخذها طبعاً يستطيع أن يأخذ أخت الشخص لكن لا يستطيع أن يأخذ زوجته، فأخذها وأُمر بإبراهيم إلى السجن، فبقي في قلب إبراهيم ألم شديد على زوجته وغيرة عظيمة على عرضه، ولكن الله حفظه؛ لأنه نبي، فكشف له الحجب بينه وبينها، فكان في السجن وهو يتابع حركاتها وينظر إليها في كل حركة، فلما أُخذت وأُدخلت إلى غرفة النمرود أراد أن يمد يده عليها، فكلما مد يده صلبه الله وجعله كالحديدة الواقفة، فإذا رجع عنها عادت له الحياة، فإذا مد يده تصلب، وإبراهيم يرصد الموقف وهو في السجن، ينظر العملية ليطمئن قلبه ويعلم أن الله عز وجل حفظه في عرضه، وبعد أن مارس التجربة أكثر من مرة، قال: هذه جنية أخرجوها؛ فجاءوا وأخرجوها من عنده، ورجعت إليه. هذا إبراهيم، يقول: لا أستطيع إني قد كذبت! اذهبوا إلى غيري. فيأتون إلى موسى ويقولون: أنت كليم الله فيقول: إني قد قتلت نفساً بغير حق، وإني لا أستطيع، فيقول: اذهبوا إلى عيسى. فيأتون إلى عيسى صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فيقول: اذهبوا إلى محمد. ولا يذكر عيسى ذنباً، هكذا في الحديث: ما ذكر ذنباً، لكن قال: اذهبوا إلى محمد. قال: (فيأتونني -صلوات الله وسلامه عليه- فأسجد تحت العرش وأثني على الله، ويفتح الله عليَّ من المحامد ما لم أكن أعرف، فيقال لي: ارفع رأسك، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: أمتي أمتي أمتي) يشفع صلوات الله وسلامه عليه لأمته، فالذي يريد أن يكون من أهل شفاعته هو من الذين أنعم الله عليهم، قال عز وجل: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ} [النساء:69] النبيين: هذه أعلى درجات البشر، الصديقين: الدرجة الثانية بعد البشر وليسوا بأنبياء؛ لكنهم أقوام اصطفوا وتم اختيارهم، وهم: أتباع الرسل الذين صدقوه، مثل: عيسى، وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وبعدها: {وَالشُّهَدَاءِ} [النساء:69] الشهداء ولو كانوا ما عاصروا الأنبياء، فإنهم في المنزلة الثالثة، وبعدها: {وَالصَّالِحِينَ} [النساء:69] ماذا بقي بعد هؤلاء الأربعة؟! لم يبق إلا العصاة والمجرمون واللوطة والزناة والسكارى والقتلة والمرابون -والعياذ بالله- وعاقو الوالدين المهم فاعل كل جريمة بقي بعد هؤلاء الأربعة.

علاقة السنن الرواتب بالصراط المستقيم

علاقة السنن الرواتب بالصراط المستقيم أنت تقول: دلني يا رب وأرشدني وأقمني على صراطك المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، ثم تقول: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:7] أي: لا تدلني على طريق المغضوب عليهم ولا الضالين. والمغضوب عليهم هم اليهود؛ لأن معهم علمٌ ولم يعملوا به فغضب الله عليهم. والضالون: هم النصارى؛ لأنهم يعبدون الله على جهل وضلال -والعياذ بالله- فضلوا عن صراط الله المستقيم، فاليهود عندهم كتاب، وقد قال الله تعالى فيهم: إنهم يعرفون محمداً صلى الله عليه وسلم، قال: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة:146] يعرفون الرسول صلى الله عليه وسلم -أي: صفاته كاملة عندهم- لكنهم -والعياذ بالله- غضب الله عليهم؛ لأنهم مكابرون -قوم بهت- يعرفون الحق ولكنهم يرفضونه، ولهذا يقول أحد السلف: (من عصى من علمائنا -أي: الذين يعرفون الدين- ففيه شبه من اليهود، ومن عبد الله على جهل وضلال من عبادنا ففيه شبه من النصارى) وطريق السلامة من اليهود والنصارى أن تعبد الله على علم وبصيرة. {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] فإذا قال العبد بعدها: آمين، أي: اللهم استجب، قال الله عز وجل: (هذه لعبدي ولعبدي ما سأل). نسأل الله وإياكم من فضله. فأنت إذا حافظت على السنن الرواتب وأخذت أقل الوتر -وهي واحدة- فإنك بها تكون قد طرقت باب ربك في كل يومٍ ثلاثين مرة، فإن أخذت بأكثر أنواع الوتر وهو إحدى عشر ركعة تكون قد طرقت باب ربك أربعين مرة، وجدير أن يفتح لك، فإن باب الله عز وجل واسع وهو كريم، ولا يرد من سأله: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60] ويقول ربنا تبارك وتعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] وهذا الذي أؤكد عليه؛ لأن هناك بعض التساهل من بعض الشباب حفظهم الله وأصلحهم ووفقهم في أداء السنن الرواتب، فقد تجد كثيراً منهم يصلون الفريضة ثم يخرجون ولا يصلون النافلة، والذي يترك النافلة فإنه سيترك بعد ذلك الفريضة؛ لأن الشيطان وأنت تواجهه يجد عندك خطوط دفاعات، فيجب أن يكون عندك خط دفاع أول، وثانٍ، وثالث، بحيث إذا انهزمت في الخط الأول فعندك خط ثاني، وهذه خطط العسكريين الآن؛ يضعون خطوطاً في مواجهة الأعداء: الخط الأول يسمونه: الخط الحار أو الخط الشاغل أو خط النار، هذا المواجهة باستمرار، والخط الثاني أشد، والخط الثالث أشدها فليس وراءه إلا الموت. فأنت في مواجهة الشيطان أمام صراعات، يجب أن يكون لك في العبادة خط ناري ساخن وهو الأول واسمه كثرة النوافل؛ ما إن تتاح لك فرصة حتى تصلي. الخط الثاني الذي إذا هزمت وغلبت وشغلت ولم تستطع فلا تتخل عنه وهو خط الرواتب، إذ لا يمكن أن تترك الراتبة مهما كان عذرك، وشغلك، وكسلك وتعبك؛ لأن الرواتب هذه لا خيار فيها، ولا مساومة عليها، بل الحرص كل الحرص عليها. وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: عن رجل يصلي الفريضة ولا يؤدي الراتبة؟ قال: ذاك رجل فاسق تُرد شهادته. وأشكل هذا الكلام على بعض أهل العلم حينما سمعوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والحديث في الصحيحين واللفظ للبخاري: (أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أرأيت إن صليت المكتوبات ولم أزد على ذلك شيئاً، أأدخل الجنة؟ قال: نعم، وقال: من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا) قالوا: هذا الرجل يصلي الفريضة فقط، فكيف نحكم بفسقه، فتأوله رحمه الله وهو من أئمة العلم الهداة الذين لديهم بصائر عظيمة في كشف الأسرار والأدلة من كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: إن هذا الرجل صادق، والرسول صلى الله عليه وسلم زكاه، وتزكية الرسول صلى الله عليه وسلم له لا تكون إلا بوحي، وأنه سيحافظ على الفرائض حتى يموت، ولا شك أن من حافظ على الفرائض حتى يموت فهو مسلم يدخل الجنة، لكن الغالب أن من يحافظ على الفرائض فقط ولا يصلي النوافل أنه في نهاية الأمر يترك الفرائض. وهذا مشاهد ومجرب؛ لأنه ليس عنده إلا خط دفاع واحد، فإذا جاءه الشيطان ليحاربه في الصلاة وتركها أين يرجع؟ ليس هناك إلا الكفر، وليس بعد ترك الصلاة إلا الكفر، ولكن إذا كسلت في النوافل فإنك ترجع إلى الخط الثاني، فإذا هزمك الشيطان وتغلب عليك في لحظة من اللحظات أو وقت من الأوقات وتركت الراتبة فإن معك الفريضة، لكن من يحرص على النافلة والراتبة والفريضة لا يمكن أبداً أن يضيع الفريضة، فهذه اسمها رءوس أموال، ويوجد أرباح سائلة دائماً وكثيرة، فرءوس الأموال: الفرائض، والأرباح الثابتة: هذه الرواتب، والأرباح الكثيرة في المواسم: بقية النوافل.

أهمية السنن الرواتب يوم الحساب

أهمية السنن الرواتب يوم الحساب أخي المسلم! إنك لا تعلم يوم القيامة هل تقبل منك فريضتك أم ترد؟ وكما جاء في الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أول ما يحاسب عليه العبد من عمله يوم القيامة الصلاة؛ فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن ردت رد سائر عمله) أيضاً: إذا حاسب الله العبد وردت عليه بعض فرائضه ونقصت عليه قال الله تعالى: (انظروا هل لعبدي من نوافل، فإن كان له نوافل أخذت ثم أكملت بها فرائضه، فإن لم يكن له نافلة طرح في النار) والعياذ بالله. ومن منا يضمن أن يأتي بفريضته كاملة، هل أحد يضمن؟ أعطيكم مثالاً في يومنا هذا: صلينا المغرب ثلاث ركعات، من منا يضمن أنه صلى المغرب ثلاث ركعات ولم تخطر له خاطرة، أي: ولم يحصل له وسواس في شيء من أمور الدنيا؟ A لا أحد. ليس هناك أحد أبداً مستحيل. هل قال شخص: والله إني كبرت تكبيرة الإحرام وسلمت تسليمة الختام، وما خطر في قلبي من التكبيرة حتى التسليم شيء إلا الله والجنة والنار والدار الآخرة والقبر والعذاب، ولم أفكر في زوجة ولا عشاء ولا ولد ولا دراسة ولا سمرة ولا مباراة ولا لعبة ولا سهرة، هل يستطيع أحد أن يقول هذا؟ لا. ولذا إذا أردنا أن نجري امتحاناً عملياً ونكتب في ورقة ونقسمها على الحاضرين في هذا المجلس -وأنتم الصفوة إن شاء الله- ونقول لكم: السؤال الأول: ماذا قرأ الإمام في الركعة الأولى؟ السؤال الثاني: ماذا قرأ الإمام في الركعة الثانية؟ كل واحد يجيب ويطبق الورقة ويأتي بها لنجري هذا الاستفتاء لنعرف من هم الذين عرفوا قراءة الإمام، وقد أكون وأنا الإمام نسيت ماذا قرأت؛ لأني ربما أقرأ وقلبي ليس معي، ولو سألنا هذا العمود الموجود في المسجد، وقلنا: يا عمود، يا مسلح، يا أسمنت، ماذا قرأ الإمام في الركعة الأولى؟ هل تظنه يرد؟ ماذا يقول العمود؟ يقول: لا أعلم، فلو أتينا بعمود ثان بشري من الموجودين وقلنا: يا عمود يا بشري يا متحرك: ماذا قرأ الإمام؟ وقال: لا أعلم، فما الفرق بين العمودين؟! هل يوجد فرق؟ الفرق هو: أن هذا ثابت وهذا متحرك، ولكن الثابت أكثر وجوداً من المتحرك في المسجد؛ فالمتحرك جلس ربع ساعة وهذا جلس أربعاً وعشرين ساعة، نعم. فالعمود قد يكون أفضل، فالخشوع في الصلاة الآن مفقود عند كثير من الناس سواء المتكلم أو السامع إلا من رحم الله عز وجل!! فإذا أتيت يوم القيامة وصليت المغرب ثلاث ركعات؛ لكن الله لم يكتب لي منها إلا ركعة واحدة؛ لأنه جاء في الحديث: (للعبد من صلاته ما حضر فيها قلبه، يكتب للعبد من صلاته: نصفها، ثلثها، ربعها، خمسها، سدسها، ثمنها تسعها، عشرها، وبعضهم لا يكتب له من صلاته شيء) فإذا جِئتُ يوم القيامة وقد كُتب لي -إذا كنت من الخاشعين- ثلثها أو ثلثين، أو ركعتين؟! قال: أين هي؟ قال: هذه ركعتين في العشاء، وركعتين في السمرة، وركعتين في العمارة، وركعتين مع الأولاد، والذي لله بقي لله وسجل لك، والذي ليس لله ذهب للناس، يقول الله تعالى: (انظروا هل له شيء؟)، أي: يكمل به صلاته فإذا جئت وما عندك ما ترقع به فمن أين ترقع يوم القيامة؟ لم يبق إلا النار، لا إله إلا الله! فالرواتب مهمة -يا إخواني- جداً جداً. بعض الشباب يلعب عليهم الشيطان، ويأتيهم من باب ما يحبون، فعندما يشم في قلوبهم الرغبة في فعل الخير يقول لهم: قد سمعتم في الحديث الصحيح (إن أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة) فيقول للإنسان: أنت صليت الفريضة من أجل أن تصير صلاتك فضيلة فصل النافلة في البيت، فإذا دخل الإنسان البيت نسي الله، ونسي الصلاة، فأول ما يدخل والعشاء أمامه، هل سيفكر في صلاة والسفرة موجودة؟ وبعد أن يتعشى أو يتغدى إذا كان بعد صلاة الظهر يغسل يديه وبعدها يدخل غرفته ليسمع أو يقرأ جريدة أو كتاباً أو ينام وذهبت السنن! ويأتي الشيطان ليضحك عليه، يأتي إليه ويتلفت فيه وقد ضيع الصلاة وضيع الفريضة فيأتي إليه ويضحك عليه ويقول: مغفل! تريد الفضيلة؟! ضيعناك منها كلها، لا فضيلة ولا غيرها. فإن كنت من أهل الحرص الشديد وتعرف أنك بمجرد أن تدخل البيت تصلي النافلة، أو عندك ترتيبات خاصة لا تنام إلا بعد أداء الراتبة فأمر حسن، وإلا فصلها في المسجد؛ لأن حفظها خير من ضياعها نريد الربح مثلما يقولون، نريد أن نذهب إلى البيت لنصلي صلاة النافلة لنحصل على فضيلة فنضيعها ولا نصليها أصلاً، فاحرص عليها في مسجدك وعود نفسك باستمرار عليها حتى تصبح شيئاً طبيعياً، انظروا الآن آبائنا وكبار السن فينا والعوام منا الذين لم يطلبوا العلم ولم يعرفوا كثيراً من الأحكام الشرعية، ولكنهم لما ألزموا أنفسهم بالرواتب، فهم من يوم أن خلقوا لا يستطيعون تركها، وكثير من كبار السن معنا في هذا المسجد وفي كثير من المساجد إذا صلى لا يمكن أبداً أن تقول له: هيا، يقول: لم أصل السنة، طيب هذه نافلة، قال: لا يا شيخ! هذه سنة الرسول صلى الله عليهم وسلم، فأصبحت جزءاً من صلاته التي يصليها، بينما شبابنا إلا من عصم الله يصلي الفرض ويخرج، ماذا بك؟ قال: هذه سنة يا شيخ! ماذا بالسنة، والرسول يقول: (من رغب عن سنتي فليس مني) السنة أي: الطريقة، هذه طريقة النبي صلى الله عليه وسلم! أسنها لك وأمرك بها لتتركها، وتفرط فيها؟! هذه مصيبة أيها الإخوة! أما موضوعنا فلا يزال امتداداً للمواضيع السابقة عن الروح ورحلتها العظيمة منذ أن تستقر في الإنسان وحتى تستقر في الجنة أو في النار.

مراتب تعلق الروح بالجسد

مراتب تعلق الروح بالجسد الروح لها تعلقات بالجسد ذكر العلماء أنها أربع تعلقات:

تعلق الروح بالجسد في بطن الأم

تعلق الروح بالجسد في بطن الأم التعلق الأول: حين يكون الإنسان جنيناً في بطن أمه: فهناك للروح علاقة بالجسد تختلف عن علاقتها بالجسد في الأرض، فالروح هناك موجودة؛ تلمسون الطفل إذا نُفخ فيه الروح بعد (120) يوماً في أول الشهر الخامس تسمع أمه حركة، ويمكن أن تضع يدك على بطن زوجتك فتسمع ركضة، أو دقة! هذه حياة الطفل، الروح موجودة الآن فيه، لكن علاقتها بالجنين في البطن تختلف عن علاقتها بالإنسان في الأرض، فالجنين في البطن يأكل من غير فمه؛ يأكل من سرته، ويتنفس من غير أنفه، ويتغذى من غذاء أمه، وبعد ذلك يعيش بعينين وليس هناك نور، ويعيش بقدمين وليس هناك أرض يسير عليها، وله يدين لا يستعملها، عالم الجنين في البطن يختلف كل الاختلاف عن عالم الإنسان في الأرض، وبعد ذلك من يعلمه هناك في تلك الظلمات؟! ظلمات ثلاث: ظلمة الرحم، والمشيمة، والبطن، ظلمات ثلاث، قال الله: {فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ} [الزمر:6] لكن الله يعلم حاله في تلك الظلمات: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [النجم:32] ألصق الناس بك هي أمك، تحملك في بطنها، وتتغذى على غذائها، وتعيش في أحشائها، وهي لا تعرف عنك شيئاً، ولو سألت الأم: الولد نائم أو يقظان؟ لقالت: لا أعلم، الولد شبعان أو جائع؟! لا تعلم، الولد ذكر أو أنثى؟! لا تعلم، الولد متعاف أو مريض؟! لا تعلم، ضعيف أو سمين؟! لا تعلم لا تعرف عنه شيئاً! لكن من الذي يعلم؟ الله. لا إله إلا هو! يعلمك ويعرف حقيقة أمرك وأنت في تلك اللحظات، وقد أشكل بعض الأمر على بعض الناس فيما يتعلق بقول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:34] هذه خمس، وفي الحديث: (خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله: علم الساعة -لا يعرفها أحد- وتنزيل الغيث) وتنزيل الغيث، لا يعلم أحد متى ينزل الغيث، ولهذا التنبؤات الجوية التابعة للأرصاد التي تسمعونها كل يوم: هناك سحب عميقة جاءت ومنخفض جوي وارتفاع ولكن لا ينزل شيء، لماذا لم ينزل هذا المنخفض؟ تأتي السحب إلى أبها وتذهب وتنزل في الخميس، لو أن السحب على هواها لكانت كلما طلعت من البحر نزلت على أبها، لم لا؟ لماذا تذهب تنزل وتأخذ مشوار إلى هناك؟ من الذي يعطيها أجرة إلى الخميس؟ ماذا بها تترك أهل أبها بدون ماء وتذهب على أهل تهامة وتنزل لهم المطر؟ من ينزل هذا الغيث؟ إنه الله! يقول الله تعالى: {يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ} [الشورى:27] لا تنزل قطرة إلا بأمر من الله عز وجل، ولها ملك موكل بها -وظيفته هذه الأمطار- اسمه: ميكائيل، الموكل بتوزيع الأمطار على البشر، يحجب عن هؤلاء وينزل على هؤلاء، ينزل المطر رحمة وأحياناً عذاباً، ففي الحديث الصحيح: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في يوم الجمعة -وهذه من معجزاته- فلما كان في الخطبة دخل رجل من باب المسجد، فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله لنا، فرفع يديه صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا) يقول راوي الحديث: والله ما في المدينة سحابة -والمدينة بعيدة عن السحب، وليست بجانب البحر- يقول: وإذا بتلك السحابة كالترس تأتي وتنتشر حتى تخيم على المدينة بأسرها، ثم تمطر، فوالله ما خرجنا من المسجد حتى سالت الشعاب والوديان، ثم استمرت هذه السحابة أسبوعاً كاملاً إلى الجمعة الآتية، ولما كان يخطب في الجمعة الثانية وإذا بذلك الرجل يقول: يا رسول الله! هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله أن يرفع عنا، فقال عليه الصلاة والسلام -في أدب النبوة، وجمال العبارة-: (اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر) صلوات الله وسلامه عليه، هذا من إعجازه صلى الله عليه وسلم أن استجاب الله له هذا الأمر، فالأمطار تنزل بأمر من الله تبارك وتعالى، وهو الذي يعلمها {وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [لقمان:34] فالإشكال حصل هنا عند الناس: القرآن يقول العلماء فيه: إنه قطعي الثبوت، القرآن في مجمله من ألفه إلى يائه -من أول سورة الفاتحة إلى آخر سورة الناس- قطعي الثبوت؛ يعني: ليس فيه حرف زائد عما أنزل الله، ولا حرف ناقص على ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن في آياته هذه دلالات قطعية وظنية أي: فيه آيات قطعية الثبوت وفيه قطعية الدلالة، وفيه آيات قطعية الثبوت لكنها ظنية الدلالة، من يعرف القطعي والظني في الدلالات؟ العلماء هم الذين يعلمونه، قال الله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران:7] فالعلماء العارفون بالله يعرفون دلالات الكتاب مما علمهم الله وعلمهم رسوله صلى الله عليه وسلم، هذه الآية يقول الله عز وجل: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [لقمان:34] حملوها الناس على غير مراد الله منها حملاً كاملاً، العلم هنا الذي قاله الله تعالى: علم كامل شامل، يعلم ما في الأرحام، ما قال الله: ويعلم نوعية الجنين الذي في الأرحام، حتى نقول: إذا ثبت بالعلم وبالأشعة أنهم عرفوا أنه ذكر أو أنثى، قلنا: والله قد قال: {يَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [لقمان:34] لا. العلم هنا ممكن، لماذا؟ قالوا: لأن الله تعالى يقول: {مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس:19 - 21] والفاء تفيد التعقيب الفوري، وثم: تفيد الترتيب على التراخي، تقول: دخل محمد فعلي، يعني: دخل علي بعد محمد مباشرة، لكن تقول: دخل محمد فعليّ ثم جاء سعيد، يعني: دخل محمد وجاء علي بعده وبعد ذلك جاء سعيد بعد ساعة أو ساعتين أو فترة من الزمن، فهنا يقول الله عز وجل: {مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} [عبس:19] يعني: بعد خلقه نطفة حصل له التقدير، في لحظة التقدير لا يستطيع أن يعرف نوعية هذا المولود أحد، حتى الملائكة لا تعرف، لكن بعد التقدير وبعد مضي (120) يوماً يؤمر الملك بنفخ الروح، وكتابة الأجل والرزق ونوعية الذكر والأنثى، وفي هذه اللحظات لم يعد العلم علماً خاصاً بالله، فقد انتقل من العلم الخاص بالله إلى علم تعلمه الملائكة، فالملائكة الآن أصبحت في البطن، أي: أن الملائكة التي أمرت بالنفخ في الروح تعرف أن هذا الجنين ذكراً أو أنثى، وبإمكان الناس بعد أن عرفت الملائكة أن يعرفوا أنه ذكر أو أنثى قبل أن يخرج من الرحم، فبالإمكان أن نطلع عليه عن طريق الأشعة، أو نجري عملية للمرأة أو نخرجه بعملية قيصرية ونعرف أولد أم أنثى هذا ممكن، لكن في اللحظة الأولى -لحظة التقدير- لا يمكن لأحد أن يعرفه إلا الله؛ لأن الإنسان يكون بكل صفاته الوراثية وجيناته موجود في رأس الحيوان المنوي؛ والحيوان المنوي: حيوان لا يرى بالعين المجردة، لا يرى إلا بالمجهر المكبر الإلكتروني، وإذا وضعت قطعة من المني على عدسة المجهر فسترى الملايين من الحيوانات المنوية، ويقول العلماء: إن ما يدفقه الرجل من حيوانات منوية في الدفقة الواحدة: أربعمائة مليون حيوان منوي، أي: إذا أتى الرجل زوجته؛ فإنه يدفق في كل دفقه من مائة إلى أربعمائة مليون حيوان منوي، تخرج هذه الحيوانات المنوية وتمر في الرحم ولا يصل إلى قناة فالوب في أعلى القناة التي فيها بويضة المرأة إلا حيوان واحد، ويموت الباقي، فالذي يسبق تحتضنه البويضة وتقفل على نفسها ويبقى الباقون يدورون يريدون طريقاً إلى البويضة فلا يجدون ثم يموتون والحياة هنا للأقوى! هذا الحيوان المنوي الصغير الذي لا يرى بالعين المجردة في رأسه جميع الجينات والخصائص الوراثية! الإنسان أنت وأنا في حيوان منوي صغير لا يرى بالعين المجردة، وما يجري بعد ذلك من مراحل ما هي إلا عملية تطويرية في كونك -أيها الإنسان- تكون بعد ذلك أطواراً، يقول الله تعالى: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} [نوح:13] * {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً} [نوح:14] أطواراً من الترتيبات؛ من نطفة إلى صاحب عضلات وقوة. {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [لقمان:34] فالعلم المقصود هنا ليس علم نوعية وإنما علم كامل شامل في مرحلة التقدير، وإذا عرف الناس ذلك في هذا فليس بمعجز، أي: ليس بغريب؛ لأنه ليس مما اختص الله بعلمه. {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً} [لقمان:34] هذه لا تزال وستظل، ولن يعرف أحد ماذا يكسب غداً إلا الله، لا تعرف ماذا يصير لك غداً، لا تعلم أبداً {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:34] تجد الرجل يعيش في أرضٍِ حتى آخر لحظة ثم يذهب إلى مكان ويموت فيه. فالذي أعرف أن رجلاً كان يعيش معنا في أبها هنا رحمة الله تعالى عليه لا يحب السفر، ويكره الأسفار ولم يُعرف أنه خرج من أبها في حياته قط، حتى خميس مشيط لا يعرفها، وكان يبيع ويشتري في دكانه وكلما سافر تجار إلى أبها أرسل معهم طلباته ويكتب قوائم، يقول: أريد كذا وكذا وكذا تعال معنا، قال: لا أريد السفر، وبعدها جاءت فريضة الحج، قالوا له: حج، قال: الحج هذه السنة زحمة، والسنة الثانية قال: زحمة، المهم أنه بلغ من العمر عتياً -وبلغ الستين والسبعين سنة- ولم يحج، لا يستطيع أن يركب أو يسافر، وأ

تعلق الروح بالجسد في الدنيا

تعلق الروح بالجسد في الدنيا فرحلة الروح وتعلقها بالجسد غير تعلقها بالجنين. إذا خرج الإنسان إلى هذه الدنيا تعلقت به الروح تعلقاً جديداً يختلف عن التعلق الأول، فإذا مات الإنسان وخرجت روحه من جسده وانتقل جسده إلى عالم الآخرة نقلت روحه معه إلى عالم البرزخ، وتعلقت به تعلقاً آخر من جنس آخر، فالجسم تجده في القبر قد رَمَّ وتفتت وأكلته الأرض والروح تعذب أو تنعم. هناك كلام لـ ابن القيم رحمه الله عجيب جداً، يقول: إن الجسد والروح الآن في الدنيا متلازمان، وأي عذاب ينال الجسد يناله بالأصالة في الدنيا وينال الروح بالتبعية. أي: عندما تأتي الآن بشخص تدقه بإبرة في بطنه ما الذي يتألم؟ الجسد؛ لأن مراكز الإحساس في الجلد، ولكن تبعاً لتألم الجسد تتألم الروح، إذ لو لم يكن له روح وطعنته، هل يحس؟ لا. فالآن الضربة في الجسد والألم للجسد والتبعية للروح هذا في الدنيا، أما في القبر فبالعكس: الضربة في الروح والنعيم في الروح والتبعية على الجسد حتى ولو صار عظيماً وما بقي إلا الطين لكن الروح تعذب أو تنعم، يعني: البرزخ عكس الدنيا، في الآخرة -يوم القيامة- العذاب أو النعيم يسلط على الروح والجسد سواء بسواء، ليس هناك تبعية، بالأصالة كلا الاثنين. وأضرب لكم على هذا مثالاً ضربه ابن القيم، قال: ترى رجلين ينامان على فراش واحد، ويريا في منامهما رؤية، الأول يرى أنه يقتتل مع رجل آخر -واحد أمامه ومعه سكين وذاك معه سكين ويتطاعنون وهذا يطعن، وهذا يطعن- والثاني نائم على فراشه ويرى أنه يتزوج بامرأة جميلة، وفي آخر الليل أتى شخص يوقظهم -أيقظ هذا وأيقظ هذا- ما وقع للأجساد شيء، لكن هذا إذا قام قال: لا إله إلا الله الحمد لله يتلفت إلى جسمه فلا يجد دماً، ولا طعناً ولا أي شيء، قال: الحمد لله، الله يجزيكم خيراً عندما أيقظتموني! أعوذ بالله من هذا الحلم، ما هذه الرؤيا؟ ما هذا الحلم؟ ماذا يوجد؟! قال: أعوذ بالله، شخص طعنني وما ترك في بطني مكاناً إلا مزقه الحمد لله الذي أيقظني، تنظر في بطنه فلا يجد شيئاً، وتجد الآخر الذي رأى أنه يتزوج وأنه يأخذ واحدة جميلة؛ فإذا أيقظته من النوم، وقام وتلفت والله ما في ولا شيء لا امرأة ولا أي شيء، يقول: الله أكبر! ليتكم ما أيقظتموني، ليت النومة هذه بقيت إلى يوم القيامة، لماذا؟ سعيد! كان مع زوجة جميلة، فهو سعيد معها، لكن ليس هناك شيء، لا يوجد زوجة حقيقية للجسد، ولا سكين هنا للجسد، لكن الزوجة مع من؟ مع الروح، والحديد هنا والطعن مع من؟ مع الروح، فتألم الجسد بالتبعية، والنوم هو صورة مصغرة من الموت، فإذا مات الشخص حصل ما حصل. ولهذا ظاهر القبور تراب وباطنها نعيم أو عذاب، ظاهرها الآن تلفت وانظر لكن بين القبر والقبر مثل ما بين السماء والأرض، هذا في روضة من رياض الجنة؛ وآخر بجواره ما بينه وبينه إلا شبر أو نصف متر في حفرة من حفر النار. هذا ينعم وذاك يعذب، لماذا؟ بأسباب العمل، فالروح في خروجها ورحلتها إلى الآخرة لها رحلة طويلة وبعيدة، ونبدأ بأرواح الأنبياء: الأنبياء حين يحضرهم الموت، يعاملون بطريقة تختلف عن معاملة بقية البشر، فإنهم يخيرون بين أن يموتوا وبين أن يبقوا على ظهر الحياة، بعد أن يروا ما أعد الله لهم من جزيل الثواب وعظيم الأجر عنده في الآخرة، ولا يوجد على الإطلاق رسول اختار البقاء؛ لأنهم عقلاء، فكل رسول لا يخير إلا ويقول: إلى الله، يختار جوار ربه تبارك وتعالى؛ لأنهم آمنوا بقضايا الآخرة إيماناً حقيقياً لدرجة أنهم يفاضلون بينها وبين الدنيا كما يفاضلون بين العشة المتهدمة وبين العمارة العظيمة، فإذا قال لك شخص وأنت ساكن في عشة متهدمة تخرخر عليك، الحيات والعقارب في طرفها، والحمامات قذرة، والمياه فيها غير مرتبة، ويقال لك: تريد أن تقعد في العشة أو تأتي العمارة؟! في القصر العظيم فيه البساتين والحدائق، وبرك السباحة (وجراش) السيارات، والزوجات؟! ما رأيك؟! تقول: والله أريد العشة؟ أو تقول: الله يجزيكم خيراً أريد تلك، فالأنبياء عرفوا قيمة الدنيا وحقارتها، وعرفوا قيمة الآخرة؛ فهم دائماً يختارون الجنة، ولا شك أنهم يختارونها لعلمهم بها. وقد حدث هذا لرسولنا صلى الله عليه وسلم، فقد خُير بين الموت والحياة فاختار جوار ربه، فقد روى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول -يعني: قبل الموت-: لم يقبض نبيٍ قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير، تقول عائشة: فلما نُزل به -يعني: لما نزل به المرض- ورأسه على فخذي غُشي عليه صلى الله عليه وسلم ساعة -من أجل سكرات الموت- ثم أفاق فأشخص بصره إلى السماء -فوق- ثم قال: اللهم إلى الرفيق الأعلى، قالت: فقلت: إذاً لا يختارنا، وعرفت أنه الحديث الذي كان يحدثنا به صلوات الله وسلامه عليه، ثم قالت: فكانت تلك آخر كلمة تكلم بها النبي صلى الله عليه وسلم وهي قوله: اللهم إلى الرفيق الأعلى) وجاء في إحدى روايات البخاري، قالت: (فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه يقول: وأخذته بحة وهو يقول: مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، قالت: فعلمت أنه يخير يومئذٍ) فاختار مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، جعلنا الله وإياكم منهم.

تعلق الروح بالجسد بعد الموت

تعلق الروح بالجسد بعد الموت والروح هي: مادة شفافة لا ترى ولا تمس ولا تُعلم لها كيفية، وليس لها صفة إلا صفة العلو والدخول والخروج، وقد ثبتت بالكتاب والسنة ولا يعلم كنهها إلا الله، ولما سأل اليهود النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح، قال الله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء:85] ولو أن الروح شيء مادي يمكن الوصول إليه لما كان خافياً على البشر هذا اليوم، فقد استطاعوا أن يعرفوا كل شيء: استطاعوا أن يغوصوا في الأعماق، وأن يسبحوا في الفضاء، وأن يذهبوا إلى العوالم الأخرى ويرجعوا كما تسمعون الآن من الرحلة الأخيرة التي ذهبت ورجعت ونزلت يوم أمس، وكذلك استطاعوا أن يروا أدق شيء في الكون حتى الفيروس؛ والفيروس: نوع من الميكروبات والجراثيم؛ لكنه أدق من الجرثوم، فالجرثوم يمكن أن يرى بالعين المجردة، لكن الفيروس ربما لا يرى حتى بالمجهر؛ وقد لا يرى بأدق المجاهير؛ المجاهير الإلكترونية التي تكبر ملايين المرات، وبها يمكن أن يرى. والروح لا ترى، وقد أجرى أحد العلماء الأمريكيين بحوثاً ودراسات على الروح، كيف تدخل، وكيف تخرج؟ وجاء برجل يحتضر ووضعه في صندوق وأجرى له جميع وسائل الحياة -صندوق زجاجي- وأخذ يرصد كل حركة وكل شيء يدخل هذا الروح، وبينما هو يرصد وإذا بالإنسان يموت، مات الإنسان داخل الصندوق دون أن يرى شيئاً دخل أو خرج! هذه الروح تخرج كما جاء في حديث مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا خرجت روح المؤمن تلقاها ملكان يصعدانها) فذكر من طيب ريحها، وذكر المسك قال: (ويقول أهل السماء: روح طيبة، جاءت من قبل الأرض صلى الله عليك وعلى جسد كنت تعمرينه، فينطلق بها إلى ربها عز وجل، ثم يقول: انطلقوا به إلى آخر الأجل) والحديث في صحيح مسلم عن حماد قال صلى الله عليه وسلم: (أما الكافر إذا خرجت روحه فذكر الراوي من نتنها) -والعياذ بالله- والنتن والطيب هنا شيء معنوي، يتحول عند الموت إلى شيء مادي، وهو الآن مادي فوالله إننا لنشم رائحة الإيمان ورائحة الطيب في الرجل الصالح، وإننا لنشم رائحة الخبث في الرجل الخبيث، ولو اغتسل بماء الأرض كله إنه لخبيث مثل الخنزير. بعض المؤمنين تجده طبيعياً في اغتساله لكن فيه رائحة جميلة؛ وهذه الروائح عرفت الآن في الشهداء في الأفغان، ومن أراد أن يرى المزيد فليراجع كتاب: آيات الرحمن في جهاد الأفغان للشيخ الدكتور عبد الله عزام، وذكر من الآيات الكثيرة ومن ضمن ما ذكر: أن القتلى من المؤمنين تجد لهم ريحاً مثل ريح المسك، والدم مثل ريح المسك، وبعضهم إذا حمل الشهيد وجاءوا يغسلون أيديهم من الدماء تبقى الرائحة أياماً، بل بعضهم قال: بقيت الرائحة في يدي بعد أن غسلتها شهوراً، إنها رائحة المسك من دم هذا الشهيد. قال: (فيخرج من نتنها وخبثها وقذرها، ويقول أهل السماء: روح خبيثة من قبل الأرض جاءت، فيقال: انطلقوا به إلى الأجل) وقد ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث البراء بن عازب وهو صحيح في سنن أبي داود وأخرجه أحمد في مسنده: ذكر التكريم الذي يكون لروح العبد الصالح عند خروج روحه من جسده حيث تصلي عليها الملائكة، وتفتح لها أبواب السماء، وتجعل في كفن من الجنة، وفي حنوط من الجنة، وتخرج منها روائح طيبة تفوق رائحة المسك، ثم تأخذها الملائكة في رحلة علوية كريمة مباركة، وتفتح لها أبواب السماء، أما الروح الخبيثة فتلعنها الملائكة -والعياذ بالله- عند عروجها، وتغلق أبواب السماء دونها، ويدعو كل فريق من الملائكة على باب ألا تعرج من عنده -يقول: اللهم لا تأت من عندي هذه الخبيثة- وتجعل تلك الروح الخبيثة في حنوط من النار ومسوح من النار، وتفوح منها الروائح الخبيثة التي تؤذي الملائكة، ويعرج بها إلى السماء فلا يفتح لها باباً، فتلقى روحه من السماء. وفي حديث البراء يصف الرسول عليه الصلاة والسلام هذه الرحلة من الموت إلى البرزخ، فيقول: (حتى إذا خرجت روحه صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض، وكل ملك في السماء، وفُتحت له أبواب السماء، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن يعرج بروحه من قبلهم، فإذا أخذها -يعني ملك الموت- لم يدعوها في يده طرفة عين -قال الله عز وجل: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} [الأنعام:61] ويخرج منها كأطيب ريح وجد على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة؟ فيقولون: هذا فلان بن فلان؛ بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون فيفتح له، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهي بها إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين - {وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين:19 - 21] أي: يحضر كتابته المقربون من الملائكة- فيكتب كتابه في عليين -نسأل الله وإياكم من فضله- ثم يقال: أعيدوه إلى الأرض؛ فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى). أما الكافر والفاجر -والعياذ بالله- فقد تحدث عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث فقال: (إذا نزعت روحه من جسده لعنته الملائكة بين السماء والأرض، وتغلق دونه كل أبواب السماء، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله ألا تعرج روحه من قبلهم، فيأخذها ملك الموت، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في ذلك المسوح) والمسوح هو الشعر الغليظ الذي مثل المسحل أو المبرد، ليس فيه نوع من النعومة وإنما قاسٍ وشديد توضع فيه الروح فتتأذى الروح قبل أن تصل إلى الأذى العظيم في النار لا حول ولا قوة إلا بالله. (ويخرج منها ريح جيفة كأنتن ريح على وجه الأرض؛ فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة، فيقولون: هذا فلان بن فلان، بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا حتى يُنتهى بها إلى السماء الدنيا فتستفتح أبواب السماء فلا تُفتح، ثم قرأ: {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف:40]). يقول المفسرون: إن تعليق دخولهم الجنة على دخول الجمل في خرق الإبرة تعليق على المستحيل، هل من المعقول أن يدخل البعير في خرق الإبرة؟! ليس معقولاً، وفيه تفسير آخر مشهور: إن الجمل ليس الجمل البعير، الجمل: الحبل الغليظ الذي تربط به السفن في مراسيها، ولعلكم رأيتم السفن في الموانئ إذا وقفت ألقت حبالاً غليظة، وربطت بها في طرف الميناء حتى لا تسحبها الأمواج، وقالوا: إن الدليل على أن المقصود أن الجمل هنا الحبل؛ لقول الله عز وجل: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ} [المرسلات:32] * {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [المرسلات:33] أي: كأنه حبال صفر طويلة، فالشرر إذا امتدت كأنه حبل طويل، والقول الأول أرجح، وهو أن المقصود: أنه إذا دخل الجمل، أي: البعير؛ إذا دخل البعير في خرق الإبرة دخلوا هؤلاء في الجنة وهذا مستحيل. ثم يقول الله عز وجل: (اكتبوا كتابه في سجين) هذا فاجر؛ لأن الله تعالى يقول: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ} [المطففين:7] وما سجين؟ {كِتَابٌ مَرْقُومٌ} [المطففين:9] ما هذا المرقوم؟ {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المطففين:10] هذا المكتوب في هذا الكتاب. (وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: فتطرح روحه من السماء إلى الأرض، ثم قرأ قول الله عز وجل: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:31]) أعاذنا الله وإياكم من ذلك! وروى ابن ماجة في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد الميت تحضره ملائكة، فإذا كان صالحاً قال: اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج، ثم يعرج بها إلى السماء؛ فيستفتح لها فيقال: من هذا؟ فيقال: فلان، فيقال: مرحباً بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، أدخلي حميدة، وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان، فلا يزالون كذلك، أما الرجل الفاجر -الرجل السوء- فإنه يقال لروحه: اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، اخرجي ذميمة وأبشري بحميمٍ وغساق). الحميم: الماء الذي بلغ درجة متناهية من الحرارة، والغساق: هو القيح والدم الذي أحمي حتى أصبح في درجة الغليان وهو خبيث، وإذا كان بارداً وهو قيح ودم ليس جيداً، فكيف إذا كان قيحاً ودماً وصديداً وهو يفور، إذ لابد أن يشرب، من أين يشرب؟ لا حول ولا قوة إلا بالله! {يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} [إبراهيم:17] (وأبشري بحميم وغساق وآخر من شكله أزواج، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج؛ فإذا عرج بها إلى السماء؛ قفلت أبواب السماء، فيقال لها: لا مرحباً بالروح الخبيثة كانت في الجسد الخبيث) لأن الخبث والطيب -أيها الإخوة- إنما يكتسب من الدين، الخبث يكتسب من المعاصي، والطيب يكتسب من الطاعات، فالجسد الذي غذي بالحلال واستعين به في طاعة الله، وما رئي إلا في الأماكن الطيبة، فتجد عينه، وأذنه، ولسانه، ويده، ورجله، وفرجه كلها طاهرة، وسل

الأسئلة

الأسئلة

المحارم الذين يجوز للمرأة الكشف عليهم، وحكم صوت المرأة

المحارم الذين يجوز للمرأة الكشف عليهم، وحكم صوت المرأة Q مَنِ المحارم الذين يجوز للمرأة الكشف عليهم؟ وهل من حق المرأة رفع صوتها في البيت؟ A المحارم الذين يجوز للمرأة أن تكشف عليهم هم الذين يحرمون عليها على التأبيد، أي: لا يجوز لها أن تتزوجهم مطلقاً، وقد ذكر الله عز وجل في سورة النور الرجال الذين يجوز لهم أن تكشف عليهم، وهم أحد عشر رجلاً، قال عز وجل: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا إلخ} [النور:31] فيجوز الكشف لهؤلاء الذين استثناهم الله، وهذا الخطاب موجه للرسول صلى الله عليه وسلم، والأمر له: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ} [النور:31] والمؤمنة هي التي تستجيب، والتي لا تستجيب لله ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم، وتعصي الله وترفض آية الحجاب؛ فقد ضلت ضلالاً مبيناً؛ لأن الله تعالى يقول: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب:36] {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور:31] فيجوز أن تكشف على البعل ما يحتاج {أَوْ آبَائِهِنَّ} [النور:31] أبوها {أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} [النور:31] أبو بعلها، أي: عمها أبو زوجها {أَوْ أَبْنَائِهِنَّ} [النور:31] ولدها {أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} [النور:31] ولد بعلها من زوجة أخرى؛ لأنها عمته ولا يجوز له أن ينكحها بعد أبيه {أَوْ إِخْوَانِهِنَّ} [النور:31] أخوها من الرضاعة أو من النسب {أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ} [النور:31] أبناء أخوها وهي عمتهم {أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ} [النور:31] عيال أختها وهي خالتهم، ولا يجوز لها في غير هؤلاء، وأبناء الخال وأبناء العم وابن العم وابن العمة وابن الخالة كلهم لا يجوز. والعم يجوز؛ لأنه مقيس على الأب، والخال مقيس على الأب، فيجوز للمرأة أن تكشف على عمها وخالها؛ لأنه لا يجوز أن يتزوج ابنة أخته؛ فهي تحرم عليه على التأبيد. {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور:31] هؤلاء ثمانية أصناف من الأقارب وأربعة من غير الأقارب فيصبح المجموع اثني عشر. فمن غير الأقارب: النساء، فيجوز للمرأة أن تكشف على المرأة. وأيضاً: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور:31] إذ يجوز للمرأة أن تكشف على العبد الرقيق الذي تملكه. أي: عبد مملوك لها؛ فإنها تكشف عليه؛ لأنه لا يستطيع ولا يقدر على أن يكشف عورتها خشية عقابها. ثم: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} [النور:31] تابع الزوج الذي يخدم عند الزوج وهو: الراعي أو الخادم أو العامل أو السائق بشرط أن يكون هذا العامل أو الراعي أو الخادم أو السائق مخصياً، ليس له إربة، قال الله عز وجل: {أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ} [النور:31] يعني: ليس فيه إربة للنساء، ولا فيه ما في الرجال: هذا يجوز، أما إذا كان السائق أو العامل غير مخصي فهذا أخطر شيء على المحارم. {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور:31] الطفل الصغير الذي ما عرف الجميلة من القبيحة يجوز له أن يكشف. هؤلاء الذين يجوز لهم، وينبغي للمرأة المسلمة التي تخشى الله وتخاف عقوبته وترجو ثوابه أن تحمي نفسها، وعرضها وعرض زوجها وأهلها؛ بأن تلتزم بالحجاب التزاماً كاملاً وأن تكون ممن يقول: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:285] كما قالت عائشة رضي الله عنها: (رحم الله نساء الأنصار: ما إن نزلت آية الحجاب حتى غدا الرجال إلى النساء فأخبروهن بأمر الله، فشققن مروطهن واعتجرن بها، فكأني برءوسهن في الغد كالغربان السود) كل واحدة في اليوم الثاني كأنها غراب أسود، ماذا هناك؟ أمر الله بالحجاب. لكن بعض النساء تقول: كيف أتحجب وهم يعرفونني من قبل؟ لماذا أغطي وهم يعرفونني كلهم؟ الجواب: ليست القضية أنهم يعرفونك أو لا يعرفونك؟! القضية أمر الله تعالى، فالله تعالى أمر أن تتحجبي فتحجبي، سواء عرفوك أم لم يعرفوك، كذلك الصحابة كانوا يعرفون الصحابيات قبل آية الحجاب؛ فلما نزل أمر الله غضوا وامتثلوا أمر الله تبارك وتعالى. وليس من حق المرأة أن ترفع صوتها في بيتها؛ لأن هذا من علامات سوء أدبها؛ ولأن الصوت عورة، فإذا سمعت صوت المرأة وهي تسب وتشتم وتلعن وتتكلم بعنف فهذا يدل على عدم أدبها، وعلى قلة دينها -والعياذ بالله- أما المرأة الخافظة لصوتها فهي الممتازة وهي من حسنات الدنيا.

حكم قراءة القرآن والتسبيح الجماعي في العزاء

حكم قراءة القرآن والتسبيح الجماعي في العزاء Q هناك عادة موجودة بين بعض نساء إحدى البلاد العربية عند العزاء: يأتون بامرأة بأجرة في بيت العزاء تقرأ القرآن وتسبح وتهلل بصوت مرتفع والنساء يرددن خلفها، أو يفتحن شريطاً مسجلاً عليه هذه الأدعية وهذه الأذكار فيستمعن إليه، وهذه العادة موجودة إلى الآن عند البعض من النساء اللاتي قدمن إلى هذه البلاد وهنَّ يتداولن هذا الشريط بينهن في مناسبات العزاء. والسؤال: ما حكم هذا العمل؟ وماذا يجب على من أتت إليهن عند العزاء؟ وهل تأثم من جلست معهن ولو لم تقر بهذا العمل؟ A أولاً: حكم هذا العمل أنه بدعة؛ فلا ينبغي أن نأتي بأي شيء إلا ما جاءت به السنة، ولو كان خيراً لسبقنا إليه السلف، فاجتماع النساء من أجل قراءة القرآن والتسبيح والتهليل والترديد ولم يأتِ به أمر، إنما هذا إحداث في دين الله بشيء لم يأذن به الله فهو بدعة، ويجب على من أتت إليهن عند العزاء ووجدتهن على هذا الوضع أن تحذرهن وأن تأمرهن بطاعة الله تعالى، وتقول: هذا الأمر حرام ولا يجوز وما أتى به الشرع، وإذا جلست معهن وهي قادرة على أن تخرج؛ فإنها آثمة حتى ولو لم تقره بقلبها، إذ لا بد من الإنكار: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} [النساء:140]. فلا يجوز لك أن تجلس في مكان فيه أمر يُسخط الله إلا أن تكون مضطراً، كيف تكون مضطراً؟ أي: مكره، وليس الإكراه من أجل أن تتعشى، فبعض الناس يذهب في وليمة وهم يطبلون ويلعبون ويرقصون، ويقول: إني مضطر، لماذا؟ قال: من أجل أن أملأ بطني رزاً الله أكبر على بطنك التي لم تمتلئ بالرز! اذهب واملأها بثلاثة ريال في أي مطعم يا أخي! وانفر بدينك، المكره أن تكون مسجوناً، أو مريضاً مقعداً ويوجد منكر ولا تستطيع أن تفلح وهو أمر خارج عن إرادتك هذا هو المكره. أما أن تكون قادراً على أن تخرج فلا.

حكم مس المحدث للمصحف

حكم مس المحدث للمصحف Q هل يجوز قراءة القرآن أو مس المصحف من غير وضوء، أي: من حدث أصغر. أرجو الإفادة؟ A لا يجوز قراءة القرآن على نية التعبد إلا والإنسان طاهر؛ لأن الله تعالى يقول: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:77 - 79] وبعض الناس عنده تفسير سطحي لا أعلم من أين أتى به، يقول: إن المطهرين هنا هم الملائكة، والملائكة تمس المصحف! الملائكة لا تمس المصحف ولا تأتيه فأنت الذي تمسه: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:79] فتجب الطهارة الكاملة من الحدث الأصغر والأكبر، وجوّز أهل العلم لطالب العلم ولمدرس القرآن أن يمس المصحف ولو كان محدثاً حدثاً أصغر لصعوبة الاحتراز من ذلك؛ ولأن فيه مشقة. فمدرس القرآن أو طالب القرآن متعلق به من الصباح إلى الظهر ولا يستطيع أن يظل دائماً محتفظاً بطهارته، فإنه يعفى عنه أن يمس المصحف ولو كان محدثاً، أما حمل القرآن وقراءته على نية التعبد؛ فإنه لا بد أن تكون طاهراً؛ لأن القرآن جزء من الصلاة؛ فيقاس عليها: {لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة:79].

حكم الرقص الشعبي

حكم الرقص الشعبي Q ما حكم الرقصات الشعبية، مثل: العرضة وغيرها من الرقصات التي في أبها وقراها؟ A هذا السؤال يتكرر باستمرار، الرقصة -يا أخوان- اسمها: رقص، ومن اسمها يدل على أنها غير مطلوبة، والمسلم ما خلق ليرقص؛ ولكن قال بعض أهل العلم: إذا كانت العرضة أو الرقصة حربية، يعني: لظروف قتال، ومن أجل دعوة الناس واستلهاب عواطفهم واستنفارهم للقتال في سبيل الله؛ فقد جوزوا ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم رخص لـ عائشة أن ترى رقصة الأحباش -والحديث في صحيح البخاري - لما قدموا عليه وكانوا يرتجزون، وقد أتوا ليسلموا ويرجعوا بعد ذلك ليقاتلوا في سبيل الله عز وجل، فرآهم فأقرهم. فإن كانت رقصة قتال فليس هناك مانع، وأما رقصة لغير قتال مثل رقصاتنا الآن فلا، فالمسلم ليس له رقصة إلا على ظهور الجياد في سبيل الله تعالى، أما أن يرقص مثل المرأة طول الليلة والقدس تحت أيدي اليهود والمسلمون في هذه الضائقة التي لا يعلمها إلا الله، ويقول: رقص شعبي أو غير شعبي، لا ترقص أبداً إلا في ساحات الجهاد، أما هناك فارقص؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى عكاشة بن محصن وقد أخذ السيف وجاء يرتجز بمشية فيها خيلاء وفيها كبرياء، قال: (إن هذه مشية يبغضها الله إلا في مثل هذا الموطن) أي: في مواطن القتال.

حكم ترك قراءة الفاتحة في الصلاة عمدا

حكم ترك قراءة الفاتحة في الصلاة عمداً Q إذا ترك إنسان قراءة الفاتحة عمداً في الركعة الأولى، فهل تبطل صلاته كلها؟ أم تبطل الركعة التي ترك فيها القراءة فقط؟ وهل ينطبق عليه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)؟ A يقول العلماء: إن من ترك ركناً عامداً أو ساهياً بطلت صلاته، فإن ترك قراءة الفاتحة عامداً وقرأها ثانيةً قبل أن ينتقل إلى ركن آخر فإن صلاته صحيحة، أي: كبر ويريد أن يقرأ ولم يقرأ، وقبل أن يركع تذكر أنها ركن فقرأها فصلاته صحيحة، أما إذا استمر في تركها حتى انتقل إلى ركن آخر وهو الركوع فقد بطلت صلاته وعليه أن يعيد الصلاة. أما المأموم فقد اختلف أهل العلم في حكم قراءة الفاتحة للمأموم على ثلاثة أقوال: قول للإمام الشافعي وهو أرجحها وأقواها وأقربها إلى الدليل وهو: إن من ترك قراءة الفاتحة إماماً كان أو مأموماً فإن صلاته باطلة. والدليل حديث عبادة بن الصامت في صحيح البخاري وصحيح مسلم، قال عليه الصلاة والسلام: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) وفي حديث آخر في صحيح البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ وكان بعده من الصحابة من يقرأ فقال لما انصرف من الصلاة: (من الذي ينازعني القرآن؟) فقال أحد الصحابة: أنا يا رسول الله، قال: (لا. إلا بفاتحة الكتاب) أي: لا تنازعني، ولا تقرأ ورائي إلا بفاتحة الكتاب. فدلت الأدلة هذه على أن قراءة الفاتحة ركن في حق المأموم والإمام والفرد. والقول الثاني للإمام أحمد ومالك وهو: أن الفاتحة تجب على المأموم في القراءة السرية، وتسقط عنه في القراءة الجهرية؛ لأن قراءة الإمام قراءة له، فإذا سمعت قراءة الإمام وأنت في الجهرية فإنك لا تقرأ؛ لأنك سمعت، أما في السرية فإنك تقرأ، وهذا قول الإمام أحمد ورجحه ابن تيمية. أما الأول رجحه الإمام البخاري وبوب عليه باباً وألف فيه كتاباً وانتصر له انتصاراً عظيماً، وقال: لا يمكن أبداً أن نضع -أو أن نضيع- حديثاً صحيحاً في صحيحي البخاري ومسلم لا تنهض لمقاومته الأحاديث التي في السنن والتي فيها قراءة الإمام قراءة للمأموم، لا. هذا لا يقاوم ولا يعضد ولا يستطيع أن يصل إلى درجة صحيحي البخاري ومسلم. القول الثالث: وهو من الأقوال التي لا دليل عليها، وهو قول الإمام أبي حنيفة رحمة الله عليه، قال: إن المأموم لا يقرأ؛ لا في السرية ولا الجهرية، أي: ابق واقفاً بعد الإمام، ولا دليل له غير أنه قال: (إنما جعل الإمام ليؤتم به)، ورد عليه بأنه يؤتم بالإمام في الحركات، أما في الأقوال فإنه مطلوب من المسلم أن يكبر ويقرأ الفاتحة ويقول أيضاً: سبحان ربي العظيم، والذي يرجحه أهل العلم أن تقرأها إماماً أو مأموماً، أين تقرأها؟ إن كانت سرية تقرأها في سرك، وإن كانت جهرية ففي سكتات الإمام، أي: إذا قال: ولا الضالين، آمين. تقرأ، وإن كان لا يسكت، أي: بعض الأئمة يقول: ولا الضالين آمين ويقرأ مباشرة، عندئذٍ اقرأ وهو يقرأ؛ لأنه مطلوب منك؛ ولأن هذا لا ينافي قول الله عز وجل: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف:204] لأن هذه الآية عامة وهذه لها دليل مخصص والمخصص مقدم على العام، والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لقاء مع الأحبة [1، 2]

لقاء مع الأحبة [1، 2] لقد أحدثت الحضارة المادية فساداً عريضاً في الحياة البشرية، وذلك بسبب فصلها الدين عن مناهج الحياة، وإقحامها للماديات في كافة المجالات؛ لذا لزم أن توضع وصايا يسير عليها كل محب للدين، يصل بها إلى الله والدار الآخرة.

ظهور ثمرة الهداية، وآثار الكفر في الدنيا قبل الآخرة

ظهور ثمرة الهداية، وآثار الكفر في الدنيا قبل الآخرة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فأسعد الله أوقاتكم، وجمعنا وإياكم على الهدى في هذه الدار، وعلى النعيم المقيم في الدار الآخرة. أيها الأحبة في الله: يخطئ كثير من البسطاء أصحاب النظرة القصيرة الذين لا تتجاوز أبصارهم مواقع أقدامهم، والذين لم يعرفوا هذه الحياة ولا الدار الآخرة، ولا عرفوا ربهم، ولا دينهم، ولا حقيقة أنفسهم ووجودهم، وترتب على هذا الجهل المتراكم الأخطاء في النتائج؛ لأن النتائج تأتي وليدة المقدمات، فإذا كانت المقدمات خاطئة، فالنتائج تكون أيضاً خاطئة يخطئون حين يظنون أو يتصورون أن ثمرات الهداية ومعطيات الالتزام بالدين لا تظهر إلا في الدار الآخرة، وهم يحبون هذه الدنيا، ولذائذها، وشهواتها، ويرون أنها نقد في أيديهم، والآخرة نسيئة لا يستطيعون الحكم عليها، ويرون بعقولهم الضيقة وبنظراتهم الهابطة أن في المجازفة بالنقد على حساب الموعود به (النسيئة) نوع من عدم التعقل؛ فيستغرقون في شهوات الدنيا، ويقولون: الآخرة مستأخرة، و (يحلها حلاّل). ويستجيبون لشهواتهم، ويعبون منها عباً، سواء شهوات المال المحرم، أو شهوات الجنس المحرم، أو شهوات المطاعم والمشارب والمآكل المحرمة، ويتعبون ويستمرون في تحقيق هذه المطالب الهابطة، ولكنهم يفاجئون في نهاية المطاف بأنهم لم يجدوا شيئاً، وما علم هؤلاء أن ثمرات الدين ونتائج الالتزام، ومعطيات الهداية لا تأتي في الآخرة فحسب، بل تأتي في الدنيا قبل الآخرة، وأن آثار الكفر وآثار العصيان والفجور والتمرد على أوامر الله لا يكون الجزاء عليها فقط في الآخرة، بل الجزاء قد يعجل في الدنيا قبل الآخرة، فما الحل إذاً؟ الحل هو الدين، إن كنت تريد أن تسعد في الدنيا فعليك بالدين، وإن كنت تريد أن تسعد في الآخرة فعليك بالدين، وإن كنت تريد الشقاوة في الدنيا فعليك بعدم الدين، وإن كنت تريد أن تشقى في الآخرة فعليك بعدم الدين. إذاًً: السعادة كلها في الدين، والشقاوة كلها في ترك الإسلام والدين.

الأمراض النفسية وتدمير الروح من ثمار الحضارة الكفرية

الأمراض النفسية وتدمير الروح من ثمار الحضارة الكفرية مشكلة المشاكل الآن، وعقدة العقد التي تعاني منها البشرية اليوم هي: العذاب الداخلي في النفس البشرية، ولذا طرأت الآن أمراض جديدة كانت غير معروفة في الماضي؛ يسمونها أمراض الحضارة، وبالأصح أمراض الحظيرة؛ لأن الحضارة في غير الدين تسمى حظيرة؛ لأنهم مجموعة حيوانات يتنافسون على المآكل والمطاعم والمشارب، لكن الحضارة الحقيقية حضارة الإيمان والقلوب والأرواح، الإنسان قد يكون متحضراً ولو كان يلبس رداء وإزاراً ويسكن في خيمة أو كوخ، ولكنه متحضر بمبادئه ومفاهيمه وأخلاقه وعقيدته، كما كانت البشرية تعيش مع المتحضرين الذين بسطوا النفوذ الإسلامي على شرق الأرض وغربها، ولكن بالحضارة الربانية وبالقرآن. والناس اليوم في حظيرة، صحيح أنهم يسكنون ناطحات السحاب، ويطوعون المادة ويسخرونها في خدمتهم، ولكن وأرواحهم في وحشة من جسومهم وأجسامهم قبل القبور قبور هم الآن مدفونون في أجسادهم، علمت عن بعض الناس أنه يرفض أن يأكل مع أبيه أو أمه أو زوجته أو أخته أو ولده، ولكن يألف أن يأكل مع كلبه، بل رأيتهم في مطاعمهم يصنعون كراسي للكلاب في المطعم، وتشاهد الكلب جالساً على الكرسي، والكلب الثاني يناوله! هل هذه حضارة؟! هذه حضارة الكلاب!! يقول أبو الحسن الندوي -عالم هندي-: سافرت إلى أمريكا فوجدت ورأيت كل شيء إلا الإنسان، يقول: رأيت ناطحات السحاب، والميادين الفسيحة، والأماكن والشوارع العظيمة، وهدير المصانع، وأزيز الطائرات، ولكن بحثت عن إنسان فلم أجد إنساناً، بل وجدت مسخاً يمشي على قدمين كلبه في يده. لو جئنا على كلب يعيش في مزبلة، وآخر يعيش في عمارة ويلبس (بنطلوناً) وبدلة (وكرفتة) (والكرفتة) هو الحبل الذي في الرقبة، ولا أدري ما سببه! لأن الذي يربط في رقبته حبل معروف أننا نقوده بحبله، فهذه من الحظيرة يضعون في رقابهم حبالاً، ينتظرون من يقودهم بحبالهم، فلو جئنا بكلب وألبسناه (بنطلوناً) و (كرفتة)، وأسكناه في الدور المائتين من ناطحات السحاب، هل يخرج عن كونه كلباً؟ ضعه في مزبلة أو عمارة رواح لا يخرجه هذا عن كلبيته شيئاً، ولهذا يقول الله عز وجل فيهم وفي أمثالهم: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12] ويقول: {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179]. في هذه الحظائر البشرية وفي ظل غياب الإيمان والدين تولدت المآسي والفظائع والعظائم، وما استطاعت المادة أن تحل إشكال النفوس؛ لأن المادة شيء والروح شيء آخر، المادة من الأرض والروح من السماء، فلما خربت الروح جاءوا بمفاتيح المادة يريدون إصلاحها أرادوا علاج الأرواح فدمروها، وظنوا أنهم يحققون لها السعادة، وما حققوا لها شيئاً، ونشأت العقد، وبدأت الأمراض النفسية تنتشر فيهم. ويذهب المريض إلى الطبيب النفسي، يجلسه على كرسي، ويسأله، ما اسمك؟ ما اسم أبيك وأمك؟ أين درست؟ ويستمر يحادثه كل هذا كذب لا ينفعه، فقط تخدير، وإذا انتهى أعطاه حبوباً مخدرة، أي: نم على جهلك وضلالتك، فهذا ليس بطب، والأمراض النفسية تتولد باستمرار عن البعد عن الله، هذه نتيجة حتمية؛ لأن الشخص وهو يعيش في الدنيا وهو لا يدري لماذا يعيش تحصل عنده عقد.

الجهل بحقيقة المصير يولد أمراضا نفسية

الجهل بحقيقة المصير يولد أمراضاً نفسية أنت عندما تكون في غرفة ولا تدري أين تذهب بعد هذه الغرفة، هل تكون مطمئناً؟ لو جاء شخص وأخذك من بيتك، ووضعك في غرفة وأغلق عليك الأبواب، هل يأتيك النوم؟ لا تعلم من الذي أتى بك؟ ولا تدري أين أنت ذاهب؟ فتحصل عندك عقد، وتأتيك تصورات وأفكار، وكل شيء تسمعه تتصور أنه ما تنتظره، يدخل الشخص وتتصور أنه أسد يريد أن يأكلك، أو أنه شرطي يريد أن يقبض عليك، أو أنه إنسان يريد أن يقتلك، ليس عندك أمن؛ لأنك لا تعلم مصيرك. وهنا نشأت الأمراض النفسية من جراء جهل البشر بما خلقوا له، وما أوجدوا من أجله في هذه الحياة؛ لأنهم يفكرون ويقول الواحد منهم: أنا الآن موجود وسأموت، ثم أين سأذهب؟ لا أدري! الأفكار البائدة، والنظريات الملحدة التي تقدم له، تقول: إنك ستموت وتذهب ولن يكون هناك شيء، وعقلك يقول لك: من قال لك إنه ليس هناك شيء، من الذي ذهب إلى الآخرة واكتشف أنه ليس هناك شيء، أو رجع وقال: إنه ليس هناك شيء، فالناس يذهبون ولا يرجعون، وتنقطع الأخبار بمجرد الموت، والموت يحصل ولا بد للموت من نتيجة.

تقرير البعث نتيجة حتمية للموت

تقرير البعث نتيجة حتمية للموت ذكر الله في القرآن الكريم حقيقتين متماثلتين، وقعت الأولى ولا بد أن تقع الثانية، ولو تخلفت الأولى لجاز أن تتخلف الثانية، لكن لا بد من تلازم الأمرين.

الموت وحتمية وقوعه

الموت وحتمية وقوعه قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30] هذه الأولى، هل يوجد أحد عنده شك في هذه؟ هل تستطيع البشرية أن تتخلص من الموت؟ والله لو أنهم استطاعوا لأوقفوا الموت من زمن، لكن لم يستطيعوا. هناك عالم في مصر عنده أبحاث عن الحياة والروح، ويريد أن يعيد الروح إلى الجسد ولا تخرج منه، وتطور في أبحاثه وقطع أشواطاً، ومن ثم ماتت أمه قبل أن يصل إلى نتيجة، فوضعها في الثلاجة من أجل أن يكمل الأبحاث ويردها لتعيش، وبعد ثمان عشرة سنة من الأبحاث لم يراوح مكانه، لم يتقدم شبراً واحداً، لماذا؟ لأن أمامه مجاهيل لا يستطيع أن يدخل فيها {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:85] مات أبوه بعد ثمان عشرة سنة، فأدخل أباه إلى جانب أمه في الثلاجة وبعد شهر مات هو فأخرجوا أمه وأباه ووضعوه معهم في القبر. الروح مادتها ومفاتيحها عند الله، ويوم أن تقصر على غير مادتها وغذائها تعذب، وإن عذبت حصل للإنسان مشاكل في هذه الحياة. فالأولى حصلت {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30] والله لو كانوا يستطيعون لكانوا قد فعلوا زمن بعيد؛ لأنهم لم يعجزوا عن شيء فيما مكنهم الله منه. فَجَّرُوْا الذرة، والذرة هذه شيء رهيب لا تتصوره العقول، حتى الذي فجرها لا يدري عنها، الذرة في تعريفها العلمي هي: أصغر جزء في المادة. وبمثال يسير: لو أحضرت على رأس الملعقة سكراً وطحنته حتى أصبح مثل البودرة، ثم أخذت على رأس إصبعك واحدة من هذه الذرات الدقيقة، وجعلتها في المجهر -يوجد الآن مجهر يسمونه مجهر (إلكتروني) يكبر المادة ثلاثة مليون مرة؛ أي: يجعل (الملي) الذي هو واحد من عشرة من السنتيمتر يجعله ثلاثة كيلو- إذا أتيت بهذه الهباءة وجعلتها على الشريحة الزجاجية وأدخلتها في المجهر ونظرت قد تراها وقد لا تراها، رغم أنه كُبِّر ثلاثة مليون مرة، إذا رأيت هذه الذرة تجد فيها عالماً، كل ذرة من ذرات الكون لها نظام مستقل، الحديد له ذرات، والخشب له ذرات، والتراب له ذرات، والألمنيوم له ذرات، واليورانيوم له ذرات، والنحاس له ذرات، والبلاستيك له ذرات، وتختلف مكونات كل ذرة من كل مادة عن الأخرى، ولكن تتحد في قضية التركيب، والذرة تتكون من جزأين: نواة وتسمى (النيترون) و (إليكترونات) تدور حول هذه النواة، وتحمل كل ذرة شحنتين: شحنة موجبة وشحنة سالبة، وهناك توازن وتعادل كهربائي بين الشحنة السالبة والموجبة في كل ذرات الكون، ومن يدبر هذا كله إلا الله الذي لا إله إلا هو. وعندما كنا نسمع في القرآن الكريم: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء:40] نقول: هي التي تمشي على الأرض، أي النملة أو هي التي نراها في ذرات الهواء، إذا جلست في غرفة يدخل من شباكها ضوء الشمس ترى غباراً وذرات معهم، والذرة فيها عالم آخر، وقد استطاع الإنسان أن يفجر هذه الذرة، وبحث عن أعظم مادة تتكون من أكثر عدد من (إلكترونات)؛ فوجد عنصراً من عناصر الحديد اسمه (اليورانيوم)، هذه موجود فيه أكثر من خمسين إليكترون، بينما هذا البلاستيك ذراته (الإليكترونات) فيها نصف (إلكترون)، أو واحد (إليكترون) أو اثنان، ولذلك غير موصل للكهرباء، ترون الآن (الكهرباء) تسير هنا، ويضعون عليها (البلاستيك)؛ لماذا؟ لأنه عازل، (الإلكترونات) الموجودة فيه قليلة جداً لا تستطيع أن تحمل الطاقة (الكهربائية) لكن (الإلكترونات) الأخرى التي تحمل هي الحديد والنحاس و (الألمونيوم)، أما (اليورانيوم) لما كان فيه مجموعة كبيرة من (الإلكترونات) كان قابلاً للانفجار. جاءوا بمجموعة كبيرة من مادة (اليورانيوم) وجمعوا فيه الذرات، ومن ثم فجروها، كيف فجروها؟ خلخلوا التوازن والتعادل الكهربائي الموجود بين السالب والموجب فحصل الانفجار والدمار. يا من فجر الذرة؟ لو كان يعرف كيف يموت وكيف يرد الروح لما عجز عن الرجوع، لكن عند الموت قف وارجع. قال الله: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30] هذه الأولى أما حصلت؟! وهل فيها شك؟ من كان عنده شك فليرتقب حتى يأتيه الموت، والله إنك ستموت غصباً عنك {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:34] {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185].

حتمية البعث بعد الموت

حتمية البعث بعد الموت ما دام أن الأولى وقعت، وهي: أننا نموت، فلابد أن تقع الثانية كنتيجة للأولى، وهي قوله عز وجل: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:16] لو أن شخصاً جاءنا وقال: أنا لن أموت، نقول: أجل ما دام أنك تمتنع من الموت، يمكن أن تمتنع من البعث، لكن لا يوجد شخص استطاع أن يمتنع وأن يخرج على سنة الله الضاربة عبر قرون التاريخ، منذ آدم إلى يومنا هذا والناس يموتون، يموتون وهم ملوك وأمراء وأقوياء وأغنياء ولا يمتنع من الموت أحد أجل لا بد من البعث! ولذا يقول الله عز وجل وهو يستغرب ويستبعد على الكفار حكمهم بأنه ليس هناك بعث، يقول: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية:21] من اعتقد أنهم سيكونون سواء فقد أخطأ، فالطيبون قد ملئوا الدنيا صلاحاً، والخبيثون قد ملئوا الدنيا فساداً، ثم يموت كلا الفريقين وتكون آخرتهم سواء، لا. ما دام أنهم اختلفوا في الحياة في السلوك، فإنهم يختلفون في النتيجة في الآخرة في الجزاء، الذين اجترحوا السيئات تعالج جروحهم في النار، والذين آمنوا وعملوا الصالحات سيعطون الهبات في الجنات، والله عبر عن السيئة بأنها جرح في دين المسلم، بمعنى: أنه يجب ألا تجرح في دينك.

ثمار الإيمان في الدنيا قبل الآخرة

ثمار الإيمان في الدنيا قبل الآخرة آثار الإيمان في الدنيا قبل الآخرة، وأعظم أثر نحمد الله عليه هو نعمة الإيمان.

الأمن والطمأنينة من ثمار الإيمان

الأمن والطمأنينة من ثمار الإيمان الله عز وجل يزرع في قلوب المؤمنين الأمن والطمأنينة، وينزع من قلوب المؤمنين القلق والحيرة والاضطراب والضلال، والله لو لم يكن في الدين إلا هذه لكانت كافية أنك تعيش آمناً مطمئناً عندك مؤهلات النجاة يوم القيامة، ترضي الله وتعمل له، هذه تولد في قلبك الأمن، لكن إذا لم يوجد لديك انقياد ولا استجابة ولا استسلام لله فأنت كما قال الله عز وجل: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ} [الزمر:29] عبد مملوك وأسياده عشرة، والأسياد هؤلاء ليسوا متفقين بل متشاكسين، الواحد يقول: قم، والآخر: لا. اقعد، قال ذاك: نم، قال الآخر: قم، وقال ذاك: أحضر ماء، وقال الآخر: لا تحضر ماء أحضر أكلاً، قال ذاك: اخرج، قال: بل اقعد، فما رأيك من يطيع هذا؟ وما رأيكم بهذا العبد هل هو مستريح أم غير مستريح؟ فيه شركاء متشاكسون، قال الله: {وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ} [الزمر:29] عبد لشخص يتلقى التوجيه من واحد، هذا المثل ضربه الله للذي هو عبد لله، والذي هو عبد لغير الله. فالذي هو عبد لله مستريح؛ لأنه يتلقى الأمر من الله، ولا توجد أوامر متضادة، أما الذي هو عبد لغير الله؛ فتتسلط عليه الأبالسة من كل جانب وتشتته؛ فتأمره بكل شيء، ولا يرضى عليه الله في شيء من هذه التصرفات؛ فيحصل له مثلما حصل للعبد الذي فيه شركاء متشاكسون، قلق وتبرم، ولذا تلمسون الآن ما تخترعه البشرية من منومات، أو مغالطات من أجل نقلهم من الواقع المرير، إذا اشترى الواحد الجريدة، أول ما يقرأ يقرأ الصفحة الضاحكة، لماذا؟ قال: أريد أن أضحك، من ماذا يضحك؟ يضحك من مرضه وضيق صدره، وإذا اشترى جريدة يرى آخر صفحة: نكتة اليوم، وإذا ضحك لا يضحك تبسماً، بل يضحك قهقة تسمعه على بعد مائة متر، كأنما في قلبه بركان انفجر من الضيق الداخلي، ومن ثم يريد باستمرار اللهو، إذا أعطيته كتاباً مفيداً أول ما يفتحه يقلبه، ليرى الصور، إن كان فيه صوراً حسناً، وإن كان كله كلام، قال: ما هذا الكتاب الله يهديك، من يقرأ الكلام هذا كله، أعطنا كتاباً جيداً ومجلة يوجد فيها شيء يلهي ويغري، من أين جاء هذا الكلام؟ من الضيق الداخلي والعذاب النفسي. ومن ثم يقضي نهاره كله في اللهو، ويقضي ليله كله في المسارح، وألعاب (السيرك) إذا لم يوجد مسارح ولا ألعاب (سيرك) فيذهب ليشتري (أفلاماً) ويرى (فيلماً) بعد (فيلم) إلى أن ينام، يغطي نفسه ويقبرها ويدفنها، لا يريد أن يعيش على الواقع، وإذا جاء شخص يقول: يا أخي! اتق الله قال: اتركنا. أنت تريد أن تميتنا قبل أن نموت، دعنا نلعب ونسهر، هات (الورق) و (البلوت) و (صن) (ودن) واضرب الأرض تراه رجلاً كبيراً، فتقول: مدير، وإذا به يخبط في الأرض، بعضهم تتكسر يديه وهو يخبط الأرض، على ماذا يخبط؟ يخبط على ورق (البلوت) -الله المستعان- ويجلسون من بعد المغرب إلى الفجر. شخص سألته قلت له: لماذا -يا أخي- تسهر؟ قال: يا شيخ! نتسلى ليس عندنا عمل، أين نذهب؟ تريدنا أن نذهب في الغيبة والنميمة، قلت: تشرد من الغيبة والنميمة وتذهب في أخس منها، هل تحفظ شيئاً من كلام الله؟ قال: لا، قلت: هل تحفظ شيئاً من سنة رسول الله؟ قال: لا. قلت: تعرف قول الله عز وجل: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} [الفلق:1 - 3] ما هو الغاسق إذا وقب؟ قال: لا أعلم، أجهل من ثور أهله بالدين ويلعب (بلوت)، لماذا يغالط نفسه ويقضي سحابة ليله ونهاره في الألعاب والملهيات، هذه كلها نتيجة الضيق الداخلي، أما من عنده نور، وأضاءت الأنوار على هذه الحياة، فرأى الدنيا والآخرة، فهل يلعب؟ لا. بل يعيش بجسده في الأرض وروحه في السماء، لا يقر له قرار في هذه الدار، ولا تنسيه جميع ملهياتها ولا ملذاتها عن الآخرة، يسكن في القصر ويتقلب على السرير وقلبه مع القبر، قلبه يقول: إذا وضعوني في الحفرة المظلمة، من أمامي تراب، ومن خلفي تراب، وتحت رأسي تراب، وقد أموت في ليلة باردة، وقد أوضع في ليلة مظلمة، وأوسد التراب، وتصفُ عليَّ الحجارة، ويكال عليّ التراب، ويذهب الناس عني، أين أنا في تلك الساعات؟ أين أنا في تلك اللحظات؟ والله لا أعمل إلا لذلك اليوم، أما الدنيا هذه كلها زائلة.

من قصص السلف في العبادة

من قصص السلف في العبادة كان لـ ميمون بن مهران -رضي الله عنه- في بيته قبر وكان كثير العبادة، فإذا فتر دخل في القبر، وقال لزوجته وأولاده: صفوا عليّ اللحود، وإذا أفلحوا منه قال: إذا سمعتموني أصرخ فافزعوا إليّ؛ فيصرخ يقول: رب ارجعون، رب ارجعون، رب ارجعون. فيأتي أهله ويفتحون عليه؛ فيقول لنفسه: يا ميمون: قم واعمل صالحاً قبل أن تقول: رب ارجعون فلا تجاب. فيقوم من قبره وهو أنشط ما يكون ليباشر عمله الصالح. يقول الله في الحديث القدسي: (يا بن آدم! خلقتك لعبادتي فلا تلعب، وتكفلت لك برزقك فلا تتعب) {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116]. من ثمار الدين أن ينزع الله من قلبك القلق ويعطيك الطمأنينة؛ لأنك تعمل للآخرة، وعندك مؤهلات ترجو النجاة بها في الآخرة؛ فيحصل في قلبك الأمن، وهو الذي يقول الله فيه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [النحل:97] {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97] ما هي الحياة الطيبة؟! يأكل برتقالاً أبو سرة، وتفاحاً أبو دمعة، وموزاً أبو نقطة، هذه ليست بحياة طيبة؛ هذه حياة الكلاب والحمير، أما إذا كان هناك دين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:172] لكن إذا لم يكن هناك دين {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ} [المرسلات:46] {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ} [الغاشية:25] الطريق يمر بمنكر ونكير {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية:26]. فثمرة من ثمار الدين أن الله يقول: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97] اللهم إني أسألك من فضلك {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97] يعني: في الآخرة.

مثال لمن وجد حلاوة الإيمان في الدنيا

مثال لمن وجد حلاوة الإيمان في الدنيا يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه الوابل الصيب من الكلم الطيب -اقرءوه فهو عظيم جداً- يقول: كنا إذا ضاقت بنا الدنيا وسبلها، ونحن طلقاء قمنا بزيارة الشيخ أحمد بن عبد السلام بن تيمية الحراني (شيخ الإسلام) وهو مسجون في سجن القلعة في دمشق، يقول: فوالله ما هو إلا أن نراه حتى يسرى ما بنا من هموم، وهو المسجون، لكنه مع الله، تجد المتروكين تأتي لهم الهموم، والذي مع الله وهو مسجون يعيش في آفاق واسعة من الراحة والأمن. يقول: فإذا سلمنا عليه قال لنا: المسجون من سجن عن خالقه، والمأسور من أسره هواه وشيطانه، ويقول: ما يصنع بي أعدائي، ماذا يصنعون بي؟ أغلى ما عندهم هي أقصى أمنية عندي، يقول: إن سجني خلوة بربي، وإن ترحيلي وتسفيري سياحة في أرض ربي، وإن قتلي شهادة للقاء ربي, ويقول: ماذا يفعلون بي؟ هل عندهم أعظم من هذا، إما أن يكون سجناً، أو ترحيلاً، أو قتلاً، وكلها أمنيات للمؤمنين. ويقول أحد السلف: مساكين أهل هذه الدنيا، جاءوا إليها وخرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: التلذذ بعبادة الله. ويقول ابن تيمية رحمه الله: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة. ما هي جنة الدنيا؟ التلذذ بالعبادة، وطاعة الله. هذه -يا إخوان- لا تباع في الصيدليات ولا (السوبر ماركت) ولا يأخذها أهل العضلات والريالات، لا يأخذها إلا أهل الإيمان، في بقالات الإيمان ومستشفيات القلوب في المساجد، ومن كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تريد هذه البضاعة ادخل وراجع العلماء واجلس عند أقدامهم، واقرأ كلام الله واقرأ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وداوم على المراجعة في المستشفيات، وامض في الطريق وسوف تجد طعم الإيمان. له طعم ولذة ليست في الدنيا. لذة الإيمان بالله والحب لله وفي الله لا توجد في ملذات الدنيا كلها، الحياة بغيره عذاب وجحيم، الذي لم يجرب فليجرب، التجربة كما يقولون: أكبر برهان، لو أنكم لا تعرفون التفاح، وجعلت أصف لكم التفاحة بكل أسلوب بياني فإنكم لا تفهمونها، لكن لو قطعتها وأعطيت كل واحد قطعة، وقلت: ذق طعمها، فإنه يعرف طعم التفاح بدون إجابات أو بيانات، وكذلك نقول للشباب: ذوقوا طعم الإيمان، سيروا في طريق الإيمان، تذوقوا طعم الحياة، طعم الحياة ليس في الأغاني، ولا النظر المحرم، ولا اللعب، ولا الزنا، ولا الغناء، ولا الربا، ولا الخمور، ولكن طعم ولذة الحياة في الإيمان بالله والعمل الصالح، يقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} [مريم:96].

أثر الحب والبغض في تحصيل الإيمان

أثر الحب والبغض في تحصيل الإيمان وأعظم شيء بعد ذلك الحب في الله والبغض في الله، وهو عنوان هذه الجلسة: "لقاء مع الأحبة" الحديث الصحيح يحدث به أنس بن مالك يقول: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا رسول الله! متى الساعة؟ فأعرض عنه حتى انتهى من كلامه، ثم قال له: أين السائل عن الساعة؟ قال: هأنذا يا رسول الله! -فالرسول صلى الله عليه وسلم مرب عظيم- قال: ما أعددت لها؟ فقال الرجل: -بتواضعه وبصفاء قلبه وبولائه الكامل لله ولرسوله-: لا شيء يا رسول الله! غير أني أحب الله ورسوله) ما قال الصلاة ولا الصوم، بالطبع هو يصلي ويصوم ويجاهد، لكن يقول: أعددت شيئاً يمكن أن ينفع، أما صلاتي وصومي فلا أعلم هل تقبل أو لا تقبل. نحن الآن نعمل ولا ندري {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27] ولما نزل قول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون:60] قالت عائشة كما في صحيح البخاري، قالت: (أهو الذي يزني ويسرق ويقتل ويخشى الله؟ قال: لا يابنة الصديق، إنه الذي يصوم ويصلي ويحج ويتصدق ويخشى ألا تقبل) فالرجل يقول: لا شيء عندي من مؤهلات للآخرة، لكن عندي شيء أستطيع أن أثق فيه وهو أني أحب الله ورسوله، فقال عليه الصلاة والسلام: (أنت مع من أحببت. يقول أنس: فما فرحنا يومئذ بأعظم من ذلك) ونحن نشهد الله أننا نحب الله ورسوله. ولكن لا بد أن نقيم على هذه المحبة أدلة، الذي يدعي أنه يملك عمارة لا بد أن يكون عنده حجة استحكام، صك شرعي، لكن لو ذهب أحد منا وهو مفلس إلى عمارة من العمارات الكبار التي تناطح السماء وقال: هذه لي، كيف لك؟ قال: لي والله لا يأخذها أحدٌ غيري، يقولون: أين الحجة؟ قال: ما عندي شيء، قالوا: اذهب هذه العمارة لا تأتي إلا بحجة، وبعضنا يريد الجنة بغير حجة، يريد الجنة وهو دجال ليس عنده من العمل الصالح شيء، ويريد محبة الله وهو عدو لله، يقول الشاعر: تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس بديع لو كان حبك صادقاً لأطعته إن المحب لمن يحب طيع يقول تبارك وتعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة:165] {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31] إذا كنت تحب الله ورسوله فإن آثار المحبة تظهر على تصرفاتك، لو أنك في البيت في الصباح جاءتك (المعزبة) أو المعذبة! أحد الإخوان يقول: المعذبة وليست (المعزبة)؛ لأن طلباتها لا تنتهي، وكلما حققت لها أمنية فطموحاتها أكثر من دخلك وإمكانياتك، كلما رأت شيئاً، قالت: نريد ذلك الشيء، فتقول: يا بنت الحلال! تريدين كل شيء وأنا ما عندي كل شيء، هذه اسمها معذبة، ولذا يقول العلماء: لا تنكح من النساء أنانة، ولا منانة، ولا حنانة، ولا شداقة، ولا حداقة، ولا براقة، ما هذه الطلاسم؟! الأولى: لا تنكح أنانة، ما هي الأنانة؟ هي كثيرة التشكي، كلما دخلت ترى رأسها مربوطاً، ماذا هناك؟ قالت: صداع -أعوذ بالله- هذا بيت أم مستشفى؛ لأن بعض النساء تأتي لك بالهمِّ أصنافاً، ولو لم يكن فيها مرض، تأتي بالمرض غصباً، المفروض أن المرأة إذا كانت مريضة تمرض قبل أن يأتي زوجها، إذا جاء زوجها تجعل المرض يذهب، تمرض من الصباح إلى الساعة الثانية والنصف، إذا جاء زوجها تدع المرض قليلاً وتقوم تستقبل زوجها، لكن هذه لا. مثل (الجنية) طوال اليوم في المطبخ وتكنس، وإذا جاء زوجها قالت: آه، لا تنكح من النساء أنانة أي: كثيرة الأنين والتشكي. الثانية: ولا منانة، والمنانة التي تمتلك أموالاً أو راتباً تصرف به عليك، تمن عليك كل يوم، إن اشترت شيئاً باستمرار تمن عليك. الثالثة: لا تنكح حنانة، وهي التي تحن إلى زوج سابق، إذا ابتليت بواحدة قد تزوجت، فقل لها: الماضي ماضٍ، لا أريد أن أسمع ذكره، سواء كان جيداً أو غير جيد. والرابعة: لا تنكح حداقة، وهذه هي الشاهد من القصة، وهي التي ترمي ببصرها في كل شيء وتقول: أعطني كذا وكذا، إذا مرت من مكان ورأت الأواني المنزلية قالت: نريد ذاك، أو رأت الفرش، قالت: نريد ذاك، رأت الكنبات، قالت: نريد ذاك، فلو عندي عشرة ملايين لقضت على الذي في السوق كله، فهذه اسمها حداقة. الخامسة: ولا تنكح من النساء براقة، قالوا: البراقة: هي التي إذا كانت على الطعام تبرق بعينها في أيدي الناس، ترى من الذي يأخذ اللحمة الطيبة، ومن الذي لقمته كبيرة، ومن الذي يكثر ومن يقلل، هذه -والعياذ بالله- عينها مثل الرادار. السادسة: ولا تنكح من النساء الشداقة، الشداقة التي أشداقها وسيعة بالكلام، لسانها مثل (الماطور) أربعة وعشرون ساعة وهي تتكلم، لا تخرج ولا تدخل إلا وهي تتكلم، هذه تعذبك في الدنيا قبل الآخرة. إذا جاءتك الصباح بالكيس وقالت لك: هذه قائمة الطلبات، كان الأولون يخرج في الأسبوع مرة والآن كل يوم قائمة للطلبات، ويا ويلك إن أحضرت كل الأصناف إلا صنفاً واحداً، ومن ثم قلت لها: انظري يا فلانة! الله يبارك فيكِ نحن إخوان والمحبة في القلوب، ولا يوجد داعٍ لهذا الكيس كل يوم، أنا والله أحبك مثل عيني لكن لا أريد الكيس، ماذا تقول لك؟ أتصدقك؟ تقول: لا والله لو أنك تحبنا لملأت الكيس بالمصاريف. وكذلك نحن نقول لمن يحب الله ورسوله: لا بد أن يملأ ميزانه عملاً صالحاً، أما أن يحب الله وهو يعصيه، يحب الله ورسوله والأغاني في السيارة والبيت، ويحب الله ورسوله ويحلق لحيته، ويقول له الحلاق: نعيماً -الله لا ينعم عليك- على ماذا نعيماً؟ تحلق لحيتي وتزيل معالم الرجولة من وجهي وتأخذ أموالي، وتقول: نعيماً، بل جحيماً وليست نعيماً، يقول: إنه يحب الله ورسوله وهو ينظر إلى الحرام، ويحب الله ورسوله وهو يأكل الربا، ويحب الله ورسوله وهو لا يصلي في المسجد الفجر ولا العشاء، وربما يصلي بعض الأوقات، يحب الله ورسوله وهو عاق لوالديه، ويحب الله ورسوله وهو قاطع لرحمه، يحب الله ورسوله وهو مؤذ لجيرانه، هذا كذاب وليس بصادق.

علامة محبة الله ورسوله تقديم طاعتهما

علامة محبة الله ورسوله تقديم طاعتهما إن الذي يحب الله ورسوله يحب أوامر الله ورسوله، ورد في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما) أي: أن طاعة الله مقدمة ومحببة إليه قبل كل شيء، ولذا إذا تعارضت أوامر الله مع أوامر أي مخلوق كائناً من كان، يُقدم أمر الله، لا يوجد مفاضلة ولا مقارنة بين أمر الله وأمر أحد. من الناس من يريد أن يحجب زوجته، فإذا قال لها: الحجاب هذا أمر الله، نحن سمعنا في المواعظ والندوات أنه يلزمك أن تحتجبي عن الرجال الأجانب، وأخص الأقارب الذين هم غير محارم: الحمو وابن العم وابن الخال وابن العمة وابن الخالة، والأقارب الذين ليسوا بمحارم؛ لأنهم الحمو وهم الموت، فالمرأة حينما تسمع الكلام هي أحد امرأتين: إما صالحة مؤمنة تخاف الله، وترجو ما عند الله، وتقول: جزاك الله خيراً، والله أنا لا أريد التكشف ولا التبرج، هذه جوهرة نفيسة. أو قد تكون امرأة فاجرة لا تريدك لوحدك، تريد أن تتكشف لك ولغيرك، وأنت تريدها لك، وهي تقول: أريد أن أكون لك ولغيرك، ماذا تقول لك؟ تقول: ماذا فيك؟ من الذي أخبرك بهذا الكلام؟ تريد أن تتدين الآن، أنا بنت فلان لا أحد يقول عليَّ شيئاً، لو أمشي بين (الطوابير) فلا أحد يقول في عرضي شيئاً، وأنت تريد أن تضع العيب عليَّ، تريدني أن أغطي وجهي، فتحدث له المرأة بالكلام هذا هزة ورجة، إن كان ثقيلاً وصاحبَ إيمان ومن طلاب الآخرة، قال: ليس عندي لعب، إما الحجاب أو الباب، هذا إن كان مؤمناً من أهل الجنة ومن أهل الآخرة إن شاء الله. وإن كان مهزوزاً ضعيفاً، هزته ورجته، قال: صدقتِ والله، الدين في القلوب، والله إنكِ صادقة، وأنتِ فيكِ خير يا بنة الحلال، فهذا مسكين، لماذا؟ لأنه قابل أمر الله بأمر المرأة، وتغلب أمر المرأة عليه، تغلب أمر المرأة على أمر الله فهذا عبد الزوجة (تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار، تعس عبد الخميلة، تعيس عبد الخميصة، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش). ما هي العبودية؟ العبودية طاعة، إذا أطعت أحداً من دون الله فهذه عبودية في معصية الله، فلا يجوز لك أن تقابل أمر الله تبارك وتعالى مع أمر غيره، بل الأمر الأول والأخير لله تبارك وتعالى. (أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله) يبني علاقاته مع الآخرين على أساس من عقيدته ودينه، فلا تربطه بالناس رابطة نسب، ولا مال، ولا زمالة عمل، إنما رابطة عقيدة ودين، فصاحب الإيمان أخ له ولو كان من بلاد الهند، وصاحب الكفر عدوٌ له ولو كان أخوه من أمه وأبيه، لماذا؟ لأن جنسية المسلم عقيدته، وهويته إيمانه ودينه، هذا معنى المؤمن الذي يحب المرء لا يحبه إلا في الله. ولكن احذر الشباب الملتزم الطيب، لأن من الناس من يلبس في قضية الحب في الله، ويجعل ظاهرها حباً في الله وباطنها حباً في الشيطان، يحب زميلاً له؛ لأنه معجب بصوته وبشكله؛ أو لأنه يأخذه بالسيارة يمشيه؛ أو لأنه يغديه ويعشيه، فيحبه، ويقول: أحبه في الله، لكن لو انقطع العشاء لم يعد يحبه في الله، ولو انقطعت التمشية لا يحبه، لا. الحب في الله هدف، وهذه كلها حواشي جاءت أو ذهبت. والثالثة قال: (وأن يكره أن يعود إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار) وهذه تمثل قاعدة الثبات على دين الله، ليس عنده تراجعات، فيمشي للأمام ولا يعرف الخلف، لكن (المبنشر) ليس عنده إلا الخلف، الشيطان يسحبه ويرمي به في جنهم والعياذ بالله. المحبة في الله (إكسير) الدنيا، وطعم الحياة؛ ولذا كان العنوان "لقاء مع الأحبة" وما دمنا في لقاء الأحبة، فإنه يحسن أن نضع بعض الوصايا التي ينبغي أن نوصي بها الأحبة:

وصايا للأحبة

وصايا للأحبة أول وصية أسوقها إلى إخوتي في الله الذين يسيرون في الطريق في البدايات؛ لأن البدايات هذه فيها الخطورة، ومن ثم إذا سلك الطريق وصل.

الثبات على دين الله وأسبابه

الثبات على دين الله وأسبابه أولها: الثبات على دين الله، وللثبات على دين الله أسباب كثيرة منها: أول وأعظم سبب: الاعتصام بكتاب الله، إذ لا يمكن أن يزيغ من كان مع الله في كتابه، والدليل قوله عز وجل في سورة الفرقان: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} [الفرقان:32] ماذا قال الله؟ قال: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} [الفرقان:32] فالقرآن وسيلة عظيمة من وسائل التثبيت، ومما يحز في النفس أن نسمع أن من إخواننا الطيبين من يمر عليه الشهر دون أن يختم القرآن، وهذا يعتبر هجراً لكتاب الله، أقل ما يمكن أن تختم في كل ثلاثين يوماً مرة واحدة، أن يكون وردك اليومي جزءاً من كتاب الله، أقل شيء وهذا الحد الأدنى، بعده اختم في كل شهر ثلاث مرات، اختم في كل عشرة أيام مرة، اختم في كل أسبوع مرة، اختم في كل ثلاث أيام مرة، ولا تزد على ذلك؛ لأن من قرأه في أقل من ثلاث لا يفقهه، ومن مكث ثلاثين يوماً ولم يقرأه فيخشى عليه أن يكون ممن قال الله فيهم: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} [الفرقان:30]. وطبيعي أن كل واحد منكم يعرف نفسه: هل هو يقرأ بمعدل جزء في اليوم أم لا؟ لا بد أن تقرأ في كل يوم جزءاً، كيف ذلك؟ أحد الإخوة عنده طريقة لطيفة جداً، فيبدأ التلاوة مع أول الشهر، مثلاً اليوم في الشهر أربعة عشر، فيقرأ في هذا اليوم الجزء الرابع عشر، غداً يقرأ الجزء الخامس عشر وهكذا، كل يوم من أيام الشهر يقرأ جزءاً من أجزاء القرآن، إذا كان الشهر ثلاثين أكمل الثلاثين مع الشهر، وإذا كان الشهر تسعة وعشرين ففي يوم تسعة وعشرين يقرأ جزأين التاسع والعشرين والثلاثين، ثم يبدأ أول يوم في الشهر وهو في الجزء الأول يحل ويرتحل مع الله، هذا أمان من الانحراف والضلال. ويقرأ قراءة مع التدبر، قال ابن مسعود رضي الله عنه: [لا تقرءوا القرآن كقراءتكم للشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، ولكن قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب] فتقرأ القرآن بتدبر وترتيل وتفهم، وإذا أشكل عليك شيء من كلام الله وفهمه، من سبب نزول أو تفسير لآية فارجع إلى كتاب عظيم اسمه أيسر التفاسير للشيخ أبو بكر الجزائري؛ لأنه عالم اطلع على كل التفاسير وجمعها وأتاك بالزبدة ووضعها لك، فقط اقرأ وتمتع، لا تتعب أبداً، وهو عالم موثوق صاحب عقيدة وأخلاق وسلوك، ولا نزكي على الله أحداً، نحسبه كذلك والله حسيبه. يكون معك مصحف في سيارتك ومكتبك ورأسك، وأنا أرى أن أحسن وقت للتلاوة بعد صلاة الفجر أو بعد صلاة العشاء عندما تريد أن تنام، أو في أوائل الصلوات، أي: تأتي قبل الظهر، والعصر، والمغرب بنصف ساعة فتصلي ركعتين ثم تقرأ القرآن وتستعد، فتقام الصلاة وأنت منشرح الصدر، لكن بعض الناس يجلس إلى أن تقام الصلاة ثم يأتيك وكأنه مطارد، أين أنت يا أخي؟! ماذا يمنعك؟! الشيطان يلعب بك ويلبس عليك ويقول: اصبر اصبر، لا. الأصل أن تأتي قبل أن يؤذن المؤذن، يقول أحد السلف: لا تكن عبد سوء لا يأتي إلا حين يدعى. كلنا الآن عبيد سوء إلا من رحم الله، لا نأتي إلا بالداعي، بينما سعيد بن المسيب رحمه الله يقول: [منذ أربعين سنة ما سمعت النداء من خارج المسجد، ولا نظرت إلى ظهر مصلٍ] لا يعرف إلا الصف الأول، فهؤلاء عباد الله الصالحين، فلا بد أن تقرأ القرآن. هذه واحدة. الثانية من وسائل التثبيت: دراسة قصص الأنبياء، لأن قصص الأنبياء فيها عبرة: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} [الفرقان:32] {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى} [يوسف:111] وأنت تأخذ دروساً عملية ليست من نسج الخيال، ولكن من واقع التطبيق العملي على يد أشرف فئة اختارهم الله من خلقه وهم الأنبياء، وتأخذ منهم القدوة، تأخذ القدوة في العصمة من يوسف، حينما قالت له امرأة العزيز: {هَيْتَ لَكَ} [يوسف:23] ماذا قال: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ} [يوسف:23] فقط. فإذا كان هناك امرأة أشارت لك أو اتصلت بك، قل: معاذ الله. أن تصنع هذا الفعل الشنيع، أو أن تتصل بالكلام الباطل، أو أن تنظر إلى الحرام، تأخذ القدوة من كل الأنبياء، يقول الله عز وجل: {وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود:120]. الثالثة من وسائل التثبيت: فعل أوامر الله وترك نواهيه، فلا تترك لله أمراً، ولا ترتكب لله نهياً، ما هو الدليل؟ قال عز وجل: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} [النساء:66] أعظم تثبيت لك على الإيمان أن تفعل ما وعظك الله به، من فعل طاعة وترك ومعصية، أما أن تترك الطاعات وترتكب المعاصي وتقول: أريد من الله أن يثبتني، فلا. كيف يثبتك وأنت لم تثبت؟! اثبت يثبتك الله؛ لأن الله يقول: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} [إبراهيم:27] ما قال: يثبت الله الذين كفروا، أو الذين ضلوا، أو الذين زاغوا وانحرفوا، لا. {الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27]. الرابعة: الدعاء: وهذا هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يقول: (يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على طاعتك) فباستمرار اجعل هذا الدعاء في صلب دعائك، في الليل والنهار والسجود والسحر، وكل مناسبة، قل: يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على طاعتك، وقد ذكر الله هذا عن عباده المؤمنين الذين يقولون: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8].

الالتفاف حول العلماء والرجوع إليهم

الالتفاف حول العلماء والرجوع إليهم الوصية الثانية: الالتفاف حول العلماء. حذار أن تسيروا في طريق ليس معكم فيه عالم يدلكم على الله؛ لأن العالم خبير بالطرق، يعرف كيف يفرق، لكن إذا مشيت وأنت غشيم أو طالب علم، يسهل على الشيطان إضلالك، ولذا لا بد من أن تلتف حول عالم رباني تثق فيه، وإذا أشكل عليك شيء فتقول له: الأمر كذا وكذا فما هو الحل، لا تتصرف من عندك، وإن قوماً شككوا في قدرة العلماء وزعزعوا قدرة المسلمين في العلماء، فكانت نهايتهم الهلاك، لماذا؟ لأن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في الذين ينالون منهم معلومة، العلماء واجهة الإسلام والدين، فالجأ إليهم وتعرَّف عليهم، العالم ينظر إلى المسألة من منظور واسع، ويعرف الدليل والمطلق والمقيد، والعام والخاص، والناسخ والمنسوخ، ما صحة هذا الدليل؟ لكن طالب العلم يأخذ الدليل ويحدث منه الخطأ في فهمه فكان لا بد أن يتعلم العلم على يد عالم حتى لا يخطئ. هل سمعتم بأن ممرضاً تخرج من معاهد التمريض يعمل عمليات؟ ما رأيكم؟ لا يعمل عملية، ما هي مهمة الممرض؟ يضرب إبرة، وإذا جاء على جرح صغير فقط يكشف عليه ويضع عليه مرهماً أو مطهراً فقط، لكن إذا كان الجرح عميقاً أو المرض خطيراً فماذا يقول؟ يقول: والله هذا ليس عملي؛ اذهب للطبيب! والطبيب العام يقول: هذه ليست لي اذهب للجراح، والجراح يقول: والله لا أستطيع اذهب للأخصائي، لماذا؟ لأن الجرح عميق. هذا حماية لأجسادنا، لكن لديننا، لا. كل واحد طبيب وجراح يشق البطون ويحدث ديناً، ولم نسمع من يقول: اذهب للشيخ أو للعالم؛ لأنه يخجل، لو قال: اذهب للشيخ معناه أنني لست بعالم، وأنا أريد أن أصير عالماً (مع الخيل يا شقراء) وهو أجهل من ثور أهله، فيضل الناس بغير علم. أحد طلبة العلم سمع حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفهم منه غير مراد الرسول صلى الله عليه وسلم منه وتوفي في القرية رجل ولما أراد الصلاة عليه جاءوا بهذا الشاب المؤمن، وقالوا له: صل صلاة الجنازة، فلما تقدم ليصلي قال لهم: هل عليه دين؟ قالوا: نعم. قال: ولا يُصلى على مديون، ادفنوه بلا صلاة، فدفنوه بدون صلاة، وبعد ذلك أهل القرية قالوا: كلنا علينا ديون، أجل كلنا لا يصلى علينا، وجاءوا يسألون، قلت: أين الأخ؟ قالوا: هذا موجود معنا، قلت: كيف -يا أخي- قلت هذا؟ قال: ألم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنا بالذي أصلي على مدين) قلت: لكن ماذا قال في الحديث؟ قال: (صلوا على صاحبكم) أخذ نصف الحديث فقط، الحديث: أنه تقدم للصلاة على جنازة فقال: (هل عليه دين، قالوا: نعم. قال: صلوا على صاحبكم ما أنا بالذي أصلي على مدين، فتقدم أبو قتادة، فقال: يا رسول الله! الدين عليَّ، فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم) لأن صلاة الرسول شفاعة لا ترد، والدين مانع من دخول الجنة إلا بعد القضاء، فما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشفع في شخص عنده مانع من دخول الجنة، بعد فترة جاء أبو قتادة وقال الرسول له: (يا أبا قتادة! ما صنعت الدرهمان؟) يعني الدين. قال: (يا رسول الله! ما مات إلا أمس، فسكت، لما جاء اليوم الثاني جاء، قال: ما صنعت الدرهمان؟ قال: قضيتها يا رسول الله! قال: والذي نفسي بيده الآن بردت عليه جلدته) فأخونا قال: لا تصلوا، وبعد ذلك قمنا كلنا وذهبنا نصلي عليه في المقبرة؛ لأن صلاة الجنازة تجوز على الميت في المقبرة، حتى لا يأتي شخص فيقول: لماذا. الصلاة في القبور لا تجوز؟ الصلاة في القبور التي فيها ركوع وسجود لا تجوز، أما صلاة الجنازة فتجوز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على المرأة التي كانت تقم المسجد في قبرها. فنريد فهماً متكاملاً لدين الله، لا نريد أنصافاً ولا شذوذاً، ونريد مع هذا الفهم نوعاً من اللطف، وعدم الحدة، وبعد ذلك تعذُر الناس، إذا رأيت شخصاً معه دليل ويخالفك احمله على المحمل الحسن، ولا تقم معركة بينك وبينه، هو له رأيه وأنت لك رأيك ودليلك، ولا تلزمه ولا يلزمك، فهذه وصية -يا إخواني- (أن نلتف حول العلماء)، والحمد لله بلادنا مملوءة بالعلماء الصالحين، ولا نزكيهم على الله، فهم الذين تطمئن إليهم قلوبنا، ونأخذ كلامهم كالثلج على القلوب؛ لأن فيهم القدوة، والصلاح، والعلم والعمق في الدين. هل تعلمون أن هناك بعض البلدان الإسلامية يفتقر فيها الشباب إلى العلماء القدوة؛ لأنه يريد أن يستفتي الشيخ وإذا بالشيخ يعمل المنكر، ويرى ابنة الشيخ تغني وترقص، ويجد الشيخ حالقاً للحيته، يقول لي أحد الشباب: ذهبت إلى عالم أريد أن أسأله في الدخان، ويوم أن دخلت وجلست عنده وقبل أن أتكلم قدم لي الدخان، يقول: تفضل، يقول: كيف أسأله وهو يرحب بي بالدخان؟! لكن -الحمد لله- في هذه البلاد لا تزال فيها علماء قدوة نقتدي بهم، لكن المهم أن تحتك.

عدم العزلة عن الناس ودعوتهم

عدم العزلة عن الناس ودعوتهم الوصية الثالثة: عدم العزلة عن الناس. هناك شباب طيب يقول: الناس ليس فيهم خير، وينعزل ويجلس بعيداً عن الناس، وتؤدي هذه العزلة إلى أن تتولد لديه نظرة خاطئة عن المجتمع؛ لأنه كلما ازداد بعداً ازدادت رؤية الغلط عنده، وبالتالي كلما زاد ابتعاده فإنه ينظر إلى المجتمع على أنه ليس بمسلم، بينما المجتمع مسلم وبخير، والمنكرات والمعاصي موجودة في كل زمان ومكان، وليست طريقة أنك تبتعد، وما بعث الأنبياء في الصحاري والجبال والقفار، كل نبي بعث في قومه، يدعوهم ويصبر على أذاهم ويبلغهم دين الله، وأنت يجب أن تصبر بشرط أن يكون عندك عزلة واتصال، عزلة شعورية عملية عن المعاصي، فلا تجلس معهم فيها، واتصال معهم في الخير، تكون في اجتماعاتهم وجلساتهم وندواتهم وعزائمهم وسمراتهم وتبلغ الخير، لكن لا تشاركهم في المنكر. أما أن تتخذ منهم جانب الانعزال؛ ونصبح في يوم من الأيام لنجد أن المجتمع انقسم إلى قسمين فهذا خطأ، لا يصح.

دعوة الأقارب وغيرهم

دعوة الأقارب وغيرهم الأمر الرابع: أن يبدأ الشاب الإصلاح من بيته، أي: يبدأ بأمه وأبيه؛ لأن من الشباب من إذا التزم واهتدى هجر بيته، ولا يأتي البيت إلا من الليل إلى الليل، يخرج مع الفجر ويرجع الساعة الثانية عشرة لينام، فترى الأم والأب أن في هذه الهداية ضرراً كونها خسرتهم ولدهم، وولدهم عندهم غالٍ، قالوا: والله الولد من يوم أن اهتدى لم نعد نراه، إذاً لا نريده يهتدي، نريده أن يجلس في البيت، المفروض بمجرد أن اهتديت والتزمت أن تعطي للبيت أكثر مما كنت تعطي في الماضي، وأن تشعر أمك وأباك وإخوتك بأنك إنسان جديد، أثرت فيك الهداية والالتزام وجعلتك أكثر عطاء وإنتاجاً واحتكاكاً واهتماماً بمشاكل الأسرة وخدمة البيت منك في الماضي، فتلازم البيت بالليل والنهار، ولا تخرج إلا للصلاة، أو لحضور جلسة علم، أو لزيارة أخ في الله وعلى فترات متباعدة: (زر غباً تزدد حباً) لأن بعض الشباب يكثر الزيارة لإخوانه، كل يوم وهو عند فلان، كل يوم وهو جالس معه، حتى إن أهله يقولون: جاءنا رفيقك، لكن لو جعلتها كل عشرة أيام، أو خمسة عشر يوماً وجئت تزوره مرة، جلست معه جلسة مفيدة على كتاب علم، أما كل يوم وهو في جلسة، (وسوالف) وضحك وكلام، ماذا قال فلان وماذا قال علان، وليس هناك مصلحة، فهذا غلط لا يصلح، اجلس في البيت باستمرار، بعد ذلك قدم خدمة للأب، إذا رأيت أن أباك يريد أن يباشر أي عمل من أعمال الأسرة قل: يا أبت! أنا أكفيك هذا العمل، يذهب ليقضي حاجة، يقول: ماذا تريدون؟ قالوا: نريد كذا وكذا وكذا، قل لهم: أنا آتي به، يقولون لك: لا تعرف، لا. والله يا أبي لابد أن أعرف، أريد أن أعرف أنني رجل؟ سوف يقول لك: يا ولدي ترى أصحاب السوق هؤلاء يزيدون في الاسعار فانتبه، قل: حدد الأسعار وأنا آتي بالاجة بأقل سعر، يعطيك الكشف وتأخذ النقود، وتنزل إلى السوق ولا تشتري إلا بأقل سعر، وأجود بضاعة، وبعد ذلك ترجع إلى أبيك وتسلم البضاعة كلها، وتقول: يا أبي! أخذنا (برتقالاً) بخمسة عشر، وأخذنا (اليوسفي) بعشرة، وأخذنا (بطاطساً) بعشرة، المجموع: مائة وعشرون ريالاً وأنت أعطيتني مائة وخمسين بقيت ثلاثون تفضل، يقول أبوك: خذها لك، لا والله لا آخذها ماذا أعمل بها، يا أبي الذي في جيبك في جيبي، ما رأيك في أبيك هذا يحبك أم لا؟ لكن بعض الأولاد إذا أرسله أبوه قال: مشغول، عندي موعد، عندي التزام، يتهرب، فإذا ذهب مرة وأرسله أبوه أخذ النقود أعطاه أبوه مائتي ريال وذهب إلى السوق وما نزل من السيارة بل يدعي الحمال من هناك: يا ولد أعطني (كرتون) برتقال، أعطاه (كرتوناً) من أخس (الكراتين) وبكم؟ قال: بأربعين ريالاً، قال: تفضل، وأعطني صندوقاً من الطماط، قال: بكم؟ قال: بخمسين ريالاً، (خايس) ورجع البيت دخل على أبيه أين المقاضي؟ قال: تفضل، بكم؟ والله اشتريت بثلاثين وأربعين وعشرين والباقي أريده لي فإني محتاج إليه، ووضع الباقي في الجيب، النقود مائتان والمقاضي لا تسوى ثلاثين ريالاً، ما رأيك هل يرسله مرة ثانية؟ لا والله لا يرسله، يقول: (تعب الساق ولا تعب القلب) أنا سأذهب لأشتري الحاجيات بنفسي والله يعينني على هذا الولد، وبعد ذلك تأتي تقول له، وأنت قد أخذت النقود عليه، واشتريت له (برتقالاً) فاسداً (وطماطاً) فاسداً، تقول له: يا أبي الصلاة الدين الالتزام، يقول: اذهب يا كذاب، يا سارق النقود، اذهب أنت ودينك، لا أحد يعتمد عليك على شراء (طماط)، وتريد مني ديناً، اذهب يا دجال، وبعد ذلك يكرهه ويكره الدين؛ لأنك صورت الدين أن هذا خُلُقُ الدين، لكن لو أنك صادق في معاملتك، وخدوم لأبيك، إذا جاء رجل فإذا بك موجود تصب القهوة، إذا طرق الباب أحد فإذا بك موجود ترد، وتفتح الباب، وتخدم من في البيت. وبعد ذلك جاء وقت المغرب قلت: يا أبي! قالوا هناك ندوة للشيخ الفلاني في المسجد الفلاني، فماذا يقول أبوك، يقول: صدقت جزاك الله خيراً، إي والله يا ولدي نذهب إليها، ما معنا إلا الله عز وجل والآخرة؛ لأنك أعطيته خدمة، وأمانة، وبذلاً، ولا بد أن يعطيك هو، لأن التبادل في المصالح حاصل في البشر كلهم، لكن أنت تأخذ منه ولا تريد أن تعطيه، لا يقبل منك، واليوم الأول والثاني يأتي معك، ويصبح في يوم من الأيام وهو مهتد وكانت هدايته على يديك. عظيم جداً -يا أخي- أن تأتي يوم القيامة بأبيك وأمك في ميزانك، أم أنك لا تريد؟ فما رأيك المسئولية على من؟ من تتصور أن يقوم بهذا الدور؟ ومن تتوقع منه أن يدخل على أمك ليهديها في البيت إذا أنت لم تقدر على هدايتها؟ وبعض الناس يأتي على أمه فلا يعاملها معاملة حسنة، بل يكون كلاً عليها في تغسيل ملابسه، وترتيب غرفته، وتنظيم كتبه، وبعد ذلك لا تجد منه منفعة أبداً إلا الأوامر، أما الأوامر ما شاء الله، فهو مثل ضابط في الجيش، قوموا اقعدوا هذا حرام هذا حلال لا تعملوا فكوا قولوا، والأوامر هذه لا تنفعك -يا أخي- لأنك أنت في موطن الضعف والقلة، لست الأب ولا صاحب الأسرة، فلا يسمع أحد أمرك؛ لأن من عرفك صغيراً حقرك كبيراً، فيرفضونك وبالتالي يرفضون الدين، وتتولد عندهم عقد ضد الإسلام وضد الدين، وأنت السبب. أحد الشباب جاءني مرة يشكو أمه، يقول: إذا شاهدتني ودخلت رفعت صوت الأغاني، وإذا خرجت للسوق فإنها تتبرج كي تعاندني، يقول: وضدي، إذا قلت لإخواني صلوا تقول: لا تصلوا، قلت: كيف سلوكك معها؟ فإذا به من هذا الطراز الذي هو أوامر بس، قلت له أولاً: لا تقل لها من الآن ولا كلمة، أنت نفسك خذها بالكمال أما هي فلا، بعد ذلك قم بخدمتها، قال: كيف أعمل؟ قلت: إذا تغديتم وقامت لتأخذ الصحون، قل: والله لا يأخذها إلا أنا اليوم، دعيني أتعلم، ربما غداً أصير عزوبياً فلا أدري كيف أعمل، وخذ الصحون، قل لها: أنتِ عليك الطبيخ وأنا عليَّ الصحون باستمرار، وعند تغسيل القدر ضع ماءً حاراً وماءً بارداً وقليلاً من الصابون واغسله واغسل يديك وانتهيت، واسكت فقط اغسل الصحون باستمرار، وإذا رأيتها تكنس في غرفة، فادخل الغرفة الثانية قل: والله لا يكنس هذه الغرفة إلا أنا، والكنس آلة تدفعها أمامك لا يوجد تعب ولا شيء، إذا جاء الغسيل قل: المفروض أنا الذي أغسل ثيابكِ، ولا تغسلين ثيابي أنت، لا يغسل اليوم إلا أنا وأنت فقط علميني كيف؟ وبعد ذلك قم بالخدمة لها، وانظر ما ترى. يقول: عملت العملية هذه، وبعد أسبوع أو عشرة أيام، وإذا بأمه تتغير نحوه، وإذا بها تقول: الحمد لله الذي هداك يا ولدي، (تعتبر الهداية تغسيل الصحون) قال: الحمد لله يا والدتي، قالت: يا ولدي ما رأيك في الأغاني هذه والله إني أكرهها؟ قال: ليس فيها شيء تريدين أن تسمعيها اسمعيها، أما أنا لا أحبها، قالت: والله لا أسمعها من أجل خاطرك. وبعد ذلك قالت له: ما رأيك في السوق؟ أنا دائماً أخرج أقضي أغراضي، قال: والله ليس في ذلك شيء، المهم أن تتحجبي، قالت: أعوذ بالله من السوق هذا والله لا ينزله إلا الذين ليس فيهم خير، لو تشاهد يا ولدي! ما فيه من منكرات، والله يا ولدي! إن فيه منكرات تشيب منها الرءوس، ونعرف أنك كنت تتضايق ولكن والله لا أذهب إلى السوق، سبحان الله! من أجل غسيل الصحون، طيب هذه الإيجابية وهي أن تعطي أمك شيئاً من الطاعة والبر والخدمة والإحسان والمعاملة، تأخذ منها ماذا؟ هداية، وطاعة لله ورسوله، ومعاونة لك على الدين، بعض الشباب هجر أهله وسكن في صندقة أو في عزبة مسجد، ماذا بك؟ قال: أهله فيهم فاسد، والله أنت الفاسد، والله لو أن فيك خيراً لكان أول خيرك يأتي لأهلك، أهلك ليسوا كفاراً -يا أخي- صحيح لو أننا في وسط اجتماعي كافر، يعني كان أبوك كافراً لا يعرف الله، هناك له حكم، أما أن يكون أبوك مسلماً وأمك مسلمة لكن عندهم ذنوب ومعاصٍ، ولم تستطع أن تعالج الذنوب، بل زدتها، تريد أن تكحلها فعميتها. فنقول للشباب: عودوا إلى مراكزكم، وبيوتكم وطاعة آبائكم وبر أمهاتكم، والإحسان إلى جيرانكم وأقاربكم، اذهب لرحمك وادخل عليه، أحد الناس يقول: إن له رحماً يشرب (الشيشة) يقول وكلما دخلت عليه ورأيت أنه قد خرج أخذت الشيشة ورميتها في الزبالة، يقول: وآتي فإذا هناك (شيشة) جديدة، يقول: وأرميها، وآتي يقول: ماذا أعمل؟ قلت: سبحان الله! أنت لم تعرف كيف تدعو إلى الله -يا أخي- القضية ليست قضية (الشيشة) (الشيشة) إذا ذهبت يأتي بعشر (شيش) وبعد ذلك هو عارف أنه لا يكسر (الشيشة) إلا أنت، ولذا يعاندك ولا يسمع كلامك، ولا يهتدي وأنت موجود، حتى لو أراد سماع موعظة في مسجد، وأراد أن يهتدي، قال الشيطان: والله سوف يقولون: فلان هو الذي أثر عليك، كثير من الناس الآن يرفض الهداية من أجل عناد شخص من أقاربه؛ لأن الداعية لم يستعمل الرفق واللين معه، قال: ماذا أعمل، قلت: يا أخي! ليس لك علاقة (بالشيشة) (شيشته) له، وما أنت عليه مسيطر ولا لك عليه سلطان، سيطرتك على نفسك، قدرتك على زوجتك وأولادك ومن في بيتك، أما أبوك وأمك وإخوانك وأرحامك وجيرانك وأقاربك ليس لك عليهم سبيل، لك عليهم الدعوة باللطف وبالتي هي أحسن: ببيان الحق، بالصبر على أذاهم، وبعد ذلك إذا غرس الإيمان في قلوبهم بدت آثاره على جوارحهم، أما أن تأتي وتأخذ (الشيشة) هو سيشتري شيشتين، فلا بد -يا أخي- من اللطف مع إخوانك وجيرانك؛ لأن هذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم، الذي يريد أن يعالج الناس بغير الهدي النبوي يمرضهم، ويزيدهم مرضاً، يقول عليه الصلاة والسلام والحديث صحيح: (بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا) الآن العكس، إذا دخل الشخص إلى بيته دخل ذئب على البيت، لا. نقول: بشر برحمة الله، بشر بأمر الناس إلى طاعة الله، بعد ذلك يسر (ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثماً) أما إذا كان حراماً فلا. أما إذا كان كله في دائرة المباح خذ أيسر شي على الناس، خذهم بلطف، أنت قبل أن تهتدي، لو جاءك شخص بالأسلوب الذي أنت عليه مع الناس الآن فإنك لا تهتدي، لو أتاك شخص بالأسلوب هذا وجاءك بالعناد بطريقتك هذه لرفضته، لكن يقول الله عز وجل: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْ

الأسئلة

الأسئلة

حكم الضحك بشدة، وهدي الرسول في الضحك

حكم الضحك بشدة، وهدي الرسول في الضحك Q هل يجوز الضحك والقهقهة؟ A جزاك الله خيراً لا يجوز الضحك بين الأذان والإقامة، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتبسم في مجلسه حتى تبدو نواجذه صلوات الله وسلامه عليه، أما الضحك والقهقهة فلا، لكن التبسم مما يتبسم منه فلا حرج في ذلك، هذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فلا نزيد من الضحك ولا نجمد أنفسنا، وهذا ثابت في الأحاديث الصحيحة. فضحك حتى بدت نواجذه صلى الله عليه وسلم، (وكان ضحكه تبسماً).

رفض الفتيات للزواج بحجة الدراسة وتأمين المستقبل

رفض الفتيات للزواج بحجة الدراسة وتأمين المستقبل Q أنا شاب مستقيم بفضل الله خطبت أكثر من ثلاث فتيات، ولكنهن رفضن بحجة إكمال الدراسة، فيا حبذا لو وجهتهن بكلمة قصيرة تحذرهن من هذا المنهج السيئ؟ A هذه لفتة طيبة نهمس بها في آذان النساء: أنه إذا جاء الكفء من الأزواج ألا ترده؛ لأن فيه تهديداً (إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته -وفي وراية: وخلقه- فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) وهناك فتيات جاء الخطاب أثناء الدراسة فقلن: لا. نريد أن نؤمن المستقبل ونؤمن الدراسة، والدراسة والزواج ليس (شيكاً) في الجيب تخرجه متى شاءت، لا. قد ينصرف الخطاب عنها حتى تصبح عانساً، والآن هي في سن الأربعين تتمنى أن يأتيها شخص ولو كان يمشي على أربع، ولو أنها تزوجت في بداية حياتها لسعدت ولكان أولادها الآن معها في المدارس يحققون لها مستقبلاً أفضل، لكن جعلت همها الدنيا تقول: أريد راتباً ووظيفة. فأمهاتك -أيتها المؤمنة- من فاطمة بنت محمد وعائشة بنت أبي بكر الصديق إلى يومنا هذا لم يمتن جوعاً وما كن موظفات، بل الراتب في بعض الأحيان سبب الإشكال بين الزوج والزوجة؛ لأنها بذلك ترفع رأسها عليه، ليس ضرورياً إذا جاءك الزوج الذي ترضين دينه وأمانته فتتزوجين به، واشترطي لنفسك أن تواصلي تعليمك، فإن الزواج لا يمنعك من مواصلة التعليم، وأيضاً أنت -أيها الشاب- لا يمنعك الزواج من مواصلة التعليم، بل سيكون الزواج عوناً لك على مواصلة التعليم، وقد عرفنا بالتجارب أن الذين لديهم أزواج من الشباب هم أنجح الناس في الدراسة؛ لأن المخ موجود، وزوجته أمامه في غرفته، لكن ذاك الذي ليس عنده زوجُهُ مشتت ذهنه، تضيع الأفكار وتذهب في كل وادٍ، تزوج يجمع الله لك خير الدنيا والآخرة.

الغيرة في النساء وسببها

الغيرة في النساء وسببها Q ما هو علاج الغيرة عند الزوجات، إنني أعاني من هذه الغيرة التي قد تحطم حياتي وحياة كل من يعاني منها؟ A الغيرة شيء طبيعي في النفس وهي متولدة عن الحب، فالمرأة إذا كانت تحب زوجها تغار عليه، ولكن العلاج بأمرين: أمر منك -أيها الزوج- وأمر منها، فالذي منك: أن تبعد نفسك عن مواطن الريبة، لا تكشف على امرأة ولا تتكلم مع امرأة، ولا تجلس مع امرأة، وبهذا تقضي على الغيرة من ماذا تغار؟ هي تغار عليك إذا صرت في مجلس واحد مشترك وشاهدتك تتلفت في امرأة، وتغار عليك إذا سمعتك تتكلم مع امرأة، وتغار عليك إذا رأت منك انحرافاً في السلوك، هذه الأولى. والتي من المرأة المسلمة: أن ترشد هذه الغيرة، ويقول لها زوجها: أنا أخاف الله قبل أن أخافك، وأنا أراقب الله قبل أن أراقبك، والله لا تمتد عيني ولا أذني ولا يدي إلى حرام، فأنت اطمئني، لكن إذا كان في قلبها خوف منك؛ لأنها لا تضمن سلوكك، حينئذٍ تتولد عندها الغيرة، وإذا تولدت الغيرة، تتولد المشاكل، اضبط سلوكك تنضبط امرأتك، وحياتك، أما أن تنظر في النساء وتتكلم في الهاتف وتقول: يا امرأة لا تغاري، كيف لا تغار عليك؟! أنت لو شاهدت شخصاً يتكلم مع امرأتك أو ينظر إليها ألا تغار عليها، فهي إذاً إنسان مثلك. أما إذا كان المقصود أن تكون المرأة معها ضرة -والضرة من الضرر- فليس هناك امرأة تحب أن يكون معها امرأة أخرى، لكن الذي شرع هو الله، والذي خلق هو الله، فهو الذي خلق المرأة وشرع الأمر، وأباح التعدد، وهو يعلم أن المرأة تطيقه وتتحمله، ولكن الشيطان يريد إزعاج المرأة وإفساد حياتها، فيأتي ويقول: شاهديه يجلس مع امرأته تلك أكثر، وإذا كنتم جلوساً جميعاً فإنه يضحك لها ولم يضحك لك، يتلفت إليها ولا يتلفت إليك، شاهدي كيف أسلوبه معها مثل العسل، ومعك ينهرك، هذا من الشيطان، فلا ينبغي لك أن تغاري عليه من زوجته الأخرى؛ لأنها حلال، ولا ينبغي للزوج أن يظهر من التصرف بما يوجد الغيرة من المرأة، حتى في النظر إذا كانوا سوياً في مجلس واحد، العين تكون هنا قليل وهنا قليل، وكذا نظرة وكذا نظرة، وكذا خطرة وكذا خطرة، وكذا ضحكة وكذا ضحكة، فالموازين عندك حساسة، أما الميل القلبي بالنسبة لك فهذا ليس في يدك، هذا بيد الله، لكن يلزمك أن تعدل: في المبيت، والنفقة، والتصرفات والتعاملات، أما في الميل القلبي فهذا لا تقدر عليه، فقد كان صلى الله عليه وسلم يعدل، وهو أعظم الناس عدلاً بين نسائه وأمته ورعيته ويقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلومني فيما تملك ولا أملك). وإذا أردت -أيتها المؤمنة- أن يميل الزوج إليك، فأكثري الخدمة، تنافسي أنت وزوجته الأخرى في تقديم أحسن خدمة، والرجل سوف يميل إلى التي يشاهد أنها طيبة، وتبذل كثيراً من البر والطاعة والرائحة الطيبة وهذا يكون له مردود، لكن بعض النساء لا تريد أن تعمل شيئاً وتريد زوجها يظل معها أبداً.

كيفية التخلص من أشرطة الفيديو الخليعة

كيفية التخلص من أشرطة الفيديو الخليعة Q لقد كتب الله لي الاستقامة ويوجد لدي عدد كبير من أشرطة الفيديو ولكنها غير صالحة، هل أبيعها وأتصدق بقيمتها، أم أحرقها؟ أرجو توجيهي جزاكم الله خيراً؟. A خذوا قاعدة عامة: أي شيء من وسائل الحرام يمكن أن يستعمل في الخير ممكن أن تستعمله؛ لأن الشريط هذا إناء، مثل الكتاب إذا كتب فيه كفر صار كتاب كفر، وإذا كتب فيه إسلام يصير كتاب إسلام، والشريط كذلك مثل الكوب، هذا الكوب ما حكم استعماله؟ إذا كان فيه خمر يصبح حراماً، وإذا كان فيه عسل يصبح حلالاً، وكذلك شريط الفيديو أو الأغاني أو أي شريط، إذا كان فيه قرآن وذكر وكلام طيب فهو حلال، إذا كان فيه شيء محرم فاذهب به إلى الذي يمسح الأشرطة وقل له يسجل عليه الحق. أما أن تذهب لتبيعه فلا؛ لأنه (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) كيف تكرهه لنفسك وتبيعه من أجل أن تتصدق به؟!

حكم الحجاب الشرعي

حكم الحجاب الشرعي Q كثير من الأسئلة وردت من الأخوات يطلبن أن تتكلم عن الحجاب الشرعي بصورة مختصرة؟ A الحجاب الشرعي فريضة الله على المؤمنات، قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب:59] وقال عز وجل في سورة النور: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31]. فالحجاب الشرعي فريضة، والتي تصلي يلزمها أن تحتجب؛ لأن آية الصلاة محكمة وآية الحجاب محكمة أيضاً، والتي تؤمن بآية الصلاة والزكاة والحج وترفض آية الحجاب يخشى عليها من الوعيد الكائن في كتاب الله عز وجل: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة:85] نؤمن بآية الصلاة ونكفر بآية الحجاب، قال الله: {فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [البقرة:85] وهذا الذي يحصل الآن من التكشف والتبرج يحصل به العذاب في النار {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ} [البقرة:85]. فيا أيتها الأخوات المؤمنات! التزمن بالحجاب على أنه دين لا أنه أمر الزوج، فقد تبتلى امرأة بأن لها زوجاً لا يريد أن تتحجب، لكن تتحجب رغم أنفه ولا تطيعه، وبعض النساء تتحجب بأمر زوجها، فإذا ذهبت عند أهلها قالوا لها: اخرجي بلا حجاب، فتتكشف، فهذه لم تطع الله، والحجاب الشرعي أن تلبس في بيتها لزوجها مما يحلو لها، وتتزين به له، أما إذا خرجت فيجب أن تستتر من مشاش رأسها إلى أخمص قدمها، ولا يبدو منها شعرة ولا ظفر واحد، والحجاب عبارة عن ثياب فضفاضة واسعة، لا تلبس الضيق انتبهوا الضيق المفصل هذا موت؛ لأنه يبدي ويكشف مفاتن المرأة، تلبس ثياباً فضفاضة وفوقها عباءة، وبعد ذلك في يدها (دسوس) إلى الكوع، (دسوس طويلة) وتلبس حجاباً على وجهها متين أسود لا يرى أحد ما وراءه وتلبس العباءة من فوق وتمشي، هذه المؤمنة التي تقيدت بقيد الشرع، وليس بينها وبين السعادة -إن شاء الله- إلا أن تموت، هذه جوهرة مصونة ودرة مكنونة، لا تنظر لها عين ولا تمد لها يد إلا عين ويد زوجها، أما الرخيصة المبتذلة البعرة التي تخرج للأسواق لتنظر لها العيون، وتمتد لها الأيدي، هذه رخيصة، والرخيص لا أحد يريده، الرخيص -كما يقال- بخيس، لا تكوني رخيصة فتخسري أهلك وبيتك ودنياك وآخرتك، لكن تحجبي والتزمي بدين الله، يرتفع قدرك وتعلو قيمتك، وتزداد منزلتك في الدنيا والآخرة. أما بالنسبة لأبيها وأخيها والثمانية الأصناف الذين ذكرهم الله في سورة النور فتكشف وجهها وكفيها وما يظهر عادة للرجال من المحارم، لكن لا تكشف ثدييها، ولا ساقيها، ولا نحرها، ولا شعرها كله؛ لأن هذه أشياء خاصة بالزوج، أما الأخرى الوجه والجلسة والأيدي وجزء من الأقدام ليس فيه شيء، بالنسبة للمحارم الأقارب، وهم الذين في سورة النور ثمانية أصناف أما غيرهم فلا.

حكم تفضيل الكافر على المسلم

حكم تفضيل الكافر على المسلم Q بعض ممن يأتون من أمريكا ومن دول الغرب نجدهم يمدحون أهل الغرب في صفاتهم مثل الصدق والأمانة وغير ذلك، ويذمون أهل الإسلام؛ لأنهم في نظرهم يكذبون وغير مؤتمنين، فنرجو من فضيلة الشيخ توضيح ذلك وجزاكم الله خيراً؟ A كثير من الشباب عندما يذهب إلى أمريكا أو بريطانيا يأتي ويقول: إن هناك حياة، رأيت الإسلام ولم أجد المسلمين، قال: يصدقون في المواعيد، هو يصدق من أجل عائد نفعي، جربوا الصدق في حياتهم أنه ضبط لأمورهم فصدقوا، لكن هل يصدقون طاعة لله ورسوله؟ لا. هؤلاء الذين في الغرب، هم أكذب ناس في هذه الأرض، فلا ينبغي أن نقول: إنهم أهدى من الذين آمنوا سبيلا، لا والله، يكذبون على الله أعظم كذبة يقولون: إن المسيح ابن الله، ويكذبون على الله عز وجل في أن يجعلوا معه آلهة، يكذبون بتكذيب رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم إذا صدقوا في معاملتهم أو أمورهم الخاصة نقول لهم: أنتم صادقون، لا. قال الله عز وجل: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ} [البقرة:113] كلهم لا هؤلاء على شيء ولا هؤلاء على شيء، فهم كاذبون ولا ينبغي أن ننقل أخلاقياتهم إلينا، بل إذا أردنا أن نسير على أرفع الأخلاقيات، فلنأخذها من هدي رسولنا صلى الله عليه وسلم ففي صحيح البخاري وصحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالصدق) هذا الكلام لا تأخذه من أمريكا خذه من كلام محمد بن عبد الله (عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا) إذا كتبك الله صديقاً كنت {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ} [النساء:69] (وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً) فنأخذ هذا من هذه الأحاديث، فإذا صدقنا صدقنا طاعة لله، أما أن نصدق من أجل أن نتشبه بالغرب في أخلاقياتهم الهابطة، فلا وألف لا، نحن أمة استقلالية رائدة، لسنا أمة ذيلية متبعة للشعوب، لا. نحن للرأس، والغرب والناس كلهم وراءنا، لماذا؟ لأننا أمة شعارنا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، كتابنا أفضل كتاب، ورسولنا أفضل الرسل، وديننا خاتم الرسالات والأديان، الناس كلهم لنا تبع، أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة نبينا صلى الله عليه وسلم، وأول من يدخل الجنة أمة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فنحن الآخرون لكننا يوم القيامة الأولون، نسأل الله من فضله.

حكم مصافحة النساء

حكم مصافحة النساء Q ما حكم مصافحة النساء؟ A نار في يد الإنسان، إذا كانت المرأة أجنبية لا يجوز؛ لأن تمس يدك جمرة حمراء خير لك من أن تمس يد امرأة لا تحل لك، ومن مد يده إلى امرأة لا تحل له جاء يوم القيامة ويده مغلولة إلى عنقه، ولما بايع الرسول صلى الله عليه وسلم النساء قال: (إني لا أمد يدي ولا أصافح النساء) فلا يجوز مصافحة الأجنبية.

الرفق واللين في دعوة الوالدة

الرفق واللين في دعوة الوالدة Q إنني أوقظ والدتي في صلاة الفجر ولكنها تغضب؛ لأنها نائمة، ولكنني أواصل إيقاظها كل فجر وهي تغضب، فهل هذا يعتبر من عقوق الوالدين، وهي تقول: كلنا سندخل النار مهما صليت وصمت وعبدت الله. أفيدوني جزاكم الله خيراً؟ A الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة الله على كل مسلم تجاه كل مسلم ومسلمة، وأولى الناس بأن تأمرها وتنهاها أمك، ولكن بالتي هي أحسن، إذا قمت تصلي قل: يا أمي الله يوفقك صلي الصلاة، الله يبارك فيك، فإذا غضبت رضي الله عليك، أما هي جعلها لا ترضى؛ لأنه لا طاعة لها في هذا الموضع، بل عليك أن تأمرها وتنهاها، فلا يتصور بعض الناس أن طاعة الأم طاعة في كل الأحوال، بل طاعتها في المعروف، أما في المعاصي فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

حكم بول الصبي

حكم بول الصبي Q الطفل عندما توضئه ويأتيها شيء من بوله، هل هذا ينقض الوضوء، وهل هو كالجنابة أم لا؟ A لا. ليس كالجنابة، إذا غسلت المرأة طفلها ومست عورته بيدها انتقض وضوؤها ولزم أن تتوضأ من جديد؛ لأن مس الفرج باليد ينقض الوضوء، قبلاً كان أو دبراً، للإنسان نفسه أو لغيره، أما إذا وقع بول الغلام الذكر على ثوب المرأة، وكان هذا الغلام رضيعاً لا يأكل الطعام فإنه يكفي فيه النضح، أما إذا أكل الطعام فلا بد من غسله، أما بول الجارية (البنت الصغيرة) فإنه لا بد من غسله سواء كانت رضيعة أو أكلت الطعام.

حكم من أتى بسائق غير مسلم، وحكم صده عن دين الله

حكم من أتى بسائق غير مسلم، وحكم صده عن دين الله Q يوجد مواطن استقدم سائقاً غير مسلم، وعندما أراد هذا السائق أن يدخل في دين الإسلام رفض كفيله دخوله في الإسلام فما رأيكم في ذلك؟ A أولاً: الإتيان به خطأ، أنت عندما تأتي بسائق، فهو يسوق امرأتك، مَنْ توكل على امرأتك، وبناتك؟ أين عقلك؟!! وبعد ذلك تأتي بكافر، هذه المصيبة، وبعد ذلك لما أراد أن يسلم ترفض، كلها مصائب والعياذ بالله. لا يجوز استخدام السائقين الكفار، وإذا اضطر الإنسان إلى سائق كأن يكون هو غير سائق، فليأت بمسلم شايب، ومعه امرأته. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اتق الله حيثما كنت

اتق الله حيثما كنت إن تقوى الله عز وجل تؤدي إلى نيل أعلى درجات الإيمان، إذ لا يعظم إيمان المرء إلا بهذه الخصلة. ومن عظمت تقواه لله تعالى حجبته عن المحرمات وقربته من الطاعات وبها يحصل العبد على معية الله في الدنيا والآخرة. ولما كانت التقوى بهذه المنزلة كانت وصية الله بها للأولين والآخرين، وعليها كانت وصية الصالحين لبعضهم البعض. وكانت خير وصية يوصي بها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وأمته في كل وقت وحين.

عظم أهمية التقوى

عظم أهمية التقوى الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم أغث قلوبنا بالإيمان والتقوى كما أغثت أرضنا بالمطر والخير، نحن الآن نسمع هطول المطر في هذه الساعة المباركة، وهي ساعة استجابة، فنسأل الله الذي لا إله إلا هو كما أغاث أرضنا أن يغيث قلوبنا! فوالله الذي لا إله إلا هو إن قلوبنا لهي أحوج إلى غيث الإيمان من الأرض إلى غيث المطر! فلقد أقفرت القلوب وقست، وتحجرت العيون، وأصبحنا في وضع يشكى فيه إلى الله، فإنا لله وإنا إليه راجعون! إن الخير في هذه الأمة إلى قيام الساعة، ولكنا نطمع بالمزيد، ففي هذه الساعة ندعو الله ونبتهل إليه أن يغيث قلوبنا بالإيمان، وأطلب من الإخوة الكرام الذين هم الآن في المسجد وفي ساحة المسجد المغطاة أن يتقاربوا حتى يدخل إخوانهم من المطر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحْ اللَّهُ لَكُمْ} [المجادلة:11] بإمكان المسجد أن يستوعب إن شاء الله كل من حضر، فتقاربوا حتى لا يبقى مكان، وفي صلاة العشاء إن شاء الله يكون الخير. أيها الإخوة في الله: التقوى والخشية والخوف والمراقبة لله عز وجل هي المجالات التي تسابق فيها الصالحون من عباد الله، والتي تباين فيها الناس، فعاش أقوام في القمم من التقوى؛ فأصبحوا عند الله أفضل من الملائكة، وحرم منها أقوام فعاشوا -والعياذ بالله- عند الله أسوأ من البهائم والحيوانات.

التقوى ميدان التفاضل بين العباد

التقوى ميدان التفاضل بين العباد التقوى هي النسب الرباني الذي جعله الله عز وجل ميداناً للتفاضل بين العباد، يقول الله عز وجل: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] ولم يقل: أكثركم مالاً ولا جاهاً ولا سلطة، ولا طولاً ولا عرضاً ولا نسباً، فهذه كلها مقاييس أرضية، ولكن يوجد مقياس سماوي وميزان رباني يوزن به الناس في الدنيا، والقبر، والحشر، وفي عرصات القيامة، ثم ينجح أصحابه بجنة عرضها السماوات والأرض: (فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر). يقول الله عز وجل: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [الحديد:21] وقبلها يقول: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133] يقول الله يوم القيامة يوم ينادي بالناس: (إني قد وضعت نسباً ووضعتم أنساباً، فرفعتم أنسابكم ووضعتم نسبي، اليوم أرفع نسبي وأضع أنسابكم، ليقم أهل التقوى، فيقومون وهم قليل) اللهم اجعلنا منهم.

التقوى عنوان السعادة في الدنيا والآخرة

التقوى عنوان السعادة في الدنيا والآخرة أيها الإخوة: التقوى عنوان السعادة في الدنيا والآخرة، فقد رتب الله عليها كل خير في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا معية الله، يقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:128]. وكذلك في الرزق، كما قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 - 3] وكذلك التيسير، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:4] والتكفير للسيئات: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً} [الطلاق:5]. ويوم القيامة ينجي الله تعالى أهل التقوى فقط، كما قال تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً} [مريم:71] أي: النار {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً} [مريم:72] لا نجاة من النار إلا الأهل التقوى فقط، ففتش نفسك هل أنت منهم، أم أن لك حسابات أخرى؟! وفي يوم القيامة يقول الله عز وجل: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:54 - 55] {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ * لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [الدخان:51 - 56] والموت هو الذي يهدم كل شيء! هذا هو الموت! الذي لا يمنع منه ملك، ولا صاحب مال أو عضلات! لهوت وغرتك الأماني وعندما أتمت لك الأفراح فوجئت بالقبر الموت لا يمتنع منه أحد إلا أهل الجنة، كما قال الله عز وجل: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الدخان:56 - 57]، ويقول عز وجل: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ * وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ * وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ} [الطور:17 - 24] فالغلمان والخدم مثل اللؤلؤ المكنون، فكيف بالمخدومين؟!! {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ} [الطور:24]. وبعد ذلك من نهاية الأُنس والتفكه أنهم أيضاً يتحادثون ويتنادمون، وأخبر الله تعالى عن هذا في أكثر من سورة، يقول تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} [الطور:25 - 26] الله أكبر! كانوا خائفين وجلين، كأن النار ما خلقت إلا لهم، كأنهم أشقى خلق الله وأفضل الناس عند الله {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} [الطور:26] فماذا حصل؟ مع الإشفاق؟ هنا حصل الأمن هناك، قال الله عز وجل: {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور:27 - 28]. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العليا في هذه الساعة -فلعلها ساعة استجابة- أن تجعلنا من هؤلاء، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين، اللهم اجعلنا من هؤلاء الذين دعوا فاستجبت لهم إنك أنت البر الرحيم، ولا تحرمنا من فضلك يا أرحم الراحمين. ويقول عز وجل: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} [الذاريات:15 - 20]. ويقول عز وجل: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [القلم:34] ويقول عز وجل: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً * حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً * وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً * وَكَأْساً دِهَاقاً} [النبأ:31 - 34] المهم أن كل خير في الدنيا والآخرة مسجل في حساب المتقين، لماذا? لأنهم استنزلوا هذه المنزلة ووصلوا إلى هذه الدرجة بتقوى الله تبارك وتعالى. هذه التقوى من ينزل ويجلس فيها تشرق عليه إشراقات السعادة، وتتوجه إليه الخيرات، وتقبل عليه الأنوار من كل جانب، والذي يحرم التقوى ويعيش بعيداً عنها -والعياذ بالله- تشرق عليه الظلمات، وتحل عليه النكبات، ويعيش في الجهل والبعد عن الله، حتى يشقى في الدنيا والآخرة أعاذنا الله وإياكم من ذلك.

التقوى سبب تفريج الشدائد

التقوى سبب تفريج الشدائد كلمة (اتق الله) كلمة تهز نياط القلوب إذا ما وجهت إلى أهل الإيمان، فإذا سمعها المؤمن ارتجف؛ لأنه لا يستطيع أن يتحمل أن عصيان الله إذا قيل له: اتق الله. بل هذه علامة خطر، هذه لوحة ممنوع الوقوف (اتق الله). ارجع إلى الله. اهرب من معصية الله. احذر بأس الله وشدته، وعظمته، هؤلاء هم أهل الإيمان الذين إذا سمعوا كلمة: (اتق الله عز وجل) ارتعدت فرائصهم، واضطربت قلوبهم، وقامت جوارحهم، ولا يمكن أن تستمر المعصية، لماذا? لأنه قيل له: اتق الله. جاء في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث عن ثلاثة كانوا في سفر، ونزل عليهم المطر في ليل بارد؛ فدخلوا في غار، وفي أثناء جلوسهم في الغار انحدرت عليهم صخرة من الجبل وسدت عليهم باب الغار، وهم في الصحراء لا يوجد تليفوناً يتصلون بالدفاع المدني، ولو صرخوا وصاحوا فلا أحد يسمعهم، وإن دفعوها بأيديهم وأقدامهم لا يستطيعون؛ لأنها صخرة كبيرة. فقال أحدهم: إنه لا ينجيكم مما أنتم فيه إلا الله -يقول: أسباب الأرض انقطعت وما بقي إلا أسباب السماء- فادعوا الله عز وجل بصالح أعمالكم، تعرفوا على الله عز وجل بصالح الأعمال ليعرفكم في هذه الشدة؛ لأن من تعرف على الله في الرخاء عرفه في الشدة، ومن نسي الله في الرخاء نسيه الله في الرخاء والشدة، فقام كل واحد منهم وبدأ يذكر صالح عمله، وهم من خيار الناس، ووالله يا إخوان -كما قلت هذا في مناسبة سابقة- أني إذا ذكرت هذا الحديث يتقطع قلبي من الألم، وأقول: لو كنت أنا معهم بم أدعو الله؟ وماذا أقول؟ لا يوجد عندي شيء. فتبقى الصخرة إلى أن يتقطع جلدي وأموت ويفنى عظمي ولحمي، لماذا? لأنه لا يوجد مؤهلات تزيل الجبال. أما هؤلاء الثلاثة العظماء الأتقياء فقام كل واحد منهم يقدم عملاً، ويسأل الله عز وجل أن يخفف عنهم ما هم فيه من الكرب، وأن يفرج عنهم ما هم فيه من الغم، فيتحرك الحجر، ومن ضمنهم واحد قال: اللهم إنه كانت لي ابنة عم، وكنت أحبها كأعظم وأشد ما يحب الرجال النساء، وراودتها عن نفسها مراراً فأبت -إنها امرأة شريفة طاهرة نقية عفيفة- يقول: وفي يوم من الأيام ألجأتها الظروف والحاجة والضرورة إلى أن تأتي وتستقرض مني مالاً، فرفضت أن أقرضها إلا أن تخلي بيني وبين نفسها، فأطاعت تحت وطأت الاضطرار، يقول: فلما جلست منها مجلس الرجل من المرأة قالت لي: يا هذا! اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، إنها كلمة! لكنها وقعت في قلب مؤمن، قال: فتركتها من أجلك وقمت، قال: فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون. كلمةٌ هزت قلب الرجل وأنقذته من هذا المكان الخطر، وهذه الكلمة لا تؤثر إلا فيمن إيمانه مثل الجبال، قد يقولها المرء في الذهن، لكن في تلك الأماكن يعمى البصر وتطغى الشهوة، وينسى الإنسان ربه والنار والعار والشنار والدمار، ويفرغ شهوته ولا يبالي بأحد، لكن هذا لما قالت له: اتق الله، قام فزعاً خائفاً. هذا هو المؤمن، ولكن هناك من لا يتقي الله إن قيل له: اتق الله بل بعضهم إذا قيل له: اتق الله يزيد في المعصية، كأنك تقول له: لا تتق الله، وقد بين الله عز وجل هذا في القرآن فقال: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ} [البقرة:206] ما معنى أخذته العزة بالإثم؟ أي: لا يخاف الله، ولا تأخذه العزة بالله ولا بتقوى وخوف ومراقبة الله، ولكن تأخذه العزة بأن يمارس الإثم! ويعتز بأن يزني ويرابي ويعصي الله عز وجل، ولا يعتز بالله، فهذا أخذته العزة بأن يمارس الإثم ويقع في الخطيئة، قال الله عز وجل: {فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:206] فهذا تكفيه جهنم، نعم. تكفيه جهنم؛ نار أوقد الله عليها ثلاثة آلاف سنة! ما ظنكم بنار أوقدها الجبار! إذا كنا الآن لا نتحمل ناراً أوقدها الفران، تعال إلى الفرن وأنت تشتري خبزاً وضع يدك في رأس الفرن فقط ولا تمدها إلى الداخل، واصبر قليلاً وانظر لا بد من التجربة، هل تصبر على النار؟! والله لا تصبر، فكيف إذا أخذك شخص وطوى رأسك ويديك ورجليك وأدخلك في النار دقيقة واحدة فقط ستين ثانية، هل تتحمل؟! كيف نخرجك؟! لو أخرجناك بعد دقيقة واحدة لخرجت مشوياً، لا إله إلا الله -يا إخواني- ما أقسى قلوبنا!! والله إن الذي يرى أعمالنا يقول: هؤلاء ضد النار، أو لا تأكلهم النار، أو لا يعرفون النار، إن أقدامكم على النار لا تقوى. فالمؤمن إذا قلت له: اتق الله، فإنه لا يقدم ولا يمشي في معصية الله، قال الله تعالى: {فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:206].

حال المتقين في الحشر

حال المتقين في الحشر التقوى وصية الله عز وجل للأولين والآخرين، وما من أمة بعث فيهم نبي إلا وتقوى الله عز وجل من أول وصاياه، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131] وهي وصية الله تعالى للناس أجمعين، قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:1 - 2]. يقول الله تعالى: اتقوا هذا اليوم، وضعوا بينكم وبين عذاب الله تعالى في هذا اليوم وقاية؛ لأنكم لن تستطيعوا تحمله، فالمرضعات يذهلن عمن يرضعنهم، والحوامل يضعن حملهن، والأطفال تشيب رءوسهم: {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً * السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً} [المزمل:17 - 18] الملائكة تحضر كلها من السماء {وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلاً} [الفرقان:25] {فَإِذَا انشَقَّتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ} [الرحمن:37] أي: معالم الكون كلها تتغير ونحن واقفون في ذلك اليوم حفاة عراة غرلاً غير مختونين، لا مال ولا أولاد وإنما قلوبنا معلقة، وأبصارنا شاخصة، وننتظر ما يأتي، يقول الله عز وجل: {وَعَنَتْ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً} [طه:111] وقال تعالى: {فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً} [طه:108] وقال تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوْا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الأَغْلالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سبأ:33] وقال تعالى: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذْ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ} [غافر:18] القلب لا يبقى مكانه ولكن يرتفع إلى الحنجرة فيسدها ولا يستطيع أن يتنفس: {إِذْ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:18 - 19]. الله عز وجل يوصي الناس ويقول لهم اتقوا ربكم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً} [لقمان:33] التكافل والتكاتف والتعاون وبذل الجاه والسلطة أكبر ما يكون بين الولد والوالد، سواء كانت أمه أو أباه؛ لأن الوالد يشمل الأم والأب، والمولود يشمل الذكر والأنثى، والتكافل معناه: أن الوالد يود أن يفدي ولده بدمه، ويود الولد أن يفدي أباه بدمه، لكن يوم القيامة كل واحد يهرب من الآخر، أي: إذا لقي الولد أباه يفر، لماذا? لأنه سيقول له: أعطني، ولا أحد يريد أن يقال له: أعطني. أنت الآن إذا كنت مغترباً في أرض بعيدة، ومعك خيرات وأموال، ورأيت واحداً من جماعتك، ما إن تراه حتى تفرح به، وتحييه وترحب به وتقول: مرحباً وحياك الله، والغداء عندنا، والعشاء عندنا، لماذا? لأنك تملك مالاً وتستطيع أن تضيفه، لكن إذا لقيته وليس معك نقود، فإنك مباشرة تحاول التخلص منه، لماذا? لأنك لو قلت: تفضل، لأجاب فمن أين تأتي بالغداء والعشاء؟ فيوم القيامة كل واحد يفر من الآخر؛ لأنه لا يوجد إلا حسنات، وقد ورد في الحديث: (إن الأب يأتي ولده يوم القيامة فيقول له: أسألك بحق أبوتي عليك حسنة أثقل بها ميزاني، فيقول: نعم. يا أبت! لقد والله أحسنت تربيتي وغذيتني وأعطيتني، ولكن أسألك أنا بحق بنوتي لك بأن تكمل الجميل وتعطيني حسنة أثقل بها ميزاني) وكل واحد يريد حسنات من الآخر، فقال تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:34 - 36] لماذا? لأنه: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:37]. فالنداء جاء للناس كافة بتقوى الله، ثم ضيق الله تعالى الدائرة، ونادى أهل الإيمان خاصة بلفظ التقوى، وكثير من الآيات في القرآن، فيها نداء للمؤمنين ودعوتهم بأن يتقوا الله؛ لأن المؤمنين هم خاصة البشر وصفوة الناس؛ ولأنهم آمنوا بالله تعالى، وصدقوا المرسلين، يقول الله تعالى فيهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18] أي: حاسب نفسك: ماذا صنعت لغد؟ ماذا تعمل لو مت الآن؟ لو جاءك ملك الموت ومت الآن، ماذا عندك من المؤهلات التي تنفعك يوم القيامة؟ كيف صلاتك وعقيدتك وزكاتك؟ وبرك وصلتك لرحمك، وتلاوتك لكتاب ربك وحبك وبغضك؟ وعينك في الحلال؟ وأذنك في الحلال؟ وكل حياتك؟ {وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18].

جزاء المتقين في الدنيا والآخرة

جزاء المتقين في الدنيا والآخرة يقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ} [الحديد:28] فماذا يحصل لكم بعد هذا؟ قال: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الحديد:28] أي: يعطكم نصيبين من رحمته، قال العلماء: نصيب في الدنيا ونصيب في الآخرة. فيعطيك الله نصيباً في الدنيا والآخرة فيرحمك؛ يرحمك في الدنيا فيبقيك على الصراط المستقيم، وينور بصيرتك، ويحبب إليك الإيمان، ويكره إليك الكفر والفسوق والعصيان، ويوفقك ويسددك ويهديك ويشرح صدرك للإيمان، وبعد ذلك يرحمك في الآخرة فيجيرك من النيران ويجعلك من أهل الجنان: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} [الحديد:28] قال العلماء: نوراً هنا: نكرة، أي: يجعل لكم نوراً شاملاً في الدنيا، والقبر، وعلى الصراط، كما قال عز وجل: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمْ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً} [الحديد:12 - 13]. والنور في القبر كما قال صلى الله عليه وسلم والحديث في صحيح مسلم: (والصلاة نور) فالصلاة نور في القبر؛ إذا أردت أن تنور القبر فبالصلاة، بحيث إذا دخلت لا يوجد إلا الأنوار، فحافظ على الصلاة من الآن، حتى تكون الصلاة لك نوراً يوم الظلمات، يوم تترك نور الدنيا، ويضعونك في العمارة النهائية المصيرية، في قبر موحش مظلم، مساحته ضيقة وليست متسعة، ثم لحد، ثم ظلام وليس معك شيء إلا عملك وصلاتك، والصلاة نور ليوم القيامة، إلى آخر الأمر، قال الله عز وجل: {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحديد:28] لأنه وقد تقع من الإنسان هفوات فلا أحد معصوم، وكلكم خطاءون ولكن من غير إصرار ولا مداومة. ويقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال:29] قال العلماء: (فرقاناً) يجعله الله لك بالتقوى؛ وهو نور يقذفه الله عز وجل في قلبك وبين عينيك فترى به طريق الخير فتتبعه، وطريق الشر فتجتنبه، وهذا معنى الفرقان الذي تفرق به بين الحق والباطل، والخير والشر، والهداية والضلالة، وطريق الله وطريق الشيطان، لماذا؟ لأن عندك نوراً وفرقاناً، لكن إذا لم يوجد نور ولا فرقان فربما يسير الإنسان في الغواية والضلال -والعياذ بالله- لأنه لا يدري فهو أعمى؛ والأعمى تسهل قيادته إلى المهالك والعياذ بالله. هذه التقوى -أيها الإخوة- وجهت للمؤمنين.

أمر الله للنبي بالتقوى لعظمها

أمر الله للنبي بالتقوى لعظمها آخر ما وجه الأمر بالتقوى إلى أفضل خلق الله أجمعين وهو: رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم، وخير من سار على الأرض، وصاحب اللواء يوم العرض، وأول من تنشق عنه الأرض، وصاحب الشفاعة العظمى يوم القيامة، وأول من يدخل الجنة، صلوات الله وسلامه عليه، فله المنزلة الرفيعة عند الله، وله المقام العظيم، وهو صاحب الحوض المورود، والمقام المحمود، واللواء المعقود، هذا الرجل صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، سيد الخلق أجمعين، نادى الله الأنبياء كلهم بأسمائهم إلا هو: {يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات:104 - 105] {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود:46] {يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنْ الآمِنِينَ} [القصص:31] {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} [المائدة:116] كل نبي باسمه، أما محمد صلى الله عليه وسلم فلا يوجد في القرآن يا محمد، إلا {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} [الأنفال:64] {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} [المائدة:41]. وذلك لعظمه صلى الله عليه وسلم، هذا العظيم يقول الله تعالى له في سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب:1] أتقى خلق الله، وأعلم الناس بالله، والله تعالى يقول له: {اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب:1] ما معنى هذا؟ قال المفسرون: ليس معنى هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس متقياً لله، ولكن لتأكيد الأمر بالتقوى؛ لعظم منزلة المتقين عند الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب:1] وكان أتقى خلق الله، يقول: (إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ومع هذا فأنا أصوم وأفطر، وأتزوج النساء، وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني) هكذا قال صلى الله عليه وسلم.

ترجمة رواة حديث: (اتق الله حيثما كنت)

ترجمة رواة حديث: (اتق الله حيثما كنت) عنوان الدرس في هذه الليلة (اتق الله حيثما كنت) وهذه الجملة جزء من حديث رواه الترمذي في السنن وقال عنه: بأنه حسن، وفي بعض النسخ: حسن صحيح، وهذا الحديث من رواية أبي هريرة وأبي ذر الغفاري جندب بن جنادة ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم.

ترجمة أبي هريرة رضي الله عنه

ترجمة أبي هريرة رضي الله عنه أبو هريرة رضي الله عنه راوي أكبر قدر من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم. واسمه عبد الرحمن بن صخر الدوسي؛ من دوس من بلاد زهران، أسلم في السنة السابعة، وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم أربع سنوات فقط، لكنها كانت أربع سنوات مملوءة علماً، فروى أكثر السنة، وكان متخصصاً في حفظ وفهم سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وعاش فقيراً في الصفة، فلم يكن له بيت ولا مزرعة ولا غنم ولا جمال، وإنما عنده حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يجلس في الصفة يتعلم العلم، ويدخل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بغير استئذان. هذا الرجل العظيم يقول: (خرجت يوماً من المسجد وأنا جائع، ووالله إني كنت أتقلب على الأرض وأتلوى وكأن بي مساً من الجن، ووالله ما بي مس من الجن وما بي إلا مس الجوع، فمر أبو بكر من عندي فسألته عن آية، ووالله إني لأعرف معناها، ولكن أردت منه أن يستتبعني -أي: يقول: تفضل- قال: فأخبرني بمعنى الآية ولم يستتبعن) يقول: ما قال: تفضل، وليس أبو بكر بخيلاً رضي الله عنه، ولكنه ما كان لديه شيء فكل ماله ينفقه في سبيل الله، وكل شيء يأتيه يحوله إلى الآخرة. قال: (ثم خرج عمر رضي الله عنه، فتبعته وسألته عن الآية لكي يستتبعني، فأعطاني علم الآية ولم يستتبعن، قال: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألته عن الآية فأخبرني، ثم قال: اتبعن يا أبا هريرة -صلوات الله وسلامه عليه، وهذا نبي وليس في بيته شيء- فلما دخل البيت قال: أعندكم شيء؟ قالت: لا. ثم ذهب إلى الأخرى، قال: أعندكم شيء؟ قالت: لا. ثم الأخرى: أعندكم شيء؟ قالت: لا. حتى دخل على واحدة من نسائه صلوات الله وسلامه عليه، قالت: نعم. عندنا قليل من اللبن أهداه لنا رجل من الأنصار -جفنة صغيرة من اللبن جاءت هدية إلى النبي من بيت أحد الأنصار- قال: أحضريه؛ فأخذه. ولما رآه أبو هريرة فرح وقال: سأشرب منه حتى أشبع، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا هريرة: اذهب إلى أهل الصفة وائتني بهم، قال أبو هريرة: فحزنت حزناً كبيراً، وقلت: ما تصنع هذه الجفنة في أهل الصفة وأنا ساقيهم لن تبقى لي شربة واحدة منها، قال: فجاء أهل الصفة وهو سبعون رجلاً، وجلسوا صفاً واحداً في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ الجفنة وقال: يا أبا هريرة: أدر الجفنة واسق القوم، قال: فأعطيت الأول فشرب حتى شبع، ثم نقلتها إلى الثاني ووالله ما نقصت قطرة واحدة -يشربون منها وهي مكانها لا ينقص منها شيء، وهذه من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم- قال: فشرب السبعون كلهم، حتى انتهوا ولم يبق إلا أنا والنبي صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: بقيت أنا وأنت يا أبا هريرة! قلت: نعم يا رسول الله! قال: اشرب يا أبا هريرة! قال: فشربت حتى شبعت ثم تركت الإناء، قال: اشرب يا أبا هريرة! قال: فشربت حتى شبعت ثم تركت الإناء، قال: اشرب يا أبا هريرة -وهذه المرة الثالثة وهو لا يعصي الرسول- قال: يا رسول الله! والله لا أجد له مسلكاً -يقول: عبأت المسالك كلها والآن لا أجد له مكاناً، فأين أذهب به؟ - فضحك صلوات الله وسلامه عليه حتى بدت أسنانه صلى الله عليه وسلم) هذا الرجل العظيم يحدث بهذا الحديث.

ترجمة أبي ذر الغفاري ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما

ترجمة أبي ذر الغفاري ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما وأيضاً يحدث به أبو ذر الغفاري؛ وهو من السابقين إلى الإسلام، وهو من قبيلة غفار، واسمه جندب بن جنادة، يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أظلت الخضراء ولا أقلَّت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر) وهذه شهادة من النبي صلى الله عليه وسلم، والخضراء السماء، والغبراء الأرض. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يرحم الله أبا ذر! يموت وحده، ويبعث وحده، ويأتي وحده). ويروي الحديث أيضاً معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ وهو إمام العلماء يوم القيامة، فجميع علماء الأرض يأتون خلفه، وبينهم وبينه رتوة، يقدمهم رضي الله عنه وأرضاه وهو من فقهاء الأنصار، أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، وهذا الرجل كان يحب مجالس العلم، ولما حضرته الوفاة بكى، وكانت عنده بنت صغيرة، فقالت: يا أبتاه! ما يبكيك؟ أما تعلم أن ما لك عند الله خير من الدنيا، قال: [بلى والله! إني لا أبكي من الدنيا من أجل جني الثمار، ولا غرس الأشجار، ولكن لمزاحمة العلماء بالركب في حلق الذكر، ولظمأ الهواجر، وسهر الليالي].

تقوى الله وحسن الخلق من طرق الجنة

تقوى الله وحسن الخلق من طرق الجنة يقول: أريد الدنيا من أجل هذه الأمور الثلاثة: ظمأ الهواجر بالصيام، وسهر الليالي بالقيام، ومزاحمة العلماء بالركب في مجالس الذكر، أما غير هذه فلا أريدها، رضي الله عنهم وأرضاهم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ معاذ: (اتق الله حيثما كنت -وهو عنوان الدرس- وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن) رواه الترمذي وقال: حديث حسن. وفي بعض النسخ: حديث حسن صحيح. هذا الحديث -أيها الإخوة- يدخل في معناه أيضاً حديث آخر لـ أبي هريرة: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: ما أكثر ما يدخل الناس النار؟ وما أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق، وأكثر ما يدخل الناس النار: الفم والفرج). فمن طرق النار الفم والفرج، ومن طرق الجنة تقوى الله وخشيته ومراقبته، وحسن الخلق. وهذا المعنى اشتمل تنظيم العلاقة بين العبد وبين الله عن طريق التقوى، وبين العبد وبين الناس عن طريق الخلق؛ لأن الأخلاق الحسنة هي التي تستطيع أن تستوعب الناس بها، يقول صلى الله عليه وسلم: (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن تسعوهم بأخلاقكم) فلو أن عندك ملايين الدنيا فالناس أكثر منك، ولا يسع الناس إلا من خلق الناس، ولا يكفل الناس إلا رب الناس، أما أنت فتستطيع أن تسع الناس كلهم بالأخلاق الحسنة، فتبتسم لهذا، وترد السلام على هذا، وتعطي هذا، وتعفو عن هذا، وتحلم على هذا، فيحبك الناس كلهم، قال صلى الله عليه وسلم: (إن أقربكم مني منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون، وكاد حسن الخلق أن يذهب بخيري الدنيا والآخرة) فأكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق، وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند وابن ماجة والترمذي. وهذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم بتقوى الله: (اتق الله حيثما كنت) وصية جامعة عظيمة شاملة لحقوق الله والعباد، فإنَّ حق الله عز وجل أن يتقى حق تقاته. والتقوى وصية الله عز وجل للأولين والآخرين. وأصل التقوى وحقيقة التقوى: أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره من عذاب الله وقاية تقيه منه، فتقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه من العذاب في النار وقاية تقيه من ذلك بفعل طاعته وترك معصيته، هذه هي التقوى: فعل طاعة الله وترك معصيته، وتستطيع أن تعرض نفسك وتزنها وتعرف: هل أنت من المتقين أم أنك من الفجرة الأشقياء، وذلك عن طريق معرفة أوامر الله، وعرضك لنفسك على الطاعات، هل أنت منفذ لها؟ واعرض نفسك على المعاصي، هل أنت واقع فيها، فإذا وجدت أنك منفذ لأوامر الله، مبتعد عن مناهي الله، فاعلم أنك في أعلى درجات المتقين، وإن تكن الأخرى فلا حول ولا قوة إلا بالله!

إضافات التقوى في القرآن وتعريفها

إضافات التقوى في القرآن وتعريفها تقوى الله عز وجل تضاف أحياناً إلى الله، وأحياناً إلى النار، وأحياناً إلى يوم القيامة، بحسب سياق الوضع في القرآن الكريم، فإذا قيل: اتقوا الله كان معناها: اتقوا عذاب وبطش ونقمة وشدة الله عز وجل، يقول عز وجل: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [المجادلة:9] ويقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر:18]. وتارة تضاف إلى النار كما قال الله عز وجل: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:24]. وتارة تضاف إلى يوم القيامة كما قال عز وجل: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة:281] لأن يوم القيامة هو زمان العذاب، والنار هي مكان العذاب، فإذا وعد الله وقال: (اتقوا النار) فإنها المكان الذي يعذب فيه المجرمون، وإذا قال: (اتقوا يوم القيامة) فإنها الزمن الذي يعذب فيه المجرمون. وعن خوف الله وتقوى الله عز وجل تنشأ حياة القلب، ومن عدم التقوى تنشأ عقوبة الدنيا والآخرة، يقول الله عز وجل: {وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:30] ويقول عز وجل: {هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ} [المدثر:56] فهو أهلٌ لأن يتقى ويحذر ويخاف منه، وهو أهل لأن يغفر لمن تاب ورجع وخشي عذاب الله عز وجل وشدة الله وبأسه.

تعريفات التقوى

تعريفات التقوى التقوى تشمل جميع درجات الدين: فتشمل فعل الواجبات وترك المحرمات، ويدخل فيها أيضاً فعل المندوبات والمستحبات، وترك المكروهات وهي أعلى درجات الدين، يقول الله عز وجل: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2] أي: القرآن هدى للمتقين، ثم: ما هي صفاتهم؟: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:3 - 5]. وينادي يوم القيامة كما قال معاذ بن جبل -وهذا له حكم الرفع-: (ينادي منادٍ يوم القيامة: أين المتقون؟ فيقومون -وهم قليل- في كنف الرحمن لا يحتجب منهم ربنا ولا يستتر). التعريف الأول: قال ابن عباس: [المتقون الذين يحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى]. التعريف الثاني: قال الحسن البصري: [المتقون اتقوا ما حرم الله، وأتوا ما افترض الله]. التعريف الثالث: قال عمر بن عبد العزيز: [ليس تقوى الله بصيام النهار وقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله عز وجل ترك ما حرم الله، وأداء ما فرض الله، فمن رزق بعد ذلك شيئاً فهو خير إلى خير] يقول: ليست التقوى أن تصلي وتصوم، ثم تذهب وتغني، وتشرب الدخان، وتحلق اللحية، وترى الأفلام والنساء وأنت تصلي وتصوم، فهذه ليست تقوى، فتقوى الله عز وجل أن تقوم بطاعة الله، وتترك معصية الله، وتزيد خيراً على خير، هذا كلام عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه. التعريف الرابع: قال طلق بن حبيب، وتعريفه كما قال العلماء هو أشمل تعريف للتقوى، قال: [التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخشى عقاب الله] فقد يعمل الإنسان من الطاعة ولكن على جهل، فقد يصلي صلاة ولكن بدون خشوع أو طهارة أو إخلاص، إذ لا بد أن يعمل العمل على نور، وأن يكون هدفك من هذا العمل الصالح أن ترجو ثواب الله، وهذا هو إخلاص، فلا ترجو ثواب الدنيا ولا الرياء ولا السمعة، ولا أن يقال: فلان دين، بل ترجو ثواب الله، وتخشى عقاب الله، أي: لا تخش العار؛ لأن بعض الناس لا يزني لأنه خائف على الوظيفة والسمعة، ولو مكن من الزنا لوقع فيه، ولكن يخاف على سمعته ومكانته، لا. بل تخشى عقاب الله قبل كل شيء. هذا معنى التقوى. التعريف الخامس: قيل: التقوى، وهذا القول ينسب إلى علي رضي الله عنه: [التقوى أربعة أشياء: الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل] فإذا وجدت معك هذه الأربع فأنت متقٍ، فالخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل -أي: القرآن المنزل- والرضا بالقليل مما رزقك الله؛ لأن المقسم هو الله، والاستعداد ليوم الرحيل، فإذا عملت بهذه الأربع فأنت من خيار المتقين. ويقول أبو الدرداء رضي الله عنه وهو صحابي جليل -وأنا أحب أن أعرج بكم دائماً على سير الصحابة لنكون على علم بهؤلاء الرجال العظماء- أبو الدرداء هذا الصحابي العظيم يقول: [ثلاث أحبهن ويكرههن الناس، قالوا: ما هن يرحمك الله؟ قال: الفقر والمرض والموت، قالوا: وكيف تحبها والناس يكرهونها، قال: أما الفقر فأحبه تواضعاً لربي، وأما المرض فأحبه تكفيراً لخطيئتي، وأما الموت فأحبه للقاء ربي] وكان يقول: [من كان له كنز فليكنزه في السماء؛ فإن القلب معلق بالمال، فإذا كنزت مالك عند الله، تعلق قلبك بالله، وإذا كنزت المال في الأرض تعلق قلبك بالأرض] التعريف السادس: يقول أبو الدرداء رضي الله عنه: [كمال التقوى: أن يتقي الله حتى يتقيه من مثقال ذرة] يتقي الله من مثقال ذرة؛ لأن الله تعالى يقول: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه} [الزلزلة:7] فلتتق الله أيها العبد ولا تضع مثقال ذرة من العمل الصالح! أو من لحظات عمرك إلا في طاعة الله، ولتتق الله في مثقال الذرة من المعاصي، فإن الله تعالى يقول: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه} [الزلزلة:8]. التعريف السابع: قال سفيان الثوري وهو من التابعين: إنما سموا متقين؛ لأنهم اتقوا ما لا يتقى. وقال موسى عن المتقين: إنهم الذين تنزهوا عن أشياء من الحلال مخافة أن يقعوا في شيء من الحرام، فسماهم الله متقين. وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به مخافة أن يقع فيما به بأس) وهذا هو معنى ترك الشبهات: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام) والعياذ بالله.

ترجمة ابن مسعود رضي الله عنه وتعريفه للتقوى

ترجمة ابن مسعود رضي الله عنه وتعريفه للتقوى سئل ابن مسعود عن معنى تقوى الله رضي الله عنه وأرضاه، وابن مسعود هو عبد الله بن أم عبد الهذلي، كان قصير القامة؛ إذا وقف والناس جلوس كان في مثل طولهم، وكان دقيق الساقين، ولكن يحدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه فيقول: (من أراد أن يقرأ القرآن غضاً طرياً كأنما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد) أي: ابن مسعود، ويقول فيه: (ملئ إيماناً من مشاش رأسه إلى أخمص قدميه). ويقول وقد طلع يوماً من الأيام في نخلة يريد أن يجني منها ثمراً، فكشفت الريح عن ساقيه؛ فضحك بعض الصحابة لدقة ساقيه، فقال صلى الله عليه وسلم: (أتعجبون من دقة ساقي ابن مسعود، والذي نفسي بيده! لهما أثقل عند الله في الميزان من جبل أحد) فهما ساقان دقيقتان ولكنها أعظم عند الله من جبل أحد؛ لأنها حملت رجلاً من أعظم الرجال، فمن الناس من سيقانه مثل سيقان الفيل ولكنها إلى النار -والعياذ بالله- لأنه لا يقف عليها بين يدي الله، ولا دخل بها بيتاً من بيوت الله، بل يصول بها ويجول في الملاعب والمنتزهات والشواطئ، ولكن أماكن الخير ومواطن الرضا لا يأتيها، هذه إن كانت سمينة، لكنها سمينة وإلى النار. لكن السيقان الدقيقة لم تحمل هذا الصحابي إلا في الخير، وفي يوم بدر، فـ ابن مسعود لما أسلم كان داعياً لبعض أهل مكة، وهو من قبيلة هذيل وهي قبيلة بجانب مكة، فلما أسلم علم به أبو جهل فلقيه في بعض طرقات مكة، وأمسك أذنه وكان يعركها، وقال له: أصبأت يا رويعي الغنم! قال: فسكت؛ لأنه لا يستطيع أن يتكلم فلو تكلم فإنه سيذبحه، قال: فأمسكني من أذني حتى ألصقني بالجدار ثم أخرج مسماراً من جيبه ودق إصبعي بالمسمار في الجدار، يقول: وبقيت معلقاً بالمسمار طوال يومي، حتى مر أبو بكر رضي الله عنه ففك المسمار والدم يسيل إلى الأرض، قال: فنسيتها. وجاءت الأيام ودارت الأعوام إلى أن جاءت غزوة بدر، وقتل أبو جهل، قتل بضربتين مختلفتين من معاذ ومعوذ ابني عفراء من الأنصار، ولكنه لم يمت، ولا يزال يلفظ أنفاسه، فقام ابن مسعود يتفقد القتلى، فمر على أبي جهل وهو يكاد يموت، قال ابن مسعود: فصعدت على صدره -وصدر أبي جهل كصدر البعير- وأخذت سيفي وحززت عنقه، فقال لي: لقد ارتقيت مرتقىً صعباً يا رويعي الغنم! إذا قطعت رأسي فأطل عنقي فإن العنق مع الرأس! حتى يبقى رأسي طويلاً وكبيراً، عزة حتى في الموت، الله أكبر! ما أشد عناد هذا الخبيث! يقول: فحززت عنقه -أي: قطعت رأسه- فلم أستطع حمله -فرأسه كرأس الثور كبير لا يُحمل -وابن مسعود صغير، فقد يكون رأسه أكبر من ابن مسعود، قال ابن مسعود: (فحاولت أن أحمل رأسه فلم أستطع، فأخرجت سيفي وخرمت في مسمعه، ثم أتيت بحبل وربطته في مسمعه وسحبت رأسه، حتى قدمت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فلما رآني الرسول تذكر ما حدث في مكة وقال: إيه يا ابن مسعود الأذن بالأذن والرأس زيادة) أذن في مكة بأذن هنا، ولكن معك مكسب؛ وهو الرأس، رضي الله عنه وأرضاه. وهو الذي يقول: [والله ما من آية في كتاب الله إلا وأنا أعرف أين نزلت، ومتى نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ليل أو نهار، وفي حضر أو سفر، في حرب أو سلم] عنده تخصص في معرفة كتاب الله، ومعرفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم. قال: [تقوى الله أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر] أن تطيع الله فلا تعصيه، وأن تذكره، وكيف تنسى ربك الذي خلقك؟!! وما أعظم نعم الله على الإنسان، نعمة الخلق والإيجاد، والرزق والإمداد، والإيمان والإسعاد، ونعم لا تعد ولا تحصى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ} [النحل:53] {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [إبراهيم:34] وأن يشكر فلا يكفر. وهذا معنى تقوى الله حق تقاته.

التقوى ومواطنها

التقوى ومواطنها يغلب استعمال التقوى عند التحذير من المعاصي، أي: إذا وجدت أحداً يريد أن يعمل معصية، تقول له: اتق الله، أي: خف الله خصوصاً الصغائر؛ لأن الصغائر يقع فيها الإنسان وهو لا يشعر.

تقوى الله في مواطن العصيان

تقوى الله في مواطن العصيان يقول أبو هريرة وقد سئل عن التقوى قال: [هل سلكت وادياً كثير الشوك؟ قال: نعم. قال: كيف صنعت؟ قال: رأيت الشوك وشمرت وعزمت حتى جاوزته، قال: ذلك التقوى] وأخذ هذا المعنى ابن المعتمر في أبيات له يقول: خلِّ الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى واصنع كماشٍ فوق أرض الشوك يحذر ما يرى لا تحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى والناظم الآخر يقول: لا تحقرن من الذنوب صغيراً إن الصغير غداً يصير كبيرا إن الصغير وإن تقادم عهده عند الإله مسطر تسطيرا والنبي صلى الله عليه وسلم يحذر من محقرات الذنوب، يقول: (إياكم ومحقرات الذنوب، فإنها تجتمع على المرء حتى تهلكه) وضرب بهذا مثلاً والحديث في مسند أحمد، قال: (كقوم نزلوا في فلاة فلم يجدوا حطباً، فقال لهم كبيرهم: كل واحد يأتي بعود، فانبثوا كلهم، وجاء كل واحد بعود، وأوقدوا النار وصنعوا الطعام واحتملوا منه) وكذلك المعاصي تأتي من كل طريق هذه بسيطة وهذه بسيطة ثم تأتي عليها وهي مثل الجبال الراسيات، والله تعالى يقول: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور:15]. أما أصل التقوى -أيها الإخوة- فهو: أن يعرف العبد ما يتقى حتى يتقيه؛ لأنك لو لم تعرف الربا أو الزنا لم تتقه، وإذا لم تعرف النظر الحرام لم تتق النظر الحرام، فلا بد من العلم بطاعة الله والعلم بالمعاصي، حتى تتقي هذه الذنوب.

وجوب تقوى الله في السر والعلن

وجوب تقوى الله في السر والعلن كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أمته بتقوى الله عز وجل في كل مناسبة، وإذا بعث أميراً على سرية أو غزوة يقول له: اتق الله، ويوصيه بالمسلمين خيراً، ولما خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع؛ الخطبة النهائية التي ليس بعدها إلا موته صلى الله عليه وسلم وصى الناس بتقوى الله وقال: (أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة لأئمتكم). ولما وعظهم الموعظة المؤثرة التي يرويها العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: (وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة عظيمة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله! كأنها موعظة مودعٍ فأوصنا، فقال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة). فكان يوصي صلى الله عليه وسلم بتقوى الله عز وجل، وأيضاً روى الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن سعد بن مالك رضي الله عنه لما قال: أوصني يا رسول الله! قال: (أوصيك بتقوى الله، فإن تقوى الله رأس كل شيء، وعليك بالجهاد فإنه رهبانية الإسلام). وفي الترمذي أيضاً من حديث أبي سلمة أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (يا رسول الله! إني سمعت منك حديثاً كثيراً فأخاف أن ينسيني أوله آخره -يقول: سمعت كلاماً كثير وأخشى أن يأتي الكلام الأخير فينسيني الكلام الأول- فحدثني بكلمة جامعة لكل شيء، فقال صلى الله عليه وسلم: اتق الله فيما تعلم).

التقوى وصية الصالحين

التقوى وصية الصالحين لم يزل السلف رضي الله عنهم من الصحابة والتابعين وسلف هذه الأمة يتواصون بها. فقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول في خطبته: [أما بعد: فإني أوصيكم بتقوى الله، وأن تثنوا عليه بما هو أهله، وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة، وأن تجمعوا الإلحاح بالمسألة، فإن الله عز وجل أثنى على زكريا وأهل بيته فقال: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90]] وعمر لما حضرته الوفاة كان يقول لأولاده: [اتقوا الله]. وكان علي إذا استعمل سرية أو رجلاً على سرية قال له: [أوصيك بتقوى الله، واجعل تقوى الله نصب عينيك، فإنه من اتقاه وقاه، ومن أقرضه جازاه، ومن شكره زاده] فاجعل تقوى الله عز وجل بين عينيك. وكتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه الخليفة الخامس إلى رجل، فقال: [أوصيك بتقوى الله الذي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثيب إلا عليها، فإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل]. إي والله أيها الإخوة في الله! إن القائمين والواعظين بهذه الكلمة كثير، ولكن الواقفين عندها والعاملين بها قليل إلا من عصم الله، فالله المستعان! يقول الناظم: شقيت بما جمعت فليت شعري ورائي من يكون به سعيدا أي: هذا المال الذي أخلفه من سيكون به سعيداً من بعدي؟ أعاين حسرة أهلي ومالي إذا ما النفس جاوزت الوريدا يقول: أرى أهلي وعمارتي ومالي إذا النفس جاوزت الوريدا: أُعدِّ الزاد من تقوى فإني رأيت منيتي سفراً بعيدا تبدل صاحبي في اللحد مني وهال على مناكبي الصعيدا فلو أبصرتني من بعد عشرٍ رأيت محاسني قد صرن دودا وحيداً مفرداً يا رب لطفاً بعبدك حين تتركه وحيدا الله المستعان! ولا إله إلا الله! لا إله إلا الله من تلك المواقف التي سنمر بها في يوم القيامة! لا إله إلا الله من تلك المواقف التي سنمر بها في عرصات القيامة! ولا إله إلا الله من ذلك الضيق وتلك الظلمات التي سوف نعيشها في القبور! يقول ابن قدامة، لما رأى شيبة في رأسه: أبعد بياض الشعر أعمر مسكناً سوى القبر إني إن فعلت لأحمق يخبرني شيبي بأني ميت وشيكاً وينعاني إليَّ فيصدق تخرق عمري كل يوم وليلة فهل مستطيع رقع ما يتخرق يقول: هل أحد يرقع ما يخرقه الزمان؟ لا والله! يقول: كأني بجسمي فوق نعشي ممداً فمن ساكن أو معول يتحرق إذا سئلوا عني أجابوا وأعولوا وأدمعهم تنهل هذا الموفق يعني: الموفق بن قدامة: وغيبت في صدع من الأرض ضيق وأودعت لحداً فوقه الصخر مطبق ويحثو عليَّ الترب أوثق صاحب ويسلبني للقبر من هو مشفق فيا رب كن لي مؤنساً يوم وحشتي فإني لما أنزلته لمصدق وما ضرني أني إلى الله سائر ومن هو من أهلي أبر وأرفق فيقول عمر رضي الله عنه: [إن الواعظين بها كثير، وإن العاملين بها قليل]. وخطب يوماً رضي الله عنه وأرضاه فقال: [أوصيكم بتقوى الله، فإن تقوى الله خلف من كل شيء، وليس من تقوى الله خلف]. ويقول يونس بن عبيد: أوصيك بتقوى الله والإحسان؛ فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. وكتب رجل إلى أخٍ له: أوصيك بتقوى الله، فإنها أكرم ما أسررت، وأزين ما أظهرت، وأفضل ما ادخرت، أوصيك بتقوى الله، أعاننا الله وإياكم على طاعته وتقواه. وكتب يقول: أوصيك وأنفسنا بتقوى الله فإنها خير الزاد، والله يقول: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِي يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} [البقرة:197] ولما سأل شعبة رجل وكان يريد سفراً قال له: أوصني، قال: أوصيك بتقوى الله فإنها وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم.

طرق تحصيل التقوى

طرق تحصيل التقوى كان النبي صلى الله عليه وسلم يطلب من الله عز وجل أن يرزقه التقى والعفاف والغنى. وطريق ذلك -أيها الإخوة- الشعور بأن الله مطلع على الإنسان في هذه الدنيا، فهذه ثمرة وأصل التقوى. ومنهاج التقوى؛ إذا شعرت بأن الله مطلع عليك، ويعلم سرك ونجواك، ومطلع على ظاهرك وباطنك، واستحضرت ذلك في خلواتك وجلواتك، كان هذا حاجزاً لك عن المعاصي والذنوب. وإلى هذا يشير معنى قول الله عز وجل: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1] ويقول الشافعي: أندر الأشياء في الدنيا ثلاثة قيل له: ما هي؟ قال: الجود من قلة، أي: كريم وليس عنده شيء، والورع من خلوة، أي: يخاف الله وحده في الليل وهو نائم، ويمر بغرفة نومه على أغنية من الأغاني التي كان يحبها في أيام جاهليته فيتقطع قلبه شوقاً إليها، ولكنه يعلم أن الله يعلم مكانه ويسمعه ويراه فيدير المؤشر ويبعدها خوفاً من الله، هذا هو المتقي حقيقة. المتقين لله حق تقاته والعارفون مكائد الشيطان خافوا الإله فخافهم كل الورى حتى ضرار الأسد في الغيران التقوى هي: إذا خفت الله عز وجل واتقيت الله تبارك وتعالى، يقول الشافعي: وكلمة الحق عند من يرجى أو يخاف. وكتب ابن السماك يعظ أخاً له فقال: أوصيك بتقوى الله الذي هو نجيك في سريرتك، ورقيبك في علانيتك، واجعل الله من ذلك على كل حال في ليلك ونهارك، وخف الله بقدر قربك منه، وقدرته عليك، واعلم أنك بعينه لست تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره، ولا من ملكه إلى ملك غيره، فليعظم منه حذرك وليكثر منه خوفك ووجلك والسلام. وقال أبو الجلد: أوحى الله إلى نبي من الأنبياء أن يقول لقومه: ما بالكم تستترون بالذنوب من الخلق، وتبارزون بها الخالق. يقول: لماذا إذا أراد الشخص أن يعصي الله ينظر في الأبواب والنوافذ والناس، ثم لا يطالع في السماء، يقول: قل لقومك: ما بالهم يستترون بالذنوب عن الخلق ولا يستترون عن الخالق، إن كنتم تعتقدون أنني لا أراكم فقد كفرتم. فالذي يمارس المعصية ويعتقد أن الله لا يراه، ما حكمه? A كافر؛ لأن الله يعلم كل شيء، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ} [المجادلة:7] يسمع دبيب النملة السوداء، في الليلة الظلماء، على الصخرة الصماء. : {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [المجادلة:7] فإذا كنتم تعتقدون أن الله لا يراكم وأنتم على المعصية فقد كفرتم، وإن كنتم تعتقدون أن الله يراكم فقد تجرأتم على مولاكم لما جعلتموه أهون الناظرين إليكم، فهل يستطيع أحد أن يرتكب المعصية وهو يعلم أن أحداً يراه؟ إذا خلا الرجل بامرأة ونظر ذات اليمين وذات الشمال فلم ير أحداً، ثم خلال قيامه عليها رأى طفلاً رضيعاً، هل يستطيع أن يزني والطفل يراه؟ لا. يخاف من طفل صغير، فكيف لا يخاف من الله؟!! دخل رجل على امرأة وأغلق الأبواب باباً تلو باب، حتى إذا وصل إليها قالت له: أغلقت الأبواب؟ قال: أغلقتها، قالت: بقي باب، قال: أين هو؟ قالت: الذي بينك وبين الله. الأبواب التي بينك وبين الخلق أغلقتها ولكن بقي بينك وبين الله باب لم تغلقه، فقام الرجل خائفاً. وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني وأنا أقول دائما لإخواني الشباب: ضعوا هذا المعيار أمام أعينكم، إذا خلوت بنفسك في الليل في أي مكان؛ في السماء أو الأرض، أو تحت أي سماء أو فوق أي أرض، وأردت أن تعصي الله، فتذكر هذين الأمرين: إن كنت تعتقد أن الله يراك فكيف تبارز الله، وتتجرأ عليه، ولا تعظمه؟!! وإن كنت تعتقد أن الله لا يراك؛ فقد كفرت والعياذ بالله!! ليس لك خيار: إما أن تقول: لا والله. أنا أعتقد أن الله يراني، فنقول: قم من المعاصي! ولا تعصه وهو يراك، أو تقول: الله لا يراني، نقول: أحسن الله عزاءك في إسلامك.

تقوى الله في الخلوات والجلوات

تقوى الله في الخلوات والجلوات جاء رجل إلى شقيق البلخي وقال له: إن ذنوبي كثيرة، وقلبي قاسٍ، وعيني متحجرة، ولا أبكي من خشية الله، وأقع في المعاصي فعظني، قال له: إذا أردت أن تعصي الله فاخرج من أرض الله قال: أين أذهب والأرض كلها لله؟ قال: إذا أردت أن تعصي الله فلا تأكل من رزق الله. قال: ومن أين آكل إلا من رزق الله؟ قال: إذا أردت أن تعصي الله وأنت تسكن في أرضه وتأكل من رزقه، فاذهب إلى مكان لا يراك فيه أحد. قال: وأين أذهب والله يراني في كل مكان؟ قال: إذا أردت أن تعصي الله وأنت تسكن في أرض الله وتأكل من رزقه وهو يراك، فإذا جاء ملك الموت يقول لك: قد حان موتك، فقل له: لا. لن أذهب معك، أنا رجل لا أحب القبور، أنا أحب القصور والزوجات، أما القبور فليس فيها إلا وحشة، أنا لا أستطيع أن أنام في غرفة أو عمارة لوحدي، قال: لن يطيعني ملك الموت فيما أريد. قال: إن أردت أن تعصي الله وأنت تسكن في أرضه وتأكل من رزقه وهو يراك، وتعرف أنه سيدعوك بالموت، فإذا أمر الله الملائكة يوم القيامة أن يأخذوك إلى النار فارفض أن تذهب معهم! وقل: والله لا أدخل النار، أنا رجل أريد الجنة، هل يطيعونك يوم القيامة؟ قال: لا؛ لأن الله يقول: {عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ} [التحريم:6] قال العلماء: غلاظ في الخلقة، شداد في الأخلاق. قال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده! يؤتى بجهنم يوم القيامة تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك، وإن الملك الواحد ليأخذ بيده هكذا فيلقي سبعين ألفاً في النار). راود أعرابي امرأة في الصحراء وقال لها: لا يرانا إلا الكواكب، وهي تمتنع وتقول: لا. قال: لا أحد يرانا إلا الكواكب والنجوم، قالت له: فأين مكوكبها؟! أي: أين الله الذي يراك، إن كان لا يراك إلا النجوم والكواكب فإن الله الذي خلقها وكوكبها يراك؟ وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسير في طريق ومعه الأحنف بن قيس، فمروا على راعي غنم فقال له عمر: يا راعي الغنم! بعنا شاة من هذه الغنم، فقال الراعي: إنني والغنم مملوكين لسيدي ولا أملك شيئاً، فقال: بعنا شاة وقل: أكلها الذئب، فرفع الغلام بصره إلى السماء وقال: وأين الله؟ فبكى عمر رضي الله عنه حتى اخضلت لحيته، وذهب إلى سيد هذا الراعي واشتراه وأعتقه، وقال: كلمة أعتقتك في الدنيا وأرجو الله أن تعتقك من النار يوم القيامة. والناظم يقول: إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما تخفي عليه يغيب لهونا لعمر الله حتى تتابعت ذنوب على آثارهن ذنوب فيا ليت أن الله يغفر ما مضى ويأذن في توباتنا فنتوب وقال الآخر: أقول إذا ضاقت عليَّ مذاهبي وحل بقلبي للهموم ذنوب لطول جنايتي وعظم خطيئتي هلكت وما ليَّ في المتاب نصيب يذكرني عفو الكريم عن الورى فأحيا وأرجو عفوه وأنيب فأخضع في قولي وأرغب سائلاً عسى كاشف البلوى عليَّ يتوب يا مدمن الذنب أما تستحي والله في الخلوة ثانيكا غرك من ربك إمهاله وستره طول مساويكا المقصود أيها الإخوة: أنه صلى الله عليه وسلم لما أوصى معاذاً بهذه الوصية العظيمة، أمره بتقوى الله سراً وعلانية، قال: (اتق الله حيثما كنت) في الليل والنهار، والسر والجهار، والخلوة والجلوة، والسماء والأرض، وكل مكان. اتق الله في نظرك فلا تطلقه فيما حرم الله، واتق الله في أذنك فلا تسمع بها ما حرم الله، واتق الله في لسانك فلا تتكلم به فيما حرم الله، واتق الله في فرجك فلا تطأ به ما حرم الله، واتق الله في قدمك فلا تسر بها إلى ما حرم الله، واتق الله في يدك فلا تمدها إلى ما حرم الله، واتق الله في زوجتك فلا تأمرها بمعصية الله، واتق الله في ولدك فلا تربه على معصية الله، واتق الله في بيتك فلا تملأه بمعصية الله، واتق الله في عملك، وأخلص فيه حتى يكون دخلك حلالاً، واتق الله في كل شيء اتق الله حيثما كنت. ونقول أيضاً للمرأة المسلمة، لعلها تسمع في هذا المسجد أو في خارج المسجد من خلال الشريط: اتقي الله أيتها المرأة المسلمة في صلاتك فلا تضيعيها، وحجابك؛ فإن الحجاب دين، وليس موضة ولا تقليداً ولا عرفاً ولا عادة، الحجاب دين الله وشريعته، الحجاب الساتر هو ما يستر المرأة من رأسها إلى أخمص قدميها، اتقي الله في حجابك، اتقي الله في عباد الله ولا تؤثمي العباد، ولا تعرضين العباد للمعصية؛ لأن المرأة إذا تبرجت وخرجت ورآها الناس عرضتهم لمعصية الله، فقد كانت سبباً في معصية الله، ما من عين تنظر بها إلا سمر الله في كل عين وجسد مسماراً من نار يوم القيامة. اتقي الله في أولادك وربيهم على طاعة الله، واتقي الله في زوجك في طاعته، وحفظ عرضه وماله وولده، اتقي الله أيتها المؤمنة في كل شئونك، حتى تدخلي الجنة وتكوني من المتقين لله عز وجل.

التقوى مطلوبة في كل شيء

التقوى مطلوبة في كل شيء المقصود أيها الإخوة: أنه صلى الله عليه وسلم لما أوصى معاذاً بهذه الوصية العظيمة، أمره بتقوى الله سراً وعلانية، قال: (اتق الله حيثما كنت) في الليل والنهار، والسر والجهار، والخلوة والجلوة، والسماء والأرض، وكل مكان. اتق الله في نظرك فلا تطلقه فيما حرم الله، واتق الله في أذنك فلا تسمع به ما حرم الله، واتق الله في لسانك فلا تتكلم به فيما حرم الله، واتق الله في فرجك فلا تطأ به ما حرم الله، واتق الله في قدمك فلا تسر بها إلى ما حرم الله، واتق الله في يدك فلا تمدها إلى ما حرم الله، واتق الله في زوجتك فلا تأمرها بمعصية الله، واتق الله في ولدك فلا تربه على معصية الله، واتق الله في بيتك فلا تملأه بمعصية الله، واتق الله في عملك، وأخلص فيه حتى يكون دخلك حلالاً، واتق الله في كل شيء اتق الله حيثما كنت. ونقول أيضاً للمرأة المسلمة، لعلها تسمع في هذا المسجد أو في خارج المسجد من خلال الشريط: اتقي الله أيتها المرأة المسلمة في صلاتك فلا تضيعيها وحجابك؛ فإن الحجاب دين، وليس موضة ولا تقليداً ولا عرفاً ولا عادة، الحجاب دين الله وشريعته، الحجاب الساتر هو ما يستر المرأة من رأسها إلى أخمص قدميها، اتقي الله في حجابك، اتقي الله في عباد الله ولا تؤثمي العباد، ولا تعرضين العباد للمعصية؛ لأن المرأة إذا تبرجت وخرجت ورآها الناس عرضتهم لمعصية الله، فقد كانت سبباً في معصية الله، ما من عين تنظر بها إلا سمر الله في كل عين وجسد مسماراً من نار يوم القيامة. اتقي الله في أولادك وربيهم على طاعة الله، واتقي الله في زوجك في طاعته، وحفظ عرضه وماله وولده، اتقي الله أيتها المؤمنة في كل شئونك، حتى تدخلي الجنة وتكوني من المتقين لله عز وجل.

آثار التقوى

آثار التقوى تقوى الله عز وجل -أيها الإخوة- هي جماع كل شيء، وهي في السر كما هي في العلن، ولها تأثير على قلوب الناس؛ لأن من أضمر التقوى وأظهرها وعمل بها؛ قذف الله له النور في الأرض، وألقى الله له الحب والقبول في الأرض. وما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله رداءها سراً أو علانية. وما من شيء تخفيه إلا والله يظهره، يقول أبو الدرداء: [ليتق أحدكم أن تلعنه قلوب المؤمنين وهو لا يشعر، قيل: كيف؟ قال: يخلو بالمعاصي فيلقي الله له البغض في قلوب الناس] فانتبه من معاصي الخلوة، فإنها مصيبة تنعكس مباشرة على الناس فيعرفونها فيك، ويقول الرسول عليه السلاة والسلام كما في حديث ثوبان والحديث في مسند أحمد، قال: (يؤتى برجال يوم القيامة معهم حسنات كأمثال جبال تهامة، فيقول الله لها: كوني هباءً. قالوا: لم يا رسول الله؟! قال: كانوا إذا خلوا بالله بارزوه بالعظائم) أي: هذه مصيبتهم أنهم يصلون ويصومون، ولكنهم إذا انفردوا ووقع بينهم وبين الناس حجاب، فإنهم لا يذكرون أن الله يراهم. أما المؤمن التقي لو كان في البحر وليس معه أحد فلا يمكن أن يقع في معصية الله؛ لأنه يستشعر مخافة الله، ويضع مراقبة الله بين عينيه! هذه هي التقوى، وإذا عمل الإنسان هذا ألقى الله عز وجل له القبول والحب. يقول أحد السلف: [إن العبد ليذنب الذنب فيما بينه وبين الله، ثم يجيء إلى إخوانه فيعرفون أثر ذلك] وهذا من أعظم الأدلة على وجود البارئ تبارك وتعالى، وقال أحد السلف: [إني لأعصي الله فأرى ذلك في سلوك زوجتي وخلق دابتي] يقول: الدابة والمرأة تعصيني، لماذا؟ لأني عصيت الله، لكن إذا لم تعصِ الله فإنك تجد كل شيء طيب، حتى ضرار الأسد في الغيران، كما يقول: خافوا الإله فخافهم كل الورى حتى ضرار الأسد في الغيران كان صلة بن أشيم العدوي رضي الله عنه من خيار المتقين، فهو شهيد وأبوه شهيد، كان يصلي في الليل في الغابات؛ وكان يقاتل في النهار وفي الليل يصلي، وفي ليلة من الليالي جاء يصلي فجاء أسد فشم الأسد رائحة الرجل وقرر أن يفترسه، فاقترب منه فكان يحطم الأشجار حتى وقف عنده، فما استطاع أن يتحرك أو يتقدم، فانتهى من الصلاة ونظر إلى الأسد وقال: أيها الكلب امض لما أمرك الله به، لا تشغلنا عن صلاتنا، ثم رجع وكبر، فقام الأسد يلوي ذيله ويزأر زئيراً يحطم الجبال، وتركه وذهب. ولكن بعض الناس عندما يصلي وينظر بعوضة، يرميها بيده ولا يستطيع أن يترك البعوضة، فكيف بهذا الذي ما أشغله أسد أتاه ثائراً. يقول هذا الرجل: [إني لأعصي الله فأرى أثر ذلك في سلوك زوجتي، وخلق دابتي]. ومن أغرب وأعجب ما روي: عن أبي جعفر السائح، قال: كان حبيب أبو محمد تاجراً، فمر ذات يوم بصبيان وهم يلعبون، فقال بعضهم: جاء آكل الربا -تاجر صيرفي، فمر على أطفال صغار وهم يعرفونه لكن أحدهم نظر بنور الله فقال: هذا يأكل الربا- قال: فرجعت وقلت: يا رب! أفشيت سري إلى الصبيان، فرجع هذا الرجل يبكي وقال: سري الذي لا يعرف به أحد أفشيته حتى عرفه الأطفال! كيف عرفوا أني أرابي؟!! ثم جمع ماله وقال: يا رب! إني أسير وإني أفتدي وأشتري نفسي منك بهذا المال، فأعتقني يا مولاي، ثم أصبح وتصدق بالمال الذي عنده كله، ثم مر في اليوم الثاني على الصبيان وهم يلعبون، فلما رآهم قال أحد الصبيان: اسكتوا. جاء العابد، فبكى وقال: يا رب! أنت تذم مرة وتحمد مرة وكل ذلك عندك. فيا أخي! عليك أن تراقب الله حتى يمدحك الله، وإياك أن تراقب الناس وتبارز الله بالمعاصي، وتستخفي من الناس ولا تستخفي من الله، فإذا ذمك الله فلا ينفعك مدح العالمين، وإذا مدحك الله فلا يضرك ذم العالمين، فإن الحياة والموت، والضر والنفع، والإعطاء والمنع، والخفض والرفع بيد الله، والناس لا يملكون لأنفسهم موتاً ولا حياةً، ولا بعثاً ولا نشوراً، بل كل شيء بيد الله، فراقب الله واتق الله حيثما كنت، أقولها بدءاً وختاماً، وأسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقنا تقواه. اللهم ارزقنا تقواك واجعل تقواك بين أعيننا يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير. وأشكر باسمكم جميعاً مركز الدعوة والإرشاد بمنطقة جدة، وفي مقدمة العاملين به فضيلة أخي الشيخ الداعية علي الحكمي على هذه الجهود المباركة المشكورة التي يبذلونها في سبيل دعوة المسلمين، والتي من أبرزها تنظيم هذا البرنامج الشتوي الطيب المناسب الذي غطى كامل الليالي، واستمتع به المؤمنون الذين جاءوا إلى جدة من أجل أن يقضوا فترة الشتاء في هذا الجو الدافئ، فيجدوا هذا البرنامج الإيماني الذي يشغل أوقاتهم في محاضرات ليلية، ولقاءات إيمانية بالعلماء والدعاة والمشايخ، وأيضاً لذلك المكان الطيب الذي عملوه على شاطئ البحر؛ ذلك المخيم الإسلامي الذي أقامه مركز الدعوة بإذن من المسئولين على ذلك العمل. وهذا المكان يلتقي فيه الشباب المؤمن من أجل المذاكرة والمدارسة واللقاءات الإيمانية، فأنا أشكرهم على هذا، وأدعو إخواني الشباب أن يشجعوا هذا اللقاء وهذا المخيم، وأن يأتوا إليه ويقضوا أوقاتهم فيه من بعد صلاة العصر أو المغرب أو العشاء، ففيه يلتقي أهل الإيمان في رياض الإيمان مع العلماء والدعاة في حلقات ولقاءات إيمانية، أرجو الله أن يبارك في هذا العمل. وأيضاً ألفت أنظاركم في كل وقت ومناسبة وحين إلى ضرورة دعم مشروع الزواج الخيري في مدينة جدة؛ لأن هذا المشروع الدعم فيه ليس مرة واحدة، بل الدعم متواصل في كل مناسبة ووقت، وإذا مررت بصندوق أدخل ريالاً، ليكون لك بهذا الريال لبنة في بناء أسرة تعيش على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا المشروع يشترط فيمن يدفع له إعانة الزواج أن يكون من الصالحين ليبني أسرة ويلتصق بامرأة مؤمنة، وينجب منها أولاداً صالحين، فتنشأ الخلايا الإيمانية في المجتمع، فأحثكم على التبرع، كما أحثكم على التبرع أيضاً لإخوانكم المجاهدين الأفغان، الذين ينتظرون دعمكم في كل وقت وحين، وبالأبواب صناديق لهيئة التبرعات، سواء من جمعية رعاية المتزوجين، أو من جمعية إغاثة المجاهدين الأفغان. أسأل الله أن يعينني وإياكم، ولا نبالي بالقليل ولو أنفقتم ريالاً أو خمسة أو عشرة ريالات: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:39]. وإلى بعض الأسئلة باختصار؛ لأن الوقت قد ضاق عليكم. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة

نصيحة إلى مرتكبي المنكرات

نصيحة إلى مرتكبي المنكرات Q تكلمتم عن التقوى في مطلع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت) وأجدتم جزاكم الله خيراً، ولكن أحب أن تذكر بعض إخواننا هدانا الله وإياهم فقد جاءوا إلى هذه المدينة، وعندما يرى أحدهم المنكرات تضعف عنده التقوى، ويفعل بعض المنكرات فيسمح لنسائه بالتبرج وكشف الوجه وغير ذلك، فهل من نصيحة لهم? A نعم. نحن ننصح وبملء أفواهنا من يأتي من بلاده من أجل قضاء عطلة الصيف أو نصف العام الدراسي؛ يأتي إلى المدن ويترك الحرم الشريف والحرم النبوي الشريف ولا يقوم بعمرة ولا يؤدي زيارة ولا يقوم بطاعة، إنما ينصب خيمته على الشاطئ ويبرج زوجاته، ويرفع أجهزة الشر بالأغاني والأفلام والمسلسلات، ويأكل من نعم الله ويمارس معاصيه، فنقول له: اتق الله عز وجل، اتق الله في النعم التي تتمتع بها، وفي الأمن الذي تنعم به، والعافية التي أنت فيها، والخيرات التي بين يديك، وزوجتك التي معك، وأولادك الذين في عنقك، والمجتمع الذي تعيش فيه، إذا كنت مسلماً ومؤمناً وفيك الخير إن شاء الله فاتق الله تبارك وتعالى، ولا مانع من أن يأتي الإنسان إلى أخذ عمرة ثم يذهب إلى جدة من أجل أن يتمشى أو يمارس شيئاً من النزهة فلا مانع ولكن بشروط شرعية: منها: ألا يدخل إلى أماكن الحرام والتبرج والاختلاط، وما يكثر فيه النساء والأسواق التي فيها تكشف، ولا يأخذ أهله معه ولا يسمح لزوجاته وبناته أن يمارسن المعصية أبداً، بل عليه أن يذهب بهم إلى الأماكن الطاهرة النظيفة التي فيها خير والتي لا تمارس فيها المعاصي، أما أن يأتي إلى هذا فهو يخسر خسارة كبيرة.

نصيحة لمن لا يعمل بما سمعه من وعظ وتذكير

نصيحة لمن لا يعمل بما سمعه من وعظ وتذكير Q فضيلة الشيخ: ما أحوجنا إلى العمل، فأكثر الناس يسمعون الكلام، ولكن لنا ولهم موقف إيجابي ينعكس على حياتهم، فهناك من يسمع ولا يطبق، فهل من نصيحة? A أخشى ما نخشاه -أيها الإخوة- أن يصبح الناس مدمنين على المحاضرات، ويكون الهم الأول والأخير أن يحضر من أول الوقت إلى آخره، ثم يخرج إما أن يثني أو يذم، ولا يكون لهذه المحاضرة أثر في حياته، وهذا ليس فيه مصلحة، بل هذه حجج عليه، والصحيح أن تكون هذه المحاضرة بمثابة الوصفة الطبية التي تعرض نفسك عليها، وكلما سمعت شيئاً تسأل نفسك: فإذا سمعت أمراً بالصلاة تسأل نفسك، وإذا سمعت أمراً بطاعة الله تسأل نفسك، وإذا سمعت النهي عن المعاصي تسأل نفسك: أين أنت منه؟! ثم تحاسب نفسك في كل لحظة وتعود إلى الله وتغير حالك إلى الأحسن، فإذا اتبعت هذا الأسلوب فإن كل محاضرة تحضرها تزيدك إيماناً وصلاحاً وتقوى عند الله عز جل، أما إذا اكتفيت من الحضور بالسماع فهذا لا يكفي، أي: قبل المحاضرة تغني وبعد المحاضرة تذهب لتغني، وقبل المحاضرة أنت مدخن وتشعل السيجارة عند باب المسجد، وقبل المحاضرة أنت على الأفلام وبعد المحاضرة تسهر على الأفلام، وقبل المحاضرة كنت تمشي في الشارع وتنظر إلى النساء وتمتع نظرك بالحرام، وبعد المحاضرة مستعد أن تنظر في الحرام، نعم. ما قيمة هذا الحضور؟ إن مثل هذا كمن يأتي إلى الطبيب فيأخذ الأدوية كلها ثم يرميها في القمامة ولا ينتفع بها. لا. نحن نأتي إلى هنا؛ لأن هذه المحلات مستشفيات القلوب، والعلماء هم أطباء القلوب، والدواء من القرآن والسنة، ومن صيدلية الرحمن نأخذ هذا العلاج ونتناول هذه الجرعات من أجل أن تصح قلوبنا وجوارحنا وأجسادنا فنعيش حياة الإيمان.

حكم تخويف الأطفال بالخرافات

حكم تخويف الأطفال بالخرافات Q هل حكاية النمنم صحيحة، أم إشاعة? A أعيد لكم السؤال لأن البعض منكم ما سمع السؤال، شخص رأى أناساً يضربون رجلاً فجاء يضربه معهم، قالوا: لماذا تضربه؟ قال: مثلكم أتقرب إلى الله. فبعضكم ربما ضحك وهو لم يسمع السؤال، يقول السؤال: هل حكاية النمنم صحيحة، أم إشاعة؟ النمنم شيء يخوف النساء به الأطفال ويقولون: إنه يأكل الناس، هذه أسطورة وخرافة ولا حقيقة لها، ولا يوجد نمنم يأكل الناس؛ لأن البشر لا يأكل إلا اللحم والرز والفاكهة والبرتقال والتفاح، أما أن هناك بشراً يأكل البشر فهذا غير صحيح، وهذه من أسوأ الطرق لتربية الأولاد، فلا تخوف الولد أبداً؛ لأنك إذا خوفته وهو صغير صدقك، وهو لا يصدق إلا أباه وأمه. ومن الخرافات أيضاً قولهم: (اسكت من السعلية) هذا كله تخويف بالباطل ولا يجوز، فلا تخوف ولدك وتحضر له العقد النفسية، وإذا خرج ورأى ظله خاف، لا تخوفه إلا من الله عز وجل، وما يدور كله كذب. وهذه مصيبة! فإذا كان الكبار يخافون من النمنم، حتى لو أن إنساناً يريد أن يأكلك كله، أو يريد أن يعضك عضه، أي: أنت مثله وليس أسداً أو أي شيء. والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حقيقة الإيمان [1، 2]

حقيقة الإيمان [1، 2] كل إنسان في هذه الحياة تطرأ عليه تساؤلات تتعلق بحياته من حيث: نشأته، ومصيره، وتساؤلات تتعلق بالكون والخلائق من حوله. وهذه التساؤلات وإن كانت تفيد الإنسان في إدراكه بأن لكل هذه المنظومة خالقاً ومصرفاً، إلا أن هذا الإدراك لا يمثل حقيقة الإيمان التي يجب أن يصل إليها الإنسان ليسعد في أولاه وأخراه.

حقيقة الإيمان علم لابد له من معلم

حقيقة الإيمان علم لابد له من معلم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: ما هذه الحياة؟ وما حقيقتها؟ ومن أين أتى إليها هذا الإنسان؟ ولماذا جاء إليها؟ وإلى أين سينتقل بعد أن يؤدي دوره على مسرحها؟ أسئلة تتردد في ذهن كل إنسان، أسئلة محيرة، وقد عجزت كل الفلسفات والمذاهب في القديم والحديث عن الإجابة على هذه التساؤلات؛ لأن الذكاء والعبقرية والعقل لوحده لا يستطيع أن يجيب على هذه الأسئلة؛ لأن العلم بالشيء لا بد أن يكون من معلم، فلو جئت -مثلاً- بشابٍ يعيش في أغوار تهامة أو في الصحراء، ودرجة الذكاء عنده متوقدة، أي: ذكي جداً لدرجة العبقرية، ولكنه لم يدرس في المدارس وأعطيته مسألة رياضية أو فك أقواس وقلت له: فك لي هذه الأقواس. وهو لم يدرس شيئاً حتى الحروف الأبجدية، فهل يستطيع ذلك بذكائه وعبقريته وفطرته فقط أو لا بد من أستاذ الرياضيات ليعلمه؟ كذلك لو جئت إلى أستاذ (الإنجليزي) الذي يقرأ اللغة (الإنجليزية) والذي ننظر إليه بإعجاب وهو كالبلبل يترنم بها، لو جئناه برسالة باللغة (الأردية) -لغة الباكستانيين- وقلنا: يا أستاذ (الإنجليزي) اقرأ هذه الرسالة. قال: لا أدري. ثم قلنا له: تعرف (الإنجليزي) وما تعرف هذه؟! قال: نعم. اللغة (الإنجليزية) أعرفها؛ لأني درست حروفها وأبجدياتها وكلماتها وتركيباتها وقواعدها وكل ما فيها عرفته، لكن هذه لغة تختلف عن هذه اللغة فلا أعرف منها حرفاً واحداً. لكن أنت ذكي؟! - أنا ذكي في مجال تخصصي، لكن شيئاً لم أدرسه لا أعرفه. وكذلك قس على هذا في كل العلوم، لا يمكن بالعقل لوحده أو بالذكاء أن تدرك علماً من العلوم إلا بالمعلم، أليست هذه قاعدة؟

وسائل إدراك الغيبيات

وسائل إدراك الغيبيات علم الآخرة، ولماذا جئنا، وما الهدف من مجيئنا، وأين سنكون بعد أن نموت، هل يمكن أن نتعلم ذلك من رءوسنا بدون معلم؟ لا يمكن، وإذا قمنا ووضعنا علوماً من رءوسنا حول هذه المواضيع تكون علومنا غير سليمة مثل البَدَوِي الذي تعطيه مسألة رياضية وتقول له: حلها لي، يحلها خطأً؛ لأنه لا يعرف يفك الأقواس، ولا المعادلة (س تربيع مع س ص)، فإذا قلت له: والله إما أن تحل المسألة هذه وإلا أذبحك، ماذا يصنع؟ يحلها خطأ، وإذا حلَّها خطأً تصبح النتائج خطأ، وتستمر سلسلة الأخطاء؛ لأنه ليس عنده معلم، وما تعلم ممن يملك العلم في هذا المجال، والبشرية لما أرادت أن تدخل نفسها في علوم لا تعرفها، ولا عندها أهلية العلم بها وقعت في الخطأ، فعندما تسأل نفسها: لماذا جئنا؟ لا تدري بالجواب؛ لأنه ليس هناك معلم يعلمها (لماذا جاء) فما اهتدوا إلى شيء إلا أن قالوا: جئنا لنعيش. إذاً: تعيشون لماذا؟ قال: نعيش لنأكل. وتأكل لماذا؟ قال: آكل لكي أعيش. وأعيش لآكل، وفي حلقة مغلقة ودائرة مستديرة، يأكل ليعيش ويعيش ليأكل. وبعد ذلك والنهاية؟! قال: والنهاية الموت. إذاًَ: أنت كنت من قبل ميتاً في العدم أفتخلق من أجل أن تموت؟! لو كان الغرض أن الله خلقك من أجل أن تموت، فقد كنت ميتاً ولم يكن هناك داع لأن تأتي، فلا داعي لأن تحمل بك أمك تسعة أشهر وتضعك كرهاً وتحملك وتربيك، ثم أنت تعاني ثم تتعب ثم تدرس، ثم تعيش ستين أو سبعين سنة، وبعد ذلك تموت، تعيش كل هذه المراحل الصعبة ثم تموت، لا، خطأ، لماذا الجواب خطأ؟ لأنهم لا يعرفون، لماذا جاءوا؟ مثل ما قيل: أين تكونون بعد هذه الحياة؟ قالوا: لا يوجد شيء بعد هذه الحياة، عدم. من قال لكم لا توجد؟ قالوا: عقولنا. عقولكم أخطأت؛ لأنكم لا تستطيعون حل المسألة الرياضية مثل ما قلنا، ولا قراءة الرسالة (بالأردية) لأنكم ما تعلمتم من معلم، ولهذا حاولتم أن تحلوا المسائل بعقولكم من غير معلم، ووقعتم في الخطأ. وقلتم أيضاً: ليس هناك شيء بعد هذه الحياة، ومن قال لكم: إنه لا يوجد شيء بعد هذه الحياة؟ من الذي مات من الناس منذ خلق آدم إلى يومنا هذا وذهب إلى الآخرة واكتشف أنه ليس هناك شيء، ثم بعث ورجع وقال للناس: لا تتعبوا أنفسكم فلا يوجد هناك شيء؟ هل هناك أحد وقع منه هذا الأمر؟ لا أحد، كل من يموت لا يرجع، ولا يعطينا حقائق عما حصل له في القبر من النعيم، أو العذاب، نحن لا ندري، فهل عدم علمنا يؤهلنا إلى أن نقول: لا يوجد شيء، هل أرى أبها الآن وأنا جالس عندكم؟ لا أراها، هل من حقي أن أقول: إنَّ أبها ليست موجودة؟ هل أنا فككت الذرة؟ لم أفكّ الذرة ولا أعرف عنها شيئاً، ولكن درسناها أنها (نيترون) مع (بروتون) وما أدري ما هو، وأنها تتفتت، إذاً هل قمتم بذلك أنتم أو أنا؟ ومدرس العلوم هل فتت الذرة؟ بل ما رآها بعينه، لكنه مؤمن بها ونحن كلنا مؤمنون بها، حسناً هل منكم من زار أمريكا؟ يمكن لا يوجد منا أحد زارها لكننا مؤمنون بها، فمعنى عدم رؤية الإنسان للشيء لا يؤهله ذلك إلى أن يقول: إن هذا الشيء ليس موجوداً. قصة الجاذبية معروفة، إسحاق نيوتن كان جالساً تحت شجرة يستظل بظلها، فسقطت حبة تفاح من الشجرة فنزلت إلى الأرض، فهو فكر، لأن عنده عقلاً كبيراً، قال: لماذا الحبة عندما انقطعت ما صعدت إلى فوق؟ أو لماذا ما ذهبت شرقاً أو غرباً، أو شمالاً أو جنوباً؟ أو لماذا ما بقيت في مكانها عندما انفكت من غصنها؟ لماذا نزلت؟ عقله سأله، قال: ثقلها. حسناً، لماذا لم يؤهلها ثقلها لتصعد إلى الأعلى؟ هناك شيء سحبها إلى الأسفل، وبعد تفكير وجد أنها الجاذبية، والجاذبية هذه خاصية من خواص الحياة، فكل شيء على وجه الأرض مربوط بحبال الجذب إليها، هل رأيتم الجاذبية؟ الآن لما انفك (الميكرفون) من يد المدير وسقط على الأرض، من الذي أسقطه؟ الجاذبية، حتى أنتم ضحكتم على تلك السقطة: هل أنتم رأيتم حبال الجذب لما جذبته؟ مثال آخر: القارورة هذه لو أني أفكها الآن أين تسير؟ تسقط، من الذي سحبها إلى تحت؟ الجاذبية، أين حبال الجاذبية، هل ترون شيئاً؟ إذاً: الجاذبية موجودة أو ليست موجودة؟ موجودة. لو أن شخصاً قال: لا توجد جاذبية ماذا نقول له؟ نقول: هذا أحمق. يا أخي! عينك لا ترى كل شيء، الجاذبية موجودة لكن عينك لا تراها. الموجات الصوتية الآن عندما نأتي المذياع ونشغله يعطينا إذاعة القرآن وإذاعة جدة وإذاعة لندن، وكل الإذاعات نسمعها، أغلق المذياع فلن تجد شيئاً، أين كانت كل هذه الأصوات التي أظهرها لنا هذا الجهاز؟ كانت موجودة في الهواء، لكن هل أراها أنا؟ هل أرى الموجة ثلاثمائة وخمسة وعشرين من جدة، وأرى الموجة ثلاثمائة وخمسة عشر من الرياض، وأرى الموجة الآتية من أمريكا ولندن ومن كل مكان؟ لا أرى شيئاً، لكن من الذي يلتقطها؟ المذياع، إذا فتحنا المذياع هربت الموجات، إذا فتحنا المذياع التقطها، هل عدم رؤيتي للموجات يدعوني للتكذيب بهذه الموجات؟ وإذا كذبت وقلت: والله لا توجد موجة في هذه الصالة لماذا؟ لأني لم أرها. يقول لي: أنت ما رأيت الموجات لكن المس أثر الموجات بالجهاز. فليس كل شيء لا تدركه ولا تراه بعينك غير موجود، ولو عملنا بهذه القاعدة في حياتنا لما تعلمنا العلوم، الآن كلكم تدرسون ويأتي أستاذ الجغرافيا بخريطة العالم، ويضع الخريطة هكذا كوسيلة إيضاح، ويأتي بالمؤشر ويقول: هذا البحر الأبيض وهذا البحر الأحمر، وهذا المحيط الهادي، وهذه أمريكا، وهذه كندا بجانبها، وهذه أمريكا الجنوبية، لو قام أحد الطلاب وقال: لا تلعب علينا أرجوك، ولا تضيع أدمغتنا، أين أمريكا؟ لا يوجد هنا إلا ورقة مصبوغة، والله لا وجود لـ أمريكا ولا روسيا ولا يوجد نهر ولا بحر ولا شيء، وكذَّب بهذا الموضوع، ما رأيكم هل تنتشر العلوم؟ وهل يمكن أن تقوم حضارة للأمم؟ نقول لهذا: يا مغفل! لا نستطيع أن نذهب بك لتنظر إلى العالم كله، ونركبك طيارة لتنظر إلى كل دولة بعينك، فليس كل شيء يجب أن تراه العين، وإلا أيضاً بالمنطق هذا نفسه لو سألتكم وقلت لكم: أنا عاقل. تقولون لي أنتم: ما تعقل به؟ أقول: أعقل بعقلي، وهذا العقل هنا في المخ. وتقولون أنتم لي: لا ليست بعاقل. لماذا؟ أنا عاقل أتصرف وأتكلم تصرف العقلاء وكلام العقلاء، تقولون: أين عقلك؟ خذ فأساً واضرب به رأسك وأرنا إياه حتى ننظر، وإلا لحكمنا عليك بالجنون لأنا ما رأينا عقلك. أجل، العين ليست وسيلة الإدراك، وإنما هناك وسائل مسعفة لتدرك بها الأشياء ولتطل منها على عالم الأشياء، وهي ما يسمى بالحواس الخمس، العطر مثلاً إذا أردت أن تعرف نوعيته: عودي أو وردي أو أي نوعية، تضعه عند عينك أو عند أنفك؟ تضعه عند أنفك، لكن لو وضعته عند عينك، هل تشم عينك رائحة العطر؟ لا. وكذلك إذا أردت أن تعرف طعم التفاحة أين تضعها عند أنفك أو في فمك؟ في فمك؛ لأن لسانك عنده قدرة على معرفة عالم الأطعمة، والأنف عنده قدرة على الإطلال على عالم الروائح، والعين عندها قدرة الإطلال على عالم الأشكال والألوان، اليد عندها قدرة وإدراك للإطلال على عالم الأجسام تحس، وما ليس بجسم تلمسه ولا لون تراه، ولا رائحة تشمه، ولا طعم تذوقه، ما تدركه بالحواس الخمس، فماذا تفعل؟ ترفضه؟ لا، قبل التخيل هناك وسيلة اسمها وسيلة الأثر.

قاعدة: الأثر يدل على المؤثر

قاعدة: الأثر يدل على المؤثر فالأثر يدل على المؤثر، البدوي الأعرابي الذكي يقول: سماءٌ ذات أبراج، وأرضٌ ذات فجاج، وبحارٌ تزخر، ونجومٌ تزحف -هذه كلها عوالم تلفت النظر، ويقول- الأثر يدل على المسير، والبعر يدل على البعير، وسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، أفلا يدل ذلك على السميع البصير؟!! فأنت بالأثر تستطيع أن تصل إلى الإيمان بحقيقة المؤثر، ولذا هذه الغرفة الآن مليئة بهواء (الأكسجين) ولو أخرجت ورقة من جيبي الآن أمامكم فأنفخها هكذا فتتحرك، لكنكم لا ترون شيئاً خرج من فمي، مدفع حركها، أو عصا خرجت من فمي وقالت لها هكذا، شيء تحرك، هل رأيتم شيئاً خرج من فمي؟ خرج هواء، هناك تيار هوائي لكن لا ترونه بالعين، كيف رأيتموه؟ رأيتموه بأثر حركته على الورقة، نأخذ من هذا قاعدة: أن كل شيء لا ندركه بأعيننا لا ينبغي لنا أن نكذِّب بوجوده، وإذا قلنا: إنه غير موجود فقد ألغينا عقولنا. الآن يوجد جبل ظمك، وفي زاوية من زوايا هذا الجبل وتحت صخرة من الصخرات هناك مجموعة من النمل، أو لا يمكن هذا؟ لكن لما قلت لكم ذلك: قام واحد من الإخوة الآن وجاء وفتح الستار وتلفت، هل نظرت جبل ظمك؟ قال: نعم. قلت: سوف ترى ذرة تحت حجر هناك. قال: كذاب. لا يوجد، أين الذرة؟ أين النملة هذه؟ يا أخي! أنت لا تراها من هنا، إن كنت تريد أن تراها فاركب سيارة واطلع الجبل وانظرها. قال: أريد أن أراها من هنا. نقول: لعينك البصرية مجال وقدوة الرؤية عندها محدودة؛ لأن الله خلق الإنسان وأعطى لكل عضو وجارحة قدرة معينة، فمثلاً: بطنك له قدرة في الأكل، إذا وردت على الطعام فإنك تأكل حتى تشبع، لكن إذا شبعت والطعام جيد وبقيت أصناف من الطعام ما قد عممت عليها ونفسك تقول لك: لا تفوتك، لكن بطنك امتلأت، ماذا تفعل؟ غصباً، تضغط على بطنك، وإذا فعلت ذلك وضغطت على بطنك غصباً، يحصل عندك عسر هضم، وتقعد مريضاً شهراً وأنت تدور على المستشفيات تشتكي من بطنك، لماذا؟ لأنك أنت الذي خربت بطنك؛ لأن لبطنك قدرة معينة على الأكل، عندما أطعمتها فوق طاقتها لم تقدر. كذلك عضلة رجلك لها قدرة على أن تقف وقتاً معيناً، لكن إذا أوقفتها أربعين ساعة سقطت، كذلك أعضاؤك، سمعك هذا له قدرة على السماع من مسافة، لكن عندما تمر وهناك شخص يصيح على مسافة 2 أو 3كيلو فينقطع صوته فإن أذنك لا تسمع؛ لأن مجال قدرة أذنك على السماع محدودة، عينك كذلك محدودة. كل جارحة فيك لا تستطيع أن تلم بكل شيء، وإذا لم تر بعينك هذا الشيء؛ لضعف في إمكانات عينك وقدراتك أنت، فلا يعني هذا أن هذا الشيء غير موجود. ولذا فالذي يقول: إنه ليس هناك شيء بعد هذه الحياة، نقول له: ما أدراك أنه ليس هناك شيء؟ قال: لأني لم أنظر إلى شيء، نقول له: حسناً، والذي لا تنظر إليه ما تؤمن به. قال: أجل. قلت: كذاب، عقليتك فاسدة، وهناك شيء يسألنا بنفس السؤال يقول: لماذا جئنا؟ ومن أين؟ وإلى أين؟ هذه الثلاثة الأسئلة المحيرة لا يمكن أن تجيب عليها البشرية من عند أنفسها، لا بد أن تكون الإجابة من قوة خارجة عن الإنسانية، والبشرية هي التي جاءت بالإنسان، وهي التي تتوفى الإنسان، وهي التي تقلب الإنسان إلى عالم آخر.

الإنسان أمام التسيير والتخيير المكتوب عليه

الإنسان أمام التسيير والتخيير المكتوب عليه الآن الناس يموتون بغير اختيار، ولو أن الموت بالاختيار هل هناك أحد يموت؟ كل شخص لا يريد أن يموت، حسناً حينما يُخلقون يخلقون باختيار أم بغير اختيار؟ من الذي جيء إليه وهو في بطن أمه وقالوا له: ما رأيك تريد أن تخلق أم لا؟ إن الإنسان يخلق رغم أنفه وبغير اختياره، كذلك التحديد في النوعيات ذكر أو أنثى ليس باختياره. بعد ذلك اللون الطول العرض الذكاء المواهب الزمن العمر كل هذه بغير اختيار، أنت أتيت ولم يؤخذ رأيك في كل قضاياك، وبعد ذلك تعيش فترة الحياة وأنت باختيار، لكن تموت بغير اختيار. وهنا يبدو جواب على الناس الذين يقولون: الإنسان مسير أم مخير؟ نقول: هو مسير ومخير. كيف؟ مثل الراكب الآن في الطائرة؛ عندما تركب من هنا إلى الرياض أو من هنا إلى جدة، أنت في عموم الرحلة مسير، هل تستطيع أن تنزل في الطائف؟ أو عندما تنظر إلى وادٍ وأنت فوق الطائرة تقول له: قف قف لأجل أن نقيل في هذا المكان، أو: متعب نريد أن نجلس هنا، لا، رحلة مصممة من أبها إلى جدة، لا تذهب إلا من هذا الخط فقط ولا يمكن أن تمر إلى غيرها، فأنت مسير، ولكن يمكنك أن ترقد على كرسيك، ويمكنك أن تقرأ جريدة أو قرآناً، وتقدر أن تأكل، أو لا تأكل، فأنت مخير في حدود كرسيك، لكن مع العموم مسير مع الناس كلهم، وكذلك أنت أيها الإنسان! مسير يوم خلقت، ومسير يوم تموت، ومخير بين الحياة والموت؟!! بإمكانك أن تهتدي، ومن يمنعك من الهداية؟ وبإمكانك أن تضل، ومن يمنعك من الضلال؟ إذا أذن المؤذن وأنت جالس في البيت فهل هناك قوة -إذا أردت أن تقوم وتصلي- تستطيع أن تأتي وتضغط على أرجلك وتشد عضلاتك وتضع (قف) على إمكاناتك ولا تقوم لتصلي؟ لا شيء يمنعك، لكن أنت لا تريد أن تقوم. وآخر يريد أن يقوم ليصلي، هل هناك من جاء وسحبه بأنفه وقال: قم فصلِّ؟ لا. ذهب إلى الصلاة باختياره، وذاك ترك الصلاة باختياره. وآخران قُدِمَ لهما شرابان حليب وخمر، فأحدهما قال: أنا أشرب الحليب فقط، لماذا؟ باختياره، والثاني قال: أريد الخمر، لماذا؟ باختياره، هل هذا أجبر على الحليب، وهذا أجبر على الخمر؟ لا، بالاختيار، فأنت بين الموت والحياة بين البقاء وبين الإجلاء بين الوجود والعدم في فترة اختيار، ولذا كانت هذه الفترة فترة اختيار وفترة تكليف وتبعة ومسئولية؛ لأنه لو لم يكن لديك الاختيار لم يكن عليك مسئولية، والله منزه عن الظلم، كيف يخلقك ويعطيك الاختيار ولا يجازيك؟ أو كيف يخلقك ولا يعطيك القدرة على الاختيار ويجازيك؟ أمعقول هذا؟! ولذا ترون أن المجنون الذي سلب العقل مرفوع عنه القلم؛ لأن التكليف منوط بالعقل، فإذا لم يعط إنساناً عقلاً فهل يعرف كيف يتصرف؟ هل يعرف متى يدخل الوقت فيقوم ويصلي؟ هل يعرف حلالاً وحراماً، هل يعرف واجباً وفرضاً؟ لا يعرف شيئاً فهو مجنون، فالله لعدله رفع عنه التكليف: (رفع القلم عن ثلاثة -يعني: المسئولية والعهدة- المجنون حتى يعقل، والصغير حتى يبلغ، والنائم حتى يستيقظ)، فلما لم يكن هناك عقل فليس هناك تكليف، لكن إذا وجد العقل ووجد الاختيار والقدرة على سلك سبيل الخير أو سلك سبيل الشر ثبت الاختيار، وثبتت معه العهدة والمسئولية؛ لأنك تعصي الله باختيارك فتحل النتيجة باختيارك، وتطيع الله باختيارك فتجد ثمرة اختيارك. ولا يقل أحد الناس: لا، أنا مكتوب عليَّ أن أعصي، ولهذا لا أستطيع إلا أن أعصي، لماذا تزني؟ كان مكتوباً. حسناً تعال إلى هذا الإنسان الذي يقول: مكتوب واضربه على وجهه بكفك، وإذا قال: لماذا ضربتني على وجهي؟ فقل له: مكتوب، والله كتب في الأجل أني سأضربك على وجهك، هل يرضى بالكتاب عليه بالصفعة هذه؟ ما رأيكم يرضى ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، جزاك الله خيراً، والله إنك صادق وأنه مكتوب علي. ويومه الثاني يرضى؟ لا، أبداً لا يرضى. حسناً هذا الرجل إذا استلم الراتب ووضعه في جيبه فقفزت وأخذت راتبه كله، وبعد ذلك يمسكونك ويقولون: ماذا بك؟ فتقول: الله كتب عليَّ أن أسرقه! هل هذا عذر يقبله الناس ويقبله هذا الذي أخذت عليه ماله؟ لا يقبل القضاء والقدر في ما يتعلق به، لكن في ما يتعلق بربه يقبله، يزني ويقول: إن الله كتب عليَّ ذلك، ويسرق ويقول: إن الله كتب عليَّ ذلك، ويشرب الخمر ويقول: إن الله كتب عليَّ ذلك سبحان الله!

معنى الكتابة في الأزل

معنى الكتابة في الأزل ما معنى الكتابة في الأزل؟ هذا سؤال مهم جداً أرجو أن تنتبهوا إلى الإجابة عليه؛ لأن سوء الفهم للحديث الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤدي بالإنسان إلى الهلاك والضلال. إن الله كتب حينما وُلِدَ الإنسان في بطن أمه، ومرت أربعة أشهر -مائة وعشرون يوماً- وبدأ الشهر الخامس ينزل الملك ويبدأ يحدد النوع ويكتب أجله ورزقه وشقي أم سعيد، ما معناه؟ معنى الكتابة أولاً: يقول العلماء: إنها سابقة لا سائقة، الكتابة سابقة عند الله ولكنها ليست سائقة، أي: أنها ليست ملزمة ومجبرة للإنسان كيف؟ الآن إذا أراد إنسان أن يبني عمارة ما الذي يلزمه في أول مراحل البناء؟ أن يعمل مخططاً، ثم يذهب إلى المكتب الهندسي ويقول: أنا عندي أرض مساحتها عشرون متراً في عشرين متراً، على شارع عام، أريد أن أعمل فيها عمارة، ويعطيه كل التصورات التي يريدها؛ الدور الأول محلات تجارية، والبدروم مستودعات، والدور الثاني شقق سكنية، والدور الثالث أريده سكن لي أنا وعائلتي، المبنى يتكون من ثلاثة أدوار: المجلس أريده أن يكون عشرة في خمسة، (والمبلط) بجانبه سبعة في ثلاثة؛ لأني كريم وصاحب ولائم وعندي أقارب ومناسبات كثيرة، وأيضاً أريد غرفة للنوم والحمام بداخلها، يعطيه كل هذه المواصفات ويقوم المهندس فيترجم هذه المعلومات كلها في مخطط كامل، وبعد ذلك يعرضه عليه ويجري عليه تعديلات سهلة على الورق، فإذا استقر الرأي قال: يا (مهندس) نفذ! فتقوم العمارة سليمة. لكن ما رأيكم في صاحب العمارة لو جاء وأتى باليمنيين من السوق والمقاولين وبدون مخطط وقال: ابدءوا في بناء العمارة. قالوا: كيف نفعل العمارة؟ قال: ابدءوا على كيفكم افعلوا العمارة المهم (البلك والإسمنت) والحديد موجود، حسناً وأين نجعل المجلس؟ اجعلوه هنا على اليمين، على أساس الناس إذا دخلوا على اليمين. (والمقلة؟) قال: ضعوه بجانبه. كيف نعمله؟ قال: قدروا وانظروا. وبعد العصر جاء واحد وقال: لماذا وضعتم المجلس على اليمين؟ هذا خطأ الشمس لا تدخل هنا، اجعل المجلس في الشمال، فدعا العمال: وضع المجلس هنا خطأ، انقلوا المجلس هنا، بعد قليل المهم ما رأيكم في عمارة هذا الإنسان؟ هل هي سليمة أو تنهدم رأساً؟ وبعد ذلك الأساس كم هو؟ قال: ضعوا القواعد هنا متر في متر، أي: الأرض صلبة، جاء واحد قال: لا، ثلاثة أدوار يا شيخ! ولعل الله أن يمد في عمرك ويضع لك أولادك أيضاً دورين أو ثلاثة لا، ضع القاعدة مترين في مترين، فدعاهم وقال: انقضوه، خذوا (الصبة) هذه واجعلوها مترين في مترين، جاء شخص بعد ذلك قال: يا شيخ أنت مخطئ كيف تضع مترين في مترين؟ أنت على شارع عام يا شيخ، والدنيا تتطور كل يوم، هل تريد أن تهد عمارتك بعد ذلك؟ اجعلها ثلاثة في ثلاثة يا شيخ، لا تبخل على نفسك، وإلا ندمت بعد ذلك. بالله ما رأيك في هذا المسكين؟ هل عمارته هذه سليمة، أم أنها خطأ في خطأ؟ لماذا؟ لأنه مرتجل، ودائماً الارتجال نتيجته الفشل باستمرار. أليس المدرسون عندكم في المدرسة يضعون خطة للدراسة في أول العام، ويقسمون المنهج على أشهر السنة، بحيث يطالب كل مدرس الشهر الأول بأن ينجز من وإلى، وفي الشهر الثاني من وإلى، هذا في العرف؟ لكن يمكن في الشهر الأول يزيد قبل الحل، ويمكن في الشهر الثاني لظروف معينة يمد عليه المنهج لصعوبة بعض بالمواد، لكنه في هذا الإطار، لكن لو جاء في أول السنة وقام المدير وقسم المنهج على أشهر السنة قال: لا داعي للتقسيم هل تريدني أن أمر على الطلاب مرور الكرام؟ أم تريدني أن آخذ المنهج والطلاب لا يفهمونه؟ ماذا يفعل المدير لهذا المدرس؟ يقول المدير له: أنت مدرس فوضوي، ولا تصلح لعملية التعليم؛ لأنك لم تنظم المادة ولا قسمت المنهج، الآن كيف أسير الطلاب هؤلاء؟ أنجحهم إلى سنة ثانية وهم لم يدرسوا المنهج، أو أسقطهم سنة وأعطل مستقبلهم؟ إذاً: أنت الفاشل وسوف أبعدك من هنا. فالتخطيط مطلوب لكل عمل، وإذا كان هناك ارتجال فكيف يصير العمل؟ خطأ في خطأ، وقفنا عند هذه الناحية، ولله المثل الأعلى. الله تبارك وتعالى حينما أراد أن يخلق الكون والحياة لم يرتجل وإنما عمل -نحن نسميه في عرفنا مخططاً- القضاء والقدر، أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب في اللوح المحفوظ. قال له: وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة -عمل المخطط- كل ما هو كائن مكتوب في اللوح والمخطط عند الله، والتنفيذ في الميدان. ومعنى الكتابة: سبق العلم، وهو أن الله عز وجل علم في الأزل أنَّ زيداً وعمراً من الناس، وهذين الشخصين سوف يوجدان ويخلقان ويبلغان سن التكليف، ويعلمان بأوامر الشرع، وتكون لديهما القدرة على اختيار سبيل الخير أو الشر، ولكن زيداً من الناس رجل عاقل استقام واستجاب لأوامر الله وقام على الدين حتى مات، فعلم الله أنه نتيجة استقامة زيد على دينه أن يكون سعيداً، فكتبه سعيداً وهو في بطن أمه، وأن عمراً هذا سيبلغ سن التكليف وسوف يكون رجلاً، وسوف تبلغه الشريعة، ولكنه لن يستجيب لأمر الله ولا لداعي الله، وإنما سيستجيب لداعي الشيطان والهوى والشهوات والمعاصي؛ فكتبه الله شقياً. أفنريد على الله ألا يعلم ماذا سيكون غداً؟ إذا كنا أنا وأنتم لا نعلم ماذا سيصير غداً أليس كذلك؟ أنريد ألا يعلم الله ماذا سيصير غداً أيضاً؟!! إذا كان الله لا يعلم ماذا سيصير غداً فهو مثلنا، فعلم الله مثل علمنا، لكن ما دام أن الله عز وجل عليم فوجب أن يكون علم الله أقدر وأنفذ من علمنا، فهو يعلم ماذا سيكون غداً.

موقف الإنسان من علم الله الأزلي

موقف الإنسان من علم الله الأزلي إن علم الله الأزلي ليس معناه أنه ملزم لنا، وأضرب لكم على هذا مثالاً من واقع المدرسين: لو أتينا إلى أحد المدرسين وليكن في التوجيه، وجاء المدير فدخل عليه في الفصل وقال: يا أستاذ كم تتوقع نسبة النجاح عندك في الفصل في نهاية السنة؟ فالمدرس شغَّل عينه كذا في الطلاب، وراجع دفتر المكتب، ورأى العلامات والذين يتجاوبون معه في الدراسة والمجتهدين، والذين يحلون الواجبات وينتبهون للشرح، والذي عنده تفاعل مع الدرس، فذهب إلى المدير وقدم له بياناً، فقال له: الفصل فيه (20) طالباً، (18) طالباً أتوقع نجاحهم، أما (2) فأشك في نجاحهما؛ لأنهما مهملان؛ أولاً: كثيرو الغياب، ثانياً: أنهما ينامان بكثرة في الفصل، من حين أن يدخل يضع يده على الماسة ونام نومة إلى أن يأتي الأستاذ فيوقظه: ولد أين أنت؟ قم. قال: سهران البارحة. سهران في ماذا؟ أفي الجهاد؟ لا سهران على المسلسل والورقة و (البلوت) والقهوة، ويأتي في الصباح نائماً، صارت المدرسة للنوم، يأتي ليحصل التعليم فيحصل النوم. حسناً هل أديت الواجب؟ قال: نسيت الدفتر. حسناً والمسألة؟ قال: الامتحان بعيد يا أستاذ، لا تشدد علينا، الله يبارك فيك، يسروا ولا تعسروا. ويستشهد بالأحاديث. فجاء الأستاذ إلى المدير وقال: أما فلان وفلان فإنهم ساقطان، إلا إن غيرا من وضعهما. فالمدير وضع الورقة عنده في الماسة، وبعد ذلك مرت السنة، وفي آخر السنة طلعت النتائج وجاء الأستاذ الذكي الذي يعرف طلابه معرفة دقيقة وقد تحققت نبوءته في الطلاب وظهرت النتيجة: نجح (18) طالباً، والطالبان ساقطان. وبعد ذلك سألوهم الطلاب: لماذا سقطتم؟ قالا: بسبب الأستاذ فهو في أول السنة كتب ورقة للمدير وقال: نحن سنسقط. بالله ما رأيكم في هذا العذر أهو مقبول؟! يعتمدون على ذكاء الأستاذ، هؤلاء الطلاب قالوا: إن الأستاذ في أول السنة لما سأله المدير من الذي سينجح، ومن الذي سيسقط؟ فقال: هناك طالبان سيسقطان، فنحن توقعنا أننا نحن، ولهذا لا تلومونا نرجوكم، أليس الأستاذ قد قال ذلك تلك الأيام، وقد كتب علينا في أول السنة. هل عذرهم مقبول يا إخوان؟!! وهكذا الذي يزني ويسرق ويعصي، ولا يصوم ولا يصلي، ويعق ويرتكب المعاصي، تقول له: يا أخي! لماذا؟ قال: يمكن أن الله كتب عليَّ هذا. مثل ذاك الذي يقول: يمكن أن الأستاذ قد سجلني مع الذين سيسقطون. وأنا يمكن أن الله قد كتبني في الأزل أني شقي، ولهذا يمكن يا أخي أن تذبح نفسك على مذبحة (يمكن)؟ فهذه (يمكن) للاحتمالات. الآن لو أن شخصاً دعوته وقلت له: العشاء الليلة عندنا، فقال لك: يمكن آتيك، تقبل منه، (يمكن) هذه أو تقول له: بلا يمكن، هل ستأتي؟ قل لي من أجل أن أجهز العشاء، أو لا تأتي لكي أستريح، لكن قال لك: والله لا آتي، إذاً قل: إنك لن تأتي. لكن لو قال لك: يمكن أن آتي. وذهبت إلى البيت، وبعد ذلك جاءتك الأفكار يمكن أن يأتي، وبعد ذلك ذهبت وأخذت الذبيحة وتريد أن تذبحها من أجل الضيف، وحين أوشكت على أن تذبح الذبيحة جاءك شعور ثانٍ يمكن ما يأتي، وما ذنب التيس الضعيف؟ دعه يعيش، ولماذا أخسر تيساً وأكلف المرأة وأتعبها بطبخ الذبيحة ويمكن أن لا يأتي، والله لا أضحي بالتيس على (يمكن) هذه. سبحان الله! التيس غالٍ عندك لا تضحي به على (يمكن)، وتضحي برقبتك على (يمكن)؟ وتجازف بحياتك ومصيرك من أجل (يمكن)؟ وبعد ذلك ذهبت إلى الله وقدمت عليه وهلكت هلاكاً ليس بعده هلاك، فالله يقول: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47] كل ما خطر في بالك فالنار بخلاف ذلك، فالنار اسمها نار، نحن نعرف النار والله ما توعدنا بشيء لا نعرفه، بل توعدنا بشيء وأعطانا منه نموذجاً حياً، قال: {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً} [الواقعة:71 - 73] ما معنى تذكرة؟ أي: موعظة تذكركم بالنار الكبيرة، أم هذه {وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ} [الواقعة:73] أي: لكي تطبخوا عليها الطعام، وتستدفئوا بها في البرد، لكن الهدف منها حقيقة تذكرة، لكن الذي يرى أعمالنا يقول: هؤلاء لا يعرفون النار أو ضد النار، فإما أننا لا نعرف النار -وكلنا نعرف النار- وإما أنا ضد النار، ولسنا ضد النار، والذي ضد النار لا يأخذ له جمرة من الجمرات بل يأخذ له عود كبريت يولعه ويصبر عليه، فإذا وصلت النار إلى العود مما يلي إصبعه وأحرقته فلا يفكها، دعها تؤلمه قليلاً، يصبر ويتصبر ويتصبر، يرى إلى أي مدى يتحمل النار، والله ما يتحمل النار، لكن يهلك نفسه بالذنوب والمعاصي وترك الطاعات والواجبات ويكون مصيره الدخول في نار الآخرة التي يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم، ولولا أنها أطفئت في الماء مرتين ما استمتعتم بها) هي جذوة أصلها من النار ثم أطفئت حتى خمدت، ثم بقي فيها نار تحرق فأطفأها الله حتى خمدت، ثم بقيتها النار هذه التي عندنا! ولذا ورد في بعض الآثار: [لو خرج أهل النار من النار ووجدوا نار الدنيا مشتعلة لقالوا فيها قِيلة، ولعاينوا فيها نوماً] نار الدنيا يعاينوا فيها نوماً، لماذا؟ لأن نار الآخرة يقول الله فيها: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً} [النبأ:24] يقول: البرد هنا هو النوم، فلا يوجد نوم، كيف تنام وأنت في عذاب؟ أيضاً أهل الجنة لا يذوقون النوم، لماذا؟ لأن النوم يفوت عليهم النعيم، كيف ينام وهو في نعيم، فالنوم جعل في الدنيا لغرض: من أجل إعادة نشاط الجسم، فالإنسان إذا تعب ينام قليلاً فيقوم وهو نشيط، لكن في الآخرة لا يوجد تجديد ولا تعب، كلها نعيم في نعيم، فإذا نام فاته جزء من النعيم؛ فاته الحور والقصور، والحبور والسرور، فهل ينام؟ لا، لا نوم فيها، لكنَّ الذي في النار لماذا ينام؟ إذا نام استراح من العذاب، ولهذا المريض الذي أصبح متعباً ونام قليلاً قال: والله إني وجدت قليلاً من الراحة، رقدت، وتخلصت من ألم، ولكن هذا إذا رقد فاته العذاب، فلا يرقد ولا ينام ليزداد عذابه، ولا ينام هذا في الجنة ليزداد نعيمه.

من حكم الله في الإنسان

من حكم الله في الإنسان لقد علمنا الله تبارك وتعالى لماذا جئنا، وعلمنا من أين جئنا، وعلمنا أين سنذهب بعد أن نفارق هذه الحياة. أما: لماذا جئنا؟ فإنه لا بد لكل شيء من حكمة في خلقه، أنا أحمل هذا الجهاز الآن في يدي لحكمة، ما هي حكمته؟ تكبير الصوت، لكن لو انقطع التيار (الكهربائي) هل سأظل أمسكه؟ لا. لأنه لم يعد هناك تيار (كهربائي) يكبر الصوت ولهذا سأضعه، لكن لو واصلت أتكلم ولا يوجد تكبير، ماذا تقولون لي أنتم؟ تقولون: اترك الجهاز فإن (الكهرباء) مقطوعة؛ لأن الغرض من الجهاز تكبير الصوت؛ فما دام أنه ليس هناك تكبير للصوت فضعه. وأنت تحمل القلم في جيبك لحكمة ماهي؟ الكتابة، فإذا انتهى الحبر الذي في القلم فماذا تصنع بالقلم؟ تتركه معلقاً في جيبك أم ترميه؟ ترميه، أو كلما انتهى عليك مداد قمت بتعليق القلب في جيبك إلى أن تصبح عشرة أقلام؟ وإذا جاء إليك أحد الناس وقال لك: من فضلك القلم. قلت: والله هذا ليس فيه حبر. حسناً أعطني الثاني. وتقول: وهذا والله ليس فيه حبر أيضاً منذ زمن. حسناً والثالث؟ قال: كلها ليس فيها حبر، ماذا يقول لك هذا؟ يقول: يا مجنون! ظللت تصفُّ أقلاماً في جيبك وليس فيها حبر، إذاً لماذا تحملها؟ ما دام أنه ليس لها حكمة وليس لها أي غرض إذاً هذا خبل، أنت تضع شيئاً بلا غرض. وهكذا كل شيء، وهذا اسمه منطق العقلاء أن كل شيء له حكمة فإذاًَ هو مفيد، وما ليس له حكمة فإنه غير مفيد.

الحكمة من خلق العين والأذن

الحكمة من خلق العين والأذن عينك في رأسك لها حكمة وحكمتها الرؤية، ولذا فالعين مفيدة، ولذا هناك كليات للطب، وهناك أقسام متخصصة في طب العيون، لماذا؟ لحكمة هي علاج عينك، فإذا مرضت عينك أو تعطلت عالجوها، لكن أن تأتي عندهم في كلية الطب وتقول لهم: لا، أنتم مخطئون، كلية الطب هذه خطأ، أموال تذهب هدراً، لا داعي لها، يقولون لك: لا. هذه كلية الطب مهمة وضرورية وليست بالعبث؛ لأن هناك أعيناً تخدمها هذه الكلية. حسناً، الأذن كذلك لها حكمة، حكمتها: سماع الصوت، ومن حكمة الله يا إخواني! -الذي هو حكيم في كل شيء، من صفاته أنه العزيز الحكيم- لا يضع شيئاً إلا في موضعه تبارك وتعالى. فمن حكمة الله في خلق الإنسان أنه جعل كل عضو وجارحة في مكانها المناسب، ولو تغير هذا الوضع لاختل الإنسان ونظامه. فالعين الآن هي بمنزلة سرايا استطلاع بالنسبة للجيوش، ودائماً سرية الاستطلاع تكون في المقدمة، لكن لو جعلنا السرية في المؤخرة ما أدراهم؟ قد تعطينا الأخبار خطأ، فالله جعل العينين في مقدمة الرأس وفي أعلى الجسم؛ من أجل أن تستطلع دائماً وتنظر إلى الأشياء، وبعد ذلك ركب العين في الرأس، وجعل الرأس مركباً على الرقبة، والرقبة جعل لها قدرة لولبية على التحرك، لماذا؟ لكي يسهل عليك أن تنظر إلى الأجسام الغريبة، سواءً كانت أمامك أو خلفك، أو عن يمينك أو شمالك، دون أن تتحرك أنت، لكن لو أن الله جعل رقبتك من العظم وأردت أن تنظر إلى اليمين فكيف تعمل؟ تدور بجسمك كله، وإذا دعاك واحد من الوراء تلف جسمك كله، وكانت العملية صعبة جداً. ولهذا عندما يكون الأستاذ في الفصل، هنا الأستاذ كذا والطلاب كلهم منتشرون في الفصل يريدون أن يروه لكي يسمعوا كلامه، لو أن رقابهم ليست متحركة لكان كل واحد عينه إلى الجدر، والأستاذ هناك لا أحد عينه فيه، لكن كل واحد من الطلاب قال كذا، وذاك هكذا من الزاوية التي له، وكلهم متجهون إلى الأستاذ بدون تعب. أين جعل الله الأذنين؟ جعلها في الجنب، لماذا العينان في الأمام؟ لأنها استطلاعية فتكون في الأمام، وأما الأذنان فلأنها تجلب الأصوات والأصوات لا تأتي من جهة معينة بل تأتي من كل جهة، يمكن أن أسمع الصوت من أمامي وورائي، وعن يميني وشمالي بنفس القدرة بحسب المسافة، لأن مسافة سرعة الصوت معروفة، فإذا جاءتني السرعة من ثلاثمائة وثلاثين متراً من الأمام أو الخلف، أو من اليمين أو الشمال تأتي السرعة واضحة، ليست مؤسسة على أساس الجهة ولكن مؤسسة على أساس المسافة، فأين جعل الله الأذن؟ جعلها في الجنب مع القدرة على الحركة بالنسبة للرقبة، فيمكن أن أسمع من أي مكان.

الحكمة من خلق الأنف

الحكمة من خلق الأنف وجعل الله في رأس الإنسان الأنف ووظيفته الشم، والسماح بدخول (الأكسجين) والهواء إلى الجسم، ولكن حتى يبقى مفتوحاً باستمرار جعله الله من غضروف؛ لأنه لو كان لحمة لانطبقت، وإذا كنت تريد أن تتنفس فعليك أن تفتحها لكن لو وضعت عودين في أنفك، وانسد لمت، فالله جعلها غضروفية مفتوحة، ولم يجعلها عظماً؛ لأنه لو جعلها عظماً وأتيت لتمتخط كيف تفعل؟ فجعلها غضروفاً وعليها لحم مقوى قليلاً فتعتصر ويعتصر معها المخاط ويخرج منك الأذى، لكن لو كانت عظمة فإنك لا تقدر أن تعصر العظم وتخرج المخاط منه، فتضطر أن تأخذ عوداً وتدخله إلى أنفك لتخرج الأوساخ التي فيه. وبعد ذلك جعل الله تعالى في هذه الأنف شعيرات وخلايا دموية مكثفة، من أجل أن تقوم بعملية تكثيف وتغيير وتحسين درجة حرارة الجو الخارجي ليتناسب مع درجة حرارة الجسم، ولذا ترون في أيام البرد درجة حرارة الهواء الخارجي مثلاً (20 أو 15 أو 16) درجة، وأحياناً في الليل تكون (10) ويمكن أن تكون (8 أو 7) درجات، لكن درجة حرارة الجسم ثابتة (37) درجة في الظروف العادية، وفي حالة المرض ترتفع إلى (38) أو (40)، وإذا وصلت إلى (42) درجة قد يموت فيها الإنسان، فإذا كانت درجة حرارة الجسم (37) درجة، ودرجة حرارة الهواء الخارجي (15) درجة واستنشقت الهواء حتى يدخل إلى رئتك، يجب أن يكون موازياً وقريباًَ من درجة حرارة جسمك وإلا أصبت بنزلة مثل المروحة، فماذا يصنع الجسم؟ يقوم الأنف هذا بتدفئة الهواء البارد، ولهذا تشتغل الشعيرات الدموية وتتحرك أكثر من اللازم، ولذا ترون الإنسان في الليالي والأيام الباردة يحمر أنفه؛ لاشتغال الدم فيها، فالشعيرات الدموية عندها حركة قوية لتدفئة الهواء الخارجي حتى لا يتعارض مع الهواء الداخلي فيحصل لك مصيبة بهذا، ولهذا بعض الناس عندما يجلس في غرفة البيت وقت العشاء أو في سمرة مع أهله والجو دافئ جداً قد تكون درجة حرارة الغرفة أربعين، الدفاية من هنا والنار من هنا وهو ملتحف بالشملة، ثم يدعوه فيقوم ويرمي بالشملة ويخرج، فيصيبه الهواء، فماذا يحصل له؟ مرض، ما سببه؟ أن الهواء دخل إلى جسمه بأقل من ذلك، وبسرعة مفاجئة لم يتمكن الأنف من التدفئة فحصل للإنسان نزلة، يسمونها نزلة شعبية، أو نزلة هواء، أو نزلة حادة. فهل تريد أن يجعل لك الله كل يوم مرضاً، على أساس أنه ليس هناك شعيرات؟ لا، ركبَّ الله لك أنفاً من الغضروف وعليها لحم مكثف وفيها شعيرات دموية؛ لأجل أي هواء تشمه أو تستنشقه وهو بارد تدفئه هذه الشعيرات ويدخل جسدك وهو موازٍ وقريب من درجة حرارة جسدك فلا يحصل لك المرض. هذه حكمة، أم ليست بحكمة؟ من فعل هذه الحكمة بالضبط؟ يقولون: الطبيعة. من الطبيعة؟ ابنة من هي هذه الطبيعة؟ ما شكلها؟ قالوا: الطبيعة، الطبيعة عندنا هي الأرض، طبيعة الأرض التي نركلها بأرجلنا، الصماء البكماء العمياء، هل يمكن للطبيعة هذه أن تخلق هذا الشيء؟ وبعد ذلك أتخلق هذا الإنسان الغريب الأطوار، الغريب المراحل؟ وبعد ذلك أتخلق كل إنسان له شكل مختلف عن الآخرين؟ الآن العدد السكاني للأرض والعالم بأكمله تقريباً (4 مليار) لكن هل يمكن أن تجد في (4 مليار) اثنين سواء؟ لا تجد، يمكن أن تجد متشابهين في الشكل لكن تعال واختبرهم في الذكاء، ترى أن نسبة الذكاء عند هذا غير نسبة الذكاء عند هذا، تجد هذا آماله غير آمال هذا، وآلام هذا غير آلام هذا، ومشاعره غير مشاعر هذا، كل شخص من الناس له عالم مستقل بذاته، فمن يستطيع أن يشكل ويصور ويعمل كل هذه؟ وبعد ذلك هؤلاء (4 مليار) بعد مائة سنة يستبدلون بجدد، فبعد مائة سنة لن يكون على وجه الأرض واحد من هؤلاء الموجودين الآن، أي: الذي ولد اليوم بعد مائة سنة ليس موجوداً فضلاً عن الذي هو موجود من قبل سنتين أو ثلاث أو أربع أو عشر أو ثلاثين أو خمسين أو أربعين مثلي، بمعنى: أنه يصير تبديل للناس كل مائة سنة، والنادر لا حكم له، يمكن أن يعمر شخص في القبائل كلها فيصير عمره مائة وخمس سنوات أو مائة وعشر سنوات، وهذا شاذ، والشاذ لا حكم له.

الحكمة من خلق الأسنان

الحكمة من خلق الأسنان حكمة الله عز وجل تلحظها أنت في خلق أسنانك، فعندما يولد الإنسان يولد وكل الحواس موجودة فيه، حتى الرأس فيه شعر؛ لكي لا يبرد في الليل إذا خرج، الله أعطاه شعراً يسمونه شعر البطن، لكن الله لم يعطه أسناناً، لماذا؟ لأن طعامه سوائل، هل يحتاج لأن يكسر بأسنانه؟ معدته لا تهضم إلا السوائل، ولو أعطيناه طعاماً ناشفاً، ولو فتحنا فم الصبي الذي ولد وأعطيناه أرزاً وقطعة لحم وحبة برتقال، ما رأيكم بهذا الصبي المسكين؟ يموت رأساً، معدته ضعيفة جداً جداً، ولا تستطيع أن تهضم السوائل إلا بصعوبة، ولذا لماذا يعطيه الله أسناناً وهو غير محتاج لها في هذا السن؟ فهل هناك مخلوق في الدنيا منذ خلق الله آدم إلى يومنا هذا خلق وله أسنان؟ لا يوجد، فلو أعطاه الله أسناناً، وطعامه سوائل، والطفل هذا لا يعقل، وقامت أمه وأعطته الثدي وهو يريد أن تعطيه طعاماً، ومن حين يمسكه يعض بأسنانه، من يفكه؟ تقرصه أمه تفتح فمه، لكنه لا يعرف، مسكين، فحتى لا يعض أمه، ولأنه لا توجد حاجة للأسنان، فإن الله خلقه بدون أسنان. وبعد سبعة أو ثمانية أشهر أصبح قوياً وعنده قدرة على الطعام، بدأ التمرين على الطعام الخشن، فأنبت الله له اثنتين فوق واثنتين تحت، لماذا؟ لكي يقطع بها الحلاوة (والبسكويت) والموز، لكن ما أعطاه الله ضروساً؛ لأن الضروس لا يطحن عليها شيئاً الآن، هو الآن يريد حاجة لينة قد أصبحت جاهزة يفصلها فقط لكن يطحنها فليس بمحتاج، بعد فترة أعطاه الله بجوار الثنايا هذه أنياباً لكي يخرق بها، وبعد ذلك وضع الله فوق الثنية ثنية، وفوق الناب ناباً، لكن لو وضع الله فوق الثنية ناباً لما قطعت، ولو وضع الله تحت الثنايا ضروساً لما طحنت، ولكن لأجل أن يصير الطحن مضبوطاً وضع الله فوق الضرس ضرساً، مثل الرحى التي لها واحدة فوق وواحدة تحت، ووضع الله فوق الثنية ثنية مثل المقص الذي جلب من فوق ومن تحت، وضع الله فوق الناب ناباً مثل (المخدر) الذي فوق وتحت لكي (يخدر)، وبعد ذلك استمر اكتمال الأسنان، تنمو السن إلى مستوى معين وتقف، لماذا لم يستمر نمو السن هذه إلى أن تصل إلى سرتك؟ ولماذا لم تطلع سنك هذه حتى تصل إلى رأسك؟ من علم السن في كل البشر أن يقف عند هذا المستوى، ولا يطول ولا ينقص ولا يقصر؟ الله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى. ثم بعد فترة أربع أو خمس أو ست سنوات يبدل الله لك أسنانك، فتلك أسنان ضعيفة أعطاها الله لك لأنك صغير، لكنك الآن تريد أسناناً قوية تعيش معك حتى تموت فييسر لك قلعها، تأخذ السن وترميه ويبدلك الله سناً غيره، والناس عندهم خرافة -لا أدري هل ما زالت موجودة، أم قد انتهت؟!! - إذا انقلع سنه أخذ السن وأبقاه معه. ما بك؟ قال: غداً عندما تطلع الشمس. وإذا كان اليوم فيه غيوم ولا توجد شمس فتراه يربطه في منديل أو يضعه في (غترته) أو في جيبه ويأتي في الصباح يأخذ سنه ويقول: يا عين الشمس! (خذي سن الحمار) يعني سنه هو كيف أصبحت سن الحمار وهي سنك؟ تعترف بأنها سن حمار، وأنت رجل؟ (وأعطيني سن الغزال!!) والله إن هذا الكلام كنا نعمله ونحن صغار، وما أدري هل العلم حرر الناس من هذه الخرافات أم أن بعض الناس لا زالوا يعملونها؟ وبعض المدرسين يفعلونها، أو بعض الثانويين؛ لأنه يخاف أن تأتيه سن حمار، سبحان الله! هناك شخص أراد أن يأتي بشيخ ليعظ الناس وهم كلهم فهماء وعقلاء، وبعضهم مدرسون وبعضهم جامعيون في قرية من القرى، فقال هذا الشخص: تعال يا شيخ ذكرهم بالله، قال: كيف أذكر البقر؟ فقال: هؤلاء بشر. قال: أنا لا أذكر البقر. قال: اتق الله، وأحسن الظن بالناس، هؤلاء بشر يفهمون وهم مثقفون. قال: هل أعطيك دليلاً على أنهم بقر؟ قال: نعم. فجمعهم وقام في المسجد يحدثهم. وأتى بحديث -هو كذب- وقال: ورد في الآثار في بعض الكتب: أن من استطاع أن يمس أرنبة أنفه بلسانه أدخله الله الجنة. فقام كل واحد يفعل ذلك، وكل واحد مد لسانه يريد أن يصل، يقول لهم: هل تقدرون الآن أن تفعلوها؟ ثم قال لصاحبه أرأيت أنهم بقر؟ أول شيء ليس من المعقول أن الواحد يمس أرنبة أنفه بلسانه؛ لأنه توجد مسافة بعيدة، وحتى لو كان أحدهم لسانه طويلاً فلماذا يدخله ربي الجنة؟ على أساس أن لسانه وصل إلى أنفه؟ يعني أن هذا العمل معجز بحيث إنه يستحق الجنة على هذا؟ فوقف الرجل بعد أن مدوا ألسنتهم قال: يا جماعة! أرأيتم أنكم بقر؟ وأعطاهم درساً ووعظهم وقال: شغلوا عقولكم. فنحن من قبل لم نكن نشغل عقولنا، نرى الناس يأخذون السن ويقولون: سن حمار ويرجم بها في عين الشمس، وبعد ذلك تنتهي السن عليه، أنا والله قد عملتها وانتهت السن عليَّ، أي: أن الشمس لم تمد يدها وأخذتها وإنما رميت بها هكذا وعادت السن، فتركته مكانه ولم آخذه. فحكمة الخلق في الإنسان ظاهرة في كل شيء في الفم ورشة متكاملة عبارة عن قواطع وطواحن و (كريك) هو هذا اللسان، وهناك أنابيب لإفراز اللعاب لكي يخلط الطعام، وبعد ذلك يمضغ ويطحن ويجهزه، وأنت الآن عندما تأخذ الطعام وتمضغه وتخرجه تراه قد أصبح جاهزاً للهضم، فينزل على المعدة، والمعدة دورها ليس المضغ؛ لأنه ليس فيها عظام، المعدة دورها الهضم، والهضم هو عملية تحليل الطعام، فهي تفرز حمضيات قلوية شديدة وحامضة أيضاً، ولهذا عندما يصاب بعضهم بقيء فإنه يخرج منه شيء أصفر حامض جداً، هذا هو المادة الموجودة في بطن كل إنسان، إذا أفرزت هذه المادة على الطعام حللته، وبعد التحليل مرة واحدة يذهب ينتقل إلى الأمعاء، ومن الأمعاء يذهب ويتوزع على الدم، ومن ثم إلى الجسم. فبعض الناس يستعجل على الأكل فما يمضغ الطعام جيداً، بل يأكله بسرعة، ويأخذ اللقمة، وبدلاً من أن يمررها على الأسنان لكي تمضغها وعلى اللسان، لا، رأساً من فمه على بوابة البطن، وعندما ينزل إلى المعدة تأتي المعدة المسكينة ليست قادرة على هضمه؛ لأنه طعام ليس مطحوناً، وليس جاهزاً، فتضطر أنها تفرز مواد أكثر حتى تهضمه وتتغلب على هذه المشكلة، وهذا التغلب يحدث لها أمراضاً في المستقبل وهو ما يسمونه بقرحة المعدة، وعسر الهضم، وسوء الهضم، ومشاكل المعدة كلها بأسباب أن الإنسان يأكل الطعام ولا يمضغه جيداً، ويستعجل في بلعه قبل مضغه وقبل تحسينه.

كيفية إنزال الطعام وحكمة الله في ذلك

كيفية إنزال الطعام وحكمة الله في ذلك كيف ينزل الطعام؟ للإنسان قصبة اسمها المريء، وله قصبة ثانية اسمها: القصبة الهوائية، وقد جعلها ربي من غضروف؛ لتكون مفتوحة باستمرار لدخول الهواء، إذ لو كانت مثل المريء من لحمة لغلقت، فكيف يدخل الهواء؟ وجعل الله الأنف غضروفياً ليكون المجال مفتوحاً، فالأنبوبة التي تستقبل الهواء من بداية الفم إلى الرئتين غضروفية، مفتوحة وأنت نائم ومستيقظ وتشتغل وجالس مفتوحة باستمرار لكي توصل لك مادة الحياة باستمرار؛ لأنك لا تستطيع أن تعيش من غير الهواء لحظة واحدة. أما المريء الخاص بالطعام فلو جعله الله غضروفياً مفتوحاً باستمرار فبمجرد أن تعمل حركة رياضية وتنتكس، ماذا يصير؟ ينصبَّ الذي في بطنك كله، ولهذا جعل الله هذه القصبة لحمية، وبعد ذلك جعلها ذات عضلات تقبل إدخال الطعام ولا تقبل إخراجه، بمعنى: أنك إذا أخذت اللقمة ومضغتها وبلعتها لا تنزل إلى المعدة مباشرة، بل تدخل الطعام فيها إلى العضلات التي تعصره عصراً، ولو أن هذه الخاصية -خاصية العصر- ليست موجودة لوقفت اللقمة في الحلق، ولو وقفت اللقمة في الحلق فمن ينزلها؟ تشرب ماء اللقمة أكبر من الماء، لا يوجد إلا أن تستعين (بالمرياز) الخاص بالبنادق، فتفتح فمك؟ ويأتي شخص ويضع (مرياز) ويدق ويدق حتى يدخل اللقمة، وبعد ذلك تأتي باللقمة الثانية ويدق، وهل يمكن هذا العمل يا إخوان؟!! انظروا نحن لا نتفكر والله، أشياء كثيرة من حكم الله فينا، لكن لا يقبلان أن ينفتحا معاً، فتقفل البلعوم الخاص بالهواء إذا كنت تأكل، فإذا كنت تأكل تقوم اللحمة هذه فتقف على قصبة الهواء، حتى تمضغه فإذا مضغت وبلعت انفتح البلعوم لأجل أن يسمح للهواء، ولهذا لا يستطيع الواحد أن يتكلم وهو يأكل؛ لأن الكلام عبارة عن استغلال لثاني أكسيد الكربون الذي يخرج من جسدك. يدخل الأكسجين نقياً فتأخذه الرئتان، وبعد ذلك يرجع وقد أصبح ثاني أكسيد الكربون وهو لم يعد فيه مصلحة؛ فحتى لا يخرج ثاني أكسيد الكربون بدون مصلحة شغَّل الله حبالاً صوتية في الرقبة والفم من أجل أن تأخذ هذا الهواء، ويترجم إلى كلام؛ لكي لا يضيع شيء من الإنسان، فما يستطيع أن يتكلم وهو يأكل في نفس الوقت. وإلا أصابته الشرقة وهي أن اللسان جاءه أمر من الدماغ أن يدخل الطعام، ثم جاءه أمر من الدماغ أنه يطلع هواء من أجل أن يتكلم الرجل، فعنده أمر مضطرب، أن يفتح الاثنين، ففتح الاثنين فدخلت لقمة في قصبة الهواء فاشترق الإنسان، فما هي الشرقة؟ هي أن تدخل حبة أرز أو قطعة طعام في المريء، ولو دخلت في البلعوم واستمرت فسيموت الإنسان مباشرة، لكن أيموت الإنسان بسبب هذه الشرقة البسيطة؟ لا. إذا حصلت هذه الشرقة تصدر إشارة من المخ لقوات الطوارئ الموجودة في الرئة أن هناك جسماً غريباً، فتقوم الرئة بطرده: كح كح كح ماذا بك؟ قال: شرقت. ويأتي بعض الناس يدقونه في ظهره، وهذه الدقة تساعد على الطرش فتخرج، إذا ما خرجت هذه يقعد الواحد (يكحكح) قال: والله ما زالت الشرقة. والشرقة: هي نقطة ماء أو حبة أرز أو قطعة طعام كادت تودي بحياة الإنسان، بل البعض يقول: كنت سأموت. ما بك؟ قال: والله إني شرقت، لكن الله رحمني وإلا كنت سأموت؛ لأنك ضعيف لا تتحمل نقطة أو حبة أرز في بلعومك، فالله عز وجل حفظك ولا يضيعك؛ لأنه حكيم أوجد فيك هذا الخلق.

من حكم الله تعالى في الرأس

من حكم الله تعالى في الرأس هذا الرأس الذي فيه كل هذه الحكم فيه أربعة أنهار؛ نهر يمد العين بماء مالح، ونهر يمد اللسان بماء ولعاب، ونهر يمد الأذن بمادة صمغية مرة، ونهر يمد الأنف بمادة مخاطية ليس لها طعم، لماذا كل هذه الأنهار؟ لأن العين شحمة، وهذه العين لو تركت بغير الدمع الملحي لتعطلت ولنشأ فيها الدود، الآن نأتي باللحمة ماذا نضع فيها؟ ملحاً؛ لكي لا يعفن، وهذه العين قطعة شحم وحتى لا تعفن فقد خلق الله فيها الدمع المالح. ووضع الله عز وجل في فمك اللعاب الحلو؛ لكي تهضم الطعام، ووضع في أذنك المادة الصمغية المرة؛ لكي تمنع الحشرات من دخول أذنك، وإذا شمتها الحشرات من بعيد فإنها تهرب، وإلا لو أن هذه المادة ليست موجودة لقمت في الصباح ولقيت أذنك قد امتلأت جرذان وحشرات وذر ونمل، لكن لا يدخل أذنك شيء، فهذه حكمة الحكيم تبارك وتعالى!

الحكمة من جعل اليد في أعلى الجسم

الحكمة من جعل اليد في أعلى الجسم كل شيء فيك أنت أيها الإنسان خلق لحكمة، فموقع يديك لحكمة، ومن حكمة الله عز وجل أن جعل يديك في أعلى جسمك، لماذا؟ لتنفعك في حاجة جسمك، لكن ما ظنكم لو أن اليدين وضعت مكان الرجلين، وأردت أن أحك رأسي ماذا أفعل؟ فلابد أن أحني رأسي إلى عند يدي وأحك، لكن الله جعل اليدين في أعلى الجسم فبإمكاني أن أحك رأسي وبإمكاني أن أحك رجلي وأنا جالس. وبعد ذلك فصَّل الله يديك مفاصل، أول المفاصل في الإصبع الصغيرة، ومفاصل بعدها، لماذا؟ لتكون سهلة الحركة، لأنه كلما كانت المفاصل أكثر كلما كانت القدرة على الاستفادة من العضو أكثر، لكن ما ظنكم لو أن الله خلق لك يداً كالعصا، كيف تحك رأسك؟ كيف تفعل؟ كيف تربط؟ كيف تحمل؟ كيف تشد المسامير ويدك هكذا؟ ولو أن يدك مستقيمة لتعطلت كل الحضارات التي نعيش فيها الآن، ووالله ما طارت طائرة وما تحركت (مكينة) ولا عرف أحد يشد مسماراً على شيء؛ لأنه كيف أشد ويده هكذا؟ (الصميل) في المضاربة ينفع، لكن هل الله خلقني لأضارب فقط؟ لا، الله ما خلقني للمضاربة، بل للعبادة، ولهذا فصل الله جسدي للعبادة تفصيلاً، بمعنى: أنه من أسفل إصبع في الرجل إلى أعلى رأسك كلك مفصل على قدر، ولهذا في الإنسان (360) مفصلاً مربوطة بـ (360) عضلة مربوطة مع (360) عظماً، مع أوردة، وجسم، وعضلات {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:14]. تأتي إلى أسفل وترى الجهاز الهضمي والتنفسي والدموي والعصبي والعظمي، أجهزة عجيبة خلقها الله كلها لحكمة لا تطغى عليها. أيها الإخوة! أليست العين -كما قلنا- والأذن واليد والرجل وجدت لحكم؟ والقلم والورقة والحذاء في رجلك لحكم؟ ما رأيكم لو رأينا من يلبس الأحذية في يده؟! ذهب وأخذ له أحذية إيطالي بمائة ريال ووضع واحدة هنا وواحدة هنا، وإذا به ماش في الشارع، فإن الناس يمسكون به، ما بك؟ قال: ما بي؟ أنتم تضعونه في أرجلكم وأنا أضعه في يدي فماذا يحكم الناس عليه بالعقل أم بالجنون؟ والله يكتفونه فوراً، ويذهبون به إلى المستشفى العام، لماذا؟ لأن الأحذية لا تستعمل إلا في الأقدام، أما اليد لماذا لا نضع عليها أحذية؟! لأننا نضع فيها كفوفاً من أجل أن تقينا البرد، فحكمة الحذاء السير بها، إذا وضعنا الحذاء في غير مكانه فهذا خطأ.

عقول قاصرة عن فهم الحكمة من خلق الإنسان

عقول قاصرة عن فهم الحكمة من خلق الإنسان كل شيء في الإنسان وجد لحكمة، نعم أنت كلك وجدت لحكمة، هل تدرون ماذا يقولون في الغرب؟ يقولون: أنت كلك من غير حكمة. تجد البروفيسور، والمخترع والدكتور والمهندس العظيم في أوروبا أو أمريكا أو روسيا رغم أنهم غاصوا في أعماق البحار والمحيطات وسبحوا في الفضاء واخترعوا اختراعات عجيبة؛ لكن تأتي إليه وتقول له: لماذا يا بروفيسور أنت موجود؟ يقول: والله لا أدري. لماذا خلقك الله؟ لماذا أنت موجود هنا؟ لأي حكمة؟ قال: لا توجد حكمة من خلقي. حسناً هل لحذائك حكمة؟ قال: نعم. إذاً: أنت أقل قدراً من حذائك الذي في قدمك؛ لأن حذاءك صنع لحكمة وأنت لست موجوداً لحكمة، الذي ليس له حكمة ليس له قيمة عندما يكون لديك (ثلاجة) في البيت، ما الحكمة منها؟ تبريد، فإذا ذهب منها (الفريون) ولم تعد تبرد، هل بقي لها حكمة؟ تأخذها وترميها، يقول الناس: لماذا ترميها تقول: قد تعطلت وكذلك الإنسان إذا لم يكن من وجوده حكمة إذاً لماذا يبقى في الوجود؟ ولهذا -حقيقة- الإنسان اليوم في فساد إلا المسلم، وما ترون الآن من صراع بين الدول الشرقية والغربية من أجل تدمير الإنسان، فهذا ناتج عن أن هذا الإنسان فاسد، واليوم هناك اجتماع لمسئولين من روسيا وأمريكا لمعاهدة بنزع السلاح الذري من الصواريخ المتوسطة والقريبة المدى، أما الكبار الطويلة، فلا، هذه ما نقدر أن نبعدها؛ لأنها تقوم من روسيا فتدمر أمريكا، وتقوم من أمريكا فتدمر روسيا. أنا سمعت الأخبار تقول: إن روسيا عندها (220) صاروخاً الواحد يدمر نيويورك، التي فيها عشرة ملايين، وفي أوروبا أيضاً هذه الصواريخ من هذا النوع موجودة، وعندها (110) صواريخ من سي سي تو، وعندها (110) صواريخ من (سي سي ثري) يعني عندها (440) صاروخاً الواحد يدمر الدنيا كلها، لماذا صنعت هذه؟ لأن الإنسان فاسد، لو أن الإنسان صالح ما كان سيصنع هذه. ولذا لما رأوا أن هذا التدمير سيعم وسيؤدي بالتالي إلى تدمير أنفسهم راجعوا عقولهم قالوا: تعالوا نتعاهد على أن ننزعها ونتركها، قد خسروا فيها ملايين الملايين، إن الصاروخ الواحد الذي ينتجونه يستطيع أن يقوت العالم سنين، لكن العالم يموت من الجوع وترمى الأغذية في البحار ويموت الناس في أفريقيا وأمريكا، وهناك من هم مصابون (بالإيدز) والأمراض الفتاكة بدون علاج، وهم يخترعون هذه لتدمير الإنسان؛ لأن الإنسان نفسه فاسد؛ ولأنه ما تعلم من الله الذي خلقه، فلم يهتد بهداية الله الذي خلقه فهو فاسد، ولو كان الدين والإسلام هو المسيطر على البشرية، وهو الحاكم لتصرفاتها ما كنت لترى هذا الفساد، والله يقول: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم:41]، يقول: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56]. أنت أيها الإنسان لك حكمة، وإذا قال إنسان بأنه ليس له حكمة، فهو يلغي وجوده، وكأنه أحقر من حذائه الذي في قدمه، لأن حذاءه له حكمة، ما هذه الحكمة؟ لا يعرف الحكمة من خلقك إلا الذي خلقك؛ لأنه هو الذي أتى بك، ويعرف من أتى بك؟ ولماذا أتى بك، فأخبرك الله بالحكمة فقال عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] هذه هي الحكمة وهي واضحة {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:57 - 58] فالحكمة من خلقك أن تعبد الله. والعبادة التي طلبها الله عز وجل منك عبادة شاملة لا عبادة جزئية، عبادة متكاملة متوازنة تلبي مطالب الروح، وتستجيب لمطالب الجسد، وتعمر الدنيا والآخرة، ليست العبادة بمفهومها الضيق الذي عند بعض الناس: هي فقط مجرد الشعائر الدينية، إن الشعائر الدينية هي جزء من العبادة، ولكنها ليست العبادة كلها، إن العبادة بمفهومها الشرعي ما سبق أن تعلمناه في الابتدائي: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. كل شيء عبادة، أنت في الشارع تسير وتغض بصرك؛ بهذا تعبد الله، وأنت في المتجر تبيع وتتصدق ولا تغش ولا تكذب ولا تحلف كاذباً؛ تعبد الله، وأنت تأكل وتذكر الله وتسميه وتحمده عند النهاية؛ تعبد الله، وأنت تأتي زوجتك وتسمي الله وتحمده الذي غض بصرك ورزقك الزوجة الحلال، وأنت تنام على فراشك وتستقبل القبلة وأنت متوضئ وتذكر الله بالأذكار، وأنت تأتي إلى المسجد وتصلي وتقرأ القرآن تعبد الله، وتدرس في المدرسة وتعتبر التدريس رسالة لا وظيفة -فرق بين من يعتبر التعليم وسيلة رزق وارتزاق، وبين من يعتبره رسالة حياة ومهمة ومسئولية- إن من يمارس عمل التعليم وهو يتصور أنه يرتزق لا يجعل الله في تعليمه بركة، أما الذي يمارس التعليم على أنه رسالة ومهمة إنسانية وإسلامية؛ أربي فيها أولاد المسلمين على الإيمان والدين، وأستغل مادتي، حتى ولو كانت مادة بعيدة عن المنهج الديني لكني أطوعها وأجعلها إسلامية، أنا مدرس علوم لكني أسخر المادة لخدمة العقيدة، فلما آتي لشرح النظرية أو الحقيقة العلمية أو أي شيء من مظاهر الكون أرجعه إلى الله، لكن لا أقول: إن الأرض كانت جزءاً من الشمس وأنها انفصلت عنها بسبب أنها تضايقت منها، وبعد ذلك انفصلت، ويوم أن ذهبت هناك وبقيت مليوني سنة، وبعد ذلك اتحد اثنان (هيدروجين) مع واحد (أكسجين) وصارا ماء، وبعد ذلك ذهب هذا الماء في المنخفضات فصارت بحاراً والمرتفعات بقت جبالاً، وبعد ذلك انتهت. إذاً من فصلها وخلقها وركبها؟ هذا ما لا يبينه أكثر المدرسين إلا من رحم الله؛ فينشأ عند الطفل أو عند الطالب تصور إلحادي أن الكون خلق نفسه، لكن في الإسلام يقول: لا. إن الله هو الذي خلق السماوات والأرض ويقرأ عليهم القرآن ويقول: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} [فصلت:9 - 12]، هذا خلق الله الذي خلق وأخبرنا. أما الذي يقول: إنها كانت جزءاً من الشمس وأنها انفصلت، نقول: من أين كنت تراقب العملية في ذلك اليوم؟ يقول: والله ما أدري. فعلاً هو لا يدري ولا يدري أبوه ولا أمه، إن ذلك كان قبل خلق الإنسان، والله يقول: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الكهف:51] يعني: ما حضروا يوم خلق السماوات والأرض {وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً} [الكهف:51] فمدرس العلوم والرياضيات والاجتماع وعلم النفس، أي مدرس يستطيع أن يسخر المادة لخدمة العقيدة الإسلامية، ومدرس الدين بطبيعة الحال والتربية الرياضية والفنية أيضاً يستطيع أنه يخرج من هذه المادة إلى الإسلام، فإذا مارس هذا العمل كان عمله عبادة، وهو موظف ويأخذ أجراً، لكنه ينال عليه أجراً من الله عز وجل. فالحكمة التي من أجلها خلقك الله أيها الإنسان هي العبادة، والعبادة يجب أن نأخذها بالمفهوم الشرعي المتكامل، وأيضاً أن نكون واقعيين مع أنفسنا في المفهوم الشرعي، يعني: لو سألت واحداً منكم وقلت له: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ} [الذاريات:56] كلكم تقولون: {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] هكذا، أو لا؟ ليس هناك واحد يقول: إلا ليأكلوا أو ليلعبوا، أو ليدرسوا، أو ليذهبوا إلى النادي ليلعبوا كرة، أو للسمر والنزهة، هل هناك من يقول هذا الكلام؟ لا، لكن الحقيقة أنا نعمل كل هذه الأشياء {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] لكنا لا نعبد الله، نلعب ونأكل ونسمر ونضيع حياتنا في غير ما خلقنا الله له، أجل نغالط أنفسنا نحن ما خلقنا: {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:65] ونأتي وننظر: هل نعبد الله حقيقة، أم لا؟ بالمفهوم الكامل ما معنى: "نعبد الله" إننا نظل نعبد الله طوال حياتنا في المساجد، لا، وإنما أعبد الله في المسجد، وإذا انتهيت من الصلاة أذهب إلى المدرسة، وفي المدرسة أعبد الله، كيف؟ أولاً: أحرص على الوقت، ثانياً: أحرص على وقت الأستاذ، ثالثاً: أركز ذهني لكي لا أضيع يوماً من حياتي، رابعاً: أكون واقعياً صادقاً مع أستاذي، خامساً: أنوي بدروسي هذه أني عندما أتخرج أكون داعية إلى الله، وأن أنصر دين الله، وأستعين بما رزقني الله على خدمة هذا الدين، فأكون بهذه الدراسة في عبادة. لكن لما أدرس ونيتي الدنيا فقط؛ أدرس لكي آخذ الثانوية العامة وأدخل الكلية وأنجح من الجامعة، أو آتي بنجمة من كلية الأمن أو الكلية العسكرية، وبعد ذلك أبني لي عمارة وأشتري لي سيارة، وأتزوج زوجة، وأستريح، وأتمشى، وأسمر، وآكل، وأشرب، هل هذا هدف؟ لو سألت كافراً يهودياً أو نصرانياً وقلت: تعال يا (جيمس) أو أو: ماذا تفعل في الثانوية؟ قال: أدرس الثانوية. وبعد ذلك؟ الجامعة، وبعد ذلك؟ أتخرج من الجامعة، وبعد ذلك؟ قال: أبني لي عمارة، وأشتري لي سيارة، وأنكح زوجة، وأتوظف، حسناً! ما الفرق بين هذا وبين (جيمس)؟ كلهم سواء، النية واحدة، فقط هذا اسمه محمد وهذا اسمه (جيمس)، وهل الأسماء تغير من الحقائق شيئاً؟ ل

دعوة إلى المبادرة بالتوبة النصوح

دعوة إلى المبادرة بالتوبة النصوح إذا كانت العبادة بمفهومها الكامل في وادٍ ونحن في وادٍ آخر فلنراجع أنفسنا، ولنصحح المسار مع ربنا قبل أن نفرط ونجازف بأنفسنا ونذبحها في قضية المصير الخطيرة؛ لأنك قد تجازف في كل أمر وتصحح الخطأ إلا مجازفتك مع الله، فإنك إن مت وقدمت على الله وقابلك الله وهو غضبان عليك، وقد خسر البعيد الخسارة التي لا تعوض، ولم يعد هناك فرصة -أيها الإخوان- للتصحيح، إذا سقطت في الدور الأول تنجح في الدور الثاني، وإذا لم تنجح في هذه السنة قد تنجح في السنة القادمة، وإذا لم توجد لك وسيلة في الدراسة تبحث لك عن وسيلة في الوظيفة، وإذا لم تنجح في الوظيفة هذه تبحث لك عن وظيفة ثانية، وإذا تزوجت زوجة ولم تنجح معها تتزوج بأخرى غيرها، لكن إذا مت ولقيت الله وعرفت أنك خسران -أيها الإنسان- مع الله هل هناك فرصة أن ترجع إلى الدنيا لكي تصحح الخطأ مع الله؟ هل هناك إمكانية إن الله يخبرنا ويقول: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون:99] لماذا ترجع؟ ما قال: لعلي أرى أولادي، أو عمارتي، أو مزرعتي، أو دكاني أو تجارتي، بل قال: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:100] عرف أنه لا ينفعه في الآخرة إلا العمل الصالح، حسناً لماذا لا تعمل -من الآن- صالحاً؟ من الذي منعك من أن تعمل الصالحات من الآن؟ لماذا تؤخر العمل الصالح؟ أتريد أن تؤخره حتى تموت ثم تطلب أن ترجع لتعمل الصالحات فلا تلبى ولا تجاب؟ رأى أحد السلف جنازة محمولة على الأعناق ومعه أحد تلامذته فقال له: يا بني! ما ظنك لو ردت الروح لهذا الميت؟ قال: يطيع الله فلا يعصيه أبداً -وفعلاً لو أن واحداً من الأموات رجع والله لا يعصي الله أبداً- قال: فكن أنت هو. يقول: كن أنت كأنك أنت الذي مات موتة وأرجعك الله عز وجل، خذ من موته عبرة، وأنتم كل يوم ترون أمواتاً، هؤلاء الأموات أمنيتهم أنهم يعودون مثلكم يصلون ويصومون، فخذوا من أمنيتهم درساً لكم، ولا تفوتوا على أنفسكم الفرصة، ولا تفرطوا في المجالس فالفرصة ما زالت سانحة لكم؛ لأنكم مهددون بالموت في كل لحظة، فقد يأتي الشيطان فيقول للواحد: أنت ما زلت صغيراً، وأنت الآن عمرك (15) أو (16) أو (18) سنة، يا أخي! عندما تتزوج وتكبر فإنك سوف تتوب، حسناً هل عندك ضمان بأنني سأعيش (20) أو (30) سنة؟ إذا كان عندي ضمان فسأطمئن، لكن ما دام أنني مهدد بالموت فيمكن أن أموت الآن، من يضمن منا ومنكم أن يعيش ويصلي الظهر؟ هل أحد يضمن ذلك؟ والله لا أحد يضمن ذلك. وأذكر مرة من المرات أن مجموعة من الشباب كانوا يدرسون في كلية الطب في أبها زاروني في البيت، فجلست معهم جلسة مثل هذه الجلسة الإيمانية، وكان في آخر الكلام أنني قلت لهم: يا إخوان! ما عندنا ضمان بالحياة فلا بد أن نسارع بالتوبة، فإن مد الله في أعمارنا؛ لأننا كل يوم نقضيه في طاعة الله، كل يوم نصلي فيه خمس صلوات، وكل سنة نصوم فيها شهراً، وكل سنة نزكي فيها، نحج فيها ونعتمر فيها، ونتصدق فيها، ونعمل خيراً، فمعنى هذا: أن الزيادة في أعمارنا ونحن على العمل الصالح في زيادة خير ورفع الدرجات فأتوب من الآن وأحسن النية وأصحح الوضع مع الله، وأجزم أني لا أعصي الله عز وجل، وأبدأ في الهداية ثم يأتيني القدر غداً، وإذا بي لا أندم، لكن الذي لا يتوب إن جاءه الموت ندم، وإن لم يأته الموت فهو في خسران كل يوم، كل يوم يضيع خمس صلوات، فلو مات اليوم أحسن من أن يموت غداً، لو مات اليوم يكون ذنبه معيناً، لكن لو مات غداً فعليه ذنبه ذاك وعليه ذنب خمس صلوات، لو مات اليوم أحسن من غدٍ؛ لأنه لو مات غداً يكون عليه ذنب الليل الذي سمر فيه على الأغاني، والمسلسلات، ونظر إلى النساء في السوق، ولعن وشتم وسب وسخط وعمل، فسجلت كل هذه السيئات عليه، ولهذا ذنوبه غداً أكثر من ذنوبه اليوم، فموته اليوم أفضل من غد، وموته غداً أفضل من بعد غد، وكلما زاد عمره زاد إثمه. فقلت لهم هذا الكلام فتأثروا، وكان من فضل الله لهم أن عندهم استجابة وتأثر ثم تابوا، طبعاً المجموعة هم خمسة أنفار منهم واحد صالح والأربعة عاديون، لكنهم جاءوا إلى زيارتي وهو جلبهم، فكلهم أعلنوا التوبة وقالوا: كيف نفعل؟ فقلت لهم: أولاً: الأمر سهل، الماضي كله ما يكلف محو ذنوبه إلا أن تقولوا: أستغفر الله العظيم وأتوب إليه، هل فيها تعب يا إخواني؟ الماضي كله مهما عصيت، ومهما أجرمت، تمحوه كله بكلمة: أستغفر الله العظيم وأتوب إليه، وهذه ليس فيها جهد، بل إن الله يغفر ذنبك كله ويبدله حسنات، ويسجل السيئات كلها كم؟ مليون سيئة، الله يقول: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:70]. هذا الماضي، وأما المستقبل الذي في علم الله ولا ندري عنه، نصلح كل المستقبل بأن ننوي فيه النية الحسنة، فننوي ألا نعصي الله أبداً، وهل في النية تعب؟ بعض الناس تقول له: يا أخي! انوِ خيراً وقل إن شاء الله، قال: والله لا أنوي، سبحان الله! لا تنوي حتى الخير؟! الآن لا يوجد تعب في النية، لا يوجد سوف أقوم أصلي أو سأجاهد أو سأعمل أي شيء، إنما أنوي بقلبي أني لا أعصي الله ولا أضيع فرائض الله في المستقبل، وهذه ليس فيها تعب، فالمستقبل والماضي ليس فيه تعب، وما الذي بقي؟ الحاضر، أجتهد فيه بأن لا أضيع فريضة الله ولا أقع في معصية الله، وهذه ليس فيها تعب، فإذا أذن قمت وأصلي، وإذا رأيت امرأة مسلمة فأغض بصري عنها، وإذا سمعت أغنية تسخط الله أغلقها أو أقوم من المكان الذي فيه هذا المنكر، إذا عرض علي الحرام لا آخذه، إذا قيل لي: امش في الباطل، لا أمشي فيه فهل في هذه الأعمال تعب؟ والله إنها سهلة يا إخواني! والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (وإنها ليسيرة على من يسرها الله عليه). فقلت لهم هذا الكلام ومن فضل الله قالوا: دلنا على كتاب. فدللتهم على كتاب الكبائر للإمام الذهبي، وكتاب آخر اسمه الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لـ ابن القيم، وقيمته قيمة كيلو من العنب، الكيلو العنب بثمانية ريالات والكتاب بستة ريالات، ويمكن شراء هذا الكتاب في نزهة اليوم، بدلاً من أن تتنزه كل يوم بخمسة ريال أو بعشرة. يمكن أن تصوم هذا اليوم وتأخذ بهذا المبلغ كتاباً، وهذا أول كتاب -حقيقة- اقتنيته في حياتي، وهو الكتاب الذي قلب حياتي رأساً على عقب، كتاب الكبائر، لكن اقرأه بقلب مفتوح وبنية العمل، فيه (67) كبيرة، والكبيرة الأولى: الشرك بالله، والثانية: السحر، والثالثة: قتل النفس، والرابعة: ترك الصلاة، وكل كبيرة تمر عليها تتوب إلى الله منها، فما تنتهي من آخر الكتاب إلا وأنت مسلم حقاً إن شاء الله. فهؤلاء الشباب أعطيت لهم كتباً وخرجوا من عندي تائبين، وبعد ثلاثة أيام ذهبوا إلى مكة ووقع لهم حادث ومات أحدهم وقد أخبروني بعد ذلك لما جاءوا وهم يبكون، يقولون: والله الذي لا إله إلا هو -كان هذا بعد العمرة، فهم ذهبوا للعمرة ورجعوا- إن صاحبنا كان يطوف بالبيت وهو يقول: أستغفر الله ويبكي من خشية الله، وكان آخر حياته أنه مات إن شاء الله شهيداً، نسأل الله أن يسكنه فسيح جناته. حسناً ماذا خسر هذا؟ يا إخواني! الإيمان والهداية هي البديل الصالح لهذه الحياة، وهي الخيار الأنسب، أما الكفر والضلال فليس بخيار ولا بديل صالح، فالكفر خسارة، إنك بالإيمان تكسب كل شيء ولا تخسر شيئاً، وإنك بالضلال والكفر تخسر كل شيء ولا تكسب شيئاً. بالله والدين والإيمان والهداية ماذا تخسر؟ تخسر الزنا! وهل الزنا مكسب؟ تخسر الربا! وهل الربا مكسب؟ تخسر العقوق! وهل العقوق مكسب؟ تخسر الفجور والكذب والغش والمماطلة وكل رذيلة، وخسارتك للرذائل كرامة، لكن تكسب ماذا؟ تكسب العزة والصدق والوفاء والأمانة والمروءة والشهامة والعفة، وتكسب كل شيء؛ لأن الدين يبني فيك كل هذه الفضائل، فأنت بالإيمان والهداية تكسب كل شيء ولا تخسر شيئاً مهماً، ولكنك بالضلال والكفر تخسر كل شيء ولا تكسب شيئاً مهماً، ماذا تكسب؟ هؤلاء العصاة والفسقة ماذا يكسبون؟ يذهب الواحد منهم (يعربد) شكله مقلوب، (غترته) على رقبته مثل المجنون، وله أحذية لا يدخلها في رجله بل يدخل فقط رأس أصابعه ويخبط الشارع مثل المجنون، يأتي إلي بيته ويرمي بنفسه على سريره أو على فراشه مثل الثور أو الحمار فهل هذه حياة؟ هل هذه إنسانية؟ لا يعرف الله، ولا كتاب الله، ولا بيوت الله، ولا فرائض الله، بل يعرف المقاهي والزنا والنساء والغناء والفجور والدعارة هل هذه حياة كريمة يا عباد الله؟ والله هذه حياة لا تقبلها حتى الحيوانات، والله إن الحمير لتأنفها ولا ترضاها، فكيف بالإنسانية المكرمة؟ أحدهم اسمه باسكال -فيلسوف غربي- يقول: إنك بالإيمان رابح في كل حال. وأبو العلاء المعري يقول: زعم المنجم والطبيب كلاهما لا تبعث الأجساد قلت إليكما إن صح قولكما فلست بخاسر أو صح قولي فالخسار عليكما (إن صح قولكما) يقول: إن صح قولكم أنه ما هناك بعث (فلست بخاسر) ماذا خسرت بالدين؟ ولا شيء، بل كسبت كل شيء (أو صح قولي) الذي بعد (فالخسار عليكما). يقول الله: {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ} [المرسلات:46] ويقول: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} [الزخرف:83] ويقول تبارك وتعالى: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ} [الغاشية:25] من الذي يقول: لا والله لا إياب إلى الله؟ هل هناك أحد يستطيع أن يمتنع عن الله؟ فإذا كان هناك أحد فلا مانع له من أن يعصي الله؛ لأن الله لا يقدر عليه، لكن من الذي يستطيع أن يفلت من قبضة الله؟ لا ملك ولا أمير، ولا قوي عضلات ولا تاجر ثري بالأموال يستطيع الأمير والمأمور، والملك والمملوك، والغني والفقير، والقوي والضعيف، والكبير وال

وصايا للثبات على الاستقامة

وصايا للثبات على الاستقامة يا إخوتي في الله! وصيتي لنفسي ولكم بتقوى الله والعودة إلى الله والرجعة بالتوبة النصوح من الذنوب كبيرها وصغيرها، والاستقامة على الدين، وأوصيكم بأربع وصايا تحفظ لكم الدين: أولاً: اجعلوا لكم وقتاً مع كتاب الله لأنه الشفاء لما في الصدور، ومفهوم هذا الدرس أنه لا بد أن يكون لك في كل يوم ورد معين وحزب من القرآن الكريم تقرأه، كما لك ورد في طعام الفطور والغذاء والعشاء، يجب أن يكون لك ورد من القرآن تغذي به قلبك، تقرأه وتفهمه وتعرف تفسيره. ثانياً: يجب أن يكون لك درس معين من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وليكن في كل يوم حديث واحد، وأحسن كتاب أدلكم على قراءته رياض الصالحين. ثالثاً: يجب أن يكون لك رفيق صالح، فتعرَّف على رفيق صالح وارتبط به ارتباطاً إيمانياً من أجل أن يعينك على السير في هذا الطريق. رابعاً: يجب أن تحرص كل الحرص على الابتعاد من قرين السوء؛ لأن قرين السوء مريض، ولو رأيت شخصاً عنده (جدري) فهل تجلس معه؟ ولو رأيت شخصاً عنده (سل) فهل تأكل معه؟ أو شخصاً عنده (إيدز) أو (سرطان) فهل تشرد منه؟ وهذا صحيح، لكن إن كان عنده (كوليرا) في عقيدته أو (سرطان) في دينه أو (إيدز) في إيمانه، فهذا والله أولى أن تبتعد منه؛ لأنه يهلكك في الدنيا والآخرة، الذي يزين لك المعصية ويشوه لك الطاعة، لك رفيق يمشي معك فأذن المؤذن فقلت: يا أخي! دعنا نصلي. قال: يا رجل ليس الآن وقت الصلاة، يقول المطاوعة: إن تأخير العشاء أفضل. في هذه الفتوى أفتاه إبليس، يقول: يقولون: إنه كلما تأخرت العشاء كان أفضل، دعنا نسمر الآن، وبعد ذلك إذا جاء آخر الليل صلينا فهذا شيطان رجيم فابتعد منه. مررت أنت وهو في الشارع وأخذ ينظر إلى امرأة لا تحل له وعندما قلت له: يا أخي اتق الله، (من ملأ عينيه من الحرام ملأهما الله من جمر جهنم)، قال: يا شيخ! لا تعقد نفسك إنهم يسمون الدين تعقيداً! فالذي ليس متدين متروكاً، والذي يسمونه معقداً أحسن من المتروك، الإنسان المعقد -الذي عنده عقدة- أحسن من ذلك المتروك السائب، الذي ما له دين ولا مبدأ ولا اتجاه إلا أنه عبد لهواه وشهواته وشيطانه، قال: هذا تعقيد، قل: لا والله يا أخي، أنا لا أعقد نفسي، ولكني أصونها وأحفظها، وأغض طرفي خوفاً من ربي، وابتغاء ما عند الله عز وجل، أنا لست عبد شهوتي، ولست عبد هواي، وأحقر شيء عندي هو الجنس. إن من الرجال من هو عبد لجنسه، تراه فقط مثل الكلب يتلصص على محارم الناس، لماذا؟ لأن الجنس سيطر عليه، أي: أهلكه؛ فهو يتصرف في مجال الجنس فقط، مثل الحمار إذا رأى حمارة، هل الحمار عنده عقل حتى يغض بصره، ألا تراه يحرك مسامعه هكذا ويحرك ذيله وينهق وراء الحمارة؟ هذا مثل ذاك، لا يعرف خلقاً ولا يعرف ديناً ولا مروءة، إذا نظر إليها لحق وراءها، ومن دكان إلى دكان، ومن معرض إلى معرض، مثل الحمار هذا على اثنتين وذاك على أربع، ولا حول ولا قوة إلا بالله!! فاحذر يا أخي، هذه أربع أعيدها: اجعل لك من القرآن ورداً، ومن الحديث حديثاً واحداً، واحرص على رفيق الخير، وابتعد عن رفيق الشر. أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلني وإياكم من عباد الله الصالحين. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد. وأشكر أولاً أسرة المدرسة مديراً مدرسين، وأشكركم كأبناء وإخوة وزملاء على إتاحة هذه الفرصة، وأسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعني وإياكم بما قلنا وما سمعنا، وأن يكون ما قلت أنا وما سمعتم أنتم حجة لنا يوم القيامة لا حجة علينا؛ لأن هذا الكلام عهدة عليَّ أنا، فالله سيسألني هل أنا أعمل بما أقول، وعهدة عليكم فالله سيسألكم يوم القيامة هل عملتم بما سمعتم، أو يدخل الكلام من هنا ويخرج من هنا {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46] (يا عبادي إنما هي أعمالكم -كما يقول الله عز وجل- أحصيها عليكم بالليل والنهار، ثم أوفيكم إياها يوم القيامة، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بارك الله فيكم، وجزاكم الله خير الجزاء.

الأسئلة

الأسئلة

أدلة إثبات وجود الله

أدلة إثبات وجود الله Q أراد رجل نصراني أن يؤمن بالله مقابل أن تثبت له -كمسلم- أن الله موجود، فكيف يتم إثبات وجوده سبحانه؟ A هذا السؤال مهم وسأجيب عليه، أما الباقي فأظن أن الوقت يطول. وسأحكي لكم مناظرة بين مسلم وملحد، فافهموا وركزوا قليلاً، فأنتم على باب الجامعة، ويجب أن تدركوا هذا، فكثير من الشباب في الثانوية يكثر من الهزل والضحك والمزاح، ويعيش بعقلية المتوسط، ومرحلة المتوسط يسمونها في التربية: مرحلة المراهقة، والمراهقة تعني: الخبال، والسفه، لكن لم يعد هنا مراهقة، فأنت الآن في مرحلة الرجولة فيجب عليك أن تودع تلك المرحلة المتوسطة بمرحلتها، وتدخل الثانوية بعقلية الرجال، وبحياة الرجال، ولا تدع للهزل ولا للمزاح واللعب ولا الفوضى مجالاً في حياتك، وابق مجداً دائماً، صادقاً. أريدكم أن تفكروا معي في هذا الموضوع وأن تركزوا بعقلية الرجال. تناظر اثنان: ملحد ومسلم. فقال المسلم للملحد: لماذا لا تؤمن بالله؟ قال: لأنه غير موجود. قال: وكيف عرفت أنه غير موجود؟ قال: لأنني لم أره. قال: حسناً. وكان أمامهم كوب زجاجي فيه ماء، فسكب الماء. ثم قال: من سكب الماء هذا؟ قال: أنت. قال: ألا يمكن أن يكون الماء انسكب بنفسه؟ قال: لا، مستحيل. قال: حسناً، من صنع هذه الزجاجة؟ قال: المصنع. قال: ألا يمكن أن تصنع الزجاجة نفسها بنفسها؟ قال: مستحيل، لا بد أن يكون لها صانع. قال: حسناً، فمن صنعني وصنعك؟ ألا يمكن أن نصنع أنفسنا بأنفسنا؟ قال: مستحيل، لا بدلنا من خالق. قال: حسناً، الخالق هو الله. قال: قلت لك: إنني لا أراه، فالعقدة عنده الرؤية. فقال هذا المسلم -واسمه حسن: يا فلان -ينادي الكافر واسمه قبيح -! أنا أمامك الآن، لو حصل لي حادث مروري وترتب على هذا الحادث أن بترت يدي، ماذا أبقى في نظرك؟ حسن أو أصير عمر؟ قال: لا، تبقى حسن. قال: إذاً بعدما ذهبت يدي وركبت السيارة مع أحد زملائي -ولم أعد أسوق السيارة - ثم حدث لي حادث آخر وبترت قدماي الاثنتين فماذا تنظر إلي؟ هل أنا حسن، أم أصير شخصاً آخر؟ قال: لا، ستبقى حسناً. قال: وبعد فترة درست وكنت آتي إلى السيارة بالمقعد وأنا ذاهب مع زميل لي فحدث لي حادث، وترتب على هذا الحادث أن بترت يدي الثانية وانكسر ظهري، وفقدت حاسة السمع وحاسة الشم، وما بقي عندي شيء إلا الروح تصعد وتنزل، فماذا يسميني الناس: حسناً أو عمر أو علي، رغم أني فقدت كل حواسي وكل إمكاناتي؟ قال: لا، ستبقى حسناً رغم ذلك. قال: فأنا حسن لشيء في ذاتي ليس ليدي ولا لرجلي ولا لحاستي ولا لسمعي ولا لبصري، وإنما لشيء داخلي. قال: نعم، أنت حسن، اسمك حسن بشيء في داخلك. قال: ما هو هذا الشيء الذي بداخلي؟ قال: الروح. قال: نعم، أنا حسن ما دامت الروح فيَّ، فإذا خرجت الروح ماذا أصير؟ لم أبق حسناً، ماذا يسموني؟ يسموني جنازة فيقولون: مرت الجنازة ولا يقولون: مر حسن، لو مشى برجله يقولون: مر حسن، لكن إذا مر وهو محمول قالوا: مرت جنازة فلان، المرحوم، أو الهالك، أو الميت، أو الجنازة، وبعد ذلك أنا حسن وأنا في بيتي لي قيمة، ولكن عندما تخرج روحي في تلك الليلة، ولا يستطيع أهلي أن يدفنوني في الليل، هل يستطيع منهم واحد أن ينام معي في الغرفة التي وضعت فيها وأنا ميت؟ لا يستطيعون. لماذا؟ فيها وحشة، قال: والله لا أقدر أن أرقد بجانب الميت، من يستطيع أن يرقد مع الأموات؟ حسناً: أنا أبوكم، أنا أخوكم، أنا منكم! لكنك ميت، إذاً: لو رد الله عليَّ روحي بعد قليل من الموت وناديتهم: يا جماعة أبشركم أني عشت. ماذا يصنعون؟ هل يذهبون بي ليدفنونني؟ أم يحتفلون بي، ويفرحون؟ لماذا؟ لأن حسناً جاء، أين هو حسن؟ هل حسن هو الهيكل أم الروح؟ بل الروح، إذاً أنا حسن ولي قيمة بالروح. قال: نعم. قال: إذاً أين الروح؟ وهنا الشاهد، أين روحك؟ هل تراها؟ قال: لا. قال: أهي موجودة فيك؟ قال: نعم موجودة. قال: أريد أن أراها وإلا فأنت لست موجوداً، أحد أمرين: إما أن تثبت أن فيك روحاً وأنك موجود، أو أنه ليس فيك روح وأنك لست موجوداً، ثم إذا لم تكن موجوداً فأنت عدم، وإذا كنت عدماً فكيف أتكلم مع العدم؟ فقال ذاك: نعم، الروح موجودة وأنا لا أراها. قال: إذاً وجود الروح وأنت لا تراها دليل على وجود الله وأنت لا تراه، ولهذا يقول الله عز وجل: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء:85] يعني: أن الروح دليل على أمر الله، ولو كانت الروح شيئاً مادياً لا كتشفوها. في أمريكا باحث علمي أتى برجل أوشك أن يفارق الحياة ووضعه في صندوق زجاجي، وأجرى له وسائل الحياة من هواء وغيرها، وجعل يرصد كل الأجسام التي تدخل عليه، وبعد ذلك مات الإنسان دون أن يرى شيئاً داخل الصندوق ولا حتى كسر الصندوق. لقد استطاعوا في الطب الحديث أن ينقلوا أعضاءً من إنسان إلى إنسان إذا مات، الآن عملية نقل القلوب، رجل عنده قلب فاسد، لا يصلح، وسوف يموت، فأتوا بشخص آخر على وشك الموت فأخذوا قلبه، وهو صالح لماذا لم يشتغل في ذلك؟ لأن الروح ليست موجودة، أجل الحياة ليست في القلب بل في الروح، فلما ذهبت الروح لم يعد القلب يشتغل، أتينا بهذا القلب الذي لا يشتغل هناك وركبناه في واحد فيه روح فاشتغل قلبه. نأتي إلى الكلية، بمجرد أن يموت الإنسان تقف الكلية، نقوم بأخذ الكلية من هذا الذي سوف يموت ونشغلها فنضعها فيمن فيه روح فتشتغل، لماذا وقفت هناك واشتغلت هنا؟ وقفت هنا؛ لأن الذي كانت تشتغل فيه خرجت روحه فتوقفت. الآن عندما ينام الواحد تأتي بالأجسام أمام عينه، تفتح عينه وتضع أمامه لوناً أحمر وأصفر وأخضر لا يرى، تتكلم عند أذنه بصوت خفيف لا يسمع، تضع الطيب عند أنفه لا يشم؛ رغم أن حاسة الشم موجودة عنده، وحاسة العين موجودة، وحاسة الأذن موجودة لكنه لا يسمع ولا يشم ولا يرى، لماذا؟ لأنه نائم، وليس الأنف هو الذي يشم في حقيقة الأمر فالذي يشم هو الروح، أين الروح؟ الروح ليست موجودة بجسمه الآن، هي في إجازة قريبة، تريدها أن ترجع أيقظه: فلان، فلان! استيقظ، أين كان هذا؟ كان نائماً، عندما استيقظ أصبح يميز الرائحة واللون والصوت! وعندما كان نائماً لم يميز شيئاً؛ لأن روحه غير موجودة. والروح لها خروجان من الجسم، خروج مؤقت تحت الاستدعاء وهو النوم، وخروج نهائي -فصل من الوظيفة- وهو الموت، وبعد ذلك هناك إعادة، متى الإعادة؟ بعد الموت، تأتي الروح فترجع إلى الجسد للحساب، سؤال وجواب ماذا فعلت؟ وماذا عملت؟ إن نجحت فجنة، وإن سقطت فنار. فوجود هذا النصراني ووجود الروح فيه دليل على وجود الله، مفهوم هذا الكلام يا إخوان؟ فإذا قال هو: لا. الروح فيَّ وأنا لا أراها، فأنا لست مؤمناً بوجودي. إذاً ما دام أنك غير موجود فأنا لا أتناقش مع العدم، هل تناقش عدماً؟ فإما أن تؤمن بأنك موجود وأن الروح موجودة فيك، وأن إيمانك بوجود الروح يلزمك بالإيمان بالله عز وجل وإلا فلا نقاش معك.

التوبة الصادقة تحول بينك وبين المعاصي

التوبة الصادقة تحول بينك وبين المعاصي Q شخص يريد التوبة والجنة، ويشكو أنه يرتكب العادة السرية، وعند الانتهاء منها يشعر بالذنب ويريد التوبة، ولكن ما يلبث أن يقع في ذنب العادة السرية فماذا يفعل ليتخلص منها بارك الله فيكم؟ A اسم العادة السرية هذا اسم حديث، لتغيير حقائق الأشياء القبيحة في حياة الأمة، وهذه من علامات الساعة: أن تمارس المحرمات بأسماء مستحدثة، فيسمون الزنا علاقات جنسية، ويسمون الربا فوائد بنكية، ويسمون الخمور مشروبات روحية، ويسمون السحر ألعاباً (بهلوانية) (والبهلوان) هذا يضع السيخ في عينه، وهو ساحر كذاب، والله لو آخذ عوداً فقط لأخرجت به عينه، لكنه يضع سيخاً من حبل ويضع السيخ وهو حبل في عينه وهو في الحقيقة رجل وتمشي السيارة من فوق ظهره ولا شيء فوق ظهره، دجال كذاب، لكي يعطيه الناس أموالهم. تجد السيارة تمشي من على الحجر وتفتتها، وهذا الذي صدره من عظم ولحم تمشي من فوقه؟! ما هذا الكلام؟! ولهذا شخص من الناس جاء إليه شخص -من الموحدين- وهو يأخذ السيخ ويضعه على عينه؛ فينعوج السيخ فقال له: تعال أدخل إصبعي فقط -ولا داعي للسيخ- قال: لا، قال: أرأيت أنك كذاب. لا تتحمل إصبعي وتتحمل السيخ؟!! فتراهم يغيرون الأسماء لكي تلتبس على الناس، هذه اسمها -العادة السرية- في الشرع ناكح يده، وناكح يده ملعون، لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة من ضمنهم: (ولعن الله ناكح يده)، وفي أثر: [أنه يأتي يوم القيامة ويده حبلى له فيها ثلاثمائة ولد] يسحبها ويده حبلى، الناس مستورون، أيديهم بيض ويد هذا زانية، مليئة، فيها أولاد وبنات وقد كبروا، وكيف يسحبها يوم القيامة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله! والطب الحديث يقرر أنها مرض، وتفتك بالإنسان فتكاً عنيفاً؛ لعدة أسباب منها: أولاً: ترهقه؛ لأنها تيسر له عملية ممارسة الجنس في كل لحظة، وليس لها ثمرة، ولا بجانبه امرأة ولا أموال ولا شيء إلا يده شغال ليل نهار. ثانياً: أنها ترهق العضو التناسلي وتؤدي إلى تمزيق خلاياه. ثالثاً: أنها تسبب للإنسان أمراضاً في البروستات والجهاز التناسلي، وتجعله غير قادر على مباشرة الحياة الجنسية إذا تزوج. وأيضاً تسبب له العقم؛ لأن الحيوانات المنوية التي يفرزها باستمرار أيام اكتمال بنوته وشبابه تقلل من رصيده من الإمكانات وبالتالي إذا تزوج -ربما- لا ينجب؛ لأنه قد أنجب في يده. نعم. فالعادة السرية حرام في الشرع، وهناك فتوى من هيئة كبار العلماء بحرمتها، وأنها أخت الزنا، وعلى المسلم أن يتوب إلى الله منها. وهذا الأخ الذي عنده دافع للتوبة ويريد أن يتوب لكنه بعدما يتوب تغلبه نفسه فيعملها، ثم يشعر بالندم شعوره بالندم بعد ذلك دليل على أن قلبه لا يزال حياً، وكلما زلت به القدم فعليه أن يتوب، لكن يجب أن يتوب توبة الصادقين الرجال، أما أن يتوب وفي نيته أن يعود فهذا يكذب على نفسه، فالتائب من الذنب والعائد له كالمستهزئ بالله عز وجل، لكن لو تبت وصبرت وجالدت ثم في لحظة من اللحظات ضعفت وغلبتك نفسك ووقعت في خطيئة من الخطايا، فإنه يلزمك فوراً التوبة، ويلزمك التوبة بقوة، أقوى من التوبة الأولى؛ لأن توبتك الأولى ضعيفة لم تمنعك من المعصية، فيجب أن تكون توبتك الثانية قوية تستطيع أن تحول بينك وبين المعصية، وليس لك وسيلة إلا التوبة، وتوبة الصادقين.

شروط التوبة النصوح

شروط التوبة النصوح Q ما هي شروط التوبة النصوح؟ A أما شروط التوبة فهي أربعة: أولاً: الإقلاع عن الذنب. أي: أن تترك الذنب، لا أن تتوب وأنت ما زلت تسمع الأغاني، بل تقلع. ثانياً: الندم على ما فات، فلا تتمدح بالماضي، والله أنا كنت عازفاً وكنت هاوياً -هاوي: يعني منتكس- قال: والله فلان هوى، الآن ركن الهواة، الهالك مع الهالك، فأنت لا تتمدح بالماضي تقول: كنت أغني أو كنت أعزف. لا، قل: الحمد لله الذي عافاني, الندم على ما فات. ثالثاً: العزم أي: التصميم على عدم العودة مستقبلاً بأي حال من الأحوال، هذه اسمها التوبة النصوح، لأنه توجد توبة نصوحة وتوبة كذب، فالتوبة النصوح هي التي تتوفر فيها أربعة شروط، الثلاثة الأولى: أن يقلع، ويندم، ويعزم على ألا يعود. وإذا كانت التوبة من حق متعلق بآدمي، فالرابع: أن ترد الحق إلى صاحبه، فإذا سرقت مالاً على شخص فترجعه له، أو أخذت عليه شيئاً فترده عليه، تستسمح منه، أما إذا كان الذنب متعلقاً بالله عز وجل فالثلاثة الأولى: أن تقلع، وتندم، وتعزم على ألا تعود إن شاء الله.

أمور تعين على الخشوع في الصلاة

أمور تعين على الخشوع في الصلاة Q كيف يخشع المصلي في صلاته؟ A أذكر لكم قصة أحد السلف واسمه حاتم الأصم؛ من خيار السلف، كان أخشع عباد الله، ولما سئل عن الخشوع: كيف تخشع في صلاتك؟ فأجاب إذا أردت أن أصلي وسمعت نداء ربي، قمت إلى وضوئي، ثم أقبلت على مصلاي -يعني المسجد- فأكبر في تحقيق، وأقرأ بترتيل، وأركع في خضوع، وأسجد في خشوع، وأتشهد في يقين، وأجلس في طمأنينة، وأتصور أن الجنة عن يميني، وأن النار عن يساري، وأن ملك الموت خلف ظهري، وأن الصراط تحت قدمي، وأن الكعبة أمامي، ثم لا أدري بعد ذلك أقبلت صلاتي، أم ردت عليَّ. انظروا كيفية صلاته: أول شيء يقول: أتهيأ لصلاتي، وأتوضأ، وآتي إلى مصلاي، ثم أقف بين يدي ربي فأتصور أن الكعبة أمامي، وأن الجنة عن يميني، وأن النار عن شمالي، وأن ملك الموت خلف ظهري -فقد تكون آخر صلاة أصليها- وأن الصراط تحت قدمي، ثم أكبر في تحقيق، وأقرأ في ترتيل، وأركع في خضوع، وأسجد في خشوع، وأتشهد في يقين، وأجلس في طمأنينة، ثم أسلم في رجاء -يعني: رجاء أن الله عز وجل يتقبل صلاتي- ولا أدري أقبلت صلاتي بعد هذا، أم ردت عليَّ. هذا هو الخشوع، أن تستحضر عظمة الله، وتظن وأنت في الصلاة أنها آخر صلاة تؤديها. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين.

وسائل الثبات على دين الله [1،2]

وسائل الثبات على دين الله [1،2] الثبات على دين الله موضوع مهم وخطير؛ وذلك لأنه متعلق بحسن الخاتمة، ومتعلق بالقلوب التي هي الأساس، ولأنه منَّة يمتن الله بها على من يشاء من عباده، ولكثرة الفتن والمغريات السائدة في عصرنا الحاضر كان المسلم بحاجة إلى ما يثبته على دين الله والاستقامة عليه، ومن أعظم ما يثبت العبد في هذه الدنيا الوسائل المستقاة من كتاب الله وسنة رسوله، وكلام أهل العلم: كتلاوة القرآن وتطبيقه، ولزوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتدبر قصص الأنبياء والمرسلين وغير ذلك من الوسائل.

أسباب التذبذب في دين الله وعدم الثبات

أسباب التذبذب في دين الله وعدم الثبات الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الإخوة في الله: إن ظاهرة التذبذب وعدم الثبات والاستقرار عند حد معين من الالتزام بالدين، والبقاء في صعود وهبوط، وفي ارتفاع وانخفاض، وفي مد وجزر، ظاهرةٌ ملاحَظَةٌ في هذا الزمان، إذْ نرى البعض من الناس يهتدي وتُلاحَظ عليه علامات الهداية من حرصه على الفرائض، وتمسكه بالسنة، وابتعاده عن قرناء السوء، وعن مقارفة الآثام، ثم ما يلبث أن تمر عليه فترة طالت أو قصُرت حتى يبرد في إيمانه، وينهزم في استقامته، ويعود إلى ما كان عليه، بل يعود بعضهم إلى أسوأ مما كان عليه. هذه الظاهرة هي ظاهرة مَرَضية، وهي خطيرة جداً، ينبغي للإنسان أن يحذرها، وأن يتجنب الوقوع فيها لعدة أسباب:

تعلق ظاهرة التذبذب بحسن الخاتمة

تعلق ظاهرة التذبذب بحسن الخاتمة السبب الأول: أنها متعلقة بحسن الخاتمة: فإن الإنسان لا يدري متى يموت، وقد يهتدي ويلتزم ثم ينهزم، فيموت في ساعة الانهزام، قد يعيش طول حياته متمسكاً بطاعة الله، ثم في لحظة من لحظات السيطرة النفسية والغلبة الشيطانية يرجع -والعياذ بالله- فتأتيه مَنِيَّته في هذه اللحظة فيُخْتم له بسوء الخاتمة فيخسر دنياه وآخرته، وهذه خطيرة جداً، إذ أن حسن الخاتمة عليه المعوَّل في استقامتك -أيها الإنسان- وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول: (اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة). وهذا معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يُفْهَم عند كثير من الجهلة -الذين يصطادون في الماء العكر- فهماً مغلوطاً، الحديث الصحيح يقول فيه عليه الصلاة والسلام: (إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذارع، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) وفي روايات كثيرة: (فيسبق عليه الكتاب) وفي رواية: (فيما يظهر للناس) وفيه عدة روايات، لكن هذا مضمون الحديث. هذا الحديث فيه حث وتحفيز شديد من النبي صلى الله عليه وسلم لمن يعمل بعمل أهل الجنة أن يتمسك، وأن يثبت عليه حتى يموت، إذ ربما تركه وعمل بعمل أهل النار فيدخل النار، ولا ينتفع بما عمل من عمل صالح طول حياته. وفيه حث لمن يعمل بعمل أهل النار، أن يسارع في التوبة والرجوع إلى الله عز وجل؛ إذْ ربما يتوب هذه اللحظة ويرجع إلى الله في هذه الساعة، فيموت بعد أن عمل بعمل أهل الجنة، فيدخل الجنة. هذا هو المفهوم الصحيح لهذا الحديث. وليس مفهومه كما يود المنهزمون أن يبقوا عبيداً لشهواتهم، منهزمين أمام نزواتهم، يلبُّون رغباتهم، ويتركون طاعة الله ويقولون: ربَّما أنا أعمل بعمل أهل النار حتى ما يبقى بيني وبينها إلا ذراع وبعد ذلك أدخل الجنة. لا. هذا كلام فارغ، حسن الخاتمة أمر هام، وقضية الثبات متعلقة بحسن الخاتمة.

تعلق ظاهرة التذبذب بالقلوب التي هي ميدان السباق

تعلق ظاهرة التذبذب بالقلوب التي هي ميدان السباق السبب الثاني: أن ميدان الثبات وحَلَبة السباق فيه: القلوب: والقلوب أمرها بيد الله، وهي حساسة وكثيرة التأثُّر، وسريعة التغيُّر، بحسب العوامل والمؤثرات التي ترد عليها. وما سُمِّي الإنسانُ إلا لنسيهِ ولا القلبُ إلا أنه يتقلبُ فالقلب ينتابه حالات كثيرة جداً من التغيرات، فالإنسان الميدان الحقيقي وحَلَبة الصراع هي داخل قلبه وليس شيئاً مادياً ينفقه. فلو كانت القضية معلقة بالعين لكان في إمكان الإنسان أن يغمضها، أو في اليد لكان في إمكانه أن يكفها، أو في الأذن لكان في إمكانه أن يحفظها، أو في الرِّجل، أو في أي جارحة، لكن القضية في القلب، والقلب كيف تدخل عليه؟ صعب، فالقضية معلقة بالقلب؛ ولصعوبة الأمر ولأن الجوارح كلها تنطلق بتصرفاتها من توجيهات القلب -إما بالإيجاب أو بالسلب وإما بالخير أو بالشر- كان من الضروريات أن تحرص باستمرار على ثبات قلبك على دين الله. فمتى ثبت القلب على الدين ثبتت كل الجوارح، ومتى انصرف القلب وزاغ عن الدين انصرفت كل الجوارح؛ لأنها تابعة له وهو الموجه والمسيِّر لها، إما بالحسن أو بالسيئ.

كثرة الثقافات والأفكار الغربية الهدامة

كثرة الثقافات والأفكار الغربية الهدامة السبب الثالث: أننا نعيش في زمن زالت فيه الحواجز بين الأمم وبين الشعوب واختلطت الثقافات، وأصبح العالم مكشوفاً كأنه في غرفة أو في شاشة، يستطيع الإنسان وهو في غرفته وعلى سرير نومه أن يجول ويصول حول العالم، إما بمؤشر راديو، أو بقناة تلفاز، أو بأزرار وأرقام هاتف، أو بقراءة مجلة، أو باستعراض جريدة وأخبار، المهم أن الثقافات والأفكار التي تدور والتي تنتشر في العالم كله ما أصبحت حكراً على أصحابها، بل متداولة في العالم كله، تجد الإنسان يستمع إلى إذاعة القرآن، فيسمع برنامجاً إسلامياً يثبِّت العقيدة ويقوي الدين في قلبه، وبإمكانه أن يغيره فيجد إذاعة كافرة، إما إذاعة موسكو، أو لندن، أو صوت أمريكا تدعو إلى الكفر والضلال؛ فأصبح الإنسان الآن بين مؤثرات متعددة متناقضة ومتضاربة ومتصارعة، مما يجعل مهمة الثبات عنده صعبة جداً. كان الناس في الماضي الأثر فقط للأم والأب، وللإمام في المسجد، والمدرس في المدرسة، والزميل في الشارع، بل بعضهم يحيا ويموت وهو لا يعرف القرية المجاورة له، يخبرني كثير من كبار السن يقولون: والله إن الأوائل لا يعرفون خميس مشيط، يعيشون في أبها وفي قرى الحجاز أو الشعوف ويموتون وهم ما انتقلوا إلى خميس مشيط أو إلى أبها! لماذا؟ ليست هناك حاجة، لا وظيفة يتبعها، ولا سوق يذهب إليه، وإنما مع غنمه وأبقاره وفلاحته وأولاده بمزرعته في الليل والنهار حتى يموت. لكن الآن أصبحت الحياة كلها مُتَغَيِّرٌ وجهها، وأصبح الإنسان ترد عليه كل أفكار الأرض، مما يجعل الثبات على دين الله عنده من أصعب المهمات وأشق المشاق، وهذا تحقيقٌ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس زمان -أي: في آخر الزمان- يصبح الرجل من أمتي مؤمناً، ويمسي كافراً، ويصبح كافراً، ويمسي مؤمناً) أي: يسهل عملية تغيير العقائد؛ لأن العقائد ليست ملابس تغيرها، وليست بدلة، ولا زِي، وإنما العقيدة شيء تعقِّد القلب عليه، ولا يمكن أن تبدله، ولكن مع المؤثرات القوية والخلخلة الإيمانية التي تحصل في قلوب الناس يحصل التساهل؛ حتى ينقلب المسلم كافراً، والكافر مسلماً بجلسة واحدة. ولذا كثير من دعاة الضلال يجلس مع بعض المؤمنين جلسة واحدة، يهزه هزاً، وينزل وهو يقول: والله غسلت مُخَّه، يعني: غسل مُخَّه من الإيمان. تراه في اليوم الثاني لا يصلي رغم أنه كان في الصف الأول! والثاني ينطلق إلى الشهوات! وفي اليوم التالي يعُبُّ من النزوات، لماذا؟! غَسَلَ مُخُّه بكلمة أو بفكرة أو بنظرية أو بشبهة أو بشهوة يوردها على قلبه، فيتخلخل إيمانه ويسقط والعياذ بالله. الثبات على دين الله نعمة يَمُنُّ الله عز وجل بها على من يشاء من عباده، امتَنَّ الله بها على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً} [الإسراء:74 - 75]. لمن يوجه هذا الكلام؟ هذا الكلام يوجه لسيد البشرية، والذي أرسله ليثبت الأمة، يقول الله له: لولا أنك مُثَبَّتٌ من الله لقد كِدْتَ تركن -شارفت على الركون والميل إليهم- شيئاً قليلاً، وإذا فعلت الشيء هذا من الركون والميل إليهم فالعذاب عليك، ليس العذاب على غيرك، {إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً} [الإسراء:75]. وذكر الله عز وجل في كتابه العزيز، أنه يثبت طائفة من الناس؛ لأن المثبِّت هو الله -لا تظنن أنك أنت الذي تُثَبِّتُ نفسك، فإنه المثبت على الدين- ولأن الهادي هو الله، وهو الهادي إلى سواء السبيل، وإذا هدى أيضاً يثبت أو يضل، لكن له سنن في الكون تبارك وتعالى، أنه يثبت طائفة استحقوا التثبيت بمبادرات من عندهم، ويضل طائفة استحقوا الإضلال بمبادرات من عند أنفسهم؛ لأن {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:40].

أقسام الظلم

أقسام الظلم يقول الله في سورة إبراهيم: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} [إبراهيم:27] هذه المبادرة والإيمان تأتي من العبد، فهو الذي يؤمن ويخضع لمولاه، وهو الذي يعمل الصالحات، فعندما يحصل منه الإيمان والإقبال على الله والتصديق والجزم بقضايا الإيمان يحصل من الله له التثبيت، يقول الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم:27] القول الثابت هو: الإيمان القوي: {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [إبراهيم:27] يعني: في الدنيا على دين الله: {وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم:27] يعني: عند الموت، وفي القبر، وفي عرصات القيامة حتى يدخل الجنة، هؤلاء ثبتهم الله لَمَّا آمنوا، والآخَرين قال عنهم: {ويضل الله الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] فالإضلال حصل على طائفة معينة من البشر اسمهم: الظالمون، والظلم هو: وضع الشيء في غير موضعه، هذا هو الظلم. والعدل هو: وضع الشيء في موضعه، إذا وُضِع الشيء في موضعه قالوا: والله عدل وحق، وإذا وُضِع الشيء في غير موضعه يصير ظلماً. فالظالم هو: الذي يضع الشيء في غير موضعه، ولما ظلموا أُضِلُّوا. قد يتصور بعض الناس أن الظلم فقط هو ظلم الناس الآخرين، لا. هو هذا وغيره. فالظلم ثلاثة أقسام: 1/ ظلم العبد لنفسه. 2/ وظلم العبد لغيره. 3/ وظلم العبد لربه.

ظلم العبد لنفسه

ظلم العبد لنفسه فظلم العبد لنفسه: أن يوردها موارد الهَلَكَة: لا يأخذها بالكمال، وإنما يذهب بها -والعياذ بالله- إلى مواطن الزيغ والضلال من الانحرافات، والمعاصي، والذنوب، والزنا، والخمور، واللواط، وقطع الصلاة، وإتيان المعاصي والمنكرات، هذا ظالم؛ لأن الله يقول: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق:1] لأن الله حد حدوداً، فهناك حدود للنظر: محصورة في الحلال، وفي التأمل في ملكوت السماوات والأرض، وحدود للأذن: فيُسْمَع شيء معين، وحدود لليد: فيُبْطَش بها شيء معين، وحدود للرِّجل: فيُمْشَي بها في شيء معين، وحدود للفرج: فيَقَع في شيء معين، وحدود للبطن: فيُؤْكَل شيء معين، وحدود للزواج: فيتْرَك الزنا، وحدود للطيبات من عسل وغيره، فتُتْرَك الخمور والخبائث، فهذه هي الحدود (وحد الله حدوداً، فلا تنتهكوها). ليس هناك شيء إلا وقد جعل الله له حداً، فمن يتعدَّ حدود الله فقد تجاوز هذه الحدود. مثل أنظمة المرور في الشوارع العامة لها حدود، تجد إضاءات في الإشارة صفراء وحمراء وخضراء، الضوء الأحمر يعني: قِفْ، الضوء الأصفر يعني: هدئ السرعة، الضوء الأخضر يعني: تفضل. هذه حدودٌ أم لا؟! لا أحَدَ يأتي ويتعدى الحدود، فعندما يراها حمراء يمشي، هذا ماذا فعل؟ ظَلَم النظام، وظُلْم النظام يترتب عليه عقوبة، بأن جندي المرور يلاحقه، ويأخذ رقمه، ويجازيه؛ لأنه اعتدى على الحق العام بقطع نظام المرور، وتعريض حياة الناس للخطر، وإذا لم توجد إشارات والناس هكذا يتسابقون فستصبح فوضى، وتكون الحياة فيها للأشجع، ولذا إذا لم توجد إشارة ترى الخائف واقفاً طوال يومه، لكن عندما يكون هناك نظام فإن الشجاع والجبان كلاهما وقوفان حتى تأتي الإشارة الخضراء ويمشيان. فالله حد نُظُماًَ في هذا الكون، ضوء أحمر، وضوء أخضر، وضوء أصفر يعني: قِفْ، لا تقرب من هذا الشيء، هذه النظم هي حرمات الله تبارك وتعالى، فالمؤمن وقَّاف عندها، يخاف من العقوبة، ومن القسيمة الأخروية في النار، وأما المنافق والكذاب والكافر فإنه لا يقف عند حدود الله، بل يقف إلى حد الزنا ويتخطاه، رغم أنه مؤشر أحمر: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} [الإسراء:32] لأن (لا) هذه ناهية، و (اعمل) علامة الأمر، والقرآن بين (لا) وبين (اعمل) وبين خبر من الله تبارك وتعالى، فموقفك من (لا) الابتعاد، وموقفك من (اعمل) الامتثال، وموقفك من الخبر التصديق، لا يوجد في القرآن إلا ثلاثة أشياء: إما أوامر، أو نواهٍ، أو أخبار. وأنت عليك التصديق بخبر الله، والامتثال لأمر الله، والابتعاد عن نهي الله تبارك وتعالى، فهنا المؤمن وقاف عند حدود الله عز وجل، ولا يتجاوزها إلى شيء مما حرم الله تبارك وتعالى. فظلم العبد لنفسه أن يتعدى حدود الله.

ظلم العبد لغيره

ظلم العبد لغيره وظلم العبد لغيره: أن يعتدي على شيء معصوم للمسلم بدين الله: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا) هذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، يوم عرفة، كان يخاطب الناس ويقول: (اللهم فاشهد، اللهم فاشهد، ألا هل بلغت؟!) فدم المسلم وماله وعرضه معصوم، وهل في الدنيا غير دمه، وماله، وعرضه؟! لا شيء لك في الدنيا إلا هذه الأشياء الثلاثة. فلا يجوز لك -أيها المسلم- أن تعتدي على شيء من هذا بغير حق، وإذا اعتديت فقد ظلمت، وديوان الظلم بين العبد وبين أخيه المسلم ديوان حساس لا يتجاوز الله عنه بشيء؛ لأن حقوق العباد قائمة على المشاحَّة، وحقوق الرب قائمة على المسامحة.

ظلم العبد لربه

ظلم العبد لربه والثالث: ظلم العبد لربه وهو أن يشرك به؛ لأن حقُّ الله على العبد أن يوحده، وألا يعبد معه غيره؛ لأن الله هو المستحق للعبادة وهو الخالق وحده: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف:54] فكما أنه الخالق لوحده فإنه المعبود لوحده، فإذا عبدتَ معه غيره فقد ظلمته، ولهذا قال لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13] فالله يضل الظالمين؛ لأنهم ظلموا أنفسهم، أو ظلموا غيرهم، أو أشركوا بربهم؛ فيحصل لهم الإضلال بناء على المبادرات السيئة منهم بارتكاب الظلم، وهؤلاء يحصل لهم التسديد بناء على المبادرات الإيجابية الحسنة منهم بالإيمان والعمل الصالح.

من وسائل الثبات على دين الله: تلاوة القرآن الكريم والعمل به

من وسائل الثبات على دين الله: تلاوة القرآن الكريم والعمل به وقد يقول قائل: ما هي وسائل التثبيت؟ أريد أن أثبت على الدين ما دام أن مسألة الثبات بهذا القدر من الأهمية يترتب عليها حسن الخاتمة؛ وهي نعمة يمن الله بها على من يشاء من عباده. إذاً كيف أثبت؟ ما هي وسيلة الثبات على دين الله؟! أريد من الإخوة الشباب حفظهم الله وبارك فيهم، أن يأخذوا هذه الوسائل مأخذ المنهج الذي يسيرون عليه في حياتهم، لا نريد من المواعظ والخطب والمحاضرات والدروس أن تكون فقط للاستهلاك، يعني: نصبح مُدْمِنِي مواعظ، يدخل الشخص إلى الموعظة، ويجلس يتابع الألفاظ، والاستشهادات والآيات والأحاديث، ثم يخرج مثلما دخل، لا تغير الموعظة في حياته شيئاً، هذا لا ينفع أبداً بأي حال من الأحوال، وبعد ذلك -وهذا من أخطر الأشياء على الإنسان- يصبح همه فقط السماع، والنقد، ويخرج لا يتغير ولا يتأثر بأي شيء، وهذا صعب، لماذا؟ لأنه يصبح مدمن مواعظ، لا يستطيع أن يعيش إلا إذا سمع موعظة؛ لكن ما الذي تغيَّر منه؟ ما استفاد من الموعظة شيئاً، فنريد سماعاً وتطبيقاً. فسأذكر اثنتي عشرة وسيلة من وسائل ثبات القلب على دين الله عز وجل: أول وسيلة وأعظم وسيلة للثبات على دين الله -وهي وسيلة ممكنة وسهلة وميسرة- هي: تلاوة كتاب الله عز وجل: تلاوة القرآن العظيم الذي أنزله الله نوراً وهدىً للعالمين من أعظم وسائل التثبيت، لِمَ؟

القرآن الكريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه

القرآن الكريم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أولاً: لأنه {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت:42] وما دام أن الباطل لا يَرِد عليك أثناء قراءتك للقرآن الكريم، فأنت بالتلاوة محفوظ ومحصَّن: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42].

تلاوة القرآن الكريم أعظم وسائل الثبات على دين الله

تلاوة القرآن الكريم أعظم وسائل الثبات على دين الله ثانياً: أن الله نص في القرآن على أن أعظم وسيلة للتثبيت هي تلاوة القرآن، فقال تبارك وتعالى في سورة الفرقان: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} [الفرقان:32] قال الله: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} [الفرقان:32] نثبت بهذا القرآن قلبك، نثبت إيمانك ودينك في قلبك: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} [الفرقان:32] ثم قال: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ} [الفرقان:33] يعني: بالقرآن {وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان:33]. ما من شبهة ولا باطل ولا زيغ ولا انحراف إلا وقد جاء التفسير والدحض والتكذيب والرد له في كتاب الله تبارك وتعالى، حججهم كلها باهتة وداحضة ومردودة بأنوار القرآن؛ لأنه نور، وهؤلاء الذين يوردون هذه الشبهات أو هذه الضلالات كمن يريد أن يطفئ نور الشمس بفمه، ولهذا يقول الله عز وجل: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ} [الصف:8] بماذا؟! {بِأَفْوَاهِهِمْ} [الصف:8] والتعبير (بأفواههم) فيه مزيد من التهكم، والسخرية، والاستصغار، والاستهزاء بهم، فإن الذي يطفئ نور الشمس بفمه هل يستطيع؟ لا يستطيع، لو أراد أن يطفئ نور الشمس بكل ما في الأرض من وسائل وليس بفمه فقط لا يستطيع، فكيف وهو يريد أن يطفئ بوسيلة إطفاء بسيطة لا تستطيع أن تطفئ شمعة على بُعْد مترين؟! الآن لو أن شمعة بسيطة على بعد مترين تريد أن تنفخها من هنا، هل ستطفئها وهي هناك؟! لا تنطفئ؛ لأنها بعيدة، وإذا قربت منها على بعد متر، وقمت لتنفخ فلن تستطيع، إلا إذا قربت منها على بُعد [10] سنتيمترات ونفختها ربما تنطفئ، وهي شمعة، فكيف بنور الله تبارك وتعالى الذي أنار به العالمين وهو القرآن الكريم!! يقول الله عز وجل: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [المائدة:15]. ويقول: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى:52 - 53]. فالقرآن نور، وأيضاً مثبت؛ لأنه لا يأتيه الباطل. وبالاستقراء -أيها الإخوة- وبالمشاهَدة في حياة الناس ما علمنا والله أن رجلاً اعتصم بكتاب الله، وداوم على تلاوته ولاذَ بِجَناب الله عن طريق التقرب إلى الله بالقرآن، أنه ضل أو انحرف. وبالاستقراء أيضاً علمنا ولَمَسنا وشاهدنا كثيراً ممن كان قد اهتدى، ما إن أعرض عن القرآن وهجره ونسيه حتى أضله الله، ولو أنه بقي معتصماً بكتاب الله مستمسكاً به لحفظه الله وثبَّته؛ لأن الله يقول: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ} [الزخرف:43] و (استمسك) فعل سداسي ما قال: (امسك) من الرباعي، لا والله، ما أرسل الله رسولاً إلا وأمَرَه بدعوة الناس إلى توحيد الله تبارك وتعالى، فالقرآن هو خير وسيلة للثبات على دين الله، ومن رحمة الله تبارك وتعالى أن دلنا على هذه الوسيلة العظيمة وهي من أيسر الوسائل، فالقرآن الكريم يقول الله تعالى فيه: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر:21] لو خوطبت الجبالُ الرواسي الشُّمُّ بالقرآن، لخشعت وتصدعت، لكن الله خاطبنا بالقرآن ويسَّره لنا، حتى أننا أصبحنا نقرؤه وهو كلام المولى تبارك وتعالى، يقول الله فيه: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17]؟! هل من معتبر؟! هل من مقدر لهذه النعمة؟! أي شيء أعظم -يا أخي المسلم- من أن يجعل الله عز وجل كلامه يجري على لسانك، فتتكلم بكلام الله أي تكريم أعظم من هذا التكريم؟! لا إله إلا الله! والله ما بعده تكريم، أن يُنزل الله عليك كلاماً من كلامه، تتحدث به أنت بلسانك، فهذه إمكانية سهلة ويسيرة، ونتائجها عظيمة من أن الله يثبتك. لكن يوم أن تعرض عن الله وعن كلامه، ولا تريد أن تقرأ كلام الله، فهذا دليل على عدم محبتك لله عز وجل؛ لأن من أحب شيئاً أكثر من ذكره، فهذه خير وسيلة.

القرآن الكريم شفاء ودواء للقلوب

القرآن الكريم شفاء ودواء للقلوب ثالثاً: ولأن القرآن شفاء ودواء للقلوب، فالقلوب حرجة، وحساسة، وخطيرة، ولا علاج لها غيره، فليس لها حبوب تشربها، أو إبرة تعطيها، أو شراب، أو عمليات تفتحها، ونعني بالقلوب: القلوب الإيمانية، الواعية، الفاهمة، لا القلوب المادية، القلب المادي هو: عبارة عن عضلة تضخ الدم في العروق وتوصله إلى الرئة وترجعه لكي تكرره، هذا معك، ومع الحمار قلب مثله، ومع الثور مثل الدلو، أنا رأيت قلب ثور مثل الدلو، ومع ذلك لا يفهم، ورغم أن الثور والحمار أبلد الحيوانات لكن قلوبها أكبر القلوب؛ لأن عملية الضخ فيها أكثر للجسم الحيواني. فالقلب الذي نعنيه: القلب الفاهم الواعي عن الله، وإلا فإن الله يقول: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179]. فما دام أن القلب هو الميدان فلا بد أن تبحث له عن شفاء وعلاج، وعلاجه من القرآن، يقول الله تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس:57] ما هي التي في الصدور؟ القلوب وماذا أيضاً؟! توجد في الصدور أشياء أخرى، فهناك الرئة وغيرها، لكن كيف عرفنا أن القرآن شفاء لما في الصدور المراد به أنها القلوب؟! ففي القرآن نفسه قال الله: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46]. فدلت هذه الآية على أن المعنى {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس:57] يعني: القلوب، وليس شفاءً للرئة، ولا شفاءً للكبد، ولا شفاءً للبنكرياس، لا. بل شفاءٌ للقلوب التي تفهم وتعي، قال الله: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46]. والله يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:57 - 58]. أيها الإخوة! هل وسيلة تلاوة كتاب الله مُمْكنة أم غير مُمْكنة؟ ممكنة، وقد أقام الله الحجة على العباد كلهم؛ لأنهم أصبحوا يقرءون كلام الله. ولكن هل مجرد القراءة ووجود القدرة على نطق الحروف هو وسيلة القرآن التثبيتية؟ لا. ورد في بعض علامات الساعة أنه يظهر في الناس القلم، أي: من علامات الساعة أن ينتشر العلم ويظهر في الناس فيقرأ القرآن الرجل والمرأة، والكبير والصغير، وكل الناس يقرءون القرآن، لكن هل بمجرد قدرتهم على القراءة، أو قراءتهم للقرآن بالمزاج الذي يريدون يحصل لهم التثبيت؟ لا. كما جاء في بعض الآثار: (رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه) (وإذا قرأ القرآن ظالم لنفسه، ناده القرآن من جوفه، يقول له: يا ظالم! أين زواجري؟! أين قوارعي؟! أين آياتي؟!). إذا ارتكب الإنسان محرمات وهو يقرأ القرآن، يصيح القرآن في جوفه.

مآخذ تحقيق وسيلة الثبات بالقرآن الكريم

مآخذ تحقيق وسيلة الثبات بالقرآن الكريم تكمن وسيلة التثبيت بالقرآن إذا أُخِذ مأخذان:

المأخذ الأول: التلقي الصحيح على أيدي أهل العلم

المأخذ الأول: التلقي الصحيح على أيدي أهل العلم المأخذ الأول: التلقي الشرعي الصحيح على أيدي علماء القرآن؛ لأنه كلام الله، لا تقرؤه مثلما تقرأ جريدة، أو مجلة، أو مثلما تقرأ كتاباً، لا. كلام الله له أداء معين، له هيئة معينة، هو وعبادة تؤديها، الله يقول: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل:4]. ولما سئل علي بن أبي طالب عن الترتيل قال: [هو معرفة الوقوف، ومعرفة مخارج الحروف] هذا معنى الترتيل، أن تعرف كيف تخرج الحرف وأين تقف، وهذا كله لا بد أن يكون عن طريق التلقي من عالم يعرف القرآن وأسراره، فتدرس على يديه؛ لأن التجويد لا يأتي بالقراءة في كتب التجويد، وقد كنا نقرأ -من قبل أن ندرس القرآن على المشايخ- القرآن ونعرف أحكام التجويد، أحكام النون الساكنة والتنوين أربعة: الحكم الأول: الإدغام: وحروفه ستة، مجموعة في قولك: (يرملون) وهو ينقسم على إلى قسمين: القسم الأول: إدغام بغنة: وحروفها أربعة، وهي مجموعة في قولك: (ينمو) الياء والنون والميم والواو. القسم الثاني: بغير غنة وله حرفان هما: اللام والراء. هذا الحكم الأول. فوالله أني كنت أحفظه مثلما أعطيكم الآن في السنة الرابعة أو الخامسة الابتدائي، ولا أدري ما هو الإدغام، وما هو الإقلاب، لكن فقط أحفظه هكذا. وحروف الإخفاء خمسة عشر حرفاً، مجموعة في أوائل هذه الأبيات: صف ذا ثنا كم جاد شخص قد سما دُم طيباً زد في تقى ضع ظالما لا أدري ما معنى: ضع ظالماً، وما معنى: دُم طيباً، أقرؤه فقط، وإذا جئت عند الأستاذ قال: كم حروف الإخفاء؟ قلت: خمسة عشر حرفاً، مجموعة في أوائل هذه الأبيات، وأذْكُرُه. فقال: تفضل، أنت مُجَوِّد، لكن اقرأ القرآن فما أجود، مثل الذي يعرف نظام السير لكن لا يعرف كيف يقود السيارة، ما رأيكم في شخص يعرف أن الاتجاه يكون إلى اليمين، وأنه لا بد أن يقف عند الأحمر، وأنه لا بد إذا وقف أن يشير بشِماله، وأنه إذا أراد أن يأخذ يميناً يؤشر إلى اليمين، وإذا أراد أن يأخذ شِمالاً يؤشر إلى الشِّمال، لكن إذا قلت له: قد السيارة، قال: والله لا أعرف، أريد رخصة بالكلام فقط! فهذا هو الذي يعرف التجويد، ولا يعرف التطبيق، يريد رخصة في التجويد وهو لا يعرف أن يطبق التجويد، ولكن شخص آخر يعرف قيادة السيارة، ويطبق تعليمات السير كلها مضبوطة، لكن عندما تسأله لا يعرف، يعرف عملياً، ما رأيكم أيهما الأحسن العملي أو ذاك؟! العملي، وإذا وجدنا شخصاً عملياً ونظرياً، يعرف أحكام السير العملية، والنظرية، فهذا نور على نور. وكذلك القرآن، لا بد فيه من التلقي على يد عالم، يقول ابن الجزري في قصيدته: والأخذ بالتجويد حتمٌ لازمُ مَن لَمْ يُجَودِ القرآنَ آثمُ لأنه به الإله أنزلا وهكذا منه إلينا وصلا وهو أيضاً حلية التلاوةِ وزينة الأداء والقراءةِ وليس بينه وبين دَرْكِهِ إلا رياضة امرئ بفَكِّهِ يعني: ما بينك وبين إدراك التجويد إلا ترويض وتعويد الفم، هذا تأخذه من الكتاب؟! تأخذه من عالم تراه أمامك يقرأ، يقول: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ} [الناس:1 - 2] هذه غُنَّة، أين؟ في النون المشددة، أيُّ نونٍ في القرآن عليها شدة أصلها نونان، تحتاج إلى غُنَّة من أين تأخذها؟! لا تأخذها إلا من التجويد، والتجويد مأخوذ من: جوَّد الشيء يعني: أحسنه وأتقنه، عندما تقول لشخص: بالله افعل لي هذه الفِعْلة لكن جودها، يعني ماذا؟! يعني: أحسنها، ودائماً الناس إذا رأوا شخصاً حَسَناً قالوا: فلان والله جيد، يعني: لا يوجد أحد أحسن منه! فالتجويد مأخوذ من الإحسان وأداء القرآن في أحسن هيئته، فالأخذ به حتم لازم، من لم يجوِّد القرآن وهو قادر على التجويد آثم، لا سيما -من فضل الله- بعد أن توفر مدرسو القرآن في أغلب المساجد في هذه المدينة، وفي غيرها من مدن المملكة الطيبة، كثيراً ما تجد مسجداً والعالم جالس هناك من بعد المغرب إلى العشاء، ولكنه جالس وليس عنده أحد. كأن الأمة قد حفظت التجويد من أوله إلى آخره، وأصبحت مستغنية عن علماء التجويد، ولو وقفت على الشارع، أو زرت الدكاكين، ولقيت اثنين أو ثلاثة جالسين في الدكاكين، فتقول له: تعال يا أخي! أنت تجود القرآن؟ قال: لا والله، لا أعرف فيه كلمة. فتقول: إذاً لماذا أنت جالسٌ هنا؟! تعال اجلس مع الشيخ، تلقَّ التجويد عن العالم. قال: لكن لا يوجد اهتمام. يضيع وقته وحياته، ورغم أن الفرصة متاحة أمامه، وكذلك بعض طلبة العلم لا يهتم بهذا. فأول وسيلة للتثبيت بالقرآن: أن تحرص على قراءة القرآن كما أنزله الله تبارك وتعالى؛ لأنه فرق كبير بين من يقرأ القرآن دون مراعاة لأحكام التجويد، وبين من يجوِّد! أنت لو جلست بجانب رجلين، واحدٌ عن يمينك، وآخر عن يسارك! فالأول يقرأ القرآن بسرعة يهذه هذاً، والآخر يقرؤه بترتيل وتؤدة. فهما قرأا القرآن، لكن فرقٌ بين هذا وذاك مثل ما بين السماء والأرض، مثل شخص -ولله المثل الأعلى- أحب أن يدعوك إلى وليمة، ويحضر لك طعاماً من أحسن الأطعمة منوعاً، وكل نوع في صحن ومجملاً، فتأتي على السفرة فتجد شيئاً منمَّقاً. وشخص آخر يدعوك، ولكنه مستعجل، يريدك أن تتعشى وتمشي، فوضع الأرز على السلطة و (العصيدة) والمرق والفاكهة، و (المهلبية) وخلطها كلها، وفتح فمك بقوة وأخذ يدخل فيه الطعام، ويقول: أسرع، تعشَّ. بالله ما رأيك في هذا الإنسان؟! هذا مسكين، طَبَخَ ونَفَخَ وتَعِبَ واشترى من السوق، لكن ما قدم لك السفرة بشكل لائق، فتقول: الله أكبر عليك! دعني آكل على راحتي يا أخي! ماذا بك؟! تريد أن تغذيني أم تريد أن تذبحني؟! هذا بذاك سواءًَ بسواء. هذا الذي يسرع بالآيات القرآنية ويقرؤها عليك بسرعة ما أفادك ولا استفاد، فلا بد من تلاوة القرآن كما أنزله الله تبارك وتعالى.

المأخذ الثاني: أخذ القرآن بنية العمل

المأخذ الثاني: أخذ القرآن بنية العمل المأخذ الثاني -وهو مهم جداً-: أن تأخذه بنية العمل: تقرأ القرآن كما يقول ابن مسعود: [لا تهذُّوا القرآن هَذَّ الشعر، ولا تنثروه نثر الدَّقَل، ولكن قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب]. والله يقول: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29]. ويقول: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]؟! نعم والله عليها أقفالها، ونسأل من بيده مقاليد الأمور أن يفتح قلوبنا للقرآن. ويقول في آية أخرى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82]؟! أحد الإخوة يقول لي: يا أخي! هناك شخص يقرأ القرآن من يوم عرفته، ولكن ما تغير في شيء. قلت: كيف يقرأ؟ قال: والله إني أجلس عنده بجانبه أقرأ، وهو يقرأ ثلاث أو أربع صفحات، وأنا لم أكمل نصف صفحة، مثل (الماكينة). قلت: مسكين، اسأله: ماذا قرأ بعد أن يكمل قراءته؟ قل: يا أخي المسلم! ماذا قرأت؟! أيُّ أمر تلقيت؟! أيُّ نهي ورد عليك؟! ما هي الأخبار التي سمعتَها في القرآن؟! فسيقول لك: لا أدري. وهي قراءة الكثير من الناس؛ إلا من ندر. فإذا أردت أن يثبتك الله عز وجل بالقرآن الكريم، فالذي ينبغي عليك أن تسعى أولاً إلى تجريد القرآن وليس بالضرورة أن يكون غيباً؛ لأن بعض الشباب يقول: والله لا أستطيع أن أقرأ غيباً، ليس من داعٍ لهذا، الغيب هذا هبة من الله، إذا قدرت عليه فأنت ممن يأتي يوم القيامة وأناجيلهم في صدروهم كما جاء في الحديث: (أن موسى يقول: إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم، اجعلهم أمتي يا رب! قال: هؤلاء أمة محمد صلى الله عليه وسلم). والله أثنى على الحفظة فقال: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:49]. وفي الحديث أيضاً يقول عليه الصلاة والسلام: (من أوتي القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه، غير أنه لا يوحى إليه) لم يعد يأتي الوحي، لكن النبوة كلها في صدره، وأخبر عليه الصلاة والسلام أن أشراف هذه الأمة هم حَمَلَة القرآن الكريم، يعني: حَفَظَته. فالذي يحفظ القرآن هذا له فضل كبير من الله تبارك وتعالى، والذي يحفظ منه نصفه عظيم، والذي يحفظ ثلثه عظيم، والذي يحفظ ربعه طيب، والذي يحفظ منه أربعة أجزاء، أو ثلاثة أجزاء، أو جزئين، المهم احفظ ما تستطيع، ولكن ليس لك عذر في تجريد القرآن كله بالنظر، ماذا معك من عذر؟! لا عذر، إلا أنك مشغول عن القرآن، لا بد من تجريد القرآن أقل شيء برواية واحدة، رواية الإمام حفص عن الإمام عاصم؛ لأن عاصماً له روايتان: حفص. وشعبة. المشهورة عندنا الآن رواية حفص، إذا استطعت أن تأتي بالروايتين، وتعرف الفوارق بينهما عن الإمام عاصم بن أبي النجود فعظيم جداً، وإذا لم تستطع فأقل شيء أن تعرف كيف تجرد القرآن من أوله إلى آخره بالتجويد على رواية الإمام حفص، وهذه مشهورة وموجودة، وفي هذا المسجد عالِم -من فضل الله- يدرس القرآن، وفي مسجد اليحيى عالِم متفرغ أربعاً وعشرين ساعة في تعليم القرآن، وفي كل مسجد من مساجد المنطقة هذه، في أبها لوحدها أكثر من ثلاثين عالماً متفرغون لكتاب الله، ولكنهم والله يشكون إلينا وقلوبهم تتقطع، وأعينهم تدمع، يقولون: والله نكون جالسين من المغرب إلى العشاء وما يأتينا أحد، الناس معرضون لا يريدون القرآن، لا حول ولا قوة إلا بالله! هذه مصيبة! فلا بد -أيها الشاب- أن تجلس وتبرمج وقتك من الآن، الشيخ الأفغاني موجود -من فضل الله- في مسجده، والشيخ الأفغاني الآخر موجود في مسجد اليحيى، والشيخ محمد بشير الباكستاني في هذا المسجد، كثير من العلماء، اجلس عندهم وسجل اسمك، وادرس على الترتيب، اقرأ كل يوم ربعاً، أو صفحة، أو صفحتين، ستجد صعوبةً في أول الأمر حينما تمارس التجويد، لكن ما إن تأخذ فيه جزءاً أو جزئين إلا وينطبع لسانك على أحكام التجويد، حتى تقرأ القرآن كله بالتجويد بيُسر وسهولة إن شاء الله. ثم بعد ذلك أثناء القراءة تفهَّم المعاني، وتعرَّف على أسرار القرآن، ثم ناقش نفسك على الأوامر والنواهي، والأخبار. فالأخبار صدِّق بها، والأوامر نفِّذها، والنواهي انتهِ منها. إذا سمعت الله يقول: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:43] فاسأل نفسك، أين أنت من الصلاة والزكاة؟! إذا سمعت الله عز وجل يقول: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام:152] ولا ولا {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] هذه الأوامر في القرآن ينبغي لك أن تقف عندها، وأن تنفذها حتى يكون القرآن لك موطن ثبات، ووسيلة ثبات حتى تلقى الله تبارك وتعالى. أسأل الله عز وجل أن يثبتني وإياكم على القول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

من وسائل الثبات فعل أوامر الله واجتناب نواهيه

من وسائل الثبات فعل أوامر الله واجتناب نواهيه الوسيلة الثانية هي: فعل الأوامر، واجتناب النواهي: فمن وسائل الثبات على دين الله: الحرص كل الحرص على فعل أوامر الله والابتعاد عن نواهيه؛ لأن الله عز وجل يقول في القرآن الكريم: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [النساء:66] وماذا؟! {وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} [النساء:66]. هذا منطوق الآية، بمعنى: لو أن الناس فعلوا ما يوعظون به، يعني: لو أن الناس التزموا بالأوامر، وابتعدوا عن النواهي، وصدقوا بالأخبار، وتمسكوا بالقرآن، وعملوا بالسنة: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ} [النساء:66] أي: ما يوجه إليهم من توجيه إلهي القرآن أو عن طريق السنة المطهرة: {لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} [النساء:66] أي: ثباتاً على دين الله. لكن الذي لا يفعل ما أمره الله به، ولا ما وعظه الله عز وجل سيكون في شر، ولن يكون مُثبتاً، وهذا واقِعٌ ومشاهَدٌ ومُجَرَّبٌ. فالقضية -أيها الإخوة- تحتاج إلى دور بارز منك في الموضوع، بعض الشباب يقول: والله أنا أريد أن أهتدي، ولو اهتديت أسير في الطريق أسبوعاً أو أسبوعين أو ثلاثة أو أربعة أو عشرة، ثم لا أدري ما الذي يُرجعني! ماذا بك؟! أنت الذي رجعت! من الذي جاء وسَدَّ الطريق عليك؟! الشيطان، انهزمتَ أنت أمام شهوة من شهوات نفسك، أمام شبهة من شبهات الشيطان. أذَّن المؤذن وأنت على الفراش دافئ ومبسوط وتعبان وسهران وتريد أن تنام، فنمت، لكن لو أنك استعذت بالله عز وجل من الشيطان الرجيم، واستعنت بالله، وقمت لأعانك الله، أم أنك تريد شخصاً يأتي ويأخذك من الفراش ويضعك في المسجد؟! لا أحد يستطيع أن يقوم بدورك إلا أنت بالهداية؛ لأن دورك هذا تريد منه نتيجة وثمرة، تريد منه جنة عرضها السماوات والأرض، أيعطيك ربي جنة وأنت ليس لك دور؟! أيعطيك ربي جنة وأنت منهزم؟! لا. لا بد من التعب، الله يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. فلا بد من المبادرة والدور الإيجابي الذي تشعر فيه بأنك مسئول عن تنفيذ كل ما أمر الله، وعن الابتعاد عن كل ما نهى الله عنه؛ لأنك بهذا تعمل على تثبيت قدمك على دين الله، أما إذا تخلخلت في الأمر، كلما جاءك أمر وإذا بك تعمل عليه حيلة، هذا بداية الانهزام. أحد الشباب كان في أول حياته مؤمناً ملتزماً، كان يصلي معنا الفجر في المسجد، أمه وأبوه غير ملتزمَين ومع ذلك واقفَان ضده، وهو بِحُكْمِ كَوْنِه شاباً ينام ولا يستيقظ، ولا أمه توقظه للصلاة، ولا أبوه يصلي في المسجد، ويضع الساعة عند رأسه فيضرب الجرس حتى تسكت ولا يقوم، فمسكين مِن حرصه على الصلاة والله ما كان ينام إلا في هذا المسجد! كان يسمر في البيت فإذا جاء وقت النوم أخذ المخدة والبطانية وجاء ونام في طرف المسجد هناك، بحيث عندما يدخل أول شخص إلى المسجد يوقظه، فيقوم ليصلي، وبعد الصلاة يجلس ويقرأ القرآن إلى الإشراق، ويصلي ركعتين ويذهب إلى البيت، إن كان معه عمل ذهب إليه، وإن كان ليس عنده عمل جلس في بيته. فهذا الشاب كانت له استقامة تعتبر مثالية، ولن نستطيع أن نصفها؛ لكن بسبب الزعزعة وعدم الثبات على دين الله -والعياذ بالله- وبسبب الإيحاءات الشيطانية وقرناء السوء، والذين يردُّونه عن وسائل التثبيت، فشخص من قرناء السوء ركب معه في سيارته، وشغل له شريطاً من الأغاني، فقال له: أغلقه يا شيخ! هذا حرام. قال: ماذا؟ قال: حرام. قال: من الذي قال لك: أنه حرام؟ قال: سمعنا العلماء يقولون: إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل، وإنه لا يجتمع حب القرآن وحب الغناء في قلب عبد مؤمن، والله تبارك وتعالى يقول: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [لقمان:6] وبدأ الرجل يعطيه الأدلة. قال: يا شيخ! لا، أبداً أبداً، الأغاني حلال (100 %) ما دخل الأغاني في الدين؟! -انظر كيف يضله الشيطان الرجيم هذا- الدين أنك تصلي وتصوم، أما الأغاني هذه فليس فيها علاقة بالدين. وهو مسكين يحب الأغاني قبل الهداية! ولما سمع فتوى شيطانية من شيطان تتيح له فرصة الأغاني، قال: صحيح. قال: نعم. تعال أُرِيْك. وذهب وأخذه إلى البيت، وأظهر له كتاباً أو نسخةً من فتاوى بعض المغفلين الذين يصطادون في الماء العكر، والذين يضلون عباد الله عز وجل، وبدأ يبين له أن هناك خلافاً بين أهل العلم في مسألة حكم الغناء. والخلاف الذي بين أهل العلم في مسألة التغني بالألفاظ فقط، أما الآلات الموسيقية؛ كالعود، و (الكمان) و (الناي)، والطنبور، وهذه الأجهزة كلها فالأمة مُجْمِعة بجميع فئاتها على أنها حرام، كل آلة من آلات الموسيقى فهي محرمة في الشرع، وكل الأمة تعتقد بهذا، ولكن هناك خلاف بين أهل العلم بين طائفة بسيطة في حكم التغني بالألفاظ، يعني: شخص يأتي ببيت من الشعر بطريقة سليمة، فيقول: ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيبُ وشخص آخر يقول: لا تقل هكذا يا شيخ! ائت به بطريقة تتغنى بها ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب وشخص يقول: لا. هذا ليس جميلاً، هذا يُفتن. وآخر يقول: لا. ليس فيه شيء. هذا هو الخلاف فقط، فأخذ الرجل هذا الخلاف وحمله على الأغاني كلها، وقال: أسمع أغاني فقط. فبدأ الرجل يستمع إلى الأغاني، كان في البداية يأخذ بالملعقة، لكن يوم أن عاد أصبح يأخذ (بالكُرَيْك) وبدأ يسمعها، وقد أصبح قلبه مفتوحاً لها، وفجأة وإذا به ينزل وينزل وينزل، بدأ نزوله بترك الصلوات في المسجد، ثم نزوله الآخر بتركه الصلوات في البيت، ثم بالردة عن دين الله والكفر والعياذ بالله. كيف بدأ؟! بالانهزام، ما فعل ما وعظه الله به: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} [النساء:66]. فلا تتوقع -يا أخي الشاب- أن يأتي أبوك أو أمك أو شيخك أو أستاذك أو زميلك، أو أن يأتي الداعية أو العالم ليقول لك: لا بد أن تفعل هكذا، ويشد على قلبك بمسمار، ويقول: خلاص! اثبت، لا. بل أنت المسئول، هذا واقع ضمن دائرة اختصاصك، في أن تأخذ نفسك بالكمال وتبتعد بها عما حرم الله، وتجبرها على أوامر الله، حتى يثبتك الله تبارك وتعالى. أما أن تنهزم وتقع وتضعف أمام الشهوات والشبهات، ثم تقول: والله أنا ما هداني الله، لا. لقد شاء الله لك الهداية، ولكنك أنت الذي لم تُرد لنفسك النجاة في الدنيا والآخرة. فهاتان وسيلتان من وسائل التثبيت على دين الله تبارك وتعالى.

من وسائل الثبات: دراسة في قصص الأنبياء

من وسائل الثبات: دراسة في قصص الأنبياء الوسيلة الثالثة من وسائل التثبيت: التمعُّن ودراسة قصص الأنبياء الذين وردوا في القرآن الكريم، ليس مجرد المتعة القصصية، فالقرآن ليس كتاب أحاجي ولا قصص، لا. بل القصص التي وردت في القرآن وردت لحكمة: {كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً} [طه:99] {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف:3] {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} [يوسف:111] {وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ} [هود:120] ماذا؟! {مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود:120]. القصص القرآنية أوردها الله عز وجل دروساً عملية، ونماذج حية يتعلم منها الإنسان كيف يثبت على دين الله، فما تمر قصة من قصص الأنبياء مِن أولهم إلى آخرهم إلا وهي تؤثر في قلبك، وتسكب في يقينك شيئاً مما يثبتك على دين الله، وهذا معنى قول الله عز وجل: {وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود:120] الهدف من قصص القرآن وما أوردنا فيه من قصص الرسل والأنبياء هو: {مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ} [هود:120] أي: جاءك في القرآن الحق {وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود:120]. وميادين البلاء والافتتان وعدم الثبات كثيرة جداً، مِن الناس مَن يُفْتَتن ولا يثبت في ميدان المال، ومِنهم مَن لا يثبت في ميدان شهوة النساء، ومِنهم مَن لا يثبت في ميدان الجاه والمنصب، ومنهم مَن لا يثبت في ميدان الابتلاء والامتحان والضرب والسجن والقتل، ومِنهم مَن يمتحن ولا يثبت في ميدان الأولاد وكثرتهم والبنين والعشيرة، ومِنهم مَن يُفْتَتن في ميدان السلطة والمنصب، هذه كلها ميادين للبلاء والفتنة، وهناك: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم:27]. وإذا درستَ سير وقصص الأنبياء وجدتَ أن كل موضوع ورد في القرآن يعطيك معنىً يجب أن تستفيد منه في حياتك العملية.

أخذ العظة والعبرة من قصة يوسف عليه السلام

أخذ العظة والعبرة من قصة يوسف عليه السلام هذا يوسف عليه السلام ابتُلِي واختُبِر بفتنة من فتن الناس في هذا الزمان وهي: فتنة الشهوة، شاب غريب، وطبعاً الغريب ليس مثل المقيم في بلده، دائماً الغريب عندما يقيم في بلده يخشى من الفضيحة ويحرص على السمعة، وعلى ألا يلوِّث عرضَه أو عرض أهله أو قبيلته، لكن الغريب لا يفكر في هذه الأمور، يقول: أنا غريب، ماذا عليَّ؟! لا أحد يعلم أني هنا، لكن بالإيمان وباستشعار عظمة الله يشعر المسلم بأنه تحت النظَّارة، وتحت المراقبة الربانية في كل مكان، وتحت أي سماء، وفوق أي أرض، في الليل والنهار، في الظلام والنور، مع الناس وفي الخلوة، لماذا؟! لأنه يراقب الله تبارك وتعالى. وإذا خلوت بريبة في ظلمةٍ والنفس داعية إلى الطغيانِ فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني هذا يوسف عليه السلام كان شاباً، غريباً، وجميلاً، وأعزباً، وكان يعيش في بيت مُلْك في بيت امرأة العزيز التي دعته وهي ذات منصب، لا أحد يستطيع أن يقول لها أي كلمة، وكانت ذات جمال، ومن الطبيعي ألا يتزوج عزيز مصر إلا أجمل نساء مصر، وأيضاً تراوده يعني: ما عرض هو الموضوع عليها، لا. بل هي التي تراوده وتطلبه، وبعد ذلك أمَّنَتْه: {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ} [يوسف:23] غَلَّقَت، ما قال: أَغْلَقَت، بل قال: غَلَّقَت، هنا صيغة مبالغة، عندما تقول: أنا أَغْلَقْتُ الباب ربما يحتمل أنك أجفيته؛ لكن عندما تقول: أنا غَلَّقْتُ الباب، يعني: أحَكمْتُه بقوة {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ} وبعد ذلك دَعَتْه وقالت: {هَيْتَ لَكَ} تقول له: إلى أين أنت ذاهب؟! أين تريد؟! ولكن لما كان مُثَبَّتاً من عند الله ثبَّته الله: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف:23] يقول: هذا العمل الخبيث والسلوك المشين ليس لنا، ولا من طبعنا، إنه فعل الساقطين وعُبَّاد الشهوات، الزناة الذين يسقطون من عين الله في الدنيا والآخرة: {مَعَاذَ اللَّهِ} [يوسف:23] يقول: لا يمكن، ثم إنها تراوده، وتطارده، وتضاربه. ويهم أن يضربها، كما يقول علماء التفسير، لأن بعض الإخوة يغلط في قضية تفسير قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف:24]. أنا قرأتُ التفسير في هذه الآية، وسمعتُ كلاماً كثيراً، ولكن الذي اطمأن إليه قلبي، والذي يليق بمقام النبوة -لأن يوسف عليه السلام نبي معصوم عصمه الله عز وجل {واللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124]- أنها هي هَمَّت به بأن يزني بها، والهَمُّ في اللغة هو: العزم على فعل الشيء، بحسب الحالة التي تحيط به وتلابسه، الله يقول في القرآن: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا} [آل عمران:122] {إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيكُمْ} [المائدة:11] ما معنى: {هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا} [المائدة:11]؟! يعني: هموا أن يزنوا؟! لا. بل الهم على فعل الشيء يعني: العزم على فعله، فهو هَمَّ بشيء، وهي هَمَّت بشيء، فهَمُّها منطلق من موقفها، وهَمُّه منطلق من موقفه، فهَمُّه منطلق من موقفه الرافض، وهَمُّها منطلق من موقفها الراغب، لو أنه هَمَّ بها فما الذي يمنعه؟ كلمة: {لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف:24] عائدة على هَمِّه هو، يقول المفسرون: إنها هَمَّت به ليزني، وهَمَّ بها ليضربها، ما يمنعها من هذا إلا الضرب، ولكنه قبل أن يضربها رأى برهان ربه، قال المفسرون: قذف الله في قلبه أنه لو ضربها لازدادت الشبهة تأكداً أنه أرادها، إذ أنها اتَّهمته أنه أرادها ولم يضربها، ولكن لو ضربها ضربة وبقي أثرها، لكانت شبهتين: هذا راودني، وضربني، لازدادت شبهة أنه يريدها تأكيداً، فالله عز وجل منعه: {لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف:24] فلم يضربها حتى لا تتأكد الشبهة ضده، إذ أن الله يعلم أنها سوف تتهمه بالزنا. {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} [يوسف:24] ودليل هذا أنها هي في آخر الأمر لما اعترفت قالت:! {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ} [يوسف:51] لم تقل: فأرادني، تقول: {وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ} [يوسف:32] فاستعصم، أو فهَمَّ بي وأرادني؟! لا. بل استعصم، اعترافها في آخر الأمر -كما في التفسير- أنها قالت: اعتصم بالله عز وجل. فيوسف عليه السلام موقفه الإيماني العظيم الذي لا يقف فيه إلا من وفقه الله. القضية يا إخواني! في الذهن والتصور والخيال سهلة، يقول الشخص: والله يمكنه أن يثبت، لكن في ميدان الاعتبار لا يثبت إلا من وفقه الله، ولذا كان عملها سبباً من أسباب نجاة أحد الثلاثة الذين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فيمن كان قبلنا، والحديث في الصحيحين عند البخاري ومسلم: (أن ثلاثة كانوا في سفر، فآواهم المبيت إلى غار، فوقعت عليهم صخرة سدت عليهم باب الغار حتى لا يستطيعون منها خروجاً) وهذه أزمة ما لها من فارج إلا الله، لا يوجد هاتف يتصلون بالنجدة، ولا بالدفاع المدني، ولا توجد جماعة قريبة يفتحون لهم الغار، ولا عندهم جرافة تأتي فتأخذ الحجر، ولكن من معهم؟ معهم الله الذي لا إله إلا هو، فأحدهم قال: إنه لا يفسح ما بكم إلا الله، فادعوا الله بصالح أعمالكم -تعرفوا إلى الله في الشدة، الآن كما سبق أن تعرفتم إليه في الرخاء يعرفكم في الشدة ادعوا الله- فقام الأول ودعا بدعوة: أنه كان له أبوان، ودعا الثاني أنه كان له أجير، والثالث -الذي نستشهد به في هذا الحديث- أنه كانت له ابنة عم يحبها كأشد ما يحب الرجل المرأة، ثم راودها يوماً من الأيام عن نفسها فرفضت، وراودها فرفضت، وراودها فرفضت، ثم بعد ذلك حصلت عندها حاجة ماسة وفقر مدقع، فلم تجد لها فرصة إلا أن تأتي لتستلف من ابن عمها، فجاءت إليه تستلف منه، وقالت: أعطني مبلغاً من المال قرضة أرده لك، قال: لا -استغل نقطة الضعف ليلبي نزوته ورغبته- قال لها: لا. أنا لا أعطيك شيئاً، إلا أن تفعلي، واتركيني وأنا سأعمل ما تعلمين، فقالت: له حسناً فوافقت وهي مكرهة، ولا تريد هذا الشيء؛ لأنها مؤمنة وتخاف الله، فلما جلس منها مجلس الرجل من امرأته -لم يعد هناك أحد أبداً يستطيع أن يمنعه إلا الله في تلك اللحظات- قالت له المرأة: اتقِ الله يا هذا! -خَف من الله! راقب الله! اشعر بأن الله يراك! - ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقام الرجل -والله هذا عنده من الإيمان مثل الجبال- قام الرجل عنها، ثم قال: اللهم إن كنتَ تعلم أنني إنما تركتها وقمتُ منها من أجلك وخوفاً من عقابك فافرج عنا ما نحن فيه، قال: فتحركت الصخرة؛ فخرجوا يمشون من رحمة الله تبارك وتعالى بهم. فيوسف عليه السلام في درسه العملي هذا تثبيتٌ لك -أيها المسلم- يا من تواجه مثل هذه المواقف! في هذه الديار أو في غيرها من ديار المسلمين، ربما لا تجد هذا الموقف في هذه الديار، لكن ربما تجد هذا الموقف في بعض بلاد المسلمين أن تعرض عليك امرأة نفسها في حكم الحاجة، أو الرغبة الجنسية، أو أنك شاب، لكن هناك: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27]. في تلك اللحظات تَذَكَّرْ يوسفَ ومواقفَه من امرأة العزيز، وقل: معاذ الله، لماذا تقولها؟! لأنك سبق أن درست في القرآن الكريم قصة يوسف، وانقدحت في نفسك آثار هذه القصة، عصمة على دين الله، وتمسكاً بطاعة الله، وعدم انهزام في معصية الله عز وجل، هذا معنى القصص القرآني الذي يقول الله فيها: {وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود:120] هذا معنى هذه الآية.

أخذ العظة والعبرة من قصة نوح عليه السلام

أخذ العظة والعبرة من قصة نوح عليه السلام وعندما تأتي على قصص نوح عليه السلام، ففي قصصه عبرة عظيمة جداً وعبر كثيرة، آخذ منها عبرتين: الأولى: عندما أمره الله عز وجل أن يصنع الفلك: كان يعيش في بلاد فلسطين في الطور في الصحراء، لا بحر ولا ماء، فكان يصنع الفلك، الله قال له: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} [هود:37]. فكان يصنع الفلك أي: سفينة، فمر عليه مجموعةٌ من قومه، قالوا: ما هذا يا نوح؟! قال: هذه السفينة أصنعها؛ لأن الله سينجيني أنا ومن آمن معي، ويُغْرِق أهل الأرض كلهم. قالوا: انظروا الغباء! انظروا هذا النبي الذي يقول: إنه نبي! أين البحر إذاً؟! تصنع سفينة في الصحراء؟! الذي يصنع السفن يجب أن يكون على المرفأ بجانب الشاطئ من أجل أن يصنعها ويركب فيها في البحر حتى لا يغرق، أنت الآن تصنع سفينة في وسط الصحراء، قال الله: {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} [هود:38]. لكن ما عنده انهزام، ولا ضعف في عقيدته وإيمانه، لا. بل معتز، رغم أن الواقع في الحقيقة يجعلهم يسخرون لأن سفينة في الصحراء ما لها داعٍ: {قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} [هود:38] هذه تبين وتوضح مبدأ الاعتزاز والثقة، وأيضاً اليقين على أنك على الحق. بعض الشباب عندما يطيل لحيته ويمشي في الشارع، ويسمع بعض الناس يتكلمون فيه: انظروا فلاناً! ذقن ذقن، فيخجل من لحيته التي في وجهه، بينما هم ما أحد منهم يعفي لحيته. أحد الشباب يقول: إنه ناقشَ أحد الحلِّيقِين الذي قال له: يا أخي! أنت لماذا تعفي لحيتك؟! فقال: وأنت لماذا تحلق لحيتك؟! بنفس المنطق، يعني: واحدة بواحدة. قال: أنا حر. قال: وأنا لستُ بعبد، مثلما أنك حر في حلقها أنا حر في إبقائها، لماذا تطلب الحرية في حلقها، وأنا لا أطلب الحرية في إعفائها؟! فقال الرجل: الشعر لا يُحلق كله في الجسد، ولا يُترك كله. قال: ماذا تعني؟! قال: أعني أن الشعر يُترك في الرأس ويحلق في أماكن ثانية. قال: أنا أريد لحيتي مثل رأسي، وأنت اجعل لحيتك مثل الشيء الآخر عندك. فخجل الرجل وصمت، ولم يتكلم بكلمة واحدة. فهذا مثال على أنك إنسان تعتز بعقيدتك، المسألة ليست مسألة شعر -يا إخواني- إنما هي مسألة اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: (قصوا الشوارب، وأعفوا اللحى) (أكرموا اللحى) (أرخوا اللحى) (أسبلوا اللحى) ليست مسألة شعر، فالشعر نحن مأمورون بحلقه في أماكن، ونتفه في أماكن، وإعفائه في أماكن، المسألة هوية، المسألة عنوان لظرف معين، ظرفك أنت ماذا؟! الدين وسنة محمد صلى الله عليه وسلم، ودائماً الذي معه الظرف المجهول وبداخله شيء فلا أحد يعلم عنه، لو جاءك ظرف من البريد ما عليه اسم، ولا مرسل، ولا عنوان، فما يدريك أن بداخله شيء؟ بعض الناس يحولنا على قلبه يقول: الدين في القلوب والصدور، ما أدرانا يا أخي؟! تريدنا أن نأخذ الفأس ونكشف على صدرك، ونرى ما بداخله؟! لا نستطيع، الله يحاسبك يوم القيامة على ما في قلبك، نحن الآن نتعامل معك على ضوءِ ظاهرِك، فإذا كان متمسكاً بسنة النبي صلى الله عليه وسلم حكمنا على ذلك بأنك -إن شاء الله- ممن يحب الرسول صلى الله عليه وسلم ويتمسك بسنته. فيجب عليك -يا أخي المسلم! - يا من تريد أن يثبتك الله على الإيمان! أن إذا مر بك موقف من مواقف السخرية أو الاستهزاء أو الطعن أو النَّيْل منك ألا تهتز، ولا تضعف وتنام، لا. بل اثبت، إنك على الحق، وخذ من موقف نوح عليه السلام موقفاً يثبتك على دين الله، وقل: {إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} [هود:38]. الثانية: موقف آخر من نوح عليه السلام، وهي: حينما ركب وقومُه في السفينة، وطلب من ابنه الكافر أن يركب، ورفض الولد وقال: {سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} [هود:43]. فنوح عليه السلام كان قد فهم مِن وعد الله عز وجل حينما قال له: {فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ} [المؤمنون:27] فَهِم من هذا أنه مسموح له بأن يركب مع مَن آمن به ومع جميع الأهل، والمقصود بكلمة (أهلك) أي: أهله الذين آمنوا به وصدقوه، وأن من ليس من أهل الإيمان فإنه ليس من أهله ولو كان ولده، فقال نوح: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود:45 - 46]. هنا وقف نوح عليه السلام الموقف العظيم، موقف الأنبياء: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود:47 - 49]. فنوح عليه السلام تبرأ واستعاذ بالله أن يسأله ما ليس له به علم في وساطة أو شفاعة في شيء لا يحبه الله ولا يرضاه. وهذا الموقف نتعلم منه أن الرابطة الإيمانية هي الرابطة الوثيقة التي نتعامل مع الناس على ضوئها، وأن نحب ونعادي ونبغض من أجلها؛ لأن الله عز وجل يقول: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة:22]. ثم قطع الله الخط على أي شخص يقول: ولدي يا رب! أبي يا رب! نسبي فقال الله: {وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة:22]. وسوف نتكلم -بإذن الله- عن بعض المواقف التي نستفيدها من القصص القرآني في مناسبات قادمة بإذن الله عز وجل ونكتفي بذكر هذه الثلاث التي هي وسائل التثبيت: الوسيلة الأولى: الإقبال على الله وعلى كتاب الله عز وجل بالتلاوة الشرعية عن طريق تطبيق قواعد التجويد والقراءة بالطريقة الصحيحة، والعمل بالقرآن. الوسيلة الثانية: فعل ما أمر الله به، وترك ما نهى الله عنه. الوسيلة الثالثة: التمعن والتدبر في قصص الأنبياء. وبعض الإخوة يسألني ويقول: اذكرها لنا كلها الآن ولو ما تكلمت عليها كلها، لكن أذكرها كلها على سبيل السرد.

من وسائل الثبات: الحرص على التربية الإسلامية العملية الجادة

من وسائل الثبات: الحرص على التربية الإسلامية العملية الجادة الوسيلة الرابعة: الحرص على أن تكون تربية الإنسان تربية إسلامية عملية تبلغ عمق وجذور النفس البشرية، لا تربية سطحية؛ لأن التربية السطحية ما إن يأتيها أقل هزة حتى تذوب وتنمحي، لكن لما تكون عميقة داخل النفس، مثلما ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في مكة، لما كانت تربيتهم عميقة وعملية وصحيحة ثبتوا على دين الله إلى آخر لحظة. لكن الذين تربوا في ظل الحياة المدنية من المنافقين أو بعد الفتح لا تأتي أية هزة إلا تكشفهم، لماذا؟ لأن تربيتهم ليست سليمة وعميقة، وضاربة في جذور قلوبهم، وإنما في السطح فقط، فهذه الوسيلة الرابعة.

من وسائل الثبات: الحرص على سلوك منهج أهل السنة والجماعة

من وسائل الثبات: الحرص على سلوك منهج أهل السنة والجماعة الوسيلة الخامسة: الحرص على أن تسلك في سيبل هدايتك مسلك أهل السنة والجماعة، فلا تسلك سبيلاً غير سبيل أهل السنة والجماعة، كـ الصوفية، والشيعة، وأهل الإلحاد، أي وسيلة من الوسائل التي ليست من وسائل مذهب أهل السنة والجماعة هذه لا يستقر عليها الإنسان. وترون الآن حالة كثير من الناس كـ ابن عربي، وابن الفارض فهؤلاء ضلوا؛ لأنهم ما سلكوا الطريق الصحيح، فدائماً الذي لا يسلك الطريق الصحيح لا يثبت عليه، وهذا يحتاج إلى كلام كثير؛ لكن ليس موضوعه الآن.

من وسائل الثبات: كثرة ذكر الله عز وجل

من وسائل الثبات: كثرة ذكر الله عز وجل الوسيلة السادسة: كثرة ذكر الله عز وجل: لأن ذكر الله سبب عظيم من أسباب التثبيت، يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً} [الأنفال:45] فيأتي الثبات من شدة الذكر، يعني: ذكر الله تبارك وتعالى يثبت الإنسان في كل المواقف، ومن أحرج المواقف: الثبات في قتال أعداء الله.

من وسائل الثبات: كثرة الدعاء والابتهال إلى الله

من وسائل الثبات: كثرة الدعاء والابتهال إلى الله الوسيلة السابعة: كثرة الدعاء والابتهال إلى الله أن يثبتك: لأن الله يقول في القرآن: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8] ينبغي أن تجعل هذه الآية ضمن الأدعية الخاصة التي تدعو بها في الصباح والمساء، وفي كل أوقات الاستجابة، وفي السجود: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8]. ولقد رُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أنه كان يقول: (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على طاعتك، اللهم يا مصرف القلوب والأبصار صرف قلوبنا على دينك وطاعتك) إذا كان سيد الهداة صلوات الله وسلامه عليه يطلب من الله التثبيت فنحن أولى بالسؤال منه، فعليك أن تسأل من الله الثبات؛ لأنه هو الذي يثبتك، فعليك أن تسأل المثبت أن يثبتك مع الأخذ بدواعي التثبيت.

من وسائل الثبات: الثقة الكاملة المطلقة بأنك على الطريق الصحيح

من وسائل الثبات: الثقة الكاملة المطلقة بأنك على الطريق الصحيح الوسيلة الثامنة: الثقة الكاملة المطلقة بأنك على الطريق الصحيح، وأن من عداك على الطريق الضال، فالذي ليس على مثلما أنت عليه فهو ضال، وهذه تبين مبدأ الثبات على العقيدة والدين، وأيضاً هي ثمرة ونتيجة لمعرفة الطريق، فالذي يعرف أنه على حق لا يمكن أن يتزعزع عنه، أعطيك مثالاً: الآن أنتم تعرفون أن هذه طريق الخميس، أليس كذلك؟! هل عندكم شك في أن هذه طريق الخميس؟! ولو قلتُ: أنا ذاهب إلى الخميس، ولقيني شخص وأوقفني وقال لي: إلى أين أنت ذاهب؟ قلت: أريد الخميس. فقال: هذه ليست طريق الخميس، ارجع من هنا واسلك طريق السودة. أأصدقه أم أكذبه؟! ما أصدقه، بل أقول: لا. هذه هي طريق الخميس. يقول: لا يا شيخ أنت مخطئ، أنت مجنون، أحْلِفُ لك، أُقْسِمُ لك. والله لو يحلف ما يحلف فإني لن أصدقه، وبعد ذلك تركني ولقيني شخص وقال لي: إلى أين أنت ذاهب؟ قلت: أريد الخميس. فيقول: يا شيخ! هذه ليست طريق الخميس. ويأتي آخر ويقول: بلى، هذه ليست طريق الخميس، فتقول: بل هي طريق الخميس، أنت مخطئ، وأنت أيضاً مخطئ، قالا: لا. أبداً لسنا مخطئين، وأنت لست مخطئاً؟! هذه الطريق ليست طريق الخميس. يقول: لا. فيأتي ثالث ورابع ومائة، ووالله لو يجتمع أمامي أهل الأرض كلهم ويقولون لي: إن هذه ليست الطريق. أقول لهم: لا. لماذا؟! هذا نتيجة ماذا؟! نتيجة علم أن هذه طريق الخميس؛ لأني ذهبت إلى الخميس ألف مرة من هنا. لكن لو أنني لا أعرف طريق الخميس أو جئتها مرة ونسيتها منذ زمن، ومشيت فيها، ولقيني شخص وقال: إلى أين أنت ذاهب؟ تقول: أريد الخميس. يقول: أخطأت، هذه ليست طريق الخميس، بل طريقها من السودة، فتقول: لا. يا شيخ! أنا أغلب ظني أن الطريق هي هذه، أنا أعرف يا أخي! أن الخميس شرق أبها، أتريد أن ترجعني إلى الغرب، ليس معقولاً يا أخي! فيقول: يا شيخ! لا شرق ولا غرب أنت مخطئ، نحن نعرف الطريق، نحن أهل البلد. تقول: لا. مخطئ أنت. ومشيتُ قليلاً، ولقيني شخص وقال لي: إلى أين أنت ذاهب؟! تقول: ذاهب إلى الخميس. قال: لا. هذه ليست طريق الخميس. فهنا تبدأ الثقة تهتز، فأقول: والله الاثنان ليس من المعقول أن يكونا كاذبَين وأنا الصادق، وبعد قليل أدوِّر السيارة وأرجع؛ لأني لا أعرف طريق الخميس أصلاًَ. ولذا أنا أدعو الناس وإخواني في الله أن يعرفوا الدين حقيقةً، الله يقول: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [الرعد:19] الذي يعلم دينه الحقيقي بالدليل من الكتاب والسنة لا يَضِل، والله لو اجتمع أهل الأرض كلهم ليضلوه فلن يستطيعوا، ولهذا كان شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في أول الرسائل يقول: اعلم رحمك الله أنه يجب على كل مسلم ومسلمة تعلُّم أربع مسائل: الأولى: معرفة الله. الثانية: معرفة رسوله. الثالثة: معرفة دينه. الرابعة: معرفة الأدلة. هذا معناه في علم الدين. فعليك -أيها المسلم- أن تتعلم الدين، فإذا تعلمته وثقت فيه، وإذا وثقت فيه لا أحد يضلك أبداً، فالثقة بدين الله مسألة من مسائل الثبات؛ لأنك من عندما تتزعزع عندك الثقة بأنك على الدين الصحيح أو لا فمباشرة تهتز، لكن إذا عرفت أنك أنت على الدين الصحيح، وأن أهل الأرض لو كانوا كلهم على الباطل لا تتزعزع، ولا ترجع عن دين الله، وتثبت حتى تلقى الله عز وجل.

من وسائل الثبات الالتفاف والمجالسة والاحتكاك بالمثبتين على دين الله

من وسائل الثبات الالتفاف والمجالسة والاحتكاك بالمثبتين على دين الله الوسيلة التاسعة: الالتفاف والمجالسة والاحتكاك بالمثبِّتين على دين الله: لا المثبِّطين عن دين الله، فانظروا كلمة واحدة ليس فيها إلا حرف فقط، مثبِّت، مثبِّط، بل الحرفان مخرجهما واحد، لكن التاء مرقق والطاء مفخم. المثبتون على دين الله هم العلماء العاملون الثابتون على الدين، أكْثِرِ الاحتكاك بهم، جالسهم، تابعهم حتى تثبت معهم، ولا تتابع ولا تجالس المثبِّطين الخاملين المنحرفين فيردّونك عن دين الله عز وجل، واعلم أن النصر لهذا الدين، وأن المستقبل لهذا الإسلام، مهما كان، ومهما أظلم الليل، ومهما انتفش الباطل، ومهما كثر الكفر، ومهما كثرت المعصية، إنه كله زبد، ولو جاء السيل من رأس الوادي ترون الزبد كيف يكون في أوله؟! ما هو الزبد هذا؟! لو أخذت قطعة من الزبد وأردت أن تعاينه فقط لوجدت بَعَراً وخشباً وحشرات وذباباً فقط، فهو زبد يذهب وينخلع، لكن الله يقول: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ} [الرعد:17].

من وسائل الثبات الثقة بأن النصر والعاقبة لدين الله وعباده المتقين

من وسائل الثبات الثقة بأن النصر والعاقبة لدين الله وعباده المتقين الوسيلة العاشرة: كن على ثقة بأن النصر لدين الله، وأن العاقبة للمتقين: عندما لحق سراقة بن مالك بالنبي صلى الله عليه وسلم في يوم الهجرة أدركه؛ لأن قريشاً جعلت مائة بعير لمن يأتي به حياً أو ميتاً، فكل شخص يريد مائة بعير -البعير مثل السيارة الآن، أي: مائة سيارة (مرسيدس) - سفينة الصحراء، فقام سراقة -وكان من أشرس وأشجع الرجال من العرب في الجاهلية والإسلام- قام يدور ويصول ويجول حتى لحقه، فلما لحقه قال الرسول صلى الله عليه وسلم لَمَّا رآه: (اللهم اكفناه بما شئت، فساخت قدما فرسه ويداه إلى الأرض -غُرِست في الأرض- فقال: ادعُ لي، ودعني أخرج، قال: وما تُعْلِم أحداً؟ قال: ولا أُعْلِم أحداً عليك، قال: كيف بك يا سراقة! إذا لبست سوارَي كسرى؟). أمعقول أن يصدق هذا؟! أنه يأتي بعد أيام وهو جالس على كرسي كسرى دون أن يسعى إليه! لن يصدق، يقول: هذا لا يعقل! هذا رجل من الأعراب في وسط الصحراء، وكسرى زعيم الفرس كلهم، لا إله إلا الله! وهذا يؤمل إلى ذلك! ولكن كانت عنده ثقة، وفعلاً حقق الله نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم. وفي عهد عمر، لما جيء بالغنائم كان من ضمنها سواري كسرى وكان ملبوساً في يدي سراقة بن مالك رضي الله عنه وأرضاه. فيجب أن تثق، فثق، وسيجعلك الله تبارك وتعالى ممن آمن وعمل صالحاً.

من وسائل الثبات: معرفة الباطل

من وسائل الثبات: معرفة الباطل الوسيلة الحادية عشرة: معرفة الباطل؛ لأن الله يقول: {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام:55] وكان حذيفة بن اليمان متخصصاً في معرفة الشر، يقول: [كان الناس يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنتُ أسأله عن الشر] لماذا؟! [مخافة أن أقع فيه] بعض الناس يسأل عن الشر من أجل أن يدخل فيه، أول ما ينزل يسأل: أين مكان كذا؟ أين السمرات؟ أين الجلسات؟ أين المنتديات؟ أما هذا فيسأل عن الشر حتى لا أحد يجره إليه. فعليك يا مسلم! أن تكون عارفاً بالشرور كلها؛ لئلا تقع فيها؛ لأنك إذا عرفت مرض السِّل، فقد عرفت أعراضَه ونتائجَه فلا تقع فيه، وإذا عرفت الفشل الكلوي و (الكوليرا) و (الإيدز) فهو كذلك، لكن الذي لا يعرف الأمراض والشرور ربما يقع فيها بغير علم، فعليك إذا كنت تريد أن تثبت على الدين أن تتعرف على الشرور والمفاسد حتى لا تقع فيها، وألا تغتر بدولة الباطل؛ لأن الله يقول: {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران:196 - 197]. ويقول: {فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ} [غافر:4] لا يغرك أن ترى الباطل منتفشاً أو منتفخاً وترى أهل الحق ضعفاء! {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [إبراهيم:47].

من وسائل الثبات الصبر

من وسائل الثبات الصبر الوسيلة الثانية عشرة: الصبر. الصبر هو: أنك تعاني من شيء لا تقدر عليه يعني: الشخص منا يصبر على أكل الأرز، أيسمى صابراً وهو يأكل أرزاً؟! لا. اللذات والشهوات والمباحات لا يحتاج لها إلى صبر، هذه لذات. وإنما الصبر لغة هو: حبس النفس على ما تكره. تصبِّرها على طاعة الله، وتصبِّرها عن معاصي الله، وتصبِّرها على أقدار الله المؤلمة، ولذا قال الله: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10]. هذه اثنتا عشرة، وسوف نتحدث عنها بإذن الله بشيء من التفصيل في المستقبل، وقد تحدثنا عن ثلاث فقط منها.

الأسئلة

الأسئلة

أهمية التربية الجادة

أهمية التربية الجادة Q ما هي أهمية وثمرة التربية الجادة الصحيحة؟ A مُسْلِمَة الفتح الذين أسلموا بعد الفتح هم مسلمون دخلوا في دين الله، ومنهم من نصر الله عز وجل فيما بعد؛ لكنهم في درجة الإيمان ليسوا كمُسْلِمَة مكة الذين أسلموا مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولذا في غزوة حنين لما بدأت المعركة انكشف ظهر المسلمين لأول لحظة؛ لأنهم أُعْجِبوا وقالوا: لن نُغْلب اليوم من قلة، ورجعوا {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة:26] فما ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا أصحاب بيعة العقبة، وأصحاب الشجرة، وأصحاب سورة البقرة؛ لأنهم أهل تربية من طراز خاص، مع أن البقية الذين أسلموا مسلمون، ومنهم من نصر الله، وكُتِبَت لهم -إن شاء الله- الحسنى في الدنيا والآخرة بإذن الله عز وجل.

حكم الاستمناء باليد وطرق التخلص منه

حكم الاستمناء باليد وطرق التخلص منه Q ما حكم العادة السرية؟ وما هي طرق التخلص منها؟ A هذه العادة السرية اسمها في الشرع: نكاح اليد، وسميت بالعادة السرية؛ لتخفيفها ولإمضائها على الناس بسهولة، وإلا فاسمها: نكاح اليد، وقد ورد في الأثر لعن صاحبها، قال: (لعن الله ناكح يده). وجاء في الأثر أيضاً: (أن ناكح يده يبعث يوم القيامة ويده حُبْلى منه) أي: ما من حيوان منوي يخرج عن طريق الاستمناء باليد إلا ويده تحمل منه، ولكن آثار الحمل لا تظهر الآن، تظهر يوم القيامة إذا بُعث الإنسان وقام من قبره، وإذا به يجد يده مثل الجبل، لها ستون سنة، فمن يحاسب في ذاك اليوم على الحفائظ وعلى الرضاعات؟! وكيف يخارج نفسه في ذلك اليوم لا حول ولا قوة إلا بالله؟! وما موقفه إذا جاء أهل الإيمان يأخذون كتبهم بأيمانهم، وإذا قالوا: خذ كتابك وإذا بها مشغولة بشهوته والعياذ بالله والله إنها سفاهة وسفالة وخسة ونذالة، أن تستعمل يدك في هذا الأمر. إن الله عز وجل يقول وهو يصف عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون:5 - 6] أي: الأمة، الجارية التي تملكها؛ لأن أحد الشباب يقول: إلا ما ملكت أيماننا، يحسب أنها يده اليمين، لا. بل {مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون:6] أي: الأمة، القَيْنَة التي يملكها الإنسان وهي رقيقة عنده، فيجوز له أن ينكحها ويتسرَّى بها: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون:6] {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ} [المؤمنون:7] ابتغى وراء الزوجة أو ملك اليمين المتسرِّي بها: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون:7] أي: المعتدون على حرمات الله. والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) وجاء أي: حاجز وحصن. فالصوم يقطع منك الشهوة، ولا تأتيك بإذن الله. كيف تصوم؟ تصوم الإثنين والخميس، وتصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وتستعين بالله، وعليك أن تتقي الله عز وجل. ثم إن هناك فتوى من هيئة كبار العلماء بإجماع الهيئة: أنها محرمة تحريماً قطعياً، وأنه لا يجوز أبداً أن يقع فيها المسلم بأي حال من الأحوال. ثم إن هناك فتاوى طبية من منظمة الصحة العالمية، يقولون: إن مزاولة هذه العادة مضر بالجسد وبالعقل وبالنفس: أولاً: تضعف الأنسجة الموجودة في عضو الإنسان؛ مما يجعله غير قادر على مباشرة زوجته إذا تزوج. ثانياً: تضعف الحيوانات المنوية؛ لأنه يستهلك في الاستمناء باليد طاقة كبيرة من القوة والشباب والحيوية، مما يجعله إذا تزوج غير قادر على الإنجاب، فلا يرمي إلا حيوانات منوية تموت قبل أن تصل إلى رحم المرأة، فلا ينجب، ويعيش عقيماً والعياذ بالله. ثالثاً: يقول العلماء والأطباء: إن الإنسان الذي يزاول هذه العادة تشعره دائماً بالإحباط وبالضمور، وتجعله دنيء الهمة، خفيف القصد؛ لأنه كلما بدرت عنده هذه النزوة وَجَدَ زوجةً قريبة، فقام على يده، يعني: امرأته يده -والعياذ بالله- فيتحول من إنسان كريم إلى إنسان سافل هابط. فاتقِ الله يا مسلم! واستعصم به. ثم هناك وسائل: لا تسمع الغناء، ولا تقرأ القصص الخليعة الغرامية، ولا تنظر إلى الحرام، ولا تتابع الأفلام؛ لأن هذه تُذْكي فيك نار الشهوة وتشعله، وإذا اشتعلت نار الشهوة فما يبرِّدها إلا خروج هذه الحيوانات المنوية عن طريق الحلال بالزوجة، أو طريق الحرام إما بالزنا أو بالاستمناء. فلا يجوز لك يا مسلم! أن تشعل هذه الشهوة، وإذا زادت عندك فعليك بالصوم، فإن الصوم وجاء، وأيضاً من رحمة الله أنه إذا زادت عندك نسبة الحيوانات المنوية أن الله يصرفها لك بطريق الاحتلام، تنام وتخرج منك في النوم، فلا يأتيك أي ضرر، وذلك من فضل الله تبارك وتعالى. فعليك أن تعتصم بالله، وأن تتوب، وألا تقع في هذه المعصية الكبيرة والعياذ بالله.

نصيحة لمن وجد في نفسه زيغ وصدود وعدم قبول للنصيحة

نصيحة لمن وجد في نفسه زيغ وصدود وعدم قبول للنصيحة Q أشهد الله على حبكم ومن حضر في هذا المجلس، ثم إنني شاب ملتزم، ومحب للخير في طاعة الله؛ ولكنني أجد في نفسي بعض الأحيان زيغاً وصدوداً وعدمُ قبول للنصيحة، فما العمل؟ A أحبك الله الذي أحببتنا فيه، ونسأل الله عز وجل أن يظلنا في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، فإن من ضمن الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله: (رجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وافترقا عليه). والعمل: من نفسك، ماذا تريدني أن أقول لك؟! أقول: ركِّب لك (قفل) في نفسك، لا. بل اعمل أنت، واستعن بالله، وتمسك بطاعة الله، واقبل النصيحة، دُم على الطاعة، ابتعد عن المعصية، هذه مسئولياتك، هذه واجباتك، هذه دائرة اختصاصك، لا أحد يستطيع أن ينفعك في هذا إلا أنت إذا كنت عاقلاً، أنت الآن طالب في المدرسة، إذا جئت تقوم في الصباح لتذهب إلى المدرسة وشعرت بالنوم والثقل والسهر، وتريد أن تنام، من الذي يستطيع أن يوقظك؟ لولا حرصك على الدراسة والمصلحة والشهادة، وخوفك من المدرسين، لا أحد يستطيع أن يوقظك، هذا من ضمن مسئولياتك، فقم إلى طاعة الله وابتعد عن معصية الله كما تقوم إلى المدرسة وإلى الواجبات الدنيوية.

نصيحة لمن لا يقرأ القرآن

نصيحة لمن لا يقرأ القرآن Q أنا لا أقرأ القرآن، وفي بعض الأوقات لمدة أسبوع، نظراً لظروفي الخاصة، فما العمل؟ A اقرأ القرآن، وإن كنت مشغولاً والذي لا يعرف القراءة مثل الأميين فقد يسر الله من الوسائل والإمكانيات ما يستطيع المسلم به أن يكون تالياً للقرآن عن طريق أخذ القرآن المجوَّد للشيخ علي جابر، أو الشيخ المنشاوي، أو للشيخ عبد الرحمن السديس، أو أي قارئ من القراء الطيبين الذين لهم قراءة ندية عذبة طرية، تتلذذ بها، عليك أن تُشغل القرآن في غرفتك، وفي سيارتك، وفي مكان جلوسك، اجعل القرآن معك، وأيضاً هناك إذاعة اسمها: إذاعة القرآن الكريم، تبث ثماني عشرة ساعة، تبدأ الساعة السادسة صباحاً، وتغلق الساعة الثانية عشرة مساءً، هذه الإذاعة تعتبر مدرسة وجامعة، مَن عَكَف عليها ففيها الأسئلة، والبرامج الإسلامية، والتاريخ، والسيرة، والقصص، والتوحيد، والمحاضرات، والندوات، واللقاءات، فمن لزم هذه الإذاعة فسينوِّر الله بصيرته وقلبه إن شاء الله. أما أنت إذا كنت تقرأ القرآن بالنظر فلا بد أن تجعل لك ورداً معيناً، تجعل المصحف عند رأسك عندما تنام تقرأ، وحينما ترجع من صلاة الفجر قبل أن تنام تقرأ، ثم يكون المصحف في جيبك تقرأ فيه في المكتب، تقرأ فيه في المسجد، ومصحف في منضدتك، إذا كنت في المكتب، وانتهى عملك وأنت جالس فاقرأ القرآن، ومصحف في السيارة إذا خرجت للتمشية، أو للنزهة، وليس هناك شغل فاقرأ، اجعل المصحف معك، كن رفيقاً لكتاب الله عز وجل، حتى يثبتك الله على الإيمان. أما أن تهجر القرآن فلا، بعضهم لا يعرف المصحف إلا في رمضان، ويريد أن يثبته الله!

علاج الرياء والغرور

علاج الرياء والغرور Q أنا شاب ثابت إن شاء الله على دين الله، ولكني أخشى من الرياء والغرور، فما علاج ذلك؟ A علاج ذلك أن تدحر الشيطان، وتستعيذ بالله من وساوسه، فإن الشيطان حريص على الإضلال من كل جانب، فإذا وَجَدَ أنه سينالك من جانب الإقعاد قَدَر عليك، وإن رآك متمسكاً جاءك من باب الغرور وقال: لا. أنت مرائي، لا تعمل شيئاً، اترك الصلاة في المسجد؛ لأنك إذا صليت في المسجد صرت مرائياً، اقعدْ وصلِّ في البيت. يقول العلماء: إن ترك العمل من أجل الرياء شرك، وفعل العمل من أجل الرياء رياء. وطريق السلامة: أن تجعل العمل خالصاً لوجه الله، وتسأل نفسك لِمَ هذا العمل؟ إنه من أجل الله، لا أحدٌ يعطيك عليه فلوساً، ثم تدحر وساوس الشيطان بالاستعاذة بالله منه.

حكم الجلوس عند أناس يستمعون الأغاني

حكم الجلوس عند أناس يستمعون الأغاني Q أنا شاب أركب مع شباب يستمعون للأغاني، ولا أستطيع أن أنهاهم فما الحكم؟ A لا تركب معهم، لا تركب مع شاب يستمع الغناء وأنت لا تستطيع أن تغلق (الراديو) بأي حال من الأحوال، والله خير لك أن تمشي على وجهك وليس على رجليك من البيت إلى المدرسة. قد يقول أحد من الزملاء: والله بيتنا بعيد عن المدرسة، وما عندي سيارة وأبونا ليس عنده سيارة، وإذا ركبت مع زملائي هؤلاء فسَيُسْمِعُوني الغناء، فأنا بين خيارين: إما أن أمشي على رجلي، أو أركب معهم وأسمع الأغاني. نقول لك: امشِ على رجلك، أو لا تدرس، أو اركب مع الزملاء الطيبين، أما أن تركب مع شباب يسمعون الأغاني وأنت ساكت، فاعلم أن البداية هكذا، والنهاية سوف تضل معهم، إما أن تقفل (الراديو) أو لا تركب معهم، والله يقول: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} [النساء:140]. فلا تجلس في مجلس يُعْصَى الله فيه وأنت جالس. بعض الناس يقول: جلستُ في مجلس في وليمة زواج، وكانت الأغاني شغَّالة، يقول: دخلت أريد أن أتعشى، وإذا بهم مُشَغِّلين الأغاني. قلت: وماذا فعلت؟ قال: والله إني جلست ولم أستطع أن أقول شيئاً، فهذا زواج. قلت: وأنت لماذا جلستَ؟! لِمَ لَمْ تخرج؟! قال: أريد أن أتعشى. قلت: الله أكبر على بطنك هذه التي لا تمتلئ، لو أنك عملت احتجاجاً يا أخي! أليس الناس يحتجون على بعض الأعمال؟ إذا أحد أغضبهم يحتجون ويخرجون، إذاً: فأنت جالس في مجلس عُصِي الله فيه، إذا كنت تستطيع أن تغير المنكر فالحمد لله، وإذا كنت لا تقدر فقل: أستأذن. وإذا قيل: لماذا؟! قل: معاصٍ، لا أقدر أن أجلس. والله هذا يؤدبهم أكبر أدب، يؤدب صاحب البيت، والجالسين. وقد أخبرني من أثق فيه، يقول: كنت مدعواً في مناسبة زواج، ولما دخلتُ وإذا بالصور قد أُلْصِقت، والأغاني، وإذا بالمغرِّدين يصيحون بالوَلْوَلَة هذه، فدعيت صاحب البيت قلت: يا أخي! أنت دعوتني لأتعشى أم دعوتني لأعصي الله عزَّ وجلَّ؟! قال: والله يا أخي! لا نقدر، لكن استرح أنت. قلت: لا. والله لا أستريح. قلبه أصبح مثل النار، قلبه حي يخاف الله. يقول: فخرجت، فرآني بعض الناس الذين يعرفونني، فنادوا: أين الشيخ فلان؟! أين الشيخ فلان؟! قال صاحب البيت: والله دخل وسمع الأغاني هذه وأبى أن يجلس، يقول: إنها حرام! يقول: فالجميع كلهم تأثروا، وقالوا: أقفلوها، جزاه الله خيراً. أقفلوها لأنه خرج، لكن لو أنه جلس وبقي مثل الشاة الرابضة من أجل لقمة أرز يملأ بها بطنه والعياذ بالله؟! أعتقد أن فيما حصل كفاية. وأسأل الله تبارك وتعالى لي ولكم التوفيق. والله أعلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وكلهم آتيه يوم القيامة فردا

وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً يقدم المرء على ربه وحيداً فريداً كما خلقه أول مرة، ليس معه شيء غير عمله الصالح أو السيئ، وفي ذلك اليوم يتفاضل الصالحون بأعمالهم الصالحة في درجات الجنة، ويتهاوى المذنبون في دركات النار والعياذ بالله. وللإنسان هيئات وأحوال يقدم بها على ربه كل بحسب طاعته وعصيانه، وقد ذكر الشيخ أربع هيئات لقدوم الإنسان على الله يوم القيامة.

معنى قوله تعالى: (وكلهم آتيه يوم القيامة فردا)

معنى قوله تعالى: (وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً) الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الأحبة في الله! عنوان درسنا هو: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:95] هذه الآية الكريمة، تقرر مرجعية الناس كلهم إلى الله بعد أن يتخلوا عن كل إمكانياتهم وقدراتهم، وما كانوا يظنون أنه يمكن أن ينفعهم {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:95] بدون مال، وجاه، ومنصب، وولد، وبلا حول، ولا قوة، بل كما قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:94] يُخلق الإنسان ويأتي إلى الدنيا فرداً، ويستقبل في خرقة، ويعيش فترة من العمر إلى أن يموت، ثم يموت ويرجع إلى الله فرداً مودعاً في خرقة أخرى وهي خرقة الكفن، وهو بين الخرقتين حياته تتوقف ومصيره في الآخرة على ضوء سلوكه وعمله فيما بين الخرقتين: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} [الأنعام:94] ما خولكم الله عز وجل من المال والأولاد والزوجات والدور والقصور والجاه والمكانة والمنصب والرتب كلها تركتموها وراء ظهوركم وجاء الإنسان إلى الله، يخرج من الدنيا كما تخرج الشعرة من العجين، جاء بالعمل: إما حسنات وإما سيئات؛ حسنات اكتسبها من سيره في طريق الله، والتزامه بكتاب الله، وتمسكه بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتسب الحسنات. أو سيئات حملها على ظهره نتيجة وقوعه فيما حرم الله، أو تركه لما أمر الله، وأما تصديقه لما أخبر الله فيحمل إما سيئات أو حسنات يقول الله عز وجل: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل:89 - 90] ما هو إلا ما كنتم تجمعون وتحتلون من الدنيا {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل:90] القضية قضية عمل، عندك عمل تنجو وتفلح، ليس عندك عمل تسقط ولو كنت من كنت، إن الله لا ينظر إلى الصور والأجسام والأشكال، ولكن ينظر فقط إلى القلوب وأعمال القلوب الحية السليمة المطمئنة الرقيقة، المنيبة المخبتة الخاشعة التي تخشع لعظمة الله. فهذه القلوب الله عز وجل يرفع بها أصحابها يوم القيامة بالعمل الصالح، من جاء بالحسنة العملة الدارجة يوم القيامة ليست الريال ولا الدرهم ولا الدينار ولا الدولار وإنما الحسنات فقط. بعض الناس في الدنيا فقير المال لكنه مليونير حسنات، وبعض الناس في الدنيا غني في المال لكن ليس عنده حسنة، فقير في الآخرة -والعياذ بالله- ولهذا يقال: إذا رأيت أحداً ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة، إذا نافسك في الدنيا يبني بجوارحك أربعة خمسة أدوار، ابن أنت في الجنة واشتغل في القرآن، احفظ كتاب الله، حفظ زوجتك وأولادك وبناتك كتاب الله، اذهب كل يوم إلى المسجد، كل يوم أنت وأهلك، زوجتك مع الأمهات، وبناتك مع التلميذات، وأولادك مع الأولاد، وأنت مع الكبار في المسجد من بعد العصر إلى بعد العشاء في الحلقات؛ تخرجون وعندكم مثل الجبال من الحسنات، لماذا؟ لأن بكل حرفٍ من القرآن تقرءونه عشر حسنات (لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) ما هذه التجارة يا إخواني؟! ولكن ما بال الناس يزهدون فيها؛ لأنهم لا يعرفون قيمة الحسنات، ولا يعرف قيمة الحسنات إلا العالم بالله، مثل الذهب لا يعرفه إلا صاحب الخبرة، ولو أتيت بالذهب عند الفحام، فسوف يرميه لأنه يريد فحماً فقط، وأيضاً لو أتيت عند الذي يجمع البعر والروث كي يفعل به سماداً لرماه لا يعلم أنه ذهب، وكذلك الذي يعرف الله ويعرف دين الله وحقيقة الحياة يعرف قيمة الحسنات، ولهذا يجمع فيها ويحصل منها ويسابق إليها ولا يشبع من خيرٍ حتى تكون نهايته الجنة. قال تعالى: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:95] جاءت الآيات الكريمات في القرآن الكريم لتبين لنا في مواضع ثانية كيف الإتيان على الله؟ وكيف القدوم عليه؟

هيئة قدوم المجرم على ربه

هيئة قدوم المجرم على ربه ذكر ربنا عز وجل هيئات للقدوم عليه سبحانه وتعالى: الهيئة الأولى: أن تأتي إلى الله مؤمناً يقول عز وجل: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى} [طه:75] أي: في الجنة. الهيئة الثانية: أن تأتي إلى الله مجرماً يقول الله عز وجل: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ} [طه:74 - 75] لا يوجد إلا إتيانين على هيئتين، إما إيمان وعمل صالح، أو إجرام، وكلمة إجرام عامة، يدخل فيها الكافر، والمنافق، والفاسق، كل من ليس عنده إيمان وعمل صالح يصنف مع الفريق هذا الذي يدخل النار. {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ} [طه:75] وفي كلمة (ربه) هنا نوع من الإشارة إلى أنه ما دام ربك فلماذا تأتي إليه وأنت مجرم؟! ربك الذي خلقك وأوجدك من العدم، ربك الذي رباك بالنعم وفضله وإنعامه عليك كيف تعصيه؟ كيف تقدم عليه وأنت مجرم؟! ربك صاحب الفضل عليك الذي خلقك من العدم ويخلقك في بطن أمك خلقاً من بعد خلقٍ في ظلمات ثلاث، فأبوك يضعك نطفة وأمك تستقبلك شهوة، ثم يخلط الله بين ماء الرجل وماء المرأة، ثم يتعهد الله هذه النطفة بتلك المراحل من الأطوار الخلقية أربعين يوماً نطفة، ثم أربعين يوماً علقة، ثم أربعين يوماً مضغة، ثم بعد المضغة تصير عظاماً، ثم يكسو الله العظام لحماً، ثم ينشأه الله خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين! فأنت في بطن أمك لا أحد يعلم عنك إلا الله: (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [النجم:32] يجري لك الله عز وجل في بطن أمك الغذاء، والهواء، وجميع الإمكانات التي تريدها، ويزودك بكل الأعضاء التي تحتاجها، يجعل لك أقداماً في البطن وأنت لا تسير في البطن لكن من أجل أنك عندما تخرج إلى دنيا تحتاج فيها إلى الأقدام، ويجعل الله في رأسك عيوناً وأنت لا ترى في البطن؛ لكن لأن الله يعلم أنك سوف تخرج إلى الدنيا وتحتاج إلى البصر، يجعل الله لك أيدي، وبعد ذلك إذا جئت إلى الدنيا، الله يربيك {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل:53] فما دام هو الخالق والمربي والمنعم فكيف تأتيه وأنت مجرم؟ {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً} [طه:74] كلمة مجرم مفهومها عند الناس مفهوم محدود، بينما هي في الشرع لها مفهوم أوسع، مفهوم الإجرام عند الناس أنها القتل، والسرقة، والزنا، وترويج المخدرات، وقطع السبل، وهذا لا شك إجرام.

هيئة قدوم قاتل النفس على ربه

هيئة قدوم قاتل النفس على ربه إن من يقتل النفس بغير حق مجرم؛ لأنه ارتكب معصية كبيرة وهي قتل النفس بغير حق، وسفك الدم الحرام، يقول عليه الصلاة والسلام: (لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) وأول ما يقضى يوم القيامة في الدماء، والله يقول في سورة النساء: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93] ويأتي المقتول يوم القيامة يحمل رأسه على يده، ويمسك بيده الأخرى في تلابيب قاتله وأوداجه تشجب دماً يقول: يا رب! سل هذا فيما قتلني بغير حق؟! وإذا قتل نفساً معصومة فكأنما قتل الناس جميعاً، كما قال الله في قصة ابني آدم في المائدة: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً} [المائدة:27] إلى آخر الآيات، وقال الله: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ} [المائدة:32] أي: من أجل هذه الجريمة؛ ولأن هابيل هو الذي سَنَّ سنة القتل وقتل أخاه، رغم أن أخاه كان قادراً على أن يقتله، لكن منعه خوف الله {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} [المائدة:28] لماذا؟ ماذا الذي حدث؟ {إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة:28 - 30]. وبعد ذلك قال الله في آخر الآيات: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ} [المائدة:32] أي: من أجل هذه السنة السيئة، ومن أجل هذه الجريمة الشنعاء {كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة:32] فإذا قتلت شخصاً في الدنيا تأتي يوم القيامة وفي رقبتك بعدد كل من خلق الله من آدم إلى يوم القيامة، كأنك قتلتهم كلهم يعني: كأنك قتلت العالم كله، ليس العالم في هذا الزمن فقط، بل العالم منذ خلق الله الأرض إلى يوم القيامة، أجل. جريمة كبيرة، وفاحشة منكرة أن تقتل، ولهذا لا تقتل، ولا تفكر في القتل، ولا تحمل سلاحاً، إلا في معركة، أو مواجهة أعداء، هناك تذهب تقاتل أعداء الله، أما أنك تحمل سلاحاً فإن حملك للسلاح يؤدي إلى استخدامه لأتفه الأسباب، مثل شخص حمل السلاح، لماذا؟ قال: هذا سلاح شخصي، وبعد ذلك يحصل بينه وبين زميله شجار أو مشكلة بسيطة، ولكن الشيطان يشحنه ويصعب المشكلة حتى يستعمل السلاح ثم يهلك، لكن لو أنه ليس عنده سلاح ما كان يعمل هذا العمل. ولهذا لما سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم ما أخبر به من القتل في آخر الزمان قال: (يا رسول الله! إن أنا أدركت ذلك الزمان فماذا أصنع؟ قال: اعمد إلى سيفك واضرب به في حجر -يقول: اكسره لا تستخدمه- قال: فإن جاء يقتلني؟ قال: فادخل في بيتك لا تقاتله، قال: فإن دخل علي البيت؟ قال: فخمر وجهك حتى لا ترى بارقة السيف وكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل)، لأنك بمجرد أن قتلت فأنت مقتول، وبعد ذلك مقتول مليون قتلة، هذا الذي قتلته قتلته مرة واحدة وأخذها فجأة ومن غير توقع، لكن أنت منذ أن يقبض عليك وأنت مقتول، وكلما دعيت إلى التحقيق أنت مقتول، وكل يوم أنت مقتول، وكلما تسمع أقدام عسكري يدخل تقول لك نفسك: أتوك الآن. وإذا جاء يوم القتل لا إله إلا الله! كيف تكون نفسية المقتول إذا دعوه وقالوا: تعال اكتب وصيتك الآن ينفذ فيك الحكم، كيف تكون نفسيته يا إخوان؟ لو استطعنا أن نصل إلى نفسيته ونأخذ شريحة كي نحللها سنجد أنه أشقى إنسان على وجه الأرض، بعد ذلك يحمل ثم ينزل إلى الساحة ثم يجلس ثم يسمع الإعلان، وهو: أقدم فلان بن فلان على قتل فلان بن فلان، وبعد ذلك يضرب رأسه إما بالسيف لتقطع رقبته، أو بالبندقية لتنفض ظهره، كم قتل الآن؟ يسمونه قتل الصبر، لا يأتي القتل إلا وقد مات، بعضهم يموت قبل أن يأتي السيف في رأسه، وهل تنتهي المسألة هنا؟ لا. هذا حق الدنيا وبقي حق الآخرة. فهل تنفع التوبة؟ للعلماء كلام كثير في هذا. قال العلماء: إن القاتل يرتكب ثلاث جنايات، واحدة في حق الله، وواحدة في حق الورثة، وواحدة في حق المقتول. فأما التي في حق الله: فتسقط بالتوبة إذا تاب قَبِل الله توبته. وأما التي في حق الورثة: فتسقط بالقود أو بالعفو أو بالعوض أي: الدية، القود يعني: القصاص، أو العفو يعفون عنه، أو الدية يستلمون مالاً. وأما التي في حق المقتول: فهذه يؤجل النظر فيها إلى الحضور بين يدي الله يوم القيامة؛ لأن المقتول ما استفاد من القتل، لما قتلنا القاتل هل استفاد المقتول؟ لا. استفاد الورثة وبردت قلوبهم؛ لأنهم اقتصوا من قاتل أبيهم، لكن ذاك قتل بغير حق، أما هذا فقتل بحق، ولذا ترفع القضية ويعاد النظر فيها يوم الوقوف بين يدي الله، إذاً: لماذا تقتل يا أخي؟! لا تمارس القتل في أي حالٍ من الأحوال، فالقتل جريمة.

هيئة قدوم الزاني على ربه

هيئة قدوم الزاني على ربه إن الزنا جريمة لاشك فيها، وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (ما عصي الله بذنب بعد الشرك أعظم من نطفة يضعها الرجل في فرجٍ لا يحل له)، (ومن زنى بامرأة في الدنيا كان عليه وعليها في القبر نصف عذاب هذه الأمة)، (والذي نفس محمدٍ بيده إن ريح فروج الزناة والزواني في النار ليؤذي أهل النار) أهل النار كل واحد يسد أنفه ماذا هناك؟ قال: ريح، من أين يأتي الريح؟ من فرج الزاني والزانية، من العذاب والإحراق. (والذي نفس محمدٍ بيده إن فروج الزناة والزواني لتشتعل ناراً يوم القيامة) تتحول إلى براكين من لهب؛ لأنها كانت موطن لذة محرمة. وفي حديث سمرة بن جندب في البخاري، حديث الرؤيا الطويل قال: (ثم أتينا على تنورٍ أعلاه ضيق وأسفله واسع فيه رجالٌ ونساء عراة، يأتيهم لهبٌ من تحتهم فيرتفعون وينخفضون قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزواني والزناة من أمتك) ولهذا شرع الله للزاني المحصن أشنع قتلة، القاتل يقتل، لكن الزاني المحصن؟ يرجم. كيف يرجم؟ حتى يموت بالتقسيط، وينال كل جزء من جسمه جزءاً من العذاب؛ لأنه تلذذ بالجسم كله، قتلة الرمي من أشنع ما يمكن، وأنا حضرت مرة في حياتي إقامة حد على زاني يرجم، ورجم بالحجارة حتى تغطى بالحجارة وما رأيناه، وكان كلما أتى حجر صاح، حجر يقع في رأسه وظهره حتى تغطى بالحجارة، وبعد ذلك قالوا: خلاص، أتوا بعد رمي الحجارة وكشفوا عليه وإذا به حي، قالوا: زيدوه، تصور هذه القتلة، هل تسوى هذه لذة الزنا؟ يا إخواني! أين عقول الناس، لا حول ولا قوة إلا بالله! بعضهم يقول: يمكن أعملها في الدنيا ولا يرجموني، حسناً وإذا ما رجمت في الدنيا فرجم الآخرة أشد. رجم الدنيا ربما يكون كفارة إذا تبت ورجمت في الدنيا فإن شاء الله أن الله عز وجل يتوب عليك كما تاب على ماعز والغامدية اللذين قال فيهما النبي صلى الله عليه وسلم: (إنهم الآن لينغمسون في أنهار الجنة مع التوبة) لكن من لم يقم عليه الحد ويزني في الدنيا لا يلزمه أن يذهب إلى الحاكم من أجل أن يجلد، لا. عليه أن يتوب، والله يتوب عليه، لكن الموت على من يأتيه وهو على الزنا، هذه المصيبة ولا حول ولا قوة إلا بالله! كذلك السرقة جريمة تأخذ مال المعصوم لماذا؟ (إن أموالكم ودماءكم وأعراضكم حرام عليكم) لا تمد يدك ولو على مسواك، لا تمد يدك ولو على هللة، إلا مالك، أما مال الناس فلا؛ لأنك إن تأخذ شيئاً تأخذ حراماً، والحرام يوم القيامة مأخوذ منك، فأنت مجرم إذا سرقت. إذا روجت المخدرات فأنت مجرم؛ لأن المخدرات آفة الشعوب وعلة الأمم جميع دول الأرض أجمعت على محاربتها لماذا؟ لأنها تعني لا إنسان، هذه معادلة دولية (مخدرات + إنسان=لا إنسان) يبيع الإنسان دينه وعرضه ووطنه وكل شيء في حياته مقابل جرعة مخدرات؛ لأنه لا يتحكم ولا يستطيع التحكم بنفسه، المخدر يتحكم في مخه ويسير في دمائه، فإذا تناوله راق وجلس، وإذا انتهى المخدر يأتيه مثل الجنون في رأسه، يتشنج ويفتح عيونه ويصيح يريد جرعة بأي وسيلة. أتسمح بهذا وأنت تروجها وتتعاطاها وتهربها وتتستر على صاحبها؟ لو كان ولدك من صلبك بلغ عنه، يجب أن نكون عيوناً ساهرة على المخدرات، ليس فقط إدارة مكافحة المخدرات؛ إدارة مكافحة المخدرات جهة مسئولة أمام الله أن نبلغ، والذي لا يبلغ فهو متستر، وخائن لله ولرسوله ولأمانته، وسوف يبتلى هو ويمكن أن تصير البلية بعد ذلك فيهم؛ لأن الراضي الذي يرضى بهذا المنكر للناس فهو كالفاعل -والعياذ بالله- هذا مفهوم الإجرام عند الناس.

هيئة قدوم السارق ومروج المخدرات على ربه

هيئة قدوم السارق ومروج المخدرات على ربه إن الزنا جريمة لاشك فيها، وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (ما عصي الله بذنب بعد الشرك أعظم من نطفة يضعها الرجل في فرجٍ لا يحل له)، (ومن زنى بامرأة في الدنيا كان عليه وعليها في القبر نصف عذاب هذه الأمة)، (والذي نفس محمدٍ بيده إن ريح فروج الزناة والزواني في النار ليؤذي أهل النار) أهل النار كل واحد يسد أنفه ماذا هناك؟ قال: ريح، من أين يأتي الريح؟ من فرج الزاني والزانية، من العذاب والإحراق. (والذي نفس محمدٍ بيده إن فروج الزناة والزواني لتشتعل ناراً يوم القيامة) تتحول إلى براكين من لهب؛ لأنها كانت موطن لذة محرمة. وفي حديث سمرة بن جندب في البخاري، حديث الرؤيا الطويل قال: (ثم أتينا على تنورٍ أعلاه ضيق وأسفله واسع فيه رجالٌ ونساء عراة، يأتيهم لهبٌ من تحتهم فيرتفعون وينخفضون قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزواني والزناة من أمتك) ولهذا شرع الله للزاني المحصن أشنع قتلة، القاتل يقتل، لكن الزاني المحصن؟ يرجم. كيف يرجم؟ حتى يموت بالتقسيط، وينال كل جزء من جسمه جزءاً من العذاب؛ لأنه تلذذ بالجسم كله، قتلة الرمي من أشنع ما يمكن، وأنا حضرت مرة في حياتي إقامة حد على زاني يرجم، ورجم بالحجارة حتى تغطى بالحجارة وما رأيناه، وكان كلما أتى حجر صاح، حجر يقع في رأسه وظهره حتى تغطى بالحجارة، وبعد ذلك قالوا: خلاص، أتوا بعد رمي الحجارة وكشفوا عليه وإذا به حي، قالوا: زيدوه، تصور هذه القتلة، هل تسوى هذه لذة الزنا؟ يا إخواني! أين عقول الناس، لا حول ولا قوة إلا بالله! بعضهم يقول: يمكن أعملها في الدنيا ولا يرجموني، حسناً وإذا ما رجمت في الدنيا فرجم الآخرة أشد. رجم الدنيا ربما يكون كفارة إذا تبت ورجمت في الدنيا فإن شاء الله أن الله عز وجل يتوب عليك كما تاب على ماعز والغامدية اللذين قال فيهما النبي صلى الله عليه وسلم: (إنهم الآن لينغمسون في أنهار الجنة مع التوبة) لكن من لم يقم عليه الحد ويزني في الدنيا لا يلزمه أن يذهب إلى الحاكم من أجل أن يجلد، لا. عليه أن يتوب، والله يتوب عليه، لكن الموت على من يأتيه وهو على الزنا، هذه المصيبة ولا حول ولا قوة إلا بالله! كذلك السرقة جريمة تأخذ مال المعصوم لماذا؟ (إن أموالكم ودماءكم وأعراضكم حرام عليكم) لا تمد يدك ولو على مسواك، لا تمد يدك ولو على هللة، إلا مالك، أما مال الناس فلا؛ لأنك إن تأخذ شيئاً تأخذ حراماً، والحرام يوم القيامة مأخوذ منك، فأنت مجرم إذا سرقت. إذا روجت المخدرات فأنت مجرم؛ لأن المخدرات آفة الشعوب وعلة الأمم جميع دول الأرض أجمعت على محاربتها لماذا؟ لأنها تعني لا إنسان، هذه معادلة دولية (مخدرات + إنسان=لا إنسان) يبيع الإنسان دينه وعرضه ووطنه وكل شيء في حياته مقابل جرعة مخدرات؛ لأنه لا يتحكم ولا يستطيع التحكم بنفسه، المخدر يتحكم في مخه ويسير في دمائه، فإذا تناوله راق وجلس، وإذا انتهى المخدر يأتيه مثل الجنون في رأسه، يتشنج ويفتح عيونه ويصيح يريد جرعة بأي وسيلة. أتسمح بهذا وأنت تروجها وتتعاطاها وتهربها وتتستر على صاحبها؟ لو كان ولدك من صلبك بلغ عنه، يجب أن نكون عيوناً ساهرة على المخدرات، ليس فقط إدارة مكافحة المخدرات؛ إدارة مكافحة المخدرات جهة مسئولة أمام الله أن نبلغ، والذي لا يبلغ فهو متستر، وخائن لله ولرسوله ولأمانته، وسوف يبتلى هو ويمكن أن تصير البلية بعد ذلك فيهم؛ لأن الراضي الذي يرضى بهذا المنكر للناس فهو كالفاعل -والعياذ بالله- هذا مفهوم الإجرام عند الناس.

هيئة قدوم تارك الصلاة على ربه

هيئة قدوم تارك الصلاة على ربه هناك مفاهيم أخرى للإجرام، فمن لا يصلي مجرم، وهذه جريمة من طراز قوي جداً أعظم من جريمة القاتل والزاني والسارق وترويج المخدرات، لماذا؟ لأن القاتل إذا قتلناه نصلي عليه، لماذا؟ لأنه مسلم، القاتل ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب ونصلي عليه ونغسله ونكفنه ونقبره مع المسلمين، ويرجى له عند الله المغفرة، لكن تارك الصلاة إذا مات مات مرتداً، لا يُآكل، ولا يشارب، ولا يجالس، ولا يسلم عليه، ولا يزار إذا مرض، ولا تتبع جنازته، ولا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مدافن المسلمين، لماذا؟ لأنه مرتد كافر -والعياذ بالله- تارك الصلاة مجرم. قد يقول شخص منكم: ما يدرينا أنه مجرم؟ أقول لك: مجرم بنص القرآن، ليس من رأسي، قال الله عز وجل: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38] يعني: يوم القيامة، كل واحد مرتهن بكسبه، كل نفس أنا وأنت وكل من على وجه الأرض وكل من سيأتي وكل من مات إلى يوم القيامة {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [المدثر:38] أي: بما عملت {رَهِينَةٌ} [المدثر:38] لا تلم أحداً، لا تلم إلا نفسك، والله لا تأخذ حسنات غيرك ولا يأخذ أحد من سيئاتك شيئاً، والله إنها لك إن هي خير أو شر {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46] {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38] * {إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ} [المدثر:39]-اللهم اجعلنا جميعاً منهم- أين هم هؤلاء؟ {فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ} [المدثر:40]. من ضمن النعيم الذي يعطي الله لأهل الجنة أنهم وهم على الأسرة والأرائك، والنعيم، والقصور، يشرفون والأنهار تجري من تحتهم، والحور والولدان يخدمونهم وهم في نعمة يتساءلون يتحادثون، وقد ذكر الله هذا في القرآن في أكثر من مرة {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ} [المدثر:38 - 41] وهم في النار؟ {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر:42] ماذا أتى بكم إلى هنا؟ {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:43] نعم. يعني: الذي لا يصلي ماذا يصبح؟ مجرم. ولا يجوز له -أيها الإخوة- أن يتزوج بمسلمة؛ لأنه مرتد ومن شروط زواج المسلمة ألا تتزوج إلا مسلماً: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء:114] (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة:10] لا تحل المسلمة للكافر بأي حالٍ من الأحوال، فلا يجوز أن تزوج شخصاً لا يصلي، وإذا تزوج وهو يصلي ثم ترك الصلاة فيما بعد، انفسخ العقد وبطل النكاح وحرمت الزوجة عليه، وحرم على وليها أن يبقيها في بيته، وحرم عليها أن تبقى ويعاشرها، وإذا جامعها فإنما يجامعها زنا، وأولادها بعد ذلك أولاد سفاح، ولا يحتاج الأمر إلى طلاق، فلا طلاق للكافر، يفسخ العقد عند القاضي فسخاً بالقوة، وهذا يقام عليه الحد، تارك الصلاة مرتد، كافر، مجرم، هل يفهم الناس هذا في هذا الزمان؟ ما أكثر المجرمين -الله المستعان- بل في بيوت بعض الناس تجده يعرف أن أولاده لا يصلون وساكت، لماذا؟ قال: الولد موظف، لا نريد نقول له: صلِّ بعد ذلك يخرج ويذهب بالراتب، ونحن نريده يصرف علينا، يصرف عليك وهو مجرم! من الذي رزقك قبل الولد؟ من الذي خلقك؟ من الذي رزقك بالولد نفسه؟ تحول اعتمادك من الله على هذا؟! لا إله إلا الله! والله يقول: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132].

هيئة قدوم المستهزئ بأولياء الله على ربه

هيئة قدوم المستهزئ بأولياء الله على ربه الذي يستهزئ بأهل الإيمان مجرم {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين:29] هذه جريمة بعض الناس لا ينتبه لها، يقول: نمزح نضحك، لا. كل شيء في دين الله لا تضحك به، كل شيء له علاقة بالله والرسول والأئمة والخطباء والعلماء والدعاة والمؤمنين، انتبه، هؤلاء لهم حصانة اسمها حصانة شرعية، الذي يستهزئ بهم يستهزئ بالله. وكلكم تعرفون حديث الذين كانوا في الغزوة وجلسوا تحت شجرة، فقال واحد منهم: [ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً -يعني: يأكلون كثير- وأجبن عند اللقاء]، وهو يعرف أنه كذاب، بل كانوا أعف الناس بطوناً وأشجع الناس، وهو يقصد بكلامه رسول الله وأصحابه، فسمعه أحد المؤمنين فقال: كذبت يا عدو الله! والله إنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فركب حصانه وجاء إلى الرسول يخبره فوجد الخبر قد سبق من السماء، أنزل الله قرآناً يتلى إلى يوم القيامة، أثبت الله عز وجل كفر هذا الرجل بعد أن أثبت إيمانه، وجعل الاستهزاء بالرسول استهزاء بالله وآياته، قال عز وجل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة:65] يعني: نتكلم، نضحك، نمزح {قُلْ أَبِاللَّهِ} [التوبة:65] الرجل ما استهزأ بالله أو بالرسول وأصحابه لكن اعتبر هذا الاستهزاء استهزاء بالله {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66] كلمة كفرته وأخرجته من الدين والإيمان، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع القرآن، وجاء يتوب، يقول راوي الحديث: [كأني به وهو متعلق بنسعة ناقة النبي صلى الله عليه وسلم والحجارة تركض رجليه، وهو متعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم ويقول: يا رسول الله! والله ما أعنيها، يا رسول الله! والله ما أصدق فيها، يا رسول الله! إنما كنا نتحدث حديث الركب، يا رسول الله أأدخل النار وأنت بين ظهرانينا، توبةً يا رسول الله! كلما قال كلمة قال: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66]] ولذا أمسك لسانك، شُدَّ عليه لا تطلقه في أعراض المؤمنين. {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ} [المطففين:29 - 32] سبحان الله! كيف تنعكس الفطر وتنقلب الموازين إذا رأوا الطيبين قالوا: هؤلاء ضالون، وفي بلادنا الحمد لله ليس هذا موجود والحمد لله في هذه البلاد، المؤمن مقدر وموقر ويحترم ويثق الناس فيه، لكن عند غيرنا من بلاد المسلمين إذا رأوا المسلم المتدين يقولون: انظروا المجنون، يسمونه مجنون، أو إرهابي، أو متطرف، أو إنسان في عقله شيء {إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ} [المطففين:32] قال الله عز وجل: {وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} [المطففين:33] أي: ما لهم منهم شغلة، ما هم بحافظين عليهم {فَالْيَوْمَ} [المطففين:34] يوم القيامة {الَّذِينَ آمَنُوا} [المطففين:34] وهم في درجات الجنات {مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} [المطففين:34] ضحكة بضحكة لكن ليست سوء، ضحكة في الدنيا بضحكة في الجنة والنار هناك {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففين:36] نعم. هل جاءهم الجزاء والثواب؟ نعم. كما ضحكوا ضُحِك عليهم، لا حول ولا قوة إلا بالله! {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً} [طه:74] فصور الإجرام -أيها الإخوة- كثيرة، فلا تكن مجرماً فيما بينك وبين الله، ولا تكن مجرماً فيما بينك وبين نفسك، ولا تكن مجرماً فيما بينك وبين الناس، بل عليك أن تكون مؤمناً.

صفة جهنم وما أعد الله فيها للمجرمين

صفة جهنم وما أعد الله فيها للمجرمين {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ} [طه:74]. ثم جاء توضيح جهنم، ماذا فيها؟ قال عز وجل: {لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} [طه:74] كيف لا يموت ولا يحيا؟ قالوا: لا يموت فيستريح ولا يعيش حياة كريمة وإنما يحيا حياة عذاب {وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ} [إبراهيم:17] أكبر أمنية عند أهل النار الموت {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ} [الزخرف:77] يعني يميتنا {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف:77] فيرد عليهم مالك بعد زمن، ورد في التفسير بعد قدر عمر الدنيا، بعد إذ خلقها الله حتى يفنيها مرتين، ولا يوجد جواب، وبعد ذلك يقول لهم: {قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف:77] يعني: مكانكم جيد، لماذا؟ قال: {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ * أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:78 - 80] {لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} [طه:74]. بالله يا إخوة! كيف يحيا من طعامه النار؟ أنت الآن هل تستطيع تعيش عيشة معقولة في درجات الحر الشديد وما عندك مكيف؟ لا. وما عندك مروحة؟ لا. وما عندك ماء بارد؟ لا تستطيع بل تموت، طيب كيف من فراشه نار {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ} [الأعراف:41] بعد ذلك الطعام زقوم {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ} [الغاشية:6] ضريع: شجر من شجر جهنم، لا ينزل إلا الزقوم ثم ينشف في الحلق ويلصق مثل الغراء، فيكاد الشخص يموت ويريد أن يموت فلا يموت، ليته يموت! فيذكر أنه كان في الدنيا يجيز الغصة هذه بالماء، فيطلب ماء ويقول: أعطوني ماء، قال الله: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً} [محمد:15] الحميم: هو الذي بلغ درجة متناهية في الغليان {حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن:44] يعني: حار جداً {وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً} [محمد:15] ماذا يفعل هذا الماء؟ لا ينزل فقط، لا. ينزل وينزل معه الأمعاء {فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:15] {وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:15] تخرج أمعاؤهم من أدبارهم، الماء الحار الذي أحرقها كواها، وبعد ذلك في شراب آخر في جهنم اسمه الغسلين، وهذا الغسلين الذي يخرج من فروج الزناة، هذا شراب أهل الخمر في الدنيا، يقول عليه الصلاة والسلام: (من شرب الخمرة في الدنيا ومات ولم يتب؛ سقاه الله من ردغة الخبال، قالوا: وما ردغة الخبال يا رسول الله؟! قال: عصارة أهل النار) العرق والدم والقيح والصديد الذي يسري من أهل النار يجمع في أواني من نار ويقدم لهم (ومن شرب الخمرة في الدنيا ومات ولم يتب؛ سقاه الله من نهر الغوطة قيل: ما نهر الغوطة يا رسول الله؟! قال: نهر يجري في جهنم من فروج المومسات) المومسات يعني: الزانيات يتحول فرجها إلى نهر يجري بالدم والقيح والصديد، ويقول عز وجل في قضية الشرب: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ} [إبراهيم:15 - 17] لا يستطيع أن يبلعه؟ وأنا ضربت لهذا مرة بمثال: لو جيء برجل وجيء له بكوب مملوء بالقيح والصديد وقيل له: اشرب وإلا ضربت بالسيف، طبعاً هو يريد الحياة وسيشرب، فإذا بلغ إلى هذا المكان، ثم ذاقه لا يستطيع فيرى السيف فيقول: من أجل السيف اشرب، فإذا شرب شربة واحدة ونزلها إلى بطنه ماذا يحصل له؟ تخرج أمعاؤه كلها وكبده ولهذا يقول: اضربني بالسيف؛ لأن السيف حاصل، الموت موت بالسيف ولا بخروج كبده، لا يتحمل، يقول الله {يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} [إبراهيم:17] يأتيه الموت من الطعام الذي يأكله، والشراب الذي يشربه، والفراش الذي يفرش له، وكل شيء. وبعد ذلك وفوق هذا، هناك حيّات، يقول صلى الله عليه وسلم: (إن في جهنم حيات كالجمال، وعقارب كالبغال) الحية مثل الجمل والعقرب مثل البغل، تلسع تارك الصلاة على ترك الصلاة، وبعد ذلك السلاسل والأغلال والأنكال والقيود، وبعد ذلك ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر:36 - 37]. بعد ذلك يصيحون يطلبون الله؛ لأنهم لا يرون الله، ومن الذي يرى الله؟ يرونه أهل الجنة، أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم. أما هؤلاء فما يرون إلا الملائكة الغلاظ الشداد، والزبانية ينقلونهم من غرفة إلى غرفة، ومن طبقة إلى طبقة {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن:44] مرة في جهنم، ومرة في لظى، ومرة في سقر، ومرة في زمهرير، والعياذ بالله. جهنم ولظى من بعدها حطمة ثم السعير وكل الهول في سقر وبعد ذاك جحيم ثم هاوية تهوي بهم أبداً في حرٍ مستعر جهنم سبع دركات: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} [الحجر:44] كل واحد يأتي ويدخل منها، فالمتخصص في النظر الحرام يدخل على دركة الحرام؛ لأن بعض الناس شغلته منذ أن يخرج إلى أن يرجع وهو ينظر في أعراض الناس، والمتخصص في سماع الحرام أيضاً كذلك، والمتخصص في أكل الحرام كذلك، والمتخصص في الزنا كذلك: {لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} [الحجر:44] {فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى} [طه:74] وقدم الموت؛ لأنه أمنية لأهل النار، الآن وهو في العذاب هذا يتمنى الموت، {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف:77] لكن لا يوجد موت ولا حياة، فهو ليس بحي، كيف يحيا وهو يعيش هذه الحياة! العذاب من فوقه ومن تحته ويأتيه من كل مكان، هل يحق لك بعد هذا أن تأتي مجرماً؟! تضيّع صلاتك، وترتكب مساخط ربك، لا والله يا أخي! قد تقول: إن الصلاة متعبة، صحيح أن الصلاة متعبة لكن الأتعب منها هذا العذاب، قد تقول: إن التوبة متعبة، صحيح متعبة لكن الأشد تعباً منها هذا العذاب، أجل. قارن بين تعب العبادات وترك المعاصي وبين عقوبات المعاصي، تجد أن لا نسبة ولا تناسب في أي حالٍ من الأحوال، يتمنى الشخص من أهل الأرض أن يرجع إلى الدنيا ليعبد الله {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنعام:27] {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة:12] لكن لا توجد رجعة، لماذا لا نفعل الآن العمل الصالح؟! لماذا لا نتوب الآن قبل الغد؟ كما نستقيم على خطا الحياة ودرب الإيمان حتى نلقى الله. هذا المجيء الأول.

هيئة قدوم المرء المؤمن على الله

هيئة قدوم المرء المؤمن على الله المجيء الثاني: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً} [طه:75] اللهم اجعلنا يا رب ممن يأتي مؤمناً، وأبشركم -أيها الإخوة- إن شاء الله بالإيمان؛ لأن للإيمان علامات ومن علامات أهل الإيمان حبهم لهذه المجالس، كونك تترك عملك وشغلتك وأولادك ومصالحك وتأتي من أجل مجالس الذكر، لا يقودك إليها إلا الله، ليس هناك أي دافع يدفعك، لأنه ليس عندنا نقود نقسمها، ولا عندنا عشاء نعشيكم في هذه المحاضرة، وإنما عندنا هذه الجلسة، وعندنا مائدة الله عز وجل، في آخر الجلسة ينادي منادٍ من السماء: أن قوموا مغفوراً لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات، ويباهي بكم الله في الملأ الأعلى، ويقول للملائكة وهم يصعدون إلى الله وهو أعلم: (كيف وجدتم عبادي؟ قالوا: وجدناهم يسبحونك ويهللونك ويقدسونك، فيقول: ماذا يسألونني؟ قالوا: يسألونك الجنة! قال: وهل رأوها؟ قالوا: لا. قال: كيف لو رأوها؟ قالوا: لازدادوا حرصاً عليها وطلباً لها، فيقول الله: وبم يستعيذون؟ قالوا: يستعيذون بك من النار - اللهم إنا نسألك الجنة ونعوذ بك من النار- فيقول الله: وهل رأوها؟ قالوا: لا. فيقول الله عز وجل: فكيف لو رأوها؟ قالوا: لازدادوا منها هرباً وبُعداً، فيقول الله عز وجل: أشهدكم أني قد غفرت لهم) اللهم إنا نسألك من فضلك يا رب العالمين، والحديث في الصحيحين، يقول أحد الملائكة: (يا رب! إن فيهم فلان بن فلان ليس منهم، ليس من أهل الذكر ولكن أتى لحاجة فجلس -مر من عند المسجد ورأى الناس مجتمعين وقال: لنر ماذا هناك، ما هو من أهل الذكر حتى تغفر له يا رب- قال الله: وله قد غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسهم).

حقائق الإيمان عند أهل السنة

حقائق الإيمان عند أهل السنة يقول الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً} [طه:74 - 75] يقتضي الأمر أن نعرف الإيمان عند أهل السنة والجماعة الذي له ثلاث حقائق لابد منها، وإلا ليس بالإيمان: حقيقة في اللسان، وحقيقة في القلب، وحقيقة في الجوارح. فالإيمان هو: قول باللسان (إعلان وإظهار)، واعتقاد بالجنان، (إقرار)، وتطبيق وعملٌ بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، هذا تعريف أهل السنة والجماعة؛ لأن هناك تعريفات أخرى لأهل البدعة، وأهل الهوى، وهناك تعريف مشابه لهذا التعريف لطائفة من أهل الهوى والضلال -والعياذ بالله- وهم المعتزلة، حتى لا يشتبه على طلبة العلم؟ المعتزلة يقولون: الإيمان هو: قول باللسان واعتقاد بالجنان وعمل بالجوارح والأركان، لكن يختلفون عن أهل السنة في أنهم يجعلون العمل شرطاً في صحة الإيمان، أما أهل السنة والجماعة فيجعلون العمل شرطاً في كماله الواجب، هذا وجه الخلاف، الأشاعرة يقولون: التصديق، وغيرهم من أصحاب النحل الضالة. أما أهل السنة والجماعة فتعريفهم للإيمان هو التعريف الذي يتفق مع الكتاب والسنة والذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، قولٌ باللسان: لابد تظهر لا إله إلا الله؛ لأنه أول واجب. واعتقاد بالجنان: إذ قول باللسان بدون عقيدة ماذا يسمى؟ نفاق؛ لأن المنافقين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم قالوا: لا إله إلا الله، قال الله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة:8] فكلام باللسان بدون عقيدة هذا يصير نفاقاً، وأيضاً كلام باللسان واعتقاد بالقلب دون أن يكون عملاً هذا أيضاً نفاق، ولهذا رب العالمين قيدها بما بعدها، قال: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ} [طه:75] مؤمناً استقرت حقيقة الإيمان في قلبه، وهي حقيقة تبلغ في أعماق النفس البشرية، حقيقة الإيمان وتغطي ثلاثة أشياء: الإدراك، والمعارف، والوجدان. إدراك يبلغ حد القطع واليقين. معارف تبلغ درجة اليقين. وجدان حي على الإيمان، يتوقد قلبه إيماناً، هذا هو الإيمان الصحيح، قول باللسان، اعتقاد بالجنان عمل وتطبيق بالجوارح والأركان.

مقتضيات العمل الصالح

مقتضيات العمل الصالح {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ} [طه:75] ما هي الصالحات؟ الصالحات تنقسم إلى قسمين: إما فعل طاعة، أو ترك معصية. إذا دعيت إلى معصية وتركتها فأنت عملت الصالحات بترك المعصية، إذا مررت على مؤشر الراديو وأنت في الليل تسمع أخباراً ومرت يدك على أغنية وتركتها هذا الترك للأغنية يسمى عملاً صالحاً، لكن إذا استقرت يدك على الأغنية وقعدت تسمعها وصرفتها من القرآن، هذا عمل سيئ فاسد منكر، وأنت ينبغي لك أن تعمل الصالحات؛ لأنك إذا عملت السيئات فالسيئات على نفسك: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:46]. فحتى نعطي العمل الصالح الشمول الكامل؛ لابد أن نفهم أن العمل الصالح يقتضي ثلاثة أمور: فعل أوامر الله من الاعتقاد الجازم، والمتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم الخالصة، والصلاة الخاشعة، والزكاة الكاملة، والصيام الزكي، والحج المبرور، وصلة الأرحام، وبر الوالدين، وقراءة القرآن، والدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحب في الله، والبغض في الله، وتعليم الناس الخير هذه كلها أعمال صالحة، وغيرها كثير كما جاء في الصحيحين: (الإيمان بضع وسبعون شعبة) وفي رواية: (الإيمان بضع وستون شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) إذا جئت زوجتك، أو أبعدت الأذى عن الطريق عمل صالح، أو لقيت أخاك المسلم بابتسامة وتسلم عليه وتبتسم في وجهه، وأعنت ملهوفاً، أو أعطيت مسكيناً عمل صالح، المهم الأعمال الصالحة هي كل ما أمر الله به، هذا الأمر الأول. الأمر الثاني: أن تترك كل ما نهى الله عنه، من أجل أن يصبح عملك صالحاً، فتحفظ سبع جوارح، تحفظ العين فلا تنظر بها إلى ما حرم الله، وتحفظ الأذن فلا تسمع بها ما حرم الله، وتحفظ اللسان فلا تنطق به أو تتكلم فيما حرم الله، وتحفظ اليد فلا تمدها أو تبطش بها فيما حرم الله، وتحفظ القدم فلا تخطو بها خطوة لا ترضي الله، وتحفظ البطن فلا تأكل به شيئاً مما حرمه الله، وتحفظ الفرج فلا تطأ به شيئاً حرمه الله، هذه سبعة أبواب اسمها أبواب المعاصي، لا يعصى الله إلا بواحدة منها، إذا أغلقت عينك وسمعك عن الحرام، وكففت لسانك ويدك ورجلك عن الحرام وحفظت فرجك وبطنك من الحرام، فمن أين تعصي الله؟ فليس معك شيء، غلقت الأبواب كلها، ما معك إلا الطاعات. فهذه الجوارح تجرح في الدين {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ} [الجاثية:21] سمى الله السيئات جرحاً؛ لأن الدين ستر والمعاصي عورة وكشف لهذا الستر، وجرح لهذا اللباس الذي ألبسك الله، يقول: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف:26] يأتي الشيطان يريد يعريك، ويكشف عورتك، ويجرح دينك، بعينك أو بأذنك أو بلسانك أو بأي جارحة من جوارحك، فإذا حفظت هذه الجوارح فأنت تعمل الصالحات. الأمر الثالث من العمل الصالح: تصديق الأخبار، ما أخبر الله به في كتابه أو أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته فإننا نصدق به تصديقاً يبلغ حد الجزم واليقين والاعتقاد الذي لا يساوره أدنى شك؛ لأنه لا أحد أصدق من الله {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} [النساء:12] {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} [النساء:87] وليس أحد في البشر أصدق من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما دام المخبر هو الله والناقل الخبر رسول الله، سلسلة ذهبية من الصدق، من ستصدق إذا لم تصدق ربك ورسولك صلى الله عليه وسلم، فيجب أن تصدق الأخبار التي جاءت من الله عز وجل ومن رسوله صلى الله عليه وسلم.

صفة الجنة وما أعد الله فيها لعباده

صفة الجنة وما أعد الله فيها لعباده {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى} [طه:75] الدرجات العلى هي المنازل العالية والأماكن الرفيعة في الجنات، أخبر الله عز وجل عنها بأن فيها (ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) ويقول عز وجل: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17] كل ما خطر في بالك فالجنة بخلاف ذلك، اذهب بالخيال كل مذهب، وتصور بتصوراتك كل شيء، ثم ستنتهي جميع خيالاتك وتصوراتك عند حدٍ لا يبلغ ما أعد الله لك في الجنة؛ لأن الله يقول: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ} [السجدة:17] كيف تتصور إذا كان كل شخص في الجنة عنده قصر، والقصر من درة مجوفة طولها ستون ميلاً في السماء -طول الدرة فقط- له فيها اثنتين وسبعين زوجة، يمكث عند الزوجة كل واحدة نصف نهار الذي يساوي خمسمائة سنة؛ لأن أيام الآخرة اليوم بألف سنة، خمسمائة سنة وأنت عند زوجة واحدة، بعد خمسمائة سنة يضيء في الجنة مثل البرق، برق يراه أهل الجنة ماذا هناك؟ قالوا: هذه حورية تبتسم في وجه زوجها، فإذا رفع رأسه شاهد حورية ثانية قالت: يا ولي الله! أما لنا فيك نصيب، تقول: أنت عندها خمسمائة سنة ما لنا دور، فينتقل من هذه ويذهب إلى الثانية، ويتنقل مثل الشمس في البروج، ماذا هذا النعيم؟ أربعة أنهار تحت بيتك وأنت في القصر، نهر من عسل مصفى، الآن ما وجدنا العسل نغمس فيه فقط، كيف في الجنة أنهار، ونهر من لبن لم يتغير طعمه، لا تنتهي صلاحيته بأسبوع، إذا تأتي تشتريه الآن تنظر متى أصدره، اليوم أو غداً أو بعده متى ينتهي، لكن في الجنة لم يتغير طعمه، دائماً صالح، ونهر ثالث من خمرٍ ليس مثل خمر الدنيا، لذة للشاربين، ونهر رابع من ماء غير آسنٍ؛ لأن آفة الماء إذا ركد أن يأسن ويفسد ويتغير لونه وطعمه وريحه، لكن ماء الجنة غير آسن. ورد في الحديث عند قوله: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ} [الزخرف:71] قال صلى الله عليه وسلم: (في الجنة يقف على رأس كل واحد عشرة آلاف خادم مع كل خادم صحفتان، صحفة من ذهب وصحفة من فضة، في كل صحفة لون من الطعام ليس في الأخرى مثله -يعني: عشرون ألف لون من الطعام في الليلة الواحدة- يأكل من أول صحفة ويأكل من آخر صحفة ويجد في آخر لقمة لذة كما في أول لقمة) أنت الآن لما تأخذ في الدنيا أول لقمة لذيذة؛ لأنك جائع وآخر لقمة ليس لها طعم، إذا غصبوك تقول: والله لا أستطيع، وما أذوقها، لا تريدها، لكن لماذا في الجنة؟ لأن الجنة دار نعيم، نعيم في نعيم. أسأل الله أن يجعلنا جميعاً من أهلها وآباءنا وأمهاتنا وإخواننا المسلمين، وأن يوفقنا للإيمان والعمل الصالح الذي يؤهلنا لها.

لا يدخل أحد الجنة بعمله

لا يدخل أحد الجنة بعمله الجنة -يا إخواني- لا تنال بالعمل فقط، ولكن العمل ليس إلا سبب فقط، أما هي فتنال بالرحمة، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! -لأنهم يعلمون أن عمل الرسول عمل عظيم- قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) ولهذا ورد في الأثر يقول الله: (ادخلوا الجنة برحمتي، واكتسبوها بأعمالكم) الدرجات داخل الجنة بالأعمال، وأما دخول الباب برحمة الله؛ لأن الله عز وجل لو آخذنا على أعمالنا وقال: عليها الجزاء، لضاعت أعمالنا قبل أن تضيع النعم علينا، عملك هذا كله لا يساوي نعمة البصر عندك، الآن تصور أن ليس عندك بصر عافاك الله، أغلق عينيك قليلاً، ما رأيك لو تجعل هذه التغميضة ثابتة لا تفتحها؟ كيف تتحول الحياة بالنسبة لنا؟ من يسوق السيارات الآن إلى البيوت؟ سنكون مثل القطط العمي كلنا، كل واحد يقول: يا ولد أمسكني، أين أذهب؟ أين بيتنا؟ كلنا عمي لا نشاهد شيئاً، فمن الذي أعطاك البصر؟ أمك ركبته في رأسك!! أنت اشتريته من البقالة أو الورشة؟! {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ} [البلد:8] من الذي ركبها لك؟ (وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً} [الأحقاف:26] لماذا أعطاك الله العين؟! لكي تنظر بها إلى الفيديو، وتركب دشاً وطول الليل تقفز من قناة إلى قناة، لا. بعضهم يأخذ (الريموت كنترول) ويتنقل في السماء المليئة بالشر، وتراه يبحث، يطاردها من قناة إلى قناة، كلما غلق مسلسل ينتقل إلى مسلسل، وكلما غلق شر انتقل إلى آخر حتى تيبس عيونه، شخص تركه وتاب إلى الله يقول: والله إني آتي أنام وعيوني لا تغمض، تتعب عيونه فهي يابسة، يقول: فأعود أغصبها إلى أن تنام يقول: فإذا نمت شفت الدش من داخل يقول: وأنا نائم وهناك دش من داخل، مناظر داخلية قد خزنها دش داخلي والعياذ بالله، أصبح دشاً مدشوشاً نعوذ بالله من هذه الحياة. فالله يعطيك عيوناً -يا أخي- من أجل أن تقرأ بها كتابه، وتنظر بها مصالحك، فتخصصها للشر!! هذه نعمة -يا أخي- نعمة البصر لو سلبها الله عز وجل كيف تعيش؟ ولهذا يقول الله: {وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ} [يس:66] من يعرف الطريق الآن لو طمست أبصارنا الآن، عافانا الله جميعاً؟! نعمة السمع -يا أخي- هذه، وتصور أن ليس عندك أذن الآن، ما تسمع وتذهب البيت، كيف تعيش مع الناس؟! تقول لك امرأتك: أريد أشياء، فلا تسمع كلامها، السمع هذا نعمة من نعم الله، ولهذا الله قدمه، وهو وسيلة التعليم الأولى، وإذا لم يكن موجوداً فلن تعرف شيئاً: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً} [الأحقاف:26] يمكن للإنسان الأعمى أن يتعلم؛ لأنه يسمع، لكن واحد ليس عنده سمع ما يتعلم، وإذا تعلم معلومات بسيطة تكون عن طريق الإشارة. من أعطاك اللسان؟ لا إله إلا الله تتكلم باللسان ترجمان عما في قلبك، لو ما عندك لسان تصبح مثل الكرتون جالس في البيت لا تتكلم ولا بكلمة واحدة، لكن تحدث الناس وتتكلم معهم، تعبر عما في قلبك بلسانك {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ} [البلد:8 - 9] هاتان الشفتان من أعظم نعم الله على الإنسان، لو قطعت لما عرفت أن تتكلم كلمة واحدة، ولأصبح شكلك مفجعاً، لا إله إلا الله!! اليد الرجل الجوارح كلها هذه، فلو حاسبك ربي على أعمالك من يوم خلقت إلى الآن ووزنها مع نعمة البصر، تضيع صلاتك كلها، ويضيع صيامك، وجهادك ما قد غلقنا حتى البصر لماذا؟ لأنك عبدت الله ببصر من الله، وبجسد من الله، وبأرجل من الله، كل شيء من ربي ماذا عندك أنت؟ أصلاً ما عندك شيء، أجل: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته) نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يتغمدنا جميعاً برحمته، وأن يجعلنا من أهل جنته، وأن يعيذنا جميعاً من ناره. هذه هيئة وقد قلت لكم: إني سأحدثكم عن هيئات للناس وهم يمشون إلى الله {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:95]. الهيئة الأولى: يأتون فرادى. الهيئة الثانية: يأتون مؤمنين أو مجرمين.

هيئة قدوم صاحب القلب السليم

هيئة قدوم صاحب القلب السليم الهيئة الثالثة: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:89] هذه الآية تدل بالمعنى والمفهوم أن أناساً يأتون بقلوبٍ غير سليمة، إما قلب سليم أو قلب غير سليم، أصحاب القلب السليم يدخلون الجنة؛ لأن الجنة لا يدخلها إلا صاحب قلب سليم مائة في المائة. آدم عليه السلام أكل في الجنة فبدت له سوءته وأخرجه الله من الجنة؛ لأنه غير سليم، وإبليس كان طاوس الملائكة، الله أمر الملائكة بالسجود فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس، أجل. فليس سليماً بالمعصية، قال الله: {فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [ص:77 - 78] فلا يدخل الجنة إلا من جاء بقلب سليم، يقول الله عز وجل إن إبراهيم يقول: {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ} [الشعراء:87 - 91] فتزلف الجنة للمتقين أصحاب القلوب السليمة.

كيفية سلامة القلب وعلاماته

كيفية سلامة القلب وعلاماته كيف يكون قلبك سليماً؟ بثلاثة أشياء: سليم من الشبهات المتعلقة بالعقائد: لا يكون عندك شكوك. سليم من الشهوات المحرمة: شهوة الجنس بالزنا، والسرقة في المال وأي شهوة محرمة. سليم من الغفلة التي تصدك عن ذكر الله. يقول ابن القيم رحمه الله: سليم من شبهة تورد شكاً في دين الله، أو شهوةٍ تورد تقديم الهوى على أمر الله، أو غفلة توجب نسيان العبد لأمر الله. كثير من الناس الآن غافل عن الله، كل شيء له في برنامجه مسافة ومساحة وموعد إلا الله، تجده يحدد للدوام وقتاً، وللغداء وقتاً، وللتمشية بعد العصر وقتاً، وللتسوق بعد المغرب وقتاً، وللسهرة بعد العشاء وقتاً، وللنوم وقتاً، وفي الصباح فطور يعني: هذا برنامج أكثر الناس، لكن لا يحدد وقتاً للعلم، ولجلسة الأسرة، أو لمحاسبة النفس، أو للذهاب إلى الفقراء وتفقد المساكين والمحتاجين، أو للإنفاق، للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في الدعوة إلى الله، مشغول. أشغل نفسه بما لم يشغله الله به، بل بعضهم صلته بالحمام أكثر من صلته ببيت الله، يدخل الحمام في اليوم والليلة أربع خمس مرات، وإذا جاء يستأجر شقة أول ما يشير على الحمام لا يسأل عن المسجد، كم في الشقة حمامات؟ فإذا قالوا له: واحد، قال: لا يكفي، نريد ثلاثة أو أربعة، يريد حماماً له، وواحد للمرأة، وواحد للضيف، وواحد للأسرة، ما هذا؟! أعوذ بالله من هذه الحياة، وإذا تورط وسكن في شقة بجانب مسجد انزعج قال: لا. دوروا لنا عن مكان بعيد لا نسمع به إزعاجاً، يزعجه الله أكبر، يريد أن تستحوذ عليه الشياطين، فتنسيه ذكر الله، كما قال الله: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة:19]. فيا أخي في الله! لا يكن قلبك سليماً إلا بهذه الثلاثة الأمور، أن يكون سليماً من شبهة وشهوة وغفلة. فما علامة سلامة قلبك؟ قال العلماء: ثلاثة علامات: العلامة الأولى: الإقبال على الطاعة: مثل إقبال الإنسان المتعافي على الطعام. العلامة الثانية: النفرة من المعاصي: صاحب القلب السليم لا يحدث معاصي. العلامة الثالثة: حب مجالس الخير، وكراهية مجالس الشر. هذا الذي قلبه سليم مائة في المائة، إذا وجدت في نفسك حباً للمعاصي وكراهية للطاعات ففي قلبك مرض، عالجه قبل أن يكون العلاج في النار؛ لأنه في الآخرة لمن يأتي وقلبه ميت أو مريض لا مستشفى إلا النار، يخلطون في جهنم من أجل أن يعالجوا، فالذي مرضه مستعصي مشرك بالله يخلد في النار ليس له خروج، والذي مرضه معاصي تحت مشيئة الله، إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له، هذه الهيئة الثالثة أن يأتي سليم القلب.

هيئة قدوم أهل الغلول على الله عز وجل

هيئة قدوم أهل الغلول على الله عز وجل الهيئة الرابعة: وهي مختصة بالذين غلوا شيئاً من بيت مال المسلمين، يقول الله عز وجل: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:161].

ماهية الغلول

ماهية الغلول ما هو الغلول؟ الغلول هو: أن تأخذ شيئاً من الحق العام، حق المسلمين كاملاً، وهو المعبر عنه في كتب الفقه ببيت مال المسلمين، يعني: أنت موظف ومعتمد على عمل، ووظيفتك مأمور مستودع، أو مأمور إعاشة، أو كاتب، ويصرف لك أدوات مكتبية أو أدوات منزلية أو رياضية، أو أي شيء، فإنه يحرم عليك شرعاً أن تأخذ شيئاً من هذا، لا تأخذ قلماً ولا ورقة ولا ظرفاً ولا دبوساً ولا شيئاً، لماذا؟ لأنه غلول، قد تقول: هذا شيء بسيط، طيب شيء بسيط لكن الله يحاسب عليه. في إحدى الغزوات غلام من الأنصار صغير جاءه سهمٌ لا يعرف من أرسله، فوقع في صدره فمات، فقال واحد من الصحابة: هنيئاً له الجنة؛ لأنهم في المعركة، فقال عليه الصلاة والسلام: (كلا والذي نفسي بيده! إن الشملة التي غلها لتشتعل على ظهره في النار) قال أهل العلم: كان ثمن الشملة هذه درهمين، وجاء رجل في المعركة فقال: يا رسول الله أخذت شراكين قال: (شراكين من نار) انتبه لا تأخذ شيئاً من بيت مال المسلمين، ومن يستغن يغنه الله. وفي الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: (لا ألفين أحدكم يوم القيامة وعلى رقبته بعيرٌ له رغاء) لماذا بعير؟ لأنه أخذه من بيت مال المسلمين، فيأتي به يوم القيامة؛ لأن الله يقول: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ} [الأنعام:31] ما تأخذ من هنا إلا تأتي به يوم القيامة، كيف تأتي به؟ من أين لك وليس معك شيء إلا في النار؟ تنزل تأتي به من النار وتسقط في النار، فأنت إن لم تخلص من الآن فإنك ستموت وتتركها كلها (فيقول: أغثني يا رسول الله! فأقول: لا أملك من الله شيئاً قد أبلغتك، ولا ألفين أحدكم يوم القيامة وعلى رقبته بقرة لها خوار، فيقول: أغثني يا رسول الله! فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك، ولا ألفين أحدكم يوم القيامة وعلى رقبته شاة تجعر، فيقول: أغثني يا رسول الله! فأقول: لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك، ولا ألفين أحدكم يوم القيامة وعلى رقبته رقاع تخفق) هذه تشمل كل ما يؤخذ من بيت مال المسلمين من الملبوسات والمفروشات والخيام والحنابل والشراشف والفنايل والبدلات والكبابيس والبريهات كل شيء مخصص لبيت مال المسلمين وأنت تأخذه تأتي به يوم القيامة. آخر الحديث: (ولا ألفين أحدكم يأتيني يوم القيامة وعلى رقبته صامت) صامت: يدخل فيها كل شيء من الدبوس إلى السيارة، فهذا الغلول، يقول الله عز وجل: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:161].

صور من الغلول المغلف

صور من الغلول المغلف ويدخل في الغلول هدايا المسئولين؛ الهدايا التي تقدم لمن يلي مسئولية، مدير أو رئيس من أجل العمل، هذا يهدون له إما الموظفين عنده أو مراجعين له، ورد في الحديث: (هدايا العمال -يعني: المسئولين- غلول) لأنها هدية وهي في الحقيقة رشوة، لكنها تلبس ثوب الهدية، والدليل على حرمتها حديث عبد الله بن اللتبية الذي استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على الزكاة فجاء بعد الزكاة ومعه شملة، وقال: (هذه أهديت لي، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضباً عظيماً حتى لكأنه يفقع في وجهه حب الرمان، ثم نادى بالصلاة ولم تكن وقت صلاة، وقال وهو يخطب في خطبته المشهورة: ما بال أقومٍ نستعملهم على الزكاة فيعودون ويقولون: هذا لبيت مال المسلمين وهذا أهدي لنا، أفلا قعدوا في بيوت أمهاتهم أكان يأتيهم شيء) قال العلماء: فلا يجوز قبول الهدية ممن يهدي لك من أجل الوظيفة إلا أن يكون بينك وبين هذا الرجل الذي يهدي لك صلة قبل الوظيفة وأنت وهو تتهادون قبلها، أما هدية فقط من أجل الوظيفة فهذه رشوة، وهي محرمة، وعلى المسلم أن يكون طاهراً نظيف البطن لا يدخل في بطنه ولا في بيته شيء، لماذا؟ لأن الدولة جزاها الله خيراً ما جعلت لأحد حاجة، كل مسئول يستلم رواتب ضخمة تكفيه إذا كان عفيفاً وشريفاً يريد الحلال. هذه -أيها الإخوة- بعض المشاهد والصور التي يأتي بها الإنسان إلى الله يوم القيامة، بقي أشياء لكن ضاق الوقت عنها، وأسأل الله عز وجل أن يمد في العمر والأجل حتى نكملها في فرصة أخرى، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل التفرق من بعده تفرقاً معصوماً، وأن لا يبقى فينا ولا معنا ولا منا ولا إلينا شقياً ولا محروماً. اللهم احفظ لنا ديننا وأمننا ونعمتنا واستقرارنا، اللهم من أرادنا في هذه الديار أو غيرها من ديار المسلمين بسوء أو شرٍ أو كيد أو مكرٍ فاجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره، وأنزل عليه بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين. اللهم وفق ولاة أمورنا وعلمائنا ودعاتنا ومشايخنا إلى خدمة هذا الدين، وانصرهم برحمتك يا أرحم الراحمين، ووفقنا لما تحبه وترضاه إنك ولي ذلك والقادر عليه.

الأسئلة

الأسئلة .

مذهب أهل السنة في أهل الكبائر

مذهب أهل السنة في أهل الكبائر Q ما مذهب أهل السنة والجماعة في صاحب الكبيرة، وهل هو مخلد في النار إذا لم يتب؟ A لا. إذا لم يتب صاحب الكبيرة فمذهب أهل السنة والجماعة أنه تحت مشيئة الله في الدار الآخرة، إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له؛ لأن الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] خلافاً لمذهب المعتزلة والخوارج، فـ الخوارج يقولون: إن صاحب الكبيرة كافر في الدنيا ومخلد في النار يوم القيامة، والمعتزلة يقولون: إن صاحب الكبيرة في النار في الآخرة لكنه في الدنيا ليس بكافر ولا مسلم وإنما في منزلة بين المنزلتين يعني: لا هو كافر ولا هو مسلم، وهذا ضلال وباطل. والحق ما عليه أهل السنة والجماعة؛ لأن صاحب الكبيرة مسلم بإيمانه، فاسق بمعصيته، تحت مشيئة الله في الدار الآخرة إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، إذا لم يتب، أما إذا تاب فمن تاب تاب الله عليه. صاحب الذنب لو كان مثل الجبل وتاب يبدل الله له السيئات حسنات {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:70].

الاستمرار في النصيحة لأهل الصغائر والكبائر

الاستمرار في النصيحة لأهل الصغائر والكبائر Q لي بعض الجيران لا يصلون في المسجد خصوصاً الفجر والعصر ونصحناهم فلم يستجيبوا، وبعضهم يقول: أنا أصلي في البيت، وقد كررنا عليهم النصح فماذا نفعل معهم بعد ذلك، أأتركهم أم ماذا أعمل؟ A لا يا أخي الكريم! كرر النصح عليهم، وأيضاً هناك وسيلة مفيدة أن تربط معهم علاقة إذا أمكنك علاقة طيبة، بالزيارة أو بالعزيمة وإهداء الشريط والكتيب الإسلامي، إذا قبلوه الحمد لله وانتظر وادع الله لهم، إذا حددوا موقفاً وقالوا: لا. لا تدخل علينا ولا نريد شريطك ولا نريد كتابك، ولا نصلي، هناك لا تبرأ ذمتك إلا بإبلاغ الهيئة بأن ترفع خبرهم إلى المسئولين وتبرأ ذمتك، والهيئة تتصرف معهم.

مجاهدة النفس والشيطان في ترك المعاصي

مجاهدة النفس والشيطان في ترك المعاصي Q ليتك تعيد الكرة بعد الأخرى حتى تنير الطريق لنا ولغيرنا من الشباب، وأنا شاب أحب الخير والمحاضرات لكنني مبتلى ببعض المعاصي وأريد أن أتوب، وكلما أردت أن أترك بعض المعاصي غلبني الشيطان عليها؟ A أولاً جزاك الله خيراً بدعوتك لي في أن أعيد الكرة بعد الكرة، وإن شاء الله كلما أجد فرصة فسآتي بإذن الله. وكونك شاب تحب الخير والمحاضرات هذا طيب، وأسأل الله عز وجل أن يتقبل منا ومنك ويثبتنا وإياك على الإيمان. أما حبك للمعاصي وعدم تركك لها فهذه صفة نقص فيك فعليك أن تجاهد نفسك؛ لأن من الشباب من يريد أن يترك المعاصي دون أن يبذل جهداً، لا يمكن، فالمعاصي محببة إلى النفس، وما لم يكن لديك رصيد قوي من الإيمان والجهاد وإلا لا تنفع، والله يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69] تحتاج إلى إيمان قوي؛ لأن الشهوة غالبة، والنزوة مسيطرة، والنفوس ضعيفة، والشيطان والهوى غلاب، فإذا ما عندك إيمان قوي ينزعك بقوة وإلا سوف تهلك يا أخي! فما ينفعك حبك للمحاضرات وحبك للخير وأنت لا تعمل الصالحات؟ هذا حب صوري، الحب الحقيقي هو الذي ينتج منه التوبة من الذنوب والمعاصي، ولهذا جاء في الحديث: (اتق المحارم تكن أعبد الناس) ليس العابد الذي يصلي، الأعبد منه هو الذي يتقي المحارم، أما الاستمرار على المعاصي، وكلما رأيت معصية وقعت فيها، ولا يعني هذا أنك سوف تكون معصوماً، لا. المعصية تقع والعبد خطاء، لكن المعصية في حياة المؤمن عارضة، وفي حياة العاصي والمنافق والفاسق لازمة، فإذا مرت عليك معصية عارضة تب إلى الله طيب، أما كل يوم وعلى رأسك المعاصي وتقول: أحب المحاضرات، ما الفائدة من حب المحاضرات ما دمت لا تعمل الصالحات؟ فاتق الله يا أخي! وجاهد نفسك، وأسأل الله أن يعينك وأن يتوب علي وعليك وعلى جميع المسلمين.

أثر المعاصي في الإيمان

أثر المعاصي في الإيمان Q هل النظر إلى المسلسلات الخبيثة خاصة في شاشة الدش والاستمرار عليها ينقص الإيمان؟ A نعم. هذا معتقد أهل السنة والجماعة: أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، أنت لما دخلت المسجد وجلست هذه الساعة هل إيمانك الآن مثل إيمانك يوم دخلت في المغرب؟ لا. زاد إيمانك لماذا؟ لأنه تليت عليك آيات الله {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} [الأنفال:2] لكن تذهب في مجلس آخر ويكون فيه غناء وطرب وأغاني وألحان وصور ومشاهد خبيثة وعري، كيف يكون إيمانك إذا خرجت؟ يذوب إيمانك ويضعف، أجل. أنت معني بأن يزيد إيمانك دائماً ولا ينقص، يعني: زود الطاعات ولا تعمل المعاصي حتى لا ينقص إيمانك.

حكم نداء الشخص الملتزم بلقب (مطوع)

حكم نداء الشخص الملتزم بلقب (مطوع) Q أنا شاب ملتزم والحمد لله، ولكن في المدرسة أصدقائي يستهزءون بي، ويقولون: مطوع؟ A يا مطوع! هل هذا سبة؟ الحمد لله أنك مطوع، ما قالوا: يا عاصي؛ لأنه لا يوجد إلا مطوع أو عاصي، الحمد لله أنت مطوع إذا قالوا: يا مطوع، قل: نعم. حاضر، وبعض الإخوة يقول: كل الناس مطاوعة لكن هناك مطاوعة لله وهناك مطاوعة للشيطان، فإذا قال لك: يا مطوع! قل: وأنت يا مطوع! إذا قال: ما أنا مطوع قل: لا. أنت مطوع لإبليس، أي نعم؛ لأن الله أمرني فأطعته، والشيطان أمرك فأطعته، فأنت مطوع وأنا مطوع، أنا مطوع لله وأنت مطوع للشيطان، أو الناس كلهم مطاوعة، أي نعم. ولهذا يقول الله في القرآن الكريم: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ * وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلّاً كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} [يس:60 - 62].

خطر السحر والسحرة وضرورة الرقى الشرعية

خطر السحر والسحرة وضرورة الرقى الشرعية Q أرجو التنبيه إلى خطر السحر والذهاب إلى السحرة، وكيف يفرق بين الراقي والساحر؟ A السحر كفر وليس بسهل، أنا أسمع أنه ينتشر عند كثيرٍ من الناس، السحر كفر تعاطيه أو تعلمه أو الإتيان إلى أصحابه، والله يقول في القرآن الكريم: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة:102] انتبه! لا تعمله ولا تذهب إلى صاحبه، بل لو وقع لك سحر فإن حل السحر بالسحر كفر في أرجح أقوال العلماء ولا يجوز، وكيف تحله؟ تحله بالرقية الشرعية من كتاب الله، وقد تقول: كيف الرقية؟ الرقية تقرأ القرآن، وقد يقول شخص: قرأت ولم يذهب، أجل عجيب! إما أن تقرأ ويذهب السحر أو تذهب تشرك، فتجعل ربي مجال اختبار لك، لا. الله قادر أن يحل سحرك، الله يقول: {مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس:81] ولكن يبتليك الله ويختبرك هل أنت مؤمن؟ وقد يستمر معك أسبوعاً أو أسبوعين أو شهراً أو شهرين، وبعضهم سنين، ولكن اصبر على الرقية الشرعية. أما كيف يفرق بين الساحر والراقي؛ فالراقي أولاً رجل معروف بسلامة المعتقد، يقرأ القرآن أمامك، ليس عنده طلاسم ولا همهمات ولا تعويذات ولا شيء، ولا يأخذ على عمله أجراً إلا من الله عز وجل، وإن أخذ شيئاً من غير سبب أو من غير طلب منك فلا بأس؛ لأنه يجوز، أما الساحر فمعروف بفسقه وبالطلاسم التي يكتبها والتعاويذ والشعوذات، ومعروف بالهمهمة، وبعد ذلك يتكلم بكلام لا تسمعه، ويكتب لك كتاباً يقول: لا تقرؤه، ولا تفتحه يقول: كيف؟ يقول: يبطل مفعوله؛ لأنك إذا قرأته لا ترى شيئاً، أنا فتحت كتاباً لواحد والله ما فيه حرف -يا إخواني- إلا شخاميط قلم من أوله إلى آخره، وقال: خذه وعلقه، يقول للناس: لا تفتحوه؛ لأنهم يعلمون أنك إذا فتحته لا تجد شيئاً، لا تلقى إلا كلاماً فارغاً، هذه كلها من السحر فلا يجوز، ولا يجوز للمرأة كذلك؛ لأننا نسمع أن بعض النساء تذهب إلى بعض الساحرات أو السحرة لتصرف قلب زوجها؛ خاصة إذا كان زوجها متزوج بأخرى، فتقول: والله أجعله لا يطالع فيها ولا يراها، فتذهب عند الساحر تعطيه مائة أو ألفاً تقول: أريده، فماذا يحصل لها؟ يعاقبها الله بنقيض قصدها فيكرهها ويحب الأخرى؛ لأن الله يقول: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر:43] {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [يونس:23] فلما بغت على المؤمنة بالله عز وجل صرف قلبه عنها؛ لأن قلوب العباد بيد من؟ بيد الساحر أم بيد الله؟ بيد الله، أي نعم. فلما أرادت أن تسحر وتصرف قلبه عن زوجته الحلال؛ الله عز وجل عاقبها بنقيض قصدها فجعلها مكروهة عنده، وجعل زوجها يحبها مائة في المائة، وهي ما عاد يريدها، فالسحر باطل ولا يجوز فعله. وإذا أردت أن يحفظك الله من السحر فعليك بالاستعاذة والتحصن بأذكار الصباح والمساء، إذا أصبحت في الصباح تقرأ آية الكرسي وأذكار الصباح، وإذا أمسيت تقرأ آية الكرسي وأذكار المساء، هذه لا يستطيع أي شيطان ولا أي ساحر في الدنيا أن يضرك بأي شيء بإذن الله. ونكتفي بهذا، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أسباب المشكلات الزوجية وطرق علاجها

أسباب المشكلات الزوجية وطرق علاجها إن من سنن الله تعالى في خلقه الزواج، بل هو آية من آيات الله سبحانه وتعالى، لكن قد تحدث بعض المشكلات أثناء الزواج، والتي قد تؤدي في النهاية إلى الفراق بين الزوجين. ولهذه المشاكل أسباب كثيرة، بمعرفتها ومعرفة علاجها تحل بإذن الله سبحانه وتعالى كلها.

أسباب المشكلات الزوجية

أسباب المشكلات الزوجية كلام الشيخ حامد المصلح: الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، نحمده جل جلاله، وأثني عليه الخير كله بما هو أهله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وإمامنا محمداً عبد الله ورسوله، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين. أهلاً بهذه الوجوه الطيبة المباركة، والوجوه المتوضئة الراكعة الساجدة التي أسأل الله جعل وعلا أن يجعلنا وإياكم ممن وفقهم الله وهداهم لما فيه صلاحهم وفلاحهم إنه على ذلك قدير. ثم أحيي على وجه الخصوص فضيلة الشيخين الكريمين: فضيلة الدكتور جابر بن علي الطيب أثابه الله. وفضيلة الشيخ سعيد بن مسفر حفظه الله، الذي لا يخفى على الجميع. وأسأل الله جل وعلا أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه. ونحن أيها الأحبة! نتحدث حول هذا الأمر، العظيم الذي ربما لا يكاد يوجد بيت لا يخلو من هذا الأمر، ألا وهو أسباب المشكلات الزوجية، ثم يكون العلاج إن شاء الله في الأخير، وأسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم ممن وفقهم الله وهداهم. أيها الأحبة! فليتحدث أولاً: فضيلة الدكتور جابر حفظه الله عن أسباب هذه المشكلات التي تحدث وتقع. وهذه المشكلات في الحقيقة إذ أنها كثيرة، فمن أبرزها وأهمها: المخالفات الشرعية، ثم الغيرة التي تحصل من الطرفين، أو من أحدهما، ومن هذه الأمور الكثيرة التي تكون أسباباً وهي في الحقيقة كثيرة، العيوب الزوجية من الزوجين أو من أحدهما، وكذلك الزواج من الأقارب، وغلاء المهور، ففضيلة الدكتور جابر حفظه الله نود أن يحدثنا حول هذه الأمور وجزاه الله خيراً. كلمة الشيخ جابر الطيب: الحمد الله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أحمده سبحانه وأشكره، وأستغفره وأتوب إليه، وأسأله التوفيق والهداية، والسداد والرشاد في الدنيا والآخرة، ثم أصلي وأسلم على نبينا محمد بن عبد الله، نبي الرحمة والهدى والصلاح، صاحب الحوض المورود، والمقام المحمود، والشفاعة العظمى، فصلوات الله وسلامه عليه على آله وأصحابه أجمعين. وبعد: فقد سمعتم ما ذكره الشيخ جزاه الله عنا وعن الجميع خير الجزاء في الدنيا والآخرة، وذكر أن هناك مشاكل قد تحصل بين الزوجين، وقد تكون هذه المشاكل ظاهرة، وقد تكون باطنة لا يطلع عليها إلا الله سبحانه وتعالى، وأحب أن أقدم بكلمة عن الزواج، وأن الله سبحانه وتعالى قد شرعه لبني الإنسان، لكي يحفظوا أنفسهم، ولكي يعمروا هذه الدنيا، كما اختارهم الله سبحانه وتعالى لعمارتها، وللقيمومة فيها، فالشباب في حاجة ماسة إلى الزواج. ولكن هناك من الموانع ما يحول بين الشاب وما يشتهي: منها: أنه إذا بلغ الشاب الحلم وأصبح رجلاً يصح أن يكن زوجاً يقول في نفسه أو يقول له أهله: ما زلت في عنفوان الشباب وفي ريعان الصبا، فاصبر حتى تكمل رجولتك ونزوجك إن شاء الله، وهذا عندي أنه خطأ فيما أعتقد، وأن هذا من الأخطاء الشائعة بين الناس، فزواج الصغير يحفظه من المعاصي إذا كان عند أهله من المال ما يجعلهم يزوجوه، أما إذا كانوا فقراء فهم معذورون، ولكن إذا كان الله سبحانه قد وسع عليهم، فخيراً لهم أن يبادروا إلى تزويجه ممن يرضون دينها وأهلها وأمانتها وتقواها، وبعضهم يسوِّف ويقول: سوف أتزوج إن شاء الله إذا انتهت دراستي وأمنت مستقبلي، حتى أعيش أنا وزوجتي في أمن واستقرار وحياة سعيدة مملوءة بالخيرات والأرزاق. وإذا توظف هذا الخريج بعد أن يبلغ من العمر خمساً وعشرين عاماً ونحو ذلك، فإن وظيفته قد تكون بسيطة، وقد يكون مرتبه الذي يتلقاه من ولي الأمر لا يقوم بشئون حياته كاملة، فقد يعول أبويه أو أيتاماً خلفهم أبوه -مثلاً- أو نحو ذلك، فإذا قدرنا راتبه خمسة آلاف ريال أو أربعة آلاف ريال، فقد يكون إيجار الشقة في الشهر ألف ريال -مثلاً- ولا بد أن يأخذ أشياء بالتقسيط، هذه السيارة يدفع عنها كل شهر ألفين أو نحو ذلك، ويبقى له ألفان أو نحو ذلك، فإذا بقي الألفان هل يدخل بها بيته أم ماذا؟ فإذا قلنا: إنه سيوفر في كل شهر خمسمائة ريال، والمهر لا يقل عن مائة ألف ريال، إلا أن يشاء الله، وهو لا بد له من قصر أفراح ومما يفعله الناس في زماننا هذا من المباهات والمبالغة في الذهب وغير ذلك، فإذا قدرنا أن تكلفة زواجه مائة وخمسين ألف ريال، فينبغي عليه أن يمون ذلك ثلاثمائة شهر، وهو عمر طويل، معناه يوفر مائة وخمسين ألف ريال في ثلاثمائة شهر، كل شهر خمسمائة ريال، وإذا قلنا: ألف ريال ويفرفها في أقل من ذلك بقليل، فإذا كان ألف ريال، وهكذا، مائة وخمسين شهر، فهذا قد يصعب عليه، ولا يبلغ حد الزوج إلا وقد عُمِّر طويلاً؟ ولهذا فإن غلاء المهور من الأسباب الشائكة التي تحول بين المرء وبين الزواج. العنصر الثاني: قد يكون الشاب لا يبالي بالزوجة، يقول: إذا تزوجت كتَّفت نفسي، وحبست حريتي وأصبحت مسئولاً مسئولية كاملة عن الزوجة وأولادها وأنا حر طليق، أنطلق في أرض الله الواسعة فلا أشغل نفسي، فإذا تزوجت وأنا في هذا السن فسوف أصبح أسيراً للمرأة، تحبس حريتي، وتمنعني من الإنطلاق في هذه الحياة، إذا تأخرت في الليل قالت: أين كنت؟ ومن أين أتيت؟ وإذا ما أعجبها شيء تقول: ما هذا الذي أتيت به؟ وهكذا، فأصبح مغلول اليدين والرجلين، فلهذا لا أتزوج. العنصر الثالث: يكون زواجاً مطلقاً قد يكون وسع الله سبحانه وتعالى عليه وأغناه، وأكثر ماله، لهذا يتزوج في السنة مرة أو مرتين، كما علمنا أن أناساً من هذا النوع وسع الله عليهم بالمال، فأصبح ديدنهم وهمهم أن يتزوجوا باستمرار؛ لكي يتمتعوا بالنساء، ثم يطلقوهن بعد حين، بعد سنة، أو أقل من سنة، وهذا لا يجوز، ولا ينبغي له أن يفعله أبداً إذا كان في قلبه إيمان، إمساك أو تسريح بإحسان، إما أن يمسك الزوجة الصالحة، وإما أن لا يأتي إليهم، فكثير من الأغنياء من الذين وسع الله عليهم، يتزوج من هنا ومن هناك ومن كل مكان؛ ليمتع نفسه بهذه الحياة، وهذا لا ينبغي. وبعضهم يكون ممن أضله الشيطان من الشباب، فهو كلما جمع شيئاً من النقود، سافر بها إلى القارات، مرة هنا ومرة هناك، يتتبع الحرام، ينام في أحضان المومسات -والعياذ بالله- ويبحث عن الزنا أينما كان، يعجبه ذلك ويطربه، ولهذا لا يقر له قرار ولا يقوم مقام في وطنه، وإنما جل همه أن يذهب إلى القارة الفلانية، فيها من النساء كذا وكذا، وفيها من المومسات كذا وكذا، ويعلم أن ذلك يغضب الله أولاً قبل كل شيء، ثانياً: عنده من الأمراض الخبيثة كالإيدز -والعياذ بالله- وكقمل العانة، وكالسيلان، ونحو ذلك -والعياذ بالله- يظلم نفسه بالإثم العظيم، الذي حرمه الله سبحانه وتعالى ورسوله، حرمه الله في القرآن عندما ذكر صفات المؤمنين، قال في آخر سورة الفرقان: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ} [الفرقان:68 - 70] فمن تاب ورجع إلى الله فهو على خير، هذه هي بعض الأشياء يفعلها الشباب ويبتعدون عنها ويأبون أن يتزوجوا من هذا النوع. أما العيوب فهي كثيرة، إما أن تكون في المرأة وإما أن تكون في الرجل. أما عيوب المرأة: فهي العفق والقرن والرتق، فهذا يكون في المرأة، أما العفق: فهو لحم يكون في الفرج يمنع من التمتع بها من زوجها، وهذا في حق المرأة -ولا حياء في الدين إذا قلت هذا الكلام وهذا شيء لا بد أن نوضحه- فالعفق: هو لحم يأتي في فرج المرأة فيمنع سلوك الذكر في الفرج، وهذا عيب من العيوب، وللزوج أن يفسخ النكاح، إذا لم يكن يعلم به قبل عقد النكاح، أما إذا علم بعد عقد النكاح وقد اختلى بها، فإن لها بعض المهر، وأما إذا علم به قبل الزواج وأقدم عليها بطوعه واختياره فقد لا يكون هذا في حقه عيباً. أما القرن: فقد يظهر في فرج المرأة، مثل قرن الشاة يسمى القرن. أما الرتق: فقد تكون المرأة رتقاء، أي: أن فرجها لا مسلك فيه للذكر، أي: كالمخيط، أو نحو ذلك، هذا في عيوب المرأة. ومن العيوب التي تكون عند الرجل والمرأة الجذام، والبرص والغائط أثناء الجماع، أو نحو ذلك، وهذه العيوب يشترك فيها الرجل والمرأة أما عيوب الرجل فهي: العنة، أن يكون عنيناً أي: لا ينتشر ذكره والعنة يستحق بها فسخ النكاح، إذا كان هناك قاضٍ يحكم عليهم ويمهلهم سنة كاملة من تاريخ المحاكمة، إذا تحاكمت المرأة إلى القاضي هي وزوجها، وقالت: يا شيخ: إن هذا لا يفعل شيئاً مما يفعله الرجال، فإذا اعترف الرجل أمهله سنة كاملة من تاريخ المحاكمة، يمر على الفصول الأربعة: الشتاء والصيف والخريف والربيع، حتى إذا ما وفق في هذا الفصل، فالفصل الذي يأتي يكون أحسن من الأول. حتى إذا انتهت السنة ولم يفعل شيئاً، يفسخ النكاح بدون مقابل، وليس له شيء من حقه الذي دفعه لها. ثانياً: أن يكون مجبوباً، إنسان اُعتدي عليه وجب ذكره، أو خصاه، هذا أيضاً عيبه شرعي، والثالث: العاق، كان طيباً معافىً سليماً لا عيب فيه، وفي أثناء الزواج جاءه العيب حتى أصبح ذكره لا ينتشر فهذا يسمى العاق، وهو مرض عرض له، كذلك هو بالخيار، إن جلست معه فلها ذلك، وإن طلبت الفسخ يفسخ نكاحها بدون أي شيء، هذه هي عيوب الرجل وعيوب المرأة. كذلك الجذام إذا رأيت امرأة فيها جذام -عافانا الله وإياكم- أو في الرجل فإن كلاً منهما له أن يفسخ نكاح الآخر خوفاً من العدوى لا سمح الله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة، ولا هامة ولا صفر). لكن الرسول لما جاءه وفد ثقيف وكان معهم أجذم، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ارجع إلى وطنك فقد بايعناك) معناه: لا يرغب في مقابلته عليه الصلاة والسلام، وفي الأثر: (فر من المجذوم فرارك من الأسد).

الحياة الطيبة السعيدة بين الزوجين

الحياة الطيبة السعيدة بين الزوجين كلام الشيخ حامد المصلح: شكر الله لكم وأثابكم ووفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه. نعم في الحقيقة أن أسباب المشكلات كثيرة بلا شك، فلكثرتها أخذ الشيخ حفظه الله بعضها، وكذلك منها المخالفات الشرعية التي تكون سبباً أيضاً لهذه المشكلات، فمنها: أن تخرج المرأة من بيت زوجها من غير إذنه، كما لا يخفى بأن هذا الأمر محظور ولا يحل لها ذلك، فحينئذ يكون الخلاف بين الزوجين، ولا شك أن الذي ينبغي بل يجب على الجميع أن يمتثلوا أمر الله تبارك وتعالى في كل شيء، فلو حكموا كتاب الله جل وعلا، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم لذهبت تلك الأمور. والآن ننتقل إلى فضيلة الشيخ سعيد حفظه الله، ويحدثنا أثابه الله عن الحياة الطيبة السعيدة بين الزوجين، وأهمية قيامها على التفاهم والمودة والرحمة، فليتفضل مشكوراً مثاباً جزاه الله خيراً. كلام الشيخ سعيد بن مسفر: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الأحبة في الله! الزواج سنة من سنن الأنبياء والمرسلين، جعله الله عز وجل آية من آياته الدالة عليه، يقول عز وجل في سياق عرض الآيات والدلالات التي تدل على الله عز وجل في سورة الروم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21]. وجعله النبي صلى الله عليه وسلم سنة، وعمل بها، وحث عليها، ونادى وأمر بها، يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيحين: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج -الباءة: النفقة- فإنه أغض للبصر) أغض هنا من أفعل التفضيل، أي: أفضل ما تغض به طرفك هو الزواج (وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) وفي الصحيحين أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا أصحابه حينما ذهب بعضهم إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وسألوا عن عبادته، فكأنهم تقالوها، لما أُخبروا عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: وأين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. فكأنهم رأوا أن يزيدون، ليس كما يفعل بعض الناس الآن، يضيع الدين وإذا قلت: هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: أين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، تريد أن أكون مثل الرسول صلى الله عليه وسلم، أولئك لهم نظر أبعد، يقولون: نحن نزيد على ما كان يتعبد له النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ونحن لم يغفر لنا، أجل سوف نزيد، وهذه الزيادة خطأ؛ لأن أكمل الهدي هديه، وخير الدين دينه، وهو أعبد الناس وأعرف الناس بربه، فقال واحد منهم: أما أنا فلا أفطر أبداً -أي: يصوم الدهر- والآخر قال: وأنا لا أنام أبداً -أي: يقوم الليل- والثالث قال: وأنا لا أتزوج النساء أبداً -أتبتل وأنقطع في العبادة ولا أنشغل عن ربي بشيء من الدنيا وشهواتها، ومن أعظم مشاغلها النساء- فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بهذه المقالة نادى أصحابه وقال: (ما بال أقوام يقولون ويقولون، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له وأعلمكم به، ولكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني) اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد.

تنظيم العلاقة الزوجية

تنظيم العلاقة الزوجية إن الله عز وجل شرع الزواج لتنظيم العلاقة الزوجية، حتى يستمر النسل البشري؛ لأن الله أراد أن يعمر الكون بالإنسان {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30] وهذا الإنسان مهمته العبادة، ولا يمكن أن يكون الإنسان إلا عن طريق التوالد، والتوالد يأتي عن طريق لقاء الرجل بالمرأة، وهذا اللقاء إن لم يكن لقاءً منظماً بالزواج أصبح لقاءً فوضوياً همجياً -مثل بعض الحيوانات والبهائم- فشرع الله الزواج، وركب في الرجل ميلاً إلى المرأة وركب في المرأة ميلاً إلى الرجل، قال عز وجل: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ} [آل عمران:14] إلى آخر الآيات، ثم جعل هذا العمل رغم أنه شهوة جعله عبادة، يقول عليه الصلاة والسلام: (وفي بضع أحدكم صدقة) فاستغرب الصحابة، وكانوا يظنون كما نظن أن العبادة والحسنات إنما تأتي عن طريق العمل الصالح، مثل: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، والدعوة، والأمر بالمعروف، وسائر الطاعات، أما أن يأتي الرجل زوجته ويكون له أجر! وهو شي من المباحات والعادات! قالوا: (يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه؟ قالوا: نعم. قال: فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر). فإتيان الرجل لزوجته رغم أنه يمارس معها عملاً شهوانياً بحتاً، إلا أنه إذا أحسن النية أصبح عبادة، كأنه يصلي ويصوم ويتصدق.

التوافق بين الزوجين

التوافق بين الزوجين في أثناء الحياة الزوجية لا يمكن أن يحصل تطابق وتوافق (100%) بين الزوجين، مستحيل أن تجد رجلاً وامرأة متوافقين (100%)، لا بد أن يكون هناك فروق فردية بين الرجل وبين المرأة؛ لأن الله جعل الناس هكذا، ولذلك خلقهم مختلفين، وهذه آية من آيات الله الدالة عليه، أنه خلق الناس مختلفين، ولو أتيت الآن على وجه الأرض فإن نحو خمسة آلاف مليون نسمة، لو جعلتهم كلهم في حوش واحد وأخرجتهم واحداً واحداً ما وجدت اثنين سواء أبداً في الشكل، لا يوجد واحد يشبه الثاني (100%)، لا يوجد واحد يطابق الثاني في البنان، الآن البصمة التي تؤخذ من الناس من أجل إذا كرر جناية يعرفون هل له سابقة عن طريق هذه البصمة؛ لأنه لا يوجد اثنان في الدنيا تتفق بصماتهم، والله يقول: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة:4] فهذا إعجاز منه تبارك وتعالى، وقدرة عظيمة أن خلق الناس كلهم مختلفين، والرجل يختلف عن المرأة، فإذا جاء الزوجان يعيشان تحت ظل واحد، وتحت سقف واحد وفي بيت واحد وفي مجتمع واحد صغير في لبنة واحدة وفي أسرة واحدة لحصل هناك نوع من الفروق، من أول الأسبوع أو من أول ليلة يجد أنها إنسانة غريبة، قد ينكر عليها حتى طريقة النوم، أو ينكر عليها طريقة الأكل، أو ينكر عليها طريقة الحديث، أو ينكر عليها طريقة المفاهمة والمخاطبة، فيحصل نوع من عدم الانسجام، وتحصل ردود أفعال. فينبغي أولاً: أن يوطن الإنسان نفسه على استيعاب تلك الفروقات، وعلى احتواء تلك الفوارق بين الرجل وبين المرأة؛ حتى يحصل اندماج وانسجام، قد لا يكون في الشهر الأول ولا في الشهر الثاني، ولا في الشهر الثالث قد يكون بعد سنة، وأحياناً يكون الانسجام من أول ليلة؛ لأنه يكون الفرق بسيطاً، ولذلك ترون المرأة تسكن في بيت زوجها من أول ليلة، بل في الأسبوع الأول إذا سكنت في البيت عند زوجها وقُدمت لهم دعوة بعد أسبوع أو أسبوعين من الزواج لزيارة الوالدين، دخلت في بيت أبيها الذي عاشت فيه عشرين سنة أو خمسة وعشرين سنة وكأنها لم تعش فيه ليلة واحدة، غريبة وإذا جلست جلست وهي متحفزة هكذا لا تستريح، لماذا؟ مستعجلة تريد أن تمشي، وإذا طلب منها أو قيل لها: افعلي لنا شاي دخلت المطبخ وكأنها ما عرفته، تنادي أمها وتقول: أين أدوات المطبخ حقكم؟ عجيب حقنا! وأين أنتِ مدة حياتكِ، نسيت كل هذه الأدوات بجلسة يوم أو أسبوع في بيت زوجك، نعم. وبعدما تنتهي تراها تطالع في زوجها وفي الساعة، وتقول له: هيّا لنذهب، لكن بعض الأمهات عندها نقص في التفكير تقول: للبنت اجلسي هذه الليلة معنا، وتطلب من زوجها أن يدعها تنام معها، البنت لا تريد، والله لو تفرش لها ذهباً لا تريد ذلك، فتقول لها: نامي معنا. تقول البنت: إن شاء الله آتي لكم مرة ثانية، لأنه لا يأتيني نوم إلا في بيتي، لماذا؟ لإنه حصل وفاق وسكن، وهذا معنى قول الله عز وجل: {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم:21] لا تسكن المرأة مع الأم، ولا تسكن نفسياً مع الأب، ولا تسكن المرأة مع الوظيفة، ولا تسكن مع الرصيد، ولا تسكن مع الشهادة، ولا تسكن مع شيء، لا تسكن إلا مع الزوج، نصف يبحث عن نصف، فإذا وجد النصف الثاني سكن.

وجود المحبة والرحمة بين الزوجين

وجود المحبة والرحمة بين الزوجين ثم جعل الله بعد ذلك مودة ورحمة، فالمودة: هي الحب، وهو أكسير الحياة وطعمها ولذتها، والحياة الزوجية إذا خلت من هذا تصبح حياة جافة، حياة فيها نوع من الجفاف، وتصبح شكلية، ورسميات بين الزوج والزوجة، ليس فيه محبة، وبالتالي تكون العشرة غير حسنة. لكن إذا وجدت المحبة فإن هذا يزيد في الألفة ويزيد في القربة، وإذا عدمت المحبة فلم تعدم الرحمة، ولهذا لما جاء رجل إلى عمر بن الخطاب يريد أن يطلق زوجته، فجاء يستشيره، فقال له عمر: [لا تطلقها، قال: لست أحبها، قال: أوكل الزواج يبنى على الحب؟ أين الرحمة] إذا ما أحببتها ارحمها، إلا إذا شعرت بعدم رغبتك فيها وحبك لها، وطلبت هي منك أن تطلقها فهذا أمر آخر؛ لأن بعض النساء تدرك أنها غير محبوبة عند زوجها، وترى أن هذا نقصاً فيها فلا تريد أن تعيش مع رجل لا يحبها. {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلّاً مِنْ سَعَتِهِ} [النساء:130] فالتطابق مستحيل، ولذا يجب أن تعرف أنه لا بد أن يكون هناك فروق، وبالتالي لا بد من وجود المشاكل الزوجية، ولا يمكن أن يخلو منها بيت، ليس هناك بيت في الدنيا مثالي (100%) لا يحصل فيه خلاف، حتى أكرم البيوت، بل وأفضل بيت على وجه الأرض حتى بيت المربي الأعظم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يحدث فيه بعض الخلافات، حتى ثبت في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم حصل بينه وبين زوجته وحبه -أحب الناس إليه-: عائشة رضي الله عنها خلاف، فدعا والدها -أي: دعا أبا بكر من أجل أن يصلح الخلاف، فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتكلم، قامت وقالت للنبي صلى الله عليه وسلم: [أقسم عليك بالله لا تتكلم إلا بالحق] تقول للرسول صلى الله عليه وسلم، فتدخل أبو بكر في البداية وضربها على وجهها قال: [قاتلك الله يا عدوة نفسها، وهل يقول رسول الله إلا الحق] تحلفين عليه لا يقول إلا الحق، وهل يمكن أن يقول باطلاً -صلوات الله وسلامه عليه- فشردت بعدما ضربها ولاذت بظهر النبي صلى الله عليه وسلم، فدفعه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (ما لهذا دعوناك) يقول: دعوناك لتصلح ما دعوناك لتضربها يا أبا بكر، اللهم صل وسلم على رسول الله. فالخلاف يقع بين الزوجين، ولكنه خلاف وقتي تمسح آثاره، وتنتهي معالمه، وتستمر العشرة الزوجية، ولا يطور ولا يصعد؛ لأنه يحصل الخلاف فيستُوعب إما من الزوج أو من الزوجة. المشكلة تبدأ مثل عود الكبريت، فماذا يحصل إذا أشعل عود الكبريت في البيت، وماذا يحصل في الأسرة؟ كلهم يسارعون إلى إطفائه، لكن إذا أشعل كبريت وقاموا كلهم ينفخون عليه ماذا يصير؟ حريق، كذلك المشكلة. المشكلة عود كبريت يجب على الزوج أن يطفيه، والمرأة تطفيه، والأب يطفيه، والأم تطفيه، والأسرة كلها تطفيه فتخمد، لكن تشعل عود الكبريت فيشعله الرجل أو المرأة، فيأتي الرجل لينفخ فيذكي، وتأتي المرأة لتنفخ فتذكي، وتنتقل الخلافات إلى الأسرة، فيأتي أبو الزوجة، وانظروا إلى أبي بكر جاء يطفئ المشكلة، ما جاء يصعدها، فتستوعب المشاكل عن طريق التعاون بين الأسرة، وبين الأفراد حتى لا تتفاقم وتتصاعد وتتضاعف هذا شيء. والشيء الآخر بالنسبة للمشكلة أو الخلاف الزوجي، أنها تعطي الحياة الزوجية نوعاً من التجديد والطعم؛ لأنها كما يسميها المربون، فيقولون: إن الخلاف الزوجي ملح الحياة الزوجية، إذا خلت الحياة الزوجية من الخلافات البسيطة سمجت، ولذا ترى أنت عندما تجلس أسبوعين أو ثلاثة أو أربعة، وأنت صافي لبن، ما شاء الله! لا توجد مشكلة تحس بنوع من الملل، لكن عندما تحصل مشكلة، وتغضب أنت وتغضب هي وتجلس يومين أو ثلاثة وبعد ذلك تتقابلون كأنكم جدد، تجددت الحياة، فهي مثل الملح، لكن الملح في الحياة يجب أن يكون بمقدار، أنت حين تطبخ أرزاً تضع عليه ملحاً، لكن المصيبة أن بعض الناس يكثر من الملح، يريد أن يحصل مشكلة بسيطة، بدلاً من أن يمكث لها غضبان ساعة يمكث غضبان شهراً، وبدلاً ما أن يتكلم كلمة لعلاج المشكلة يتكلم بالعصا فيضرب، وبدلاً من أن يعالج بأسلوب بسيط، يعالج بأسلوب أصعب، فلا يصلح للحياة ملح الآن؛ لأنها أصبحت مشكلة. لذا -أيها الإخوة- من الأهمية بمكان حتى يسعد الإنسان في الدنيا ويسعد في الآخرة لا بد له أن يستوعب هذه المشاكل والخلافات، وأن يوسع لها صدره، وأن يتحملها ثم يبحث عن العلاج الذي سوف يذكره الشيخ، ونضع ميزاناً واحداً وهو أن تنظر بمنظار التوازن والعدل، لا تنظر إلى عيوب المرأة، انظر إلى حسناتها، يقول عليه الصلاة والسلام والحديث في صحيح البخاري: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر) أي: لا يبغض مؤمن مؤمنة، فالمرأة دائماً ليست كلها عيوب، وليست كلها حسنات، وإنما فيها حسنات وفيها عيوب، فإذا أردت أن تنظر فانظر بمنظار كامل، انظر فيها أنها صوامة، وقوامة، وحافظة لعرضك، وأنها دينة، ومصلية، وأنها لا تخرج إلا بأمرك، وأنها تغسل ثيابك، وأنها تطبخ طعامك، وأنها تربي ولدك، أي أنها خادمة لك في البيت. فإذا نظرت إلى هذه الحسنات منها، ونظرت إلى الجانب الثاني إلى أنها قد تعصيك، أو قد تخالف أمرك، فتوازن بين ما تكره منها وبين ما تحب، ستجد أن ما تحب أكثر فتنسى ذلك، لكن بعضهم يوسع عينه كاملة على ما يكره من المرأة، ويغمض طرفه كاملاً عن حسناتها، ولا يعرف لها حسنة، فلا يرى منها إلا السوء، وبالتالي يعاملها على هذه الرؤية، وعلى هذا الأساس فتزداد المشاكل وتسوء العشرة، وتتفاقم الخلافات، وتحصل الكوارث وربما تنتهي إلى الخلاف والفراق والطلاق -والعياذ بالله- وهذا كله من سوء التدبير، وعدم اتباع النصائح والإرشادات النبوية الكريمة التي جاءت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

علاج المشاكل الزوجية

علاج المشاكل الزوجية كلام الشيخ حامد المصلح: لا شك أن الحياة الطيبة لا بد أن تقوم على التفاهم بين الزوجين، وعلى الوجه الذي يحبه الله، وشرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا حصل سوء التفاهم بين الزوجين، هناك تقوم المشكلات والمعضلات. وأذكر قصة حصلت بين زوجين، جاء الزوج يشتكي إلينا في التوعية، يقول: إن زوجتي حصل بيني وبينها سوء تفاهم، ثم إنها رفضت الانصياع إلي، وبقيت ستة أشهر، فأعطاني شخص من الناس حلاً وقال: طلقها واجعل الرجعة بيدها، يقول: ثم انتهت المدة وهي لم تراجعني، فقال: قد خرجت من يدك، المهم ولا زال وراءها، سبحان الله! بعض الناس كما ذكر الشيخ جزاه الله خيراً، في أثناء حديثه عندهم شدة جداً في عدم التفاهم، بل يؤدي ذلك إلى النهاية، وبعض الناس عندهم سهولة جداً فتصبح المشكلات متكررة بين آونة وأخرى، ومن ذلك الغيرة وهي من المشكلات والمعضلات، فبعض الناس عندهم غيرة زائدة، ولا شك أن المؤمن يغار، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، بقوله: (إن سعداً يغار، وإني لأغار، والله أغير مني ومن سعد) لأنهم كأنهم ضحكوا من سعد حين قال صلى الله عليه وسلم: (إذا وجد الرجل مع زوجته أحداً فليشهد شهوداً، قال سعد: والله لأقطعنه إرباً إرباً) فضحكوا منه، فحينئذٍ قال عليه الصلاة والسلام هذا الأمر. فالغيرة تكون منضبطة، لا تؤدي إلى الشكوك، وإلى أمور فيها سوء الظن بالآخر، وإلى أمور بعيدة المدى، ونتائجها وخيمة والعياذ بالله من ذلك. فنود أيضاً من الشيخ جابر حفظه الله، أن يحدثنا عن علاج لهذه المشكلات الكثيرة التي تطرأ بين الزوجين. ويبدو أن من هذا: تعليم المرأة وتفهيمها لما يجب عليها ولها، ومن ذلك الهجر والضرب الغير مبرح، فليتفضل حفظه الله وجزاه الله خيراً.

الصبر

الصبر إن أهم شيء بين الزوجين وغيرهما أن يصبر الإنسان على صاحبه مهما استطاع، فالصبر يؤدي إلى كل خير وفضيلة، وبدون الصبر لا يعيش الإنسان مع صاحبه -سواء زوجته أو غيرها- حياة سعيدة؛ لأن الصبر كما يقال: مفتاح الفرج، فإذا رأى منها سوءاً شك، فالله أمر في الآية القرآنية بوعظها ثم هجرها ثم ضربها فإن استقامت ترك ضربها، فأعظم شيء هو هجرها. أولاً: تعليمها والتوضيح لها أن فعلها هذا لا يرضاه الله سبحانه وتعالى، وأن من الواجب عليها أن تطيع زوجها في كل شيء إلا في معصية الله، فلا تصوم النافلة بدون إذنه فإنه لا ينبغي لها هذا إلا بإذنه، بخلاف رمضان، فإنه لا بد أن تصومه؛ لأنه ركن من أركان الإسلام، أما صيام النافلة فلا بد من إذنه، وهجرها المشروع كما يقول العلماء: إذا نام أعطاها ظهره، ثم لا يكلمها ولا يحدثها، ويبتعد عنها أياماً وليال إذا أمكن؛ لعلها ترجع إلى الله سبحانه وتعالى ثم إلى زوجها، ويبين لها ما بينه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة، ولا ترفع لهم حسنة: العبد الآبق حتى يعود ويضع يده في يد مواليه، والمرأة الغاضب عليها زوجها، حتى يرضى عنها زوجها، والسكران حتى يفيق من سكره) فهؤلاء الثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة، ولا ترفع لهم حسنة إلى السماء: العبد الآبق، حتى يعود إلى أوليائه ويضع يده في أيديهم، والمرأة حتى يرضى عنها زوجها، والسكران حتى يفيق من سكره، كذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا باتت امرأة وزوجها عليها غضبان باتت تلعنها الملائكة حتى تصبح) -والعياذ بالله- يبين لها الحديث هذا وما أشبهه. كذلك لو دعاها وهي على التنور يجب عليها أن تلبيه، تقول عائشة رضي الله تعالى عنها: [لو تعلم المرأة ما لزوجها عليها من حقٍ لمسحت تراب قدميه] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كنت آمراً أحداً يسجد لغير الله، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها) لعظم حقه عليها، فحقه عليها عظيم، وشأنه خطير. كذلك يروى في بعض الآثار: أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عندما كان خليفة جاءه أحد الصحابة يشكو إليه زوجته، فقد آذته في نفسه وفي غير ذلك، فوقف في الباب يريد أن يشتكي زوجته إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، فإذا عمر وزوجته في كلام كثير، تشتم عمر وتسبه وهو ساكت، وهو الخليفة وقوته معروفة، فقال الرجل: إذا كان هذا عمر في داره فكيف أنا، لا أبد أن أنصرف وأصبر، فانصرف، فخرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا هذا! ارجع ماذا تريد؟ قال: يا عمر! جئت إليك أشكو حال زوجتي عليك، فسمعت من الباب ما بينك وبين زوجتك، فقلت: إذا كان هذا عمر بن الخطاب الخليفة القوي الشديد في الحق كيف يسكت على هذه المرأة! فقال عمر رضي الله عنه: إن لي عندها مصالح، فأنا أصبر على هذا الذي ترى منها، فهي تطبخ طعامي، وتغسل ثوبي، وتطحن دقيقي، وتربي أولادي، وغير ذلك، فلهذا أنا سأصبر عليها وليقع ما يقع، وإنه الفراق في يوم من الأيام، فقال الرجل: وأنا كذلك يا عمر، ثم انصرف هذا الرجل، ولم يقل شيئاً، انصرف من الباب بعد ما سمع ما قاله ابن الخطاب رضي الله تعالى عنه. فالمرأة إذا علمت وفهمت الحق الذي عليها لزوجها، ربما ترجع عن غيها، وتتوب إلى الله سبحانه وتعالى، فيعيشان سعيدين في هذه الدنيا، فالمرأة تعيش مع أهلها عشرين سنة إلى اثنتين وعشرين سنة وهكذا، ثم تعيش مع زوجها ستين عاماً وأكثر من ذلك، وهما سعداء في هذه الحياة، يجتمعان لوحدهما، شابان في عنفوان الشباب، يجتمعان ثم يأتيان بالبنين والبنات، ثم الأولاد يكبرون والبنات يتزوجن ويصبح الأولاد والبنات في سكن آخر غير سكنهما، وهما أصبحا في سن الشيخوخة، هي عجوز وهو كذلك، بعد أن عاشا ستين عاماً أو سبعين عاماً، إذا ذهبت إلى بيت أهلها تتضايق ولا تطمئن إلى أهلها ولا إلى أمها وأبيها، عينها في زوجها، ولهذا لما ضرب أبو بكر ابنته عائشة جاءت تحتمي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تخاصمه، خبأت وجهها خلف الرسول صلى الله عليه وسلم ليمنعها من أبيها، صلى الله عليه وعلى آله وسلم. هناك قصة عجيبة للصديق وابنته رضي الله تعالى عنهما جميعاً، لما كان الصديق في الغار - غار ثور - كما تعلمون، عندما دخل ونظف الغار، وسد الجحر الذي فيه، إلا جحراً واحداً ما وجد شيئاً يضعه فيه، فوضع قدمه رضي الله عنه خوفاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنام الرسول صلى الله عليه وسلم وجعل رأسه على فخذ أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، فلما كان رجله في الجحر لدغته حية، فآلمته ألماً شديداً، فلم يتحرك؛ لأجل ألا يزعج الرسول صلى الله عليه وسلم ويوقظه من منامه، وكان متعباً بعد صعودهما الجبل الهائل، وفرارهما من قريش خوفاً على نفسيهما، فلما لدغته الحية، آلمته ألماً شديداً ثم بكى فدمعت عيناه رضي الله عنه حتى قطرت على خد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ما هذا يا أبا بكر؟ قال: لدغتني حية يا رسول الله! وما أحببت إيقاظك لكي لا أزعجك، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فمسحها فعافاه الله). والقصة الثانية: لما كان النبي صلى الله عليه وسلم عند عائشة وقد نام على فخذها، فبكت وهو نائم فاستيقظ فقال: ما هذا يا عائشة؟ فقالت: يا رسول الله! ذكرت القيامة وأهوالها، وما فيها من مصائب وآفات، وعذاب شديد أو نعيم مقيم، فهل يلتقي المتحابان في الآخرة يا رسول الله؟ هل يبحث كل عن صاحبه، ويبحث عن أبيه، وعن أبنائه، وعن أمه، وعن أخته، قال: نعم يا عائشة! إلا في ثلاثة مواقف لا يذكر شخص أحداً، قالت: ما هي يا رسول الله؟ قال: عند المرور على الصراط، كلٌ يقول: نفسي نفسي، والصراط دحض مزلة، فإذا نجا من الصراط، فمنهم من يمر كالريح المرسلة، أو كالبرق الخاطف، أو كالجواد، أو كالدلول، أو يمشي مشياً، أو يحبو حبواً، أو يكردس في النار -والعياذ بالله- هذا موقف لا يسأل أحد عن أحد أبداً. والموقف الثاني: عندما تتطاير الصحف، لأن كل شخص عند الموت يوضع في قبره، وتوضع معه صحيفته في حلقه، لا يراها إلا الله والملائكة فقط، فإذا أتى يوم القيامة طارت ورجعت إليه، إما في يمينه وإما في شماله، هذا الموقف الثاني. والموقف الثالث: عند الحسنات، توزن حسناتك وسيئاتك، والملك ماسك بهذا والثاني بهذا، من اليمين والشمال، فإذا رجحت حسناتك على سيئاتك قال: سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبداً، وإن رجحت سيئاتك على حسناتك -والعياذ بالله- قال: شقي فلان شقاء لا يسعد بعدها أبداًَ. فهذه ثلاثة مواقف لا يبحث أحد فيها عن أحد. فإذا انتهت المواقف المذكورة، فكل شخص يبحث عن صديقه، وعن قريبه، وعن أبيه إذا كان مؤمناً، أما إذا كان كافراً فلا. إن الصبر هو حلية العارفين، إذا صبر الإنسان على زوجته واحتسب، وخاصة إذا كانت جاهلة ولا تفهم شيئاً، يصبر عليها؛ من أجل أولاده وأولادها، وكثير منهن متعلمات لكن أصبحن مسيطرات على الرجال إلا أن يشاء الله، وقد جاء في الحديث: أنه يجوز لك أن تكذب على زوجتك، فتقول لها: أخذت هذا الثوب بعشرين ريالاً، وهو بعشرة ريال -مثلاً- لكن الآن لا تصدق، تقول لك: لا. أنا أعرف السوق، لا تكذب عليَّ، سابقاً كنا نكذب على النساء بهذا بالكلام، ولكن انعكس الآن وأصبحت النساء يكذبن على الأزواج؛ لأنهن عارفات بالأسواق، إلا من هدى الله.

عدم الخروج من البيت إلا بإذن

عدم الخروج من البيت إلا بإذن إن من العلاج عدم الخروج إلى السوق باستمرار، كل يوم في دكان، ومهما كانت، فالشيطان وراءها وإذا أرادت أن تخرج إلى السوق للضرورة القصوى، فلا بد أن تكون لابسة أحشم لباس، ثم تغطي يديها بالكفوف، وقدميها بجواربها وهكذا، فخروجها للحاجة الضرورية وإلا فلا، لأن هناك من يخدمها ويكفيها وهو ابنها أو أبوها أو زوجها أو أي شخص يقوم بحقوقها، فإن الشيطان يتبع المرأة أينما كانت وأينما ذهبت. ولهذا جاء في الأثر: يقول الشيطان إذا بث جنوده في الأرض: أيكم يأتني بأعظم شيء فعله فأنا أفعل معه وأفعل معه، فيأتي أحدهما فيقول لرئيسهم الشيطان: أفسدت بين فلان وبين فلان، تخاصما حتى تضاربا، فيقول: ما فعلت شيئاً يصطلحان غداً، قال: فيأتي الثاني فيقول: فعلت وفعلت، فيقول له: ما فعلت شيئاً، فإذا جاء الآخر قال: ما زلت بفلان حتى زنا بفلانة، قال: هذا هو الشيء الطيب، فيلبسه التاج. فالمرأة دخولها للسوق سبب للمشاكل، وروحتها للغيبة والنميمة والبحث عن عورات الناس، مع فلانة كذا، وفلانة عندها ثوب كذا، وفلانة عندها كذا.

إعانة الزوجة لزوجها على طاعة الله

إعانة الزوجة لزوجها على طاعة الله ثم بعض النساء يأتي زوجها من العمل مرهقاً، فإذا بالأوراق أمامه خذ لنا هذا وخذ لنا هذا، هذه من أسباب المشاكل؛ لأنها تحمله ما لا يطيق، وخاصة إذا جاء من العمل عليك أن تستقبليه عند الباب، فتأخذين ثيابه وتعلقيها، خذي أحذيته، وأصلحي له القهوة أو الشاي وكل شيء طيب، لكن لو أتت له بكشف من المقاضي من كل نوع، ربما لا يوجد عنده شيء، أو أنه مفلس، فتكلفه أن يذهب يتدين ويأخذ أموال الناس في ذمته، ثم يموت وهي في ذمته، وهذا لا ينبغي، فبعض النساء ليس عندهن من العقل والمروءة ما يكفيهن، لكن بالتعليم وبالإرشاد وبالتوجيه وقراءة كلام النبي عليهن هذا من أسباب النجاح في الدنيا والآخرة. هناك قصة قد تكون غير صحيحة، يقال: إنه كان هناك رجل له صديق في بلد بعيد، وكان يزوره في السنة مرة واحدة، فذهب إلى داره ودق الباب، فقالت زوجته: من؟ قال: أنا فلان أخو فلان في الله، قالت: ذهب إلى كذا لا رده الله ولا بارك فيه ولا وفقه، وقامت تصدر له كلاماً عجيباً من داخل البيت، فقليلاً وإذ بزوجها يأتي وهو محملٌ الأسد حطباً، وذلك يرى أخاه، فجاء وأنزل الحطب وقال: للأسد اذهب بسلامة الله، ثم لم يقل له شيئاً من ذلك الحين، ثم ذهب عنه أخوه هذا وصديقه سنة كاملة، ثم جاءه بعد سنة، ودق عليه الباب فقالت زوجته: من؟ فقال: أنا صاحب فلان أخو فلان في الله، قالت: ذهب يأتي بالحطب، الله يعيده قريباً ذلك الصالح الطيب بارك الله فيه وفي أيامه، ثم دعت له دعاءً عجيباً، فتعجب من كلامها هذا، وقليلاً وإذ بالرجل يحمل الحطب على ظهره الذي هو زوجها، فلما دخل البيت وتغدى هو وإياه قال: يا أخي! رأيت في السنة الماضية عجباً وهذه السنة أعجب، قال: ما رأيت؟ قال: أتيت العام الماضي إليك فإذا المرأة تسب وتلعن وتشتم، وهذه تدعو لك بالطيب وبكل شيء طيب، قال: لا تعجب يا أخي! تلك توفاها الله، فكنت أصبر عليها فأعطاني الله الأسد على هذا الصبر لكي أحمل عليه الحطب، على أجر صبري على هذه المرأة، يأتي الأسد بالحطب إلى باب بيتي، وهذه عندما كانت صالحة ذهب الأسد مني، لأجل أنها صالحة، لا يوجد شيء يأجرني الله عليه منها، لكن تلك لخبثها ولخبث لسانها وعدم استقامتها معي أعطاني الله الأسد يحمل الحطب إلى باب البيت، وهذه لما كانت صالحة الأسد انسحب عني جزاءً؛ لأن عندي امرأة صالحة، وهكذا الزوجات الصالحات، تعين الزوج على طاعة الله سبحانه، وتساعده في دينه ودنياه. ولهذا من السنة إذا قمت تصلي من الليل أيقظها تصلي معك، وفي الأثر: (رش على وجهها ماء)، فهذا من السنة، توقضها تصلي معك لكي تستقيم ويستقيم دينها وتقواها معك -أيها الزوج الصالح- إن كنت صالحاً. جعلنا الله وإياكم من الصالحين، وأن يعيننا على أنفسنا، ويعيذنا وإياكم من النار إنه جواد كريم. وصلى الله على محمد وعلى وآله وصحبه وسلم.

أداء الزوجين لما عليهما من الواجبات

أداء الزوجين لما عليهما من الواجبات كلام الشيخ حامد المصلح: بقي الآثار المترتبة على الخيارات الزوجية، وشرها وآخر العلاج الكي وهو الطلاق، لكن قبل ذلك نود أن نعرج على قضية، وهي: هل تعدد الزوجات سبب من أسباب المشكلات أم لا؟ كلا م الشيخ سعيد بن مسفر: بسم الله الرحمن الرحيم كما ذكرنا -أيها الإخوة- أن الزواج يشكل اللبنة أو النواة الأولى من لبنات المجتمع، وعلى ضوء صلاح الأسرة وتفاهمها وانعدام المشاكل فيها، يتكون من ذلك صلاح المجتمع، وفي ظني والله أعلم: أن من أعظم الأسباب التي تؤدي إلى حدوث الخلافات الزوجية إلى جانب ما ذكره صاحب الفضيلة الدكتور الشيخ جابر، والشيخ حامد حفظهما الله، هو عدم قيام أحد الزوجين بالحقوق التي أوجبها الشرع عليهما، سواء المرأة أو الرجل، ومن الطبيعي إذا قصر أحد الزوجين في القيام بالحقوق الواجبة عليه، فإن الطرف الآخر يضطر إلى المطالبة بها، وإذا لم يكن عند الآخر إنصاف وعدل، اعتبر المطالبة بالحق نوعاً من سوء الأدب والعشرة، فيتصرف تصرفاً غير سليم، وبالتالي تزداد المشاكل، والشرع حينما أمر بالزواج نظمه وبيّن الحقوق على الرجل وألزمه بالقيام بها، وأيضاً بيّن حقوق المرأة تجاه الرجل وألزمها بالقيام بها، يقول عز وجل: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:228] الدرجة التي ميز الله بها الرجل: هي درجة القوامة؛ لأن الحياة الزوجية شركة، والشركة لا يمكن أن تسير إلا بمسئول، والأقرب إلى القيام بالمسئولية هو الرجل؛ لأن الله أعده لهذا، فلا تصلح شركة فيها مديران، ولا تصلح إدارة فيها مديران، ولا تصلح دولة بملكين، أبداً، لا بد من شخص يتخذ القرار، بل الكون كله لله يقول الله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:22]. فلا بد أن يكون لهذه الشركة مسئول، والمسئول هو الزوج، وهو صاحب القرار، ولكن مسئوليته هذه لا تعني الاستبداد والتسلط والقهر والإذلال، لا. وإنما تعني المسئولية أمام الله، بأنه لا بد أن يرحم هذه الأسرة، وأنه لا بد أن يشاور هذه المرأة، وأن يأخذ بما يسعدها، وأن لا يكلفها ما لا تطيق، ولهذا يقول الله عز وجل: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:19] ويقول عليه الصلاة والسلام: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي). وإذا أردت أن تقيِّم رجلاً، فإن أعظم من يقيِّمه زوجته، الناس إذا قيِّموه يكتبون في تقييمهم ما ظهر منه أمامهم، فقد يتظاهر أمام الناس بأنه صاحب خلق، وبأنه حليم، وبأنه كريم؛ لأنهم يعايشونه فترة معينة. أما المرأة التي تعايشه باستمرار، فهي التي تعرف مدخله ومخرجه، وتعرف جميع وسائل حياته وأساليبها، ولذا إذا أثنت عليه امرأته خيراً فهو ذو خير، وإذا أثنت عليه شراً فهو ذو شر؛ لأنها تقيمه على فهم واضح، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الناس، ومن الذي يثني عليه؟ يثني عليه نساؤه، صلوات الله وسلامه عليه، لما طلبوا المزيد من النفقة أراد الله عز وجل أن يجعل بيت النبوة بيتاً مثالياً لا يمكن لأحد أن يصل إليه، فأمر بتخيير النساء بين العيش معه على العيشة التي قد رضيها الله له، وبين أن يسرح، فبدأ يخيرهن: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:28 - 29]. فبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بـ عائشة قال لها: (يخيرك الله بين أن تبقي معي على هذا الوضع الذي أنا فيه من شظف العيش من النفقة المحدودة)؛ لأنه بيت مثالي وليس بيت ملك، ولا بيت غني، بل حجرات محدودة، وفراش محدود، وطعام محدود، وعيشة بسيطة، وإن كنت لا تريدين هذه العيشة ولا تستطيعين، قالت: أفيك أخير يا رسول الله؟ أي هل يمكن أن أختار أحداً في الدنيا غيرك؟! لماذا؟ هل أغراها النبي صلى الله عليه وسلم بالمال؟ لا. بعض النساء الآن لا تعيش في ظل زوجها إلا بالإغراءات المادية، يغير لها المتاع كل سنة، يغير لها الذهب كل عيد، يغير لها الملابس بالآلاف، لا تنزل إلى السوق إلا ومعها خمسة أو ستة آلاف ريال، ولذلك يسكت غضبها بالفلوس، بعضهم يغريها بالنواحي الأخرى، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يغرها بالمال، ولم يغرها بأي شيء، وإنما بالخلق الكريم، وبالتعامل العظيم، صلوات الله وسلامه عليه. فلا بد -يا أخي الكريم- أن تشعر بأن المرأة لها حق، مثل ما لك حق، ولسنا في صدد بيان حقوق الزوج فإن أكثر الأزواج يأخذون حقوقهم بالقوة؛ لأن المرأة ضعيفة، فالرجل دائماً يأخذ حقه إن رضيت بالطيب أو بالغصب، لكننا نوصي -أيها الإخوة- في حقوق النساء؛ لأن كثيراً من الرجال لا يرى إلا حقه أما حقها فلا يراه، مثل البعير لا يرى عوجة رقبته، لو سألت الجمل: كيف رقبتك يا جمل؟ قال: رقبتي أسمح من المسطرة، وهي أعوج رقبة في الدنيا؛ لأنه لا يراها هو، وكذلك بعض الرجال لا يرى الأخطاء التي يرتكبها هو، وإنما يرى أخطاء زوجته ولا يرى أخطاءه، فلا بد أن تكون منصفاً عادلاً، وتقوم بالحقوق التي أوجبها الشرع عليك، من العشرة الطيبة، والمعاملة الحسنة والنفقة بقدر ما منّ الله عليك من الرزق {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق:7] ومن إكرامها إكرام أهلها، والمناداة لها بأحسن العبارات، والمباسطة لها بالقول، والسمر معها، والإدلاء إليها بما في قلبك، ولا تحتقرها، فهي شريكة حياتك، بعض الناس لا يعطي زوجته شيئاً مما في قلبه، بل إذا دق الهاتف ورفع السماعة، رأيت منه رداً غير الرد الذي يتعامل به مع زوجته، زميله يدق عليه فيرفع السماعة: (ألو، أهلاً، كيف الحال، عساك طيب)، وبعد أن يضع السماعة، قال: يا امرأة هاتي الشاي، لماذا مع المرأة كلام غليظ، ومع ذلك كلام مثل العسل؟ لماذا لا تقول لها: يا فلانة يا أم فلان أعطيني كذا؟! أُدعها بأحسن الأسماء، وأكرمها؛ لأنك إذا أكرمتها حتى لو لم تكن صادقاً. يقول الشيخ: إن الله أباح لنا أن نكذب على النساء، لماذا نكذب؟ من أجل أن تدوم العشرة، عندما تقول: والله أنا أحبك، ولو أنك لا تحبها، تراها مسكينة تفرح، إذا طبخت لك طعاماً ولو لم يكن حسناً أو جيداً، وقلت لها: إن الطعام شهي، وما أحسن هذا الطعام، تراها تتفانى من غدٍ وتتفانى في تقديم أحسن الطعام، وإذا كان الملح كثيراً قل لها: ما هذا من ملح اليوم، ممتاز مرة، تجعله بعد ذلك أحسن، ولكن أنت عندما تدق عينها، وتحطمها، وتبحث عن عيوبها، طبعاً هي إنسانة مضطرة أن تتعامل معك بنفس التعامل الذي تتعامل به معها. لا بد -أيها الإخوة- من قضية القيام بالحقوق المشتركة، حقوق الزوج وحقوق الزوجة، فكما أن الله عز وجل أوجب للرجل على المرأة حقوقاً، أيضاً أوجب للمرأة على الرجل حقوقاً، فليعرف كل فرد منهم الحقوق المترتبة عليه وليقم بها، وإذا قام الزوج والزوجة بالحقوق فإن هذا سوف يؤدي إلى انعدام المشاكل، هل يوجد رجل يريد المشاكل في بيته؟ لا. إذا وصل الرجل إلى بيته من عمله متعباً ووجد امرأته أمامه، تستقبله بالبسمة، وبالعبارة الطيبة، وبالخدمة المتناهية، ثم جلس ووجد الطعام الشهي اللذيذ، ثم بعد ذلك وجد الفراش الوفير، ووجد الطمأنينة، ووجد الأولاد قد حصروا في مكان بعيد عنه، بحيث يجد له ساعة أو نصف ساعة بعد الدوام لينام فيها ويرتاح، ثم بعد العصر يخرج بعد الصلاة ليجد أمامه الشاي والتمر والقهوة والمكسرات، ثم بعد ذلك يجد زوجته تقدم له كتاباً أو تقدم له شريطاً ليسمعه، هل يبقى هناك مشاكل؟ لكن بعض الزوجات ما عندها هذا الكلام كله، فماذا يحصل من الزوج إذا دخل وهي: (لاوية خشمها) ما سلم عليها، حينما يدخل يجد أمامه مشكلة. عليك أن تعاملها بما ينبغي أن تعاملك به، بحيث تسلم، وتعلمها بالأدب وبالتكرار، حتى تقوم بالواجب، هذا إن شاء الله مع الممارسة ومع الصبر.

الآثار والنتائج التي تترتب على الخلافات الزوجية

الآثار والنتائج التي تترتب على الخلافات الزوجية أما التعدد فإنني استسمح الشيخ حامد عذراً، وأرجو أن يعفيني من الإجابة عليه؛ نظراً لضيق الوقت، ولكن الموضوع الذي سألني فيه وهو الأول وهو الآثار والنتائج الخطيرة التي تترتب على الخلافات والمشاكل الزوجية وهي كثيرة جداً، يمكن حصرها في بعض العناصر أو النقاط:

العيشة التعيسة بين الزوجين

العيشة التعيسة بين الزوجين أولاً: العيشة التعيسة من قبل الزوج ومن قبل الزوجة، فإن الحياة الزوجية -كما ذكر الله عز وجل- سكن، والسكن ضد القلق، ولهذا سمي بيت الإنسان مسكناً، ليسكن ويرتاح فيه، لو أنزلته في أعظم فندق، فإنه لا يرتاح، ولكن أدخله في بيته فإنه يرتاح وينبسط، ولو كان بيته ليس في درجة الفندق أو القصر، وكذلك المرأة هي سكن الرجل، والرجل هو سكن المرأة، {لتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم:21] فإذا لم يجد الإنسان الراحة والطمأنينة في سكنه تحولت الحياة إلى عذاب، ولذا بعض الناس تجده إذا ذهب إلى البيت كأنه يذهب إلى قبر، لما يرى من المشاكل أمامه في البيت. وقديماً قيل: حرب الخلاء ولا حرب الدار؛ لأن حرب الخلاء تنتهي، لكن حرب الدار في وجهك كل مرة. وإبراهيم عليه السلام، لما جاء يزور إسماعيل وسأل زوجته عنه، قالت: ذهب إلى الصيد. قال: كيف أنتم؟ قالت: في شر حال، فقال: قولي له: يغير عتبة البيت، ولما جاء زوجها أخبرته فطلقها، سماها عتبة البيت، ومعنى العتبة: أول ما يصادفه الإنسان عندما يدخل، إذا كانت العتبة طيبة فالبيت كله طيب، وإذا كانت العتبة غير طيبة كلما دخلت آذتك، وكذلك المرأة. المرأة إذا كانت سيئة الخلق كلما دخلت عليها تجد الحياة أمامك كلها سيئة، وإذا كانت طيبة الخلق تجد الحياة كلها طيبة، فمن الآثار أن الخلافات الزوجية تحول الحياة الزوجية إلى جحيم لا يطاق، ولذا ترون الذي يعيش مع زوجة سيئة الخلق، أو تعيش الزوجة مع زوج سيئ الخلق يتهدم قبل أوانه، قد ترى عمره أربعين سنة، لكن إذا رأيته تقول: هذا عمره ستين سنة، شيَّبته قبل حينه، تجعل نهاره ليلاً، وليله ويلاً. أحد الناس كان معه زوجة، ولسانها على كتفيها تجلس تثرثر، لا تسكت أبداً، وأخيراً تعبت وتعب هو، وردها إلى أهلها، وفي النهاية اشترط على أهلها: أن تتكلم يوماً وتسكت يوماً؛ لأنها كثيرة كلام، ولما جاءت إلى البيت تريد أن تتكلم في اليوم الأول الذي ليس فيه كلام، وإذا بها تقول: بكرة الكلام، بكرة الكلام، بكرة الكلام، بكرة الكلام، إلى أن جاء بكرة، فإذا بها تورد عليه بكل ما أرادت أن تتكلم، لماذا؟ طبيعتها ثرثارة -والعياذ بالله- وكذلك بعض الرجال -حتى لا نظلم المرأة- سيئ الخلق امرأته فاضلة طيبة دينة ذات خُلق، لكنه سيئ الخلق، فإذا رأيتها رحمتها، تراها وقد انعكف ظهرها، قد شاب رأسها، وساءت حياتها، لماذا؟ لأنه سيئ الخلق، إذا دخل يضع عينه على الأخطاء لو رأى قشة في طرف المجلس أقام عليها مشكلة، لماذا لم تنظفوا المجلس؟ لماذا لم تغلقوا الكهرباء؟ لماذا الماء يصب؟ لماذا؟ لماذا؟ فقط، لكن ما يرى الحسن في المرأة، فتعيش معه زوجته في عذاب -والعياذ بالله- فهذا أول أثر من آثار الخلافات الزوجية، أن الحياة الزوجية تتحول إلى جحيم لا يطاق.

ضياع الأولاد وتشردهم

ضياع الأولاد وتشردهم الأثر الثاني: يأتي على الأولاد، فإنهم ينشئون في ظل هذا الخلاف نشأة سيئة، فيحصل فيها التعقيد في النفوس، ويحصل فيها مشاكل، ويفشلون في حياتهم الدراسية. أيضاً يحصل بينهم كراهية للأم إذا كانوا يرونها تتكلم على الوالد، وكراهية للأب إذا رأوه يمد يده ويتكلم على أمهم؛ لأن الولد يقف موقفاً مذهلاً، وهو يرى أباه يضرب أمه، يقول: ما هذا؟! هذا إنسان لماذا يضربها؟! لأن الولد يحب أمه، فإذا رأى الأب يضرب أمه حصلت عنده عقده وكراهية وبغضاء لهذا الأب، وسوف ينتقم منه فيما بعد، وكذلك إذا رأى الولد الأم وهي تنال من الوالد، بأن تلعنه أو تسبه أو تشتمه أو تطول لسانها عليه؛ فإنه يبغضها، ويكرهها، وتتحول المحبة لها إلى بغض وكراهية وإلى عقد نفسية، فلا ينبغي أن يحصل هذا أمام الأولاد، كما قلنا: لا تخلو الحياة، لكن إذا وقعت مشكلة سكت الزوج وسكتت المرأة إلى أن يكون الأولاد غير موجودين في المدرسة أو في أي مكان آخر، أو في غرفة بعيدة ثم ناقشوا الخلاف الذي بينكم، أما أمام الأولاد، فلا. بعضهم يقول: كيف أسكت وأنا غضبان، لا يعرف الشجاع إلا عند الغضب، يقول عليه الصلاة والسلام: (ليس الشديد بالصرعة) أي: الإنسان المندفع الأهوج، الذي إذا استثير أثار نفسه، لا. (ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) هذا هو الشجاع الحقيقي، أما ذاك المندفع الذي لا يملك نفسه فليس بشجاع، هذا متهور وسوف يندم على تصرفاته، لكن الذي يملك نفسه حتى يذهب إلى الغرفة فتطفأ هذه الفتنة ويطفأ نار الغضب حتى ترعى أولادك، ومن أجل هؤلاء الأولاد حتى لا ينشئون على هذه النشأة، ولذا ترون -أيها الإخوة- الأولاد في المدرسة يلاحظ عليهم قصور في الأداء التعليمي، وكذلك الواجبات غير محلولة، والولد شارد أثناء الدرس، الولد كثير الشغب، فهناك مشرف يسمونه مرشد طلابي، يقوم بدراسة الحالات الفردية لهؤلاء الأولاد، ونتوصل بالنهاية في كثير من الحالات إلى أن السبب هو أن الحياة الزوجية غير مستقيمة في البيت، وأن هناك خلافات في البيت، الأب يضرب الأم، والأم تخاصم الأب، فينعكس هذا على أداء الولد، كيف تريد لولدك يذاكر دروسه في هذا الجو المملوء المشحون بالمشاكل؟ لكن عندما يأتي الولد من المدرسة يجد الأم تبتسم والأب يبتسم والتفاهم قائم والاحترام متبادل والعشرة طيبة، يحس الولد بالأمن ويشعر بالطمأنينة، ويشعر بالسكينة، ويمارس دراسته، ويراجع ويذاكر واجباته في جو آمن، لكنه عندما يرى الأب يضرب، وتلك تصيح، وهذا كذا، وهذا كذا، كيف يذاكر؟ يهرب إلى الشارع وبالتالي يفشل في حياته الدراسية وفي حياته العملية، ويكون السبب أنت أيها الزوج وأنت أيتها الزوجة. الثالث من الأسباب: وهذا يترتب عليه خلافات تنتشر وتتصاعد وتنال منه بقية الأسرة، الخلاف بين الزوجين، كأن تسمع به الأم -أم الزوج- فتكره الزوجة، أو تسمع به أم الزوجة فتكره الزوج، ويسمع أبو الزوج فيتدخل، ويسمع أبو الزوجة فيتدخل أيضاً، ويسمع الأعمام والأقارب وتحصل الشحناء وتحصل المشاكل والبغضاء، وتتقاطع العلاقات وتنتشر العداوات، وربما تقوم الحروب والمطاحنات من أجل خلاف زوجي بين اثنين، لكن لو كان هناك تفاهم، لحصل التفاهم بين الأسر كلها، وربما يحصل هذا أكثر إلى أن تحصل مشاكل بين القبائل بأسباب خلاف زوجي بين رجل وامرأة، ثم تأتي الطامة الكبرى والنهاية المؤلمة التي قد تقع من أسباب وجود الخلافات الزوجية وهي: الطلاق. الطلاق الذي نعرف آثاره على الأسر، الأسر تتحطم، والأبناء يشردون، ويحرمون من نعمة الحنان بالنسبة للأم ومن شفقة الأب، إن جلسوا مع أبيهم ضاعوا، وإن ذهبوا مع أمهم جاعوا. وأيضاً المرأة بعد أن تطلق، المعروف طبعاً في المجتمع أن الناس يعيبون عليها، بعد أن كانت في بيت زوجها ملكة، تصبح في بيت أهلها خادمة، وبعد أن كانت فلانة، قالوا: فلانة المطلقة أو الأرملة. وأيضاً الزوج إذا جاء يتزوج يُعرَض عنه، وكلما أراد أن يخطب قالوا له: قد طلق زوجته، وإنه رجل مطلاق، فلا أحد يقبله، إلا امرأة طائحة ربما ما امتدت لها يد، فتقبله ولكنها لا تسعده ولا تلبي احتياجه، وبالتالي تحصل المشاكل الكثيرة. وحتى لا تحصل هذه الآثار، فإننا نوصي أنفسنا ونوصي إخواننا: أولاً: بالقيام بالحقوق التي أوجبها الله للطرف الآخر. ثانياً: التعامل على ضوء الكتاب والسنة. ثالثاً: الصبر والاستيعاب. رابعاً: العدل والإنصاف، والنظر إلى ما يحبب الرجل من المرأة، كما وجه ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي آخر) عليك أن تنظر بعين العدل، فإذا كرهت منها شيئاً فاعلم أن المرأة خلقت من ضلع أعوج، لا توجد امرأة في الدنيا مستقيمة كالمسطرة، هل رأيت ضلعاً مثل المسطرة، انظر في الأضلاع كلها لا يوجد ضلع إلا وفيه عوج، والمرأة مخلوقة من هذا الضلع، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (استمتعوا بهن على عوجهن؛ فإنك إن ذهبت تقيمه كسرته، وإن استمتعت به استمتعت به على عوج) أما أن تريد واحدة (100%) مثل المسطرة فهذه ليست موجودة في الدنيا؛ لأنك أنت غير مستقيم، وكذلك المرأة لن تجدها مستقيمة (100%)، إن أردتها فاطلبها في الجنة. أسأل الله أن يرزقنا وإياكم النعيم الذي وعدنا الله به، ومن ضمن النعيم الحور العين {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن:72]. أسأل الله تبارك وتعالى أن يديم علينا وعليكم نعمة الأمن والإيمان والإسلام، والطمأنينة في الأوطان، وفي المشاكل، وفي الأولاد والزوجات، وأن يوفقنا جميعاً لكل خير، وأن يوفق ولاة أمورنا وعلماءنا ودعاتنا إلى خدمة هذا الدين، والدعوة إليه ومناصرته إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كلام الشيخ حامد: أثابكم الله وجزاكم الله خيراً، لا شك أن الطلاق هو أبغض الحلال إلى الله، ولكنه هو العلاج الأخير، فأسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا جميعاً للتعاون على البر والتقوى، والتناصح والتآمر بالمعروف والتناهي عن المنكر، على وجه العموم وعلى وجه الخصوص في البيوت، وأن يجعلنا جميعاً مِمن أراد الله بهم خيراً إنه على ذلك قدير. الحقيقة لعل الإقامة أوشكت، ونود أن يشاركنا: الدكتور الشيخ عبد الرحمن السديس حفظه الله، فليتفضل ليشاركنا ويتحفنا جزاه الله خيراً.

الرجوع إلى الله وتحكيم الشرع هو الحل الأمثل تجاه المشاكل الاجتماعية

الرجوع إلى الله وتحكيم الشرع هو الحل الأمثل تجاه المشاكل الاجتماعية كلام الشيخ عبد الرحمن السديس: إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن دعا بدعوته واهتدى بهداه. أما بعد: فإننا نحمد الله عز وجل ونشكره جل وعلا على عموم نعمه وآلائه، ومنها نعمة هذا اللقاء الطيب المبارك، في رحاب جامع الدعوة بحي العوالي، وهذا النشاط الذي يقام في هذا الجامع ويؤسفنا أن نقوم لأول مرة في هذا الجامع، لكنها بإذن الله فاتحة خير، فنشكر الله عز وجل على نعمة هذا اللقاء الطيب المبارك، ثم نشكر إخواننا في مركز الدعوة في مكة المكرمة نشاطهم الطيب في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، وإقامة الندوات والمحاضرات المفيدة التي تتحسس مشاكل الناس، وتسعى إلى علاجها، فجزاهم الله خيراً، وضاعف مثوبتهم، وزاد من نشاطهم فيما يحبه ويرضاه، ثم نخص بالشكر أعضاء هذه الندوة المباركة، صاحب الفضيلة: الشيخ الدكتور جابر الطيب، وصاحب الفضيلة: الشيخ سعيد بن مسفر والأخ الشيخ حامد المصلح الذي أدار هذه الندوة، ولا شك أنها ندوة موفقة ومباركة، قد استمعنا جميعاً إلى كلامهم، وإلى بيانهم وبلاغهم وأدائهم، والحق أنهم قد أجادوا وأفادوا، فجزاهم الله خيراً، وبارك فيهم، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن يستمع القول فيتبعون أحسنه. أيها الإخوة في الله! لا تعليق عندي على ما قاله أصحاب الفضيلة، لكنها رغبة في المشاركة في هذا اللقاء الطيب المبارك، لا سيما والمسجد مسجد حي، وقد حضرنا وأتينا لأداء الصلاة وسمعنا هذه الكلمات الطيبات من أصحاب الفضيلة بما لا مزيد عليه، لكن الحق أنه في كل مشكلة ينبغي أن يشخص الداء وأن يوصف الدواء، فإذا عرف الداء وتشخص استطاع الطبيب أن يذكر العلاج وأن يصفه، ثم لزم المريض أن يتابع هذا العلاج وأن يعمل به، وأن يستمر عليه وأن يتابعه، ليؤتي أكله وثماره حياة سليمة صحيحة، وهذه المشكلات الخاصة بالمشكلات الاجتماعية، ومشكلات الزواج والأسرة والطلاق، مشكلات أقضت مضاجع الأمة، وبحت فيها حناجر الغيورين والمصلحين، ولكنها مع شديد الأسف لا تزال تتضاعف في كثير من المجتمعات، وإن كان مجتمعنا -ولله الحمد والمنة- بحكم إسلامه وتمسك أفراده بشريعة ربهم تبارك وتعالى في الجملة، لا شك أنه خير المجتمعات بالنظر إلى هذه المشكلات، ولا شك أن المجتمع المسلم الذي ترفرف عليه رايات تطبيق شريعة الله عز وجل بقدر تمسكه يكون بعيداً عن المشكلات، وبقدر تساهله في تطبيق شرع الله عز وجل تتضاعف المشكلات، وتتعاظم المعضلات، ويصعب حلها. أيها الإخوة في الله! الحكم على الشيء دائماً فرع عن تصوره، والمشكلات الاجتماعية فرع عن مشكلات كثيرة أصيبت بها الأمة، والمجتمعات، فتشخص الأسباب في كل مشكلة ومعضلة، ولقد أجاد أصحاب الفضيلة وأفادوا ولا حاجة إلى التكرار، ولو أن الأمة والأسرة والمجتمع بل وكل فرد من الأفراد طبق شرع الله عز وجل في خاصة نفسه لأراح واستراح ولم تحصل منه مشاكل، لا إلى نفسه ولا إلى بيته ولا إلى أسرته، متى ما أصلح الإنسان ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن ذلك أن يصلح الله أسرته، ويصلح أولاده، ويبارك له في داره وسكنه، وبقدر تقصيره يعاقب بمثل هذا الأمر، كما ذُكر عن بعض السلف أنه قال: إني لأعصي الله عز وجل فأرى ذلك في سلوك زوجتي ودابتي وخادمي، أو كما ورد. فالحاصل أنه ينبغي أن يصلح الإنسان ما بينه وبين الله، وليعلم أن الله عز وجل هو المتكفل بصلاح حاله {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 - 3] {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً} [الطلاق:4] فينبغي علينا -أيها الإخوة -أن نحرص على تطبيق شرع الله عز وجل في خاصة أنفسنا وأولادنا وأسرنا ومجتمعنا كل في محيطه وكل فيما يستطيعه. ومن الأسباب أيضاً: تقصير كلاً من الزوجين في القيام بحقه، وكل ينظر ما له ولا ينظر الذي عليه، وهذه قضية ينبغي أن ينظر فيها بعين الإنصاف والعدل والمساواة، وإن كانت المساواة ليست دقيقة على معنى؛ لأن الرجل له أكثر مما للمرأة كما قال عز وجل: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:228]. ولا شك أن كل زوج يطالب بحقه، فالمرأة لها حقوق، والزوج له حقوق، وإن كنت لمست أن بعض أصحاب الفضيلة في المحاضرة غلب جانب حقوق النساء أكثر من جانب حقوق الرجال، وقد يكون غيره ركز على حقوق الرجال وقصر في حقوق النساء، القضية ميزان وعدل ينبغي على كل واحد أن يعلم ما له وما عليه، ثم لا أدري لماذا هرب الشيخ سعيد بن مسفر حفظه الله عن السؤال الذي عرض عليه، والمسألة محسومة شرعاً، ولا ينبغي في نظري أن تكون مجال أخذ ورأي، وينبغي أن يعالج في مثل هذا في أخطاء الناس وفي تطبيقهم لشرع الله عز وجل رجالاً كانوا أو نساء. فإذاً -أيها الإخوة- هذه القضية وهذه القضايا الكثيرة علاجها: أن يعود الناس ولا سيما الزوجين إلى شرع ربهم المطهر، ففيه الشفاء من كل داء، كذلك ينبغي أن تتعاون الجهات كلها على علاج هذه القضايا، وينبغي أن يتعاون حتى أهل الزوجين إذا تضاعفت وتعاظمت الأمور، ينبغي أن تكون هناك لجان للإصلاح بين الأسر: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء:35] فينبغي أن نسعى جميعاً للإصلاح {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:114] وقال تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء:128] فينبغي أن يصطلح الزوجان وأن يكون أهل الزوجين لا سيما الآباء والأمهات حريصين على مصلحة أبنائهم وبناتهم المتزوجين، ومما يستثنى أن بعض الآباء والأمهات ينظر إلى حق ابنه ولا ينظر إلى ما عليه من الحقوق، فتأتيه -مثلاً- ابنته تشتكيه زوجها فيغضب والدها ويريد أن ينتصر لابنته، وربما تكون ابنته هي المقصرة في حق زوجها، فهكذا ينبغي أن يسعى الناس للإصلاح، كما ينبغي أن يربى الأبناء على هذا، وأن يعرف الأبناء حقوق آبائهم وأمهاتهم حتى إذا أصبحوا أزواجاً وأصبحت البنات زوجات قمن بحقوق أزواجهن على ما ينبغي وعلى ما شرع الله عز وجل. ثم متى يصلح البنيان؟ متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا أنت تبنيه وغيرك يهدم ينبغي أن تتعاون جميع الجهات المسئولة على توجيه الأمة بما فيها وسائل الإعلام، وبما فيها مناهج التعليم لرعاية حقوق الأسر وتربية الأبناء، ومعرفة حقوق الزواج والزوجين، لكن إذا كانت هذه الوسائل وقد دخلت كل بيت تثير بعض المشكلات التي قد تورث شقاقاً في الأسر بين الزوجين، كقضية التعدد مثلاً، أو قضية عمل المرأة، أو غير ذلك من المسائل، أو كان الأبناء يعيشون على هذه الوسائل والقنوات الفضائية التي تدمر الأخلاق والقيم، فلا شك أنهم سيخرجون إلى المجتمعات أعضاء مسمومة في المجتمع. على كل حال أسأل الله عز وجل أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يجعل هذه المشكلات تزول عما قريب عن كل بيت وعن كل أسرة، حتى تتفيأ ظلال الأمن الوارث والسكينة والرحمة التي من أجلها شرع الله الزواج، وأقام عليها عماد البيوت والأسر والمجتمعات. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وشكر حضوركم وإنصاتكم واستماعكم وجعلكم في روضة من رياض الجنة، وجعلكم ممن قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده). والحقيقة أن رسالة هذا المسجد ورسالة المساجد كلها ينبغي أن تتضاعف، ونطالب إخواننا في مركز الدعوة أن يكثروا من هذه الندوات والمحاضرات، في هذا المسجد، وأيضاً نشكر أصحاب الفضيلة أعضاء هذه الندوة المباركة جزاهم الله خيراً على ما قدموا وجعله في موازينهم. ونرجو أن نراكم قريباً في نشاط قادم إن شاء الله. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وفي أنفسكم أفلا تبصرون [2،1] ?!

وفي أنفسكم أفلا تبصرون [2،1] ?! إن نعم الله علينا لا تعد ولا تحصى، ولا يدرك ذلك إلا من سلب شيئاً منها؛ ومن أجل تلك النعم وهبنا الله إياه في أنفسنا، وإن التدبر والتفكر فيها مما يساعد المرء على حسن حفظها، وذلك بشكرها واستعمالها في طاعة الله والابتعاد بها عن معصيته، ومن وُفِّق إلى ذلك فقد وُفِّق.

فضل حضور مجالس العلم

فضل حضور مجالس العلم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين. أيها الإخوة في الله: أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعل هذا الاجتماع اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل التفرق من بعده تفرقاً معصوماً، وألا يبقي فينا ولا معنا شقياً ولا محروماً. إن سعي المسلم والتماسه لحلق الذكر بالمساجد، وحبه لهذه الرياض النضرة في هذه البقاع الطاهرة هو دليل على صحة قلبه، وصحة القلب هدف للإنسان في هذه الحياة؛ لأنه لا ينفع في يوم القيامة إلا من أتى الله بقلب سليم، والذي يَرِدُ على الله ويفد عليه وقلبه مريض أو ميت، فإنه يخسر الخسارة التي لا تعوض، ويدمر التدمير الذي لا نجاة بعده. وسعيك -أيها الأخ في الله- والتماسك لهذه المجالس الطيبة دليلٌ على حبك لله، وحبك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وأيضاً: فإن من نتائج مجالس الذكر وحلق العلم أنها تبعث على العمل، والذي يُتابع مجالس الذكر ولا يكون لها أثراً واضحاً في سلوكه وعبادته وتصرفاته وعقائده وأخلاقه فهذا لم يحضرها حقيقةً، فإن الحضور الحقيقي هو الذي يستلزم الانقياد بعد سماع الأمر ومعرفة النهي، فيفترض في الإنسان بعد معرفته لأمر الله ونهيه أن ينتهي ويأتمر، فهذا هو معنى طاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم. وأما مجرد السماع فقط دون أن يغير الإنسان من واقعه، أو أن يزيد هذا السماع في عباداته ويكف عن معاصيه وزلاته، فهذا سماع لا ينفع بل يضر يوم القيامة؛ لأنه حجة الله على عبده. والذي نتصوره -إن شاء الله-أن حرصك على هذا المجلس دليلٌ على رغبتك في الاستماع والاقتداء والاتباع والعمل بما تسمع رغبةً بما عند الله، وخوفاً من لقاء الله، وهذا هو الذي نحسبه فيك ولا نزكي على الله أحداً، ونسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يزيدنا توفيقاً وهداية وفلاحاً وصلاحاً ببركة هذه المجالس المباركة.

نعمة المعافاة في الجسد

نعمة المعافاة في الجسد قال الله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم:34]. أيها الإخوة في الله: يروي الإمام الترمذي في سننه حديثاً يذكر فيه بعض الأذكار التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولها حينما يستيقظ من النوم، وأنتم تعلمون أن الذكر من أبرز خصائصه صلوات الله وسلامه عليه، حتى قالت عائشة في الحديث الصحيح: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله في سائر أحواله) كان ذاكراً لله في كل حركة وسكنة من حركات حياته، ومن ضمن الحركات والمتغيرات اليومية التي تجري على الإنسان يقظته بعد النوم، هذه اليقظة وردت فيها عدة أذكار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: منها: (الحمد الله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور). ومنها: الحديث الذي أذكره لكم الآن وهو عند الترمذي، وهو قوله صلى الله عليه وسلم حينما يستيقظ من النوم: (الحمد لله الذي عافاني في جسدي، ورد عليَّ روحي، وأذن لي بذكره) ثلاث كلمات، يحمد الله صلوات الله وسلامه عليه على هذه النعم العِظام، نعمٌ جزيلة نتقلب فيها ولا ندري لها وزناً، ولكن العبد الرباني يعرف قيمة النعمة، وخير عباد الله على الإطلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعرف قدر النعمة ويعرف قدر مُسديها ومنعمها فيحمد الله الذي لا إله إلا هو عليها، ويقول إذا استيقظ من النوم مُشعراً نفسه ومستشعراً عظمة هذه النعمة يقول: (الحمد لله). والحمد لله كلمة عظيمة، معناها: الثناء والتمجيد والتعظيم والاعتراف والشكر؛ لأنها تستلزم كل هذه المعاني. وجميع آيات الثناء على الله عز وجل، تستلزم الشكر والصبر والاعتراف والعبودية والانقياد؛ والحمد لله هي الكلمة العظيمة التي يقولها أهل الجنة بعد فراغ الأمر والحساب حيث يقولون: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [الزمر:74] وأيضاً: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزمر:75]. الحمد لله، أي: الثناء المطلق لله، والألف واللام هنا لاستغراق جميع المحامد، أي: كُل حمدٍ وثناء وتبجيل وتعظيم، فإنما نرفعه ونقدمه لله الذي لا إله إلا هو. إن المسلم في حالة اليقظة من النوم يذكر نعمة الله فيقول: (الحمد الله الذي عافاني في جسدي)، وأنت تتقلب في الليل على فراش في نِعَمِ الله، جميع أجهزتك تشتغل من غير خلل ولا عطب، أجهزة مُعقدة بِدْءاً من رأسك إلى أخمص قدمك، فكم من مفصلٍ وعظم وعِرْق وخلية وجهاز وأداة كلها تعمل، ولو تعطلت واحدة من هذه الأجهزة أو تعطل عِرْق من هذه العروق، أو تعطل مفصل من هذه المفاصل، أو حصل في أحد هذه الأجزاء خلل بسيط لتغيرت عليك حياتك، وأنت تعرف هذا.

نعمة الأضراس

نعمة الأضراس إذا آلمك ضرسك كيف تظلم الحياة في وجهك وتصيح وتقول: كل شيء إلا الضرس، لماذا؟ لأنك لا تحس بأي ألم إلا ألم الضرس، ولهذا يضربون به مثلاً في تكاليف العرس التي تثقل كاهل الإنسان فيقولون: (العرس نزعة ضرس) يعني أهم عمل، وأهم وأثقل شيء عند الإنسان. فالضرس الذي يسوس على الإنسان يجد له ألماً، لكن قبل أن يسوس عليك ضرسك، كم معك من أضراس وأسنان مركبة، صف من فوق وصف من تحت، وهي تشتغل بالليل والنهار، وبعض الناس لا يعطيها إجازة ولو ساعة، فهل هذه نعمة أم لا؟ إي والله نعمة من نعم الله العظيمة أن تبقى لك أسنانك سليمة باستمرار وأنت تستعملها، وتصور من قد خلعت له الأسنان وركب تركيبة. يقول العلماء: إن هذه الأسنان هي القوة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب الله أن يمتعه بها في قوله: (ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا) لأن عليها وعلى وجودها يترتب أكلك للطعام، فالذي ليس عنده أسنان كيف يأكل الطعام؟ فمن الشيوخ كبار السن من يأكل الطعام ولا يحس له بطعم، والذي عنده تركيبة يأكل الطعام ويمضغه لكن ليس له طعم، فإن الطعم يأتي عن طريق إحساس الإنسان بلذة الطعام عن طريق الأضراس. فهذه نعمة ضرسك الموجود، وليس هو ضرساً واحداً؛ بل اثنين وثلاثة وأربعة والضواحك والأنياب والثنايا، ولو تعطل منها ضرس واحد لتغيرت عليك حياتك، وقد عافاك الله فيها، فله الحمد والمنة.

نعمة السمع

نعمة السمع جهازك السمعي (الأذن) نعمة من نعم الله عليك، تستقبل الأصوات عبر هذا الجهاز -المكرفون- وبعدها تنقلها رأساً عبر القناة السمعية إلى الطبلة، ومن الطبلة تهتز وترد هذه الأصوات إلى داخل الرأس، والرأس يرسلها إلى الدماغ، والدماغ يترجم هذه الأصوات ويعلم أن هذا صوت فلان وذاك صوت فلان. فهذه نعمة من نعم الله عليك، ولو كانت الطبلة مخروقة أو دخلت فيها حشرة وأنت راقد وخرقت هذه الطبلة ما حالك؟ والطبلة عبارة عن غشاء من أرق الأغشية، ولكنه محروس بفضل الله ونعمته، فجميع الأجهزة في الإنسان إذا نام تكون مغطاة إلا الأذن لا تتغطى، لماذا؟ لأنه لو غطيت لما استيقظ الإنسان؛ لأن الله يقول عن أصحاب الكهف: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً} [الكهف:11] لما أراد الله أن يوقظهم أيقظ آذانهم فسمعوا؛ ولهذا إذا أردت أن توقظ شخصاً تأتي عند رأسه وأذنه، وتقول: فلان قم، فيسمعك فيصحو، لكن لا تأتي وتكلمه عند عينه أو رجليه؛ لأن هذه الأذان هي التي تنقل هذه الأصوات، وهي نعمة من الله عليك.

نعمة البصر

نعمة البصر نعمة العين وما أجلها من نعمة! امتن الله بها في القرآن فقال: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ} [البلد:8] فهذه من أعظم النعم، والناس اليوم يصرفون هذه النعمة في معصية الله، والله لو شاء لطمس على أعينهم، ولكنه مدهم بهاتين العينين وطلب منهم أن يستعملوها فيما يرضيه وأن يستعينوا بها على ما يحبه في هذه الدنيا، وبدلاً من ذلك استعملت العين في الحرام عند كثيرٍ من الناس، فسخروا أبصارهم للنظر إلى ما حرم الله بالليل والنهار، ينظرون إلى النساء والجرائد والمجلات والأفلام والمسلسلات، وينظرون إلى الناس بعين الازدراء والاحتقار والحسد على ما متعهم الله به من النعم، وهذه المناظر كلها محرمة، وقد قال الله في القرآن الكريم: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30] وقال: {وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ} [طه:131]. فأنت بهاتين العينين اللتين هما من أجلِّ نعم الله عليك ينبغي أن تشكر هذه النعمة، فلا تستعملها في معصية الله، وهي والله الذي لا إله إلا هو من أجلِّ النعم؛ لأنك إذا فقدتها فقدت لذة الحياة كلها، والمرء منّا لا يعرف النعمة إلا إذا سلبها، فمتى يعرف الواحد منا العافية؟ إذا مرض. ومتى يعرف نعمة الشبع؟ إذا جاع، ومتى يعرف نعمة الحرية؟ إذا سُجن، ومتى يعرف نعمة الغنى؟ إذا افتقر، كذلك لا تعرف نعمة البصر إلا إذا مرضت عينك. ولو أن شخصاً منا أجرى تجربة بسيطة وأطبق عينه لمدة خمس دقائق، وأنا حاولت يوماً من الأيام أن أطبق عيني وضبطت الساعة وجعلتها مثلاً على الساعة السابعة إلا خمساً وقلت لن أفتحها إلا السابعة، وبعد دقيقة شعرت بضيق كبير، وبإمكانكم أن تجربوا، ضاقت عليَّ الأرض وأريد أن أفتح عيناي؛ لكن قد ألزمت نفسي أني لا أفتح فتراني لا أطالع في الساعة، وفي نفس الوقت أنتظر وبعد فترة بعيدة قمت وفتحت عيني وطالعت وإذا بها لم تمض إلا دقيقة واحدة، وأنا قد أصابني دوار من كثرة الإغماض، وأظلمت الحياة في وجهي، ثم قلت: بقي أربع دقائق فصبرت وصبرت حتى مللت، وأخيراً فتحت قليلاً ولم تمضِ إلا دقيقتان، ولم تنته الخمس الدقائق إلا بعد تعب، لماذا؟ لأنني سُجنت لما أظلمت عليَّ عيني ولم أعد أرى شيئاً. فأنت عندما تفتح عينيك ترى العالم والألوان والجمال والسماء والأرض والليل والنهار والأشجار والأنهار والبحار والسيارات والطائرات والمباني، وما يزين الناس به بيوتهم من طلاءات ومفارش وكنبات وغرف نوم، وما يُمتِع به الناس أبصارهم من أزواجٍ جميلات، وملابس مزركشات، وسيارات وموديلات، كل هذا من أجل ماذا؟ من أجل نعمة العين، وإلا فالذي لا يبصر ماذا عليه؟ فلو أدخلته في مجلس طوله مائة مترٍ أو مجلس طوله متر تراه يريد أن يجلس فقط. لكن الذي أعطاه الله نعمة البصر، يقول: أريد مجلساً طويلاً؛ لماذا؟ قال: المجلس الواسع يشرح الصدر، إذا جلست في غرفة طويلة انشرح صدري، أما ذاك الأعمى فإنه لا يدري هل هو في مجلس مائة متر فينشرح صدره أو في غرفة عرضها متراً في متر. وكذلك الآن الكهرباء لماذا يتفنن الناس بالثريات؟ ولو انطفأت الكهرباء في الليل وهم ساهرون أليس أصحاب الأبصار كلهم ينزعجون وترتبك عليهم حياتهم، ويبحثون عن بديل من كبريت ومصباح، أما الأعمى فلا يدري؛ لأن الكهرباء منطفئة عنده مدى الحياة إلا أن يشاء الله. وأنت ربي أعطاك عينين، فهذه نعمة من نعم الله عليك، لا تعرف قدرها إلى إذا سلبتها، وهذه النعمة معك في كل وقت، ترى فيها متى شئت على مدار أربع وعشرين ساعة، ألا تعلم أن هذه النعمة أنت مسئول عنها يوم القيامة: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:8] فما هو النعيم؟ فهل نتصور أننا مسئولون عن البطون فقط؟ لا، فكل نعمة يجريها الله عليك أنت مسئولٌ عنها بين يدي الله، هل حفظتها أم ضيعتها؟ هل شكرتها أم كفرتها؟ هل سخرتها واستخدمتها فيما يرضي مُسديها ومنعمها، أم استخدمتها فيما يغضبه؟ أليست هذه العين من الله؟ هل أنت اشتريتها أو ركبتها في مصنع أو ورشة؟ هل أمك أو أبوك أخذوها ووضعوها في رأسك؟ فمن الذي أعطاك إياها؟ إنه الله. إذاً: أليس الله بقادر على أن يسلبك العينين يوم أن كنت في بطن أمك؟ كان بالإمكان أن تخرج وليس لك عيون، فليس بيدك شيء، وكذلك الآن أليس الله بقادر على أن يسلبك هذه النعمة؟ بلى، فمن يعوضك نعمة البصر؟ قد يقول شخص منا: المستشفيات، فنقول له: إن المستشفيات الآن عاجزة عن أن تعمل عمليات لبعض العيون، حتى في أرقى المستشفيات التخصصية للعيون في العالم يأتيهم الأعمى ويقولون: لا يوجد فائدة القرنية عندك ملتهبة لا نستطيع بأي حال من الأحوال، فكيف يأتون لك بعين، فهذه نعمة العين. إذاً: هل تبيع هذه النعمة؟! حتى تعرف قدرها؟ لنعمل مزايدة على عين من عيون شخص منا، فنعطيه مليون ريال أو مليونين، أو عشرة ملايين، والله الذي لا إله إلا هو -أنا عن نفسي- لو أعطيت الأرض من أولها إلى آخرها وقيل لي: تعال نجعلك ملكاً أو رئيساً على جميع دول الأرض ونأخذ عينك فلن أعطيهم، لماذا؟ لأنك تملك الأرض كلها فأنت أغنى أهل الأرض بعين، وأعطاك الله عينين، فهذه نعمة اشكروا الله عليها. فأنت تقول في استيقاظك: (الحمد لله الذي عافاني في جسدي) عافاني في أسناني وأذني وعيني وأنفي.

نعمة الأنف

نعمة الأنف ومن نعم الله عليك نعمة الأنف الذي جعله الله في وسط الوجه، وقبل أن يدخل الهواء إلى الرئتين يمر عليه، ويقوم هو عبر الشعيرات الهوائية الموجودة في باطن الأنف بتصفيته وتنقيته من الأتربة والغبار، ولذلك ترى أنك إذا اشتغلت في ذلك اليوم بأي عمل فيه تراب وغبار، ثم جئت تستنثر وتتوضأ فإنه يخرج من أنفك تراب، فهذا التراب لو لم توجد الشعيرات لكان رأسك ممتلئ طيناً؛ لكن الله يحجز عنك هذه الأتربة عن طريق هذه الشعيرات فلا يدخل شيء، فإذا دخل الهواء من الأنف لا يدخل مباشرةً إلى الرئة، كان بالإمكان أن يدخل من الفم، لكن جعل الله له ممراً من الأنف إلى أن ينزل بواسطة البلعوم إلى القصبة الهوائية ثم إلى الرئة باستمرار، وفي هذه الرحلة يحصل تكييف للهواء؛ لأن درجة حرارة الهواء الخارجي -أحياناً- تكون أقل من درجة حرارة الجسم، فحرارة الجسم في الغالب (37 درجة)، لكن تكون درجة حرارة الهواء الخارجي (21 درجة)، فإذا دخل الهواء البارد إلى الرئة فجأة، فإنه يحصل للإنسان زكام، فالهواء يدخل من الأنف والأنف يدفئه باستمرار ويدخل إلى الجسد وهو على درجة حرارة الجسد، ولذا ترون الإنسان في أيام البرد يصير أنفه أحمر، لماذا؟ لأن الشعيرات الدموية الموجودة فيه تعمل أكثر لكي تدفئ الهواء، فلا ينزل الهواء إلا مكيفاً، فهذه نعمة من نعم الله عليك. وإذا أصبت بالزكام وجلست أسبوعين أو ثلاثة وأنت لا تشم تعيش حياتك كلها بصعوبة جداً، ولا تطعم شيئاً من ألذ المأكولات، ولا تشم شيئاً من الروائح العطرية؛ لأن الحاسة عندك ليست سليمة، هذه نعمة من نعم الله عليك، وفتش في نعم الله عليك.

نعمة العقل

نعمة العقل ومن نعم الله: نعمة العقل الذي هو مصرف لهذا الإنسان، فإذا سلب من الإنسان العقل كيف يتحول؟ إنه يفقد القدرة على التصرف السليم، فيتصرف تصرفات غير مسئولة أو غير معقولة، ويخاف أهله منه، يُكتِّفُونه ويجلسون عند رأسه، ويقولون: انتبهوا! لا يفتح الباب، لا يقفز من الشُّبَاك، انتبهوا! لا تجعلوا عنده كبريتاً، أبعدوا النار من عنده؛ لماذا؟ لأنه لا يضبط تصرفاته، ولهذا امتن الله علينا بهذه النعمة فقال: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:78]. فهذه الثلاث النعم لو سلبها الله من البشر، فلا عقول ولا أسماع ولا أبصار ماذا بقي معهم؟ بقيت كتل بشرية لا تعقل ولا تسمع ولا تبصر، فهل تصنع هذه الكتل حضارة؟ وهل تخترع مخترعات؟ وهل تركب الطائرات؟ وهل تصنع سيارات؟ وهل تبني العمارات؟ وهل تؤلف المؤلفات؟ وهل تبني الجامعات؟ وهل تنتج هذه الحضارات؟ لا. لماذا؟ لأنه لا عقل يعقل ولا سمع يسمع ولا عين تبصر، ماذا بقي من الناس؟ بقي منهم الأشكال التي لا قيمة لها، لكن هذه النعم من الله تبارك وتعالى. العقل نعمة من نعم الله الذي لا إله إلا هو؛ لأنه بمنزلة المصرف لك بحيث لا تمشي إلا في الصواب، فبغير العقل لا يدري ماذا يعمل الإنسان، فعليك أن تشكر الله على نعمة العقل.

نعمة اللسان

نعمة اللسان ومن نعم الله: جهاز اللسان الذي هو آية من آيات الله، امتن الله به في القرآن وقال: {وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ} [البلد:9] فالهواء الخارج يسمونه في الطب ثاني أكسيد الكربون وهو محروق ليس له فائدة، بحيث لو جلس الإنسان يستنشق ثاني أكسيد الكربون المحروق يموت، وهو يستنشق الأكسجين ويحوله إلى الرئة ويصفي به الدم وبعد ذلك يصعد ثاني أكسيد الكربون، فهذا الهواء الخارج محترق وسام، ورغم أنه سام إلا أنه لا يخرج هباء، وإنما ركب الله تبارك وتعالى في الحلق الأوتار والحبال الصوتية فتستفيد من الهواء الخارج وتتكلم به، ولهذا يقولون: إن الذي يريد أن يقرأ القرآن أو يتكلم فعليه أن يستنشق نفساً طويلاً ثم يقرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] فالهواء الذي كان في الرئة ما الذي جعله يصعد ليصبح كلاماً وهو هواء فاسد، لا تعلم أنت ولا أعلم أنا ولا يعلم أحد، لسان يتكلم بكل فصاحة وبيان، ويعرف الكلام وهذا لا يدري كيف، والذي يقرأ كلام ابن القيم رحمه الله في مفتاح دار السعادة وهو يتكلم على نعمة الله في خلق هذا اللسان، يرى العجب العجاب، كيف أن هذه اللحمة التي لا تدري كيف تعرف الأصوات وتتكلم بالأصوات ممكن أن أتكلم لكم الآن بصوتي وممكن أن أقلد لكم صوتاً آخر، فكيف صعد هذا الصوت؟ باللسان، وهذا اللسان يعرف الأطعمة كلها، هذا حار، وهذا بارد، وهذا حلو، وهذا حامض، وهذا فيه لذعة، وهذا فيه حموضة، جميع الأطعمة كلها تعرفها عن طريق لسانك، هذه نعمة من نعم الله عليك. وبعد ذلك في داخل الفم يقوم بدور عامل الخلطة، فالذي يعمل الخلطة يأتي -مثلاً- بكيس من سمنت ورمل وخرسان وما تصلح إلا بعامل وماء و (كريك)، وهذا هو الذي تعمله أنت الآن، تدخل لقمة رز، ومعها قليل لحم، من الذي يخلطها داخل ويسويها ويقلبها؟ الأسنان تطحن وهذا الكريك (اللسان) يقلب إلى أن تنضبط الخلطة، فإذا كانت مستساغة نزلها على المعدة، والمعدة تقوم بدورها في الهضم، هذه نعمة الله في اللسان.

نعمة المريء والبلعوم ولسان المزمار

نعمة المريء والبلعوم ولسان المزمار بعد اللسان في رأس الرقبة توجد (ماسورتان): ماسورة اسمها (المريء) وهو الذي يدخل منه الطعام، وماسورة ثانية اسمها البلعوم، وهي التي يسمونها (القصبة الهوائية) وهي التي يدخل منها الهواء. وهاتان الماسورتان يقف بينهما جندي نسميه باللسان العامي (الطراعة)، واسمها في الطب: (لسان المزمار). ومهمته: إذا أتى طعام يفتح مجرى الأكل ويسد مجرى الهواء، وإذا أتى هواء يسد مجرى الطعام ويفتح مجرى الهواء، ولا يسمح بمرور الاثنين في وقت واحد -عسكري مضبوط- وأحياناً يصدر من الدماغ أمر لهذا العسكري بالسماح بدخول هواء ودخول طعام، يعني: شخص يأكل ويتكلم ماذا يحصل عنده؟ يحصل الشرقة، وهي أن العسكري هذا لم يعد يعرف ينفذ أمر من، فهناك هواء يريد أن يدخل ويخرج؛ لكي يتكلم الشخص، وطعام يريد أن يدخل، فتدخل حبة رز في ماسورة الهواء وليس هو بمجرى لها، ولو دخلت هذه واستقرت في الداخل ماذا يحصل؟ يحصل الموت، لا يوجد دواء إلا أن يموت الإنسان مباشرة، حيث إنه لا تستطيع هذه القصبة الهوائية أن تتحمل حبة رز تدخل، فإذا دخلت الحبة هل يموت الإنسان بسبب هذه الغلطة؟ لا. فالله عز وجل رحيم بهذا الإنسان، فتصدر أوامر من العقل إلى الرئة بوجود جسم غريب دخل عليكم اطردوه، فرأساً يبدأ الإنسان يسعل كثيراً، وهذه هي عملية طرد لهذا الجسم الغريب ولهذه الحبة من هذا المجرى فتخرج، فإذا خرجت قال: الحمد الله ذهبت الشرقة. هذه نعمة يا أخي! لو عطل الله منك لسان المزمار أو خرب ماذا تعمل؟ يا أخي! كلك آيات من آيات الله: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21] أفلا تتفكر من الذي أعطاك هذه الإمكانات وهذه القدرات إلا الله الذي لا إله إلا هو. المريء نسميه باللسان العامي (القرط) يعني الغضروف، وهي مفتوحة باستمرار، فهي مجرى الهواء لماذا؟ لأن الإنسان يحتاج إلى الهواء باستمرار، فجعلت هذه الماسورة مفتوحة وأنت قائم أو نائم، وأنت ماشٍ أو جالس، في أي وقت مفتوحة والهواء شغال. وبعد ذلك في المنام ركب الله هاتين الرئتين وركب لها عضلات لا إرادية تشتغل بغير إرادة منك، عضلة الرئة باستمرار تضخ الهواء، لو أن الله جعل عضلة الرئة إرادية بحيث من أراد الحياة يشغل رئته، والذي لا يريد الحياة يوقف، فما رأيكم: هل يشتغل شخص بشيء غير رئته؟ كل منا يريد ألا يقبض؛ لأنه إذا أوقف الرئة مات، لكن جعل الله هذه الرئة تتحرك بالهواء وأنت راقد، والهواء يطلع وذاك ينزل، لا إله إلا الله ما أعظم نعم الله علينا! أما العضلة الثانية لمجرى المريء الخاص بالطعام فماسورة مجوفة ذات عضلات تسمح بنزول الشيء ولا تسمح بخروجه، إذا دخل فيها شيء تنقبض إلى تحت بحيث لا تبقى لقمة في حلقك، بمجرد أن ترميها تقوم العضلة تضغط على تلك وتضغط تضغط إلى أن تستقر في بطنك، ولولا وجود هذه العضلة لاحتاج كل منا إلى أن يدفع كل لقمة ويدخل وراءها سيخاً كيما ينزلها، لكن من وقت ما تبلعها ما الذي يوصلها إلى المعدة؟ هذا فم المعدة مسافة (30سم)، فما الذي يدخل اللقمة إلى هنا؟ أو تشرب على كل لقمة ماء، لكن يمكن أن تكون اللقمة كبيرة، من الذي يمشي لك هذه اللقمة؟ لقد كفاك الله هذه المئونة، وجعل العضلة هذه بمجرد ما تنزل بها الحبة تنقبض إلى تحت لكي تعصرها إلى أن تنزلها وتنفتح بعدها، لكن هذه العضلة لا تسمح بخروج شيء، وهذه العضلة النازلة مفتوحة، لكن لا تسمح بخروج الطعام؛ بدليل أنك إذا قمت بالانتكاس أو مارست حركة من حركات الرياضيين أنه يحصل الانتكاس والمعدة تتشقلب، لكن هل سمعنا أن واحداً انتكس على رأسه ونزل من بطنه إلى الماسورة شيء؟ لم ينزل شيء، لماذا؟ لأن الماسورة هذه إذا انتكس الواحد لا تسمح بنزول شيء، إلا في حالة واحدة وهي حالة الاستفراغ فإذا امتلأت المعدة، وأحس الإنسان بضيق، فالله عز وجل يعطيه قدرة على أنه ينقر حلقه، ونقر الحلق هذا هو عملية تهييج لهذا البلعوم أن هناك طعاماً زائداً دعه يتخلص منه، فيعود الشخص (أع، أع) حتى يخرجه، أو يكون الإنسان مريضاً، فهذه نعمة أيها الإخوة! من نعم الله عليك أيها الإنسان.

نعمة المعدة والكبد

نعمة المعدة والكبد ينزل الطعام إلى المعدة التي هي جهاز غريب جداً مكون من اللحم، فمعدة الإنسان ليست مكينة حديدية، بل هي جهاز لحمي، لكن هذا الجهاز اللحمي يهضم اللحم، ولا يهضم نفسه، يعني هناك خاصية أنك تأكل اللحم وتنزله، تقوم هذه المعدة بإفراز مواد حمضية قلوية شديدة مثل الأسيد، يعرف الإنسان طعمها إذا حدث له قيء وقاء وصعد شيء يسمونه مر، يعني: حامض جداً، هذا هو الموجود في معدة كل الناس. ومن خصائص هذه المادة: أنها تأتي على الطعام النازل إليها فتذيبه وتصهره وتحلله تحليلاً كاملاً، وبعد ذلك ينتقل هذا الطعام المهضوم المنتهي المطحون إلى الأمعاء، والأمعاء تقوم بدور عظيم في عملية استخلاص المواد الغذائية النافعة وتحويلها إلى الجسد واستخلاص المواد الغذائية الغير نافعة وتحويلها كفضلات، وبعد ذلك عبر مواسير طويلة لا يعلمها إلا الله. هذه المعدة معقدة، فلو رأيتم الآن الذبيحة لما تذبح وترى (الخولاني الكبير)، وترى (العماصير والمرابض) هذه كلها تقوم بأدوار عظيمة، فيك أنت مثلها وأعقد منها. ومع هذا الجهاز أيضاً الجهاز الهضمي فيه الكبد، وهذا الكبد يقوم بوظائف كبيرة جداً في الجسم، وهو بمنزلة معمل كيماوي معقد الأدوار.

نعمة الكلى

نعمة الكلى بعد ذلك الكلى معلقة في ظهر الإنسان وهي بمنزلة الصفايات، وهي التي تقوم بعملية تنقية الدم من السموم والأملاح والمواد الفاسدة، وإذا فشلت الكلية عند الإنسان استطاعت الكلية الأخرى أن تقوم بهذا الدور، وكان الناس في الماضي قبل المستشفيات إذا فشلت الكلى يموت، لأنه لا يستطيع أن يعيش بغير كلى، لكن في هذا الزمان بعد تقدم العلم والحمد الله استطاعوا اختراع جهاز في المستشفى يسمونه الكلية الصناعية، والكلية الصناعية دولاب كبير يقوم بدور الكلية الصغيرة، فهم يأتون بالإنسان الذي عنده فشل كلوي ويجرون له عملية، ويقومون بسحب الدم منه في ذلك اليوم الذي يريدون أن يعملوا له فيها غسيلاً، في كل ثمانية وأربعين ساعة يغسلون دمه مرة واحدة، يسحبون الدم كله ويرسلونه إلى المكينة -الكلية الصناعية- فتقوم بتصفيته وإعادته مصفى عبر ماسورة ثانية إلى جسده أربع ساعات، والإنسان مستلق على السرير، ملق يديه يشعر بتعب ومعاناة لا يعلمها إلا الله، من أجل أن الدم يسحب كله ويذهب إلى الكلية هذه وتصفيه، أتدرون كم تصفي هذه الكلية؟ تصفي ما نسبته من السموم والأملاح الموجودة فيه عشرة في المائة فقط! وتسعين في المائة موجود في الدم، لكنها تصفي عشرة في المائة التي فيها خطر على جسم الإنسان، والباقي تضر الإنسان على المدى البعيد لكنه لا تستطيع تصفيتها، وأنت ربي معلق لك صفايتين في ظهرك تصفي لك كل أمورك ولا تدري ولا تشكر الله عليها. ولا يعرف نعمة الكلية إلا الذي ليس عنده كلى، يقول لي أحد الإخوة وقد أصيب بمرض فشل كلوي وجلس سنة وهو يعمل الغسيل هذا، والغسيل يكلف الدولة الغسلة الواحدة أكثر من ألف وخمسمائة ريال، لكن الآن في كل مستشفى كلية صناعية وأدوار تراهم بغير طوابير طالعين نازلين يغسلون بدون دفع أجرة، وهذا من فضل الله عز وجل. وصاحب الكلية الصناعية يعاني ألماً لا يعلمه إلا الله؛ بل إن شكله يتغير، أحد الإخوة أعرفه قد تغير لونه من البياض إلى السواد، والله قابلته يوماً من الأيام فضحك لي على عادته، لكن أنا تعجبت: من هذا الذي يضحك لي وأنا لا أعرفه، إلى أن قربت وهو يضحك وإذا بي أعيد الذاكرة، عرفت ملامحه لكن اللون ليس لونه، تغير لونه كاملاً، قلت: فلان؟ قال: نعم، قال: ماذا فيك؟ وأنا خفت أن أقول: إنك تغيرت، فيصير في نفسه شيء من أجل المرض، قلت: يا أخي أنا من زمان لم أرك، فاشتبه عليَّ، فقعدت أسأله مالك؟ قال: الحمد لله أنا مصاب بالفشل الكلوي، وأجروا لي عملية، وأخذوا الكلى كلها، وأنا الآن أعمل غسيل كل ثمانية وأربعين ساعة، وقد تغير لونه، ولما سألت الدكتور بعدها، قال: إن المسام في الجلد تتعبأ وتتغير بفعل المواد التي لا تزال في الدم والتي لا تستطيع هذه الكلى الصناعية أن تصفيها، وأنت لا تشعر بهذه النعمة. أحد الإخوة عمل عملية نقل كلية من أحد أقربائه والآن يعيش بدون غسيل، يعيش بكلية واحدة، ويقول لي: يا أخي! ما أعظم نعمة الله علينا في الكلى، لم يذكر نعمة العين ولا نعمة الأذن، لم يذكر إلا نعمة الكلى، يقول: الحمد لله، قلت: ماذا بك؟ قال: يا أخي! كنت في هم! أذهب مشوار كل يوم أطلع من مكة إلى جدة أغسل كل يوم، ولابد يكون معي مرافق؛ لأني لا أستطيع بعد الغسيل أن أقود السيارة فيرجعني هذا المرافق، كل ثمانية وأربعين ساعة يذهب ويأتي، يقول: راحت حياتي كلها طلعة ونزلة وغسيل، والآن الحمد لله فأنا أجلس في بيتي والكلية الصناعية معلقة في ظهري، قلت ومن قبل كنت تدري بها قال: والله ما شعرت بها إلا الآن. هذه الكلية الصناعية يتصور بعض الناس الآن منا أو أنا كنت أفهم أن وجود الكلية الصناعية بمجرد أن توضع في جسم الإنسان تعمل مباشرةً، لا. لا بد أن يتناول يومياً جرعة من الدواء يسمونها مقابل رفض الجسم للعضو الغريب؛ لأن الكلية هذه ليست للجسم هذا، هي غريبة عليه ومحتمل في ساعة من الساعات أن يقول الجسم: من الذي أتى بكِ هاهنا، يرفضها، ورفضها يعني لا يتعامل معها فيموت الإنسان، فماذا يعمل الأطباء؟! يعطونه جرعة يومياً من دواء معين مع قارورة يأخذها في جيبه باستمرار، قلت: ما هذه؟ قال: هذه ثمنها ألف ريال تكفيني شهراً واحداً، ألف ريال شهرياً يعني راتب شخص، قلت: من أين تستلمها؟ قال: أستلمها من المستشفى بالمجان، تصرفها الدولة -بارك الله فيها- للناس بالمجان الذين عندهم فشل كلوي، ويعيشون على هذا المضاد، ويتناول هذه الجرعة بنسب معينة، مرة يكثر ومرة يقلل، بحسب التحاليل، والتحاليل كل شهر حتى يروا هل الجسم راضٍ عنها؟ فيعطونه -إن كان غير راضٍ- زيادة في الجرعة حتى يرضى الجسم، ولكن لابد من هذه المادة، هذا نعمة يا أخي! تذكر نعمة الله عليك، الحمد الله الذي عافاني في جسدي.

نعمة القلب

نعمة القلب القلب: قلب الإنسان المضخة التي تضخ الدماء إلى الجسد، فيها مواسير وأوردة وشرايين، وبعد ذلك حركة باستمرار، وإذا توقف ماذا يحصل؟ يسمونه سكتة قلبية، لكن الله عز وجل أعطى هذا القلب قوة، ولذلك يقول الأطباء: إن القلب من أهم وأقوى الأعضاء وأجلدها وأصبرها، قليل هم الذين توقفت قلوبهم، لكن نجد آخرين فشلت كلاهم، وعميت أعينهم، وهذا يحصل بكثرة، أما القلب فنادر، لماذا؟ لأن الله أعطاه قوة؛ لكي لا يموت الإنسان بسببه. فلو أن الله جعل قلباً تقليداً (تايوان) ولله المثل الأعلى، فماذا يصير؟ بمجرد وقوع أقل ضربة في قلبك تموت، لكن لديك قلب (أصلي) لا يقف بإذن الله، وشغال بالليل والنهار، الأمعاء، الكلى، الكبد، البنكرياس، كل الأجهزة، بعدها تأتي إلى جهازك العضلي، جهازك الدموي، جهازك الهيكلي، كل هذه أجهزة عافاك الله فيها، ولو فتشنا الجميع واحداً واحداً لوجدنا أنه معافى من رأسه إلى قدمه، ويذهب إلى بيته فيجد زوجته معافاة من رأسها إلى قدمها، هذه نعمة يا إخواني! وأولادنا معافون كلهم والذي عنده مرض بسيط رأساً الصيدلية مليئة، والأدوية مليئة، والمستشفيات مفتوحة، وفي أي لحظة نذهب لنتعالج، فنقول: الحمد لله الذي عافانا في أجسادنا.

نعمة رد الروح بعد النوم

نعمة رد الروح بعد النوم أما النعمة الثانية التي وردت في الحديث فهي: (ورد عليَّ روحي) وهي نعمة أخرى تمديداً لخدماتك؛ لأن الروح تُطرد من الجسد مرتين: طرد نهائي، وطرد مؤقت. فالطرد المؤقت يكون عند النوم، ولماذا تطرد؟ لكي يستريح الجسد، إذ لا يمكن أن يستريح الجسد ويهدأ والروح متضايقاً؛ لأن الجسد مركوب والروح راكب، وهل سمعتم مركوباً لا ينزل عنه راكبه؟ هذا لا يمكن، فالطائرة لا بد أن تقف ويراد لها صيانة، والسيارة لابد أن تقف، والدابة لابد أن تقف، ليس هناك مركوب يمشي ليل نهار ولا يقف، أبداً، كذلك الجسد مركوب، ولذا إذا بقي الراكب موجوداً يتعب الجسد، ولو جئنا بإنسانٍ راجع من عمل أو دوام أو سفر متعب، سهران مثقل محطم وقلنا له: ماذا تريد؟ يقول: أريد أن أرتاح. قلنا: كم ساعة تريد أن ترتاح؟ قال: أريد أرتاح أربع أو خمس أو ست ساعات. قلنا: لا. نعطيك عشرين ساعة، لكن خذ هذا السرير الجميل، وهذا الفراش الوثير، وهذه البطانية الجميلة، خذ هذا وارقد واجلس عليها؛ لكن لا تنم كلما غمضت عينك وقفناك، فهل يرتاح؟ رغم أن السرير ممتاز، وهو لا يعمل شيئاً، مستلقٍ لكنه لا يرتاح إلا إذا نام، وإذا نزلت الروح من جسده، فإذا ذهبت الروح ونام الإنسان ساعة أو ساعتين وأتينا بعد ساعتين، وقلنا له: هل أنت تعبان؟ قال: لا. الحمد لله، اللهم لك الحمد ذهب التعب، ارتاح الجسم في النوم وعادت له حيويته ونشاطه عن طريق ذهاب الروح، فاقتضت حكمة الله عز وجل أن ينام الإنسان حتى يعيش الجسد، ويعود مرةً ثانية لمقاومة أتعاب هذه الحياة، ولكن الروح تخرج خروجاً حقيقياً، فلا تبقى الروح في الجسد، والله يقول: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ} [الزمر:42] يعني: لم تمت موتاً حقيقياً، فيتوفاها الله أين؟ {فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ} [الزمر:42] أي: لا يردها {وَيُرْسِلُ} [الزمر:42] فمعنى الإرسال أنها قد خرجت، ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث -وهو متفق مع الآية-: (إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها) هذه الروح خرجت من الجسد وذهبت إلى مكانٍ يعلمه الله لا ندري أين هو الآن، أين تذهب الروح إذا نام الإنسان؟ وردت أدلة أن روح المؤمن تسجد تحت العرش، وأن روح الفاجر -والعياذ بالله- تجتذبها الشياطين وتجول بها ولا تترك بها آفة إلا عذبتها فيها، أما روح المؤمن الذاكر فتذهب تسجد عند الله عز وجل حتى تعود له روحه، فروحٌ تحت العرش وروح في الحمام، كما يقول ابن القيم: أرواح المؤمنين تحت العرش، وأرواح الفسقة والمجرمين أصحاب الغناء والطرب الذين ينامون على المعاصي هؤلاء تذهب أرواحهم إلى الحمام في الأرض، تجول مع الشياطين والعياذ بالله. الروح إذا خرجت لا يدري الإنسان متى تخرج أولاً، وهناك عالم أمريكي أجرى أبحاثاً دقيقة على النوم، وجاء بإنسان ووضعه في مكان وسلط عليه أجهزة يقيس نبضه وحركته ويضبط كل تصرف يحصل منه، وتركه يُبصر ويريد أن يرى كيف ينام، وجلس عند رأسه وأخيراً وهو جالس يفكر والأجهزة لم يتحرك منها أي جهاز إلا وذاك يرقد داخل الصندوق، وهو جالس يفكر وأخيراً طالت عليه المدة وإذا بالدكتور نفسه قد نام. وأنا في يوم من الأيام كنت أفكر في النوم فدخلت في الفراش وبعد ذلك أدخلت البطانية تحت رأسي، ودخلتها من تحت (كراعيني) ثم أيضاً دفيتها من تحت جسمي ولفيتها عليَّ وأنا جالس أفكر أقول: الآن يأتي النوم، كيف يأتي النوم ومن أين يأتي هل يدخل من الباب أو (الكترة)؟ والآن قد قفلت على نفسي كيف يخرق البطانية، وأنا أفكر وإذا بي قد نمت وأنا في التفكير ما انتهيت منه فهذه آية من آيات الله. النوم آية من آيات الله، أخذ الله روحك وكان في الإمكان ألا تعود إليك مرة أخرى، ولكن مدد الله خدماتك وأعطاك فرصة ثانية، وأعطاك إمكانية أخرى لتصحيح وضعك، فرد الله عليك روحك، لماذا تُرد روحك؟ لكي تعصيه، بعضهم يمد يده إلى علبة الدخان قبل أن يفتح عينيه، تراه يبحث عن الدخان ليدخن، وبعضهم يمد يده من وقت أن يستيقظ على الأغنية (يا صباح الخير ياللي معنا) الله لا يصبحك إلا بالخير، مع أنه ما فيه خير، لا حول ولا قوة إلا بالله. الله رد عليك روحك من أجل ماذا؟ من أجل تصحيح الوضع، كان بالإمكان ألا تصحو، وكم عرفنا أقواماً ناموا وما استيقظوا، فبما أن الله رحمك وأنعم عليك بهذه النعمة ومدَّد في خدماتك، ورد لك روحك من أجل أن تستيقظ فتستغفره وتشكره وتعمل عملاً صالحاً ينفعك بعد موتك لا أن تقوم فتحاربه، والله ينعم عليك برد الروح وأنت تجازي ربك بمعصيته، فتستيقظ على معصية الله وتستعمل نفسك في معصية الله ولا تقوم إلى طاعة الله. وتبدأ من يوم تستيقظ إلى أن تنام وأنت شغال في المعاصي، ثم تنام على نية القيام على المعاصي، لا حول ولا قوة إلا بالله، هذه مصيبة. (ورد عليَّ روحي) رد الروح من أجل النعم التي ينبغي أن تعرف قيمتها، فتقول: يا ربِّ! لك الحمد كما رددت عليَّ روحي، من حقك عليَّ ومن واجبي أن أطيعك، لأنك رددت إليَّ روحي. قال الحسن البصري وقد مر على جنازةٍ ومعه غلام من رواده ومن مريديه، قال لغلامه هذا: [يا بني! ما ظنك بهذا الميت لو ردت له الروح ماذا سيعمل؟ قال: يطيع الله فلا يعصه أبداً] طبعاً أي شخص مات ثم رد الله عليه روحه هل سوف يعصي الله؟ أبداً لا يمكن، قال: [فكن أنت هو] يقول: اجعل نفسك أنت الذي قد حُملت على الخشب وأنك ذاهب إلى المقبرة، وقد تكون أنت أصغر في السن من هذا الميت، وهل يأتي الموت على حسب الأعمار؟ لا. ولكن الله عز وجل أماته وأحياك أنت، فخذ من موته عبرة واجعل نفسك أنت المحمول على الأعناق، والآن ردت لك الروح فأطع الله ولا تعصه أبداً. فالله رد لك الروح من أجل أن تطيعه ولا تعصيه أبداً. وهذه النعمة الثانية.

نعمة ذكر الله

نعمة ذكر الله النعمة الثالثة: (وأذن لي بذكره) فكم من أناس يقومون معافين في أبدانهم وردت لهم أرواحهم، ولكن لم يؤذن لهم بذكر الله عز وجل، يقومون على غير ذكر الله، ويقطعون سحابة ليلهم ونهارهم في معصية الله؛ لأن الله لم يأذن لهم؛ لأنهم عصوه وخالفوا أمره، وتمردوا على شرعه، وعارضوا أوامره، وارتكبوا مناهيه، يعرفون أمر الله في أعينهم لكنهم نفذوا أمر الشيطان وتركوا أمر الله أمر الله في أعينهم، النظر في المصحف وإلى ملكوت السماوات والأرض، والنظر بها في مصالحك، وغضها عن الحرام، فهم عطلوها من كل ما أمر الله به، واستعملوها في كل ما أمر الشيطان به، ولذلك تجد الذي يحب النظر إلى النساء لا يحب النظر إلى المصحف، ولو قلت له: خذ اقرأ القرآن، قال: شكراً. وهناك شخص رأيته في المسجد، وهو جالس وأنا أقرأ بجانبه فقمت آخذ مصحفاً وأعطيه، فقال: شكراً، يعني: معبأ حسنات سبحان الله! شكراً للمصحف، من يرد المصحف إلا شخص محروم، ووالله لو أني أعطيته مبلغاً من المال لن يقول: شكراً، لكن المصحف لا يريد، فهذا محروم وقلبه منكوس والعياذ بالله، فعطل عينيه من النظر إلى المصحف لماذا؟ لأن عينيه ترى الحرام، والمسلسلات، والأفلام والجرائد والمجلات، بل إن بعضهم يجلس ساعة وساعتين يشتري بعشرة ريالات مجلة اسمها النهضة، الذي يسمع نهضة الأمة يعني سموها، سؤددها، مجدها، تاريخها وهل تعرفون ما هي نهضته؟ هي نهضة الجنس والزنا والغناء وقلة الحياء، يسمونها النهضة، واليقظة وبعشرة ريال وفيها صور فاتنة وقصص وكلام فارغ، يقرأها من الجلدة إلى الجلدة، لا يدع كلمة إلا وقد قرأها، ولو قلت له: خذ بالله صحيح البخاري قال: شكراً، صحيح البخاري فيه كلام الرسول صلى الله عليه وسلم أصح كتاب بعد كتاب الله، خذ القرآن لا يريده، خذ السنة لا يريدها، خذ مجلة إسلامية لا يريد، لا يريد إلا هذه. عطل عينه من النظر إلى ما يحبه الله ويرضاه، واستعملها فيما يغضب الله ويأباه. وعطل أذنه عن سماع القرآن والذكر والمواعظ، واستعملها في سماع الغناء. وعطل لسانه عن الذكر والشكر والعلم وقراءة القرآن، واستعملها في المعاصي. فهذا الإنسان لما سار في الخط المعاكس لم يُؤذن له بذكر الله، لكن أنت يا مؤمن يسرك الله لهذا الأمر، وهذه بشرى والحمد لله أننا نرى الإقبال الكثير من قبل الشباب المؤمن. هناك شخص قبل صلاة المغرب وأنا خارج من بيتي لآتي إلى هنا، أمسكني عند الباب، يظن أن المحل الذي في بيتي حق الأشرطة ملكي، فقال: يا أخي! أنا من أهل بيشة وكان عندي استريو للأغاني، ولكن تاب الله عليَّ، وقررت تغييره من استريو أغاني إلى استريو رباني، وإذا بالنور في وجهه، والولد يتفتق حيوية وإيماناً، يقول: وأنا أرجو الله أن يغفر لي زلاتي فما من بيت إلا عليَّ فيه ذنب، فكم اشتروا مني من أغاني، وأنا الذي أصدرها، وأفسد بيوت المسلمين، واليوم والحمد لله تاب الله عليَّ، وما وجدت كفارة لعملي إلا أني أبيع أشرطة إسلامية بدل الأشرطة الشيطانية، فأرجو منك أنه إذا كان هذا المحل لك تجعل الصبي يساعدني ويدلني على الأشرطة المفيدة، فقلت له: بارك الله فيك وجزاك الله خيراً والحمد الله الذي هداك للإيمان، وهذا هو الوضع الصحيح؛ انتقلت من حزب الشيطان إلى حزب الله، كنت عدواً لله تحاربه واليوم أصبحت ولياً لله تدعو إليه، واعلم أنه ما من شريطٍ يخرج من محلك ويدعى به إلى الله ويطاع الله به إلا ولك مثل أجره، لا يوجد أعظم من هذا العمل، فاحمد الله ولكن يمكن يبتليك الله ويختبرك وما يصير لك رواج ولا مكاسب ولا يأتيك شيء فاصبر فإنك على الحق، قال: لا. لا توصيني بهذه فقد ذقت المر، فذهبت معه إلى صاحب المحل؛ لأن المحل ليس لي وقلت له: أين عمك؟ قال: عمي غير موجود، قلت: قل له: يقول فلان: هذا الرجل ينبغي مساعدته وإعطاؤه الأشرطة بسعر التكلفة، يعني: ما يكسب منه؛ لأن مثل هذا يعان ويساعد حتى يقوم محله، قال: أبشر إن شاء الله، فالحمد لله. ينبغي عليك أيها المسلم أن تشكر الله ما دام أن الله أذن لك بذكره. فأولاً حين فتحت عينك قلت: الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني، أيضاً أذن لك في أن تفكرت في نعم الله عليك فشكرت الله، فقلت: وعافاني في جسدي ورد عليَّ روحي، وبعد ذلك أذن لك في ذكره. فهذا الحديث أيها الإخوة! فيه ثلاثة ألفاظ لكن فيها عبر وحكم إذا تأملها الإنسان عرف مقدار ما ينبغي أن يقوم به من العمل والإخلاص والتوبة إلى الله من جميع الذنوب كبيرها وصغيرها دقيقها وجليلها، حتى يكون من العباد الصالحين الذين يتولاهم الله في الدنيا والآخرة.

أعظم الذكر هو القرآن الكريم

أعظم الذكر هو القرآن الكريم أعظم ما يُذكر الله به هو القرآن الكريم الذي اجتمعنا هذه الليلة بسببه، القرآن الكريم الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42] القرآن العظيم الذي يقول الله عز وجل فيه: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا} [الشورى:52] فسمى الله هذا القرآن روحاً، وكأن هذه الأمة جسد، وهذا الروح هو الذي إذا دخل فيها أحياها، وإذا خرج منها فهي ميتة، وهذه هي الحقيقة أيها الإخوة! إن الأمة الإسلامية إذا عاشت على روحها دبت فيها الحياة، وإن عاشت على غير روحها دب فيها الموت، وهاهي اليوم تدب فيها الحياة فتحيا، ويوم أن كانت ليس فيها حياة بالقرآن فهي ميتة: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى:52 - 53]. وسمى الله هذا القرآن: نوراً، وقال فيه: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [المائدة:15]. وسماه الله: شفاء فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس:57] وقال: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً} [فصلت:44] وقال: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً} [الإسراء:82]. وسماه الله عز وجل: هدى قال تبارك وتعالى: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:2]. وأخبرنا أنه يهدي، فقال: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الزخرف:68] من هم؟ {الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ * ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} [الزخرف:69 - 70]. وأخبر الله أن القرآن يهدي للتي هي أقوم فقال: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء:9] وهنا (أَقْوَمُ) أفعل التفضيل يعني: هدى الله بهذا القرآن إلى أعظم العقائد وإلى أعظم العبادات وأعظم الشرائع وأعظم الأخلاق وأعظم النظم، فكل ما هدى إليه القرآن فهو أعظم ما يمكن أن تصل إليه البشرية، في كل نظام وأمر ونهي يهدي للتي هي أقوم: {وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً كَبِيراً} [الإسراء:9].

عظمة القرآن وشرف حامليه

عظمة القرآن وشرف حامليه هذا القرآن أيها الإخوة! إذا عاش عليه المسلم واقتدى به واهتدى بهداه وقرأه وتلاه وتعبد الله به، ووقف عند حدوده، كان عبداً ربانياً، وكان من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته. وأشراف هذه الأمة هم حملة القرآن، ومسئولية القرآن لا تختص فقط بالطلاب الصغار الذين يدرسونه في المساجد فقط، لا. فالقرآن مخاطب به جميع أفراد الأمة من صغيرٍ وكبير وشيخ وشاب وكهل، كلهم مطلوب منهم أن يقرءوا القرآن. وفي هذا المسجد وفق الله جماعة المسجد إلى الإحساس بهذا الدور، وإلى الحاجة إلى هذا الأمر، فجمعوا تبرعات وتقدموا بطلب إلى الجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في أبها، واستعدوا بدفع نصف راتب المدرس، وقامت الجماعة باستقدام أحد المدرسين من الباكستان المتخصصين وتعميده بالعمل في هذا المسجد، وقد بدأ العمل والحمد لله، وبدايته بداية النور في هذا الحي مع هذا المسجد الطيب المبارك، ولا ينبغي أن نحصر القراءة فقط في الصغار الذين يأتون من العصر إلى المغرب، بل ينبغي أن ننظم الأوقات ونرتبها بحيث من العصر إلى المغرب للصغار، ومن المغرب إلى العشاء، ومن الفجر إلى الشروق للكبار، نجلس على يديه، ونتعلم القرآن على يديه ولو كنا مدرسين؛ بل ولو كنا علماء، فإن القرآن لا يؤخذ إلا بالتلقي، القرآن لا يأتي عن طريق قراءة كتاب التجويد.

فضل تعلم القرآن وتعليمه

فضل تعلم القرآن وتعليمه أذكر سنة (1390هـ) يعني قبل تسعة عشر عاماً جاءنا فضيلة الشيخ عبيد الله الأفغاني ليعمل مراسلاً من قبل الجماعة الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في مكة، وكنت قد اتصلت أنا والشيخ سليمان بن فايع في تلك السنة بالشيخ صالح القزاز الأمين العام للجماعات في مكة وقلنا له: نريد مدرساً مثل أهل هذا المسجد، قال: أين تريدونه؟ قلنا: في أبها، وفعلاً لا يوجد في أبها تلك الأيام أحد يعرف التجويد، أما الأحكام -ما شاء الله- أنا أعرفها، أحكام النون الساكنة درسناها في رابع أو خامس ابتدائي، لكن تطبيق الأحكام والله ما أدري عنها شيئاً، حروف الإدغام ستة مجموعة في قولك: يرملون، وحروف الإخفاء خمسة عشر مجموعة في أوائل هذا البيت: صف ذا ثنا كم جاد شخص قد سمى دم طيباً زد في تقى ضع ظالما والله إنها طلاسم ما أعرف عنها شيئاً، لكن أحفظها لكي إذا أتيت إلى الأستاذ والاختبار الشفوي أقول هذا الكلام فيقول: ناجح في التجويد؛ لأن الأستاذ نفسه الذي يختبرني لا يدري ما هي، أحكام موجودة لكن لا نعرف شيئاً من التطبيق فقلنا للشيخ صالح القزاز: نريد مدرساً، قال: ومن يأتيكم في أبها؟ فقلنا: ابحث، فشاء الله أن عرض الأمر على الشيخ عبيد الله الأفغاني ورفض الشيخ في أول الأمر، وكان يقول: أنا هاجرت من بلادي؛ لكي أعيش في الحرمين الشريفين، فكيف أذهب إلى أرض بعيده غير الحرمين، هذا لا يمكن، ولكن يسر الله رجلاً صالحاً كان جالساً في الحلقة اسمه صالح باخطبة قد توفي رحمة الله تعالى عليه، قال له: أنت مخطئ يا شيخ! كيف تجلس في الحرمين الشريفين، وتترك الدعوة إلى الله، والصحابة لما بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى أقطار الأرض لم يقولوا: لا. نريد الحرمين الشريفين مكة والمدينة وإنما ماتوا في السند والهند، وكنت أنت ممن أدخل الله آباءك وأجدادك على أيديهم، ولو أنهم جلسوا في الحرمين الشريفين لكان من الممكن ألا تكون مسلماً، يقول: فدخل الكلام في رأسي، قلت: نعم صدقت، قال: الآن رُدّ الجميل للذين أتوكم في بلادكم، وأدخلوك في الدين، وواجبك الآن رد بعض الجميل بتعليم أبنائهم القرآن، فتوكل على الله واذهب إلى أبها، فقلت: إن شاء الله، وفعلاً جاء يوم من الأيام ونحن في دار التعليم خرجنا نصلي الظهر وإذا الرجل جالس بعائلته وأثاثه في المسجد وسط (الصوح)، ولما دخلنا رأينا الرجل بهيئته وعمامته، وهو يسأل ومعه خطاب لـ سعيد بن مسفر وسليمان بن فايع، فقلنا: من أنت؟ قال: أنا مدرس القرآن. قلنا: جزاك الله خيراً، أخذناه في ذلك اليوم وأسكنّاه في بيت، وبعد ذلك سلمناه الطلاب في مسجد برزان -أظن- عشرين طالباً، وجلس الشيخ الأفغاني بعلمه وغزارته -عالم في كل فن ما شاء الله- حوالي أسبوعاً أو أسبوعين وما عنده إلا الأطفال هؤلاء، والشيخ سليمان كان يصلي بنا أحياناً، ولا يجود القرآن، ولكن الشيخ مؤدب ويستحي أن يقول شيئاً. وفي يوم من الأيام ونحن جلوس في المسجد قال لنا: لا يوجد طلاب آخرون غير الأطفال هؤلاء يقرءون القرآن علينا؟ قلنا: لا يوجد إلا هؤلاء، من تريد يقرأ عليك؟ قال: أنتم اقرءوا القرآن، قلنا: نحن نقرأ القرآن عليك؟! يعني كيف نحن العلماء نقرأ القرآن عليك!! قال: وما المانع؟ قلنا: نحن نعرف القرآن، قال: أنتم صحيح تقرءون القرآن؛ لكن لا تجودون، قلنا: والتجويد نعرفه يا شيخ! أخذناه في رابع أو خامس ابتدائي قال: إذاً بعد الصلاة إن شاء الله نجلس قليلاً، صلينا وجلسنا قليلاً ويوم أن جلسنا قال: اقرأ وكنت أنا وسليمان فقرأتُ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال: قف، قال: (الشيطان) الشين من حروف التفشي، والطاء من حروف الإطباق، و (بسم) السين من حروف الهمس، وإذا بي في بحور لا أدري أين طرفها، قال: أنت -أعوذ بالله من الشيطان الرجيم- أخطأت فيها، و (بسم الله الرحمن الرحيم) أيضاً أخطأت فيها، ووقفنا في تلك الليلة في (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وبسم الله الرحمن الرحيم) وجاء في الليلة الثانية وسمح لنا بالانتقال إلى الفاتحة، وجلسنا في الفاتحة أكثر من خمسة عشر يوماً، ثم بعد ذلك سمح لنا بالانتقال من عند الضحى، ولما رأينا أننا جهلة، لا نعرف شيئاً في كتاب الله جلسنا عند الشيخ، ولكن لم يكن أحد تلك الأيام عنده، ويمدح السوق من ربح فيه، فلم يدرس عنده إلا أنا وسليمان والشيخ أحمد بن حسن وواحد اسمه أحمد بن عبدالله الشهري، هؤلاء الأربعة الذين استغلوا وجود الشيخ، وكان فارغاً في أكثر أوقاته وجلسنا نقرأ عليه أربعة أشهر حتى ختمنا رواية الإمام حفص وشعبة عن الإمام عاصم بن أبي النجود. الشاهد في الموضوع أن كثيراً من الناس لا يتقنون التجويد، وإذا قلت له: اقرأ على الشيخ، قال: لماذا أقرأ؟! أقرأ وأنا شايب! يرد عليَّ في الفاتحة! إذاً ما رأيك: يصحح لك في الفاتحة، أو تموت وأنت أعمى في الفاتحة وتلقى الله وأنت لا تعرف تقرأ الفاتحة؟! ما هو العيب؟! إن العيب أن تلقى الله وأنت جاهل: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} [الإسراء:72]. فما دامت -أيها الإخوة- الحجة قد قامت عليكم في هذا المسجد أو في غير هذا المسجد؛ لأنه قد يكون من الجالسين كثير ليسوا من أهل هذا المسجد لكنهم ربما في أماكنهم وفي المساجد القريبة من مساكنهم مدارس لتحفيظ القرآن الكريم، أو بإمكانهم الذهاب إلى المدرس في أي مسجد من مساجد المدينة فإنه لا ينبغي له إلا أن يسارع إلى تسجيل اسمه والجلوس على الشيخ، وليس بالضرورة أن يجلس من المغرب إلى العشاء، لا. اجلس اسمع درسك وامش، إن كان هناك إمكانية من بعد المغرب مباشرة وإن كان شخص سبقك وسجل قبلك، ورأيت أنه لا يسمع لك إلا بعد فترة فيمكن أن تقضي لك عملاً؛ لكن بمجرد قرب الموعد الذي يكون فيه درسك تأتي وتجلس، واجلس مرة ومرتين وثلاثاً وسوف تذوق طعمها إن شاء الله وحلاوتها إذا أصبح لسانك رطباً بذكر الله؛ لأنه ورد في الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: (الذي يقرأ القرآن وهو ماهرٌ به مع السفرة الكرام البررة). مرتبة ليست بسهلة، فهي أعظم من أي منزلة، وأيضاً في الحديث الصحيح عند البخاري ومسلم حديث عثمان رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) إذا جلست بركبك عند إمام المسجد أو عند معلم القرآن، وأنت تتعلم وهو يرد عليك مرة ومرتين وثلاثاً، فأنت في خير عمل، وفي أشرف شيء في الدنيا، وفي عمل أفضل من عمل الملوك والرؤساء والأمراء والوزراء، فخير هذه الأمة على الإطلاق من تعلم القرآن وعلمه، فالمتعلم له خير والمعلم له خير إن شاء الله، هذا بالنسبة للكبار.

مسئولية الآباء في تعليم أبنائهم القرآن

مسئولية الآباء في تعليم أبنائهم القرآن أما بالنسبة للصغار فإن مسئوليتهم تقع على آبائهم إذ لا ينبغي للأب إلا أن يبدأ أول ما يبدأ بتعليم ولده القرآن في هذا المسجد أو في غيره من المساجد الأخرى، وليكن حريصاً على متابعة حضوره، وعلى متابعة استفادته من المسجد، وأيضاً أن يكون لهذا التوجيه تطبيق في البيت ولا يكون فيه تصادم وتعارض بين ما يقال في البيت وما يقال في المسجد؛ لأنه إذا كانت توجيهات الشيخ وتعليماته قرآنية -من القرآن والسنة- وأوامر البيت ضدها، يحصل عند الولد اضطراب في فكره، فالأب يقول له شيئاً، والمدرس يقول له شيئاً، فلا يدري من يصدق؟ وأخيراً يحصل عنده ازدواجية في الشخصية وعدم ثقة في كلام أبيه أو في كلام الشيخ، حتى يغلب له أحد الأمرين، لكن إذا كان أبوه متعاوناً والمسجد أيضاً يربي فإن النتيجة -إن شاء الله- جيل قرآني صالح، وحتى لو مر على الولد في المستقبل فترة من فترات الطيش أو الضلال أو الانحراف، ولكن أساسه على القرآن، فإنه لا بد أن يرجع إليه؛ لأن الكلمات التي ننقشها ونقولها للصغار وهم صغار تنقش في قلوبهم، ويكون لها أكبر الأثر في مستقبل حياتهم بإذن الله عز وجل. أما تركهم يلعبون في الشوارع فهذا والله ضرره على الآباء أكثر من مصلحته، فينبغي أن تأتي بولدك وتسجله وتضبطه بقوة كما لك قوة عليه في مدرسة النهار، فكل الآباء يضربون أولادهم على هذه المدارس، ولا يسمحون لهم بالتخلف عنها ولو يوماً واحداً، وإذا جاءهم الدفتر من المُعقب أن ولده غاب اليوم، يقطع جلد ولده، لكن لا يتابع ولده في العصر، بينما يجب أن يكون اهتمامك بولدك في العصر أكثر من اهتمامك بولدك في النهار؛ لأن مدرسة النهار يعينها درس العصر وهذا معروف، فمدراء المدارس يقولون: الطلاب الذين يدرسون القرآن في المساجد هم الأوائل عندنا في المدارس، ببركة القرآن؛ لأن الشيطان يأتي عند الأب والأم، ويقول: الولد لا يستطيع أن يذاكر الواجبات في الصباح مدرسة وفي العصر مدرسة، وفي الليل يذاكر، متى يلعب فيخلونه يلعب ويأتي في الصباح لا ذاكر ولا قرأ قرآنا ولا استفاد، ضايع من هذه ومن تلك لا حول ولا قوة إلا بالله. هذه أيها الإخوة نصيحتي إليكم وإلى نفسي قبل ذلك بمذاكرة القرآن ومدارسته.

النجاة والسعادة في الدارين تكون بالإيمان

النجاة والسعادة في الدارين تكون بالإيمان أما النصيحة التي أوجهها وأسديها لكل من حضر هذا المجلس فهو أن الخيار الأفضل والبديل الصحيح للنجاة من ورطة هذه الحياة هو الإيمان والدين. الدين رأس المال فاظفر به فضياعه من أعظم الخسران الدين عزةٌ ورفعةٌ وسلامة وسعادة في الدنيا والآخرة، ولا مخرج لك ولا نجاة لك أيها الإنسان إلا بطاعة الله، والمعاصي ليست ببديل، والغفلة واللعب قد جربناها كثيراً، وسيخرج الإنسان من هذه الدنيا وليس معه في رصيده إلا ما عمل {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً} [النبأ:40] ألا فلينتبه الإنسان لنفسه وليعرف أنه إن يعمل خيراً يجده، وإن يعمل غير ذلك يندم عليه، والله يقول: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:30]. هذا وأسأل الله في الختام لي ولكم التوفيق، وأن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، وأن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وعلى حسن عبادته.

الأسئلة

الأسئلة وأما الأسئلة فسوف أتعرض للقليل منها إن شاء الله على حسب ما يسمح به الوقت.

حكم مس المتوضئ للنجاسة

حكم مس المتوضئ للنجاسة Q ما الحكم فيمن يمسك النجاسة بعد الوضوء، فمثلاً المرأة ما حكم غسلها لأطفالها بعد إزالة الحدث الأكبر، وهل يحق لها الصلاة وقد غسلت أبناءها بيدها أم لا؟ A إذا مس الإنسان نجاسةً بيده بولاً أو غائطاً فإنه يغسل الموضع الذي وصلت فيه النجاسة، ولا يلزمه إعادة الوضوء؛ لأن نواقض الوضوء ليس منها مس النجاسة، أما إذا مس الإنسان فرجه قبلاً كان أو دبراً بيده فإنه ينقض وضوءه وعليه أن يتوضأ من جديد، والمرأة التي تغسل طفلها فتمس عورته بيدها ينتقض وضوءها، وعليها أن تتوضأ من جديد؛ لأن مس الفرج سواء لها أو لولدها أو لبنتها ينقض الوضوء، فعليها أن تتوضأ من جديد.

حكم الحلف بالحرام والطلاق وما شابهه

حكم الحلف بالحرام والطلاق وما شابهه Q ما رأيكم فيمن يقول: قد حرمت أن حساب الغداء عليَّ؟ A يعني دخل هو وواحد في مطعم ويريد يحاسب قال: حرام إن الحساب عليَّ، هذه الألفاظ من الأيمان البدعية التي لا ينبغي للإنسان أن تدور على لسانه؛ لأن من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله أو ليصمت، فإذا أردت أن تحاسب فأخبره أنك تريد أن تحاسب، فإذا أردت أن تقنعه فقل له: والله الذي لا إله إلا هو ما يحاسب إلا أنا، فإذا خالفك وحاسب فتطعم عشرة مساكين، بدل ما تطعم واحداً تطعم عشرة، جزاء لك وردعاً لأمثالك. وإذا كنت تريد أن تحلف عليه وما تريد أن تُكفر تقول: والله الذي لا إله إلا هو إن شاء الله أنه ما يحاسب إلا أنا، فإذا حاسبت الحمد لله، وإذا رفض دعه يحاسب، وأنت ما عليك شيء؛ لأنك ربطت اليمين بمشيئة الله، إذا قلت: والله الذي لا إله إلا هو إن شاء الله أنه ما يحاسب إلا أنا، فليس عليك شيء إذا فجرت، لكن إذا عقدت اليمين وفجرك تطعم عشرة مساكين، أما إذا قلت: حرام أنه لا يحاسب إلا أنا، فقد أقسمت بالحرام، والله عز وجل قد قال في القرآن للنبي صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم:1] لأن معنى حرام يعني حرام مما أحل الله عليَّ ويمكن يدخل في ضمنها النساء، ويمكن تكون كفارتها مغلظة ككفارة الظهار لكن إذا قصد بها المرأة ففيها كفارة مغلظة، وإذا قصد بها اليمين ففيها كفارة مخففة وهي إطعام عشرة مساكين إذا فجر، ولكن عليه أن يتوب إلى الله من الحرام ولا ينبغي له، ولا داعي للأيمان، لا تحاول أن تقحم نفسك في يمين لا بطلاق ولا بحرام ولا بحناث ولا بربي، دع الأمور ممددة، من أطاعك فالله يجزيه خيراً ومن رفض فالله يعينه. بعض الناس يجعلك تأكل غصباً ويحلف بالله أنه سيحاسب، فإذا قال: لا والله ما أحاسب إلا أنا، فقل: كثر الله خيرك، وكثر الله من أمثالك، ودعه يحاسب كل يوم، وسوف ترى إذا حلف اليوم فغداً لن يحلف عليك؛ فلماذا تحرج نفسك، وأصبحت مضاربة ولم تعد أكلة، وبعضهم يطلق، فقد جاء رجلان إلى الشيخ عبد الله بن يوسف قال: أنا رحيمه أتيت عنده ودخلت عليه وحرمت ما أريد أن أكلف عليه، وقلت: طلاق أنك ما تذبح لنا، قال هو: طلاق إلا أذبح لكم، وجاءوا الاثنين كل واحد منهم يسأل ما هو الحكم؟ قال الشيخ: أحدكما تحرم عليه زوجته، فبسبب اللحمة أصبحت مشكلة في البيت وهي الطلاق. وبعض الناس الذي ما زال رأسه يابساً إذا حلفت له بربي سوف يذمه، وقال: والله إنه حلف بربي، كأنه جعلها سهلة، لكن إذا طلقت قال: والله فلان الصادق الذي عزم صحيح، والله إنه يطلق، الله أكبر! هذا والعياذ بالله من تعظيم غير الله، أن يحلف بالله فلا يعظم وأن يحلف بالمرأة فتعظم، يعرض عليهم وجه الله فلا يعظمونه ويعرض عليهم وجه المرأة فيقولون: خلاص قد طلق امرأته، لكن لو أنه حلف بالله فجروه وراحوا، لكن مثل هؤلاء لا يستحقون الإكرام، والله ما يستحق تذبح لهم قطاً، الذي لا يعظم إلا وجه المرأة ولا يعظم وجه الله لا يستحق أنك تذبح له، كيف تذبح له وهو يعظم غير الله عز وجل، لا تحلف على أحد لا بربي ولا بغيره، قل: أنا أريد أن أكرمك يا أخي، فإن قال: جزاك الله خيراً تفضل، وإن قال: لا. أنا مستعجل، فقل: الله يعينك، أما أن تحرج نفسك فلا. ثم قضية الذبائح التي نحن الآن عليها، والتي لا تزال متخمرة في رءوسنا فهذه ما أنزل الله بها من سلطان، وليست من الإكرام في شيء، فالإكرام أن تقدم لضيفك ما يكفيه، هذا هو الإكرام بحيث لا يقوم وهو جائع، أما إذا أتاك ضيف فتقوم تذبح له، فهو كم يكفيه من الذبيحة؟! يكفيه ربع كيلو فقط، فتذهب تشتري له خروفاً فيه وهو سيأكل منه ربع كيلو، ثم بعد ذلك تشهر به على رءوس الأشهاد وتعزم الجماعة من طرفهم إلى طرفهم لكي تعلم العرب أنك ذبحت لهذا الرجل والله يحيكم على شرف فلان، وبعد شهرين أو ثلاثة إذا أتيت سوف أذبح لك واحداً، لماذا؟ المصلحة للناس والمضرة عليَّ، فهذا لا يجوز في دين الله، وهذا ليس من الكرم في شيء، وإنما من عادات الجاهلية التي ما أنزل الله بها من سلطان، فإذا جاءك ضيف أكرمه، ونحن لا نحث الناس على البخل، فإن الكريم قريب من الله، قريب من الناس قريب من الجنة، أكرمه وأدخله بيتك وقدم له أحسن طعام، لكن لوحده لماذا تدعو الناس الآخرين؟ قد تقول: والله إنهم محتاجون، هذا الكلام كان قديماً عندما كان الناس لا يجدون في القرية لحمة، فإذا جاء الضيف فرحوا لكي يروا معه قطعة لحمة أو مرقة ولهذا يكثرون المرق، ويكثرون العصيد واللحم، ولا يمد أحد يده على اللحم إلى أن يأتي المقسم، والمقسم هذا يعرف كيف يقسم اللحم على الحاضرين وعلى من في البيوت وعلى النساء، وكل يعطيه قسمه على قدر قيمته في المجتمع ويضع له وينفخ يده كذا. أما الآن لم نعد نحتاج للحم ففي بيوتنا كلنا ثلاجات، حتى العزوبي أصبح في بيته ثلاجة، حتى العمال في المزارع عندهم ثلاجات، فلا يوجد رجل إلا وفي بيته ثلاجة، لماذا الثلاجة؟ من أجل اللحمة، فهناك لحم ودجاج وسمك في كل ثلاجة. وبعض الناس يتضايق من عزيمتك له لماذا؟ لأنه أهنأ له أن يأكل لقمته مع زوجته وأولاده من أن يأتي يأكلها معك، فأنت تحرجه في هذه الدعوة وتجعله بين خيارين ويأتي وهو كاره يريد أن يأكل مع أهله أو يرفض وتزعل عليه: والله عزمت فلان وما جاءني، إذن لا أذهب إليه، ويتقاطع الناس بسبب هذه المشكلة، دع الناس في بيوتهم يا أخي، وبدل الخروف الذي تشتريه بثلاثمائة أو بتسعمائة، وطبيخ ويتشحط في دمه وفي سمنه خذ كيلو أو نصف كيلو واطبخها مرة واحدة وقربها للضيف وقل: كل لحالك إلى أن تشبع، ويكمل ويقول: الله يجزيك الخير ويكرمك الجنة، وبعدين يفرح بك إذا رآك بعد شهر وشهرين لكي يعطيك كيلو مثله ويهنأ الطعام، لا خسرت أنت ولا تعب هو، وريحت الناس كلهم في تلك العزيمة. أحد الإخوان يقول: والله مرة أحدهم ذبح لي خروفين وعزم الناس وبعد ذلك قال: الله يحييكم على شرف فلان. يقول: وآتي أنا ويعطوني الذنب -السبلة- ماذا أعمل بهذه! إن جئت أقوم من الصحون أريد لحماً ماذا أعمل بالشحم؟ يقول: تركت (السبلة) على رأس الصحن ما أمامي إلا الصحن كيف آكل الآن! أمد يدي من ذاك استحيت، يقول: والله ما غير أكلت سلطة وخبزة وأولئك يصدعون في اللحم والأضلاع وأنا جالس ما عندي إلا الشحمة والاسم لي والمصلحة لهم، ويوم خرجت قلت في نفسي: الله لا يخلف عليك؛ لأنه لم يؤكلني حقيقة؛ لأنه لو أراد إكرامي حقيقة لاشترى بدل الخروفين كيلو لحمة وطبخه وجعل عليه عصيدة أو أرز وسلطة وفاكهة ودعاني آكل أنا ليهناني، فهذا أفضل من هذه الشغلة. فلا داعي يا إخوان لهذا، وقد انتهينا من هذه الجاهلية، ولا داعي لأن أجمع الناس وأشهر بهم وأحاسبهم، أقول لفلان: لماذا لم تأتِ وقد دعوتك؟ يا أخي لا أريد أن آتي، ليس إجباراً عليّ، أنا أريد أن آكل مع أولادي، أنا أريد أن آكل خبزة وشاي معهم ولا آكل خروفاً عندك، وأنت تحرجني إلا أحضر، مفهوم هذا إن شاء الله، لا تقولوا إني بخيل! والله ما أنا ببخيل إن شاء الله لكن معتدل.

أهمية صلاة الفجر مع جماعة المسجد

أهمية صلاة الفجر مع جماعة المسجد Q أرجو منك أن تتكلم عن حكم صلاة الفجر في المسجد مع جماعة المسلمين لما نراه من التقصير في هذه الصلاة؟ A هذه الصلاة أيها الإخوة! هي (ترمومتر) الإيمان الذي تقيس به إيمانك، دخل هذا (الترمومتر) في نفسك هل أنت مؤمن أو منافق عن طريق صلاة الفجر، فإن كنت من أهل الفجر باستمرار فاعلم أنك مؤمن، وإن كان البعيد لا يصلي الفجر في المسجد فاعلم أن البعيد منافق، الكلام هذا من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحيحين عن البخاري ومسلم قال: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاتي العشاء والفجر) لا تذهب تدور وتقول: أنا مؤمن يا شيخ أو ما أنا مؤمن؟ نقول: أين أنت في صلاة الفجر؟ إن كنت من أهل الروضة والقيام قبل صلاة الفجر تقوم بنصف ساعة وتصلي ركعتين أو أربعاً أو ستاً، وإذا أعانك الله على ثمان وطرقت باب الله في تلك اللحظة التي لا يطرق بابه أحد فيها إلا أجابه، فرصة لك، كل واحد نائم على وجهه وأنت في تلك اللحظة تستغفر الله. ولهذا جاء في الحديث: (ركعتان في جوف الليل خير مما طلعت عليه الشمس وغربت) خير من الدنيا وما عليها (وينزل ربنا في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا ويقول: هل من تائب فأتوب عليه، هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفر له) هذا وقتك يا أخي، اغتنم الفرصة لا أحد يدعو في تلك اللحظة، الناس كلهم رقود وأنت جالس تقول: يا رب أستغفرك وأتوب إليك، ولذلك جاء في الآية الكريمة: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:18] الله أكبر! ويقول الله فيهم: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ} [الذاريات:15 - 16] في جنات وعيون آخذين ما آتاهم الله من النعيم لماذا؟ {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات:16 - 19]. فقيام الليل من أعظم القربات، وستجد فيها صعوبة أول الأمر لكن مرن نفسك مرة ومرتين وثلاثاً وأربعاً وخمساً حتى يعينك الله ويقبلك، وتقوم بغير داع، كما قال الله: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} [السجدة:16] لم يقل: يتجافون، لا. جنوبهم هي التي تتجافى، فجنب الواحد لا يدعه ينام، يقول الجنب وهو جماد: قم من النوم لم نعد نريد، شبعنا من النوم {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:16] ثم بعد ذلك تقوم بعد ما يؤذن تذكر الله بالأذكار التي تقال في الصباح، ثم تقرأ القرآن إن كان في وسعك، أو تصلي ركعتي الفجر في البيت ثم تذهب إلى المسجد تصلي، تفتتح يومك بطاعة الله. يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (من صلى البردين دخل الجنة) يعني الفجر والعصر، ويقول عليه الصلاة والسلام: (من مشى في ظلمة الليل إلى المسجد لقي الله بنور ساطع يوم القيامة) وقال: (بشر المشائين في الظلم بالنور التام يوم القيامة) ويقول عليه الصلاة والسلام: (من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي). ما معنى في ذمة الله؟ يقول العلماء يعني: في عهد الله وأمانه، وأنه إن أماتك أدخلك الجنة، فهل من المعقول أن يدخلك النار وأنت في ذمته؟ أو كيف يعذبك وأنت في ذمة رب العالمين، وإن أحياك أصبت خيراً، وأنت في ذمة الله حتى تمسي: (ومن صلى العشاء في جماعة فهو في ذمة الله حتى يصبح) شيء عظيم يا أخي أنك تقوم بهذا العمل: (من صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله) وقال: (من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل) {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء:78] فهذه يا أخي المسلم! من أعظم القربات والعبادات، وتستعين بالله على أدائها بعدة أسباب: أولاً: النوم المبكر، لا تسهر حتى ولو في طاعة، قال العلماء من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (كان يكره النوم قبلها والحديث بعدها) يعني العشاء، قالوا: إلا في خير، وهل كان النبي صلى الله عليه وسلم يمكن أن يتحدث في شر حتى يكره الحديث الذي في الشر، كان يكره حتى الحديث في الخير، ولكن جوز بعضهم أنه إذا كان لمدارسة علم أو للأمر بمعروف أو النهي عن منكر ولم يكن ديدنة باستمرار فإنه يمكن أن يسمح له، أما من يسهر من بعد صلاة العشاء إلى الساعة الثانية عشرة أو واحدة يتابع المسلسلات والأفلام والمباريات والأخبار ويلعب (البلوت والورقة والدمنة) ما هذا يا أخي هل خلقك ربي لهذه؟! أين عقلك؟ سبحان الله العظيم! أنت رجل عاقل راشد تعطي عقلك غيرك وتجلس أمام المسلسل. أحد الأقارب خرج من عندي وبعد أن خرج عرفت أنه ما خرج إلا لأنه أتى وقت المسلسل عن طريق أهله بأهلي، قلت: ماذا به فلان استعجل ما جلس عندنا؟ قالت: استعجل لأنه ما عندكم تلفزيون وهو يريد أن يرى المسلسل، وانعم! ما هو المسلسل الذي يراه، هو كذبة يسمونه رواية كاتب، روائي كذاب أخذ قلمه وصنف كذبة، وبعد ما صنفها قال: والله ما أدعها في الكتاب، بل لابد أن أمثلها، وأتى بثمانية كذابين من هؤلاء الممثلين وقال: نريد منكم أن تخرجوا هذه الكذبة إلى الناس، وأنت في دور الرجل وأنتِ في دور المرأة وأنت دور البنت وأنت دور السواق وأنت دور الخادم، وبعد ذلك دخلهم في استريو وأتوا بكل الوسائل وعملوا كل شيء كأنه صدق، وبعد ذلك طلعوا كل ليلة مسلسل وذاك قاعد ويقول كذا وكذا يتلفت يقول كذا، وبعضهم إذا انتهت الكذبة وكانت النهاية حزينة فيها مرض أو فيها مضاربة جلس طول الليلة حزيناً، لماذا؟! وهناك شخص دخل على امرأته وهي تبكي، قال: مالك تبكين؟! قالت: والله رأيت النهاية المؤلمة للبنت تلك المسكينة، والله لا بنت ولا غيره يا بنت الحلال، كله كذب في كذب، والكذب ما أحد يعيش معه يا إخواني، ولو أقول لكم: إني جئت من بيتي ومررت على حادث مروري مروع بين سيارتين ومات فيها عشرة أنفار، فإنكم تنزعجون لهذا الخبر فعلاً، فإذا غلقت وأقول: ترون هذا كذب والله ما وقع ذلك، ماذا تقولون لي: الله أكبر عليك! تخذلنا وبعد ذلك تقول كذب، فهذه الروايات كلها كذب في كذب، فكيف تعيش على المسلسلات وفيها الكذب كله، فلا تتأخر في النوم مبكراً. ثانياً: نم على ذكر الله، مستقبلاً القبلة متوضئاً، ناوياً القيام لصلاة الفجر، نم على ذكر الله لا تنم على الأغنية، وبعضهم يقعد يبحث في الإذاعة يدخل لها من شرق إلى غرب ما يدع إذاعة إلى أن يصل إلى أغنية، فإذا وصل إليها نام، وضرب بإبليس في مسمعه وبال وجعله ينام، ولا يقوم يصلي الفجر لو تقوم الدنيا كلها ما يقوم معها؛ لأنه نام على غير ذكر الله، لكن إذا نام على ذكر الله قرأ المعوذتين، والإخلاص، وآية الكرسي وسبح الله ثلاثاً وثلاثين وحمد الله ثلاثاً وثلاثين وكبر الله أربعاً وثلاثين وبعد ذلك: (باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين) وعند البخاري ومسلم حديث عظيم عن شداد بن أوس رضي الله عنه يقول: (إذا أتيت مضجعك فقل: اللهم إني أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وألجأت ظهري إليك، وفوضت أمري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا منجا ولا ملجأ منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت) ثمان أدعية من أعظم الكلام. إذا قلته فإن أصبحت قال: (فإن مات من ليلته مات على الفطرة، وإن أصبح أصاب خيراً) فتنام على ذكر الله، وتستقبل القبلة، وقبل ذلك على طهارة، وبعد ذلك تنوي في نفسك أنك تقوم؛ لأن بعضهم ينام وهو ينوي ألا يقوم؛ بل هو مصمم عليها من أول الليل، فكيف ربي يعينه على القيام وهو لا يريد أن يقوم. ثالثاً: تتخذ الوسائل والاحتياطات والإمكانات التي تعينك، تشتري ساعة منبه، أو تجعل صديقك إذا أتت صلاة الفجر يدق عليك التلفون، ودع التلفون عند رأسك، أو تنبه على المرأة، أو جارك في الشقة، أو جارك في المحل دق عليه. رابعاً: إذا سمعت طرف إشارة من ساعة أو من تلفون أو صوت مؤذن فرأساً استغل هذه الفرصة واستوِ جالساً، لا تذكر الله وأنت مستلق. لا. استو جالساً قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الحمد لله الذي أحياني لأذكر الله. وبعد ذلك إذا انتهيت وشعرت بأنك ثقيل قليلاً، وأنك تعبان ولا تريد أن تقوم، فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ لأن الشيطان في تلك اللحظة يدعو كل زبانيته وشياطينه ويقول: من فضلكم! هذا لا يقوم انتبهوا دعوا أولئك الرقود المقرطسين، فهم حميرنا، هذه ركائب زينة، لكن هذا الذي يريد أن يقوم فلا تجعلوه يقوم، فيأتي الشيطان يجلب عليك برجله وخيله وشياطينه يكسلك ويقول لك: باقي كثير إلى أن يؤذن، ويأتيك مرة ثانية إذا قمت خذ لك قليل راحة، تريد تقوم وتذهب في البرد في المسجد، يأتيك بكل أسلوب حتى يرقدك، لكن إذا رأيت هذه الإيحاءات وهذه الوساوس فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم رأساً يذهب منك، إذا لم يذهب قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، هذه مدفعية ضد الشيطان الرجيم كما يقول الله: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف:200] وإذا عيا قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم إلى أن تحس أنك خفيف، كلما أحسست أنك ثقيل قل: أعوذ بالله إلى أن تحس أنك خفيف؛ لأن بعض التعوذات لا تنفع، وبعض الناس يتعوذ لكن لا تصيب الشيطان؛ لأنه غشيم بالتعوذ، مثل الذي معه بندق لكنه لا يصيب الهدف، يضرب وبينه وبين

حكم حلق اللحية

حكم حلق اللحية Q ما رأي فضيلتكم فيمن يحلق لحيته، ويقول: إنني أحلقها من أجل أن تصبح اللحية كثيفة؟ A أولاً: يا أخي ما أنا فضيلة إنما أنا أخوك. ثم دعها كما خلقها الله، لماذا تحارب لحيتك ماذا عملت فيك، بعض الناس ما شغلته إلا لحيته، كأن بينه وبينها عداوة، يصبح على دقنه بالسكين، حتى خضرت لحيته، بعضهم تراها كأنها عتبة مرعية من كثرة الرعي فيها والسلك، دع لحيتك في وجهك، وفر الجهد والفلوس والسكاكين التي تذبح بها لحيتك، ولا تحارب سنة النبي صلى الله عليه وسلم. والله يقول: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين:4] اتركها كما خلقها الله، فالله هو الذي خلقك على هذا، وأحد الإخوة يشتكي ويقول: أنا أريد أن أترك لحيتي؛ لكن طلعت مثل الدبابيس والمسامير، فماذا أعمل بها؟ قلت: طبعاً أنت كنت تحاربها، وتريد منها أن تطلع مثل الحرير، بما أنك تعطيها السلاح تطلع لك مثل الرماح، تحاربك تتحداك تقول: والله أنا ضدك، احلقني وأنا أطلع، وكل يوم وهي تحاربك، لكن ارفع عنها السلاح واصبر شهراً أو شهرين، بعد ذلك تعرف أنك لست أنت الأول الذي كنت تحاربها، فتقول: الرجل والله أصبح صديقاً، إذاً نسالمه، فيبدأ الشعر من هنا يصير ليناً ويعلن الهدنة معك ويعلن نزع السلاح عنك، ويعود شعراً جميلاً، لكن ما دمت تحاربه يحاربك، ويتحداك أنت تحلق وهو يطلع، إلى متى؟ إلى أن تموت.

قراءة المصحف المترجم بقصد الدعوة إلى الإسلام

قراءة المصحف المترجم بقصد الدعوة إلى الإسلام Q ما رأيكم فيمن يقرأ المصحف المترجم لغير مسلم، مع العلم أنه يوجد به قرآن عربي جزاكم الله خيراً؟ A من يقرأ المصحف المترجم لغير مسلم لكي يدعوه إلى الإسلام ويبين له أحكام القرآن وأحكام الدين وشرائع الإسلام هذه دعوة عظيمة جداً ونسأل الله أن يعينه وينفع به.

حكم إمامة غير البالغ

حكم إمامة غير البالغ Q أنا طالب شاب في ثانوية أحفظ من القرآن قليلاً، ولكن بسبب تراكم المواد عليَّ لا أقدر على حفظ القرآن فما هو الحل، وهناك أخ أصغر مني ولا يحفظ الكثير ولا يحفظ أكثر مني ولكن قراءته أجمل من قراءتي، ويدرس في الصف الخامس فهل يجوز أن يتقدم في صلاة الجماعة وأنا موجود ولا فرق غير أن صوته أجمل من صوتي؟ A أولاً بالنسبة كونك أنت طالب في الثانوية، نحن لا نطلب من الناس الآن أن يجلسوا على الشيخ ليحفظوا القرآن، نحن نطلب منهم أولاً أن يجلسوا على شيخ ليصححوا تلاوتهم بالقرآن، نطلب الشيء الذي يبقى معه وهو صحيح التلاوة والنظر، ثم يستطيع الواحد على المهل إن شاء الله أن يحفظ ما شاء الله له، وليبدأ بحفظ جزء عم أقل شيء، وجزء تبارك وقد سمع، ولا يحاول أن يغوص في أعماق القرآن ثم يفشل، يحفظ السور التي يسهل عليه حفظها. وأنت ما دمت طالباً في الثانوية فإن هناك طلاباً في الثانوية وفي الجامعات حفظوا مثلك وأكثر وليس هذا بالصعب لأنه سهل إن شاء الله. أما مسألة الإمامة لأخيك الصغير الذي في الصف الخامس لأن صوته أجمل منك فالذي يبدو وهو في الصف الخامس أن عمره إحدى عشرة سنة، يعني دخل الابتدائية وعمره ست سنوات، يعني أنه دون البلوغ ولا يجوز إمامة الشاب الذي دون البلوغ بل لا بد في الذي يؤم الناس أن يكون بالغاً، لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) يعني من أهل وجوب الصلاة، الذين وجبت عليهم الفريضة وهم البالغون يؤمهم أقرؤهم لكتاب الله، فلا نأتي بشخص صغير عمره ست أو سبع سنوات وندعه يؤم الناس في الفرائض، أما في النوافل فيجوز. وما يحتج به بعض الناس من حديث عمرو بن سلمة رضي الله عنه الذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم وجعله إماماً لهم وكان إذا سجد تنكشف عورته فكانت المرأة تقول: [غطوا عنا است صاحبكم] فهذا كان في بداية الإسلام يوم أن لم يكن هناك من يقرأ، فلا يوجد أحد يقرأ إلا عمرو بن سلمة. لكن بما أن هناك من يقرأ القرآن ولو كان أقل حفظاً وأقل تجويداً، فإنه هو الذي يصلي، ولا يجوز تقديم الصبي الصغير دون البلوغ إلى المسجد إلا في التراويح أو النوافل، أما في الفرائض فلا.

من أحكام صلاة المسافر

من أحكام صلاة المسافر Q سافرت إلى مكة وفي طريقي دخلت عليَّ صلاة الظهر ونويت أن أقصرها وجمعت مع صلاة العصر، وعند وجوب صلاة العصر عند مدينة الباحة وقفت عند جامع آخر وإذا بهم قد أذنوا لصلاة العصر وأنا قد أديت صلاة الظهر والعصر فهل يلحقني في ذلك شيء؟ A بما أنك صليت في الطريق ظهراً وعصراً جمع تقديم، وأتيت إلى الباحة وهم يصلون فليس عليك صلاة، ولا تجب عليك؛ لأنك صليت وأنت مسافر، وصليتها وقت وجوبها، وهؤلاء مقيمون تجب عليهم، بإمكانك أنك تقف بسيارتك أو تمشي ولا تعيد الصلاة معهم، لكن لو دخلت المسجد معهم وخفت أنك تتهم في عرضك أنك ما صليت وأردت أن تصلي معهم نافلة، فلا شيء في ذلك إن شاء الله؛ لأنها كما يقول العلماء: نافلة ذات سبب، سببها الدرء عن عرضك، أما نافلة من غير سبب بعد العصر فلا تحل، وقد سألت الشيخ عبد العزيز بن باز في هذا الموضوع قلت: إذا دخل رجل المسجد بعد صلاة العصر ووجد الناس قد صلوا، وأراد واحد من الذين في المسجد أن يتنفل ويصلي معه لكي يعمل له جماعة يتصدق عليه، فهل يجوز بعد العصر، ونحن نعرف أنه يجوز بعد الظهر وبعد المغرب وبعد العشاء لكن بعد العصر وبعد الفجر قال: نعم يجوز بعد العصر وبعد الفجر؛ لأنها نافلة ذات سبب، سببها رغبة المسلم في أن يتصدق على أخيه المسلم فيحصل له أجر الجماعة.

حكم المال المكتسب من العمل في الحلاقة

حكم المال المكتسب من العمل في الحلاقة Q لدي محل حلاقة فما الحكم فيه، وما حكم مصدر الرزق هذا؟ A محل حلاقة أحد أمرين: إما حلاقة لحى أو رءوس، إن كان هذا المحل مخصص لحلاقة الرءوس فقط فليس فيه شيء، أما إن كان فيه حلق اللحى فهذه قلعة لمحاربة سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز لك أن تفتح هذا المحل وأي رزق يأتيك من هذا المحل فهو حرام، محل حلاقة أو استريو أغاني أو تصليح أجهزة الأغاني، كل هذه مما يتعاون به على الباطل والله يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2].

حكم القيافة

حكم القيافة Q ما رأيكم فيمن يتبع الآثار ويعرفها وهو ما يسمى (بالمري)؟ A هذه القيافة معروفة عند العرب، وكانت للعرب قدرة على معرفة آثار الرجال، فيعرفون أثر الرجل من المرأة، وأثر المرأة البالغة من المرأة الصغيرة، وأثر المرأة الحامل من المرأة الغير حامل، ويعرفون أثر الجمل وأثر الحمير، يعرفون كل شيء، لماذا؟ طبيعة الحياة أعطتهم قدرة على أنهم يرون الأرض وأرضهم كلها رمال، والرمال تترك آثاراً، فاستطاعوا بكثرة الممارسة والخبرة أن يعرفوا ذلك، لكن ليس فيها دعاء جن ولا استعانة بالجن ولا فيها شيء إن شاء الله.

أفضل الطرق لحفظ القرآن

أفضل الطرق لحفظ القرآن Q ما هي أفضل طريقة لحفظ القرآن؟ A أفضل طريقة لحفظ القرآن هي: أولاً: الاستعانة بالله قبل كل شيء. ثانياً: التكرار، تمسك السورة التي تريد أن تقرأها وتقسمها مثلاً سورة (ق) تقسمها إلى ثلاثة أقسام أو إلى قسمين، ثم تقرأها نظراً مرة ومرتين وثلاثاً وعشراً وعشرين نظراً إلى أن تدخل في رأسك، ليس مرة واحدة وتريد أن ظ من ثاني مرة، اقرأها نظر عشر مرات أقل شيء، بعد عشر مرات تطبق المصحف وتقول كذا {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ} [ق:1 - 2] ثم ترى المصحف، حتى تتقن الآيتين، ثم تبدأ بآيتين غيرها، وتربط الاثنتين مع الاثنتين، ثم تبدأ في اثنتين ثم تربط الأربع تلك مع الاثنتين إلى أن تنتهي من الثلث أو النصف الذي حددته، ثم تقرؤه مرة ومرتين وثلاثاً وأربعاً وعشراً عن ظهر غيب، ثم مع المراجعة لا تنساه بإذن الله.

حكم من أمر زوجته بكشف وجهها أمام إخوانه

حكم من أمر زوجته بكشف وجهها أمام إخوانه Q لي قريبةٌ تريد تطبيق الحجاب ولكن زوجها يصر على أن تكشف وجهها على إخوانه فبم تنصحني؟ A أنا لا أنصحك، أنت فيك خير، لكن أنصح هذا الزوج الذي يرزقه الله بمثل هذه الزوجة الصالحة تريد الحجاب، وهو يريد العري والعياذ بالله، هذا محروم شقي، ولا طاعة له، ويلزم هذه المرأة أن تتحجب رغماً عن أنفه، ولو سخط هو وإخوانه وأهله، وإذا أدى الأمر إلى أن تذهب إلى أهلها فإن لها ذلك، ولا تبقى معه، أما أنت فدورك دور إصلاحي؛ لأنك قريب للزوجة، وإذا أتيت تتدخل بين الزوج وزوجته يمكن تزيد الطين بلة، ولكن كن حكيماً عن طريق التوجيه، وشريط، والندوات، وسؤال أهل العلم فتقول له: اسأل يا أخي عن الحكم، عندي تلفون فلان اسأله هل يجوز أم أنه حرام؟ وأنت من أهل الخير، لكن تأتي تقول له: أنت مخطئ فيقول: ما دخلك بيني وبين عيالي وهذه امرأتي وما لك أي علاقة وتصير مشكلة، لكن دعها هي التي تبدأ، فإذا قالت: أنا والله ما أكشف على أحد إلا محارمي، فمن الذي سوف يأتي ويفتح وجهها لكي يراها؟ طبعاً لا أحد.

حكم التدخين

حكم التدخين Q ما حكم التدخين؟ A حكم التدخين معروف بأنه محرم بنص الأدلة الشرعية، وفيه سبعة أدلة من القرآن الكريم والسنة تدل على حرمته، ومن أراد المزيد فليرجع إلى شريط في السوق اسمه (القاتل المهذب) في حكم التدخين.

حكم خلف الوعد

حكم خلف الوعد Q أنا صاحب مهنة وأعد الناس وعوداً ولكني أخلفها فهل عليَّ إثم في ذلك؟ A نعم. يجب ألا تعد إلا وأنت صادق، فإذا وعدت بعد أسبوع وأنت تعلم أنك لن تنتهي إلا بعد عشرة أيام فقل: بعد عشرة أيام، لكن بعض الناس يعرف أنه يكذب ويعد من الآن، أما إذا وعدته وأنت جازم على أنك تفي، وبعد ذلك لم تف؛ لأجل أمر خارج عن إرادتك، فتستغفر الله وتتوب ولا تزيد، أما أكثر المهنيين كذابون؛ لأنه يقول: لو صدقت ما أحد يشغلني، مثلاً: إذا كان سباكاً وجاء إلى العمارة ترى ما أريدك إلا تشتغل في عمارتي ما عندك ولا عمل قال: ما عندي شيء فارغ، هات العقد، وأخذ العقد، وأخذ المقدم، وذهب يشتغل في عشرين عمارة، وجعل عمارتك آخر شيء؛ لأنه لو قال لك: نعم. عندي عمارات قلت: لا أريدك، لا أريدك، والرزق بيد الله وليس بالكذب على الناس.

حكم الأذان والإقامة للمرأة

حكم الأذان والإقامة للمرأة Q هل يجب على المرأة إقامة الصلاة إذا أرادت أن تصلي؟ A لا. ليس على المرأة أذان ولا إقامة، لحديث عائشة والحديث صحيح: (ليس على المرأة أذان ولا إقامة) تأتي تصلي مباشرةً لا تؤذن ولا تقيم.

حكم مصافحة الأجنبية خجلا

حكم مصافحة الأجنبية خجلاً Q إذا صافحت امرأة وأنا كاره من كل قلبي من غير إجبار؟ A من الذي أجبرك تصافح النساء وما معنى كاره؟ بعض الناس يقول: إني أستحي من المرأة وأمد يدي لها، لا يا أخي، استح من الله قبل كل شيء، إذا مدت يدها فهذا عيب؛ لأنها تخجل ولن تمد يدها عليك بعد ذلك، لكن تخجل أنت منها وأنت تعلم أن ذلك حرام، ومن مد يده على امرأة لا تحل له جاءت يده يوم القيامة مغلولة إلى عنقه، والنبي صلى الله عليه وسلم أتين النساء يبايعنه على ألا يشركن بالله، مددن أيديهن، فقال: (إني لا أصافح النساء، وإن قولي لامرأة منكن كقول النساء للنساء) وما مد يده إلى امرأة صلوات الله وسلامه عليه. فأنت إذا دخلت على بيت من أقاربكم وفيه نساء يتكشفن، وهو على العادة وبعض النساء يحسبنها بسيطة، وهذه كالكهرباء، جيب السلك في السلك كيف يكون؟ وهذا جلد بجلد فيها التماس كهربائي، لا تمد يدك إذا مدت قل: لا ما يجوز، لا تصافحيني فهذا درس لها، ولن تمد يدها عليك ولا على غيرك إن شاء الله. أما الكلام مع ممرضة أو طبيبة تدعو إليها الضرورة، وأنت تغض بصرك، فلو اضطررت أنك تكلم ممرضة تكلمها وأنت غاض لبصرك، فلو أن زوجتك مريضة في قسم النساء وعندها ممرضة، وأنت تريد أن تشكي على الممرضة أو تطلب منها أن تفعل لها شيئاً، فتكلمها وأنت مطأطئ الرأس خجلان، ولكن بعضهم يأخذ في الكلام ويعطي ويقول: إنها ضرورة، فهذه ليست ضرورة، الضرورة أن تكلمها قدر الحاجة ولا تتلفت فيها، وغض بصرك، حتى إذا رأتك خجلت، وعرفت أنك لست ممن يلعبون.

السنن الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم

السنن الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم Q هناك بعض الناس لا يعرفون بعض المسنونات الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنرجو منك تبيينها؟ A نريد عشرين ندوة لكي نبين السنن التي ينبغي تبيينها عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن السنن واردة وموجودة في كتب أهل العلم وعلى الأخ السائل أن يبين السنة التي يريدها، والوقت ضيق وأنا طولت عليكم.

حكم القول بأن دراسة القرآن تعيق عن دراسة غيره

حكم القول بأن دراسة القرآن تعيق عن دراسة غيره Q بعض الناس وخاصة الطلاب يقولون: الدراسة للقرآن تعطل عن دراسة الجامعة ولا ترفع المعدل؟ A هذا كذب، والله لا يرفع معدلك إلا القرآن، ادرس القرآن والله يرفع معدلك في الجامعة، أما أن تترك القرآن لكي ترتفع معدلاتك في الجامعة، فلا. ولو ارتفع معدلك في الجامعة فلن يرتفع معدلك في الآخرة، لكن ادرس القرآن فإن الأمة كلها ما أثرت إلا يوم أن كانت تبدأ بالقرآن، وكان أول شيء عند الناس القرآن، وقبل ست سنوات إلى اثنا عشرة سنة كانوا يعلمون أولادهم القرآن، ثم بعد ذلك يدخلونه في العلوم فيفتح الله عليهم، لكن في الوقت الحاضر لا نعلم أولادنا القرآن فيصبحون جهالاً، والعياذ بالله؛ لأن الذي يتعلم القرآن يقيم لسانه ولغته، وينور الله قبله، فيسعده في الدنيا والآخرة، لكن ذلك الأعمى الذي لم يعرف من القرآن شيئاً، فهو أعمى إلى أن يموت والعياذ بالله.

حكم إمامة المتنفل بالمفترض والعكس

حكم إمامة المتنفل بالمفترض والعكس Q هل يؤم المتنفل صاحب النافلة أم العكس؟ A كلاهما جائز، فإذا كان المتنفل هذا قارئ جاز أن يؤم صاحب الفريضة إذا كان غيره؛ لأن معاذ بن جبل كان يصلي إماماً بأهل قباء، وكان يصلي مفترضاً مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يعود إلى أهل قباء فيصلي بهم النافلة وهو إمام، فتجوز إمامة المتنفل بالمفترض والعكس، فإذا كنت تريد أن تتصدق على شخص وأنت قارئ، وقدمك تصلي به فصل به، وصلاتك صحيحة إن شاء الله.

حكم نسيان القرآن بعد حفظه

حكم نسيان القرآن بعد حفظه Q ما حكم من يحفظ القرآن أو شيئاً منه ثم ينساه؟ A ورد حديث عند الترمذي ولكنه ضعيف ولا يحتج به، وهو: (عرضت عليَّ أجور أمتي فرأيت فيها القذارة يخرجها الرجل من المسجد، وعرضت عليَّ ذنوب أمتي فلم أر فيها ذنباً أعظم من رجل أوتي شيئاً من القرآن ثم نسيه) والعلماء يقولون: هذا الحديث ليس على إطلاقه وإنما نحمله إذا أردنا الاستشهاد به على من نسي القرآن عن طريق الإهمال وعدم المراجعة والمذاكرة له، يعني شخص حفظ القرآن، ثم بعد ذلك أهمله، فهذا لا شك أنه يأثم لأنه يعتبر هاجراً، أما من يقرأ القرآن وحفظه وداوم عليه باستمرار ولكن يتفلت منه وينساه من غير اختيار منه، وإنما لضعف ذاكرته أو لعدم إحاطته وقدرته على المراجعة الشاملة باستمرار؛ فإن ذلك إن شاء الله معفو عنه ولا يؤاخذ عليه؛ لأنه خارج عن إرادته. أما من هجر القرآن وتركه وأهمله ولم يرفع به رأساً، وقد حفظه ثم تركه حتى نسيه، لا شك أن هذا يتعرض لوعيد شديد، نعوذ بالله وإياكم من ذلك. نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعل هذا الاجتماع اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل التفرق من بعده تفرقاً معصوماً، وألا يبقي فينا ولا معنا ولا منا شقياً ولا محروماً، إنه على كل شيء قدير، والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

من أسباب دخول الجنة

من أسباب دخول الجنة قد منّ الله على عباده الصالحين أن جعل لهم دار كرامة واستقرار في حياة سرمدية أبدية لا موت فيها وقد جعل الله لهذه الدار طريقاً يسير عليه الصالحون في هذه الحياة، وهو عبادة الله وحده بفعل ما أمر واجتناب ما نهى عنه وزجر. وقد ذكر الله الجنة ونعيمها وما أعد لأهلها من نعيم مقيم وفرحة وسرور؛ لكي يشمر العبد إلى الطاعة، ويحظى بهذا الشرف وهذه المنزلة التي أعدها الله لعباده المتقين.

طريق الشقاء وطريق السعادة

طريق الشقاء وطريق السعادة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الإخوة في الله: الجنة والنار هما المحلان المعدان والمهيآن للناس {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7]. وقال تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار:14]. يقول الناظم في إطار هذا المعنى: الموت بابٌ وكل الناس داخله يا ليت شعري بعد الباب ما الدار فأجابه الآخر: الدار جنة عدنٍ إن عملت بما يرضي الإله وإن خالفت فالنار هما محلان ما للمرء غيرهما فاختر لنفسك أي الدار تختار وما أظن عاقلاً يسير إلى النار، فالإنسان الآن يحذر من التعرض لعوامل الجو فيواجهها، إن كان الجو حاراً استعمل التكييف، وإن كان الجو بارداً استعمل وسائل التدفئة، وإذا كان في مكانٍ بارد نزل إلى المكان الدافئ، وإذا جاء الصيف وهو في مكان حار ذهب إلى المكان المعتدل، لكن من الناس من يلغي عقله، ويعيش طوال حياته، ويقطع مراحل عمره متزوداً بسخط الله وغضبه ولعنته، متجهزاً إلى النار، في كل يومٍ يخطو خطوة إلى النار، هذا إن دخل النار يجزم أنه ما كان عاقلاً، يقول الله عنهم: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:10] يقول: لو كان عندنا عقول وعندنا أسماع ما دخلنا النار، قال الله عز وجل: {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:11] أي: بعداً وهلاكاً لهم، ولا يغني عنهم اعترافهم شيئاً. لكن أهل الإيمان أهل الجنة يقول فيهم ربنا عز وجل بعدها: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [الملك:12] هؤلاء لهم مغفرة من الله وثواب عظيم. يا أيها الإنسان: أنت واقف أمام المفترق، الآن أمامك طريقان، وبإمكانك أن تسلك أحد الطريقين، يقول الله عز وجل: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:10] أي: دللناه على الطريقين، ويقول عز وجل: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:7 - 10]. هذه الجنة غرسها الله بيده، وجعلها مقراً لأحبابه، ووصفها بوصفٍ في القرآن الكريم تطير إليه القلوب شوقاً من باب استعجال الناس، يقول الله عز وجل: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ} [الحديد:21]-نسأل الله من فضله- هذا الفضل ليس أنك تكون في وظيفة، أو منصب، أو عندك عمارة، أو سيارة، أو زوجة، أو رصيد، فهذا فضل حتى الكفار معهم مثله، لكن فضل الله هو أن تدخل الجنة، ولهذا يقول الله عز وجل: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185] {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21]. ويقول عز وجل: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:133 - 136].

صفة الجنة ونعيمها

صفة الجنة ونعيمها هذه الجنة -أيها الإخوة- لدخولها أسباب، وقبل أن نعرِّج على الأسباب نريد أن نصفها كما وصفها الله في كتابه لعل القلوب تشتاق إليها: هي جنة طابت وطاب نعيمها فنعيمها باقٍ وليس بفان أو ما سمعت بأنه سبحانه حقاً يكلم حزبه بعيان ويرونه من فوقهم سبحانه نظر العيان كما يرى القمران هذه الجنة أعد الله عز وجل فيها من النعيم ما لا يمكن أن يتصوره العقل، يقول الله عز وجل: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ} [السجدة:17] كل ما خطر في ذهنك اسرح بالخيال الجنة بخلافه، يقول عز وجل: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]. ويقول عز وجل: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً} [الإنسان:5 - 6]. ويقول عز وجل: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:54 - 55]. ويقول عز وجل: {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر:46]. ويقول عز وجل: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} [الزخرف:70]. الحبور: هو غاية البسط والمنى، أي: يعيش الإنسان في حبور. يقول العلماء: السرور حالة من الانبساط لكنها لا تستمر، تنبسط يوماً ثم يأتيك ما يغير عليك. أحلى اللحظات عندك -أيها الإنسان- أنك في بداية عمرك، إذا تزوجت تعيش شهراً أو أيام العسل، لكن هل يستمر هذا الشهر أو الأسبوع، بعضهم تحصل لهم مشاكل مع زوجاتهم ثاني يوم أو مع عماتهم أو مع أعمامهم فلا يجد السرور، لكن الحبور قالوا: هو السعادة والنعيم الذي ليس له منغص، وهو في الجنة، يقول عز وجل: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:70 - 72]. هذه الجنة وهذا النعيم بالإضافة إلى كونه لا يتصور أيضاً هو نعيم دائم، والنعيم الدائم ليس كالنعيم الزائل، الآن مرحلة الشباب والفتوة والقوة مرحلة من مراحل العمر، أي: فترة ذهبية في حياة الإنسان، لكن هل يستمر الشباب؟ لا. ستعيش أياماً ثم يأتيك الشيب والشيخوخة، حتى قال الناظم: ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب يقول: ليته يرجع حتى أريه ما فعل المشيب فيّ. وقد قيل: إن رجلاً كبير في السن كان يمشي على عصا، وكان يمشي بخطوات ثقيلة، لا يستطيع أن ينقل رجله إلا بصعوبة. وشاب آخر كان يمشي أمامه ويدق الأرض بأرجله، ويقول: ما بك لا تمشي بقوة؟! قال: الذي قيدني هو الزمن وهو الآن يعد قيدك؛ وسوف يقيدك بعد سنوات. فالشباب ينتهي، والعافية تنتهي، والسرور ينتهي، والحياة في القصور تنتهي، وكل شيء من متاع الدنيا ينتهي، ويقف الإنسان بعد لحظة من لحظات العمر عند جدارٍ اسمه الموت وليس معه من الدنيا شيء، يقول الله: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} [الأنعام:94].

نعيم الجنة لا ينفد

نعيم الجنة لا ينفد النعيم الذي لا ينفد هو نعيم الجنة -أيها الإخوة- {وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:71]. يقول العلماء: إن أعظم نعيم يعطاه أهل الجنة حينما يطمئنون على أنهم خالدون فيها، فلا يموتون، ولا يتحولون، ولا يهرمون، ولا يشيبون، ولا يمرضون، وإنما نعيم، وكذلك لا توجد عبادة في الجنة، لا توجد صلاة ولا صيام، قد صليت وقد صمت هنا، ما بقي إلا نعيم في نعيم، وكل ما فيها نعيم نسأل الله وإياكم من فضله. وأعظم ما جاء في وصفها في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووصفها أيضاً ابن القيم رحمه الله في كتاب عظيم له اسمه: حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، فالروح شبهها ابن القيم مثل الراحلة، والراحلة إذا أردت أن تسري، وتقطع المسافة، فإنه يلزمك أن تحدو لها، والحدو يعرفه أصحاب الإبل؛ الإبل تسري في الليل؛ لأن الشمس تظميها في الصحاري، فيقيلون بها لكن إذا جاء الليل سرت، وإذا سرت تحتاج إلى من ينشد لها بعض الأشعار، فإذا أنشد لها الأشعار همجلت أي: جرت، ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام لـ أنجشة؛ وأنجشة كان يحدو الإبل وعليها النساء، وكان صوته طرياً وندياً وكان يحدو بصوت شجي، فيجعل الإبل تركض ركضاً حتى كادت أن تكسر النساء، فقال عليه الصلاة والسلام له: (رفقاً بالقوارير يا أنجشة) أي: قليلاً من حدوك حتى لا تكسر الجمال النساء اللاتي عليها. يقول: هذه الروح راحلة والحادي لها ما ذكره الله عز وجل من كلامه ومن كلام رسوله صلى الله عليه وسلم من أجل أن تسارع، وتقطع الطريق بسرعة إلى الجنة.

صفة أرض الجنة وترابها

صفة أرض الجنة وترابها يقول ابن القيم في كتابه حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح: إن سألت عن أرضها -أرض الجنة- وتربتها فهو المسك والزعفران -المسك والزعفران هو التربة والأرضية التي في الجنة-. وإن سألت عن سقفها -سقف الجنة- فهو عرش الرحمن. وإن سألت عن ملاطها فهو المسك الأذفر. وإن سألت عن حصبائها -الحصباء: الحجر- فهو اللؤلؤ والجوهر. وإن سألت عن بنائها فلبنة من ذهب ولبنة من فضة. هذه كلها أحاديث.

صفة أشجار الجنة وثمارها

صفة أشجار الجنة وثمارها وإن سألت عن أشجارها فما فيها شجرة إلا وساقها من ذهب. وإن سألت عن ثمرها فأمثال القلال ألين من الزبد، وأحلى من العسل. وإن سألت عن ورقها فأحسن ما يكون من رقائق الحلل.

صفة أنهار الجنة

صفة أنهار الجنة وإن سألت عن أنهارها -أنهار الجنة- فكل رجل من أهل الجنة أو امرأة من أهل الجنة يجري من تحت بيته أربعة أنهار {أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [محمد:15] الماء إذا ركد تعفن وأسن، لكن أنهار الجنة لا تأسن. {وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} [محمد:15] اللبن في أول يوم يكون طعمه طيباً، وفي ثاني يوم يحمض، وفي ثالث يوم يزداد حموضة، وبعد أسبوع تنتهي صلاحيته، أما أنهار الجنة فلا يتغير طعمها. {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} [محمد:15] ليس كخمر الدنيا؛ فخمر الدنيا يعطل العقل ويضيع اللب، ويحول الإنسان إلى حيوان، يقول الناظم ابن الوردي في لاميته: واترك الخمرة لا تشربها كيف يسعى في جنونٍ من عقل؟ شخص عاقل يأخذ له شيئاً يجعله مجنوناً يركب على ابنته وعلى أمه وعلى أخته!! من هذا الإنسان؟! هذا ليس بإنسان، ولهذا سميت الخمر: أم الخبائث -والعياذ بالله- وهي من أكبر الكبائر، ومن السبع الموبقات -نعوذ بالله وإياكم منها-. {وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} [محمد:15] وقد لا يفهم عقلك هذا النهر؛ لأنك ما تعودت في الدنيا إلا أن ترى نتفاً بسيطة من العسل، يقول أحد الإخوة: ما شبعنا في العسل غماس، فكيف بأنهار من تحت بيتك؟! لكن {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21].

طعام أهل الجنة وشرابهم

طعام أهل الجنة وشرابهم وإن سألت عن طعامهم؟ {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة:20 - 21]. وقد ورد في الحديث: أن الإنسان إذا تمنى الفاكهة وهو جالس ينزل الغصن فيتناوله من قرب، يقول الله: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً} [الإنسان:14] لا حاجة لأن تقوم، وأنت جالس يأتيك الغصن فتأخذ الحبة ويرجع وأنت نائم، فقد ذللت لك. وبعد ذلك {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة:21] وورد أن الرجل يتمنى الطير وهو يسبح في الفضاء فيقع مشوياً في حجره، يرفع له جناحه فيأكل منه حتى يشبع، ثم يرجع ويطير، عقلك لا يفهم هذا، لكن عليك أن تصدق به؛ لأن المخبر به هو رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَلَحْمِ طَيْرٍ} [الواقعة:21] واختار الله عز وجل لحم الطير؛ لأنه أفضل اللحوم، ويدخل فيه لحم الدجاج، لكن لما كثر الدجاج أصبح عندنا من أردأ اللحوم، وإلا لو أنه ليس موجوداً لكان من أفضل اللحوم، لأن أفضل اللحوم لحوم الطيور؛ لأنها تفيد الجسم، وليس فيها أي ضرر، بل هي لذيذة وسهلة الهضم، وتفيد الجسم أكثر من بقية اللحوم الأخرى. وبعد ذلك: وإن سألت عن شرابهم؟ -شراب أهل الجنة- فالتسنيم والزنجبيل والكافور. وإن سألت عن آنيتهم؟ فالذهب والفضة؛ ولهذا حرمت علينا في الدنيا؛ لأنها لنا في الجنة.

سعة أبواب الجنة وملك أهلها فيها

سعة أبواب الجنة وملك أهلها فيها وإن سألت عن سعة أبوابها -المساحات التي يدخل منها الناس-؟ كلما زادت البوابة سعة كلما كان القصر مشرقاً، ألا ترى باب بيتك الصغير متراً، لكن باب عمارة أكبر منه تجعله ثلاثة أمتار، وإذا كان قصراً جعلوا بابه عشرة أمتار، فأبواب الجنة يقول عنها عليه الصلاة والسلام: (ما بين المصراعين مسيرة أربعين عاماً، وليأتين عليه يومٌ وهو كظيظ من الزحام) -نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المزاحمين على هذا الباب- أنت لست لوحدك يا أخي في هذا الطريق، بعض الشباب إذا اهتدى والتزم ظن أنه يسلك الطريق وحده، لا. معك عباد الله، منذ بعث الأنبياء إلى أن تقوم الساعة وهم مبثوثون في الأرض، يوم القيامة ستأتي لحظة من اللحظات على هذه الأبواب -وهي ثمانية أبواب ما بين المصراعين يعني: فتحة الباب، من المصراع إلى المصراع مسيرة أربعين عاماً- وهي مملوءة بعباد الله الصالحين -اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين-. وإن سألت عن ظلها ففيها شجرة يقال لها: طوبى، يسير الراكب المضمر جواده في ظل الفنن الواحد مائة عام ما يقطعه، المضمر أي: الذي جوع جواده واستعد للسباق، يسير في الظل الواحد للفنن -للغصن الواحد- مائة عام لا يقطعه. فكيف بالشجرة كلها؟ وإن سألت عن سعتها فأدنى أهل الجنة يسير في ملكه وسروره وقصوره مسيرة ألفي عام ما يقطع ملكه، لما رواه ابن مسعود رضي الله عنه في صحيح مسلم عن أدنى أهل الجنة منزلة قال: [يعطى قدر الدنيا وعشرة أمثالها، قال: يا ابن أم عبد! تقول هذا أقل منزلة فكيف بأعلى منزلة؟ قال: ما لم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر].

صفة خيام الجنة وأهلها

صفة خيام الجنة وأهلها وإن سألت عن خيامها فالخيمة الواحدة من درة مجوفة طولها ستون ميلاً. وإن سألت عن ارتفاعها فانظر إلى الكوكب الغابر في الأفق لا تكاد تناله الأبصار. وإن سألت عن لباس أهلها فهو الحرير والذهب. وإن سألت عن فرشهم فبطائنها من استبرق مفروشة في أعلى الرتب. وإن سألت عن وجوه أهلها فوجوههم على صورة القمر. وإن سألت عن أسنانهم -السن- فأبناء ثلاثٍ وثلاثين، والصورة صورة يوسف، والطول طول آدم.

سماع أهل الجنة وما أعد الله لهم فيها

سماع أهل الجنة وما أعد الله لهم فيها وإن سألت عن سماعهم -سماعهم أي: كيف يقضون أوقاتهم؛ لأنهم في الدنيا ليس عندهم سماع، عندهم سماع لكلام الله، سماع للعلم، سماع لخطاب الله، لكن في الجنة ليس من ذلك شيء، لا يوجد إلا سماع خاص، لا يوجد إلا طرب، ولا يوجد إلا التمتع- فغناء أزواجهم من الحور العين، وسماع الملائكة المسبحين، وأعلى من ذلك خطاب رب العالمين. وقد ورد أنه تركب في شجر الجنة مزامير من مزامير آل داود، في كل شجرة مزماراً، ثم تهب ريحٌ من تحت العرش يقال لها: المثيرة، تهب على تلك المزامير فتعزف تلك المزامير بألحانٍ ما سمعت بمثلها الآذان، ولهذا لا تتصور -يا أخي- عندما تترك الأغاني أنك خسران، لا والله لست بخسران، الخسران الذي يغني، يسمع عواء وصياح أهل النار وهو معهم، لكن أنت إذا تركت الأغاني فإنك سوف تسمع هذا الكلام، تغني لك الحوريات وهن يقلن: نحن الراضيات فلا نبأس نحن الخالدات فلا نبيد طوبى لمن كنا له هذا هو الطرب الصحيح. وإن سألت عن مطاياهم -أي: المطايا التي يتزاورون عليها- فنجائب أنشأها الله مما شاء، تسير بهم حيث شاءوا من الجنان. وإن سألت عن حليهم فأساور الذهب واللؤلؤ على الرءوس، وعلى الرءوس ملابس التيجان. وإن سألت عن غلمانهم -أي الخدم الذين يخدمونهم- فولدان مخلدون كأنهم لؤلؤ مكنون. هذا الخادم مثل اللؤلؤة فكيف يكون حال المخدوم؟ لا يعلم ذلك إلا الله. وإن سألت عن زوجاتهم، وهنا ينبغي لك أن تفرح، لماذا؟ لأنك محروم في الدنيا من الحرام، محروم من الزنا، محروم من النظر المحرم، ولك زوجة حلال، أو زوجتين، أو ما استطعت من الزوجات بحدود أربع، لكن إذا ما قدرت فعليك أن تستعف وتصبر، واسمع ما أعد الله لك في الجنة، يقول الله عز وجل: {وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة:22 - 23]. ويقول عز وجل: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:56] وبعد ذلك يقول: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن:58]. ويقول عز وجل: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات:49].

صفة عرائس الجنات

صفة عرائس الجنات يقول ابن القيم: وإن سألت عن عرائسهم فهن الكواعب الأتراب، الكاعب: المرأة التي لها ثدي لم يتدل ولا يزال في مكانه، أتراب: في سن واحدة لسن بعجائز ولا صغار كلهن في سن واحدة، اللاتي جرى في أغصانهن ماء الشباب، فالحيوية والشباب تجري في كل عرق من عروقها، فللورد والتفاح ما لبسته الخدود -إذا رأيت وردة أو تفاحة فهذا هو شكل خد الحورية- وللرمان ما تضمنته النهود، وللؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور، وللرقة واللطافة ما دارت عليه الخصور، تجري الشمس من محاسن وجهها إذا برزت، ويضيء البرق من ثناياها إذا ابتسمت، إذا ضحكت في وجه زوجها يضيء في الجنة برق، فيرفع أهل الجنة وجوههم ورءوسهم إلى السماء: ما هذا؟! قالوا: هذه حورية تبسمت في وجه زوجها، مثل البرق -نسأل الله من فضله-. إذا قابلت زوجها فقل ما تشاء من تقابل النيرين -أي: الشمس والقمر- وإن حادثته فما ظنك بمحادثة الحبيبين، يرى وجهه في صحن خدها وفي صدرها وفي كبدها كما يرى في المرآة التي جرى صقلها، ويرى مخ ساقها من وراء الحلل لا يستره جلدها ولا عظمها ولا حللها، لو اطلعت على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحاً، حتى لو أن شخصاً مزكوماً في المشرق وهي في المغرب فإنه يشمها، رائحة ليست من روائح الدنيا، لو اطلعت على الأرض لملأت ما بين السماء والأرض ريحاً، ولاستنطقت أفواه الناس تهليلاً وتكبيراً وتسبيحاً، كل شخص ينظر إليها يقول: لا إله إلا الله! شيء مدهش! شيء يثير العجب! ولتزخرف لها ما بين الخافقين، ولأغمضت عن غيرها كل عين، ولطمست ضوء الشمس، ولآمن من على ظهرها بالله الواحد القيوم. نصيفها -الخمار- على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها، ووصلها أشهى له من جميع أمانيها، لا تزداد على طول الزمان إلا حسناً وجمالاً، ولا يزداد على طول المدى إلا محبةً ووصالاً، مبرأة من الحمل والولادة، والحيض والنفاس، زوجة الدنيا شهر واحد شهر العسل، وبعد ذلك قالت: حملت، إذاً خذ المصائب من يوم أن تحمل، فتتقيأ ثلاثة أشهر، وكذلك تخاصمك على أقل مشكلة، يسمونه وحماً، وبعد ذلك حملت وولدت، ثم تهتم بالولد وجعلتك بعيداً منها، هذه زوجة الدنيا، لكن زوجة الآخرة، لا. لا يوجد حمل، تأتيها بكراً وتعود وهي بكر، يعود لها كما كانت وكما خلقها الله عز وجل، وبعد ذلك لا يوجد نفاس ولا حيض ولا ولادة، وبعد ذلك مطهرة من المخاط، ومنظفة من البول والغائط والبصاق وسائر الأدناس، لا تزداد مع طول الزمان إلا حسناً وجمالاً، لا يفنى شبابها، ولا تبلى ثيابها، ولا يخلق ثوب جمالها، ولا يمل طيب وصالها، قد قصرت طرفها على زوجها، فلا تطمح لأحدٍ سواه، وقد قصر طرفه عليها، فلا يطمح لأحدٍ سواها، فهي غاية أمنيته وهواه، إن نظر إليها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته، فهو معها في غاية المتعة والأماني والأمل، هذا وأيضاً لم يطمثها قبله إنس ولا جان، إذا برزت ملأت القصر نوراً. وإن سألت عن سنها ففي سن أعدل الشباب. وإن سألت عن الحدق -حدق العيون-؛ لأن الله وصف العيون في الجنة، فقال: {وَحُورٌ عِيْن} [الواقعة:22] وفي هذا يقول العلماء: إن وصف المرأة بجمال عينيها يدل على أن أجمل ما تملكه المرأة من جمالٍ ومن فتنة عينيها، ولهذا إذا أرادت أن تتحجب ماذا تحجب؟ وجهها، لماذا؟ من أجل عيونها، لكن الشيطان أفتى النساء الآن، فقال: تحجبي وأظهري عيونك، ماذا بقي إذا أظهرت المرأة العينين قتلت عباد الله بالعينين، فإذاً اكشفي؛ لأن الرجل إذا نظر المنظر كاملاً يعطي نظرة وتقييماً للمنظر كله، يمكن أن يكون الأنف ليس جميلاً، أو الفم ليس جميلاً، أو الجبهة أو الخدود أو أي شيء، لكن إذا ظهرت العينين فقط، فمهما كانت المرأة قبيحة فعيونها جميلة، حتى قلت مرة من المرات في محاضرة من محاضرات تبوك: حتى العنز، إذا كان لديك عنز في بيتك وألبستها برقعاً فانظر كيف تكون عيون العنز؛ لأن العنز عيونها جميلة، لكن يخرب عيونها فمها وقرونها ومسامعها، فإذا رأيت منظر العنز كله تقول: عنز، لكن غط قرونها ومسامعها وأنفها، وضع على عيونها برقعاً فعندما تراها تسقط أمامها. وكذلك بعض النساء تفتن الناس، ولذا الآن -سبحان الله! - الشيطان يشرع للناس ويطيعونه، معظم النساء الآن في الشوارع أخذن بهذه الموضة، كانت خرقاً صغيراً والآن وسعوه قليلاً، والآن بدأنا نرى نساءً أظهرن العينين وأظهرن الأنف، صار مثلثاً ليس متساوياً، وبعد أيام يظهرن الفم، أي تدرج خطوات من الشيطان والعياذ بالله. فالله وصف نساء الجنة فقال: {وَحُورٌ عِينٌ} [الواقعة:22] أي عينها حوراء، قالوا: ما هو الحور؟ قال: هو شديد بياض العين مع شدة سعة الحدقة، أي: اللون الأسود وسيع، والعين بيضاء صافية، يحار الطرف فيها، إذا نظرت فيها تحور عينك فلا تستطيع معاودة النظر. يقول: وإن سألت عن الحدق فأحسن سواد في أصفى بياض في أحسن حور. وإن سألت عن القدود -أي: الطول- فهل رأيت أحسن الأغصان؟ وإن سألت عن النهود فهن الكواعب نهودهن كألطف الرمان. وإن سألت عن اللون فكأنهن الياقوت والمرجان.

أخلاق نساء أهل الجنة

أخلاق نساء أهل الجنة وإن سألت عن الأخلاق -أخلاق أهل الجنة من نساء الجنة- فهن الخيرات الحسان، يقول الله: {فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} [الرحمن:70] خيرة يعني: ليس فيها شر أبداً. خيرات حسان: اللاتي جمع لهن بين الحسن والإحسان. وإن سألت عن حسن العشرة فهن المتحببات إلى الأزواج، بلطافة التبعل، فما ظنكم بامرأة إذا ضحكت في وجه زوجها أضاءت الجنة من ضحكها. وإذا انتقلت من غرفة إلى غرفة قلت: هذه الشمس متنقلة في بروج فلكها. وإن غنت لزوجها فيا لذة الأبصار والأسماع، وإن آنست وأمتعت فيا حبذا تلك المؤانسة والإمتاع. وإن قبلت فلا شيء أشهى من تلك القُبل.

المقصود بالزيادة في الجنة

المقصود بالزيادة في الجنة وإن سألت عن يوم المزيد؟ يوم المزيد هذا عيد أهل الجنة، مثل يوم الجمعة في الدنيا، يقول الله: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35] هذا المزيد يحصل فيه شيء وهو التجلي: وهو أن الله يراه أهل الجنة في الجنة في ذلك اليوم -نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يمتع أبصارنا بالنظر إلى وجهه الكريم في الدار الآخرة، نحن وآباؤنا وأمهاتنا وإخواننا وجميع إخواننا المسلمين-. إن سألت عن يوم المزيد، وزيارة العزيز الحميد، ورؤية وجهه المنزه عن التمثيل والتشبيه، كما ترى الشمس في الظهيرة، وكما ترى القمر ليلة البدر لما جاء في الصحيحين: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة النصف لا تضامون في رؤيته) وفي هذه الأحاديث وفي هذه الآيات رد وإبطال لمعتقد الذين يعتقدون: أن الله لا يُرى في الجنة، وهم المعتزلة، وبعض الفرق الضالة الذين ينكرون أدلة صريحة صحيحة من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما تواتر عن الصادق المصدوق، وذلك موجود في الصحاح والسنن والمسانيد من رواية جرير، وصهيب، وأنس، وأبي هريرة، وأبي موسى، وأبي سعيد يقول: فاستمع يوم ينادي المنادي يقول: يا أهل الجنة! إن الله تبارك وتعالى يستزيركم -من أجل المواجهة والمقابلة- فحي على زيارته فيقولون: سمعاً وطاعة. وينهضون إلى الزيارة مبادرين، فإذا بالنجائب قد هيئت، حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأفيح الذي جعل لهم موعداً، وجمعوا هناك فلا يغادر الداعي منهم أحداً، أمر الرب تبارك وتعالى بكرسيه فينصب هناك، ثم نصبت لهم منابر من لؤلؤ، ومنابر من نور، ومنابر من زبرجد، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، وجلس أدناهم -درجاتهم هناك على حسب درجاتهم في الدين هنا- أدنى الناس من يجلسون على كثبان من المسك لا يرون أن أصحاب الكراسي فوقهم بالعطايا -الذي فوق يعرف أنه أحسن من الذي تحت، والذي تحت لا يرى أن ذاك أحسن منه، من أجل لا يصير في قلبه شيء؛ لأن الله يقول: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:47]- حتى إذا استقرت بهم مجالسهم واطمأنت بهم أماكنهم نادى المنادي: يا أهل الجنة! إن لكم عند الله موعداً يريد أن ينجزكموه، فيقولون: ما هو؟ ألم يبيض وجوهنا، ويثقل موازيننا، ويدخلنا الجنة، وينجينا من النار؟ فبينما هم كذلك إذ سطع لهم نورٌ أشرقت له أطراف الجنة، فرفعوا رءوسهم فإذا الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه وصفاته قد أشرف عليهم من فوقهم وقال: يا أهل الجنة! سلام عليكم، فلا ترد هذه التحية بأحسن من قولهم: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، فيتجلى لهم الرب تبارك وتعالى يضحك إليهم ويقول لهم: يا أهل الجنة! فيكون أول ما يسمعون منه تعالى: أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني؛ -الله أكبر! - فهذا يوم المزيد؟ فيجتمعون على كلمة واحدة: أن قد رضينا فارض عنا، فيقول: يا أهل الجنة! إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي، هذا يوم المزيد، فاسألوني، فيجتمعون على كلمة واحدة: أرنا وجهك ننظر إليه -هذا أعظم نعيم لأهل الجنة، نعبد الله ونوحده ولكن إذا رأيناه زاد نعيمنا، نسأل الله أن يمتع أبصارنا بالنظر إلى وجهه الكريم- أرنا ننظر إليك، فيكشف لهم الرب جل جلاله الحجب، ويتجلى لهم، فيغشاهم من نوره عز وجل، لولا أن الله عز وجل قضى ألا يحترقوا لاحترقوا، ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره ربه محاضرة، أي: مكالمة (ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان) يتكلم معك رب العالمين، لا إله إلا الله! حتى أنه يقول لبعض أهل الجنة: يا فلان! أتذكر يوم فعلت كذا وكذا -يذكره ببعض معاصيه في الدنيا- فيقول: رب بلى. ألم تغفر لي؟ قال: بلى غفرت لك؛ بمغفرتي بلغت منزلتك هذه. فيا لذة الأسماع بتلك المحاضرة! ويا قرة العيون بالنظر إلى وجهه الكريم في الدار الآخرة! ويا ذلة وخيبة الراجعين بالصفقة الخاسرة! {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} [القيامة:22 - 25]. الفاقرة: المصيبة التي تكسر الفقار، وتكسر الظهر، ما أعظم منها وهي النار -أجارنا الله وإياكم من النار-. هذه الجنة أيها الإخوة! وما فيها من النعيم يقابلها النار، ولذا يقول أحد السلف: لو أن الله تعبدنا بالدين وأخبرنا أن الذي يطيعه له الجنة، والذي لا يطيعه يصير تراباً، لكان حريٌ بنا أن نطيعه من أجل الجنة. ولو أنه تعبدنا وأعد لنا النار وقال: من أطاعني صيرته تراباً، ومن عصاني أدخلته النار، لكان حريٌ بنا ألا نعصيه، من أجل النار، فكيف والله تعبدنا وقال لنا: من أطاعني أدخلته الجنة ونجيته من النار، ومن عصاني حرمته من الجنة وأدخلته النار!

أسباب نيل رحمة الله الموجبة لدخول الجنة

أسباب نيل رحمة الله الموجبة لدخول الجنة هذه الجنة -أيها الإخوة- يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله) أي: لا تتصور -يا أخي في الله- أن عملك هذا هو ثمن الجنة، لا. ليس عملك، فكر فيه، هذه الصلاة أديتها بجسدك، جسدك من الذي خلقه؟ الله، أجل أنت تعبد الله بجسدٍ خلقه الله، مالك الذي أنفقته من أين؟ من الله، أجل أنت تنفق من مال الله، كل ما تعمله من عمل صالح لو فكرت فيه، ورجعت في أسبابه تجده من الله، أجل ما من شيء تعمله إلا وهو من الله حتى تأخذ على هذا العمل الجنة. قال الصحابة: (ولا أنت يا رسول الله؟) لأن الرسول كان أعبد خلق الله، كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، وكان يذكر الله في جميع أحواله، وقد حمل هم هذا الدين، وواجه البشرية لوحده بهذا الدين ونصره الله، فهو أعظم البشر عليه الصلاة والسلام، ما من حسنة تجري في الأرض إلا وله مثلها في دواوينه، كل من عبد الله منذ بعثته إلى يوم القيامة له مثل عمله. هذا الرسول الكريم قالوا: ولا أنت، يعني: مع ضخامة عملك، ولا أنت؟ قال: (ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته). فالجنة ليس سببها ولا ثمنها عملك، ولكن سببها رحمة الله -نسأل الله أن يشملنا برحمته-. ولكن هناك أسباب تتعرض نيل رحمة الله عز وجل، فإذا عملت بهذه الأسباب كنت مؤهلاً لنيل رحمة الله التي بموجبها تدخل الجنة. أما أن تتصور أن هذه الأسباب هي التي تنال بها الجنة فلا، الجنة تنال برحمة الله، والرحمة تنال بالأسباب، فتعرض لرحمة الله بنيلها عن طريق فعل هذه الأسباب، والأسباب كثيرة مذكورة في كتب العلم، جاءت في القرآن وفي السنة، لكني استطعت أن أحصر منها اثني عشر سبباً وهي كالآتي:

الإيمان والعمل الصالح

الإيمان والعمل الصالح أول سبب وأعظم سبب: الإيمان والعمل الصالح؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:82] الإيمان: وهو التصديق والجزم بالقضايا التي أخبرنا الله عز وجل بها: الإيمان بالله، والإيمان بكتبه وبرسله وبملائكته، وبالبعث بعد الموت، وبالقدر خيره وشره. هذه أركان الإيمان الستة. الإيمان بالجنة، والإيمان بالنار، والإيمان بعذاب القبر ونعيمه، وبالجن، وبالصراط، وبالحوض، وبالكتب، وبمظلة الرحمن، وكل ما أخبر الله به من المغيبات نؤمن بها، معنى الإيمان: الجزم واليقين أي: تعقد قلبك على هذا كقضية لا نقاش فيها ولا شك. والعمل الصالح: هو فعل طاعة الله وترك المعصية. فبالإيمان والعمل الصالح تنال الجنة بإذن الله عز وجل.

التقوى

التقوى التقوى: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، بفعل أمره وترك نهيه. وقد سئل أحد السلف عنها فقال: [هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل]. وسئل آخر عن التقوى؟ فقال: "أرأيت إذا دخلت في وادٍ كثير الشوك وأنت حافٍ ماذا تصنع؟ قال: أشمر وأجتهد، أجتهد أني ما أضع قدمي إلا في مكان ليس فيه شوك، قال: كذلك الدنيا؛ الدنيا كثيرة الأشواك أشواك المعاصي وأنت تعيش شمر عنها، فلا تقع عينك إلا في حلال، ولا تسمع بأذنك إلا حلالاً، ولا تتكلم بلسانك إلا في حلال، ولا تمد يدك إلا على حلال، ولا تسير بقدمك إلا في حلال، ولا تطأ إلا بفرجٍ حلال، ولا ينزل في بطنك إلا حلال؛ لأنك تقي، ولكن الذي ليس عنده تقوى يقع بعينه في الحلال والحرام، لا يتوقى من الذي ينظر إليه، والذي ليس عنده تقوى يسمع بأذنه الحلال والحرام، ويتكلم بلسانه بالحلال والحرام، ويطأ بفرجه في الحلال والحرام، ويمد يده على الحلال والحرام، ويسير برجله إلى الحلال والحرام، ويملأ بطنه بالحلال والحرام؛ لأنه ليس بتقي. يقول الله في أهل التقوى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الحجر:45] {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} [الطور:17] {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً} [النبأ:31] {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [القلم:34]. وكثير من الآيات التي ذكر الله فيها أهل التقوى وأن لهم الجنة -اللهم اجعلنا من أهلها ومن المتقين-. ومن السنة ما ذكر في سنن الترمذي وفي مسند أحمد حديث صحيح، يقول عليه الصلاة والسلام: (أكثر ما يدخل الناس الجنة: تقوى الله وحسن الخلق، وأكثر ما يدخل الناس النار: الفم والفرج) شيئان يدخلان الجنة، وشيئان يدخلان النار، الذي يدخل الجنة تقوى الله، تضطرب إذا رأيت امرأة في الناس فتتقي الله، لكن إذا رأيتها وطولت النظر إليها، فأين التقوى؟ إذا سمعت نغمة موسيقية ولو حتى مع الأخبار مباشرة تغلقها، هنا التقوى. الريال الواحد لو دخل عليك كأنه ثعبان نزل في جيبك فأخرجه، لا تريد إلا الحلال، هذا التقي. الصلاة: إذا سمعت الأذان يتقطع قلبك إذا تأخرت حتى لو كتفت وأنت تريد الصلاة هذا هو التقي. وماذا مع هذا؟ حسن الخلق، يقول المفسرون: لماذا جاء حسن الخلق مع التقوى؟ قالوا: تقوى الله للتعامل مع الله، وحسن الخلق للتعامل مع الناس؛ لأن من الناس من عنده تقوى، لكن عنده سوء خلق، تجده تقياً لا يسمع الحرام، ولا يأكل الحرام، ولا يمشي في الحرام، لكن أخلاقه سيئة: سيئة مع أهله، سيئة مع العمال عنده، سيئة مع الجيران، سيئة مع الإخوة، سيئة مع الناس كلهم، لا يسلم شخص من شره، هذا -والعياذ بالله سيئ- ولهذا كاد حسن الخلق أن يذهب بخيري الدنيا والآخرة، وفي الحديث: (أقربكم مني منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون، وإن أبعدكم مني منزلة يوم القيامة كل عتل جواظ جعظري مستكبر) عتل جواظ أي: لا أحد يريده ولا أحد يحبه، ولهذا إذا أردت أن تعرف منزلتك عند الله اسأل: كيف أنت عند الناس هل أنت محبوب؟ هل أنت كريم؟ هل أنت صاحب خلق؟ هل أنت لا تسب ولا تشتم ولا تلعن؟ سبحان الله! بعض الناس تجد عنده جوانب تقوى طيبة، لكن أخلاقه سيئة. لا بد أن تجمع بين الأمرين: أن تكون ذو تقوى مع الله، وذو خلقٍ حسنٍ مع الناس. وأكثر ما يدخل الناس النار الفم؛ لأن فيه اللسان وهو منفذ الحرام، والفرج؛ لأن فيه شهوة غالبة، وشهوة طاغية، تتعلق بالنساء، وقد تتعلق أحياناً باللوطية، وهي جريمة منكرة، يقول عبد الملك بن مروان: والله لولا أن الله أخبرنا بخبر قوم لوط ما صدقت أن رجلاً يركب رجلاً؛ لأن هذه الجريمة تأنفها حتى البهائم، ما رأينا حماراً يركب حماراً وهي حمير، ولا قرداً يركب قردا، ولكن الإنسان إذا ضل عن الله وعن سبيل الله، وعن طريق الله عمل هذه الفاحشة، ولذا توعد الله من عملها باللعن، والطرد، والإبعاد عن رحمته: (لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط) والحديث في مسند أحمد سبعة إلا هؤلاء وكررها ثلاث مرات، واللعن هو: الطرد والإبعاد من رحمة الله. وفي الحديث: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) وعقوبته في الشرع: بعض أهل العلم قالوا: حرقاً، وبعضهم قال: القتل، وبعضهم قال: الرمي كما يرمى الثيب، وبعضهم قالوا: يرمى من أعلى مكانٍ شاهق، كما صنع الله عز وجل في قوم لوط، فإن الله عز وجل أرسل عليهم الملائكة فحملتهم وقراهم إلى أن بلغوا بهم إلى السماء ثم قلبها عليهم، قال الله: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً} [هود:82 - 83] أي: معلمة {عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:83]. تلك الحجارة لقوم لوط والظالمين من بعدهم واللعنة ليست بعيدة منهم، وقد ورد أنه إذا ركب الذكر الذكر اهتزت السماوات والأرض، فتمسك الملائكة بأطراف السماء وتقرأ سورة الإخلاص حتى يسكن غضب الرب، هذه جريمة منكرة. أما جريمة الزنا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما عصي الله بذنب بعد الشرك أعظم من نطفة يضعها الرجل في فرجٍ لا يحل له). وقال أيضاً: (ومن زنى بامرأة في الدنيا كان عليه وعليها في القبر نصف عذاب هذه الأمة). وقال أيضاً: (والذي نفس محمدٍ بيده إن ريح فروج الزناة ليؤذي أهل النار). وقال أيضاً: (والذي نفسي بيده إن فروج الزناة لتشتعل ناراً يوم القيامة) -والعياذ بالله-.

طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم

طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم الحديث في صحيح البخاري، يقول عليه الصلاة والسلام: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟! قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى). الجنة أمامك طريقها من عند محمد صلى الله عليه وسلم إذا أطعته دخلت الجنة، وإذا عصيته رفضت دخول الجنة، طاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم كل مما أمر الله به وأمر به رسوله وكله من طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم. بعض الناس تثقل عليه طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من حرمانه وخذلانه من التوفيق، وأعطيكم أمثله على طاعة النبي صلى الله عليه وسلم: إعفاء اللحية، الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإعفائها، وقال: (قصوا الشوارب ((أكرموا اللحى ((أرخوا اللحى ((اسدلوا اللحى ((أعفوا اللحى) كل هذه أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم، هي ليست قضية شعر، حتى بعض الناس يظن أننا نتعصب عند الشعر، لا -يا أخي- هي قضية انتماء واعتزاز وفخر بمتابعة هذا النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه، وما دام أمرك الرسول وقال: (أعفوا اللحى) أكثر من عشرة أحاديث: (أعفوا اللحى) (أكرموا اللحى) (أرخوا اللحى) (أسدلوا اللحى) وأنت تحلقها، كيف؟!! لا أعفيتها، ولا أسدلتها، ولا أرخيتها، ولا أكرمتها، إكرام اللحية أن تبقى في وجهك؛ لأن وجهك أكرم منطقة عليك، لكن حلقها إهانة؛ لأن الحلق أين يكون؟ إما في دورة المياه، أو في الغسالة، ثم تذهب إلى أماكن النجاسات، أو عند الحلاق، والحلاق إذا حلق اللحية يضعها تحت قدمه، ثم يأتي بالمكنسة ويكنس الشعر، من وجهك إلى المكنسة، وبعد ذلك يأخذها ويضعها في القمامة، هذه لحى المسلمين، وإلى سيارة البلدية ثم تحرق، هل هذا إكرام للحية -يا إخوان-؟ لا يجوز، فلا بد أن تكرم سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، إذا أردت أن تدخل الجنة بإذن الله، ولا يعني كلامي هذا أن الذي يحلق لحيته لا يدخل الجنة، لا. نقول: الذي يصلي ويقوم بالواجبات الإسلامية، ويطيع الله عز وجل هذا إن شاء الله أنه من أهل الخير، لكن يكمل ذلك بإتباع النبي صلى الله عليه وسلم بإعفاء لحيته؛ لأنه لا توجد مشقة عليه في إعفاء اللحية، فاللحية ليست ثقيلة، والله إنها لا تساوي عشرة جرامات أو عشرين جراماً، خفيفة جداً، المشقة في الحلق؛ لأن الحلق كل يوم وأنت تحلق، أنت تريدها تموت وهي تريد تحيا، فتبقى حية إلى أن تموت، فأنت أعفها مرة واتركها. أحد الشباب قال لي: أنا أريد أن أترك لحيتي يا شيخ، لكن لحيتي تطلع مثل الدبابيس، قلت: طبعاً مثل الدبابيس؛ لأنك تحلقها، لكن هي تحاربك كلما حلقتها صارت مثل الدبابيس، لكن أعلن الهدنة وألق السلاح وهي سوف تطلع بعد ذلك مثل الحرير، قال: كيف؟ قلت: انتظر فقط واتركها، فتركها وإذا بها بعد ما اطمأنت وعرفت أنه لن يعتدي عليها أعلنت هي الهدنة أيضاً، ونبت الشعر وصار مثل الحرير، لكن عندما تحلقها وتريدها تطلع مثل الحرير، لا. أنت تؤذيها وهي تؤذيك، مهما كان، فهذه جزء من طاعة النبي صلى الله عليه وسلم. ومن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم: رفع الإزار وعدم إرخاء الثوب، فإن هذا مرضاة لله، وكذلك تقوى لله، (فإنه أتقى لربك وأنقى لثوبك) وكان صلى الله عليه وسلم يأمر الناس بأن يرفعوا أزرهم؛ لأن هذا من طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم. فطاعة الرسول سببٌ من أسباب دخول الجنة، يقول الله عز وجل: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً} [النساء:69 - 70] أي: مع النبيين في الجنة بإذن الله عز وجل.

الاستقامة

الاستقامة الاستقامة هي: عدم الانحراف، قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:153] أي: سر مستقيماً من أول الطريق ولا تلف يميناً ولا شمالاً إلا إلى الله، فلا تسمع الأغاني ولا تنظر إلى الحرام، وكذلك لا تأكل الربا، وحافظ على الصلاة في وقتها؛ لأن ذلك هو الطريق إلى الجنة بإذن الله، يقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30] فالاستقامة من أسباب دخول الجنة. ويقول عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأحقاف:13 - 14]. وفي مسلم حديث عظيم عن سفيان الثقفي قال: قلت: (يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل أحداً بعدك؟ قال: قل آمنت بالله ثم استقم) إذا سألك شخص وقال لك: بالله عليك، دلني على طريق توصلني إلى الطائف ولا أضيع فيها، قلت له: امضِ في الخط الفلاني ولا تلف يميناً ولا شمالاً، وإذا رفض السماع منه ثم لف يميناً، فإنه سيصل إلى جدة، لا إلى الطائف. كثير من الناس الآن يدلهم الشيطان على الطريق إلى جهنم -والعياذ بالله- يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (قل آمنت بالله ثم استقم) رواه مسلم.

طلب العلم

طلب العلم ومن ذلك حضور مجالس الذكر؛ فإنك إذا حضرت مجالس العلم فإنك لا تسمع إلا قال الله قال رسوله، ما الذي جاء بك إلى إلى هذا المجلس؟ لا يوجد أي هدف -ولهذا أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقنا وإياكم التوفيق والإخلاص والقبول- يعني: ما أتألى على الله؛ لكن إن شاء الله لا أقول إلا أنكم جئتم لله؛ لأنه لا يوجد فيها نفع من منافع الدنيا، كل شخص جاء من أجل الله عز وجل، لطلب العلم، وحضورك لهذا المجلس تلتمس فيه طريقاً إلى الجنة، يقول عليه الصلاة والسلام والحديث في صحيح مسلم: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة) هذا حديث صحيح. وفي صحيح مسلم حديث في الصحيح: (وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، وغشيتهم الرحمة) رحمة الله التي بسببها يكونون من أهل الجنة بإذن الله عز وجل. فطلب العلم عظيم، ولهذا قال العلماء: طلب العلم طريق إلى الجنة؛ لأنه ينير لك الطريق، وطريق الجنة لا يمكن أن تراه إلا بنور، والنور هو العلم، فإذا قرأت كتاب الله، وقرأت سنة النبي صلى الله عليه وسلم، قرأت كتب الفقه، والسيرة، والتوحيد، وعرفت الطريق سرت فيه، لكن من الذي لا يسير في طريق الجنة الآن؟ الجهلة بالله، الذي يمر عليه شهر وما يقرأ فيه آية من كتاب الله، ولا يسمع موعظة، ولا يذكر الله، هذا الشيطان يلعب عليه؛ لأنه أعمى يقوده بخشمه إلى النار -والعياذ بالله- لكن إذا جاء إليك وعندك إيمان وعندك علم ما يقدر عليك، لماذا؟ لأن عندك نور {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك:22].

بناء المساجد ابتغاء وجه الله

بناء المساجد ابتغاء وجه الله الحديث في صحيح البخاري: (من بنى لله مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة). قال أهل العلم: هذا الحديث فيه بشرى، أن من بنى لله مسجداً أنه من أهل الجنة، لماذا؟ قالوا: لأن الله لا يبني لك بيتاً في الجنة ويجعلك في النار، إذا كان بيتك في الجنة فإنك ستدخل فيه. أجل بناء المساجد من أعظم القربات، لكن بشرط: وهو أن يبتغي به وجه الله، قد يبني شخص مسجداً طويلاً عريضاً؛ لكن يبتغي به ثناء الناس، أو يبتغي به الضرار، كمسجد الضرار الذي بناه المنافقون من أجل محاربة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، لا. تبتغي بهذا المسجد وجه الله، تريد بيتاً في الجنة، تريد يعمر هذا المسجد بطاعة الله، يذكر فيه الله، وتحتسب كل ما يؤدى فيه من عمل صالح؛ لأن بناء المساجد من أعظم القربات، ما من مسجدٍ تبنيه لله عز وجل -أيها المسلم- إلا ولك أجر الذي يصلي فيه، وأجر الذي يقرأ القرآن فيه، هذا المجلس المبارك الآن فيه حسنات وجميع هذه الحسنات لصاحب هذا المسجد، فضل عظيم -يا إخواني- وبعد ذلك إذا مت لا ينقطع هذا الأجر عليك، أجل إذا كان عندك إمكانية ابنِ مسجداً في مكانٍ لا يوجد فيه مسجداً، لا تذهب تبني في مكان لا يحتاج فيه إلى هذا المسجد، أو تبني في مكان سيبني فيه غيرك، لا ابن وليكن خارج المملكة؛ لأن بلاد العالم الإسلامي بحاجة إلى المساجد، لقد زرت والله -أيها الإخوة- بعض البلدان الإسلامية وجدتهم والله يصلون ويسجدون في الطين، ما عندهم حتى قطعة فراش على الأرض ويصلون، نحن -والحمد لله- مساجدنا كثيرة، والدولة حفظها الله تبني المساجد، والمحسنين يبنون المساجد في بلادنا، إذا عندك إمكانية ابن، وبعد ذلك تكلفة المساجد في تلك البلدان رخيصة جداً، أي: بعشرة آلاف تبني أكبر مسجد، أو بعشرين ألفاً تبني مسجداً كبيراً -فيا أخي- اختزن من راتبك قليلاً وابن مسجداً ليكون سبباً من أسباب دخولك الجنة. والحديث في صحيح البخاري: (من بنى لله مسجداً يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتاً في الجنة).

الذهاب إلى المساجد

الذهاب إلى المساجد الحديث في الصحيحين: (من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً في الجنة، كلما غدا أو راح) هذا العمل وظيفة راقية، شغلة ليست سهلة، ويسمى هذا الرجل من رواد المساجد المرابطين الذين ينتظرون الصلاة بعد الصلاة، إذا ذهب يصلي أعد الله له نزلاً وكذلك إذا رجع من المسجد كان له نزل آخر: (من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له نزلاً) ما هي النزل؟ قالوا: ضيافة وكرامة في الجنة -نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها-.

الإكثار من السجود -يعني: الصلاة-

الإكثار من السجود -يعني: الصلاة- ورد في صحيح مسلم من حديث ربيعة بن كعب الأسلمي وقد كان خادماً للنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (بت ليلةً عند باب غرفته صلى الله عليه وسلم أنتظره بالوضوء يقول: فلما توضأ خرج فرآني، فقال: يا ربيعة سلني؟ قلت: أمهلني يا رسول الله! فجلس يفكر وبعد ذلك قال قلت: يا رسول الله! أسألك مرافقتك في الجنة) يقول: أريد أن أكون معك هناك، أما نحن الآن فهممنا محدودة في الدنيا وشهواتها وملذاتها. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أو غير ذلك؟ -أي: تريد شيئاً آخر؟ - قال: ما هو إلا ذاك، قال: أعني على نفسك بكثرة السجود) فدل الحديث على أن كثرة السجود -أي: كثرة الصلاة- سببٌ من أسباب دخول الجنة.

الحج المبرور

الحج المبرور هذا في إمكاننا والحمد لله ونحن نقيم في مكة، وبإمكان المسلم أن يحج كل سنة، لكن المصيبة أن أحد الإخوة أخبرني أنه يعرف قريباً له من أهل مكة إلى الآن ما حج، وعمره ستين سنة، وكلما جاءت سنة قال: السنة الثانية، ماذا بك؟ قال: زحمة، يريد أن نفضي له مكة ثم يحج، خلق من عباد الله الصالحين يزاحمونك في طاعة الله، نعمت المزاحمة، إذا كان شخص بجوارك يزاحمك وأنت تطوف ويزاحمك وأنت تسعى ويزاحمك وأنت ترمي نعمت المزاحمة تلك، بل سأفتح له المجال؛ لأنه ضمني وضمه عمل صالح، لكن بعض الناس تصيبه حساسية من حين ينظر إلى الناس يخاف ويرهب ويصارع، حتى أن بعضهم يذهب يرمي الجمرات وكأنه ذاهب ليصارع، ليس هكذا -يا أخي- إذا كان هناك زحام ارفع رأسك من أجل أن يأتيك الهواء، نعم بعد ذلك امش مع الناس أينما مشوا، المهم لا تسقط فقط، وإذا سقطت ومت تبعث يوم القيامة ملبياً، كل واحد يبعث وهو يخاف وأنت تبعث تقول: لبيك اللهم لبيك، هذا الفضل العظيم هو الحج المبرور وجزاؤه في الصحيحين: (الحج المبرور ليس له جزاء عند الله إلا الجنة) وقال أيضاً: (من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه) رواه البخاري ومسلم.

قراءة آية الكرسي عقب كل صلاة

قراءة آية الكرسي عقب كل صلاة لحديثٍ أخرجه النسائي وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: (من قرأ آية الكرسي عقب كل صلاة فليس بينه وبين الجنة إلا أن يموت) حديث صحيح، هذا الحديث كنت أقرؤه ولا أعرف درجته من الصحة، وإذا سألني شخص عنه أكون في شكٍ منه، لماذا؟ لأنه حديث عمله سهل وجزاؤه عظيم: (من قرأ آية الكرسي عقب كل صلاة فليس بينه وبين الجنة إلا أن يموت) وإذا بي أطلع عليه في سلسلة الأحاديث الصحيحة أنه صحيح، وقد رواه النسائي بسندٍ صحيح، قراءة آية الكرسي لا تكلفك وقتاً في قراءتها عقب كل صلاة مهما كنت مشغولاً.

المحافظة على السنن الراتبة

المحافظة على السنن الراتبة لما في سنن الترمذي وصحيح الجامع عن أم حبيبة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى في يومٍ اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتاً في الجنة) وهي: أربع قبل الظهر -يسمونها الرواتب- واثنتين بعدها، واثنتين بعد المغرب، واثنتين بعد العشاء، واثنتين قبل الفجر، هذه اثنتي عشرة ركعة. يقول ابن القيم رحمه الله: من طرق باب ربه كل يومٍ ثلاثين مرة إذا أوتر بواحدة؛ لأن اثنتي عشرة ركعة هذه رواتب وسبع عشرة ركعة فرائض، أربع في الظهر وأربع في العصر، وثلاث في المغرب، وأربع في العشاء هذه خمس عشرة، واثنتين في الفجر صارت سبع عشرة ركعة، وتكون مع الرواتب تسعاً وعشرين ركعة، فإذا أوترت بواحدة تطرق باب ربك كل يوم ثلاثين مرة تقول له: (اهدنا الصراط المستقيم) يقول ابن القيم: فإنه جدير أن يفتح له -إن شاء الله-. فهذه اثنتي عشرة ركعة من الرواتب، إذا حافظت عليها بنى الله لك بيتاً في الجنة، فاحفظها -يا أخي- ولا تضيعها؛ لأني أسمع وأعلم أن بعض الشباب يقول: إنها نافلة -أي: سنة- يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، سبحان الله! هي سنة سنها الحبيب، وبها تجبر الصلوات، ويتمم لها ما نقص من عملك الصالح، هل تضمن أنك تصلي العشاء أربع ركعات وما توسوس فيها لحظة؟ لا. فإذا أتيت يوم القيامة وحوسبت على صلاتك ونقصت الفريضة يقول الله: (انظروا هل لعبدي من نوافل؟) فإذا وجدوا نوافل يجبر نقصك، وإذا لم يجدوا شيئاً خسرت والعياذ بالله.

أعمال خاصة بالمرأة

أعمال خاصة بالمرأة هذا السبب خاص بأخواتنا المؤمنات من النساء، حيث يمكن للمرأة أن تشارك في الأسباب الإحدى عشرة، يمكن أن تبني مسجداً، وأن تكثر من السجود والصلاة، وأن تحج حجاً مبروراً، وأن تقرأ آية الكرسي عقب كل صلاة، وأن تصلي اثنتي عشرة ركعة، وأيضاً الإيمان والعمل الصالح، وتقوى الله، كل هذه أعمال مشتركة، لكن هناك أعمال مميزة لها تدخلها الجنة ليست للرجال. جاء في صحيح الجامع للسيوطي وصححه الألباني، يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت) ثمانية أبواب وهي تدخل من أي بابٍ شاءت، ما هو السبب؟ أربعة أشياء: إذا صلت خمسها، وصامت شهر رمضان، وحصنت فرجها عفيفة لا تعمل شيئاً من الحرام، بعد ذلك تطيع بعلها، ليس عليها جهاد، ولا صلاة في المسجد في جماعة، تكاليف الشرع على الرجل أضعاف أضعاف ما على المرأة، المرأة الله عز وجل رحمها ورحم ضعفها، وكلفها بما تقدر عليه، ولكن مع هذا يقول عليه الصلاة والسلام: (اطلعت على النار فوجدت أكثر أهلها النساء، قالت امرأة: لم يا رسول الله؟ قال: لأنكن تكفرن العشير، وتكثرن اللعن) العشير: هو الزوج، بدل أن تطيعه تكفره بمعنى: تجحده، وتنسى فضله. وتكثرن اللعن أي أن غالب النساء إلا من رحم الله كثيرات اللعن، تلعن ولدها وتلعن أبناءها وتلعن زوجها، بل بعضهن تلعن نفسها!! والعياذ بالله. هذه هي بعض الأسباب الموصلة إلى رضوان الله عز وجل، والفوز بالجنة والنجاة من النار، وهي أسباب سهلة ويسيرة، كما قال عليه الصلاة والسلام لـ معاذ بن جبل: (وإنه ليسير على من يسره الله عليه) ولا تبدو هناك -أيها الإخوة- أية صعوبة، وإنما قد تكون هناك صعوبة في البداية، وإذا سار الإنسان في طريق الإيمان والالتزام فإنه سيجد الطريق سهلاً ميسراً معاناً من قبل الله عز وجل.

الأسئلة

الأسئلة

حكم المحافظة على صلاتي الفجر والعصر دون بقية الفروض

حكم المحافظة على صلاتي الفجر والعصر دون بقية الفروض Q يقول: هل يصح للإنسان أن يحافظ على صلاتي الفجر والعصر من غير الفروض الأخرى لحديث: (من صلى البردين دخل الجنة)؟ A لا. لا يجوز ذلك؛ لأن الدين يؤخذ جملة واحدة، ولا يجوز التجزئة فيه، فأنت تأخذ بحديث الصحيحين: (من صلى البردين دخل الجنة) وتصلي الفجر والعصر، ولكن عليك أن تأخذ أيضاً بالآيات والأحاديث التي أمرتك بأداء الصلوات الخمس، فإذا أخذت بحديث وتركت حديثاً، أو أخذت آية وتركت آية جزأت، ولا بد من أخذ دين الله كاملاً، يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة:208] فلا بد من أخذ الدين جملة واحدة بدون تجزئة.

حال نساء الدنيا مع أزواجهن في الآخرة

حال نساء الدنيا مع أزواجهن في الآخرة Q تقول: ما مصير نساء الدنيا في الآخرة، هل يجمعهن الله بأزواجهن، أخبرنا جزاك الله خيراً؟ A المرأة التي تعمل الصالحات وتؤمن بالله، وتسلك الطريق الموصل إلى الجنة، وعدها الله عز وجل أن تكون من أهل الجنة بإذن الله، وأعد الله لها في الجنة من النعيم ما يناسب طبيعتها، وبالنسبة إذا كانت متزوجة وزوجها من أهل الجنة فإنه يكون زوجها؛ لأن الله يقول: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور:21] ويقول الله عز وجل في الملائكة: {يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [غافر:7 - 8] هذا إذا كانت المرأة مؤمنة وزوجها مؤمن متدين. أما إذا كانت متدينة وزوجها فاجر وهو في النار أعطاها الله زوجاً من أهل الجنة، الذين زوجاتهم في النار؛ لأنك قد تلقى شخصاً طيباً وامرأته خبيثة في النار، ويأتي الجنة وليس معه زوجة، فالله يعطيه من الزوجات الصالحات الذين دخلت الجنة وأزواجهن في النار، قال العلماء: والذي تزوجت برجلٍ ثم مات أو طلقها طلاقاً رجعياً وتزوجت بآخر كان لها زوجين في الدنيا؟ قالوا: تخير فتختار أحسنهم خلقاً، فيكون زوجاً لها في الجنة. بعض النساء يقلن: لماذا ذكر الله في القرآن الكريم الكثير عن الحور العين للرجال وما ذكر للنساء شيئاً؟ قال العلماء: أولاً: في ذكر الحور العين للرجال ترغيب في طلب الجنة عن طريق بذل الجهد لها، وهو الجهاد في سبيل الله. ثانياً: قالوا: إن المرأة موطن وطر ولذة ومتعة فوجب إغراء الرجال بهن، دون الحاجة إلى العكس، وإلا للمرأة في الجنة -بإذن الله- من النعيم ما يطيب خاطرها، ولهذا يقول الله عز وجل: {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت:31].

حكم من صلى بالناس وهو جنب سهوا

حكم من صلى بالناس وهو جنب سهواً Q ما حكم صلاة من صلى بالناس وهو جنب سهواً ثم تذكر بعد الصلاة؟ A عليه أن يغتسل ويعيد الصلاة، أما الذين صلى بهم فصلاتهم صحيحة، ولكن إذا تذكر أثناء الصلاة لزمه الخروج من الصلاة وعدم الاستمرار فيها، بعض الناس يقول: استحيت، لا. هذه عبادة لا تدخلها المجاملة.

توحيد الله من أعظم الأسباب لدخول الجنة

توحيد الله من أعظم الأسباب لدخول الجنة Q توحيد الله من أعظم الأسباب لدخول الجنة، وهو مفتاح الجنة، فبعضهم يقولون: نحن موحدون ويكفي أننا نقول: لا إله إلا الله وندخل الجنة بسلام، فهل هذا صحيح؟ A صدق أخي الكريم بأن توحيد الله هو السبب الأول، ولهذا ذكرته أنا أول شيء، الإيمان بالله، والإيمان يعني: التوحيد، والموانع التي تمنع الإنسان من دخول الجنة الشرك، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} [النساء:48] وفي آية أخرى: {فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً} [النساء:116]. وقال تعالى: {مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:72]. وقال تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:31]. فلا بد من التوحيد، وهذا الكلام مفرغ منه، لا يمكن لأحدٍ أبداً أن يدخل الجنة وعنده شرك، يمكن يدخل الجنة إذا كان عنده معاصٍ، لكن بعد التمحيص في النار، إلا أن يشمله الله برحمته، أما المشرك كما يقول ابن القيم رحمه الله: مثل المشرك مثل الخنزير، لو أدخلت الخنزير من طرف البحر وغسلته بماء البحر وأخرجته من الطرف الثاني، ولهذا ليس للمشرك دخول في الجنة، لكن المؤمن الموحد العاصي، فهذا يعذب بقدر الذنوب ثم يخرج ويدخل الجنة، فحاول باستمرار أنك ترتفع إلى أن تكون خالٍ من الذنوب وإذا وقعت في الذنوب فاستغفر الله تبارك وتعالى؛ لأن أجسامنا لا تقوى على النار.

الطريق إلى طلب العلم

الطريق إلى طلب العلم Q يقول: إنني أبحث عن طريق العلم فدلني عليه جزاك الله خيراً؛ لأنه لا يوجد لدي كتب علمية شرعية؟ A أول طريق للعلم حفظ كتاب الله، ابدأ يا أخي بحفظ القرآن، هذا أول مسلك، وهذا يستغرق عليك وقتاً، ابدأ بالمفصل أو بالبقرة وآل عمران، وهكذا تنقل حتى تكمل حفظ القرآن. احفظ من الحديث النبوي الأربعين النووية هذا أول شيء، ثم زد عليها حفظ بلوغ المرام، أو احفظ رياض الصالحين، أو احفظ اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان، حتى تكون ثقافتك الحديثية صحيحة (100%). اقرأ في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم هذا طلب علم، وإذا ما كان عندك كتب لطلب العلم فعليك أن تشتري، يجب أن يكون جزءاً من دخلك لشراء كتاب، أو شراء شريط. من أساليب طلب العلم: سماع الشريط الإسلامي. ومن أساليب طلب العلم: حضور المحاضرات والدروس الشرعية في المساجد. هذه كلها من طرق وسائل طلب العلم الشرعي.

نصائح رمضانية

نصائح رمضانية أيها الإخوة! نحن الآن على أبواب شهر رمضان الكريم نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يبارك لنا في رجب وشعبان وأن يبلغنا رمضان، فلا ندري -أيها الإخوة- من يبلغ منا رمضان ومن يموت قبل رمضان. يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجبٍ حتى عصى ربه في شهر شعبان ها قد أظلك شهر الصوم بعدهما فلا تصيره أيضاً شهر عصيان اتل الكتاب وسبح فيه مجتهداً فإنه شهر تسبيح وقرآن كم كنت تعرف ممن صام في سلفٍ من بين أهل وجيران وإخوان أفناهم الموت واستبقاك بعدهم حياً فما أقرب القاصي من الداني ومعجبٌ بثياب العيد يقطعها فأصبحت في غدٍ أثواب أكفان حتى متى يعمر الإنسان مسكنه مصير مسكنه قبر لإنسان هذا الشهر الكريم: شهر الخير، والرحمة، والمغفرة، شهر القرآن، والتراويح، والعبادة، شهر يزاد فيه رزق المؤمن، شهرٌ كان صلى الله عليه وسلم فيه أجود من الريح، وكان أجود ما يكون في رمضان، هذا الشهر لنا إخوة في الإسلام في بلادنا هنا وفي خارج هذه البلاد مساكين وفقراء، طول زمانهم رمضان لا يوجد شيء لديهم، يلتحفون السماء، ويفترشون الأرض، يقتاتون قوتاً لا يسمى قوت بهائم، ولا علف المواشي الذي تأكله المواشي الآن، علف المواشي لدينا هو طعام رئيسي عند بعض الشعوب، وقد كان عندنا في يوم من الأيام طعاماً رئيسياً والشيوخ يعرفون أن الواحد منهم ما كان يشبع من خبز الشعير، والآن أصبح علف المواشي، ونحن في نعمة وفي فضل وفي خير، فقد منَّ الله علينا -يا إخواني- بنعم كثيرة: أمن، وعافية، ورخاء، وخير، ورزق رغد يأتينا من كل مكان، ورواتب، وهناك إمكان عند كل شخص منا أن يطعم أو يفطر أسرة من الأسر الجائعة في بلاد الله المنثورة في الأرض، وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (من فطَّر صائماً كان له مثل أجره دون أن ينقص من أجره شيء) إذا فطرت صائماً لك مثل صيامه كله دون أن ينقص من أجره شيء، وكونك تدخل السرور على زوجتك وعلى أولادك مع بداية شهر رمضان فتستلم راتبك وتشتري مدخرات سنتك، فتوسع على أهلك حسن، ولكن أفضل منه أن توسع على أسرة فقيرة، على أسرة لا يدخل السرور عليها طوال العام إلا في هذا اليوم، وهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية قامت بمشروع اسمه مشروع إفطار الصائم، وفرع الهيئة في مكة تصدق على بلدين: البلد الأول بنجلادش ذات الكثافة السكانية الهائلة فعددهم مائة وخمسون مليوناً، خليج البلقان المغطى بالماء طول السنة، والكوارث فيه من تهدم المساكن وغيرها، ويعيشون في فقر وفي حاجة لا يعلمها إلا الله. والبلد الثاني أوروبا الشرقية يعني: الاتحاد السوفيتي الذي انحل، وأصبحت ديار المسلمين هناك، يعيشون أيضاً في فقر من الشيوعية الحاقدة، وفي أيدينا -أيها الإخوان- فضول أموال، وبإمكاننا أن نساهم في مثل هذه المشاريع، حتى ندخل السرور على قلوبهم، وحتى نقدم بين يدي رمضان حسنة نرجو بها ما عند الله عز وجل، والمشروع المجهز يكفي لإفطار أسرة كاملة خلال ثلاثين يوماً بثلاثمائة ريال، بمقابل عشرة ريالات للأسرة يومياً مكونة من وجبتين: وجبة سحور، ووجبة إفطار وعشاء، وهذه الوجبة مكونة من نصف دجاجة، وكيلو من الأرز وكيلو دقيق، ومتطلباتها حسبت قيمتها أنها تصل إلى عشرة ريالات ولا تزيد، هذه العشرة الريالات ترفع رصيدك وتبقى لك عند الله، وأنت تصرف في رمضان أموالاً طائلة قد تثاب عليها وقد لا تثاب، خاصة إذا كان هناك مبالغة وإسراف وبذخ؛ لأن الناس الآن يستقبلون رمضان على أنه شهر الأكل، وشهر الموائد ويشترون الأطعمة بالكراتين، ويكدسون الأطعمة في السفر، ويأكلون منها القليل ويرمون بالكثير منه، بينما إخوانهم يموتون من الجوع، نقول: ثلاثمائة ريال تفطر بها أسرة، لا تخسر شيئاً بل ترفع رصيدك عند الله عز وجل، ولا تظن أن هذه الثلاثمائة سوف تكون خسارة عليك، يقول الله عز وجل: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:39]. وقال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:245]. ولحديث: (المرء تحت ظل نفقته يوم القيامة). وقال تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96]. ذبح صلى الله عليه وسلم ذبيحة ووضعها في بيته عند عائشة فأخرجتها كلها إلا كتف الشاة فلما رجع قال: (ما صنعت الشاة؟ قالت: ذهبت كلها إلا كتفها، قال: لا. قولي: بقيت كلها إلا كتفها) أي: الكتف الذي سنأكله هو الذي ذهب، فالذي ذهب عند الله هو الذي يبقى. وهناك قصة حدثت قبل سنين يحدثني بها رجل ثقة كان مسافراً في تهامة، وفي ليلة من ليالي سفره وكانت الليلة باردة مطيرة مظلمة، فهاجت الريح ونزلت الأمطار وضل الطريق، فدخل في غار من أجل أن ينام فيه ويرتاح، وبينما هو نائم في الغار إذ رأى قبراً، وإذا به يرى في القبر رجلاً وامرأة ومعهم بقرة يحلبونها ويشربون لبنها، غير أنه لاحظ أن هذه البقرة ليس عليها جلد، جلدها مسلوخ ودمها يخرج، وصاحب البقرة يحلب ويتأذى أنه ليس عليها جلد، لكن ماذا يصنع؟ يقول: فسألته: من أنت؟ ومن هذه؟ ولماذا هذه البقرة؟ ولماذا لا يوجد عليها جلد؟ قال: أنا رجل وهذه زوجتي، كنا في الحياة الدنيا في قريتنا، وحصلت مجاعة، وجاع الناس حتى كادوا يموتون من الجوع، وما كنا نملك شيئاً إلا هذه البقرة، فتشاروت أنا وزوجتي على أن نذبحها ونقسمها على الفقراء لوجه الله عز وجل، فوافقتني، يقول: فذبحناها وقسمناها على جميع الفقراء في تلك القرية، ولم يبق بيت إلا دخله شيء من لحمها، غير أننا أخذنا الجلد وبعناه، وما تصدقنا به، يقول: فلما مت أعطاني الله وأعطى زوجتي بدل بقرتنا بقرة في الجنة نحلبها، لكن لا يوجد عليها جلد، يقول: فأنا أتأسف على أنني ما تصدقت بالجلد حتى ألقاه في الجنة، فيا أخي إن الذي تتصدق به لا تظن أنه خسارة والله إنه هو الربح وهو الباقي. على الأبواب صناديق لـ هيئة الإغاثة، وهذا خطاب من الدكتور أحمد بن نافع المورعي المشرف على هيئة الإغاثة بـ مكة المكرمة وقد أخبرني شخصياً عن هذا المشروع العظيم، وقد انتدب لهذا المشروع مجموعة من العلماء وطلبة العلم والصالحين، وسوف يسافرون بعد أيام قبل دخول رمضان حتى يرتبون عملية تقديم هذه الوجبة لتلك الأسر، ويدخل السرور، ويطلب من تلك الأسر الدعاء لأصحابها، وتصور -يا أخي- إذا أفطر هذا الرجل الفقير الذي لا يعرف العيش، عندما يفطر وزوجته وأولاده وقالوا: اللهم اغفر لصاحب هذا الفطور، أنت في مكة هنا وتأتيك الدعوات كل ليلة من أجل عشرة ريالات. نطلب من إخواننا المساهمة في إفطار الصائم بثلاثمائة ريال، إن كانت موجودة عندك الآن فضعها، وإن كانت ليست موجودة فسارع هذه الليلة بوضعها في حساب الجماعة أو الهيئة أو في مقر الهيئة الموجود بجوار محطة التسهيلات، واحذر من أن تسوف إلى آخر الشهر، فإنك إذا سوفت غلبك الشيطان وجعلك تبخل في النفقة. أسأل الله أن يعيننا وإياكم على الإنفاق في سبيله، وأن يتقبل منا ومنكم، وأن يجعلنا وإياكم ممن يدرك هذا الشهر وممن يقومه ويصومه، ويتقبل الله منا إنه على كل شيء قدير. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

من أمثال القرآن

من أمثال القرآن إن ضرب الأمثال أسلوب تربوي بليغ التأثير عظيم النفع، ولأهمية هذه الأمثال في إيصال المراد فقد عُني بها القرآن وعنيت بها السنة. وقد حث الله سبحانه وتعالى على النظر والتأمل في الأمثال التي ضربها، والتي لا يعقلها إلا العالمون. وقد تناول هذا الدرس أمثالاً تدور حول ثلاثة أصناف، وهم: أولاً: المعرض عن دين الله. ثانياً: الذي يعلم ولكنه لا يعمل. ثالثاً: من يعلم ويعمل ثم ينتكس ولا يثبت.

أهمية الأمثال في الكتاب والسنة

أهمية الأمثال في الكتاب والسنة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم ارزقنا حبك، وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك. اللهم ما أعطيتنا مما نحب فاجعله عوناً لنا على ما تحب، وما زويت عنا مما نحب فاجعله فراغاً وقوة لنا فيما تحب. لقد طَرَأَ في بالي حديث حب الله عز وجل للعبد، وإلقاء الحب والقبول له في أهل السماء، ثم في أهل الأرض، وقد طَرَأَ في بالي معانٍ كثيرة كنت أتمنى أن تكون موضوع هذا الدرس، وهو: كيف ينال العبد محبة الله؟! لأنه ليس مهماً أن تُحِبَّ أنت، ولكن المهم أن تُحَبَّ، فكم من مدعٍ للمحبة لم ينلها، ولم يصل إليها! ولكنني ملزمٌ بالحديث فيما أعلن عنه من عنوان وهو: (من أمثال القرآن) ولعلها تحين إن شاء الله فرصة أخرى فيما بعد للحديث عن أسباب نيل محبة الله عز وجل. أيها الأحبة: الأمثلة وضَرْبُها أسلوب تربويٌ بليغ التأثير، جاء في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك ضمن الأساليب المؤثِّرة التي تقرب المعاني، وتوضح الأمور، وقد عُنِي بها القرآن، وعُنِيت بها السنة المطهرة، وجاءت الأمثال كثيرة في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى عدَّ بعض العلماء الأمثال التي وردت في القرآن فقط بثلاثة وأربعين مثلاً، كلها لتقريب المعنى؛ لأن المثال وسيلة إيضاح، والمعلم الناجح هو الذي يستطيع أن يستخدم وسائل الإيضاح لإيصال المعاني والمعلومات إلى أذهان الطلاب والتلاميذ، والأمثلة أفضل وسيلة توضح المراد والمعنى؛ لأنها نموذج تقرب المعنى إلى الذي يسمع، فيفهم بضرب المثال أكثر مما يفهم بسرد الكلام، ولو اشتمل السرد على أبلغ المعاني، وعلى أعظم الأساليب، إلا أن المثال يفهم سريعاً، ولذا كثرت الأمثال في كتاب الله، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

بعض أمثال العرب ومقارنتها مع أمثال القرآن

بعض أمثال العرب ومقارنتها مع أمثال القرآن أيها الإخوة: كم من الأمثال تدور على ألسنة الناس! ولكن في القرآن وفي السنة ما هو أبلغ وأعمق منها:

قول العرب: (القتل أنفى للقتل)

قول العرب: (القتل أنفى للقتل) من ذلك، قول العرب: (القتل أنفى للقتل): هذا مثال عربي، معناه: أن إقامة الحدود وقتل القاتل تقضي على القتل. لكن القرآن جاء بعبارة أعظم وأبلغ من هذا المثل، فقال عز وجل: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:179] في القصاص! فهل في الموت حياة؟! كيف يجتمع النقيضان؟ الموت موت، والحياة حياة، فكيف يكون في القصاص حياة؟! نعم. في القصاص حياة، لكنها حياة لمن؟ حياة ليس لمن يُقْتَص منه، بل حياة للمجتمع؛ لأن القاتل حين يعلم أنه إذا قَتَلَ قُتِلَ توقَّفَ وارتدع عن القتل، فيحصُل بتوقفه وامتناعه عن القتل حياة للأنفس الأخرى؛ لكن القاتل الذي يعلم أنه لا يُقْتَل يتمادى في الطغيان، وينتهك، ويسفك الدماء؛ لأنه يعرف أنه لن يحصل له شيء، ولذا يقول الله في القصاص من الجناة حياة لبقية الناس، وصدق الله عز وجل: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:179].

قول العرب: (من جهل شيئا عاداه)

قول العرب: (من جهل شيئاً عاداه) قول العرب في بعض الأمثال: (مَن جَهِل شيئاً عاداه):- هذا مَثَلٌ واقعي، فالذي لا يعرف السلعة لا يقدرها. وكما يقول العوام: (إلِّليْ ما يِعْرِفِ الصَّقْر يَشَوِيْه) يظنه حمامة، وهو صقر لا يؤكل؛ لأنه من ذوات المخلب؛ لكنه لا يعلم هل هذا صقر أم حمامة، فيشويه. وكذلك من يجهل الشيء لا يعرف قيمته، بل ربما يتصدى لمعاداته. ولكن في القرآن الكريم ما هو أبلغ من هذا المثل، وهو قول الله عز وجل: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} [يونس:39] لَمَّا جهلوا دين الله، وجهلوا شريعة الله، وجهلوا حقيقة هذا الدين العظيم، كذَّبوه لعدم إحاطتهم بالعلم به، وإلا لو علموه لما عادَوه، ولهذا إنما تقع الخشية لله عز وجل من العلماء {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] (ومن كان بالله أعْرَف كان منه أخْوَف) ولو أجريت استقراءً لمن تقع منه المعاصي والذنوب والمخالفات تجد أنها تقع من الذين لا يعرفون الله، أما كل من استقرت معرفة الله في قلوبهم فتجد في قلوبهم مثل النار من خشية الله عز وجل. فـ (مَن جَهِل شيئاً عاداه) ولكن القرآن يقول: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} [يونس:39].

قول العرب: (ما تزرع تحصد)

قول العرب: (ما تزرع تحصد) من ذلك أيضاً قول العرب: (ما تزرع تحصد): فالذي تزرعه تحصده، والشخص الذي يزرع بُرَّاً ماذا يخرج له؟ بُرٌّ، أليس كذلك؟ والذي يضع بَعَراً، أيخرج له بُرٌّ؟! لا. سينتظر وينتظر، ثم يكشف الطين ويرى البعر؛ إن كان جيداً لقيه، وربما قد تلف، وحتى إنه لن يلقاه، فما تزرع تحصد. لكن المثال في القرآن الكريم جاء ببلاغة أعظم، يقول الله عز وجل: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} [النساء:123]. ويقول عز وجل: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل:89 - 90] شخص يزرع طوال حياته السوء، ويزرع الشر والفساد، ويعمل الإجرام، ويهتك الأعراض، ويسفك الدماء، ويعتدي على الحرمات، ويعاند الجبار، ويترك أوامر الله، ويقع فيما حرم الله، هذا ماذا يلقى؟ هل يتصور أنه يلقى حسنات على هذا الفعل؟! لا؛ لأنه يعمل سوءاً، والذي يعمل السوء يجد السوء، والذي يعمل الحسن يجد الحسن، يقول الله عز جل: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:31]. ويقول عز وجل: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ} [يونس:26 - 27] يعمل طوال ليله ونهاره ويكسب، وسَمَّى الله جمع السيئات كسباً، وإلا فهو ليس بكسب؛ لكنه على سبيل التهكم، والشخص الذي يجمع السيئات، كاسب أم خاسر؟! خاسر؛ لكن الله يقول: {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ} [يونس:27] ماذا يحصل؟! {جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} [يونس:27] أم أنه يتوقع صاحب السيئات أنه يجد على السيئة حسنة! هل هذا معقول؟! لا. أبداً. فيقول الله عز وجل: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} [النساء:123].

قول العرب: (لا تلد الحية إلا حية)

قول العرب: (لا تلد الحية إلا حية) من الأمثال أيضاً في لغة العرب قولهم: (لا تلد الحية إلا الحية): الحية لا يأتي ولدها أو ابنتها إلا مثلها حية، لا تتوقع أن يأتيك شيء لطيف من حية. ولكن القرآن جاء بأبلغ من هذا في قوله تبارك وتعالى على لسان نوح عليه السلام: {إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً} [نوح:27] متى قال نوح هذا؟ ما قاله ابتداءً، فنوحٌ مِن أولي العزم، عليه وعلى نبينا وعلى سائر الأنبياء أفضل الصلاة والسلام، وهو من الخمسة أصحاب الفضيلة والمقام الرفيع، دعا إلى الله مدة قدرها (ألف سنة إلا خمسين عاماً) مارَسَ شتى الأساليب، وأخذ بجميع الأنواع: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً} [نوح:5] كان يدعو ليلاً ونهاراً، نحن كم ندعو؟ إذا ألقى أحدنا درساً في الأسبوع قال: والله إني تعبتُ، وإذا جلس مع شخص يتكلم بكلمتين، قال: الحمد لله نحن نعمل لهذا الدين ليلاً ونهاراً: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً} [نوح:5 - 8] دعوة علنية {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً} [نوح:9] دعوة سرية، وبعد هذا العمر الطويل والجهد العظيم يوحي الله إليه ويقول له: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود:36] كم عددهم؟ في أصح الروايات أنهم (اثنا عشر) رجلاً، ثمرة تسعمائة وخمسين سنة، يقول الله: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود:40] آمن معه اثنا عشر رجلاً، مع هذا العمر الطويل والجهد المكثف، والأساليب المتنوعة، لم يستجيبوا ولم يدعُ نوح عليهم؛ لكن لما أوحى الله إليه أنهم لن يؤمنوا، دعا الله عليهم؛ لأنه لا فائدة، ومادام أنه لن يؤمن أحد منهم، فلماذا يبقون؟! فقال: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً} [نوح:26] لماذا؟! قال: {إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ} [نوح:27] أحد احتمالين: الأول: إما أن يضلوا هؤلاء (الاثني عشر) الذين هم عندي الآن؛ لأن تأثيرهم سيكون بليغاً، والكثرة تغلب. الثاني: أنهم إذا لم يضلوا الذين آمنوا؛ فإن أولادهم الذين يأتون منهم فجرة وكفرة: {وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً} [نوح:27] و (لا تلد الحية إلا الحية) كما تقول العرب، إذاً لا معنى لبقائهم، دمِّرهم يا رب عن بكرة أبيهم فاستجاب الله دعوته. لماذا استجاب الله دعوة نوح؟ لأنه استنفد جميع جهده، فالإنسان لا يعتمد على دعائه لله وينام! لا. بل إن نوحاً عَمِلَ وعَمِلَ وعَمِلَ، وعدَّد، ونوَّع، وبذل كل ما عنده، ولما عرف بواسطة الوحي أنه لن يؤمن أحد، إذاً فما معنى أن يبقوا أحياء وهم لم يؤمنوا، فلابد من التدمير، فدعا الله، وقال: ربِّ إنِّي {مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر:10]. فاستجاب الله له الدعوة، وقال تعالى: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} [القمر:11] * {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً} [القمر:12] ليس فقط مكاناً معيناً، بل الأرض كلها تحولت إلى ينابيع وإلى ماء، حتى موقد النار (التنور) الذي يتوقع أن الماء في كل مكان إلا هو ليس فيه ماء بل فيه نار؛ لكن فار التنور، والأرض كلها صارت ماءً {فَالْتَقَى الْمَاءُ} [القمر:12] ماء السماء على ماء الأرض {فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر:12] أي: أُحْكِم من قِبَل الرب تبارك وتعالى، وحَمَله الله عز وجل على السفينة ذات الألواح والدُّسُر أي: المسامير {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر:14] تجري برعاية الله. وقد قال الله تبارك وتعالى: {فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ} [المؤمنون:27] أمره الله أن يحمل فيها أهله ومَن آمن معه، فظن نوح عليه السلام أن الأهلية هنا أهلية النسب، فقال لَمَّا رفض ولدُه أن يركب: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} [هود:45] أنت قلت: يركب أهلي، وهذا ابني أبى أن يركب فلا تغرقه، قال الله: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ} [هود:46] انظروا القوة في العبارة، لكن الأنبياء يعرفون الله، فنزَّه الله: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ} [هود:47] يُنَزِّه الله {وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي} [هود:47] لا إله إلا الله! يستغفر ويطلب الرحمة من سؤاله لله أن ينجي ابنه، رغم أنه لم يسأل بدافع الأبوة، ولا الحنان، وإنما بدافع الوعد من الملك الديان، أنه من أهله، فظن أنه يركب باعتباره من الأهل. فصحح الله نظرة نوح عليه السلام. وقال: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود:46] الأهلية هنا هي: أهلية العقيدة، وأهلية الملة والدين، وما دام كافراً فليس من أهلك. ففي هذا إشارة إلى أن العلاقة التي تربط الناس بعضهم ببعض هي علاقة العقيدة بالدرجة الأولى، ثم تأتي بعد ذلك الروابط الأخرى؛ لكن إذا انتفت علاقة العقيدة فلا علاقة قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ} [المجادلة:22] لا إله إلا الله!

مثل المعرض عن دين الله

مثل المعرض عن دين الله أمثال القرآن -أيها الإخوة كما ذكرتُ لكم- كثيرة، ولا يعقلها -كما قال الله في كتابه- ولا يعلمها ولا يفهمها {إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43] وفي هذا دعوةٌ لطلاب العلم، وحثٌّ على النظر والتأمل ومعرفة تلك الأمثال، ومعرفة مراد الله منها، حتى يُحْسَب من يتأملها ويعرفها عند الله من العالمين، وفيه إشارة إلى أن مَن لا يعقل أمثال القرآن أنه محسوبٌ في زمرة الجاهلين، وإن كان يحمل شهادة عليا، أو كان في نظر الناس من المثقفين أو من الواعين؛ لكنه لم يعِ أمثال القرآن، فالله ينفي عنه العلم، ويثبت له الجهل، ويعده من زمرة الجاهلين. وقد اخترتُ -أيها الإخوة- في هذا الدرس بعض الأمثال من كتاب الله عز وجل التي تقرب المعاني، وأكتفي بثلاثة أمثال. المثال الأول: مثل مَن يُعرض عن دين الله: يُدعى إلى الله، وتوضح له الطريق التي يسلك بها طريق النجاة، وتوضع له المعالم والأنوار والإضاءات التي تدله على الفوز والنجاح في الدنيا والآخرة، فيَصُمُّ أذنيه، ويعمي عينيه، ويعرض عن طريق الهداية، بل يرفض ويهرب، فهذا ضرب الله عز وجل له مثلاً في كتابه الكريم من أسوأ الأمثلة، وشبهه الله عز وجل بالحُمُر الوحشية، فالحُمُر منها حُمُر أهلية، ومنها حُمُر وحشية، ويجمعها لفظ (الحُمُر) أي: حمير، والأهلية: هي التي تُسْتَخدم، وهي التي تُرْكَب ومعروفة عند الناس، والحُمُر الوحشية من فصيلة الحمير؛ ولكنها غير مستأنِسَة، ولا يألفها الناس ولا تألفهم، وهي متوحشة، تعيش في البراري والقفار، هذه الحمير مِن طبيعتها أنها تعيش في حالة عظيمة من الرهبة والخوف إذا رأت الأسد أو السبع، جميع الحيوانات تخاف من الأسود ومن السباع؛ لكن بعض الحيوانات تملك رباطة جأش، وتملك قوة صراع، وإمكانية دفاع، إلا حمار الوحش، من حين يرى الأسد أو السبع على مسافة بعيدة يهرب هروباً يكاد يموت، ويتكسر ظهره، بل وربما لم يره بعد؛ لكن فقط من مجرد الشم. ويذكر هذا العلماء في كتبهم أنه يفر فراراً عنيفاً، أحياناً يتكسر من كثرة جريه، يحسب أن الأسد قد صار على ظهره، وبينهما مسافة طويلة. فقد شَبَّه الله عز وجل مَن يكره العلماء، ويكره الدعاة، وينفر من مجالس العلم، ولا يحب سماع كلام الله، ولا كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم كالحُمُر، يقول الله عز وجل: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} [المدثر:49]؟! سؤال استنكاري! لأي شيء يعرضون عن ذكر الله؟! لأي شيء يتجاهلون داعي الله؟! لماذا؟! أليس يعنيهم؟! وما الذي يعنيهم في الأرض غير هذا؟! إن أول ما ينبغي التركيز عليه في اهتمامات العبد: أن يسأل لماذا وجد؟! ولن يخبره لماذا وجد إلا الذي خلقه، ولم يترك الله الإنسان يسأل، بل أرسل الرسل ليبينوا للناس لماذا خُلِقوا؛ لكن الناس الذين أعرضوا لا يريدون، ولهذا يقول الله: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ} [المدثر:49 - 51] القسورة في لغة العرب: الأسد، والسبع. فهؤلاء في إعراضهم إذا رأوا الداعية، أو العالم، أو مجلس العلم، أو دعاهم أحد إلى شيء يفرون، ومن قبل كانوا يفرون بأقدامهم كما تفر الحمير بأقدامها، والآن يفرون بسياراتهم! لماذا؟! قال: جاء (المطوِّع). (المطوِّع) هذا يطوِّعك، و (المطوِّع): اسم فاعل، أي: يطوِّعك لله، يريدك بدل أن تكون مطوِّعاً للشيطان تكون مطوِّعاً لله؛ لأنك إما أن تكون طائعاً لله، أو طائعاً للشيطان، فهذا يطوِّعك ويجعلك طائعاً، وصفة الطائع صفة كريمة قال تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} [النساء:69] فلماذا تفر منه؟! إن فرار الإنسان من أهل العلم، وإعراض الإنسان عن الدعاة، ورغبته في غير مجالس الذكر، دليل على أن عقليته عقلية الحمير، وأن مرتبته مرتبة البهائم، بل هو أعظم وأذل وأخس، يقول الله تبارك وتعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] لماذا أضل سبيلاً؟ لأن الأنعام سارت فيما سخرها الله عز وجل وخلقها من أجله، أما هؤلاء فهم أضل سبيلاً من الأنعام؛ لأنهم لم يسيروا في الطريق الذي رسمه الله لهم، ولا حققوا الغرض والهدف الذي من أجله خلقهم الله عز وجل.

الإعراض أحد أنواع الكفر

الإعراض أحد أنواع الكفر أيها الإخوة: الإعراض عن الدين قضية صعبة في حياة الإنسان، بل عده العلماء والمحققون من أهل السنة والجماعة ضمن أنواع الكفر الخمسة، الكفر هو: الجحود، وقد قسمه العلماء إلى خمسة أقسام: القسم الأول: كفر التكذيب. القسم الثاني: كفر الشك. القسم الثالث: كفر الجحود. القسم الرابع: كفر الإباء والاستكبار. القسم الخامس: كفر الإعراض. وقالوا عن كفر الإعراض هو: أن يعرض عن الدين، فلا يتعلمه، ولا يهمه أمره، معرض، قد يصل به إعراضه ورفضه إلى أن يكفر بالله وهو لا يشعر، والله عز وجل سماه: ظالماً، بل لا أظلم منه! بصيغة أفعل التفضيل: {وَمَنْ أَظْلَمُ} [الكهف:57] أي: لا أظْلَمُ {مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} [الكهف:57] أَكِنَّة أي: أغطية، مغطاة {أَنْ يَفْقَهُوهُ} [الكهف:57] أي: لئلا يفقهوا دين الله {وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً} [الكهف:57] أي: مخرومة لا تسمع {وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً} [الكهف:57]. وقال عز وجل: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السجدة:22]. لا أظْلَم ممن يُذَكَّر بالله ويعرض، هذا نوع من الاستخفاف، وعدم الاهتمام، كيف تعرض عن الله؟! لو قام المذكر وقال: أيها الناس! أنا سألقي عليكم موعظة؛ والذي يجلس إلى آخرها سوف أعطيه (مائة ريال) هل سيقوم أحد؟! لا. بل الكل سيزحف ويقرب من أجل أن يصل إلى الصف الأول ليستلم (المائة) ولن يقوم أحد، حتى ولو كان عنده عمل فإنه يقول: أقضيه فيما بعد، والذي ولده بجانبه يريد أن يقوم فإنه يجلسه، وإذا قال له: أريد أن أقوم، فإنه يقول له: لا. اجلس إنها (مائة ريال). لكنك إذا أقبلت على الله وجلست في بيوت الله أتأتيك (مائة ريال)؟! لا. ما يأتيك شيء من هذا، بل تأتيك رحمة، ويأتيك غفران، وذكر عند الرحمن، هل هناك أعظم من أن يذكرك الله فيمن عنده؟! يقول عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم: (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده) هل يوجد أعظم من هذه الأربع في الدنيا؛ أن تغشاك الرحمة، وأن تنزل على قلبك السكينة، وأن يباهي بك الله عند الملائكة، وأن تحفك الملائكة؟! لا يوجد أعظم من هذا؛ لكن من الذي يشعر بهذا؟! الذي قلبه حي. أما المعرض فلا يحس، لماذا يعرض أصلاً؟! لأنه لا يهمه، (مَن جَهِل شيئاً عاداه) لا يعرف {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} [يونس:39] فلما كذبوا بهذا أعرضوا عنه، يقول الله: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} [القصص:55]. فهؤلاء إذا سمعوا الذكر أعرضوا عنه {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ} [المدثر:50] لا يريدونه؛ لأنهم يعيشون بعقلية الحمير، التي لا يهمها إلا الشهوات، فلو أتيت تذكِّر قطيعاً من الحمير وقمت تقرأ القرآن، ما رأيك؟! أيسمع الحمار أم يمشي؟! الحمار لا يعقل، ولا يدري مَن تُذَكِّر، وإذا رأى أنثى رفعَ مسامِعَه وجرى وراءها، وكذلك إذا رأى علفاً همه العَلَف والشهواتٌ؛ لكنه لا يستمع إلى الذكر، فما الفرق بين الحمار البشري المُعْرِض عن ذكر الله، وبين الحيوان الذي لا يسمع ذكر الله؟! لا شيء، بل ذاك أضل؛ لأنه يعرف ويُعْرِض، أما هذا فلا يعقل.

صور الإعراض عن ذكر الله

صور الإعراض عن ذكر الله أيها الإخوة: الإعراض عن ذكر الله له صور: إعراض مكاني: بحيث لا يجلس في مكان الذكر. إعراض قلبي: بحيث يكره الذكر، حتى ولو جلس فهو -أيضاً- كاره، كأنه في سجن، أو قفص، مثل الطير يريد أن يطير، يريد أن ينفك. إعراض عملي. إعراض دَعَوي. إعراض شعوري. كل هذه تسمى إعراضاً عن الله، وعن ذكر الله، وعن دين الله وفي الحديث المتفق عليه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً مع أصحابه، إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله وذهب واحد فوقفا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأما أحدهما فرأى فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهباً، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم عن النفر الثلاثة؟ أما أحدهم فأوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه) وهذه هي النتيجة الحتمية؛ أن تعرض عن الله، وماذا تريد إذا أعرضت عن الله؟! أيتوجه الله إليك؟! لا. يقول الله: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5] يقول: {انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [التوبة:127] لكن أقْبِلْ على الله؛ فإن الله عز وجل يُقْبِل عليك يقول تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا} [محمد:17] ماذا يصير لهم؟! {زَادَهُمْ هُدىً} [محمد:17] جاء في الحديث القدسي: (يا عبادي! كلكم ضالٌ إلا من هديته، فاستهدوني أهدكم) (ومَن تقرب إلى الله شبراً تقرب الله إليه ذراعاً، ومن تقرب إلى الله ذراعاً تقرب الله إليه باعاً، ومن أتى إلى الله مشياً أتى الله إليه هرولة، وكان الله إليه بكل خير أسرع). إذاً: حتى تكون أهلاً لمحبة الله، ولرحمة الله، ولتوفيقه، أَقْبِل على الله، أما أن تعرض وتدبر وتستهتر ولا يهمك أمر الله هذه ليست عقليات أهل الإيمان، إنها عقليات البهائم، وبالتالي تكون مصيبة من أعرض عن دين الله عز وجل صعبة جداً، وهذا المثال ضربه الله عز وجل للذين يعرضون عن ذكر الله، يقول الله عز وجل وهو يوصي النبي صلى الله عليه وسلم في ألا يطيع هؤلاء، هذه النوعية منكوسة الفطر، عندها خلل في التصورات، يقول عز وجل: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28] من أغْفَلَ اللهُ قلبَه عن ذكره، وترك الدين، وأعرض عنه فاحذر منه؛ لأن أمرَهُ فُرُطٌ، أمرُهُ ليس ملموماً ولا مجموعاً، بل انفرطت عليه جميع أموره فغفل عن الله وعن دين الله عز وجل. هذا هو المثال الأول الذي ضربه الله عز وجل للمعرضين عن دين الله عز وجل، وفي هذا تنبيه لكل عاقل ألا يعرض مهما كان الأمر، هذا خير ساقه الله لك، بل أقبل وابحث عن الذكر.

أهمية الذكر وعاقبة المعرضين عنه

أهمية الذكر وعاقبة المعرضين عنه إن ذكر الله حياة للقلوب يقول الله: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] وهذا الدين كله ذكر، والرسول صلى الله عليه وسلم كانت وظيفته الأولى التذكير، يقول الله: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية:21] والمؤمن ينتفع بالذكرى، يقول الله: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55] لا تنفع الناس أجمعين، وإنما تنفع طائفة من الناس هم أهل الإيمان-جعلنا الله وإياكم منهم- وجميع الشعائر والعبادات التي شرعها الله هي من أجل ذكره، فإنك تصلي لتذكر الله، يقول الله: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:14] تصلي لذكر الله، الحج لذكر الله، الصيام لذكر الله، وجميع الشعائر من أجل ذكر الله. بل شرع الله عز وجل في يوم الجمعة وهو يوم الذكر، ويوم عيد المسلم، ويوم العبادة، ويوم التفرغ من كل الأعمال من أجل الذكر والشكر، شرع الله لنا في هذا اليوم أن نقرأ سُوَراً معينة نص فيها على الذكر، فكان صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجر يوم الجمعة بسورة السجدة والإنسان؛ لأن في سورة السجدة قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ} [السجدة:22]. وفي سورة الإنسان قول الله عز وجل: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ} [الإنسان:29] إن هذا الدين ذكرى {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} [الإنسان:29]. وشرع للخطيب يوم الجمعة أن يقرأ سورة (ق) في الخطبة، تقول أم عطية في الحديث الصحيح: (ما حفظت سورة ق إلا من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يقرأ بها في الخطبة) وهذه سنة تكاد تكون ميتة، ولا أحد يأتي بها من الخطباء إلا القليل، كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة ق فقط، يقسمها في الخطبتين وينزل، وكفى بها واعظة، لأنها اشتملت على كل أمر العقائد، الخَلْق، والبَدْء، والمعاد، والحشر، والحساب، وعذاب النار، ونعيم الجنة، ولأن فيها قول الله عز وجل: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق:45]. وشرع الله للناس -أيضاً- أن يقرءوا سورة الكهف -والحديث بِمجموع طرقه ورواياته يصل إلى درجة المقبول، فيُعْمَل به عند أهل العلم- وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة، أضاء الله له ما بين الجمعتين) لماذا؟ لأن فيها قول الله عز وجل: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً} [الكهف:57]. وشرع للإمام في صلاة الجمعة أن يقرأ بسورة الأعلى والغاشية. أما سورة الغاشية؛ فلأن فيها قول الله عز وجل: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} [الغاشية:21]. وأما سورة الأعلى؛ فلأن فيها قول الله عز وجل: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} [الأعلى:9 - 10]. أيها الإخوة: الذكرى والعمل بهذا الدين وتذكر أمر الله، وتذكر شريعة الله، وعذاب الله ونعيمه، وعظمته، كل هذا مطلوب، ولا يأتي إلا حينما تسمع من العلماء، وتجلس في مجالسهم، وتقرأ كتب العلم، وتشتري شريط أهل العلم، لماذا؟ حتى تتذكر؛ لكنك حينما تعرض عن الشريط فلا تسمعه، وتعرض عن إذاعة القرآن فلا تسمعها، وتعرض عن الكتاب الإسلامي فلا تقتنيه، وتعرض عن الصحيفة الإسلامية فلا تشتريها، وعن المجلة الإسلامية فلا تقرأها، وعن حلق العلم فلا تحضرها، وإذا أتى يوم الجمعة فإن أكثر المعرضين لا يشهدون خطبة الجمعة، ينام إلى أن يعرف أن الخطبة قد انتهت، فإذا علم أن الخطبة قد انتهت، قام وصلى ركعتين ومشى، فمِن أين تأتيه الذكرى؟! من أي مجال؟! وقد سد جميع الطرق النافذة إلى قلبه. إن الإسلام يجعل للمسلمين وجبة أسبوعية ممثلة بخطبة الجمعة، ويؤكد على ضرورة الإنصات والاستماع، حتى إنك إذا مسست الحصى والإمام يخطب فقد لغوت، ومَن لَغَا فلا جمعة له، لماذا هذا التأكيد؟ لكي تسمع، ولكي يبلغ الخطيب دين الله؛ لكنّ المصلين لا يأتون إلا بعد الخطبة أو عندما تنتهي، ومما يؤسف له أن في معظم المساجد يبدأ الخطيب والمسجد ليس فيه إلا صف أو صفان، ثم يأتون والإمام يخطب إلى أن يُنْهِي الخطبة والناس ما زالوا آتين! فهذا إعراض، وعدم رغبة، ووالعياذ بالله- وهذه صفة المنافقين الذين يقول الله فيهم: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} [النساء:142] ليست لله {يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142] والعياذ بالله!

مثل من يعلم ولا يعمل

مثل من يعلم ولا يعمل المثال الثاني: مثال لمن يسمع ولا يعرض، يسمع ما شاء الله، ويشتري الشريط، ويسمع الكلام- ولكنه لا يعمل؛ لأن ثمرة السماع هي العمل، نحن لا نريد من الناس أن يسمعوا لمجرد قضاء الأوقات ولمجرد المتعة والتعليقات، وفلان والله ما شاء الله خطيب، وفلان يقول كلاماً وكلاماً! لا. ليس هذا هو الغرض، وإنما الغرض الحقيقي من وراء الدعوة، ومن وراء الذكر، حلق العلم، ومن وراء كل هذا أن نحمل الأمة على العمل بالعلم، فإذا سمعت ولم تعمل فكأنك لم تعمل شيئاً، علم بلا عمل كشجر بلا ثمر، ما رأيك في شجرة في فناء منزلك من أشجار الزينة، ما شاء الله طيبة؛ لكنها ليست مثمرة، وأنت تموت جوعاً، ماذا تعمل بها؟ لا تنفعك بشيء، فهي شجرة خضراء؛ لكن ليس فيها ثمر. كذلك من الناس من عنده علم لكن ليس عنده ثمرة، وليس عنده عمل، ولهذا مصيبة الأمة اليوم -أيها الإخوة- ليست في عدم العلم، بل مصيبتها في عدم العمل، وإلا فإن العلم يقدَّم من أول مرحلة دراسية، من السنة الأولى والولد يُعَلَّم: مَن ربك؟! ما دينك؟! مَن نبيك؟! وفي السنة الثانية يُعَلَّم: الأصول الثلاثة، وفي السنة الثالثة يُعَلَّم: المسائل الأربع، وفي السنة الرابعة يُعَلَّم: التوحيد وأنواعه، وفي السنة الخامسة ما بعدها من المسائل، فلا ينجح إلى السنة السادسة إلا وهو -ما شاء الله- قد عرف دروس العقيدة كاملة، وأساسياتها، وعرف الفقه، وأساسياته، وعرف الحديث الأربعين حديثاً النووية وعرف التفسير في المتوسط وفي الثانوي؛ لكن أين العمل؟! لأنه أُخِذَ بنية غير نية العمل فلم يُعْمَل به، النية من العلم الشهادة، فإذا أُخِذَت الشهادة نُسِيَ العلم، يحفظ هذه النصوص الميتة في نظره، إلى أن تأتي ورقة الامتحان ويتقيأ بها على الورقة، واسأله عنها بعد أسبوع تجده لا يعرف كلمة، انتهى غرضه منها، فهو حفظها ووضعها في الورقة؛ لكي يأخذ ورقة زور، شهادة، اسمها شهادة زور، ما دام لا يَعْمَل بما فيها.

تشبيه الله لمن يعلم ولا يعمل بالحمار

تشبيه الله لمن يعلم ولا يعمل بالحمار إن الذي يعلم ولا يعمل ضرب الله له مثلاً من أسوأ الأمثلة، مثل الذي قبله، قال الله عز وجل -والحكاية عن اليهود؛ ولكنها تعم كل من سار على شاكلتهم-: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ} [الجمعة:5] الذي عنده علم ولا يعمل به مثله في كتاب الله كمثل حمار حَمَّلْتَه أسفار العلم، حَمَّلْتَه فتح الباري، وصحيح البخاري، وتفسير ابن كثير، وتنتقل من مكان إلى مكان، وتعال عنده واسأله: ماذا قال البخاري يا حمار! ماذا يقول لك؟! يقول: هات عَلَفاً -بلسان حاله- يقول: عندك علف ائت به، فلا يهمه إلا العلف، فلا يعرف ما الذي فوق ظهره. فهذا الذي عنده علم لكنه لم يعمل به، ما الفرق بينه وبين هذا الحمار؟! لا شيء، ولذا فإن هذا مثل واضح {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الجمعة:5] وهذا التذييل في الآية مناسب لمعناها، فإن هذا الظالم لنفسه الذي حمل العلم ولم يعمل به جعل بهذا الظلم عَقَبَة وسداً بينه وبين الهداية، فلا يهديه الله، كيف يهديه الله وقد أصبح العلم عنده؟! كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمولُ العلم معه؛ لكنه ليس مستعداً أن يعمل به، إذاً كيف يهديه الله؟! ما دام أنه هو نفسه رافض أن يهتدي، وهذه مصيبة المصائب.

جزاء من طلب العلم لغير الله

جزاء من طلب العلم لغير الله أيها الإخوة: إن على طالب العلم أن يأخذ العلم بنية العمل، وبنية القربى إلى الله، والنجاة من عذاب الله، وبنية أن يعبد الله بهذا العلم، وإلا فإن (مَن طلب العلم ليماري به السفهاء، أو ليجاري به العلماء، أو ليبتغي به عرضاً من الدنيا، لم يرح رائحة الجنة) -نعوذ بالله أن نكون من هؤلاء- ليماري به السفهاء، ليجاري به العلماء، ليبتغي به عرضاً من الدنيا، يريد وظيفة فقط، لم يرح رائحة الجنة، أي: يلقى هذه؛ لكن ليس له هناك شيء؛ لأنه لم يعمل من أجل الجنة، ولم يطلب العلم من أجل الجنة، بل طلب العلم من أجل أن يأخذ شهادة فأخذ الشهادة وانتهى الأمر؛ لكنه لو طلب العلم من أجل الله، ومن أجل أن يعرف طريق الله، ولكي يعبد الله على بصيرة وعلى نور، فقرأ كتاب الله، وقرأ سنة رسول الله، ولم يُباهِ، ولم يُجارِ، ولم يُمارِ، ولم يستعلِ، ولم يتكبر، وإنما تواضع، وهذا شأن علماء السلف رحمهم الله، كانوا قمماً في العلم، ومع هذا فهم متواضعون إلى أبعد درجات التواضع، وبعض الناس تجده صفراً في العلم؛ ولكنه مغرور، يظن أنه على شيء، وهو ليس على شيء، وإن علم فإنما يعلم نصوصاً فقط، وهذه النصوص ليست هي العلم، العلم هو العمل، والخشية، والخوف، العلم الرغبة فيما عند الله، أما أن تكون عالماً ولا تخاف الله، عالماً وتجترئ على حدود الله، عالماً وتضيع أوامر الله؟! فلا. جاءني أحد الإخوة يوماً من الأيام وأنا في أبها، وكان مؤذناً في أحد المساجد، وهو رجلٌ أُمِّيٌّ لا يقرأ ولا يكتب؛ لكنه يخاف الله، عنده في قلبه خوف من الله، جاءني وهو يشتعل غضباً، قال: يا شيخ! كيف هذا الكلام؟! قلت: نعم. ماذا هناك؟! قال: أنا مؤذن المسجد الفلاني، وحول المسجد عمارة فيها أربع شقق، يسكنها أربعة (دكاترة) يقول: منذ أن سكنوا إلى الآن لم يدخلوا المسجد، يقول: وكنتُ أتصور عندما أسمع مَن يقول: يا (دكتور)! كنتُ أحسب أنهم (دكاترة) في (المستشفى)، فقلت: هذا ليس غريباً؛ لكني الآن علمتُ أنهم (دكاترة) في كلية الشريعة، يقول: من حين سكنوا إلى نصف السنة ما دخلوا المسجد، أحدهم يدرس تفسيراً، والثاني يدرس الفقه المقارن، والثالث يدرس الأصول، والرابع يدرس اللغة العربية، (دكاترة) يدرسون القضاة ويخرِّجون القضاة؛ لكنهم لا يصلون في المسجد، إذاًَ: فما قيمة العلم عند هؤلاء؟! {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5] هذا المثل لا يحتاج توضيحاً. العلم: العمل، والعلم: الخشية، يقول الشاعر: إذا لم تستفد بالعلم هدياً فليتك ثم ليتك ما علمتا العلم يرفعك إلى الله، ويقربك إلى طاعة الله؛ لكنك إذا كنت تتعلم وتزداد ضلالاً وبُعداً عن الله، فإن هذا مصيبة، والعياذ بالله! فهذا المثال الثاني للذين يتعلمون ولا يعملون، وهذا المثال سيئ، كمثل الحمار، والحمار -والعياذ بالله- من الحيوانات التي تضرب بها الأمثال في البلادة والجهل، وأيضاً- فيه خصلة ذميمة وهي نكارة الصوت، يقول الله عز وجل: {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:19] وفعلاً أي صوت من البهائم تسمعه لا تشمئز منه؛ لكن دع حماراً ينهق بجانبك، يكاد يفجر أذنك، ثم إنه صوت قبيح وخبيث، فكذلك من يحمل العلم ولا يعمل به مثل الحمار، وإذا تكلم فمثل نهيق الحمار، يضرب به المثل في كراهية الصوت، والعياذ بالله! وأيضاً يضرب به المثل في الجهل، إذا رأوا جاهلاً قالوا: أجهل من حمار أهله. ويقال في المثل العربي: (أخزى الله الحمار، مالاً لا يُزَكَّى ولا يُذَكَّى) الذي عنده حمار، لا هو يُذَكَّى إذا مات، ولا عليه زكاة، فلا مصلحة منه لا في حياته ولا في موته، ويقولون: أخزى الله الحمار مالاً لا يُزَكَّى -تُدْفَع عليه زكاة- ولا يُذَكَّى -فيؤكل- وإنما ليس منه مصلحة، لكنه يزكى في حالة واحدة وهي: إذا كان عرضاً من عروض التجارة، إذا كان هناك شخص يتاجر في الحمير فإن عليه إخراج زكاتها؛ لأن عروض التجارة كلها تشملها الزكاة، لكن لو لم يكن لديه تجارة وإنما يهوى جمع الحمير، وعنده (مائة) حمار فليس فيها زكاة، فيقولون: (أخزى الله الحمار مالاً لا يُزَكَّى ولا يُذَكَّى). وأيضاً يقال فيه: إنه من ضلاله عنده قياس؛ لكنه يستعمل القياس بطريق الجهل، ولذا إذا رفعت يدك لضربه يخفض برأسه، يحسب أن يدك سوطاً، يقيس كل شيء عنده بالسوط؛ لأنه يخاف من العصا، ويخاف من الضرب، فأي شيء ترفعه، فإنه يظن أنه سوط لضلاله وجهله. فما ضرب الله عز وجل بهذا المثل لمن لا يعمل إلا على سبيل التبكيت، وعلى سبيل التشنيع والتنفير، حتى لا يصير الإنسان مثل الحمار، حينما يكون له علم ولا يعمل به.

مثل من يعلم ويعمل لكنه لا يثبت

مثل من يعلم ويعمل لكنه لا يثبت المثال الثالث وهو يأتي ثمرة للثاني: مَن عَلِم وعَمِل؛ لكنه لا ثبَت:

تشبيه الله للذين لا يثبتون على الدين بالكلب

تشبيه الله للذين لا يثبتون على الدين بالكلب لقد تَعَلَّم العلم، ثم استجاب للعلم بالعمل وسار في العمل؛ لكنه سار في العمل فترة ثم انتكس، وترك دين الله، هذا ضرب الله له مثلاً من أبشع ومن أسوأ الأمثلة، وهو مثل الكلب -والعياذ بالله- الذي لا يثبت على الدين ولا يستمر عليه إلى أن يموت، هذا لا ينتفع منه؛ لأن العبرة دائماً بالخواتيم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل الله ويقول: (اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة). والعبرة دائماً في حياتك أنت بما تختم به حياتك، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام والحديث في السنن: (إذا أحب الله عبداً استعمله، قالوا: كيف يستعمله يا رسول الله؟! قال: يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه) يوفقك لعمل صالح تستمر عليه ثم تموت وأنت عليه، فلهذا يحبك الله؛ لكن توفق لعمل صالح ثم تتركه وتنتكس وتموت على غير العمل الصالح فلا عبرة بما عملت، فلو صليت العشاء أربع ركعات إلى ما قبل السلام بلحظة، ثم انتقض وضوؤك فالصلاة باطلة، رغم أنك صليت أربع ركعات سليمة وليس فيها شيء؛ لكنك ما أكملتها، ولو ما أكملت دقيقة واحدة، بطلت صلاتك. ولو صمت في رمضان من الفجر إلى قبل غروب الشمس بدقائق ثم أفطرت، فصيامك باطل، بالرغم من أنك صائم (اثنتي عشرة) ساعة؛ لكنك ما أكملت، وكذلك مَن عَبَدَ الله طوال حياته، ثم ترك في آخر لحظة من حياته خُتِمَ له بالنار، وهذا معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) وفي هذا الحديث حث للأمة على أن تتشبث وتتمسك بالعمل الصالح إلى أن تموت، لا تقل: لا والله سأعمل هذه ثم أتوب، فربما لن تتوب، ربما تموت عليها، وليس في هذا مفهوم للسذج والبسطاء الذين يقولون: ما دام أنها هكذا، أنا سوف أعمل بعمل أهل النار، وإذا لم يكن بيني وبين الجنة إلا ذراعاً عملت عمل أهل الجنة! يريد أن يضحك على الله، فلا يصلح هذا، ولا ينفع. أيها الإخوة: الذين ينتكسون ولا يثبتون على دين الله حتى الممات، هؤلاء ضرب الله لهم بمثال سيئ في كتابه الكريم، وهو قوله تبارك وتعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:175 - 176] هذه الآية وإن كانت نزلت في رجل من بني إسرائيل اسمه بلعام بن باعوراء، إلا أنه كما يقول المحققون من أهل العلم: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخبرنا ويقول: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ} [الأعراف:175] أخبر أمتك يا محمد! بنبأ ذلك الرجل الذي آتيناه آياتنا؛ آتيناه العلم، وآتيناه الآيات والدلالات الواضحات على عظمة الله، فبدل أن يعمل بها ويستمر عليها انسلخ منها، والانسلاخ عن الشيء هو: تركه مع عدم الرغبة في العودة إليه، إنك إذا خلعت ثوبك تخلعه من أجل أن يُنَظَّف وتلبسه مرة أخرى، ولذا إذا خلعته ماذا تقول؟ تقول: أنا فَسَخْتُ ثوبي أو خَلَعْتُ ثوبي، ولا تقول: سَلَخْتُ ثوبي، لكن إذا سَلَخْتَ جلد الشاة ماذا تقول؟ تقول: خَلَعْتُ جلدها؟ أو فَسَخْتُ جلدها، أو سَلَخْتُ جلدها؟! سَلَخْتُ جلدها، لماذا؟ لأنه لن يعود جلدها عليها، هل حصل أن عاد جلد شاة عليها؟ أبداً مستحيل! وكذلك هذا الرجل لما انسلخ من الدين انسلخ بنية ألا يعود إليه، قال عز وجل: {فَانْسَلَخَ مِنْهَا} [الأعراف:175] فماذا حصل لما انسلخ؟ قال عز وجل: {فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ} [الأعراف:175] حين كان يعمل بآيات الله كان في حرز، ولم يكن للشيطان عليه سلطان، وما كان الشيطان يستطيع عليه؛ لأنه محفوظ بآيات الله، محفوظ بدين الله؛ لكن بمجرد أن تخلى عن حرزه، وترك حصنه، وانسلخ عن آيات ربه، تسلط عليه الشيطان، وهذا معنى قول الله عز وجل: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل:99 - 100]. فإذا أردت أن تبقى في حصن حصين، وفي منعة من الشيطان الرجيم فاعمل بطاعة الله، إذ لا سلطان للشيطان على من أطاع الله، يقول الله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر:42] فسلطان الشيطان على من اتبعه؛ لكن من يتبع الله ويعبد الله لا سلطان للشيطان عليه، ولهذا حينما لعنه الله وطرده وقال له: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ * قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ * قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف:12 - 18] أنت والذي وراءك في جهنم: {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [الأعراف:19] إلى آخر الآية. إذاً: متى يتبع الشيطانُ الإنسانَ؟! إذا تخلى عن طاعة الرحمن، أما إذا كان الإنسان ملازماً لطاعة الله فإنه في حصن وحماية ووقاية من الشيطان، وهذا معنى قول الله عز وجل في هذه الآية: {فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ} [الأعراف:175] فإذا أتبعه الشيطانُ ماذا يكون نتيجته؟! {فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الأعراف:175]. الذي يتبعه الشيطانُ هل يمكن أن يدله الشيطان على طريق الهداية؟! أم أنه يدله على طريق الغواية؟! يدله على طريق الغواية بدون شك، وما دام الشيطان معه فإنه يزيِّن له الباطل، ويزيِّن له الشر، ويكرِّه إليه الطاعات، ويكرِّه إليه العمل الصالح، ويزيِّن له كل شر، ويكرِّه إليه كل خير؛ لأنه غاوٍ {فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الأعراف:175]. ثم يقول عز وجل: {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا} [الأعراف:176] لو شاء الله تبارك وتعالى لَقَصَره وجعله مسلوب الإرادة، وصار آلياًَ؛ لكن الله أكرمه وأعطاه هذه القدرة على أن يسير في طريق الخير، فأخلد إلى الأرض {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ} [الأعراف:176] إلى شهواتها، ومُتَعِها، ولذائذها {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} [الأعراف:176] ولم يتبع أمر مولاه، واتباع الهوى من أعظم ما يصدُّ عن دين الله: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} [الجاثية:23]. قال عز وجل: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:176] ما هو اللهث؟ اللهث هو: إخراج اللسان من الفم عند العطش، وفي حالة التعب، فالكلب يخرج لسانه، إن حملت عليه بالضرب يخرج لسانه، وإن تركته ورحمته يخرج لسانه {ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:176].

تشبيه المنتكس بالكلب في كثرة مساوئه

تشبيه المنتكس بالكلب في كثرة مساوئه أيها الإخوة: الكلب ضُرِب به المثل في هذا لسوئه، فإن فيه من السوء ما لا يعلمه إلا الله، ضَرَب الله عز وجل لمن ينتكس ويترك الإسلام والدين ويرجع إلى طريق الغواية مثلاً بالكلب، وفي الكلب من السوء الشيء الكثير: أولاًَ: من سوء الكلب أنه إذا سمَّنته وأطعمته أكلك، وإذا أجعته وضربته تبعك:- ولهذا قالت العرب: (سَمِّن كلبك يأكلك، وأجع كلبك يتبعك) إذا أجعته وأهنته بقي في خدمتك، وإذا سمنته وأكرمته رجع ليأكلك، وهذا سيئ، والعياذ بالله! ثانياً: يُضْرَب به المثل في اللؤم والطمع: تقول العرب: (ألْأَم من كلب على جيفة) لو أن هناك جيفة جمل وجاء كلب لوحده، تراه يأكل وينبح، يخاف ألا يأتيه كلب ثانٍ، والجيفة تكفيه وتكفي (مائة) كلب معه؛ لكنه لئيم، لا يريد أن يأكل إلا هو. ولذا فالذي يترك الدين لئيم، فيه من لؤم وحقارة ودناءة الكلب ما فيه؛ لأن الله هو الذي ضرب المثال له: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ} [الأعراف:176] حينما ينسلخ الإنسان من الدين، ويترك هذه الكرامة وهذه العزة وهذا السؤدد والمجد لأهل الإيمان والعمل الصالح، فإنه يعيش درجةً أسوأ ما يمكن وهي درجة الكلاب والعياذ بالله! ثالثاً: الكلب مِن سوئه: أنه يكره المطر: لا يحب المطر، والسبب كما قال العلماء: لأن الكلب إذا غرق أنتن ريحُه، فإذا ابتل ظهره وصار الماء عليه ظهرت له رائحة كريهة، ولذا أكره شيء عنده إذا رأى المطر، وإذا رأى السحاب بعيداً قام لينبح، ولهذا يقولون: (لا يضر السحاب نبح الكلاب) السحابة في السماء وهو ينبح في الأرض؛ لأنه يريدها ألا تمطر، لا يريد السحابة أن تمطر فينبحها! بعقليته الضالة، وهو من حين أن يرى السحابة فإنه لا يريد المطر حتى لا ينتن ريحه، ولهذا يقول الشاعر وهو يصف امرأته -لأن المرأة من خصائصها، ومن أبرز صفات المرأة الناجحة ذات التبعُّل الحسن مع زوجها، أنها تكون ذات رائحة طيبة، ولذا حُرِّم على المرأة المسلمة إذا خرجت أن تتطيب حتى لا تفتن الناس بريحها؛ لكنها إذا دخلت بيتها يُشْرَع في حقها أن تكون كالزهرة عبقة الرائحة، حتى إذا مر من عندها زوجها يجد لها ريحاً؛ لكن هذا الشاعر كأن زوجته ما كانت تريده، وما كانت تتطيب، فشم رائحتها وإذا بريحها ليس جيداً- فيقول فيها: ريحُ الكرائم معروفٌ له أرَجٌ وريحُها ريحُ كلبٍ ناله مطرُ يقول: ريحها مثل الكلب الذي جاء عليه مطر، فطلعت رائحته من جلده -والعياذ بالله- فما أسوأ من الكلب ريحاً إذا ابتل ونزل المطر، رغم أن المطر رحمة، المطر كل الأرض تفرح به، الأرض تستقبله، والنبات ينبت، والزهور تتفتح، والخيرات تكون موجودة، والحيوانات والبهائم ترعى، أما الكلب فلا، الكلب لا يرعى، من حين أن يرى السحابة في السماء يقوم لينبح، ينبحها حتى لا تُنْزِل مطراً على الناس. فهذا من سوئه، ولذا ضرب الله به مثلاً بأنه يكره الرحمة المهداة، يكره الدين الذي جاء به سيد المرسلين، فهو رحمة وغيث، كما أن المطر غيث الأرض، كذلك الدين غيث القلوب، وهذا الكلب لا يريده ويعرض عنه، وينسلخ منه، فمثله مثل الكلب. رابعاً: الكلب معروف بالخسة والخيانة:- لو جاء لص يريد أن يسرق بيتاً وفيه كلب، فلو أعطى الكلبَ قطعة لحم فإنه لن ينبح، يقعد ليأكلها؛ لأن ذاك يعطيه؛ فإذا أعطاه اللص لحمة أحسن فإنه يسكت عنه. ثم إن في الكلب خصلة ذميمة وهي: أنه يسهر في الليل وينام في النهار: لا ينام في الليل، طوال الليل ينبح، فإذا جاء وقت صلاة الفجر نام إلى العصر. ويوجد في بعض الناس الآن شبهٌ من هذا الشيء، تجده طوال الليل وهو (يفحِّط) في الشوارع، ويسهر على الأرصفة، ويتابع الأفلام، ويشاهد المباريات، وإذا قيل له: نم، قال: والله ما جاءني النوم. فإذا أتى وقت صلاة العبادة صلاة الطاعة صلاة الفجر آخر الليل، حين نزول الرب تبارك وتعالى، حين نزول الرحمات نام عن صلاة الفجر، وعن صلاة الظهر والعصر، واستيقظ قرب الغروب، وقام وأخذ سيارته وذهب مثل كلب البدو، لا ينام في الليل وينام في النهار، هذا -والعياذ بالله- من عكس الفِطَر، فقد جعل الله الليل سكناً، وجعل النهار معاشاً، فتسكن في الليل، وتنتشر في الأرض في النهار؛ لكنك إذا قلبتَ المسألة، وصرت تسكن في النهار وتنتشر في الليل، فمن الذي ينتشر في الليل؟! يقول العلماء: لا ينتشر في الليل إلا الهوام والسباع الضارة؛ الحيات، والعقارب، والثعابين، والأسود، والنمور، متى تخرج؟ تخرج في الليل، وتكمن في النهار؛ لأنها إذا خرجت في النهار تعرضت للقتل؛ لأنها مؤذية، فتخرج في الليل. وكذلك هذا الرجل الذي لا يقوم بطاعة الله عز وجل يكمن في النهار، ولا يخرج إلا في الليل، لماذا؟ لأنه حيوان ضار، يذهب فيتعرض لمحارم الناس، ويعتدي على أموال الناس، ويعمل أشياءً تضرهم، ولا يجد مجالاً لأن يعمل هذا الشر في النهار، فيخرج فيه في الليل، ويتشبه بالبهائم والسباع والحيوانات والحشرات الزاحفة، التي تضر الناس ولا تنفعهم.

الأصناف الثلاثة الذين شبههم الله بالحيوانات

الأصناف الثلاثة الذين شبههم الله بالحيوانات أيها الإخوة: هذه هي الأمثلة الثلاثة التي ضربها الله تبارك وتعالى لهذه الأصناف الثلاثة: الصنف الأول: مَن يُعرض عن دين الله: {كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ} [المدثر:50]. الصنف الثاني: مَن لا يعرض؛ يسمع ولكنه لا يعمل: {كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5]. الصنف الثالث: مَن لا يعرض ويعمل؛ لكنه لا يستمر، ولا يثبت، وإنما ينتكس، كما قال الله: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ} [الأعراف:176]. أعوذ بالله وإياكم أن نكون مثل هذه الأشياء! ونسأل الله الذي لا إله إلا هو أن ينير بصائرنا، وأن يرزقنا العلم والعمل والثبات عليه حتى نلقاه، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

حكم شرب الدخان

حكم شرب الدخان Q إني أحبك في الله، هل لك نصيحة فيمن يشرب الدخان؟ وهل الشيشة حكمها حكم الدخان؟ A أولاً: أحبك الله كما أحببتني فيه، وأسأل الله عز وجل أن يجمعنا جميعاً تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، ببركة الحب فيه؛ لأن الحب في الله عز وجل من أوثق عرى الإيمان، ومن ضمن السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله: (ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وافترقا عليه). أما الدخان فهو من المصائب التي عمت به البلوى، وهو -أيضاً- من الشرور والمصائب -والعياذ بالله- ولا ينبغي لمسلم يخاف الله عز وجل أن يلوث نفسه، أو أن يؤذي ملائكة الله، أو أن يؤذي عباد الله، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، وتأذية بني آدم -أيضاً- معصية لله عز وجل، والناس لا يريدون رائحة هذا الدخان، يقول الشيخ حافظ الحكمي: آذيتموا ساكنين الأرض فاحتملوا فما أذاكم لأملاكِ السماواتِ؟! هذا الدخان محرم، وقد نصت الفتاوى العلمية الصادرة من كبار العلماء في هذا البلد، وفي كل بلاد المسلمين على تحريمه من طرق شرعية كثيرة، ودليل واحدٌ يكفي منها؛ لكنها اجتمعت فيه: الدليل الأول على التحريم: أنه خبيث: وما دام خبيثاً، فإنه محرم بنص الكتاب، يقول الله عز وجل: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] وما أظن على وجه الأرض من يزعم أن الدخان من الطيبات أبداً، بل شركته الصانعة، وكل شركة في الدنيا عندما تصنع شيئاً تكتب دعاية له، إلا شركة الدخان، تصنعه وتكتب عليه دعاية ضده، تحذير رسمي: الدخان يضر صحتك، فننصحك بالامتناع عنه، فأعرف الناس بالصنعة صانعها، أهل الدخان الذين صنعوه يقولون: يضرك، فهل هو طيب أم خبيث؟! إن الذي يضر خبيث. وكل طعام وشراب في الدنيا له مدة صلاحية، بداية ونهاية، إلا الدخان ما له بداية ولا نهاية، فهو فاسد ومن يوم أن صنعوه قالوا: هذا مضر، فكيف تنتظر أنت فيه فائدة وتستعمله؟! ثم إن خبثه يأتي مِن طعمه، ومِن ريحه، ومِن أثره على كل شيء، ليس فيه طريق واحد بالطِّيْب، وإذا مُنِع شربُ الدخان في إدارة رسمية، أو في مكان ما، ولم يجد الإنسان فرصة لشرب الدخان، فأين يشربه؟! في الحمام، أليس كذلك؟! لماذا؟! لأنه خبيث. لكنه لو لم يجد فرصة للأكل، وعنده (ساندويتش) هل يقدر أن يأكل (الساندويتش) في الحمام؟! لا يستطيع أبداً أن يأكله في الحمام. لكن لماذا يستطيع أن يدخن في الحمام؟! لأن الخبيث يناسب المكان الخبيث! هل يستطيع المدخن أن يدخن في المسجد؟! لا. لماذا؟ لأن المسجد طيب، ولا يؤكل فيه إلا الطيب، ولا يقال فيه إلا الطيب، فلا يليق بك أن تأتي بالدخان الخبيث إلى المكان الطيب. إذاً: ما دام أنك باعترافك أنت -أيها الإنسان- أنه خبيث فهو حرام؛ لأن الله يقول: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور:26] فكيف تكون طيباً وأنت تحب الخبيث؟! لا يحب الخبيث إلا الخبيث، ولا يحب الطيب إلا الطيب، والله قد حرم علينا الخبائث بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:172]. ويقول: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة:5] بمعنى: حرمت عليكم الخبائث. فهذا خبيث. هل هناك شخص في الدنيا يقول: الدخان طيب؟! لا أظن، ولكني ابتُليتُ بمثله، وكنتُ مرة في منطقة جيزان، في مدرسة ثانوية، وبعد أن بينت حكم الدخان قام أحد المدرسين وقال لي: يا أستاذ، قلتُ: نعم. قال: الدخان ليس حراماً. قلت: لماذا؟! قال: هات آية في القرآن يقول الله فيها: حُرِّم عليكم الدخان. قلت له: أنت تأكل الموز والبرتقال والتفاح؟! قال: نعم. قلت: هات آية في القرآن تقول: أحل لكم البرتقال والتفاح والموز. قال: لا يوجد. قلت: وأنا لا يوجد، القرآن ليس كتابُ مطعمٍ، يعطيك الأطعمة كلها، القرآن منهج حياة، قال لك: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157]. فالطيبات: الشحم، واللحم، والأرز، والتفاح، والبرتقال، والعسل، والسمن، كُلْ منها. والخبائث حرام. فقال لي -والعياذ بالله وكان رجلاً منكوساً-: الدخان من الطيبات، وما دام أنه من الطيبات فقد قال الله: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة:4] أنتم عندكم أيها المتدينون! أن الدخان من الخبائث، أما نحن المدخنون فالدخان عندنا من الطيبات، وما دام أنه من الطيبات فهو حلال. قلت له: أنت متزوج؟ قال: نعم. قلت: عندك أولاد؟ قال: نعم. قلت: إذا رأيت في يد ولدك حلوى أو تمراً أو (بسكويتاً) هل تغضب أم ترضى؟ قال: لا. بل أرضى. قلت: وإذا رأيت في يد ولدك (سيجارة) ترضى؟ قال: لا. قلت: لماذا؟ قال: لأنه بطَّال. قلت: والبطال ما هو؟ قال: خبيث. قلت: والخبيث حرام! قال: حرام! وأدخل يده في جيبه، ومباشرة كَسَّر (الباكت) وداس عليه بقدمه وقال: ذهبت من رأسي، انتهت. ولقيني بعد سنتين في أبها يقبل رأسي، ويقول: والله منذ ذلك التاريخ ما عرفتُه، وتبتُ إلى الله عز وجل منه. فهي قضية مغالطة فقط، وإلاَّ فكل شخص يعرف أنه خبيث، من أين يأتيه الطِّيْب؟! حتى رائحته؛ أنت الآن إذا سلم عليك شخص وهو مدخن كيف تعمل؟! تقرب منه وتعانقه؟! رائحة ثوبه ورائحة (غترته) ورائحته منتنة، حتى المتزوج الذي يدخن فإن زوجته معه في عذاب، حتى إنه عندما يريد أن يقبِّلها فتهرب منه، لا تريد الاقتراب منه، لماذا؟ لأن رائحة فمه منتنة، والعياذ بالله! هذا الدليل الأول. الدليل الثاني: أنه حرام لأنه مفتِّر ومسكِّر: فيه كمية من المادة المخدرة، وهذه الكمية قليلة بحيث لا تطغى على العقل؛ لكن: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) لو أتيت بكأس خمر، وأخذت منه (ملعقة) وصببته على كأس ماء وشربها شخص فإنه لا يسكر؛ لأن الكمية قليلة؛ لكن ما حكم الماء المخلوط بالخمر؟ حرام. فهذا حرام، ويُعْرف تفتيره عند الصائمين، إذا امتنع الصائم طوال اليوم ثم أفطر وشرب واحدة فإنه مباشرة يتخدر، إن أراد أن يقوم ليصلي فإنه يجلس فيقول: لا نصلي هنا. ماذا بك؟ قال: يا شيخ! دعنا نستريح قليلاً. تخدر. إذاًَ: ما دام أنه يخدر ويفتر فهو محرم. الدليل الثالث: قال العلماء: إنه ضرر على الجسد: فإن منظمة الصحة العالمية بإجماع أطبائها -وليس فيهم واحد مسلم- يقررون أن السرطان الرئوي سببه الدخان، بالإضافة إلى القرحة المعدية، وبالإضافة إلى يُبْس الشفتين، وازرقاق العينين، وفقدان الشهية للطعام، وفقدان الحركة لماذا؟ لأنه نار تشب في نحره، الإنسان يستعيذ بالله من النار في كل حين، وشارب الدخان النار بين عينيه في كل حين، يشرب النار، وينفخ النار، ويبلع النار، ويتدرب على النار، لا يريد أن يصل إلى النار تلك، إلا وقد تدرب عليها والعياذ بالله. الدليل الرابع: أنه إسراف وتبذير: والله قد بين لنا أنَّ {الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء:27] فلو أن إنساناً أخرج ورقة (عشرة ريالات) ولفها كما تلف (السيجارة) ثم أشعل النار فيها، فبِمَ يصفه الناس؟! بالجنون، لا يوجد أحدٌ يحرق المال وهو عاقل أبداً. حسناً والذي يحرق المال ويحرق صدره، كيف يصير؟! مجنوناً أم مجنونين؟! هذا هو شارب الدخان يحرق (ماله) ويحرق جوفه، والعياذ بالله! الدليل الخامس: قال العلماء: إنه لا يُذكر اسم الله عليه: لا يوجد أحد يشعل (السيجارة) ويقول: بسم الله الرحمن الرحيم، ولا يحمد الله عند خاتمتها، لا يوجد أحد يكمل (السيجارة) ويقول: الحمد لله الذي أطعمني هذا وسقانيه من غير حول مني ولا قوة، وما دام أنه لا يُسمي عليه في أوله، ولا يحمد الله عند خاتمته فليس فيه خير، فهو خبيث. الدليل السادس: قالوا: يعلم صاحبه خصلة من خصال الحيوان الذي لا تليق بالإنسان: وهي: أن الإنسان إذا أكل طعاماً، ثم بقي منه شيء رفعه، والحيوان إذا أكل طعاماً ثم بقي منه شيء رصَعَه، وهذا شارب الدخان إذا أكمل (السيجارة) وبقي فيها قليل أين يضعها؟! يرفعها أو يضعها في الأرض تحت رجله؟! هذه هي الخصلة، وكأنه دابة والعياذ بالله! إذاًَ: فحكمه التحريم، ولا يجوز لمسلم يخاف الله أن يستمر في تعاطيه، بل عليه أن يتوب إلى الله عز وجل، والقضية أسهل مما يتصور صاحب الدخان، وهي تحتاج إلى تصميم، وإلى إرادة، وإلى استعانة بالله، وإلى صبر، وإلى معاناة؛ خلال يوم ويومين ثلاثة أيام، ثم تنتهي، وتَسْلَم صحتُك، ويَسْلَم مالُك، وترضي ربك، ولا تؤذي عباد الله، ولا تؤذي ملائكة الله، وتكون من عباد الله الصالحين إن شاء الله.

الوسواس وعلاجه

الوسواس وعلاجه Q إني شاب أخاف الله تعالى؛ لكن فِيَّ وسواس عظيم، والله لو أذكره لانهدت الجبال من عظمة ذلك، أرجو من حضرتك -أيها الشيخ- أن ترشدني إلى حاجة تحرزني وتحفظني من هذا الوسواس؟! جزاك الله جنة عرضها السماوات والأرض، وجعل إجابتك على هذا السؤال في موازين حسناتك، والله أعلم. A أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قد شرع الله عز وجل في كتابه وأمر بالاستعاذة من الوسواس فقال عز وجل: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس:1 - 6] والوسواس داء ومرض يصيب بعض الناس، وسببه الشيطان حين يتملك الإنسان ويستولي عليه ويستحوذ عليه، فيصور له العبادات على أنها غير صحيحة، يتوضأ الإنسان فإذا توضأ أتاه الشيطان، وقال: أنت لم تغسل فمك، ولم تغسل يدك، ولم تمسح رأسك، فيبطل عليه وضوءه، فيقوم فيتوضأ، فإذا توضأ وأكمل جاء إليه مرة أخرى، حتى إن بعضهم ليتوضأ عشر مرات. وإذا جاء ليصلي وأراد أن يكبر قال هكذا: أأ أأ أأ أحتى تكتمل الركعة ولم يكبر بعد، ثم يقول: الله أكبر. وإذا كبر جاءه الشيطان وقال: أنت كبَّرت؟! أنت كذاب لم تكبر. ففسخ الصلاة وعاد: أأ أاللـ اللـ اللـ، فهذا مثل الكرة في يد الشيطان، يلعب عليه إبليس، يفسد عليه عبادته، وطهارته، وتوحيده، من أين جاء هذا التسلط -أيها الإخوان-؟ جاء من ضعف الإنسان. قال ابن القيم رحمه الله في كتابه إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان: كيف تتخلص من هذه الوساوس؟ أن تعامل الشيطان بنقيض قصده، فإذا جاءك الشيطان وأنت قد توضأت وقال لك: ما سميت الله. قل: لا. يا خبيث! سميتُ؛ لأنك هل تتصور أن الشيطان يفسد عليك عملاً فاسداً أم عملاً صالحاًَ؟! عملاً صالحاً، فهو يأتيك عندما يرى أن وضوءك سليم ليفسده عليك، فماذا تصنع؟! تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لا والله لا أتوضأ، إن وضوئي صحيح، والله لو أنه ليس صحيحاً ما جئتني يا شيطان! لكنك ما جئت وتريد أن تفسده عليَّ إلا لأنه صحيح، إذاً: لستُ معيداً للوضوء. وإذا جئتَ لتصلي وكبَّرتَ، وجاءك الشيطان وقال لك: أعد التكبير. قل: لا. كبَّرتُ؛ لأنك لو لَمْ تكبر لَمَا جاءك الشيطان أصلاًَ ليعلمك، والشيطان لا يعلمك إلا في الصحيح لكي يفسده عليك، أما إذا كان ليس صحيحاً في حياتك فلا يعلمك الشيطان. إذاً: اعمل بنقيض قصد الشيطان، كلما قال لك شيئاً فقل: لا. إذا قال: ما قرأتَ الفاتحة، فقل: لا. بل قرأت الفاتحة، وإذا قال: ما قلت في الركوع: سبحان ربي العظيم وبحمده، فقل: قلتُها رغماً عنك. وهكذا إلى أن يعرف الشيطان أنك تمردت عليه، فإذا عرف أنك لا تطيعه والله لا يأتي إليك، يبحث له عن شخص آخر؛ لكن مادام أنك لعبة في يديه فلن يتركك. قال لك: لم تتوضأ، قلت: نعم والله، لم أتوضأ، سأعود لأتوضأ. أو يقول: لم تكبر، قلت: نعم لم أكبر، إذاً أعود لأكبِّر. ثم يأتيك بالشك، ويقول لك: مَن خلق الله؟! وتقول: نعم من خلق الله؟! ما هذا؟! أعوذ بالله! يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يأتي الشيطان إلى أحدكم فيقول: مَن خلقك؟ فتقول: الله، فيقول الشيطان: مَن خلق الله؟ -ماذا تقول أنتَ؟! - فقل: آمنتُ بالله، لا إله إلا الله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) هذه (قنبلة) تنزل بها على الشيطان. لكن يأتيك الشيطان فتقول: والله عندي وسواس، ماذا تعني بالوسواس؟! ألِعْبَةٌ أنتَ؟! ألست رجلاً؟! هل الشيطان أقوى منك؟! يقول الله: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ} [النساء:76] ماذا؟! {كَانَ ضَعِيفاً} [النساء:76] لكنك أضعف من الضعيف، عندما يلعب عليك إبليس. فنقول -يا أخي الكريم-: هذا داخل ضمن دائرة اختصاصك، ولا تتصور أن شخصاً يأتي من الخلاء، ويدخل في قلبك، ويعطيك اليقين! اليقين عندك، هل أنت على شك من دين الله؟! هل أنت على شك من كلام الله، ومن كلام رسول الله؟! هل أنت على شك من يقينك؟! أأنت على شك من أنك عندما توضأت كنت لستَ عاقلاً؟! الآن إذا جئت لتأكل، وأكلت، وشبعت، وأكملت، وجاء الشيطان يوسوس لك ويقول لك: أنت لم تأكل، قم فكل! هل يأتيك ويقول لك هكذا؟! لا؛ لأنه عارفٌ أنك أكلت ولن تزيد. إذاً: لماذا يوسوس لك في العبادات، ولا يوسوس لك في العادات؟ إلا لإفساد عبادتك. فأولاً: أدعو الله الذي لا إله إلا هو أن يعيذني وإياك وجميع إخواننا من الشيطان الرجيم. ثانياً: جاهد نفسك، واستعذ بالله؛ لأن الله يقول: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف:200] ما هو النزغ؟ قال ابن القيم: إيعاد بالشر، أو تخذيل عن الخير، هذا هو نزغ الشيطان، يوعدك بشر، أو يخذلك عن طاعة وخير. إذاً ماذا تفعل؟! تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. إذا مشيتَ في الشارع ورأيتَ امرأة متبرجة فاتنة، والشيطان يقول: انظر إليها، ويلف برقبتك يريدك أن تنظر، فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم مباشرة، فلن تحس بعدها بشيء أبداً. أي شيء يعرضه عليك الشيطان عامله بنقيض قصده. إذا كنت في فراشك تريد أن تقوم لتصلي الفجر فإنه يأتي على غاربك، ويركب عليك، ويجعلك تنام؛ لكن قُلْ بعد أن تستوي جالساً: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ نسألك يا ألله أن تعيننا وقم؛ لكن بعضهم يستعيذ وهو نائم، فيقول إبليس: اسكت يا كذاب! أتستعيذ وأنت نائم؟! لا ينفع هذا.

تصحيح النية في طلب العلم

تصحيح النية في طلب العلم Q السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أشهد الله أني أحبك في الله. أنا طالب في كلية الشريعة، وإني في بداية الدراسة؛ ولكني أخاف أن أكون من طلاب الدنيا، وتراودني نفسي بأن أحول إلى قسم آخر، حتى لا أدخل في الحديث الذي ذكرتَه، أفيدوني جزاكم الله خيراً؟! A جزاك الله خيراً، وأحبك الله يا أخي! ونصيحتي إليك أن تبقى في مجالك الذي اخترتَه، وأن تصحح النية والقصد. وكونك تخشى فهذا من علامات تصحيح النية إن شاء الله؛ لأن الذي يخاف من الشيء يحذره ويتوقاه. أما ترك هذا المجال واختيار مجال آخر، فإن هذا ليس في مصلحتك؛ لأنه شيء من التذبذب، فما دام أن الله وفقك ودخلت في كلية الشريعة فنِعْمَ المجال خدمة شريعة الله، إنما صحح نيتك وقصدك، وقل: أريد من هذه الدراسة أن أخدم دين الله، وأن أكون داعية إلى الله، وأن أكون عاملاً بهذا الدين. وكونك تريد أن يكون لك هدف في أن تتزوج أو أن تتوظف، أو أي شيء، فهذا لا مانع منه، أي: الأغراض التي يقصدها الإنسان بعد طلب العلم لوجه الله عز وجل تأتي ثانوية؛ لكن القصد الأول والصحيح أن يكون لله عز وجل. فننصحك بالاستمرار، وتصحيح النية، وسؤال الله تبارك وتعالى أن يجعل نيتك خالصة، وأن يوفقك لصالح العمل، واستمر في الطاعة والعمل الصالح، وثق بأنك إن شاء الله على خير.

حكم استخدام التمائم والذهاب إلى الكهان

حكم استخدام التمائم والذهاب إلى الكهان Q هناك امرأة كثيرة الخوف، فكل شيء تخاف منه، ثم سَمِعَت عن امرأة في الأردن تعالج الناس، فأرسَلَتْ إليها تريد منها العلاج، فأرسَلَتْ تلك المرأة إليها حرزاً فيه بعض الآيات والأحاديث والأذان، ويوجد فيه حروف وكلمات لا تستطيع قراءتها، فهل يجوز أن تلبس هذا الحرز، أو تنام به، وتدخل به الحمام؟ أم ماذا تفعل؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً؟! A أولاً: لماذا كثرة الخوف؟! يجب أن يبقى الخوف خوفاً واحداً، وهو الخوف من عذاب الله؛ لأن من خاف الله أمَّنه الله من كل شيء، ومَن لم يخف الله خوَّفه الله من كل شيء. فنقول لهذه الأخت: مِمَّ تخافين؟! أتخافين من الموت؟! الموت بيد الله. أتخافين من المرض؟! المرض بيد الله. أتخافين من الفقر؟! الفقر بيد الله. من أي شيء تخافين؟! أتخافين من الطلاق إذا كنت متزوجة؟! فالطلاق أمر يجريه الله على هذا الإنسان على لسان هذا الزوج. أتخافين ألا تتزوجي؛ وأن يتقدم بك السن دون أن تتزوجي؟! فابحثي عن الزوج عن طريق التقوى قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 - 3]. مِمَّ الخوف؟! ولماذا تخافين؟! اجعلي الخوف خوفاًَ واحداً فقط: خافي مِن الله أن يراكِ حيث نهاكِ، أو أن يفقدكِ حيث أمركِ، أن يراكِ على معصية، أو أن يفقدكِ عند الطاعة، فإنك إذا خِفْتِي الله، وخِفْتِي عذابه، وخِفْتِي بطشه وشدته وجبروته، فاتقيتيه بوضع نفسكِ في طاعته والابتعاد عن معصيته، أمَّنَك الله في الدنيا والآخرة، فهذا الأول. الثاني: أما ما صنعتِ من الإرسال إلى تلك المرأة التي في الأردن فمن خلال ما ذكرتِ فإن هذه امرأة كاهنة وساحرة ومشعوذة، ولا يجوز الإتيان إليها، ومن أتى إليها فصدقها فقد كفر بما أنزل على محمد، ومن أتاها ولم يصدقها لم تُقْبَل له صلاة أربعين نهاراً، وهذا الحرز الذي أرسلته هو من التميمة المحرمة الشركية؛ لأن التمائم تنقسم إلى قسمين: قسم محرم وهو شرك، التوِّلة من الشرك، والتميمةُ من الشرك، (من تعلق تميمةً فلا أتم الله له) وهي: التي فيها مثلما ذكرتِ، فيها رموز، وأحرف مقطعة، هذه اسمها: كهانة؛ لأنها تستعين بالجن عن طريق هذه الرموز، ثم تخدع الناس وتضللهم، فتكتب آيات قرآنية، وأحاديث نبوية، وأدعية مأثورة، وتضع الأذان، ثم تحد عليه بدائرة، وتضع رموزاً عليها، فإذا قرأ الإنسانُ الساذجُ الجاهلُ القرآنَ قال: والله إنه من القرآن؛ ولكنه لم ينتبه إلى الذي بجانبه ما هو! فَلِمَ هذه النجمة السداسية؟! ولِمَ هذه الدوائر؟! ولِمَ هذه العلامات؟! كلها شعوذة، وبالتالي فهذه التميمة محرمة. التميمة الثانية: أن تكون من القرآن، وليس فيها أي حرف، إلا من كلام الله: هذه اختلف العلماء في حكمها: فمنعها قوم. وأباحها قوم. والذين أباحوها دليلهم مرجوح. والذين منعوها دليلهم راجح؛ لأنها: أولاً: لم تُؤْثَر، ولم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم. ثانياً: تعرِّض كلام الله للإهانة. ثالثاً: تحول عقيدة العبد. إذاً: لا تُعَلَّق، وإنما يُقرأ القرآن مباشرة على المريض، ولا تُعَلَّق تميمةٌ: (فإن مَن تعلق تميمة فلا أتم الله له).

الدعوة إلى الله مسئولية الجميع

الدعوة إلى الله مسئولية الجميع Q إنه بسببك -بعد الله- اهتدى مِن هذه المحاضرات التي تلقيها أناسٌ كثير، ووفقك الله لكل خير. والذي أرجوه منك: أن تنبه على الإخوة الدعاة أن يذهبوا إلى الشباب في أماكن اجتماعهم، في (الأحواش) والاستراحات، وإنقاذهم بعد الله من هذه الغفلة التي يعيشونها في السهر على (البلوت) والنظر إلى (الدشوش) فجزاكم الله خيراً؟ A جزى الله الأخ الكريم خيراً، فإنه بهذا الانتباه واللفت الجيد يضعنا أمام مسئوليتنا أمام الله عز وجل، فإن هذا الدين -أيها الإخوة- هو مسئولية كل مسلم، وبموت النبي صلى الله عليه وسلم وباعتباره آخر الأنبياء وخاتم النبيين حيث لا نبي بعده، نقول: إذاًَ مَن يدعو إلى هذا الدين؟! تدعو إليه أمته، يقول الله عز وجل: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108] فأتباع الرسول صلى الله عليه وسلم كلهم دعاة، وهؤلاء الذين يعيشون على الأرصفة، وفي (الأحواش) والبراري والقفار، ويسهرون على اللعب، والأغاني، والأفلام، هؤلاء إخوة لنا في الإسلام، أبناء الفطرة، والدين، ليسوا أصحاب عقائد ضالة، وليس عندهم خرافات، ولا بدع، ولا ضلالات، وإنما عندهم شهوات، وطبقة من الغفلة، والشهوة، ما إن تأتي أنتَ بـ (قال الله، وقال رسوله) إلا وتجد لها تلك الجدوى؛ لكن مَن يقوم بهذا الدور؟! أنت -يا أخي- وبالأسلوب الحسن، وبالعبارة اللطيفة، وبالجد، وبالوصول إلى القلب، لا بالانتهار، والتعالي، والاحتقار لهم، وإنما بالحب لهم، بالسلام عليهم، والابتسامة لهم، وبالعرض عليهم، إذا مررتَ على مجموعة وهم جالسون فقل: السلام عليكم -وهم من حين أن يروك ينفرون منك؛ لأن شكلك واضح أمامهم، وذلك مِن قصر ثوبك، ومِن لحيتك، وتدينك، وهم في فسق، والشيطان يغطي على قلوبهم، فإذا جئت ابتسم أولاً وقل: السلام عليكم، كيف الحال يا إخوان؟! إن شاء الله طيبون. بعض الناس يأتي ليدعو فيقول -غاضباً-: السلام عليكم، ماذا تفعلون؟! فيقولون: الله أكبر عليه! لا يأكلنا بعينيه! لا -يا أخي- أنت داعية! الداعية يدعو بهذا الأسلوب؟! أنت الآن إذا أرسلك أبوك تدعو شخصاً لغداء أو لعشاء، كيف تدعوه؟ تقول: الوالد يسلم عليك -وتبتسم- ويريدك أن تأتي لتتعشى عندنا إن شاء الله. لكنك لو جئت إلى عنده وتقول: الوالد أرسلني ويقول: تتعشى عندنا ولكنك قلت ذلك بأسلوب فيه غضب وحدة وقلة احترام. فسيرفض دعوتك ويقول: لا أريد عشاءك، ولا آتيك. وإذا كانت الدعوة إلى أرز ولحم تحتاج إلى أسلوب، فكيف تريد أن تدعو شخصاً إلى الله وإلى دينه، تدعوه إلى أن يترك شهواته، ويتمرد عليها، ويستجيب لأمر مولاه، ويخضع لشريعة الله، وأنت تنهره وتغلظ عليه؟! بل ابتسم له وقل: السلام عليكم، كيف حالكم -يا إخوان؟ - طيبون؟! كيف حالك -يا أخي؟ - أنت زميلي في الدراسة! والله إني أحبك من تلك الأيام -ولو أنك لست صادقاً، ولا تحبه؛ ولكنك تحب أن الله يهديه-. وبعد قليل: انظروا -يا إخواني- والله هذه الحياة فانية وسنموت. ومباشرة انزل بهم في القبور، نعم؛ لأن القبر لا أحد يستطيع أن يماري فيه، كيف حالنا في القبر -يا إخواني؟ - القبر يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عنه أنه: (روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار). اللهم إنَّا نسألك من فضلك يا رب. أيها الإخوان: لِمَن تكون الروضة مِن رياض الجنة؟! ستجدهم هم بأنفسهم يجيبونك ويقولون: للمؤمنين، وللمتدّينين. ولمن الحفرة مِن حفر النار -أيها الإخوان؟ - قالوا: نعوذ بالله! والله لا نريدها. حسناً ما تريدونها؟! قالوا: نعم. إذاً: لِمَ -يا إخواني- لا نطيع الله عز وجل؟! لِمَ لا نقرأ كتاب الله عز وجل؟! ما رأيكم؟! هل آتيكم كل ليلة وكل أسبوع وأنتم جالسون، أعلِّمكم آيةً أو حديثاً، وأمضي. ماذا يقولون؟! يقولون: جزاك الله خيراً، إذاً السلام عليكم. ولا تقعد، بعض الناس يقعد معهم إلى أن يغيِّر عليهم، وينكِّد عليهم، حتى يقولوا: والله لم نعد نريد أن نرى وجهه هذا؛ لأنهم ما جاءوا من أجل الذكر، هم جاءوا من أجل أن يلعبوا، ومن أجل أن يطربوا، وأن يسهروا، وأنت إذا جئت، فضع حبة العلاج هذه وامْشِ، ودعهم يلعبون؛ حتى تأتي مرة ثانية، وتضع علاجاً ثانياً، وثالثاً، ورابعاً، وخامساً، إلى أن يهديهم الله. هذا هو الأسلوب، وليس هذا الأسلوب الذي أقوله فقط، بل هناك أساليب كثيرة، وإخواننا والحمد لله عندهم خبرات، وعندهم إمكانيات في قضية الدعوة؛ لكن من يقوم فقط؟ كل واحد يقول: نفسي نفسي! والدين مَن يدعو إليه أيها الإخوان؟! فأنا أقول: هؤلاء إخواننا، وفي ذمتنا، وفي عُهدتنا ومسئوليتنا، وكما أنقذنا الله، فينبغي أن نمد حبال النجاة لإخواننا حتى ينقذهم الله بأيدينا.

مراحل الدعوة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم

مراحل الدعوة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لقد مرت دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدة مراحل؛ من الضعف والقوة، والسر والجهر، والحصار والمطاردة إلى العز والتمكين، وفي هذه المراحل نبراس للدعاة إلى الله تعالى إلى يوم القيامة، وقد تناول الشيخ في هذه المادة المرحلة السرية في الدعوة وبعض جوانبها، والدروس المستفادة منها، كما ذكر المرحلة الجهرية، والتي بدأت بإنذار الأقربين، متناولاً أهم ما امتازت به هذه المرحلة.

حكم التقيد بالمراحل التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله

حكم التقيد بالمراحل التي مر بها النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فهذه المحاضرة تلقى في جامع الشربتلي بمدينة جدة، بعد مغرب يوم السبت الموافق: (25) من شهر محرم الحرام عام (1418هـ) على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم. ويأتي هذا الدرس ضمن السلسلة الشهرية المعنونة بـ: "تأملات في السيرة النبوية" وعنوان هذه المحاضرة: "مراحل الدعوة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم" إذ مرت الدعوة في حياته صلوات الله وسلامه عليه بمراحل، التي يقسمها العلماء إلى أربع مراحل: المرحلة الأولى: الدعوة السرية والتي استمرت ثلاث سنين. المرحلة الثانية: الدعوة الجهرية، ولكن مع كف اليد عن القتال، وإنما فقط الدعوة بالكلمة دون المواجهة، واستمرت هذه إلى الإذن بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة. المرحلة الثالثة: استمرارية الدعوة جهراً مع قتال المبتدئين بالقتال، واستمرت إلى وقوع صلح الحديبية وتوقيع المعاهدة مع المشركين في عام الحديبية. المرحلة الرابعة: وهي استمرارية الدعوة جهراً مع قتال كل من يقف في طريق الدعوة، ويصد عن سبيل الله عز وجل. هذه هي المراحل التي مرت بها الدعوة في بداياتها، وفي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد يتبادر إلى الذهن Q هل يجب على كل من يدعو إلى الله التقيد بهذه المراحل بمداها الزمني، كما وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم، بحيث لا يدعو أول شيء إلا سراً، ثم ينتقل جهراً؟ و A إن ذلك غير مطلوب من الدعاة أن يتقيدوا بذلك؛ وذلك لأن المدى الزمني الذي حددت فيه تلك المراحل تقدير رباني، وليس جهداً بشرياً فقط، فالتقيد بهذه المراحل لا يتلاءم ولا يتماشى مع مرونة الإسلام في معالجة الأمور ومواجهة القضايا. والسيرة النبوية تمثل حركة الإسلام، وتفتح أمام الدعاة والعاملين للإسلام نماذج كثيرة لخيارات متعددة، بحسب الأحوال والملابسات التي يعيشها المسلم، فقد تقتضي الضرورة في بعض الظروف أن تكون الدعوة سراً، وذلك في البلاد الكافرة التي تحارب الإسلام وتحارب الدعاة، فهناك لابد للمسلمين الذين يريدون نشر الدين أن ينشروا دينهم بطريقة سرية، حتى لا تضرب دعوتهم من قبل الكفار. أما إذا كانت الدعوة تمارس في بلاد المسلمين، فليس لدى المسلم شيء يخفيه على المسلمين، فنحن عندما ندعو الناس إلى الله لا نقدم لهم شيئاً نخاف عليه أو نخشى منه، نحن نقدم لهم وسيلة النجاة، وندعوهم إلى سفينة الخلاص من ورطة الدنيا والآخرة، والإسلام هو البديل الصحيح، وهو يمثل الخلاص من ورطة الدنيا والآخرة، فما نقدمه للمسلمين إنما هو عملية تذكير لهم، فلا نخاف على شيء ولا نخشى من شيء، وبالتالي لا داعي للسرية؛ لأنك تمارس دعوتك بين المسلمين، وظروف الغفلة والشهوات والشبهات التي أضلت بعضهم تقتضي أن تذكرهم، ولهذا جاء الأمر من الله عز وجل بالدعوة إلى الذكرى، قال عز وجل: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55] {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} [الأعلى:9 - 10]. وخلاصة القول في الموضوع هذا: أن قضية الدعوة سراً أو جهراً إنما تقدر بقدرها، بحسب الظروف التي يعيشها الداعية والمسلم في زمانه ومكانه، ولكل حال وزمان علاج يناسبه، وقد لا يناسبه في زمان آخر ولا في مكان آخر. وسنتحدث إن شاء الله بالتفصيل عن المراحل الأربع مرحلةً مرحلة.

المرحلة الأولى: الدعوة السرية

المرحلة الأولى: الدعوة السرية عندما استجاب النبي صلى الله عليه وسلم للأوامر الربانية التي صدرت له من الله بتبليغ الرسالة، جاءت هذه الآيات في أول الوحي واضحة من قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر:1 - 7] هذه الآيات من أوائل ما نزل. الرسول صلى الله عليه وسلم نُبئ بإقرأ، وأُرسل بالمدثر، فكانت بداية النبوة والوحي: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] وفي المرة الثانية نزلت هذه سورة المدثر: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر:1 - 2] أُرسل الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الآيات، وقد لخصت هذه الآيات رغم قصر عباراتها، ورغم اختصارها، وهذا كله في الآيات المكية، والذي يقرأ القرآن يلاحظ أن الآيات التي نزلت في مكة تتميز بقوة العبارة وبقصرها واختصارها، بينما الآيات التي نزلت في المدينة تتميز بالإطالة والإطناب في بيان أحكام الشرع، فالآيات الطوال كلها آيات المدينة، بينما المكية كلمتان أو ثلاث فقط: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر:1] المقام لا يقتضي التطويل، إنما يقتضي كلمات معدودة، في تكليف محدود، وفي عمل مشروع، وكانت هذه البداية.

ملخص الأوامر الربانية بالدعوة في سورة المدثر

ملخص الأوامر الربانية بالدعوة في سورة المدثر لقد لخصت هذه الآيات مضمون الدعوة التي أنيط بالنبي صلى الله عليه وسلم تبليغها إلى الناس، ولا تكاد جميع السور المكية تخرج عن إطار هذه الآيات التي جاءت في أول سورة المدثر. ففي قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر:1] المدثر: الذي أخذ دثاره وتلحف بثيابه، وجلس يريد الراحة والسكينة، ويريد الجلوس والأنس، جاءت هذه الآيات لتشير إلى أن زمن التدثر والخلود إلى الراحة، والأنس والسكينة، والجلوس في البيت مع الزوجة والأولاد والأبناء قد ولى، وجاء زمن المجاهدة بكل أبعاده المادية والمعنوية. والإنسان -أيها الإخوة- يشعر بعظم المسئولية وضخامة الرسالة التي كلف بها النبي صلى الله عليه وسلم، إذا قاس نفسه وهو يجد الصعوبة ويفشل -أحياناً- في تربية أولاده في بيته، إذا كان عنده ولدان أو ثلاثة أو أربعة ومثلهم بنات، ثم يجد أن هذا فشل في تربيته، وتلك فشل في تربيتها، فيشعر بالمسئولية الكبيرة التي أنيطت بالنبي صلى الله عليه وسلم في هداية العالمين. ليس في تربية بيته، ولا هداية قبيلته، ولا هداية مدينته، ولا الجزيرة العربية، وإنما {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ:28] {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] فيكلف بهذه الرسالة ثم يحملها صلوات الله وسلامه عليه، فيربيه الله عز وجل ويؤهله حتى يؤديها، ويستطيع القيام بها من أول لحظة، وهو يقول: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} [المدثر:1] انتهى، لا يوجد تدثر ولا جلوس الآن.

الأمر بالإنذار وعدم ذكر التبشير

الأمر بالإنذار وعدم ذكر التبشير (قم): والقيام هنا قيام حسي وقيام معنوي، وهذا فيه إشارة إلى تكليفه بأمر الدعوة للناس كافة {قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر:2] والرسل عليهم الصلاة والسلام وظيفتهم البشارة والنذارة، كما قال عز وجل في سورة النساء: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً * وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً * رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لأَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء:163 - 165] فالله عز وجل وضَّح أن الرسل كلهم من نوح إلى محمد وظيفتهم مبشرين ومنذرين، لكن هنا يقول الله: {قُمْ فَأَنذِرْ} [المدثر:2] ولم يذكر البشارة، لماذا؟ يوجد هناك سر، رغم أن النبوة تتضمن البشارة والنذارة؛ البشارة بالجنة والسعادة في الدنيا والآخرة، والنذارة من العذاب والنار والدمار في الدنيا والآخرة، لكن حالة النبي صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة تقتضي النذارة فقط؛ وذلك لما كان عليه الناس من الشرك، فقد أمعنوا في الكفر، وتجاوزوا الحدود في الضلالات، فإذا جاء ليعطيهم بشارات قد لا يستجيبون، لكن تقريعهم وتخويفهم من عذاب الله بالنذارة، كان هذا أدعى إلى الاستجابة؛ ولهذا خصها بالذكر، رغم أن بعض أهل العلم يقول: إن النذارة تتضمن البشارة، فهو ينذر من عذاب الله ويبشر بنعيم الله الذي يلحق المؤمن إذا هو استجاب لأمر الله وترك طريق الشيطان. {قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر:2 - 3] وفي هذه العبارة الصغيرة، إشارة إلى أنه ليس في الوجود أكبر من الله خالق الوجود خالق الإنسانية خالق الكون والحياة، فيجب أن يُعَظِّم إذ لا خالق إلا هو، وما دام أنه لا خالق إلا هو، فليس هناك من يستحق التقدير والتعظيم والتمجيد والتقديس والعبادة إلا هو، فتعظيم غيره ظلم {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:54]. ولذا على الناس أن يعلموا هذه الحقيقة ليتواضع الناس كلهم للكبير المتعال، وفي هذا التوحيد المطلق، يوم أن تعلم أن الله هو الكبير فتوحده، وتخضع لأمره، وتستجيب له دونما سواه، وترفض كل أمر يتعارض مع أمره، فأنت بهذا توحد الله وتعلن العبودية الخالصة له سبحانه وتعالى.

الأمر بتطهير الثياب والغرض منه

الأمر بتطهير الثياب والغرض منه بعد هذا يقول عز وجل: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4] وفي هذا إشارة إلى أن الداعية الذي يريد أن يكون مؤثراً في الناس؛ لا بد له أن يبدأ بتطهير نفسه ظاهراً وباطناً، حساً ومعنىً؛ حتى يكون مثالاً لمن يدعوهم إلى الطهارة بكل معانيها، إذ من غير المعقول والمقبول أن تدعو الناس إلى شيء وأنت تخالفه، يقول الشاعر: يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا كيما يصح به وأنت سقيم لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم وأبلغ من هذا ما جاء في كتاب الله: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] أي: أين عقولكم؟ كيف تقرءون القرآن وتنسون أنفسكم وتدعون الناس؟ وأبلغ من هذا قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ} [الصف:2 - 3] أي: عظم إثماً عند الله: {أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:3]. ويقول حكاية عن شعيب وهو يخاطب قومه: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود:88] يقول: عيب عليَّ أن أقع فيما أنهاكم عنه {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88] فمن مقتضيات الدعوة ومن لوازمها، أن يبدأ الداعية بنفسه حتى يكون صادقاً مع نفسه ومع الناس، وحتى يكون لكلامه تأثير في الناس؛ إذ أن تأثير الأعمال أبلغ من تأثير الأقوال الناس يقبلون القول لكنهم ينظرون ويلاحقون، هل هذه الأقوال مطبقة عند من يقولها؟ فإن وجدوا تطابقاً بين قوله وفعله ألزمهم بفعله، وإن وجدوا تعارضاً بينما يقول وما يفعل، عرفوا أنه كذاب وأنه ممثل، وبالتالي تزول موعظته من القلوب، وتخرج من الآذان لماذا؟ لأنها لم تخرج من القلب، كما يقولون: كلام القلوب يصل القلوب، وكلام الحناجر لا يتجاوز الآذان. هذه الآية فيها إشارة إلى أن كل داعية لابد عليه إذا دعا الناس، أن يكون متمثلاً لكل ما يدعو الناس إليه، وإلا أصبح عرضة يوم القيامة للعذاب الشديد، فقد جاء في الصحيح: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أن من الناس من تندلق أقتابه في النار، ويدور حولها كما يدور الحمار برحاه في النار، فيقول له الناس: لقد كنت تأمرنا بالخير وتنهانا عن الشر! فيقول: نعم، كنت آمركم بالخير ولا آتيه، وأنهاكم عن الشر وأقع فيه) فكان هذا مصيره والعياذ بالله! والتطهر هنا يقتضي التطهر المعنوي والتطهر الظاهري، التطهر المعنوي: تطهير القلب من جميع الرذائل والمعاصي، ومن جميع الصفات الذميمة تطهير القلب من الغل والحقد والحسد والكبرياء، وجميع الصفات التي لا تليق بالمؤمن، وتطهير الظاهر أيضاً من النجاسات الحسية؛ بحيث يكون الإنسان طاهراً في الظاهر والباطن. وهل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه شيء من النجاسات حتى يوجه له هذا الكلام؟! لا، لم يكن فيه شيء صلوات الله وسلامه عليه، فهو خيار من خيار، من بداية حياته، لكن الأمر له ولسائر أمته إلى يوم القيامة، على حد قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ} [النساء:136] هم آمنوا ويدعوهم الله بلفظ الإيمان ويدعوهم إلى الإيمان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء:136] وعلى حد قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب:1] الله يأمره أن يتقي الله، وهل في الدنيا أعظم تقوى من رسول الله؟ لا. لكن من باب التأكيد على ما يجب أن يكون، وهذه الآية على شاكلتها. {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4] وهو أطهر خلق الله صلوات الله وسلامه عليه، ما اجتمع له أبوان على جريمة، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا زال الله ينتقيني من أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى أبي، فلم يلتقِ أبوان لي على فاحشة) كيف وهو المصطفى المختار، سيد ولد آدم، خير من سار على الأرض، وصاحب اللواء يوم العرض، وأول من تنشق عنه الأرض، وأول من يدخل الجنة؟ اللهم صلِّ وبارك عليه.

الأمر بهجران الذنوب والمعاصي

الأمر بهجران الذنوب والمعاصي قال عز وجل: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر:5] الرجز: الشرك والمعاصي والذنوب والآثام، وفي هذه العبارة إشارة إلى أن توحيد الخالق يقتضي ويتطلب عدم تعظيم أو تقديس أي شيء لا يخضع لخالق الكون والحياة، ولا يعترف بالألوهية والربوبية والأسماء والصفات لله، وأن المسلم ينبغي له أن يهجره. ثم قال عز وجل: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر:6] وفي هذا إشارة إلى أن ما خص به من منع إعطاء الشيء ابتغاء شيء أكثر هو أنه مقرون بأجمل الأخلاق وأشرف الآداب، ليكون مثلاً أعلى للبشرية؛ لأنه يدعوها إلى مكارم الأخلاق، ولقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق). وقد أوتي صلى الله عليه وسلم من مكارم الأخلاق أرفع قدر وأعلى نسبة، فإن الكمالات البشرية الموزعة على جميع الأنبياء والرسل وعلى جميع الناس، لم تجمع لشخص واحد إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم، حتى قال الله له بشهادة ربانية عالمية: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] من قائل هذا الكلام؟ إنه الله، الله يشهد له ويقول: يا محمد! إنك لعلى خلق عظيم، عظيم عندي وعندك، ليس عند الله فقط، فيا لها من شهادة! ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: (كان خلقه القرآن) من أراد أن يعرف أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم فليقرأ القرآن، القرآن يحتوي على أفضل الكمالات، وهي مترجمة كاملة في تطبيق وسلوك وأخلاق وتعامل محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأمر بالصبر عند التبليغ

الأمر بالصبر عند التبليغ في ختام هذه الأمور الهامة التي ترسم معالم الدعوة، ويصل بها الإنسان إلى نصرة الحق والدين، هذه الحقيقة التي هي تحمّل لأمانة الدعوة، كان لابد من توجيه يحفظ له هذا الأمر، وهو الأمر بالصبر، فقال الله عز وجل له: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر:7] إذ أن من يتصدى للدعوة لابد أن يتعب، ولابد أن ينصب، ولا بد له من الابتلاء؛ ولهذا لا بد له أن يتسلح بسلاح الصبر؛ ولهذا قدم هنا الجار والمجرور: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر:7] قدم الجار والمجرور على العامل المتعلق به وهو الصبر، ما قال: اصبر لربك، التقديم هنا للاختصاص، أي: اجعل الصبر مختصاً بالله؛ لأنه يمكن أن تصبر لربك ولغير ربك؛ لكن لا اجعل الصبر خالصاً لله {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر:7] أي: احتسب كل ما ينالك في سبيل الدعوة عند الله عز وجل.

استجابة الرسول لأوامر ربه وقيامه بالدعوة سرا

استجابة الرسول لأوامر ربه وقيامه بالدعوة سراً لما وجهت هذه التوجيهات الربانية إلى النبي صلى الله عليه وسلم أدرك عظمتها، ونهض من فراشه، وأخذ يدعو إلى دين ربه ثلاث سنوات متتاليات سراً، وكان قد أخفى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره واستتر به إلى أن أمره الله بإظهاره بعد ثلاث سنين، كما يذكر ابن إسحاق في السير، ومما يدل على السرية في الدعوة ما جاء في خبر إسلام عمرو بن عبسة رضي الله عنه، حيث قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول ما بعث وهو في مكة وهو حينئذ مستخفٍ) أي: مستخف بالدعوة، وهذا الحديث في صحيح مسلم، وكان تحركه في بداية دعوته في الوسط الذي يربطه؛ في أسرته، مثل زوجته وأبنائه، ومواليه، وأصدقائه المباشرين الذين كان يطمئن إليهم، ويثق فيهم.

أوائل المستجيبين لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم

أوائل المستجيبين لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا يلحظ أن من أوائل من استجابوا إلى الدعوة هم هؤلاء، أول واحدة استجابت زوجته أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، صاحبة العقل الكبير، وصاحبة المواقف العظيمة والأيادي البيضاء، التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوخاها حينما تزوج بها، فما تزوج بها لأي غرض إلا لهذا الغرض؛ العقل والخلق والنظر البعيد، ولهذا اختارها وعمرها أربعون عاماً وهو في سن الخامسة والعشرين، صلوات الله وسلامه عليه، فكانت أول من آمنت به وبرسالته، كما هو مشهور، وقد هونت عليه من أمر الدعوة، وكانت بذلك أول من أُمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتبشيره بالجنة، إذ قال عليه الصلاة والسلام: (أمرت أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب لا نصب فيه ولا صخب) وهذا الحديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم. وأقرأها الله السلام، وبشرها أن لها في الجنة قصراً من ذهب، لا صخب فيه ولا نصب رضي الله عنها وأرضاها. ومن المستجيبين في بداية الدعوة السرية: علي بن أبي طالب، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم وختنه، والختن: هو زوج البنت، زوج بنته فاطمة البتول، وأبو الحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين علي بن أبي طالب كان أول المستجيبين من الشباب، وكان يتربى في حجر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن أولاد أبي طالب كثير، فقد كان ذو عيال، فطلب منه أن يكون علي معه، فكان في حجره وفي تربيته، وتحت كنفه، فكان علي أول من أسلم من الشباب الصغار. ومن المستجيبين في المرحلة الأولى: المولى زيد بن حارثة، الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم حينما جاء أبوه يطلبه: (إن شئت فأقم عندي وإن شئت فانطلق مع أبيك، فقال: بل أقيم عندك) فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم ببنوته؛ لأن أصل زيد ليس عبداً مملوكاً بل هو حر، لكن أمه أخذته وذهبت من بيت زوجها حارثة إلى بيت أهلها في غضب عائلي، أي: خلاف منزلي؛ لأن بعض النساء جاهلات ما أن يحصل بينها وبين زوجها أي خلاف إلا وتخرج، وهذا من نقص العقل، فلا تخرج المرأة من بيت زوجها إذا حصل شجار، يخرج الرجل ولا تخرج المرأة؛ لأنه إذا خرج يستطيع أن يعود، لكن أنتِ إذا خرجتِ، فمن يرجعك؟ وأهلها يقولون: لا ترجعي حتى يأتي هو يأخذك، وإذا اتصلوا به تعال خذها، قال: لا، الذي ذهب يرجع، والله ما آتي آخذها، وتبقى هي الضحية فلا تفكر المرأة بالخروج من بيت زوجها أبداً بأي خلاف، إلا إذا قررت أن لا حياة مع الزوج، بعد أن تدرس الموضوع دراسة متأنية، وتصدر قراراً نهائياً تعرف فيه أن هذا الزوج لا يمكن أن يكون لها زوجاً، أما لمجرد أي خلاف، خلاف عائلي يسير على مسألة البيت، على مسألة مع الأولاد، وعلى الفور أخذت عباءتها وفتحت (الشنطة) وأخذت أغراضها وخرجت، فمن الذي يرجعها؟! وبعض الأزواج -والعياذ بالله- سيئ الخلق فما أن يحصل بينه وبين زوجته شيء إلا ويقول: الباب يمشي منه الجمل، أي: إن كنتِ مثل الجمل اخرجي، هذا نوع من امتهان المرأة، فلا تريها الباب، اخرج وبعد ذلك ارجع، ومن أعظم الوسائل للقضاء على الخلافات المنزلية خروج الزوج، إذا رأيت الأمر محتدماً والنار مشتعلة بينك وبين العيال، فخذ (غترتك) وامش ويزول الخلاف، وسوف تدخل وإذا هي تضحك وأنت تضحك، لكن إذا جلست منك كلمة ومنها كلمة، وبعض النساء مسكينة ليس معها إلا أن تدافع عن نفسها بلسانها، لا تستطيع أن تضربك ولا أن تطلقك ولا أن تخرجك، فما عندها إلا هذا اللسان، وبعض الأزواج أناني يريد كل شيء له، يقول: اجعلي آخر كلمة لي أنا، لا تردين عليَّ، آخر كلمة أقولها إذا رديتِ أرد، وترد ويرد، وبعد ذلك يجد أن ليس عنده إمكانية، كلما قال كلمة قالت كلمة، فيريد أن يضربها، فإذا ضربها فبعض النساء تضارب، فإذا رأى أن السلاح عندها وعنده سواء، استعمل السلاح النووي وهو الطلاق، فتتحطم الأسرة، ويتشرد الأبناء، وينفرط عقد الحياة لماذا؟ لو فكر الإنسان لوجد السبب تافهاً، لكن أفضل الأمور إذا سمعت بمشكلة حصلت في البيت -وليس هذا انهزام، بل هو رجولة- فاخرج وسيخرج الشيطان، ثم عندما تدخل تقول: السلام عليكم، ذهب الخلاف واضحك وابتسم، (خيركم خيركم لأهله) وهذا ليس عاراً عليك، أفضل الناس الذي يعامل أهله بهذه الأخلاق. فهذه أم زيد خرجت، وفي الطريق لقيها بعض الناس فضربوها وأخذوا ولدها وباعوه في السوق بيع الرقيق، واشترته خديجة من سوق مكة، ولما تزوجت النبي صلى الله عليه وسلم وهبته له، وبقي أهل زيد يبحثون عنه حتى علموا أنه بيع في مكة، وأتوا يسألون حتى وجدوه في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فدخلوا عليه، وجاء القافّ الذي يعرف الأثر، وقال: هذا الرجل من هذا الرجل، وكانت العرب تعرف بالقيافة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هذا هو معكم إن أردتموه فهو لكم) وهذا من كرم الأخلاق، لم يقل: هذا عبدي مملوك عندي، لا. إن كان يريد أن يذهب معكم فخذوه، فجاء زيد وخيره النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: (إن شئت أن تقيم عندي وإن شئت أن تنطلق مع أبيك، قال: ما أنا بالذي أختار عليك يا رسول الله! فقال له أبوه: ويحك يا زيد! أتختار العبودية على الحرية؟ قال: نعم. ما كنت لأختار على رسول الله صلى الله عليه وسلم) فلما قال هذا الكلام أكرمه النبي صلى الله عليه وسلم، وأنعم عليه بقضية التبني، وخرج به على ملأ من قريش ونادى: إن هذا زيد بن محمد من هذا اليوم وليس زيد بن حارثة، ثم أبطل الله تبارك وتعالى هذا الشيء وأنزل: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب:40] {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب:5] فنادى صلى الله عليه وسلم وأخبر أن زيداً بن محمد قد عاد كما هو زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه، هذا أول من أسلم من الموالي، وقد نزل فيه قوله عز وجل: {ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأحزاب:5] رضي الله عنه وأرضاه. وقد قتل شهيداً في غزوة مؤتة، حين أمرّه النبي صلى الله عليه وسلم على المعركة، فكان زيد بن حارثة أميراً على الغزوة وهو مولى، وتحت إمرته جعفر بن أبي طالب، وجعفر ابن عم الرسول، فقال: (إن مات زيد فيأخذ الراية جعفر، وإن مات جعفر فيأخذ الراية: عبد الله بن رواحة، وإن مات عبد الله فالأمر شورى بين المسلمين) وفعلاً ماتوا الثلاثة في غزوة مؤتة وأخذ الراية بعدهم خالد بن الوليد رضي الله عنه، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بموتهم وهو في المدينة يخطب يوم الجمعة، فقال: (قتل زيد وأخذ الراية جعفر ثم قال: ثم قتل جعفر وأخذ الراية عبد الله بن رواحة، ثم قال بعدها: قتل عبد الله وأخذ الراية سيف من سيوف الله خالد بن الوليد). كان زيد هذا من أوائل الذين أسلموا في العهد الأول في الفترة السرية التي كانت في أول دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم.

أبو بكر الصديق وحادثة الإسراء

أبو بكر الصديق وحادثة الإسراء من الأوائل: أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه وسمي الصديق لأنه يصدق من غير تردد، يقول عليه الصلاة والسلام: (ما منكم إلا ودعوته فأخذ وفكر إلا أبا بكر) لا يعرف التردد، فما يقول الرسول شيئاً إلا وصدقه، وسمي بـ الصديق لكثرة تصديقه، ولقوة يقينه، وأطلق عليه ذلك اللقب بعد حادثة الإسراء؛ لأنه صدق بشيء لا يصدق إلا بالإيمان. حادثة الإسراء كانت حادثة ذات منعطف خطير في حياة الدعوة؛ إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مكة، أسري به ثم عرج به يقظة لا مناماً بجسده وروحه، هذا هو المحقق عند العلماء من أهل السنة، أنه أسري به جسداً وروحاً وليس رؤيا منامية، الله يقول: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء:1] والعبد يقتضي الروح والجسد، وما قال: أسرى بروح عبده وأسري به من أين؟ من مكة المكرمة، إلى أين؟ إلى المسجد الأقصى الأسير الذي نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يخلصه من أيدي اليهود. والمسافة من مكة إلى الأقصى شهر بالقوافل وأسري به صلى الله عليه وسلم إليه في طرف ليل، وكان يمتطي البراق، والبراق: دابة فوق الحمار ودون الفرس، لكن خطوته عند منتهى بصره، مثل البرق، حتى وصل، وهناك صلى بالأنبياء ثم صعد في المعراج وعرج به إلى أن بلغ سدرة المنتهى، وفرضت عليه هناك الصلوات الخمس، ثم عاد وركب البراق ووصل مكة في نفس الليلة. وحينما نحدث به اليوم يمكن أن نقبله؛ فقد ابتكرت من وسائل النقل ما يقارب هذه، بإمكان الواحد أن يذهب بالطائرة من جدة إلى الرياض أو من جدة إلى بيت المقدس ويعود في نفس الليلة وينام في داره. لكن لو حدثنا بهذا قبل زمن، هل يمكن أن تصدق لو قيل لك: هناك حديدة طويلة يركب فيها أربعمائة من الرجال بعفشهم وعوائلهم وترتفع في الليل من الأرض وتصل إلى الرياض خلال ساعة، هل تصدق؟ والله لو ما ركبنا فيها ما صدقنا، فكيف يكون هذا الحديث كأنها مربوطة بحبل وتنظر في الليل وترى الجبل والسهل، لا تعلم عن شيء إلا وأنت قد وصلت، لكن هذا حصل، فلو حدث الناس في هذا الوقت بهذا الأمر يمكن يُقبل، لكن الناس في ذلك الوقت لا يعرفون من وسائل الاتصال والنقل إلا البعير والحصان والحمار والجمل، وهذه الوسائل البدائية التي تقطع الطريق شهراً، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: إني ذهبت وعدت في نفس الليلة، وليست الرحلة فقط في الأرض، بل قال: ثم إلى السماء، فلما أخبر الصحابة والناس في الصباح حصل نوع من الرجة، وسمع المشركون وقالوا: والله ما بقي إلا هذه، نقطعها شهراً ذهاباً وشهراً إياباً وأنت تأخذها في ليلة! ثم جاءوا يشككون الصحابة وكل واحد وقف، وجاءوا إلى أبي بكر الصديق وأرادوا أن يهزوه؛ لأن اهتزاز أبي بكر يعني هزة الجميع، وثبات أبي بكر يعني ثبات الجميع قالوا: أو ما سمعت ما يقول صاحبك؟ قال: وماذا يقول؟ قالوا: يقول: إنه أسري به البارحة من بيت أم أيمن في مكة إلى بيت المقدس، وعرج به إلى السماء حتى وصل السماء السابعة، ثم نزل وأصبح في بيت أم أيمن، قال: [إن كان قال ما قال فقد صدق] اللهم صلِّ على رسول الله. إنها قضية تجرد، قضية تسليم العقل إذا وجد التعارض، ما دام قال الرسول الصادق إذاً صدق ولو لم يصدقه عقلي، فسمي من ذلك اليوم بـ (الصديق). وحتى لا يهتز ذوو الإيمان الضعيف كان هناك دلائل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم فعلاً ذهب إلى بيت المقدس ورجع، فقد جاء المشركون في عملية زعزعة وقالوا له: صف لنا بيت المقدس، والنبي صلى الله عليه وسلم كانت رحلته قصيرة، ومهمته محدودة، صلى بالأنبياء وصعد، وما جلس يتفقد بيت المقدس يعني: أنتم الآن في هذا المجلس كل شهر وأنتم تحضرون، لو سألتكم: كم عدد الأعمدة في هذا المسجد؟ ربما لا تعلمون، وكذلك كم فيه نوافذ؟ كم فيه أبواب؟ ونحن شهود جالسون؛ لأن هذا لا يسترعي انتباهنا حتى نجلس نحدده، فالنبي صلى الله عليه وسلم ما جاء من أجل أن يكشف على المسجد، ويستعرض الأبواب والنوافذ والأعمدة، جاء ليؤدي رسالة وصعد، فقالوا له من باب الامتحان: صف لنا بيت المقدس، فالله عز وجل طوى له الأرض وكشف له بيت المقدس أمامه وهو في مكة، فجلس يصفه عموداً عموداً، واسطوانة اسطوانة، وباباً باباً، ونافذةً نافذةً، كأنما يراه، عامل المكان اختصر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومع هذا لم يؤمنوا، بل قام أحدهم قال: عندما ذهبت في الليل هل رأيت قافلتنا الآتية من الشام؟ كيف أراها وأنا ذاهب في الليل؟! الذي في الليل لا يري الذي في الأرض، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نعم رأيتها، يقدمها جمل أورق عليه غرارتان حمراوان، تأتيكم يوم كذا قبل صلاة المغرب وبعد العصر، ورأيتها في المكان الفلاني) كيف رآها الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الله أوحى إليه في اللحظات التي كانت في ذاك المكان، ولما كانوا ينتظرون بالدقيقة والساعة إذا بالقافلة آتية والجمل أمامها، وسألوا الذي مع القافلة في تلك الليلة أين كنتم؟ قالوا: كنا في المكان الفلاني، الذي حدده الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن هل آمنوا؟! لا. يقول الله: {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف:146] لم تكن البراهين والدلائل غير كافية، بل لقد كانت كافية لكن الذي لا يريد أن يستمع كيف تفعل به؟ عندما تقول لشخص: هذا (ميكرفون) فيقول لك: لا، هذه سيارة حيرتني، هذا -يا أخي- (ميكرفون) وليست سيارة، فيقول: انظر هذا الكفر حقها وهذا فكيف تقنعه؟ فما ينبغي للإنسان أن يكابر، ولهذا سمي الكفار كفاراً؛ لأنهم يغالطون ويغطون الحقائق؛ فإن الكفر في اللغة: هو التغطية والستر، فالكافر يغطي الحقيقة ويكتمها وأبو بكر الصديق رضي الله عنه سُمي الصديق من يومه ذلك رضي الله عنه وأرضاه.

فضل أبي بكر وجهده في الدعوة إلى الله

فضل أبي بكر وجهده في الدعوة إلى الله قال الرسول صلى الله عليه وسلم لـ عمر: (إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت) هذا الحديث رواه البخاري، وهو كالنص على أنه أول من أسلم؛ لأن سبب الحديث حصول خلاف بسيط، فجاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشتكيه، فقال: (يا عمر! إن الله بعثني نبياً، فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر: صدقت) وقال عليه الصلاة والسلام: (ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة وتردد)، أي: يقدم رجلاً ويؤخر أخرى (إلا أبا بكر ما تردد حين ذكرت الإسلام له) بل قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، ذكره ابن إسحاق في السير والمغازي. وفي إطار هذه السرية التي كانت تحيط بالدعوة في بدايتها، تحرك كل واحد من هؤلاء الذين أسلموا في الوسط الذي يحيط به، فتحرك أبو بكر الصديق وكانت له أبرز حركة؛ لأنه صاحب نفوذ وصاحب مال وصاحب شخصية، له شخصية مرموقة، وله وقار وهيبة، فتحرك في أقاربه وفي أصدقائه، واستجاب له نفر كريم من الصحابة الكرام منهم ستة من العشرة المبشرين بالجنة، أسلموا على يد أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، وهم: - عثمان بن عفان، الخليفة الراشد الثالث رضي الله عنه وأرضاه. - الزبير بن العوام رضي الله عنه وأرضاه. - طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه وأرضاه. - سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه. - عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه. - عثمان بن مضعون رضي الله عنه وأرضاه. - أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه وأرضاه. - أبو سلمة بن عبد الأسد رضي الله عنه وأرضاه. الله أكبر! كل هؤلاء إنتاج أبي بكر، ما أعظم هذا الرجل! كيف كان يؤثر بهذا القدر وبهذه الضخامة! لأنه كان صادقاً، ودائماً الصادق في عمله الذي يؤديه بصدق له تأثير وله خصوصية في فتح قلوب الناس، دائماً كلما كنت صادقاً وصاحب صدق مع الله يجعل الله في عملك بركة، ويضاعف لك الثواب؛ لأنك صادق وجاد، وهكذا كان أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه. ومن خلال هؤلاء الكرام الذين أسلموا على يد أبي بكر الصديق أخذ الإسلام ينتشر في مكة وفي خارج مكة، ودخل في الإسلام أناس كثير من بطون قريش ومن مواليها خاصة، وأتباع الرسل دائماً من المستضعفين والموالي؛ لأنهم يجدون في الدين ما يعيد لهم شيئاً من حريتهم وكرامتهم وعزهم، أما أصحاب العظمة وأصحاب المال وأصحاب المكانة، فإنهم يترددون في قبول الدين؛ لأنه يردهم إلى مكانهم الصحيح، وهم يريدون أن يمارسوا الطغيان والتسلط، والكبرياء والغطرسة على الضعفاء، فإذا جاء الإسلام، وقال: الناس سواسية، رفضوا هذا، إلا من كان منصفاً منهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وممن اشتهروا بين السابقين في الإسلام من الموالي: بلال بن رباح رضي الله عنه وأرضاه، وقد أسلم على يد أبي بكر، وصهيب بن سنان، وعمار بن ياسر ووالده ياسر وأمه سمية بنت خياط، هؤلاء من الموالي الذين أسلموا في بداية الدعوة على النبي صلى الله عليه وسلم، وفي فترة وجيزة وصل عدد الذين سبقوا إلى الإسلام من بطون قريش إلى أكثر من خمسين نفراً في فترة يسيرة، مع الحركة المنظمة المرتبة، التي كانت تحمل الإخلاص من قبل النبي صلى الله عليه وسلم، ومن قبل أبي بكر الصديق، ومن قبل خديجة، ومن قبل الصحابة الذين أسلموا في البداية، انتشر الإسلام قليلاً حتى أصبحوا أكثر من خمسين رجلاً. وقد ثبت أن ورقة بن نوفل الذي ذكرنا أنه ابن عم خديجة في الدروس الأولى، جاءت إليه خديجة لتخبره بما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم، وثبت أنه أسلم وكان من المسلمين الأول، وذلك بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (رأيته وعليه ثياب بيض، فأحسبه لو كان من أهل النار لم يكن عليه ثياب بيض) رواه أحمد في المسند، وعلق عليه صاحب الفتح الرباني وصحح إسناده، وقال صلى الله عليه وسلم في روايه أخرى: (رأيته وعليه ثياب بيض في بطنان الجنة وعليه السندس) رواه ابن كثير وحسنه أبو يعلى في الطبقات، وقال: (لا تسبوا ورقة فإني رأيت له جنة أو جنتين) وقال عليه الصلاة والسلام: (يبعث ورقة يوم القيامة أمة وحده) فكل هذه الأدلة تدل على أن الرجل مات مسلماً.

السابقون إلى الإسلام كانوا خيرة أقوامهم

السابقون إلى الإسلام كانوا خيرة أقوامهم يتضح -أيها الإخوة- من سجل أسماء السابقين إلى الإسلام أنهم كانوا خيرة أقوامهم، ولم يكونوا كما يذكر بعض الناس أنهم كانوا خليطاً من الضعفاء والمستضعفين والأرقاء؛ بل كانوا من خيار الناس حتى ولو كانوا موالي، وهم أصحاب عقول وبعد نظر وشجاعة وثبات على الحق؛ إذ أنه مورس في الإسلام عليهم ضغط كبير، ومع هذا لم يتزعزعوا، ولم يكونوا نفعيين، ولا أسلموا من أجل المصلحة، ولو كانوا لما صبروا على ما أوذوا. بلال بن رباح أوذي أذىً لا يعلمه إلا الله كان يجرد من ثيابه، ويخرج به إلى الرمضاء في مكة، وحرارة مكة في الصيف لا يتحملها أحد، ثم يخلس من ثوبه، ثم يؤتى به على الأرض التي تشع مثل النار، ثم يوضع على صدره الحجارة، ثم يسحب جلده على الأرض وما بينه وبين الأرض شيء، على أن يرجع عن دين الله، فيقول: أحد أحد ما رأيكم في هذا الرجل؟ هذا قمة في الإيمان وجبل في الدين، ما ثبت على هذا إلا لعظمته في قلبه، حتى قال عليه الصلاة والسلام له: (إيه يا بلال إني لأسمع خشخشة نعليك في الجنة، فماذا تعمل؟ قال: لا شيء يا رسول الله! غير أني كلما أحدثت توضأت، وكلما توضأت صليت لله ركعتين) طاهر دائماً لا يرضى أن يكون على حدث، وهذا فيه إشارة إلى أن المسلم دائماً يكون على وضوء؛ لأن الوضوء سلاح المؤمن، كلما أحدثت لا تخرج وأنت على حدث بل توضأ ولا يكلفك شيئاً، وذلك لأنك قد تفاجأ بالصلاة أو بمصحف تقرأ فيه، أو تفاجأ بأي أمر وإذا بك جاهز، الوضوء سلاح المؤمن، فكن دائماً طاهراً، وإذا جئت لتنام فنم على طهارة، وإذا خرجت من بيتك فكن طاهراً، لا تبقى على حدث لا أصغر ولا أكبر؛ لأنك بهذا تكون جاهزاً ومستعداً لممارسة أي نوع من أنواع العبادة ولا تتردد، فقد تمر على مسجد وترى الناس يدخلون فتدخل، ولا يوجد ماء لكن أنت متوضئ والحمد لله.

الدروس المستفادة من مرحلة الدعوة السرية

الدروس المستفادة من مرحلة الدعوة السرية هناك -أيها الإخوة- بعض العظات والحكم والعبر التي نستخلصها من هذا المقطع من مرحلة الدعوة السرية: أولاً: إلهام الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل ربه بأن يبدأ الدعوة سراً، وذلك إرشاد له وإرشاد للدعاة من بعده، إلى وجوب الأخذ بالحيطة وممارسة الأسباب، إذ أن الرسول صلى الله عليه وسلم مدعوم بقوة الله ولو بدأ الدعوة جهراً فإن الله سيحفظه، ولن ينالوا منه شيئاً، لكن لبيان منهج الإسلام في الأخذ بالأسباب والاعتماد على مسبب الأسباب، وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان معه ناقة فقال: (يا رسول الله! أطلقها وأتوكل، أم أعقل وأتوكل؟ فقال له: بل أعقلها وتوكل) خذ بالسبب ثم توكل على الله عز وجل؛ لأن ترك الأسباب قدح في العقل، والاعتماد على الأسباب نقص في الدين، إذا اعتمدت على السبب فهذا نقص في الدين، وإذا تركت السبب فهو نقص في عقلك. يأتي أحدهم ويقول لك: كل، فتقول: لا أريد أن آكل، لماذا؟ أكلت أو ما أكلت الحياة بيد الله، وأنا إذا أكلت لن يزيد عمري، وإذا ما أكلت لن أموت، نقول له: ستموت غصباً عنك؛ لماذا؟ لأن من سنن الله الكونية أن تأكل من أجل أن تعيش، أما إذا لم تأكل فستموت، أتريد أن يغير الله سننه من أجل خاطرك أنت؟! لا. {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الأحزاب:62] والله يخبرنا في القرآن أن عيسى عليه السلام يقول لأمه مريم عليها السلام، وهي في حالة المخاض: {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً} [مريم:25] كان يكفي أن تساقط الرطب من غير هز؛ لأن الذي أنبت الشجرة وأعطاها قادر على أن ينزلها من غير هز، لكن الأخذ بالأسباب من أجل أن تعمل هي، تهز النخلة فينزل الرطب. والوحي جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبدأ الدعوة سراً، ففيه دليل على مشروعية الأخذ بالحيطة، وممارسة الأسباب الظاهرة، وما يقرره التفكير والعقل السليم من الوسائل المفيدة، التي تعمل على إنجاح الدعوة، وعلى عدم الزج بها في مواجهات خاسرة وغير منتصرة، خصوصاً عند ضعف الدعوة. فبدأ الرسول صلى الله عليه وسلم دعوته سراً، وهذا لا يخدش في إيمانه، فضلاً عن أنه يتنافى مع طبيعة الدعوة إلى الإسلام. العظة الثانية: يقول جمهور العلماء: إن المسلمين إذا كانوا في قلة من العدد أو ضعف من العدة، بحيث يغلب على ظنهم أنهم سيقتلون، من غير أن يكون هناك نكاية في أعدائهم، فينبغي أن تقدم هنا مصلحة حفظ النفس؛ لأن المصلحة المقابلة هي مصلحة حفظ الدين، وهي موهومة أو متوقعة أو منفية الوقوع، وهذا ما يقرره العلماء، وقد قرره الشيخ / العز بن عبد السلام يقول أحد العلماء في تعليقه على هذا القول: إنه من حيث حقيقة الأمر ومرماه البعيد، فإنها في الواقع مصلحة دينية، إذ أن مصلحة الدين تقتضي أن تبقى أرواح المسلمين سليمة، لكي يتقدموا ويجاهدوا ويستمروا في الدعوة؛ لأن في هلاكهم إضراراً بالدين، وفسحاً للمجال أمام الكفرة ليقتحموا ما كان مسدوداً بوجود المسلمين، وهو بهذا يعني: أنه إذا عُرف أن المصلحة ليست في القتال؛ لأن المواجهة معروفة ومكشوفة لنا، إذ أن العدد قليل، والعدة غير كافية، وأن المواجهة ستقضي على المسلمين، إذاً لا داعي للمواجهة؛ لأن ذلك من مصلحة دين الله عز وجل؛ ليبقى في وجود المسلمين قانون يسمونه (قانون التدافع) وهو قول الله عز وجل: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ} [البقرة:251]، فيدفع الكفر بالإسلام، فيبقى الكفر موجوداً والإسلام موجوداً، هؤلاء يعملون وهؤلاء يعملون، لكن إذا واجهت الكفر وليس عندك إمكانية للمواجهة، وقضى عليك، خلت الساحة للكفار، ولم يعد هناك شيء من التدافع الذي يرفع الفساد؛ لأن الله يقول: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ} [البقرة:251] ما دام الخير يدفع الشر يحصل فيه أيضاً صلاح، لكن إذا خلا الجو للشر ظهر الفساد في البر والبحر بما تكسب أيدي الناس من الفساد والعياذ بالله! هذه هي المرحلة الأولى وهي الدعوة سراً.

المرحلة الثانية: الدعوة جهرا

المرحلة الثانية: الدعوة جهراً لقد بدأت بقول الله عز وجل: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء:214] حيث خرج النبي صلى الله عليه وسلم وصعد الصفا وهتف: (يا صباحاه) فقالوا: من هذا؟ فاجتمع إليه كل قريش، ثم قال: (أرأيتم إن أخبرتكم أن خيلاً تخرج من سفح هذا الجبل، أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذباً، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب عليه اللعنة: تباً لك ألهذا جمعتنا؟! فنزل قول الله عز وجل: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد:1 - 4]) هذا الحديث في الصحيحين، وكانت هذه الصيحة العالية هي غاية البلاغ لقريش، وقد فاصل النبي صلى الله عليه وسلم قومه في الدعوة، وأوضح لأقرب الناس إليه أن التصديق بهذه الرسالة هو مقدار الصلة بينه وبين الناس، وأن عصبية القرابة والصلة التي كانت تقوم بين العرب قد زالت في ظل حرارة الإيمان، والإنذار الآتي من عند الله.

فوائد ودروس من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم

فوائد ودروس من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم من هذا نقتبس -أيها الإخوة- بعض الفوائد، ومنها: إن الموقف السلبي لعشيرة النبي صلى الله عليه وسلم بصفة خاصة، وللعرب القرشيين بصفة عامة من الدعوة في هذه الفترة، فيه رد على من يحاول أن يصور هذا الدين وأن نجاحه كان نتيجة العصبية القومية، ويزعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم إنما كان يمثل بدعوته الدعوة القومية والعصبية، وهذا باطل؛ لأن بعض القوميين العرب حينما بدأت الدعوة القومية -لكن الحمد لله ماتت في مهدها في فترة من الفترات قبل حوالي ثلاثين أو أربعين سنة- نادى الناس بـ القومية العربية والاجتماع حول العروبة وترك القومية الدينية، وقالوا: نحن نبدأ حضارتنا من العرب، وضيعوا على المسلمين مجداً عظيماً هذا فيه رد؛ لأن موقف العرب من الرسول صلى الله عليه وسلم، كان: الرفض والمحاربة والسلبية، ومع هذا انتصر دين الله عز وجل. إذاً: في تباطؤ الناس عن دين الله، فيه دليل على قوة وتغلغل العادات والتقاليد في المجتمعات التي تعيش فيها ردحاً من الزمن، وهذا وضع يواجهه الدعاة. يا أخي في الله! ليس من السهل أن تأتي على مجتمع تعارف على شيء من التقاليد والأعراف والعادات، وتريد أن يغيرها الناس بجرة قلم، لأن الناس تعودوا عليها واعتادوها، ولذا من الصعب أن يتركوها، ولذا تواجه أنت وعندك هذا الشعور وهذا الحس أنك تمارس عملاً عظيماً، وعندما يخبو صوت الدعوة المهتدية بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، نجد أن هذه العادات تنشط، لكن إذا بدأت الدعوة المهتدية بالهدي النبوي وبالنور الرباني وبالحكمة؛ فإن هذه العادات والتقاليد تختفي وتزول، لكن تحتاج القضية إلى وقت وإلى صبر، أما المواجهة بسرعة والتوقع للاستجابة الفورية فهذا غير وارد. أيضاًَ من العبر في هذا المقطع بالذات: أن في خصوصية الأمر بإنذار العشيرة إشارة إلى درجة المسئولية بالدعوة، وأنها تتعلق بكل مسلم، خصوصاً الدعاة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحمل المسئولية تجاه نفسه أولاً، لكونه مكلفاً بعبادة الله عز وجل، ثم تجاه أسرته وأهله لوصفه رب الأسرة والمسئول عنها، ثم تجاه أقاربه وعشيرته لكونه ملاصقاً لهم ومخالطاً لهم، وبينهم وبينه علاقات، وتربطه بهم روابط، فعليه مسئولية أعظم مما على الآخرين البعيدين عنهم، ويشترك مع النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المسئولية كل مسلم مكلف، إذ على المسلم أن يبدأ بنفسه، ثم ينتقل في الخطوة الثانية بمسئوليته تجاه أولاده وزوجته وبناته ووالديه. وإن دعوة الوالدين تحتاج إلى نوع من اللين والرفق والدراية؛ إذ من الصعب أن يقبل الوالد من ولده لماذا؟ لأن الوالد يعرف الولد بمدى زمني بعيد، يعرفه وهو طفل يؤذي، ويعرفه وهو يدخل المدرسة ويمر بفترة زمنية، ثم يفاجأ به في لحظة من اللحظات وإذا به يوجهني ويعلمني الدين، ويدعوني إلى الإسلام، يقول لي: اتق الله! أعرف هذا اللّعاب من زمن! ولذلك لا يقبل الأب ويرفض ويقول: أنت تعلمني! وربما يضربه. ولهذا انتبه! إذا أردت أن توجه نصيحة للوالد فلا توجهها من مكان التعالي والشعور بالأستاذية، أو أنك تعلم أباك وهو الجاهل، حتى لو كان عندك شهادة وأبوك لا يحمل أي شهادة فإنه يحتقرك؛ لأنه يعرفك وهو الذي جاء بك. فعليك أن تعطيه الدعوة لكن تقدمها في قالب مقبول محبوب، تقول: يا أبتي! أنت أعرف مني، وأفضل مني وأنا أستحي وأقول: عيب علي إن أعلمك وأقول لك هذا الكلام، لكن من باب الفائدة، وهذه الفائدة أنا ما أخذتها إلا منك إذا قلت له هذا الكلام، فسيقول: نعم يا ولدي جزاك الله خيراً! ويقول: لا يا ولدي بارك الله فيك، أنا يعجبني هذا الكلام، أنا أكون مسروراً عندما تأتيني نصيحة من ولدي لماذا؟ لأنك أعدت له مكانته وأشعرته بكرامته، لكن عندما تجرده من الكرامة وتشعره بأنك أحسن منه، وأنه جاهل، وتقول له: أنت لم تعرف شيئاً، فيقول: اذهب أنت ودراستك، أنت أصلك ما تفهم، ويغضب ويتصدى لك ويقف في وجهك هذا الأب وكذلك الأم. إذاً: القضية قضية دقيقة جداً، لابد أن يكون فيها إحساس، لا تخرج الكلمة إلا وأنت تعرف أن لها مكاناً في قلوبهم وإلا فقف؛ لأنه ربما أفضى تعليمك لهم بأسلوب غير صحيح إلى حملهم على أن يتخذوا موقفاً، وربما يخرجون به من الدين وأنت لا تدري، وتكون السبب أنت، ولنا في إبراهيم عليه السلام أعظم الأثر والاعتبار وهو يقول لأبيه: يا أبت! أربع مرات {يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنْ الرَّحْمَنِ} [مريم:45] {يَا أَبَتِ لا تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ} [مريم:44] {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْمِ} [مريم:43] انظروا كيف الأدب في العبارة! قال: إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك، أي: إن عندك علماً لكن ما أتاك العلم الذي عندي، ما قال: أنت جاهل وما عندك علم، بل قال: ما لم يأتك، وفي العبارة هذه إيحاء إلى أنه جاءك علم لكن الذي جاءني ليس عندك، بمعنى: أنا عندي علم وأنت عندك علم يمكن أكثر من الذي عندي فاتبعني، بعد ذلك {أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً} [مريم:43] وفي كلمة: "يا أبتِ" نوع من التلطف والترقق وحسن العبارة حتى يدخل في قلب أبيه. فابدأ -يا أخي- بأبيك وبأمك، وأعظم مجال تستطيع أن تدخل به قلب أمك وأبيك الخدمة والعطاء والبذل؛ لأن الحياة مأخوذة على المعاوضة، فأعط أباك خدمة في البيت وتواجد باستمرار في البيت، وبراً وطاعةً، ولا أزال أذكر قصة أكررها للعظة والعبرة وهي: ملخص القصة: أنه جاءني شاب وأنا في أبها يشكو لي عناد أمه، ووقوفها في وجه الدعوة، فسألته: من يخدمكم في البيت؟ من يقوم بالطبخ والغسيل والكوي؟ قال: أمي، قلت: أريد أن أوصيك وإن شاء الله تنفذ وصيتي، قال: نعم. قلت: أولاً: لا تدعها إلى شيء من الدين أو الحجاب، فإن الحجاب ليست متمسكة به؛ لأنها لا تعرفه، فقلت له: لا تدعها إلى الحجاب ولا إلى غيره واعمل بوصيتي، قال: حسناً ماذا أصنع؟ قلت: إذا أكلتم وتغديتم وقمتم من السفرة لا تغسل وتذهب لتنام، وإنما اجلس أنت واجمع الصحون ولف السفرة واذهب بها إلى المطبخ، واغسل الصحون أنت بدل أمك، سترفض هي، لكن قل لها: والله ما أغسلهن إلا أنا، فإذا قمت في الصباح قبل أن تذهب الكلية نظف غرفتك، ونظم فراشك، ونظم السرير والبطانية حقك، وراجع دروسك واخرج من الغرفة وهي مرتبة، إذا رأيت أمك تكنس بالمكنسة الكهربائية فقل لها: والله ما أكنس إلا أنا، أريد أن أتعلم نوعاً من الخدمة، واستمر على هذا، ثم أعلمني بالنتيجة بعد ذلك. يخبرني فيما بعد ويقول: ذهبت إليها، ومن يوم تغدوا كان من قبل يتغدى ثم يغسل ويذهب لينام، لكن هذه المرة جلس حتى قاموا كلهم وهو جالس، فقالت له أمه: قم، قال: لا، أنا اليوم أريد أن أتعلم كيف أغسل الصحون؛ لأني غداً سأصبح عزوبياً، غداً أسافر وأحتاج أن أتعلم، وهذا نوع من الرياضة كوني أغسل الصحون، وأتحرك أحسن من النوم، قالت: لا يا ولدي، الصحون لا يغسلها الرجال، لا يغسلها إلا الحريم، قال: لا والله ما أغسلها إلا أنا، وحمل الصحون ودخل المطبخ وبدأ يغسلها وينظفها، وبعد ذلك في الصباح نظف غرفته، ثم رآها تكنس فقام يكنس مكانها، رآها تكوي يكوي معها ويخدمها، فأحبته لهذا الخلق فأصبح عينها، وبعد ذلك تريد رضاه بأي وسيلة، كان إذا ذهب يصلي يقول لإخوانه: انهضوا صلوا، تقول أمه: ما عليك منهم، صلِ وإلا اجلس، مالك دخل بهم، لما صار يغسل الصحون ويقوم يصلي من أجل تجامله تقول لإخوانه: قوموا صلوا مع أخيكم، هو يصلي وأنتم لا تصلون، من باب المجاملة مرة ومرتين واستمر، وأخيراً قالت له يوماً من الأيام: يا ولدي! قال: نعم. قالت: ما رأيك إني أستحي من الرجال والناس يأتون إلينا، ما رأيك أتغطى؟ قال: هذا أمر يخصك، قالت: لا والله إني أعرف أنه يؤذيك وأنك غير راضٍ لكنك تستحي، الله يديمك، لكن أعاهدك ألا أكشف على أحد. الله أكبر! وبعد ذلك صارت تدعو له وتقول: الحمد لله الذي هدى ولدي كي يغسل الصحون، هذه هي الهداية التي عندها، قبل يوم لم يكن يغسل الصحون ولم يكن مهتدياً، لكن لما أصبح باراً ويغسل الصحون عندها هو المهتدي. فكذلك -يا إخواني- إذا أردنا أن ندعو الآباء والأمهات يجب أن نخدمهم؛ لأننا إذا خدمناهم أخذنا منهم الحب، وبادلونا بالشعور، وفرحوا بالدعوة التي ربتنا هذه التربية، لكن بعض الشباب ما أن يهتدي حتى يقلب ويعكس المرآة لأهله، ولم يعودوا يرونه أبداً أين أنت؟ عندي محاضرة عندي درس مع الإخوة عندي معسكر عندي مخيم خذنا إلى المستشفى، قال: أنا مشغول أعطنا حاجات، قال: عندي زميلي ماذا سيقول أبوك؟ سيقول: الله يقلعه، والله من يوم اهتدى ما نحصل منه على مصلحة. فيكره الدعوة ويكره الدين. لكن لو أنه إذا اهتدى الولد لصق بأبيه وخدمه لقال: الحمد لله، الله يوفق الولد، ما رأينا بركته ولا مصلحته إلا من يوم أن هداه الله، فيحب أن يهتدي جميع أولاده. فهذا -أيها الإخوة- ضمن مسئولية الشاب تجاه والده ووالدته، وتجاه أسرته القريبة، وهذه هي المرحلة الثانية من مراحل الدعوة، وهي الدعوة جهراً، لكن في محيط العشيرة والأقربين. ونكتفي بهذا، وسوف نواصل -إن شاء الله- الدروس المباركة، ولكن بعد انتهاء العطلة الصيفية، فسوف تتوقف هذه الدروس خلال شهر اثنين وثلاثة وأربعة لعدم وجودي في المنطقة، وسأكون في أبها -إن شاء الله- خلال فترة الصيف، وستبدأ هذه الدروس -إذا أحيانا الله جميعاً- في نهاية الشهر الخامس بإذن الله عز وجل. أسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا وإياكم لكل خير، وأن يجنبنا جميعاً كل شر، وأن يرزقنا العظة والاعتبار بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن يوفق ولاة أمورنا وعلماءنا ودعاتنا وجميع شبابنا وجميع المسلمين إلى خدمة هذا الدين، والحرص عليه والدعوة إليه، والتمسك به، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

وصايا أخيرة ودروس تربوية

وصايا أخيرة ودروس تربوية الدرس الأول: المبادرة إلى الصلاة مع الأذان لأن أي انتظار بعد الأذان من وحي الشيطان، إذا سمعت داعي الله فأي وسوسة تأتي في قلبك بأن تصبر قليلاً، وتنتظر قليلاً، فإنما هي من الشيطان؛ لأن الدعوة من الله، الدعوة (حي على الصلاة) من الله، والدعوة ضدها بالجلوس من الشيطان، فلا تطع الشيطان، بل عندما يقول: الله أكبر، تقول: الله أكبر، توكلنا على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، وتقوم وتشد عزمك، وليس شهراً واحداً بل مدى حياتك حتى تلقى الله. الدرس الثاني: الصدق وترك الكذب حتى في الصغيرة؛ لأن الكذب يكتب حتى الكذيبة التي يسمونها الكذب الأبيض هذه كذب، فلا تكذب. الدرس الثالث: وهنا درس تربوي جديد، ونريد -إن شاء الله- أن نتمسك به وليس فيه صعوبة، وهو: تلاوة ورد يومي مقرر من القرآن الكريم، لا يقل عن جزء واحد، أن تقرأ يومياً جزءاً فهذا سهلٌ جداً، هناك أناس يمكن أن يقرءوا عشرة أجزاء، ومن كان له ورد أكثر من هذا فبارك الله فيه وليستمر وليس معنياً بكلامنا، كلامنا الآن ليس معنياً به من عنده ورد يومي يأخذ ثلاثة أجزاء فتراه ينزل إلى جزء، أو يظل على ثلاثة، بل يظل على ثلاثة، وإنما نعني بالجزء لمن لا يقرأ القرآن إلا نادراً؛ لأنه سيكون موضع شكوى من قبل النبي صلى الله عليه وسلم: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} [الفرقان:30]. كتاب أنزله الله للتدبر والتلاوة، لك بكل حرف تقرؤه من الحروف عشر حسنات (لا أقول: الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) ثلاثون حسنة في هذه الثلاثة الحروف: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] فيها ستة وستون حرفاً إذا قرأتها مرة فإن لك ستمائة وستين حسنة الفاتحة فيها مائة وخمسون حرفاً، إذا قرأتها مرة فإن لك ألفاً وخمسمائة حسنة الصفحة الواحدة فيها ستمائة حرف، إذا قرأت صفحة من القرآن لك ستة آلاف حسنة أيُّ تجارة أعظم من هذه التجارة يا إخواني؟! فنريد أن نأخذ بالحد الأدنى مثلما قال العلماء: إن أقل معدل يمكن أن يسلم الإنسان فيه من أن يكون هاجراً للقرآن أن يقرأ القرآن في كل شهر مرة، وبعض السلف كان يقرأ القرآن في كل عشرة أيام مرة، وقرأه بعض الإخوة في كل أسبوع مرة، وكان يقرأ بعضهم في كل ثلاثة أيام مرة، ومن السلف من قرأ القرآن في اليوم الواحد مرة، ومنهم من كان له في كل يوم ختمتان؛ ختمة في الليل وختمة في النهار، وقد تستغربون من هذا، لكن لا تستغربون؛ لأنه كان في أوقاتهم بركة وكان في أعمالهم خير، لكن نحن الآن مشغولون؛ شغلتنا بطوننا، وشهواتنا، وحاجاتنا، وأسواقنا، وذهابنا، وإيابنا، أما هم فما عاشوا إلا لدين الله عز وجل، فنريد -أيها الإخوة- أن نلتزم بهذا القدر إن شاء الله في كل يوم نقرأ جزءاً. وقد رتب بعض الإخوة ترتيباً لهذا، يقول: إن الإنسان إذا جاء قبل إقامة الصلاة في الخمس الصلوات وقرأ ورقتين فقط، أي: أربع صفحات في خمس صلوات، فسيكون هناك عشر ورقات وهو جزء كامل، فالذي يأتي قبل كل صلاة ويقرأ ورقتين هذا في يومه سيقرأ جزءاً، المهم كما تريد أنت، عليك جزء فقط، تريد أن تأتي به في صلاة واحدة أو في خمس صلوات، المهم لا تنزل عن هذا المعدل، تريد أن تقرأ جزأين أو ثلاثة فخير كبير، ومن زاد زيد له، والذي يريد حسنات أكثر يقرأ أكثر، ويقال يوم القيامة كما جاء في الصحيح لقارئ القرآن: (اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك في الجنة عند آخر آية تقرؤها) فنسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل القرآن.

الأسئلة

الأسئلة

وصايا على أبواب الاختبارات

وصايا على أبواب الاختبارات Q تعلمون أن الاختبارات على الأبواب، فهل من دعوة للطلبة للتسديد والتوفيق؟ A نعم، ندعو الله الذي لا إله إلا هو أن يعين أبناءنا الطلبة وإخواننا على أداء امتحاناتهم، وأن يرزقهم النجاح في الدنيا والآخرة، ولكن نوصيهم: أولاً: بتقوى الله، فإن تقوى الله عز وجل أكبر معين على مذاكرة الدروس، يقول الله عز وجل: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ} [البقرة:282] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} [الحديد:28] والشافعي يقول في بيتين من الشعر: شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي ومن أسباب عدم القدرة على هضم العلم المعاصي؛ فإن المعاصي تغلب القلب فلا يعرف العلم، فعليك إذا أردت أن يفتح الله بصيرتك، وأن يفتح الله ذكاءك، أن تكون طائعاً لله متقياً له، حافظاً لحدوده ومجتنباً لمحارمه. ثانياً: على الطلبة تجنب الغش، فإن الغش حرام مهما كان، لو رأيت كل الصالة تغش فلا تغش: (من غشنا فليس منا) ويترتب على حرمة الغش حرمة الشهادة التي تأخذها، ويترتب على حرمة الشهادة حرمة الوظيفة التي تنالها؛ لأنه ما بني على الحرام فأساسه حرام، إلا من عمل هذا جاهلاً ثم تاب؛ فإن التوبة تجب ما قبلها، لكن تعملها وأنت تدري ثم تقول بعد ذلك: إذا نجحت من الامتحان تبت، لا، أنت تعصي الله على بصيرة والعياذ بالله! ثالثاً: ينبغي للطلاب بذل الجهد واستنفاذ طاقة المذاكرة، وعدم تضييع الأوقات، ووضع جداول وبرامج محددة، كأن تأتي بجدول الامتحانات أمامك، ويوم السبت الموافق: 9/ 2/ تبدأ بمادة كذا وكذا، والأحد كذا وكذا، والإثنين كذا وكذا، تضع جدول للمذاكرة قبلها بثلاثة أسابيع، الأسبوع الأول: أذاكر في يوم السبت المادة التي في يوم السبت، وفي الأسبوع الثاني أراجعها مرة ثانية، وفي الأسبوع الثالث أراجعها مرة ثالثة، ويأتي يوم الامتحان فتراجع المرة الرابعة، وإذا بها مطبوعة في ذهنك، لكن بعض الشباب يضيع الوقت إلى ليلة الامتحان، ثم يأتي يذاكرها مذاكرة واحدة فتتبخر، فيدخل الصالة وليس معه حرف واحد، فلا بد من المراجعة بالتكرار؛ لأن التكرار يؤكد المعلومة في ذهن الإنسان. أيضاً احذر من السهر، فإن السهر الطويل الممل والمتعب خاصة في الليل، يأتي الشخص فينام ساعة ثم يذهب ليذاكر، فيذهب وهو مقفل (الموجات) نائم، وهذا مجرب، فعليك أن تذاكر في النهار كله وتذاكر جزءاً من الليل ثم تنام، وبعد ذلك تقوم وأنت نشيط قد ذهب منك النوم والكسل، فتؤدي الامتحان -إن شاء الله- بنشاط. وبعد ذلك الحذر من تعاطي بعض الأشياء، التي نسأل الله ألا تكون في مجتمعنا، لكننا نسمع أن بعض الناس يتعاطون بعض الحبوب المسهرة، وهي نوع من الحبوب المخدرة، التي إذا تعاطاها ذهب منه النوم وجف دماغه، لكن بتعاطيها وقع في الحرام وربما يقع في الإدمان، ويقع في بؤرة المخدرات والعياذ بالله! بهذه الوصية نسأل الله تبارك وتعالى أن يعين أبناءنا وإخواننا، وأن يوفقهم للنجاح في الدنيا والآخرة، كما نذكرهم أن يتذكروا وهم في هذا الامتحان الرهيب يوم القيامة، ولا مقارنة بين الامتحانين؛ فالامتحان في الدنيا في بعض فصول الكتب، أما امتحان الآخرة ففي كتاب: {لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} [الكهف:49] زمن الامتحان في الدنيا ساعتان أو ثلاث ساعات، أما زمن الامتحان في الآخرة {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج:4] الذي يدير الامتحان في الدنيا ثلة من البشر، لكن الذي يدير الامتحان يوم القيامة {مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] وبعد ذلك نتيجة الامتحان في الدنيا إما أن تنجح أو دور ثاني وإما تسقط، لكن الامتحان في الآخرة إما الجنة وإما النار: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185].

كلمة توجيهية للنساء في الدعوة إلى الله

كلمة توجيهية للنساء في الدعوة إلى الله Q هل من كلمة توجيهية تخص بها النساء في السير على طريق الدعوة إلى الله؟ A كل ما يقال للرجال في أمر الدعوة يقال للنساء أيضاً، ولكن نخص النساء بمزيد؛ إذ أن جانب الدعوة النسوي لا يزال يفتقر إلى الداعيات، وأقدر الناس على الدعوة في صفوف النساء هن النساء؛ لأن المرأة أعرف بشئون المرأة، وبمشاكلها وقضاياها، وإننا نستغرب -أيها الإخوة- أن لا يكون في نسائنا داعيات خصوصاً بعد ظهور العلم، وتأهل الكثير من النساء كثير من النساء الآن يحملن (الدكتوراه) ويحملن (الماجستير)، ويحملن الشهادات الجامعية، ومع هذا لم نجد فيهن داعيات لماذا؟ هذا أمر مستنكر، فلابد أن يقوم في النساء من يدعو إلى الله، وهذا عمل عظيم، ولو استعرضنا تاريخ السلف والتراجم، وسير الأعلام من الأمم؛ لوجدنا أن كثيراً من الصالحات كنَّ داعيات وعالمات وفضليات، ولا يتسع المقام لذكرهن وحصرهن، يتقدمهن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها التي روت أكثر من خمسة آلاف حديث، وحفظت للأمة هذه الثروة الضخمة لدين الله عز وجل.

حكم ترك الصلاة في المسجد بعد رمضان

حكم ترك الصلاة في المسجد بعد رمضان Q ما حكم من يصلي الفجر في رمضان، وطوال العام لا يصلي في المسجد؟ A بئس الرجل الذي لا يعرف الله إلا في رمضان! من يصلي الفجر في رمضان عليه أن يصلي الفجر في كل أيام السنة في المسجد، وإلا فهو -والعياذ بالله- منافق معلوم النفاق؛ لأن الذي يبين لك هل أنت مؤمن أو منافق هي صلاة الفجر، فإن كنت من أهل صلاة الفجر بانتظام فهذه علامة الإيمان، وإذا كان العبد لا يصلي الفجر في المسجد فهذه علامة النفاق.

حكم صلاة تحية المسجد وقت الكراهة

حكم صلاة تحية المسجد وقت الكراهة Q رأيتك تصلي نافلة قبل أذان المغرب ولم يبق إلا دقائق، وهذا الوقت نعرف أنه وقت تكره فيه الصلاة، فهل هناك دليل على ما فعلت رحمك الله. خاصة وأن الناس شاهدوك وفعلك محبوب عندهم، أرجو التوضيح؟ A النافلة المنهي عنها في وقت النهي هي النافلة المطلقة، أما النافلة ذات السبب فإنها تشرع في وقت النهي وفي غيره، وقد عد العلماء من ذوات الأسباب ركعتي تحية المسجد، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) فإذا دخلت المسجد في وقت نهي فهناك قولان للعلماء: القول الأول: أنك تصلي؛ لأنك مأمور بعدم الجلوس إلا بعد الصلاة، وهذا أرجح عند العلماء. والقول الآخر: أنك تجلس ولا تصلي؛ لأنه منهي عن الصلاة في هذا الوقت، وهذا القول مرجوح؛ لأنه اجتهادي، أما القول الأول: فهو نصي، والنصي مقدم على الاجتهادي، الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) وبعض الناس اجتهد فوقف، لا جلس ولا صلى، وهذا لم يقل به أحد من أهل العلم، فأنت بالخيار، إما أن تصلي أو أن تجلس، أما أن تظل واقفاً لا صليت ولا جلست فهذا اجتهاد من عندك، فأنا صليت عملاً بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، بالأرجح الذي قرأته وعرفته من كلام أهل العلم.

اختصاص الأنبياء بالصلاة والسلام والصحابة بالرضوان

اختصاص الأنبياء بالصلاة والسلام والصحابة بالرضوان Q سمعت شخصاً يقول: عيسى عليه الصلاة السلام، أو يذكر أحد التابعين فيقول: رضي الله عنه فهل في هذا شيء؟ A لقد تكلم أهل العلم عن خصوصيات الصفات بالنسبة للأنبياء، فهم مخصوصون بالصلاة والسلام، وإن كان السلام يطلق في العموم على كل مسلم، لأننا نقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، إذا لقيتك قلت: السلام عليك، لكن إذا ذكرت رجلاً من الناس بعينه فلا ينبغي لك أن تقول: فلان عليه الصلاة والسلام، فإن هذا مختص به الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، أما بالنسبة لـ (رضي الله عنه) فهذه مختصة بالصحابة؛ لأن الله قد أخبرنا بأنه قد رضي عنهم، ومن بعدهم من التابعين لا يترضى عنهم وإنما يترحم عليهم، فتقول في التابعين: الحسن رحمه الله سعيد بن المسيب رحمه الله، لكن أبو بكر رضي الله عنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومن بعدهم من التابعين وغيرهم إلى يوم القيامة نقول: رحمهم الله، ورحم الله الجميع. عمر بن عبد العزيز من التابعين وهو ملحق بالخلفاء الراشدين، حتى عده المؤرخون الخليفة الخامس، لكن الترضي عنه لا؛ لأن الترضي يعني أنك ألحقته بالصحابة، وشرف الصحبة شرف لا يناله أحد مهما كان عمله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الصحابة لا يدانون، يقول: (لو أنفق أحدكم مثل جبل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه) ولهذا أجمعت الأمة وأطبقت على أن الصحابة كلهم عدول؛ لأن الله اختارهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم. ولكن عمر بن عبد العزيز رحمه الله معروف بفضله، ما نقول: رضي الله عنه، نقول: رحمه الله، وعمر بن عبد العزيز رحمه الله عُدّ من الخلفاء الراشدين؛ لأن خلافته كانت على منهج الخلفاء الراشدين، ولم يأت أحد بعد خلافة علي على منهجه إلا هو رحمه الله، وجمعنا بهم في جنات النعيم.

تنبيه على موضوع يتعلق بالعقيدة

تنبيه على موضوع يتعلق بالعقيدة أختم جلستي بهذا الموضوع وله علاقة بالعقيدة وهو مهم جداً هذه ورقة دائماً نراها ولا تأتي إلا أيام الامتحانات، وهذا شيء مجرب، فمن المعلوم منذ عشرات السنين أنها ما تثار من قبل أعداء الله إلا وقت الامتحان، لإيجاد بلبلة وإشغال للشباب وللطلبة وهذه القصة تقول: فتاة تبلغ من العمر ستة عشر عاماً، مرضت مرضاً شديداً عجز الأطباء عن علاجها، وفي ليلة القدر بكت الفتاة بشدة، ثم نامت وفي منامها أتتها السيدة زينب وأعطتها شربة ماء، ولما استيقظت الفتاة من نومها وجدت نفسها وقد شفيت تماماً، ووجدت قطعة قماش مكتوب عليها أن تنشر هذه الرسالة وتوزع على ثلاثة عشر فرداً، ووصلت هذه الرسالة إلى عميد بحري فوزعها فحصل على ترقية خلال ثلاثة عشر يوماً، من عميد إلى لواء، ووصلت إلى تاجر فأهملها فخسر تجارته وجميع ثروته في ثلاثة عشر يوماً، ووصلت إلى عامل فحصل على ترقية، وحلت جميع مشاكله في ثلاثة عشر يوماً ما هذه الورقة؟! أرجو منك يا أخي أن تقوم بنشرها وتوزيعها على ثلاثة عشر فرداً، الرجاء عدم الإهمال. الإمضاء: أم الفتاة، من هي أم الفتاة؟ قالوا وقلنا، من التي كتبت؟ ومن هي الفتاة؟ ومن أمها؟ ومتى حدثت؟! كل هذا أساطير وكذب، ومن هو التاجر الذي فقد ثروته؟ ومن هو العميد حتى نراه ونهنيه؟! لكن كلها كذب في كذب ما الغرض من هذا -أيها الإخوة-؟ الغرض كما بين العلماء أن يقوم أحد الناس السطحيين الذي في عقله خفة، فيقوم يصورها ثلاث عشرة صورة، ويرسلها ويرقب أنه يترقى، فإذا غلق الثلاثة عشر يوماً وما وجد الترقية؛ بنى على هذه الخرافة أن الدين الذي جاء عن الله وعن رسول الله خرافة، لأن هذه السيدة زينب منسوبة إلى البيت، وهذه كلها خرافة، إذاً كل الدين خرافة هذا هو الغلط؛ إظهار الدين شعوذة وكذب وأساطير. أيها الإخوة: هذا ليس من دين الله، والذي يوزعها أجهل خلق الله، الذي يوزعها ويتبناها جاهل -والعياذ بالله- فعلى من وجدها أن يمزقها، وأنا أول من يمزقها، تقرباً إلى الله؛ حتى لا تقع في يد أحد يذهب يصورها وقد مرت علي فألام عليها يوم القيامة، والله أعلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

السعادة وأسبابها

السعادة وأسبابها إن ما يدور في العالم من صراع وقتل وتشريد إنما هو ناتج عن فقد الشعوب والمجتمعات لمفتاح الحياة، والكثير منهم ما يزالوا ينقبون عنه في شتى مناجم الحياة المادية وهذا المفتاح هو السعادة التي لا يعرف مواطنها إلا خالقها. ولما ظن كثير من البشر أن السعادة في غير الطريق الذي وصفه الله لهم أضاعوا العمر في البحث عن كل ما هو فانٍ، مما أثار تساؤلات كثير منهم فترددوا في حيرتهم، بل واختاروا طريق الموت والانتحار هرباً من الحياة التي فارقتها السعادة.

السعادة حقيقتها وحقيقة أهلها

السعادة حقيقتها وحقيقة أهلها الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أولاً: أقدم شكري وعظيم امتناني إلى أخي الدكتور/ يحيى؛ عميد الكلية، وإلى الإخوة القائمين على نشاط التوجيه والتربية الإسلامية في هذه الكلية وعلى توجيه الدعوة لترتيب هذا اللقاء الذي أشعر -وأنتم كذلك تشعرون- بأهمية الحاجة إليه؛ لأن القلوب تحتاج إلى سماع العلم الشرعي والتوجيه الإسلامي أعظم من حاجة الأرض إلى نزول الغيث, فكما أن الأرض إذا انقطع عنها المطر أقفرت وأقحلت وانعدم خيرها وكثر شرها، كذلك القلوب إذا انقطع عنها الوحي الرباني والهدي السماوي فإنها تقسو وتتحجر ويكثر شرها وينعدم خيرها, وما ترونه اليوم من ممارسات غير صحيحة من قسوة في القلوب، وتحجر في العيون، وجرأة على المعاصي، وكسل في الطاعة، واستخفاف بالأوامر الربانية كل ذلك نتيجة لعدم الاستماع إلى الهدى الذي جعله الله عز وجل شفاء لما في الصدور: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:57 - 58]. ولا أشعر -أيها الإخوة- بغربة في مثل هذه المجالس، خصوصاً في أماكن التربية والتعليم؛ فلقد قطعت فيها عمراً طويلاً؛ أكثر من نصف عمري, بل أشعر بالأُنس والراحة والبيئة الصحيحة التي عرفتها طوال حياتي. الحديث عن السعادة حديث مشوق؛ لأنها مطلب كل إنسان وبغية كل كائن، والناس يختلفون بفئاتهم ومشاربهم وأشكالهم وعقائدهم وتصرفاتهم وأفكارهم يختلفون في أشياء كثيرة، لكنهم يتفقون في شيء واحد وهو البحث عن السعادة: المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والعربي والعجمي، والأسود والأبيض، والمثقف والأمي، والكبير والصغير كل واحد يبحث عن السعادة, ولا أظن على وجه الأرض أحداً يود أن يكون شقياً, وما ترونه اليوم من تطاحن وصراعات في العالم كله من أجل البحث عن السعادة, ولكن المشكلة -أيها الإخوة- أن معظم البشر وأكثر الناس ضلوا الطريق وتاهوا عن القصد، وما عرفوا الطريق الموصل إلى السعادة.

اللاهثون وراء السعادة من طريق الماديات

اللاهثون وراء السعادة من طريق الماديات لقد ظن بعض الناس أن السعادة في المال فقطعوا مراحل أعمارهم بتجميعه حتى حصلوا عليه, فلما حصلوا عليه كان المال سبباً لشقائهم, إذ المال وحده لا يكفي لإسعاد الإنسان, وإنما هو وسيلة من الوسائل التي تحقق السعادة, لكن إذا جعله الإنسان غاية وحصل عليه وجد الشقاء بعينه في المال. ابنة المليونير اليوناني التي ورثت خمسة آلاف مليون من أبيها -وهذا المبلغ يهز الدنيا- ربما يحلم الإنسان باقتنائه، وربما يموت ملايين البشر ولا يحصلون عليه, ولكن هذه ترث في صفقة واحدة بعد موت والدها خمسة آلاف مليون, وتمتلك جزراً كاملة وسفناً وطائرات وعمارات وشركات، ومع هذا لم تحقق لها هذه الثروة السعادة, فقد تزوجت بإنسان روسي وعاشت معه في غرفتين قبل سقوط الاتحاد السوفييتي -لأن الأنظمة الشيوعية لم تكن تسمح بأكثر من غرفتين- وكانت هي التي تطبخ الطعام بنفسها, وسئلت فقيل لها: كيف تعيشين هذه الحياة؟ قالت: أبحث عن السعادة. وظلت سنة كاملة تبحث عن السعادة فلم تجدها فطلقته؛ لأنها اشترطت يوم أن تزوجت أن تطلقه, وتزوجت بآخر فرنسي وتزوجت بأمريكي وتزوجت من كل النوعيات لتبحث عن السعادة ولم تجدها, وأخيراً وجدت مقتولة في بيتها! قيل: إنها منتحرة, لم تغن عنها الملايين شيئاً ولم تحقق لها الملايين سعادة, وهذا مقرر في كتاب الله؛ يقول الله سبحانه وتعالى: {فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا} [التوبة:55] بعض الناس يتصور العذاب بالمال في الآخرة، لا. ليس في الآخرة فقط، بل في الدنيا والآخرة {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [التوبة:55]. سبحان الله! المال الذي هو أمل كل واحد، والذي هو رغبة كل إنسان يتحول عذاباً في الدنيا؟ نعم. عذاب في الحياة الدنيا وفي الآخرة، كيف يكون المال سبباً في العذاب في الحياة الدنيا؟ A من ثلاثة أمور: الأمر الأول: طريقة تحصيله: لا يأتي المال بالمجان, إذ لا بد من تعب وسهر وتفكير, ولا بد من مخاطرات وسفرات, والذي ينام لا يأتيه شيء, لكن ذلك الذي يشتغل ليل نهار هو الذي يرزق بالمال. الأمر الثاني: طريقة تشغيله: وبعدما يأتيه المال يأتيه هم وتعب في حفظه وتشغيله واستثماره وتحريكه. الأمر الثالث: القلق والحزن عند ضياعه: ثم يأتيه هم آخر عند مفارقته والحزن والقلق عند ضياعه, فالمال بطبيعته عذاب للإنسان, وليس طريقاً للسعادة. وبعضهم ظن أن السعادة في الرتب والمناصب واحتلال أرفع الدرجات، فيحاول أن يحصل على أحسن المؤهلات, فلما وصلوا إليها لم تتحقق لهم السعادة, ولست في هذه العجالة بحاجة إلى التدليل, فالذي ذاقها أو عرفها يعرف أنها ليست لإسعاده. وبعضهم ظن السعادة أن يرتمي في أحضان الغانيات ويستجيب لنداء النزوات والشهوات ويعيش حياة العاطفة؛ حياة الفن, والرقص, واللعب, والحب, والغرام, ظناً منه أن هذه هي السعادة. ولكنها في الحقيقة بعينها كانت عنوان الشقاء, فإن سألنا أهل الاختصاص فإنهم يجيبون بأصوات مرتفعة، فرائدة الغناء العربي تقول في إحدى أغانيها: (الحب عذاب) والعندليب الأسمر يقول: (حبك نار، وقربك نار، وبعدك نار، نار يا حبيبه نار) يعني هذا أقسى ما في الحياة من عذاب، بل توعد الله مثل هؤلاء بالعذاب في الآخرة بالنار ولقد حصل عليه في الدنيا قبل أن يلقاه, وهذا معنى قول الشاعر: فما في الأرض أشقى من محب وإن ظن الهوى حلو المذاق تراه باكياً في كل حين مخافة لوعة أو لاشتياق فيبكي إن نأوا شوقاً إليهم ويبكي إن دنوا خوف الفراق إذا كانت الحبيبة بعيدة يبكي؛ لأنها بعيدة عنه, وهو متشوق إليها، وإذا قربت منه يبكي توقعاً منه إنها سوف تفارقه. فتسخن عينه عن التداني وتسخن عينه خوف الفراق فالقضية عذاب من أولها إلى آخرها, وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه القيم العظيم الداء والدواء الذي أدعو الشباب إلى اقتنائه وقراءته؛ لأن فيه جواباً على كل التساؤلات التي في النفس البشرية حول هذا الأمر من العاطفة والحب، إني أظن ألا أحد من الناس إلا وعنده هذا المرض -مرض الحب- والحب طبعاً عاطفة في النفس البشرية التي خلقها الله, لكنه جعلها لشيء آخر غير ما يفهمه الناس, فالحب حب الله، وحب رسوله، والقرآن، والجنة، والدين هذا هو الحب. أذكر أن شاباً من شباب الصحوة وهو الآن يعمل دكتوراً في الجامعة في كلية اللغة في أبها، ويوم أن كان في المدرسة الثانوية كان عنده مدرس علم النفس، وكان دائماً يتكلم عن الجنس والحب والغرام، ويفسر الحياة كلها على هذا المنوال, لأنه من تلاميذ فرويد , وفرويد هذا أنجس موجود على وجه الأرض؛ رجل خبيث مغمور في الجنس من رأسه إلى قدمه، لأن علماء التربية والنفس أكثرهم يأخذون هذه الأفكار والمناحي من تصرفات النفس البشرية بعيداً عن الهدي الذي يهذب النفس البشرية، فإن أعظم من يتكلم عنها صانعها وهو الله جل وعلا, فالجهاز أحسن من يتكلم عنه ويصفه هي الشركة التي صنعته, لكن لو أتينا بصاحب البنشر وقلنا: أعلمنا بأسرار هذا الجهاز, فإنه لا يعرف أسراره, ولكن يقول: لا يوجد زيت, ولا شحم, ولا هواء هذا عمله, وكذلك الذي يتحدث عن النفس الإنسانية وهو لا يعرفها سيكون حديثه كلام فارغ وهراء, وقد ابتدأهم ذلك الأول الذي قال: إن الإنسان قرد، اسمه " دارون " وهو قرد وأبوه قرد ابن قرد. والدارونية سقطت، وأصبحت هناك نظريات جديدة اسمها: الدارونية الحديثة -يعني بعيدة كل البعد عن نظرية دارون - لأن الأبحاث والآثار أثبتت أن الإنسان إنسان منذ خلقه الله، وأنه لم يتطور؛ وهذا البحث بعيد كل البعد عن نظرية دارون التي قال فيها: إن الإنسان كان خلية، ثم تطور وتطور إلى أن أصبح إنساناً, ولما سئل: ما دامت القضية قضية تطور فلماذا بقي الإنسان إنساناً ولم يتطور؟ قال: سيتطور, قالوا: متى؟ قال: بعد خمسة آلاف مليون سنة! كبّر الكذبة حتى لا يدركها أحد, قالوا: ما الذي يحدث بعد هذا؟ قال: يصير فأراً -يقول: يتطور الإنسان حتى يصير فأراً بعد هذا- طبعاً سقطت هذه النظرية وقامت نظريات أخرى كنظرية ماريا منتسوني , ونظرية فروبل في اللعب, ونظرية المشروع الدونديوي, ونظرية دوركايم في العقل الجمعي, ونظرية ماركس التي سقطت في التطبيق العملي، وهي نظرية: لا إله والحياة مادة. نظرية فرويد هذا تعني أن الحياة كلها جنس, حتى يفسر الطفل، يقول: عندما يرضع ثدي أمه فإنه يمارس عملية الجنس -والعياذ بالله- وهذا المدرس كان من تلامذة فرويد، فدائماً يدغدغ مشاعر التلاميذ وهم في سن المراهقة -ثالث ثانوي- ويتكلم معهم عن الجنس، وتمر نصف ساعة أو ساعة كلها في الجنس, فيحبه الطلاب, فأحد الطلاب قال: يا أستاذ قال: نعم. قال: لماذا الملتزمون لا يحبون -وكان يوجد أربعة من الطلاب في الفصل ملتزمين-؟ لأن بقية الطلاب كل واحد منهم له محبوبة, إلا هؤلاء الأربعة الملتزمين لا يحبون, قال: يا أستاذ لماذا المطاوعة لا يحبون؟ فقال الأستاذ الشيطان الرجيم: أولئك قوم مات في قلوبهم الوجدان, يقول: الوجدان في قلوب هؤلاء ميت, ومعقدون مكبوتون -يعني في الدين- وليس عندهم وجدان حي, فقام الشاب المبارك -الذي أسأل الله أن يوفقه وهو كان عميد كلية اللغة والآن مدرس في الكلية- وقف وقال: لا يا أستاذ. نحن لم يمت الوجدان في قلوبنا, نحن نحب ولكننا نحب الله ورسوله والدار الآخرة, وأنتم تحبون ولكنكم تحبون ما يحب الحمار, ماذا يحب الحمار؟ يحب هذا الشيء, أي: إذا رأى أنثى رفع مسامعه وجرى وراءها، هذا عمله، وهؤلاء يعيشون حياة البهائم كما قال الله سبحانه وتعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44]. فالسعادة -أيها الإخوة- ليست في الحب, ولا في الاستجابة لنداء الشهوة والنزوة.

تعريف السعادة

تعريف السعادة ما هي السعادة؟ السعادة في تعريفها عند العلماء هي: الشعور بالأمن والراحة والطمأنينة في هذه الحياة التي هي مشاهدة، وأيضاً في المستقبل الذي هو محجوب عن الإنسان، هنا مربط الفرس, فإن الذي ليس عنده عن الآخرة علم، ولا عمل لها، وهو يعلم أنه سائر إليها لا يشعر بسعادة, لماذا؟ لأنه على يقين من الموت, ولا يوجد أحد في الدنيا يقول: لا أريد أن أموت, بل تموت رغماً عنك, والرحلات ماشية الآن, وكل يوم تسمعون عن موت أناس، فما بعد الموت؟ الآخرة, وما بعد الآخرة؟ وهنا المشكلة, فالذين يقولون: لا يوجد شيء، نقول لهم: من قال لكم: إنه لا يوجد شيء؟ من الذي مات وذهب إلى الآخرة واكتشف أنه لا يوجد شيء ورجع ليقول لنا: لا يوجد شيء هل أحد فعل ذلك؟ لا. نحن عندنا يقين حينما نقول: يوجد شيء بعد الموت؛ لأن الله أرسل رسولاً وأنزل عليه كتاباً، وضمَّن هذا الكتاب أخبار الآخرة, وضمَّن هذا الكتاب أيضاً إعجازاً ليدل على أنه من عند الله, ولا يمكن أن يكون من عند بشر, فأنت عندما تقرأ القرآن وتلمسه وتحس به وتستشعره تعرف أنه من عند الله, فالله تعالى يقول فيه: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت:51] أي: كفى بالقرآن معجزة, ويقول عليه الصلاة والسلام في صحيح البخاري: (ما من نبي قبلي إلا أوتي ما على مثله آمن البشر, وإني أوتيت أكثرهم -أي: القرآن- وإني أرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة) وقد تحققت نبوة النبي صلى الله عليه وسلم فهاهو دينه باق على وجه البسيطة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم -وحاشاه- كذاباً لما بقي دينه, فكم من أناس ادعوا النبوة وكان لديهم من الإمكانات ما يؤهلهم بأن يقودوا أممهم في الباطل الذي انتحلوه, لكن هل بقيت دعواتهم؟ فقد ادعى النبوة شخص اسمه مسيلمة! من يعرف أباه أو جده؟ أبوه الكذاب، اسمه: مسيلمة الكذاب , ادعى النبوة وكان عنده رجال وجيش ومقاتلون أشداء أشاوس، لكن لا يوجد الآن على وجه الأرض خبر على أن مسيلمة رسول الله، حتى أولاده من صلبه لو سلسلنا ذريته ووجدنا من ذريته شخصاً لقلنا له: أنت فلان بن فلان بن فلان بن مسيلمة الكذاب. وطليحة بن خويلد الأسدي ادعى النبوة أيضاً، وهو من طي من بلد حائل , ولكنه أسلم بعد ذلك -سبقت له من الله الحسنى وأسلم- قام وادعى النبوة وقاتل الصحابة في حروب الردة وقتل اثنين من الصحابة: قتل زيد بن أرقم وعكاشة بن محصن رضي الله عنهم وأرضاهم, ومع هذا أسلم ورجع وقاتل في معارك إسلامية عظيمة واستشهد. والأسود العنسي أيضاً ادعى النبوة في اليمن , وسجاح بنت الحارث ادعت النبوة حتى النسوة ادعين النبوة! ولكن هل بقيت دعواتهم؟ لا. لماذا؟ لأنها باطلة, لماذا بقيت دعوة الإسلام ودعوة النبي صلى الله عليه وسلم؟ كم على وجه الأرض اليوم ممن يشهد أن محمداً رسول الله؟ أكثر من ألف مليون مسلم يشهدون وتكفينا الشهادة, صحيح أن الأمة الإسلامية الآن ضعيفة ومقهورة وغير رائدة ولا قائدة، لكنها لا تضيع عقيدتها, ولهذا تجد حتى أضعف الناس إيماناً إذا سمع أن هناك أي تعرض أو إساءة لشخصية النبي صلى الله عليه وسلم يثور ويغضب ولا يمكن أن يرضى, ويقول: كيف يهان الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وهذا دليل على أنه رسول الله. ضمَّن الله هذا الكتاب الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم الخبر عن الآخرة, وعمل الناس للأعمال التي تنفع بعد الموت, ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت) ما الذي ينفع بعد الموت؟ العمل الصالح, وأما المال فلا ينفع بعد الموت إلا من كان مؤمناً؛ لأن الله يقول: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ:37]. فالسعادة في تعريفها: شعور داخلي بالأمن والطمأنينة والراحة والسكينة في الحياة الدنيا وما بعد الموت، فالمال يوفر لك الراحة والسعادة في الدنيا فقط, والزوجة والأولاد والمنصب والمكانة الاجتماعية كلها توفر لك الراحة لكن في الدنيا فقط, وفي الآخرة لا توفر لك السعادة فيبقى القلق, والإمكانات المادية توفر الراحة للكائن الجسدي فقط, ويبقى الكائن الروحي هنا في قلق, وحيرة, واضطراب إلى أن يجد الغذاء الذي من أجله وجد، والذي في عالمه وجد، وهو غذاء الروح؛ أي: إذا وجد الإيمان وجدت السعادة هذه هي السعادة وتعريفها.

أسباب السعادة

أسباب السعادة أما أسبابها وكيفية الحصول عليها فتكمن في الآتي:

الإيمان بالله والعمل الصالح

الإيمان بالله والعمل الصالح أول عنصر من عناصر السعادة: هو الإيمان بالله والعمل الصالح: وقد جاء هذا مصرحاً به في كتاب الله عز وجل، يقول الله سبحانه وتعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97] وهذه الكلمة: (فَلَنُحْيِيَنَّهُ) يعرف أهل اللغة ما فيها من المؤكدات؛ فاللام المؤكدة والنون المثقلة شديدة التوكيد (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)، ما هي الحياة الطيبة؟ ليست حياة البطون ولا الفروج ولا الشهوات, إنها حياة القلب -والنفس- وقد كان حياً قبل أن يعمل الإيمان والعمل الصالح؟ قالوا: كانت حياته حياة خبيثة؛ بعيدة عن الله, فليس بحي بل هو ميت، والله تعالى يقول: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً} [الأنعام:122] كان ميتاً بالكفر والمعاصي والذنوب (فأحييناه) بالإيمان, ولا يستوي الحي والميت كما قال الله تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} [فاطر:19] * {وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ} [فاطر:21] * {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22]، فرق بين هذا وذاك, فمن يعش حقيقة الإيمان ليس كمن يعيش حياة اللهو, ولهذا يقول الله تعالى: {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبَابِ} [الرعد:19]. فالإيمان هو أساس السعادة؛ وهو عنصر السعادة الأول, فإذا وجد الإيمان وجدت السعادة ولو لم توجد البقية, وإذا فقد الإيمان والعمل الصالح فقدت السعادة ولو توفرت للإنسان جميع أسباب السعادة الأخرى؛ لأنه هو الأساس, وهل يمكن أن تقوم عمارة بغير أساس؟ لا. بل أول شيء الأساس, ثم بعد ذلك يمكنك أن تكمل الدور الثاني والثالث والرابع فلا يمكن أن تبني الدور الثاني في الهواء بدون أساس وقواعد, ولذلك الناس الآن يبنون عمارة السعادة في الهواء؛ يبنون السعادة بالمال، وبالزوجة، والمنصب، والأفلام والمسلسلات، والتمشيات، يبنون سعادة في البر والبحر والرحلات، لا. ابدأ السعادة من تحت, ابنِ سعادتك على الإيمان والعمل الصالح، ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ} [النحل:30] ما هي الحسنة هذه؟ قالوا: هي الحياة الطيبة التي يعيشها المؤمن, ويقول الله سبحانه وتعالى في آية أخرى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]، لا تطمئن القلوب بالمال, المال تنتفخ به الجيوب وترتفع الأرصدة, وبالأكل تطمئن البطون, وبالزوجات تطمئن الفروج, لكن القلوب لا تطمئن إلا بذكر الله -أي: دين الله- ولهذا جاء بإشارة هنا وسبقها بأداة الإشعار (ألا) للاستهلال {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] * {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ} [الرعد:29] قال العلماء: طوبى جنة الدنيا وبعدها قال سبحانه: {وَحُسْنُ مَآبٍ} [الرعد:29] أي: الجنة. طوبى لهم، أي: في هذه الدنيا العاجلة، ولهذا يقول أحد العلماء: إن في الدنيا جنة من لم يذقها لم يدخل جنة الآخرة. ويقول آخر: مساكين أهل هذه الحياة؛ جاءوا إليها وخرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قالوا: وما أطيب ما فيها؟ قال: التلذذ بطاعة الله. وآخر يقول: والله لو يعلم أهل الجاه والسلطة ما نحن فيه من السعادة لجالدونا عليه بالسيوف. كان شيخ الإسلام رحمه الله مسجوناً في سجن القلعة بـ دمشق، يقول ابن القيم: كنا إذا أظلمت علينا الدنيا وضاقت بنا النفوس ذهبنا إليه نزوره في القلعة, فوالله ما هو إلا نراه حتى نشعر بالسعادة. وكان شيخ الإسلام يقول: المسجون من سجنه هواه, والمأسور من أسره شيطانه. ثم يقول: ما يصنع بي أعدائي؟! إن جنتي وبستاني في صدري, أنى سرت فهي معي. إن قتلي شهادة, وإخراجي من بلدي سياحة, وسجني خلوة. فما يصنع بي أعدائي أكثر من هذا؟! انظروا! يعيش في سجن ومع هذا يشعر بالسعادة, من الذي أدخل السعادة في قلبه؟ إنه الإيمان والعمل الصالح, بينما لو لم يكن عنده إيمان ولا عمل صالح وهو يعيش في قصر فإنه يشعر بالضيق, هأنتم ترون الآن في أوروبا وهم يعيشون في ناطحات السحاب ولكنهم في عذاب. يخبرني أحد الإخوة ممن يقيم في السويد، يقول: السويد من الدول الإسكندنافية الراقية: فـ الدنمارك والسويد والنرويج مستوى الدخل فيها مرتفع, والحياة والمعيشة شيء لا يتصوره العقل, والدولة تصرف لكل واحد منهم مبالغ، وضماناً صحياً واجتماعياً، وتصرف رواتب ضخمة, والآلات مطورة ومسخرة، والنظافة معممة لدرجة أنك لا تجد عقب سيجارة ولا قصاصة ورق في شوارعهم, بل حتى الكلاب تعرف أنظمة السير؛ يأتي الكلب ويقف عند الإشارة حتى تؤشر ويمشي، والبقر تغتسل في هولندا كل يوم مرتين -حمام في الصباح وحمام في الليل- ومع هذا يقول لي الأخ: هم في أسوأ حياة يعيشونها, يقول: لا ينامون إلا بفعل الحبوب والمخدرات, وإذا نام الإنسان في (24) ساعة نصف ساعة أو ساعة يأتي إلى زملائه في المصنع أو المكتب أو العمل ويبشرهم بأنه نام في البارحة, وعندنا يضع الشخص رأسه (8) ساعات بدون حبوب أو أي منوم وهذا من فضل الله, لماذا؟ لأنه مؤمن بالله, وإن كان إيمانه ضعيفاً فهو أفضل بكثير من فقدان أولئك للدين. مليونير أمريكي يدعى روكفلر اشترى جزيرة من جزر المحيط الهادي , وغرس فيها وسواها وضبطها، ثم قال: أريد أن أجلس فيها, قالوا: لماذا؟ قال: ضجيج المصانع وأزيز الطائرات وهدير الناس أزعجني! أريد أن أنام, فذهب، وعندما وصل إليها وجدها هادئة لا صياح فيها ولا صراخ, فجلس نصف ساعة وركب طيارة وقال: لا تصلح! يبحث عن السعادة. وبعضهم ينتحر لماذا؟ لأن المادة تضغط عليه حتى تفجر النفس الداخلية, فلا يجد مخرجاً من هذا العذاب الذي هو فيه إلا بالموت, ويسأل نفسه: لماذا أنا أعيش؟ فتجيبه النفس: تعيش من أجل أن تأكل, ويقول: لماذا آكل؟ فتقول: تأكل من أجل أن تعيش, فيقول: أعيش لآكل وآكل لأعيش! وبعدها تموت, قال: ما دمت سأموت فسوف أموت الآن, فيقدم على الانتحار؛ وأعلى نسبة للانتحار هي في تلك الدول؛ لأنهم فقدوا الإيمان بالله والعمل الصالح. فأعظم شيء هو الإيمان, فبالإيمان والعمل الصالح تجيب على التساؤلات التي تنبعث داخل النفس البشرية عن الحياة: ما هذه الحياة؟ من أين جئت إليها؟ ولماذا؟ وما دوري؟ وبعد أن أموت أين سيذهب بي؟ هذه التساؤلات لا تجيب عليها الماديات أبداً. لا يجيب عليها إلا الدين, فإذا عرف الإنسان حقيقته وأنه جاء ليعبد الله، وأنه بعد هذه الحياة سيلقى الله, فإنه يجد أمناً وطمأنينة. مثلاً: فأنتم بعد المحاضرة يذهب كل واحد إلى بيته أو عزبته, وما عندكم الآن أي قلق, لماذا؟ لأنكم تعرفون إلى أين أنتم ذاهبون, فكل واحد يخرج ويقود سيارته أو يركب مع زميله ويمشي, ولو أخذنا شريحة من نفسه وحللناها لوجدناها طبيعية وليس عنده أي قلق أو هم, لكن لو خرج شخص من هنا وعند باب الكلية اعتدي عليه من قبل مجموعة مسلحة، وغطوا عيونه ورموه في صندوق السيارة, ومشوا به وأخرجوه إلى منطقة بعيدة في صحراء, ثم فكوا الرباط الذي على عينه, وبعد ذلك جئنا لنحلل نفسيته أهي مطمئنة أو قلقة؟ A قلقه، لماذا؟ لأنه لا يعرف أين يذهب, وتبدأ عنده الاحتمالات: ماذا يريدون مني؟ يقتلونني، أم يسجنونني، أم يرمونني؟ لماذا جئت إلى هنا؟ ويبدأ القلق يتزايد. هذا مثال مصغر لطبيعة الحياة. ولكن عندما تذهب إلى مكان باختيارك وتعرف إلى أين أنت ذاهب باختيارك تكون مطمئناً, ولكن عندما تؤخذ إلى مكان ليس لك فيه رأي ولا تدري ما الذي سيحصل لك فإن القلق يبدأ بالسيطرة عليك، فهل أنت -أيها الإنسان- يوم جئت إلى هذه الحياة كان باختيارك أم جيء بك رغم إرادتك؟ وبعدها عندما تمضي فترة العمر ثم تموت، أتموت باختيارك أم رغم إرادتك؟ الجواب: رغم إرادتك، فأنت جئت بغير اختيارك وكذلك تموت بغير اختيار، وحينها يبقى عندك القلق إلى أن تعرف لماذا جئت؟ وإلى أين تذهب بعد أن تموت؟ أما سؤالك: لماذا جئت قد أخبرك الله تعالى بجوابه، وحل لك المشكلة وقال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] وأخبرك أن بعد الموت حياة، وبعد الحياة حساب وجزاء، قال تعالى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:31] {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] والزيادة: هي النظر إلى وجه الله الكريم في الدار الآخرة: {وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [يونس:26] * {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا} [يونس:27] هل تتصور وأنت تعمل السيئات أن يكون جزاؤك مثل جزاء الذي يعمل الصالحات؟ لا. هذا سوء ظن بالله, ولهذا يقول الله وهو يستبعد هذا عن الناس: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية:21] * {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [الجاثية:22] لا يمكن أ

الإيمان بالقضاء والقدر

الإيمان بالقضاء والقدر ومن أسباب إيجاد السعادة عند الإنسان: الإيمان بالقضاء والقدر. والقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان وهو: سر الله في خلقه، والخوض فيه يعرض الإنسان لخطورة الوقوع في إحدى فئتين ضالتين وهما: الجبرية أو القدرية؛ أما الجبرية فقد سلبوا العبد فعله, وأسندوا فعل العبد لربه، وقالوا: العبد مجبور, فإذا زنا قالوا: مجبور؛ لأن الله كتب عليه فعلها, وإذا سرق قالوا: مجبور؛ لأنه ليس إلا كالسعفة في مهب الريح, فجعلوا العبد آلة ليس لها أي تصرف. وقابلتهم فرقة أخرى -والمذاهب والنحل كلها ردود فعل؛ لأن الابتعاد عن الكتاب والسنة يفعل ردود فعل للتصرفات المقابلة- وهم القدرية الذين سلبوا الرب فعله وأسندوا الفعل كله للعبد وجعلوا العبد هو الذي يخلق فعله وليس لله أي شأن ولا إرادة ولا مشيئة في فعل العبد, وكلا الأمرين باطل. وأهل السنة والجماعة هدوا إلى الحق، وهو: أن للعبد مشيئة وللرب مشيئة, ولكن مشيئة العبد داخلة ضمن مشيئة الله, والله تعالى يقول: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان:30] وأن العبد مسئول عن تصرفاته, إذ لا يمكن أن يحاسبه الله عن غيره وهو غير مسئول عنه, فأنت نفسك لو جئت على ولدك وقد كسر جهازاً فإنك تعاقبه, ولكن لو أن الجهاز وقع من نفسه والولد واقف عنده ولم يلمسه, أتعاقب الولد؛ لأنه كان واقفاً عند الجهاز؟ ولو عاقبته فسوف يقول: لماذا تضربني؟ أنا لم ألمسه، فهو الذي سقط فجأة, وحينئذٍ لا تستطيع أن تعاقبه؛ لأنك تعرف أنه لم يذنب, وكذلك الله سبحانه وتعالى, أيريد الناس أن يكون الله ظالماً؟! ينزهون أنفسهم عن الظلم ويسندونه إلى الله! ويقولون: إن الله يعذب بغير اختيار من الإنسان! واعتقادهم هذا خطأ. لأن الله إذا سلب القدرة أسقط التكليف, فإذا احتلم الإنسان في رمضان وهو يقظان، أي: مارس عملية إخراج المني بنفسه، ما حكم صيامه؟ إذا أخرج المني عامداً فسد صومه, لكن لو نام واحتلم وخرج المني في حال نومه لا يفسد لأن الأول بتعمده فسد صيامه وأثم, وذاك تم بغير اختياره فصيامه صحيح وعليه أن يغتسل ويصلي ولا شيء عليه. والصلاة فرضها الله، ومن أركانها القيام ولكن عندما تكون مريضاً، من الذي أمرضك؟ حينها يقول الله تعالى: صل قاعداً, وكذلك في كل التكاليف. فالإيمان بالقضاء والقدر عند أهل السنة والجماعة أن تؤمن بأن الله سبحانه وتعالى قد كتب المقادير، وقدر الأمور في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الخلق، هذا هو التقدير, والقضاء هو الذي يتم الآن في عالم الواقع. ونضرب مثلاً ولله المثل الأعلى: إذا أراد مهندس أن يبني عمارة فإنه لا يبنيها عشوائياً بل لا بد أن يصمم لها مخططاً -ولله المثل الأعلى- وهذا من باب تقريب المعنى, وكذلك لما أراد الله خلق الكون والحياة وضع له تقديراً -أي: مخططاً- ثم بعد ذلك يتم التنفيذ, ولكن هذا العلم الإلهي كما يسمونه العلماء: سابق لا سائق, أي: أن الله علم أن (زيداً) من الناس وأنه سوف يخلق وأن هذا المخلوق اسمه زيد، وسوف يبلغ سن التكليف وتصله أوامر الشرع فيستجيب لها باختياره، ويهتدي ويلتزم ويتمسك فتكون نهايته الجنة، فيكتب أنه سعيد ومن أهل الجنة. فهذا سبق علم لا سوق, أي: ما ساقه الله سوقاً بحيث نقول: ليس له اختيار, بل كان عنده اختيار ويقدر أن يكون فاسداً، وكذلك يقدر أن يكون مجرماً، لكنه اختار طريق الهداية. وكذلك علم الله أن (عمراً) من الناس، وأنه سيخلق ويبلغ سن التكليف، ويسير في طريق الانحراف والجريمة والكفر والفساد، ثم يموت على هذا، فعلم الله أن هذا سيكون فكتب عليه الشقاء بحسب سابق علمه. هل يوجد أحد من البشرية الآن في الدنيا يعلم ماذا سيحدث غداً؟ لا. لكن الله يعلم ما سيحدث غداً؛ لأن الله إذا كان لا يعلم ما يكون غداً فكيف يكون رباً وهو لا يعلم؟ جل جلاله وحاشاه! ولذلك من صفاته تعالى أنه عليم وأنه علام الغيوب, وأنه يعلم ما سيكون إلى يوم القيامة, وأنه يعلم ما في السماوات وما في الأرض وما تحت الثرى, وأنه أيضاً يعلم السر وأخفى, السر: الذي في قلبك يعلمه الله, أخفى: الذي سوف تسره وأنت لا تعلمه فإن الله يعلمه الآن, إذ لا يغيب عن علمه شيء: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59] فالله يعلم أن فلاناً سيكون فاسداً وكتب عليه أنه سيكون شقياً لا سوقاً وإنما سبق علم وصفة كمال في الرب سبحانه وتعالى. فالإيمان بالقضاء والقدر يشعرك بالأمن والراحة، لماذا؟ لأنك وأنت تعيش في هذه الحياة تكون عرضة للإصابة بأشياء لا ترضيك؛ إما بموت حبيب، أو بمرض قريب، أو بمصيبة، أو بكارثة، أو بحادث، فإذا عرفت أن هذا الشيء مكتوب, وأن الله قدره, وأن الله سيثيبك عليه إن صبرت وتلقيت هذه المصيبة والكارثة بصدر رحب، وقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون, اللهم اجبرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها, فسينزل الله على قلبك طمأنينة ويمنحك السكينة، وتتحول هذه المحنة في حقك إلى منحة, لماذا؟ لأنك استعضت الله فيها, وجعلت عوضك عند الله منها, وفي نفس الوقت ادخرت ثوابها؛ لأن الله لا يظلم مثقال ذرة, فإذا أصابك بمصيبة فإنما ليرفع درجتك أو ليكفر خطيئتك, أو ليخفي لك من الثواب ما لا يعلمه إلا هو. ولهذا ورد في الحديث أن أصحاب المصائب والبلايا في الدنيا يأتون يوم القيامة فيجدون حسنات كأمثال الجبال، فيقولون: يا ربنا! بم هذه الحسنات التي ما عملناها؟ فيقال: بالبلاء الذي تعرضتم به في الدنيا, فيتمنى أصحاب العافية أنهم عاشوا في غير عافية, فالعافية ذهبت، وبقي أجر أصحاب البلاء, وهذا يأتي -أيها الإخوة- عن طريق الإيمان بالقضاء والقدر, فإنك تجد الذي عنده إيمان بالقضاء والقدر لا يتحرك ولا يضجر ولا يجزع مهما جاءه من خبر: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد:22] * {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد:23].

ذكر الله سبحانه وتعالى

ذكر الله سبحانه وتعالى ومن الأسباب التي تجلب السعادة للإنسان: ذكر الله سبحانه وتعالى. فإن ذكر الله شرح للصدر وإزالة للهم؛ لأن القلوب بيد الله، فإذا ذكرت الله ذكرك الله وشرح صدرك وذكرك فيمن عنده, ولهذا أمر الله سبحانه وتعالى بذكره في كل الحالات, وبين أن أهل العقول السليمة يذكرونه في كل المناسبات: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:191]. إن ذكر الله من أعظم الأدوية لأمراض القلوب, ولذلك إذا رأيت إنساناً ذاكراً فإنك تحكم عليه بمحبة الله وسلامة قلبه, (مثل الذي يذكر الله والذي لا يذكر الله كمثل الحي والميت) وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الناس ذكراً لله, تقول عائشة رضي الله عنها كما في صحيح البخاري: [كان صلى الله عليه وسلم يذكر الله في سائر أحواله] , فما كان يفتر لسانه عن ذكر الله ولما جاء عبد الله بن بسر في حديث في سنن الترمذي، قال: (يا رسول الله! دلني على عمل يدخلني الجنة وينجيني من النار وأوجز -يقول: قلل فأنا لا أريد كثيراً, أريد شيئاً بسيطاً- فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله) يقول العلماء: إن هذه الإجابة دليل من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم, فإنه دله بحديث بسيط على عمل عظيم, فإن الذي لا يزال لسانه رطباً من ذكر الله هو الذي جمع الدين كله, فهل هناك شخص يزني أو يسكر أو يتناول المخدرات أو يروجها أو يسعى إليها ولسانه رطب من ذكر الله؟ من ذا الذي يعمل هذه الجرائم إلا من لسانه قاسٍ عن ذكر الله, أما الذي لسانه رطب من ذكر الله تجده مع الله في كل حين وفي كل وقت. فذكر الله من أعظم أسباب السعادة. ومن أعظم أنواع الذكر: قراءة القرآن, فإن القرآن -كما ذكرنا- يقول الله تعالى فيه: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً} [فصلت:44] ويقول سبحانه: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82] فأنزله الله عز وجل شفاء لما في الصدور وهي القلوب, فالقلب لا يطمئن إلا إلى ذكر الله, وإذا جعلت لك موعداً مع الله في تلاوة كتابه ومناجاته، يقول أحد السلف: "من أراد أن يناجي ربه فليقرأ القرآن أو ليقم إلى الصلاة", كأنك تناجي الله سبحانه وتعالى، وأنت بهذه المناجاة والتلاوة والقرب من الله تعرض نفسك لأعظم سبب من أسباب السعادة.

قضاء الفراغ في عمل مباح أو طاعة ما

قضاء الفراغ في عمل مباح أو طاعة ما من أسباب السعادة: أن يكون لك عمل تقضي فيه وقتك وتجمع منه مالاً تقضي به حاجاتك هذا من السعادة؛ لأن البطالة وعدم وجود العمل يولد للإنسان حاجة وفقراً, (كاد الفقر أن يكون كفراً، فإنه بئس الضجيع) كما قال النبي صلى الله عليه وسلم, إذ لابد أن يكون هذا العمل مباحاً أو طاعة، أما أن يكون حراماً فلا. لا تبحث عن عمل حرام يسبب لك دخلاً حراماً, وإنما يجب أن يكون العمل شرعياً ومباحاً في الشريعة, ومن أفضل الأعمال التي تزاول على الحياة وظيفتكم أنتم في هذا المعقل العلمي؛ وظيفة التربية والتعليم, فالمعلم هذا ليس صاحب وظيفة وإنما صاحب رسالة, ولهذا إذا دخل في هذا المجال فعليه أن يستشعر الرسالة, وأن يعلم أنه ليس مرتزقاً ولا طالب عيش, بل صاحب رسالة وطالب علم يحمل أمانة ومسئولية, وسوف يتخرج بعد أيام ليسلم أمانة -وهم فلذات أكبادنا- فحينما تستلم التعليم وتدخل الفصل وأمامك ثلاثون طالباً، هؤلاء أمانة الله في عنقك يوم القيامة, فقد جاء بهم آباؤهم وسلمتهم الدولة لك من أجل أن تشكل منهم لبنات صالحة في المجتمع, ولن يكونوا صالحين إلا بصلاحك أنت؛ لأنك القدوة والمثل لهم, ولأن المدرس هو الموجه والمربي وليس الأب, ولذلك الأب إذا سأل الولد فقد يقوم أو قد لا يقوم, لكن المدرس إذا أراد أن يسأل الطلاب، هل يقوم واحد أم الكل؟ أي: إذا قال المدرس: من يجيب على كذا وكذا؟ كل يتشرف أن يلبي غرض الأستاذ وأن يخدمه, لماذا؟ لأنهم يحترمونه ويقدرونه, وإذا قال الأستاذ كلاماً وقال الأب كلاماً، من يصدق؟ يصدق الأستاذ. قبل فترة كان عندي طفل في السنة الثالثة الابتدائي ويثق في ويعرف أن عندي قدرة علمية وأقدر أن أقنعه، ولذا فبيني وبينه علاقة على الرغم أنه في الثالثة الابتدائي, ومرة قال الأستاذ كلمة -وجهة نظر في قضية من القضايا- وجاء الطفل وقال لي: قال الأستاذ: كذا قلت: لا. هذه وجهة نظره، لكن الصحيح: كذا وكذا قال: لا، أبداً. الأستاذ أحسن. فالأستاذ في نظره أكثر علماً وفهماً، لماذا؟ إنه يقول لي: لو أنك تربيني لكنت درستني في البيت، ولكنك تذهب بي إلى الأستاذ لأنه هو المربي, أي: أنت -مغذي فقط- تعطيني الأكل والشرب والكسوة والتربية اتركها له, ولهذا كان دورك أيها المعلم دور عظيم في بناء الأجيال والأمة, وإذا استلمت على هذا أجراً كان هذا أفضل أجر وعمل, ولهذا يقول الشاعر: قم للمعلم ووفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا أرأيت أفضل أو أجل من الذي يبني وينشئ أنفساً وعقولاً؟ المهندس يبني العمارات, والطبيب يبني الأجسام, والمهندس الزراعي يعمل في الأرض, لكن أنت المدرس، ماذا تبني؟ تبني العقول والأجسام والأرواح والقلوب, فمهمتك عظيمة ودورك عظيم, ومهنتك أحسن الوظائف, هذه نعمة من نعم الله عز وجل. فيجب عليك حتى تكون سعيداً أن يكون لك دخل وعمل مباح، ومثل عملكم ليس مباحاً فقط، بل مشروع ومطلوب وهذا جزء من السعادة, وإلى جانب ذلك ما تتميزون به من مميزات: فوقت العطلات كبير, والدوام قليل, فأنتم تذهبون الساعة السادسة والنصف وترجعون الساعة 12 وكل واحد في بيته, وعطلة رمضان كاملة, والحج تأخذون إجازة قبله, والصيف كله إجازة, وهكذا كل العام أكثره إجازات وهذه من نعم الله عليكم, فهذه نعمة ستشعروها أنتم ولا تغبطون غيركم. وبعض الشباب يغبط طالباً -مثلاً- في كلية الأمن, يقول: ذهب كلية الأمن ليتخرج ضابطاً, والطبيب كذلك ويقولون: طبيب وعليه الزي الأبيض، والسماعة حول عنقه، ويدخل والناس طوابير على بابه ويكشف لكن اسمعوا ماذا تقول الطبيبة في مجلة اليمامة قبل سنوات، تقول: الساعة السابعة تدق وتدق معها أعصابي وقلبي وراحتي, ثم أخرج وألبس معطفي الأبيض وأركب خلف السائق وأذهب وكأني أذهب إلى قبري أو زنزانتي -أي: غرفتي- وعندما أدخل وأجد الناس ينتظرونني أشعر أنهم يغبطونني وأنا أغبطهم على أنهم ليسوا في مكاني, وتقول: وأجلس على الماسة وأضع السماعة في رقبتي وكأنها حبل مشنقة يلتقط روحي, تقول: وهكذا أجلس طوال حياتي! خذوا شهاداتي! وأوراقي! وأرصدتي! أعطوني جزءاً من السعادة، أريد أن أسمع كلمة ماما! تريد أن تتزوج ويأتي لها طفل صغير يقول: ماما! هذه هي السعادة. أجل أنت في سعادة في هذا العمل إن شاء الله, وكل إنسان في موقعه الآخر في أي جانب من الحياة سيكون سعيداً إن شاء الله بعمله إذا أداه على الوجه الشرعي، وخدم فيه الأمة على الوجه الصحيح، وأخذ هذا الراتب واستعان به على طاعة الله، فهذا أيضاً يحقق له جزء من السعادة؛ لأننا نتكلم عن السعادة بجميع صورها, إذ لا نريد السعادة في جانب دون الآخر.

الإحسان إلى الناس

الإحسان إلى الناس ومما يجلب السعادة للإنسان: الإحسان للناس. بقدر ما تحسن ويكون مردود السعادة في قلبك, وكذلك الإساءة؛ بقدر ما تسيء يكون الشقاء في قلبك, فتعود على الإحسان بالكلمة الطيبة, فالكلمة الطيبة صدقة, وبإمكانك أن تدخل الفصل من دون أن تسلم لتبني شخصية! وبإمكانك أن تدخل وأنت مبتسم وتقول: السلام عليكم صباح الخير يا أولاد كيف حالكم، طيبون؟ وحينها كل الطلاب تنشرح صدورهم لك ويحترمونك ويألفونك ويصغون لمادتك, لكن إذا دخلت وتقول: قيام جلوس امسح اللوح اسكت أين الواجبات؟ قال: (الله أكبر على هذا الأستاذ العفريت! من أين جاء لنا؟) لماذا لا تحسن؟ تحسن إلى زوجتك, وأولادك, وجارك, والفقير, والمسكين, وكل أحد, فالإحسان هو مطلب شرعي، والله كتبه في كل شيء حتى في الموت، يقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله كتب الإحسان في كل شيء؛ فإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة) هو موت لكن لابد من الإحسان فلا تشق على الذبيحة حتى تعذبها، لكن حدّ الشفرة واذبحها بسرعة, حتى في الموت لابد من الإحسان, فكيف في العافية؟! فالإحسان إلى الناس والتفضل عليهم بالخير وبالكلمة الطيبة وبالهدية وبالبسمة قال صلى الله عليه وسلم: (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن بأخلاقكم، وإن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم) فمن الناس من هو مليونير في الأخلاق يسع الناس كلهم, وكل واحد يحبه, ومن الناس من هو فقير ليس عنده شيء من الأخلاق، وكل واحد يكرهه, لماذا؟ لأنه من اكتسب كراهية الناس بتصرفاته وسلوكه, وبالتالي تجده في نفسيته معقداً، وتجده في شقاء وعذاب، لماذا؟ لأنه أساء إلى الناس! لكن كلما أحسنت إلى الناس كان المردود بالسعادة عليك أنت أولاً، ولهذا يقولون: إن إحسان الخلق بذرة أنت من يأكلها؛ تأكل ثمرتها أنت وليس الناس, صحيح. إن حسن الخلق ينال الناس لكن أنت الذي تجني الثمرة الكبرى.

النظر إلى الدون في الدنيا وإلى الأعلى في الدين

النظر إلى الدون في الدنيا وإلى الأعلى في الدين ومن أسباب السعادة: أن تنظر إلى من دونك في المستوى المادي وفوقك من المستوى الديني. فإذا كنت تمشي على قدمين لا تنظر إلى صاحب السيارة وانظر إلى من يمشي وهو معوق ليس عنده أرجل -يمشي في عربية- وقل: الحمد لله! عندي أرجل أمشي عليها, وإذا كانت عندك سيارة موديلها (85 أو 86) فانظر إلى الذي يمشي برجليه ولا تنظر إلى الذي عنده سيارة موديلها (96 أو 97). ودائماً انظر إلى من هو دونك في المستوى, فإذا كنت تعيش في بيت إيجار فانظر إلى من يعيش في الكوخ أو العراء ولا تنظر إلى صاحب الفلة والقصر؛ لأنك كلما نظرت إلى من هو دونك كلما عظَّمت نعمة الله, أما إذا نظرت إلى من هو فوقك فستجد فوقك كثير؛ لأن الله قَسَّم الأرزاق بين الناس، ورفع بعضهم فوق بعض درجات, لماذا؟ لكي يتخذ بعضهم بعضاً سخرياً؛ لأن الناس لو كانوا كلهم في درجة واحدة لتعطلت الحياة, وحينها من يكنس الشوارع؟ ومن الذي يقوم بالواجبات الأخرى؟ ويؤدي الخدمات؟ فلو كان الناس كلهم أغنياء كما يقال: إذا كنت أميراً وأنا أمير من يسوق الحمير! فتنعدم الحياة, فيتبين لنا أن الله رفع هذا ووضع هذا من أجل أن تمضي الحياة, فأنتم تجدون صاحب العمارة الذي يبنيها -مثلاً- عشرة أدوار وهو واقف تحت, وهناك مليس يليس في الدور العاشر على خشبة صغيرة؛ يد فيها الخلطة ويد فيها الملعقة وتراه يعمل كأنه جالس, ولو أتينا بصاحب العمارة ورفعناه بالونش إلى مكان هذا المليس وقلنا له: ليس هذا الجدار, ماذا يفعل؟ بلا شك أنه سيقع على رأسه, ولا يستطيع أن يمسك نفسه فضلاً من أن يعمل. فالله جعل هذا من أجل أن تعمر الحياة, فانظر دائماً إلى من هو دونك في المستوى المادي الدنيوي, لكن انظر إلى من هو فوقك في المستوى الديني الشرعي, فإذا رأيت إنساناً عابداً انظر إليه وإلى من يماثله, فالذي يأتي إلى المسجد قبل الأذان سابق مثله, والذي يصوم الإثنين والخميس من كل أسبوع صم مثله, والذي يكثر من قراءة القرآن, ويدعو إلى الله, ويحب الخير ويدعو إليه؛ عليك أن تنافسه فيه, لماذا؟ لأنك تنافس فيما يبقى, وتزداد رفعة ودرجة عند الله سبحانه وتعالى.

حسن اختيار الصحبة

حسن اختيار الصحبة ومن أسباب السعادة: حسن الاختيار للصحبة. إذا كان صاحبك طيباً فإنه يدخل الراحة والأمن والسعادة عليك؛ لأنه لا يجرك، ولا يدعوك إلا إلى الخير؛ إن غضبت استرضاك, وإن كسلت نشطك, وإن عصيت جعلك تطيع. المهم أنه طيب معك, لكن إذا كان زميلك سيئ -والعياذ بالله- فإنه يجلب لك السوء من كل جانب، ولهذا يقول: فلا تصحب أخا الفسق وإياك وإياه فكم من صاحب أردى مطيعاً حين آخاه يقاس المرء بالمرء إذا ما المرء ما شاه وللناس على الناس مقاييس وأشباه وللقلب على القلب دليل حين يلقاه والآخر يقول: إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه وكل قرين بالمقارن يقتدي وإذا أردت أن تعرف الرجل فاسأل عن أصحابه, فإن كان أصحابه طيبون فهو طيب، وإن كانوا سيئين فهو سيء ولو كان طيباً في نظرك, لماذا؟ لأننا ما رأينا أبداً غراباً يمشي مع الحمام, ولكن رأينا الغراب مع الغربان, ولا رأينا قرداً يمشي مع الغزلان, فكل واحد يمشي مع صنفه, وحتى تكون سعيداً ابحث لك عن رفقة صالحة؛ ولهذا عليه الصلاة والسلام في توجيه نبوي كريم في الصحيحين يقول صلى الله عليه وسلم: (مثل الجليس الصالح وجليس السوء كمثل حامل المسك ونافخ الكير) حامل المسك لا تجد منه إلا خيراً، إما أن يحذيك -أي: هدية- أو تشتري منه شيئاً، أو تجد ريحاً طيبة, لكن نافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، يضع شرارة على ثوبك، أو أن تخرج وقد وجدت رائحة كريهة من عنده -والعياذ بالله-. فعليك بحسن الصحبة والاختيار للصاحب, ولكن كيف تختار الصاحب؟ يجب أن تكون هناك مميزات للصاحب الذي تختاره، أولاً: أن يكون صاحب دين وعقيدة والتزام, وخلق كريم, ومبادئ وفضائل, وشهم وشجاع لكن إذا رأيت إنساناً -والعياذ بالله- شهوانياً أو قذراً, أو فاسقاً, أو يحب المعاصي ويكره المساجد, فهذا لا تقربه، لماذا؟ لأنك سوف تردى بردائته -والعياذ بالله- فلو قيل لك: أحد زملائك مصاب بداء الإيدز, هل ستجلس معه؟ لن تجلس معه, ولن تكلمه حتى في التلفون لأنك تخاف أن يأتي الفيروس عبر التلفون! تخاف من الإيدز, لماذا؟ تقول: انتهى أمرك. أنت مصاب بالإيدز. وكذلك الذي عنده إيدز في إيمانه, وكوليرا في عقيدته, وسل في أخلاقه, هذا أخطر عليك من ذلك, فابتعد عنه ولا تصحب إلا الرجل الصالح الذي يعينك على طاعة الله حتى تكون سعيداً. وكم من إخوة وشباب عاشوا على الشقاء بجميع صوره وأشكاله بسبب صحبة السيئين! أذكر فيما أذكر من قصص الحياة, شاب -عندنا في المنطقة الجنوبية - له زميل سيئ والاثنين سيئين, وكان الشاب يستعد لنومه وإذا بزميله السيئ يطرق عليه الباب وتستجيب الأم, فيقول: أريد فلاناً, قالت: نائم, قال: أيقظيه, قالت: يا ولدي الآن نصف الليل فالساعة (12) ليلاً، وهو الآن نائم, قال: أيقظيه الأمر هام, فذهبت إلى ولدها وقالت: فلان يريدك في أمر هام, فنزل عليه, قال له: أنا عندي موعد الليلة -يسميها صيدة, يصطاد محارم الله- وأنا عندي صيدة الليلة وأريدك أن تمشي معي من أجل أن تحميني, قال: أبشر, فرجع البيت ولبس ثيابه وأخذ المسدس في جنبه وركب وإياه في السيارة، وذهبوا إلى المكان الذي يصطادون فيه المحرم -الإنسان يصطاد طاعة الله في هذه الحياة وهؤلاء يصطادون محارم الله ومحارم المسلمين- وأمره بالوقوف في مكان معين عند شجرة، وقال: اجلس هنا إلى أن أطلبك وجاء واقتحم جدار البيت وفتح الباب ودخل, فشعر صاحب البيت بأن هناك شخصاً فتح الباب, فقام وأسرج الكهرباء, وخرج وطارده بالحجارة والعصا لكن لم يلحقه فقفز وهرب, ففتح الباب وخرج يبحث عنه وإذا به يفاجأ بالحارس فطارده, فلما أدرك أنه رآه أخذ المسدس وقتل صاحب البيت! اجتمع الناس على إطلاق الرصاص وقبض على الجاني وحقق معه, وذكر الأمر، وقال: أنا كنت نائماً في البيت وجاءني فلان ودعاني وأعطاه نفس الكلام , ثم قبض على زميل السوء فأنكر كل ذلك, قال: أبداً. لا أعرفه ولا يعرفني، وعندي شهود على أني في تلك الليلة التي يدعي هذا أنني جئت ودخلت عليه أني كنت في القرية الفلانية سامر عندهم من المغرب إلى الفجر, وفعلاً أتى بشهود، قالوا: إنه كان عندنا وأنه ما خرج ولم يثبت عليه شيء, وهذا الرجل -طبعاً- حكم عليه بالإعدام وانتظر في السجن فترة طويلة ثم اقتيد إلى ساحة القصاص وقتل! انظروا كيف الشقاء -أيها الإخوة! - من جرّه إليه؟! الزميل السيئ وقس على هذا. فاحذر يا أخي من صديق السوء.

الزوجة الصالحة

الزوجة الصالحة ومن العوامل التي تدعو إلى السعادة: الزوجة الصالحة. طبعاً كل واحد يقول: يا الله: ارزقنا من فضلك يا رب! طبعاً نحن نقول هذا الكلام -أي: عن الزوجة الصالحة- ونعني به الشباب الذين سوف يتزوجون إن شاء الله، حتى يضعوا مقاييس وضوابط الاختيار؛ لأن الزوجة ليست بيعة ليل ولا صفقة سيارة، لا. الزوجة مصير، ولهذا ينبغي أن يكون اختيارك مبني على أسس قويمة لا على مجرد نظرات عاطفية، أو نزوات نفسية وجنسية، لا. ولهذا حدد النبي صلى الله عليه وسلم الضوابط التي يضعها الرجل في نظره وهو يختار، قال صلى الله عليه وسلم: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها, فاظفر بذات الدين تربت يداك) تربت يداك، أي: تلطخت يداك بالتراب, كناية عن الخسارة, فالذي عنده زوجة ليس عندها دين خاسر, فاجعل همك الأول هو الدين، ثم لا مانع أن تبحث عن بقية المقومات كالجمال وغيره, ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في السنن: (الدنيا متاع -أي: لذة ومتعة- وخير متاعها المرأة الصالحة) ثم ذكر مقوماتها الثلاث: (إن نظرت إليها سرتك) وهذه تعني الجمال، والجمال نسبي, فبعض الناس يريد ملكة جمال وهو نفسه ليس ملك جمال إذا أردت واحدة جميلة أولاً انظر إلى نفسك: هل أنت جميل أو نصف بنصف؟ ثم خذ واحدة على مستواك؛ لأنك لو مكثت تبحث عن أجمل واحدة فلن تجدها, وإذا وجدتها فسوف تعيش معها في عذاب؛ لأنها كلما نظرت إليك زفرت، تقول: ابتلاني ربي بهذا الجني! لكن اختر واحدة مثلك في الجمال حتى لا يرفع أحد نفسه عن الثاني؛ ولأن البحث عن المثاليات في الزوجة الجميلة قد لا تبلغها, والجمال أحياناً يكون مكتسباً ليس خلقياً -فقط يكون وهمياً- وجمال الخلق يغطي كل عيب, وجمال الدين يغطي كل العيوب. ولعلك ترى بعض العمارات الضخمة والطويلة والعريضة, ولها بروزات ولها انحناءات لكنها ليست جميلة وليس لها قبول, بينما تجد عمارة بسيطة لكنها جميلة ومقبولة. فالقضية قضية قابلية، فأنت ابحث عن الجمال لكن النسبي, ولا تضع شروطاً خيالية مفصلة كأنك في مصنع؛ طول في عرض, بل البعض الآن يشترط فحصاً طبياً؛ لا سكر ولا ربو يريد واحدة جاهزة, لا. تزوج على بركة الله ولكن اجعل همك الأول هو الدين والخلق، فإذا توفر هذا فهو المهم. قال عليه الصلاة والسلام: (الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة، إن نظرت إليها سرتك -وهذه تمثل الجمال- وإن أمرتها أطاعتك -وهذه تمثل الخلق- وإن غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك -وهذه تمثل الدين-) فإذا وفر الله لك هذه الزوجة فاحمد الله عليها, أو تزوجت ولم تجد؛ لأن بعض الناس يغلط أو يقدر له أن يغلط في أول حياته ويتزوج بواحدة ثم يستمر في الغلط حتى يموت, لا -يا أخي- فقد جعل الله تعالى لك مجالاً آخر أي: إذا ما نجحت في الأولى تنجح في الثانية, ولهذا يقول الله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:3] وما جعل الله في التعدد فرصة إلا لمثل هذه الأشياء؛ لأنه من الصعب أن تجري اختيارات واختبارات دقيقة للزوجة التي ستأخذها، إنما هي بالتوفيق والحظ وهي قسمة ونصيب, مثل ما كانوا يقسمون اللحم قبل العزائم على الضيوف فواحد يكون حظه (كرشه) وآخر لحمة, وكل واحد ونصيبه, فالجميلة مشكلة والقبيحة مشكلة؛ لأن بعض الناس لو عنده زوجة جميلة يبلغ الناس, فتطول أعينهم إلى زوجته, وبعضهم عنده زوجة قبيحة فيظهرها للناس فيرحمونه، وكلما رأوه قالوا: مسكين! ولهذا هي امرأتك فاسترها. فإن كانت جميلة فهي لك وإن كانت قبيحة فهي عليك.

مقابلة السيئة بالحسنة

مقابلة السيئة بالحسنة ومن أسباب السعادة: مقابلة السيئة من الناس بالحسنى. وهذه من أعظم أسباب السعادة وهو: معالجة الأمور بالهدوء, وعدم الاندفاع، يقول صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد بالصرعة) أي: ليس الشجاع الذي ينفعل ويندفع ويتصرف تصرفات سريعة بدون نظر، وإنما هذا أجبن الناس (إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب) لأنك حينما تغضب ستكون تصرفاتك دائماً غير مسئولة وغير معقولة ويترتب عليها مشاكل, فإذا مسكتها سلمت, لكن إذا اندفعت وراءها ندمت, وقد علمنا صلى الله عليه وسلم في سنته أشياء كثيرة، منها: 1/ جاءه الأعرابي وبال في المسجد وهذا عمل ليس بهين, ولو رأيناه الآن لقطعناه قطعة قطعة والصحابة كذلك، قالوا: لماذا تأتي لتنجس المسجد؟ فالرسول صلى الله عليه وسلم لما سمعهم ينتهرونه أسكتهم، وترك الرجل حتى انتهى, ولما انتهى دعاه والصحابة قد أرادوا الفتك به وضربه بالسيوف, قال: (يا أخا العرب! إن المساجد لم تبن لهذا) يقول: هذه ليست أماكن الوساخة والنجاسة، وإنما بنيت لذكر الله وعبادته، فإذا أردت أن تصنع شيئاً فاذهب إلى مكان آخر, ثم دعا بذنوب من ماء وصبه على بول الأعرابي وانتهت المسألة, والأعرابي هذا المسكين، قال: (اللهم اغفر لي ولمحمد ولا تغفر لأحد معنا)، يقول: هؤلاء لا تغفر لهم؛ لأنهم أرادوا قتلي! انظر! كيف حوله صلى الله عليه وسلم من إنسان جاهل إلى إنسان يحبه ويدعو له, ويخصه بالدعاء من بين الناس, ولو أن الرسول صلى الله عليه وسلم تركهم في نهره وضربه، ما الذي سيحصل؟ أولاً: فبدلاً من أن يكون البول في نقطة فسيجعله في المسجد كله؛ لأنهم سيطاردونه والأعرابي لن يتوقف عن البول. ثانياً: سيسببون له مرضاً؛ لأن الإنسان إذا أخرج البول ثم حبسه يحصل عنده اختلال في المثانة, وبعد ذلك يسبب كراهية له وللصحابة؛ لأن الرجل سيقول: أهذا دين؟ يضربونني من أول ما أتيت؟! وربما ارتد إلى دينه ولا يسلم, فالهدوء في علاج القضايا هو أسلم طريقة. 2/ جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسترد ديناً عنده، وقال: إنكم يا بني عبد مناف قوم مطل -أي: تماطلون في القضاء- فقام عمر فأراد أن يقطع رقبته؛ لأنه ما سب الرسول، بل سب نسب الرسول كله, قال: (لا يا عمر! كان الأولى بك أن تأمرني بحسن الأداء وتأمره بحسن الطلب) ثم أعطاه وتركه يمشي. 3/ كان الخليفة عمر بن عبد العزيز يمشي في الطريق، ومن غير قصد دق أحد المارة وهو يمشي, ولم يعلم الرجل أنه أمير المؤمنين، قال: أأنت أعمى؟ قال: لا. فأخذ العسكري الذي معه وسل السيف يريد قطع رأسه, قال: لماذا؟ قال: تكلم عليك, قال: لا. وإنما سألني: أنت أعمى؟ فقلت له: لا. لست بأعمى, وانتهت المسألة, والله تعالى يقول: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34] * {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:35]. وأذكر قصة وقد ذكرتها في مناسبة ولكن نعيدها اليوم؛ لأنها حصلت في جدة: كنت في مراجعة إحدى السفارات فدخلت في شارع، وهذا الشارع ليس له منفذ -يعني مقفول- فمشيت بالسيارة حتى وصلت إلى النهاية، ولا أستطيع أن أدور بالسيارة لضيق الطريق فرجعت على الوراء من أجل أن أخلص من هذه المشكلة, ثم جاء شخص صاحب سيارة ورآني وأنا أرجع على الوراء والإضاءة مسرجة، وكان من المفروض أن ينتظرني حتى أرجع, لكن أنا أرجع وهو جاء من خلفي, فأخذ يؤشر لي أن أمشي للأمام -كأن بيته في الأمام- وكان غاضباً فالساعة (2 ونصف) نهاية الدوام، وهو جائع أيضاً, فأنا نظرت وقد أخطأ علي ولا شك؛ لأنه لما رآني أرجع على الخلف كان من المفروض أن ينتظرني حتى أخرج, حينها لم أجد خياراً إلا أن أجنب له حتى يمشي, وكنت أتوقع أن يقابل هذا التصرف مني بقوله: شكراً؛ لأني عملت معه تصرفاً لائقاً, لكن ماذا حصل؟ جاء الرجل حتى حاذاني وأرخى الزجاج ونظر إليّ وقال: أنت لا تفهم يا قليل الحياء وسبني وسب الأب والجد -يعني (كلام أقذع من كل قذيعة) - حقيقة اشتعلت من الغضب! ولكن رفعت نفسي قليلاً وقلت: لا. أدفع بالتي هي أحسن, فلما انتهى قلت له: أقول لك, قال: نعم. قلت: أسأل الله أن يدخلك الجنة وينجيك من النار! يعلم الله -أيها الإخوة- أن هذه الكلمة أحدثت فيه هزة لكأني صببت عليه ماء, فلقد كان يتكلم وعيونه بارزة، ووجهه محمر، وعروقه منتفخة من الغضب, ولكن عندما قلت له الكلمة هذه برد, وأطفأ السيارة ونزل إليَّ وسلم علي يدي ورأسي وهو يقول: من أين أتيت؟ قلت: جئت من مكة ولي معاملة هنا وأرجع إلى مكة , قال: جزاك الله خيراً, يا أخي! أنا أسبك وأشتمك وأنت ترد علي بهذا الرد؟ قلت: ماذا أفعل؟ كان من المفروض أن أجنب لك من أجل أن تمشي، ولكن أخطأت في الرجوع! فأنا آسف لأني أخطأت! قال: لا والله ما أخطأت, بل أنا المخطئ، فقد كنت مهموماً وعندي مشكلة في العمل, ثم جئت ووجدتك أمامي، أنا آسف يا شيخ! ويقول: الاسم الكريم؟ قلت: فلان, قال: هل من الممكن أن تعطيني العنوان؟ قلت: تفضل, قال: تتغدى معي اليوم؟! فبدلاً من أن يضاربني يدعوني! فذكرت قول الله عز وجل: {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34] فسلمت من شره, لكن ما رأيكم لو نزلت عليه وضاربته, طبعاً هو رجل مثلي ربما يضربني أو أضربه, وربما يقتلني أو أقتله, حينها قد يبيت أحدنا في السجن والآخر في القبر, أو يكون كلانا في القبور من أجل ماذا؟! لكن بكلمة واحدة هدأت المشكلة, ولهذا يقول الشافعي رحمه الله في بعض أبياته: لما عفوت ولم أحقد على أحد أرحت نفسي من هم العداوات إني أحيي عدوي عند رؤيته لأدفع الشر عني بالتحيات وأملأ الوجه بشراً حين مقدمه كأنما قد حشا قلبي موداتي والإمام الشافعي كان جالساً في يوم من الأيام في حلقة من حلقات العلم فدخل عليه رجل أحمق يسبه ويشتمه، فما رد عليه بكلمة واحدة, فلما انتهى، قالوا له: يرحمك الله يا إمام! ألا دافعت عن نفسك؟ قال لهم ثلاثة أبيات: قالوا سكت وقد خوصمت قلت لهم إن الجواب لباب الشر مفتاح والصمت عن جاهل أو أحمق شرف وفيه أيضاً لصون العرض إصلاح أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة والكلب يخسى لعمري وهو نباح الكل يخاف من الأسد وهو صامت, والكلب يرجم وهو ينبح, فهل الكلام والنباح دليل على أفضلية صاحبه؟ لا. الأفضلية في الدفع بالتي هي أحسن، هكذا علمنا الإسلام وعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أوتي من الحلم والأخلاق بأعلى قدر, حتى قال لـ ابن عبد قيس: (إن فيك خصلتان يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة) الحلم: الصبر على الناس, والأناة: عدم الاستعجال في اتخاذ القرار.

كثرة الدعاء واللجوء إلى الله

كثرة الدعاء واللجوء إلى الله ومن الأسباب التي تجلب السعادة للإنسان: كثرة الدعاء واللجوء إلى الله لشعورك بالافتقار خصوصاً عند الحاجة. فأكثر صلتك بالله تعالى؛ لأنك إذا شعرت بأنك تدعو الله، وأنك تلح عليه؛ أكسبك هذا الشعور فرجاً ونصراً يبعث في قلبك الأمل والطمأنينة.

عدم التفكير في مشاكل المستقبل

عدم التفكير في مشاكل المستقبل ومن أسباب السعادة: عدم التفكير في مشاكل المستقبل. من الناس من يعيش مشكلة ليس لها وجود أصلاً -مثلاً- عنده ولد يحبه، ويقول: ولدي هذا لو يخرج من البيت فتصدمه سيارة طيب الحمد لله! الولد سالم ولم تصدمه سيارة، فلماذا تعيش في مشكلة غير موجودة؟ أو في هم غير موجود؟ اجعل لكل حادثة حديثاً, وعندنا مثل عامي يقول: "خلي الدموع لحزة البكاء" إذا جاء البكاء فاسكب الدموع في ذلك اليوم، لكن تدمع ولا يوجد بكاء غلط, وكذلك بعض الناس تجده في قلق وعذاب ومشاكل لماذا؟ يخاف أن يمرض وأن يأتيه السرطان، أو أن يفصل من الوظيفة, أو أن ينقل في قرية, لا تخف على شيء في المستقبل, دع المستقبل لله, وفوض أمرك إلى الله سبحانه وتعالى! وإذا حدثت المشكلة فاصبر لها، واطلب من الله عز وجل العوض عنها.

إنجاز العمل أولا بأول

إنجاز العمل أولاً بأول العمل الذي يطلب منك اليوم أنجزه ولا تؤخره لغد؛ لأن غداً فيه عمل جديد, فكل يوم له عمله، فإذا أخرت عمل اليوم إلى الغد جئت في اليوم الثاني وقد تراكمت عليك الأعمال, وإذا أخرته لليوم الثالث صار عمل ثلاثة أيام وإذا تراكمت الأعمال على الإنسان وجاء في لحظة من اللحظات وأراد أن ينجزها وجدها كثيرة، وحينها يشعر بالقلق والاضطراب والحزن, لكن عندما ينجز عمله أولاً بأول بحيث يخرج من مكتبه وليس على مكتبه أي معاملة إلا واحدة تحت الإجراء, لكن هذا عندما يكون كل شيء أولاً بأول, بحيث يأتي في اليوم الثاني وهو نشيط للوظيفة, ولكن عندما يأتي والأعمال متراكمة، يقول: (الله أكبر على هذه المعاملات)، هات الجريدة لنعرف أخبار الكرة أمس، ويضيع الوقت مع صديقه: أين ذهبت أمس وكوم فوق كوم حتى يأتي يوم من الأيام فيه يَفْصِل أو يُفصَل. وكذلك الطالب الذي يذاكر أولاً بأول: اليوم درست مادة وذهبت الليلة للمذاكرة. وبعض الناس يتصور المذاكرة أنها حل الواجبات فقط، لا. هذه اسمها حل الواجبات، وأما المذاكرة فهي ثلاثة أقسام: أولاً: مراجعة الماضي, ثانياً: حل الواجب, ثالثاً: تحضير المادة للغد, -مثلاً- عندي غداً مادة الفقه في باب القرض والأستاذ سيدرسنا غداً، إذاً أقرؤه الليلة وأراجع شرحه، بحيث يأتي الأستاذ وأنا جاهز حتى يضع الأستاذ بذر العلم والأرض عندي محروثة, ولكن عندما أترك التحضير إلى أن يأتي الأستاذ ويكون شرحه للدرس مثل الألغاز لا أفهمه؛ لأني لم أحضر المادة, فأنجز عملك وواجباتك أولاً بأول حتى تشعر بالسعادة.

تنظيم الأوقات وترتيب الأمور

تنظيم الأوقات وترتيب الأمور وأخيراً وليس بأخير: من أعظم أنواع السعادة: تنظيم الأوقات وترتيب الأمور، وجعل حياتك كلها منظمة, بحيث لا يكون هناك فوضوية في حياتك, فبعض الشباب تجده في غرفته عندما تدخلها تقول: هذه الغرفة نام فيها عفريت: مخدته في زاوية وسرواله في زاوية وكتاب هناك ودفتر هنا وإبريق الشاي هنا له ثلاثة أيام لم يغسله وفنجان مرمي هنا بينما تجد طالباً آخر عندما تدخل غرفته: السرير منظم، والدفاتر وحدها والكتب وحدها, وكل شيء منظم، هذا نوع من السعادة, وعندما تدخل غرفتك وهي بهذا الشكل تعيش سعيداً, لكن عندما تدخل غرفتك وهي بذلك الشكل الغير المنظم تشعر بالشقاء, لكنك عندما تريد كتاباً من عند شخص منظم سرعان ما يجده, وعندما تريد كتاباً من عند شخص غير منظم تجده يستعرض المكتبة من أولها لآخرها، وبعد ست ساعات يأتي بالكتاب، ولكن لو نظم الكتب: كتب العقيدة وحدها, والفقه وحدها, والسيرة وحدها, والأدب وحدها, والثقافة الإسلامية وحدها, فيصنفها حسب التصنيف المعروف أو التصنيف الجديد فستجده سعيداً, ولو أردت أي كتاب سرعان ما يأتي به هذا نوع من السعادة. هذه -أيها الإخوة- بعض المفاهيم في السعادة، أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا جميعاً السعادة, وأن يسكب في قلوبنا الإيمان، وأن يدلنا على العمل الصالح حتى نحقق أكبر قدر من السعادة. وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل ما أقوله حجة لي وليس عليّ، وأن ينفعكم به وينفعني، إنه ولي ذلك والقادر عليه, والله أعلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

معوقات على طريق سعادة الأسرة

معوقات على طريق سعادة الأسرة الأسرة هي الخلية الأولى في البناء الاجتماعي، وهي العش الهادئ الذي ينعم بالعيش فيه جميع أفراد الأسرة؛ لذا فإن صلاح الأسرة صلاح للمجتمع، وذلك يغيض أعداء الله عز وجل، مما جعلهم يسعون إلى تفكيك الأسرة وهدم كيانها وذلك بوضع المعوقات في طريق سعادة الأسرة، وهذه المعوقات تتمثل بالمخدرات والأفلام والرفقة السيئة وغيرها، ولكن من تمسك بهدي الله وبسنة رسوله نجا من تلك المعوقات وأسس أسرة صالحة تعين على صلاح المجتمع المسلم.

الأسرة وأهمية إصلاحها

الأسرة وأهمية إصلاحها السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛؛ الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وأسعد الله أوقاتكم في الدنيا والآخرة، وجمعنا الله وإياكم في الدنيا على طاعته، وفي الآخرة في دار كرامته ومستقر رحمته. في البداية: أشكر مكتب الدعوة والإرشاد بمدينة الرياض على هذا النشاط من الدعوة، وعلى هذا الأسلوب الفريد، والذي يحصل به التجديد، وتحصل به المصلحة والفائدة، حينما يعيش المسلم يوماً إسلامياً متكاملاً يعايش فيه إخوانه، ويتعرف فيه على أحبائه، في أقدس البقاع، وفي أحب الأماكن إلى الله عز وجل، وليأخذ أنموذجاً من الحياة الإسلامية المتكاملة من بداية النهار إلى نهايته، لا ليعيش هذا اليوم فقط، ثم يرجع إلى حياته الأولى، حياة اللهو والعبث واللعب، ولكن ليقضي حياته الجديدة بعد ذلك اليوم بمثل ما قضاها في مثل هذا اليوم، طبعاً بإضافة العمل، لا نريد أن يُفهم من هذا أن يجلس الإنسان في المسجد طول حياته؛ لكن نقدم في يوم الإجازة أنموذجاً بكيف يُستغَل الوقت فيما ينفع، وفي أيام العمل نضيف ساعات العمل الرسمي أو ساعات الكسب المعيشي إلى برنامجنا، ونحن بهذا أيضاً نعبد الله عز وجل. فأشكرهم، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك في جهودهم، وأن يجعل ثوابها في موازين حسناتهم. ولما كان الموضوع متعلقاً بالأسرة، والمعوقات في طريق سعادتها، فإن هذا هو الموضوع المختار للحديث عنه. فالأسرة هي الخلية الأولى في البناء الاجتماعي، وهي العش الهادئ الذي ينعم بالعيش فيه جميع أفراد الأسرة، والمكونة من الأم، والأب، والأبناء، والبنات، وحينما تظلل تعاليمُ الإسلام هذه الأسرة فإنها تعيش في سعادة ورفاهية، مواجهة مصاعب الحياة ومشاكلها بالطرق الوقائية، وبالأساليب الشرعية، ذات الحلول الإيجابية.

مسئولية الوالدين عن الأسرة

مسئولية الوالدين عن الأسرة إن ما نلاحظه في زماننا هذا، وفي كل زمان من التمزق الأُسَري، ومن الفشل العائلي، ومن تشرد الأبناء والبنات، وضياعهم، وإهمالهم، حتى يقضوا حياتهم في غاية البؤس والضياع والفشل والسقوط، وما نشاهده هو نتيجة لجهل الأبوين، وهما قطبا الأسرة، مع نوع من الأفضلية، فالأب: هو المدير العام لشركة الأسرة، والأم: هي نائبة للمدير العام، والأولاد والبنات: هم العاملون في هذه الشركة، والله عز وجل يقول في مسئولية الأسرة: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34] ويقول في قضية الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:228] ثم قال: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:228]. لا تعني هذه الدرجة بأنها أفضلية، وإنما درجة مسئولية، ولا يعني في أي إدارة أنك إذا وجدتً مديراً ونائبه، أن المدير أفضل من نائبه، فربما النائب في قدراته وإمكانياته ودينه أفضل من مائة مدير؛ لكن شاء الله أن يكون هذا مديراً، وهذا يكون نائباً للمدير، وكذلك شاء الله أن يكون مدير الأسرة هو الزوج، ونائبه هي الزوجة، ولا يمكن أن تتدخل في صلاحياته، هو الذي يضع لها صلاحيات، ويحدد لها واجبات على ضوء التكاليف الشرعية، والأوامر الربانية، فإذا جهل الأب وجهلت الأم بالطرق الشرعية لتربية أبنائهما، وأهملا هذا الأمر العظيم الذي هو من أوجب الواجبات باعتباره مسئولية كبيرة فسيواجهون السؤال عنها يوم الوقوف بين يدي الله؛ فيُسأل الإنسان عن أولاده، عن فلذة كبده، عن أمانته؛ أحفظها أم ضيعها؟ يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (كلكم راعٍ، وكل راعٍ مسئول عن رعيته، فالرجل راعٍ في أهل بيته ومسئول عن رعيته) فهذا الحديث إذا مر علينا فإنا نأخذه بمأخذ السطحية، لا نغوص في أعماق النص، ونعرف ما معنى المسئولية؟ المسئولية تعني: أن الإنسان مسئول وموقوف بين يدي الله، فيسألك الله عن ولدك هذا: لماذا لم تعلمه دين الله؟ لماذا لم تربه على منهج الله؟ لماذا لم تكن له قدوة؟ بعض الناس تكون عنده رغبة في أن يكون ولده صالحاً؛ لكن هو نفسه لم يأخذ نفسه بالصلاح، فيعكس عدم صلاحه على ولده، ويأتي ولده فاسداً، وعندما يُسأل يوم القيامة هل يقول: إنه بنفسه؟ لا. ليس بنفسه، بل أنت الذي أفسدته بسلوكك، وبعدم التزامك فانعكست هذه الأخلاقيات والسلوكيات السلبية على ولدك، ولو كنت صالحاً لأصلح الله عز وجل ولدك. ويقول عليه الصلاة والسلام في بقية الحديث: (والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها) وهذه الرعاية تقتضي الاهتمام بكل ما من شأنه المساس بمصلحة هذه الأسرة، في الكبير والصغير، والدقيق والجليل، في الدنيا والآخرة في الاجتماع في الاقتصاد في كل شئون الأسرة، مسئولة عنها، ولكنها تعني أول ما تعني: الاهتمام بالجانب المهم في حياة الأسرة، ألا وهو: جانب الإيمان جانب الدين جانب العقيدة والسلوك والأخلاق، ويوم أن يحصر الناس اهتماماتهم في تأمين الطعام والشراب، والكساء والسكن والسيارة، وتُهمل تلك الجوانب المهمة، فإن الأمة تنعكس وتنتكس وتتردى، وتعيش حياة البؤس والشقاء، فكم وجدنا من أسر تعيش في قصور عالية، وتركب سيارات فارهة، وتلبس ملابس عظيمة، وتأكل الأصناف المتعددة؛ لكن الجهل يخيم على هذه الأسرة، والفُسق يسيطر عليها، والشقاق والنفاق -والعياذ بالله- والتمزق العائلي! لماذا؟ لغياب الشريعة، ولغياب دين الله عز وجل في الهيمنة، وكم رأينا أسراًَ تعيش في أكواخ، وتلبس أسمالاً بالية، وتأكل طعاماً ناشفاً، وتمشي على أقدام حافية، ولكن بالإيمان والدين تكون الرابطة بين الزوجين وبين الأولاد والبنات قوية، وتظللهم السعادة في الدنيا قبل السعادة في الآخرة. ويوم أن يحصر الناس اهتماماتهم فقط في المأكل والمشرب فإن الأسر تتردى، وتعيش حياة البؤس والشقاء، وتنتشر المشاكل والمآسي، وهو ما نلاحظه اليوم في كثير من المجتمعات في هذا الزمان.

فضل حلق الذكر

فضل حِلَق الذكر حتى تعيش الأسر في سعادة وراحة وأمن واطمئنان، فإن هناك أسباباً، ووسائل، وأيضاً هناك موانع ومعوقات تحول دون تحقيق السعادة لهذه الأسر، وتؤدي إلى تحطيم كيانها، وزعزعة سعادتها، وهي كثيرة جداً، ولكن الإخوة المشرفين على هذه الندوة، وعلى هذا اليوم الإسلامي المبارك، الذي تقطفون فيه من الحسنات منذ أن دخلتم من الساعة السادسة إلى الساعة الثامنة -بإذن الله- ما يُسجَّل على واحد منكم سيئة واحدة في ديوان السيئات -بإذن الله عزَّ وجلَّ- إذْ كيف يُسجل عليك سيئات وأنت جالس مع الله! تذكر الله تأكل باسم الله تقوم إلى الصلاة تسمع العلم يدخل في رأسك كلام الله وكلام النبي صلى الله عليه وسلم؟! ومن أين تأتيك المعاصي؟! ما نظرتَ إلى حرام! وما سمعتَ حراماً! وما تكلمت بحرام! وما آذيتَ مسلماً! فأنت في روضة من رياض الجنة، والملائكة منذ أن دخلتَ وهي تصلي عليك وتقول: اللهم اغفر له اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، وتخرج وأنت (مليونير) في الحسنات، هذه نعمة أم ليست بنعمة يا إخوان؟! وكثير من الناس يقضي مثل هذا اليوم؛ لكنه يقضيه في معصية، وفي لعنة، وفي غضب -والعياذ بالله- يذهب إلى الوديان، وإلى الجبال، ولا مانع من أن يذهب إذا كان في أمرٍ حلال؛ لكن يذهب ومعه المنكرات والمعاصي، والدخان والشِّيشة، والأفلام والتبرج -والعياذ بالله- وضياع الصلوات، واللعن والسب، والكلام الساقط، ويرجع وهو (مليونير) في السيئات، متوج بغضب الله ولعنته والعياذ بالله. أنت في يوم وهو في يوم، لكن شتان ما بين اليومين مثل ما بين السماء والأرض، يوم معك فيه الملائكة، يوم يباهي بك الله عز وجل في الملأ الأعلى؛ لأنك جالس في مجلس ذكر، والحديث في صحيح البخاري: يقول عليه الصلاة والسلام: (إن لله ملائكة سَوَّاحة -متجولة- تطوف حلق الذكر، فإذا وجدوا قوماً يذكرون الله حفوهم إلى عنان السماء، ثم يصعدون إلى الله عز وجل، فيسألهم وهو أعلم: كيف وجدتُم عبادي؟ قالوا: وجدناهم يهللونك ويسبحونك ويقدسونك، فيقول الله: فما وجدتموهم يسألونني؟ فيقولون: وجدناهم يسألونك الجنة؟ فيقول الله: وهل رأوها؟ قالوا: لا، فيقول: فكيف لو رأوها؟ قالوا: لازدادوا لها طلباً وفيها رغبة، فيقول الله عز وجل: فما وجدتموهم يستعيذون بي؟ -اللهم إنا نستعيذ بك من عذابك ومن النار- فيقولون: وجدناهم يستعيذون بك من النار، فيقول الله: وهل رأوها؟ قالوا: لا، فيقول الله: فكيف لو رأوها؟ قالوا: لازدادوا منها هرباً وخوفاً، فيقول الله: أشهدكم أني قد غفرتُ لهم) اللهم إنا نسألك من فضلك في هذه الساعة يا ربي أن تغفر ذنوبنا، وأن تستر عيوبنا، وأن تغفر ذنوب آبائنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا، وزوجاتنا وجيراننا وجميع إخواننا المسلمين. ودائماً -يا أخي! - إذا دعوتَ فكبِّر الدعوة، لا تجعلها صغيرة، إذا دعوت فادعُ لك، ولوالدَيك ولإخوانك، ولزوجاتك ولذرياتك، ولجيرانك ولجميع المسلمين، وقد تقول: إنها كثيرة، لكن ما عند الله أكثر، ليس كثيراً على الله، اطلب فإنك تطلب غنياً، يقول الله تبارك وتعالى في الحديث القدسي في صحيح مسلم عن أبي ذر الغفاري: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني، فأعطيتُ كل واحد مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) إذا أدخلتَ إبرة الخياطة في البحر وأخرجتها هل تنقص البحر؟ اذهب وقس طرف البحر وانظر كم نقَّصت الإبرة، لا إله إلا الله! {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان:27] غني عظيم، ولذا إذا طلبت الغني فكثِّر واطلب، والله عز وجل يحب العبد الملحاح، ويحب الذي يُكثر الدعاء؛ لأنه غني تبارك وتعالى، نسأل الله أن يدخلنا في واسع رحمته. - المعوقات التي تحطم كيان الأسرة:- إن هناك معوقات كثيرة، اختار الإخوة المشرفون على المجلس وعلى اليوم الإسلامي منها ثلاثة فقط، وهي: أولاً: المخدرات. ثانياً: الأفلام. ثالثاً: الأصدقاء. هذه قنابل على الأسرة، هذه معاول في هدم كيان الأسر وسعادة الأسر: المخدرات الأفلام والأصدقاء.

المعوق الأول في طريق سعادة الأسرة: المخدرات

المعوق الأول في طريق سعادة الأسرة: المخدرات المعوق الأول: وهو أخطرها، وأشدها فتكاً، وأعظمها تحطيماً للأسر والمجتمعات والدول والشعوب: آفة المخدرات:- المخدرات هي التي لا يقف ضررها عند حد، بل يتجاوز كل حد، ولا يسلم من أثرها أحد؛ لأنها شرور لا يعلمها إلا الله. إن الفرد، والمجتمع، والشعب، والدولة، بل العالم كله ليعاني الآن من آثارها، وأضرارها، حتى أجمعت الأمم كلها -كافرها ومسلمها، كبيرها وصغيرها- على محاربة المخدرات؛ لقناعتها بأن أضرارها بالغة لا تُقاس؛ في الدين، والصحة، والاجتماع، والأمن، والاقتصاد، ومن أجل ذلك تحارَب على كافة المستويات. وكيف تُحَطَّم الأُسَر عن طريق المخدرات؟ تُحَطَّم الأُسَر يوم أن تُمارَس المخدرات عن طريق أول جُرعة، وقد جرِّب ذلك، وكثير من الناس وقعوا مع أول خطوة، وانتهوا عند أول حبة تناولوها، يجلس أحدهم في المقهى، وهي مساجد الشيطان، إذا أردتَ أن ترى مساجد إبليس فاذهب إلى المقاهي، سترى المؤذن، وهو: المغني، وترى المآذن، وهي: الشِّيَش، وفوقها النار، وترى المصلين وهم قابعون على الكراسي، وكل منهم مادٌّ رجله، والشيطان يلعنهم ويسخط عليهم، ويبول في آذانهم، ويوم القيامة يتبرأ منهم، ويقول لهم: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [إبراهيم:22] يقول: ما أخذتكم بحبل ولا بكتاب ولا غيرهما، هل يجد الشيطان أحدهم إلى القهوة؟ لا. {إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم:22]. من الناس من يترك زوجته وأطفاله ويخرج من بعد العشاء ولا يرجع إلا الساعة الثانية عشرة ليلاً أو الواحدة ليلاًً، وأين هو؟ وهو يعبي جمراً أحمر -والعياذ بالله- ولا يطرب إلا لقرقرتها فوق رأسه، والشيطان يكبر ويهلل من عليها، يكبر تكبيرة شيطانية، تقرقر فوق رأسه فيحس لهذه القرقرة أنغاماً أعظم عنده من ترتيل القرآن، لا إله إلا الله! وبعد ذلك؟ أيضاً يمارس نوعاً آخر من العبادة، يلعب (الورق، وكبُّود، والدِّمنة، والكَيْرَم) ويضيع حياته -والعياذ بالله- ثم يتفل الشيطان في وجهه، ولا يعود إلى البيت إلا والشيطان فوق رقبته؛ لأن الشيطان الآن متطور، كان في السابق يمشي، أما الآن فأصبح يركب سيارات؛ لكنها ليست من حديد، وإنما سيارات بشرية، يقول الله: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} [المجادلة:19] استولى عليهم واستعمرهم، وقرطسهم ووضعهم في جيبه: {فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة:19]. يأتي الرجل ويجلس في القهوة، وذاك يضحك وهو منبسط، فيسأله الرجل ويقول: ماذا بك يا أخي؟ فيقول: هناك شيء ليس عندك، فيقول: وما هو؟ فيقول: ذُق لترى، ذُق فقط، فيقول: وما هذا؟ فيقول: هذا يجعلك ترى مصر وأنت هنا، فيقول: هات ننظر، وأخذ حبة وبلعها، فيقول: بكم هذه الحبة؟ فيقول: بعشرة، أو بخمسين، أو بمائة، وبدأ في الانزلاق، فيجيء في اليوم الثاني فلا يستطيع أن يصبر! ولا بد من حبة، فيحرم أولاده من مصروف المدرسة؛ لكي يشتري حبة، ويجعل ولده وبنته في المدرسة بدون فُسحة، يشحذون من الأولاد: أعطني قطعة جبنة! أعطني قطعة (ساندويتش)! فيقال له: لماذا؟ فيقول: أبي لم يعطني شيئاً، فيقال له: لماذا؟ فيقول: ليس عنده نقود، وهو عنده نقود، ولكن اشترى بها مخدرات، وبعد ذلك تستمر الانزلاقة إلى أن يفتقر الرجل، ويصبح راتبه كله في المخدرات، ولا يعطي أولاده شيئاً، فيموتون جوعاً، لماذا؟ لأنه لا يستطيع، فتنتهي رواتبه، وإذا لم تكفه فإنه يذهب ليسرق، يسرق حلية زوجته، ويدخل على المرأة، ويقول: انظري! أنا متورط أنا زهقان هناك أزمة أسرعي أعطيني (بِنْجِرة) أو أعطيني خاتماً، أو أعطيني قطعة من حليك؛ لأنني محتاج محتاج (ومزنوق إلى رقبتي) وهو فعلاً كذلك ورطة إبليس -والعياذ بالله- في هذه المأساة، وما ظنك عندما تضيع الأسرة بهذا الزوج الفاشل، فالأولاد يضيعون؛ لأنه لا يعرف عنهم شيئاً، والبنات يضِعنَ، والزوجة إذا كانت بلا دين ربما تضيع، وتذهب لتشتغل، إما بعمل مهني، أو ربما تبيع عرضها من أجل أن تكسب شيئاً تقتات به هي وأولادها بسبب هذا الخبيث الذي تدهور في بؤرة وحفرة المخدرات.

أعراض إدمان المخدرات

أعراض إدمان المخدرات هذه المخدرات، نعرف أعراضها، في كثيرٍ ممن يتعاطاها؛ لأنها ظاهرة، فمجرد أن تراه تعرف أنه من أهل المخدرات، كيف؟ - أولاً: الشعور بالخمول:- خامل حتى في عمله، حتى في دوامه، يأتي الساعة التاسعة والنصف، وإذا جاء أرخى ظهره على الكرسي، فيقال له: ما بك؟ فيقول: أنا متعب، لا أدري ماذا بي، فيقال: ما الذي أتعبك؟ أين كنت؟ هل كنت تجاهد؟ فيقول: لا ولكن متعب لا أدري ماذا بي، أحس نفسي أنني لستُ بجيد؛ لأنها خَدَّرَتْكَ المخدرات، فالشعور بالخمول دائماً وباستمرار، فهو خامل لا يستطيع أن يأخذ حتى ورقة، حتى في العمل نفسه، فتقول له: اكتب المعاملة هذه، فيقول: حاضر، فيكتبها: سعادة مدير عام كذا وكذا، أو مدير كذا وكذا، مرفقة المعاملة المتعلقة بفلان، نأمل الاطلاع والإحاطة والتوجيه، فقط وتخلص منها؛ لكن هل درسها، وعرف مضمونها، والتي رأينا، والتي لها خيارات، الخيار الأول الخيار الثاني يقدم معلومات، فيأتي المسئول يقرأها، هل هي كاملة من خلال المعاملة كلها أم لا؟ فهذه ليست موجودة، لماذا؟ لأنه كسلان تعبان مخدر يشعر دائماً بالخمول والكسل والاكتئاب، ودائماً هو غضبان ومكتئب وأعضاؤه كلها مرتخية والعياذ بالله. ثانياً: اتساع حدقة العينين:- وأيضاً ظاهرة تراها فيه فتعرفها، وهي: اتساع حدقة العينين، عيونه موسَّعة، لماذا؟ نتيجة الاكتئاب والشد العضلي والنفسي فتتوسع عيناه؛ لأنه لا ينام، فتتوسع عيناه كأنها عينا سكران والعياذ بالله. - ثالثاً: ارتفاع درجة الحرارة:- عندما تلمسه تجد حرارته مرتفعة باستمرار، فتلتهب تأثير هذه الحبوب. - رابعاً: الصداع:- - خامساً: الدوار:- - سادساً: تصلُّب المعدة:- - سابعاً: الضعف العام في كل جسده:- - ثامناً: جفاف الفم:- - تاسعاً: الرغبة في النوم:- فرغبته دائمة في النوم، يرقد ويرقد إلى أن يقوم وقد تقلبت عيونه، وانتفخت، وأصبحت عينه الواحدة مثل الساعة من كثرة النوم، وإذا جاء في الصباح ليلبس أحذيته، فإنه لا يدخل حتى رجله بأكملها، يدخل نصف رجله، ويسحبها في الشارع سحباً، ويرمي بـ (غترته) على كتفه، وحتى زراره الذي على رقبته لا يشده، فلا فراغ لديه لذلك؛ لأنه يراه متعباً له، فيقول: كيف أشد زراري ثم أفتحه فيما بعد؟! لا. أتركه مفتوحاً من الآن، لا إله إلا الله!! ثم بعد ذلك يستمر في التدهور إلى درجة أنه لا يعرف من هو. قال لي أحد المسئولين في إدارة المخدرات: إن هناك شخصاً من المتعاطين سئل وقيل له: ما اسمك؟ فقال: هاه؟! ماذا تقول؟ قيل: ما اسمك؟ قال: أنا؟! دعني أتذكر! مَن أنا؟! لستُ أدري! لا إله إلا الله! هل هناك تحطيم أعظم من هذا التحطيم؟! من إنسان لا يعرف من هو؟! لا يعرف ما اسمه، أهو علي، أم عبد الله، أم سعيد، أم محمد؟! أي خير تأمله، أو أي شيء تريده من هذا الإنسان الذي لا يعرف من هو؟! أتريده أن يستمر في القيام بدوره في أسرته, أو في مجتمعه، أو في وطنه؟! كيف سيكون؟! سيكون مسكيناً وكرة يلعب بها الشيطان، كما يلعب بها الصبيان، وهو ما تسعى إليه دول الكفر في أن تورِّد لنا هذه السموم حتى تقضي علينا، وأنتم تعرفون أن من يقرأ التاريخ، يعرف كيف استطاعت بريطانيا أن تحطم وتستعمر الصين عن طريق المخدرات، إلى أن أتى رئيسٌ لهم وقضى على المخدرات، وإذا بـ الصين تنهض، وتصبح الدولة الخامسة العُظمى في العالم، وتفجر الذرة، وتكتشف القنبلة الذرية. هذا بعد ماذا؟ بعد تَحررها من رِبْقة المخدرات. لقد أنعم الله على الإنسان بالعقل؛ ليكون مسئولاً عن تصرفاته، وليقوم بتكاليف الدين، ولذا فإن مناط التكليف العقل، يقول عليه الصلاة والسلام: (رُفع القلم عن ثلاثة:) الحديث، وهذا من خصائص الدين الإسلامي، أنه إذا كان هناك عقل فإن هناك مؤاخذة، وإذا ارتفع العقل ارتفعت المؤاخذة، لماذا؟ لأن العقل هو الذي يضبط تصرفاتك: (رُفع القلم عن ثلاثة:) والمخدرات بأشكالها وأنواعها وجميع أصنافها المختلفة، تقوم بإفساد العقل، والقضاء عليه، وتعطيله عن القيام بدوره، وتحويل الإنسان من إنسان عاقل إلى إنسان مجنون، يقول ابن الوردي: واترك الخمرة، لا تشربها كيف يسعى لجنون من عقلْ وقد نشأت المخدرات منذ القدم، عن طريق تعرف الإنسان على بعض النباتات والأعشاب، وتناولها، ثم الاستمرار عليها، حتى يحدث لديه الإدمان، وهو الاعتماد الجسدي والعقلي عليها، ولذا تفتح الدولة الآن مستشفيات، اسمها: مستشفيات الأمل؛ لأن صاحب المخدرات لا يستطيع أن يتركها من عنده، بل لا بد من علاج؛ لأن المخدرات أصبحت جزءاً من تركيبته الجسدية، وأصبحت جزءاً من تركيبة دماغه وعقله، بحيث أنه إذا لم يجدها فإنه لا يستطيع العيش؛ ألا ترون بعض المدمنين إذا لم يجد المخدرات كيف يتصلب، ويحرك يديه، ويصعد عينيه، ويتلوى، ويقع في الأرض، ويتقلب، ويمدد رجليه ويديه؟! لماذا؟ لأنه نقص عليه شيء، فلا يحاول أن يعود إلى وضعه إلا عن طريق المخدرات، فتصبح المخدرات بعد الإدمان جزءاً من التركيب الجسدي والنفسي. إذاً: هو يبدأ بجرعة صغيرة، ثم ثانية، ثم ثالثة، ثم لا يلبث أن يقع فريسة للمخدر، ويعجز عن الإقلاع عنه، وإذا لم يتناوله تعرَّض للآلام والتشنجات.

نشأة المخدرات

نشأة المخدرات وقد نشأت المخدرات منذ القدم، عن طريق تعرف الإنسان على بعض النباتات والأعشاب، وتناولها، ثم الاستمرار عليها، حتى يحدث لديه الإدمان، وهو الاعتماد الجسدي والعقلي عليها، ولذا تفتح الدولة الآن مستشفيات، اسمها: مستشفيات الأمل؛ لأن صاحب المخدرات لا يستطيع أن يتركها من عنده، بل لا بد من علاج؛ لأن المخدرات أصبحت جزءاً من تركيبته الجسدية، أصبحت جزءاً من تركيبة دماغه وعقله، بحيث أنه إذا لم يجدها فإنه لا يستطيع العيش؛ ألا ترون بعض المدمنين إذا ما وجد المخدرات كيف يتصلب، ويحرك يديه، ويصعد عينيه، ويتلوى، ويقع في الأرض، ويتقلب، ويمدد رجليه ويديه؟! لماذا؟ لأنه نقص عليه شيء، فلا يحاول أن يعود إلى وضعه إلا عن طريق المخدرات، فتصبح المخدرات بعد الإدمان جزءاً من التركيب الجسدي والنفسي. إذاً: هو يبدأ بجرعة صغيرة، ثم ثانية، ثم ثالثة، ثم لا يلبث حتى يقع فريسة للمخدر، ويعجز عن الإقلاع عنه، وإذا لم يتناوله تعرَّض للآلام والتشنجات.

أسباب تعاطي المخدرات

أسباب تعاطي المخدرات وهناك أسباب تدفع الناس إلى الوقوع في المخدرات، سواءً كانوا رجالاًَ أو نساء أو أولاداً أو بناتاً. فبعض الناس لا يقع فيها مباشرة من عنده، بل لا بد من شخص يغرر به، ويخدعه ويمكر به، ويقول له: أتريد أن أريك شيئاً ينفعك، ويفعل بك كذا، فيقول: نعم، فيقول: خذ. فيقع. إذاً: ما هي هذه الأسباب؟ هذه الأسباب هي: - السبب الأول: ضعف الوازع الديني، وعدم الخوف من الله:- هذا أول سبب، إذ أن الذي يخاف من الله، وعنده إيمان، -فوالله- لا يتناولها، ولا يقرب منها، ولا يتعرف عليها؛ لكن البيئة الخصبة، والمجال الرحب لزرع وشيوع المخدرات هو ضعف الوازع الإيماني، وعدم المراقبة والخوف من الله عز وجل. - السبب الثاني: مجاراة أصدقاء السوء، ورفقاء الباطل، والمجاملة لهم:- فالدخان يبدأ بأول سيجارة، والخمر يبدأ بأول كأس، والمخدرات تبدأ بأول حبة عن طريق المجاملة، فبعض الناس يجلس مع هؤلاء الأصدقاء والرفقاء، فيفتح أحد الأصدقاء والرفقاء الباكِت، ويخرج منه السيجارة مثل المدفع، ويقول له: تفضل. يريد أن يكرمه، بل يريد أن ينسفه بمدفعه الشيطاني -والعياذ بالله- فيقول: شكراً، فيقول: لا يا شيخ! جرِّب لا بأس لا يهمك شيء، أنا عندي الكثير منه يظن أنه رفض؛ لأنه ظن أنه بخيل! (بينما هو) لا يريدها ولا يريد صاحبها. أحد الناس وهو دكتور، كنت أنا وهو نتكلم في موضوع الدخان، وهو يعلمني بجميع أضراره، وبينما نحن نتكلم إذا به يدخل يده في جيبه من غير شعور وهو يتكلم معي، ويخرج الباكِت، ويخرج منه السيجارة، ثم يقدَّم لي، فقلتُ: لماذا هذا؟ انتبه! فقال: آسف آسف والله نسيت! فالعادة أصبحت (أوتوماتيكياً) تبعاً للشيطان، فيخرجها بدون شعور منه، والعياذ بالله. - السبب الثالث: الاعتقاد بزيادة القدرة على السهر، وزيادة الإنتاج:- وهذا اعتقاد باطل، فالبعض يعتقدون أن الذي يشرب المخدرات يستطيع أن ينتج أكثر، ويسهر أكثر، ولذا يشربها السائقون في أيام المواسم، مواسم الحج والأعياد، لا يريد أن ينام في ليل ولا في نهار، فيأخذ حبوباً، ثم يعود فينام نومة لا يقوم منها إلى يوم القيامة، يريد أن يسهر ساعات، فيرقد أياماً وليالي -والعياذ بالله- إما في حادث مروري، وإما أن يقع في السجن، وإما أن تحدث له نكبة؛ لأسباب تعاطيه هذه الحبوب التي يسمونها: (حبوب الكونغو). - السبب الرابع: الاعتقاد الخاطئ بأن للمخدرات علاقة بالجنس:- فيكون لدى المتعاطي ضعف جنسي، لا يستطيع أن يمارس عملية الجنس مع زوجته، فيقول له شخص: أتريد أن تكون قوياً، فيقول: نعم. فيقول: إذاً: خذ لك هذه الحبوب، فيبرُك ويتعطل، ولم يعد يقدر على فعل شيء بالمرة، لا -يا أخي- إذا أردت أن تكون كذلك، فأولاً عليك بالتحصن من الحرام، غُض بصرك عن الحرام، صُنْ سمعك عن الحرام، لا تنظر إلى الحرام؛ لأن النظر والسماع يصرف جزءاً من شهوتك؛ ولكن إذا أمسكت نفسك عن الحرام، وصرفته في الحلال، فستقوى، وأيضاًَ: كُلْ مما رزقك الله من الطيبات، كل من الشحم واللحم، والبر والسمن والعسل، والتمر، وهذا يجعلك رجلاً بدون مخدرات. - السبب الخامس: الاعتقاد الخاطئ بأنها علاج للأرق والقلق:- فبعض الناس لا يأتيه نوم في الليل، فيقول: كيف أنام؟ فيقال له: خذ لك حبوباً ونم. وهي في الحقيقة ليست منومة، وإنما هي مزعجة والعياذ بالله. - السبب السادس: إيهام المتعاطي بأنها تنسيه مشاكله، وأنها تقضي على آلامه وأوضاعه:- وهذا خطأ، وكما يقال: (دخِّن عليها تنجلي)، فالأصح: دخِّن عليها تضيق وتشتد، لا أنها تنجلي. - السبب السابع: وفرة المال:- وخصوصاً عند الشباب الصغار الذين لا يبالي آباؤهم بالمبالغ التي في أيديهم. إن الشباب والفراغ والجِدة مفسدة للمرء أي مفسدة فإذا كان عمر الشاب خمسة عشر عاماً أو عشرين عاماً، وأبوه يرمي بالأوراق المالية في جيبه، ولا يحاسبه، وهو لا يعرف قيمة المال، لأنه لم يتعب فيه، ويذهب فيشتري، وربما يتعاطى، فيقع -والعياذ بالله- وهو قليل التجربة، وأيضاً ناقص الأهلية، ولا يستطيع أن يميز بين الحق والباطل، وبين الشر والخير، فيقع في هذه البلية.

آثار المخدرات على صحة الإنسان

آثار المخدرات على صحة الإنسان وللمخدرات -أيها الإخوة- آثارها العظيمة المدمرة على صحة الإنسان، وعلى بدنه، وعقله، فهي: 1 - تؤثر تأثيراً قوياً على الجهاز العصبي. 2 - تؤثر على الجهاز الهضمي. 3 - تسبب هبوطاً في القلب. 4 - تذهب العقل. 5 - تفقد الوعي. 6 - توهن الصحة. 7 - تقلل من قدرة الإنسان على القيام بالواجبات، فيصبح شخصاً مهزوزاً كسولاً سطحياً متواكلاً مهملاً منحرف المزاج، تهتز صورته في المجتمع، وتضعف الثقة فيه، فتسيء الأمة الظن به.

آثار المخدرات على أمن الأمة

آثار المخدرات على أمن الأمة أما آثارها الأمنية، على الأمة، فهي: 1 - أثبتت الدراسات الأمنية وجود رابطة قوية بين متعاطي المخدرات وأصحاب الجرائم؛ جرائم السلب، والقتل، والاغتصاب، والسطو، من أجل ماذا؟ من أجل الحصول على المخدرات، فإن كان المدمن لا يتورع عن السرقة، والنهب، ولا يتورع عن السلب والاغتصاب، من أجل الحصول على هذه المخدرات. 2 - لا يتورع عن إفشاء أسرار بلاده لأعدائه؛ في سبيل أن يأخذ شيئاً من هذه المخدرات. 3 - ثبت أن نسبة كبيرة من حوادث السير المرورية؛ يكون سببها تعاطي المخدرات عند السائقين الذين يتوهمون أنها تزيد من قدرتهم على السهر ومواصلة السفر.

آثار المخدرات على الاقتصاد

آثار المخدرات على الاقتصاد أما الآثار الاقتصادية فواضحة جداً؛ وهي: 1 - تعاطيها يؤدي إلى الإدمان -كما أسلفنا- وهذا يتطلب صرف مبالغ طائلة، دون أي جدوى. 2 - شيوع البطالة. 3 - عدم قيام المدمنين بأعمالهم المنوطة بهم، فيتعطل الإنسان، وينخفض مستوى المعيشة، وتتدهور الأمة، وينتشر الفقر، ويتأثر الاقتصاد، وتحصل الويلات والنكبات، ولذا فإن الدول المتأخرة الآن والفقيرة، سواءً أكانت عربية أو غير عربية، إسلامية أو غير إسلامية، الداء الوبيل الذي يقضي عليها هو: المخدرات.

آثار المخدرات على المجتمع

آثار المخدرات على المجتمع أما أضرارها الاجتماعية، فإن انتشار المخدرات في أي مجتمع يؤدي إلى الآتي: 1 - تدمير المدمنين. 2 - وبالتدمير يحصل عجزهم عن القيام بواجباتهم الأسرية. 3 - وبالعجز يحصل انتشار الفقر والجهل والمرض، وتتفشى الجرائم والفساد الخلقي وهتك الأعراض. كل ذلك بأسباب هذا الداء الخطير. والحمد لله ففي بلدنا ومجتمعنا، وفي ظل قادتنا -بارك الله فيهم- يُحارب هذا الداء محاربة شديدة، ويُضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه أن يسير فيه، سواءً أكان هذا تعاطياً، أو ترويجاً، أو تهريباً، أو بيعاً، كل هذه جرائم، ليس فيها إلا السيف الأبتر. ولذا فإن مسئولية كل فرد فينا -أيها الإخوة- أن نكون عيناً على هذه الجريمة، ولو كان المجرم ولدك، فلا تتستر على من سمعت أو علمت أن عنده شيئاً من هذه المخدرات، والله إذا تسترت وسكت، ولو كنت لست مسئولاًَ فأنت مسئول عن هذه الأمة، كلكم مسئول، فإذا علمت أو سمعت عن زميل، أو قريب أو بعيد، أو ولد أو أب، أو زوجة أو بنت، أو أي إنسان في الدنيا مهما كانت صلتك به، إذا علمت أن عنده من هذه شبهة، فبلغ به رأساً سلطات الأمن، وإذا لم تبلغ وتسترت عليه فأنت -والله- خائن لله ولرسوله ولهذه الأمة، وربما تُبتلى أنت إذا سكت، فإنه ربما بعد سنوات ستجد المرض في ولدك، أو في ابنتك، أو زوجتك، أو فيك أنت، لماذا؟ لأنك رضيت بالمنكر، وهذه أمانة، أضعها ويضعها ولاة الأمر في عنق كل مسلم، كل منكم على ثغرة من ثغور الدين، فلا يؤتى الإسلام من قِبَله. فالمسئولية ليست مسئولية رجال مكافحة المخدرات فقط، ولا رجال الأمن فقط، بل هي مسئوليتهم في الدرجة الأولى، وكذلك مسئوليتك أنت في الدرجة الثانية مثلهم، كمواطن وكمسلم، يهمك أمن هذه البلاد، ويهمك أمر سعادة الأسر، ويهمك أمر الأمة بشكل عام. فعليك أن تكون عيناً على هذه الأمور، وما إن تسمع شيئاً إلا وتذهب إلى ولي الأمر، وتبلغ، وطبيعي أنه لن يُفشى اسمك، فتقول لهم: أنا بلغت، ولكن لا تقولوا: إنه قالها فلان. فطبيعي أنهم لن يقولوا: قالها فلان، وإنما سوف يقبضون على الجاني، ويقضون على المنكر -بإذن الله-، ويكون لك شرف أنك ساهمت في القضاء على هذه الجريمة، وهذه المعضلة الاجتماعية الخطيرة.

المعوق الثاني في طريق سعادة الأسرة: الأفلام

المعوق الثاني في طريق سعادة الأسرة: الأفلام المعوق الثاني: وهو مهم جداً جداً، وهو: معضلة الأفلام:- الأفلام؛ وما أدراك ما الأفلام؟ لقد أحدثت هذه الأفلام هزة عميقة كبيرة في الأسر وفي نمط الحياة الاجتماعية فيها، حين أصبح مجرد تجمع الأسرة حول بعضها ضرباً من ضروب المستحيلات، فما عاد أحدٌ يجد الأب، ولا الأم، ولا الأولاد، كلٌّ في داره على الفيديو، يتلقى ويتعلم من دروس الكفر والضلال -والعياذ بالله- وحين أخذت القيم التي تبثها الأسرة في الأطفال في الاضمحلال والانتهاء؛ لتحل محلها القيم المقتبسة والمستوردة من أفلام رعاة البقر، ومسلسلات العنف، وتمثيليات الجنس، وحلقات الجريمة والبوليس، وهي دائرة ضخمة من الآثار الوخيمة، تصنعها الأفلام، ويتشبع بها أفراد الأسرة كل يوم، وتتغير -تبعاً لذلك- أنماط في حياة الأسرة كلها، فوقت النوم أيضاً يتغير، وكان الناس في الماضي ينامون بعد صلاة العشاء، وكانوا عندكم في نجد هنا إذا سمعوا النجار سهر بعد صلاة العشاء، دقوا عليه الباب، وأخذوا غترته وحرقوها وصبوا الماء على ناره، ويقولون له: أتسهر بعد العشاء؟! أمعقول أن تضيع الفجر؟! أما الآن فقد أصبح النوم بعد العشاء جريمة، إذا سأل شخص آخر وقال له: متى ترقد؟ فقال: بعد العشاء، قال: أعوذ بالله! أترقد بعد العشاء؟! أفيك خبل حتى لا تسهر؟ وإذا قال له: ومتى ترقد أنت؟ قال: ما أنام إلا الساعة الواحدة، بعد انتهاء الفيلم، أو بعد المسلسل (الذي يسلسل عقله والعياذ بالله)، حتى أصبح المسلسل موعداً، فيقال: متى العشاء: بعد الأخبار أم بعد المسلسل؟ فيقال: العشاء بعد المسلسل. أصبح المسلسل حدثاً اجتماعياً، لا بد أن نحرص عليه، وبعضهم تجد أن عنده زائراً، أو هو زائر عند آخر، فإذا جاء وقت المسلسل قال: أستأذن، فإذا قيل له: ماذا هناك؟ قال: المسلسل، لا أريد أن يفوتني، فإذا قيل له: لماذا؟ قال: وقف المسلسل البارحة عند نقطة هامة، وأنا -يا أخي- أعيش في دوامة، أريد أن أراها. ما هذه النقطة الهامة، أتدرون ما هي؟ هي كذب في كذب، تجد سبعة كذابين أو ثمانية، أو عشرين كذاباً جمَّعهم كذاب، وألف لهم كذبة في ورقة، وسماها: مسرحية، وأتى بهم، ووزع عليهم الأدوار، وقال: أنتَ في دور الأب، وأنتِ في دور المرأة، وأنتِ في دور البنت، وأنتَ في دور الولد، وأنتَ في دور الخادم، وأنتَ في دور السائق، وجلس معهم شهرين أو ثلاثة أو أربعة، وهو يعلمهم الكذب، ويصنع لهم كذباًَ في كذب، وبعد ذلك، أخرج هذه الكذبة إلى الناس، وإذا بالناس يعيشون معها. حتى أن من الناس من يعود إلى بيته فيجد زوجته تبكي، فيقول لها: ماذا بك تبكين؟ فتقول: هل رأيتَ النهاية المرة والأليمة التي حصلت لتلك المسكينة؟ فيقول: يا فلانة، والله لا نهاية ولا شيء، والله إنها كذب في كذب كيف تعيش بعقليتك على الكذب، أنا الآن لو قلتُ لكم وأنا في مجيئي الآن، جئت -مثلاً- من شارع المطار إليكم، فلو قلتُ لكم، وأنتم تثقون بكلامي: لقد مررتُ بحادث مروري مروِّع، كانت ضحيته العشرات من الناس، أربع أو خمس سيارات اصطدمت كلها، وبعد ذلك جاء المرور وسألوا الجرحى، وساهمتُ أنا معهم، أما تتأثرون بهذا الخبر؟! مباشرة ستقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون، فإذا أكملتُ الخبر، قلتُ: لا تصدقوه فهو كذب، فماذا ستقولون لي؟ ستقولون: الله أكبر عليك، لماذا تخذلنا يا شيخ؟ لماذا تعلمنا الكذب؟! وتشد أعصابنا بالكذب؟! هذه المسلسلات، وهذه الأفلام كلها كذب في كذب. فالنوم أصبح في هذا الوقت من بعد العشاء أعجوبة الزمان، وحتى نمط الطعام أصبح متغيراً، لم يعد مثل الأول، ونمط الاستضافة، فبعض الناس تأتي إليه تريد أن تدق عليه بابه، وتريد أن تسمر معه، فيشغل لك فيديو، ويقول: اسمر مع الفيلم، فتقول له: يا أخي! أنا جئت لأزورك، أم جئت لأزور الفيلم؟ أريد كلامك، لا أريد الفيلم، فيقول: لا. الفيلم مهم، انظر إليه، بمعنى: انصرف، لا يريدك أن تجلس معه، لا حول ولا قوة إلا بالله! واختفت الحياة الهادئة، وتعود الناس على الضجيج والصخب، وحصل الاضطراب في الأعصاب.

أضرار مشاهدة الأفلام

أضرار مشاهدة الأفلام أدى إدمان مشاهدة تلك الأفلام إلى الآتي: 1 - انعدام الحس الإيماني. 2 - استمراء الأخطاء الظاهرة، وعدم إنكارها. 3 - صار الناس يتقبلون أن يروا رجلاً يحتضن شابة؛ لأنه يمثل دور أبيها مثلاً؛ وصدَّقوا ذلك، وهو في الحقيقة ممثل، وهي ممثلة، لا هو أبوها، ولا هي ابنته، ويضمها ويقول: يا حبيبتي! ويا ابنتي، وهي ليست ابنته حقيقة؛ لكن صدق الناس أنها ابنته. 4 - أيضاً صار الناس لا يتحرجون من مشاهدة رجل وامرأة في وضع الزوجين، مع أنهما ممثلان وليسا بزوجين. 5 - صار الحس الإسلامي متبلداً، لا أحد ينكر أن يرى المرأة حاسرة الرأس، كاشفة الصدر والرقبة والساقين والذراعين. 6 - لا يتحرج المسلم ولا المسلمة من مشاهدة من يشرب أكواب الخمر، ومن يمارس جرائم الاغتصاب والسرقة والقتل، والسباب والشتائم بأقذع الألفاظ؛ لأن تلك الأشياء كلها مُعَلَّمَة من تلك الأفلام. 7 - لم يعد لفراش الزوجية وغرفة النوم ذاك الاحترام، والحشمة، والسرية. كان الناس يعيشون ويموتون وهم لا يعلمون شيئاً عن غرفة النوم، إلا مع أزواجهم إذا تزوجوا، أما الآن فقد أصبحت حياة الأزواج مكشوفة في الأفلام بصورة مبتذلة، وفي إسفاف بالغ، حين يُرى الزوج وزوجته على السرير، والولد الصغير، ولهذا يقول عزَّ وجلَّ: {ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ} [النور:58] لكم ثلاث عورات، لا يمكن أن يدخل عليكم أحد إلا بإذن حتى الأطفال. الثلاث العورات هي: الأولى: {مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ} [النور:58] والثانية: {وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ} [النور:58] والثالثة: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ} [النور:58] لماذا؟ لحرمة الغرف، ولحرمة سرير النوم؛ حتى لا يفاجئك الإنسان وأنت على وضع لست مستعداً فيه؛ لكن اليوم! هل بقي على الطفل شيء يخفى عليه بعد هذه الأفلام، بل ينظر إلى الفيلم، ويقول: إذاً أمي وأبي يفعلون هكذا، وربما أكثر، فهل عاد للأسر كيان؟ أبداً؛ لأنه يرى الدروس العملية أمامه في الأفلام، فإنا لله وإنا إليه راجعون. إن الإنسان -أيها الإخوة- يكَوِّن قيمه الأساسية عن الحياة من تقليده لوالديه، ولذا جاء في الحديث، والحديث في صحيح مسلم، يقول عليه الصلاة والسلام: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) ويقول الله عز وجل في الحديث القدسي: (إني خلقتُ عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين). هذا التأثير ينحصر في الوالدين، وفي الأهل في البيت، لكن عندما يكبر الولد، يتأثر بالمؤثرات الأخرى، مثل: المدرسة، والمجتمع، والشارع، والزملاء، والكتاب، والجريدة، والمجلة، والشريط، كل هذه المؤثرات في الماضي، أما في هذا الزمان فقد أصبحت هناك وسائل عظيمة تؤثر في نفسية الطفل مبكراً، أكثر مما يؤثر فيه والداه، وكذلك المجتمع، هذه المؤثرات هي: الأفلام، أعاذنا الله وإياكم من شرها. حينما يقضي الطفل أو يبقى مشدوداً ساعات طويلة لمتابعة الفيلم، فإن مفاهيم هذه الأفلام تنعكس عليه، وتنغرس في نفسه، في حين أنه لا يستطيع أن يميز بين الضار والنافع، ولا بين الخير والشر. بجانب سكوت الآباء والأمهات، بل تعلق الآباء والأمهات، فبعض الآباء يقول: الأولاد شغلونا وما ريَّحونا، فإذا قيل له: فماذا تصنع؟ قال: أحضر لهم فيلماً لكي يناموا عليه، وبعضهم يقول: أشاهد الفيلم معهم، فينتقل هذا طبيعياً إلى الأبناء، بحيث تصبح مواقفهم مشابهة لمواقف آبائهم، ثم لا يقبلون فيها جدلاً ولا يسمعون حولها نصيحة. إن الأطفال بطبيعة الحال لا يستطيعون إنتاج تلك الأفلام، ولا يقدرون على شراء أجهزتها، وهم عاجزون عن القيام بدور الرقابة على أنفسهم، والمسئولية في كل ذلك على الآباء. إن المسئولية تحتم على الآباء حماية أطفالهم من أي ضرر نفسي، أو أخلاقي، أو عقائدي. والعاطفة، والرغبة، والرحمة، والشهوة الجنسية لا ينبغي أن تطغى على تصرفات الآباء؛ لأنهم وإن استطاعوا أن يتحكموا في تصرفاتهم هم إلا أن هذا التحكم غير موجود عند الأطفال، فعليهم التضحية؛ لأن الطفل أمانة في أعناقهم سيُسألون عنها يوم الوقوف بين يدي الله.

أخطار غياب المسئولية عند مشاهدة الأطفال للأفلام

أخطار غياب المسئولية عند مشاهدة الأطفال للأفلام إن إهمالهم لهذه الأمانة سيؤدي إلى وقوعهم ووقوع أسرهم في الأخطار العظيمة التي منها ما يأتي، وأرجو التركيز قليلاً حتى نعرف الخطر:- - أولاً: زعزعة ثقة أفراد الأسرة في الإسلام:- وذلك؛ لأن الفرد منهم يشاهد كفاراً، وإذا لم يكونوا كفاراً وكانوا عرباً فإنه يشاهد فَسَقَةً ومجرمين لا يعرفون الله، وبالتالي يأخذ القدوة منهم، ومن أخلاقهم. - ثانياً: زعزعة ثقته في آداب الإسلام:- فحينما تقول للفرد: إن هناك حجاباً في الشرع، يقول: ما الحجاب؟ وأنا طول عمري، منذ أن كان عمري سنة إلى أن صار عمري خمس عشر سنة أو عشرين سنة، ما شاهدتُ امرأة في هذه الأفلام متحجبة؟! ما هو الحجاب؟ وحينما تقول: الدخان ليس طيباً، قال: كيف يكون الدخان ليس طيباً، وذاك الفلاني يجلس على المكتب، وهو في دور المدير، أو في دور المستشار، أو في دور الخبير ويدخن، ويعطي الأفكار؟! فهذا قدوته تجده يتصور أنه لا يمكن أن يكون مديراً أو مسئولاً إلا إذا دخَّن، ولذا يدخن قبل أن يكون مديراً؛ أخذاً من القدوة السيئة. - ثالثاً: تعليم الأسرة أخلاقيات هؤلاء، والتدرب عليها، وأخذ حركاتهم وأعمالهم ولغتهم، حتى تصرفاتهم:- كانت المرأة في الماضي وهي تتكلم مع الرجل تتكلم بالمواجهة، فتقول: أعطنا كذا، وأعطنا كذا، لكن في الأفلام اليوم تعلمت المرأة حتى كيف تقف أمام زوجها، إذا كان واقفاً جاءت إليه وأقبلت بظهرها وقالت له: من فضلك، أعطنا لحماً، وأعطنا أرزاً، وأعطنا كذا، حتى ينهرها من كتفها، ويقول لها: التفتي، لا ردك الله، ماذا بكِ؟ فتقول: أما رأيت تلك كيف تتكلم مع زوجها؟! تعطيه ظهرها، وتتكلم معه، من باب الترقي والتطور، من أين تعلمت هذا؟! تعلمته من الفيلم، تريد أن تكون راقية، تريد أن تكون متطورة، ما عرفت التطور إلا من هذا؟! ما أخذت القدوة إلا من هؤلاء الأرجاس والأنجاس والعياذ بالله. - رابعاً من أخطارها: عدم إنكار المخالفات، واستباحة تلك المحرمات:- فلا تُنْكَر المخالفات ولا استباحة المحرمات. - خامساً: تفجير كوامن الشهوة في نفس الإنسان، وإشعالها:- وذلك حينما يرى الأجساد العارية، ويرى السيقان، ويرى الخصور، ويرى النهود، ويرى الرقاب، ويرى الابتسامة، ويرى الشعور، والحركات البهلوانية التي تغريه وتحرقه، وهو مسكين، ماذا يفعل؟ سيقتل نفسه، إما أن يذهب ليفعل جريمة الزنا، أو يفعل جريمة اللواط، أو يفعل جريمة العادة السرية، أو يبقى مكبوتاً؛ لأنها تُشْعل فيه كوامن الشهوة، ولا يجد لها تصريفاً، فربما كان من غير زوجة. - سادساً: دعوة الشباب إلى السفر إلى الخارج:- لأنه يرى هذه الحياة، فينظر إلى مجتمعه المسلم فلا يرى لها صدىً ولا يرى لها انعكاساً، فيحاول أن يجد هذا الشيء الذي رآه في الفيلم، فيراه في الحقيقة، فيطلب من والده النقود، أو يكون موظفاً فيأخذ رواتب إجازته، ويذهب لقطع جواز، وقطع تذكرة، ويذهب إلى الخارج ليمارس الخمر، ويمارس الزنا، ويضيع الدين، ويرجع -والعياذ بالله- وهو بلَبِنَة واستِمارَة، ما عاد له دين، أصبح خصوصي جهنم -والعياذ بالله- ضيَّع دينه وأخلاقه، بل بعضهم يعلق الصليب في رقبته، تأتيه الغانية والزانية، فتقول: مِن أجل خاطري فقط، منظرك ليس جميلاً إلا أن تأخذ هذا العقد في رقبتك. فيعلق الصليب، وبعضهم أشياب والصليب في رقبته، لا إله إلا الله. - سابعاً: تعويد أفراد الأسرة على الاستهتار:- وعدم إقامة أي وزن لأي شيء. - ثامناً: شغل الشباب عن التحصيل العلمي، وقضاء الأوقات فيما لا فائدة فيه:- فلا علم ولا فائدة. كل هذه أخطار تحيط بالأسَر إذا أهملت هذه الآفة، وإذا استمرئت في أسر المسلمين.

وسائل علاج المجتمع من ظاهرة الأفلام

وسائل علاج المجتمع من ظاهرة الأفلام لعل سائلاً يسأل فيقول: ما هو العلاج لهذه المعضلة الاجتماعية؟ فنقول: هناك عدة وسائل للعلاج: - الوسيلة الأولى: إشعار الأطفال في بيتك بقيمة الوقت:- وأن الوقت هو عمر الإنسان، وأن إهدار الوقت في غير مصلحة ضرر عليه، وخسارة لا تعوَّض، وعلى الأب أن يكون قدوة في هذا الاستغلال للوقت، وما هذا اليوم الإسلامي إلا أنموذجاً لكيفية استغلال الوقت فيما فيه مصلحة أو فائدة. - الوسيلة الثانية: تعويد الأطفال على النوم المبكر ليلاً عن طريق عدم السماح لهم بالنوم نهاراً:- علِّم زوجتك أن توقظ الأولاد بعد صلاة الفجر، ويذهبون إلى المدرسة، وبعد رجوعهم من المدرسة -إذا كانوا يدرسون، أو إذا كانوا صغاراً- امنعهم من النوم، والذي ينام صبوا عليه الماء، لكي لا يأتي العشاء إلا وهو يريد أن ينام؛ لكن أن ينام طوال اليوم، ثم يأتي في الليل فيظل ساهراً إلى الفجر، وهو يتقلب أو يطالع في الأفلام، هذا خطأ، فقد قلب آية الله عز وجل، الله جعل الليل سكناً والنهار معاشاً، وهذا قلبها فجعل النهار نوماً والليل -والعياذ بالله- سهراً، فلا يسهر في الليل إلا الحيوانات السائبة، فالليل لا يخرج فيه إلا الحيات والعقارب، وهذه هي التي تؤذي الناس. - الوسيلة الثالثة: إشعار الأطفال بأهمية القيام بالواجبات الدينية، وأنها أقدس ما يُحرص عليه، وزرع محبة الصلاة، والقرآن، والذكر -مثل أذكار الصباح والمساء- في قلوب الأطفال، وقد أخبرني رجل شاب أن لديه ولدين، أحدهما في ثالثة ابتدائي، والثاني في أولى ابتدائي، فقال: إن ولده ذهب إليه وأخذ يعلمه ويقول: يا أبي! لا بد أن نصلي في المسجد كل الصلوات، والأغاني هذه يجب ألا نسمعها. قال: فقلت له: من الذي قال لك؟ قال: قال لي الأستاذ، قلت: حسناً. قال: وكنت أتصور أن الولد يضحك أو أنه لن يلتزم بما قال؛ لكن الولد -ما شاء الله- التزم، وأصبح بمجرد أن يسمع أي نغمة يقوم مباشرة ليقفل الجهاز، قال: وأرجع من الدوام الساعة الثانية والنصف، وأجده متوضئاً وجالساً يرقبني، ومن مجرد أن نتغدى يقول: هيا نصلي يا أبي! قال: ثم صبرت عليه في أول أسبوع، وفي الثاني، وبعد شهر، قال: نعم أريده أن يكون ملتزماً؛ ولكن قليلاً قليلاً، لا مثل هذا، فهذا لا لعب بالمرة، قال: يُصِرُّ على ألا أصلي إلا في المسجد، وأنا أريد أن أصلي في البيت أحياناً؛ لأنني آتي من الدوام متعباً، وفي الصباح لا أستطيع أن أصلي الفجر في المسجد؛ لأنني أسهر في الليل، قال: وإذا بالولد -ما شاء الله- لا يأتي الفجر إلا وهو مستيقظ، ويأتي يطرق عليَّ الباب ويقول: الصلاة يا أبي، الصلاة يا أبي! قال: وأخيراً: ضاق الأمر بي مع هذا الولد. فقلتُ: وماذا فعلتَ؟ قال: والله في ضيق منه، قلتُ: لا إله إلا الله! في ضيق منه، يوم أن جعله الله قرة عين لك في الدنيا والآخرة؟! يكون سبباً لهدايتك إلى الجنة، لا تقتل هذه المفاهيم فيه! إياك! احذر! إذا قتلتها قتلك الله في الدنيا والآخرة، وسلطه الله عليك، وسلط الله عليك من ينتقم منك في الدنيا والآخرة، كن عوناً له على طاعة الله عز وجل. - الوسيلة الرابعة: تذكير أو إخبار الأولاد بالحلال والحرام:- أ- علِّم أولادك دائماً ما هو الحلال، وما هو الحرام، وما هو الخير، وما هو الشر، وما نتائج كل شيء، وقل لهم: النظر إلى النساء حرام، وسماع الأغاني حرام، والنظر إلى الأفلام حرام؛ لأن هذه تؤدي إلى الزنا، والزنا يغضب الله، ونهاية الزنا العذاب في الدنيا والآخرة. ب- أعطهم ثقافات إسلامية في وقت مبكر؛ حتى تحميهم وتصونهم من الوقوع في هذه الجرائم. جـ- عودهم على نبذ الأغاني والمعازف، وعلى إنكارها، وإغلاق الأجهزة عند سماعها، والمسابقة لإخماد صوتها. د- عودهم على النقد الإيجابي، وقوة الملاحظة، وسرعة الانتباه. هـ- أخبرهم أن معظم هذه الأفلام مورَّدة من ديار الكفر، وأن الكفار أعداء للإسلام، وأنهم يحرصون على إفساد المسلمين، وأسر المسلمين، ولم يقدموا لنا خيراً قط. هل تتصورون أنتم أن يورِّد لكم الكفار خيراً؟ لا والله، يقول الله عز وجل: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120]. وعليك أن توفر البدائل في بيتك لأولادك، مثل: 1 - الكتب، والمطالعة، والقصص للأطفال. 2 - توفير جهاز تسجيل مع أشرطة منوعة، والسماح للأولاد بتشغيلها. فلا مانع من أن تشتري جهازاً بمائتين أو ثلاثمائة ريال، وتعطيه أحد أولادك، وتقول: هذا لك، والأشرطة هذه لك، شغلها على كيفك، وأنت يا فلان لك جهاز آخر، ولك شريط آخر، مع مراقبتهم ومعرفة الأشرطة التي يسمعونها. 3 - توفير جهاز الكومبيوتر لتعليمهم بعض الأنظمة التعليمية المفيدة. 4 - توفير بعض اللعب الرياضية في فناء المنزل إذا كان لديك حوش أو سطح؛ كالمراجيح والدراجات، وألعاب المهارات، والتي تحتوي على فك وتركيب، فهذه الألعاب تشغل الطالب أو الطفل، وتأخذ جزءاً من وقته في غير ما ضرر. 5 - إلحاق أولادك بالمعاهد والمراكز الصيفية، والمراكز القرآنية المنتشرة في المساجد، وهذه أعظم ما يُربى عليه الأطفال، وما تسمعونه اليوم مما يسميه الناس بالصحوة الدينية والصحوة الإسلامية، هذه لها أسباب، فمن أعظم أسبابها: مدارس تحفيظ القرآن الكريم. ولذا ترون أن أعظم الشباب وأكثرهم عندما تسأل أحدهم: أين كنتَ؟ يقول: درست القرآن في مسجد كذا، وربما ترك الدراسة؛ ولكن بقي للقرآن أثر في نفسه حتى رجع إلى ما كان قد عُوِّدَ عليه وأُقْرِئَ في بيوت الله تبارك وتعالى. 6 - الترويح عن الأطفال والأسر في الإجازات الأسبوعية بالخروج معهم في نزهة لقضاء بعض الوقت الممتع في الخلاء، مع المحافظة -طبعاً- على الصلوات، ومع تستر الأسرة، وعدم التعرض لمجامع الرجال والاختلاط بالرجال. ز- محاولة ربط الأولاد بشيء من التأمل في مخلوقات الله عز وجل، كزيارة حدائق الحيوان، وكذلك زيارة الأودية، والشعاب، والأشجار، والجبال، والتأمل في مخلوقات الله، والنظر في السماء، والسحب، والنجوم، والكواكب، والقمر، والشمس، هذه كلها تستدعي تقوية الإيمان في قلوب هؤلاء الأطفال. ح- إسناد بعض الأدوار الأسرية إلى الأولاد، قسم تكاليف الأسرة على أولادك، اجعل واحداً من أولادك مختصاً بأن يحضر الماء باستمرار، إذا كان الماء يأتي عن طريق الوايتات، أو واحداً مختصاً بأن يحضر الخضروات أو الفواكه إلى البيت، وواحداً مختصاًَ بأن يأتي بحاجات البيت التي ليست من الخضروات ولا من الفواكه، وواحداً مختصاً بأن يوصِّل أهله إلى المستشفى أو إلى المدرسة، وزع الأدوار حتى تشغل فراغ الأولاد في شيء يعود عليك بالنفع. ط- التعويد على أذكار الصباح والمساء، وسرد القصص المناسبة لهم عند النوم، خصوصاً قصص السيرة، فحينما يريدون أن يناموا تدخل معهم إلى الغرفة، وتقول: تعالوا، قبل أن ننام نأخذ كتاب: (صور من حياة الصحابة) للشيخ عبد الرحمن رأفت، و (صور من حياة التابعين)، فهذان من أعظم ما أُلِّف، فتأخذ لهم سيرة صحابي، خبَّاب بن الأَرَت مثلاًَ، أو عائشة رضي الله عنها، وأي واحدٍ من الصحابة، تقرأ لهم سيرته؛ لتنطبع هذه المفاهيم في أخلاقهم بدلاً من المفاهيم الشيطانية. وقد يقول قائل: إن الوقت متأخر، فأولادي قد تشرَّبوا حب الأفلام وغرقوا في إدمانها، فكيف الخلاص؟! ونحن نقول له: إن من يتق الله يجعل له مخرجاً، والبداية: هي الإخلاص لله، والصدق مع الله، ثم التوكل عليه، والسير في طريق مرضاته بشيء من اللين والصبر والحكمة، وما نريد إلا الإصلاح ما استطعنا، وما توفيقنا إلا بالله. وأنا أوصي بالصبر واللين والحكمة، فبعض الآباء يتأثر من سماع موعظة، ثم يأتي إلى البيت، فيريد أن يقلب الحياة رأساً على عقب بمجرد قلم أو بإصدار أمر، حياة مضى عليها عشر سنوات يريد أن يقلبها في لحظة واحدة، فلا بد من وقت للتغيير، أنت الآن إذا دنوت على سفرة الأكل، وفيها الأرز، واللحم، والإدام، والفواكه، ومن كل شيء، وأنت مستعجل، فهل تستطيع أن تأكلها كلها في لحظة واحدة، أم أنه لا بد لك من وقت؟ بل لا بد لك من وقت، وقت للإدام، ثم وقت للأرز، ثم وقت للفاكهة، ثم وقت للغسيل، فرغم أنك مستعجل إلا أن الوقت لا بد منه، أقل شيء ربع ساعة، أو نصف ساعة، كذلك لا بد من وقت للتغيير، وليس مباشرة، فالذين يغيرون مباشرة يفاجَئون في النهاية بالفشل، لكن لو تدرج وصبر، وكان حكيماً، واستغل الثغرات، واستغل الفرص والمناسبات، فيعطي كلاماً طيباً، فإنه سينفع الله به؛ وإذا ما حصل النفع اليوم، فسيحصل بعد شهر، أو بعد سنة، أنا أرى بعض الأسر، الأب يمارس دور الدعوة مع الزوجة والأولاد من سنوات، وما حصلت الهداية إلا بعد سنوات، ولو أنه استعجل من أول الأمر، وحطم وفعل وطلق وطرد، لكانت الأسرة قد انتهت منذ زمن، ووجدوا ألف بديل للشر؛ فالولد إذا طرده أبوه، ذهب إلى رجل أشر منه، وأفسده أكثر، والمرأة تطلقها فتأخذ رجلاً مثلها ربما يفسدها أكثر، لكن قلل من الشر، وعالج الشر، واصبر ما دمتَ تجد للإصلاح مجالاً. هذا هو المعوق الثاني، وهو: الأفلام.

المعوق الثالث في طريق سعادة الأسرة: أصدقاء السوء

المعوق الثالث في طريق سعادة الأسرة: أصدقاء السوء المعوق الثالث -وهو ما أختم به هذا الدرس- وهو معوق: الأصدقاء:- والصديق والصاحب له أثره الكبير والبالغ على حياة الإنسان، وبعض الناس يتصور الصديق أنه صديق الولد، بل صديق الأب أول شيء، ثم صديقة الأم، ثم صديق الولد، ثم صديقة البنت، يجب أن يكون هذا الصديق والصاحب صالحاً.

أضرار الرفيق السيئ

أضرار الرفيق السيئ فإن من الأسر من تتحطم على يد صديق للأب فاسد، يفسد هذا الرجل ذلك الصديق، ويذهب به في السهرات، ويقضي على وقته في الضياع واللعب، ثم يسمم فكره، ويضيع دينه، حتى يُكَرِّهه في بيته، ويُكَرِّهه في أولاده وفي بناته، ثم تتحطم الأسرة بأسباب ذلك الزميل السيئ. وأيضاً: من الأسر من تتحطم بأسباب صديقة سيئة لامرأة في البيت، قد يكون الرجل صالحاً، والأولاد طيبين؛ لكن هذه المرأة جلست مع جارة خبيثة، قالت لها: كيف زوجك؟ قالت: طيب، قالت: أيعطيك شيئاً؟ أيعطيك ذهباً مثل زوجي، قالت: لا. ما أعطاني شيئاً، قالت: أعوذ بالله منه، انظري زوجي كل مرة وهو يبدل لي، إذاً: لا خير فيكِ ولا خير فيه. فرجعت المسكينة وهي ملغمة ضد زوجها، فبمجرد أن يدخل ويقول: السلام عليكم، تجيبه: وعليكم السلام، فيقول: أما تقولين: وعليكم السلام، حياك الله، كيف حالك؟ -إن شاء الله- ما تعبت اليوم؟! فتقول وهي زعلانة: وعليكم السلام فقط، فيقول: ماذا هناك؟ فتقول: ماذا هناك يا فَسْل؟ أنت ما منك مصلحة، فقط دوام ونقود، ما أهديت لي يوماً واحداً قطعة ذهب، ولا شيء، فلانة رأيتُ معها كذا، وفلانة معها كذا، وفلانة معها كذا، فيقول: الله أكبر عليك! ماذا بك؟ ما الذي حصل؟ ومباشرة يقول لها: والله لن أعطيك حتى حذاءً، فتقول: والله لتعطيني وإلا فلن أجلس، فيقول: والله لن أعطيك، سواءً جلست أم لم تجلسي. فضربها، وطلقها، وأخرجها من البيت، كل هذا بسبب من؟ بسبب تلك الزميلة السيئة، فزميلة سيئة تدمر الأسرة. تجلس إحداهن مع بعض النساء، فتكون إحدى هؤلاء النساء عفيفة شريفة طاهرة، ثم تسألها وتقول: أعندكم تليفون؟ فتقول: نعم. فتقول: أتكلمين أحداً؟ فتقول: من أكلم؟ أكلم أهلي، وأكلم جيراني، وأكلم أبي، فتقول: لا. أما تكلمين أحداً يفتح نفسك ويوسع صدرك؟ أنت مسكينة، أنت مقتولة، فقط جالسة هكذا؟ فتقول: أبداً، فتقول: لو صنعتُ لك شيئاً فإنك تنبسطي بالمرة، وبعض النساء جاهلة، لا تخاف من الله، وليس عندها خشية من الله، ولا عندها أيضاً حرص على عرضها، ولا عرض زوجها، ولا عرض أبيها، ولا عرض قبيلتها، فتذهب مباشرة وتعلم تلك المسكينة، وتقول: دعينا نكلم شخصاً الآن يكلمني دائماً، دعيني أدق عليه، فتدق وتكلمه، وتقول له: معنا ضيفة جديدة، تفضل، وتعطيه إياها، وهكذا تذهب تدق على التليفون ليلاً ونهاراً، حتى تضيع وتسقط في ميادين الضلال والفساد -والعياذ بالله- بسبب مَن؟ بسبب تلك المرأة السيئة. وكم من ولدٍ سيئ يقع ضحية لسلوكيات صديقه، وكم من بنت كذلك.

الحرص على انتقاء الرفيق

الحرص على انتقاء الرفيق يجب أن يحرص المسلم على انتقاء الرفيق، كما يحرص على انتقاء الطعام، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يُحذيك، أو أن تبتاع منه، أو أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، أو أن تجد منه ريحاً خبيثة). فحامل المسك: هو حامل الإيمان، حامل الدين صاحب القرآن صاحب الخوف من الله والخشية والمراقبة له. ونافخ الكير: هو حامل المعاصي حامل الشر حامل الغناء حامل الربا حامل الزنا حامل المنكرات، هذا يحرق ثيابك في الدنيا ويحرقك في الآخرة، وأيضاً: تجد منه ريحاً خبيثة، وهي ريح الكفر والضلال -والعياذ بالله- ولذا يحرص الإسلام على تربية أفراده وأتباعه على أن يحسنوا اختيار أصدقائهم. يقول الناظم: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدِي إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردِي ويقول الناظم الآخر: فلا تصحب أخا الفسق وإياك وإياهُ فكم من فاسق أردى مطيعاً حين آخاهُ يُقاسُ المرءُ بالمرء إذا ما المرء ماشاهُ وللناس على الناس مقاييس وأشباهُ وللقلب على القلب دليل حين يلقاهُ يقولون: إذا سألت عن أبي زيد، فقل: مَن قرينُه، وإذا أردت أن تكون رجلاً فسِر مع الرجال، وإذا أردت أن تكون مؤمناً فسر مع المؤمنين، وإذا أردت أن تكون فاسقاً فسر مع الفاسقين؛ ولذا يذكر الله عز وجل في القرآن قصة مروِّعة عن رجل كان له صديق سيئ -والعياذ بالله- وخليل فاسق قاده إلى الكفر حتى أدخله النار، يقول الله ويخبرنا عن حالة هذا الرجل، وهو يوم القيامة يعض على يديه، ويأكل يديه من بنانه إلى كتفه ندماً على علاقته بهذا الرجل الفاسد، يقول: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} [الفرقان:27 - 29] هذه الآية نزلت في عقبة بن أبي معيط -عليه لعائن الله المتتابعة- رجل من كفار قريش، كان له صاحب يدعوه إلى الكفر، ويؤلبه عليه، ويثبته عليه، ثم سافر صاحبه هذا، فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسمع الرسول، وسمع القرآن، وكاد أن يسلم، لكنه ما أسلم، ولما رجع صاحبه من الشام سأل زوجته: ما صنع عقبة؟ قالت: لقد صبأ. أي: أسلم، فقطع حديثها، وخرج في نفس الوقت إلى بيت عقبة، ودق عليه، وقال: أصبأت يا عقبة؟ قال: لا. ما صبأت! قال: بلى صبأت. قال: لا ما صبأت، قال: والله لا أصدقك حتى تذهب إلى محمد، فتبصق في وجهه. قال: أبشر. فخرج معه وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو جالس في المسجد الحرام، فجاء إليه وبصق في وجهه الشريف صلوات الله وسلامه عليه، فجعل يمسح البصاق من وجهه، وهو لا يستطيع أن يصنع شيئاً؛ فهنالك رجع عقبة إلى الكفر، وبقي حتى قتل في يوم بدر، ثم دخل النار، وتذكر من الذي ورطه هذه الورطة، وإذا به زميل السوء، قال عز وجل: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ} [الفرقان:27] أي: عقبة {عَلَى يَدَيْهِ} [الفرقان:27] يعض: ندماً وأسفاً؛ لأن الشخص إذا فاته شيء وخسره وتألم عليه وتندم ماذا يفعل؟ يعض أصابعه، ويقول: آه، يا ليتني ما فعلت كذا؛ لكن هذا لا يعضها، بل يأكلها أكلاً إلى كتفه؛ لأن الورطة ورطة ضخمة، إلى جهنم {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} [الفرقان:27 - 29]. لذا فإنه ينبغي ويتحتم على جميع أفراد الأسرة بدءاً بالأب، فالأم، والأبناء، والبنات، أن ينتقوا الرفقاء والأصدقاء، ينتقوهم من أفضل الناس من المساجد من أهل الإيمان: (لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي). إذا حرصنا على هذه الأمور وتحاشيناها، وحرصنا على مجانبة المخدرات، وعدم استعمالها وإحضار الأفلام، واختيار الأصدقاء، فإن الأسر -إن شاء الله- ستكون في سعادة وفي حياة كريمة في الدنيا، ثم ينتقلون -بإذن الله- إلى السعادة الأبدية، في دار عرضها السماوات والأرض. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه، وأن يثبتنا على دينه، وأن يحشرنا على سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة .

حدود مسئولية الأب في حماية الأسرة من مشاهدة الأفلام

حدود مسئولية الأب في حماية الأسرة من مشاهدة الأفلام Q لدي رغبة في إقناع أهلي وأبنائي وبناتي بأضرار الأفلام؛ ولكن يوجد عند جيراني وأقاربي تلك الأفلام، وربما يذهب من أريد إقناعهم إلى أولئك الجيران فيشاهدون تلك الأفلام، فيذهب ما وصلتُ إليه من إقناع، فما هو الحل؟ A إذا حصل الإقناع للأولاد وللزوجة، فمعناه: الرفض لهذه الأفلام سواءً كانت في بيتك، أو في بيت جيرانك أو في بيت أقاربك؛ لكن يبدو أن الذي حصل عندك الأمر فقط، فالأمر شيء والإقناع شيء آخر، قد يأمر الإنسان بإبعاد هذه الأشياء مع بقاء الرغبة في نفوس أهل البيت فيها، فمطلوب منك أن تمنعها سواءً رغبوا أم لم يرغبوا، لكن إذا حصلت القناعة فهي أفضل، وإذا لم تحصل القناعة عندهم وقد حُلت بينهم وبين الفساد، ثم ذهبوا إلى الجيران أو إلى الأقارب وسمعوها وأنت لا تعلم فقد برئت ذمتك، ولستَ بمسئول؛ لأن مسئوليتك في حدود بيتك، أما بيوت الناس فالناس هم المسئولون عنها، ولكن ينبغي أن تنصحهم أيضاً، وأن تقلل الزيارة لمثل هذه البيوت، أو تمنعها بالكلية إذا كان ذلك ممكناً، لكن إذا كان لا بد من زيارة الأقارب، ولا شك أنه لا أحد يستطيع أن يقطع أهله ولا أقاربه، فلتكن في أوقات لا يكون فيها أفلام، كبعد العصر، أو في الصباح، ولمدة بسيطة، كربع ساعة أو نصف ساعة، ثم تأخذ أهلك وعيالك ثم تركب سيارتك وتمشي؛ حتى لا يؤدي بقاؤهم إلى شيء من التعارض مع ما سبق أن وجهتهم به.

مشاهدة المرأة للرجل في أفلام المصارعة خطر عليها

مشاهدة المرأة للرجل في أفلام المصارعة خطر عليها Q لو قلنا للشباب: إن هناك مصارعة للنساء في التليفزيون، فماذا يكون موقف الشباب وهم ينظرون إلى النساء وهن عاريات؟ إذاً: ما موقف النساء وهن ينظرن إلى الرجال في المصارعة الحرة وهم عراة، وقد سُئلَتْ إحدى الفتيات عن المصارعة، فقالت: إن أكثر النساء يحرصن عليها، ويتمتعن بالنظر إليها؟ A حقيقة، هذه من الأشياء التي ينبغي أن يحول الإنسان بين أهله وبينها، أن تنظر المرأة إلى الرجال؛ لأن المصارع إنسان ذو قوة في جسده، وذو عضلات مفتولة، وذو جسم صحيح، فإذا رأتْه المرأة وكانت قليلة إيمان ودين، فإنها تفتتن به؛ لأنها ربما تنظر بعده إلى زوجها، وإذا به مثل المشمشان، لا عضلات، ولا جسم، ولا شيء، ثم تجري مقارنة بينه وبين ذاك، وتقول: أين هذا من ذاك؟! فتكره زوجها؛ لأنها تظن الرجال كلهم مثل هذا المصارع، فما ينبغي لك أن تسمح لزوجتك بأن تنظر إلى المصارعة الحرة، ولا ينبغي أيضاً -إن شاء الله- أن تكون هناك مصارعة للنساء، فهذه آخر الموديلات، أن يكون هناك مصارعة نساء والعياذ بالله.

حكم الغناء

حكم الغناء Q ما حكم الغناء، مع العلم أنه يكثر في مجالس المسلمين، وفي سياراتهم، وفي بيوتهم؟ A حكم الغناء كما وضَّح أهل العلم من الأدلة الشرعية في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو التحريم، وهناك مؤلفات كثيرة، وأشرطة منتشرة تسوق الأدلة الواضحة من الكتاب والسنة، ومن أقوال السلف، ومن أقوال الأئمة -أئمة العلم- على أن الغناء حرام. أما من القرآن: فيقول الله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً} [لقمان:6] وأقسم عبد الله بن مسعود وقال: [والله الذي لا إله إلا هو أن لهو الحديث في هذه الآية هو الغناء]. ويقول الله عز وجل عن الشيطان: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} [الإسراء:64] قال العلماء: صوت الشيطان هو المزامير والأغاني. والله يقول: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم:59 - 62] سامدون، أي: مُغَنُّون، فالسمود في لغة العرب يعني: الغناء، يقول الرجل لجاريته: اسمدي لنا يا جارية. أيضاً: وردت الأحاديث الصحيحة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، منها حديث في صحيح البخاري، يقول عليه الصلاة والسلام: (ليكونن من أمتي أقوام في آخر الزمان يستحلُّون الحِرَ، والحرير، والخمر، والمعازف). وحديث صحيح في السنن: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسير مع ابن عمر في طريق، فسمع مزماراً لراعٍ، فأمره، فوضع يديه في أذنيه، وما زال يقول لـ ابن عمر: أتسمع؟ أتسمع؟ حتى إذا قال: لا أسمع، أبعد يديه صلى الله عليه وسلم عن أذنيه). ووردت أحاديث ليست في الصحاح، وإنما هي في السنن، وفي الضعفاء ولكنه يُحتج بها، منها: ما روى الترمذي والحديث ضعيف أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا عملت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء، فلينتظروا ريحاً حمراء، وزلزلة وخسفاً ومسخاً منها: إذا كان المغنم دولاً، والأمانة مغرماً، والزكاة مغنماًَ، وأطاع الرجل زوجته وعقَّ أمه، وأدنى صديقه وأقصى أباه، وتُعلَِّم العلم لغير الدين، وارتفعت الأصوات في المساجد، وظهرت القينات والمعازف، وأُكرم الرجل مخافة شره، ولعن آخر هذه الأمة أولها، فلينتظروا عند ذلك ريحاً حمراء وزلزلة وخسفاً ومسخاً). ومنها أيضاً: حديث ضعيف ولكنه يُحتج به؛ لأنه يؤيده من الأحاديث القوية ما يسنده، منها: قوله صلى الله عليه وسلم: (من استمع إلى مغنٍّ أو مغنية صب الله في أذنيه الآنك يوم القيامة) أي: الرصاص المذاب. هذه وغيرها من الأدلة الكثيرة كلها تحرم الأغاني والمزامير؛ لأنها من اللهو المحرم، الذي يصد عن ذكر الله، والذي يحرض على الزنا، والذي يدعو إلى الفساد. أما كونه منتشراً في كثير من بيوت المسلمين: فلا يُستغرَب ذلك؛ فإن الخير والشر موجود إلى يوم القيامة، ولكن -والحمد لله- نلمس ونسمع الآن أن الشر هذا بدأ يتلاشى في كثيرٍ من الأسر، وأنتم تسمعون الآن في السيارات عندما تقفون عند الإشارات، بعد أن كنتم تسمعون كل الإذاعات في السيارات تشتغل على الأغاني، تسمعون الآن -من فضل الله- سيارة فيها قرآن، أو سيارة فيها شريط إسلامي، وربما تسمع سيارة أو سيارتين فيها أغاني؛ لكن صاحب الأغاني تجده يرخيها، ويتستر بها، ويخجل منها، أما صاحب القرآن فيرفعه معتزاً، وفخوراً بأنه يسمع كلام الله، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم. ونسأل الله أن يزيد المسلمين تبصيراً، وهداية في أمور دينهم، وأن يتركوا هذا الشر، وهذه الأمور التي جربها الناس كثيراً فلم يجنوا منها شيئاً، يقولون: هي دقدقة فقط لا غير، فبعض الناس يظل يغني حتى يؤلمه رأسه، ثم ماذا بعد ذلك؟ والله لا شيء، أولها: سخط الله، وآخرها: جهنم -والعياذ بالله- بدؤها من الشيطان، وعاقبتها سخط الرحمن، يقول ابن القيم: برئنا إلى الله من معشر بهم مرض من سماع الغنا فعشنا على سنة المصطفى وعاشوا على دَنْدَنا دَنْدَنا والله أعلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعمة الإيمان

نعمة الإيمان إن نعم الله كثيرة لا تحصى، ومن أهم النعم التي أنعم الله بها علينا نعمة الإيمان، الإيمان الذي به ننال مرضاة الله عز وجل، وبه ندخل الجنة، وبه النجاة من النار وقد تحدث الشيخ عن الإيمان مبيناً ثمراته وآثاره، ثم تكلم عن حقيقة الإيمان، وأنه اعتقاد وقول وعمل، ذاكراً بعد ذلك وسائل تقوية الإيمان والحصول عليه.

حقيقة النعمة

حقيقة النعمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، سيدنا وحبيبنا وإمامنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اقتفى أثره وسار على دربه واتبع شريعته ودعا إلى ملته. أما بعد: فسلام الله عليكم -أيها الأحبة- ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله جميع أوقاتكم، وأسأل الله سبحانه وتعالى كما جمعنا في هذا المكان الطاهر، وفي هذه الليلة المباركة، وبعد أداء هذه الفريضة، وجمعنا على ذكره وعبادته بمنه وكرمه ورحمته، أسأله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجمعنا في جناته جنات النعيم، وآباءنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا وزوجاتنا وذرياتنا، وجميع إخواننا المسلمين برحمته إنه أرحم الراحمين. أيها الأحبة: كلمة النعمة أخذت مفهوماً مغلوطاً وخاطئاً، إذ أنها إذا ذكرت لم يتبادر إلى أذهان الناس إلا النعم المادية؛ نعمة المال، والعافية في الأبدان، والزوجة والأولاد، والوظيفة، والعمارة، والمزرعة، والأموال، هذا هو مفهوم النعمة عند الناس، وهذا المفهوم غير صحيح، إذ أن هذه الأشياء التي نظنها نِعَمٌ هي في مفهوم الشرع متاع، يقول الله عز وجل: {إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ} [غافر:39]، ويقول عن الكفار: {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ} [المرسلات:46]، ويقول عنهم: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12]، ويقول عز وجل: {نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً} [لقمان:24] أي: في هذه الدار المحدودة القليلة {ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ} [لقمان:24]. أما النعمة في نظر الشرع فليست هذه الأشياء، إنما هي نعمة الإيمان والدين والقرآن والهداية، من أنعم الله عز وجل عليه بهذه الأشياء فقد أنعم عليه بأعظم نعمة في الدنيا والآخرة، ولو لم يملك مالاً، ولو لم يحتل منصباً، ولو تعسرت عليه جميع أمور الدنيا؛ لأن هذه الدنيا ليست بشيء فليست هذه الدنيا بشيء تسرك حقبة وتسوء وقتا وغايتها إذا فكرت فيها كفيئك أو كحلمك إن حلمتا وتطعمك الطعام وعن قليلٍ ستطعم منك ما منها طعمتا تفر من الهجير وتتقيه فهلا من جهنم قد فررتا ولست تطيق أهونها عذاباً ولو كنت الحديد بها لذبتا هذه الدنيا نسبتها إلى الآخرة ضئيلة جداً، جاء ذلك في حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيه: (ما الدنيا في الآخرة -أي: ما نسبة الدنيا إلى الآخرة- إلا كما يدخل أحدكم إصبعه في اليم -أي: في البحر- ثم ينزعها) أدخل إصبعك في البحر وانزعها، وضع تحتها صحناً وانظر بم ترجع، إنها سترجع بقطرات، هذه القطرات هي نسبة الدنيا، وذاك المحيط هو نسبة الآخرة، أجل ليست شيئاً وأهل النار إذا دخلوا النار يخبر الله عز وجل عنهم أنهم يقسمون يقول عز وجل: {يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ} [الروم:55] وتسألهم الملائكة: {كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [المؤمنون:112 - 113] ليسوا متأكدين، {فاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [المؤمنون:113 - 114]. إذاً: النعمة الحقيقية نعمة الدين، يقول عز وجل في آيات كثيرة في القرآن: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [النساء:69]، هذا هو الذي أنعم الله عليه، من هو؟ الذي أطاع الله وأطاع رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن هم الذين أنعم الله عليهم؟ إنهم أربعة أصناف: {مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ} [النساء:69 - 70]، أي: هذه النعمة والفضل أن يجعلك طائعاً وعابداً له، وينعم عليك كما أنعم على هؤلاء الأصناف الأربعة: النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، ومَنْ غير هؤلاء؟ بقي اليهود، والنصارى، والفسقة، والعصاة، والمجرمون، والمنافقون، والكفار، والمشركون، ولماذا لم ينعم الله على هؤلاء؟ لأن هؤلاء مغضوب عليهم، ولهذا أمرنا الله عز وجل وفرض علينا في كل صلاة من صلواتنا بل في كل ركعة أن نسأله أن يهدينا الصراط المستقيم، صراط مَنْ؟ قال تعالى: {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:7]، اللهم اسلك بنا صراطهم يا رب العالمين {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:7] انتبه! فإنك في كل صلاة تقول: يا رب لا تسلك بي طريق المغضوب عليهم، وهم اليهود ومن شابههم ممن علم ولم يعمل، يقول سفيان بن عيينة رحمه الله: من تشبه من العلماء باليهود ولم يعمل ففيه شبه من المغضوب عليهم، أي شخص يعرف دين الله ولا يعمل به فإن الله يغضب عليه كما غضب على اليهود؛ لأنهم كانوا يعرفون هذا الدين كما قال عز وجل: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ} [الأنعام:20]، ويقول الله: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا} [البقرة:89] الدين معروف عندهم، {كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89]، {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة:109] فغضب الله عليهم. {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] من هم الضالون؟ هم الذين يعبدون الله على جهل وضلال، وعلى غير هدى من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء كثيرون جداً، أصحاب الطرق الصوفية يعبدون الله، تجد مع الواحد منهم مسبحة يسميها الألفية، وبعض المسابح الحبة فيها كبيرة ويطقطق بها ما هذا؟ قال: أسبح، من قال لك أن هذا تسبيح؟ وقد كنت وأنا أبحث في هذه المسألة في رسالتي (الدكتوراه) وكانت عن التصوف، فقرأت كلاماً لواحد منهم وهو يقول: لقد منَّ الله عليَّ بأن ذكرت ربي في جلسة واحدة مائة ألف مرة بذكر خاصة الخاصة لأن عندهم تصنيفاً للناس، هناك عوام العوام، أنا وأنت ذكرنا ليس شيئاً، لا إله إلا الله، أما هم فيقولون: لنا ذكر خاص ذكر الخاصة، وهو ذكر الله باللفظ المفرد: الله الله الله الله، الله كلمة فقط، لكن أين الصفة التي معها؟ هذه لا تفيد ذماً ولا مدحاً، وليس في الدين كله ذكر الله جل جلاله بالاسم المفرد، لا يوجد إلا سبحان الله، الحمد لله، الله أكبر، لا إله إلا الله، إنا لله وإنا إليه راجعون، لابد من شيء مع الكلمة، هم يقولون: لا، الله فقط، لا نقول شيئاً غير هذا، لماذا؟ قالوا: هذا ذكر الخاصة. أما خاصة الخاصة، وهم: الناس الذين يقولون عنهم: وَصَلَ، أي: وصلوا إلى جهنم، فهم مستعجلون عليها! قالوا: هؤلاء ذكرهم فقط هو ذكر الضمير، يقول: أنا لن أقول مثل قول العوام: لا إله إلا الله، ولا الخاصة الذين يقولون: الله، أنا أقول: هو هو هو هو، مائة ألف مرة، فقلت: أجرب كم سأستطيع أن أقولها، فقلتها تقريباً عشر مرات وإذا بي صرت أنبح مثل الكلب، من الذي يقول: هو هو هو؟ إنه الكلب، هذا ذكرهم، زين لهم سوء أعمالهم فرأوه حسناً، هؤلاء يعبدون الله على جهل وضلال، ولا يقبل الله منهم عبادة إلا بشرطين: الشرط الأول: الإخلاص؛ أن يكون العمل خالصاً، وهذه متوفرة عندهم، نعرف أنهم مخلصون ليس عندهم رياء. لكن الشرط الثاني معدوم عندهم، وهو: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذان الشرطان مأخوذان من كلمة التوحيد.

أهل الإيمان هم أهل النعمة

أهل الإيمان هم أهل النعمة أيها الإخوة: الذين أنعم الله عليهم هم أهل الإيمان والدين، وقد أنعم الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بأعظم نعمة وقال له: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} [الفتح:1 - 2]، ما هي النعمة التي أتمها على نبيه؟ أهي نعمة الأكل؟ لا، فقد مات ولم يشبع من طعام البر، اللهم صلِّ وسلم عليه، بل مات ودرعه مرهون في ثلاثين صاعاً من شعير عند يهودي، الشعير الذي نجعله الآن علفاً للبهائم، هذا الذي كان يأكله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن موجوداً بكثرة إنما بالدين، وكان يدخل الهلال والهلال والهلال شهران وثلاثة أشهر، ستون يوماً، ولا يوقد في بيوت آل محمد نار، نحن الآن بيوتنا تشتعل ناراً، كل بيت فيه موقد وفيه ست عيون، وكل عين تلتهب بالقدور، لكن هل هذه نعمة؟ لا! بيت محمد لا يوجد فيه نار لكن فيه نور وهدى، من بيت محمد صلى الله عليه وسلم انطلقت معالم الإنسانية والهدى والنور على العالم كله. ((وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ)) [الفتح:2]. بماذا؟ بالملابس؟ بالفرش والكنبات؟ لا. إنه صلى الله عليه وسلم كان ينام على الحصير، حتى قام يوماً وقد أثر الحصير -هذا الحصير الذي من سعف النخل- أثر في جنبه، فرآه عمر فبكى، وقال: (يا رسول الله! ذكرت ملوك العرب والعجم وما هم فيه من النعم، وأنت أعظم خلق الله وأفضل خلق الله، ليس عندك فراش يا رسول الله! قال: يا عمر! ما لي وللدنيا، ما أنا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها، ألا يرضيك يا عمر أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟) {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً} [القصص:83]. أما قصوره صلى الله عليه وسلم (وفلله)، وغرف نومه، ومساكنه ومجالسه، فكانت حجرات ضيقة تحددها الأحاديث في صحيح البخاري، تقول عائشة: (كان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل، فإذا سجد كففت قدمي وإذا وقف مددتهما)، لا تكفي الغرفة لشخص واحد يصلي وآخر راقد، أما غرفنا نحن اليوم فإنها غرف طويلة عريضة، شخص من أقاربي أدخلني في (فيلة) بناها، وذهب يريني غرفة النوم فإذا بها عشرة في عشرة، قلت: ما هذه؟ قال: هذه غرفة نوم، قلت: لماذا هل عندك سباق؟ أنت لست بحاجة إلى غرفة بهذا الحجم، أنت تريد أن ترقد أو تطارد؟ قال: أنا أريد أن أتوسع، قلت: والقبر ماذا عملت له؟ هل وسعته؟ قال: يا شيخ! تلك لم يأت وقتها بعد. والله إنها مصيبة في ذلك اليوم، إذا أخرجوك من بيتك وأنت منكوس رأسك إلى تحت، ووضعوك في الحفرة عندها ماذا ستقول؟ هل ستقول: لم يأت وقتها بعد؟! النبي صلى الله عليه وسلم كانت نظرته أبعد من هذه الحياة، ولذا أنعم عليه، يقول الله عز وجل: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:6 - 11] أي: بدين الله وهداه. وأنعم الله على الصحابة، يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ عرفة في حجة الوداع فينزل عليه قوله سبحانه وتعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:3]، ما هي النعم التي أتمها على الصحابة؟ إنها نعمة الدين {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3]، ويقول للصحابة: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً} [الحجرات:7 - 8] فضل ونعمة أن الله يجعل قلبك مشروحاً للدين، مفتوحاً للإيمان، يحب الإيمان والصلاة والصوم والذكر والعبادة؛ لأن هناك أناساً حُرِمُوا هذه النعمة، فأسوأ شيء عندهم طاعة الله، وأكره صوت عندهم الأذان، وأسوأ منظر عندهم أن يروا عالماً أو داعية أو مسجداً، وإذا دخل المسجد ضاق؛ لأنه كره إليه الإيمان، محروم من نعمة الهدى والنور. أجل يا أخي! النعمة الحقيقية نعمة الإيمان، قد يقول قائل من الناس: لماذا؟ قال العلماء: إنما تعرف النعم بآثارها، الناس اليوم يسمون المال نعمة، قالوا: لأن الذي عنده مال يستريح، يستطيع أن يشتري سيارة، ويعمر عمارة، ويتزوج بزوجة، ويأكل من كل ما لذ وطاب، ويكتسي ويفرش، هو مستريح أربعة وعشرين ساعة، أجل أنا في نعمة بالمال والمال نعمة في الدنيا، هذا صحيح، لكن إذا مت هل ينفعك المال؟ لا. لا ينفع الإنسان في قبره إلا التقى والعمل الصالح يا من بدنياه اشتغل وغره طول الأمل وقد مضى في غفلة حتى دنى منه الأجل الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل ما الذي ينفع في القبر؟ الإيمان والعمل الصالح، مثل الذي بنى هذا المسجد ينفعه بعد الموت، أسأل الله أن يجعل لمن بناه بيتاً في الجنة، والله هذا هو العمل الصالح وهذه هي التجارة الرابحة مع الله، لكن القصر الذي أبنيه أو البيت لن ينفعني إلا إذا عمرته بذكر الله، ولم أدخل فيه معصية لله، وكان مملوءاً بالطاعات، وإذا عمرته بالمعاصي وأدخلت آلات المعاصي، كانت العمارة والبيت وبالاً عليَّ في الدنيا والآخرة.

ثمرات الإيمان وآثاره

ثمرات الإيمان وآثاره أيها الإخوة: إن نعمة الإيمان أعظم نعمة؛ لأن أثرها بعيد المال ينفعك في الدنيا لكن لا ينفعك بعد الموت المنصب ينفعك في الدنيا لكن إذا مت لن تدخل بمنصبك الأولاد والزوجات ينفعون في الدنيا لكن لن ينفعوك عند الموت، وإنما يتركونك ويذهبون، فالذي ينفعك في الدنيا والآخرة هو الإيمان والعمل الصالح. ويظن بعض الناس أن الإيمان ينفع فقط في الآخرة، وأن الإيمان والدين يضيق على الإنسان، ويحرم الإنسان من لذائذ الحياة، ولذا تجد الواحد منهم يقول: الآن أشبع وبعدها الأمر سهل. لا، إن الإيمان -يا أخي- لا ينفعك في الآخرة فقط، وإنما تسعد به في الدنيا والآخرة، وقد يقول قائل: كيف أسعد بالإيمان في الدنيا؟ اسمع آثار الإيمان عليك في الدنيا:

معرفة الهدف والغاية من وجود الإنسان

معرفة الهدف والغاية من وجود الإنسان إن الإيمان يقدم لك -أيها الإنسان- التفسير الحقيقي لهذه الحياة، هذه الحياة -أيها الإخوة- لغز محير حارت في فهمه العقول، وعجزت كل النظريات والفلسفات أن تعرفه، وعاش الإنسان في عذاب وشقاء، وهو لا يدري من أين جاء؟ ولا يدري لماذا جاء؟ ولا يدري إلى أين بعد أن يموت؟ حتى قال شاعر الكفار: جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت كيف جئت؟ كيف سرت؟ كيف أبصرت طريقي؟ لست أدري ولماذا؟ لست أدري لست أدري!! تصوروا شخصاً يقطع رحلة العمر كلها وهو لا يدري لماذا يعيش! أنت الآن لو كنت مسئولاً في الأمن أو في المرور ورأيت سيارة على طريق الدمام، وأوقفت السائق وقلت له: من أين أتيت؟ قال: لا أدري، قلت: أين أنت ذاهب؟ قال: والله لا أدري، لماذا تمشي؟ قال: والله يا أخي لا أدري، ما هو رأيك هل تسمح له بالمشي؟ لا. وإنما تقول له: توقف، فإن هذا أحد رجلين: إما مجنون، أو سكران، وهل يسمح للمجنون والسكران أن يسير في الطريق العام؟ لا، لماذا؟ لأنه سيسبب كارثة للناس، هذه رحلة ثلاث ساعات إلى الدمام، يمنع أن يمشي الشخص فيها وهو لا يدري أين يمشي، فقولوا لي بربكم: من يقطع رحلة العمر ستين سنة أو سبعين سنة وهو لا يدري لماذا يعيش! ولا يعرف من الدنيا إلا كما يعرف الحمار! لو سألنا الحمار وحققنا معه وقلنا: يا حمار! لماذا تعيش هنا؟ لقال: لآكل وأشرب وأرقد، وإذا رأى الأنثى رفع أذنيه وأسرع نحوها، هذه حياة البهائم، بعض البشر الآن يعيش بعقلية الحمار، يأكل ويشرب وينام وإذا رأى الأنثى أسرع، ما رأيكم هل هذا إنسان؟! ما الفرق بين الاثنين؟ ليس هناك فرق، ولهذا الله يقول: {إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] ليته كالأنعام بل هو أضل من الأنعام، هذا كلام الله يا إخواني. فالإيمان يقدم لك التفسير ويعلمك من أنت؟ دواؤك فيك وما تبصر وداؤك منك وما تشعر وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر أنت أكرم مخلوقات الله، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وأمرك بطاعته ونهاك عن معصيته، وأنزل عليك كتبه، وبعث إليك رسله، وهيأ لك جنته، وحذرك ناره، أي تكريم أعظم من هذا التكريم؟! وتترك هذا كله وتذهب إلى الشيطان وتعبده وتطيعه، إنها والله خسارة كبيرة. فأول شيء من آثار الإيمان أن الإيمان يعلمك لماذا جئت.

حصول الأمن والطمأنينة

حصول الأمن والطمأنينة بالإيمان يحصل لك الأمن والطمأنينة، والله لا يسكن القلب ولا تستريح النفس في الدنيا، ولو تمتعت بجميع متعها ولذائذها، والله لا تستريح إلا بالإيمان، والذي لم يجرب فليجرب؛ لأن الله يقول: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] فلا تطمئن القلوب بالأموال، ولا بالأكل، ولا بالزوجات، ولا بالسيارات، ولا بالعمارات، انظروا إليهم في أوروبا الآن، الكفار يعيشون قمة الحياة في الأمور المادية، لكن هل حققت لهم المادة سعادة؟ يعيشون أسوأ عيشة؛ الانتحار الأمراض النفسية التفكك الأسري التحلل الاجتماعي الجنون المسرحي والتمثيلي والكروي، الفساد العام، بسبب ماذا؟ بسبب بعدهم عن الإيمان؛ لأن الله يقول: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:124] معيشة ضنكاً ولو عنده (مليارات) لماذا؟ لأن الأموال ترفه عن الجسد، أما القلب فماذا سيضع له؟ يدخل له (شيكاً)، أو يجعله في (فيلة) أو يعطيه طعاماً خاصاً؟ لا، القلب له طعام آخر، من السماء، إنه الإيمان، دخل إلى القلب فاطمئن {وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} [الرعد:28].

ضبط المسار وتحديد الاتجاه

ضبط المسار وتحديد الاتجاه بعد ذلك الدين يضبط مسارك ويحدد اتجاهك في الحق؛ في الصلاة والزكاة والصوم، في العمل الصالح، في وظيفتك ومصلحتك وشئونك، وإذا دعيت إلى منكر فإنك تقول: لا، من الذي جعلك تقول لا؟ إنه الإيمان، ولو لم يكن عندك إيمان لعصيت، ولذا نرى الذين وقعوا في الجرائم لو ذهبت إليهم في السجون وقلت للواحد منهم: ماذا عملت؟ لقال: أنا قاتل، لماذا قتلت؟ قال: الشيطان، يجعلها على إبليس ولا يلوم نفسه، والثاني روج للمخدرات لماذا تروج هذا الداء الوبيل الذي يفتك بالأُسَرِ، ويقضي على الإنسانية؟ قال: الشيطان، والثالث يسرق لماذا تسرق؟ قال: الشيطان، وذاك زنى لماذا تزني؟ قال: الشيطان، متى تسلط عليهم الشيطان؟ عندما ابتعدوا عن الإيمان؛ لأن الله يقول: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا} [النحل:99] الشيطان لا يتسلط على المؤمن أبداً؛ لأن المؤمن ينظر بنور الله، وإذا جاءه الشيطان عرض أمر الشيطان على الإيمان فرأى أنه باطل، فلا يأتيه أبداً حتى ولو دعي، لكن الأعمى الذي ليس عنده إيمان يلعب عليه الشيطان، ويقوده حتى يوقعه، أوقعه في المعصية تخلى عنه. أجل إن أعظم شيء يسعدك في الدنيا هو الدين والإيمان؛ لأنه يحميك.

ولاية الله للعبد

ولاية الله للعبد من آثار الإيمان: أن الله يتولاك في جميع شئونك، يقول الله عز وجل: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة:257] أما ترضى -يا أخي- أن يكون الله عز وجل وليك؟! يرزقك من حيث لا تحتسب، يجعل لك من كل عسر يسراً، ومن كل ضيق فرجاً، ومن كل همّ مخرجاً، يتولاك الله عز وجل، يقول في الحديث القدسي، والحديث ذكره ابن القيم في الجواب الكافي، يقول الله: (وعزتي وجلالي ما اعتصم عبد من عبادي بي فكادته السماوات والأرض إلا جعلت له منها مخرجاً، وعزتي وجلالي ما اعتصم عبد من عبادي بمخلوق دوني إلا أسخت الأرض من تحت قدميه، وقطعت عنه أسباب السماء ثم لا أبالي في أي وادٍ هلك) أترضى هذه العيشة؟!

التثبيت بالقول الثابت في الدنيا والآخرة

التثبيت بالقول الثابت في الدنيا والآخرة تأتيك آثار الإيمان بعد الموت، إذا كنت في سكرات الموت فإن الدنيا كلها ترفضك، والإيمان يقول: أنا معك، ويثبتك الله بالقول الثابت {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} [إبراهيم:27] لم يقل: يثبت التجار أو العظماء أو الأثرياء، وإنما يثبت الله الذين آمنوا في تلك اللحظات الحرجة، التي تزيغ فيها الأبصار من هول الموقف، والإنسان يرى ملائكة العذاب أو النعيم، وهو يعالج سكرات الموت فيثبته الله عز وجل فيقول: لا إله إلا الله، هذه الكلمة، وقد جاء في الحديث الذي في سنن النسائي وابن ماجة وأبي داود والترمذي بسند صحيح: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) من يقولها عند الموت؟ الذي ثبته الله عليها في الحياة، وبعد ذلك تدخل القبر فيجعل الله قبرك روضة من رياض الجنة، ويثبتك ويلهمك حجتك، إذا سئلت: من ربك؟ قلت: ربي الله ما دينك؟ ديني الإسلام من نبيك؟ نبيي محمد صلى الله عليه وسلم، من الذي ثبتك وأنت في القبر؟ إنه الله {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم:27] اللهم ثبتنا يا مولانا بالقول الثابت في الدنيا والآخرة. يوم القيامة يخرج الناس من قبورهم، والمعالم الكونية قد تغيرت السماء انفطرت والكواكب انتثرت، والبحار فجرت، والنجوم بعثرت، والشمس كورت، كل شيء متغير، يخرج الإنسان عارياً حافياً، حتى القطعة التي قطعت منه يوم ختن تعود له يوم القيامة، يبعثون عراة حفاة غرلاً بهماً غير مختونين، قد تعلقت قلوبهم بالله {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ} [غافر:18]، القلب ليس ثابتاً قد ارتفع من مكانه {كَاظِمِينَ} [غافر:18] مكظوم من قلبه، انظر عندما تدخل الطائرة في مطب هوائي ثم تنزل، كيف سيكون حالك؟ تقول: هه هه! يرتفع قلبك من مكانه من الخوف، فهؤلاء ليس للحظة واحدة، بل طوال وقتهم في الموقف وقلوبهم مرتفعة، يقول الله: {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر:18]. في ذلك اليوم إن كنت من أهل الإيمان يظلك الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، وتأخذ كتابك بيمينك؛ لأنك من أهل اليمين، وتوزن فترجح موازينك؛ لأن لك وزناً ولك قيمة، عندك توحيد وصلاة وزكاة وعمل، بعد ذلك ترد الحوض فتشرب شربة لا تظمأ بعدها أبداً، وبعد ذلك يقال لك ولأمثالك: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:70 - 72]. هذه آثار الإيمان يا إخواني! ما رأيكم هل هي مفيدة وجيدة أم لا؟ هل إذا آمنت تخسر؟ والله لن تخسر شيئاً، ماذا خسرت؟! خسرت الزنا، وهل الزنا خسارة؟! لا والله، بل تركه كرامة، هل خسرت الخمر، وقلة الدين، وقطع الصلاة، وعقوق الوالدين، والمخدرات؟ هذه كلها محرمة؛ لأن الله لم يحرم شيئاً إلا وفيه ضرر، ولم يبح شيئاً إلا وفيه نفع، الخير كله في دين الله، والشر كله ليس في دين الله، فأنت رابح في الدنيا، ورابح عند الموت وفي القبر والحشر، ورابح يوم تدخل الجنة، لكن عندما تترك الدين أو تضيع من الدين ماذا ستربح؟ تغني، حسناً غني، وماذا بعد ذلك؟ أدخلوك النار، قم واترك الغناء، واعلم أنه ليس بديلاً يا أخي اتق الله! النعمة الحقيقية نعمة الإيمان.

حقيقة الإيمان

حقيقة الإيمان ما هو الإيمان؟ ما دام أن هذا الإيمان له آثار طيبة، فما هو الإيمان؟ الإيمان -أيها الإخوة- ليس كلمة تقال باللسان، ولكنها حقيقة ذات أعباء وتكاليف، كلمة لها قيمتها ووزنها وثمنها، الإيمان عند أهل السنة والجماعة يتكون من ثلاث حقائق: حقيقة لفظية، وحقيقة قلبية، وحقيقة عملية. الحقيقة الأولى اللفظية هي: الإظهار والإشعار بكلمة الإخلاص وكلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله، هذه أول شيء، قبل أن يصلي الإنسان يجب أن يشهد أن لا إله إلا الله، لو صلى بغير (لا إله إلا الله) لم تنفع؛ لأن شروط الصلاة تسعة أولها: الإسلام، وهذا لم يسلم حتى الآن، ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن، قال له: (ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وإذا أراد أي إنسان أن يدخل في الدين، فإن أول شيء أن يعلن كلمة التوحيد، قال العلماء: لأنها عقد يوقعه العبد مع ربه على ألا يعبد إلا الله ولا يتبع إلا رسوله، هذه اتفاقية إذا طبقها طوال عمره فإنه عند الموت سيقول: لا إله إلا الله؛ لأنه طبق الاتفاقية، وإذا كان عند الموت ولم يقل (لا إله إلا الله) فمعنى ذلك أنه لم يطبق الاتفاقية بل نقض العقد. وقد ذكر ابن القيم قصصاً كثيرة عن أناس ماتوا ولم يقولوا لا إله إلا الله، وفي هذا العصر يخبرنا الثقات عن أقوام قيل لهم قولوا: لا إله إلا الله، فلم يقولوها شخص كان يدخن فلما جاءه الموت قال له الذين كانوا عنده: قل (لا إله إلا الله) وهو يلفظ الروح، قال: هبوا لي دخاناً، يريد أن يشرب الدخان قبل أن يوضع في القبر، قالوا: لا يوجد دخان، سوف تموت، قل (لا إله إلا الله) قال: والله لا أقولها، أنا بريء منها، ثقلت على لسانه هذه الكلمة. وشاب آخر كان يقود سيارته بسرعة جنونية، ووقع له حادث مروري وقطع (الدركسون) بطنه، وأتوا عليه وهو يلفظ أنفاسه فلقنوه وقالوا: قل (لا إله إلا الله) فقال: هل رأى الحب سكارى مثلنا؛ لأن الشريط كان يغني، وكان طوال الطريق يستمع إلى المغنية وهي تقول: هل رأى الحب سكارى مثلنا، قالوا: قل (لا إله إلا الله) سوف تموت، قال: أعطني حريتي أطلق يدي، ومات على هذه الكلمة؛ لأن من عاش على شيء مات عليه. إذاً: الحقيقة الأولى اللفظية هي: لا إله إلا الله محمد رسول الله، تقولها. الثانية: حقيقة قلبية، وهي أن تعتقد بقلبك بصدق، أن تصدق ما نطق به لسانك؛ لأن من قال: (لا إله إلا الله) وقلبه لم يعتقدها بصدق فهؤلاء هم المنافقون، فالمنافقون قالوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ} [البقرة:8]، قال الله عز وجل: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة:8] إنهم كذابون {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة:9] فلا بد أن يتواطأ القلب واللسان، تقول (لا إله إلا الله) بصدق من قلبك أنه لا إله إلا الله، و (لا إله إلا الله) ينتظم فيها التوحيد بفروعه الثلاثة، أي: لا خالق ولا رازق ولا محيي ولا معطي ولا مميت إلا الله، وأيضاً لا معبود بحق إلا الله، فلا تدعو، ولا تذبح، ولا تخشى، ولا ترجو، ولا تستغيث، ولا تستعين، ولا تتوكل، ولا تخاف إلا من الله، و (لا إله إلا الله) تقتضي أيضاً توحيد الأسماء والصفات؛ لأنها متلازمة، أن تثبت الأسماء والصفات لله كما أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم كما يليق بجلاله، من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تأويل ولا تعطيل، وإنما على حد قوله عز وجل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] سبحانه وتعالى. وبعد ذلك محمد رسول الله، الكلمة الثانية هذه لا تتبع أحداً في العبادة إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تعبد الله إلا بالدليل، لا بالاستحسان، ولا بالهوى ولا بالعادات، ولا باتباع آبائنا ومشايخنا وأوليائنا، إنما قال الله وقال رسوله، هذا هو الدين، والذي ليس عنده قال الله وقال رسوله فليس عنده دين. الحقيقة الثالثة: حقيقة عملية؛ وهي تأتي برهاناً ودليلاً على صدق ما نطق به اللسان، واعتقده القلب، وهي أعمال الشرع، وذلك مثل الصلاة، فإنها حقيقة لفظية وقلبية وعملية، شخص يقول: (لا إله إلا الله) ولكن لا يصلي هذا نقض إسلامه وإيمانه، وأصبح في نظر الشرع كافراً؛ لأن ترك الصلاة كفر (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)، لا بد من العمل، والعمل جزء من الإيمان، وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة، بخلاف المرجئة، فإنهم يقولون: العمل ليس له علاقة بالإيمان، لا يضر مع الإيمان ذنب، ولا ينفع مع الكفر عمل، وضيعوا دين الله، وكثير من الناس الآن عقيدته عقيدة المرجئة وهو لا يدري، تجده لا يعمل أي عمل، وإذا قلت له: لماذا لا تعمل؟ قال: يا شيخ! والله أنا قلبي مؤمن بالله. كنت مرة في زيارة لبعض الدول، وحينما دخلت الفندق سمعت موسيقى صاخبة مؤذية، فنظرت وأنا في المصعد وإذا بالذي يغني في الفندق وعنده أجهزة كثيرة، رجل رأسه أصلع كبير وطويل وعريض وهو يحرك يديه، فذهبت غرفتي وجلست، ولما جاءت الصلاة نزلت لأصلي في مصلى الفندق، ورجعت وإذا بالرجل واقفاً، فدعاني أحد المسئولين الذين استضافوني وأعطيته التذاكر، وإذا بهذا الشخص يسلم عليَّ، فقلت له: أنت الذي كنت تغني بالليل؟ قال: نعم، هل أعجبك؟ قلت له: أنت مسلم؟ قال: نعم أنا مسلم، قلت: هذا الغناء الذي تغنيه هل ينفعك بين يدي الله عز وجل إذا مت غداً؟ قال: لا والله لا ينفع، اعترف وعلم أن الغناء لا ينفع، قلت: كيف تعيش على حياة تعرف أنها لا تنفعك إذا مت؟ قال: والله يا شيخ أنا قلبي نظيف، قلت: قلبك نظيف فقط، ليس عندك غير القلب النظيف؟ قال: نعم، قلت: أنا وأنت الآن لو مكثنا في الفندق عدة أيام، وأردنا أن نخرج من الفندق بعد ذلك وقالوا: ادفعوا الأجرة، قلنا: لا، قلوبنا مؤمنة بأن هذا فندق، والله أنا مؤمن إيماناً جازماً أن هذا الفندق ممتاز وخمسة نجوم، لكن لن أدفع الأجرة، ما رأيكم هل ينفع هذا؟ سوف يقولون: هات الأجرة أو السجن، وهذا يريد الجنة بقلب نظيف ولم يصل لله ركعة، فانتقلت معه إلى سؤال آخر، قلت: أنت تصلي؟ قال: لا والله لن أكذب عليك، قلت: لماذا؟ قال: إن أمي تصلي، أمه تصلي بالنيابة، قلت: إذا ماتت أمك هل سيضعونها معك في قبرك، أو أنت معها في قبرها؟ قال: لا، كل واحد له قبر، قلت: وكل واحد صلاته له، أم أنه ستخرج أمك من القبر إذا سألوك وتقول: إني أُصلي بدلاً عنه؟ قال: ادع لي يا شيخ، قلت: أسأل الله أن يهديك، وتركته ومشيت، وانقطع الصوت، ولم أعد أسمعه ثلاثة أيام وأنا في الفندق، والرجل جالس ولم يعد يغني، وعندما أردت أن أمشي وأنا أستلم أغراضي من عند موظف الاستقبال، قال لي الموظف: متى تمشي يا شيخ؟ قلت: الآن إن شاء الله، قال: حسناً، قلت: لماذا؟ قال: هذا المغني يا شيخ كل فترة يقول: متى يمشي الشيخ؟ متى يمشي الشيخ؟ إنه مسكين محصور من أجل وجودي، يريدني أن أمشي من أجل أن يرجع للغناء. هذه هي عقيدة المرجئة، لكن عقيدة الإسلام عند أهل السنة والجماعة أن الإيمان قول باللسان، واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية. هذا هو التعريف الصحيح للإيمان. وإذا نقص من العمل شيء فما هو الحكم؟ هذه مسألة مهمة ينتبه لها طلبة العلم، إذا أنقص شخص من العمل شيئاً، فإن أهل السنة والجماعة يقولون: ننظر إلى الشيء الناقص، فإن كان تركه كفراً مثل الصلاة انتقض إيمانه، وإن كان تركه ذنباً ومعصية -كبيرة كانت أو صغيرة- فهو فاسق بمعصيته مؤمن بإيمانه، داخل الدائرة، لا يصير كافراً، تحت مشيئة الله في الدار الآخرة، وهذا يسمونه في العقيدة: الفاسق الملي، أو صاحب الكبيرة، بخلاف الخوارج والمعتزلة، فإن الخوارج يقولون: إذا ترك الإنسان أي شيء من العمل كفر، وهو في النار في الآخرة، والمعتزلة يقولون: إذا ترك شيئاً من العمل فلا يكفر ولا يبقى مسلماً، إذاً ماذا يصير؟ قالوا: يبقى في منزلة بين المنزلتين، معلق لا كافر ولا مؤمن، أين هو في الآخرة؟ قالوا: في الآخرة هو في النار. وهذا باطل، والحق ما كان عليه الدليل من كتاب الله ومن سنة رسوله، وهو عقيدة أهل السنة والجماعة؛ لأن الذين وقعوا في الكبائر في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أقام النبي صلى الله عليه وسلم الحدود لتطهرهم، وأخبر أنهم في الجنة، فهذا ماعز جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ بشر مسكين وقع في الغلط، لكن إيمانه مثل الجبال، جاء وقال: (يا رسول الله! إني زنيت فطهرني) لم تأت به الهيئة ولا الشرطة، وإنما جاءت به الشرطة الداخلية؛ القلب الحي المعمور بالإيمان (طهرني يا رسول الله! قال: أبك جنون؟! قال: لا يا رسول الله! قال: لعلك قبلت، لعلك كذا قال: لا والله يا رسول الله! قال: ارجموه. فقال واحد من الصحابة: لعنه الله! يستره الله ويفضح نفسه، قال: لا تقول هذا، فوالذي نفسي بيده إنه لينغمس الآن في أنهار الجنة). والمرأة التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاعترفت بالزنا فرجمها، قال عنها: (لقد تابت توبة لو قسمت على أهل المدينة لوسعتهم). فمعنى هذا: أن الذي يقع في الذنب لا يكفر، لكن يصير عاصياً صاحب كبيرة وصاحب ذنب، وهو تحت مشيئة الله في الدار الآخرة إن شاء الله عذبه وإن شاء غفر له. والإيمان يزيد وينقص، وذلك بالعمل، فهل عمل الناس كلهم سواء؟ ليس عمل الناس سواء، أنتم الآن قبل المغرب وجئتم وجلستم في المسجد، في روضة من رياض الجنة، ومجلسكم تحفه الملائكة، وتسمعون كلام الله، فإنه يزداد إيمانكم، أليس كذلك؟ لكن لو أنكم -عافاكم الله وحاشاكم- جلستم في مجلس آخر فيه ضرب عود وطرب، فهل يزيد الإيمان أم ينقص؟ بل ينقص، يخرج كل واحد منكم يبحث ل

وسائل تقوية الإيمان

وسائل تقوية الإيمان بقيت مسألة أخيرة يقول فيها أهل العلم: كيف نحصل على الإيمان؟ ما هي وسيلة الحصول على الإيمان؟ أين يباع؟ في أي سوق؟ في أي صيدلية؟ نقول: الإيمان بضاعة الله يهبه من يشاء اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا لكن له أسباب، فأنت الآن في البيت تقول: اللهم ارزقني يا رب، لكن هل تظل راقداً أم تخرج لتشتغل؟ لو جلست في البيت وقلت: اللهم أنت الله لا إله إلا أنت أعطني قرص خبز وصحن فول هذه الليلة يا رب العالمين، وجلست في البيت، فهل سيأتيك قرص خبز من السماء وصحن فول؟ لا، لا بد أن تتحرك وتذهب إلى صاحب الفول وتعطيه ريالين، وصاحب الخبز تعطيه ريالاً وتأخذ منه، لا بد من الأسباب، بعض الناس تجده على المعاصي وإذا قلت له: يا أخي! اتق الله، قال: يا شيخ! سيهدينا الله يهديك الله وأنت شارد! بعض الآباء الآن يترك ولده نائماً، ولا يوقظه لصلاة الفجر في المسجد، وإذا جاء وقت المدرسة أيقظه، لماذا لا توقظه للصلاة؟ قال: الله يهديه والمدرسة؟ قال: تهديه العصا، لماذا أصبحت المدرسة مهمة أما الصلاة فليست مهمة عنده؟ لماذا لا تتركه بالنسبة للمدرسة وتقول: الله يهديه، يدرس أو لا يدرس؟ لا، المدرسة لها مستقبل وعلم، حسناً والصلاة أليس لها مستقبل ونور وهدى؟ قال: لا، هذا لا زال صغيراً، لا زال صغيراً والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع) وأنت لم تأمره، وصار ابن عشر سنين ولم تضربه إذا لم يصل، وحينها يصير رجلاً وهو لا يصلي، ويأتي الأب يشكو ويقول: ولدي لا يصلي؛ نعم لا يصلي لأنك لم تعلمه وهو صغير، ولم تؤدبه وهو صغير. أيها الإخوة: الإيمان له عشرة أسباب أذكرها باختصار:

تلاوة القرآن وحفظه

تلاوة القرآن وحفظه أول سبب وأعظم سبب تحصل به على أعلى مستوى وأعظم قدر من الإيمان: تلاوة القرآن وحفظه لأن الله جعل القرآن مادة الإيمان، يقول سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52]، والقرآن نور، يقول الله عز وجل: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً} [النساء:174]، ويقول عز وجل: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ} [المائدة:15 - 16] أي: طرق الفلاح في الدنيا والآخرة، وما ترون اليوم في عالم الناس من جفاف في القلوب، ومن جمود وتحجر في العيون، ومن جُرأة على المعاصي، ومن كسل في العبادة، سببه الأول والأخير بُعد الناس عن القرآن، بعض البيوت يدخل الشهر ويخرج ولم تقرأ فيه آية أين الأسر التي تجتمع على القرآن؟ أين هم أيها الإخوة؟! يدخل الشخص بيته ويقول: هات القرآن يا امرأة! تعال يا ولد! تعال اقرأ آيتين من القرآن الكريم، وبعد ذلك تأخذ التفسير، لكن الآن يدخل الواحد إلى داره وإذا بشخص ينظر إلى المسلسل، وآخر يستمع إلى الأخبار، وآخر إلى الأغاني والشر نازل من القناة فاتحة الذراعين هكذا، ترحب بالشرور التي تلتقطها وتستقبلها، ويشتريها الواحد منا بعشرة آلاف من أجل أن يفسد أهله بما يسمونه (الدش)، صدقوا! إنه دش مليء بالشر والفضيحة أين القرآن؟ كيف يأتي الإيمان بهذا الأسلوب؟ أول شيء تلاوة القرآن وليست التلاوة هي القراءة التي نقرؤها نحن الآن، التلاوة هي أن تقرأ القرآن كما أنزله الله، تقرأ القرآن على شيخ، تبحث عن معلم للقرآن في أي مسجد، وتجلس عنده وتقول: يا شيخ! أريد أن أقرأ القرآن، والقرآن ليس صحيفة أو كتاباً بل هو كتاب ربك، الله يقول: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل:4] وترتيل القرآن: هو معرفة مخارج الحروف ومواضع الوقوف، يقول ابن الجزري: والأخذ بالتجويد حتم لازم من لم يجود القرآن آثم لأنه به الإله أنزل وهكذا منه إلينا وصلا وهو أيضاً حلية التلاوة وزينة الأداء والقراءة وهو إعطاء الحروف حقها من صفة لها ومستحقها إلى آخر الجزرية فعليك أن تعرف تلاوة القرآن حتى تتلذذ بكلام الله، وبعد ذلك تدبر، كل آية تفكر فيها، ماذا يريد الله؟ وبعد ذلك تحفظ، تبدأ الحفظ من سورة (ق) إلى الناس، هذا اسمه المفصل، وبعدها احفظ البقرة وآل عمران؛ لأن حفظهما -أي: البقرة وآل عمران- بركة يقول عليه الصلاة والسلام: (البقرة أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة) أي: السحرة لا يقدرون على البقرة، والبيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان، (إن البقرة وآل عمران تأتيان يوم القيامة كغمامتين أو كغيايتين يستظل بهما صاحبهما يوم القيامة)، فاحفظ البقرة وآل عمران -أقل شيء- والمفصل، وما استطعت عليه من السور، حتى يجعل الله في قلبك الإيمان. أما إذا لم تحفظ القرآن فمن أين يأتيك الإيمان؟ ما الذي تريده أنت؟ ألست ترجو النجاة؟ يقول الشاعر: ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس فالذي يريد الإيمان يبحث عنه يا إخواني! الآن الذي يريد أن يشتري أرضاً ماذا يعمل؟ تراه يرابط في مكاتب العقار كل عشر دقائق ينتظر، وإذا نظر إلى الجريدة ينظر الإعلانات التي تخص الأراضي، وعمله وهمته الأرض حتى يجد أرضاً، وإذا أراد أن يبني فتراه في الأماكن والعمارات التي لا زالت تبنى، يدخل العمارة هذه وينظر كيف المخطط، وكيف المجلس والغرف، وكيف التفصيل والتشطيب، ويسأل هذا، وأين المهندس الجيد؟ وأين المنفذ الجيد؟ ومن الذي عنده أدوات؟ عمله هذا لأنه يريد عمارة، والذي يريد زوجة تراه يفكر في الزواج، ويسأل ويرسل أمه عند المناسبات والزواج، لتبحث له عن زوجة جميلة، ويقول: دعونا نتزوج والذي يريد الإيمان ما هو رأيكم؟ هل يبحث عنه أم لا؟ يبحث عنه، لكن كيف تحصل على الإيمان؟ عن طريق القرآن أولاً.

معرفة أسماء الله وصفاته

معرفة أسماء الله وصفاته ثانياً: عن طريق معرفة أسماء الله الحسنى وصفاته العلى فإن الله عرف نفسه عند خلقه بأسمائه وصفاته وأوضحها في القرآن الكريم، وجعلها تذييلاً مناسباً في أغلب آيات القرآن، والحديث في صحيح البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة)، ما معنى: من أحصاها؟ هل هو من أحصاها عند الجهلة يقول: هو الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ؟ فقط هذا الإحصاء؟ ليس هذا هو الإحصاء، لكن قالوا: من أحصاها أي: من فهمها وعمل بمقتضاها وحققها، هذا هو الذي أحصاها ولو لم يحفظها، وما هو مقتضاها؟ أن ينطبع فيك أثر لكل صفة لله، إذا عرفت أن الله رزاق: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ} [الذاريات:58] آمنت بأن رزقك على الرزاق، لكن إذا ذهبت لتبيع الدخان في دكانك، وجاءك شخص وقال لك: الدخان لا يجوز بيعه يا أخي فلا تبعه، وقد تكون ممن يشرب الدخان، يقول بعضهم: لا يا شيخ! الدخان مضر وأنا لا أشربه، لكن والله لا نبيعه إلا لأنه يجلب المشتري؛ بمعنى أنه يرزق، إن الذي يجلب المشتري هو الله، الآن عقيدتك هذه فاسدة، تعتقد أن الدخان هو الذي يأتي بالمشتري، إذاً راجع توحيدك وإيمانك، لا يجلب المشتري إلا الله سبحانه وتعالى، ولا تبع الدخان فإن الذي حرمه حرم ثمنه، ولو أنك ممن تشرب الدخان لكان ذنبك واحداً، لكن عندما تبيع الدخان فما من (سيجارة) تباع من دكانك إلا وعليك إثمها إلى يوم القيامة، تأتي (والكراتين) على ظهرك -والعياذ بالله-، فلا بد من تحقيق الأسماء والصفات.

دراسة السنة النبوية

دراسة السنة النبوية الثالث من الأسباب: دراسة سنة النبي صلى الله عليه وسلم فإن السنة المطهرة هي الشارحة للقرآن والموضحة له، والمطلقة لما قيد القرآن، والموضحة لما أبهم، يقول عليه الصلاة والسلام: (أوتيت القرآن ومثله معه) أي: السنة. وتبدأ بالصحيح حتى تكون ثقافتك الحديثية موثوقة، ولا تكلف نفسك قضية كل حديث ومن أخرجه، ابدأ بكتاب اسمه اللؤلؤ والمرجان في ما اتفق عليه الشيخان؛ هذا الكتاب اكتفى فيه المؤلف بجمع ما في الصحيحين المتفق عليه، الحديث الصحيح الذي لا شك في صحته، وعند حفظك لهذا الكتاب تصبح أحاديثك كلها صحيحة، وإذا سألك أحد: أين هذا الحديث؟ تقول: في البخاري ومسلم، متفق عليه، دون أن تشغل ذهنك؛ لأن قضية معرفة الحديث كله ومن أخرجه هذه ليست عملية سهلة، لا يستطيعها إلا أفراد من الأمة ومن كبار العلماء، لأن كل حديث له سند، وكل حديث له راوٍ، وكل حديث له مخرج، فأنت في بداية الطلب وطن نفسك على حفظ البخاري ومسلم، وبعد ذلك إذا أردت الصحيح في غير البخاري ومسلم فلا مانع.

دراسة السيرة النبوية

دراسة السيرة النبوية الرابع: دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فإن سيرته وأحواله وشمائله وأخلاقه ترجمة عملية للإسلام، تقول عائشة وقد سئلت عن أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم، قالت: (كان خلقه القرآن). فإذا أردت أخلاق الرسول فاقرأ القرآن، فإنه صلى الله عليه وسلم كان متمثلاً القرآن في كل حركته؛ في بيعه وشرائه، وسلمه وحربه، ونومه ويقظته، وأكله وشربه، وسفره وإقامته، وتعامله مع نفسه وأولاده وزوجاته، وقد جمع الله له جميع الكمالات البشرية حتى شهد الله له وقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4] الكمالات موزعة في الأنبياء وفي البشر، لكن هي عند محمد مكتملة، يقول الله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [الأنعام:90] أي: الأنبياء {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] الذي تراه عندهم اقتد به كله يا محمد صلى الله عليه وسلم. وأذكر لكم حديثاً في البخاري، يقف الإنسان عنده موقف المتعجب: كان عنده صلى الله عليه وسلم بعض نسائه، فأرسلت زوجة له أخرى طعاماً في إناء مع غلام لها، ففتحت الذي عندها الرسول صلى الله عليه وسلم وإذا بالغلام ومعه الطعام، فقالت: ما هذا؟ قال: هذا طعام من فلانة -ضرتها- لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فغضبت وضربت يد الغلام، فسقط الإناء وانكسر وانتثر الطعام، والرسول صلى الله عليه وسلم ينظر الوضع، فماذا فعل صلى الله عليه وسلم؟ انظروا إلى الإنسان العظيم، لو أنه واحد منا لأخذ العصا وقام بضربها، وقد يطلقها وتحدث مشكلة، لكن لم يغضب وإنما قال: (غارت أمكم، غارت أمكم، غارت أمكم) قدر لها صلوات الله وسلامه عليه هذا الموقف؛ لأن الباعث عليه هو الحب والغيرة، وأيضاً الأحقية، تقول: هذا اليوم لي، فليس من حق أي شخص أن يطعم الرسول في بيتي، أنا أطعم الرسول صلى الله عليه وسلم وتلك تلاحقني بالطعام حتى في بيتي! ثم قام الرسول صلى الله عليه وسلم وأخذ إناءً من بيتها وجعل فيه طعاماً غير الذي جاء به الغلام، فأرسله إلى صاحبة الطعام الأول وقال: (طعام بطعام، وإناء بإناء) رده إلى صاحبته وانتهت المشكلة. بعض البيوت -أيها الإخوة- تحترق وتدمر، ويحصل الطلاق، وتشتت الأسرة بكلمة واحدة تقولها المرأة، أو بتصرف يعمله الولد، فيرتكب الرجل حماقة ويغضب، فتراه يضرب ويطلق ويعتدي على امرأته المسكينة، ويجعل نفسه بطلاً وهو في الخارج دجاجة لا يساوي شيئاً، لكن عند المرأة أسد، فلا تستأسد على امرأتك، لا يكرم امرأته إلا كريم ولا يهينها إلا لئيم (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) ولا تتصور أنك عندما تكون طيباً في بيتك ستصبح ممتهناً أو ذليلاً، لا والله! بل هذا من أعظم معاني الرجولة، لكن بشرط: ألا تضيع وتذوب شخصيتك فيحصل الخطأ في بيتك وأنت لا تستطيع أن تغيره، كن متوازناً، هناك بعض الرجال يُطلق الحبل للمرأة حتى أنه لم يعد يأمرها بشيء، فتخرج متى أرادت، وتأتي بالذي تريد، تركها تفعل ما تشاء فهي سائبة، وبعضهم تجده شديداً، والشرع وسط في التعامل، تعطيها حقها وتكرمها، ولكن يجب أن تكون صاحب القرار في الأسرة، ولك الأمر فيها، لا يحدث شيء إلا بأمرك؛ لأنك صاحب الأسرة وربها ووليها. هذا هو الرابع وهو دراسة سيرته صلى الله عليه وسلم، وأحسن ما ندل الناس عليه هو كتاب اسمه: مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمة الله تعالى عليه.

ذكر الله تعالى

ذكر الله تعالى الخامس: ذكر الله فإن ذكر الله أعظم وسيلة من وسائل قوة الإيمان، وإن من أحب شيئاً أكثر ذكره، إن الذي يحب أي شيء ما يريد أن يذكر إلا هو، والذي لا يريد الشيء لا يريد ذكره، لو أن شخصاً تبغضه وتكرهه وذكره آخر ماذا ستقول؟ اسكت، اتركنا منه، لا تذكره لي، لكن إذا ذكر لك شيئاً تحبه سوف تقول: نعم، ماذا حدث؟ تريد منه أن يذكره، يقول الشاعر: إذا مرضنا تداوينا بذكركم ونترك الذكر أحياناً فننتكس مجنون ليلى قيس بن الملوح كان يمشي في الصحراء وليس معه أحد في الليل الأسود، وليلى عند أهلها وهو لوحده في أرض وتجده يقول: ليلى ليلى ليلى، فيحس براحة عندما يذكرها لأنه يحبها. وأنت أما تحب ربك؟! إذا كنت تحب ربك فاذكره، ولهذا جاء في الحديث: (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت) والفرق بين المؤمن والمنافق الذكر؛ لأن المنافق لا يذكر الله إلا قليلاً، والمؤمن يقول الله فيه: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب:35]. ذكر الله -أيها الإخوة- من أعظم وسائل تقوية الإيمان؛ وذلك بالمحافظة عليه؛ بأن تتعلم أذكار الأحوال والمناسبات، وتشتري كتاباً وتحفظ أذكار الصباح والمساء، والنوم واليقظة، ودخول المنزل والخروج منه، والأكل بداءة ونهاية، ولبس الثوب كل شيء في حياتك له ذكر في السنة تحفظه وتتعلمه وتحافظ عليه؛ لأن هذا يزيد إيمانك بالله، ويجعلك دائماً مع الله، يقول الله في حديث قدسي: (وإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه).

التفكر والتأمل في مخلوقات الله

التفكر والتأمل في مخلوقات الله السادس من وسائل تقوية الإيمان: النظر والتدبر والتأمل في مخلوقات الله في الكون. فإنك بها تزداد إيماناً، كما قال عز وجل: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190 - 191]، وقال تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} [ق:6 - 8]. التأمل في مخلوقات الله في الكون يؤسس ويقوي الإيمان؛ لأنك ترى عظمة الله في مخلوقاته، ولو فكرت في جزئياتك أنت أيها الإنسان في نفسك وما أودع الله فيك من الآيات؛ لرأيت العجب في كل ذرة من ذراتك أو خلية من خلاياك {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21].

الحرص على الطاعات

الحرص على الطاعات السابع من وسائل تقوية الإيمان: الحرص والاجتهاد في طاعة الله لأنه وكما قلنا: إن الإيمان يزيد بالطاعات، فالطاعات زاد، اجعل نفسك الأول دائماً، في الصلاة الأول من حين يؤذن وأنت في الصف الأول، وفي الدروس العلمية فاجعل نفسك الأول، والزكاة إذا كان لديك مال فكن الأول، والحج والعمرة إذا أتيح لك فكن الأول، والصوم كذلك، كل عمل صالح تجد أن فيه إيماناً سارع إليه، من أجل أن يزيد إيمانك، فهذا من أعظم الوسائل.

الحذر من المعاصي والذنوب

الحذر من المعاصي والذنوب الثامن من وسائل تقوية الإيمان: الحذر من جميع الذنوب والمعاصي؛ لأنها تحرق الإيمان، فهو يزيد بالطاعة وينقص بالمعاصي، فإذا سمعت أغنية نقص إيمانك شئت أم أبيت، وإذا نظرت إلى امرأة لا تحل لك نقص إيمانك، وملأ الله عينيك ناراً يوم القيامة: (من ملأ عينيه من الحرام ملأهما الله من جمر جهنم) إذا تكلمت بالغيبة والنميمة نقص إيمانك، إذا وقع الشخص في الزنا -أعاذنا الله وإياكم (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) - ينسلخ من الإيمان، وإذا تاب ونزع يرجع. فاحذر ثم احذر من المعاصي، وأبواب المعاصي سبعة: العين لا تنظر بها إلى الحرام، والأذن لا تسمع بها الأغاني والحرام، واللسان لا تتكلم به في الحرام، واليد لا تمدها على حرام، والرجْل لا تمشي بها في حرام، والبطن لا تدخل فيها حراماً من دخان أو جراك أو خمر أو حشيش أو مخدرات أو ربا أو أي حرام، فإن الله طيب ولا يقبل إلا طيباً، والجنة دار الطيبين، فلا تكن خبيثاً، بعض الناس -والعياذ بالله- يعيش على الخبث ويشمه ويأكله، وأيضاً يوقع نفسه في الخبث! بعد ذلك فرجك لا تطأ به إلا الحلال؛ لأن الحرام ليس لك، أنت مسلم مؤمن والله يقول لك: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32]، (ومن زنا بامرأة في الدنيا كان عليه وعليها في القبر نصف عذاب هذه الأمة) (وما عصي الله بذنب بعد الشرك أعظم من نطفة يضعها الرجل في فرج لا يحل له) (والذي نفس محمد بيده إن ريح فروج الزناة ليؤذي أهل النار) (والذي نفس محمد بيده إن فروج الزناة والزواني لتشتعل عليهم ناراً يوم القيامة) تتحول فروج الزناة والزواني إلى براكين من نار تشتعل من أجل لذة محرمة، فلا تفعل {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى} [الإسراء:32] ولم يقل الله: لا تزنوا، بل قال: لا تقربوا، أي: كل ما يوصل إلى الزنا لا تقترب منه، فلا تنظر؛ لأن النظر بريد الزنا، ولا تسمع الغناء؛ لأن الغناء رقية الزنا، ولا تتكلم مع النساء؛ لأن الكلام مع النساء في الباطل أولاً: لا يجوز للمرأة أن تكلم الأجنبي إلا عند الضرورة، وإذا تكلمت عند الضرورة فبصوت معروف، يقول الله: {وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [الأحزاب:32] ولا تخضع في العبارة، لأن الله يقول: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32] لأن بعض النساء صوتها يفتن أكثر من مظهرها. والأذن تعشق قبل العين أحياناً فإذا جاءت مكالمة وأنت في البيت فرد أنت، لكن بعضهم جالس وتجده يقول: ردي يا امرأة! وأنت يا كرتون ماذا تعمل؟! تجعل الرجال يتحدثون مع امرأتك، تكلمهم امرأتك وأنت قاعد! فترد المرأة، فإذا ردت: (ألو) فلان، وقالت: لحظة، فهذه طعنة؛ لأن الرجل يتأثر بالصوت يا إخواني! فلا ترد امرأتك أبداً وأنت موجود وإنما ترد أنت، وإذا كنت غير موجود فيرد الولد الصغير، الولد غير موجود ترد الطفلة، لا يوجد أحد في البيت إلا المرأة فترد؛ لأن بعض الرجال يقول: لا تردي أبداً، لا، ليس هناك شيء، لأن الله يقول: {وَقُلْنَ} [الأحزاب:32] أمر الله أن تقول لكن ترد بالمعروف: من؟ السلام عليكم، وعليكم السلام، فلان موجود؟ لا، أين ذهب؟ لا أدري، انتهى، ماذا سيقول ذاك الذي يسمع الصوت، سيقول: الله أكبر عليها لكن إذا ردت وقالت له: من؟ وأين ذهب؟ وغير موجود، ومن أنت؟ ومن تكون؟ وفتحت تحقيقاً صحفياً، وجاء الشيطان إليه وقال: انظر الناس الطيبين، انظر المرأة الممتازة، انظر الزوجة، ويمكن أن زوجها مسكين يراها طيبة لكن صوتها ضعيف، يمكن صوتها مثل (شكمان المرسديس)، فإذا سمع صوتاً لهذه وصوتاً لتلك فهذه فتنه الشيطان. أجل. لا تخضع المرأة في القول، تحفظ لسانها إلا بالمعروف، فالله حرم الزنا وحرم كل شيء يوصل إليه، حرم الزنا وحرم التبرج، فما هو التبرج؟ هو أن تحمل المرأة زينة وتتبرج بها أمام الناس من أجل أن تلفت أنظارهم، إما في لباس، أو كحول، أو ذهب، أو عطر، أو حذاء عالٍ، أو شعر، أو غطاء خفيف، أو برقع، تطعن بعيونها في عيون الناس -والعياذ بالله- وتقول: أنا متحجبة، ليس هذا حجاباً وإنما هذا كذب، الحجاب أن يحجب كل شيء، أما أن تغطي بعضاً وتبدي عينيك فإن أجمل ما في المرأة عيناها، ولو كشفت وجهها لكان أسهل في الأثر من كشف عينيها، والشعراء لم يتغنوا إلا بالعيون، لم يتغنوا بالخشم أو بالأذن، يقول أحدهم: إن العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا والناس يقولون: والله إن عيونها تذبح، نعم، والشاعر الغنائي يقول: عيونك قطعت قلبي كما حبحب على السكين صدق! لماذا قطعت قلبك؟ لأنك نظرت إليها، والله يقول: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30] وأنت إذا رأيت إلى المرأة نظرت بعيونك وتعصي ربك، ربك يقول لك: غض وأنت تفتح (من ملأ عينيه من الحرام ملأهما الله من جمر جهنم) والمرأة التي تخرج من أجل أن تلفت الناس إليها ما من عين تنظر إليها إلا سمرها الله بكل نظرة مسماراً من النار، فأكثري أو أقلي أيتها المرأة، بعض النساء تخرج وهي سليمة وترجع وهي ملغمة مسامير من كل جهة. فيها بقدر ما نظر الناس إليها، ولذا المؤمنة لا تخرج أبداً، وكانوا في الماضي يقولون: المؤمنة لها خروجان: الخروج الأول إلى بيت أبيها أو إلى بيت زوجها، والخروج الثاني إلى قبرها، واليوم لها في كل يوم عشرون خروجاً، حتى إن بعض النساء تجعل عبايتها عند الباب كل لحظة وهي تريد أن نخرج، وإذا قيل لها: اجلسي، قالت: يضيق صدري يضيق صدرها من البيت، ويتوسع صدرها في الشارع! ويتوسع صدرها في الحديقة والمعارض والأسواق؛ لأنها تنظر وتتمشى، وتبيع عرضها وعرض أبيها وعرض زوجها، أما المؤمنة فيضيق صدرها في السوق وفي كل مكان، ولا ينشرح صدرها إلا في بيتها وسترها وعرشها ومملكتها، والله يقول: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33] لم يقل: اجلسن، بل قرن، والقرار هو الجلوس مع عدم القيام، مثل الجبل المستقر الذي لا يتزحزح من مكانه، قال الله: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33] فلابد -أيها الإخوة- أن نحذر المعاصي ونحذر الوقوع فيها.

الحرص على الرفقة الصالحة

الحرص على الرفقة الصالحة التاسع: أن تحرص على رفقة صالحة وأهل خير. ابحث في جيرانك وزملائك في المدرسة أو العمل عن الشباب والرجال الصالحين وترتبط معهم في علاقة، وتجلس أنت وهم تزورهم ويزورونك، تذكرهم ويذكرونك، وتستأنس بهم، وتعاونهم ويعاونونك على طاعة الله؛ لأن الطريق طويل ولا بد من الرفيق، والله عز وجل عندما بعث موسى ماذا قال موسى؟ قال: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه:29 - 32] لماذا؟ {كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً} [طه:33 - 35].

الحذر من قرناء السوء

الحذر من قرناء السوء والأخير: احذر من قرناء السوء. قرين السوء من الزملاء، أو الجيران، أو الأقارب، أو الأنساب، إذا كان فاسقاً، قليل دين، قاطع صلاة، يشرب الخمر، يزني، خبيثاً، فاحذره وانزع يدك منه، وإذا رأيته في طريق فاذهب من طريق أخرى، ولا تقل: هو ولد عمي، أو ولد أخي، أو جاري، لا، هذا يحمل مرضاً، ما رأيك إذا كان هناك شخص قريب لك وفيه داء (الكوليرا) أو (الإيدز) أو الطاعون أو (السل) هل تجلس معه؟ بل تهرب منه، فاعلم أن هذا أخطر منه، هذا عنده مرض في عقيدته وأخلاقه وإيمانه، انزع يدك منه، ولا تقل: أنا سوف أذهب معه من أجل أن أهديه، أنت لا تزال في طور لا يسمح لك بمصاحبته، حتى تصير داعية وعالماً، حينها يمكنك أن تدعو هذا الشخص وغيره إلى الله، لكن أخاف أن تدعوه ثم يدعوك هو، وقد تصير مثله. هذه -أيها الإخوة- وسائل العلم العشرة التي -إن شاء الله- إن عملت بها وحققتها زاد إيمانك، وحصل لك اليقين، وتحصلت على السعادة في الدنيا والآخرة. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقنا إيماناً صادقاً، وعملاً صالحاً، وتوبة قبل الموت، ومغفرة بعد الموت، وتوفيقاً وهداية لهذا الدين. اللهم إنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت، يا حي يا قيوم! يا فارج الهم! يا كاشف الغم! يا أرحم الراحمين! فرج كرب إخواننا في الشيشان، اللهم فرج كربهم، اللهم انصرهم على عدوهم، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم اربط على قلوبهم، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدام أعدائهم الروس، اللهم أنزل عليهم بأسك الشديد، وعذابك الأكيد فإنهم لا يعجزونك. اللهم إنك أنت الله لا إله إلا أنت غالب لا تغلب، لك جنود السماوات والأرض، لا يعجزك شيء في الأرض ولا في السماء، نسألك باسمك الأعظم الذي إذا سئلت به أعطيت، وإذا دعيت به أجبت، أن تنزل نصرك المبين على إخواننا. يا من أمرت الحوت يلفظ يونساً وسترته بشجيرة اليقطين يا من أحلت النار حول خليله روحاً وريحاناً بقولك كوني يا رب إن السيل قد بلغ الزبا والأمر في كاف لديك ونون باسم الفراخ الزغب يحنو جناحهم فقدوا الأب الحاني بغير منون بصراخ أم فجعوها بابنها لم يرحموها وهي كالعرجون يا رب إنا مثلهم في كربة فارحم عباداً كلهم ذو النون هذا الدعاء أيها الإخوة! ويتبع الدعاء شيء وهو المال، الله أمر بالجهاد بالمال والنفس فقال: {وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} [التوبة:20]. إخوانكم يريدون منكم الدعاء والمال، إنهم يعيشون ضائقة لم يعرف لها مثيل عبر التاريخ البشري، واليوم نشرت صور الإجرام الذي لا يعرفه البشر أبداً، ولا يمكن أن يتصور العقل؛ رأينا فيها حرقاً للأرض، وتدميراً للبيوت، وقتلاً للنساء، واستباحة للأعراض، وهم يعيشون الآن -نساء وأطفالاً وعجائز وكباراً وشباباً- في (أنقوشيا) في خيام يحوطها الثلج، نحن بردنا في الرياض كم يوم، وكل شخص عنده ثياب وشملة وعباءة ودفاية ومكيف، ومع ذلك يقول: والله أحس ببرد، ودرجة الحرارة ستة أو سبعة، هؤلاء عندهم أربعون تحت الصفر، ولا يوجد معهم لا ثلاجة، ولا غسالة، ولا ماء، ولا أكل، ولا دواء، ولا بيت، والنار والطائرات والمدمرات تقتلهم، وما هو ذنبهم يا إخواني؟ ليس إلا لأنهم يقولون: لا إله إلا الله. إنهم إخوانكم في العقيدة، أنتم تقولون (لا إله إلا الله) وهم يقولون (لا إله إلا الله)، أين نجدة الإيمان يا إخواني؟! أين نصرة الإيمان؟! لا يريدون رجالاً هم يريدون مالاً ودعاء، رجالهم كثير لكن يريدون مالاً يشترون به طعاماً لهم ولنسائهم وأطفالهم، ويشترون به سلاحاً من أعدائهم ليدمروهم به، ولا تتصوروا أن كل ما تسمعون صحيحاً، إخوانكم أسود، وهم قد باعوا أنفسهم من الله، إما إسلام ونصر وإما موت، وقد أقسموا ولبسوا أكفانهم، لكن تأخر النصر لتأخر الدعاء والدعم منكم. أيها الإخوة: على الأبواب مؤسسة الحرمين والندوة العالمية للشباب؛ وهما مؤسستان إسلاميتان موثوقٌ فيهما وفي القائمين عليهما، يقومان بأخذ الأموال منكم وإيصالها لإخوانكم، يقول أحد المسئولين في مؤسسة الحرمين: أحياناً نوصل الإعانة في نفس الليلة، كيف ستوصلها أنت؟ هل تستطيع أن توصلها؟ لا تستطيع، لكن هم يأخذونها منك وبالهاتف لهم مكاتب هناك. فادفعوا وتبرعوا هذه الليلة لإخوانكم، إخوانكم يستضيفونكم هذه الليلة، لو جاءك أربعة من الشيشان وأنت ذاهب إلى بيتك، ودقوا عليك الباب وقالوا: نحن من الشيشان جائعون نريد عشاءً، هل تطعمهم أم لا؟ تطعمهم لو تقطع من جلدك لهم، الآن أنا باسمهم أقول: إخوانكم ضيوفكم هذه الليلة، عشوا إخوانكم واملئوا الصناديق، أسأل الله أن يفتح عليكم، كما أسأله سبحانه وتعالى أن ينصر دينه ويعلي كلمته، وأن يحفظ لنا في هذه البلاد ديننا وأمننا ونعمتنا واستقرارنا، وأن يوفق ولاة أمورنا وعلمائنا ودعاتنا، وشبابنا وشاباتنا، وذكورنا ونسائنا لما يحبه ويرضاه، وأختم بهذا. وانظروا الأسئلة عندي فهي كثيرة، لكن نريد لها شهراً، فأنا أكتفي بما حصل وأعتذر عن الإجابة، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

الهجرة الأولى إلى الحبشة

الهجرة الأولى إلى الحبشة ابتلاء المؤمن في دينه محنة، والهجرة إلى الله منحة، وعاقبتها فرحة، وحين ضاقت الأرض بإيمان المؤمنين؛ شدوا رحالهم إلى أرض الحبشة -في هجرتهم الأولى- فراراً بالدين. وقد مهدت هذه المادة لموضوع الهجرة بكلام عن أسئلة كفار قريش التي أخذوها من اليهود، ووجهوها للرسول صلى الله عليه وسلم لامتحان نبوته. وفي ختام هذا الدرس خواطر مهمة متعلقة بموضوع صيام رمضان.

أسئلة قريش للرسول صلى الله عليه وسلم للتأكد من نبوته

أسئلة قريش للرسول صلى الله عليه وسلم للتأكد من نبوته الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الأحبة في الله! هذه المحاضرة تلقى في جامع الشربتلي بحي الربوة بمدينة جدة، بعد مغرب يوم السبت الموافق 13/شعبان/1418هـ على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام. وقد جرى تقديم الموعد عن المعتاد في آخر كل شهر، وذلك لظروف الامتحانات، فإن السبت الأخير من هذا الشهر والموافق 27 يأتي في وسط الامتحانات، فرأى الإخوة في مركز الدعوة والإرشاد أن ييسروا على الناس حتى لا ينشغلوا، وحتى لا يحصل لهم حرج بين ضياع الدرس، أو ضياع متابعة أبنائهم، أو أداء امتحاناتهم إذا كانوا هم ملتحقين بإحدى المدارس، وكان هذا الرأي مناسباً إن شاء الله، ولكن ربما يفوت على بعض الإخوة الذين لم يطلعوا على الإعلان؛ لأننا لم نعلن في الدرس الماضي عن هذا الأمر نظراً لعدم التذكر. يأتي هذا الدرس ضمن السلسلة الشهرية المعنونة بتأملات في السيرة النبوية، وعنوان هذه المحاضرة بالذات: من أحداث الهجرة الأولى إلى الحبشة. وقد جاءت الهجرة في بداية الاضطهاد والحرب الضروس التي كان يشنها كفار قريش على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى أتباعه من المؤمنين، وكان هذا في بداية السنة الرابعة من البعثة، حيث اشتدت الوطأة، ولم تزل تزداد يوماً بعد يوم حتى تفاقمت في أواسط السنة الخامسة، وضاق الأمر بالصحابة، وفكروا في حيلة تنجيهم من هذا العذاب الأليم، وفي هذا الوقت الحرج نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم سورة الكهف رداً على أسئلة طرحها المشركون على الرسول صلى الله عليه وسلم للتثبت من مصداقيته؛ لأنهم أرسلوا وفداً من مكة إلى يهود المدينة وقالوا: أنتم أهل كتاب، وهذا الرجل يدعي أنه نبي فارجعوا إلى كتبكم، فإن كان نبياً اتبعناه، وإن كان متقولاً كذاباً حاربناه، فنظر اليهود في كتبهم وعلموا أنه زمان نبي؛ لأن اليهود كانوا يعرفون صفات النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الله عز وجل: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ} [الأنعام:20] ليس عندهم أي شك، لهذا قال الله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89] قالوا لوفد قريش: اسألوه عن ثلاثة أمور فإن عرفها فإنه نبي، وإن لم يعرفها فإنه متقول؛ سلوه عن فتية آمنوا بربهم وزادهم الله هدى، وسلوه عن رجل صالح يحكم الأرض، وسلوه عن الروح، هذه الأسئلة الثلاثة لا يمكن أن تعرف إلا عن طريق الوحي، فرجع المشركون وقابلوا النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وعرضوا عليه هذه الأسئلة، والرسول صلى الله عليه وسلم: {مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4].

أهمية تعليق الوعد بمشيئة الله

أهمية تعليق الوعد بمشيئة الله من كمال ثقته صلى الله عليه وسلم بربه أن الله لن يتخلى عنه، قال لهم: غداً آتيكم بالجواب، ونسي صلى الله عليه وسلم أن يقول: إن شاء الله؛ لأن مشيئة الله مطلوبة في الأمور المستقبلية؛ ولأن الحكم والمشيئة والإرادة له، ولا يوجد أحد في الدنيا يملي على الدنيا شيئاً، حتى ولو كان رسوله. فلما نسي أن يقول: إن شاء الله، وذهب الكفار، وجاء اليوم الثاني ولم يأتِ الوحي في الليل، وكان الوحي لا ينقطع لحظة، ففي كل حدث يأتي الوحي، لكن في أحرج المواقف وفي موقف مصيري يترتب عليه إسلام مكة أو كفرها ما جاء الوحي. فلما جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: أين الإجابة، قال: ما أتاني شيء من السماء، قالوا: بطل سحر ابن أبي كبشة. أبو كبشة هذا زوج حليمة السعدية، من بني سعد، فكانوا ينسبون الرسول إليه من باب الاستضعاف والاحتقار له، قالوا: بطل سحره، يعني: ليس بنبي، إذ لو كان نبياً لجاءه الوحي، وضاق النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه صادق ويحتاج إلى هذا الموقف لكي يثبت صدقه، وينصر دين الله، لكن الوحي تخلى عنه، قال: غداً، ونسي أن يقول: إن شاء الله، وجاء اليوم الثاني ولم يأتِ الوحي الثالث الرابع الخامس ومرت على النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة وانقطع الوحي من السماء -لا إله إلا الله!! - وهذا من باب التربية؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو المربي والمؤدب للنبي صلى الله عليه وسلم، يقول في حديث: (أدبني ربي فأحسن تأديبي) فغلطة مثل هذه جاء فيها تأديب بقطع الوحي خمسة عشر يوماً، يقول الله سبحانه وتعالى بعدها: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:23 - 24]. مهما كان الأمر في يدك، ومهما كان في قدرتك، فإن الأمور التي في قدرتك ومشيئتك مقيدة بقدرة الله ومشيئة الله، فقد تشاء أنت ولكن الله لا يشاء، وقد تريد شيئاً أنت ولكن الله لا يريد، فمن تغلب إرادته، ومن تغلب مشيئته، أنت أم الله؟ الله. ويكون هذا في الأمور المستقبلية التي سوف تأتي، أما الأمور الماضية فلا ينبغي أن تقول: إن شاء الله، لماذا؟ لأن الله قد شاء، فلو أن شخصاً سألك: هل حضرت بالأمس درس الشيخ الفلاني؟ وأنت حضرته، تقول: نعم. لا تقل: إن شاء الله، لماذا؟ لأنك قد حضرت الدرس وقد شاء الله، ولكن لو سألك: ستحضر الدرس الليلة؟ لا تقل: نعم. قل: إن شاء الله؛ لأنك قد لا تحضر، وربما تخرج وفي الطريق يصيبك حادث أو عارض أو مانع! فلا تقولن لشيء مضى وانتهى: إن شاء الله، لكن في المستقبل لا تجزم على أي أمر، وهذا أدب نبوي من الله تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف:23 - 24]. يقال: إن رجلاً نزل السوق ومعه دراهم يريد أن يشتري له دابة، فلقيه صاحبه، قال: إلى أين؟ قال: أريد السوق، قال: ولم؟ قال: أشتري دابة -يركب عليها- قال: قل: إن شاء الله، قال: ولماذا أقول: إن شاء الله؟ النقود في جيبي والحمير ملء السوق، فلا داعي للمشيئة، فأنا سوف أنزل وأشتري، قال: حسناً، فنزل الرجل إلى السوق وسلَّط الله عليه لصاً فسرق النقود من جيبه! ولما جاء إلى مكان بيع المواشي واشترى له دابة وفاصل وانتهى، أدخل يده ليخرج الدراهم فلم يجد شيئاً -قد أخذها الرجل- فترك البيعة ورجع بدون دابة، وصاحبه كان يراقبه على الطريق يريد أن يرى ماذا اشترى، ولما مر قال: أين الدابة؟ أما اشتريتها؟ قال: سرقت الفلوس إن شاء الله، لكن الآن لا تنفع كلمة إن شاء الله -لا تنفع في الماضي- فكان لا يتكلم إلا بإن شاء الله، لماذا؟ لأنه وقع على قلبه، وأخذ درساً قوياً، بحيث لا يفعل شيئاً حتى في الماضي إلا ويقولون له: تغد! قال: تغديت إن شاء الله، لماذا؟ لأنه أخذ درساً.

سؤال قريش عن أصحاب الكهف

سؤال قريش عن أصحاب الكهف النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذا الدرس الرباني نزلت عليه سورة الكهف، وجزء من سورة الإسراء المتضمنة للجواب على هذه الأسئلة الثلاثة: 1/ يسألونك عن الروح. 2/ وعن أصحاب الكهف. 3/ وعن ذي القرنين. وهذه السورة تضمنت ثلاثة أحداث -أو ثلاث قصص- وفيها إشارات بليغة وتربية عظيمة للمؤمنين، وقصة أهل الكهف تحكي إيمان فتية من الشباب، وفي هذا لفت نظر للشباب على أنه ليس أنتم أول من يهتدي ويلتزم؛ لأن القضية سلسلة من الصالحين منذ بعثة الأنبياء إلى يوم القيامة، يقول الله تعالى: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً} [الكهف:13] ترشد هذه القصة -قصة أصحاب الكهف- إلى أن الهجرة وترك مواطن الكفر والعدوان حين يخاف المسلم من الفتنة على دينه أنه أمر مشروع متوكل على الله عز وجل، فأصحاب الكهف لما حوربوا وأوذوا اعتزلوا قومهم، وهجروا ديارهم، وخرجوا إلى الكهف، يقول الله عز وجل: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً} [الكهف:16] فهذه القصة فيها دلالة على مشروعية الهجرة، وكأن السورة وهي تنزل في هذا الوقت الحرج تلفت أنظار الناس إلى أنه ما دامت الأرض قد ضاقت بكم في مكة ولم يكن عندكم قدرة على مواجهة هذا الباطل حسناً غيروا الموقع، اخرجوا إلى أرض الله! أرض الله واسعة كما خرج هؤلاء الذين هم: {فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً} [الكهف:13].

قصة الخضر وموسى عليه السلام

قصة الخضر وموسى عليه السلام القصة الثانية: قصة الخضر وموسى عليه السلام، التي أوحت بأن الأمور لا تجري على حسب الظاهر منها، بل ربما يكون الأمر خلاف الأمر الظاهر، وفيها إشارة لطيفة إلى أن الحرب القائمة بين المستضعفين من المسلمين وبين الأقوياء والكبراء والعظماء من المشركين ستنعكس تماماً، وستكون النتيجة بخلاف الظاهر ستكون الغلبة في النهاية لأهل الإيمان وستكون الهزيمة على أهل الكفر كما حصل في قصة موسى مع الخضر؛ لأن موسى وقف خطيباً في بني إسرائيل، وقال: ليس على الأرض من هو أعلم مني -ولم يستثن- ولم يقل: إن شاء الله، فالله سبحانه وتعالى أوحى إليه، قال له: يوجد في الأرض من هو أعلم منك، قال: أين هو يارب؟ قال: في مجمع البحرين؛ ومجمع البحرين منطقة يلتقي فيها البحر الأبيض المتوسط بـ المحيط الأطلسي في مضيق يسمى: مضيق جبل طارق - طارق بن زياد - وأين هذا الموقع؟ أتدرون أين؟ في جنوب أسبانيا وشمال المغرب، هذا الجبل جبل طارق، لكن أين هو اليوم؟!! -الله المستعان- كيف ضعفت الأمة، قال له ربه: هذا العبد الصالح في مجمع البحرين، وأين كان يعيش موسى؟ كان يعيش موسى في فلسطين، فكانت رحلة شاقة؛ يقطع فيها هذه المنطقة من طرف آسيا إلى غرب إفريقيا؛ يقطع مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب كلها، قال: رب: أريد أن أطلب العلم عنده، قال: اذهب، فخرج موسى عليه السلام -والقصة في الصحيحين - وذكرها المفسرون عند ذكر الله عز وجل لأصحاب الكهف في سورة الكهف: خرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نون، وسأل الله أمارة، قال: رب: إذا لقيته فكيف أعرف أنه هو؟ قال: العلامة أن تعود الحياة إلى هذا الحوت، وكان معهم حوت مملح مقدد جاهز للأكل -ميت من زمان- قال: إذا عادت الحياة إلى هذا الحوت ستجد هذا العبد الصالح الذي هو أعلم منك. ومشى وقطع الرحلة الطويلة سيراً على الأقدام، حتى إذا وصلوا إلى مجمع البحرين، قال لغلامه: {قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً} [الكهف:62] يقول: تعبنا، وفعلاً سفر متعب، قال: {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً} [الكهف:63] يقول: في ذلك المكان اتخذ الحوت سبيله في البحر {قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ} [الكهف:64] يقول: هذا الكلام الذي نريد، يقول موسى: هذه هي الأمارة، أي: عودة الحياة للحوت -أو الدخول في الماء- نريدها: {فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصاً * فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً} [الكهف:64 - 65] وهو الخضر عليه السلام، والخضر ليس نبياً كما يزعم بعض الناس، لا. ليس نبياً، وإنما هو عبد صالح من عباد الله، آتاه الله عز وجل علماً لدني، أي: من لدن الله سبحانه وتعالى {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً} [الكهف:65] فعرض عليه موسى أن يستصحبه، قال: {هَلْ أَتَّبِعُكَ} [الكهف:66] من أجل أن يطلب العلم على يده، فقال له الخضر: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف:67]؛ العلم يحتاج إلى صبر، وفي هذا إشارة لطلبة العلم الذين يستعجلون في نيل العلوم والمدارك والمعارف ويريدون أن يكونوا علماء في أسبوع أو في جلسة، لا. العلم يحتاج إلى نفس طويل، وإلى ممارسة وصبر، وإلى جلوس في حلق الذكر، وإلى قراءة للكتب، وإلى المواصلة والبحث ثم في النهاية يأتيك العلم. ومثل طلب العلم كمثل النحلة إذا دخلت البستان، فهل مباشرة تضع عسلاً؟ لا. بل تذهب وتبحث عنه في الأوراق والشجر والأزهار إلى أن تأتي بشيء بسيط، ثم تذهب وتبني وهكذا حتى يصير عسلاً، وكذلك العلم: يأتي بالطلب وبالممارسة وبالصبر وبالاحتكاك، وبإيجاد الحس العلمي عندك، أي: يكون عندك حس مرهف للعلم، وشغف، ورغبة، ولا تريد أن تجلس أي وقت إلا للعلم، فإذا دخلت بيتك، لابد من كتاب، وإذا خرجت لتتمشى لابد من كتاب، وإذا جلست لابد أن تفتح إذاعة القرآن؛ لأنك تريد علماً، ولا يمكن أن تضيع دقيقة من دقائق وقتك، فعندما يكون عندك حس علمي فسوف تصبح عالماً بهذا الموضوع، أما أن يكون العلم على هامش حياتك إن جاء وإلا تقضي أوقاتك أكثرها في سهر وكلام فارغ ولعب، ثم تريد أن تصبح عالماً! العلم لا يأتي إلا مع التعب. فهذا موسى عليه السلام يقول له الخضر عليه السلام: {قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف:67] فقال له موسى: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً} [الكهف:69] إن شاء الله أكون جاداً؛ لأنه بعد مشوار طويل وبعد سفر من طور سيناء إلى المغرب، قال: {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً} [الكهف:69] فقال له الخضر: بشرط: {فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً} [الكهف:70] لا تسألني! وبعض طلبة العلم بمجرد أن يحضر المحاضرة يقدم السؤال! اصبر حتى تنتهي المحاضرة، فربما يأتي جوابك على لسان المحاضر أثناء الكلام، فأنت لا تستعجل. فمشى معه على هذا الشرط. ومروا وهم يريدون البحر، فاستأجروا سفينة وركبوا، وبينما هم جالسين، قام الخضر وأخرج مسماراً من حقيبته ومطرقة وخرق السفينة، وبدأ الماء يدخل، فاستغرب موسى، وهذا العمل لا يُسكت عليه؛ لأن هذا عمل تخريبي، قال له: {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا} [الكهف:71] فذكره: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف:75] ألم أخبرك من قبل أنك لن تستطيع أن تصبر: {قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً * فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً} [الكهف:73 - 74] ثم مروا بقرية عندما نزلوا من السفينة وإذا بأطفال يلعبون في الساحة، فعمد الخضر إلى واحد من الأطفال وأمسكه من رقبته ونزع رأسه من رقبته -قطع رأسه- فما صبر موسى على هذا العمل، فموسى نبي ومصلح، وهذا قتل، ولهذا قال له: {قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً} [الكهف:74] زكية: يعني معصومة صغيرة لم تفعل شيئاً، ففي الأولى: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً} [الكهف:71] (إمرا) يعني: يبعث على المرية وعلى التفكر، كيف تخرق السفينة؟ لكن هنا لا توجد مرية، فهنا قتل واضح، فقال له الخضر: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف:75] وقال في الأولى: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف:72] لكن هنا أظهر الضمير {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف:75] ألم أقل (لك) أي: من أول طلبك لصحبتي؟ فقال له موسى: {قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي} [الكهف:76] يقول: هذه آخر مرة: {إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً} [الكهف:76]. {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا} [الكهف:77] كانوا بخلاء؛ لم يضيفوا حتى هؤلاء الغرباء، فرجعوا جائعين متعبين مسافرين، ليس عندهم أكل، فرأى الخضر جداراً آيلاً للسقوط، فقام الخضر وشمر عن ساعده وهدم الجدار وبدأ يعيده من جديد، فاستغرب موسى! أناس لا يضيفونا ونبني لهم الجدار بغير مقابل: {قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} [الكهف:77] أي: قاول عليه مقاولة وخذ عليه أجراً، لكي نأكل ونشرب، أما أن يطردونا ونحن نبني جدرانهم بدون مقابل فهذا شيء لا يقبله العقل، فقال له الخضر: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف:78] يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رحم الله أخي موسى لو صبر لأرانا من عجائب علم الله ما لا نتصور) ثم قال لموسى؛ لأنه مستعجل: {سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً * أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} [الكهف:78 - 79] وظاهر الأمر أن خرق السفينة يؤدي إلى إغراقها، لكن حقيقة الأمر أن خرق السفينة يؤدي إلى النجاة بها؛ لأن هذا الملك الظالم الذي كان يأخذ السفن عندما جاء يريد أن يأخذها وجد الماء يدخلها، وأهلها ينزفون الماء، قال: دعها. هذه لا تصلح، فهو خرقها لينجو بها لا ليغرقها، فالأمر ليس على ظاهره، فظاهر الأمر تدمير وإفساد، ولكنه في حقيقته نجاة هذا الأول. {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً} [الكهف:80 - 81] كان بعلم الله أن هذا الولد الذي يعتبر زهرة من زهرات الحياة لوالديه وفلذة كبدهما، يعلم

سؤال قريش عن ذي القرنين

سؤال قريش عن ذي القرنين أما القصة الثالثة التي تضمنتها سورة الكهف فهي: قصة ذي القرنين، وهي تفيد أن الله سبحانه وتعالى هو الذي له الملك من قبل ومن بعد، وأنه يورث الأرض من يشاء من عباده، وأن الفلاح إنما هو في سبيل الإيمان لا في سبيل الكفر، وأن الله لا يزال يبعث من عباده بين آونة وأخرى من يقوم بإنجاء الضعفاء، وإهلاك الطغاة من الكفار والمشركين {وَيَسْأَلونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً * إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً} [الكهف:83 - 84] مكن الله سبحانه وتعالى لذي القرنين في الأرض وجعله يحكم الأرض كلها؛ كان يأتي إلى مغرب الشمس وإلى مطلعها، وكان له ملك لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى. هذه القصص -أيها الإخوة- بدأت تعطي أثرها في الصحابة في قضية تهيئتهم وتجهيزهم لمفارقة مكة والخروج منها فراراً بدينهم، خصوصاً بعدما نزلت سورة الزمر وفيها قول الله عز وجل: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ} [الزمر:10] ولما نزلت قال الصحابة: حسناً للذين أحسنوا بالإيمان لهم في هذه الدنيا حسنة، أين الحسنة التي للصحابة، وهم يعذبون، ويقتلون، ويضربون، ويسجنون، ويسحبون -كما سمعتم في الدرس الماضي- أين الحسنة؟ قال الله تعالى بعدها: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10].

هجرة المسلمين الأولى وعودتهم منها

هجرة المسلمين الأولى وعودتهم منها وفي كل هذه الظروف كانت الهجرة الأولى إلى الحبشة فراراً بالدين من بلاد الفتنة إلى بلاد الأمان، روى ابن إسحاق من حديث أم سلمة رضي الله عنها؛ لأنها كانت من المهاجرات، قالت: لما ضاق الأمر علينا بـ مكة وأوذي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورأوا ما يصيبهم من البلاء والفتنة في دينهم، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان القوم لا يقدرون عليه -في السنة الرابعة والخامسة والسادسة ما قدروا على الرسول- لماذا؟ لأنه كان هناك أحد يمنعهم، وهو أبو طالب؛ كانت هناك منعة من قومه، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم لما اشتكى الصحابة الضعفاء، قال: (إن بأرض الحبشة ملكاً لا يُظلم عنده أحد -رجل عادل اسمه: النجاشي - فالحقوا ببلاده -يقول: هاجروا إليه- حتى يجعل الله لكم مخرجا) تقول أم سلمة: [فخرجنا إليها، حتى اجتمعنا بها فنزلنا بخير دار إلى خير جار، أمنا على ديننا ولم نخش منه ظلما] الله أكبر! هذا الرجل صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم لما مات في مكة صلاة الغائب، وصلاة النبي صلى الله عليه وسلم عليه تدل على أنه أسلم، وكلمة: النجاشي لقب يطلق على من يحكم الحبشة، مثل كلمة: فرعون، تطلق على من يحكم مصر، ومثل كلمة: قيصر أو كسرى، أو شاهين شاه، فكان هذا الحاكم اسمه النجاشي، لكن الذي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم هو ذلك الرجل الذي آوى الصحابة ونصرهم، فلما مات صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وسوف يأتي معنا إن شاء الله بيان إسلامه وأنه دخل في دين الله سبحانه وتعالى. طبعاً يروي ابن سعد في الطبقات أنهم خرجوا متسللين -سراً- لأن مكة لا تسمح لهم بالخروج، فخرج كل منهم منفرداً، وكانوا أحد عشر رجلاً وأربع نساء، وفي بعض الروايات أنهم كانوا عشرة، وفي بعض الروايات أنهم كانوا اثنا عشر، لكن الذي عليه جماهير المؤرخين أنهم كانوا أحد عشر رجلاً وأربع نساء، حتى انتهوا إلى الشعيبة، والشعيبة على بعد ستين أو سبعين كيلو من مكة المكرمة، وكان منهم الراكب ومنهم الماشي، ووفق الله عز وجل للمسلمين عندما وصلوا إلى الشعيبة بسفينتين للتجار، فحملوهم إلى أرض الحبشة بنصف دينار، وكان مخرجهم في شهر رجب في السنة الخامسة من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى الفور خرجت قريش في آثارهم لملاحقتهم، ولكنهم لم يصلوا الشعيبة حتى وجدوهم قد ركبوا ورحلوا فلم يدركوهم والحمد لله.

أسماء بعض المهاجرين

أسماء بعض المهاجرين وكان من ضمن هؤلاء المهاجرين أبو سلمة ابن عبد الأسد، زوج أم سلمة بنت أبي أمية أم المؤمنين فيما بعد؛ لأن أبو سلمة هذا ابن عبد الأسد مات، ولما مات قالت زوجته كلمة سمعتها من الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول: اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها إلا جبره الله في مصيبته وخلف عليه خيراً منها) تقول: فلما مات أبو سلمة تذكرت الدعاء، وقلت في نفسي: ومن هو خير من أبي سلمة؟! تقول: لا أحد في الدنيا مثل أبي سلمة لكنها قالته تصديقاً بكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعد أيام؛ بعد أن انتهت من العدة وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبها، لتصبح زوجاً له وأماً للمؤمنين إلى يوم القيامة ما هذا الفخر العظيم! ولما اعتذرت قالت: (يا رسول الله! إني أغار -قالت: إني أغار وأخاف أن أكسر خاطرك أو أغضبك- وعندي صبية -أولاد- قال: أما غيرتك فسيذهبها الله، وأما أولادك فهم مع ولدي) اللهم صلِّ وسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأيضاً كان ضمن المهاجرين عثمان بن مضعون رضي الله عنه وأرضاه، ومصعب بن عمير الشاب العظيم الذي قتل شهيداً في يوم أحد، وعثمان بن عفان رضي الله عنه، ومعه زوجته رقية بنت محمد صلى الله عليه وسلم بنت خير البشر كانت أيضاً مهاجرة مع زوجها إلى الحبشة، وقد قال صلى الله عليه وسلم في عثمان وفي رقية: (إنهما أول بيتٍ هاجر في سبيل الله بعد إبراهيم ولوط) قال إبراهيم عليه السلام: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الصافات:99] فكان أول بيت هاجر بعد إبراهيم ولوط بيت عثمان بن عفان وزوجته رقية بنت محمد صلى الله عليه وسلم.

سبب عودة المهاجرين إلى مكة

سبب عودة المهاجرين إلى مكة وعرفت هذه الهجرة في التاريخ الإسلامي بالهجرة الأولى إلى الحبشة، طبعاً لم يمكث هؤلاء إلا قليلاً، واستقبلهم النجاشي وآواهم وأكرمهم، وما أرسلت قريش في تبعهم بشيء، لكنها أرسلت في الهجرة الثانية الكبيرة التي كان فيها عدد كبير حول المائة وسوف يأتي تفصليهم إن شاء الله، لكن في هذه المرة جلس الصحابة المهاجرون فترة بسيطة، من السابع من شهر رجب إلى شهر شوال فقط؛ رجب وشعبان ورمضان وشوال، أربعة أشهر. ثم عادوا، ورجعوا من الحبشة إلى مكة، ولماذا عادوا؟ لأن هناك شائعات وأخبار بلغتهم أن أهل مكة قد أسلموا، والأخبار كانت تنقل آنذاك بطرق ووسائل بدائية من الصعب التثبت منها؛ جاءتهم إشاعة وهم في الحبشة أن مكة قد دخلت في دين الله، فقالوا: ما دام قد أسلم أهل مكة فلماذا نبقى هنا؟ نرجع إلى أهلنا وديارنا، فرجعوا ولما اقتربوا من مكة علموا أن الذي بلغهم من الخبر ليس إلا إشاعة، وعرفوا أن نار العداوة لا زالت مستعرة في قلوب الكفار، فرجع بعضهم إلى الحبشة وبعضهم دخل مستخفياً، وبعضهم دخل في جوار رجل من قريش -في جوار رجل، أي: في وجه رجل- وإذا أجار رجل رجلاً آخر فلا أحد يستطيع أن يصل إليه، خصوصاً إذا كان المجير هذا شخصية اعتبارية لها مكانتها الكبيرة في المجتمع.

خطأ تاريخي حول سبب رجوع المهاجرين إلى مكة

خطأ تاريخي حول سبب رجوع المهاجرين إلى مكة وهناك زعم تاريخي باطل سوف نرده إن شاء الله بالأدلة، وهذا شائع عند كثير من الناس ولا يفهمون القول الحق فيه؛ يزعم بعض المؤرخين أن سبب رجوع المؤمنين من الحبشة كان لوقوع هدنة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين المشركين، وبين الإسلام وبين الكفر، وسبب هذه الهدنة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم تقرب إلى المشركين بمدح أصنامهم، والاعتراف بمنزلتها، إذ زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على المشركين سورة النجم لما نزلت حتى وصل إلى قوله عز وجل: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى} [النجم:19] اللات: صنم من أصنام قريش، والعزى: شجرة كانت تُعبد من قبل قريش، ومناة الثالثة الأخرى: صنم من أصنام قريش، ألقى الشيطان -تقوَّل الشيطان- في آذان المشركين كلمة اعتراضية فهموا منها أنها من الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي كلمة: تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتهم لترتجى، ففهموا هم أنها من الرسول، وإذا كانت من الرسول فهي مدح للأصنام، وأن شفاعتها ترتجى، وأنها تضر وأنها تنفع، فسجد وسجد كفار مكة عند هذه الآية، فلما بلغهم ذلك وهم في الحبشة ظنوا أن القوم قد أسلموا لهذه القصة المزعومة المكذوبة. هذه القصة رواها كثر من المؤرخين؛ فقد رواها ابن سعد في الطبقات، والطبري في تاريخه، والبيهقي في الشعب، ولكن لم يروها أحد من أصحاب الكتب الستة المعتبرة: لا البخاري ولا مسلم ولا النسائي ولا أبو داود ولا الترمذي ولا ابن ماجة، ولم يروها أيضاً الإمام أحمد في مسنده ولا غيره من أصحاب الكتب المعتبرة والمعتمدة في النقل، وهي باطلة كما يقرر العلماء، متناً وسندا. أولاً: من حيث السند: يقول ابن كثير عند هذه الآيات: قد ذكر كثير من المفسرين قصة الغرانيق ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها مسندة من وجه صحيح، والله أعلم، هذا كلام من؟ كلام ابن كثير، يقول: كل الطرق التي جاءت بها طرق مرسلة، والمرسل ضعيف لا يعتمد عليه ولا ينقل فيه خبر. والقاضي عياض له مآخذ أخرى على القصة من حيث المتن والسند، يقول: أما المأخذ الأول: فيكفيك أن هذا الحديث لم يخرجه أحدٌ من أهل الكتب الصحيحة، ولا رواه ثقة بسند صحيح، واضطراب رواياته، وانقطاع إسناده، واختلاف كلماته، وإنما أولع به بعض المؤرخين المولعين بكل غريب، والمتلقفين لكل صحيح وسقيم، ومن حكيت عنه هذه المقالة لم يسندها أحد منهم، ولا رفعها إلى صاحب، وأكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة واهية. هذا من حيث السند. ثانياً: أما من حيث المتن: فإن هذه القصة مردودة بالقرآن الكريم، يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر:42] وقد أبعد الله عز وجل وضمن بهذه الآية الغواية عن عباده المرسلين بوحي الشيطان، وقد أقر رئيس الشياطين -وهو إبليس- بأنه ليس له سلطان على عباد الله المخلصين، فإذا لم يكن له سلطان على عباد الله فمن باب أولى أن لا يكون له سلطان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل يمكن أن يتقمص الشيطان شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وأن يوحي عنه بمثل هذا الكذب؟ لا. غير صحيح، فليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون، وأي الناس أصدق إيماناً وأعظم توكلاً عليه من الأنبياء ومن أخصهم محمد صلى الله عليه وسلم؟! حسناً لماذا سجد المشركون لما قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الآيات عليهم؟ هنا العلة، هم بالفعل سجدوا، المشركون سجدوا عندما نزلت هذه السورة، والسبب كما يقوله المفسرون: ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم في جماعة من المسلمين والمشركين في الحرم، وخواتيم هذه السورة فيها قوارع تطير منها القلوب، فلما أخذ صوت الرسول صلى الله عليه وسلم يهدر بها ويزبد ويرعد بنذيرها، وصل إلى قول الله عز وجل: {وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى * هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى * أَزِفَتِ الْآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ * أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ * فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم:53 - 62] كانت روعة الآيات وعظمة القرآن قد صدعت قلوبهم، فما تمالكوا أمام قوة البيان وقوة التلاوة إلا أن خروا ساجدين مع غيرهم من المسلمين، حتى إن الوليد بن المغيرة وكان كبير السن لا يستطيع أن يسجد، أخذ حفنة من البطحاء وسجد عليها وهي بيده، فلما أفاقوا بعدما رأوا الناس ساجدين وجدوا أنفسهم ساجدين مع المؤمنين الذين سجدوا لله، وأما هم فسجدوا من باب التأثر البالغ بالقرآن الكريم، فلما رفعوا رءوسهم أحسوا أنهم قد أخطئوا، وأنهم قد أقروا الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة، فندموا على ما كان منهم، فأحبوا أن يعتذروا عن غلطهم، وقالوا: ما سجدنا لإله محمد إلا لأنه أثنى على آلهتنا وقد عرفتم القصة؟ يقولون: نحن ما سجدنا إلا لأن محمداً ذكر آلهتنا بخير؛ فنحن سجدنا له من باب المجاملة مثلما قالوا: نعبد إلهك سنة، وتعبد آلهتنا سنة، فأنزل الله عز وجل: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} [الكافرون:1 - 5]. كانت هذه -أيها الإخوة- هي الأسباب الحقيقية لعودة الصحابة من الهجرة الأولى إلى مكة المكرمة، وهذا هو التفسير الصحيح للحدث الذي مر بـ مكة المكرمة وهو سجود المشركين مع المؤمنين عند نزول هذه السورة، وعند قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الآيات. وهنا -أيها الإخوة- تنتهي أحداث هذا المشهد وهو الهجرة الأولى إلى الحبشة.

خواطر على أبواب رمضان

خواطر على أبواب رمضان يأتي بعدها أحداث الهجرة الثانية إلى الحبشة ولكنا نرجئ الحديث عنها إن شاء الله إلى الدرس القادم الذي سيكون بإذن الله في آخر شهر شوال نظراً لأن شهر رمضان كما هو معروف؛ شهر عبادة، وتقوى، وصلاة، وقراءة للقرآن، وفيه تتوقف الدروس كما كان السلف رحمهم الله تعالى؛ كانوا إذا دخل رمضان يوقفون جميع حلقات العلم؛ لأنه شهر القرآن، يقول الناظم: يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب حتى عصى ربه في شهر شعبانِ ها قد أضلك شهر الصوم بعدهما فلا تصيره أيضاً شهر عصيانِ اتل الكتاب وسبح فيه مجتهداً فإنه شهر تسبيح وقرآنِ كم كنت تعرف ممن صام في سلفٍ من بين أهل وجيران وإخوانِ أفناهم الموت واستبقاك بعدهم حياً فما أقرب القاصي من الداني ومعجبٍ بثياب العيد يقطعها فأصبحت في غدٍ أثواب أكفانِ حتى متى يعمر الإنسان مسكنه مصير مسكنه قبرٌ لإنسانِ وفيما تبقى معنا من الوقت -أيها الإخوة- نريد أن نتحدث عن قضيتين:

حكم تخصيص ليلة النصف من شعبان ببعض العبادات

حكم تخصيص ليلة النصف من شعبان ببعض العبادات القضية الأولى: ما اعتاده بعض الناس من أداء بعض العبادات في ليلة النصف من شعبان أو يوم النصف من شعبان. كلنا يعلم -أيها الإخوة- أن الله سبحانه وتعالى إنما خلق الناس للعبادة، وأن هذه العبادة التي خلقهم الله عز وجل لها لا يمكن أن يعرفوها من عند أنفسهم، فبعث الله أنبياء ليعلموا الناس كيف يعبدون الله تعالى، يقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ} [النحل:36] وختم الله الأنبياء بالرسول الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم، وأمر الناس بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:7] وجعله القدوة والمثال والأسوة الحسنة، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] لكن لمن؟ {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21] فالذي يرجو ما عند الله، ويرجو النجاة يوم القيامة، ويذكر الله كثيراً هو الذي يكون له قدوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم. جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الدين وبلغه للأمة، وما مات صلى الله عليه وسلم حتى بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ووقف في يوم عرفة والقرآن ينزل عليه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} [المائدة:3] الله تعالى يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3] أي: لا يوجد دين بعد هذه الآية؛ لأن الله تعالى أكمل الدين، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم للصحابة: (ألا هل بلغت؟ قالوا: اللهم نعم، قال: اللهم فاشهد، اللهم فاشهد، اللهم فاشهد) ونحن نشهد أنه بلغ الأمانة، وأدى الرسالة، ونصح الأمة، فجزاه الله عن الإسلام أفضل ما جزى نبياً عن أمته، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. والذي يريد أن ينجو يلزمه أن يتابع الرسول صلى الله عليه وسلم، أما الزيادة على الرسول صلى الله عليه وسلم بأي عمل مبتدع ليس عليه أمر الله ولا أمر الرسول فإنه يلزم منه ثلاثة أمور كلها سيئة: أولاً: أن الله ما أكمل الدين، وأن الآية هذه غير صحيحة، والذي يقول بذلك يكون كافراً، أي: الذي يقول: إن الله ما أكمل الدين وأن هذه الآية غير صحيحة، ما حكمه في الإسلام؟ الكفر، لماذا؟ قد لا يقولها بلسانه ويقولها بفعله -أي: يعمل شيئاً ليس عليه أمر الله تعالى، ويقول: هذا من الدين، أجل. فالله عز وجل لما قال هذه الآية لم يكمل الدين. وهذا خطأ! ثانياً: يلزم من الابتداع تنقص جناب النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ما أدى الرسالة؛ فما دامت هذه من الدين والرسول لم يبلغها فإن الرسول قد كتمها -أي: أن الرسول لم يعلم الناس بها- وهل في الدنيا أحد يقول: إن الرسول ما بلغ الرسالة؟!! لا. فالذي يقول: إن الرسول ما بلغ الرسالة يكفر. ثالثاً: يلزم من البدعة لزوم ثالث، وهو: ضياع الدين! فإن الله حفظ لنا الدين بالوحيين: الكتاب والسنة، ولكن إذا أدخلنا فيه الرأي قام كل واحد برأيه؛ لأن أفكار الناس وآراء الناس واستحسانات الناس لا تنتهي؛ وليس لها حدود، فكل واحد يأتي لنا بدين، وربما بعد سنوات يأتينا ويقول: لا. نريد أن نحيي ليلة السابع والعشرين من شعبان، لماذا؟ قال: لأننا نحيي ليلة السابع والعشرين من رمضان، فقياساً عليها نحيي هذه الليلة، نقول له: لا. لا يجوز؛ لأنه لا يوجد دليل فالله قطع الطريق على من يريد أن يفسد على الناس دينهم بوجوب الاعتصام بالكتاب والسنة، لماذا؟ لأن الدين في الكتاب والسنة، وهذه الليلة -ليلة النصف من شعبان- لم يرد في إحيائها، ولا قيامها، ولا صيام يومها الخامس عشر دليل من كتاب أو سنة، وبما أنه لم يرد دليل فالتعبد فيها بدعة، وبعض الناس يحتج بدليل فيه مقال في سنده، لكن بعض العلماء يجمعون طرقه ورواياته ويضمون بعضها إلى بعض، فيرتفع إلى درجة الصحيح، كما صنع الشيخ الألباني، فقد جمع رواياته وقال: إن بعضها يشد بعضاً، ويحصل بمجموعها نقل الحديث إلى درجة الصحيح، لكن الحديث ليس فيه دليل على مشروعية القيام أو صيام ذلك النهار، لأن الحديث فيه خبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ عائشة: (إن الله يغفر في ليلة النصف من شعبان بعدد شعر غنم قبيلة كلب) قبيلة كلب هذه من قبائل العرب، كانت مشهورة بكثرة أغنامها، ولهذا يضرب بها المثل بكثرة مواشيها، فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله في تلك الليلة يتجلى بالمغفرة والرحمة والرضوان على عدد كبير من الأمة بعدد شعر غنم هذه القبيلة، فالحديث أفاد خبر أن الله يغفر في هذه الليلة، وإذا قبلنا وسلمنا بصحته فنحن نأمل أن يغفر الله لنا مع من يغفر له في تلك الليلة، لكن ليس في الحديث دليل على مشروعية قيام ليله، أو صيام نهاره، أو إحيائه أو الاحتفال به، لماذا؟ لأن الحديث لم يتضمن هذا، فالحديث أخبر أن في هذه الليلة مغفرة، ولكن الرسول لم يقل: فقوموا ليله، أو صوموا نهاره، أو أحيوه، ولم يأمرنا، وبما أنه صلى الله عليه وسلم لم يأمرنا فعلينا أن نقف، لماذا؟ لأن الله تعالى يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر:7]. وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر في الصحيحين: (كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: إذا عملت عملاً وهو رد عليك، ماذا يصير هذا، سنة أم بدعة؟ بدعة؛ لأنه مردود عليك، فينبغي -أيها الإخوة- أن نقف عند كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. نحن في هذا الزمن والحمد لله زمن الصحوة؛ صحوة الأمة والعودة إلى دين الله، ولكننا نريد أن تكون صحوة على نور الكتاب والسنة، لا صحوة على ظلمات البدعة، والخرافات والأباطل؛ نريد صحوة راشدة، تتمسك بالوحيين -الكتاب والسنة- حتى تكون صحوة صحيحة إن شاء الله! فنريد أن نلفت الإخوة إلى هذا إذ لا ينبغي لأحد أن يقيم وزناً لأي احتفال أو أي صيام يحصل في هذا اليوم أو تلك الليلة. أما شهر شعبان فإن صيامه مشروع لما ثبت في الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم رمضان وشعبان حتى نقول: لا يفطر، وكان يفطر حتى نقول: لا يصوم) فإذا رأينا إنساناً يصوم من شعبان لا ننكر عليه، أو كان من عادته أنه يصوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهور الأخرى وصامها في شعبان لا ننكر عليه؛ لأنها عادته، أو كان يصوم الإثنين والخميس من كل أسبوع وصادف يوم الخامس عشر من شعبان يوم الإثنين وصامه؛ لأن عادته أن يصوم كل إثنين وخميس فلا حرج عليه، لكن إذا كان لم يكن من عادته وصام يوم الإثنين، لأنه يوم الخامس عشر، نقول: لا. هذا ليس عليه دليل هذا بدعة؛ لأنه يلزم أن يكون هناك دليل عليه. هذه -أيها الإخوة- القضية الأولى التي أردت الحديث عنها.

فضل شهر رمضان

فضل شهر رمضان نحن -أيها الإخوة- على أبواب شهر كريم، وموسم عظيم من مواسم الخير والرحمة، يتيحه الله عز وجل للمؤمنين كل عام، وفيه تفتح أبواب الجنان فلا يغلق منها باب، وتغلق فيه أبواب النيران فلا يفتح منها باب، وهذا معناه -أيها الإخوة- دعوة للناس بأن أبواب الجنة مفتوحة فتفضلوا بالدخول، ودعوة إلى أن النار لا يدخلها أحد، فالأبواب مغلقة، ولو أردت أن تدخل النار فهي مغلقة أمامك؛ لأن بعض الناس مصر على أن يدخل النار -أي: بإصراره على المعاصي وعلى الكفر- ولهذا فالباب مقفل، لماذا؟ رمضان كريم! وبعض الناس يقعد عند باب النار حتى يأتي العيد -والعياذ بالله-. ثم تغل فيه مردة الشياطين -المردة والجن والعفاريت الذين يغوون الناس، كلهم مسجونون- قال لي شخص من الناس: أرى بعض الناس حتى في رمضان على الشر وعلى المعاصي؟ قلت: هذا لأنه هو نفسه شيطان، وأما شيطانه فإنه مسجون، لكن هو ليس مسجوناً، فأصبح مجرماً بدون شيطان -أي: هو شيطان أصلي والعياذ بالله- ثم متى تنتهي المهلة؟ تنتهي ليلة العيد، ولكن من فضل الله في رمضان أن يعود الناس للدين، فالذي ما كان يصلي في المسجد يأتي ليصلي، والذي ما كان يقرأ القرآن يقرأ القرآن، والذي كان فاسقاً تجد عنده نشوة، لماذا؟ لأن الشيطان محبوس، ويأتي الناس للعمرة، وتجد حياة للإيمان، لكن ليلة العيد يطلق المساجين -مساجين الشيطان- وحينها تعال وابحث عن الناس في ثاني العيد -صباح صلاة الفجر في ثاني يوم العيد- وانظر إلى المسجد كم يصلي فيه، مع أن المسجد في الليلة التي قبلها يوم تسعة وعشرين -أو ثلاثين- مليء بالمصلين، ولما انطلق السجناء أمسك كل واحد قرينه، قالوا: نم. فقد انتهى رمضان، لا تصل في المسجد، ولهذا لا يصلي في المسجد إلا أولئك الذين عندهم قوة وتحرر من الشيطان. هذا الشهر العظيم -أيها الإخوة- يضاعف فيه الأجر، ويزاد في رزق المؤمن، فمن عمل فيه حسنة كانت كمن عمل ألف حسنة، ومن أدى فيه فريضة كانت كمن أدى سبعين فريضة، وفيه يتجلى الله سبحانه وتعالى بالمغفرة على الناس ففي كل يوم يعتق ألف ألف عتيق من النار -يعني: مليون- كلهم قد استوجبوا النار، وفي آخر ليلة يعتق بقدر من أعتق من أول الشهر. ويدعو النبي صلى الله عليه وسلم دعاء على من لم يغفر له في رمضان والحديث صحيح: (صعد الرسول صلى الله عليه وسلم المنبر يوماً من الأيام, وقال: آمين، آمين، آمين -ثلاث مرات- قال الصحابة: يا رسول الله! تقول: آمين وما سمعنا أحداً حدثك، قال: حدثني جبريل، قال لي: يا محمد! قل: آمين، قلت: آمين، قال: رغم أنف من أدرك رمضان ولم يغفر له، قل: آمين، فقلت: آمين) هذا دعاء بأن يرغم أنفه، أتدرون ما معنى رغام الأنف؟ الرغام: هو التراب المسحوق الدقيق الذي إذا وضعت يدك فيه فإنه يغبرها، رغم أنفه، أي: تمرغ أنفه بالرغام -يعني خاسر- وعندما تقول: سأضع أنفك على التراب، يعني: إهانة كاملة (رغم أنفه من أدرك رمضان ولم يغفر له) وإذا لم يغفر لك في رمضان فمتى يغفر لك؟ وإذا كان شيطانك محبوساً في رمضان وعييت إلا أن تكون شيطاناً، فسوف يأتيك شيطانك في شوال حتى تصبحا شيطانين -أنت وقرينك- وبعض الناس -والعياذ بالله- لا ينشط في الشر إلا في رمضان، بل بعضهم لا ينشط إلا في العشر الأواخر من رمضان! الناس في القيام وفي التهجد وهو على المحارم وعلى الزنا، والغناء، والفجور، بل بعضهم يقطع تذكرة سفر من أول العشر ليكمل العشر في الشر -والعياذ بالله- والفساد! بينما يأتي الناس من جميع أقطار الأرض إلى هنا ليعتمروا في رمضان! ولو ذهبت للحجز في الخطوط السعودية فلن تجد مكاناً، لماذا؟ لأن أهل الشر خرجوا لإكمال! خرجوا للعمرة ولكن في بلاد الضلال -والعياذ بالله-. (قال: قل: آمين -الثانية- قال: رغم أنف من أدرك أحد أبويه أو كلاهما فلم يدخلاه الجنة، قل: آمين، فقلت: آمين) وجود أمك أو أبيك فرصة لا تعوض وليس لها ثمن أن تدخل الجنة عن طريق برهما، من أين تأتي بأم وأب إذا مات أبوك وأمك، ما معك إلا هما، فلا تضيع فرصتك، أبوك وأمك لن يعيشا طويلاً، وهم ضيوف عندك الآن، وبهما أكرمك الله وجعل لك باباً. يذكر أن شخصاً ماتت أمه فقعد يبكي، ولما قالوا له: يرحمك الله، أنت تعرف أن الموت حق؟ قال: لا أبكي من الموت، ولكن أبكي أن باباً من أبواب الجنة قد أقفل في وجهي. يقول: ليس معي طريق، كان معي طريقين وقد أُغلق أحدها علي وهو باب أمي، فالله الله في استغلال هذا الباب، فإنه لو ماتت أمك أو مات أبوك وأنت غير بار بهم فستبقى حرقة في قلبك إلى يوم القيامة. الثالث: قال: (رغم أنف من ذكرت عنده يا محمد فلم يصلِّ عليك) اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد صلاة دائمة ما دام الليل والنهار وعلى آله وصحبه وسلم. فهذا رمضان فرصتك أيها المسلم، ولقد كان السلف رحمهم الله يفرحون برمضان، فقد كانوا يسألون الله أن يبلغهم رمضان ستة أشهر، فإذا انتهى رمضان طلبوا الله ستة أشهر أن يتقبل عملهم في رمضان، فهم ما بين سؤال للقبول، وسؤال للبلوغ، أي: مرابطة على رمضان المبارك، يفرحون برمضان لاعتبارات: أولا: لصيامه. ثانياً: لقيامه. ثالثاً: لتلاوة القرآن فيه. هذا شغل السلف: يصومون النهار ويقومون الليل، ويقرءون القرآن في كل وقت في الليل والنهار، وكانوا يختارون لأعمالهم الجهادية رمضان، فمعركة بدر كانت في رمضان، والفتح كان في رمضان، وعين جالوت كانت في رمضان لماذا؟ لأنه شهر القوة، والإيمان، والجهاد، والنضال.

مفاهيم خاطئة عن رمضان

مفاهيم خاطئة عن رمضان لقد غابت هذه المفاهيم -أيها الإخوة- عن كثير من الناس في هذا الزمان، وأصبح الناس يفرحون برمضان لا لأنه شهر الصيام والقيام والتلاوة، يفرحون لأشياء أخرى، منها: أولاً: يفرحون برمضان؛ لأنه شهر الطعام -شهر الأكلات- وإذا رأيت الناس في أواخر شعبان ومع بدايات رمضان ظننت أنهم كانوا صائمين طوال العام، وأنه دخل الشهر الذي يأكلون فيه، بينما دخل الشهر الذي يصومون فيه، والمفروض بمنطق العقل أنك ما دمت تأكل طوال السنة وجاء رمضان فلا حاجة لشراء الفائض من المأكولات، لماذا؟ لأنك ستصوم، ولكن الناس عندما جاء رمضان اتجهوا لتكديس المأكولات لرمضان، وبدأت البيانات تصدر من أمهات البيوت وربات الأسر، وكل واحدة تطلب المشتريات، إذ لا بأس بطلب أعداد بسيطة، لا بكميات ضخمة -كراتين- كرتون شربة، وكرتون مكرونة، وكرتون قطر الموز، وكرتون جيلي بالكراتين، وترى الأسواق وأماكن بيع المواد الغذائية تستعد بالبضائع الجديدة وتنشرها في مقدمة الأسواق، وتخرجها أمام المحلات التجارية، ويستعد الناس بالمبالغ الطائلة التي توفر طول السنة، ويقولون: (سنة ما تخدم شهر؟!) لابد أن نأكل، رمضان كريم! دعنا نأكل فقط! رمضان كريم لكي تصير كريماً! وليس لتأكل وتترك الفقراء والمساكين بدون طعام. ويملئون البيوت بالخيرات وإذا بدأ رمضان أتاك الرجل وهو منشغل طوال اليوم، في حين تكون المرأة نائمة إلى الظهر، ومن الظهر إلى المغرب تكون المرأة مشغولة بالطبخ! إعلان عن حالة طوارئ في المطابخ النيران تشتعل، وبعض المواقد فيها عشرة عيون، وكلها تشوي وتقلي وتطبخ والمرأة قائمة على قدم وساق، والأولاد، والبنات، والخادمات، والرجل أحيانا يشارك ويمر عليهم للإشراف، يقول: (نفزع، تريدون نقلب، ونشوي، ونعرك، ونعصد، ونعصر في شيء؟) وإذا كانوا غير محتاجين لمساعدته قالوا له: اذهب وأشتر من السوق شيئاً حلواً -حلاوة- أو حنيذاً على الطريق، أو خضاراً أو حتى إذا أتت السفرة ترى أمامك سفرة فيها عشرات الأنواع من الأطعمة، والإنسان ليس في بطنه إلا معدة بسيطة؛ لكنه الجشع والطمع وعدم معرفة الحكمة من فرض الله لهذا الصوم. فالرجل بناءً على الاهتمام بالمشتروات لا يمكنه أن يقرأ، متى يقرأ؟ هو في الصباح نائم إلى الساعة العاشرة، ثم يذهب إلى الدوام ولا يرجع إلا الساعة الثالثة، فإذا صلى العصر ذهب لشراء الإفطار حتى المغرب فليس هناك وقت للقراءة، والمرأة متى تقرأ؟ لا تقرأ؛ لأنها من الصباح إلى الظهر نائمة، وبعد ذلك إلى المغرب وهي تطبخ، ومن المغرب إلى السحور وهي تأكل، فمتى تقرأ القرآن؟ لا وقت للقراءة، فإذا أتى وقت الإفطار وجدت أمامك سفرة تكفي لأن تكون طعاماً رئيسياً تعجز عن هضمها بطون الجمال فما بالك بمعدة الإنسان! المفروض في السنة أن يفطر الإنسان على تمرات، هذه التمرات والماء -أو اللبن- تقوم بعملية ترويض للمعدة؛ لأن المعدة وقد توقفت ساعات طويلة عن الأكل يحصل فيها ضمور وكسل، فتحتاج إلى تشغيل؛ لكن بطريقة بسيطة (يعني: تحميها مثلما تشغل السيارة، عندما تشغل السيارة تقول: دعها تسخن، لكن لو شغلت ومشيت مباشرة فلن تمشي السيارة)، فأنت تحميها بتمرات وبفنجان ماء -أو لبن- ثم تذهب لتصلي، وعندما ترجع للعشاء تكون معدتك قد أصبح عندها قدرة على الهضم واستعادت نشاطها، ولكن عندما تكبسها مباشرة مع الفطور بالأكل الكامل الذي هو من أعقد الأكل، مثل السنبوسة؛ لأنها محشوة باللحم والبيض والخضار ومقلية بالسمن -فهذه كلها شحوم- وكم يأكل الإنسان؟ هذا الفطور فقط، أربعون قطعة سنبوسة -هذه أكلة المقتصد- وأربعون قطعة من (لقمة القاضي) وثلاث صحون شربة، وكوب عصير برتقالاً، وعصير فراولة، وعصير (قمر الدين) وبعد ذلك يصلي، ثم بعد الصلاة يأتي ليجد سفرة مملوءة بشتى أنواع الطعام ولا بد أن يأكل سواء كان راضياً أو مكرهاً؛ لأن المرأة قد تعبت، وتصيح عليه وتقول: أنا فعلت هذا لمن؟ أتعب طوال يومي من أجل أن تتفرج عليه؟ والله تأكل، والله تأخذ من هذه، فيقول: طيب طيب طيب إلى أن يعبئ معدته ولا يستطيع أن يقوم، وبعضهم لا يستطيع أن يقوم ليغسل، ويقول: اسحبوني أو أعطوني الماء! كيف يصلي التراويح يا أخواني؟!! المؤذن بعد ساعة ونصف من المغرب يؤذن لصلاة العشاء، لكن في رمضان بعد ساعتين، لماذا؟ لكي يتعشى الناس فإذا بدأت الصلاة في المساجد لا يستطيع أن يقوم قال: ابحثوا لنا عن إمام يصلي بنا صلاة مقبولة -يعني: ينقرها في خمس دقائق- وإذا وجدوا إماماً يصلي صلاة طيبة فيها تلاوة وفيها قيام وذكر، مثلما كانت عائشة تقول في رواية البخاري ومسلم، تقول: (ما كان صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره عن إحدى عشرة ركعة، لكن قالت: فلا تسأل عن طولهن وحسنهن والقراءة فيهن وركوعهن وسجودهن) صلاة وليست مسابقة صلاة صحيحة! لكن يبحث له عن إمام ينقرها نقر الغراب، (الله أكبر، سمع الله لمن حمد، وإذا خرج قال: الله يذكره بالخير، جزاه الله خيراً، هذا هو الإمام الميسر) وإذا صلى مع إمام يصلي صلاة صحيحة قال: الله أكبر عليه! كسر أرجلنا، وكسر ظهورنا، هذا فتان كسر ظهرك؛ لأن بطنك ممتلئة؛ لأن الحمولة زائدة في بطنك، ولو أن بطنك خفيفة لكنت عرفت كيف تصلي، إن مشكلة الصلاة هي مشكلتك أنت في الأكل. فإذا انتهت الصلاة -صلاة التراويح- ورجع البيت طلب التعتيمة، والتعتيمة هذه سفرة كاملة من الحلويات والمكسرات والمجمرات والمحمرات التي لا يستطيع أحد أن يعدها إلى أن يأتي السحور، فإذا أتى السحور قال: السحور يريد له شيئاً جامداً؛ لأننا سوف نبقى بعد ذلك صائمين، ما هو هذا الجامد؟ قال: شيء يبقى في البطن -لا تهضمه بسهولة- إما عريك وسمن، وإما عصيد ومرق، طيب وكم تأكل، قال: آكل قليلاً، لكن متى؟ قال: قبل الأذان بربع ساعة، لكي ينتهي ونحن نكمل، حتى لا تفوت أي دقيقة. بل أخبرت الإخوة في الأمس أني كنت في المسجد فجاءني سؤال من شخص يسأل في التلفون، يقول: يا شيخ هل نمسك مع (الله أكبر) في بداية أذان الفجر، أو مع آخر الأذان: لا إله إلا الله؟!! لا حول ولا قوة إلا بالله! يريد أن يأكل حتى مع الأذان، فقلت له: أنت في المغرب إذا أذن تفطر مع (الله أكبر) أو مع (لا إله إلا الله) قال: أفطر مع الله أكبر، قلت: وأمسك مع الله أكبر، فقوله: (الله أكبر) يعني طلوع الفجر، لا يجوز أن تأكل أيها الإنسان! فطوال الليل وهو يأكل، بالله عليكم أهذا شهر صيام -يا أخواني-؟! ومن ضمن أهداف الصيام صحة البدن، وهذا أسلوب علاجي جديد يمارس الآن في الدول الغربية، فإذا رأوا شخصاً عنده علل وأمراض، يقولون: العلاج بالصيام (ممنوع الأكل) لأنهم لا يصومون، ونحن عندنا العلاج بالصيام دين؛ نأخذ كل سنة شهراً لنعطي المعدة إجازة، لنخرج يوم العيد وهي صحيحة ونشيطة، لكن الآن يحصل العكس، فعندما شغلناها بهذه الكميات فإننا نخرج من رمضان والمعدات كلها منتهية، بل إنك في أول أسبوع من رمضان -طبقوا كلامي فوالله إني طبقته أنا ورأيته بعيني- في أول أسبوع اذهب إلى المستشفى وانظر، تجد الأطباء ليس هناك طبيب من أطباء الأقسام أحد، لا حنجرة ولا أذن ولا عظام ولا عيون ولا شيء، إلا أطباء الباطنية، لوحات كلها باطنية، وعلى كل طبيب عشرة مرضى، وكل واحد يقول: بطني يا دكتور بطني! بطنك من يدك يا أخي، اترك الطعام في السفرة، لماذا تأخذه في بطنك ثم تذهب تشتكي، وبعضهم لا يمشي إلا وهو يحبو، وبعضهم يأخذ له مشروبات غازية، ما هذه؟ قال: هذه تهضم، وهي لا تهضم، هذه تخربط بطنك -أيها الإنسان- فأحسن شيء -أيها الإخوة- أن نقتصر على القليل من الطعام، وأن نوفر المال هذا لننفق على الفقراء، يوجد مساكين -أيها الإخوة- في مجتمعنا لا يجدون شيئاً، أعرف كثيراً والله في مكة من الأسر من يمر عليهم الشهر ولا يشمون رائحة اللحم، إلا يوماً في الشهر عن طريق صدقة من جمل -كيلو أو نصف كيلو- يطبخونها ويشمونها فقط، ونحن نرمي -أيها الإخوة- هذه النعم في الزبائل في رمضان وفي غير رمضان! وأنا لا أقول للناس: لا تنفقوا. أنفقوا لكن في مجال الخير، وليس في الإسراف، وليس في رمي هذه النعم في صناديق النفايات، هذا المفهوم الأول -أيها الإخوة-. المفهوم الثاني: أن بعض الناس يفرحون برمضان غالباً؛ لأنه شهر السهرات، قال بعضهم: رمضان كريم، ولياليه نريد أن نحييها، (فبضعهم يشكل بشكات البلوت، وبعضهم يشكل بشكات اللعب بأي نوع من أنواع اللعب) فيجعلون ليالي رمضان المباركة؛ ليالي الرحمة، وليالي التنزل الإلهي بالمغفرة، يجعلونها تضيع في الورق، فيتقابلون من بعد صلاة العشاء إلى الفجر للعب (كبوت وخمسين ومائة وسرى وديمن وشرية واسبيت، ويقول كذا، ما هذا؟ قال: خاص، شغلة أطفال، يقولها واحد عاقل كذا، ينزل لسانه مثل لسان التيس، ما هذا الشغل -يا إخوان-؟ وبعضهم يزعل ويرمي الورقة في وجهه، قال: أنت أصلك مغفل وما تعرف تلعب) عجيب! الله أكبر أيها الإخوة! هذا والله من الباطل الذي لا ينبغي أن تضيع الأوقات فيه، وبعضهم على الكيرم، يقول: أنقشها حبة حبة، لعاب أنا مرة، إسرائيل تفجر الذرة ونحن ننقشها حبة حبة، الله المستعان! لا إله إلا الله! ما عندنا إلا (الورق) (والكيرم). وبعضهم على اللعب، لا عليك! فالذي يلعب ألعاباً رياضية أخف منهم فليس هناك مانع، لأن الرياضة فيها منفعة، فاللهو ينقسم إلى قسمين: لهو ليس منه مصلحة وهو اللعب بالورق وهو الذي يقتل وقت المسلم من غير مصلحة، بل تجلب العداوة والبغضاء بين قلوب من يلعبها، ولهو فيه مصلحة، وهو الرياضة، كلعب كرة القدم، والطائرة، بشرط ألا تلعب في وقت صلاة أو وقت تراويح وألا تلعب مع فسقة أو تكشف عورتك لا مانع، فالرياضة طيبة؛ لأن لها أصلاً في الدين، والنبي صلى الله عليه وسلم سابق عائشة والسباق رياضة، وصارع ركانة الباهلي والمصارعة رياضة: (والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) أي: إذا عندك قوة في جسدك فأنت أفضل؛ لكن بشرط: أن تكون قوة -أيضاً- في الحق، وا

الأسئلة

الأسئلة

خطورة ترك الصلاة

خطورة ترك الصلاة Q أنا شاب من الشباب المتهاونين بالصلاة، وأحيانا تمر علي أيام ولا أصلي، وأحس بضيق في صدري خصوصاً عند المغرب وعند الصباح، وسألت رجلاً فقال لي: إن سبب ذلك هو قلة الدين، ولأنك لا تداوم على الصلاة، ولكن قال: إذا أردت أن يذهب الله همك فداوم على الصلاة في أوقاتها، ولكن كلما تذكرت ذنوبي يزيد همي، ويزيد بعدي عن الله سبحانه وتعالى؛ لأنني كنت على خطر وأعمل المعاصي، فأرجو توجيهي إلى الطريق؟ A بلا شك أن تركك للصلاة معناه الكفر والخروج من الملة، وأنت مستحق للعذاب، وكذلك مستحق للعنة الله ورسوله؛ لأنه ليس بين المسلم وبين الكافر فرق إلا ترك الصلاة، يقول عليه الصلاة والسلام: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة) ويقول: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر). وهذا الذي أرشدك ودلك رجل صالح، فقد أرشدك إلى الطريق الصحيح. وسبب ما بك من قلق وضيق هو بسبب بعدك عن الله؛ لأن الله تعالى يقول: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي} [طه:124] أي: عن ديني {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:124] فأنت تشعر بالهم والغم، لماذا؟ لأنك بعيد عن الله، وبعض الناس يشعر بالهم والغم لبعده عن الله، فيداويها بالداء، فيذهب ليغني أكثر، ويزني أكثر، ويسهر أكثر، يقول: أريد أن أرتاح! لا. أنت تريد أن تكحلها فتعميها. فإذا أردت أن يذهب الله ما في قلبك فلا تعمل المعاصي، لكن تب إلى الله، فر إلى ربك، عد إلى الله، اقرأ كتاب الله، تب إلى مولاك، صل في المسجد يذهب الله ما في قلبك، لماذا؟ لأن الله يشرح صدرك بالقرآن، يشرح صدرك بالدين {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ} [الرعد:28] {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:22] {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} [الأنعام:125]. فيا أخي في الله! تب إلى الله، يا صاحب السؤال! تب إلى الله من هذه اللحظة، وارجع إلى مولاك، وأعلن التوبة بين يدي خالقك، وتمسك بالطاعة وتب إلى الله واترك المعاصي، واستغل فرصة وجودك في هذه الأيام المباركة مع قدوم شهر رمضان لتبدأ صفحة جديدة مع الله سبحانه وتعالى، وأبشر بالتوفيق والنور والفوز والسعادة في الدنيا والآخرة.

الاستعداد للامتحان أولى من حضور الدروس في المساجد

الاستعداد للامتحان أولى من حضور الدروس في المساجد Q أنا طالب في إحدى المراحل الدراسية، وعندما أسمع بمحاضرة ستقام في أحد المساجد أحضرها وأترك المذاكرة أيام الاختبارات، فهل هذا طريق صحيح؟ A الواجبات إذا تزاحمت عند أهل العلم يقدم الواجب الأهم الذي لا يقبل التأجيل، عندك غداً امتحان وعندك الليلة درس علمي، كلها واجب، فطلب العلم واجب، والامتحان واجب؛ لأنك في طلب مراحل العلم، تأخير الدرس العلمي، أو تأخير الامتحان؟ الدرس العلمي يسجل، وتستطيع شراءه من السوق بخمسة ريالات، ولكن الامتحان لا يتأجل من أجل خاطرك؛ لأنك كنت في الدرس العلمي، وهذا ليس بصحيح. الصحيح أن تؤجل حضورك للدرس وتذهب للمذاكرة إذا كان وقت الدرس ستقضيه في المذاكرة، أما إذا كنت سوف تقضيه في السوق فالدرس أولى؛ لأن بعضهم لا يذاكر ولا يحضر الدرس، فيضيعها كلها، أما إذا كان بإمكانك أن تجمع بين الأمرين بحيث تنظم وقتك، فتقول: سوف أذاكر من بعد الظهر إلى العصر، ومن العصر إلى المغرب، ومن المغرب إلى العشاء للدرس، وبعد العشاء إلى الساعة العاشرة للمذاكرة، ثم أنام، وإذا كان عندك إمكانية للجمع بين الأمرين فهذا خير؛ لأنك جمعت بين الواجبين، وأما إذا تعارض الواجبان فخذ بالواجب الذي لا يقبل التأجيل وهو الامتحان. وأسأل الله لي ولك ولجميع أنبائنا التوفيق والنجاح في امتحانات الدنيا والآخرة.

أهمية تنظيم الجلوس أثناء الدروس

أهمية تنظيم الجلوس أثناء الدروس Q يقول: أرجو لفت الأنظار لإخواننا الحاضرين في المجالس العلمية لما يحصل منهم من التزاحم والقرب من المحاضر عند بدء المحاضرة مما يؤدي إلى ازدحام المصلين في صلاة العشاء. A هذا الأمر حقيقة -أيها الإخوة- يحدث، والأولى أن يلزم كل إنسان مكانه أثناء صلاة المغرب، فإذا بدأت المحاضرة فإن الميكرفونات موجودة، والصوت واسع، وبإمكان أي واحد في المسجد أن يسمع، فلا داعي للاقتراب؛ ولأنه: إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، فلا مانع أن يقترب المستمع حال المحاضرة، لكن إذا أقيمت الصلاة فليرجع إلى مكانه ولا يحدث مشكلة في الصف، فإذا صليت المغرب في الصف الأخير، وأذن للعشاء فارجع مكانك، وبعض الناس لا يقومون إلا عندما تقام الصلاة، فعندما يرجعون إلى أماكنهم يحصل زحام لأهل الصف الأول، فيحصل بهذا ضرر عليهم وإيذاء، والله عز وجل قد نهى عن الضرر، ونهى عن إيذاء المسلم.

حكم تغطية يدي المرأة ورجليها أثناء الصلاة

حكم تغطية يدي المرأة ورجليها أثناء الصلاة Q هذه أخت في الله، تقول: أرجو توجيه كلمة للأخوات بخصوص تغطية أيديهن وأرجلهن في الصلاة. A المرأة في الصلاة كلها عورة إلا وجهها، أي: إذا صلت المرأة في بيتها في غرفتها وليس معها أحد -لا يراها أحد إلا الله- فإنها كلها عورة إلا وجهها، فلا ينبغي أن يبدو من المرأة إذا قامت إلى الصلاة شيء إلا الوجه فقط، وإذا صلت المرأة ورجلها مكشوفة فقد كشفت عورتها، وستر العورة شرط من شروط الصلاة، والذي يكشف عورته في الصلاة فصلاته غير صحيحة؛ لأن حدود عورة الرجل من السرة إلى الركبة، وحدود عورة المرأة المرأة كلها عورة إلا في الصلاة إذا لم يرها أجنبي، أما إذا رآها أجنبي فكلها عورة حتى وجهها. لكن هناك تساهل كبير في النساء، تأتي المرأة لتصلي وترى يدها ورجلها عارية، ورأسها عارياً، ثم تصلي كأنها في المعرض، قالت: لا يوجد أحد ينظر إلي! لا أحد ينظر إليك؟! لكنك بين يدي الله! أنت في الحضرة الربانية وقفت بين يدي الله عز وجل، ومطلوب منك أن تتستري ماذا تتستر به؟ تأخذ درعاً، أو شرشف صلاة يفصل لهذا الغرض، ويكون كبيراً، وساتراً، يغطيها كلها، ويزيد على يديها ورجليها، بحيث تكون وهي تصلي -كأنها خيمة- لا يُرى منها شيء هذه هي المرأة المؤمنة، أما تلك التي تصلي على هواها وأرجلها ظاهرة، فإن صلاتها غير صحيحة، وبالتالي تكون آثمة -والعياذ بالله-.

حكم لبس الخاتم للرجال

حكم لبس الخاتم للرجال Q قلت في بعض المحاضرات: إن لبس الخاتم للرجال منهي عنه؛ لأنه من صفات النساء، فنرجو مراجعة المسألة. A طبعاً الخاتم للرجل مباح في حالة وبنوع معين، وقد جاء في الحديث أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي يده خاتم من ذهب، فنهاه عنه، قال: (ما لي أرى عليك حلية أهل الجنة) فذهب الرجل وغيره بخاتم من حديد، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (ما لي أرى عليك حلية أهل النار) لأن حلية أهل النار الحديد، فذهب الرجل وغيره بخاتم من صفر، فجاء فقال: (ما لي أرى عليك ريح الأوثان) لأن الأوثان كانت تحلى بالصفر، قال: (يا رسول الله! إنه لا بد لي من خاتم، أنا رجل صاحب أعمال -رجل أعمال- ولي مكاتبات، ولا تقبل المكاتبات إلا بالختم، قال: اتخذه من فضه ولا تتمه مثقالاً) المثقال في الوزن يوازي أربعة جرامات، فأباح الشرع للرجل الذي يضطر إلى الخاتم أن يكون عنده ختم وفيه اسمه كأن يكون قاضياً، أو ملكاً، أو تاجراً لا تقبل منه المعاملات إلا بختمه فيباح له أن يتخذ خاتماً، ولكن يجب أن يكون من يسير الفضة فلا يكون أربعة جرامات، بل أقل منها، ولا تتم مثقالاً، أما إذا كان الغرض من الخاتم هو الزينة مثلما نرى بعض الناس الآن، نقول له: لا. لماذا؟ لأن زينة الرجل ليست في الخواتم. زينة الرجل في المروءة والشهامة والشجاعة والرجولة، أما المرأة فزينتها في أصابعها؛ لأنها امرأة، والله تعالى جعلها حلية للنساء، لكي تظهر أمام الزوج بالمظهر اللائق، يقول الله عز وجل: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف:18] المرأة في الخصام تختفي ولا تظهر -أي: إذا دخل عليك البيت من يريد أن يسرق أو يريد أن يفعل شيئاً، من الذي يخرج، أنت أم المرأة؟ هل تقول لها: انظري من هو، أو اخرجي عليه، لا. بل هي التي تقول: اخرج أنت، لماذا؟ لأنك أنت الرجل، وهذا هو المطلوب منك. طيب إذا خرجت على الرجل ويداك مليئة بالخواتم، والسلاسل على رقبتك، هل يخاف منك؟ لا. سيقول: ربما هذه هي المرأة! مثل بعض الإخوة يقول: إنه رأى ناساً من هؤلاء الذين يسمون أنفسهم: الجنس الثالث، رجال وليسوا برجال، لا يريدون أن يكونوا رجالاً، والله خلقهم رجالاً لكن يريدون أن يكونوا نساء، فتأنثوا كالنساء -والعياذ بالله- خرجوا مرة، يقول لي: إلى الصحراء من أجل أن يذبحوا، ولما أتوا يريدون أن يذبحوا الكبش ما استطاعوا أن يذبحوه، فرأوا أناساً جالسين فجاءوا عندهم فقالوا: هل عندكم شخص يذبح لنا؟ أليس عندكم سفاح؟ يسمون الذباح سفاحاً، قال: وماذا تريدون منه؟ قالوا: يذبح لنا الخروف، قال: ألم تذبحوه؟ قالوا: لا والله، نحن (نقبصه) من الصباح فلم يمت! قام شخص (نشمي) قال: أنا سأذبحه، فكبر عليه وذبحه ورجع، فأتوا إليه قائلين: هل عندكم أحد يقشره -يقشره يعني يسلخه، يحسبونه برتقالة تقشر- ما هذا؟ هل هؤلاء رجال؟ لا حول ولا قوة إلا بالله! والله أعلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

صفة الجنة

صفة الجنة إن في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وإن كانت الشريعة قد وصفت لنا الجنة بمسميات هي مشابهة لبعض المسميات في الدنيا، لكنها ليست مثلها على الحقيقة؛ فإن كان الاسم نفس الاسم، فليس المسمى كالمسمى. ثم إن الجنة ليست إلا لمن أطاع الله؛ فمن أطاعه كان مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، وأما من عصاه فله نار جهنم وما فيها من عذاب وخزي عظيم.

وصف الجنة ونعيمها

وصف الجنة ونعيمها الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. أما بعد: فيا عباد الله! لقد خلقنا الله عز وجل لعبادته، وبين لنا الغرض الذي من أجله أوجدنا على ظهر هذه الحياة، فقال عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56 - 58] وقال عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء:64]. ووعدنا إن نحن أطعناه واستجبنا لأمره في الدنيا؛ بالسعادة في الدنيا، والفوز والفلاح في الآخرة. فأما في الدنيا فيقول عز وجل: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97] والحياة الطيبة التي يعنيها القرآن هي حياة القلب، والقلب لا يمكن أن يهدأ ويستريح ويبتعد عن القلق والحيرة والاضطراب والضلال إلا في ظل الإيمان بالله. أما في الآخرة فقد قال الله عز وجل بعد هذه الآية: {فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97] في الجنة ونعيمها، وحورها وقصورها، وبساتينها وأنهارها، ففيها ما لا عين رأت، ولا أُذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، واقرءوا إن شئتم: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17] وكل ما خطر في ذهنك فالجنة ونعيمها بخلاف ذلك، وليس في الدنيا من الجنة إلا الأسماء، فهناك قصورٌ ولكنها ليست كقصور الدنيا، وهناك حور -يعني: نساء- ولكن لسن كنساء الدنيا، ويكفيهن وصف الله عز وجل لهن بقوله: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن:72] وقوله عز وجل: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:56] وقوله تبارك وتعالى: {كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة:23] {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات:49] {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن:58].

بساتين الجنة وأنهارها وقصورها

بساتين الجنة وأنهارها وقصورها في الجنة بساتين وأنهار ولكن ليست كبساتين الدنيا ولا كأنهارها، فبساتين الجنة: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ} [الرعد:35] {لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة:33] لا مقطوعة ولا ممنوعة بثمن: {قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:23 - 24]. وأما أنهارها: {وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ} [محمد:15] لكل مسلمٍ ومؤمنٍ في الجنة -جعلنا الله وإياكم من أهلها وآبائنا وأمهاتنا وأزواجنا وذرياتنا وإخواننا وأخواتنا وجميع إخواننا المسلمين- لكل مؤمن في الجنة قصرٌ تجري من تحته الأنهار، وهي أربعة أنهار: النهر الأول: نهر من لبن لم يتغير طعمه؛ وتغير طعم اللبن طبيعة فيه إذا مرت عليه ليالٍ تغير إلى الحموضة، ثم إلى الفساد والتسمم، ولكن لبن الجنة لا يتغير طعمه، ولا يحمض ولا يتسمم. النهر الثاني: نهر من خمر لذة للشاربين، وخمر الجنة ليس كخمر الدنيا، فخمر الدنيا يذهب العقول، ويحول الإنسان من عاقل إلى مجنون. واترك الخمرة لا تشربها كيف يسعى في جنون من عقل الخمرة تذهب عقل المكلف فيرتكب الحرام، ويقع في الجرائم، ويرتكب المآسي لذهاب عقله، ولذا سميت: أم الخبائث، وتوعد الله عز وجل من شربها في الدنيا ومات ولم يتب أن يسقيه من طينة الخبال: (قيل وما طينة الخبال يا رسول الله؟ قال: عرق أهل النار) وقال صلى الله عليه وسلم: (من شرب الخمرة في الدنيا ومات ولم يتب سقاه الله من نهر الغوطة. قيل: وما نهر الغوطة؟ قال: نهرٌ يجري في جهنم من فروج المومسات) يعني: الزانيات، ومن شربها حرم عليه خمر الجنة، ومعنى حرمان خمر الجنة أي: حرمان دخولها، إذ لا يعني أنه يحرم من خمر الجنة أن شارب الخمر المدمن عليها يدخل الجنة ويمنع من خمر الجنة، لا. ولكن الحرمان يعني الحرمان الكلي من دخول الجنة؛ لأن الجنة ليس فيها شيء ممنوع على أهلها، فخمر الجنة لا يذهب العقول وإنما شراب طاهر لذيذ {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً} [الإنسان:21] {لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} [الصافات:47] لا تغتال العقول، ولا تحدث الإنزاف، وإنما خمر لذة للشاربين، جعلنا الله وإياكم من أهلها. النهر الثالث: نهرٌ من عسلٍ مصفى، ليس عسل أقراص، نحن الآن كما يقول بعض الإخوة: (ما شبعنا في العسل غماس) فكيف به أنهاراً؟ نهر يجري من تحت بيتك من عسلٍ مصفى ليس فيه أخلاط وإنما هو أصفى من الشمس. النهر الرابع: نهر من ماء غير آسن؛ لأن ماء الدنيا إذا ركد أسن، وإذا أسن تغير طعمه ولونه وريحه وفسد، ولكن ماء الجنة غير آسن، هذا كله نعيم وعد الله تعالى به أهل الإيمان. أما القصور: ففي الجنة قصور يحدثنا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: (للمؤمن في الجنة خيمة من درة مجوفة طولها ستين ميلاً في السماء، وله في الخيمة الواحدة اثنتين وسبعين زوجة -سبعين زوجة من الحور العين واثنتين من نساء الدنيا- لا ترى واحدة منهن الأخرى) من طول المسافة بينهن.

أرض الجنة وترابها وحشيشها

أرض الجنة وترابها وحشيشها وأما أرضها وترابها وحشيشها: فالأرض ذهب، والتراب مسك، والبناء لبنةٌ من ذهب ولبنة من فضة، والحشيش هو الزعفران الذي نشتريه الآن وقيمة الخمسة جرامات بخمسين ريالاً وهو زعفران الدنيا. لا تركنن إلى الدنيا وما فيها فالموت لا شك يفنينا ويفنيها واعمل لدار غداً رضوان خازنها والجار أحمد والرحمن ناشيها ترابها ذهبٌ والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها أحمد دلالها والرب بائعها وجبريل ينادي في نواحيها من يشتري الدار في الفردوس يعمرها بركعةٍ في ظلام الليل يحييها تلك المنازل في الآفاق خاويةً أضحت خراباً وذاق الموت بانيها أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها والله لو قنعت نفس بما رزقت من المعيشة إلا كان يكفيها والله والله أيماناً مكررةً ثلاثةً من يمينٍ بعد ثانيها لو أن في صخرةٍ صما منمنمة في البحر راسيةٍ ملس نواحيها رزقاً لعبد براه الله لانفلقت حتى تؤدي إليه كل ما فيها لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت يبنيها فإن بناها بخيرٍ طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها النفس تجزع أن تكون فقيرةً والفقر خيرٌ من غنى يطغيها فغنى النفوس هو العفاف فإن أبت فجميع ما في الأرض لا يكفيها هذه الجنة، وهذا بعض وصفها، ومهما وصف الواصف فقد وصفها الله في كتابه، ووصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته، ولكن الأوصاف والحقائق تختلف، والله تعالى يقول: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17].

الأعمال الصالحة سبب لتعجيل البشارة في الدنيا والآخرة

الأعمال الصالحة سبب لتعجيل البشارة في الدنيا والآخرة يحدثنا شاهد عيان نثق بعلمه وأمانته من المشايخ أنه حضر القصة وعاصر أحداثها بنفسه، والقصة وقعت في مدينة بريدة في القصيم، ومدار القصة: أن شاباً نشأ وترعرع في عبادة الله، لا يعرف من الدنيا شيئاً إلا القرآن والمسجد، ولم يقف في حياته لحظةً واحدة مع صبي يلعب معه، وإنما منذ بلغ ست سنوات وهو مع أبيه في المسجد، وكان يلازم المسجد باستمرار، ويقرأ القرآن باستمرار حتى حفظ القرآن وعمره تسع سنوات، وإذا سئل عنه: أين هو؟ قالوا: في المسجد، ماذا يصنع؟ قالوا: يقرأ القرآن. ولما جاءت مرحلة الدراسة الابتدائية ذهب إلى المدرسة وجلس أسبوعاً فيها، ثم عبر عن رغبته لوالديه بعدم الرغبة في الدراسة، فقالوا له: لماذا؟ قال: لم أستفد فقد ضيعت الحفظ، أريد أن أجلس في المسجد للقرآن والذكر، فجلس في المسجد وحفظ القرآن -كما قلت- وكثيراً من الكتب الإسلامية، وإذا نظرت إليه تذكر الله من جلاله وبهائه ونور إيمانه، ولما توفي والده بقي في كفالة عمه، وحينما بلغ السادسة عشرة من عمره مرض، واستمر مرضه أسبوعاً كاملاً، ثم توفي رحمة الله تعالى عليه، وكانت وفاته في الساعة الحادية عشرة قبل الظهر، أي: في الضحى، فأراد عمه وهو الذي يشرف على تمريضه أن يذهب إلى الجماعة ليطلب منهم المسارعة في دفنه ولكنه كان متعباً، فأراد أن ينام قليلاً حتى يؤذن لصلاة الظهر ثم يحضر الناس في الصلاة ويطلب منهم أن يدفنوه بعد الصلاة، فما إن نام عند الولد في غرفته إلا وهو بتلك المرأة، يقول: جاءت امرأة ومعها نساء من خلفها فأيقظتني وقالت: يا شيخ! نسألك بالله إلا عجلت علينا بهذا الشاب، قال: ومن أنتِ؟ قالت: أنا زوجته من الحوريات في الجنة، ونحن على أحر من الجمر ننتظره وأنت تنام وتحبسه عنا، فنسألك بالله إلا عجلت به علينا، قال: فاستيقظ من نومته وقام ودعا الناس وسارع في دفنه وتجهيزه، وحينما دخل الناس إلى الغرفة وجدوا لها رائحة ما شموا مثلها في الدنيا، قالوا: يا شيخ! عندك رائحة عظيمة في هذه الغرفة، ما هذه الرائحة؟ قالوا: رائحة طيب العود، لكن ليس كطيب عود الدنيا، عود يختلف عن كل أطياب الدنيا، قال: إنها رائحة الحورية، لازالت رائحتها تعبق الغرفة وتطيبها، قال: ومكثت هذه الرائحة أكثر من شهرين. فكل ما خطر في بالك فالجنة بخلاف ذلك، جعلنا الله وإياكم من أهلها. لقد أمرنا الله بطاعته قال عز وجل: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} [النساء:69] شرط وجوابه، من هنا شرطية: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [النساء:69] هذا الشرط، و A { فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [النساء:69] ما أعظمها من نعمة أن ينعم الله عليك بالجنة، وأن تكون مع الرفقة، مع من؟ {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء:69] من بقي غير هؤلاء؟ ما بقي إلا القتلة والفجرة والزناة والخمارون والمجرمون، ثم قال يصفهم: {وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} [النساء:69]. ويقول عز وجل: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:71] ليس الفوز أن تحصل على شهادة، وتحتل منصباً، وتتزوج بجميلة، وتسكن عمارة فارهةً، وأن تركب سيارة حديثة، هذا فوز ولكنه فوز مؤقت، وأما الفوز العظيم الأبدي فهو الذي يقول الله تعالى فيه: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:71] نسألك اللهم من فضلك. ونهانا عن معصيته ومخالفة أمره، وتوعدنا إن نحن عصيناه بناره؛ نار حرها شديد، وقعرها بعيد، ومقامعها وسلاسلها وأغلالها حديد، نارٌ أوقد الله عليها ثلاثة آلاف عام، ألف سنة حتى احمرت، وألف سنة حتى ابيضت، وألف سنة حتى اسودت فهي سوداء مظلمة.

جهنم وما فيها من عذاب لأهلها

جهنم وما فيها من عذاب لأهلها جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم مرة من المرات وهو يبكي، قال: (ما يبكيك يا روح القدس؟! قال: جئتك وقد أمر بمنافيخ النار -يشب عليها فهي تضطرم وتشتعل- قال: أتخشى وأنت من الله بالمكان الذي أنت منه؟ -يقول: تخاف يا جبريل؟ - قال: وكيف لا أخشى وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن، فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبكى جبريل، فناداهما من السماء تبارك وتعالى: إني قد أمنتكما من عذابي). يقول الله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47] ما لم يكونوا يتوقعون، وما لم يكن يخطر لهم على بال: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ} [إبراهيم:15 - 17] يتبلعه فلا يقدر أن يبلعه؛ لأنه ماء صديد وقيح ودم، كيف يشربه؟ {يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم:17].

إحاطة العذاب بأهل النار من كل مكان

إحاطة العذاب بأهل النار من كل مكان يأتيه الموت من الفراش {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ} [الأعراف:41] وتصوروا كلمة (مهاد)! فيها تهكم، وسخرية، واستهزاء، وهل في جهنم مهاد؟ {وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأعراف:41]. يأتيهم الموت من الهواء والظل: {وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ} [الواقعة:43] والهواء: من سموم، والطعام: من زقوم، والشراب: من غسلين، والأنكال والسلاسل والأغلال، يغل الإنسان في النار -أعاذنا الله وإياكم منها وآباءنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا وجميع المسلمين- فتجمع أقدامه مع رقبته ويديه، يقول الله تعالى: {فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} [الرحمن:41] ثم يقذف في النار. نار تسود وجوه أهلها من ظلمة المعاصي، ينادون وهم في طباقها ودركاتها: يا مالك! قد أثقلنا الحديد، يا مالك! قد نضجت منا الجلود، يا مالك! أخرجنا منها فإنا لا نعود. فلا يجيب عليهم، وعدم الإجابة فيه نوع من الرفض وعدم الاهتمام، قال العلماء: لا يجيبهم قدر الدنيا من يوم أن خلقها الله إلى يوم يفنيها مرتين، ثم يرد عليهم، يقول: {قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف:77] يعني: مكانكم فيها، ليس هناك خروج، لماذا؟ قال: {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [الزخرف:78].

عظيم خزيهم بسبب أعمالهم

عظيم خزيهم بسبب أعمالهم قال تعالى: {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:79 - 80] الرسل تكتب ذنوبك وأنت تعمل في الذنوب، والملائكة تحول ذنوبك إلى قبرك، وأنت غافل، فمن الناس من يحول ذهباً، ومنهم من يحول بعراً، ومنهم من يحول جمراً، والله لا يظلمك بشيء، فما تعمله تجده {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً} [آل عمران:30] لا تريد أن تنظر إليه، وهذه الحوالات تجمع وتخزن في القبر فإذا مات الإنسان رأى حوالاته، يقول أحد السلف: لا تحول إلا شيئاً يسرك رؤيته، لا تحول زناً، ولا غناء، ولا زوراً، ولا فجوراً، ولا حراماً، وحول عملاً صالحاً حتى إذا رأيته فرحت. مثله مثل الطالب -مع الفارق في القياس- الذي يجتهد في أيام الامتحان ويصبر على المنام، بل بعضهم يترك حتى الطعام، ويعكف على قراءة الكتب في الليل والنهار، فإذا به يفرح عندما تقدم له الشهادة فيقرأ أول مادة: القرآن الكريم (100%) التوحيد (100%) وكلما قرأ مادة ونظر علامتها استبشر وفرح، فإذا انتهى منها كلها قال: تفضلوا، انظروا الشهادة، إنها تبيض الوجه، فيرفع رأسه، ويأكل طعامه، ويلتذ في منامه، ويرتاح في عطلته، وكلٌ يجله ويبجله. لكن البليد المهمل الذي عاش على الرفض للكتب، وعدم المذاكرة، واللعب والفوضى، إذا جاءت الشهادة يرفع رأسه ويريد شهادة بالكذب، ويأتي مع الناس ويقول: ربما تخطئ اللجنة، ربما ترحمني لجنة الرحمة، فإذا أخذ الشهادة ونظر فيها، وإذا بها تسود الوجه -والعياذ بالله- القرآن الكريم (20)، والتوحيد (15%)، والإنجليزي ثلاثة أصفار متتالية؛ لأنه ما نجح في اللغة العربية فكيف ينجح في اللغة الإنجليزية؟ فإذا أخذ الشهادة مزقها وذهب إلى البيت، قالوا له: طلعت النتائج؟ قال: لا. ما زال التصحيح جار. يرسل ليحضر النتيجة، ثم أعلنوها قبل أن آتي فما سمعتها، لكن: اسمي سمع، يمهد يريد أن ينزل الخبر بالتقسيط، لا يريد أن يقول لهم بصراحة، يريد أن يقول لهم الخبر بالتدريج، ثم يقول: غداً أذهب، وفي اليوم الثاني ذهب ورجع -وهو يعرف النتيجة- يقول: أبشركم! سلامات الحمد لله سلامات لم أرسب إلا في ثلاث مواد -وهو راسب في ثلاثة عشر مادة- ثلاث مواد فقط، وغيري كلهم ساقطين، أما أنا فليست إلا ثلاث، وإن شاء الله في الدور الثاني أنجح. هذا الفاشل في الدنيا مع أنه يوجد دور ثاني وسنة ثانية ومخرج من كل الدراسة، لكن الآخرة لا دور ثاني ولا سنة ثانية ولا فرصة أخيرة! وإنما من ضيعها وجازف بها وخاطر؛ خسر الدنيا والآخرة. فالمؤمن يوم القيامة يأخذ كتابه بيمينه، والفاجر يوم القيامة يأخذ كتابه بشماله ويقول: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:25 - 29] فأنت تحول العمل إلى القبر، وعلى ضوء العمل تحاسب، والناظم يقول: يا من بدنياه اشتغل وغره طول الأمل وقد سها في غمرة حتى دنا منه الأجل الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل ألست على يقين أنك ستسكن القبر؟! ثم ألست على يقين أنك ستعامل في قبرك على ضوء ما حولت من عمل، أم تريد أن تخدع نفسك؟! أتريد أن تجني من الشوك العسل؟! أتريد أن تحصل على جنة بالبعر؟! أتريد أن تنجو من النار بالعمل السيئ؟! هذا محال. هل جزاء الإحسان إلا الإحسان: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت:46].

شديد عذاب الملائكة لأهل النار

شديد عذاب الملائكة لأهل النار يقول أهل النار: يا مالك! يدعونه فيقول: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف:77] قالوا: لا جدوى. تعالوا نتوسط بصغار الموظفين؛ لأن مالك المدير العام -أي: المسئول الأول في النار- ما ضحك ولا يعرف الضحك، مخلوق من سخط الله، وتحته رؤساء الأقسام تسعة عشر، قال الله تعالى: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ} [المدثر:30] يعني مسئولين، غلاظ شداد: غلاظ في الخلقة، شداد في الأخلاق، خلقتهم غليظة وأخلاقهم شديدة؛ لأنهم مخصصون للعذاب {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]. ورد في الحديث أن الله تعالى إذا قال للملائكة -حينما يؤتى بالفاجر-: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} [الحاقة:30] أنه يبتدره سبعون ألف ملك يقومون لكلمة (خُذُوهُ) -ليس ملكاً واحداً فقط- وإن الملك الواحد ليأخذ سبعين ألفاً في النار، لكن عندما يقول الله تعالى: (خُذُوهُ) يقوم للأمر سبعون ألف ملك، (فَغُلُّوهُ) الغل: وضع القيد في الرقبة مع اليدين والرجلين، ثم بعد ذلك: {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:31 - 32] تدخل من فمه وتخرج من دبره حتى يشتوى في النار مثل الدجاج في المشواة، لماذا يا رب؟ قال: {إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ} [الحاقة:33] هذا سبب، أي: ليس عنده خوف من الله، ولا مراقبة لله عز وجل: {وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ} [الحاقة:34 - 37]. ثم بعد ذلك يقولون: نرى صغار الموظفين لعلهم يتوسطون أو يشفعون، فأخبر الله تعالى في سورة غافر - سورة المؤمن- عن الخطاب الذي يقوله أهل النار لخزنة النار قال عز وجل: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ} [غافر:49] يريدون يوماً واحداً فقط يريدون تخفيفاً من النار حتى يوماً واحداً {ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى} [غافر:49 - 50] بلى. جاءت الرسل، والكتب، والبينات؛ لأن الملائكة لا تتصور أن أحداً يبلغه دين الله ويرفضه، وهل خلقك ربي إلا للدين؟! هل خلقك الله سبهللاً أنت والأنعام سواء؟! تأكل وتشرب وتنكح وتنام وتقوم وتقعد وتسير؟! أنت لك ميزة، لك رسالة وهدف، أنت مخلوق للعبادة، وقد سخر لخدمتك هذا الكون؛ فلا تتصور الملائكة أن أحداً يأتيه الدين ويرفضه: {قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} [غافر:50] يعني: تصيحون أو لا تصيحون فصياحكم في ضلال لا يُنتبه له ولا يُسمع لكم.

توبيخ الله تعالى لأهل النار فيها

توبيخ الله تعالى لأهل النار فيها لما يئسوا من مالك وخزنة النار توجهوا بالدعاء إلى الله يطلبون من الله الرحمة وقد ذكر الله القصة في سورة المؤمنون، قال عز وجل: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} [المؤمنون:103] ما خسروا بيوتهم ولا خسروا أولادهم {خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [المؤمنون:103 - 104] (الكلوح) هو تقلص الشفة العليا إلى الرأس، ونزول الشفة السفلى إلى السرة، مثل الذبيحة: إذا أخذت رأس الذبيحة وشويته في النار، ماذا يحصل عندها؟ تتقلص الشفة العليا إلى الرأس وتنزل الشفة السفلى إلى تحت وتبدو أسنان الذبيحة، قال الله تعالى: {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ} [المؤمنون:104] أي تقفز النار على وجوههم؛ لأن أعز شيء عند الإنسان وجهه! فلو تأتيك الضربة في ظهرك، أو رجلك أو يدك أهون من أن تأتيك في وجهك، ولهذا إذا جاءك شيء تنكره تتقيه بوجهك لا. لكن النار تقفز في الوجه: {تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا رَبَّنَا} [المؤمنون:104 - 106] لكنهم ما عرفوا ربهم إلا في النار، ولا تنفع هذه المعرفة في ذلك اليوم، فلو عرفوا ربهم في الدنيا لكان أهون، فلو قالوا: ربنا في الدنيا لقال الله لهم: لبيكم، ولاستجاب الله لهم ولهداهم، ولكن ربهم في الدنيا هو الهوى، والشهوات، والشيطان، واللهو واللعب! ولكنهم في النار لما ذاقوا العذاب ومسيس النار قالوا: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون:106 - 107] يقولون: أرجعنا يا رب لنعمل صالحاً حسناً لماذا لا يكون من الآن؟ والذي يؤخر التوبة ويسوف فيها نقول له: هل تريد أن تعيش على المعاصي حتى تدخل النار وتقول هذه الكلمة؟! هل هذا منطق العقلاء؟! لا والله. ليس منطق العقلاء، فمنطق العقلاء: أنك من الآن -قبل غدٍ- تتوب وترجع وتصحح الوضع مع الله، وتصحح المسار إلى الله، وتنتقل بكامل حياتك إلى الله، وتكون جندياً من جنود الله، وعابداً، وذاكراً لله، وخائفاً من الله، وملتزماً بشرعه، حينها تنجو من عذابه، ولكن عندما تفرط وتهمل ثم يكون المصير ذلك، ثم تقول: ربنا أخرجنا منها لنعمل صالحاً فإن ذلك لا ينفع. {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:106 - 108]. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فوالذي نفسي بيده! ما ينطق أحدهم ببنت شفة، وما هو إلا الشهيق والزفير) من قبل كانوا يتكلمون مع الخزنة، ومع مالك، ومع الله، لكن إذا قال لهم الله تعالى: {اخْسَأُوا فِيهَا} [المؤمنون:108] أي: في النار {وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108] فلا يوجد لهم أمل! فهذه النار أعاذنا الله وإياكم منها، وأجارنا الله وإياكم منها. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 - 3]. بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين؛ فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

خوف الأنبياء من خزي يوم القيامة

خوف الأنبياء من خزي يوم القيامة الحمد لله على إنعامه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم. أما بعد: يقول إبراهيم عليه السلام وهو يدعو ربه تبارك وتعالى في سورة الشعراء، حينما جاء على الأصنام التي كانت تعبد من دون الله؛ فأنكرها وحقرها ثم دمرها وحطمها، ثم بعد ذلك ابتهل إلى الله تعالى وقال: {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ * وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ * فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ * قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ * فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ * فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً} [الشعراء:87 - 102] أي: رجعة إلى الدنيا {فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء:102 - 104]. فإبراهيم عليه السلام مع حسن المؤهلات وطول الخبرة، وعلو المنزلة عند الله، فالمؤهلات: نبي. والخبرة: دعوة طويلة. والمنزلة: أبو الموحدين. والمكانة: نجاه الله من النار بالخطاب المباشر لها، قال: (قلنا) بدون واسطة، ولكن وحي رباني مباشر إلى النار: {قُلْنَا يَا نَارُ} [الأنبياء:69] النار خاصيتها الإحراق، لكن الذي منحها الخاصية أبطل هذه الخاصية، فالله تعالى هو الذي منحها الخاصية بالإحراق، فلما أراد ألا تحرق قال: {يَا نَارُ كُونِي بَرْداً} [الأنبياء:69] لكن ليس برداً يميت {بَرْداً وَسَلاماً} [الأنبياء:69] على من؟ {عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء:69] هذا والله لشأن عظيم أن يثني عليه ربنا ويقول في سورة الصافات: {سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الصافات:109] يقول: سلم الله عليه! ووالله إن هذه هي السعادة، ويقول: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الصافات:104 - 105] ما أعظمها من منزلة! ومع كل هذه المكانة والقدر يقول: يا ربِّ لا تخزني يوم الدين، فإذا كان أبو الموحدين إبراهيم عليه السلام يخاف من الخزي فكيف بي وبك يا أخي؟! إبراهيم الذي حمل إلى النار وهو مكتف في المنجنيق فتأتي الملائكة وتعرض خدماتها عليه وتقول: ألك حاجة يا إبراهيم؟ فيقول: أما إليكم فلا، وأما إلى ربي فنعم، في أصعب الظروف، وفي أحلك المواقف يصر على التوحيد، لكن أكثر الناس اليوم موحد بالعافية، وإذا جاء المرض أشرك بالله، وهذا معنى قول الله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج:11] إذا جاءه المرض ذهب إلى الكاهن والمشعوذ يشكو الله يشكو القوي على الضعيف! لا إله إلا الله!!

يوم القيامة وما يحصل للعصاة فيه من خزي

يوم القيامة وما يحصل للعصاة فيه من خزي {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ} [الشعراء:87] إن من أعظم الخزي أن يقف الإنسان بين يدي الله يوم القيامة مسود الوجه، ومعرف غير مجهول ولا منكر، وإنما يعرف وينادى عليه بنداءٍ يسمعه أهل الموقف كلهم: ألا إن فلان بن فلان قد شقي شقاوةً لا يسعد بعدها أبداً. فيعرف أهل الموقف أن فلاناً شقي، فيسود وجهه ثم تسقط (فروته) ما بين قدميه خجلاً من الله من شدة الخزي! ثم يساق إلى النار! كيف يساق؟ يسحب، قال الله تعالى: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} [القمر:48] لا يسحب على بطنه أو ظهره أو رجليه، بل على وجهه: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} [الإسراء:97] {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} [القمر:48] ذوقوا حرارة النار فيحصل للإنسان وهو يقاد إلى النار من الخزي والمقت ما لو قُسم على أهل الأرض لكفاهم. يقول الله تعالى في أول سورة غافر: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْأِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ * قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ * ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر:10 - 12]. يقول المفسرون حول هذه الآيات: المقت أي: الكراهية للنفس، فلان يمقت نفسه، أي: يكره نفسه ويسخطها.

الاستدلال على وقوع الخزي في الآخرة بخزي الدنيا

الاستدلال على وقوع الخزي في الآخرة بخزي الدنيا الدليل الأول: يحصل للإنسان حينما يرتكب سلوكاً يؤدي به إلى موقف مشين، مثلما لو جيء بالزاني وجلد بالسوط، وقد رأيت أنا بعيني زانياً بكراً -أي: غير محصن- يعني: ما رجم ولكن جلد مائة سوط، أخرج بعد أن صف الناس وجيء به من السيارة وأنزلوه، فلما نزل كان الناس كلهم يريدون أن ينظروا إليه، ففي هذا الموقف المخزي المشين وهو خجلان كان قد تلثم بغترته فكان لا يرى الناس إلا عيونه، لكن المنفذ للحكم الشرعي مأمور هو أن يعريه حتى يراه الناس؛ لأنه لم يستح حين زنى فكيف يستحي هنا؟ إذ ليس هذا بمكان حياء، مكان الحياء قبل إقدامك على حرمات الله وارتكابك لمحارم الله، وتجرؤك على محارم المسلمين فهناك يجب أن تستحي! أما هنا فلا حياء (وما عصي الله بذنبٍ بعد الشرك أعظم من نطفة يضعها الرجل في فرجٍ لا يحل له). فجاء المنفذ وأخذ الغترة والقبعة من فوق رأسه، وظهر رأسه ثم جاء اثنان وأمسكاه من الأمام، وجاء رجل بعصا من الخيزران وبدأ يضرب في ظهره، وفي مقعدته، وفي سيقانه، وكان يمد للعصا؛ لأن الرجل لا يثبت مكانه، بل يتحرك، فهو يتلوى من الألم، فالجلاد يضربه في الأسفل، فإذا مال ضربه في الأعلى، فإذا رجع ضربه في الأسفل وهكذا. المهم أنه بقي يتألم ويتلوى كالثعبان في هذا الموقف حتى أشفق الناس عليه ورحموه كلهم، ولكن الله تعالى يقول: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ} [النور:2] لا ترحمه؛ لأن الذي عذبه هو أرحم الراحمين! والذي أمر بجلده وسلخ جلده هو أرحم الراحمين، ففي موقف مشين كهذا يتمنى أنه ما عرف الزنا. الدليل الثاني: لو أن إنساناً قتل آخر ثم قبض عليه وحكم عليه بالإعدام، وأخرج إلى ساحة القتل والقصاص في يوم الجمعة، وخرج من سيارة الشرطة، ثم نظر إلى الموقف والناس كلهم مصطفون ينظرون هذا الموقف، فعيون الناس كلها تريد أن تراه يريدون أن ينظروا إلى هذا الذي قتل، وهو ينظر إليهم ويتأمل فيهم ويعرف هو أن كل هؤلاء الناس سوف يذهبون بعد لحظات إلى بيوتهم؛ يأكلون ويشربون مع زوجاتهم وأولادهم، وينامون في بيوتهم ويباشرون مصالحهم ويعودون إلى أعمالهم، أما هو فأين سيذهب؟! سيذهب وهو يقاد إلى المقصمة إلى الموت، فيموت حينما يراهم، ويموت حينما ينزل من السيارة، ويموت في كل لحظة وخطوة ونظرة، ثم يجلس ويكتف وهو يموت، وفي لحظة من لحظات الخزي التي لا يعلمها إلا الله، ولو أخذنا من قلبه شريحة وحللناها ورأينا ما هو شعوره في تلك اللحظات؟ وماذا يدور في ذهنه؟ هل هو في حالة من السعادة؟ أم في حالة من الشقاء في الدنيا وينتظر أيضاً ما أعده الله للقتلة في النار؟ لأن القتل في الدنيا لا يقضي على المسألة، فقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: (إن المقتول يبعث يوم القيامة ويده في تلابيب قاتله، ورأسه في يده الأخرى، وأوداجه دماً ويقول: يا ربِّ! سل هذا لم قتلني بغير حق؟) والله تعالى يقول في سورة النساء وهي من آخر ما نزل من القرآن؛ لما سئل ابن عباس عن توبة القاتل قال: كيف يتوب، وكيف نحكم بتوبته والله تعالى يقول: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93] كيف تكون توبته؟ ثم إن القتل الذي حصل للقاتل هذا وفاء بحق الورثة؛ فإن الورثة بمجرد موت المقتول أصبح الحق لهم، فهم بالخيار بين أخذ الدية أو القصاص، لكن هذا الذي قتله القاتل قتل بغير حق، فالقاتل هذا مقتول بحق، لكن الأول مقتول بغير حق، ولهذا يقول الله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة:32] ويقول عليه الصلاة والسلام: (أول ما يقضى يوم القيامة في الدماء) ويقول: (لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) الدم الحرام ثقيل ليس بسهل، والدماء ليست سهلة عند الله يوم القيامة. فهذا القاتل كيف يكون شعوره وهو ذاهب إلى الموت؟ وهل من الموت مهرب؟ لكن من يقاد إلى النار ويسحب على وجهه إليها يتذكر وهو في طريقه فيعرف أن سبب هذا المصير هو معصية الله، ورفض دين الله، فيمقت نفسه، ويسخط نفسه، فتناديه الملائكة، وكلمة (ينادون) يسميها العلماء: فعل مضارع مبني للمجهول، لماذا لم يُبنَ للمعلوم؟ لأن المخاطبين مجهولون عند الله -أي: ليس لهم قيمة- فبنى الله الفعل للمجهول لجهالة المخاطبين: {يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ} [غافر:10] وسخط الله وغضبه {أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [غافر:10] لماذا؟ قال: {إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْأِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ} [غافر:10] ترفضون الدين {قَالُوا رَبَّنَا} [غافر:11] قولهم: (ربنا): مثل تلك الأولى {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا} [المؤمنون:107] لكن في غير مكانها في الله، (رَبَّنَا) سألوا الله بصفتين عظيمتين من صفات الله عز وجل وهي: صفة الإحياء والإماتة، قالوا: (ربنا) يا من تحيي وتميت! لقد أحييتنا اثنتين وأمتنا اثنتين -أي: كنا أمواتاً في الأصل فأحييتنا في الدنيا، ثم أمتنا ثم أحييتا- فما دمت قادراً على الإحياء والإماتة نطلبك أن تميتنا المرة الخامسة، يريدون الموت ولا يريدون الحياة {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} [غافر:11] هل هناك إمكانية للخروج من النار؟ فلا يجابون هذا، ويعرض عن جوابهم، ولا يقال لهم بعدم الخروج؛ لأن الخروج مستحيل، وإنما يقال لهم السبب الذي من أجله دخلوا، فيقال لهم: {ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر:12]. فيا إخوتي في الله! هذه مشاهد حية من القرآن مما سيحدث في القيامة، مشاهد ملموسة لكأننا نراها بأعيننا، والله قد نقلها لنا من أجل أن نأخذ العبرة والعظة ولا نسوف ونماطل ونجازف حتى نصير إلى ذلك المصير المشئوم أعاذنا الله وإياكم من ذلك. ألا وصلوا على خير خلق الله محمد بن عبد الله فقد أمركم بذلك مولاكم فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. اللهم انصر دينك وكتابك، اللهم انصر دينك وكتابك، اللهم انصر دينك وكتابك، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، يا سميع الدعاء! اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزة الدين، ودمر الكفرة واليهود والملحدين وأعداء الدين، اللهم من أراد بهذه البلاد وبغيرها من بلاد المسلمين شراً أو كيداً فاجعل شره في نحره، واجعل تدميره في تدبيره، وأنزل عليه بأسك الشديد، وعذابك الأكيد، فإنه لا يعجزك. اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولاتنا من خير من أطاعك واتقاك، اللهم اهدهم إلى هداك، واستعملهم في رضاك، وأعنهم على طاعتك، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم إنا نسألك في هذه الساعة بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلى، أن تعتق رقابنا من النار، ورقاب آبائنا وأمهاتنا وأزواجنا وذرياتنا، وجميع إخواننا المسلمين. اللهم نوَّر على أهل القبور قبورهم، اللهم اغفر للأحياء ويسر لهم أمورهم، اللهم اشف مرضى المسلمين، وفرِّج هم المكروبين، واكتب الصحة والسلامة لنا ولكافة عبادك المؤمنين في برك وبحرك أجمعين. اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا غيث الإيمان في قلوبنا، وغيث الأمطار في بلادنا وأوطاننا، اللهم أنزل علينا من بركات السماء، اللهم أنزل علينا من بركات السماء، اللهم أنزل علينا من بركات السماء، اللهم إن بالبلاد والعباد من اللأواء والشدة والضيق ما لا نشكوه إلا إليك فلا تحرمنا يا مولانا من فضلك فإنك أنت أرحم الراحمين، وأنت أكرم الأكرمين، وأنت أجود الأجودين. ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، واغفر لنا يا مولانا إنك أنت الغفور الرحيم. عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

أحوال السعداء يوم القيامة

أحوال السعداء يوم القيامة إن السعداء يوم القيامة في أمان الله وظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله؛ ذلك بإنهم استسلموا لله وخضعوا وانقادوا له، وصبغوا حياتهم كلها بصبغة الإيمان، فجميع تصرفاتهم على ضوء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة لا تنال بجمع مال، ولا جاه، ولا شرف، ولا قصور، ولا زوجة، ولا غيرها من متاع الدنيا الزائل، إنما تنال بطاعة الله سبحانه وتعالى، وتكمل هذه السعادة عندما يرضى الله سبحانه وتعالى عن العبد.

أحوال الناس يوم القيامة

أحوال الناس يوم القيامة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الإخوة في الله: حتى لا ينخدع الإنسان لا بد من بيان أن هذه الدار دار كسب وتحصيل، وأن الجزاء الذي يحصل عليه الإنسان في الآخرة إنما يكون على ضوء ما كسبه وحصله في هذه الدار، فهذه الدنيا مزرعة وحصادها في الآخرة، ومن يزرع خيراً يجد خيراً، ومن يزرع شراً يجد شراً. ومن رحمة الله عزَّ وجلَّ أن جعل الآخرة وما أعد فيها من النعيم حصاداً للكسب الذي يستطيع كل إنسان أن يعمله، فلو أن الآخرة تنال بالمناصب لحازها أقوام وحرم منها آخرون. ولو أن الآخرة تنال بالأموال لاستحوذ واستولى عليها الأثرياء والتجار. ولو أنها تُحْجَز بالجاه والسلطة والقوة والعضلات والطول والعرض لحرم منها الفقراء والضعفاء والمرضى؛ ولكن من رحمة الله عزَّ وجلَّ أن جعل الآخرة يُحصل عليها بأسهل طريق، وبأقل قدرة وهو: العمل الصالح، وهذا بإمكان كل أحد أن يعمله. فلا ينفع الإنسان هناك جاه، يقول الله عزَّ وجلَّ عن أهل النار وهم يستلمون كتبهم بشمائلهم: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:28 - 29]، ولا ينتفع الإنسان هناك بمال {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] ولا ينتفع الإنسان هناك بثناء الناس عليه، والله لو أثنى عليك أهل الأرض كلهم، وذمك الله فلن ينفعوك بشيء، ولو ذمك أهل الأرض كلهم وأثنى عليك الله ما ضروك بشيء. فيجب أن تركز اهتمامك على العمل، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اعملوا يا آل محمد فإني لا أغني عنكم من الله شيئاً -ويقول:- يا فاطمة! لا يأتيني الناس بالأعمال وتأتوني أنتم بالأحساب) فلا يغني حسب يوم القيامة: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} [المؤمنون:101] أبو جهل القرشي، وأبو لهب عم الرسول صلى الله عليه وسلم فحمة من فحم جهنم. وبلال الحبشي، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي، وعمار بن ياسر، هؤلاء من ملوك الآخرة، وقد كانوا يباعون بيع الرقيق؛ لكن أعلى قدرهم الإسلام، وأولئك أحرار وصناديد ومن خيار العرب؛ لكن أوضعهم وأنزل قدرهم الكفر والعياذ بالله. فاحرص يا أخي على العمل، والله لا ينفعك بعد هذه الدار إلا العمل الصالح، التعامل معك هناك سيكون على ضوء عملك هنا، يقول الله عزَّ وجلَّ: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:31]. وأحوال الناس يوم القيامة تنقسم إلى ثلاثة أحوال: 1/ أحوال أهل النار من الكفار، أعاذنا الله وإياكم من طريقتهم وشأنهم. 2/ أحوال العصاة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ممن لهم توحيد؛ لكنهم خلطوا هذا التوحيد بمعاصٍ وسيئات وبذنوب وكبائر؛ لكنهم ضمن دائرة الإسلام، وما خرجوا من الدائرة. 3/ وأحوال السعداء -جعلنا الله وإياكم منهم- الذين استسلموا لله، وخضعوا وانقادوا، وصبغوا حياتهم كلها بصبغة الإيمان، وبرمجوا جميع أوقاتهم وليلهم ونهارهم، وبيوتهم ومزارعهم ومعاملهم وأسواقهم، وجميع تصرفاتهم كلها على ضوء الكتاب والسنة. ولا يعني هذا أنهم ملائكة لا يخطئون! لا. بل قد تزل بهم القدم؛ ولكن إذا أخطئوا تابوا واستغفروا؛ لأن الله تبارك وتعالى غفور رحيم، يقول عزَّ وجلَّ: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً} [النساء:31]. ويقول: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم:32] واللمم: ذنوب وصغائر يُلِمُّ بها العبد المكلف من غير إصرار ولا تعمد؛ لكن تجده وهو ماشٍِ تقع عليه مثل الغبار الذي يلطخ سيارتك؛ لكن تمسحه مباشرة، لا تنزل بنفسك وتأخذ تراباً وتضعه على الزجاج، وتقول: هذا غبار، لا. بل شيء عارض، نظرة أو خطرة أو كلمة أو زلة مرت منك كل هذه تجتنبها لكنك تقع فيها، قال عزَّ وجلَّ: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم:32] ثم قال عزَّ وجلَّ: {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ} [النجم:32] واللمم بسيط، والله عزَّ وجلَّ يغفره {إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32]. وقد سبق الكلام على أحوال أهل النار، وأحوال العصاة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والآن سيكون الكلام عن أحوال السعداء جعلنا الله وإياكم منهم.

من أحوال السعداء في الآخرة: أنهم لا يخافون ولا يفزعون

من أحوال السعداء في الآخرة: أنهم لا يخافون ولا يفزعون السعداء يوم القيامة لهم حالة، وهذا الكلام كله في عرصات القيامة لم نأتِ إلى الجنة ولا إلى النار، نحن لا نزال في يوم القيامة يوم الوقوف اليوم الذي طوله خمسون ألف سنة، منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ألف وأربعمائة وإحدى عشرة سنة، أي: واحد على خمسين من يوم القيامة. يوم القيامة يوم طويل، لا يعلم طوله إلا الله عزَّ وجلَّ، خمسون ألف سنة من أيام الآخرة، وليست من أيام الدنيا، واليوم من أيام الآخرة بألف سنة {وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج:47] واضرب ألفاً في خمسين ألف، فهل تضيِّع هذا اليوم كله بالمعاصي خمسون سنة ليست عند الله إلا مثل واحد على عشرين من يومٍ من أيام الآخرة. في ذلك اليوم للناس من السعداء والموفقين والأتقياء لهم حال ولهم أحوال متعددة. الحالة الأولى من أحوالهم: أنهم لا يخافون ولا يفزعون حين يفزع الناس، يقوم المؤمن من قبره وهو آمن كأنه رائحٌ وداخلٌ الجنة. الناس في الدنيا تعودوا أن يحصل لهم هلع وفزع وخوف واضطراب لأي شيء من متغيرات الحياة، فإذا هبت ريح عاصفة وحملت الأشجار وقلعتها، وهدَّمت البيوت، كيف سيكون وضع الناس؟! إذا نزلت أمطار عاتية وهدَّمت البيوت، كيف سيكون وضع الناس؟! إذا حصلت حوادث سيارات، وإذا حدثت نكبات، ووقع زلزال أو خسف أو حروب وغزو وضرب، كيف سيكون حال الناس؟! سيكونون في حالة عظيمة من الخوف؛ ولكن يوم القيامة تدمر السماوات والأرض كلها -ليس فقط حدثاً بسيطاً- بل كل الدنيا تتغير معالمها، {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} [الانفطار:1 - 4]. {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} [التكوير:1 - 3] كل هذه تتغير؛ ولكن أهل الإيمان وهم يرون هذه الأحداث تتغير لا يخافون، عندهم أمن وطمأنينة في قلوبهم، لماذا؟ لأنهم أولياء الله: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:62] هم أولياء الله في الدنيا، فصار الله ولياً لهم في الآخرة، كانوا كما يريد الله في الدنيا، فكان الله لهم كما يريدون في الآخرة. عملوا بطاعة الله استعداداً لذلك اليوم، فيؤمِّنهم الله في ذلك اليوم، حينما يُبَعْثَر الناس من القبور تستقبلهم الملائكة وترحب بهم، وتطمئن قلوبهم، وتهدئ من روعهم، وتقول لهم: {لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الأعراف:49]. يقول الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء:101] أي: عن النار {لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ} [الأنبياء:102 - 103] والله يسميه الأكبر؛ لكن أهل الإيمان لا يحزنهم، مهما كان الفزع {لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء:103] الملائكة تطمئنهم، وتقول لهم: لا تخافوا: {هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء:103] أي: إن الله يدخلكم فيه الجنة، ليس هناك خوف عليكم، الله أكبر! والفزع هو: شدة الهلع والخوف الذي يحصل للعباد حينما يُبَعْثَرون من قبورهم، تصور وأنت تسير وإذا بالقبور تهتز، والناس يخرجون من القبور شاخصةً أبصارهم، عراةً حفاةً غُرْلاً بُهْماً غير مختونين والشمس تدنو من الرءوس، والعرق يسيل على قدر أعمال العباد، والأمر متغير؛ لكنّ أهل الإيمان مطمئنون، لا خوف عليهم اليوم ولا هم يحزنون. في ذلك اليوم ينادي منادي الرحمن أولياء الرحمن: {يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ} [الزخرف:68 - 69]. ويقول الله عزَّ وجلَّ: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [يونس:62 - 64].

خوف المؤمن من الله في الدنيا جعله يأمن يوم الفزع الأكبر

خوف المؤمن من الله في الدنيا جعله يأمن يوم الفزع الأكبر السر في هذا الأمن الذي يشمل الله به عباده السعداء والأتقياء: أن قلوبهم كانت في الدنيا عامرة بالخوف من الله، فكانوا يراقبون الله في كل تصرفاتهم، كانت مراقبة الله بين أعينهم، ولا يجد صعوبة في هذا، تُتاح له الملذات والشهوات؛ ولكن الخوف من الله يقف حاجزاً بينه وبين معاصي الله. قد يخلو بامرأة، ونفسه تدعوه، وتركيبته الجنسية تدعوه؛ ولكن خوفه يحجزه، ولهذا جاء من ضمن السبعة: (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال -ما الذي منعه؟! - فقال: إني أخاف الله) فهذا الخوف من الله كان يعمر قلوب أهل الإيمان، يموت جوعاً ولا يمكن أن يأكل حراماً. هناك شخص من الشباب يخبرني بهذه القصة، مجلة إسلامية اسمها: التربية الإسلامية، وقد قرأتها بنفسي، وهي موجودة لديَّ، والقصة مفادها: أن شاباً كان يدرس في القاهرة في الأزهر، وكان يسكن في مدينة البعوث الإسلامية التي يسكنها الغرباء الذين يأتون من شتى أقطار الأرض -ومرَّ هذا قبل أربعين سنة أو ثلاثين- وكان هذا الشخص رجلاً تقياً ولكنه فقير لا يملك شيئاً، وضاقت به الأرض حتى مرت عليه أيام وليالٍ وهو لا يستطيع أن يحصل على لقمة العيش، فخرج يومًا من الأيام من مسكنه قاصداً الأزهر لطلب العلم قبل صلاة العصر، وفي الطريق شَمَّ وهو يسير من أحد البيوت رائحةََ طعام شهي يقطع القلوب، وهو سيموت جوعاً، فطرق الباب يريد أن يطلب منهم فلم يستجب أحد، فدفع الباب، فانفتح، فدخل فناء البيت، ثم دعا، فلم يستجب له أحد، فطرق الباب الداخلي، ثم دفعه فانفتح الباب، ونادى، فلم يستجب له أحد، فشاهد أمامه صحفة فيها نوع من الطعام الذي شم رائحته وليس عنده أحد، فدفعه الجوع والحاجة والاضطرار إلى أن يدخل ويأكل وحده من الأكل، وكان الطعام كُبَّة من العيش والبطاطس؛ محشية باللحم ومقلية، كانت رائحتها شهية جداً، أشبه بالسنبوسة، فأخذ واحدة، وعندما حملها وأراد أن يأكلها نظر إليها، فجاءه الخوف من الله فقال: لقمة تأكلها الآن وهي حرام، ولا تدري مَن صاحبها! لا. وبعد أن أرجعها جاءه الجوع والحاجة، سيموت، فأخذها، فلما أخذها جاءه الخوف، وبقي في صراع وتنازع، النفس تقول: كُلْ، والقلب والعقل يقولان: لا تأكل. أخيراً انتصر على نفسه ووضعها، وخرج من أجل الله، ودخل المسجد، وصلَّى العصر، وجلس في مجلس الشيخ، وبينما هم جلوس إذا بتلك المرأة تدخل المسجد وتقف على باب المسجد، وتطلب الشيخ أن يأتيها، فجاءها الشيخ، فقالت له: يا شيخ! أنا امرأة أرملة؛ توفي زوجي منذ سنوات، وترك لنا مالاً وفيراً، وخلَّف بنتاً، والآن بلغت سن الزواج، وأوصَى أبوها أَلا أزوجها إلا برجل يخاف الله عزَّ وجلَّ، فأريد أن تختار لي مِن طلابك هؤلاء مَن تعرف فيه وفي قلبه مخافة الله. قال: حسناً! فرجع الشيخ ونظر في الشباب وهم جلوس كلهم في الحلقة، وتقع عينه على ذلك الرجل التقي -لأن التقوى لها آثار في الوجه وفي كل شيء- فدعاه، وأخذه إلى خارج الحلقة وقال له: تريد الزواج؟ قال: يا شيخ! منذ ثلاثة أيام والله ما ذقتُ طعم العيش، وتريدني أن أتزوج؟! ليس عندي شيء يا شيخ! قال له: لا شأن لك، كل شيء موجود. قال: إذا كان كل شيء موجود فليس عندي مانع. فأخذه وجاء به إليها، قال: هذا أرضاه لابنتكِ زوجاً؛ لأنه تقي يخاف الله. قالت: أنا أعددتُ طعاماً جاهزاً، أريدك أن تأتي أنتَ وطلابُك وهُوَ لنأكل من هذا الطعام، وتكتب العقد. فأخذتِ الشيخَ والطلابَ وهذا الطالبَ وهي تمشي أمامهم، ومشت بهم من طريق إلى طريق إلى أن أدخلتهم في ذلك البيت، وتأتي بالصَّحفة وتضعها أمامهم، ويشاء الله أن تكون الصَّحفة والجهة التي فيها تلك اللقمة من عند ذلك الطالب، ويمد يده عليها ويأكلها حلالاً، ومعها زوجة؛ ولو أنه أكلها لَمَنَعَتْه تلك من نعمة الدنيا، بل ربما تمنعه من نعمة الآخرة. فالذين يخافون الله عزَّ وجلَّ يجدون صعوبة، فأنت إذا كنت موظفاً وبجانبك موظف آخر، وتراه يسيّر عمله بالرشوة، ويربح في اليوم ما توفره أنت في سنة؛ ولكنك لا ترضى أن تأكل ريالاً حراماً، تجد فيه صعوبة عليك؛ لكن اصبر، هذا يأكل حراماً، يأكل ناراً حمراء، يأكل لعنة الله: (لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما) أما والله إن ريالاً حلالاً عندك أعظم من مليون، بل أعظم من الدنيا بأسرها وهي حرام؛ ما قيمة الدنيا وهي حرام إذا ملأت بها بطنك، وقدمت على الله وأنت آكل للحرام؟ عبادتك باطلة، وزوجتك وأولادك أكلوا الحرام، وحياتك كلها حرام في حرام لكن عندما تأكل ريالاً حلالاً أعظم بركة من مليون ريال حراماً. فهؤلاء هم الذين كانوا يقومون الليل، ويصومون النهار، ويستعدون للوقوف بين يدي الله عزَّ وجلَّ، هؤلاء خافوا من الله، ولما خافوا من الله أمَّنهم الله يوم القيامة، يقولون: {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً} [الإنسان:10] ماذا حصل؟! {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ} [الإنسان:11]. {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} [الطور:26] كنا في أهلنا ومع أزواجنا وفي بيوتنا؛ لكن في قلوبنا شفقة وخوف {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا} [الطور:27] أي: أمَّننا الله (وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور:27 - 28]. قال الله عزَّ وجلَّ جزاءً لهم على خوفهم: {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً} [الإنسان:11 - 12].

لا يجمع الله بين أمنين ولا خوفين

لا يجمع الله بين أمنين ولا خوفين وفي الحديث الذي يرويه أبو نعيم في الحلية: عن شداد بن أوس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم -وهذا الحديث صحيح؛ صححه الألباني في السلسلة -: (يقول الله عزَّ وجلَّ: وعزتي وجلالي لا أجمع لعبدي أمنين، ولا أجمع عليه خوفين، إن هو أَمِنني في الدنيا أخفته يوم أجمع فيه عبادي، وإن هو خافني في الدنيا أمَّنته يوم أجمع فيه عبادي) أتريدها كلها سواءً؟! لا. لا يصلح، خِف من الله هنا تأمن من الله هناك. أما أنك لا تخاف الله هنا، فسوف يخوِّفك الله عزَّ وجلَّ هناك، ثم أجرِ مقارنة، فلا بد من واحدة تجري على رأسك، ليس لك مهرب، ما دُمتَ غُلِبْت فلا بد من أن تخاف هنا أو تخاف هناك، أو تأمن هنا، أو تأمن هناك، فما هو الأفضل لك والأسلم؟ أن تخاف ستين أو سبعين سنة وتأمن أبد الآبدين؛ أم أن تأمن ستين أو سبعين سنة، وتشرب وتأكل، وتنكح وتزني وتفجر، وتنام وتتمشَّى، ثم يخوفك الله أبد الآبدين؟ ما هو المنطق والعقل؟ المنطق والعقل إذا تَدَخَّلا سيقولان: لا والله، خَفْ سبعين سنة أو ثمانين سنة أو مائة سنة، ولا تخف الأبد كله. الناس الآن واقعون مع أنفسهم في دراستهم، تجد الطالب الواقعي يجتهد ست سنوات ابتدائي، وست سنوات متوسط وثانوي، وأربع سنوات جامعة من أجل أن يأخذ الشهادة الجامعية ويتوظف، ليعيش في هذه السن التي بذل فيها الدراسة (6 + 6 =12 + 4 =16) سنة، يريد أن يعيش حياة كريمة بعد التخرج، كم مدتها؟ أربعين أو خمسين أو ستين سنة، ثم يموت. فالذي يأمن الله هنا يخوِّفه الله هناك، والذي يخاف الله هنا يؤمِّنه الله هناك، وكلما كان العبد أكثر إيماناً وإخلاصاً وتقوى كلما كان أكثر أمناً يوم القيامة، فأهل التوحيد هم أحسن طبقة، الذين ما خلطوا إيمانهم بشرك، يقول الله عزَّ وجلَّ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82] الذين آمنوا ولم يلبسوا، أي: ولم يخلطوا، أو لم يغلِّفوا إيمانهم بشيء من الظلم؛ وهذه الآية عندما نزلت قال الصحابة: (يا رسول الله! وأيُّنا لا يظلم نفسه؟ قال: الظلم: الشرك، أما سمعتم قول الله عزَّ وجلَّ: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم} [لقمان:13]) فالشرك ظلم، فالذي يلبس إيمانه بشرك هذا ليس بمؤمن، يخرج من التوحيد؛ لكن إذا وحَّد ولم يلبس إيمانه بشيء من الشرك فـ: {أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:82]. هذا أول حال من أحوال يوم القيامة، وهو: الأمن. والأمن مطلب رئيس من مطالب البشر حتى يستريحوا، فلو أعطيت جميع لذائذ الدنيا وأنت خائف فإنك لا تريدها، أليس كذلك؟! لا تريد حياة إلا وفيها أمن، إذا طرق الباب عليك طارق، وعرفت أنه يريد منك سرقة أو قتلاً أو تخويفاً، أو شيئاً وأنت تأكل أو تشرب أو تنام، فإن النوم يذهب منك، والأكل لن تهنأ به، والعافية لم تعد تأتيك، وتبقى في قلق، لماذا؟ من الخوف! فهذا الخوف ينزعه الله منك يوم القيامة وتُبْعَث آمناً: {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمَّنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [فصلت:40]. أتريد أن تأتي آمناً يوم القيامة؟ خَفْ مِن الله في هذه الدنيا، في حالتين: عند ورود أمره عليك. وعند ورود نهيه عليك. إذا ورد عليك أمر الله فخَف من الله، ونفِّذ أمره، وإذا ورد نهيه عليك فخف من الله عزَّ وجلَّ وانْتَهِ عما نهاك، فإذا عملت هذين الأمرين فأنت خائف من الله، أما إذا تركت الأوامر، ووقعت في النواهي، وادعيت أنك تخاف الله فهذا خوف الكذابين، ولا ينفعك، فالذي يخاف من الشيء يبتعد عنه، والذي يخاف من المعاصي يرفضها، والذي يخاف من العذاب لا يسير في طريقه، وكذلك المؤمن الذي يريد أن يأتي آمناً يوم القيامة لا يقع في شيء مما يخوفه الله عزَّ وجلَّ به يوم القيامة.

من أحوال السعداء في الآخرة: أن الله يظلهم في ظله

من أحوال السعداء في الآخرة: أن الله يظلهم في ظله السعداء الذين يظلهم الله في ظله: الحالة الثانية من حالات أهل السعادة الأتقياء -جعلنا الله وإياكم وآباءنا وأمهاتنا وإخواننا المسلمين منهم- أنهم يظلهم الله في ظل عرشه مع الأمن، أي: هم آمنون والشمس تغلي، فالأمن يحتاج إلى نوع من الراحة، فالله أراحهم بأن أظلهم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، حين يكون الناس في الموقف العظيم في الوقت الطويل، أنت الآن عندما تقف ساعة أو ربع ساعة في طابور، أو في انتظار موظف، أو في مراجعة، تشعر بأن ركبتَيك قد آلمتاك، وربما تكون في ظل، ولهذا تحتاج إلى أن ترتاح، فتبحث عن كراسٍ، وتقول: ضعوا للمراجعين كراسٍ، كيف لنا أن نظل واقفين؟ لكن يوم القيامة لا تنتظر ساعة ولا ساعتين ولا يوماً ولا سنة ولا ألف سنة، بل هو خمسون ألف سنة، وكل يوم من هذه الأيام بألف سنة، والناس كلهم وقوف. اسمه: يوم الموقف، لا يوجد أحدٌ جالساً، من الذي يجلس يوم القيامة؟! لا يوجد جلوس، بل وقوف، موقف عظيم، ثم إن مع الموقف وهج شديد، وحرارة متناهية تصهر أدمغة الناس وتغلي منها رءوس العباد، كما يغلي اللحم في القدور، لا توجد مظلة ولا يوجد أحدٌ يمنعك منها، ثم إنهم يذوقون من العذاب والألم ما تنوء بتحمله الجبال الراسيات، ويكون فريق من أهل الإيمان -اللهم اجعلنا منهم يا رب- هانئين مرتاحين في ظل عرش الرحمن، لا يعانون من الكربات والأهوال شيئاً، هؤلاء هم أصحاب الهمة العالية، والعزيمة الصادقة، والموقف الجاد، الذين تمثلت هممهم وعقائدهم وجديتهم في التزامهم الصادق بعقيدة الإسلام، وبقيم وبعبادات وبسلوك الإسلام.

من السعداء: الإمام العادل

من السعداء: الإمام العادل الذين يطبقون الإسلام في كل تصرفاتهم، فالله عزَّ وجلَّ يؤمنهم يوم القيامة، وهم أصناف كثيرة، ذكرهم الرسول صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، منها: حديث عند البخاري ومسلم: قال صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله: منهم: إمام عادل). والإمامة هنا: تشمل كل إمامة، ابتداءً من الإمامة الكبرى وهي: ولاية الأمر العام على المسلمين إلى الولاية الصغرى وهي: ولايتك على بيتك، فأنت إمام، والملك إمام ومسئول، وإذا عدل كان ممن يظلهم الله في ظل عرشه، ومن تحته رئيس الوزراء، ونائب رئيس الوزراء، والوزراء، ووكلاء الوزارات، ومديرو عموم الوزارات، ورؤساء ومديرو الإدارات، ورؤساء الأقسام، والموظفون، وأيضاً: القائد والجندي، كل واحد منهم إمام، حتى العريف يجب أن يعدل فيمن تحته، إذا كنت عريفاً وعندي عشرة أنفار أو عشرون نفراً، فيجب أن أكون عادلاً معهم، وإذا راعيت أحدهم على حساب الآخر أكون خائناً للأمانة، متى كنتَ من هؤلاء يجب أن تكون عادلاً. إذا كنتُ رئيس قسم وعندي موظفون، يجب أن أتيح لهم الفرص بالتساوي، وإذا كنت مدرساً يجب أن أعامل الطلاب بالتساوي. أو رجل عندي زوجتين يجب أن أعامل الزوجتين بالتساوي. أو عندي أولاد يجب أن أعامل أولادي بالتساوي. إذا عدلت أمنتَ، وإذا جُرْتَ أو ظلمت خسرت؛ لأن الظلم ممحوق، والله عزَّ وجلَّ قد حرمه، يقول الله عز وجل: (يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالَموا) رواه مسلم. والظلم عاقبته وخيمة، وهو ضد العدل، والعدل سبب للتمكين، فإذا عدلت وأنت ملك مكَّن الله ملكك، وإذا عدلت وأنت وزير مكَّن الله وزارتك، وإذا عدلت وأنت مدير مكَّن لله إدارتك، وإذا عدلت وأنت مدرس مكَّن الله تدريسك، وإذا عدلت وأنت زوج مكَّن الله زواجك، وإذا عدلت وأنت أب للأولاد مكَّن الله أبوَّتك، أما إذا ظلمت زلزلك الظلم، الظالمون يتولى الله عقوبتهم من فوق سبع سماوات في الدنيا والآخرة. فالإمام العادل الذي يملك القوة والسلطة؛ ولكنه لم يدفعه هذا الملك وهذه السلطة إلى الطغيان وإلى البطش، بل أقام العدل بين العباد، وحكّم سلطان الشرع الإسلامي من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا يوم القيامة في ظل عرش الرحمن.

من السعداء: شاب نشأ في عبادة الله

من السعداء: شاب نشأ في عبادة الله الصنف الثاني: شاب نشأ في عبادة الله -أسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم- وهذه نلمسها -والحمد لله- وصورتها منتشرة ومشهودة في هذا الزمان، وهي المعبر عنها: بـ (شباب الصحوة). انظروا! كنا نعاني من الشباب، وكنا نصيح من الشباب، وكان الخطباء يقولون: اللهم أصلح الشباب! اليوم الحمد لله استجاب الله الدعاء في الشباب، ونحن نراهم بالآلاف يستقيمون على منهج الله، هؤلاء الشباب الذين نشئوا في طاعة الله، ما تلطخت صفحاتهم، وما تلوثت حياتهم منذ أن عرف الله ما عرف زنىً، ولا عرف غناءً ولا خموراً، ولا شركاً ولا وثنيةً، ولا عرف شيئاً من هذا منذ أن نشأ، وإذا به ينشأ مثل الزهرة الجميلة المتفتحة تنبت في المنبت الحسن، وتؤتي الثمار الحسنة، فشكلها جميل، ومضمونها جميل، فهذا يظله الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله. والعلماء يقولون: إن الله عزَّ وجلَّ جعله شاباً، ما قال: وشيخاً نشأ في طاعة الله، لماذا؟ لأن الشاب يجد معاناة، ويجد تعباً، الآن عندما تمر أنت ومعك رجل كبير في السن أمام امرأة متبرجة فتغض ويغض، فأنت تغض لكن ليس غضك مثل غض ذاك الكبير، فهو يغض وقد شبع من هذه الأشكال، أما أنت تغض والشيطان في قلبك يقول: انظر؛ لكن غصباً تغض بصرك، إذاً يظلك الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله. فهذا الثاني، أسأل الله أن يجعل جميع شباب المسلمين منهم.

من السعداء: رجل قلبه معلق بالمساجد

من السعداء: رجل قلبه معلق بالمساجد الثالث: الذين يعمرون مساجد الله بالصلاة، حتى لكأنهم مربوطون بالمساجد، قال: (ورجل قلبه معلق بالمساجد) أي: مربوط، حتى إذا خرج جسده فإنه يخرج من مكانه لكن قلبه في المسجد، جسده في البيت يأكل لكن قلبه في المسجد، ينام وقد وقَّت الساعة على صلاة الفجر، يذهب إلى الدوام وقلبه في المسجد، لا يسمع الأذان إلا وقد قام، قال عليه الصلاة والسلام: (ورجل قلبه معلق بالمساجد) لأنه يجد الأمن والطمأنينة، والأنس والراحة واللذة في بيت الله عزَّ وجلَّ، أكرم مكان يكون عند المؤمن إذا دخل المسجد، الله أكبر ما أعظم تلك اللحظات! وإذا أردت أن تعرف إيمانك أو عدمه فقسه بهذا المقياس. أما المنافق فيضيق من المسجد مثل الطير في القفص، والمؤمن يرتاح في المسجد مثل السمكة في البحر، لا يجد أنسه إلا هناك، ولولا أنه مطلوب منه أن يعيش بأمر الدين خارج المسجد لَجَلَس في المسجد طيلة عمره، لكنه يسحب نفسه إذا خرج، وإذا رأيته وجدته آخر من يخرج من المسجد، وإذا جاء فهو أول من يجيء؛ لكن ذاك بالعكس فهو آخر من يأتي، وأول من يخرج، لماذا؟ لأنه لا يجره إلى المسجد إلا شيء كخيوط بسيطة والعياذ بالله.

من السعداء: المتحابون في الله

من السعداء: المتحابون في الله الصنف الرابع: المتحابون في الله. وهذه لا يجدها أحد إلا أهل الإيمان، أما أهل المعاصي ففيم يتحابون؟ أيتحابون في الله؟ لا. ليسوا متحابين في الله، ولذا قال في الحديث: (ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه). وهنا يجب أن ننبه إلى أن المحبة في الله لها ضوابط، لا نريد أن تُمْتَهَن هذه الكلمة وأن تستعمل حتى في المعصية، بعضهم يقول: أنا أخوك في الله، وأحبك في الله، وهما يسهران على المعاصي، لا. بل قال: (اجتمعا عليه وافترقا عليه) أي: على طاعة الله، فتجمعهم الطاعة، وتفرقهم الطاعة. أما أن يجتمعوا على المعصية، فهذه أخوة في الشيطان وليست أخوة في الله، فإذا عُمِرَت مجالسه، وعُمِرَت افتراقاته معه على طاعة الله عزَّ وجلَّ، فهو أخ في الله.

من السعداء: رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله

من السعداء: رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله أيضاً مِن هؤلاء الذين يظلهم الله في ظل عرشه: مَن حال الخوف بينه وبين ممارسة الزنا رغم قوة الدوافع: أولاً: تدعوه، الرجل ليس بحاجة إلى أن يدعوه أحد، هو يبحث عن هذا إذا لم يكن عنده إيمان؛ لكن المؤمن لا يبحث عن هذا الشيء ويعتصم بالله، فتأتيه امرأة تدعوه: (ورجل دعته امرأة). وماذا بعد ذلك؟ ثانياً: (ذات منصب) أي: لا يخاف، ولا ينكشف أمره. وماذا بعد ذلك؟ ثالثاً: (وجمال) إذاً هناك شيء مُغْرٍ. ومع هذا يقول: (إني أخاف الله). هذا يظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.

من السعداء: رجل تصدق بصدقة فأخفاها

من السعداء: رجل تصدق بصدقة فأخفاها وأيضاً من السبعة: الرجل الذي يرزقه الله مالاًَ فينفقه في سبيل الله عزَّ وجلَّ، ويواسي به الفقراء، ويعطي منه المحتاجين؛ ولكنه حتى يكون خالصاً فهو يُخْفِيه، ولا يخبر به أحداً إلا الله، حتى شماله لا تدري بما أنفقت يمينه، وهذا كناية عن التستر الكامل في عدم إظهار الصدقة؛ لأنها كلما كانت سراً كانت خالصة (ورجل أنفق نفقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه).

من السعداء: رجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه

من السعداء: رجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه السابع: صاحب القلب الرقيق، صاحب القلب الخائف من الله، الذي إذا ذكر عظمة الله وقوة الله، وذكر عذاب الله عزَّ وجلَّ فاضت عيناه، وبكى وخشع من هذا الموقف الجليل. (ورجل ذكر الله خالياً) أي: لوحده، ليس مع الناس؛ لأنه إذا كان مع الناس ربما يدخل في نفسه شيء، لماذا؟ لأن الناس تُهَيِّجُه، ربما ينبسط من نظرة الناس؛ لكن بينه وبين الله، عندما لا يراه أحد، ولا أحد يهيَّجه إلا نفسه، ولكن هيجه خوفه من الله ففاضت عيناه، وتقاطرت وسالت القطرات من عينيه على خديه، ولا يراه إلا الله، فيسجله الله بتلك القطرات من ضمن أصحاب المظلة الربانية. أيها الإخوة في الله: هؤلاء هم الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله. وأيضاً وردت أحاديث أخرى في أن المتحابين في الله يظلهم الله عزَّ وجلَّ في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله. وأيضاً ورد حديث في صحيح مسلم أنَّ: (مَن أنظر معسراً، أو وضع عنه، أظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله) شخص عليه دين لآخر، فجاء صاحب الدَّين إليه وقد أزف الموعد فقال له: هاتِ النقود. فقال: والله لا أملك شيئاً. قال: لا يهمك، كم تريد مهلةً؟ قال: أريد سنة. قال: لك سنة. أنْظَرَه وأمْهَلَه؛ لكي يأتي بحقه، لم يذهب يشتكي بالحقوق ويشده، ويقول: ضعوه في السجن حتى يسلم، أريد حقي الآن، بل قال: ما دام أن الله مُوَسِّعٌ عليَّ، وهذا أخي في الإسلام فأنا أصبر عليه؛ لكن أرجوك أن تهتم يا أخي بحقي. فأعطاه سنة. أو قال له أيضاً: عندك عشرة آلاف! أتدري؟! قال: نعم. قال: أعطني خمسة آلاف، ولك سنة، وخمسة آلاف الله يعينك عليها، (من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله). وجاء في مسند أحمد بسند صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن نفَّس عن غريمه -أي: في أجل- أو محا عنه -أي: ترك له- كان في ظل عرش الله يوم القيامة). هذه الحالة الثانية. الحالة الأولى: الأمن. الحالة الثانية: الظل، يظل الله عزَّ وجلَّ المؤمن في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.

من الأعمال التي تنال بها السعادة

من الأعمال التي تنال بها السعادة السعداء يوم القيامة هم الذين يعيشون في أمن وطمأنينة وسعادة بلا خوف ولا هم ولا فزع، الذين يسيرون في حاجات الناس في الدنيا ويقضونها، ليس له شغل إلا البحث عن مطالب الناس، وأغراض الناس، وحوائج الناس، ويسعى فيها، ويساهم في حلها ابتغاء وجه الله، يقول الله عزَّ وجلَّ: {لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء:114]. ومِن أعظم ما يفرِّج كربات العبد يوم القيامة: سَعْيُ العبد في فك كربات الناس في هذه الدار، والتيسير عليهم، وإقالة عثراتهم، ففي صحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه). ما دمتَ في عون أخيك فالله في عونك، وبالمفهوم المخالف: إذا كنتَ ضد إخوانك المسلمين فالله ضدك. ومن الناس من لا يتمنى أن يكون في عون الناس، بل يتمنى أن يكون شوكة وعائقاً في سبيل مصالح الناس والعياذ بالله. وروى البخاري أيضاً: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرَّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة).

التيسير على المعسرين

التيسير على المعسرين ومن السعداء يوم القيامة في حالة الكربات: الذين ييسرون على المعسرين. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما حديثاً: أنه أَخْبَر عليه الصلاة والسلام عن رجل ممن كان قبلنا يداين الناس -يبيع للناس بالدين- فكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسراً تجاوز عنه، لعل الله أن يتجاوز عنا، قال: (فلقي الله، فتجاوز عنه). وروى النسائي وابن حبان والحاكم وصححه: (أن رجلاً لم يعمل خيراً قط، وكان يداين الناس فقال لغلامه: خذ ما تيسر واترك ما تعسر، وتجاوز لعل الله أن يتجاوز عني، فلما مات قيل له: هل عملت خيراً قط، قال: لا. إلا أنه كان لي غلام وكنت أداين الناس، فإذا بعثتُه يتقاضى ديني قلت له: خذ ما تيسر ودع ما تعسر، وتجاوز لعل الله أن يتجاوز عني، قال الله: قد تجاوزتُ عنك). وفي مستدرك الحاكم أيضاً: عن ابن مسعود رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتى الله عزَّ وجلَّ بعبد من عباده آتاه الله مالاً فقال له: ماذا عملت بمالك في الدنيا؟ قال: لا شيء يا رب! إلا أنك آتيتني مالاً فكنتُ أبايع الناس، وكان من خلقي أن أُيسِّر على المعسر، وأُنْظِر المعسر، قال عزَّ وجلَّ: أنا أحق بذلك منك، تجاوزوا عن عبدي هذا). فالذين ييسرون على المعسرين ييسر الله عليهم يوم القيامة.

الذين يعدلون في أهليهم وما ولوا

الذين يعدلون في أهليهم وما وُلُّوا ومن السعداء أيضاً: من يعدلون في حكمهم وأهليهم وما وُلُّوا. وفي صحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام فيه: (إن المقسطين على منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يداه يمين، وهم الذين يعدلون في حكمهم وفي أهليهم وما وُلُّوا)، أي: في أي عمل وُلُّوه فإنهم يعدلون فيه، هؤلاء لهم منابر من نور عن يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، وهم على تلك المنابر في ساعات العرض والنشر.

الشهادة والرباط في سبيل الله

الشهادة والرباط في سبيل الله أيضاً من الذين يأمنون يوم القيامة ولا يخافون ولا يفزعون: الشهداء والمرابطون: ففي الترمذي: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (للشهيد عند الله ست خصال) الشهيد هو الذي يموت لتكون كلمة الله هي العليا؛ لأن الصحابة قالوا: (يا رسول الله! الرجل يقاتل شجاعة، والرجل يقاتل حمية، والرجل يقاتل في سبيل الله، فأيهم في سبيل الله؟ قال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله). فالشهادة يجب أن يُعْرف مفهومها، فالذي يُقْتل في سبيل الله شهيد، والمتردي شهيد، والحريق شهيد، والغريق شهيد، والمبطون شهيد، والمطعون شهيد، والمرأة الحامل التي تموت أثناء الولادة شهيدة؛ لكن بشرط أن يكونوا مؤمنين، وحصل لهم شيء من هذه الآفات والمحن، فهم شهداء، أما إذا كانوا فسقة وعصاة وغير مؤمنين، ووقع لهم شيء من هذه الأمور فهو عذاب عاجل وما عند الله أشد؛ لكنّ الشهداء هم الذين ماتوا في سبيل الله، أو المرابطون الذين يرابطون على حدود الإسلام والمسلمين، هؤلاء لا يخافون يوم القيامة، الآن حتى الفن أصبح له شهيد، مات العندليب الأصفر أو الأخضر أو الأسمر، فسموه شهيد الفن، ويموت لاعب في الكرة فيقولون: شهيد الرياضة، والآن يقاتلون ويعادون ويجرمون في الأرض ويقولون: شهداء، لا. هؤلاء ليسوا بشهداء، هؤلاء ملاعين؛ لأنهم ملئوا الأرض جوراً وظلماً، وإذا ماتوا يقال لهم شهداء. فالشهيد من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا. وللشهيد عند الله ست خصال: أولاً: يغفر له في أول دفقة من دمه لا تنزل أول قطرة في الأرض إلا وقد غفر الله له. ثانياً: يُرى مقعده من الجنة عند الموت. ثالثاً: يؤَمَّن من عذاب القبر: لا يأتيه في القبر فتنة ولا سؤال، سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: (كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة) أي: أنه أخذ الفتنة مقدماً في الدنيا. رابعاً: يأمن من الفزع الأكبر: إذا قام الناس من قبورهم يوم القيامة يقوم وهو آمن. خامساً: يُكْسَى تاج الوقار الياقوتة منه خير من الدنيا وما عليها. سادساً: يزوَّج اثنتين وسبعين حورية، ويشفع في سبعين من أقربائه، لا يدخل الجنة لوحده، بل يُرجع إلى الموقف ويأخذ سبعين من أهل بيته، كلهم قد استوجبوا النار. والشاهد في هذا الحديث: أن الشهيد يأمن يوم القيامة من الفزع الأكبر، وهو الفزع الذي ينال الناس كلهم إلا من استثناهم الله. ومثل الشهيد: المرابط الذي يرابط على ثغور المسلمين ولو لم يحارب؛ لكنه موجود، لو جاء الحرب فهو الأول، وإذا لم يكن هناك حرب فهو مرابط، فرباطه هذا يؤمِّنه يوم القيامة؛ لما روى الطبراني بسند صحيح عن أبي الدرداء رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رباط يوم خير من صيام الدهر، ومن مات مرابطاً في سبيل الله أمن من الفزع الأكبر، وغذي عليه برزقه وريح عليه من الجنة، ويجري عليه أجر المرابط حتى يبعثه الله) هذا أجر الذي يرابط في سبيل الله عزَّ وجلَّ. ومن إكرام الله عزَّ وجلَّ للشهداء: أن الله يبعثهم وجروحهم تتفجر دماً؛ اللون لون الدم، والريح ريح المسك، ففي صحيح البخاري قال صلى الله عليه وسلم: (والذي نفس محمد بيده لا يُكْلَم عبد في سبيل الله -والله أعلم بمن يُكْلَم في سبيله- إلا جاء يوم القيامة اللون لون الدم، والريح ريح المسك). وجاء في سنن الترمذي وسنن النسائي وسنن أبي داود بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قاتل في سبيل الله فواق ناقة -والفواق: فترة ما بين الحلبتين؛ لأن الناقة تحلب ثم تترك إلى أن يزداد لبنها، ثم تحلب مرة ثانية، فمن قاتل فترة زمنية قدر فواق الناقة- فقد وجبت له الجنة، ومن جُرِح جرحاً في سبيل الله أو نُكِب نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت دماً، لونها لون الزعفران، وريحها ريح المسك).

كظم الغيظ

كظم الغيظ أيضاً من الذين يؤمِّنهم الله يوم القيامة: الكاظمون الغيظ، الذي يُسْتَثار ويُزْعَج ويُراد منه أن يغضب؛ ولكن أعصابه في ثلاَّجة -كما يقولون- كالجبل؛ لأن من الناس من هو مثل حبة الشعير، أقل حرارة تجعله ينقلب، هذا الذي ينفخ أو ينفث فيحرقُ نفسَه، ويحرق البيت ولا يبالي، ومن الناس من هو راسٍ، لا يتحرك أبداً، وإنما يتصرف تصرفات حكيمة. فمن الناس من يثور لأتفه الأسباب ويطلق زوجته، ويضرب أولاده، ويلعنهم، ويفتعل مشاكلَ مع مديره، بل بعضهم يقتل، وبعضهم يفعل جرائم، ثم إذا رجع عقله قال: يا ليتني ما فعلتُ! لكن كن هادئاً، واكظم غيظك، فإن في كظم الغيظ منفعة في الدنيا والآخرة. والمواقف الصعبة التي تمر بالإنسان ويصاب فيها الإنسان بالأذى كثيرة، وقد يكون مصدر هذه المواقف والأذى قريباً أو صديقاً أو محسناً؛ ولكن الأذى إذا سمعه الإنسان وأصابه ألَمَّ به في أعماقه؛ ولكن يضبط نفسه، ولا يطلق لنفسه العنان، ويضبطها، ويكتم غيظه، فقد عَدَّ الإسلام هذا الأمر من الأخلاق، يقول الله عزَّ وجلَّ: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:133 - 136]. فالله عزَّ وجلَّ يمنحك إذا عملت معصية وتبت منها الجنة على هذه المعصية، وعلى توبتك إلى الله عزَّ وجلَّ. فكظم الغيظ خلق يجب أن تعود نفسك عليه؛ لأن يوم القيامة يدعو رب العزة والجلال من كظم غيظه على رءوس الخلائق، ثم يخيره من أي الحور شاء. يروي أبو داوُد والترمذي، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كظم غيظاً وهو يقدر على إنفاذه، دعاه الله على رءوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره في أي حور العين شاء). إذا كظمتَ غيظاً وأنت قادر؛ لكن خوفك من الله ومن أجل الله كظم غيظك، ليس جبناً ولا ضعفاً ولا خوراً، وإنما عقلاً وحكمةًَ وتؤدةً، ودائماً الذي يكظم غيظه يجد راحة، ويجد نتائج حسنة، والذي يندفع ويسرع يجد عذاباً ونتائج سيئة. فما أعظم من كظم الغيظ! فكاظم الغيظ يدعو الله عزَّ وجلَّ صاحبَه على رءوس الخلائق، ثم يخيره من أي حور العين شاء.

القيام بالأذان

القيام بالأذان ومن الذين لهم حالة مميزة يوم القيامة، وهي أن أعناقهم طويلة المؤذنون: الناس كلهم يبعثون على وضعهم الأول إلا أهل الأذان، يأتون ورءوسهم فوق الرءوس، ورقابهم أطول الرقاب، ويعرفهم الناس من بين سائر أهل الموقف، وإذا كل رجل رأسه فوق رءوس الناس، وتراه ينظر إلى الناس، والناس من تحته. فإذا سألته: لماذا رأسك طويل؟ قال: كنت أقول: (لا إله إلا الله). ولهذا الأذان من أعظم القربات إلى الله، وقد نزلت فيه آية في القرآن الكريم، وهي قول الله عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [فصلت:33] هذه الآية نزلت في بلال وفي المؤذنين، وفي كل من يدعو إلى الله عزَّ وجلَّ، {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [فصلت:33] انظروا، يبين الله لكم فضيلة الأذان؛ وأن الناس كلهم نائمون في صلاة الفجر، بينما تسمع الأذان فتفتح النافذة وإذا بهذا يؤذن، وذاك يؤذن، والآخر يؤذن، والدنيا كلها تؤذن؛ إذاً هؤلاء أفضل الناس، الناس كلهم رقود وهؤلاء يذكرون الله، الناس كلهم نائمون وهؤلاء يقومون، فأول من يتوضأ المؤذن، وأول من يفتح المسجد المؤذن، وأول من يفتح الكهرباء المؤذن، وأول من يشغل الميكرفون المؤذن، وأول من يفتح النوافذ من أجل أن يخدم الناس المؤذن، وأول من يرتب المصاحف ويرتب الفرش المؤذن، ثم يأتي ويقول: الله أكبر، ويكررها خمسة عشر صوتاً، أليس هذا بفضل؟! نعم. فضل عظيم لا يبلغه أحد. ولذا اختلف العلماء وفاضلوا بين عمل الإمامة والأذان أيهما أفضل؟ فقال قوم: الأذان أفضل. قيل: لماذا؟ قالوا: لحديث: (أطول الناس أعناقاً يوم القيامة المؤذنون). وللآية الكريمة: أن الله عز وجل يقول: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّه} [فصلت:33]. ولأن المؤذن يأتي أول الناس، ويقرأ أكثر الناس، ويصلي أكثر الناس، ويخرج آخر الناس، مَن يخرج آخر الناس؟ المؤذن، فهذا من أفضل الناس. وقال آخرون: الإمامة أفضل. قيل: كيف ذاك؟ قالوا: أفضل؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اختارها، فكان إماماً ولم يكن مؤذناً، ولا يختار صلى الله عليه وسلم إلا الأفضل، إذ لا يمكن أن يصير هو في شيء مفضول؛ لأنه يعرف موازين الأعمال ومقاديرها، فما دام أنه صار إماماً فهو أفضل. وبعضهم توسط في المسألة وقال: الإمامة أفضل أحياناً، والأذان أفضل أحياناً. قيل: متى؟ قالوا: إذا كان الإمام عالماً بدين الله، خاشعاً في صلاته، قدوة في عبادته، محافظاً على إمامته، كان عَمَلُه أفضل؛ لأنه إذا أحسن فله ولهم. إذا صليت وأحسنت فلك أجر من صلى خلفك دون أن ينقص من أجورهم شيء. إذاً فهذا أفضل. قالوا: والأذان أفضل إذا كان الإمام غافلاً أو جاهلاً أو غير قدوة، كما هو معروف عند كثير من الناس، بعض الأئمة يتمسك بالإمامة كما يتمسك بألذ شيء، لماذا؟ لأجل الراتب؛ لكنه لا يتقن الفاتحة، ولو تقدم شخص عليه ضاربه ولو في المسجد: كيف تتقدم وأنا عندي بطاقة وأنا إمام؟ يا أخي، هذا أقرأ منك، (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله). لكنه يخاف أنه يقدمه، فيذهب في الغد ويقدم في وزارة الأوقاف ويأخذ الراتب ويتركه، فتراه يرابط على الإمامة وهو ليس أهلاً لها. أو يكون جاهلاً، أو غافلاً في صلاته؛ يكبر ويصلي؛ ولكنه لا يشعر أين هو! يسرح فيبيع ويشتري، ويأخذ ويعطي والناس وراءه، حتى إن بعض الناس يصلي ويسهو والسهو هذا يرد يا إخوان. تصوروا أنه لا يوجد إمام إلا ويغلط، حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سها يوماً في صلاته، قال العلماء: إنه لا يسهو في صلاته من تفكيره في الدنيا؛ لكن لبيان مشروعية هذا، وأنه أمرٌ قد يقع، فسها يوماً في صلاة الظهر فصلى ركعتين ثم سلم، فالصحابة سكتوا؛ لأنهم يعرفون أنه لا يسلِّم إلا بوحي، فكان هناك شخص اسمه: ذو اليدين من الصحابة، أي: يداه طويلتان، كانت يداه إلى ركبتيه من طولهما. قال: (يا رسول الله! أقُصِرَت الصلاة أم نسيتَ؟ قال: لَمْ تُقْصَر ولَمْ أنسَ، قال: بل نسيتَ، فقال الصحابة: بلى، نسيتَ يا رسول الله! فاستدرك، واستقبل القبلة، وصلى ركعتين، ثم سجد للسهو، وسلَّم). فالسهو يَرِدُ؛ لكن بنسبة قليلة نادرة، فالرسول عليه الصلاة والسلام سها مرة في حياته كلها، وأنت تسهو مرة في عشر سنوات، أو في خمس سنوات، أو في سنة؛ لكن الذي يسهو كل يوم، ما رأيكم في هذا الإمام؟ كل يوم في صلاة الظهر إذا كانت أربعاً فإنه يجعلها خمساً، والمغرب ستاً، أو اثنتين. أين أنت يا إمام؟ فإذا بالمسكين يبيع ويشتري، ويحل المعاملات، ويعمل كل شيء. وبعضهم يزيد والجماعة لا يدرون، فلا يسبحون ولا أحد يشعر به؛ لأن كل واحد في وادٍ، نعم. لماذا؟ لأن الصلاة مُهْمَلة، ولا حول ولا قوة إلا بالله! حتى قال بعض أهل العلم: إن خشوع الإمام يؤثر على خشوع المصلين. خشوع الإمام إذا كان صالحاً فإن قراءته تؤثر في المؤمنين، وإذا كان الإمام غير خاشع فالذين وراءه لا يخشعون إلا مَن عظم الله عزَّ وجلَّ. فهؤلاء المؤذنون فضلهم عند الله عظيم، فهم أطول الناس أعناقاً يوم القيامة لما روى مسلم في صحيحه، قال عليه الصلاة والسلام: (المؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة) وعليك ألا تتصور أن طول رقاب المؤذنين مثل رقاب الجِمال، لا. بل هي طول جمال، لا طول تشويه، وطبعاً الآن يتفاخر الناس بطول العنق، إذا أراد شخص أن يتزوج قال: ما شاء الله عنقها مثل عنق الغزال؛ لكن إذا كانت رقبتها لاصقة برأسها، فإنه يقول: هذه لا تصلح. فعنق المؤذن يوم القيامة ليس طوله طول تشويه، لا. بل طول جمال، يزيد الله في عنقه جمالاً حتى يكون مميزاً بين الناس؛ لماذا؟ لأنه من أهل من رفع لا إله إلا الله على الأرض. وأيضاً لماذا يكون عنقه طويلاً؟ لأن عمله جليل وعظيم، فأطال الله عنقه ليُعرف بهذا العمل العظيم. والمؤذن يشهد له كل شيء سمع صوته يوم القيامة، كل شيء يسمع أذانك وأنت ترفع الأذان في الدنيا يشهد لك يوم القيامة، والحديث عند البخاري وهو صحيح، يقول عليه الصلاة والسلام لـ عبد الرحمن بن صعصعة وكان رجلاً يأتي عند الرسول صلى الله عليه وسلم، ويجلس أياماً يتعلم ثم يرجع، وكان صاحب غنم، يجلس في باديته يرعى غنمه ثم يجيء، وهكذا، قال: (يا عبد الرحمن، إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك وأدرَكَتْك الصلاة وأذَّنْتَ فارفع بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة) حتى الحجر، والشجر، والبحر، والجبال، كلها تأتي يوم القيامة تقول: نشهد أن هذا العبد وحَّدك في الدنيا. فتصور شهادة الناس، وخاصة بعد هذه المكبِّرات، هذه مِن نِعَم الله على الإنسان، ولذا أوصي أي شاب تتاح له فرصة الأذان أن يؤذن. بعض الناس يقول: لا أريد الأذان. لماذا؟! قال ارتباط. قَدِّر أنها ارتباط؛ لكنه ارتباط على كرامة، ارتباط على ثواب وأجر، ليس على إهانة، إذاًَ أمسك الإمامة! لا أريد الإمامة. لماذا؟ مسئولية وارتباط. إذاًَ لمن يعطوا الإمامة والأذان إذا أنت تركتهما؟ أمسكها واربط نفسك عليها، ليس هناك مشكلة، يوم أن تكون مؤذناً في مسجد فستكون مرتبطاً؛ لأنك ليس عندك شغل. إذا جاء وقت الأذان وأنت في الفصل أو في المدرسة فمباشرة استأذن واذهب للأذان، وإذا جاء وأنت نائم فقُم، إذا جاء وأنت معزوم فاذهب. ما أعظم الأذان؛ لأنه يربطك بالمسجد! ثم إنك تؤذن قبل العشاء بثلث ساعة، ثم تجلس إلى صلاة العشاء، ومعك ثلث ساعة كم ستقرأ فيها؟ وبعد أذان الفجر إلى وقت الإقامة نصف ساعة، كم ستقرأ؟ المهم أنه سيصبح لك فضل لا يعلمه إلا الله عزَّ وجلَّ.

من شاب شيبة في الإسلام

من شاب شيبة في الإسلام ومن الذين لهم وضع خاص مميز يوم القيامة: الذين يشيبون في الإسلام. يقول: إن الملوك إذا شابت عبيدهمُ في رِقِّهم أعتقوهم عتقَ أبرارِ شخص يقول: يا رب! إن الملك في الدنيا إذا شاب العبد عنده وأصبح شائباً أعتقه، يقول: تعبت وشبت في الخدمة، أنا أعتقك عتق أبرار. يقول: فيا رب، أعتقني، فقد شاب رأسي وأنا في رقك يا رب العالمين. الشيب في الإسلام نور يوم القيامة، كل شعرة في وجهك تأتي يوم القيامة بمنزلة المصباح تضيء لك يوم القيامة، لِمَا روى الترمذي والنسائي عن كعب بن مرة في الحديث، -وهذا صححه الألباني في صحيح الجامع - قال عليه الصلاة والسلام: (مَن شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة). بعض الناس يلطخ هذا النور، إذا بيَّض وجهُه بهذه الشعرات البيضاء من أجل أن تكون دليلاً على وقاره، ونوره يوم القيامة، عَمَد إلى المزيل أو الصباغ الأسود وسوَّد وجهَه، وعندنا إذا أردنا أن نسب شخصاً نقول له: سوَّد الله وجهك، وهذا يسوِّد وجهه بيده، وهذا حرام في دين الله عزَّ وجلَّ؛ لأن هناك حديثاً في صحيح الجامع، عن ابن عباس رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يكون قومٌ في آخر الزمان يصبغون بالسواد كحواصل الحمام، لا يجدون الجنة، ولا يدخلونها، ولا يجدون ريحها). والنبي صلى الله عليه وسلم قال في أبي قحافة: (غيروا شيب رأسه، وجنبوه السواد). فإذا شاب وجهك فافرح؛ لأن بعض الناس عندما يرى الشيب في وجهه يخاف! ماذا بك؟ يقول: الناس سيقولون: شائب! إذا جئتُ لأتزوج لا أجد من يزوجني، وإذا رأتني امرأة ووجدتني شائباً قالت: هذا لم يعد عنده فائدة، ولم تعد عنده مصلحة، والناس يقولون: شيبة. لا يا أخي! بل كلما زاد شيبك زاد وقارك، إياس بن قتادة بلغه الشيب ورأى شيبة في لحيته -وكانت لحاهم طويلة- فلما نظر إلى لحيته رأى الشيبة، فذهب إلى أولاده قال: [يا بَنِيَّ! إني أرى الموت يطلبني وإني أراني لا أفوته، وقد بلغني نذيره -يقول: وصلني نذيره ومرسوله- وقد وهبتُ لكم شبابي، فهبوا لي شيبتي] يقول: تعبتُ عليكم في شَبَّتِي فاتركوا لي شيبتي لنفسي أعبد الله، ثم اعتزل دنياه وسلمها لأولاده، كأنه قد مات، وجلس يعبد الله بالليل والنهار حتى هزل وضعف، فجاء إليه أولاده وقالوا: [يا أبتاه! إنك تموت هُزَالاً، قال: لأن أموت مؤمناً هزيلاً خير لي من أن أموت منافقاً سميناً]. فالشيب: (مَن شاب شيبةً في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة). ويروي البيهقي في شعب الإيمان، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشيب نور المؤمن، لا يشيب رجل شيبة في الإسلام إلا كانت له نوراً، وكان له بكل شيبة حسنة، ورُفِع له بها درجة). وللحديث شواهد، ففي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام: (لا تنتفوا الشيب)؛ لأن بعض الناس لا يصبغه، وإنما يزيله من أساسه: (لا تنتفوا الشيب فإنه نور يوم القيامة، ومن شاب شيبةً في الإسلام كان له بكل شيبةٍ حسنة، ورفع له بها درجة) وهذا الحديث رواه ابن حبان بإسناد حسن. وروى ابن عدي والبيهقي في الشُّعَب عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشيب نور في وجه المؤمن، فمن شاء فلينتف نوره) أتريد أن تطفئ نورك؟ إذاً فانتف حتى تأتي يوم القيامة ووجهك مظلم، لكن دع النور في وجهك، حتى تأتي يوم القيامة ووجهك مشع بنور الله عزَّ وجلَّ.

المحافظة على الوضوء

المحافظة على الوضوء من الذين لهم وضع خاص يوم القيامة: أصحاب الوضوء جعلني الله وإياكم منهم. أهل الوضوء هؤلاء لا أحد يراهم إلا وهم مستعدون للصلاة، هؤلاء استجابوا لله، وأقاموا الصلاة، وأتوا بالوضوء كما أمرهم الله، وكما سن لهم نبيهم صلوات الله وسلامه عليه فهؤلاء يُدْعَون يوم القيامة بآثار وضوئهم غُرَّاً مُحَجَّلين. الغر: بياض في الناصية؛ أي: في الجبهة. والحجال: بياض في القوائم. أهل الإيمان يُعْرَفون يوم القيامة بالوضوء، غُرٌّ يُبَيِّض الله وجوهَهم بآثار الوضوء، ويُبَيِّض الله أقدامَهم وأيديهم بآثار الوضوء، والحديث في صحيح البخاري، يقول عليه الصلاة والسلام: (إن أمتي يُدْعَون يوم القيامة غُرَّاً مُحَجَّلين من آثار الوضوء). يقول ابن حجر في شرح هذا الحديث: غُرَّاً، أي: جمع أغر أو ذو غرة، وأصل الغرة: لُمْعة بيضاء تكون في جبهة الفرس، ثم استعملت للجمال ولطيب الذكر، يقال: يوم أغر، جبين أغر، دهر أغر، أي: ليس مظلماً؛ فكذلك المؤمن يوم القيامة وجهه وجهٌ أغر. كيف ولماذا غُرَّاً؟ مِن آثار الوضوء. وأيضاً هذه اللُّمعة في جبين أو في جبهة الفرس أو الحصان نوع من الجمال، عندما ترى حصاناً أدهم أو أبيض، وبجانبه حصان أدهم؛ لكن في جبهته لمعة بيضاء، أما تعطيه جمالاً؟ بلى تعطيه. وكذلك المؤمن يوم القيامة يُعطى جمالاً. ومُحَجَّلين: أيضاً من التحجيل، وهو بياض يكون في قوائم الفرس، والتحجيل للمؤمن حليةٌ وجمالٌ له وزينةٌ يوم القيامة، يقول عليه الصلاة والسلام: (تبلغ الحلية من المؤمن مبلغ الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته) وقد قيل: إنه من إدراج الراوي، وقيل: من الحديث، أي: يبالغ في إطالة الغرة؛ فإنه يأتي معروفاً بها يوم القيامة، وبهذه الغرة والحلية والجمال النوراني يتميز أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أهل سنته يوم القيامة، وبها يعرف الرسول صلى الله عليه وسلم أمته من بين سائر الخلائق؛ لأن أمة الرسول ليست الأمة الوحيدة التي تبعث يوم القيامة، الأمم منذ آدم إلى يوم القيامة يبعثون كلهم، وتأتي أمة محمد صلى الله عليه وسلم فيعرفهم الرسول صلى الله عليه وسلم بآثار الوضوء وبالغرة في جبينهم، وبالتحجيل في قوائمهم، يقول عليه الصلاة والسلام، وقد مر يوماً على مقبرة -والحديث في صحيح مسلم - قال: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنَّا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أنَّا قد رأينا إخواننا فقال الصحابة: أوَلَسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابي، إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني، قالوا: كيف تعرف يا رسول الله من لم يأت بعد من أمتك؟ قال: أرأيتم لو أن رجلاً له خيل غُرٌّ مُحَجَّلة بين ظَهْرَي خيول دُهْمٍ بُهْمٍ ألا يَعْرِف خيله؟! قالوا: بلى يا رسول الله! قال: فإنهم يأتون يوم القيامة غُرَّاً مُحَجَّلين من آثار الوضوء، وأنا فَرَطُهُم على الحوض) وفرطهم أي: السابق لهم، والفَرَط هو الذي يسبقك، يقول: أنا فَرَطُهُم أي: أنا أسْبقهم، وأتقدمهم، وأرحب بهم على الحوض يوم القيامة. ويروي أحمد في المسند بسند صحيح، عن أبي الدرداء قال: قال صلى الله عليه وسلم: (أنا أول من يؤذن له بالسجود يوم القيامة، وأنا أول من يؤذن له برفع رأسه يوم القيامة، فأنظُرُ إلى ما بين يدي، فأعرف أمتي من بين الأمم، ومن خلفي مثل ذلك، وعن يميني مثل ذلك، وعن شمالي مثل ذلك، قال رجل: يا رسول الله! كيف تعرفهم من الأمم فيما بين نوح إلى أمتك؟ قال: هُم غُرٌّ مُحَجَّلون من آثار الوضوء، ليس أحد كذلك غيرهم، أعرفهم أنهم يؤتَون كتبهم بأيمانهم، وأعرفهم حين تسعى بين أيديهم ذراريهم) نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلنا وإياكم مِمَّن يُؤَمَّن من الفزع الأكبر يوم القيامة، وممن يظلهم الله في ظل عرشه يوم القيامة، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.

الأسئلة

الأسئلة

حكم حلق اللحية والإسبال

حكم حلق اللحية والإسبال Q أنا رجل في الأربعين من عمري، أحب أهل الخير ومجالستهم، ويشهد الله على ما في قلبي؛ ولكنني أحلق لحيتي وأطيل ثوبي، فهل يعتبر هذا مخالفة للشرع؟ A يا أخي الكريم! يا من تجاوزت الأربعين! ويا من بلغت أشدك وقربت من النزول؛ لأن الدنيا مثل الجبل، صعوداً إلى رأس الجبل، ثم تنزل من الجهة الثانية، فبعد الأربعين قد بلغ المرء أشده، يعني: لم يعد هناك صعود إلى فوق، لم يعد إلا نزول، فأنت الآن صعدت إلى القمة والآن ستنزل إلى الحضيض. وأيضاً رزقك الله حب أهل الخير ومجالستهم، فإن حب الخير حب لله، وحب أهل الخير حب لله، ومجالسة أهل الخير مجالسة لله، والشر كل الشر في كراهية أهل الخير، والسوء كل السوء في الإعراض عن أهل الخير. كن عالماً أو متعلماً أو محباً أو مجالساً، ولا تكن الخامس فتهلك، وهو المعرض والكاره والعياذ بالله. وما دمت تحب أهل الخير وتجالسهم، فلم يبقَ عليك إلا أن تعمل، ومِن العمل أَلا تحلق لحيتك، وألا تسبل ثوبك، فإنك إن حلقت لحيتك وأسبلت ثوبك فقد وقعت في مخالفة شرعية؛ لأن الأحاديث والأوامر جاءت بالنهي عن حلق اللحية، وجاءت بالنهي والتحريم عن إطالة الثوب بالإسبال، فماذا ينفعك حلق اللحية؟ يعني: بمن تريد أن تتشبه؟ لماذا تعرض نفسك للعذاب وأنت في غنى عنه؟ الذي يحلق لحيته يجد مشكلة مع لحيته، يريد أن يخصص لها كل أسبوع نصف ساعة إن كان بيده، وإن كان عند الحلاق فساعتين، ذهاب إلى الحلاق، وجلسة، وانتظار، ودبغ للحيته، ثم حلق، ثم نقود! ولِمَ كل هذا؟ دع وجهك يا أخي مليئاً، لحيتك في وجهك بدون تعب، هذا في الدنيا، وأما عذابها: فلا شك أنك تخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وتعرض نفسك للعذاب، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من رغب عن سنتي فليس مني). ولما رأى الرجلين اللذين كانا حليقين واللذين جاءا من اليمن وهما كافران، قال لهما بمجرد أن رآهما: (مَن أمركما بهذا؟ قالا: ربنا -يعنيان: كسرى- قال: أما أنا فقد أمرني ربي بإعفاء لحيتي وقص شاربي) فهي من أمر الله. وقال: (خالفوا المجوس) (خالفوا المشركين) (قصوا الشوارب وأعفوا اللحى) (أكرموا اللحى (أرخوا اللحى) (أسدلوا اللحى). وأنت رغم كل هذه الأوامر تحلق لحيتك؟ لماذا هذا يا أخي؟ ارفع عنها السكين، وأعلن معها الهدنة؛ فإنك بهذا تقيم سنة النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك إسبال الثوب من المَخِيْلَة، وإسبال الثوب سبب للعذاب، والحديث في صحيح مسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذاب أليم: -وذكر منهم- والمسبل إزاره)، فلا تسبل ثوبك، ولكن اجعل ثوبك إلى نصف الساق، فإن لم تقدر فإلى الكعب، أي: لك مساحة، من نصف الساق إلى الكعب، أكثرُ مِن نصف الساق غُلُوٌّ، دون الكعب وما تحته تفريطٌ، فلا تكن مُفْرِطاً ولا مُفَرِّطاً، بعض الشباب يرفع ثوبه فوق نصف الساق إلى ركبته، وبعضهم يرخيه إلى الأرض، والإسلام وسط وعدل، اجعل ثوبك في المستوى المعروف الذي أتاحته لك السنة، وأسأل الله لي ولك ولجميع المسلمين الهداية.

من أوتي القرآن ورأى غيره أفضل منه

من أوتي القرآن ورأى غيره أفضل منه Q ذكرتَ في بعض المناسبات أن مَن أوتي القرآن ورأى أن غيره أفضل منه، فقد ازدرى الدين، أو ازدرى نعمة الله، فهل يعتبر ذلك أيضاً فيما لو أننا رأينا أحداً من العلماء أو من الدعاة أفضل منا؟ أرجو توضيح ذلك! A لا. لا يعتبر هذا، الاعتبار هو: مَن أوتي القرآن والعلم والدين، ثم رأى أن غيره من أهل الدنيا ومن أهل المادة ومن أهل الشيء الفاني أفضل منه. أما إذا رأيت أن غيرك من أهل العلم أفضل منك في القراءة، أو في القرآن، أو في العلم، فالناس يتفاضلون، ولهذا جاء في الحديث: (انظروا إلى من هو دونكم في الدنيا، ومن هو فوقكم في الدين، حتى لا تزدروا نعمة الله عزَّ وجلَّ).

معنى قوله تعالى: ((ويؤثرون على أنفسهم))

معنى قوله تعالى: ((ويؤثرون على أنفسهم)) Q ما معنى قول الله عز وجل: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9]؟ A معنى هذه الآية: أن الله عزَّ وجلَّ يصف الصحابة الأنصار، ويصف من سار على أسلوبهم وشاكلتهم إلى يوم القيامة بالإيثار، وهو إعطاء الغير هذا الشيء مع الحاجة إليه. يُؤْثِرُون أي: يُفَضِّلُون، ويُقَدِّمُون غيرهم في الفضل والخير على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، تجده جائعاً وهو يتصدق، وعارٍ وهو يكسي، وفقير وهو ينفق، وهذا أعظم شيء، فالصحابة رضي الله عنهم كانوا هكذا، ليس عندهم شيء ويعطون الناس، {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى} [الإنسان:8] ماذا؟ (حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً} [الإنسان:8 - 9].

حكم أخذ راتب الخميس والجمعة من الدولة

حكم أخذ راتب الخميس والجمعة من الدولة Q هناك أناس يذكرون أن راتب يومي الخميس والجمعة حرام على الموظف! هل هذا صحيح؟ A لا. هذا ليس بصحيح، وهذا من الغلو، يوما الخميس والجمعة عطلتان رسميتان أتاحهما النظام وولي الأمر لترتاح فيهما؛ لكي تباشر عملك فيما بعد وأنت نشيط، فتأخذ راتبهما حلالاً، وليس فيه شيء إن شاء الله.

معنى ((إنما يخشى الله من عباده العلماء))

معنى ((إنما يخشى الله من عباده العلماء)) Q ما معنى قول الله عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28]؟ A معنى هذه الآية، والناس كثيراً ما يغلطون فيها: بعضهم يقول: إنما يخشى اللهُ من عباده العلماءَ، يعني: أن الله يخاف من العلماء، وهذا خطأ، بل {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ} [فاطر:28] لفظ الجلالة هنا: مفعول مقدم، أي: إنما تقع الخشية لله من العلماء: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر:28] فالعلماء فاعل مؤخر، ولفظ الجلالة مفعول مقدم، وقُدِّم للاختصاص، فإنها لا تقع الخشية إلا لله، كما قُدِّم المفعول على الفاعل والعامل في: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:4] لَمْ يقل الله: نستعين بك ونعبدك؛ بل قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:4] فتقديم المعمول على العامل من أجل بيان الاختصاص، وهذا سبب تقديمه هنا.

الدخول بالبنات يحرم الأمهات والعقد بالبنات يحرم الأمهات

الدخول بالبنات يحرم الأمهات والعقد بالبنات يحرم الأمهات Q تزوجتُ ثم طلقتُ قبل الدخول بها، وهذه الزوجة ابنة عمي، فهل تصبح أمها بعد الطلاق من المحارم؟ A نعم. تحرم عليك الأم قبل الدخول ببنتها؛ لكن لا تحرم عليك البنت بالعقد على أمها، إذا تزوجت بامرأة وعقدتَ عليها، وكان لها بنت ولم تدخل بالأم فالبنت لا تصبح أنت محرماً لها، فالأمهات يحرمن بالعقد على البنات، والبنات يحرمن بالدخول على الأمهات.

يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب

يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب Q لي أخت من الرضاعة رضَعَت معي مدة طويلة، فهل أنا محرم لها؟ وهل يجوز أن تكشف وجهها لي أثناء الطعام؟ وهل توبتي مقبولة من المعاصي التي كنت أعملها، واليوم والحمد لله رجعت إلى الله، وما هو رأيكم؟ A أختك من الرضاعة التي رضعتَ من أمها، أو رضَعَتْ هي من أمك مدة شرعية وهي: خمس رضعات، أصبحت أختك كأختك من النسب، فتحرم عليك، ويحل لها أن تكشف عليك، وتنظر إليها، وأنت محرم لها كما لو كانت أختك من النسب، غير أنك لا ترثها ولا ترثك، فيحرم فقط النكاح، ويجوز أن تكشف عليك. أما توبتك من الذنوب فإنها مقبولة إن شاء الله إذا توفرت فيها شروط التوبة الصحيحة، وهي: 1 - الإقلاع عن الذنب. 2 - الندم على ما فات. 3 - العزم على عدم العودة إليه. 4 - إذا كان متعلقاً بآدمي فتتحلل من صاحبه.

أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل

أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل Q أنا امرأة أسال عن حكم: أنني في بعض الأيام لا أصلي التهجد بسبب أن ابنتي صغيرة، وأكون في بعض الليالي والأيام مريضة؟ A ليس هناك شيء؛ إذا كانت هناك امرأة تتهجد في الليل؛ لكن حصل عندها أن ابنتها مريضة، وسهرت عليها، وما عندها وقت لتقوم وتصلي، فما عليها شيء إن شاء الله، وإن كان أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل، والمؤمن إذا عمل عملاً فيستحب له أن يداوم عليه حتى لو كان قليلاً، ولا يكون كالمُنْبَتِّ الذي لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع؛ ولكن هذه المرأة طالما وأن لها عذراً في تركها فلا شيء عليها إن شاء الله، وعليها أنها تستمر حينما يذهب هذا العائق.

الرضاعة تحرم على الراضع

الرضاعة تحرم على الراضع Q أنا شاب أردت أن أخطب ابنة عمي؛ ولكني وجدتُ أن أخي رضع مع أخيها من أمها، فهل يجوز لي الزواج منها أم لا؟ ووالدتي لا تدري كم عدد الرضعات التي رضعها أخي وأخوها؟ A إذا كان أخوك هو الذي رضع من تلك المرأة، فإنه يصبح أخاً لجميع الأبناء الذين خرجوا من صلب هذا الرجل ورضعوا من لبن هذه المرأة، أما أنت فلا. وليست لك علاقة، ويجوز أن تتزوج بالبنت التي رضع أخوها مع أخيك، إلا إذا كانت هي رضعت من أمك، أما إذا كان رضاعاً متبادلاً فقد أصبحت أختك، أما فقط من أمها فالرضاع يحرِّم على الراضع، ولا ينتشر إلى غيره.

حكم استعمال صبغة الشعر

حكم استعمال صبغة الشعر Q كثير من الناس يستخدمون صبغات للشعر في الرءوس والأذقان، منها: الأسود، ومنها: الأحمر، فما حكم استعمال هذه الصبغات؟ A لا يجوز استعمال أي صبغة إلا ما بيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (وجنِّبوه السواد)؛ ولكن الحناء وهو معروف، والكتم وهو مادة توضع على الحناء وتخلط بها ثم توضع على اللحية فتبدو اللحية بُنّية اللون، ليست حمراء ولا سوداء، وإنما بين السواد والحمرة، فهذا ليس فيه شيء، أما السواد الخالص أو الألوان البراقة التي تستخدمها النساء؛ كألوان المكياج، فهذا لا ينبغي، وطبعاً السواد يحرُم على الرجل والمرأة، فكما هو محرّم على الرجل فكذلك المرأة يحرم عليها إذا كانت عجوزاً أن تذهب لتلطخ رأسها وقصتها بالسواد حتى تبدو كأنها شابة؛ لأن التغرير محرّم، سواءً على الرجل أو على المرأة.

الفرق بين الهدية والرشوة

الفرق بين الهدية والرشوة Q ما الفرق بين الهدية والرشوة؟ A الفرق بين الهدية والرشوة أن الهدية ليس لها مبرر إلا الحب أو الصلة، أو المعرفة، تهدي لشخص بينك وبينه معرفة، أو صداقة، أو محبة، وليس لك من ورائها أي منفعة دنيوية. أما الرشوة فتقدمها لشخص ولكن لك عنده غرضٌ، إذا كان موظفاً أو مديراً أو أميراً، أو كان في أي وظيفة ولك معاملة عنده، وتعرف أنها لا تمشي إلا بشيء، فتقدم له هدية، فإذا أكمل العمل انتهى، هذه هي الرشوة تلبس ثوب الهدية، وهي ممقوتة ومحرمة. أما إذا كان شخصٌ بينك وبينه صداقة، فأهديت له فليس فيه شيء: (تهادوا تحابوا).

مجالسة تارك الصلاة

مجالسة تارك الصلاة Q لي زملاء لا يصلون، وأنا أجلس معهم، وآكل معهم، وأذهب إلى الصلاة وأتركهم، وأنا أعرف أنهم لا يصلون، فماذا أفعل، وبماذا تنصحني؟ A أنصحك بسرعة مفارقتهم ما داموا لا يصلون فإنهم كفار، ولا يجوز مؤاكلة الكافر ولا مشاربته ولا الجلوس معه، وإذا كنت قد نصحتهم فالحمد لله، وإذا كنت لم تنصحهم فامكث معهم فترة تنصحهم، وبيّن لهم خلال فترة زمنية معينة الحكم الشرعي، فإن استجابوا فالحمد لله، وإن لم يستجيبوا فاتركهم واذهب، فإنهم قومٌ ذو جرب، ونخشى عليك أن يصيبك مِن جَرَبِهم.

بيان الأجانب والمحارم من الأقارب

بيان الأجانب والمحارم من الأقارب Q هل يجوز للمرأة أن تكشف على زوج خالتها، وزوج عمتها، وأخو زوجها، وزوج أخت زوجها، وزوج أختها، وعم زوجها، وخال زوجها، وابن عم والدها؟ A لا؛ لأن زوج خالتها أجنبي، ولو طلق خالتها لجاز له أن يتزوجها، وزوجُ عمتها كذلك؛ لأن زوج عمتها أجنبي عنها، لو طلق عمتها لجاز له أن ينكحها، وأخو زوجها لا يجوز لها أن تكشف له، بل هو الحمو، والحمو الموت، والحديث في الصحيحين: (الحمو الموت، الحمو الموت، الحمو الموت). وزوجُ أخت زوجها وزوج أختها لا تكشف عليهما؛ لأنهم أجانب عنها، وعمُّ زوجها أخ لأبي الزوج لا يجوز أن يكشف عليها؛ لأن زوجها لو طلقها لجاز لذلك الأول أن يتزوجها، وخالُ زوجها: لا يجوز، وابنُ عم والدها: لا يجوز كذلك. كل هؤلاء من الأقارب الذين لا يحل لهم، وهناك ضابط في الموضوع، وهو: أن المحرمات على قسمين: 1/ محرمات على التأبيد. 2/ محرمات على التوقيت. فمن حرمت على الإنسان على التأبيد جاز له أن يكشف عليها. ومن حَرُمَت مؤقتاً لَمْ يَجُز، الآن زوجتك محرمة عليَّ الآن؛ لأنها في عصمتك؛ لكن لا يجوز لها أن تكشف لي؛ رغم أنها محرمة عليَّ، لأنك لو طلقتها لجاز لي أن أنكحها، أليس كذلك؟ وكذلك امرأة أخيك محرمة عليك؛ لأنها امرأة أخيك، لكن لو طلقها أخوك أو مات عنها لجاز لك أن تنكحها. أما التي يجوز لها أن تكشف عليك -سواءً كانت مزوجة أو غير مزوجة- فهي التي لا يجوز أن تنكحها إلى الأبد؛ لأنك مَحرم لها.

حكم اللعن

حكم اللعن Q ما حكم لعن الزوج لزوجته وما حكمه مازحاً؟ A لا يجوز لعن الزوج لزوجته، وهو محرم، ولا يجوز لعن الزوج لأي شيء أو الزوجة أو غيرهما، فاللعن هو: الطرد والإبعاد عن رحمة الله. وصدق السائل: هناك بعض الناس يمزح ويقول لزوجته: اسقيني الله يلعنكِ، أين السقاء؟ أين العشاء ما جاءنا اليوم؟ ما للعشاء اليوم ليس حسناً؟ الله يلعنك! فتقول: أنت أنت متكبر الله يلعنك! ويضحكون واللعنة تمشي، هؤلاء سماهم النبي صلى الله عليه وسلم (الصَّقَّارون)، تحيتهم: اللعنة. فلا يجوز اللعن، لا جاداً ولا مازحاً، ومن وقع فيها فليتُب إلى الله عزَّ وجلَّ؛ ولكنه ليس طلاقاً كما يفهم بعض الناس، بعض الناس يقول: لعنتُ زوجتي، ما رأيكم؟ نقول: أخطأتَ وأذنبتَ، وعليك أن تسترضيها، وأن تستغفر الله, وأن تحسن إليها، أما أنه طلاق فلا، الطلاق له عبارات وله كنايات، إذا لم يقع بالعبارات الصريحة فبالكنايات التي يُفهم منها حصول الطلاق، أما هذا فليس طلاقاً.

حكم تطويل الأظافر

حكم تطويل الأظافر Q ما حكم تطويل الأظافر؟ A تطويل الأظافر مخالفة للسنة؛ لأن من السنة: (خمسٌ من الفطرة: وذَكَرَ منها: تقليم الأظافر). وانظروا إلى البشرية يوم أن حادت عن السنة، عادت إلى شريعة القطط والكلاب، فتنظر إلى المرأة وقد أطالت أظافرها وكأنها قطة، ثم صبغتها باللون الأحمر وكأنها كانت تنْخُش دماً، وصبغت فمها باللون الأحمر وكأنها طلته بدم، ويرون هذا جمالاً! ما هذا الجمال؟! هذا جمال القطط والكلاب والعياذ بالله. فلا ينبغي لك أن تطلق أظافرك، ولا أظافر زوجتك، بل عليك أن تتعاهدها وتقلِّمها لِمَا في ذلك من الضرر. والعلماء يحققون ويقولون: إن في التقليم مصالح كثيرة: أولاً: أن الأقذار والجراثيم تستقر تحت الأظافر، فلا تستطيع أن تظل تخلِّل وتنظِّف أظافرك كل مرة؛ لكن قلمها، وانتهى! ثانياً: إذا حصل خصام أو مضاربة وعندك أظافر فهذه تصير مثل الأسلحة؛ ومثل السكاكين، انظر إلى أولادك إذا تخاصموا وفيهم أظافر، كيف ترى بعضهم يخمش بعضاً، وكأنهم تجارحوا بسكاكين، وكذلك إذا خاصمتَ امرأتك وعندها أظافر فإنها تخمش وجهك، وترسم في وجهك خريطة بأظافرها، فاجعلها تُقلِّم أظافرها، حتى إذا حدث شيء تكون في أمان، أي: لن يحصل لك شيء وإن وصلك منه شيء لا يسيل دمك.

حكم قطيعة رحم من وصلته فطردك وقطعك

حكم قطيعة رحم من وصلته فطردك وقطعك Q رجل يقاطع أرحامه، وعندما يذهبون إليه يطردهم، ويسألهم بالله أَلا يذهبوا لزيارته، ولا يدخلوا بيته، فماذا يفعلون؟ هل يستمرون في ذلك أم يقاطعونه؟ A هذا الرجل مخطئ وآثم، وقد باء بإثمهم وإثمه؛ لأنه ينبغي لك إذا وجدت أيَّة بادرة من الناس الذين بينك وبينهم شيء أن ترحب عندما تراهم، قل: أهلاً، حياك الله، لتكبر فيه نفسَه التي عندها حماس أنها تلغي الصلة التي بينك وبينه. أما أن يأتيك إلى بابك، ويدق عليك، وتقول: قولوا له ليس موجوداً، أو تجبه من أعلى، أو تقول له: أنت مطرود من بيتي، فهذا قد برئت ذمته، ويكون على هذا الشخص الإثم من الطرفين، وأنت يا من عملت ماذا تفعل؟! استمر في المناسبات والأعياد، ودعه يقول لك: مطرود، قل: حسناً! اللهم فاشهد عليه أنني جئت إلى بابه. فهنا يبوء بإثمك وإثمه.

معنى التعدي في قوله: (من تعدى فقد أساء وظلم)

معنى التعدي في قوله: (من تعدى فقد أساء وظلم) Q قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ومن تعدى فقد أساء وظلم) هل المقصود به الزيادة على الغسلات الثلاث في الوضوء، أم الزيادة على أعضاء الوضوء المحدودة؟ أرجو التوضيح! A هذا الحديث ورد في صحيح مسلم بالأمر في الاقتصاد أثناء الوضوء ولو كان على نهر، وعليك أن تتعود على الاقتصاد حتى في بيتك، فإذا جئت لتفك الصنبور فليكن بقدر حاجتك إلى الماء , وإذا لم تحب أن تغلقه بحيث يكون مستمراً ففكه قليلاً، وهكذا. أما أن تفك الصنبور إلى آخر شيء، وتظل تغسل، فإنك تغسل بقليل في يديك، والباقي مثله عشر مرات يذهب في غير يديك، فهذا من الإسراف. ثم تغسل مرة أو مرتين، والسنة ثلاثاً، ومن تعدى أي: تجاوز العدد، فقد أساء وتعدى وظلم، والمجاوزة والتعدي والظلم ممقوت في دين الله عزَّ وجلَّ، والمقصود به: الزيادة على الثلاث، والزيادة أيضاً على الأعضاء، مثل: شخص يريد أن يغسل رجليه فيغسلهما إلى بطنه، لا. هذا لم يعد غسلاً، وبدلاً من أن يمسح رأسه يدخل رأسه تحت الصنبور ويغسله، لا. هذا أيضاً تعدٍّ، تقيَّد بالشرع ومارسْ حدود العبادة فيما أحل الله، وفيما أباح الله تبارك وتعالى.

حكم توكيل المؤذن في الأذان

حكم توكيل المؤذن في الأذان Q أنا مؤذن في جامع ولي أشغال؛ ولكنها ليست دائمة، ووكَّلتُ شخصاً معروفاً باستمراره في المسجد غالب وقته قبل الأذان وبعد الصلاة؛ فغالب الوقت لا أذهب إلى الأذان اعتماداً على الله ثم على ذلك الرجل الذي قال لي: أيُّ يوم تغيب فيه عن المسجد أنا وكيلك فيه على الأذان! A المهم أن يكون المسجد عامراً سواءً بك أو بمن توكله، لا تضيع فريضة الله، فإذا كان عندك شغل؛ لأنه لا يوجد شخص في الدنيا يسلم من الأشغال، حتى الملك يأخذ له إجازة، ويرتاح من عمله قليلاً، والوزراء يأخذون إجازات، ولا يوجد شخص يمكث على عمله (100 %) لا بد أن ينتاب الإنسانَ ظرفٌ؛ إما أن يسافر أو يذهب أو تحصل له ضيافة أو يذهب إلى عمرة أو إلى حج أو يستضاف، فهذه العوائق ترد على البشر، لا نريد أن نقول للإمام والمؤذن: كونا مواظبين لا تذهبا، أو لا تتركا، لا. بل إذا حصل عندك ظرف من هذه الظروف وأنت إمام أو مؤذِّن فوكِّل. ولكن الممقوت أن تكون موجوداً ولا تؤذن، أو تكون موجوداً ولا توكِّل، أو تذهب ولا توكِّل، فيضيع المسجد، هذا لا يجوز في دين الله وأنت آثم به. لكن ما دام الأمر قائماً، والعمل تام بفعلك، أو بفعل وكيلك، فليس هناك شيء إن شاء الله.

جمال طول رقاب المؤذنين

جمال طول رقاب المؤذنين Q بالإمكان أن توضح جمال طول الرقاب بالنسبة للمؤذنين؟ A قد بيَّنتُ دون أن نتعرض لغير الجميل؛ لأن العبرة هي التقوى كما تعلم، جزاك الله خيراً. وأنا لا أتعرض لنوعٍِ من التجريح للذي ليس رقبتُه طويلة؛ لأن ربي هو الذي خلق الرقاب، لستُ أنا، ولا الشخصَ نفسَه الذي خلق رقبته؛ لكني أبيِّن أن طول الرقاب نعمة من نعم الله وجمال، فإذا منّ الله عليك بأن كانت رقبتك طويلة في الدنيا، وأيضاً رقبتك طويلة في الآخرة من الأذان فهذا جمالٌ، أما إذا لم يجعل الله عز وجل رقبتك طويلة، فما عليك إلا أن تصبر على خلق الله عز وجل، وليس معنى هذا: أن فيك عيباً أو قدحاً! لا. فإن الخالق لك هو الله، والذي يعيب الصنعة إنما يعيب الصانع. أسأل الله الإعانة والتوفيق.

وقرن في بيوتكن

وقرن في بيوتكن خلق الله الخلق ليعبدوه، وأرشدهم إلى سبل طاعته، وفتح لهم أبواب النجاة، وركب فيهم ما يوصلهم إلى بر الأمان بسلام؛ فجعل فيهم عقلاً يفكر، ونفساً تلوم، وجسداً يعمل، وروحاً متعلقة بخالقها، وقلباً هو ملاك ذلك ليرشدهم إلى ما فيه الخير والصلاح، فهذه خمسة أجزاء للإنسان تعمل فيه كيما يطيع ربه.

الغاية من خلق الإنسان

الغاية من خلق الإنسان الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيتها الأخوات في الله: ما معنى أن يعيش الإنسان سبهللاً؟ وما قيمة الإنسان إذا لم يكن لعيشته هدف أو غاية؟ وتتنوع الغايات والأهداف في حياة الناس بحسب توجهاتهم ومعتقداتهم.

استحالة خلق الإنسان عبثا

استحالة خلق الإنسان عبثاً لقد ظن قومٌ أن هذه الحياة فرصة للأكل والمتع والشهوات واللذائذ، فتنافسوا على الرغيف، وقضوا حياتهم في تلبية نزواتهم وشهواتهم ومتعهم ولذائذهم، وهذه الأهداف أهداف هزيلة وضئيلة لا قيمة لها؛ لأن الإنسان يشارك فيها الحيوان، والحيوانات لا تتجاوز أهدافها في هذه الحياة هذه الأهداف. والله تبارك وتعالى يعيب على الكفار أن تكون تحليلاتهم لهذه الحياة عند هذا المستوى، فيقول جل ذكره: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12]، ويقول عز وجل للنبي صلى الله عليه وسلم: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] ويقول سبحانه وهو يخبر أن هؤلاء هم الذين ذرأهم الله للنار: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179]. إذاً: ليست الأهداف من خلق الإنسان أن يأكل ويشرب، ويتمتع وينكح وينام؛ هذه أهداف البهائم إذاً ما الهدف؟ هل يعيش الإنسان من أجل أن يموت؟ لأن نهاية الحياة الموت، لقد كان عدماً قبل أن يأتي، فلو كان الغرض من خلق الإنسان أن يموت لتركه الله في الأصل؛ عدماً، إذ ما معنى أن يأتي عبر تلك المراحل الشديدة، تسعة أشهر في معاناة وحمل وكره من قبل الأم، ثم وضع في كره، ثم إرضاع سنتين في تعب، ثم تربية إلى أن يكبر، ثم مجاهدة في الحياة وتعب ومعاناة وأمراض، وكد وكدح، والله تعالى يقول: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4] والكبد: هو المعاناة، ثم بعد ذلك يموت وتنتهي الرحلة ولا يكون أي غرض غير هذا؟! أيخلق الإنسان من أجل أن يعاني ويتعب، ويكد وينصب ثم يموت؟ لا والله! إن الله عز وجل منزه عن العبث، يقول الله عز وجل: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116] ويقول عز وجل في آية أخرى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً} أي: عبثاً: {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي: هذا زعم الكفار: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص:27]. ويقول تبارك وتعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:16 - 18].

أمران يحددان للإنسان الغاية من خلقه

أمران يحددان للإنسان الغاية من خلقه إن الإنسان لا معنى لوجوده، ولا قيمة له ما لم يفهم أمرين رئيسين، فإذا فهمهما تحدد سيره، واستقام خطوه على درب الحياة، هذين الأمرين هما: الأمر الأول: أن يعرف من هو. والأمر الثاني: أن يعرف لماذا خلق. إذا فهم وعرف هذين الأمرين فإنه بلا شك تتغير نظرته إلى الحياة، ويتغير منهجه، ويعرف أنه مخلوق مميز، يقول الشاعر في الإنسان: دواؤك فيك وما تبصر وداؤك منك وما تشعر وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر الإنسان مخلوق مميز بنص القرآن، يقول الله تعالى: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:14] خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وأنزل عليه كتبه، وبعث إليه برسله، وهيأ له جنته إن أطاعه، وتوعده بناره إن عصاه. هذه وظيفة الإنسان، لا يمكن أبداً أن يعرفها إلا من خلال معرفة الأمرين اللذين سوف نذكرهما إن شاء الله: من أنت أيها الإنسان؟ والذي يؤسف له -أيتها الأخوات- أن الإنسان رغم تطوره وثورة المعلومات التي يوصف بها هذا العصر، ورغم العلم والتكنولوجيا، وغزو الفضاء، وتفجير الذرة، وتطويع المادة رغم كل هذه العلوم إلى الآن لا يعرف نفسه! صحيح أنه يعرف الكائن الجسدي، وهذا ليس الإنسان فقط، فالكائن الجسدي جزء واحد بسيط من مكونات الإنسان، لكن البشرية اليوم لا تعرف إلا هذا الكائن، تعرف الهيكل العظمي المربط بتلك الأعصاب، والمغطى بتلك اللحوم والعضلات، الذي تجري بداخله تلك العروق، ومركبة فيها تلك الأجهزة: سمعي، وبصري، وهضمي، وتنفسي، وتناسلي، وعظمي كل هذه الأجهزة! هذا هو الإنسان في نظر الناس الآن، وهل هذا هو الإنسان؟ لا. هذا جزء من الإنسان، وهذا الجزء لا يتعلق به مدح ولا ذم، ولهذا لم يأت في كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله مدح الناس بناءً على أجسامهم، بل ذم الناس إذا نظروا إلى هذا المعيار أو هذا المقياس، قال عز وجل في المنافقين: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون:4] أجسام لكنها خشب؛ نظراً لأن قلوبهم خاوية من الإيمان، وقال عليه الصلاة والسلام في حديث صحيح: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم). وجاء في القرآن في آية واحدة في سورة البقرة ثناء على الجسم لكن تبعاً للإيمان والعلم، وذلك في قصة طالوت، قال الله عز وجل: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة:247] فإذا آتى الله الإنسان بسطة في العلم والإيمان وزاد الجسم كان ذلك طيباً لقوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير) لكن جسماً بغير دين ولا علم ولا إيمان لا يغني ولا ينفع: يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته أتبعبت نفسك فيما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان لم تكتسب إنسانيتك أيها الإنسان من جسدك، ففي البهائم والحيوانات من هو أقوى من الإنسان، البعير أكبر جسماً من الإنسان، والأسد أقوى عضلات من الإنسان، والفيل أضخم جسماً من الإنسان، وهناك حيوانات أكثر ذكاء من الإنسان، الثعلب من أذكى المخلوقات، وهو أذكى من الإنسان، الثعلب بدهائه وبمكره يستطيع أن يغلب الإنسان في كثير من الأمور، بل حتى البعوضة تمتص دم الإنسان ولا يستطيع أن يمتنع منها. إذاً! ليس سر التكريم في الإنسان هو الجسد؛ الجسد هو بمنزلة الجهاز، وهذا الجهاز لا يعمل بمفرده، لا بد من تشغيل له، وهو الذي سوف نتحدث عنه إن شاء الله الآن.

أجزاء الإنسان الخمسة أهميتها ودورها

أجزاء الإنسان الخمسة أهميتها ودورها فأولاً: من الإنسان؟ الإنسان مكون من خمسة أجزاء رئيسية:

الجزء الأول: الجسد

الجزء الأول: الجسد وهو أقلها شأناً، بدليل: أنه إذا تخلت الأجزاء الأربعة البقية عن الجسد لا يبقى له قيمة. إذا مات الإنسان ما الذي يخرج من الإنسان؟ عينه موجودة في الجهاز البصري، وأذنه موجودة في الجهاز السمعي، وقلبه موجود، وكليتاه موجودتان، ورئته موجودة، والكبد موجود، وجميع الأجهزة موجودة، لكن من يأخذ هذا الإنسان ولو بريال واحد؟ لا أحد يشتريه، وإنما يحول مباشرة إلى المقبرة وينتهي ما لك قيمة إلا بقدر ما للأشياء الأخرى الأربعة من قيمة! هذا الجسد الذي ذكرناه لسنا بحاجة إلى الإطالة في موضوعه؛ نظراً لأن الناس قد اهتموا وبالغوا فيه، وجعلوا كل اهتماماتهم مركزة على حماية الجسد؛ إذا مرض الجسد عالجوه، وإذا جاع الجسد أطعموه، وإذا عطش سقوه، وإذا برد أدفئوه، وإذا احتر بردوه حياة الناس حياة جسد، لكن الحياة الأخرى التي هي أجزاء الإنسان هي التي أهملت في حياة الناس ولهذا يعيشون حياة أقرب إلى البهيمية منها إلى الإنسانية المكرمة، والتي يقول الله تعالى فيها: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:70] هذا الجزء الأول، أي: الجسد.

الجزء الثاني: الروح

الجزء الثاني: الروح وهذه الروح هي الطاقة المشغلة لجهاز الجسد، فما دامت الروح موجودة في الجسد فإنه يعمل، وإذا ما خرجت الروح يتوقف الجسد عن العمل؛ مثل التلفاز عندما ينقل الصورة، يعمل عن طريق طاقة الكهرباء، إذا فصلنا الكهرباء لا يعمل، رغم أن الشاشة موجودة واللاقط موجود، والعدسة التي تنقل الصورة موجودة، لكن فصلنا الطاقة التي تشغل كل هذه الأجهزة. وكذلك الجسم الجسم موجود، لكن إذا خرجت الروح التي كانت تشغل هذا الجسد توقف، ولهذا تسمعون عن عمليات زرع الأعضاء، تخرج الروح من جسد إنسان فيأخذون قلبه ويزرعونه في قلب إنسان آخر لا تزال الروح فيه، فيشتغل القلب في الإنسان الجديد، رغم أنه قد توقف في الإنسان الأول، ما الذي أوقفه هنا؟ عدم وجود المشغل وهي الروح، ولماذا اشتغل هناك؟ لأن الروح موجودة إذاً الحياة ليست في القلب، الحياة في الروح، وكذلك الكليتان؛ تؤخذ من الشخص الذي يراد نزع الكلية منه وقد توقف، فيأخذونها ويضعونها في إنسان حي فتعمل، من شغلها؟ إنها الروح. إذاً ما هي الروح؟! هذا شيء استأثر الله بعلمه، ولم يخض فيه حتى سيد البشر صلوات الله وسلامه عليه، ولما سأله اليهود عن الروح فوض أمره إلى الله وقال: حتى أتعلم من ربي، وجاءه الجواب من الله عز وجل في سورة الإسراء: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:85]. ولما استأثر الله بعلم الروح بقي الناس إلى يومنا هذا، وإلى قيام الساعة لا يعلمون شيئاً عن الروح، ولو أمكن الوصول إلى حقيقتها ومعرفة أسرارها لما خفيت على الإنسان في هذا الزمان، خصوصاً بعد الكشف العلمي الهائل، الذي اكتشفوا فيه حتى الفيروسات وصغار الجراثيم. يوجد الآن ميكروسكوب إلكتروني يكبر الأجزاء والأجسام، يكبرها ثلاثة مليون مرة، فلا يوجد شيء خفي الآن، لكن الروح هل استطاعت البشرية اليوم أن تعرف عنها شيئاً؟ ما عرفت، وقد قرأت قبل فترة أن طبيباً في أمريكا أجرى أبحاثاً على الروح، وأحضر مريضاً في ساعاته الأخيرة يلفظ أنفاسه، وسلط عليه أجهزة دقيقة لقياس الحركات التي تدخل عليه وتخرج منه، عبر الأجهزة، وعبر صناديق زجاجية وهذا رصد دقيق وبعد ذلك مات الرجل ولم تسجل تلك الأجهزة أي حركة، بمعنى أن الروح لا يمكن ضبطها من قبل الإنسان ولا معرفة سرها؛ لأن الله عز وجل قال: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء:85]. وما دام من أمر الله فلا يمكن أن يطلع عليها أحد إلا بأمر الله، ومن الذي يطلع عليها؟ كان من الممكن أن يطلع عليها النبي صلى الله عليه وسلم، عن طريق الوحي، فهو المبلغ عن الله وما بلغنا شيئاً عن الروح، ولكنه صلى الله عليه وسلم أخبرنا بحديث واحد فقط، قال صلى الله عليه وسلم: (أول ما يتبع الروح البصر). وأمرنا إذا حضرنا جنازة ميت أن نغمض عينيه إذا مات؛ لأن الروح إذا خرجت فالبصر يلحقها، ولهذا تجد عيني الميت مشخصة إلى الأعلى، فأمرنا الشرع أن نطبق عينيه وأن نغمض عينيه، هذا كل ما نعرفه من الروح، أما أين هي؟ وما حقيقتها؟ ومتى تأتي؟ ومتى تذهب؟ فقد أخبرنا الله عز وجل أن الروح يحصل لها مفارقة للجسد في حالتين: الحالة الأولى: حالة الموت. الحالة الثانية: حالة النوم. فحالة الموت تفارق الجسد نهائياً، ولا تعود إليه إلا يوم القيامة. وحالة النوم: تفارق الجسد مفارقة مؤقتة، وتبقى على اتصال بالجسد، لكن تجد النائم لو وضعت عند أنفه رائحة عطر هل يشمها وهو نائم؟ لا. ولو فتحت عينيه ووضعت أمامه منظراً لا يراه وهو نائم، ولو تكلمت عند أذنه بكلام بسيط لا يسمع وهو نائم لماذا؟ لأن الذي يسمع ويشم ويرى غير موجود وهي الروح، تريده أن يشم؟ تريده أن يسمع؟ تريده أن يرى؟ أيقظه يشم الرائحة، ويسمع الأصوات أين كانت الروح أثناء النوم؟ لا ندري، وقد كنت مرة وأنا أتهيأ للنوم أفكر كيف يمكن أن يأتي النوم؟ ومن أي باب يدخل، ومن أي شباك يأتي؟ وبقيت أفكر وجعلت البطانية تحت قدمي، ثم جعلت البطانية من عند رأسي ثم أدخلتها من تحت جنبي الأيسر، وأفكر الآن. كيف أنام؟ وفجأة وإذا بي أنام وأنا لا أدري، يقول الله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} [الزمر:42]. ولهذا جاء في الحديث أن العبد إذا قام من النوم يقول: (الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور) ويقول إذا أتى لينام: (باسمك ربي وضعت جنبي، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها -أي أعدتها- فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين). هذا كل ما نعرفه عن الروح، أما غير ذلك فلا نعرف، هذه هي سر من أسرار الله التي لا نطلع عليها، ولن نطلع عليها، ولم يطلع عليها أحد إلى يوم القيامة، هذا الجزء الثاني من أجزاء الإنسان.

الجزء الثالث: النفس

الجزء الثالث: النفس وهذه النفس يسميها العلماء مستشار أول للقلب، إذا أراد القلب أن يعمل عملاً أو يصدر أوامر إلى العين أو الأذن أو اللسان، أو اليد، أو الرجل، أو الفرج، أو البطن أو إلى أي تصرف من أعضاء الجسد، قبل أن يصدر تأتي النفس تقدم له مشورة. ولكن المصيبة في النفس أن استشاراتها ومقاييس الاستشارة عندها الشهوات والمتع والراحة والانفلات وعدم القيود؛ لأنها تحب الدعة والنوم والكسل. هذه النفس، وهذه طبيعتها، ثم لا تأمر بالخير، وقد بين الله تبارك وتعالى لنا هذا في كتابه وقال جل ذكره: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف:53] بالسوء: أي السيئات، بالشر، هذه طبيعة النفس الإنسانية، تأمر بالسوء، ما موقفك أيها الإنسان من هذه النفس؟ موقفك منها المجاهدة، والمعاندة، والتربية، وحملها وقسرها على الحق، حتى ترتقي وتترك الأمر بالسوء، وتصبح نفساً ثانية وهي النفس اللوامة، وهي المعبر عنها الآن في كتب علم النفس بالضمير. النفس اللوامة في الشرع هي التي تسمى وخز الضمير، أو ألم الضمير؛ أي: أن الواحد يعمل سوءاً ثم تؤلمه نفسه، أي: يحس بألم في الداخل، وهذا اسمه: الضمير الحي. ويوجد ضمير ميت، وهو صاحب النفس الأمارة بالسوء، ضميره ميت، يعمل الجرائم يقترف المحرمات يزني يسرق يروج المخدرات يعق والديه يقطع الصلاة ولا يحس لماذا؟ لأن الضمير عنده ميت، نفسه أمارة بالسوء، وواحد آخر لا يعمل الخير، ويحب الخير، لكن أحياناً يقع في الشر فيستيقظ عنده الضمير، وتسمى في الشرع النفس اللوامة، ثم يعاتبها فترتقي إلى المرتبة النهائية والأخيرة، وهي النفس المطمئنة التي سكنت واطمأنت على أمر الله. وهي معروفة عند الناس الآن بنفوس الملتزمين؛ إذا قال: رجل ملتزم، أي: مؤمن سكن على أمر الله، لا يجد أبداً راحته ولا أنسه ولا لذته ولا حياته ولا طمأنينته إلا في طاعة الله، ألذ لحظة عنده حين يقرأ القرآن، أو يصلي صلاته، أو يسمع المحاضرات، أو يفعل خيراً أو يقرأ كتاباً، أو يسمع شريطاً، أو يدعو إلى الله، أو يوجه هذا ألذ شيء عنده. هذه نفس اطمأنت، وما معنى اطمأنت؟ أي سكنت وارتاحت إلى أمر الله، ورضي الله عنها وأرضاها عن نفسها، رضي عنها فأقامها على الصراط، ورضيت فاستمرت واستقرت وثبتت على الحق، وفي هذا دعوة إلى الثبات، وعدم الانتكاس، ولهذا في تلك اللحظة يجزي الله تبارك وتعالى هذه النفس الجنة، فيقول لها تبارك وتعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30] نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هذه الأنفس. ومجال الإصلاح في الشرع حولها، يقول تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات:40] ويقول: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:7 - 10] ولا بد من المعاندة لهذه النفس؛ لأنها كالطفل: النفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم لا يوجد طفل في الدنيا سمعنا أنه انفطم من على ثدي أمه بنفسه وباختياره، لأنه عاش على هذا الشيء، كذلك النفس لابد أن تفطميها أيتها الأخت بقوة عن المعصية؛ لأنها نفس تحب الخروج في الشوارع، وتحب المنتزهات، والحدائق، والتسوق، والنظر إلى وجوه الرجال، والأفلام والمسلسلات هذه كلها أعمال غير شرعية، وتكره البيت، وتكره ما يحبه الله.

أثر قوله تعالى (وقرن) على النفس المؤمنة

أثر قوله تعالى (وقرن) على النفس المؤمنة يقول الله تعالى: {وَقَرْنَ} [الأحزاب:33]. قال العلماء: ما قال الله تعالى: اجلسن، امكثن، لا؛ لأن الماكث والجالس لابد أن يقوم، لكن قال الله تعالى: {وَقَرْنَ} [الأحزاب:33] ولهذا عندما ترى جبلاً تقول: جبل جالس، أم جبل نائم؟ لا، تقول: جبل مستقر، والله تعالى يقول: استقري في بيتك كما يستقر الجبل مكانه، الأصل أن تبقى المرأة في بيتها ولا تخرج، حتى قال العلماء: ليس للمرأة خروج إلا مرتين في عمرها من بيتها: المرة الأولى: إلى بيت زوجها. الثانية: إلى قبرها. والآن، كم تخرج المرأة من بيتها في اليوم الواحد؟! لا إله إلا الله! والله إن الإنسان ليحس بألم شديد حينما يسمع أن المرأة لا تحب البيت؛ كلما دخلت البيت قالت: (متضايقة زهقانة قلقانه تريد أن تسجنني؟) دعنا نخرج بسبب ماذا؟ دوافع النفس الأمارة بالسوء، والواحدة لو قسرت نفسها على هذا، وألزمت نفسها، وقالت: يا نفس والله لا تخرجين، حتى ولو طاعة إلى المسجد لا تخرجين؛ لأنه ما الهدف من الخروج إلى المسجد؟ الصلاة؛ الصلاة للأجر الأكثر، هل الأفضل للمرأة أن تصلي وأجرها أكثر في بيتها أم في المسجد؟ لا شك والحديث قد أجاب على هذا: قال عليه الصلاة والسلام: (عباد الله! لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ثم قال: وبيوتهن خير لهن) وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: (صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، وصلاتها في غرفتها أفضل من صلاتها في سائر بيتها، وصلاتها في مخدعها -في المكان الذي تنام فيه- أفضل من صلاتها في غرفتها) لماذا؟ لأن المرأة جوهرة، ودرة، والشرع يحفظ هذه الجوهرة، ولا يريد أن تصل إليها عين، ولا تمتد لها يد إلا يد زوجها الذي استحلها بكلمة الله، لكن يوم تتبذل وتسترخص وتخرج، تصبح كالمنشفة التي يمسح فيها كل قذر قذارته، هذا يمسح بها عينه، وذاك يده، وذاك قلبه، وذاك أمنيته، وترجع وهي قد لوثت، وقد دنست وقذرت، وفُتنت وفَتنت، وعصي الله بسببها. ما من امرأة تخرج من بيتها وتعرض نفسها للنظر إلا وهي ترتب للناس المعصية، كأنها تدعو إلى معصية الله، كل من ينظر لها أما عصى الله؟ نعم. ثم من الذي جعل هذا الإنسان الذي في الشارع يعصي الله؟ لو جلست في البيت ما عصي، لن يذهب إليها وينظرها في بيتها، لكن لما خرجت متزينة متعطرة استشرفها الشيطان، وإذا تعطرت وذهبت حتى إلى المسجد فهي زانية، لماذا؟ لأن الله عز وجل أمرها بهذا: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33] لكن لما لم تقر فإن نفسها نفس أمارة بالسوء، فلا بد من المجاهدة لهذه النفس، والله تعالى يقول: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس:9] قال العلماء: زكاها بطاعة الله، وبالتجنيب لها عن معصية الله: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:10]، قالوا: دنسها بحرمانها من طاعة الله، وبوقوعها في معصيته، وقد تقول قائلة: إن طاعة الله فيها مشقة، ومعصية الله فيها راحة ولذة، أي: كونها تخرج وتتمشى في الأسواق وتجلس على (البلاجات) وفي الحدائق، والأرصفة، وعلى البحر، وتشم الهواء، هذه بسطة ومتعة صحيح فيها بسطة، لكنها بسطة ملغمة من الداخل بغضب الله وسخطه. فلا بسطة مع اللعنة، ولا متعة مع الوعيد، والعذاب البسطة الحقيقة مع رحمة الله تعالى ورضاه: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:58] وكونها تجلس في البيت فيه صعوبة، لكنك تنتظرين ما أعده الله لك عنده في جنة عرضها السماوات والأرض، ويكون هذا إذا حرمت السير في الشوارع، والجلوس على الأرصفة، والتنزه في الحدائق، والجلوس على الكورنيش، فلن تحرمي إذا مت من الجلوس على ضفاف أنهار الجنة، في جنة عرضها السماوات والأرض: (فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر). هذا إذا كنا مؤمنين بهذه الجنة، أما إذا لم يكن مع المرء إيمان فسينفلت، وبالتالي سيرى الحقائق هذه بعد أن يموت: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء:227] هذا هو العنصر الثالث. والثاني: الروح، وهذه ليس لنا فيها علاقة، الجسد جسد لا تغير أنت فيه شيئاً، لا أحد يستطيع أن يأخذ جسداً بمزاجه، الله خلق الجسد، ولا أحد يحدد طوله، أو عرضه، أو لونه، أو جنسه لا. هذه فرضت عليك وما معك إلا الذي معك، ولهذا لا يجوز للإنسان أن يعيب خلقة إنسان آخر؛ لأن العيب هنا يكون للصانع، لا يجوز شرعاً أن تأتي إلى أحد وتقول له: اسكت يا متين، أو يا قصير، أو يا طويل، أو يا أسود، أو يا أبيض، أو يا أعور لا! لأن عيب الصنعة عيب للصانع، والنبي صلى الله عليه وسلم لما سمع أبا ذر وهو يقول لـ بلال: [يا بن السوداء] طيب! من الذي صبغ وجه بلال بالسواد، وجعل أبا ذر أبيض؟ أبو ذر ما لوَّن نفسه في بطن أمه، ولا بلال لوَّن نفسه في بطن أمه؟ لا. الله جعل هذا أبيض وهذا أسود، فلماذا تعترض على الله، وتقول: اسكت يا أسود أو يا عبد؟ فلما سمعه قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إنك امرؤٌ فيك جاهلية) يعني: ما فيك إسلام؛ لأن الجاهلية ضد الإسلام: (فقال: يا رسول الله! أعلى مشيب رأسي؟ قال: نعم). وهو من السابقين في الإسلام. فقام رضي الله عنه وأرضاه ليمحق هذه الجاهلية، وليستأصلها من نفسه، هذا المؤمن الصادق وضع خده الأبيض النظيف على الأرض، ثم قال: [يا بلال! والله لا أرفع خدي من الأرض حتى تطأ بقدمك السوداء على خدي الثانية]، ولم يقم حتى جاء بلال وأخد بيد الغفاري العربي حتى ذهبت وذابت تلك النزعة الجاهلية التي يُقَوِّمُ الناس فيها بعضهم بعضاً بالسواد والبياض. يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] ما قال أبيضكم ولا أحمركم، ولقد أعلن الإسلام وحدة الجنس البشري، وأعلن أن الناس كلهم لآدم: (كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى) هذا الجسد. الثاني: الروح وقلنا ما فيها. الثالث: النفس، وهنا يبرز دور الإنسان في تربية نفسه، ويتفاوت الناس ويحصل بينهم التفاوت، مثل ما بين السماوات والأرض، بحسب قيامهم بمجاهدة أنفسهم وبتربيتها على الحق وقصرها عن الباطل. واحدة من الأخوات تحدث عن تجربتها في قضاء الوقت، تقول: انتهت العطلة الصيفية وشعرت بوفرة في الوقت، تقول: فقررت أن أحفظ سورة البقرة وآل عمران خلال فترة الصيف؛ لأنها تقول: سمعت أن (سورة البقرة وآل عمران تأتيان يوم القيامة كغمامتين، أو كغيايتين، أو كصنفين من طير، تظلان صاحبهما) فتقول: أريد أن آتي يوم القيامة تحت مظلة هاتين السورتين، وبدأت وقررت لنفسها أن تحفظ في كل يوم صفحة، مع المراجعة. وفي نهاية المدة تقول: والحمد لله وفقت وحفظت سورة البقرة وآل عمران، هذه موفقة، ليس عندها وقت للفراغ، ما يعاني منه النساء الآن من وقت فراغ سببه جهلهن بالواجبات المطلوبة منهن. عندِك فراغ وأنت لا تحفظين شيئاً من كتاب الله؟ أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تعرفين شيئاً من أحكام دينك في فقهك الذي يتعلق بعبادتك أيتها المسلمة؟ عندك فراغ وأنت أم أولاد وزوجة رجل؟ أما تشعرين أن الزوج هذا يشغلك؟ المتزوجة حملت عبئاً بهذا الزوج، وتكاليف تحتاج إلى جهد: خدمة الزوج، الإشراف على طعام الزوج وملابسه، والجلسة معه، والمؤانسة له، وهذه كلها تحتاج إلى وقت، لكن بعض النساء أهملت هذا كله، زوجها مثل العامل عندها؛ لا تهتم بطعام ولا بشراب ولا بأكل، ولا بمؤانسة، ولا بجلسة، أولادها مع الشغالة، ومطبخها على الخادمة، وهي تقول: أنا زهقانة، زهقانة من ماذا؟! تركت الواجبات، قومي بواجباتك أنت، قومي بواجباتك في المنزل، وقومي بواجباتك في الأطفال، لا تدعي الأطفال للخادمة. وإن من المآسي والله ما يفطر القلب! تتصل بي إحدى المدرسات وتشتكي، تقول: إني مدرسة دين، وتقول لي طالبة من الطالبات: يا أستاذة أنا أحب المسيح، قالت: لماذا تحبين المسيح؟ قالت: لأنه ابن الله، قالت: يا ابنتي ليس هو ابن الله، هذا رسول الله، قالت: لا لا لا. أنت لا تعرفين، قالت: من قال لك؟ قالت: الخادمة. الخادمة النصرانية وضعت عقيدة النصارى في قلب هذه البنت، وأصبحت البنت داعية في المدرسة وتدعو الطالبات في السنة الخامسة والسادسة، تقول لهن: إن المسيح ابن الله، وتحب المسيح، متى تسلطت الخادمة على البنت؟ في ظل غياب الأم المشغولة بالمكياج، والموديلات، وبالسهرات والتمشيات، والشغالة تربي ابنتها على النصرانية. أيتها الأخت ليس عندك فراغ، الواجبات أكثر من الأوقات إذا عرفت تلك الواجبات.

الجزء الرابع: العقل

الجزء الرابع: العقل والعقل يسميه العلماء مستشار ثانياً للقلب، لكن مقاييس العقل مقاييس المصالح، والمفاسد، والنتائج، والمقدمات، والآثار، ليس مثل النفس، النفس شهوات، لكن العقل لا ينظر للشهوة، وإنما ينظر للأثر والنتيجة، وينظر للمصلحة والمفسدة، لكن أحياناً لا يستجاب لإشاراته، يشير على القلب ولكن ضغط النفس أكبر من ضغط العقل، فيرفض القلب وتستمر النفس في الضغط حتى تنفذ آراءها، وأضرب على هذا مثالاً: الذي يدخن أليس عنده قناعة من عقله أن التدخين مضر؟ لا يوجد أحد في الدنيا يقول: التدخين ينفع، حتى الشركة التي صنعت الدخان كتبت عليه: التدخين مضر بصحتك، ولا يوجد طعام في الدنيا أو صناعة في الدنيا تصنع إلا ولها دعاية إلا الدخان، شركته تكتب عليه دعاية ضده، ولا يوجد طعام إلا وله تاريخ بداية ونهاية إلا الدخان فاسد من يوم ما صنعوه، وليس له تاريخ نهاية؛ لأنه فاسد من أول ما صنع، ومع هذا تجد الرجل يدخن، لماذا؟ لأن نفسه أقوى من عقله. العقل يقول: هذا يضر، والنفس تقول: لا يضر (دخن عليها تنجلي) والضرر يمكن أن نكافحه، وهو يعرف أنه لا يقدر أن يكافحه، سرطان الرئة يأتي من الدخان، وكثير من الأمراض ما لها علاج سببها من الدخان. إذاً العقل هنا ليس مطاعاً في ظل هيمنة النفس، متى يطاع العقل؟ قال العلماء: إذا ضعفت النفس قوي العقل، إذا كان مستنيراً بنور الكتاب والسنة، فإن العقل يقول لها: لا.

الجزء الخامس: القلب

الجزء الخامس: القلب مثلاً تأتي شهوة الزنا، النفس تقول: فرصة، يأتي العقل ويقول: لا. حرام، تأتي النفس وتقول للقلب: حرام صحيح لكن الله غفور رحيم وهكذا بكل الاستشارات إلى أن يأتي القلب وهو الملك الأخير، والعضو الأخير ملك الجوارح، هذا هو صاحب القرار الأول والأخير في اتجاه الإنسان، ولو ترون الآن البنت إذا التزمت أو الولد إذا التزم ما الذي يتغير فيه؟ قلبه. حصلت عنده قناعة في قلبه أن الطريق الصحيح هو الدين، مباشرة أصدر أمره إلى العين: لا تنظر إلى التلفاز، الأذن: لا تسمع الأغاني، وإلى اللسان: لا تتكلم بالغيبة ولا النميمة، وأصدر أمره إلى الفرج: لا تعمل الزنا، وأصدر أمره إلى اليد: لا تمتد للحرام وهكذا. وإلى الجسد أنه يشتغل في طاعة الله، كان لا يصلي والآن يصلي، ما كان يتهجد والآن يقوم ليتهجد، لماذا؟ صلح القلب، يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) ولهذا جاء الشرع بإصلاح القلوب، يقول الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46]. وأخبر كثير من الآيات أن الأمراض تصيب القلوب كما تصيب الأجسام، قال عز وجل: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:10]. فيا أخواتي في الله: هذه هي الأجزاء الخمسة للإنسان، جسد لا أهمية له ولا قيمة، وروح لا نعرف عنها شيئاً، ونفس مهمتنا إصلاحها، وعقل ننوره بكتاب الله، وقلب نعالج أمراضه بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأنتن اليوم -أيتها الأخوات- في استقبال عطلة، وهذه العطلة نعمة من نعم الله على المرأة، وأذكر أنني ألقيت محاضرة في مكة في مجمع نسوي في الجمعية الخيرية، بعنوان: المرأة ومشكلة الفراغ، وأريد أن تسمعن هذا الشريط؛ لأنني تحدثت فيه عن هذه المشكلة التي هي في الحقيقة غير موجودة أصلاً بل مفتعلة، ونتجت بسبب بعد المرأة عن قيامها بواجباتها ومسئولياتها، وترتب على هذا وجود فراغ عندها، فملأت الفراغ هذا بالباطل، وبالتمشيات وبالغدوات والروحات والأفلام والمسلسلات. وبالتالي حصلت لها مشاكل كثيرة، فأريد أن تستمعي إلى هذا الشريط بمشيئة الله، وتضعن برامج لملء الفراغ بما هو مفيد في الدنيا والآخرة. أسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الدعاء لتارك الصلاة بعد موته

حكم الدعاء لتارك الصلاة بعد موته Q إذا مات إنسان وهو لا يصلي إلا نادراً فهل يجوز الدعاء له بالرحمة والمغفرة؟ A لا. لا يجوز الدعاء له؛ لأن تارك الصلاة كافر، والترك سواء تركها كلياً أو ترك بعضها وصلى بعضاً، لو ترك صلاة واحدة كفر، وبالتالي لا يجوز أن يدعا له بالمغفرة؛ لأن الله عز وجل نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعاء لعمه، وقال: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة:113]. وقد تبين لنا في الدليل الشرعي أن تارك الصلاة كافر وبالتالي لا يجوز الاستغفار له.

الرياء تعريفه وكيفية التخلص منه

الرياء تعريفه وكيفية التخلص منه Q إذا كان الإنسان يشعر بالرياء، ويتردد في أي عمل يعمله، فكيف يجعل عمله خالصاً لوجه الله؟ A هذا من أساليب الشيطان؛ أن يأتي إلى الإنسان وهو يريد أن يعمل عملاً صالحاً، فيرده عن فعل هذا العمل من أجل الناس، فيهرب من الرياء فيقع في الرياء، لأن العلماء يقولون: الرياء يكون بأمرين، إما بفعل العمل من أجل الناس، أو بتركه من أجل الناس. فإن فعلت العمل تقصد الناس أصبحت مرائياً، وإن تركت العمل هذا من أجل ألا يقول أحد: إنك مراءٍ فأنت مراءٍ؛ لأن الذي حملك على ترك العمل هو خوف من الناس. وإذا أردت السلامة فهي أن يستوي في نظرك وجود الناس أو عدمه، وأن تعمل العمل الخالص لوجه الله، ولا يهمك وجود الناس أو عدمه، والله أعلم.

علامة رضا الله عن العبد

علامة رضا الله عن العبد Q كيف يعرف الإنسان أن الله سبحانه وتعالى راضٍ عنه، فعندما أذنب ذنباً أستغفر الله من ذلك الذنب وأصلي ركعتين، لكني أخاف من غضب الله عز وجل، وأشعر أن الله لن يغفر لي، فماذا أفعل؟ وكيف يتخلص الإنسان من الوسواس؟ A يعرف الإنسان أن الله عز وجل رضي عنه إذا أطاعه؛ لأنه كما جاء في الحديث القدسي: (يقول الله: إني إذا أطعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتي نهاية، وإذا عصيت غضبت، وإذا غضبت لعنت، ولعنتي تبلغ السابع من الولد). فعلامة رضا الله عن الإنسان أن يطيعه بفعل أمره وترك نهيه، هذه العلامة، أما إذا اقترف الإنسان معصية أو وقع في خطيئة، فهذا شيءٌ لا يستغرب، فإن الإنسان خطاء بطبعه، ليس معصوماً، والعصمة للأنبياء، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) ويقول في الحديث الآخر: (لو لم تذنبوا فتستغفروا فيغفر الله لكم لأتى الله بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم) والله تعالى يقول: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الحجر:49]. فإذا أخطأت أو اقترفت معصية فإن الأمر يستوجب سرعة التوبة، وبهذا يقول الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135]. فعليك أن تتوبي، أما كونك تشعرين بالألم فهذا من مقتضيات التوبة؛ لأن من شروط التوبة الندم؛ لأن الإنسان كلما تذكر ذلك الذنب صار في قلبه لوعة وحسرة وندم وأسى، لماذا أفعل كذا؟ ولماذا أعصي الله؟ لماذا أعمل هكذا؟ هذا الندم هو الذي يجعل التوبة مقبولة إن شاء الله، لكن يجب أن يكون عندك يقين وتصديق لوعد الله، والله لا يخلف الميعاد، والله يقبل التوبة، ويعفو عن السيئة.

حكم النذر فيما لا يملك

حكم النذر فيما لا يُملك Q طفلة صغيرة مرضت وكادت أن تموت، وكانت امرأة تعالجها، وقالت: إن شفيت فهي لابني، فوافقت أمها في تلك اللحظة، ولكن الآن لا ترغب الأم ولا الابنة مصاهرتهم فما الجواب بعد أن نذرت الأم وشفيت البنت من ذلك المرض وكبرت أفتونا مأجورين؟ A لا يلزمها الوفاء بهذا النذر؛ لأنها لا تملكه، فالذي يزوج هو الأب؛ أو الولي، أما الأم التي قالت: نذرت أن أزوج بنتي لفلان فإنها لا تملك ذلك، والأم لا تزوج؛ لأن شرط النكاح أن يكون هناك ولي، والولاية للرجل، والمرأة لا تزوج نفسها ولا تزوج غيرها، فهذه نذرت بشيء لا تملكه وعليها أن تستغفر، وعليها أن تكفر كفارة يمين؛ تطعم عشرة مساكين أو تكسوهم أو تعتق رقبة. فإن لم تجد هذا كله فتصوم ثلاثة أيام كفارة اليمن، أما أن يلزمها الوفاء فلا؛ لأنها نذرت بما لا تملك. إن كان النذر من الأب فإنه يلزمه الوفاء به إذا كان هذا الولد أهلاً لزواجه، يعني: نذر أنه إذا شفى الله هذه البنت أن يزوجها بفلان، ثم كبرت هذه البنت وأصبحت في سن الزواج وفلان هذا أهلٌ للزواج؛ يرضى الوالد دينه وخلقه، فإنه يلزمه الوفاء بنذره بشروط، الشرط الأول: موافقة البنت؛ لأن الزواج أمر يتعلق ويختص بها، فلا يجوز في الشرع أن ترغم على شيء لا تريده. والشرط الثاني: أن يوافق الولد بذلك، فإذا وافق الابن ووافق الوالد، ولم يكن هناك مانع شرعي، وكان أهلاً للزواج لزمه الوفاء بذلك. أما إذا انتفى شيء من هذه الشروط بأن تكون البنت قالت: لا أرضى، أنت نذرت يا أبي لكني لا أرضى بأن أتزوج بهذا الولد، أو الولد ذهبوا إليه وكلموه، فلم يوافق، فهل نغصبه، ونقول: لا. تعال وتزوج؛ لأن أباها قد نذر؟ أو كانت هناك موانع شرعية، كأن يكون قليل دين؛ لا يصلي، أو فاسق، فهناك على الوالد أن يطعم عشرة مساكين كفارة يمين.

حكم من نسي التشهد الأول

حكم من نسي التشهد الأول Q ما حكم من نسي التشهد الأول: هل يعيد، أم يسجد سجود السهو؟ A المفترض أن يجلس بعد ركعتين في صلاة المغرب أو العشاء لكن قبل أن ينتهي إلى الوقوف وذكر فيلزمه أن يرجع، لكن إذا استتم واقفاً -انتصب- فلا يرجع، لماذا؟ لأنه لا يرجع من ركن إلى واجب، ثم يكمل صلاته وقبل السلام يسجد سجدتي السهو.

حكم لبس العدسات الطبية الملونة

حكم لبس العدسات الطبية الملونة Q هل يجوز لبس العدسات الملونة الطبية؟ A إن كان الغرض من هذه العدسات تحسين النظر، كأن يكون في المرأة خلل في نظرها، أو قصر في النظر، كما تركب نظارة تركب عدسة، فاختارت لوناً معيناً من العدسات فلا مانع، كما تركب النظارة فهي ليست مجبورة على أن تركب لوناً أبيض أو أحمر أو أسمر تركب أي لون، هذا إذا كان الغرض تحسين القدرة على النظر، أما إذا كان نظرها سليماً (100%) وليس الغرض إلا مجرد تغيير لون العين، بدلاً من أن تكون العين عسلية تريد أن تكون زرقاء وهي التي ترى في الظلام، فهذا محرم، لماذا؟ لأنه تغيير لخلق الله، والله عز وجل يقول: إن الشيطان يقول: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء:119] الله أعطاك هذه العين فلماذا تغيري عيناً ثانية، هل أختيارك أفضل من اختيار الله؟! ولهذا كثير من النساء سعين إلى تغيير اللون الطبيعي للونها وركبت عدسة، ويقول لي بعض الأطباء: إن هذه العدسات تركب وتؤدي مع الزمن إلى إصابة العين بالسرطان؛ سرطان العين، وهذه عقوبة والعياذ بالله، فنقول للمرأة: لا تركبي شيئاً، إلا إذا كانت عينك ضعيفة ولا ترين ووضعتي نظارة أو عدسات لاصقة لتقوية النظر فلا مانع، ضعي لك أي لون تريدين؛ لأن الغرض هنا ليس تغيير النوع، وإنما تقوية النظر.

حكم السفر إلى خارج البلاد وضوابطه

حكم السفر إلى خارج البلاد وضوابطه Q ما حكم السفر إلى خارج هذه البلاد لغرض النزهة، وما هي الضوابط للسفر؟ A هل في الأرض بلاد أفضل من بلادنا؟ العالم كله يزورنا، فلماذا نزور نحن العالم؟ هل النزهة التي نعنيها يمكن الحصول عليها بعيداً عن الإثم؟ أم أننا نريد أن نمتع أبصارنا وأجسادنا بشيء من المعاصي والذنوب قد حمانا الله عنها ونريد أن نذهب إليها؟ أنا أقول: أيها الأخوة والأخوات: إنه لا ينبغي لا للمرأة ولا للرجل أن يسافر إلى خارج هذه البلاد إلا سبب شرعي، قال العلماء وهو: العلاج، أو الدراسة، أو التجارة. بشروط منها: أن يأمن على نفسه الفتنة، وأن يكون قادراً على إظهار شعائر دينه، وألا يعرض نفسه للمعاصي، ولكن هل يمكن هذا؟ مستحيل، المعصية تلاحق الإنسان ولا زال في الطائرة أو الطريق، إذا أردت النزهة ففي بلادنا والحمد لله ما هو موجود في الخارج وأكثر وبعيد عن الإثم. منطقة الطائف، أبها، بل الذين جاءوا إلى أبها وأنا من أهل أبها، جاءوا من الخليج والرياض ومكة، يقولون: والله إن المناظر الموجودة في هذه المنطقة ليست موجودة في الدنيا كلها، بل واحد من الناس كويتي، يقول: أنا كنت أقضي كل سنة نزهتي أنا وأولادي في سويسرا، ولكني والله وجدت في بلادكم من الجمال ما هو أفضل من هناك.

خروج المرأة من بيتها حكمه وشروطه

خروج المرأة من بيتها حكمه وشروطه Q هل خروج المرأة للدعوة وللعمل لخدمة الإسلام ممكن أن يكون مباحاً، أم أنها آثمة إذا خرجت؟ A جزى الله الأخت خيراً على هذا السؤال. خروج المرأة الأصل هو القرار في البيت، لكن هناك أحوال ينبغي أن تخرج فيه المرأة مثل هذا الخروج؛ الخروج للدعوة. ومثل خروجها للتعليم، لمن ندع بنات المسلمات والمسلمين. لا بد من وجود المرأة في المدارس للتعليم. ومثل العلاج والاستشفاء، أين تعالج المرأة؟ ومثل زيارة الرحم إذا كانت أمها وأبوها وإخوانها موجودين فتزورهم، وزيارة الأقارب، والجيران، فالجيران يتزاورون بينهم وهذا مطلوب هذه الأمور مستثناة من عموم النهي، يعني: تخرج المرأة فيه لكن بالشروط الشرعية، وهي: أن تتحجب الحجاب الشرعي الكامل: لأن الحجاب عند المرأة دين وليس تقليداً ولا موضة ولا عرفاً، المرأة تلبس عباءتها والغطاء على وجهها والقفازات في يدها، كأنها تصلي وتصوم، وتمارس عبادة، تنفذ آية من كتاب الله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:59]. آية من الآيات مثل آية الصلاة، والزكاة، والصوم والحج، فإذا شعرت المرأة بأنها تمارس قضية عقدية شرعية من دين الله، وهي تحتجب بالحجاب الشرعي كاملاً، بحيث لا يرى لها شعرة ولا ظفر، ولا رائحة، ولا كعب، ولا ثوب ضيق، ولا عباءة خفيفة، ولا وجه شفاف، ولا عيون مفتوحة من هنا، وتبدوا كالغراب الأسود من رأسها إلى قدمها، هذه المرأة المؤمنة، ثم تختار الوقت الذي لا يكون فيه رجال، وإذا قابلها الرجال فلا تحتك بهم، وهي تمشي لا تلتفت، لأنها إذا التفتت التفت إليها، ثم لا تمشي في وسط الطريق، بل تمشي في طرفه، لكي تقع عليها الأنظار من جهة واحدة، لكن حين تمشي في الوسط تنظر لها العيون من هنا ومن هنا، بل تختار الوقت الذي لا يخرج فيه الرجال، هذا لا بأس به إن شاء الله. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

تنبيهات على أخطاء بعض الزوجات

تنبيهات على أخطاء بعض الزوجات الحياة الزوجية تمثل اللبنة الأولى في المجتمع، ومن أعظم أسباب السعادة في الدنيا الزوجة الصالحة، ولذا فقد حرص الإسلام على بناء هذه الأسرة البناء الصحيح، الذي تحصل به سعادة الدنيا والآخرة، وأوجد الحلول للمشاكل والعقبات التي تعتري هذا البناء، ولكن لابد من تنبيهات قبل البناء حتى يكون البناء صحيحاً على وفق ما جاءت به الشريعة الإسلامية، وهذه المادة تتناول الأخطاء التي قد تقع فيها بعض الزوجات وسبل معالجتها واجتناب الوقوع فيها.

أهمية الحياة الزوجية في المجتمع

أهمية الحياة الزوجية في المجتمع الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، سيدنا وحبيبنا وإمامنا وقدوتنا محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اقتفى أثره وسار على دربه، واتبع شريعته ودعا إلى ملته وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فسلام الله عليكم -أيها الأحبة- ورحمته وبركاته، وأسأل الله سبحانه وتعالى كما جمعنا في هذا المكان الطاهر وفي هذه الليلة المباركة وبعد أداء هذه الفريضة العظيمة على ذكره وعلى طاعته وعلى عبادته، أسأله بأسمائه الحسنى وبصفاته العلى أن يجمعنا في جناته جنات النعيم، وآباءنا، وأمهاتنا، وإخواننا، وأخواتنا، وزوجاتنا، وذرياتنا، وجميع إخواننا المسلمين، برحمته إنه أرحم الراحمين. هذه المحاضرة تلقى بجامع حطين بإسكان الحرس الوطني بمدينة الرياض حرسها الله، بعد مغرب يوم الإثنين الموافق للأول من شهر ذي القعدة عام (1420هـ) على صاحبها أفضل السلام وأزكى التسليم. عنوان الدرس كما أعلن أخي أبو نادر حفظه الله وبارك فيه ومتع بحياته، وزاده نشاطاً وحرصاً وقدرة على العمل لهذا الدين: "تنبيهات على بعض أخطاء الزوجات" وهذا العنوان فيه خطأ، والخطأ مني إذ أمليته بهذا الوضع وإلا فالوضع الصحيح أنه: "تنبيهات على أخطاء بعض الزوجات" ليس على بعض أخطاء الزوجات، والقارئ أو السامع اللبيب يدرك الفرق بين المعنيين فإن العنوان المعلن: تنبيهات على بعض أخطاء الزوجات، يعني: أن المرأة كلها أخطاء ونحن ننبه على بعض الأخطاء، بينما العنوان الأولى أن يكون والصحيح أن يكون: تنبيهات على أخطاء بعض الزوجات، إذ ليس كل الزوجات عندهن هذه الأخطاء، فمن الزوجات من وفقهن الله سبحانه وتعالى لمعرفة حق الله سبحانه وتعالى عليها فقامت بعبادته، وأيضاً وفقها الله لمعرفة حق رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها فقامت باتباع سنته والعمل بشريعته. وأيضاً وفقها الله لمعرفة حق والديها، وحق زوجها، وحق أولادها وبناتها، وحق مجتمعها بشكلٍ كامل، فهذه حسنة الدنيا وجنة ما قبل الموت، قد يقول قائل: ولماذا أخطاء الزوجات فقط هل يعني أن الأزواج ليس لهم أخطاء؟ نعم. لهم أخطاء، وربما تكون أخطاء بعض الأزواج أكثر من أخطاء بعض الزوجات؛ لأن الزوج إذا أخطأ واستغل أيضاً قدرته ورجولته وسيطرته وإمكانياته في تمرير خطئه، وفي الاستمرار والاستكبار والدكتاتورية على امرأته، أما المرأة مسكينة قد تخطئ لكنها تعود وترجع، ولو أنها ليست راضية وذلك نظراً لضعفها.

سبب تقديم الزوجة على الزوج عند عرض المشاكل

سبب تقديم الزوجة على الزوج عند عرض المشاكل أما لماذا بدأت بالزوجات بالذات ولم أبدأ بالأزواج؟ فلأن الزوجة متخصصة في عملية الأسرة، فهي ربة الأسرة وهي مديرة البيت، والزوج ليس إلا مشرفاً أو موجهاً، ولكن البدايات أو المبادرات، إما بالإصلاح أو بالإفساد، إنما تكون من المرأة. فالمرأة عنصرٌ هام في قضية استمرار الحياة الزوجية ونجاح الأسرة وبناتها، فبدأنا بها وإذا رأى الإخوة في الإرشاد أن نثني بمحاضرة أخرى بنفس العنوان: تنبيهات على أخطاء بعض الأزواج فليس عندي مانع حتى نكون قد أنصفنا النساء، وحتى لا يقلن: لماذا أنتم تنبهون على أخطائنا، وأنتم لا ترون أخطاءكم ولا تنبهون على أخطائكم؟ وبعض النساء تقول: أنتم يا أيها الرجال! مثل البعير ومثل الجمل لا ينظر إلى عوج رقبته، إذا سألت البعير: يا بعير! كيف رقبتك؟ قال: مثل المسطرة، وهو لم ينظر إليها، وإذا نظر إليها خجل، لكنه لا ينظر بعيونه إلا إلى البعيد، لا ينظر إلى رقبته الملتوية من تحت رأسه، فنحن نقول ومن باب الإنصاف: نعم للرجل أخطاء، ولهم موعد إن شاء الله في مناسبة قادمة للتنبيه عليها.

الحياة الزوجية تمثل اللبنة الأولى في المجتمع

الحياة الزوجية تمثل اللبنة الأولى في المجتمع الحياة الزوجية والتي تمثل البناء الأسري، والبناء الأسري يمثل اللبنة الأولى في المجتمع العام، وعلى ضوء نجاح الحياة الزوجية يتحقق نجاح الأسرة، وعلى ضوء نجاح الأسرة يتحقق أيضاً نجاح المجتمع بأسره، هذه الحياة تعتمد وتقوم على أسس وعلى ثوابت من أهمها الدين في الرجل وفي المرأة، والعقل، فإن من الرجال من عنده دين لكن لا عقل له لكنه معتوه.

الحقوق متبادلة

الحقوق متبادلة كذلك من الناس من عنده دين لكن ليس عنده عقل، ومن النساء من عندها دين لكن ليس عندها عقل، فلا بد من الدين الصحيح والعقل الراجح مع صفاء الود وقوة الثقة والشعور بالمسئولية تجاه كل طرف، فهناك حقوق للزوج يجب على المرأة أن تقوم بها، وهناك حقوقٌ للزوجة يجب على الرجل أن يقوم بها، والحياة قائمة على هذا، وعلى قضية التبادل، تبادل المصالح، أنت لك حقوق وعليك حقوق، تريد حقوقك أن تأتيك، فأد ما عليك، لكن تريد أن تأتيك حقوقك وأنت لا تقوم بالحقوق التي عليك، لا أحد يعطيك ولا أحد يطيعك، إذا أتيت إلى السوق تشتري عيشاً وليكن قرص تميز فعلى الخباز حق أن يعطيك، ويخبز لك، وعليك حق أن تعطيه الريال، لكن لو قلت: هات القرص، قال: هات الريال، قلت: ما عندي، قال: وأنا ما عندي، تريد تأخذ ولا تعطي، لا أحد يعطيك! كذلك زوجتك إذا أردت أن تعطيك حقك فأعطها أنت حقها.

الزوجة الصالحة من أعظم أسباب السعادة في الدنيا

الزوجة الصالحة من أعظم أسباب السعادة في الدنيا إن الزوجة الصالحة -أيها الإخوة- من أعظم أسباب السعادة في الدنيا، والله سبحانه وتعالى قد جعلها آية من آياته الدالة على قدرته وعظمته، فقال في كتابه الكريم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21]، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة) وهذا واقع -أيها الإخوة- فإن الله عز وجل إذا وفق الرجل إلى زوجة صالحة فإنها تجعل حياته كلها في سعادة، حتى ولو كان فقيراً، وحتى لو كان مريضاً، ولو افتقد كثيراً من مقومات الحياة فإن هذه الزوجة تستطيع أن تعوضه عن كل شيء، لكن ليس مع فقدان الزوجة الصالحة عوض، ولو امتلك الإنسان الملايين واحتل أعلى المناصب، وسكن أرفع العمارات وحياته كلها جيدة لكن امرأته ليست صالحة، فإن هذه المرأة تحول حياته كلها إلى جحيم، ولهذا قال بعض أهل العلم في قول الله عز وجل: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] قالوا: حسنة الدنيا المرأة الصالحة، وحسنة الآخرة الجنة. فالمرأة الصالحة من أعظم أسباب السعادة التي يعيش فيها الإنسان في هذه الحياة، ولذا عني الإسلام بتربيتها وتوجيهها وتأهيلها لأن تكون زوجة صالحة، وجعل هذا من مسئوليات الآباء ومن مسئوليات الأمهات، ولكن في ظل غياب التربية الإسلامية سواء في البيوت أو في المدارس ربما تقع بعض الأخطاء من بعض الزوجات لا بد من معرفتها حتى لا ينهدم عش الزوجية وتتحطم الأسرة ويتشتت شملها ويضيع أفرادها، وقد قلت هذا الكلام منذ سنوات، واقترحته على بعض المسئولين: ألا يعقد لرجلٍ على امرأة في زواجٍ إلا بعد أن يحضر دورةً تدريبيةً في الحياة الزوجية، دورة للرجال، ودورة للنساء، كيف يتعامل الرجل مع الزوجة؟ وما هي حقوق الزوجة؟ وأيضاً دورة للبنت كيف تتعامل مع الزوج؟ وبعد أن يجتازوا الدورة بنجاح ترسل الشهادات إلى المحكمة من أجل عقد النكاح، وذلك لتلافي الفشل الذريع الذي نلاحظه هذه الأيام في كثير من الزوجات، وقد ارتفعت نسبة الطلاق في كثيرٍ من المدن، حتى أخبرني من أثق فيه أنها تصل في بعض المدن إلى (70%)، يعني من كل مائة حالة زواج سبعون حالة تنتهي بالطلاق وثلاثون تنجح، هذا يدل على أن هناك خللاً.

مشكلة الطلاق

مشكلة الطلاق ومعنى الطلاق -أيها الإخوة- ليس أمراً سهلاً، معنى الطلاق: مشكلة على البنت ومشكلة على أسرتها ومشكلة على الزوج الذي تزوج ودفع مالاً ثم ما لقي شيئاً، ومشكلة على المجتمع كله. وأيضاً له ردود فعل على البنت حينما ترى هذا الزوج وتفشل في إدارته، والزوج حينما يرى هذه البنت ويفشل في التعامل معها يصطدمون في نفوسهم، وربما تتحول نفوسهم إلى نقمة على الزواج، ونأتي إلى البنت فنقول: هل تريدين الزواج؟ قالت: لا ما دام الرجال هكذا والله لا أعرفهم، وتترك الزواج، والولد: هل نزوجك؟ قال: قد رأيت شيئاً من العذاب، الحمد لله الذي خلصني منها، فهذا ليس بسبب الزواج، إنه فشلك أنت وفشلها في إقامة هذا العش الزوجي.

الأخطاء التي تقع من بعض الزوجات

الأخطاء التي تقع من بعض الزوجات -أيها الإخوة- ننبه إن شاء الله في هذه الليلة على تلك الأخطاء التي قد تقع عند بعض الزوجات، ونريد أن تتناولها المرأة بشكلٍ موضوعيٍ وعملي، وأن تجعلها أمام عينها وتعرض نفسها عليها، بحيث إذا وجدت أو علمت أن فيها شيئاً من هذه الأخطاء فتسارع إلى تصحيحها، قد لا توجد كل هذه الأخطاء في امرأة، قد يوجد في امرأة خطأ واحد من هذه العشرة، وفي أخرى اثنان، وأخرى فيها خمسة، وأخرى يمكن (100%) فيها كلها، ولكن تزول بالمحاولة الجادة -أيها الإخوة- فالطبع بالتطبع، والتدريب بالتدرب، والعلم بالتعلم، والصبر بالتصبر، فعلى المرأة أن تزيل هذه الأخطاء وتحدث بدلها العمل الصحيح حتى تنجح في حياتها الزوجية.

المبالغة في طلب الكمال في الزوج

المبالغة في طلب الكمال في الزوج أول خطأ وهذا موجود عند الفتيات قبل الزواج: المبالغة في طلب الكمال في الزوج الخاطب. فتريد بعض النساء زوجاً مفصلاً على مقاساتها: تريد طوله كذا وكذا، وعرضه كذا وكذا، ولونه كذا وكذا، وراتبه كذا وكذا، ومرتبته كذا وكذا، إذا ما جاء خاطب تقول: لا يصلح لي، وما أفلح هذا الخاطب الأول، وجاء الثاني وما توفرت فيه الشروط، وجاء الثالث والرابع، وفاتها قطار الزواج وبلغت في سن الأربعين وأصبحت في حالة يرثى لها، وصارت تعلن في الجرائد ولا أحد يستجيب لها؛ لأسباب المبالغة. إن الزوج رزق وقسمة ونصيب، إذا جاء فابحثي عن الأساس فيه وهو الدين (إذا أتاكم من ترضون -ماذا؟ - دينه وأمانته فزوجوه) تزوجي، أما أن تريدي شخصاً مفصلاً فيلزمك أن تذهبي إلى الورشة لإعطائهم مقاسات شخص من أجل المقاس، هذا غير وارد؛ لأنك أنت أيضاً يا من تطلبين الكمال لست كاملة، ولست أيضاً مفصلة على مقاس ذاك الذي سوف يأتي، ولكن هناك خطوط تقابل بين الرجل وبين المرأة، ويحصل بعد ذلك مع الحياة الزوجية ومع الاندماج والانسجام المعيشي يحصل استكمال بقية الأمور التي يحصل فيها نوع من الخلاف والنفرة، هذه النظرة تنشأ في أذهان بعض النساء لتأثرهن بالقصص الخيالية، ومشاهدة الأفلام والمسلسلات، والتي تصور الحياة الزوجية جنة خالية من المشاكل، وهذا وهم، فإن المشاكل شيءٌ طبيعي في حياة الأسرة، بل كما يقول أحد العلماء: المشكلة في حياة الأسرة مثل الملح في الطعام، هل تأكل طعاماً بدون ملح؟ لا. ولذا تجد الرجل هو وزوجته مثل السمن والعسل لكن بعد ذلك تجدهم قد غضبوا قليلاً وقعدوا يومين وثلاثة وتراضوا، وصار للرضا بعد هذا الغضب طعم وفيه نوع من التجديد، لكن يجب أن يكون الملح على المقاس وليس كثيراً؛ لأن بعضهم حياته كلها ملح من يوم أن يتزوج إلى يوم يطلق، والبنت من يوم تذهب إلى أن تموت وهي ملح في ملح، لا. فإذا كثر الملح في الطعام أفسده، وإذا قل أيضاً سمجت الأطعمة وسمجت الحياة.

استعجال بعض النساء في طلب الطلاق

استعجال بعض النساء في طلب الطلاق إن الحياة الزوجية لا بد أن يحصل فيها من المشاكل شيء؛ لأن التطابق الكامل (100%) بين الرجل والمرأة مستحيل ولا يوجد، فلا بد أن يبقى شيء من الاختلاف، حتى في أكرم بيت على وجه الأرض، بيت النبوة بيت الرسالة، ومع الزوج المثالي -صلوات الله وسلامه عليه- مربي الإنسانية والبشرية كلها، كان يحصل في بيته ومن بعض أزواجه بعض الأخطاء، ولكن ما كان يصعدها بل كان يحتويها ويقضي عليها في مهدها. قد حدث في يوم من الأيام خلاف بسيط بينه وبين أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فذهبت إلى أبيها، فجاء أبو بكر ليصلح الشأن، شأنه شأن الآباء الصالحين الذين يحتوون المشاكل ولا يصعدونها، فلما أراد أن يتكلم النبي صلى الله عليه وسلم ويبين المشكلة استعجلت عائشة رضي الله عنها وقالت: [أقسم عليك بالله ألا تقول إلا الحق] تقوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهل يتوقع أن الرسول يقول غير الحق حتى تقسمين عليه؟! فقد استعجلت من باب ضعفها وعجلة النساء، فغضب أبو بكر لهذا الكلام وقام عليها فلطمها في وجهها، قال: [يا عدوة نفسها! أويقول رسول الله غير الحق؟!] هل يقول غير الحق وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فقامت من الضربة ولاذت بظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونسيت الخلاف بينها وبين الرسول فلاذت تحتمي بالرسول، فمنع صلى الله عليه وسلم أباها وقال له: (ما لهذا دعوناك يا أبا بكر) يقول: دعوناك من أجل أن تصلح وليس من أجل أن تضرب، وانتهت المشكلة، فالمشاكل تحصل، والتي تتصور من النساء أن الحياة الزوجية ليس فيها مشاكل هذه مخطئة وبالتالي سوف تفشل، وأكثر ما يقع الفشل في بداية الحياة الزوجية، إذ تستعجل بعض النساء بمجرد أنها ذهبت مع زوجها وبدأت تتمارى معه فتستنكر بعض التصرفات تظهر لها بعض الأخلاق فكانت هي تحلم بشخص مثالي فتصاب بصدمة وبردة فعل، وبالتالي تقول: أنا كنت أتصور أنك وأتصور أنك وإذا بك كذا، ثم تذهب إلى أهلها فتشتكي، فيقول لها أهلها: اقعدي، وتطلق بعضهم من الشهر الأول، وهذا من الأخطاء الشائعة. فلا بد من الصبر، ولا بد من إعطاء المسألة زمناً؛ لأن العامل الزمني عامل مهم -أيها الإخوة- أنت الآن إذا كنت مسافراً وقدمت لك وجبة الطعام وتريد أن تأكل وموعد الطيارة قريب هل بإمكانك أن تأكل السفرة كلها في لقمة واحدة؟ ما رأيكم في شخص قال: والله أنا مستعجل وأخذ الرز على فمه وصبه كله، كم يدخل في بطنه؟ لقمة، والبقية أين تذهب؟ على ثوبه وعلى وجهه، ما أكل شيئاً، لماذا؟ هذا الصحن يحتاج إلى ربع ساعة تأكله، وأنت مستعجل ما دخل في فمك إلا لقمة والباقي ذهب كله إلى الخارج، كذلك الحياة الزوجية تحتاج إلى عامل الزمن، أعطها فرصة، وأعطيه فرصة حتى يحصل انسجام؛ لأنك سوف تنكرين عليه حتى في قضية النوم، يمكن لما ينام تنظرين فيه وهو نائم: ما هذه النومة؟ إنها ليست جيدة، لماذا؟ لأنك جديدة لم تأتلفي معه، أو قد يشخر لأن بعض الأزواج مبتلى بالشخير وهي كانت تنام في بيتها لا يُشخر فيه أحد، وهو رجل من حين بدأ ينام وهو يشخر، قالت: أزعجنا هذا، نقول: اصبري قليلاً وبعد ذلك لا تنامين إلا على الشخير، يصبح الشخير هذا مثل الموسيقى عند رأسك، إذا لم تسمعيه لا يأتيك النوم. كذلك تناول الطعام، قد يأكل الرجل بيده بينما هي تتناول الطعام طول حياتها بالملعقة وأخوها يتناول بالملعقة، لكن زوجها تعود أن يأكل بيده، فتستغرب من طريقة أكله بيده، فنقول لها: اصبري قليلاً فستأكلين بيديك مثله، وهكذا أيها النساء! لا بد من الصبر في قضية الحكم على الزوج بالصلاح أو بعدمه. ولذا تشاهدون -أيها الإخوة- أن الزواج الذي يمر بالسنة الأولى غالباً يكتب له النجاح، فيمر عليه سنتان أو ثلاث من النجاح فيتجاوز فترة التجربة والخطر، وبعد ذلك إذا جاء ولد أو بنت فإن ذلك مدعاة إلى الاستقرار والثبات. لكن بعض الرجال يحكم على امرأته وهي ليس معها شيء، فيتعامل معها بشدة وقسوة وشتم، فيتحكم ويضرب من أول أسبوع ومن أول شهر، فتفشل الحياة الزوجية، وهي أيضاً تتعامل معه من أول أسبوع فيكرهها وتفشل الحياة الزوجية، فالمبالغة في طلب الكمال في الرجل أو في المرأة هذا من الأخطاء الشائعة. فنقول لأخواتنا في الله: لا تبالغن واقنعن بما رزقكن الله سبحانه وتعالى، فلعل في ذلك خيرٌ كبير تحمدينه في مستقبل أيامك إن شاء الله. وكم تلقيت من الاتصالات من كثير من الفتيات يتأسفن على حياتهن الأولى مع أزواجٍ طلقوهن، لأنهن استعجلن في الحكم على أزواجهن وطالبن بالطلاق، وبعد ذلك بقيت فترة طويلة عند أهلها وهي مطلقة مرفوضة، ثم تزوجت وتجري مقارنة بين ذاك الذي ما رضيت به وبين الجديد الذي جاء، وإذا بينهما مثلما بين السماء والأرض، تقول: ليتني صبرت على قسمي الأول، لكن رفضت، فعلى الإنسان أن يصبر على نصيبه الأول، فقد يكون فيه الخير، فالاستعجال في الرفض وطلب الطلاق خطأ.

عدم الطاعة للزوج

عدم الطاعة للزوج الخطأ الثالث من بعض الزوجات: الاستنكاف وعدم الطاعة للزوج، والشعور بالأنفة، واعتبار طاعتها للزوج نوعاً من الامتهان والاحتقار لكيانها. وهذا الوهم والخطأ يأتي أيضاً من مشاهدة بعض النساء للأفلام والمسلسلات، وسماعها للأفكار التي ترد من بلاد الكفار والتي توحي للمرأة أنها كالرجال وأن من حقوقها أن تمارس كل ما يمارس الرجل، وأنه ليس للرجل عليها سلطان ولا هيمنة، هذه أفكار ليست من الإسلام -أيها الشباب وأيها الرجال وأيتها النساء- الإسلام جعل القوامة للرجل، ليس تفضيلاً، ولكن تحميلاً للمسئولية؛ لأن هندسة الأسرة تقتضي وجود مسئول، إذا لم يوجد مسئول في الأسرة تضيع الأسرة، مثل المدرسة أليس فيها مدير؟ هل تصلح مدرسة بلا مدير؟ لا تصلح، ولهذا حين يغيب المدير يوماً واحداً تنظر المدرسة كلها والمدرسين كلهم خارج المدرسة والفراشين يذهبون وكذلك الطلاب، تقول: ماذا هناك؟ يقولون: المدير لم يحضر اليوم، لكن إذا جاء المدير كل شيء يكون مضبوطاً؛ لأن الدفتر عنده، والأوراق عنده، والتلفون عنده، والتقييم عنده، كذلك السيارة هل تمشي بدون سائق؟ لا. وهل تصلح مدرسة بمديرين؟ لا. هل تصلح سيارة بقائدين لها؟ نصنع سيارة ثم نضع فيها مِقْوَدين ونقول تحركا، هذا يريد أن يذهب يميناً وهذا يريد أن يذهب شمالاً، كيف ستمشي السيارة؟ لا بد من قائد واحد، كذلك الوزارة هل يصلح فيها وزيران؟ لا. لا بد من وزير واحد، يصلح نائب الوزير لكن الوزير واحد فقط، وإذا كان وزيران فسدت الوزارة؛ لأن هذا يصدر قراراً وذاك يلغيه فتفسد، والدولة هل يصلح فيها ملكان؟ لا. بل ملك وولي عهد، رئيس جمهورية ونائب رئيس الجمهورية، بل الكون كله هل يصلح فيه إلهان؟ لا. يقول الله: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:22]، وفي الآية الثانية يقول: {إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون:91] فالكون محكوم بإله واحد، وتبدأ المسئولية من الأسرة محكومة الأسرة بمن؟ بمسئول واحد، من المؤهل أن يكون صاحب القرار في الأسرة: الرجل أو المرأة؟ إنه الرجل، لا نقول هذا استبداداً أو استعلاء، ولكن الله عز وجل خلق الرجل وجعله وأعطاه صلاحيات يصلح أنه يكون رب الأسرة، فعنده ميزان، وعنده القوة، وعنده القدرة، وعنده الشجاعة، وعنده التصرف، فلو كنت نائماً أنت وزوجتك في البيت وبينما أنتما نيام وإذا بكم تسمعون صوتاً فوق البيت أو فتح باب، من الذي يقوم؟ الرجل أو المرأة؟ المرأة ستقول له: قم هناك صوت، إذا قال: اذهبي وانظري، سوف تقول له: أنت الرجل قم، ولهذا تجد المرأة إذا جاءها خاطب وقيل لها: هذا الزوج متدين، وجميل، وثري، وكل ميزات الزوج فيه، غير أن فيه خصلة واحدة، قالوا: ماذا فيه؟ قالوا: ضعيف الشخصية جبان، ماذا تقول المرأة؟ تقول: لا أريده ما دام أنه جبان وضعيف الشخصية، أنا أريده رجلاً ولا أريد امرأة مثلي فتطرده؛ لأنها تبحث عن هذا. وكذلك الرجل إذا جاء يريد أن يتزوج امرأة فإنه يريد امرأة لا يريد رجلاً مثله، ولهذا إذا قيل له: هذه امرأة جميلة ودينة، لكنها مترجلة، كأنك تنام مع رجال، قال: لا والله. لا أريد رجلاً أريد امرأة. فكذلك الحياة الزوجية تقتضي طبيعتها أن يكون لها آمر، الآمر من هو؟ الزوج، والمأمور من هو؟ الزوجة، فلا بد من الطاعة، أليس المدرس يطيع المدير؟ لأن المدير لديه حق التصرف الإداري لضبط الأمور، فالحياة لا تستمر إلا بالطاعة، وكذلك الحياة الزوجية لا تصلح إلا بالطاعة. فنقول للأخت المسلمة: إذا أردت أن تنجحي في حياتك الزوجية فاسمعي وأطيعي لزوجك، ولهذا يقول عليه الصلاة والسلام وهو يبين أن طاعة الزوجة تبلغها الجنة، -وهو في مسند أحمد - يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (أيما امرأة صلت خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت) فطاعة الزوج ربع الطريق إلى الجنة، وليس بأمر هين فلا بد أن تطيعي زوجك. ومعنى الطاعة ليست الطاعة فيما تحب المرأة، إذا أطعتيه فيما تحبين فلست طائعة، ولكن الطاعة له فيما تكرهين أيضاً، يقول لك: نمشي عند آل فلان وأنت لا تريدين ذلك، فتقولي: حسناً أو جاء عنده ضيوف فعليها أن تقوم بواجب الضيافة، الله يحييك ويأتي بهم، فماذا يصير بعد هذه الطاعة؟ عندما تطيع المرأة الزوج دائماً فإنه يتحول هو إلى أن يكون عبداً لها. لكن إذا كانت الزوجة عاصية لزوجها فإنه سيستخدم معها أسلوب العناد ثم الطلاق، فإذا طلقها فإنها ستندم حين لا ينفع الندم. إن الطاعة مطلوبة من المرأة، قد تقول المرأة: إن هذا امتهان، لا. أبداً، إن طاعتك له تجعله عبداً لك. لقد زفت امرأة من نساء العرب ابنتها إلى زوجها، وأوصتها في ليلة العرس وقالت: يا ابنتي! لو أن أحداً يستغني عن الرجال بأبيه لكنت أغنى الناس بأبيك -لأنها بنت رجل- ولكن للرجال خلق النساء وللنساء خلق الرجال، لا تريد المرأة إلا زوجها، لو جلست في بيت أهلها ثلاثين سنة كأنها غريبة كأنها على جمر، إلى أن يأتي فارس أحلامها وتذهب معه، فما تعيش المرأة إلا مع زوج، ثم قالت لها: يا بنيتي! إني أوصيك بوصايا فاحفظيها عني تسعدي في حياتك: كوني له أمةً يكن لك عبداً، كوني له أمة يعني: قينة، فالقينة عند سيدها أي شيء يقول لها، فتقول له: حاضر سيدي، كذلك الزوجة عند زوجها مثل القينة، ماذا يصير هو بعد ذلك؟ يكن لك عبداً، عندما تطيعينه مرة ومرتين وعشراً وثلاثين ويعرف منك هذه الطاعة فإنه يستحي أن يكون سيئاً معك، فلا بد من أن يكون طيباً، يطيعك مثلما أطعتيه ويعطيك ما تطلبينه؟ لأن المبادرة منك أنت. كنت قبل فترة في الصيف الماضي في أبها، واتصلت بي امرأة من المدينة تشكو عليَّ من زوجها وقسوته وسوء معاملته، فسألتها عن تصرفاتها، فوجدت أنها هي السيئة، فقلت لها: الخطأ منك، قالت: هذه طبيعتك؛ لأنك ضد النساء، فأنت تحملنا دائماً الخطأ، قلت: ومن أنتِ حتى أحملك، أنا لا أعرفك يا بنت الحلال ولا أعرف زوجك، لكن أنا ناصح مخلص لك، أنا أعطيك وصفة استخدميها لمدة شهر، وبعد شهر أخبريني بالنتيجة وسوف نرى من المخطئ أنا أو أنتِ، قالت: هات، قلت: من الآن من حين يدخل لا تسأليه أين كنت؟ لأنها كانت تقول له كلما دخل: أين كنت؟ وتمكث تحقق معه نصف ساعة مثل الضابط مع العسكري، فيقول: أنا أدخل بيتاً أو أدخل سجناً. بعد ذلك أي شيء يأتي به من السوق ولو يأتي بتراب، فيعطيك إياه قولي: (الله يوفقك)، (الله يعطف عليك)، (الله يملأ يدك)، عظمي الذي يأتي به؛ لأن بعض النساء لو تأتي لها بالهلال قالت: إنك لا تحسن أن تشتري، إنك دائماً لا تشتري إلا الرخيص، فيقول بعد ذلك: والله لا أشتري لها شيئاً، لكن عندما تشتري لها شيئاً رديئاً وتأتي به وتقول: (الله يوفقك)، فسيذهب ويشتري لها أفضل؛ لأنه يجد تقديراً لهذا العمل. فقلت: أولاً إذا أتى لك ولو يأتي بالتراب قولي: طيب جيداً، وأي أمر يوجهه إليك قولي: حسناً، أي شيء ولو يقول: أمسي واقفة ولا تنامي، قولي: حاضر، لا يسمع منك كلمة لا، وبعد شهر أخبريني، قالت: حاضر. وبدأ الصيف في أبها، وبحثت بعد شهر في مكة، وبحثت عن التلفون الذي اتصلت به فلم تجده، وأخيراً تسأل حتى وجدت الهاتف النقال، واتصلت بي وأنا في أبها، قالت: إني أخبرتك قبل أشهر من المدينة وبعد شهر اتصلت بك يا شيخ في مكة لكن ما وجدت تلفونك وأخذت رقمك من المركز الدعوي والإرشاد في المدينة، قلت: خير إن شاء الله ماذا الذي حصل؟ قالت: الله يجزيك عني خيراً، قلت: ماذا الذي حصل؟ قالت: والله إن زوجي الآن صار مثل اللبانة في فمي، ومثل الخاتم في يدي، أشكله كما أريد، بماذا؟ قالت: بتوصياتك، صرت طائعة وصار أطوع مني، وصرت طيبة وصار أطيب مني، تقول: حتى البيت ما كان يحب البيت يدخل في غرفة لوحده، الآن تقول: إذا عنده حصة فراغ وهو مدرس تقول، حصة فراغ (45 دقيقة)، يخرج ويركب السيارة ويذهب إلى البيت يقضيها مع زوجته حصة الفراغ فكيف بطول اليوم تقول: لا يخرج، لماذا؟ لأنه وجد السكن. فبعض النساء تقول: زوجي يسهر، وزوجي يذهب مع رفقائه، زوجك أعانه الله يهرب منك، ولكن لو أنك طيبة والله لا يتخذ له رفيقاً فأنت الرفيق وأنت الصاحب وأنت الحبيب، لماذا؟ إذا صرت أنت طيبة، إنما إذا دخل ونظر إلى المشاكل من حين أن يدخل، وهي تتلفت فيه، ماذا بك تأخرت؟ لقد شغلك رفاقك عنا إنك تروح وتذهب، ولا تأتي بشيء، دائماً يداك خاليتان، أين العشاء؟ اذهب واشتر العشاء من السوق! هل تصلح هذه الزوجة؟ فيذهب ليبحث عن رفقائه ويهرب منها ولا يأتي إلا آخر الليل، إذا علم أن زوجته قد نامت، دخل بهدوء من أجل ألا تصحو فتقوم تشتمه من حين تعلم أنه جاء، فهذه تحول البيت إلى جحيم -والعياذ بالله- فهذه المرأة قالت لي: جزاك الله خيراً، والله أنا اتبعت وصيتك ونجحت نجاحاً كبيراً، قلت: الحمد لله. لقد قالت المرأة لبنتها: (كوني له أمةً يكن لك عبداً، وكوني له أرضاً يكن لك سماءً، وكوني له مهاداً يكن لك عمادا، ثم قالت: واحفظي عني عشر خصال: الصحبة بالقناعة -ليس هناك طمع، فإن المرأة إذا طمعت في زوجها وفي أمواله يكرهها؛ لأنه يعتبرها عدوة، فاقبلي ما جاء به إن أتى بعشرة أو إن أتى بألف فاقبليه- الصحبة بالقناعة، والمعاشرة له بالسمع والطاعة) فهاتان اثنتان، والتفقد لموضع عينه وأنفه فلا يرى منك قبيحاً، ولا يشم منك إلا أطيب ريح؛ لأن الزوج يؤذيه المنظر القبيح ويؤذيه أيضاً الريح القبيح، يريد أن يشم المرأة وكأنها مزهرة أو كأنها ريحانة، لكن بعض النساء ريحهن منتنة إذا جاءت عندك هربت من ريحتها -والعياذ بالله- البصل والثوم والوساخات في رأسها، فإذا جاءت تريد أن تخرج لبست من أجل أن تذهب للحفل أو تذهب لحفلة الزواج، فلا بد من الاستعداد أقل شيء نصف ساعة قبل أن يأتي من عمله هذه النصف الس

المبالغة في الغيرة على الزوج

المبالغة في الغيرة على الزوج ومن الأخطاء التي تقع فيها بعض النساء المبالغة في الغيرة على الزوج، والغيرة مبعثها الحب، فلا تغار امرأة إلا على زوجٍ تحبه، أما الذي لا تحبه فلا تغار عليه، لكن الغيرة لها حدود ولها نسبة، فإذا تجاوزتها انقلبت إلى مشكلة تؤدي في النهاية إلى الطلاق، وذلك عن طريق التخيل فتتخيل زوجها حتى وهو يسير في الشارع حين تتخيل أنه نظر إلى امرأة قالت: ماذا بك تنظر إلى المرأة، وهو لم ينظر إليها، ولكنها جعلته ينظر إليها من باب العناد، فلقد غضضت بصري خوفاً من الله وأنت تقولين: لماذا تنظر إليها!! فهي بذلك تفسد زوجها، فلا ينبغي للمرأة أن تغار الغيرة المبالغ فيها؛ لأن هذا يؤدي إلى طلاقها، وفي إحدى الوصايا لأحد الحكماء يقول: (إياك والغيرة فإن الغيرة مفتاح الطلاق).

الإهمال في خدمة الزوج

الإهمال في خدمة الزوج ومن الأخطاء الإهمال في خدمة الزوج، ووضعه في آخر اهتمامات المرأة، فبعض النساء تهتم بالطبخ والكنس والغسيل وتنظيف البيت ولا تهتم بالزوج، فالزوج نفسه يريد اهتماماً مثلما تهتمين بشئون البيت الأخرى أيضاً الزوج نفسه يريد اهتماماً بوضعه الخاص، وفي نفسه فيحتاج إلى ما يزيل عنه أثر الجهد والتعب طوال اليوم وذلك بالقيام -مثلاً- بتدليك رجليه وظهره ومفاصله، فهذه تجعلك في مقام رفيع عنده، وتزيد من أواصر المحبة والألفة، فلا بد من الاهتمام بالزوج، الاهتمام به في عمله، وفي حالته النفسية، وفي كل ما يتعلق به من راحة ومن دواء، إذا كان مريضاً وأتى بعلاج فتهتمي بمواعيد إعطائه العلاج وتعطيه إياه في وقته، فما رأيكم في هذه الزوجة إذا كانت هكذا؟ بل إن بعض الزوجات تتصل بزوجها إذا كان مسافراً وتقول له: انتبه لا تنس الدواء فإن موعده الساعة كذا وكذا، هذه حسنة في الدنيا، لكن بعض الزوجات إذا أتى العلاج أخذته ورمت به، وإذا قال: أعطني الدواء قالت: أشغلتنا بالدواء لا أنت مت ولا أنت تعافيت، أعوذ بالله!!

إهمال المرأة لحقوق أقارب الزوج

إهمال المرأة لحقوق أقارب الزوج من الأخطاء: إهمال المرأة لحقوق والد الزوج وأقارب الزوج، فتتخذ من أمه عدواً، وتتخذ من أبيه عدواً، وتتخذ من أقاربه أعداء، وتضخم أخطاءهم، وتتصيد زلاتهم، ثم تشتكيهم دائماً عليه، وتغار من أمه فتجعله في موقف محرج، هذه تشكي أمي عليَّ ماذا أعمل في أمي؟ أذهب أبدلها؟ ليس هناك تبديل، هل أخرج أمي من البيت؟ لا. ليس معقولاً، فمهما رأيتِ من أمه لا بد أن تسكتي ولا تشكي عليه؛ لأنه ليس بإمكانه أن يعمل شيئاً فلا يستطيع أن يضرب أمه ولا يخاصم أمه وأباه أيضاً، بل إذا جاء قدرية وقولي: أمك طيبة الله يجزاها الخير، وأمك فاضلة، وأبوك فاضل، وأقاربك كلهم طيبون، وأنا أقدرك في قدرك، فاحترميهم على الأقل، واحترمي هذه الأم إذ لو لم يكن من بركات هذه الأم إلا أنها جاءت لك بهذا الزوج، من الذي جاءك بهذا الزوج؟ أليس هذه الأم؟ فهي مباركة وفيها خير كبير، احفظي لها هذا الفضل، وأكرميها لهذه المنزلة التي جعلت هذا الولد زوجاً لك، لكن تشتكينها عنده وتضخمين خطأها: أمك فتحت الباب وضربت به هكذا، أمك أسرجت المصباح وما أطفأته إلا بعد الفجر وذلك من أجل أن يغضب على أمه، فلا يجوز أن تضخم أخطاء الأقارب أو تهملهم، بل تحترمهم احتراماً لزوجها.

كثرة التسخط، وعدم مراعاة وضع الزوج ومشاعره

كثرة التسخط، وعدم مراعاة وضع الزوج ومشاعره ومن الأخطاء: كثرة التسخط وعدم مراعاة وضع الزوج ومشاعره، ودائماً التسلط على سلبياته، وكثرة المقارنة به بالرجال. تتسخط على زوجها وتقول: لم يعطنا، ولم يأت لنا بكذا، آل فلان اشتروا (طقم كنب) وما أتى لنا هو بذلك، وآل فلان (دهنوا) البيت وما أتى لنا هو، آل فلان آل فلان، إن كل إنسان له ظروف، ففلان يمكن أن يكون راتبه كبيراً وراتبي قليل فماذا أعمل؟ هل أذهب وأستلف مبلغاً كبيراً كل شهر من أجل أن ألبي طلباتك وأظل مثل فلان؟ أما تعلمين أن كلمة آل فلان أنها طعنة في شخصية الرجل؟ وأنها تؤلمه؛ لأنه كأنها تقول: أنت لست جيداً مثل فلان، ففلان أحسن منك، وهذا من جهالة المرأة، فلا يجوز أن تتسخط المرأة على زوجها، ولا أن تتجاهل وضعه بل عليها أن تقدر ظروفه وتقبل منه ما تيسر، وأن تشاهد دائماً إيجابياته، وأن تغض الطرف عما فيه من سلبيات ومن أخطاء، ولتحذر كل الحذر من مقارنته بالرجال، وأن تقول: لست مثل فلان ولا مثل علان، هذا كله لا ينبغي من المرأة المسلمة العاقلة.

المن على الزوج

المنّ على الزوج وهذا يحصل من المرأة الموظفة، فإذا شاركت بشيء من راتبها في خدمة الزوج أو في مصاريف البيت فإنها تحفظ له وتمنها عليه ولو بعد سنة، والأصل في النفقة أنها على الزوج والمرأة ليست ملزمة شرعاً، لكن بموجب الود والرحمة والتعايش بين الزوجين ينبغي ألا تكون المرأة أنانية، ترى زوجها مهموماً بالديون وبمشاكل الحياة بينما هي تحتفظ براتبها، فإذا أرادت أن يحبها زوجها، وأن يعيش معها، فلتتفاعل معه وتقوم بجزء من مصاريفه، وإذا اشترى سيارة -مثلاً- تقول هذه عشرة آلاف، وإذا رمم البيت قالت: هذه عليّ، وإذا خرجوا يتمشون قالت: العشاء اليوم عليّ، فإذا رأى الرجل المرأة بهذا الوضع أحبها ووثق فيها، لكن إذا رآها أنانية لا تعطيه شيئاً، عرف أنها زوجة أنانية وبالتالي يتخلص منها في أي يوم من الأيام أو يتزوج عليها، فما نريد هذا من المرأة، ولا نريد أيضاً من الرجل أن يطمع في مال المرأة، فالمال لها لكن يجب أن تكون هي أيضاً كريمة وغير أنانية، وإذا أعطته شيئاً فلا تمن به عليه، فإن المن يؤذي الرجل، والمرأة إذا منت على زوجها بأي شيء كأنها تقدح في رجولته، وكأنها تقول: إنك ليس عندك شيء، وأنت فقير وأنا الذي أعطيتك.

إرهاق الزوج بكثرة الطلبات

إرهاق الزوج بكثرة الطلبات من هذه الأخطاء: إرهاق الزوج بكثرة الطلبات والمقاضي والتفصيل للموديلات، وكل حفلة لها موديل، وكل تمشية لها ذوق، وتحلف ألا تلبس هذا الثوب فقد شاهدوه عليها، تحسب أن الناس قد تلفتوا إلى ثوبها والله ما دروا عن شكلك ولا عن ثوبك لو لبستيه مائة امرأة فلا أحد يتلفت في الثياب من كثرتها، لكن بعض النساء عقليتها ضعيفة.

كثرة الارتباطات والزيارات والمناسبات

كثرة الارتباطات والزيارات والمناسبات كذلك كثرة الارتباطات والزيارات والمناسبات، وكثرة العلاقات الاجتماعية، عندما يكون الزوج مشغولاً بعمل، أو التزامات، أيضاً هو بشر يريد أن يرتاح، لكن بعض النساء لا تراعي الظروف، بمجرد أن يدخل يريد أن يرتاح قالت: اذهب بنا إلى آل فلان، ماذا هناك؟ قالت: صديقتي أريد أن أزورها، اليوم الثاني قالت: وفلانه عندها قهوة عزمتني، واليوم الثالث قالت: بنت جدتي في الحي الفلاني، والرابع قالت: وبنت جدة عمة خالتي في كذا!! أصبح الزوج كأنه سائق (تكسي) هذا الضعيف فقط لهذا المرأة التي عذبته. بل اجمعي الموضوع إلى أقصى شيء، ولا تذهبي إلا للذي لا بد منه وفي المناسبات، وإذا عرضت عليه ذلك فتأكدي أن هذا الأمر لا يزعجه وإن كان عنده شغل فاتركيه يرتاح؛ لأن توسيع دائرة الارتباطات والمناسبات والزيارات والعلاقات الاجتماعية يجعل الزوج يزهق، الناس اليوم خاصة -يا إخواني- ليس عندهم أوقات، أولاً: تباعدت الخطا، وكثر اتساع الناس، وكثرة المشاكل والمشاغل، وأصبح الإنسان بحاجة إلى أن يرتاح في بيته، فعلى المرأة أن تراعي هذا الوضع؛ لأنه من أهم الأوضاع.

سوء تصرف الزوجة عند تزوج الزوج بأخرى

سوء تصرف الزوجة عند تزوج الزوج بأخرى آخر خطأ وقد أخرته لأهميته: وهو سوء التصرف الذي يقع من بعض الزوجات حينما يحصل لزوجها أن يعدد، أي: أن يتزوج عليها. نحن في الأصل لا نلوم المرأة إذا كرهت أن يخطب أو أن يتزوج عليها زوجة، هذا شيء طبيعي، فالإنسان لا يحب الشراكة في شيء، كل واحد يريد أن يكون له شيء خاص، حتى لو كان قلماً تقول: قلم لك أنت وأخيك، لك يوم وله يوم، يقول: لا أريده، إما لي أو لا أريده، لكن قضية التعدد شيء أباحه الله سبحانه وتعالى وجعله حلاً، بل بعض أهل العلم يقولون: إن التعدد من محاسن الشريعة، ومن أحسن مما مهد الله إليه، لماذا؟ لأنه إن لم يكن هناك تعدد فلن يكون بعد ذلك إلا الزنا، فقد يتزوج الإنسان من امرأة ويكون عنده من الرغبة في الأمور هذه ما لا يجده في امرأته فماذا يصنع؟ يعيش محروماً مكبوتاً، أم يذهب إلى الزنا؟ لا. الشرع يقول: تزوج {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء:3] أو يتزوج الإنسان بامرأة مريضة فإذا كانت مريضة فله أن يطلقها من أجل أنها مريضة، أو يتزوج ويقوم بشأن زوجته المريضة؟ أو أن يتزوج بامرأة -مثلاً- عقيم لا تنجب، فإذا طلقها وتعارف الناس عليها أنها عقيم فمن يتزوجها، أو يعيش بدون أولاد؟ فالحق أن يتزوج. أولاً: ينبغي للمرأة أن تعمل كل ما في وسعها من أجل تحقيق الرفاهية والحياة السعيدة لزوجها حتى لا يلجأ إلى التعدد، ونحن نعرف أن الرجل لا يلجأ إلى التعدد إلا من خلل عند المرأة، فالسعيد مع امرأته لا يعدد أبداً، لكن إذا حصل منها شيء ذهب يعدد، وإذا عدد ما الذي يحصل؟ تحصل تصرفات غريبة من بعض النساء، منهن من تعترض على الله في الشرع وكأنها تلوم الله لماذا أباح التعدد؟ وهذا يؤدي بها إلى الكفر؛ لأنه اعتراض على شريعة الله، يقول الله عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [محمد:9] فماذا حصل؟ {فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:9] ويقول عز وجل: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65]. منهن أيضاً من تذهب إلى السحرة إذا عرفت أنه تزوج وقالت: زوجي تزوج أريدك أن ترده إليَّ، قال: أبشري، والله ما أجعله يعرف أحداً إلا أنت، فتعطيه مبلغاً من المال وبعد ذلك يكرهها هي؛ لأن الله يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [يونس:23] (ومن حفر حفرة لأخيه وقع فيها)، هي عملت في السحر لكي تؤذي تلك الزوجة الثانية وتلك ما لها ذنب فهي امرأة خطبها رجل وجاءت بعقد شرعي وما جاءت هي، بل هو الذي ذهب إليها، فما هو ذنبها؛ لأنها تزوجت؟! لا. فيعود الكره والبغضاء والكراهية لهذه ويطلقها بعد ذلك. ومنهن من تسلك مسلكاً خبيثاً فتقترب من الجريمة والزنا وتقول: ما دام زوجي ذهب إلى زوجته الثانية فسأبحث عن صديق، فتقع فيما حرم الله، وتصيبها لعنة الله في الدنيا والآخرة، والعياذ بالله! ومنهن من تذمه وتشوه سمعته وتبالغ في ذكر معايبه، وتغري وتشحن أولاده ضده، وإذا اتصل أحد بها قالت: إنه ليس فيه خير، فتزيد المخاصمة بينه وبينها، وبذلك يقتنع بأن زواجه بالأخرى هو الحل الصحيح، وأن هذه لا تصلح أن تكون زوجة. ومنهن -أيضاً-من ترتكب حماقة أكبر وهي أن تهجر زوجها وتهدم بيتها وتشرد أولادها وتذهب إلى أهلها، فيطلقها، وبعد ذلك بدل أن تربي أولادها تربي أولاد الناس، إما أن يتزوج بها شخص عنده أولاد، أو تقعد في بيت أخيها أو بيت أختها تربي أولاد الناس، وبالتالي تضيع مصالحها كلها.

العلاج

العلاج .

الصبر هو الموقف الصحيح الذي يجب على المرأة فعله

الصبر هو الموقف الصحيح الذي يجب على المرأة فعله أما الموقف الصحيح الذي يجب أن تقفه المرأة إذا حصل مثل هذا أن تصبر وأن تسترجع، وأن توطن نفسها على الوضع الجديد، وأن ترضى بقضاء الله وقدره، وأن تحكم العقل، وأن تنظر في العواقب، وأن تحذر من إيذاء الزوج أو الزوجة الجديدة، وأن تطرح كلام الناس، وتقطع الهاتف، ولا تتصل بأحد أو لا تجيب على أحد بهذا الموضوع، وأن تغير وضعها مع الزوج من حيث التعامل؛ لأنه أصبح الآن في الميدان منافس، فليست لوحدها، فهناك الآن منافس آخر، فغيري جلدتك وغيري وضعك، وابذلي جهداً أفضل، وابذلي تعاملاً أكمل على أساس أنه يمكن أن يرجع لك زوجك؛ لأن بعض الزوجات تشتكي تقول: والله من حين تزوج علينا أنها أخذته، وشغلت عقله، وهذا طبيعي؛ لأنها عرفت كيف تتعامل معه، وأنتِ لا زلت تتعاملين معه على الموضة القديمة، على المعاملة الأولى الذي قد ذهبت وانتهت، وعندما يوازن بينك وبين الجديدة يجد أن هناك فرقاً فيعود ويذهب، لكن لو أنك تغيرت فسيرجع، وربما يضحي بزوجته الثانية، فبعض النساء تقول: أنا سوف أتغير لكن أريده يبعدها، لماذا يبعدها؟ لقد (وقع الفأس في الرأس)، والمسألة ليست لعبة، يقول شخص من الإخوان: إنه تزوج بامرأة على زوجته الأولى فتغيرت زوجته الأولى، وبدأ الاحتفاء والاهتمام، وبدأت الرائحة الطيبة في البيت، وبدأ الطعام الجيد واللباس الجيد والتعامل الجيد، يقول: كنت أدعوها قبل ذلك فلانة، فتقول: طاعون، يقول: الآن فلانة، تقول: لبيك، يقول: أدخل الباب فأشاهد أولادي فإذا بهم طابور -مثل السلم- كلهم بانتظاري، أشم الرائحة من طرف البيت، يقول: قلت لها: أين هذه الأخلاق سابقاً؟ أين هي من زمان؟ والله لو أنك من زمان هكذا ما تزوجت، قالت: حسناً الآن أنا جيدة، قال: لا تصلح الآن، ليست المسألة لعبة، هذه بنت رجل أتيت بها بوجهي ولن أطلقها.

الاعتقاد أن الدنيا ليست دار راحة وكمال

الاعتقاد أن الدنيا ليست دار راحة وكمال أيضاً مما ينبغي أن تعرف المرأة التي حصل لها التعدد أن تعرف أن الكمال وأن الراحة الكاملة ليست في هذه الدنيا، وإنما هي في الآخرة، فلتصبر على وضعها الجديد مع زوجها، ولتسأل الله سبحانه وتعالى أن يعينها على التكيف مع الوضع الجديد، حتى تنجح في حياتها الزوجية، وحتى يستمر لها نصف زوجها، فإن بقاء نصف أحسن من لا شيء. وفي الختام: أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق النساء لحسن التعامل مع الرجال، وأن يوفق الرجال أيضاً لحسن التعامل مع النساء، وأن يقيم الأسر المسلمة على الحق وعلى التعاون على ما يرضي الله سبحانه وتعالى، كما أسأله أن ينصر دينه وأن يعلي كلمته، وأن ينصر إخواننا المجاهدين في فلسطين، وفي كشمير، وفي الشيشان، وفي جميع ديار المسلمين، وأسأله سبحانه وتعالى أن يحفظ لنا هذه البلاد المباركة، وأن يحفظ لنا ديننا وأمننا ونعمتنا واستقرارنا، وأن يجعل كيد من يريدنا بشرٍ في نحره وتدبيره في تدميره، وأن يوفق ولاة أمورنا وعلماءنا ودعاتنا وشبابنا وشاباتنا وجميع المسلمين، وأن يوفقهم إلى خدمة هذا الدين، ومناصرة هذا الدين، والدعوة إليه، والذب والذود عنه، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة .

حكم الدعاء على الولد

حكم الدعاء على الولد Q عندي زوجة -والعياذ بالله- تدعو على الأولاد ليلاً ونهاراً، ولو يفعل الأطفال شيئاً فإنها تبادرهم بالدعاء أو السب والشتم، حتى إن بعض الأطفال بدأ يقلدها بالدعاء، يقول: ما حكم هذا الدعاء؟ وهل هو مستجاب؟ وما نصيحتكم لهذه الزوجة، أفيدونا أفادكم الله؟ A هذا خطأ من الأخطاء الشائعة عند بعض النساء، وعند بعض الرجال أن يدعو الرجل أو تدعو المرأة على ولدها أو على زوجها أو على بنتها لخطأ حدث أو لمشكلة وقعت، هذه المخالفة مخالفة شرعية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذر عن هذا في الحديث الصحيح قال: (لا يدعو أحدكم على أهلٍ ولا مالٍ ولا ولد، فربما وافقت ساعة استجابة) كونه يمكن أن يستجاب؛ لأنك تدعو، وقد توافق ساعة إجابة، والمرأة وهي تدعو على ولدها ليست صادقة، فبعض النساء تقول: الله يهلكك، وهي لو تدخل شوكة في رجله تتمنى أنها في وجهها، لكن الحمق والغضب يجعلها تقول مثل هذه الألفاظ: (الله يهلكك)، (الله يكسرك)، هذا كله لا يجوز، بل قولي بدل (الله يهلكك) (الله يهديك)، وبدل (الله يكسرك) (الله يصلحك)، لكن بعضهن ما يسكن قلبها إلا بالدعوة القبيحة تقول: لو قلت الله يصلحك ما سكن قلبي. كانت هناك امرأة ولدها يؤذيها في الحوش وهو يقول: سوف أذهب، تقول: لا. لا تذهب، قال: أذهب، قالت: (الله يجعلها في وجهك)، فخرج من باب البيت ويريد البقالة أمامها ومع مجيء سيارة بسرعة قطعته تقطيعاً، تقول: من حين أن سمعت صرير إطار السيارة عرفت أن الله استجاب دعوتي، وأن الله جعلها في وجهه ومات، تقول: أنا التي قتلت ولدي ليس هو الذي قتل نفسه، فقد استجاب الله دعوتها، وهذه المسكينة الآن تعيش حياة بأمراض نفسية، وقد جلست فترة طويلة في المستشفى، والآن بعد سنوات لا تزال تعيش آلام هذه الكارثة لأسباب الحمق، فلا يجوز ولا ينبغي الدعاء على الأولاد. ونحن ننصح هذه المرأة أن تتوب إلى الله، وألا تدعو على أحدٍ من أولادها وألا تدعو على زوجها، بل تدعو لهم فغيري الكلمة القبيحة بالكلمة الجيدة، (الله يهديك)، (الله يصلحك)، (الله يوفقك)، وتعود الإنسان على هذا يجعله إن شاء الله يستمر عليه.

حكم الحلف بالطلاق

حكم الحلف بالطلاق Q إذا قال رجل لامرأته: (عليّ الطلاق). هل تكون هذه المرأة طالقاً أم لا؟ وأضيف أيها الشيخ إن بعض الرجال يستخدم هذه الكلمة في حلفه غالباً، فما توجيهكم لهؤلاء؟ A الحلف بالطلاق لا يجوز؛ لأن (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله) وإذا حلف الرجل على امرأته بالطلاق فقد علق طلاقها على هذا الشيء الذي حلف عليه، وهذا الذي يسميه العلماء الطلاق المعلق، فإن وقع هذا الشيء وقع الطلاق، كأن يقول لامرأته: عليّ الطلاق ما تخرجي لأهلك، إن الله جعل الطلاق في يده لكن من حماقته جعل الطلاق في يد المرأة، بحيث لو أرادت أن تطلق نفسها تذهب، أو كأن يعزم أناساً ويقول: عليَّ الطلاق أن تموت شاتكم أو أن أذبح لكم، فيذهبون، إذا ذهبوا وما ماتت شاتهم ولا ذبح لهم أيضاً وقع الطلاق، هذا يسمونه الطلاق المعلق، وهذا عليه جماهير أهل العلم، وفتوى هيئه كبار العلماء. وهناك تحفظ لبعض العلماء ومنهم عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه يقول: يسأل عن نيته أثناء الطلاق: فإن كانت نيته الطلاق وقع، إذا وقع ما حلف عليه، وإن لم يكن في نيته الطلاق وإنما في نيته المنع فهي كفارة يمين. هذا القول قال به الشيخ عبد العزيز بن باز ومعه بعض العلماء، لكن الذي عليه جماهير العلماء، والأئمة الأربعة، وكثير من العلماء أنه يقع الطلاق، وقد ناقشت سماحته رحمة الله تعالى عليه في هذه المسألة وقلت له: يا شيخ كيف نسأل الرجل نقول: نيتك الطلاق أو نيتك اليمين وهو يطلق؟ وهل يفتقر الطلاق إلى النية؟ والحديث في السنن: (ثلاث جدهن جد، وهزلن جد) فلو أن شخصاً جالس مع زوجته يتعشون ويريد يسامرها أو يضحك معها أو يمزح أو يريد يفجعها قال: أنت مطلقة. ما رأيكم في هذا الطلاق يقع أو لا يقع؟ رغم أن نيته ليست الطلاق بل نيته المزاح، قلت للشيخ هذا الكلام، فسر به لكنه قال لي مأخذاً بعيداً قال: أحياناً يطلق الإنسان وليس للزوجة علم، يعني: هي في بيتها مع أولادها وهو ذهب يشتري لهم تيساً وتخاصم هو وصاحب التيس وطلق أنه يشتريه، وبعد ذلك ذاك قال: والله ما أبيعه، طلق أنه ما يبيعه، فماذا نعمل بهذه المرأة المسكينة إذا قلنا لها: وقع هذا الطلاق، وقع الطلاق عليها بغير ذنب، يقول: فبمثل هذه الحالة نرى ألا يقع حفاظاً عليها، فهذه نظرة من نظرات البعد والرحمة بالأمة، وهذا ما تميز به سماحته رحمة الله تعالى عليه.

نصائح لمن عق والديه

نصائح لمن عق والديه Q أرجو أن تعلق على هذه المشكلة وهي: أن هناك ابنة عاقة لأمها وترد عليها بأبشع الألفاظ وتقول: ليس لك دخل بي، ولا تأكل معها وهي على هذه الحال أكثر من ثمان سنوات، وكانت في بداية المشكلة أن الأم إذا اشتكت إلى والدها قال أمام البنت: أنت تخطئين عليها، حتى وصلت إلى هذه الحال. فأرجو من فضيلتكم أن توجهوا نصيحة لهذه البنت ولأمثالها، علماً بأن الأم والبنت معنا الآن في هذه المحاضرة؟ A أولاً العقوق من أعظم ومن أكبر الكبائر، والحديث في الصحيحين من حديث أبي بكرة قال عليه الصلاة والسلام: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين -قرنه الله بالشرك- وكان متكئاً فجلس وقال: ألا وقول الزور ثلاث مرات) فهو من أكبر الكبائر، وبر الوالدين من أعظم الطاعات والقربات، بل قرن الله برهما بعبادته قال عز وجل: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [النساء:36] {وقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء:23] {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:14] فالبر قربة، والعقوق مصيبة، وقد يعاقب العاق في الدنيا إلى جانب العقوبة التي تنتظره في الآخرة، فعقوبته في الآخرة النار -والعياذ بالله- أما عقوبته في الدنيا العاجلة فإن الله يسلط عليه من أولاده من يزيد في عقوقه على ما عق به أمه وأباه. وهذه البنت هي اليوم بنت لكنها غداً سوف تتزوج وسوف يأتيها أولاد، وسوف يكيلون لها بمكيال أمها ويزيدون. فقد كان هناك شخص يضرب أباه ويسحبه من القصر إلى الباب، ويغلق الباب عليه ويتركه في الحوش، وصبر هذا الأب حتى مات، ودارت الدنيا إلى أن صار هذا الولد شيخاً وجاء له ولد فكان يضربه من فوق القصر ثم يسحبه إلى الباب الداخلي ويخرجه من الحوش، ثم يخرجه إلى باب الشارع ويتركه في الشارع، فيقول لولده: يا ولدي والله إني كنت أضرب أبي إلى هنا دعني هنا، قال: لا. كنت تضرب أباك إلى هنا وأنا سوف أزيدك، وأدعك في الشارع هناك، فبروا آباءكم يبركم أبناؤكم. فالبر مكيال إن توفِّه يوفَّ لك، وإن تنقصه ينقص عليك، وأنت -أيتها البنت- عقوقك لأمك محسوب عليك وغداً يأتي من يعقك أكثر وأكثر. ومن عقوبات عاق الوالدين وعاقة الوالدين: عدم التوفيق، فلا يوفق الله عاق والديه أبداً بل كلها في وجهه. وكذلك عدم التيسير في الأمور، ومحق بركة الرزق، ومحق بركة العمر، ومحق بركة الأولاد، فأمور العاق كلها -والعياذ بالله- معسرة. فننصح هذه البنت بالتوبة إلى الله، واستغلال حياة والدتها فإنها ضيفة ولا تعلم كم ستعيش، ومن أعظم الآلام في النفس أن يموت أبوك أو أمك وأنت غير بار بهما؛ لأنه إذا مات من أين تأتي بأب؟ تشتري أباً من أجل أن تبره؟ هي فرصة واحدة فاتتك، فلا تضيعي هذه الفرصة -أيتها البنت- وعليك بالتوبة والرجوع إلى أمك وتقبيل قدمها وطاعتها وبرها، وعدم استنكاف أي أمرٍ تقوله. ونشير إلى عبارة وردت في السؤال: أن الذي جعل البنت هذه تعق أمها هو أسلوب أبيها، فقد كانت البنت إذا شكت إلى أبيها يقول للأم: أنت المخطئة على ابنتك، فقلل من شأن الأم، وشجع البنت على العقوق، وهذا من الأخطاء الشائعة عند الرجال، لا ينبغي لك أن تتكلم على امرأتك أمام أولادها؛ لأن هذا ينزل من شخصيتها، ويقلل من اعتبارها في أذهانهم، بل عليك دائماً أن ترفع من شأن امرأتك، وإذا كنت وهي لوحدكما تقول: أنت أخطأت، لكن ما أريد أقول لك أمام الأبناء فأنت مخطئة ولهم حق وهكذا.

إجابة الزوج إلى الفراش أوقات الصلاة

إجابة الزوج إلى الفراش أوقات الصلاة Q زوجي يطلبني إلى فراشه في أوقات الصلاة وهو يتخلف عن الجماعة فهل تعتبر موافقتي له معصية للخالق أو لا؟ A أولا: ينبغي أن تنصحيه وتناصحيه حتى لا يتخلف عن الجماعة؛ لأن تخلفه عن الجماعة مدعاة للنفاق -والعياذ بالله-، كما جاء في الحديث: (ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق). ثانياً: إذا طلبك في هذا الوقت فبعد أداء الصلاة، قولي له: نصلي أولاً، وإذا كان الوقت يسمح بممارسة هذا العمل ثم القيام منه إلى أداء الصلاة بحدود الوقت قبل خروجه فلا بأس؛ لأن وقت الصلاة فيه وقت على التخيير ليس كله وقتٌ ضيق خاصة في العشاء، لكن إذا جاء يطلبها في وقتٍ والوقت فيه ضيق وما بقي إلا أن يخرج الوقت فلا (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).

حكم معاملة الزوجة معاملة سيئة

حكم معاملة الزوجة معاملة سيئة Q إنها زوجة تزوجت منذ شهور، ومن أول ليلة من زواجها وحتى الآن يقول لها الزوج: أنا لا أريدك، ولا أحبك، وندمت من الزواج منك، وتقول: وجدت منه معاملة سيئة وضرباً وتهديداً، حتى إنه حاول مراراً قتلي، ويقول لي كلمات بذيئة مع أني أرجو فيه الخير، وكان يقول: سوف أصبر عليك للظروف وخوفاً من المشاكل العائلية، وإلا لفارقتك من أول ليلة، تقول: ماذا تنصحونني مع أني حاولت أن أحببه في نفسي وبذلت ما بوسعي لإسعاده، ولكن يقابلني بالجفاء، وإن أحسن يوماً أساء أياماً، فأنا أفكر في الطلاق مع أني سوف أكون أماً -إن شاء الله- لأني أرى أني أصبر نفسي على شخصٍ لا يرغب بي، وكان يقول لي مراراً: إذا أردت الفراق فلا تستطيعي أن تطلبي الفراق، فما الحل أرجو مساعدتي والدعاء لي وله وجزاكم الله خيراً؟ A الله المستعان! لا حول ولا قوة إلا بالله! نسأل الله عز وجل أن يعينك على هذا الزوج، هذا الزوج أولاً أحمق؛ لأن التعبير: بأنني لا أريدك، وأنا أكرهك، وأنا أريد أتزوج عليك، أريد أطلقك، هذا لا يليق بالرجل العاقل، حتى لو كان لا يريدها، فإنه لا ينبغي له أن يعبر؛ لأنه يكسر خاطرها، ويحطم مشاعرها، ويقطع كل حبل يمكن أن يكون بينه وبينها نفسياً، بل عليه أن يصبر هو وتصبر هي، أما ما دام بهذه الهيئة وبهذه الكيفية ويعبر ويضربها ويفكر حتى كما تقول في قتلها فقضية الاستمرارية مع هذا الوضع أنا أرى ألا تتم، وإنما تصبر بمقدار فإن رأت تحسناً مع مرور الزمن -يعني يغير من وضعه- وهي تبذل كما هي تقول: إنها تبذل جهدها في سبيل رضاه، عليها أن تبالغ في رضاه وفي السمع والطاعة وتنفيذ الوصايا التي ذكرناها، وتصبر أيضاً مع ملاحظته؛ فإن كانت تجد أن هناك تحسناً فهناك أمل؛ لأنها تقول: إن فيه خيراً، وإن كانت ترى أنها كلما صبرت ازداد سوءه فلا، بل تطلب الطلاق قبل أن يزيد أكثر، حتى ولو كانت أماً؛ لأن معنى ستكون أماً كأنها حامل الآن، فبواحد أو بخمسة أو بستة، فتصحح الغلطة من أولها؛ لأن ليس كل زواج -أيها الإخوة- يستمر، لا. ستبقى قضية الطلاق، فما شرعها الله إلا لأنه قد يكون لك بنسبة قليلة مثل هذه النسبة من إنسان بهذا الوضع يعيش هذه النفسية السيئة يحطم مشاعر هذه الزوجة يهينها يضربها يقول: أنا لا أحبها، أنا غلطان أني تزوجت بها، هذا لا يستحق أن يكون زوجاً، هذا أحمق وجاهل، وعليه أن يتقي الله سبحانه وتعالى، وعليها أن تصبر بمقدار ما تأمل أن يحوله الله عز وجل ويهديه، فإذا رأت أن الصبر لا يزيده إلا عناداً فلتعالج الوضع بطلب الطلاق ولتذهب إلى أهلها، وسيجعل الله لها مخرجاً وفرجاً وعوضاً صالحاً بإذن الله.

الكتب المفيدة في كيفية التعامل مع الزوج

الكتب المفيدة في كيفية التعامل مع الزوج Q أرجو أن تذكر بعض الكتب والأشرطة في كيفية التعامل مع الزوج؟ A أفضل كتاب أنا اطلعت عليه قريباً لإحدى الأخوات في الله تقول: " رفقاً بالرجال أيها النساء " الحديث: (رفقاً بالقوارير) موجه للرجال، هذه أخذت من الحديث ووجهت رسالة إلى النساء تقول: رفقاً بالرجال أيها النساء. وكتبت مواضيع لم تسبق إليها، وهي دكتورة في الجامعة الإسلامية في كلية التربية في المدينة المنورة للبنات، امرأة موفقة تلمست أخطاء النساء وصاغتها بأسلوب بياني رفيع وبلهجة مؤثرة، وهو موجود في الأسواق. أيضاً هناك كتب كثيرة تتعلق بالمرأة وفن التعامل، وبإمكان المرأة أن تزور أي مكتبة وتطلع على القسم المتعلق بهذه المواضيع؛ لأنه لا يحضرني الآن أسماؤها وإن كانت كثيرة.

علامات الشقاء

علامات الشقاء إن الشخص الذي يمنِّي نفسه بالأماني الكاذبة والباطلة، ولم يترجم تلك الأماني إلى عمل؛ ستنقلب كل أمانيه إلى شقاوة وتعاسة في الدنيا والآخرة، فشقاوة الدنيا تتمثل في الهموم والغموم وضيق الصدر، أما شقاوة الآخرة فيكفيه فيها أن يحرم رحمة الله عز وجل ويحجب عن النظر إلى وجهه تعالى، على ما ينتظره من العذاب والويل والنكال ولا حول ولا قوة إلا بالله.

الهداية لا تنال بالأماني الكاذبة

الهداية لا تنال بالأماني الكاذبة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وبعد: إذا أراد الله بعبده خيراً سدده ووفقه وهداه: {وَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة:41] {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً} [الأعراف:146] {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا} [الأنعام:25] {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً} [الإسراء:60] الهداية والالتزام بالدين والانصياع لأمر الله والاستجابة لداعي الله خلق المؤمن: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء:64] ما أنزل الله الكتب، وما أرسل الرسل، وما أقام الحجج، وما بين البراهين إلا من أجل أن يستجيب الناس لداعيه، يقول الله عز وجل: {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ} [الشورى:47] ويقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:24]. إن الحياة الحقيقية إنما تنبع من مقدار استجابتنا لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وليس لنا خيار في أن نستجيب لأمر الله أو لا نستجيب، ولا نملك أن نتصرف وفق أهوائنا، بل لا بد من الاستجابة وإلا فالنار، يقول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36] ولكن لا يريد أن يمشي على الاستقامة فقال: أريد أن ألف، فقال له الله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب:36] عرض نفسه للدمار، الدمار في هذه الدار، والدمار يوم يموت، والدمار يوم يقبر ويتحول القبر إلى حفرة من حفر النار، ويوم يبعث يقوم وقلبه يتقطع خوفاً وهلعاً من مصيره الأسود، وكذلك يوم يدخله الله النار ويقول: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود:107] يقول الله عز وجل: {فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا} [هود:105 - 108] نسأل الله من فضله. ما أعظمها والله -يا أخي- أن تكون سعيداً في الدنيا وسعيداً في الآخرة: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود:108] أي: عطاء غير ممنوع ولا منقوص، بل هو كامل {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ * فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ} [هود:108 - 109] يعني: الكفار {مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ} [هود:109] سوف يصليهم العذاب، ويتم عليهم التدمير، وسوف يتعرضون للدمار والنكال في الدنيا والآخرة، وسوف يجزيهم الله نصيباً وافياً غير منقوص. الهداية مطلب لكل من يريد أن يهتدي وأن يسعد ولكن: ما كل ما يتمنى المرء يدركه تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن كل واحد يريد العلياء، وكل يريد أن يعمل جيداً لكن لا تحصل هذه بالأماني، إن الأماني هي رءوس أموال المفاليس؛ المفلس الذي ليس معه شيء يعيش على الأمنيات، يقول: معي عمارات وطائرات، ومعي سيارات وعندي شركات، أمل! فقل له: أخرج شيكات سجلاً! نرى الرصيد ليس هناك شيء. فالمفلس في الدنيا رأس ماله الأماني، والمفلس في الآخرة رأس ماله الأماني، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول عن الكيس العاقل الفطن الحازم: (الكيس من دان نفسه) أدانها: استذلها وسيرها في الخط الصحيح رغماً عنها؛ لأن النفس أمارة بالسوء، النفس تكره القيود وتكره الالتزام، تحب التفلت، تحب الفضول، تحب الكسل، تحب البطالة، يقول الناظم: والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم فاصرف هواها وحاذر أن توليه إن الهوى ما تولى يصمي أو يصم ويقول الله عز وجل في أهل الكتاب لما جلسوا في مجلس مع الصحابة قالوا: نحن أصحاب كتاب، ونحن أصحاب رسالة سابقة والجنة لنا، قال المسلمون: بل. الجنة لنا؛ نحن أصحاب كتاب، ورسولنا خاتم الرسل، وكتابنا خير الكتب والجنة لنا، فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ} [النساء:123] هذه ليست بالأمنيات: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً} [النساء:123 - 124]. وقالت اليهود: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى} [البقرة:111] فقال الله تعالى: {تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ} [البقرة:111] يعني: أماني الكذابين {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلَى} [البقرة:111 - 112] هذه كلمة (بلى) للإضراب: أي: الانتقال عن الشيء إلى آخر ضده، بلى يعني: كلامكم هذا غير صحيح ولكن {مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} [البقرة:112] يعني: اتجه إلى الله -حول الموجة- إذ كان متجهاً إلى الشيطان، والهوى، والشهوات، واللعب، والزنا، والغناء، والنساء، والسمرات يعني: عبد هواه، لكن حول وجهته {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} [البقرة:112] لأن بعض الناس الآن لا يسير إلى الله بل يتبع الشيطان وهو لا يعلم، وأحياناً يعطي لربه لفتة فقط، إذا أذن التفت لله قليلاً، لكن بعد الأذان يلتفت للشيطان ساعات طوال، يعني: هواه واتجاهه ووجهه وكيانه ليس إلى الله؛ فإن الله تعالى يقول: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ} [البقرة:112] أي: من استسلم؛ وخضع وانقاد ووقف بين يدي الله وقال: رب. تبت إليك، أنت ربي وأنا عبدك، تبت إليك، وهأنذا بين يديك، أسير في طاعتك ولا أقع في معصيتك: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ} [البقرة:112] وماذا؟ {وَهُوَ مُحْسِنٌ} [البقرة:112] هذه هي الاستجابة الصحيحة، وأما الأماني فلا تنفع، فهل يمكن في الدنيا أن تحصل بالأماني على شيء؟ هل يمكن أن تأخذ شهادة الثانوية العامة بالأماني وأنت نائم في البيت؟ هل يمكن أن تأخذ شهادة الجامعة بالأماني؟ تقول: يا رب. أتمنى أن تعطيني شهادة الجامعة وأنا جالس في سنوات الابتدائي، تقوم في الصباح كل يوم، وتذهب في البرد، وتجد ألم الضرب من الأستاذ، وتجد حمل الكتب والواجبات والحفظ والمذاكرة، وتتعب رأسك بهذه الدروس التي تجهد الرءوس، لكن تصبر حتى تأخذ الشهادة الابتدائية، ثم تدخل المتوسطة، ثم تدخل الثانوي، ثم تدخل الجامعة، عمر! ست سنوات ابتدائية، وأربع سنوات متوسطة، وأربع ثانوي، حتى تصير أربعة عشر عاماً تعليماً، وبعد ذلك يقولون: أنت جامعي، ابحث عن وظيفة تفضل! لكن لو أن شخصاً قال: هذه الدراسة دوختني، ما فائدتها؟ قال: أنا سوف أقعد في البيت. ماذا يفعل؟ هل هذا تأتي له وظيفة؟ لا يحصل على شيء، إذا توظف يكون فراشاً أو كاتباً، لا يجد وظيفة؛ لأنه ما صبر على ذل التعلم حتى ينال عزته؛ لأن كل شيء تنال به ذلاً تجني منه عزاً، ولكن إذا ما رضيت وتمردت وأردت أن يحصل لك مجد بالأماني فإنها لا تنفع، الأماني هي رءوس أموال المفاليس، والهداية والدين أمنية، كل واحد يريد أن يكون مهتدياً وبعضهم يقول: أريد أن أتدين أريد أن أهتدي، نقول له: إذا كنت تريد أن تهتدي فلا بد أن تسلك سبيل الهداية، يقول الشاعر: ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبس السفينة لا تجري إلا في ماء، وأنت إذا أردت النجاة يجب أن تسلك طريقها وأن تسلك مسالكها. فمثلاً: إذا كان الشخص عنده زرع في هذه البلاد، وأراد أن يدخل السيل في زرعه فما الذي يلزمه؟ أن يعمل المجاري، ويتتبع رأس الشعب، وكلما رأى السيل جارياً أصلح طريقه، وجاء إلى عند الزرع وفتح المجرى، وبعد ذلك قام وقال: يا رب! ارزقنا. يا رب! أمطر علينا. يا رب! أنزل علينا السيل، فيأتي المطر فيدخل إلى الزرع، لكن ما رأيكم إذا وجد شخص أغلق على الزرع، وجاء على الشعب من أعلاه إلى أسفله يقطعه من هنا ومن هنا، وقال: يا رب! اسقني بالسيل، اسق زرعي. إذا نزل السيل لا يصل إلى الزرع منه قطرة؛ لأنك أنت الذي عملت بيدك، أنت حجبت السيل بيدك.

غيث السماء ورسالة الأرض

غيث السماء ورسالة الأرض الهداية واردة، سيل السماء قد نزل علينا، هاهو كتاب الله بين أيدينا الآن، هو السيل العظيم، وهو الغيث الذي أغاث الله به القلوب، وأنار به العقول، وأحيا به الأمم، أنزل الله علينا نوراً مبيناً؛ يقول الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً} [النساء:174] ويقول تبارك وتعالى: {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} [هود:1] ويقول جل ذكره: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [المائدة:15 - 16] ويقول: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]. أنزل الله الغيث من السماء، وبعد ذلك أرسل الله معه النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تبارك وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً} [الأحزاب:45 - 46]. فجاءت الرحمة المهداة من السماء وهي القرآن، وجاءت الرحمة المسداة من الرسول صلى الله عليه وسلم، القرآن يهدي إلى الله، والرسول يهدي إلى الله، واستجاب من استجاب، وأعرض من أعرض؛ من فتح قلبه للنور والهداية دخل في الإيمان، يقول الله تبارك وتعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ الله} [الزمر:22]؛ ويل لهم ثم ويل لهم ما أصبرهم على النار! كيف يدمرون أنفسهم؟! كيف يحاربون ذواتهم؟! كيف يتعرضون لسخط مولاهم وما هم بصابرين على النار؟! من يتحمل -يا إخواني- جمرة واحدة إذا كانت الجمرة الواحدة من جمر جهنم أعظم من جبال الدنيا بأسرها؟ لما قرأ الرسول صلى الله عليه وسلم قول الله عز وجل: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [البقرة:24] قال رجل: (يا رسول الله! أحجارة الدنيا مثل أحجار جهنم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده لصخرة من صخر جهنم أعظم من جبال الدنيا بأسرها) صخرة واحدة أعظم من جبال الدنيا بأسرها، فأين أنت -يا أخي- وكم نسبتك؟ كم تتحمل من عذاب النار؟ لم تعاند الله؟ لم تحارب الله مولاك؟ لم تحاربه وهو قادر عليك؟ ولهذا يقول الله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} [الفجر:25 - 26] ليس هناك أحد أبداً يعذب مثل عذاب الله، وليس هناك أحد يمسك ويسجن ويقبض مثل سجن الله، كل سجن في الدنيا منها مخرج، آخر شيء أنك تموت ثم تقبر، لكن أين تموت، وأين تهرب من الله؟ {يَقُولُ الْأِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ} [القيامة:10] أين المهرب؟ يقول الله تعالى: {كَلَّا لا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّأُ الْأِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ * بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة:10 - 15]. الهداية -يا إخواني- مطلب، ولكن من الناس من لا يستجيب لها ولا يريدها -يعرض عنها- وإذا وقعت في طريقه عقبة، أو وضع حاجزاً بينه وبين الهداية تركه الله؛ لأن الله ليس بحاجته، الله ليس بحاجة إلى عبادتنا، لم يخلقنا ربنا تبارك وتعالى ليتكثر بنا من قلة، ولا يتعزز بنا من ذلة، ولا لننفعه، ولا لندفع ضراً عنه تبارك وتعالى، بل هو الضار النافع، يقول في الحديث القدسي والحديث في سنن الترمذي وهو حديث صحيح: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا -إلى أن قال- يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي! إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضري فتضروني) كم أنت -يا أخي- حتى تضر ربك؟ وكم نسبتك إذا عصيت الله؟ أتظن أنك بالمعصية تبلغ السماوات والأرض؟ المعصية ضدك فقط، والطاعة لك فقط، أما الله فلا تضره معصية العاصين ولا تنفعه طاعة المطيعين، ثم أيظن العاصي أنه يبقى على هذا الوضع إذا دخل النار؟ لا. وألف لا؛ لأنه لا يتحملها، تأكله النار على مسافة أميال، فالله يضخم جسده ويزيد في طوله وعرضه حتى تجد النار ما تأكل. ولهذا ورد في الحديث: (إن ضرس الكافر مثل جبل أحد) من منكم ذهب المدينة ورأى جبل أحد؟ جبل كبير من أكبر الجبال في المدينة، الضرس للكافر الواحد مثل الجبل، فكيف الرأس؟ إذا كان الضرس مثل الجبل إذاً كيف الرأس وبقية الجسم؟ ورد في السنن حديث رواه الحاكم في صحيح الجامع قال: (مقعد الكافر في النار مثل ما بين مكة والمدينة) ما بين مكة والمدينة أربعمائة وعشرون كيلو متر! هذا الكرسي للكافر الواحد في النار، وورد أيضاً: أن للكافر سبعة جلود، ما بين كل جلد وجلد مسيرة ثلاثة أيام، وغلظ الجلد الواحد مسيرة ثلاثة أيام، وتبدل هذه الجلود من شدة الإحراق في كل يوم أربعمائة مرة، قال الله عز وجل: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جلودهم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا} [النساء:56] لماذا؟ {لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء:56] لماذا أورط نفسي في هذه الورطة الكبيرة من أجل ماذا؟ من أجل المعاصي، ومن أجل الذنوب، من أجل قلة الدين. ثم هل ترى أن صاحب الجنة -جعلنا الله وإياكم من أهلها وزوارها وضيفانها- أنه يبقى هكذا حتى يدخل الجنة؟ لا. بل تتغير الأمور، مثلما يزاد في جسد صاحب النار لكي تأخذ النار وتبقي منه، أيضاً يضخم في جسد صاحب الجنة لكي يجد نعيماً. أولاً: السن ثلاث وثلاثون، والحُسن حسن يوسف، والطول طول آدم ستون ذراعاً، والذراع أظنه ثلاثة وثلاثين أو أربعة وثلاثين سنتيمتراً، يعني: أصل المتر ثلاثة أذرع، أي أن طولك عشرون متراً وأكثر، في سبعة أذرع. وبعد ذلك في الجنة يتنعمون نعيماً ليس بعده نعيم -نسأل الله من فضله- يعطى المؤمن في الجنة قوة مائة رجل في القدرة على النكاح، ويزوجه الله باثنتين وسبعين حورية؛ اثنتين من نساء الدنيا وسبعين ممن أنشأهن الله إنشاء، قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً * عُرُباً} [الواقعة:35 - 37] يعني: متحببات {أَتْرَاباً} [الواقعة:37] يعني: سواء {لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة:38]. وبعد ذلك نعيم ليس مثله نعيم، يقول الله تعالى: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة:17] هذه لأهل الجنة. ولا ينامون، فلا يوجد نوم؛ لأن النوم محرم على أهل النار حتى لا يستريحون من العذاب، وكذلك محرم على أهل الجنة حتى لا يفوتهم شيء من النعيم، فهذا لا ينام فيستريح، وهذا لا ينام فيفوته شيء، كيف ينام؟ ولذلك ورد في الحديث: (إن المؤمن يمكث في الجنة عند زوجته نصف نهار) ونصف النهار من أيامنا يعادل خمسمائة سنة؛ لأن الله تعالى يقول: {وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج:47] اليوم من أيام الآخرة كألف سنة، فيجلس عند الزوجة الواحدة خمسمائة سنة وهو عندها في نعيم، ثم يشرق في الجنة مثل البرق فيقولون: ما هذا؟ فيقال: حورية تبسمت في وجه زوجها، فيرفع رأسه فتقول له الحورية: يا عبد الله! يا ولي الله! أما لنا فيك نصيب؟ تقول: أطلت عند هذه، أما جاء الدور عندنا؟ فينتقل من هذه إلى هذه، وهكذا يدور على زوجاته في الجنة! نعيم في نعيم في نعيم، نسأل الله لنا ولكم من فضله. يضيع الإنسان هذا النعيم من أجل ماذا؟ من أجل أن يزني بامرأة زانية دانية خبيثة فاجرة؛ فيورط نفسه في ورطة ما بعدها ورطة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من زنى بامرأة في الدنيا كان عليه وعليها في القبر نصف عذاب هذه الأمة) هذا الذي في القبر فقط، إنما هذا فطور مقدم، هذه الوجبة السريعة الخفيفة: (كان عليه وعليها في القبر نصف عذاب هذه الأمة). وورد في الحديث قال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفس محمد بيده إن ريح فروج الزناة ليؤذي أهل النار) وقال عليه الصلاة والسلام: (إن فروج الزناة لتشتعل ناراً يوم القيامة) تتحول إلى لهب ونار، كيف والله تعالى يقول: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] وقال تعالى: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور:3] الزنا جريمة تعافها العقول، ولكن قليل الدين؛ الذي ما عنده خوف من الله يمارسها، ويظن أنه مبسوط ولم يعلم أنه مدمر، والله ليس فيه خير؛ لأنه لو كان به خير لاستحى من الذي يراه. وإذا خلوت بريبة في ظلمة وا

أسباب الهداية

أسباب الهداية الهداية -يا إخوتي- في الله مطلب لكل كائن، ولكن لها أسباب:

الاستعداد النفسي والمجاهدة

الاستعداد النفسي والمجاهدة أولاً: لا بد من الاستعداد النفسي للهداية، لا بد من أرضية قابلة للهداية؛ فلو أنك أردت أن تزرع فإنه ليس كل أرض تصلح للزراعة، لو أتيت بالحب الصالح والماء العذب، وجئت إلى أرض سبخة -تعرفون السبخة التي في تهامة، بجوار البحر- وحرثتها ورميت الحبوب فإنها لا تنبت، لماذا؟ لأن الأرضية غير صالحة؛ ليست أرض زراعة، لكن تبحث عن الأرض الصالحة للزراعة وتضع فيها الحبوب وتسقيها بالمياه وتنبت بإذن الله، فأرضية الهداية التي يمكن أن تستقبل الهداية هي انفتاح القلب، فافتح قلبك وحول الموجة إلى الله واتجه إليه، يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم) اطلب من الله الهداية، اطلب من الله في سجودك، اطلب من الله في ليلك ونهارك، دائماً وأنت في كل مناسبات: يا رب! اهدني. إذا كان سيد الهدى كما تقول عائشة رضي الله عنها في الحديث الصحيح: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته بالليل بقوله: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) سيد الهدى يقول: اهدني. والناظم يقول: والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا فالأرضية أن تستعد لتكون مهتدياً، وبعد ذلك تطلب الهداية، وبعدما تطلب الهداية تجاهد نفسك في طريقها؛ لأن الله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} [العنكبوت:69] ماذا؟ {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69] أجل. ما تأتي الهداية إلا بعد المجاهدة، الهداية ثمرة للمجاهدة: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} [العنكبوت:69] والمجاهدة هي المعاناة.

إجابة داعي الله من الاستعداد النفسي للهداية

إجابة داعي الله من الاستعداد النفسي للهداية ثانياً: عندما تسمع الأذان وأنت نائم في البيت فتشعر أنك مسئول عن هذه الدعوة، لمن هذه الدعوة؟ المؤذن يقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، فمن يدعو؟ من يخاطب؟ أيخاطب البقر؟! يخاطب الخيول؟! يخاطبك أنت أيها المسلم! يقول: الله أكبر من النوم، الله أكبر من الزوجة، الله أكبر من الفراش، الله أكبر من الهدوء والراحة، قم إلى الكبير، فإذا لم يقم الواحد، قال المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله، رغم أنفك أيها الإنسان! يا من لا تستجيب لهذا الرب العظيم، هو الله لا إله إلا هو، أشهد أن لا إله إلا الله (يكررها مرتين). فإذا لم ينهض الواحد قال المؤذن: أشهد أن محمداً رسول الله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وقامت به الحجة، واتضحت به المحجة، حتى تركنا على الطريق الواضحة ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. فإذا لم يقم الشخص قال المؤذن: حي على الصلاة، استحي من الله وقم، حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، فإذا ما نفعت هذه وقد بلغت اثني عشر صوتاً قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، يعني: الله المستعان، لا إله إلا الله، خمسة عشر صوتاً يناديك مولاك وخالقك وبارئك وفاطرك إلى أن تأتي إلى بيته بخمسة عشر صوتاً ولا تأتي، بالله عليكم ما هو حكم هذا؟ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من سمع حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح ثم لم يجب لم تقبل منه الصلاة التي صلاها) وقال: (لأن تمتلئ أذن ابن آدم رصاصاً مذاباً خير له من أن يسمع حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح ثم لا يجيب) ويقول: (من سمع حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح ثم لم يجب فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً). أنت هنا وأنت تسمع الداعي، وأنت في الفراش تأتيك الداوفع الإيمانية فتقول: أف! إنه يناديك، وتأتيك النوازع الشيطانية فتقول: يا شيخ! نعم وستصلي بعد، والمعبود باقٍ، والله في كل مكان، وأنت بعد ما زلت شباباً، ولو تقوم الآن لخرب النوم، ولا يأتيك النوم إلا بتعب، وسوف يفوتك الدوام، ودوام الله بسيط؛ لكن دوام البشر أيقنا بعقوبة البشر فلم نتأخر عن دوام البشر، لكن دوام الله لمَّا ضعف إيماننا بقوة الله وعظمته وشدته وبأسه ضيعنا دوام الله. أما المؤمن فيقوم، وهو في قيامه إلى الله ماذا يحصل له؟ أول شيء يحصل له تعب وذبول، لكن مع المعاناة والمجاهدة فهذا تحصل له هداية، فبقدر المجاهدة تأتي الهداية: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69] فيجاهد في اليوم الأول ويعطيه ربه الهداية بقدرها، ويجاهد في اليوم الثاني ويعطيه ربه بقدرها، ويجاهد في اليوم الثالث ويعطيه الله وكلما جاهد أعطاه الله، حتى تكتمل له الهداية، فإذا اكتملت له الهداية لا يكون هناك صعوبة عنده، ينام طوال الليل، وإذا جاء وقت الصلاة فكأنما يوقظه رجل، يقوم بدون ساعة وبدون إيقاظ من أحد، تقول له: من أيقظك، قال: والله انتبهت، الله الذي أيقظني! تصبح العبادة والصلاة عنده أمراً راسخاً في ذهنه وفي حياته، تصبح صفاتٍ لازمة له، وملكات راسخة في حياته، بحيث لو عطلها لا يستطيع أن يعيش، تصبح الصلاة له مثل الماء للسمك، هل يستطيع أن يعيش السمك من غير الماء؟ لا. أبداً! وهل يستطيع الإنسان أن يعيش من غير الهواء؟ لا. أبداً! وهل يستطيع المسلم أن يعيش من غير صلاة؟ لا. أبداً!! ولكن متى أتت هذه؟ بعد المعاناة: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] المجاهدة مطلوبة؛ لأن الله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17] ويقول الله عز وجل: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:5] لما انصرفوا عن ربهم أزاغ الله قلوبهم وطردهم والعياذ بالله! فأنت وأنت تقوم إلى الصلاة تعلن الحرب على الشيطان، وتعلن التمرد على أوامره، وتعلن الاستجابة لمولاك، وتعلن الذل والعبودية لخالقك، فتقول: الله أكبر، أذهب إلى الله، فتخرج من بيتك كما جاء في الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (من توضأ في بيته فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا كتب له بها حسنة، وحط عنه بها خطيئة، ورفعت له عند الله درجة) ثلاثة أشياء -وأنت وحظك- بيتك بعيد أو قريب كل شيء بحسابه، لا تحسب عندما يكون بيتك قريباً من المسجد أو بعيداً أن المسألة ضائعة، لا. فكل شيء بحقه؛ الذي يمشي ألف خطوة ليس كالذي يمشي مائة خطوة، وكل شيء بحسابه عند الله، والذي يمشي بسيارته ويروح بها أيضاً أفضل، لماذا؟ لأنه بذل جهداً وعناء ومالاً وبترولاً، والسيارة يمكن أن تخرب مع كثرة التشغيل في الأجواء الباردة، لكن يقول: لا يهمني في سبيل إرضاء ربي أن أذهب إلى الله عز وجل.

أذكار النوم والفزع إلى الصلاة

أذكار النوم والفزع إلى الصلاة ثالثاً: ومن آداب الإسلام في قيامك لصلاة الفجر أولاً: أن تنام على ذكر؛ لأن من نام على الذكر أيقظه الله للصلاة كما جاء في الحديث. ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد قال: إذا نام العبد حضره ملك وشيطان. إذا جاء ينام جاء الملك والشيطان يريدون أن يروا ماذا يعمل هذا المخلوق؟ قال: فإن ذكر الله ونام على طهارة واستقبل القبلة وذكر الله؛ تولى الملك حراسته وفر منه الشيطان، فلا يزال الملك عنده يحرسه كما يحرس الرجل الرجل حتى يوقظه لصلاة الفجر، يقول: فإن نام على غير ذكر الله كأن نام على الأغاني؛ بعضهم يأخذ الراديو ويقلب قنواته حتى يجد أول شيء أم كلثوم، فإذا وجدها نام، وإذا ما وجدها فإنه يقلب القنوات إلى أن يجدها، ثم يضع رحاله عندها، وبعض الشباب يقول: أين أم كلثوم ليست موجودة، كيف نعيش؟! الله أكبر يا أهل التكافل، يا هذا الشباب، كيف تعيش؟! لا إله إلا الله! أصبحت قرآنك؟! هي رسولك هي هدايتك؟! عجوز شمطاء، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فإذا نام على غير ذكر الله -نام على الأغاني والغفلة، أو رمى بنفسه- جاء الملك إليه وقال: ما هذا؟ هذا يستحق حراسة؟ هذا جيفة، فيتركه، فإذا رأى الشيطان النوبة فارغة جاء وأمسكه، قال: وأخذ روحه، فلا يزال يعذبه طوال الليل، الذي يسمونه (الجثام) باللهجة العامية يعني: أن الواحد يشعر بضيق في النوم، يقول: شخص كبس على صدري، يسمونه (كابوس) ويرى أحلاماً مزعجة، ويرى أنه على رأس جبل وأنه يسقط في بئر ووديان، المهم يعذبه طوال الليل، فإذا جاءت صلاة الفجر رد روحه له، فيشعر في تلك الساعة بلذة في النوم فيصبح ألذ شيء عنده تلك اللحظة، فإذا جئنا لنوقظه للصلاة فإنه لا يستطيع أن يقوم؛ طوال الليل وهو يعذب! فمهما أيقظوه لا يستيقظ، بل بعض الناس يوقظ ولده حتى إذا دخل الحمام يوقظه، يقول: قم صل، قال: حسناً، وأخذ بيده وساعده، مسكين يريد أن يأخذ به إلى الجنة، لكن رفض هذا المخذول، حتى يدخله الحمام. يقول لي شخص من الناس: والله إني أدخلته الحمام فأغلق على نفسه ونام على الكرسي، وأذهب أصلي وأنظر في المسجد أين الولد؟! وإذا هو ليس موجوداً، أدخل البيت وهو ليس موجوداً في فراشه، فأقول: أين الولد؟ وإذا به في الحمام! طرقت عليه الباب في الحمام وإذا به يفتح، قلت: ماذا بك؟ قال: دخلت ونمت. يستاهل! لا إله إلا الله!! أين دين الإنسان؟! ما الذي جعله يجلس هكذا؟! وبعض الشباب يحلف بالله، يقول: والله لا أحد يوقظني، وأبوه يقول: أيقظتك فيقول: ما أيقظني أحد؛ لأنه نام على غير ذكر الله. فإذا أردت أن تقوم الفجر فلتنم أولاً على ذكر الله تعالى. وبعد ذلك كلما انقلبت في الليل فاذكر الله؛ كلما انقلبت من جنب إلى جنب قل: لا إله إلا الله، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، كلما انقلبت من جنب إلى جنب يذكرك الله تبارك وتعالى. ثم بعد ذلك نم على نية صلاة الفجر، يعني: أوجد في نفسك النية أنك لابد أن تقوم مبكراً مهما كنت متعباً، مهما كنت مسافراً، مهما كنت مريضاً: لابد أن أقوم لصلاة الفجر إن شاء الله. فإذا جاء الفجر وسمعت المؤذن فمنذ أن تسمع المؤذن فقل أول شيء: أشهد أن لا إله إلا الله -جدد إيمانك- ثم قل: الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور، ثم بعد ذلك قم واستعذ بالله من الشيطان الرجيم، لا تجلس؛ لأن الشيطان كما جاء في الحديث: (يعقد الشيطان على ناصية أحدكم إذا نام ثلاث عقد ليصرفه عن صلاة الفجر: فإذا قام وذكر الله انحلت عقدة -لكن بقي اثنتان لأنه لا يكفيه الذكر- فإذا قام وتوضأ انحلت الثانية، فإذا خرج وصلى انحلت الثالثة فيرجع طيب النفس نشيطاً)، لكن إذا نام ولم يذكر الله لا يقوم، وإذا ذكر الله وجلس في فراشه لكن لم يقفز بقوة، تشعر وأنت في الفراش أن قوة خارجة عن قوة إرادتك وهي قوة الشيطان تريد أن تصرفك وتجعلك تنام، لكن اشعر بأن أمامك عدواً يريد أن يكبسك على النوم، وأنت مطالب بأن تقوم، فقم بقوة وصارع الشيطان، وقم بقوة إلى الله واستعن بالله تبارك وتعالى! لكن من الناس من لا يفعل هذا الأسلوب مع نفسه، ولا يفعله حتى مع أولاده، بل يمكن أن يصلي هو ولكن يمر على الأولاد فيغطيهم يقول: دعهم ينامون عندهم مدارس، نخاف أن نعقدهم من الصلاة.

أهمية تربية الأبناء على الطاعة

أهمية تربية الأبناء على الطاعة شخص يقول: أنا لا أريد أن آمر الأولاد بالصلاة، لماذا؟ قال: أخاف أن يتعقدوا، قلت: أنت تأمرهم بالمدارس؟ قال: إيه والله. قلت: لماذا ما تخاف أن تعقدهم من المدارس؟ يتعقدون من الصلاة ولا يتعقدون من المدارس؟!! الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) تضربه من أجل المدارس؛ لأنك تريد وظيفة وشهادة وتريد منصباً، ولكن لا تريد أن تعقده في دين الله، تريد أن يكون مفلساً، تريده ضالاً وضائعاً لا حول ولا قوة إلا بالله!! إنك مسئول بين يدي الله يوم القيامة عن هذا الولد الذي بين يديك، والله إنك مسئول بين يدي الله، وسوف يأتي يوم القيامة آخذاً بتلابيبك يسحبك في عرصات القيامة، يقول: رب! أنصفني من هذا الظالم، فيقول: يا رب! ما ظلمته، قال: والله ظلمني، هذا أبي كان يغذيني ويؤكلني ويشربني، ويداويني ويكسوني ويعلمني، لكن ما كان يأمرني بالصلاة، والله تعالى يقول: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132] ويثني ربنا على إسماعيل عليه السلام فيقول جل ذكره: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً} [مريم:54 - 55] مر أهلك بالصلاة، وظيفتك ورسالتك ومهمتك أن تنقذه من عذاب الله عز وجل، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6] نحن الآن لا نقيهم النار! نحن نقيهم الجوع؛ يكد الواحد ليل نهار لكي يؤمن لأولاده الأكل هذا طيب، ونقيهم العطش، والبرد فنبني لهم عمارات، ونقيهم التعب فنشتري لهم سيارات، نملأ لهم الثلاجات، لكن: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:6] غير موجودة، كأن مسئوليتنا فقط في حشو بطونهم، وكسي جلودهم، وترفيههم، وأما دين الله فلا نهتم به، أين هذا يا إخوان؟! أين عقولنا؟! فلا بد -أيها الأخ- أن تشعر بمسئوليتك تجاه أولادك في حمايتهم من عذاب الله، أترضى أن تدخل الجنة وولدك يدخل النار؟ أترضى أن تقف يوم القيامة في درجات الجنة وتتفرج على أهل النار وهم كالبحر وولدك وفلذة كبدك يتقلب في النار فيدعوك ويلعنك ويسبك ويقول: أنت الذي ورطتني بهذه الورطة؟ لماذا -يا أخي؟ - خذ بيده، أيقظه وإن غضب، بعض الناس يقول: والله لا أقدر أن أوقظه، الولد أصبح معه وظيفة، ولو أمرناه يصلي لشرد علينا وأخذ النقود، الرزق عليه وليس على الله؟! لا إله إلا الله! إذا شرد هو فأين الله؟! إذا أخذ راتبه وما أعطاك، أين الذي خلقه؟ من الذي أعطاك إياه حتى تخاف من الرزق يا أخي؟ {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذريات:58] أرض الله قبل كل شيء يرض عنك الله ويُرضي عنك كل شيء، لكن ترضي الولد في سخط الله يسخط الله عليك ويسخط عليك كل شيء! وبعد ذلك هذا الولد الذي ترضيه الآن والله لا يرضى عنك أبداً، إنك كلما ترضيته بمعصية الله يبحث لك عن معصية أكبر حتى يورطك في الدنيا والآخرة، لكن برئ ذمتك منه، ولا تخرج إلى المسجد إلا وهو الأول شاء أم أبى، فإذا أبى فليس ولدك، فإذا قال: لا أصلي، فقل: اخرج. نوح عليه السلام وهو نبي، لما ركب السفينة وكان الله قد وعده؛ قال الله تعالى: {فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} [المؤمنون:27] فلما رفضوا وكذبوا بنوح صنع السفينة، وأوحى الله عز وجل إليه فقال: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر:11 - 12] التقى ماء السماء بماء الأرض، التقت السماء بالأرض بالماء، فما بقي أحد على وجه الأرض إلا سفينة نوح، ومن فيها؟ الذين آمنوا، وجاء نوح إلى ولده وقال: {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} [هود:42 - 43] وبعد ذلك قام نوح بناءً على الوعد السابق الذي قال الله له {وَأَهْلَكَ} [هود:40] وهو يعتبر أنه ولده فقال له: {رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} [هود:45] ولدي {وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} [هود:45] أنت الذي وعدتني أن أركبه، فيا رب نجه {وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود:45 - 46] سبحان الله! أجل، الصلة والأهلية والقرابة ليست قرابة النسب، وإنما قرابة العقيدة والدين؛ فما دام أنه كافر فليس من أهلك، ما دام لا يصلي فليس ولدك: {قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [هود:46] الله أكبر، ما هذا التهديد! يقول المفسرون: إن في هذا عتاباً عظيماً لنوح عليه السلام وهو من أولي العزم من الرسل، وهو أول الأنبياء والرسل، ولكن الله عاتبه؛ لأنه طلب الشفاعة في كافر، فقال له: {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود:46] الله أكبر! نبي يكون من الجاهلين! لكن انظر ماذا قال نوح: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [هود:47] يقول: يا رب، أخطأت حينما شفعت لهذا، وظننت أنه من أهلي، ولكن ما دام أنه ليس من أهلي إني أعوذ بك وألتجئ بجنابك: {أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود:47 - 49]. عليك أن تتخذ موقفاً حازماً وجاداً من أولادك في بيتك فيما يتعلق بالصلاة؛ لأن الصلاة تركها كفر يخرج الإنسان من الملة، (لا يوجد أنصاف حلول في الصلاة) فالذنوب والمعاصي الأخرى تحت مشيئة الله في الدار الآخرة إن شاء غفر، وإن شاء عذب عليها، لكن الصلاة عمود الدين، لا يقوم الإسلام إلا بعموده، ولا يقبل إسلام عبد إلا بصلاته، ومن ترك الصلاة كما جاء في الحديث، والحديث في صحيح مسلم قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) وقال: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة) والحديث في سنن أبي داود، فإذا ترك الصلاة وهو في بيتك فلماذا تؤاكل الكافر وتشاربه، وتصرف عليه وهو جالس معك؟ لا بد أن تحدد الموقف. ولا يصلي في البيت، البيوت ليست مواطن للصلاة، البيوت للنساء، والرجال في المسجد يقول الله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [النور:36] ماذا؟ {رِجَالٌ} الله أكبر ما أعظم هذا اللقب! أثنى عليهم الله بالرجولة، وامتدحهم بهذا الشرف وقال: {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} [النور:37] لماذا؟ قال: {يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور:37 - 38] فلا بد من المجاهدة والمعاناة حتى تحصل الهداية.

الاهتمام بتربية البنت المسلمة

الاهتمام بتربية البنت المسلمة رابعاً: وأيضاً لا ينبغي أن تكون مجاهدتك فقط لأولادك الذكور دون الإناث بهدايتهم وتربيتهم، وأيضاً عليك مسئولية كبيرة تجاه أولادك من الإناث؛ لأن البنت أمانة في عنقك، ينبغي أن تحول بينها وبين وسائل الفساد والإفساد، إذ ينبغي أن تنشئها النشأة الإسلامية الصالحة، ينبغي ألا تتيح لها أي فرصة للتفلت؛ لأن النساء حبائل الشيطان، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (كونوا مع خيارهن على حذر) يعني: الطيبة الجيدة الممتازة كن على حذر منها، فكيف بغيرها؟ لا بد أن تكون حذراً من النساء، يقول الشاعر: لا تتركن أحداً بأهلك خالياً لو كان في النساك مثل بنان مثل ثابت البناني. إن الرجال الناظرين إلى النسا مثل الكلاب تطوف باللحمان إن لم تصن تلك اللحوم أسودها أكلت بلا عوض ولا أثمان العرض أغلى شيء فلا تجازف به، ولا تأمن أحداً على عرضك، لا تأمن سائقاً؛ بعض الناس يركب بناته ونسائه مع سائق يقول: اذهبوا تسوقوا، يودع الذئب مع الغنم، يقول: اذهب وارع الغنم يا ذئب، ما رأيكم هل الذئب يرعى الغنم؟ يتسمن، ما يأخذها كلها، ينظر أسمن واحدة يتسمن بها، والله تبارك وتعالى قد حرم على المسلمة أن تكشف وجهها أو تبدي زينتها في آية محكمة من كتاب الله في سورة النور، يقول الله عز وجل: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور:31] كم زوج في الشرع، واحد أو الجماعة؟ الحي كله، والأقارب كلهم يرون المرأة، إذا رأوها معناها: اشتراكية في العرض، ولكن بعولتهن فقط {أَوْ آبَائِهِنَّ} [النور:31] أبوها {أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} [النور:31] يعني: أبو زوجها (عمها) لأنه محرم لها {أَوْ أَبْنَائِهِنَّ} [النور:31] ولدها {أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} [النور:31] ولد بعلها من غيرها؛ لأنها عمته ومحرم عليها، لا يجوز أن ينكحها بعد أبيه: {أَوْ إِخْوَانِهِنَّ} [النور:31] أخوها {أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ} [النور:31] ثمانية أصناف فقط. هؤلاء يا رب من الأقارب، لا يوجد شخص من غير الأقارب؟ قال: بلى، يوجد أربعة من غير الأقارب يجوز أن تكشف عليهم المرأة، قال: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور:31] يعني: المرأة تكشف على المرأة. {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور:31] يعني: المرأة التي عندها عبد مملوك تكشف عليه؛ لأنه لا يمكن أن يكشف عورتها؛ لأنه يخاف منها وهي سيدته، هذان صنفان وثمانية هناك صاروا عشرة. بقي اثنان: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} [النور:31] يعني: التابع للزوج الذي تبعك في خدمتك مثل: الخادم، ومثل السائق، ومثل الراعي، ومثل العامل، ولكن بشرط: أن يكون هذا الخادم وهذا الراعي وهذا العامل مخصي، هذا شرط بنص القرآن، يقول الله تعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ} [النور:31] ما هي الإربة؟ هي الرغبة في النساء، يعني: الشهوة، المضروب المدقوق هذا الذي ما عنده شهوة فهذا يجوز؛ لأنه مثل المرأة، لكن الذي ليس بمدقوق ولا مضروب، وسائق يدخل على النساء في المسالك وفي الغرف، ويفرش ويطلع وينزل، ويذهب بها إلى السوق ما هذا؟ هذا أخطر شيء على النساء والأعراض، يقول: أصون مالي بعرضي لا أدنسه لا بارك الله بعد العرض في المال العرض تاج على رأس الإنسان، إذا انكسر انكسر إلى يوم القيامة، لا حول ولا قوة إلا بالله! بقي صنف واحد وهو: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور:31] الطفل الصغير الذي لا يعرف الجميلة من القبيحة، رخص الشرع أن يكشف على المرأة المسلمة؛ لأنه ما منه خطر، أما الطفل الذي يعرف ولو كان صغيراً فإنه لا يجوز: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور:31] ثم قال: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور:31] حرم الله على المرأة إذا لبست زينتها ومشت في الشارع أن تضرب برجلها أو بيدها أو بجسمها حتى لا لا تهتز في مشيها فتحدث هذه الاهتزازات في الصيغة والحلي فتنة في قلب الذي يراها ولو كانت متحجبة {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور:31] ثم قال: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31]. فمسئوليتك -يا أخي المسلم- مسئولية عظيمة جداً تجاه أولادك في أمرهم بطاعة الله، وتجاه بناتك في أمرهن أيضاً بطاعة الله، وفي صيانتهن عن معصية الله، كن سداً منيعاً أمام شهوات النساء ورغباتهن؛ لأن من أطاع امرأته فيما تشتهي كبه الله في النار على أنفه، يقول الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34] ولكن إذا انقلبت الآية وأصبحت المرأة هي القوامة، وأصبح الرجل هو المسير مثل التيس أينما توجهه يتوجه، انتكست الأرض، ولهذا يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا كان أمراؤكم خياركم، وأغنياؤكم كرماءكم، وكانت أموركم في رءوسكم، فظاهر الأرض خير من باطنها، وإذا كان أمراؤكم شراركم، وأغنياؤكم بخلاءكم، وأموركم في رءوس نسائكم، فباطن الأرض خير من ظاهرها). بعض الناس لا يستطيع أن يعزم أحداً حتى يشاور المرأة، يخاف أن يعزم فتعطيه بالعصا: أشغلتنا بالعزائم، كل يوم عندنا ضيف، ما هي الفائدة لنا في العزائم؟ فيأتي ويذهب يناديها: ما رأيكم نعزم فلاناً أو لا نعزم؟ فإن قالت: نعم، ذهب ما شاء الله، وإن قالت: لا. ما استفدنا منه؟ قال: صدقت، قد خسرنا مع هؤلاء ذاهبين راجعين دون فائدة، ما يستطيع أن يبت في بصلة ويشتريها إلا بأمر المرأة، تسيره وتديره. شخص من الناس زوج ابنته، ولما أراد أن يقيم الزواج رفضت المرأة وقالت: والله ما تزوج ابنتي، لماذا؟ بنات العرب عملن وعملن وأنا ماذا بها؟ ليست ناقصة عنهن، قال: أبشري، لا حول ولا قوة إلا بالله! الله المستعان! إنا لله وإنا إليه راجعون! (من أطاع امرأته فيما تشتهي كبه الله في النار على منخره). أنت رجل لك القيادة، والريادة، والسيادة، ولك الرأي، نفذ الأمور كيفما تريد، لا تنتظر أحداً، نفذ الأمور على الحق ولو غضب كل من يغضب، المهم الحق، وإذا رأيت الحق ظهر أمامك فسر فيه ولو غضبت النساء، إذا غضبت اليوم لا ترضيها؛ تغضب اليوم وغداً ترضى، لكن إذا أغضبت ربك وأطعت المرأة غضب الله عليك في الدنيا والآخرة، لا حول ولا قوة إلا بالله! فاسلك سبيل الهداية، ولكن كما أسلفت، لا بد أولاً من الأرضية التي تستطيع أن تستوعب بها هداية الله لك، والأرضية كما قلت لكم هي القابلية، والاستعداد النفسي، كل شخص يقول: أنا والله أريد أن أهتدي، لكن يهتدي وهو مكانه، ما تحول إلى الله، ما توجه إلى الله، ما أحدث في حياته تغييراً، أنت عندما تريد أن تتوب إلى الله من الأغاني ماذا يلزمك؟ يلزمك أولاً أن تقلع من سماعها، وتذهب إلى البيت فتأخذ كل الأشرطة التي عندك وتمسحها وتغيرها كلها إلى مواعظ ومحاضرات وإلى أناشيد إسلامية وإلى كلام طيب، وبعد ذلك تجزم وتعقد العزم على أن لا تسمع هذه الأغاني مهما كانت الأسباب، هذا معنى أنك تائب، لكن: صدقت والله، صحيح أن هذه الأغاني حرام، لكن يا أخي دعنا نسمع قليلاً! هذه ليست توبة، واسمها: توبة الكذابين. والتائب من الذنب العائد فيه كالمستهزئ بربه. تستهزئ بربك وتضحك على الله! تستغفر الله بلسانك ثم بعد ذلك تعود للمعصية في اليوم الثاني، لا يصلح، لا بد من التوبة النصوح، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً} [التحريم:8] أي: صادقة جازمة، تشعر فيها بالانتقال من حياة الجاهلية إلى حياة الإسلام، من حياة المعصية إلى حياة الطاعة، من حياة الظلمة إلى حياة النور، من حياة الغناء إلى حياة القرآن، من حياة النظر إلى النساء إلى حياة النظر إلى المصحف، هذا هو التائب الحقيقي، والمجاهد لنفسه، هذا أول شيء تعمله للهداية التي تحتاج منك إلى الاستعداد والأرضية والقابلية.

التحلي بالصبر بجميع أنواعه

التحلي بالصبر بجميع أنواعه خامساً: الهداية تحتاج منك إلى الصبر، الصبر على طاعة الله، والصبر عن معصية الله، والصبر على أقدار الله المؤلمة. ويوم أن تتحقق لك هذه الأشياء، وتحصل لك الهداية، ويقذف الله في قلبك النور انتهى الأمر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [الحديد:28] رتب الله تبارك وتعالى الإيمان والتقوى فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ} [الحديد:28] ماذا يحصل؟ {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ} أي: نصيبين {مِنْ رَحْمَتِهِ} [الحديد:28] نصيب في الدنيا ونصيب في الآخرة: {وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} [الحديد:28] ما معنى (نُوراً تَمْشُونَ بِهِ)؟ إيماناً تمشون به. الآن إذا خرج شخص من هذا المسجد في الظلام في هذه الشعاب ومعه ضوء، وشخص ليس معه ضوء، الذي معه الضوء كلما مر على حفرة يجتنبها، وكلما مر على شوكة تجنبها، وكلما مر على حجر حاد عنه؛ لأن عنده نوراً، لكن الشخص الذي ليس معه ضوء فينزل من الشعب ماذا يحصل له؟ لا يصل حتى تكسره حجر تدقه شوكة تضربه زجاجة يضربه مسمار لماذا؟ لأنه يمشي بدون ضوء، وكثير من الناس الآن يسيرون في الحياة بدون نور الإيمان فتضربه حجر الزنا؛ يقع في طريقه في الزنا، ويسقط في حفرة الربا، ويسقط في حفرة العقوق، ويسقط في حفرة الغناء، وبعد ذلك لا يعلم: {زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً} [فاطر:8] {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ} [المجادلة:18] {أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل:59] هذا لا يصل إلى الآخرة؛ لأنه معطل في هذه الحفر، أما المؤمن فإن معه نور، إذا رأى حراماً تجنبه، وإذا رأى امرأة أمامه لا يستطيع أن ينظر إليها، لماذا لا ينظر؟ لأنه يعلم أن من ملأ عينيه من الحرام ملأهما الله من جمر جهنم، ويعلم أن الله قد أمره في القرآن وقال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:30] ويعلم أن من غض بصره احتساباً لوجه الله أبدله الله إيماناً يجد حلاوته إلى يوم يلقاه. التقيت بشاب وجدته في المسجد قبل صلاة المغرب يبكي -جالس في الروضة يبكي- فقلت: السلام عليكم، وإذا بالدمع ينهمر من عينيه وله أزيز، فسلمت عليه، ماذا فيك يا أخي؟ خيراً، قال: اتركني يا شيخ! قلت له: كلمني، أنا أظن أنها مشكلة مادية، أو أن أهله خاصموه، الرجل في وادٍ وأنا في وادٍ آخر، قال: دعني يا شيخ! تركته، وبعد ما سلمنا وصلينا وانتهى من البكاء، قلت: أرجوك أن تخبرني، أنا لابد أن أشاركك في مصيبتك، وسأحاول أن أنفعك -يا أخي- ما هي المأساة التي عندك؟ قال: أكلمك خارج المسجد. ولما خرجنا من المسجد أمسكني وقال: أنا يا شيخ من عادتي باستمرار بعد العصر أنني في البيت ما أخرج إلى أن تأتي الصلاة وأخرج أصلي، لكن أهلي اليوم طلبوا مني أن أذهب إلى السوق يقول: فذهبت إلى السوق ودخلت في مكان أشتري قطعة قماش يقول: ولما دخلت وجدت نساء كن يشترين أقمشة في نفس الدكان، فقلت لصاحب الدكان: هل هذا القماش عندك؟ قال: نعم. يقول: فأخذ مني النوعية وذهب يبحث عنها ويقول: وبينما أنا واقف ووالله ما نظرت إلى النساء، وهن موجودات، يقول: خائف من الله ما حاولت أن أنظر -لكن واحدة منهن تحرشت بالولد، الولد شاب وسيم لكنه يخاف الله- يقول: وجاءت من ورائي إلى أن قابلتني وجلست تتلفت فيِّ، يقول: لما تلفتت فيَّ أغراني الشيطان في تلك اللحظات، يقول: فجلست أتلفت فيها، يقول: ثم تذكرت خوف الله فغضيت بصري، وأخذت القماش وخرجت، وعندما جئت إلى المسجد قعدت أحاسب نفسي لماذا تلفت فيها؟! أين أنا من الله؟! أما أعلم أن الله يراني في تلك اللحظات؟! يقول: فتضاءلت نفسي أمامي، فشعرت أن الله قد أوجب علي عذابه وسخطه ووباله فأنا الآن في مصيبة لا يعلمها إلا الله، ووالله إني أبكي من الساعة الخامسة قبل الأذان! لا إله إلا الله!! ما الذي جعله يعمل هكذا؟ الخوف من الله، وهو شاب مثل أي شاب عنده من نوازع الشر وعوامل الجنس والرغبة في النساء مثل أي إنسان، ليس ملكاً من الملائكة، لكن الإيمان يحجز، الإيمان يحول بين العبد وبين المعاصي والذنوب، فلا بد -يا أخي المسلم- من الصبر على طاعة الله في ممارستها باستمرار، والصبر عن معصية الله في البعد عنها باستمرار. نسأل الله أن يثبتنا وإياه على الإيمان، وعندما عرض الكلام لي خنقته العبرة وازداد عليه البكاء؛ لأننا صلينا، لكن لما أعادها تذكر عظمتها، وأنه أخطأ في جنب الله فزاد البكاء، فقلت له: هون على نفسك -يا أخي- واستغفر الله، ودخلنا المسجد وتناولت المصحف، وفتحت له على سورة آل عمران في قول الله عز وجل: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133] ما هي صفاتهم؟ قال: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً} [آل عمران:134 - 135] يعني: مثل هذه {أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:135] يعني: مثل حالة الولد هذا، صحيح أنه لما متع نظره ارتكب جريمة، لكنه لما ذكر الله واستغفر وتاب وندم ولم يصر على ما فعل قال الله عز وجل: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:136]. والله -يا إخواني- لما قرأت عليه الآية، وصلنا إلى الآية: {جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ} [آل عمران:136] وإذا به يضحك، تبدل بكاؤه إلى ضحك واستبشار، وقلت: ما بك؟ قال: الحمد لله، ربي يعطيني جنة، أعصيه ولكني أستغفر وأتوب فيرزقني بالجنة، قلت: {خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران:136] هذا رب كريم ورب عظيم جليل، يثيب على الحسنة بعشر أمثالها، فأنت لما تبت بدل الله سيئاتك حسنات وقبلك تبارك وتعالى.

علامات الشقاء الدنيوية والأخروية

علامات الشقاء الدنيوية والأخروية الطريق إلى الله واضح، والهداية مطلوبة من كل مسلم، وثمرتها السعادة في الدنيا والآخرة، ولقد علق الله على الهداية كل خير وصلاح، وكل فوز وفلاح، وكل سعادة في الدنيا والآخرة، ولكن الذي يرفض طريق الله عز وجل، ولا يريد هداية الله، أبى إلا أن يسير في الذنوب، وأبى إلا أن يرتكب المعاصي، وأن يهجر المساجد والقرآن، وأن يهجر الدين، وأن يكون عبداً للشيطان ولياً للعصاة مجرماً هارباً فاراً من الله تعالى، هذا يعرض نفسه للدمار في الدنيا قبل الآخرة، أما في الدنيا فقد ذكر ابن القيم رحمه الله بعض علامات الشقاء التي تحصل للإنسان إذا حصل منه الانحراف، فذكر أن من علاماتها:

قلة التوفيق

قلة التوفيق أولاً: قلة التوفيق. لا يوفق العاصي، يجد النحس دائماً في وجهه باستمرار، التوفيق مجانب له؛ في كل طريق لا يجد معه توفيقاً من الله عز وجل؛ لأن التوفيق هو قرين العمل الصالح والهداية والطاعة، أما المعاصي والذنوب فإن صاحبها غير موفق لا في الدنيا ولا في الآخرة.

فساد القلب

فساد القلب ثانياً: فساد القلب. وإذا فسد القلب فسد الجسد كله، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله) ففساد القلب يعني: فساد العين، وفساد الأذن، وفساد اللسان، وفساد اليد، وفساد الرجل، وفساد الفرج، وفساد البطن وفساد كل شيء، يصبح مركب فساد من رأسه إلى قدمه، لماذا؟ لأنه فاسد في قلبه؛ ولأن القلب هو ملك الجوارح، فينتج قلة التوفيق وفساد القلب.

نفرة الخلق

نفرة الخلق ثالثاً: نفرة الخلق وحشة من هذا الإنسان، تستوحش منه حتى الأرض التي يمشي عليها، حتى اللقمة التي يأكلها، حتى الثوب الذي على جسده، حتى السقف الذي يظله، ينفر منه حتى أبوه وأمه وزوجته وحتى نفسه؛ تتمنى نفسه الداخلية أنها ليست معه، لماذا؟ لأنه قد نفر من الله عز وجل، فنفرة الخلق هذه عقوبة وعلامة من علامات الشقاء، يقابلها: المؤمن يكون محبوباً للخلق، المؤمن كل شيء يحبه، حتى الأرض التي يمشي عليها.

قسوة القلب

قسوة القلب رابعاً: قسوة القلب. يصير القلب مثل الحجر، يقول الله تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر:21] لكن قليل الدين العاصي الفاجر يقرأ القرآن وكأنه يضرب به في الجبال، لا يخشع ولا يتصدع ولا يخضع ولا يلين قلبه، بل يسمعه ويعرض عنه، قسوة في قلبه، يقول الله تعالى: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البقرة:74] لكن قلوبهم أشد من الحجارة، بل هي أشد قسوة، فقسوة القلب من أين تأتي؟ من ثمرة الذنوب والمعاصي، فمن علامات الشقاء: قسوة القلب، وإذا بالعين متحجرة فلا يمكن أن تقطر دمعة، والقلب قاس لا يمكن أن يتحرك حركة، مثل (الأمبير) الذي يعتبر مقياس الهواء أو الكهرباء إذا كان عاطلاً لا يتحرك، ضعه في الهواء وهو عاطل يعطيك نتيجة خاطئة، لكن عندما يكون صالحاً أقل اهتزاز يعطيك إشارة.

لباس الذل

لباس الذل خامساً: لباس الذل. ما هو لباس الذل؟ ألا يحب كرامة نفسه، مستعد أن يهين نفسه في كل مجال في سبيل الشهوات والمعاصي، ربما يذهب فيهين نفسه في أي مكان؛ لأن العزة ثمرة الهداية، يقول الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً} [فاطر:10] ويقول عز وجل: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج:18] فلباس الذل يقول فيه الحسن البصري: [والله لئن هملجت بهم البغال، وطقطقت بهم البراذين، فإن ذل المعصية لا يفارق نواصيهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه].

فساد الرأي

فساد الرأي سادساً: فساد الرأي. ليس هناك توفيق في رأيه، سواء في الدين أو الدنيا، فيكون رأيه فاسداً لأن الإرسال عنده معطل؛ لأن الله ينور بصيرتك إذا غضضت بصرك؛ إذا كنت موفقاً ومؤمناً جعل الله لك نوراً تمشي به، وإذا لم تكن ديناً وأصبحت مفسداً يكون رأيك فاسداً، وتكون الطريق التي تسير فيها فاسدة والعياذ بالله.

محق البركة في الرزق والعمر

محق البركة في الرزق والعمر سابعاً: محق البركة في الرزق والعمر. والبركة يقول عنها العلماء: إنها ليست بالكم ولكن بالكيف، فمن الناس من عنده كمٌ كثير هائل، لكن ليس فيه كيف ولا بركة؛ فلا بركة في رزقه، يطرد ولا يلحق، ولا بركة أيضاً في عمره، بل كلما زاد عمره زاد إثمه.

ضيق الصدر

ضيق الصدر ثامناً: ضيق الصدر. الكآبة تعلوه، والحزن يخيم عليه، والضيق في صدره وداخله يسيطر عليه، ولذا تراه يريد دائماً أن يهرب من هذا الضيق بما حوله من الأشياء، يريد أن يغني لكي ينفس عما في صدره، يريد أن يلعب ويشتري الجرائد ويقرأ الصحف ويقرأ الفكاهة، يريد أفلاماً؛ يريد مسرحيات مضحكة؛ لأن في صدره عذاباً وضيقاً فيزداد الطين بلة بما يهرب إليه من الذنوب، ولو هرب إلى الله لفرج الله كربه.

خفاء الحق

خفاء الحق تاسعاً: خفاء الحق. فلا يرى الحق واضحاً، ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه). ومن آثار علامات الشقاء: أن الحق يكون خافياً على صاحب الشقاء، فلا يجد الحق، ولذا لا يقدر أن يسلك فيه وهو لا يعرفه، أما المؤمن فالحق واضح أمامه ويسير فيه، بل تلتبس الأمور على العاصي والفاجر، وتنعكس عنده الموازين وتنقلب المفاهيم فيرى الحق باطلاً والباطل حقاً.

إضاعة الوقت

إضاعة الوقت عاشراً: إضاعة الوقت. يضيع وقت العاصي والشقي من غير مصلحة، ليس في وقته بركة، لا يستثمره في طاعة: فلا يقرأ فيه قرآناً، ولا يذكر فيه ربه، ولا يدخل فيه مسجداً، ولا يعمل فيه معروفاً، ولا يقرأ فيه كتاباً إسلامياً، وإنما كل وقته هباء، منهم من يجلس من بعد صلاة العشاء إلى الساعة الحادية عشرة أو الثانية عشرة أو الساعة الواحدة على ماذا؟ قال: على ورقة (صن أربعة) ومائة وخمسين، ما هو (الصن)؟ ولد وبنت وشايب، وأرقام، وضرب في الأرض، وأربع وخمس وساعات تقضيها على ماذا؟ أين عقلك؟ خلقك ربي لتلعب (صن) أم خلقك لتعبده؟ يقول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] هل تستطيع أن تأتي يوم القيامة فتقول: والله يا رب أنا ألعب (بلوت نمرة واحد) أنا إذا جلست لا أقوم من مكاني إلى (نمرة عشرين) تستطيع أن تقول هذا الكلام لتبيض وجهك أمام الله عز وجل؟! والله إنه لخزي لك في الدنيا قبل أن تكون في الآخرة، هذا من أسباب الشقاء -إضاعة الوقت- كيف تضيع وقتك؟! منهم من يسمر إلى الساعة الثانية في الليل وبعد ذلك يذهب البيت وما قد صلى العشاء؛ لأنه بدأ السمرة بعد المغرب، يقول: نريد أن نستغل الليل من أوله، يقول: خذ الليل بأوله، يعني: دعنا نسمر من أول الليل، الله أكبر! وبعد ذلك سمر إلى الساعة الواحدة، وبعد ذلك رجع إلى البيت يمكن يصلي صلى العشاء! ولكن بعد أن رفعت أعمال العباد وسجلت في دواوينهم وهو ما زال مؤخراً للصلاة، ثم صلى أربع ركعات لا نعلم عنها، وأما صلاة الفجر! الله يخلف عليه فيها، فليس هناك صلاة فجر، وبعد ذلك الدوام؛ الدوام الساعة العاشرة، وقد يكون مسئولاً أو رئيس قسم أو مدير إدارة ويتجمع المراجعون وأصحاب المصالح عند بابه وغرفته وهو لم يأت حتى الساعة التاسعة إلى العاشرة! ثم جاء وعيونه متورمة، وأذنه قد بال فيها الشيطان كما جاء في الحديث: (إذا نام العبد عن صلاة الفجر بال الشيطان في أذنيه وقال له: نم، عليك ليل طويل) يقول له: نم مكانك. فلا حول ولا قوة إلا بالله! فيدخل وهو خبيث النفس كسلان، عيونه منتفخة، ومزاجه حاد، وأذناه مسددتان بفضلات الشيطان، فإذا جلس على كرسيه جلس متكاسلاً، فإذا دخل المراجع، قال: عندك رقم أنت؟ كأنه يريد أن يأكله، يقول المراجع: من أتانا بهذا؟! حسبنا الله، ماذا بالرجل؟ فتشاهدهم يصفون ويسمعونه، وكل شخص يذهب وراء الثاني يريدون أن يمضوا مصالحهم، يخافون أن يضاربوه فيعقدها عليهم، لماذا؟ لأنه إذا أراد أن يعقد المعاملة يستطيع أن يبحث فيها عن علة: هذه ناقصة هذه اذهب صادق عليها هذه اذهب صححها هذه قديمة وأوجد له سبعين عذراً لكي يصرفهم من عنده، فهذه ثمرة البلوت؛ لأنه ضيع وقته بالليل في معصية الله، فضيع وقت المسلمين وضيعوا حياته كلها ولا حول ولا قوة إلا بالله!

منع إجابة الدعوة

منع إجابة الدعوة حادي عشر: منع إجابة الدعوة. وذلك لأن الاتصال بينه وبين الله مقطوع، والدعاء معراج تعرج عليه الحاجات من العباد إلى الله عز وجل، وأنت ليس معك إلا مولاك وخالقك؛ لأنك تعبده وتلجأ إليه، يقول الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي} [البقرة:186] أي: أول شيء قبل أن أستجيب لهم يجب أن يستجيبوا لي في ديني، يستجيبوا لي في أمري، يستجيبوا لي في نهيي، يستجيبوا لي في طاعتي، يستجيبوا لي بترك معصيتي: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186] فإذا حصل لهم الرشاد فإني قريب. تذكر كتب العلم قصة لصحابي جليل هاجر من مكة إلى المدينة، وفي الطريق اعترضه قاطع طريق. وقال له: إلى أين؟ قال: إلى المدينة. قال: الطريق هذه التي أنت فيها لا توصلك، وهناك طريق مختصرة أقرب. قال: نعم. مسكين هذا! قال: تعال من هنا، يريد أن يأخذه إلى بعض الطريق لكي يقتله، فأخذه حتى أتى به إلى ذلك الوادي؛ وإذا فيه آثار عظام الناس الذين قد ذبحهم هذا الخبيث. فقال له: ترى العظام هذه. قال: نعم. قال: والله هذه عظام الذين قد فتكت بهم، فالآن إني عازم على قتلك. قال: ولم؟ خذ ما معي وخذ حماري ومتاعي وأعتقني لوجه الله. قال: أريد روحك، وأما متاعك وحمارك فأمر ليس فيه نقاش؛ لكن نريد قتلك. قال: عازم لا محالة؟ قال: عازم لا محالة! قال: أجل، فإني أسألك وأطلب أن تأذن لي بأن أصلي ركعتين. قال: صلِّ ما بدا لك. فقام وتوجه إلى القبلة وصلى ركعتين، وذاك واقف والسيف في يده ينتظره حتى ينتهي من الصلاة ويصلب رأسه ويقتله، ثم رفع يديه إلى السماء وقال هذا الدعاء -ذكره صاحب كتاب: حياة الصحابة - والقصة صحيحة في السنن قال: يا رحيم يا ودود! يا غفور يا ودود! يا ذا العرش المجيد! يا فعال لما تريد! أغثني! أغثني! أغثني! هذه القصة ذكرها المفسرون عند قول الله عز وجل: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62] قال: يا رحيم يا ودود! يا غفور يا ودود! يا ذا العرش المجيد! يا فعال لما تريد! أغثني! أغثني! أغثني! قال: وإذا بذلك الفارس الذي ينشق عنه الغبار على حصانه، وفي يده رمح، حتى جاء إلى ذلك الرجل الواقف فضربه بالرمح في صدره فخرج يلمع من ظهره؛ فخر على الأرض صريعاً، وهو ما زال يدعو الله، فقام الرجل إلى الفارس هذا وقال: من أنت فقد أغاثني الله بك، أمن الإنس أم من الجن؟ من أين جئت؟ لا أحد في الصحراء، فقد أغاثني الله بك! قال: أنا من سكان السماء الرابعة، يقول: دعوت دعوتك الأولى فاضطربت السماوات، ثم دعوت الدعوة الثانية فسمع لأبواب السماء قعقعة -تفتحت كل أبواب السماء، دعوة من مخلص مضطر- ودعوت دعوتك الثالثة فسألت الله أن يجعل شرف نجدتك على يدي، فأذن لي في ذلك فقتلته. يقول: ثم اختفى، فخر هذا ساجداً لله عز وجل، وقام فركب حماره ورجع على أثره فذهب إلى المدينة. فإجابة الدعوة هذه كرامة من الله للمؤمن، لكن الشقي الفاجر لا يقبل الله دعوته، يعيش معزولاً عن الله، تصوروا إنساناً يعيش في الدنيا وهو مقطوع الصلة بالله، مبتوت عن السماء، كيف يعيش هذا؟ إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إني أعوذ بك أن تكلني إلى نفسي طرفة عين) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعيذ أن يكله الله إلى نفسه طرفة عين، فكيف بمن يكله الله إلى نفسه طول حياته؟ لا إله إلا الله! فهذه علامات الشقاء تحل بالعدو لله العاصي؛ القليل الدين؛ البعيد من الله، تحل به في الدنيا. وأما الباقي فهو ما ينتظره من عذاب الله يوم يموت، وما ينتظره من عذاب الله في القبر، وما ينتظره من عذاب الله يوم الحشر، وما ينتظره من عذاب الله في النار أعاذنا الله وإياكم من النار ومن أهلها! أسأل الله تبارك وتعالى أن يهدينا وإياكم سواء السبيل، اللهم ألهمنا رشدنا، اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، اللهم استعملنا فيما يرضيك، اللهم استعمل جوارحنا في مرضاتك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم احفظنا بحفظك، واكلأنا بعين رعايتك، اللهم من أراد هذه الديار وغيرها من ديار المسلمين بسوء أو شر أو كيد فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره في تدميره، اللهم أنزل عليه بأسك الشديد، وعذابك الأكيد، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم فإنهم لا يعجزونك. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الذهاب إلى المستشفى والتحدث مع الممرضات

حكم الذهاب إلى المستشفى والتحدث مع الممرضات Q ما رأيكم فيمن يذهب إلى المستشفى، وكثير من الممرضات فلبينيات، وقد يتكلم مع الممرضة أو ينظر إليها؟ A لا يبرز دور المسلم ويعرف مدى خوفه من الله، وهل هو مراقب لله يغض بصره عن محارم الله إلا في مثل هذه الأماكن، فعندما تذهب إلى المستشفى وترى الفلبينيات جالسات هنا يبرز دورك، هنا تعرف إيمانك، فإما أن تغض بصرك أو تفتح عينيك، مثل الساعات، إن كنت غضضت بصرك فأنت مؤمن؛ هل هناك من أحد يستطيع أن يفتح عينك من أجل أن تتلفت؟ لا، عينك في رأسك ووفق إرادتك. تخاف من الله غض بصرك، ولا تحمل الناس مسئولية عينك، تقول: إذا رأيت النساء كاشفات فأنا سوف أتلفت، لا. ما أمرك الله أصلاً بغض البصر إلا لأنه يعلم أن أناساً يتكشفون، ولو أن كل الناس يتغطون ما جاء أمر بغض البصر، ولكن غض البصر دليل على أنه سيكون أناس يعرضون فتنهم، ويبيعون أعراضهم، وأنت مأمور بأن تغض بصرك، قال الله عز وجل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:30]. فإذا ذهبت إلى المستشفى أو إلى السوق أو إلى أي مكان فيه تجمع للنساء ورأيت النساء فغض بصرك، واعلم بأن نظر الله إليك أسرع من نظرك إلى المنظور إليه، تصور في تلك اللحظات التي تتلفت أن الله يراك، وأن هذه من محارم الله، وأن الله حرم عليك أن تنظر إلى محارمه تبارك وتعالى، يقول الشاعر: عِفُّوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم إن الزنا دين فإن أقرضته كان القضا من أهل بيتك فاعلم من يزن بامرأة بألفي درهم في بيته يزنى بربع الدرهم والله أعلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ومن لم يحكم بما أنزل الله

ومن لم يحكم بما أنزل الله الحكم بما أنزل الله لا يقتصر على الحاكم فقط، بل كل مسلم يتحتم عليه أن يحكم بما أنزل الله في كل شأن من شئون حياته، بأن تكون كل أفعاله وأقواله وحركاته وسكناته محكومة بأمر الله، ومعروضة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبهذا يصير المسلم قد حكم بما أنزل الله فيرجى له بذلك النجاة من عذاب الله، أما الحاكم فالوعيد في حقه أشد والتبعة عليه أثقل؛ لأن حكمه لا يتوقف في تأثيره على خاصة نفسه، وإنما يتجاوزه إلى عامة من ولاه الله أمرهم.

مدلول الحكم بما أنزل الله

مدلول الحكم بما أنزل الله إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على دربه واقتفى أثره واتبع سنته، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: إن حكمة الخلق والإيجاد، ونعمة الرزق والإمداد حكمةٌ بالغة فما تغني النذر، حكمةٌ أوضحها الله عز وجل في محكم التنزيل، فقال عز من قائل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56 - 58] الحكمة التي من أجلها خلق الله العباد، وخلق الله الكون، وسخر سماواته وأراضيه، وشمسه وقمره، وجباله وسهوله، وأنهاره وبحاره وجميع الكائنات، الحكمة التي من أجلها أوجد هذا العالم هي: حكمة العبادة، وهذا واضح من كلام الله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]. واهتمام الإنسان بأي عملٍ آخر غير هذه الحكمة وضعٌ للشيء في غير موضعه، واهتمامٌ بما ليس له أهمية. إن الأهمية الأولى والحكمة العظيمة، والسر الذي من أجله خلقك الله أيها الإنسان! أن تكون عبداً لله، خاضعاً لشريعة الله، متلقياً لجميع أمورك ونواهيك من الله، تسير على نور من الله، تحكّم منهج الله في كل تصرفاتك، في ليلك ونهارك، في سرك وجهارك، في مسجدك ومكتبك، في بيتك وسوقك، مع نفسك وزوجك، مع أولادك ووالديك، مع جيرانك وأقاربك، تُحَكِّمْ شريعة الله في كل حركةٍ من حركاتك، وفي كل سكنةٍ من سكناتك، عينك تحكمها بأمر الله، أذنك تحكمها بأمر الله، لسانك تحكمه بأمر الله، يدك تحكمها بأمر الله، رجلك تحكمها بأمر الله، فرجك تحكمه بأمر الله، بطنك تحكمها بأمر الله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:47]. كثيرٌ من الناس يحمل هذه الآية على الحكام والمسئولين فقط، ويقول: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] وما علم أن مدلول الآية أوسع من ذلك، أنها تشمل الحاكم والمحكوم، وتشمل الرجل والمرأة، وتشمل الوالد والولد، وتشمل المدرس والطالب، وتشمل المدير والموظف، وتشمل الضابط والجندي، تشمل كل إنسان: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44].

تحكيم أمر الله في البصر

تحكيم أمر الله في البصر إن لله حكماً في كل شيءٍ من تصوراتك، لله حكمٌ في عينك، يقول الله عز وجل في حكم العين: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:30] هذا حكم الله -الذي لا إله إلا هو- موجهٌ لك، يا من رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً! يا من دخلت في دائرة الإيمان! يا من تسربلت بسربال الإيمان! هذا أمرٌ من الله موجه لك، يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ} [النور:30] (قل): فعل أمر، قل يا محمد! للمؤمنين، فمن الذي يستطيع أن يخرج نفسه من دائرة أهل الإيمان؟ ويصبح في دائرة المنافقين، أو في دائرة الكفار، أو في دائرة المجرمين حتى لا يكون مخاطباً بهذه الآية: (قل للمؤمنين)؟ هذا أمر الله، وحكمه عز وجل، لا تظنن أنك متروك أو مضيع، إنك محكومٌ في كل جزئية من جزئياتك، وفي كل تصرف من تصرفاتك، وفي كل عمل من أعمالك، في ليلك ونهارك وفراشك وطعامك، وفي إتيانك لزوجتك، وفي دخولك إلى بيتك، وفي خروجك من منزلك، وفي دخولك إلى عملك، وفي ركوبك لسيارتك، وفي سماعك للمطر، وفي رؤيتك للشمس، وفي بداية النهار، وفي نهاية النهار: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162 - 163].

الإذعان لأمر الله في غض البصر

الإذعان لأمر الله في غض البصر قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30] إن تمردك على أمر الله في بصرك في النظر إلى ما حرم الله ومتابعة محارم المسلمين، والتلصص على حرمات الله، هذا تمردٌ على حكم الله، فأنت لم تحكم بما أنزل الله في عينك. يسر مقلته ما ضر مهجته لا مرحباً بسرورٍ عاد بالخطرِ كل الحوادث مبداها من النظرِ ومعظم النار من مستصغر الشررِ إن كثيراً من الناس لا يقدرون لهذا الأمر أهميته، فأمر غض البصر مهم، ولذا نص الله عليه في القرآن، وخاطب المؤمنين على حدة، وخاطب المؤمنات على حدة، فقال في المؤمنين: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:30] وكأن قائلاً يقول: لِمَ يا رب؟! أريد أن أمتع بصري، أريد أن أتمتع بالنظر إلى الجمال الذي أوجدته في النساء -الجنس الآخر- لماذا يا رب! توجد الجمال ثم تقول: أغض بصري؟!! فالله عز وجل يعلمك مصلحتك، وما هو الأفضل لك، قال عز وجل: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30] أزكى لك وأفضل وأرفع، وأجل وأعف وأنظف أن تغض بصرك؛ لأنك إذا نجست عينك بالنظر إلى محارم الله أغضبت الله عز وجل فإنه يراك حين تنظر إلى حرماته. قيل للحسن البصري: [بِمَ نستعين على غض البصر؟ قال: بعلمك بأن نظر الله إليك أسرع من نظرك إلى المنظور إليه] أنت تنظر والله ينظر، أنت تجترئ على حرمات الله وتمتع نظرك بالتلذذ بمحاسن امرأة لا تحل لك، والله ينظر إليك ويغضب عليك ويسخط عليك، ويمقتك من فوق سبع سماوات، يمقتك لأنك عبدٌ شهواني، عبدٌ هابط، عبدٌ شيطاني، تريد معصية الله، تريد التمرد على أمر الله بعينك، رغم أن العين ليست منك، ما ركبتها في رأسك، ولا ركبتها أمك لك، ولا اشتريتها من السوق، ولا من المستشفى.

البصر من أجل نعم الله فليضبط أمره

البصر من أجلِّ نعم الله فليضبط أمره إن العين التي عندك من أجلِّ نعم الله عليك: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:8 - 10]. هب أنك أعمى! كيف تستطيع أن تتمتع بمتاع هذه الحياة؟ إن الأعمى المسكين يعيش في عالم والناس في عالم آخر، ولذا جاء في الحديث: (إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته عنهما الجنة) ليس هناك عوض مع الصبر والاحتساب إلا الجنة؛ لأنك إذا أغمضت عينيك وحاولت أن تجرب دقيقة أو دقيقتين أو ثلاثاً فلا تفتح عينيك. تقول: أين الباب؟ أين حذائي؟ أين سيارتي؟ كيف أقودها؟ كيف أصل إلى بيتي؟ كيف أرى زوجتي؟ كيف أنظر إلى طعامي؟ كيف أتلذذ بالنظر إلى أولادي؟ كيف أنظر إلى فراشي؟ كيف أنظر إلى غرفة نومي؟ كيف أقرأ كتابي؟ كيف أقوم بمعاملاتي؟!! كل هذا بنعمة البصر، هذه نعمة لا تعدلها نعمة، لكن قيدها الله بالنظر فيما أحل، وفيما يحب، وكثيرٌ من الناس استعمل هذه النعمة فيما يسخط الله؛ ما نظر بها يوماً في كتاب الله، ما نظر بها يوماً في ملكوت الله، وما نظر بها يوماً فيما يرضي الله، وإنما خصصها ليلاً ونهاراً، بالنظر في محارم الله، سواءً في المجلة، أو في الفيلم، أو في السوق، أو في الحرام، فعينه مخصصة لمحاربة الله، هذا لم يحكم بأمر الله.

غض البصر أزكى لصاحبه في الدنيا والآخرة

غض البصر أزكى لصاحبه في الدنيا والآخرة قال تعالى: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30] كيف يكون غض البصر أزكى لك؟ نعم. أزكى لك في الدنيا وأزكى لك في الآخرة، أما في الآخرة فإنك إذا غضضت بصرك عن محارم الله أطلقت بصرك بالنظر إلى وجه الله في الدار الآخرة، وهل بعد هذا نعمة؟ هل هناك أعظم من أن تنظر إلى الله كما تنظر إلى القمر ليلة النصف لا تضام في رؤيته كما جاء في الحديث الصحيح، يقول عليه الصلاة والسلام: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة النصف لا تضامون في رؤيته) وقال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة:22] أي: مشرقة وجميلة، تعلوها نضرة النعيم، يعلوها الجمال والبهاء، يعلوها الرضا والرضوان من الرحمن تبارك وتعالى، يقوم أهل الإيمان يوم القيامة ووجوههم مسفرة {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ} [عبس:38 - 39] مسفرة بنور الإيمان، ضاحكة بالرضا عن الله، مستبشرة بوعد الله عز وجل: {ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ} [عبس:39] {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:23] أي: مشاهدة، وقال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26] الحسنى هي: الجنة، والزيادة هي: النظر إلى وجهه الكريم. {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35] ما يشاءون: كل ما يخطر في بالك، بل أعظم مما يخطر في بالك، يقول الله عز وجل: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ} [السجدة:17] فلا تعلم أنت ما في الجنة، فيها نساء لكن لا كنساء الدنيا، وتعلم أن في الجنة خموراً لكن ليست كخمور الدنيا، وتعلم أن في الجنة قصوراً شاهقات لكنها ليست كقصور الدنيا، وتعلم أن في الجنة ثماراً لكن ليست كثمار الدنيا، وتعلم أن في الجنة أنهاراً لكنها ليست كأنهار الدنيا، كل ما في الجنة، وكل ما خطر في بالك فالجنة بخلاف ذلك، هذا ما يشاءون: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35] هذه نعمة في الآخرة، لكن لمن غض بصره في الدنيا عما حرم الله. تريد أن تملأ عينيك بالنظر إلى وجه الله وأنت قد ملأتها وأفسدتها ونجستها بالنظر إلى الزانيات والداعرات والمتبرجات، لا يمكن أبداً، العين المريضة القذرة التي لا ترتاح ولا تطمئن إلا إذا نظرت إلى ما يحرم الله عز وجل هذه العين لا تستطيع أن تنظر إلى الله، عين مريضة، ولذا جاء في الأثر: (من ملأ عينيه من الحرام ملأهما الله من جمر جهنم).

ثمرات غض البصر، وعواقب إطلاقه

ثمرات غض البصر، وعواقب إطلاقه إن لله حكماً في كل شيءٍ من تصوراتك، لله حكمٌ في عينك، يقول الله عز وجل في حكم العين: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:30] هذا حكم الله -الذي لا إله إلا هو- موجهٌ لك، يا من رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً! يا من دخلت في دائرة الإيمان! يا من تسربلت بسربال الإيمان! هذا أمرٌ من الله موجه لك، يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ} [النور:30] (قل): فعل أمر، قل يا محمد! للمؤمنين، فمن الذي يستطيع أن يخرج نفسه من دائرة أهل الإيمان؟ ويصبح في دائرة المنافقين، أو في دائرة الكفار، أو في دائرة المجرمين حتى لا يكون مخاطباً بهذه الآية: (قل للمؤمنين)؟ هذا أمر الله، وحكمه عز وجل، لا تظنن أنك متروك أو مضيع، إنك محكومٌ في كل جزئية من جزئياتك، وفي كل تصرف من تصرفاتك، وفي كل عمل من أعمالك، في ليلك ونهارك وفراشك وطعامك، وفي إتيانك لزوجتك، وفي دخولك إلى بيتك، وفي خروجك من منزلك، وفي دخولك إلى عملك، وفي ركوبك لسيارتك، وفي سماعك للمطر، وفي رؤيتك للشمس، وفي بداية النهار، وفي نهاية النهار: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162 - 163].

ثمار غض البصر في الآخرة

ثمار غض البصر في الآخرة كل عين تبكي يوم القيامة إلا ثلاثاً: عينٌ بكت من خشية الله، وعينٌ حرست في سبيل الله، وعينٌ غضت عن محارم الله، ثم مع النظر إلى وجه الله الكريم تنظر إلى النعيم، تنظر إلى زوجاتك من الحور العين: حور مقصورات في الخيام، لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان، في الجنات قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان، كأنهن الياقوت والمرجان، بل إنهن كأمثال اللؤلؤ المكنون، وكأنهن بيض مكنون، إذا نظرت إليها رأيت وجهك في كبدها، كبدها مرآتك، وكبدك مرآتها، تجلس عندها قدر نصف يوم من أيام الآخرة خمسمائة سنة، ثم يشرق في الجنة برق يضيء، فيقول الناس: ما هذا؟ قالوا: هذه حورية تبسمت في وجه زوجها، تريد هذه وأنت تتلفت وتتلصص، فكثير من الناس ليس عنده عمل، يخرج إلى السوق لا يبيع ولا يشتري إلا مع الشيطان، لماذا تخرج؟ قال: أنظر، ماذا تنظر؟ تنظر إلى معصية الله! تنظر إلى غضب الله! تنظر إلىلعنة الله! وبعض النساء كذلك تخرج ليس لها عمل إلا أن تنظر، والله خاطب الرجال بهذه الآية وقال: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30] أفضل لهم، فلو أنك غضضت بصرك لأعطاك الله اثنتين وسبعين حورية، جاء وصفها في القرآن وفي السنة بما لا يتصوره العقل، يكفيك أن الله يقول فيهن: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات:49] {كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة:23] {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن:58]. تصور زوجتك مثل الياقوتة والمرجانة، هل رأيت في حياتك ياقوتة، لقد حاولت يوماً وأنا أدخل عند بائع الجواهر واللآلئ قلت له: أرني من فضلك قطعة من الياقوت أو المرجان، فأعطاني قطعة صغيرةً لا تزن ستين أو سبعين جراماً في صندوق مذهب، فقلت له: بكم هذه؟ قال: هذه بمئات الآلاف. فنظرت إليها حقيقة، فسلبت بصري من جمالها، ومن شكلها، ومن عظمتها، قلت في نفسي: فكيف بالزوجات في الجنة كأنهن الياقوت والمرجان. بالله هل من حقك أن تضيع هذه من أجل خبيثة تنظر فيها؟ يقول: فاسمع إذاً أوصافها وصفاتها تلك المنازل ربة الإحسانِ هي جنة طابت وطاب نعيمها فنعيمها باقٍ وليس بفانِ ويقول ابن القيم رحمه الله في الميمية: فيا خاطب الحسناء إن كنت راغباً فهذا زمان المهر فهو المقدمُ فكن مبغضاً للخائنات لحبها لتحظى بها من دونهن وتسلمُ وصم يومك الأدنى لعلك في غدٍ تفوز بعيد الفطر والناس صومُ الصائم الآن عن الحرام يشعر بمعاناة، يرى النساء ويغض بصره، فقط هي أيام وليالٍ إلى أن تموت وتفطر في الجنة إن شاء الله، أما ذاك الذي يفطر أتدرون ما مثله؟ مثل من يصوم يوماً في رمضان ومن يفطره، الصائم في نصف النهار يحس بألم الجوع، ويعاني من لذعة العطش، ويريد الأكلة التي كان قد تعودها كل يوم الساعة الثالثة أو الثانية والنصف، لكنه يصبر ويضغط على أعصابه ويذهب ينام، وبعضهم إذا دخل البيت يكون غضبان؛ لأنه صائم، ثم إذا جاء المغرب، ووضعت الموائد، وصفت الصحون، وقدم الماء البارد، والشراب البارد، والطعام الجميل، شعر بفرحة ليس بعدها فرحة، ولهذا جاء في الحديث: (للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه). أما ذاك الذي لم يصبر وقال: لن أصوم، وكفر -والعياذ بالله- وأفطر في نصف النهار، وذهب البيت وأكل، إذا أتى المغرب هل له فرحة؟ ليس له فرحة، بل عليه لعنة في قلبه، وإذا مات هل له فرحة؟ ليس له فرحة، بل عليه غضب من الله تبارك وتعالى، فأنت يا مسلم! غض بصرك عن محارم الله عز وجل حتى تمتع بصرك بالنظر إلى وجه الله في الدار الآخرة، وبالنظر إلى زوجاتك من الحور العين، وبالنظر إلى قصورك وأنهارك، وإلى ثمارك وبساتينك، وإلى ما لا عينٌ رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. هذا في الآخرة.

ثمار غض البصر في الدنيا

ثمار غض البصر في الدنيا في الدنيا هل يوجد شيء؟ نعم. يوجد شيء الآن قبل الآخرة، جميع ثمار ونتائج الدين لا تنتظرك في الآخرة فقط، بل هي مقدمة في الدنيا قبل الآخرة، يقول الله عز وجل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النساء:134] من أراد الدنيا فعليه بالدين، ومن أراد الآخرة فعليه بالدين، ومن أراد الدنيا والآخرة فعليه بالدين، ومن ضيع الدين ضيع الدنيا والآخرة، يقول الله عز وجل: {تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ} [الشورى:22] ويقول: {وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ * وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ} [الشورى:44 - 45]. عليك بالدين، والدين يرتب لك جميع أنواع السعادة في الدنيا والآخرة، ولو تصورت -بوحي من الشيطان- أنه يحرمك من الأغاني يحرمك من الأغاني لكن أبدلك الله بالقرآن الكريم، يحرمك من النظر إلى النساء، لكن الله أبدلك بالنظر إلى زوجتك الحلال. وفي الدنيا إذا غضضت بصرك فإن الله يفتح بصيرتك، والبصيرة نورٌ يقذفه الله عز وجل في قلب من شاء من عباده: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] والذين لا ينظرون بنور الله، ولا يبصرون طريق الله، فالله أعمى بصيرتهم لما أطلقوا أبصارهم فيما حرم الله، كيف يفتح الله بصيرته وهو ينظر في الحرام؟ لكن غُض بصرك ليفتح الله بصيرتك، وقد جاء في الحديث، يقول عليه الصلاة والسلام: (من غض بصره احتساباً لوجه الله أبدله الله بإيمانٍ يجد حلاوته إلى يوم يلقاه) فهذا معنى البصيرة: أن تعرف مصلحتك، وما فيه خيرك وسعادتك في الدنيا والآخرة، فتسير في الطريق الصحيح؛ لكنك إذا أطلقت بصرك في الحرام طمس الله بصيرتك، وحصل لك عمى، حصل لك عدم معرفة لمصالحك، ولا حتى تعرف مصلحة نفسك. الذين يدورون بفلك الشيطان، ويسيرون في ركاب الشيطان، والشيطان يركب عليهم ويستعملهم في طرق الضلال، هؤلاء يقول الله فيهم: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:19] نسي الله فأنساه الله مصلحة نفسه، فدمرها وأهلكها، وعرَّضها للعذاب في الدنيا والآخرة، ولو ذكر الله لذكره الله بمصالح نفسه، ولعرف مصالحها في الدنيا والآخرة: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30] من غض بصره فتح الله بصيرته. هذا أولاً. ثانياً: أوجد الله عز وجل في قلبه محبة لزوجته إذا كان متزوجاً، وإذا كان غير متزوج فحتى يتزوج، فإذا حفظت بصرك وعندك زوجة فإنك تراها من أعظم النساء، لماذا؟ لأنك لا ترى غيرها، ولذا جاء في الحديث: (إذا رأى الرجل منكم ما يعجبه في امرأة فليأتِ أهله، فإن معها الذي معها). فأنت حين تغض بصرك عن الحرام تدخل بيتك فترى زوجتك ملكة جمال، لكن لما تنظر في الأسواق وترى الموديلات والأشكال والألوان، والطول والعرض والجمال، وتدخل على امرأتك: هل تتصور أن تكون زوجتك فيها جميع جوانب الجمال الذي في السوق؟ فعندما تراها تنظر في عيونها وإذا عيونها ليست مثل عيون تلك، وإذا طولها ليس مثل طول تلك التي كأنها غصن، وإذا بعرضها ليس بمثل عرض تلك التي هي رشيقة الجمال فتكرهها، فإذا كرهتها كرهتك، وإذا كرهتك بحثت عن غيرك كما بحثت عن غيرها، وتسوء العشرة، ويتحطم كيان الأسرة، ويتشرد الأولاد، وتفسد الحياة، وتصبح الحياة حياة بهيمية بأسباب عدم غض البصر. لكن يوم أن تغض بصرك تدخل عليها فتتلفت فيها وتقول: ما هذا الجمال؟! ما هذه العظمة! لأنك لا ترى غيرها، تظن أن ليس في الدنيا إلا هذه المرأة، ووجود العشرة والرابطة بين الزوج والزوجة هدف وغرض من أغراض الدين؛ لأنه إذا تفاهمت الأسرة وعاشت في وئامٍ وانسجامٍ وحبٍ وتفاهمٍ انعكست الآثار على الأفراد، وانعكست بالتالي على المجتمع والدولة كلها، وأصبحت الأمة كلها كأصابع الكف متماسكة قوية لكن يوم أن تتحطم الأسرة يتحطم المجتمع، وإذا تحطم المجتمع تحطمت البلاد، وساءت الأخلاق، وتحللت الروابط، وانقسمت القلوب، وحصل الفساد والطرد والغضب واللعنة من الله تبارك وتعالى. كيف تستطيع أن تحب زوجتك إذا لم تغض بصرك؟ يقول الناظم: إن الرجال الناظرين إلى النسا مثل الكلاب تطوف باللحمانِ إن لم تصن تلك اللحوم أسودها أكلت بلا عوضٍ ولا أثمانِ لا تتركن أحداً بأهلك خالياً لو كان بالنساك مثل بنان المصلحة الأولى: أطلق الله بصيرتك وفتح قلبك، ثانياً: أوجد الحب والألفة بينك وبين وزوجتك.

إطلاق البصر يجلب لصاحبه الويلات

إطلاق البصر يجلب لصاحبه الويلات ليس في الدنيا أصلح من غض البصر للقلوب؛ لأن الذي لا يرى شيئاً قلبه مرتاح، يرى زوجته، وإذا أرادها فهي موجودة عنده، يمد يده عليها، لكن الذي ينظر ثم لا يستطيع أن يقدر على شيء يقول: وأنت إذا أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظرُ رأيت الذي لا كله أنت قادرٌ عليه ولا عن بعضه أنت صابرُ ترى أشكالاً كثيرة من الذي بينك وبين عرضه، لا تقدر عليها كلها، ولا تصبر عنها كلها ولهذا يقول الشاعر: وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتلُ الذي جلب الموت لي في قلبي وطعنني وضربني ضربة في قلبي هي: عيني. وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتلُ يا رامياً بلحاظ السهم مجتهداً أنت المصاب فلا ترمِ بما تصبِ وكثير من الناس يخرج من بيته ليس في قلبه هم ولا غم، فإذا رأى امرأة غانية متبرجة -والعياذ بالله- ورأى جمالها وأشارت إليه أو أشار إليها، وتابعها ثم ركبت سيارتها وذهبت ورجع هو إلى البيت رجع وهو مريض، يدخل البيت عند أهله يقدمون له العشاء فيقول: لا أريد عشاء، وهو يزفر الزفرة تقض صدره، ولا يأتيه النوم، ما الذي حصل؟ حريق في قلبه، من الذي أحرقه؟ عينه، طعن نفسه بعينه، لكنه لو غض بصره لأرضى ربه، ولأراح قلبه. كنت سائراً في طريق من المسجد إلى منزلي ومعي شابٌ مؤمن -ولا أزكي على الله أحداً- وفي الطريق قابلنا اثنتين من الفتيات وكن متبرجات، عليهما عباءات قصيرة وكعوب عالية وثياب مشقوقة، المهم من النظرة الأولى غضيت، وهو معي ولم أقل له شيئاً، جلست أرقبه، وإذا به يغض، وفي الطريق وبعدما تجاوزناهن، نظرت إليه وقلت: ما رأيك: النظر أحسن أم الغض أحسن؟ قال: والله الغض أحسن. قلت: لماذا؟ قال: لو أني نظرت لكنت الآن مريضاً، لكن صبرت قليلاً، وانتهيت وليس في قلبي شيء، وهكذا -أيها المسلم- تريح قلبك، والله يقول: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30]. والله يعلم مصلحتك ويعلم مضرتك، فهذا أزكى لك أفضل لك أرفع لك أعف لك أهنأ لك أكسب لك في الدنيا والآخرة أن تغض بصرك، فهل حكّمت أمر الله في هذا؟

غض البصر يحتاج إلى مجاهدة شديدة

غض البصر يحتاج إلى مجاهدة شديدة قليل من يحكّم أمر الله، بل حتى من الملتزمين، من الناس الذين فيهم خير من تجده يصلي، وتجد ثوبه قصيراً على السنة، وربما تجده متمسكاً بالسنة في لحيته، وفي أموره كلها، لكنه إذا رأى المرأة نظر إليها، الله يقول: غضوا، وهو ينظر إلى الحرام، لماذا؟ لأنه مسكين وقلبه مريض، ولا حول ولا قوة إلا بالله! غض بصرك ستشعر بمعاناةٍ وتعبٍ وقوة خارجة عن قوتك وعن إرادتك وتصرفك، إنها قوة الشيطان؛ لأن الشيطان لا يصطاد الناس من طريقٍ أعظم من طريق العين، يقول لك: انظر فقط، وبعد هذه تتكرر النظرة، ثم خطرة، ثم سلام، ثم كلام، ثم مواعيد، ثم لقاءات، ثم جرائم وزنا، ثم جهنم، بدأت بالنظر وانتهت بالنار. لكن لو أنك أغلقتها من أول مرة لاسترحت، كما في المثل: "نافذة يأتيك منها ريح أغلقها واستريح" هذه عينك نافذة على الحرام، يأتيك منها ريح الزنا والحرام، أغلقها واسترح، وافتحها على كتاب الله، افتحها على النظر في ملكوت الله، افتحها بالتأمل في مخلوقات الله، والله يقول في هذا: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ} [ق:6] ليس نظراً كما تنظر الدابة والبهيمة إلى ما تأكل عند قدميها فقط. بعض الناس لا يرفع يوماً من الأيام بصره إلى السماء، يمكن يدخل الشهر وينتهي، بل السنة وتنتهي، وهو لم يرفع بصره ليقول: لا إله إلا الله سبحانك يا رب ما أعظمك! بل عيونه دائماً في المعارض والدكاكين والنوافذ والمجلات، لا يرفع بصره؛ فهذا مسكين مربوط إلى الأرض، مربوط هابط متلطخ بالقاذورات، قال الله: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} [ق:6 - 8] انظر الله يقول: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} [العنكبوت:20] {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس:101].

البصر نعمة قد يسلبها الله منك

البصر نعمة قد يسلبها الله منك لا تنظر فيما حرم الله، فالله عز وجل قادر على أن يطمس بصرك، يقول الله: {وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ} [يس:66] ومن عاث بالدنيا هنا ببصره فيما حرم الله أعمى الله قلبه في الدنيا والآخرة، وحشره يوم القيامة أعمى، كما قال عز وجل: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} [الإسراء:72] أعمى: ليس أعمى البصر، لكن أعمى عن الدين، لا ينظر إلى القرآن ولا يرى إلا الحرام. ويقول عز وجل: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126] نسيتها وتعاميت عنها، وكذلك اليوم تنسى وتعمى وتؤمر بالسير على الصراط وأنت أعمى، وتدخل النار أعمى، قال الله عز وجل: (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً} [الإسراء:97]. بالله الذي لا إله إلا هو أسألك بالله يا أخي، يا مؤمناً! هل بقي لك مبرر أن تنظر في الحرام، وتشاهد الأفلام، وتخرج إلى الأسواق والمعارض وتنظر أعراض المسلمين، تحرق قلبك تذهب إيمانك تغضب ربك تطمس بصيرتك؟ كلما نوَّر الله قلبك بقليل صلاة ذهبت لتطمسها بعشر ساعات في الحرام، ولهذا يقول كثير من الناس: ما بالنا نصلي ونصوم ولا نتعظ، وقلوبنا قاسية؟! لا تنفعك صلاة عشر دقائق، وأنت جالس خمس ساعات أمام الفيلم والمسلسل، ترى النساء، وترى الحرام، ماذا تنفعك لحظات تقضيها مع الله تهدمها وتمسخها بساعات تقضيها في الأسواق تنظر إلى الحرام بعينك؟ ما هذا؟ لا بد من حماية مع البناء، تبني صلاة وصياماً وتقوى وأيضاً تحمي من الهدم، تحمي من المعاصي، هذه العين فقط: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44] احكم بما أنزل الله في عينك وعلى هذا قس. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

تحكيم أمر الله في السمع

تحكيم أمر الله في السمع الحمد لله على إنعامه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: حكموا القرآن، حكموا سنة النبي سيد ولد عدنان صلوات الله وسلامه عليه، حكموه في كل شيء، حكموه في أبصاركم، حكموه في أسماعكم.

السمع نعمة قد يحمل الخير أو الشر إلى القلب

السمع نعمة قد يحمل الخير أو الشر إلى القلب إن هذه الأذن مأمورة وصدر فيها حكم من الله يقول الله عز وجل: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] ويقول عز وجل عن عباد الرحمن: {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63] {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} [الفرقان:72] {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص:55]. هذه الأذن مسئولة عما سمعت، وهذه الأذن مصبٌ وقناةٌ تحمل الخير أو الشر إلى القلب، كما أن العين قناةٌ يمكن أن ترسل عن طريقها الخيرات والتأملات والآيات، ويمكن أن يرسل عن طريقها الآهات والحسرات والعذاب والعياذ بالله. وهذه الأذن كذلك يمكن أن تكون قناة لإحياء قلبك أيها المؤمن! عن طريق سماع كلام الله، إذا سمعت خطاب الله الذي أنزل لك القرآن: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت:51] {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [المائدة:15] {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى:54 - 53] إنه كتاب كريم {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42] هذا القرآن العظيم خاطبك الله به من أجل أن تسمعه أولاً، ثم تفهمه، ثم ترتله، ثم تطبقه وتعمل به وتدور معه في فلكه، هذا كتاب الله، لكن يوم أن عاشت الأمة في غير ميادينها ضيعت القرآن، فكثير من بيوت المسلمين يدخل اليوم وينتهي ما قُرئت فيه آية، وإن قُرئت فعلى سبيل الصدفة، وإن قرئت في بعض المحلات تبركاً لمدة دقيقتين، ثم يضع الشريط على المنكرات والأغاني والعياذ بالله. فلما عاشت الأمة في غير ميدانها الطبيعي هجرت كتاب الله واستبدلته، وسمعت شيئاً لا يرضي الله، وهذه الأذن مسئولة يوم القيامة.

من تحكيم شريعة الله في السمع: عدم سماع الأغاني

من تحكيم شريعة الله في السمع: عدم سماع الأغاني ذهل حكمت شريعة الله في الأذن؟ هل سمعت بها ما يرضي الله أم استمعت بها ما يغضب الله؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم والحديث صحيح في السنن: (كان يسير يوماً من الأيام مع عبد الله بن عمر وفي الطريق سمع راعياً معه بوق -بوق الراعي لا يفتن ولا شيء، إنما يسلي به الراعي عن نفسه في الجبال- فلما سمعه صلى الله عليه وسلم، وضع إصبعيه في أذنيه حتى لا يسمعه) ويقول في الحديث الصحيح عند البخاري: (ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحرَ والحرير والخمر والمعازف) حتى غدت أمتنا أمة الغناء والطرب، لا أمة القرآن، ولا أمة الجهاد والسيف، ثقافتنا الموسيقية والغنائية أعظم من ثقافتنا القرآنية، إذا أريد إجراء مسابقة وطلب من المتسابقين قراءة آية قاموا كلهم يتلفتون: هل فيكم مطوع؟ وأنتم ألستم بمؤمنين؟! ألستم مسلمين؟! أليس القرآن كتابكم؟! ألم يخاطبكم الله به؟!! لكن إذا جيء بعازف العود أو البيانو أو الكمنجة وقالوا له: اعزف طرفاً من أغنية، ثم لمن هذه الأغنية؟ ومن واضع كلماتها؟ ومن ملحنها؟ ومن أداها؟ ارتفعت الأصابع حتى تشق السماء كلها، كل واحد يقول: أنا أنا أنا وماذا رأيت وماذا عرفت؟ ثقافة ضحلة، ما عرفت كتاب الله، إذا سئلوا عن آية أو حديث أو حكم شرعي لا يعرفون، وإذا سئلوا عن هذا الهراء ارتفعت الأصابع، لماذا؟ يعيش أكثر الناس مع الغناء عند النوم، لا ينام إلا على أغنية، يظل يدير الراديو من مكان إلى مكان حتى يجد سهرة الليلة، يسهر مع الشياطين، يسهر مع غضب الله، لا يريد أن يسهر مع الله، لا يريد أن يختم حياته ويومه بذكر الله، ما يدريه لعله أن ينام ولا يستيقظ منها إلا إلى جهنم والعياذ بالله. شابٌ وقع له حادثٌ مروري وقطع بطنه (الدركسون) ووجدوه والسيارة منكوسة، ورأسه مدلى إلى أسفل، ولا يزال في الرمق الأخير لم يمت، ولكن كبده قد انتهى وهو لا زال حياً وإذا بهم يمسكونه وهو مع الشريط يغني ويقول: هل رأى الحب سكارى مثلنا؟!! لا والله ما رأى الحب أفشل ولا أسكر منك، نعم. لا يوجد أسكر منك، يغلق الحب مع أهل الحب والفن. يا أخي في الله! إن هذه الأذن أمانة في رأسك، وهي نعمة من نعم الله عليك، هب أنك -عافاك الله- فقدت هذه الحاسة، وجلست في المجالس مثل الكرتون، يتكلم الناس ويتضاحكون، وتقول أنت: ماذا تقولون؟ قالوا: نحن نتكلم، قال: علموني ماذا تقولون، جاءوا إليه فأخبروه ولكنه قال: لا أدري ماذا تقولون، اكتبوا لي، فأذنك هذه حساسة تسمع كل شيء وهي نعمة من نعم الله عليك عليك أن تتقي الله فيها.

تحكيم أمر الله في اللسان

تحكيم أمر الله في اللسان لسانك جارحة خطيرة فحكم فيها شريعة الله، لا بد أن تحكم أمر الله في لسانك؛ لأن هذا اللسان نعمة من نعم الله: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ} [البلد:8 - 9] وربما شاهدت في حياتك معوقاً لا يتكلم، أو عنده تأتأة أو عجمة لا يتكلم، فإذا أراد أن يتكلم لا يستطيع، وأنت لسانك سهل على الأغاني واللعن والسب والشتم، والغيبة والنميمة، ولو شاء الله لعطل لسانك، لكنه أطلق لك اللسان من أجل أن تقرأ القرآن، وتتعلم السنة، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتدعو إلى الله، وتذكر الله بهذا اللسان؛ لأن اللسان وسيلة هدم سلبية، ووسيلة بناء إيجابية، به يدخل الإنسان النار وبه يدخل الجنة، يقول عليه الصلاة والسلام والحديث في صحيح البخاري: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه أضمن له الجنة) ويقول: (أكثر ما يدخل الناس النار: الفم والفرج) ويقول عليه الصلاة والسلام: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب).

حال الناس مع ألسنتهم

حال الناس مع ألسنتهم كثير من الناس الآن في مجالسهم وفي سمراتهم يتكئون على الأرائك، ويأكلون من النعم، ثم يخوضون في أوامر الله، يغلطون العلماء ويسبونهم، ويتكلمون في أعراضهم ويستهزئون بهم، ويضحكون عليهم، ثم ربما يكون له ولد صالح في بيته فيستهزئ بولده، عنده أربعة أو خمسة (مخنفسين) وواحد مؤمن مهتد طيب، لكن النكتة واللذعة والسخرية بهذا، أنت يا مطوع! تعال يا مطوع! يضحكون عليه، قالوا: هذا مسكين معقد، ولدنا هذا والله إننا خائفون عليه، لأنه مسكين مخرف، كان اجتماعياً، كان مرحاً منبسطاً أليفاً، أما اليوم فمسكين مع المطاوعة يقرأ ويقعد ويذهب في غرفته لوحده، مسكين عقدوه! والله أنت المسكين! والله أنت الضائع. حتى أن بعض الناس يقول: أنا والله لا أريد أن يصبح ولدي متديناً، لماذا؟ قال: أريد أن يصبح متديناً مثلي، وما هو دينك أنت؟ ألك دين عند الله؟ دينك ودينه من عند الله على كتاب الله وسنة رسول الله، وما هو دينك؟ قال: ديني أنا سهل، أنا أصلي في البيت، صحيح أننا نحب الحرام؛ لكن والله قلوبنا طاهرة، نسمع الأغاني التي ليس فيها شيء يا شيخ! ولو سمعناها والله ما كأنها شيء، وننظر إلى النساء ونجلس سوياً، لكن قلوبنا طاهرة، وأيضاً الله غفور رحيم، يريد واحد متفلت من دين الله عز وجل بحجج شيطانية، وبأمانٍ باطلة، وبغرور ومكر من قبل الشيطان والعياذ بالله.

من تحكيم أمر الله في اللسان عدم الخوض في الباطل

من تحكيم أمر الله في اللسان عدم الخوض في الباطل لسانك هذا انتبه منه، لا تخض به في أعراض العلماء، فإن لحوم العلماء والدعاة مسمومة، وعادة الله في الذين ينالون منهم معلومة، انتبه كل شيء إلا هؤلاء، فإن لهم حصانة شرعية، حصانة ربانية، من نال منهم ناله الله: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ * فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} [المطففين:29 - 34] ذاك في طباق جهنم يتقلب مثل الفحمة السوداء، وذاك في درجات الجنة يضحك عليه، وما أتى بك؟: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدثر:42 - 45] هكذا الخوض وهو: الحركة الغير متزنة، والمضطربة، يخوض أكثر الناس الآن حياته مثل الثور في الحلبة، إن جلس مع الطيبين خاض معهم، وإن جلس مع السيئين خاض معهم، ومن حيث يفتح المجلس له القدم السابقة فيه. يا أخي! كن متميزاً بإيمانك، احفظ لسانك فلا تطلقه إلا فيما يحبه الله تبارك وتعالى ويرضاه، واحذر فإن الرجل كما جاء في حديث بلال بن الحارث عند مسلم: (أن رجلاً جاء إلى أخٍ له ينصحه -الرجل هذا صالح وأخوه فاسد- فوجده على معصية، وجاءه مرة أخرى فوجده على معصية فنصحه، ثم جاءه الثالثة فوجده على المعصية فنصحه -لكن رغم أن البواعث حسنة، وأن المقاصد طيبة، وأنه يريد أن يغير منكراً لكن تجاوز الحد- فقال: كل يوم آتيك وأنت على المعاصي، والله لا يغفر الله لك -حلف أن الله لا يغفر لأخيه العاصي، وهذا نوعٌ من التجاوز والتدخل في صلاحيات الله- قال الله عز وجل: من هذا الذي يتألى علي؟ قد غفرت له وأحبطت عملك) إذا كان هذا الرجل الصالح تجاوز الحد رغم أن نيته طيبة وقصده حسن فهذا لا يشفع له، فكيف بمن يتجاوز الحد في حرمات الله، وفي أعراض المسلمين ونيته فاسدة وعمله فاسد؟! يأكل لحوم الناس. كثير من كبار السن الآن أراحهم الله في هذه الحياة، ما عاد معه قليب ولا بئر ولا زبير ولا غنم ولا مزرعة، وإنما يأتيه راتب التقاعد عند سن معين، يقولون: شكر الله لك، خدمت الدولة وقمت بالواجب، وأديت الدور، فالآن خذ راتبك واقعد، تفرغ لعبادة خالقك ومولاك، واقطف آخر ثمرات حياتك فيما يرضي الله، لكن من الناس من يتفرغ للمعاصي، تجده يؤذي أهل بيته، يقعد مثل (الرادار) على امرأته وأطفاله، كلما انكسر فنجان أو انفتح باب، أو أضيئت لمبة، أو انفك صنبور، قام يضارب، لطم المرأة، وضرب الولد، وصاح، قالوا: الله أكبر عليك، يوم كنت في الوظيفة كنا لا نراك إلا ضيفاً، أما الآن نكدت علينا، فمن يوم تقاعدت ما عاد معك أوامر إلا علينا؛ لأنه يمكن كان آمراً أو مسئولاً أو ضابطاً أو غيره، وكان يأمر وينهى، الآن لا يأمر وينهى إلا المرأة والأولاد. وبعضهم تخصص في الغيبة، يجلس باستمرار من بيت فلان إلى فلان، ويفعل له متكأً على بابه: وتعال يا فلان! نجلس قليلاً، وجلس هو وإياه، ماذا قال فلان؟ وماذا فعل فلان؟ فلان طويل وفلان عريض وفلان متين وفلان سخيف وفلان مسواك وفلان شبرين وفلان أبو أرجل طويلة وفلان الأعور وجلس يأكل ويشرح ويقطع ويحضر من لحوم المسلمين. وبعضهم يغتاب وينم ويكذب -والعياذ بالله- وقال لي شخص: إن رجلاً بلغ من العمر ستين سنة، وأحيل قبل عشر سنوات ولكنه الآن متخصص، يقول: والله ما معه عمل منذ أن يخرج من غرفته إلا على الفيديو والدخان، حتى -والعياذ بالله- ساءت صحته من كثرة التدخين، وحتى نشفت عيونه، يقول ولده: والله إني أقوم أصلي صلاة الفجر، وإني أمر عليه في غرفته وهو لا يزال ساهراً على الأفلام، وأرجع من الصلاة وقد حط رأسه لينام إلى المغرب، وهكذا لا إله إلا الله! فيا عبد الله: اتقِ الله في لسانك وحكم شريعة الله فيه، لا تتكلم بكلمة إلا بعد أن تزنها بميزان الشرع، فإن كانت ترضي الله فقلها، وإن كانت تغضب الله فردها، وماذا عليك؟ لماذا تُخرج شيئاً يضرك، أما تعلم أن المرء مخبوءٌ تحت لسانه (لسانك حصانك إن صنته صانك وإن أهنته أهانك) يقول: احذر لسانك أيها الإنسان لا يلدغنك إنه ثعبانُ كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تهاب لقاءه الأقرانُ وفي الحديث: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).

تحكيم أمر الله في الفرج

تحكيم أمر الله في الفرج

الفرج وسيلة تدمير وتعمير

الفرج وسيلة تدمير وتعمير الفرج وسيلة من وسائل التدمير، أو من وسائل التعمير، إن استغلها الإنسان في الحلال، وصرف هذه الشهوة فيما يرضي الله، في زوجةٍ حلال؛ كان هذا العمل طاعة لله، قال عليه الصلاة والسلام: (وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له عليها أجر؟ قال: نعم. أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر، كذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر) فلك أجر إذا أتيت زوجتك، وحصنتها وعفيتها، وحصنت نفسك، وعفيت نفسك، وابتغيت الولد، وحصل النسل الذي يكاثر بهم النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، ولكن إذا عطلت الزواج وذهبت في الزنا والحرام -والعياذ بالله- أهلكت نفسك وأفسدت حياتك؛ لأن الزنا موبقة وكبيرة، يقول الله عز وجل: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] ويقول في الحديث: (ما عصي الله بذنبٍ بعد الشرك أعظم من نطفة يضعها الرجل في فرجٍ لا يحل له) وفي الأثر: (من زنى بامرأة في الدنيا كان عليه وعليها في القبر نصف عذاب هذه الأمة) وفي الحديث: (أن الزناة والزواني يعذبون في النار في تنور أعلاه ضيق وأسفله واسع) والحديث في البخاري من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه وأيضاً ورد في الأثر: (أن الزناة والزواني يعلقون في النار بفروجهم يوم القيامة) موطن لذة وبسطة الآن، لكن تعلق بكلوب بفرجك أيها الزاني! إلى السماء والعياذ بالله. وجاء في الأثر: (إن الزاني يوقف بين يدي الله يوم القيامة فيقول الله له: أزنيت؟ قال: لا يا ربِّ) -وينكر يظن أنه عند الهيئة أو عند القاضي، ما علم أنه عند ملك الملوك وجبار السماوات والأرض، عند من لا تخفى عليه خافية- فيقول الله: (ألا يرضيك أن نقيم عليك عشرة شهود: قال: بلى يا رب! رضيت، فيختم الله على لسانه وتبدأ الجوارح تشهد، فيقول اللسان: أنا للحرام نطقت، والعين تقول: وأنا نظرت، والأذن تقول: وأنا سمعت، واليد تقول: وأنا بطشت، والرجل يقول: وأنا سعيت، والفخذ يقول: وأنا حضرت، والفرج يقول: وأنا عملت، والأرض تقول: وأنا حملت، والملائكة تقول: وأنا اطلعت، والله عز وجل يقول: وأنا سترت) سترناك لعلك تتوب، وأمهلناك لكن لا زال كثير من الناس يتمادى.

من تحكيم أمر الله: منع الفرج عن الحرام

من تحكيم أمر الله: منع الفرج عن الحرام بعض كبار السن يأتي الشيطان ليقبله في جبينه، ويقول: فديت وجهاً لا يفلح أبداً، شيخ كبير في السن ويقطع تذكرة ويخرج خارج المملكة ويترك زوجته وأولاده ويذهب إلى بانكوك وغيرها من الدول من أجل أن يأتي من هناك بنمرة واستمارة على جهنم والعياذ بالله! قد توج نفسه بغضب الله ولعنته وسخطه في الدنيا الآخرة، الزنا موبقة، الزنا مهلكة -والعياذ بالله- اتق الله يا عبد الله! اتق الله في فرجك، فلا تزن به، ولا تمارس به جريمة أخرى أعظم من الزنا وهي جريمة اللواط التي يقول الله فيها: {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:80] لا يوجد أحد يعملها حتى الحمير والكلاب والقردة والخنازير لا تفعلها، ما رأينا في حياتنا كلباً يركب كلباً، ولا حماراً يركب حماراً، ولا قرداً يركب قرداً، إنما تمارس هذه الأشياء في الذكور والإناث أما الحيوانات البشرية إذا تمردت على الله، وتحكم فيها الشيطان رأينا من يفعل هذا -والعياذ بالله- ولهذا عاقب الله أمة عملت هذا العمل بأن أرسل عليهم الملائكة، فغرس جبريل جناحه حتى بلغت تخوم الأرض، ثم قلب الأرض كلها، أربع مدن، وكل مدينة فيها (مائة ألف نسمة) بجبالهم وأشجارهم وبيوتهم ودوابهم حتى سمعت الملائكة في السماء عواء كلابهم ومواء قططهم، قال الله: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} [الحجر:74] {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:82 - 83]. كذلك شهوة الفرج يقحمك الشيطان في جريمة أخرى وهي جريمة العادة السرية المسماة عند الناس بهذا الاسم، واسمها في الشرع باسم: نكاح اليد، ونكاح اليد محرم؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون:5 - 6] أي: الأمة المملوكة {فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون:6 - 7] وفي الحديث في الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للطرف وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء) ولم يقل: فعليه بيده، يقول بعض أهل العلم: إن نكاح اليد والعادة السرية أشد حرمة من الزنا واللواط؛ لأن الزنا واللواط قد لا يتيسر للإنسان، أما يده التي يعمل بها فإنها معه في كل وقت، وبعض الناس ما شغلته إلا يده والعياذ بالله، فيعطل حياته ويغضب ربه، خلقك الله إنساناً سوياً فأصبحت كالحيوان البهيمي. شهوة الفرج شهوة عارمة طاغية، وعليك أن تتقي الله، وأن تعتصم بالله، لا تنظر إلى الحرام، لا تسمع الحرام، لا تقرأ القصص الغرامية، لا تعاكس في الهاتف، لا تجر على نفسك شيئاً يشعل فيك هذه الشهوة، بل اقرأ كلام الله وسنة رسول الله، قم في الليل وصل، اذكر الله، اعتصم بالله: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران:101].

تحكيم أمر الله في البطن

تحكيم أمر الله في البطن شهوة البطن أوجدها الله في الإنسان لبقاء الجنس، من أجل أن يعيش الناس، إذ لو لم يأكل لمات، ولكن الشيطان أوقع الناس في الشرور والآثام عن طريق الأكل الحرام، كثير من الناس يريد أن يكون صاحب ثراء وملك وأرض ومزرعة وسيارة عن طريق الحرام، فيأكل الحرام إما بالرشوة، أو الربا، أو السرقة، أو الكذب، أو الاحتيال والعياذ بالله، حتى يكون ثرياً ولكن من الحرام، يثري هنا، ويرفع أرصدته هنا، ولكنه يخسر هناك، وينقص رصيده عند الله حتى يكون مغضوباً عليه في نار جهنم. فيا عبد الله: اقنع بالحلال، والله لدرهم حلال أعظم من مليون حرام؛ لأن: (كل جسمٍ نبت من سحت فالنار أولى به) والشيطان إذا رأى الشاب يتعبد قال لأعوانه وزبانيته من الجن: انظروا مطعمه ومشربه، فإن كان مطعم سوء أو مشرب سوء فدعوه فقد كفاكم شر نفسه، يقول: دعوه يصلي ويصوم ما دام يأكل حراماً، والحديث -كما تعرفون- في الصحيح، يقول عليه الصلاة والسلام: (رب رجل أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء وهو في سفر: يا رب! يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يُستجاب له؟!) كيف يستجيب الله لك ورصيدك مرتفع في البنوك الربوية؟ كيف يستجيب الله لك وأنت تأكل راتبك حراماً؛ لأنك لا تعمل، لا تأتي الدوام إلا الساعة التاسعة، وتخرج الساعة واحدة، وجالس على الطاولة في مكالمات وقراءة الصحف والشاي والفطور والحكايات، وأعمال العباد متراكمة على طاولتك، ومصالح المسلمين عندك، وكلما جاء مراجع، قال: تعال لي غداً، (غداً) عندك سهلة لكنها عند المراجع كأنها سنة، خاصة عندما يأتي والمكان بعيد. فيا أخي! اتق الله وكُلْ حلالاً، يجب أن تكون محافظاً على الدوام، ولا تتأخر إلا بعذر شرعي، وبإذنٍ من ولي أمرك، من المسئول عنك، رئيس قسمك، أو مديرك أو رئيس وحدتك، أو قائدك، يجب أن تلتزم حتى يكون لمالك طعماً تأكله ويكون فيه بركة، اتق الله في هذه الأمور، وحكِّمْ شريعة الله في هذه الأمور: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:44]. ألا وصلوا على خير خلق الله محمد بن عبد الله، فقد أمركم بذلك مولاكم فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم انصر الإسلام والمسلمين، ودمر اليهود والكفرة والملحدين وأعداء الدين، اللهم أنزل عليهم بأسك الشديد، وعذابك الأكيد، فإنهم لا يعجزونك، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم احفظ علينا أمننا ونعمتنا وطمأنينتنا واستقرارنا، اللهم من أرادنا في هذه الديار، أو في غيرها من ديار المسلمين بسوءٍ أو شرٍ أو كيدٍ أو مكرٍ فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره، وأنزل عليه بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم نوَّر على أهل القبور قبورهم، اللهم اغفر للأحياء ويسر لهم أمورهم، اللهم فرج هم المكروبين، اللهم اشف مرضى المسلمين، واقض الدين عن المدينين، وعاف جميع المسلمين وسهل عودة المغتربين والغائبين برحمتك يا أرحم الراحمين! عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعضكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

الأعداء الأربعة

الأعداء الأربعة إن الإنسان في هذه الدنيا في صراع دائم ومعاناة وابتلاء، ولعل أهم أبواب هذا الصراع: صراعه مع أربعة أعداء، فأولهم وأكبرهم وأشدهم عليه الشيطان الرجيم، الذي تتمثل وظيفته في الحياة في إضلال الإنسان بأساليبه المختلفة، ثم تأتي بعد ذلك الدنيا وما فيها من البلايا التي قد تضل الكثير، ثم النفس التي بين الجنبين النفس الأمّارة بالسوء والتي لا تدل على خير أبداً، ورابع أعداء الإنسان الهوى، وما أدراك ما الهوى! نسأل الله أن ينصرنا على أعدائنا

الإنسان وصراعه في الحياة

الإنسان وصراعه في الحياة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الأحبة في الله! يعيش الإنسان في هذه الحياة في صراع دائم، وفي معركة مستمرة، وفي معاناة، وفي تعب، يقول ربنا عز وجل: {يَا أَيُّهَا الإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6]. ويقول عز وجل: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4] أي: تعب، ونكد، ومعاناة. وهذا الصراع والمعترك هو مقتضى الابتلاء الذي يمحص الله به بين المؤمنين والمنافقين، وبين الصادقين والكاذبين، وبين المدعين للدعوة التي لا تثبتها أدلة ولا براهين، وبين الصادقين الذين يدعون ويبرهنون على صدق دعواهم، فجاءت هذه الامتحانات، وجاء هذا الصراع، وجاءت هذه المعارك. وفَهْمُ الإنسان لهذه الحقائق يجعله يستشعر أهمية دوره في الصراع، ويهيئ نفسه للمواجهة، ويعرف أنه مطلوب منه ألا يقف مكتوف الأيدي أمام أولئك الأعداء، بل ينبغي له أن يواجه ويثبت ويصبر ويرابط، حتى تأتي ساعة النصر وهي ساعة دخول الجنة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المنتصرين فيها. يقول ربنا عز وجل: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران:185] هذا هو الفوز، وهذا هو النصر: {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185] إذا دعيت باسمك، ويسمعك أهل الموقف، ويقال لك: ألا إن فلان بن فلان قد سَعُد سعادة لا يشقى بعدها أبداً؛ سيَبْيَضُّ وجهُك؛ وتأخذ كتابك بيمينك؛ وتباهي بهذه الشهادة الربانية وبهذا الكتاب المليء بالحسنات، وتقول لأهل الموقف: {هَاؤُمُ اقْرَءوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة:19 - 20] ويقول الله عز وجل: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة:21] بدلاً عن عيشة الدنيا التي هي عيشة تعب ومعاناة ومكابدة وبلاء، وعيشة صبر على طاعة الله وعن معصية الله وعلى أقدار الله، يقول الله مخبراً عن أهل الجنة: {إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور:26 - 28]. فأهل الإيمان وأهل التصديق الذين خافوا الله في هذه الحياة، والذين رابطوا على حدود الشرع، والذين واجهوا الأعداء المتربصين بالنفس البشرية، وقاموا بالمرابطة عليها حتى ماتوا، يوم القيامة توضع عنهم هذه الأحمال، ويقول الإنسان: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ} [الحاقة:20]. فيقول الله: {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:21 - 24]، جزاءُ بدلٍ وتعويض، أتضيع أعمالك هنا؟! أتريدها أن تضيع؟! لا والله، وذاك المضيِّع المتسيِّب، الضال الضائع الذي انغمس في شهواته وسيطرت عليه شبهاته هل يضيع؟! لا، لا بد له من يوم، يقول الله عز وجل: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [الجاثية:21 - 22]. فهذه المعارك الضارية والصراعات الطاحنة تدور في عدة جبهات مع النفس والإنسان؛ ولكن أبرز هذه المعارك تدور مع أربعة أعداء، جاء خبرهم في كتاب الله عز وجل، وإلا فالأعداء كثيرون؛ لكنهم يندرجون في النهاية تحت هؤلاء الأعداء الأربعة:

العدو الأول: الشيطان

العدو الأول: الشيطان أول عدو وأبرز وأشر عدو: الشيطان أعاذنا الله وإياكم منه: أخبرنا الله عز وجل عن عداوته في القرآن الكريم: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} [النساء:122] {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} [النساء:87]؟! يقول الله عز وجل: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً} [فاطر:6] لماذا؟! قال: {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:6]. ويقول الله عز وجل: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس:60]. ويقول لآدم: {إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ} [طه:117] انتبه! {إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} [طه:117] وحصل ما حذر الله عز وجل آدمَ منه؛ لأن إبليس وسوس وأخرج أبانا آدم من الجنة، وحصل له الشقاء؛ لكنه تاب وعاد فتاب الله عليه وهداه.

عداوة الشيطان للإنسان قديمة قدم الحياة

عداوة الشيطان للإنسان قديمة قِدَم الحياة هذا العدو اللدود عداوته قديمة قِدَم الحياة، فمنذ بدء الخليقة قص الله عز وجل في القرآن الكريم خبر إبليس وآدم عليه السلام، وقصها في عدة مواضع من السور، وجاءت بأشكال وبعدة نماذج في العروض، وكل خبر يأتي بصيغة، من أجل التنويع والترغيب والتشويق في قضية سماع هذه الأخبار؛ لكن في سورة الأعراف جاءت القصة كاملة مستكملة للخبر من أول ما حصل إلى آخر شيء. وقص الله علينا خبراً بأنه اقتضت حكمته خَلْق آدم، وقال للملائكة: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص:71 - 72]. فالملائكة استجابوا لأمر الله وسجدوا؛ ولكن إبليس رفض أمر الله عز وجل واعترض عليه وقال: لِمَ أسجد لهذا وأنا أفضل منه؟! {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:12] وظن إبليس أن النار أفضل من الطين، وهذا ظن خاطئ وزعم كاذب؛ فإن النار وسيلة إحراق وتدمير، والطين وسيلة حياة وتعمير، فالطين أفضل بملايين المرات من النار، فطينة آدم أفضل من طينة الشيطان؛ فقال الشيطان: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} [الإسراء:61] {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [ص:76]. فالله عز وجل قال له: {فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [ص:77 - 78].

أثر الذنوب والمعاصي على الإنسان

أثر الذنوب والمعاصي على الإنسان يقول ابن القيم رحمه الله: يا قليل العزم! أُخْرِجَ أبوك آدم من الجنة بذنب، وطُرِدَ إبليس ولُعِنَ بذنب، وأنت عند الباب، وما زلت في الخلاء ومعك مائة ذنب، فكيف تريد أن تصل؟! لا إله إلا الله! ويقول: يا قليل العقل والعزم! الطريق شاق، ناحَ فيه نوح، وذُبِحَ فيه يحيى، وأُلْقِي في النار إبراهيم، وشُجَّ فيه وجه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقُتِل فيه الشهداء، وأنت تريد الجنة وأنت راقد على فراشك بدون تعب! {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا} [البقرة:214] حتى الرسول نفسه كاد أن يشك: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214]. هذا ابتلاء، والذي يظن أنه يمكن له أن يتجاوز الطريق من غير ابتلاء فظنه خاطئ، يقول الله تعالى: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:1 - 2] أي: أيظن الناس أن يتركوا لهذه الدعوة دون امتحان؟! فهذا مناهض لسنة الله: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:3] أما تدري أن الأوامر الشرعية جزء من الابتلاء؟! اختبرنا الله بالأوامر الشرعية، وقد ابتلاك الله بخمس صلوات، ومنها صلاة في أحسن وقت للنوم؛ وقت الفجر، ابتلاك الله لكي يعلم هل أنت صادق فتقوم لتصلي، أم كاذب فتنام، ولهذا كانت صلاة الفجر أثقل الصلوات على المنافقين. ويقول أحد العلماء: إن صلاة الفجر هي مقياس الإيمان، فإذا أردت أن تعرف درجة إيمانك فاسأل نفسك عن صلاة الفجر، فإن كنت من أهلها بانتظام والتزام فاعلم أنك مؤمن، وإن كنت بعيداً نائماًَ عن صلاة الفجر، فاعلم أنك منافق والحديث في الصحيحين. منافق لماذا؟! لأنه ما وجد عنده صدق مع الله، وقد يدَّعي أنه سهران، أو أنه تعبان، أو لا يستطيع القيام، كل هذه أعذار واهية؛ لكن لو قيل له: يوزع في المسجد ألف ريال يومياً في الصباح، ومن صلى جماعة في المسجد فله ألف ريال، والله لتقاتلوا على مائة، أما الألف فهي كثيرة، ولو قيل: صدر أمر أن من صلى الجماعة في المسجد كان له مائة ريال، سواءً كان كبيراً أو صغيراً، ذكراً أو أنثى، فوالله ليناموا في المساجد، وليأتين بعضهم في نصف الليل، ولتقاتلوا على الصف الأول، لماذا؟! لأنها مائة ريال، أيْقَنَّا بقيمة المال، ودخل حب المال في قلوب الناس، فيأتون من أجله؛ لكن يوم أن يسمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (بشر المشائين في الظُّلَم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة) فإنه لن يأتي إلا أهل الإيمان -اللهم اجعلنا وإياكم منهم- أما الذي في قلبه مرض ما الذي سيوقظه؟! إيمانه ضعيف ومريض لا يستطيع أن يقوم لصلاة الفجر؛ لأن الشيطان يبول في أذنيه. فالأوامر الشرعية جزء من الابتلاء، ابتلانا الله بالصلوات والصيام: وهو حبس النفس عن الشهوات في أيام رمضان، وبالحج والزكاة: وهي الاستعلاء على المال وإخراجه. وبالجهاد في سبيل الله، هذه كلها ابتلاءات وامتحانات. ابتلانا الله عز وجل بالنواهي والمحرمات رغم أنها محببة إلى النفوس، حرم الزنا، والنفس تميل إليه، حرم الخمر والربا، حرم جميع المنكرات، ابتلاء واختبار لنا. ابتلاك الله بالأقدار، فالقدر خيره وشره كله من الله عز وجل، وقد يبدو القدر شراً عندك، لكنه عند الله خيراً: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19]. هذا البلاء هو سنة الله في الكون، قال تعالى: {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً} [الأحزاب:62].

أساليب الشيطان في إضلال الإنسان

أساليب الشيطان في إضلال الإنسان تبدأ الصراعات مع العدو اللدود، العدو الأول: الشيطان. وسوف أذكر لكم الآيات التي وردت في سورة الأعراف كاملة ليتبين لك وجه عداوة الشيطان! وكيف يأتيكَ! وما هو أسلوبه في إضلال الإنسان! يقول ربنا عز وجل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الأعراف:11]. ولهذا انظروا إلى الطائعين وانظروا إلى العصاة، فالملائكة كلهم أطاعوا وسجدوا فماذا حصل لهم بطاعتهم؟! مكثوا ملائكة مقربين يسبحون له الليل والنهار لا يفترون. إبليس كان من طائفة من طوائف الملائكة اسمها: طائفة الجن، لم يسجد، وعصى، ماذا حصل له؟! الطرد والإبعاد، واللعنة والعذاب، والدمار إلى أبد الآبدين. وهكذا الطائع في الدنيا من بني آدم له القربى والزلفى، والحب والتوفيق، والهداية والولاية، وكل خير في الدنيا والآخرة. والعاصي ماذا يجد؟! الغضب والطرد، واللعن والتدمير في الدنيا والآخرة. فعاقبة الطاعة في صالح الإنسان على كل الاتجاهات، وعاقبة المعصية ضدك أيها الإنسان في كل الأحوال، يقول الله عز وجل: {فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الأعراف:11]. يقول المفسرون: إن الله عز وجل لم يطرد إبليس لمجرد أنه لم يسجد، فعندما قال له: اسجد، فأبى لم يطرده مباشرة وقال: اخرج؛ لأنك ما سجدت؛ ولكن الله سأله وهو يعلم ليقرره على فعله: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ} [الأعراف:12] ما الذي منعك من السجود مع الملائكة؟ {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:12]، يقول العلماء: إن هذا -كما يسمونه- الكفر الإبليسي، وهو تخطئة الرب، وتصويب العبد، أي: كأن إبليس يقول: إن أمرك يا رب أمر غير صحيح؛ لأنك تأمرني وأنا الفاضل بالسجود للمفضول. وهذا غلط، فالله عز وجل لما خطأه إبليس؛ قال له عز وجل: {فَاهْبِطْ مِنْهَا} [الأعراف:13] مباشرةً: {فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} [الأعراف:13]. {قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} [الأعراف:14 - 15] انظروا الانتقام والعداوة والحسد: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي} [الأعراف:16] يقول: ما دمت أغويتني وأخرجتني من الجنة، وكتبت عليَّ اللعنة، من أجل هذا سأريك في ذرية آدم: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف:16] يقول: أنا سأخرج؛ ولكن سأقعد لهم على الطريق، أي: على طريق الإسلام والدين، وما قال: سأقعد لهم على طريق الضلال، لا؛ لأن أهل الضلال قد أصبحوا صَحْبَه معه، مقيدين له، ولهذا الذي يزني، هل يأتيه الشيطان ويقول له: لا تزنِ، هذا عيب عليك وحرام؟! لا. بل يقول: امشِ يا رجل! اليوم دنيا وغداً آخرة، كذلك الذي يشرب الخمر، والذي يعمل أي جريمة، لا يأتي الشيطان إليه ليحاول أن يرده عنها؛ لكن الذي يصلي يثقل الشيطان عليه الصلاة، والذي يزكي يعظم عليه الزكاة، والذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يخوفه الشيطان، لماذا؟! لأن هذا من أعمال أهل صراط الله المستقيم، والشيطان قاعد عليه: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ} [الأعراف:16 - 17] انظروا من أين يأتي الشيطان! أعوذ بالله! {لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} [الأعراف:17] أي: من الأمام {وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} [الأعراف:17] محاصَرة من جميع الطرق والاتجاهات، من أمامك الشيطان يوسوس، ومن ورائك الشيطان يوسوس ويدفع، وعن يمينك شيطان، وعن يسارك شيطان، إذاً أين تذهب؟! إلى الله، وما قال إبليس: ومن فوقهم؟! لا يستطيع، ولهذا قال الله: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ} [الذاريات:50] أي: إذا حاربك الشيطان من كل اتجاه وما استطعت عليه ففر إلى الله، يقول الله عز وجل في شأن الشيطان: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر:42]. وقال عز وجل: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل:99 - 100]. فبين الله عز وجل أن الشيطان قال: {لَآتِيَنَّهُمْ} [الأعراف:17]، وهذا الكلام مؤكد بعدة مؤكدات: بلام التوكيد وبنون التوكيد المثقلة المشدودة. {مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف:17] يقول: يا ربِّ! هؤلاء الذين أخرجتني بسببهم سوف أضلهم، وأستحوذ على أكثرهم، ولن تجد أكثرهم من الشاكرين، قال تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} [سبأ:20] أي: أنهم صدقوا ظن إبليس فيهم: {فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سبأ:20]. قال الله عز وجل: {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف:18] كأنه يتحدى الله ويقول: سوف أُرِيك فيهم! قال: اخرج، والذي يتبعك أنت وهم: {لَأَمْلَأَنَّ} [الأعراف:18] آخذكم كلكم في جهنم، الشيطان ومن تبعه، ليس هناك تحدٍّ، اذهب فأنا سأرسل لهم وسأنبههم وأخبرهم، ولكن إذا لم يريدوا إلا أن يتبعوا الشيطان فجهنم مستودع ومثوى الجميع من الشياطين وأتباعهم، وانظروا مبدأ التحدي هنا، يقول الله عز وجل لإبليس حين قال: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ} [الأعراف:16]، و {لَآتِيَنَّهُمْ} [الأعراف:17]، قال عز وجل: {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف:18].

أسلوب الشيطان في وسوسته لآدم في الجنة

أسلوب الشيطان في وسوسته لآدم في الجنة ثم جاءت وسائل الحماية لآدم والرحمة، واتجه الله بالخطاب إلى آدم فقال له: {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأعراف:19]، وفي هذا إيحاء وتلميح كأنه يقول: يا آدم! إذا كنت تريد أن تخرج من الجنة من أجل الطمع، فما تطمع فيه وترغبه موجود في الجنة: {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأعراف:19]. {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ} [الأعراف:20] جاء الشيطان إليهما من الباب الذي يعرف أنه سوف يصطادهما؛ ولأن آدم ليس من أهل الجنة بالأصالة وإنما هو بالتبعية، وليس مخلوقاً من الجنة، بل هو مخلوق من الطين من الأرض، والله وضعه في الجنة، فخاف آدم أن يخرج من الجنة؛ لأنه ليس من أهلها، فجاء الشيطان من هذا الطريق وقال له: {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ} [الأعراف:20] أي: من الملائكة، {أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف:20] تريد أن تكون من الملائكة يا آدم! وتريد أن تكون من الناس الذين هم مخلدون في الجنة؟! قال: نعم. قال: إذاًَ السبب هذه الشجرة، لو أكلت منها ستصير من الملائكة ومن المخلدين. وهل صدق إبليس في هذا الكلام؟! هذه الشجرة من أكل منها يخرج من الجنة، يقول: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى} [طه:120] وهي شجرة الخروج من الجنة، ولهذا إبليس يزين الباطل للناس، ويقدمه في صورة حق، يجعل الباطلَ حَقَّاً، ويجعل الأسودَ أبيض، ويجعل الظلامَ نوراً، والكفرَ تَحَرُّراً، ويجعل العُرْيَ والتَّفَسُّخَ انطلاقاً، ويجعل الغناء فنَّاً، ويجعل الخمرَ مشروباتٍ روحيةً، ويجعل الربا فوائدَ وعوائدَ بنكيةً، يغير القضايا والمسميات، ويقدم الشرور بقوالب حتى تنطلي على الناس، هذا وحي إبليس، ولهذا الشيطان لو جاء إلى آدم وقال له: يا آدم! إذا أكلت من هذه الشجرة ستخرج من الجنة معي، فهل يأكل منها آدمُ؟! لا؛ لكنه جاءه من طريق الإضلال، قال عز وجل: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف:20] وبعد ذلك دعَّم هذا بقسمٍ فقال: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:21] وكذب والله من أنه ناصح، ويحلف بالله، ولهذا دائماً الذي يريد أن يضلك تراه يضحك عليك ويكذب ويحلف جيداًَ ويقول: إني والله في مصلحتك، دعنا نروِّج المخدرات، صفقة واحدة من المخدرات تغنيك طيلة حياتك عن وظيفتك، ويحلف بالله أنه في مصلحتك، وتُقِرُّ وإذا برأسك قد أصبح يرفرف! هذه هي مصلحتك! أي مصلحة بعدما يُقْطَعُ رأسُك أيها الإنسان إذا هرَّبتَ أو روَّجت؟! هذه مصيبة؛ لكن من الذي يضل الناس بهذه الأساليب؟ الشيطان وأتباع الشيطان من الإنس والجن: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:21] ثم قال عز وجل: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} [الأعراف:22] أي: أسقطهما وأوقعهما في أكل الشجرة بالغرور، أي: بالكيد والمكر: {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ} [الأعراف:22] وكلُّ شجرِ الجنة ما يأكله الإنسانُ منها ليس له فضلات إلا العرق، إلا هذه الشجرة من يأكلها لا بد أن يخرج فضلات، والجنة ليس فيها مكان للفضلات، ليس هناك حمامات في الجنة، فلما أكلا من الشجرة مباشرة خلق الله لهما السوأتان، ولما خُلِقَت السوأة كان لا بد أن يستتروا! أين يذهبون ليستتروا؟! لا يوجد شيء يستتروا به، رجعوا إلى أوراق الجنة، قال عز وجل: {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا} [الأعراف:22] أي: قاما مباشرة واستعجلا: {يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} [الأعراف:22] وفي هذه اللحظات ناداهما الله: {وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ * قَالا} [الأعراف:22 - 23] هذه هي الكلمات التي يقول الله عنها: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} [البقرة:37] هذه هي الكلمات التي تلقاها من الله: {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعراف:23]. أما إبليس {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي} [الحجر:36] يتحدى، عندما قال الله: {فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} [الحجر:34] قال: أنْظِرْنِي إذاًَ، ولا تمتني {قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} [الحجر:37]. أما آدم عليه السلام فلا، لما أخرجه الله قال: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعراف:23]. ولهذا أنت إذا عصيتَ وأخطأتَ وقصرتَ قل: {رَبِّ اغْفِرْ لِي} [الأعراف:151] لكن أن تعصي وتذنب، وتقول: لا. أنا طيب، وأحسن من غيري. فهذه مقالة إبليس، لا بد أن تصلح وضعك مع ربك، ولا تعصيه؛ لأن الله عز وجل يقول: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [النساء:115] أي: نتركه {وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:115]. فآدم عليه السلام قال: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعراف:23] أي: خالفنا أمرك، ووقعنا في معصيتك: {ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [الأعراف:23 - 24]. ثم قال الله عز وجل: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ} [فاطر:6] إلى آخر الآية.

كيف تجعل من نفسك عدوا للشيطان

كيف تجعل من نفسك عدواً للشيطان إن مقتضى العداوة مع الشيطان ما دُمْنا عرفنا هذا التاريخ الحافل بالمكر والدهاء، فلا نطيع الشيطان؛ لأنه عدوك هل تتصور أنه يدلك إلى الخير؟ إذا تصورت أن عدوك من الممكن أن يدلك إلى الخير أو يدعوك إلى الخير فأنت لا عقل لك أبداً؛ لأن هذا عدوك، والعدو يكيد المكائد، ويبرم الحبال، ويخطط لتدميرك، عدوٌّ هذا، كيف تتصور أنه يدلك على خير؟! فإذا اتخذت الشيطان صديقاً وهو عدو دمَّرَك، ولهذا يقول الله عز وجل: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً} [الكهف:50] كيف تتخذ الشيطان صديقاً واللهُ قد حذرك من عداوته؟! قد يقول قائل: متى اتخذتُه صديقاً؟! أنا لستُ صديقاً للشيطان! نقول له: المعيار في يدك، لتعلم أنك صديق للشيطان أو عدو له؛ فإذا أطعته فأنت صديقه، وإذا عصيته فأنت عدوه، وكيف تعرف هذا؟ تعرف أن أوامر الله هي مكاره الشيطان، ونواهي الله هي محاب الشيطان، أي: كل أمر لله عكسه نهي للشيطان، وكل نهي لله أمر للشيطان. نهاك الله عن الزنا، والشيطان يأمر بالزنا ويأمر بالفحشاء. نهاك الله عن الخمر والشيطان يأمرك به. أمرك الله بالصلاة، والصلاة لا يريدها الشيطان. أمرك الله بالقرآن، والقرآن لا يريده الشيطان. أمرك الله بالجهاد، والشيطان لا يريد الجهاد. إذاً: كل أمر لله إذا قمتَ به، وكل نهي لله إذا انتهيتَ عنه فاعلم أنك اتخذت الشيطان عدواً. أما إذا ضيعت أوامر الله ووقعت فيما حرم الله، فاعلم أنك اتخذت الشيطان ولياً من دون الله؛ لأنك أطعته وعصيت الله: يأمرك الله فلا تطيعه، ويأمرك الشيطان فتطيعه! يأمرك الله بالقرآن فلا تسمعه، ويأمرك الشيطان بالأغاني فتسمعها! يأمرك الله بالصلاة فلا تقوم، ويأمرك الشيطان بالمنام فتنام! يأمرك الله بالبيع الحلال فلا ترضى به، ويأمرك الشيطان بالربا فترضى به. يأمرك الله بالزواج فلا تتزوج، ويأمرك الشيطان بالزنا فتقع فيه. هذه أوامر الله، وتلك أوامر الشيطان أين أنت؟ وفي أي ميدان أنت؟ هل أنت مع أوامر الله وعند نواهيه فلا تعمل شيئاً؟ إذاً: فأنت اتخذت الشيطان عدواًَ، وهذه سمة وكرامة لك أن تكون عدواً للشيطان. أما إذا وقعت في الأخرى؛ أوامر الله ضيعتَها -أيها الإنسان- والنواهي وقعت فيها، فالبعيد صديق الشيطان وهو لا يدري، بل عبد للشيطان وهو لا يدري، يقول تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس:60]. إذاً مقتضى العداوة أن تجند نفسك لمحاربة الشيطان. قد يقول قائل من الناس: وما أدراني أن الشيطان هو الذي يأمرني أو ينهاني؟! نعطيك مثالاً من الشرع، يقول عليه الصلاة والسلام: (إن للملَك لَمَّة، وإن للشيطان لَمَّة -أي: إيعاز، أمر- فلَمَّة الشيطان إيعاز بالشر، وتوهين عن الخير -تضعيف وتخذيل- ولَمَّة الملك إيعاز بالخير، وتخذيل عن الشر) فأي إيحاء تشعر به في نفسك، وأن فيه معصية لله فإنه مِن الشيطان. مثلاً: أذن المؤذن وأنت نائم على الفراش، فسمعتَ المؤذن، ولِمَن يؤذن المؤذن؟! للبقر، أم للحيوانات، أم للجبال؟! يؤذن لك: حي على الصلاة، أي: أنت يا مسلم قم فصلِّ، في تلك اللحظات يحصل صراع في داخل نفسك بين أن تقوم أو تنام، فإن نمت فهذا مِمَّن؟! مِن الشيطان، والقيام من الله. فمع من أنت؟! فإن كنتَ قلتَ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، واستعذت بالله، وقمت، فقد أعانك الله. وإن قلتَ: لا يزال الوقت متسعاً، فقد أطعت الشيطان، وركب الشيطان على رقبتك، وقال: نَمْ، عليك ليل طويل، إلى أن تفوت الصلاة، فإذا فاتت الصلاة بال الشيطان في أذنك. (سئل النبي صلى الله عليه وسلم: عن رجل ينام الليل ولا يقوم لصلاة الفجر، قال: ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه) وقس على هذا كل أوامر الله، أي شيء تريد أن تنفذه من أوامر الله، وتجد في نفسك تردداً عنه فاعلم أن الشيطان هو الذي ردَّدك، وأي شيء من المحرمات والمعاصي تجد في نفسك تشويقاً ودفعاً إليها فاعلم أنه من الشيطان. إذاً ماذا تفعل؟! عامله بنقيض قصده: إذا خذَّلك عن الصلاة، قُمْ فصَلِّ. إذا قال: لا تقرأ القرآن، اقرأ القرآن. إذا قال: لا تذهب إلى حلقة العلم، اذهب إلى حلقة العلم. إذا قال: لا تتصَدَّق، تصَدَّق. إذا قال: لا تزُرْ الرحم، اذهب فزُر الرحم. إذا قال: لا تأمُرْ ولا تَنْهَ، فمُرْ وانْهَ. إذا قال: غَنِّ، لا تُغَنِّ. فقط اجعل من نفسك عدواً للشيطان، حتى ييئس منك؛ لأنه إذا جرَّب معك المرة الأولى والثانية والثالثة والرابعة، عرف أنك متحرر منه وضده، فيقول: هذا لا تتعبوا معه، فليس فيه حيلة. أما بعض الناس فقد أصبح حماراً للشيطان يركب على غاربه، ويلعب به كما يلعب الطفل بالكرة، يأخذ به يميناً وشمالاً، لا يملك من أمره شيئاً، تقول له: هيا إلى المسجد. يقول: والله لا أقدر أن آتي الآن. لماذا؟! لأن الشيطان ركب على عاتقه. لكن إذا قلت له: هيا إلى الملعب. يقول لك: طيب! هيا. أو قلت له: هيا إلى المنتزه وإلى التمشية والفيلم، أو هيا إلى أي شيء في طاعة الشيطان. يقول لك: هيا. أما الشيء الذي في طاعة الله، فلا! لماذا؟! لأن الشيطان يقوده من فوق رأسه، يلف به على الشمال دائماً، وإذا قيل له: لف يميناً. قال: لا. اليمين ليس جيداً. هذا عبد للشيطان: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس:60].

عاقبة طاعة الشيطان

عاقبة طاعة الشيطان وحذارِ يا أخي أن تحسن الظن بالشيطان! ولا تتصور أن الشيطان يأمرك بخير أبداً؛ لأنه عدو لك، وإذا أحسنت الظن بالشيطان كان مصيرك كمصير رجل يذكر أهل العلم قصته: رجل كان يحمِّل مسئولية الإضلال على الناس، ويدافع عن الشيطان، ويقول: أنتم تعصون وتعملون المعاصي وتقولون: الشيطان، أنتم الذين تعصون، والشيطان لم يعمل شيئاًَ. فانبسط الشيطان من هذا المنصف، وجاء إليه في المنام وقال له: جزاك الله خيراً، ما أنصفني أحدٌ إلا أنت، أنت الذي تدافع عني فجزاك الله خيراً، أنا لا أعمل شراً، ولا أدعو إلى الشر، فالناس هم الذين يعملون الشر ويحملونني المسئولية، وأنا مسكين لا أعمل شيئاً! بل أنا أعمل الخير، وأبرهن لك على عمل الخير بأن أحملك الآن، وأوصلك لتعتمر عمرة هذه الليلة. وهو في المنام فوق الفراش. قال: جزاك الله خيراًَ، ولكن كيف تذهب بي؟! قال: اركب على ظهري. فأركبه على ظهره، وطار به، يريد أن يأخذه في عمرة إلى مكة في الليل، وفي الطريق وهما في الصحراء أراد هذا الرجل أن يخرج إلى الخلاء فدقَّ رأس الشيطان، قال: يا شيطان! قال: نعم. قال: أريد الخلاء، قف بي، دعني أذهب إلى الخلاء. قال: لا عليك، ضعها في مكانك، لا يهمك، ضعها على ظهري. قال: كيف أضع الأذى والنجاسة على ظهرك؟ قال: لا يهمك، والله لن أدعك تنزل إلى الأرض، أنت رجل مخلص، ورجل مُدافعٌ عني، أَوَأَدَعُك تنزل إلى الأرض؟! والله لا تنزل. فصبر ذاك وصبر، فغلبته بطنه، فما كان منه إلا أن وضعها على ظهره، وإذا به يضعها على الفراش. قال: لعنك الله يا شيطان! نعوذ بالله منك يا شيطان! لعنك الله يا شيطان! فالشيطان يلعب عليك -يا أيها الإنسان- ونهاية هذا المكر وهذه اللعبة أنك يوم القيامة -أيها البعيد- يتخلى عنك الشيطان، يقول الله عز وجل في سورة إبراهيم في الخطبة التي يلقيها الشيطان على أتباعه في النار، إذا استقر أهل النار في النار وكبيرهم إبليس، فهو قائد المجرمين، يجتمع بهم ويقول لهم كما قال الله: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ} [إبراهيم:22] اعتراف، يقول: وعدكم الله وعد الحق على ألسنة رسله، وفي كتبه بالجنة، ونهاكم عن النار؛ لكني وعدتكم فأخلفتكم: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [إبراهيم:22] يقول: ما لي قوة عليكم: {إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} [إبراهيم:22] لا إله إلا الله! يقول المفسرون: إن هذا الكلام على أهل النار أعظم من كل عذاب، فعذاب النار عذاب مادي إحراق؛ لكن عذاب الكلام عذاب معنوي، عذاب نفسي؛ شخصٌ يدخلك في مصيبة إلى مسامعك، ثم يقول: أنت الذي أخطأت، أنا ما قلت لك، أنت الذي أطعتني! كيف سيكون ألمك وألم هذا الكلام عليك؟! فهذا الشيطان يقول للناس: {فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ} [إبراهيم:22] أي: لن أفزع لكم، {وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم:22] لن تفزعوا لي: {إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [إبراهيم:22]. وأهل الإيمان قال الله فيهم: {وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ} [إبراهيم:23] نسأل الله وإياكم من فضله.

كيفية تحصين النفس من الشيطان

كيفية تحصين النفس من الشيطان فيا أخي! جنِّد نفسك من الآن لمحاربة الشيطان، وستستمر في الصراع مع الشيطان فترة طويلة كل العمر؛ ولكن لن تبقى الضراوة والحدة والقوة على درجة واحدة، الآن باعتبار أن الشيطان مسيطر على قيادة الإنسان وفي توجيه الإنسان سيجد صعوبة في البداية؛ لكن إذا فك هذه الرُّبُط والقيود منه وتركه وصارعه وَهَنَتْ وضعفت إلى أن تأتي لحظة من اللحظات لا يستطيع الشيطان فيها أن يضلك أبداً بأي ضلال، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن عمر رضي الله عنه، قال: (إيه يا ابن الخطاب! والذي نفسي بيده ما سَلَكْتَ فجَّاً إلا سَلَكَ الشيطان فجَّاً آخر). لم يستطع الشيطان أن يمشي في الطريق الذي يمشي فيه عمر فضلاً عن أن يوسوس له أو يضله، لماذا؟ لأنه تحرر نهائياً من رِبْقة الشيطان. وكذلك كل مؤمن إذا التحق بالله وأيقن بالله، وأخلص العبودية له عز وجل فإن الله يَحميه، كما قال الله عز وجل: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الحجر:42]. وكما قال عز وجل: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل:99 - 100]. فمقتضى العداوة أن تجنِّد نفسك للصراع على مخالفة أوامر الشيطان والوقوع في نواهيه بالإتيان بأوامر الله، وترك نواهيه.

العدو الثاني: النفس

العدو الثاني: النفس العدو الثاني، والجبهة الثانية: هي جبهة النفس: نفسك أنت. نفسي ضدي؟! نعم. لا إله إلا الله! إذاًَ من هو الذي معي! ما دام أن الشيطان ضدي، ونفسي ضدي؟! أي: أنك أنت ضد نفسك! يقول الشاعر: إبليس والدنيا ونفسي والهوى ما حيلتي وجميعهم أعدائي لك حيلة مع نفسك! أن تتحرر وتتمرد على نفسك. النفس البشرية خالقها هو الله، يقول الله عز وجل: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [الشمس:7] أي: وما خَلَقَها وفَطَرَها وأَوْدَعَها، {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:8 - 10]. نفسك هذه التي يُتَحَدَّث عنها أعظم حديث، الذي يتحدث عنها هو خالقها تبارك وتعالى؛ لأنه أعرف بصنعها: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} [الملك:14]. هو صانعها. الجهاز مَن يعرف مشاكله وعطله، ويعرف إصلاحه إلا شركته الصانعة أليس كذلك؟! وإذا خرب أعطيناه للذي صنعه؛ لكنه إذا خرب وأعطيناه لغير صانعه أفسده. وإذا خرب المسجل وأعطيناه لمهندس السيارة، وقلنا: أصلحه، فقام وشحَّمه ونفخه هواءً. ما رأيكم؟! يصلح المسجل أم يخرب؟! يخرب؛ لأنه ليس هو الذي صنعه. وإذا خربت ساعتك وأعطيتها للنجار، فقام وأدخل فيها مسماراً في الوسط، فإنه يفسدها. كذلك النفس البشرية، مَن الذي خلقها؟! الله. ومَن الذي يعالجها ويصلحها؟! الله. وإذا أعطيناها لغير الله، ماذا يحصل؟! تفسد. ولهذا النفس البشرية اليوم فَسَدَت؛ لأنها عُوْلِجَت عند غير خالقها.

الذين أفسدوا النفس البشرية

الذين أفسدوا النفس البشرية يوجد علم قائم الآن يسمى: علم النفس، يسميه بعض المشايخ: (علم العَفْس والرَّفْس) لأن علماء النفس هؤلاء أجهل الناس بالنفس، ولا يعرفون النفس البشرية؛ لأنهم كفار لا يعرفون هدى الله. شخصٌ اسمه: فروبل، من علماء النفس، يقول: إن الحياة قائمة على اللعب. يقول: دع الناس يلعبون؛ لأنه يحب اللعب. وشخص ثانٍ اسمه: فرويد، هذا أنجس عالم على وجه الأرض، يقول: إن الحياة قائمة على الجنس. لأنه مُرَكَّبٌ مِن جِنْس مِن رأسه إلى قدميه. وآخر اسمه: دوركهايم عالم من علماء النفس في فن الاجتماع، يقول: إنه لا يحكم الحياةَ الدينُ ولا المبادئُ؛ وإنما يحكمها العقل الجماعي. يقول: إذا الناس اتفقوا على شيء أو أمر، فهم يسيرون فيه. يقول: ألا ترى قطيع الغنم تمشي في طريق، ويتقدمها أحدها فيه ميزات، فيمشي شِمالاً فتمشي كل الغنم وراءه، ألا ترى مجموعة الطيور في السماء أحدها يمشي أمامها، وكلها تمشي وراءه. يقول: والناس كذلك. ومن قال لك يا هذا أننا قطيع من الغنم أو من البقر؟! هذه هي نظرته للبشرية، على أنهم قطيع من قطعان الحياة. وآخر اسمه: ماركس، هذا الذي سقطت نظريته المادية الشيوعية. هؤلاء الذين تحدثوا عن النفس البشرية من غير عِلْم، فأفسدوا الحياة، وفسدت النفس البشرية بنظرياتهم الباهتة.

صفات النفس

صفات النفس والحديث عن النفس البشرية أصدق حديث عنها إذا جاء عن الله؛ لأنه هو الذي خلقها ويعرف أسرارها، وقد ذكر الله عز وجل النفس البشرية في القرآن وبيَّن أن لها ثلاث صفات: 1/ نفس أمارة بالسوء. 2/ نفس لوامة. 3/ نفس مطمئنة. فالنفس الأمارة بالسوء هي: طبيعة النفس، {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف:53] ليست آمرة، بل أمَّارة، صيغة مبالغة، أي: لا تأمر إلا بالسوء، ولا تحب إلا الشر، تكره القيود، وتحب الدَّعة والتفلُّت والنوم، تريد الاسترخاء والضياع والضلال واللعب، ألا ترى أنك عندما تصلي التراويح في المسجد في رمضان مع إمام يطيل الصلاة، وأطول صلاة الآن لا تستغرق نصف ساعة، أو ساعة إلا ربع، أو ساعة على الأكثر، كم تحس فيها مِن التعب مِن نفسك؟! وهي تتعبك في رجليك وركبتيك ونفسك، وتنظر فتقول: يا ألله يا ربِّ! وتنظر في الساعة، وتقول: طوَّل الإمام، إلى أن تخرج وقد تَمَلَّخْتَ، وإذا خرجت من المسجد وذهبت إلى السوق لتتقضَّى فإنك تمر في السوق أربع ساعات متنقلاً من معرض إلى معرض، ومن دكان إلى دكان، وترجع إلى البيت كأنك تمشي على ورد، ولا تحس بتعب، مَن تعَّبك في المسجد، وريَّحك في السوق؟! إنها النفس الأمارة بالسوء. لماذا؟! لأنها تعرف أن جلوسك في المسجد فيه خير، وجلوسك في السوق فيه سوء، وضياع لحياتك، نظرة، خطرة، غفلة، مشكلة، معصية، إذاً هي ترغِّبك في الشر وتبعدك عن الخير، {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف:53]. هذه أصل طبيعة النفس، كل نفس بشرية أمارة بالسوء، لكن يتدخل الشرع وتأت أوامر الدين على هذه النفس فتغير من طبيعتها، وتجعلها أمارة بالخير، فتقاومُ النفس وتقول: لا. لن آمر بالخير، سأبقى آمر بالشر؛ لكن يُعَيِّي الإنسان أن يأمرها بالخير إلا غصباً، ثم بعد ذلك تحصل مرحلة ثانية، فتصير هذه النفس لوامة. ما معنى لوامة؟! قال العلماء: تدعو إلى الباطل، ثم تلوم عليه، تدعوك إلى الباطل، فإذا فعلتَه جاءت النفس وقالت لك: أين إيمانك؟! أين دينك؟! أين أنت؟! ألست مؤمناً؟! ألست متديناً؟! تزني؟! تسكر؟! تكذب؟! أين خوف الله؟! هذه هي اللوامة، وهذه مرتبة جيدة، أحسن من النفس الأمارة؛ لأنها تلومك قليلاً؛ ولكنها ترتقي بالمجاهدة، وبالعسف لهذه النفس، وبالتدريب، وبالمعاندة لها، إلى أن ترتقي إلى النفس المطمئنة؛ وهي النفس التي اطمأنت إلى الله، وسكنت إليه، اطمأنت إليه عقيدةً، واطمأنت إليه عبادةً، فاطمأنت إليه، فانتقلت من الجهل إلى العلم، ومن الظلام إلى النور، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الكذب إلى الصدق، ومن الشك إلى اليقين، ومن حياة اللعب والفوضى إلى حياة الجد والانتظام، سكنت نفسك، اطمأنت، هذه النفس إذا اطمأنت يقال لها عند الموت: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي} [الفجر:27 - 28] فقد أديتِ واجبكِ، وقمتِ بمسئوليتكِ {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ} [الفجر:28] إلى فاطرك وخالقك، إلى الذي استجبتي لأمره، وانتهيتي عن نهيه، {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً} [الفجر:28] في حقيقتها {مَرْضِيَّةً} [الفجر:28] أي: مرضي عنها من قبل خالقها وفاطرها، {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:29 - 30] نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هذه النفوس. لكن متى تكون نفسك مطمئنة؟! تحتاج منك إلى جهد وجهاد، تحتاج منك إلى تدريب هذه النفس، ومخالفة لهوى النفس، يقول الله عز وجل: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات:40] نهاها. النفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطمِ الآن الشباب الذين نسميهم: الشباب الملتزم؛ شباب الصحوة، هؤلاء أناس كانوا عاديين، يسمعون الأغاني، ويفعلون المنكرات، ويتكاسلون عن الصلوات، وربما يتركونها، إي نعم؛ لكن حصل عندهم يقين، ويقظة في القلب، وشعور، وعرفوا أن الطريق الصحيح ليس هذا، وأن الطريق الصحيح هو الإسلام، فقرروا التوبة، وفَطَمُوا نفوسهم عن المعاصي، ما الذي حصل؟! لا شيء، كان الشخص منهم ينظر إلى الحرام، فقال: والله لن أنظر. كان يسمع الغناء، فقال: والله لن أسمع. كان ينام عن الصلاة، فقال: والله لن أنام، سأقوم لأصلي. ماذا حصل؟! هل حصل شيء؟! لا. النفس عندما رأت الجد منه استكانت؛ لأن النفس -كما يقول ابن القيم - كالفرس، إن وجدت خيَّالاً ماهراً مشت واستسلمت وأذعنت، وإن وجدت خيَّالاً عاثراً ولا يعرف، رَفَسَتْه، وأسقطته، وداست على بطنه ومشت عليه. لماذا؟! لأنه ليس بماهر. وكذلك أنت كن ماهراً مع هذه النفس، زُمَّ خطامها، ولذلك جاء في الحديث عند أحمد والترمذي: يقول عليه الصلاة والسلام: (الكيِّس -العاقل صاحب اللب- مَن دان نفسه -أي: أدانها، دائماً هي المدينة أمامه- وعمل لما بعد الموت، والعاجز مَن أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني). النفس العدوة ينبغي لك أن تنصِّب نفسك لمجاهدتها، أي: تحارب نفسك، أنت تحارب نفسك، تحاربها على طاعة الله، تحاربها ضد معصية الله، تلزمها إلزاماً، تضربها بسوطِ التخويف بالنار، تشدها بشوقِ الترغيب في الجنة، مَنِّها بما في الجنة، خوِّفها بما في النار، ستجدها تمشي معك، وإذا مشت استرحت؛ لأن مِن الناس مَن هو حمارُ نفسه، تهدبه نفسُه في كل مكان، ومِن الناس مَن نفسُه حماراً له، يمشِّيها كيفما يريد. هذه هي النفس، وهذه أقسامها، ثلاثة أقسام: 1/ نفس أمارة بالسوء: وهي نفس الفاجر. 2/ نفس لوَّامة: وهي نفس المسلم الضعيف. 3/ نفس مطمئنة: وهي نفس المؤمن القوي، الذي نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلنا وإياكم من أهل هذه النفوس.

العدو الثالث: الدنيا

العدو الثالث: الدنيا العدو الثالث، والميدان الثالث من ميادين الصراع: ميدان الدنيا:- هذه الحياة الدنيا بما فيها من مغريات وشبهات وشهوات وملهيات، هذه عدو لك، وأبرز أعداء الدنيا: المال والبنون، يقول الله: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن:15] {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [الأنفال:28] مالك عدوك وأنت تجمعه، وولدك الذي من صلبك عدوك، الدنيا كلها عدوك، لماذا؟ لأن هذه الدنيا تريد أن تصرفك عن الحقيقة التي خُلِقت من أجلها، فتعيش بعيداً عن ميادين الجدية، تعيش لاهياً وعابثاً وعاجزاً، تتفانى وتتصارع على الشهوات، وتغرق في شهوات البطون، وتستمتع بشهوات الفروج، فتقضي حياتك في غير طاعة الله عز وجل فتخسر.

حقيقة الدنيا

حقيقة الدنيا هذه الدنيا حذرنا الله عز وجل منها، ومثَّلها العلماء، يقول ابن القيم: إن الدنيا كامرأة عجوز شوهاء. الدنيا مَثَلُها مَثَل عجوز، نحن الآن في آخر عمر الدنيا، تحسبونها جديدة؟! انتهت، الآن لم يعد منها إلا أيامٌ يعلمها الله، فالنبي آخر نبي صلى الله عليه وسلم، والكتاب آخر كتاب، والأمة المحمدية آخر الأمم، وما بقي إلا الساعة، حتى قال عليه الصلاة والسلام: (أنا نبي الساعة). وقال: (بُعِثْتُ أنا والساعة كهاتين، وكادت أن تسبقني) فالدنيا عمرها طويل. فشبَّهها العلماء: كامرأة عجوز مُسِنَّة قد عميت عيناها، وسقطت أسنانها، وانحنى جسمها، وتجعد وجهها، وانحنى ظهرها، وشاب رأسها؛ ولكنها لا زالت تحب التصابي. فهي عجوز ليس معها سن، ولا معها شعرة سوداء في رأسها، وظهرها مُعْوَج، وحالتها تُشْكَى إلى الله، ومع هذا تعطَّرت، وتخضَّبت -تَحَنَّت- ولبست الذهب، ثم تَحَجَّبت، حتى لا يراها الخُطَّاب، فلو رأوها على حقيقتها فلن يلاحقها أحد، فأخذت لها غطاءً وحجاباً، وجاءت إلى هؤلاء الذين لا يعرفونها وقالت لهم: هكذا يرفع الشيخ حاجبَيه مِرَاراً، من تحت العباية، فيقتربون منها وإذا بها معطرة وإذا بصوت الذهب، فكلما اقتربوا منها أفلحت قليلاً، تفلح قليلاً، ولا أحد يدرك هذه الدنيا إلا عند نقطة الموت، فإذا صارت عند الموت قالت: انظروا إلي! فتكشف وجهها. فيقولون: الله أكبر عليكِ! ظهرتِ أنك بهذا السن في الحياة ونحن نطاردك؟! والله لو علمنا ما طاردناك، ولهذا يقولون عند الموت: {رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون:99] يقول: رب أرجعني، لماذا؟! قال: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً} [المؤمنون:100] لأن هذه الدنيا غرَّته، ضيعته العجوز الخبيثة هذه، لم يعلم بسِنِّها، ولا بوجهها، ولا بشكلها، غرَّته رائحتها، خدعته زينتها، خدعته إشارتها؛ لكنه لو عرف حقيقتها ولو علم بشكلها والله لن يتبعها. ولهذا يقول أصحاب قارون لما خرج في زينته وهم لا يعرفون حقيقة الدنيا: {قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص:79]؛ لكن أهل العلم ماذا قالوا؟! {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص:80] فأهل العلم بالحقيقة، أهل العلم بالدنيا، هؤلاء يعرفون أنها غدارة، خداعة، مكارة، ترضع؛ ولكنها تفطم، تعطي؛ ولكنها تمنع، تحيي؛ لكنها تميت، انظروا إلى عملها بأهلها! تجد الشخص بينما هو في عزته ومَنَعَته وسلطته وشغلته وإذا به يقال له: انزل، تفضل، هذا القبر الآن، وهو في قوته وإذا به يموت بين أولاده، وإذا به يخرج من قصره فيرجع إلى قبره، في نوره فيخرج إلى ظلامه. يقال في كتب العلم: إن ملكاً من ملوك الدنيا كان يمشي في خيله ورَجِله وموكبه، فجاءه ملك الموت في هيئة رجل ذو أسمال بالية وثياب مقطعة، فاعترض الموكب وأمسك بخطام الحصان وقال للملك: انزل، ادنُ مني. قال: مَن أنت حتى تجرؤ على هذا؟! قال: أنا ملك الموت. قال: أمهلني. قال: لا أمهلك حتى لحظة. فقبض روحه، وخرَّ بين قوائم فرسه، هذا عمل الدنيا بالناس، تمهلهم؛ لكن تأتي بهم من قريب، وليس معنى ترك الدنيا أو معاداة الدنيا أننا لا نعمل فيها! لا. هذا الفهم ليس فهماً شرعياً، ومعنى عداءك للدنيا، أي: عداءك للدنيا التي تضلك عن الله، أما الدنيا التي تعينك على طاعة الله فهي ليست دنيا إنها دين، وإذا توظفت وقبضت المال من حلال، واستعنت به على طاعة الله، فوظيفتك هذه وظيفة دينية؛ لأنك تخدم بلدك، وتساهم في بناء مجتمعك، وتسد ثغرةً من ثغرات المسلمين، وتؤدي واجباً من واجبات الأمة، وفي نفس الوقت استعنت بهذا المال على طاعة الله؛ أنفقت منه على زوجتك وعلى أبنائك، وأكرمت منه ضيفك، وأعطيت الفقير منه، وقمت بالواجبات، وأخرجت الحقوق والزكوات، هذا المال وهذه الوظيفة تعتبر دِيناً. إذا كنت تاجراً وصدقت في تجارتك، ولم تكذب، ولم تغش، ولم تخدع، وأوردت للناس أي: لم تحتكر البضائع على الناس، فتجارتك هذه دِيناً. إذا كنت مزارعاً وجلبت الأرزاق للناس، فزراعتك هذه دِيناً. إذاًَ: الدنيا التي نحذر الناس منها هي: الدنيا الصادَّة عن الله، التي تصرفك عن طاعة الله، الدنيا التي تستخدمها وتستعين بها على معصية الله، أما دنيا تسخرها في طاعة الله فنِعْمَ المال الصالح في يد العبد الصالح، يقول عليه الصلاة والسلام لـ عثمان بعد أن جهز جيش العسرة: (ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم) جهز ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها، ولما قَدِمَت على المدينة قافلته وتجارته، وقام التجار يرابحون فيها، وأعطوه في الريال ريالاً، أي: الربح - (100 %) - قال: قد جاءني أكثر، قالوا: نعطيك في الريال ريالين -أي الربح: (200 %) - قال: جاءني أكثر، فما زالوا به حتى أوصلوها إلى خمسة ريالات، -أي الربح: (500 %) قال: قد جاءني أكثر، فاجتمعوا وقالوا: مَن ذا الذي أعطاه أكثر، وهو لا يكذب؛ ها نحن تجار المدينة، هل أحدٌ منا أعطاه أكثر من خمسة؟ قالوا: لا. فجاءوا إليه، فقالوا: من ذا الذي أعطاك أكثر؟! لا يوجد أحد منا أعطاك أكثر! من الذي أعطاك؟! قال: أعطاني ربي، الحسنة بعشر أمثالها، هي لله -ثلاثمائة بعير محملة بالبر والطحين بأحلاسها وأقتابها كلها لله- قال عليه الصلاة والسلام: (ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم). إذاًَ: هذه الدنيا ما رأيكم فيها؟! دنيا أم دين؟ دين. وطريق مجاهدة الدنيا ومصارعتها أن تنظر إليها بالمنظار الرباني، فتأخذ منها ما أحله الله، وتستعين بها على ما يحبه الله، وتتوقى وأنت تسير فيها، فلا تضع قدمك إلا في أمر يحبه الله، ولا تنظر بعينك إلا في أمر يحبه الله، ولا تسمع بأذنك إلا ما يحبه الله، ولا تتكلم بلسانك إلا فيما أحله الله، حتى تسلم من آفة الدنيا.

وقفة مع قوله تعالى: (اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو)

وقفة مع قوله تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) والله عز وجل قد أنبأنا عن حقيقة الدنيا على صيغة العلم، يقول ربنا عز وجل في سورة الحديد: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [الحديد:20] هذه حقيقة الدنيا، الله يتحدث عنها وهو أعلم بها. {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ} [الحديد:20]. لعب؛ أكثر الناس يحب أن يلعب. لَهْو. زينة؛ تغيير ملابس، تغيير سيارة، تغيير مفارش، تغيير موكيت، فقط زينة. تفاخر؛ أنا في رتبة كذا، أنا في مكان كذا، أنا عندي سيارة أحسن، أنا عندي كذا، أنا عندي رصيد، هذه هي الحياة الدنيا. وما مَثَلُها؟! قال الله {كَمَثَلِ غَيْثٍ} [الحديد:20] أي: نبات {أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ} [الحديد:20] وهل هناك غيث في الدنيا يستمر أخضر؟! لا، بل لا بد لكل أخضر أن يغْبَر {ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرَّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً} [الحديد:20] هذا مَثَل الحياة للإنسان، غيث في فترة الشباب، ثم فترة الكهولة والشيخوخة، وهي مصَفِّر، ثم تصير حطاماً، ثم تموت، {وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [الحديد:20] لمن؟! لمن لم يعرف أمر الله ولم يسِر على طريق الله {وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ} [الحديد:20] لأهل الإيمان {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ * سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:20 - 21]. هذا هو العدو الثالث؛ الدنيا، فانتبه منها! فلا تخدعك، فتجمع المال من الحرام، وترفع أرصدتك؛ لكن في النار، وتدخل عليك دخولاً من نار، انتبه! لا تأكل إلا طيباً، ولا تكنِز إلا طيباً، ولا تقع بقدمك إلا في طيب، حتى تسلم، أما الحرام فإنه لا يورِّث إلا الناراً -والعياذ بالله-، يقول عليه الصلاة والسلام: (كل لحم نَبَتَ من سحت فالنار أولى به).

العدو الرابع: الهوى

العدو الرابع: الهوى الميدان الرابع والأخير عدو لدود: الهوى أي: المزاج والكيف، كما يقول بعض الناس: أنا على كيفي! أنت على كيفك؟! لا. أنت عبد، هل علمتم بعبد يمشي على كيفه؟! أم إنه يمشي على كيف سيده؟! ما رأيكم؟! العبد المملوك يمشي على كيفه وهواه، أم على كيف سيده؟! على كيف سيده. وأنت ماذا أنت؟! عبد، نعم عبد. عبد لِمَن؟ لمن خلقك، فلا ينبغي أن تكون على هواك، يجب أن تكون على مراد مولاك؛ لأنك إذا سرت على هواك ضللت، وإذا سرت على أمر مولاك هُدِيت، {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية:23] الذي اتخذ إلهه مولاه، ماذا حصل؟! قال الله: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية:23] لما اتخذ إلهه هواه أضله الله على علم {وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} [الجاثية:23] كيف سيرى، القلب مختوم، والسمع مختوم، والبصر عليه غشاوة، وهذا على علم، يعصي الله على علم، قال الله: {فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:23]. انتبه! أخطر الأشياء عليك الهوى، المزاج، يجب أن يكون هواك ومزاجك موافق للشرع، ولهذا جاء في الحديث: يقول عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئتُ به) أي: يكون مرادك وهواك ومزاجك موافقاً ومتبعاً لشرع الله ولما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الإيمان، أما أن يكون هواك ضد الشرع، ومزاجك ضد تكاليف الأمر والنهي، فهذا هوى شيطاني.

النهي عن اتباع الهوى في القرآن

النهي عن اتباع الهوى في القرآن لقد حذرنا الله عز وجل من اتباع الهوى في القرآن العظيم في آيات كثيرة: يقول الله عز وجل عن بلعام بن باعوراء -رجل من بني إسرائيل كان من عباد الله الصالحين، أوتي العلم، لكن ما اتبع مولاه، بل اتبع هواه- فالله عز وجل ضرب به مثلاً كالكلب، يقول الله: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ} [الأعراف:175] أي: على أمتك، أخبرهم بنبأ ذاك {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا} [الأعراف:175] أي: الدالة علينا، فماذا حصل؟! {فَانْسَلَخَ مِنْهَا} [الأعراف:175] ما قال الله: فتَرَكها، لا. بل {فَانْسَلَخَ} [الأعراف:175] والانسلاخ من الشيء أي: تركه إلى الأبد، الآن إذا ذبحت لك شاةً وسلخت جلدها، ما معنى سَلْخِ جلدِها؟ معناه: لن يعود عليها أبداً بأي حال من الأحوال، ما قلتُ: أنا وضعتُ ثوبها، وأنت إذا خلعت ثوبك هل تقول: أنا سلختُ ثوبي؟! لا. بل تقول: خلعتُ، بمعنى: أنه قابل لأن أغسله وأرده؛ لكن إذا سلختَ جلد الشاة فلن يرجع عليها. وكذلك هذا الرجل انسلخ من الدين بقصد ألا يعود إليه، قال الله عز وجل: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} [الأعراف:175] فماذا حصل؟! {فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ} [الأعراف:175] لما انسلخ من آيات الله تسلط عليه الشيطان، ما كان يستطيع الشيطان عليه وهو معتصم بالله؛ لكن لما انسلخ عن آيات الله قال الله: {فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ} [الأعراف:174 - 175] وماذا؟! {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:176] بئس مثل القوم والعياذ بالله.

الحذر من اتباع الهوى

الحذر من اتباع الهوى احذر -يا أخي- من اتباع الهوى! اجعل هواك دائماً ومزاجك وفق شرع الله، قبل أن تتصرف لا تقل: يا هواي ماذا تريد؟! لا. بل قل: يا ربَّ ماذا تريد؟ ماذا قال الرسول في هذه المسألة؟ ماذا قال الشرع في هذا الأمر؟ فإن قال شيئاً، فقل: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:285] ولا يسعك أمام أمر الله وأمام أمر رسول الله إلا أن تقول: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:285] {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285] هكذا المؤمن، لكن المنافق يقول: سمعنا، ولا يقول: وعصينا، الكافر هو الذي يقول: {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} [البقرة:93]. تقول له: حجب زوجتك. يقول: صحيح؛ لكن قلوبنا نظيفة. تقول: اعفِ لحيتك. يقول: صدقتَ؛ لكن الإيمان في القلوب، وليس في اللحى. تقول: لا تسمع الأغاني. يقول: هذا والله صحيح؛ لكن والله إني أسمعها من هنا وتخرج من هنا. ضيَّعتَ الشرع بـ (لكن) هذه، كل شيء يعمله بـ (لكن)، فإذا جئت إلى النار قل: لكن في ذلك اليوم، لم تعد معك (لكن)، فالله يقول: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ * اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:15 - 16]. فاحذر -يا أخي- من اتباع هواك! يقول الله عز وجل: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28] إذا اتبع العبدُ مولاه انتظم أمرُه، وإذا اتبع العبدُ هواه انفرط، وعَبَّر الله عن أمره بأنه فُرُط، أي: غير مجموع، مشتت، مثل المسبحة إذا انفرط حبلها، كيف تكون؟! أتظل معك في يدك، أم أين تذهب؟! تتشتت، وتذهب كل حبة في أرض، وترى شيئاً، وتضيِّع شيئاً. كذلك إذا كنتَ مجتمعاً على الشرع والدين، منتظماً مع الله، عينك وأذنك ولسانك وقلبك مع الله، رجلك تمشي في طاعة الله، يدك تبطش في طاعة الله، مع المسجد، مع الكتاب، ستمشي منضبطاً؛ لكن إذا لم يكن معك دين، وليس ثَمَّ إلا الهوى، فلا تدري من هو الذي أنت معه! مرة مع الشيطان، ومرة مع الشرق، ومرة مع الغرب، ومرة مع الأبالسة، ومرة مع المغنين، ومرة مع الشياطين، بمعنى: أنك لا تدري. لماذا؟! لأن الأمرَ فُرُطٌ، {وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28]. ويقول عز وجل: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ} [القصص:50] أي: لا أضلَّ على وجه الأرض ممن اتبع هواه {بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص:50] ظالم وأي ظالم! وضال وأي ضال! مَن يتبع هواه، ويترك أمر مولاه.

وقفة أخيرة مع الأعداء الأربعة

وقفة أخيرة مع الأعداء الأربعة هؤلاء هم الأعداء الأربعة: 1/ إبليس. 2/ النفس الأمارة بالسوء. 3/ الدنيا. 4/ الهوى. جنِّد نفسك -يا أخي- إن كنت تريد النجاة، وليس بينك وبين أن تضع عن كاهلك السلاح وأن تُلْقِي عن نفسك الصراع إلا أن تموت! وما أقرب أن تموت! فقد تموت هذه الساعة، وقد تموت الليلة، وقد تموت غداً، وقد تموت بعد شهر أو بعد سنة أو بعد سنوات، المهم أنك ستموت، ففترة الصراع محدودة؛ لكن فترة العذاب غير محدودة، فالذي يقول: والله لا أقدر أن أصارع! هذه صراعات صعبة! أظل أصارع الشيطان، وأصارع النفس؟! لا والله، أتركهم، أتركهم أمامي كلهم، فهذا صحيحٌ أنه ينبسط؛ لكنه يعذب عذاباً لا يُعَذَّبُ به أحداً من العالمين. ففترة الصراع محدودة ثم تنتهي، أما فترة العذاب فغير محدودة، ويتمنى الإنسان في الآخرة أنه يرجع، كما قال الله عز وجل: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة:12]. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يزكي نفوسنا، وأن يقبل صالح أعمالنا، وأن يتجاوز عن تقصيرنا، وأن يهدينا إلى كل سبل الخير، وأن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، وأن يوفق المسلمين وحكامهم إلى كل خير، وأن يصرفهم عن كل شر، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الضعف والتراخي في حياة الملتزمين

الضعف والتراخي في حياة الملتزمين إن الإنسان الملتزم كغيره، يعتريه الفتور والضعف، إذ أن هناك الكثير من المؤثرات التي تحدد مسار ونمط حياته، ومن هذه المؤثرات ما هو خارجي يتعلق بالمجتمع المحيط، ومنها ما هو متعلق بشخص الملتزم. لذلك فإن الملتزم إذا لم تزدد حصيلة التزامه؛ فإنها ولابد ستتناقض، وهذا التناقض والفتور من الأدواء التي لابد لها من علاج، وهو ما يتناوله الشيخ حفظه الله في هذه المادة بالتفصيل والبيان.

النعمة الحقيقية في الدنيا هي نعمة الدين

النعمة الحقيقية في الدنيا هي نعمة الدين الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الإخوة في الله: من أعظم ما يمن الله به على الإنسان نعمة الطاعة ونعمة الدين ونعمة الإيمان، ومن أعظم العقوبات التي يعاقب بها الإنسان حرمانه من هذه النعمة، ووقوعه في مصيبة المعصية، وفي مصيبة المخالفة، والناس يفهمون من النعمة أنها المال، والعافية، والمنصب، والولد والزوجة، والسيارة والعمارة كل هذه نعم، لكنها نعم تزول. أما النعمة الحقيقية التي امتن الله بها على عباده المؤمنين فهي نعمة الإيمان، يقول عز وجل: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [النساء:69] (أنعم الله عليهم) من هم؟ {مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} [النساء:69] من بقي بعد هؤلاء؟ النبيين والصديقين والشهداء والصالحين؟ ما بقي بعدهم إلا كل فاسد وسيئ، والعياذ بالله! فينعم الله على النبيين بنعمة الدين برغم أنهم يعيشون ويموتون وهم في فقر حتى رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، سيد البشر، وخير من وطئ الأرض، وصاحب اللواء يوم العرض، وأول من يدخل الجنة، وصاحب الشفاعة الكبرى يوم القيامة، عاش صلوات الله وسلامه عليه عيشة بسيطة لدرجة أنه ينام على الحصير، ويقوم وقد أثر الحصير على جنبه الشريف، وما شبع من طعام بر ثلاث ليال متوالية، ومات ودرعه مرهون في ثلاثين صاعاً من شعير، وتقول عائشة: [كان يمر الهلال والهلال والهلال ولا يوقد في بيت آل محمد نار. فقال عبد الله بن الزبير: فما طعامكم يا أماه؟ قالت: كان طعامنا الأسودان: التمر والماء] ومع هذا فهم في نعمة ليست نعمة البطون، فكم من الناس من بطنه ممتلئ لكن بالحرام ممتلئ بالربا، وكم من الناس جسمه سمين لكن إلى النار، يتسمن لجهنم، وكم في الناس من سيارته فارهة لكن تقوده إلى جهنم، وكم من الناس من عنده منصب لكن منصب سوف يورده إلى النار، والعياذ بالله! فما هي النعمة الحقيقية؟ إنها نعمة الدين، والذي يبدل هذه النعمة يستحق العذاب، إذا جاء الدين والإيمان فأمسكه وتشبث به، أعظم من تشبث صاحب المال بماله، إذا أعطي شخص مليون ريال أو مليونين كتعويض في أرض أو في مزرعة أو في عمارة فماذا يصنع بها؟ تراه يستلمها في الصباح، فانظر إليه وهو يصلي الظهر، لا يعرف كم صلى، ولا يعرف كم يصلي في المغرب، وكم يصلي في العشاء، ولو سألته يقول: والله مدهوش لماذا؟ إنها مليونا ريال أين يذهب بها؟ فلا ينام الليل، لكن ما رأيكم لو أن شخصاً استلم مليوني ريال وعند باب البنك أو عند باب المؤسسة بدأ يمزقها ويرمي بها ماذا يقال لهذا الإنسان؟! مجنون، فالناس عقلاء مع الدنيا، يعرفون قدر نعمة المال فلا يصرفون منه ولا يضيعون ريالاً إلا بحقه، ويعرفون قيمة النعم كلها ويقدرونها، لكن لا يعرف كثير من الناس قدر نعمة الإيمان، فإذا أعطاه الله الإيمان تراخى فيه وشتته، لا حفظه ولا نماه يقول الله فيه: {وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [البقرة:211] إذا أعطاك الله نعمة الإيمان وبدلتها بعدما جاءتك النعمة وذقت طعم الإيمان فإن الله شديد العقاب. وما أعظم من مصيبة الحرمان من الطاعة والخذلان بالمعصية يقول الله: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب:36].

صفات طالب الآخرة

صفات طالب الآخرة طالب الآخرة كما يقول ابن القيم رحمه الله: طالب الدار الآخرة لا يستقيم له سيره، ولا يمكن أن يحصل على مقصوده إلا بأمرين رئيسيين: الأمر الأول: حبس نفسه على طاعة الله. والثاني: حبس نفسه عن معصية الله، فإن الطاعة فيها تعب وفيها مشقة، ولكن تحتاج إلى صبر، والمعصية لها طعم ولها ملذة، ولكنها ملغمة من الداخل بالحسرة والعذاب، ملغمة بالوعيد الشديد والعذاب الأكيد، وهي مزينة ومغلفة من الخارج بشيء ينطلي على أصحاب العقول السقيمة وأصحاب النفوس المريضة. أما أهل الإيمان فإنهم ينظرون بعين البصيرة لا بعين الطبيعة؛ لأن عين البصيرة تريك السم قبل أن ترى ما عليه من حلاوة. أما عين الطبيعة فإنها تنخدع ولا تنتبه إلا والإنسان في طباق جهنم، والعياذ بالله!

من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه

من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه لا بد من حبسين: حبس على طاعة الله، وحبس عن معصية الله، وستعيش في هذين الحبسين في نوع من المعاناة والتعب، ولكن اصبر وصابر ورابط واتق الله لعلك تفلح هذه وصية الله، يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200] تصبر على ماذا. على النوم، تصبر على الرز واللحم، على الأغاني والطرب؟ لا. بل تصبر على المر، أين المر؟ في معاناة الطاعات، كونك تقوم نصف الليل، تقوم آخر الليل لصلاة الفجر، كونك تخرج زكاة مالك، كونك تبر والديك، وتصل رحمك، وتدعو إلى الله، وتريق دمك في سبيل الله، تصبر على دين الله، وأيضاً تصبر عن المعصية، تصبر على المخالفة، تغض بصرك وقلبك يتقطع عن النظر، لكن تقول: والله لا أنظر لو يتقطع قلبي، تصد وتصون سمعك عن الأغاني وقلبك يتقطع على أغنية كنت قد عرفتها من الماضي وكنت تعيش معها لكن لما آمنت واستقمت والتزمت والله لا أسمع، تصون وتحفظ بطنك عن الحرام ولو تأكل من الطين لكن لا تقدر أن تأكل الحرام، ريال حرام لا تستطيع أن تأكله (ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه). يذكر أهل العلم أن رجلاً حج بيت الله الحرام من بلاد مصر في الزمن القديم قبل حوالي مائة سنة، وفي مكة انتهت مادته، وبحث عن عمل يقتات منه فلم يجد، ومرت عليه أيام وليال ما ذاق طعم العيش، حتى صفر جلده من الجوع، وخرج من بيت الله الحرام في ظهر يوم وإذا به يجد أمامه منديلاً أخضر ساقطاً في الأرض، ضالة، فحمله وفتحه وإذا بداخله عقد من اللؤلؤ ثمنه مائة ألف درهم -وهو يكاد يموت جوعاً- فربطه، وقال في نفسه: والله إن فرحتي به لا تعدل حزن صاحبه عليه. ثم أدخله في جيبه، وإذا بذلك الرجل يصيح على باب المسجد وفي الساحات المحيطة: من وجد منديلاً قال: تعال، كيف هو؟ قال: أخضر. قال: ما بداخله؟ قال: عقد لؤلؤ. قال: أهو هذا؟ قال: نعم. قال: خذه بارك الله لك. فقام ذاك وأخرج من جيبه ألف درهم وأعطاه قال: هذه مني لك هدية. قال: والله ما كنت لآخذها منك وقد رفضتها، ولكن لا آخذها إلا من الله. لا العقد ولا الألف وهو يكاد يموت جوعاً! وتركها لله. ومرت الأيام والليالي ووجد عملاً بسيطاً وحصل منه على دخل بسيط، ثم رحل إلى جدة وركب البحر وذهب إلى أرضه، وفي وسط البحر هاجت الريح وزمجرت، وتلاطمت الأمواج وتحطمت السفينة، وغرق كل من في السفينة، ونجّى الله هذا الرجل على خشبة تشبث بها وهو يذكر الله بالليل والنهار، وجلس في البحر أياماً، ثم قذفته الأمواج على شاطئ البحر وجلس يمشي، ثم دخل قرية من القرى فوجد فيها قوماً فيهم دين وفيهم خير -وكان صاحب علم عنده قرآن وعنده دين- فجلس عندهم أياماً، ثم قدموه فصلى بهم، ثم أحبوه وألفوه فعرضوا عليه أن يقيم عندهم فوافق على الإقامة عندهم، وعقد لهم الحلقات والدروس في الصباح وفي المساء للأطفال والكبار، وبعد فترة قالوا له: يا شيخ! أنت أصبحت واحداً منا، نريد أن نزوجك فهل تقبل؟ قال: نعم. ولكن ليس عندي شيء. قالوا: كل شيء موجود: البيت موجود، والمهر موجود، والزوجة موجودة، لكن عليك أن توافق. قال: موافق، بارك الله فيكم. فوافق، وبعد صلاة العشاء عقد في المسجد على الزواج ثم دخل بيته -بيت الزواج المهيأ- وحينما دخل البيت ودخل غرفة النوم وإذا بتلك الفتاة الجميلة التي ليس لها مثيل تقف أمامه، وإذا في صدرها ذلك العقد الذي رآه في مكة، عقد اللؤلؤ معلق في رقبتها! فلما رآه رجع قال: أين أبو البنت؟ قالوا: موجود، فجاء وسلم عليه، وقد مرت سنين، قال: يا شيخ أسألك بالله أنت حججت؟ قال: نعم. قال: حصل لك شيء في الحج؟ قال: نعم. قال: ما هو؟ قال: أنا رجل ثري وعندي مال ولا أملك في هذه الدنيا إلا هذه البنت، وحججت بيت الله الحرام وأخذت لها هدية هذا العقد، وبعد ذلك وقع مني على باب الحرم وبحثت عنه، وبعدها لقيته عند شخص من أهل الخير الله يذكره بالخير ويجزيه عني خيراً، ورده لي وأعطيته ألف درهم فرفضه، وبعد ذلك عقدت العزم ونذرت أني إن لقيته زوجته بهذه البنت، ولكن انتظرت ولم ألقه فزوجتها بك أنت، ولو لقيته قبلك لزوجته قبلك. قال: أنا ذلك الرجل، تذكره وإذا به يعرفه فتسالما وتعانقا، وقال: أنا ذلك الرجل. (من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه).

الصبر على طاعة الله وعن معصية الله

الصبر على طاعة الله وعن معصية الله فالصبر على طاعة الله والصبر عن معصية الله حبسين، تحبس نفسك، ولا تزال في المعاناة والحبس إلى أن تموت، وعند الموت يطلق قيدك، وتخرج من حبسك، وترى منزلك من الجنة، ويقال لك: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30]؛ لأن الناس إذا قيدوا أنفسهم في الدنيا بطاعة الله أطلق الله لهم العنان في الجنة يسرحون ويمرحون، ويتنعمون بكل ما لذ وطاب. أما الذي انفلت هنا، وأعرض عن القيد الرباني، وعبد شهوته، يعيش على مزاجه وهواه هذا خاسر حقاً، ينام كما يشاء، ويأكل ما يشاء، وينكح ما يشاء، ويتصرف كما يشاء، وليس لله عليه أمر ولا نهي، لا يعرف لله أمراً، ولا يتقيد ولا يقف لله عند نهي، ولكن سوف يقبض عليه عند الموت، فالناس عند الموت رجلان: رجل مطلق ومفكوك من القيد وداخل الجنة وهو المؤمن. ورجل موثوق مقبوض عليه ومدخل إلى النار وهو الفاجر والعياذ بالله! يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الملائكة تقول له: (يا أيتها النفس الخبيثة -كانت في الجسد الخبيث- اخرجي إلى سخط من الله وغضب) ويقول الله: {كَلَّا لا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّأُ الْأِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [القيامة:11 - 13] وقبلها {يَقُولُ الْأِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ} [القيامة:10] أين المفر؟ ما لك مفر من الله؛ لأن الله يمنعك من كل شيء ولا يمنعك من الله شيء. وجدير بالعاقل -كما قلت لكم- إذا أنعم الله عليه بنعمة الإيمان أن يصبر عليها ولو أن فيها معاناة؛ لأن زماننا هذا، زمن المشقة في المحافظة على الدين (يأتي على الناس زمان يكون فيه القابض على دينه كالقابض على الجمر) الذي يقبض على الجمرة لا يضحك، ولا ينام، الذي يقبض على الجمر تتقطع يداه، تراه يبكي، يتلوى، لكن لا يفكها أبداً، لا يفك دينه، ولو تقطع، ولو حرق، ولو تفتت لا يمكن أبداً لماذا؟ لقد ذاق طعم الإيمان، والحديث في الصحيحين: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان منها وأن يكره أن يعود إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار) وفي مسلم يقول صلى الله عليه وسلم: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً). ولكن نرى ونلمس ونلاحظ ضعفاً وتراخياً وفتوراً، بل تراجعاً وانهزاماً، بل رأينا سقوطاً وردة في صفوف قوم ساروا على الطريق ثم ما رابطوا، وما صبروا ولا صابروا، وما اتقوا الله حتى يفلحوا، وإنما رأوا المسافة بعيدة، وهم ضعاف، والعقبة كئود، وهم هزال، والثمن غال وهم بخلاء، فرجعوا عن طريق الله وباعوا أنفسهم للشيطان، صعب عليهم الصعود في عقبات الإيمان، وسهل عليهم التردي في دركات الكفر والنفاق والمعاصي والشهوات والملذات، ولكن غاب عن أذهانهم عاقبة تلك وعاقبة تلك، عاقبة الصعود: الجنة، وعاقبة الهبوط: النار {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس:9] زكاها: رفعها إلى فوق {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:10] أنزلها إلى تحت، النزول سهل والطلوع صعب، لكن تالية الطلوع عزة، ترون الآن الذي يدرس ست سنوات ابتدائي وست سنوات ثانوي، وثلاث أو أربع جامعة، وبعدها ماجستير، وبعدها دكتوراه، وبعدها يتعب ويعاني لكن تراه وقد صار في منصب، وفي مرتبة عالية ومكانة سامقة. وذاك الذي ترك الدراسة من أول ابتدائي عندما دخل وضربوه قال: والله ليس لي حاجة في هذه الدروس، أريد أن أبقى مع أهلي، وهذا مسكين جلس يعاني من آلام الجهل والذل إلى أن يموت فالمؤمن يصبر، يصبر على المر والذي أمر منه حتى يلقى الله، وذاك الذي نزل وما صبر سوف يلعق المرارة، يلعقها في النار؛ لأنه ما صبر على طاعة بسيطة، وقد ورد في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤتى يوم القيامة برجل من أقل أهل النار عذاباً من له نعلان من نار يغلي منهما دماغه، ويعيش في ضحضاح من النار -وهو أبو طالب - ولا يرى أن في النار أشد عذاباً منه) وفعلاً يا أخي! والله ما نتحمل كوب الشاي الحار، والله ما نتحمل حرارة الجو إلا بمكيف، ما نتحمل حرارة أي شيء، لأننا ضعفاء، إن أجسامكم على النار لا تقوى قال: (فيؤتى بالرجل فيقال له: أتود أن تفتدي مما أنت فيه من العذاب بملء الأرض ذهباً؟ قال: نعم يا رب) لو أن له مثل الأرض وملء الأرض بجبالها وصحاريها وعماراتها ذهباً أحمر لو كان له ذلك لفدى بها نفسه من النار. (قال الله عز وجل له: قد طلبت منك ما هو أهون من ذلك: تعبدني ولا تشرك بي شيئاً، وتطيعني ولا تعصيني) فهل هذا أسهل أو ملء الأرض ذهباً؟ إن طاعة الله أسهل، لكن يحرم المخذول من هذا العمل والعياذ بالله فيندم ندامة ليس بعدها ندامة. يسير كثير من الناس في الطريق، ثم يتساقطون ويتراجعون ويضعفون، وخوفاً من أن يكون هذا الضعف موتاً فسنتحدث عن هذا الموضوع وقد سبقنا إليه كثير من أهل العلم، فقد تحدث عنه شيخ الإسلام ابن تيمية كظاهرة مرضية يتعرض لها المسلم، وتكلم عنه الشيخ ابن القيم رحمه الله في مجمع كتبه، وتكلم عنه في هذا الزمن اثنان من العلماء الأول: الدكتور محمد بن نوح في كتاب له اسمه: (آفات على الطريق) والشيخ الآخر هو عالم من الكويت اسمه الشيخ جاسم بن مهلهل في كتاب له اسمه: (الفتور صوره وأسبابه وعلاجه) وقد أجادا في عرض الموضوع، وقد اقتبست بعض العناصر من هذين الكتابين ومن كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وأضفت عليها ما فتح الله به عليَّ؛ من أجل التحذير والتنبيه لإخواننا المؤمنين المسلمين الذين فتح الله قلوبهم وشرح صدورهم ونور أبصارهم، ودلهم على الطريق، فعليهم أن يتمسكوا بالطريق ولا يرجعوا ولا يتراخوا ولا يضعفوا ولا يتركوا التمسك بالطريق حتى يقفوا عند باب الجنة، ويقال لهم: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر:73] هناك يقولون: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [الزمر:74].

أسباب الحديث عن الضعف والتراخي في حياة الملتزمين

أسباب الحديث عن الضعف والتراخي في حياة الملتزمين إن اختياري لهذا الموضوع نابع من حديث في صحيح البخاري عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة الوقوع فيه). هذا كان صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، يسمونه صاحب الوضوح والكلمة الصادقة، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستأمنه على السر، وهذا الرجل هو الذي جاء بالخبر أيام ليلة الأحزاب، لما تحزب المشركون قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من يأتيني بخبر القوم) فسكتوا جميعاً؛ لأن الضعف البشري ينتاب كل إنسان، والظروف التي كانت تحيط بالصحابة تلك الليلة ظروف صعبة لا تتحملها الجبال: خوف، وفقر، وبرد، ومطر، ورياح عاتية، وجوع، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من يأتيني بخبر القوم وله الجنة) فلم يقم أحد، وهم كلهم يريدون الجنة لكنهم لا يستطيعون القيام، فقواهم انتهت، وإمكانياتهم البشرية تعطلت، لا يستطيع أحد أن يقوم، يقول: (فكررها فما قام أحد، فقال: قم يا حذيفة) اختار الرسول لهذه المهمة الصعبة حذيفة، يقول: (والله لولا أنه نص علي ما قمت) لكن قد قال: قم، ما بقي لي إلا أن أقوم. يقول: (فقمت، فدعا لي، قال: اللهم احفظه من بين يديه ومن خلفه يقول: فأذهب الله ما بي من الجوع، وأذهب الله ما بي من البرد، وأذهب الله ما بي من الخوف، فذهبت) والرسول صلى الله عليه وسلم يعرف الرجال ويعرف من يختار (يقول: فجئت، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: اذهب إليهم وأتني بخبرهم ولا تحدث شيئاً، فذهبت في الليل، ودخلت في صفوف المشركين، ولما دخلت لاحت لي فرصة لقتل أبي سفيان ولكن تذكرت قول الرسول: لا تحدث شيئاً فما فعلت شيئاً، فلما جلسنا قام أبو سفيان وألقى خطبة فيهم وقال: ليعرف كل صاحبه فإن المجالس مدخولة). يقول لهم: كل منكم ينظر من بجانبه، من هو، لئلا يكون هناك غريب يسمع كلامنا، ويأخذ أخبارنا، فماذا صنع حذيفة؟ قال للذي بجانبه: من أنت؟ من أجل ألا يقول له ذلك: من أنت؟ قال: (أتغدى به قبل أن يتعشاني) انظروا كيف الذكاء، فقام أبو سفيان وخطب فيهم وقال: هلك الخف والكراع والحافر. الخف: يعني الإبل، والكراع: يعني الغنم، والحافر: يعني الخيول، يقول: والرياح عاتية، والقدور مقلوبة، والأمطار شديدة، والخلخلة قد حصلت بعدما تخلى اليهود وتخلى بعض القبائل عنهم، ما أرى إلا أن نرحل، فأشار عليهم بهذا الرأي فوافقوا ورحلوا، ورجع حذيفة بن اليمان إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليخبره بخبر رحيلهم {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ} [الأحزاب:25] قال الله: {وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا} [التوبة:26]. هذا حذيفة يقول: (كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. فقلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهتدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله! صفهم لنا؟ قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا. فقلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك الزمان؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام. قال: فاعتزل تلك الفرق كلها لو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك) من هذا الحديث ومن سؤال حذيفة عن الشر نتكلم عن هذا من أجل الذي في نفسه ضعف يقوي نفسه، ومن كان قوياً فأسأل الله أن يقويه حتى يلقى الله.

خطورة الضعف الديني على المسلم

خطورة الضعف الديني على المسلم الضعف أيها الإخوة! والهزال -الهزال الديني- داء ومرض خطير جداً على المسلم؛ لأنه يخشى عليه أن يموت من ورائه؛ يموت إيمانه، وإذا تساهل به ولم يسع إلى علاجه أدى به إلى الانتكاس والانحراف والضلال، ومن الضروري أن يحرص المسلم على الثبات؛ لأنه مهم أن تهتدي ولكن أهم من الهداية أن تثبت لماذا؟ لأنك كلما سرت في طريق الإيمان شرح الله صدرك ونور بصيرتك، وحبب إليك الإيمان، وزينه في قلبك، وجعلك من الراشدين، وكره إليك الكفر والفسوق والعصيان، واكتسبت خبرة وتجربة في طريق الإيمان، فكيف يجوز لك أن ترجع عن الطريق؟ هذا خطأ، فكلما مشى الإنسان في طريق زادت رغبته فيه، أما رجوعك هذا فهو معارض للمعقول، فليس معقولاً أن ترجع وقد ذقت طعم الإيمان وسرت في طريق الإيمان. يقول الله عز وجل وهو يأمر المؤمن بالثبات والأمر موجه للنبي صلى الله عليه وسلم وهو عام للأمة كلها: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] ويخبر الله عز وجل أن عباده يقولون: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8] هذه دعوتهم، و (رحمة): يعني ثبات {إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيما أثر عنه في السنن: (يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على طاعتك وعلى دينك). وكان يقول في دعائه -وهو في السنن أيضاً-: (اللهم اجعل خير عمري آخره، وخير عملي خواتمه، وخير أيامي يوم ألقاك). وفي الترمذي حديث حسن يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله. قالوا: كيف يستعمله يا رسول الله؟ قال: يوفقه إلى عمل صالح ثم يقبضه عليه) هذا معنى استعماله، أن الله يسددك على الدين، ثم يثبتك عليه حتى تموت وأنت على العمل الصالح؛ لأن العبرة بالخواتيم. ولما مرض عبد الله بن مسعود رضي الله عنه -مرض الموت- بكى رضي الله عنه، قيل له: [ما يبكيك؟ قال: والله ما أبكي إلا أن الموت قد أتاني على فترة وكنت أود أن يأتيني في حال اجتهاد] قال: جاءني وأنا متعب وكنت أود أنه جاءني يوم أنا في أحسن درجات الإيمان وأحسن درجات الجد والاجتهاد والجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، لكن نود أن يفهم الناس شيئاً وهو: أنه من الطبيعي في حياة البشر أن يحصل ضعف، ويحصل نوع من الكسل والفتور؛ لأن الإنسان لا يبقى على درجة واحدة، فالإنسان جهاز عجيب فما هو مكينة تضبطه على معيار واحد لا. وما سمي الإنسان إنساناً إلا لنسيانه، ولا القلب إلا أنه يتقلب، وإن هذه القلوب لها إقبال ولها إدبار، وصعود وهبوط، ومد وجزر، تقوى وتضعف هذه حالات القلوب. ولهذا جاء في الحديث -والحديث في مسند أحمد - يقول عليه الصلاة والسلام: (إن لكل عمل شرة) كل عمل تسير فيه له قوة، وحرارة، ورغبة، فأنت عندما تبدأ في الوظيفة تبدأ بنشاط ولكن بعد شهرين أو ثلاثة يضعف ذلك النشاط. إذا اشتريت سيارة فإنك تحبها، وكل يوم وأنت تنظر إليها، وتمسحها في الغداة والعشي، وبعضهم ينفخ المفتاح قبل أن يدخله في المغلقة، من أجل ألا يكون عليه غبار، وينظفها، ولكن بعد شهرين أو ثلاثة تكون وسخة؛ لأنه ليس لديه وقت ليمسحها. وإذا تزوج شخص لا تسأله عن أيام الزواج، لكن بعد أسبوع أو أسبوعين إذ بالمشاكل قائمة فكل عمل في الدنيا له شرة، وله حدة، وله قوة (ولكل شرة فترة) وهذا حديث في مسند أحمد (إن لكل عمل شرة، ولكل شرة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد هدي، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك) يعني: هناك مستوى أدنى، السنة المستوى الأدنى فيها، والسنة المستوى الأعلى فيها وأنت بين المستويين تصعد إلى المستوى الأعلى في السنة، وإياك أن تطلع، لأنك إذا طلعت قفزت من المستوى الأعلى في الدين، وتنزل إلى المستوى الأدنى في السنة، ولكن لا تنزل، فإذا نزلت خرجت من الدين، وأن تتراوح حينما تنشط وتأتي بالفرائض، وتأتي بالرواتب، وتأتي بالنوافل، وتأتي بقيام الليل، تأتي بركعتي الضحى، وإذا ضعفت مرة تخليت عن ركعتي الظهر، وإذا ضعفت مرة كسلت عن قيام الليل، لكن لا يمكن أن تترك الرواتب ولا الفرائض؛ لأنها آخر خطوط الدفاع عندك، آخر خط للدفاع عندك الفريضة والراتبة، بعدها انتبه! إذا تركت الفريضة والراتبة كفرت، وإذا تركت الراتبة ضعفت وهزلت؛ لأنه من ترك الراتبة فإنه يوشك أن يترك الفريضة، فكثير من الناس الآن يصلي الفرائض ثم يخرج ماذا بك؟ قال: يا شيخ! قد صليت المكتوبات. حسناً وهذه من الذي سنها؟ إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال: (عليكم بسنتي) إن هذه هي خط الدفاع من أجل أن تأتي يوم القيامة إذا حوسبت ونقصت فرائضك قال الله: انظروا هل لعبدي من نوافل، هل تضمن أنك صليت العشاء أربع ركعات وما وسوست فيها لحظة واحدة؟ لا. فقد لا يحسب لك إلا ركعة واحدة وثلاث ركعات في الخلاء، ويمكن أن لك اثنتين واثنتين في البيت، فاجعل لك رواتب، فأنت إذا نزلت في مستوى فإنك لا تغادر هذا المستوى إلى النزول إذ ليس من المعقول أن تكون فترتك إلى غير ذلك. روى مسلم عن حنظلة بن الربيع الأسيدي -هذا كاتب الوحي، غير حنظلة بن عامر الأسدي غسيل الملائكة، شهيد يوم أحد. أما هذا فاسمه حنظلة بن الربيع الأسيدي، وهو كاتب وحي النبي صلى الله عليه وسلم وهذا في مسلم - يقول: خرجت يوماً فلقيت أبا بكر الصديق فقلت له: يا أبا بكر! نافق حنظلة، نافق حنظلة، قال: وما ذاك؟ قال: نكون مع رسول الله يحدثنا بالجنة والنار حتى لكأننا نراها رأي العين، فإذا خرجنا منه عاسفنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنكون على وضع آخر غير الوضع الأول! فقال أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه -وكان عنده إيمان مثل الجبال ما قال: إنك معقد لا- قال: وأنا والله مثلك، هيا إلى رسول الله، فذهبا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبراه قال: (يا حنظلة! لو أنكم تبقون كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة في الطرقات، ولكن ساعة وساعة يا حنظلة) يعني: يرتفع إيمانك إلى أعلى درجات؛ لأن تكون من الملائكة بحيث تصافحك الملائكة في الطرقات، وينزل إلى أن تكون محافظاً على الطاعات، محافظاً على الفرائض، لكن مبتعداً عن المعاصي وعن الكبائر والمنكرات هذا معنى الضعف والتراخي البسيط الذي هو من طبيعة البشر. قد تنشط في الصوم فتصوم أياماً، لكن تأتي عليك فترة من الفترات فتقول: والله ما استطعت أن أصوم، لكن الفريضة لا تتركها، قد تنشط في النفقات والزكاة والإخراج والإعطاء، لكن يأتي يوم من الأيام ليست عندك شيء فلا تنفقه، ولكن لا يمكن أن تترك الزكاة إذا كان عندك نصابها وتحققت عندك شروطها. فقد تنشط في قراءة القرآن فتقرأ في كل يوم عشرة أجزاء، بعد كل فريضة جزئين، وفي اليوم الواحد عشرة أجزاء، يعني في الثلاثة أيام تختم القرآن، لكن يأتيك شغل، ويأتيك ضعف، وسيأتيك فتور فتقرأ في كل يوم جزءاً واحداً، بمعنى أنك في الحد الأدنى؛ لأن الذي لا يختم في كل يوم جزءاً هاجر للقرآن الكريم، أريد من إخواننا أن يعلموا هذا المستوى، لا بد أن تختم في كل يوم جزءاً بمعنى أنك تختم القرآن في كل شهر مرة؛ لأنه من مرت عليه ثلاثون ليلة وما ختم فيها كتاب الله فهو هاجر لكتاب الله عز وجل، وهذا ليس صعباً، بل هو سهل جداً تأخذه في ثلث ساعة أو في نصف ساعة مع التدبر والتأمل والتجويد، لكن الشيطان يضيع أوقاتنا -والعياذ بالله- حتى نخرج من أربع وعشرين ساعة وما قرأنا فيها جزءاً من كتاب الله عز وجل ثم نقول: لم تقسوا قلوبنا؟ تقسوا قلوبنا لأننا أعرضنا عن مادتها وحياتها وعن سبب لينها وهو كتاب الله تبارك وتعالى.

مظاهر الضعف الديني

مظاهر الضعف الديني لعل سائلاً يسأل ويقول: ما مظاهر الضعف؟ نريد أشكاله؟ كيف أعرف أنني ضعيف أو لا؟ مظاهره كثيرة من ضمن ذلك:-

سوء الترتيب في أولويات العمل في الدين

سوء الترتيب في أولويات العمل في الدين من مظاهر الضعف: سوء الترتيب في أولويات العمل في الدين، فترى الواحد يتحرز تحرزاً كبيراً من النجاسة، ولكنه لا يتحرز من الغيبة والنميمة والبهتان، إذا شعر بأن جزئية بسيطة من النجاسة في ثوبه جاءه قلق وهذا طيب، لكن تراه يجلس في المجلس من حين يجلس إلى أن يقوم وهو يغتاب ويأكل ويبهت وخصوصاً في العلماء؛ فبعض طلبة العلم هداهم الله مجالسهم مشرحة فيها لحوم العلماء، وهذا من أكبر الأخطاء على من ينال من العلماء؛ لأن العالم أو الداعية بشر يمكن أن يخطئ والخطأ يرد عليه، ولكن إذا أخطأ بعد اجتهاد فله أجر، وإذا أصاب بعد اجتهاد فله أجران، ولكن أنت يوم أن أردت أن تشرح لحمه وأن تأكل عرضه حصل عليك الإثم؛ لأن لحوم العلماء مسمومة، ودماؤهم مصونة، وعادة الله في الذين ينالون منهم معلومة. فأنت عندما لا تتحرز من البسيط ثم تقع في الكبير، هذا يدل على ضعف في إيمانك، هذه ظاهرة تدل على أن عندك ضعفاً، إذ لو أن عندك قوة في دينك وإيمانك ما تحرزت من الصغير ووقعت في الكبير، بل حرصت على عدم الوقوع في الكبير أولاً والصغير ثانياً. وتراه يكثر من الصدقة لكن أمواله في البنوك في الربا، والله طيب لا يقبل إلا طيباً، يقول الناظم: أمطعمة الأيتام من كسب فرجها لك الويل لا تزني ولا تتصدقي أمواله حرام ويبني مسجداً أمواله حرام ويتصدق على الفقراء والمساكين. يا أخي: الله طيب لا يقبل إلا طيباً، ريال حلال تنفقه والله إنه أعظم عند الله من مليون حرام؛ لأن الله يقبل منك الريال الحلال ويربيه كما يربي أحدنا فلوة حتى يكون كالجبل. وأما الحرام فإن الله يقول: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23]. أيضاً: تجده يتصدق ولكن لا يبالي بتحليل لقمة العيش في عمله الوظيفي، يجيء الساعة التاسعة والنصف ويخرج الساعة الواحدة، يضيع ساعتين من الدوام في أولها وساعة ونصف في آخر الدوام ماذا بك؟ قال: ما عندي عمل!! هذا مسكين، هذا أكل راتباً حراماً، فلابد أن تحضر في أول دقيقة وتنصرف في آخر دقيقة إذا كنت تخاف الله، ولا تتذرع بأنه ما عندك عمل، فإن هذه الوظيفة مرابطة إن كان عندك عمل فاعمل، وإن كان ليس عندك عمل فاستعد للعمل، أما أن تتذرع بأنه ليس عندك عمل لا. فأنت مستأجر سبع ساعات، أجير عند الدولة، تأخذ راتبها في آخر الشهر، إلا إذا كنت تتأخر وتأتي آخر الشهر تحسب ساعات العمل وتقول: هذه لي والباقي لكم. لكن من الذي يعملها الآن؟؟ لو خصموا عليه عشرة ريالات أرغى وأزبد وأقام الدنيا وأقعدها، لكن كل يوم يخصم ساعتين أو ثلاث من الدوام ويضيعها من مصالح المسلمين، والذي ترونه الآن من تراكم المعاملات وضياع حقوق الناس كلها بسبب عدم قيام الموظفين بالدوام الرسمي، والله لو أن الموظفين يحضرون أول الدوام وينصرفون آخره، ما تتأخر معاملة عند شخص يوماً واحداً، لكن بعض المعاملات تقعد في مكتب الموظف أسبوعاً أو شهراً أو شهرين لماذا؟ لأنه يأتي متأخراً، وبعدما يأتي يقول: هات الشاي يا ولد، ثم يأتون إليه بالفطور نصف ساعة فطور وكلام! وبعدها يقرأ الجرائد وبعدها قال: أذن الظهر، وخرج يصلي، وبعد صلاة الظهر يأتي المراجعون قال: يا جماعة بعد الظهر ماذا تريدوني أن أعمل؟ أنا مكينة؟! أنا تعبت يا جماعة، تعالوا غداً، ويؤخر معاملات الناس، لكن لو جاء مبكراً هل يظل جالساً إلى أن يأتيه النوم؟ لا. أنا أعرف بعض الموظفين الطيبين يعملون سبع ساعات تماماً، سبعة ونص وهو على الطاولة يقول: والله إني أفرح بالمراجع إذا جاء، وأفرح بالسكرتير عندما يأتيني بالمعاملات، وأفرح بالكاتب الوارد عندما يحضر المعاملات، لماذا؟ يقول: من أجل أن أتسلى على الأقل، فأقرؤها من أساسها، أقرأ الورقة الأولى والثانية والشروحات ودورة المعاملة وأخرج بنتيجة وأعطيه إجراء ولا تعود عليَّ، لكن ذاك الذي يمررها لا يقرأ آخر كلمة ويقول: لإجراء اللازم. وبعض الموظفين يكون مسئولاً أو مديراً أو رئيس قسم يقول للسكرتير: اشرحها من عندك، واعطني أوقع فيها، والله ما درس فيها ولا شيء لماذا هذا؟ لأنه ما صرف وقت دوامه في خدمة المسلمين وبالتالي ترتب على هذا أكله للحرام، وتراه ينفق ويتصدق وهذا من ضعف دينه، إذ لو أن في دينه صلابة وقوة لحرص على أن تكون لقمة عيشه حلالاً. وأيضاً ترى بعض الناس يتهجد طوال الليل لكن ينام عن صلاة الفجر، يقوم مثلاً الساعة الثالثة والنصف أو الرابعة ويصلي، فإذا بقي على الفجر نصف ساعة جاءه الشيطان قال: باقي نصف ساعة نم قليلاً، ونام ومنها إلى الساعة السادسة والنصف أو السابعة هذا مسكين والله لو صلى الدهر كله وما صلى الفجر في المسجد فما له من عمله إلا الخيبة؛ لأن صلاة الفجر في المسجد علامة الإيمان، وعدم الصلاة للفجر في المسجد علامة النفاق والحديث في الصحيحين تعرفونه: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاتي العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً) وتراه يبالغ في رفع ثوبه وتقصيره ولكن لا يهتم بنظافة عينه، ثوبه قصير لكن عينه خربة ينظر إلى النساء، هذا أيضاً هزيل في دينه، إذا رأى امرأة نظر إليها ويعرف أن الله عز وجل يراه. وتراه يبالغ في تسريح لحيته وتنظيفها ولا يهتم بتنظيف قلبه من الحقد والحسد والغيظ والغضب والأمراض الخطيرة التي تحرق الدين والإيمان، يغضب على فلان، ويحسد فلاناً ويسب فلاناً. يا أخي! اللحية هذه مظهر من مظاهر الرجولة وسنة من سنن النبوة لكنها يتبعها أشياء أخرى، يتبعها أشياء في القلب، فإذا تممت باطنك بصلاح ظاهرك كان أفضل، لكن إذا كان الظاهر صالحاً والباطن سيئاً -والعياذ بالله- هذا يدل على أنه ما عرف الحقيقة، وأنه هزيل في إيمانه، وضعيف في دينه؛ وبالتالي يخشى عليه إذ لا تغني عنه هذه المظاهر شيئاً. ومثل هؤلاء مثل إخوة يوسف عليه السلام لما رجعوا بعدما رموا أخاهم يوسف في الجب رجعوا إلى مصر، وكانت تمر إبلهم في المزارع، والمزارع من هنا ومن هنا، وعندهم دقة لا يريدون الجمل أن يأكل من المزرعة فكانوا يكممون أفواه الإبل -نسميها فدامة- وهي قطعة من الخيش من أجل ألا يأكل لماذا؟ قال: حرام يأكل من هذا! وقذف يوسف في الجب حرام أم حلال؟! ومثل بعض الذين قتلوا الحسين كانوا يسألون ويستفتون عن حكم دم البعوضة ولا يستفتون عن حكم دم الحسين وإراقته هذا من سوء الترتيب في العمل الإسلامي.

الجدل والمراء والتعصب للرأي

الجدل والمراء والتعصب للرأي أيضاً: من صوره: الحوار والجدل والمراء والنقاش والتعصب، إذا وجدت إنساناً وهو جالس في مجلس من المجالس وهو طالب علم وجالس يتحفز إذا تكلم كأنه يضارب، ما بقي إلا أن يأخذ العصا ويضرب به فاعلم أنه مسكين ضعيف لماذا؟ لأن الحوار والنقاش إذا كان لله فإنه يكون -أولاً- بحثاً عن الحق لا انتصاراً للنفس؛ لأن الحكمة ضالة المؤمن، وهو أولى الناس بها إذا وجدها، إذا ضاع عليك بعير ولقيه شخص لك ماذا تقول له؟ تقول له: جزاك الله خيراً أو تقول له: مالك ولبعيري؟ كان عليك أن تتركه. شخص تباحثت أنت وهو فجاء الحق على لسانه ماذا تقول؟ تقول: جزاك الله خيراً، إنني أبحث والله عن الحق وما دام أنك وجدته قبلي الله يجزيك الخير، أنا أبحث عن الحق، والحق ضالتي، أنا أبحث عنها. لكن إذا كان النقاش لغير الله تولدت الحساسات، وتولدت الخصومات، وتحفز الواحد، وانتفخت أوداجه، وبرزت عيونه، وارتفع صوته وقام، وما بقي إلا أن يضارب، تقول له: بالدليل يقول: لا. هذه الآية الكريمة معناها كذا. هذا الحديث. قال: ما هو بصحيح، قال العلماء فيه غير ذلك؛ لأن هدفه الانتصار لنفسه لا الانتصار للحق. وما موقفك أنت من هذا؟ إذا وجدت مجلساً مثل هذا فقم، وقل السلام عليكم، يقول المسلم: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ} [القصص:55] وبعد ذلك: هناك ثواب لك، يقول صلى الله عليه وسلم: (أنا كفيل ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً) والمجادلة يقول الله فيها: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] ويقول: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت:46] بالتي هي أفضل ليس بالمضاربة، والشافعي يقول: ما ناقشني عالم إلا غلبته، ولا ناقشني جاهل إلا غلبني. قالوا: كيف؟ قال: العالم يناقشني بالدليل فأغلبه بالدليل، والجاهل يناقشني بالصميل وما عندي صميل؛ لأن ذلك لا يريد أن يغلبك غصباً فهذا من أسباب الضعف أن ترى الحوارات، وإذا رأيت واحداً ما بقي إلا أن يفتري على الله أوقفه؛ لأن الله عز وجل نهى عن سب آلهة الكفار رغم أن سبها طاعة لله، لكن حتى لا يسب الكفار إله النبي صلى الله عليه وسلم فقال الله: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:108] فأنت لا توصلها مع هذا إلى درجة تجعله يمكن أن يكفر فيرد آية أو حديثاً، وإنما قل: شكراً، جزاك الله خيراً وأنت على حق، ونسأل الله أن يهدينا وإياك إلى سواء السبيل، وقم.

الترف العلمي

الترف العلمي من مظاهر الضعف الديني: المراء والجدل العقيم والترف العلمي، فما هو الترف العلمي؟ أن يملأ الإنسان مجلسه بالأشياء التي لا تنفعه، شخص يسأل ويقول: هل الملائكة ترى الله؟ قلت: يا أخي! ليس هذا من شأنك ترى الله أو ما ترى الله، هل تتعبد إلى الله بهذا؟! شخص من الناس سألني قال: هل خلقت الجبال قبل الأرض أو الأرض قبل الجبال؟ قلت: كم أركان الإسلام؟ قال: لا أدري؟ قلت: اسألني هذا السؤال يا أخي! أما الجبال قبل أو الأرض كلها من آيات الله، والله تعالى {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23] فهذا من الترف العلمي: أن يخوض الناس في قضايا لا تنفعهم، يسمونه العلم الفضلة، الذي العلم يكون به لا ينفع والجهل به لا يضر، لماذا تتعلمه؟ تعلم ما ينفعك في دينك وآخرتك إذا كنت من أهل الإيمان القوي إن شاء الله.

التجاوز والتبذير في المباحات

التجاوز والتبذير في المباحات أيضاً: من مظاهر الضعف: الإسراف والإغراق والتجاوز والتبذير في المباحات، فلا يكفيه ثوب بستين ريالاً، لابد من ثوب بثلاثمائة، ولا يكفيه (كوت) يأخذه من البالات بخمسة عشر أو بعشرين بل يريد (كوتاً) بأربعمائة لماذا؟ قال: تفصيل!! وبدل أن يأخذ أحذية بخمسة وعشرين أو بثلاثين يأخذ أحذية بأربعمائة لماذا؟ قال: هذا لماع. لا يا أخي! يجب أن تتواضع وأن تكون معتدلاً، لا نقول لك أن تلبس كيساً بل البس ثوباً أبيض، والبس غترة حسنة، والبس ملابس طيبة لكن كن معتدلاً، والزيادة التي عندك صرفها وأرسلها إلى إخوانك الذين يموتون جوعاً. تذكر الصحف اليوم أن المجاهدين في شمال أفغانستان يبيعون أسلحتهم ليشتروا طعاماً لأبنائهم، ونحن نرمي الطعام في الزبالات، الله أكبر! تموت الأسد في الغابات جوعاً ولحم الضأن تأكله الكلاب الكلاب الآن لا تأكل الرز إلا مطبوخاً ولا تقول شكراً لا نريد، الكلاب شبعت والأسود في غابات الأفغان تموت جوعاً ويبيع الواحد سلاحه من أجل ألا تموت زوجته وأطفاله أين نحن -أيها الإخوان- من إخواننا؟! ألا إنا لله وإنا إليه راجعون! هنا وهناك عليكم بالتبرع والمساهمة لإخواننا -أيها الإخوة- لا نغفل عن إخواننا؛ لأننا إن غفلنا برهنا على أننا لسنا كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى سائر الجسد بالسهر والحمى (المؤمن للمؤمن كالبيان يشد بعضه بعضاً) كيف -يا أخي- تنام، وكيف تشبع، وكيف يضيمك بطنك من الأكل، وأخوك يموت من الجوع ويبيع سلاحه من أجل أن يعشي ابنته أو ولده؟! هناك مائتا طفل يموتون يومياً من الجوع! ونحن نموت من الشبع، تفقعت بطوننا! لا إله إلا الله فالإسراف والإغراق في المباحات كلها مظاهر بعض الناس اليوم يهتم بشكله ويمكث أمام المرآة ساعة، يتزين ويجمل نفسه. يا أخي!! والله لو تمكث تتزين فإن جمالك ليس هو بهذا الشكل، جمالك في مروءتك وفي دينك وقوتك ويقينك وزهدك وورعك، أنتم ترون بعض العلماء الآن مثل الشيخ عبد العزيز بن باز -الله يمتعنا بحياته- لا يهتم بشكله، ثوبه قد رأيتموه، وغترته، وبشته، لكن ما رأيكم فيه؟ لا أحد يراه إلا يمتلئ قلبه حباً في الله تبارك وتعالى، لماذا؟ لأن المظهر ليس كل شيء، وعلى الإنسان أن يهتم بمظهره ولكن في حدود المعقول، بحيث لا يصبح المظهر شغله الشاغل، فلا تسرف ولا تكثر ولا تغرق في المباحات.

قسوة القلب وتحجره

قسوة القلب وتحجره أيضاً من مظاهر الضعف والتراخي: قسوة القلب وتحجره، وعدم تأثره بالقرآن، وعدم تأثره بالموت، وعدم زيارته للقبور هذا ضعف من القلب، يقول الله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:22]. وعلامة لين القلب أو قسوته الطاعات، فالذي يقوم بالطاعات ويترك المعاصي هذا قلبه لين، والذي قلبه متحجر يؤثر تحجر قلبه في الطاعات فلا يأتي بها، ويؤثر تحجر قلبه في المعاصي فيمارسها.

عدم الجدية في تلقي أمر الله

عدم الجدية في تلقي أمر الله أيضاً من مظاهر الضعف والتراخي: عدم الجدية في تلقي أمر الله، فينهار إيمانه ويتآكل لماذا؟ لا يأخذ الأمر بجدية، فيسمع المؤذن ويقوم يصلي، لكن ليس جدياً أن هذا أمر الله، وأن هذه فريضة الله ويقوم بسرعة، يسمع أن العادة السرية حرام بأدلة من الكتاب والسنة لكن ما هو جدي في رفضها وإنما تجده مرة يترك ومرة يقع، ما عنده قوة، يسمع أن النظر إلى المحرمات حرام ولكنه ينظر، يسمع أن الأغاني حرام ولكن يحاول أن يسمع، ما هو جدي، إذ يجب أن تأخذ الدين بقوة؛ لأن الله يقول: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} [المزمل:5] هذا دين ثمنه الجنة، وليس بلعب، لا تأخذه وأنت تمشي وتعرج لا، بل خذه بقوة، يقول الله: {وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ} [الأعراف:145] يجب أن تبادر إلى ترك ما هو حرام مثل الأغاني فتقول: لا أسمعها، ولا أنظر إلى ما حرم الله، وسأبادر إلى الصلاة في المسجد هذا معنى القوة في الدين، لكن الضعف والتذبذب والتراخي هذا يجعلك ترتج، والمرجوج دائماً سهل أنك ترمي به، وإذا جئت إلى شخص ثابت فإنك تراه ثابتاً، والشيطان واقف لك بالمرصاد، فإن رآك ثابتاً رجع، وإن رآك متذبذباً جعلك تسقط وإذا بك في جهنم ولا حول ولا قوة إلا بالله! هذه بعض مظاهر الضعف.

أسباب الضعف والتراخي في التدين

أسباب الضعف والتراخي في التدين أما أسبابه فكثيرة، منها وأهمها وأخطرها:- من أسباب الضعف: الغلو والتشدد وعدم الاعتدال والسير في الطريق الذي رسمه النبي صلى الله عليه وسلم، ويؤدي عدم الاعتدال إلى الانقطاع؛ لأن المْنْبَتَّ لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع، من هو المْنْبَتَّ؟ المنبت: هو الذي يريد أن يسافر -مثلاً- من هنا إلى جدة على الجمال، ومعه جمل، وكانوا يأخذونه على مرحلتين، لكنه قال: سآخذها في مرحلة واحدة ومشى وفي نصف المرحلة إذا بجمله يموت ومات هو جوعاً، فلو أنه قعد يستريح ويتعشى وصل، ولهذا قالوا: المنبت (يعني الذي يتجاوز الحد) لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، لا هو قطع الطريق ولا هو أبقى لنفسه ولا جمله وإنما قطع ظهره وما قطع المسافة. فالمتشدد الغالي الجافي، الذي يتنطع ويتجاوز السنة، ولا يُفهم -أيها الإخوة- التشدد أنه السنة، بعض الناس الذي هو ضعيف متسيب تارك للدين إذا رأى أهل السنة قال: هؤلاء متنطعون، فأهل السنة الذين يقيمون أوامر الله هؤلاء ليسوا بمتنطعين، لكن من هو المتشدد؟ المتشدد له صور، ولكن قبل الصور نبين الأدلة على التحذير من التشدد، يقول عليه الصلاة والسلام فيما أخرج الإمام أحمد: (إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو) ويقول صلى الله عليه وسلم: (هلك المتنطعون) رواه مسلم وفي البخاري يقول عليه الصلاة والسلام: (إن هذا الدين يسر، ولم يشاد الدين أحد إلا غلبه). وصور أو مظاهر التشدد ما ثبت في البخاري، عن عثمان بن مضعون: أن ثلاثة من النفر سألوا عن عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءوا إلى بيت الرسول وسألوا عن عبادته، فلما أخبروا بها كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقال أحدهم: أما أنا فلا أنام الليل أبداً، والثاني قال: وأما أنا فلا أتزوج النساء أبداً، وأما الثالث فقال: وأما أنا فلا أفطر الدهر أبداً -أصوم دائماً-. فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخبر عرف أن هذا يتعارض مع منهج النبوة، ومع طبيعة الإسلام والدين، وأن هذا دين النصارى الرهبانية؛ فناداهم وقال: (ما بال أقوام يعملون ويقولون كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، ولكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء وآكل اللحم، فمن رغب عن سنتي فليس مني) فمظاهر التشدد أنك تصوم الدهر كله وهذا مظهر لا ينبغي لك فعله، ومن مظاهر التشدد أنك تقوم الليل كله وهذا لا ينبغي لك، فلنفسك حق ولأهلك حق ولعملك حق ولهذا الذي يقوم الليل كله من العشاء إلى الفجر بعد ذلك يترك القيام كلياً، لكن لو قام نصف ساعة فصلى ركعتين أو أربعاً أو ستاً أو ثمان أو أحد عشر وهي أعلى شيء وهو الهدي النبوي! ما أعظم من ذلك! لأن الدين وسط، والله يقول: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} [البقرة:143] والوسطية تعني الاعتدال في بعض مفاهيمها. أيضاً: من صور الغلو ما نسمع، حيث سمعنا وما ندري هذا الكلام صحيح أن هناك أناساً يقولون: لا نستخدم الكهرباء في بيوتنا! لماذا؟! قال: لأن الكهرباء هذه آلة تشغل عليها آلات الباطل، والهواء الذي نستنشقه أنت أليس أهل الباطل يستنشقونه؟ والماء الذي أنت تشربه أليس أهل الباطل يشربونه؟ والأرض التي تسير عليها أليس أهل الباطل يسيرون عليها؟ هذا منكر وهذا لا يجوز يا أخي! فالكهرباء نعمة من نعم الله يمكن أن تستخدمها في طاعة الله، ويمكن أن تستخدمها في معصية الله، مثل الماء يمكن أن تستخدمه في طاعة الله فتشربه وتستعين به على الطاعة، ويمكن أن تشربه وتستعين به على المعصية، ومثل الزاد الذي تأكله، فالمؤمن يأكل من نعم الله ويقوم بها في طاعة الله، والفاجر يأكل من نعم الله ويقوم بها في معصية الله، كل النعم في الدنيا سلاح ذو حدين إن استعملتها في الخير فهي خير، وإن استعملتها في الشر فهي شر. يقول لي أحد الأشخاص: بأنه جاء إلى مسجد والناس يكادون يموتون من الحر في مدينة من المدن التي فيها جو حار يقول: والمكيف مقفل، والمراوح مقفلة، والإمام يصلي بهم وعرقهم يصب وهم في حالة من التعب لا يعلمها إلا الله! يقول: صلى معهم ركعتين في التراويح ولما سلم قال لهم: شغلوا المكيف والمروحة فقال له الإمام بعد أن تلفت فيه قال: من أين جئت أنت؟ قال: جئت من الأرض أريد أن أصلي معكم. قال: لا. المكيف ما نشغله. قلت: لماذا؟ قال: لأنه يفسد علينا خشوعنا سبحان الله العظيم! هذا من التشدد في الدين، بل على العكس الذي يفسد عليك خشوعك الحر، فإذا كيفت الجو وصار الجو بارداً وجميلاً فإنك تخشع في قلبك، لكن عندما تكون كأنك في فرن كيف تخشع؟ تريد أن تنفك من الصلاة بأي وسيلة فهذا من مظاهر الغلو والتشدد. ومن مظاهر الغلو والتشدد: الغلو في رفع الثوب، من الشباب من يقصر ثوبه؛ لأن إسبال الثوب حرام، فما تحت الكعبين ففي النار، والإسبال من المخيلة (وثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره، والمنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب). وفي الحديث: (نعم الرجل خريم الأسدي لولا طول ذمته وإسبال إزاره) ومعك مجال من نصف الساق إلى فوق الكعب فبإمكانك أن ترخي ثوبك إلى فوق كعبك، لكن من الناس من يغلو ويرفع ثوبه إلى ركبته، فقد رأيت أحد الشباب ثوبه إلى ركبته كأنه (فنيلة) وليس ثوباً! قلت له: يا أخي تعال تعال ماذا بك؟ قال: هذه السنة. قلت: لا. ليست السنة، أين السنة؟ هل السنة إلى نصف الساق؟ قال: نعم. قلت: تعال، فلما قمت بقياس ما بين كعبه إلى ركبته، وإذا به بقي شبر بينه وبينها، قلت له: ليست السنة هكذا يا أخي؟ لماذا تريد أن تظهر أمام الناس أنك متدين؟ هذا رياء، تريد أن تلبس ثوب شهرة؟ (من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة) لماذا يا أخي! نضع على أنفسنا علامة استفهام بين الناس؟ عندما نشعر الناس بأننا جنس غيرهم؟ نحن من المسلمين، ونحن يجب أن نتعايش في حدود ما يسمح به الإسلام والدين، فإذا أباح الإسلام لي أني أنزل ثوبي إلى الكعب فمن حقي أن أنزل ثوبي إلى فوق الكعب، أما أن أرفعه إلى الركبة فهذا تشدد ما أنزل الله به من سلطان، وراقبوا هذا الذي ثوبه إلى الركبة سنتين أو ثلاثاً وتعالوا وانظروا وإذا بثوبه تحت رجله وقد ترك الدين بالكلية لماذا؟ لأنه غلا، ومن تجاوز الحد انقلب إلى الضد. ومن مظاهر التشدد: المبالغة في رفع اليدين ووضعها على الصدر، فقد ورد حديث في البخاري عن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على اليسرى) وفي الزيادة: (على صدره) في صحيح ابن خزيمة، زيادة على شرط البخاري (على صدره) والصدر يبدأ من عظام القفص الصدري إلى نهايتها، لكن لماذا تجعلها على عنقك؟ هذا غلو، أم تريد أن تشعر الناس أنك من أهل السنة؟ فهذا رياء، بل سر في الوسط؛ لأنك وسط. أيضاً: من مظاهر التشدد ما نلمسه عند بعض الإخوان في المراصة في الصفوف، إذا جاء في الصفوف الأصل في السنة أنك تقف وبعد ذلك تقترب من الذي بجانبك مما يلي الإمام، وذاك يقترب من الذي بجانبه مما يلي الإمام، بحيث يتراصون ويتقاربون ولا يبدون ولا يبقون فرجة، فإن الفُرَج إذا بقيت بين الصفوف دخل منها الشيطان كالحذف يعني: كالبهمة الصغيرة، هذا الأصل، لكن بعض الناس لا يريدك أن تقترب منه، فإذا قربت منه ابتعد عنك، فتضطر أن تصلح خطأه فتفتح رجليك ثم يبتعد منك فتفتح رجليك انفتاحاً شديداً. وهذا لا ينبغي بل على كل مسلم أن يكون قريباً من أخيه المسلم. أيضاً من التشدد والمبالغة: ما نلمس عند بعض الإخوة وهو يسجد، المجافاة سنة، أن تجافي بين عضديك وجنبيك، وبين بطنك وفخذيك فهذا من السنة، لكن بعض الإخوة يبالغ ويمتد كأنه سينام، وبعضهم يربض كما تربض الشاة، فكلا الأمرين خطأ سواء كان تساهلاً أو تشدداً.

عدم إعداد النفس وترويضها

عدم إعداد النفس وترويضها السبب الثاني: عدم إعداد النفس وترويضها على معوقات الطريق، أي: أَشْعِر نفسك وأنت تهتدي أنه لا بد لك من صبر؛ لأن الطريق صعبة، يقول ابن القيم: يا قليل العزم إن الطريق شاق، والعقبة كئود، ناح فيها نوح، وألقي فيها في النار إبراهيم، وذبح فيها إسماعيل، وشج فيها وجه النبي صلى الله عليه وسلم، وقتل فيها عمر وطعن، وضرب فيها عثمان وذبح، وضرب فيها علي وذبح، وجماجم الشهداء إلى يوم القيامة لو جمعت لكانت مثل الجبال. فالإيمان لابد له من جهد، فعليك أن تعود نفسك وتروضها وتعدها ابتداءً لهذه المسائل، ولذا نلمس ونجد في القرآن الكريم التأكيد على هذه الناحية، يقول الله عز وجل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [الأنفال:28] ويقول: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران:179] يعني: بالبلاء، ويقول: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:1 - 3] ويقول عز وجل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد:3] فلا بد من الابتلاء، فقد تبتلى بزوجة سيئة، أو تبتلى بأب عنيد، أو بأم عنيدة، أو ببلاء، أو بمدير، أو بزميل، تبتلى بمجتمع لا بد أن تصبر حتى إذا فاجأتك العقبات في الطريق وإذا عندك استعداد على أن تثبت حتى تلقى الله عز وجل.

الاستهانة بالذنوب

الاستهانة بالذنوب من أسباب الضعف: الاستهانة بالذنوب خصوصاً الصغائر حتى يسقط العبد من عين الله، ويسود قلبه، يروي الإمام مسلم حديثاً صحيحاً يقول عليه الصلاة والسلام: (تعرض الذنوب على القلوب عوداً عوداً كالحصير، فأيما قلب أنكرها صقل، وأيما قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، حتى تصير القلوب على قلبين: على أسود مرباد كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً إلا ما أشرب من هواه، وعلى أبيض كالصفا لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض) انظروا كيف ترد الذنوب على القلب كالعود، كالحصير عوداً عوداً، وأي قلب يرد الذنب ويعرض عنه يصقل، وأي قلب يقبل الذنب ينقط نقطة واثنتين وثلاث وأربع إلى أن يسود قلبك، وذاك تمسحه حتى يظل قلبك مثل الصفا لا تضرك فتنة ما دامت السماوات والأرض. وفي الحديث الآخر في مسند أحمد يقول عليه الصلاة والسلام: (إياكم ومحقرات الذنوب فإنها تجتمع على المرء حتى تهلكه).

التفريط في الواجبات

التفريط في الواجبات من أسباب الضعف: التفريط في الواجبات وفي عمل اليوم والليلة، كالنوم عن الصلاة خصوصاً صلاة الفجر، أو ترك السنن الراتبة، وعدم المحافظة على أذكار الصباح والمساء، وهذه من أعظم ما يحفظ الله به المؤمن: الاستدامة على الذكر، أذكار الصباح والمساء وأذكار الأحوال والمناسبات هذه من كثرة ذكر الله؛ لأنك ما دمت ذاكراً فالله معك، يقول الله: (أنا مع عبدي ما ذكرني أو تحركت بي شفتاه) والله يقول: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] وما دمت تذكر الله فالله يذكرك، وإذا ذكرك الله لا يستطيع الشيطان عليك، فالتفريط في أذكار الصباح والمساء وترك الأذكار سبب من أسباب الضعف.

عدم تنظيم الأوقات

عدم تنظيم الأوقات أيضاً: عدم تنظيم الأوقات، أوقات لقائه بإخوانه في الله، وإضاعتها في جدالات، وكلام، والنيل من الناس هذا كله خطأ، فإذا اجتمعت بإخوانك في الله فلابد من التنظيم، ولا تكثر وتجعلها كل ليلة، (زُرْ غِباً تزدد حباً) اجعلها ليلة في الأسبوع أو ليلتين في الأسبوع، وبعد ذلك من حين يدخلون تحضر القهوة وبعدها تبدأ بالقرآن ويقرأ سورة ثم تفسيرها ثم البخاري نقرأ حديثاً ونحفظه ونراجع شرحه في فتح الباري ثم نقرأ سيرة صحابي ونأخذ مسألة فقهية، ثم ينتهي اللقاء، السلام عليكم، بأمان الله! ولا نضيع الوقت في غيبة ونميمة وندعي بأننا طلبة علم بل هؤلاء طلبة جهل، ويعيشون على هذا الوضع سنين طوالاً وتسأل بعضهم في أبسط جزئية من مسائل العلم لا يعرفها لماذا؟ لأنه أضاع حياته في النيل من الناس وبالكلام، وفي فلان طويل وفلان عريض فهذا لا ينبغي أيها الإخوان! هذا يؤدي بالتالي إلى الضعف والتراخي.

تغلب هموم الدنيا على هموم الآخرة

تغلب هموم الدنيا على هموم الآخرة أيضاً من أسبابه: غلبة هموم الدنيا على هموم الآخرة؛ فهموم الدنيا شيء طبيعي أنك تهتم بوظيفتك، وتهتم بزوجتك، وتهتم بأولادك، لكن يجب أن يكون اهتمامك بآخرتك أعظم، ففي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (من أصبح والدنيا همه فرق الله عليه شمله، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن أصبح والآخرة همه جمع الله له شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة).

سوء البداية

سوء البداية ومن أسباب الضعف والنكوس والتراجع: سوء البداية، فإن حسن البدايات تؤدي إلى حسن النهايات، فالذي يبتدئ هدايته بسبب مادي لغرض، يريد أن يتزوج وما أحد يزوجه إلا إذا كان متديناً فيتدين ومن حين يتزوج يضع الدين، يقول: صلى وصام لأمر كان يقصده لما انتهى الأمر لا صلى ولا صام يجب عليك أن يكون قصدك في هدايتك وبدايتك ما عند الله تبارك وتعالى؛ لأن ما عند الله يبقى، وما عند الناس يفنى.

عدم استشعار المسئولية التاريخية عن هذا الدين

عدم استشعار المسئولية التاريخية عن هذا الدين أيضاً: عدم استشعار المسئولية التاريخية عن هذا الدين، وأنه المنقذ للبشرية، المنقذ للناس هم فيه، فهو دين الله، وعليك ما دام أن الله ثبتك عليه وهداك إليه أن تشعر بمسئوليتك، ودورك في إنقاذ من شاء الله إنقاذه، فتنقذ نفسك، وتنقذ زوجتك، وأولادك، ووالديك، وجيرانك، وإخوانك، وزملاءك، وتحمل هموم الدين، وتعيش لهذا الدين، وتموت في سبيل الدين، هذا يجعل الله عز وجل يثبتك على الدين، لكن عندما لا تشعر بدورك ولا تشعر بمسئوليتك، وترى أنك متورط بهذا الدين فإنه ينقلب عليك إبليس والعياذ بالله. هذه أيها الإخوة بعض الأسباب.

العلاج

العلاج أما العلاج فيكمن في عشرة أشياء، سوف أوردها باختصار لضيق الوقت:-

استشعار المسئولية في حمل هذا الدين

استشعار المسئولية في حمل هذا الدين أولاً: يجب أن نعمق مفهوم المسئولية في هذا الدين، فمسئوليتنا تنحصر في العمل وليس في النتيجة، فإن الله سيسألنا: لماذا لم نعمل لكن لن يسألنا: لماذا لم ننجح؟ لأن الله يقول: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} [التوبة:105] ولو لم يستجب لك أحد فليس ذلك عليك، فقد دعا نوح ألف سنة إلا خمسين عاماً وما استجاب له إلا اثنا عشر رجلاً، ومارس كل أساليب الدعوة، فعليك أن تستشعر المسئولية في أن مسئوليتك فقط في العمل؛ لأن بعض الناس يدعو فإذا لم يستجب له أحد قال: لن أدعو إلى الله، فقد دعيت ولم يستجب لي أحد. يا أخي: ليس عليك الاستجابة، عليك أن تدع على الله النجاح، مثل المزارع يبذر وعلى الله الزرع، أما أن تدعو وتريد رؤية النتيجة أو تترك فهذا خطأ.

إيجاد روح الجدية في قلب المؤمن

إيجاد روح الجدية في قلب المؤمن ثانياً: إحياء روح الجدية في قلب الإنسان المؤمن، فليس الأمر بالهزل، والقضية ليست سهلة، إنها قضية جنة أو نار، يقول الإمام أحمد وقد سئل متى يجد المسلم طعم الراحة فقال: إذا وضع قدمه اليمنى في الجنة. إذا وضعت رجلك في الجنة فهناك الراحة، أما قبلها لا ترتاح أبداً، لا ترتاح بأي شيء، وهذا الشعور يصرف ويدفع المسلم إلى أن يبذل كل جهد وأن يستغل كل فرصة، وأن ينتهز كل مناسبة من أجل العمل الصالح وما ينفعه بين يدي الله.

تنظيم الأوقات وترتيب البرامج وتنويع النشاطات

تنظيم الأوقات وترتيب البرامج وتنويع النشاطات ثالثاً: تنظيم الأوقات، وترتيب البرامج، وتنويع النشاطات، ومواعيد العبادة، ومواعيد الزيارة، والالتزام بها بشكل دقيق، فمثلاً: بعد المغرب زيارات إلى العشاء لإخوانك في الله تزورهم أو يزورونك، أما بعد العشاء فلا يزرك أحد ولا تزر أحداً إنما لزوجتك ولأمك ولأبيك ولأهلك ولنفسك ثم تقرأ وتصلي وتتعبد، ثم تنام، وبعد الفجر في المسجد، من الصباح إلى الدوام، وبعد العصر لأهلك تمشيهم، وتفرجهم، وتباسطهم، وتنزل معهم مستشفى، أو تذهب معهم إلى نزهة إلى مكان ليس فيه منكر هذا البرنامج الجيد، لكن بعض الناس تجده يزور أخاه في الله الساعة الثانية عشرة من الليل! يطرق الباب نعم، قال: والله ما جاءني النوم أريد أن أسهر معك. ما شأني منك؟ ما أتاك النوم اذهب ونم أو اقعد، لماذا تأتي تسهرني؛ لأنه ما جاك النوم؟! إنك ما زرتني في الله، بل أزعجتني في الله والعياذ بالله! لا بد من تنظيم البرامج، ولا بد من الالتزام وترتيب الأوقات، فوقت الحفظ حفظ، ووقت السنة سنة، ووقت الزيارة زيارة، وقت النوم نوم. فما رأيكم الآن في المدارس لو أتوا في أول السنة وقالوا للمدرسين: يا مدرسين! لا يحتاج الأمر إلى برنامج ولا جدول دراسي ولا مناهج، كل منكم يأخذ له مجموعة من الأطفال ويعلمهم إلى آخر السنة كيف يكون التعليم؟ فوضى، لكن من أول السنة كل مدرس يقسم له برنامج منظم ومقسم على أشهر السنة، ثم يتابع ذلك البرنامج حتى تنتظم العلوم. فالبرامج وترتيبها شيء مهم، والمسلم مرتب، إن الذي ينظم متاعه لا يتعب، إذا رتبت كتبك فإذا أردت كتاباً تلقاه، لكن بعض الناس لا يدري في أي مكان وضع الكتاب، وإذا أراد أن يبحث لا يجد الكتاب فيترك البحث. لماذا؟ لأنه ليس مرتباً. تجد المرأة التي لا تعرف أن تدبر منزلها إذا دخلت مطبخها فإن الأدوات ليست مرتبة، فإذا سألها زوجها: أريد ملعقة؟ ذهبت تبحث عنها بين القدور. أريد سكيناً. ذهبت تبحث عنه بين الأكواب، لكن لو أنها منظمة ووضعت كل شيء في مكانه، تفتح كل درج وتنظر كل شيء في مكانه؛ فترتاح. فنحن مأمورون -أيها الإخوة- بالترتيب في حياتنا.

البعد والحذر من المعاصي والذنوب

البعد والحذر من المعاصي والذنوب أيضاً: البعد والحذر من المعاصي والذنوب، كبيرها وصغيرها، وخصوصاً قرناء السوء، فإنه -والله- ما من شر يقودك إليه أحد إلا قرين السوء عن المرء لا تسل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي

الحرص على الطاعات وقرناء الخير

الحرص على الطاعات وقرناء الخير خامساً: الحرص على الطاعات، والمواظبة على الأذكار، إنها محرِّك إيماني، ومنشط ديني ينشطك، والحرص على قرناء الخير وزملاء الإيمان، الذين يزيدك مجلسهم طاعة لله وقربة إلى الله عز وجل.

الاعتدال والتوسط والحرص على السنة

الاعتدال والتوسط والحرص على السنة سادساً: الاعتدال والتوسط والحرص على السنة، يقول عليه الصلاة والسلام: (تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك) سواء الزيغ بالتقصير أو بالتجاوز، لا تتجاوز ولا تقصر وإنما (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، فإنه من يعش منكم فنسيرى اختلافاً كثيراً، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار).

التدرج في الدعوة

التدرج في الدعوة سابعاً: من وسائل العلاج: التدرج في الدعوة وتقديم الأهم على المهم، والمداراة، ومراعاة مصلحة الدعوة وأنت تدعو، فإذا أتيت إلى شخص يدخن لكن لا يصلي، فلا تقل له: لا تدخن يا أخي؛ لأنه لو ما دخن وهو لا يصلي أو ما دخن كله سواء، لكن إذا صلى أول شيء، فتبدأ بالأهم، لا نقول لك: اسكت عن الدخان لكن أجله فقط، قضية تقديم الأهم على المهم، فإذا صلى قل له: عليك أن تترك الدخان، أنت تصلي عليك أن تعفي لحيتك، أنت تصلي عليك أن تغض بصرك، لكن تكلمه في الدخان وفي حلق اللحية وهو لا يصلي! وافرض أنه أعفى لحيته وهو لا يصلي ماذا نقضي به؟ إنه كافر ولو عنده لحية مثل لحية أبي جهل. فالإيمان له أساسيات، نبدأ بالأساسيات حتى إذا ضمناها بدأنا في الأشياء الثانية التي تأتي من دين الله عز وجل، تقول عائشة رضي الله عنها -والحديث في البخاري - تقول: [إنما نزل أول ما نزل من القرآن سور فيها الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام، ودخلوا في دين الله، نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول ما نزل لا تشربوا الخمر، لا تزنوا، لقال الناس: لا ندع الزنا، ولا ندع الخمر] أول ما نزل: تقوية الإيمان، ذكر الجنة، وذكر النار، وأخبار الرسل، واليوم الآخر كل هذه جاءت في أول القرآن، وبعد ذلك لما حيت القلوب، وثاب الناس إلى الدين وآمنوا بالله، نزل الأمر مباشرة، ونزل النهي مباشرة لماذا؟ لأنهم آمنوا بالله الذي لا إله إلا هو.

الإكثار من ذكر الموت

الإكثار من ذكر الموت وبعد ذلك من وسائل علاج الفترة: الإكثار من ذكر الموت وزيارة القبور -أيها الإخوة- وتوقع وقوع الموت في كل الأحوال، اركب السيارة وأنت تشغلها قل: قد لا أنزل منها، اخرج من البيت إلى الدوام وقل: قد لا أرجع إليه، وضع رأسك على الفراش وقل: ربما لا أستيقظ منه. فعلى الإنسان المداومة على هذه الفكرة، والإكثار من ذكر الموت، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد نهى عن زيارة القبور ثم أمر فقال: (إني كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها تذكركم بالآخرة) والحديث رواه الإمام أحمد في مسنده. وكان ل ابن السماك -وهو إمام من أئمة العلم- كان له قبر في بيته، إذا قسا قلبه نزل فيه، ثم يقفل عليه، ثم يدعو أولاده يقول: رب ارجعون رب ارجعون فيفتح له الأولاد، فيقوم ويقول: يا ابن السماك اعمل صالحاً قبل أن تقول: رب ارجعون فلا يفتح لك أحد. يقول الله: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100].

الاهتمام بالرقائق والقصص والأحداث

الاهتمام بالرقائق والقصص والأحداث تاسعاً: الاهتمام بالرقائق والقصص والنكت والأحداث، هذه منثورة في كتب العلم، وموجودة في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وفي كتب شيخ الإسلام ابن القيم، وفي كتب ابن الجوزي؛ لأنها تحرك القلوب، وتؤثر فيها وتدفعها، وفي السير: سير أعلام النبلاء للذهبي من أعظم ما ألف، أيضاً هناك كتب صغيرة اسمها صور من حياة الصحابة للدكتور عبد الرحمن رأفت الباشا، وصور من حياة التابعين هذه من أعظم ما ألف في السيرة؛ لأن كل كتاب يحتوي على ثمان أو سبع سير للصحابة، أو ثمان أو سبع سير للتابعين، تأخذ الكتاب وأنت تريد أن تنام في الليل تقرأ سيرة أحد الصحابة كيف عاش في الإسلام، هذه الملح والطرائف والرقائق تقوي الإيمان وتثبت وتعالج ما فيك من ضعف.

النظر والاعتبار بأخبار الذين انحرفوا بعد الهداية

النظر والاعتبار بأخبار الذين انحرفوا بعد الهداية أيضاً: أن تتعرف بالرجوع بالذاكرة إلى الوراء على تاريخ الذين هداهم الله ثم تراجعوا وسقطوا، كيف كانت نهايتهم، وكيف أصبحوا في وضع لا يحسدون عليه، وكيف هانوا على الله وعلى الناس لهوانهم على أنفسهم، وكيف تأخذ منهم العبرة؟ مثل شخص كان مؤمناً وديناً وطيباً ثم انسلخ وفسد ووقع في المخدرات وقبض عليه، والآن زوجته ضائعة، وأولاده ضالون، وهو مسجون وينتظر القتل كل يوم، ولو أنه استقام على الدين ما كان في هذا الوضع الذي لا يحسد عليه، فتأخذ أنت من نفسك عبرة وتقول: الحمد لله الذي جعل لي منه عبرة ولم يجعلني أنا للناس عبرة. هذه أيها الإخوة! مجمل الأسباب التي يمكن للمؤمن أن يأخذها، وأنا أرجو من إخواني الكرام ألا تمر هذه المحاضرة مر الكرام عليهم، بل لا بد من مراجعتها، وسماعها، والوقوف عند كل جزئية منها، ومراجعة النفس ومحاسبتها عليها، فإذا وجد الإنسان خللاً أو تقصيراً أو فتوراً فليصلحه، وإذا وجد قوة وثباتاً فليزد فيه، وأسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يزيدنا وإياكم ثباتاً على دينه. اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك، اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، اللهم اجعل خير أعمارنا آخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم اجعل خير أعمارنا آخرها وخير أعمالنا خواتمها وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم اجعل خير أعمارنا آخرها وخير أعمالنا خواتمها وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم احفظ علينا أمننا وطمأنينتنا ونعمتنا واستقرارنا، اللهم من أرادنا في هذه الديار أو غيرنا من ديار المسلمين بسوء أو شر أو كيد أو مكر فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره، وأنزل عليه بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين. اللهم آمنا في دورنا، واحفظ أئمتنا وولاة أمورنا، ووفقهم لما تحبه وترضاه، واجعلهم هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين برحمتك يا أرحم الراحمين. وأسأل الله عز وجل لي ولكم التوفيق في الدنيا والآخرة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

حكم عمل النساء بمهنة التمريض

حكم عمل النساء بمهنة التمريض Q يسأل الأخ عن مهنة التمريض: هل هي جائزة بالنسبة للنساء؟ A مهنة التمريض من المهن التي تحتاجها الأمة؛ لأن المرأة المسلمة تتعرض للمرض وتدخل المستشفى وتحتاج لمن يقوم بخدمتها في عملية التمريض، وإذا تركت المرأة لتمرض وتعالج من قبل الرجال ترتب على هذا مفسدة، لذا لزم أن يوجد من النساء من يقمن بهذه المهنة ولكن بشروطها: الحجاب، وعدم الاختلاط بالرجال، وعدم النظر أو الكشف عليهم حتى ولو كان طبيباً، إذا دخل الطبيب ليعالج المريضة والممرضة موجودة لزمها أن تحتجب وأن تنتقب ولا يرى منها شيئاً، إذا خرج الطبيب أو عمال النظافة أو الزوار أو الأقارب للمريضة هذه فإنها تكشف، وقد رأينا والحمد لله الآن بعض الفتيات الملتزمات مارسن مهنة التمريض واستطعن أن يقمن بها وهن ملتزمات بالدين ولا يكشف عليهن أحد، والحمد لله، ونسأل الله أن يوفقهن.

حكم زيارة الرحم الذي لا يصلي

حكم زيارة الرحم الذي لا يصلي Q يقول: زيارة الأرحام واجبة، ولكن حينما يكون رب الأسرة من الأرحام لا يصلي فهل يجوز زيارتهم خاصة أن الذي لا يصلي كافر ولا تأكل ذبيحته؟ A الذي لا يصلي من الأرحام بعد نصيحته، وبعد دعوته، وبعد تبصيره، وإصراره على المخالفة وترك الصلاة، ينبغي هجره في الله، وبغضه في الله، فإن البغض في الله والحب في الله من أوثق عرى الإيمان {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْأِيمَانَ} [المجادلة:22] فإذا كان هذا القريب فاجراً كافراً لا يصلي مثل هذا -والعياذ بالله- فلا ينبغي لك أن تزوره، إنما ينبغي لك أن تدعوه أولاً، وأن تبصره وأن تعطيه أشرطة، وأن تدعوه فإذا قرر واتخذ موقفاً منك وقال: ليس لك دخل في هذه المواضيع. فاقطعه، كما قال إبراهيم: {كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:4] ولكن إذا كان عنده أقارب لك أنت في بيته فلا تقطعهم أنت بقطيعته وإنما تزورهم في الأوقات التي لا يكون فيها موجوداً مثلاً: عمك أخو أبيك، وعنده أيضاً عمتك أخت أبيك ساكنة معه فزيارتها طيبة، لكن متى؟ في الأوقات التي لا تلتقي بها مع هذا الرجل، فتسلم عليها وتهدي لها حتى تخرج من إثم القطيعة.

اختلاط الرجال بالنساء في كلية الطب

اختلاط الرجال بالنساء في كلية الطب Q نحن في كلية الطب ونحن ملتزمون والحمد لله، ولكننا نعاني في المستشفى من وجود الطرف الآخر، وأحياناً نكلمهن وننظر إليهن بحكم طبيعة العمل فما الحل؟ A الطبيب المسلم الملتزم يستطيع أن يعيش بإسلامه وإلتزامه في أي بقعة وفي أي مجال، اقذفه في البحر واكتبه سالماً؛ لأنه يخاف الله، ووجوده في المستشفى ووجود طبيبات أو ممرضات فينبغي له أن يعمل على الحيلولة إذا كان له أمر، دون التقاء الرجال بالنساء، وإذا لم يكن له أمر فلا أقل من أن يعمل على حيلولة نفسه بغض بصره، فيغض بصره ولا أحد يستطيع أن يقول لك: افتح عينك ولو كانت ممرضة، وقد ذكرت لكم قصة عن طبيب كان يشرف على علاجي في مستشفى عسير المركزي، وكيل كلية الطب، أستاذ في الباطنية وهو من إخواننا في الله، وقد كان يكتب لي الوصفة ومعه ثلاث ممرضات، والله جلس معي أكثر من نصف ساعة وهو يتكلم معي، ويكتب، ويأخذ، ويقرأ التحاليل، وما نظر نظرة واحدة إليهن، وإنما كانت عينه كلها في الورق، يكتب، يكلمها وهو يكتب، لكن بعض الناس لا يتكلم وهو يضحك، يتلفت فيها، يقول: نحن مضطرون لا. أنت لست مضطراً أن تضحك مع المقابل، أو تنظر إليها أو تعصي الله عز وجل.

نصيحة للنساء اللاتي يحضرن إلى المسجد بأطفالهن

نصيحة للنساء اللاتي يحضرن إلى المسجد بأطفالهن Q نصيحة للنساء اللاتي يأتين إلى المسجد ومعهن الأطفال فيحصل منهن التشويش. A هذا الكلام قد قلناه في أكثر من مناسبة، وقلنا للمرأة: عليها أن تتقي الله، إذا أرادت أن تأتي لحضور مجالس العلم فعليها ألا تأتي بأطفالها؛ لأن مجالس العلم لها حرمة، ولها قداسة، والأطفال لا يعرفون حرمة هذه المجالس، يصيحون ويعبثون ويسببون لها القلق ولا تستفيد، فلا تسمع المحاضرة ولا تتابع، وتشوش على زميلاتها اللاتي عندها من المؤمنات اللاتي ما عندهن أطفال، وتشوش على الرجال فتأتي تريد أجراً فتخرج بوزر كبير والعياذ بالله. نقول لها: إذا كان عندها أطفال تجلس في بيتها، وتطلب من زوجها أن يأتيها بالمحاضرة في شريط تسمعه بدون إثم إن شاء الله، وإذا كان عندها أطفال كبار تستطيع أن تتركهم في البيت فتأتي، وإذا كانت لا تستطيع فنقول: أجرها حصل بنيتها إن شاء الله.

كيفية الخلاص من المعاصي

كيفية الخلاص من المعاصي Q أنا شاب ملتزم والحمد لله، أصلي وأصوم، وأكثر من النوافل، وأقوم الليل، ولكن غلبت عليَّ معصية كلما تركتها عدت إليها حتى أنني نذرت عند الكعبة أن أتركها ثم عدت إليها، فكيف الخلاص من هذه المعصية؟ A الخلاص يا أخي المسلم! يأتي عن طريقك أنت، ليس هناك شيء نستطيع أن نضعه فتترك المعصية، لكن إيمانك، وشعورك بخوفك من الله، تذكرك عذاب الله، تذكر إذا أردت أن ترتكب المعصية أنه يمكن أن يختم لك بها فتختم لك سوء الخاتمة، هل عندك ضمان أنك تعيش بعد المعصية؟ لا. ليس عندك ضمان. يا أخي: اتق الله وخذ القضية بجد، واستشعر عظمة من تعصيه، ثم تذكر بعد المعصية كيف ألمها ومرارتها ولذعتها في قلبك، هل يعدل هذا الألم لذتها؟ لا. والله لا يعدلها، فإن ألم المعصية لا يعدل لذتها، بل اللذة قصيرة والألم مرير في الدنيا والآخرة. نقول: اتق الله، وما دام نذرت ثم غدرت فعليك أن تكفر كفارة وتتوب إلى الله ولا تعُد -إن شاء الله- إلى المعصية. كلمة، أو قصاصة ورق تنتشر بين الناس، عبارة عن صورة أخذت بالكمبيوتر للقصبة الهوائية وللرئة اليمنى، يقولون: إنهم لاحظوا من خلالها أن فيها مكتوب (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وحقيقة المتأمل فيها يرى أنه فعلاً مكتوب "لا إله إلا الله محمد رسول الله" ونحن إن صدقت هذه فهذه آية من آيات الله تزيدنا إيماناً، رغم أننا مؤمنون بدونها، لسنا في شك، ولسنا بحاجة إلى أن نتمحّك وإلى أن نبحث عن أدلة، يا عجباً كيف يعصى الإله أو كيف يجحده الجاحد وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد إن كل ذرة من ذرات الكون، وكل خلية من خلايا هذه الحياة تشهد أن لا إله إلا الله، فإذا جاءتنا شهادة مثل هذه زادتنا إيماناً، وإن ثبت أن هذا غير صحيح فلا ينقص إيماننا ولا يضعف إيماننا بلا إله إلا الله، لا إله إلا الله محمد رسول الله عليها نعيش، وعليها نموت، وعليها نبعث إن شاء الله، ونسأل الله أن يجعلنا من أهلها.

حكم إظهار الطاعات للناس

حكم إظهار الطاعات للناس Q نقلت إلى مكة فوجدت كل تسهيل والحمد لله، وأنا الآن بـ مكة أصلي في الحرم، وأصوم الإثنين والخميس من كل أسبوع، وهذا اليوم أبشرك أنني صائم -الحمد لله، جزاه الله خيراً- كما أرجو أن تعلن عن رقم هاتفك في هذه المحاضرة. A جزاه الله خيراً، طبعاً ليس هناك اسم، ولا يريد إظهار اسمه، وحتى لو ذكر اسمه ما ذكرناه؛ لأنه لا يجوز للمسلم أن يظهر عمله للناس حتى لا يكتب عمله من الرياء، لكن يطلب مني رقم الهاتف، فالهاتف موجود ولكنني لا أريد أن أخبركم به؛ لأنني لو أخبرتكم به تعبت، ولكن من احتاج إليه فليبحث عنه وسيلقاه، والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

واجب الآباء تجاه الأبناء

واجب الآباء تجاه الأبناء أناط الله عز وجل بكل أب وأم مهمة عظيمة، اعتنى بها الشرع، وحض عليها الوحي، ودعا إليها أهل العقول وأولو الألباب، ألا وهي تربية الأبناء، وقد تكلم الشيخ بشيء من التفصيل عن هذا الواجب، ذاكراً ما ينبغي فعله على الآباء وماهية المسئولية الملقاة على عاتقهم والمناطة بهم، والموازين الشرعية التي بها وعليها يسير المنهج التربوي للأبناء.

المسئول عن تربية الأبناء

المسئول عن تربية الأبناء الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فيا أيها الأحبة في الله: حياكم الله، ومرحباً بكم في روضة من رياض الجنة، وحلقة من حلقات العلم تحفكم فيها الملائكة، وتغشاكم فيها الرحمة، وتنزل عليكم فيها السكينة، ويذكركم الله فيمن عنده، إن حاجة القلوب إلى مثل هذه المجالس أعظم والله من حاجة الأرض إلى المطر، فكما أن المطر هو غيث الأرض، فإن العلم الشرعي هو غيث القلوب، فإذا حرمت القلوب غيثها الرباني وهداها السماوي أقفرت وتحجرت وانعدم خيرها، وكثر شرها، مثلها في ذلك مثل الأرض إذا حبس عنها الغيث وحرمت من المطر أقفرت وانعدم فيها الخير، وكذلك القلوب! وما ترونه من جفافٍ في الأرواح، وقسوة في القلوب، وجمودٍ في الأعين، وجرأةٍ على المعاصي، وكسلٍ وتراخٍ في الطاعات، كل ذلك بسبب حرمان القلوب من سماع العلم الشرعي؛ من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولا بقاء لك -أيها المسلم- ولا لدينك ولا لحياة قلبك إلا بالاعتصام بكتاب الله، وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما عن موضوع المحاضرة فهو موضوعٌ مهم يتعلق بكل مسلم؛ لأنه موضوع إعداد وتربية الأجيال، إعداد الأمهات في مصنع رهبان بالليل فرسان بالنهار. والبيت المسلم هو أول محضن يعد ويصنع فيه الرجال، ولذا عني الإسلام وألزم الرجل والمرأة بمسئولية مشتركة تجاه هؤلاء الأبرياء الذين يأتون وفي أمانتنا وأعناقنا مسئولية تربيتهم. وعنوان المحاضرة: (واجب الآباء). والمعني بالآباء هنا ضمناً: الآباء والأمهات، فإن الدور مشترك، والمسئولية موزعة بين الرجل والمرأة، فكلاهما يبني ويحمي ويوجه، حتى تستقيم الثمرة، ونخرج للمجتمع رجالاً صالحين وفتيات صالحات. وهذه المسئولية السائل فيها هو الله، وثمرة ونتيجة المسئولية: إما نجاح وإجابة صحيحة وإبراء لذمتك، وقيام بعهدتك أمام الله، فتكون مسئوليتك هذه ناجحة وثمرتها الجنة، وإما خذلان وخيبة وخسران، وسقوط وعدم قيام بالواجب، فتكون نتيجة هذا التقصير النار وبئس القرار. فهي ليست مثل مسئوليات الدنيا، فمسئوليات الدنيا عليها عقوبات، لكنها ليست كعقوبة مسئولية الآخرة؛ إنها جنة أو نار، وسعادة أبدية أو شقاءٌ أبدي. قد ورد في حديث في الصحيحين يقول فيه صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته -ثم حدد وقال- فالرجل راعٍ في أهل بيته ومسئولٌ عن رعيته، والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسئولٌ عن رعيته، فكلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته). وهذا الحديث من جوامع كلم النبي صلى الله عليه وسلم، ومن مبادئ الإسلام العظيمة، حتى عده بعض أهل العلم ربع الإسلام، لماذا؟ لأنه حدد دوراً واضحاً لكلٍ في موقعه، أنت مسئول ليس فقط كأب، ليست المسألة كما تريد، تقول: أريد أولاداً من أجل أن ألاعبهم وأراقصهم وأتمشى معهم، الأمر ليس بيدك، وأنت أب من أجل أن تكون مسئولاً أمام الله عن تخريج جيل مسلم، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث). ولهذا ينبغي أن تشتغل وتعمل الصالحات قبل أن تموت فينقطع عملك، أنت الآن لك فرصة وإمكانية أن تتزود بالصالحات، وتجمع الحسنات، وتتوب من المعاصي والسيئات إلى أن تموت، فإذا مت انقطع ذكرك إلا من ثلاث، وهذه الثلاث أصلها منك. الأولى: صدقة جارية، من الذي يضعها؟ أنت، أو ولدك من بعدك يتصدق بها على نيتك. الثانية: أو علمٌ ينتفع به وهذا منك. الثالثة: أو ولدٌ صالحٌ يدعو لك، والولد الصالح من أين يأتي؟ أيأتي من مشاهدة الفضائيات؟! والتربية على مشاهدتها، ورؤية الأفلام والمسلسلات الخليعة؟! هذا لا يصير صالحاً، بل يأتي مصيبة عليك، وعلى أمته وبلده والإسلام والمسلمين.

حقيقة التربية

حقيقة التربية قال: (أو ولد صالح يدعو له) ليس صحيحاً -أيها الإخوة- ألا يفهم الرجال والنساء من دورهم في التربية إلا دور التغذية والعلاج والكسوة والنزهة والتدريس والوظيفة وأن يعطوا هذه الجوانب جُلَّ اهتمامهم ثم يضيعوا الجانب الرئيسي والمهمة الأساسية لهم، وهي تربية أبنائهم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. يقول الله سبحانه وتعالى وهو يحدد المسئولية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [التحريم:6] نداء يستلهب فيك مشاعر الإيمان، كأن الله تعالى يقول: ما دام أنكم مؤمنون فانتبهوا لهذا الأمر، وما هذا الأمر؟ يقول أحد السلف: [إذا سمعت الله يقول: (يا أيها الذين آمنوا) فأرعها سمعك؛ فإنه إما خير تؤمر به، أو شر تنهى عنه]. فالله سبحانه وتعالى يناديك بأحب دعاء، وبأعظم نداء، وهو نداء الإيمان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ} ابدأ بنفسك أولاً؛ لأن الذي لا ينقذ نفسه لا ينقذ غيره، والذي ليس فيه خير لنفسه ليس فيه خير للناس: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} لم يقل الله تعالى: قوا أنفسكم وأهليكم جوعاً، ولم يقل: قوا أنفسكم وأهليكم مرضاً، ولم يقل: قوا أنفسكم وأهليكم برداً، ولم يقل: قوا أنفسكم وأهليكم حراً، فهذه جوانب ثانوية، وأما الشيء الأساسي فهو أن تقي نفسك وأهلك من النار، وأنا أسألكم بالله: هل من يضع (الستلايت) على بيته وقى أهله النار أم أوردهم إياها؟ لقد أورد النار على أهله. أورد النار في (الستلايت) يفتح ذراعيه للسماء ليرحب بالشر! إذا أتيت لترحب بضيفك وأنت تحبه تقول: ألف مرحب، وهذا يرحب بالشر من جميع قنوات الفضاء الفضاء مملوء بقنوات الشر، وهذا يقول: تعال مرحباً، ثم يصبه على زوجته وأولاده، ويدفع خمسة عشر ألفاً أو عشرين ألفاً إيجاراً على نفسه إلى جهنم. لا يريد أن يدخل النار إلا بإيجار، لا إله إلا الله!! أين عقول المسلمين؟! أين أهل لا إله إلا الله؟! أين أهل التوحيد؟! أين أهل إياك نعبد وإياك نستعين؟! أين الغيرة من قلوب الرجال، عندما ترى الرجل يترك أولاده وبناته وزوجته يرون المنكر يصطنع أمامهم؟! هذا يغث وهذا يقبل وهذا يعانق ثم يذهب لينام ويترك أولاده على الشر والعياذ بالله! إن أول مسئولية تتعلق بذمتك أيها المسلم: أن تقي نفسك وأولادك النار، والله سبحانه وتعالى يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه:132]. أكثر اهتمام الآباء الآن أنه يرزق الأولاد، والله تعالى يقول: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً} [طه:132] ألا توجد عندك ثقة في كلام الله؟! يقول: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه:132] (نحن) أي: الله تعالى: {نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه:132] أي: الرزق مكفول، مهمتك ووظيفتك هي أمر أهلك بالصلاة والرزق سوف يأتي، أما أن تضيع الصلاة ثم تذهب لتبحث عن الرزق ولا تدري أصلى أولادك أم لا؟ وهل زوجتك صلت ولا تسألها، فأنت لا يوجد عندك ثقة في الله عز وجل، وكأنك تقول: لا يا رب رزقي ليس عندك، أنا الذي لا بد أن أجلب رزقي ولو ضاع ديني -والعياذ بالله- {نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه:132]. ولهذا أيها الإخوة: حرصت الشريعة في كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيان وتوضيح مسئولية الآباء والأمهات تجاه الأولاد والبنات، حتى لا يفهم الناس فهماً مغلوطاً، ويظنون أن المسألة بسيطة، لا. فمن يوم أن تزوجت وأصبح لك أولاد أصبحت مسئولاً، فينبغي عليك أن تراقب نفسك وتصرفاتك، وتعرف كيف تتكلم، وتأكل؟ وكيف تشرب؟ وماذا تتناول؟ وأين تذهب؟ وأين تجيء؟ وكل الأخلاقيات التي عندك لها انعكاساتها الخطيرة على أولادك! لا تكذب؛ لأن أولادك سيصبحون كذابين لا تسرق؛ لأن أولادك سيصبحون لصوصاً لا تدخن؛ لأن أولادك سيأتون مدخنين لا تضع الصلاة؛ لأن أولادك سيأتون مضيعين للصلاة لا تغن؛ لأن أولادك سيأتون مغنيين لم يعد الأمر مقتصر عليك أنت فقط، بل أصبح لديك سلسلة وراء ظهرك، ليتك قعدت فاسداً لوحدك! ولكنه فاسد وأحضر معه طابور المفسدين، والعياذ بالله. كذلك الأم لقد عقمت أرحام النساء عن أن تخرج لنا رجالاً أمثال خالد وطارق، أين هؤلاء أيها الإخوة؟! هؤلاء من أين تخرَّجوا؟! من الأمهات الصالحات، ولكن إذا كانت الأم فاسدة وكذابة فسوف تأتي ابنتها وولدها أكذب منها؛ الأم قليلة دين لا تصلي وسوف يأتي أولادها مثلها الأم تحب الأفلام والمسلسلات سيكون أولادها كذلك الأم تحب الأغاني والبنات ستحب الرقص. إذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص

ميزان الشريعة في اختيار الزوجة

ميزان الشريعة في اختيار الزوجة إذا طبَّل الأب رقص الأولاد، ونكبت الأمة في شخص مثل هذا الرجل، وفي هذه الأسرة المنكوبة والمنحوسة، التي ما تأدبت بكتاب الله، ولا ربت أعضاءها على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد عني الإسلام بهذه المسألة وأولاها كثيراً من الاهتمامات، ونظم أمر الأسرة من بداية الخطوات، وهذه أول خطوة؛ يبدأ الإنسان الحياة الأسرية بخطوة اختيار المرأة، وعلى ضوء توفيق الله له، وحسن اختياره للزوجة، يتحدد أيضاً مصير حياته الزوجية والأسرية، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام للأمة: (تنكح المرأة لأربع). وهذا الحديث في البخاري، يقول: المرأة تطلب لأربع خصال، إذا أراد أحد الناس أن يتزوج فليبحث عن خصال إذا وجدت في المرأة: (لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) يعني: إذا لم تبحث عن ذات الدين تربت يداك، أي: امتلأت يداك بالتراب، ومعناه: أنت مترب وليس معك شيء، ما معك إلا الخسارة، إذا معك زوجة معها مال، وعندها حسب وجمال لكن ما عندها دين؛ فإنك مترب؛ لأن الدين رأس المال، فاستمسك به فضياعه من أعظم الخسران. وكل شيءٍ فإن الدين جابره وما لكسر قناة الدين جبران كل نقص وكسر وقلة، إذا وجد دين فإن الدين يغطي كل شيء. الدين هو رأس المال، إذا ضاع رأس مالك ماذا بقي معك من الربح؟! قال عليه الصلاة السلام: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) هذا بالنسبة للمرأة إذا أراد الرجل أن يتزوج. وإذا أراد رجل عنده بنات أن يزوجهن، من يختار؟ جاء في حديث رواه الحاكم بسند صحيح، قال عليه الصلاة والسلام: (إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) فوضع الشرع ميزاناً للاختيار، بحيث لا تتعب والحمد لله! إذا كان عندك عيال وتريد أن تزوجهم فابحث عن صاحبة الدين، وإن كان عندك بنات وتريد أن تزوجهن فابحث عن صاحب الدين. لكن إذا ما عندك دين، ولا عندك ميزان شرعي؛ لا تدري من تزوج، إن جئت لتزوج ولدك ما عرفت من تزوجه، وإن جئت لتزوج ابنتك ما عرفت من تزوجها؛ لأنه ليس عندك موازين، ولا ضوابط شرعية تميز بها الرجال وتختار من الذي يصلح، فأعطاك النبي صلى الله عليه وسلم الميزان: (إذا أتاكم من ترضون دينه). لم يقل: من ترضون دراهمه، أو رتبته، أو مكانته، فهذه كلها أشياء جانبية، إذ أول شيء هو الدين. وبعض الناس إذا جاءه صاحب الدين قال: ماذا أفعل به؟ دينه له وأنا أريد مالاً. مسكين! تريد مالاً؟! اليهود يريدون مالاً. يا أخي: المال ينتهي ولا يبقى إلا الدين، ابحث عن صاحب الدين، فإنه يكرمك، ويحترمك ويقدرك، ويحفظ أمانتك، إن أحبها أكرمها، وإن كرهها لم يظلمها، لكن الذي يعطيك المال -ويملأ بطنك- وبعد ذلك يريك عاقبتك، إذا رآك من طريق راح من طريق آخر، وإذا دخلت عليه في البيت ما قام لك، يمد يده لك وهو جالس: ماذا تريد؟! بل من عند الباب يقول: دعوه ولا يأتي! تقول له: ابنتي عندك، قال: اذهب. قد أعطيناك مالاً، دفعنا الثمن؛ لأنك رجل صاحب مال، وقد أخذت المال، فماذا تريد غير المال؟ لا، الشرع يقول: (إذا أتاكم من ترضون دينه) وأيضاً أضاف النبي عليه الصلاة والسلام إلى الدين الخلق، فإن من الناس من له دين ولكن خلقه سيئ، وهذا نقص في دينه، فإن الخلق من الدين، بل هو جمال الدين، وكان سيد العابدين صلوات الله وسلامه عليه أكرم الناس خلقاً، حتى مدحه الله تعالى وقال له: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. ولما سئلت عائشة عن خلقه العظيم؟ قالت: (كان خلقه القرآن) إذا أردت أن تعرف خلق محمد صلى الله عليه وسلم اقرأ القرآن، فالقرآن ممثل في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم. وإذا نشأت الأسرة الإسلامية على هذا الأساس من حسن اختيار الزوج، وجد الزوج الصالح، والزوجة الصالحة، زوج تقي نقي عابد مصلح، يخشى الله ويخافه، ويرجو ثواب الله، وأيضاً زوجة صالحة، ذاكرة شاكرة قائمة صائمة بارة تقية مطيعة لله ثم لزوجها، زوجةٌ مدركةٌ لمسئوليتها الله أكبر!! ترفرف السعادة على هذه الأسرة؛ لأنها بنيت على صلاح، يقول الله عز وجل: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ} [التوبة:109].

الأسس التي تقوم عليها مسئولية التربية

الأسس التي تقوم عليها مسئولية التربية إذا أتيت لتبني بيتك على أساس قام بنيانك، وإذا أتيت تبني على كثيب سيسقط: {عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ} [التوبة:109] أي: مشرف على السقوط والانهيار، فأسس بناءك الحياتي والأسري على أساس الدين، واختر الزوجة الصالحة. قد يقول قائل: أنا قد تزوجت، فماذا أعمل الآن؟ أو يقول قائل: هذا كلام أتانا وقد فات الأوان، نقول: تدارك المسألة. كيف؟! أصلح نفسك: تب إلى الله، وغير وضعك، ثم بعد ذلك انتقل إلى زوجتك، بالهدوء وباللين وبالصبر وبالتعليم وبالإرشاد ليس بالعنف والقوة والتشنج والمضاربة، إنما بالتي هي أحسن، وستجد بعد فترة إن شاء الله أنك وجدت الأسرة المسلمة، حتى لو كان البناء في البداية غير سليم فبالتوبة يمكن تدارك الوضع، وإعادة ترتيب الأوراق، وتصحيح الوضع مع الله سبحانه وتعالى.

تحصين البيت من أول ليلة

تحصين البيت من أول ليلة تبدأ المسئولية من أول ليلة وهي التي يسميها الناس: (ليلة العمر) حينما يدخل الرجل بزوجته، في تلك الليلة تكون الشهوة عارمة، وحصول لحظة اللقاء المنتظرة شيء مهم في حياة الرجل والمرأة! لكن الله سبحانه وتعالى يعلم المسلم في تلك اللحظات ألا ينسى في غمرة الفرحة والانشراح والانبساط أن يذكر الله، وأن يسأل الله أن يجنبه الشيطان وهو يأتي زوجته لأول مرة، ففي الصحيحين يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن قضي بينهما ولد لم يضره الشيطان). لا تنس هذا في أول ليلة وفي كل ليلة؛ إذا أتيت أهلك فقل هذا الكلام؛ لأنك بهذا الدعاء تعتصم من الشيطان، وتعصم أولادك ونسلك من الشيطان، وإذا لم تقله فإن الشيطان يشاركك في النكاح، وقد ورد أن الشيطان يلتوي على إحليل الرجل ويجامع معه كما يجامع، ويشرك في الولد، فيكون نصف الولد لك ونصفه لإبليس، ولهذا ترى بعض الآباء إذا رأى ولده، يقول: هذا شيطان؛ هذا ليس مني. هكذا من طبعه وتصرفاته، يقول: أعوذ بالله! هذا شيطان! لعلك نسيت أن تقول: باسم الله في تلك الليلة، فلا تنس، فمن السنة في ليلة الدخلة، إذا دخلت عليك زوجتك فأول شيء تضع يدك على ناصيتها، أي: جبينها وتقول: (اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه). فتعلم هذه الآداب -يا أخي- ثم صلِّ ركعتين إذا دخلت عليك زوجتك، وقل لها: صلي ركعتين لله، -ما في شيء- لأن صلاتك في تلك اللحظات تدل على دوام تعلقك بربك، ثم بعد ذلك ادع الله لها أن يصلحها، وقل لها: أن تدعو لك، ثم قل لها: أنا جديد وأنت جديدة، فأي شيء لا تريدينه أعلميني به، وأنا أيضاً الذي لا أريده سأعلمك به، لتستقيم حياتنا الزوجية على التفاهم، وعلى أن يأتي الإنسان منا ما يحب الآخر، وأن يجتنب ما يكره الآخر. وهذه الحياة عندما تبدأ بداية بهيمية؛ لا تبدأ بباسم الله، ولا توكلت على الله هذا -والعياذ بالله- مما يسبب فشلاً في الحياة الزوجية. وصلاح الأولاد من أعظم النعم، يخبر الله سبحانه وتعالى أن عباد الرحمن يقولون: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان:74] قال العلماء: قرة العين هو الولد الصالح، والزوجة الصالحة، التي تقر بها عينك؛ لأن الذي عنده أولاد فاسدون عينه لا تقر، وإنما تزوغ، عنده خوف وقلق واضطراب، لا يدري ما جرى على أولاده، أو أين ذهبوا، أو مع من سهروا، أو متى يأتون في الليل فتراه في قلق دائم! لكن الولد الصالح في بيت والده، ولا يخرج إلا بإذنه، ودائماً بجانبه، كأنه ظل له؛ لا يمشي إلا وهو معه، ترى أباه قريرة عينه، منبسط، لماذا؟ لأن ولده صالح، فأهل الإيمان يقولون: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74] اللهم اجعل لنا يا رب العالمين من هذا رصيداً. وكذلك البنات، والحديث في مسلم قال صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث -وذكر منها-: أو ولد صالح يدعو له) والولد هنا يشمل الذكر والأنثى؛ لأن الولد في الشرع إذا أطلق فمعناه الذكر والأنثى، كما قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ} [البقرة:233] أي: البنات والذكور، فالبنات والنساء إذا سمع k: ( أو ولد صالح) قلن: والبنات ألا يدعين لآبائهن؟ نعم يدعين، فالولد يشمل الجنسين، وجميع تكاليف الشرع موجهة إلى الجنسين، إلى المرأة والرجل على السواء، إلا ما اختصت به المرأة من أحكام، أو اختص به الرجل من أحكام، فهذا واضح ومبين في مظانه ومواضعه.

التشاؤم من البنات من أخلاق الجاهلية

التشاؤم من البنات من أخلاق الجاهلية إذا كانت الذرية من البنات، فلا ينبغي للإنسان أن يتخلق بأخلاق أهل الجاهلية ويحزن؛ لأن الذي يهب البنات والذكور من هو؟ الله سبحانه وتعالى: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً} [الشورى:49 - 50] أي: يخلطهم. فالذي يحدد نوعية الذكر والأنثى ليس الأب وليست الأم، أو الطبيب، أو المستشفيات، أو الدول، أو الحكومات الذي يحدد ويقارن ويوازي بين أعداد الذكور والإناث في كل مجتمع هو رب الأرض والسماوات! ولو ترك الله سبحانه وتعالى أمر تحديد الذكور والإناث للناس لاختار كل واحد الرجال إذا حملت زوجتك ماذا تريد؟ وسألناك تريد ذكراً أم أنثى؟ كل واحد يقول: أريد ذكراً، حسناً جاءك ذكر، والثاني ذكر والثالث كذلك كلهم ذكور! إذاً، من أين نزوج هؤلاء الذكور؟ الدنيا كلها رجال ولا يوجد نساء، إذاً! تنقرض الحياة فالله يهب لك أنت ولداً ويهب لذلك بنتاً، وهناك نسب متقاربة في جميع الشعوب، وعندما -مثلاً- تنظر الإحصائيات يقول لك: عدد السكان (10) مليون؛ الذكور (5) مليون وزيادة، والإناث (4) مليون وزيادة، أحياناً يكون الإناث أكثر؛ لأن الرجال يتعرضون دائماً للموت في الكوارث والحروب والحوادث؛ لأن الرجال هم الذين ينتقلون، حتى حوادث المرور الآن تجد أكثر من يموت الرجال؛ نظراً لأن أسفارهم كثيرة، وفي الحروب كذلك يموت الرجال، فالله سبحانه وتعالى يزيد في النسبة دائماً لكي يوازن: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً} [الشورى:49]. فإذا وهبك الله بنتاً فلا تضجر من هبة الله؛ لأنك إذا تضجرت فإنما تعترض على الواهب، بل بعضهم يغضب من المرأة: أنتِ ما عندكِ خير! ما عندك إلا بنات! كل مرة بنت بنت بنت؟! أليست هي قد أتت بالبذر منك؟ أنت من تضع بذرة البنات، وإذا كنت رجلاً فضع بذرة رجال! واحد اسمه أبو حمزة رزق بنتاً، ثم بنتاً، ثم بنتاً، ثم بنتاً فتزوج ثانية يريد أولاداً فإذا بها تلد بنتاً، فإذا به غضبان ويمر على تلك مرة، ويمر على أم تلك البنات نادراً وفي يوم من الأيام قالت: ما لـ أبي حمزة لا يأتينا غضبان ألا نلد البنينا والله ما ذلك في أيدينا كالأرض نغرس ما يزرع فينا تقول: نحن كالأرض نزرع الذي يوضع، ضع براً يطلع براً، ضع شعيراً يطلع شعيراً، ضع بعراً يطلع بعراً، فأنت تبذر ولكن من الذي يخرج؟ الله سبحانه وتعالى، يقول عز وجل: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ} [الواقعة:58 - 61]. فإذا رزقك الله البنات فاحمد الله، ولا تتخلق بأخلاق أهل الجاهلية، فالجاهليون إذا أتتهم بنات غضبوا، قال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ} [النحل:58 - 59] يهرب من الجماعة: {مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل:59]. ولا تزال هذه الصفة -وهي صفة الجاهلية- في رءوس كثيرٍ من الناس إلى يومنا هذا، ولهذا إذا جاء له ولد جاءوا يبشرونه: أبشر برجل، فيرفع رأسه، وإذا أتت بنت لا يقولون: أبشر، يقولون: راعية غنم، أي: هذه مسكينة ضعيفة، ولا يستطيع أن يذبح ولا يعزم ولا يفرح لماذا؟ امرأة سبحان الله!! هذه صفة من صفات أهل الجاهلية، لا يا أخي الكريم! فلعل الله أن يجعل البنات أكثر بركة من الرجال، فبعض البنات عند أهلها أبرك من عشرة رجال، بل بعض الناس يقول: أتمنى لو أن كل أولادي من البنات؛ لربيتهم بيدي وزوجتهم وانتقيت الرجال انتقاء، آخذهم من عيال العرب، وأزوجهم حتى صاروا أحسن من أولادي! لكن أولادي تعبت عليهم، ولما كبروا قالوا: نخرج، أين تذهبون؟ قالوا: نحن رجال، لسنا بناتاً تربطنا في البيت؟ طيب، أين تذهبون؟ فذهبوا إلى المخدرات والمقاهي والأرصفة، والفساد والانحراف والجريمة وما استطعت أن أربيهم، قالوا: نحن رجال، لا. لستم رجالاً، لو أنك رجل لكنت في بيت والدك؛ الرجل هو الذي في بيت والده، فلا يذهب يلعب في المقاهي، والمنكرات، ويقول: أنا رجل ليست هذه هي الرجولة، الرجولة والمروءة في خدمة الوالدين، الرجولة في التمسك بطاعة الله وفي رفع رأس الوالدين. أما أن تكون رجلاً طويلاً عريضاً لكنك خائب، فليس فيك خير، وأنت قليل دين، تجلس في المقاهي طوال يومك مع قرناء السوء، وتضيع دينك وصلاتك، وتقول لي: رجل؟! لا. مفاهيم الرجولة ليست هذه -أيها الإخوة- ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخلت امرأة ومعها بنتان تسأل فلم تجد عندي شيئاً غير تمرةٍ واحدة). اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد. لا إله إلا الله!! تصوروا الحالة يا إخواني، أكرم بيت على وجه الأرض؛ بيت محمد بن عبد الله ليس فيه إلا تمرة واحدة! تقول: بحثت ولم أجد غير تمرة واحدة، فأعطيتها -تصدقت بها وهي واحدة فقط- قالت: (فأخذتها وشقتها نصفين ثم أعطت كل واحدةٍ منهن نصفاً، ولم تأكل شيئاً، ثم خرجت -قالت عائشة -: فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته) تقول: أعلمته أن امرأة جاءت تطلب وما عندها إلا تمرة فأعطتها، وكانت الأم جائعة، لكنها فضلت أن يأكلها بناتها ولا تذوقها هي، فأخبرته فقال صلى الله عليه وسلم: (من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن؛ كنَّ له ستراً من النار) رواه البخاري ومسلم. وفي مسلم حديث آخر، يقول فيه عليه الصلاة والسلام: (من عال جاريتين -أي: من ربى بنتين- حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو هكذا -أي: مثل الإصبعين- وضم بين أصابعه). من عال جاريتين، أي: من رزق بنتين وعالهما، وكان ملازماً لهما ورباهما وأحسن إليهما؛ جاء يوم القيامة مع النبي صلى الله عليه وسلم.

اختيار الاسم الحسن للأبناء

اختيار الاسم الحسن للأبناء إذا رزقك الله سبحانه وتعالى ولداً أو بنتاً فإنه يستحب للوالد أن يختار لابنه اسماً حسناً، حتى لا يعير بالاسم السيئ، ابحث لولدك أو بنتك عن اسم جيد مثل العرب؛ العرب كانوا يسمون أولادهم أسماء ضخمة، كصخر، وطلحة، وفهد، ونمر، وليث، وسبع، وحنظلة أي: الأسد. لأن الاسم له دلالة على المسمى، فسم ابنك اسماً طيباً، وأحب الأسماء إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن، أو غيرهما من العبودية، عبد العزيز، عبد الخالق، عبد اللطيف، عبد الوهاب، عبد الكريم، عبد الرزاق، أي: اسم تُعبِّد فيه ولدك للرحمن سبحانه وتعالى، وإذا عبدته لله، عبد الله أو عبد الرحمن فهذا أفضل، وإن لم يكن فمن أسماء الأنبياء: محمد، إبراهيم، نوح، موسى، عيسى، إسحاق، آدم، أي اسم. وإن لم يكن فمن أسماء الصحابة: عمار، مصعب، خالد، صهيب أي اسم من أسماء الصحابة، إذا ذكر اسمه ارتفع رأسك، وحذار من الأسماء التي فيها أنوثة ورخاوة، فإنها تبعث على الرخاوة، لا تجعل لولدك إلا اسماً قوياً. أحد الأعراب كان في البادية يمشي على حصانه، فرأى في وسط الصحراء بيتاً بدوياً، فمر بالبيت ونادى من على الباب، فخرجت عليه تلك المرأة الجميلة، فأغواه الشيطان ودخل عليها وكأنه راودها، قالت: انتظر، وخرجت فوق مرتفع تنادي، قالت: يا ليث! يا فهد! يا نمر! يا ذئب! يقول: وما أكملت الكلام إلا وأربعة شباب كل واحد منهم على حصانه مثل الأسود: نعم. نعم. نعم. قالت: هذا ضيفكم غدوه وأحسنوا قراه وإذا بهم عيال هذه المرأة، كان كل واحد في عمل. ولكن عندما سمعوا نداء أمهم جاءوا، فذبحوا له وغدوه ومشى، وحين خرج من عندهم قال: والله ما أظن هذا الوادي إلا وادي السباع، يقول: هذا الوادي ليس فيه ناس وإنما فيه سباع؛ وهم الرجال الذين قابلوه، وهذا شأن العرب فقد كانوا يسمون الأسماء القوية، وكانوا يسمون الأسماء التي فيها الحنان للموالي والعبيد عندهم، يسمونهم: مبروك، مبخوت، يقولون: إذا سمينا أولادنا قسونا، وإذا سمينا موالينا ترققنا؛ لأنه للخدمة، فكيف بمن يسمي أولاده في هذا الزمان بأسماء مثل: سوسو، نونو، حوحو، حلال، دلال، طلال ما شاء الله، كيف سيكون هذا الولد إذا كان اسمه مثل اسم الجن والعياذ بالله؟ ويحرم تسمية الإنسان باسمٍ معبد لغير الله، كمن يسمي عبد الرسول أو عبد النبي، فلا يجوز، فالعبودية لله، كما يحرم التسمية بأسماء النصارى، مثل: بطرس، وجرجس، وديانا، وسوزان، ونارمين، ودارين، وشيرين، وجيهين، وخذ من هذه الأسماء ولا حول ولا قوة إلا بالله! كما يحرم التسمية بأسماء الشيطان، مثل: خنزب، وإبليس، وولهان، ويكره كراهية تسمية البنات بالأسماء التي تثير الشهوة وتشبق بهن؛ لأن الاسم يلفت النظر مثل: عبير وشادية وفاتن كذلك لا ينبغي تسمية الأولاد بأسماء الحيوانات كمن يسمي ولده حنشاً، أو كلباً، أو قطاً، أو قرداً أما من يسمي أولاده بأسماء السباع فلا بأس؛ لأنها فخر أن يقال لك: يا ذئب! أو يا نمر! أو يا فهد! أو يا ليث؛ لأن هذه من الحيوانات الشجاعة المفترسة، أما الحيوانات المبتذلة النجسة كالكلاب والقردة فهذه لا ينبغي التسمية بها. إذا جاء الولد وسُمي، فإنه يؤذن في أذنه ويقام في الأخرى، ويعق عنه في اليوم السابع، ويحلق رأسه ويتصدق بوزن الشعر ورقاً بما قيمته (50) ريالاً، ثم يعق ويذبح عن الولد شاتان وعن البنت شاة، ويجوز عن الولد شاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين شاةً شاةً. والعقيقة حكمها حكم الأضحية من جهة شروطها، يجب أن تكون سليمة من العيوب، وتُذبح وتُقسم ثلاثة أقسام: قسمٌ يؤكل، وقسم يهدى، وقسم يتصدق به على الفقراء؛ لأنها عبادة ونسك ولا ينبغي التهاون في ذلك، ثم بعد ذلك إذا بدأ الصغير ينطق فإنه يبدأ بتعليمه لا إله إلا الله؛ لأنه يبدأ الغلام ينطق وعمره سنتان، يقول: ماما، بابا، علمه أن يقول: لا إله إلا الله، الله أكبر، باسم الله، علمه ولو لم يعلم بعد، مرة مرتين ثلاث أربع فما يصير عمره ثلاث سنوات إلا وهو يقول: لا إله إلا الله، لكن بعضهم يعلمه اللعن، والسب وما زال صغيراً، وإذا سب أو لعن قال: هذا صغير هذه جميلة من فمه، إذا قال: منعون يا بابا، يقول: جميل، هذه حلوة، ومنعون تكبر وتصبح ملعوناً إذا كبر الابن، لا فأنت علمه الآداب ولو كان صغيراً.

الرحمة والشفقة بالأبناء

الرحمة والشفقة بالأبناء من أسس التربية: الرحمة والشفقة وزرع ذلك في الأسرة، ليس من الإسلام الغلظة ولا الشدة، ولا العبوس والاكفهرار دائماً في البيت، لا بد من اللين، لا بد من إيجاد رابطة بينك وبين أولادك، حتى يحبوك ويألفوك ويشتاقوا إليك وينتظروا الساعة التي تدخل فيها البيت، إذا دخلت فاحمل الصغير وداعب الكبير، واسأل عن ذاك، وخذ ذاك، وضم هذا نوِّع من المداعبة، قبِّل هذا؛ لأن هذا من السنة. ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قبَّل الحسن والحسين، وكان عنده رجل من العرب اسمه الأقرع بن حابس، انظر الأسماء، وصحابي آخر اسمه القعقاع بن عمرو، طلب أحد قادة الجيوش مدداً من عمر بن الخطاب فأرسل القعقاع وحده، قال: إنك طلبتني مدداً فأرسلت إليك القعقاع وهو يعدل ألفاً، وإن جيشاً فيه القعقاع لا يهزم، اسمه فقط يقعقع قلوب الرجال، القعقاع بن عمرو، وهذا اسمه الأقرع بن حابس من رجال العرب ومن دهاتهم، فقال الرجل لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقبل: (أتقبلون صبيانكم؟ قال: نعم، قال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من لا يَرحم لا يُرحم). إذا لم تقبل أولادك فمن يقبلهم؟ هل تريد أن يأتي شخص من الشارع يدق الباب ويسلم عليهم غيرك؟! قبِّل أولادك؛ لأن الرحمة واللين والعطف من أهم عوامل التربية، ولكن لا يعني هذا -أيها الإخوة- ألا يكون للرجل جانب حزم وهيبة ومكانة في قلوب أهله، يجب أن يجمع الإنسان بين اللين والحزم، فيشد ويحزم ولكن من غير عنف، ويلين ويهون ولكن من غير ضعف؛ إذا رأى الحق لان، وإذا رأى الخطأ أو الباطل حزم، هذا هو المنطق الشرعي في تربية الأولاد.

حماية الأبناء من أوقات انتشار شياطين الإنس والجن

حماية الأبناء من أوقات انتشار شياطين الإنس والجن من الشرور التي تفتك بالأولاد، والتي حذر منها الشرع: أذية الشياطين التي تنتشر مع المغرب، وقد جاء التوجيه النبوي بكف الأولاد والصبيان عن الانتشار وإدخالهم ساعة غروب الشمس، فلا تدع الأولاد في الشارع، لماذا؟ قال: لأنها ساعة انتشار الشياطين. وأولى من هذا أيضاً حمايتهم من انتشار شياطين الإنس، وانتشار شياطين الإنس بعد العشاء، إذا رقد الناس خرجت شياطين الإنس: ماذا تريد؟ قال: والله أريد أن أغير الجو، وخرج يتمشى على سيارته أو يفحط، أو يجلس في زاوية أو قهوة، ويأخذ واحداً من الصغار الأبرياء، ويعلمه الفساد وقلة الدين، فاحذر على ولدك، لا ينتشر بعد المغرب لملاقاة شياطين الجن، ولا يخرج بعد العشاء لملاقاة شياطين الإنس، اجعل ولدك معك في بيتك.

إدخال السرور على الأولاد

إدخال السرور على الأولاد أيضاً من عوامل التربية: إدخال السرور والعطف على قلوب الأولاد ومداعبتهم، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج لسانه للحسن، فيرى الصبي حمرة لسان النبي صلى الله عليه وسلم فيهش له، هذا ذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة. وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل علينا ولي أخ صغير يكنى أبا عمير وله طائر يلعب به، فمات الطائر، فدخل النبي يوماً فرأى الولد حزيناً، فقال: ما شأنه؟ قالوا: مات نغره -أي: طيره- قال: (يا أبا عمير ما فعل النغير؟) يسليه ويداعبه صلى الله عليه وسلم. وقد أخرج الترمذي والنسائي وصححه الحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوماً إلى صلاة الظهر أو العصر ومعه الحسن، فتقدم ووضعه عند قدمه اليمنى، ثم كبر للصلاة ولما سجد امتطى ظهر النبي صلى الله عليه وسلم، فأطال السجود حتى همَّ القوم بالتسبيح، لكنهم ما كانوا ليسبحوا خشية أن يكون أوحي إليه بشرع جديد، فلما انتهت الصلاة قال: (إن ابني هذا ارتحلني -أي: ركب على ظهري- فكرهت أن أزعجه حتى نزل). اللهم صلِّ وسلم على رسول الله، انظروا رحمة الرسول بالأطفال! يركب على ظهر الرسول ولا ينزله حتى ينزل، كيف وضعنا الآن في الصلاة، بعضنا إذا صلى ومر ولده أمامه ضربه على وجهه، فينظر الصغير في أبيه لماذا ضربتني؟! من أجل أنك تصلي، إذاً: لا أحب هذه الصلاة، فتنشأ في نفس الولد هذا عقدة ضد الصلاة بسبب ضربك له، بينما الرسول يركب على ظهره وهو إمام وما أنزله أين أنت من هذا يا أخي في الله؟! وكذلك بعض النساء إذا أتت لتصلي وسمعت أولادها يبكون لا تنتبه، ومن السنة أنها إذا كانت تصلي وسمعت أولادها يبكون تأخذهم، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس إذا سمع بكاء الصبي عجل بالصلاة وخفف، لما يسمع من بكاء الصبي صلى الله عليه وسلم.

تعليمهم الآداب ولو كانوا صغارا

تعليمهم الآداب ولو كانوا صغاراً من السنة تعليم الطفل الآداب ولو كان صغيراً، ففي الحديث في البخاري ومسلم عن عمرو بن سلمة أنه قال: (كنت آكل مع النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت يدي تطيش في الصحفة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا غلام! سمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك).

الحرص على تعليمهم الأعمال الصالحة

الحرص على تعليمهم الأعمال الصالحة هذه الآداب الثلاثة: سمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك، هذا هو أدب الرسول صلى الله عليه وسلم. من أهم أسس التربية: الحرص على إلزام الأولاد بأداء الصلاة؛ من السن الشرعي وهو السابعة، يقول عليه الصلاة والسلام: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) وبالرغم من أن الطفل في السابعة ليس بمكلف، ولا يلزمه تكليف شرعي؛ لأنه لم يبلغ سِنَّ الرشد، لكن الشرع يعمل على تربيته وتدريبه من السابعة حتى إذا بلغ سن الرشد، كان جاهزاً مدرباً على أداء الصلاة. وهذا يجب أن يكون موضع اهتمام الآباء والأمهات؛ لأن أمر الصلاة أمر هام، وهي ملازمة للإنسان مدى حياته، فإذا نشأ وهو لا يصلي ثم بلغ سن الرشد، وما درب عليها من الصغر فإنه يصعب عليه أن يصلي، ولهذا نجد بعض الآباء الآن يشكو من ولده، يقول: ولدي أصبح رجلاً وهو لا يصلي! ولو بحثنا في الأسباب لوجدنا أنه يوم كان صغيراً ما كان يأمره، كان يقول: حتى يكبر خالف المنهج النبوي! أما الذين التزموا بالسنة وألزموا أولادهم بالصلاة في الصغر فلم يجدوا صعوبة؛ لأنهم كبروا وهم يصلون، حتى لو جاءه شيء من الانحراف لكنه لا يترك الصلاة، لماذا؟ لأنه تعودها وسيجد صعوبة في السنة السابعة أو الثامنة، أو التاسعة أو العاشرة ويجد صعوبة، لكنها تصبح طبيعة له، وعادة لا يستطيع أن يتركها، فهذا مهم ويجب أن نؤكد عليه أيها الإخوة!

العدل بين الأولاد في العطية والتعامل

العدل بين الأولاد في العطية والتعامل من أسس التربية: العدل والتسوية في العطية والتعامل بين الأولاد؛ لأنك إذا جُرت فإنك تحمل هذا الذي ظلمته على عقوقك، ففي الصحيحين أن والد النعمان بن بشير جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يريد أن يشهده على عطية أعطاها لبعض ولده، فقال: (يا بشير! أكل بنيك أعطيت مثل هذا؟ قال: لا، قال: اذهب فأشهد غيري فإني لا أشهد على زور) هذا زور؛ أن تعطي ولدك وتترك الثاني، حتى لو كان ولدك الثاني لا يقدم لك خدمة ولا يبرَّك ولا يحسن إليك، فلا ينبغي أن تعاقب العاق بحرمانه من حقه، لا. فالذي يعاقبه هو الله، أما أنت فتعطيه حقه الذي أعطاه الله سبحانه وتعالى له، وإذا وهبت واحداً منهم دون الآخر فقد ظلمت وجرت، وهذا مما يسبب لك سوء الخاتمة، والعياذ بالله. قد يلاحظ الإنسان على بعض أولاده شيئاً من الأخطاء، مما لا يرتاح له، فلا ينبغي للإنسان أن يثور وينفعل ويتأثر ويدعو على ولده، كما يفعل بعض الناس، بل عليه أن يصبر ويتحمل ويغض الطرف ويدعو للولد بالهداية؛ لأن في الحديث عند مسلم عن جابر رضي الله عنه قال فيه عليه الصلاة والسلام: (لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، فتوافقوا ساعة يُسأل فيها الله فيستجيب لكم). لا تدع، بل لا تقل: الله يهلكك الله يجعلها في وجهك الله ينتقم منك، وأنت كاذب غير صادق، وما تريد أن يهلكه الله، ولا أن ينتقم منه، بل قل: الله يهديك الله يصلحك الله يوفقك يا ولدي! الكلمة الطيبة أحسن من الكلمات الباطلة؛ لأنك قد تقول هذه الكلمة وأنت لا تقصدها، فقط تريد أن ما في قلبك، لكن الله ليس على ما تريد، قد تقولها وتخرج مباشرة. يخبرني أحد الناس في قصة له: عنده ولد يدرس في الجامعة، والولد هذا صالح ملتزم متدين مبارك، ومن أحسن الشباب، ولكن سبحان الله! يقول: نحن نائمون، وإذا به يأتي، يقول: يا أبي! قال: نعم، قال: أنا تعبت من المذاكرة وأريد أن أخرج وأعمل جولة بالسيارة ثم أرجع، قلت له: يا ولدي! لا تخرج الله يهديك؛ الناس الآن نائمون، وأنت لابس ثوب نومك الآن، لماذا تريد الخروج؟ قال: فقلت له: لا. يقول: فما راجعني. الولد بار وطيب، فذهب ولكن عندما رجع رأته أمه، قالت: ماذا بك؟ قال: طلبت من أبي أن أخرج لأروج عن نفسي فرفض، قالت له: اصبر، أنا أجعله يوافق، طبعاً الأم لها ضغط، فدخلت الأم وكلمت الأب، وقالت له: ولدنا طيب، وفيه خير، وأنت دائماً تعقده، دعه يخرج ليغير جو المذاكرة ويرجع الآن، ولا زالت تضغط عليه حتى وافق، قال: فليذهب (الله لا يرده) يقول: قلتها والله وما أنا صادق، وبودي أن الشوكة التي تدوسها رجله تدخل عيني، لكن يقول من إحراجها لي، ومن إحراجه هو لأمه جاءني غضب شيطاني. قلت: فليذهب (الله لا يرده) يقول: وكأنها خرجت من فمي وباب السماء مفتوح، وراح الولد وجلسنا ننتظر ساعة -هو قال: نصف ساعة- ونحن ننتظر ساعتين ثلاث ساعات أذن الفجر وما أتى الولد، يقول: انطعن في قلبي مثل الرمح وعلمت أنها الدعوة، ويقول: أخرج أصلي الفجر وأرجع البيت، أسأل: جاء؟ قالت الأم: ما جاء، يقول: ذهبت للشرطة، أبلغ: ولدي خرج وإلى الآن ما عاد، هل عندكم علم؟ قالوا: لا علم لنا، اتصلوا بالأجهزة، قالوا: يوجد حوادث مرورية، ووفيات في المستشفى، يقول: ذهبت إلى المستشفى، فتحوا الثلاجة وإذا بابني بثوب النوم آخر واحد عند باب الثلاجة، حصل له حادث مروري في منعطف وهو راجع، يقول: فأخذت الولد وأخرجناه ودفناه، ولكني عرفت أنني أنا الذي قتلت ولدي! أنا الذي دعوت عليه واستجيبت! يقول: فإن أندم على شيء في حياتي فعلى تلك الكلمة! فانتبه يا أخي، لا تقل: الله يهلكك، لا تقل: الله يجعلها في وجهك الله لا يردك لا. بل قل: الله يردك الله يهديك الله يصلحك الله يوفقك، والكلمة واحدة تريدها حسنة أو سيئة، لكن الحسنة أحسن من السيئة. والبعض منا يلفت نظري إلى أن هذا الأسلوب ربما يكون أكثر عند النساء وهو حق؛ لأن بعض النساء ما تتورع في الدعاء، تدعو على ولدها، أو زوجها، أو دابتها، أو خادمتها، أو تدعو على كل شيء بل بعض النساء تدعو على لقمتها إذا وقفت في حلقها، قالت: (الله يجعلك بلاء) -والعياذ بالله- ما يسلم منها أحد، فلا تدعي أبداً على شيء، وادعي الله بالصلاح وليس بالدمار، والعياذ بالله.

عدم التناقض والازدواجية في توجيه الأبناء

عدم التناقض والازدواجية في توجيه الأبناء آخر شيء أيها الإخوة -وأختصر باعتبار أن الوقت انتهى- أركز عليه هو: أنه لا ينبغي أن يكون هناك تناقض وازدواجية في التوجيهات التي توجه إلى الولد من الأم والأب، لا بد أن يكون هناك نوع من التوافق، فإذا قال الأب أمراً فيجب أن توافقه الأم في الحق، أما إذا قالت الأم أمراً ثم عاكسها الأب، أو قال الأب أمراً ثم عاكسته الأم، أو الأب مدرس يربي في المدرسة ويخالفه في البيت، فيحصل للولد نوع من التذبذب، ونوع من الخلل في التفكير؛ لأنه لا يفرق بين الصحيح والغلط؛ أبوه يأمره بكذا، وأمه تأمره بكذا، المدرس يقول له: كذا، والشارع يقول له: كذا. فيحصل عنده نوع من التردد، وهذا يؤدي إلى التأثير على نشأته، ويحصل له بسببه بلبلة واضطراب في نفسيته، وبالتالي ينشأ مهزوزاً غير واثق مما يُلقى عليه، لا بد أن يحصل هناك تكامل وتوافق وعدم اختلاف، أو ازدواجية في التوجيهات والتعليمات التي توجه إلى هؤلاء الأولاد.

الاستمرار في الدعاء لهم

الاستمرار في الدعاء لهم من أهم الأشياء التي نختم بها المجلس -أيها الإخوة- هو: الدعاء دائماً باستمرار، خاصة من يحتاج من أولادك إلى نصيحة أو دعوة فخصه، اللهم اهد فلاناً في صلاتك وفي كل مكان، اللهم اهد فلاناً، بل خصه بدعوة باسمه، اللهم اهد أحمد، اللهم اهد محمداً، اللهم اهد عبد الله، لعل الله سبحانه وتعالى في لحظة من اللحظات يستجيب الدعاء ويقبل الله دعوتك ويهدي ولدك. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يهب لنا من أولادنا وذرياتنا قرة أعين، وأن يصلح لنا جميعاً الأبناء والبنات والزوجات، وأن يجعلهم قرة أعينٍ لنا في الدنيا والآخرة، كما نسأله سبحانه وتعالى أن ينصر دينه، وأن يُعلي كلمته، وأن يُبرم لهذه الأمة أمر رشدٍ يعز فيه أهل الطاعة، ويُذل فيه أهل المعصية، ويُؤمر فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر، إنه سميع الدعاء. كما نسأله سبحانه وتعالى أن يوفق ولاة أمورنا وعلماءنا ودعاتنا، وشبابنا وشاباتنا، وبناتنا ورجالنا ونساءنا، وجميع المسلمين إلى خدمة هذا الدين والدعوة إليه، والحماية له والذود عنه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

نصيحة للعابثين بالممتلكات العامة

نصيحة للعابثين بالممتلكات العامة Q تعلمون حفظكم الله أن الحكومة وفقها الله تعالى تنفق الأموال الطائلة على هذه المدينة السكنية وعلى غيرها، وهناك أطفال بل شباب يعبثون بهذه الممتلكات من تكسير للإنارة، وتخريبٍ في دورات المياه التابعة للمساجد والمرافق العامة، وكتابة على الجدران بكلام لا يليق بالمسلم، علماً بأن هؤلاء الشباب من الساكنين في هذه المدينة، فما توجيهكم لآباء هؤلاء الشباب، أفيدونا مأجورين؟ A من أسوأ ما يمكن -أيها الإخوة- وقوع مثل هذه التصرفات؛ لأنها تدل على تقصير من قبل الآباء في تربية أبنائهم، وعلى انحراف وشذوذ وسوء خلق من قبل الشباب أو الأطفال الذين يمارسون هذا العمل؛ لأن الأموال والمقدرات العامة التي تختص بعموم المسلمين من واجب المسلم أن يحافظ عليها؛ لأن محافظتك عليها محافظة على الحق العام. ولهذا جعل النبي صلى الله عليه وسلم إبعاد الأذى عن الطريق صدقة؛ لأن الطريق ملك للجميع، فلا ينبغي لك أن تضع الأذى فيه، أو أن تقصر على نفسك فتترك الأذى فيه، بل احمله وارفعه؛ لأنه من الإيمان، وفي مسلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم ويوجه: (اتقوا اللعانين، قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟! قال: التخلي في طريق الناس وظلهم) أي: يذهب -الله يكرمكم- ويقضي حاجته تحت ظل شجرة، والشجرة هذه يجلس الناس تحتها، فيقضي حاجته تحتها، فإذا جاء من يريد أن يجلس، ماذا يصنع؟ يلعن، يقول: الله يلعن من فعل هذا، فالرسول يقول: (اتقوا اللعانين) أي: المكان الذي يؤدي إلى لعنكم، أو الطريق، فيكون الطريق نظيفاً وإذا بك تقع رجلك في النجاسة، فعندما تشعر به تقول: الله يلعن من فعلها، فاتقِ اللعانين. كذلك لما يأتي طفل صغير طائش ويعمل له من هذه (المناطيب) ويأتي يصيد الإنارة أما يراه الناس؟! بعض الناس يراه، لكن يقول: هذا لا يتعلق بي، هذا حق الحكومة، لا يا أخي الكريم، يجب أن تكون عيناً للدولة على هذه المقدرات؛ أي طفل تراه أمسكه ولا تسلمه إلا للإدارة، دعه يُسجن ويُضرب على يده، ويحمل والده، حتى نحفظ هذا الحق، نحن في نعمة ما فيها أحد يا إخوان! يجب أن نشكر الله عليها، انظروا إلى تحتكم وفوقكم وكل الدنيا، لا يوجد أحد له مثلما أنتم فيه من الأمن بالأوطان، والعافية في الأبدان، والأرزاق، والرواتب والخيرات فنحمد الله عليها يا إخوان! ونسأل الله أن يزيدها ولا ينقصها، ولكن إذا فرطنا فيها وضيعناها وضيعنا أولادنا وكسرنا ممتلكات الحكومة، إلى متى والحكومة تصلح ما تخربه أنت؟ فلا يجوز أيها الإخوة؛ لأن هذا من سوء التربية، والعياذ بالله.

تعهد الآباء لأبنائهم برفقة من الصالحين

تعهد الآباء لأبنائهم برفقة من الصالحين Q كثير من الآباء هداهم الله لا يبحث لابنه عن صحبة صالحة تعينه على توجيه أبنائه، ويصف أبناءه الذين يذهبون إلى أولئك الصالحين بالتطرف والتشدد، فما توجيهكم لهذا النوع من الآباء هداهم الله؟ A أولاً: أسأل الله سبحانه وتعالى أن يظلنا جميعاً في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، بالحب فيه والبغض فيه؛ لأن الحب في الله والبغض في الله من أوثق عرى الإيمان. أما مسألة الرفيق، فإن الرفيق والزميل له تأثيره البالغ على نشأة الولد، وتوجيهاتك أيها الأب للولد خاصة إذا تجاوز الخامسة عشرة والسادسة عشرة تقابل بعدم الرضا والقبول، ويتقبلها الشاب بشيءٍ من عدم الانصياع، ولذا أفضل الأشياء أن تسلط عليه من تثق فيه من الإخوان في الله من الطيبين، تقول: أريد ولدي أن يأتي معكم، اربطوا معه علاقة، فيأتون إليه ويأخذونه، ويذهب معهم، ويجالسهم حتى يتأثر بهم. لكن الأخ الآن كأنه يشكو من أمر مناقض وهو أن بعض الآباء إذا رأى ولده مع الطيبين يقول: لا تذهب مع فلان وفلان وفلان؛ هؤلاء متشددون، ما معنى متشددون؟ الحمد لله، ما عندنا تشدد، الالتزام والصحوة في بلادنا منضبطة، ما عندنا تطرف ولا انحراف، كل شباب الصحوة والحمد لله ملتزمون بالجادة؛ لأنهم مرتبطون بالعلماء. وإذا أشكل على الواحد شيء ذهب يسأل، والعلماء عندنا والحمد لله موضع ثقة، نثق في علمائنا ونأخذ ديننا منهم؛ لأنهم مبلغون عن الله، وهم ورثة الأنبياء، وهم موقعون لأحكام الشرع، فالصحوة في بلادنا منضبطة، وليس عندنا غلو ولا تطرف، والحمد لله. وما قد يظهر من نماذج نادرة لا يعني أنها صفة ظاهرة، وأنها صفة غالبة على شبابنا، فلماذا تحرص على ألا يذهب ولدك مع الطيبين؟ أنت كأنك بهذا تقطع الطريق على ولدك، فلا يذهب مع أهل الخير، إذاً يذهب مع السيئين، وغداً يصبح مع المخدرات، وأنت بنفسك أهلكت نفسك وولدك، فدعه يذهب مع أهل الخير، ولن يجد منهم إلا خيراً بإذن الله.

حكم مشاهدة الأفلام والمسلسلات

حكم مشاهدة الأفلام والمسلسلات Q هناك بعض الناس يشاهدون التمثيليات والمسلسلات على تلك الشاشات، فما توجيهكم لأولئكم القوم؟ وهل يجوز للنساء مشاهدة ذلك؟ A التمثيليات والمسلسلات من أخطر وسائل التربية على النساء والأولاد والبنات؛ لأنها دروس عملية، تعلم الأخلاق والآداب والتصرفات والعقائد والدين، وهؤلاء الممثلون الذين يؤدون هذه الأدوار كلهم ممن لا خلاق لهم في دين الله سبحانه وتعالى. فلا ينبغي أن يكون هؤلاء هم قدوتك، بحيث لا تأخذ أخلاقك إلا منهم؛ لأنها تتأثر العيون والقلوب بما ترى من هذه الأشياء، بل ينبغي مقاطعتها، وعدم استماعها فهي أخطر على دين العبد من الغناء، فالغناء يفسد عليك القرآن ويفسد عليك الأخلاق، لكن هذه تفسد كل شيء. ثم إن هذه المسلسلات والأفلام لا تعبر عن الحقيقة فهي كذب، هي روايات يكتبها رجل مسرحي كذاب، ثم يدعو له عشرين أو ثلاثين كذاباً يمثلون هذه الكذبة، ثم يسجلونها في أستديو، ثم يعلنونها للناس، ويعيش الناس على الكذب. وبعض الناس يذهب إلى بيته وإذا بزوجته تبكي: ماذا بك؟ قالت: النهاية الحزينة؟! ووالله لا يوجد نهاية مرة ولا حزينة، فهو كذب في كذب! فلا تعش على الكذب والخزعبلات، وكن رجلاً لا تسمع إلا الخير والحق. أما أن تقول: نقضي وقتنا معها، وما عندي وقت، لكن يوجد وقت بما هو أفيد لك من هذا، وخصوصاً النساء، بعض النساء -والعياذ بالله- ثقافتها كلها ثقافة مسلسلات وأفلام، حتى تعلم النساء من الأفلام والمسلسلات ما لم تعرف في الماضي، فالمرأة تكلم زوجها وتقول له: كذا، تجعله وراءها أعطي لنا لحم اليوم، من أين جئتِ بهذه الكلمات؟ من المسلسل!! كانت في الماضي تقول له: أعطنا معك لحمة، وتكلمه من صميمها ومن مسمعها، أما اليوم فقد تعلمت على الممثلات.

مدة تربية الآباء للأبناء

مدة تربية الآباء للأبناء Q متى تنتهي مهمة الآباء تجاه الأبناء نحو إرشادهم وتوجيههم؟ هل تنتهي بعمرٍ معين، أم ماذا؟ A لا تنتهي المسئولية حتى تموت، ولكنها تتدرج، يقول أحد المربين: داعب ولدك سبعاً، وأدبه سبعاً -من سبع إلى الرابعة عشرة شد عليه- وآخه سبعاً، من الرابعة عشرة إلى واحد وعشرين آخه، أي: عامله معاملة الإخوة، وبعد واحد وعشرين راقبه، فما بقي من عمرك. وأما الوصية التي يقولها بعض الناس: ثم ألقِ له الحبل على الغارب! فهي غير صحيحة، فهو ليس حماراً تلقي حبله على غاربه. وإنما: وراقبه ما بقي. ما بقي من العمر بعد الواحد والعشرين راقبه ووجهه وادع له، ولكن عليك أن تراعي مشاعره؛ لأنه رجل، وأكرمه إذا رأيت منه جوانب حسنة، وأيضاً اغضب عليه إذا رأيت منه جوانب نقص، فيراه في وجهك، ومن يوم أن يرى أنه قصر أشعره بالصدود عنه قليلاً؛ لأنه يحس. أراك يا أبي غضبان نعم غضبان، لماذا لم تصلِّ اليوم في المسجد؟ لكن إذا صلى معك الفجر، ولقيته: السلام عليكم! الله يوفقك ويحفظك والله يا ولدي أنا راحتي عندما أراك تصلي معي، وأنت تعلم أن صلاتك لك، لكن أريد لك الخير، أنت قطعة مني؛ لكن بعض الناس عنيف مع أولاده، إذا جاء ليوقظ ابنه من النوم، قال: قم قم قم الله يجعلها في وجهك يا حمار! ويركله في رجله، ويضربه في رأسه، بالله كيف يصلي هذا؟! يصلي وهو حمار، يصلي وأنت تدعو عليه أن الله لا يوفقه، فهذا إذا قام يصلي يروح في الحمام ويمكث ساعة حتى ترجع من المسجد وهو لا زال في الحمام، ولا يخرج، يقعد في الباب ويقول: صليت، لكنك إذا جئت توقظه: فلان! فلان! الله يهديك الله يرزقك الله يحفظك قم الله يوفقك، فينشط حتى ولو كان كسلان.

التواكل في التربية

التواكل في التربية Q هل لكم من توجيه فيمن يقول: إن كان حظي طيباً أصلح الله لي ذريتي، وإن كان حظي سيئاً أصبحوا فاسدين وأهمل الأسباب؟ A هذا من التواكل، ففي الحديث الذي في السنن أنه جاء رجل إلى الرسول، وقال: (يا رسول الله! أطلق ناقتي وأتوكل، أم أعقلها وأتوكل؟ قال: اعقلها وتوكل) وأنت ربِ أولادك على الخير، واسأل ربك أن يجعل حظك جيداً معهم، أما أن تهملهم وتقول: حظي سيئ، فلا، حظك سيئ؛ لأنك أنت سيئ، ما عرفت كيف تسير مع الرجال.

مسألة: قول القائل: أتزوج غير ملتزمة لتلتزم على يدي

مسألة: قول القائل: أتزوج غير ملتزمة لتلتزم على يدي Q ما رأي فضيلتكم فيمن يقول: أتزوج امرأة غير ملتزمة وغير مستقيمة، وتلتزم على يدي وتستقيم بإذن الله فيما بعد؟ A هذه مجازفة، والقضايا المصيرية لا ينبغي المجازفة فيها، فإنك تقول: يمكن تلتزم، لكن هناك الاحتمال الثاني، وهو أنها ربما لا تلتزم، ماذا تعمل وقد رزقت منها الذرية، فتبقى غصة في حلقك حتى تموت؟! ولهذا: الغلطة في المرأة من أسوأ ما يمكن، يقال: ثلاثة لا تخطئ فيهن: الخطأ في اختيار المرأة، والخطأ في البيت، فلو فصلت لك عمارة لا تغلط؛ لأنها أمام عينك، والثالثة نسيتها. إبراهيم لما جاء إلى إسماعيل في مكة فما وجده، قال لامرأته: كيف أنتم؟ قالت: في شر حال، وهم كانوا في أحسن حال؛ لكنها شريرة -والعياذ بالله- منظارها في الحياة أسود، وهم كانوا في خير ونعمة، لكن نظرتها سوداء، قالت: نحن في أبأس حال، قال: إذا جاء إسماعيل فسلمي عليه وقولي له: أن يغير عتبة بيته. وحين جاء قالت: جاءنا شيخ ثم وصفته له، وقال لك: غير عتبة بيتك، قال: أنت طالق بالثلاث أنت عتبة البيت، وبعد سنوات تزوج إسماعيل، وجاء إبراهيم مرة أخرى، فلم يجد إسماعيل، وقد كان مسافراً للصيد، قال: كيف أنتم؟ وكانوا في سنةٍ قاحلة وشديدة، لكن المرأة طيبة وفيها خير، قالت: نحن في أحسن حال، والحمد لله على كل حال، قال: قولي له إذا جاء: أن يثبت عتبة الدار. بعض النساء لو ما عندها في بيتها لقمة وجاء زوجها وسأل: عندكم شيء؟ قالت: الخير كثير والحمد لله، ولو ما عندها شيء، وبعضهم لو كل شيء موجود وجاء زوجها بضيف واحد، قالت: لماذا تأتي به؟ ولماذا ما أخبرتنا؟ والله ما عندنا شيء، وتقوم ترمي الطعام في القمامة وتجعله يذهب ويشتري من المطعم فهذه شريرة، والعياذ بالله. فالمرأة ينبغي أن لا تجازف في قضية اختيارها، اعقل وتوكل، ابحث لك عن صاحبة دين تسلم، إنما تأخذ واحدة على أمل أنك تهديها فهذا من المجازفة، إلا أن بعض أهل العلم يقول: إذا وجدت امرأة تظهر رغبتها في أن تلتصق برجل صاحب دين، وأنها مستعدة لأن تخضع لجميع أوامر الشرع، وأنها تائبة إلى الله، فهذا لا بأس، لماذا؟ لأنها أعلنت التوبة وأعلنت الرغبة في الاستقامة، أما واحدة تعرف أنها فاسدة من أول نظرة وتقول: سأهديها، فهذه مجازفة.

هل لحياتنا معنى؟

هل لحياتنا معنى؟ إن الله خلقنا لهدف، ونحن لا نعرفه لأننا لم نخلق أنفسنا، والذي يخبرنا بالحكمة من خلقنا هو خالقنا سبحانه، وقد ذكر الله هذه الحكمة في كتابه الكريم؛ فقال جل وعلا: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ). وفي هذه المادة يتحدث الشيخ عن الغاية من الخلق، والهدف من الحياة، متحدثاً عن أجزاء الإنسان: الجسد، النفس، العقل، القلب، وذاكراً بعض الأمراض التي تصيب النفس البشرية: كالشبهة، والشهوة، والغفلة؛ مع بيان خطرها على القلب

فضل المساجد وفضل بنائها

فضل المساجد وفضل بنائها الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الإخوة في الله: قبل البدء في المحاضرة أود أن أشير في هذه المناسبة الطيبة التي نصلي فيها في هذا المسجد لأول مرة بذكر لمحةٍ عن فضل بناء المساجد؛ لأنها بيوت الله، ومشاعل النور، ومنطلق الدعوات، ومهابط السكينة، وأماكن الذكر والعبادة، والبقاع الطاهرة التي يحبها الله عز وجل، فهذه البيوت يكفيها شرفاً أن الله أضافها إلى نفسه، فهي بيوت الله عز وجل، أذن أن ترفع، وأن تبجل وتعظم وتقدس وتطهر، وأخبر أنها محطات لتزويد الناس بالإيمان، وذكر في سورة النور بعد أن ذكر أنه نور السماوات والأرض أن هذه الأنور توجد في هذه المساجد، فقال عز وجل: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ} [النور:35] أي: في قلب عبده المؤمن: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ} [النور:35] أي: هذا المصباح: {مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:35] نور المشكاة، على نور المصباح، على نور الزجاجة، على نور الزيت الصافي، نور على نور، هذا مثل نور الله في قلب عبده المؤمن، نور الله، مع نور القرآن، مع نور الرسالة، مع نور العبادة، مع أنوار الملائكة: {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:35]. وكأن سائلاً يسأل ويقول: يا ربِّ أين هذا النور؟ قال بعدها: {فِي بُيُوتٍ} [النور:36] هذه الأنوار في محطات الإيمان والنور: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور:36 - 38]. فهذا الزيت يوقد من شجرة، أي من زيت شجرة مباركة، وهي شجر الزيتون: {زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} يعني الشمس تضربها في الشروق والغروب، وهذا يؤثر على صفاء زيتها، فيأتي زيتها أصفى من الشمس يكاد يضيء: {يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ} [النور:35]. فهذه المساجد -أيها الإخوة! - يبشر الرسول صلى الله عليه وسلم من وفقه الله لبنائها بالجنة. ويقول العلماء: إن من بنى مسجداً لله فإنه من المبشرين بالجنة، لحديثٍ في الصحيحين يقول فيه عليه الصلاة والسلام: (من بنى لله مسجداً يبتغي به وجه الله، بنى الله له به بيتاً في الجنة) قال العلماء: لا يمكن أن يبني الله لك بيتاً في الجنة ويدخلك النار، فمعنى أن يبنى لك بيتاً في الجنة أن يدخلك الجنة، وإلا فما قيمة بيت وأنت لا تسكنه؟! وما معنى بيت لا تدخل فيه؟! وقال العلماء: إن هذا من المبشرات بالجنة، لكن بشرط: (يبتغي به وجه الله)، قال العلماء: هذا قيد يخرج به من يبني مسجداً للرياء أو للضرار، أو للمباهاة، لأن هذا لم يُبن لله؛ ولكن من بنى مسجداً خالصاً لوجه الله يبتغي به ما عند الله، بنى الله له به بيتاً في الجنة، فنسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجزي من بنى هذا المسجد خيراً، وأن يجعل له بيتاً في الجنة، هو ومن أعانه، ومن ساهم معه، ومن أشار عليه، ومن جعله باسمه، ومن صلى فيه، ومن عمل فيه صالحاً إلى يوم القيامة فإن فضل الله واسع.

الغاية من خلق الإنسان

الغاية من خلق الإنسان أيها الإخوة في الله! ما معنى أن يعيش الإنسان؟ وما قيمة حياة الإنسان إذا لم يكن لهذه الحياة غاية وهدف؟ وما غاية الإنسان وهدفه من هذه الحياة؟ لنضع المسألة على طاولة البحث، ونقول: هل هذه غاية أن تأكل، وتشرب، وتتمتع، وتنام، وتنكح، وتصبح، وتمسي، وتتوظف، وتعيش؟ هل خلقك الله لكي تأكل، وتشرب، وتتوظف، وتبني، وتتزوج، وتذهب للعمل، وترجع، وتتمشى، وتسهر، وتنام كما هو برنامج أكثر الناس الآن؟! في الوقت الحاضر أصبحت برامج أكثر الناس لا تتجاوز هذه الأمور، يبدأ برنامجه من الساعة الثامنة -ولا يصلي الفجر- يغسل وجهه، ويركب سيارته، ويذهب إلى العمل، ويفطر أثناء العمل، ويتغدى في البيت، وينام إلى الساعة الخامسة، ويقوم يتمشى إلى المغرب، ومن المغرب إلى العشاء في السوق، ومن العشاء إلى الساعة الثانية عشرة أو الواحدة أو الثانية بعد منتصف الليل يلعب أو يشاهد أفلاماً، أو يطالع قنوات، ثم ينام إلى الساعة السابعة. هذا برنامج أكثر الناس. فهل خلقك الله لهذا؟ إننا إذا قلنا: إن الله خلق الإنسان لهذا، فكأننا نقول: إن الإنسان نوع من القطيع الحيواني؛ لأن الحيوانات لا تمارس إلا هذه الأعمال، ويبقى هناك فروق نوعية، يعني: كون الحمار يعيش في (زريبة)، أو البقرة تعيش في حظيرة، وأنت تعيش في عمارة أو شقة، أما الهدف فواحد، أنت تنام وهي تنام أنت تأكل وتشرب وهي تأكل وتشرب، ولا فرق في الأهداف والأفكار والاهتمامات. لكن ليس هدفك من الحياة أن تعيش لتأكل، ولهذا عاب الله عز وجل على الكفار هذا الهدف، وقال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ} [محمد:12] هؤلاء يأكلون ويتمتعون كالبقر، ثم قال: {وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12] ويقول عز وجل للرسول صلى الله عليه وسلم: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44]. يا ليت أنهم كالأنعام، فالبقر تذبحه أو تحلبه أو تحرث عليه، والحمار تركب عليه، والجمل تشد على ظهره، لكن العاصي ماذا تعمل به؟ ليس حماراً تركبه، ولا بقرةً تحلبها، ولا جملاً تشد عليه، ليس فيه خير إلا فساد في فساد، قال عز وجل: {بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] فليست الغاية من خلقك أن تعيش وتأكل وتشرب، وإنما هذه غاية البهائم. إذاً: ما الغاية؟ بعد النظر والتأمل وجد أن الغاية هو أن يموت الإنسان؛ لأن كل واحد يعيش ولا بد أن يموت، فهل خلقك الله لكي تموت؟ فأنت كنت ميتاً أصلاً، ولو أن الله أوجدك لكي تموت لما خلقك، ولجعلك ميتاً، ولما جعلك تمر عبر هذه الأطوار تسعة أشهر حملاً في بطن أمك، ومعاناة وتعب، ثم وضع في كره وتعب، ثم في تربية ورضاع، ومعاناة، ومكابدة للحياة: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4] لكي تموت في النهاية وتنتهي المسألة؟! لا. هذا عبث، والله منزه عن العبث يقول الله: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115] أي: أتظنون أن الله خلقكم عبثاً، وأنكم لا ترجعون إلى الله؟! ثم قال عز وجل: (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ} [المؤمنون:116] تعالى الله، وتنزه، وتقدس عن العبث: {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:116]. ويقول في آية أخرى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً} [ص:27] أي: عبثاً {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص:27]، ويقول عز وجل: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} [الأنبياء:16] لاعبين: أي عابثين. {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:17 - 18]. نعم. ليس لحياتنا معنى -أيها الإخوة! - إذا كنا نظن أننا خلقنا من أجل أن نأكل ونشرب، أو خلقنا من أجل أن نموت.

هدفنا في الحياة

هدفنا في الحياة من أجل أن يكون لحياتنا معنى، ويكون لوجودنا قيمة، وتكون لحياتنا أهدافاً لا بد من معرفة أمرين رئيسيين: الأمر الأول: أن تعرف -أيها الإنسان! - من أنت. والأمر الثاني: أن تعرف -أيها الإنسان! - لماذا خلقك الله، وما الغرض من خلقك. أولاً: تعرف من أنت أصلاً، والمصيبة أيها الإخوة! أن البشرية اليوم رغم التطور العلمي، وثورة المعلومات، وزمن الاتصالات، وتفجير الذرة، والسباحة في الفضاء، والغوص في الماء، وتطويع المادة، إلا أن البشرية لا تعرف من الإنسان إلا جزءاً بسيطاً من أجزائه، تعرف الجسد فقط، وهل الإنسان هو الجسد؟! الإنسان أشياء، والجسد هو أقل أجزاء الإنسان شأناً وقيمةً، ولا قيمة له إذا تجرد عن الأشياء الأخرى الرئيسية فيه، لكن البشرية لا تعرف إلا هذا الجزء البسيط، ولهذا إذا مرض الجسد عالجوه، وإذا عطش سقوه، وإذا جاع أطعموه، وإذا أصابه الحر بردوه، وإذا برد أدفئوه، فالحياة لديهم جسد في جسد، وعنايتهم به فقط. يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته أتطلب الربح مما فيه خسرانُ أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسانُ فأنت لن تكتسب إنسانيتك ولا كرامتك من جسدك، ففي البهائم من هو أقوى منك، الأسد أشد عضلات، والجمل أكبر جسماً، والفيل أضخم حجماً من الإنسان. إذاً أنت لست إنساناً بهذا الجسد، أنت إنسان بأشياء أخرى، ما هي هذه الأشياء؟ لقد جهل الإنسان نفسه، حتى قال الشاعر: دواؤك فيك وما تبصر وداؤك منك وما تشعر وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر أنت خلق مميز، يقول الله فيك: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:14] خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وأنزل عليك كتبه، وبعث إليك رسله، وأعد لك جنته إن أطعته، وتوعدك بناره إن عصيته، هذه كلها سبل تكريم لك أيها الإنسان! ثم تظن أن الله خلقك لكي تأكل وتشرب، مثل البقرة أو الحمار!! لا. أنت مخلوقٌ مميز، لكن المصيبة أن الإنسان لا يعرف نفسه.

وظائف ومهمات أجزاء الإنسان الرئيسية

وظائف ومهمات أجزاء الإنسان الرئيسية أجل. من هو الإنسان أيها الإخوة؟! وحتى نعرف الإنسان الإنسان مكون من خمسة أجزاء رئيسية:

الجسد

الجسد الجزء الأول -وهو المعروف عند الناس الجسد-: وهو: عبارة عن هيكل عظمي مربط بعضلات وغضاريف وأعصاب، ومغطى بجلد، ومركب عليه أجهزة: جهاز بصري لرؤية الأجزاء والأجسام، وجهاز سمعي لمعرفة الأصوات، وجهاز تنفسي لاستنشاق الهواء، وجهاز هضمي، وجهاز دموي، وجهاز تناسلي وغيرها. هذا الذي يسمى الجسد جزء واحد فقط من الأجزاء وهو غير مهم كأهمية بقية الأجزاء؛ لأنه لم يتعلق به ذم ولا مدح في كتاب الله، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يأت في القرآن مدح أهل الأجساد بناءً على أجسادهم، لا. بل جاء الذم، قال الله في سورة المنافقين: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون:4] أي: لعنهم الله؛ لأن الذي يهب الأجساد هو الله سبحانه وتعالى، الذي أعطاك الجسد القوي أو الضعيف، الجسد الأبيض أو الأسود، الجسد المتين أو النحيف، الجسد الطويل أو القصير؛ هو الله، فكيف نلومك أو نمدحك أو نذمك أو نثني عليك بشيء ليس منك أصلاً، فالجسد هو من خلق الله، ولم يتعلق به مدح ولا ذم؛ بل يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح من حديثه يقول: (إن الله لا ينظر صوركم ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وإلى أعمالكم) ولم يأتِ في القرآن ولا في السنة مدح للجسد إلا في حالة واحدة جاءت تبعاً للعلم والإيمان والدين في سورة البقرة، يقول عز وجل في طالوت: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة:247] فهذا خير أن يعطيك الله علماً وإيماناً مع جسم قوي، لكن الجسم بلا دين ولا إيمان يذم ولا يمدح، فهذه أجسام المنافقين والكفار، وأنتم ترون بعض الكفار فيهم قوة وعضلات، لكن قوة إلى النار، وعضلات إلى جهنم والعياذ بالله، فهذا هو الجسد الجزء الأول من الإنسان، ولسنا أيها الإخوة! بحاجة إلى التطويل فيه فإن الناس يعرفونه ويهتمون به، وبالتالي لا يحتاجون إلى مزيد توصية، لكن التوصية والتأكيد على الأجزاء الأربعة الباقية.

الروح

الروح الجزء الثاني من أجزاء الجسد الرئيسية: الروح. والروح بمنزلة الطاقة المشغلة للجسد، مثل الميكرفون، الميكرفون مكون من أجهزة: لاقط، وعصا، وجهاز (إمبرفاير) و (هورن)، هذا الجهاز يكبر الصوت، لكن الذي يشغله الطاقة الكهربائية، إذا فصلنا الطاقة الكهربائية، هل يشتغل ويكبر الصوت؟ لا. لأن المشغل له الكهرباء، والجسد المشغل له الروح، إذا فصلنا الروح فهل يشتغل الجسد؟ وإذا مات الإنسان والجهاز السمعي موجود لكنه لا يسمع، والجهاز البصري -عينيه ستة على ستة- موجود لكنه لا يرى، والقلب موجود لكنه لا ينبض، والكلية موجودة لكنها لا تصفي الدم، والرئة موجودة لكن عملية الشهيق والزفير لا تعمل، لماذا كل الأجهزة توقفت؟ لأن الروح معزولة. إذاً: ما هي الروح؟ قف! إنها شيء استأثر الله بعلمه، وحجبه عن البشر، حتى الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل فيها شيئاً، بل لما سأله اليهود عن الروح قال الله له: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:85] ولم يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم في سنته عن شيءٍ من أسرار الروح إلا بخبر واحد وهو أن الميت إذا مات تبعها البصر، ولهذا أي ميت تأتي وتراه بعد الموت ترى عينيه شاخصتين إلى الأعلى، لماذا؟ لأن الروح خرجت وصعدت إلى الله فيتبعه البصر، ولهذا يشرع لمن حضر الميت أن يغمض عينيه؛ لأن عينيه شاخصتان إلى السماء، ولن تغمض إلا إذا أغمضتها أنت؛ لأن المشغل للتغميض خرج. تساءل من الذي يجعل عينك تغمض كل لحظة؟ ولماذا تغمض عينك كل لحظة؟ لأن عدسة العين عليها غطاء وفيها مادة ملحية، وتتعرض العدسة لعوامل الجو فتنشفها، فلا بد من عملية تمسيح لها، وفي نفس الوقت إعطاءها مسحة من الدمع لكي تظل دائماً مصقولة، فلو أن الله جعل عينك مفتوحة، وجعل عملك أنك تمسح عينك، فلن يكون لديك عمل إلا تمسيحها، كل لحظة تقفل وتمسح، لكن الله ركب لك على عينيك جفنين يعملان تلقائياً (أوتوماتيك)، بل بعضهم يدخل (مباراة) فيمن يفتح عينه لا يغمضها، ويقول: عينك في عيني، لا تغمض، فمن يغمض فعليه كذا! ولن يطبق؛ لأن عينه احتاجت أن يغمض غصباً عنه لكي يمسح العدسة، لكن عندما تموت أنت، وتفتح عينك، وتخرج الروح، فلا توجد روح تطبق جفنيك، بل تحتاج إلى شخص من الموجودين لكي يغمض عينك، ويغلق فمك، لكي لا تبقى فاغر الفم، شاخص العين. فالروح لا يعرفها أحد، بل استأثر الله بعلمها، وما دمنا لا نعرفها فلا يجوز لنا الخوض فيها، ولو أن الروح شيءٌ مادي يمكن معرفته لكان الناس قد وصلوا إليها، خاصة في هذا العصر -عصر العلم- فعندهم أجهزة دقيقة تكبر الأشياء، وأنا رأيت (مجهراً إلكترونياً) يكبر ثلاثة ملايين مرة، يعني المليمتر الواحد -الذي هو واحد على عشرة من السنتيمتر- يجعله ثلاثة (كيلو). فلو أن الروح شيء مادي لرأيناها تحت المجهر، لكن اسأل في الشرق، واسأل في الغرب، واسأل في الجامعات عن الروح، الجميع لا يدري. وقد قرأت قبل فترة بحثاً لعالم أمريكي أجرى أبحاثاً على الروح، ورصد حالة مريض يحتضر وركَّب عليه أجهزة ترصد أي حركة تدخل فيه أو تخرج منه، في صندوق زجاجي، وفجأة يموت الإنسان ولا تسجل جميع الأجهزة شيئاً، بمعنى: أن الروح شيء لا يعرفه البشر، ولا يعلمه إلا الله: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:85]. فعلاقة الروح بالجسد علاقة تشغيل، وتنفصل من الجسد في حالتين: الحالة الأولى: حالة النوم. الحالة الثانية: حالة الموت. ففي حالة النوم تنفصل، ولكنه انفصال قريب، وتترك الجسد بدليل أنك لو أتيت إلى النائم ووضعت عند أنفه عطراً هل يشم وهو نائم؟ لا. وإذا فتحت عينيه ووضعت أمامه منظراً أو يديك وهو نائم هل يراك؟ لا يراك، تتكلمون في المجلس وهو نائم لا يسمعكم، رغم أن الأذن التي تسمع موجودة، والعين التي ترى موجودة، والأنف الذي يشم موجود، لكن الروح التي تجعلك تشم، وترى، وتسمع غير موجودة، أين هي؟! خارج الجسد، قريبة أم بعيدة؟ قريبة، فإذا أردتها أن تعود، توقظه وتقول: يا فلان يا فلان! فيقول: نعم، نعم. أين كانت؟ لا تدري، أعطه العطر، يشم، ولماذا شم الآن، ولم يشم حال النوم؟ لأن الذي يشم كان غير موجود أين تذهب الروح عندما تنام أنت؟ لا تدري، قال العلماء: تبقى قريباً من الجسد بحيث إذا دعيتها تعود، ولهذا قال الله وهو يسمي النوم وفاة: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً} [الزمر:42] يتوفى الأنفس: أي يميتها، حين موتها: أي: عند الموت. وقال عليه الصلاة والسلام في حديث الاستيقاظ من النوم: (إذا قمت تقول: الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور). لكن لماذا النوم لا يمكن أن يكون إلا بخروج الروح؟ قالوا: لأن الروح راكب، والبدن مركوب، ولا يمكن أن يرتاح المركوب والراكب عليه، فهل يمكن أن ينام حصانك وأنت راكب عليه، طبعاً لا؛ بل لا بد أن تنزل عنه، ولهذا إذا دخلت بيتك الآن وأنت آتٍ من سفر، أو آتٍ من العمل متعب، مثقل، محطم، وقلت لزوجتك: دعوني أنَمْ، لا أريد أكلاً، لا أريد أن أرى أحداً، أريد أن أنام، أريد أن أرتاح فقط، فقالت لك زوجتك: تفضل، ادخل على السرير والمكيف والغرفة هادئة لكن استرح ولا تنم تمدد لكن لا تنم، وكلما غمضت عينك دقت الباب لئلا تنام، ما رأيك هل ترتاح؟ ولو تقعد أربعين ساعة لن ترتاح، لكن نَمْ أربع ساعات -وأنت نائم ينزل الروح الذي هو الراكب- ثم توقظك زوجتك، ستجد أنه قد ارتاح جسدك، تقوم وأنت تقول: ما شاء الله لا إله إلا الله، الحمد لله، أصبح جسمك قوياً، لماذا؟ لأن الراكب نزل، فالله عز وجل يُبعد الروح عن الجسد في النوم لكي يرتاح هذا الجسد. يا إخوان! النوم آية من آيات الله، يقول الله: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [الروم:23] فلو أن النوم غير موجود ما كان الناس ليعيشوا، وتصوروا حالة الطلاب أيام الامتحانات كيف بهم إذا سهروا، وكذلك السائقين أيام المواسم، كيف تتحطم قوتهم؛ لأنه سهران ليلتين أو ثلاث، وبعضهم يتناول هذه الحبوب لكي يسهر ويدمر نفسه لكن الله جعل النوم سباتاً، (سباتاً) أي: قاطعاً لنا من دنيانا لكي ننام حتى نستطيع أن نعيش وأن نواصل السعي في حياتنا ونحن بأجسام طيبة، هذه -أيها الإخوة- هي الروح.

النفس

النفس الجزء الثالث من أجزاء الإنسان: النفس. والنفس يقول العلماء: إنها مستشار أول للقلب، فإذا أراد القلب أن يعمل شيئاً استشارها، فإذا كانت النفس أمارة بالسوء أشارت عليه بالسوء، والنفس في طبيعتها وأصلها أمارة بالسوء، كما قال الله: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف:53] ولهذا مقاييس هذه النفس هي: الشهوات، الملذات، المتع، الراحة، النوم، الفسحة، الرحلة، السهرة، اللعب، هذه كلها تحبها النفس، وهناك أشياء أخرى لا تحبها النفس: القيود، التكاليف، الصلاة، الزكاة، الصيام، قراءة القرآن لا تحبها النفس، مع أن الجهد المبذول في هذه الطاعات بسيط قياساً على الجهد المبذول في تلك الغفلات، لكن النفس هذه طبيعتها، لا تحب هذا، وانظروا الطالب أيام الامتحان يكره الكتاب، ويحب الجرائد بالرغم من أنه ليس عنده امتحان في الجريدة، بل عنده امتحان في الكتاب؛ لكن الكتاب كأنه حيات وعقارب لا يريد أن يراه، وإذا به إذا رأى مجلة أو جريدة قرأها وانبسط معها، لماذا؟ لأن النفس لا تحب القيود، تحب الدعة والانفلات. فهذه النفس أيها الإخوة! يقول العلماء: إنها هي المجال الأول للإصلاح الإنساني، فالله يقول في كتابه الكريم: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس:7 - 8] أي: كل نفسٍ لديها القدرة على أن تكون تقية أو فاجرة، ثم يأتي دورك أنت في تربية نفسك، قال عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:9 - 10] قالوا: تزكيتها بطاعتها الله وببعدها عن معصيته، وتدسيتها بوقوعها في معصية الله وحرمانها من طاعة الله عز وجل. دورك أيها الإنسان! هو إصلاح هذه النفس، كيف الإصلاح؟ بالمجاهدة، قال عز وجل: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:40 - 41] جاهد النفس وعاندها، إن كانت تريد النوم عن صلاة الفجر فلا تدعها، أو كانت تريد الغفلة عن الذكر فلا تدعها، أو تريد الجريدة وتترك القرآن؛ لا. بل لا تترك القرآن، وإذا كانت تريد أن تنظر إلى الحرام؛ لا. وقل لها: والله لا تنظرين، أو كانت تريد أن تسمع الأغاني؛ فقل لها: لا لن تسمعي! الله أكبر! أنت ضد نفسك، جهاد في جهاد، فإذا رأت هذه النفس أنها مع إنسان قوي فستستسلم، وترتقي من درجة الأمارة بالسوء حتى تصبح -كما قال العلماء- نفساً لوامةً. فما معنى اللوامة؟ هي المعبر عنها في علم النفس الحديث بـ (الضمير)، يقولون: رجل عنده ضمير حي، وآخر ضميره ميت، الذي ضميره ميت؛ هذا هو الذي نفسه أمارة بالسوء، يزني ويسكر ويعمل كل جريمة؛ لأن قلبه ميت لا يحس، أما الذي ضميره حي هذا فيه خير، وإذا عمل جريمة تلومه نفسه تقول: لماذا عملت؟ هذه اسمها لوامة، تأمره بالشر ثم تلومه عليه. فيردها الإنسان ويؤدبها ويهذبها مرة أخرى، ويعاندها مرة أخرى إلى أن ترتقي إلى المرتبة النهائية؛ وهي: النفس المطمئنة. والنفس المطمئنة: وهي التي سكنت إلى أمر الله، واطمأنت إلى طاعة الله، فلا تحب إلا الله، ولا تحب إلا رسول الله، ولا تحب إلا شريعة الله، ولا تحب إلا بيوت الله، إذا دعيت إلى طاعة الله فرحت، وإذا عرضت عليها معصية الله نفرت، هذه نفس مطمئنة، لماذا؟ رضيت عن الله، ورضي الله عنها، يقول الله لها يوم القيامة: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر:27 - 28] راضية في ذاتها، مرضيٌ عنها من قبل خالقها وبارئها: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:29 - 30] هذه النفس هي الجزء الثالث وهذه مهمتها، يقول العلماء: إن النفس مثل الدابة، إما أن تركب عليها، وإلا ركبت عليك، فإن ركبت عليها وقصرتها على أمر الله سرت بها إلى الله، وإن ضعفت أمامها ركبت عليك نفسك، وأوردتك إلى النار والعياذ بالله.

العقل

العقل الجزء الرابع من الأجزاء: العقل. والعقل يقول العلماء: إنه مستشار ثانٍ للقلب، لكن مقاييس العقل غير مقاييس النفس، استشارة النفس منطلقها الشهوات والمتع والملذات، أما العقل فلا، استشاراته تنطلق من المصالح المفاسد النتائج الآثار فالعقل يفكر! فإذا قالت النفس فكرة للقلب، فإن كانت قوية أثرت في القلب، والقلب مريض لا يستطيع أن يحمل هذه الفكرة ويردها فيأتي العقل ليقول: لا هذا خطأً، فتقول له النفس: هذا ليس خطأً، فيطيع الإنسان نفسه. وأضرب لكم على هذا أمثلة: شرب الدخان، فالذي يدخن أليس في قرارة نفسه قناعة أن الدخان مضر، وهل يوجد شخص في الدنيا يدخن وهو لا يعرف أنه ضار؟ لا. الجميع يعرف أنه ضار، ويقرأ على علبة الدخان (التدخين يضر بصحتك) جميع الشركات المصنعة في العالم تصنع مصنوعاتها وتكتب عليها دعاية لها إلا الدخان، فإن شركاته تصنعه وتكتب عليه دعاية ضده، وأيضاً فإن جميع المأكولات والمشروبات في الدنيا إذا صنعت كتب عليها تاريخ صلاحية بداية ونهاية، إلا الدخان من يوم صنعوه كتبوا عليه أنه يضرك من ذاك اليوم. إذاً لماذا الإنسان يدخن؟ يفكر في عقله يقول: الدخان والله ضار، الدخان يسبب لك مرضاً، الدخان يتلف مالك، فيأتي القلب يريد أن يطيع العقل، فتقول النفس: دعك من هذا الكلام، الناس كلهم يدخنون، لو أنه حرام لم تسمح الدولة بدخوله، فيقول القلب: صدقتِ، لماذا يلغي عقله؟ لأن نفسه أمارة بالسوء. متى يكون للعقل هيمنة؟ قالوا: لا يكون للعقل هيمنة إلا في ظل سلامة القلب وضعف النفس -أي: صلاح النفس- فيأتي العقل ليقول: هذا حلال نواصل فيه، وهذا حرام نبعده، لكن إذا قال: هذا حرام قالت النفس: لا. ليس حراماً، الله غفور رحيم. أيضاً من الأمثلة: الزنا جريمة موبقة، وكل إنسان يعرف أنها حرام، فيأتي القلب ليستشير النفس في الزنا، فتقول: فرصة لا تفوتك، ويشاور العقل فيقول: احذر! هذه جريمة، إذا ضُبطت تفصل من وظيفتك، ويسقط اعتبارك، وتصبح من أهل السوابق، تسجن ويجلد ظهرك بالسوط، احذر! وأتى إلى النفس، قال: يقول العقل كذا وكذا وكذا، قالت: هذا إذا ضبطوك لكن من يضبطك كن رجلاً حذراً، لا أحد يراك، قال القلب للعقل: النفس تقول كذا، قال العقل: وإذا لم تضبط في الدنيا، سيضبطك الله في الآخرة، فالله عز وجل يراك، قال عند النفس: يقول العقل: كذا، قالت: الله غفور رحيم، تب بعدها، الناس كلهم يتوبون: (ولو لم تذنبوا فتستغفروا) وتأتيك بالأدلة، فيقع الإنسان في الجريمة بسبب قوة النفس وضعف القلب، والضعيف لا يصنع شيئاً، صحيح أن القلب ملك الجوارح، لكن إذا كان ملك الجوارح مريضاً، كما لو كنت رب أسرة وأنت مريض، هل تستطيع أن تسيطر على أولادك؟ فالولد الذي يأتي الساعة الثانية عشر وأنت مريض لا تقدر أن تتحرك من فوق السرير ماذا تفعل به؟ تتوعده إلى أن تتعاف من المرض، وإذا لم تتعاف فلن تستطيع أن تعمل شيئاً، والمرأة تخرج بغير إذنك، فتقول: أنا مريض الآن ما عليكِ، انتظري حتى أتعافى والله لأكسرنَّ ظهركِ، لكن هل تستطيع أن تكسر ظهرها وأنت مريض؟ لا. فلو قمت تضربها ضربتك، والولد إذا كنت مريضاً وتقوم لتمسكه أزاحك عن الباب وتركك. فالقلب إذا كان مريضاً فإن الأعضاء تتمرد، فالعين تنظر ولا تبالي بالقلب، والأذن تسمع ولا تبالي بالقلب، والنفس تأمر بالسوء ولا تبالي بالقلب، وكل الجوارح تتمرد، لماذا؟ لأن هذا القلب مريض.

القلب

القلب القلب: هو العضو الخامس والأخير، ويسمى ملك الجوارح، وسيد الأعضاء، وكما جاء الحديث في الصحيحين: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) إذا صلح القلب صلحت العين، والأذن، وصلح اللسان والفرج، وصلحت اليد والرجل، وصلحت الحياة كلها؛ الآن الشباب الملتزمون -نسأل الله أن يبارك فيهم- ما الذي تغير في حياتهم؟ تغير القلب، حصل عند أحدهم قناعة في قلبه أن الطريق الذي كان فيه غير صحيح، وأن الطريق الصحيح هو الدين والإيمان فالتزم، ولما أن التزم، أصبحت عينه لا تنظر إلى النساء، لم يركباً عين جديدة؛ بل هي عينه الأولى لكن! - من حين يرى امرأة يغض بصره! لماذا تغض الآن ومن قبل ما كنت تغض؟ لأن القلب صلح، وأذنه التي كانت تتابع الأغاني في الإذاعات من يوم يسمع نغمة يغلقها، هل غير أذنه في السوق واشترى أذناً جديدة؟ لا. هي نفسها، لكن الذي تغير هو قلبه، أما يده التي كانت تبطش بالحرام، وبطنه التي كانت تأكل الحرام، وفرجه الذي كان يقع في الحرام، ورجله التي كانت تمشي في الحرام هي نفسها، فما الذي تغير؟ تغير القلب: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) هكذا يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم. فهذا القلب لا يسيطر على النفس، ولا يقبل تأشيرات العقل إلا إذا كان سليماً معافىً. فإذا سلم القلب قبل نصائح العقل، ورفض أوامر النفس، وصلحت حياة الإنسان كلها. معنى هذا أن القلب يمرض، نعم، القلب يمرض، وتعتريه العلل، وتصيبه الآفات كما تصيب أي جارحة من الإنسان، وعلامة مرضه عدم قيامه بواجبه، فمثلاً هذه اليد دورها في الجسم العمل، فإذا تعطلت، تقول يدي مريضة، والعين دورها النظر، فإذا عميت تقول: عيني مريضة، والأذن دورها السماع، وإذا لم تسمع تقول: أذني مريضة، والقلب ما هو دوره؟ معرفة الله، معرفة دين الله، معرفة رسول الله، محبة الله، وإذا لم يعرف الله ولا عرف الدين فهو مريض لا يقوم بدوره، فمتى يقوم بدوره؟ إذا كان سليماً، وهل ينتفع الإنسان بقلبه إذا كان مريضاً؟ لا. قال الله عز وجل في كتابه الكريم: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] ويثني الله على إبراهيم فيقول: {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الصافات:84] سليم من ماذا؟ ما هي الأمراض التي تصيب القلب حتى نتجنبها؟ قال العلماء: أولاً القلب يصاب بالعمى -نعوذ بالله وإياكم من عمى القلب- قال الله: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46] قلبك الذي في صدرك هو عبارة عن مضخة، تضخ الدماء، وهذه وظيفة مادية ليس لنا علاقة بها، لكن القلب الذي نعني به: اللطيفة الروحية التي أودعها الله في هذه المضغة، والتي بها نعرف الحياة كلها. فالقلب يضخ الدماء كوظيفة مادية، لكن له وظيفة أخرى، وهي: حب الله ومعرفته، ولذا تنظر إذا فرحت ما الذي يتأثر فيك؟ قلبك، يكاد قلبك يطير من جوفك من الفرح، وإذا حزنت يكاد يموت قلبك تقول: والله كأنه والله طعنني في قلبي، وإذا سمعت خبراً سيئاً كموت حبيب أو قريب، أو حادث، تقول: امسك قلبي، قلبك مضخة الدم لم يصبه أذى، لكن قلبك المعنوي اللطيف الذي أودعه الله في صدرك، فالقلب يسلم ويمرض، ويبصر ويعمى. إذاً: ما علامة عماه؟ قالوا: ألا يرى طريق الله، يقول الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأحقاف:26] أفئدة: قلوب، ويقول: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:78] وقال الله عز وجل: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف:179] كيف لا يسمعون؟ هم يسمعون لكن لا يسمعون ما يحب الله، هم يرون لكن لا يرون طريق الله، هم يفقهون لكن لا يفقهون دين الله، كأن هذه الأجهزة ليست موجودة عندهم؛ لأن الله يقول: {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأحقاف:26] لماذا؟ {إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ} [الأحقاف:26] فجحودهم عطل هذه الجوارح، ما فقهوا بأعينهم إلا ما تفقهه البهائم، ولا سمعوا بآذانهم إلا ما تسمعه البهائم، ولا فكروا بقلوبهم إلا في شهواتهم كما تفكر البهائم، لكن ما تفكروا فيما هو مطلوب منهم، وما هو المطلوب منك أيها الإنسان؟ مطلوب منك أن تعرف الله، وتعرف دينه، ونبيه، وأن تسير على منهجه، وأن تعبده حق عبادته، فإذا تعطل القلب عن هذا فهو مريض.

أمراض القلوب

أمراض القلوب إن أمراض القلوب عديدة؛ لكن أخطرها ثلاثة، إذا أصيب بواحد منها انتهى -مثل السرطان ليس له دواء- والعياذ بالله. المرض الأول: مرض شبهة. المرض الثاني: مرض شهوة. المرض الثالث: مرض غفلة.

مرض الشبهة

مرض الشبهة مرض الشبهة من أخطر أمراض القلوب على الإطلاق، لكن ما هي الشبهة؟ قال ابن القيم: رب شبهة أورثت شكاً في دين الله. شك في الله ووجوده، شك في الرسول صلى الله عليه وسلم وصدقه، شك في الجنة والنار والبعث بعد الموت وعذاب القبر، والدين هل هو صحيح أو غير صحيح؟ هذه شبهة. من يزرع هذه الشبهة؟ الشيطان. لماذا؟ ليزعزع الإيمان. فكيف يكون العلاج؟ كيف أعالج قلبي، بل كيف أحصن قلبي ضد مرض الشبهات؟ قالوا: علاجها اليقين بأخبار الله، فإن الله قد أخبرنا عن نفسه، وناره، والبعث، والملائكة، والجن. هل أحد أصدق من الله؟ {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} [النساء:87] {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} [النساء:122] {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً} [الأنعام:115] صدقاً في الأخبار، وعدلاً في الأحكام، لا مبدل لكلمات الله، الله أخبرنا؛ أَلاَ نَثِقُ في خبر الله! أيها الإخوة؟! إذا جاءنا خبر من وكالة أو من جريدة مباشرةً نصدق، والله يقول: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} [النساء:87] {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} [النساء:122] فعلينا أن نتلقى الأخبار الإلهية باليقين، واليقين هو منتهى درجات التصديق، أي أن يستيقن القلب ويثبت ويطمئن على هذا الكلام أنه حق، فالله يقول في القرآن الكريم: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذاريات:23] (الحق) البعث. ويقول في آية أخرى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [يونس:53] إنه حق: أي البعث. ويقول: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:7] إن كان مستحيلاً بالنسبة لكم فهو يسير عند الله، فعالج يا أخي الكريم مرض الشبهات باليقين، وطمئن نفسك أن كل خبر يأتيك من الله ورسول لله تقبله، ولو عارضته الدنيا بأسرها. وهناك حديث في الصحيحين يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ثم ليرفعه، فإن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر دواء) رواه البخاري ومسلم، وهذا الخبر وقف أمامه شراح الحديث في الماضي موقف المتعجب، أنهم لا يدرون ولا يعرفون كيف يكون في جناح الذباب داء، وفي الثاني دواء، ولا يوجد في ذلك الوقت جامعات، ولا أجهزة رصد علمي، ولا بحوث، ولا كشف، فكان غاية ما يقول الشراح في هذا الحديث: الله أعلم بمراده. لا ندري ما في هذا الحديث لكن نصدق به، جاء العلم والكشف والبحث العلمي، وجاءوا بالحديث وهذه صورة من صور الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة، وجاءوا بالذباب، وعملت التجربة في جامعة الملك عبد العزيز، في مركز الإعجاز العلمي للكتاب والسنة، جاءوا بالذباب في جهاز ووضعوا في الجهاز ماء وهذا الماء معقم بدرجة كبيرة بحيث لا يوجد فيه جرثومة واحدة، وأدخلوا ذباباً بملقط من خرق في صندوق، تحرك حتى تعب ثم وقع في الماء، فلما وقع في الماء التقطوه، وأخذوا عينة من الماء وحللوها فوجدوا أن فيه ملايين الجراثيم بمجرد أن غمس الذباب جناحه الذي هو ملئ بالداء، وبعد قليل أرجعوا الذباب وغمسوه كاملاً، ثم رفعوه، وأخذوا عينة أخرى من الماء نفسه، وحللوها فجدوا أن جميع المكروبات التي كانت فيه قد ماتت كلها. من أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا؟ هل لديه بحث علمي في الصحراء أو في مكة؟! هو لا يعرف كتابة اسمه صلوات الله وسلامه عليه؛ فهو أُمّي لو وضعت أمامه (أ، ب) لا يعرف ما هي! لكنه عالم البشرية كلها، والمعلم الأمثل للإنسانية لا يعرف أن يكتب حرفاً، لكن علمه الله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1 - 5]. هذا المعلم للإنسانية كلها لا يعرف أن يكتب أو يقرأ المكتوب، فكيف يستطيع أن يعرف مثل هذا لولا أن الله أعلمه به؟ فنحن إذا أخبرنا الله بخبر أو أخبرنا به الرسول صلى الله عليه وسلم علينا أن نسلم ونصدق، ولا نبحث ولا ندخل في قلوبنا الشكوك؛ لأن الشك هذا هو القنبلة التي تنسف الإيمان من القلب، وإذا أصيب القلب بداء الشك ذهب الإيمان وتزعزع اليقين، وخسر الإنسان في الدنيا والآخرة. هذا مرض القلب الأول: الشبهة.

مرض الشهوة

مرض الشهوة المرض الثاني: مرض الشهوة، وهذا وإن كان خطيراً إلا أنه أخف من الأول، قال ابن القيم: وهو مرضٌ يورث تقديم الهوى على أمر الله، فإن الإنسان يحصل في قلبه صراع بين شهواته وبين أوامر الله. ومن أمثلة ذلك: شهوة النوم عن صلاة الفجر، أحسن النوم عند الإنسان نوم الفجر، لكن في هذا الوقت أمر الله بالصلاة في المسجد، فيحصل صراع بين أمرٍ لله، وشهوة للنفس بالنوم، فماذا يحصل عندك؟ إن كان قلبك مريضاً نِمتَ، وإن كان قلبك سليماً قمت للصلاة، ولهذا يفترق الناس في صلاة الفجر بين سليمٍ ومريض، المريض هو المنافق، يقول عليه الصلاة والسلام: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاتي العشاء والفجر) وإذا أردت أن تسأل وتعرف هل أنت مسلم أو منافق فاسأل نفسك عن صلاة الفجر، إن كنت من أهلها بالتزام؛ فاعلم أنك مؤمن، وإن كان (البعيد) لا يعرف صلاة الفجر فليعلم أنه منافق، وليس بينه وبين عذاب الله إلا أن يموت، لماذا؟ لهذا الحديث: فإنه فرق بيننا وبين المنافقين بصلاة الفجر، ولذا نرى أقل نسبة في صلاة المسلمين في صلاة الفجر، لماذا تصلي المغرب والعشاء ولا تصلي الفجر؟ لأن القلب مريض، ولو أن القلب سليم لصلى صاحبه مباشرة، ولو أُعلن أن من صلى الفجر في المسجد جماعة فله مائة ريال، هل يصلي في البيت أحد؟!! والله لا ينامون إلا في المساجد، خاصة (الشيبان)، سوف ينامون في الصف الأول، وإنه سيأتي هو وأولاده يأمرهم بالصلاة، لماذا؟ من أجل مائة ريال!! لكن الآن يصلي وأولاده لماذا لا يصلون؟ قال: يهديهم الله، لكن إذا أتت المدرسة من يهديهم: الله أو العصا؟ العصا تهديهم، فتوقظه للمدرسة، لماذا؟ لأن حب المدرسة وحب الدنيا في قلبه، يقول: قوموا ادرسوا لكي تكونوا رجالاً، لتتخرجوا من المدارس وتحصلوا على وظائف، ولا تصبحوا ضائعين؛ لكن لا تقوموا تصلوا، (دعْهُ ينام مسكين!) مسكين عن الصلاة! لا حول ولا قوة إلا بالله، لماذا؟ لأن القلب مريض والعياذ بالله. الشهوة هنا هي التي تتصارع مع الأمر الرباني، فإذا غلب أمر الله شهوتك فقلبك سليم، وإذا غلبت شهوتك أمر الله فقلبك مريض. - شهوة الأغاني تتعارض مع أمر الله في حفظ السمع، فإن كنت حفظت سمعك وتركت هذه الأغنية فقلبك سليم، وإن كنت ممن يسمعون فقلبك مريض، وكل الشهوات قِسها على هذا؟ إذاً: كيف تعالج؟! قلنا: إن علاج مرض الشبهة في اليقين، وعلاج مرض الشهوة بالصبر على صلاة الفجر، فالذي يصلي الفجر يتعب لكن عليه أن يصبر والله يعينه، نعم. لا يوجد إنسان يقوم يصلي الفجر إلا ويحس بتعب؛ لأنه يقوم في وقت يحتاج فيه إلى النوم والراحة والدفء، ولكن يغالب نفسه ويقوم يصلي، لكن هل يبقى معه شيء من التعب؟ فالذين صلوا الفجر من قديم هل بقي معهم شيء من التعب؟ ذهب التعب كله وبقي الثواب، والذين ناموا عن صلاة الفجر ارتاحوا لكن هل بقي شيء من الراحة؟ ذهبت الراحة وبقي العذاب. وهكذا الدنيا ستنتهي ملذاتها كلها، وتنتهي الصعوبات كلها، وتجد نفسك في يوم من الأيام أمام جدار اسمه الموت. تصطدم فيه اصطداماً غير متوقع، ثم تنزل في محطة اسمها القبر، ثم يُقال لك: خذ كشف الحساب ويوم القيامة يقال لك: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية:29] وقال تعالى: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49] يقول المؤمن: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:19] وذاك يقول: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} [الحاقة:25] يا ليتني ما رأيت الفضائح التي فيه، كل فضيحة عملتها موجودة في هذا الكتاب: {وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة:26 - 27]. وحتى تتغلب على مرض الشهوة عليك أن تتسلح بسلاح الصبر، اصبر على أوامر الله، واصبر عن المحرمات، والشجاعة كما يقولون: صبر ساعة، اصبر قليلاً، وأنت لو لم تصبر على المذاكرة لا يمكن أن تنجح، ولو لم تصبر على تعب العمارة هل يمكن أن تبني؟ ولو لم تصبر على جمع المال حتى تشتري سيارة، هل يمكن أن تشتري سيارة؟ إذاً: لماذا لا تصبر على الدين؟ تصبر على كل شيء إلا على الدين! فلا بد من الصبر أيها الإخوة! ولهذا فإن الصبر من الدين بمنزلة الرأس من الجسد، ولا دين لمن لا صبر له، كما أنه لا حياة لمن لا رأس له. وقد ذكر الله في القرآن الصبر في أكثر من تسعين موضعاً، وأمر الله به، وأمر به الرسول، يقول الله للرسول: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف:35] {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:96] {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10] إذاً لا بد أيها الإخوة! -حتى نعالج ونواجه الشهوات- من الصبر؛ لأن هذه الشهوة مركبة فينا، والله يقول: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} [آل عمران:14] حتى الملتزم في نفسه دافع للشهوات، لكن لما غلب نفسه بالصبر فكانت نفسه تذل، ولو أعطى لنفسه فرصة وتخلى عن الصبر لوقعت في الشهوات فيختلف الناس من رجل لآخر بحسب ما عنده من الصبر، وهنا يثبت في الميدان أهل الإيمان، فيصبرون على طاعة الله، ويصبرون عن معصية الله، ويصبرون على أقدار الله المؤلمة. وابن القيم رحمه الله يتحدث في هذا الموضوع بكلام عجيب، ويقول: الصبر ينقسم من حيث هو إلى ثلاثة أقسام: صبرٌ على الطاعة، وصبر عن المعصية، وصبرٌ على الأقدار المؤلمة. ثم ينقسم مباشرة من حيث العبد إلى ثلاثة أقسام: صبرٌ وتصبرٌ واصطبار، صبرٌ في البداية، تصبر في تعب، اصطبار هو التلذذ بالبلوى باعتبارها اختيار المولى. يعني تتلذذ وأنت تمارس شيئاً من أوامر الله، أو تترك شيئاً من معصية الله، هذه منزلة لا تبلغها إلا بعد تعب. ثم قال: وهو ثلاثة أقسام من حيث تعلقه بالآخرين: صبرٌ بالله، وصبرٌ عن الله، وصبرٌ لله، يقول: وأسوءها الصبر عن الله. صبر بالله أي تصبر مستعيناً بالله، وصبر لله أي من أجل الله، وصبرٌ عن الله وهو أسوأ أنواع الصبر أن تشغل نفسك بما يصرفك عن الله، مثل من يشتغل الآن بالأغاني، وبالأفلام والمسلسلات، من أجل أن يصبر عن الله، لا يريد ذكر الله، ولا يريد أخذ نفسه لحظة إلى الله، فهو يتصبر بهذه الشهوات وبهذه الملهيات، وبهذه الفتن، لماذا تتصبر؟ قال: دعنا نعيش، يتصبر عن من؟ عن الله، الله خلقك له فتتصبر عنه، لا حول ولا قوة إلا بالله. فهذا المرض الثاني مرض الشهوة.

مرض الغفلة

مرض الغفلة المرض الثالث: مرض الغفلة وهذا خطير؛ لأنه سجن للقلب، يصرف الإنسان عن الهداية، فلا يمكن أن يهتدي الغافل، يقول الله عز وجل: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً} [الأعراف:146] (عن آياتي) أي عن دلالاتي وهدايتي. لماذا؟ قال عز وجل: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف:146]. ما هي الغفلة؟ قال العلماء: هي نسيان الله وأمره ووعده ووعيده. فتنسى الله وتنسى وعده ووعيده وجنته وناره ولقاءه والموت والكتاب والسنة والبعث، وتعيش ملفوفاً في دولاب الحياة، تصبح وتمسي وتتمشى وتأكل وتشرب غافلاً إلى أن تموت، فإذا مِت استيقظت، قال الله: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:22] يرى لكن لا ينفع، والناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا، إذاً انتبه عند الموت: {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون:99] لماذا ترجع؟ قال: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:100] لماذا لا تعمل الآن، تعمل السيئات إلى أن تموت، ثم تقول: ارجعون، قال الله: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100]. - هذه أيها الإخوة! هي الخمسة الأجزاء الرئيسية، جسدٌ لا يتعلق به مدحٌ ولا ذم، أنت طويل أو أبيض أو أسود، أو سمين أو نحيف، إن هذا ما يزيد عند الله ولا يعطيك شيء عند ربك. وروح لا تعرف عنها شيئاً. ونفس ينبغي مجاهدتها وتربيتها على أمر الله. وعقل ينبغي تنويره بالقرآن والسنة. وقلب عليك الحرص على سلامته من مرض الشبهات، ومرض الشهوات، ومرض الغفلات، يقول ابن تيمية رحمه الله عند قول الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] قال: لا تنال الإمامة في الدين إلا بالصبر واليقين. الصبر عن الشهوات، واليقين ضد الشبهات. هذا أيها الإخوة! هو الأمر الأول.

الحكمة من خلقنا

الحكمة من خلقنا أما الأمر الثاني: فهو لماذا خلقك الله؟ هناك احتمالان: إما أن الله خلقك عبثاً، أو خلقك لغرض، فهل خلقك الله عبثاً؟ لا. وقد أبطل الله هذا الزعم كما سيأتي. إذاً: الله خلقك لهدف، فما هو هذا الهدف؟ هل تعرفه أنت؟ لا. لماذا؟ لأنك لست أنت الذي خلقت نفسك حتى تعرف لماذا جئت، ولكن يعرفك الذي أتى بك، الذي خلقك يعرف لماذا خلقك، تسأل الذي خلقك وقد أجاب الله من غير سؤال وقال لنا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] فهذا هو الهدف. إذاً ما هي العبادة؟ هل هي الصلاة والزكاة والصوم؟ لا. ليست هذه هي العبادة فقط، فما هي العبادة التي وردت في الشرع؟ هي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. فوظيفتك في الحياة هي العبادة، إذا قمت بهذه الوظيفة تسمى رجلاً صالحاً، مثلاً جهاز الميكرفون، إذا كبر الصوت نقول: جهاز صالح، أما إذا شغلناه بالكهرباء ولم يكبر الصوت، نقول: جهاز فاسد، أنت صالح إذا سرت في وظيفتك، وما هي وظيفتك؟ العبادة، فأنت رجل صالح، وإذا ضيعت وظيفتك -العبادة- تصير رجلاً فاسداً. مثلاً المكيف وظيفته تبريد الهواء، وإذا لم يبرد الهواء، نقول: مكيف خربان، أما إذا برد الهواء، فنقول: مكيف صالح. السيارة وظيفتها حمل الناس، إذا لم تمش نقول: سيارة خربانة. وأنت إذا ما عبدت الله نقول: إنسان فاسد، لكن أصلح نفسك، إذا لم تصلح نفسك ومت وقدمت على الله وأنت خربان ماذا يحصل؟ يحصل لك تصليح، لكن أين؟ في ورشة اسمها جهنم، يقول الله تبارك وتعالى: {قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف:18] يقول الشيطان: سوف أضلهم، قال: اذهب أنت وإياهم، كلكم في جهنم، هذه ورشة النار، من الذي يدخلها؟ الفاسد، أما الصالح، لا. الذي يأتي: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]. ويقول الله عز وجل: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:31 - 35] نسأل الله وإياكم من فضله. وظيفتك أيها الأخ الكريم! العبادة بمفهومها الشامل، وعليك أن تجري نوعاً من الرصد والمحاسبة لنفسك لتعرف أين أنت من العبادة؟ هل أنت عابد أم فاسد؟ وابدأ بالجوارح واحدة واحدة، خذ عينك وقل: يا عين أنتِ عابدة، أمرك الله بالنظر في ملكوت السماوات والأرض، وأمرك بالنظر في القرآن الكريم، ونهاك عن النظر في الحرام، هل أنت عابدة يا عين، أم فاسدة؟ الجواب لديك تعرفه أنت. إن كانت عينك تنظر الأفلام والمسلسلات والنساء في الشوارع والطرقات فعينك فاسدة لا تشتغل في الهدف الذي خلقها الله من أجلها، وإن كانت عينك تغض عن المحارم وتنظر في كتاب الله، وتنظر في السماوات والأرض فتعتبر عينك صالحة. تأتي إلى أذنك وتقول: يا أذن ما وظيفتكِ؟ سماع الحق: القرآن، العلم، الدين، هل تسمعين هذا، أم تسمعين السماع الثاني: سماع الغناء، والخنا، والغيبة، والنميمة، والساقط من القول، فإن كانت الأولى فهي أذن سليمة، وإن كانت الثانية فهي أذن مريضة. فاسدة، تأتي إلى البطن ماذا يأكل، تأتي إلى اليد أين تمتد، تأتي إلى الفرج أين يقع، تأتي إلى الرجل أين تمشي، تأتي إلى اللسان ماذا يتكلم به، تأتي إلى الجسد كله أين يشتغل، هذه المعاصي تأتي إلى الطاعات، فأنت مأمور بالصلاة هل صليت؟ مأمور بالزكاة هل زكيت؟ مأمور بالصيام هل صمت؟ مأمور بالحج هل حججت؟ مأمور بالدعوة هل دعوت؟ مأمور بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هل أمرت ونهيت؟ مأمور بالحب في الله هل أحببت في الله؟ هذه أوامر الله، إذا سرت في هذا أنت صالح عابد لله، وإذا لم تسر في هذا فأنت البعيد الفاسد، وقد ضيع الحكمة والغرض الذي من أجله خلقه الله. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقنا وإياكم قلوباً سليمة، وألسنة صادقة، وأن يوفقنا وإياكم للعبادة والعمل الصالح، وأن يتوب علينا جميعاً مما نمارسه أو نقع فيه من الأخطاء والمعاصي، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة .

حكم تكرار الفاتحة للإمام والمأموم

حكم تكرار الفاتحة للإمام والمأموم Q ما حكم تكرار قراءة الفاتحة في الصلاة للإمام إذا سها؟ وما حكم تكرار المأموم لها؟ A إن سجود السهو يشرع للزيادة أو للنقص أو للشك، أنا قد زدت الفاتحة، ولكن زيادتي ناتجة عن شكٍ، فقد حصل في قلبي أنني لم أقرأ الفاتحة كاملة في القراءة الأولى، وتيقن عندي أنني لم أقرأ فأعدت قراءتها، ولا حرج في هذا ثم سجدت للسهو، والسجود للسهو للعلماء فيه كلام، أنه يكون مرةً قبل السلام، ومرةً بعده، والتفصيل فيه أنه إذا كان السجود من أجل نقص في الصلاة فيكون السجود قبل السلام، وإن كان السجود للسهو من أجل الزيادة -مثلما حصل عندنا- فيكون بعد السلام، وإذا خشي الإمام أن يؤدي سجوده للسهو بعد السلام إلى لبسٍ عند المصلين يدفعهم بحكم عدم فهمهم لقواعد المسألة أن يقولوا: سبحان الله! فليسجد قبل السلام؛ لأن قضية قبل أو بعد الأمر فيها واسع. السؤال: ما حكمي أنا كمأموم قرأت الفاتحة في المرة الأولى، فهل أقرأ مرة أخرى أو لا أقرأ؟ الجواب: ليس هناك مانع، إن قرأت مرة أخرى فخير على خير، وإن لم تقرأ تكفيك قراءتك الأولى؛ لأن قراءة المأموم للفاتحة مطلوبة؛ لأنها ركن لا بد من الإتيان به، لحديث عبادة بن الصامت: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) وهو في الصحيحين.

نصيحة بمناسبة الامتحانات

نصيحة بمناسبة الامتحانات Q ما الذي تنصح به الطلاب مع قرب موسم الامتحانات؟ وبم تنصح الآباء والأمهات؟ A أولاً: أنصح الآباء والأمهات والأبناء والبنات أن يتذكروا بالامتحانات الامتحان الرهيب الذي سوف نقف فيه بين يدي الله يوم القيامة. تذكروا أيها الإخوة! أن المُمتحِن هو الله، وأن الكتاب الذي نمتحن فيه كتاب: {لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف:49] وأن زمن الامتحانات الذي هو ساعة، أو ساعة ونصف، أو ساعتان، أو ثلاث ساعات سيكون ذلك اليوم يوماً مقداره خمسون ألف سنة، وأن صالة الامتحانات ليست مكيفة، وإنما في عرصات القيامة، تغلي فيها أدمغة العباد كما يغلي اللحم في القدور، فلنتذكر هذا الامتحان الرهيب ولنعد له من الآن، ثم إنه ليس هناك دور ثانٍ، إما نجاح وفوز وفلاح إلى أبد الآبدين، وإما رسوب إلى أبد الآبدين، لا يوجد تعويض بخسارة الآخرة، والله يقول: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185]. أما ما ننصح به الشباب بخصوص الامتحانات: فأولاً: الاستعانة بالله، وإخلاص النية من أجل طلب العلم، فلا يكون طلبك للعلم من أجل الشهادة، أو من أجل الوظيفة؛ لأنه في الحديث: (من تعلم العلم ليماري به العلماء، أو ليجاري به السفهاء، أو ليبتغي به عرضاً من الدنيا لم يرح رائحة الجنة) وليكن غرضك من هذا العلم أن تتزود به لمعرفة دينك، ولنصرة الحق أو الموقع الذي أنت فيه، وتستعين براتب الوظيفة على طاعة الله تبارك وتعالى. ثانياً: أن تجتهد في ألا تغش؛ لأن الغش محرم والحديث في الصحيح: (من غشنا فليس منا) والغش كلمة عامة في كل شيء، والله أمرنا بالصدق، ونهانا عن الخيانة، والغش في الامتحان خيانة، والغش في البيع والشراء خيانة، والغش في العمل المهني خيانة، والغش في الورشة خيانة، فلا تكن غاشاً، والله أمرنا حيث قال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء:58] وما من خائنٍ إلا يوم القيامة تمثل له خيانته وغدرته لواء يعقد على استه ثم يُرمى بخيانته في النار والعياذ بالله، فأنت اتقِ الله لا تغش ولو حرفاً واحد. ثالثا: نظم وقت المذاكرة بحيث تذاكر في أوقات مناسبة، وحذار من السهر ليلة الامتحان، هذا شيء مجرب وأنا صاحب تجربة ورجل تربية، عشت عشرين سنة مدرساً ومدير مدرسة وأعرف هذا، وعشت طالباً، إلى الآن لا زلت أعتقد وأنا في الدكتوراه أن ليلة الامتحان تحتاج للنوم المبكر، ذاكر من قبل لكن إذا جاءت ليلة الامتحان نم مبكراً لتستيقظ وذهنك متفتح ومرتاح، تذهب إلى الامتحانات فتأتي المعلومات كلها؛ لكن تسهر إلى الفجر ثم تذهب الامتحان فتطير المعلومات كلها، ولا تبقى معلومة، تحاول أن تتذكر وتبحث فلا تجد حرفاً واحداً، فإذا خرجت ورقدت وقمت وإذا بك تتذكر المعلومات، من الذي أبعد المعلومات؟ الإعياء والتعب والسهر، فلا بد أن تنام. أما الآباء والأمهات فعليهم تهيئة الأجواء المناسبة للأبناء والبنات في المذاكرة وعدم إشغالهم بأي شيء، وأيضاً الرفق في قضية المذاكرة، بعض الآباء يُعقد ولده من المذاكرة، يأخذ العصا ويضربه ويقول له: ذاكر، والعصا عنده، وكلما رفع رأسه قال: ذاكر لماذا لا تذاكر؟ ثم يضربه، فهذه ليست مذاكرة، هذه مضاربة، حتى إن بعض الأولاد يوهم أباه أنه يذاكر، ولكنه لا يقرأ شيئاً بل يتمتم فقط، ولكن من أجل أبيه أو من أجل الضرب، فالمذاكرة ليست هكذا. اختر أوقاتاً معينة للمذاكرة، ثم خلل هذه الأوقات بجزء من الفسحة واللعب، فإذا ذاكر نصف ساعة أو ساعة، فقل: ما شاء الله! خذ لك عشر دقائق تستريح خلالها انزل عند الباب تمشَ في الغرفة انظر من النافذة، المهم أن تعطيه شيئاً لكي يجدد نشاطه، وأنا والله أعرف أحد الأقارب سجن ولده في غرفة وأتى بالعصا، وتركه في الزاوية، قال: والله لا تقوم حتى تحفظ الدروس كلها، وكلما قام من مكانه ضربه، وعندما أتى آخر الامتحان أتى بالشهادة وإذا فيها ثلاث عشرة مادة راسب فيها. قلت: جزاك الله خيراً والله ما قصرت في هذه المذاكرة مع ولدك، لو أنك تركته لرسب في واحدة أو اثنتين، لكن بالعصا رسب في ثلاث عشرة، يا ليتها واحدة أو اثنتين، لماذا؟ لأن المذاكرة لم تكن سليمة. فلا نريد أن نعقد الأبناء من العلم بهذا الأسلوب الجاف والغليظ، وإنما بالتي هي أحسن، ثم بالمناقشة وخاصة إذا كنت تقرأ ناقشه، فليست المسألة مسألة حفظ فقط، إنما هي مسألة فهم، إذا فهم الدرس والمادة رسخت في ذهنه يأتي بها إن شاء الله، في الامتحان.

الحياة الحقة في الاستجابة لله ورسوله

الحياة الحقة في الاستجابة لله ورسوله Q لقد كنت في طاعة الله مرتاح القلب، مطمئن النفس، ولكن جالت بي النفس عن طاعة الله ووقعت بمحارم الله، فحال الله بيني وبين قلبي فلا أدري ماذا أفعل. A يقول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:24] الله أكبر! كيف يحول بينك وبين قلبك؟ إذا لم تستجب لله؛ لأن الله يقول: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:24] بمعنى أن حياتنا إنما هي من مقدار استجابتنا لله ورسوله، المستجيب لله والرسول مائة في المائة حي مائة في المائة، المستجيب خمسين في المائة خمسين في المائة حياة وخمسين موت، الذي لم يستجب لله فهو ميتٌ، والعياذ بالله، والأخ هذا ذاق حياة الإيمان، واعترف بنفسه أنه كان مرتاح القلب والنفس، ثم جالت به النفس فوقع في المحارم، والحل أن يستجيب لله مرة ثانية، وأن يعود كما كان سائراً على منهج الله، وأن يثبت، وأن يطلب من الله تبارك وتعالى الثبات، وأن يصبر على ذلك.

الفرق بين: الروح والنفس والقلب

الفرق بين: الروح والنفس والقلب Q ما هو الفرق بين الروح والنفس والقلب؟ A الروح والنفس والقلب ثلاثة أعضاء، لكن هناك تداخل في الواجبات، مثل أن تقول: ما الفرق بين عريف وجندي ووكيل رديء؟ كلهم عسكر، لكن هذا أكبر رتبة، وهذا له تخصص، هذا يمسك نوبة وهذا على الجسم كله، وذاك يمسك أكثر منه، وهكذا. فالقلب سيد الجوارح، هو الأول والأخير في الجسم إذا صلح صلحت الجوارح الأخرى، العقل كذلك له دور، النفس لها دور، لكن العقل مستشار -كما ذكرت لكم- يشير بالمصالح والمفاسد، والنفس تشير بالشهوات، والقلب يميز الإشارات بحسب صلاحه وقوته، إذا كان قوياً يأخذ رأي العقل، وإذا كان مريضاً يأخذ رأي النفس وهكذا.

حكم القول بأن الإنسان مسير أو مخير

حكم القول بأن الإنسان مسير أو مخير Q كيف تقولون لمن يقول: إن الإنسان مسير، وليس مخيراً؟ A قضية (مسير، ومخير) هذه واضحة جداً، وأنا أبين لكم بمثال: الإنسان هل هو مسير أم مخير؟ أقول لكم: الإنسان مسير ومخير، ففيما لا يستطيع عليه وليس من اختصاصه هو مسير، مثل الخلق، لما خلق الإنسان مسير هو أم مخير؟ لا شك أنه مسير، هل اختار هو خلق نفسه؟ لا. في اختيار اللون والنوع والبلد والشكل والطول والعرض وذكر وأنثى وأبيض هل هو مسير أم مخير؟ مسير، ثم إذا بلغ سن التكليف يبدأ عنده هنا التخيير {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس:7 - 8] إلى أن يموت، فإذا مات يصبح مسيراً، يموت رغماً عنه، وضربت مرة على هذا مثال: إذا ركبت الطائرة من جدة إلى الرياض، أنت في الرحلة في الخط نفسه من جدة إلى الرياض مسير ولست مخيراً، لا تقدر عندما تصل القصيم تقول: (وقف يا ولد، على جنب) وإذا رأيت مزرعة أو وادياً أو جبلاً وقلت: والله نريد نقيل فيها، هل يمكن؟ لا. الرحلة مسيرة متجهة من جدة إلى الرياض، والركاب كلهم مسيرون، لكنك مخير وأنت في الكرسي من حقك أن تنام، أو تستيقظ، أو تقرأ جريدة، أو تقرأ في المصحف، أو تفتح النافذة التي بجانبك وتنظر، أو تسترخي قليلاً، أنت في هذا مخير. فهكذا الحياة من البداية في الخلق إلى الموت أنت فيها مسير، لكن أثناء الرحلة وفي حدود دائرتك أنت مخير، تستطيع تصلي وتستطيع ألا تصلي، تستطيع تغني أو تقرأ القرآن، أو أن تتزوج أو تزني، أو تشرب الخمر أو تشرب الحليب، أو تعمل الطيبات أو تعمل السيئات، هذه بين يديك، ولهذا لست مسيراً في هذا؛ لأنك إذا كنت مسيراً في هذا كيف الله يؤاخذك وأنت مسير؟ لا يؤاخذك الله إلا في الأمر الذي خيرك فيه تبارك وتعالى.

كلمة للنساء

كلمة للنساء Q هل من كلمة للنساء؟ A بل كلمات للنساء. أولاً: كل ما نقوله للرجال فهو موجهٌ بالتبعية للنساء؛ لأن دين الله موجه للمرأة والرجل، ونخص النساء بمزيد وصية، ونقول لهن: إن المرأة نقطة قوة الأمة أو نقطة ضعف، قوة إذا آمنت، وضعف إذا خربت، إذا فسدت المرأة أفسدت الحياة كلها، ولهذا يغزو أعداء الله الأمة عن طريق المرأة، إذا فسدت أفسدت زوجها، وأفسدت أولادها، وأفسدت مجتمعها، وتصوروا كيف تقوم المرأة بدور الإجرام في المجتمع إذا فسدت، فنقول لها: اتقي الله في أمتكِ وفي دينكِ وفي بلادكِ وفي نفسكِ، وعليكِ أن تتمسكي بدين الله، بدءاً بالعبادة والمعاملات، ثم بالحجاب والقرار في البيوت وعدم الخروج وزرع الفتن بين الناس؛ لأن المرأة مكانها الصحيح والطبيعي البيت، ولا تخرجي إلا مضطرة وبآدابٍ شرعية، أما أن يكون محلها دائماً السوق والحديقة وغيرها والبيت مهجور لا تأتيه إلا للنوم أو للأكل، هذا انتكاس في الفطرة، والله يقول: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33].

حكم بناء المساجد بأموال محرمة

حكم بناء المساجد بأموال محرمة Q هل يجوز بناء المساجد من الأموال الربوية؟ A ( إن الله طيب ولا يقبل إلا طيباً)، فإذا بنى الإنسان مسجداً من مال حرام فإنه لا يثاب عليه، لكن الناس لو صلوا في هذا المسجد فإن صلاتهم صحيحة، ولا يتعلق بهذا حرمة، لماذا؟ لأنه عمل صالح، وهم استفادوا منه في أداء عبادتهم، أما كونه صالحاً بالنسبة له فلا؛ لأن الأصل غير مشروع كما يروى عن أبي حنيفة أن رجلاً كان يسرق التفاحة ويتصدق بها، فرآه أبو حنيفة وقال: ماذا بك تسرقها وتتصدق بها؟ قال: أسرق فتكتب سيئة، وأتصدق فتكتب عشر حسنات، واحدة من العشر مقابل السيئة يبقى لي تسع -انظروا العقلية التجارية- قال: قبحك الله ما أجهلك، تسرق فتكتب سيئة، وتتصدق فلا يقبل الله صدقتك، فتبقى في ظهرك سيئة، يريد أن يربح ولكن السيئة في رقبته، والله طيب لا يقبل إلا طيباً، والناظم يقول: أمطعمة الأيتام من كسب فرجها لك الويل لا تزني ولا تتصدقي

وقت صلاة الوتر

وقت صلاة الوتر Q أشهد الله أنني أحبك في الله ومشكلتي أنني أعاني من فوات صلاة الوتر فإنني تعودت أن أصليها قبل صلاة الفجر للأفضلية، لكني أنام ولا أقوم إلا مع الأذان وهذا الأمر يتكرر فما نصيحتك؟ A كما ذكرت أن صلاة الوتر أفضلها أن تكون آخر الليل، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وتراً) ولكن إذا خشي الإنسان -ويعرف نفسه- أنه لا يقوم، أو يثقل عليه النوم حتى طلوع الفجر فإن الأفضل له أن يصليها في أول الليل. ولهذا يا أخي الكريم! النصيحة لك ولي ولكل مسلم، بما أننا نعرف أننا لا نستيقظ لصلاة الفجر إلا مع الأذان أن نصلي الوتر قبل أن ننام، وهذا الهدي كان يصنعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.

كيفية ملء الفراغ

كيفية ملء الفراغ Q كيف يربي الإنسان نفسه ووقته مملوءٌ بالفراغ؟ A أصل شعور الإنسان بالفراغ لعدم معرفته بالواجبات المطلوبة منه، وإلا لو عرف ما هو المطلوب منه لما صار عنده وقت؛ لأن الواجبات أكثر بكثير من الأوقات، لكن هو يقول: أنا فارغ، فارغ وهو لا يقرأ من القرآن حرفاً، ولا يعرف من السنة حديثاً، ولا يعرف من العلم باباً، ولا يجالس العلماء، ولا يدري عن حلقات العلم، ولا مجالس العلم، ولا دروس العلم، ولا يقوم بأي دور في أسرته، وتربية أولاده ولا في مصالحه، ويقول: إني فارغ، ولهذا يقضي وقته كله في النوم وفي التسكع وفي ضياع الأوقات. فلا بد -يا أخي- أن تبحث عن عمل تصرف فيه الوقت، يعود عليك هذا العمل بالنفع في الدنيا والآخرة.

حكم صلة الأخ الصالح بأخيه العاق

حكم صلة الأخ الصالح بأخيه العاق Q عندي أخ لا يصلي، ويقترف جميع المنكرات مثل سماع الأغاني وغيرها، وأنا مقاطع له، وكذلك هو عاق لوالديه ومع ذلك أبي يحبه، وكذلك أمي، فهل أنصحه أم أتركه؟ A هذه المصيبة -أيها الإخوان! - التي يعاني منها الشباب الملتزم أنه ملتزم وطائع وطيب ومن أحسن الناس في البيت، ومع هذا الأب لا يهتم به ولا يحبه، ويرى ذلك العاصي يقدره، وهذا ابتلاء، وامتحان، وتجد الأب دائماً يمارس الضغط على هذا، ويعرف أنه نقطة الضعف فيه أنه يكون عاقاً، ولهذا تراه يهدد الملتزم يقول: سأغضب عليك، يعرف أنه الولد الطيب لا يريد أباه أن يغضب عليه، لكن ذاك قدره أنه غضب أو رضي، فهو يحاول أن يرضي الولد العاصي، فهذا امتحان وهو أيضاً ظلم من قبل الوالدين. أما موقفك يا أخي! من هذا الأخ النصيحة والاستمرار معه، والدعاء له، حتى يهديه الله أو يحدد موقفه، ما دام أنه يستجيب منك ادعه والهداية بيد الله، ولا تحدد لها وقتاً، ولكن إذا رفض هو النصيحة ولم يستجب منك هناك تتركه وتبغضه في الله عز وجل. نكتفي -أيها الإخوة! - بهذا، ونعتذر من الإخوة الذين لم نجب عن أسئلتهم لضيق الوقت أو لعدم المناسبة. والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

رحلة الحياة

رحلة الحياة تحدث الشيخ حفظه الله عن الرحلة التي يمر بها الإنسان، منذ أن يوضع نطفة في رحم أمه إلى أن يستقر قراره إما في جنة أو نار، مبيناً ما يتخلل هذه الرحلة من محطات رئيسية، وهي: عالم الأجنة في الأرحام، وعالم الدنيا، وعالم البرزخ، وعالم القيامة.

رحلة الإنسان من البداية حتى النهاية

رحلة الإنسان من البداية حتى النهاية الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الأحبة في الله: يلقى هذا الدرس في مسجد الشوربتلي بمدينة جدة بعد مغرب يوم السبت الموافق (29) من شهر محرم من عام 1417 للهجرة، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام, وهو ضمن سلسلة التأملات القرآنية وعنوانه: رحلة الحياة. وتأملات هذه الليلة في آيات كريمة جاءت في كتاب الله تضمنت رحلة الإنسان منذ أن يوضع نطفة في رحم أمه إلى أن يستقر قراره إما إلى الجنة أو النار, رحلة مضنية وشاقة, رحلة لم يؤخذ للإنسان فيها رأي, فهو يخلق دون رأيه, ويموت دون رغبته, ويبعث رغم أنفه, ثم يحاسب ويجازى على سلوكه في هذه الحياة, ثم يوجه في النهاية إما إلى الجنة إن كان من أهل الإيمان -نسأل الله أن يجعلنا جميعاً منهم- أو يوجه ويسحب على وجهه إلى النار إن كان من أهل الكفر والفسوق والعصيان -أعاذنا الله جميعاً منهم-. هذه الآيات جاءت في سورة المؤمنون يقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:12 - 16] هذه الآيات تضمنت مراحل خلق للإنسان, ومراحل سفره, بدأت أول مرحلة يوم خلق الله عز وجل آدم من طين, ثم جعل هذا الطين في سلالته وذريته, يتم عن طريق النطفة -الحيوان المنوي- وهذه الرحلة الطويلة تتم عبر خمس مراحل: المرحلة الأولى: عالم الأجنة في الأرحام. المرحلة الثانية: عالم الحياة الدنيا. المرحلة الثالثة: عالم البرزخ في القبر. المرحلة الرابعة: عالم القيامة. المرحلة الخامسة والأخيرة: الجنة أو النار. هذه خمس مراحل من يستطيع أن يفلت منها؟ من يستطيع أن يقول: أنا لا أريد أن أموت أريد أن أجلس في هذه الدنيا إلى آخر شيء؟ هل يطاع في طلبه هذا؟ لا. زرت في مرة من المرات ثرياً من الأثرياء في مكة لأعرض عليه مشروعاً من مشاريع الخير, وبعد أن وعظته قال لي: لا بد من البعث؟! -يعني: لا مناص من البعث؟! - قلت: لا بد أن تبعث. قال: والذي يريد أن يموت ولا يريد أن يبعث. قلت: الذي لا يريد أن يبعث فليدفع عن نفسه الموت، حتى لا يبعث، إذا أتاه ملك الموت فليقل: لا أريد أن أموت, أريد أن أبقى هنا. قال: ولكن ملك الموت لن يوافق. قلت: وكذلك يوم القيامة تبعث رغماً عن أنفك، فكما تموت تبعث؛ فحقائق الخلق والموت والبعث جاءت في هذه الآيات متلازمة مترابطة: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ} [المؤمنون:12] هذا بداية الخلق, ثم بعدها مراحل الخلق المختلفة, ثم بعد ذلك {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ} [المؤمنون:15] واللام هنا تسمى لام التأكيد, يعني: هذا شيء لا بد منه, وتأمل في واقعنا اليوم هل يستطيع أحد أن يفلت من الموت؟ لا. بل يموت الكبير والصغير، والملك والمملوك، والأمير والمأمور، والغني والفقير، والراعي والرعية، والذكر والأنثى، كل الناس يموتون، والله تعالى يقول: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ * كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء:34 - 35]. ثم بعد الموت قال الله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} [المؤمنون:16] ثلاث حقائق مترابطة يلزم من وقوع الأولى وقوع التي تليها, فما دام أنك خلقت إذاً لا بد أن تموت, وما دام أنك مت إذاً لا بد أن تبعث, ولو افترضنا أن رجلاً خلق نفسه ثم قال: أنا لن أموت، لقلنا: إذاً يمكنك ألا تُبعث؛ لأنك استطعت أن تمتنع من الموت، ولكن ما استطعت أن تمتنع من الخلق بل خلقك الله رغماً عنك ولا استطعت أن تمتنع من الموت بل تموت رغماً عنك, ولن تستطيع أن تمتنع من البعث بل سيبعثك الله عز وجل رضيت ذلك أم أبيت, ولهذا لما جاء العاص بن وائل أحد صناديد كفار مكة، مر على المقبرة وأخذ عظماً قد رمّ، وجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفتّه بين يديه وقال: يا محمد! تزعم أننا سوف نعود بعد أن نكون عظاماً؟! فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم في منطق الواثق بربه الذي لا تزعزعه الشبهات, ولا تهزه الكلمات قال: (نعم ويدخلك الله النار) وفعلاً تحققت نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم ومات هذا الرجل كافراً وسوف يدخل الله العاص بن وائل النار؛ لأنه مات على الكفر وكذب بالبعث, ونزل الوحي من السماء في آخر سورة (يس) يبين هذه الحادثة يقول الله عز وجل: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [يس:78] ضرب لنا مثلاً بالعظم ونسي التأمل في حال خلقه حينما كان تراباً {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78] من يحيها وهي رميم؟ قال الله عز وجل للرسول صلى الله عليه وسلم: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس:79] الذي خلقها أول مرة أيعجزه أن يردها مرة أخرى؟ سبحان الله! أين عقل الإنسان؟!! {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:79]. وسنتناول -أيها الإخوة- المحطات الخمس بالتفصيل.

عالم الأجنة في الأرحام أول محطة للإنسان

عالم الأجنة في الأرحام أول محطة للإنسان أول محطة تسافر فيها -أيها الإنسان- وتستقر فيها هي: عالم الأجنة في الأرحام ثم عالم الطفولة.

مراحل تكوين الجنين في بطن أمه

مراحل تكوين الجنين في بطن أمه ومدة الرحلة تسعة أشهر في الغالب, تبدأ باللقاء بين الرجل والمرأة, حين يفرز الرجل هذه الحيوانات المنوية وتفرز المرأة بويضة, والبويضة هذه تفرز على مدى الدورة الشهرية، في كل دورة شهرية تفرز بويضة واحدة, ويكون هناك فترة للإخصاب يعني: تكون المرأة قابلة للحمل, وتكون البويضة حية, يأتي الرجل امرأته الحلال وتتسابق تلك الحيوانات المنوية إلى تلك البويضة المستقرة في أعلى قناة يسمونها: قناة فالوب، وهي ليست قناة فالوب إنما الله هو الذي خلقها ولكن فالوب هو الذي اكتشفها, وتعلق بهذه البويضة القناة وسماها الله: قراراً مكيناً {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [المؤمنون:13] يعني: محمي محفوظ, يقذف الرجل في الدفقة الواحدة أعداداً هائلة من الحيوانات المنوية، قد تصل في بعض الأحيان إلى 400 مليون حيوان منوي, يموت معظم هذه الملايين في الطريق ولا يصل إلا القوي, فإذا وصل أول واحد عند البويضة أغلقت عليه, وتأتي البقية تدور حولها فلا تلقى مكاناً فتموت بعد ربع ساعة إلا الذي دخل البويضة فإن الله يكتب له الحياة. ويختلط هذا الحيوان المنوي مع تلك البويضة ويبدأ التشكيل الإنساني يقول الله عز وجل: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان:1] (هل) هنا ليست استفهامية ولكنها تقريرية بمعنى: قد أتى {لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً} [الإنسان:1] فأنت عمرك الآن ثلاثون سنة, اسأل نفسك قبل ثلاثين سنة: ماذا كنت؟ لم تكن شيئاً مذكوراً, وبعدها كيف جئت؟ قال الله عز وجل: {إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:2] أمشاج: أخلاط, نبتليه: نختبره. بعد ما يحصل هذا الاختلاط والامتزاج بين النطفة والبويضة تستمر أربعين يوماً وهي على حالتها لا تتغير, بعد أربعين يوماً تتطور وتنتقل من مرحلة النطفة إلى مرحلة العلقة فتصير لحمة على شكل علقة, والعلقة: دابة تعيش في المياه الراكدة, يعرفها أهل القرى، وسميت علقة؛ لأنها تعلق في ألسنة المواشي والبقر إذا شربت من الماء, ولقد رأيتها بعيني مثل تلك العلقة بالضبط التي أخبر الله عنها, وقد رُصدت حركة تكون الجنين منذ كونه نطفة إلى أن يخرج من بطن أمه، وتقرر وتبين بالعلم الحديث أن خلق الإنسان يتم بتلك الخطوات التي جاءت في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم خطوة خطوة, مما يدل على أن هذا كلام الله, وأن هذا الرسول رسول من عند الله حقاً.

العلم الحديث يقرر ما ذكره القرآن عن مراحل تكوين الجنين

العلم الحديث يقرر ما ذكره القرآن عن مراحل تكوين الجنين في مؤتمر الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة الذي عقد قبل سنوات في القاهرة، دعي إلى هذا المؤتمر أكبر عالم على وجه الأرض في علم الأجنة، علماً أن هذا العالم ليس مسلماً ليلقي محاضرة عن تكون الجنين -وطبعاً يتكلم عن علم- ولما انتهى من محاضرته قام أحد علماء المسلمين وقال له: إن ما ذكرت من الحقائق العلمية قد جاء بها كتاب الله وجاءت بها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم ذكر له الآيات التي في سورة المؤمنون, وذكر له حديث البخاري ومسلم: (إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة, ثم يكون علقة مثل ذلك, ثم يكون مضغة مثل ذلك) الحديث, ولما انتهى قال: أهذا عندكم في الكتاب والسنة؟ قال: نعم. قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. والله ما أخبر نبيكم بهذه الحقائق إلا الله؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم تكلم بهذه الحقائق قبل وجود الجامعات، ومراكز البحث العلمي، وأجهزة الرصد والتصوير التلفزيوني، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرف شيئاً عن تلك الحقائق، فقد كان يعيش في البادية لا يقرأ ولا يكتب، بل حتى الحرف لا يعرفه صلوات الله وسلامه عليه, ثم يخبر بحقائق علمية ما اكتشفت إلا في القرن العشرين في عصر العلم وعصر الذرة وعصر الأجهزة مما يدلل على أن هذا الكتاب الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من عند الله {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82]. بعد أربعين يوماً أخرى تنتقل العلقة إلى مضغة وسميت مضغة؛ لأنها أشبه ما تكون بلقمة وضعت تحت الأضراس ثم مضغت، وقد رأيتها -أيضاً- بعيني كأنها لقمة مضغت, وهذه المضغة هي بداية تكون سلسلة العمود الفقري للإنسان, وبعد أربعين يوماً تتحول هذه المضغة إلى عظام, يركب الهيكل العظمي للإنسان كاملاً حتى الأضلاع، وقد رأيتها كأنها دبابيس مشكلة، كل عظم مع الثاني وكل مفصل مع الثاني، وبعد ذلك تكس هذه العظام باللحم ثم ينشئه الله خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين. ولو قمت بمقارنة بين تلك النطفة المنوية وبين ذلك الإنسان، لوجدت أنه لا نسبة ولا تناسب بينهما، ولكن كما قال الله تبارك وتعالى: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:14]. يهيأ لهذا المخلوق الجديد في بطن أمه ويزود بإمكانات لاستقبال هذه الحياة, فيخلق له رغم أنه لا يمشي بهما في بطن أمه, وتركب له اليدان وهو لا يستعملهما, ويعطى عينان وهو لا ينظربهما؛ لأنه ليس في بطن أمه نور, بل يخلق الجنين في ظلمات ثلاث يقول الله عز وجل: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} [الزمر:6] ((يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ)) أي: مراحل ((فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ)) ظلمة الرحم, وظلمة البطن, وظلمة المشيمة, لكن مع ذلك الجنين له عينان لماذا العينان في الظلام؟ من أجل أن يستخدمهما إذا خرج من بطن أمه, وتخلق له أذنان بالرغم أنه ليس هناك أصوات في عالم الأرحام, وأيضاً يخلق له جهازاً تنفسياً كاملاً من الأنف إلى الرئة كما أوجد الله له جهازاً هضمياً من البلعوم إلى المريء، وتتم عملية تنفس الجنين وتغذيته عن طريق الحبل السري, المتصل ببطن الجنين مع أحشاء الأم حيث يتم إمداد الجنين بثلاثة أشياء عبر الحبل السري وهي: الطعام, والهواء, والماء, سبحان الله الذي لا إله إلا هو!! وبعد أن يصبح جاهزاً يخرج إلى الحياة. من الذي أخرجه؟ إنه الله سبحانه وتعالى يقول الله عز وجل: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} [عبس:20] يكون وضعية الجنين في بطن أمه على هيئة الجالس, وجعل الله عز وجل وجهه من جهة العمود الفقري لأمه, لماذا؟ لأن البطن قد يتعرض لكدمات أو لضغط أو لضربة أو شيء ما يصيبك شيء تصيبك في النقرة, لكن بطنك وفمك وعينيك من جهة عظام أمك محمي, لأنك في القرار المكين {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} [المؤمنون:13] وجالس متكئ هنا الطحال ومن هناك الكبد, ويعيش في راحة إلى أن تأتي ساعة الخروج فيقلبه الله عز وجل, فهذا المخاض -الطلق- الذي تعانيه المرأة هو: عملية قلب الجنين من أجل أن يخرج رأسه أولاً, وإذا خرجت رجلاه أو يداه أولاً تعسرت الولادة, ولا يخرج إلا بعملية تفتح فيها بطن الأم, ولكن الله يقلبه وينزل رأسه ويخرج هذا الجنين. لو استطعنا أن نتحدث مع هذا الجنين قبل أن يغادر عالم الأرحام وقبل أن يخرج إلى الحياة, وقلنا له: أيها الجنين! سوف تخرج من هذا الرحم ومن هذه الظلمات ومن هذا الضيق إلى دنيا واسعة فيها سماوات وأرض وشمس وقمر وجبال وأنهار وبحار وأشجار وعمارات وطائرات وسيارات إذا حدثناه بهذا الكلام هل يصدق؟ سيقول لنا: أنتم تعيشون على الخرافات, أنتم رجعيون تؤمنون بالخرافة, سماوات! أرض! شمس! قمر! أين هي؟! وينظر إلى بطن أمه فلا يرى إلا الطحال والكبد ويقول: ليس هناك شيء إلا بطن أمي, ولا يؤمن بأي شيء آخر؛ لأنه لم ير شيئاً. قلنا له: شكراً هذه معلوماتك، وأنهينا الحديث معه, وخرج إلى الدنيا، وبعد أن عاش أربعين أو عشرين سنة جئنا وقلنا له: يا فلان! قال: نعم. قلنا: أجرينا معك محادثة وأنت في رحم أمك وقلنا لك: بأنك سوف تخرج إلى الدنيا هذه واسمع كلامك, ولما سمع كلامه قال: لقد كنت مخطئاً, فلمَ أنكرت؟ قال: لأني قست الدنيا على عالم أمي, وكنت أظن أن ما في الدنيا إلا بطن أمي, ثم تبين لي أن هناك دنيا واسعة ومعلوماتي كانت غلط. كذلك أيها الإخوة! حينما نحدث الناس عن الجنة والنار، والبعث، والصراط، والحوض، وعن الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وعن الحقائق الإيمانية في الآخرة إذا حدثناهم بها فعليهم أن يعرفوا أنهم لن يستطيعوا أن يدركوها كما لم يستطع ذلك الطفل أن يدرك هذه الحياة؛ لأن نسبة عالم الدنيا إلى عالم الآخرة كنسبة عالم الرحم إلى عالم الدنيا, ولكن عليهم أن يؤمنوا بها، والذي يكذب ويقول: أين الجنة وأين النار؟ مثل ذلك الطفل الذي يقول: أين السماوات والأرض؟ ولكن لما رآها آمن بها، وكذلك الإنسان يوم يموت يرى الجنة ويرى النار، ويتمنى أن يرجع إلى الدنيا من أجل أن يصحح الوضع مع الله, ومن أجل أن يعبد الله، ولكن لا يجاب, ولذلك يقول الله عز وجل: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا} [السجدة:12]-نظرنا كل شيء- {فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة:12] وقال سبحانه في سورة الأنعام: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام:27 - 28].

مراحل عالم الطفولة

مراحل عالم الطفولة وبعد ذلك يخرج الجنين, ويلاحظ عند خروج الجنين ثلاثة أشياء:

ملاحظات في عالم الطفولة

ملاحظات في عالم الطفولة أول شيء يخرج باكياً، ليس هناك طفل في الدنيا يخرج ضاحكاً, الأطفال جميعهم عربي وعجمي وسعودي وهندي وأمريكي إذا خرج إلى الدنيا فإنه يبكي, لماذا؟ قال العلماء: كان في بطن أمه في ضيق وخرج إلى السعة, كان في الظلمات وخرج إلى النور, المفروض أنه لما يخرج إلى السعة يضحك, لكن لماذا يبكي؟! لا يوجد مولود في الدنيا يخرج وهو لا يبكي, إلا عيسى عليه السلام فإنه خرج محفوظاً بأمر الله لم يقدر عليه الشيطان. أما كل مولود فيخرج باكياً كما أوضح الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشيطان ينزغ الإنسان في جنبه الأيسر إذا خرج) كأنه يعلمه ويشعره ببدء المعركة, فيبكي الطفل. - أن الولد يخرج قابضاً كفه, لا يوجد أحد يخرج ويده مفتوحة, لماذا؟ قالوا: هذا يعبر عن حرصه على الدنيا وعن استعداده للصراع. - أن القابلة أو الممرضة أول عمل تعمله بعد خروج الجنين, قطع الحبل السري بالمقص، أي: تقطع رزقه الذي أجراه الله له وعاش عليه تسعة أشهر, لكن الله لم يقطع رزقه، إذا قطعوا رزقه الذي كان يأتيه عن طريق الحبل السري من أمه نقل الله الطعام من الحبل السري إلى الثدي, فتجد الأم ثديها ناشفاً ولا يوجد فيه شيء, ولكن ما أن يضع الطفل الصغير فمه على هذا الثدي ويمصه حتى تحن عليه الأم وتشفق عليه وترحمه، ثم يترجم هذا الحنان وهذه الشفقة في لبن من أحسن هيئة وأحسن كيفية لا حار ولا بارد، ولا حلو ولا حامض, من أخرجه من بين الدم والعروق؟ إنه الله الذي لا إله إلا هو. ولقد قال العلماء والأطباء: إن أفضل لبن يتغذى به الطفل هو لبن الأم؛ لأن الله خلقه وجعله دواءً له, وعدول الأم عن إرضاع ولدها من ثديها إلى الحليب الصناعي خطأ, ويترتب على ذلك مشاكل كثيرة تعاني منها الأم نفسها؛ لأن بعض الأمهات تقول: أنا لا أريد أن أرضع ابني أو ابنتي, لماذا؟ قالت: أريد أن أحافظ على رشاقتي, تريد أن تبقى رشيقة دائماً, ولكن أثبت الطب الحديث أن عدم إرضاع الطفل يسبب للمرأة أمراضاً منها سرطان الثدي، فسرطان الثدي عبارة عن خلل في نمو الخلايا الموجودة في الثدي، ويترتب عليه انتشار غير حميد يسمونه بالانتشار الخبيث، ثم يؤدي إلى استئصال الثدي كله بسبب عدم إرضاع الأم ولدها من ثديها. أيضاً رابطة الحنان والحب والرحمة والشفقة بين الأم والابن تنعدم بسبب الإرضاع عن طريق الحليب الصناعي؛ لأنها إذا أرضعته وحنت عليه وضمته إلى صدرها وربته يمتلئ قلبها رحمة وحباً وتعلقاً به, وهو أيضاً يبادلها نفس هذه المشاعر وينعكس هذا على بره بها إذا كبر, فيصبح باراً لها قائماً بواجبه نحوها لماذا؟ لأنه يرد لها شيئاً من الجميل, ولكن من أول ما جاء المولود تركته وجعلته يرضع من الحليب الصناعي؛ ولذا تجد بعض الأولاد لا يحس أن أمه أمه, ولا يحن إليها ولا يرحمها ولا يحبها وهي أيضاً لا تحبه لهذا السبب, فلا بد أن ترضع الأم ابنها.

نداء للشباب قبل الزواج

نداء للشباب قبل الزواج الله تبارك وتعالى أمر بتهيئة هذا المولود وإعداده قبل الزواج ليقوم بالرسالة التي خلقه الله عز وجل لها وهي العبادة, فيوصي رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلم إذا أراد أن يتزوج أن يكون له هدف في الزواج: وهو أن يبحث عن ذات الدين يقول عليه الصلاة والسلام والحديث في البخاري: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها, فاظفر بذات الدين تربت يداك) وهذه دعوة من النبي صلى الله عليه وسلم على من لم يوفق في ذات الدين, كأنه امتلأت يداه بالتراب, يعني: إذا لم يكن عنده ذات الدين، فليس عنده زوجة ما عنده إلا تراب، صحيح أن الإنسان يود أن تكون امرأته ذات دين ومعها شيء من الجوانب الأخرى هذا مطلوب مثل: أن تكون جميلة، وذات مال, وذات حسب ونسب, لكن أهم شيء أن تكون ذات دين، فإن حصلت على ذات الدين فقد جاءتك البركة من كل جانب ولو قصر عليها شيء من الجمال, أو قصر عليها شيء من الحسب, قال تعالى: {وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة:221] ولو كان ما عندها مال, لكن افرض أنها ذات مال أو ذات جمال أو ذات حسب وليس عندها دين والعياذ بالله فهذه لا خير فيها, مهما بلغت وكانت, إذاً عليك مسئولية وهي أن تتزوج ذات الدين، لكن من الذي يهيئ ذات الدين ويعدها؟ الآباء, ولهذا مسئولية إعداد البنات مسئولية الوالدين عندما يقول الشرع للشاب: لا تتزوج إلا ذات الدين.

مسئولية الوالدين في تربية البنات

مسئولية الوالدين في تربية البنات أيها الآباء! ربوا بناتكم تربية دينية من أجل يتزوج بها صاحب الدين, لكن من أين يتزوج صاحب الدين إذا كانت البنات فاسدات؟! قد يضطر أن يتزوج بالفاسدة، وبالتالي تقوم الأسرة على أساس فاسد, ويأتي نسل وجيل فاسد تفسد معه الحياة, لكن الإسلام يقول لمن أراد الزواج: تزوج ذات الدين، ومعنى هذا: أيها الأب! رب ابنتك على الدين, وأنشئها نشأة إسلامية, وأيتها الأم ربي ابنتكِ على الصلاح والتقوى، فالدور الرئيسي في التربية للأم، فإذا كانت الأم صالحة كان الأبناء صالحين, وإذا كانت الأم فاسدة فالأبناء فاسدون, فالأم التي تكذب يكون أولادها كذابين, والأم التي لا تصلي فأولادها لا يصلون, والأم الخائنة يكون أولادها خونة, والأم الزانية يكن بناتها زانيات، لماذا؟ لأنهم يتخلقون بأخلاقها, من أين جاءنا خالد وعمار وصهيب؟ من أين جاءنا الأبطال؟ إلا من الأمهات الصالحات, ومن أين جاءنا الخنافس والحشرات الذين ملئوا الدنيا بالفساد إلا من الأمهات الفاسدات. الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق والرسول صلى الله عليه وسلم لما قال: (فاظفر بذات الدين) حث على الدين بشكل أكبر لماذا؟ لأن دينها لها ولك ولأولادها. إذاً مسئولية إعداد البنت مسئولية مشتركة بين الأب والأم, فالذي يربي بناته على الفسق والمعاصي يتسبب في إيجاد أمهات فاسدات وجيل فاسد، وعليه إثمه بين يدي الله, بل بعض الآباء الآن يضع لوحة فوق البيت ويقول للناس: لا تقربوا مني فبناتي لا يصلحن لكم -هذا لسان حاله- فالذي يركب (الدش) فوق بيته, هذا كأنه يرسل برقية ورسالة إلى الأزواج بفساد هذه الأسرة فإذا أراد أن يتزوج سأل: كيف بناته؟ قالوا: والله فوق بيته (دش)، قال: لا أريد بناته, لماذا؟ لأن فوق البيت (دش)، قد علمهم الفساد، فليس من فساد في الأرض إلا وقد أخذوه ودرسوه في الليالي الحمراء والسوداء, فما يأتي أحد يتزوج إلا واحد مثله, أما صاحب الدين فلا يأتيه, فإذا جاء السيئ وأعطيته ابنتك فقد قطعت رحمها, وسوف يريك النجوم في وسط النهار، يعني: سوف ترى منه كل ما تكره، لكن إذا ربيت ابنتك على الدين وحفظتها من مساوئ الأخلاق، وهيئتها بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم اخترت لها صاحب الدين، وأخذها هذا الرجل إن أحبها أكرمها وإن كرهها لم يظلمها, فإذا قامت الخلية الأولى من خلايا المجتمع وهي الأسرة على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سعدت الحياة.

من آداب الإسلام في ليلة الزفاف

من آداب الإسلام في ليلة الزفاف بعد ذلك إذا تزوج الرجل بذات الدين يعلمه الإسلام آداباً: أول أدب في أول ليلة والتي يسمونها ليلة العمر -ليست القضية قضية شهوة ولا غرائز، لا. إنما قضية شرع ودين- أنك إذا دخلت عليها في غرفتها أن تضع يدك على ناصيتها وتقول: (اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه, وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه) كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تصلي لله ركعتين شكراً لله على هذه النعمة, وبعد ذلك إذا أردت أن تأتي أهلك فلا تنس أن تذكر الله قال صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يأتي أهله فيقول: باسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، ثم رزق ولد لم يقربه شيطان) ولذلك ترون بعض الأولاد كالشياطين لربما نسي أبوه أن يسمي تلك الليلة, لذلك تجد الأب نفسه يقول: والله ولدي هذا شيطان. وتجد ولداً آخراً هادئ طيب صالح مهتدي، لا تأتِ وأنت كالبهيمة ما عندك دين، لا. أنت لك عقل أنت مسلم، تذكر اسم الله إذا أتيت أهلك، في تلك اللحظات يطغى على الإنسان جانب الشهوة والنزوة فينسى أن يذكر اسم الله, فلا تنس هذا الذكر: باسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا. وورد في الحديث أن الرجل إذا لم يذكر الله في هذه اللحظات يأتي الشيطان وينعقد على إحليل الرجل -قضيب الرجل- ويجامع المرأة مع الرجل, فيأتي الولد مشترك بينهما والعياذ بالله.

من السنن النبوية الواردة من حين الولادة إلى بلوغ سن الرشد

من السنن النبوية الواردة من حين الولادة إلى بلوغ سن الرشد بعد أن تلد الأم وليدها، من السنة أن يكون أول صوت يدخل في أذن الولد هو الأذان؛ حتى يطرق سمعه أول كلمة: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر إلخ، بعد ذلك إذا بدأ يتكلم تعوده على كلمة: لا إله إلا الله, قبل (ماما وبابا وجدة) وغيرها من الكلمات فينبغي أن تعوده قول: لا إله إلا الله لا إله إلا الله لا إله إلا الله وتعلمه هذه الكلمة, بعد أن يكمل السادسة من عمره ويبدأ في السابعة تعوده على الصلاة للحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع) اختلف أهل العلم في تحديد وقت هذه السبع الواردة في الحديث هل يكون في بداية السبع، أو إذا انتهت السبع؟ قالوا: لسبع يعني: إذا بدأ, ومن الناس من قال: أنه إذا أكمل السبع, لكن الأولى والأقرب للصحة: أنه إذا بدأ السابعة. فإذا بدأ في السابعة تقول له: تعال يا ولدي! أنت الآن دخلت السنة السابعة لا بد أن تصلي, الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نعلمك كيف تصلي؟ فتأخذ الإناء وتأخذه إلى مكان الوضوء وتريه كيف يتوضأ؟ وتأخذه معك في صلاة الظهر, وتقول له وأنت ذاهب إلى المسجد: يا ولدي! نحن ذاهبون إلى المسجد وهذا بيت الله بيت العظيم بيت الجليل, لا يجوز لأحد أن يجري فيه، ولا يتكلم، ولا يصيح، ولا يعبث بالمصاحف، ولا يلعب، ولا يلتفت يميناً ولا شمالاً, وإنما يجلس بأدب؛ لأن البعض يأخذ ولده إلى المسجد لكن يأخذه من غير تعليم, فيعبث الولد في المسجد، ويمزق المصاحف، ويجري، ويتحول المسجد إلى حديقة أو روضة أطفال, لا. إذا جئت بالولد فأت به وعلمه, ثم أمسكه بيدك ولا تمش وحدك وتتركه في طرف الصف, صل بجانبه من أجل أن تراقب تصرفاته, وعليك أن تتابع ولدك وتقول: هل صليت يا ولد؟ اسأله باستمرار عن كل صلاة؛ لأن الله يقول: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132] ليس مرة فقط وإنما تابعه بشكل مستمر {لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه:132] الرزق على الله، يقول الله: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ} [طه:132] هذه وظيفتك, فكثير من الناس الآن اهتمامه بالرزق فقط, الرزق على الله, ووظيفتك أنت الصلاة, لو أن مسئولاً كبيراً قال لك: تعال هذه المهمة نفذها ومسألة الرزق هذه عليّ لا تهتم, ماذا تقول؟ تقول: حاضر أنا مستعد؛ لأن هذا المسئول متكفل برزقي، فكيف تثق في الناس ولا تثق في ربك؟! الله يقول: {لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه:132] رزقك على الله فعليك أن تهتم بالصلاة. وعند دخوله العشر سنوات، تنتقل من مرحلة الأمر والتعليم إلى مرحلة المتابعة والعقوبة، ليس بالضرب مباشرة, في البداية تتابعه؛ هل صليت يا ولد؟ قال: نعم. صليت، تسأله: أين صليت؟ قال: في المسجد, من صلّى بكم؟ قال: فلان الفلاني, ماذا قرأ في الركعة الأولى؟ ومن صلّى عن يمينك ويسارك؟ لتعرف هل هو صادق أم كاذب؟ ويعلم أنه متابع, وبعد ذلك إذا رأيت قصوراً فلا مانع من الضرب؛ لأن هذا هو توجيه النبي صلى الله عليه وسلم المعلم الأول للإنسانية (واضربوهم عليها لعشر). بعد ذلك يصل سنه خمسة عشر عاماً ويبلغ عند ذلك سن الرشد, وبلوغ سن الرشد يكون بإحدى ثلاث: إما بالاحتلام، أو بالإنبات -بأن ينبت شعر في العانة- أو ببلوغ الخامسة عشرة سنة, إذا حصلت إحدى هذه العلامات حصل الرشد عنده وأصبح مخاطباً بتكاليف الشرع, ولذلك يلزمك أن تشعره أنه أصبح الآن مسئولاً عن جميع تصرفاته مخاطباً بتكاليف دينه، وأنه الآن مؤاخذ, والبداية كلها كانت عملية تدريب وتعليم فقط, أما الآن لم تعد عملية تدريب بل أصبحت مؤاخذاً, فإذا وقعت في أي خلل فإنك مستحق لعقوبة الله عز وجل.

المرحلة الثانية: مرحلة التكليف

المرحلة الثانية: مرحلة التكليف تكلمنا عن المرحلة الأولى وهي: عالم الأجنة في الأرحام, والمرحلة الثانية هي: عالم الحياة الدنيا ويبدأ ما بين سن التكليف إلى لحظة الوفاة, والناس يقضون هذه المرحلة منقسمين إلى فريقين:

حياة المتقين

حياة المتقين فريق قطع مراحل حياته متزوداً بكل ما يرضي الرب عز وجل, ممتثلاً أوامر الله عز وجل مجتنباً لنواهيه, مصدقاً بأخباره, عاملاً بأمره، منتهياً عن نهيه, يدور مع الكتاب والسنة, يسير حياته على وفق أمر الله, فلا ينظر إلا إلى ما أحل الله, ولا يسمع إلا ما أحل الله, ولا يتكلم إلا بما يرضي الله, ولا يمد يده إلا فيما أحل الله, ولا يطأ بفرجه إلا فيما أباح الله, ولا يسير بقدمه إلا فيما يحبه الله, ولا يُدخل بطنه إلا ما أحله الله, تفكيره في ليله ونهاره كله مع الدين, وليس معنى قولنا: إنه مع الدين أنه لا يعيش في الدنيا، لا. سيكون تاجراً لكن تاجر صادق بر, سيكون موظف لكن موظفاً أمين صادق, وسيكون كل شيء في الحياة بالدين؛ لأن الدين يصلح دنيا العبد وآخرته، سيترك فقط الخبائث والشرور والآثام والمعاصي, وهكذا يعيش إلى أن تنتهي أيامه.

حياة الغافلين

حياة الغافلين فريق آخر قطعوا مراحل حياتهم متزودين بسخط الله, ينتقلون يوماً بعد يوم فيما يسخط الرب, ينظرون بأعينهم إلى ما حرم الله ولا يبالون بالحلال والحرام, يسمعون بآذانهم كل فحش وخنا من غير أن يبالوا أهذا حلال أم حرام؟ يتكلمون بألسنتهم في كل ما يريدون من غير قياس لحلالٍ أو حرامٍ, يطئون بفروجهم في الحلال والحرام, يأكلون في بطونهم الحلال والحرام, يمدون أيديهم إلى الحرام, يسيرون بأقدامهم إلى الحرام, يعيشون وهم يتقلبون في المعاصي والذنوب حتى يموتوا وهم على ذلك, هؤلاء هم كما قال الله: (شر البرية) والفريق الذي ذكرناه آنفاً والأولين هم (خير البرية) يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} [البينة:6] أي: شر الخليقة, فهم شر مَن خلق الله, أعوذ بالله من هذه العيشة أن تعيش في الدنيا وأنت على الشر والمعاصي. أما أولئك قال الله عز وجل عنهم: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة:7 - 8] ثم تنتهي الحياة في الدنيا في المرحلة الثانية.

عالم البرزخ

عالم البرزخ المرحلة الثالثة: وتأتي المرحلة الثالثة من الحياة وهي: عالم البرزخ في القبر. وعالم البرزخ يختلف عن عالم الدنيا كاختلاف عالم الدنيا عن عالم الأرحام, يوضع الناس في قبورهم وينعم أهل الإيمان ويعذب أهل الكفر والفسوق والعصيان, ظاهر القبور تراب وباطنها نعيم أو عذاب, كيف؟ قد يكون ما بين القبرين إلا نصف متر, أحدهما: في روضة من رياض الجنة، والآخر: في حفرة من حفر النار ليس بينهما فاصل إلا شيء يسير، كيف؟ يجيب على هذا السؤال ابن القيم رحمه في كتابه الروح يضرب مثالاً لذلك فيقول: ينام الرجلان على سريرين مختلفين, ويرى الأول رؤيا حسنة، يرى أنه تزوج وأنه دخل بزوجته, وعاش معها ليلة العمر, ويرى الثاني رؤيا سيئة، رأى أن رجلاً اعتدى عليه بسكين وجعل يطعنه في بطنه وفي قلبه وفي جسمه مضت ليلته وهو يُطعن, فعاش طوال الحلم والليل في عيشة سيئة, وفي الصباح جاء شخص وأيقظ الأول وقال له: قم, ولما قام وإذا به ما عنده المرأة, فيتلفت فإذا بالسرير والفراش ما عليه أحد, ماذا سيقول؟ يقول: ليتك ما أيقظتني، لقد كنت في حلم رائع، كنت أتمنى لو مكثت فيه سنة. وذاك إذا جاء شخص أيقظه: يا فلان قم, أول ما يقوم يقول: الحمد لله وينظر إلى جسمه هل هناك طعن ودم, فإذا به لم ير شيئاً. ما لك؟ قال: الحمد لله، والله لقد كنت في حلم مزعج، رأيت شخصاً يطعنني بالسكين طوال الليل في قلبي وبطني وفي صدري وفي جنبي, الحمد لله أن هذا حلم وليس بحقيقة. فهذا تنعم في النوم، وهذا تعذب في النوم، ولكن من التي تنعمت وتعذبت عندهم؟ إنها الروح, تنعمت روح هذا في المنام فانعكس نعيم الروح على الجسد، وشعر الجسد باللذة بالرغم أنه لا توجد امرأة, وذاك تعذبت روحه في المنام بالطعن فتعذب الجسد بالرغم من أنه لا يوجد طعن في الجسد, كذلك الناس في قبورهم، صاحب الإيمان في قبره روحه تنعم, رغم أن جسده أصبح تراباً, لكن يتنعم الجسد عن طريق الروح, وذاك صاحب الكفر تتعذب روحه في قبره ومع أن البدن قد أصبح تراباً, إلا أنه يناله العذاب حتى تقوم القيامة. وتتم مساءلة للإنسان في قبره في هذه المرحلة عن طريق ملكين من الملائكة هما: منكر ونكير, يسألان الرجل ويقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ ومن رحمة الله أن الله كشف لنا الأسئلة وأخبرنا بالامتحان؟ وقال: الأسئلة ثلاثة: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ الجواب سهل: ربي الله, ديني الإسلام, نبيي محمد صلى الله عليه وسلم, لكن من الذي يقول هذه الكلمات الثلاث؟ لا يتكلم هناك إلا الصدق {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم:27] يلهمه الله حجته ويقول: ربي الله, وديني الإسلام, ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم -اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة- يا أخي! ما أعظم أن يثبتك الله وتقول هذه الكلمات. جاء في حديث البراء بن عازب -في مسند أحمد وفي سنن أبي داود والحديث صحيح- مرفوعاً قال: (إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبالاً على الآخرة، نزلت من الجنة ملائكة معها حنوط من الجنة وكفن من الجنة، فيجلسون له مد البصر، ثم يأتي ملك الموت فيقول: يا أيتها الروح الطيبة -كانت في الجسد الطيب- اخرجي إلى روح وريحان وإلى رب غير غضبان, فتخرج روحه وتسيل كما تسيل القطرة من فم السقاء، فلا يدعوها في يده طرفة عين حتى يضعوها في ذلك الحنوط والكفن, ثم يصعدون بها إلى السماء، فتفتح لها أبواب السماء، حتى يوصل بها إلى الرب، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين -أي: احجزوا له مكاناً في عليين أعلى درجات الجنة- وأعيدوا روحه إلى جسده فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى, فتعاد روحه إلى جسده، حتى إنه ليسمع قرع نعال الذين دفنوه ويأتيه الملكان فيقعدانه، ثم بعد ذلك يسألانه ويقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيثبت الله المؤمن ويقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم, فيقولان له: صدقت, وينادي مناد من السماء: أن صدق عبدي, افرشوا له من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة, فيأتيه من روحها ونعيمها ويقول: رب أقم الساعة، وينام كما ينام العريس) نسأل الله أن يجعلنا وإياكم مثل هؤلاء. أما الآخر والعياذ بالله قال: (وأما العبد الفاجر إذا كان في انقطاع عن الآخرة وإقبال على الدنيا، نزلت من النار ملائكة معها مسوح من النار، فيجلسون له مد البصر, ويأتيه ملك الموت ويقول: يا أيتها الروح الخبيثة -كانت في الجسد الخبيث- اخرجي إلى سخط من الله وغضب, فتتفرق روحه في جسده، ثم يجذبها كما يجذب السفود من الصوف المبلول, فتخرج ثم لا يدعوها في يده طرفة عين, حتى يأخذوها فيضعوها في تلك المسوح، ثم يصعدون بها إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها -لا يسمح لها بدخول السماء- ثم قرأ رسول الله قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف:40]) إذا دخل البعير من ثقب الإبرة دخل الجنة, وهذا يسمونه التعليق على المستحيل أي: مستحيل أن يدخل الكافر الجنة. قال: (ثم يقول الله عز وجل: أعيدوا روحه إلى الأرض، واكتبوا كتابه في سجين، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى, فتعاد روحه ترمى من السماء -يقول الله عز وجل: {فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:31]- فتعود روحه إلى جسده، ويأتي الملكان ويقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيضله الله ولا يعرف الجواب -قال الله: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27]- فيقول: هاه هاه هاه لا أدري, فتقول: كذبت لا دريت ولا تليت, وينادي مناد من السماء: أن كذب عبدي, ثم يضرب بمطرقة من حديد, ثم يضيق عليه في القبر حتى تختلف أضلاعه، ثم يفتح له باب إلى النار ويقال له: نم كما ينام اللديغ). هذه فترة البرزخ, ولهذا القبور على صنفين -كما ذكرنا- وعذاب القبور حق، وقد أُمرنا بالاستعاذة من عذاب القبر، ففي الصحيحين أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة -والأمر موجه إلى الناس والأمة أيضاً- أن يقولوا قبل السلام وبعد الانتهاء من التشهد: (اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) فمن السنة أن تقول هذا الذكر؛ لأنه أمر به صلى الله عليه وسلم.

عالم يوم القيامة

عالم يوم القيامة ثم تأتي بعد ذلك المرحلة الرابعة من هذه الرحلة الطويلة, وهي: عالم يوم القيامة.

القيامة وتغير معالم الكون المشهود

القيامة وتغير معالم الكون المشهود هذا اليوم يوم عظيم سمي بأسماء كثيرة في القرآن الكريم: يوم القيامة, يوم الآزفة, يوم الزلزلة, الطامة, الصاخة, القارعة, لماذا؟ لأنه يحصل فيه تغيير لمعالم الكون المشهودة التي نراها الآن ويتبدل كل شيء, قال تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} [التكوير:1 - 2] وقال تعالى: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} [الانفطار:1 - 4] وقال سبحانه: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ} [الانشقاق:1 - 3] فكل شيء يتغير, ولا يبقى مكانه, فيحصل للإنسان رهبة وخوف, فالآن لو هبت رياح أو أعاصير أو طغى البحر على البر كيف يكون الناس؟! كيف يكون خوفهم، فكيف إذا رأوا السماوات والأرض تدمر، والشمس تكور، والبحار تسجر؟!! يقول الناظم في هذا المعنى: مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور قد كورت شمس النهار وأدنيت حتى على رأس العباد تسير وإذا الجبال تقلعت بأصولها ورأيتها مثل السحاب تسير وإذا البحار تأججت نيرانها ورأيتها مثل الحميم تفور وإذا الوحوش لدى القيامة أحضرت فتقول للأملاك: أين نسير؟ فيقال: سيروا تشهدون فضائحاً وعجائباً قد أحضرت وأمور وإذا الجنين بأمه متعلق يخشى الحساب وقلبه مذعور هذا بلا ذنب يخاف لهوله كيف المقيم على الذنوب دهور؟ فمن هول يوم القيامة يكون الولدان شيباً، الولد الصغير يشيب، فكيف أنا وأنت؟ قال سبحانه وتعالى: {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً} [المزمل:17] وقال تعالى: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً} [المزمل:18] وقال سبحانه: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2] وقال سبحانه: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} [الأنعام:30] وقال سبحانه: {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:18 - 19].

نشر الصحف

نشر الصحف في ذلك اليوم الرهيب يحصل للناس أهوال عظام وأمور جسام, أول تلك الأمور تطاير الصحف، تطير كتب الناس في السماء، ويؤمر كل واحد أن يأخذ كتابه, فآخذ باليمين وآخذ بالشمال, يأتي الشخص فيأخذ الكتاب باليمين إن كان من أهل اليمين -جعلنا الله وإياكم منهم- ونظر فيه رأى الحسنات كلها؛ لأن السيئات يغفرها الله للمؤمن, فإذا رآه قال: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:19] يقول: انظروا شهادتي! مثل الطالب الذي يأتي بالشهادة وهي مملوءة بالعلامات الكبرى والدرجات الممتازة, فيذهب يريها لأبيه ولأمه ويخبر الناس كلهم, بعض الطلاب يقف في الشارع وهو لا يعرف أحداً من الناس, كل من مر يقول له: انظر شهادتي, فيقال له: وما شأني أنا بشهادتك؛ لكن من بالغ فرحته يجب أن يعلم الناس كلهم بخبر نجاحه وإن كانوا لا يعرفونه. لكن البليد الذي شهادته كلها دوائر حمراء وساقط لا يظهرها لأحد, وإذا ذهب إلى البيت وقد أعلنت النتيجة وسأله أبوه أو أمه: أين النتيجة؟ قال: لم تظهر بعد -وهي قد ظهرت- بعد يومين أو ثلاثة أيام, وفي اليوم الثاني يقول: ما طلعت, فيقول أبوه: زملاؤك ظهرت نتائجهم لماذا أنت؟ يقول: ربما ظهرت سوف أذهب استلمها غداً, يريد أن ينزل الخبر بالتقسيط, لكيلا يفاجئ الأب بالخبر, وبعد ذلك لما يدخل البيت يقول: الحمد لله أبشركم, قالوا: خير, قال: سقطت في مادتين فقط, وهي ثمان وليست اثنتين ثم يقول: الأمر يسير وهذه المادتان سوف أنجح فيهما خلال الصيف, ولكن الذي لم ينجح في سنة لا ينجح في شهرين، الفاشل فاشل, والذي همته دنيئة همته دنيئة. كذلك أهل الإيمان إذا نجحوا يوم القيامة {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ} [الحاقة:19] لكن لمن يظهرها؟ أتدرون من يسمع بهذا الخبر؟ أهل المحشر كلهم, كل من على أرض المحشر يسمعون خبر نجاحك إذا قلت لهم: {هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:19 - 24]. فالذي لا يأخذ كتابه بيمينه يأخذه بشماله, هو لا يريد أن يأخذ الكتاب بالشمال, فيحاول يأخذ الكتاب باليمين فيضرب على كتفه فتسقط يمينه, فلا تبقى إلا شماله فيأخذ الكتاب بالشمال، فإذا أخذه رأى السيئات؛ فيرى قطع الصلاة والزنا والخمور واللواط والربا وعقوق الوالدين وقطيعة الأرحام والحلف الفاجر والكذب والغيبة والنميمة يرى كل شيء عمله, يقول الله: {إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية:29] وقال سبحانه: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49] ويقول سبحانه: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة:6] من منكم يذكر ماذا عمل قبل شهر؟ ماذا تغدينا ذلك اليوم؟ لا ندري, من زرنا؟ لا ندري, من زارنا؟ لا ندري, هل صلينا الفجر في المسجد؟ لا ندري, هل عصينا الله في ذلك اليوم؟ لكن الله سبحانه يعلم ذلك كله، (أحصاه الله ونسوه) يقول الله سبحانه: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء:13] أي: الكتاب {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:13 - 14] فعندما يرى الفضائح يخفيها ويقول: {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة:25 - 27] فصاحب المال يقول: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} [الحاقة:28] وصاحب السلطان يقول: {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:29] فيقول الله للملائكة: {خُذُوهُ} [الحاقة:30] فيبتدره سبعون ألف ملك, إذا قال الله: خذوه فلا يقوم ملك واحد وإنما سبعون ألف ملك, الملك الواحد يقوم يأخذ بيده سبعون ألف فيلقيهم في النار من قوته, لكن لتنفيذ الأمر, ماذا يفعلون به؟ {فَغُلُّوهُ} [الحاقة:30] والغل: هو وضع القيد في اليدين والرجلين والرقبة, {فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ} [الرحمن:41] {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ} [الحاقة:31] أي: أوصلوه, {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ} [الحاقة:32] تدخل من فمه وتخرج من دبره, يقول في الحديث: (والذي نفسي بيده لو أن حلقة من هذه السلسلة وضعت على جبال الدنيا لأرفضتها) وهي سبعون ذراعاً، لماذا سبعون ذراعاً؟ لأن حجم الإنسان يومئذٍ كبير ليس بالشكل الذي عليه الآن, فالإنسان الذي في النار والعياذ بالله كما في الحديث الصحيح الذي ذكره السيوطي في الجامع: (أنه يضخم الإنسان حتى يكون مقعده في جهنم مثل ما بين مكة والمدينة) المقعد أربعمائة وعشرون كيلو متراً, وضرسه مثل جبل أحد , هذا الضرس الواحد فكيف بالرأس؟! جبل أحد واحد كيلو متر، هذا الضرس, عد اثنين وثلاثين ضرساً يعني: اثنان وثلاثون جبلاً والرأس مثل اثنين وثلاثين جبلاً من مثل جبل أحد تقريباً إذاً كيف الجسم؟! أما حجم الجلد فهو مثل سبعة جلود ما بين الجلد والجلد مسيرة ثلاثة أيام، وكل جلد غلظة مسيرة ثلاثة أيام, تبدل في كل يوم أربعمائة مرة من شدة الاحتراق، قال تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء:56] لماذا تورط نفسك هذه الورطة كلها ولديك طريق للسلامة، طريق سهل ميسور جداً هو عبادة الله سبحانه، في الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: (يؤتى بأقل أهل النار عذاباً فيقال له: هل تود أن تفتدي مما أنت فيه بملء الأرض ذهباً, فيقول: نعم ربي, قال الله: قد طلبت منك أهون من ذلك أن تعبدني ولا تشرك بي شيئاً, وتطيعني ولا تعصيني فرفضت) وإنه ليسير على من يسره الله عليه. {ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوه} [الحاقة:31 - 32] ما السبب؟ قال سبحانه: {إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ} [الحاقة:33].

وزن الحسنات والسيئات

وزن الحسنات والسيئات بعد ذلك يأتي الهول الثاني وهو هول الوزن قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء:47] إن الله لا يظلم مثقال ذرة, لا تتوقع أن الله يضع حسناتك في موازين غيرك, أو يضع سيئاتك في موازين غيرك لا, والله إن حسناتك لك وسيئاتك عليك, قال تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا} [الأنعام:160] وقال سبحانه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل:89 - 90].

الحوض وهيئته

الحوض وهيئته وبعد الوزن يأتي الحوض, والحوض ماؤه أشد بياضاً من اللبن, نهر أعطاه الله للرسول صلى الله عليه وسلم: (أحلى من العسل، وأشد بياضاً من اللبن، وعدد كيزانه -الكئوس- كعدد نجوم السماء, من شرب منه شربة واحدة، لم يظمأ بعدها أبداً) قال العلماء: كيف يشرب في الجنة من أنهار الماء والخمر واللبن وهو لم يظمأ؟ قالوا: يشرب للتنعم ولا يشرب من العطش؛ لأن العطش انقطع عند الحوض, وإنما تشرب هناك من أجل الراحة والتنعم بما في الجنة من نعيم -نسأل الله للجميع من فضله-.

الصراط وصفته

الصراط وصفته بعد ذلك يأتي الصراط: وهو جسر ممدود على متن جهنم, دحض مزلة -أي: يسقط- أدق من الشعر, وأحد من السيف, وأحر من الجمر, وليس هناك طريق إلى الجنة إلا منه, ووسائل المشي عليه هو العمل, يقول صلى الله عليه وسلم: (منكم من يمر كالبرق, ومنكم من يمر كلمح البصر, ومنكم من يمر كشد الخيل, ومنكم كأجاويد الركاب -أي: الإبل- ومنكم كشد الرجل الذي يجري, ومنكم من يخطو خطوة ويسقط في الثانية, ومن الناس من يخطو خطوة والثانية في جهنم)؛ لأنه ما سار في طريق الله خطوة واحدة, الزم الصراط هنا تمشي هناك, أما من ضيع الصراط هنا فإن قدمه لا تثبت على الصراط هناك، والله تعالى يقول: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام:153] وقال سبحانه: {وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:126 - 127].

الذين يظلهم الله في ظله

الذين يظلهم الله في ظله بعد ذلك تدنو الشمس من الرءوس، حتى يكون ما بين الشمس ورءوس العباد مسافة ميل, قيل: إن الميل: مسافة, وقيل: ميل المكحلة, حتى إن أدمغة الناس تغلي كما يغلي الماء في القدور, والمظلة لا تكون إلا لسبعة أصناف يستظلون بمظلة الرحمن: (إمام عادل, وشاب نشأ في عبادة الله, ورجل معلق قلبه بالمساجد -أي: يلازم الصلاة في المساجد- ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال -أي: إلى الزنا- فقال: إني أخاف الله رب العالمين, ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه, ورجل أنفق نفقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه, ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه) هؤلاء يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.

المرحلة الأخيرة: الجنة أو النار

المرحلة الأخيرة: الجنة أو النار وبعد ذلك أيها الإخوة! ينتهي الفصل بين الناس والحساب والجزاء وينقسم الناس إلى فريقين: فريق في الجنة وفريق في السعير, يساق أهل الجنة إلى الجنة سوق التكريم والتشريف الذي جاء في سورة الزمر يقول الله عز وجل: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [الزمر:73 - 74]. ثم يساق الفريق الثاني -أعوذ بالله وإياكم من ذلك- إلى النار كما قال الله عز وجل: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} [الزمر:71] من باب التقريع والإهانة والنكاية بهم, كيف دخلتم النار؟! ألم يأتكم كتاب من الله؟! ألم يأتكم رسل يتلون عليكم كتاب الله وينذرونكم هذا اليوم يعلمونكم أن هناك يوم بعث؟! لأن الملائكة لا تتصور أن أحداً يدري بيوم القيامة ولا يعمل لذلك اليوم: {قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر:71 - 72].

نعيم الجنة

نعيم الجنة أيها الإخوة! في الجنة من النعيم ما لا يتصوره العقل, أنت يا أخي في الله! يا أيها المؤمن! الملتزم بدين الله لا تتصور وأنت تترك المعاصي والشهوات أنك خسرت شيئاً، لا والله, والله ما تترك شيئاً من أجل الله إلا عوضك الله في الجنة ما هو أعظم منه, إذا غضضت بصرك عن النساء في الدنيا فتح الله بصرك للنظر إلى وجهه في الدار الآخرة, وأيضاً فتح بصرك للنظر إلى الحوريات في الجنة، اثنتين وسبعين حورية, الواحدة منهن خير من الدنيا وما عليها, إذا حصنت سمعك من سماع الأغاني في الدنيا تسمع يوم القيامة خطاب رب العالمين، يحدثك الله عز وجل كما يحدث أحدكم الآخر, وتكلم الله ليس بينك وبينه ترجمان, وتسمع أيضاً غناء الحور العين, ورد في الحديث: (أن الله عز وجل يركب في ورق الجنة مزامير من مزامير آل داود، ثم تهب ريح من تحت العرش يقال لها المثيرة, هذه الريح تمر على تلك المزامير فتعزف بألحان ما سمعت بمثلها الآذان, ثم يغني الحور العين على أنهار وضفاف حضيرة القدس يسبحن الله بكرة وعشياً, فيطرب أهل الجنة طرباً لم يطربوا مثله قبله ولا يطرب أحد مثله) هذه الأيام إذا لم تسمع الأغاني قالوا: أنت معقد, لماذا لا تسمع الأغاني؟ اسمع أغاني ومتع نفسك لكن تذكر الأغاني هناك, أما هؤلاء الذين يسمعون الأغاني التي حرمها الشرع سماهم الرسول صلى الله عليه وسلم كلاب أهل النار, جاء عمرو بن قرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله! ائذن لي في دفي بكفي -أي: ائذن لي بضرب الدف بالكف من أجل الكسب- يقول: ما وجدت كسباً غير هذا؟ قم قاتلك الله، ثم قال لما ولّى: هؤلاء وأمثالهم -أي: هذا المغني وأمثاله- يبعثون يوم القيامة عرايا لا يستترون بهدبة، كلما قاموا صرعوا) فأنت لا تخسر شيئاً ولكن تخسر الشر, والهون، وتكسب الرضا في الدنيا والآخرة, والخلود في جنة عرضها السماوات والأرض (فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).

عذاب النار

عذاب النار أما الأشقياء أجارنا الله منهم فيساقون إلى النار, وفي النار أيها الإخوة في الله! ما لا يتصوره العقل، يقول الله عز وجل في كتابه الكريم: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47] فيها السلاسل والأغلال, فيها الحيات والعقارب, الفراش نار, والدفاء نار, والطعام زقوم, والشراب حميم, والظلال يحموم, يصيحون في النار صياحاً مرتفعاً يقول الله عنهم: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر:37] فيقول الله: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ} [فاطر:37] لقد عمرناكم في الدنيا وأعطيناكم فرصة للذكرى والعمل {وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر:37] بعد ذلك يدعون الخزنة -الخزنة: الملائكة المسئولة عن النار- يقول الله عز وجل حاكياً حال الكفار في النار: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ} [غافر:49] يريدون إجازة ليوم واحد فقط من العذاب, فتقول الملائكة: {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ} [غافر:50] وبعد أن ينقطع رجاؤهم من الخزنة يرفعون الشكوى إلى خازن النار وهو مالك ويقولون كما قال الله: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ} ماذا قالوا؟ أخرجنا، هم يعلمون أنه ليس هناك خروج لذا يقولون: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} يعني: موتنا، الموت أهون من هذه الحياة {قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف:77] يعني: هذا مكانكم المناسب لكم، لماذا؟ قال: {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} [الزخرف:78] وبعد ذلك ينقطع رجاؤهم إلا من الله فيرفعون الشكوى إلى الله يقولون: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:106 - 108] يقول عليه الصلاة والسلام: (فوالذي نفس محمد بيده ما يتكلم أحدهم ولا ينبس ببنت شفه، وإنما هو الشهيق والزفير) ما عاد في ولا كلمة، فإذا قال الله: (قَالَ اخْسَئوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} ما في كلام، لماذا؟ قال: {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ} [المؤمنون:109 - 110] كنتم تضحكون عليهم في الدنيا أما في الآخرة: {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} [المؤمنون:111]. وبعد أن يستقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، جاء في الحديث: (أنه يؤتى بالموت على هيئة كبش، ثم يوقف بين الجنة والنار، ويدعى أهل الجنة ويقال لهم: هل تعرفون هذا؟ قالوا: هذا هو الموت, ويقال لأهل النار: أتعرفون هذا؟ قالوا: هو الموت, ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت, ويا أهل النار خلود فلا موت) فلا يكون نعيماً على أهل الجنة أعظم من هذا النعيم؛ لأنه طمأنهم على أنهم خالدون في هذه النعمة, ولا يكون عذاباً أشد على أهل النار من هذه الكلمة؛ لأنه قطع أملهم في الخروج من النار -نعوذ بالله جميعاً من عذاب النار-. أخي في الله: أنت تسير وليس لك خيار إلا أن تسير فاسلك الطريق الصحيح, ولا تقل: إن طريق الإيمان والدين فيه مشقة، فهي مشقة تعقبها راحة وسعادة أبدية, ولا تغتر بما في طريق الفسق والمعاصي من اللذات، فإنها لذات مؤقتة تعقبها حسرات وعذاب طويل. وهذا الكلام الذي نقوله أيها الإخوة ليس قصصاً ولا أساطير، وإنما هو حقائق جاءت في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يسع المسلم العاقل إلا أن يستجيب لداعي الله حينما قال: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:13]. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يسلك بنا جميعاً سبيل الأبرار, وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يجنبنا ما يسخطه ويأباه. كما نسأله في هذه الليلة المباركة أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماًَ, وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، وألا يبقي فينا ولا معنا ولا منا شقياً ولا محروماً. اللهم احفظ لنا ديننا وأمننا ونعمتنا واستقرارنا. اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحبه وترضاه، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة

تحديد نوعية الجنين ليس من علم الغيب

تحديد نوعية الجنين ليس من علم الغيب Q تقدم الآن الطب ووجد جهاز يعرف نوع الجنين ذكر أم أنثى قبل الولادة؟ A هذا ليس من أمور الغيب، أما بالنسبة لقول الله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام:59] هذه المفاتح خمس من ضمنها: {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} [لقمان:34] فالعلم المذكور هنا ليس علم كونه ذكراً أو أنثى, وإنما العلم به في كل شئونه في حال كونه نطفة, لكن بعد أن تطور من نطفة إلى علقة ثم إلى مضغة ثم أصبح جهازاً كاملاً وله جهاز تناسلي خاص بالذكر، أو جهاز تناسلي خاص بالأنثى، أُمر ملك من الملائكة بنفخ الروح، ونوعه ذكر أو أنثى، وكتابة عمله وأجله وشقي أو سعيد, حينئذ لم يعد العلم عند الله وحده، بل أصبح العلم عند الله وعند الملائكة, وما دام أن الملائكة استطاعت أن تعرف نوعيته أصبح بإمكان الإنسان أيضاً أن يعرف بإمكانيته الحديثة نوع الجنين، وهذا ما حدث الآن عن طريق التصوير التلفزيوني الصوتي, يضعون الجهاز على بطن الأم ويرون في الشاشة نوعية الجنين إذا كان ذكراً أو أنثى طبعاً في مراحل نهائية من الخلق, لكن قبل ذلك لا يستطيعون أن يعرفوا شيئاً، وليس هذا تعارض مع ما ثبت في كتاب الله وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم.

حكم طفل الأنابيب

حكم طفل الأنابيب Q ما حقيقة طفل الأنابيب وما حكمها الشرعي؟ A المقصود بطفل الأنابيب: أن المرأة التي لا تحمل يكون عندها موانع مرضية من عملية تكُّون النطفة مع البويضة في الأنبوب التي تسمى: قناة فالوب, يأخذون الحيوان المنوي من الرجل، ويأخذون الخلية من امرأته ويضعونها في أنبوب حتى يحصل التلقيح, فإذا اكتمل التلقيح يعيدونها في الرحم وتحمل بها, هذا هو المراد بطفل الأنابيب. حكمها الشرعي: أفتى العلماء بحرمة ذلك. لماذا؟ لأنه من الصعب ضبطها، فقد يوضع حيوان منوي لرجل آخر, قد يكون الرجل نفسه ليس عنده حيوانات منوية، لكن من أجل الربح المادي يأتي إلى الطبيب فيقول الطبيب: نعم نفعل لك بالأنبوب, ويأخذ الحيوان المنوي منه أو من أي إنسان، ما يدري الأب أن هذا حيوانه المنوي نفسه أم لا؟ وقد تكون البويضة ليست من الأم, وبالتالي يصعب السيطرة على الموضوع, فسداً للذريعة وقطعاً لها منعت، وقد أفتى بذلك سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز ـ والشيخ ابن عثيمين، والشيخ أبو بكر الجزائري , وقد اطلعت أنا على دراسة أعدها أحد الدكاترة في هذا الموضوع، فمن الصعب جداً ضبط هذه القضية، وبعض الأطباء يحاول أن يظهر هذا الموضوع حتى ولم يكن يفعل ذلك لماذا؟ من أجل سبق طبي، أو ربح مادي، أو شهرة وغير ذلك، حتى ولو لم يكن الموضوع صحيحاً.

درجة حديث: (لا يتمنين أحدكم الموت)

درجة حديث: (لا يتمنين أحدكم الموت) Q ما صحة حديث: (لا يتمنين أحدكم الموت ولكن ليقل: اللهم إن كانت الحياة خيراً لنا)؟ A هذا الحديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم, وفيه توجيه للأمة أنه إذا نزل بك مرض أو نزلت بك مصيبة أو نزل بك شيء ما ألا تقول: اللهم إني أسألك الموت, لا تدري، فلعلك تسأل الموت وتدخل النار بهذا الموت, ولكن قل: (اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي, وأمتني إذا كانت الوفاة خيراً لي).

الفرق بين امتحان الدنيا والآخرة

الفرق بين امتحان الدنيا والآخرة Q يا شيخ: نرجو منك أن تدعو لنا في الاختبارات؟ A جزاك الله خيراً على اهتمامك بالامتحانات, لكن يجب أن تكون اهتماماتك بالامتحانات الكبرى التي هي أعظم من امتحانات الدنيا, نرى الناس لما آمنوا بامتحانات الدنيا أصبحوا جادين فيها، المرأة والرجل والبنت والولد وكل الناس مهتمون ليتنا نهتم بالآخرة كما نهتم لامتحانات الدنيا. ثم ما نسبة امتحانات الدنيا إلى امتحانات الآخرة؟ امتحانات الدنيا في بعض فصول الكتب, أما امتحان الآخرة ففي كتاب {لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف:49]. امتحان الدنيا زمنه ساعة ونصف أو ساعتين أو ثلاث ساعات بالطويل, أما امتحان الآخرة ففي يوم كان مقداره خمسين ألف سنة, وأنت واقف للحساب. امتحان الدنيا يشرف عليه ثلة من البشر يرحمون ويخطئون ويصيبون ويغفلون, لكن امتحان الآخرة يشرف عليه {مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]. رئيس اللجنة في الدنيا بشر, لكن الذي يسأل الناس يوم القيامة رب البشر لا تخفى عليه خافية: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18]. ونتيجة امتحان الدنيا نجاح من سنة إلى سنة, أو من مرحلة إلى مرحلة، وإذا لم تنجح فهناك دور ثاني, وإذا ما نجحت في الدور الثاني هناك سنة أخرى, وإذا ما نجحت في السنة الثانية فاترك الدراسة فهناك سبعون مهنة وشغلة, لكن امتحان الآخرة نتيجته واحدة إما الجنة وإما النار, ولا يوجد دور ثاني ولا فرصة ثانية قال تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185]. فليكن تركيزك على امتحان الآخرة، ولا مانع من امتحانات الدنيا والتركيز فيها حتى تنجح. وأسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يوفق جميع الطلاب للنجاح في الدنيا وفي الآخرة. كما أوصيهم بالابتعاد عن الغش, انتبه (من غشنا فليس منا) طبعاً كل الكلام الذي نقوله للرجال هو موجه للنساء؛ لأن (النساء شقائق الرجال) لا يغش الطالب ولا تغش الطالبة, ولو غفل المراقب فإن الله يراقبك من فوق سبع سماوات, هذه معلومات أعطيت لك من أجل أن تدرسها أيها الطالب وتختبر فيها وتنجح, ولكن إذا ما درستها وأخذتها في ورقة ودخلت تنقلها وأخذت شهادة زور وكذب, فلا يصلح هذا (من غشنا فليس منا) ويقع الغشاش في لعنة الله ورسوله -والعياذ بالله-.

حكم موتى أطفال المسلمين والكفار في الآخرة

حكم موتى أطفال المسلمين والكفار في الآخرة Q من مات في سن الطفولة هل يدخل الجنة؟ A نعم. أبناء المؤمنين وأبناء المسلمين يدخلون الجنة بإذن الله. أما أبناء الكفار فلأهل العلم كلام طويل, ومن ضمن أقوال أهل العلم: أنهم يدخلون الجنة، وبعضهم قال: يكونون خدماً لأهل الجنة, وبعضهم قال: إنهم يبلغون سن التكليف يوم القيامة ويرسل لهم الرسول ويبلغون بالرسالة يوم القيامة فتقام عليهم الحجة يوم القيامة مع أهل الفترة، ومع من لم تبلغهم الدعوة, هناك أناس عاشوا في فترات ما بين الرسل أي: بعد أن تنتهي دعوة الرسول, والفترة الثانية في رسالة أخرى، هناك أناس عاشوا ما بلغتهم الدعوة, الله عز وجل لا يدخلهم النار إلا بعد قيام الحجة, وهناك أناس يعيشون في الأرض ما بلغتهم الدعوة, مثل من يعيش في أدغال أفريقيا أو في صحراء، ما بلغه دين وما عرف الله وما عرف الرسول ولا عرف الإسلام, هذا لا يدخل النار؛ لأن الله يقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15] وقال في آية أخرى: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165] فمن لم تقم عليه الحجة فالله لا يدخله النار حتى يقيم عليه الحجة؛ لأن الله عدل, والله منزه عن الظلم تبارك وتعالى.

الفرق بين تحديد النسل وتنظيم النسل وحكمهما

الفرق بين تحديد النسل وتنظيم النسل وحكمهما Q كيف نرد على من يقول: يجب تحديد النسل بعدد معين من الأبناء؟ A دعوة تحديد النسل أو منع النسل دعوة خبيثة موجهة من أعداء الإسلام, ومركز بها على المسلمين؛ لأنهم يرون كثرة المسلمين شيء مخيف بالنسبة لهم, فيخوفونهم بالرزق ويقولون: إن بعد سنة ألفين ستقع كارثة ويموت الناس, وهذا كلام لا أساس له من الصحة، فالذي خلق الناس هو الذي يرزقهم؛ لأن الماء من السماء, والأرض هي التي تنبت, والله هو الذي ينزل الغيث والله يقول: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} [هود:6] لكنها دعوة تحمل هذا التغليف، وهي في حقيقتها دعوى لإضعاف المسلمين وإلى تقليل نسلهم, فلا يجوز تحديد النسل ولا منعه. أما تنظيم النسل، ما هو تنظيم النسل؟ يعني: بدل أن تحمل زوجتك كل سنة, تجعلها تحمل سنة وتجلس سنتين أو ثلاث سنوات من أجل يقوم الولد ويمشي، هذا ليس فيه مانع, لماذا؟ لأنه ليس منعاً وإنما هو تأجيل أو تنظيم، ودليله: حديث جابر في مسلم قال: (كنا نعزل والقرآن ينزل) والعزل: هو القذف خارج الرحم, وهو نوع من تنظيم النسل لكن نوع بدائي, فإذا أراد الإنسان ألا تحمل امرأته في فترة معينة من الفترات على أساس أن يكبر أطفالها؛ لأن بعض النساء تعاني؛ لأنها في كل سنة تحمل, ما إن تضع حتى تحمل, ويأتي هذا بعد ذاك حتى يصيروا ستة أو سبعة أطفال فالبعض محتاج إلى رضاعة كاملة، والبعض الآخر محتاج إلى رعاية وعناية، فتنظيم النسل يسهم في حل هذه المشكلة.

مسألة تعلق الروح بالجسد

مسألة تعلق الروح بالجسد Q هل تخرج الروح عند النوم، أم أنها تبقى في الأرض؟ A الروح لها تعلق بالجسد في حالتين: حالة النوم وحالة اليقظة, تتعلق الروح تعلقاً كاملاً حالة اليقظة, وتعلق جزئي في حالة النوم, ولهذا الله يقول: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى} [الزمر:42] بمعنى أن الأخرى التي لا زالت حية أنها خرجت لكن قريبة, ولذلك ترون النائم إذا نام وجئت بعطر عند أنفه هل يشمه وهو نائم؟ لا. افتح عينه وضع منظراً أو صورة هل يراها؟ وتكلم عند أذنه بصوت خفيف هل يسمع؟ لا. رغم أن السمع موجود والبصر موجود والأنف موجود, لكن الذي يشم ويبصر ويسمع هي الروح, والروح غير موجودة ولذلك عندما تتكلم بجانبه لا يسمعك, إذا أردت أن يسمع أيقظه: فلان قم قم فإذا استيقظ أعطه الريح الطيب تجد أنه يميز هذه الرائحة الطيبة، أعطه الصورة تجد أنه يميز هذه الصورة أو هذا المنظر, وتجد أنه يسمع كلامك, من الذي سمع الروح أين كانت الروح؟ كانت قريبة عنده, لماذا قريبة؟ من أجل تعود, فلماذا تخرج؟ من أجل يرقد, إذا لم ينام لم يجد الراحة. جاء شخص من العمل تعبان يريد أن ينام محطم من الشغل, تمدد على السرير فإذا قلت له: ما بك؟ قال: والله أريد أن أرتاح أريد أن أنام, فإذا قلت له: ما عندي مانع، ما الذي يرتاح فيك؟ قال: جسمي عضلاتي أريد أن أتمدد, تمدد وارتاح عشرين ساعة ليس عشر ساعات لكن لا تنام, وكلما أغمض عينيه أيقظه, يقول: هلا تركتني لآخذ قسطاً من الراحة، تقول له: أنت مرتاح ماذا فعلت بك؟ أنت متمدد على السرير والمكيف شغال ومرتاح لكن لا تغمض عينك, هل يرتاح؟! لا يرتاح إلى أن ينام, ما معنى النوم؟ خروج الروح, بعد أربع ساعات أيقظه, قال: الحمد لله لا إله إلا الله ما شاء الله, نشيط! لماذا؟ لأن روحه خرجت, ما لم تخرج الروح فلن يشعر بالراحة أبداً. ولهذا الواحد أحياناً يغالب نفسه في أيام المواسم وأيام العمل وأيام الامتحانات, بعض الطلاب لا ينام فإذا دخل صالة الامتحان أتاه النوم, بحث للأفكار والمعاني والأسئلة التي أمامه فلا يراها ينام على الطاولة, ويصاب البعض بالانهيار ولهذا يوصي المدرسون والتربويون أنه لا داعي أن تسهر ليلة الامتحان, ذاكر أول السنة من أجل أن تنجح إن شاء الله. أكتفي بهذا والله أعلم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛؛؛

إن الله مع الصابرين

إن الله مع الصابرين الصبر خلق قويم وأساس مهم، لا يصل الإنسان إلى مراده، ولا يتجاوز الأخطاء إلا به. وعندما تستحكم الأزمات، وتتعقد الأحوال، وتتوالى المحن ويطول ليلها، يقوم الصبر بدوره الجميل في تثبيت النفس وإحياء آمالها. ولم يؤت الأولون والآخرون شيئاً خيراً من الصبر، فعلى المسلم احتساب أجر الصبر على هذه الحياة بجميع ما فيها من منغصات.

الصبر من أرفع الأخلاق وأعظمها

الصبر من أرفع الأخلاق وأعظمها الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. هذا اليوم هو يوم السبت الموافق (13/محرم/1411هـ) وفي مسجد أبي بكر الصديق بمدينة أبها يلقى هذا الدرس. والإنسان وهو يعبر رحلة الحياة، يحتاج إلى تربية وتهذيبٍ وتأديب، حتى يتجاوز عقباتها، وينجو من مخاطرها وآفاتها، ويصل إلى ساحل النجاة. وحين يسير الإنسان في خط عشوائي من غير دليل يدله، ولا هادٍ يهديه، يقع ضحية التضليل، ويسقط في مهاوي الردى، ولا يصل إلى النجاة لا في الدنيا ولا في الآخرة. أما حين يهتدي الإنسان بهدى الله، ويسير على منهج الله، ويتأدب بالآداب التي جاءت في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يعبر الحياة ويتجاوزها بسلامٍ وأمان، ويصل إلى ساحة النجاة وساحلها في دار الخلد والجزاء، نسأل الله جميعاً من فضله. وهناك آداب جاء الإسلام ليربي الإنسان عليها، ويرتقي إلى قمتها، وإلى أعلى درجات الفضائل، فيها أدب عظيم، يغفل عنه الناس، وهو أساس مهم وخلقٌ قويم لا يصل الإنسان إلى مراده، ولا يتجاوز الأخطار إلا به، والناس في غفلةٍ عنه إلا من رحم الله، وهذا الخلق: هو الصبر. وعنوان الدرس (إن الله مع الصابرين) ويكفيك شرفاً أن يكون الله معك، إذا كان الله معك فما يضرك؟! من الذي يكيدك في الدنيا والله معك؟! ومن الذي ينفعك إذا الله ضرك؟! ومن الذي يضرك إذا الله نفعك؟! ومن الذي يمنعك إذا الله أرادك؟! ومن الذي يريدك إذا الله منعك؟! ومن الذي يحييك إذا الله أماتك؟! ومن الذي يميتك إذا الله أحياك؟! ماذا بأيدي الناس أيها الإخوة؟! الرزق الحياة الموت الصحة المرض الإعطاء المنع كل شيءٍ بيد الله. فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضى والأنام غضاب وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب تراب إذا وجدت الله وجدت كل شيء، وإذا فاتك الله فاتك كل شيء، ويكفيك يا صابر أن الله مع الصابرين. فليرض عني الناس أو فليسخطوا أنا لم أعد أسعى لغير رضاك ذقت الهوى مراً ولم أذق الهوى يا رب حلواً قبل أن أهواك دنياك غرتني وعفوك غرني ما حيلتي في هذه أو ذاك إذا وجدت الله وكان الله معك فلن تضرك الدنيا كلها، يقول الله في الحديث القدسي: (وعزتي وجلالي ما اعتصم عبد من عبادي بي فكادته السماوات والأرض إلا جعلت له منها مخرجاً، وعزتي وجلالي ما اعتصم عبد من عبادي بمخلوق دوني إلا أسخت الأرض من تحت قدميه، وقطعت عنه أسباب السماء، ثم لم أبالِ في أي أودية الدنيا هلك) ماذا ينفعك يا أخي! إذا تخلى الله عز وجل عنك؟! فيجب أن يكون تركيزك واهتمامك على أن يكون الله معك وأعظم حالة تداوم عليها ويكون الله معك فيها: أن تكون من الصابرين. لأنه عندما تستحكم الأزمات وتتعقد الحبال وتتوالى المحن ويطول ليلها، يقوم الصبر بدوره الجميل الجليل في تثبيت النفس، وفي إحياء آمالها، ولذا نادى الله عز وجل عباده المؤمنين بالنداء الأزلي الحبيب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:153] والمعنى: يا من آمنتم بالله! لأن لفظة (يا أيها الذين آمنوا) فيها إشعال للقلوب، وفيها إلهاب للعواطف، أنتم مؤمنون فلماذا لا تستجيبون؟! ولهذا إذا سمعت: (يا أيها الذين آمنوا) فافتح نظرك وارع سمعك واعلم ماذا يريد الله منك؟ يا من آمنتم بالله: استعينوا على إقامة دين الله بفعل الطاعات وترك المعاصي، والصبر على أقدار الله المؤلمة، بماذا؟ استعينوا على ذلك بالصبر الجميل، والصلاة المصحوبة بالخشوع والطمأنينة والإخلاص.

ضرورة الصبر

ضرورة الصبر إن الصبر ضرورة، إذ لا يمكن أن يعيش الإنسان بغير صبر، إذاً فهو ضرورة لازمةٌ للإنسان، فمن صبر ظفر، فلولا الصبر ما حصد الزارع زرعه، أليس كذلك؟ فالمزارع عندما يضع الحب يلزمه أن يصبر أربعة أشهر، يصبر وهو يحرث، ويصبر وهو يبذر، ويصبر وهو يسقي، ويصبر وهو يحمي، ويصبر وهو يحصد، ويصبر وهو يدوس، ويصبر وهو يكيل، ويصبر وهو يخبز، ثم يأكل، متى جاء الأكل؟ جاء بعد مراحل متعددة، لكن لو لم يصبر، وقال: لا والله لا أتعب، أظل أحرث وأضع الحب وأنتظر أربعة أشهر؟! لا والله بل نتركها، ماذا يحصل له؟ هل سيجد حباً؟ لا. فلولا الصبر ما حصد زارعٌ ثمراً، وما جنى غارسٌ جنياً، عندما تفكر بعين العقل وتقول: أنا الآن سأغرس شجرة وعمري أربعين سنة، الشجرة هذه عمرها عشر سنوات، متى أحصد منها؟! لا تفكر في ذلك، بل اغرسها وتوكل على الله. مر رجلٌ على غارس شجرٍ وعمره أكثر من السبعين سنة، فقال له: كيف تغرس هذه وأنت ستموت قريباً؟ قال: نغرس ليأكل أبناؤنا؛ لأن آباءنا غرسوا قبلنا فأكلنا. وهكذا لا بد من الصبر، ولولا الصبر ما جنى غارسٌ ثمراً، ولولا الصبر أيضاً ما حصل طالبٌ على شهادة، يمر الطالب أثناء العام الدراسي بمراحل مريرة من المعاناة والتعب، ويصبر على ألم قيام الصبح وهو يقوم الساعة السادسة والنصف، في البرد القارس، ومع كثرة النوم يذهب إلى المدرسة، وكأنه يمشي على وجهه، لكنه يصبر، ويدخل على المقعد البارد أمام المدرس الجافي أو المدير الغليظ الشديد، وأمام المناهج المعقدة التي كأنها حيات وعقارب يراها، لكنه يغصب نفسه ويصبر، ولو أنه قعد ونام إلى الساعة العاشرة كل يوم، هل سيأخذ شهادة ويحقق مرتبة ومنصباً؟ لا. لكن بالصبر حصل ذلك، فما يحصل الطالب على الشهادة إلا بالصبر، ولا يحصل الموظف على المنصب أو الرتبة إلا بالصبر، ولا يحصل التاجر على الربح في البضاعة إلا بالصبر، المهم أن كل الناجحين في الدنيا إنما حققوا آمالهم بالصبر، وكل الفاشلين في الدنيا إنما فشلوا بعدم الصبر. انظر وتأمل تجد أن الصبر سبب كل نجاحٍ في الدنيا، وأن عدم الصبر سبب كل فشلٍ فيها، فالفاشل في دراسته لم يصبر، والفاشل في زراعته ما صبر، والفاشل في تجارته ما صبر، والفاشل مع زوجته ما صبر، والفاشل مع أهله وأمه وابيه ما صبر، ولكن بالصبر تنال أعلى الدرجات في الدنيا يقول: إني رأيت وفي الأيام تجربةً للصبر عاقبة محمودة الأثر وقلَّ من جد في أمر يحاوله واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر ما من شخص جد في طلب شيء واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر، يخبرني رجل قال: كنت أعمل جندياً، حارساً في محكمة، وكان الكتَّاب والموظفون وبعض القضاة يرسلونني لأحضر لهم الفطور، فأحضر لهم الخبز في الصباح، إنه عمل متعب ومضني، فشعرت بذلة في نفسي، فطلبت العلم ليلاً وحصلت على الشهادة الابتدائية، ثم دخلت المعهد العلمي، وكان راتبي آنذاك وأنا في الجندية (150)، وفي المعهد العلمي (210)، وتركت الجندية والتحقت بالمعهد، وحَصَلْتُ على شهادة الثانوية العامة، ثم دخلت كلية الشريعة وحصلت على الشهادة، ثم أخذت الماجستير، ثم أخذت الدكتوراه، وإذا بهؤلاء كلهم يتوسطون بي. فهذا الرجل لو بقي جندياً إلى أن يموت فسيلعق آلام الذلة طوال حياته، لكن عندما صبر على التعلم ومعاناته حقق له مستقبلاً طيباً، وهكذا -أيها الإخوة- لا بد من الصبر، وإذا كان هذا في أمر الدنيا فكيف لا يكون مهماً في أمر الآخرة. إذا كانت الدنيا الدنيئة التافهة التي لا تزن عند الله جناح بعوضة، وهي بالنسبة لما خلق الله في هذا الكون شيء بسيط، ومع ذلك لا تحصل المقصودات ولا تنال المطالب فيها إلا بالصبر، فإنه لا يمكن أن تنال الآخرة العالية والجنة الرفيعة، بحورها وقصورها ونعيمها، وما أعد الله فيها، لا يمكن أن تنال إلا بالصبر. وليس كصبر الدنيا، ليس كصبر الطالب على الدراسة، ولا كصبر التاجر على التجارة، ولا كصبر الزارع على الزراعة، لا. إنه صبرٌ من نوعٍ آخر، إنه صبرٌ من الصبر، وهو مشتق من الصَّبِر الذي له مرارة متناهية. - والصبر: هو حبس النفس على الشدة والضيق وما تعانيه مع الألم والمعاناة، وهو صبرٌ وتصبرٌ واصطبار، أوله الصبر ثم التصبر ثم الاصطبار، وهو صبرٌ على طاعة الله، وصبرٌ عن معصية الله، وصبرٌ على أقدار الله المؤلمة. لا شك أن طالب الدنيا لا بد له من الصبر، وكذلك طالب الآخرة لا بد له من الصبر، وقد حمل الأمانة التي ناءت بحملها السماوات والأرض والجبال: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72] الله أكبر! (وأشفقن منها) أشفقت السماوات والأرضين والجبال، وجئت أنت أيها الإنسان لتحمل الأمانة. قال لي أحد الناس يوماً من الأيام: أنا ما حملت الأمانة. قلت: كيف؟ قال: أنا والله ما أذكر يوماً من الأيام أني تحملتها فوق ظهري. قلت: لا، أنت حملتها وأنت لا تدري. قال: كيف؟ قلت: أليس عندك القدرة على أن تطيع الله وتعصيه؟ قال: نعم. قلت: هذه الأمانة، هل عند السماوات قدرة على أن تعصي الله؟ قال: لا. هي مسخرة، قال الله: {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} [لقمان:29] وقال: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} [الجاثية:13]. فسحب القدرة وجعل المخلوق هذا لم يحمل أمانة، أصبح إنساناً (ميكانيكياً) في العبادة، لكن عندما أعطاه الله القدرة على أن يسلك طريق الخير والشر، حمل الأمانة، أمانة ماذا؟ أمانة الاختيار الصحيح، فأنت الآن تستطيع أن تعصي الله؟ قال: نعم. قلت: وتستطيع أن تطيعه؟ قال: نعم. قلت: إذاً أنت حملت الأمانة، بينما السماوات والأرضون لم تستطع، وأشفقت منها، وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً لنفسه، جهولاً بحق ربه ومعرفته بالله عز وجل. فما دام أنك حملت الأمانة وعندك القدرة على الاختيار بأن تسلك سبيل الخير أو سبيل الشر، فلا خيار لك في أن تطيع الله تبارك وتعالى.

اقتران الصبر بالقيم والمبادئ الإسلامية دليل عظمته

اقتران الصبر بالقيم والمبادئ الإسلامية دليل عظمته إن المتتبع للمواطن التي ذكر الله عز وجل الصبر فيها في القرآن الكريم يتبين له عظمة الصبر ومنزلته عند الله عز وجل؛ فمنها: أن الله عز وجل قرن الصبر بجميع القيم والمبادئ العليا في الإسلام، فما من مبدأ في الإسلام كريمٍ إلا والصبر معه، إذ لا يمكن أن يحقق هذا المبدأ إلا بالصبر.

علاقة الصبر باليقين

علاقة الصبر باليقين قرن الله الصبر باليقين، واليقين هو قوة الإيمان، قال الله عز وجل: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24]. لأن الإنسان في هذه الدنيا يتسلط عليه شياطين الإنس والجن عن طريق الشهوات والشبهات، شهواتٍ تورث تقديم الهوى على طاعة الله، وشبهاتٍ تورث شكاً في دين الله، فلا يتغلب على الشهوات إلا بالصبر، ولا يتغلب على الشبهات إلا باليقين. وكما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ولهذا لا تنال الإمامة في الدين إلا بالصبر واليقين، قال عز وجل: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً} [السجدة:24] متى جعلهم الله أئمة يهدون بأمر الله، ويدعون إلى الله، ويوجهون الناس إلى الله، ويدلون الخلق على خالقهم، ويحببون الله إلى خلقه، والخلق إلى الله؟ هذه وظيفة ليست سهلة: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [السجدة:24] متى؟ {لَمَّا صَبَرُوا} [السجدة:24] أي: بعد أن صبروا: {وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24]. فهذه من أعظم الكماليات أن يكون عندك يقين، ومن أعظم الدرجات العليا أن يكون في قلبك تصديق، ولا يمكن أن يكون إلا بالصبر واليقين: {لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24]. وأصحاب الشهوات المضللون الذين يخدعون البشرية بما يضعون لها من شحوم الشهوات، حتى ينزلقوا عليها إلى النار -والعياذ بالله- هؤلاء يريدون للإنسان العنت، يقول الله: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ} [النساء:27] ماذا؟ {أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} [النساء:27] الله يريد أن يتوب وأن يغفر لكم، وأن يفتح ميادين الرحمة لكم، ولكن المضللون الذين يتبعون الشهوات، يريدون أن تميلوا إلى شهواتهم، ليس ميلاً يسيراً وإنما ميلاً عظيماً. أما الشبهات وهي التي يزرعها الشيطان في قلب الإنسان وفي عقيدته من شكوك وأوهام، مثل هذا الرجل الذي قال لي: أنا لم يأخذ الله عليَّ الأمانة، هذه شبهة، وهي كفيلة بأن تنسف عقيدته من أسفلها، فإذا شك في هذا فمعنى ذلك أنه كفر بالقرآن، ولو صلى وصام، فهذه شبهة. فما تنال الإمامة إلا بإبعاد الشبهة، والقضاء عليها عن طريق اليقين الصادق.

علاقة الصبر بالشكر

علاقة الصبر بالشكر أيضاً قرن الله عز وجل الصبر في القرآن الكريم بالشكر، وهو ضد الصبر، يعني: نقيض له. الصبر يكون على الآلام، والشكر يكون على المنح والهدايا والعطايا من الله، ولكن الله جعل الصبر والشكر في آيات أربع معاً، لماذا؟ لأن الإنسان لا ينفك في كل أحواله من نعمةٍ أو محنة، أو عطية أو بلية. فتجد في نفس اللحظة تأتيك رحمة من الله، تصور أنك تمشي في الطريق فيصطدم بسيارتك رجل ما، فهذه فتنة ومصيبة، ثم تنزل وتلقى الرجل ليس فيه شيء، هذه رحمة من الله، هذا حادث كفيل بأن يموت هذا الرجل فيه. فالله ابتلاك بفتنة فتصبر عليها، وفي نفس الوقت أكرمك بأن نجاك منها، وذلك بنجاة هذا الإنسان ولم يصب بشيء، تنقلب سيارتك وتنزل منها، وترى السيارة، ومن يراها يقول: لم يبق فيها أحد سليم، ولكن الله سلمك، ينكسر الحديد ويتحطم ولا ينكسر فيك عظم، هل أنت أقوى من الحديد؟! إنها منحة من الله عز وجل، فالله قرن الصبر والشكر معاً فقال عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم:5] وصبار هنا صيغة مبالغة، ليس صابر فقط، بل صبار يعني: على كثرة البلايا يصبر على قضاء الله وقدره. يقول عز وجل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [لقمان:31] وقال عز وجل عن قوم سبأ الذين جاءتهم المصيبة من الله تعالى، بعد أن كفروا وأعرضوا وبدلوا نعمة الله كفراً، فأرسل الله عليهم سيل العرم، وبدلهم بجنانهم -التي كانوا يأكلون منها من كل نوعٍ وفاكهةٍ- جنتين ذواتي أكلٍ خمطٍ وأثل وشيء من سدرٍ قليل، قال عز وجل: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ:17] ثم قال: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [سبأ:19].

علاقة الصبر بالتقوى والحق والرحمة

علاقة الصبر بالتقوى والحق والرحمة - وربطه الله عز وجل بالتقوى، وجعله قرين لها، قال عز وجل: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [آل عمران:186] وربطه بالحق قال عز وجل: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] وربطه بالرحمة فقال عز وجل: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد:17].

علاقة الصبر بأخلاق الإسلام كلها

علاقة الصبر بأخلاق الإسلام كلها يشتمل الصبر على أخلاق الإسلام كلها، إذ لا أمر ولا نهي إلا والصبر أساس فيه، وانظر إلى جميع الأوامر التي أمر الله بها. - الصلاة مثلاً: ما الذي يعينك عليها؟ الصبر، كونك تقوم من بيتك، ومن عشائك أو من فراشك وتذهب وكذلك تترك عملك، أو تغلق دكانك، وتتوضأ في البرد وتذهب إلى المسجد وهو بعيد، وتأتي فهذه تحتاج إلى أطنان من الصبر. - والزكاة حينما تخرجها: ما الذي يجعل حب المال يخرج من قلبك، ويستعلي عليه حب الله ورسوله؟ الصبر. - والحج: حينما تخرج من بيتك، وتقطع الفيافي والقفار وتقف في عرفات، وترمي الجمرات، وتدخل في الزحام، وتعرض نفسك للموت أكثر من مرة أو مرات هذا كله بالصبر. - الصيام: حينما تصبر عن الطعام، وعن شهواتك، وعن زوجتك -وأنت تعاني هذا كله- بالصبر. برك لوالديك، صلتك لأرحامك، صبرك على الناس، كل هذه الأوامر تأتي بها عن طريق الصبر على دين الله عز وجل. بعد ذلك الشهوات كلها: كالعفة: ما هي العفة؟ عندما نقول: فلان رجلٌ عفيف، أو فلانة امرأة عفيفة، فالعفة: هي الصبر عن شهوة الفرج، وشهوة الفرج موجودة في كل إنسان، لكن يوجد رجل ينهزم أمام شهوته، وتوجد أنثى تنهزم أمام شهوتها فتمارس الجريمة، وتقع في لعنة الله وغضبه، وأخرى تترفع عن شهوة فرجها، وتتعفف وتلتحق بأهل العفة والطهر والنقاء، فتصبح عفيفة أو يصبح عفيفاً، لكن بماذا؟ بالصبر، فالعفة سببها الصبر. - والشجاعة: كأن تقول: فلان شجاع، فما هي الشجاعة؟ - الشجاعة صبرٌ في موطن الموت، سئل عنترة -وهو مضرب المثل في الشجاعة- فقيل له: كيف صرت شجاعاً؟ فقال: ضع إصبعك في فمي، وأنا أضع إصبعي في فمك، قال: عض إصبعي وأنا أعض إصبعك، فلما عض كل واحد إصبع الآخر نزعها ذلك يوم عضها عنترة، قال: والله لو صبرت قليلاً لنزعت إصبعي قبلك ولكن كلما أردت أن أنزعها صبرت وصبرت، فالشجاعة صبر ساعة. فالجبان لا يصير شجاعاً؛ لأنه لا يصبر، ولا يستطيع، بينما الشجاع يصبر فيثبت، فكل الأعمال والكمالات والفضائل تأتي عن طريق الصبر. - كذلك الحلم، والحلم: هو صبر على دوافع الانتقام والغضب، تجد اثنين يحصل لهما مواقف تستثيرهما، فواحد صابر ضبط أعصابه، ووضعها في ثلاجة، وآخر لم يصبر بل يشتعل، ويحرق الناس، وبعد ذلك يندم على تهوره، وذاك لا يندم على صبره، ففي الحديث: (ليس الشديد بالصرعة، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب). هذا هو الشجاع، وهذا هو البطل الذي يتحكم في عواطفه، ويملك مشاعره عند الغضب، أما كونك عادياً في الحالات العادية، فليست هذه بدرجات كمال فيك، ولا يعرف الشيء إلا بضده، ولا يعرف حلمك إلا عند الغضب. وفي الحالات العادية تكون حليماً طبيعياً فأنت حليم بطبيعتك، لكن متى يعرف حلمك؟ عند استثارتك، فالحلم: صبرٌ على كتم دوافع واستثارات الغضب والانتقام. أيضاً سعة الصدر: يقال: فلان منشرح صدره واسع صدره عنده صبر عندما يضيق الصدر، لكن عندما يأتي شخص يدخل بيته يضيق صدره من أقل غلطة يراها، أو يضيق صدره من ضيف، أو من ولد، أو من زوجته، أو من مدير مدرسته، أو من مدرس أو موظف عنده، فهذا ضاق صدره، لكن إذا جاء بالصبر وسعة الصدر تجده يضيق صدره على امرأته فيوسعه، يقول: هذه أم أولادي، وهذه زوجتي، وإذا لم أصبر عليها فعلى من أصبر. ويضيق صدره على ولده، فيأتيه الصبر ويقول: هذا ولدي ومن يوسع صدره له إذا لم أوسعه أنا، وهو أحسن من غيره، وأصبر عليه، وأوجهه، ويضيق صبره على موظفه فكذلك، وهكذا فعملية سعة الصدر، وتحويل الأمور من رأسٍ إلى عقب، ومن عقبٍ إلى رأس يأتي ثمرة للصبر. كذلك القناعة: خلق كريم وهو صبر عن الكفاف، فالكفاف: رزق يكفيك لا لك ولا عليك، أي: قوت لكي لا تموت، وهذه منزلة القناعة التي تقنع بها، لكن إذا لم تكن عندك قناعة أيها الإنسان! وأنت تعيش مرتبة الكفاف فأنت تعيش في عذاب، تظل تنظر في كل شيء، وتتمنى كل شيء، ونفسك تستشرف كل شيء، ولا يحصل لك شيء، وإنما يحصل لك العذاب في نفسك، بينما بالقناعة تصبح زاهداً، وتصبح غنياً وإن لم يكن بيدك شيء، وتنظر إلى الناس فتقول: ما هذا؟ تنظر إلى الدنيا بماذا؟ بالقناعة. والقناعة كنزٌ لا يفنى، لا ينقص منه شيء ودائماً يزيد، فكلما قنعت زادك الله عز وجل في كنزك، وكذلك ضبط النفس والرضا بالقضاء، والزهد في الدنيا، هذه الأمور كلها لا تأتي إلا بالصبر. فغض البصر عن النظر المحرم صبر، عندما ترى امرأة متبرجة في الشارع فتغض بصرك، بماذا غضضت بصرك؟ بصبرٍ عن المحرم. - صيانة أذنك عن سماع الأغاني: جاءت نتيجة الصبر على طاعة الله، وصبرٌ عن معصية الله، فالمهم أن جميع أعمال الإسلام من الأوامر أو النواهي لا تنال إلا بالصبر. الصبر قاسم مشترك وقاعدة مهمة في حياة المسلم، ولذا قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:153] لماذا الله معهم ويؤيدهم وينصرهم؟ لماذا الله يكتنفهم برعايته ومحبته؟ لأنهم معه، يصبرون له، ويصبرون به، ولا يصبرون عنه. يقول ابن القيم رحمه الله: الصبر ثلاثة أقسام من حيث نهايته: صبرٌ لله، وصبرٌ بالله، وصبرٌ عن الله. فصبرٌ لله: بترك معصيته. وصبرٌ بالله: بفعل طاعته. وصبرٌ عن الله: وهو أسوأ أنواع الصبر، أن تصبر عن الله بفعل المعاصي، وكثير من الناس الآن يعملون المعاصي من أجل ماذا؟ يقول: أريد أن أشرح صدري وأستريح، وهو يحاول أن يغطي ما في قلبه من العذاب بالمعاصي ليصبر عن الله، ومن هو الذي يصبر عن مولاه، إلا من لا يحب الله. هذا -أيها الإخوة- ما يتعلق باقتران الصبر بالمراتب العليا والكمالات التي جاء الإسلام ليربي الناس عليها.

أمور لابد أن تتوفر في الصابر الصادق

أمور لابد أن تتوفر في الصابر الصادق لا يكون الصابر صابراً إلا إذا توفرت فيه أمور، فليس كل صبر ينال عليه صاحبه ثواباً بل، لا بد من أشياء توجد في هذا الصابر ومعه:

الإخلاص

الإخلاص لابد أن يكون الصبر لله، لأن الصبر أمر مشترك عند كل الناس، حتى الكافر يصبر مضطراً، فيصبر على الدراسة، والحيوانات تصبر فالشاة تذبحها وهي صابرة. ومثال ذلك الرجل الذي ضيف رجالاً وهو لا يريد أن يضيفهم، فأخذ تيساً من غنمه وذبحه فصاحت الذبيحة فيقول للتيس: اصبر والله إنك مغصوب وأنا مغصوب -يقول: ليس بإرادتي أن أذبحك ولكن ماذا نصنع فكلانا مغصوب-. فالصبر أمر مشترك بين الإنسان والحيوان، وبين الكافر والمسلم، كل الناس لا بد أن يصبروا، لكن من هو الذي له الأجر؟ إن الذي له الأجر هو الذي يصبر لله قال الله عز وجل: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر:7] ليس لشهواتك، ولا لمرادك، وهواك، وإنما لخالقك ومولاك، وقال عز وجل: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} [الرعد:22] الذين يصبرون ابتغاء وجه الله، ويريدون بهذا الصبر ما عند الله عز وجل: {وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً} [الرعد:22]. لقد مدحهم الله وأثنى عليهم؛ لأنهم صبروا ابتغاء وجهه، وأنت عندما تصبر على ألم الدراسة لكنك لا تصلي؟ صحيح أنك صبرت حتى نلت الشهادة، ولكنك مقطوع الصلة بالله، هل صبرك هذا من أجل الله أم من أجل الشهادة؟ إنه من أجل الشهادة، فعندما حصلت على الشهادة هل تنال عليها أجراً؟ لا. لكن لو أنك استصحبت النية الصالحة وكنت عبداً لله طيباً، ودرست هذه الدراسة من أجل طلب العلم، ومن أجل احتلال منصب ووظيفة، لأجل نصرة الحق، أو من أجل المشاركة في بناء وطنك، لكانت دراستك هذه وصبرك عليها صبراً لله. فالمزارع الذي يزرع ويريد بهذه الزراعة جلب أقوات المسلمين، ويحتسب عند الله ما يأكله الطائر، وما يشرب من البهيم، وما يأخذه الغريب، وما يتصدق به على المسكين، فهذا يصير صبره على الزراعة صبراً لله، لكن من يصبر على الزراعة، ويضع عليها بيوتاً محميةً من كل اتجاه، ولا يدع عليها طائراً يأخذ منها حبة واحدة، ويكمم العنب بالصناديق، ويجعل عليها عمالاً لكي لا يمر أحد من عندها، ثم لماذا هذا كله؟ قال: أريد أن أبيعها. وإذا جاء وقت جني الثمرة لا يحمل معه للبيت شيئاً، ولا يهدي لجاره ولا لصديقه حبة، وإنما في الصندوق هذا صَبَرَ، ولكن لماذا صبر؟ من أجل الأموال، وقد حصل على المال ولكن صبره هذا ليس لله عز وجل. فالصبر لله يجب أن يكون خالصاً، ومصحوباً بالنية السليمة من أجل نيل ما عند الله من الثواب، ولهذا قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ} [الرعد:22].

الشكوى لله فقط

الشكوى لله فقط - ثانياً: ألا يكون مع هذا الألم والصبر شكوى لغير الله، وهذا معنى الصبر الجميل، يقول يعقوب عليه السلام عندما أخبروه أن ولده ليس موجوداً وقد أكله الذئب: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف:18] قيل: الصبر الجميل: هو الذي لا شكوى فيه ولا جزع، لا يجزع من قضاء الله، ولا يشكو إلى أحدٍ غير الله تبارك وتعالى، والذي يشكو الناس أو يشكو الله إلى الناس، هذا لم يعرف الله عز وجل، يقول: وإذا عرتك مصيبة فاصبر لها صبر الكريم فإنه بك أعلم وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم أي: تشكو الرحيم تبارك وتعالى إلى الذي لا يرحم، لا تشكو إلى أحد وإنما اشك إلى الله، ولهذا كان يقول: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف:86] تشكو بثك وحزنك وما تجده من لوعةٍ في قلبك إلى الله عز وجل، ولا تشك إلى أحد غيره، فإنك إن شكوت إلى الناس فالناس لا ينفكون عن رجلين: رجلٌ يحبك، ورجلٌ يبغضك، فإن شكوت إلى الذي يحبك آلمته؛ لأنه يعاني معك، وإن شكوت إلى الذي يبغضك سررته وفرح، ولو هز رأسه لك، وقال: أنا آسف والله المستعان. ولكن في السر يقول: يستحق، لماذا؟ لأنه يكرهك ويتمنى أي شيء يقع عليك، فلا تشتك إلى أحد، ولا تُحزن الذي يحبك، أليس الذي يحبك تحب ألا يحزن؟ إذاً لا تحزنه بشكواك إليه، ثم ماذا تتصور أن يعمل من أجلك هذا الذي شكوت إليه؟ شكوت إليه المرض فهل عنده عافية؟! شكوت إليه الفقر هل عنده أموال يعطيك؟! شكوت الهم هل عنده فرج؟! ليس عنده شيء، إنما تشكو إلى من؟ إلى الله الذي لا إله إلا هو. كان الواحد من السلف إذا أتاه شخص وهو مريض وفي أشد المرض يقول له: كيف حالك؟ قال: الحمد لله. قال له: من ماذا تشتكي؟ قال: أشتكي من ذنوبي -لا يشتكي من ربه بل يشتكي من ذنبه- لأنه يعرف أن المرض لم يأته إلا بذنب. قال: ماذا تريد؟ قال: أريد رحمة ربي. قال: هل جاءك الطبيب أو نأتي به؟ قال: قد جاءني. قال: وماذا قال لك؟ قال: يقول: أنا الفعال لما أريد. هذه حياتهم رضي الله عنهم وأرضاهم، فأنت حاول باستمرار ألا تشكو إلا إلى الله، فإن شكواك إلى الله عبودية، وشكوى ربك إلى الناس والعياذ بالله عدم معرفة بالله، وبجلاله عز وجل.

الصبر عند الصدمة الأولى

الصبر عند الصدمة الأولى أيضاً أن يكون الصبر في مكانه، وفي وقته وأوانه، فمتى يعرف الصابر؟ (إنما الصبر عند الصدمة الأولى) أما بعد ذلك فستصبر غصباً عنك، إذا ماتت أمك أو أبوك أو لدك ثم بكيت وصحت ونحت وفعلت كل شيء وفي النهاية، ماذا تفعل؟ تصبر، ذلك اسمه صبر الاضطرار. وهذا لا أجر لك فيه ولا ثواب، ولكن متى يكون الصبر لله، ويكون خالصاً لوجه الله؟ يكون عند الصدمة الأولى، عندما يأتيك الخبر وهو جديد وأنت تقول: لا إله إلا الله، إنا لله وإنا إليه راجعون، الحمد لله على كل حال، هذا هو الصابر الصحيح. لكن جاءك الأمر والخبر وقمت وصحت، وشققت جيبك، ورفعت صوتك، ونتفت شعرك، وبعد أيام وليالٍ صبرت، لم يعد لك شيء فيه. وفي البخاري ومسلم من حديث أنس يقول: (مر عليه الصلاة والسلام على امرأة عند قبرٍ وهي تبكي بكاءً حاراً، وهذا الولد الميت ولدها قد قطع قلبها -ومعذورة مسكينة ولكن قد زادت في البكاء- فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: يا أمة الله! اتقي الله واصبري، قالت: إليك عني فإنك لم تصب بمثل مصيبتي). وهي لم تعرفه، ما يدريك من هذا الذي أبكي عليه، فليس ولدك حتى تنصحني، هذا ولدي، أنت لا تعرف ما أعرف وما أعاني منه، فقيل لها لما تركها النبي صلى الله عليه وسلم: إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم. كيف تردين عليه بهذا الكلام، هذا رسول الله يأمرك بتقوى الله ويأمرك بالصبر وتردين عليه بهذا الرد؟! فقامت ولحقت بالنبي صلى الله عليه وسلم وأتت إلى الباب وقالت: يا رسول الله لم أعرفك وأنا الآن سأصبر، قال: (إنما الصبر عند الصدمة الأولى). انتهى وقت الصبر، وهذا ما يسمونه بصبر الاضطرار وهو صبر أهل النار في النار، لكن هل معهم مخرج غيره، يقول أهل النار: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} [إبراهيم:21]. ويقول عز وجل لهم: {اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الطور:16]. ولا بد -أيها الإخوة- في الصبر من ثلاثة أمور: - أولاً: لا بد أن يكون لله عز وجل. - ثانياً: ألا يكون معه شكوى لغير الله. ثالثاً: أن يكون عند الصدمة الأولى. فإذا حصلت هذه كنت -أيها الإنسان- من الصابرين.

الصبر على المصائب تنقية وترقية إلى مرتبة الكمال

الصبر على المصائب تنقية وترقية إلى مرتبة الكمال بعض الناس يتصور أن البلايا والمصائب -التي تأتي في هذه الدنيا- عبث، وأنها تعذيب، وأنها من الله عز وجل شيء فيه ضرر، لا. هذه المصائب التي تأتيك في الدنيا عملية تنقية وترقية لك في مجالات الثواب عند الله عز وجل، إذ لا يمكن أن يعطيك الله ثواباً وأنت على النعمة، فالصبر على ماذا؟ على الرز واللحم والعافية؟! لا. لا بد من شيء تصبر عليه، وتعاني منه، ولهذا الله تبارك وتعالى يقول في سورة العصر: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 - 3]. يقول أحد العلماء: إن هذه عجلات أربع لا يسير دين العبد إلا عليها -ما رأينا سيارة تمشي على ثلاثة (إطارات) - وكذلك الدين لا يمشي إلا على أربع عجلات: عجلة الإيمان، وعجلة العمل الصالح، وعجلة التواصي بالحق، وعجلة التواصي بالصبر، وكيف نتواصى بالصبر من غير بلاء؟ لا بد أن يأتيك بلاء ومصيبة، لكي تُمتحن وتعرف هل أنت من أهل الصبر، فيتم لك دينك، وتصبح من أهل الكمال، أم لا، فتسقط والعياذ بالله.

من ميادين الصبر: الصبر عند المصائب

من ميادين الصبر: الصبر عند المصائب ميادين الصبر كثيرة، منها: الصبر على مصائب الدنيا، لأن الإنسان لا يسلم من الآلام والمصائب والأمراض في النفس، وفي البدن، وفي فقدان الأحبة، وفي خسران المال، وفي ضياع بعض المقدرات، والله عز وجل يقول: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ} [البقرة:155] وهنا مؤكد بعدة مؤكدات {بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة:155 - 156]. وهذه العبارة من أعظم ما يبرد القلوب على المصائب، إذا أردت أن تضع على قلبك المشتعل بالمصيبة ماءً وثلجاً يبرده فقل: إنا لله وإنا إليه راجعون. مات ولدٌ لامرأة هو أكبر أولادها والموظف الذي يصرف عليهم، وما عندهم في الدنيا إلا الله ثم هذا الولد، فمات في حادث مروري، وهي ضعيفة البنية مريضة الجسد، وقالوا: إذا أخبرناها أنه مات ستموت، فقالوا: لا تخبروها، وأُخبر أحد الصالحين عنها وهو قريبٌ لها فجاء إليها، ولما دخل عليها أحست أن الوضع قد تغير، ورأت حركة غير طبيعية في البيت، رأت أناساً يدخلون وأناساً يخرجون فتوقعت وقالت: أين فلان؟ قالوا: موجود لم يحدث له شيء، قالت: أين هو، ما الذي حدث له؟ فقال لها هذا الموفق: قولي: إنا لله وإنا إليه راجعون. فقالت: مات؟ يقول: لو قلت لها مات ستموت هي، وستنطفئ روحها، لكن ما قلت لها مات، وإنما قلت لها: قولي: إنا لله وإنا إليه راجعون. فقالت: أخبروني هل مات؟ قلت لها: قولي (إنا لله وإنا إليه راجعون)، يقول: فما زلت أكرر عليها (إنا لله وإنا إليه راجعون)، وهي تقول: مات أخبروني، حتى قالت في نفسها: إنا لله وإنا إليه راجعون. يقول: فلما قالت -وهي تكاد تشتعل من الجزع والحزن-: إنا لله وإنا إليه راجعون، هدأت وسكنت. فكررتها مرة ومرتين وثلاثاً وأربعاً، ولكن يقول: ما أخبرتها بأنه مات، لكن تكراري للعبارة يدل على أنه مات، إذ لا تُقال هذه الكلمة إلا عند الموت. ولكن جئت إليها بالخبر عن طريق آية تبرد قلبها: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة:156 - 157] الله أكبر كيف يأتي الثناء من الله، صلوات، أي: تثبيت من الله وثناء ورحمة منه سبحانه: {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:157]. فلا تتوقع أن تعيش سالماً، لا بد في هذه الدنيا من مصائب وعجائب وهي مثل العجلة، أناس فوق وأناس تحت، ثم الذين تحت يصيرون فوق والذين فوق ينزلون تحت، وما تترك أحداً إلا ودقت بابه، ولا يوجد أحد في الدنيا سليم منها أبداً، اليوم تجد في هذا البيت زواجاً وفي البيت الآخر عزاء، وبعد سنتين أو ثلاث ترى العزاء في بيت الزواج، والزواج في بيت العزاء، ما يبقى أحد على حال واحد إلا الله عز وجل. فاصبر لكل ما يأتيك به القضاء من الله وتحمل.

نماذج من صبر الأنبياء

نماذج من صبر الأنبياء البلاء يصيب القلوب، ويصيب البطون بالجوع، ويصيب الأجسام بالمرض، والأموال بالسرقة، والأولاد والزوجات بالمرض والموت، ولا بد من الصبر، وكان لا بد -في هذا المجال- من قدوة، فذكر الله عز وجل في القرآن الكريم الأنبياء، باعتبارهم النماذج البشرية الرائدة التي يقتدي الناس بهم. قال عز وجل للرسول صلى الله عليه وسلم: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف:35] وقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] فالله هدى أنبياءه ورسله إلى جميع الأخلاق الفاضلة، ثم جمع كل أخلاقهم في محمد صلى الله عليه وسلم، فما من كمالٍ إلا وهو فيه، حتى قال الله فيه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4]. فالله عز وجل ابتلى الأنبياء من أجل أن يكونوا قدوة لغيرهم.

صبر أيوب عليه الصلاة والسلام على المرض الذي حل به

صبر أيوب عليه الصلاة والسلام على المرض الذي حل به ابتلى الله أيوب عليه السلام بالمرض في جسده، وعانى منه معاناةٍ لا يعلمها إلا الله، ومكث ثماني عشرة سنة وهو يعاني من ألم المرض، وقالت له رحمة بنت يوسف -وهي زوجته-: إنك نبي مستجاب الدعوة فاطلب من الله أن يرزقك العافية. قال لها: كم لي مريض؟ قالت: لك ثماني عشرة سنة -من يصبر منَّا ثماني عشرة دقيقة أو ثماني عشرة ساعة، أو ثماني عشر سنة؟ لم يقل: يا رب! أعطني العافية- قال: وكم لي معافى من قبل؟ قالت: ثمانون سنة. قال: إني أستحي أن أطلب من ربي العافية حتى تبلغ مدة بلائي مدة عافيتي. يقول: إذا وصلت إلى ثمانين سنة أعلميني فأقول: يا رب أعطني العافية، ونحن الآن ليس فقط نطلب العافية من الله لا بل نطلبها من غير الله. كثير من الناس من حين يأتيه المرض فإنه يذهب إلى غير الله، يذهب إلى الكاهن، وإلى الطبيب العربي، ويذهب إلى المشعوذ، ولا يصبر، ولا يتداوى بالأدوية المشروعة، وليس هناك مانع من التداوي فإن الله أمر به، ولا ينافي التوكل بل هو مشروع، ولكن الصبر طيب، وحتى وأنت تتداوى يجب أن تصبر، وتعرف أن العافية من الله، وأن هذه الأسباب لا تجلب لك العافية إلا بإذن الله تبارك وتعالى. فأيوب صبر صبراً عظيماً وقد شهد الله له بذلك، فقال: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:44] متى استحق هذه الشهادة يا إخواني؟! الله أكبر! بعد ثماني عشرة سنة، يقول بعض العلماء: إنه ما طلب العافية إلا عندما دخلت دودة من الدود التي كانت تأكل لحمه دخلت في قلبه، والثانية دخلت في لسانه؛ لأنها لم تجد فيه شيئاً، فما بقي إلا اللحم والعصب والعروق، فوجدت لحمة محروسة بالذكر وبالشكر، فتحرشت بها وقرصتها فصاح وفزع إلى الله وقال: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء:83]. قال العلماء: إن الضر الذي شكاه أيوب ليس ضر المرض، فهو فيه من ثماني عشرة سنة، ولكن ضر التعطيل عن ذكر الله وشكره، يقول: يا رب! لا أستطيع أن أعيش بغير ذكرك وشكرك، وإذا دخل عليَّ هذا البلاء في لساني تعطل لساني عن ذكرك، وتعطل قلبي عن شكرك، وهذا هو الضر، فكيف بمن يعيش مدى حياته لا يذكر الله، ولا يشكره؟! لا إله إلا الله! كيف تتحول حياة الناس حينما يبتعدون عن الله عز وجل. أيوب ابتلاه الله عز وجل في بدنه وماله وأهله حيث فقدهم فصبر، ولما صبر نجح وأخذ الشهادة الأزلية التي تتلى إلى يوم القيامة: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:44] ثم أعطاه الله عز وجل كل ما أخذ منه، قال: {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} [ص:43]. خرجت زوجته من عنده وهو في بيت خرب بعيد عن الناس لأنهم يسمونه مبتلى، ولا يقعد معهم من أجل العدوى، وكانت تفرش له الرماد ولا يوجد فرش إلا الرماد يقعد عليه؛ لأنه لا يتحمل شيئاً، فقال له الله عز وجل: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} يعني: اركض الأرض بقدمك، فانفجرت تحت قدمه عينان: واحدة مغتسل، والأخرى شراب بارد: {هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص:42]. فشرب من الأولى فأذهب الله ما به من الأدران، واغتسل من الثانية فأذهب الله ما به من الأمراض الخارجية، ثم كساه الله حلة من الجنة، وأُتي له بكرسي من ذهبٍ من الجنة، وجلس عليه كحالته يوم مرض في عز شبابه، وعندما جاءت زوجته ومعها كسرة من العيش عملت لأجلها طوال اليوم، ولما لم تجده في المكان بحثت عنه فما وجدته؟ ظنت أن الكلاب قد أكلته، فجاءت إليه وقالت: يا رجل! أسألك بالله: هل رأيت هذا المبتلى أين ذهب؟ قال: أي مبتلى؟ قالت: أيوب. قال: أنا أيوب. قالت: أتهزأ بي؟ قال: لا، وإذا به أيوب يوم عرفته. متى حصل على هذا؟ إنه بعد الصبر الطويل.

صبر يعقوب عليه السلام

صبر يعقوب عليه السلام ابتلى الله عز وجل يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم أبو يوسف، ابتلاه الله عز وجل بفقدان أولاده، فكان يبكي حتى عمي؛ لأن البكاء الذي يأتي من حرارة يعمي العين، وما جمع الله بينه وبين بنيه إلا بعد أربعين سنة، عندما قال له ولده يوسف: {يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً} [يوسف:100]. ثم سأله فقال: يا أبت لم تبك هذا البكاء؟ أما كنت تعلم أننا إذا لم نلتق في الدنيا التقينا في الجنة؟ قال: نعم إني أعلم ذلك ولكن خشيت أن تسلك طريقاً غير طريقي فلا ألقاك لا في الدنيا ولا في الآخرة. انظروا كيف كان بكاؤهم يا إخواني، ليس بكاء عاطفة -أريد ولدي من أجل أن يجلس معي- لا. بل يريد ولده لكي يربيه على الإيمان والدين ويكون مثله في الرسالات والنبوة ويجتمع به في الدنيا. يقول: لا أبكي من أجل الدنيا لكني بكيت خشية ألا تسير في الطريق الذي سرت فيه -وهو طريق الإيمان والدين- فتسلك طريقاً آخر لا ألقاك فيه لا في الدنيا ولا في الآخرة.

صبر يوسف عليه السلام

صبر يوسف عليه السلام أيضاً: صبر يوسف عليه السلام صبراً عظيماً في البئر، وصبراً عظيماً في السجن، وصبراً عظيماً عندما عرضت عليه الفتنة عن طريق امرأة العزيز، ولكن كان يقول: {مَعَاذَ اللَّهِ} [يوسف:79] صبر حتى أخرجوه من السجن، ويقول: ارجع إلى ربك -الآن السجين إذا أخرجوه لا يقول شيئاً، بل يكبر ويصيح ويخرج يريد الفرج- والله ما أخرج إلا ببراءة، اتركوني مكاني مدى الحياة، لماذا؟ {قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} [يوسف:50]. فلما سألهن، قلن: نعم حصحص الحق، والله إنها راودته عن نفسه، وما علمنا عليه من سوء، وأخذ بها شهادة وخرج عليه الصلاة والسلام، يقول عليه الصلاة والسلام: (رحم الله أخي يوسف) أي: لو كان غيره لكان خرج بدون أن يسأل؛ لأنه مكث في السجن بضع سنين ليس يوماً ولا شهراً ولا سنة، بل بضع سنين وهو جالس في السجن والمعاناة، ولكنه صابر صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر الأنبياء.

صبر إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل عليهما السلام

صبر إبراهيم الخليل وابنه إسماعيل عليهما السلام - أيضاً: صبر إبراهيم عليه السلام وهو يعاني من التكذيب والرد والرفض والضرب والإبعاد والإخراج والإحراق عن طريق الكيد الكبير: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ} [الأنبياء:68]. وبدلاً من أن يحرقوه بحزمة من الحطب أو بعود كبريت وينتهي ويموت، لا. جمعوا من الحطب مثل الجبال الرواسي، وقالوا للنساء: أي امرأة لا تشارك في حمل الحطب عليه سوف ينقطع نسلها ولن يأتي لها أولاد، فجاء النساء والرجال يحملون الحطب مثل الجبال، ثم أشعلوا النيران، ولما أشعلوها كانت تشوي الطير في كبد السماء من شدة الحرارة، ولما أرادوا أن يحرقوه عجزوا أين يضعونه، فهم لا يستطيعون أن يقربوا من النار؛ لأن وهجها ولهيبها يطردهم على مسافة الأمتار البعيدة، وهم لا يريدون أن يضعوا له طريق في طرف النار وإنما يريدونه في وسط النار. {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ} [الأنبياء:68] فماذا صنعوا؟ اخترعوا المنجنيق وأتوا به ثم كتفوه وربطوه ثم قذفوه بالمنجنيق وضربوا به وسط النار، وهو صابر يقول: {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران:173] هذه الكلمة قالها إبراهيم وهو يلقى في النار، وقالها النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعذب ويسجن في شعب أبي طالب، قال الله: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174]. فإبراهيم عليه السلام صبر، ثم بعد ذلك صبر على أمر الله أن يخرج سراً بزوجته هاجر وابنه إسماعيل ابن ليس كالأبناء، جاءه على كبر، ثم من خيرة الرجال، وجعل يسافر به من بيت المقدس إلى أن يضعه في مكة المكرمة ويتركه لوحده، من يصبر على هذا؟ صعب جداً أن يترك الإنسان ولده في وادٍ غير ذي زرع، ويقول بعدها: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37]. ولما ولى بدأت عواطف المرأة تضغط عليه وتقول: يا إبراهيم! أفي مثل هذا الوضع تتركنا؟ لمن تتركنا يا إبراهيم؟ وهو يسكت لا يرد عليها بكلمة خشية أن يعتذر لها أو يبرر لها موقفه، وينفذ أمر الله وهو ساكت، بدون أي مراجعة، فعرفت أن هناك سراً وقالت له: آلله أمرك بهذا؟ أي: تركتنا هنا بأمر الله؟ قال: نعم، قالت: إذاً لا يضيعنا. وفعلاً لم يضيعهم ربي، رغم أنه تركهم في (وادٍ غير ذي زرع)، حجارة صلداء، الموت الأحمر يشب منها، لا يوجد ماء ولا مرعى ولا أكل، حتى الطير لا يوجد في السماء. وعندما انتهى الماء الذي في الدلو الذي معها -الذي فيه الماء- وبدأ الولد يتلهب عطشاً وانفجر قلبه من العطش، وبكى وصاح، فقامت تبحث ولم تقطع الأمل في الله، تصعد إلى المروة ثم تنزل إلى الصفا، وإذا نزلت بطن الوادي أسرعت وهرولت ثم تعود، وتطلع وتنزل، وتدعو الله، وإذا بها ترى الولد والماء من بين يديه ينبع ويمشي فتزمه وترده. يقول عليه الصلاة والسلام: (رحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم لكانت عيناً معيناً) لكانت نهراً يجري ويغرق الدنيا كلها، لكنها زمتها وبقيت، وهاهي الآن تروي الملايين من البشر ولا ينقص فيها (سنتيمتراً) واحداً بأمر الله، من أين أتت؟ وأين البحار التي تنبع منها؟ من وسط الجبال الصلد، لا إله إلا الله! فهذا صبر إبراهيم. ثم صبر إبراهيم على ذبح ولده، حيث جاءته الرؤيا -ورؤيا الأنبياء وحي- أن يذبح ولده، والولد لا يُذبح، لكنه كان يحبه، يقول ابن القيم: إن إبراهيم كان يُحب إسماعيل حباً عميقاً لطاعته، ولمشاركته له في بناء الكعبة، ولبره، ولنبوته، ولرجولته وفتوته. حتى أنه أمره أن يطلق امرأته فما قال: لا. والله ما أقدر على أن أطلقها، والنساء غاليات وأنت لا عقل عندك، لا. بل مباشرة، وبكلمة واحدة، جاء يزورهم من بيت المقدس ولما دخل عليهم ودق الباب، أجابت المرأة، فقال: كيف أنتم؟ -وكانوا في أحسن حال- قالت: في شر حال -لأن بعض النساء حتى ولو كنت في أحسن حال، تجعل حسن الحال شر حال؛ لأن قلبها شرير والعياذ بالله- قال: إذا جاء زوجك، فقولي له: أتى شيخ إلى هنا وقال: غيِّر عتبة دارك. المرأة يعبر عنها بعتبة الدار؛ لأنها أول ما تنظر إذا دخلت البيت، وفي عتبة الباب تبدأ المرأة تدعو عليك وتنكبك على رأسك، وإذا كانت العتبة سهلة فكل يوم تستقبلك وتفتح قلبك وتبش في وجهك، وتجعل حياتك كلها أنس، ولهذا فالمرأة عتبة؛ إما عتبةً سيئةً أو عتبةً حسنةً، قال: غيِّر العتبة -هذه العتبة ليست حسنة- فلما عاد من الصيد، قالت: جاء شيخ يقول: غيِّر عتبة الدار، فقال: اذهبي إلى أهلك، فطردها بدون مراجعة. وبقي فترة، ثم تزوج بأخرى، وكانوا في وقت شدة وجوع وقحط وليس عندهم شيء؛ لكن هذه المرأة صاحبة دين وخير، فجاء إبراهيم فقال: أين زوجك؟ قالت: في الصيد. قال: كيف حالكم؟ قالت: في أحسن حال. انظر إلى بعض الزوجات عندما تدخل عليها وليس عندها في البيت شيء، ولكن عندها إيمان، ومعك ضيف فتدخل وتقول: عندكم عشاء؟ تقول: نعم. كل خير موجود، وهي ليس عندها شيء، ولكن تريد أن تفتح قلبك، هذه الكلمة كأنها عشّت الضيف، وبعد ما تقول لك: نعم أبشرك، فكل شيء جيد، ثم تدعوك بعد وقت، وتقول: ما رأيك أن تأتي لنا بخبز ولبن وهكذا عن طريق المشاورة، فأنت رأساً تقول: نعم. نأتي بكذا وكذا؛ لأنها قد فتحت قلبك، لكن بعض النساء قد تجد بيتها مليئاً بالخيرات، وإذا دخل زوجها بضيف واحد فقط، قالت: لماذا تأتي به؟ تريده أن يأكل عشانا، تريد أن تظهر أمام الناس، اذهب وأحضر أكلاً، والله لا يذوق عندنا لقمة، أعوذ بالله من بعض النساء! ما هذه الأخلاق؟! فهذه المرأة الصالحة، قالت له: نعم نحن في أحسن حال، فقال لها: قولي لزوجك أن يثبت عتبة داره؛ أي: لا يترك هذه المرأة. ولما بلغ معه السعي وأصبح رجلاً: {قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات:102] يقول المفسرون: إن إبراهيم لم يخير إسماعيل -يعني: لم يقل له: ما رأيك نذبحك أم لا؟ - لا. لم يقل: انظر ما هو رأيك؟ وإنما قال: {فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات:102] أي: كيف ننفذ أمر الله، تريد أن أذبحك وأنت قائم، أو أذبحك وأنت جالس، أو أذبحك وأنت على جنبك، أو أذبحك وأنت على بطنك؟ وتريد أن أذبحك بالسكين، أو أذبحك بالرمح؟ أي وسيلة المهم ماذا ترى في تنفيذ أمر الله؟ لكنه ليس رأياً: تنفذ أم لا، فقال إسماعيل عليه الصلاة والسلام: {قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات:102] لا إله إلا الله! ما أعظم هذا الموقف أيها الإخوة! الولد يستسلم، والأب يستسلم، ويخضعون لأمر الله، وقد كان هذا رؤيا لكن قوة الإيمان: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات:103] تله للجبين: أي وضعه على الأرض وأهوى على حلقه بالسكين من طريق جبينه، فنظر إلى عينيه والعينين تنظر إلى الولد، والولد ينظر إلى السكين، وكلاهما مستسلمان لله، فتعبر الرحمة الموجودة في قلبه بولده، أن السكين لا تذبح، ولا تقطع؛ لأن الله عز وجل سلبها القدرة، لأن الذي أعطاها القدرة سلبها القدرة، والذي أعطى النار القدرة سلبها القدرة. فهو يخلق ما يشاء ويختار، فيذبح بالسكين فلا تقطع، فيقول الولد لأبيه: كبني على وجهي لكي لا تنظر إلى حتى تنفذ أمر ربي عز وجل، وبينما هو في هذا الوضع وإذا بالفرج يأتي من الله عز وجل قال: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات:104 - 107] هذا صبر الأنبياء وهم أفضل خلق الله، وكذلك غيرهم من الصالحين، والله يقول: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف:35] في ميادين الابتلاءات العادية.

من ميادين الصبر: الصبر عن شهوات النفس

من ميادين الصبر: الصبر عن شهوات النفس النفس حبب إليها الشهوات، قال الله: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} [آل عمران:14] كل هذه النعم الناس يحبونها مزينة، لكن فيها حلال وفيها حرام: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} [آل عمران:14]. يوجد في النساء حلال وهن الزوجات، ويوجد في النساء حرام وهن الباغيات والزانيات، ويوجد بنون تحبهم لأنهم يعينوك على طاعة الله، ويوجد بنون يجب أن تبغضهم لأنهم يصرفونك عن طاعة الله، ولا يسيرون معك في خط الله عز وجل. كذلك المال: يوجد من المال الحلال ويوجد من المال الحرام، فالحلال يحبه الله، والحرام يبغضه الله، فعليك في ميادين الصبر أن تصبر عن شهوات النفس إذا أخذت الدنيا زخرفها، وأقبلت وتزينت، وظننت أنك قادرٌ عليها، فاحذر من أن تقدر على شيء حرمه الله، فقد تسقط في هذا الميدان، لأنه شهوة، والشهوة تحبها النفس، والشهوة منزلق تنزلق فيه النفس، ولا مصير إلا النار، والله يقول: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء:35] ويقول عز وجل: {وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه:131]. ثم لا بد أن تعرف أيها القانع بما رزقك الله أن الله عز وجل لا يعطي المال لأصحاب المال، ولا المناصب لأصحاب المناصب، بناءً على حبه لهم، فقد يعطيهم وهو يبغضهم، يقول الله: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون:55 - 56]. والله يبتلي بالمال كما يبتلي بالفقر، والمال يعطيه الله من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من يحب، فلا تحزن إذا لم يعطك الله مالاً، ولا تحزن إذا لم يعطك الله منصباً ولا سؤدداً، وعليك أن ترضى بما قسم الله لك، وأن تعرف أن هذه قسمة الله تبارك وتعالى. قارون عندما خرج على قومه في زينته {قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص:79] فقال أهل الإيمان والعلم بالله في الدنيا والآخرة قالوا: (ويلكم) دعوا عليهم بالويل، وقالوا: {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص:80]. فخسف الله بقارون وقومه فهو يتجلجل في بطن الأرض إلى يوم القيامة. والذين قالوا: {يَا لَيْتَ لَنَا} [القصص:79] قالوا: {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:82 - 83].

من ميادين الصبر: الصبر بعد العمل

من ميادين الصبر: الصبر بعد العمل عليك بعد أن تعمل عملاً أن تصبر ولا تنظر لنفسك بعين العجب والرياء والاستكبار، وتتظاهر بأنك عملت وأنك صنعت، فتأتيك السمعة، لأنه جاء عنه صلى الله عليه وسلم أن (من راءى راءى الله به، ومن سمّع سمّع الله به). وبالتالي يحبط عملك، ويبطل أجرك، وتخسر دنياك وآخرتك، ولم تربح شيئاً، بل عليك بعد العمل أن تكون أضعف منك حالاً قبل العمل، ولهذا شرع الله لنا الاستغفار بعد الصلاة، وشرع لنا الاستغفار في قيام الليل: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17 - 18]. وشرع لنا الاستغفار بعد يوم عرفات، قال عز وجل: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:199] إذا أفضت من عرفات وقد غفر الله ذنبك فعليك أن تستغفر الله، لماذا؟ لكي لا يأتي عجب، وتقول: أنا الآن غفر الله ذنبي فأنا لم يبق عليَّ شيء، سأعمل ما أعمل، لا، قد لا يغفر الله ذنبك، فعليك أن تستشعر باستمرار صبرك على العمل وطلب القبول من الله عز وجل حتى لا يحبط عملك.

من ميادين الصبر: الصبر في الدعوة إلى الله

من ميادين الصبر: الصبر في الدعوة إلى الله إن الدعوة إلى الله وظيفة الأنبياء، وهي ظيفة المسلم في هذه الحياة، ولا يختص بها نفر دون نفر، ولا يتصور أحد أن الدعوة هي وظيفة من يخطب، أو يقول الكلام الطيب للناس، لا. هي وظيفة كل مسلم، الذي يجب أن يكون داعية. وتتفاوت مراتب الناس ودرجاتهم بحسب إمكانياتهم وقدراتهم، ولكن لا بد أن يكون داعية؛ لأن الله يقول: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108] لا بد من كل من اتبع الرسول أن يكون داعية إلى الله عز وجل، والذي يدعو الناس إلى الله فإنه يتعرض لآلام ومتاعب، لماذا؟ لأن الداعية يطلب من الناس أن يطلقوا ويتركوا أهواءهم، وينتصروا على شهواتهم وأن يقفوا عند حدود الله أمراً ونهياً، وأكثر الناس لا يحب هذا النمط، ولا يحب القيود، بل يحب أن يكون طليقاً كالدابة أو الحيوان، يأكل ويمشي ويبقى على لذته، وبالتالي يتخذ من الدعوة والدعاة موقفاً مغايراً وعداءً مستحكماً، هذه سنة الله في خلقه منذ أول نبي إلى يوم القيامة. إن الذي يأمر الناس وينهاهم لا يستجيب له الناس كلهم، فمن هنا كان لا بد من الصبر واليقين على هذه البلايا والمصائب. يقول الله عز وجل حكاية عن لقمان وهو يعظ ابنه: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان:17]. وهذا الداعي أيضاً مأمور بصبر خاص، صبر حينما يعرض الناس عن دعوته؛ لأن من الناس من يتصدى لدعوة الآخرين، ثم لا يجد قبولاً، وهذا امتحان من الله واختبار له، هل يثبت ويستمر، أم يقل: والله لا يوجد أحد أطاعني؛ إذاً انتهى كل شيء؟ لا. اصبر، أنت عليك أن تدعو إلى الله، وتجلب بضاعة سماوية إن اشترى الناس منك فالحمد لله، فاجلب البضاعة والتوفيق بيد الله تبارك وتعالى، ولا شيء أثقل على النفس من إعراض أهل الباطل عن الحق، هذا صعب جداً، حتى إن نوحاً قال لربه: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً} [نوح:5 - 7] ثم عدد ونوع أشكال الدعوة: دعاهم سراً، ودعاهم جهاراً، ودعاهم جماعة ودعاهم نفراً، بكل أسلوب، ثم بعد ذلك رفضوا دعوته، فقال: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً} [نوح:26]. والنبي صلى الله عليه وسلم أيضاً كان يتألم لرفض دعوته فيقول: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ} [فصلت:3 - 5] ولكن قال الله: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:127 - 128].

من ميادين الصبر: الصبر على الزوجة والأولاد

من ميادين الصبر: الصبر على الزوجة والأولاد هناك ميادين الصبر في البيت، ولا بد من الصبر، وإذا لم تصبر وتعالج أمورك بالحكمة والصبر فشلت، وإذا فشلت فلن تجد امرأة كاملة، من أراد كمالاً في المرأة فذلك في الجنة، والمرأة خلقت من ضلعٍ أعوج، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فاستمتعوا بهن على عوجهن، فإذا وجدت عوجاً في المرأة فعليك أن تصبر، وتعالج الأمور بالحكمة وبالتي هي أحسن، إلا عوجين لا صبر لك عليهما؛ عوجاً في الدين: كأن تكون لا تصلي، أو كافرة، أو قليلة دين. أو عوجاً في العرض: كأن تكون خائنة لعرضك، هذان العوجان لا صبر عليهما، وإنما الصبر في غيرها، كأن لا تجد طعاماً مطهياً، ولا ثوباً مغسولاً، ولا ولداً نظيفاً، ولا بيتاً مرتباً، أو لم تجد عبارة حلوة، أو لم تجد فراشاً طيباً، وإنما وجدت مشاكل، فاصبر فإنك إن لم تصبر تعبت. وكذلك أولادك عليك أن تصبر عليهم؛ لأن الله يقول: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [الأنفال:28].

من ميادين الصبر: الصبر على الإخوان في الله

من ميادين الصبر: الصبر على الإخوان في الله الأخوة في الله رابطة من أعظم الروابط الإيمانية، أن تحب في الله وتبغض في الله، ولكن الإنسان من طبيعته النقص والنسيان والغفلة فلا يوجد أحد كامل، ولذلك قد يصدر من بعض إخوانك فعلٌ يؤذيك، فعليك ألا تقابل هذا الفعل بشر، وإنما عليك أن تقابله بتحمل، وباحتمالٍ طيب، وأن تحمله محملاً حسناً، وأن تغض الطرف عنه، لأنك إذا أخذت إخوانك على هذا المنوال، فكلما أخطأ عليك أخطأت عليه، وكلما أخطأ عليك غضبت عليه وقاطعته، لن تجد في يوم من الأيام معك أحداً، ستبقى وحيداً في الحياة لا تجد من يخاللك؛ لأن الناس كلهم فيهم نقص، ولكن اصبر والله عز وجل يأمر بهذا ويقول: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:34 - 35]. فطوبى لمن ألجم نفسه بلجام الحلم، وكبح جماحها، وصبر على الإخوان، وحرص على دفع شرورهم وأذاهم عن طريق الصبر والرحمة والسلوك الجميل، وبهذا يحقق له كثرة من الإخوان، ويحقق له محبة في قلوب الناس أجمعين.

من ميادين الصبر: الصبر في طلب العلم

من ميادين الصبر: الصبر في طلب العلم يشكو كثير من إخواننا ويقولون: لنا الآن سنوات ماذا نعمل؟ لم نتعلم شيئاً، ولم نتلق علماً؟! لا. اصبر قد تظل سنوات.

صبر ابن حجر في طلب العلم

صبر ابن حجر في طلب العلم جلس ابن حجر خمس سنوات وهو ملازم للمشايخ لم يتعلم حرفاً واحداً، وجاء إلى شيخه يوماً فقال له: أتدري؟ قال: نعم. قال: هذا حبل وهذه عصا، اذهب واحتطب أو ارعَ لك غنماً، أما العلم فليس لك، أنت في تطلب العلم منذ خمس سنوات وما تعلمت شيئاً. فذهب ابن حجر ولما مر في طريقه على بئر والناس يتعبون في إخراج الماء، لاحظ أن الحبال قد قطعت الحجر، فتعجب وقال: الحبل يقطع الحجر! الحبل الذي من القطن يقطع الحجر الصلب؟! فقالوا: على الدوام يقطع الحبل الحجر، قال: وعلى الدوام يقطع العلم ابن حجر، وقطعه رضي الله عنه وأرضاه، وأصبح الإمام الحافظ، صاحب فتح الباري، الذي قال فيه العلماء: لا هجرة بعد الفتح. يعني: في طلب العلم، من عنده فتح الباري كأن في بيته نبي، فالعلم كله مجموع في فتح الباري، لأنه شرح صحيح البخاري، وأتى بالعلم كله من أوله إلى آخره، من أين أتى بهذا؟ بالمداومة والمرابطة، فلا بد من الصبر عند طلب العلم.

صبر موسى عليه السلام في طلب العلم

صبر موسى عليه السلام في طلب العلم - وفي قصة موسى عليه السلام عظة وحكمة، فقد وقف موسى خطيباً في بني إسرائيل وقال: ما على وجه الأرض أعلم مني، فأوحى الله إليه وقال: لا. يوجد في الأرض أعلم منك، وكان قد نسي أن يقول: إلا الله، فدله الله على عالم في أقصى الأرض، في طنجة في مجمع البحرين، في ملتقى البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الأطلسي، في مضيق جبل طارق، الذي بين أسبانيا والمغرب، وقد كان موسى يعيش في أطراف مصر بالقرب من فلسطين، فانظر كيف قطع هذه المسافة عبر مصر ثم ليبيا ثم تونس ثم الجزائر ثم المغرب. رحلة طويلة، فأخبره الله، وشد رحله وأخذ صاحبه وفتاه وخرج. وقال: يا رب! كيف أعرف هذا الرجل؟ أريد علامة، قال: معك هذا الحوت الميت المحنط المملح إذا عادت الروح إلى هذا الحوت فانظر الرجل هناك. ثم مشى حتى وصلا إليه، ولما وجده {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً} [الكهف:66] قال له: أريد أن أمشي معك فعلمني، قال: {إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف:67] العلم يتطلب صبراً، وأنت رجل تريد العلم في يوم وتعود، ليس عندك صبر فلا تصلح، قال: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً} [الكهف:69] انظروا أدب طالب العلم، إني إن شاء الله صابراً، وبعض الناس يريد طلب العلم في ليلة، قال: حضرنا ندوتين وثلاث، وما وجدنا إلا كلام. إن العلم يريد منك أن تعطه كلك ويأتيك بعضه. : {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:85]. ومن قال: إنه قد علم فقد جهل، فقال له: {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ} [الكهف:70] كن مؤدباً، طالب العلم لا يسأل، إلا إذا قلت لك وعلمتك فاسأل: {حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً} [الكهف:70] فمشوا وركبوا في السفينة، ولما ركبوا قام الرجل وأخذ المخراق والمطرقة وقام يخرق السفينة ويدق فيها، يريد موسى أن يسكت وهو نبي، والنبي بعث للإصلاح وليس للإفساد. ونظر أن هذا إفساد وتخريب للسفينة، والسفينة هذه لمساكين وليس معهم إلا هي، وكيف تخربها ونحن ساكتون ونغرق وتغرق، فقال له موسى: {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً} [الكهف:71] ولم يصبر: {قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف:72] ألم أقل لك: لا تسأل؟! {قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً} [الكهف:73] يقول له: اعذرني فقد نسيت. {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً} [الكهف:74] دخلوا في قرية ووجدوا الأطفال يلعبون، فأمسك بواحدٍ من الأطفال، أخذ برأسه فذبحه وفصل رأسه عن جسده، فغضب موسى. فقال: ما هذا الرجل الذي عنده علم وهو يذبح الناس؟! {أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً} [الكهف:74] هناك قال: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً} [الكهف:71] وهنا قال: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً} [الكهف:74] يعني: هذا منكر ولا نصبر عليه، قال له: {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} [الكهف:75] هناك قال: {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ} [الكهف:72] وهنا قال: {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ * قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي} [الكهف:75 - 76]. قال: أعطني فقط فرصة أخيرة، ودائماً العالم من شأنه ألا يغضب على طالبه من أول مرة ويطرده، انظر أعطاه المرة الأولى والثانية والثالثة، وبعد الثالثة لم يقبله أبداً، قال له: امض، {فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا} [الكهف:77] وكان أهلها بخلاء، فلم يعطوهم شيئاً ولم يضيوفهم، وإذا بجدار سيسقط، فبنى الخضر الجدار، فتعجب موسى وقال: عجيب أمرك، هؤلاء لا يضيفوننا وأنت تبني جدراهم، على الأقل خذ عطية على هذا: {لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً * قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً * أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} [الكهف:77 - 79] فيقول: أنا خرقتها لا لأغرقها ولكن خرقتها لتنجو، ولئلا يأخذها الملك الذي كان يأخذ كل سفينة غصباً، فالخرق هنا فيه مصلحة، ولكن هذه المصلحة يعرفها الخضر ولا يعرفها موسى، رغم أن موسى نبي، لكن عند الخضر علم ليس عند موسى. قال: {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ} [الكهف:80] وقد علم الله من هذا الولد أنه ضال وفاجر، وسوف يرهقهما طغياناً وكفراً: {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً} [الكهف:81] يقول: نقتله حتى لا يكون سبباً في كفر والديه. قال: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} [الكهف:82]. يقول عليه الصلاة والسلام: (رحم الله أخي موسى لو صبر لقص علينا الله من خبرهما ما شاء) يقول: لو صبر لأراه الله من الخضر الشيء العظيم، لكن لم يصبر واستعجل، وقال: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} [الكهف:78] ثم لما أراد موسى أن يرجع دعاه -والحديث في البخاري - الخضر فقال: يا موسى! قال: نعم، وقد نظر إلى المحيط الأطلسي وفيه طائر من عصافير البحر يقف على طرف البحر، يركز منقاره في الماء ثم يأخذ له قطرة ثم يرفع رأسه لكي تنزل هذه القطرة قال: أترى هذا العصفور ينقص من البحر؟ قال: لا، قال: والله ما علمي وعلمك وعلم الناس أجمعين بالنسبة لعلم الله إلا كما ينقص هذا العصفور من هذا البحر. والله يقول: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} [لقمان:27]، قال تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي} [الكهف:109] لو أنه مداد أي: حبر بكلمات الله لانتهى البحر ولم ينته ما عند الله عز وجل: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96]. وفي هذه القصة أحكام وفقه نذكره: - أولاً: على طالب العلم أن يتواضع، فلا يرفع رأسه ويقول: أنا عندي شهادة، وعندي (ماجستير)، وعندي (دكتوراة)، والناس يسمعون كلامي، وأنا عالم، وصاحب مركز، لا. عليك أن تتواضع وإلا سقطت من عين الله عز وجل، وإذا سقطت من عين الله سقطت من كل عين؛ لأن قلوب العباد بيد الله، هذا موسى قال: ليس في الأرض أعلم مني. ونسي أن يقول: إلا الله، فأراه الله أن في الأرض من هو أعلم منه. - ثانياً: على طالب العلم أن يصبر ويصابر ويتأدب، ولا يتعجل على استعجال العلوم من العالم. - ثالثاً: يجب أن يلتزم العقد الذي شرط عليه الشيخ، فإذا كان الشيخ قد قال له: لا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً، إذا قال لك الشيخ: لا تأتي إلا بعد العصر، لا تأتني إلا بعد المغرب، لا تظل تنازعه، تقول: لا والله بعد المغرب عندي عمل، اذهب إلى عملك ما عليَّ منك، أنا أعطيك؛ لأن العالم إذا أعطيته قلبك أعطاك علمه، وإذا أعطيته صلفاً، طردك، فيجب أن تكون متأدباً بكمال الأدب مع العالم. وكذلك يجب على العالم أن يراعي ضعف تلميذه، وألا يغضب عليه وألا يرده، بل عليه أن يتحمله حتى لا يأخذه بأول غلطة.

أمور تعين على الصبر

أمور تعين على الصبر هناك أمور تعينك على الصبر لا بد أن يعرف كل عاقل أن الصبر مأخوذٌ من الصَبِرِ وأنه مر المذاق، ليس من العسل، ولا بد لهذه المرارة من معاناة، أنت تصبر على مرارة الدواء، وتصبر على وخز الإبرة، وتصبر على ألم العملية طمعاً في العافية والثواب، وهناك أمور تعينك على الصبر: - أولاً: معرفة طبيعة هذه الدنيا، أنها دار بلاء ومصائب، ليست دار جزاء، وليس فيها نعيم، بل جبلت كلها على كدر: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4] في معاناة وتعب، فإذا أرادت أن تكون على غير ما أرادها الله، لا تستطيع. أنت لست الذي خلقها، الله الذي خلقها، فوطن نفسك على أن تعتبرها دار بلاء ومصائب، فكلما أتت مصيبة وأنت مستعد لها وإذا بها خفيفة، لكن إذا لم توطن نفسك على المصائب، تأتيك المصائب فتتعبك، يقول: إن لله عباداً فطناً طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا نظروا فيها فلما علموا أنها ليست لحي وطنا جعلوها لجة واتخذوا صالح الأعمال فيها سفنا والله يقول: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4]. ويقول الناظم الرندي رحمه الله: لكل شيءٍ إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان هي الحياة كما شاهدتها دول من سره زمن ساءته أزمان ليعلم العبد أنه يتقلب بين النعيم والعذاب، وبين المصائب والمنح، وبين الفتن والعطايا، وبين النعم والبلايا، فإذا أتت البلية فاصبر لها، وإذا أتت المنحة والهدية فاحمد الله واشكره عليها. - ثانياً: مما يعينك على الصبر أن توقن بالجزاء على المصيبة: لأن الله عز وجل يجزي كل إنسان بعمله إلا الصابر فيجزيه بغير حساب، قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10] وقال عز وجل: {وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:96]. فيوم أن تشعر أنَّ على هذه المصيبة ثواباً تفرح، وتقول: الحمد لله، وهذا مما يعينك على الصبر. ثالثاً: معرفة نفسك: اعرف نفسك أيها الإنسان! والمال الذي يذهب هو مال الله، والولد الذي جاءك ومات من الله عز وجل، وأنت نفسك إذا مت ومرضت أنت نفسك من الله، فما دام كل شيء من الله فهو ملكه يتصرف فيه كيف يشاء؛ فلماذا الغضب؟ وفي هذا حديث في البخاري ومسلم وهو حديث أم سليم زوجة أبي طلحة رضي الله عنها، وهذه زوجة عظيمة مثالية ما أظن في الدنيا مثلها في مثل هذا الموقف، الله أكبر! مات ولده ولما مات قالت لأهل البيت: اسكتوا ولا تخبروه، أنا سوف أخبره، فلما دخل قربت له العشاء، وأكل وشرب، ثم تصنعت له وتجملت وتعطرت، ثم جاءت إليه، فقال لها: ما صنع الغلام؟ قالت: هو أهدأ ما يكون، أي: مستريح وهي صادقة لأنه قد مات في أهدأ ما يكون، ثم لا زالت به حتى أتاها وواقعها، فلما رأت أنه قد شبع واستراح معها، قالت له: يا أبا طلحة -انظروا كيف العقلية يا إخواني، هذه ليس عندها (ماجستير) ولا (دكتوراه)؟!! انظروا كيف يجعل الإيمان من هذه النماذج قمماً في الحياة- قالت: يا أبا طلحة! أرأيت لو أن قوماً أعارونا عارية -ماعوناً أو أي شيء- ثم طلبوها -طلبوا عاريتهم- ألنا أن نمنعهم؟ -إذا أعطونا دلواً، أو فأساً، أو سيارة، وقضينا بها حاجتنا والآن طلبوها، أيجوز لنا أن نمنعهم؟ قال: لا. قالت: فاحتسب ابنك عند الله فإنه عارية الله طلبها. وما المال والأهلون إلا ودائع ولا بد يوماً أن ترد الودائع فغضب أبو طلحة رضي الله عنه غضباً على هذا الموقف، وقال لها: تركتيني حتى تلطخت -أي: لم تخبريني إلا بعدما عملت، أعلمتني بولدي- ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان فقال عليه الصلاة: (بارك الله لكما في ليلتكما) فحملت تلك الليلة، ووضعت ولداً، حنكه النبي صلى الله عليه وسلم بيده بالتمر، وسماه عبد الله، الذي رزق تسعة من الولد كلهم حفظوا القرآن بأسباب المرأة الصالحة، التي عرفت أن هذا الولد من الله عوضها الله في الدنيا والآخرة. لكن لو أنها صاحت ووجلت مثل النساء وبكت ماذا سيصير؟ هل سوف يحيا ولدها؟ لا. ستخسر ولدها وتخسر ثواب الله عز وجل، فلا بد من أن نستعين بمعرفة أنفسنا، وأننا لله الذي لا إله إلا هو. أيضاً نستعين بالله على المصاب، إذا جاءتك مصيبة في ولدك أو زوجتك أو سيارتك أو في أي شيء، قل: إنا لله وإنا إليه راجعون، استعنا بالله، فالله يقول: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:45] والله يقول: {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا} [الأعراف:128] فلا بد أن تصبر. وأيضاً أن تتأسى بأهل العزائم، وأهل الصبر الذين صبروا مثل الأنبياء والرسل؛ لأن الله يقول: {وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ} [هود:120] ويقول: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد:23]. - أيضاً مما يعينك على الصبر على المصيبة: أن تعلم أنه مهما كانت فإن هناك أعظم منها، لا يوجد مصيبة في الدنيا إلا ويوجد أكبر منها، وإن الله اختار لك هذه المصيبة، وأنه يوجد أعظم منها، وأن الله عز وجل يثيبك عليها، واعلم أن أعظم مصيبة وقعت بك هي مصيبتك في محمدٍ صلى الله عليه وسلم. اصبر لكل مصيبة وتجلد واعلم بأن المرء غير مخلد وإذا دهتك مصيبة فاصبر لها واذكر مصابك في النبي محمد هل هناك أعظم على المسلم من مصيبته في رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لا والله.

أمور تحدث عند الحزن لا تنافي الصبر

أمور تحدث عند الحزن لا تنافي الصبر هناك أمور يعملها الواحد منا ولا تنافي الصبر، وهي: بكاء العين وحزن القلب، فإن الإنسان بشر وليس بحجر، فإذا مات ولدك أو ماتت زوجتك، ودمعت عينك أو حزن قلبك، فهذا مباح؛ لأنه من طبيعة البشر، والنبي صلى الله عليه وسلم لما مات ولده إبراهيم، ذرفت عيناه صلى الله عليه وسلم وقال: (إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون). فقال عبد الرحمن لما رآه: وأنت يا رسول الله؟! أنت تبكي يا رسول الله وأنت تنهانا عن البكاء، قال: (يا ابن عوف! إنها رحمة لا بد أن تكون في قلب الإنسان) والذي لا يبكي بكاء الرحمة فقلبه قاسٍ، والقلب القاسي بعيدٌ عن الله عز وجل. فلا ينافي الصبر إذا دمعت عينك؛ لكن لا تدمع عينك مع رفع صوت، ولا مع ندب، ولا مع شق جيب، ولا مع نتف شعر، أو اعتراض أو شيء من السخط، إنما تدمع عينك ويحزن قلبك وتشكو أمرك إلى الله عز وجل. وأيضاً هناك شيء لا ينافي الصبر وهو الشكوى، لكن إلى الله: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف:86]. حسبنا الله ونعم الوكيل، إذا قلتها فرج الله همك، اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، اشك إلى الله؛ لأن الله بيده الأمور، بيده الخفض والرفعة، بيده المنع والإعطاء، فكل شيءٍ عنده، فاشك إليه. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقنا وإياكم الصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله أعلم.

صحة الإنسان في شريعة الرحمن

صحة الإنسان في شريعة الرحمن من خصائص هذا الدين العظيم: الشمول والتكامل والإحاطة بجميع جوانب الحياة، ومن ذلك أنه اهتم بالإنسان المسلم وصحته، حتى أصبح ذلك مظهراً من مظاهر إعجاز هذا الدين العظيم. والمتأمل في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام يلاحظ أن الشارع أمر بأمرين هما أساس الصحة وطلب العافية: الأول: الوقاية وطرق العمل بها. فالوقاية -كما يقال- خير من العلاج. والثاني: العلاج والتداوي، فقد أوجب الإسلام ذلك وحث عليه، والنصوص مليئة بذكر ذلك للمتأمل والمتدبر.

علاقة الصحة بدين الإسلام

علاقة الصحة بدين الإسلام الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن موضوع درس هذه الليلة سيكون عن الصحة في الإسلام، وقد تتعجبون من اختياري لهذا الموضوع، ولكن إذا علمتم أن الصحة واهتمام الإسلام بها وتركيزه عليها يعتبر مظهراً من مظاهر إعجاز النبي صلى الله عليه وسلم، ودليلاً من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام؛ لزال العجب، إذ قد يقول قائل: ما علاقة الصحة بدراسة العقيدة والتوحيد؟ فنقول: إن العلاقة قوية، والصلة شديدة، إذ أنك إذا علمت هذه الأمور التي هي أعظم مما قد تصل إليه عقول البشر عبر سنيها وتجاربها الطويلة، وقد سبق إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع الجوانب الصحية، الوقائية منها والعلاجية، فإنك بهذا تدرك أن هذا الرسول صلى الله عليه وسلم مرسل من عند الله، فتترسخ عقيدتك، ويزداد إيمانك، ويقوى يقينك، وتخضع لشريعة مولاك بعد أن علمت أنه صلوات الله وسلامه عليه لا ينطق عن الهوى. ومن خصائص هذا الدين العظيم الذي ارتضاه الله للعالمين: الشمول والتكامل والإحاطة بجميع جوانب الحياة، عقيدةً وعبادةً، وسلوكاً ومعاملةً وأخلاقاً، وهذه دلالة واضحةٌ على أنه من عند الله عز وجل، وتؤكد لنا هذا تأكيداً جازماً، فيزداد المسلم إيماناً ويقيناً، ويعيش على نورٍ من الله وبرهان، فينال السعادة في الدنيا والفوز والفلاح في الدار الآخرة. والمتأمل لكتاب الله، والمطلع على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمتابع لسيرة أصحابه وحياتهم رضي الله عنهم وأرضاهم، والمتابع لحياته صلوات الله وسلامه عليه في مسجده وبيته، وفي جهاده وسلمه، وفي حله وترحاله، يجد أن للصحة مساحةً واسعةً وقدراً كبيراً من الاهتمام. كيف لا! وهي تتعلق بالإنسان الذي هو المستخلف على هذه الأرض، ويجد ويلمس ما يبعث على الدهشة، ويثير العجب، ويشعر بأنه أمام إعجازٍ باهرٍ يؤكد أن هذا الدين من عند الله، وأن هذا النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا فكيف يمكن لرجل أمي لا يقرأ ولا يكتب، يعيش في مجتمعٍ أولي لا توجد به جامعات ولا مراكز بحث علمي؛ كيف يمكن لهذا أن يضع الأسس العامة للصحة الوقائية والعلاجية التي يعجز عنها أمهر الباحثين والخبراء، وكبار الأساتذة والأطباء، رغم تقدم الوسائل وكثرة الإمكانيات، ووجود المجاهر والمختبرات ومزارع الميكروبات وأجهزة الكمبيوتر إلى هذا الوقت، فبالرغم مما استطاع الإنسان أن يصل إليه من هذه الإمكانيات، إلا أنه عاجز أن يصل إلى ما وصل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فتُثبِت هذه الأمور عندنا، وتقيم لدينا أدلةً واضحة ساطعة كالشمس في رابعة النهار على أنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلى وحي يوحى. وسوف نقضي هذا الوقت الضيق والقصير مع الإعجاز النبوي في مجال صحة الإنسان في الجانبين: الجانب الوقائي، والجانب العلاجي، فإن الوقاية خير من العلاج، ودرهم وقاية خير من قنطار علاج، وإذا استطعت أن تقي نفسك من المرض فأنت أفهم وأقدر من أن تصبر حتى يأتيك المرض ثم تعالج نفسك.

الإعجاز النبوي الطبي في الجانب الوقائي

الإعجاز النبوي الطبي في الجانب الوقائي أما في مجال الوقاية فقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخطوط الرئيسية لما يسميه الأطباء اليوم: بالوقاية، والتي تعتبر خط الدفاع الأول ضد الأمراض المعدية وغير المعدية.

الحجر الصحي كوسيلة من وسائل الوقاية

الحجر الصحي كوسيلة من وسائل الوقاية ندب الشرع إلى الوقاية بالحجر الصحي، وهو الذي يسميه الأطباء اليوم: (الكرنتينا) أو الحجر الصحي، فقد ثبت في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (كان في وفد ثقيف رجلٌ مجذوم قدم ليبايع النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليه صلى الله عليه وسلم أن ارجع فقد بايعناك) لماذا؟ للحجر، حتى لا يأتي فتنتقل عدواه إلى بقية الناس، وثبت في صحيح البخاري عنه صلى الله عليه وسلم قوله: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)، وفي الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام: (لا يوردن ممرض على مصح) من أجل ألا تنتقل العدوى إلى الصحيح، وهذا هو أساس الحجر الصحي، وأيضاً ورد في الصحيحين حديث عن الطاعون قال فيه عليه الصلاة والسلام: (إذا سمعتم بالطاعون بأرضٍ فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا منها). وكان العلماء قبل مسألة الحجر الصحي يقولون: كيف -إذا دخل الطاعون- نبقى ولا نخرج، نعرض أنفسنا للموت ونبقى فيها! لكن لما جاء الطب بمسألة الحجر وجدوا أن الحديث فيه معاني الحجر الصحي، إذ أنه إذا دخل الطاعون في أرض وأنت فيها فلا تخرج منها؛ حتى لا يؤدي خروجك منها إلى نقل الوباء إلى الآخرين، فابق فيها واصبر على قضاء الله وقدره، وإذا حلَّ الطاعون في أرض وأنت خارجها فلا تدخل إليها. وتحدثنا كتب المغازي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما وصل إلى (عمواس) وهي أرض في الشام، وجد الطاعون قد تفشى بها فلم يدخلها، فقال له أبو عبيدة رضي الله عنه: [أفراراً من قدر الله يا أمير المؤمنين؟! قال: يا أبا عبيدة! لو غيرك قالها! نَفِرُّ من قدر الله إلى قدر الله] انظروا حكمة عمر رضي الله عنه، ثم ضرب له مثالاً وقال: [أرأيت يا أبا عبيدة لو كانت لك إبل، فهبطت بها وادياً له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة، ألست إذا رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإذا رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال: نعم]، وبينما هم في الكلام إذ جاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه وهو السابق إلى الإسلام، وأحد المبشَّرين بالجنة، وتاجر الصحابة لكنه تاجر من طراز فريد، ما كان يبيت ليلة إلا وهو يكسر الذهب بالفئوس ويخرجها في سبيل الله، وكان كلما أخرج زادت أمواله أعظم مما كانت؛ لأن الله يقول: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:39] لما جاء قال: عندي في المسألة حكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وما عندك؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا كان الطاعون بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها، وإذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليها) صلوات الله وسلامه عليه. هذا الإجراء هو ما يعرف اليوم بالحجر الصحي، أي: عزل الأماكن والناس عند تفشي الأمراض الوبائية كالطاعون والكوليرا، والجدري، وذلك لمحاصرة المرض والتغلب عليه، والحيلولة دون انتشاره، هذا أول عامل من عوامل الوقاية بالحجر.

النظافة من وسائل الوقاية

النظافة من وسائل الوقاية العامل الثاني من عوامل الوقاية: النظافة؛ فإن النظافة من أهم العوامل الصحية التي تحول بين الإنسان وبين الوقوع في الأمراض، ولقد عني الإسلام بأمر النظافة عناية فائقة، ووجه الأنظار إليها، واعتبرها من صميم رسالة الإسلام، فأوجب نظافة البدن والثياب والأمكنة والطرق والبيوت، ونظافة كل شيء، حتى جعل النظافة جزءاً من الإيمان. ففي نظافة البدن شرع الإسلام الوضوء للصلوات الخمس في اليوم والليلة خمس مرات، وليس من الطهارة، بل من الوضاءة، أي: الحسن والجمال، ولذا ترى الذي يتوضأ دائماً عليه إشراقة ونور، بينما الكافر لو اغتسل في اليوم مائة مرة ما عليه وضاءة، ولا فيه نور ولا جمال، لماذا؟ لأن الكفر يغطيه -والعياذ بالله- فالوضوء الذي تمارسه كعبادة يختلف عن النظافة التي تمارسها كعادة، وهذا أمر فوق النظافة، وفيه يتم غسل الأعضاء الخارجية التي غالباً ما تكون عرضة للتلوث وحمل الجراثيم والإفرازات التي لا تنقطع، فقد أخرج البخاري ومسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ). والوضوء طهارة مادية للأعضاء، وطهارة معنوية للقلب بتكفير الذنوب والخطايا ومحو السيئات، روى الإمام مسلم عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط). وفوائد الوضوء الصحية كثيرة منها: الحيلولة دون إصابة الجلد بالالتهابات وسرطان الجلد، وقد أجريت دراسات وبحوث بين مجموعة من المسلمين الذي يتوضئون في اليوم خمس مرات، وبين مجموعة من غير المسلمين الذين لا يتوضئون، ووجد أن نسبة إصابة المسلمين بسرطان الجلد والالتهابات اليدوية الجلدية نادرة بل ومعدومة، وأنها كثيرة جداً في الكفار الذين لا يتوضئون، فهذا من إعجاز النبي صلى الله عليه وسلم. وأيضاً يحول دون إصابة أصابع القدمين بالفطريات، وغسل الوجه يمنع حب الشباب وخشونة البشرة، وقد اهتم الإسلام أيضاً ضمن الوضوء بنظافة الفم وتطهيره، وتجلية الأسنان وتنقيتها عن طريق المضمضة واستعمال السواك عند الوضوء والصلاة وقراءة القرآن، وأكد الرسول صلى الله عليه وسلم ضرورة استعماله لما له من الفوائد المادية والمعنوية، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام أحمد في المسند: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب) وفي الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) وفي رواية: (عند كل وضوء). والسواك أفضل من غيره من وسائل التطهير، فوسائل التطهير الأخرى -وهي الفرشاة والمعجون- طيبة ولكن السواك أفضل منها؛ لأنه يشد اللثة ويقويها، وفيه مادة حارقة تذيب العوالق الكلسية التي تترسب على الأسنان، وإذا جمعت بين السواك والفرشاه كان حسناً.

سنن الفطرة من وسائل الوقاية

سنن الفطرة من وسائل الوقاية ومن اهتمام الإسلام بنظافة الجسم ما شرعه لأتباعه من سنن الفطرة، وهذه غير موجودة في أي أرض إلا عند المسلمين، ففي الصحيحين: (خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد -يعني: حلق العانة- وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط)، وهذه فضلات، فمن أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الأشياء لولا أنه رسول من عند الله، وقد وصل الطب في زماننا إلى نظافة متناهية لكنهم يتركون هذه الأشياء فيقعون عن طريقها في أمراض كثيرة. وإليك تفصيل سنن الفطرة الخمس: الختان: وهو إزالة القطعة اللحمية الموجودة على رأس قضيب الرجل؛ لما يترتب على بقائها من وجود أقذار وأوساخ تأتي عن طريق خروج البول، فحرص الإسلام على إزالتها؛ ليكون العضو قابلاً للتطهير والتنظيف بسهولة، لكن بوجودها تبقى الفضلات، ولذا فأكثر الأمراض الجنسية في العالم موجودة في الأعضاء التناسلية في الرجل والمرأة بأسبابٍ منها وجود هذه القلفة وعدم الختان، أما المسلم فإنه بالختان يجنب نفسه جميع هذه الأمراض، والحمد لله. الاستحداد: وهو حلق شعر العانة؛ لأن وجود الشعر في تلك المنطقة وقربها من النجاسات، يؤدي إلى نمو بعض الحشرات، ووجود بعض الحبيبات، فلو لم يحلق لترتب على وجود ذلك مفاسد وأضرار صحية. نتف الإبط: فالإبط منطقة مغلقة دائماً عن طريق إرخاء العضد على الجنب، ويترتب على وجود الشعر في هذه المنطقة صعود روائح كريهة، ثم يصير عفناً، ويترتب على العفن نمو ميكروبات وفطريات وأمراض، فجاء الإسلام وأمر بنتف الإبط. وأيضاً تقليم الأظافر، فالله أوجد الأظافر لحماية الأصابع، إذ لو لم يكن معك ظفر لما عرفت كيف تعيش بإصبعك، فالظفر له أهمية كبيرة في حماية الإصبع، وفي نفس الوقت تجديد قوتها، وأيضاً الاستعانة على لقط الأشياء به، ولكن إذا طال تجمعت الجراثيم والميكروبات تحته، ثم إذا جئت تأكل انتقلت الميكروبات إلى فمك، وبالتالي إلى جسمك وترتب على هذا مرض، فجاء الإسلام وجعل من الفطرة تقليم الأظافر. ولكنا نرى أن الناس اليوم يصادمون الفطرة، ويغالبون سنن الله، فتجد بعض النساء إذا رأيتها كأنها قطة -والعياذ بالله- تطيل أظافرها ثم تصبغها بالمادة الحمراء كأنها قطة كانت تخمش لحماً، فتتقزز نفسك من منظرها، ثم أيضاً تضع على شفتيها حمرة حمراء كأنها كانت تلعق الدم، فإذا نظرت إليها قلت: ما هذه القطة التي تخمش بأصابعها وتلعق بفمها؟! هي تبحث عن الجمال والحقيقة أنه قبح؛ لأن الجمال شيء آخر غير هذا، فإطالة الأظافر مخالفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم. وأيضاً: قص الشارب بحيث يبقى على الإطار؛ لأن إطالة الشارب يؤدي إلى أنك إذا شربت لبناً أو ماءً أو غيره تلوث هذا المشروب بانغماس الشارب فيه؛ لأن شعر الشارب قد يكون محملاً بالجراثيم والميكروبات العالقة في الأجواء أو النازلة من أنفك؛ لأنك عندما تمتخط أو تستنثر تخرج هذه الميكروبات وقد يعلق شيء منها في شاربك، وإذا جئت تشرب وقعت في اللبن أو في الماء أو في المرق وشربته بسبب طول شاربك، فقص شاربك وأعف لحيتك كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، لكن الناس نكسوا الفطرة، فالنساء قلبن المسألة في أصابعهن، والرجال قلبوا الحكم إلى لحاهم، فحلقوا اللحى وأرخوا الشوارب، ترى شارب الواحد طويلاً تقول: ما هذا؟ قال: شنب، لماذا تطلق الشارب هكذا والرسول يقول: (قصوا الشوارب) (أعفوا اللحى) (أكرموا اللحى) (أرخوا اللحى) (جزوا الشوارب) (أنهكوا الشوارب) لا بد أن تقصه. فلا إله إلا الله! بل بعضهم مشغول بفتل شاربه، يريده أن يكبر ويقف عليه الصقر، يا أخي! طول الشارب للقطط، فهل تريد أن تتشبه بها أم تتشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول: قص شاربك وأعف لحيتك؟ كما حرم الإسلام وحذر من إهمال تنظيف اليد والفم من الأطعمة ذات الرائحة النفاذة والزهومة كاللحم والسمك، وكره أن ينام المسلم ورائحة الطعام وزهومة اللحم واللبن لا تزال عالقة في يده أو في فمه، يقول عليه الصلاة والسلام والحديث رواه البزار: (من بات وفي يده ريح غمر فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه) فإذا نمت ويداك فيهما رائحة لحم أو رائحة سمك، أو فمك فيه رائحة لبن أو في يديك، ثم أصابك شيء فلا تلومن إلا نفسك، لماذا؟ قال العلماء: لأن هذه الروائح تجلب الحشرات، وتجلب الآفات والقاذورات، فلهذا عليك أن تنظف فمك قبل أن تنام وتنظف يديك بالماء والصابون إن وجد، وكذلك الأسنان حتى تنام وأنت طاهر، فلا تعرض نفسك لشيء من ذلك. وشرع الإسلام للمسلم غسل البدن كله ونظافته عند الدواعي التي تفرض ذلك، وجعل الغسل أساساً لا بد منه لممارسة العبادات، ولم يدع الغسل خاضعاً لظروف الإنسان، فقد يتكاسل الإنسان عن الاغتسال ما دامت دواعيه لم تقم، لذلك وقَّت للغسل أوقاتاً، فجعل في كل أسبوع يوماً واحداً وهو غسل الجمعة، والحديث في الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم) والعلماء يختلفون في كلمة واجب هنا، هل هو الوجوب الفرضي الذي يلزم بتركه الإثم؟ أم أنه وجوب على درجة الاستحباب لأحاديث أخرى؟ والصحيح من أقوال أهل العلم أنه ليس بواجب حتمي ولكنه سنة مؤكدة ومرغب فيه، والدليل ما روى البخاري بعد هذا الحديث؛ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يخطب فدخل عثمان بن عفان، فلما دخل قطع عمر الخطبة وقال: [أفي هذه الساعة يا عثمان! -تتأخر إلى أن يقوم الخطيب وتأتي- قال: ما هو إلا أن توضأت وجئت -يعني ما اغتسلت- فسكت عمر وسكت الصحابة] قال العلماء: إن عمر لم يأمره بالذهاب ليغتسل، فدل عدم أمره بالاغتسال على أن الأمر ليس للوجوب وإنما للاستحباب فهو مستحب. أيضاً سن الإسلام الغسل لمن أراد الإحرام، وعند دخول مكة، وعند الوقوف بـ عرفة، وسنه لمن غسل ميتاً، كما فرضه فرضاً عند حدوث الجنابة بالجماع أو بالاحتلام، كما فرضه للتطهر من الحيض أو النفاس، ومما يؤكد حرص الإسلام على النظافة أنه ألزم المسلم بإعادة التطهر بعد الحدث حتى ولو كان الإنسان لا يزال نظيفاً، فمن توضأ ثم انتقض وضوءه بأي ناقضٍ لزمه الوضوء مرة ثانية ولو بعد لحظات، ومن اغتسل ثم وقع منه ما يوجب الغسل، فعليه الغسل مرةً ثانية ولو بعد لحظات، لماذا؟ من اهتمام الإسلام بالنظافة. أيضاً اهتم الإسلام بنظافة الملبس وحسن المنظر، وكريم الهيئة، وجمال السمت والزي وهو شيء ملاحظ، فقد ألحق الإسلام ذلك بآداب الصلاة فقال عز وجل: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31]، ولفظ المسجد يدل على أن الزينة عبادة يقصد بها رضوان الله، إذ لا يستوي من يتزين للمسجد ومن يتزين للملعب أو للمنتزه، أو للمرقص، فرق بين هذا وذاك: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] إذ ينبغي لك إذا أردت أن تقف بين يدي الله أن تأخذ زينتك وثيابك الجميلة ذات الرائحة الطيبة، ثم تأتي لتقف بين يدي الله وأنت جميل الشكل طيب الريح حتى لا تؤذي المسلمين، ولا تؤذي الملائكة، ولكن وللأسف فقد قلبت المسألة عند بعض المسلمين؛ فيأتي ليصلي وهو يلبس (بجامة) النوم، ولكنه لا يستطيع أن يذهب إلى الدوام (ببجامة) النوم، ما هو رأيكم لو ذهب شخص إلى العمل وجلس على الكرسي وهو (بالبجامة) ماذا يقول عنه الناس؟ على الفور يحكمون عليه بالجنون، معقول تأتي تداوم (بالبجامة)؟ أين عقلك تأتي ورأسك عارٍ، أما أن يأتي ويصلي ويقف بين يدي الله ورأسه عارٍ و (بالبجامة) فلا أحد يقول له شيئاً، ما هو بمجنون في هذه الحالة، لكن في الحالة السابقة مجنون، يقول تعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] اجعل لصلاتك ثياباً طاهرةً نظيفة تصلي فيها حتى تقف وكأنك الشامة البيضاء. أيضاً: كان صلى الله عليه وسلم يلبس أحسن الثياب وأجملها وأنظفها، وكانت له حلة جديدة يتجمل بها ويلبسها في الجمع والأعياد، وعند مقابلة الوفود التي كانت تفد إلى المدينة، وقد شوهد مرة وهو ينظر صلوات الله وسلامه عليه إلى ركوة ماء يسوي ثيابه وشعر لحيته، وقد اتخذ من صفحة الماء مرآة فقيل له: وأنت تفعل هذا يا رسول الله؟ يعني: تنظر في المرآة فترى فيها نفسك، فقال: (إن الله يحب من عبده إذا خرج للقاء إخوانه أن يكون حسن الهيئة حسن المنظر) ثم قال: (إن الله جميل يحب الجمال) رواه الإمام مسلم. وكان صلى الله عليه وسلم يحب الطيب ويقول: (حبب إليَّ من دنياكم الطيب والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة) وكان يكثر من استعماله صلوات الله وسلامه عليه، وكانت أردانه الشريفة تعبق ريحاً عظيماً بالطيب، وإذا مشى انبعثت رائحته الزكية لتعطر الأجواء، يقول جابر رضي الله عنه: [لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه سلك من هذا الطريق] يعرفون أنه مشى من أثر رائحته، إذا جاءوا بعده قالوا: مر الرسول صلى الله عليه وسلم من هنا، وكان الصحابة يعرفون قدومه صلوات الله وسلامه عليه بشم رائحة عطره الذي يسبقه من مسافة بعيدة. ولقد اجتمع فيه صلوات الله وسلامه عليه الرائحة المادية والمعنوية، أما المادية فحبه للعطر، وأما المعنوية فإنه أكرم مخلوق خلقه الله على وجه الأرض، وكان إذا صافح أحداً بيده ظل طوال يومه يجد رائحة الطيب من مصافحة النبي صلى الله عليه وسلم.

نظافة الشعر والثياب من وسائل الوقاية

نظافة الشعر والثياب من وسائل الوقاية كان النبي صلى الله عليه وسلم يهتم بتنظيف شعره وتعهده وترجيله، يقول عليه الصلاة والسلام: (من كان له شعر فليكرمه) أي: شعر الرأس، رواه أبو داود، قال أبو قتادة: (يا رسول الله! إن لي جمة أفأرجلها؟ قال: نعم وأكرمها) فكان أبو قتادة ربما يرجل ويدهن جمته في اليوم مرة أو مرتين من أجل قول النبي صلى الله عليه وسلم. (ورأى رجلاً ثائر الرأس فأشار إليه الرسول إشارة فهم منها أنه يأمره بإصلاح شعره، ففعل الرجل، ثم عاد وهو حسن الهيئة وقد رجَّل شعره، فقال صلى الله عليه وسلم: أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان) رواه الإمام مالك. وقد سمعت واحداً من العلماء -نسأل الله أن يعفو عنه- يستدل بهذا الحديث على حلق اللحية، وهذا استدلال باطل وفهم معكوس؛ لأنه قال في الحديث: جاء رجل ثائر الرأس، يعني: شعره منفوش، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: رجّل رأسك -وذلك لما نظر إليه كأنه أنكر عليه- فذهب الرجل ومشط رأسه ودهنه ورجَّله وجمعه، فلما جاء وإذا به جميل فقال: (أليس هذا خيراً من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان). وكان يكره صلوات الله وسلامه عليه أن تقع عينه على رجل رث الهيئة وسخ الثياب وفي إمكانه أن يظهر في زي أفضل وفي صورة مقبولة، روى جابر بن عبد الله قال: (نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى راعٍ لنا يرعى إبلنا) -وتعرفون أن الراعي لا وقت لديه ليغتسل ولا ليغير ثيابه، فهو طوال يومه يطارد الإبل والغنم (وعليه بردان قد بليا وفنيا، فقال: أما له غير هذين؟ قيل: بلى يا رسول الله! له بردان جديدان في عيبة عندنا، قال: ادعه يا جابر! فليلبسهما، فلما ولى الرجل فلبسهما، فقال عليه الصلاة والسلام: ماله ضرب الله عنقه، أليس هذا خيراً من أن يبقى في ثيابه البالية، فسمعه الرجل وهو هناك، قال: يا رسول الله! في سبيل الله -يعني: ضرب الله عنقي في سبيله- قال: في سبيل الله، فاستجاب الله دعوة الرسول وقتل هذا الرجل في سبيل الله شهيداً) اللهم صلِّ وسلم على رسول الله. ولكن الاهتمام بالنظافة يجب أن يكون باعتدال، فإن الإسلام دين الوسطية والاعتدال، يدعو إلى النظافة، وإلى المنظر الجميل والأناقة، ولكن في غير ما سرف ولا مبالغة وتصنع وتزويق وتلميع. كما يدعو إلى الاهتمام بالشكل ولكن بعد الاهتمام الأكبر بالمضمون، إذ ليس من الإسلام ما نلاحظه اليوم على بعض الشباب من المبالغة في الملابس، والعناية بالمظاهر والأحذية الفاخرة الغالية، وبالتغييرات المتعددة، والاهتمام بالشكل؛ في حين أهملوا قلوبهم ولم ينظفوها من أدران الشهوات والشبهات والانحراف والضلالات والمعاصي والسيئات. كما أنه ليس من الإسلام في شيء من يظن أن اتساخ الثياب والملابس ضرب من الزهد والعبادة، وأن الثياب الجميلة والنظيفة تدل على الكبرياء والغطرسة، فهذا ظن خاطئ، فقد روى الإمام مسلم قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرةٍ من كبرٍ، فقال رجل: يا رسول الله! إن الرجل يحب أن يكون ثوبه نظيفاً ونعله حسناً، فقال عليه الصلاة والسلام: ليس هذا من الكبر، إن الله جميلٌ يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس) هذا هو الكبر، وبطر الحق رفضه، كأن جاءك الحق ورفضته فأنت متكبر، والذي يتكبر ويرفض الحق لا يهديه الله، يقول الله عز وجل: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف:146] ويقول: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ} [الأعراف:40]. إذا علمت أن غض البصر أمر من أوامر الله، وأن إطلاقه إلى النساء حرام ثم رفضت فقد تكبرت على الله ورددت الحق، فهذا بطر الحق، أما غمط الناس، أي: احتقارهم وازدراؤهم وظلمهم فهذا هو الكبر، أما أن يكون ثوبك جميلاً، ونعلك حسناً، وسمتك جميلاً فليس هذا من الكبر في شيء.

نظافة المساكن والبيوت والطرقات من وسائل الوقاية

نظافة المساكن والبيوت والطرقات من وسائل الوقاية أما نظافة المساكن والبيوت فقد حث الإسلام على الاهتمام بها والعناية بشأنها، يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الإمام أحمد: (أصلحوا رحالكم -أي: مساكنكم- ولباسكم حتى تكونوا في الناس كأنكم شامة). ومن ضمن وسائل الاهتمام بالمساكن إصلاحها وتفقدها، وحسن تصميمها وتهويتها وإضاءتها وتعريضها للشمس، وكنسها وتطهيرها من الحشرات المؤذية، وتخليتها من الفضلات والقمامات، ولقد حذر عليه الصلاة والسلام من كل ذلك كما هو شأن اليهود، يروي البزار في مسنده حديثاً يقول فيه عليه الصلاة والسلام: (إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا أفناءكم وساحاتكم ولا تشبهوا باليهود يجمعون الأكب في دورهم) والأكب: هي الفضلات والكناس والقمامة التي تتجمع في البيت، فبعض الناس عنده زبالة في بيته مجتمعة منذ أسبوع، خاصةً إذا كان (عزوبياً) فيتولد عن هذه التجميعات ميكروبات وفضلات، فالمفروض أن تغيرها مرة في اليوم، أو مرتين في الصباح والمساء؛ لأنه يأتي عليها الذباب والبعوض والحشرات والصراصير، ويترتب على هذا فساد صحتك وتعريضك للمرض. كما أوجب الإسلام على المسلم المساهمة في نظافة الطريق وعدم إلقاء الفضلات فيها، فليس من الإسلام وأنت ماشٍ أن ترمي المنديل في الشارع، فمن يأتي ويأخذه؟ تقول: البلدية، وأنت ما هو دورك؟ دورك أن تحمي الشارع من هذه الفضلة، فلا ترمِ المنديل، ولا تبصق، وإذا بصقت في منديل فاجعله في جيبك إلى أن تصل إلى القمامة وتضعه فيها، ولا ترمِ علبة (البيبسي) والماء، أو قشور البرتقال أو الموز أو التفاح، لا ترمِ أي شيء من الفضلات في الشارع، لماذا؟ لأن إماطة الأذى عن الشارع والطريق صدقة، ومفهوم الحديث: أن وضع الأذى في الطريق معصية، فأنت تعصي الله بهذا الأمر، ولو أن الناس كلهم فعلوا هذا ما كنا نحتاج إلى البلدية، لكن الله المستعان، شخص يبني وآخر يهدم، والذي يبني يتعب أما الذي يهتم، فإنه يرمي ولا يهمه، يقول: أرى ألف بانٍ لا يقوم لهادم فكيف ببانٍ خلفه ألف هادم وإماطة الأذى عن الطريق من الإيمان، يقول عليه الصلاة والسلام: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان) وكان بعض السلف يخرج إلى الأسواق ليس له عمل إلا أن يميط الأذى عن الطريق، فيلتقط المسامير والزجاجات والحجارة والأخشاب، وإذا أخذه قال: لا إله إلا الله، قالوا: مالك؟ قال: أريد أن أجمع بين أعلى درجات الإيمان وشعبه وبين أدناها، يأخذ فيقول: لا إله إلا الله، فيأتي بأعلى شعب الإيمان وهي لا إله إلا الله، وأدنى شعب الإيمان وهي إزالة الأذى عن الطريق. كما حرم الإسلام البصاق في المسجد والسوق والأماكن العامة ووسائل المواصلات، وفي الطرق التي يغشاها الناس، ففي صحيح البخاري ومسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (البصاق في المسجد خطيئة -يعني: معصية- وكفارتها دفنها) والدفن كان كفارة يوم أن كانت المساجد من التراب والرمل، فما هناك وسيلة إلا أن تدفنها، لكن الآن إذا بصق الإنسان على الفراش لا يوجد دفن لها؛ لأن الدفن يؤدي إلى التلويث، ولا بد من إزالتها وغسل الموضع الذي وقعت فيه؛ لأنه سيأتي من يضع رأسه يصلي، وقد يشم بأنفه موقع بصاقك، ويكون في بصاقك ميكروب أو مرض فينتقل إليه وهو لا يدري، فأنت الذي غششته وخدعته؛ لأنه جاء ليؤدي عبادة وأنت أعطيته هذا المرض وهذا الوباء -والعياذ بالله- فلا يجوز للمسلم أن يبصق في المسجد. كما حرم الإسلام التبول والتبرز في المياه والظل والأماكن التي يجلس فيها الناس ويرتادونها مثل أماكن النزهة، فإذا خرجت إلى مكانٍ فينبغي عليك أن تحرص على أن تترك الموقع مثل ما جئت إليه؛ لأن بعض الناس يأتي ويجلس ويستمتع تحت شجرة أو في مكان أو في منتزه، فلا يقوم إلا وقد ترك المكان وقذراً وملطخاً بكل الأوبئة والأمراض والفضلات -والعياذ بالله- بترك حفاظات أطفاله وقاذوراتهم، وأيضاً فضلات طعامه، لا يا أخي! إذا جاء شخص بعدك ورأى المكان هكذا ماذا يقول؟ يدعو عليك ويقول: الله أكبر عليك! الله يجعلها في وجه هذا الوسخ الذي جلس هنا؛ لأنك يوم أن جئت ووجدت المكان نظيفاً فرحت، ولو وجدته قذراً لانزعجت، فعليك أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، يقول عليه الصلاة والسلام: (اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في المورد، وقارعة الطريق، وفي الظل) وسميت ملاعن لأنها تسبب لصاحبها اللعنة، إذا جاء واحد وأراد أن يجلس تحت شجرة فتلفت وإذا تحتها نجاسة فماذا يقول؟ يقول: لعن الله من وضعها، هكذا تستحق: (اتقوا الملاعن)، إنه يريد أن يجلس، وإذا بالأذى بجانبه فتسببت في طرده من هذا الموقع، لأنه لا يقدر على الجلوس والأذى بجانبه، الظل ليس لك لوحدك يا أخي! بل هو حق لكل مسلم يستظل فيه، والطريق إذا مشى فيها ماشٍ وهو آمن وإذا برجله تقع في النجاسة، فمن حين يقع فيها وهو يلعن، يقول: لعن الله من وضع هذه، فهذا يستحق: (اتقوا الملاعن الثلاثة) لماذا؟ لأنها تسبب لصاحبها اللعن، كما أن الشخص الذي يتخلى في الطريق العامة والظل يعتبر ساقط المروءة، يؤذي المسلمين، ويستوجب سخطهم، وتتوجه إليه لعائنهم، فقد روى البيهقي في السنن يقول: (من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم)، والعياذ بالله!

نظافة بيوت العبادة والوسائل التي تؤدى بها

نظافة بيوت العبادة والوسائل التي تؤدى بها ويأمر الإسلام المسلم بأن يتنزه من البول حتى تكون ثيابه طاهرة، ورائحته جميلة؛ لأن عامة عذاب القبر من البول، فإذا جئت تتوضأ فينبغي لك أن تتأكد من انقطاع البول وخُلوِّه وانتهائه، أما أن تسرع ويستمر البول في النزول ويتلوث ثوبك وتسوء رائحتك، وتفسد صلاتك، ويبطل وضوءك، فهذا تعذب به في القبر كما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال في الرجلين اللذين يعذبان في القبر: (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير: أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة بين الناس). وقد بال أعرابي في المسجد، وكان له كل المبررات في أن يفعل ذلك؛ لأن المساجد جديدة في حياة المسلمين، فقبل الإسلام ما كان هناك مساجد، أما الآن فالحمد لله المساجد نعيشها ونعيش حبها وعظمتها وكرمها في قلوبنا من الصغر؛ لأننا معها من يوم خلقنا، لكن في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بني المسجد فجاء الأعرابي من الصحراء لا يدري ما هذا المكان، ولا يعرف ما هذا الموقع، فجلس في طرفه وبال كأنه في طرف بيته، فغضب الصحابة غضباً شديداً، وقاموا إليه ليضربوه وليقتلوه، ولكن النبي صلوات الله وسلامه عليه قال: دعوه لا تزرموه، لماذا؟ قالوا: الحكمة تستدعي أن يكمل؛ لأنه لو قام وهو يبول، فسيرش به المسجد كله، وبدل ما كان البول في جزء سيكون في جميع المسجد، أليس من الحكمة أن يكمل في مكانه؟ اللهم صلِّ وسلم على رسول الله. ثانياً: سيؤدي احتباسه بالبول إلى أن يمرض، فإن الإنسان إذا أخرج البول ثم أمر بقبضه أصبح عنده التهابات، إذ أن هذا الماء المستعد للخروج يتلوث ثم تقبضه فيرجع إلى المثانة ويعمل إجراءات صعبة في المثانة فيحدث بذلك مرض للإنسان. ثالثاً: يؤدي إلى أنه يكره الإسلام، فيمكن أنه جاء لكي يسلم، لكن من أجل هذا البول يخرج، فلا يرجع أبداً فيدخل النار، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: دعوه، فلما أكمل دعاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال للصحابة: (صبوا على بول الأعرابي ذنوباً من ماء) لأن الأرض كانت ترابية، والماء يصب على ظهرها فيمتص النجاسة وتذهب النجاسة إلى باطن الأرض، ليس هناك وسيلة أعظم من هذه الوسيلة، ثم دعاه وقال: (إن المساجد لا ينبغي أن تكون لشيءٍ من هذا، فقال الرجل بعد أن رأى كرم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لي ولمحمدٍ ولا تغفر لأحد معنا) يقول: هؤلاء الذين كانوا يريدون أن يضربوني لا تغفر لأحد منهم فقال عليه الصلاة والسلام وقد تبسم: (لقد حجرت واسعاً) أي: ضيقت واسعا، فمغفرة الله واسعة ورحمته عظيمة. فهذا من اهتمام الإسلام بالنظافة. أيضاً: اهتم الإسلام بنظافة المسكن بتركيزه على نظافة المياه وحماية مصادرها من التلوث، وتنقيتها من الشوائب؛ لأن فساد الماء وتلوثه يسبب الأمراض الكثيرة والأوبئة الخطيرة، فمن وسائل الوقاية النهي عن البول في الماء الراكد، فممنوع أن تبول في الماء الراكد، فقد روى مسلم: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه) لأن هذه الفضلات ملوثة، وإذا وضعتها في الماء الراكد انتشرت فيه ثم إذا اغتسلت لوثت نفسك، والعلماء يقولون: ليس معنى هذا جواز البول في الماء الجاري، فإن الماء الجاري أيضاً لا يجوز أن تبول فيه؛ لأنك أيضاً تلوثه ولو كان جارياً، لكن الرسول بينَّ أن الماء الراكد إذا بال فيه الإنسان لا يجوز فيه الغسل؛ لأنه يصير نجساً، أما الماء الدائم الجاري فإنه لو بال فيه أحد لا ينجس ولكن قد يتلوث، ولذا لا ينبغي لك أن تبول في الماء، فإذا أردت أن تبول فبل في المكان البعيد، ثم خذ معك من الماء فاستنج وتطهر، ثم توضأ في الماء الجاري. ومن أبرز الأمراض التي تنتشر من المياه الملوثة البلهارسيا وحمى التيفود.

القضاء على الحيوانات الضارة من وسائل الوقاية

القضاء على الحيوانات الضارة من وسائل الوقاية وأيضاً: من استكمال النظافة في المكان القضاء على الحشرات والدواب الضارة، فقد أخرج البخاري ومسلم حديثاً في الصحيحين: (خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور) فالفأر يؤدي إلى انتشار مرض الطاعون، والكلب العقور يؤدي إذا ولغ في ماء وشرب منه أن تصاب بداء الكلب والدودة الشريطية. وأيضاً روى البخاري عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: (كان بي أذىً من رأسي، فحملت إلى رسول الله وأنا محرم والقمل يتناثر على وجهي، فقال: ما كنت أرى الجهد قد بلغ بك ما أرى) وأمره أن يحلق رأسه رغم أن حلق الشعر للمحرم لا يجوز، لكن للضرورة فقال: (احلق رأسك) وأمره أن يطعم ستة فقراء، أو يذبح شاة، أو يصوم ثلاثة أيام؛ وهي كفارة لما يرتكبه الإنسان من محظورات الإحرام والتي منها حلق الشعر. وقد نهى الإسلام عن اقتناء الكلب إلا لضرورة، والضرورة محددة لحرثٍ أو صيد أو ماشية، يقول عليه الصلاة والسلام والحديث في صحيح البخاري: (من اقتنى كلباً فإنه ينقص من عمله كل يوم قيراط، قيل: وما القيراط؟ قال: مثل جبل أحد، إلا كلب حرث أو ماشية) وفي رواية للنسائي وابن ماجة: (أو صيد) وقد ثبت طبياً أن الكلاب تنقل الدودة الشريطية، وأنها لا تموت إلا بمادة كيماوية لا توجد إلا في التراب، يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات إحداهن بالتراب). ففيه ميكروب يسبب الدودة الشريطية، هذا الميكروب لا يموت لو غسلته بالماء مليون مرة، إلا إذا غسلته بمادة كيماوية، وقد وجدوها في التراب، فإذا غسلته بالتراب فإنه يموت، صلوات الله وسلامه على رسوله.

الصلاة من أهم الوسائل الوقائية

الصلاة من أهم الوسائل الوقائية من العوامل الوقائية التي شرعها الإسلام غير النظافة: الصلاة، فهي الركن الأعظم بعد الشهادتين، وهي فرق ما بين المسلم والكافر، وهي الصلة التي تربط العبد بالله، وقد شرعها الإسلام لحكمٍ جليلة أهمها العبودية المطلقة والخضوع والتذلل لله، ولكن هذا لا يمنع أن يكون لها أيضاً حكم أخرى من ضمنها الحكم الصحية، فلقد أثبت الأطباء تأثير حركات الصلاة من القيام والقعود والركوع والسجود على العظام والمفاصل والعضلات، مما يحميها من الأمراض ويساعدها على المرونة وخفة الحركة، كما يساعد على تنشيط الدورة الدموية، وعدم احتقان الدماء في الأوردة، كما أن الانزلاق الغضروفي مرض يصيب العمود الفقري، والعمود الفقري: هو عبارة عن حلقات من العظام، بين كل حلقة وحلقة مادة غضروفية، فيحصل أن ينزلق العظم من مكانه فيترتب على هذا ضغط على النخاع الشوكي الموجود في هذه الحلقات، فإذا ضغط عليه أحسست بألم شديد لا يعلمه إلى الله، يسمونه المشع، أو ألم الظهر، هذا إذا جاءك، حتى النفس إذا تنفست أحسست أنك تتنفس من ظهرك، وإذا عطست أو سعلت أو تحركت أو تكلمت تحس بهذا الألم الشديد جداً، هذا الانزلاق الغضروفي أجريت حوله دراسات كثيرة فوجد أنه لا يصاب به إلا الذين لا يصلون، أما الذين يصلون دائماً ويقومون ويقعدون ويركعون ويسجدون فإنهم من النادر أن يصابوا به. كما أن أداءها في مواعيدها له أكبر الأثر على صحة القلب وقوته وحمايته من حدوث الأمراض الخطيرة؛ مثل انسداد الشرايين، أو الذبحة الصدرية التي يسمونها موت الفجأة.

من وسائل الوقاية: الصيام

من وسائل الوقاية: الصيام أما الصيام فما أدراك ما الصيام؟ الصيام عامل عظيم في الوقاية الصحية شرعه الله وفرضه، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:183] وفوائده الصحية أكثر من أن تحصر، ولن نتحدث عنه في هذه الليلة، فإن أمامنا فرصة إن شاء الله قبل رمضان للحديث عن الصوم في كل أحكامه وشئونه، وهو علاج فعال للأمراض الناتجة عن خلل التمثيل الغذائي؛ مثل السمنة والروماتيزم العضلي والمفصلي، وعلاج الأمراض الناتجة عن ضيق الشريان التاجي، وارتفاع أو انخفاض ضغط الدم، وعلاج الأمراض في الجهاز الهضمي مثل النزلات المعدية والمعوية، ومثل أمراض الكبد والمعدة، يقول طبيب غربي وهو لا يعرف الإسلام، يقول: إن الامتناع عن الطعام شهراً واحداً في السنة يقضي على الفضلات الموجودة في الجسم لمدة سنة، تصوم شهراً فتقضي على فضلات بدنك سنة، فإذا أردت أن تتحقق لك هذه الفوائد فلا بد من الصيام الشرعي، وسوف نتكلم عنه إن شاء الله في الندوة المقبلة بإذن الله.

من العوامل الوقائية: تجنب المحرمات والفواحش

من العوامل الوقائية: تجنب المحرمات والفواحش أيضاً من العوامل الوقائية: تحريم الإسلام للفواحش ومنها الزنا، واللواط، والعادة السرية، ومواقعة الزوجة أثناء الحيض أو أثناء فترة النفاس؛ لما يسبب الزنا لمرتكبه من الأمراض الخطيرة التي تفتك بالجسم، وتقوض الصحة وتقضي على الإنسان، ومنها مرض الزهري؛ وهذا مرض خطير -والعياذ بالله- وأعراض هذا المرض: ظهور طفح جلدي وقروح على الأعضاء التناسلية، وشعور الإنسان باستمرار بصداع، ثم تتفقع هذه القروح وينتقل منها شيء إلى جدار الفم والأنف واللسان من الداخل، ثم يتزايد المرض حتى يصاب بالتهاب في الكبد والعيون والمفاصل، ثم يصاب الغشاء السحائي الذي يغطي النخاع في الدماغ، والدماغ والنخاع الشوكي يصاب بالشلل وتدهور القوى العقلية، هذا بالنسبة للزهري. أيضاً: مرض ثانٍ يصيب صاحبه عن طريق الزنا واللواط: وهو السيلان؛ وهو مرض يصيب المجاري البولية للرجل والمرأة، وأعراضه شعور بحرقان شديد عند التبول، ثم إفرازات ومواد صفراء، ثم أمراض، ثم وباء -والعياذ بالله- يقضي على الإنسان. أيضاً: من الأمراض التي تنتشر عن طريق العلاقات الجنسية المحرمة كالزنا واللواط والعادة السرية: الهربز أو الهربد، وهو مرض ينتج عن الزنا، وأعراضه ظهور قروح كثيرة على الجهاز التناسلي للرجل والمرأة، وآلام عظيمة عند ممارسة الجنس، ويؤدي إلى الإصابة بالسرطان وهو مرض معدٍ، والعياذ بالله! يقول أحد الأطباء: لو تمنى إنسان أن يوجد الله مرضاً يقضي على الناس لتمنى الهربز، نعوذ بالله منه. أيضاً: من الأمراض الخطيرة التي ظهرت في هذا الزمان وهي نتيجة إدمان الناس على المعاصي في الزنا واللواط: مرض الإيدز؛ وهو جندي سلطه الله على الأمم الكافرة، وأرهب الله به دول الشرق والغرب؛ وهو فيروس صغير لا يرى بالعين المجردة، وهو عبارة عن فقدان الجسم للمناعة، فيقضي على المناعة في جسمك؛ لأن الله أوجد فيك قوى لتحارب الأمراض، حتى إذا دخل فيك أي ميكروب تقضي عليه هذه القوى في كريات الدم البيضاء، لكنَّ هذا الإيدز يقضي على كريات الدم البيضاء، ويبقى الإنسان غير قادر على مقاومة أي مرض، وبالتالي فهو مهدد بالموت في كل لحظة. أما اللواط -والعياذ بالله- فهو رذيلة من الرذائل وجريمة من الجرائم، دمَّر الله من عملها أعظم تدمير، وهو من الأمراض الخطيرة. وأما العادة السرية فهي أيضاً شبيهة بهذا، والأطباء يحذرون منها؛ لأنها خطيرة وذات آثار بعيدة على الإنسان وصحته وقوته وإنجابه للأطفال في المستقبل، فإن الذي يمارس العادة السرية وهو شاب إذا تزوج يكون غير قادر على الإنجاب؛ لأنه استنفد جميع قواه وحيواناته المنوية عن طريق يده، فإذا تزوج لم يكن قادراً على الإنجاب، أو إن أنجب فينجب أولاداً ضعفاء هزيلين؛ لأن عوامل الحياة فيهم ضعيفة جداً لضعف الحيوانات المنوية التي يفرزها. كذلك حرم الإسلام جماع الحائض والنفساء؛ لأن ذلك يؤدي إلى أضرار بليغة؛ يقول الله: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً} [البقرة:222] فالحيض والنفاس دماء عفنة قذرة ذات روائح كريهة مملوءة بالجراثيم، فإذا أتى الرجل زوجته وهي حائض أو نفساء أدى هذا إلى إصابته وإصابتها بالأمراض الخطيرة التي منها الإيدز، ومنها الهربز والسيلان والزهري، والله تبارك وتعالى يقول: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222] وليس معنى عدم إتيان المرأة الحائض ألا تقربها، إنما يعني: ألا تأتيها في الجماع المباشر أو الوطء، أما الاستمتاع بها في غير ذلك فإنه جائز، تقول عائشة رضي الله عنها: (كنت أَتَّزر ثم آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيباشرني وأنا حائض) والمباشرة معناها: الاستمتاع بالمرأة دون الفرج، أما الوقوع في الوطء عن طريق الجماع وهي حائض أو نفساء فإن هذا حرام ولا يجوز، ومن عمله فقد عصى الله وعليه أن يتوب إلى الله، ويلزمه كفارة، والكفارة صدقة فيما يعادل خمسين ريالاً.

ومن العوامل الوقائية: تجنب الأطعمة والأشربة المحرمة شرعا

ومن العوامل الوقائية: تجنب الأطعمة والأشربة المحرمة شرعاً أيضاً من العوامل الوقائية: أن الإسلام حرم على المسلمين بعض الأطعمة والأشربة لآثارها البيئية، وأضرارها الصحية على الإنسان، فحرم الخمر والدخان والمخدرات والشيشة، فقد أجرت جامعة الملك عبد العزيز دراسة ميدانية عن مرض اسمه: إيدز الكبد، والكبد يصاب بالتهابات عن طريق فيروس كبدي اسمه فيروس A أو B عنيد أو خبيث، إما أن يؤدي إلى مرض السرطان، أو يؤدي إلى مرض غير السرطان، وهذا الفيروس ينتشر عن طريق الشيشة والدخان، فحرم الله كل هذه حماية لصحتك. فالمخدرات والخمور تضر بصحتك، وتقضي عليك، والدخان يضرك صحياً ويقضي على رئتك، والشيشة والجراك والشمة، والقات، والحشيش، والإفيون؛ كل هذه الخبائث حرمها الله لضررها المادي والعقائدي والنفسي على الإنسان. كما حرم الله بعض الأطعمة مثل الميتة، فإن الميتة إذا ماتت وبقي الدم فيها واحتقن تسمم، فإذا أكلتها بدمائها حصل لك ضرر، والدم ولحم الخنزير محرمان لما فيهما من قذارات. هذه الوسائل الوقائية التي جاء بها الإسلام كعوامل تقي الإنسان من الوقوع في المرض، فإذا عملها الإنسان فإنه جدير بإذن الله بأن يكون محمياً، ومع هذا فقد يبتليه الله بالمرض؛ لأن المرض إذا جاءك وأنت على الإيمان كان تكفيراً لخطاياك، ورفعاً لدرجتك، يقول الله عز وجل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:155 - 157]. والمرض يكفر الله به الخطايا، يقول عليه الصلاة والسلام: (إن من الذنوب ذنوباًَ لا تكفرها الصلاة ولا الصيام، ولا يكفرها إلا طول البلاء، ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يسير على الأرض وما عليه خطيئة). والله يبتليك بالمرض ليعرفك وليعلمك في ميدان الواقع -وإلا فهو يعلم العلم الأزلي- مدى صبرك وتحملك، هل أنت عبد عافية وضراء، أم عبد عافية فقط؟! لأن من الناس من هو عبد عافية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج:11]. وكما أن الله يبتليك بالمرض من أجل أن يشعرك بعظم النعمة، فإن النعمة لا تعلم إلا عند فقدها، فلا تعرف نعمة العافية إلا إذا أتاك المرض، ولا تعرف نعمة الحرية إلا إذا سجنت، ولا تعرف نعمة الشبع إلا إذا جعت، ولا تعرف نعمة السيارة إلا إذا مشيت، ولا تعرف نعمة البيت إلا إذا بت في الشارع، لكن إذا استمرت النعم زال مفهومها منك، فالله يسلب منك النعمة ويجلب لك المرض من أجل أن تدعوه، ومن أجل أن تشكره على العافية التي عشت فيها سنين طوالاً، ومن أجل أن تصبر فيرفع الله درجتك ويكفر خطيئتك؛ لأنه: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء:80] هذا المجال الأول وهو المجال الوقائي.

الإعجاز النبوي في الجانب العلاجي

الإعجاز النبوي في الجانب العلاجي أما المجال العلاجي فهو عظيم، ومظهر من مظاهر الإعجاز النبوي الكريم صلوات الله وسلامه على رسوله، فلقد وضع الإسلام قاعدة صلبة ينطلق منها البحث العلمي والجهد المتواصل الدائم من أجل الوصول إلى أسباب الداء والعثور على الدواء، فقد أمر الإسلام بالتداوي؛ لأن التداوي لا ينافي التوكل؛ بل هو عين التوكل، فإذا مرضت وقلت: أنا لن أتداوى توكلاً على الله، نقول: هذا ليس توكلاً بل هو تواكل، عليك أن تتداوى وتداويك هو التوكل، فالذي جاء بالناقة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا رسول الله! أطلقها وأتوكل، قال: لا، اعقلها وتوكل) فتداو وتوكل، أما ألا تتداوى وتتوكل فهذا تواكل، وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالتداوي، فقد روى الإمام أحمد حديثاً صحيحاً قال: (تداووا عباد الله! فإن الله لم يضع داءً إلا وضع له شفاءً، إلا داءً واحداً هو الهرم) وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل للهرم دواء؟ لا. فلو كان هناك دواء لمرض الهرم لاكتشفوه، لكن ليس له دواء، يبلغ الهرم سن الثمانين أو التسعين وعنده أموال وأولاد ومنصب وملك، لكن يترهل جسمه، وتتساقط أسنانه، وتضعف حواسه، وتصبح عينه لا ترى، وأذنه لا تسمع، وعضلاته وعظامه لم تعد تقوى على شيء، ثم يموت، ما رأيكم لو أن هناك دواء للهرم يرد الواحد شاباً هل سيبقى خافياً؟ لا. لكن لا دواء للهرم بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. فما أنزل الله من داء إلا وله دواء إلا داءً واحداً هو داء الهرم، ثم إن إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم بأن لكل داء دواء يفتح باب الأمل أمام المرضى أن هناك أملاً في الشفاء، وأمام الأطباء أن هناك أملاً في أن نجد الدواء، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل الله من داءٍ إلا وأنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله)، وهذا يفتح باب الأمل عند المريض فمهما مرض يقول: عندي أمل أن الله يكتب لي دواء ويكتشف، وعند الأطباء أنه إذا ما بحث الأطباء والخبراء فعندهم أمل أنهم لا بد أن يأتوا بهذا الدواء، لكن إلى الآن ما عرفوه، وسوف يعرفونه بإذن الله، إلا داء واحداً هو الهرم.

وجوب التداوي وسلوك طرقه المشروعة

وجوب التداوي وسلوك طرقه المشروعة أيضاً من العوامل العلاجية: أن الإسلام جعل التداوي واجباً دينياً، وذلك للوقاية؛ لأن العلاج للمريض معناه تجنيب غيره من المرض، لكن إذا تركنا المريض بغير علاج فكأننا نسوغ للمرض أن ينتقل من هذا إلى آخر، فإذا قضينا على المرض عند شخص أفضل من أن نقضي عليه عند عشرة، ولقد كان صلى الله عليه وسلم يصف الدواء للمرضى بنفسه صلوات الله وسلامه عليه. أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين: (أن رجلاً اشتكى بطنه، فجاء أخوه يشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اسقه عسلاً، فسقاه عسلاً فزاد، فجاء الرجل وقال: يا رسول الله! سقيته عسلاً فزاد، قال: اسقه عسلاً الثانية، فسقاه عسلاً فزاد، فجاء وقال: يا رسول الله! زدناه عسلاً فزاد، قال: اسقه عسلاً ثلاث مرات، صدق الله وكذب بطن أخيك، فسقاه الثالثة فبرئ). يقول ابن القيم: إن الدواء لا ينفع إلا بأمرين: الأمر الأول: الوقت. الأمر الثاني: الجرعة. فالأول أخذ جرعة واحدة ما تكفيه لإيقاف الداء، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: أعطه جرعة ثانية ثم ثالثة؛ فأعطاه الجرعة الثالثة فوقف الداء، لكن بعض الناس عندما تقول له: خذ عسلاً. فإذا أخذه مرة قال: ما شفيت، بينما يذهب إلى الأطباء فيعطونه (كرتوناً) من الحبوب، حبة صباحاً وحبة ظهراً وحبة مساءً، ويداوم عليها، ويقولون له: إذا لم تأخذ العلاج بانتظام فلن تستفيد. والجرعة مهمة في الدواء، بعض الناس يذهب إلى الطبيب ويأخذ كرتون الأدوية ويأخذ حبتين وبعدها يرمي بالباقي، مابك؟ قال: قد أخذت الحبوب وما استفدت، لا بد من مواصلة العلاج، كذلك الطب النبوي، عليك إذا أخذت عسلاً أن تأخذه باستمرار في مقدار الجرعة وفي وقت التداوي حتى تشفى بإذن الله تعالى.

العسل والحبة السوداء من أفضل الأدوية

العسل والحبة السوداء من أفضل الأدوية من أعظم الأدوية للعلاج البطني العسل، فالعسل شفاء بإذن الله، لكن ليس من كل داء بل من بعض الأمراض يقول الله عز وجل: {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل:69] وقد ينفع في أمراض ولا ينفع في أخرى، ولكن الذي ينفع من كل داء إلا الموت أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح وهو الحبة السوداء، يقول عليه الصلاة والسلام: (عليكم بهذه الحبة السوداء فإنها شفاء من كل داء إلا السام) يعني: الموت، والتداوي بالحبة السوداء أو بالعسل يقتضي منك الاستمرارية، ومعرفة مقدار الجرعة بالتجارب، حتى يشفيك الله سبحانه وتعالى؛ لأنها سبب، وأما الاعتماد فيجب أن يكون على مسبب الأسباب، وعلى الذي ينزل العافية وهو الله تبارك وتعالى.

واجبنا نحو نعمة العافية

واجبنا نحو نعمة العافية أيها الإخوة! إننا بهذا العرض الموجز نقف أمام صورة باهرة، ومعجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، ومن دلائل رسالته صلوات الله وسلامه عليه تشمل العديد من الصور، وهي أيضاً تعطينا وتفرض فينا القيام بالعديد من الواجبات التي أهمها: أولاً: أن نشعر بأن العافية والصحة نعمةٌ من نعم الله يجب أن نشكر الله عليها، فإذا نمت في فراشك، واستلقيت على سريرك، وتذكرت كم جهازاً يسير فيك، ثم تذكرت عروقك ودماءك ومفاصلك وعظامك وأسنانك، وأجهزتك السمعية والبصرية والتنفسية والهضمية والعظمية والدموية، وكلها تعمل، فتعرف نعمة الله عليك، ما ظنك لو آلمك ضرس، أو اختلج فيك عرق، أو ضرب عليك مفصل، أو أصابك التهاب في عينك؟! فاشكر الله يا أخي! على نعمة الإسلام، ثم انتقل ببصرك إلى زوجتك وأولادك وإخوانك، واعرف نعمة الله عليك. وإذا أردت أن تعرف النعمة أكثر فاذهب إلى المستشفيات، فإذا زرت مريضاً فانظر في الأقسام: كم تجد من مريض ومتأوه ووجيع، كم تسمع من الصياح، وأنت لا تئن ولا تصيح ولا تتشكى بل أنت معافى، فاشكر الله على نعمته! ثم من شكر الله على نعمة العافية أن تستعمل هذا الجسد في طاعة الله، فإذا أتى وقت الفريضة فلا تنم يا أخي! بل قم إلى بيت الله، واستخدم هذا البدن في شكر المنعم الواهب لك هذه النعمة، فإن الله عز وجل وهبك النعمة وطلب منك أن تصرفها في طاعته تبارك وتعالى. ثانياً: أن تعلم أن صحتك هذه أمانة في عنقك يجب أن تستخدمها في طاعة الله، ثم أن تعلم أن صحة المجتمع كله أمانة في عنقك فتسعى في حمايته ووقايته من انتشار الأمراض باتباع وسائل الوقاية ووسائل العلاج. ثم لتعلم أن النظافة تقف حصناً حصيناً في مقدمة الحصون التي نحمي بها أجسامنا ومجتمعاتنا من الأمراض والأوبئة. وقد أمر الإسلام بالتداوي للقضاء على المرض ووقف انتشاره لكن بالحلال، إذ لم يجعل الله شفاء الأمة فيما حرم عليها، فلا يجوز التداوي بالشركيات عند الطبيب الذي يسمونه طباً عربياً، ولا بشرب الخمور، ولا بلبن بعض الدواب أو البهائم كمن يشرب لبن الأتان. فقد جاء شخص يسألني قال: هل يجوز شرب لبن الأتان؟ قلت: لماذا؟ قال: يقولون: إنه ينفع من السعال الديكي، قلت: كذب، وإن حصل فإن الله سيشافيه ولو لم يشرب لبن الأتان؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها) فما دام لبن الأتان حراماً فلا شفاء فيه، فلا ينبغي لك أن تشربه، ثم إذا شربت لبن الأتان فربما تتخلق بأخلاق الحمير، وينبت لحم ولدك مثل الحمير! وهذه مصيبة ولا حول ولا قوة إلا بالله!! وأخيراً أيها الإخوة! هذه هي الخطوط الرئيسية والأسس العامة التي وضعها الإسلام للحفاظ على صحة الإنسان التي هي أعظم ما يمكن أن يصل إليه العقل البشري، وما ذلك إلا لأنه تنزيل من حكيم حميد، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فنشهد أن لا إله إلا الله، ونشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فجزاه الله عن أمته أفضل ما جزى نبياً عن أمته، وصلوات الله وسلامه عليه. ونسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يحشرنا في زمرته، وأن يجعلنا ممن يرد حوضه، وممن يراه في دار الكرامة، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وسوف نجيب على بعض الأسئلة باختصار.

الأسئلة

الأسئلة

حكم زواج رجل بأخت أخيه من الرضاعة

حكم زواج رجل بأخت أخيه من الرضاعة Q خطبت ابنة عمي فقالوا لي: لا بأس، إلا أنهم ذكروا أنه وقع رضاع ولا بد من الفتوى، فقلت: وما هو؟ قالت زوجة عمي -أعني: أم البنت-: إنها أرضعت أخي الأكبر وأختي الكبرى، إلا أنها لم ترضعني أنا، والبنت التي أرغب الزواج منها بنت عمي لم ترضع من أمي أنا، فهل يجوز لي أن أتزوج بتلك البنت، مع العلم أن لي أخاً من الأم سبق وأن تزوج من عند عمي؟ A يجوز لك أنت أن تتزوج من ابنة عمك ما دمت لم ترضع من أمها، ولم ترضع هي من أمك، وما دام الرضاع حصل من أخويك الكبيرين، وسواء كانا كبيرين أو صغيرين؛ والولد الذي رضع أصبح أخاً لهذه البنت وولداً لأبيها ولهذه المرأة، وأخاً لجميع الأولاد الذين رضعوا من هذه المرأة والأولاد الذين هم من صلب ذلك الرجل، أما إخوانه الكبار أو الصغار فلا علاقة لهم، وأنت أخوه لا علاقة لك؛ لأن الرضاع إنما يلزم الراضع ولا ينتشر إلى الإخوة.

حكم استئجار عمال كفرة

حكم استئجار عمال كفرة Q عندي عمال أجانب أمرتهم بالصلاة فقالوا لي: إنهم صلوا ولم يجدوا من ذلك فائدة، وحاولت إرشادهم ولكن دون جدوى، وقلت لهم: لا تحلقوا لحاكم فقالوا: وهل ذلك حرام -أي: لما قلت لهم: لا تحلقوا لحاكم فإن ذلك حرام، قالوا: من قال: إن ذلك حرام- قلت: كتاب الله وسنة رسوله، قالوا: من رأى النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يحلق لحيته فخشيت أن أستمر معهم -وفعلاً لو استمررت لوصلت إلى أكثر من هذا- فما حكم ذلك؟ A أولاً: لا يجوز لك أن تبقي هؤلاء العمال معك؛ لأنهم كفار، والكافر لا يبقى معك، ولا يجوز أن يعمل لك ويجلب لك مالاً، وإذا دخلت عليك أموال من طريقهم فالذي تأكله من وراء أيديهم حرام عليك -والعياذ بالله- وموادّة الكافر حرام: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة:22]، بل عليك ترحيلهم الليلة، فما يمسي الليلة أو غداً إلا وقد عملت لهم خروجاً، وأسأل الله ألا يردهم، وإذا أتاك عامل وأنت في بلدك فاشترط عليه: الصلاة والدين والإيمان، فإذا وافق فليأت، وإذا لم يوافق فلا تقبل، أما من يأتي بالكفار -بعضهم لا يأتي بمسلمٍ؛ بل يأتي بكافر أو نصراني والعياذ بالله- فهذا قد ارتكب محرماً؛ لأنه لا يجوز أن يبقى الكافر في جزيرة العرب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يبقى في جزيرة العرب دينان) فلا يبقى إلا دين واحد.

حكم زكاة الغنم التي لا ترعى وإنما تعلف

حكم زكاة الغنم التي لا ترعى وإنما تعلف Q لي غنم تبلغ نصاباً، وهي في شبك وأنا أشتري الشعير والأعلاف لها، فهل عليَّ فيها زكاة؟ A إذا كان الكلام كما ذكرت من أن غنمك في الشبك وأنها لا ترعى لحظة واحدة، وإنما تعلفها باستمرار فإنه لا زكاة عليك فيها، إنما الزكاة في السائمة التي ترعى الحول أو أكثره، أما إذا كانت معلوفة فلا زكاة فيها، أما إذا كانت ترعى وتعلف، يعني: ترعى في الصباح قليلاً وتعلفها بقية النهار، أو ترعى في بقية النهار؛ لأنك في الدوام وفي الصباح تعلفها فهذه فيها زكاة؛ لأنها رعت، وإذا رعت جزءاً من النهار فهي سائمة وعليك الزكاة فيها.

أخ يطلب الدعاء من الشيخ لصديقه

أخ يطلب الدعاء من الشيخ لصديقه Q أحد الإخوة من أهل هذه المجالس -رجل صالح ولا نزكي على الله أحداً- وقع له حادث مروري مرعب، وهو الآن في غرفة الإنعاش وفي حالة لا يعلمها إلى الله، وابنته معه، نرجو منك الدعوة له بالشفاء العاجل ولابنته، وهؤلاء الإخوة الصالحون يؤمنون على دعائك؟ A نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يشفي هذا الأخ الكريم، وأن يشفي جميع مرضى المسلمين إنه ولي ذلك والقادر عليه، اللهم عجل له بالشفاء يا رب العالمين.

حكم التصوير

حكم التصوير Q سمعت فتوى، أو سمع بعض الإخوة فتوى تجيز التصوير (بالكاميرا) فأخذوا يتصورون مع أقرانهم في الرحلات، وقد سألت بعض الإخوة وهم يدعون الالتزام فقالوا: إن هذا للتسلية؟ A التصوير في الأصل محرم بالأدلة التي جاءت في أكثر من حديث: (لعن الله المصورين) (المصورون يؤخذون يوم القيامة على شفير جهنم يؤمرون بنفخ روح ما صوروا) هذا في الأصل، ثم وقع خلاف بين العلماء في التصوير الفوتوغرافي، يعني: هل ما يتم تصويره بالكاميرا حرام؟ فمعظم العلماء المحققين يقولون: إنه حرام؛ لأنه بفعل الإنسان، فكأن الإنسان يمسك الريشة ويصور، فكذلك هو يمسك الكاميرا والعدسة ويضبط ويضغط ويطبع ويحمض ويلون، هذا هو تصوير، وبعض العلماء قالوا: لا. إنه ليس بتصوير وإنما هو حبس للظل، فأنت ما صورت وما أبدعت إنما أمسكت شيئاً خلقه الله وثبتَّه في هذه الورقة، والمعتدلون الذين يجمعون بين الأقوال يقولون: إن التصوير إذا كان للضرورة فلا بأس، فإذا كان التصوير الفوتوغرافي للضرورة في الأمن، أو لمعرفة هويات الناس عن طريق البطاقة، أو عن طريق التابعية، أو الجواز، أو رخصة المرور، أو الضرورة الدعوية مثل: تصوير المحاضرات الإسلامية بالفيديو والاحتفاظ بالشريط ونقله إلى البيوت والأسر لتكراره والاستفادة منه؛ فهذه ضرورة، إذ لو لم تصور هذه الكلمة لذهبت ونسيها الناس، وإذا كنا نقول للناس: لا تستعملوا الفيديو، ولا تشغلوا الأشرطة فيه، فإنه ينبغي أن نوجد البدائل لهم، والبدائل هي الأشرطة الإسلامية، فهذه ضرورة، يبقى فيها محذور الصورة، لكن ما دامت فيها مصلحة راجحة فنحن نغلب المصلحة على الضرر الآتي منها ونستغفر الله تعالى. فإذا كانت القضية للضرورة فلا بأس، أما للذكرى والرحلات، وللاحتفاظ بها في الألبوم وأنت تعرف أن فيها لعنة، فماذا تتذكر يا أخي؟ تتذكر لعنة الله، بعضهم يقول: أصور ولدي وهو صغير حتى إذا كبر أريه صورته يوم أن كان صغيراً، وأتصور أنا وزوجتي في ليلة عرسي حتى إذا شبنا نقول: انظروا كيف كنا تلك الأيام. ماذا تنظر يا أخي؟ والله ما تتذكر إلا العذاب واللعنة والسخط. يا أخي المسلم! لا تتصور إلا إذا أكرهت واقتضت الضرورة ذلك، فنسأل الله أن يعفو عنك بذلك.

حكم هجر قاطع الصلاة والعاصي

حكم هجر قاطع الصلاة والعاصي Q يا شيخ من يدخن ويخزن ويأكل الشمة، ولكن إذا رآني أطفأ السيجارة وخبأ الشمة، وصلَّى، والله يعلم إذا أتيت من أبها يخبرني الإخوة بأنه لا يصلي إذا ذهبت، وإذا قابلته قابلته ببشاشة وأسلِّم عليه وأفرح معه وأمزح، فهل أستمر في الكلام معه، أم أهجره؟ A لا يا أخي! لا تهجره ما دام يستحي ولا يبارزك بالعظيمة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم -والحديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم - يقول: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) فالمجاهر المعاند الذي يعاندك بالمعصية، لكن ما دام يستحي إذا رآك فيترك المعصية فهذا فيه خير إن شاء الله، ولكن عليك أن تدعوه إلى الله، أما إذا هجرته فإنه سيستمر على ما هو عليه، إلا إذا كان هجره يمنعه من الوقوع في المعصية فلا بأس.

حكم زواج الشغار

حكم زواج الشغار Q ما حكم زواج الشغار، وإذا كان الطرفان متراضيين من ناحية الزوجات وبدون مهر أو مع المهر، وإذا أراد أحد الطرفين أن يشترط أو دون أن يشترط، نرجو منكم التوضيح في جميع الأحوال في هذا، وإذا زوج أحد الأخ بمهر خمسين ألفاً وبعد سنة أو سنتين أراد المزوج أن يخطب عند رحيمه فما الحكم؟ A الشغار: هو زواج رجل بامرأة بشرط أن يزوجه الآخر محرمه، هذا هو الشغار، مثل أن آتي إلى الرجل فأقول: أريد ابنتك، قال: حسناً! لكن بشرط أن تعطيني ابنتك، قلت: لا بأس، فهذا شغار حرام، ونكاح باطل، والأولاد أولاد سفاح والعياذ بالله، حتى لو سمينا المهر وقلنا: هذه لها خمسون وهذه لها ستون، وهذه راضية وهذه راضية فهذا لا يصلح، ما دام أن فيه شرطاً فلا يجوز، لكن رجلٌ تزوج من إنسان وزوجه ابنته وانتهى، وبعد ما تداخلوا عرفوا أن عندهم بنتاً، فقال: ما رأيك نخطب فلانة لفلان؟ فهذا ليس فيه شيء؛ لأنه لم يشترط في العقد الأول، وإن كان الأفضل للإنسان ألا يتزوج بهذه الطريقة، يعني: ليس حراماً لكن الأفضل؛ لأن هذا يؤدي إلى وجود قطيعة، إذا تزوجت من إنسان ثم بعد فترة حدث خلاف بينك وبين زوجتك وذهبت إلى أهلها، فإن أهلك سيأخذون زوجة ذاك الولد، يقولون: تعالي حتى يردها، فيكون كالقضاء للسلف، ما ذنب هذه؟ ليس بينها وبين زوجها مشكلة لكن من أجل أخيها فتقول: ما أقعد عندكم وزوجة أخي عندكم، أرجعوا زوجة أخي وإلا ذهبت إلى أهلي، فتصير مشكلة، فالأولى أن تأخذ أخرى.

الشهداء سبعة

الشهداء سبعة Q يقول: إني أحبك في الله -نسأل الله عز وجل أن يجعل حبنا وحبك في الله- لي صديق ذهبت إليه قبل مدة ونصحته، وقبل نصيحتي واستجاب لها واغتسل -كأنه ما كان يصلي- وغيَّر ملابسه وخرج معي إلى محاضرة لك في هذا المسجد، يقول: وحضرنا المحاضرة وبعد ما انتهت المحاضرة خرجت أنا وهو إلى البيت وتعشينا في البيت وقال: عليك أن تمر علي في كل ندوة، وانبسط الولد جداً وتاب إلى الله، وبعد ما ذهبت إلى بيتي وتركته لمدة لأنني كنت مشغولاً بقراءة القرآن؛ وذلك أنني كنت حديث عهد بتوبة فقلت: أقوي إيماني بالقرآن، وذهبت إليه بعد شهر وأخذته معي لزيارة بعض الإخوة في الله، وقلت له بأني سوف آخذه إلى العمرة في آخر الأسبوع إذا لم ينزل معي أهلي، فذهب أهلي معي وذهب هو مع بعض الزملاء الطيبين إن شاء الله ليلحقنا إلى العمرة، وصدم ثلاثة جمال في الطريق وتوفي وهو ذاهب إلى العمرة -نسأل الله أن يغفر له {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [النساء:100]، انظروا النهاية الطيبة لهذا الشاب- يقول: فمات هو وبقي صاحبه فهل يعتبر شهيداً أم لا؟ علماً: أنه مات بإحرامه، وكان ينوي الذهاب إلى العمرة أفيدوني أفادكم الله؟ A هذا يبعث يوم القيامة محرماً وملبياً، فالناس يخرجون ويصيحون وهو يقول: لبيك اللهم لبيك، هذا نسأل الله أن يكون شهيداً؛ لأنه ورد حديث في مسند الإمام أحمد وفي سنن أبي داود والسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الشهداء سبعة: القتيل في سبيل الله شهيد والمطعون شهيد -المطعون الذي يصاب بالطاعون-، والغريق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد -الذي يأتي مرض اسمه داء الجنب تلصق الرئة في الجنب هذا- والمبطون شهيد) الذي يأتيه إسهال في بطنه حتى يموت ويسمونها الكوليرا، وهي داء يصيب البطن فيحدث عند الإنسان إسهال حتى يموت (وصاحب الحريق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيدة) بجمع يعني: تموت وهي حامل ويموت جنينها في بطنها، فلم تكن هناك عمليات جراحية وقيصرية وفتح بطن، فهذه شهيدة، وهذا المتردي بالسيارة يدخل ضمن من يموت بهدم، فإن البيت إذا انهدم على صاحبه فمثله السيارة إذا وقعت عليها كارثة وانهدمت بفعل صدامها بجمل أو بسيارة أخرى أو بغيره، نسأل الله أن يجعله في عداد الشهداء، ولكن متى يكون شهيداً أيها الإخوة؟ إذا كان صالحاً، أما إذا كان فاسداً لا يصلي ومات في البحر فلا يصير شهيداً، وإذا مات في الحريق لا يصير شهيداً، وإذا مات في حادث لا يصير شهيداً، متى يصير شهيداً؟ إذا مات وهو طيب فإن الله يرفع درجته ويجعله إن شاء الله من الشهداء.

طريقة لتجنب الغش

طريقة لتجنب الغش Q إني أحبك في الله، وما هي الطريقة التي تجعلني لا أغش في الامتحان؟ A الطريقة أن تذاكر الدروس حتى لا تغش في الامتحان؛ لأنه لا يغش إلا البليد، أما الذكي فلا يغش، يعرض نفسه للخطر والعذاب في الدنيا والآخرة، لكن البليد يدخل ولا عنده حرف فيلصق نفسه بـ (برشمات) وأوراق ويدخل يغش، لكن: (من غشنا فليس منا) وامتحانه باطل، وشهادته زور، ويقول العلماء: حتى الوظيفة التي يحصل عليها حرام؛ لأنه أخذها بالزور والكذب، لكن إذا تاب تاب الله عليه؛ لأن التوبة تجب ما قبلها إن شاء الله.

حكم الصلاة إلى القبلة مع انحراف في استقبالها

حكم الصلاة إلى القبلة مع انحراف في استقبالها Q أخذت بوصلة وقد اكتشفت أن القبلة مختلفة في قبلة كثير من المساجد في أبها فهل أصلي على قبلة البوصلة، أم على قبلة المساجد؟ A صلِّ على قبلة المساجد، ولا تصلِّ على بوصلتك، فالبوصلة تستعملها إذا كنت في الصحراء، أما ما دمت في المساجد فصلِّ مع المسلمين؛ لأن ما بين المشرق والمغرب قبلة، فالقضية نسبية، فإذا أتيت على البوصلة وضبطتها وانحرفت قليلاً ومشيت إلى مكة هل معنى هذا أنك تدخل مكة؟ قد تصل الطائف فليست مضبوطة مائة بالمائة. قال العلماء: من كان في الحرم يلزمه استقبال عين الكعبة، فإذا وقفت والكعبة أمامك فيجب عليك أن تقف أمامها، فإذا كانت الكعبة أمامك وأنت متجه لغيرها فصلاتك باطلة، ومن كان في مكة يلزمه جهة الحرم، ومن كان في الآفاق يلزمه جهة مكة -ليس عين مكة أو عين الكعبة- بل جهة مكة، فلا تصل على البوصلة وإنما صلِّ مع المسلمين في مساجدهم فإنها إن شاء الله على القبلة.

وصية حول الرفقة

وصية حول الرفقة Q أريد أن أسلك طريق الالتزام، ولكن عندي صاحب يدعوني ويحثني على كل شر فأوصني وصية؟ A الله أكبر! تريد أن تتردد وتماري في طريق الجنة، من الذي يماري في الجنة أو في النار؟ ما لك خيار يا أخي! الآن تب إلى الله، وزميلك هذا انفض يدك منه، واطرده طرد الكلب، وحدد معه موقفا وقل له: أنا تائب إلى الله؛ فإن كنت تريد أن تمشي معي في الطريق الصحيح فحياك الله، وإن كنت لا تريد ذلك فلست مني ولا أنا منك، إني بريء منك، فتبرأ منه قبل أن يقودك برقبتك إلى النار ثم تلعنه ويلعنك، وتقول: {يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً} [الفرقان:27 - 28]. ثم يقول في السؤال: ادع لي بالهداية! أقول: اللهم اهده واهد شباب المسلمين.

عقيدة أهل السنة والجماعة حول رؤية الله في الدنيا والآخرة

عقيدة أهل السنة والجماعة حول رؤية الله في الدنيا والآخرة Q ذكرت أن موسى طلب من الله الرؤية فقال له: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:143] فهل هذا في الدنيا والآخرة، أم في الدنيا فقط؟ A قوله: (لن تراني) في الدنيا فقط، أما الرؤية في الآخرة فهي حق وستقع لأهل الإيمان، وهي عقيدة أهل السنة والجماعة، أما أهل البدعة والضلالة من المعتزلة والجهمية فإنهم ينكرون الرؤية في الدنيا والآخرة، ولكن هذا غير صحيح، والصحيح: أنه يُرى، ويستدلون: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:143] ودليلهم: بـ (لن) و (لن) ليس فيها دليل على عدم الرؤية، لماذا؟ أولاً: يقول العلماء: إن موسى لا يمكن أن يطلب محالاً، فإن موسى يعرف أنه سيرى الله، ولكن ظن أنه سيراه في الدنيا كما سيراه في الآخرة فطلب ذلك في الدنيا فقال الله له: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:143]. ثانياً: أن الله ما قال: إنني لا أُرَى، بل قال له: لن تراني، يعني: الآن، أما الرؤية في الآخرة فسوف تقع، والأدلة من الكتاب والسنة دالة على الرؤية، يقول الله في القرآن الكريم: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23] وقد عدي فعل النظر بحرف الجر (إلى): {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:23] أي: مشاهدة. وأيضاً يقول الله: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15] أي: عن رؤية الله تبارك وتعالى، فدل حجب العصاة والكفار أن المؤمنين يرون الله، إذ لو أثبتنا أن المؤمنين لا يرون الله لسوينا بين الكفار والمؤمنين، فالمؤمنون يرون الله، وفي الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة النصف لا تضامون في رؤيته).

حكم من افترى على الدين

حكم من افترى على الدين Q ما رأيك فيمن يقول عن الصالحين: إنهم يقصرون ثيابهم فيشوهون منظر المسلمين؟ A هذا كذب وافتراء، وإذا كان مصراً عليه فقد يصل به إلى الكفر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أزرة المسلم إلى نصف الساق)، وهو أعلم بما يزين المسلمين، فالذي يقول: إن تقصير الثياب يشوه المسلمين فكأنما يرد دين الله، والله يقول: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [النساء:115]. ما هو الذي يحسن منظر المسلمين؟ سحب الثياب وإسبالها مثل النساء، أن تسحب ثوبك مثل البنت ثم تقول: إني أرفع من شأن المسلمين؟ لا والله، الذي يزين منظر المسلمين رفع الثوب، فأنت ترى أهل البادية من تهامة وفي الجبال، لما يأتيك الرجل في أزرته وفي ردائه ويمشي أمامك كأنه أسد يدق الأرض دقاً، وأرجله تنظر إليها كأنها أرجل أسد، لكن ذاك الذي يسحب ثيابه والله إنك تغض بصرك عنه.

العوامل المساعدة لأداء صلاة الفجر جماعة

العوامل المساعدة لأداء صلاة الفجر جماعة Q ما هي العوامل التي يستطيع الإنسان أن يقوم بها لصلاة الفجر؟ A أولاً: النوم على ذكر الله وعلى طهارة، والنوم مبكراً وبنية القيام، وأن تخبر شخصاً ينبهك، أو تنام وعندك ساعة تدق عند رأسك، ثم إذا استيقظت فاجلس مباشرة، ثم استو قائماً، ثم قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. عند ذلك لا يأتيك نوم، ليس هناك شخص قام من نومه ثم استتب قائماً ثم أرجعه الشيطان ينام، لكن من يستعيذ بالله وهو راقد يركب الشيطان فوق رأسه كما قلت لكم في الأسبوع الماضي: الذي يضارب لا يضارب قاعداً بل يقف.

حكم التلفظ ببعض الكلام كدعاء الجن وغيره

حكم التلفظ ببعض الكلام كدعاء الجن وغيره Q لقد انتشر بين الناس دعاء الجن مثل: خذوه، وانفروا به، وسبعة، وشلوه، نرجو من فضيلتكم بيان حكم هذه الألفاظ؟ A هذه الألفاظ شركية، وقد سألت الشيخ عبد العزيز بن باز فقال: هذا شرك، قلت: ما يدري الناس؟ قال: يُعَلَّمون، فمن علم وتاب تاب الله عليه، ومن علم واستمر فهو مشرك كافر لا تؤكل ذبيحته ولا يصلى عليه.

حكم من أنكر البعث

حكم من أنكر البعث Q يوجد بعض العوام يكثرون العبادة ويقومون بالأركان من صلاة وزكاة وصيام، ولكنهم ينكرون البعث ويتعجبون من ذلك؟ A من أنكر البعث فهو كافر ولو صلى وصام؛ لأن الإيمان بالبعث ركن من أركان الإيمان يجب الإيمان به لقول الله: {أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} [الشورى:18]

زيادة (إنك لا تخلف الميعاد) في آخر دعاء الأذان

زيادة (إنك لا تخلف الميعاد) في آخر دعاء الأذان Q ذكرت الدعاء الذي بعد الأذان بصوت عالٍ، ثم ذكرت إنك لا تخلف الميعاد؟ A أما بصوت عالٍ فلا، لكن (الميكرفون) كبر صوتي، وإلا فأنا مثلك أقوله؛ فصوتي بلغ (بالميكرفون) أما قول: (إنك لا تخلف الميعاد) فقد صحت هذه الزيادة في سنن الترمذي وليست في الصحيحين، ففي الصحيحين: (اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته). أما: (إنك لا تخلف الميعاد) فهي ليست في الصحيحين، بل زيادة في سنن الترمذي، ولكن حقق المحققون أنها صحيحة، وقد أخبرني بذلك سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين.

محارم الرجل

محارم الرجل Q هل أنا محرم لبنت عمي وبنت خالي؟ A لا. لست محرماً لهما، فالقاعدة: كل من يجوز لك أن تتزوج بها يحرم عليها أن تتكشف عندك؛ لأن المحرمات نوعان: محرمات على التأبيد، ومحرمات على التوقيت، فالمحرمة على التأبيد يجوز أن تراها وأنت محرمها، والمحرمة على التوقيت ولو كانت متزوجة عند واحد تقول: بنت عمي أزورها، لكن لو طلقها زوجها لجاز لك أن تتزوج بها، إذن فلا يجوز لك أن تراها ولست لها محرماً. والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أحوال أهل النار

أحوال أهل النار تكلم الشيخ حفظه الله عن تباين الناس في الحياة، مبيناً أن ذلك ينبني عليه تباينهم في الآخرة، وقد أوضح أن ذكر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لحال الكافرين إنما هو لحكمة بالغة، ثم تحدث عن ذلة الكافر يوم القيامة وهوانه، وعذابه، وندمه، وخصامه لغيره من أهل النار، ذاكراً وقوع الخصومة بين التابع والمتبوع، والضعفاء والمستكبرين، بل خصومة الكافر مع أعضائه، أعاذنا الله وإياكم من ذلك.

الحكمة من الإخبار بأحوال الآخرة

الحكمة من الإخبار بأحوال الآخرة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن أحوال الناس تختلف يوم القيامة بحسب أحوالهم في هذه الحياة، فلا يكون مصير الناس سواء؛ لأن سلوكهم في هذه الدنيا ليس بسواء، قال الله سبحانه وتعالى: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ} [الحشر:20] وقال جل جلاله: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:35 - 36] وقال سبحانه: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص:28] وقال: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية:21]. فمن ظن أن مصير الناس يوم القيامة واحد فهو كافر وجاهل وجاحد. لا. فليس المصير واحداً؛ لأن العمل هنا ليس واحداً، قوم آمنوا بالله وصدقوا المرسلين، وخضعوا لشريعة الله، وساروا على منهج الله، وأحلوا ما أحل الله وحرموا ما حرم الله، وبكوا من خشية الله، وجاهدوا في سبيل الله، هل يستوون هم والمفسدون في الأرض الذين زنوا، وسكروا، ولاطوا، وقتلوا، وسرقوا، وارتكبوا ما حرم الله، ورفضوا جلَّ ما حرم الله، هل يكون مصير هؤلاء وهؤلاء واحداً؟ مصير الناس يختلف يوم القيامة بحسب اختلاف أحوالهم في هذه الدار.

تثبيت الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم

تثبيت الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم وإن من رحمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بنا أن نقل لنا في كتابه وفي سنة رسوله صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلِيهِ صوراً حية من أحداث يوم القيامة ومن أحوالها التي تكون لأهل الإيمان ولأهل الكفر والنفاق، حتى لكأن الإنسان ينظرها عياناً، وهذه فيها حكمتان ومصلحتان: الحكمة الأولى: تثبيت الإيمان بالرسول الكريم صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلِيهِ، إذ من أخبره بما يحدث يوم القيامة يخبرنا عن أمور لا تكون في هذه الدار، وما سمع بها أحد منذ آدم -من غير الأنبياء والرسل- وما سمعنا أحداً بعده منذ مات إلى يومنا هذا يخبر ويتهدد ويتوعد ويَعد ويمني بجنة أو نار، فإن من توعد وهو لا يستطيع التنفيذ يعرف أنه من أكبر الكاذبين، وإذا وعد وهو يعرف أنه لا يفي يعرف أنه أحد الكاذبين، لكن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يهدد الكفار ويتوعدهم بالعذاب من مصدر القوة، والثقة بالله ثم بالنفس، ويعد المؤمنين ويمنيهم بالجنة من مصدر الثقة بأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سوف يعطيهم جزاءهم. جاء رجل اسمه العاص بن وائل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد حمل في يده عظمة من عظام الأموات هشة -وهو كافر- وقال: يا محمد! أتزعم أن الله يعيدنا بعد أن نكون عظاماً ورفاتاً، وفت العظم بيده أمام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكلمة الواثق المطمئن إلى وعد الله ووعيده. قال: (نعم. ويدخلك الله النار). فمات هذا الرجل على الكفر، فلو كان هذا الرجل أسلم لكان الوعد غير صحيح، إذ كيف يدخله الله النار وهو مسلم؟ لكن من علم الله الذي أعطاه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن أخبره بأن هذا الرجل سيستمر على كفره ولن يسلم، رغم أن الناس في ذلك الوقت كانوا يدخلون في الدين وكان من المتوقع أن يكون هذا ممن يسلم، ولكن قال له: (ويدخلك الله النار) فمات كافراً. ونزل القرآن يؤيد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويقول له: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً} [يس:78] يعني: بالعظم {وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [يس:78] الذي يخلق العظم، ومن هذا الذي خلق العظم! إن الذي خلق هذا العظم قادر على أن يعيد هذه العظام ولو صارت رماداً. {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78] * {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس:79] القادر على البداءة قادر على الإعادة، وله المثل الأعلى، إذ لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:79] * {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} [يس:80] * {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} [يس:81] * {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:82] * {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس:83]. هذه هي الحكمة والمصلحة الأولى التي نجنيها من مشاهد أحوال الناس يوم القيامة، تثبيت الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ لو كان متقولاً ما وعد.

العظة والعبرة

العظة والعبرة الحكمة الثانية: أننا نأخذ العظة والعبرة، ونعمل عملاً صالحاً، حتى لا نكون ممن يتعرضون لتلك الأحوال؛ لأن الكفرة والمنافقين كلٌّ يمقت نفسه ويزدريها، ويتمنى لو تسوى به الأرض، يقول الله عز وجل: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء:41] * {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً} [النساء:42] يودون أن تبتلعهم الأرض ويكونون عدماً، من المقت، والنكال والخزي، والعار، والعذاب والنار. في ذلك اليوم يحصل مقت، ويعني: ازدراء واحتقار للنفس، يقول: أحدهم مخاطباً نفسه: ما الذي أوصلني إلى هذه الحال المزرية، إنه سلوكي وتصرفاتي، يا ليتني لم أسرْ في هذا الطريق، يا ليتني أطعت الله {يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا} [الأحزاب:66] {يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ} [الحاقة:25] * {وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ} [الحاقة:26] * {يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة:27] * {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ} [الحاقة:28] ما نفعني مالي الذي كنت أتعب في جمعه {هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ} [الحاقة:29] فلقد ضاعت سلطتي، وانتهت مرتبتي ورتبتي، وضاع ملكي وجاهي. فيقول الله للملائكة: {خُذُوهُ فَغُلُّوهُ} [الحاقة:30] يحصل للإنسان عندها مقت عظيم ذكره الله في القرآن في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} وهم في حالات المقت الشديد لأنفسهم {يُنَادَوْنَ} [غافر:10] وبنى الله الفعل هنا للمجهول {لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [غافر:10] يزدريكم ويحتقركم الله أكثر مما أنتم الآن تحتقرون أنفسكم وتزدروها؛ لأنكم وضعتموها في مكان كان بالإمكان أن تضعوها في غيره، لكن عصيتم الله بالزنا، وبالغناء، وبالكفر، وبالنفاق، وبالعجز، وبالتكاسل، وبالتسويف، وبالتكذيب، وضعتموها في هذا الموقف وقد جاءتكم الآيات، والله ما في الأرض أوضح من آيات كتاب الله وسنة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ماذا بقي لنا أيها الإخوة؟ إن الله أنزل إلينا قرآناً فيه ثلاثون جزءاً، ثلاثون جزءاً أما يكفينا؟ يقول الله: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت:51] كان يكفي أمره: أسلموا وادخلوا في دين الله وكفى، لكن لا. كرر أوامره ونهيه: يا أيها الذين آمنوا يا أيها الناس اعملوا اعملوا ينادي الله عباده ويوجهم. ويوم القيامة يمقت الكافر نفسه ويزدريها ويتمنى أنه لم يعرف هذه الحياة، والإنسان بطبيعته إذا وضع نفسه في وضع مزري فإنه يمقتها، لو رأينا إنساناً يُجلد في السوق، ويقام عليه حد الزنا، ويُنزل من السيارة ويداه مكبلتان والعساكر يقودونه كالماشية، ويأتي مأمور التنفيذ ليضرب ظهره ويجلده، فما هي نفسيته في تلك اللحظات؟ أليس يمقتها؟! أما يتمنى أن تبتلعه الأرض وأنه لا يحضر السوق في ذلك اليوم؟! بل بعضهم يلطم وجهه، وبعضهم يرخي رأسه، وبعضهم ما يود أن يذكر اسمه في الإعلان، فهل يعدل هذا الموقف لذة الزنا، إن لذة الزنا ذهبت وانتهت لكن جلد ظهره، وتشويه سمعته، وتسجيله في القائمة السوداء، مع أصحاب الجرائم والسوابق، وأخذ بصماته لأن له سوابق: هذا (زانٍ، سكير، عربيد، خبيث) كل هذا لم ينته. وآخر يقتل ويخرج لتدق عنقه أو ليرمى صدره بالبندقية؛ لأنه قتل، فما هو شعوره إذا أنزل من السيارة ونظر يميناً وشمالاً فرأى الناس مجتمعين حوله، والعساكر يحملون الأسلحة، وهو يُقاد ويرى الحبل والخشبة أمامه، ما رأيكم بنفسيته؟ أليس يمقتها؟ أليس يزدريها؟ أما يتمنى أنه ما عرف الحياة؟ أما يشعر أنه أبأس إنسان على وجه الأرض؟ وأنه ليس هناك في الدنيا أشقى منه؟ نعم. لماذا؟ من وضعك في هذا المكان؟ عدم خوفك من الله، وعدم سيرك على منهج الله.

أحوال الكفار والمنافقين يوم القيامة

أحوال الكفار والمنافقين يوم القيامة الأحوال الأخروية ثلاثة: 1 - حالة الكفار والمنافقين. 2 - وحالة العصاة. 3 - وحالة المؤمنين جعلنا الله وإياكم منهم! وسوف نتحدث عن حالة الكفار والمنافقين يوم القيامة: عن ذلتهم، وهوانهم، وصغارهم، وخيبتهم وندامتهم.

ذلتهم وهوانهم على الله

ذلتهم وهوانهم على الله يقول تَبَارَكَ وَتَعَالَى في وصف ذلتهم: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً} [المعارج:43] الأجداث: القبور {كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [المعارج:43] * {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [المعارج:44] أهل الإيمان لا تجد عليهم ذلة، بل لهم عزة وكرامة عند الله، ولهم فضل وفرح بلقاء الله، لكن الكفار ترهقهم ذلة وأبصارهم خاشعة، فترى المجرم لا يرفع رأسه؛ لأن وجهه أسود، وسلوكه سيئ فهذه حالتهم: {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} [المعارج:44] والرهق: هو الحركة المضطربة بقوة. إذا قيل: فلان يرهقه البرد فليس برداً فقط وإنما يرتعش، فهذه الذلة تأخذهم وترهقهم {ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [المعارج:44]. والخروج من القبور بهذه الصورة يصور سرعة انطلاقهم إلى مصدر الصوت؛ لأنه ينادى يوم القيامة فيبعث من في القبور، {يَخْرُجُونَ مِنْ الأَجْدَاثِ سِرَاعاً} [المعارج:43] مسرعين منطلقين، ماذا حدث؟ يريدون سماع الصوت {كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ} [المعارج:43] مثلما كانوا ينطلقون إلى هذه الأنصاب، والأفراح، والزنا والمعاصي مسرعين، فهناك أيضاً ينطلقون مسرعين كأنهم على تلك الصفة {خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [المعارج:44]. وبعد ذلك الصوت القوي، يقول الله عَزَّ وَجَلّ: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ} [القمر:6] * {خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} [القمر:7] * {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} [القمر:8] والحكمة من التصوير والتمثيل بالجراد؛ لأنه من أضعف الحشرات، ولعل منكم من أدرك فترة وجود الجراد في النهار خاصة، إذا ما جئت إليه وهو بين الزرع وأردت أن تنفره كيف هي حالته؟ وهل تخاف منه؟ هل يأكلك الجراد؟ لا. تنفره، وهو ينتشر من الرعب والخوف الذي أنت تطارده به، فيهرب منك. كذلك الكفار والمنافقون يوم القيامة {خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} [القمر:7] * {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} [القمر:8] وبعد أن يقوموا يتأكد لديهم بأنه البعث، وأنه الذي كانوا يوعدون، فقد كانوا يكذبون بالبعث، ولم يكونوا مصدقين به، فلو كانوا يصدقون به لكان له أثر في حياتهم، ولكنهم كذبوا، وعندما يقومون من قبورهم يقولون كما قال الله عَزَّ وَجَلّ: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [يس:51] * {قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} [يس:52] وعندها يجيبهم أهل الإيمان فيقولون: (هَذَا) يعني: هذا يوم البعث {هذا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} [يس:52] هذا وَعدْ الله لنا وصدق الرسول لنا فيصدقون، ماذا يقولون: {وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ} [الصافات:20] يدعون على أنفسهم بالويل والثبور وعظائم الأمور.

جحوظ أعينهم وشخوص أبصارهم

جحوظ أعينهم وشخوص أبصارهم ثم تضيف الآيات الأخرى ملامح جديدة وأبصارهم في حالة الخوف والشدة، حتى إن العين لتبرز جاحضة من الخوف، تكاد أن تخرج ولا يستطيع أن يغمضهما عن النار؛ لأن النوم وإغماض العين أمنة. تجد من يُخرج إلى السوق ليقتل تكون عيناه تدور شمالاً ويميناً، وينظر من أين سيأتي السياف ليقطع رقبته، ومن ذا يربطه، وأخيراً تغطى عينيه حتى لا يرى شيئاً. ويصور الله عَزَّ وَجَلَ هذا المشهد بعد خروجهم وأبصارهم شاخصة فيقول الله عَزَّ وَجَلَ: {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم:42] * {مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ} [إبراهيم:43] لا يمكن أن يطرف طرفةً واحدةً، فعينه انفتحت وشخصت وجحظت وبرزت، لم تعد تقدر على الإغماض حتى تتصلب {لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء} [إبراهيم:43] هواء من الخوف؛ لأن القلب هنا هو مصدر الخوف، إذا كان لديك خوف فهل يرتاح قلبك أو يضطرب؟ لو أن شخصاً أخبرك بخبر مخوف، تقول: إن قلبي يكاد أن يطير من الخوف، وإذا كان الخبر ساراً تجد في قلبك انشراحاً وطمأنينة. مثال آخر: إذا ركبت في الطائرة يضعون لك حزام الأمان، فإذا انطلقت الطائرة، وأتيت على مطب هوائي تشعر بأن قلبك اُنتزع من مكانه، فما بالك -أخي- بخوف يوم القيامة (وأفئدتهم هواء) كما قال الله عَزَّ وَجَلّ.

فزعهم وهلعهم

فزعهم وهلعهم ثم يذكر الله عَزَّ وَجَلّ مشهداً آخر، وهو مشهد الفزع والخوف والهلع الذي يقتلع قلوب الناس يوم القيامة -اللهم ارحمنا برحمتك- حتى إن القلوب لتسد الحناجر، فلا يبقى للرجل حنجرة يتكلم بها أو يتنفس منها، فتبلغ القلوب الحناجر، يقول الله عَزَّ وَجَلّ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر:18] * {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19] والآزفة: القيامة، أزفت الآزفة، أزف الموعد، أزف الامتحان، أي: لا توجد فرصة، فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى سمى القيامة آزفة فإذا أزفت الآزفة فإن القلوب لا تبقى في الصدور كما هي الآن، وإنما تصعد إلى الحناجر {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر:18] * {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19]. هذه القيامة -أيها الإخوة- يصورها الله لنا، فماذا أعددنا لها؟ لا إله إلا الله، ما أقسى قلوبنا!! أخي الكريم: إذا أتيت المخبز تذكر لو طلب منك أن تجلس ولو لحظة واحدة في هذا الفرن، والله لن تستطيع، لو طلب منك أن تعبد الله طيلة حياتك أو أن تجلس فيه دقيقة واحدة لاخترت الأول ورفضت أن تجلس. نحن أيها الإخوة! في غفلة وبعد عن الله، لقد تحجرت قلوبنا وماتت، والله لو تعلم البهائم من أمر الآخرة ما نعلم ما أكلنا منها سميناً. خرج عليه الصلاة والسلام على الصحابة وهم يضحكون فقال لهم: (والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصُّعدات تجأرون إلى الله) كان أهل الإيمان يبكون من خشية الله، لا نريد الآن بكاء بل نريد الابتعاد عن الحرام والمعاصي، والقيام بطاعة الله عَزَّ وَجَلَ.

تقديمهم إلى العذاب الشديد مقرنين في الأصفاد

تقديمهم إلى العذاب الشديد مقرنين في الأصفاد ولما كان المجرم والكافر متمرداً على الله، هارباً منه، مستكبراً عن عبادته، فإنه يؤتى به يوم القيامة مقبوضاً عليه، مقرناً، أي: في القيد؛ لأنه لو ترك لم يأت، وهذا شأن كل مجرم في الدنيا، فإن أي مجرم لا يحضر إلا بقيد، والقيد توقعاً لهروبه، أما هؤلاء فإلى أين يهربون يوم القيامة؟! يقول الله حكاية عن الكافرين: {يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ} [القيامة:10] * {كَلَّا لا وَزَرَ} [القيامة:11] * {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ} [القيامة:12] فيؤتى بهم وهم مقرنون في الأصفاد، تجمع أيديهم مع أقدامهم إلى رقابهم ثم يوضعون في قيد واحد. يقول الله عَزَّ وَجَلّ: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم:48] * {وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} [إبراهيم:49] * {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ} [إبراهيم:50] ملابسهم من القطران، أي: الزفت {وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ} [إبراهيم:50] الأيدي والأقدام والرقاب مقرنة كما تقرن البقر في الأضماد يقرنون في الأصفاد، وملابسهم الفاخرة تجدها من قطران أسود، وتشب على وجوههم النار. ثم قال الله: {لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [إبراهيم:51] إن الله سريع الحساب ولو أمهلهم، وفي هذه الأجواء يؤتى بهم على هذا الوضع المزري مقرنين مكتفين وسرابيلهم من قطران، في تلك اللحظات يحصل شيء عظيم آخر وهو: أن الشمس تدنو من الرءوس، تقترب منهم حتى تغلي رءوسهم كما يغلي اللحم في القدر، وأما أهل الإيمان فإنهم في مظلات الرحمن، اللهم إنا نسألك من فضلك يا مولانا، ونسألك أن تظلنا في ظلك نحن وآبائنا وأمهاتنا وإخواننا وأنتم إن شاء الله منهم كما في الحديث في صحيح مسلم (وشاب نشأ في عبادة الله) أسأل الله أن يجعلني وإياكم منهم. وشاب نشأ في عبادة الله لم يعرف الهوى ولا الغناء ولا الزنا، وإن عرفها تركها وتاب إلى الله. أخي حفظك الله! اصبر. كم هذه الدنيا، خمسين أو ستين سنة؟! لماذا تعرض نفسك لهذا العذاب؟ وما بين الرجل منا والجنة والنار إلا أن يموت؟ يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (والذي نفسي بيده! إن الجنة أو النار أقرب لأحدكم من شراك نعله). شراك نعلك الذي في رجلك والله إن الجنة والنار أقرب إليك منه، فإذا أتتك منيتك تَحَدَّدَ مصيرك. فمن يضمن أنه يعيش هذا الأسبوع أو هذا الشهر، ما يدريك يا أخي! لعلك لا تنام اليوم، فلماذا نفرط؟ ولماذا لا نتق الله في ديننا وإسلامنا. ففي تلك اللحظات وتلك الأجواء يؤتى بالشمس وتدنو حتى لا يكون بينها وبين الناس إلا مقدار ميل، والميل ورد في ذكره في صحيح مسلم، يقول عليه الصلاة والسلام: (تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل) يقول سليم بن عامر: [والله لا أدري هل هو ميل المسافر أو ميل المكحلة] وسواء هذا أو هذا فكلها مصيبة، فإن ميل المسافة كم سيكون الميل يساوي [1700] متر تقريباً، كيلو وثلثين، لكن أين الشمس الآن؟ ومن يستطيع أن يجلس فيها لحظة في النهار؟ تفر من الهجير وتتقيه فهلا من جهنم قد فررتا فلست تطيق أهونها عذاباً ولو كنت الحديد بها لذبتا فكلما صعد الإنسان إلى أعلى تعرض للصهر والاحتراق، فالذين يصعدون إلى الفضاء تكون لهم ملابس خاصة تتحمل درجة الحرارة العالية والتي قد تصل إلى (400) درجة مئوية فوق الصفر. ولكنها يوم القيامة تدنو على رءوس الناس، وفي تلك اللحظات يقوي الله أجسادهم كي تتحمل النار؛ لأنهم خلق جديد لن يموت، فهم خلقوا وماتوا، ثم بعثوا ولن يموتوا بعدها، فتأتي النار فتحرقهم وتصهر أجسادهم وتذيب جلودهم ويسيل معها العرق إلى درجة أنه يلجم بعضهم إلجاماً، وهذا حديث في صحيح مسلم، يقول عليه الصلاة والسلام: (يكون الناس على قدر أعمالهم من العرق، فمنهم من يكون عرقه إلى كعبه، ومنهم من يكون عرقه إلى ركبتيه، ومنهم من يكون عرقه إلى حقويه، ومنهم من يلجمهم العرق إلجاماً، وأشار صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى فمه). من منا الآن يعرق ويسيل عرقه أمامه مثل الماء؟! إن أعلى درجة حرارة في الرياض أو جدة تصل الآن (45) درجة مئوية، الآن الماء لا تتحمله لأنه ساخن بدرجة (45) درجة، ومهما بلغت درجة حرارة الأرض فلا يمكن أن يسيل عرقك سيلاً أمامك، فكيف بيوم فيه العرق أنهاراً بل بحاراً يغطي الناس من كثرته.

ندمهم وحسرتهم

ندمهم وحسرتهم لا إله إلا الله! وحين يرون هذا المصير ويتذكرون الذي أوردهم هذه الموارد، وإذا بهم يراجعون أنفسهم ويقولون: إنها المعاصي والذنوب، والكفر، والتكذيب، فيحصل عندهم حسرة وندامة تقطع قلوبهم؛ لذا سمى الله يوم القيامة بيوم الحسرة؛ لأن فيه حسرة ليست بعدها حسرة، يقول الله عَزَّ وَجَلّ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [مريم:39] أنذرهم يوم الحسرة، وقد أنذرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الحسرة وصاح في يوم من الأيام كما في الحديث أنه قال: (أنذرتكم النار أنذرتكم النار أنذرتكم النار). وتصل درجة الحسرة عند الإنسان إلى درجة أنه يأكل يديه من بنانه إلى كتفه، قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً} [الفرقان:27] * {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً} [الفرقان:28] * {لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} [الفرقان:29] وبعد هذه الحسرات والندم وأكل اليدين يعيد الله له يده الأولى وهكذا. وفي تلك اللحظة يحصل عندهم يأس وإبلاس، والإبلاس هو غاية اليأس، يعني: عدم الرجاء، أي: لا يسلمون من هذا المصير، ولهذا يقول سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ} [الروم:12] وسمي إبليس؛ لأنه أبلس من رحمة الله، قال الله: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [ص:78] فليس عنده أمل بأنه ينال هذه الرحمة؛ ولذا سمي إبليس من الإبلاس، وهؤلاء يوم القيامة يبلسون أي: تتقطع آمالهم وينقطع رجاؤهم وييأسون من رحمة الله، وهذا أعظم العذاب؛ بأن ينقطع الرجاء، فالرجاء يجعلك على أمل. مثلاً: سجين يقولون له: هناك أمل أنك تخرج في يوم كذا وكذا، فيبعث في قلبه الطمأنينة، أما إذا قيل له: حكم عليك بالسجن المؤبد، كيف سيكون حاله؟ تجد أنه انقطع الأمل عنه ويحصل عنده اليأس، ويمر عليه اليوم كسنة؛ لأنه لا يوجد أمل.

إحباط أعمالهم

إحباط أعمالهم كذلك أهل النار عندما يدخلون النار يبلس المجرمون، وبعد ذلك يتعلقون ببقايا آمال في أعمال كانوا يصنعوها في الدنيا ظنوا أنها تنفع؛ لأن أعمال الكفار يوم القيامة تنقسم إلى قسمين: أعمال بغي وكفر وفساد، فهذه باطلة وفاسدة، ولا يرجون ولا يتوقعون من ورائها خيراً، وهذه شبهها الله في القرآن بالظلمات، قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور:39] * {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:40] هذه الأعمال الباطلة ظلمات بعضها فوق بعض. وظلمات يظنون أنها تنفعهم يوم القيامة وهي: الصدقة، العتق، صلة الأرحام، الصدق في المواعيد، والمعاملة، والاتجار، لكن هذه نفعتهم في الدنيا؛ لأنهم لم يعملوها لوجه الله وإنما للدنيا، صدقوا في المعاملات لكي تنضبط أمورهم، أخلصوا في العمل لكي تشترى بضائعهم، ووصلوا أرحامهم لكي يبادلوهم بالمودة والمشاعر، وتصدقوا إلى جمعيات الحيوانات من أجل غريزة نفسية؛ فما نفعهم هذا العمل في الدنيا، يقول الله فيهم: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ} [هود:15] * {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:16]. حبط ما صنعوا في الدنيا والحبط: هو داء يصيب بعض المواشي، إذا أكلت بعض النباتات انتفخ بطنها، ثم حبطت ثم انفجرت يسمى (الحشر) ويقولون: الغنم (حَشَرَت) إذا أكلت طعاماً من ذرة لم تنضج، فهؤلاء يأتون ببطون يحسبون أن فيها شيئاً، لكن قال الله {وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:16]. ويقول عَزَّ وَجَلّ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى:20] ويقول الله عَزَّ وَجَلّ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً} [الإسراء:18] {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً} [الإسراء:19] فهؤلاء عملوا عملاً صالحاً ولكن ما أرادوا به وجه الله، فإذا جاءوا يوم القيامة ظنوا أنهم على شيء، قال الله: ((وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ)) [النور:39] أي: أعمالهم الصالحة {كَسَرَابٍ} [النور: 39] السراب الذي في الصحراء، إذا رأيته في الظهيرة ترى كأنه ماء، فتقدم عليه وتشد نفسك إليه فكلما اقتربت ابتعد عنك، قال الله: {يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً} [النور:39] فهؤلاء عملوا عملاً كسراب، ويوم لقوا الله ما وجدوا شيئاً. ثم مثَّل الله عملهم بالرياح الشديدة التي تهب على الزروع والثمار اليانعة فتحطمها، قال الله عَزَّ وَجَلّ: {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ} [آل عمران:117] يعني: الكفار، نفقاتهم، وصدقاتهم، وإغاثاتهم، وإعطاؤهم للجمعيات الخيرية، والبر وهم كفار؛ {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ} [آل عمران:117] ريح لا رياح، والريح أشد {فِيهَا صِرٌّ} [آل عمران:117] أي: فيها عواصف شديدة وصوت يصر ويقطع الأشجار {فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [آل عمران:117] لديهم زروع وثمار من العمل لكن لديهم ريح فيه صر وهو الكفر، فأهلكت عملهم هذا والعياذ بالله. وقد شبه الله عملهم أيضاً بالرماد، وتصوروا رجلاً جعل الله أعماله كلها رماداً، والرماد نهاية النار، كما يقول المثل: (النار ما خلفت إلا رماداً) يضرب هذا المثل إذا وجد -مثلاً- رجل صالح وابنه فاسد فيقولون هذا المثل. فقد شبه الله أعمال الكفار الصالحة بالرماد، قال الله عَزَّ وَجَلّ: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ} [إبراهيم:18] تصور شخصاً معه رماد، والريح اشتدت فذهبت به، قال الله: {لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ} [إبراهيم:18] ولذا يجعل الله أعمالهم هذه كلها هباءً: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23]. في الحالة الأولى: لهم الذلة والصغار والنكال والعذاب. ثم في الحالة الثانية: لهم إحباط العمل، فيقولون: عندنا عمل، فيحبطه الله فلا يبقى.

تخاصم أهل النار

تخاصم أهل النار الحالة الثالثة: وهي التخاصم والتلاوم والمعاذير، وكل شخص يتكلم على أخيه وزميله، يسبه ويلعنه ويحمله المسئولية على هذا. مثلاً: قُبض على أربعة سكارى وأدخلوهم السجن، فكل شخص يلعن الآخر في سجن الدنيا. أما في يوم القيامة فهو يحدث عندما يعاين أهل النار النار، ويرون العذاب وما هم فيه وما يحصل لهم.

عداوة وكراهية بعضهم لبعض

عداوة وكراهية بعضهم لبعض أولاً: كراهية وعداوة بعضهم لبعض يقول الله عَزَّ وَجَلّ: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: خليلان مؤمنان وخليلان فاسقان! يقول: أما المؤمنان فمات أحدهما فأدخله الله الجنة، وفي الجنة رأى ما هو فيه من النعيم، وذكر صاحبه الذي كان يأمره بطاعة الله وينهاه عن معصية الله فخشي عليه أنه يضل بعده، فقال: اللهم! إنه كان لي خليل يأمرني بطاعتك وينهاني عن معصيتك حتى وردت هذا المورد ودخلت الجنة، اللهم! إني أسألك أن تثبته على دينك حتى تجمعني به في جنات النعيم، قال: فثبته الله وكتب له الجنة وهو في الدنيا، قال: والخليلان الفاسقان أحدهما مات فدخل النار، فلما وقع في الورطة تذكر من ورطه، فإذا به يخشى أن يسلم خليله ويهتدي ويذهب إلى الجنة وهو في النار، فقال: اللهم! إنه كان لي خليل يأمرني بمعصيتك وينهاني عن طاعتك حتى وردت هذا المورد، اللهم! لا تهده ولا تجعله يسلم حتى يرى ما رأيت ويدخل فيما فيه دخلت. {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67] هذا مخاصمة بين أهل النار لا يوجد منهم شخص يحب الآخر، أما أهل الإيمان فهم {عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الصافات:44] * {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} [الصافات:45] * {بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ} [الصافات:46] * {لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} [الصافات:47] يتساءلون ويتحادثون ويتنادمون {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الطور:25] * {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} [الطور:26] * {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور:27] * {إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} [الطور:28] نسأل الله من فضله أن يجعلنا من أهل الجنة وآبائنا وأمهاتنا وإخواننا المسلمين. هؤلاء أهل النار كلهم: بعضهم يلعن بعضاً، لا يوجد شخص يحب الآخر.

المخاصمة بين التابعين والمتبوعين

المخاصمة بين التابعين والمتبوعين وتحصل مخاصمة ثانية بين التابعين والمتبوعين، بين العابد والمعبود، فيتبرأ كل من الآخر. قال تعالى: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ} [الشعراء:91] * {وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ} [الشعراء:92] * {مِنْ دُونِ اللَّهِ} [الشعراء:93] أين آلهتكم؟ أين أصنامكم؟ أين مبادئكم؟ أين أفكاركم؟ أين قدوتكم؟ أين شيوعيوكم؟ أين حداثيوكم؟ {هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ} [الشعراء:93] هل ينصرونكم وينقذونكم، أو يمتنعون من العذاب؟ قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ} [الشعراء:94] يعني: الذين عبدوهم، كلهم سواء {وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ} [الشعراء:95] * {قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ} [الشعراء:96] يتشاجر في النار التابع والمتبوع {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الشعراء:97] * {إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:98] نجعلكم مثل الله نطيعكم، تحرمون ما أحل الله فنحرمه، وتحلون ما حرم الله فنحله، وتشرعون شريعة غير دين الله ثم نطبقها، وتضعون قوانين ما أنزل الله بها من سلطان ونحن نطيعكم عليها، سويناكم برب العالمين سبحانه {تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الشعراء:97] أي: والله لقد كنا في ضلال مبين {إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء:98] ثم يقولون: {وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ} [الشعراء:99] من هم المجرمون؟ هم دعاة الضلال الذي يضلون الناس ويزينون لهم الباطل، ويخدعونهم بدعوتهم إلى غير منهج الله، هؤلاء يقال لهم يوم القيامة بأنهم مجرمون، ثم يقولون: {وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ} [الشعراء:99] * {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ} [الشعراء:100] * {وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء:101] * {فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:102] لكن لا عودة أبداً {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء:103] * {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء:104]. تحدث مخاصمة أيضاً بين هؤلاء الأتباع والمتبوعين بين الظالمين ومن تبعوهم في الضلال. يقول الله عَزَّ وَجَلّ: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات:22] يعني: نظراءهم وأشكالهم، وليس المقصود أن كل ظالم يحشر هو وزوجته، فقد يكون الرجل ظالماً لكن زوجته مؤمنة، مثل فرعون فهو ظالم كافر في النار، وزوجته آسية بنت مزاحم مؤمنة في الجنة: {قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} [التحريم:11] لم تقل: ابن لي بيتاً في الجنة وحسب، وإنما قالت: (عندك) سألت الجار قبل الدار! فهنا يقول الله: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ} [الصافات:22] أي: الذين ظلموا والذين هم مثلهم، والذين كانوا يعبدونهم {مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ} أي: دلوهم، لكن إلى أين؟ {إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات:23] فقد دللناهم في الدنيا على صراطنا المستقيم فرفضوه وساروا في طريق الشيطان، فالآن دلوهم إلى نهاية الطريق {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات:23]. ثم قال: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} [الصافات:24] * {مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ} [الصافات:25] لماذا لا تستنكرون؟ لماذا لا يدافع بعضكم عن بعض؟ {بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} [الصافات:26] * {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات:27] * {قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} [الصافات:28] يقولون: كنا كلما أتينا نريد طريق اليمين ردتمونا عنه {قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الصافات:29] أي: أنتم في الأصل كنتم معنا، {وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} [الصافات:30] لم نأخذكم بالغلظة أو بالقوة والبطش {بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طَاغِينَ} [الصافات:30] * {فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ} [الصافات:31] * {فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ} [الصافات:32] يقولون: نحن هكذا كنا غاوين فأغويناكم معنا فلماذا أطعتمونا؟ قال الله: {فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الصافات:33] * {إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ} [الصافات:34] * {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} [الصافات:35].

الخصام بين الضعفاء والمستكبرين

الخصام بين الضعفاء والمستكبرين يحدث أيضاً خصام آخر في النار بين الضعفاء والمستكبرين، يقول الله: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً} [إبراهيم:21] يقولون: نحن أتباعكم ولابد أن تحملوا من العذاب شيئاً أكثر منا {فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} [إبراهيم:21]. وفي موضع آخر من القرآن يقول الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ} [غافر:47] يعني: يتحاكمون ويتخاصمون، ويتشاجرون {فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا} [غافر:47 - 48] الله أكبر! لا إله إلا الله! يقولون: أين نذهب بكم؟ كيف ننصركم؟ ونحن معكم. فأهل النار يقول الكبير منهم للصغير: {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} [غافر:48]. وهذا كله في عرصات القيامة قبل أن يدخلوا النار، وعندما يدخلون النار ويقفون على الأبواب يتخاصمون أيضاً، يقول الله عَزَّ وَجَلّ: {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ} [ص:55] شر مآب وشر مصير للطاغين المجرمين {جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ * هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ * هَذَا فَوْجٌ} [ص:56 - 59] يعني: مجموعة جاءوا إلى النار ((مُقْتَحِمٌ)) [ص:59] فلا يدخلون النار مشياً وإنما يدفعون دفعاً {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعّاً} [الطور:13] ثم سبعين سنة يهوون حتى يصلوا إلى قعرها {هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ} [ص:59] أي: مقتحم عليكم في النار. فيقول من في النار: {لا مَرْحَباً بِهِمْ} [ص:59] كان إذا رآه في الدنيا يرحب به ويأخذه بالأحضان؛ لأنهم اجتمعوا في الدنيا على صوت العود والأغاني، ويوم القيامة يقول: {لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُو النَّارِ} [ص:59] فيقول الذين في الأعلى: {قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ * قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ} [ص:61 - 61].

ظهور الحقيقة للكافرين الساخرين من المؤمنين

ظهور الحقيقة للكافرين الساخرين من المؤمنين {وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ} [ص:62] وهم في النار تذكروا، قالوا: أين الذين كنا نتصورهم من الأشرار من هم؟ هم أهل الإيمان؛ لأن الكفار كانت فطرهم منكوسة، ونظراتهم مغيرة، كانوا يتصورون المؤمن شريراً ويقولون: هذه عقلية متخلفة وهذا هوس ديني. فتجده في الدنيا يلمز ويغمز، ويصب الاتهامات على المتدينين، فأحياناً يصفهم بالتزمت، وبالاحتقار، فنقول: وأنت أين أنت؟ يقول: هؤلاء أشرار. أين الذين {كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ} [ص:62] * {أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً} [ص:63] يقول ضحكنا عليهم في الدنيا، أين هم الآن؟ {أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ} [ص:63] لعلهم في النار، ونحن لا نراهم بأعيننا، أين هم؟ {إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ} [ص:64]. ثم يتضح لهم أن أولئك في جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، بما صبروا وتحملوا من الأذى في سبيل إرضاء الله تعالى. ويقع خصام آخر بين الكافر وبين قرينه، القرين: الشيطان. يقول الله عَزَّ وَجَلّ: {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} [ق:23] * {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} [ق:24] * {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ} [ق:25] * {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ} [ق:26] فيقول الآخر: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} [ق:27] فيتبرأ إبليس ويقول: ما أطغيته، ولكن كان في ضلال بعيد، فقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} [ق:28] * {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [ق:29].

خصام بين الكافر وأعضائه

خصام بين الكافر وأعضائه هذه مخاصمة بين الكافر وبين الناس، ثم بينه وبين زملائه، بينه وبين المستكبرين، ثم بينه وبين شيطانه، ثم تحصل مخاصمة بين الإنسان وبين نفسه، بينه وبين أعضائه، فعينك التي تستخدمها في الحرام والله لتكونن خصماً لها يوم القيامة، وتكون خصمك يوم القيامة. فيقول الله: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [فصلت:19] يوزعون، أي: يجمعون، يجمع أولهم على آخرهم، مثلما تَجَمعُ الغنمَ إذا أدخلتها في الحضيرة، لا تُدخلها واحدة واحدة، وإنما تتجمع كلها، تخشى أن إحداها تهرب فتردها وهكذا، يحشرون ويوزعون حتى لا يفلت منهم أحد. {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [فصلت:20] ويبدأ الخصام: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [فصلت:21] يقولون: إن الله الذي أنطقنا كما أنطقكم أول مرة، أنطقنا نحن الجوارح بما عملنا. أنت كانت عينك لك، وجعلتها عدوة لك، وكانت أذنك لك، ولكن جعلت أذنك عدوة لك، كان بالإمكان أن تجعل هذه العين صديقة لك تنظر بها في الحلال، وتقرأ بها القرآن، وأذنك تسمع به القرآن ولسانك تتكلم به في الحق، فتكون هذه يوم القيامة شواهد لك، ولكن يوم أن سخرتها في الباطل أصبحت شهيدة عليك. ويكون هذا حين يعاينون العذاب الشديد الذي أعده الله لهم، فيلجئون بعد ذلك إلى التقليد، والإنكار، وتكذيب الملائكة، ويدعون أنهم كانوا صالحين، فما يبقى عليهم حجة إلا أن يُشْهَدَ الله عليهم أنفسهم. فيختم الله على أفواههم، وتنطق أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون، وبعد سماعهم لكلام جوارحهم، يقول أحدهم لأعضائه: بعداً لكنَّ وسحقاً، عنكن كنت أجادل. يا إخوان! والله إن هذا الحديث تشيب منه الرءوس إن كان في القلوب إيمان وحياة، أخرج الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يلقى العبد ربه فيقول له: ألم أكرمك ألم أسودك؟ ألم أزوجك؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل؟ وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى أي رب. فيقول الله: أظننت أنك ملاقيَّ، قال: لا يا رب، فيقول له: اليوم أنساك كما نسيتني، ثم يلق الله آخر -رجلاً ثانياً- فيقول له مثل ذلك، ثم يلق الله -رجلاً ثالثاً- فيقول له مثل ذلك فيكذب على الله- فيقول: رب آمنت بك وبكتابك وبرسولك وصليت، وتصدقت، وصمت، ويثني بخير على نفسه ما استطاع فيقول الله: ألا نبعث شاهدنا عليك؟! فيفكر في نفسه، فيقول: من الذي يشهد عليَّ فيختم الله على فمه، ويقول لفخذه: أنطقي، فتنطق فخذه، وينطق فمه وعظمه وجلده بعمله الذي كان يعمله، وذلك ليعذر من نفسه، وذلك المنافق الذي يسبب سخط الله عليه). أخرجه مسلم. وفي صحيح مسلم حديث آخر، وفيه حوار آخر يجري بين العبد وبين جوارحه، وهذا الحوار يثير العجب والاستغراب، وقد أضحك هذا الموقف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ففي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: (كنا عند النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فضحك فقال: أتدرون مما أضحك؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: من مخاطبة العبد ربه، يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم، فيقول الله: بلى. فيقول: إني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني، فيقول: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً} [الإسراء:14] ثم يختم على فيه فيقال لأكتافه: انطقي فتنطق بأعماله، ثم يخلى بينه وبين الكلام -وبعد ما تأتي أعضاؤه بالشهادة يعطى فرصة للكلام- فيقول: لأعضائه بعداً لكُنَّ وسحقاً، عنكن كنت أناضل، عنكن كنت أجادل!). هذه هي الخصومات ثم يدخلون بعد ذلك النار وترتفع أصواتهم باللعن، ويقول الله في هذا {قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنْ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:38]. هذا -أيها الإخوة- هو حال الكفار يوم القيامة، فهل يريد أحد منا أن يكون في مثل هذه الحال؟ نعوذ بالله من هذه الحال. اللهم إنا نعوذ بك من النار ومن حال أهل النار، ومن حر النار، ومن عذاب النار، ومن الخزي والبوار، ونسألك يا الله، يا أرحم الراحمين! أن تجيرنا من النار، اللهم حرم أجسادنا على النار، ولحومنا على النار وأبشارنا على النار، وحرمنا يا مولانا على النار! وآباءنا وأمهاتنا، وإخواننا وأخواتنا، وجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

لقاء مع الشيخ سعيد بن مسفر

لقاء مع الشيخ سعيد بن مسفر تضمن هذا اللقاء التعريف بالشيخ والمراحل التي تدرج فيها في طلبه للعلم، وعن كيفية بداية هدايته. وقد دار كلام الشيخ حول الهداية والثبات على هذا الدين، إذ ليس للإنسان قيمة في هذه الدنيا وكذلك في الآخرة إلا بالتمسك بهذا الدين والثبات عليه؛ لأنه سبب الفلاح والسعادة في الدارين، ولا يكون ذلك إلا بالتمسك بالكتاب والسنة مع وجود الرفقة الصالحة التي تعينه على الخير.

نبذة تعريفية عن الشيخ سعيد بن مسفر

نبذة تعريفية عن الشيخ سعيد بن مسفر الحمد لله الذي يرفع بالعلم أقواماً ويضع بالجهل آخرين، والصلاة والسلام على من حثنا على الأخذ بالعلوم الشرعية، وأمر بتوقير أهلها وإجلالهم، وانطلاقاً من محبة العلماء وطلبة العلم والرغبة في الاستفادة منهم ومن علمهم، دأبت أسرة ثابت بن قيس إحدى أسر جمعية التوعية الإسلامية بمدرسة تحفيظ القرآن الكريم بـ أبها لهذا العام الدراسي (1408) هـ على زيارة بعض العلماء وطلبة العلم من هذه المنطقة، وهذه هي الزيارة الثالثة من سلسلة هذه الزيارات، والتي نتشرف فيها بزيارة فضيلة الشيخ سعيد بن مسفر حفظه الله ونفع بجهده وعلمه، ونطلب من فضيلته أن يتفضل بتعريفنا ببطاقته الشخصية على الاسم كاملاً، ومراحل الدراسة وطلب العلم، والعمل الحالي. الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين. أولاً: أرحب بكم، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يجزل لكم المثوبة والأجر على هذه الزيارة المباركة التي تقومون بها لأخ لكم في الله عز وجل، والكل يعرف أن من أعظم الفرص ومن أرفع الدرجات التي تحصل للعبد هي الزيارة في الله عز وجل، فحياكم الله وأثابكم الله. أما البطاقة الشخصية: فالاسم: أخوكم في الله سعيد بن مسفر بن مفرح. مراحل الدراسة: تخرجت من معهد إعداد المعلمين في أول دفعة نظام قديم سنة (1379) هـ، وعملت مدرساً لمدة ثلاث سنوات، ثم انتقلت إلى إدارة التعليم وعملت بها موجهاً للتربية الرياضية والتربية الكشفية لمدة خمس سنوات، وفي عام (1387) هـ، وبعد حصول التحول في حياتي من اللهو واللعب والحياة الجاهلية إلى الحياة الإسلامية التي أسأل الله تبارك وتعالى أن يثبتني عليها حتى ألقاه، انتقلت من التربية الرياضية والكشفية لأعمل في التوعية الإسلامية والتربية الإسلامية بإدارة التعليم، ومكثت فيها حتى عام (1396) هـ حينما افتتحت أول مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة عسير؛ حيث عملت مديراً لها حتى عام (1400) هـ، وبعد ذلك عملت بكهرباء المنطقة الجنوبية، ولا أزال حتى هذا التاريخ، والعمل الحالي هو مدير إدارة شئون العاملين بالنيابة بكهرباء الجنوب. أما طلب العلم ومراحل الدراسة؛ فكما قلت: تخرجت من معهد إعداد المعلمين، وحاولت الدراسة بالمرحلة الليلية في الثانوي، ولكني اصطدمت ببعض المدرسين الذين كانوا يقدمون العلم في صورة مجردة عن الإيمان، وأذكر على سبيل المثال أن مدرس الطبيعة كان يدرسنا كيف تكونت الأرض؟ فكان يقول: إن الأرض كانت جزءاً من الشمس، وإنها انفصلت عنها، وإن هذه الكتلة التي كانت ملتهبة، ثم تكونت الجبال، وتكونت السهول وصارت بحاراً، وتكون اثنين هيدروجين مع واحد أكسجين وصار ماء؛ فقلت له: من سوى هذا الكلام؟! قال: هكذا صار، فقلت له: يقول الله عز وجل: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً} [الكهف:51] ثم ذكرت له قول الله عز وجل: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [فصلت:9] وذكرت له مراحل الخلق التي حصلت للأرض والسماوات وفق ما أخبرنا به القرآن والسنة، ولكنه كان بعيداً عن الكتاب والسنة المطهرة؛ فكان يقف لي بالمرصاد، حتى اضطررت إلى ترك الدراسة في أول ثانوي، ولم أتمكن من مواصلة دراستي في المرحلة الثانوية. وفي عام (1397) هـ حينما افتتحت كلية الشريعة بمنطقة الجنوب، وقابلنا مدير الجامعة الدكتور عبد الله التركي، وطلبنا منه أن يسمح لنا بالقبول في كلية الشريعة رغم أننا لا نحمل الثانوية العامة، فقال: على شرط أن نجري لكم امتحاناً يعادل امتحان الثانوية العامة، فقبلنا، وفعلاً تقدمنا للامتحان بفضل الله، وحققنا نتائج طيبة، وحصلنا على معدل (82%) في القبول، ودخلت كلية الشريعة مع أول دفعة، وتخرجت سنة (1400) هـ من كلية الشريعة بتقدير جيد جداً (منتسب)، هذه هي المراحل التي مررت بها في طلب الدراسة والعلم.

بداية هداية الشيخ سعيد بن مسفر

بداية هداية الشيخ سعيد بن مسفر Q لكل هداية بداية، ونريد أن تحدثنا عن بداية الهداية لفضيلتكم، لعلنا نسترشد بها في مسالك الحياة، وجزاكم الله خيراً؟ A حقيقة لكل هداية بداية، بفطرتي كنت أؤمن بالله، وحينما كنت في سن الصغر كنت أمارس العبادات وكان ينتابني شيء من الضعف والتسويف على أمل أن أكبر وأبلغ مبلغ الرجال حينما أكون مكلفاً، فكنت أتساهل في فترات معينة في الصلاة، فإذا ما حضرت جنازة أو مقبرة أو سمعت موعظة في مسجد ازدادت عندي نسبة الإيمان؛ فأحافظ على الصلاة فترة معينة مع السنّة، وبعدما أستمر أسبوعاً أو أسبوعين أترك السنّة، وبعد أسبوعين أو ثلاثة أترك الفروض، حتى تأتي مناسبة أخرى تدفعني إلى أن أصلي. وبعد أن بلغت مبلغ الرجال وسن الحلم، لم أستفد من ذلك المبلغ شيئاً، وإنما بقيت على وضعي في التمرد وعدم المحافظة على الصلاة بدقة؛ لأن من شب على شيء شاب عليه، حتى تزوجت، وكنت أصلي أحياناً وأترك أحياناً، فليس هناك التزام قوي بالدين، رغم أنه كان عندي إيمان قوي بالله، حتى شاء الله تبارك وتعالى في مناسبة من المناسبات كنت فيها مع أخ لي في الله لعلكم تعرفونه، وهو فضيلة الشيخ سليمان بن محمد بن فايع بارك الله فيه، وهذا كان سنة (1387) هـ، نزلت من مكتبي وأنا مفتش تربية رياضية وكنت ألبس الزي الرياضي، والتقيت به على باب إدارة التعليم وهو نازل من قسم الشئون المالية، فرحبت به؛ لأنه زميل الدراسة، ولكن أنا في اتجاه وهو في اتجاه، أنا في الكرة وهو في العلم وطلب العلم، فلما رحبت به وأردت أن أودعه، قال لي: إلى أين؟ وكان هذا في رمضان سنة (1387) هـ؛ أي: قبل إحدى وعشرين سنة، قلت له: إلى البيت لأنام، وكانت عادتي أن أذهب بعد نهاية الدوام إلى البيت فأنام إلى المغرب دون أن أصلي العصر، إلا إذا استيقظت قبل المغرب، وأنا صائم. فقال لي: يا أخي! لم يعد هناك فرصة، فالعصر قريب، دعنا نتمشى، فقلت له: طيب، فمشيت أنا وهو على أقدامنا، وصعدنا إلى سد وادي أبها ولم يكن آنذاك سداً ولا يزال المكان فارغاً، وكان فيه غدير وحشائش ورياحين وروائح طيبة، فجلسنا هناك حتى أذن العصر وتوضأنا وصلينا ثم نزلنا، وفي الطريق ونحن نازلين ويده في يدي، قرأ علي حديثاً كأنما أسمعه لأول مرة، وأنا قد سمعت هذا الحديث؛ لأنه من الأحاديث المشهورة، لكن حينما كان يقرأه كان قلبي ينفتح له، حتى لكأني اسمعه لأول مرة، هذا الحديث هو حديث البراء بن عازب رضي الله عنه رواه الإمام أحمد في مسنده ورواه أبو داود في السنن، قال رضي الله عنه: (خرجنا في جنازة رجل من الأنصار؛ فجئنا إلى القبر ومعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فوجدنا القبر لمّا يلحد، فجلس عليه الصلاة والسلام على شفير القبر وقال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزلت عليه ملائكة من الجنة ومعها حنوط من الجنة وكفن من الجنة، فيجلسون للميت على مد البصر، ثم يأتي ملك الموت فيقول: يا أيتها الروح الطيبة اخرجي إلى روح وريحان وإلى رب غير غضبان). المهم ذكر لي الحديث كله من أوله إلى آخره، وانتهى من قراءة الحديث حينما دخلنا أبها في ساحة البحار، وهناك سنفترق سأذهب أنا إلى مقر سكني وهو سيذهب إلى مقر سكنه، فقلت له: يا أخي! هذا الكلام من أين أتيت به؟ قال: هذا في رياض الصالحين، قلت: وأي كتاب تقرأ أنت؟ قال: أقرأ كتاب الكبائر للذهبي، فودعته وذهبت إلى المكتبة مباشرة، وكانت آنذاك مكتبة واحدة بـ أبها اسمها مكتبة التوفيق، صاحبها إدريس الحازمي، فاشتريت منه كتاب الكبائر وكتاب رياض الصالحين، وهذان الكتابان هما أول كتابان أكتنفهما، وفي الطريق وأنا ماضٍ إلى البيت أقول لنفسي: أنا الآن على مفترق الطرق، وأمامي الآن طريقان: الطريق الأول: طريق الإيمان ويوصل إلى الجنة، والطريق الثاني: طريق الكفر والنفاق والمعصية ويوصل إلى النار، وأنا الآن واقف؛ فأي الطريقين أختار؟ العقل يتحكم ويتدخل ويقول: الطريق الأول طريق الإيمان، والنفس الأمّارة بالسوء المغمورة بالشبهات، المدفونة بالشهوات تقول لي وأنا ماض إلى البيت: لا. امشِ الآن وسأخبرك بعد ذلك، إذا كبرت يمكن أن تتوب ويهديك الله، أما الآن فأنت لا تزال شاباً وصغيراً، فأستشير العقل، فيقول العقل: لا تطع هذه، هذه غدارة. كل هذه الأفكار وهذه الصراعات كانت تدور في ذهني وأنا ماضٍ إلى البيت، حتى وصلت إلى البيت وأفطرنا، وبعد صلاة المغرب، صلينا العشاء تلك الليلة وصلاة التراويح، ولم أذكر أنني صليت التراويح كاملة إلا تلك الليلة، كنت قبلها أصلي ركعتين وأذهب، وأحياناً إذا رأيت أبي أصلي أربع ركعات وأذهب. وفي تلك الليلة صليت التراويح كاملة، وانصرفنا من الصلاة، ورأساً توجهت إلى الأخ سليمان في بيته، فوجدته خارجاً من المسجد، فذهبت معه إلى البيت وقرأنا تلك الليلة في أول كتاب الكبائر أربع كبائر: الكبيرة الأولى: الشرك بالله، والكبيرة الثانية: السحر، والكبيرة الثالثة: قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والكبيرة الرابعة: ترك الصلاة، وحينما قرأناها وانتهينا منها كان ذلك قبل السحور، قلت في نفسي: أين نحن من هذا الكلام؟! فقال لي: هذا في كتب العلم ونحن غافلون عنه، قلت: والناس أيضاً في غفلة عنه، الناس الآن في غفلة لا بد أن نقرأ عليهم هذا الكلام، قال: ومن يقرأ؟ قلت: أنت. فقال: بل أنت فالقراءة سهلة ولكن من يقف، وأخيراً استقر الرأي على أن اقرأ أنا هذا الكلام. فأتينا بدفتر وكتبنا فيه الكبيرة الرابعة: كبيرة ترك الصلاة، ومن الأسبوع نفسه في يوم الجمعة، وفي أول مناسبة وقفت في أحد المساجد وهو الذي يصلي فيه الآن الشيخ مداوي الجابر، الذي بجوار مركز الدعوة ولعلكم تعرفونه، وكان في أبها مسجدين فقط للجمعة: الجامع الكبير وهذا المسجد، فوقفت فيه بعد صلاة الجمعة، وقرأت على الناس هذه الموعظة المؤثرة التي من يراجعها منكم يجد فيها فائدة كبيرة، وكانت السبب بفضل الله عز وجل في هدايتي واستقامتي، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يقيمني وإياكم على الصراط حتى نلقاه إنه على كل شيء قدير.

نصيحة في الثبات على دين الله

نصيحة في الثبات على دين الله Q يتأرجح كثير من الشباب بين الشرة والفترة، وبين النهوض والنكوص، فما نصيحتكم لأولئك؟ A نصيحتي للشباب: هو الثبات على دين الله؛ لأن التأرجح والتقدم تارة والتأخر أخرى هذا يدل على عدم استقرار اليقين في النفس البشرية؛ لأن المؤمن حينما يدخل في طريق الله يجب أن يدخل دخول الجازم الصادق الذي لا ينتابه أدنى شك في صحة الطريق الذي هو عليه، وفي صحة الغاية التي يسعى إليها، وأنه على الحق ولو خالفه أهل الأرض، هذا الشعور إذا توفر في بداية الطريق؛ فإن هذا كفيل بإذن الله أن يستمر الشاب على الطريق المستقيم. لكن هناك عقبات وعوائق تقف في طريق الشاب، وعليه ألا يتوقف عندها؛ لأن التوقف هو بداية الانهزام، بل عليه أن يأتي إلى كل عقبة بقوة وعزيمة، شأنه في ذلك شأن العربة أو المركبة أو السيارة التي يقودها قائدها، فيرى أن أمامه عقبة أو طلعة؛ فإنه إن صعد بعزم أسفل الطلعة تمكن من الصعود، لكن لو أخذ بعزم ثم في منتصف الطلعة توقف فإنه لن يستطيع المواصلة، وطريق الله عز وجل طريق فيه صعوبة، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، فلا بد من القوة، وخير ما أوصي به الشاب لئلا يتأرجح: ما ذكره الإمام سيد قطب شهيد الإسلام رحمه الله في أول كتابه العظيم معالم الطريق، حينما تحدث عن الجيل القرآني، وقال: إن القرآن هو القرآن، وإن السنّة هي السنّة، وإن مقومات هداية الجيل القرآني لا تزال موجودة إلى الآن وفي كل يوم إلى قيام الساعة، ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وحياته ضرورية لبقاء الدين لما اختاره الله إلى جواره، ولكن الدين باقٍ رغم موته صلى الله عليه وسلم. ولكن ما هي الميزة التي تميز بها الجيل القرآني الفريد الذي عاش في عهد الإسلام، في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الميزة تنقسم إلى ثلاث ميزات: أول ميزة: وحدة التلقي. وهي: عدم تلقي أي شيء إلا من القرآن ومن السنّة؛ لأن الشاب إذا أخذ من القرآن والسنّة، وأخذ من مصادر أخرى حصل عنده خلط في التلقي، وتشويش في الفكر، وانحراف، لكن حينما يقصر نفسه على أن يتلقى فقط من الكتاب والسنّة ومن أخيه في الله الذي يجلس معه، فهذا لا شك أنه يجنبه الخلط في التلقي، ولهذا لما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم نسخة من التوراة بيد عمر يقرأها غضب عليه عليه الصلاة والسلام وقال: (أفيّ شك يا ابن الخطاب، لقد جئتكم بها بيضاء نقية، والله لو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي) يقول: موسى الذي أنزلت عليه التوراة كان موجوداً ما نظر في التوراة التي أنزلت عليه، ولا يسعه إلا أن يتبعني، فنحن لا ينبغي لنا إلا أن نتبع المصدر الوحيد الذي جاءنا من الله وهو كتاب الله، وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم. الميزة الثانية من ميزات الجيل القرآني الفريد: أنهم كانوا يدخلون في الهداية والدين، ويقطعون كل صلة لهم بالجاهلية التي كانوا فيها، ما كانوا يدخلون في الإسلام ولهم جذور أو لهم روابط تربطهم بالماضي، كمن يهتدي وهو يحب الغناء، أو يهتدي وهو يحب النظر المحرم، أو يهتدي وهو يحب الكرة، أو يهتدي وهو يحب السهر، لأن هذا سيبقي له روابط بالجاهلية، وهذه الروابط مهما كانت يسيرة إلا أنها تؤثر في سيره، وربما تعيقه وترده، فعلى المسلم إذا أراد السير في طريق الإيمان أن يقطع كل صلته بالجاهلية، وأن يدخل الإسلام وهو منقطع عن كل التصورات الأخرى، وأن يخلع ملابس الجاهلية على عتبة الإسلام. الميزة الثالثة التي لا بد منها، والتي كانت من أبرز ميزات الجيل القرآني: أنهم كانوا يأخذون القرآن والسنة للعمل والتطبيق، لا يأخذونه للاستزادة أو للمتعة، ولا للمباهاة والرياء، وإنما للتطبيق، ولهذا يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (ما كنا نتجاوز العشر آيات من القرآن حتى نعيهن، ونتعلمهن، ونعمل بهن، ونطبقهن) عشر آيات! ويروى أن ابن عمر مكث في سورة البقرة ثمان سنوات، قراءة العلم والتدبر والتطبيق والعمل، لكن إذا قرأ الإنسان القرآن لمجرد الحفظ من أجل يأخذ جائزة، أو من أجل أن الحفظ مقرر عليه في مرحلة دراسية معينة، أو من أجل أنه يحوز به مرتبة أو شيئاً ما فلا ينتفع بالقرآن. ولكن إذا قرأ القرآن آية آية وطبق، وكلما مرت عليه آية من آيات الأوامر سأل نفسه: هل هو ملتزم بهذا الأمر، وكلما مرت عليه آية من آيات النواهي سأل نفسه: هل هو منتهٍ عن هذا النهي، لأن القرآن هو كتاب الله إليك أيها المكلف، فأنت معني بهذا الخطاب أمراً ونهياً، وخبراً وإنشاءً، وقصصاً واعتباراً، وكل ما في القرآن أنت مخاطب به، فتسأل نفسك، فإذا أخذت القرآن على هذا النحو من الأخذ والتلقي بقصد العمل، يحصل للإنسان الهداية، أما إذا أخذه بغير هذا القصد فلا يحصل له المراد، فهذه وصيتي لمن أراد أن يسير في الطريق، وألا يتذبذب ويتأرجح كما نسمع بين مد وجزر، وبين سقوط وصعود؛ لأنه يُخشى على من يسقط ألا يقوم، القلوب تغيراتها عجيبة جداً، والإنسان ضعيف، ويقول عليه الصلاة والسلام: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعاً، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها). وهذا فيه حث من النبي صلى الله عليه وسلم على أن يستمر الإنسان في عمل أهل الجنة حتى يموت، ولا يعمل بعمل أهل النار لحظة واحدة، فقد يموت وهو يعمل عمل أهل النار؛ فيُكتب من أهل النار، وفي الحديث نفسه قال: (وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراعاً، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة) وفي هذا الحديث أيضاً حث على أن من يعمل بعمل أهل النار عليه أن يسارع بالتوبة إلى الله، وأن يعمل بعمل أهل الجنة، فقد يموت حين يعمل بعمل أهل الجنة، هذا هو مفهوم الحديث ومنطوقه بارك الله فيكم.

بعض المظاهر والمشاكل السيئة عند الشباب وعلاجها

بعض المظاهر والمشاكل السيئة عند الشباب وعلاجها Q فضيلة الشيخ هناك ظواهر لدى الشباب أذكر بعضاً منها، ونريد من فضيلتكم التعليق على كل ظاهرة، وسأوردها واحدة واحدة:

العناية الزائدة باللباس والمظهر

العناية الزائدة باللباس والمظهر Q الظاهرة الأولى: العناية الزائدة باللباس والمظهر؟ A العناية الزائدة باللباس وبالمظهر تدل على نقص يشعر به الإنسان في نفسه، ويحاول أن يستعيضه عن طريق الشكل العام، وإلا فإن الشكل لا يعطي الدليل الصحيح على قوة المؤمن ويقينه، صحيح إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، والله جميل يحب الجمال، وقد أمرنا الإسلام بالطهارة والنظافة، وأن نلبس جميلاً، وأن نركب جميلاً، وأن نسكن جميلاً، ولكن في حدود المعقول، أما المبالغة في ذلك بحيث لا يخرج الإنسان إلا في ثوب معين، ولا يخرج إلا بغترة مكوية على نمط معين، وفي حذاء معين، أو يشرب شراباً معيناً، فهذه المبالغة تدل على نقص وضعف في الإيمان.

التحمس لمشاهدة المباريات والمسلسلات

التحمس لمشاهدة المباريات والمسلسلات Q الظاهرة الثانية: الحماس للكرة ومشاهدة المباريات والمسلسلات؟ A الكرة وثن من أوثان الجاهلية الحديثة، وإذا كانت بنو إسرائيل فتنتهم في العجل؛ فُفتنت هذه الأمة في هذه الكرة. إن جلد الحمار المنفوخ فتن الناس شيبهم وشبابهم، رجالهم ونساءهم، كبارهم وصغارهم، حتى غدت أمتنا حقيقة أمة الكرة لا أمة القرآن ولا أمة السيف والجهاد، وانشغال طلبة العلم بها، والاهتمام بها، والاهتمام الذي يحدث يدل على ضعف اليقين، وعلى ضعف الإيمان بالله عز وجل، ولا ينبغي للمؤمن أن ينشغل بهذه التراهات والحماقات التي هي أصلاً ليست وليدة المجتمعات الإسلامية، إنها وليدة المجتمعات الضالة التي لا هدف لها ولا رسالة، ولا دور في قيادة البشرية، وإنما مجتمعات كافرة ضالة أوجدت مثل هذه اللعب لتشتغل بها، ثم نقلتها إلينا نحن المسلمين واشتغلنا بها، وظلت هي تشتغل بما هو أهم، فما ينبغي للمسلم أن يعطي هذه الأمور من التفاهات أي شيء من وقته، هذا بالنسبة للكرة وللمباريات. أما المسلسلات، فهذه أخطر وأشد فتكاً بعقيدة المؤمن وأخلاقه؛ فهي تصل إلى درجة الحرمة، إذ لا ينبغي للمسلم أن يرى امرأة تمثل، ولا ينبغي للمرأة أن ترى رجلاً يمثل، ثم إن التمثيليات والمسلسلات في حقيقتها هي عبارة عن قصص مكذوبة ليست حقيقة، كاتب روائي كذاب يختلق قصة من عقله، ثم يأتي بسبعة أو ثمانية من الممثلين الكذّابين ليؤدوا هذه التمثيلية كلٌ في دور معين، ثم يشغلون بها الناس، هذه كلها من الأشياء التي ينبغي للمسلم أن يتنزه عنها، وألا يشغل حياته وفكره بهذه الخزعبلات.

السهر بدون فائدة

السهر بدون فائدة Q الظاهرة الثالثة: سهرات الشباب مع بعضهم بدون فائدة؟ A سهرات الشباب مع بعضهم بدون فائدة ظاهرة مرضية ينبغي أن يتداركها الشاب قبل أن تستفحل فتقضي عليه؛ لأن الوقت هو عمرك أيها الشاب، فإن لم تستدركه وتستغنمه في شيء يعود عليك بالنفع في الدنيا أو في الآخرة، وإلا فإنك تقتل عمرك وتنتحر من حيث لا تدري، ونحن الآن ليس عندنا فراغ حقيقة، بعض الشباب يقول: أنا فاضٍ ليس عندي شيء أبداً، فنقول لهذا: إن لدينا من الأعباء والمسئوليات والواجبات ما لو أن عندنا أضعاف أضعاف الوقت الذي عندنا ما ملأناه، نحن الآن ما فرغنا من حفظ كتاب ربنا، ولم نفرغ من معرفة سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم نفرغ من معرفة تاريخ أمتنا، ولا من سيرة نبينا صلوات الله وسلامه عليه، وما فرغنا أيضاً من معرفة التفسير، ولا من معرفة مصطلح الحديث، ولا قراءة متون العلم، هذه كلها واجباتنا ومسئولياتنا. لو سألت طالباً من طلبة العلم عن تفسير آية من كتاب الله ما عرفها، وتجده جالساً، فتقول له: ما بالك؟ قال: فارغ بلا عمل كيف تكون فارغاً وابن كثير جالس بجوارك ما تسأله عن تفسير هذه الآية؟! أنت فارغ وما عرفت تفسير هذا الحديث؟! كيف أنت فارغ وأنت ما عرفت هذه المسألة الفرضية؟! إن أوقاتنا مليئة لو أردنا أن نملأها، لكن إذا غاب العقل والتفكير عن المسئولية والواجب نبذ الفراغ، لأنه إذا وجد الفراغ استغله الشيطان ليملأه بالباطل.

إهمال الشاب الملتزم لدراسته

إهمال الشاب الملتزم لدراسته Q الظاهرة الرابعة: إهمال الشاب الملتزم لدراسته؟ A وهذه مشكلة المشاكل حقيقة، إن الدين والالتزام يحث الشاب المؤمن على كل فضيلة، وينهاه عن كل رذيلة، ومن الفضائل التي يحث عليها أن يكون له قدم السبق في كل مجال، سواءً كان هذا المجال علماً شرعياً أو علماً دنيوياً، لنثبت للناس أننا سبَّاقون في كل ميدان، وحتى لا يتصور الناس أنني بمجرد أن اهتديت أصبحت منعزلاً في الزوايا، ولا أقيم للحياة وزناً، فيُتصور للناس أن هذا الدين هو الذي حثني على هذا القصور، لا أبداً، إن الدين يحثك على عمارة الدنيا والآخرة، ويطلب منك أن تكون سبَّاقاً في كل ميدان؛ لأنه بهدايتك والتزامك استطعت أن توفر من وقتك وجهدك، فتصرف الوقت والجهد في المجال الذي أنت فيه؛ فإذا كان ترتيبك متأخراً يوم أن كنت ضالاً فإنه ينبغي لك بعد الهداية أن يكون ترتيبك الأول أو الثاني. يقول الشاعر: ونحن أناس لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر

عدم حضور حلقات العلم في المساجد

عدم حضور حلقات العلم في المساجد Q الظاهرة الخامسة: عدم حضور حلقات العلم في المساجد؟ A حضور حلقات العلم في المساجد شيء مطلوب للمؤمن وللشاب الملتزم؛ لأنها وجبات روحية يتعب مقدموها في تجهيزها وتحضيرها، وأنت إذا أردت أن تتناول وجبة تعدها أنت بنفسك لزمك أن ترجع إلى عدة مراجع حتى تهيئ لك وجبة متكاملة، لكن العالم أو طالب العلم الذي التزم بأداء درس معين في مسجد معين، فإنه قبل أن يأتي يهيئ لك هذا الدرس، ويجمع لك أطرافه، ويحصر لك مشتقاته، فتأتي على وجبة جاهزة، فحرصك على هذه الجلسة أو على هذا الدرس دليل على حياة قلبك، وعدم حضورك لهذا الدرس أو ضيقك فيه دليل على مرض قلبك، أو على موته والعياذ بالله. لذا كان من أوجب الواجبات على كل شاب مسلم أن يحرص على مجالس الذكر، وأن يتابع العلماء، وقدوته في ذلك صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وسلف هذه الأمة، الذين كانت حياتهم كلها حلق علم، ومجالس ذكر، ينتقلون من حلقة إلى حلقة، ومن علم إلى علم؛ لأن العلم إذا وجد على يد عالم كان له أثر في النفس، بعكس العلم الذي تأخذه من كتاب فقط، فقد تأخذ من الكتاب وتفهم شيئاً لم يرده صاحب الكتاب، ولكن بالتلقي من عالم أو من طالب علم تفهم العلم على حقيقته، وإذا حصل لديك إشكال يكون بإمكانك بعد الدرس أن تقف معه، وأن تستوضح منه وتستفهم حتى يزول الإشكال، فتبني علمك وثقافتك الإسلامية على أساس متين من الفهم والوضوح.

ضعف القراءة والاطلاع

ضعف القراءة والاطلاع Q الظاهرة السادسة والأخيرة: ضعف القراءة والاطلاع؟ A الكتب الإسلامية والمواضيع الشرعية هي بمنزلة وجبات الروح، وعدم الإقبال عليها يدل على مرض الإنسان، مثل وجبات الطعام التي تقدم له، فعدم الإقبال عليها يدل على مرض، فمثلاً الذي لا يأكل الطعام الطيب، فالعلة ليست في الطعام، لكن الرجل هو المريض، معدته مريضة جسمه غير قابل للطعام. وكذلك الكتب الإسلامية والشرعية طيبة، لكن عدم الإقبال على قراءتها يدل على مرض المعرض نفسه، لا على عدم صلاحيتها، فهي صالحة وطيبة، ولكن من أراد الشفاء فعليه أن يُلزم نفسه بالقوة ولو كانت نفسه لا تريد. فأنت حين تتناول كتاباً من كتب العلم في بدايته تشعر بضيق وانقباض، ولكن ألزم نفسك بالقراءة، حتى ولو شعرت بالانقباض أو عدم الارتياح، وإذا جاءك النوم وأنت تريد أن تقرأ وكنت مستلقياً فاجلس، وإذا جاءك النعاس وأنت جالس؛ فاذهب وتوضأ واغسل وجهك ثم ارجع واقرأ، وألزم نفسك بالمداومة مرة ومرتين وثلاثاً وأربعاً حتى تصبح القراءة خلقاً لك، بحيث لا يمكن أن تجلس إلا على قراءة. وحاول أن تستفيد من كل لحظة، بحيث يكون عند رأسك عندما تنام كتاب، وعند مقعدك وأنت جالس في غرفة الجلوس مع أهلك بعض الكتب، وتتناول في كل مناسبة كتاباً، ثم لتكن قراءتك واطلاعك قراءةً ذات قيمة ومعنى، فالقراءة ذات القيمة تقتضي أنك إذا حصلت على شيء مفيد لا تذهب عنه بسرعة بل ردده، أي: ارجع إليه مرة ومرتين وثلاثاً وأربعاً حتى تهضمه، ثم بعد ذلك إذا أردت أن تنقله في ورقه فقم بنقله وهذا لا شك أفضل، وإذا نقلت هذه الفائدة في ورقة فانقلها لأول شخص تلقاه من إخوانك، لأنك حينما ترددها ترسخ في ذهنك، وحينما تنقلها تزداد رسوخاً، وحينما تبلِّغ بها أخاك في الله تزداد رسوخاً أيضاً، وحينما تقولها لأهلك في المجلس في مناسبة قادمة تزداد وتزداد. ولكن مجرد القراءة العابرة لا تجزئ في الثقافة، لأنها عبارة عن معلومة تطرأ على ذهنك وتمسح التي قبلها، لكن القراءة المتيقنة الراسخة تثبت في ذهنك، وبهذه القراءة تستطيع أن تحصِّل العلم، بمعنى: أنه بمجرد أن يمر عليك شهر أو شهران أو ثلاثة إلا وقد أصبح عندك حصيلة علمية وثقافية كبيرة من جراء القراءة الرزينة، أما القراءة التي ليس لها تأكيد فإنك مهما قرأت لا يمكن أن يستقر في الذهن منها شيء؛ لأن كل معلومة جديدة تمسح التي قبلها؛ لأنها لم ترسخ في ذهن الإنسان.

ممارسة الدعوة بالخطابة والتحدث

ممارسة الدعوة بالخطابة والتحدث Q كثير من الشباب يرغب أن يمارس دوره في الدعوة إلى الله بالخطابة والتحدث، ولكن يمنعه الحياء أحياناً كثيرة، فكيف يتغلب على هذه الحالة؟ A حقيقةً إن ممارسة الدعوة عن طريق الخطابة عمل له سلبيات وإيجابيات، فمن سلبيات هذا العمل: أنه يدعو النفس إلى الرياء؛ لأنه يحصل للإنسان إذا وقف يتكلم أمام الناس من الثناء والإعجاب والتقدير ما يغلب على طبعه كبشر، فيحول نيته من الله إلى الناس، وبهذا يفسد عمله، فلا يجعل الله عز وجل لكلامه قبولاً في قلوب الناس؛ لأن هذا الدين من خصائصه أنه إذا أريد به وجه الله انتُفع به، وإذا أريد به وجو الناس زل الكلام من آذانهم كما يزل الماء من على الصفا، فما ينتفع الناس بكلامه مهما كان بليغاً، وهذه من سلبيات الخطابة. أما إيجابياتها فكثيرة جداً، أولاً: أنها تدفع الشاب الملتزم إلى البحث ليقدم الجديد للناس. ثانياً: أنها تدفعه إلى الالتزام بما يقول للناس، إذ من العار والعيب عليه أن يقف ويقول: صلوا، وهو لا يصلي، أو لا تغنوا وهو يغني، أو يحذرهم من النظر إلى المحرم وهو ينظر إلى المحرم؛ لأنه يضع نفسه بالدعوة في موضع القدوة، والشيطان حريص على ألا تضع نفسك في موضع القدوة، فالشيطان يريد باستمرار أن تبقى مجهولاً أو مخفياً بحيث يستطيع أن يمارس عليك ضغطه ويستطيع أن يهزمك بممارسة المعصية، لكن يوم أن تشعر أنت بأنك قدوة في المجتمع، وأن لك مكانة معينة، وإذا أردت أن تسقط جاءك الشعور الإيماني كيف تسقط وأنت تقول كذا، فيدفعك هذا إلى الاستقامة باستمرار. وعامل الحياء الذي يرد على الشاب حينما يريد أن يقف في مثل هذه المواقف هو حياء شيطاني ليس من الله، وإنما هو من الشيطان بواسطة التخذيل والتخويف لئلا تقف في هذا الموقف؛ لأنك حينما تقف تنصِّب نفسك لمعادة الشيطان، وهو لا يريد أحداً أن يعاديه، فربما إذا وقفت يُشعرك بالحياء والخجل والغلط أول مرة، وربما يسلط عليك بعض أصحابك فيضحكون عليك، ويقولون: أنت أخطأت، وأنت قلت، ولكن إذا علم الله منك صدق النية واليقين وسلامة القصد بأنك لم تقف إلا لوجهه، ولا تريد من هذا الوقوف إلا إبلاغ دين الله، فإن الشيطان لا يمكن أن يقف في طريقك، وعليك أن تستمر وتبدأ الطريق، ولا يهمك بعد ذلك أية معوقات، ولعل الله أن يهدي على يديك ولو رجلاً واحداً من هذه الأمة.

كيفية السير على طريق الدعوة أمام المعوقات من قبل الوالدين

كيفية السير على طريق الدعوة أمام المعوقات من قبل الوالدين Q يعاني بعض الشباب في بيوتهم من وقوف الآباء في وجه تطلعاتهم وتوجهاتهم الإيمانية مما يعكس أثراً سلبياً على استمرارية أولئك الشباب في طريقهم، ونود من فضيلتكم وضع معالم لهؤلاء الشباب تبين لهم كيفية السير في مثل هذه الظروف؟ A من الصعوبات الحقيقية التي تصادف الشاب أن يبتلى بأبيه أو بأمه أو بإخوانه في بيت لا يعينونه على طاعة الله عز وجل، هذه من أعظم المعوقات، وقد ضرب الله لنا الأمثلة في القرآن الكريم بأنبيائه ورسله الذين وُجِهوا بمثل هذه الصعوبات، فهذا نوح عليه السلام تقف في وجهه امرأته وولده، وهذا لوط عليه السلام تعانده امرأته وتكذبه ولا تؤمن به ولا تصدقه، وهذا إبراهيم عليه السلام يقف في وجهه والده، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف في وجهه عمه وكافله وحاميه أبو لهب، هذه الأمثلة جاءت لتعزية المسلم وتسليته وإخباره بأنه ليس الوحيد في هذا الطريق، وأن الهداية ليست بيد الإنسان، وإنما هي بيد الله عز وجل. فأنت حينما تهتدي وتجد أن أباك أو أمك أو أختك أو أخاك أو بعض أقاربك يقفون في وجهك، فعليك أن تثبت أولاً، وألا تتزعزع، وأن تسير في الطريق بدون تردد. أما الأسلوب الذي يجب أن تتبعه في دعوة الوالدين والإخوة فهو أسلوب الرفق واللين والصبر وعدم التصدي، وعدم ممارسة الأوامر والنواهي، لأن من عرف أنك صغير استحقرك، ولأن الوالدان باستمرار لا يريدان أن يتلقيا التوجيهات ممن هو أصغر منهم؛ لأنهما إذا رأوه يأمرهما وينهاهما وهما يعرفان ماضيه بأنه كان طفلاً صغيراً، وأنه عبر أطواراً معينة حتى بلغ مبلغ الهداية، فيقيسونه بماضيه وصغره وجهله وعبثه، يقولون: هذا اللعاب أصبح يهدينا ويأمرنا وينهانا، يا ألله! اذهب فالعب، فتجد الأب يضرب ولده والأم تضرب ولدها، لماذا؟ لأنه جاءهم بصيغة الأمر والنهي. ولكن عليه أن يمارس الدعوة برفق وبحساسية وبدقة، وعليه أن يستغل الفرص فلا يمارسها في كل وقت؛ لأن النصح في كل وقت يؤدي إلى الضجر والملل والرفض، لكن عليه أن يلتزم هو في ذاته، وإذا رأى فرصة مناسبة لدعوة والديه فلا يتركها، مثل قضايا الموت، فإذا سمع أن فلاناً مات يستغل ذلك، أو حضور جنازة، أو كسوف الشمس، أو خسوف القمر، أو هبوب الريح، أو وجود أمطار، أو شهر رمضان، أو موسم الحج، أو أية مناسبة دينية تحصل له، فعليه أن يستغل هذه المناسبة ويورد شيئاً مما يمكن أن يقبله والده أو والدته حتى يتأثرون. أيضاً: يستعين بالأشرطة الإسلامية؛ لأنهم قد لا يثقون في الكلام الذي ينقله بذاته؛ لأنهم يعلمون بصغر سنه، يقولون: ما هذا الكلام الذي قلته لكن إذا جاءهم شريط من عالم بشرط أن يكون هذا العالم موضع ثقتهم، فلا يأتي بأحد ليس موضع ثقة؛ لأنه إذا زعزعت ثقتهم في العالم أو الداعية الذي يسمعون كلامه، كأن يكون له سلوك سيئ، أو مواقف ليست مشرفة في الدين، فإذا سمعوه يكرهونه ويكرهون الدين، لكن يسألهم ويعرف ويتعرف من الذي يحبونه من الدعاة أو من العلماء؛ فيأخذ الشريط الذي يناسبهم ويعطيهم إياه، ويدعو الله تبارك وتعالى في صلاته في الليل، وفي صلاته في الفريضة، وفي سجوده يدعو الله أن يهديهم، فيكون مكلفاً لمسئوليتين: يدعو الله أن يهديهم، ويدعوهم إلى الهداية الله، ففي الليل يدعو الله لهم، وفي النهار يدعوهم إلى الله عز وجل. وهكذا بالنسبة للأخ، خصوصاً الأخ الأكبر، ينبغي أن يمارس معه نفس الأسلوب الذي يمارس مع الوالد، أما الأخ الأصغر فله أسلوب آخر، فكلما كان الأخ أكبر من الثاني فإن الصغير يريد أن يقتدي به، فهذا الأخ الصغير ينبغي أن تشمله بعطفك، ورعايتك وحنانك، وأن تقدم له كل ما تستطيع من الإعانة المادية، ولو على حساب مصلحتك أنت، المصاريف التي أنت تتناولها يومياً أعطه إياها، أشعره بأنك تحبه وترحمه، لا تذهب مكاناً إلا وهو معك، إذا ذهبت تشتري شيئاً اشتر له قبلك، ومن ثم أخدمه، فإذا أراد شيئاً أعطه إياه، لا تحاول أن تستخدمه حتى يحبك، فإذا أحبك ورأى منك هذا الخلق فإنه رأساً يتشبث ويقتدي بك. ومن ثم تهدي له، خصوصاً من الأشياء التي يحبها مثل: الملابس، والأحذية، والكتب، والأدوات الدراسية، عندما تفتح حقيبته وترى أنه ليس عنده علبة هندسة، تذهب وتشتريها له بخمسة ريالات وتعطيه، تقول: هندستك قديمة هذه هندسة جديدة خذها، أو تعطيه قلماً، أو تساعده في حل واجباته، فإذا كان لك إخوة صغار فهؤلاء هم أعظم خامة بالنسبة لك، فيمكن لك أن تشكلهم على ما تريد أنت، لكن إذا كنت الكبير وأنت الملتزم فيهم، بينما تمارس على أخيك الصغير الضغوطات: قم وهات وافتح الباب واطلع وانزل كرّْهته فيك، وإذا بك تدعوه فيكرهك أكثر، فهذا أسلوب نافع بإذن الله عز وجل.

قوة البداية وحسنها لها أثر في استمرارية الإنسان على الإلتزام بدين الله

قوة البداية وحسنها لها أثر في استمرارية الإنسان على الإلتزام بدين الله Q هناك مقولة تقول: "من لم يحترق في بدايته لم يتوهج في نهايته" ما مدى انطباق هذه المقولة على البداية الجادة القوية للتوجه الإيماني، والبداية الفاترة الهزيلة له؟ A هذه المقولة صحيحة إلى حد ما؛ لأن قوة البداية وحسنها لها أثر في استمرارية الإنسان في دين الله، أما ضعف البداية وعدم وضوح النية فيها فقد عده العلماء من أسباب الردة في دين الله عز وجل؛ أي أن الأشياء التي يُحبط بها دين الإنسان ويرتد بها عن الدين، هي أن تكون بدايته أصلاً لغير وجه الله، أو أن تكون هزيلة، أو لغرض مادي أو شهواني، فهؤلاء قليل منهم من يتجاوز الطريق ويصل، وغالباً ما ينقطع ويعجز عن الوصول؛ لأن الدافع في الأصل ضعيف، وحينما يكون الدافع ضعيفاً لا يمكن له أن يواصل السير. لكن حينما تكون البداية قوية والدافع قوي، يترتب على هذا دفع قوي؛ لأن هذا دين الله، والله تبارك وتعالى يقول: {فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ} [الأعراف:145] ويقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً} [المزمل:5] وطريق الإيمان طريق ليس مفروشاً بالزهور ولا بالورود، وإنما طريق شائك، طريق فيه تمرد على النفس، فيه تحرر على الطباع والشهوات، وفيه انقلاب على الأهواء والملذات، يُطلب منك إذا اهتديت أن تغير كل شيء، تغير سمعك فلا تسمع إلا شيئاً جديداً عما كنت تسمع، تغير نظرك وأصدقاءك، وطباعك، وبرامجك، وكتبك وأشرطتك، وتغير حتى أسلوبك في الأكل، والنوم، والتعامل، والسير في الطريق، كل شيء في حياتك يحصل فيه انقلاب رأساً على عقب. أما الذي يدخل بضعف؛ فالضعيف لا يستطيع أن يقوى على شيء، فلا بد للمؤمن أن يدخل بقوة وبعنف وألا يتردد، هذه في مقامه مع نفسه. أما مع غيره في أسلوب الدعوة فلا ينبغي له أن يكون عنيفاً؛ أي: مع نفسي آخذها بأعلى درجات الكمال، ولكن مع الناس آخذهم برفق؛ لأن الشدة معهم مصادمة ومضادة للأسلوب النبوي، أسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم الذي دلنا عليه وأمرنا به، والذي أخبرتنا به سنته هو اللين، يقول عليه الصلاة والسلام: (يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا) وكان ليناً صلوات الله وسلامه عليه: (ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما) والله تبارك وتعالى يقول: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] ويقول للنبي صلى الله عليه وسلم: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]. فإذا كنت تدعو أخاك أو أمك أو أباك أو صاحباً لك يجب أن يكون هذا بتدرج ولطف ورفق، أما دعوتك لنفسك فبأقصى درجات الحزم؛ لأن النفس إن لم تحزم عليها، وتأخذها بقوة وتفطمها بعنف تمردت، والناظم يقول: والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم فاصرف هواها وحاذر أن توليه إن الهوى ما تولى يصمي أو يسم فخذ نفسك بالقوة، لا ترض أن تتزحزح، أو أن تتراجع، أو أن تتخاذل أمام شهوات النفس؛ لأنها أمَّارة بالسوء، ولكن لا تزال بها بقوة حتى تبلغ بها درجة اسمها درجة الاطمئنان، وهي النفس المطمئنة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها.

دور الشاب الملتزم في المجتمع الذي يعيش فيه

دور الشاب الملتزم في المجتمع الذي يعيش فيه Q دور الطالب الملتزم بدينه مع زملائه في الصف، وإخوانه في المنزل، وجيرانه في الحي، هذا الموضوع يحتاج إلى بيان شافٍ من قبلكم، فتفضلوا علينا بذلك جزاكم الله خيراً؟! A دور الشاب الملتزم تجاه إخوانه في بيته أوضحته فيما سبق، أما تجاه زملائه في الصف أو الأصدقاء في الحي أو الرفاق في المسجد والمصلى، فهو دور بارز وذو أهمية كبيرة ينبغي أن يوليها الشاب أكبر الاهتمام، وأول مرحلة ينبغي أن يتمسك بها هي القدوة؛ لأن القدوة دعوة عملية، تقنع الناس بصلاحية ما عندك أيها الشاب، وأقوالنا ما لم تكن مترجمة في سلوكنا وأعمالنا، وإلا فإننا ندعو الناس بألسنتنا إلى الإسلام، ونطردهم بأعمالنا من الإسلام، ودائماً الفعل أشد تأثيراً ووقعاً من القول، فالقول يسهل على كل واحد أن يقول، لكن الالتزام والفعل صعب جداً. فأول ما ينبغي للشاب الملتزم أن يكون قدوة في سلوكه وتصرفاته مع زملائه، قدوة في التحلي بالأخلاق الإسلامية الفاضلة: من الصدق، والعفة، والمروءة، والشهامة، والكرم، والنجدة، والصبر، والوفاء بالوعد، والبذل، والإخلاص، والتضحية، هذه كلها أخلاق إسلامية إذا توفرت فيك أحبك الشباب، وأحبوا أن يكونوا مثلك. ثانياً: القدوة في العبادة، بحيث يرونك دائماً الأول: الأول في الصف، الأول في الروضة، الأول في كل خير، والأول في الندوة وفي جلسة العلم، بهذه الأولوية تكون قدوة؛ لأن الشاب الذي يراك يقول: لماذا هذا الأول وأنا لا أستطيع؟! لكن حينما يراك تأتي في مؤخرة الصفوف، وهو لا يأتي أصلاً فإنه لا يبالي، فلا بد أن تكون قدوة في العبادة إلى جانب القدوة في الأخلاق. والقدوة الثالثة: قدوة في ترك المعاصي والذنوب؛ لأن الذنوب والمعاصي حجاب بين العبد وبين الله عز وجل، فإذا أردت من الناس ألا يقتدوا بك في هذه الأشياء فعليك أن تبتعد أنت بنفسك عنها، وعن ممارستها أو القرب منها، يقول لي أحد الشباب: كنت أسمع داعية يدعو إلى الله باستمرار في المساجد، يقول: فأتت مناسبة من المناسبات فذهبت أنا وإياه في وليمة، وكنت أقود السيارة وكان بجواري، يقول: وفي الطريق دخلنا على إحدى القرى، وفجأة عرضت أمامنا فتاة وكانت متبرجة، يقول: فأنا اعتبرت هذا الموقف بمنزلة الاختبار لهذا الداعية، فجلست أرصده، أرى ماذا سيفعل، هل سينظر، أم سيغض بصره؟ يقول: فنظرت إليه وأنا أقود وإذا به منكساً رأسه، نكس رأسه وهو يستغفر الله عز وجل، يقول: فكان لهذا الفعل منه أكبر الوقع والأثر في قلبي، إذ أن هذا العمل أثر بي أعظم من ألف موعظة سمعتها في غض البصر، لكن لما رأيته يغض بصره والمرأة أمامه وهو شاب مثلي، ولديه مثلما لدي من الرغبة في النظر، ولكن الذي منعه خوفه من الله، يقول: فغضضت بصري من ذلك الوقت، وأصبح هذا الموقف مرسوماً في عيني إلى أن أموت. فالقدوة مطلوبة في ترك المعصية، ومطلوبة في الحرص على الطاعة، ومطلوبة في التحلي بالأخلاق الإسلامية. ثم بعد القدوة ممارسة الدعوة بالأسلوب اللين عن طريق الإكرام، أهم شيء -أيها الإخوة- نستطيع به كسب الناس: إكرامهم، ومحبتهم، وإشعارهم بقيمتهم، وعزيمتهم، والإهداء لهم، ولو بالعبارة الطيبة، أو البسمة الطيبة، أو حتى بتقديم الحذاء له وهو خارج، أو بتقديم أي خدمة له، فبهذا أكسب مودته ومحبته، فإذا كسبته وأصبح يحبني عندها أي كلام ألقيه عليه يستجيب، ولهذا تعرفون كيف أن الله عز وجل اختار من البشر أحب الخلق إلى الخلق، صلوات الله وسلامه عليه، فكانوا يسمونه الصادق الأمين، وكان محبوباً على مستوى جميع طبقات قريش فكلهم يحبونه، فاختاره الله عز وجل لمنزلته من قلوب الناس، لكن لو اختار واحداً مبغوضاً فلن يحب أحد هذا الدين، لأنك إذا كرهت إنساناً كرهت الحق الذي معه، وإذا أحببت إنساناً أحببت حتى الباطل الذي عنده. ولهذا ترون أن أهل الباطل الآن يجذبون الشباب بالمغريات، وعن طريق الرحلات والشهوات والهدايا، فنحن أولى بأن نجذب إخواننا وزملاءنا في الفصول؛ وفي المسجد، وفي الحي عن طريق الإهداء وكسب المحبة، ثم الرفق بهم، وعدم العنف، وعدم تحميلهم أكثر من طاقتهم، نريد أن يصبح الشاب وفق إمكاناته هو، لا وفق أن نسحبه سحباً؛ لأنك إذا سحبته ثم تركته انفلت وتفلت، لكن إذا مشى معك بذاته ثم تركته فلا يزل على مكانه. فرق بين من تحمله وبين من يحمل نفسه، من تحمله أنت إذا تركته انفلت، لا ينفع إلا أن تجلس معه باستمرار، وإذا تركته أخذ ينظر إلى النساء، ويسمع الأغاني، لكن من يمشي معك وهو يحمل نفسه، إذا تركته فهو مكانه لا يزل، لماذا؟ لأنه يسير بنفسه لا بحملٍ منك، فدعه يسير على مقدار إمكاناته، وأما دورك فيكون في تشجيعه وفي حمله على أن يصير بنفسه لا بحمل منك أنت.

وصايا للحضور

وصايا للحضور Q كان سلف الأمة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين إذا التقوا في مجالس الخير والعلم ثم أرادوا الانصراف بعد ذلك هل يختتمون مجلسهم بوصية تذكرهم بالله تعالى، ونريد من فضيلتكم وصية نختم بها مجلسنا المبارك؟ A بارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً، أما الوصية التي أوصي بها نفسي، وأوصي بها إخواني، فهي وصية الله عز وجل للأولين والآخرين التي قال الله فيها: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131] وتقوى الله هي مراقبته، وأن يجعل العبد بينه وبين عذاب الله وقاية من العمل الصالح، وأستطيع أن ألخص هذه الوصية في ست فقرات أو ست وصايا بإذن الله، تكون إن شاء الله نافعة للإنسان السائر إلى الله عز وجل: الوصية الأولى: قراءة القرآن الكريم. بأن يكون لك ورد يومي من كتاب الله عز وجل، لا يمكن أن تتأخر أو تتخلف عنه بحال من الأحوال، ولو لم يكن هذا الورد كثيراً، ولو صفحة واحدة تقرأها وتعرف تفسيرها ومعناها، كوجبة روحية لقلبك في كل يوم، وأنسب الأوقات وأفضل اللحظات لقراءة القرآن بعد صلاة الفجر؛ لأن النفس صافية، والذهن موجه للاستقبال، وأي شيء تقرأه أو تسمعه في تلك اللحظات يثبت؛ لأنه بعد استراحة، وكذلك في بداية يوم جديد؛ لأنك تكون فيه نشيط العقل والذهن، فهذه الوصية الأولى وهي: قراءة كتاب الله وقراءة تفسيره ومعانيه، وأوصي بقراءة تفسير ابن كثير لمن أراد التوسع، وقراءة تفسير في ظلال القرآن لمن أراد الفكر الناصع الدعوي الحي، وقراءة تفسير صفوة التفاسير فإنه يعطي شيئاً من المفاهيم التي جمعها من معظم التفاسير. الوصية الثانية: أن يكون لك في كل يوم حديثاً واحداً تقرأه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. لا بد ألا يمر عليك يوم إلا وقد قرأت حديثاً واحداً، وخير كتاب يوصى به في هذا: كتاب رياض الصالحين؛ فإنه كتاب قيم، اشتمل على كل الإسلام بأصح الأحاديث؛ فليس فيه حديث موضوع، كل أحاديثه تدور بين الصحيح والحسن، وليس فيه حديث موضوع أبداً بأي حال من الأحوال، وقد ذكر أهل العلم أن فيه سبعة عشر حديثاً ضعيفاً، ولكنها في فضائل الأعمال، وقد جوزوا الاستشهاد بها، فيجب أن تقتني هذا الكتاب، وأن يكون عند رأسك، وأن تقرأ كل يوم ولو حديثاً واحداً، فإذا فهمت الحديث فالحمد لله، وإذا لم تفهمه رجعت إلى تفسيره، وتفسيره في كتاب اسمه: دليل الفالحين شرح رياض الصالحين، وهو أربع مجلدات شرح فيه رحمه الله رياض الصالحين. الوصية الثالثة: أن تحرص على مرافقة الصالحين. لأن الطريق شاسع، وإن لم يكن معك أخ في الله يعينك، وإلا فإنك سوف تتردد، والأخ هذا الذي سوف تمشي معه هو من يسحبك ويعينك على طاعة الله لا من يخذلك، فإذا مشيت مع واحد ووجدت أن عنده ضعفاً في الدين فاحذر منه؛ فإنه يعيقك عن الإتيان في طريق الله. الوصية الرابعة: أن تحذر كل الحذر من رفيق السوء الذي يزين لك الباطل. فكم من إنسان كان شعلة في الهداية، ولكن بجلسة واحدة مع صاحب سوء رده ونكسه والعياذ بالله: (فالقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء) فبجلسة واحدة تؤمن، وبجلسة واحدة تكفر، فلا بد من اختيار الزميل، لا تقول: فقط هذه الرحلة، لا. أنت إذا جلست مع شخص أجرب أو شخص عنده سل أو كوليرا أو إيدز، لا تجلس معه لحظة واحدة، هذا والله الذي عنده طعن في دينه، وشك في عقيدته، وفسق في أخلاقه، والله إنه أخطر عليك من كل خطير. الوصية الخامسة: عليك أن تجتهد كل الاجتهاد في طاعة الله عز وجل، حافظ على جميع الأوامر الربانية؛ لأنها غذاؤك ووقودك في السير إلى الله، فالسيارة لا تمشي إلا بوقود، وأنت لا تستطيع أن تعيش إلا بغذاء، فغذاؤك في طريقك إلى الله كثرة العبادة، حتى ترق روحك وتصير شفافة؛ لأن من الناس من لديه حماس للدين لكن عنده ضعف في العبادة، فهذا لا ينفع، تجده يحترق على الدين من قلبه، لكن لا يصلي في المسجد، فلا بد أن يكون لك قوة عبادة مثل: كثرة الأذكار؛ أذكار الصباح والمساء، وأذكار الأحوال والمناسبات، أيضاً كثرة القراءة، وكثرة النوافل سواءً كانت هذه النافلة الضحى، أو نافلة صلاة الفجر التي بعد الشروق، أو نافلة التهجد في الليل. أما السنن والرواتب فإنها بحقك أنت مثل الفرائض فلا تتركها أبداً، أيضاً كثرة الصدقة إذا كان عندك إمكانيات ولو من مصروفك، أشعر نفسك بالاستعلاء على المادة، إذا كانت مصروفاتك في اليوم خمسة ريالات، فكل ثلاثة ريالات وأبقِ معك ريالين وحاول أن تذهب بهما في المجال الخيري، إما بإهدائها لأخ، أو صدقة على زميل لك من زملاءك التي تعرف أن حالته متعبة، ليست القضية أن ليس عندك شيء، لا. فالريال الواحد له ميزان عند الله عز وجل. أيضاً نوافل العبادات في الصيام، كصيام يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع، أو صيام ثلاثة أيام من كل شهر، أو نوافل العمرة والحج، أو نوافل صلة الأرحام، أو نوافل بر الوالدين، هي فريضة لكن هناك نوافل بالمبالغة في بر الوالدين. وهذه مصيبة! أكثر الشباب المهتدي منذ أن يهتدي ويرى أمه وأباه ليسوا مثله يعصيهم، ويظن أن معصيتهم طاعة لله، لا. فالله أمر بطاعتهم ولو كانا مشركين، قال: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:15] فأنت عندما تكون أنت وأخوك، أخوك غير مهتدٍ وأنت مهتدٍ في البيت، ثم ترى والدتك أو والدك أنك عاصٍ لهما وأنك باستمرار بعيد عن مصالحهم، ويرون أخاك العاصي في أيديهم أينما طلبوه وجدوه، وأينما أرسلوه يلبي، وباستمرار في خدمتهم، فهذا يدعوهم بفعله إلى المعصية، فيحبون المعاصي بأخلاقه، وأنت تدعوهم بفعلك إلى ترك الدين، لكن إذا انعكست الآية وأصبحت أنت البار والطيب وأنت الذي تخدم، وأنت الذي باستمرار في كل خير، بطبيعة الحال هذا الفعل سيؤثر في أمك وأبيك. الوصية السادسة: وهي الحرص الكبير جداً على الطاعة، ينبغي أن تكون في المسجد قبل الآذان، وإذا تأخرت فليكن بعد الأذان مباشرة، لا كما يفعل بعض الناس لا يخرج إلا إذا أقيمت الصلاة، لا. ثم يأتي وتفوته تكبيرة الإحرام، لا. بل يجب أن تكون في أول الصف، تأتي وتصلي ركعتين تحية المسجد، ثم تصلي بعدها نافلتين أو أربع ركعات، ثم تأخذ المصحف وتقرأ القرآن، ثم تذكر الله حتى تقام الصلاة وأنت مشرق النفس متهيئ للقاء الرب. الوصية السابعة والأخيرة هي: الحرص الكبير على عدم ممارسة أي معصية من معاصي الله عز وجل مهما كانت صغيرة، فإن الصغير غداً يصير كبيراً، يقول: لا تحقرن من الذنوب صغيراً إن الصغير غداً يعود كبيراً إن الصغير وإن تقادم عهده عند الإله مسطر تسطيراً فلا تستصغر أي ذنب، كأن تقول: والله هذه أغنية، فإذا كنت مع زميل لك في سيارته وشغل أغنية لا تقل: سهلة وتستحي منه، لا. ولكن كن كالأسد وأغلقها، إذا قال لك: لماذا؟ تقول: لا أريد أن أسمع، واتركه إذا أصر لا تكن ضعيفاً؛ لأنك إذا لم تتركه أملى عليك الباطل، ويمكن تنزل من السيارة وقد تغير قلبك، فقد يأتيك إبليس ويقول: رأيت كيف أن الناس في راحة! وأنت عقدت نفسك على الأشرطة القرآنية وعلى الدين، انظر هذا مرتاح! فيوحي إليك الشيطان فتتزعزع فتسمع فتزيغ. وكم كان الزيغان لأكثر الناس إلا بمثل هذه الأساليب، لا تتزعزع أمام أغنية أو أمام نظرة كأن تمشي في الشارع فترى امرأة، وأول نظرة هذه هي الخطر، فإذا رأيتها غض بصرك مباشرة واستغفر الله، يسكب الله في قلبك النور والإيمان، لكن إذا تابعت الثانية يذوب الإيمان في قلبك ويحترق، ولا يبقى معك دين أيها الإنسان. لا تتزعزع أمام المال الحرام مهما كان ولو قرشاً واحداً من حرام لا تأخذه، ولا أمام غيبة في مجلس من المجالس، فإذا سمعتهم يغتابون فلا تتكلم في الغيبة ولا بالنميمة، ولا بأي معصية من المعاصي التي حرمها الشرع، احرص ألا تعصي الله، كن دائماً نظيفاً، لماذا؟ لأنك بالطاعات تبني، وبترك المعاصي تحمي، فما دام البنيان قائم والحماية حاصلة يكتمل البنيان، لكن إذا كان البنيان يقوم والمعاصي تهدم؛ فإن المعاصي تفتك بالبنيان ولا يقوم. أما إذا كان العكس فالمعاصي مستمرة، والبنيان متفوق، -مثل أكثر الناس الآن، ليله ونهاره كله معاصٍ: أغانٍ، وتمشيات، وسب، وشتم، وقطع صلوات، وليس هناك طاعة- فلا يقوم له البنيان. هذه الأمور السبعة التي أوصي بها نفسي أولاً، وأوصيكم بها، وأعيدها لتثبت في أذهانكم. أولاً: ليكون لك ورد في كتاب الله يومياً، ولا يمكن أن تخل بهذا أبداً مهما كانت الظروف، مثلما تعرف تأكل يجب أن تأخذ وجبتك أولاًَ من القرآن، وأن يكون لك ورد من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولك أصدقاء صالحين، وأن تبتعد من الأصدقاء الفسقة والعصاة، وأن تحرص على طاعة الله، وأهم طاعة لله: الصلاة في المسجد وخصوصاً الفجر، وأن تحرص على ألا تعصي الله عز وجل، وأعظم شيء أحذِّر منه الشباب باستمرار الغناء والنظر للمحرم واللعب، خاصة الملهيات في المجالس، تجد بعض الشباب يجتمعون أربعة أو خمسة فيلعبون الورق أو الدمنة أو الكيرم، هذه تدل على أن الشخص لا يعرف لما يعيش له، صحيح أن النفس تريد نوعاً من التسلية لكن في حدود المباح، أما الانشغال بهذه الملهيات عن دين الله عز وجل فهي خطأ، وهل هناك أعظم من تسليتك بكتاب الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ليس أعظم من ذلك، بارك الله فيكم. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

التبرج والسفور والحجاب

التبرج والسفور والحجاب بدأ الشيخ بالحديث عن الحكمة من وجودنا في هذه الدار الدنيا، ومن ثم تكلم عن مصير الإنسان بعد الموت. ثم تحدث بعد ذلك عن المخالفات التي تقع فيها كثير من النساء -سواءً عن إصرار أو جهل- ذاكراً من هذه المخالفات كثرة اللعن والتهاون في أداء العبادات وترك المنهيات عامة. ومن ثم حذر المرأة من إدخال بيتها من لا يرضى الزوج دخولهم، متناولاً العواقب المترتبة على التبرج وطرح الحجاب والعواقب الوخيمة المتحققة بسبب ذلك.

حكمة وجودنا في الحياة

حكمة وجودنا في الحياة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فنسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، وألا يبقي فينا ولا منا شقياً ولا محروماً؛ فإن الشقي المحروم هو من حرم طاعة الله عز وجل في هذه الدنيا. شقيٌ في هذه الدار بالمعصية، ومحروم في الدار الأخرى من الجنة، يقول عليه الصلاة والسلام وهو يدعو: (اللهم لا تبق فينا شقياً ولا محروماً، ثم قال: أتدرون من الشقي المحروم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قاطع الصلاة أو تارك الصلاة).

السعي لبلوغ أعلى درجة في الجنة

السعي لبلوغ أعلى درجة في الجنة أيها الإخوة! نحن في هذه الدار غرباء، ولا بد للغريب من الرحيل، وموعد الرحلة غير محدد، والمؤمن العاقل هو من يكون دائماً على أهبة الاستعداد للرحيل من هذه الدار، فهو لا يعرف متى يفاجئه القضاء، في ليله أو نهاره، بعد سنة أو يومٍ أو ساعة أو لحظة، فهو دائماً على أهبة الاستعداد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني) والكيس هو: العاقل. إننا في هذه الدنيا غرباء؛ ولكن بسبب طول المدة أصبحنا كأننا من أهلها، وإلا فلسنا من أهل هذه الدار، نحن جئنا إليها عراة فرادى، وسنخرج منها عراة فرادى، قال الله تعالى: {لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِداً * وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ} [الكهف:48 - 49] إن هذا الكتاب هو كتاب الأعمال التي عملها الإنسان في هذه الدنيا، وما من يومٍ تشرق فيه الشمس إلا وصفحة جديدة من كتاب أعمالك تفتح لك في ذلك اليوم، وأنت الذي تملي والملائكة هم الذين يسجلون، فإن أمليت خيراً سجلوا خيراً، وإن أمليت شراً سجلوا شراً، فإذا غربت شمس ذلك اليوم طويت هذه الصفحة. حتى إذا ما انتهت صفحات هذا الكتاب -وهو عبارة عن انتهاء عمرك في هذه الدنيا- ونقلت من هذه الدار إلى الدار الآخرة، نقلت ونقل معك هذا الكتاب، ثم هو يبقى معك إلى يوم القيامة، وفي يوم القيامة تتطاير الصحف، وتؤخذ الكتب إما باليمين وإما بالشمال قال تعالى: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ} [الإسراء:13 - 14] الذي أمليت {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً * مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً * وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً * وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً * مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ} [الإسراء:14 - 18] يعني: الدنيا {عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً * كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً} [الإسراء:18 - 20]. فأنت في هذه الدنيا تملي البيانات، وتملأ الملفات، وفي الحديث: (ما من يوم تشرق فيه الشمس إلا وملك ينادي مع هذا اليوم: يابن آدم! أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فاغتنمني فإني لا أعود إلى يوم القيامة). الليل والنهار خزانتان تخزن فيهما الأعمال، والرحيل لا بد منه قال تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ} [الكهف:49] لأن أياديهم سوداء، وأعمالهم فظيعة، وجرائمهم شنيعة، ووجوههم -والعياذ بالله- مكفهرة من قلة الإيمان وكثرة المعاصي والذنوب، فإذا رأوا الكتاب قالوا: {يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف:49]. فنحن -كما قلت، أيها الإخوة- في هذه الدنيا غرباء؛ لأننا جئنا إليها رغم أنوفنا، ولا يوجد أحد أعطي حرية الاختيار في المجيء إلى هذه الدار، وهل يوجد أحد أُخذ رأيه قبل أن يولد: أتريد أن تولد أم لا؟ لا. بل يأتي إلى الدنيا رغم أنفه، ولا يترك له حرية اختيار النوع: أيكون رجلاً أو امرأة؟ أيكون في هذه القرية أو في القرية الثانية؟ أيكون في هذه البلاد أو في بلاد أخرى؟ إنه يخلق ويولد ويوجد وفق مشيئة الله تبارك وتعالى، ثم هو يقضي هذه الفترة من العمر في هذه الحياة، حتى إذا ما انتهت تابعية السماء، وانتهى العمر المحدد من رب العالمين في هذه الدنيا؛ انتقل من هذه الدار رغم أنفه، ولا أحد يريد الموت!

طلب نعيم لا موت فيه

طلب نعيم لا موت فيه إن الإنسان في أول الحياة يتعب، ويكد ويكدح ويدرس السنين الطوال، فإذا ما كبر أولاده وأصبحت الأموال في قبضته، والأولاد في خدمته، والمجتمع كله يقدره ويجله؛ إذا بالموت يهدم عليه كل شيء. لهوت وغرتك الأماني وعندما أتمت لك الأفراح فوجئت بالقبر تزينت له الدنيا من كل ناحية ثم فجأة يأتي الموت. يقول الحسن البصري رحمه الله: [أبى الموت إلا أن ينغص على أهل النعيم نعيمهم، فاطلبوا نعيماً لا موت فيه! قالوا: أين يرحمك الله؟ قال: في الجنة!] قال تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود:108] أي: غير منقوص. فعلى المسلم العاقل الحازم أن ينتبه! لماذا أتى إلى هذه الدنيا؟ وما الذي أراده الله من خلقه؟ أخلقك الله -أيها المسلم- من أجل أن تأكل وتشرب كما يأكل الحيوان ويشرب؟! أم من أجل أن تمسي وتصبح، تنكح، وتأكل وتشرب، وتنام وتستيقظ، ويكون همك محصوراً في هذا؟ إذا كنت كذلك فاعلم أن الأنعام أيضاً همها محصور في هذا، قال عز وجل {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12]. أما المؤمنون فإنهم يدركون أن الله خلقهم لشيء غير هذا، يعرفون أن الله أوجدهم لطاعته، وخلقهم لعبادته، فهم يبذلون الليل والنهار، والسر والجهار، والأموال الطائلة، والأعمار الطويلة كلها في طاعة الله تبارك وتعالى، حتى إذا ما جاء الرحيل من هذه الدنيا؛ إذا بهم ينتقلون إلى دار الآخرة، وقد ملئوها بالعمل الصالح، يقول ابن القيم رحمه الله: فحي على جنات عدنٍ فإنها منازلنا الأولى وفيها المخيمُ ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونُسلمُ وقد زعموا أن الغريب إذا نأى وشطت به أوطانه فهو مغرمُ وأي اغترابٍ فوق غربتنا التي لها أضحت الأعداءُ فينا تحكمُ فيا خاطب الحسناء إن كنت راغباً فهذا زمان المهر فهو المقدمُ فكن أيّماً عمن سوها فإنها لمثلك في جنات عدنٍ تأيمُ وكن مبغضاً للخائنات بحبها لتحظى بها من دونهن وتكلمُ إذا أردت الجنة -يا أخي المسلم- فأعد لها من الآن، ولا تغفل عن طاعة الله تبارك وتعالى حتى إذا نزل الموت إذا بك مفلس من العمل الصالح. إذا جاء الموت، ورأيت الحقيقة، وقامت عليك الحجة، ورأيت مقعدك من الجنة أو من النار، ونظرت إلى الأولاد وهم يتبرءون منك، ونظرت إلى الأموال وهي لا تدفع عنك شيئاً، ونظرت إلى الأقارب وهم يمسكونك بأيديهم ويقلبونك على فراش الموت، ما يملكون حيلة في تلك اللحظات، ويتمنى الإنسان أنه يرجع إلى الدنيا، يقول الله تبارك وتعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:99 - 101].

يوم يلقى الإنسان ما قدمت يداه

يوم يلقى الإنسان ما قدمت يداه وإن البرزخ: حياة القبر، والحياة البرزخية منذ أن يموت الإنسان إلى أن يبعث من في القبور يوم القيامة. لأن الحياة تنقسم إلى ثلاث مراحل: حياة الدنيا، وحياة البرزخ، وحياة الآخرة. فالحياة الدنيا نقضيها نحن وإياكم كما تعرفون، والحياة البرزخية يقضيها أهل القبور في قبورهم منذ أن ماتوا وحتى يقوموا يوم القيامة، والحياة الآخرة من يوم القيامة حين يرث الله الأرض ومن عليها إلى مالا نهاية، وليس هناك وقت محدد بل هم فيها خالدون، أي: في النار أو الجنة.

هول يوم النشور

هول يوم النشور ينبغي للعاقل أن يتنبه، قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:99 - 101] يهرب الإنسان من أبيه، وأخيه، وأمه، قال الله تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:34 - 37] كل مشغول بنفسه ذلك اليوم، يأتي الولد إلى أبيه يقول: يا أبي! أنت ربيتني صغيراً، وغذوتني كبيراً، أسألك بحق بنوتي عليك أن تعطيني حسنة أرجح بها ميزاني؟ فيقول: يا ولدي! غذوتك صغيراً، وعطفت عليك كبيراً، أسألك بحق أبوتي عليك حسنة واحدة أثقل بها ميزاني، فيهرب كل من الآخر، ولا يأخذ أحد من الآخر شيئاً، لماذا؟ لأنهم يرون النار يحطم بعضها بعضاً، ويرون الجنة تتزين لأهلها، فإذا لا يوجد هناك عملة تنقذ إلا عملة الحسنات، فيود كل واحد أنه يفتدي من ذلك اليوم بملء الأرض ذهباً ولو كان يجده، لكنهم لا يجابون إلى ذلك أبداً، والناس في موقف عظيم لا يعلمه إلا الله: مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمورُ إذ كورت شمس النهار وأدنيت حتى على رأس العباد تسيرُ وإذا الجبال تقلعت بأصولها ورأيتها مثل السحاب تسيرُ وإذا البحار تأججت نيرانها ورأيتها مثل الحميم تفورُ وإذا الجنين بأمه متعلقٌ خوف الحساب وقلبه مذعورُ هذا بلا ذنبٍ يخاف لهوله كيف المقيم على الذنوب دهورُ يوم القيامة يشيب له الوليد! أيها الإخوان! اتقوا يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً الطفل الصغير يشيب، والأم تذهل عما أرضعت، والحامل تضع حملها، قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:1 - 2]. وإذا الجنان تزينت وتزخرفت لفتىً على طول البلاء صبورُ وإذا الجحيم تسعرت نيرانها فلها على أهل الذنوب زفيرُ أين أنت -يا أخي- في ذلك اليوم؟! إنه هول عظيم يشيب له رأس الوليد. يقول كعب الأحبار لـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [يا أمير المؤمنين! اعمل عمل وَجِلٍ، فوالذي نفسي بيده! لو وافيت القيامة ومعك عمل سبعين نبياً إلى جانب عملك لظننت أنك لا تنجو يوم القيامة] ويقول: [اعمل عمل وَجِلٍ، فوالذي نفسي بيده! إن جهنم لتزفر يوم القيامة زفرة ما يبقى معها ملك مقرب، ولا نبي مرسل؛ إلا ويخر على ركبتيه جاثياً!]. فيا أخي! ليس بينك وبين هذا إلا أن يقال: فلان مات، وبعدها إما أن تكون في روضة من رياض الجنة إذا كنت من أهل الإيمان، وإما أن تكون في حفرة من حفر النار إذا كنت من أهل النفاق والعصيان، أعاذنا الله وإياكم من ذلك.

تقوى الله غوث كل مستغيث

تقوى الله غوث كل مستغيث فعلينا أن نتقي الله تبارك وتعالى، وألا نغفل عن هذا المصير الذي لا بد منه، ومن كان عنده شك وغفلة وتردد فلينظر إلى القبور، ويسألها لتحدثه بأخبار من فيها: ما للمقابر لا تجيب إذا رآهن الكئيب حفرٌ مسقفة عليـ هن الجنادل والكثيب كم من حبيب لم تكن عيني لفرقته تطيب غادرته في بعضهن مجندلاً وهو الحبيب تترك أمك وأباك، وزوجتك وولدك، وهم أحب الناس إليك، تتركهم في حفرة مظلمة وتذهب عنهم، تبكي أياماً وليالي، ثم تسلو وتنسى، وأنت سوف تُترك في تلك الحفرة تتوسد فيها التراب، وسوف يكون غطاؤك وفراشك فيها التراب، وأمامك وخلفك التراب، لا فراش معك، ولا أنيس، ولا قريب؛ إلا العمل، فإن كان العمل طاعة الله فأنعم بهذا المقام، وإن كان العمل معصية وغفلة فبئس المقام وبئس الورد المورود، لا حول ولا قوة إلا بالله. هذا المقام ليس بعيداً عني ولا عنك ليس بيني وبينك وبين هذا المقام إلا أن يقال: فلان مات، وقد يقال: فلان مات هذه الليلة؛ لأن موت الفجأة من علامات الساعة، يخرج الرجل من بيته وهو يفكر بما سيفعله في سنينه الطوال فلا يعود إلا خبره، ما عاد أحد يموت اليوم في البيوت، لا يموتون إلا في المستشفيات والطرقات، فالله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فعليك أن تكون دائماً مستعداً متأهباً حتى إذا جاء الموت تكون على أحسن حالة وأحسن هيئة وتقول: حياك الله، كما قالت تلك المرأة الصالحة التي جاءها ملك الموت وهي جالسة، فسلم عليها قالت: عليك السلام من أنت؟ قال: أنا ملك الموت، قالت: أهلاً وسهلاً بخير غائبٍ أنتظره. امرأة مؤمنة علمت الحقيقة في هذه الدنيا، فقامت ليلها ونهارها في طاعة الله، لا يمكن أن تنطق بقول فاحش، أو تلعن، أو تتبرج، أو تختلط بالرجال، أو تؤخر الصلاة أو ترتكب معصية، ولهذا لما جاءها الموت قالت: أهلاً وسهلاً بخير غائب أنتظره، قال لها: هل لك من حاجة؟ -يعني: نعطيك فرصة- تقسمين أموالك، أو توصين أهلك وأولادك، قالت: أما أموالي وأولادي فالله خليفتي عليهم، أريد فقط أمراً واحداً، قال: ماذا؟ قالت: أمهلني حتى أصلي ركعتين، فإذا صليت وأنا في السجود فاقبضني فإني أكون أقرب إلى ربي في تلك اللحظة، فأعطاها ما أرادت. لا تكن -يا أخي- مثل ذلك الذي كان في ملكه وجبروته وسلطانه، خرج يختال في مشيته، ويتبختر على حصانه، والخيل والموكب الملكي من أمامه ومن خلفه، ويظن أنه لن يموت نسي الموت، وظن أنه بهذه الأبهة وبهذا الملك والغطرسة سوف يخرج من سيئاته كما تخرج الشعرة من العجين، جاءه ملك الموت يعترضه ويمسك بخطام حصانه ويقول له: قف يا هذا! فقال الملك: أمثالك لا يجرءون على هذا، من أنت؟ قال: ادن مني، فدنا منه فقال له: أنا ملك الموت، قال: وما تريد؟ قال: قبض روحك الآن. قال: أمهلني لحظة. قال: لا. قد أمهلناك وأعطيناك فرصة طويلة، أما الآن فلا، فخر صريعاً بين يدي حصانه. فلا يغرك الشباب إن كنت شاباً، وانظر إلى الأموات من الشباب؛ لأن شبابك إلى هرم، وعافيتك إلى سقم، وحياتك إلى موت، وغناك إلى فقر، وقصرك إلى قبر، وأنسك بأهلك وزوجتك وأطفالك وأقاربك وفراشك ومعاشك سيكون كله نهايته الحفرة المظلمة، فلا تغتر بهذا، إن مثل من يغتر بهذا مثله مثل إنسان في السجن، قالوا له وهو في سجنه: وسوف ينفذ فيك الإعدام غداً، فهذا عاقل قال لنفسه: ما دام الإعدام غداً فلا مجال لي أن أشتغل بطعام أو شراب أو لباس، إنما أشتغل بآخرتي، وأتوب وأستغفر الله عز وجل، وسوف أقوم هذه الليلة، وأصوم هذا النهار، فإذا جاءه الموت كان مستعداً. لكن آخر قال: غداً يحلها حلال، وسيف الموت على كل رقبة، وإذا به قطع الصلاة، وارتكب المعاصي، وإذا به يفجعه الموت، فما نفعه شيء مما كان فيه.

العمل الصالح خير زاد في الآخرة

العمل الصالح خير زاد في الآخرة يا أخي المسلم! عليك أن تعلم أن المصير محقق وقريب، وليس بينك وبينه إلا أن تموت، وما ذلك ببعيد مني ولا منك انظر إلى الأموات وقل كما قال الأول: أمر على المقابر كل حينٍ ولا أدري بأي الأرض قبري فأفرح بالغنى إن زاد مالي ولا أبكي على نقصان عمري يمر علي رضي الله عنه على أهل المقابر ويقول لهم: [السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين، أنتم السابقون ونحن اللاحقون، أما الديار فقد سكنت، وأما الأموال فقد قسمت، وأما النساء فقد تزوجت، هذه أخبارنا فما أخباركم؟] وما عندنا شيء تغير، الليل هو الليل، والنهار هو النهار، والأكل الذي كنا نأكله هو أكلنا، ولا شيء جديد، وتقطعت الأرحام، وظهر العلم، وقل العمل، وتباغض الناس بالقلوب، وتلاعنوا بالألسن -والعياذ بالله-. يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا أظهر الناس العلم، وضيعوا العمل، وتحابوا بالألسن، وتباغضوا بالقلوب، وتقاطعوا الأرحام، عند ذلك لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) ويقول: (إذا ظهر في أمة خمس عشرة خصلة حلَّ بها البلاء: إذا كانت الأمانة مغنماً، والزكاة مغرماً، وأطاع الرجل زوجته، وعق أمه وأباه، وتُعلم العلم لغير الدين، وظهرت الأصوات في المساجد -بالخصومات، والبيع والشراء، وإنشاد الضالة، والمحاكمات- وظهرت القينات -يعني: المغنيات- والمعازف، وشربت الخمور، وسميت بغير اسمها -والعياذ بالله- ولعن آخر هذه الأمة أولها، فلينتظروا زلزلة وريحاً حمراء وخسفاً ومسخاً) وهذا حصل كله، فيقول: [هذه أخبارنا -ما من شيء جديد- ثم قال: أما -والله- لو نطقوا لقالوا: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:197]]. تزود -يا أخي- من العمل الصالح، فإن خير الزاد التقوى، لن ينفع زادك من المال والعلم إلا إذا كان العلم مقروناً بالعمل، لن ينفعك زادك من الجاه، والسلطة، ومن العضلات والقوة، وإنما زادك من التقوى هو ما ينفعك في ذلك المكان الذي يتخلى فيه عنك كل قريب حبيب، ولا ينفعك إلا ما قدمت يداك، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.

حال المؤمن والكافر بعد الموت

حال المؤمن والكافر بعد الموت ويقص علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما يحدث للإنسان بعد الموت، نحن في غفلة عن الموت، يقول البراء بن عازب رضي الله عنه: (خرجنا في جنازة لرجل من الأنصار، ومعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ وهو على شفير القبر عوداً ينكت به الأرض، وقال: إن العبد المؤمن) جعلنا الله وإياكم من أهل الإيمان، ليس ادعاء وإنما عملاً، فلا يكفي أن تدعي أنك مؤمن، ثم لا تأتي على هذا الإيمان بدليل من عملك الصالح. مؤمن في عينك فلا تقع على حرام، مؤمن في سمعك فلا تستمع لحرام، مؤمن في لسانك فلا يتكلم بفحش، مؤمن في بطنك فلا تأكل الحرام، مؤمن في فرجك فلا يقترب من حرام، مؤمن في يدك فلا تمدها إلى حرام، مؤمن في قدمك فلا تأتي بها إلى حرام، مؤمن في عقلك وفكرك وبيتك وزوجتك وجماعتك وفي وظيفتك، مؤمن في كل تصرفاتك، آمنت بالله وسلمت أمرك لله، أما مؤمن وهو لا يصلي في المسجد يتكاسل عن صلاة الفجر يستأنس بالجلوس مع غير المحارم من النساء اللائي حرم الله عليه الجلوس معهن يطرب لسماع الغناء ويرتاح بتمعين ناظريه في الزنا والحرام -والعياذ بالله- يأكل الحرام والحلال ولا يفكر عاق لوالديه قاطع لرحمه مؤذٍ لجيرانه نقمة على جماعته وقريته، يبغضه كل شيء، أين يكون هذا الإيمان؟! (إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال على الآخرة -يعني: انتهت أيامه في هذه الدار، وبدأت أيام الآخرة -نزلت له من الجنة ملائكة معهم حنوط من الجنة، وكفن من الجنة، ثم يجلسون له على مد البصر، ثم يأتي ملك الموت فيقول: يا أيتها النفس المطمئنة كانت في الجسد الطيب الطاهر- النظيف، الذي لا يقع ولا يمكن أن يقع في معصية، ولا يلطخ نفسه بجريمة- اخرجي إلى رحمة من الله ورضوان، وإلى رب غير غضبان) انظر الدعاء واللطف في العبارة، نفس زكية، نفس مؤمنة، كانت تخاف الله وتتقيه، كانت تسرع إلى طاعة الله، قال: (فتنسل روحه من جسده كما تنسل القطرة من فم القربة، فلا يدعوها في يده طرفة عين حتى تأخذها الملائكة، ثم تضعها في ذلك الحنوط، وفي ذلك الكفن، ثم يصعد بها إلى السماء، فيخرج منها كأطيب ريحٍ وجد على وجه الأرض، ثم يصعدون بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون لها أبواب السماء، فتقول الملائكة: من؟ فتقول الملائكة التي معها الروح: روح فلان بن فلان بأحسن الأسماء التي كان يسمى بها في الدنيا، فيقولون: نعم العبد نعرفه، كان يأتينا منه عمل) يتبين أن هذا العبد كان يحول على الآخرة، كان بينه وبين أعمال الآخرة صك، كل يوم يحول خيرات وصلوات ودعاء وبر وصدقات وإحسان ومعروف وكل خير عنده، الخير عنده مأمول، والشر من جانبه مأمون، لا يمكن أن يتوقع أحد عند مؤمن شراً، ولهذا يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم) لا يخافون منه؛ لأنه مؤمن رادعه خوفه من الله وإيمانه. فتقول الملائكة: (نعم العبد نعرفه كان يأتينا منه عمل، فتفتح له أبواب السماء، فتستقبله الملائكة التي في السماء الدنيا، ثم يشيعه من كل سماءٍ مقربوها، إلى الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة إلى السابعة، فإذا بلغوا به السابعة قال الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين) السجل حولوه لعليين، وعليين هذه درجة من درجات الجنة العالية، يقول الله تبارك وتعالى فيها: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ} [المطففين:18 - 20] موقع، من الذي يشهده؟ {يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين:21] الملائكة في السماء، وما في هذا الكتاب؟ {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين:21 - 28] هذا الكتاب. (اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوا روحه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى، قال: فتعاد روحه إلى بين الجلد والكفن) وهو لا زال يغسل، ويحمل على الرقاب، توضع روحه بين كفنه وجلده، وإذا هي تقول وهي على الرقاب: (قدموني قدموني) تقول: أسرعوا بي إلى الجنة، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (أسرعوا بها؛ فإنها إن تك صالحة فخيراً تقدمونها إليه، وإن تك غير ذلك -يعني فاسدة والعياذ بالله- فشراً تضعونه عن رقابكم) دعوه يذهب، دعوه يقدم على ما قدم، دعوه قد قلنا له ولكنه أبى، الله أكبر! قال: (فإذا وضع في قبره ووضع عليه اللحود) وجعلوا التراب عليه، من هو؟ أنا -يا أخي- وأنت، ليس ببعيد هذا -يا أخي- عنك ولا عني، أنا الآن سأعود ولا أعلم أأبلت في بيتي أو لا؟ وأنت كذلك لا تعلم، توقع أنها الليلة الأخير -يا أخي- توقع أن الفراش الليلة ليس إسفنجاً ولا بطانية ولا سجادة، توقع أن الفراش هو الثرى، وأن الدفاء هو الثرى، وأمامك التراب، وليس عندك كهرباء، ولا معاش، ولا راتب، ولا زوجة ولا شيء، توقع هذا في كل لحظة -يا أخي- توقعه في كل حين، حتى يتقوى إيمانك ويتحرك قلبك، وتذكر الآخرة. (فإذا وضع في قبره) وولى الناس عنه، حتى إنه ليسمع قرع نعالهم. (أتاه ملكان فيقعدانه) يأتي منكر ونكير، وهما الملكان اللذان لا بد أن نمر عليهما أنا وأنتم، ما من كبير أو صغير إلا ولابد أن يأتي عليه الدور عندهما. (أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟) ثلاثة أسئلة لكنها صعبة الجواب، هنا يمكن أن أقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد، لكن هناك يختم على اللسان، يقول الله عز وجل: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ} [يس:65] هل يدك هذه عرفت الله وهي تستلم الرشوة؟ هل عرفت الله وهي تدفع الزكاة الكذابة المغلوطة؟ هل عرفت الله وهي تذهب للمالية لتستلم المال الحرام؟ هل عرفت الله وهي تدفع أو تمتد إلى الحرام؟ هل عرفت الله وهي تقع وتلمس امرأة غير محرم لها؟! هي التي تتكلم ذاك اليوم، تقول: ربي الله، ولا تقول: ربي الشيطان {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس:65] لا يتكلم اللسان في تلك اللحظة؛ لأنه مختوم عليه (من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيقول المؤمن: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم) وفي هذا التثبيت العظيم، يقول الله: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} [إبراهيم:27] يعني: في الدنيا {بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم:27] يعني: في القبر {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27] يضله الله ولو كان أكبر عالم، ولو كان اسمه (محمد) ما استطاع أن يقول: (محمد) في ذلك اليوم. يقول: لا أعلم من هو نبيي. (فتقول الملائكة: على هذا عشت، وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله، ثم ينادي منادٍ من السماء: أن صدق عبدي، فافرشوا له من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة -من عند قدميه إلى الجنة- ومهدوا قبره إلى الجنة، فلا يزال في روحٍ وريحان ونعيم عظيم، ثم يأتيه عمله على أحسن هيئة -أحسن صورة- شاب جميل المنظر، طيب الرائحة، أبيض الثياب، فيقول له: أبشر أبشر، قال: من أنت فوجهك الذي يبشر بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، حفظتني حفظك الله، فلا يزال معه في سرور وهو يقول: رب أقم الساعة رب أقم الساعة -يريدها أن تقوم لكي ينتقل إلى أهله وماله في الجنة- أما لعبد الفاجر-أعاذنا الله وإياكم أن نكون من الأشقياء- فإنه إن كان في انقطاع من الآخرة، وإقبال على الدنيا، نزلت إليه ملائكة معهم مسوح من النار، وكفنٌ من النار، سود الوجوه، فيقعدون منه مد البصر) فإذا رآهم حزن؛ فهو يراهم قبل أن يموت، أما المؤمن فيراهم فيبتسم، والمنافق والعاصي والفاجر إذا رآهم يحزن ويقول: ماذا يريد هؤلاء؟ الآن إذا أتاك العسكر يدقون بابك ستخاف، وستقول: من الذي اشتكاني؟ (فيقعدون له على مد البصر، ثم يأتي ملك الموت إلى هذه النفس الخبيثة فيقول: يا أيتها النفس الخبيثة! -كانت في الجسد الخبيث- اخرجي إلى سخط من الله وغضب -اخرجي الآن- قال: فتتفرق في جسده فلا يبقى عرق ولا شعرة ولا عصب ولا ظفر ولا عظم إلا وتدخل فيه -تهرب من ملك الموت- قال: فينزعها بقوة كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، ثم تخرج روحه من كل عرق، ومن كل شعرة، فيجد من ألم الموت ما لو وزع على أهل الدنيا لماتوا كلهم. قال: فلا يدعوها في يده طرفة عين -إذا أخذها الملك- حتى يضعوها في ذلك المسوح الخبيث الذي من النار، ثم يلفونها، فيصعد لها من الريح كأنتن ريح جيفة على وجه الأرض) لأنه جيفة وداخله خراب، باطنه خبيث -والعياذ بالله- فاسد مجرم منافق عدو لله ولرسوله، كان مستوراً في الدنيا بستر الله، والآن انكشف الغطاء، لا يوجد أمل للستر، فضحه الله في ذلك اليوم. (ثم يصعدون بها إلى السماء، فإذا بلغوا بها السماء استفتحوا فتقول الملائكة: من؟ فيقال: روح فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، فتقول الملائكة: بئس العبد لا نعرفه) ما كانوا يجدون له من عمل، كان مقطوعاً ما له عمل صالح، كان عمله تحت الأرض قال: (ثم قرأ قول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا ع

مخالفات تقع فيها النساء

مخالفات تقع فيها النساء هناك -أيها الإخوة- أمر مهم يتعلق بالنساء؛ لأن النساء شقائق الرجال.

اللعن وكفران العشير

اللعن وكفران العشير يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (يا معشر النساء! أكثرن من الاستغفار، فإني رأيتكن أكثر أهل النار، قالت عائشة رضي الله عنها: ولم يا رسول الله؟ -لماذا أكثر أهل النار نساء- قال: لأنكن تكفرن العشير، وتكثرن اللعن) تكثر المرأة اللعن، تلعن ولدها، وبقرتها، وثوبها، ولقمتها، وزوجها، وبيتها، ولو وقفت لقمتها في نحرها لعنتها، فهي -والعياذ بالله- في لعنة الله؛ لأنها لعَّانة، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (ليس المؤمن باللعّان، ولا بالطعّان، ولا بالفاحش، ولا بالبذيء). وفي مرة كانوا في غزوة، ومعهم امرأة على ناقتها، فعثرت بها الناقة فلعنتها، فقال صلى الله عليه وسلم: (خذوا ما عليها من المتاع ودعوها فإنها ملعونة، لا يصحبنا ملعون، فيقول عمران: كأني بها لا يتعرض لها منا أحد) لأن هذه ملعونة، فكيف لو بعث النبي عليه الصلاة والسلام وقال: كل هؤلاء من الملاعين دعوهم فإنهم ملعونون، أكثر الناس -والعياذ بالله- يلعن؛ الزوج يلعن الزوجة، والزوجة تلعن الزوج، وتلعن كل شيء في البيت، فكيف تكون الحياة والبركة واللعنة موجودة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله! قال: (لأنكن تكثرن اللعن، وتكفرن العشير) يعني: يجحدن الزوج لو أحسن الزوج إلى الزوجة طول العمر ثم أسخطها مرة قالت: ما رأيت منك خيراً قط، متى أحسنت إلي؟ مهما يحسن الزوج إلى زوجته تكفره وتجحده وتنكر جميله إلا المؤمنة، أما غير المؤمنة فإنها تجحد زوجها وتكثر اللعن في لسانها، وهذه من أهل النار كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

التهاون في العبادات

التهاون في العبادات أيضاً هناك من النساء والعياذ بالله من تكون في الدنيا مثل الجني، وفي طاعة الله من أكسل من الكسالى، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وبعضهن تصلي من غير وضوء، إذا كانت طاهرة أثناء البرد أخذت لها بعض الماء ومسحت وجهها ويديها وقالت: طهور المؤمنين! ولا تغسل يديها ولا تمسح على رأسها ولا تغسل قدميها ولا وجهها، ولا تتمضمض، ولا تستنشق، ولا تغتسل، ولا تستنجي، ثم إذا جاءت تصلي تأتي وقصتها عارية، ويداها وذراعاها وقدماها عارية، وربما ثوبها نجس ملطخ ببول ونجاسة الولد أو البنت الذي تربيه، ثم تصلي صلاة لا تضبطها، وتركع الركوع في طرفة عين تقرأ الفاتحة ثم مباشرة تسجد دون أن تركع -وأكثر النساء لا يركعن، ولا يرفعن من الركوع- فصلاتها باطلة، وعليها لعنة الله وهي في سخط الله حتى تصلي صلاة صحيحة، وهي في ذمة زوجها حتى يعلمها؛ لأن الجاهل في ذمة المتعلم حتى يعلمه، ويلٌ للعالم إذا أخل بعلمه، والمرأة سلسلة في عنق الزوج حتى يقيم عليها الحجة ويعلمها طاعة الله، حرفاً حرفاً ودرساً درساً، يعلمها أولاً الوضوء، والغسل من الجنابة، والحيض، والنفاس؛ لأن بعض النساء يأتيها الحيض فتترك الصلاة أسبوعاً، ثم تجلس يوماً أو يومين بعد انقطاع الحيض عنها لا تصلي تقول: لكي أتم الطهارة، وهي لا تعرف أنها إذا طهرت وانقطع عنها الدم ثم تركت صلاة واحدة متعمدة فقد برئت منها ذمة الله وذمة رسوله، وعليها لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. وإذا تركت صلاة واحدة بعد أن ينقطع عنها الدم وتطهر طهارة شرعية فقد كتب اسمها على باب جهنم، صلاة واحدة، لكن بعض النساء تطهر في الصباح وينقطع عنها الدم، فتقول: سوف أمكث إلى الصباح من اليوم التالي لكي أتأكد، وتضيع الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر، وإذا طهرت الضحى قالت: أتركها للعشاء، وجلست حتى ضيعت الظهر والعصر، إذا أتى العشاء قالت: برد أتركها للصبح، وضيعت المغرب، والعشاء والفجر، وكل صلاة تتركها عليها بها لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. حتى اللقمة التي تبلعها تقول: لعنك الله يا عدوة الله! تأكلين من رزق الله، ولا تؤدين حق الله، ثوبها الذي على جسدها يقول لها: لعنك الله يا عدوة الله! والله! لولا أن الله سخرني لك لفررت منك. فعلى الزوج أن يعلم زوجته متى تغتسل من الحيض، والنفاس؛ لأن من النساء من إذا نفست انقطع عنها الدم في عشرة أيام، وبعضهن في أربعة أيام، وبعضهن في يوم واحد، وبعضهن في عشرين يوماً، فإذا انقطع عنها الدم وطهرت طهارة كاملة وجب عليها أن تغتسل وتصوم وتصلي، وليس ضرورياً أن تمكث أربعين يوماً، والأربعين إنما هو حد أعلى، وقد تطهر من غدها، لو نفست بالليل وأصبحت طاهرة عليها أن تصوم وتصلي، فتكون الزوجة في ذمة زوجها وعليه تعليمها. بعض النساء والعياذ بالله تخرج من بيتها بغير إذن زوجها، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (أيما امرأة خرجت من بيت زوجها بغير إذنه فهي في لعنة الله حتى ترجع، وأيما امرأة باتت -يعني نامت- وزوجها عليها ساخط فعليها لعنة الله، وأيما امرأة دعاها زوجها إلى فراشه فلم تجبه إلا كان الذي في السماء ساخطاً عليها حتى يرضى عنها زوجها) وأكثر النساء لا يعرفن هذا الكلام كله، ومن أين تعرف؟ لا حضرت إلى المسجد، ولا علمها زوجها، ولا أسمعها الأشرطة. وإذا طهرت من الحيض أو من النفاس وانقطع عنها الدم انقطاعاً كلياً فإنها تغتسل وتصلي، فإن رجع إليها دم فتعمل بينه وبين ذاك الدم مقارنة، فإن كان دم الحيض -دم العادة- الذي يأتيها دائماً، ودم الحيض معروف، وهو دم أسود ثخينٌ ذو رائحة كريهة؛ امتنعت مدة الحيض عن الصلاة والصيام حتى تطهر منه ثم تبدأ صلاتها وصيامها، أما إذا كان هذا الدم الذي جاءها دم الاستحاضة، وهو دم أحمر رقيق ليس له رائحة، فإنها تغتسل بعدما يأتيها وتصلي، فإن كان يأتيها بين الصلاتين فتصلي الظهر والعصر جمعاً، والمغرب والعشاء جمعاً، أما إذا خرج منها ماء أبيض فلا تمتنع من الصلاة وليس لهذا الماء حكمٌ شرعي، بل تبقى على صلاتها وصيامها. فأكثر النساء تجهل هذه الأحكام، وبعض الرجال يذهب إلى المسجد وهو يعلم أن امرأته لم تصل، بعضهن لا تصلي المغرب إلا مع العشاء، تقعد تحلب البقر، وتسري الغنم، وتشعل النار، وتفعل العَشاء، فإذا دخل وقت العِشاء وضعته وقالت: سأذهب أصلي، صلاتها ليست مقبولة في تلك اللحظة، فتجمع الظهر مع العصر، والمغرب مع العشاء، والفجر لا تصليه إلا إذا أشرقت الشمس.

إدخال بيت الزوج من لا يحب

إدخال بيت الزوج من لا يحب كذلك من النساء من تدخل بيتها من لا يريد زوجها، إما من الرجال أو من النساء، وهذا حرام، لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تدخل بيت زوجها رجلاً كان أو امرأة إلا بإذن من زوجها، أما تعلمون عن خبر تلك الصحابية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يثني عليها ويمدحها، ويبين لـ فاطمة رضي الله عنها منزلتها من الجنة، ويكثر من الثناء عليها، امرأة الحطاب، كان الرسول يثني عليها: إن لها في الجنة منزلة، إن لها المنزلة والمكانة العظيمة، وفي يوم من الأيام خرجت فاطمة تريد أن تعرف مقدار عبادتها وتقواها، فذهبت إليها، فلما جاءت إليها طرقت الباب. قالت: من؟ قالت: فاطمة بنت محمد. قالت: بأبي وأمي أنت يا بنت رسول الله! ماذا تريدين؟ قالت: أريد أن أدخل عندك، قالت: بأبي أنت وأمي! إن زوجي قد ذهب إلى الحطب وما أذن لي أن أدخلك عليَّ، ولكن إذا أردت أن تأتي لنا فغداً تعالي، وأنا أستسمح لك إن شاء الله الليلة منه، فإذا سمح تأتيني غداً، قالت: حسناً، جاء الرجل من الحطب وقالت: يا زوجي! قد أتتني بنت رسول الله عليه الصلاة والسلام وطلبت الدخول ومنعتها؛ لأن ما عندي إذن منك، فهل تسمح لها غداً؟ قال: نعم أسمح لها غداً، من يرد بنت الرسول عليه الصلاة والسلام؟ جاء اليوم الثاني فأخذت فاطمة معها الحسن -ولدها الصغير- وجاءت به وطرقت الباب. قالت: من هناك؟ قالت: فاطمة بنت محمد، قالت: ومن معك؟ قالت: معي الحسن. قالت: أنا ما أخذت الإذن إلا لك وحدك، أما الولد فلا أستطيع أن يدخل، ولكن إذا أردت تعالي غداًً، وأنا أطلب من أن يسمح له غداً. جاء الزوج، قالت: جاءتني اليوم فاطمة ومعها الحسن فما أدخلتها، قال: يرحمك الله! كيف تردين بنت الرسول صلى الله عليه وسلم؟ لا مانع عندي، إذا أتت مع ولدها فأدخليها. ثم جاءت بـ الحسن والحسين، قالت: من معك؟ قالت: الحسن والحسين، قالت: أنا -والله- أستسمح منك، ليس عندي الإذن إلا لك أنت والحسن، أما الحسين فليس له عندي إذن -مع أنه أصغر من الحسن - ولكن تعالي غداً، ولما أتى الزوج عليها قالت له: جاءت اليوم ورديتها. قال: أخجلتينا مع بنت رسول الله عليه الصلاة والسلام، لو أتت مع آل محمد كلهم افتحي لها، من يتوقع أن عند بنت رسول الله شر أو أن في بيت آل رسول الله شر، ولكن انظروا الطاعة العظيمة للزوج، ما أدخلتها وهي بنت أطهر الخلق، وهي فاطمة رضي الله عنها. جاءت اليوم الثاني: جاءت ومعها الحسن والحسين ودخلوا، فلما دخلت في البيت جلست معها، فلم تلاحظ عليها كثير عبادة ولا صلاة ولا صيام امرأة مستورة، كانت تحافظ على صلاتها وفروضها وتطيع زوجها وربها، فلما رجعت فاطمة إلى بيتها قالت: يا رسول الله! إنك تثني على فلانة وإني ذهبت إليها فما وجدت عندها من العبادة الشيء الكثير، وجدتها مقتصرة على الفرائض، وطائعة لله ولزوجها، قال: (بطاعتها لزوجها بلغت ما بلغت) المنزلة العالية في الجنة تلك ما بلغتها بكثرة الصلاة ولا الصيام، بل بلغتها بالتقيد بأمر الله والزوج، ما كانت تُدخل أحداً بيتَها إلا بإذن زوجها لو كان من كان. وتلك الصحابية الثانية التي كانت لا تخرج من البيت إلا بإذن زوجها، ولما ذهب زوجها إلى الجهاد في سبيل الله عز وجل مرض والدها، فأرسلوا إليها في البيت: إن والدك قد مرض فهل تريدين زيارته؟ قالت: إن زوجي غائب ولم يأذن لي بالزيارة، وأنا لا أستطيع أن أزوره وزوجي لم يأذن لي. فجلست اليوم الأول والثاني والمرض يزداد بأبيها، فجاءوا إليها وقالوا: إن أباك قد اشتد مرضه وقد يموت، وهو يطلب حضورك، تعالي ودِّعيه فأنتِ وهو في المدينة، قالت: والله! لو صعدت روحه ما استطعت أن آتيه إلا بإذن زوجي، الله أكبر! إنا لله وإنا إليه راجعون! في اليوم الرابع ازداد المرض على أبيها وجاءوا إليها. قالت: لا يمكن أن أخرج إليه. ثم مات الأب ولم تره، ولما مات قالوا لها: قد مات فهيا إلى العزاء، قالت: ما أتيته وهو حي كيف آتي وهو ميت؟ لا. حتى يأذن لي زوجي، فلما جاء زوجها من الغزو أذن لها أن تذهب إلى أهلها، فذهبت إلى أهلها، وسألت عن قبر أبيها، فذهبت إليه ودعت الله له بالمغفرة عند القبر، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قد غفر لأبيها وأدخله الجنة بدعوتها له، وأولئك الذين حضروا وقبروا ومرّضوا ما نفعوه مثلها، وهي التي جلست على طاعة الله ثم طاعة الزوج بدعوتها دخل أبوها الجنة. فينبغي للمرأة المسلمة أن تتقيد بأمر الله ثم بأمر الزوج في طاعة الله تبارك وتعالى، وألا تخرج من بيتها إلا بإذنه، وألا تدخل عليه في بيتها من لا يأذن له من الرجال أو النساء.

عواقب التبرج وطرح الحجاب

عواقب التبرج وطرح الحجاب إن المصيبة العظمى في هذا الزمن هي مصيبة التبرج الذي قتل الأمة، وحطم الأخلاق، وقضى على القيم، هذا التبرج والاختلاط الذي وقع فيه أكثر الناس في هذه المنطقة، وإنا لله وإنا إليه راجعون. التبرج هذا نافذة خطيرة إلى الزنا، نافذة كبيرة شنيعة إلى الزنا، لا يمكن أن يوصل إلى الزنا إلا من باب التبرج والاختلاط، والله تبارك وتعالى قد سد هذا الباب، وقال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور:30 - 31] الزينة، والثوب، والذهب، والوجه، والجلسة، والابتسامة، والكلمة؛ لا يمكن أن تكون من المرأة المسلمة المؤمنة إلا لزوجها فقط، لكن الحال عندنا معكوس، تطبخ وتكنس وتعمل في ثوبها ذاك الذي كأنها ستدفن فيه، فإذا خرج الزوج وقالوا: فلان ذهب ودعيت إلى مناسبة أو عرس جاءت إلى (الشنطة) وكسرتها، تبحث عن المفتاح فلا تجده، مفتاح القفل سوف يؤخرها عن السمرة واللعب! فكسرت (الشنطة) وأخرجت الثوب الجديد ذاك الذي اشتراه لها المسكين من عرقه، ثم خرجت متزينة متبرجة تنشر الفتنة بغير حساب، وتبيع عرض زوجها بلا ثمن، وهي في لعنة الله، وزوجها إذا رضي بهذا فهو ملعون، قال عز وجل: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور:31] والبعل في الشرع هو واحد، لكن إذا الجماعة كلهم يرون المرأة، فمعناه: أن البعل ليس واحداً؛ لأن القرية كلها بعول {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور:31] المرأة جوهرة لا تصل لها يد ولا تمتد لها عين؛ إلا يد وعين زوجها فقط {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} [النور:31] أبوها: والأب في الشريعة أيضاً واحد وليس القرية كلها {أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} [النور:31] يعني: والد زوجها {أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ} [النور:31] ولدها تكشف عليه {أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} [النور:31] ولد بعلها من غيرها {أَوْ إِخْوَانِهِنَّ} [النور:31] أخوها من أمها وأبيها، أو من أحدهما، أو أخوها من الرضاعة {أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ} [النور:31] ثمانية أصناف. قال: {أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور:31] التابعين: تابع الزوج، خادم أو عامل أو راعي الزوج، الذي يشتغل عندك في مزرعتك ومعملك، وهو تابع لك تحت إمرتك وراتبه من عندك ولكن بشرط: أن يكون هذا التابع وهذا العامل وهذا الراعي مخصياً، هذا إذا كان مخصياً يجوز لك في الشرع أن يكشف على نسائك، لكن عمالنا هذه الأيام الذين يجلسون مع النساء ويدخلون ويخرجون كيف حالهم؟! هم أخطر على النساء من النار، وأكثر الناس متساهل في هذا، يكون الزوج حريصاً على المحارم لكن من العامل والراعي يقول: ماذا نعمل لا نستطيع، لا -يا أخي- هذا الذي يعمل عندك اجعل له غرفة مخصصة هناك في المزرعة، ولو تعبت، لكن تحمي عرضك، أما أن يجلس مع المرأة والنساء والبنات ويطلع وينزل، فترى هذا العامل يقبل منك أقل راتب، وغيرك عرض عليه أكثر منك فلا يقبلها، أما أنت فيقبل منك مائة؛ لأن مائتك فيها عسل، مائتك معها امرأة وبنت، لكن ذاك الذي يعطيه خمسمائة وهو جالس منعزل هناك في الصندقة أو الزرع لا يريده. وكلكم تعرفون قصة ذلك الرجل الذي وجد راعياً في السوق، فأعجب به، ثم نصحوا الرجل وقالوا: يا فلان نرى أن هذا الراعي سلوكه ليس بطيب مع أولادك، قال: اسكتوا ولا تقولوا في فلان أي شيء، عيالي تركوني، ما معي إلا فلان يرعى الغنم. هو يرعى في النهار! وفي الليل يرعى النساء؟ لا حول ولا قوة إلا بالله! وبعد أيام وإذا به يسحر البنت ويقطع شعرها، ويلبسها ثياب رجل، ويأخذها ويفر بها، ولا يقبض عليه إلا وهو في بلاده، ويؤتى به ويحكم عليه القاضي بالقتل، وتقطع رقبته في السوق في يوم الثلاثاء، فما ينبغي لك أن تتهاون -أيها المسلم- في هذا الأمر قال الله: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ} [النور:31] أي: ليس له في النساء طلب، مثل العنّين هذا إذا كان بهذه الهيئة يجوز له أن يكشف على زوجتك، ولكن بشرط: أن يكون تابعاً لك، يعني: إذا كان ممن ليس له إربة في النساء وهو خادم أو عامل عند جارك فلا يجوز أن يكشف على امرأتك؛ لأنه سوف يكشف عرضك ويصف زوجتك للآخرين، أما عاملك أنت فلا يستطيع أن يكشفها؛ لأنه يخاف منك، لأنه تابع لك {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31]. أما آن لنا أن نتوب.

غيرة الله على محارمه

غيرة الله على محارمه أيها الإخوان! إذا كان الله يحرص علينا هذا الحرص العظيم، إلى درجة أن امرأتك إذا لبست الزينة أو الخلخال أو الذهب أو الحجاب أو الأساور إذا مشت في الشارع فحرام عليها أن تضرب برجلها، أو تقلقل حليها؛ لأن القلقلة هذه تفتن فهي حرام، فكيف إذا معها حلي في وسطها ورقبتها، ويدها، ثم جاءت وهي كاشفة سافرة تشاهد الرجال وتجلس معهم أين الإسلام والإيمان؟ وإذا جاءهم واعظ، أو رجل صالح قالوا: اسكت، زوجتي طاهرة، نحن ملائكة نزلنا من السماء ما عندنا شهوة، ولا نريد النساء ولا الرجال!! هل قلبها أطهر من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؟ هل قلب هذا الرجل أطهر من قلب الرسول عليه الصلاة والسلام؟! إن أمر الحجاب أول ما نزل على رسول الله {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ} [الأحزاب:59] خطاب خاص للنبي {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ} [الأحزاب:59] قل لمن؟ {قُلْ لِأَزْوَاجِكَ} [الأحزاب:59] أول شيء، هل لأن أزواج النبي فيهن فتنة؟ لا، والله! حاشا لله؛ أمهات المؤمنين طاهرات مطهرات {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب:59]. أما المنافقون الذين يصطادون في الماء العكر، ويتقلبون في السفور والتبرج؛ لأنه لا يريد التبرج إلا من يريد أن يتلفت في نساء الناس، يدري ويعلم أن النساء إذا التزمن بالحجاب، وكلف الرجال نساءهم بالحجاب خسر الصفقة، ولن توجد نساء يستطيع أن يقعد إليهن، بعضهم لا يرتاح إلا مع النساء، والجلسة التي تنقصها النساء جلسة كئيبة. فهذا المنافق الذي في قلبه مرض إذا سمع أن هناك حجاباً، أو أن الجماعة تواصوا وتجمعوا وقرروا: أنه يجب أن ننفذ أمر الله فينا، والذي لا ينفذ هذا الأمر فليس منا. مثلما فعلت بعض القرى في بعض المناطق فيقول أهل المنطقة: لما جاءهم الأمر اجتمع أولوا النهي، وكبار الجماعة، والأعيان وقالوا: نحن كنا نجهل أمر الله، والآن عرفنا أمر الله عز وجل، هذا كلام الله مثل الشمس في رابعة النهار، ما رأيكم ننفذ أم لا؟ إن كنا مؤمنين نفذنا، وإن كنا كذابين لا ننفذ، فقرروا أن ينفذوا، وعزموا وقالوا: من لا يأمر زوجته أن تتغطى وأن تحتشم ليس منا، لا نضيف ضيفه، ولا نبيع عليه، إذا أراد أن يشتري من دكان في القرية لا نبيع له، وإذا جاورته في سيارة من سيارات القرية التي تذهب البلد أو تذهب المركز نقول: لا تركب أنت؛ لأن امرأتك مكشفة، وإذا مرض لا نزوره، وإذا مات لا نتبع جنازته، نقاطعة ولا نكلمه حتى يغطي امرأته. لعل قائلاً من الناس يقول: إن زوجاتنا غير زوجاتكم في المدن، أنتم في المدن عندكم الماء والإمكانات، ونحن في قرية محتاجون إلى خروج الزوجة إلى الزرع، لكي تأتي بالعلف وبالماء وأغراض البيت، نقول لكم: إن الإسلام لم يحرم على المرأة المؤمنة أن تساعد زوجها في خدمة بيته وبيتها، ولكن بشروط شرعية، فإذا أرادت المرأة أن تخرج إلى الماء فعليها أن تلتزم الشروط الشرعية: أولاً: أن تحتجب، ما يمنعها من الحجاب؟ تأخذ لها (شيلتين) واحدة خفيفة وأخرى ثقيلة، والخفيفة من تحت، والثقيلة من فوق، ولا تخرج إلا وقد لبست أردى ثيابها، ما تأخذ الثوب المزركش، بل تلبس أردى ثيابها، ولا تأخذ معها عطراً، فإذا أمنت وهي في طريقها إلى البئر أو البستان أو الزرع تلفتت يميناً أو يساراً فإذا لم ترَ أحداً فتحت الغطاء الثقيل وأبقت على وجهها الخفيفة التي تمكنها من الرؤية، ولو شاهدها شخص بعيد لا يراها، فإذا سمعت أو رأت أحداً تنزل الثانية. ما الذي يمنعها، ما يمنعها؟ من هذا شيء إلا النفاق وحب التبرج والمعصية؛ لأن بعض النساء تقول: أنا أخاف أن أسقط في البئر إذا تحجبت، لن تسقطي في البئر أبداً، بل إنك لو سقطت في البئر لكنت شهيدة، ولكن إذا كشفت فإنك ستسقطين في آبار عظيمة، في آبار جهنم، عمق البئر سبعين سنة، ومن يستطيع أن يخرج منها، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فعليها. أولاً: أن تأخذ ثوباً رديئاً، وشيلة متينة، ثم إذا خرجت تختار الوقت المناسب الذي لا يكون فيه رجال، إما مع الفجر، أو بعد المغرب معها شخص من أهلها، أو في الظهيرة إذا كان الناس منشغلون بالطعام، لا تخرج في العصر، لا تخرج في وقت تجمع الرجال وخروجهم، ثم إذا خرجت إلى البئر أو إلى الزرع وصادفت أن قابلها رجل، ماذا تعمل؟ إذا قابلها رجل فإن كان هناك طريق غير الطريق الذي يقابلها فيه فتفر عنه، تجعل طريق الرجل له وتمشي في طريق لوحدها، وإن كان لا يوجد إلا تلك الطريق فإنها تمشي على حياء، فإذا قربت منه تلتصق بالجدار، ولا يجوز له أن يسلم عليها.

وجوب احتجاب كلا الجنسين من الآخر

وجوب احتجاب كلا الجنسين من الآخر نسمع الكثير من الناس يقول: أما بالنسبة للجماعة فيما بينهم سهل، أم الكلام فهو على الأجنبي الذي يأتي من بعيد إنهم الجماعة وربي غفور رحيم! حتى لو كان أخاك من أمك وأبيك؛ لا يجوز له أن ينظر لزوجتك، لماذا؟ لأن أخاك أجنبي عن امرأتك، هو ابن ناس وهي بنت ناس، ولو طلقتَ زوجتَك لجاز لأخيك أن ينكح زوجتك من بعدك، فـ (الحمو هو الموت)، وليس معنى هذا: أن تقاطع إخوانك وجماعتك لا، فقط حجّب المرأة، والذي لا يصحابك إلا من أجل المرأة لا يحبك، بعض الناس ما يحب الرجل إلا إن كان يرى امرأته، فإن حجبها عنه قال: يحجب امرأته عني؟! قل له: أحجبها أتحبني من أجل المرأة؟ هذه محبة فاسدة. وبعضهم يذهب إلى رجل أخرج له زوجته، ثم إذا أتاه ذلك الرجل قال لامرأته: اخرجي حيي الضيوف، قالت: إني أستحي، ولا أحب أن أدخل على الرجال، قال: اسكتي، أنا ذهبت عنده وامرأته رحبت بي ودعتني للغداء، فيدعو امرأته للتجمل لصاحبه، ويعتبره رداً على حسن الضيافة، ويقول لها: اذهبي وتجملي لضيوفي وقابليهم بوجه حسن، فمسكينة تذهب تلبس وتغسل وجهها بالصابون وتنظف نفسها وتنظر في المرآة وتقوم بتحية الرجال في المجلس والرسول يقول: (لأن يمس أحدكم جلد خنزير أولى من أن يمس جلد امرأة لا تحل له) يظن أنه إن لمسها في يدها فالأمر هين، ولكنه نار، وصعقة كهربائية. الآن السلك الكهربائي سلك أحمر وآخر أسود، إذا التقى الأسود والأحمر ما الذي يحصل؟ (التماس كهرباء) وحريق، لكن إذا وصلنا السلك الأحمر والسلك الأسود إلى (الفيش) أيحصل حريق؟ لا. هذا (الفيش) هو الزواج، يلتقي فيه الرجل السلك الأحمر بالمرأة (السلك الثاني)، يلتقون داخل الزواج، فلا يحصل حريق، يصبح وئام ولطف ورحمة، وينتج عنه ذرية صالحة، إما ولد أو بنت، أما إذا التقوا قبل الزواج كانت فتنةً وفساداً كبيراً لا يعلمه إلا الله تبارك وتعالى، وكذلك السلك العاري كيف تأمنه؟ تقوم بعزل السلك العاري ويقال: لف عليه حجاباً، فزوجتك هذا -يا أخي- سلك عار! تؤثر في قلوب الناس، ضع عليه مادة عازلة، والمادة هذه هي الحجاب، حجب هذه الزوجة، إن كانت جميلة فخلها لك -يا أخي- لا ينظر إليها الناس، وإن كانت قبيحة فاجعلها قسمك حتى لا يضحك منك الناس ويترحموا عليك ويقولون: (مسكين مع هذه الجنية)، وإن كانت جميلة قالوا: لا يستحقها! لا -يا أخي- إن كانت جميلة فقد قدرها الله لك، وإن كانت قبيحة فقد قدرها الله عليك، لأن المرأة كما يقول الناظم: إن الرجال الناظرين إلى النسا مثل الكلاب تطوف باللحمان إن لم تصن تلك الأسود لحومها أكلت بلا عوضٍ ولا أثمانِ فإذا عدا كلب على لحمة آخر، فيكون هناك من يعدو على لحمته دون أن يعلم، ومن يزنِ يزنَ بأهله، يقول: عفوا تعف نساؤكم في المحرمِ وتجنبوا ما لا يليق بمسلم إن الزنا دينٌ فإن أقرضته كان القضا من أهل بيتك فاعلمِ من يزن بامرأة بألفي درهمٍ في بيته يُزنى بغير الدرهمِ إذا نظرت بعينك إلى الحرام جاء من ينظر لمحارمك من الحرام، وإذا غضضت بصرك عن الحرام صرف الله الأنظار عن محارمك، فاتق الله في محارم الناس يحفظ الله محارمك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (احفظ الله يحفظك) لكن إذا كان الرجل غيوراً على محارمه، ويريد من المرأة أن تتحجب، لكنه لا يحفظ حرمات الآخرين فإذا دخل على النساء القعود سلم عليهن وجلس معهن، وإذا ذهب إلى البيت قال: لا تكشفي على الرجال؟ لا يمكن أن تلتزم زوجتك بالحجاب إذا لم تلتزم به أنت، الزم نفسك أولاً بالاحتجاب عن النساء، إذا دخلت على النساء وهن أمام الرجال كاشفات فانهرهن، وقل لهن: اتقين الله، ارجعن وتحجبن، استحي يا امرأة!! تقولها هكذا بصوت قوي، فإذا رفضت النساء الاحتجاب عنك فتحجب أنت، غض بصرك؛ لأن الله يقول: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور:30] استجب لله إذا عصت هي، حتى بعد ذلك تخجل هي، وزوجتك إذا علمت أنك ألزمت نفسك بالحجاب لا يمكن أن تتفرج على غيرك، لماذا؟ لأنها أمنت جانبك، فهذا المنكر -أيها الإخوان- منكر مستطير، وفسادٌ كبير واقع فيه أكثر الناس، ولكن لا يصعب تجنبه، المؤمن يحمل هذا ويتوكل على الله ويجتهد والله معه، أما ضعيف الإيمان مهزوز العقيدة فإنه يسمع ولكن يقول: والله! إني لا أستطيع، لماذا لا تستطيع الامتثال لأمر الله؟ {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة:85]. أسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا وإياكم من عباده الصالحين، وأن يرزقنا وإياكم إيماناً صادقاً، وعملاً صالحاً، ويقيناً خالصاً، حتى نعلم أنه لا يضرنا ولا ينفعنا إلا هو، إنه على كل شيء قدير.

الإيمان بالبعث

الإيمان بالبعث بدأ الشيخ بالكلام عن فضل مجالس العلم والترغيب فيها، وبيان ما تعود به على المسلم من المنفعة في الدارين، ثم بدأ في طرق موضوع المحاضرة، وبيان أن الإيمان من القضايا الكبرى عند المسلم، بعد ذلك تناول طرق القرآن الكريم في إثبات البعث، وقد شملت هذه الطرق: طرق القياس العقلي، وطرق التوكيد بالقسم، وطرق عرض صور من يوم القيامة. وقد ذكر بعد هذا أسباباً تؤدي إلى تقوية الإيمان بالبعث، شارحاً جانباً منها.

فضل مجالس العلم

فضل مجالس العلم الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:102 - 103] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:70 - 71]. ثم أما بعد: أيها الإخوة في الله! كم هو جميل وعظيم عند الله أن نجتمع على ذكر الله، في روضة من رياض الجنة، تحفنا فيها الملائكة، وتغشانا فيها الرحمة، وتنزل علينا السكينة، ويذكرنا الله عز وجل فيمن عنده. إن هذا المجلس المبارك المجلس الإيماني، القرآني، النوراني هو الرصيد الذي سوف يبقى للإنسان بعد أن يغادر هذه الحياة، وسوف يتحسر ويتألم ويتندم أن أوقاته لم تكن كلها مثل هذه الجلسة، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما جلس قوم في مجلس لم يذكروا الله عز وجل فيه، إلا كان عليهم من الله ترة يوم القيامة) أي: عهدة ومؤاخذة عن كل مجلس وعن كل ساعة قضيتها -أيها الإنسان- في غفلة عن ذكر الله. أما هذا المجلس فإن الغنيمة التي تحصل عليها بجلوسك فيه هذه الساعة أو هذه الدقائق غنيمة غالية، وثمرة عالية، يقول صلى الله عليه وسلم: (ما جلس قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا ناداهم مناد من السماء: أن قوموا مغفوراً لكم، قد بدلت سيئاتكم حسنات) ويقول صلى الله عليه وسلم: (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: وما رياض الجنة؟ قال: حِلق الذكر). والله يخبر أن من يعرض عن هذه المجالس فإن الشيطان يتسلط عليه، فيكون له قريناً في الدنيا، وقريناً في النار في الآخرة، قال عز وجل: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف:36] وقال عز وجل {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنْ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ * حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} [الزخرف:37 - 38] قال الله عز وجل: {وَلَنْ يَنفَعَكُمْ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف:39]. ويخبر ربنا تبارك وتعالى أن من أعرض عن ذكر الله، وترك مجالس الذكر، ولم يحرص على الجلوس فيها؛ فإن الشيطان -والعياذ بالله- يتسلط عليه، وأن الله عز وجل يعرض عنه، فقال عز وجل: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه:124 - 127]. ويخبر ربنا تبارك وتعالى أن الذي يعرض عن ذكر الله ولا يحرص على مجالس الذكر فإن الشيطان يتسلط عليه، فيقول عز وجل وهو يضرب لنا مثلاً ممن كان في الأمم السابقة قبلنا: آتاه الله العلم، والدين، والآيات، والدلالات، ولكنه انسلخ منها وأخلد إلى الأرض واتبع هواه، قال عز وجل: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:175 - 176]. وبئس هذا المثل يا عباد الله! من يؤت القرآن والدين، وتعرض عليه السلعة الغالية ويرفضها، انظر إلى التعبير قال الله عز وجل: {فَانسَلَخَ مِنْهَا} [الأعراف:175] والانسلاخ: هو ترك الشيء مع عدم الرغبة في العودة إليه، أنت عندما تخلع ثوبك من أجل أن تنظفه وتزيل ما فيه من الأوساخ والأقذار ما تقول: سلخت ثوبي، بل تقول: خلعت ثوبي أو وضعت ثوبي، لكن إذا سلخت جلد الشاة، ما تقول: خلعت جلدها، بل تقول: سلخت جلدها؛ لأنه لا يوجد أمل أن يرجع جلدها إليها، فهذا الذي انسلخ من الدين كأنه لم يعد يريده، يرفض الآيات، قال الله تعالى: {فَانسَلَخَ مِنْهَا} [الأعراف:175] فماذا حصل له بعد الانسلاخ؟ {فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ} [الأعراف:175] لأنه كان في حصن، وحرز، وحماية، ووقاية بأسباب الآيات، والقرآن، والدين، كان محروساً بدين الله، ومحفوظاً بآيات الله، ومحاطاً بعناية الله، فلما انسلخ منها أصبح خلواً، مكشوفاً، عارياً، قال الله تعالى: {فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ} [الأعراف:175] فماذا حصل عندما أتبعه الشيطان؟ {فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ} [الأعراف:175]. ومن كان الشيطان تابعه ومتبوعه كان من الغاوين، قال عز وجل: {فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ} [الأعراف:175 - 176] انغمس في الحمأة الوبيئة، وتلطخ بالتراب القذر، فأخلد إلى الأرض واتبع هواه ولم يتبع مولاه، اتبع هواه ولم يتبع رسوله صلى الله عليه وسلم، اتبع هواه ولم يتبع كتاب الله {وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف:176]. فهنيئاً لكم -أيها الإخوة- هذا المجلس، وجزى الله كل خير من ساهم فيه ودل عليه وسار في أسبابه، ونسأل الله جل وعلا أن ينفعنا بما نقول وما نسمع، وأن يجعل ما نسمع وما نقول حجة لنا لا علينا.

علاقة الإيمان بالبعث بقضايا الإيمان

علاقة الإيمان بالبعث بقضايا الإيمان أما موضوع الكلمة التي اختارها الإخوة فهي: "الإيمان بالبعث". وقضية الإيمان بالبعث بعد الموت قضية مهمة ورئيسة، ومن قضايا الإيمان الكبرى، بل لقد كادت أن تكون نداً لقضية التوحيد في القرآن الكريم؛ لأن القرآن الذي نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة عالج أمور العقيدة، وأكد على أمرين: الأمر الأول: أمر الوحدانية. الأمر الثاني: الإيمان بالبعث. إذا استقرت عقيدة الإيمان بوحدانية الله لم يعبد إلا هو، وإذا استقرت عقيدة الإيمان بالبعث استقام سلوك المكلف؛ لأنه إذا علم أنه مؤاخذ بعد هذه الحياة، ومبعوث بعد الموت، ومجزي على عمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر إذا استقرت العقيدة في قلبه استقام سلوكه، أما إذا كانت العقيدة مهزوزة، والإيمان بالبعث ضعيفاً، فإن هذا ينعكس رأساً على سلوكه، فيضيع فرائض الله، ويتساهل في أوامره، ويقع في محارمه، ولا يخافه؛ لأنه ليس مؤمناً بالعقوبة؛ لأن من أمن العقوبة أساء العمل. ولهذا يذكر الله عز وجل أن أهل النار يقولون بأنهم ما كانوا مستيقنين بالبعث، قال عز وجل: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ} [الجاثية:27] تنكشف حساباتهم، وتتعرى أوراقهم، فيرون أن تجارتهم خاسرة، وأرباحهم بائرة، وأنهم خاسرون، قال: {وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ * وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً} [الجاثية:28 - 32] أي: ليسوا مكذبين على الإطلاق ولا مصدقين على اليقين، بل عندهم ظنون، قال: {إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنَّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ * وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون * وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمْ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ * فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَوَاتِ وَرَبِّ الأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الجاثية:32 - 37]. فقضية الإيمان بالبعث قضية مهمة لا بد من التأكيد عليها، ولا بد من تأصيلها؛ لأنه باستقامتها وثباتها تصلح حياتك، وبزعزعتها وضعفها تخرب حياتك.

وفد الأزد وخصال الإيمان والبعث

وفد الأزد وخصال الإيمان والبعث يقول سويد بن الحارث رضي الله عنه وهو صحابي جليل من هذه الديار من بلاد الأزد -بلاد الأزد يعني جنوب المملكة - قال فيما يرويه أبو نعيم في الحلية قال: (قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة من أصحابي في وفد الأزد -في سنة الوفود- قال: فلما دخلنا عليه سلمنا، فرد السلام، ثم أعجبه ما رأى من سمتنا) أي: لباسهم وهيئتهم، أعجب النبي صلى الله عليه وسلم هيئة هؤلاء الرجال، كانوا يلبسون العمائم، وكان لهم لحى، وكان معهم عصي، ويلبسون (الجنابي)، ولهم أزر، فكان منظرهم منظراً رجولياً يبعث على الارتياح، فأعجب النبي صلى الله عليه وسلم هذا المنظر. (فقال: من القوم؟ قالوا: مؤمنون يا رسول الله!) انتسبوا إلى العقيدة، ما انتسبوا إلى العرقية، ولا القبيلة، ولا اللون، ولا الجهة، ولم يقولوا عدنانيون ولا قحطانيون ولا سعوديون، بل قالوا: (مؤمنون يا رسول الله! فقال صلى الله عليه وسلم: إن لكل قول حقيقة فما حقيقة إيمانكم؟) لأن دعوى الإيمان لا تثبت إلا بالدلائل والبراهين، فما حقيقة الإيمان الذي تدعونه. (قالوا: يا رسول الله! حقيقة إيماننا خمس عشرة خصلة، خمس أمرتنا رسلك أن نؤمن بها، وخمس أمرتنا رسلك أن نعمل بها، وخمس تخلقنا بها في الجاهلية -أي: عندنا عادات من قبل الإسلام- ونحن عليها اليوم، إلا أن تكره منها شيئاً تركناه) انظروا إلى الرجولة، لم يقولوا لا نستطيع، نحن على عادة الآباء والأجداد، قالوا: إن كان يوافق ما عندك يا رسول الله! عملنا بها، وإن كنت تكره منها شيئاً يرده الدين ويكرهه الإسلام تركناه. (قال: ما الخمس التي أمرتكم بها رسلي؟ قالوا: أمرتنا رسلك أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالبعث بعد الموت -وهذا هو الشاهد في هذا الحديث: وبالبعث بعد الموت- قال: وما الخمس التي أمرتكم رسلي أن تعملوا بها؟ قالوا: أمرتنا رسلك أن نشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وأن نقيم الصلاة، وأن نؤتي الزكاة، وأن نصوم رمضان، وأن نحج البيت الحرام إن استطعنا إليه سبيلا، قال: وما الخمس التي عندكم في الجاهلية -أي: ما هي العادات التي عندكم في الجاهلية ولا تزالون عليها- قالوا: خمس خصال، الأولى: الشكر عند النعماء) إذا أنعم الله علينا شكرنا، فلا نبطر، ولا نتكبر، ولا نتنكر، ولا ننس الماضي، وبعض الناس كان فقيراً يتسول على الأبواب واليوم صار غنياً يتاجر بالملايين، وإذا قيل له: تذكر حالتك الأولى، قال: هذا مال ورثته كابراً عن كابر، لماذا؟ لأنه نسي ما كان عليه، وما كان فيه. قالوا: (الشكر عند النعماء)؛ لأن المؤمن إذا أنعم الله عليه شكر الله على النعمة، واستعمل النعمة فيما يرضي الله، وتزود بالنعمة في مراضي الله عز وجل، ولم يبطر بها ولم يتكبر، ولم يتعال على الناس من أجلها، وإنما يعرف أن النعمة من الله وأن الله يقول: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ} [النحل:53] فهو المنعم تبارك وتعالى، فإن من شكر نعمة الله أن أشكر الله أولاً، ثم أصرفها في مرضاة مسديها وموليها تبارك وتعالى، لكن الفاجر إذا جاءت النعمة فجر واستعلى بها، وصرفها في مساخط الله، واستعان بها على كل ما يبغضه الله تبارك وتعالى. (قالوا: الشكر عند النعماء، والصبر عند البلاء) لأن المسلم والإنسان في الدنيا بصفة عامة يتقلب بين النعماء وبين الضراء، الحياة ليست على وتيرة واحدة، الحياة كل يوم لها وضع، والله كل يوم هو في شأن، والناس يتقلبون بين نعم الله وبين مصائبه، والله تعالى يقول: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] تجده اليوم معافى وغداً مريضاً، واليوم مريضاً وغداً معافى، واليوم فقيراً وغداً غنياً، واليوم غنياً وغداً فقيراً، واليوم بيت فيه عزاء وبيت آخر فيه زواج وفرح، وبعد أيام تجد العكس فالبيت الذي كان فيه فرح أصبح فيه عزاء، والذي كان فيه عزاء صار فيه فرح {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140]. فيقولون: نحن عندنا هذه الخصلة أننا نصبر عند البلاء، لا نتضجر، ولا نتذمر من قضاء الله، وكلما ابتلانا الله بشيء قلنا: الحمد لله على ما كتب الله، يتمثلون قول الله عز وجل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ} [البقرة:155] من هم؟ {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:156 - 157]. (قالوا: والرضى بمر القضاء) لا نصبر فقط، وإنما نصبر ونرضى، وفرق بين الصابر اضطراراً والصابر اختياراً، فالمصيبة تنزل ولكن الواحد يتقبلها بصدر رحب، ويعلم أنها من اختيار الله عز وجل فيثيبه الله، وآخر تنزل عليه المصيبة فيصبر صبر المضطر، فليس له إلا أن يصبر وإلا ماذا يصنع؟! فيصبر رغماً عنه! فهؤلاء يقولون: (نصبر على البلاء ونرضى بمر القضاء)، أي: نعلم أن هذا هو اختيار الله فنرضى باختيار الله عن اختيارنا. (قالوا: والصدق في مواطن اللقاء) أي: يقولون: إذا قابلنا أعداءنا لا نعرف إلا المضي إلى الأمام، لا نعرف شيئاً اسمه انسحاب ولا نرجع إلى الوراء، لا نعرف إلا إلى الأمام، إما النصر أو الموت. قالوا: هذه من شيم الرجال ومن شيم أهل المروءة. (قالوا: وترك الشماتة بالأعداء) أي: لا تشمت على أحد تكرهه فيعافيه الله ويبتليك؛ لأن الشماتة ليست بيدك؛ فإن ما أصابه قدر والأقدار بيد الله، فإذا ابتلاه الله تأتي أنت وتشمت به، هل أنت الذي قضى عليه؟ هل أنت الذي قدر عليه؟ يا أخي: حتى ولو أنك تكرهه، وكان عدوك، لا تفرح لما أصابه، لا تقل يستحق ما به، لا -يا أخي- بل قل: اللهم عافه يا رب ولا تبتلنا، ولو كان عدوك فلا تشمت به؛ لأنك إذا شمت بعدوك عافاه الله وابتلاك، ونزلت المصيبة عليك أنت، لكن إذا رأيته وقلت: اللهم عافه ولا تبتلنا، عافاه الله ولم يبتلك. هذه هي الخمس التي عندهم في الجاهلية. فقال صلى الله عليه وسلم لما سمع خمسهم: (حكماء علماء؛ كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء) فهذه هي شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الرجال: (حكماء علماء؛ كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء). ثم قال: (وأنا أزيدكم خمساً: إن كنتم كما تقولون فلا تبنوا ما لا تسكنون) أي: أنه يزيدهم خمساً بعد الخمس عشرة، والأولى متحققه فينا كلنا، خصوصاً بعد انسكاب الدنيا علينا، ولكن ما المخرج؟ المخرج أن تسكن فيما بنيت، وإذا وسع الله عليك وزودك بالسكن فاستعمل ما يدخل عليك من هذا السكن في طاعة مولاك جل وعلا، واستعن بما يفتح الله عليك في طاعة الله؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ} [الأعراف:32] ويقول: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون:51] ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:172]. فإذا وسع الله عليك بالمساكن، أو بالمآكل، أو بالملابس، أو بالمراكز، أو بالمناكح، أو بالمشارب، أو بأي شيء مما منَّ الله تعالى به عليك فتمتع به، فإن الله لا يريد أن يحرمك منه، بل أنت أولى الناس بالطيبات في الدنيا ولكن بشرط: أن تستعين بهذا المتاع على طاعة الله. فإذا بنيت عمارة تعمرها بذكر الله فلا تعمرها بمعصية الله، وإذا أعطاك الله جسداً معافى فاستخدمه في طاعة الله، وإذا أعطاك الله منصباً وجاهاً فسخره فيما يرضي الله جل وعلا، حتى تتحول أمورك كلها إلى عبادة، فإذا كنت موظفاً أو مديراً أو مسئولاً ولكنك تتقي الله في عملك فكأنك تعبد الله بهذا العمل؛ لأن بصلاح النية تتحول عادات المسلم إلى عبادات، وبفساد النية تتحول عبادات المسلم إلى عادات، مثل أكثر الناس اليوم يصلي ولكن عادة، يصلي ويخرج ليشهد الزور، يصلي ويفكر كيف يقول شهادة الزور، لماذا؟ لأن صاحباً له قد جاءه وقال: عندي دعوى في الزرع أو المبنى أو المكان وتعرف أنني بحثت عن شهود ولم أجد، وأنت تعرف أن الدنيا يوم لك ويوم عليك، فأنا اليوم أحتاجك وأنت غداً قد تحتاجني، وتعلم أنه لا يوجد زرع ولا غير ذلك لا يوجد إلا وجهي، أريد أن أظهر على هذا الإنسان وأكسب هذه الدعوى، وأنت صاحبي وما ترضى أن تخذلني فتأتي تشهد معي قال: آتي أشهد، ولو أنت كبير في السن؛ لأن كبار السن يعرفون الأماكن والبقاع والحدود، ولو جاء شخص صغير في السن -شاب- لقالوا: أنت صغير ولا تعرف الحدود والأماكن، ولهذا دائماً يقولون: ابحث لك عن شيخ كبير قد تجهز للآخرة فيختم حياته بشهادة الزور والعياذ بالله. ويقول: أبشر! ويأتي يصلي هذا الشيخ ولا يفارق المسجد ولكنه يشهد الزور، كيف تشهد الزور وقد قرن الله تعالى شهادة الزور بالشرك بالله؟ حيث قال الله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج:30] مثل الشرك بالله، وفي صحيح البخاري وصحيح مسلم عن أبي بكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس! وقال: ألا وقول الزور، ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور قال الصحابة: فما زال يرددها حتى قلنا: ليته سكت!). فشهادة الزور ليست سهل

حديث جبريل والإيمان بالبعث

حديث جبريل والإيمان بالبعث وفي حديث جبريل الصحيح، الذي جاء يعلم فيه الصحابة أمور دينهم حينما كانوا جالسين كما يروي عمر قال: (بينما نحن جلوس عند رسول الله إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه من القوم أحد) وكان السفر في الماضي ليس كالآن، يجلس في الطائرة كأنه في البيت، لا بل يأتي من السفر أغبر جائع أشعث تعبان يقطع الطريق ويمضي فيها شهوراً، فهذا جاء من سفر ولكن ثيابه نظيفة وليست مغبرة، وشعره غاية في السواد، وثوبه أبيض جداً وليس أشعث، وما عليه أثر سفر ولا يعرفه أحد من الصحابة، فمن أين أتى هذا؟ ليس بمسافر ولا من المعروفين من الناس! نعم. جاء من السماء. (فجلس أمام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، قال صدقت، قال الصحابة: فعجبنا له يسأله ويصدقه!) معناه أنه أعلم منه، حين تسأل شخصاً ويجيب، فتقول: صدقت! فمعناه: أنك تعلم الجواب، فسؤاله ليس سؤال المستفهم بل سؤال المؤكد والمعلم. (قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله، قال صدقت، ثم قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: صدقت، ثم قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال صلى الله عليه وسلم: ما المسئول عنها بأعلم من السائل) يقول: أنا والله ما أعلمها أكثر منك، إن كان هناك علم عنها فهو عندك؛ لأنك أتيت ومعك علم من السماء. فما المسئول عن الساعة بأعلم من السائل، فهذا سؤال ولكن السائل والمسئول لا يعلمان عنها شيئاً، يقول الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ} [الأعراف:187] فعنده علم الساعة، لا يعلمها ملك في السماء ولا نبي في الأرض، وإنما اختص الله نفسه بعلم الساعة. قال: (فأخبرني عن أماراتها) أي: أعطني دلالات أو إشارات تدل على قرب وقوعها، فأخبره عن بعض أماراتها، قال: (أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان) وقد حصل في هذا الزمان، فالذين كانوا يسكنون في القفار والصحاري والربع الخالي وفي البادية ما كانوا يعرفون المدنية كانوا يبنون بيوت الشعر، فإذا انقطع المطر في أرض ذهبوا إلى أرض أخرى، فأصبح لديهم فلل وعمارات، قال: وأن ترى العالة أي: الفقراء، الحفاة أي: الذين لا يعرفون الأحذية، العراة: الذين ما معهم ملابس يلبسونها، تراهم يتطاولون في البنيان، كل شخص يقول: عمارتي أحسن من العمارة الثانية، وتنسيق عمارتي أحسن من تنسيق العمارة الثانية، وهذا الحديث فيه ذكر البعث بعد الموت.

طرق القرآن في إثبات البعث والدعوة إلى الإيمان به

طرق القرآن في إثبات البعث والدعوة إلى الإيمان به المتأمل للقرآن المكي يلحظ التأكيد على قضية الإيمان بالبعث، والمتأمل للقرآن بصفة عامة يلحظ أن القرآن قد عالج قضية الإيمان بالبعث بعد الموت عن طريق ثلاثة أمور: الأمر الأول: القياس العقلي والمنطقي. الأمر الثاني: اليمين والقسم المؤكدة للقضية. الأمر الثالث: عرض صور حية ومشاهد وأحداث تحدث يوم القيامة والله أعلمنا بها قبل أن يكون ذلك اليوم.

طريقة القياس العقلي والمنطقي

طريقة القياس العقلي والمنطقي فالأمر الأول وهو القياس العقلي المنطقي لأهل العقول الذين يقولون: لا نرضى بالدليل، نريد فقط أدلة عقلية منطقية مثل: (1+1=2) وإلا فلا نقبل. فنقول: قال الله عز وجل: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [يس:78] فرجل من الكفار جاء بعظم لميت من المقبرة، فحمله إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفت العظم بين يديه، وقال: يا محمد! تزعم أن ربك بعد أن نكون عظاماً ورفاتاً يبعثنا ويعيدنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (نعم، ويدخلك الله النار) فنزل القرآن يؤيده في نفس اللحظة، فقال الله: {وَضَرَبَ} [يس:78] يعني: هذا الكافر {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [يس:78] فضرب بالعظم مثلاً ونسي العظم الذي يحمل العظم، جاء يفت العظم بالعظم المحمول؛ لأن العظم هو الأساس لكل شيء في الإنسان، فالعظم يحيط بالمخ والمخ هو مركز الدماغ، والدماء هل تعلم أين تصنع؟ تصنع داخل نخاع العظم، فهذه الدماء الموجودة فينا، تكسر فينا كريات الدم الحمراء كل مائة وعشرين يوماً، بعد أربعة أشهر كل الدماء التي تلفت تكسر وتذهب مباشرة إلى الطحال، وتقوم العظام بعملية توليد جديد وخلق جديد للدماء، فالعظم الذي يحمل العظم يقول الله فيه: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس:78] قال الله: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:79] الذي خلقها أولاً أيعجز أن يخلقها ثانياً؟! لا. فسبحان الله!! {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنْ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:80 - 82] الأمر عند الله بين الكاف والنون، لا وسائل ولا إمكانيات، بل كن فيكون، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء تبارك وتعالى، فهذا هو القياس المنطقي الأول. القياس الثاني في سورة مريم: يقول الله عز وجل: {وَيَقُولُ الإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً} [مريم:66] يعني أنه يستبعد ذلك، يقول: إذا مت أخرج مرة ثانية حياً؟ {وَيَقُولُ الإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً} [مريم:66] قال الله تعالى: {أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً} [مريم:67] لماذا تنسى أن الله خلقك ولم تكن شيئاً؟! فأنت تعيش منذ ثلاثين سنة، فأين كنت قبل الثلاثين؟ ارجع إلى الوراء قليلاً يا صاحب العضلات والجسم القوي، والبنية المشدودة، ارجع إلى تاريخك قليلاً واذكر كيف كنت؟ كنت أول خلقك نطفة مذرة، خرجت من ذكر أبيك، لو صرفت هذه النطفة لكانت كالبصاق أو كالنخامة، هذا هو أصلك -أيها الإنسان- من ماء مهين، لقد خلق الله الإنسان من ماء حقير، لماذا تتكبر؟ {أَوَلا يَذْكُرُ الإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً * فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ} [مريم:67 - 68]: هؤلاء المكذبين، الضالين، الشاردين الهاربين: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً} [مريم:68] أي جاثين على ركبهم: {ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً * ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيّاً * وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} [مريم:69 - 72] نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم، اللهم اجعلنا منهم وآباءنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا وجميع المسلمين. {وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً} [مريم:72] فهذا المنطق الثاني، إن الله تعالى أولا يذكر الإنسان أنه كان نطفة مذرة، ثم صار علقة، ثم صار مضغة، ثم صار عظاماً، ثم كساه الله لحماً، ثم بعد هذا اللحم أنشأه الله خلقاً آخر، ثم أخرجه، خرج من موضع البول مرتين، الأولى: من ذكر أبيه، والثانية: من فرج أمه. يقول: [يا بن آدم! كيف تتعالى على الله وأولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وفي بطنك تحمل العذرة]. بعض الناس تقول له: صل، فيأبى، ولا يعلم ما بداخله، فلولا أن الله كتمه وما أظهر رائحته والله لما قعد معه أحد، فوالله لا يوجد أخس من الإنسان، وهذا معلوم، فالغائط والبول الذي يخرج من كل الحيوانات لا يشبه بول وغائط الإنسان، فالإنسان حقير بذاته، لكن الله تعالى كرم الإنسان بهذا الدين، وشرفه بهذا الإيمان، فإذا تخلى عن كرامة الله له وتشريفه له فلا كرامة له، ولهذا قال الله: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} [محمد:12] هذا القياس الثاني المنطقي. والقياس الثالث جاء في سورة الحج: قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ} [الحج:5] فإذا كان عندكم شك من البعث فتعالوا وخذوا الأدلة، ما من يوم إلا فيه خلق جديد، وفي كل بيت من بيوت المسلمين تجد آل فلان جاءهم ولد، آل فلان جاءتهم بنت، تعال وانظر إلى هذا المولود، من أين جاء؟ من شق بصره؟ من صوره؟ من قدره؟ من ركبه؟ من جعل فيه هذا الاتساق وهذا الخلق وهذه الحكمة العظيمة؟ من ركب له العينين في رأسه؟ من ركب له الأذنين في رأسه؟ من ركب له الرئة رغم أنه في بطن أمه لا يتنفس؟ من أعطاه القدمين رغم أنه لا يستعملها إلا بعد سنة أو سنتين؟ من أعطاه هذه الأجهزة وهذا الخلق وهذا اللسان؟ إنه الله الذي لا إله إلا هو: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:7 - 8] ويقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج:5 - 7]. انظر إلى هذه الخمس الأخيرة، كل العرض السابق كله لتقرير هذه الخمس الأصول! خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ، ثم يقر في الأرحام ما يشاء، ثم بعد ذلك: يخرجكم طفلاً لتبلغوا أشدكم، ثم تكونوا شيوخاً، ثم بعد ذلك: منكم من يرد إلى أرذل العمر، أي يبقى إلى أن يشيخ كلياً. ومنكم من يتوفى، وبعد ذلك: {تَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً} [الحج:5] وهذا هو الدليل على الإحياء، وهو أن الأرض الهامدة الجامدة إذا أنزل الله عليها الماء اخضرت واهتزت وربت وأنبتت ألواناً بهيجة: {وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج:5]. ثم قال الله: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج:6 - 7]. هذه ثلاث آيات دلت بالمنطق والعقل على قدرة الله على الإحياء بعد الموت.

طريقة التوكيد بالقسم

طريقة التوكيد بالقسم الأمر الثاني من أمور علاج الإيمان بالعبث: العلاج باليمين والقسم المؤكد: قال عز وجل في سورة التغابن: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي} [التغابن:7] فلم يقسم الله تبارك وتعالى ولم يأمر نبيه بأن يقسم به في القرآن إلا في ثلاثة أماكن وعلى البعث فقط، هذه واحدة، قال الله: قل يا محمد: {بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:7] إذا كان يصعب عليكم -لأنكم ضعفاء- أن تخلقوا ذباباً فليس عسيراً على الله؛ لأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. ولقد تساءلوا وقالوا: كيف يعيد الأولين والآخرين؟ قال الكفار: يمكن أن يعيدنا نحن، ولكن أولئك الذين من القدم من عاد ونوح وآدم كيف يبعثهم الله؟ قال الله عز وجل: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان:28] فما خلقكم ولا بعثكم كلكم من أولكم إلى آخركم إلا كنفس واحدة، وقال عز وجل: {لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غافر:57] يعني: أن السماوات وما أعد الله بها من العجائب، والأرض وما خلق الله بها من العجائب، أكبر من خلق الناس {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [غافر:57]. فالله تعالى يقول في هذه الآية: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن:7]. والقسم الثاني: قال عز وجل: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ} [يونس:53] يسألونك أحق هو؟ أي: هل البعث بعد الموت حق؟ قال: {قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس:53] أي: البعث من بعد الموت {وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [يونس:53]. وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ} [سبأ:3]. وفي سورة الذاريات يقول الله عز وجل: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ} [الذاريات:23] أي: البعث بعد الموت {مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات:23] مثل ما أنك تتكلم حقاً ولا تنكر أنك تتكلم، فوالله إن البعث بعد الموت كذلك بقسم من الرسول صلى الله عليه وسلم قال الله: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [الذاريات:23] هذا الأسلوب أو الأمر الثاني من أمور علاج العقيدة وتأصيلها في الإيمان بالبعث من بعد الموت.

طريقة عرض مشاهد من يوم القيامة

طريقة عرض مشاهد من يوم القيامة أما الأمر الثالث: فهو عرض أحداث ومشاهد وأشياء تحدث في القيامة لا نعرفها نحن، ولكن الله من رحمته بنا نقل لنا صوراً حية من أجل أن نعتبر ونتوب، ونكون ممن يعيش هذه الأحداث، ولا نتأسف حين لا ينفع الأسف، نذكر لكم ثلاثة أحداث، أو ثلاث قضايا ومشاهد: مشهد بين مصدق الجنة ومكذب النار: المشهد الأول: مشهد حوار بين رجلين، رجل مصدق من أهل الجنة ورجل مكذب من أهل النار، وكانا في الدنيا زملاء وشركاء في تجارة، ذكر الله تعالى قصتهما في سورة الصافات، ونقل ابن كثير قصتهم في التفسير، وملخص القصة: أنه كان هناك رجلان مؤمن وكافر، وكانا شريكين في تجارة، وكان المؤمن يشتغل دائماً بالآخرة، ويعطي الدنيا جزءاً يسيراً من الاهتمام، وكان الكافر معرضاً عن الآخرة ويعطي الدنيا كل الاهتمام، ليله ونهاره مع التجارة ولكن ذاك إذا جاء وقت الصلاة ترك تجارته وذهب. ولكن هذا الكافر ما أعجبه هذا وقال له: أنا أتعب، وأنا الذي أثمن المال، وأنا الذي أنميه وأحرص على زيادته، وأنت على الهامش، إما أن تشتغل مثلي وإلا نتقاسم، قال: نتقاسم، فحصرا المال فوجداه ثمانية آلاف دينار، فاقتسما المال وأخذ كل واحد أربعة آلاف دينار، أخذ هذا المؤمن ماله وكنزه، وأخذ هذا الكافر ماله وبدأ يستغله. لكن كيف استغله؟ اشترى مزرعة كبيرة طويلة عريضة بألف دينار، ثم بعد ذلك حفر فيها الآبار، وشق فيها التراب، واشترى بألف ثانية عبيداً وخدماً يخدمونه ويعملون فيها، واشترى بالألف الثالث قصراً من أعظم القصور في الدنيا، والألف الرابعة تزوج بها زوجة من أجمل نساء الدنيا، وتمت له النعمة، مزرعة عظيمة، وخدم يخدمون فيها، وقصر عظيم وزوجة جميلة، ماذا يريد بعد ذلك؟ ثم لقي صاحبه بعد أيام قال له: ماذا صنعت بالمال؟ قال: لم أصنع به شيئاً، قال: أنا أعلم أنك ستضيع المال، قال: أنت ماذا صنعت به؟ قال: اشتريت مزرعة وبنيت فيها قصراً وتزوجت زوجة، فقال له: حسناً ما صنعت، وجاء الليل فقام هذا المؤمن يصلي وقال: اللهم إن شريكي فلاناً اشترى مزرعة في الدنيا يموت ويتركها، واشترى عبيداً يموت ويتركونه أو يموتوا ويتركونه، وبنى قصراً يموت ويخرج منه، وتزوج بزوجة جميلة يموت ويتركها أو تموت وتتركه، اللهم إني أشتري عندك حديقة في الجنة، وأشتري عندك خدماً في الجنة، وأشتري عندك بيتاً في الجنة، وأخطب عندك حوراء في الجنة بأربعة آلاف دينار، وقام في الصباح وأخذ المال ودفع الثمن مقدماً، ووزعه على عباد الله، ولم يبق معه شيء. والله عز وجل ابتلاه وزاد له في الاختبار، فظل فقيراً مدة من الزمان حتى إنه آوته الحاجة إلى أن يتسول فلم يجد أحداً يعطيه، وتذكر وقد كاد يموت من الجوع صديقه ذاك فقال: أذهب إليه لعلي أجد عنده حاجتي، فذهب إليه ووقف بالباب، فلما رآه الخدم والعبيد طردوه، قالوا له: انصرف لا يخرج سيدنا ويراك فيعاقبنا، أنت بمنظرك هذا وبثيابك البالية والمقطعة تشوه منظر القصر، قال: قولوا لسيدكم فلان يريدك، قالوا: أنت تعرف سيدنا؟ قال: نعم أنا أعرفه ويعرفني، فذهب واحد من الخدم وقال له: يوجد شخص فقير في الباب يقول إنك تعرفه ويعرفك اسمه فلان، فالرجل تذكره ونزل إليه، فلما رآه بهذه الحالة وسلم عليه، قال له: أسألك بالله أين مالك الذي كان معك؟ قال: أقرضته قال: ومن أقرضته، من الذي يقرض حقه؟ قال: أقرضته المليء الوفي، المليء الذي لا يضيعه، والوفي الذي يرد رداً عظيماً، قال: من؟ قال: ربي، فنزع يده منه وضربه وقال له: اذهب إليه، فرجع منكس الرأس من الذل، فأعطاه الله ما أقرضه، وأدخله الجنة التي قد اشترى منه فيها، وذلك أدخله الله تعالى في السجن؛ لأنه ليس معه شيء فحبسه الله في سجن الآخرة. فيخبر الله عز وجل يوم القيامة في سورة الصافات أن المؤمن هذا يتحدث عن رفيقه هذا، قال عز وجل: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ} [الصافات:50 - 51] أي: من أهل الجنة {إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} [الصافات:51] رفيق صاحب زميل شريك {يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ * أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافات:52 - 53] يقول لزملائه: كان لي صديق يقول: أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً سنبعث وندان ونحاسب {أَئِنَّا لَمَدِينُونَ} [الصافات:53] وبينما هم في الكلام يخاطب زملاءه، وإذا بخطاب يأتيهم قال: {قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} [الصافات:54] تريدون أن تروه، هو موجود، ولكن ليس في هذه الدار هو في الدار الثانية، ما أعجز الله، وما أفلت هو مقبوض عليه {قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ} [الصافات:54 - 55] يعني: من أعلى {فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات:55] رآه وهو كالفحمة يتقلب في النار، لم ينفعه القصر ولا الزوجة ولا المزرعة ولا العبيد، هل نفعه شيء من هذا النعيم؟ لا. الآن الدنيا هذه مثل البطن، تشبعه أول وجبة، الآن نحن كم قد أكلنا وكم تغذينا، مرات ومرات، وكذلك إذا مات الإنسان ولو تنعم بكل نعيم، ولو تزوج بكل جميلة، ولو ملك كل ريال، ودخل القبر ورأى حفرة من حفر النار والله ما يبقى من نعيم الدنيا شيء. ولكن لو تعذب في الدنيا بكل عذاب، وتعب بكل تعب، ومات ووجد القبر روضة من رياض الجنة والله ما بقي معه من ذاك التعب شيء {هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الصافات:54 - 55] فكلمه: {قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} [الصافات:56] أي: إن كدت لتهلكني بموقفك ذاك، وردك عليَّ، وطردك لي {وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي} [الصافات:57] أنه ثبتني على الإيمان {لَكُنتُ مِنْ الْمُحْضَرِينَ} [الصافات:57] ثم يلتفت إلى إخوانه في الجنة ويقول: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ} [الصافات:58] لم يعد يوجد موت {إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأُولَى} [الصافات:59] أي: الموتة التي أخذناها في الدنيا {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الصافات:59 - 60]. والله هذا هو الفوز العظيم {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ} [الصافات:61] لمثل هذا المصير فليجتهد المجتهدون، وليشمر المشمرون، وبعض الناس إذا مكث في العسكرية أو ذهب إلى الغربة سنين، ثم جاء بأموال واشترى مزرعة وبنى قصراً وتزوج قالوا: والله فلان حليم؛ لأن معه مالاً، ولو جاء وعليه دين وهو مؤمن ويتقي الله ويعلم الناس الدين، قالوا: والله هذا وضيع، تغرب وجاء بكتاب، فلا إله إلا الله! والله! إن الرجل الحقيقي هو الذي يأتي بدين الله، الرجل الحقيقي هو الذي أثنى الله تعالى عليه بالرجولة وقال: {فِيهِ رِجَالٌ} [التوبة:108] يعني: في المسجد {يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة:108] وقال: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ} [النور:36 - 37] الرجولة الحقة في دين الله، ليس الرجل من يجمع المال ويضيع الدين، ولكن الرجل من يجمع الدين، فإذا جمع الدنيا مع الدين فشيء طيب: ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا لا بارك الله في دنيا بلا دين فهذا يقول: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ} [الصافات:61] ثم يقول الله تعالى: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً} [الصافات:62] يعني: هذه الجنة العالية خير نزلاً {أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} [الصافات:62] يسأل العقول يقول: {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} [الصافات:62]؟ لا يوجد شك أن الجنة أفضل من شجرة الزقوم، قال الله تعالى: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} [الصافات:64] وتخيلوا شجرة تنبت في النار كيف تكون؟ معلوم أن الإحراق ضد الشجر، فلا يوجد شجر ضد النار إلا شجر النار {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا} [الصافات:64 - 65] يعني: ثمرتها {كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ * فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} [الصافات:65 - 66] أي: يأكلون من ثمرها الطالع من النار. {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ} [الصافات:67] والشوب: هو الماء الذي يتجمع مع غليان الماء، الماء إذا غلى يتجمع ويصعد منه شوب إلى أعلى، هذا هو أحر شيء في الماء، قال الله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ * ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ} [الصافات:67 - 68] المرد إلى أين؟ {لإٍلَى الْجَحِيمِ} [الصافات:68] لماذا؟ قال تعالى: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ * وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأَوَّلِينَ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنذِرِينَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنذَرِينَ} [الصافات:69 - 73]. وهذا مشهد من مشاهد يوم القيامة، ولا أظن أحداً يريد أن يدخل في هذه الدار ما من أحد يريد أن يدخل النار! والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (

الأسباب المؤدية إلى تقوية الإيمان بالبعث

الأسباب المؤدية إلى تقوية الإيمان بالبعث فأنا أؤكد وأؤصل قضية الإيمان بالبعث بما لا مزيد على ما قلت، وإنما بما يقيم لنا دليلاً على أننا مؤمنون بالبعث وهو شيء واحد: الاستجابة لأمر الله والبعد عن معاصي الله، فإذا كان هذا الأمر بأيدينا وفي أنفسنا وفي جميع حركاتنا، وأننا مسارعون إلى طاعة الله ومبتعدون عن معصية الله، فلنعلم أننا مؤمنون بالبعث، وننتظر الجزاء من الله إن شاء الله. وإن كانت الأخرى، فلا يوجد استجابة لأمر الله، ويوجد حب لمعصية الله، فالإيمان بالبعث عندنا ضعيف، وعلينا أن نقويه، وتقوية الإيمان بالبعث يكون بستة أمور: الأمر الأول: تلاوة كتاب الله مع التدبر. الأمر الثاني: تلاوة حديث رسول الله يومياً -حديث واحد- مع التدبر. الأمر الثالث: اختيار الرفيق الصالح، فلا بد أن تختار رفيقاً مؤمناً تجلس معه، وتتقوّى به. الأمر الرابع: الابتعاد عن الرفيق السيء، إذا وجدت شيطاناً رجيماً يدعوك إلى معصية الله، وينهاك عن طاعة الله، فأعرض عنه وفرّ منه؛ لأنه مصاب في دينه، أنت لو جئت إلى شخص مصاب بـ (الكوليرا) أو السرطان أو الطاعون، أتجلس معه؟ أم تهرب منه؟ فهذا والله أخطر منه، وهذا عنده طاعون في دينه و (كوليرا) في عقيدته، وسرطان في دينه، كيف تجلس معه وهو يقول لك: لا تصل؟! تمر معه بجانب المسجد والمؤذن يؤذن، فتقول له: هيا نصلِّ، فيقول لك: يا شيخ أتريد أن تصلي وأنت صغير، فيما بعد إذا كبرنا نصلي، دعنا نستمتع بالحياة، هذا شيطان رجيم اتركه -والعياذ بالله- وابتعد عن قرناء السوء. الأمر الخامس: أن تحرص على طاعة الله وتسارع إليها. الأمر السادس: أن تبتعد عن معصية الله. هذه ست وسائل لتقوية الإيمان. أسأل الله تعالى أن يقوي إيماننا وإيمانكم، وأن يوفقنا وإياكم إلى كل خير. اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم اجعل ما قلنا وما سمعنا حجة لنا لا حجة علينا، اللهم انفعنا بما قلنا، وانفعنا بما سمعنا، واجعل ما علمتنا يا رب العالمين حجة لنا ينفعنا بين يديك يوم القيامة، اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين. اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا غيث الإيمان في قلوبنا، واسقنا غيث المطر في بلادنا وأوطاننا برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

النوم واليقظة دليلان من أدلة البعث العقلية

النوم واليقظة دليلان من أدلة البعث العقلية Q ظاهرة النوم واليقظة أليست دليلاً من أدلة البعث؟ A أولاً: لم أقل إنني سوف أتكلم عن كل أدلة البعث، وإنما قلت سآتي بنماذج فقط، وإلا فالقرآن من أوله إلى آخره مملوء بأدلة البعث، ولو كان هناك مجال لاستشهدت بجزء واحد في القرآن وهو جزء (عم) من أول سورة عم إلى آخر سورة الناس، ما من سورة من هذه السور إلا وفيها دليل على البعث، وقس عليها بقية سور القرآن. فظاهرة النوم -لا شك- ظاهرة مادية محسوسة، وهي دليل مادي محسوس من أدلة البعث، قال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتسألن عما كنتم تعملون) والله تعالى يقول في سورة الروم: {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} [الروم:23] فالنوم آية من الآيات الدالة على الله والبعث وكل القضايا الإيمانية، لماذا؟ يقول الله عز وجل: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر:42] فالآن هناك ميتتان: ميتة كبرى وهي الميتة المعروفة، وميتة صغرى وهي النوم المعروف، قال عز وجل: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ} [الزمر:42] يعني: يتوفاها -أيضاً- {فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى} [الزمر:42] يعني: التي في النوم {إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الزمر:42] فالنوم هو جزء من الموت، ولهذا ترى الإنسان الآن ينام على فراش وبجواره إنسان آخر ينام على فراش آخر، ويرى هذا رؤيا حسنة ويرى هذا رؤيا سيئة، فيتنعم هذا بالرؤيا الحسنة، ويتعذب هذا بالرؤيا السيئة، وأجسادهم ما بها شيء، وجسم هذا الذي تنعم ما أصابه نعيم، وجسم هذا الذي تعذب ما أصابه عذاب، لكن يستيقظ هذا من الحلم الجميل قائلاً: ما أجمل هذه الرؤيا، رأى أنه تزوج، فيقول: يا ليتكم لم توقظوني من هذا الحلم، بينما ذاك رأى أنه وآخر يتطاعنان وذاك يطعنه فيستيقظ قائلاً: ما ذاك الحلم، فيقال: ما بك؟ قال: واحد يطعني في جنبي! نعم فمن الذي زوج هذا، ومن الذي طعن هذا؟ الأجسام ما بها شيء، جسم هذا على الفراش وجسم هذا على الفراش، فروح هذا تنعمت فتنعم الجسد، وروح هذا تعذبت فتعذب الجسد، فالنوم دليل من أدلة البعث.

حكم الاستخارة لأداء الطاعات

حكم الاستخارة لأداء الطاعات Q هل يجوز الاستخارة لأداء الحج النافلة؟ A لا يا أخي المسلم، الاستخارة إذا ما أردت أن تعمل عملاً دنيوياً: تتزوج، تبني، تشتري سيارة، تسافر، أمر من الأمور المباح، فلا بد لك أن تستخير؛ لأنك لا تعلم ما هو الخير فيه، وكأنك ستشتري هذه السيارة والله عز وجل قد قدر عليك الموت بهذه السيارة، أو أن تتزوج بهذه المرأة وهي سبب هلاكك في الدنيا والآخرة، فإذا هممت بأمر فصل ركعتين، ثم إذا أكملت الركعتين، فقبل أن تسلم أو بعد السلام -وردت الصفتان- ولكن شيخ الإسلام يرجح أنه قبل السلام، فيقول: "اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر على ما لا أقدر، اللهم إن كنت تعلم أن في هذا الأمر -ويسميه، وليكن مثلاً شراء سيارة- أن في شراء هذه السيارة خيراً لي في ديني ودنياي وعاجل أمري وآجله فأقدره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن في شراء هذه السيارة شراً لي في ديني أو دنياي أو عاجل أمري وآجله؛ فاصرفه عني واصرفني عنه، واكتب لي الخير حيث شئت، ثم رضني به". فإذا عملت هذا الأمر فإذا يسر الله لك شراء السيارة فاعلم أن شراءها خير لك، وإن صرف عنك شراءها فاعلم أن الله صرف عنك شراءها، وهذا في الأمور العادية. أما في الطاعات والعمل الصالح فلا يوجد فيه استخارة، فحين تريد أن تصلي تقول: سوف أستخير الله أصلي أو لا أصلي، لا. حين تريد أن تحج، تقول: سوف أستخير الله وتقول: "اللهم إن كان الحج خيراً لي"، معلوم أن الحج خير لك؛ لأن (من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) ولأن (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أردت أن تحج سواءً أكان فرضاً أو نافلة، أو تتصدق، أو تصوم، أو تصلي، أو تعمل أي عمل من أعمال الخير فتسارع إليه من دون استخارة. شخص يريد أن يزني، فهل يستخير الله؟ الأعمال المحرمة لا استخارة فيها، والأعمال المشروعة لا استخارة فيها، وإنما الاستخارة في الأمور العادية المعتادة من أمور دنياك، التي لا تعلم أفيها خير أو شر، فتستخير الله، وكان الصحابة يستخيرون الله حتى في شراك النعل، إذا قطعت حذاؤه، وما كان معهم أحذية مثلنا الآن، فبعضهم تجده رابطاً بين أصابعه شراكاً (سيراً) وقطعة من الجلد من تحت فحسب، وبعضهم يحملها على عصاه ويمشي حافياً؛ لأنها مقطوعة! والواحد اليوم معه عشرون حذاء وهذا من نعم الله علينا، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فلا استخارة في هذا وإنما عليك أن تباشر العمل الصالح.

حكم سؤال الله الجنة ثمان مرات بعد المغرب والفجر

حكم سؤال الله الجنة ثمان مرات بعد المغرب والفجر Q هل ثبت أن المسلم يسأل الجنة ثمان مرات بعد الفجر والمغرب أم لا؟ A لا. لم يثبت، الذي ثبت والحديث في سنن الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال عقب صلاة الفجر وعقب صلاة المغرب سبع مرات: اللهم أجرني من النار، قالت النار: اللهم أجره مني، قال الله: قد أجرته منك) وهذا الذي ثبت، وهو في سنن الترمذي وهو صحيح، فعلى المسلم أن يحافظ عليها بعد الفجر بعد أن يكمل أذكار الفجر، وقبل أن ينصرف من مجلسه يقول: اللهم أجرني من النار سبع مرات، وفي المغرب مثلها، وتصور أنك تدعو الله كل يوم أربع عشرة مرة، الله كريم ما يردك إن شاء الله، أجارنا الله وإياكم من النار.

حكم الصلاة في ثياب النوم، واستخدام مكبرات الصوت في الزواج

حكم الصلاة في ثياب النوم، واستخدام مكبرات الصوت في الزواج Q ما رأي فضيلتكم بالصلاة وخاصة الفجر في ثياب النوم، وما رأيكم بمكبرات الصوت في الزواج وخاصة عند الرجال؟ A أما صلاة الفجر في لباس النوم، فالله يقول: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] نسأل صاحب لباس النوم، هل يذهب إلى العمل بلباس النوم؟ نتحداه أن يذهب، هل يقابل الأمير بلباس النوم؟ والله ما يستطيع إلا لو كان مكتفاً يُذهَب به غصباً عنه، ماذا يقول له الأمير؟ يقول: كيف تأتي لتسلم علينا بلباس النوم. فكيف تقابل ربك في بيت الله بلباس النوم؟! إن سألت عن صحة الصلاة فالصلاة صحيحة إن شاء الله إذا كانت الثياب طاهرة، إذا لم يكن لباس النوم فيه نجاسة فالصلاة صحيحة وليست باطلة، ولكنها مخالفة للأدب الذي ينبغي أن يكون عليه المسلم قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] لم يقل: عند كل محفل، أو مطرب، أو مجلس، لا بل عند كل مسجد. أما مكبرات الصوت في الزواج فهي مصيبة من مصيبات هذا الزمان، خاصة إذا أخذوا مكبرات المسجد، وقد سمعت أنه في بعض القرى يستعملون مكبرات المسجد ويغنون بها طوال الليل ثم يردونها ويصلون بها صلاة الفجر، فلا إله إلا الله!! يا إخواني: زواج السنة يشعر ويعلم عنه بالوليمة وبضرب الدف للنساء بشرط: ألا يرافق ذلك رفع الصوت حتى يسمعه الرجال، وألا تضربه حرة، والدف هو إطار مثل المنخل عليه جلد ثور أو جلد جمل، وتأتي أمة -ليست بحرة- وتضرب عليه فقط، فإن سئلت: ماذا بك؟ تقول: زواج في بيت فلان. أما أن تستعمل المعازف وترتفع أصوات النساء وهي أصوات تبعث على الحب والغرام والعشق والهيام، ويقولون: إن هذا من السنة. والله ما هذا من السنة، السنة غير هذا -يا عباد الله- المرأة صوتها عورة حتى في التلبية والتسبيح، فلو أن عندنا في هذا المسجد نساء يصلين في طرف هذا المسجد وأخطأ الإمام أو غلط الإمام ماذا يحصل؟ قال: "سبح رجل وصفقت امرأة"، المرأة وهي في المسجد لا تسبح، فكيف تصفق؟ قالوا: تصفق بظهر كفها، ما تصفق ببطن كفها، لأن كفها رطب، وهذا الصوت يحدث فتنة في قلب الرجل، بل تصفق بظهر كفها، هذا الجاف الناشف؛ لأن الله قال: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:32]. إذا جاء أي واحد يطرق باب بيتك وزوجتك موجودة، وقال: هل فلان في البيت، فيجب أن يكون جواب زوجتك بصوت جاف، فتقول: لا. لكن أن يأتي فيسأل فتقول هي: لا. والله ليس بموجود، وإن شئت تفضل، فيأتي إليه الشيطان ويقول: هذه ممتازة، اسمع الصوت انظر العسل، ولهذا قال الله: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [الأحزاب:32] يعني: لا ترقق المرأة صوتها، لماذا؟ {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [الأحزاب:32] يعني: إذا قالت قولاً معروفاً قوياً انتهى الرجل، ولكن إذا رققت صوتها فتن بها. يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحياناً أما تجمع الرجال وخروجهم في مناسبات الزواج، يتجمعون من كل قرية، حيث كانوا في السابق يأتون من كل قرية وجبل، لكن الآن يركب السيارة من قرية إلى قرية، ويلبس الجنبية المذهبة والسيف المذهب، ويأتي يرفع صوته من العشاء إلى الفجر بالكلام المبتذل، والنساء فوق السطوح يتسمعن، ثم نقول: نريد مطراً من السماء، والله -يا إخواني- لو تنزل علينا حجارة من السماء ما كنا نستبعدها؛ لأن الله تعالى يقول -كما في الحديث القدسي-: (إني أنا والجن والإنس لفي خبر عظيم، أخلقهم ويعبدون غيري، أرزقهم ويشكرون سواي، خيري إليهم نازل وشرهم إلي صاعد، أتحبب إليهم بالنعم ويبتغضون إلي بالمعاصي). فيا إخوان: نحن في نعم، فينبغي علينا أن نشكرها ونحمد الله عليها، أما إذا لم نشكرها وقمنا نستعملها في معصية الله، مثل ما يحدث في هذه المناسبات، فهذا والله شيء ينذر بعذاب من الله تبارك وتعالى، فاتقوا الله في أنفسكم، فلا تنبغي المكبرات ولا السهر، الزواج إنما هو ستر وما هو بفضيحة، الزواج ستر فاستر ابنتك أو ولدك وأولم بشاة، بشاتين، بثلاث، بقدر عدد الضيوف، ولا تتكلف، ولا تتعب نفسك -يا أخي- لماذا السرادقات؟ والكراسي؟ وبعد العرس تبقى أياماً تهدم الخيام، وترفع الكراسي، ولا حول ولا قوة إلا بالله. زوج ابنتك الزواج السني زواج الإسلام، بوليمة متواضعة، بقدر معين من الرجال وبقدر معين من الذبائح، وينتهي الأمر، وفرت مالك وأرحت نفسك ودينك، وأرضيت ربك، لكن البعض يبقى لهذا العرس من قبل أسبوعين يجهز، ويبقى بعدها أسبوعين أو يزيد وهو يعاني من هذه المشاكل، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

ضرورة التزام الحجاب عند الأقارب من غير المحارم

ضرورة التزام الحجاب عند الأقارب من غير المحارم Q أكثر الناس لا يعترفون بالحجاب أي: أن بعض الناس يأكل ويشرب مع زوجة أخيه كأنها أخته أو بنته؟ A أمر الحجاب في القرآن مثل أمر الصلاة، ما رأيكم في شخص قلنا له: صلِّ، فقال: لا. الدين في القلوب، أنا أحب ربي، ولكن لن أذهب لأصلي، ما رأيكم في كلام هذا الرجل؟ هو كافر؛ لأنه أنكر آية من كتاب الله، وترك الصلاة كفر. الأمر بالصلاة في القرآن يرافقه الأمر بالحجاب، في آيات عديدة في سورة الأحزاب والنور والنساء: ففي سورة الأحزاب يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ} [الأحزاب:59] حتى لا يقول شخص: إن الأمر لنساء النبي، فلو أن شخصاً طاهراً شريفاً عفي من هذا الأمر لعفي نساء النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن بعض النساء تقول: أنا قلبي طاهر. حسناً أأنتِ أطهر أم نساء النبي صلى الله عليه وسلم؟ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب:59] وليس نساء الفسقة والمجرمين، نساء المؤمنين، ماذا يعملن؟ قال: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب:59]. وقال: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:31] والجيب على الصدر والنحر، والخمار على الرأس، فتضرب بخمارها على رأسها، يعني: يصل من رأسها إلى جيبها، أي: يمر على وجهها ويغطيه {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ} [النور:31] لثمانية أصناف من الرجال والأقارب، وأربعة من غير الأقارب، من هم الأقارب الذين يباح لهن الكشف عليه؟ قال تعالى: {إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور:31] والبعل في الشرع واحد، أما أن تظهر على أبي فلان وأبي علان، وتسلم على هذا وتسلم على يد هذا، هذه المسألة ليست اشتراكية في الأعراض، ولا حول ولا قوة إلا بالله! بعولتهن فقط، بعلها الذي استحلها بكلمة الله. {أَوْ آبَائِهِنَّ} [النور:31] أبوها الذي خرجت من صلبه. {أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} [النور:31] يعني: أبو بعلها -عمها- لأنه لا يجوز له أن ينكحها بعد ابنه. {أَوْ أَبْنَائِهِنَّ} [النور:31] ولدها. {أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ} [النور:31] أي: ولد بعلها من غيرها؛ لأنها عمته، لا يستطيع أن ينكحها من بعد أبيه. {أَوْ إِخْوَانِهِنَّ} [النور:31] أي: أخوها من أمها وأبيها أو من أمها أو من أبيها أو من الرضاع. {أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ} [النور:31] أي: أبناء أخيها. {أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ} [النور:31] أي: أبناء أختها وهي خالتهم، فقط، وليس فيهم أخو الزوج، فلا نأتِ بقرآن جديد، ليس هناك إلا كلام الله. والأربعة الباقين من غير الأقارب هم: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور:31] يعني: المرأة المؤمنة تكشف على المرأة المؤمنة. {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور:31] يعني: المرأة التي عندها عبيد تكشف عليهم؛ لأنه ما يكشف عورتها، فهو يخاف منها؛ لأنها سيدته ومولاته. {أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ} [النور:31] والتابع هو الذي يتبع الزوج أي: خادم الزوج، الراعي عند الزوج، العامل عند الزوج، السائق عند الزوج، لكن بشرط: أن يكون هذا الراعي أو الخادم أو السائق مخصياً؛ لأن الله تعالى يقول: {أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ} [النور:31] ما معنى غير أولي الإربة؟ يعني مخصياً، لكن إذا كان كمن هم عندنا الآن، فهذا هو الموت، هذا الذي يسمونه (السارق النزاع) يرى كل امرأة، ويدخل كل بيت، وهو أخطر من كل خطير، وكما قال الأول: (حذارك من الديدان والخدم). {أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور:31] فالطفل الصغير غير المدرك الذي لا يعرف شيئاً عن عورات النساء يجوز للمرأة أن تكشف عليه، أما الطفل الذكي فلا؛ لأن بعض الأطفال رغم صغره إلا أنه ذكي ترسله إلى بيت من البيوت بسلعة، فيذهب ويلعب بصره في كل شيء في البيت، فيرجع فيُسأل: ماذا رأيت؟ فيقول: ما أكثر ما رأيت في ذلك البيت، فيه ثريات ومعهم صورة، ومعهم ومعهم، فصور الدنيا كلها في لمحة واحدة، وهذا خطير لا ينظر إلى النساء؛ لأنه سينشر عرض النساء في المجالس، أما الطفل الصغير الذي ما يعرف شيئاً، فإن سئل: رأيت شيئاً؟ يقول: لا. فهذا الذي يجوز أن يكشف عليه. ثم قال عز وجل: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور:31] يعني: إذا كانت المرأة معها خلخال في رجلها، أو كان معها أساور في يدها، أو عصابة في رقبتها فمشت، فعليها ألا تقلقلها ولا تصلصلها؛ لأن الله تعالى يقول: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31]. وليس معنى -أيها الإخوة- أن يحجب الإنسان زوجته عن أخيه أو عن قريبه أنه لا يثق فيه، فالثقة شيء وأمر الله شيء آخر، أنا أثق في أخي ثقتي بنفسي، وأثق في زوجتي ثقتي بنفسي، ولكني أحجب زوجتي عن أخي، لماذا؟ لأن الله أمرني بهذا؛ لأن بعضهم يقول: هل أنا خائن كيف لا يأمنني على زوجته؟ نعم. لا آمنك على امرأتي، كل شيء آمنك عليه إلا المحارم؛ لأن المحارم ليس فيها جدال، يقول الشاعر: لا تتركن أحداً بأهلك خالياً لو كان في النساك مثل بُنان أي مثل: ثابت البُناني. إن الرجال الناظرين إلى النسا مثل الكلاب تطوف باللحمان إن لم تصن تلك اللحوم أسودها أكلت بلا عوض ولا أثمان بالله ما رأيكم لو سلخنا جلد شاة وأخرجناها إلى السوق تمشي، ورأتها الكلاب أتتركها؟ والله تأكلها أكلاً، ولكن إذا عليها جلدها ما تستطيع الكلاب أن تعضها، وكذلك الحجاب للمرأة مثل الجلد لا يستطيع أحد أن ينظر إلى شيء منها، لكن إذا عرينا النساء، نظر الرجال وحصلت الفتنة، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فالحجاب مطلوب ولكن ليس من أجل أنك تشك في زوجتك أو تشك في أخيك ولكن من أجل أن تطيع ربك، فمن أراد طاعة الله فعليه أن يحجب زوجته، ومن أراد معصية الله فلا يحجبها، وسوف يكون خصماً لله وهي ستكون خصمة له بين يدي الله يوم القيامة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (النظر سهم مسموم من سهام إبليس، من تركه لله أبدله الله إيماناً يجد حلاوته إلى يوم يلقاه).

وذكرهم بأيام الله

وذكرهم بأيام الله إن التذكير بأيام الله سنة الأنبياء، وطريق الدعاة إلى الله من بعدهم، يرد المسترسل في غيه، وينبه الغافل، ويوقظ الوسنان، فالواجب على كل مسلم عامة، وكل داعية خاصة، أن يذكر الناس بما أوجب الله عليهم من الفرائض، وبما تئول إليه المعاصي من العقوبات والمهالك، وعليه أن يذكرهم بالأمم السابقة التي أهلكها الله بسبب عصيانها، وعدم استماعها لمواعظ أنبيائها ودعاتها.

واجب الداعية تجاه الناس

واجب الداعية تجاه الناس الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، سيدنا وحبيبنا وإمامنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اقتفى أثره وسار على دربه واتبع شريعته ودعا إلى ملته وسلَّم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الأحبة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله جميع أوقاتكم، وأسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجمعنا دائماً على الهدى والخير في هذه الحياة، وأن يجمعنا في الآخرة في دار كرامته، وفي جنته مع آبائنا، وأمهاتنا، وإخواننا، وأخواتنا، وزوجاتنا، وذرياتنا، وجميع إخواننا المسلمين برحمته، إنه أرحم الراحمين. هذه المحاضرة تلقى في جامع الحمودي بمدينة جدة بعد مغرب يوم السبت، الموافق للثامن عشر من شهر صفر، عام: (1422) للهجرة، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم. وعنوان هذه المحاضرة: (وذكرهم بأيام الله) وأيام الله التي أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم، وأمر قبله جميع الأنبياء والرسل أن يذكروا أممهم بهذه الأيام هي: الأيام التي يعاقب الله فيها الناس حينما ينحرفون عن منهجه، ويتمردون على شرعه، وحينما يتعرضون لمساخطه، فتحق عليهم لعنته، وينزل عليهم غضبه وأليم عقابه، ويدمرهم بشتى أنواع العذاب والدمار، ولذا يبعث الله الرسل من أجل تذكير الناس بهذه الأيام حتى لا يقع عليهم مثلما وقع على غيرهم. وآخر الرسل وأفضل الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ذكَّر ووعظ، وخوف هذه الأمة، وترك فيها الكتاب الكريم، والسنة النبوية الشريفة؛ من أجل تكرار التذكرة، وإزالة ما قد يعلق على القلوب من صدأ الذنوب والمعاصي، حتى لا يُحق الله عز وجل ما أحقه على الأمم من قبلهم. ودور العلماء والدعاة إلى الله هو: تحذير الأمم، وتنبيه الناس إلى ما يترتب على هذه الذنوب والمعاصي من العقوبات التي استقرأناها من خلال تاريخ الإنسانية والبشرية منذ بدء الخليقة. ولو استعرضنا هذا التاريخ البشري والإنساني لوجدنا العبرة ماثلة، ولوجدنا القصص الذي ينبه القلوب، ويقرع النفوس في أن سنة الله التي لا تتبدل، والتي يجريها الله سبحانه وتعالى أنه كلما حاد الناس عن منهج الله، وتمردوا على أمره، كلما عاقبهم الله في الدنيا، وكلما أكدوا عقابه لهم في الآخرة. ولذا يأمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم بالذكرى، ويقول: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى:9]. ويقول: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55] ويقول: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:21 - 22]. ولا تعني الذكرى -أيها الإخوة- بالذنوب والمعاصي أن الخير قد انعدم، وأن الناس ليس فيهم خير، لا. فإن الأمة بخير، والناس لا يزالون على خير، وفي مجتمعنا الذي نعيش فيه تظهر صور الخير ماثلة للعيان، فهاهي المساجد ترتفع مآذنها في كل حي، وهاهي المساجد تمتلئ جنباتها بالشباب والشيب، وبالرجال والنساء، وهاهي حلق العلم ومحاضرات الدين والشريط الإسلامي، وهاهي إذاعة القرآن، وهاهم الشباب ينشئون على الإيمان، وهاهن الفتيات يملأن مدرجات المدارس والجامعات، وهن ثابتات متمسكات بدين الله، فالخير موجود، ولكن -أيها الإخوة- الشر موجود أيضاً، والهجمة شرسة، وأعداء الله من اليهود والنصارى، وممن يستجيب لهم من بني جلدتنا ويتكلم بلساننا، ويعرف مدخلنا ومخرجنا من المغرَّر بهم ها هم يوجهون سهامهم ليرشقوا هذه الأمة، وليخترقوا صفها؛ من أجل زعزعتها وإبعادها عن دينها؛ ولكن: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30]. من أجل ذلك -أيها الإخوة- نستجيب لأمر الله، ونذكر بأيام الله، وتأتي هذه المحاضرة بهذا العنوان من أجل تنبيه النائمين، وإيقاظ الغافلين، ورد الشاردين، حتى يهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حَيَّ عن بينة. وهذا الموقف -أيها الإخوة- هو موقف النصح والإخلاص! وبيان الحق والتذكير، وهذا هو الذي أوجبه الله على العلماء والدعاة، وأخذ الله عز وجل عليهم به العهد والميثاق، يقول سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:187] هذا عهد أخذه الله على العلماء من أهل الكتاب ومن هذه الأمة، على أن يبينوا الحق، وأن يحذروا الناس؛ ولكن -أيها الإخوة- إذا ما سكت العلماء والدعاة ولم يبينوا للناس الحق، ولم يحذروهم من مغبة المعاصي والذنوب فمن يرشدهم؟! ومن أين يتلقون التوجيه؟! أعبر قنوات الفضاء أم عبر أجهزة الشر؟! إن هذه تهدم ولا تبني، وتفضح ولا تستر، وتخرج الناس من الدين ولا تردهم إليه، ولم يبق -أيها الإخوة- إلا هذا المسلك وهو مسلك النصح عن طريق تحذير الناس، يقول عليه الصلاة والسلام -والحديث في صحيح مسلم -: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة -ثلاث مرات- قلنا: لمن يا رسول الله؟! قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم). هذا هو الدين! أي: أن نكون ناصحين مخلصين متواصين متناهين لله: بإخلاص التوحيد له. ولرسوله صلى الله عليه وسلم: بالمتابعة الصحيحة لهديه وسنته. ولكتابه: بالعمل بأوامره وترك نواهيه. ولأئمة المسلمين: بمناصحتهم، وطاعتهم في المعروف، وعدم الخروج عليهم، والدعاء لهم، ولعامة المسلمين: وذلك ببيان الحق لهم، وتحذيرهم من طرق الغواية والضلال، وبيان ما قد يخفى عليهم، فإن من الناس من يقع في الشر نتيجة التغرير والمكر والخداع الذي يقوم به الشيطان وزبانيته من الإنس والجان. والله عز وجل يأمر بهذا رسوله صلى الله عليه وسلم في كثير من الآيات وفي كثير من الأحاديث بالأمر بطاعة الله سبحانه، وطاعة رسله، والتحذير من معصيته سبحانه، ومعصية رسوله صلى الله عليه وسلم، وبيان ما في امتثال أمر الله عز وجل من حصول الخيرات، وحلول البركات، ودفع النقمة، وما في معصية الله عز وجل ومخالفة أمره من محق البركات في العلم، والأعمال، والأعمار، والذريات، والمكاسب، وفي جميع الشئون والتصرفات. ويشمل أيضاً التذكير بأيام الله في خلقه، وما أحل الله عز وجل بمن عصوا رسله من المثلات، وسائر ألوان العقوبات، مما يكون من أعظم واعظ للناس لمن كان في قلبه حياة.

المعاصي سبب للهلاك والدمار

المعاصي سبب للهلاك والدمار فإذا عُرِف ذلك -أيها الإخوة- فإن المعاصي كما ذكر الإمام ابن القيم رحمة الله عليه في كتابه القيم: الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي: المعاصي هي أسباب كل نقص، وأسباب كل شر وفساد في الأديان، والبلاد، والعباد، يقول عز وجل: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30] {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر:45] ومقتضى العدل أن العبد إذا وقع في معصية عاقبه الله؛ ولكن هل يعاقب الله الناس على كل شيء؟! لا. بل يمهل سبحانه، ويعفو، ويصفح، ويستر، فيعصي العبد ربه مرةً، ويوماً، وسنةً، وشهوراً، وسنينَ، ثم يحلم عليه سبحانه، ولا يعاجله بالعقوبة، فإذا تاب وأناب قَبِل الله توبته، ومَحا حَوبته، وغفر ذنبه، بل بدل سيئاته حسنات، فيا لهذا الفضل! وما أعظم هذا الرب سبحانه وتعالى! ما الذي أهبط الأبوين من الجنة؛ دار اللذة والنعيم؟! هذه بداية الحياة! سبب الخروج من الجنة: المعصية. ما الذي أهبط الأبوين من الجنة؛ دار اللذة والنعيم، والبهجة والسرور، إلى دار الآلام، والأحزان، والمصائب، إلا المعصية، أي: بأكل اللقمة من الشجرة التي نهى الله عز وجل عنها، قال عز وجل: {وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:35] فتركوا كل الذي في الجنة، وأكلوا من الشجرة: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى} [طه:118 - 119] وكان في نعيم الجنة -أيها الإخوة- ما يشفي ويكفي؛ لكن المكر والتضليل الذي قام به إبليس مع أبينا آدم حتى أوقعه فيما أوقعه فيه، والذي لا زال يقوم به مع ذريته إلى يومنا هذا، وإلى يوم القيامة. فما من شر، وما من معصية يقوم بها إنسان إلا وللشيطان فيها دور، فهو الذي يزين المعصية، وإلا لو نظر الإنسان إلى المعصية بمنظار الشرع والعقل لوجدها قبيحة، فالزنا والربا وقتل النفس قبيح، وجميع المعاصي، والخمور والمخدرات قبيحة؛ ولكن ما الذي يجعل الناس يقعون فيها؟ إنه تزيين الشيطان، يجعل عليها مسحة من اللون والطعم، فيجد الإنسان للمعصية لذة، وللجريمة منظراً؛ ولكن لو نظر إليها حقيقة لوجد أنها عار، فالزنا عار، ودمار، وشنار، وفضيحة -والعياذ بالله- ومرض، وإيدز، وهربز، وأمراض خطيرة، وهتك للعرض ماذا فيه أيها الإخوة؟! في الجاهلية قبل الإسلام كان العقلاء والفضلاء من الناس يترفعون عنه، فـ هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان، أم معاوية لما جاءت تبايع، ومدت يدها للنبي صلى الله عليه وسلم، والرسول لا يمد يده للنساء، قال: (أبايعكِ على ألا تشركي بالله شيئاً، ولا تسرقي، فبايعت، ولما قال: ولا تزني، كفَّت يدها، وقالت: يا رسول الله! أوَتَزْني الحرة؟!) أي: التي عندها دم، وعرض، وعقل تزني؟! هذا شيء مستغرب! ومستبعد! هذا في الجاهلية قبل الإسلام. وجاء الإسلام ليؤكد هذه المعاني، وليعمق ويجذر هذه المفاهيم في نفوس الرجال والنساء حتى يجعل جريمة الزنا فاحشة، يقول الله: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32]. وإنك لتعجب -أيها الأخ- حينما تنظر فتجد كثيراًَ من الأمة يحرصون على الزنا والله يقول: {وَلا تَقْرَبُوا} [الإسراء:32] لم يقل: لا تزنوا، بل: (وَلا تَقْرَبُوا) الطرق التي توصل إلى الزنا ممنوعة ومحرمة. فما الذي يجعل الناس يقعون فيها؟! إنه الشيطان، كما أوقع آدم وجاء إليه من باب المكر والخداع، وقال له: {يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ} [طه:120] وهي شجرة ماذا؟ شجرة الخروج، وليست شجرة الخلد؛ لأن الشيطان يعكس المفاهيم، ويقلب الحقائق، ويجعل الأسود أبيض، والليل نهاراًَ، والحق باطلاً، والباطل حقاً، والزنا علاقات جنسية، من الذي سماه بهذا؟ الشيطان، فهم لا يقولون: زنا؛ لأن (زنا) كلمة تنفر منها النفوس؛ ولكن يقولون: قضايا جنسية، أي: علاقات. ويجعل الربا الذي هو من السبع الموبقات، والذي أذن الله بحرب صاحبه، يقولون: هذه فوائد، وعمولة، ولا يقولون: نعطيك ربا، بل يقولون: نعطيك عمولة، وهو ربا؛ ولكن من باب تمرير الباطل عن طريق تغيير المسمى، ويجعلون العُهْر، والعُرْي، والفضيحة، والتفسخ فَناً، وهو عفن، فيسمونه: فنوناً، وهو عفن وجنون والعياذ بالله! ويجعلون السحر، والشعوذة، والكهانة، ألعاباً بهلوانية، (وسيرك). ويجعلون الخمر أم الخبائث التي إذا وقع فيها الإنسان؛ فإنه يكون مستعداً لأن يزني، وأن يقتل، ويفعل كل جريمة؛ لأنها تذهب عقله، فيقولون: مشروبات روحية، لا إله إلا الله! مشروبات روحية؟! هل شراب الروح من هذه الخبائث؟! بل مشروبات شيطانية، وقذرة، ولعينة، ونجسة، فقد سماها الله: رِجْساً: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ} [المائدة:90] والرجس في كلام العرب هو: الركس، أي: العذرة التي يضعها الإنسان؛ لكن تُقَدَّم الآن في بلاد المسلمين. -والحمد لله لا نزال سالمين؛ ولكن في بلاد كثير من المسلمين في غير هذه البلاد- تُقَدَّم في المطاعم، والفنادق، والأسواق، والمطارات، والذي لا يشرب يسمونه: متخلفاً، فدليل التحضر عندهم والرقي أن تشرب الخمر، والناظم يقول: واترك الخمرة إن كنت فتىً كيف يسعى في جنونٍ مَن عَقَلْ

آدم وخروجه من الجنة

آدم وخروجه من الجنة جاء إبليس بهذا الكيد إلى آدم، وقال: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ} [طه:120] وأبونا آدم كان يخاف من الخروج؛ لأنه ليس أصلاً من أهل الجنة؛ فهو إنسان جاء إليها بالتبعية، ولم يأت إليها بالأصالة، فهو مخلوق من الطين، وخُلِق من الأرض، وجيء به إليها، وأُسْكن الجنة، وأيُّ إنسان يؤتى به من بلد إلى بلد أجمل فإنه يخشى الخروج، ويريد إقامة دائمة. فاستغل إبليس هذه الرغبة النفسية عند آدم وحواء، وجاء إليهما من هذا الباب، وقال له: {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ} [الأعراف:20] وبعد هذا أعطاهما عليه يميناً، قال تعالى: {وَقَاسَمَهُمَا} [الأعراف:21] أي: حلف بالله، {إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:21] ما رأيكم في إبليس؟ ناصح، أم خائن؟ والله خائن وألعن خائن؛ ولكن الخائن يحلف؛ كبعض الناس الآن يقع في كارثة وجريمة المخدرات بيمين، أي: يأتي زميله ويقول له: انظر! أما تثق فيَّ؟! قال: نعم. قال: والله إنني لا أعمل هذا الشيء، ولا أدلك على هذا الشيء إلا من أجل مصلحتك، ووالله إني لمخلص لك. هل تصدق بأنه مخلص لك وهو يدلك على المخدرات، لتروج وتتعاطى وتهرب المخدرات؟! هل هذا ناصح لك؟! والله ليس بناصح؛ بل والله إنه مِن أغش الناس لك، ولو كان ناصحاً لقال: اتق الله، هذه جريمة، وفاحشة، وكارثة عليك، وعلى أسرتك، ومجتمعك، ودولتك، وبلدك؛ ولكنه يحلفون، لماذا؟ لأن جدهم إبليس قد حلف، فهو قائدهم الأول القائل: {إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف:21] قال عز وجل: {فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ} [الأعراف:22]. ولما أكلا من الشجرة حصلت المعصية؛ لأن أصل المعاصي قسمان: إما ترك مأمور: وهي معصية إبليس، يوم أمر الله الملائكة بالسجود، فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس، ترك أمر الله. أو فعل محذور: وهذه معصية آدم، لا تأكل، فأَكَل، مثل بعض الناس الآن تجده يترك الطيبات كلها ويشرب الدخان، ويأكل القات، ويشرب الشيشة والخمر، ويتعاطى المخدرات، سبحان الله! آلاف الأصناف من الطيبات ما أقنعتك؟! ما كَفَتْك؟! إلا أن تقع في الخبائث! إنه مكر الشيطان، إنها وسوسة إبليس. ما الذي أخرج الأبوين إلا شؤم المعصية! حينما أكلا من الشجرة التي نهاهما الله عن الأكل منها.

إبليس وطرده من الجنة

إبليس وطرده من الجنة ما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء، وطرده، ولعنه، ومسخ ظاهره وباطنه، وجُعِلَت صورته أقبح وأشنع صورة؟! ومثَّل اللهُ شجر النار وطلعها وثمرها برءوس الشياطين، يقول عز وجل: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا} [الصافات:64 - 65] أي: ثمرها {كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ} [الصافات:65] يقول المفسرون: مثَّل الله للناس برءوس الشياطين، فهل رأى الناس رءوس الشياطين؟! لا. لكن ماذا تتوقع في مخيلتك أن يكون رأس الشيطان؟! أيكون جميلاً؟! لا. ولذلك المبدعون وأصحاب الخيال الذين إذا رسموا صورة شيطان، كيف يظهرونه؟! يظهرون له قروناً، ولساناً طويلاً، وعينيه قبيحة، لماذا تقول حين تراه: أعوذ بالله؟ لأنه شيطان! أي نعم. كذلك الشيطان جعل الله لصورته في أذهان البشر كلهم أقبح صورة، واذهب بخيالك في تصوراتك عن الشيطان وستجد أن خيالك ينتهي في تقبيح صورة الشيطان، وستجد أن الشيطان أقبح مما ذهب إليه خيالك، نسأل الله ألا نرى الشيطان، أتدرون من الذين يرونه؟! أهل النار، أما أهل الجنة فيرون الله عز وجل، كما جاء في الآية الكريمة: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23]. وفي الحديث في الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامُّون في رؤيته) إذا رأيت القمر ليلة النصف، هل تحتاج إلى من يقول لك: تعال أُرِيْك القمر؟! بل هو واضح، تنظر إليه، وهكذا سترى الله كما ترى القمر من غير صعوبة؛ ولكن في أول الشهر إذا كان القمر هلالاً، ورآه أحدالناس وقال: القمر رأيتُه في أول يوم، فيأتي الثاني فيقول: لم أره أين هو؟ ويأتي الثالث فيقول: أين هو؟ فتضمُّه إليك، هذا معنى: (لا تضامُّون) أي: يضمُّ بعضُكم بعضاً حول الذي رأى، ثم يمد يده يقول: انظروا إصبعي، تحققوا من إصبعي، انظروه، انظروه، هذه هي المضامَّة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إنكم سترون الله كما ترون القمر ليلة البدر -أي: في الليلة الخامسة عشرة، ليلة الإبدار- لا تضامُّون في رؤيته). أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن ينظر إلى وجهه الكريم في الدار الآخرة؛ لأن هذه النعمة هي أعظم نعمة على أهل الجنة، ولا تأتي ابتداءً، ولكن تأتي بعد دخول الناس الجنة، وتقسيمهم على منازلهم ودرجاتهم، وإجراء الأرزاق عليهم، وإعطاء كل واحد الزوجات، والولدان، والحور، والقصور، والحبور، وهم في النعيم يأتيهم خبر أن الله يتجلى لهم، كما قال ابن القيم في النونية: ويرونه سبحانه من فوقهم نظر العيان كما يُرَى القََمَرانِ أي: كما ترى الشمس والقمر. أهل النار لا يرون الله، يقول الله في أهل النار: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ * ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ} [المطففين:15 - 16] هذه النهاية، وفي النار يرون الشيطان. وورد في الحديث أنه ينصب للشيطان منبر من نار في جهنم، ويصعد عليه الشيطان ويُلقي خطبة على أهل جهنم، كلهم يسمعونه، وذكر الله الخطبة في القرآن في سورة إبراهيم، يقول عز وجل: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ} [إبراهيم:22] لما قضي الأمر، أي: أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، يقف فيقول: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} [إبراهيم:22]. ورد في التفسير أن هذه الكلمة على أهل النار أعظم من عذاب أهل النار؛ لأنه عذاب نفسي، إذ ليس أشد على النفس ممن يورطك ويورطك ويورطك إلى أن تتورط، ثم يقول: ليس ليَ سلطان! من الذي قال لك؟! أنت الذي أطعتني! وهذا هو عمل الشيطان، يورِّط الناس ويقول: ما لي عليكم من سلطان، ما أخذتكم بعصا ولا (بِمِشعاب) ولا بدفتر ولا كتاب: {إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ} [إبراهيم:22] أي: وسوستُ لكم، {فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم:22]. انظر الناس الآن -والعياذ بالله- وراء الشيطان مثل الكلاب، والرسول صلى الله عليه وسلم يدعوهم وهم ينفرون منه ويفرون إلى الشيطان، فيقول لهم: {إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم:22]. وماذا بعد ذلك؟ قال: {فَلا تَلُومُونِي} [إبراهيم:22] ما فعلتُ لكم شيئاً، {وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} [إبراهيم:22]. فهل هناك فزعة؟! قال: {مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ} [إبراهيم:22] يقول: والله ما أفزع لكم إذا صرختم وصحتم: {وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [إبراهيم:22] وفي هذه اللحظة يتمكن أهل النار وهو يخاطبهم من رؤيته -نسأل الله ألا نراه، لا في الدنيا ولا في الآخرة- وبُدِّلت صورتُه بأقبح صورة، بل وأقبح من معصيته؛ لأنه لم يسجد لله سجدة! كيف بمن لم يطع الله في الصلاة وفي غيرها؟!

إغراق قوم نوح

إغراق قوم نوح االذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رءوس الجبال في عهد نوح عليه السلام. نوح نبي بعثه الله عز وجل من أجل إزالة الشرك من الأرض، إذ كان الناس منذ آدم إلى عهد نوح على التوحيد، أي: لا يوجد شرك. وسبب إرسال الله لنوح: أنه كان هناك أناسٌ صالحون طيبون فلما ماتوا، والذين بعدهم قالوا: نريد أن نصورهم، لماذا؟ قالوا: من أجل أن نتذكرهم، فنعبد الله مثلهم؛ فصوروهم، وعبدوا الله كلما تذكروهم. ثم جاء جيل جديد، ومات الجيل الأول، فقالوا: آباؤنا ما صوروهم إلا لأنهم صالحون، إذاً: ماذا نفعل؟ قالوا: نعبدهم. فعبدوهم. فبعث الله نوحاً عليه السلام ليصحح مسار البشرية في التوحيد، ولكن كذَّبوا، وعاندوا عناداً مريراً، رغم طول المدة في الدعوة، ألف سنة إلا خمسين عاماً من الدعوة المتواصلة ليلاً ونهاراً، ليست ندوة أسبوعية أو شهرية، ثم إنها بكل الأساليب، سراً وجهاراً، ودعوة فردية وجماعية، وبكل أساليب الدعوة، ومع هذا كلما قام يحدث فيهم {جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} [نوح:7] فيستمر يحدّث فلا يطيقون حتى رؤيته، فيغطون وجوههم وهو يتكلم، {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً} [نوح:5] * {فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائي إِلَّا فِرَاراً * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً} [نوح:5 - 8] يعني: علناً، {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ} [نوح:9 - 10] وذكرهم بأيام الله وبما عندهم من النعم {إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً * مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً} [نوح:11 - 16] إلى آخر الآيات. ولما كَذَّبوا ماذا حدث؟! يصبر أيضاً، ولا يستعجل بالعقوبة حتى يأتي الخبر من الله: {لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود:36] كم آمَن؟ قال: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود:40] وفي أصح الروايات أنهم: اثنا عشر رجلاً، جهد (950) سنة، وهذا فيه إشارة إلى الدعاة بألا يستعجلوا، اصبر على من تدعوه، والهداية بيد الله، ولا تحاول أن تُكَثِّر، فلو هدى الله على يديك واحداً خير لك من حُمُر النَّعم، وتبعث يوم القيامة مبعث الأنبياء. وبعد ذلك لما عرف نوح عليه السلام أنه لن يؤمن أحد بعد هذا، والله أخبره أنهم إذا ولدوا لا يلدون إلا فاجراً كفاراً، دعا وقال: ربِّ إِنِّي {مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر:10] فقط، ولم يحدد عليه السلام وسيلة الانتصار من الله، قال: أنا مغلوب، بذلتُ كل جهدي، ومارستُ كل أسلوب، وما دام أنه لا يوجد أحد يسلم ويجيب، قال: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ} [نوح:26 - 27] أي: الذين عندي هؤلاء الاثني عشر، يردونهم مثلهم: {وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً} [نوح:27]. وأمر الله سبحانه وتعالى نوحاً أن يصنع له سفينة، وكانوا يعيشون في الصحراء: {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} [هود:38]: ما هذه يا نوح؟! قال: هذه سفينة، قالوا: ما تفعل بالسفينة؟! السفينة يصنعها الناس عند البحار! وأنت في الصحراء تصنع سفينة؟! وبدءوا يضحكون عليه، ويسخرون منه، ويقولون: تعالوا انظروا هذا النبي، هذا الرجل المجنون، يصنع سفينة من أجل أن ينجو فيها، ولا يوجد ماء؛ ولكنه كان ثابتاً، قال: {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} [هود:38] ماذا قال؟ {قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} [هود:38] وبعد فسوف تعلمون من هو الذي يُضحك عليه. ولما اكتملت السفينة، قال الله له: {فَاسْلُكْ فِيهَا} [هود:40] أي: أرْكِب فيها {مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنَيْن} [هود:40] أي: مِن كل خليقة الله اثنين اثنين، وقوله: {وَأَهْلَكَ} [هود:40] أهلك هنا أي: الذين آمنوا من قومك وقوله: {مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ} [هود:40] أي: احمل في هذه السفينة من جميع المخلوقات؛ لأن الله أجرى تدميراً كاملاً لكل الكائنات الحية؛ إلا من ركب في السفينة من جميع الحيوانات، والطيور، والبهائم، والهوام، والوحوش، {مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ} [هود:40] أي: ذكراً وأنثى؛ من أجل أن يستمر التناسل. ولما ركبوا جاء المطر كيف جاء المطر؟! قال الله: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ} [القمر:11] والأرض! قال: {وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ} [القمر:12] ماء السماء على ماء الأرض، حتى التنور الذي ما يُتَوَقَّع أن يكون فيه ماء؛ لأن فيه نار، قال الله: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ} [هود:40] التنور الذي فيه نار صار ماءً. وعلا الماء رءوس الجبال، وأسرعوا يصعدون الجبال هرباً من الفيضان والطوفان، وكان من ضمن من صعد الجبل ولد نوح، وتذكرَ نوح وعدَ الله: {وَأَهْلَكَ} [هود:40] قال: يا ولدي! {ارْكَبْ مَعَنَا} [هود:42] فرفض: {قَالَ سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} [هود:43] فغَرِق، وحينما شارف على الغرق دعا نوح: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} [هود:45] أنت قلتَ: أرْكِب أهلَكَ، وهذا ولدي من أهلي، أي: لا تغرقه يا رب! دعه يحيا -أي: لا يغرق ولو لم يركب- قال الله: {يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ} [هود:46] هذا ليس من أهلك، الأهل هنا: أهل الدين، أهل العقيدة: {إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود:46] وغرق، وغرقت البشرية كلها إلا مَن ركب مع نوح عليه السلام. وكانت تجري وتقف إذا قال: باسم الله جرت {مَجْرَاهَا} [هود:41] وإذا قال: باسم الله وقفت: {وَمُرْسَاهَا} [هود:41] أي: مرساها باسم الله، ومجراها باسم الله. إلى أن جاءت إلى الجودي -الجبل- فأرساها الله سبحانه وتعالى بجانبه، ونزل نوح ومن معه، وبدأت البشرية طَوراً جديداً من أطوار الحياة بعد أن طهر الله الأرض من الشرك، والأرجاس، والأصنام، والأوثان.

هلاك عاد قوم هود

هلاك عادٍ قوم هود ثم أيضاً: يعود الكفر، وتعود العقوبات، ويسلط الله سبحانه وتعالى الريح العقيم على قوم هود، وهي قبيلة من قبائل العرب كانت تسكن في الربع الخالي، اسمهم: عاد، وكان لهم سطوة، وعندهم قوة، وكانوا مثل النخل في طولهم وأجسامهم، وكانوا ينحتون الجبال بأصابعهم، ينحتون الجبال فتصير بيوتاً، وكانوا إذا بطشوا بطشوا جبارين. فبعث الله إليهم هوداً، ودعاهم إلى الله، فكذبوا أمر الله، وكذبوا دينه وشرعه، فسلط الله عليهم الريح، وفُتِح عليهم من ريح جهنم قدر منخار ثور، وشبّك الرسول صلى الله عليه وسلم شبك بين إصبعه وإبهامه، وهذه الريح اسمها: العقيم، والعقيم هو الذي ينجب، وهذه ريح إذا مرت لا تترك شيئاً: {مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} [الذاريات:42]. وجاءت هذه الريح وهبت عليهم، وكانت تقتلع الرَّجُل من الأرض، ثم ترتفع به إلى السماء، ثم تلقيه من السماء إلى الأرض، يقول عز وجل: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} [الحاقة:7 - 8]؟ لا. سلط الله عليهم هذا بعد أن رأوا الريح وهي آتية من هناك، وكانت سوداء، والعرب إذا رأوا الريح سوداء قالوا: هذه محملة مطراً، فهم على الخمر، والزنا، والكفر، والشرك، ويرون الريح فيقولون: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف:24] قالوا: المطر جاء، قال: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف:24 - 25].

هلاك قوم لوط

هلاك قوم لوط هكذا تستمر البشرية في المخالفات، ويستمر الله في العقوبات، ويعاقب الله سبحانه وتعالى قوم لوط الذين كانوا يسيرون في الشذوذ الجنسي، ويتركون ما أباح الله لهم من النساء، ويأتون الذكران، ويمارسون فاحشة ما فعلها أحد قبلهم، ولا يفعلها أحد من سائر المخلوقات حتى البهائم، والكلاب، والقردة، والخنازير، والحمير، وجميع البهائم إذا مارسَت هذا الأمر فإنما تمارسه الذكور مع الإناث، ولا يمارس الذكر هذا الأمر مع الذكر من البهائم، ولا يفعل هذا إلا الشاذ من البشر كما قال عز وجل: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الأعراف:80] فسلط الله عليهم الملائكة، جاءتهم مجموعة من الملائكة ومعهم جبريل، ومعلوم أن الملائكة مضرب المثل في الجمال، أي: إذا رأينا إنساناً جميلاً نقول: فلان كأنه مَلَك أو ملاك في الجمال، فصورهم جميلة، بعكس صور الشياطين القبيحة، فلما جاءوا في صورة بشر تسامع الخبثاء المنحرفون -أي: هؤلاء اللوطيون- سمعوا بالخبر فجاءوا، وقالوا: نريد ضيوفك، قال: {َلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي * هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُم} [هود:77 - 78] يقول: تعالوا أزوجكم بناتي {َلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ * قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ} [هود:78 - 79] يقولون: لا نريد بناتك، {وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ} [هود:79] نريد هؤلاء الضيوف نفعل فيهم الفاحشة؛ فخاف؛ ولكن الملائكة طمأنوه وقالوا له: {إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} [هود:81] وامرأته كانت على دين قومها، وكانت خبيثة: {إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود:81]. جلسوا في أماكنهم، وحملهم جبريل على طرف جناحه -غرس جناحه في الأرض- حتى بلغ تخوم الأرض السابعة، ثم رفعه ورفع عليه قراهم، وكانوا في ست قرى، وقيل في بعض الروايات: أربع قرى، في مكان يقال له: البحر الميت الذي هو الآن بين فلسطين وإسرائيل، هذا البحر ليس فيه كائنات حية، وأصله ليس بحراً، ولكنه كان منطقة سكن لهؤلاء، ولما حملها صار في المنطقة تجويف، وجاءت الأمطار وتجمعت فيه فصار بحيرة، فسمي البحر الميت، لماذا؟ لأنه لا أسماك فيه، ولأنه موطن عذاب، وما عذب الله أمةً فلا يحيا فيه شيء. حملهم، وارتفع بهم، ثم رفعهم إلى السماء، حتى سمعت الملائكة في السماء عواء الكلاب، ومواء القطط، وصياح الناس، ثم نكسها، قال الله: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا} [الحجر:74] ثم لم يكفِ هذا، فقد أرسل الله عليهم {حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} [هود:82] سجيل من جهنم {مَنْضُودٍ} [هود:82] أي: مسبوك، كذلك ((مُسَوَّمَةً)) أي: معلَّمة، على كل واحدة اسم صاحبها، تنزل في جبهته وتخرج من دبره {مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ} [هود:83] أي: معلَّمة عند ربك {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:83] أي: إذا نزلت على قوم لوط فأيضاً يمكن أن تنزل على من يفعل فعلهم من البشر الشاذين الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله مَن عَمِل عَمَل قوِم لوط، لعن الله مَن عَمِل عَمَل قومِ لوط، لعن الله مَن عَمِل عَمَل قومِ لوط) وقال: (اقتلوا الفاعل والمفعول به).

هلاك قوم شعيب

هلاك قوم شعيب كذلك أُرسل بسبب الذنوب والمعاصي -بعد هذا أيضاً- السحاب كالظلل على قوم شعيب، فقوم شعيب كذبوا رسولهم، وكانوا يطففون في المكيال والميزان، فلما استمروا على فسقهم، وكفرهم، وشركهم، وعنادهم أخذهم عذاب يوم الظلة، وعذاب يوم الظلة هذا: سلط الله عليهم حراً في بيوتهم، حتى كان الإنسان منهم يكاد يحترق، مثل النار تشب في أجوافهم، وجلودهم، وثيابهم، وفرشهم، وغرفهم، وبيوتهم، فخرجوا من الحر إلى مكان ظل، وفوقه سحابة، هذه السحابة هي العذاب -عذاب الظلة- قال الله: {فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ} [الشعراء:189]. فاجتمعوا، وكل من دخل تحت هذه الظلة بَردَ، والحر الذي في البيوت يخرجهم لكي يأتوا إليها، فلما تكاملوا كلهم في هذه الظلة أنْزَلت عليهم هذه السحابة ناراً تلظى، فأحرقتهم وأبادتهم عن بكرة أبيهم، بأسباب ماذا أيها الإخوة؟! بسبب المعاصي والذنوب. أيضاً: ما الذي أغرق قوم فرعون، ثم نقلت أرواحهم إلى النار وأبدانهم للغرق إلا المعاصي.

آثار المعاصي والذنوب

آثار المعاصي والذنوب أيها الإخوة: لو استقرأنا التاريخ كله إلى يومنا هذا، لوجدنا أنه ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفِع إلا بتوبة إلى الله سبحانه وتعالى، وهذا إلى جانب الآثار البعيدة والمترتبة على المعاصي التي منها: حرمان العلم: فإن العلم نور؛ ولكن العاصي لا يوفق لبركة العلم. حرمان الرزق: أي: البركة في الرزق: (فإن العبد ليُحْرَم الرزق بالذنب يصيبه). ومنها: وحشة يجدها العبد في قلبه بينه وبين الله: فيستوحش من الله، ويستوحش من العلماء والدعاة، وأهل الخير، والمساجد، فإذا دخل المسجد كأنه سارق يقعد هناك بعيداً، لماذا؟ لأنه عاصٍ، بينما الطائع يدخل ويأتي إلى الصف الأول، ويستأنس، ويتكئ، ويأخذ المصحف، وذاك تراه عند الباب هناك، ماذا بك؟! لا يريد أن يقترب، كأنه دخل سارقاً؛ ولكنه إذا دخل المقهى يدخل وهو يضحك وينبسط: (هات يا ولد، هات الحجر، عبئ حجراً وهات أربعة سُوْد) ولا يريد أن يخرج، لماذا؟ إنها الوحشة التي بينه وبين الله سبحانه وتعالى، وإذا رأى العلماء عبس، إذا رأى الدعاة انقبض؛ لكن إذا رأى اللاعبين ضحك، وإذا رأى المغنيين انبسط، لماذا؟ وحشة في قلبه من أهل الخير بأسباب الذنوب والمعاصي. أيضاً: ظلمة يجدها في قلبه، وتعسّر في أموره، وجبن، ووهن، ونقص في العمر ومحق للبركة: فكما أن البر يزيد في العمر كذلك المعاصي والفجور تُنقص العمر والبركة. ينسلخ من قلب الإنسان استقباح صورة المعاصي، فتُزَيَّن له المعاصي، وتُكَرَّه له الطاعات، وتصير له المعصية عادة، ويصير خُلُقاً، أي: بعض الناس الآن يدخن من غير رغبة؛ ولكن أصبح الأمر (أوتوماتيكياً) وهو جالس معك لا تدري إلا وقد أدخل يده جيبه وأخرج (الباكت) وأشعل وشربَ دون أن يحس. وقد حدث هذا لي مرة: كنت عند طبيب في مراجعة حالة مرضية، وإذا بالطبيب نفسه يبكي، قلت: ماذا بك؟ قال: مريض. قلت: عالج نفسك، ألست طبيباً تعالج الناس؟! قال: إني لأعرف مرضي، وأعرف دواءه؛ ولكن الطب كله لا ينفع. قلت: كيف لا ينفع؟ أي: ليس في هذه الأدوية مصلحة؟! قال: لا. أنا أعرف مرضي، وأعرف علاجه؛ ولكنه -أيضاً- ليس بنافع. قلت: ما هو مرضك؟ قال: مرضي (النقرس). سماه: (النقرس) وهو: داء يصيب المفاصل والعظام، وكانوا يسمونه في الماضي: داء الملوك، وكان يصيب السلاطين والملوك؛ لأنهم كانوا هم الذين يشبعون ويأكلون اللحم؛ لكن الآن أصبح يصيب الناس كلهم، ولهذا لو حللت غداً -عافاك الله- ستجد أن عندك (النقرس) لماذا؟ للإفراط في أكل اللحوم، فالناس يفطرون بلحم الكبد، ويتغدون لحماً، ويتعشون لحماً، حتى قست قلوبهم كقسوة قلوب البهائم. وأكلة اللحوم هي السباع، ولهذا يقول الغزالي: من يكثر من أكل اللحوم يتخلق بأخلاق السباع -أي: يصير سبعاً في أخلاقه، ويكون شرساً؛ لأنه يأكل لحماً- والذي يكثر من الخضار يتخلق بأخلاقها -أي: يصير عنده نوع من الخلق واللين- فنحن الآن أصبحت بطوننا مقبرة البهائم والحيوانات، حتى أننا لا نأكل إلا لحماً، والبيت الذي ليس فيه لحم في يوم من الأيام فإن ذلك يعتبر جريمة في حق الأسرة، لماذا لا يوجد لحم؟! و (النقرس) يأتي الناس الآن إلا من رحم الله وعافانا الله وإياكم، بل كما يقول أحد الإخوة: حتى الكلاب شبعت لحماً الآن، الآن الكلب تعطيه لحماً نَيِّئاً يقول: اذهب واطبخه- لماذا؟! مِن كثرة النعم -أيها الإخوان- فتصير عادة. فهذا الرجل الطبيب لما كلمتُه عن المرض ووعظته، وأنا وإياه نتكلم في الدين، والأمل في الله، وإذا به يدخل يده في جيبه ويخرج (الباكت) ويفتحه، ويخرج واحدة منها مثل المدفع ويقول: تفضل، فسكتُ قليلاً، ثم نظرت إليه وقلت: ماذا؟! قال: تفضل. قلت: أما تستحي على وجهك؟! قال: آه! آسف يا شيخ! آسف! والله لقد نسيت فأنا متعود هكذا أنه كلما كان عندي ضيف لا بد أن أقدم له، عادة فقط، كما هو الآن فعل أكثر الناس، تصبح المعاصي في حقهم عادة: عندما يركب السيارة يشعل السيجارة، ويشغل الشريط، وعندما ينام يشغل الأغنية. أصبح الأمر عادة! وبئست العادة -يا أخي- أن تتعود على معصية الله. كما أن الطاعات عند الطيبين عادة، من حين أن يركب السيارة يقول: باسم الله {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف:13 - 14] الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، وإن كان مسافراً قال: اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى. وهذا ليحفظه الله سبحانه وتعالى. وإذا جاء لينام فبدلاً من أن يبحث له عن أغنية قبل أن ينام، يقول: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين. وإذا لم يأته النوم أكمل التسبيح وفتح الراديو ليسمع إذاعة القرآن، لعله ينام على ذكر الله. وهكذا تصبح الطاعات مَلَكات وصفات راسخة عند أهل الإيمان، وتصبح المعاصي مَلَكات وصفات راسخة عند أهل المعاصي، فلماذا -يا أخي- ترضى أن تكون عاداتك معاصٍ؟ إنها بأسباب ذلك. يقول هنا: فتصبح المعصية عادة يستمر عليها، وذلك لسقوط العبد من عين الله، فتورثه الذلة، وتفسد عقله، وإذا تكاثرت المعاصي وزادت طُبِع على قلب صاحبها، ودخل العبد تحت لعنة الله، وحدث في الأرض أنواع من الفساد بسببه: في الماء، والهواء، والزروع، والثمار، والمساكن، والأشجار، والأولاد، والبنات، والزوجات، قال الله عز وجل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41]. يقول مجاهد عند هذه الآية: [إذا سعى الظالم بالظلم والفساد حُبِس بذلك القطر، وهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد].

أهمية التعاون في النهي عن المنكر

أهمية التعاون في النهي عن المنكر في الحديث عن عبد الله بن عمر قال: (أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال: يا معشر المهاجرين والأنصار! خمس بخمس، أعوذ بالله أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم) الفاحشة أي: الزنا، إذا أُعْلِنت وظهرت سلط الله عليهم أوجاعاً وأمراضاً لم تكن في أسلافهم، وقد رأيت هذا ماثلاً أمام عيناي وأنا في أوروبا قبل أسبوع، حينما ظهرت الفاحشة التي يمارسونها علناً، من غير إنكار، والذي ينكر عليهم يدخل السجن، وكنا في المطار جالسين وإذا برجل خبيث منهم يمسك بواحدة ويضمها أمام الناس، ونحن جالسون ننتظر الطائرة، فتغيرت، وقمت وقلت: سأذهب لأتكلم عليه ومعي واحد من الإخوة المسلمين هناك، أمسكني وقال: اجلس. قلت: ماذا بك؟ قال: دَعْه. قلت: يا أخي كيف؟! أما نتكلم ونأمر؟! قال: اسكت، لأنك لو قلت له كلمة فسيدخلونك السجن الآن، أي: مباشرة (البوليس) يأخذك ويدخلك السجن، ويعاقبك بالسجن ربما إلى سنة أو سنتين، وربما تُعَزَّر. قلتُ: لماذا؟! قال: لا يجوز لك أن تتكلم وتقول له: هذا حرام أو هذا لا يجوز. قلت: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حتى أعلنوا بها). لكن الإيدز أين هو؟! موجود عندهم، وبدأ الآن يصل إلى بعض بلاد المسلمين. وقبل فترة اتصل بي شاب من الحرم، يقول: أنا جئت الحرم الآن، ولن أخرج منه! قلت: لماذا؟! قال: حلَّلتُ فقيل لي: عندك الإيدز، فتبتُ إلى الله، والآن هل لي من توبة؟ قلت: نعم. لك توبة؛ لكن لا تقعد في الحرم، ارجع إلى بيتك، وسلم نفسك للسلطات الصحية حتى يوفروا لك علاجاً وحجراً صحياً؛ حتى لا ينتشر هذا الداء منك إلى غيرك، وتب إلى الله، ونسأل الله أن يتوب علينا وعليك. ثم قال لي: أنا الذي أتيت به من الخارج، يقول: مارست الفاحشة هناك وأتيت به معي. فهذا الذي يأتون به من الخارج! فبدلاً من أن يخرجوا إلى الخارج ليتعلموا الصناعة والعلم، ويأتوا إلينا بالعلم لننهض، يتعلمون الخمر والزنا، ويأتونا بالإيدز. فلا إله إلا الله! (خمس بخمس أعوذ بالله أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا) رغم الوعي الصحي، ورغم التقدم الطبي، ورغم المستشفيات، ووسائل النظافة إلا أن الله يسلط عليهم الأمراض بأسباب الفاحشة: (وما نقص قوم المكيال والميزان -هذه الثانية- إلا ابتلوا بالسنين -أي: سنين الفقر والقحط- وشدة المئونة -أي: غلاء الأسعار- وجور السلطان -أي: ظلم الحكام- وما منع قوم الزكاة -هذه الثالثة- إلا مُنِعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا) لأن البهائم لها حق وما لها ذنب، فينزل شيء للبهائم، ما هو حق البهائم؟ هذا الذي يبل القشرة الأرضية، وينبت الزرع، فقط؛ لكن هل ينفع في الآبار؟! هل ينزل إلى الأعماق كي يعوض الماء الذي نأخذه الآن ونستنفذه؟ لا. ما يأتي مطر غزير، بل يأتي مطر بهائم الرعي، تَخْضَرُّ الأرض شهراً أو شهرين أو ثلاثة لكي تأكل هذه المسكينة أما الناس ماذا يعملون؟ لا يستفيد الناس إلا من الماء الذي ينزل في الأرض، وتستفيد منه الآبار، ثم يزرعون ويسحبون الماء، أما هذا فلا يفعل شيئاً: (ولولا البهائم لم يمطروا -هذه ثلاث الرابعة-: وما نقض قوم العهد إلا سلط عليهم عدواً من غيرهم، فيستبيح بيضتهم، وما لم تعمل أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم) أي: إذا لم تحكم الأئمة بكتاب الله حصل في الناس الافتراق، والاختلاف، والتحزب، والحروب الأهلية، والشقاق الذي هو موجود الآن، والنزاعات في كثير من بلاد المسلمين، وهذا تسليط من الله بسبب عدم حكم الأئمة بكتاب الله. ونحن في هذه البلد نحمد الله أن ولاتنا يحكمون فينا بشريعة الله، ونسأل الله أن يعينهم على ذلك، وأن يزيدهم ثباتاً عليه؛ حتى نبقى في هذه النعمة التي يغبطنا عليها جميع أهل الأرض. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما طفَّف قوم كيلاً، ولا بخسوا ميزاناً إلا مُنعوا القطر، وما ظهر في قوم الزنا إلا ظهر فيهم الموت، وما ظهر في قوم الربا إلا سلط الله عليهم الجنون، ولا ظهر في قوم القتل إلا سلط الله عليهم عدوهم، ولا ظهر في قوم عمل قوم لوط إلا ظهر فيهم الخسف، وما ترك قوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا لم ترفع لهم أعمال، ولم يسمع لهم دعاء).

التوبة النصوح

التوبة النصوح أيها الإخوة: لا شيء يُسْتَجْلَب به الرزق -بل وكل خير- ويُسْتَدْفَع به الشر -بل وكل سوء- إلا التوبة إلى الله، التوبة النصوح الصادقة، وذلك: بالرجوع عن كل ما حرمه الله من المعاصي والذنوب، إلى كل ما أمر الله به من الطاعات والقربات ويحقق للعباد توحيدهم. ويبتعدوا عن جميع ما ينافي التوحيد أو ينقصه أو يقدح فيه، ويحافظوا على فرائض الله بدءاً بإقامة الصلوات في المساجد جماعة، وتربية الأولاد عليها، وملاحظة النساء والبنات في البيوت على أدائها، وأداء زكاة الأموال كاملة، والقيام بجميع فرائض الله، كالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، والحب في الله، والبغض في الله، وتعليم الناس الخير، إلى جانب الابتعاد والاجتناب عن جميع المحرمات والفواحش، وأجناس المسكرات، والمخدرات، والمفترات، والربا في المعاملات، والخيانة في الأمانات، واستعمال أنواع الملهيات، ووسائل الشر، كالدشوش، والتلفاز، وجميع هذه الوسائل التي تصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، وتدعو إلى الفاحشة والفضيحة. فعليكم -أيها الإخوة- وعلى كل مسلم التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، والتآمر بالمعروف، والتناهي عن المنكر، فيما يعود علينا بالخير، وأن يعاون بعضنا بعضاً، فالرجل يعين امرأته، فإن من النساء من يهديها الله إلى الخير؛ ولكن تُواجَه في البيت بعدم المعاونة من قبل البيت، بل بعض الأزواج يرغم زوجته على المعاصي، والعكس، يكون فبعض الأزواج طيب وفيه خير؛ لكن زوجته لا تتعاون معه على الخير، فتقوم بإفساد حياتها مع زوجها، وإفساد أولادها وبناتها، فلابد من التعاون على مستوى الأسرة، الرجل يعين امرأته على الدين، والمرأة تعين زوجها على الدين، والرجل يعين ولده، وقد يصلح بعض الأولاد ويلتزم، فإذا رأيت ابنك التزم فكن عوناً له على طاعة الله، والمرأة تعين ابنها، وتعين ابنتها: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:2]. التعاون فيما بيننا في مستوى الأسرة، والحي، والإدارة أو المدرسة، أو المؤسسة، أو الشركة، فإذا رأينا مديراً طيباً تعاونَّا معه، وإذا رأينا موظفاً طيباً تعاونَّا معه، وإذا رأينا من يقول الخير وقفنا بجانبه، وإذا رأينا من يقول الشر وقفنا في وجهه، لنكون كلمة واحدة؛ لأن صوت الحق الواحد ليس كاثنين وليس كثلاثة، وكلما زاد الخير انقمع الشر؛ ولكن حينما نسكت عن الخير، ويتكلم أهل الشر يزداد الشر، وأنت في طريقك إلى المسجد ترى طفلاً يلعب ولا يصلي قل: صلِّ يا ولد، وإذا مر الثاني وقال: صلِّ يا ولد، ومر الثالث وقال كذلك، ماذا سيكون الأثر عند هذا الولد؟! سيصلي؛ لأن الناس كلهم أمروه؛ لكن حينما تمر أنت وتسكت، ويمر الثاني ويسكت، ويمر عشرة ويسكتون، ثم يمر واحد ويتكلم فسينظر إليه نظرة استغراب ويقول: انظر إلى هذا الفضولي! كل الناس ذهبوا يصلون إلا هو، ما دخلُك؟! من أين جاء هذا الشعور؟! من الأنانية، والسلبية، وعدم الشعور بالتضامن في الدعوة إلى الله. كنت مرة في السوق، وأنا أشتري في محل خضروات، وآخذ من هذا ومن هذا، وإذا بامرأة كاشفة وجهها في محل آخر بجانبي تشتري من بائع آخر، فوقف شاب جزاه الله خيراً ينصحها فقال: تغطي. فلم تستجب للنصيحة، وقالت: ما علاقتك؟! ما دخلُك؟! لكن البائع الذي أمامها كان فيه خير، قال: ما دخلُه؟! كيف ما دخلُه؟! تهتكين دين الله، وتهتكين عرضك، وعرض زوجك، ثم تقولين: ما دَخلُه؟! لا بد أن يكون له دخل. أنا نظرتُ وسمعت الكلام فصحت عليها: نعم له دخل وهذا يصيح وذا يصيح وذاك يصيح ماذا فعلت المرأة؟! مباشرة قالت: جزاكم الله خيراً. وتغطت، لماذا؟! بالتعاون، والتضامن؛ ولكن لو أننا تركناه عند كلمته هذه، وتكلَّمَتْ عليه لانتصر الباطل. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وإياكم لكل خير، ونسأل الله سبحانه أن يحيينا وإياكم حياة طيبة، اللهم أحينا مؤمنين، وأمتنا مؤمنين، واحشرنا في زمرة النبيين والشهداء والصالحين، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم احفظ لنا أمننا، ونعمتنا، واستقرارنا، اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحبه وترضاه، اللهم وفق شبابنا، وعلماءنا، ورجالنا، ونساءنا، وجميع المسلمين لما تحبه وترضاه، إنك على كل شيء قدير. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله.

التزمت ولكن!!

التزمت ولكن!! أصبح الالتزام بالدين والرجوع إليه ظاهرة ملموسة بين شباب الأمة، إلا أن هذا الالتزام قد يصل بصاحبه إلى مفترقات من الحيرة والتيه إذا لم يؤخذ بيده، ويوجه الوجهة الصحيحة، ويجاب عن أسئلته واستفساراته، حتى يستطيع مواصلة طريقه، ولا يبقى يراوح مكانه مهدداً خلال ذلك بالانتكاس، والنكوص عن طريق الالتزام.

مقدمة عن الالتزام والهداية

مقدمة عن الالتزام والهداية الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، سيدنا وحبيبنا وإمامنا وقدوتنا محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اقتفى أثره وسار على دربه، واتبع شريعته ودعا إلى ملته. أما بعد: أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله سبحانه وتعالى كما جمعنا في هذا المكان الطاهر، وفي هذه الليلة الشريفة وجمعنا على طاعته، وعلى ذكره بعد أداء فريضته، أسأله بأسمائه الحسنى، وبصفاته العلى أن يجمعنا في جناته جنات النعيم، وآبائنا وأمهاتنا، وإخواننا وأخواتنا، وزوجاتنا وذرياتنا، وجميع إخواننا المسلمين برحمته إنه أرحم الراحمين. التزمت ولكن!! عنوانٌ مثيرٌ للتساؤل، يبحث في مشكلة ويقدم الحلول المناسبة لها، هي في الأصل ليست مشكلة بل هي بارقة أمل، وصحوة قلب، ودليل عافية، وعملٌ لا بد منه. الالتزام هو: التمسك بطاعة الله، وأداء فرائض الله، والبعد عن محارم الله، والاستقامة على منهج الله، هذا المعنى العام لكلمة الالتزام. وظاهرة الالتزام: ظاهرة منظورة وملاحظة ومشهودة، ليس أدل عليها من حضوركم، فهذا الحضور الغفير، وهذا الجمع الكبير يبعث على الأمل، لا سيما إذا عرفنا أن معظم الجالسين من الشباب الذين سلكوا طريق الهداية إلى الله، وتركوا خلفهم كل طرق الغواية والضلال، ولم يستجيبوا لكل نداءات الشهوة والحرام، ولبوا نداء ربهم: لبيك اللهم لبيك، وبرهنوا على ذلك بتمسكهم بأوامر الله، والتزامهم بشريعة الله، واستقامتهم على منهج الله. لكن، ماذا بعد الالتزام؟ وماذا يعني الالتزام؟ وماذا يطلب من الملتزم إذا التزم؟ وما هو البرنامج العملي الذي يجب أن يسير عليه حتى يصل إلى ساحل النجاة وبر الأمان، وحتى يدخل إلى جنة الرضوان، وينجو من عذاب النيران؟ أسأل الله سبحانه وتعالى كما هدانا أن يرزقنا الثبات حتى الممات، وأن يجعل لنا بصيرةً في أمرنا، ونوراً في قلوبنا، وعقولنا، وأبصارنا، وأسماعنا، وجوارحنا، ونوراً من بين أيدينا، ومن خلفنا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ومن تحتنا، فإنه لا نور إلا نوره، ولا توفيق إلا من عنده، هو الموفق يوفق من يشاء، ويخذل من يشاء، ويهدي من يشاء، ويضل من يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، يهب الخير إذا طُلب (يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم) اللهم اهدنا يا رب العالمين! فقد كان سيد الهدى يطلب الهدى، ويقول فيما روته عائشة في الصحيحين: (كان صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يقول: اللهم رب جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيم) وهو سيد الهدى، فاللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بعلمك وبإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراطٍ مستقيم. فإن هناك موفق وهناك مخذول، وهناك مضل وهناك مهدي، فلا مهدي إلا من هدى الله، ولا موفق إلا من وفقه الله. اشترى قاضٍ من قضاة البصرة جارية -في عهد السلف - وفي أول ليلة وهي في بيته قام آخر الليل يتفقدها؛ لأنه لا يعرف أخلاقها، فلما دخل غرفتها إذا هي ليست في الغرفة، فأساء الظن. أين ذهبت؟ وحينما بحث وجدها في زاوية غرفتها وهي تناجي ربها في آخر الليل، وتقول وهي ساجدة: اللهم إني أسألك بحبك لي أن تغفر لي، -تسأل الله في حبه لها أن يغفر لها- فلم يستسغ الشيخ هذه العبارة وقال: إن الأولى أن تقول: اللهم إني أسألك بحبي لك -لأن الإنسان يتوسل بفعله وعمله- أن تغفر لي، فانتظرها حتى سلمت ثم قال لها -وهو عالم-: لا تقولي اللهم إني أسألك بحبك لي؛ وإنما قولي: اللهم إني أسألك بحبي لك، قالت له: ليس المهم أن تُحِب، لكن المهم أن تُحب، لولا حبه لي ما أيقظني وأغفلك، أي: حبه لي هو الذي جعلني أقوم. وليس المهم أن تحب قد تحب شخصاً لكنه لا يحبك، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل الله حبه: (اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، وحب كل عملٍ يقربني إلى حبك، اللهم اجعل حبك إلي أحب من الماء البارد على الظمأ، -ثم يقول- اللهم ما أعطيتني مما أحب؛ فاجعله لي عوناً على ما تحب، وما زويت عني مما أحب؛ فاجعله لي فراغاً فيما تحب) انظروا الكلام العظيم! (اللهم ما أعطيتني مما أحب) لأن الإنسان يعطى أشياء يحبها، يعطى المال وهو يحبه، ويُعطى الزوجة وهو يحبها، ويُعطى المنصب وهو يحبه، ويُعطى الولد وهو يحبه، فيقول صلى الله عليه وسلم: (اللهم ما أعطيتني مما أحب -من هذه الأشياء- فاجعله عوناً لي على ما تحب) اجعل الزوجة عوناً لي على محبتك، واجعل المال عوناً لي على محبتك، واجعل الأولاد عوناً لي على محبتك، واجعل المنصب عوناً لي على محبتك؛ لأن من الناس من يُعطى مما يحب؛ فيكون ما يُحب قاطعاً له عن محبة الله، الزوجة التي يحبها تقطع الطريق بينه وبين الله، المال الذي يحبه يقطع الطريق بينه وبين الله، فيصبح حبه لهذه الأشياء مانعاً له من محبة الله عز وجل.

حقيقة الالتزام

حقيقة الالتزام الالتزام -أيها الإخوة- يحتاج من الإنسان إلى فهم لمعناه، ولحقيقته ولمقتضياته. أما معناه: فهو التمسك والاستقامة على دين الله ظاهراً وباطناً، التزامٌ في المعتقد، والتزامٌ في العبادة، والتزامٌ في السلوك والأخلاق، والتزامٌ في التعامل، هذا هو الالتزام الكامل، التزامٌ في الباطن، والتزامٌ في الظاهر، التزامٌ في المسجد، والتزامٌ في العمل، والتزامٌ في السوق، والتزامٌ في البيت، لماذا؟ لأنك خضعت: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162 - 163]. فالدخول في الدين والالتزام يجب أن يكون دخولاً كاملاً، ليس دخولاً جزئياً تشليحياً، يشلح الدين، يأخذ من الدين لحية وثوباً فقط، وذاك يأخذ من الدين صلاة فقط، لا. الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:208] ما رأيكم! برجل ذهب للتشليح وأخذ له (دركسوناً) ووضع فوق رأسه (بوري) ومشى بالشارع ويضرب (بوري) هل هذه سيارة؟ لا. (بوري) و (دركسون) فقط؛ لكن أين السيارة؟ السيارة لها أجزاء لا بد من توفرها، كذلك الدين له أجزاء لا بد من توفرهما، لا تأخذ من الدين (البوري) ولا تأخذ فقط (الدركسون) و (الإشارة)، خذ الدين كاملاً كما قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة:208].

بعض المشاكل التي تقع للملتزم بعد التزامه

بعض المشاكل التي تقع للملتزم بعد التزامه هذه الظاهرة والحمد لله التي نشهدها في شباب الأمة رغم جهود أعداء دين الله، وضراوة الهجمات، وشراسة الأساليب التي تسلط على الشباب من أجل إبعادهم عن دينهم، وزعزعة عقيدتهم من قلوبهم، ولكن والحمد لله تواجه كل هذه الجهود بالالتزام والتمسك، والعودة إلى الله، غير أن الشباب الملتزم بعد الالتزام يواجهون ببعض المشاكل. منها أولاً: الجهل بما يجب أن يفعله بعد التزامه، يقول: التزمت؛ لكن ماذا أعمل الآن؟! ليس لديه منهج، وليس له برنامج، وليس عنده خطوات يمشي عليها، مجرد أنه التزم ثم أين يذهب؟ فيرتب له هذا الجهل الوقوع في بعض المعضلات، أهمها: الانتكاس؛ لأنه إذا التزم ومشى فترة ولا يعرف ماذا يفعل، ماذا يعمل بعد ذلك؟ يرجع إلى ما كان عليه والعياذ بالله. ومنها: الالتزام الأعوج، بدل أن يلتزم التزاماً مستقيماً؛ يلتزم التزاماً أعوجاً، أعوج في أخلاقه، أعوج في تصرفاته، أعوج في فهمه للنصوص، أعوج في تعامله مع نفسه، أعوج في تعامله مع زوجته وأولاده، أعوج في تعامله مع والده ووالدته، أعوج في تعامله مع مديره وزملائه في العمل، لماذا؟ لأنه التزام خاطئ، ما عرف الالتزام، ويظن أنه على هدى بسبب جهله بمعنى الالتزام، وبما تقتضيه عملية الالتزام من عملٍ بعد ذلك. وفيها: الالتزام الأجوف، ونعني بالالتزام الأجوف: أن يلتزم الإنسان في الشكل، ولا يلتزم في المضمون، فيكون أجوف، ظاهره طيب، لكن باطنه خراب، هذا لا ينفع، لا بد من الالتزام الكامل الذي يشمل الظاهر والباطن. ومنها: الفهم المغلوط للدين، لم يفهم الدين كما أراد الله، ولم يتلقاه عن كتاب الله، وسنة رسول الله؛ لكن فهمه فهم مغلوط، أو أحياناً يتلقى بعض الأفكار الضالة، والعقائد المنحرفة، كعقيدة الخوارج، أو كعقيدة المعتزلة، أو كعقيدة الأشاعرة، أو كعقيدة -والعياذ بالله- القدرية، أو عقيدة المرجئة، هذه عقائد كانت واندثرت؛ لكن بقيت مضامينها موجودة في الناس، قد يقول أحدكم: كيف؟ أقول: عقيدة الإرجاء تعتمد على: أن الإيمان ليس له علاقة بالعمل، إذ لا يضر مع الإيمان عندهم معصية، ولا ينفع مع الكفر عمل، فيقولون: أنت تؤمن بالله، وتصدق بلسانك، أما العمل ليس من الدين وليس من الإيمان، هذه العقيدة ضيعت دين الله، وأذهبت شريعة الله، ولكنها الآن موجودة في كثيرٍ من الناس، عندما تأتي تكلمه عن أوامر الله مثل الصلاة في المسجد، وإطلاق لحيته، قال: يا شيخ! ربنا رب قلوب، إن الله لا ينظر إلى صوركم، الله ينظر للقلوب، أنا مؤمن بربي بس فقط، هذه العقيدة موجودة عند خمسين أو ستين في المائة من الأمة، يقول: يا شيخ! الدين في القلوب، الدين ليس في اللحية، ولا في الصلاة في المسجد، الدين في القلب، أنا قلبي طيب، بل بعضهم لا يعمل عملاً قط ويقول: قلبه طيب. كنت مرة قبل فترة في قطر وأثناء وجودي في الفندق سمعت أزيز الموسيقى يكاد الفندق يرقص بآلة صاخبة لها ضجيج وأنا أطلع في المصعد أنظر من أين الصوت، وإذا هناك رجلٌ أبيضٌ، رأسه كبير وأصلع، عنده أجهزة موسيقى ضخمة، وهو الذي رج الفندق كله بدقته على هذه الأجهزة، قلت: إنه غربي، ثم بعد فترة نزلت أصلي وبينما أنا أنظر إذا به واقف عند العلاقات العامة للفندق فدعاني صاحب العلاقات يعطيني رسالة، فجئت وإذا بهذا يسلم علي، نفس الرجل الطويل الكبير الذي رأيته يعزف الموسيقى، قلت: أنت عربي؟ قال: نعم. قلت: مسلم؟ قال: نعم. قلت: من أهل السنة؟ قال: نعم. قلت: من أي بلاد الله؟ قال: من لبنان، قلت له: أنت الذي كنت تدقدق وتغني؟ قال: نعم، هل أعجبك غنائي؟ قلت: أسألك سؤالاً بالله عليك، هل هذا الغناء والطرب وهذا اللعب ينفعك بعد الموت يوم تقف بين يدي الله؟ قال: لا والله يا شيخ! -باعترافه يقول: والله يا شيخ! ما ينفعني، وفعلاً لا ينفع- قلت له: فكيف تعيش على عمل لا ينفعك بعد الموت؟ قال: والله يا شيخ! أنا مؤمن بقلبي وهذه عقيدتي، قلت: يعني أنك لا تصلي، قال: لا والله لا أكذب عليك، قلت: لماذا؟ قال: أمي تصلي. أمه تصلي بالنيابة، انظر العقيدة! يعني: كون أمه تصلي إذاً سقط عنه التكليف، وكونه يؤمن بالله بقلبه؛ فلا يوجد تكليف. هذا نموذج من الناس من مئات الملايين من المسلمين ليس في بلادنا فقط، الملايين من المسلمين ألف مليون مسلم، ليس في بلادنا إلا ستة عشر مليوناً من المسلمين، والبقية في العالم وهذه عقيدة أكثر الناس. عقيدة الخروج والخوارج تأتي عند المتدينين الذين يفهمون الدين ويتحمسون له ويندفعون إليه، ثم يكبر في قلبهم الحماس حتى يتجاوزونه، ولهذا سموا المارقة، لماذا؟ لأنهم يمرقون من الدين، يقول عليه الصلاة والسلام فيهم: (يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم، وعبادته إلى عبادتهم، ثم قال: يمرقون من الدين كما تمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون إليه) يقرءون القرآن؛ لكن لا يجاوز حناجرهم، حظهم من القرآن التلاوة، لكن لا يفهمون منه شيئاً، ولا يدخل في قلوبهم منه شيء، موجودة هذه في كثير من المجتمعات تراه يتوقد ويحترق حماساً للدين، لكن ليس هذا هو الدين، الدين ما شرع الله، وشرع رسوله صلى الله عليه وسلم. من أين تأتي مثل هذه الأشياء؟ تأتي من الخطأ في الالتزام، الالتزام يحتاج إلى ضوابط، وإلى موازين بحيث لا ينحرف الملتزم فيضل أكثر من ضلال ذاك المفلوت؛ لأن المفلوت في الشر، والواقع في الغناء والزنا والمعاصي منحرف ويعرف أنه منحرف، ولذا يمكن أنه في يوم من الأيام يتوب، أما الملتزم خطأ، يمشي في الخطأ ويظن أنه على هدى، ولذا ليس هناك أمل أنك تصلحه؛ لأنه يحسب أنه على الهدى {زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ} [التوبة:37] فتأتي الخطورة في انحراف الملتزم من هذا الجانب.

الواجب على الملتزم بعد التزامه

الواجب على الملتزم بعد التزامه يبدأ Q ما الواجب عليَّ بعد الالتزام؟ هذا السؤال يتردد في ذهن كل شخص، ماذا أعمل بعد الالتزام؟ العمل بعد الالتزام كالتالي:

تغيير ما كان عليه في السابق

تغيير ما كان عليه في السابق أولاً: أن تعرف أنك بالالتزام قد انتقلت من حياة إلى حياةٍ جديدة، وأقبلت على الله، فينبغي أن تهيئ لنفسك مناخاً يتناسب مع الحياة الجديدة، وأن تجري تغييرات في أسلوب حياتك، الكتاب الذي كنت تقرأه؛ تغيره بالكتاب الإسلامي، المجلة التي كنت تقرأها وهي غير إسلامية؛ تبدأ تغيرها بمجلة إسلامية، والشريط الغنائي الذي كنت تسمعه؛ تغيره بشريط إسلامي، وإذا كنت تنام متأخراً تبدأ تنام مبكراً؛ لأنك ستقوم لصلاة الفجر، الصديق والزميل الذي كنت تمشي معه على الباطل تغيره بصديق وزميل تمشي معه على الحق، العلاقة التي كنت تربطها بالقهوة وبالشارع وبالرصيف وبالسوق تقطعها وتبدأ علاقة جديدة بالمسجد وبحلقات العلم، لماذا؟ لأنك ملتزم تغيرت ما عدت كما كنت، عينك تغيرت، كانت تحب النظر في النساء، والآن لاتلتفت ولا تنظر، أذنك تغيرت كانت تسمع الغناء والآن لا تسمع، لسانك تغير كان يتكلم في الحرام والآن لا يتكلم، كل شيء تغير في حياتك، ويجب أن توطن نفسك، وتشعر نفسك، وتستشعر من قرارة نفسك أنك قد انتقلت من حياة إلى حياة، ومن وضعٍ إلى وضع، فينبغي لك أن تتكيف على الجو الجديد، وعلى المناخ الجديد، وأن تتعامل معه على هذا الأساس، هذا أول شيء، وهو شعور قلبي يترجم إلى واقع عملي ينبعث من عمق النفس البشرية، وهذا يتطلب منه الخطوة الثانية.

تعلم العلوم الشرعية

تعلم العلوم الشرعية أن يتعرف ويتعلم هذا الدين الذي التزم به، فيبدأ في العلم بحفظ القرآن الكريم، ويبدأ بدايات مرشدة، يحفظ جزء عم، ثم جزء تبارك، ثم جزء قد سمع، ثم تحفظ إلى (ق) واسمه المفصل؛ لأن سوره مفصلة، وكلما قرأت سورة تأخذ تفسيرها من القرآن، ماذا أراد الله مني؟ ماذا يطلب الله مني؟ تقف عند الآيات، تراجع نفسك مع مضمون هذه الآيات، كما كان السلف رضي الله عنهم يعملون، يقول عبد الله بن مسعود: [كنا لا نتجاوز العشر آيات من القرآن حتى نعيهن ونعمل بهن] إذا أكمل العشر الآيات وطبقها انتقل إلى العشر الأخرى، ولذا فهم يتعلمون ويعملون، واليوم نقرأ القرآن من أوله إلى آخره، وإذا أكمل الفرد منا القرآن أوقفه وقل: بالله ما قرأت؟ يقول: القرآن، حسناً ماذا أمرك الله فيما قرأت؟ قال: لا أعرف، وماذا نهاك الله فيما قرأت؟ قال: لا أعرف، ما هي القصة التي مررت عليها في القرآن؟ ما هي النواهي؟ وما الأخبار؟ لا شيء، يقرأه ولا يدري ماذا قرأ، هذا ليس تعاملاً شرعياً مع القرآن، الله أنزل القرآن ليُعمل به بعد التدبر، يقول عز وجل: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] ويقول عز وجل: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] فأول شيء أن تتعلم الدين الذي التزمت به، وتعرف الطريق الذي سرت فيه، أنت التزمت الآن؛ لكن لا تدري ما الذي التزمت به؟ فتبدأ بحفظ القرآن، الأجزاء الأولى منه، دراسة تفسيرها، وحفظ شيء من السنة، تبدأ بـ الأربعين النووية، وتقرأ شروحها من كتاب ابن رجب الحنبلي جامع العلوم والحكم، وتبدأ بـ آداب المشي إلى الصلاة الذي ألفه الشيخ محمد بن عبد الوهاب، تبدأ بـ الأصول الثلاثة في العقيدة، تقرأ مختصر السيرة النبوية لـ محمد بن عبد الوهاب أيضاً، تبني نفسك علمياً لكي يوجهك العلم، وأنت ماشي تجد العلم يوجهك؛ لأن العلم نور، والذي يمشي بغير علم مثل الذي يمشي في الظلام، والذي يمشي في الظلام يقع في الحفر ويقع في الآفات، وربما يصاب في طريقه وهو لا يشعر. فلا بد أول شيء بعد الشعور أنك انتقلت إلى الحياة الإيمانية، أن تبدأ في الحياة العملية بطلب العلم، وترفق العلم بالعمل سواء، ولا تقل: أتعلم ثم أعمل، لا. كلما علمت تعمل، أي شيء تعرف أنه من الدين بدليل من الكتاب والسنة تطبقه مباشرة، فتتعلم وتعمل في آنٍ واحد.

إجراء بعض التعديلات في أسلوب الحياة

إجراء بعض التعديلات في أسلوب الحياة ثم إجراء التعديل في أسلوب حياتك -مثلاً- في العبادة، كنت تصلي لكن تصلي صلاة عادية، مثلما يصلي أكثر الناس الآن، يأتي متأخراً، ويدخل ويكبر ثم يستسلم للأفكار وللخطرات والمعاني، ثم يسلم ويذهب بلا سنة، لا. الآن انتهى. أنت ملتزم، متى تأتي؟ قبل الأذان، وإذا تأخرت فمع الأذان، أما تكبيرة الإحرام، فلا تفوتك، يقول أحد السلف: إذا رأيت الرجل تفوته تكبيرة الإحرام فانزع يدك منه فإنه ليس بشيء -هذا الذي تفوته تكبيرة الإحرام كيف الذي لا يصلي؟! - فتكون في صلاتك ملتزماً، الصف الأول لك، بل الروضة لك، بئس العبد الذي لا يأتي إلا إذا دعي، الذي لا يأتي إلا بعد الأذان هذا بئس العبد، ولذا كان معظم السلف لا يسمعون الأذان من خارج المسجد. يقول: سعيد بن المسيب: [والله ما نظرت إلى ظهر مصلٍ] يعني: لا يصلي إلا في الصف الأول، ويقول: [والله ما سمعت الأذان من خارج المسجد خمسين سنة، ولا خرجت إلى المسجد يوماً فلقيني الناس وقد انصرفوا] يقول: ما خرجت ولقوني وقد انصرفوا من الصلاة هذه هي العبادة، هذا هو الالتزام الصحيح، فتجري تغييراً في أسلوب أدائك للصلاة، بأن تؤدي الصلاة مع أول الناس، ثم في الصلاة كيف تصلي؟ الصلاة هي حركة جسد، وحركة قلب، فتكبر بتحقيق وتقرأ بترتيب، وتتأمل معاني القراءة، ثم تركع بخشوع، وتسجد بخضوع، وتجلس بيقين، وتتشهد بطمأنينة، وتسلم في رجاء، وبعد هذا لا تدري أقبلت صلاتك منك، أم ردت عليك. يقول أحد السلف: والله لأن تختلج الأسنة بين كتفي أحب إليَّ من أن أذكر شيئاً من دنياي في صلاتي، فكيف بصلاتنا يا إخواني؟! -لا إله إلا الله- فيتغير وضعك مع العبادة، ثم يتغير وضعك مع النافلة، كنت قبل ذلك تصلي الفرض وتذهب، لا. الآن أنت ملتزم، تصلي الفرض وتصلي الرواتب، وتصلي النوافل وتقوم الليل، وتصلي ركعتي الضحى، هذه لا تتركها؛ لأنك ملتزم، والله إنه شيء يؤلم -أيها الإخوة- أن نرى في بعض المساجد أكثر من يقضي الركعات في الصلاة الملتزمين، وتجد العوام العاديين في الصف الأول، إذاً من الملتزم الحقيقي؟ الذي في الصف الأول، أما ذاك ولو كانت سيماه سيما الالتزام، لكن عمله ليس عمل التزام. أيضاً في الإنفاق أنت ملتزم، يجب أن تدخر لك شيئاً عند الله، من مصروفك الشخصي إن كنت طالباً، أو من مصروفك العائلي إن كنت رب الأسرة، اجعل شيئاً لله من دخلك، ولو عشرة ريال في الشهر، أو خمسين أو مائة ريال. وأيضاً في علاقتك بالعلماء، وفي علاقتك بمجالس العلم بالندوات، في علاقتك بكل عملٍ يحبه الله ويرضاه أجر تغييراً على الوضع. أيضاً في السلوك والتعامل والأخلاق، كنت تمر في الشارع وتمشي بالسيارة، وتفحط وتسرع، لكن الآن بعد أن التزمت لا بد أن تمشي بهدوء. إذا شغلت السيارة قل: بسم الله، سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، تحركت السيارة تتحرك بأدب؛ لأنهم يقولون: القيادة فن وذوق وأخلاق، وأنا أقول: القيادة دين وذوق وأخلاق، تعرف دين الإنسان من قيادة السيارة، تمشي تمسك جانبك الأيمن، تريد أن تتجاوز؟ تتجاوز بأصول، أتيت الإشارة تقف، لا تسرع: {وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} [الإسراء:37] لماذا؟ لأن مشيك في الشارع وأنت ملتزم عبادة ودعوة، إذا رآك الناس وأنت تمشي في الشارع وجاء شخص يريد أن يدخل توقفت له لكي يمشي ونظر إليك وشكرك ورأى لحيتك؛ ماذا يقول؟ يقول: ما شاء الله! انظروا كيف هم المتدينون، الدين يا جماعة! خير عظيم، الدين يهذب الأخلاق، كيف تعلم هذا من الدين أن يترك لي فرصة السير، لكن لو أتيت ورأيته يريد أن يدخل، وهو داخل وأنت تريد أن تسبقه ونظر لحيتك، قال: انظر المطوع المعقد هذا، ولا أعقد من المطاوعة هؤلاء، هذا (أبو دقنة)، هذا يضايقني، مشيك في الشارع إما دعوة لك وإما دعوة عليك. بل كنت مرة من المرات وأنا في أبها إمام مسجد، وأنا آتي من بيتي وفي شارع عام ذي اتجاهين يفصلني عن المسجد، فوقفت على الشارع أريد أن تمر السيارات وأمشي، فجاء أحد المصلين ووقف بجانبي، وأحد الإخوة جاء مسرعاً، ولحيته ما شاء الله! تملأ صدره؛ لكنه مسرع، وإذا بهذا الأخ يقول لي: انظر انظر لحيته يا شيخ! قلت: وما في لحيته؟ قال: يسرع، قلت: من الذي يسرع لحيته أم رجله؟ من الذي داس بنزين؟ قال: رجله، قلت: حسن ولماذا لا تقول: انظر أنفه أو انظر عينه؟ لماذا ما نظرت إلا للحيته، أم أنك لا تريد اللحية، قال: لا. هذا مطوع مفروض أنه لا يسرع، انظروا كيف الناس! يقول: المطوع من المفروض أن لا يسرع. فأنت إذا التزمت؛ عليك أن تجري تغييراً حتى في قيادة السيارة. ثم تجري تغييراً في التعامل، وأنت موظف تدخل الفصل أو المكتب تقول: السلام عليكم، وتبتسم، وتقول: صبحكم الله بالخير يا إخوان! كيف حالكم؟ عساكم طيبين؟ بعد ذلك تكون سباقاً إلى الخير في الخدمة، والأخلاق، والكرم، وفي كل شيء؛ لماذا؟ لأنك ملتزم، علمك الدين الالتزام، كنت قبل ذلك لا تبالي، ليس عندك أخلاق، ولا عندك ذوق، ولا تراعي، ولا تكرم الناس، ولا تسلم على الناس؛ لكن عندما التزمت يفرض عليك التزامك أن تغير أخلاقك بأخلاق الإسلام. لكن الحقيقة أن هناك الآن توجه عكسي، تجد بعض الشباب لديه أخلاق، فإذا التزم تغيرت أخلاقه، يدخل على زملائه في المكتب ينظر إلى لحاهم محلوقة فيجلس، ماذا هناك؟ قال: لا أسلم على العصاة، ما شاء الله! هل هذه دعوة؟ إذا كانوا عصاة في حلق لحاهم؛ فأنت أكبر عاصٍ في تعاملك السيئ معهم، عليك أن تسلم وأن تبش، وأن تبتسم، وأن تكرم، لكي تكسب قلوبهم، لكن إذا تعاملت معهم بهذا المنطق؛ تبغضهم في الله، ولا تسلم عليهم ماذا يعملون هم؟ يبغضونك، وإذا أبغضوك أبغضوا من؟ أبغضوا دعوتك ودينك، فتكون أنت بتصرفك هذا بدل أن تدعوهم تطردهم، تنفر الناس عن دين الله، فيجب أن يتغير وضعك.

تغيير الوضع في البيت مع الأهل

تغيير الوضع في البيت مع الأهل ثم يتغير وضعك في البيت مع المرأة عندما التزمت ما شاء الله! صرت في البيت باستمرار، كنت من قبل تائه في المقاهي، وفي الاستراحات؛ لكن بعدما التزمت، وأصبح لا يوجد لك مكان إلا بيتك، من بعد العشاء وأنت في البيت، بعد المغرب في البيت، بعد العصر في البيت، أين تذهب؟ إلى المسجد. أين كنت؟ في المسجد، أين ستذهب؟ للندوة، بعد ذلك المرأة تشعر أنك موجود، ثم أعطيتها حقها من الابتسامة ومن المعاشرة والإكرام، والعدل إن كان عندك زوجتان، ومن التعامل الطيب، ومن الجلوس الطيب، ومن الخدمة في البيت، فإذا رأيتها تغسل في المطبخ تأتي وتقول: أنت تغسلين وأنا أصفي، هل هذا عيب؟ لا والله، كان صلى الله عليه وسلم يفعل هذا في بيته، كان يكنس البيت، ويخدم مع أهله، وعندما تفعل هذا مع المرأة في البيت ما هو انعكاسه عليها، ماذا تقول؟ تقول: جزاه الله خيراً، من يوم التزم وربي هداه، وتحب الالتزام، وتلتزم. لكن إذا التزم بعض الشباب وعنده زوجة، لم تعد تراه أبداً، تقوله له: أين كنت؟ قال: مع الإخوة في الله -من المغرب إلى الفجر- وإذا أتى في الصباح صلى الفجر وعاد للبيت ينام إلى الظهر، وخرج فتقول له: إلى أين أنت ذاهب؟ فيقول: عندي رحلة، عندي التزام، عندي موعد، عندي ندوة، قالت: الله أكبر عليك! من يوم التزمت لم نعد نراك، وتكره الالتزام. إذاً الالتزام يقتضي منك أن تكون موجوداً في بيتك. أيضاً تعاملك مع والدك ومع والدتك، من يوم أن تلتزم تعود إلى الوالد تلتصق بالوالد تكون ظل الوالد، إذا خرج إلى السوق تخرج معه، أو تتقضى له أنت، وإذا جاءه ضيف ترحب به وتصب القهوة له، وتفتح البيت له، وقبل أن تخرج من البيت تقول: يا أبي تريد شيئاً؟! تريد أن تذهب إلى مكان؟ تأذن لي؟ إذا قال أبوك: اذهب؛ فاذهب، وإذا قال: اجلس، تقول: حاضر يا أبي! فماذا يكون انعكاس هذا على والدك، يقول: الحمد لله ولدنا منذ هداه الله والتزم بالدين والله إنه طيب، وأخلاقه صارت طيبة، وبدأنا نراه، والآن ينفعنا، ويقوم بلازمنا، ويحب الالتزام؛ لكن بعض الشباب إذا التزم انقطعت صلته بوالده، لماذا؟ قال: أبي عاصي لا تجوز خدمته، فيكره الوالد الولد، ويكره الالتزام، وإذا رأى ولداً آخر من أولاده يريد أن يلتزم ضربه، قال: لا. تريد أن تكون مثل فلان.

تزكية النفس

تزكية النفس ولا بد أن تجري تغييراً مع نفسك في تزكيتها؛ لأنك ملتزم، كنت قبل ذلك إذا مشيت في الشارع ورأيت امرأة جلست تنظر فيها، أو سمعت أغنية جلست تسمعها، أو رأيت ملعباً قعدت تلعب فيه، وإذا رأيت مجموعة في رصيف جلست معهم، لكن عندما صرت ملتزماً؛ أصبحت مسئوليتك تجاه نفسك أكبر أن تزكيها، يقول الله عز وجل: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس:7 - 9] يجب أن تزكيها؛ لأنك ملتزم، ولا تدسيها؛ لأنك ملتزم، ما دام أنك وضعت نفسك في هذا الموضع، والله أكرمك بأن التزمت بالدين، فيجب عليك أن تزكي نفسك وتطهرها، وتنقيها، وتصونها، وتحميها من الذنوب، ومن المعاصي، ومن الآفات، ومن الأماكن التي لا تليق بها. ثم أن تعمل لهذا الدين، الله هداك لهذا الدين فما موقفك؟ أن تعمل له، وأن تخدمه، وأن تدعوا إليه، وأن تمد حبال المجال للآخرين لكي تأتي بهم، حتى يكثر سواد المسلمين، ويكثر الخير، وينتشر الخير، ويعم الفضل، وهذا من مسئولياتك؛ لأنه إن لم تدع أنت وأنت الملتزم بالدين؛ فمن تتوقع أن يدعو إليه غيرك، إنها مسئوليتك، وجزءٌ من عملك أمام الله سبحانه وتعالى.

قطع الصلة بالحياة السابقة

قطع الصلة بالحياة السابقة أيضاً هناك شيء مهم وهو: أن تقطع الصلة بالحياة السابقة، وهذا فعل الصحابة، كان الرجل منهم يدخل في الإسلام، ويخلع على عتبة الدين كل ملابس الجاهلية، ولا يلتفت إليها، ولا يحن إليها، ولا يبقى في قلبه أي رغبة فيها، فتقطع صلتك بالحياة الأولى، القرين السيئ، زميل السوء، أماكن السوء التي كنت تذهب وتسمر فيها خلاص، شريط السوء الذي كنت تسمعه، فيلم السوء الذي كنت تراه، أي مكان له علاقة بوضعك الأول قبل الالتزام اقطع الصلة به؛ لأن استمرار الصلة به معناه الحنين إليه، والرغبة في العودة إليه، وهذه بداية الانهزام، وإنما تسلك الطريق ولا تنظر إلى الخلف، إذا نظرت إلى الخلف خارت قواك. يقول ابن القيم رحمه الله: انظر إلى الظبي وكلب الصيد، فالظبي إذا رأيته كأنه خلق للطيران -بطن الظبي لاصقة بظهره- وإذا أسرع في المشي تظن أنه لا يمس الأرض وأنه يسبح في الهواء، وكلب الصيد ليس سريعاً كالظبي، ولكن لماذا يمسك بالظبي؟ السبب أن الظبي يجري ويلتفت، يريد أن يتأكد هل الكلب وراءه أم لا؟ والكلب يجري ولا يلتفت وعينه إلى الأمام، فكلما التفت الظبي خارت قواه درجة، وزادت في قوى الكلب درجة؛ لأن الكلب يُعرف أنه لا يلتفت إلا وهو متعب، فذاك يشد وذاك يضعف، إلى أن يمسك به، لكن يقول ابن القيم: لو أن الظبي مشى ولم يلتفت؛ لا يطلبه الكلب ولا يصل إليه. وأنت تمشي إلى الله مسرعاً، يقول الله: {وَسَارِعُوا} [آل عمران:133] أي: سابقوا؛ لأن وراءك كلب يريد أن يمسك بك، وهو الشيطان، فإذا مشيت ولم تلتفت، لا يستطيع أن يقبض عليك؛ لأن الله يقول: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر:42] لكن إذا التفت إلى الأغنية التي كنت تسمعها، ومرت عليك في الراديو قلت: أريد أن أسمعها قليلاً، أمسك بك الشيطان، التفت إلى المرأة، التفت إلى القهوة التي كنت تسمر فيها، والاستراحة التي كنت تقعد فيها على الدش، قلت: سأذهب هذه الليلة، هذه بداية الانتكاس، فاقطع صلتك بالماضي، وافطم نفسك عنه بالكلية، حتى ولو للدعوة؛ لأن الشيطان قد يأتي بك بطريق مبرر، ويقول لك: زملاءك، أقرانك، أحبابك، إن الله هداك؛ فلماذا لا تذهب لتهديهم؟ أنت في هذا الطور لا تستطيع أن تهدي، بالكاد تتعافى فقط، ما نريدك أن تهديهم، اهد نفسك فقط؛ لأنك إذا رجعت إليهم تريد أن تهديهم؛ سحبوك، وأرجعوك إلى ما كنت عليه؛ لأنك لست مؤهلاً لعلاجهم؛ لأن العلاج لا يأتي إلا على طريق الأطباء، أما المرضى إذا تعافى المريض يعافي نفسه، أما أن يتحول من مريض إلى طبيب فإنه سيرجع مريضاً.

المعوقات في طريق الالتزام

المعوقات في طريق الالتزام مما يعين على الثبات وعلى الالتزام: أن يعرف الإنسان أن طريق الالتزام فيه كثيرٌ من المعوقات، ليس طريقاً سهلاً، وليس طريقاً مفروشاً بالورود، بل طريق صعب وشاق، يقول عليه الصلاة والسلام: (حفت الجنة بالمكاره) وأنت ما هدفك من الالتزام؟ الجنة. كل شخص يلتزم لكي يحصل على الجنة، وينجو من النار، حسن (حفت الجنة بالمكاره) كيف تصل إلى الجنة؟ لا تصل إلا عبر تجاوز هذه المكاره، فوطن نفسك؛ لأنك ما دمت تريد الجنة لا بد أن تتجاوز المكاره، مثل الذي يريد أن يتخرج من الجامعة، حفت الجامعة بالمكاره، ما هي المكاره؟ الدروس، ولا بد أن تدرس ست سنين، وثلاث متوسط، وثلاث ثانوي، وتدخل في الجامعة، وتأخذ كتباً وتدرسها حتى تتخرج، شخص يقول: أريد شهادة جامعية؛ لكن لا أريد أن أدرس، أريد أن أجلس في البيت، الدروس تعقيد ومشاكل، ودوام في الصباح، وأربعين دقيقة حصة، ومدرس يضربنا، ومراقب يلطخنا، وامتحانات يمتحنونا، والله ما أريد أن أدرس، أنا أريد فقط الشهادة في آخر السنة، ولكن من غير دراسة! هل أحد يعطيه هذا؟! لا. ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لا تجري على اليبسِ الذي يريد الجنة يصبر على المكاره. وما هي المكاره التي تقف في طريق الملتزم؟ أولاً: الضعف عن مقاومة الإغراءات، يوجد في الطريق إغراءات، وفي النفس شهوات طبع الإنسان عليها، مثل: شهوة النساء، وشهوة المال، وشهوة النوم، وشهوة اللعب، فيها حلال وفيها حرام، مغريات، النفس البشرية تدعوك إلى هذه المغريات، والعقل والقلب الإيماني يدعوك إلى الترفع عنها، فلا بد أن توطن نفسك على ألا تستجيب لهذه الإغراءات ولهذه الشهوات حتى تسلم، أما إذا ظننت أن بإمكانك أن تكون ملتزماً مع الاستجابة للشهوات، فتسمع الحرام، وتشرب الحرام، وتمشي وتسهر على الحرام، وتظن أنك ستبقى ملتزماً، هذا غير صحيح! ولا يمكن أن يكون، ولا يقبل. أيضاً الضعف عن ممارسة واستمرار أداء العبادات؛ لأن العبادات فيها تعب، يقول الله: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45] جعلنا الله وإياكم منهم، الصلاة والعبادة ليست عملاً تؤديه مرة فقط، لا. بل تؤديه وتؤديه وتؤديه إلى أن تموت، تصلي الآن العشاء وغداً تصلي الفجر، وبعد الفجر تصلي الظهر، وبعد الظهر تصلي العصر، وبعد العصر المغرب، وبعد المغرب العشاء، إلى متى؟ إلى أن تموت، فوطن نفسك على أنه لا بد أن تقوم بهذا العمل، فإذا جاء رمضان لا بد أن تصوم، وإذا جاء الحج جاء لا بد أن تحج، عندك مال لا بد أن تزكي، عندك والد لا بد أن تطيعه، عندك أم لا بد أن تبرها، عندك رحم لا بد أن تصلها، عندك أخ في الله لا بد أن تكرمه وتزوره، رأيت منكراً لا بد أن تغيره، القرآن لا بد أن تحفظه وتقرأه، الذكر لا بد أن تؤديه، فوطن نفسك على القيام بها وعدم التثاقل عنها؛ لأنك إن لم توطن نفسك، سيأتي يوم من الأيام تقول إلى متى؟ ثم وطن نفسك على مواجهة الضغوط الأسرية التي قد تواجه بها، قد يستقيم الشاب ويأتي البيت وإذا بالأسرة ليست معه، الأب له وضع، والأم لها وضع، والإخوان لهم وضع، والأخوات لهن وضع، وهو مستقيم فيجد أن أمامه أسرة تواجهه، وتحد من نشاطه، وتقف في طريقه وتمنعه، وربما تسخر منه وتستهزئ به، وربما يضربونه وربما يمنعون عنه المصروف، وربما يقولون له: أنت أخبل! أنت مجنون! أنت متطرف! أنت وأنت، وطن نفسك على هذا! ولهذا ذكر الله لنا قصصاً في القرآن من أجل تربيتنا، أخبرنا الله عز وجل عن إبراهيم وأن ممن كفر به أبوه، حتى إذا جاء أبوك يردك تتذكر أن إبراهيم رده أبوه، فيكون لك قدوة. وأخبرنا عن نوح أن ممن كفر به ولده، وأخبرنا عن لوط أن من ضمن من كفر به زوجته، وأخبرنا عن محمد صلى الله عليه وسلم وأن من ضمن من كفر به عمه. إذاً إذا أبوك ما أعانك؛ لك قدوة وهم الأنبياء، وإذا ولدك ما استجاب لك؛ لك قدوة وهم الأنبياء، وهكذا فيجب أن توطن نفسك على مواجهة الضغوط الأسرية التي تريد منك أن تترك الالتزام، وأن تعود إلى وضعك الحياتي الأول في الأسرة؛ لأنك تدخل الأسرة ولك أسلوب جديد، ولك منهج جديد، وتريد أن تجري تغييراً في البيت، وهم لا يريدون التغيير، يريدونه على ما كان عليه، فيضغطون عليك حتى ترجع؛ لكن لا ترجع؛ لأنك على الحق وهم على الباطل، فقط غير بالأسلوب الذي سوف نذكره إن شاء الله. أيضاً وطن نفسك على مواجهة نظرة المجتمع إليك؛ لأن نظرة المجتمع تختلف من مجتمع إلى مجتمع، نحن في مجتمعنا والحمد لله، ينظر إلى الملتزم والمتدين نظرة إكبار، وتكريم، وتقدير، وحب؛ فإذا رأوا الرجل، أو الشاب تدين؛ قدره كل شخص، لكن في بعض المجتمعات المسلمة، لا. إذا التزم وتدين بدءوا يمقتونه، ويخافون منه، ويصفونه بالإرهاب والتطرف، وكل شخص إذا رآه يقول: انظروه! انظروه! بل في بعض الدول يعتبر مجرماً، فهذه تضغط على الإنسان، وتؤدي به في لحظة من اللحظات إلى أن يترك الالتزام ويرجع؛ لأن المجتمع له هيمنته، وله ضغطه الذي يمارسه على الإنسان.

وسائل الثبات على الالتزام

وسائل الثبات على الالتزام مما ينبغي للشاب الملتزم أن يتعرف على وسائل الثبات حتى يثبت، وهذه ضرورية ومطلوبة جداً؛ لأن الحياة التي يعيشها الملتزم حياة كثيرة المطبات، كثيرة الحفر، فإذا مارسها وليس عنده وسائل تثبيت كلما جاء مطب أو حفرة؛ وإذا به يشد (صواميله)، فيستمر في الطريق، وإذا لم يكن عنده ما يشد به (صواميله) ترجه حفرتان أو ثلاث أو أربع ثم يسقط، نظراً لعدم وجود وسائل الثبات التي تعينه على السير في طريق الله. ومن أهم وسائل الثبات: أولاً: تحديد الغاية والهدف، وهي رضوان الله ودخول الجنة والنجاة من النار، وأنت تلتزم هكذا تقول: لماذا ألتزم؟ من أجل دخول الجنة والنجاة من النار، إذاً في سبيل هذا الهدف وهذه الغاية أستصغر كل صعب، وأتحمل كل بلاء، وأصبر على كل تضحية، لماذا؟ لأن هدفي الوصول، هذا أول شيء. الأمر الثاني: تحقيق أركان الإيمان على الحقيقة بقول اللسان، واعتقاد القلب، وعمل الجوارح، فإن الإيمان إذا خلا من واحدة من هذه نقص، وإذا نقص ذهب، فلا بد أن يكون إيمانك مبني على الحقائق الثلاث، قولٌ باللسان تظهره، واعتقادٌ بالقلب توقن به، وعملٌ بالجوارح تذعن وترضخ له، فيكون إيمانك صحيح وأصيل وقوي ومتين، لا تزعزعه الأحداث، ولا ترده المناسبات وإنما يثبت؛ لأنه حقيقي. أيضاً من وسائل الثبات حضور مجالس العلماء، وطلب العلم، وسماع الأشرطة الإسلامية، واستماع إذاعة القرآن الكريم، وقراءة الكتب الإسلامية، والمداومة على العمل، وعدم الحماس الزائد، وهو الذي يعبر عنه العلماء بالغلو؛ لأن الغلو هو عملية ردة فعل، فإذا غلوت في جانب؛ كان على حساب الوسطية، فتمشي في الغلو ثم لا ترجع غلى الوضع الطبيعي، وترجع إلى الانتكاس؛ لأن من أسباب الانتكاس الغلو في الدين، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن هذا الدين عميق فأوغلوا فيه برفق، فإنه لم يشاد الدين أحد إلا غلبه) فلا تتحمس الحماس الزائد للدين، وإنما اجعل حماسك منضبطاً بالكتاب، وبالسنة الشريفة. أيضاً مجالسة الصالحين، هذا مثبت من مثبتات الإيمان. البعد عن قرناء السوء. قراءة القرآن وحفظه. مراجعة كتب السنة وحفظها. الحرص على مزاولة عمل أو دراسة. ما دمت متلزماً احرص على العمل، أو واصل تعليمك، لماذا؟ لتثبت أن الالتزام مظهر عملي جاد، وليس مظهر فراغ؛ لأن بعض الشباب من يوم أن يلتزم يترك الدراسة ويقول: ماذا فيها هذه الدروس يا شيخ؟! فيها مشغلة وفيها منكرات، وفيها معاصي، أو عمل وضيفي، إذا كان عندك عمل أبدع فيه، كنت تأتي الساعة التاسعة، ولكن من يوم أن التزمت لا بد أن تكون منذ السابعة والنصف وأنت عند الباب، والساعة الثانية والنصف وأنت تخرج آخر واحد، تتواجد باستمرار، كنت وأنت غير ملتزم شاب مقصر في الدراسة مهمل؛ لكن بعد الالتزام أصبحت الأول، لماذا؟ حفظت وقتك، وشعرت بمسئوليتك، فتثبت على دين الله عز وجل. الحذر من الذنوب ومن المعاصي فإنها تحجزك عن الله، وتردك عن طريق الله، وبالتالي تبعدك عن الالتزام. ثم آخر شيء من وسائل الثبات: الدعاء، تدعو الله في كل وقت، وفي كل لحظة، وفي أماكن الاستجابة، وتقول: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8] وتقول كما كان يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على طاعتك). اللهم ثبت قلوبنا على طاعتك {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8]. اللهم احفظ لنا ديننا، وأمننا ونعمتنا واستقرارنا، ووفق ولاة أمورنا، وعلمائنا، ودعاتنا، ومشايخنا، وشبابنا، وشاباتنا، وجميع المسلمين وفقهم لما تحبه وترضاه، من الدعوة إلى دينك، وإلى مناصرة شريعتك، وإلى العمل بأحكام كتابك وسنة نبيك، إنك ولي ذلك والقادر عليه، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

حكم إطلاق صفة الالتزام على من يقوم ببعض المنكرات

حكم إطلاق صفة الالتزام على من يقوم ببعض المنكرات Q فضيلة الشيخ! أشكو إلى الله ثم إليك التقلب وعدم الثبات، فهل تصدق صفة الالتزام على شاب لا زال متعلقاً ببعض المنكرات من سماع الغناء، أو العادة السرية، أو التعلق بالمرد، أو مشاهدة الأفلام، أفيدونا أفادكم الله؟ A نعم. يصدق عليه أنه ملتزم، لكنه ملتزمٌ بالباطل، ملتزمٌ بالشر، ملتزمٌ بمعصية الله؛ لأن الالتزام إما التزامٌ بالحق، وإما التزامٌ بالشر، فالذي يلتزم بسماع الغناء، وبالعادة الشيطانية التي يسميها الناس (عادة سرية) من باب التلطيف لها، وإلا ليست سرية، سرية على من؟ على الناس؛ لكن الله يراك وأنت تفعل هذه الفعلة القبيحة المحرمة، التي لا تفعلها إلا القرود -والعياذ بالله- وأيضاً الملتزم بالأغاني، والأفلام والمسلسلات وماذا بقي معك من الالتزام؟ فيا أخي الكريم! هذه جنة لا تُنال باللعب، ولا تُنال بالتذبذب والتقلبات، هذه سلعة غالية، يبذل في الحصول عليها النفس والمال {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [الصف:10 - 11] {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:142] {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214] فالجنة سلعة غالية، ولا تنالها الهمم الضعيفة، والنفوس الخبيثة. يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحدٌ لا اثنانِ يا سلعة الرحمن لست رخيصةً بل أنت غالية على الكسلانِ يا سلعة الرحمن سوقك كاسدٌ بين الأراذل سفلة الحيوانِ يا سلعة الرحمن كيف تصبر الـ خطاب عنك وهم ذووا إيمانِ يا سلعة الرحمن لولا أنها حفت بكل مكاره الإنسانِ ما كان عنها قط من متخلفٍ وتعطلت دار الجزاء الثاني لكنها حفت بكل كريهةٍ ليصد عنها المبطل المتواني وتنالها الهمم التي ترنوا إلى رب العلا في طاعة الرحمنِ فالطريق صعب، والله يقول في القرآن: {ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:1 - 3] تريد أن تكون ملتزماً ولا تفتن بالأوامر، والنواهي، والطاعات، والمعاصي، والذنوب، ثم تنهزم وتقول أنك ملتزم؟! لا. إما أن تسلك الطريق بجد والتزام وتكون صادقاً، لا تكون مذبذباً، مرة هنا ومرة هناك لا يوجد لك خيار، سر في الطريق والزمه حتى تلقى الله.

الضابط في الترفيه

الضابط في الترفيه Q جانب الترفيه والتسلية المنضبط له أثرٌ كبير في تربية الشباب في بداية الالتزام، فهل من وصية للشباب القائمين على قيادة الشباب؟ A الحياة الإسلامية حياة متكاملة، فيها جد، وفيها أيضاً نوع من الترفيه في حدود المباح، لكن الترفيه في حياة المسلم مثل الملح في الطعام، فإذا كثر أفسد الطعام، وإذا قل صار الطعام سامجاً ليس له طعم، فنريد من الشباب أن يكون جل وقتهم جد، ولا مانع من بعض الأمور التي فيها نوع من الترفيه الحلال، مثل ما ورد في السنة، أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق عائشة، وكذلك المصارعة رياضة، لكن لا تنظر إليها في التلفزيون، ترى مصارعة الكفار وهم شبه عرايا، وبعض النساء تطالع في هذه الأجسام الخبيثة، لا. لكن لو ذهبت رحلة مع زملاء وعملتم نوعاً من اللعب ليس هناك مانع، لكن في حدود الحلال، بحيث لا تكثر؛ لأنها إذا كثرت أفسدت الحياة، فلا بد منها، وهذه لها موازين دقيقة، مثل الذي يضع الملح في الطعام، بعضهم يضع قدراً وفيه مد رز، ويضع عليه كيس ملح، ما رأيكم في هذا؟ ما أصبح رزاً بالملح، أصبح ملحاً بالرز، فبعض الشباب حياته كلها ضحك، وعبث، ولعب، ورياضة، وكرة، وإذا قلنا: اقرأ كتاباً قال: يا شيخ! قد قرأنا من زمان، وقالوا: هذا ترفيه بريء، لا يصح، يجب أن تكون الحياة كلها جد، إلا فترات يحاول فيها الإنسان أن يجدد النشاط، لئلا تكون حياته سامجة، وليس فيها شيء من البراءة.

كيفية التحصن من المغريات

كيفية التحصن من المغريات Q يشكو كثير من الشباب كثرة وتنوع سهام الانحراف الموجهة ضدهم من أعدائهم، أضف إلى ذلك وسائل التشويق للمنكر، فما السبيل إلى التحصين ضد هذا الوباء؟ A بالعلم؛ لأنك تعيش في غربة الإسلام؛ ولأن لك أجر خمسين حينما تتمسك بالسنة، قالوا: (يا رسول الله! منا أو منهم؟ قال: منكم، ثم قال: أنتم تجدون على الحق أعواناً وهم لا يجدون) وأن تعرف أنك إذا تمسكت بدينك إنما تكون كالقابض على الجمر، ما رأيكم بشخص في يده جمرة وهو قابض عليها، هل هو مرتاح أم هو في صعوبة؟ ليس مرتاحاً؛ لأنها جمرة، كذلك الدين، القابض على الدين كالقابض على الجمر؛ لأن كثرة السهام والتصويبات من الأعداء موجهة إليه، خصوصاً في زمامننا هذا، كان الناس في الماضي المؤثرات سهلة، كان الشاب لا يعرف شيئاً، إلا غنم أبيه، وزرع أبيه وبستان أبيه، وثورٌ يقوده، أو غنم، والقرية محصورة، لكن اليوم العالم كله في يده، العالم كله في الدش عند بعض الناس، وجاء الإنترنت الأخطبوط الخبيث هذا وقلب الدنيا كلها، ثم تبرج وإغراء، المرأة في الماضي كانت لو خرجت في الشارع لا أحد ينظر إليها، قد يبست من التعب، ومن الغم، ومن الرعي، واليوم المرأة جالسة بالبيت تتحسن وتتدلع، وجلبوا لها جميع وسائل الزينة، لكي تفتن الناس، وتشتري براتبها -ثمانية آلاف- مساحيق وموديلات، ولا تعطي بعلها أو أباها ريالاً واحداً، لكي تفتن وتغري. فأصبح وضع الإنسان الذي يريد الهداية أمام كثرة هذه الفتن والمغريات وضعٌ متعب، لكن لا خيار لك، إما أن تمشي في طريق الهداية؛ أو النار، إذا كنت تريد طريق النار؟! يقول الله عز وجل: {لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ} [النساء:168 - 169] طريق جهنم مفتوحة، تريد أن تعود؟ فعد، وأنت أبصر بنفسك.

فوائد غض البصر

فوائد غض البصر Q ما السبيل إلى حفظ العين، والفتن تعرض على الأعين صباح مساء، فكم من شابٍ انحرف وكان ضحية للنظر الحرام، فهل من رسالةٍ إلى أولئك؟ A غض البصر من أعظم الأعمال والقربات، ينال به الإنسان ثواباً عظيماً عند الله سبحانه وتعالى، وله فوائد كثيرة: وأول فائدة من غض البصر: أنه يصعد إلى درجة الإحسان، لماذا؟ لأنه ما غض بصره إلا لشعوره بأن الله يراه، وهذه مرتبة الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فعندما رأيت امرأة وعرفت أن الله يراك غضضت بصرك، فهذه مرتبة الإحسان. ثانياً: يفتح الله بصيرتك، فإن الجزاء دائماً من جنس العمل، فمن غض بصره أطلق الله بصيرته في دين الله، ومن فتح بصره أعمى الله بصيرته في دين الله، والجزاء من جنس العمل. ثالثاً: (من غض بصره احتساباً لوجه الله أبدله الله إيماناً يجد حلاوته إلى يوم يلقاه). رابعاً: حسنة؛ لأن العبد إذا هم بسيئة ثم لم يعملها كتبت له حسنة، هممت أن تنظر إلى امرأة ثم غضضت بصرك، ما الذي جعلك تغض؟ خوفاً من الله، فغضك للبصر ثواب. خامساً: أن تعلم أن نظر الله أسرع إليك من نظرك إلى المنظور إليه، قالوا للحسن البصري: [بم نستعين على غض البصر؟ قال: بعلمك بأن نظر الله إليك أسرع من نظرك إلى المنظور إليه] فأنت تنظر والله ينظر فما هو موقفك؟! لو أن رجلاً معه امرأة ويمشي بها في الشارع، وجئت أنت أمامه وهو واقف بجانبها وأنت تنظر إليها وهو واقف، هل أحد يفعل هذا؟ لا يستطيع، يخجل ممن؟ من الزوج، أفلا تخجل من الله؟! هذه من محارم الله، وكل هذه الأمور يجب أن تستشعرها وتستعين بالله ثم تغض بصرك. أيضاً: أن تعلم أن إطلاق البصر لا يفيد، يعني: مهما نظرت هل تشبع؟ مثل رجل يكاد أن يموت من الجوع، وهناك قدر مملوء من أحسن الطعام، ولكنه بعيد، وهو يشم، هل يشبع بالشم؟ لا يشبع إلا (بضرب الخمس) إذا أكل، كذلك هناك امرأة هل تشبع بالنظر؟ لا يشبع إلا (بضرب الخمس)، وجوع الجنس مثل جوع البطن، إذاً لماذا تعذب نفسك وتنظر في النساء؟ يقول الله عز وجل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30] أفضل لك، هذا ربك يقول: إن غض البصر أزكى لك. ثم في غض البصر راحة القلب، فإن القلب مصب العين، فإذا صبت العين على القلب جمراً احترق؛ ولهذا يقول: وأنت إذا أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظرُ رأيت الذي لا كله أنت قادرٌ عليه ولا عن بعضه أنت صابرُ والآخر يقول: وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتل وبعض الناس تجده يخرج من بيت أهله ليس عنده مشكلة، فإذا ذهب إلى السوق أو الشارع ورأى امرأة، نظر إليها ونظرت إليه، وعاد إلى البيت وهو مغموم مهموم، يقولون له: تعش، قال: لا أريد، ماذا بك؟ ما الذي حصل؟ نظرة. كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوسٍ ولا وترِ وماذا تعمل؟ غض بصرك، صحيح أن غض بصرك متعب؛ لكنه أسهل مليون مرة من تعب فتح البصر، طاعةً لله تبارك وتعالى، والله لا يقول لك غض بصرك دائماً، لا. غض بصرك إلى أن تتزوج، فإذا تزوجت فافتح عينك على امرأتك إلى أقصى حد؛ لأنها معك، لكن أن تنظر في بنت الناس، ماذا تستفيد؟ ذهبت بيت أهلها، وأنت ذهبت بيت أهلك، وهب فرضاً أنك استطعت أن تصل إليها عن طريق الحرام، وأشبعت جوعة الجنس التي هي مثل جوعة البطن، نحن تغدينا قبل الساعة الثانية، والآن ما رأيكم هل أنتم جائعون؟ كذلك الذي يصل إلى الحرام بعد يومين يريد الحرام، وإلى متى وأنت في الحرام؟ أوقف الحرام إلى أن تتزوج ثم انظر إليها؛ لأنك تنظر في شيء في يدك، إذا أردتها فهي حاضرة وهي حلال ولك أجر على جماعك.

نصيحة لمن يكل ويمل من حياة الالتزام

نصيحة لمن يكل ويمل من حياة الالتزام Q يستطيل بعض الشباب الطريق ويمل ويكل ويقسو قلبه أحياناً، ويصبح التزامه مجرد عادة لا عبادة، فما الحل إلى ذلك جزاكم الله خيراً؟ A الحل أن يعرف أن الطريق طويل وشاق، ومحاط بالشهوات والشبهات والمكاره، وإن الأمر يتطلب منه أن يستقيم إلى أن يموت، يقول الله: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] وما هو اليقين؟ الموت، وإذا لم يدرك الإنسان هذه المعاني فإنه سيسقط في الطريق ولن يواصل.

نصيحة لمن استبدلوا طلب العلم بتجريح العلماء

نصيحة لمن استبدلوا طلب العلم بتجريح العلماء Q ما نصيحتك للشباب الذين استبدلوا طلب العلم بتجريح العلماء، وتنصيب أنفسهم قضاة يعدلون هذا ويجرحون هذا، ويجرحون ذاك؟ A هؤلاء مفتونون، وقعوا في الفتنة، وسوف يبتليهم الله سبحانه وتعالى، يقول ابن عساكر في تاريخ بغداد: إياكم ولحوم العلماء فإن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في الذين ينالون منهم معلومة، ومن ابتدرهم بالثلب، ابتلاه الله قبل الموت بموت القلب. العلماء واجهة الدين، وهم الممثلون لهذه الشريعة، وليسوا ملائكة معصومين، وليسوا أنبياء، وإنما هم بشر يخطئون ويصيبون، لكن خطأهم مغفور، إذا اجتهدوا وأخطأوا فلهم أجر الاجتهاد، والخطأ مغفور، وإذا اجتهدوا وأصابوا فلهم أجر الاجتهاد وأجر الإصابة؛ لكن من ينتقدهم، أو يأكل لحومهم، أو يشوه سمعتهم، أو يجرحهم؛ هذا ليس له أجر بل هو على خطر، وسوف تقع به فتنة إن لم يتب إلى الله سبحانه وتعالى. وعلى طالب العلم أن ينصرف إلى العلم الشرعي، وحفظ كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا لاحظ خطأً من عالم من العلماء فيسلك في تصحيحه مسلك أهل السنة والجماعة، المعروف بأدب الخلاف، يتصل بالعالم، أو يذهب إليه، أو يرسل له رسالة، أو يثني عليه بما هو أهله، ويعترف له بالفضل، ثم يقول له: ولكن يا شيخ! لي ملاحظة لا أدري أنا على حق فيها أو أنت على الحق، لا تظن أن ملاحظاتك صحيحة، يمكن أنك تلاحظ ملاحظة وأنت مخطئ، والشيخ عنده عليها دليل، فتقول له: عندي ملاحظة ولا أدري هل أنا على صواب أو على خطأ أريد أن أسمع رأيكم في الموضوع، قلتم كذا، أو سمعت منكم كذا، أو ذكر عنكم كذا، فإذا سمعت كلامه، إما أن يقول: نعم. أخطأت أنا وأستغفر الله، أو يقول لك: لا يا أخي! ما هو بخطأ، والصواب كذا وكذا، ويبرر لك ويقنعك. أما أن تأكل لحمه في المجالس وتشوه صورته وتغتابه، فأنت في هذا تضر نفسك؛ لأنك تعطي حسناتك لغيرك، وفي نفس الوقت إن لم يكن عندك حسنات؛ تأخذ ذنوبه على ظهرك، ثم بعد ذلك تخسر الدنيا والآخرة والعياذ بالله.

مدى صحة النشرات التي توزع بين المسلمين

مدى صحة النشرات التي توزع بين المسلمين Q يتناقل الناس في هذه الأيام عن نشرة تحمل رسماً لجنازة التف حولها ثعبان على رجل تارك للصلاة، وقد ذكر لنا أنك يا فضيلة الشيخ! قد حدثت عن واقعة وقفت عليها في الأردن، نأمل توضيح تلك الواقعة والتعليق على هذه النشرة، وأضيف -أيها الشيخ- أن هناك بعض الأوراق -أيضاً- تنشر بين الناس كالتي تسمى بورقة حامل مفتاح الحرم وما أشبه ذلك، فما تعليقكم على ذلك وفقكم الله؟ A أما النشرة التي فيها صورة بالكاريكاتير لجنازة عليها ثعبان هذه صورة رسم يد، وهي باطلة ولا تجوز، وقد سألنا عن صحة الخبر الذي ذكر أنه في البقيع في المدينة وعرف أن الكلام لا أساس له، وأن القصة مختلقة ومكذوبة. أما ما ذكر عني من قصتي التي حصلت في الأردن فهذه القصة نقلها لنا الثقة والذي أخبرنا بها شاهد عيان رآها بعينه، وهو ثقةٌ لا نظن به كذباً، وهو المهندس علي بن غرم الشهري، كان طالباً في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران، وجاءنا في أبها يتدرب أثناء الصيف، وهو متخصص في الحاسب الآلي، واشتغل معنا في شركة كهرباء الجنوب، وعرفنا منه الجدية والحماس للدين والدعوة، وهو رجل داعية نشيط، يعيش كل وقته لله وللإسلام، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً، وأخبرنا أن القصة وقعت في الزرقاء في الأردن وهو موجود، وأنه رأى الثعبان الذي وجدوه في القبر عندما حفروه، وذهبوا إلى الشيخ وكان موجوداً معهم في المسجد، قال الشيخ: احفروا قبراً آخر، فحفروا قبراً آخر، فخرج لهم الثعبان نفسه من المكان الثاني، فأرادوا أن يقتلوه فقال الشيخ: ما دام أنه خرج معناه أنه ليس حنشاً، فأخرجوه ودفنوا هذا الولد، وهو شاب داست عليه سيارة، ووضع في القبر، وعندما وضعوه في القبر؛ تحرك الثعبان ودخل عليه في القبر، ولم يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً، ثم ذهبوا إلى بيت العزاء ووجدوا الوالد، فأخبروه فقال: كان لا يصلي، وكان يشرب الخمر، والعياذ بالله. هذه القصة منقولة بالسند الثقة الذي لا مطعن فيه، وقلت هذا الكلام بعدما أخبرنا به الشيخ علي، وقلت له: أننقل عنك؟ قال: انقلوا عني، قلت هذه الكلمة في مسجد من مساجد قرى مدينة أبها، وسجلت، وانتشر الشريط في عقوبة تارك الصلاة، ثم جاءت مكالمات من بعض المشايخ، فتثبت أكثر، واتصلت بالأخ علي قال: نعم. انقل عني وعلى ذمتي، بعد ذلك أردت التثبت من ذلك، وهل هذا ممكن من الناحية العقدية، فقرأت كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه في موضعين من الفتاوى، وقد سئل: هل يمكن أن يرى الناس في عالم المشاهدة شيئاً مما يحدث في القبور من نعيمٍ أو عذاب؟ قال: نعم. وقد حدث هذا كثيراً. وهناك قصة لـ ابن عمر رضي الله عنه نقلها عنه ابن رجب الحنبلي في كتابه أهوال القبور أنه رأى رجلاً يطلع من قبرٍ والنار تشتعل من رأسه. ونقل ابن القيم قصصاً كثيرة من هذا النمط. فلا مانع من ناحية المعتقد، المهم أن يثبت الخبر بالنقل عن الثقة، فقصة الزرقاء هذه على مسئولية ناقلها وهو المهندس علي بن غرم الشهري. أما قصة المدينة فيقولون أنها: ليست صحيحة ولا لها سند ثابت. وأما النشرة الثانية نشرة حامل مفتاح الهجرة النبوية نزيل المدينة الشيخ أحمد الذي يقول أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وأنه قال أنه خجلان من ربه عندما يموت في كل يوم سبعين ألفاً على غير الإسلام، فهذه نشرة باطلة مكذوبة، قد صرح العلماء بأنها مختلقة وأنها خرافة، وممن صرح في ذلك سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله تعالى عليه، فله رسالة في الرد على هذه الفرية، قال: إنها تظهر من زمان، من حوالي أربعين أو خمسين سنة ونحن نسمعها، وكلما ماتت قام شخص وطبعها ثلاثين مرة ووزعها، الذي يوزعها يأتيه شيء، والذي لا يوزعها تصيبه مصيبة. وهناك نشرة ثالثة، نشرة السيدة زينب البنت التي عمرها ستة عشر سنة، التي أصيبت بالسرطان ورأت السيدة زينب في المنام فقالت لها: قولي هذه الكلمات، وانشريها على ثلاثة عشر شخص، وإذا لم تنشرها تحدث لك مصيبة. هذه وأمثالها من النشرات الخرافية التي يروجها أعداء الإسلام بين الفينة والأخرى من أجل إظهار أن هذا الدين دين خرافة؛ لأنه إذا لم يوزعها ولم يحصل له شيء قال: والله إنها ليست صحيحة، إذاً الدين كله ليس صحيحاً. الدين من عند الله، والدين قال الله قال رسوله، وليس الدين من الرؤى والأحلام، ومن الخرافات والخزعبلات، فإذا رأيت مثل هذه فواجبك أن تأخذها وأن تمزقها وترميها، أما أن تنشرها وتساعد على ترويجها فهذا حرام.

حكم الألعاب الإلكترونية

حكم الألعاب الإلكترونية Q انتشر جهاز جديد يسمى (سوني بلستيشين) يقول: ما الحكم في لعبه في أوقات الفراغ؟ A أما السوني هذا فلا أعرفه حتى أحكم عليه؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، إلا إذا كان من أجهزة لعب الأطفال، وليس فيها شيء يؤثر على معتقدهم، وإنما لمجرد اللهو بها كلعبة من اللعب مثل اللعب التي تعلب بها الأطفال، فهذه فيها سعة، أما إذا كان لها علاقة بأخلاق أو معتقدات، أو بتصورات، أو تربية على شيءٍ لا يرضي الله فهذه تأخذ حكمها من نوعيتها.

نصيحة لأصحاب الإنترنت

نصيحة لأصحاب الإنترنت Q الإنترنت سلاح ذو حدين فما النصيحة لمن أدمن التعامل معه؟ A الإنترنت جهاز يسمونه الأخطبوط المعلوماتي، يجلب كلما تريد من المعلومات في الأرض، وهو سلاح كما ذكر الأخ ذو حدين، وهناك فلترة له من قبل المسئولين في مدينة الملك عبد العزيز العلمية، وقد قاموا بإجراء حصار عليه ومراقبة بحيث لا يدخل بعض الأشياء الخطيرة على دين الإنسان، وعقيدة الإنسان، وأمن هذه البلد؛ لكن مع هذا أيضاً أهل الشر يتفننون كلما سد باب فتحوا آخر، فأنت إذا كانت لك حصانة إيمانية، واستقامة شرعية تمنعك من أن تقع في هذا وعندك حاجة إلى مثل هذه المعلومات، وعرفت أنك إن شاء الله تضمن ألا تنحرف فلا بأس؛ لأنه سلاح ذو حدين مثلما عرفت. أما إذا لم تكن عندك حصانة، وتشتري هذا الجهاز، ثم تقتحم ميادينه، وتخرج فيه إلى كل شر فهذا خطرٌ عليك، وقد أخبرني من أثق فيه بوقوع كثير من الناس في هذا الضلال، منهم شخص في مكة استطاع أن يتعرف على فتاة من خلال الإنترنت، ثم حصل له بها الضلال، وانحرف عن دين الله، فترك الصلوات، وترك بيته وزوجته وأطفاله، واستأجر شقة في جدة وكان يذهب يومياً بعد الدوام لكي يمارس فيها الشر عن طريق الإنترنت واللقاءات التي يحددها بمواعيد من الإنترنت، حتى انسلخ والعياذ بالله. فهذا سلاح ذو حدين وأنت أعرف بنفسك إن كنت، تستطيع أن تمسك نفسك وتحجزها، فإذا رأيت أنه خطر عليك فلست بحاجة إلى أن تورد نفسك موارد الهلاك.

نداء لأصحاب الدشوش

نداء لأصحاب الدشوش Q يعلم الجميع أن (الدشوش) والصحون الهوائية لما تبثه من الشر حرام، ومع ذلك نرى وللأسف انتشارها فما تكاد ترى بيتاً إلا وعلى سطحها هذا (الدش)، فهل من نداءٍ وصرخةٍ للغيورين قبل فوات الأوان؟ A جيد أن مسألة أنها حرام معروفة؛ لأن بعض الناس عنده شك في حرمتها، وقد صرح العلماء بحرمة وضعها في البيوت، بل أفتى سماحة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين بأن من وضع الدش في بيته أنه يعتبر غاشاً لرعيته، وفي الحديث: (من مات غاشاً لرعيته لم يرح رائحة الجنة) هذا حديث صحيح، فالذي يضع الدش فوق بيته هل أخلص لرعيته وأولاده وزوجته أو غشهم؟ لا شك أنه غشهم وخدعهم، وأوردهم موارد الهلاك، لما تبثه هذه القنوات من شر ولما تلتقطه هذه الأطباق من باطل، ثم تدش به أهل البيت، واسم (دش) اسم على مسمى، وصدق من سماه دشاً؛ لأنك إذا تخاصمت أنت وشخص وتكلمت عليه تقول والله أعطيته دشاً، يعني: أغرقته بالكلام البطال. كذلك هذا أعطاك دشاً، دش ماذا؟ خير؟ لا والله دش شر ودش باطل، فكك الأسر ضيع الأسر كانت الأسرة تجتمع على السفرة سوياً، ويستيقظون سوياً، ويسمرون سوياً، وينامون سوياً؛ لكن الآن بعدما دخل الدش البيت ما عدت تراهم معاً، الأب على الأخبار، والولد على المباراة، والبنت على المسلسل، والمرأة على طبق الطعام، تطبخ طبق اليوم، وكل فرد لحاله، يرقدون وكلٌ يرقد في موعد، ويأكلون لكن متفرقين، يذهب الأب المطبخ ويأكل وما عادت المرأة تعرف بعلها. يقول أحد الناس: أدخلت الدش وأريد أن أنام يقول: أنادي المرأة ولا تأتي، يقول: فآتي وأسحبها من يدها، يقول: وأرقد قليلاً ثم أغمض وأفتح عيني وإذا بها قد قامت ووضعت المخدة، وذهبت لترى الفيلم، يقول: أولادي أرقدهم بالقوة، وأقوم بعد قليل، وإذا بهم قد شردوا وذهبوا كلهم يتابعون التلفاز؛ لأنه شر متواصل، شر لا يقف؛ لأن البث ينطلق من الأرض كلها، فعندما يكون عندنا ليل يكون عندهم نهار، فالبث متواصل خلاف أربع وعشرين ساعة مع الشيطان، حتى ضاعت أوقات المسلمين، وضاعت صلوات المسلمين، وضاعت أخلاق كثير من المسلمين، فإنا لله وإنا إليه راجعون! فاستمرار الناس في تركيب هذا الشيء أو عدم إزالته يدل على جهلهم في حقيقة إيمانهم، وحقيقة حياتهم، وحقيقة دورهم في تربية أبنائهم، وأسرهم، وإن لم يتوبوا؛ فسيندمون ندماً ولكن بعد فوات الأوان، والله أعلم.

مصيبة الأمة في فقد علمائها

مصيبة الأمة في فقد علمائها Q في هذا العام أفلت نجومٌ من العلماء الذين كان لهم خدمةٌ لهذا الدين وكان من آخرهم سماحة الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني رحمة الله عليه، ومصيبة الأمة في وفاة العلماء، وقد ينطبق علينا في هذا العام أنه عام الحزن، فهل من كلمة يا فضيلة الشيخ! على مكانة علماء الأمة، وعلى مصيبة الأمة في فقدهم، وعلى حث الشباب على نهج طريقتهم وسيرتهم، التي كانوا ينهجون بها طريق نبينا صلى الله عليه وسلم، فحدثنا حفظك الله حول هذه القضية؟ A أيها الإخوة! إن أعظم مصاب تصاب به الأمة هو فقد علمائها؛ لأن علماءها مصابيح الدجى فيها، هم الأنوار في الأرض، هم الشموس، هم البدور، إذا انقطعت الكهرباء الآن في هذا المسجد هل يقوم أحد يبحث عن الكهرباء؟ هل نستطيع أن نسرج العمود ونقول: أسرج يا عمود؟! العالم مثل النور، فإذا مات العالم أظلمت الأرض، وقد سمي فعلاً هذا العام بعام الحزن؛ لأن الأمة فقدت فيها أبرز العلماء، ماتوا بقضاء الله وقدره، وبآجالهم، وكلهم قد تجاوز السبعين والثمانين بل بعضهم وصل التسعين، منهم سماحة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز طيب الله ثراه، ونور الله ضريحه، وقدس الله روحه، وليست هذه -يا أخوان- عبارات بدعية، هذه يقولها شيخ الإسلام، ومعنى قدس وأنا كان في نفسي منها شيء بحكم الجهل، ولما سمعت شيخ الإسلام يقول: قدس الله روحه قلت: الله يقدس؟ التقديس يكون من العبد، رجعت إليها في اللغة وإذا معنى قدَّس أي: طهر، ليس عظم، فـ شيخ الإسلام يقول: قدس الله روحه، يعني: طهر الله روحه، ادخلوا الأرض المقدسة، يعني: الأرض المطهرة، فالتقديس له معنى عندنا وهو التعظيم، ولكنه له معنى في الشرع وهو التطهير، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لسماحة الوالد الشيخ. بليت الأمة به بلاءً عظيماً، بل والله لقد تغير الجو، وتغير الليل والنهار في أنظار وأبصار كثير من طلبة العلم، وأنا حينما بلغني الخبر وكنت ذلك اليوم قد خرجت من المسجد الحرام وذهبت إلى البيت، ونمت قليلاً، ورأيته في المنام في ذلك اليوم نفسه وأننا نتجه إلى مكان نصلي الجمعة موكب من السيارات، والمشايخ، وطلبة العلم، وفجأة توقف موكب الشيخ، ووقف معه بعض طلبة العلم، فمشى أناس وأنا وقفت، وقلت: ما للشيخ وقف هنا لا يصلي؟ ونزلت وإذا بأحد العساكر المكلفين بحراسة الشيخ يقابلني، قلت له: ما به الشيخ لا يصلي معنا؟ فقال لي: الشيخ لن يصلي معكم هذه الجمعة، أي والله بهذا النص، واستمريت في المنام قليلاً، وإذا بالتليفون يضرب عند رأسي، ويتصل بي أحد الإخوة من منطقة الزلفي، يقول لي: عندك خبر عن الشيخ؟ -صباح الخميس 28/ 1/- قلت: نعم. عندي خبر، الحمد لله خرج من المستشفى، وأمس استقبل الناس وهو طيب ووضعه تمام، قال لي بصراحة: أحسن الله عزاءك فيه، وحين قالها شعرت أن شيئاً كالرمح استقر في كبدي، ألم ما شعرت به في حياتي، فوضعت يدي على صدري وقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، إنا لله وإنا إليه راجعون، إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم اجبرنا في مصيبتنا وأبدلنا خيراً منها، مصيبة يا إخواني، مات رحمة الله عليه، ولكن لم يمت علمه، فعلمه موجود، وكتبه منتشرة وآثاره ظاهرة، وما علينا إلا أن نتعرف على سيرته وعلى منهجه، وعلى حياته؛ لنأخذ منه عبرة. ثم بعد ذلك تبعه العلماء مات الشيخ علي الطنطاوي، ثم مات الشيخ صالح المنصوب، وقبله مات الشيخ عطية سالم بـ المدينة، مات الشيخ مناع القطان في الرياض، وآخر من سمعنا من موت العلماء الشيخ محمد ناصر الدين الألباني غفر الله له ورحمه وجمعنا به في جنات النعيم فقد كان خادم السنة، ومحقق الحديث، الذي قضى حياته كلها في خدمة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، على منهج السلف الصالح رضي الله عنهم، فهذه مصيبة. ولكن أيها الإخوة! الخير في هذه الأمة، وهذه الأمة كالغيث؛ لا يدرى الخير في أوله، أو في آخره، يموت عالم، ويعيش ألف عالم، ها نحن نرى الآن والحمد لله طلبة العلم يملئون الجامعات، ويملئون المساجد، ويهزون المنابر بالخطب، ونرى منهم عودة صادقة إن شاء الله، فالدين باقٍ، والخير في هذه الأمة باق، ونسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرحم ويغفر لعلمائنا، وأن يعوضنا منهم خيراً في أبنائنا وشبابنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله.

اتق المحارم تكن أعبد الناس

اتق المحارم تكن أعبد الناس تكلم الشيخ حفظه الله عن الحياة وحقيقتها وعن القائلين بأنها خلقت عبثاً، ورد عليهم بالدليل الشرعي ثم أردفه بالدليل العقلي المقنع مثبتاً أن الحياة بعدها حساب وعقاب. ثم تكلم عن أن المرء عندما يتقي المحارم فإنه يكون أعبد الناس، ثم بين الأمور التي تنافي حقيقة التقوى، وبعد أن ذكرها أجاب عن سؤال مضمونه: التفجيرات وما وراءها من مفاسد.

الحياة حكمة لا عبث

الحياة حكمة لا عبث الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الأحبة في الله! هذه الظواهر الكونية المبثوثة في الآفاق والأنفس من ليل ونهار، وشمس وقمر، وسماء وأرض، وجبال وبحار، وإنسان وحيوان، وجماد ونبات على ماذا تدل؟ وماذا تعني؟ ما تفسيرها؟ وما حقيقتها؟ وما سر وجودها؟ لماذا جاءت أو خلقت؟ وأين النهاية بعد أن يؤدي الإنسان دوره على مسرحها؟ أيها الإخوة في الله! لا تفسير لظاهرة الحياة إلا أحد تفسيرين، ولا احتمال لمعناها إلا أحد احتمالين: الاحتمال الأول: أن تكون هذه الحياة إنما خلقت عبثاً؛ ليس لها غاية، وليس من ورائها حكمة، وإنما هكذا وجدت، وهكذا وجد الإنسان نفسه يعيش كما تعيش البهائم، وينتهي كما تنتهي البهائم، ثم بعد الحياة ليس هناك حياة أخرى. هذا هو الاحتمال الأول. الاحتمال الثاني: أن تكون لهذه الحياة أسرار، ويكون لها أهداف وحكمة، أي: لم تخلق عبثاً، وإنما لحكمة أرادها خالقها. فأي الاحتمالين هو الصحيح؟ نحن لا نريد إجابة منبعثة من العاطفة، وإنما نريد إجابة مدعمة بالدليل النقلي الشرعي، وبالدليل العقلي الفكري؛ لأن من يناقش أو ربما يسأل لا يؤمن إلا بمنطقه وعقله، فلنأخذ كل احتمال ونناقشه لنرى مدى صحته أو بطلانه. الاحتمال الأول: أن هذه الدنيا وهذه الحياة إنما خلقت عبثاً: وللأسف الشديد أن هذا الاحتمال يسير عليه ويتبناه معظم سكان الأرض في هذه الأزمنة، من العقلاء والكبار والمفكرين، يفسرون الحياة على أنها ليس لها هدف، وبعضهم يغالط نفسه فلا يفسر هذا التفسير بلسانه، ولكن واقعه وتطبيق حياته وأسلوب معيشته يدل على أنه لا يؤمن إلا بهذه الحياة، وأنه ليس له هدف بعد هذه الحياة. وهذا الاحتمال باطل بالدليل الشرعي والنظر العقلي.

الأدلة الشرعية على أن الحياة لحكمة

الأدلة الشرعية على أن الحياة لحكمة أما الدليل الشرعي: فيقول عز وجل: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115] أفحسبتم؟ استفهام في صيغة الاستنكار، أي: أتظنون أن الله خلقكم عبثاً؟! ومعنى هذا: أن الله ما خلقكم عبثاً {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116] تعالى الله وتنزه وتقدس عن العبث! أيخلق هذه السماوات وما فيها من إحكام وتنظيم، ويخلق الكون بما فيه من تنظيم وتقدير وتدبير عبثاً من غير غاية ولا هدف؟! تعالى الله عن العبث. ويقول عز وجل في آية أخرى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً} [ص:27] أي: عبثاً {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص:27] فهذا الزعم أن الله خلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً؛ لأنه زعم الكفار، فويل للذين كفروا من النار. ومن الذي يقول هذه الكلمة؟ إنه الله! ويل لهم من هذه المقولة، فإنهم يصفون الله بالباطل، ويقول عز وجل: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} [الأنبياء:16] أي: عبثاً {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:17 - 18] تهديد آخر بالويل لهؤلاء الذين يصفون الله بأنه خلق السماوات والأرض عبثاً. نعم. ثبت بالدليل الشرعي أن الله ما خلق السماوات والأرض والكون عبثاً، وإنما خلقها لحكمة.

الأدلة العقلية على أن الحياة لحكمة

الأدلة العقلية على أن الحياة لحكمة ثم نأتي بالنظر العقلي فنجد ونشاهد ونلمس أن الإحكام والدقة والتنظيم والتقدير والتدبير يشمل الكون من أصغر جزء في المادة وهي الذرة إلى أعظم جزء في المادة وهي المجرة! كل شيء بتنظيم! وكل شيء محكم: ليل ونهار، أفلاك وشموس، أقمار وأنجم، أزهار وأشجار، أنهار وبحار، كل ما في الكون يشهد من أصغر جزء فيه إلى أكبر جزء بأن له خالقاً: وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد أولاً: هل يعقل أن يكون هذا التنظيم كله عبثاً وصدفة؟ وكما يقولون: قانون الصدفة: قانون يعمل ولكن في حدود. يقول أحد العقلاء: لو أن رجلاً على سطح بيت وضع تحت السطح لوحاً خشبياً، وقذف من يده بمائة إبرة خياطة، فصدفة وقعت إبرة من هذه الإبر على رأسها، ألا يمكن أن يحصل هذا؟ نعم يحصل بالصدفة، ثم بعد ذلك أتى بألف إبرة ثانية ورماها مرة ثانية على هذا اللوح الخشبي، فصدفة وقعت إبرة من هذه الإبر الألف في خرق الإبرة الواقفة تلك، هذا ممكن وصدفة، ولكن متى؟ قالوا: إذا قذف عشرة ملايين إبرة يمكن أن تأتي واحدة في خرق تلك الإبرة التي وقفت سابقاً، قالوا: ثم جاء ورمى بعد ذلك بألفين، وجاءت واحدة ووقعت في خرق الإبرة الثانية الواقفة تلك، قالوا: هذا مستحيل، مستحيل أن تصل المسألة إلى هذا الكلام، الصدفة لها حدود، وغير مطردة! ومثال آخر: حروف المطبعة التي تصف في المطابع، طبعاً يأتي الذي يصف الحروف فيأتي ويضع (بسم الله الرحمن الرحيم) الباء والسين والميم ولفظ الجلالة من أجل أن يطبعها بعد ذلك، ويدخلها في القالب وتنطبع، فلو جاء آخر وقال: أنا سأعمل كتاباً، وأتى بالحروف من غير صف بل خبطها وأدخلها المطبعة، وأصبحت لوحة مكتوبة، يقول: يمكن أن يأتي مع الصدفة كلمة مكونة من أربعة حروف! يمكن أن تأتي كملة: سعيد، صدفة يأتي السين مع العين والياء والدال، لكن هل ممكن أن يأتي سعيد بن مسفر بالصدفة في هذه الحروف؟ قالوا: مستحيل، حسناً يأتي سعيد بن مسفر بن مفرح القحطاني؟ قالوا: هذا لا يمكن. حسناً هل يمكن أن تطبع لك المطبعة بهذا الصف الفوضوي العشوائي صفحةً مطبوعةً بموضوع معين، وبرقم معين، وبأفكار متسلسلة، وبتنظيم معين، هل يمكن هذا؟ طبعاً مستحيل!! ثانياً: هذا الكون البديع وهذا التنظيم المتقن، ولا نذهب بعيداً بل الإنسان نفسه، يقول الله عز وجل فيه: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21] الذي خلقك وقدرك وأعطاك هذه الهيئة وهذا القدر من الإحكام والتنظيم في كل جزئية من جزئياتك، أيكون هذا الخلق عبثاً وصدفة؟ لا. هذا الرأس لوحده الذي جعله الله عز وجل قمة الجسد وركب فيه جميع الحواس: العينان في المقدمة، والأذنان في الجانبين، والأنف والفم في وسط الوجه، فالعينان تفرزان مادة ملحية، والأذنان مادة صمغية مُرَّة، والأنف تفرز مادة مخاطية، والفم يفرز مادة لعابية، من ملّح هذه، وأمرّ هذه وحلى هذه؟ والمصدر واحد؟!! ولماذا هذا ملح وهذا مر وهذا حلو؟ الملح؛ لأن العين شحمة ولو لم يوجد الملح لتعفنت ولظهر فيها الدود! وهذه الأذن جعل الله فيها مرارة؛ لأنها مفتوحة، ولو لم تكن هذه المادة الصمغية المرة موجودة لدخلت فيها الحشرات وأنت نائم، فقد تأتي الصراصير والجرذان والقمل وتملأ مسامعك، لكن الله جعل هذه المادة حتى تهرب أي حشرة تقترب من أذنك، وهذا الفم جعل الله فيه غدداً لعابية تفرز هذا اللعاب الذي هو أحلى من العسل! من حلَّاه؟ ثم لماذا يفرز هذه المادة؟ من أجل المساعدة على عملية تحضير الطعام وتجهيزه للجسم، ثم خلق الله في هذا الفم ورشة مصغرة لتجهيز الطعام، ومكونة من عدة آلات: آلات تقطع وأخرى تخرق وتطحن؛ الثنايا تقطع، والأنياب تخرق، والأضراس تطحن، وجعل الله فوق الضرس ضرساً وفوق الثنية ثنية، وفوق الناب ناباً، وبعد ذلك قدم الفك من أجل أن يقطع مثل المقص؛ لا بد أن يركب في الآخر؛ لأنه لو كان فوق بعض ما قطع، وجعل بين الأسنان جهازاً مثل (الكريك) يقلب الطعام وهو اللسان، وبعد ذلك يجهز الطعام ثم يمضغ ثم ينزل. فيستقبل هذا الطعام قناة اسمها المريء: والمريء يوصل إلى المعدة، وبجانب هذه القناة قناة أخرى اسمها البلعوم. المريء قناة عضلية، والبلعوم قناة غضروفية مفتوحة باستمرار؛ لأنها تقوم بإيصال الهواء إلى الرئتين، أما تلك فتوصل الطعام إلى المعدة فهي عضلية تسمح بنزول الطعام ولا تسمح بخروجه؛ من حين أن تنزل اللقمة تقوم تلك العضلة بعصرها إلى أن تنزلها إلى المعدة، ولولا وجود هذه العضلة لاحتجت مع كل لقمة إلى سيخ من حديد حتى تصل إلى بطنك، وإلا فمن سيقوم بإنزالها؟! وبين الماسورتين: ماسورة المريء وماسورة البلعوم، لحمة صغيرة يسمونها في الطب: لسان المزمار، ويسميها الناس باللسان العامي: اللهى أو الطراع. وظيفتها أنها تتلقى إشارات من المخ إذا دخل الطعام بأن تقفل قصبة الهواء، وإذا تكلم تقفل قصبة الطعام؛ لأنه لو تكلم الإنسان وهو يأكل أو يشرب ودخلت حبة من الأرز أو قطرة من الماء في قصبة الهواء لمات الإنسان، وهو الذي نسميه الآن شرقه، بعض الناس يتكلم وهو يأكل، فيصدر أمر من المخ إلى هذا أن انفتح وإلى هذا أن انفتح فيبقى الجندي مسكين لا يدري من يفتح، هذا أم هذا؟ فتسقط حبة في قصبة الهواء، فماذا يحصل؟ هل يموت الإنسان من أجل غلطة بسيطة؟ لا. تصدر الأوامر إلى القوات التي في القصبة أن هناك جسماً غريباً فاطردوه، فيقوم الإنسان يتنحنح، حتى يخرج هذه الحبة، وتبدأ عينه تغرورق بالدمع ماذا هناك؟! يقول: كدت أموت من أجل حبة أو قطرة. هذا هو الإنسان! أليس هذا إحكام أيها الإخوة؟! ولن نذهب بعيداً في الكون ولكن فقط في الإنسان، ولهذا أكثر الناس إيماناً هم العلماء والأطباء؛ لأنهم يرون أجهزة سمعية وبصرية وتنفسية وتناسلية ودموية وأجهزة لا يعلمها إلا الله. فيك أيها الإنسان جهازان مركبان في الظهر وهما الكليتان، ومهمتها تصفية الدم، فهي مثل الصفاية التي تصفي البنزين في السيارة، في كل كلية ثلاثة ملايين وحدة تنقية، وقد خلق الله تعالى اثنتين، رغم أن الواحد يعيش بواحدة، لكن الله تعالى خلق اثنتين حتى إذا تعطلت واحدة تبقى معك واحدة ثانية، أو يكون لك حبيب ويصير عنده فشل كلوي فتعطيه واحدة. وما كان الناس يميزون هذا في الماضي، وبعد ذلك خلق الله تعالى رئتين وعينين وأذنين. وجعل الله من كل عضو نافع اثنين ومن كل عضو ضار واحداً، كاللسان كم لساناً مع الإنسان؟ لسان واحد، وليت الإنسان يسلم من لسانه، فكيف لو كان معك لسانان، والفرج واحد! فكيف لو كان معك فرجان؟! الأذنان اثنتان فإذا تعطلت إذن فالأخرى تعمل، بعض الناس عنده أذن لا تسمع، ولا يسمع إلا بواحدة، وتملك عينين فإذا عميت واحدة ترى بالثانية، ويدين إذا قطعت واحدة تستعمل الثانية، وعندك رجلان ورئتان وكليتان وهكذا، إلا عضو واحد نافع وجعله الله واحداً وليس اثنين وهو القلب، قال الله: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب:4] لماذا؟ لأن القلب ملك الجوارح، ولا يمكن أن يكون في البلد الواحد ملكان، وإذا كان معك قلبان أحدهما يريد يذهب ليداوم، والآخر يريد أن ينام، من تطيع؟ لا يوجد إلا قلب واحد يعمل، رغم أنه نافع، لكنه قلب يعمل لا يمرض! وقد ترون كل الأعضاء تمرض وتتضرر لكن أقل الأعضاء مرضاً أو تعرضاً للأمراض هو القلب، وإلا فهو يعمل عملاً مضنياً، فهو مضخة تضخ الدم إلى جميع أجزاء الجسد، وتعطي هذا الضخ حركة في كل دقيقة ثمانين مرة، فتصور جهاز يشتغل مدى حياتك ولا يتعطل! أربعة وعشرين ساعة يعمل وأنت نائم وقائم وجالس وتمشي ثم جعل الله عضلة القلب عضلة لا إرادية، -أي: تشتغل بدون اختيارك- ولو أن الله جعل عضلة القلب إرادية بحيث إنه من أراد أن يعيش فليشغل قلبه، ومن أراد ألا يعيش فليوقفه، أكان الناس يشتغلون بغير قلوبهم؟!! لن يبقى أحد إلا وهو مشغول بعملية ضخ قلبه، حتى لو جاء لينام، يقول لامرأته: تعالي وحركي قلبي، أنا أريد أن أنام قليلاً، وانتبهي لا تغفلي فأنا سأموت إذا غفلت، فتنشغل بضخ الدم في قلبه قليلاً، ثم تقول له: تعال. أنا أريد أن أنام تعال حرك قلبي! لكنك نائم وهي نائمة والقلب ينبض، ثمانين ضخة في كل دقيقة وهو ينبض، يضخ الدماء ليذهب بها إلى الجسد، هذه جزئية ولمحة بسيطة من قدرة الله في خلقك أيها الإنسان. نعم أيكون هذا الخلق عبثاً؟!! لا. فبطل -أيها الإخوة- بالنظر العقلي كما بطل بالدليل الشرعي أن الإنسان والكون والحياة خلقت عبثاً، ولم يبق لنا إلا الاحتمال الثاني، وهو: أن الله خلق الكون والحياة والإنسان لحكمة، ولم يدع الله الناس في تيه، بل وضح لهم الحكمة، فإنه أعلم بما خلق، يقول الله تعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] هو الذي خلق الإنسان، فأعرف الناس بالصنعة صانعها. فخالقك وصانعك هو الله، وهو الذي صنعك ويدري لماذا صنعك، فبين لنا في كتابه في سورة الذاريات وقال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] فهذا هو الغرض، وهذه هي الحكمة، لا يوجد حكمة من وراء خلق الناس إلا هذه الحكمة؛ لأنها محصورة بين (ما) و (إلا) {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] ما: نافيه أم مثبتة؟ تقول: نافية: ما في المسجد إلا زيد، يعني: لا تجد معه عمرو، والله يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] يعني: لا يوجد عمل لهم غير العبادة، لكن ما هو مفهوم العبادة في الإسلام أيها الإخوة؟

مفهوم العبادة في الإسلام

مفهوم العبادة في الإسلام مفهوم العبادة في الإسلام مفهوم واسع يشمل كل الحياة، فليس مفهوماً مقصوراً على الشعائر فقط، فالشعائر التعبدية هي أساس العبادة، لكن كل ما في الكون عبادة كما يعرفه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله تعالى عليه في كتابه العبودية يقول: العبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة. فكل عمل يحبه الله ويرضاه فهو عبادة، حتى جعل النبي صلى الله عليه وسلم تبسمك في وجه أخيك صدقة، وهذه عملية ليس لها علاقة بالدين، لكن جعلها الإسلام عبادة، فإذا لم يكن عندك عبادة كثيرة فاخرج إلى الشارع، وعندما تلقى مسلماً قل له: السلام عليكم، كيف حالك يا أخي؟ صبحك الله بالخير تسجل حسنات، لماذا؟ قالوا: لأنك بالابتسامة والسلام تزرع في قلب المسلم الأمن والطمأنينة فتنشر الحب والود في المسلمين، ولا يظهر الدين إلا في أرض الحب، يقول صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده! لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا، ثم قال: أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم). وإفشاء السلام من أعظم القربات عند الله عندما تخرج بهذه النية: (إن في الجنة لغرفاً يرى ظاهرها من باطنها، ويرى باطنها من ظاهرها، قالوا: لمن هي يا رسول الله؟ قال: لمن أدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام، وأطعم الطعام، وأفشى السلام). بل جعل الإسلام شيئاً من الشهوات واللذائذ النفسية طاعة وعبادة، قال عليه الصلاة والسلام: (وفي بضع أحدكم صدقة -يعني: إذا جئت أهلك فإنها صدقة- فاستغرب الصحابة وقالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر؟! قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم. قال: فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر). بل إماطة الأذى عن الطريق صدقة، وهذه هي عملية البلدية في تنظيف الشوارع، ولكن الإسلام يدعوك -أيها المسلم- أن تساهم في نظافة الشارع؛ لأن الشارع ملك الجميع، فلا يجوز لك أن تلوثه، بل يجب عليك إذا رأيت شيئاً من الأذى أن ترفعه، ولهذا ورد حديث في الصحيحين: (الإيمان بضع وستون -وفي رواية: بضع وسبعون- شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من شعب الإيمان) هذه العبادة بمفهومها الشامل.

اتقاء المحارم أعلى درجات العبادة

اتقاء المحارم أعلى درجات العبادة هناك من يعبد الله في أعلى الدرجات، أي: يوجد رجل عابد ويوجد رجل أعبد، وأعبد هنا صيغة تفضيل، تقول: فلان كريم وفلان أكرم، فلان شجاع وذاك أشجع، فكذلك العبادة، فلان عابد وفلان أعبد. كيف تكون أعبد الناس؟ دلك النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح كلمه وجوامع كلمه صلى الله عليه وسلم؛ في السنن قال صلى الله عليه وسلم -والعنوان طرف من حديث-: (اتق المحارم تكن أعبد الناس). فيا من تريد أن تكون عابداً اتق المحارم؛ لتكن أعبد الناس! وطبيعي عندما تكون أعبد الناس فإنك تكون أفضل الناس، وتنجو في الدنيا والآخرة، لماذا؟ لأنك أعبد الناس. وصيغة (أفضل) جاءت للنبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين؛ عندما أراد بعض الصحابة أن يتعلم عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فذهبوا إلى أهله وسألوا عن عبادته، فلما أخبروا كأنهم تقالوها، وليست بقليلة فقد كان صلى الله عليه وسلم أعبد الناس، ولكن الصحابة من شدة الإقبال على الله كأنهم رأوا أنها قليلة، وقالوا: أين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فنحن لم يغفر لنا! إذن نزيد؟ فقال أحدهم: أما أنا فلا أنام الليل أبداً. يقول: الليل هذا لا ننام فيه؛ الليل للنوم ولكن نجعله للعبادة وللوقوف بين يدي الله جل وعلا، وقال الآخر: وأنا لا أفطر الدهر أبداً، وهذا الحديث يبين أن قدرات الناس تختلف؛ لأن بعض الناس لا يستطيع أن يقوم في الليل حتى ركعة واحدة ولكنه يستطيع أن يصوم، وبعضهم لا يستطيع أن يصوم يوماً واحداً ولكنه يستطيع أن يصلي، وبعضهم لا يستطيع أن يصوم أو يصلي ويستطيع أن يتصدق، وبعضهم لا يستطيع أن يتصدق ولكنه يستطيع أن يقرأ القرآن، ولهذا الله سبحانه وتعالى عدد مسارات العمل الصالح ليجد كل مسلم طريقاً إلى الله، قال الثالث: أما أنا فلا أتزوج النساء أبداً، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخبر جمع الناس، وقال: (ما بال أقوام يقولون كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله، وأعلمكم بالله، وأطوعكم لله، ولكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني). فأعبد الناس على الإطلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت -أيها المسلم- إذا أردت أن تكون من أعبد الناس فعليك بشيء واحد وهو: اتقاء المحارم. فليس أعبد الناس من يكثر الصلاة، أو الصدقة، أو الصيام، أو الحج والعمرة، أو يعلِّم الناس الخير ويدعو إلى الله، أو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحب في الله ويبغض في الله، ويعمل أعمال الخير، هذا لا شك أنه عابد، لكن أعبد الناس من يتقي محارم الله، أي: لا يقع في شيء من الحرام، ولماذا كان هذا أعبد الناس؟ قال العلماء: لسببين رئيسيين: السبب الأول: أن الله عز وجل إنما شرع تلك العبادات من أجل إمداد الإنسان بطاقة إيمانية تعينه على ترك المحرمات، ولهذا قال الله عز وجل عن الصلاة: {إِنَّ الصَّلاةَ} [العنكبوت:45] ماذا تعمل؟ {تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45] ولهذا أنت تصلي من أجل أن تنتهي عن الفحشاء، فإذا صليت ولم تنته عن الفحشاء فأنت تمثل فقط، وفرق بين من يمثل وبين من يؤدي الدور الحقيقي، فأنت تخدع نفسك وتضحك على نفسك: {إِنَّ الصَّلاةَ} [العنكبوت:45] و (إن) مؤكدة. والصلاة الحقيقية، هي الصلاة المؤثرة، والفاعلة، والمقبولة، والتي عملت عملها فيك فتنهاك عن الفحشاء والمنكر، وأما الشخص الذي ما نهته صلاته عن الفحشاء والمنكر فكأنه ما صلى، وهذا رفعت عنه صلاته عقوبة في الدنيا ولا نستطيع أن نقول: إنه كافر؛ لأنه صلى، لكن بإتيانه للفحشاء والمنكر مع صلاته لم ترفع عنه صلاته، فتعرضه هذه الصلاة لعقوبة الآخرة؛ لأنه لو كان مصلياً حقيقياً لنهته صلاته عن الفحشاء والمنكر. وكذلك الحج: فهو ركن مثل الصلاة؛ لأن الله سبحانه شرعه وقال فيه: {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197]. الصوم: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه) وجميع الشعائر التعبدية فرضها الله سبحانه وتعالى من أجل أن تمدك وتربيك -أيها الإنسان- وتؤهلك وتجعلك قادراً على مواجهة المحرمات فلا تقع فيها هذا سبب. والسبب الثاني وهو المهم: أن هذه المحرمات التي حرمها الله تعالى على الناس في النفس البشرية مَيْل إليها ورغبة فيها؛ لأن الله خلق في الإنسان غرائز تميل إليها، فمثلاً: الزنا محرم وفاحشة، والله يقول فيه: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء:32] وشرع للزاني أشنع قتلة وأشنع عقوبة؛ إن كان محصناً يرجم حتى يموت، وإن كان غير متزوج يجلد بالعصا جلداً مبرحاً مؤلماً {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور:2] مائة سوط، لماذا نضرب الزاني؟ قالوا: لأنه تخلق بأخلاق الحمار، ونسي أنه إنسان ومسلم، وأنه يجب أن يكون عفيفاً، فهبط ونزل إلى درجة الحيوانية، فنجلده مائة سوط ولا نرحمه، كي نخرج الحيوانية من رأسه ويعرف أنه رجل وليس حماراً: {وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور:2]. فهذا الزنا؛ الفاحشة الكبرى، يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (ما عصي الله بذنب بعد الشرك أعظم من نطفة يضعها الرجل في فرج لا يحل له) (ومن زنى بامرأة في الدنيا كان عليه وعليها في القبر نصف عذاب هذه الأمة) (والذي نفس محمد بيده! إن ريح فروج الزناة ليؤذي أهل النار) (والذي نفس محمد بيده! إن فروج الزناة لتشتعل ناراً يوم القيامة) وفي صحيح البخاري من حديث سمرة قال: (ثم أتينا على تنور أعلاه ضيق وأسفله واسع، وفيه رجال ونساء عراة يأتيهم لهب من تحتهم، فيرتفعون وينخفضون، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزناة والزواني من أمتك). هذا هو الزنا الذي تميل له النفس، لماذا؟ لأن الله عندما خلق الإنسان وخلق الرجل والمرأة جعل في الرجل ميلاً إلى المرأة وجعل في المرأة ميلاً إلى الرجل، لبقاء الجنس البشري، إذ لو كان الرجل لا يريد النساء، والنساء لا يردن الرجال لبقي الرجل في جانب والمرأة في جانب، وكلما قيل للمرأة تزوجي، قالت: لا أعرفهم، وأنت تزوج قال: لا أعرف النساء، وبعد ذلك تموت المرأة ويموت الرجل، وتنقرض البشرية ولا يبقى أحد في الحياة. فالله جعل عند الإنسان ميلاً، فلا يوجد رجل إلا ويحب النساء، ولا امرأة من النساء إلا وتحب الرجال، لكن هذا الميل بحيث يلتقي الرجل بالمرأة عند نقطة شرعية اسمها الزواج، وحرم كل لقاء قبله أو بعده في الحرام، فقط الزواج، فيأتي الشيطان فيستغل هذا عند الإنسان، فيزين له الحرام ويوقعه في الباطل، فإذا قام الإنسان ومنع نفسه من الحرام كان هذا هو العابد الحقيقي، أي: الذي عنده رغبة في الزنا ثم يمتنع منه خوفاً من الله فهذا هو العابد الصحيح. فإذا صليت الآن فلا يوجد مانع من أن تصلي، بل المؤيد في نفسك أن تصلي؛ لأن الصلاة حركة، فقد يقول لك شخص: الصلاة جيدة، فيها ركوع وسجود ومشي وذهاب إلى المسجد وعودة منها، وخطوات ورياضة وتغيير جو؛ بمعنى أنها فائدة، والصيام أيضاً عملية صحية، والحج أيضاً رحلة ونزهة وتمشية، لكن الزنا من يتركه؟ ما يتركه إلا من يخاف الله! ولهذا جاء في الحديث: (سبعة يظلهم الله في ظله -يوم القيامة- يوم لا ظل إلا ظله منهم: رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال -أي: إلى الزنا- فقال: إني أخاف الله رب العالمين). هنا يوجد الإيمان، ولذا فالناس الآن يقيسون بهذا المقياس، فإذا رأوا رجلاً متديناً تظهر عليه علامات التدين والصلاة والصيام والعمل الصالح، ثم يرقبونه في مواطن الاحتكاك بالنساء، فإذا رأوه ينظر إلى النساء وهو المتدين، ماذا يقول الناس؟ يقولون: انظروا إلى هذا المطوع الكذاب، كيف ينظر إلى النساء، فعلموا أن تدينه غير صحيح؛ لأنهم قاسوه بالحرام، فلما وقع في الحرام قالوا: كذاب. فهذه الميول النفسية إلى الحرام التي ترفضها وتحجزها وتستعلي عليها وتنتصر بنفسك عليها دليل على أنك أتقى الناس، وأعبد الناس.

العفة عن المال الحرام من العبادة

العفة عن المال الحرام من العبادة المال حبب إلى كل الناس، والله تعالى يقول: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} [آل عمران:14] فهذا محبوب، ولا يوجد أحد لا يحب المال، فكل واحد يحب المال، والإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يحب المال، وجميع المخلوقات لا تحب المال، فهل رأيتم حماراً يحب المال، أو بقرة تحب المال، أو جملاً؟ أبداً. لا يوجد إلا الإنسان، لماذا؟ قالوا: إن الله خلق في الإنسان حب المال من أجل تطوير الحياة، إذ لو كان الناس لا يحبون المال لما كان هناك تطور، ولكان الإنسان الآن يجلس في عشة أو كوخ، وبورق الشجر يلطخ جنبه ويستر عورته إلى أن يموت ولا يطور نفسه، لكن لما جمع المال وأحبه وجد أن المال يمكِّنه من تطوير نفسه، ولهذا فالصراع الآن في الحياة كلها بسبب المال؛ المال عصب الحياة المال سماه الله قياماً، قال تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} [النساء:5] أي: قوام الحياة هو المال، وبالمال تجد الدول المتطورة غنية، والدول المتخلفة فقيرة، ليس عندها مال ماذا تصنع؟ لا تستطيع التطوير، لكن التي عندها مال تقوم بالتطوير. الحيوانات لما كانت لا تحب المال ما تطورت؛ فالحمار حمار من يوم أن خلقه الله إلى قيام الساعة، لم يفكر أن يشتري له حذاء، والبقرة بقرة! لم تفكر في يوم من الأيام أن تشتري لها سروالاً وتستتر من الناس، لماذا؟ لأنه ليس عندها تطوير، لكن يهمها أن تأكل وتشرب وتُحلب وتنام، وكذلك جميع الحيوانات، أما الإنسان فقد حبب الله إليه المال وجمع المال، ولكن جاء الشرع ونظم هذا الحب، وجعل المال الحرام غير محبوب، والمال الحلال محبوباً كسبه، فإذا رفضت المال الحرام كنت أعبد الناس. الناس الآن إذا رأوا شخصاً متديناً، وبعد ذلك جاءت له فرصة من فرص الكسب الحرام فأخذها مع الناس، فإنهم يزدرونه، أضرب لكم مثالاً: في دائرة من الدوائر الحكومية رئيس القسم وجد أن عنده معاملات كثيرة، وطلب من مدير الإدارة أن يمنح العاملين عنده عملاً إضافياً لمدة أسبوعين لإنهاء الأعمال المتراكمة، وبعد ذلك هو يريد أن ينفعهم، وجمع الموظفين وقال: نحن طلبنا لكم عملاً إضافياً، وأنا أعرف أن العمل الإضافي لا تستحقونه، لكن أريد أن أحسن وضعكم ولكن أكملوا المعاملات وتعالوا بعد العصر لمدة نصف ساعة أو ساعة ووقعوا الانصراف والدوام، قالوا: جزاك الله خيراً، وشخص متدين وعليه علامات الخير قال: جزاك الله خيراً، بارك الله فيك، ماذا ستقول له الجماعة؟ سيقولون: المطوع أخذ معنا من الحرام، لكن لو وقف هذا المتدين وقال: لا يا جماعة الخير. أنا لا أسجل معكم، تريدوني أن آخذ فوق هذا زيادة هي حرام؟ لا. أنا لا آخذ، هذا الفعل من هذا الإنسان هو أعظم تأثيراً في الدعوة في قلوب الناس من ألف موعظة يلقيها هذا الإنسان، وإذا قالها قالوا: والله إن فلاناً صادق؛ جاءه راتب نصف شهر زيادة وتركه، هذا هو الصادق، نعم. فأنت أتقى وأعبد الناس يوم أن تترك المحارم. وهذا هو دعاء الملائكة -أيها الإخوة- من فوق سبع سماوات لأهل الأرض، يقول الله عز وجل: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} [غافر:7 - 9] فهذه الملائكة تدعو لك وأنت في الأرض، تقول: يا ربنا قهم السيئات، أي: اصرف عنهم المحارم والمحرمات، ثم قال عز وجل عن الملائكة إنها تقول: {وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر:9] إذا وقاك السيئات فقد رحمك الله. فمتى تستحق رحمة الله؟ إذا وقيت نفسك من السيئات: {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [غافر:9].

أبواب المحرمات السبعة

أبواب المحرمات السبعة ما هي المحارم التي يجب أن نتقيها؟ إذاً: عرفنا أن الذي يتقي المحارم هو أعبد الناس، فما هي المحارم؟ المحارم كما يقول ابن القيم رحمه الله: تدخل المحارم على القلب فتفسده من سبعة أبواب مثل نار جهنم لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم، كذلك المحارم تدخل على القلب من سبعة أبواب، ومن الناس من يدخل جهنم من كل باب، فهي مفتوحة له على مصاريعها، وهو الأول، ومنهم من يدخل من خمسة أبواب، ومن ستة، ومن ثلاثة، ومن أربعة، ومن واحد، لكن المؤمن لا يدخل من أي باب منها، لأنه أقفلها كلها واتجه إلى فتح أبواب الجنة الثمانية: من صلاة وصيام وجهاد وعمل صالح وقرآن وذكر وتلاوة وحج وعمرة، يعمل للجنة وتلك -أي: جهنم- مغلقة الأبواب السبعة؟ ذكرها ابن القيم رحمه الله في كتابه: الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي:

باب اللسان

باب اللسان الباب الأول: وهو أوسع وأخطر باب وأهم باب على دين العبد (اللسان): فهذا اللسان أخطر شيء عليك، يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من يضمن لي ما بين لحييه وفخذيه أضمن له الجنة) فقد ضمن لك الرسول صلى الله عليه وسلم أن تحفظ لسانك ويدخلك الجنة، وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب، ورب كلمة قالت لصاحبها: دعني) بعض الناس يقول: الكلام بسيط! لا. فالكلمة ليست بسيطة، الكلمة لها أهميتها! الكلمة تدخل النار وتدخل الجنة، الكلمة تشعل حروباً، وتثير الفتنة، وتقيم مشاكل! لا. ولهذا قال الله تعالى للناس: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء:53] لا تتكلم بأي كلام إلا أحسن شيء، وأحسن هنا للتفضيل {يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الإسراء:53] ابحث عن أحسن عبارة وقلها، حتى مع زوجتك وزملاؤك وأولادك، فلا تبحث عن الخبيثة، وبدلاً من أن تقول لولدك: (انهض. الله يأخذك) قل له: (انهض. الله يهديك)؛ لأنه لو أخذه الله هل ترضى؟!! وبعض الناس يقول: (قم عمى) لماذا تدعو عليه بالعمى؟ والله لو عمي ولدك لذهبت به إلى كل المستشفيات، فلماذا تقول له: (عمى) وبعضهم يقول: (قم. الله يجعلها في وجهك) وزوجته تدعوه فتقول: فلان، قال: طاعون، لماذا طاعون؟ أعوذ بالله، لماذا لا تقل: لبيكِ، قال: أقول لها لبيك، لماذا؟ لا. إنها زوجتك: (خيركم خيركم لأهله) أفضل من تقول له لبيك: أمك وأبوك وزوجتك، من يخدمك ويربي ولدك إلا زوجتك، ومن يقضي غرضك إلا زوجتك؛ لها فضل عليك كبير، إذا ذهبت إلى بيت أهلها كيف يصبح بيتك؟ يتحول بيتك إلى مقبرة، ترجع من الدوام وكل شيء في غير مكانه، والطعام غير جاهز، والفرش غير منظمة، والغرفة مبعثرة؛ مخدة في زاوية وبطانية في زاوية، تقول: ليت أم الأولاد موجودة لتنظم وتنظف وتطبخ. فهذه زوجتك تقوم بكل هذه الخدمات معك، لماذا لا تحسن القول معها؟ والذي ليس فيه خير لزوجته ليس فيه خير للناس، فبعض الناس يتظاهر بالخير أمام الناس لكن يقول العلماء: إن المحك الحقيقي لأخلاق الإنسان، وإذا أردت أن تقيم إنساناً فاسأل عنه أهل بيته، فإن أثنوا عليه ففيه خير، وإن ذموه فليس فيه خير، لماذا؟ لأنك تسفر عن طبيعة خلقك في بيتك، أما مع الناس فيمكن أن تتصنع وتتظاهر بالمجاملات، ولهذا ترى أكثر الناس في بيته يكلم امرأته بوجه -كالأسد- عبوس، ولا يتكلم بكلمة طيبة، فإذا دق التلفون ورفع السماعة ودق عليه أحد الناس قال: أهلاً! مرحباً! كيف الحال، (عساك طيب) حتى تقول: هذا من الملائكة لحسن أخلاقه، فإذا وضع السماعة قال: يا امرأة: افعلي الشاي. انهضي. أعوذ بالله! كيف التحول من حال إلى حال؟ لماذا لا تقول: يا أم فلان: عندك شيء؟ أريد بعض الشاي، يبارك الله فيك، الله يحفظك! الكلمة الطيبة صدقة، ولكن بعض الناس لا يزن عباراته، ولهذا -أيها الإخوة- أخطر شيء عليك اللسان: احفظ لسانك أيها الإنسان لا يلدغنك إنه ثعبان كم في المقابر من قتيل لسانه كانت تهاب لقاءه الأقران احفظ لسانك من الكذب، فإنه يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، والرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً. واحفظ لسانك من الأيمان الفاجرة، فإن هناك يميناً تسمى: اليمين الغموس، وهي: التي يحلف بها صاحبها وهو يعلم أنه كذاب، وبسببها يغمس في النار. احفظ لسانك من المواعيد المخلفة احفظ لسانك من الغيبة وخصوصاً غيبة العلماء وأهل الفضل، فإن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في الذين ينالون منهم معلومة، ومن ابتدرهم بالثلب ابتلاه الله قبل الموت بموت القلب والعياذ بالله. احفظ لسانك من النميمة، وهي: نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد. احفظ لسانك من القيل والقال، والتدخل فيما لا يعنيك، والخوض فيما لا يهمك. قال صلى الله عليه وسلم والحديث صحيح: (من يضمن لي ما بين لحييه وفخذيه أضمن له الجنة) وفي الحديث الآخر في الصحيحين يقول صلى الله عليه وسلم: (أكثر ما يدخل الناس النار: الفم والفرج) وهذا أول باب، فاحفظه. وأنت أعرف بنفسك، وأنت بعدم حفظه تبدد الحسنات وتجمع السيئات، كم من حسنة يفعلها شخص ولكن ما معه منها شيء، كلما عمل حسنة أخذها الناس؛ لأنه يتكلم في الناس ويسب الناس، يقول صلى الله عليه وسلم: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس عندنا من لا دينار له ولا درهم، قال صلى الله عليه وسلم: لا. المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات كالجبال، ولكن يأتي وقد سب هذا، وشتم هذا، وهتك عرض هذا، وأكل مال هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، حتى إذا فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار). أجل. لا تضع حسناتك -يا أخي- ولا تتكلم بكلمة واحدة إلا وقد عرفت مغزاها، وهل هي ترضي الله أم لا؟ قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) إذا أردت أن تتكلم فاعرض الكلام على قلبك، فإن كان حقاً قلته، وإن كان باطلاً رددته، وإن كان: لا حق ولا باطل فاسكت عنه، فإن غايته أن تضيع حياتك في الكلام الفارغ الذي ليس حقاً ولا باطلاً، والذي لا ينفعك في الدنيا ولا في الآخرة، وهذا هو الهراء.

باب الفرج

باب الفرج الباب الثاني في الخطورة وهو باب: الفرج: ومعصيته الزنا واللواط -والعياذ بالله- وقد سمعتم الوعيد في الزنا؛ أما اللواط فهو الفاحشة الكبرى والمنكر الأعظم الذي تستنكره حتى الحيوانات، يقول عبد الملك بن مروان أحد خلفاء بني أمية: والله لولا أن الله قصَّ علينا في القرآن خبر قوم لوط ما صدقت أن رجلاً يركب رجلاً. لأن هذا تعافه حتى الحيوانات، لا يوجد حمار يركب حماراً، ولا كلب يركب كلباً، ولا قرد يركب قرداً، ولكن الإنسان إذا ضل وانحرف عن منهج الله فعل هذه الفاحشة، ولذلك سماها العلماء الفاحشة الكبرى، وقرر الله لها عقوبة من أعظم العقوبات مقتبسة من فعل الله بقوم لوط الذين أرسل الله عليهم الملائكة، فحملهم جبريل على طرف جناحه حتى بلغ بهم أعلى السماء ثم قلبها عليهم، قال الله تعالى: {جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:82 - 83].

باب الأذن

باب الأذن الباب الثالث: باب الأذن: ومعصيته سماع ما حرم الله من الغيبة؛ لأن الغيبة لا تتم إلا من طرفين: مغتاب وسامع، هل يوجد مغتاب يجلس في غرفة ويغتاب؟ من يغتاب معه؟ هل يوجد من يسمع؟ فإذا سمعت الغيبة فأنت أحد المغتابين، فما موقفك إذا اغتاب رجل عندك آخر تقفل الباب عليه وتقول: دعنا منه، اتركنا من الغيبة، إن كان عندك كلام طيب وإلا فاسكت، أما أن تجامله وتسكت فأنت المغتاب الثاني، ولك صورة طبق الأصل من معصيته؛ لأن الغيبة لا تتم إلا من طرفين، مثل الزنا لا يتم إلا بطرفين، والربا لا يتم إلا بطرفين، كذلك الغيبة لا تتم إلا من طرفين، فلا تستمع الغيبة ولا تسمع النميمة. إذا أتاك رجل وقال لك: فلان قال فيك وقال فيك، فلا تصدقه؛ لأنه فاسق وإن كان صادقاً؛ لأن الله تعالى يقول: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6] فسماه الله فاسقاً وإن كان صادقاً، وإذا جاءك بغيبة فرد عليه، وقل له: إن الذي نقلت عنه النميمة لم يبادرني بها عياناً، ولكن الذي سبني أنت، أنت الذي حملها إلي فلا جزاك الله خيراً، من أجل أن تقطعه وترده عن فعل هذا المنكر العظيم. فلا تسمع شيئاً من القيل والقال والغيبة والنميمة ولا الغناء؛ لأن الغناء رقية الزنا؛ الغناء محرض على الجريمة، ويبعث في النفس الشهوة، ويدعوها إلى الوقوع في المحرمات، فحرمه الله تعالى كما قال سبحانه في القرآن الكريم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان:6] قال ابن مسعود: [والله الذي لا إله إلا هو إن لهو الحديث في هذه الآية هو الغناء]-والعياذ بالله- فهي باب من أبواب المحارم؛ فاتق الله وسد أذنك ولا تسمع بها إلا قال الله وقال رسول الله، وما ينفعك في آخرتك.

باب النظر

باب النظر الباب الرابع: باب النظر: وهذا مهم جداً وخطير، ومن يفتح عينه في الحرام يعمي الله بصيرته عن الحق؛ لأن الجزاء من جنس العمل، ومَن غض بصره فتح الله بصيرته، ومن أطلق بصره أغلق الله بصيرته، وطمس على قلبه والعياذ بالله، والله تعالى يقول: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:30] والذي يفتح عينه على الحرام -والعياذ بالله- فهو يبرهن على أنه لا يخاف الله، إذ أن النظر هو أول الطرق وأول الخطوات في الفواحش، والذي يغض بصره ابتداءً لا يقع في الفاحشة، ولكن من أطلق بصره قاده الشيطان إلى الخطوة الثانية، فإذا كان ينظر اليوم فانتظره بعد أيام، تجده يبدأ يتكلم ويتصل، وبعد الاتصالات تتطور؛ لأنها خطوات والله يقول: {لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [النور:21] ما قال خطوة الشيطان، بل خطوات الشيطان، فالشيطان لا يجرك إلى الزنا في خطوة واحدة؛ لأنه لا يستطيع عليك بإيمانك، ولكن يقول: انظر، وبعد ذلك ينقلك إلى الكلام، ثم إلى المواعيد واللقاءات، ثم إلى الفاحشة والزنا ثم إلى النار والعياذ بالله. فغض البصر من أعظم أسباب وقاية القلب؛ لأن النظر سهم مسموم من سهام إبليس، وتصوروا سهماً مسموماً يفتك ويفري، أرسله عدوك الشيطان إبليس، كيف يكون فعله في القلب؟!! قال قائل: كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وتر والمرء ما دام ذا عين يقلبها في أعين الغير موقوف على الخطر يسر ناظره ما ضر خاطره لا مرحباً بسرور جاء بالضرر كل الحوادث مبدؤها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر أجل. واجبك -يا أخي- أن تغض بصرك، وأن تعلم أن النظر لا يفيدك، بل يحرق قلبك، ويغضب ربك، ويرضي شيطانك، وتهتك به عرض أخيك المسلم، وكما أنك لا تحب أن يُنظر إلى أهلك، كذلك الناس لا يحبون ذلك، والله عز وجل لا يرضى هذا؛ لأن محارم الناس هي محارم الله، والله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن.

باب البطن

باب البطن الباب الخامس: البطن: وهي باب عظيم من أبواب دخول المحارم، وأكل الحرام من الربا، والربا من أعظم المنكرات وأكبر الكبائر، وهو موبقة، وما أذن الله بحرب صاحب كبيرة كما أذن بحرب صاحب الربا، قال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: (لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه) وفي مسند الإمام أحمد يقول صلى الله عليه وسلم: (درهم ربا يصيبه الرجل أعظم من ست وثلاثين زنية في الإسلام) وفي سنن ابن ماجة قال صلى الله عليه وسلم: (الربا بضع وسبعون حوباً -أي: ذنباً- أدناه كأن ينكح الرجل أمه) -والعياذ بالله- فلا تأكل الربا، ولا تقبل الرشوة، فالرشوة حرام، قال صلى الله عليه وسلم: (لعن الله الراشي والمرتشي والرائش) والرشوة معناها ضياع الحق وظهور الباطل، وفساد النظام، فإذا كانت المعاملة لا تمشي إلا بشيء من الحرام، أي: أن صاحب الحق لا يأخذ حقه إلا أن يدفع حراماً، وصاحب الباطل يأخذ الباطل بالحرام، فإنه ينعدم العدل، وتضيع الحقوق، وتنتهك الحرمات حتى إذا فشت فاحشة الرشوة فلا تقبلها واتق الله ولو كنت فقيراً، فوالله لأن تعيش فقيراً حتى تموت خير لك من أن تكون غنياً ومصيرك إلى النار. ما قيمة الثراء: أتبني عمارة وتشتري سيارة وأثاثاً وتملأ الثلاجات وتسمن نفسك لجهنم؟ لا -يا أخي- إن لك أن تعيش فقيراً وتموت على إيمان وتقوى وخوف فيعوضك الله في الجنة التي فيها (ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) أفضل لك من أن تأكل في لذة قصيرة عاجلة دنيئة، ثم تخرج منها وتتركها وتدخل النار فتعذب عذاباً لا يعذبه أحد من العالمين. الرشوة فيها لعنة الله ورسوله -والعياذ بالله- وكذلك جميع أنواع الكسب المحرم، ومن ذلك: الخمور والمخدرات والدخان، والدخان نضيفه إلى الخبائث، ونبين حرمته وحكمه في الشرع؛ لأن بعض الناس يقول بأن الدخان ليس بحرام، اتصل بي شخص وقال: الدخان ليس حراماً، قلت: لماذا؟ قال: لا يوجد في القرآن أن الله حرم الدخان، قلت: سبحان الله العظيم! ثم ذكرت له الأدلة، فأجابني في النهاية بأن الدخان حرام. قلت له: الدخان طيب أم خبيث؟ فسكت، قلت له: أخبرني. فسكت، قلت: حسناً عصير البرتقال طيب أم خبيث؟ قال: طيب. قلت: والدخان طيب أم خبيث؟ قال: لا. ليس طيباً، قلت: إذن ما هو؟ قال: خبيث، قلت: أمتأكد من أنه خبيث؟ قال: نعم. قلت: اقرأ قول الله في سورة الأعراف: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:157] فما دمت معترفاً أنه خبيث فهو حرام. وحتى لو لم تعترف بأنه خبيث فقد اعترفت الشركة الصانعة بأنه خبيث، أي (علبة) من علب الدخان فإنه مكتوب عليها: تحذير رسمي: التدخين مضر بصحتك فننصحك بالامتناع عنه. فما معنى هذا: هل معناه أنه طيب أم خبيث؟ إذا كانت الشركة الصانعة تقول بأنه يضرك، والذي يضر طيب أم خبيث؟ خبيث. فكل صناعة تصنع يكتب عليها تاريخ صلاحية بداية ونهاية المصنوع، إلا الدخان ليس عليه صلاحية؛ لأنه فاسد من يوم أن صنعوه؛ مكتوب عليه يضرك من أول يوم. وكل شركة تصنع صناعة ترسل معها دعاية لها إلا الدخان تصنعه الشركة وترسل دعاية ضده، وبعد ذلك أعلمك أن الدخان خبيث أم طيب، هل تستطيع أن تشرب الدخان في المسجد مع الفضلاء والعلماء؟ لا. لكن إذا كانت إدارة رسمية ممنوع التدخين فيها، أين يدخن المدخن إذا لم يستطع أن يدخن في المكتب؟ أين يدخن؟ في الحمام. طيب هل يستطيع أن يشرب أو يأكل في الحمام؟ فلو جاع وفي جيبه قطعة سندوتش، هل يستطيع أن يأكلها وهو على الكرسي؟ لا يستطيع أبداً؛ لأنه لو أكل في الحمام فسوف يطرش! كيف يأكل وهو في الحمام؟!! لكن لماذا يستسيغ الدخان وهو في الحمام؟ لأنه خبيث وفي مكان خبيث؛ ولأنه يدخن من فوق ومن تحت، فيجتمع الدخان على أحسن هيئة والعياذ بالله. فشرب الدخان حرام؛ لأنه خبيث مفتر مضر، وإسراف وتبذير للأموال في غير حقها، ولأنه لا يبدأ عليه باسم الله، ولا يختم بحمد الله، والدخان حرام؛ لأنه يعلم صاحبه خصلة لا تليق بالإنسان، فإن الإنسان إذا أكل طعاماً وبقي منه شيء رفعه، أما الحيوان إذا أكل طعاماً وبقي منه شيء داسه بأرجله، وكذلك شارب الدخان إذا شرب الحبة وانتهى منها أين يذهب بها، يضعها في الأرض ويدوسها برجله، نعم. يتعلم خصلة من خصال الحيوان -والعياذ بالله- فاحفظ بطنك -يا أخي- من هذه الخبائث.

باب اليد والقدم

باب اليد والقدم الباب السادس: اليد: كفها عما حرم الله، فلا تبطش بها في حرام، ولا تسرق بها مالاً معصوماً، ولا تسفك بها دم مسلم، ولا تمدها على امرأة لا تحل لك، كف يدك؛ لأنك لو مددتها في الحرام دخلتَ النار عن طريق يدك والعياذ بالله من النار. الباب الأخير: القدم: الخطوات؛ فلا تحملك قدمك إلى معصية الله؛ لأن كل خطوة مسجلة عليك: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس:12] أي: خطواتهم، فلا تحملك قدمك إلا إلى بيوت الله، وحلق العلم، ومجالس الذكر، وصلة الرحم، وبر الوالدين، وقضاء مصالحك الدينية والدنيوية، لكن لا تذهب برجلك إلى منكر، ولا تحملك قدمك إلى معصية، لا تذهب بها إلى مجلس زور ومكان فجور وممارسة منكر؛ لأنك عندما تخطوها فإنها تسجل عليك يوم القيامة. فإذا استطعت أن تقيم بإيمانك حراسة على هذه الأبواب السبعة فأنت من أعبد الناس، ويتحقق فيك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتق المحارم تكن أعبد الناس). ولكن -أيها الإخوة- لا تظنوا أن اتقاء المحارم يتم بشيء من اليسر والسهولة! إنه صعب يحتاج إلى جهاد، وإلى عناد وتربية للنفس، ومجاهدة ومحاربة للشهوة؛ لأن الشهوة تطغى، والمتع تسوق إلى الحرام، واللذائذ تقنع بالشر، ولكن عليك بمجاهدة نفسك؛ لأن الله تعالى يقول: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:40 - 41] ويقول عز وجل: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. وهذه المجاهدة لا تتم في بدايات الطريق، ولكن إذا علم الله منك صدق اليقين، فتح الله بصيرتك، ونور قلبك، وحبب إليك الإيمان وزينه في قلبك، وكره إليك الكفر والفسوق والعصيان، وجعلك من الراشدين، هنالك تصبح الأمور سهلة، ويصبح أحب شيء عندك كلام الله، وأبغض شيء عندك الغناء، أحب شيء عندك يوم تنظر إلى المساجد وإلى القرآن، وأكره شيء عندك يوم تنظر إلى النساء، لماذا؟ لأنك عبد رباني، كما قال الله تعالى في الحديث القدسي في صحيح البخاري يقول صلى الله عليه وسلم نقلاً عن ربه عز وجل: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها) فما معنى هذا أيها الإخوة؟ أن يكون الله سمعك الذي تسمع به، أي: لا تسمع ولا تبصر إلا ما يحبه الله، ولا تبطش بيدك إلا فيما يحبه الله، ولا تمشي بقدمك إلا إلى ما يحبه الله؛ لأنك عبد رباني. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجنبني وإياكم الفواحش والمحارم ما ظهر منها وما بطن، وأن يوفقنا للطاعات، ويحفظنا من كل سوء ومعصية. والله أعلم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

تفجيرات الرياض وما وراءها من مفاسد

تفجيرات الرياض وما وراءها من مفاسد Q ما هو التوجيه حيال التفجير الذي حدث في الرياض؟ وجزاكم الله خيراً. A حادث التفجير الذي وقع قبل عدة أشهر لو كان حادثاً جنائياً يقع من أناس عاديين ما كان لنا حياله شأن؛ لأنه جريمة والجرائم يمكن أن تقع، لكن الحادث هذا بالذات مهم؛ لأنه انطلق من منطلق فكري وعقدي، إذ جرى فيه تضليل وخداع الذين قاموا به وإقناعهم أنه عمل جهادي ومشروع، وهنا الخطورة والمصيبة، حين تضلل مفاهيم الشباب المسلم، ويقنعون بأفكار تتنافى مع أصول أهل السنة والجماعة، الذي نعرف أن كل أحد من أهل هذا البلد بالذات لا يحب إلا أن يكون من أهل السنة والجماعة، أليس كذلك؟ هل يوجد أحد يريد أن يكون من أهل البدعة والضلال؟ لا. ولكن المصيبة أن بعض الناس يريد أن يكون من أهل السنة والجماعة وهو لا يفهم مناهج ولا أصول ولا معتقدات أهل السنة والجماعة، ويأتي بمفاهيم ليست من مفاهيم أهل السنة والجماعة، نعم هناك الخوارج والرافضة والمعتزلة وكثير لهم مفاهيم وأصول ومناهج، أما أهل السنة والجماعة فلهم أصول ولهم مناهج ولهم معتقدات خاصة. فالعمل الذي حصل ليس من مفاهيم ولا أصول أهل السنة والجماعة، بل يختلف معه اختلافاً كاملاً ويتنافى معه، والتوجيه حياله من عدة أمور: أولاً: قبل البدء فيه: نحن في هذا البلد بالذات ننعم بنعم عظيمة لا ينعم بها مثلنا على وجه الأرض، ويدلل على هذا: حرص الملايين من البشر في جميع دول الأرض على أن يشاركونا في هذه النعمة، لا يوجد بلد فيه أجانب في الدنيا مثل ما في بلدنا، لماذا؟ لا يوجد خير في بلادهم؟ لا. فبعضهم يوجد في بلده فرص عمل مثلنا أو أحسن، لكن لماذا يفضل أن يعيش هنا بالذات؟ ليحصل له الأمن والطمأنينة التي يفتقدها في أي بلد آخر، فالإنسان ليس بحاجة إلى أن يأكل ويشرب ويسكن، لا. هو يحتاج إلى أمن، وسكينة، وطمأنينة، فهذه غير موجودة، يقول لي أحد الزملاء المهندسون في شركة الكهرباء وقد ذهب إلى بلده لقضاء إجازته يقول: جلست شهراً في بلدي بالسيارة ورجعت بالسيارة يقول: والله ما نمت ليلة إلا وأنا في قلق، إلى أن دخلت حدود المملكة العربية السعودية، وما إن تجاوزتها حتى شعرت براحة ونزلت عند أول مقهى ونمت نومة شعرت فيها بلذة النوم وبالأمن. {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ} [النحل:112] هذه تنطبق على هذا البلد {فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ} [النحل:112] نعوذ بالله من هذه الثانية {فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112] نحن في هذه البلد ننعم بنعم عظيمة، وأي محاولة لزعزعة الأمن وخلخلة هذه النعم مرفوضة وهي محاولة آثمة؛ لأنها تتصادم مع أهداف الشريعة، أهداف الشريعة التي جاءت في الكتاب والسنة، تحفظ للناس خمس كليات: الدماء: فقد حرم الله القتل وشرع القصاص. الأعراض: حرم الله الزنا وشرع حد الزنا. الأموال: حرم الله السرقة وشرع قطع يد السارق. العقول: حرم الله الخمر وشرع حداً لشاربه. الدين: حرم الله الردة (من بدل دينه فاقتلوه). هذه الكليات الخمس ننعم بها في هذا البلد وبأعلى قدر ومستوى، فدماؤنا محقونة، وأعراضنا مصونة، وأموالنا محفوظة، وعقولنا محفوظة، وديننا محفوظ، أنريد أن نغير -أيها الإخوة- فيغير الله ما بنا؟!! لا والله. الأمر الثاني: إذا أراد الإنسان تصحيح أخطاء موجودة، فإن التصحيح يجب أن يكون على منهج أهل السنة والجماعة، وعمليات التخريب والتفجير هذه ليست من أساليب أهل السنة والجماعة؛ لأنها عمل إفساد وليست عمل تصحيح، فالذي يريد أن يعمل عملاً إصلاحياً لا يرتكب فساداً حتى يصحح شيئاً، الإصلاح إصلاح، ولا يترتب على الإصلاح إفساد، فإذا ترتب على الإصلاح إفساد كان الإفساد الذي جاء به أعظم من الإفساد الذي جاء من أجل تصحيحه، فما موقفك -أيها المسلم- في المجتمع الذي نعيش فيه؛ مجتمع المملكة العربية السعودية؟ أولاً: موقف المسلم في الدرجة الأولى هو تصحيح وضعه مع الله، وهداية نفسه أولاً وتصحيحها بإقامة الإسلام فيها عن طريق العقيدة السليمة، والعبادة الخالصة، والسلوك المستقيم، والتعامل الحسن، والبعد عن الحرام -وترك المحرمات التي ذكرناها في المحاضرة- هذا أول شيء عليك أنت وهذه مسئوليتك، وإذا قدرت عليها فأنت داعية، ومن دعا نفسه فقد دعا، وقد حصل له خير كبير. ثانياً: تنتقل من دائرة النفس إلى دائرة الأسرة، أمك وأبوك وإخوتك وأهلك وبنوك، وهذه مسئولية لا يقوم بها غيرك، فمن تتوقع أن يدخل من الشارع إلى أمك وأبيك فيدعوهم؟ وإذا فشلت أنت في دعوة أبيك وأمك، فمن يؤدي دورك عنك؟ بعض الشباب يقول: أبي ليس فيه خير، لا. أبوك فيه خير ولكن أنت نفسك ما عرفت كيف تخرج هذا الخير، وبعضهم يقول: أمي ليس فيها خير أبداً، والرسول يقول: (خيركم خيركم لأهله) وأمك وأبوك من أهلك، ويجب أن يكون فيك خير لأهلك، وإذا كنت صادقاً مع الله وتحمل النور الحقيقي فلا بد أن يستفيد منك أمك وأبوك، وقد لا يستفيد منك في سنة أو سنتين أو ثلاث أو أربع، ولكن هذه مسئوليتك، انصرف إليها، ولو أن كل شاب حمل هذا المنهج وأصلح نفسه وأمه وأباه وأخواته وإخوانه وأسرته القريبة منه لما احتجنا إلى دعاة. لكن بعض الناس ينهزم أمام أمه وأبيه وزوجته وأولاده فينعكس انهزامه في أن يصل إلى المجتمع فيكفر الناس ويقول: الناس كلهم ما فيهم خير، وهو الذي فيه خير فقط، يتصور أن الخير عنده والناس ما عندهم خير، وهذا من أسوأ ما يمكن أن يقع فيه الإنسان. ثالثاً: إذا استطعت أن تنتقل من دائرة أهلك وبيتك، انتقل إلى الدائرة الأوسع؛ دائرة عملك: إذا كنت طالباً مع أصدقائك، أو كنت موظفاً مع الموظفين، أو كنت مدرساً مع المدرسين، انظر إلى المدرسين وخذ واحداً منهم، واعمل معه علاقة زره أقنعه بالدين يهديه الله خلال سنة سنتين تبعث يوم القيامة مبعث الأنبياء، هذا هو واقعك. فما هو موقفك في المنكرات الموجودة في المجتمع؟ الشرع ما ترك الأمر -أيها الإخوة- ولا يوجد جزئية من جزئيات الدين إلا وهي موضحة، بين لنا الشرع كيف نغير المنكرات، وأخبرنا أن المنكرات تغير بأحد ثلاثة أساليب: الأسلوب الأول: اليد. وهذا لولي الأمر ومن منح صلاحية، ليس الأمر فوضى، فلو ترك تغيير المنكر لكل واحد يرى منكراً فيقوم ويغيره مباشرة، لتحولت الحياة إلى فوضى، لكن الشرع نظم، أي: أن تغيير المنكر بالنسبة للمنكرات العامة إنما يقع على جهة ولي الأمر، وهو المطلوب من أن يغير المنكر، فإذا لم يغير أثم، لكن أنت لزمك أن تبلغ، فإذا لم يقبل تبليغك فقد برئت ذمتك، أما أن تذهب وتقول: أنا بلغت وما غيروا، إذن أنا أغير، لا. إذاً تقع في المنكر ولا يجوز لك. إذا كنت في بيتك غير بيدك؛ لأن بيتك مملكتك، إذا كان في بيتك منكراً من يمنعك أن تغير بيدك؟ لكن الشارع ليس ملكك، والمحلات العامة ليست ملكك، والإدارات ليست ملكك، بلغ ولي الأمر، والجهة التي أنيط بها هذا الأمر، فإن لم تستطع بيدك وهذا الذي يحصل فبلسانك، وهذا الذي نستطيعه. الأسلوب الثاني: باللسان. ولكن بالحكمة والموعظة الحسنة والكلمة الطيبة، لا أن تمر على مرتكب المنكر وأنت محدق في عيونه كأنك تريد أن تأكله، حتى ذلك يظن أنك لا تريد أن تهديه، ولكن يظنك عدواً له، ولكن ابتسم له حتى ولو لم تكن صادقاً ولكن من أجل أن تدخل قلبه، فالابتسامة هذه مثل البنج للمريض، فالذي يريد أن يضرب إبرة للمريض ماذا يصنع؟ يضع له بنجاً حتى لا يشعر بدخول الإبرة. فكذلك أنت تريد أن تدخل الإيمان إلى قلب هذا العاصي، فتجيء وتقول له: أنت عاصٍ، وصاحب منكر، وما فيك خير، يقول لك: وأنت ما فيك خير، ويقوم ليضاربك، لكن إذا أتيته وقلت له: السلام عليكم، كيف حالك يا أخي؟ بارك الله فيك، الله يوفقك، الله يرشدك، أنت من أهل الخير، ووجهك مملوء بالإيمان، حتى ولو كنت لست بصادق، أقل شيء يقول لك إذا دعيته: جزاك الله خيراً. وهنا قلت الكلمة وانتهى منها، ويجيء الثاني ويقولها، ويجيء الثالث ويقولها، ويجيء الرابع، فيقول صاحب المنكر: الناس كلهم يقولون بأني على منكر، أما أستحي؟ فيستحي ويترك المنكر. الأسلوب الثالث: بالقلب. إذا لم تستطع عند العجز فبقلبك، إذا أنكرت بقلبك عند العجز برئت ذمتك، مهما كانت المنكرات والله يعلم أنك تكرهها ولا تحبها، ولو كان بيدك إنكارها لأنكرتها، فإن الله عز وجل يعفيك عن مسئوليتها ولا يلحقك من جهتها إثم. حسناً ما موقفك تجاه ولي الأمر؟ هنا -أيها الإخوة- مكمن الخطورة، في أن بعض الشباب لا يعرف منهج أهل السنة والجماعة في قضية التعامل مع أولي الأمر. قضية التعامل مع ولي الأمر قضية مهمة، وأصل من أصول أهل السنة والجماعة؛ قرروه وأكدوه، وما من كتاب من كتب السنة التي ألفها العلماء والمحققون من أهل السنة إلا وفيها باب: طاعة ولاة الأمور. لماذا يقيدون طاعة ولي الأمر: هل لأن الأئمة يريدون من ولي الأمر مالاً، أو منصباً أو شهادة أو أي شيء؟ لا. لكنهم يتعاملون معه من منطلق الشرع، وأصول أهل السنة والجماعة؛ لأن قضية التعامل مع الولي لا تحكمها المصلحة والمنفعة، ولا قضية الحب ولا الكراهية، فبعض الناس يقول: أنا أكره ولي الأمر أو أنا أحبه، أو أنا ما لقيت منه شيئاً، فمسألة تحبه أو تكرهه أمر يخصك، سواء أعطاك أو منعك هذا لك، لكن نحن نطالبك بما طالبت به الشريعة، فقد طالبت الشريعة بثلاثة أشياء تجاه ولي الأمر: الأول: مطلوب منك إن كنت صاحب هدى وسنة أن تدعو له، يقول الإمام أبو الحسن محمد بن علي البربهاري وهو عالم من أئمة أهل الس

آداب حامل القرآن

آداب حامل القرآن أنزل الله القرآن ليكون مصدر تشريع ومنهج حياة ولكن لابد لهذا الدستور ممن يحمله، ومن ثم لابد لهذا الحامل من التحلي بصفات وآداب تخوله القيام بهذا الواجب على أكمل وجه، وقد وردت هذه الآداب والأخلاق في هذه المادة بشيء من التفصيل.

شرح القصيدة البائية للإمام الصنعاني

شرح القصيدة البائية للإمام الصنعاني الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: اللهم اجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تبق معنا ولا منا ولا فينا ولا إلينا شقياً ولا محروماً؛ إنك أنت أرحم الراحمين. يقول الإمام الصنعاني في قصيدته البائية: يتحدث فيها عن كتاب الله عَزَّ وَجَلّ ويقول: أما آن عما أنت فيه متاب وهل لك من بعد البعاد إياب تقضت بك الأعمار في غير طاعةٍ سوى عمل ترضاه وهو سراب

التوبة قبل الندم

التوبة قبل الندم يخاطب المكلفين ويقول لهم: أمْا آن لكم أن تتوبوا إلى الله، لماذا يسوِّف الإنسان؟ ولماذا يماطل؟ ولماذا يؤخر التوبة؟ وهو لا يستفيد من هذا التطويل أو هذه المماطلة، أو هذا التأخير إلا ضرر على المستويين إما أنه يزيد من المعاصي، أو يفاجئ بالموت فيخسر الدنيا والآخرة. يقول: لِمَ تؤخر التوبة؟ أما آن لما أنت فيه، ووقعت فيه من الذنوب والمخالفات والمعاصي أن تتوب منها؟ إلى متى وأنت عاصٍ أيها الإنسان؟! هل قررت أن تعيش هذه الحياة للمعاصي؟ زودك الله عز وجل بالسمع والبصر والفؤاد للتتعرف بهذه الحواس عليه، فاستعملتها فيما يغضبه، يقول الله تعالى: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ} [الأحقاف:26] {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:78] إن وسائل الإدراك هذه التي أعطاها الله لك من أجل أن تتعرف عليه وتشكره عليها لا من أجل أن تحاربه بها. ولذا من استعملها في الغرض التي خلقها الله له سعد بها، ومن استعملها في الضرر والمعاصي قال الله عَزَّ وَجَلّ فيه: {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ} [الأحقاف:26]. فيخاطب العقلاء ويقول: أما آن عما أنت فيه متاب وهل لك من بعد البعاد إياب تقضت بك الأعمار انصرمت بك الليالي، وذهبت الشهور، ومرت الدهور والأعوام، وأنت على ما أنت عليه فلم تتغير، تقضت بك الأعمار من غير طاعة سوى عمل تتصور أنه ينفع وترضاه وهو سراب. ثم يقول: ولم يبق للراجي سلامة دينه سوى عزلةٍ فيها الجليس كتاب كتابٌ حوى كل العلوم وكل حواه من العلم الشريف صواب فإن رمت تاريخاً رأيت عجائباً ترى آدم مذ كان وهو تراب إذا رأيت التاريخ ارجع فيه إلى السجل التاريخي، فالقرآن سجل بشري للعالم منذ خلق الله آدم إلى يومنا هذا، ثم قال في النهاية: ففيه الدواء من كل داءٍ فثق به فوالله ما عنه ينوب كتاب

القرآن الكريم منة الله على الأمة

القرآن الكريم منة الله على الأمة يقول الله عَزَّ وَجَلّ: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر:21] لو خُوطب بهذا الكتاب الجبال الرواسي لرأيتها خاشعة متصدعة من خشية الله، وأنت قلبك أقسى من الجبل، وأعظم صلابة من الجبال الشم الرواسي، تهجر القرآن وترفضه وتعرض عنه وتدير مؤشر المذياع منه إلى غيره، وقد ورد في بعض الآثار أن العبد إذا وقف في صلاته وصرف بصره أو قلبه عن الله قال الله: (أإلى خير مني) أي: أين تذهب بقلبك وأنت بين يدي؟ قال الله: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر:21] {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42]. يقول الحارث الأعور -وقد خرج وسمع الناس يخوضون في حديث رواه الترمذي، والحديث فيه مقال ولكنه يستشهد به- قال: فحدثت علي بن أبي طالب فقال: أوقد فعلوها؟ قلت: نعم. قال: إني سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: (إنها ستكون فتنة، فقلت: فما المخرج منها يا رسول الله! قال: كتاب الله، فيه حكم ما بينكم، ونبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أذله الله، هو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، من قال به صدق، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم، ومن حكم به عدل، وهو الذي لا يشبع منه العلماء، ولا يبلى على كثرة الرد، ولا تلتبس به الألسن، وهو الذي ما سمعت به الجن حتى قالوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} [الجن: 1 - 2]). هذا الكتاب الكريم العظيم الذي يقول الله فيه مخاطباً عقول الناس، يقول: أو لم يكفهم يا محمد دلالةً عليك وعلى صدق رسالتك أنا أنزلنا عليهم الكتاب؟ {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت:51] أليس في هذا الكتاب دلالة واضحة كافية معجزة وباقية بقاء الليل والنهار إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؟!! هذا الكتاب العظيم يوم القيامة يتقدم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشكوى، يشكو فيها من أعرض عن هذا الكتاب وهجره، ويقول كما قال الله عَزَّ وَجَلّ في سورة الفرقان: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} [الفرقان:30]. الله أكبر! كم هو عظيم يا أخي أن تكون يوم القيامة ممن يعزل ويصبح مما يشتكى به أمام الله، وأنك اتخذت كتاب الله مهجوراً، نور أنزله الله لك لتسير على هديه، كما قال الله عَزَّ وَجَلّ: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ} [الشورى:52 - 53].

هجر القرآن والإعراض عنه

هجر القرآن والإعراض عنه إن هجر القرآن والإعراض عنه، وعدم تعلمه وتعليمه، وعدم العمل به، كل هذا من أسباب الدمار، ومن أسباب عذاب القبر؛ لأن المعاصي الكبيرة يرتب الله عليها عذاباً في الدنيا والآخرة، ومن ضمن المهالك الكبيرة التي توعد الله عَزَّ وَجَلّ أصحابها بالعذاب: هجر القرآن والإعراض عنه. وفي هذه الليلة نذكر لكم حديثاً في صحيح البخاري وهذا الحديث الذي معنا في موضوع أسباب عذاب القبر هو حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه، والذي فيه: أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انطلق مع اثنين من الملائكة، ثم سار معهم ورأى مناظر ومشاهد مما يحصل للمعذبين في دار البرزخ في القبور، ومن ضمن ما رأى (رأى رجلين: رجلٌ مستلقٍ على قفاه -أي: على ظهره- وآخر واقفٌ على رأسه ومعه حجرٌ كبير يحمل الحجر فيرضخ به رأسه، ثم يتدهده هذا الحجر، فيذهب هذا الرجل ويأتي به فلا يعود إلى صاحبه إلا وقد أعاد الله رأسه كما كان فيضربه الضربة الثانية ويتدهده الحجر -وهكذا-). أي: أنه يرضخ رأسه والله يعيده، فتعجب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من هذا المنظر وقال: (ما هذا؟ -ما هو سبب هذه المصيبة العظيمة؟ فقالا له: انطلق انطلق، قال: فانطلقنا -وفي نهاية الرحلة أخبراه- فقالا له: أما الرجلان المستلقي على قفاه والآخر يضرب رأسه ويرضخ رأسه في الحجر: هو الرجل يعلمه الله القرآن ثم ينام عنه في الليل ولا يعمل به في النهار). إذاً: ينام عن القرآن في الليل، ولا يتشرف بأن يقوم لله عَزَّ وَجَلّ ولو بركعتين في جوف الليل، وتعرفون منزلة القيام، فالقيام: هو المطية التي يمتطيها أهل الآخرة إلى الله عَزَّ وَجَلّ إذا نام الغافلون: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} [الإسراء:79]. وقال تعالى: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات:17] * {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:18]. وقال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة:16] وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ركعتان في جوف الليل خير من الدنيا وما عليها). وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ينزل ربنا في الثلث الأخير من الليل نزولاً يليق بجلاله فيقول: هل من سائلٍ فأعطيه سؤله، هل من تائبٍ فأتوب عليه، هل من مستغفرٍ فأغفر له) فمن صادفها ولقيها فهنيئاً له؛ لأن قيام الليل مركب الصالحين، وهو ضمان لأداء صلاة الفجر، إذ أن الذي يقوم الليل لا يمكن أن يضيع صلاة الفجر إلا إذا كان مخذولاً لعب عليه الشيطان وأقامه في الليل، ثم نام بعد قيام الليل وأضاع صلاة الفجر، فهذا من لعب الشيطان على الإنسان أن يقيمك للقيام ويضيعك عن الفريضة؛ لأن الفريضة أهم عند الله في الميزان من النافلة: (فهو الرجل ينام عن القرآن في الليل، ولا يعمل به في النهار) أي: لا يتخلق بأخلاق القرآن ويسير في الطرق التي حرمها القرآن، ولا يسير في الأوامر التي أمر بها القرآن، فالقرآن مهجورٌ في قلبه، مهجورٌ بالتلاوة، ومهجورٌ بالتدبر، ومهجورٌ بالعمل، ومهجورٌ بالانصياع والانقياد، ومهجور بالحكم والتحاكم، فقد هجر القرآن من كل جانب، ويوم القيامة يكون خصمه القرآن، ومن كان خصمه القرآن قهره، كما جاء في الحديث: (واجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك وخاصتك). إن القرآن يأتي يحاج صاحبه يوم القيامة أو يحاج له، فإن كان من أهله يحاج عنه حتى يدخله الجنة، وإن كان ليس من أهل القرآن، فإنه يحاجه عن كل معصية عملها ويقول له: لماذا عملتها وأنا في جوفك وقد قلت لك، ثم يحاجه حتى يدخله النار والعياذ بالله، وإن شاء الله سوف نذكر شيئاً من التفصيل في بعض الأشياء المتعلقة بكتاب الله عَزَّ وَجَلّ. قال الله عَزَّ وَجَلّ: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:29 - 30] وهذه الآية يسميها المفسرون: آية القراء وهي آية في سورة فاطر. يتلون كتاب الله أي: يملئون حياتهم به؛ لأن ما يعانيه الناس اليوم من جفافٍ في القلوب وقسوة؛ سببه هجر القرآن، وعدم تلاوة القرآن، وأنتم تعرفون إذا دخل رمضان وأقبل الناس على القرآن، وبدأ كل واحد يقرأ، تدخل المسجد وتجد الناس لهم دوي في التلاوة، وتجد الشخص في المكتبة يقرأ، وقبل الصلاة يقرأ، وبعد الصلاة يقرأ، وفي الليل يقرأ، كيف تتحول أخلاق الناس؟ أما ترون أثراً في سلوك الناس، وليناً في قلوبهم، واستقامة في حياتهم، وصفاءً في أرواحهم بسبب القرآن؟ فإذا انتهى رمضان ودعوا المصاحف وعادوا إلى حياتهم، فيأتي بعدها قسوة القلوب والهجر للقرآن وهجر المساجد ونسيان الآخرة، وعدم ذكر الله عَزَّ وَجَلّ. فما من مشكلة يعاني منها الناس اليوم إلا وسببها هجر القرآن، هل يمكن للإنسان التالي لكتاب الله أن يزني؟! أن يغني؟! أن ينظر إلى الحرام؟! فالقرآن حاجز بينك وبين المعاصي، فإذا هجرت القرآن استغل الشيطان الفراغ، وملأه بالمعاصي والعصيان، ولذلك يقول سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ} [الكهف:27] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي شفيعاً لأصحابه يوم القيامة). فهذه آية القراء فيها وعدٌ عظيم، وبشرى عظيمة: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} [فاطر:29] يرجون، أي: يأملون ويرغبون بالتجارة مع الله، الذي من تاجر معه ربح. (لن تبور) لن. يسميها علماء اللغة: لن الأبدية الزمخشرية، فتجارتك لا تبور مع الله أبداً، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والحرف من القرآن بعشرة أمثاله إلى سبعمائة ضعف، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا أقول: (ألم) حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف) هذه تجارة رابحة مع الله، لا تبور ولا تخرب ولا تتعرض أبداً لأي خسارة؛ لأنك تتاجر مع غني، والذي يتاجر مع الغني لا يخسر، كل التجارات معرضة للربح والخسارة إلا التجارة مع الله، فإنها تجارة رابحة، قال الله عَزَّ وَجَلّ وهو يبين تفاصيل التجارة: {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ} [فاطر:30] أي: يعطيهم ثواب أعمالهم، وهذا كافٍ، إن التجارة الرابحة هي أن تجعل ثمناً لعملك. وقال عز وجل: {وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:30] يزيدك من فضله وفضل الله واسع، ففضل الله عظيم إذا ما تعرضت لفضله.

أحاديث في فضل تعليم القرآن وتعلمه

أحاديث في فضل تعليم القرآن وتعلمه عن عثمان والحديث في البخاري ومسلم قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) أي أن أشرفكم وأعلاكم منزلةً وأعظمكم مكانة عند الله في الدنيا والآخرة: من تعلم هذا القرآن أو علمه. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الذي يقرأ القرآن وهو ماهرٌ به مع السفرة الكرام البررة) فالذي ليس عنده صعوبة فيه، وطوع نفسه ولسانه، وأمضى جهداً كبيراً في سبيل تذليل عقبة الهضم والإجادة لكتاب الله على الطريقة الشرعية بالتجويد حتى أصبح ماهراً فيه، هذه هي منزلته عند الله عز وجل. وعنها قالت: قال عليه الصلاة والسلام: (الذي يقرأ القرآن وهو ماهرٌ به مع السفرة الملائكة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن وهو يتعتع فيه وهو عليه شاقٌ له أجران). وهنا وقفة بسيطة حتى لا يتصور بعض الناس الذين يتعتعون في القرآن أن هنالك أجرين إذا كان هناك تعتعة، قال العلماء: إن التعتعة هذه التي يعاني منها الإنسان وله فيها أجرين، هي التي تكون أثناء تعلم العلم، أو أثناء تحسين وضعك في التلاوة، تجلس إلى العلماء وأنت تتعتع ويردك العالم فتذهب وتذاكر، ثم يردك فتذاكر، وهكذا حتى تصبح ماهراً، فأثناء فترة التعليم لك أجران: أجر المشقة، وأجر التلاوة، أما شخص لا يتعلم القرآن ولا يجوده، بل يلحن فيه اللحن الجلي، وإذا قلت له: يا أخي! اتقِ الله، واطلب العلم، واجلس مع العلماء ومع المشايخ ومع القراء قال: أريد أجرين، فهذا ليس له أجران؛ لأنه مهمل ولا يريد أن يقرأ القرآن كما أمر الله، وقد قال الله عز وجل: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل:4]. لما سئل علي رضي الله عنه عن الترتيل قال: [هو إخراج الحروف، ومعرفة الوقوف] فتعرف كيف تقف، وكيف تبدأ، وتخرج الحرف من مخرجه الشرعي. أما أن تقف على ما تريد، وتخرج كما تريد، فترفع المنصوب، وتنصب المرفوع، وتقول: إن لك أجراً فلا، بل ربما يكون عليك وزر العياذ بالله. والحديث أيضاً رواه البخاري ومسلم في الصحيحين، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة بلفظ: (من يقرأ القرآن وهو ما هرٌ به).

الفرق بين قارئ القرآن وغيره

الفرق بين قارئ القرآن وغيره أيضاً روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي بسند صحيح عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجه، ريحها طيب وطعمها طيب) والأترجه: فاكهة من فواكه الدنيا، لكنها غير موجودة عندنا، وقدر لي قبل أيام كنت فيها في زيارة للدعوة إلى منطقة العلا ومنطقة العلا تبعد عن المدينة المنورة بـ (400) كيلو متر، فلما دخلت على الأخ الذي دعاني للكلمة في بيته قبل صلاة الظهر وإذا بشجرة كبيرة جداً في داخل الفناء، والفناء مملوء بالأشجار؛ لأن عندهم مياه غزيرة وأرضهم أرض طيبة، فعندهم النخيل وأكثر الحمضيات، فلما دخلت وإذا بي أرى هذه الشجرة العظيمة ذات الأوراق العريضة وفيها ثمار صفراء اللون كبيرة جداً مثل أكبر كرة، فقلت له: ما هذا؟ قال: هذه الأترجة التي في الحديث، قلت: بشرني لعلها ناضجة، فإني أريد أن أكل منها، قال: على أحسن وضع، فأتى إلي بحبة كبيرة فأوصلها إلى أهله فقطعوها وقشروها كمثل الأناناس، وذروا عليها قليلاً من السكر، وجاء بها وأكلنا منها، فكان طعمها وريحها من أروع ما يمكن؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (طعمها طيب وريحها طيب) فشممت رائحتها وإذا بها من أزكى الروائح. هذا مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن طعمه طيب، وريحه الذي يخرج على الناس هو أثره وسلوكه الطيب. القسم الثاني: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن) وهو المؤمن الذي يقف عند حدود الله، ولا يمكن أن يقع في معصية، ولا يمكن أن يدع لله أمراً، ولكنه مسكين، ما قرأ القرآن ولا تعلم: (مثله كمثل التمرة، لا ريح لها وطعمها حلو) فإذا أتيت إليه تجده صاحب ريح طيب، أي: صاحب إيمان، ولكن لا تنبعث منه رائحة تنفع الناس عن طريق قراءة القرآن، وتعليم القرآن والدعوة إليه. قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر) إذا سمعت كلامه تقول: ما شاء الله هذا قارئ مجود، لكن إذا دخلت إلى قلبه وفتشت في خصائصه، وبحثت عن طعمه إذا به علقم مر يؤذيك، فإن هذا الصنف لا ينفعه الريح، فإن الريح في الدنيا فقط، لكن الطعم هو الذي ينفع في الآخرة. وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمه مر وريحه خبيث) والحنظل شجر ينبت في الأرض ليس له أغصان يقوم عليها، وإنما يثمر ثمرة مثل الليمون الكبير، إذا فتحته وذقته كان طعمه مراً أمر من العلقم، فهذا مثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن، وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، أي: رواه أصحاب الكتب الستة.

القرآن عزة لأقوام ذلة لآخرين

القرآن عزة لأقوام ذلة لآخرين عن عمر بن الخطاب رضي عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إن الله تعالى ليرفع بهذا القرآن أقواماً ويضع به آخرين) إن هذا القرآن عزة لأقوام وأيضاً يوضع به آخرين، فيرفع به من يحمله، ومن يعمل به ويجعله أمامه وإمامه، ويوضع به من أعرض عنه واستدبره، ومن لم يقف عند حدوده، ولا عند أوامره ولا زواجره ولا نواهيه، وهذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه. وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول (اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه) وهذا الحديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه. وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لا حسد) أي: لا غبطة، لا تغبط أحداً في الدنيا على شيء: (إلا في اثنتين) وليس حسداً تتمني به زوال النعمة؛ لأن الحسد في الشرع ممقوت، وهو: تمني زوال النعمة عن المُنعم عليه، ولكن الحسد المشروع هو: الغبطة، أن تغتبط بما عند الناس، وتتمنى أن يكون لك مثلهم دون أن يزيل الله نعمهم، فلا تغبط أحداً ولا تتمنى أن يكون لك مثل ما عنده إلا في اثنتين: الأولى: (رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار -في الليل يقرأ القرآن ويصلي به، وفي النهار يعمل به ويطبقه- ورجلٌ آخر آتاه الله مالاً -فتح الله عليه الدنيا- فهو ينفقه في سبيل الله آناء الليل وآناء النهار) فهذا تغبطه وتتمنى من الله أن يعطيك مثل ما عنده، وإذا أعطاك الله عَزَّ وَجَلّ فخير، وإن لم يعطك أعطاك الله بنيتك، تأتي يوم القيامة وأنت في منزلة صاحب المال؛ لأن الناس أربعة كما جاء في الحديث: (الناس أربعه: رجل آتاه الله مالاً وعلماً، فأنفقه على هلكته في الخير، فهو في أرفع المنازل، ورجل آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً فهو يقول: لو أن عندي مالاً لصنعت به مثل ما يصنع به فلان فهو في منزلته، وهما في الأجر سواء، ورجل آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً فأنفقه في وجوه الشر، فهو في أخبث المنازل، ورجلٌ ما آتاه الله علماً ولا مالاً فهو يقول: لو أن عندي مالاً لصنعت به مثل فلان، فهو في منزلته، وهما في الإثم سواء). وهذا الحديث أيضاً رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجلٌ آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار).

قراءة القرآن كنز من الحسنات

قراءة القرآن كنز من الحسنات وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (ألم) حرف، ولكن (أ) حرف، و (ل) حرف، و (م) حرف) والحديث رواه أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي وقال: حديثٌ حسن صحيح. هذا الحديث فيه بشرى عظيمة لمن يقرأ القرآن، فبإمكانك أن تدخل المسجد وتقرأ وتخرج وأنت مليونير حسنات، فإذا كانت سورة الفاتحة فيها (150) حرفاً إذا قرأتها مرةً سجَّل الله لك في موازينك (1500) حسنة، وهذه أصغر سورة في القرآن هي (الإخلاص) فيها (66) حرفاً، إذا قرأتها سجل الله لك (660) حسنة، وأنا قرأت مرة صفحة من الصفحات وعددت حروفها، وكانت من الصفحات التي فيها (15) سطراً فوجدت في الصفحة الواحدة أكثر من (450) حرفاً، اضربها في عشرة ستكون (4500) حسنة، من يترك هذه التجارة؟ والله لا يتركها إلا خاسر، تقرأ الجريدة أو المجلة والقرآن عندك؟!! مد يدك إلى القرآن واقرأ وتاجر تجارة رابحة مع الله، حتى تكون عبداً ربانياً بإذن الله عز وجل. وفي الحديث الذي رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وقد وافقه النووي في تحسينه، قال: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (يقول الله عَزَّ وَجَلَ: من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وفضل كلام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على سائر الكلام كفضل الله تعالى على سائر خلقه). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إن الذي ليس في جوفه شيءٌ من القرآن كالبيت الخرب) والتشبيه هنا تشبيهٌ رائع؛ لأن الذي لا يحفظ شيئاً من القرآن شبهه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالبيت الخرب، والبيت الخرب الذي لا يعمر لا يمكن أن يسكن فيه أحد، فيعمره الغربان والبوم والحيوانات السائبة، ويدخل فيه الناس لقضاء الحاجة، وكذلك القلب الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخرب الذي لا تنزله الملائكة ولا الرحمة، فيسكن فيه الشياطين تتغوط فيه وتتبول. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها). وقد اختلف العلماء هنا في معنى (آخر آية تقرؤها) هل هي آخر آية تحفظها؟ أم هي آخر آية تتقن قراءتها وتقرأها باستمرار؟ فقال بعضهم: إن منزلتك عند آخر آية تحفظها من القرآن الكريم؛ ليتم بهذا التفاضل بين من يحفظ القرآن وبين من لا يحفظه؛ لأن حفظ القرآن من أعظم المنازل ومن أعظم الدرجات، يقول الله عَزَّ وَجَلّ: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:49] ويقول عليه الصلاة والسلام: (إن أناجيل أمتي في صدورهم) أي: القرآن معهم في صدورهم. وقال بعض العلماء: لا. إن فضل الله واسع، والحديث رواه أبو داود والترمذي والنسائي وقال: حديثٌ حسن صحيح، لم يتضمن الحفظ وإنما تضمن القراءة، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها أي: عند آخر آية تتقن قراءتها ولو بالنظر، ففضل الله واسع، فالذي يقرأ القرآن كله وهو ماهر به يقال له يوم القيامة: اقرأ من أول القرآن إلى آخره، وآخر منزلة لك في الجنة عند آخر آية تقرؤها. وعن معاذ بن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (من قرأ القرآن وعمل بما فيه) وهذه بشرى للآباء الذين يوفقهم الله لإلحاق أبنائهم بمدارس القرآن، سواءً الرسمية أو الخيرية، وبشرى للأبناء الذين يحفظون القرآن ثم يوفقون للعمل به، أما الذي يحفظ ولا يعمل، فهذه لعنة في جبينه والعياذ بالله، وهنا شرط يقول: (من قرأ القرآن وعمل بما فيه ألبس الله والديه تاجاً يوم القيامة ضوءه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا) فما ظنكم بمن عمل بهذا، وهذا الحديث رواه الحافظ أبو داود.

فضائل قارئ القرآن

فضائل قارئ القرآن عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (اقرءوا القرآن فإن الله تعالى لا يعذب يوم القيامة قلباً وعى القرآن) فالله لا يعذب قلباً يعي القرآن الكريم: (وإن هذا القرآن مأدبة الله -أي: الوليمة، والضيافة التي جعلها الله لعباده- فمن دخل فيه فهو آمن، ومن أحب القرآن فليبشر) فإذا أردت أن تعرف منزلتك عند الله فاعرف منزلة القرآن في قلبك، إن كنت تسمع القرآن فتفرح به وتستأنس فاعلم أن الله يحبك، وإن كانت الأخرى، وهي إنك إذا سمعت القرآن انقبضت أو سمعت الذكر أعرضت عنه: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف:36] فاعلم أن الله يبغض الأخرى والعياذ بالله، وهذا الحديث رواه الدارمي بإسناده. وعن الحميدي قال: سألت سفيان الثوري عن الرجل يغزو أحب إليك أو يقرأ القرآن؟ قال: يقرأ القرآن لحديث البخاري ومسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) ولكن يوفق ابن القيم رحمه الله ويقابل بين هذا الحديث وبين حديث معاذ بن جبل (الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام) -فهي أعلى مكانة- فيقول: لا شك أن المجاهد في سبيل الله في أرفع المنازل، ولكن إذا جمع مع منزلة الجهاد منزلة القرآن كان في أعلى شيء، ولكن الذي يقرأ القرآن أفضل من الذي لا يجاهد، والذي يجاهد أفضل من الذي لا يقرأ القرآن، والذي يقرأ القرآن ويجاهد أفضل من الذي يقرأ القرآن ولا يجاهد، هذا نوع من التفضيل، والتفاضل بين الأعمال بحسب قوة الأدلة وبحسب مدلولاتها الشرعية. وثبت أيضاً في الحديث الذي رواه مسلم -وفي هذا تفضيل وترجيح لأهل القرآن- قال عليه الصلاة والسلام: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى) فدل الحديث على أن أهل القرآن مفضلين، ودليل تفضيلهم أن أقرأهم هو الذي يؤمهم في الصلاة، إذ لا يمكن أن يؤم القوم في الصلاة ويتقدم بهم إلا أفضلهم ديناً وقرآناً وعلماً وسلوكاً. وعن ابن عباس رضي الله عنهما، والحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه قال: [كان القراء أصحاب مجلس عمر وأهل مشورته] كان لا يجالس إلا أهل القرآن ويشاورهم، وقال الإمام النووي: واعلم أن المذهب المختار الذي عليه اعتماد أكثر العلماء. أن قراءة القرآن أفضل عند الله في الميزان من التسبيح والتهليل وغيرهما من سائر الأذكار. وقد ورد في الشرع الحث على إكرام صاحب القرآن، ففي الحديث الذي رواه أبو داود وهو حديث حسن، قال: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن) إذا عظمت وأجللت ذا الشيبة المسلم وقدمته وأكرمته وقربته واحترمته، فإنك تجل بهذا وتكرم الله عَزَّ وَجَلّ؛ لأن ما من مسلمٍ يشيب شيبة في الإسلام إلا كانت له نوراً على الصراط يوم القيامة، معنى هذا أن له خبرة وله أقدمية في خدمة الدين، ولذا كان له منزلة، وهذا واقع لدى كل الناس حتى في الدوائر الحكومية، فالذي عنده خبرة طويلة يكون له منزلة في الإدارة، ويكون له منزلة في العمل، فيقدم ويرقى ويعطى فرص أكثر؛ لأنه قديم وعنده خبرة طويلة، كذلك الشيبة المسلم الذي عنده أقدمية وأهلية كبيرة وقدم راسخة في الدين حتى شاب رأسه في دين الله، فهذا يقدم ولكن متى؟ هل الشيبة المسلم الطائع، أما الشيبة المسلم الفاجر والعياذ بالله، فهذا ممن لا ينظر الله إليه يوم القيامة، ففي الحديث: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، منهم: شيخ زانٍ) وفي بعض الروايات: (أُشيمط زانٍ) أي: عمره ستين سنة أو سبعين سنة وهو لا يزال ينظر في النساء ويتتبعهن، ويتمنى الزنا، بل إن بعضهم شيخ كبير ويسافر إلى الخارج ليزني والعياذ بالله. فالشيبة المسلم التقي الورع الملتزم يجب أن تكرمه، لكن كيف تعرف أنه شيبة؟ بعضهم لا تعرف أنه شيبه؛ لأنه يحلق لحيته فكيف تدري أنه شيبة؟ وبعضهم ينتف الشيب، كلما ظهرت شعرة بيضاء انتزعها لا يريدها حتى لا يقال: إنه شيبة، وبعضهم إذا كثر الشيب لا يستطيع أن ينتفه كله، فيصبغه بالسواد وكلما صبغ وجهه بالسواد وجلس يومين أو ثلاث أيام ظهرت الشعر الأبيض فيصبغها. وهناك حديث كنت متوقفاً عنه ولكن بعد أن راجعته عليه ظهر لي أنه صحيح، أخرجه وذكره الإمام السيوطي في صحيح الجامع قال: (يأتي أقوام آخر الزمان يصبغون لحاهم بالسواد كحواصل الطير لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها). الأمر ليس سهلاً فلا تسود وجهك يا أخي! فيسود الله وجهك في الدنيا والآخرة، اترك الشيب في وجهك وإذا أردت تغييره فغيره بما جاءت به السنة بالحناء والكتم، والكتم موجود، تطحنه ثم تخلطه مع الحناء فتخضب به لحيتك. أما أن تصبغ وجهك بالسواد من أجل أن تخدع النساء وتخدع الناس وتخدع نفسك، وتقول: أنا شاب وأنت شايب فهذا لا ينبغي. ولذا قال العلماء: من صبغ وجهه بالسواد ثم خطب امرأة وقبلته بناءً على ما رأت من ظاهره، ثم بعد ذلك اكتشفت أن شيباً فيه فإن لها فسخ العقد، وله أن يطلقها بالقوة؛ لأنه بنى عقده على غرر وخداع وكذب، فاترك الشيب في وجهك يا أخي! الشيب في رأس الفتى لوقاره فإذا تعلاه المشيب توقرا فإن من إكرام الله إكرام الرجل ذي الشيبة المسلم، وإكرام حامل القرآن غير الغالي فيه أو الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط، وهو الرجل الذي مكنه الله بسلطته، والسلطة لا نتصور أنها على مستويات سلطة الملك أو الوزير، لا. السلطة مقسمة من الملك إلى آخر مسئول في الدولة، فكل شخص يلي أمر المسلمين ولو أمر اثنين، لو كنت رئيس قسم وعندك اثنان، أو مدير مدرسة وعندك خمسة مدرسين، أو كاتب وعندك كاتب آخر، فأنت مسئول ولديك سلطة يجب أن تكون عادلاً فيها، فإذا كنت ذا سلطة في أي مستوى وعدلت في هذا الأمر ينبغي إكرامك؛ لأن إكرامك إكرام لله عَزَّ وَجَلّ. وعن جابر رضي الله عنه (أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يجمع بين الرجلين في قتلى بدر وأحد ثم يقول: أيهما أكثر أخذاً للقرآن، فإن أشير إلى أحدهما قدمه وجعله الأول في اللحد)؛ لأنه الأقرب إلى الله عَزَّ وَجَلّ.

من آداب حامل القرآن

من آداب حامل القرآن هناك آداب لحامل القرآن ينبغي مراعاتها.

حامل القرآن والتحلي بأكرم الصفات والشمائل

حامل القرآن والتحلي بأكرم الصفات والشمائل ينبغي لحامل القرآن أن يكون على أكمل الأحوال وأكرم الصفات والشمائل، ما دمت من أهل القرآن فأنت قرآن يمشي، وعليك لوحة أنك من أهل القرآن فلا تخرب؛ لأن أي تخريب يأتي منك إنما ينال أثره من الدين، يقولون: انظروا إلى (المطوع). وأذكر مثالاً: ففي مرة من المرات كنت أريد أن أقطع الشارع لأدخل المسجد لكي أصلي بالناس، وهناك شخص واقف بجواري، فمر شخص في سيارة ولكنه من أهل القرآن ومن أهل الدين إن شاء الله، لديه لحية، فكان مسرعاً يريد أن يدرك الإشارة، فالذي بجواري قال لي: انظر إلى لحيته، فكررها، قلت: ماذا بك؟ قال: انظر إلى لحيته وكيف يسرع؟ قلت: الذي أسرع لحيته أم رجله؟ قال: رجله! قلت: ما ذنب لحيته تحمّلها أثر السرعة، فلحيته لم تنزل تضغط البنزين، رجله هي التي سببت السرعة للسيارة، فقال لي: يا شيخ! هذا (مطوع) الأصل أنه لا يسرع، فقلت له: صدقت! لأن خلق الشاب الملتزم يجب أن يكون معتدلاً حتى في السير، إذا جئت وأردت أن تسير في طريق وهناك شخص يريد أن يقطع الشارع ووقفت له وأشرت إليه بأن يمشي، ونظر إلى وجهك ورأى أثر السنة فيقول: هذا (المطوع) جزاه الله خيراً، انظروا كيف الدين يعلمهم الأخلاق، الدين يعلمهم حتى الأخلاق في السير. أما إذا شاغلته وزاحمته فيقول: انظروا إلى هذا (المطوع) المعقد، فيصب لعناته على الملتزمين وأنهم معقدون، ورغم أنه قد يكون أمامك أناس زاحموه قبلك ولكن لم يسخط عليهم كما يسخط عليك؛ لأنه ينتظر منك أن تكون صاحب خلق. كذلك في البيع والشراء: فبعض الناس إذا جاء يبيع ويشتري، والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (رحم الله امرأ سمحاً إذا باع، سمحاً إذ اشترى، سمحاً إذا قضى، سمحاً إذ اقتضى). هذه دعوة من الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلى من يتعامل مع الناس أن يكون سمحاً إذا باع، لا تكون شديداً وإذا اشتريت أيضاً لا تبخس صاحب المحل، يقول لك: السلعة بعشرة تقول له: بريالين. فهذه ليست سماحة في البيع والشراء، إذا فعلت هذا الفعل وأنت شاب ملتزم وملتحٍ فمباشرة هذا الرجل يكره الدين ويقول: لا تبايع (مطوعاً) فتراه يخرج روحك، بينما قد يكون هناك شخص ليس (مطوعاً) وقد بايعه وأخرج روحه فلم يعب عليه، لكن صاحب القرآن عاب عليه لأنه يعتبره قدوة للآخرين. فإذا أردت أن تشتري فلا تزعج الآخرين، وإذا رأيت السلعة ورغبت بها فخذها وإلا فقل له: بارك الله لك ثم اذهب إلى غيره. ولذا فاجعل من نفسك قدوة للآخرين، وكن سمحاً إذا اشتريت، وسمحاً إذا بعت، وسمحاً إذا اقتضيت شخصاً لك مال عنده فأردت أن تأخذه منه فلا تضيق عليه في أحرج الظروف، ولا في الفرص الصعبة، فهكذا ينبغي لحامل القرآن أن يكون سمحاً، وأن يتحلى بأحسن الصفات وأكرم الشمائل وأكمل الأحوال؛ ليكون قرآناً يمشي على رجلين، يدعو إلى الله عَزَّ وَجَلّ.

حامل القرآن والترفع عن كل ما نهى عنه القرآن

حامل القرآن والترفع عن كل ما نهى عنه القرآن ومن آداب حامل القرآن: أنه ينبغي له أن يرفع نفسه عن كل ما نهى عنه القرآن؛ إجلالاً للقرآن الذي في جوفه. فلا يصلح لك أن تذهب إلى أماكن الرذيلة؛ لأن في جوفك قرآناً كريماً فلا تهينه، يقول أحد الشباب: هداني الله واهتديت، ودرست القرآن والتزمت وأصبحت في أحسن حالٍ، وفي يومٍ من الأيام وأنا خارج من صلاة العشاء وذاهب إلى البيت سمعت زيراً يطرق وزلفة تنقع -في زواج- يقول: وأنا لي مدة مع الزلفة والزير قبل التزامي، فكنت أذهب إليها ولو كانت على بعد عشرات الكيلوهات، قال: فلما سمعتها استغل الشيطان هذا السماع فدخل في قلبي وفي أذني وفي جوارحي، فأخذت ألعب وأنا في مكاني قبل أن يأتي اللعب، ونسيت أنني قد اهتديت والتزمت، فما وجدت نفسي إلا وأنا أفرّق الصفوف لأدخل. فأخذت ألعب وأرقص بلحيتي بعد أن خرجت من المسجد، فبعد أن وقفنا لكي نسمع أنشودة جديدة وإذا بشخص يقبص ظهري، فقال: يا فلان! قلت: نعم. فأخذني إلى خلف الملاعب وقال: يا فلان! إنك قبل وقت قصير كنت تقرأ علينا في المسجد والآن تلعب، انظر شمالاً ويميناً من الذي بجوارك! إنهم السفلة من الناس، فقد كنت في المسجد تقول: قال الله وقال رسوله والآن تلعب؟!! فهذا العمل لا يصلح، إما أن تلعب وتترك الدين لأهله، وإما أن تتمسك بالدين وتسير مع أهله، فوقع كلامه مثل الرصاص في قلبي، فقلت له: صدقت! والله لن ألعب. يقول: فخرجت إلى البيت وجلست طوال الليل لم يأتِ إليَّ النوم من خوف الله عَزَّ وَجَلّ والبكاء، وأنا أصلي وأبكي وأطلب من الله المغفرة. لا يليق أن تذهب بالقرآن إلى أماكن الرذيلة؛ لأنك تهين الذي في قلبك، فعليك أن تكرم القرآن، ونعمة والله يا أخي! أن أنعم الله عليك بالقرآن الذي يحول بينك وبين المعاصي؛ لأنه سور حاجز بينك وبين المعاصي، فإذا أعانك شخص على أن تمتنع من المعاصي فهذا خير عظيم.

حامل القرآن شريف النفس متواضع للصالحين

حامل القرآن شريف النفس متواضع للصالحين ومما ينبغي لحامل القرآن: أن يكون شريف النفس، مترفعاً عن الدنايا، متواضعاً للصالحين، مكرماً للمساكين، وهذا خلق أهل القرآن؛ لأن الله عَزَّ وَجَلّ يقول: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة:54] لكن بغير القرآن لا. يصبح الذي ليس عنده قرآن ذليل عند الكفار عزيز عند المؤمنين، فإذا رأى كافراً تراه متذللاً له، وإذا رأى مؤمناً تراه متعالٍ عليه؛ لأنه لا يوجد في قلبه شيء من القرآن، فلو وُجد في قلبه القرآن حقيقةً لتواضع لأهل الإيمان. وإذا كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو سيد الأولين والآخرين، كان جلساؤه هم الضعفاء والبسطاء والمساكين والمماليك (صهيب الرومي - وبلال الحبشي، وسلمان الفارسي، وابن أم مكتوم الأعمى) ولما جاء في يوم من الأيام وأراد أن يجمع المشركين للجلوس معهم قالوا له: لا نجلس مع العبيد والضعفاء والفقراء، نحن أعزاء وصناديد قريش، فاجعل لنا يوماً ولهم يوماً، فأراد أن يفعل هذا، فقال الله له: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28] أي: لا تجلس مع هؤلاء، ولما دخل عليه الأعمى ابن أم مكتوم، عبد الله بن قيس رضي الله عنه، وهو يريد أن يتعلم من الدين، وكان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشغولاً في مجلسه مع بعض صناديد قريش طمعاً في هدايتهم، والرجل ينادي ويقول: يا رسول الله! علمني مما علمك الله، ولم يعرف بأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشغولاً، ولو أنه عرف أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشغولاً ما تكلم، فكره منه الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الموقف؛ لأنه جاء في وقت غير مناسب وهو مشغول مع هؤلاء، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يطمع أن يجري معهم صفقة الإيمان، حتى إذا أسلموا أسلمت مكة بأسرها، فإنه لم يكن صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشغولاً بصفقة دنيوية أو بصفقة معاملات، وإنما كان مشغولاً بالدين، ولكن قطّب وعبس ولم يتكلم، أي: كشر فقط، فنزل القرآن من السماء يخطّىء الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويعاتبه ويقول: {عَبَسَ وَتَوَلَّى} [عبس:1] عبس أي: قطب جبينه، لماذا؟ {أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} [عبس:2 - 3] {أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى} [عبس:5] فالذي استغنى بماله وسلطته وجاهه من هؤلاء الكفار فأنت له تصدى: {وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى} [عبس:7] أي: وما يضرك سواء أسلم أم لم يسلم، الجنة عندنا لأهل الإيمان، والنار لأهل الكفر والنفاق، لا تحرص على هداهم: {إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} [النحل:37] {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56] {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى} [عبس:3 - 7] ما لك منه شيء، ثم: {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى} [عبس:8] أي: الأعمى {وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى} [عبس:9 - 10]. ثم قال: {كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} [عبس:11] أي: هذا الموقف وهذا العمل الذي عملته يا محمد تذكرةٌ لك، وتذكرة للأمة من بعدك، أَن الناس لا يوزنون ولا يقاسون ولا يفاضل بينهم بموازين الأرض وإنما بموازين السماء: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] أحب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابن أم مكتوم وعرف منزلته عند الله، فكان إذا دخل عليه وهو لمفرده يفرش له رداءه ويقول له: (أهلاً ومرحباً بمن عاتبني ربي فيه). وهذا يبين لك أخلاق النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنه ليس عنيداً، فلو كان شخصاً آخر لكان أخذها نقطة عليه ويقول: هذا الذي سبب لي المشاكل فينتقم منه، ولكن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفرش له الفراش ويقول: (أهلاً بمن عاتبني ربي فيه) فعليك أن تكرم المؤمنين وألا تعز الفاجرين؛ لأنك من أهل القرآن.

حامل القرآن مظهره ووقاره

حامل القرآن مظهره ووقاره وأيضاً ينبغي لحامل القرآن أن يكون مظهره مجللاً بالسكينة والوقار والخشوع، فقد جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه فقال: [يا معشر القراء! استبقوا الخيرات، ولا تكون عيالاً على الناس] لأن السكينة التي تظهر الإنسان بالضعف ليست من الدين، والتكبر والتعالي الذي يظهر للناس العظمة هذا أيضاً ليس من الدين، وإنما التواضع في غير ذلة: من سكينة وخشوع ووقار لأن الوقار جزء من سمات المؤمنين.

حامل القرآن وقيام الليل

حامل القرآن وقيام الليل ينبغي لحامل القرآن أيضاً كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: [أن يعرف بليله إذا الناس نائمون -فإذا نام الناس فصاحب القرآن لا ينام معهم- وبنهاره إذا الناس مفطرون، وبحزنه إذا الناس يضحكون، وببكائه إذا الناس يفرحون، وبصمته وخشوعه وسكوته إذا الناس يخوضون، وبخشوعه وتواضعه إذا الناس يختالون ويتكبرون]. فإذا دخلت مجلساً ورأيت فيه رجلاً صامتاً والناس يخوضون فإنما يلقّن الحكمة، وسكوته إذا كان خوضهم في باطل، بل لا ينبغي أن يجلس ولا بد أن ينصرف، لكن إذا خاضوا في أمور مباحة من الدنيا، ليس فيها غيبة ولا نميمة وهو ساكت لضرورة تعرف من صمته ووقاره وخشوعه أنه يلقّن الحكمة؛ لأنه من أهل القرآن. وعن الحسن رضي الله عنه قال: [إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسالةً إليهم من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل ويعملون بها في النهار] لقد كان السلف يرون القرآن تعاليم ربانية ورسائل إلاهية إليهم، فهم يتدبرونها ويراجعونها ويعرفون أحكامها في الليل، وفي النهار يطبقونها في الواقع العملي، هذا هو شأن أهل القرآن. وقال الفضيل بن عياض: [لا ينبغي لحامل القرآن أن يحتاج إلى أحد غير الله].

حامل القرآن وسؤال الناس

حامل القرآن وسؤال الناس قيل: دخل سالم بن عبد الله بن عمر الكعبة فلحقه أحد خلفاء بني أمية وهو داخل الكعبة، فقال له: هل من حاجة يا أبا عبد الله؟! قال: إني أستحي أن أسأل غير الله وأنا في بيته! فسكت عنه، فلما طاف بالبيت وخرج من البيت لحقه، فقال: يا أبا عبد الله! هل لك من حاجة، ها قد خرجت من بيت الله؟ تريد شيئاً قال: أمِن حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة؟ قال: من حوائج الدنيا أما حوائج الآخرة فليس عندنا، قال: والله ما طلبت الدنيا ممن يملكها وهو الله، أفأطلبها منك وأنت لا تملك منها شيئاً فخجل الأمير خجلاً وتركه وولى. وكان الفضيل بن عياض رضي الله عنه في ليلة من الليالي في بيته، فخرج هارون الرشيد وقال لـ يحيى البرمكي وزيره: اذهب بي إلى عالم من أهل العلم يلين قلبي، فدخل به إلى عالم من العلماء فوعظه وأعطاه مالاً وأخذه ومشى، ثم ذهب إلى آخر فوعظه فأعطاه، ثم أتيا الفضيل فسلما عليه، فرأى يد أمير المؤمنين رطبة، فقال الفضيل: ما أرطب هذه اليد إذا نجت من النار يوم القيامة ثم قال له: عظني فوعظه حتى بكى الخليفة، فقال وزيره: أشفق على أمير المؤمنين، فقال الفضيل: أتقتلونه وأنا أشفق عليه؟! فقال الخليفة: اسكت يا يحيى فسكت! فوعظه ثم وعظه حتى أنه كاد يموت من البكاء، يقول: ثم أعطاه عشرة آلاف درهم فردها إليه وقال: ندله على النجاة، ويدلنا على النار، فتهلل وجه الخليفة من الفضيل وانصرف وهو يثني عليه. يقول الفضيل بن عياض: لا ينبغي لحامل القرآن أن يكون له حاجة إلى أحدٍ غير الله. يقول الشاعر: الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب لا تسألن بُني آدم حاجةً وسل الذي أبوابه لا تغلق اسأل ربك في كل شيء، والله عز وجل ينزّل عليك كل شيء، وخذ بالأسباب والدعاء، وإذا أردت أن تنجح ادع الله وذاكر وهكذا، إذا أردت أن تتوظف اطلب الله في الليل، ولكن في الصباح اذهب وتقدم إلى ديوان الخدمة المدنية، أو على أي مؤسسة حكومية، وإذا أردت زوجة اطلب الله واذهب وابحث واخطب، خذ بالأسباب ولا تجلس وتعطل الأسباب وتقول: إني أدعو الله. وهنا مثال: يذكر أن رجلاً مسكيناً ضاقت عليه سبل الرزق، فكان يذهب كل يوم يبحث عن رزق فلا يجد شيئاً، ولكن الله لا يضيعه فيرسل إليه الرزق، وفي يوم من الأيام لقيه أحد التجار الأثرياء فقال له: أين تعمل؟ قال: ليس عندي عمل، فقال له: من أين تأكل؟ قال له: أبحث عن الرزق فلم أجده، ولكن الله لم يتركني فيرسل إلي رزقاً من عنده! قال له: من أين يأتيك؟ هل ينزل إليك من السماء كيس فيه بر وسمن وعسل؟ قال: الله عَزَّ وَجَلَ على كل شيء قدير، فسخر منه وتوعده وتركه، وبعد يومين عاد إليه التاجر، وقال له: عندي لك شغل، فقال له: نعم، فأدخله التاجر إلى مزرعته وفي المزرعة بئر ليس فيها ماء، وقال له: لقد ضاعت عليَّ صرة في هذه البئر فيها نقود، فلم أستطع إخراجها فأريد أن تنزل في هذه البئر وتأخذ الصرة وتأخذ منها أجرتك، فوافق الرجل. فأخذ التاجر الحبل وربطه فيه وأنزله إلى البئر، فعندما وصل إلى البئر رمى التاجر بالحبل، وقال له: اجلس مكانك حتى يأتيك من السماء كيس فيه بر وسمن وعسل -من باب النكاية والاستهزاء به- فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون، وذهب التاجر وعاد إلى دكانه، وكان هذا التاجر شديد البخل، وعنده مخازن من الطعام، والمفتاح في جيبه يخرج طعام كل يوم في يومه، ويخرج لامرأته قليلاً من الطحين، وقليلاً من السمن، وقليلاً من اللحم، فكانت المرأة إذا أعطاها شيئاً ادخرت منه شيئاً يسيراً للأيام الطارئة إذا نزل عليهم ضيف، أو يكون غير موجود، فكانت خلال مجموعة من الأيام قد وفّرت كميةً من الدقيق والعسل والسمن، وفي ذلك اليوم الذي جاء التاجر بالعامل وأدخله في البئر تذكرت هي وخادمتها أنها جائعة، فصنعت البر والسمن والعسل، ولكن التاجر طرق الباب والطعام جاهز وهن يأكلن، وإذ بالتاجر يدخل البيت يريد غرضاً، فقالت المرأة: إذا دخل ورأى الأكل فسيذبحنا واحدة تلو الأخرى، فسيقول: من أين سرقتموه؟ فقالت الخادمة: أين نذهب به؟ فقالت المرأة: ضعيه في كيس واربطيه بحبل وأنزليه في البئر إلى أن يخرج فنأتي به ونأكله، قالت الخادمة: نعم. فأتت بكيس ووضعت فيه السمن والبر والعسل، وربطته بحبل وأنزلته إلى البئر وإذا بالرجل جالساً يذكر الله، فلم يشعر إلا والكيس على رأسه، فنظر إليه وإذا بالكيس فيه السمن والعسل والبر، ثم أخذه فأكله وجلس يذكر الله إلى المغرب، فأتى التاجر قبل غروب الشمس وقال للرجل في البئر: هل أتاك البر والسمن والعسل، قال: نعم والله، أتاني كيس فيه بر وسمن وعسل. فأنزل له حبلاً وقال له: اربط نفسك واصعد؛ فربط نفسه وصعد، وقال الرجل وعليه أثر السمن: الحمد الله لقد شبعت، فقال التاجر: هذا أمر عجيب!! ثم ذهب التاجر إلى زوجته فقال لها: من الذي ترك السمن والبر والعسل في البئر؟ فقالت المرأة: لا تذبحنا نحن نقر لك بالخبر، أنت كلما أعطيتنا طعام يوم أبقينا منه شيئاً حتى إذا أتى إلينا ضيف أو حصل أمر طارئ جمعناه وإذا بنا نأكل منه، فبينما نحن نأكل أتيت علينا فتركناه في البئر وإذا بالجن قد أكلوه، فعلم الرجل وقال: آمنت بالله. إن التوكل والاعتماد على الله عظيم، ولكن مع الأخذ بالأسباب، فلا تأخذوا كلامي هذا وتجلسوا في البيوت وتقولون: إن كل واحد منا يأتيه بر وسمن وعسل، وإنما خذوا بالأسباب والله هو الرزاق ذو القوة المتين. فالرجل كان يمشي ويعرض نفسه على الناس، لهذا لما عرض عليه التاجر العمل لم يتردد، ولم يقل: إنه سيأتيني كيس، وإنما قال: أذهب وأشتغل.

حامل القرآن والإكثار من التلاوة

حامل القرآن والإكثار من التلاوة أيضاً: ينبغي لمن يقرأ القرآن: أن يحافظ على تلاوته ويكثر منها، وقد كان السلف رحمهم الله شأنهم الإكثار من تلاوة كتاب الله، ويتفاوتون في قدر ما يقرءون من القرآن الكريم، فمنهم من كان يختم في كل شهر مرة وهذا أقلهم، يقرأ في كل يومٍ جزءاً، وهذا أمر سهل، وقد ذكرته مرة من المرات في جلسة من الجلسات، وأخبرني بعض الإخوة أنهم تمسكوا به وأنهم ما ملوا منه أبداً، بل من أسهل الأشياء أن تجعل لك في كل يوم جزءاً، وليكن الجزء الموافق للتاريخ نفسه مثلاً: في اليوم التاسع والعشرين ينبغي أن تكون في الجزء التاسع والعشرين، وغداً يكون التاريخ واحداً تختم الجزء الثلاثين في الليل، ثم في الصباح تبدأ بالجزء الأول وهكذا؛ لأن هذا يسهل عليك عملية المراجعة فتستطيع أن تقرأ وأنت في المكتب أو المسجد أو البيت؛ وبذلك تعرف أنك في الجزء العاشر إذا كنت في اليوم العاشر من الشهر، وفي الجزء الثامن إذا كنت في اليوم الثامن من الشهر وهكذا، وبالتالي تختم القرآن في كل شهر مرة. أما إذا لم تعمل هذا العمل فإنه يصعب عليك، ويمكن ألا تختم القرآن في السنة ولو حتى مرة. وكان بعضهم يختم في كل عشر ليالٍ ختمة، وبعضهم وهو الأكثر من السلف كان يختم في كل أسبوع مرة، وكان بعضهم يختم في كل ثلاثة أيام، ولا أقل من ذلك، فقد روى أبو داود والنسائي والترمذي أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لا يفقه من يقرأ القرآن في أقل من ثلاث) وقد وردت بعض الآثار أن عثمان رضي الله عنه كان يختم في كل يوم مرة، وكذلك الشافعي أثر عنه أنه ختم في رمضان ستين مرة -ختمة في الليل وختمة في النهار-؛ لأن ألسنتهم أصبحت مثل الآليات على القراءة، مارسوا فيها قراءة القرآن ممارسة عظيمة جداً، فلا يجدون تعباً في القراءة. ويستطيع الشخص منهم أن يقرأ القرآن في عشر ساعات أو في إحدى عشرة ساعة، وقد جربت أنا هذا، فعندما كنت في مسجد النمصا استطعت أن أختمه في أقل من ثلاث عشرة ساعة يتخللها الصلوات، لكن لو أن شخصاً جلس لا ينصرف أبداً عن القرآن، فإنه يستطيع أن يختم في عشر ساعات أو في ثمان ساعات؛ لأنه يقرأ الجزء في ربع ساعة أو الثلاثة أجزاء في ساعة واحدة. ينبغي لكل شخص أن يكون له ورد من صلاة الليل، يقرأ فيه القرآن سواء نظراً أو غيباً؛ لأن الله أثنى على من يقرأ القرآن في قيام الليل، فقال: {ومِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران:113] * {يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران:114] إذ أن قراءة القرآن في الليل أجمع للقلب، خصوصاً إذا كان بصوتٍ نديٍ طري، وهو أبعد عن الشواغل والملهيات؛ لأن الناس في سكون ولا يوجد أحد يشغله، وهو أصون عن الرياء، فتدخل غرفتك وتضيء المصباح إضاءة خفيفة، وتأخذ مصحفك ثم تصلي لله كما تشاء، ركعتين أو أربع أو ست أو ثمان أو عشر، إلى قريب الفجر، ثم توتر قبل أن يؤذن لصلاة الفجر. وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (من قام بعشر آيات -أي: من صلى الليل بعشر آيات خمس آيات في ركعة وخمس أخرى في ركعة- لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتبه الله من القانتين، ومن قام بألف آية كتبه الله من المقنطرين) الذين يأتون يوم القيامة بقناطير، وهذا الحديث رواه أبو داود وغيره. فعليك أن تجعل هذا الحديث نصب عينيك، فلا تفوت الفرصة، ولا تجعل الليل يذهب بدون قيام مهما كانت أشغالك، ومهما كانت التزاماتك، فليس لديك عذر أبداً. فصل حتى ولو ركعتين، نعم. قد تجد صعوبة في بداية الأمر ولكن هذه الصعوبة تتذلل إذا علم الله منك صدق اللجوء وقوة اليقين، بل ويعينك ويوقظك قبل الموعد بدقائق، بإذن الله، وهذا شيء مجرب. وعليك إذا كنت متزوجاً أن تنبه زوجتك أن تكون لك عوناً على هذا الأمر، ولا بد أن توقظك لقيام الليل وأن تقوم معك، وعليك أن تبين لها هذه الأحاديث والأدلة على فضله، وليس شرطاً أن تقوم كثيراً، لا. وإنما تقوم بثمان طويلات أو أربع، وأقل شيء ركعتين ولو كانت خفيفتين.

حامل القرآن والحذر من النسيان

حامل القرآن والحذر من النسيان ينبغي لحامل القرآن أن يتعاهد القرآن وأن يحذر من أن ينساه؛ لأنه ثبت في الصحيح عند البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها). فالبعير إذا رأيته معقلاً هل يرغب بالعقال أم يريد أن ينفك منه؟ A لا يمكن أن يرضى إلا أن يفك القيد وينطلق. فكذلك القرآن في قلب من يحفظه أشد تفلتاً من الإبل من عقلها، ولكن عليك أن تلتزم به وبتلاوته المستمرة وبتدبره، أما إذا لم تعمل به أو لم تقرأه أو تتلوه فإنه يذهب ولا يبقى معك منه حرف واحد والعياذ بالله. وعن ابن عمر رضي الله عنه قال: [إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقلة إن عاهد عليها رباطها وعقالها أمسكها وإن أهملها أطلقت نفسها وذهبت]. فالقرآن إن تعاهدته فإنك تحتفظ به، وإن تركته فإنه ينفلت منك. وعن سعد بن عبادة رضي الله عنه قال: [من قرأ القرآن ثم نسيه لقي الله عَزَّ وَجَلّ يوم القيامة وهو أجذم] والحديثان كلاهما في الترمذي وفيهما مقال، ولكن كما يقول أهل العلم: لهما شواهد، أي: بعضها يعضد بعضاً، قال صلى الله عليه وسلم: (عرضت عليَّ ذنوب أمتي فلم أر فيها ذنباً أعظم من رجل أوتي شيئاً من القرآن ثم نسيه) فحاول يا أخي المسلم! يا من وفقت للقرآن أَلا تنسى كلام الله؛ لأن نسيانك له يدل على الحرمان والخيبة -والعياذ بالله- وعلى سوء المنقلب والمصير. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة

حكم أداء فريضة الحج عن الميت

حكم أداء فريضة الحج عن الميت Q والدتي نوت قبل وفاتها أن تحج عن أمها أو تؤجر من يحج عنها، ولكنها توفيت قبل أن تفي بما نوت، علماً بأن لدي خال (شقيق والدتي) وهو في مكة وعلى قيد الحياة، ولكنه لم يعمل شيئاً لوالدته، فما الحكم؟ علماً بأني أرغب بتنفيذ رغبة والدتي؟ A جزاك الله خيراً، مادامت جدتك لم تحج وأمك لم تحج عنها، وقد نويت أن تحج عنها، وأنت ترغب في أن تقوم بهذا الأجر العظيم، فبارك الله فيك، وفي هذه السنة حج عن جدتك، ولك مثل أجرها دون أن ينقص من أجرها شيء، وتسقط الفريضة عن جدتك، وإن لم تكن قادراً على الحج، فإنه بإمكانك أن تبحث عمن يحج مقابل مبلغ تعطيه له، ولكن اختر من طلبة العلم المخلصين الذين يعرفون كيف يؤدون هذه الشعيرة ولا يتاجرون بها؛ لأن من الناس من يأخذها تجارة، لم يحج لنفسه وقد حج لغيره ستين حجة، وكل سنة يأخذ ألفين ريال أو ثلاثة ألف ريال، فيصبح تاجراً للحجج. أما من حج حجة الإسلام وكان محتاجاً إلى أن يحج، وأدى هذه الأمانة على خير وجه، وقام بها على أفضل أداء، فإن له أجراً إن شاء الله، وله أيضاً أجرة إن شاء الله.

كيفية التعامل مع من يصلي أحيانا ويتركها أحيانا

كيفية التعامل مع من يصلي أحياناً ويتركها أحياناً Q أسكن مع عمي وهو الذي رباني؛ لأن أبي قد توفي، ولكن عمي لا يصلي، ويعرف حكم الصلاة ولا يبالي، وحتى الصلاة إذا صلى لا يصليها إلا في البيت ما عدا صلاة المغرب، ولكن في رمضان فقط يصليها في المسجد، ومشكلتي هي: هل أواصل دراستي في الجامعة وأقبل منه المصروف، وهل أقبل أن يزوجني على حسابه الخاص؟ وهل أعيش معه في البيت؟ وهل يجوز أن أقابل زوجته علماً بأن المكان ضيق، وأنا أسكن معهم في البيت الضيق؟ A أولاً: واصل دراستك في الجامعة بارك الله فيك؛ لأنك لا تستطيع أن تنفصل عن عمك في إمكانياتك الذاتية، فواصل دراستك. ثانياً: مسألة زواجك من ماله فإن كان ماله الذي يدخل عليه من طريق حلال فلا مانع من أن تقبل ذلك وتستفيد من زواجك إن شاء الله بهذا المال وتحصن فرجك، أما إذا كان ماله يجمعه من الحرام فلا يجوز أن تأخذ منه. ثالثاً: عيشك معه في البيت: فما دمت محتاجاً فلا مانع أن تبقى معه في البيت، وإثمه على نفسه، لكن إذا كنت قد تخرجت من الجامعة وأصبحت مستقلاً فينبغي عليك أن تفارقه وتنصحه وتهديه إلى الله، فإن استجاب وإلا فتحول أمرك إلى الله. رابعاً: أما العيش في البيت، وزوجته التي تكشف عليك والبيت ضيق، فأنت لا تستطيع أن تلزمها أن تتغطى، ولكن تستطيع أن تلزم نفسك بأن تغض بصرك، ولا تنظر إليها إلا نادراً بقدر الضرورة، ولا تحملق ببصرك فيها، غض بصرك حتى إذا كلمتك تكلمها وأنت غاض لبصرك، وإذا قالت: ما لك غاض لبصرك؟ قل لها: لأن الله أمرني بغض بصري، وأمركِ بالحجاب، لكنك ما تحجبتِ، أنا أغض بصري، لأن لي أمراً على عيوني.

ضوابط تعامل الخاطب مع مخطوبته

ضوابط تعامل الخاطب مع مخطوبته Q لي خطيبة وهي ابنة عمي، والخطبة سوف تستمر طويلاً، وأنا لا يمكن أن أتزوج حتى أتخرج، فكيف أعامل خطيبتي؟ وهل يجوز لي أن أهدي لها شيئاً؟ وهل يجوز أن أختلي بها لفترة بسيطة حتى أحدثها عن أمور الزواج؟ A المخطوبة على نوعين: إما خطيبة قد عٌقد بها، فهذه خطيبة يجوز لك أن تفعل معها كل شيء؛ لأنها زوجتك فتجلس معها وتختلي بها. وأما مخطوبة تنوي أن تتزوج بها، ولكن إلى الآن لم تصبح زوجة لك فهذه يحرم عليك حرمةً قاطعة أن تحدثها، أو تجلس معها، أو تختلي بها، أو تهدي لها، أو تصنع معها أي شيء، إلا شيئاً واحداً وهو: الرؤية المجردة من الفتنة بحضور وليها. فيجوز لك أن تدخل عليها في مجلس وأبوها موجود، أو وليها أو أمها، وتنظر إليها مقبلةً ومدبرةً ثم تنصرف، أما أن تصنع كل شيء على أساس أنك سوف تتزوج بها بعد سنين فهذا لا يجوز.

الحزن من هموم الدنيا والبكاء من خشية الله

الحزن من هموم الدنيا والبكاء من خشية الله Q كلما تكثر علي هموم الدنيا أذهب إلى فراشي في الليل وأستمع إلى القرآن وأبكي بكاءً شديداً، وفي الصباح أقول لنفسي: كيف أبكي من هموم الدنيا ولا أبكي من خشية الله، والسؤال: هل يجوز لنا أن نحزن من أجل الدنيا خصوصاً والأيام صعبة؟ A أولاً: كونك تحزن من هموم الدنيا فهذا شيء طبيعي في البشر، هكذا ركب الله الفرح في البشر من أجل الدنيا، والحزن من أجل الدنيا، ولكن ينبغي أن توطن نفسك بأن يكون الحزن والهم كله للآخرة؛ لأن من جعل الهم هماً واحداً وقاه الله شر كل هم، ومن تشعبت به الهموم لم يبالِ الله فيه بأي وادٍ هلك، فلا تجعل همك الوظيفة، ولا تجعل همك الزوجة، اجعل همك الأول والأخير كيف يكون الله راضٍ عنك؟ كيف تنجو من عذاب الله؟ كيف تدخل الجنة؟ كيف تكون على أحسن وضع يرضاه الله عَزَّ وَجَلّ لك؟ فإذا جعلت هذا همك، يسر الله لك كل شيء؛ لأنه من يتق الله يجعل له مخرجاً، وإذا جاءك بكاء في ليلة من الليالي وأنت تسمع القرآن وكان هذا من أجل خشية الله، كان ذلك من أعظم المنازل، أما إذا كان البكاء من أجل الدنيا والحزن عليها، فعليك أن تعوَّد نفسك على أَلاَّ تحزن إلا من أجل الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى.

حكم تخصيص شهر رجب بعبادة مستقلة

حكم تخصيص شهر رجب بعبادة مستقلة Q قلت لبعض الناس في القرية: لا يجوز تخصيص شهر رجب دون غيره بصيام؛ لأن الناس يعظمون هذا الشهر، ولكن سمعت أن هذا الشهر عظيم والصيام فيه أعظم فأرجو التبيين؟ A ليس في شهر رجب عن غيره من سائر الشهور فضيلة في صيامٍ أو قيام أو صدقةٍ، وما ورد فيه من أحاديث فيه تدور بين الضعف والوضع، هكذا يفتي سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، أنه لم يكن صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخصص رجب بأي شيء من العبادات، وإنما هو شهر من الشهور، وأما ما يخصصه الناس من ليلة سبع وعشرين أنها ليلة الإسراء والمعراج فيحيون ليلها بالقيام، ويتصدقون فيها، ويصنعون هذه الاحتفالات فهذا من البدع، وهذا لم يفعله رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنه أسري به وأخبر الصحابة، ولو أن هذا الأمر مشروع لاحتفل به هو؛ لأنه صاحب العلاقة الأولى، ولو كان هذا الأمر مشروعاً لاحتفل به أصحابه أو سلف هذه الأمة، فلما لم ينقل أنه فعله ولم يفعله أصحابه ولا سلف هذه الأمة دل هذا على أن هذا الأمر مبتدع، وما لم يكن في ذلك الزمان بدين فليس في هذا الزمان بدين، بل إن علينا أن نتبع ولا نبتدع. والله يقول: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21] هذا رغم أن المؤرخين اختلفوا في كون ليلة الإسراء والمعراج في السابع والعشرين أو في غيرها، ولكن على فرض صحة كونها في ليلة سبع وعشرين فإنه لا يجوز أن نعمل بأي عمل إلا بأمرٍ من الله، أو من رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

حكم ترك الطبيب لصلاة الجماعة

حكم ترك الطبيب لصلاة الجماعة Q أنا طبيبٌ في المستشفى، وكثيراً ما يشغلني عملي وكثرة المرضى في وقت الصلاة، فأضطر إلى تأخيرها، وأحياناً أصلي الجمعة صلاة ظهرٍ فما رأيكم؟ A الطبيب في المستشفى أحد طبيبين: إما طبيب يمارس العلاج العادي للمرضى الذين يقفون أمامه، والذين لا يترتب على تأخير علاجهم مفسدة، فهذا المفروض في حقه أنه إذا سمع المؤذن أن يضع قلمه وسماعته ويذهب إلى وضوئه ومسجده ثم يعود ويعالج، ولا يجوز له أن يؤخر الصلاة متذرعاً على أنه يعالج، فإن هذا الطبيب الذي يعالج وهو يؤخر الصلاة ليس في علاجه بركة، أما الطبيب الذي يصلي يجعل الله في علاجه بركة بإذن الله عَزَّ وَجَلّ. الطبيب الثاني: هو الذي تدركه الصلاة وهو في عمل جراحي خطير لو تركه وذهب يصلي مات الإنسان، مثل الطبيب الجراح إذا دخل غرفة العمليات -مثلاً الساعة التاسعة صباحاً- وكان من المتوقع أن ينتهي من العملية الساعة الثانية عشرة ويصلي الظهر، لكن طالت العملية ولم ينته إلا الساعة الواحدة ظهراً وأذن المؤذن فلا يجوز له أن يترك هذا المريض يموت ويذهب ليصلي؛ لأنه يترتب على ذلك ضرر ومفسدة، فذهابه ضرر لهذا المسلم، فعليه أن ينهي عمله ويكمل عمليته ثم يذهب ليصلي وله أجر الجماعة بإذن الله عز وجل؛ لأن الذي منعه مصلحة المسلمين وحرصه على حياة هذا المسكين. أما يوم الجمعة: فإنه إذا كان هذا الطبيب مطلوب منه المناوبة ولا يوجد في المستشفى خطبة جمعة، فإنه يجوز له أن يصلي ظهراً شأنه بذلك شأن الجندي المرابط على الحدود، أو الجندي المطلوب منه حراسة على إدارة، أو الموظف المطلوب منه المداومة أو المرابطة في عمل، فلا يجوز له أن يترك هذا الموقع ويذهب ليصلي بل يصليها ظهراً.

حكم ترك صلاة الجماعة

حكم ترك صلاة الجماعة Q ماذا تقول في الذين يصلون جميع الفروض في البيت؟ A الذي يصلي جميع الفروض في البيت ولا يصلي في المسجد هذا والعياذ بالله على خطرٍ عظيم، وقد قال بعض أهل العلم بأن صلاته غير صحيحة، منهم: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقد ذكر في الاختيارات الفقهية أن صلاة الجماعة شرطٌ في صحة الصلاة، ووضح الأحاديث التي في الصحيحين أن صلاة الرجل مع الجماعة تفضل على صلاة الفرد بسبعٍ وعشرين درجة، فقال بعض أهل العلم: ما دام أن صلاة الإنسان في بيته بدرجة فإنها مقبولة، قال: لا. إن المفاضلة هنا بسبعة وعشرين درجة، ودرجة لمن صلى في البيت لعذر، صلى في البيت لإنه كان نائماً، أو صلى في البيت لأنه كان مريضاً، أو صلى في البيت لأنه كان خائفاً، فهذا له درجة، أما من صلى في المسجد فله سبعة وعشرون درجة، وليس هناك مجال للمفاضلة بين ما هو واجب وبين ما هو محرم؛ لأن علماء الأصول يقولون: المفاضلة بين الأمور المستوية بالحكم، أو تفاضل في الواجبات، أو تفاضل في المستحبات، تفاضل في المسنونات، أما تفاضل بين واجب ومحرم فلا. فالواجب هو إتيان الصلاة في المسجد، والمحرم هو إتيان الصلاة في البيت، فلا يمكن أن نقول: إن صاحب المحرّم له درجة، وصاحب الواجب له سبعة وعشرون درجة، فالذي لا يصلي جميع الفروض في المسجد فهذا عطل سنة الله، والحديث في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هذه الصلوات الخمس حيث يُنادى بهن، فإنهن من سنن الهدى، وإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق). والله عَزَّ وَجَلّ يقول: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43] أي: مع المصلين، ويقول عَزَّ وَجَلّ: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [النور:36] * {رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور:37] * {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور:38] ويقول الله عَزَّ وَجَلَ حكايةً عن أهل النار حينما يسألهم أهل الجنة: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر:42] * {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:43]. يقول المفسرون: يمكن أنهم كانوا يصلون ولكن لم يكونوا مع المصلين، فلا ينبغي لمسلم يخاف الله أَلا يصلي الفريضة إلا في المسجد، وإلا لماذا بنيت المساجد؟ وحديث الأعمى في الصحيحين: (قال: يا رسول الله! إني رجل أعمى شاسع الدار -أي: بعيد- ليس لي قائد يقودني، والمدينة كثيرة الهوام والسباع، فهل أجد رخصة أصلي في بيتي، قال: أتسمع النداء قال: نعم. قال: أجب، فلا أجد لك رخصة) من يقوده؟ ومن يمنعه؟ فكيف تصلي في بيتك والمساجد تحيط بك من كل جانب، وتسمع النداء يخرق أذنك من كل مأذنة والشوارع مزفلتة ومضاءة كأنك تخرج في النهار ولست بأعمى، وأنت شابع في بطنك، آمن في وطنك، معافى في جسدك، تقوم من غرفتك إلى حمامك الماء حار تغسل في إناء نظيف تلبس من أحسن الملابس تخرج إلى المسجد فهل لك عذر أن تصلي في البيت؟ إذا كان الله لم يعذر هذا الأعمى ولا رسوله فكيف يعذرك إلا النفاق؟ أما المنافق: فلا يريد الصلاة في المسجد ولكنهم جنوا على أنفسهم يوم القيامة، سوف يندم ندامة لا يمكن أن يخرج منها والعياذ بالله. هذا وأسأل الله لي ولكم التوفيق في الدنيا والآخرة.

الإيمان حقيقته وشعبه

الإيمان حقيقته وشعبه لقد بعث الله بالإيمان الرسل، وأنزل به الكتب، إلا أن من حكمة الله أن هذا الإيمان لا يمثل حقيقته كل أحد، إذ أن حقيقته لا تتحصل إلا بتحقيق لوازمه اللفظية، والقلبية، والعملية. وكما أن لهذا الإيمان حقيقة، فله أيضاً شعب بعضها قوليّ، وبعضها قلبي، أو عملي، وعلى قدر الإتيان بهذه الشعب يزيد الإيمان وينقص.

الإيمان زاد الرحيل إلى الآخرة

الإيمان زاد الرحيل إلى الآخرة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الأحبة في الله: أعظم ما يملكه الإنسان ويحرص على تحصيله في هذه الحياة هو الإيمان الإيمان الذي تتحقق به للإنسان سعادة الدارين، والفوز والفلاح في الحياتين، فلا سعادة في الدنيا إلا بالإيمان، ولا فلاح من العذاب في الآخرة إلا بالإيمان؛ بالإيمان تعرف حقيقة الخلق وحكمة الوجود، وتشعر بلذة وطعم الحياة، وتتصل بخالق الأرض والسماء، ويستقيم سيرك على درب الحياة، وتعرف كيف تتعامل مع الكون والحياة من حولك. وحينما تغادر الحياة في الرحلة الإلزامية، والسفر الإجباري الذي كتبه الله تعالى على كل مخلوق -لا بد من الرحيل إلى دار القبور، لا أحد يستطيع أن يمنع نفسه من الموت- حينما تلزم بالارتحال، وتخرج من الدنيا رغم أنفك. لهوت وغرتك الأماني وحينما أتمت لك الأفراح فوجئت بالقبر والآخر يقول: ما للمقابر لا تجيب إذا رآهن الكئيب حفر مسقفة عليهن الجنادل والكثيب فيهن أطفال وولدان وشبان وشيب كم من حبيب لم تكن عيني لفرقته تطيب غادرته في بعضهن مجندلاً وهو الحبيب في تلك الرحلة لا تنتفع بشيء: لا مال، ولا ولد، ولا جاه، ولا منصب، ولا رتبة، ولا مرتبة، ولا ينفعك في تلك اللحظات الحرجة وفي تلك الأيام الصعبة إلا الإيمان، في بيت الوحشة والظلمة والدود، لا ينفع هناك أحد. يا من بدنياه اشتغل وغرَّه طول الأمل وقد مضى في غفلة حتى دنا منه الأجل الموت يأتي بغتةً والقبر صندوق العمل لا ينفعك في القبر وعرصات القيامة إلا الإيمان: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2] لا ينجو من تلك الأهوال إلا أهل الإيمان. يوم تزفر جهنم، وتتزين الجنة: {وَأُزْلِفَتْ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} [ق:31 - 34]. هنا الفخر والمجد والشرف والعزة، هنا الفوز والفلاح أيها الإخوة! لكن لمن؟ لمن آمن وعمل صالحاً، ولكن: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:35].

حقائق الإيمان الثلاث

حقائق الإيمان الثلاث هذه الكلمة: (الإيمان) لها حقيقة وصورة، ولكن الصورة لا تغني عن الحقيقة شيئاً، فالصورة تعطي فكرة عن الحقيقة لكن لا تؤدي دور الحقيقة، إذا رأيت صورة سيارة، تعرف من الصورة أن هذه سيارة، لكن هل تستطيع أن تقطع بها مسافة؟ أو أن تركب عليها وهي في الورق؟ A لا. إذا أريتك صورة عمارة، تعرف من الصورة أنها عمارة، لكن هل تسكن في شقة في الورق؟ الجواب: لا. إذا أخذت فئة خمسمائة ريال -ورقة مالية- وصورتها وكانت الصورة طبق الأصل: الرقم، والتوقيع، والفئة، وكل شيء، هل تستطيع أن تشتري بالصورة حزمة كراث بريال؟ الجواب: لا. لماذا؟ لأنها صورة. وإذا أعطيتها صاحب المخبز، وتريد رغيفاً، يقول: اذهب، هذه صورة لا تنفع، لكن أظهر الخمسمائة الريال الحقيقية، تشتري بها حمولة سيارة، لماذا؟ لأن هذه حقيقية وتلك صورة. والإيمان له حقيقة، وله صورة، صورته النطق باللسان، والادعاء والبيان دون أن تقيم على هذا الادعاء والبيان دليلاً من العمل الصالح لا ينفع، أما حقيقة الإيمان فهي: حقيقةٌ غالية ذات قيمة باهظة، وتكاليف ثقيلة، الإيمان له ثلاث حقائق عند أهل السنة والجماعة: حقيقة لفظية، وحقيقة قلبية، وحقيقة عملية، ولا بد من توفر الثلاث، وإذا نقصت واحدة فسد الإيمان وتحول إلى إيمان صوري.

حقيقة الإيمان اللفظية

حقيقة الإيمان اللفظية والحقيقة الأولى: حقيقة لفظية لسانية، وهي الإعلان والشهادة بأنه لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه هي الركن الأعظم من أركان الإسلام، وهي أساس الدين، وهي أول مطلب يطلب من أي إنسان يريد الدخول في الإسلام، فإذا أراد الإنسان -وهو كافر- أن يدخل في دين الله، فإنه لا يقبل منه أي شيء حتى يعلن هذه الكلمة، فلو صلى قبل أن يشهد أن لا إله إلا الله، فما حكم صلاته؟ A مردودة، لو صام قبل أن يشهد أن لا إله إلا الله، فما حكم صيامه؟ الجواب: باطل ومردود، لو قاتل حتى مات، ما حكم قتاله وموته؟ الجواب: مات على الكفر؛ لأنه ما شهد أن لا إله إلا الله، وما أعلن هذه الكلمة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ولا بد منها، وهي أول واجب، وهي أيضاً آخر كلمة يقولها الإنسان حينما يموت، والذي يلهم هذه الكلمة عند الموت هذا دليل على أنه صادق قد أدى مقتضياتها حينما كان حياً، ولهذا جاء في الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة). فمن علامات حسن الخاتمة أن يلهم المسلم كلمة: (لا إله إلا الله) عند الموت، ولكن من هو الذي يوفق لها؟ هو الذي قالها وصدق وحققها، أما من قالها بلسانه، ولم يحققها بفعلها بجوارحه؛ فهذا يصرف عنها، ولا يوفق إليها عند الموت، بل إذا قيل له: قل: (لا إله إلا الله) يرفض، ولا يستطيع أن ينطق بها؛ لأنه خانها وما أدى أمانتها، هذه كلمة (لا إله إلا الله) وهي تمثل أساس الدين. وطبعاً من متضمنات (لا إله إلا الله): (محمد رسول الله)، هي كلمة الإخلاص، ولهذا؛ أركان الإسلام خمسة: الركن الأول: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فليست ركنين بل ركن واحد. ومعنى (لا إله إلا الله): تجريد الإخلاص في العبادة لله وحده، ومعنى (محمد رسول الله): تجريد المتابعة في العبادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحده، فلا معبود بحق إلا الله، ولا مُتَّبَع بحق إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا معنى (لا إله إلا الله محمد رسول الله) وهي الحقيقة الأولى.

حقيقة الإيمان القلبية

حقيقة الإيمان القلبية الحقيقة الثانية: حقيقة قلبية: وهي أن تصدر هذه الكلمة من قلبٍ يعتقدها ويقر بها ويصدقها، لا تكون كلمة من اللسان؛ لأن الكلمة من اللسان بغير تواطؤ القلب عليها نفاق، والله سبحانه وتعالى قد رد هذا الإيمان في أول سورة البقرة، قال عز وجل: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة:8] هم قالوا: آمنا، ولكن الله يقول: {وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة:8] أي: كاذبين، وقال: {مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} [المائدة:41] فلا بد من تواطؤ القلب واللسان، فاللسان يعبر، والقلب يعتقد، ثم تأتي الحقيقة الثالثة من حقائق الإيمان.

حقيقة الإيمان العملية

حقيقة الإيمان العملية الحقيقة الثالثة: العمل: وهي العمل، والتطبيق، والاستسلام، والخضوع لله عز وجل في فعل الأوامر، وترك النواهي بالجوارح، ويقول أهل العلم: إن الحقيقة الثالثة هي التي تصدق كلمة اللسان، واعتقاد القلب، فإذا اعتقد بقلبه، وقال بلسانه؛ برز هذا الاعتقاد في سلوكه وواقع حياته، أما إذا قال بلسانه وزعم أنه يعتقد بقلبه، ثم نظرنا إلى أعماله فلم نجد أثراً لهذا الاعتقاد الذي زعمه أو لهذا القول الذي لفظه، ولم نجد له أثراً ولا فعاليةً في سلوكه، ولا في ممارساته، ولا عبادته، عرفنا أنه كاذب. ولذا ما جاء لفظ الإيمان في القرآن مجرداً، وإنما جاء مقروناً بالعمل الصالح: قال تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الشعراء:227]، وقال تعالى: {إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً} [سبأ:37]. إذ لا يكفي أن تقول: آمنت، بلسانك، ولا يكفي أن تدعي أنك آمنت بلسانك وصدقت بقلبك، حتى تقيم على هذا الادعاء دليلاً من فعلك، وهو التكاليف الشرعية، أمراً ونهياً، والتكليف الشرعي له شقان أوامر أمر الله بها: عقيدة صافية، صلاة، صيام، زكاة، حج، بر، صلة، فعل خير، أمر بمعروف، نهي عن منكر، ذكر الله، دعوة إلى الله، تلاوة لكتاب الله هذه اسمها أوامر. ونواهٍ ومحرمات، تمنع شرعاً حتى الاقتراب منها: عينك غضها عما حرم الله، لسانك كفه عن الحرام، أذنك احفظها من الحرام، يدك كفها عن الحرام، رجلك لا تمش بها إلى الحرام، بطنك لا تدخل فيها حراماً، فرجك لا تطأ به في حرام، هذه نواهٍ. فإذا رأينا رجلاً يمتثل الأوامر، ويجتنب النواهي؛ عرفنا أنه صادق، أما رجل يقول: آمنت بالله، وأنا مصدق بالله، ولكن لا يفعل أمراً، ولا ينتهي عن نهي؛ فهذا كاذب.

زيادة الإيمان بالطاعات ونقصه بالمعاصي

زيادة الإيمان بالطاعات ونقصه بالمعاصي هذه هي حقائق الإيمان الثلاث، وهي معتقد أهل السنة والجماعة، عندما يعرفون الإيمان يقولون: الإيمان قول باللسان، واعتقاد بالقلب والجنان، وتطبيق بالجوارح والأركان. ثم يضيفون: يزيد بالطاعة، وينقص بالعصيان؛ لأنه ما دام له علاقة بالعمل، والعمل ليس بمستوى واحد عند الناس، ويتفاوت، فلذلك الإيمان يزيد وينقص، يزيد بماذا؟ بالطاعات، فكلما زدت في الطاعات زاد إيمانك، وينقص، ويتضاءل، ويضمحل بالمعاصي، وكلما وقعت في معصية نحتت في إيمانك، وقطعت فيه، وجرحته إلى أن يزول -والعياذ بالله-.

أثر الإخلال بإحدى حقائق الإيمان

أثر الإخلال بإحدى حقائق الإيمان هذه -أيها الإخوة- هي حقيقة الإيمان، فلا يكفي أن تأتي بواحدة، من قال: آمنت بلسانه، ولم يصدق بقلبه، ويعمل بجوارحه؛ فهو منافق. ومن زعم أنه مؤمن بقلبه، ولم يعلنها، وعمل، ولكن لم يقل: (لا إله إلا الله)؛ فهو كافر ولو عمل، فـ أبو طالب قام بأعمال عظيمة لا يقوم بها أحد، من حماية الإسلام، والدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه لم يقل: (لا إله إلا الله) حتى قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (يا عم! قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله) أي: أتخذها حجة؛ لأنك عملت بعمل عظيم، الرجل آمن بأن النبي رسول حق من عند الله، ولهذا قال في أبيات شعرية له: ولقد علمت بأن دين محمدٍ من خير أديان البرية دينا لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحاً بذاك مبينا فهو عرف أن الدين حق، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم صادق، ولكن ماذا منعه؟ خشي أن يلومه أحد من الناس؛ لأنه أسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم في آخر لحظة من حياته: (قل: (لا إله إلا الله) يا عم!) قال: هو على ملة عبد المطلب، فما نطق بـ (لا إله إلا الله) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (والله لأستغفرن لك! ما لم أُنْهَ عنك) فلماذا يستغفر له النبي صلى الله عليه وسلم؟ ليس بدافع القرابة، وإنما بدافع المواقف المشرفة التي كان يفعلها أبو طالب معه، ثم إن الله سبحانه وتعالى نهى النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أن يستغفروا للمشركين، وقال: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة:113]. فالإنسان إذا لم ينطق بـ (لا إله إلا الله) وآمن بقلبه، وعمل بجوارحه؛ فهو كافر. ومن عمل بجوارحه الأعمال الصالحة، ولكنه ما نطق بلسانه، ولا اعتقد بقلبه؛ فهو أيضاً كافر، الآن في الشرق والغرب في العالم، أناس يعملون الصالحات، إذا رأيتهم تقول: هذه أعمال أهل الإسلام. فإذا قالوا صدقوا، فلا يكذبون، بعض الكفار لا يكذب أبداً بأي حال من الأحوال، وإذا وعدوا لا يخلفون، ولهذا إذا قال لك أحد: موعد، تقول له: نعم. قال: موعد إنجليزي؟ تقول: إنجليزي، يعني: موعد مضبوط (100%) أما وعد المسلم فكذب، يقول: آتيك الساعة السادسة، ويأتيك الساعة الثامنة، فلا إله إلا الله! وإذا اشتغلوا في صناعات لا يغشون، فتفتح العلبة وتجدها مليئة إلى آخرها، ولا ينقص منها شيء، بينما المسلمون يغشون، إذا باع الطماطم يضع الفاسدة بالأسفل والجيدة بالأعلى، ويدقدق العلبة من الجوانب من أجل أن توفر له شيئاً من الطماطم، ذلك عمل صالح: كونه صادقاً في صناعته، ومتقناً في شغله -أيضاً- وفي دوامه: إذا كان يعمل في شركة، والدوام يبدأ الساعة السابعة تجده الساعة السابعة وهو حاضر، ولا ينصرف إلا نهاية الدوام بالضبط، ولا يمكن أن يخرج من العمل في الدولة، أي عمل؛ أو في الشركة أو في العمل دقيقة واحدة، بينما تجد بعض المسلمين يتلاعب، يأتي الساعة التاسعة ويوقع: السابعة والنصف، وهو يعرف أنه كاذب، وينصرف الساعة الواحدة ويكتب الانصراف: الثانية والنصف، ويمرر وقت الدوام في الكلام، وقراءة جرائد، وتلفونات، وضحك، وغير ذلك، وأعمال المواطنين عنده أكوام، وكلما جاء مراجع، قال له: غداً، فالمعاملات كثيرة، ويدعي شهادة: أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، وهذا مخطئ، وذاك مخطئ، والحق أن تقولها بلسانك، وأن تعتقد بقلبك، وأن تطبق بجوارحك. فهؤلاء الكفار رغم أنهم يصدقون في أقوالهم، ويوفون بوعودهم، ويخلصون في أعمالهم لكن هل ينفعهم هذا عند الله يوم القيامة؟ {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:16] لأنهم ما قالوا: آمنا بالله، ولا قالوا: (لا إله إلا الله محمداً رسول الله)، هذه أيها الإخوة حقيقة الإيمان.

التكاليف الشرعية امتحان لإثبات الإيمان

التكاليف الشرعية امتحان لإثبات الإيمان حتى تربح الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، لا بد أن تحقق هذه الثلاثة الأمور: أن تقول بلسانك، وتعتقد بقلبك، وتطبق بجوارحك، وهذا الأمر ليس أمراً سهلاً بل هو صعب، ولهذا رد الله عز وجل على من يظن أن هذا الأمر سهل، وقال في أول سورة العنكبوت: {ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:1 - 2] أي: كيف لا يفتنون ويختبرون، وقد قالوا: آمنا؟ إذ لا بد من الاختبار والابتلاء. وقد فتن الله واختبر العباد بالتكاليف الشرعية، أما تدري أن هذه التكاليف التي فرضها الله علينا نوع من الامتحان؟ صلاة الفجر امتحان؛ لأن الله جعلها في وقت النوم والراحة، صيام رمضان امتحان، خاصة عندما يأتي في فصل الصيف، الحج جزء من الامتحان، المداومة على الصلاة في المسجد وبرمجة الحياة على أساس الصلاة، هذا من الامتحان. كذلك تحريم المحرمات والشهوات نوع من الامتحان، كونك ترى شيئاً وقلبك يتطلع إليه، وعندك ميل إليه، لكنه محرم فتمتنع عنه؛ ابتلاء، يقول الله تعالى: {ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:1 - 2] ويقول عز وجل: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمْ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214]. فلا تتصور أن السلعة بسيطة، لا، السلعة غالية ولهذا فثمنها غالٍ، يقول الشاعر: تهون علينا في المعالي نفوسنا ومن خطب الحسناء لم يغلها المهر فأنت تخطب الجنة، ولهذا لا تتصور أن السلعة رخيصة، يقول ابن القيم في النونية: يا سلعة الرحمن لست رخيصةً بل أنتِ غالية على الكسلان يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحد لا اثنان من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون في جهنم وواحد إلى الجنة، فليست حظيرة بقر، كل من جاء دخل، لا. لا يدخلها إلا واحد من الألف: يا سلعة الرحمن كيف تصبَّر الـ خُطَّاب عنكِ وهم ذوو إيمان يا سلعة الرحمن سوقكِ كاسد بين الأراذل سفلة الحيوان هذا أيها الإخوة هو الشق الأول من عنوان المحاضرة، الإيمان حقيقته.

شعب الإيمان

شعب الإيمان أما الشق الثاني فهو: (شعبه) أي: طرقه ومجالاته، وجاءت هذه الشعب محددهً في صحيح البخاري وصحيح مسلم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضعٌ وستون شعبة، أعلاها: شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان). (بضع وستون) هذه رواية البخاري، أما رواية مسلم: (بضع وسبعون) والبضع هو: من الواحد إلى التسعة، يقال للواحد، أو الاثنين، أو الثلاثة إلى التسعة: بضع، قال الله تعالى: {فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} [يوسف:42] أي مجموعة من السنين: من واحد إلى تسعة. شعبة: أي مجالاً، أو طريقاً، أو فجاً، أو معنىً، أو مفهوماً، ثم ذكر صلى الله عليه وسلم ثلاث شعب، فذكر أعلى شعبة وأدنى شعبة، وذكر شعبة تضم كل الشعب، وهي: (الحياء). يقول أهل العلم: لماذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أعلى شعبة وأدنى شعبة، ثم ذكر الحياء من بين سائر الشُعب؟ قالوا: أما ذكره لأعلى شعبة وهي: (لا إله إلا الله) فهذا واضح، من كون العقيدة أهم ما في الدين؛ لأنها الأساس الذي يبنى عليه الدين، فلا يقبل الله عملاً إلا إذا كان التوحيد صحيحاً، فلو قمت في المسجد قيام هذا العمود، ولو حججت طوال الأزمنة، ولو أنفقت ما في الدنيا والعقيدة فاسدة؛ فإن الله لا يقبل هذا العمل مطلقاً. يقول الله سبحانه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65] ويقول عز وجل: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:88] ويقول عز وجل: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23] فأهم شيء في دين الله هو العقيدة والتوحيد، وهي الأساس، إذا وجدت العقيدة؛ وجد إعمار، وقامت بناية الدين، وإذا لم توجد عقيدة، أي: ليس عند الإنسان دين، حتى ولو كان عنده وَهْمٌ أنه صلى صلاة ولكنها باطلة، أو زكاة لكنها مردودة، أو حج لكنه باطل، لماذا؟ لأنه منسوف من أساسه، لا يوجد له أساس، ولا قاعدة، إذ القاعدة هي: الدين، فذكر صلى الله عليه وسلم أعلى شيء في شُعب الإيمان، وهي كلمة التوحيد (لا إله إلا الله): أي لا معبود بحق إلا الله، تنفي جميع الآلهة، وتثبت الألوهية الحقة، والعبودية؛ لله سبحانه وتعالى. أما ذكر أدنى شعبة من شعب الإيمان، وهي: إبعاد الأذى عن الطريق، فلبيان أن هذا الدين منهج حياة، وأنه ينتظم كل شئون الحياة في الدنيا والآخرة، حتى عملية بسيطة من أعمال الناس، وهي تنظيف الشوارع، بالرغم من أن هذا العمل من أعمال البلديات، لكن الإسلام يجعله من شُعب الإيمان، ومن مسئوليات المؤمنين، إذا مررت في الشارع ورأيت منديلاً، أو قرطاساً، أو مسماراً، أو زجاجة، أو أي أذىً يؤذي المسلمين؛ من الإيمان أن ترفعه وتبعده، أما إذا رميت به في الشارع فأنت بهذا تخالف شعبة من شعب الإيمان. والشعبة الثالثة: الحياء: قالوا: لأن الحياء يمثل ستاراً يستطيع الإنسان أن يغطي به جميع شعب الإيمان، إذا فقد الحياء فقد الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم: (الإيمان والحياء مقرونان، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر) (وكان صلى الله عليه وسلم أشد وأعظم حياءً من العذراء في خدرها) والحياء يحجزك عن المعاصي، وتستحي أنك تعصي الله، وأن تتأخر عن الفريضة، وأن تهجر القرآن، وألا تقوم إلى طاعة الله، وأن تنظر وتسمع ما حرم الله، لكن من هو الذي يأتي هذه المحارم ويترك الطاعات؟ هو قليل الحياء السيء، الذي لا يستحي من الله -والعياذ بالله- ولهذا فإن الحياء شعبة من شُعب الإيمان. الآن عرفنا ثلاث، وبقي ست وستون شعبة لم يحددها النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن أهل العلم -رحمة الله عليهم- غاصوا في نصوص الشرع في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثلما يستخرج الغواص اللؤلؤ من أعماق البحار؛ استخرج العلماء الشُعب من بطون الكتب والمراجع، وحددوها بتسع وستين شعبة، وقد ذكرها الإمام ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري، نقلها عن الإمام ابن حبان ثم قسمها ثلاثة أقسام: قسم يتعلق باللسان، وقسم يتعلق بالقلب، وقسم يتعلق بالجوارح. تسع وستون شعبة: منها سبع شُعب يقولها اللسان، ومنها أربع وعشرون شعبة يعتقدها القلب، ومنها ثمان وثلاثون شعبة تتعلق بالجوارح، المجموع كله تسع وستون شعبة، ثم ذكرها بالتفصيل، وسوف نتكلم عنها على سبيل الإجمال، لن نفصل في سردها؛ لأن كل واحدة من هذه الشعب تحتاج إلى محاضرة، ولكن على سبيل الإجمال والإيضاح المقتضب. ونبدأ بالسبع التي تتعلق باللسان:

شعب الإيمان المتعلقة باللسان

شعب الإيمان المتعلقة باللسان الشعبة الأولى: التلفظ بكلمة الإخلاص: (لا إله إلا الله)، وهذه من أعظم شعب الإيمان، يقول موسى عليه السلام لربه سبحانه وتعالى: (يا رب! قل لي قولاً أذكرك به؟ قال: يا موسى! قل: (لا إله إلا الله)، قال: يا ربِّ كل عبادك يقولون هذا -يقول: أريد شيئاً خاصاً أعظم من هذه الكلمة- قال: يا موسى! لو أن السماوات السبع والأراضين السبع وعامرهن غيري في كفة و (لا إله إلا الله) في كفة لرجحت بهن (لا إله إلا الله)) فهذه الكلمة أعظم كلمة في الوجود، أن تقول: (لا إله إلا الله) وهي أساس الإيمان، بل أعلى كلمة وأعلى شعبة من شعب الإيمان. الشعبة الثانية من الشعب التي تتعلق باللسان: قراءة القرآن، وهي من الإيمان، ولهذا إذا قرأت القرآن، ماذا يحصل؟ يحصل لديك زيادة في الإيمان، يقول الله عز وجل: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً} [الأنفال:2 - 4] فهذه شهادة من الله تعالى، أن المتصفين بهذه الصفات مؤمنون حقيقيون، وليسوا مؤمنين صوريين: {لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال:4]، فقراءة القرآن أيها الإخوة من أعظم شعب الإيمان، والذي يداوم ويكثر الصلة بالقرآن تلاوةً، وتدبراً، وتجويداً، وعملاً، وتطبيقاً، يزيد إيمانه حتى يصير مثل الجبال، والذي يهجر القرآن، ويقطع الصلة بالقرآن، يتضاءل إيمانه، وينحسر دينه إلى أن يضعف، بل يذبل، وربما يموت وينتهي إيمانه. ولهذا ترون في الناس من جفاف في الأرواح، وقسوة في القلوب، وتحجر في العيون، وجرأة في المعاصي، وكسل في الطاعات؛ السبب الأول والأخير في ذلك بُعد الناس عن القرآن، وإذا أردت أن تعرف مقدار درجة الإيمان عند أي شخص فانظر إلى علاقته بالقرآن. وإذا أردت أن تعرف منزلتك عند الله؛ فاسأل نفسك عن منزلة القرآن في قلبك، إن كان للقرآن في قلبك مكان ومحل ومنزلة ولك به علاقة، فاعلم أن لك منزلة عند الله، وإن كان القرآن مهجوراً في حياتك وليس له مكانة، فليعلم العبد البعيد ألا مكانة له عند الله. فالله الله أيها الإخوة! عودة إلى كتاب الله، إن قراءتك للقرآن ذكرٌ لك في الأرض، وذخرٌ لك في السماء، ولا يوجد أعظم أجراً من تلاوة القرآن، فالذين يقرءون القرآن عندهم ملايين من الحسنات، بل أكثر، يقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:29 - 30]. فلابد أن تعيد ترتيب حياتك بحيث ترتبها على ضوء القرآن الكريم، وتجعل في برنامجك وقتاً للتلاوة، بعد الفجر، بعد المغرب، عقب كل صلاة، قبل كل صلاة، المصحف في الجيب، وفي السيارة، وفي المكتب، وعند سرير نومك، وكلما وجدت فرصة تمد يدك إلى القرآن، وتقرأ القرآن ولك بكل حرف عشر حسنات، قال صلى الله عليه وسلم والحديث في السنن والمسند: (من قرأ حرفاً من القرآن فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) فأي تجارة أعظم من هذا أيها الإخوة. الشعبة الثالثة من شعب الإيمان المتعلقة باللسان: ذكر الله، وهذه يقول أهل العلم: إنها إذا ما وجدت فهي دليل على حياة القلب بالإيمان، وعدم وجودها دليلٌ على موت القلب، وعدم وجود الإيمان فيه، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (مثل الذي يذكر الله، والذي لا يذكر الله؛ كمثل الحي والميت). والذكر هذا عمل عظيم، في سنن أبي داود وغيره -يعظمه شيخ الإسلام ابن تيمية - حيث قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكم على أفضل الأعمال عند مليككم، وأزكاها عند ربكم، وخيرٌ لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخيرٌ لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم؟! قلنا: بلى يا رسول الله! قال: ذكر الله) فذكر الله عظيم، إذا ذكرت الله ذكرك الله، إذا ذكرت الله في نفسك ذكرك الله في نفسه، وإذا ذكرت الله في مجموعة من الناس ذكرك الله في ملأ خير منهم في السماء: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة:152] وقد طلب الله من العباد أن يكثروا من ذكره: {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً} [الأحزاب:41] {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب:35]. وطلب من العبد أن يشغل لسانه بالذكر دائماً: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران:191] فلا يوجد حالة رابعة، إما قائم، أو قاعد، أو راقد، فتذكر الله قائماً، وقاعداً، وعلى جنب. ولكن -أيها الإخوة- ما أصعب الذكر على الغافلين. لقد غفل كثير من الناس عن ذكر الله، وملئت حياتهم بما يصد عن ذكر الله، ملئت حياتهم بشيء يقعدون أمامه الساعات الطوال لا يذكرون الله، يجعل أحدهم دشاً فوق البيت ثم يأخذ معه الجهاز، ويقفز من شر إلى شر، ومن قناة إلى قناة، حتى يقوم وقد جف قلبه، وتحجرت عينه، ويأتي لينام فترفض عينه أن تغمض؛ لأنها قد جفت من الدمع، من النظر إلى الحرام -والعياذ بالله- وقلبه أقسى من الحجر، وجسمه أكسل ما يكون في طاعة الله، لماذا؟ لأنه غفل عن ذكر الله. وما كانت في الماضي هذه الأمور فالله الله! ذكراً لله، لا بد أن تكون ذاكراً لله بأنواع الذكر الخمسة: الأول: ذكر الله عند ورود أمره. الثاني: ذكر الله عند ورود نهيه. الثالث: ذكر الله في الأحوال والمناسبات. الرابع: ذكر الله بالأذكار العددية. الخامس: ذكر الله المطلق. (لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله) كما قال صلى الله عليه وسلم. الشعبة الرابعة من الشعب المتعلقة باللسان: تعلم العلم وتعليمه: فإن هذا من أعظم الشعب، ومجيئكم إلى هذا المجلس جزءٌ من شعب الإيمان، ولهذا سوف تجدون بعد نهاية الجلسة أن قلوبكم أرق وأرقى في الإيمان منها قبل أن تدخلوا، لن يكون قلبك بعد نهاية الجلسة مثلما كان قبل أن تأتي، لماذا؟ لأن إيمانك زاد، وكيف؟ بسماع العلم، سمعت آية من كتاب الله، وحديثاً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلمة ترقق قلبك، وتقربه إلى الله، ولذا لا بد أن تتعاهد قلبك حتى يزيد إيمانه عن طريق مجالس العلم. اجعل في جيبك ورقة وفيها الندوات والمحاضرات التي بين المغرب والعشاء في أي مكان في الرياض -مثلاً- واجعل هذا الوقت لله، وقل: ليس لي عمل عند أحد، ولست مدعواً عند أحد، ولا أنا مشغول بأحد، لماذا؟ عندي محاضرة في مسجد كذا، وغداً في مسجد كذا، وتابع حلق الذكر بهذا بعد فترة تجد إيمانك مثل الجبال، زاد إيمانك عن طريق تعلم العلم. الشعبة الخامسة: الدعاء: دعاء الله، وتفويض الحاجات إلى الله، وطلبها من الله، هذا يدل على قوة الإيمان؛ لأن الذي يدعو عنده ثقة، ويقين على أن المدعو قادر، ولذا تجد دائماً كل من كان إيمانه بالله أقوى كانت صلته بالله أقوى، ودعاؤه لله أقوى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان أكثر الناس دعاءً لربه، ما كان يعمل شيئاً إلا ويدعو الله، في كل أمر يدعو ربه، وكلما دعوت ربك استجاب لك، لكن لا تعجل، وتقول: قد دعوت، وقد دعوت! لا. مشيئة الله ليست على ما تريد، ادع وعندك يقين أن الله لن يضيع دعاءك، يقول الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60]، وخصوصاً إذا خلا الدعاء من الموانع التي تمنعه من الوصول إلى الله سبحانه وتعالى، ومن أعظمها أكل الحرام، الذي يتغذى بالحرام لا يستجيب الله دعوته، والحديث في صحيح مسلم: (الرجل أشعث أغبر يطيل السفر، يمد يده إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟!!) يعني: يستبعد أن يستجاب له؛ لأنه قد أكل الحرام والعياذ بالله. الشعبة السادسة: الاستغفار: وهو إعلان الانكسار والتضرع بين يدي الله، وهو مشروع عقب الطاعات فضلاً عن المعاصي، يقول الله عز وجل: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ} [البقرة:199] بعد يوم عرفة، وأنتم واقفون طوال اليوم في عرفة وقد غفر الله الذنوب، أفيضوا واستغفروا الله: {كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17 - 18]. إذا صلينا الآن العشاء، من وقت أن يسلم الإمام وكل واحد منا يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، تستغفر من ماذا؟ هل كنت تغني، أو تلعب أم تصلي؟ والصلاة أعظم عمل، لكن تستغفر الله، لماذا؟ لأنك قد تكون قصرت في صلاتك سهوت أو غفلت، أو أنقصت أو زدت، تستغفر الله، فإذا كان الاستغفار مشروعاً ومطلوباً عقب الطاعة، فكيف لا يكون مشروعاً عقب المعصية؟! ولهذا قال الله عز وجل: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُو

شعب الإيمان المتعلقة بالقلب

شعب الإيمان المتعلقة بالقلب أما المتعلقة بالقلب فهي أربعٌ وعشرون شعبة: فمن الأولى إلى السادسة: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وبالقدر خيره وشره، وباليوم الآخر، والإيمان باليوم الآخر يشمل: الإيمان بعذاب القبر، وبالحساب يوم القيامة، وبالميزان الذي توزن فيه أعمال الخلق، وبالصراط، وهو جسر يضرب على متن جهنم لا عبور إلى الجنة إلا عن طريقه، والإيمان بالجنة وبالنار، فهذه كلها من شُعب الإيمان. السابعة: محبة الله من شعب الإيمان. الثامنة: الحب في الله والبغض في الله، وهذه من أقوى شُعب الإيمان. التاسعة: محبة النبي صلى الله عليه وسلم. العاشرة: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهي من الإيمان، فلا ينبغي أن يُذكر الرسول وما تقول: اللهم صلِّ وسلم عليه، لماذا؟ لأن الله تعالى أمرك بهذا، وامتثال أمر الله من الإيمان، يقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [الأحزاب:56]، فإذا ما صليت عليه فقد صلى عليه الله وملائكته: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]، وقال صلى الله عليه وسلم: (من صلى عليَّ صلاة واحدة، صلى الله عليه بها عشراً) والصلاة من الله رحمة، والصلاة من العبد دعاء، فإذا صليت على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة واحدة رحمك الله عشر مرات. وفي صحيح مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فقال: آمين، آمين، آمين، ثلاث مرات، قلنا: يا رسول الله! ما آمين؟ قال: جاءني جبريل وقال لي: رغم أنف من ذكرت عنده ولم يصلِ عليك، قل: آمين، فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف من أدرك رمضان ولم يغفر له، قل: آمين، فقلت: آمين، ثم قال: رغم أنف من أدرك أبويه أو أحدهما ولم يدخلاه الجنة قل: آمين، فقلت: آمين). (رغم أنفه) أي: تمرغ أنفه بالرغام، والرغام هو التراب الدقيق وهذه خسارة -والعياذ بالله- والثانية: (من أدرك رمضان) أي: أن رمضان دخل وخرج وهو على عادته ومعاصيه وفسقه وفجوره -والعياذ بالله- والثالثة: (من أدرك أبويه)؛ لأن وجود الأب والأم من أعظم الفرص لدخول الجنة، وهو باب عظيم اغتنمه قبل أن يموتا أو قبل أن تموت. ومن الشعب المتعلقة بالقلب: الحادية عشرة: الإخلاص. الثانية عشرة: التوبة. الثالثة عشرة: الرجاء. الرابعة عشرة: الشكر. الخامسة عشرة: الوفاء. السادسة عشرة: الرضا بمر القضاء. السابعة عشرة: التوكل. الثامنة عشرة: الرحمة. التاسعة عشرة: التواضع. العشرون: توقير كبير المسلمين ورحمة صغيرهم. الحادية والعشرون: ترك الكبر. الثانية والعشرون: ترك الحسد. الثالثة والعشرون: ترك الحقد. الرابعة والعشرون: ترك الغضب. فهذه شُعب إيمانية متعلقة بالقلب.

شعب الإيمان المتعلقة بالجوارح

شعب الإيمان المتعلقة بالجوارح أما الشعب المتعلقة بالجوارح فهي كما أسلفت ثمان وثلاثون شعبة: الأولى: الطهارة؛ لأنها مفتاح العبادة. الثانية: ستر العورة. الثالثة: الصلاة. الرابعة: الزكاة. الخامسة: فك الرقاب. السادسة: الكرم. السابعة: الصيام. الثامنة: الحج. التاسعة: العمرة. العاشرة: الاعتكاف. الحادية عشرة: التماس ليلة القدر. الثانية عشرة: الفرار بالدِّين. الثالثة عشرة: الوفاء بالنذر. الرابعة عشرة: التحري في الأيمان. الخامسة عشرة: أداء الكفارات. السادسة عشرة: التعفف بالنكاح. السابعة عشرة: القيام بحقوق العيال وتربيتهم. الثامنة عشرة: بر الوالدين. التاسعة عشرة: صلة الرحم. العشرون: العدل. الحادية والعشرون: لزوم الجماعة. الثانية والعشرون: طاعة أولي الأمر. الثالثة والعشرون: الإصلاح بين الناس. الرابعة والعشرون: المعاونة على البر. الخامسة والعشرون: الأمر بالمعروف. السادسة والعشرون: النهي عن المنكر. السابعة والعشرون: إقامة الحدود. الثامنة والعشرون: الجهاد. التاسعة والعشرون: أداء الأمانة. الثلاثون: الوفاء بالدين. الحادية والثلاثون: إكرام الجار. الثانية والثلاثون: حسن المعاملة. الثالثة والثلاثون: عدم التبذير. الرابعة والثلاثون: رد السلام. الخامسة والثلاثون: تشميت العاطس. السادسة والثلاثون: كف الأذى. السابعة والثلاثون: اجتناب اللهو. الثامنة والثلاثون: إماطة الأذى عن الطريق، وهي آخرها.

علاقة شعب الإيمان بزيادته أو نقصانه

علاقة شعب الإيمان بزيادته أو نقصانه هذه أيها الإخوة! هي مجموع شُعب الإيمان التسع والستين، من حققها كلها فقد حقق الإيمان كاملاً، ومن نقص منها نقص من إيمانه بقدر ما أنقص من هذه الشعب، إلا أن يكون النقص في الأركان؛ لأن الأركان التي ذكرت في صحيح البخاري وصحيح مسلم من حديث جبريل: (أخبرني عن الإيمان؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وبالبعث بعد الموت، وبالقدر خيره وشره من الله) فهذه الستة إذا نقص منها واحد بطل الإيمان كله، لا بد من الأركان، وبقية الشُعب إذا نقص منها شيء إن كان من أركان الإسلام مثل الصلاة فقد بطل الإيمان كله، وإن كان غير ذلك خدش وجرح في الإيمان، فهو يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا جميعاً حقيقة الإيمان، وأن يوفقنا إلى القيام بتكاليف الإيمان وبشُعب الإيمان، كما أسأله سبحانه وتعالى أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، وأن يبرم لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل الطاعة، ويذل فيه أهل المعصية، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، إنه سميع الدعاء. اللهم احفظ لنا ديننا وأمننا واستقرارنا ونعمك علينا، اللهم من أرادنا في ديارنا أو غيرنا من ديار المسلمين، بسوءٍ، أو شرٍ، أو كيدٍ، أو مكرٍ، فاجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره، وأنزل عليه بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم احفظ ووفق ولاة أمورنا وعلماءنا ومشائخنا ودعاتنا، وشبابنا، وشاباتنا، وجميع المسلمين، وفقهم للعمل بهذا الدين، والدعوة إليه، ومناصرته، إنك ولي ذلك والقادر عليه. والله أعلم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

الفرق بين حلاوة الإيمان ولذة العبادة

الفرق بين حلاوة الإيمان ولذة العبادة Q ما هو الفرق بين حلاوة الإيمان ولذة العبادة، وما هو الطريق للوصول إليهما، وما هي العوائق لهذه الأشياء؟ A ليس هناك فرق بين حلاوة الإيمان ولذة العبادة، فإن العبادة عمل بالجوارح، واللذة والحلاوة عمل قلبي، قد تجد اثنين يصليان مجتمعين، ولكن بين صلاتيهما مثلما بين السماء والأرض، أحدهما يمارسها وقلبه جاف، وعينه جامدة، وجوارحه مشغولة، وآخر يمارسها بقلبه وقالبه، ويشعر بلذة لها، فاللذة والحلاوة هي شيء واحد. وأما كيف يحققها الإنسان؟ فيمكنه ذلك بكثرة العبادة والمجاهدة، والتلاوة للقرآن والذكر، والذي ينغصها ويقلل هذه اللذة المعاصي، فإنك كلما وقعت في معصية من المعاصي نقص من إيمانك بقدر المعاصي حتى يذهب، ولهذا ترى بعض الشباب الآن يشكون ويقولون: والله! ذهبت منا لذة الإيمان وحلاوته التي كنا نمارسها منذ أن التزمنا، فتقول له: التزمت وأول ما التزمتَ جاهدتَ، ودخلت الالتزام بمجاهدة وبرغبة فحصلت لك اللذة، الآن بدأت تقل في التزامك وتقل في مجاهدتك، وبدأت تتراجع في سيرك إلى الله، كنت كلما سمعت طرباً أو أغنية تغلقها، الآن تراجعت قليلاً أصبحت تبحث عنها، كنت إذا رأيت امرأة أمامك تنصرف عنها، والآن أصبحت تنظر إليها من قريب أو بعيد، هذا الذي جعل إيمانك يضعف، وجعل قلبك لا يحس بحلاوة الإيمان. الحلاوة بيدك فإذا زدت في الإيمان؛ تزداد حلاوة الإيمان، وإذا أنقصت في الإيمان؛ تنقص الحلاوة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار).

أثر المعصية على الإيمان

أثر المعصية على الإيمان Q متى يعرف الإنسان أنه بلغ مرتبة الإيمان الكامل، وهل من عصى الله تبارك وتعالى أنه خالٍ من الإيمان بتاتاً؟ A لا. ليس من عصى الله خالياً من الإيمان بتاتاً، لكنه ناقص الإيمان، ولهذا عقيدة أهل السنة والجماعة في أهل الكبائر: أن صاحب الكبيرة مؤمنٌ بإيمانه، فاسق بمعصيته، عنده إيمان بالإيمان الذي عنده، وعنده فسق بالمعصية التي عنده، ويكون تحت مشيئة الله في الدار الآخرة إن شاء الله تعالى عذبه، وإن شاء غفر له. أما كيف تعرف أنك كامل الإيمان أو ناقصة؟ فهو بعرض نفسك على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، هذا هو الميزان، زن أعمالك بالكتاب السنة، فإن كنت تقوم بأوامر الله الموجودة في الكتاب والسنة، وتنتهي عما نهى الله عنه في الكتاب والسنة؛ فأنت كامل الإيمان، ولا يعني هذا أنك ستبقى كامل الإيمان دائماً، لا بد من حصول نقص، لكن إذا حصل نقص تصلحه بالاستغفار؛ لأن الله تعالى يقول: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:33] وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون).

مزية القلب على الجوارح

مزية القلب على الجوارح Q من المعلوم أن القلب هو محل الإيمان، ومكان النية، ومنزل المحبة وغير ذلك، لكن ما سبب تميز القلب بذلك عن سائر الجوارح؟ A إن الله سبحانه وتعالى جعل القلب ملك الجوارح، فحينما خلق الأعضاء وخلق الجسم جعل لها مديراً ومسئولاً، ولذا من يقول أنا التزمت بالدين، ما الذي حصل؟ تغير فيه قلبه، أما عينه ما تغير فيها شيء، لكن قلبه حصلت عنده مفاهيم جديدة، وحصل عنده إيمان، وتفكير ونظر أنه ليس له مخرج في الحياة إلا بالإيمان والدين؛ لأن الدين يكسبه السعادة في الدنيا، والسعادة عند الموت، وبعد الموت، فلما قرر القلب أن يلتزم التزمت الجوارح، العين التي كانت تنظر في الحرام، قال: كفى يا عين! قالت: حسناً، الأذن التي كانت تسمع الحرام قال: لا تسمعي! قالت: سمعاً وطاعة، اللسان الذي كان يتكلم بالحرام صار لا يتكلم، لماذا؟ لأنه صلح القلب، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) فتميز القلب بهذا؛ لأنه صاحب السيطرة والهيمنة والقرار، وجعل الله هذه الجوارح تحت إمرة القلب، يأمر وينهى، ولذلك كانت القلوب هي ميادين الإصلاح للأنبياء، ما جاء الأنبياء يصلحون الأجساد أبداً، بل جاءوا يصلحون القلوب؛ لأنه إذا صلح القلب صلح كل شيء.

حكم الاستهزاء بالدين

حكم الاستهزاء بالدين Q ما رأيك يا شيخ في الذين يستهزئون بالدين، وخاصة أن هناك من إذا رأوا الملتزمين الذين لا يسبلون ثيابهم غمزوهم وسخروا منهم، وتراهم في المجالس لا يذكرونهم بخير أبداً، بل يغتابونهم آناء الليل وأطراف النهار، فأصبح أمرهم كذلك؟ A هذا العمل سماه الله تعالى إجراماً، وسمى الله الذين يقومون به مجرمين، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين:29]، وعده الله سبحانه وتعالى كفراً، وأثبت كفر مرتكبه في القرآن إلى يوم القيامة، الذي قال في غزوة تبوك قال: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء -أي الرسول وأصحابه- أرغب بطوناً وأجبن عند اللقاء، فقائل هذا الأمر يمزح وليس بصادق، فهو يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أعف الناس بطناً وأشجع الناس صلى الله عليه وسلم، ولكن قالها مزحاً فنزل القرآن من السماء: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة:65] يعني نمزح ما كنا جادين، كما يقولون، قال الله: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66] فالله سبحانه وتعالى أثبت لهم إيماناً ثم نفاه عنهم، وأثبت لهم الكفر بكلمة تكلموا بها. فلا تقل: أنا أمزح، لا. كل شيء تمزح فيه إلا الدين؛ لأن الدين له حصانة، والذين يمثلون الدين هم العلماء، والدعاة، والملتزمون؛ ولهم حصانة، وإذا استهزأت بهم استهزأت بالله؛ لأن هذا الرجل ما استهزأ بالله، بل استهزأ بالرسول وأصحابه، ولكن الله سبحانه جعل هنا الاستهزاء به وقال: {قُلْ أَبِاللَّهِ} [التوبة:65] رغم أن الرجل ما قال شيئاً في الله، بل قال في الرسول وأصحابه فقط، فجعلها الله سبحانه استهزاءً به. فلما تهزأ باللحية، فأنت لا تهزأ بالشخص الذي أطلقها، بل تستهزئ بالنبي الذي أمر بها؛ لأن هذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وعندما تهزأ من رجل قصر ثوبه واتبع السنة، فأنت لا تستهزئ بالرجل، ولكن تستهزئ بالذي أمره بهذه السنة، ولذلك انتبه يا أخي! عليك أن تقف عند حدك فيما يتعلق بشيء من ذلك، فلا تستهزئ بالأئمة، ولا بالمؤذنين، ولا بالدعاة، ولا بالقضاة، ولا بالعلماء، ولا بأي شيء فيه دين الله، حتى أن بعض الناس عندهم نكت، يأتون بها على بعض الآيات، أو الأحاديث، أو الأئمة، لا. النكت ابحث لها عن مكان آخر؛ لأن دين الله حق، ولا يقبل الاستهزاء ولا السخرية. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الفراغ في حياة المرأة المسلمة

الفراغ في حياة المرأة المسلمة تحدث الشيخ في هذه المحاضرة عن الفراغ الذي أصبح سمة مميزة في حياة كثير من النساء، فبدأ بالحديث عن الحكمة أو المهمة التي من أجلها خلق الله الإنسان في هذه الحياة، مبيناً خلال ذلك أهمية الوقت والحث على استغلاله، كما تحدث عن أسباب وجود الفراغ في حياة المرأة المسلمة، وذكر الأسباب التي تعين على حفظ الوقت، وختم حديثه بذكر المجالات التي يمكن للمرأة المسلمة استغلال الوقت فيها، بما يعود بالخير عليها وعلى المجتمع المسلم.

المهمة التي خلق الله الناس لأجلها

المهمة التي خلق الله الناس لأجلها الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: المعروف لدى الجميع أن المهمة التي خلق الله عز وجل الخلق لأجلها والسر الذي من أجله أوجد الله الناس على ظهر هذه الأرض هو: العبادة، يقول الله تبارك وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56 - 58] فالله عز وجل لم يخلق الناس عبثاً {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116]. إن الله تعالى منزه عن العبث {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص:27] {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:16 - 18]. والسر الذي من أجله خلق الله الإنس والجن على هذه الأرض هو: العبادة، والعبادة بمفهومها الشرعي ذات مدلول واسع؛ فليست مقصورة فقط على الشعائر التعبدية التي تعبد الله الناس بها من صيام وزكاة وحج -هذه هي أسس العبادة- ولكنها تظم جميع شئون الإنسان حتى عاداته ومباحاته إذا أحسن الإنسان النية فيها وفي مزاولتها عدت من عبادته، حتى أكله وشربه يقول عليه الصلاة والسلام: (إن الله ليرضى عن العبد يأكل اللقمة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها) وحتى في ممارسة أحب الأشياء إليه وهو الجنس إذا كان في طريق مشروع حلال، يقول عليه الصلاة والسلام: (وفي بضع أحدكم صدقة) فاستغرب الصحابة! كيف يكون للإنسان على هذا الأمر أجر، مع إنه أمر مادي بحت لا علاقة له بالدين؟! قالوا: (أيأتي أحدنا شهوته ويكون له عليها أجر؟! قال: أريتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ قالوا: نعم يا رسول الله! قال: كذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر).

أهمية الوقت

أهمية الوقت العبادة لها محتوى ولها وعاء وإناء لا بد أن تمارس فيه، ألا وهو الوقت، الوقت هو المحتوى والوعاء الذي يمكن للإنسان بواسطته أن يملأه بما يحبه الله ويرضاه من العمل الصالح والعبادة الخالصة لوجه الله عز وجل، فضياع هذا الوقت هو ضياع للعبادة، فإذ ضيع الإنسان وقته فكيف يقضي عبادة ربه؟ أو من أين يتسنى له أن يوجد وقتاً وقد ضاع فيما لا ينفع فيملأه بما يفيد؟ الوقت هو عمر الإنسان، والإنسان هو مجموعة أيام وشهور وسنين؛ كل يوم ينتهي أو شهر ينتهي أو سنة تنتهي هو جزء من الإنسان، حتى تأتي عليه اللحظة التي لا يبقى من عمره شيء فينتهي وينقل إلى الدار الآخرة ليلقى له الحساب والجزاء على ما عمل، إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً. وأنا أشبه -وقد قلت هذا في بعض المناسبات- عمر الإنسان -أو الإنسان- بأوراق التقويم التي تعلق في المسجد أو المكتب أو المنزل في بداية العام وهو مملوء بالأوراق -ثلاثمائة وستين ورقة- وما من يوم إلا وتنزع منه ورقة إلى أن يأتي آخر العام ولا يبقى إلا اللوح -أي: الكرتون- فيقذف بهذا الكرتون، وكذلك الإنسان عبارة عن مجموعة أيام؛ كل يوم ينزع منه ورقة إلى أن تنتهي أيامه ولا يبقى إلا الجسد فيرمى في القبر، وهناك يعامل على ضوء ما عمل في هذه الدار؛ إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً. والعبادة بمفهومها -كما بينت- مفهوم واسع يشمل كل شيء ويغطي مساحة حياة المسلم والمسلمة في كل شيء. وأذكر لكم أثراً أو حديثاً ذكره الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء، وبإمكانكن -أيتها الأخوات- أن تقسن مستوى الوعي والثقافة والإدراك الذي كن يعشن عليه النساء في زمن النبي صلى الله عليه وسلم على مستوى هذه المرأة والتي هي عيّنة من نساء ذلك المجتمع، انظروا إلى عظمة التفكير، وعلو الهمة! انظروا إلى الهمم التي كانت تعيش على أعلى مستويات يمكن أن يصل إليها الإنسان هذه واحدة من تلك النساء العظيمات. عن أسماء بنت يزيد بن السكن رضي الله عنها: جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: (يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، أنا وافدة النساء إليك، إن الله بعثك للرجال والنساء جميعاً، فآمنا بك وصدقناك، وإنا معشر النساء قواعد بيوتكم ومقضى شهواتكم وحاملات أولادكم، وإنكم معشر الرجال فضلتم علينا في الجمع والجماعات، وفي عيادة المرضى وشهود الجنائز، وفي الحج والجهاد في سبيل الله، وإن الرجل إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مجاهداً حفظنا لكم أموالكم وغسلنا لكم أثوابكم، وربينا أولادكم، أفلا نشارككم في الأجر؟ فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه وقال: هل سمعتم بمقالة امرأة قط أحسن من هذه!؟!) تعجب صلوات الله وسلامه عليه من هذه المرأة!! هذه المرأة العظيمة كانت تريد أن يتاح لها من فرص العمل الصالح ما أتيح للرجال، ثم قال لها: (أعلمي من خلفك من النساء: أن حسن تبعل المرأة لزوجها، وطلبها لرضاه، واتباعها لموافقته يعدل ذلك كله) حسن تبعلها وطلبها لرضاء زوجها واتباعها لموافقة زوجها يعدل في الأجر والثواب ذلك كله؛ يعدل الجهاد في سبيل الله وحضور الجمعة والجماعات، والحج والعمرات لماذا؟ لأنها تتمثل في هذا الأمر وهي تمارسه؛ تتمثل العبودية التي وجهت لها كعضو فعَّال في المجتمع عليها أن تقوم به. ليس من الضروري أن تمارس المرأة دور الرجل؛ فإن الله عز وجل خلق الرجل رجلاً وجعل له أدواراً يجب أن يمارسها، وخلق المرأة امرأة ووظفها بوظائف ينبغي أن تمارسها {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران:36]. والذين يدعون إلى المساواة يخدعون المرأة ويظلمونها ويلعبون بعقلها، إن من يريد أن يساوي بين الرجل والمرأة يريد أن يلغي سنة كونية الله عز وجل خلقها، وهي عميلة التفريق في الوظيفة وفي المفهوم. المرأة إنسانة لها وظائف والرجل إنسان له وظائف، فإذا أردنا من الرجل أن يكون امرأة أو من المرأة أن تكون رجلاً فقد صادمنا بين السنن الكونية! من يريد ويطلب من المرأة أن تساوي الرجل أو من النساء أن تساوي الرجل فهذا ظلم للمرأة حقيقة، لماذا؟ لأنه يطلب من المرأة أن تضيف على نفسها عبئاً أكثر مما يمكن أن تحمله، في حين يتخلى الرجل عن الأعباء الرئيسية التي أضيفت إلى المرأة هل يستطيع أن يحمل الرجل سنة وتحمل المرأة سنة أخرى، هل يستطيع الرجل أن يحيض شهراً وتحيض المرأة شهراً آخر؟! لا، لا يستطيع، فللمرأة وظائفها الفيسلوجية التي تتفق طبيعة تكوينها ولها أعبائها التي فرضها الله عليها. لذا فإن حسن تبعل المرأة وطاعتها لزوجها وموافقتها لأمر زوجها يعدل ذلك كله عند الله عز وجل، فانصرفت هذه المرأة وهي تهلل وتكبر وتقول: لا إله إلا الله. أي: علمت علم اليقين أنها على خير حينما استجابت لأمر الله عز وجل، وطبقت تعليماته، ولزمت بيتها، وقامت بطاعة زوجها، والإشراف على خدمة أولادها، وهي بهذا تحتسب هذا الأمر عند الله تبارك وتعالى.

الحث على استغلال الوقت وملء الفراغ بالطاعة

الحث على استغلال الوقت وملء الفراغ بالطاعة العمر والوقت الذي يمكن أن يعيشه الإنسان سواء كان رجلاً أو امرأة هو عمر واحد وفرصة واحدة لا تتكرر للإنسان، وبالاستقراء لم نر إنساناً منح هذا العمر ثم مات ثم منح مرة أخرى، ولذا فإن ضياع هذه الفرصة من أعظم السفه، هي فرصة واحدة وإذا ضيعها الإنسان في غير طاعة الله عز وجل فقد خسر خسراناً مبيناً، ولهذا يطلب أهل النار الرجعة ويقولون: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:106 - 108]؛ ليس هناك رجوع مرة أخرى. ولذا لا بد أن يكون العاقل عاقلاً في محاسبة نفسه على هذه الأوقات، بحيث إذا مر يوم ولم تكتسب فيه خيراً يقربك إلى الله عز وجل فإن هذا اليوم خسارة عظيمة عليك، يقول عليه الصلاة والسلام في حديث أخرجه الإمام أحمد بسند صحيح يقول: (اغتنم خمساً قبل خمس) اغتنم خمساً في يدك قبل أن تأتي خمس تضيع عليك هذه الخمس وتخسرها، ومن ضمنها: (اغتنم فراغك قبل شغلك) الفراغ نعمة، إذا وجد عندك ضمن برنامجك -أيها الرجل أو أيتها المرأة- فراغاً يمكن أن تملأه بما يرضي الله فاغتنم هذا الفراغ، فلا يحصل عندك فراغ إلا وتغتنمه قبل أن يفوت وقت هذا الفراغ ويأتي عليك وقت لا تجد فيه فرصة لمزاولة عمل فتندم ولكن حين لا ينفع الندم! والوقت الذي هو الفراغ إن لم يشغل بالحق أشغل بالباطل، إذ لا يمكن أن يظل الإنسان فارغاً هكذا؛ بل لا بد أن ينظر ويسمع ويتكلم ويقوم ويقعد فإن لم يشغل نفسه بنظرٍ حلالٍ وبسماعٍ حلالٍ وبكلام حلال ومباح أشغلته نفسه بالباطل، يقول الشافعي: نفسك إن لم تشغلها بالحق أشغلتك بالباطل. والوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك. إن لم تقطعه في طاعة الله قطعك في معصيته، لا يمكن أن يقف الوقت وينتظرك، اليوم هو اليوم السادس من شهر ربيع الأول من عام ألف وأربعمائة وأربعة عشر، وسيمضي هذا اليوم وينتهي وسيمر علينا مرة ثانية ولكن من عام ألف وأربعمائة وخمسة عشر بعد عام هذا اليوم. فإذا غربت شمسه فلن يعود إلى يوم القيامة، وسيحمل معه ما خزن فيه، وهذه الخزائن تفتح بين يدي الله تعالى، ويقدم كشف الحساب للإنسان العامل عند موته ويقال له: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية:29].

أسباب وجود الفراغ في حياة المرأة

أسباب وجود الفراغ في حياة المرأة ووقت الفراغ الذي يحصل في حياة المرأة- نحن الآن نتكلم عن المرأة باعتبار أن المشكلة تخصها فكثير من النساء يشعرن بوقت فراغ- نتج عن أسباب، وهذه الأسباب هي:

تخليها عن مسئولياتها في البيت وإسنادها إلى الغير

تخليها عن مسئولياتها في البيت وإسنادها إلى الغير أولاً تخليّها عن مسئولياتها في البيت وإسناد هذه المسئوليات إلى الغير، فنتج عن هذا التخلي وعدم المبالاة فراغ، إذ أول مسئولية في البيت هي مسئولية التدبير المنزلي، فالتدبير المنزلي من تدبيرات المرأة: خدمة الزوج الطهي الغسل نظافة المنزل هذه الأعمال ليست أعمالاً مبتذلة لا يصح أن تسند إلى المرأة، لا. بل هي في حق المرأة ربما تكون من العبادات، فلما أسندت هذه الوظائف إلى الخادمة أو الشغالة حصل عن هذا الإسناد لهذه الوظيفة فراغ. ثانياً: وكذلك مهمة تربية الأولاد من أوجب المهمات ومن أعظم المسائل المتعلقة بالمرأة، ولقد أسندت هذه المهمة إلى الشغالة وإلى الروضة وإلى المدرسة، ولم يعد للمرأة دور في ممارسة عملية التربية للولد وللبنت إلا دور بسيط عند المهتمات، أما بعض الأمهات فلا تعرف عن أولادها ولا عن تربيتهم شيئاً، وهذا من أخطأ الخطأ. ثالثاً: وكذلك نتج الفراغ من جهل المرأة بحقوق الزوج وعدم إعطائها الحق الكامل لزوجها، الزوج مسئولية، وعلى المرأة تجاهه واجبات لا بد أن تقوم بهذه الواجبات، ليست مقصورة فقط فيما تفهمه المرأة غالباً وهو الجانب الجنسي فقط، لا. الزوج كما يقول أحد العلماء شغلة للمرأة، يجب أن تصرف في خدمته شخصياً ثلث عمرها- ثمان ساعات- لرضاه لخدمته لاستقباله للأنس به للجلسة معه للعناية به لتمريضه لكل شغلة، لكن الرجل لا يجد من المرأة في هذه الجوانب شيئاً، معطلة لهذه الحقوق، وبالتالي تسوء العشرة بين الرجل والمرأة ويضطر إلى الزواج بأخرى تمنحه شيئاً من هذا الحق، أو يعيش طوال حياته مهضوماً مكلوم القلب، يعيش في معاناة نفسية وعذاب داخلي؛ لأنه مهضوم ما أعطي حقه، بينما المرأة هي التي قصرت في هذا الحق. فنقول للمرأة: إن تخليّها عن مسئوليات بيتها تجاه تدبير منزلها، وتربية أولادها، وخدمة زوجها أحدث لديها فراغاً حاولت أن تملأه بما لا ينفعها، فعبرت عن هذا بما سأذكره إن شاء الله من أشياء غير مناسبة أن تقضي المرأة جزءاً من وقتها متسكعة في الشوارع ومتجولة في الأسواق؛ لأنها فارغة ليس لها غرض أصلاً ولا تريد أن تشتري شيئاً فقط تقول: خذني إلى السوق. يقول لماذا؟ قالت: نشتري حاجة، وليس في ذهنها شيء! إنما أحست بالضيق في البيت فأرادت أن تقضي شيئاً من الفراغ في السوق، أو تقضيه في مشاهدة الأفلام والمسلسلات، أو في الزيارات المتكررة والجلسات التي تجلس فيها مع جيرانها وجاراتها في جلسات أكثرها معصية لله عز وجل؛ في قيل وقال وغيبة ونميمة وفلانة وعلانة وهذا كلام كله لا يرضي الله تبارك وتعالى! هذا الفراغ ملئ بالباطل يوم تخلت عنه المرأة ولم تملأه بالحق المطلوب منها.

التسويف

التسويف من الأسباب التي أدت إلى وجود الفراغ: التسويف؛ والتسويف هذا عمل الكسالى من الرجال أو النساء: سوف أعمل سوف أحفظ القرآن سوف أحفظ السنة سوف أكون خياطة سوف أكون مدبرة سوف سوف، ومرت سنة وعشر وعشرون وحليمة على عادتها القديمة لم تتعلم شيئاً، ولم تحفظ آية، ولم تحفظ حديثاً ولا قامت بأي جهد وإنما تمني نفسها وتلعب على نفسها وتخدع نفسها بالتسويف، والتسويف هو رءوس أموال المفاليس، تقول له: ما عندك؟ قال: سوف أبني عمارة في المستقبل، ويموت وهو لم يحقق شيئاً، لماذا؟ لأنه يعيش على الأماني. هذا التسويف من أخطر الأشياء على المرأة، يجب أن تكون المرأة جادة فعَّالة صادقة تعمل لا تسوف؛ لأن التسويف يضيع عمرها ويشغلها بالأمور التافهة التي لا تنفعها في الدنيا ولا في الآخرة.

النوم

النوم ومن أسباب الفراغ الذي يحصل عند المرأة: النوم. وكثير من النساء لا تنظم برنامج النوم، فيستغرق عدم التنظيم أكثر من اللازم، وإلا فالجسم يحتاج إلى النوم كطبيعة وكضرورة بشرية، لكن لا بد أن يكون له موعد نظام من الساعة -مثلاً- من الحادية عشرة مساءً -أو العاشرة- إلى قبل الفجر بنصف ساعة وتستيقظ، لكن المرأة فوضوية أحياناً، تسهر إلى الساعة الثالثة ليلاً ثم تنام إلى العصر، وأحياناً تجلس طول اليوم ثم تنام بعد العصر فلا تستيقظ إلا الفجر، يعني: لا يوجد تنظيم في عملية النوم، ويؤدي عدم التنظيم إلى خلخلة في التفكير وإلى ضياع في الوقت تنام عشر ساعات وتستيقظ عشرين ساعة، ثم تنام عشرين ساعة، ثم تستيقظ ثلاثين ساعة؟! ليست منظمة، لا بد أن تكون المرأة منظمة، فعند الساعة الحادية عشرة تطفئ الأضواء من أجل أن ينام الأولاد وتنزع حتى التليفونات حتى يكون البيت هادئاً، وعند الساعة السابعة يكون كل البيت قد استيقظ لكن عندما لا ينظم الوقت يضيع العمر ويضيع الوقت من حيث لا تشعر المرأة.

القدوة السيئة

القدوة السيئة ومن أهم الأسباب أيضاً: القدوة السيئة. فهناك من النساء من لا يكون لها قدوة حسنة في حياتها، وإنما تقتدي بالسيئات، فتخرج وتقرأ وتسمع أخبار الممثلات والراقصات والمغنيات والساقطات وتريد أن يكون لها قدوة من هؤلاء! وبالتالي تشعر بنوع من الفراغ تملأه بمتابعة هذه الأخبار التي ليست لها ولا تليق بها كامرأة مسلمة تؤمن بالله واليوم الآخر وترجو لقاء الله تبارك وتعالى. هذه هي مجمل الأسباب التي تؤدي إلى وجود فراغ عند المرأة المسلمة. ولكن هل هناك أشياء تعين المرأة على حفظ أوقاتها؟

أسباب تعين المرأة على حفظ الوقت

أسباب تعين المرأة على حفظ الوقت نعم. سأذكر إن شاء الله تعالى الأشياء التي تعين المرأة على حفظ وقتها، وأيضاً مجالات قضاء الوقت، أوكيف تقضي المرأة وقتها؟ أما الأشياء المعينة على قضاء الوقت فكثيرة منها:

الخوف من الله تعالى

الخوف من الله تعالى أولاً: الخوف من الله تعالى، واستشعار عظمته، والعلم بأن الله خلقها للعبادة، وأن الله عز وجل سائلها عن كل دقيقة من دقائق عمرها، وأن الله عز وجل سيحاسبها على كل لحظة تقضيها في غير مرضات ربها، فإذا استشعرت هذا كله وشعرت به أدى هذا إلى أن تغتنم الوقت ولا تضيع منه دقيقة واحدة إلا فيما يعود عليها بالنفع في الدين أو في الدنيا والآخرة.

معرفة الأزمنة والأمكنة الفاضلة والمفضولة

معرفة الأزمنة والأمكنة الفاضلة والمفضولة ثانياً: معرفة الأزمنة والأمكنة الفاضلة والمفضولة، فعندما يكون عندها فقه في دين الله بحيث تعرف يوم الجمعة أنه يوم عظيم، وأنه خير يوم طلعت فيه الشمس، وتعرف أن يوم الإثنين والخميس أيام صيام، وتعرف أن ثلاثة أيام من كل شهر هي أيام صيام هذه الأزمنة إذا عرفتها أعانها ذلك على أن تقضيها في طاعة الله؛ لأن بعض النساء تعرف من يوم الجمعة أنه يوم عطلة ونوم ونزهة وتمشية على البحر وخرجة إلى البر، ولا تعرف أن يوم الجمعة يوم فضيل وذكر، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاء من بعد العصر إلى المغرب؛ لأن فيه ساعة الاستجابة، ويوم قراءة سورة الكهف، واستعداد للتبكير إلى الصلاة تهيء زوجها؛ فتلبسه وتعطره، وتغسل أولادها وتلبسهم وتنظفهم ولا تأتي الساعة العاشرة إلا وهم في المسجد، فترجع هي وتقوم بدورها في تدبير منزلها، ثم تقوم بالتنظيف والتهيؤ للصلاة، والدخول في مخدعها أو غرفتها وأخذ المصحف وقراءة سورة الكهف، ثم الصلاة، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم الدعاء هذا كله من أعمال يوم الجمعة. لكن إذا لم يكن للمرأة فقه في هذا ضيعت يوم الجمعة كله في نوم؛ تنام إلى الساعة الثانية عشرة، ثم تقوم ولا توقظ زوجها، ويمكن أن يخرج هو متأخراً، ولا يمكن أن يدرك أحدهم حتى الخطبة، ثم تقوم هي بالطهي من الساعة الثانية عشرة إلى الساعة الثالثة، ويأتي زوجها وما قد صلت ولم تقرأ حتى سورة الكهف، وبعد العصر تمشية إلى نصف الليل هل هذا مما يليق بالمرأة المسلمة؟! هذا من الضياع! هذا من الفراغ وعدم معرفتها لفضيلة الأزمنة التي تمر عليها! فمعرفة المرأة لفضيلة الزمان يعينها على حفظ وقتها

شعور المرأة بواجبها تجاه نفسها

شعور المرأة بواجبها تجاه نفسها ثالثاً: شعورها بواجبها تجاه نفسها أولاً، فتعلم أنها مطالبة تجاه هذه النفس بحقوق، وأنها مطالبة تجاه الزوج بحقوق، وتجاه أبنائها، وبيتها، ومجتمعها هي فرد لا تقول: ليس عليَّ، لا. كل إنسان في المجتمع يؤدي دوره؛ فإذا فسد هو فسيؤدي فساده في التالي إلى فساد في المجتمع، كحبة التفاح الفاسدة إذا وضعت في صندوق تفاح سليم، هل سيبقى الصندوق كما هو، أم ستؤدي هذه الحبة إلى إفساد الأخريات؟ وهكذا المرأة لها دور عظيم يجب أن تشعر به في عملية إصلاح أمتها، ومجتمعها، ومحيطها الأسري، ومحيطها العائلي الضيق، وزوجها، وأولادها، ونفسها، وخادمتها يجب أن تشعر بهذه الوظيفة وهي: أن تكون أينما وضعت وأينما كانت بناءة، كلمتها صالحة ونظرتها هادفة، وسماعها صالح، وأعمالها كلها صالحة، لا تكون فارغة، أو جوفاء، أو سطحية، همومها فقط مقصورة على الملابس والديكورات والموديلات والأصباغ والتمشيات والأكلات وماذا نتغدى؟ وماذا نتعشى؟ وماذا نفطر؟ أصبح هم الناس الآن: ما هو الغداء وما هو العشاء؟ يعني: شغلتنا بطوننا ولا حول ولا قوة إلا بالله! لكن ماذا نقرأ؟ ماذا نعمل؟ كم نصلي؟ كم نذكر الله؟ من نزور في الله؟ من نعطيه شريطاً في الله؟ من نعطيه كتاباً في الله؟ من اهتدى على أيدينا؟ هذه هموم ثانوية عند كثير من الناس لا يفهمها! وهنا يتفاوت الناس في معرفة حقيقة الحياة بحسب أعمالهم التي يمارسونها في هذه الحياة. إذاً: فشعور المرأة بواجبها أو ما كلفها الله نحو نفسها ودينها ومجتمعها من أعظم ما يعينها على استغلال وقتها.

الجليسة الصالحة

الجليسة الصالحة رابعاً: الجليسة الصالحة، فإن الجليس الصالح له أثر على المجالس، والنبي صلى الله عليه وسلم قد بين لنا هذا في حديث صحيح في الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك: إما أن يحذيك، أو أن تبتاع منه، أو أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، أو أن تجد منه ريحاً خبيثة) وكذلك الجليس الصالح والجليسة الصالحة التي كلمتها صالحة ونظراتها صالحة وسماعها صالح وأفكارها صالحة وتخطيطها صالح وكل حياتها صالحة التي إذا جلست المرأة معها استفادت منها خيراً. أما إذا كانت الجليسة سيئة لمجرد أن تجلس معها ونظرتها سيئة وسماعها سيئ ولسانها سيئ وأفكارها سيئة فسوف تزدريك إذا تكلمت بكلام طيب، وتسخر منك إذا نظرت إلى شيء طيب، وتضحك عليك إذا تكلمت بكلام طيب، وتقول: أنت تعيشين في عقلية بعيدة، الناس تطوروا لا، ما تطوروا عندما تركوا الدين بل تثوروا، وأصبحوا حيوانات بشرية، التطور الحقيقي هو في الحفاظ على كتاب الله عز وجل، التطور الحقيقي والعزة الحقيقية هي الدعوة إلى الله تعالى، أما التثور الحقيقي فهو في التخلي عن هذا الدين والعيش كما تعيش البهائم -والعياذ بالله- لأن هذا لا يسمى تطوراً ولا تحضراً بل انهزامية وردة وحيوانية وبهيمية يمارسها الإنسان باسم مستعار، وإلا فإن التطور الحقيقي هو أن تحافظ على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن تتميز على الناس بهذه العقيدة، والأخلاق والمبادئ وأما أن ينغمس الإنسان بالشرور وينحرف مع المنحرفين والمنحرفات ثم يسمي هذا نوعاً من التطور فهذا قلب للحقائق، ووضع للأسماء في غير مسمياتها {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء:227]. فالجليسة الصالحة مهمة جداً، ولها أثر كبير، وكم نعرف والله من القصص التي تدمي القلوب وتزعج النفوس، والتي كانت فيها بعض الأخوات على جانب كبير من الدين ولكن بجلسة واحدة مع امرأة خبيثة غسلت مخها وغيرت دماغها وأفسدتها وأصبحت تلك المرأة التي كانت صالحة من أفسق خلق الله؛ لأنها جلست مع جليسة سيئة -والعياذ بالله!! هذه هي الأشياء التي يمكن أن تعين المرأة المسلمة على استغلال وقت فراغها فيما ينفعها في الدنيا والآخرة إن شاء الله.

المجالات التي يتعين على المرأة المسلمة قضاء الوقت فيها

المجالات التي يتعين على المرأة المسلمة قضاء الوقت فيها أما مجالات قضاء الوقت؛ كيف تقضي المرأة وقتها حتى تنتهي أربع وعشرون ساعة وليس لديها وقت وليست فاضية لشيء؟

قضاء الوقت في خدمة الزوج والأولاد

قضاء الوقت في خدمة الزوج والأولاد أول شيء: عملية التدبير والتنظيم، لا بد أن تكون المرأة منظمة؛ لأن النظام ما دخل في شيء إلا زانه، والفوضوية والارتجال والعبث ما كان في شيء إلا أفسده، ألا ترون -مثلاً- اليوم الدراسي في المدارس، ألا ينظم هذا اليوم بواسطة جدول يسمونه جدول الدروس؟ يؤخذ في أول العام المنهج المقرر على المدرسة ويوزع هذا المنهج على أشهر السنة، ويعطى هذا المنهج للمدرسة بحيث توزع البرنامج على ضوء هذا المنهج، ويقوم المدير بوضع جدول يومي يوزعه على المدرسين والمدرسات، وتقوم كل مدرسة بأخذ حصصها الأسبوعية، ثم تقوم بالليل لتحضير هذه الحصص والالتزام بهذه الحصص وقضائها مع الطلاب والطالبات هذا هو الذي يصير الآن، وبهذا التنظيم تقوم العملية التربوية قياماً صحيحاً، لكن لو ترك التعليم فوضوياً وجاءت المديرة وقالت: كل مدرسة تأخذ لها مجموعة من الطلاب وتدرسهم، ودخلت كل مدرسة وأخذت طالباً أو طالبين أو ثلاثة في عشة أو دار وجلست معهم قليلاً وأخرجتهم، هل يمكن أن يقوم تعليم بهذه الفوضى؟! لا. كذلك البيوت، البيوت هي نماذج من المدارس، البيت مدرسة، المديرة فيه هي الزوجة، والمدير العام هو الزوج، والطلاب هم الأولاد، لا بد من وضع نظام لهذا البيت، يقرر الزوج والزوجة متى ينام الأولاد؟ أيام العطل يمكن أن يتأخر النوم إلى الساعة الحادية عشرة، وأيام العام الدراسي يكون النوم من بعد صلاة العشاء مباشرة. وتتغير بعد ذلك مواعيد الطعام؛ الطعام كان يتناول بعد العشاء في أيام العطل، لكن في يوم الدراسة يكون العشاء بعد المغرب، والغداء بعد الظهر، والفطور بدل أن كان في الساعة التاسعة والنصف أو العاشرة في أيام العطلة يكون بعد الفجر في أيام الدراسة، هذا برنامج لا بد أن نلتزم به إذا عمل بهذا التنظيم فإنه يعين المرأة على أن تقضي أوقاتها بانتظام، لكن بغير هذا البرنامج لا يمكن أن يستقيم أمر المرأة. هذا الكلام الآن على مجالات قضاء الوقت؛ كيف تقضي المرأة وقتها؟ يجب أن تشعر المرأة على أنه يجب عليها أن تقضي معظم الوقت في خدمة زوجها وأولادها، ولا بد أن نكون صرحاء مع أخواتنا في الله، فالزوج هو هبة من الله ونعمة للمرأة، وليس بغريب أن تتزوج المرأة، لكن الصعب أن تحتفظ بهذا الزوج، يعني: قد تتزوج؛ لأن الرجل لابد أن يتزوج وهي لابد أن تتزوج، لكن يبدو ويبرز دور المرأة باحتفاظها بزوجها، حينما تنجح في إدارة هذا الزوج والاحتفاظ به والاحتواء له هذه هي الزوجة الناجحة، وكم سمعنا من قضايات كثيرة في فشل الزوجات، يتزوجون ويفرحون ويقضون شهر العسل وبعد شهرين أو ثلاثة لا نعلم إلا والصك في يد الزوج على أهلها: هذه امرأة فاشلة! تزوجت ولعبت وانبسطت في القصر وفي فندق فخم وفي حفلات وفي دنيا وبعد ذلك رماها، ثم إذا جاءها عريس وعلم أنها مطلقة يقول: ما طلقت إلا لأن فيها عيباً. أريد امرأة ما طلقت، وتبقى مركونة عند أهلها! وربما يمر قطار الحياة ولم تتزوج بسبب فشلها في إدارة زوجها. الزوج نعمة وعلى المرأة أن يكون من أهم واجباتها كيف تستبقي هذه النعمة؟ واستبقاء هذه النعمة يسير جداً، يقول أحد العلماء التربويين: الرجل كالطفل. فالطفل عندما تضربه على وجهه وبعد ذلك تضحك له وتقول: خذ قطعة الحلاوة، يأتي إليك وينسى الصفعة، كذلك الرجل؛ الرجل يريد بسمة من المرأة، يريد كلمة طيبة ومظهراً جميلاً، ويريد طاعة من المرأة ونوعاً من الحنان، إذا عاد الزوج من عمله وهو متعب ومرهق في غاية التعب والإعياء وقابلته المرأة على الباب وقد تجملت وتزينت وتعطرت، وبمجرد أن فتحت الباب قالت: حياك الله، يا ألف مرحباً، طولت علينا، سلامات، لماذا أنت متغير اليوم، إن شاء الله لا توجد مشاكل عندك في العمل، وتمد يدها على البشت إن كان يلبس بشتاً وتخلعه، وإذا كان عسكرياً يلبس بدلة تخلع البدلة، وإذا كان مدنياً تخلع الكوت أو الغترة من على رأسه، وبعد ذلك لا مانع أن تمد يدها على قدمه فتخلع الشراب من رجله، ليس هذا إهانة لها إنه عزة ورفعة لها؛ لأنها في هذا كما تقول أحد المؤمنات: [كوني له أمة -يعني: قينة- يكن لك عبداً، وكوني له مهاداً يكن لك عماداً] فأنت عندما تخدمينه هذه الخدمة تستولين عليه، تجذبين قلبه، تستولين على مشاعره بقليل من الحب، ضعي يدك على كتفه، لا مانع من ضمه، لا مانع من تقبيله وهو آت من العمل، بعد ذلك قضية المداعبة والتدليك للرجل؛ لأن الرجل يحتاج إلى هذا، هذا الأمر مرفوض عند المرأة، كثير من النساء لا تمارسه ولا تشعر بأنه يجب عليها، هذا مهم عند الرجل؛ لأن الرجل يقضي جهداً بدنياً وهو واقف في فصله أو واقف في المحل التجاري وهي جالسة، فإذا جاء وضعت يدها على قدمه أو على يده أو على ظهره أو على جزء من جسمه ودلكته وغمدته وأعادت العضلات إلى أماكنها يشعر براحة، هذا لا يكلفها شيئاً، لكن هل تمارس المرأة هذا الجهد عند الرجل؟ كثير من النساء لا تمارسه بل تنتظر منه أنه يدلكها، أو غربت وجهها وأغلقت الباب عليه -والعياذ بالله- وهذا من أسوأ ما يمكن عند المرأة. فخدمة المرأة لزوجها خدمة شخصية لا نريد خدمة القدور، بعض النساء طاهية ما شاء الله غسالة من أحسن ما يمكن، تنظف البيت حتى تجعله يلمع، لكن زوجها يقول: أنا ماذا يهمني من نظافة الجدار أنا يهمني العمل الخاص بي، أنا أسعد بنظافة الجدار لكن لا أسعد به لوحده؛ أسعد بنظافة الجدار وأسعد بنظافة الإناء وأسعد بنظافة الأولاد، ولكن أريد أن أسعد- كاملاً- أيضاً بتقديم ما يخصني من الخدمة التي أتمنى أن أجدها من زوجتي فأسعد بها سعادة ليس بعدها شقاء، وهذا أول مجال من مجالات قضاء الوقت. خدمة الأولاد، وهذه الخدمة يجب أن تتقرب بها المرأة إلى الله، لا تسند قضية الخدمة على المربية، فلا مانع أن تقوم هي لتغسل أولادها بيدها، ولا مانع أن تغير ملابسهم، وتضع لهم الحفاظات، وتحملهم، وتتعهد أنوفهم بالتنظيف وتتعهد ملابسهم وتتعهد لعبهم، وتجلس معهم في حديقة المنزل حين يلعبون، وتصعد بهم في السطح، وتخرج معهم في البلكونة إذا كانت ساترة، هذا شيء مهم، أما أن تنفي هذه المسئوليات إلى الخادمة: انزلي معهم، اطلعي معهم، اغسليهم، فينشأ في نفوس الأولاد تصور عن هذه الأم أنها ليست أمهم وأن الأم هي الخادمة، ولهذا يتعلقون بالخادمات. بعض الأطفال الآن يتعلق بالخادمة أكثر مما يتعلق بأمه، وقد سمعنا عن الطفل الذي مات؛ لأن الخادمة سافرت، خادمة كانت تعمل في البيت وانتهت السنتان وسافرت إلى بلدها، والولد الصغير يحسبها أمه، فلما سافرت لم يعد يأكل ولا يشرب ويبكي ليل نهار حتى فارق الحياة ومات، دقه الحزن في قلبه حتى مات؛ لأنه فقد أمه. يجب ألا تعتمدي على الخادمة إلا في أشياء ثانوية بعيدة: نظافة المنزل، تغسيل عمومي، إنما الولد يجب أن يكون في حجرك أنت، وينام في حضنك أنت وبجوارك أنت، وأنت التي تحملينه، وأنت التي تأخذينه، وأنت التي تغيرين له، وأنت التي تلبسينه، هذا ولدك، فإذا شعر بهذا منك أعطاك حباً وأعطيته أنت حناناً وشعر بالجميل في المستقبل، أما أن تسندي هذه الأعمال للخادمة فما هو دورك؟ للأزياء والمرايا وللموديلات وللشوارع وللسهر، هذا دور المرأة الفارغة التي ليس لها عند الله وزن وليس لها عند الله عز وجل كيان.

قضاء الوقت في التدبير المنزلي

قضاء الوقت في التدبير المنزلي الثاني: مما تقضي فيه المرأة وقتها: التدبير المنزلي. القيام بالأعباء المنزلية: أعمال الطهي، أعمال التنظيف. لا مانع، قد تقول المرأة: إن هذه أعمال متعبة ليست من اختصاصي، أنا الآن امرأة مثقفة أنا امرأة جامعية، أنا امرأة أريد أن أرتاح، نقول لها: لا. حتى ولو كنت جامعية، ولو كنت أيضاً دكتورة فإنك امرأة، مهما كان مؤهلك ودرجتك العلمية فإنك لا تستطيعين بالدرجة العلمية ولا بالمؤهل أن تخرجي عن كونك امرأة ذات مسئولية، ومن ضمن مسئولياتك: الخدمة في البيت، والخدمة للبيت لها فوائد عظيمة: أولاً: فوائد جسدية: فالمرأة التي تعمل في البيت تجدها دائماً ذات رشاقة وذات جسم متناسق ومعتدل لماذا؟ لأنها تعمل من الصباح، ونحن نعلم كيف كانت المرأة في السابق تقوم بأعباء المنزل وأعباء الخارج، كانت تغسل وتطبخ وتنظف المنزل وتحطب وترعى وتعمل في الحقل وتحمل وتلد وبطنها ملاصق لظهرها مثل الغزال ولا تمرض، طوال حياتها والمرأة متعافية، لكن الآن عندما تخلت المرأة عن الأعمال المنزلية حصل عندها نقص في الرشاقة؛ لأنها تنام من نصف الليل إلى نصف النهار، وتقوم في الظهر وجهها مثل الكرة منفوخ، فلا تدري أين وجهها من رأسها من كثرة النوم، ثم بعد ذلك تبقى جالسة، ولا تعمل شيئاً، حتى منديل الورق إذا أرادتها تقول: هاتي المنديل يا خادمة، حتى التليفون لا تستطيع أن تذهب إلى التليفون لتأتي به، فهي جالسة، وجاء الأكل فأكلت وجلست ونامت، وبعد ذلك يترتب على هذا مرض وهو السمن، ويترتب على السمنة أمراض كثيرة، أما تسمعون أن الأمراض المستعصية في الدنيا هي أمراض في السمنة: السكر من السمنة، والجلطة من السمنة؛ الجلطة هذه التي يسمونها الكولسترول هي مادة تترسب في شرايين القلب حتى ينسد، فإذا انسد مات الشخص وهو جالس لا يدري، من أين يأتي الكولسترول؟ من الجلوس، لكن الشخص عندما يعمل ويقوم ويجلس ويصعد وينزل لا يكون عنده كولسترول. كذلك المرأة نقول لها: قومي واقعدي واصعدي، وانزلي وغسِّلي، لماذا؟ هذه رشاقة، أين تريدين أن تعملي الرياضية؟ تريدين أن تخرجي في الشارع؟ ليس هناك رياضة للمرأة في الشارع، إلا في الغرب لكنهن كافرات، يقاومون عدم وجود أعباء منزلية في اللعب في النوادي، عندهم نوادي رياضية وتلعب المرأة فيها بكرة القدم، وبالطائرة وبالسلة، وألعاب القوى وترون ما يحصل في المنديال في العالم. لكن المرأة المسلمة ليست كافرة؛ المسلمة ليس لها نادٍ، المسلمة لا تلعب في نوادي الرياضة، رياضتها بخدمة زوجها، وبتدبير منزلها. إن رياضتها من أعظم الرياضات إذا قامت وقعدت كل يوم ثلاثين أو أربعين مرة في المطبخ، إذا كنست فهي رياضة لظهرها، وإذا غسلت فهي رياضة ليديها، وإذا قطعت فهي رياضة لأصابعها، كل هذه أعمال رياضية تمارسها وهي مرتاحة بإذن الله عز وجل. فالتدبير المنزلي مهم للمرأة؛ لأنه جزء من واجبها وينفعها في حياتها، ويقرب أيضاً قلبها وقلب زوجها إلى بعض؛ لأن الزوج حينما يرى أن المرأة قامت بجهد منزلي يقدر هذا، ويشعر بأنها امرأة وشريكة حياة، لكن عندما يراها عبئاً عليه، والذي يقوم بالأدوار كلها هي خادمة ربما يستغني هذا عن العبء ويستبدلها بالخادمة ويتركها -والعياذ بالله- وهذا هو النوع الثاني مما تقضي به المرأة وقت فراغها.

قضاء الوقت في طلب العلم

قضاء الوقت في طلب العلم الثالث: بعد حق زوجها وأولادها وتدبير منزلها يبقى عليها طلب العلم، بأن تضع برنامجاً تطلب فيه العلم الشرعي، وهذا البرنامج يشمل أربعة فروع: - الفرع الأول: قراءة القرآن الكريم نظراً وحفظاً، فتقرأ يومياً نظراً بما لا يقل عن جزء تقسمه على أوقات الصلاة بحيث تقرأ قبل كل صلاة أو بعد كل صلاة ورقتين في أربع ركعات هذا بالنسبة للنظر، أما بالنسبة للغيب فلا بد أن تقرأ أقل شيء كل يوم صفحة غيباً، حتى تكمل أقل شيء المفصل من سورة قّ إلى سورة الناس- أربعة أجزاء، يجب أن تحفظها وتكون في قلبها لتستعين بها على دعوتها وفي أمور صلاتها وغيرها من العبادات، وهذا الحفظ يمكن أن يكون بعد صلاة الفجر أو بعد صلاة المغرب، ووقت الحفظ بعد صلاة المغرب من أنسب الأوقات، أو بعد صلاة العصر إذا لم يكن عندها تدبير منزلي أو ضيوف فهذا الوقت من أحسن الأوقات لقراءة القرآن وحفظ كتاب الله عز وجل. - الفرع الثاني من التعليم: قراءة السنة النبوية، وخير كتاب ندل عليه المرأة هو كتاب رياض الصالحين، وهناك شرح مختصر له يتكون من مجلدين اسمه نزهة المتقين شرح رياض الصالحين، تقرأ حديثاً وتقرأ شرحه ثم تقرأ ما يستفاد منه من أحكام ثم تحفظها ثم تبينها لزوجها وتبينها لأولادها إذا جاءوا ينامون، تبينها بالتليفون لقريبتها وصديقتها لكي تثبتها في ذهنها؛ لأن معرفة الحديث وحفظه ثم تعليمه يثبته في ذهن الإنسان الذي تعلمه، لكن معرفته وعدم تعليمه يضيع وينساه الإنسان وهو لا يعلم. - الفرع الثالث: معرفة الفقه، وأحسن كتاب ندل عليه الآن هو كتاب في السوق اسمه فقه السنة لسيد سابق، كتاب عظيم تقرأ فيه المرأة أحكام الفقه مبتدئة بأحكام الطهارة، ثم أحكام الصلاة، ثم جميع الأحكام الشرعية تقرأها من هذا الكتاب وإن كان فيه بعض الملاحظات لكنها بسيطة وهناك من عالجها من أهل العلم لكن بالنسبة للمبتدئين هذا كتاب عظيم؛ لأنه احتوى على الدليل، وابتعد عن الخلافات وعن التعصب للمذاهب، وإنما كان يورد المسألة أو يورد ما قاله العلماء من أهل العلم من أهل المذاهب ثم يرجح الدليل الصحيح الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا الفقه. - الفرع الرابع: وهو درس يكون إما في السيرة أو في العقيدة، والكتاب الذي ننصح به في السيرة كتاب عظيم اسمه هذا المحب يا حبيب للشيخ أبي بكر الجزائري، أو تقرأ في مجموعة عمر سليمان الأشقر في العقيدة: الله جل جلاله. النبي صلى الله عليه وسلم. الملائكة. الجنة والنار. هذه كلها سبعة كتب مجموعة في العقيدة، فإذا كانت عند المرأة فإنها تقرأ فيها وتتزود بما يصحح عقيدتها في أصول الإيمان الستة: الإيمان بالله والملائكة والكتب والرسل والبعث بعد الموت، والقدر خيره وشره من الله عز وجل، هذه كلها من الكتب المفيدة التي تستطيع المرأة أن تتعلمها وتقضي وقتها فيها إن شاء الله تعالى.

قضاء الوقت في ذكر الله تعالى

قضاء الوقت في ذكر الله تعالى الرابع: من مجالات حفظ الوقت: ذكر الله تبارك وتعالى عن طريق تعلم الأذكار الشرعية التي وردت بها السنة، وخير كتاب في هذا كتاب يسمى الوابل الصيب من الكلم الطيب لـ ابن القيم تتعلم فيه المرأة أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم واليقظة، وأذكار الأكل وجميع الأذكار والحالات التي كانت تمر بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ ما من حالة تمر إلا وعليها ذكر من الرسول صلى الله عليه وسلم، فعلى المرأة أن تحفظها، وبعد ذلك تهتم بالأذكار العددية وهي التي ورد فيها عدد معين، كالحديث الذي في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال عليه الصلاة والسلام: (من قال في يوم مائة مرة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كان كمن أعتق عشر رقاب، وكتب الله له مائة حسنة، وحط عنه مائة خطيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك، ولم يأت أحد بأحسن مما جاء إلا رجل قال مثل ما قال أو زاد). وهذا لا يستغرق عشر دقائق. وجاء في حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من قال في يومه مائة مرة سبحان الله وبحمده غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر) رواه مسلم. تأتي بهذه الأذكار العددية، تجلس قبل غروب الشمس بنصف ساعة وتأتي بالكتاب وتقرأ الأذكار فذكر الله من أعظم الواجبات والمهمات ومن أعظم الشغل الذي يقضى فيه وقت المرأة.

قضاء الوقت في الدعوة إلى الله تعالى

قضاء الوقت في الدعوة إلى الله تعالى الخامس: بقي شيء يمكن أن تستنفذ فيه المرأة ما عندها من فراغ، وهو: الدعوة إلى الله عز وجل، هذه مهمة الأنبياء يقول تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33] وإذا استشعرت المرأة بدورها وقامت بهذا الواجب في دعوة بنات جنسها فإنها تسد فراغاً كبيراً، إذ لا يمكن للرجال أن يصلوا إلى كل مكان فيه النساء، ونحن الآن نشعر حقيقة بتقصير كبير في صفوف المرأة، ولولا أن الله يسر الشريط الإسلامي لكانت المرأة في وضع يرثى له، لكن الله نقل الشريط بحيث أدى بعض الدور لكنه لا يؤدي الدور كاملاً إلا بوجود داعيات من أخواتنا في الله يحملن مشعل الدعوة، لماذا لا يوجد في النساء مثلما يوجد في الرجال؟ أليس فيهن المؤهلات؟ أليس فيهن من يحملن الدكتوراه والماجستير والبكالريوس والليسانس؟ أليس فيهن القارئات والمعلمات؟ لماذا لا يكون فيهن داعيات على مستوى الدعوة من الرجال؟ بل عالمات بدين الله عز وجل، لا بد أن يقمن بهذا الواجب، ولتبدأ المرأة بالدعوة في محيطها ودائرتها الضيقة؛ محيط الزوج والأولاد، ثم تنتقل إلى المحيط الأسري أمها وأبيها وإخوانها وأخواتها، ثم تنتقل إلى المحيط الأعم وهو المجتمع القريب- الحي- الذي فيه جيرانها الذين يزورونها؛ تعرف أن في العمارة ست شقق تتصل بالنساء وتطلب منهن الحضور عندها في يوم من أيام الأسبوع، تهيئ لهن فنجان شاي وفنجان قهوة وبعد ذلك تعطيهن الدرس، وتزورهن وتجلس معهن، تحمل هم الدعوة، تنقل روح الدعوة إلى الناس، هذا إذا كان عندها توفيق من الله تعالى. وبهذه المجالات الخمسة لن يبقى مع المرأة فراغ، وسوف يستهلك هذا كل وقتها، وتعيش كريمة قد حفظت عمرها ووقتها ولم يكن عندها فراغ، لن تطلب من زوجها أن يذهب بها إلى السوق أبداً؛ لأنها ليست فاضية، ذهابها إلى السوق يعني: ضياع لهذه المهمات، ولن تطلب من زوجها أن تسهر وأن يشتري لها دشاً لكي يمطرها ويمطر أولادها باللعنات والسخطات من الله عز وجل، ولن يبقى عندها فراغ إلى أن تذهب لتزور وتتكلم وتشرب الشاي وتكيف على مكسرات لا. سيكون وقتها كله في هذه الأشياء، خدمة الزوج والأبناء وتدبير المنزل تعلم العلم ذكر الله الدعوة إلى الله. إذا استطاعت أن تملأ أوقات فراغها في هذا فإنها تعطي لحياتها معنى وتعطي لوجودها قيمة، وبالتالي تعيش كريمة وتموت كريمة إن شاء الله تعالى، وتبعث بإذن الله داعية إلى الله! أسأل الله تبارك وتعالى أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، وأن يوفق أخواتنا بالذات إلى حمل مشعل الدعوة إلى الله عز وجل. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

الواجب على الزوجة التي رفض زوجها إخراج التلفاز من المنزل

الواجب على الزوجة التي رفض زوجها إخراج التلفاز من المنزل Q أرجو أن تجد لي حلاً لهذه المشكلة التي أعيشها، فأنا أحاول أن أخرج تلك النار المتقدة في بيتي، ألا وهو التلفاز، إلا أن زوجي رافض لهذه الفكرة، فأنا أعيش هماً وغماً فماذا أفعل؟ A أولاً نشكر هذه الأخت، ونتمنى أن يكون في بنات المسلمين من أمثالها كثير، والتي تشعر عن طريق إيمانها بربها وإدراكها لحقائق الحياة بخطر هذا الجهاز، فهو في الحقيقة نار تشتعل في البيوت، تفسد الدين وتفسد الأخلاق، ولا يغالط أحد نفسه ويقول: لا. إن فيه خيراً، أنا أنظر فيه إلى البرامج الدينية! لا. ما سمعنا أحداً اهتدى عن طريق التلفاز أبداً. الذي سوف يهتدي سيهتدي عن طرق أخرى شرعية، بل من أدخله وكان يتمنى أن فيه خيراً أفسد عليه أهله؛ لأن ما ينشر فيه خاصة بعد وجود القنوات المتعددة، ووجود البث القريب من القنوات الموجودة من الدول المجاورة وإمكانية التقاطها، حتى لو أمكن التحفظ على الجهاز من حيث البث الإذاعي المحلي أو البث التلفزيوني المحلي لا يمكن التحكم في البث التلفزيوني الخارجي ولن تستطيع أن توقف بنفسك الجهاز بحيث تضعه على القنوات التي تريدها، وبالتالي وجود هذا الجهاز في البيوت هو شر، وأسلم طريق إخراجه، وإخراجه هو من مسئوليات الرجل، أما المرأة فإنه ليس بإمكانها إخراجه؛ لأن الرجل هو صاحب القوامة والسيطرة والهيمنة على البيت، ولكن بإمكانها عملية تحسين تشغيله، يعني: إذا قدرت على إقناع زوجها على إخراجه فهذا هو الحل الأمثل والحل الجذري من أجل الأولاد، لكن إذا لم تستطع فعليها أن يكون دورها دور دعوي في عملية إقناع الزوج في أن هذا الجهاز فيه شرور، وعلينا أن نحسن عملية تشغيله بحيث لا يشتغل إلا في الحق، فإذا جاء الباطل يجب أن تقول له: لا يصلح، وأكبر باطل موجود فيه المسلسلات؛ فهذه المسلسلات والأفلام من أخطر الأشياء على دين الإنسان، ويقع في الدرجة الثانية البرامج الكرتونية التي يقولون أنها للأطفال، الطفل إنسان جديد على الحياة يريد أن يفهم الحياة، وتقدم له الحياة على شكل معلومات كرتونية خاطئة في الجهاز الكرتوني، فيتصور الولد أن هذه الأشياء حقيقة وهو لا يدري أنها كراتين! ولهذا ينشأ في ذهنه تصورات خطيرة عن الحياة، وما أفسد الحياة في أوروبا إلا الأفلام الكرتونية، ويراد -أيضاً- إفساد أجيالنا عن طريق هذه الأفلام؛، فيترتب على هذه الأشياء تصورات في ذهن الطفل عن الحياة وعن الكون والحركة والثبات وعن الأشياء أنها غير حقيقية، وينشأ الطفل مخلخل في المعتقد وفي الفكر مخلخل في كل معلوماته، فلا نريد أفلاماً ولا مسلسلات ولا كراتين، إذاً ماذا يبقى فيه؟ يبقى فيه صلاة المغرب وصلاة العشاء ويبقى فيه الأخبار إن كانت مهمة، ويبقى فيه أشياء من البرامج العلمية القليلة لا مانع. وبعدها نغلقه. وإذا لم تستطيعي أن تغلقينه على الزوج فليكن أقل من إقفاله على الأولاد وعلى نفسك، ولست ملزمة أن تجلسي في الغرفة التي فيها هذا الشيء، اذهبي في غرفة أخرى وتذرعي بأنك مشغولة حتى يمر هذا الفيلم، وتبدئي الدعاء ومعالجة الزوج بنوع من الحكمة؛ لأن الوقوف في وجه الزوج بالعنف والشدة قد لا تفيد، فعالجيه بحكمة وأقنعيه بأسلوب حتى يتمكن من إخراجه بإذن الله عز وجل. أنا ذكرت حينما قلت فقه السنة أن هناك بعض الملاحظات على الكتاب، ولكن وجود الخطأ في أي كتاب لا يعني إلغاء الكتاب كله، ومن فضل الله عز وجل أن الله وفق أحد العلماء وعلق عليه وأشار إلى بعض الأخطاء الموجودة فيه، فله أخطاء فيما يتعلق بحلق اللحية وما يتعلق بالأغاني وبكشف الوجه؛ لأن الشيخ السيد سابق ألف الكتاب في مجتمع مسلم وكان المجتمع فيه نوع من التحلل فأخذ ببعض الأقوال الشاذة، لكن الصحيح في الكتاب الذي فيه التعليق واسمه تمام المنة في الرد على كتاب فقه السنة، بين فيه المؤلف الأخطاء التي وردت في الكتاب وصححها، فإذا أخذ هذا الكتاب مع كتاب فقه السنة يصبح الكتاب من أعظم ما يمكن إن شاء الله تعالى.

حكم زواج الفتاة برجل لا تريده

حكم زواج الفتاة برجل لا تريده Q ما حكم زواج الفتاة برجل لا تريده مع أن ذلك يؤثر على مستقبلها؟ A لا يجوز شرعاً أن تجبر المرأة أو الفتاة على الزواج من رجل لا تريده، ومن حقها شرعاً أن تقف لأبيها وتقول له: يا أبت! أنا لا أريده، وإذا رفض فمن حقها أن ترفع دعوى ضد أبيها أمام المحكمة لفسخ العقد، لماذا؟ لأن الزواج بناء، ولا بد لهذا البناء أن يقوم على قناعة ورضى، وهو ليس فيه بيع شيء، لا. كيف تذهب مع شخص لا تريده؟ لا. ولهذا ينبغي للآباء ألا يكرهوا أبنائهم على شيء، لكن إذا عرض عليها ووافقت إما بالسكوت أو بالابتسام أو بالبكاء أو بالكلام قالت: نعم. فيزوجها، وأما إذا قالت: لا أريده، فلا يجوز له شرعاً إذا عبرت عن رأيها صراحة بعدم الرضا عن هذا الزوج أن تتزوج به، وليس في هذا عقوق إذا رفضت هذا الزوج، لماذا؟ لأن الطاعة للوالدين في المعروف، وليست ملزمة أن تطيعه بما ليس بمعروف، وليس معروفاً أن يجبرها على رجل لا تريده.

حكم تكشف المرأة بين بنات جنسها

حكم تكشف المرأة بين بنات جنسها Q هل صحيح أن عورة المرأة أمام المرأة من السرة إلى الركبة، فالنساء يحضرن الأفراح وظهورهن عاريات وسيقانهن ونصف الصدور بحجة هذا الحديث؟ A لا. ليس بصحيح، المرأة أمام المرأة لا يظهر منها عادة إلا ما يظهر أمام المحارم مثل الأب والأخ فإن الذي يظهر عادة أمام الأشياء العادية مثل الوجه وأطراف الشعر والقدمين واليدين، وربما الساق والذراع، أما الأشياء الأخرى فلا تظهر لا لمحرم ولا لمرأة ولا تظهر إلا للزوج، وما يصنعه النساء اليوم من ظهورهن العارية ومن سيقانهن وبعض فخوذهن فهذا ليس بصحيح، ولا نريد حتى لو كان مباحاً أن تعمله المرأة؛ لأنه ليس من خلق المرأة المؤمنة. فالمرأة المؤمنة عفيفة شريفة طاهرة محجبة وإن بدا شيء يبدو الشيء المألوف، أما أن تعرض أشياء -لا يمكن أن يراها إلا الزوج- على النساء وينقل النساء هذه المناظر للرجال فهذا حرام، وبالتالي يصير فساد في المجتمع.

حكم ضرب الأم لطفلها

حكم ضرب الأم لطفلها Q هل تتحمل الأم الإثم عندما تضرب طفلها؟ A إذا كان الضرب للتأديب وبالحدود الشرعية فليس عليها إثم، بل عليها إثم إذا لم تضرب وتؤدب، أما إذا كان الضرب ناتج عن قسوة الأم وصلابة قلبها وحقدها على ابنتها وكراهيتها لهذه البنت ومن غير سبب. فلا يجوز ونعرف بعض الأمهات تضرب ابنتها من غير سبب؛ عندها حقد على ابنتها، فإذا أخطأت البنت خطأ بسيطاً يستوجب اللفت البياني والكلامي تصفعها وتقيم عليها حداً شرعياً، وتأخذ السوط وتبطحها على بطنها وتضربها حتى تقطع ظهرها هذا لا يجوز! هذه مسئولية؛ لأن الضرب علاج، فلو أتيت مريضاً وأعطيته عشرين حبة وتقول: أريد أن يتعافى، وكذلك الضرب عندما تحتاج البنت إلى صفعة في رأسها أو في طرف جسمها باليد أو قبصة لكن تقيم عليها حداً هذا لا يجوز؛ لأنه مبالغة وضرب بغير حق شرعي، وهي مسئولة، وجاء في الحديث: إنه ليقتص يوم القيامة حتى من اللطمة.

حكم الرقص للنساء في حفلات الأعراس

حكم الرقص للنساء في حفلات الأعراس Q ما حكم الرقص للنساء في حفلات الأفراح، علماً بأنه يوجد طبل وغناء؟ A الطبل والغناء والعود والكمان والزلفة كل هذه آلات لهو محرمة، ما أباح الشرع إلا الدف، والدف إناء مثل المنخل على طرفه جلد ومن الطرف الثاني فارغ تضربه المرأة غير الحرة، الحرة لا تضربه، تضربه الأمة القينة ضربات متتاليات من غير إيقاع ومن غير مرافقة صوت للإشعار بأن هذا زواج، الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أعلنوا النكاح واضربوا عليه الدف) يعني: اجعلوا الناس يسمعون الدف في هذا البيت فيعرفون أن في هذا البيت زواج فيقولون: من تزوج؟ فيقولون: فلان من فلانة، فيعرفون إذا رأوها بكرة معه أنها زوجته، هذا الهدف منه، أما رقص ولعب ودق وعود ويقولون أنه من الدين، هذا ما أنزل الله به من سلطان، وليس معروف في دين الله عز وجل.

حكم بقاء الزوجة مع زوج لا يصلي ولا يؤتي الزكاة

حكم بقاء الزوجة مع زوج لا يصلي ولا يؤتي الزكاة Q أنا امرأة تزوجت- ولي خمسة أشهر- تزوجت رجلاً لا يؤدي الصلاة ولا يؤتي الزكاة ويقوم بأفعال محرمة، وأنا لا أدري به حتى تزوجته واكتشفت فيه هذه الأعمال، وأنا الآن أريد المخالعة عنه، فماذا تنصحني؟ A أولاً: أنت أخطأت في الاختيار، يعني: بعض النساء تقحم نفسها من غير أن تسأل، لا بد إذا أردت أن تسلمي من هذه المآسي أن تكونين دقيقة في اختيار الزوج، تختارين صاحب الدين، ولهذا جاء في الحديث: (إذا أتاكم من ترضون دينه) أهم شيء الدين وهذا الرجل الذي لا يصلي كافر وبالتالي لا يجوز لك البقاء معه؛ لأنك إن بقيت معه فكأنما يزنى بك، وإذا حملت منه فالحمل حرام وسفاح، وعشرتك معه محرمة والله تعالى يقول: {لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة:10] فلا تحلين له؛ لأنه كافر، وبالتالي يجب مغادرة البيت والذهاب إلى أهلك، وبيان أمره، ليس هناك مخالعة بالنسبة له؛ لأنه ليس له خلع وليس له طلاق وإنما يفسخ العقد فوراً، أما الطلاق والخلع للمسلم، أما هذا فهو كافر ليس له سلطة {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء:141] فعليها أن تثبت هذا الأمر ضده وبالتالي يطلقها الشرع منه ويفسخ العقد بينه وبينها.

حكم قيام الزوجة بحق زوجها مع تقصير الزوج في حقها

حكم قيام الزوجة بحق زوجها مع تقصير الزوج في حقها Q تقول أخت: إنها تعمل هي وزوجها في مكان واحد وتؤدي عبادتها كلها ولكن زوجها يتخلى عن مسئوليتها في البيت ومصروفها وتدبيره وهي تقوم بكل ذلك، وهي معه على خلاف في ذلك، تطلب منه أن ينتبه للمنزل وهي تغضب لذلك وتقصر في قيامها بحقوقه، فهل عليها إثم في ذلك؟ علماً بأنها ترفض طلبه عندما تكون غضبانة، فهل عليها إثم؟ A هو مقصر بلا شك في قيامه بواجبه تجاه بيته، ولكن تقصيره لا يبيح لها أن تكون مقصرة هي، إذ عليها أن تقوم بالحق الذي أوجبه الله عليها، وتقصيره سيحاسبه الله عليه، وأما إذا ضيع حقوقها تضيع حقوقه وتعامله بالمثل تفسد الحياة، فعليها أن تصرف على بيتها وعلى أولادها وتعتبر الرجل كأنه ميت ليس موجوداً، وأن تقوم بحقه كاملاً، وتسأل الله له الهداية، وإذا شعر هو بأنها تقوم بالحق الكامل وهو ما يقوم ربما تفرض عليه بحكمة الحياء أن يقوم بالواجب، لكن إذا رآها متضايقة ويناديها وترفض أن تأتي وتتمادى في غيها وفي طغيانها وهو لا يقوم لها بحق وبالتالي يمكن أن تخرب الحياة بينها وبين زوجها.

نصيحة لكل امرأة لديها زوج عصبي المزاج

نصيحة لكل امرأة لديها زوج عصبي المزاج Q أنا امرأة متزوجة وزوجي عصبي المزاج حاد الطبع، وإنني أحتمل منه الكثير مع نصيحتي له، فبماذا تنصحني؟ A الزوج هو قسمة من الله ونصيب، وعلى المرأة أن ترضى بما قسم الله لها، يعني: ليس بإمكانها أن تفصله قبل أن تتزوجه، وأن تأخذ مقاسات معينة بحيث لا تأخذ إلا على قدها، لا. هذه قسمة ودائماً القسم شيء جيد وشيء غير جيد -حظ يا نصيب- فإذا كان الزوج طيباً فاحمدي الله، وإن كان سيئ خلق وحاد المزاج أو عصبي مثل هذا الرجل فاصبري عليه ما دام مصلياً؛ ما دام أنه مسلم يؤدي الصلوات الخمس ويؤدي أركان الإسلام، فاصبري عليه، وصبرك عليه لك عند الله عز وجل عليه ثواب؛ لأنه من الصعب تغييره عن طبيعته أو تغييره بشخص آخر. وإذا أردت أن تغيريه بشخص آخر قد لا يرضى أن يترككي لشخص آخر -أي: قد لا يرضى بطلاقك- وإذا ترككي يمكن أن تتزوجي بشخص آخر، فتقولين: يا ليتني صبرت على ذاك، يقول المثل: اصبر على قردك لا يأتيك أقرد منه، فأنت اصبري على هذا العصبي بدل أن يأتي شخص معه مشعاب يضربك بالغداة والعشي، لماذا؟ لأن هذا قسمة ونصيب من الله تبارك وتعالى، وكوني باستمرار صابرة لعل الله عز وجل أن يهديه. فإن الله إذا اطلع منك على الصبر أعانك إن شاء الله {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} [الطلاق:2] * {وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:3].

حكم أخذ الأجر على تدريس القرآن

حكم أخذ الأجر على تدريس القرآن Q أعمل مدرسة في مدارس تحفيظ قرآن كريم نسائية وآخذ أجراً على ذلك فهل هذا حرام، وهل يكون تجارة بكتاب الله أم لا؟ A ليس بحرام، بل الأجر على كتاب الله أعظم الأجور، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن خير ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله تعالى) سواء للتعليم أو للاستشفاء، فالاستشفاء حديثه في الصحيحين: لما قرأ الصحابي الفاتحة على الرجل وأعطوه قطيعاً من الغنم فلم يأكلوا منه شيئاً، فلما جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (اضربوا لي معكم بسهم) وهو سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه، فأنت ما دمتِ تدرسين كتاب الله عز وجل وتأخذين هذا المبلغ وتستعينين به على طاعة الله ولا تصرفينه في معصية الله فهذا خير ولك أجر إن شاء الله؛ أجر الذي أخذتيه من المال وأجر الثواب الذي ينتظرك باعتبارك تقومين بهذا العمل الجليل وهو: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).

حكم أكل المرأة من مال زوجها

حكم أكل المرأة من مال زوجها Q امرأة يقترض زوجها من البنك مالاً كي يطعم أهله، وهو لا يعمل تكاسلاً، وزوجته امرأة ملتزمة ولا تريد أن تأكل من هذا الطعام؛ لأنه حرام من الربا، وهي في نفس الوقت مضطرة فماذا تعمل: هل تأكل من هذا الطعام الحرام وهي لا تستطيع أن تعمل خارج البيت؛ لأن لديها أطفال، فهل تأكل هذا الطعام الحرام أم ماذا؟ A هذه حقيقة مشكلة ومصيبة على هذا الرجل الذي يقتات الحرام، وطبعاً ما دام يقترض من الربا ويأكل الحرام فإن أكله حرام، وبالتالي عبادته حرام وحياته حرام. ويبقى دور المرأة هنا: فبعض أهل العلم يقولون: إن المال لا يتجاوز ذمتين، فما دام أنه عليه حرام فهو عليها حلال، لماذا؟ لأنها زوجته وواجب أن ينفق عليها، وليس لنا دخل؛ سواء أتى به من حرام أو من حلال هو الذي يستحقها، مثل شخص عنده عمال في مزرعته أو في متجره وسرق مالاً وأعطى العمال فالعمال أخذوها بطريقة حلال؛ لأنهم عملوا، أما هو أخذها بطريق حرام، والحرام لا يتجاوز ذمتين. وكذلك المرأة، زوجها ملزم بالإنفاق عليها، أما من أين ينفق عليها فعليه، فإن اكتسب من الحلال فله أجر، وإن اكتسب من الحرام فعليه إثم، أما هي فتأكل حلالاً بإذن الله تعالى. وبعض أهل العلم يرى ذلك ورعاً، يقول: لا. ما دام أنه حرام وهي تعلم أنه حرام فلا يجوز لها أكل الحرام، وبالتالي تفارق البيت، وتطلب منه أن يكون له كسب حلال أو تتركه، حتى لا تؤدي عشرتها معه ومعاونتها له على العيش في بيته والجلوس تحت مظلته على الإصرار بالحرام، لكن لما يشعر هو أن زوجته ذهبت من أجل أنه يأكل الحرام لعل هذا يكون رادعاً له. وأنا أقول: إن كان هذا سيعمل على ردعه فلتذهب إلى أهلها، أما إذا كان هذا سيعمل على تخريب بيتها وطلاقها وطردها فلتجلس وأكلها الحرام في ذمته.

مقومات الزوجة المثالية

مقومات الزوجة المثالية Q ما دامت طاعة الزوج من أهم الطرق المؤدية إلى الجنة وإلى رضى الله تعالى، فكيف الطريق إلى طاعته وكيف أكون زوجة صالحة؟ A هذا يحتاج إلى محاضرة كاملة، وهناك أشرطة وكتيبات ومحاضرة قلتها في مكة بعنوان: مقومات الزوجة المثالية؛ خمس مقومات للزوجة المثالية موجودة في شريط قلته في هيئة الإغاثة في رمضان العام الماضي، وهو موجود في الأسواق، يعني: إذا استطاعت المرأة أن تنفذ هذه الخمس المقومات فهي من الزوجات المثاليات الطائعات لربها، وفعلاً ستصل بإذن الله إلى الجنة؛ لأن طاعة الزوج ربع الطريق إلى الجنة لحديث في مسند أحمد يقول عليه الصلاة والسلام: (أيما امرأة أطاعت بعلها، وصلت خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت).

كيفية وصول ربة الأسرة إلى حلاوة الإيمان

كيفية وصول ربة الأسرة إلى حلاوة الإيمان Q كيف أجد حلاوة الإيمان وأنا ربة البيت؟ A كونك ربة البيت هذا جزء من حلاوة الإيمان؛ لأن الله تعالى يقول: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33]؛ بعد ما وجه نساء النبي والمؤمنات قال: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33] فمكوثك في البيت طريق إلى لذة الإيمان؛ فقراءة القرآن يؤدي إلى زيادة الإيمان، وذكر الله يؤدي إلى زيادة الإيمان، وكذلك العبادة بكثرة الصلاة، وقيام الليل، وسماع الأشرطة الإسلامية والمحاضرات يؤدي إلى زيادة الإيمان، وكذلك الزيارة في الله والصدقة، والبعد عن المعاصي تؤدي إلى زيادة الإيمان وكل هذه توجد حلاوة الإيمان بإذن الله عز وجل.

حكم عيش المرأة مع إخوة زوجها

حكم عيش المرأة مع إخوة زوجها Q ابنتي تزوجت واشترطت قبل الزواج: ألا تسكن مع إخوة زوجها، وبعد الزواج اضطرت على العيش معهم؟ A هذا شرط شرعي؛ أن تشترط المرأة: ألا تسكن بعد الزواج مع إخوة الزوج؛ لأن هذا سيؤدي إلى الكشف عليهم، وهم غير محارم، بل هم الحمو والحمو الموت، فلا بأس أن تشترط هذا الشرط. وإذا اضطرتها الظروف للسكن معهم والحجاب قائم فلا بأس، فلا تفتش عليهم ولا يفتشوا عليها، أما إذا كان الحجاب غير قائم ويضلون يكشفون عليها فيجوز لها أن تنفذ الشرط أو ترجع إلى بيت أهلها.

حكم إصرار الزوجة على زوجها بأن يأخذها إلى المحاضرات مع كراهته لذلك

حكم إصرار الزوجة على زوجها بأن يأخذها إلى المحاضرات مع كراهته لذلك Q أحاول مع زوجي أن يأخذني إلى المحاضرات وإلى تحفيظ القرآن الكريم فيذهب بي وهو مكره، فهل عليَّ ذنب؟ A لا. ليس عليك ذنب، بل لك أجر، حتى ولو كان كارهاً؛ لأنه يقاد إلى الخير بالسلاسل: (عجبت لقوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل) فأنت لك خير إن شاء الله، لكن لماذا الزوج يكره، إذ لا بد له من ملاحظة، فبعض النساء تقول: أذهب المحاضرات، لكن تذهب لتتكلم؛ من يوم أن تدخل: كيف حالك، طيبة؟ وما معكم؟ وأين ذهبتم؟ ومن أين جئتم؟ وإذا خرجت من المحاضرة يسألها زوجها: ماذا قال الشيخ؟ تقول: والله ما علمت ماذا قال، أجل، لا تذهبي، اقعدي في البيت، وبعضهن تذهب لتحفيظ القرآن لكي تستعرض ثوبها الجديد، أو معها ذهب تريد أن تري النساء، أو هناك خبر تريد أن تخبرهن به، أو تريد أن تتكلم أو منزعجة هذه نيتها غير سليمة ولا يمنحها الله عز وجل ثواباً. أما من تخرج من أجل الله تعالى، وتذهب بنية طلب العلم، وتذهب إلى القرآن بنية حفظ كتاب الله، فإن الله سيوفقها ويجعل زوجها يرضى بإذن الله عز وجل.

سبب نسيان الإنسان لما يحفظ

سبب نسيان الإنسان لما يحفظ Q أشكو من كثرة النسيان خاصة هذه الأيام مع أنني لا أنسى القرآن مع كثرة النسيان عندي، فبماذا توجهني؟ A لا مانع أن تنسين غير القرآن الكريم، أما القرآن إن كنت بحمد الله لا تنسينه فهذه نعمة من نعم الله عليك، ولكن نسيان الأشياء لعله من رحمة الله بك؛ لأن النسيان هذا نعمة من نعم الله، كما يقول العلماء: إن الدماغ يعبأ بالمعلومات، ولولا أن المعلومات بعضها يمسح بعضاً لتفجر مخ الإنسان من كثرة المعلومات، ولكن شيء يذهب وشيء يبقى، وما دام القرآن موجود فهذا هو المراد.

الجمع بين استغلال المرأة ليوم الجمعة وزيارة أهلها

الجمع بين استغلال المرأة ليوم الجمعة وزيارة أهلها Q أنا أحاول طوال الأسبوع أن أقوم بواجب البيت وأقوم بتربية الأطفال وشئون الزوج، وفي آخر الأسبوع أذهب إلى أهلي، وأنت تقول أن يوم الجمعة يوم عظيم يجب أن يكون في عبادة الله عز وجل، فأنا أقوم إلى الصلاة وأذكار اليوم وقراءة سورة الكهف والحمد الله، وأنا وزوجي في خلاف بخصوص هذا اليوم، فماذا أفعل؟ A يوم الجمعة كما بينا يوم عبادة، والدولة ما جعلته يوم عطلة إلا لتعبد الله فيه ثم تقول أنا مشغول، فينبغي أن تقضيه المرأة في العبادة، ومن العبادة زيارة الأهل؛ لا مانع بعد أن تؤدي المرأة واجباتها الدينية في النهار ويرجع زوجها وتتغدى وتنام هي وإياه إلى العصر وبقية العصر تذهب لتزور أمها أو أقاربها ليس في ذلك بأس، بل زيارتها أمها طاعة لله تبارك وتعالى، أو زيارة أقاربها أو زيارة الرحم، فلا مانع ولا يتناقض هذا مع هذا، وإذا كان الزوج يرفض الذهاب في هذا اليوم فاجعلي الذهاب في يوم السبت؛ ليس من الضروري أن تزوري أمك في يوم الجمعة. زوري في يوم السبت أو يوم الأحد أو في أي يوم آخر إذا كان هذا لا يرضي الزوج.

حكم قراءة المجلات الفاسدة

حكم قراءة المجلات الفاسدة Q بعد انتهاء اليوم وبعد صلاة العشاء أقوم بقراءة المجلات، فهل في هذا شيء؟ A ما نوع المجلات التي تقرئينها؟ إن كانت مجلات إسلامية وشرعية مثل: مجلة المجتمع ومجلة الدعوة ومجلة الجهاد ومجلة البنيان المرصوص ومجلة البلاغ فهذا طيب- مجلات الإسلامية- وإن كانت مجلات خبيثة مثل: مجلة اليقظة ومجلة النهضة ومجلة المصور ومجلة آخر ساعة ومجلة الأسبوع العربي ومثل هذا الكلام الفاضي، هذه كلها خبيثة تحمل الخبث وتحمل القصص الماجنة والصور العارية والأفكار المنحرفة، ولا يجوز لك أن تدخليها بيتك، ولا يجوز أن تقرئيها، ألسنا نحرم أنفسنا من الطعام الخبيث؟ هل يمكن أن تأكلي من طعام فيه ذباب؟ هل يمكن أن تأكلي من طعام فيه شعر أو فيه تلويث؟ حسناً فكرك أولى بالحماية من بطنك، كيف تسمعين قصة فاسدة؟ كيف تقرئين مجلة محرمة؟ لا. فلا مجلة ساقطة ولا أغنية، يقول أحد العلماء: يجب أن نحمي أفكارنا بأعظم مما نحمي معدتنا، فكما نحمي معدتنا من الطعام النازل يجب أن نحمي أدمغتنا وعقولنا من الثقافة الفاشلة، أما أن نكون نظيفين في البطون وغير نظيفين في العقول فهذا باطل. فإذا كنت تقرئين المجلات الفاسدة فعليك إثم من الله ووزر، أما إذا كانت مجلات صالحة وطيبة فلا بأس إن شاء الله تعالى. والله أعلم وأكتفي بهذا.

رسالة إلى مصل

رسالة إلى مصلٍ تكلم الشيخ في هذه المادة عن أهمية الصلاة ومكانتها، وأهمية الخشوع فيها، مبيناً أن الخشوع هو روح الصلاة، وأن الصلاة بدون خشوع كالجسد الميت الذي لا روح له، ثم تحدث بعد ذلك عن الأسباب التي تعين على الخشوع، فبدأ بالأسباب التي تكون قبل الصلاة، ثم ذكر الأسباب التي تكون أثناء الصلاة، وختم الشيخ موضوعه بذكر نماذج من صور الخشوع في الصلاة عند السلف.

أهمية الصلاة وموقعها في الدين

أهمية الصلاة وموقعها في الدين الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الإخوة في الله: هذه الليلة سنوجه رسالة إلى المصلي، أي: إلى كل مسلم، إذ ليس بمسلم من لا يصلي، فأهل العلم يجمعون على أن تارك الصلاة كافر؛ للأدلة الصريحة من كتاب الله، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصلاة صلة بين العبد وبين الله، إذا قطعها الإنسان وتركها قطع صلته بالله، وهي آخر موقع يتركه الإنسان من الإسلام، يقول عمر رضي الله عنه: [أما إنه لا حظ في الإسلام لمن أضاع الصلاة].

أهمية الخشوع

أهمية الخشوع ولأهمية الصلاة وعظم شأنها وسمو منزلتها في الإسلام كانت الأوامر الربانية والنبوية في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تحث وتؤكد على ضرورة الالتزام بها شكلاً ومضموناً، والذي يؤسف له أن الكثير يتقن الشكل الخارجي في البناء لكنه يهمل المضمون، يهمل الروح التي هي حقيقة الصلاة ألا وهي: الخشوع. وحتى لا ينخدع الإنسان بكونه يصلي ويضيع المهم في الصلاة وهو الخشوع، فإنني أوجه هذه الرسالة إلى كل مصلٍ ليتق الله عز وجل في نفسه، ولا يخدع نفسه، وليجاهدها حتى يؤدي الصلاة كما أراد الله وكما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليعلم من قرارة نفسه أنه إن صلى من غير خشوع أن صلاته كأنها ما وقعت؛ لأنه يكتب للعبد من صلاته ما حضر فيها قلبه، الصلاة حركة قلب قبل أن تكون حركة بدن، فإذا تحرك البدن وقام وقعد وركع وسجد ولكن القلب خالٍ من ذكر الله وعظمته، مشغول بالدنيا، مفكر في حطامها خارج المسجد، فهذا مسكين ما صلى، ولذا قد يصلي الرجلان ويكون بينهما كما بين السماء والأرض، شخص خاشع يجول في العرش، والآخر غافل قلبه يدور في الحش، يعني: في الدنيا -والعياذ بالله- ولذا يذكر الإمام ابن القيم رحمه الله وهو خير من تناول هذا البحث، وقد عني العلماء في القديم والحديث بأمر الخشوع في الصلاة بما له من أهمية؛ لأنه يترتب عليه قبول الصلاة أو ردها. عني ابن القيم بهذا الأمر في مجموع كتبه وبالأخص منها كتاب الوابل الصيب من الكلم الطيب، وشيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً، وبعض علماء الإسلام منهم الإمام الآجري في كتابه: الخشوع في الصلاة، وفي رسالة حررتها أحد الأخوات في الله اسمها رقية بنت محارب بعنوان كيف تخشعين في الصلاة وجهتها إلى الأخت المسلمة، وقد قرأت هذه الرسالة مع مجموع ما قرأت من المراجع الأخرى، وحصلت على هذه المجموعة من الكلمات التي أوجهها إلى كل مسلم ومسلمة في هذه الحياة ليتقوا الله عز وجل في أمر صلاتهم ويدافعوا الشيطان، ولا يستسلموا لنزغاته فإن الشيطان حريص كل الحرص على أن يقطعك عن الله عن طريق ترك الصلاة، فإذا عجز وبرهنت على قوة إيمانك وصدق يقينك بأن تركت الدنيا وراء ظهرك وجئت إلى المسجد لتصلي ولتقف بين يدي الله عز وجل فإن الشيطان لا يتركك لهذا الأمر، بل يجلب عليك بخيله ورجله، ويأتيك من بين يديك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك، ويزين لك الدنيا ويذكرك بكل ما لم تكن تذكره قبل الصلاة؛ حتى تخرج من الصلاة وليس معك منها شيء. ولذا ورد في بعض الآثار أن الشيطان يقول للداخل إلى المسجد: ادخل فوالله لأخرجنك منها مثلما أدخلتك. يعني: قم واركع واسجد وتوضأ واترك أهلك ونومك لكن الطريق من عندي. فلا ينبغي أيها الإخوة! أن نصدق ظن الشيطان، بل علينا أن ندحره وأن نستعيذ بالله من شره، وأن نحصر اهتمامنا في عشر دقائق، فإن الصلاة مهما طالت كانت مغرباً، أو عشاء أو فجراً، أو ظهراً، أو عصراً لا تتجاوز في الغالب عشر دقائق جاهد نفسك بقوة وبعنف في ألا تتفكر إلا في الصلاة، ولا تتفكر إلا في الجنة والنار بحيث تخرج من الصلاة وقد اطمأن قلبك، وخشعت جوارحك، وعرفت أنك قدمت عملاً صالحاً؛ لأن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان صالحاً، يقول الله عز وجل: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً} [الكهف:110] ما هو العمل الصالح؟ قال العلماء: الصالح أصوبه وأخلصه، أصوبه على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخلصه لله تبارك وتعالى. الخشوع في الصلاة روح الصلاة. الصلاة جسد والخشوع روحها، فإذا توفر الجسد والروح بقيت حياة الصلاة، أما إذا وجد الجسد وخرجت الروح فلا قيمة للجسد، شأن الصلاة شأن الإنسان، الإنسان له قيمة بمجموع أمرين: روحه التي بين جنبيه وجميع جوارحه، فإذا خرجت روحه هل يبقى للجسد قيمة؟! لا يبقى له قيمة أبداً، فالمعول الأول والأخير على الروح وهو الخشوع فهو روح الصلاة، فمن كان خاشعاً في صلاته فهو يصلي، أما الذي يصلي وقلبه في الدكان أو المزرعة أو الزوجة أو المدرسة، أو التجارة، أو مشاكل الدنيا، فلا يصلي. فبعض الناس لا تنتهي أشغاله، دائماً مشغول طوال اليوم فمتى يخلو إلى أفكاره؟ إذا صليت. فإذا دخل في الصلاة بدأ يفكر في عمارته وسيارته ومشاكله، لماذا؟ لأنها فرصة ليس عنده وقت يفكر، إذا خرج يفكر في الدنيا من جديد ولكن هناك فرصته، فيأتيه الشيطان ليقذف في قلبه الوساوس والأفكار والخطرات حتى يخرج منها، بدرجة أنك لو أجريت استفتاء في أي مسجد للمصلين بعد أي صلاة من صلاة الجهر وقلت لهم: ماذا قرأ الإمام في الصلاة؟ فإنه لا ينجح إلا القليل، وهذا الكلام يمكن أن نجريه الآن في هذا الوقت، لو نسأل أنفسنا الآن وقد صلينا وسمعنا القراءة من الإمام: ماذا قرأ الإمام في الركعة الأولى وفي الركعة الثانية من صلاة المغرب؟ الذي يعرف هو الذي صلى، والذي ما عرف إنما هو قائم مثل العمود، العمود يصلي أربعاً وعشرين ساعة لكن لو سألنا العمود وقلنا له: يا عمود ماذا قرأ الإمام؟ يقول: لا أعلم، حسناً اسأل العمود الثاني الذي وقف عشر دقائق: يا عمود ماذا قرأ الإمام؟ قال: لا أدري، إذاً: ما الفرق بين العمودين؟ الفرق شاسع، إن هذا يقف أربعاً وعشرين ساعة فهو من الإسمنت موجود دائماً وأنت عشر دقائق وما قدرت أن تفهم ما يلقى عليك من أوامر الله ومن أوامر النبي صلى الله عليه وسلم. كان السلف رحمهم الله يولون اهتماماً كبيراً لهذه الصلاة وللخشوع فيها. ولذا يروى عن حاتم الأصم -وكان من التابعين رحمه الله- أنه كان من أخشع عباد الله في صلاته، قيل له: كيف تصنع إذا صليت؟ قال: إذا سمعت نداء ربي توضأت، ثم أقبلت على مسجدي -يعني: يصلي في المسجد- ثم وقفت بين يدي الله، فأتصور أن الصراط تحت قدمي، وأن الجنة عن يميني، وأن النار عن يساري، وأن الكعبة أمامي، وأن ملك الموت سيقبض روحي بعد أداء الصلاة. فربما لا أصلي إلا هذه الصلاة، ومن الذي عنده يقين أنه يعيش إلى الفجر؟ ربما لا تصلي إلا هذه الصلاة وتكون آخر شيء من حياتك، فصلِّ صلاة مودع، وإذا صليت بخشوع ومت، ختم الله لك بالمضبوط، لماذا؟ لأن الله يعطيك يوم القيامة على أحسن عمل {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا} [النور:38] يعني: يأتي بصلاته كلها، وإذا مت على آخر صلاة مضبوطة يضرب الله صلواتك في أحسن شيء صليت، فصل صلاة مودع. قال: فأتصور أن ملك الموت خلف ظهري يقبض روحي فلعلي لا أصلي بعدها صلاة، ثم أكبر بتحقيق، وأقرأ بترتيل، وأركع في خضوع، وأسجد في خشوع، وأتشهد في يقين، وأسلم في رجاء، ولا أدري أقبلت صلاتي بعد هذا أم ردت عليَّ؟! هذا موقفه وهذا عمله مع صلاته ولا يدري أقبلت صلاته أم ردت عليه!

علاقة موقف الصلاة بموقف الآخرة أمام الله

علاقة موقف الصلاة بموقف الآخرة أمام الله الإنسان في هذه الدنيا وفي الآخرة له موقفان: موقف بين يدي ربه في الصلاة، وموقف بين يدي ربه يوم يلقاه، فمن اهتم بهذا الموقف خفف الله عليه ذاك الموقف، ومن أهمل هذا الموقف شدد عليه في ذلك الموقف، وقد أثنى الله عز وجل على الخاشعين في الصلاة، يقول الله تبارك وتعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون:1 - 2] ويثني الله عز وجل في سورة الأنبياء عندما ذكر الأنبياء فيقول في آخر الآيات: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90]. ويقول الله عن الصلاة: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ} يعني: ثقيلة {إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:45] والذي يشعر بثقل في الصلاة دليل على أنه ما عرف الصلاة. أما الذي يخشع في الصلاة فإنه لا يشبع منها! لماذا؟ لأنه مع الله، كيف يشبع من يقف بين يدي الله؟! لكن من هو الذي يضيق ويريد أن ينصرف بأي وسيلة؟ من قلبه ليس موجوداً، فالجسد يتبع القلب، فإذا كان القلب في الخارج فإن الجسد يريد أن يلحق به، القلب ملك الجوارح، فإذا كان القلب موجوداً فإن الجوارح ساكنة، وإذا كان القلب بالخارج فالجوارح غير مطمئنة، ولذا ترى كل جارحة تشتغل في جانب، جارحة العين تتلفت، وجارحة اليد تحك ظهره وأنفه ورأسه، ويصلح عقاله وغترته، وتراه يوازن بين رجليه، وظهره يؤلمه، لماذا؟ لأنه غير موجود في الصلاة، ولهذا يقول ابن القيم: والله لو سلمت منا القلوب ما شبعت من كلام الله ولا من الصلاة. إذا صح القلب فلن يشبع من كلام الله ولن يشبع من الصلاة، لكن متى يثقل عليه القرآن وتثقل عليه الصلاة؟ إذا مرض القلب -نعوذ بالله وإياكم من مرض القلب- يقول الله عز وجل عن عباد الله الصالحين: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً} [الإسراء:109] يعني: تلاوة كتاب الله تزيدهم خشوعاً.

أصناف الناس في الخشوع

أصناف الناس في الخشوع يذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه الوابل الصيب: أن الناس في الصلاة على خمسة أصناف: الأول: صنف ظالم لنفسه، وهو الذي نقص من وضوئها ومواقيتها وأركانها وحدودها وواجباتها، مثل أكثر الناس لا يصلي في الوقت المعين ولا مع جماعة المسلمين، وإذا صلى فهو لاهٍ وغافل، يقول: فهذا معاقب. الثاني: صنف يحافظ على المواقيت، ولا يصلي إلا في الوقت، ويحافظ على الجماعة في المسجد، ويحافظ على الأركان كاملة، ويحافظ على الواجبات كاملة، وعلى الوضوء كاملاً، لكنه ضيع المجاهدة في قضية الخشوع، فهذا محاسب، وعلى قدر ما حضرت صلاته في قلبه يعطى، والذي لم يحضر قلبه ليس له. الثالث: صنف حافظ على الحدود والأركان وجاهد نفسه في دفع الشيطان والوساوس والأفكار فهو مشغول بمجاهدة عدوه حتى لا يسرق من صلاته شيئاً، فهو في صلاة وجهاد فهذا معفو عنه، يعني: سالم. الرابع: من إذا قام إلى الصلاة، أكمل حقوقها وأركانها وحدودها، واستغرق قلبه في مراعاة حدودها وحقوقها، بل همه كله مصروف في إقامتها كما ينبغي لها بإكمالها وإتمامها، فهذا مثاب عند الله عز وجل. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من هذه الدرجة والتي بعدها. والصنف الخامس وهؤلاء لا أظنهم موجودين في الأرض الآن إلا من رحم الله. يقول: وصنف إذا قام إلى الصلاة قام إليها كذلك مثل الرابع ولكن مع هذا يأخذ قلبه ويضعه بين يدي الله ناظر في قلبه إلى الله، مراقب لله، ممتلئً من محبة الله، وعظمة الله، كأنه يراه ويشاهده، وقد اضمحلت وذهبت تلك الوساوس والخطرات والأفكار، وارتفعت الحجب بينه وبين الله عز وجل، يقول: فهذا بينه وبين بعض المصلين أعظم مما بين السماء والأرض، فهذا مقرب. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المقربين، إذا طلبت فاطلب الله العليا، اجعل همتك عاليه حتى إذا نزلت فيكون نزولاً بسيطاً، نعم اطلب دائماً المرتبة العليا، ولهذا جاء في الحديث: (سلوا الله الفردوس الأعلى) نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من عباد الله المخلصين.

فضل البكاء من خشية الله

فضل البكاء من خشية الله امتدح النبي صلى الله عليه وسلم الخشوع في الصلاة، وفضل الذي يبكي من خشية الله، يقول عليه الصلاة والسلام والحديث رواه الترمذي في السنن: (لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في ضرع البقرة) لا يلج أبداً أي لا يدخل النار حتى يعود اللبن في الضرع، (ولا يجتمع غبار جهاد في سبيل الله ودخان جهنم) لا يجتمع هذا وهذا، غبار الجهاد في سبيل الله مانع وحافظ وحائل دون أن يدخل الإنسان النار نسأل الله السلامة من النار، ونسأل الله الفضل مما يمتع به أهل الجهاد في الجنة. وفي الحديث الآخر في الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: (سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم: رجل قلبه معلق بالمساجد، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه -أي: خشعت عيناه- من خشية الله تبارك وتعالى) وهذا هو الذي ينفع كثيراً؛ لأن البكاء ينقسم إلى قسمين: بكاء في الخلوة، وبكاء في الجلوة، فالبكاء في الخلوة دليل قطعي على صدق الإنسان ويقينه. أما البكاء مع الناس فهذا يحتمل أن يكون خشوع الإيمان ويحتمل أن يكون خشوع النفاق والرياء، ولكن يرجع إلى عمل الباكي، فإن وجد الباكي في الناس صالحاً في الأوامر مبتعداً عن النواهي كان بكاؤه دليل صدقه، أما إذا كان يبكي في الملأ ويعصي في الخلاء فهو كذاب؛ يبكي في المسجد لكنه في الليل يسمع الأغاني، وإذا كان في الشارع نظر إلى البنت، وإذا جاء هنا جاء يبكي، هذا كذاب؛ لأن الله سبحانه وتعالى يحاسبه على الأمر والنهي، إن درت مع الأمر ووقفت عند النهي فأنت مؤمن وإن لم تبك، وإن بكيت -البكاء فضل من الله ونعمة- أما إن عصيت الأوامر وارتكبت النواهي وبكيت من خشية الله وأنت ترتكب النهي وتترك الأمر كان هذا البكاء بكاء النفاق والعياذ بالله! أيضاً كان صلى الله عليه وسلم من أخشع عباد الله في الصلاة، تقول عائشة رضي الله تعالى عنها والحديث صحيح: (كان يحدثنا ويحدثنا، وينادمنا وننادمه، فإذا سمع المؤذن قام إلى الصلاة كأن لا يعرف منا أحداً) وكان أبو بكر إذا وقف في الصلاة كأنه الشعرة في مهب الريح لا يعرف ما يقرأ من كثرة بكائه. وعمر كذلك وكل السلف كانوا على هذا الوضع.

ضرورة استشعار عظمة الله في الصلاة

ضرورة استشعار عظمة الله في الصلاة يقول ابن رجب الحنبلي في كتابه لطائف المعارف وفي كتابه الذي نوصي كل مسلم بشرائه وهو كتاب: جامع العلوم والحكم فهذا لا ينبغي أن يخلو منه بيت؛ لأنه شرح الأربعين النووية وأضاف من عنده عشرة صحيحة وشرحها شرحاً وافياً لم يسبقه أحد إلى ذلك، ولم يأت بعده أحد يشرح مثل شرحه، فكل حديث علق عليه أكثر من خمس أو ست صفحات وجمع فيه كل ما قيل في الموضوع الذي يتناوله هذا الحديث. ولذا نوصي كل مسلم أن يشتري هذا الكتاب وثمنه أظن (12) ريالاً أو (10) ريالات، جامع العلوم والحكم لـ ابن رجب الحنبلي رحمة الله عليه، يقول: إن الخشوع لين القلب ورقته وسكونه وانكساره وحرقته وحضوره في الصلاة، وهو يحصل بالتأمل في أسماء الله وصفاته، فإذا ما أدرك العبد عظمة من يقف بين يديه وعظمة الموقف الذي يمارسه فإنه يحصل له الخشوع، ثم يدلل على هذا ويقول: إذا وقفت بين يدي ملك فاسأل نفسك كيف تكون في مثل هذا الموقف، لا أحد يستطيع أن ينظر إلى أنفه بين يدي الملك أو يحك ظهره؟ أيستطيع أن يفكر في شيء غير ما يتكلم فيه مع الملك، إذا قام بين يدي الملك أو الأمير أو المسئول وقدم له مطلبه هل يمكن أن يخطر في باله غير الكلام الذي ينادي به الملك؟ لا. سوف تضيع كل الأفكار إلا هذا الموضوع لأن الموقف جليل، فهل أعظم من أن تقف بين يدي الملك الجليل، ملك السماوات والأرض، لا إله إلا الله! حقيقة إنه موقف مخزٍ أن يقف الإنسان بين يدي الله ثم ينصرف بقلبه عن الله، ولذا ورد في الأثر: "أن العبد إذا وقف بين يدي الله نصب الله وجهه له في الصلاة، فإذا صرف العبد قلبه صرف الله عنه وجهه، وينادي: أإلى خيرٍ مني"، تقف بين يدي وتفكر في الدنيا وتذهب، ضع قلبك معي عشر دقائق، ثم اذهب وسوس من العشاء إلى الفجر كم ساعة الآن من بعد العشاء، إلى الفجر لو صلينا الساعة الثامنة فكم إلى صلاة الفجر ساعات فراغ، أكثر من تسع ساعات لا يوسوس الواحد فيها! لكن إذا صلى جاءت الوسوسة، فهذا يدل على أنك محارب ومطارد من قبل قوة وهي قوة الشيطان بتضييع الصلاة عليك، إذ لا يفكر الإنسان أبداً وهو على الأكل لا يفكر، إذا كان في الدوام لا يفكر، إذا جلس أمام الفيلم إذا كان ممن يرى الأفلام لا يفكر إلا في الفيلم، حتى لو سرقت فلوسه من جيبه ولو جاءت مكالمة لو كلمته امرأته يقول: صه صه، لأنه معلق مشدود لا يفكر في شيء غير هذا، لماذا تجلس ساعات أمام الفيلم لا تفكر إلا به، وعشر دقائق ما قعدت تفكر بين يدي الله، لماذا؟ لأن الصلاة ترضي الله والشيطان يريد أن يسحبك منها. أما الفيلم فيبغضه الله، والشيطان يريد أن يركز ذهنك فيه ويضيع حياتك في هذه الخزعبلات والخرافات والأكاذيب، كلها كذب في كذب فلا تتابع الكلام الفارغ، المسلسل هذا كذب كتبه كذاب ومثله عشرون كذاباً وأنت تعيش عليه وتحزن، وبعضهم لا ينام في الليل، ماذا بك؟ يقول: والله النهاية المؤلمة التي صارت للبنت، ولا توجد نهاية وكلها كذب في كذب، كن رجلاً واحتفظ بعقلك، لكن!! إنا لله وإنا إليه راجعون ضاعت عقول الأمة وراء هذه الأفلام والفيديو الذي يشتريه بعض الناس بخمسين أو ستين ريالاً ليري أولاده ويدربهم على المفاسد والحب والعشق والغرام والجرائم والأفلام البوليسية، هذه مصيبة والله من أعظم المصائب؛ لأن الله استرعاك هذه الرعية وأنت خنت هذه الرعية، والله يسألك يوم القيامة، {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الحجر:92 - 93]، سيسألك الله هل حفظت هذه الرعية وهم زوجتك وأولادك، أم ضيعتهم؟ بعضهم يبكي مع دموع زوجته ودموع أولاده إذا منعهم من الفيلم قاموا يبكون، قال: إذاً دعهم ينظرون، دعهم يتفرجون، دعهم ينظرون إلى الكراتين من أجل أن يكون ولده (كرتوناً) يربيه على الكراتين من صغره، لا حول ولا قوة إلا بالله! وإنا إليه راجعون!

الأسباب التي تبذل قبل الصلاة لتحقيق الخشوع فيها

الأسباب التي تبذل قبل الصلاة لتحقيق الخشوع فيها لما كان العبد يتقلب بالليل والنهار بين نعم الله عز وجل، وآلاء الله لا تنقطع عنه؛ فإنه يصاب بالتبلد والفتور والغفلة فيحتاج بناءً على هذا إلى شيء يجدد فيه هذه المفاهيم وهذه المعاني، وكان أعظم مجدد لها هو هذه الصلاة التي هي عمود الإسلام، والتي لا تنفك عن المسلم ولا تسقط عنه بأي حال من الأحوال، فالصوم مرة في السنة، والحج مرة في العمر، والزكاة مرة في السنة، وإذا لم يوجد مال ولا توجد زكاة، وإذا كنت مسافراً، فقد تفطر وتقضي يوماً عنه، أو إذا كنت مريضاً كذلك، وإذا كنت فقيراً ليس عليك حج، لكن الصلاة لا بد أن تقيمها سواء كنت مسافراً أو مقيماً، أو مريضاً أو معافى، حتى لو كنت في الحرب، وعلى أي وضع لا بد أن تصلي، لماذا؟ لأنها صلة، كيف تعيش وقد قطعت صلتك بالله تبارك وتعالى. ولما كانت هذه الصلاة صلة كان لا بد من الخشوع فيها وهذا لا يتأتى إلا بأسباب، والأسباب كثيرة منها ما هو قبل الصلاة، وما هو في الصلاة، وما هو بعد الصلاة، فالأسباب التي قبل الصلاة كثيرة منها: إذا أردت أن يحصل لك الخشوع فاتبعها واحدة واحدة:

الترديد خلف المؤذن

الترديد خلف المؤذن أولاً: إذا سمعت المؤذن فاقطع عملك وقل مثلما يقول، غير أنك إذا قال: حي على الصلاة حي على الفلاح، فإنك تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا قال في صلاة الفجر: الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم، تقول: الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، لما صح عند مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بهذا وقال: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول، ثم صلوا عليَّ؛ فإنه من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، فمن سأل لي الوسيلة حلت له شفاعتي يوم القيامة) الله أكبر! ما أعظم هذا الفضل العظيم، إذا سألت الله الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بحيث يبلغه الله هذه المنزلة، وسيبلغها -بإذن الله- فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: وجبت وحلت له شفاعتي يوم القيامة، وسؤال الوسيلة أن تقول: (اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة؛ آتي محمداً الوسيلة والفضيلة، والدرجة العالية في الجنة، وابعثه اللهم المقام المحمود الذي وعدته) إذا قلت هذا حلت لك الشفاعة يوم القيامة، والحديث رواه البخاري. ثم اجتهد بالدعاء بعد الأذان؛ لأنه ورد أن الدعاء يجاب ما بين الأذان والإقامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اثنتان لا ترد -أو قال: لا تردان- الدعاء عند النداء -أي: بعد الأذان- وعند البأس حين يلتحم القوم بعضهم مع بعض) رواه أبو داود، إذا أكمل المؤذن الأذان فادع الله فإنه موطن إجابة، اجتهد في الدعاء بأن يعينك الله، ويأخذ بيدك إلى الطاعة، ويوفقك في الدنيا والآخرة. ثم بين الأذان وبين الإقامة ادع فإنه قد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد) رواه أبو داود والترمذي وصححه الشيخ الألباني.

المسارعة إلى الوضوء بعد الأذان

المسارعة إلى الوضوء بعد الأذان ثانياً: بعد أن تسمع الأذان وتردد وتدعو تسارع إلى الوضوء عملاً بقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [المائدة:6] ومعنى القيام هنا: الإرادة، إذا أردت القيام إلى الصلاة {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6] واستحضر وأنت ذاهب إلى الوضوء فضله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال فيما رواه الإمام أحمد في الحديث الصحيح: (من توضأ وأحسن الوضوء وصلى غفر له ما بينه وبين الصلاة التي تليها) وبعد ذلك عليك أن تشغل نفسك بالتفكر أثناء الوضوء ولا تغفل؛ لأن هناك شيطاناً يقال له: الولهان، وهو مسلط عليك من أجل ألا تدري ماذا غسلت، بعضهم يغسل يديه قبل وجهه، وبعضهم يغسل وجهه بعد رأسه وهو لا يدري، ولا يعمم ولا يبالغ في الوضوء، ولا يهتم، هذه الوسوسة من شيطان يقال له: الولهان، ولكن عليك أن تشغل قلبك في ذكر الله عز وجل أثناء الوضوء بالتسمية، أولاً: سمِّ الله، هذا إذا كنت تتوضأ في غير الحمام، أما إذا كان بيتك فيه ميضأة بداخل دورة المياه فتسمي خارج الحمام ثم تدخل وهناك لا تسمِّ؛ لأنه لا يجوز لك أن تذكر الله تبارك وتعالى داخل الحمام. فإذا شرعت في الوضوء فتفكر في كل عضو تغسله، فإذا غسلت يديك تفكر فيما اكتسبت هذه اليد من الذنوب، فإذا فعلت ذلك، فاستحضر في ذلك أن الوضوء يكفر الذنوب التي مستها يداك، وأن الخطايا كلها تخرج مع آخر قطرة تخرج من العضو الذي تغسله بالوضوء، فإذا غسلت وجهك تذكر أن كل خطيئة نظرت إليها بعينك تخرج مع الماء، وإذا غسلت يديك فاستحضر أن كل خطيئة بطشتها تخرج مع الماء، وإذا غسلت رجليك فاستحضر أن كل خطيئة مشيتها برجليك فإنها تخرج مع قطر الماء، وبهذا تخرج من الوضوء مغفور الذنوب كما قال صلى الله عليه وسلم -والحديث في صحيح مسلم -: (إذا توضأ المسلم فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كانت بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه حتى يكون تقياً أو نقياً من الذنوب) رواه مسلم. ثم إذا هممت بالخروج من مكان الوضوء فاستحضر ما حزته وكسبته من الأجر العظيم، والثواب الجزيل من حط الذنوب، ورفع الدرجات، واستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟! قلنا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط) الله أكبر يا إخواني! خصوصاً هذه الأيام مكاره البرد (وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط).

تذكر أن الوضوء سيكون علامة مميزة يوم القيامة

تذكر أن الوضوء سيكون علامة مميزة يوم القيامة ثالثاً: تذكر أن هذا الوضوء سيكون علامة لك يوم القيامة تعرف بها حينما يحشر الناس من قبورهم، وإذا بأعضائك التي توضأت علامة لك يوم القيامة؛ فاحمد الله بشيء من الغبطة والسرور أن هداك الله ووفقك وجعلك من المتوضئين، فكثير من الناس لا يتوضأ ولا يصلي، وأنت قد اجتباك الله وهداك فهذه من أعظم نعم الله عليك أن هداك ووفقك؛ لأن تكون ممن يتوضأ لتعرف بهذا الوضوء يوم القيامة. يقول أحد الصحابة: خرج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المقبرة في يوم من الأيام فسلم على أهلها، وقال: (سلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، وددت أنا قد رأينا إخواننا -يقول للميتين- قال الصحابة: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: أنتم أصحابي، وإخواني قوم لم يأتوا بعد، وأنا فرطكم على الحوض -يقول: أنا أمامكم أنتظركم- قالوا: وكيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟! قال: أرأيتم لو أن رجلاً له خيل غُرّ محجلة -غر، يعني: في جبهتها بياضاً، ومحجلة يعني: قوائم أقدامها محجلة- بين ظهري خيل بُهم دُهم ليس فيها محجلة، ولا فيها غرة، ألا يعرف خيله) إذا كانت خيلك غرة ومحجلة بين خيل بهم دهم سوداء ألا تعرف خيلك؟ (قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فإنهم يأتون غراً محجلين من أثر الوضوء) يأتي المؤمن أغرّ الجبين، ومحجل في يديه ورجليه من أثر الوضوء (وأنا فرطهم على الحوض، ألا ليذادن رجال عن حوضي -ألا ليذادن، يعني: يمنعون، يأتون وهم غر محجلون لكن يمنعهم مانع- كما يذاد البعير الضال أناديهم: ألا هلم، ألا هلم، فيقال: إنهم قد أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً وبعداً بعداً) رواه الإمام مسلم في صحيحه. وإذا انتهيت من الوضوء فقل -والحديث في صحيح مسلم ورواه الترمذي ولا نحتاج إلى التفصيل إذا قلنا مسلم أو البخاري فهو صحيح؛ إذ لا يوجد كلام أصح بعد كلام الله من البخاري ومسلم - يقول عليه الصلاة والسلام: (ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء) الله أكبر! إلى هنا رواية مسلم وإن زدت فقل: (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) الزيادة رواها الترمذي بسند صحيح: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) فإذا فعلت هذا فأنى للشيطان أن يقربك. كيف يأتيك إبليس وقد رددت مع المؤذن، ودعوت الله بعد الأذان، وسارعت إلى الوضوء، وتذكرت كل هذه المعاني، ثم خرجت إلى المسجد؟ كيف يأتيك إبليس وقد تحصنت بحصون منيعة لا يستطيع أن يصل إليك؟ ولكن لن ييأس وسيحاول الدخول عليك، فتحصن أيضاً بالحصون الآتية إن شاء الله قبل الدخول إلى الصلاة: أولاً: استعد بالسواك -وهذا مهم جداً- والحديث في الصحيحين متفق عليه: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) استعد بالسواك فإنه من السنن المؤكدة التي تطيب رائحة الفم وتنظف الأسنان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) وفي رواية: (عند كل وضوء) والروايتان صحيحتان، ويكسبك هذا قوة ونشاطاً وجمالاً ورائحة ويعلمك التهيؤ للوقوف بين يدي الله تبارك وتعالى. كما أن السواك له أثر في طرد النوم، خاصة إذا كان سواكاً رطباً، فلا ينبغي أن يكون السواك له في جيبك مدة طويلة؛ لأنه ييبس، ويتلوث، فاستعمله عند الوضوء من أجل إذا انتهيت من الوضوء يكون السواك نظيفاً، ثم بعد أن يمضي يومان أو ثلاثة أو أربعة أيام على هذا السواك وإذا به جاف فترميه وتأخذ غيره؛ لأن الجديد فيه مادة وهي المادة الحارة التي لها أثر في تنظيف الفم وإذابة الأملاح الموجودة على الأسنان ولا مانع من استعمال الفرشاة، ولكن الفرشاة ليست بديلة للسواك فالفرشاة وسيلة تنظيف فقط. ولهذا يقول الإمام الصنعاني في كتابه سبل السلام في الجزء الأول، يقول: (عجباً لأمة تضيع سنة يقول فيها رسولها أكثر من مائة حديث)، ورد في فضل السواك أكثر من مائة حديث ونضيعها الآن! والشيطان أبدلها الآن بمسواك الدخان، وفعلاً ما رأيت مدخناً معه مسواك -إلا من رحم الله- فتش فلن تلقى مدخناً إلا ومعه مسواك الشيطان؛ لأن الشيطان مخلوق من النار ومسواكه من النار، فأوحى إلى أعوانه وأتباعه أنه لا بد أن تتمسوكوا، بماذا؟ بمسواكه من النار -والعياذ بالله- وبكم؟ باكت واحد بأربعة ريالات كل يوم يدفعها المدخن دون أن يماكس البائع في ثمنها، وأنت مسواكك من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم بريال فقط، وكم يكفيك؟ أسبوعاً، من الجمعة إلى الجمعة.

الاستعداد للصلاة بالملابس النظيفة وبالرائحة الطيبة

الاستعداد للصلاة بالملابس النظيفة وبالرائحة الطيبة رابعاً: من أسباب الخشوع قبل الصلاة أيضاً: الاستعداد للصلاة بالملابس النظيفة الجميلة وبالرائحة الطيبة؛ لأن الله يقول: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف:31] لكننا نأخذ الزينة عند كل ملعب، أو الحفلة أو المناسبة أو الدوام لكن عند كل صلاة لا نأخذ تلك الزينة، فبعض الناس يصلي في بجامة أو ثوب النوم، ويأتي بثياب رائحتها كريهة -والعياذ بالله- قام من النوم وجاء يصلي، يا أخي لماذا هذا الفعل؟ يا أخي! صلِّ في أحسن ثيابك، وخذ ثوباً نظيفاً، وقبل أن تخرج خذ شيئاً من الطيب، حتى إذا صليت إلى جانب أخيك المسلم فإنه يشم رائحتك الجميلة فيأنس بك، لكن بعضهم رائحته قذرة: إما بالدخان، أو بالبصل، أو بالثوم، أو بالرائحة القذرة، وهذا يؤذي المسلمين ويؤذي الملائكة، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم حذر من هذا وقال: (من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مصلانا) وهذا ما يسميه العلماء كف يد، هذه عقوبة من أعظم العقوبات، بعض الناس يأكل ثوماً أو بصلاً ويقول: أصلي في البيت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فلا يقربن مصلانا) فيأكل الثوم والبصل من أجل أن يجلس ويصلي في البيت، نقول: لا. إنه ما أذن لك أن تصلي في بيتك ولكنها عقوبة وزجر لك أن منعك من أن تقرب المصلى، لأنك أكلت ثوماً، وما دام منعت من الصلاة في المصلى فإنها مصيبة نزلت عليك. لذلك لا تأكل لا ثوماً ولا بصلاً حتى لا تمنع من أداء الصلاة في المسجد، فتستعد للصلاة في المسجد في أحسن ثياب وأحسن ريح وأحسن طيب، وأذكر أنني أعرف رجلاً من الصالحين -أسأل الله أن يسكنه فسيح جناته- من أهل أبها توفي قبل سنوات، هذا الرجل كان مسئولاً في الدولة وبعد ذلك أحيل إلى المعاش، وكان معروفاً بحبه للصلاة وللتزين فيها، يعني: لا يخرج إلى المسجد إلا وكأنه قطعة ثلج أبيض، وحين يمشي من بيته إلى المسجد إلا ورائحته في الشارع تعبق وراءه، حتى الكوت نفسه أبيض وغترة بيضاء، ولما سئل عن ذلك، قال: أنا ألبس للدوام وللمزرعة وللعمل ثياباً أخرى، لكن الصلاة لا أستطيع أن أقف بين يدي الله إلا في ثياب بيضاء حتى يكون قلبي أبيض، وأسأل الله أن يجعلني مع من يبيض الله وجوههم يوم القيامة. وقد جاء في الحديث الصحيح: (إن أحب الثياب إلى الله البيضاء) وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكفن بها الموتى، وليس معنى هذا أن هذه السوداء محرمة بل هي مباحة لكن البيضاء أفضل منها، لماذا؟ قال العلماء: لأن البياض يظهر فيه أثر القذر أما السواد فلا يظهر. ومن الأمور التي يستعد لها الإنسان في الصلاة قبل الدخول فيها: الحرص على إبعاد ما يشغله عن الصلاة بين يدي الله من لباس أو فراش أو نقوش أو سجادة، أو أي شيء يشغلك أمامك أبعده، فقد ثبت في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام -يعني: خطوط- ثم لما انصرف من صلاته خلعها، وقال: اذهبوا بها إلى أبي جهم وأتوني بإمبجانيته فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي) خطوط معلمة في الأرضية خلعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجم بها وقال: أعطوني إمبجانيته التي لا خطوط فيها، لماذا؟ حتى لا ينشغل الإنسان في الصلاة.

الحرص على تهيئة المكان الملائم لأداء الصلاة

الحرص على تهيئة المكان الملائم لأداء الصلاة خامساً: أيضاً من الأمور التي تستعد بها قبل الصلاة: الحرص على تهيئة المكان الملائم لأداء الصلاة من حيث شدة الحرارة أو البرودة، إذا كان هناك برد شديد وأنت تصلي في الليل فضع لك مدفئة، إذا كنت في برد شديد حاول أن تلبس عباءة حتى تصلي في جو مريح لك فيه خشوع. وكذلك تبتعد عن أماكن الإزعاج والضوضاء، فقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المصلي يناجي ربه فلينظر بم يناجيه، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن) إذا كنت تقرأ القرآن وجاء شخص يصلي إلى جانبك فاخفض صوتك ولا ترفعه؛ لأنك تشغله (لا يشوش قارئكم على مصليكم). وكذلك الأمور التي تشوش على الناس في مساجدهم ينبغي أن تعطل مثل: مصنع أو مزرعة أو أي آلات مزعجة بجانب المسجد ينبغي إذا أقيمت الصلاة أن توقف كل دواليب الحياة فتمشي في الشارع ولا سيارة، ولا دكان، لماذا؟ لأن الناس مع الله، أين المسلمون الآن؟ مع ربهم، الناس في بيوت الله، لكن متى هذا؟! الله المستعان! في رمضان تعرفون في المغرب إذا أذن للمغرب لا أحد يتجول في الشوارع فكل واحد على سفرته، والذي في الخلاء تراه مثل المجنون، يقطع الإشارات ماذا بك، يقول: أريد أن ألحق العشاء! ليت الناس في الصلوات في غير رمضان مثل هذا الوقت بحيث إذا أذن لا تجد أحداً في الشارع ولا ترى واحداً في البيت إنما كلهم في المساجد، ينهلون من نعيم الإيمان، ويردون هذه المحطات الإيمانية ليعبئوا قلوبهم من عظمة الله، ثم إذا سلموا يخرجون من مساجدهم إلى أماكنهم وقد امتلأت قلوبهم، لكن إذا كان المسجد غير ممتلئ والشارع ممتلئ هذه مصيبة، وإنا لله وإنا إليه راجعون!

الاستعداد لقضاء الضروريات قبل الصلاة

الاستعداد لقضاء الضروريات قبل الصلاة سادساً: الاستعداد لقضاء الضروريات قبل الصلاة، يجب أن تمارس الصلاة وقد قضيت كل الضروريات من حياتك مثل: قضاء الحاجة، فلا تخشع وأنت حاقن، ولا تأتِ وأنت جائع، ولا تحاول أن تورد الطعام في وقت الصلاة كما يفعل بعض الناس فلا يقدم العشاء إلا إذا أذن قال: أريد أن أتعشى حتى يضع الناس في خيارين: إما أن يصلوا وعقولهم في الطعام، أو يأكلوا ويضيعوا الصلاة. لا. يا أخي! قدم أو أخر، ولهذا جاء في الحديث يقول عليه الصلاة والسلام -والحديث في مسلم -: (لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان) يعني: البول أو الغائط، عليك أن تستعد للصلاة قبلها، وبعضهم يقول: أصلي الآن من أجل ألا أعيد الوضوء، لماذا؟ هل الوضوء يكسر ظهرك؟! إنما هو نشاط يا أخي، فإذا عرفت أنك إذا صليت وأنت غير خاشع فليس لك صلاة، والحديث صحيح في مسلم: (لا صلاة -يعني: ليس له صلاة كاملة- وهو يدافع الأخبثان) بعضهم يتلوى من بداية الصلاة! اخرج يا أخي! قبل الصلاة وتوضأ وأخرج الأذى ثم تعال وقلبك معك، وكل جوارحك معك حتى تؤدي صلاتك كما ينبغي.

الأسباب التي تبذل أثناء الصلاة لتحقيق الخشوع فيها

الأسباب التي تبذل أثناء الصلاة لتحقيق الخشوع فيها أما الأوامر التي تعينك على الخشوع أثناء الصلاة فهي كثيرة:

استقبال القبلة والدنو من السترة

استقبال القبلة والدنو من السترة أولاً: استقبل القبلة، وادن من السترة، وهذه سنة ضائعة عند كثير من الناس، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح: (إذا صلى أحدكم فليصلِّ إلى سترة وليدن منها) يعني: لا تصلِّ في وسط مسجد وبينك وبين الجدار عشرة أمتار، بينما هناك عمود ويمكنك أن تصلي إليه، يجب أن تحرص على أن تضع بينك وبين مصلاك سترة لتدن منها، بحيث يبقي بينك وبين سجودك ممر شاة. وبعد ذلك كيف تخشع؟ بعد تكبيرة الإحرام.

رفع اليدين إلى حذو المنكبين أو حيال الأذنين

رفع اليدين إلى حذو المنكبين أو حيال الأذنين ثانياً: عليك أن ترفع يديك إلى حذو المنكبين أو حيال الأذنين وقد وردت كلا الصفتين، وأن تكون متوجهاً بباطن الكفين إلى القبلة، ممدودة الأصابع مضمومة، وبعد هذا الوضع وأنت مستسلم وقد رفعت يديك لربك مستسلماً خاضعاً لله منقاداً له، بعد هذا تستشعر المعنى وأنت تكبر تكبيرة الإحرام وقد استسلمت قلباً وقالباً جسداً وروحاً لله تبارك وتعالى. ثم بعد ذلك وأنت على هذه الحالة تكبر تكبيرة الإحرام: الله أكبر! معلناً بهذه التكبيرة أن الله أكبر من كل شيء، فلا ينبغي أن تتشاغل عن الكبير المتعال بأي شيء، أنت قلت: الله أكبر! أي أكبر من الدنيا، فالدنيا قد تركتها خلف ظهرك، وأقبلت بقلبك على الله، فالله أكبر من الزوجة والوظيفة والأولاد والدنيا وما عليها، وأنت عندما تعلن الله أكبر يجب أن تكون صادقاً؛ لأن من لا يكون صادقاً مع هذه الكلمة يقول: الله أكبر بلسانه لكنه ينقضها بفعله فهو يفكر في المزرعة والعمارة، ثم تدعو بدعاء الاستفتاح، وهذا الاستفتاح يسميه العلماء الاستئذان، كأنك تطرق الباب على الله، تستفتح للدخول على مولاك فتقول وأنت تثني على مولاك: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك) وأنت في هذا الموقف ذليل خاضع واضع يدك اليمنى على اليسرى على صدرك بكل سكينة وخضوع وخشوع لمن أوقفك في هذا المكان، مطرق الرأس لا تنظر إلى فوقك بل تجعل نظرك بين قدميك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى طأطأ رأسه ورمى ببصره نحو الأرض، وهذا ذكره الألباني في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو صحيح.

ذكر دعاء الاستفتاح

ذكر دعاء الاستفتاح ثالثاً: بعد أن تقف هذا الموقف إن أردت أن تزيد دعاء ورد في الصحيحين وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد) هذا الدعاء ثبت في الصحيحين أن النبي كان يقوله قبل الشروع في قراءة الفاتحة، يعني: يستفتح به. يقول الإمام النووي في كتابه الأذكار وهو كتاب مهم يقول: من أراد أن يجمع بين الأذكار كلها فحسن، ومن أراد أن يكتفي بواحد فحسن، ومن أراد أن يأتي وببعضها مرة وبعضها مرة أخرى فهو حسن، وكلها واردة وصحيحة. ثم تخيل وأنت تقول هذا الكلام وأنت تردد هذا الدعاء وواقف بين يدي الله تخيل أنه قد جمعت خطاياك كلها منذ كلفت إلى أن تموت فكم خطايانا يا إخواني لو أخطأ كل يوم واحدة كيف وهو يخطئ آلاف الخطايا؟! من الذي لا يخطئ بعينه، وبلسانه، وبيده، الخطايا ترد علينا كالجبال الراسيات، وإذا جمعت كل هذه الخطايا منذ خلقك الله إلى أن تموت ثم بلغت مثل البحر ومثل زبد البحر فإذا باليد، والقدم، واللسان والعين، والأذن، والبطن، والفرج شهود عليك، وأنت واقف بين يدي الله، وهذه الخطايا تسوقك إلى النار لا محالة، فإذا برب العزة والجلال يباعد بينك وبين هذه الخطايا كما باعد بين المشرق والمغرب بسبب ماذا؟ بسبب دعوتك لله، كنت كلما وقفت بين يدي الله تقول: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب) وهذا أقصى حد، فهل يوجد أبعد مما بين المشرق والمغرب؟ فقد طلبت أن يكون بينك وبين الخطايا أبعد مسافة، كما قال الله أن الواحد يقول: {يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} [الزخرف:38]. ثم تتذكر وأنت تقول: (اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس) وذلك خشية ألا يكفيك بعد الذنب، قد يكون الذنب بعيداً لكن بقي له علاقات فتقول: اغسلني يا رب ونقني منها كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس فأكون خالياً منها.

الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم

الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم رابعاً: بعد ذلك استعذ بالله من الشيطان الرجيم. دخلت الآن في المعركة مع الشيطان، ولا بد في بداية المعركة من ضربة بأقوى قوة عندك وهي الاستعاذة؛ لأن الله يقول: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف:200] فأول شيء تبدأ به في الصلاة بعد دعاء الاستفتاح أن تقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه، ثم تسمي وتقول: بسم الله الرحمن الرحيم، والبسملة إذا كانت الصلاة جهرية فتبسمل في سرك؛ لأن هذا الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسر وجهر كله ثابت، ولكن كان إسراره أكثر من جهره كما حقق ذلك ابن القيم في كتابه زاد المعاد في هدي خير العباد.

التفكر والتدبر في آيات الله المقروءة في الصلاة

التفكر والتدبر في آيات الله المقروءة في الصلاة خامساً: اشرع في قراءة الفاتحة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي) فدل هذا الحديث على أن الصلاة هي الفاتحة؛ لأنه: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) إذا دخلت في الصلاة تقرأ الفاتحة أولاً قراءة خاشعة ولا تقرأها بسرعة فالسنة أن تقرأها آية آية: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:2 - 3] عندها تستشعر أنك تخاطب الله؛ لأن الله يقول: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي فإذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]، قال الله: أثنى علي عبدي، فإذ قال العبد: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3]، قال الله: حمدني عبدي، فإذا قال العبد: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] قال الله: مجدني عبدي، فإذا قال العبد: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] قال الله: هذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل) منك العبادة ومن الله الإعانة، بقي الذي لك أنت، هي سبع آيات: ثلاث لك، وثلاث لله، وواحدة بينك وبين الله، الثلاث الأولى للرب: حمد وثناء ومجد، والثانية: بينك وبين الله منك العبادة ومن الله الإعانة، والثلاث الأخيرة لك: (قال الله: إذا قال العبد: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6 - 7] قال الله: هذه لعبدي ولعبدي ما سأل) نسأل الله وإياكم من فضله. واحرص على التأمين بعدها، وعند ذلك تفكر وأنت تقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2] أي: تحمد الله بكل محامده؛ لأن الألف واللام للاستغراق، أي: استغراق لجميع المحامد، والعالمين: كل ما سوى الله فهو عالم، فأنت تقول: أي: رب! أصرف إليك جميع المحامد والثناء لك وحدك لا شريك لك؛ ولأنك أنعمت عليَّ بنعمة ليس بعدها نعمة أن أوقفتني بين يديك وجعلتني عبداً من عبادك، ما جعلتني عبداً للشيطان ولا للشهوات ولا للهوى ولا للدنيا. وبعد ذلك تقول: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:3] وتتأمل في هذه الكلمة أنك تقرب من الله ما دام الرحمن الرحيم؛ رحمن الدنيا ورحيم الآخرة ورحيمهما كأنك تقول: يا رحمن يا رحيم ارحمني في الدنيا والآخرة. ثم تقول: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] وهذا اعتراف منك بأن الله هو المتصرف بيوم القيامة. وكأنك تستجدي ربك وتقول: يا رب ما دمتَ المالك لهذا اليوم أرجوك أن ترحمني في ذلك اليوم. وبعد ذلك تقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة:5] وقدم المفعول هنا للاختصاص، ما قال: نعبدك، قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة:5] أي: لا نعبد إلا إياك {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] أي: لا نستعين إلا بك. ثم تقول: {اهْدِنَا} [الفاتحة:6] أي: دلنا وأرشدنا وأقمنا على الصراط المستقيم. ثم تتفكر بعينك وقلبك: أين الصراط المستقيم؟ تقول: هذا الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، هذا الكتاب الكريم صراط، وهذا الرسول العظيم صراط، الصراط أي: المضروب على متن جهنم، القرآن صراط، الإسلام صراط، (اهدنا) دلنا وأرشدنا، وأقمنا على هذا الصراط المستقيم الذي لا عوج فيه ولا انحراف. وبعد ذلك وكأنك تقول: يا رب هناك فئتان منحرفتان وأنا أريد صراط الذي أنعمت عليهم {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:7] اليهود {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:7] هم النصارى، ثم تقول بعدها: آمين. واحرص على قول: آمين؛ فإنك إذا أمنت فإن معناها: اللهم استجب، وإذا كنت في جماعة وأمنت عند تأمين الإمام ثم وافق تأمينك تأمين الملائكة غفر لك ما تقدم من ذنبك، وهذا الحديث في صحيح البخاري ومسلم، يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا أمن أحدكم فوافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) الله أكبر! رواه البخاري ومسلم. بعد ذلك عليك أن تفهم ما تقرأه من السور التي تقرأ، فتقرأ بعدها مثلاً: {أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ} [التكاثر:1] تفكر في معانيها، وأن الله عز وجل يعيب على النفس ويعاقبها: أن ألهاهم التكاثر والتشاغل في الدنيا، حتى وصلوا المقابر، كل واحد مشغول؛ إلى متى وأنت مشغول؟ ومن هو الذي مات وقد أكمل أعماله؟ لا أحد. أحد الإخوة زاره أخ له، فقال له: تفضل، قال: إني مشغول، قال: فأخذه إلى مقبرة، وقال له: ما رأيك في هؤلاء؟ قال: هؤلاء موتى، قال: والله ما منهم من أحد مات وقد أكمل عمله، لكن جاء من يأخذهم من العمل، فأنت يجب أن تستغل حياتك في طاعة الله سبحانه وتعالى، وبعد ذلك تتأمل الكلام الذي تقرؤه؛ لأن الله ما أنزله إلا للتأمل والتفكر: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24] ويقول تبارك وتعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82].

الركوع والسجود باستسلام وخضوع لله

الركوع والسجود باستسلام وخضوع لله سادساً: إذا انتهيت فاركع، وفي الركوع ارفع يديك حذو منكبيك، ثم كبر مستسلماً منقاداً له حيث أمرك بالركوع، واحن ظهرك له، وتفكر كيف أنك لا يمكن أن تعمل هذا العمل إلا لله، وهذا الركوع عبادة، والذي يصنعها لغير الله وقع في الشرك، كما يفعل بعض الناس في التحية عند بعض الأمم الكافرة أسلوب التحية عندهم الانحناء، وهذا لا يجوز، فالركوع لله وحده؛ لأن هذا الإنسان عزيز، فكل الحيوانات ظهورها إلى أسفل إلا الإنسان فظهره إلى أعلى، لا يحنيه إلا لله، فتحني ظهرك في الركوع مستسلماً لعظمة الله تبارك وتعالى. ثم أيضاً تفكر وأنت تقول: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، فأنا ما حنيت ظهري ولا ركعت إلا لله؛ لأنه عظيم، لا أركع لأحد في الأرض، لا أركع لملك ولا لسلطان ولا لزوجة ولا لأي قوة على وجه الأرض؛ لأن العظيم الوحيد هو الله الذي لا إله إلا هو، وأنا أعبر عن هذا وأعلن هذا وأقول: سبحان ربي العظيم ثلاثاً أو خمساًَ أو عشراً أو سبعاً ما استطعت وأقل شيء ثلاث، ثم إن أردت أن تزيد فقد ورد دعاء آخر في الصحيحين وهو أن تقول: (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي). ثم ترفع ظهرك من الركوع وتفكر وأنت ترفع ظهرك من الركوع وتستشعر أنك مقصر فتقول: سمع الله لمن حمده، ويطمئن قلبك بأن عز وجل يسمع حمدك وثناءك فلا تبخل، أن تقول: ربنا ولك الحمد، الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، والجماعة كلهم يقولون: (ربنا لك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت). ثم تسجد: فإذا سجدت عبرت بالسجود بعد الركوع على مقتضى ومنتهى العبودية والخضوع لله سبحانه وتعالى؛ لأنك تمكن محاسن الوجه وأعز شيء محترم فيك أنفك وجبهتك كل مكان فيك ترضى أن تضرب فيه إلا في أنفك؛ لأنه عزيز ولهذا عندما قال: {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} [القلم:16] يعني: أقتله، والخرطوم: هو الأنف، فإذا سجدت لله عز وجل على هذا الأنف الذي هو أعز وأكرم منطقة فيك وجلست ومرغته على الطين احتراماً لله رب العالمين ذلاً وخضوعاً فأنت تعلم نعمة الله عليك بهذه النعمة، ثم تقول: سبحان ربي الأعلى، فجبيني هنا في الأرض والله هو الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، ثم تقول أيضاً إن شئت وهو في الصحيحين: (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي). ثم تجتهد في الدعاء بما استطعت من خيري الدنيا والآخرة؛ لأنه جاء في الحديث والحديث في مسلم: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء فيه فَقَمِنٌ أن يستجاب لكم) لأنك دعوت إلى الله وأنت ساجد وهذا موطن تقديم العريضة على الله، فإذا دعوت الله وأنت ساجد فإنه أقرب موقف يمكن أن تقرب من الله فيه، وإنه لقمن إن شاء الله وجدير أن يستجاب لك، ثم تفعل ذلك في جميع صلاتك كلها، فتواصل كل هذا الكلام في كل ركعة من صلواتك. وبعد ذلك إذا أتيت في التشهد الأخير تتشهد وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله بعد أن تقدم التحيات. انظروا إلى آداب الصلاة يا إخواني! استئذان، وبعد ذلك فاتحة فيها ثلاث لله وواحدة بينك وبين الله وثلاث لك، وبعد ذلك ركوع فيه تعظيم، وبعد ذلك تسبيح في السجود، ثم جلوس بين السجدتين واستغفار عما يكون من الخطأ، وقبل أن تنتهي لا بد أن تحيي ربك وتسلم على الله فتقول: التحيات أي: بجميع أنواعها لله، التحيات لله سبحانه وتعالى وهو المستحق لها وحده، التحيات والصلوات والطيبات لله من أقوال وأفعال وخطرات وأفكار وظاهر وباطن. ثم تسلم على الرسول، فتقول: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي! بصيغة الخطاب المباشر كأنه أمامك، يقول ابن مسعود كما في الصحيحين (كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا التحيات كما يعلمنا السورة من القرآن) وسألوه مرة فقالوا: (يا رسول الله! قد عرفنا كيف نحييك فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد) فتحيي الله ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عباد الله الصالحين من جن وإنس على سطح الأرض. ثم تقول: (أشهد -بعد التحيات تؤكد وتعلن- أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله) ثم تصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كان في التشهد الأخير، فتقول: اللهم صلِّ على محمد، وبعض العلماء يرى أنك تصلي على الرسول حتى في التشهد الأول ولكن لا تطيل تقول: اللهم صلِّ على محمد، ولا تأت بالصلاة كاملة؛ لأنها قد تطول عليك وبالتالي تعارض الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يجلس في التشهد الأول كأنه على الرضف يعني: على الحجارة المحماة، فتصلي استجابة لأمر الله؛ لأن الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]. وصلاتك على النبي دعاء له واعتراف بفضله حيث كان سبب هدايتك، ولولا الرسول صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله لهذه الأمة ما اهتدينا وما عرفنا كيف نعبد الله تبارك وتعالى، فصلوات الله وسلامه عليه. وبعد الصلوات تستعيذ بالله من أربعة أشياء عظيمة: تستعيذ بالله عز وجل من عذاب النار، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المسيح الدجال، ومن فتنة المحيا والممات، ثم تسأل الله من خيري الدنيا والآخرة تقول: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201] وإذا بقي معك وقت فاسأل الله المغفرة لك ولوالديك، ولما تريد في الدنيا وفي الآخرة. وبعد هذا تسلم ولا تجعل الدعاء خارج الصلاة، فإن الصلاة دعاء والدعاء داخلها وبعدها ذكر وثناء على الله تبارك وتعالى، والذي يجعل الدعاء بعد السلام هو خلاف السنة، يقول ابن القيم رحمه الله: وعامة الأدعية المتعلقة بالصلاة تكون في داخلها لا خارجها. وهذا هو اللائق في حال المصلي؛ فإنه مقبل على الله عز وجل يناجيه ما دام بين يديه، فإذا سلم انقطعت تلك المناجاة وزال ذلك الموقف العظيم فكيف يترك سؤاله في حال كونه بين يديه ثم يسأله بعد أن ينصرف من بين يديه؟!! عندما تقف بين يدي مسئول تقدم العريضة، لكن إذا ودعته وانصرفت فهل تقدم العريضة وأنت في الخلاء؟ وتخيل وأنت تسلم أنك تسلم على كل مسلم من جهتك اليمنى، وأن كل من يسمعك يرد عليك؛ لأنك تقول: السلام عليكم ورحمة الله، من الذي تسلم عليه؟ لا يوجد أحد تسلم عليه، عليكم بصيغة الخطاب أي: على كل مسلم من الجن والإنس، وأنهم كلهم يردون عليك يقولون: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، ثم تلتفت إلى الشمال وتقول: السلام عليكم ورحمة الله، وكلهم أيضاً يردون عليك مثلما رددت عليهم. تخيل هذا ثم قل بعده: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل والثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.

الأذكار المسنونة عقب الصلاة

الأذكار المسنونة عقب الصلاة يسن لك أن تقرأ آية الكرسي لحديث صححه ابن حبان وقال فيه شعيب الأرنؤوط: إنه صحيح، وهو عند ابن ماجة وفي سنده عند بعض الأئمة ضعف وقد صححه بعض العلماء، والحديث يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت) ثواب عظيم جداً، فاجعل آية الكرسي من لوازم صلاتك بعد الفراغ منها. وهناك حديث في صحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (من قال عقب كل صلاة: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، ثم قال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفر الله له ذنوبه ولو كانت كزبد البحر) فثوابه عظيم جداً، ولكن لا يحافظ عليها إلا موفق، فإن الإنسان يأتيه الشيطان بعد الصلوات فيذكره بأعماله وأشغاله حتى يخرجه قبل أن يقول هذا الكلام، أو يجعله يقولها بطريقة غير لائقة ويسرع فيها، إنما المطلوب أن تقولها وأنت متأننٍ ومحسن التلاوة لها والذكر بها مفصلاً لها عارفاً لمعانيها: سبحان الله والحمد لله والله أكبر، سبحان الله والحمد لله والله أكبر، وهذه لا تستغرق دقيقتين. أحد الإخوة وجد أنها تستغرق دقيقة وأربعين ثانية لكن قلنا: نترك عشرين ثانية، فتكون دقيقتين تقول فيها هذا الكلام عقب كل صلاة يعني: في خمس صلوات عشر دقائق يغفر الله لك ذنوبك ولو كانت كزبد البحر. وبهذا أيها الإخوة! تكونوا إن شاء الله إذا صليتم هذه الصلاة قد صليتم صلاة خاشعة صحيحة كما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد استجبتم لأمره، فقد ذكر البخاري حديثاً عن مالك بن الحويرث يقول عليه الصلاة والسلام (صلوا كما رأيتموني أصلي).

نماذج من خشوع السلف في الصلاة

نماذج من خشوع السلف في الصلاة ومن المناسب أن نذكر بعض قصص السلف الذين كانوا يخشعون في صلاتهم:

رهبة علي بن الحسين من ربه قبل الصلاة

رهبة علي بن الحسين من ربه قبل الصلاة فهذا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ابن بنت النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم أجمعين كان إذا فرغ من وضوئه وصار إلى الصلاة أخذته رعدة وانتفض نفضة واصفر لونه يعني: صار في وجهه مثل الغبرة وتغير شكله، فقيل له في ذلك، فقال: [ويحكم أتدرون من سأقف بين يديه بعد قليل] يقول: من سأقابل، فهؤلاء الذين يعرفون الله، فأنت إذا قابلت مسئولاً تستعد له بكل آداب الاستعداد، وتحاول أن تظهر أمامه بالمظهر اللائق، وتخشى أن تحصل منك سقطة واحدة فيحصل منه غضب عليك، فإنه وأنت تقف حسنا ًبين يدي الله عز وجل يجب أن تكون أعظم أدباً؛ لأنك بين يدي ملك الملوك وجبار السماوات والأرض.

شدة خوف ابن المنكدر من عاقبة أمره

شدة خوف ابن المنكدر من عاقبة أمره يُذكر عن محمد بن المنكدر: بينما هو قائمٌ يصلي ذات ليلة فبكى وكثر بكاؤه حتى فزع أهله، وقامت زوجته وأولاده من كثرة بكائه، وسألوه: ما الذي أبكاك؟ فاستعجم لسانه وزاد في البكاء، فأرسلوا إلى أبي حازم جاره؛ فأخبروه بأمره فجاء أبو حازم فإذا به يبكي، قال: يا أخي! ما الذي أبكاك قد روعت أهلك، أَبِكَ علة؟ أتشكو من شيء؟ قال: لا. إنه مرت بي آية في كتاب الله وأنا أصلي وهي قوله عز وجل: {وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47] يقول: مرت بي هذه الآية، يقول: فبكى أبو حازم أيضاً واشتد بكاؤهما، فقال بعض أهله لـ أبي حازم: جئنا بك لتفرج عنا فزدتنا فأخبرهم ما الذي أبكاهما، قال: الذي أبكاه وأبكاني قول الله عز وجل: {وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47].

شدة تأثر عمر بآيات القرآن

شدة تأثر عمر بآيات القرآن تذكر كتب السير عن عمر رضي الله عنه أنه قرأ ليلة من الليالي في سورة الطور: {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ * مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} [الطور:1 - 8] فما زال يكررها حتى أصبح ثم مرض وزاروه أياماً، وذلك من تأثير هذه الآية.

تقديم عطاء لمناجاة الله على مناجاة الملوك

تقديم عطاء لمناجاة الله على مناجاة الملوك كان عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه؛ وهو تابعي وإمام من أئمة العلم دلته أمه على العلم وكان ذميم الخِلقة، قصير القامة، أسود البشرة، بحث عن عمل فلم يجد، وكلما عمل في عمل لم يوفق فيه، رجع إلى أمه، قال: يا أماه! ما أراني إلا قد شقيت ما لقيت عملاً دليني على مهنة، قالت: ألا أدلك على عمل إن عملته هابتك الملوك وانقاد لك به الصعلوك؟ قال عمل تهابني به الملوك، قالت: نعم. قال: ما هو؟ قالت: عليك بالعلم، فأخذ محبرته وصحيفته وذهب إلى مكة وطلب العلم، فحفظ القرآن الكريم ثم حفظ السنة المطهرة، ثم فتح الله عليه حتى أصبح لا يقال في الأرض قولاً إلا بعد قول عطاء، إذا نوزع في مسألة، قالوا: ماذا قال عطاء عالم مكة رضي الله عنه وأرضاه. وقد حج أحد الخلفاء إلى مكة ولما ذكر في مجلسه مسألة قال لهم: ماذا قال فيها عطاء، قالوا: لا ندري! قال: أرسلوا له، فأرسلوا لـ عطاء فرد عليه وكتب له ورقة، قائلاً: ليس لنا حاجة فيما عندك فنأتيك، وإن كان لك حاجة فيما عندنا فتعال عندنا، قال: أنصف والله عطاء، فأخذ نفسه وذهب إليه، ولما طرق الباب عليه كان يصلي فأطال في الصلاة، نزل الولد ورأى الخليفة عند الباب فرجع إلى أبيه وأخبره، فلم يقطع صلاته، وبعد أن أكملها أذن له ودخل الخليفة غاضباً وقال: ما هذا الجفاء يا عطاء! قال: أي جفاء تعني؟ قال: دعوناك فلم تأتنا، واستأذناك فلم تأذن لنا، قال: أما دعوتك لي فقد أخبرتك، وأما استئذانك فإنك استأذنت وأنا بين يدي ملك الملوك فكرهت أن أقطع مناجاته لمناجاتك، قال: ما تقول في المسألة، فأعطاه الجواب، ولما خرج ترك له صرة بها عشرة آلاف دينار، فأرسل بها ولده وقال: ردها له، ندله على النجاة ويدلنا على الهلاك، ما لنا بها حاجة. هذا عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه وأرضاه. كان بعدما كبر وضعف يقوم إلى الصلاة ويقرأ مائتي آية من سورة البقرة، وهو ضعيف وكبير في السن ويقرأ مائتي آية من سورة البقرة وهو قائم لا يزول ولا يحول ولا يتحرك حركة واحدة.

صور لعباد يخشون ربهم من فوقهم

صور لعباد يخشون ربهم من فوقهم وعن ميمون بن مهران قال: نظر رجل من المهاجرين إلى رجل يصلي وكان يسرع فيها فعاتبه، قال: إني ذكرت ضيعة لي، يعني: مزرعتي ذكرتها، قال: ضيعته الضيعة من صلاته؛ لأنه استعجل فيها. وكان أبو وائل إذا صلى في بيته يسمع له نشيج، وكان يقول وهو ساجد: اللهم اغفر لي، رب اعف عني، إن تعفو عني ففضلاً من فضلك، وإن تعذبني غير ظالم لي ولا مسبوق، ثم يبكي حتى يسمع نحيبه وراء المسجد. وكان إبراهيم التيمي إذا سجد تأتي العصافير وتستقر على ظهره كأنه حائط. وكان أحد السلف في مسجد من البصرة انهدم المسجد واحترق وهو في طرف المسجد فلم يشعر، وجاءوا وأطفأوا النار، ولما أكمل صلاته قال: ماذا هناك؟ فقد كان قلبه بين يدي الله. وهذا عروة بن الزبير أصابته الآكلة التي يسمونها في الطب (الغرغرينا)، فأوصاه الأطباء بقطع رجله، فقطعوا رجله بدون تخدير، قالوا: نخدرك، قال: لا. والله لا أشرب مسكراً، تريدونني أغفل عن ذكر الله، ولكن إذا دخلت في الصلاة فاقطعوا رجلي، ولما دخل في الصلاة جاءوا إلى رجله وقطعوا اللحم ثم نشروا العظم ثم أحضروا الدهن المحمي، ثم وضعوا رجله فيه حتى يكف الدم وبعد ذلك سلم. وبعد ذلك دخل على عبد الملك بن مروان أو أحد السلف، فلما دخل عليه وإذا بذلك الرجل العبسي فيأتي من بلاده وقد عميت عيناه وليس معه شيء، قال: ما شأنك؟ قال: أمسيت وما في عبس أعظم غنىً مني، كان لي وادٍ مملوء بالغنم والإبل والأولاد والأهل، فجاء سيل على غير مطر لا أدري من أين جاء، يقول: فحمل جميع مالي وأهلي وما أبقى لي إلا طفلاً رضيعاً في شجرة معلق وبعير. يقول: فأخذت الطفل وتركت البعير أريد أقطعه، يقول: فنفخني برجله فأذهب عيناي، يقول: فعدت إلى الطفل أن آخذه؛ لأنه قد أخذه من الشجرة ووضعه في الأرض، يقول: فوجدت الذئب قد لقطه، فأصبحت بغير ولد ولا عين ولا امرأة ولا مال، وما أصبح في الأرض أشقى مني، فدعا بـ عروة، وقال: تعال يا عروة! لتعلم أن في الأرض من هو أعظم مصيبة منك. كذلك كان سعيد بن جبير يردد إذا قرأ قول الله عز وجل: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [البقرة:281]، وكان إذا أتى على قول الله عز وجل: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذْ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} [غافر:70 - 72]، قال: كان يرددها مرتين أو ثلاثاً ثم يبكي. هذه بعض قصص السلف ونحن نذكرها ونشكو أمرنا إلى الله، ولكن يا إخواني! هذه وصية والله ما اخترتها إلا لحاجتي إليها فأنا من أشد عباد الله غفلة في الصلاة، وأسأل الله أن يتوب عليَّ وأن يأخذ بي إلى ساحل النجاة، قلت: أعظ نفسي أولاً ثم أعظكم، وأرجو أن ينفعني الله بها وينفعكم بها في صلواتنا والحمد لله، فقد عزمنا على أن نكون عباداً الله، ولكن ما دمنا نصلي فلماذا لا نجاهد أنفسنا حتى نكون في جهاد وصلاة، أو نكون مقربين، أو مثابين. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يعيننا وإياكم على شكره وذكره وحسن عبادته إنه ولي ذلك والقادر عليه. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

سلسلة اليوم الآخر: علامات الساعة المستمرة [الحلقة الأولى]

سلسلة اليوم الآخر: علامات الساعة المستمرة [الحلقة الأولى] في هذه المادة تحدث الشيخ حفظه الله عن يوم البعث وأنه يوم عظيم تشيب من هوله الولدان، لشدة ما يرون من تغيرات هائلة في الكون، كما تحدث عن علامات الساعة المستمرة وذكر منها: انشقاق القمر، وظهور الفتن، وخروج الدجالين الذين يدعون النبوة وغيرها من العلامات التي أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم.

من أهوال يوم القيامة

من أهوال يوم القيامة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الإخوة في الله: نبأ البعث وخبر الساعة نبأ عظيم، وخبر جليل؛ لأنه يحدث تغيرات هائلة في الكون، السماء تتشقق وتتفطر، والقبور تبعثر، والجبال تُسيَّر، والنجوم تُنثر وتكدَّر، والشمس تكوَّر، والبحار تسجَّر، هذه الأحداث ليست بالأمر الهين السهل في حياة البشر، وأنتم ترون كيف تضطرب قلوب الناس إذا حدث حدثٌ بسيط من ريح عاتية، أو أمواج متلاطمة، أو أمطار غزيرة، كيف يهرع الناس ويخافون وتتقطع قلوبهم من أشياء بسيطة، فكيف إذا حدثت تلك الأحداث الضخمة التي تجعل الوليد شيبة! الوليد الذي لا يعرف شيئاً يشيب رأسه، يقول الله عزَّ وجلَّ: {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً} [المزمل:17]. في ذلك اليوم: ((تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ)) [الحج:2]، وهذا شيء لا يكون أبداً في الدنيا، يمكن أن تذهل المرأة عن كل شيء إلا عن رضيعها؛ لأنه قرة عينها، وفلذة كبدها، وتود أن تفتديه بحياتها، ولذا تذهل عن نفسها ولا تذهل عن رضيعها؛ لكن في ذلك اليوم تذهل عنه: {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2]، في ذلك اليوم يحصل رعب عظيم لا يتصوره العقل، يقول الله فيه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ} [الحج:1]، خافوا من الله، راقبوا الله، ارجعوا إلى الله، {إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} [الحج:1 - 2]، لكن شدة العذاب، ضخامة الأحداث شيءٌ لا يتصوره العقل، يجعل الإنسان مثل السكران، {وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2]. في هذا اليوم الرهيب الصعب نقف جميعاً كلنا في عرصات القيامة، لا يستطيع أحدٌ أن يختفي، ولا يستطيع أحدٌ أن يفر أو يهرب، أو يلجأ إلى مكان آخر، قال تعالى: {يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ} [القيامة:6] هذا الكافر الآن يقول: أين هو يوم القيامة؟! يسأل، يستبعد، {أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ} [القيامة:6]، والله يبتدئ السورة بأنه لا يقسم بيوم القيامة فقط، ولا يقسم بالنفس اللوامة فحسب، بل يقسم بكل ما يُقسَم به، وله تبارك وتعالى أن يقسم بما شاء من عباده: {أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ} [القيامة:3] أيقيس الإنسان قدرة الله على قدرته العاجزة، الذي لا يستطيع أن يخلق ذباباً، ولا يستطيع أن يخلق شعيرة، ولا يستطيع أن يجلب لنفسه نفعاً ولا ضراً، ويريد أن يكون الله مثله، ولهذا لما صعُب عليه أمر البعث يستبعده على الله، قال الله: {أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة:3 - 4]، والبنان إلى بداية القرن التاسع عشر الميلادي ما كان الناس يعرفون شيئاًَ عن سر الإعجاز والخلق العظيم في البنان. وبعد ذلك اكتشفوا أن كل بشر له في إبهامه اليُسرى تعرجات، وتعوجات دائرية، تختلف هذه التشكيلة في كل إصبع عن الأخرى من كل البشر، ولو جئت الآن بمن على ظهر الأرض، وهم قرابة أربعة آلاف مليون نسمة، لو جئت بهم وصففتهم وأخذت بصمة إبهامهم، لما وجدتَ اثنين سواءً في الإبهام، وبعد ذلك ليس هذا فقط، لو جئت بالذي قبل مائة سنة؛ لأن قبل مائة سنة ما على وجه الأرض أحد من هؤلاء الموجودين الآن إلا النادر، والنادر لا حكم له، ربما واحد في العشرة ملايين، لو بُعث من في القبور من مات قبل مائة سنة، وجئنا نصُفهم مع الموجودين الآن وأخذنا بصماتهم ما وجدنا اثنين يتساويان في الإبهام من الأولين ولا من الآخرين، ولو أتينا بكل من خلقه الله من آدم إلى يومنا هذا، إلى يوم يفني الله الأرض ومن عليها، لا نجد اثنين سواءً في الإبهام، من يعمل هذا؟! لا إله إلا الله!

تفسير آيات من سورة القيامة

تفسير آيات من سورة القيامة يقول الله عزَّ وجلَّ: {بَلْ يُرِيدُ الإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} [القيامة:5]، الإنسان حينما تهزمه الشهوات، وتطغى عليه الملذات والمنكرات، ويصبح عبداً ذليلاً أمام أحقر شيء فيه؛ أمام سيجارة، أمام أغنية، أمام نظرة من فاتنة زانية داعرة، أمام مجلة هابطة، أمام دنياً محتقرة يفجر وينسى الله، وتطغى عليه الذنوب، حتى تتراكم على قلبه، ثم يسود قلبه، ثم ينتكس، فلا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً إلا ما أُشْرِبَه من هواه، وهذا معنى حديث النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث في صحيح مسلم، يقول: (تُعرض الذنوب على القلوب عوداً عوداً كالحصير، فأي قلب أُشْرِبَها -يعني: قَبِلَها، أحبها، رغبها- فأي قلب أُشْرِبَها نُكِتَت فيه نكتة سوداء -بكل ذنب نكتة سوداء- وأي قلبٍ أنكرها -من حين أن يرى المنكر يرده، يخاف من الله- نُكِتَت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير القلوب على قلبين -لكثرة هذه المؤثرات، تنقسم قلوب البشر إلى قلبين- قلبٌ أسود مرباد -يعني: ليس سواداً سطحياً فقط، بل سواداً متراكماً، يعني: طبقات من السواد- مرباد كالكوز مجخياً -يعني: كالكوب أو الإناء المقلوب المنكوس- لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً، إلا ما أُشْرِبَه هواه)، بل تنقلب عنده الموازين، فيعرف المعروف، ويجعله منكراً، ويعرف المنكر، فيجعله معروفاً، إذا رأى امرأة ينفتح قلبه، وإذا سمع أغنية يرقص، يلعب بعضهم إلى أن يصل إلى الملعب، الآن في السمرات إذا سمع الزير وبينه وبينه عشرة كيلو، وما لقي سيارة، جاء يمشي، وإذا قرب وسمع ضربات الزير أخذ يلعب وهو يسير، وهو لم يصل إلى الملعب بعد. لماذا؟ أُشْرِبَه هواه -والعياذ بالله-، وإذا سمع القرآن قفز وضاق وحَرِجَ، كأنه في سجن؛ لأن القلب منكوس، والقلب أسود، فأصبحت الرؤية عنده غير واضحة. ثم قال: (وقلب أبيض -اللهم إني أسألك من فضلك وإخواني المسلمين- وقلب أبيض كالصفا -أبيض ناصع كالصفا- لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض) عنده صَدَّامات قوية، يضرب في أي فتنة فلا تؤثر فيه، لا يمكن أن يدخل فيه شيء، لماذا؟ لأنه أبيض، ويقول العلماء: إن سواد القلوب وبياض القلوب في الدنيا يترتب عليه سواد الوجوه وبياض الوجوه يوم القيامة: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران:106] تَبْيَضُّ وجوه أهل الإيمان -جعلنا الله وإياكم منهم- وتَسْوَدُّ وجوه أهل الكفر والفسوق والعصيان -أجارنا الله وإياكم من طريقتهم-. في هذا اليوم العظيم لا يستطيع أحد أن يهرب فيه من قبضة الله، والإنسان -كما قال الله- يقول في تلك اللحظات: {أَيْنَ الْمَفَرُّ} [القيامة:10] أين المهرب، {كَلَّا لا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّأُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [القيامة:11 - 13] يُخْبَر الإنسان وتُطْلَع أعماله عليه، فيرى فيها كل ما عمل من دقيق أو جليل، أو كبير أو صغير، في ليل أو نهار، كل شيء، حتى إن الواحد يقول -كما قال الله-: {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف:49] يقولون: ما به؟ قد نسينا، وهذا ما نسي؟! يقول الله عزَّ وجلَّ: {أَحْصَاهُ اللَّهُ} [المجادلة:6] وماذا؟ {وَنَسُوهُ} [المجادلة:6] يقول: قد نسوا، الإنسان نسيَ، وكان الإنسان نسياً، أنت الآن في هذا اليوم 19/ 2/1410هـ هل تذكر 19/ 1/1410هـ قبل شهر ما هو يومه؟ هل هو السبت أم الأحد أم الإثنين؟ لا تذكر، هل تذكر أنك صليت في المسجد أم لا؟ هل تذكر ما تغديت ذاك اليوم؟ هل تذكر مَن زرتَ ذلك اليوم؟ هل تذكر ماذا صنعتَ ذلك اليوم؟ لا تذكر؛ لكن الله يذكر ذلك، يقول الله: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة:6]. {يُنَبَّأُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [القيامة:13] ثم يقول الله: {بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة:14] أنت أبصر بنفسك، تريد أن تجد طيباً اعمل، الذي يريد بُراً يزرع بُراًَ؛ لكن من يزرع شوكاً ماذا تتصورون أن يجني؟ شوكاً، والذي يزرع حسنات وعملاً صالحاً وإيماناً خيراً يلقاه، يقول الله عزَّ وجلَّ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ} [النمل:89 - 90] ماذا تتصورون أن يُعطى هذا؟! أيُعطى حسنة على السيئة؟! لا. {فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ} [النمل:90] من جاء، المسألة منك، القضية والمبادرة من عندك، تستطيع أن تأتي بالطيب والخبيث، تستطيع أن تأتي بالعمل الصالح وبالعمل السيئ، والله لا يظلم أحداً شيئاًَ، هذا شغلك أنت، بضاعتك، الآن في السوق أناس يورِّدون بضاعة طيبة فيبيعونها، وأناس يورِّدون بضاعة خبيثة فيردونها، لا يشتريها منهم أحد، وكذلك أنت، الحياة هذه سوق، وأنت وردت إليها، فما تصدر منها؟ ومن الناس من يصدر بلعنة الله، ومن الناس من يصدر برضوان الله، من الذي يصدر بلعنة الله؟ الذي تعرض لسخط الله، ومن الذي يصدر برضوان الله؟ الذي تعرض لمراضاة الله، وليس في الناس إلا أحد رجلين: رجلٌ قضى حياته وقطع مراحل عمره متزوداً بالمراضي، متنقلاً بين الأوامر ومبتعداً عن النواهي، يحب الله، ويحب رسوله، ويحب كتاب الله، ويحب بيوت الله، ويحب عباد الله المؤمنين، ويسير وفق محبة الله ورسوله، هذا هنيئاًَ له، هنيئاً له، ثم هنيئاًَ له. وآخر -والعياذ بالله- يعيش حياته ويقطع مراحل عمره متزوداً بمساخط الله -والعياذ بالله-، يبغض الله، ويبغض كتاب الله، وبيوت الله، وأولياء الله، هذا -والعياذ بالله- ويل له، ثم ويل له، ثم ويل له: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الزمر:22]. {بَلِ الإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة:14] أنت أبصر بمصلحتك، الآن والرجل منا يأتي مسرعاً، يفاجأ وهو يسير في الطريق بأن إشارة المرور أضاءت اللون الأحمر، يعني ماذا؟ يعني: قف، أليس كذلك؟ وإذا ما وقفت ماذا يصير؟ مخالفة، وتترتب على المخالفة ماذا؟ أن رجل المرور يطاردك بالسيارة، أو بالدراجة النارية، ويقول: على جنب يا صاحب السيارة، وبعد ذلك تنزل ووجهك خجلاً وحالتك ضعيفة، ثم يقول لك: هات الرخصة، ينزرك نزراً لماذا؟ لأن مركزك ضعيف، نقطة الضعف عندك أنك قطعت الإشارة، أنك خالفت التعليمات، ما احترمت النظام، ولهذا فإن نقطة الضعف هذه جعلتك ضعيفاً في الدنيا أمام جندي ربما هو مسكين، وربما أنك مدير أو في وضع اجتماعي كبير؛ لكن غلطتك جعلتك تقف هذا الموقف المخزي أمام هذا الرجل، يقول: هات الرخصة، هات الاستمارة، فينظر فيها، يريد أن يرى عليك ثغرة، إن كان ما عندك رخصة يا ويلَك! وإن كان عندك استمارة ومطوِّلة يا ويلَك! وإن كان عندك رخصة لكن المدة منتهية يا ويلَك! فإذا ما رأى عليك شيئاً وأنك تمشي برخصة واستمارة، قال: لماذا تقطع الإشارة؟ ماذا عندك من عذر؟ أتقول: مستعجل؟! حسن والناس هؤلاء أما هم مستعجلون؟! أرواح العباد، ممتلكات العباد، أما ينبغي أن تُحترم، ويبدأ يهزئك، وأنت لا تقول له إلا: حاضر، آسف، أعتذر، هذه آخر مرة، وكفى، أنا مستعجل، أنا ما قطعتها إلا لأني مستعجل، فيقول: مستعجل؛ لكن الآن نروضك، لو أنك تأخرت نصف دقيقة أو دقيقة كنتَ مشيتَ بسلام؛ لكن عجلتك أخذتك إلى هذا الموقف، خذ، هذه قسيمة -ثلاثمائة ريال- وبعضهم يخاف من أن يكتب القسيمة، ويظل يسلم على رأس العسكري، وبعضهم يرمي غترته عند العسكري، وقد كان لك من هذا فكاً لو أنك وقفت عند الإشارة حتى تكون خضراء ثم تسير آمناً. هذا في الدنيا الآن، طَيِّبٌ! والذي لا يقف عند إشارة الرب تبارك وتعالى؟! هناك أيضاً في الأوامر إشارات حمراء، وهي: المحرمات. وإشارات خضراء، وهي: الطاعات. والمؤمن يقف عند الإشارة الحمراء، لا يمكن أبداً أن يعمل شيئاً، لماذا؟ يخاف، ليس من جندي المرور، بل يخاف من رب السماوات والأرض، ويخاف من الجندي الذي يطلبه حق الطلب، من هو؟ إنه ملك الموت، الذي لا يعرف أحداً، لا يمتنع منه مانع أبداً، يقتحم الأسوار، يدخل القصور، يأخذ أصحاب الأموال، وأصحاب الملك، وأصحاب العضلات، مَن يمتنع مِن الموت؟! لا أحد، هذا الجندي يأتي بك. وبعد ذلك تحاسب يوم القيامة على ضوء قطع إشاراتك الربانية التي قطعتها، وتطلب: يا رب! كما قال الله: {رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون:99] ردُّوني ولكن لماذا؟ قال: {أَعْمَلُ صَالِحاً} [المؤمنون:100]، لن أقطع الإشارات يا رب، {أَعْمَلُ صَالِحاً} [المؤمنون:100]، قال الرب عزَّ وجلَّ: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون:100 - 101]. وأمر البعث -أيها الإخوة- سبق الكلام عليه في عدة دروس، باعتباره ركناً من أركان الإيمان. وقد بدأنا الدروس في أبها منذ سنة تقريباً في العقيدة بأركان الإيمان: الركن الأول: الإيمان بالله. الركن الثاني: الإيمان بالملائكة. الركن الثالث: الإيمان بالكتب. الركن الرابع: الإيمان بالرسل. الركن الخامس: الإيمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى. ووصلنا إلى الركن السادس وهو: الإيمان بالبعث بعد الموت. ودرس هذه الليلة سيكون عن علامات الساعة المستمرة. وقد قلنا في الماضي: إن هناك فوائد من دراسة علامات الساعة: منها: الاستعداد. ومنها: قوة ا

انشقاق القمر علامة حدثت وانقضت

انشقاق القمر علامة حدثت وانقضت ومن ضمن ما ذكرنا في الدرس الماضي: علامة اقتراب الساعة بانشقاق القمر: التي قرأ علينا الإمام أوائل سورتها في الركعة الأولى من صلاة المغرب. وهذه علامة، مع الإشارة إلى اقتراب الساعة، فالله يقول: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:1]، وانشقاق القمر دليل على قربها، وقد حدث انشقاق القمر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كآية من آيات الله، وعلامة من علامات صدق رسول الله حين طلب المشركون منه أن يشق القمر، فدعا الله فانشق القمر، صارت فلقة وراء جبل أبي قبيس، وفلقة وراء الجبل الثاني، ورآها أهل الأرض كلهم، ليسوا فقط أهل مكة، وتناقل الركبان والمسافرون وأهل الطرق وأهل البُرُد تناقلوا أنه حصل انشقاق في ليلة من الليالي، كانت تلك الليلة؛ ولكن الكفار لما انشق القمر ما آمنوا، قالوا: سحرنا، قال الله عزَّ وجلَّ: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ * وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ * وَكَذَّبُوا} [القمر:1 - 3] المكذب ما فيه حيلة، الآن لو قلت لرجل: هذا (ميكرفون) قال: لا. هذه عصا، تقول: يا أخي! (ميكرفون) قال: هذه عصا، هذه من عصي البدو. تقول له: يابن الحلال، انظر! فيه سلك، وفيه ضغط، قال: أبداً، والله إنها عصا. أتستطيع أن تقنعه؟! إنه مكذب، لا يريد أن يصدقك أصلاً، فهؤلاء يأتي لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بجميع الآيات الدالة على عظمة الله تبارك وتعالى، وعلى صدق رسالته، ومع ذلك يكذبون، قال الله: {وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} [القمر:3 - 4] جاءهم من الأنباء، ومن الآيات والدلالات ما يكفي: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} [القمر:4 - 6] اتركهم، {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} [القمر:6 - 7] الأجداث: القبور، والتشبيه بالجراد: لأن الجراد أضعف شيء، والجرادة ترونها إذا خرجت وطاردها أحد كيف تقف وتقع وترمي نفسها في النار، ولهذا يخرجون من قبورهم مساكين كالجراد، {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ * مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ} [القمر:7 - 8] لم يعد هناك رفعة رأس، لم يعد هناك تكبر في ذلك اليوم، كثير من الناس الآن عندما تقول له: اتقِ الله، يقول: اذهب يا شيخ، فُكَّنا منك، أنت مطوِّع، قال الله فيه: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ} [البقرة:206] نَفَخَ إبليس، قال الله: {فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ} [البقرة:206] تكفيه جهنم، والله إنها كافية، {وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:206]، ذاك اليوم لم يعد فيه تكبر، لا يتكبر الإنسان بماله، ولا بجاهه، ولا بمنصبه، ولا بوضعه الاجتماعي وطبقته، ولا يتكبر الإنسان بأي شيء من الدنيا؛ لأنه فقير من كل شيء في الدنيا، يخرج من الدنيا عارياً، ما معه منها، إلا خرقة الكفن، مثل ما مع الفقير، ولهذا ما الذي يتكبر به؟! يقول: أنا صاحب عَظَمة؟! أنا صاحب سعادة؟! أنا صاحب فخامة؟! أنا صاحب وجاهة؟! ما عنده شيء، الملِك والمملوك، والكبير والصغير، والأمير والمأمور، كلهم يخرجون سواء، ما رأينا أحداً دُفن في القبر ببدلته، ولا برتبه، ولا بتيجانه، ولا رأينا أحداً دُفن بعقاله وبشته، ولا رأينا أحداً دُفن بأمواله وشيكاته، وإنما يقول الله: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} [الأنعام:94] خولناكم مناصب وأموالاً وأولاداً؛ لكي تشكروا الله عليها، وتستخدمونها في طاعة الله، فأبيتم ذلك: {وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94]. {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ * حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ * فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ * خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ} [القمر:4 - 7] خُشَّعاً: لا يرفع أحد منهم عينه طرفة، الآن الذي يخرج إلى القصاص وهو مكتف، وينزل من السيارة، وتراه يتلفت في الناس هكذا، يرى صفة العسكر، ويرى وراءهم الرجال والناس، ما رأيكم؟ كيف يكون وضعه، وكيف تكون نفسيته، وكيف يكون بصره، خاشع، خاضع، مسكين، في وضع لا يعلمه إلا الله، الناس الذين يشاهدون يفعلون هكذا (يرتجفون)، كل شخص منهم ترتجف ركبتاه، وهو يشاهد، مع أنه لن يذبح، ولن يضرب بالسيف، فكيف بالذي وسط الحلقة؟! وإذا أجلسوه وهو يسمع الميكروفون يعطي بياناً من وزارة الداخلية: أقدم فلانٌ -وهو يعرف أنه هو- على قتل فلان، وقد صدر الحكم الشرعي بقتله، وهاهو الآن أمامكم يُنَفَّذ فيه حكم الإعدام، كم مرارةً يجدها؟! وكم ألماً يتجرعه؟! وكم حسرة يعيش فيها؟! وهي كلها لحظات، من ساعة أن ينزل من السيارة إلى أن يُضرب، كلها خمس دقائق أو عشر دقائق، وينتظر البندقية وهي تخترق ظهره وتخرج كبده أمامه، ثم بعد ذلك يموت. لكن يوم القيامة ليس لحظات، بل خمسون ألف سنة، ليس بهذا الوضع، لا. في وضع أعظم من هذا بملايين المرات، يقول الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْأِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ * قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ} [غافر:10 - 11] أتوجد فَكَّة من هذه النار؟! {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} [إبراهيم:42 - 43] يقول المفسرون: الفؤاد هواء: يعني: فراغ من الخوف، لم يعد فؤاده في مكانه، أصبح فؤاده في حنجرته، {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ} [الأحزاب:10] ماذا؟ {الْحَنَاجِرَ} [الأحزاب:10] أنت الآن في الطائرة إذا ذهبت في رحلة، ثم حصل مطب هوائي، ما الذي يحصل؟ يصعد نَفَسك إلى هنا، ولهذا يقولون: اربط الحزام لكي تجهز نفسك، ستموت إذا جاءك مطب، هذا من أجل مطب هوائي، وربما يكون سبباً في سقوط الطائرة ونزول مترين أو عشرة أمتار أو مائة متر؛ لكن كيف يوم القيامة؟! يقول: {مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} [القمر:8] والله يوم صعب.

من علامات الساعة التي ظهرت ولا زالت تتابع

من علامات الساعة التي ظهرت ولا زالت تتابع

خروج الدجالين الذين يدعون النبوة

خروج الدجالين الذين يدعون النبوة من العلامات المستمرة -أيها الإخوة! -: خروج الدجالين الذين يدعون النبوة: وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيخرج في هذه الأمة دجالون كثيرون يدَّعون أنهم أنبياء، وأن عددهم ثلاثون، وحددهم في بعض الأحاديث بسبعة وعشرين. والمراد بالأدعياء: الذي يدعي منهم ويثير فتنة في الناس، وينشر المحن في الناس، ويتبعه الناس، وهم يعرفون أنه على باطل -والعياذ بالله-. عند البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى يُبعث دجَّالون كذَّابون قريب من ثلاثين، كل يزعم أنه رسول الله، ولا رسول بعد رسول الله، ولا نبي بعدي) لأنه نبي الساعة. وكل أحد يأتي بعد رسول الله يقول: إنه نبي، فهو كذاب، ومباشرة يُقطع رأسه، وإذا تُبِع فمن تبعه فقد كفر بالله ورسوله. وقد خرج منذ وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا دجَّالون كذَّابون يزعمون أنهم أنبياء، وفي خروجهم تصديق لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الأحداث التي حدثت من أمور الساعة كلها تؤكد وتصدق لنا أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد خرج مسيلمة الكذاب في اليمامة، وادعى أنه نبي، وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم كتاباً قال: من مسيلمة رسول الله -لاحظوا الدجَّال- إلى محمد رسول الله. أما بعد: فإنا قد أُشْرِكنا معك في الأمر، فلك نصف الأرض، ولي نصفها. يظن أن المسألة قسمة؛ لكن انظروا الرد العظيم من الرسول الصحيح: قال: (من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب أما بعد: فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده) لا لك نصف، ولا لي نصف، الأرض لله، يا دجَّال يا كذَّاب. وخرجت امرأة في زمانه أيضاً اسمها سُجاح بنت الحارث، هذه كاهنة، ودجلت على الناس بالكهانة والشعوذة، وادَّعت أنها نبية، وبعد ذلك تبعها أهل العقول الضالة، ودَرَتْ هي أنه يوجد كذَّاب مثلها اسمه: مسيلمة، فذهبت إليه، وأمسى معها، النبي مع النبية، وفي الصباح قالت: تشاورنا -تقول: إنه شاور رَبْعها- تشاورنا أنا ومسيلمة فوضعنا عنكم صلاة الفجر والعشاء؛ لأنها أثقل الصلوات على المنافقين، قالت: مسموحون من صلاة الفجر وصلاة العشاء، قالت: أما الظهر والعصر والمغرب فصلوها؛ لكن العشاء والفجر فهاتان فيهما كلفة، ونحن بعد المشاورات وبعد التداول مع النبي الكذَّاب وضعنا عنكم هذا. ومنهم أيضاً كذَّاب ظهر في اليمن اسمه: الأسود العنسي، ادعى أنه نبي. وفي عهد التابعين خرج رجل اسمه: المختار الثقفي، ادعى النبوة، وهو كذَّاب. ومنذ أكثر من مائة سنة ادعى رجل اسمه: حسين بن علي ميرزا، ادعى أنه نبي في إيران، كذَّاب. وقبل خمسين أو ستين سنة ادَّعى رجل قادياني اسمه: غلام، أنه نبي، وظهرت له جماعة موجودون إلى الآن اسمهم: القاديانيون؛ وهم كفار، وقد أجمع أهل العلم، وأصدرت فيهم هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية فتوى أنهم فئة كافرة مارقة خارجة من دين الإسلام. وبعد ذلك ظهر آخر قبل سنين، وأُعدم، واسمه: محمود محمد طه، ظهر في السودان، وادَّعى أنه نبي، وحاكمته الحكومة السودانية، وحكمت عليه بالإعدام، وأُعدم، وقُطعت رقبته، إلى جهنم وبئس المصير، لعنة الله عليه وعلى من سار على منهجه، وعلى كل كذَّاب ودجَّال يدَّعي أنه نبي؛ إذ لا نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. والسلسلة باقية، لكن ما هو موقفك أيها المؤمن؟ موقفك ألا تؤمن بأن بعد رسول الله رسول؛ إذ أنه خاتم النبيين، وإمام المرسلين، ولا نبي بعده، صلوات الله وسلامه عليه.

ظهور الفتن

ظهور الفتن من علامات الساعة التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم والتي وقعت ولا تزال تقع بشكل مستمر: الفتن: والإنسان الصالح المستقيم على الإيمان والدين، والأمة التي تأخذ منهجها من كتاب الله الكريم، هذا الإنسان وهذه الأمة تُبتلى ويُبتلون، وقد يثور البلاء من داخل الأمة، بسبب الأهواء والخصام والفرقة، وقد يتمثل هذا البلاء في عدو حاقدٍ من غير الأمة الإسلامية يجتاحها ويستذلها، وقد يصل الخصام والفتنة إلى حد القتال وامتشاق السيوف، وإزهاق الأرواح، وهناك تسيل دماء، وتُسلب الأموال، وتُنتهك الحرمات، وقد أطلع الله رسوله صلى الله عليه وسلم على كثير من البلايا والفتن التي ستقع في مقتبل الزمان في هذه الأمة. ولذلك أطال صلى الله عليه وسلم وأسهب وأكثر في تحذير الصحابة وتحديثهم من الفتن. يقول أبو زيد عمرو بن أخطب رضي الله عنه -والحديث في صحيح مسلم - يقول: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر يوماً، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى أذن الظهر -انظروا مدة الخطبة يا إخواني، ما قالوا: أطلت علينا، وأزهقتنا، لا. من الفجر إلى الظهر وهو يخطب بهم- يقول: ثم نزل، فصلى بهم الظهر، ثم صعد المنبر، فخطبنا، حتى دخل وقت العصر، ثم صعد المنبر -بعد صلاة العصر- فخطبنا حتى غربت الشمس -من الفجر إلى المغرب، وهم جلوس وهو يخطب عليهم صلى الله عليه وسلم- فأخبرنا بما هو كائن إلى يوم القيامة، وأعلمنا أحفظُنا) يقول: أعلمنا الذي حفظ الكلام؛ لأنه لا توجد مسجلات، ولا يوجد أحد يكتب، وإنما كانت قلوب الصحابة أوعية لهذا الدين حفظوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا المقام نفسه يُذكر ويُنقل؛ لكن من طريق حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، والحديث أيضاً في صحيح مسلم، يقول حذيفة: (قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً، ما ترك شيئاً يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدَّث به، حفِظه مَن حفِظه ونسيَه مَن نسيَه، ثم قال: إنه يكون منه الشيء قد نسيته، فأراه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إذا غاب عنه، ثم لقيه فعرفه بعد أن يراه). وقد بلغ من شدة هذه الفتن أن أخبر صلى الله عليه وسلم أنها كقطع الليل المظلم، والحديث في صحيح الجامع، ذكره السيوطي أنه صحيح، يقول عليه الصلاة والسلام: (بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح المرء مؤمناً، ويمسي كافراً) لا إله إلا الله! كيف يسهل على الناس تغيير عقائدهم وغسل أدمغتهم من كثرة الفتن، وهذا واقع الآن، من الشباب من يجلس خمس دقائق مع مجرم ملحد، يُسْمِعه شريطاً أو ينقش في قلبه شبهةً -والعياذ بالله- فيسلخه ويقوم، وإذا به لم يعد يصلي، فيكفر بالله. (بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح المرء مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً) بعد سمرة فقط، على ورق، أو على بلُّوت، أو على فيلم، لم يعد يصلي الفجر، وينتهي (يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل) والحديث رواه أحمد والترمذي، وهو صحيح. وفي حديث أنس أيضاً قال: (يكون بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم يصبح المرء مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا) ذكره الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

تمني الناس للموت

تمني الناس للموت ويبلغ من شدة هذه الفتن، ومن ضغطها على الإنسان، ومن الحرج الذي يعاني منها الإنسان، أن الإنسان يتمنى الموت ولا يبقى على الحياة، والحديث رواه الإمام البخاري ومسلم، يقول: (لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، ويقول: يا ليتني مكانه). ويقول: (لا تذهب الدنيا -والذي نفسي بيده- حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه -يتمرغ بجلده وجسده على القبر- ويقول: يا ليتني كنتُ مكان صاحب هذا القبر، وليس به إلا البلاء) بلاء وفتن، وهذا لاحظوا أنه موجود في بعض بلاد الأرض، يوجد في بعض دول الأرض (الشرق) مثل روسيا، ومثل المؤمنين الذين يعذبون، الأتراك الذين أخرجوهم من بلغاريا، ومثل بعض الدول يجد المسلم فيها ضيقاً لا يتصوره العقل؛ لدرجة أنه إذا جاء له ولد وسماه علياً أو عبد الله أو محمداً أو شيئاً من هذا يُحكم عليه بالسجن خمسة وعشرين سنة؛ لأنه سمى ولده باسم مسلم، أما إذا كان يصلي فالإعدام، أو يقرأ القرآن أو يعرف شيئاً من القرآن يُقَدَّم له الخمر في رمضان ويقولون له: خذ اشرب، يقول: لا. أنا لا أريد الخمر، لكن لا يستطيع أن يقول: أنا صائم، لو قال: أنا صائم ذبحوه، هذا موجود في بعض دول الأرض، ونحن في نعمة ليس بعدها نعمة في بلاد الإسلام، الحمد لله على نعمة الإسلام.

رفع العلم

رفع العلم وأعظم أسباب وقوع الناس في الفتن: الجهل، وعدم العلم: يكون الإنسان عنده إيمان؛ لكن ليس عنده علم، يقرأ حديثاً أو يطلع على آية، أو يسمع كلاماً، ولا يدري ما هو مفهومه، ولا معناه، ويسأل من هو أجهل منه، فمن أعظم ما يوقع الناس في البلاء: الجهل، وقلة العلم، وكثرة الذنوب والمعاصي، وكثرة انتهاك المحارم، يقول البخاري ومسلم في صحيحيهما: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن بين يدي الساعة أياماً ينزل فيها الجهل، ويُرفع فيها العلم، ويكثر الهرج، قالوا: ما الهرج؟ قال: القتل). وعن أنس رضي الله عنه -والحديث في مشكاة المصابيح - يقول أنس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن من أشراط الساعة: أن يُرفع العلم). ونعني بالعلم: علم الكتاب والسنة. العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم أولو العرفان العلم الشرعي، أما العلم المادي لا يُرفع، بل يزيد؛ لكن لا ينفع، العلم المادي يدلك على صلاح الجسد؛ لكن العلم الشرعي يدلك على صلاح الروح، وأنت إنسان بالروح لا بالجسد. أنت بالروح لا بالجسم إنسانُ العلم الشرعي يدلك على صلاح أعظم مولِّد فيك، ما رأيكم في سيارة جديدة، كل شيء فيها جديد؛ لكن ليس فيها محرك، هل تمشي؟ لا تمشي، ولو كانت أحدث موديل؛ لأنها ليس فيها روح تجعلها تمشي. كذلك أيها الإخوة! روحك، دينك، عقيدتك، إيمانك، صلتك بمولاك وخالقك، من يدلك على هذا؟ الهندسة والطب؟! لا. يدلك على هذا الكتاب والسنة، فلا بد من الاهتمام بعلم الكتاب والسنة.

انتشار الزنا

انتشار الزنا (إن من أشراط الساعة: أن يُرفع العلم، ويكثر الجهل، ويكثر الزنا)، والزنا لا يكثر إلا في بلد ارتفع منه الإيمان والعلم والدين، وسبب وجود الزنا: إخراج المرأة، والنصارى واليهود والملاحدة يعرفون كيف يصطادون الأمة الإسلامية، فيأتون إلينا من باب المرأة؛ لأن المرأة نقطة ضعف أو نقطة قوة، نقطة قوة إذا صلحت، ونقطة ضعف إذا فسدت، فإذا خرجت من حجابها وتبرجت واختلطت وأفسدت وغزت المجتمع ماذا يحصل؟ يحصل الفساد؛ لكن إذا تحجبت وبقيت في عليائها وعزتها وكرامتها ودينها قضينا على الفساد. يكثر الزنا، وأنتم ترون الآن البيئات التي أخرجت المرأة من عرشها ومن منزلها وكرامتها وهتكت حجابها وتبرجت وتبذلت، وأصبحت عارضة أزياء ومغنية ومضيفة وسكرتيرة وبائعة، كيف وصلت المجتمعات الآن في الفساد؟! وصلت حداً لا يتصوره العقل، مجتمعات مسلمة؛ لكن ترى فيها ما يُدمي قلبك ويؤلمه، حينما ترى المرأة المسلمة وهي ممسوخة -والعياذ بالله- أصبحت في أقذر صورة، وفي أخس موقع؛ لأنها أهينت وسبب ذلك: عدم العلم، وكثرة الجهل، وانتشار المعاصي والزنا. (ويكثر شرب الخمور، ويقل الرجال، وتكثر النساء، حتى يكون لخمسين امرأة رجل أو قيم واحد) الحديث رواه البخاري ومسلم.

إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بفتنة مقتل عثمان وعمر ووقوعها

إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بفتنة مقتل عثمان وعمر ووقوعها من الفتن التي وقعت: مقتل الخليفة الراشد الثالث عليه من الله أعظم الرضوان عثمان بن عفان رضي الله عنه: قتله كان خبراً يصدِّق خبر النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه ورد حديث في الصحيحين: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً من المسجد فدخل بئر أريس -يعني: حائط بستان- قال: ثم قال لي: يا أبا موسى! لا تأذن لأحد إلا بعد أن تشعرني -يقول: لا تدع أحداً يدخل إلا بإذني- قال: فقلتُ: لأكونن اليوم بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم -وكانوا يتشرفون بخدمته صلوات الله وسلامه عليه- يقول: فدخل وجلس على طرف البئر، ودلى رجليه فيها، ثم طرق طارق الباب، فنظرتُ فإذا هو أبو بكر فقلت: يا رسول الله! هذا أبو بكر، قال: ائذن له، وبشره بالجنة، قال: ففتحتُ له، وبشرتُه بالجنة -اللهم إني أسألك من فضلك- يقول: فجاء وجلس بجوار رسول الله ودلَّى رجليه في البئر، وبعد قليل: إذا بطارق يطرق، فإذا هو عمر، قلت: عمر يا رسول الله! قال: ائذن له، وبشره بالجنة، قال: فأذنتُ له، وبشرته بالجنة، قال: وبعد لحظات قلتُ في نفسي: ويل أم فلان) أخوه يقول: يا ليته يأتي، يظن أن كل من جاء دخل الجنة، ولا يعلم أنه لا يصل إليها إلا من وفقه الله -اللهم إنا نسألك من فضلك يا رب العالمين- قال: (وإذا بالباب يُطرق، قلتُ: مَن؟ قال: عثمان، قلت: هذا عثمان يا رسول الله! قال: ائذن له، وبشره بالجنة مع بلوى تصيبه)، فتنة ومحنة حصلت على عثمان رضي الله عنه، ذُبح بالسيف من رقبته والمصحف بين يديه، وكان عنده بعض غلمانه وهم أربعمائة عبد، كلٌ سيفه في يده، مستعدون أن يقاتلوا إلى آخر لحظة؛ لكن قال لهم: [من وضع سيفه فهو حر لوجه الله] يقول: دعوني حتى ألقى ما وعدني ربي، ودخلوا عليه وذبحوه رضي الله عنه وأرضاه. ولما قال له أبو موسى قال (بشرك رسول الله بالجنة، مع بلوى تصيبك، قال عثمان: الله المستعان) لا إله إلا الله. وقد أخبر رسول الله بتلك الفتنة التي أدت إلى مقتل عثمان، وإلى فرقة الأمة الإسلامية، وقد سُل السيف من ذلك اليوم، وسالت الدماء الطاهرة الطيبة بين المسلمين، بين الصحابة المتخاصمين، وكانت هذه الفتنة تموج كموج البحر. وهناك أيضاً حديث في صحيح البخاري، يقول حذيفة: [كنت جالساً عند عمر بن الخطاب إذ قال: أيكم يحفظ قول النبي صلى الله عليه وسلم في الفتنة -هذه- قال حذيفة: فتنة الرجل في أهله وماله وولده يا أمير المؤمنين تكفرها الصلاة، والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: ليس عن هذا أسألك، ولكن التي تموج كموج البحر، قال: ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين! إن بينك وبينها باباً مغلقاً، قال عمر: أيُكسر الباب، أم يُفتح؟ قال: بل يُكسر، قال عمر: إذاً لا يُغلق أبداً، قلت: أجل، لا يُغلق أبداً، فقيل: قلنا لـ حذيفة: أكان عمر يعلم الباب؟ قال: نعم. كما يعلم أنه دون غدٍ الليلة، وذلك أني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط، فهبنا أن نسأله عن الباب، فأمرنا مسروقاً فسأله، قال: الباب عمر] وفعلاً كُسر الباب، يعني: قُتل عمر. ومنذ مقتل عمر بدأت الفتنة، دخلت الأصابع اليهودية والمنافقة، والطابور الخامس ليزعزع الأمة الإسلامية من الداخل بقيادة عبد الله بن سبأ اليهودي، الذي أعلن إسلامه وهو كذَّاب، يريد نسف الأمة من الداخل، وثارت الفتنة وأخبر بها ووقعت كما أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

من الأشياء التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم ووقعت: ظهور الخوارج

من الأشياء التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم ووقعت: ظهور الخوارج مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم: خروج طائفة اسمهم: الخوارج، واسمهم: الحروريون، نسبة إلى موقع في الشام اسمه: حروراء: وهؤلاء أخبر صلى الله عليه وسلم بخروجهم، ولهم دور عظيم في الفرقة التي وقعت في الأمة الإسلامية في ذلك الزمان، وربما يكون لهم دور في كل زمان، إذا ساروا على نفس المنهج الذي ابتكره الشيطان وأغراهم وأقنعهم به. وهم يدَّعون العلم، ويُجهدون أنفسهم في العبادة، ويدعون إلى كتاب الله؛ ولكنهم أجهل الناس بأحكام كتاب الله، وهذا هو الخطر فيهم، أن أمرهم ينطلي على البسطاء، وأنه يخدع الجهلاء، حينما يرى الجاهل فيهم كثرة العبادة، وكثرة الانقطاع في الدين، والغيرة على الإسلام، والحماس، والتمسك لدرجة أن أصغر صغيرة من الذنوب عندهم كفر، أي: في معتقدهم أنه إذا عمل مسلم صغيرة فقط، ماذا يصير في حكمهم؟ يصير كافراً، وهذا ضد معتقد أهل السنة والجماعة أن الكبائر لا يخرج الإنسان بها من الدين، المسلم مؤمن بإيمانه، فاسقٌ بعصيانه، تحت مشيئة الله في الدار الآخرة، إن شاء غفر له، وإن شاء أدخله النار، ليعذبه بقدر خطيئته ومعصيته، ثم نهايته إلى الجنة، ما دام أنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة، ويصوم رمضان، ويحج البيت الحرام، ويؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وبالبعث بعد الموت، وبالقدر خيره وشره من الله، ويؤمن بجميع القضايا الإيمانية المعروفة من الدين بالضرورة، هذا مؤمن ومسلم؛ لكنه إذا وقع في معصية فهو عاصٍ، وهذه المعصية تحت مشيئة الله، إذا مات هذا الإنسان وهو مصر عليها، إذا تاب منها تاب الله عليه، وإذا مات وهو مصر عليها فهو تحت المشيئة، إما أن يُعذَّب بقدرها، وإما أن يُغفر له. لكن هؤلاء الخوارج والحروريون عقيدتهم: أن الإنسان إذا عمل معصية ولو كانت صغيرة فإنه يكفر -والعياذ بالله-. هؤلاء أحكامهم جائرة، وآراؤهم قاصرة، يسفكون دماء المخالفين لهم من المسلمين، إذا خالفهم أحد من المسلمين يستبيحون دمه وعرضه، ويجهِّلون الصحابة والعلماء، إذا جئت عنده، قال: اترك العالم الفلاني، أنا أعلم في هذا الحديث. وهو لا يفهم في الحديث؛ لأنه ينظر له من منظار ضيق، ويطلع عليه من زاوية ضيقة، لا يعرف منه شيئاً، ليس عنده إحاطة بدين الله، نظراً لحداثة سنه وجهله، وعدم انشراح صدره، وعدم وجود النور الذي يقذفه الله في قلبه؛ لأن الإيمان نور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده. وفي الحديث الصحيح عند البخاري ومسلم عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سيخرج في آخر الزمان قوم أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية -يعني: يقولون كلام الرسول صلى الله عليه وسلم- يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم -يقرأ؛ لكن من هنا إلى فوق، لا يدخل حرف واحد والعياذ بالله- يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، إذا لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجر عند الله يوم القيامة لمن قتلهم) هذا الحديث رواه البخاري ومسلم. وأيضاً يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحديث في صحيح الجامع للسيوطي، قال: (سيكون في أمتي اختلاف وفرقة: قوم يحسنون القيل -يعني: الكلام- ويسيئون الفعل -يعني: الاتباع والاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم- يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم -التراقي هي: العظم الذي في الرقبة- يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، لا يرجعون حتى يرتد السهم إلى الرمية -وهذا لا يرجع- هم شرار الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم وقتلوه، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه بشيء، من قاتلهم كان أولى بالله منهم). هؤلاء هم الخوارج، وربما يتكررون، فقد خرجوا في عهد علي رضي الله عنه، وقاتلهم علي، وفاوضهم ابن عباس رضي الله عنه، وكذبوا الصحابة، وربما يتكرر خروجهم إذا وُجد من يتبنى فكرهم. وطريق السلامة من الوقوع في هذه المزالق: أن تكون متبعاً لا مبتدعاً، مقتدياً مهتدياً بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والقرون المفضلة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر: (أن اليهود افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وأن النصارى افترقت على اثنتين وسبعين فرقة، وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: مَن يا رسول الله؟ قال: مَن كان على مثلما أنا عليه وأصحابي). والحمد لله أننا نعيش في هذا الزمن والأمة متمسكة بمذهب أهل السنة والجماعة، فالحمد لله، وعلماء السنة هم الظاهرون في الأرض، وهم الموثوق في كلامهم، وهم الذين ينزل كلامهم كالثلج على القلوب. ولذا نقول للشباب: إذا اهتديت لا تأخذ الدين من رأسك، خذ الدين من العلماء الموثوق في علمهم، وإذا أشكل عليك شيء فارجع؛ لأن الذي يأخذ الدين من الكتاب يخطئ. هل سمعتم بأن طبيباًَ تعلم الطب من الكتب بدون كلية؟! ما رأيكم؟! ممكن؟! ولو جاء رجل وقال: والله أنا قرأت كتب الطب كلها، وأريد أن أعمل عمليات، أنصدقه؟! نتركه يفتِّح البطون؟! نقول: لا. الطبيب لا يأخذ العلم من الكتب لوحدها؛ لا بد من دكاترة يتعلم على أيديهم، ولا بد من دروس عملية، ومن ممارسة وتطبيق واختبارات ومختبرات، لكي يعرف الإنسان كيف يعالج الجسد. لكن من الناس من يريد أن يعالج أرواح العباد التي هي أهم من أجسادهم، وهو ما جلس إلى عالم، ولا اتصل بعالم، وإنما يقرأ الكتاب هكذا، ويأخذ الدليل ويحكم عليه وهو لا يدرى عنه. وقد جاءني مرة -وقد ذكرتُ هذا الكلام- جاءني أهل قرية وإذا بهم يصيحون، يقولون: يوجد أحد الشباب عندنا كتب لوحة في المسجد، وقال: لا تجوز الصلاة في هذا المسجد، ومن صلى في هذا المسجد فصلاته باطلة. يقولون: نحن نصلي في هذا المسجد من يوم أن عرفنا أعمارنا، وأجدادنا، وأجداد أجدادنا، من مئات السنين، يصلون فيه جمعة وجماعة، وهذا الرجل يقول: ليس لكم صلاة، فجاءوني في البيت وهو معهم. قلتُ له: أنت قلتَ هذا؟ قال: نعم. قلت: وما هو دليلك؟ قال: إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا تجوز الصلاة في المسجد الذي فيه قبر). قلتُ: وهل في هذا المسجد قبر؟ قال: يقولون. قلت: رأيت قبراً بعينك؟ قال: لا. قلت: حفرتَ في الأرض، ولقيتَ شيئاًَ بعينك؟ قال: لا. قلت: هناك شيء موجود؟ ضريح على طرف المسجد هنا أو هناك؟ قال: لا. قلت: فما الذي أعطاك الدليل؟ قال: يقولون: إنه قبل مدة طويلة كان فيه قبر. قلت: سبحان الله! نبني أحكام الشرع على يقولون، هذه أحكام جائرة ما يجوز، تفسد عبادة المسلمين من أجل (يقولون)؟! المسجد الذي لا تجوز الصلاة فيه هو: المسجد الذي فيه قبر يُقدَّس ويدعَى وينذَر ويطاف به، ضريح موجود ومبني، إنما أرض كان فيها قبر أو لم يكن، ثم انتهى عنها حكم القبر، ونُقل القبر، أو انطمس القبر، أو اندثر القبر فالأرض كلها قبور يا إخوان، يقول الناظم: ما أظن أديم هذه الأرض إلا من هذه الأجسادِِ يقول: طِر إن استطعت في السماء رويداً لا اختيالاً على رفاة العبادِ لا تمشِ على رفاة الناس، الأرض كلها مملوءة من البشر، والذين ماتوا، والذين أكلهم التراب؛ لكن الشرع حرَّم الصلاة في مسجد فيه قبر ظاهر يُقدَّس ويعظَّم؛ لأنه سيُعبد من دون الله. أقول للإخوة الشباب: ألا يتسرعوا في إصدار الأحكام، ولا في اقتباسها من الكتب، إنما لا بد من الرجوع إلى العلماء، والاستقصاء، والثقة في أهل العلم؛ حتى نعبد الله على بصيرة، ولا نشذ من السير، ويختطفنا إبليس من طريق السنة والجماعة إلى مثل هذه الطرق التي هي طريق الخوارج الذين قال فيهم الرسول: (إنكم تحقرون عبادتكم إلى عبادتهم -يقرءون القرآن، ويقومون بالعبادة، ويكفرون بالمعصية- لكنهم يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية). ولا يعني هذا أن يُتهم كل شاب مسلم بمثل هذا، فإن من الجهلة من يسمع هذا الكلام، فيتصور أن كل شاب مؤمن ومهتدٍ وملتزم أنه ربما يكون من هؤلاء، لا. من تصور فقد افترى؛ لأنك تنسب مؤمناً إلى فرقة كافرة، وهذا -والعياذ بالله- خطر على عقيدتك؛ إنما من اعتقد عقيدة الخوارج، والحمد لله أنه ليس في مجتمعاتنا أحد منهم. نسأل الله تبارك وتعالى أن يبصرنا وإياكم بالدين، وأن يزينا وإياكم بالإيمان، إنه على كل شيء قدير. والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

حكم زواج الرجل بأخت أخيه من الرضاعة

حكم زواج الرجل بأخت أخيه من الرضاعة Q هل يجوز لأخي أن يتزوج أختي من الرضاعة؟ A إذا كنتَ أنت رضعت من أمها أصبحت أخاً لها من الرضاعة، ولجميع إخوانها الكبير منهم والصغير، ولكل من مص من هذا الثدي، أو خرج من صلب الرجل صاحب اللبن، ولو من أم ثانية، مفهوم هذا يا إخوان؟ يعني: رجل عنده أربع نساء، واحدة منهن في الخميس، وواحدة في أبها، وواحدة في الرياض، وواحدة في مكة، وفي الخميس أرضعت زوجتُه ولداً أصبح هذا الولد أخاً لعيالها، وأخاً لجميع أولاد زوجها من التي في أبها، ومن التي في الرياض، ومن التي في مكة، فهذه البنت التي رضعتَ أنت من أمها، أصبحَت أختك من الرضاع، هي وجميع إخوانها، ولا يجوز لك أن تتزوج بها. أما أخوك الذي ما رضع من أمها فيجوز له أن يتزوجها؛ لكن على شرط: ألا تكون هي رضعت من أمك؛ وإذا كنت أنت رضعت من أمها، الرضاع فقط من جهة واحدة، كان المحرم عليك أنت فقط، وأخوك يجوز له أنه يتزوجها، أما إذا كانت هي رضعتْ من أمك وأنت رضعتَ من أمها أصبحتَ أنت أخاً لجميع أولادها، وأصبحَت هي أخت لك، وجميع إخوانك، ومن ضمنهم أخوك، وبالتالي لا يجوز، هذا إذا كان الرضاع متبادلاً. أما إذا كان الرضاع من جهة واحدة فالحرمة تتعلق بالراضع فقط.

كيفية التخلص من الخوف عند إمامة الناس

كيفية التخلص من الخوف عند إمامة الناس Q مشكلتي رغم أني أجيد قراءة القرآن إلا أنني إذا تقدمتُ بالجماعة في المسجد خارت قواي، واضطرب قلبي، وتغيَّر صوتي، وتعرق جبيني، فهل هذا نقص في إيماني؟ A لا. شيء طبيعي، يقولون في المثل: (مقابلة السيوف، ولا مقابلة الصفوف)، لكن يذهب هذا العرق والخجل والاضطراب بالتعود؛ لأنك إذا ما تقدمت أنت وأنت تجيد القرآن فمن يتقدم بالناس؟! تقدم واستمر، واستعذ بالله من الشيطان، وما هي إلا فترة قصيرة إن شاء الله ثم تتعود وتواجه الناس، ولا تشعر بإذن الله بأي خجل، ولا يخرج منك أي عرق إن شاء الله.

حكم دعاء الاستفتاح في صلاة الجنازة

حكم دعاء الاستفتاح في صلاة الجنازة Q هل في الصلاة على الجنازة دعاء استفتاح؟ A لا. ليس لها دعاء استفتاح، وإنما يكبر الإنسان التكبيرة الأولى ويقرأ الفاتحة، ثم يكبر الثانية ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يكبر الثالثة ويدعو للميت ولجميع أموات المسلمين، ثم يكبر الرابعة ولا يقول بعدها شيئاً، ثم يسلم تسليمة واحدة عن اليمين.

الواجب على من تاب عن السرقة

الواجب على من تاب عن السرقة Q أنا شاب كنتُ ضالاً وأرافق رفقاء السوء، وكنا نذهب إلى السوق، وندخل الأسواق، ونسرق بعض الأشياء الخفيفة، ثم تبتُ؛ ولكنني محتار، كيف أرد للناس حقوقهم، مع أنني لا أستطيع لظروفي المالية، ولا يعرف أحد عن ذلك؟ A يلزمك -ما دمتَ تبتَ- أن ترجع الحقوق إلى أصحابها -كل ما أخذته- ولو كان قلماً؛ لا بد أن ترجعه، وإذا كنتَ لا تعرف أصحابها، فتنفق قيمة هذا الشيء الذي أخذته في سبيل الله على نية أصحابه. وهذا الأمر يستدعي أن نلفت أنظار أصحاب المحلات التجارية إلى الانتباه، وعدم ترك الأمور هكذا سائبة، فإن من الناس من لا دين له، ولا خوف عنده من الله، يدخل المعارض ويقلِّب البضائع، وخاصة الأشياء الثمينة؛ الذهب، أو الساعات، أو الأقلام، ثم يستغل غفلة صاحب المحل ويسرقها ويخرج، اجعل عينك هكذا مثل هؤلاء، وإذا رأيت واحداً فامسكه ولا تتركه إلا في يد العدالة، حتى تقطع يده ويصير عبرة لغيره، لا يجوز أن يُخوَّف المسلمون في بلاد المسلمين.

كيفية تغيير المنكر

كيفية تغيير المنكر Q أعرف أن من لا ينكر المنكر في بيته فهو ديوث، وأخاف أن أكون من هذا الصنف، ولكن إذا كان من يفعل المنكر يعرف أنه منكر فهل يجب عليَّ أن أنكر عليه؟ A ليس كل من يعرف المنكر في بيته يكون ديوثاًَ؛ فإن المنكر يختلف من درجة إلى درجة، والبيوت فيها منكرات لا شك، لكن الديوث من يقر منكر الفاحشة في أهله، يعلم الفاحشة في زوجته أو أهله ويسكت، هذا ديوث، والجنة محرمة عليه -والعياذ بالله-. أما إذا رأيت في بيتك منكراً فيجب عليك أن تغيره؛ لأن بإمكانك تغيير المنكر في بيتك، أما خارج بيتك فيجب أن تغيره بلسانك، فإن لم تستطع فبقلبك.

طلب نصيحة في اقتناء أشرطة

طلب نصيحة في اقتناء أشرطة Q انصحني باقتناء خمسة أشرطة لأهديها للدعوة إلى الله عزَّ وجلَّّ. A ما أستطيع أن أنصحك؛ لأنني ما أعرف أشرطة لغيري من الإخوة الدعاة والعلماء؛ نظراً لأني ما عندي وقت أسمع حقيقةً. أما أشرطتي أنا فلا أستطيع أن أدلك عليها؛ لأن هذا جزء من الدعاية للنفس، وهذا لا يجوز في الشرع، ولكن اسأل غيري، وسيدلك غيري على ذلك.

التخول في الموعظة

التخول في الموعظة Q سمعتُ أن من يكتم العلم يُلجمه الله يوم القيامة بلجام من نار، وأخذت أعمل، وأحدث الناس في كل مكان، حتى زهقوا مني، وطالبوني بالسكوت، فماذا أفعل؟ A يا أخي الكريم! هذا الحديث في مَن سُئل عن علم، وأنت ربما لم يسألك أحد أن تتكلم، حتى زهَّقت الناس؛ لأن الدعوة -أيها الإخوة- مثل الطعام، تقدمه للناس حينما يحتاجونه. ما رأيك بشخص عشَّيْتَه، وعندما شبع قال: الله ينعم عليك. قلت: لا والله، لا بد أن تأكل. قال: يابن الحلال شبعتُ. قلت: لا. والله لتُكْمِلَنَّ الذي في الصحن، وأن تأكل جفنة العصيدة هذه، وأن تكمل الخروف. قال: يابن الحلال بطني امتلأت. قلت: لا. وأخيراً قام عليك بالعصا، وأكلك غصباً عنك. أهذا كرمٌ؟! سيقول: الله أكبر عليك وعلى كرمك. كذلك من الناس من يحدثك إلى أن تشبع، ثم يعيي، ويقول: زِدْ، زِدْ، زِدْ إلى أن يجعلك غير راغب في الحديث. وابن مسعود يقول: [كان صلى الله عليه وسلم يتخَوَّلنا في الموعظة، مخافة السآمة علينا]. فأنت تقدم العلم والموعظة حينما ترى لها قبولاً، فإذا رأيت الناس صاروا يُدَنِّقون أو صاروا يرقدون أو صاروا يتكلمون فَقِفْ، لماذا؟ لأنك كأنك تكره الناس في الكلام الجيد بإصرارك على أن تقدم شيئاً في غير مناسبته أو في غير وقته.

حكم الجمعية التعاونية بين الموظفين

حكم الجمعية التعاونية بين الموظفين Q ما حكم الجمعية التعاونية التي يقوم بها بعض الموظفين في كل شهر؟ A هذا كثر الكلام حوله يا إخواني! وقد سئل عنها الشيخ/ صالح بن فوزان في أبها، فأفتى بحرمتها، وقابلتُ بعده الشيخ/ عبد العزيز بن باز، وناقشته أنا والشيخ/ عائض القرني في هذا الموضوع فأفتى بحرمتها؛ مستدلاً بالحديث الذي معناه صحيح، والأمة مجمعة على معناه رغم أن في سنده ضعف؛ وهو (أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا) وهذه الجمعيات قروض تجر نفعاً، قرضٌ مشروط بقرض، كأن أقرضك ألفين الآن على شرط أنكم إذا جاء دوري تقرضوني كلكم عشرين ألفاً إذا كنا عشرة أشخاص. ولهذا (كل قرض جر نفعاً فهو ربا) ولكن الشيخ/ عبد العزيز بن باز قال لنا، وقد سمعتُه بأذني قال: إن هذه المسألة لا تزال موضع نقاش، وهي معروضة الآن على هيئة كبار العلماء، وسوف تصدر فيها فتوى بإذن الله قريباً، فنقول للناس: الذي وقع فيها يتوقف حتى يصدر فيها الحكم.

كيفية غض البصر

كيفية غض البصر Q ما هي الطريقة التي أغض بها بصري؟ A الطريقة التي تغض بها بصرك: استشعار عظمة الله، والشعور بأن الله ينظر إليك، وأنت تنظر إلى محارمه، يقول الحسن البصري وقد سألوه قالوا: [كيف نستعين على غض البصر؟ قال: بعلمك بأن نظر الله إليك أسرع من نظرك إلى المنظور إليه]. هل تستطيع أن تنظر إلى فتاة وأبوها يراك؟! هل تستطيع أن تنظر إلى امرأة وزوجها يراك؟! تستحي، تخاف. فكيف تنظر إلى امرأة والله يراك؟! والله أغير على محارمه، ومن غيرته: حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن.

حكم زيارة الأقارب المقصرين في حق الله تعالى

حكم زيارة الأقارب المقصرين في حق الله تعالى Q لي أقارب يدخنون، ويسمعون الأغاني، ويحلقون لحاهم، فهل أصلهم؟ A نعم. تصلهم، فهل تقطعهم، وتجلس في برج عالي، أنت الجيد وهم السيئين؟! لا. صلهم، واصبر على أذاهم، واهدهم، وادعهم إلى الله، وابتسم في وجوههم، لا تدخل عابساً؛ لأنهم عاصون أو فيهم معاصٍِ، كيف تدعهم وأنت مُخاصِمُهم؟! إذا تكلمتَ معهم أو دعوتهم وأنت مخاصم لهم فلن يقبلوا دعوتك، لكن تحبب إليهم، اهدِ لهم، اجلس معهم، اسكت على المنكرات التي تراها أول الأمر، إلى أن تغزو قلوبهم بحبك، وسماع دعوتك؛ لأنك إذا أردت أن تقبل فيجب أن تكون محبوباً عندهم، أما إذا جئت بالأوامر والنواهي: افعلوا، اعملوا، قالوا: لا ردك الله، انقلع، وكرهوك، وكرهوا الدين الذي تمثله أنت، بسببك أنت، ولهذا يقول الله عزَّ وجلَّ: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ * فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [آل عمران:158 - 159]. فالقول اللين والسماح مطلوبان من كل داعية إلى الله؛ لكن متى تجب المفاصلة، والبغض في الله؟ إذا حدد العاصي موقفاً منه، أما أن تبدأ تعطيه الدعوة والنصيحة ويقول: جزاك الله خيراً، والله يبارك فيك، وأسأل الله الذي هداك أن يهدينا، فهذا فيه أمل، لكن إذا جئت عند شخص وقلت: يا أخي! اتق الله، صلِّ في المسجد، أو لا تسمع الأغاني، وقال لك: انظر، أنت آذيتني، كل يوم وأنت عندي، أغاني، وثوب طويل، أرجوك لا تعد تتكلم معي في هذا الموضوع. فماذا يلزمك؟ يلزمك أن تبغضه في الله. لماذا؟ لأنه لم يعد ينفع، مثل المريض الذي عَيَّ ولن يتعالج، المريض الآن في المستشفى إذا دخل الطبيب عليه وأعطاه حبوباً، هو ينتظر في اليوم الثاني أن يأتي متعافياً، أو يخرجه؟! ما رأيكم في طبيب أعطى مريضاً حبة، وعندما جاء في اليوم الثاني قال: ما بك أنت؟ ما زلت جالساً هنا؟ أما تعافيت؟ ألم نعطك بالأمس حبة؟ هيا أخرجوه، هذا ما فيه خير، أخرجوه. هل هذا طبيبٌ؟! لا. بل يعطيه حبة ثانية، ويعطيه حبة ثالثة، وبعد ذلك إذا ما نفعت الحبوب قال: غيروا له حبوباً أخرى، غيروا له علاجاً آخر، وينوع له العلاج حتى يعافيه الله، ولا يخرجه. لكن متى يخرجه؟ إذا جاء الممرضون وقالوا: هذا رفض الحبوب، والأشعة، والعلاجات كلها، ويريد أن يقعد في المستشفى راقداً. ماذا يقول الطبيب؟ يقول: خروج، ما دام أنه لا يقبل الدواء فلا يقعد في المستشفى. وكذلك الذي لا يقبل علاج السنة لا نحبه في الله.

حكم التيمم إذا كان البرد شديدا مع وجود الماء

حكم التيمم إذا كان البرد شديداً مع وجود الماء Q هل يجوز لي أن أتيمم إذا كان الجو بارداً؟ A لا. لا تتيمم إلا إذا عُدم الماء، أو خيف الضرر من استعماله، بحيث إذا استعملته تموت، أما كونك تَبْرُد فالناس كلهم يَبْرُدون، ماذا يحصل إذا بَرَدْتَ قليلاً فقط وإذا أنت جيد؟!!

حكم مخالفة الأنظمة التي يضعها ولي الأمر

حكم مخالفة الأنظمة التي يضعها ولي الأمر Q إنسان عنده سجل تجاري، وآخر يرغب في فتح محل باسمه مقابل مبلغ مقطوع من المال في كل سنة، هل هذا المبلغ جائز، أم لا؟ A هذا حرام لا يجوز؛ لأنه أكل لمال الغير بغير حق، ومخالفة للنظام السائد في البلد؛ لأن الأنظمة التي يضعها ولي الأمر يلزم المسلمين العمل بها، ما لم تكن حراماً؛ لأنها أنظمة تسن قيوداً على مصالح البشر، ولهذا سماها العلماء المصالح المرسلة، وهي التي أرسل الشرع أمرها لولي الأمر، مثل: نظام المرور الآن، إذا قطعت الإشارة فإنك تعصي الله وتعصي ولي الأمر؛ لأن الله يقول: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59]. فكذلك الأنظمة ينبغي أن تحترم، ما لم يكن النظام هذا يحل حراماً أو يحرم حلالاً، فإذا جئت تأخذ من مسلم مبلغاً بغير حق نتيجة إعطائه اسمك مقابل مبلغ مقطوع، هذا تستُّر، ولا يجوز، وإذا اكتُشِفت في الدنيا ربما تؤاخذ، ويترتب على هذا ضرر عليك في الدنيا وفي الآخرة.

حكم دفع المال لأخذ الحق

حكم دفع المال لأخذ الحق Q بعض الناس الذين لهم معاوَض، لا يستلمونها حتى يدفعوا مالاً، فهل يعتبر هذا رشوة؟ A نعم. رشوة، إذا كان لك معاوَض فينبغي أن تأخذه بالطريق الرسمي، وبالمطالبة الرسمية والشرعية، عن طريق المرافعة لولاة الأمر، أما أن تستحل الحرام، وتذهب تعطي المهندس أو المسئول أو المدير أو الموظف لكي يكثر لك التقدير، ولكي يمشِّي المعاملة، فإنما تأكل ناراً وهو يأكل ناراً -والعياذ بالله-، والحديث: (لعن الله الراشي والمرتشي -الراشي: الذي أعطى، والمرتشي: الذي أخذ- والرائش -يعني: الواسطة-).

حكم مقاطعة الزوجة لأهلها لخوفها منهم

حكم مقاطعة الزوجة لأهلها لخوفها منهم Q أنا مسلمة تزوجتُ وحصلتُ على المكان المناسب عند زوجٍ مؤمن بالله، ملتزم بشريعة الله، ولكن أبي وأمي وأخي يريدون أن يأخذوني منه مرة ثانية، من أجل أن أتزوج بمبلغ آخر -يريدون أن يتاجروا بهذه الضعيفة- ولم أساعدهم على ذلك، وبعد أيام ذهبتُ لزيارتهم، فأخذوا ذهبي، والآن لي ست سنوات لم أذهب إليهم خوفاً منهم، فهل أنا آثمة؟ أم أبقى على حالي؟ A لا. لستِ آثمة، وإنما أنتِ غانمة؛ لأن ذهابك إلى هؤلاء، ولو كانوا أباً أو أماً وهم يريدون إفسادك على زوجك، فهؤلاء مفسدون، وليس لهم حق، وعليهم أن يتوبوا إلى الله، وبقاؤك في بيت الزوجية، بيت الطاعة مع الزوج الصالح، هو الوضع الصحيح الذي ينبغي أن تستمري عليه. ولكن إذا استطعتِ أن تصلي أهلك مع أمن العودة فلا بأس، يعني: تستطيعين أن تزورينهم في عيد، أو في مرض، أو في مناسبة، لكن تقدرين أن ترجعي. أما إذا علمتِ أنك إن دخلتِ عليهم قفَّلوا الأبواب، أو سجنوكِ، أو قيدوكِ، وما عدتِ تقدرين أن ترجعي، فلا يجوز لك أن ترجعي إليهم، ولا أن تذهبي إليهم. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

للذين استجابوا

للذين استجابوا ابتدأ الشيخ حفظه الله الخطبة بذكر الحكمة الإلهية من خلق الإنسان، وهي: العبادة، وبيّن أن من امتثل الأمر فأطاع واستجاب؛ فهو ناج من عذاب الآخرة، وأن من عصى وتكبر ورفض الاستجابة لربه فقد سبب لنفسه الشقاء في الدنيا والأخرى. وقد ذكر حفظه الله أنواع الظلم، وبين أنها ثلاثة أنواع: ظلم العبد لربه، ولنفسه، ولغيره. ثم ذكر عاقبة الظلم. ثم خلص بعد ذكره لما تقدم إلى أن الاستجابة هي الخيار الأمثل بل هي الخيار الوحيد، وتحدث عن حال الرافض للاستجابة عند الموت وما بعد ذلك، وختم خطبته ببشرى لمن استجاب لربه تعالى.

الحكمة من خلق الإنسان

الحكمة من خلق الإنسان إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على هديه واقتفى أثره إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فيا عباد الله: لقد خلقنا الله عز وجل لعبادته لم يخلقنا عبثاً، ولم يتركنا هملاً، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} [الأنبياء:16]، وقال سبحانه: {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص:27]، وقال جل جلاله: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر:85]، وقال عز وجل: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ * بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:17 - 18] وقال جل وعلا: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:115 - 116]. لم يخلقنا ربنا ليتكثر بنا من قلة، ولا ليتعزز بنا من ذلة، ولكن خلقنا وأوجدنا لرسالة سامية، ولغاية نبيلة، ولهدفٍ جليل بيَّنه الله في كتابه، وقال فيه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56 - 58]. خلقنا وأمرنا بطاعته، وبين لنا أن سبيل السعادة والفوز في الدنيا والآخرة هو سبيل الطاعة، فقال عز وجل: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران:132]، وقال عز وجل: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:71]، وقال: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً} [النساء:69]. خلقنا الله لعبادته وطاعته ونهانا عن معصيته، ومخالفة أمره، والتمرد على شرعه ودينه، وتوعدنا إن نحن عصيناه بالنار، وأخبرنا أننا لا نستطيع أن نفلت من قبضته، ولن يمنعنا منه أحد، فإنه يمنع من كل شيء، ولا يُمنع منه شيء {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا} [هود:102 - 108] نسأل الله بفضله أن يجعلنا من الذين سعدوا بطاعة الله، سعدوا، وبالاستجابة لأوامره، وبالسير على منهجه؛ فكان جزاؤهم: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ * فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ} [هود:108 - 109]. أما من يضل وينحرف ويرفض السير على الطريق المستقيم؛ فلا تحزن عليه، {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل:127]، ويقول رب العزة والجلال: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [فاطر:8]، فإنهم مراقبون وتحت الرصد الرباني، وسوف يُقبض عليهم، ولن يفلتوا من قبضة الله. وهناك {وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ} [هود:109]. نهى الله عن معصيته فهو لا يحب أن يعصى، يقول ابن القيم في كتابه الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، وهو ينقل أثراً قُدسياً، يقول الله عز وجل: (إني إذا أُطعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتي نهاية، وإني إذا عُصيت غضبت، وإذا غضبت لعنت، ولعنتي تبلغ السابع من الولد) غضب الله لا يقوم له شيء. ففي يوم القيامة حين يدمر الله هذا الكون ويغير معالمه من أجل فصل القضاء بين العباد يقول الله: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} [الانفطار:1 - 4] ويقول سبحانه: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} [التكوير:1 - 2]، ويقول عز وجل: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق:1]. هذه العوالم كلها تتغير عن طبيعتها، ويُبعث من في القبور يقولون: {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا} [يس:52] أي: من أيقظنا من رقدتنا الطويلة هذه؟ فيقول أهل الإيمان: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} [يس:52 - 53]. في تلك اللحظات يبلغ الكرب مبلغه بالناس، والشمس تدنو من الرءوس حتى تغلي منها أدمغة العباد كما يغلي اللحم في القدور، وليست هناك عمارات ولا سيارات ولا مظلات، إلا مظلة واحدة: مظلة الرحمن يظل بها سبعة فئات، سبعة أصناف من الأمة، والبقية في عرصات القيامة؛ الشمس تصهرهم صهراً، وتغلي منها أدمغتهم، ويسيل منهم العرق حتى يلجمهم العرق إلجاماً، والناس في كربٍ عظيم، واليوم طويل، مقداره خمسون ألف سنة. أنت إذا وقفت في طابور تنتظر إجراء معاملة، أو قطع تذكرة، وقفت عشر دقائق، أو ربع ساعة، أو نصف ساعة أو أكثر تعجز، لكن في يوم القيامة تقف خمسين ألف سنة، وكيف يكون هذا الوقوف؟ يقول الله عز وجل عن هذا الوقوف: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم:42].

أنواع الظلم وعواقبه

أنواع الظلم وعواقبه الظلم كلمة عامة يحملها الناس على محمل ونوع واحد، لكن الظلم ثلاثة أصناف: ظلم العبد لربه، وظلم العبد لنفسه، وظلم العبد لغيره.

ظلم العبد لربه

ظلم العبد لربه ظلم العبد لربه بأن يشرك به؛ لأن الله يقول: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]، والظلم: وضع الشيء في غير موضعه، ومعناه هنا: أن تجعل العبادة لغير ربك الذي خلقك، أو أن تصرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله، أو أن تجعل لله نداً وهو خلقك، أو أن تخاف، أو أن ترجو، أو أن تدعو، أو تستغيث، أو تلجأ، أو تقدم نوعاً من أنواع العبادة من ذبحٍ أو قربى لغير الله، هذا كله شرك حتى لو كان لنبي أو ولي أو ملك. لا تفعل كما يفعل بعض الناس في غير هذه البلاد يطوف بالقبر، ويزور الولي، ويقدم له النذور والقربات، ويقول: يا سيد العارفين -ومعلوم أن العارف لا يُعرَّف، والشكوى على أهل البصيرة عيب- أنت تعلم ما في نفسي. -يقول هذا لصاحب القبر الذي لا يعلم شيئاً كأنما يخاطب الله سبحانه وتعالى. هذا شرك أكبر مخرج من الملة لا ينفع معه صوم ولا حج ولا صلاة ولا عبادة؛ لأن الله يقول: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23] الشرك عظيم ولا يغفره الله شرك الدعاء والرجاء والاستعانة والاستغاثة والتوكل والنذر والذبح، وأي نوع من أنواع العبادة لا تصرف إلا لله، يقول الله عز وجل للقبوريين الذين يطوفون بالقبور، ويقدمون لها النذور ويعبدونها من دون الله، يقول الله لهم: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:14] فالظلم: أن تصرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله.

ظلم العبد لنفسه

ظلم العبد لنفسه ظلم العبد لنفسه: أن يرد بها المعاصي، ويتعدى بها الحدود؛ والله يقول: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق:1] إذا تعديت حدود الله ببصرك فنظرت به إلى الحرام فقد ظلمت نفسك، وإذا تعديت حدود الله بأذنك فسمعت بها الحرام من الغناء أو الكذب أو الغيبة أو النميمة فقد تعديت حدود الله وظلمت نفسك، وإذا تكلمت بلسانك كلاماً يسخط الله فقد ظلمت نفسك، وإذا بطشت بيدك أو مددتها على ما لا يحل فقد ظلمت نفسك. وقد تقول كيف ظلمت نفسي؟ أقول لك: إن هذه الجوارح التي هي ملك يمينك، وفي قبضتك، ورهن طاعتك؛ في يوم القيامة تشهد عليك، يقول الله عز وجل: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [فصلت:19] عجيبةٌ هذه الكلمة! فهي تهز نياط القلوب، تأمل كيف يصف الله هؤلاء الناس بأنهم أعداؤه! ومن كان عدواً لله فويل له ثم ويل له من عداوة الله، من ينصره على الله، وهو الذي بيده مقاليد كل شيء؟ خلقك، ورزقك، ودبَّرك، ثم كلَّفك، ثم أمهلك، ثم هو يدعوك ليقبضك، فكيف ترد عليه وهو عدوك؟ إذا وردت على عدو قادر عليك فكيف يكون وضعك؟! قال الله: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [فصلت:19] أي: يجمع أولهم على آخرهم، كما تجمع الغنم إذا أدخلتها في زريبتها. {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ} [فصلت:20] أذنك التي تَسرها بالأغاني تشهد عليك يوم القيامة، {شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ} [فصلت:20] عينك هذه التي تمتعها بالنظر إلى الجميلات تعذبك يوم القيامة وتكون ضدك {وَجُلُودُهُمْ} [فصلت:20] يعني: تشهد عليك جميع جوارحك {بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [فصلت:20]. فيستغرب أعداء الله في هذا الموقف، ويستنكرون هذا التصرف من جوارحهم، ويقولون لها: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا} [فصلت:21]، نحن مارسنا الذنوب، وسرنا في المعاصي من أجلكم، ومن أجل تلبية رغباتكم سمعت الغناء لأمتعك أيتها الأذن! ونظرتُ إلى الحرام لأمتعك أيتها العين، وسرت في الزنا لأمتعك أيها الفرج! فلم شهدتم علينا؟ والجوارح مأمورة لا تملك شيئاً، فمن أنطق هذه اللحمة ينطق هذه الشحمة، قال عز وجل: {قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت:21] لا نملك من أمرنا شيئاً، {أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ} [فصلت:21 - 22] أي: ما كنتم تستطيعون أن تمارسوا العظائم والذنوب والمعاصي مستترين عن جوارحكم هل يستطيع الإنسان أن يعصي وينظر إلى الحرام بغير عينه؟ لا. وهل يسمع الحرام بغير أذنه؟ لا. هل يستطيع أن يعصي بجسم آخر؟ لا. فهم شهود عدول حضروا الواقعة ليس فيهم جرح أبداً {وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ} [فصلت:22] هذا هو السبب. غابت عنكم مراقبة الله وكنتم تستخفون من الناس ولا تستخفون من الله، تخجلون من الناس ولا تخجلون من الله، إن الزاني إذا انفرد بالزانية ثم علم أن هناك طفلاً عمره سنتان ينظر إليه لا تجرأ على الزنا يستحي ويخاف من مخلوق وينسى الله ونظره إليه، وظن بالله أنه لا يعلم بحاله وأفعاله، قال الله: {وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ} [فصلت:22 - 23] هذه العقيدة الفاسدة، وهذا التصور الممسوخ أنك لست تحت رقابة إلهية {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ} [فصلت:23 - 24] ظلمك لنفسك أن توردها المعاصي، فلا تظلم نفسك بل انجُ بنفسك، وتذكر أن عينك اليوم هي عينك لكنها غداً عدوك، وأذنك اليوم هي أذنك ولكنها غداً تبرز هناك تشهد عليك وتكون عدوك. هل الأسلم لك أن تنجو بنفسك من عذاب الله، أو أن تستمر كالدابة التي تساق إلى حتفها بظلفها وهي لا تدري؟ تهلك نفسك بسماع الغناء، والنظر إلى الحرام وأكله، والبطش بالحرام والسعي إليه، وترك الطاعات، ثم تندم ولكن حين لا ينفع الندم. هذا هو الظلم الثاني.

ظلم العبد لغيره

ظلم العبد لغيره الظلم الثالث هو: ظلم العبد لغيره، لا تظلم مسلماً بهتك عرضٍ، أو بأكل مالٍ، أو بعدوانٍ، أو بأي صورةٍ من صور الظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة، وهو يشمل المجتمع من القمة إلى القاعدة، كل واحد في الدنيا مسئول، فأنت في بيتك مسئول عن زوجتك وأولادك، وفي رئاستك مسئول عن رعيتك. فلا تظلم زوجتك فتوردها موارد الهلكة فتوفر لها المعاصي والذنوب لا تظلمها فتأمرها بالتبرج والتكشف والخروج بلا حجاب على غير محارمها لا تظلمها فتمارس عليها ضغوطاً نفسية وقهرية؛ لأنك في مركز قويٍ. بعض الناس يقول أنا رجل وهذه امرأتي، وماذا في ذلك؟ فيعاملها معاملة الدواب!! كيف والله يقول: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:228] وهذه الدرجة هي القوامة والمسئولية، أما الحقوق فمتساوية كل بحسبه، لكن الزوجة في نظر الدين شريك، ولا بد لكل شركة من مدير، هل سمعتم بأن شركة لها مديران؟ ستخرب الشركة مباشرة. فالبيت والحياة الزوجية شركة ولا بد لها من مسئول! ومن المسئول فيها؟ الرجل أو المرأة؟ إن الله عز وجل أعطى المسئولية للرجل، ليس تفضيلاً ولا تكريماً ولا استبزازاً ولا تسلطاً، فقد تكون المرأة أفضل عند الله من الرجل بألف درجة، لكن زيادة عهدة وتكليف، قال الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء:34] فهذا تفضيل في أصل التكوين، فالرجل قوي شجاع يواجه الصعاب، وهذه كلها مميزات يجب أن تكون في القائد والمسئول، ثم {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34] والرجل يدفع المهر والنفقات. أما الحقوق والواجبات فلها حقوق وعليها حقوق، فلا تظلمها انتبه! لا تظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله؛ لأن بعض الناس كالدجاجة والفأر في جميع ميادين الحياة، أما أمام زوجته فإنه أسد، إذا دخل يستعمل كافة الصلاحيات أمام الضعيف، فيضربها، وينهرها، ويزجرها، ويمارس معها كل أساليب الضغط؛ لأن الناس خارج البيت يضغطون عليه، ولا قدرة له عليهم، فيولد انفجاراته على هذه الضعيفة، وهي مسكينة ما عندها حول ولا طول، فماذا تصنع؟ تدعو الله عليه، فينصرها الله ولو بعد حين، فلا تظلم زوجتك، ولا أولادك، ولا جارك، ولا أباك بمعصيته، ولا أمك بعصيانك لها، ولا أي مسلم أبداً. هذا في محيطك الأسري، وفي محيطك العملي أيضاً أنت مسئول، ولو كنت كاتب استيراد وتصدير، لا بد أن تكون عادلاً لا تظلم، وإذا كنت مسئولاً مسئولية أكبر لا تظلم، كما لو كنت رئيس قسم، انتبه! عندك موظفون في القسم، يجب أن تكون عادلاً بينهم، في توزيع العمل، وإتاحة الفرص، والترقية، والدورة أو البعثة أو الانتداب أو أي شيء، كن عادلاً، لا تحب شخصاً دون غيره، لا تحب زميل اللهو واللعب وتكره زميل المسجد والطاعة، تقول: هذا (مطوع)، والله لا يذهب في دورة ولا بعثة ولا يأخذ ترقية؛ هذا مُعقد! هذا سيعطيه الله حقه كاملاًً من ظهرك يوم القيامة، وإذا كنت مدير إدارة أيضاً فلا تظلم، وإذا كنت ضابطاً عندك جنود لا تظلمهم. أي موقع أنت فيه فاتق الله فيه؛ لأن الظلم ظلمات، والله يقول في الحديث القدسي في حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه -وهو صحيح-: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).

ما أعده الله للظالمين من عذاب أليم

ما أعده الله للظالمين من عذاب أليم يقول الله عز وجل: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ} [إبراهيم:42]، إن الله لا يغفل عنك، وأنت غافل عنه! أنت مغرور بكرسيك، بجاهك، بمالك، بقوتك وعضلاتك، لكن الله ليس بغافل عنك، ولكن ماذا سيصنع بك؟ قال: {إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} [إبراهيم:42 - 43] الفؤاد: فارغ، والقلب: ارتفع إلى الحنجرة، عندما تكون أنت في الطائرة، ويأتي مطب هوائي تحس أن قلبك ارتفع من مكانه؛ ولهذا تربط نفسك بحزام الأمان من أجل أن تشد على قلبك {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} [إبراهيم:44] يقولون: أعطنا فرصة يا رب! ومهلة وإمكانية نجب دعوتك نرفع المظالم، ونعدل مع الناس، ومعك يا رب في أن نوحدك، ومع أنفسنا فلا نعصيك. {نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ} [إبراهيم:44] لكن انتهت فرصة هذا التافه، قال الله عز وجل: {أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} [إبراهيم:44 - 48] هذا الشاهد من الآيات: تبدل الأرض غير الأرض والسماوات تبدل غير السماوات {وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ} [إبراهيم:48 - 49] في السلاسل والأغلال، يقرنون كما تقرن البقر في الأضماد: كل اثنين، كل ثلاثة، كل عشرة مقرنون، ليزداد عليهم النكال والعذاب. {سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ * لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [إبراهيم:50 - 52].

أهمية الاستجابة لله قبل فوات الأوان

أهمية الاستجابة لله قبل فوات الأوان إن الله عز وجل حذرك من معصيته وتوعدك بناره إن عصيته، وأنت بالخيار في ذلك، وعليك أن تختار الأفضل والبديل الأمثل الذي يسعدك في الدنيا والآخرة وهو: أن تستجيب لله، أما المعصية فهي خيار سيئ، والكفر بديل خسيس مرهق متعب في الدنيا والآخرة، ولكن {اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ} [الشورى:47] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال:24]، إن الحياة الحقيقية إنما تنبع من مقدار استجابتنا لله ولرسوله، فمن كان مستجيباً فهو حي، ومن كان غير مستجيب فهو ميت، ولو كان يأكل ويشرب، فالحمير، والبقر، والكلاب، والخنازير، تأكل وتشرب لكن ليس لها حياة الأرواح، كما قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12]. ويتمنى الكافر والفاجر يوم القيامة إذا رأى الحمير والبقر تحولت إلى تراب أن يكون مثلهم فيقول: {يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً} [النبأ:40] ليته كان ثوراً وله ذيل وقرون، لكن (يا ليت) لا تبني بيتاً، ولا تنفع يوم القيامة. فالحياة الصحيحة عندما تستجيب لله، يقول الله عز وجل: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ} [فاطر:19] الأعمى أي: الكافر الفاجر، والبصير يعني: المؤمن الطائع، {وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ} [فاطر:20] الظلمات: الكفر، والنور: الإيمان، {وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ} [فاطر:21] الحرور: الكفر، والظل: الإيمان، {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ} [فاطر:22] الأحياء: أهل الإيمان، والأموات: أهل الكفر والنفاق والمعاصي، ثم قال: {إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} [فاطر:22 - 23] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:24]. يا رب! ما جزاء من يستجيب؟ وما عقوبة من لا يستجيب؟ هذا ما سنذكره في الخطبة الثانية. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

الاستجابة لداعي الله في الأرض

الاستجابة لداعي الله في الأرض الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فالمستجيب لله لا يتردد، بل يكفيه داعٍ واحد فقط، وهذا شأن الصحابة عندما سمعوا داعي الله، حتى كان الرجل يدخل في الإسلام فيتغير كل شيء في حياته من نفس اللحظة التي دخل فيها للإسلام. لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير كسفير له وداعية إلى المدينة قبل الهجرة، فكان أول سفير في الإسلام يرسل لتمهيد العلاقات الدينية هو مصعب بن عمير، ومصعب هذا شاب من شباب الإسلام، كانت أمه من أثرياء مكة، وكان له منها عطاء وهبات، وكان إذا مشى في طريق يعرف الناس أن هذا الطريق مشى فيه مصعب بسبب الرائحة التي فيه، ولما أسلم عارضته أمه، وقطعت عنه الهبات فأصبح فقيراً حتى أنه لما قتل في غزوة أحد وجاء الرسول صلى الله عليه وسلم ليدفنه، ما وجد لديه إلا قطعة ثوب إن غطي بها رأسه انكشفت قدماه، وإن غطيت بها قدماه انكشف رأسه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فغُطي بها رأسه ووُضع على رجله من شجر الإذخر، وقال: (لقد كنت أرى مصعباً وهو أنعم شاب في مكة) لكن هنيئاً له الجنة. مصعب عندما قدم المدينة وجلس يعلم الناس، وعلم سعد بن معاذ بالخبر، أرسل إليه أسيد بن حضير، وقال: أسكت هذا الرجل، وإذا أبى فأت برأسه. فلما جاء أسيد قال له: اسكت، فقال مصعب: اسمع ما نقول فإن أعجبك وإلا سكتنا، فجلس عنده، فقرأ عليه من القرآن، فدخل الإيمان في قلبه مباشرة، قال: ماذا يقول من أراد أن يدخل معكم في دينكم؟ قال: يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فشهد شهادة الحق، ثم قال لـ مصعب: ذاك الجالس زعيم قومه -أي: سعد بن معاذ - اصدق الله فيه يا مصعب. فرجع أسيد، فقال سعد: والله إن أسيداً رجع بوجه غير الوجه الذي ذهب به. فهو ذهب بوجه كافر، وعاد بوجه مسلم، تغيرت ملامحه من أول لحظه رغم أنه لم يعمل شيئاً إلا شهادة الحق، فلما جاء إلى سعد قال له: ما لك لم تسكته؟ قال: اذهب أنت أسكته، يريده أن يذهب هو حتى يسمع الكلام، فأخذ رمحه، وقام مغضباً، وركب جواده، وجاء إلى مصعب وقال له: اسكت، قال له: اجلس واسمع ما نقول، فإن أعجبك وإلا كففنا عنك، قال: لقد أنصفت، فقرأ عليه القرآن -والذي يقرأ بإخلاص، ويدعو بإخلاص؛ يرجو بعمله وجه الله؛ يجعل الله في عمله بركة وخيراً- فما إن دخلت هذه الآيات أذن سعد إلا وأعلن شهادة الحق ودخل في دين الله، وهو زعيم الأوس ورئيسهم، ولما رجع قال لقومه: ما أنا فيكم؟ قالوا: أنت سيدنا، وابن سيدنا، وخيرنا وابن خيرنا، قال: فإن طعامكم، وكلامكم، وشرابكم علي حرام إن لم تؤمنوا بمثل ما آمنت به، فآمنوا كلهم فما بقي بيت من بني عبد الأشهل إلا دخله الإسلام تلك الليلة، تأمل! تجد لديهم استسلاماً واستجابة فورية.

عاقبة المصر على ذنبه الرافض للاستجابة

عاقبة المصر على ذنبه الرافض للاستجابة المصيبة في هذا الزمان أن كثيراً من الناس ما استجاب رغم أنه يدعى منذ زمن، كم سمع من المواعظ والخطب وقرأ القرآن وهو يُمني نفسه ويسوف به الشيطان؟ يحضر كل جمعة الخطبة، ويسمع بصريح العبارة بياناً من الله: أن الغناء حرام ولكنه مصر على الغناء، فبيته مليء بالغناء، وكأنه يعاند الله، الله يقول: {اسْتَجِيبُوا} [الأنفال:24] وهو يقول: أنا مستجيب، لكن هذه لا. يسمع كل يوم أن النظر للنساء لا يجوز، وهو مصر على النظر، ما استجاب لله في هذه الأوامر، وأن الله حرم عليه الربا، وهو مُصر على الربا، وأن الله حرم الزنا وهو يتوق إلى الزنا، وأن الله أمره بالصلوات الخمس في المسجد مع الجماعة من غير تأخير ولا تعللات، -خصوصاً العشاء والفجر- وهو لا يأتي إلا صلاة الجمعة مرة في الأسبوع، أو الظهر لأنه في الدوام، يريد أن يأخذ نصف ساعة من الدوام باسم الصلاة، ولكنه يوم الخميس لا يذهب للجماعة لأنه في البيت، أو المغرب لأنه أتى من التمشية، لكن العشاء والفجر، هنا الاختبارات الربانية لا يصمد فيها إلا أهل الإيمان، أما أهل النفاق فإن فشلهم يظهر فيها، كما جاء في الحديث -وهو صحيح- قال عليه الصلاة والسلام: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً) والله لو يدري المنافق ما في الفجر والعشاء ثم ما استطاع أن يأتي إلا حبواً على قدميه وركبتيه ويديه والله ما تأخر، لكن لا يدري المسكين ما هو أجر أدائها جماعة، ولا يدري ما هو إثم التخلف عنها! لكنه سيدري عندما يدخل القبر في غرفة التحقيق، هناك يقول: {رَبِّ ارْجِعُونِ} [المؤمنون:99] يقول الحسن البصري: فتقول الملائكة: لَمَ ترجع؟ فيقول: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:100]، لكي أصلي الفجر، وأصوم، وأعمل الصالحات، فتقول الملائكة: كذبت! أنت من هناك أتيت، أنت من سبعين سنة وأنت على المعاصي والمنكرات وقاطع صلاة، ولما ضرب رأسك في القبر تقول: ردوني، أنت كذاب. قال الله عز وجل: {كَلَّا} [المؤمنون:100] وهي أداة ردع وزجر وتوبيخ لهذا الكذاب المتلاعب، الذي يعيش ليله ونهاره بعيداً عن الله، وعند دخول القبر يقول: ردوني أعمل صالحاً، قال الله: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * فَإِذَا نُفِخَ فِي الصورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المؤمنون:100 - 102] أي: بالإيمان والعمل الصالح فأولئك هم المفلحون، نسأل الله من فضله {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} [المؤمنون:103] أي: ليس لديه شيء من الحسنات فهو مسكين مفلس، وإن كان عنده في الدنيا عمارة أو وظيفة، أو رصيد، أو منصب، لكن ما عنده شيء في الآخرة، ولما انتقل إلى الآخرة لم يتزود بشيء من الدنيا، فهو لا ينزل قبره بملابسه، ولا سيارته، ولا عمارته ولا أي شيء، لا ينزل القبر بالبدلة الرسمية الموحدة عند الناس كلهم: الكفن، هل هناك تمييز بين الناس في الكفن؟ لا. الأمير والمأمور، والملك، والمملوك، والغني والفقير، والقوي والضعيف، كلهم يُدخل القبر بزي موحد، قال الله: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ} [الأنعام:94]، أين عماراتكم ومتاعكم وأولادكم؟ لأن الكفار قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [سبأ:35] يقولون: نحن عندنا مال ورجال، نمتنع بالمال، وندفع بالرجال، نحن أصحاب ثراء، أصحاب رءوس أموال، قال الله تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى} [سبأ:37] والله لا تنفعكم أموالكم شيئاً إلا من كان عنده شيء آخر غير هذا المتاع الزائف، يقول سبحانه وتعالى: {إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ:37]. يقول فرعون لأهل مصر: (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف:51 - 52]، كان فرعون يرى موسى في أقل درجة، وكان يقول: أنا ربكم الأعلى، لكن أين هو الآن؟ قال الله: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ * وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ} [غافر:46 - 47] لكن ما تنفع هذه المحاجّة. فيا عبد الله -يا مسلم- يقول الله عز وجل: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} [الكهف:105] ليس لهم قيمة، {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ} [المؤمنون:102 - 103] ما عنده شيء مما ينفع في الآخرة. الآن لو دخل علينا في هذا المجلس ملك الموت -ألسنا على يقين بأننا سنموت كلنا- وقال: يا جماعة! يا أهل هذا المسجد! أنا مأمور بقبض أرواحكم كلكم، وكل واحد يخبرني بما عنده من زاد، وكلكم سيتكلم: أحدكم سيقول: أنا عندي صلاة، وآخر سيقول: أنا عندي قرآن، وثالث يقول: أنا عندي عمارة على الشارع العام، سيقول له: اسكت ما تنفع هذه، ويقول الرابع: أنا مدير، فيرد عليه: لا تنفعك إدارتك، الخامس يقول: أنا عندي أربعة أولاد، وعندي زوجتان، وعندي سيارة، وعندي، فيقول: كلها لا تنفع، أين أصحاب الصلاة والزكاة؟ فيقومون. أين أهل الحج والعمرة؟ فيقومون. أين أهل القرآن والذكر والعبادة؟ هؤلاء هم الذين سينتفعون بما قدموا، أما من كان عنده شيء من الدنيا فلا. قال: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ * أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ} [المؤمنون:103 - 105] يا من تصر على سماع الغناء، والنظر إلى الحرام، والزنا والمعاصي وأنت تسمع آيات الله تتلى عليك، أين عقلك؟ يقول الله: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [المؤمنون:105]، والتكذيب هنا تكذيب عملي؛ لأن التكذيب القولي للكفار والتكذيب العملي للمنافقين الذين يسمعون أمر الله ويرفضونه، قال الله عز وجل: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} [المؤمنون:106 - 107]، يقولون: أخرجنا لترى كيف نصنع، لترى منا العمل والعبادة؟! أيها الأخوة! أسألكم بالله، هل من المنطق والمعقول أن يسوف الإنسان بالمعاصي والذنوب حتى يدخل النار، ثم يقول رب أرجعني؟ فلم لا تعمل من الآن، أم تريد أن تجلس حتى تصل إلى ذلك المصير، ثم تطلب الرجوع ولا تجاب؟ أين عقلك؟! لا إله إلا الله!! فيكون الرد عليهم: {قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون:108] هناك تُمنع المراجعة، {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ} [المؤمنون:109 - 110]، تتفكهون بهم، وتسخرون منهم، فإذا رأيتم شاباً ملتزماً أطلق لحيته ورفع ثوبه، قلتم: معقد أبله، وإذا رأيتم من يسحب ثوبه ويكنس الشوارع كالمرأة، قلتم: فلان رجل اجتماعي. {وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ} [المؤمنون:110] قال الله: {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} [المؤمنون:111].

أهمية المسارعة إلى الاستجابة والصبر عن المعاصي

أهمية المسارعة إلى الاستجابة والصبر عن المعاصي هذه الدعوة لك يا أخي المؤمن أن تصبر على وعورة الطريق، واستهزاء المستهزئين، وآلام ومعاناة ترك المعاصي، إذا أردت أن تترك الغناء لن تكون هذه الخطوة سهلة عليك، ستحس برغبة وشوق إلى سماع أشياء قد تعودتها، لكن قل لنفسك: أريد أن أسمع كلام الله في الجنة، أريد أن أسمع خطاب الحور العين في الجنة، أريد أن يسلم علي الله، ويقول: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:24] أنا أضحي بالأغاني هذه في سبيل تلك الدار الخالدة، ولما أجري مقارنة أجد أن الفرق شاسع والبون عظيم، لكن يحتاج إلى صبر، قال عز وجل: {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ} [المؤمنون:111]، ثم يُخاطب أهل النار، فيقال لهم: {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ} [المؤمنون:112] كم بقيتم في الدنيا حتى ضيعتم طاعة الله، وطال عليكم الأمد، لأنكم تقيسون الآخرة على الدنيا، يوم الآخرة خمسون ألف سنة، والدنيا ستون سنة فهي أقل بكثير من يوم: {قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [المؤمنون:113] يقولون: نحن لسنا متأكدين فهل مكثنا يوماً أو بعض يوم: {فاسْأَلِ الْعَادِّينَ} [المؤمنون:113] أي: الذين عندهم تسجيل وعدد، فيقول الله لهم: {إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً} [المؤمنون:114] والله ما نلبث في هذه الحياة إلا قليلاً قياساً على الآخرة {لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ * وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} [المؤمنون:114 - 118]. لا بد يا أخي أن تستجيب لأمر الله؛ فقد سمعت الكثير، وقامت عليك الحجة، ما بقي عليك إلا أن تقول: إليك يا رب! تائباً مستسلماً منيباً، لا تتردد ولا تؤجل؛ لأنك ربما تموت اليوم، بعض الناس يقول: أنا ما زلت شباباً، يا أخي! كم مات من الشباب مثلك، آلاف من الشباب ماتوا، فهل عندك ورقة أنك لن تموت إلا بعد عشرين سنة، فإذا كان عندك صك بهذا فنقول لك: ما عندنا مانع، ونقول: أخِّر التوبة وقبل الموت بيوم أو يومين تهيأ واستعد، أما ما دام عندك علم بأنك ستموت والموعد مجهول، ما تدري متى الموت فكن دائماً على أهبة الاستعداد، فإن مد الله في أجلك كان لك بكل يوم تعيشه درجة في الجنة، وإن فاجأك القضاء والقدر فإنك لن تتأسف ولن تندم ولن تقول: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99 - 100]. فتب يا أخي من الآن وصحح المسار، ومن تاب من الذين قد هداهم الله في الماضي والتزموا بدين الله فعليهم الثبات، إذا عرفت الهداية فلا تلتفت عنها لأنك قد ترجع، الآن سلكت الطريق إلى الله، والله يقول: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام:153] فلا تلتفت يميناً ولا شمالاً ولا تتوقف؛ لأنك إذا توقفت لحقك إبليسُ وردك، ولكن سِرْ إلى الله بالليل والنهار، بالسر والجهر، حرصاً على طاعة الله، ومحافظة على فرائض الله، وتلاوة دائمة لكتاب الله، وملازمة للذكر، ومتابعة لحلق العلم، وأمراً بالمعروف، ونهياً عن المنكر، ودعوة إلى الله، وحباً في الله، وبغضاً في الله، وطاعة للوالدين.

طاعة الوالدين خطوة في طريق الاستجابة

طاعة الوالدين خطوة في طريق الاستجابة هناك مشكلة عند كثير من الطيبين وخصوصاً الملتزمين فتجده طيباً، ويصلي، ويصحب الإخوة في الله، ويذهب إلى الندوات، لكنه عاصٍ لأمه، هذا لا خير فيه، لأن من لم يكن فيه خير فيه لأمه لن يكون فيه خير للناس، هي أولى الناس بِبِرك، في الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام وقد سئل: (من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قيل: ثم من؟ قال: أمك، قيل: ثم من؟ قال: أمك، قيل: ثم من؟ قال: أبوك). بعض الناس أولى الناس بصحابته زميله، فإذا دعاه زميله وهو جالس قفز كالحصان، وتدعوه أمه وهو جالس يرقد ما يريد أن يلبي لأمه أمراً، لا يجوز ذلك، فكن براً بها، طائعاً لها، منفذاً لرغباتها في غير معصية الله، قد تقول: إنها عاصية، تسمع الأغاني، ولا تصلي، فنقول لك: دورك هنا، من تريد أن يدعو أمك؟ هل تريد أن يأتي من الشارع من يدعو أمك إلى الاستقامة؟ إذا كنت عاجزاً عن دعوة أمك، فهل تريد أن تدعو الناس؟ عليك أن تدعو أباك وأمك أول الأمر، وقد يقول قائل: دعوت، ولم يستجيبوا، نقول: لا. بل سيستجيبون لأنهم مسلمين وليسوا كفاراً، لكنك ما عرفت الطريق إلى قلوبهم، فعليك أن تدعوهم بغير منطق الأمر. فبعض الشباب يدخل البيت صارخاً هذا حرام وهذا حرام ممنوع اقعدوا قوموا! فتقول أسرته: من أين أتانا هذا؟ من منذ أن اهتدى ما أراحنا في البيت يوماً والله ما ريحنا في البيت، لا يا أخي! هذا بيت ليس لك فيه أمر، إنما لك فيه الدعوة برفق فقط. أولاً خذ نفسك بالكمال، أما أمك وأبوك وإخوانك فعاملهم باللطف واللين ثم قدم للبيت أكثر مما تأخذ، قد تقول: كيف؟ A في البيت رابط أربعاً وعشرين ساعة في البيت، لا تخرج إلا للصلاة وتعود، فإذا جاء أباك ضيفٌ إذا بك تصب القهوة، وإذا طرق الباب طارق إذا بك تفتح الباب، وإذا طلبوا منك مطلباً إذا بك تأتي به، ثم قدِّم خدمة لأمك، فإذا رأيتها تعمل في أي عمل شاركها فيه، كما لو كانت تكنس تقول لها: والله ما تكنسي هذه الغرفة أنا سأكنسها، واغسل الصحون فتقول لأمك: اليوم علي تغسيل الصحون، وتغسل الثياب في الغسالة وتقول: اليوم علي، أنا اليوم في البيت غداً أنا بمفردي، دعيني أتعلم، فماذا ستقول أمك؟ ستقول: بارك الله في ولدي هذا، منذ أن هداه الله وهو يغسل الصحون ويشتغل معي في المطبخ، تعتبر أمك الهداية أنك تغسل الصحون، فلما تأتي أمك وتقول لها: يا أمي ما رأيك فيما قمت به؟ فتقول: نعم أحسنت، والله يجزيك خيراً، لماذا؟ لأنك غسلت لها الصحون!! لكن بعض الشباب يدخل غرفته، وقد رتبت أمه غرفته، لعل لها نصف ساعة ترتبها، فإذا دخل كأنه عفريت يرجم المخدة هناك، والبطانية هنا، ثم يخرج ويتركها، وتدخل الأم وتقول: حسبنا الله! ما هذا الولد؟ حتى فراشه ما أراحني من ترتيبه، فتكرهه وتكره دعوته. وإذا سألوه أين أنت؟ يقول: مع الزملاء لدي موعد وإذا دخل ألقى أوامر: افعل وافعل ولا ينفعهم بشيء؛ هذا يسيء بدعوته، ولا يمكن أن يستجيب له أحد من أهله، لكن باللطف، وبحسن العشرة، وبالمعاملة، وبالخدمة؛ يدخل الناس في دين الله أفواجاً.

بشرى لمن استجاب لله

بشرى لمن استجاب لله فيا من اهتدى وسار في الطريق! امشِ، ويا من يتردد! حوِّل الوجهة وانطلق، وكن منتظراً للجزاء العظيم، الذي يقول الله فيه في سورة الرعد: {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى} [الرعد:18] ما هي الحسنى؟ الجنة {وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [الرعد:18] هل تريد الجنة أم تريد النار؟ كل واحد يقول: أريد الجنة، فهل تريدها بلا مقابل؟ لو أتيت صاحب المخبز وقلت له: تقول: أريد قرصاً من الخبز. فسيقول: هات ريالاً فلو قلت: ما عندي، فماذا يقول لك؟ سيقول: اذهب وابحث عن ريال!! وأنت تريد جنة عرضها السماوات والأرض بلا مقابل وأنت على المعاصي والذنوب، وبعضهم دجال يخادع الله ويقول: إن الله غفور رحيم، هل الله غفور رحيم لك ولأمثالك؟ نعم إنه غفور رحيم لكن للمؤمنين الذين إذا ساروا في الطريق، وزلت أقدامهم ووقعوا في معصية وتابوا وغفر الله لهم، أما المعاندون لله المحاربون له والذين استدبروا أمره عز وجل ويقولون: الله غفور رحيم، فلا. ألا وصلُّوا على خير خلق الله فقد أمركم بذلك مولاكم، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر الكفرة واليهود والملحدين وأعداء الدين، اللهم أنزل عليهم بأسك الشديد وعذابك الأكيد فإنهم لا يعجزونك، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعل عملهم في رضاك، واهدهم إلى هداك، وارزقهم البطانة الصالحة، ودلهم على ما يرضيك، إنك على كل شيء قدير، اللهم من أرادنا في هذه الديار أو غيرها من ديار المسلمين بسوء أو شر أو كيد فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره، وأنزل عليه بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين. اللهم أصلح شباب المسلمين، اللهم أصلح جميع المسلمين، اللهم بصرهم بهذا الدين، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم نور على أهل القبور قبورهم، اللهم اغفر للأحياء ويسر لهم أمورهم، اللهم فرِّج همَّ المكروبين، واشفِ مرضى المسلمين، واقضِ الدين عن المدينين، واكتب الصحة والسلامة لنا والعافية والعودة إلى أهالينا، وجميع المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا غيث الإيمان في قلوبنا، وغيث المطر في بلادنا وأوطاننا، اللهم إن بالعباد والبلاد من اللأواء والشدة والضيق ما لا نشوكه إلا إليك، فلا تحرمنا يا مولانا من فضلك، واسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين. عباد الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90] اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

رسالة إلى العروسين

رسالة إلى العروسين إن الحياة الزوجية مسئولية مشتركة بين الرجل والمرأة، فلكل واحد منهما على الآخر حقوق وعليه واجبات أوجبها الشرع، ولا تحصل السعادة الزوجية إلا إذا قام كل واحدٍ منهما بهذه الحقوق والواجبات، بانياً ذلك على أساس طاعة الله سبحانه وتعالى، وإقامة الأسرة الإسلامية ذات الدين.

أهداف الزواج الشرعي

أهداف الزواج الشرعي الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد: فهذه رسالة أوجهها وهي منبعثة من الأعماق، مجللة بأحر التهاني وأحلى الأماني، لكل شاب وشابة ارتبطا برابطة الزواج الشرعي, في ظل تعاليم الدين الإسلامي، وشجرة ديننا العظيم الوارفة, وأنا أتمنى أن تكون جميع إجراءات الزواج قد تمت حسب أوامر الشرع، بعيداً عن التصورات الجاهلية، والتصرفات البالية التي انتحلتها أفكار الجهلة والمبطلين, فإن كان ذلك فهنيئاً لهما، وإن كانا على غير ذلك فإنني أطلب منهما سرعة التوبة والإنابة والاستغفار، وأن يفتحا صفحة جديدة مع الله عز وجل لتتم لهما السعادة في الدنيا، وليحصل لهما الفوز والفلاح في الدار الآخرة. ولما كانت الحياة الزوجية ذات أثر فعال في حياة الزوج والزوجة، وهي مسئولية مشتركة بإذن الله فقد أحببت أن أتوجه إلى العروسين ببعض الوصايا؛ لتكون معالم لهما للسير بأمان في مجاهيل هذه الحياة؛ ليعيشوا حياة زوجية ترفرف عليها السعادة بسلام, ولينقلبوا بعدها إلى دار السلام في جنة عرضها السماوات والأرض. هذه الرسالة أوجهها بدافع الحرص على مصلحتهما، بعد أن لاحظت كثرة الفشل في الزواج، وارتفاع نسبة الطلاق مما يدل على وجود خلل في التعامل، وسوء فهم في الواجبات والحقوق، وعدم معرفة للوسائل التي يجب أن تسلك لعلاج المشاكل؛ لذا أحببت تقديم هذه الرسالة مع علمي أنها لن تجد فراغاً في وقت الزوجين الجديدين خصوصاً في (شهر العسل) مع تحفظي على تسميته بـ (شهر العسل)؛ فإن هذه التسمية ليست وليدة الإسلام ولا تصرفات المسلمين، هذه جاءت من البيئات الكافرة؛ لأنهم يرتبطون في الزواج من أجل الجنس فقط, وليس هناك أهداف غير الجنس, كما يرتبط الحمار بالحمارة يرتبط الكافر بالكافرة قال تعالى: {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179] ولذا يستنكحون شهراً فيسمونه شهر العسل، فإذا ذهب ما في قلوبهم من الجنس تحول العسل إلى بصل وخربت الحياة. أما في ظل الإسلام فالحياة الزوجية ليست شهر عسل، ولا سنة عسل، ولكن كلها عسل, منذ أن يرتبط المسلم بالمسلمة إلى أن يموت وهما على ضوء الدين، حياتهم كلها عسل وسيكملون العسل -إن شاء الله- في الجنة، يقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور:21] ويخبرنا الله في سورة غافر أن الملائكة تقول: {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [غافر:8] وقال الله عز وجل: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:23 - 24] نسأل الله وإياكم من فضله. حياة المسلمين كلها عسل، ولكن إذا علمتما مقدار ما بذلته في توجيه هذه الرسالة، فلعل ذلك يدفعكما إلى بذل شيء من الوقت في سماعها, وأفضل وقت للاستماع: هو وقت النزهة بعد صلاة العصر, إذا قلت: يستمعون في الليل فإن الوقت لا يناسب, لكن بعد العصر يتمشّى ويتركها إلى جواره ويشغل الشريط ويذهبون إلى مكان ما, ساعة ذهاب وساعة إياب، يمكن أن سماع هذا الشريط ينفع جداً, واسمعه مرة وثانية وثالثة، ثم ارفعه على أمل أن تسمعه بعد شهر أو شهرين أو ثلاثة؛ لأنك إذا استمررت عليه أكثر من ثلاث مرات قد تمل الشريط ويمكن أن تكرهه, ولكن أبعده فترة ثم إذا رأيت مشكلة بين الأسرة فخذ الشريط وقل: أريد أن أسمع الشريط الذي سبق أن سمعناه يمكن أن نستفيد منه مرة أخرى.

من أهداف الزواج: اختيار ذات الدين

من أهداف الزواج: اختيار ذات الدين تختلف دوافع الزواج وأهدافه وأغراضه من شخص لآخر، ومن بيئة لأخرى، بحسب اختلاف نظرة الإنسان إلى هذه الحياة, فبينما نجد البعض يهدف في نظرته ودوافعه من الزواج إلى مستوى لا يرقى إلى معنى الإنسانية, حين يجعل الهدف محصوراً في المتعة الجسدية، واللذة الجنسية التي يشاركه فيها الحيوان والبهيمة, نجد الإسلام لا يقر شيئاً من هذه التصرفات، وإنما يهدف من وراء الزواج إلى عقد رابطة روحية سامية فاضلة، تنظر إلى كل متطلبات الإنسان بشقيه وجانبيه المادي والروحي. ولذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يبين الأهداف الرئيسة التي يقصد من ورائها الزواج في الإسلام، قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه البخاري في الصحيح: (تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك). لمالها: أصحاب رءوس الأموال هم أتباع اليهود؛ لأن اليهود أشد الناس حباً للمال، قال تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة:96] حياة اليهودي كلها تدور حول فلك الريال, ولذا سيطروا الآن على رءوس أموال العالم كله, فالذي عنده نزعة لحب المال فيه شبه منهم. ولحسبها: أتباع أبي جهل , الجاهليون الذين لا يؤمنون بما ورد في كتاب الله، ففي سورة الحجرات قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13] هذه الآية مرفوضة عند الجاهليين, يقولون: لا. هناك ذكر (أصلي) وذكر (تقليد) والله يقول في آدم وحواء: ذكر وأنثى, والذي لا يؤمن بهذه الآية يكفر بالقرآن, والذي يكفر بالقرآن يخرج من دين الله, البشر كلهم يرجعون إلى آدم وحواء, الوضيع والشريف، والكبير والصغير، (والقبيلي) و (غير القبيلي) هذه الطبقيات التي يتعارف الناس عليها الآن ما أنزل الله بها من سلطان, لقد جاء الإسلام وأعلن وحدة الجنس البشري, وأعلن أن الناس سواسية كأسنان المشط، وأن سبيل التفاضل بينهم هو التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ} [الحجرات:13] لماذا؟ لتتفاضلوا؟ لا. بل {لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [الحجرات:13] فالجاهليون يبحثون عن الحسب, وإذا جاء صاحب الدين يريد أصله وفصله, ولا يقول: ما دينك؟ لا حول ولا قوة إلا بالله! والثالث وهم أصحاب الجمال: وفيهم شبه من النصارى؛ لأن النصارى شقر العيون وشقر الشعر، وفيهم مسحة جمال, فكثير من الناس فيه لذعة من هؤلاء، إذا جاء الشخص بدأ يتفقد ما لونه؟ كم طوله وعرضه؟ كيف عيونه؟! وكيف فمه؟ وكيف خدوده؟ وكيف شكله؟! ولا يسأل عن دينه وصلاته وخوفه وبكائه وخشيته من الله عز وجل. ثم قال: ولدينها: هذه الأخيرة من صفات أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم, هذا هدف أهل الإيمان، والحديث في صحيح البخاري: (فاظفر بذات الدين تربت يداك) فالزواج بذات الدين هو الزواج الناجح، وإلا أحاط بالإنسان سوء النتيجة، وخسران البضاعة، كمن لا يجد في يديه شيئاً غير التراب بعد السعي الطويل والعمل الكادح, تربت يداك إذا تزوجت بواحدة من أجل مالها، يقول: (لا تزوجوا النساء لمالهن فعسى مالهن أن يطغيهن, ولا تزوجوا النساء لجمالهن فعسى جمالهن أن يقبحهن, ولا تزوجوا النساء لحسبهن) ثم قال في حديث آخر: (من تزوج المرأة لمالها أورثه الله فقرها, ومن تزوجها لجمالها أورثه الله قبحها, ومن تزوجها لحسبها أورثه الله مذلتها, ومن تزوجها لدينها أورثه الله بركتها)؛ لأن المال والجمال والحسب وإن كان من متطلبات الزواج إلا أنه لا يصح أن يكون أساساً لهذه العلاقة المتينة، إذ لا بد من شيء أقوى من شهوة المال والحسب والجمال وإلا لانهارت هذه الصلة, ولكن إذا تزوج بذات الدين، وكان مع الدين جمال ومال وحسب فهذه حسنة الدنيا قدمت لك قبل الآخرة, فاحمد الله عليها.

من أهداف الزواج: تحقيق قوة الإيمان بالله

من أهداف الزواج: تحقيق قوة الإيمان بالله الزواج في حد ذاته آية من آيات الله الدالة على عظمته، قال عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21] أي: من الآيات والعلامات الدالة على عظمة الله هذا الزواج. فبينما نرى الزوج والزوجة وهما غريبان عن بعضهما، تقوى بينهما الصلة والعلاقة، وتتنوع بينهما أساليبها, وتزرع المودة والرحمة, وتتولد الثقة والطمأنينة لدرجة أن تصبح الزوجة من ألصق البشر بزوجها, بحيث لا تستطيع العيش بدونه، وهو كذلك, وهناك هدف يتحقق من وراء الزواج وهو قوة الإيمان بالله عن طريق التأمل والتفكر والنظر في هذه الآية.

من أهداف الزواج: عمارة الأرض ببقاء الجنس البشري

من أهداف الزواج: عمارة الأرض ببقاء الجنس البشري من أهداف الزواج في الإسلام: عمارة الأرض ببقاء الجنس البشري عن طريق التناسل عبر دائرة المسئولية؛ لأن هناك تناسلاً يأتي عن غير مسئولية وهو: تناسل الزنا والسفاح. أما التناسل في الشرع ضمن دائرة المسئولية؛ أب يتزوج بامرأة فيأتي ولد يقوم الأب برعايته، وتدريسه، وتربيته حتى يخرج فرداً صالحاً في المجتمع. لكن التناسل عن طريق الزنا يوجد مشاكل، ويخرج في المجتمعات أفاعي, أترون الشيوعية أين انتشرت؟ الشيوعية والبلشفية التي نادى بها ماركس ولينين في روسيا، نادى بها في صفوف اللقطاء الذين ليس لهم آباء وسماهم الكادحين, ودعاهم وقاموا معه وقامت الثورة؛ لأنهم كانوا يشكلون أغلبية كبيرة في المجتمعات الكافرة من كثرة وجودهم, لكن في ظل الدين لا يقوم إلا الإسلام إن شاء الله. يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد والطبراني وصححه ابن حبان: (تزوجوا الولود الودود -الولود في نكاحها, الودود في أخلاقها- فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة).

من أهداف الزواج: إيجاد البيت المسلم

من أهداف الزواج: إيجاد البيت المسلم من أهداف الزواج: إيجاد البيت المسلم الذي يشكل الخلية الأولى في المجتمع، وعلى قدر صلاح الأسرة يتقرر صلاح المجتمع, ولن يتأتى صلاح الأسرة إلا إذا صلحت المقاصد والنيات. هذه بعض الأهداف التي يهدف إليها الإسلام من وراء الزواج, ولكن إذا تحققت هذه الأهداف، وحصل الزواج الذي ينظر إليه الإسلام على أنه رباط نفيس يجمع بين شخصين، قد لا يكون بينهما رابطة أو صلة من قبل، فيجعلهما تحت سقف واحد، هي من الشرق وهو من الغرب، لكن بالزواج تترك أباها وأمها وإخوانها، ومجتمعها، وبيتها الذي عاشت فيه سنين طويلة، وتأتي غريبة مع هذا الرجل تحت سقف واحد، ويحملهما تبعة ومسئولية تكوين هذه الخلية التي يعيشان فيها، وغالباً ما يختلف الزوجان في كثير من النواحي البيئية، والثقافية، والمعيشية، والوضعية. وبعض الناس ينكر على زوجته حتى طريقة الأكل, فهي أتت من بيت كانت تأكل فيه بطريقة لا يحبها, وهو كذلك يأكل بطريقة لا تحبها. وأيضاً في النوم هي تنام بطريقة لا يريدها, فهي غريبة عليه، فليس هناك توافق بينهما، وهذا لا بد منه. لكن متى يحصل الانسجام؟ مع الزمن يحصل الانسجام, فإن -تبعاً للبيئة- كلاً منهما يتميز عن الآخر من حيث العواطف والمشاعر والميول والآلام والآمال التي قد تكون وليدة إحساس خاص، أو جوٍ نفسي معين، ولكن بمقدار تغلب الزوج والزوجة على هذه العوامل، وإيجاد الحلول المناسبة للمشاكل، والتكيف على جو الحياة الزوجية الجديد بمقدار ما تقوى الرابطة، وتدوم المودة، وتصلح الحياة.

حقوق الزوجة على الزوج

حقوق الزوجة على الزوج أيها الإخوة: وحتى لا يتحطم عش الزوجية السعيد نتيجة لهذه العروض البسيطة فقد حدد الشرع لكل من الزوجين حقوقاً، وألزم الطرف الآخر بالقيام بها، كما حدد على كل منهما واجبات، وألزم كلاً منهما القيام بها, وما دمتما أيها العروسان العزيزان في أول الطريق فإن من الضروري جداً أن يعرف كل منكما ما هي الحقوق التي يلزمه القيام بها للآخر, وسأبدأ بذكر حقوق الزوجة على الزوج فأقول:

من حقوق الزوجة على زوجها: المهر

من حقوق الزوجة على زوجها: المهر أول الحقوق التي أوجب لها الشرع: المهر، فالمهر لها وليس لوالدها, والمهر: أن يبذل الرجل شيئاً من الصداق للمرأة، قال عز وجل: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء:4] والأمر هنا موجه للأولياء وللأزواج, أي: يا ولي المرأة! أعطها مهرها، ويا أيها الزوج! أعطها مهرها {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً} [النساء:4]. والمهر عطية محضة من الله, فرضه الله للمرأة تطييباً لخاطرها, وتعبيراً عن رغبة الرجل فيها, ورمزاً لإكرامها وإعزازها. ليس من الإسلام ما نراه اليوم من استبداد الآباء والأولياء بمهور النساء، وليس -أيضاً- من الإسلام ما يرتكب في بعض البيئات من النظرة التجارية، والمغالاة في المهور، والمبالغة في التكاليف والشكليات الفارغة. فهؤلاء بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأزواجه اللواتي هنَّ خير خلق الله في كل فضيلة، وأكمل نساء العالمين في كل صفة, ومع ذلك كان صداقهن (خمسمائة درهم) أي: ما يعادل (150) ريالاً؛ لأن المرأة عزيزة وليست سلعة تباع وينتظر بها أعلى سعر, فهذا الحق الأول وهو مهرها.

من حقوق الزوجة على زوجها: النفقة

من حقوق الزوجة على زوجها: النفقة الحق الثاني: وجوب النفقة على الزوج، وتشمل النفقة: الطعام، والشراب، واللباس، والسكن، والعلاج، وما تحتاج إليه لقوام بدنها. والإنفاق أمر نسبي بحسب حالة الزوج، ولم يحدد الشرع قدراً معيناً، ولكنه يخضع لظروف الزوج ودخله، ولظروف مجتمعه الذي يعيش فيه: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: 7] أي: من ضيق عليه في دخله فلينفق مما آتاه الله, أي: (يمد رجليه على قدر فراشه) فلا يتوسع، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها, فحق لها أن تطعمها وتكسوها وتسكنها وتعالجها وتصرف عليها بحسب إمكانك, لا تضييق ولا تعجيز ولا إرهاق لك بحيث لا تستطيع أن تقوم بهذا الواجب.

حريتها في اختيار الزوج

حريتها في اختيار الزوج من الحقوق التي أعطاها الله للزوجة: حريتها في اختيار الزوج: فليس في الشرع إكراه وإلزام، لا بد من أخذ الرأي في الزواج, فإن كانت بكراً فعلامة رضاها أن تسكت, فإذا سكتت فسكوتها علامة على أنها قبلت, أو تضحك, أو تبكي، فبعض النساء من كثرة فرحها تبكي, وهذا ذكره الفقهاء، وإذا تكلمت وقلنا لها: هل تريدين أن تتزوجي؟ قالت: لا. والله لا أريد أن أتزوج, لا يجوز شرعاً أن تكرهها, ولا يجوز شرعاً بعد أن تعبر هي عن رغبتها في الرفض، وتقول لك: لا أريد أن أتزوج. وتقول أنت: لا بد أن تتزوجين, فهذا حرام في الشرع ولا يجوز, هذا بالنسبة للبكر. أما بالنسبة للثيب فلا ينفع ضحك ولا ينفع بكاء، ولا ينفع إلا الكلام, لا بد أن تقول: نعم رضيت: (البكر تستأذن، والثيب تستأمر). والزواج من أدق وأهم قضايا المرأة في حياتها, وأمسها بمستقبلها, فلا بد أن يكون لها رأي فاصل في قضيتها الشخصية, وفي مستقبل أيامها, فلا تكره على أمرٍ يخصها، وهذا يدل دلالة عظيمة على احترام الإسلام لرأي المرأة, فليست سلعة تجبر، وإنما يؤخذ رأيها، فإذا وافقت فالحمد لله، وإن رفضت فلا نجبرها.

من حقوق الزوجة على زوجها: وقايتها من النار

من حقوق الزوجة على زوجها: وقايتها من النار قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] بم تقيها من النار؟ بتعليمها دين الله, وتربيتها عليه, وتأديبها على الشرع, وحملها على معرفة ما يجب عليها من حقوق شرعية كأمور الصلاة. وبعض النساء في بيت زوجها لها عشر سنين لا تعرف كيف تتوضأ, ولا يوجد يوم من الأيام قام فيه زوجها -وربما يكون طالب علم أو مدرساً- بأخذها إلى مكان الوضوء ليريها الوضوء الشرعي أبداً, لكنه لو دخل يوماً من الأيام وزوجته لم تطبخ الطعام لأرغى وأزبد، وحرك الدنيا من أجل أنها لم تطبخ الطعام, ومع ذلك تجده لا يسألها: هل صليتِ؟ لأنه يهمه من أمره ما لا يهمه من أمر الله -والعياذ بالله- بينما هذه حقوق لله يجب أن تقدمها على حقوقك, فتعلمها ما يجب عليها من الأمور الشرعية كالصلاة والطهارة من الحيض الطهارة من النفاس الطهارة من الحدث الأصغر الطهارة من الجنابة، وكيف تغتسل. وبعض النساء الآن تطهر من الحيض وتجلس يومين أو ثلاثة لا تصلي, لماذا وقد تطهرت قبل يومين؟ قالت: أتأكد أني طهرت, ويمر عليها صلاة أو صلاتان أو أكثر وهي تمدد الإجازة, وتفرح بأسبوع من كل شهر تستريح فيه من الصلاة، وتمددها من عندها ثلاثة أيام، تصبح عشرة أيام من كل شهر لا تصلي, وزوجها لا يخبرها بشيء, فهذه مصيبة ومسئولية على زوجها. وعليه أن يعلمها مكارم الأخلاق التي علمنا إياها الشرع: من الوفاء والصدق، والبر والصلة، والرحمة والكرم والشجاعة في الأدب, فلا تكون جبانة ولا بذيئة، ولا تكون باستمرار إذا فعلت شيئاً أو أخطأت لا تستطيع أن تقول: أنا أخطأت؛ لأنها تخاف منك، فإذا كسرت الباب قالت: والله هبت الريح, أو خربت شيئاً تخاف ولا تعترف, هذا لا يجوز؛ لأنها إذا خانتك في هذه خانتك في أكبر منها, فعلمها وازرع الثقة في نفسها، وبعد ذلك قل لها: أنا أغلط وأنتِ تغلطين لكن أكبر غلط أنكِ تغلطين وتقولين لي كلاماً آخر, فإذا رددتِ فتحملي المسئولية, فإذا أخطأت عليكِ أو شتمتكِ أو ضربتكِ أو ذهبت بكِ إلى أهلك فهذه بسيطة، ولكن تكذبين عليّ وبعد ذلك أعلم أن الذي كسر هذا هو أنت فهذه هي المصيبة. فازرع فيها مكارم الأخلاق عملاً بقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6].

من حقوق الزوجة على زوجها: الغيرة عليها

من حقوق الزوجة على زوجها: الغيرة عليها وهذا حق مضيع عند أكثر الناس, فعليه أن يغار عليها، وأن يصونها ويحفظها من كل ما يلم بها من أذى في نظره، فالذي يظهر زوجته وهي متخضبة ومتعطرة ويقول: أريدك أن ترحبي بالرجال! قالت: إني أستحي, قال: والله إن امرأة فلان دخلت علينا البارحة، هذه المرأة الصحيحة. أما أنتِ فلا تظهرين على الرجال, أنتِ لست راجلة, فتقوم المسكينة وتتزين وتقول: أهلاً وسهلاً!! والناس كلهم ينظرون إلأيها، هذا -والعياذ بالله- خائن في أمانته؛ لأنه عرض جوهرته على الرجال, ما رأيك إن كانت حسناء؟ الناس يتمنونها, وإن كانت غير جميلة فالناس يرحمونك ويقولون: هذا مسكين معه هذه القبيحة! ولهذا أسلم شيء لك أن تصون امرأتك، فإن كانت جميلة فلك، وإن كانت غير ذلك فعليك؛ لأن الزوجة أعظم كنز يكنزه الرجل, فلا يليق به أن يعرضها، ويجعلها سلعة تلوكها الألسن، وتلتهمها الأعين, وتجرحها الأفكار والخواطر, والغيرة من أخص صفات الرجل الشهم الكريم, ولا تعني بالضرورة سوء الظن بالمرأة أو عدم الثقة بها, بل هي دليل على كمال الرجولة، وكمال الحب للمرأة؛ لأن بعض النساء تقول: ما تثق بي تغطيني؟! لا. أثق, لكن من ثقتي أغطيكِ, ولو أنني لا أثق بك ولا أحبكِ فلن أعطيك, ولكن من ثقتي بك وحبي لكِ وغيرتي عليكِ أغطيكِ عملاً بأمر الله وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

من حقوق الزوجة على زوجها: عدم تلمس عثراتها

من حقوق الزوجة على زوجها: عدم تلمس عثراتها من حقوقها: ألا يُخوِنها ويتلمس عثراتها؛ لأنه يوجب سوء الظن فيها من غير دليل واضح, أما إن قامت عندك أدلة ورأيت شكوكاً فلا تتعامَ؛ لأن بعض الناس يرى شيئاً ويقول: إنها لا تخون أولادي وهو يراها, فيدس رأسه في الرمال مثل النعامة حتى تكبر القضية, لا. إذا رأيت ما يوجب شيئاً فتحول وخذ بالعزيمة. أما إذا كانت الأمور قائمة على البراءة، وعلى الطهارة، فلا يجوز لك أن تجري تفتيشاً وزيارات مفاجئة ومكالمات؛ لأن هذا تخوين وتلمس للعثرات: (ومن تتبع عورة مسلم تتبع الله عورته, ومن تتبع الله عورته فضحه الله في عقر داره).

من حقوق الزوجة على زوجها: المعاشرة بالمعروف

من حقوق الزوجة على زوجها: المعاشرة بالمعروف من الحقوق: المعاشرة بالمعروف. قال الله عز وجل: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} [النساء:19] وقال سبحانه: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ} [البقرة:228] وذلك يشمل الإحسان والإنصاف والعدل, لا تقل: هذه المرأة لا عليك منها, حتى إن بعض الناس يقول في المجالس: المرأة الله يكرمكم!! الأنثى الله يكرمكم!! هذا ليس من الدين, من هي المرأة؟ المرأة هي أم الرجال, وهي بنت الرجال, وهي أخت الرجال, والمرأة هي شقيقة الرجل، وهن شقائق الرجال, خاطب الله في القرآن الرجال والنساء سواء، قال تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب:35] وبعد ذلك قال الله عز وجل: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:195] هذه ليست سلعة رخيصة بل هي غالية ونفيسة, ولها كرامتها عند الله عز وجل, فلا بد من العدل معها, ولا بد من الإحسان إليها, ولا بد من الإنصاف, وبذل الخير, واحترام الرأي, وكف الأذى, وغض الطرف عن الهفوات والزلات, ولا تكون عينك مفتوحة باستمرار على السلبيات من زوجتك, ففي الحديث: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر) والحديث صحيح، (لا يفرك) أي: لا يبغض, لا تكن عينك على السيئات كالذباب الذي لا يقع إلا على الشيء السيئ, لا. إذا رأيت شيئاً سيئاً تذكر شيئاً أحسن منه؛ ليلغي من نفسك هذا الشيء السيئ, وغض الطرف عن الهفوة والزلة ولا تحملها، وإن اعتذرت فاقبل عذرها. وعليه من باب المعاشرة بالمعروف: التحبب إليها، والاستماع إلى حديثها، واحترام رأيها، وإكرام أهلها؛ لأن إكرام أهلها إكرام لها, لا تسب أباها، أو إخوانها، أو أحداً له علاقة بأهلها في المجلس، كأن تقول: ما فيهم خير لا, دائماً اذكرهم بخير؛ لأن هذا ينعكس على نفسيتها, كذلك أنت لا تريد زوجتك أن تقدح في عرض أبيك أو أمك أو أخيك أو جماعتك، فهي كذلك لا تريد ذلك, هذا كله من العشرة بالمعروف، هذه بعض حقوق الزوجة على الزوج.

حقوق الزوج على زوجته

حقوق الزوج على زوجته أما حقوق الزوج على زوجته فهي:

من حقوق الزوج على زوجته: طاعته في المعروف

من حقوق الزوج على زوجته: طاعته في المعروف إذ أن مقتضى قوامته عليها أن تطيعه في حدود استطاعتها, روى الإمام أحمد والنسائي، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي أن حصين بن محصن قال: حدثتني عمتي قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أذات بعل أنت؟ قلت: نعم, قال: كيف أنتِ له؟ قلت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه -أي: لا أقصر في طاعته وخدمته- قال: انظري أين أنتِ منه؛ فإنما هو جنتك ونارك) وروى ابن حبان وصححه الألباني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلت المرأة خمسها, وصامت شهرها, وحصنت فرجها, وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبوابها شئت). ويروي الحاكم والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راضٍ دخلت الجنة) والطاعة في المعروف، إذ لا طاعة للمخلوق في معصية الخالق, بعض النساء تريد أن تتحجب لكن زوجها يأمرها أن تكشف فتقول: أطيعه لأنه زوجي, لا. إذا أمرها بأمر يتعارض أو يتضاد مع أمرٍ من أوامر الله فإنه يلزمها أن تستجيب لأمر الله وأن ترفض أمره؛ لأن طاعته إنما تكون في المعروف: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق).

من حقوق الزوج على زوجته: أن تؤدي حقوق زوجها أكثر من حقوق والديها

من حقوق الزوج على زوجته: أن تؤدي حقوق زوجها أكثر من حقوق والديها من حق الزوج على امرأته: أن تنظر إلى أن حقه أعظم عليها من حق والديها, حق الزوج أعظم من حق الأب والأم على المرأة، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أعظم حقاً على المرأة؟ قال: زوجها, قلت: فأي الناس أعظم حقاً على الرجل؟ قال: أمه). بعض الناس إذا تزوج تحول من عند أمه وتوجه إلى زوجته, لا. أمك ثم أمك ثم أمك ثلاثاً، وبعد ذلك أبوك، وبعد ذلك أدناك أدناك، ويمكن أن تأتي المرأة في المرتبة العاشرة, فهو ينقلها من المرتبة الأخيرة إلى المرتبة الأولى, وينزل الباقين كلهم لماذا؟ لأنه ليس عنده خوف من الله, ولا حول ولا قوة إلا بالله!

من حقوق الزوج على زوجته: ألا تصوم تطوعا إلا بإذنه

من حقوق الزوج على زوجته: ألا تصوم تطوعاً إلا بإذنه ومن حقه عليها: ألاَّ تصوم تطوعاً وهو حاضر إلا بإذنه؛ لأن هذا يمنعه من الاستمتاع بها. أما الفريضة فتصوم بغير إذنه, لكن أن تتطوع وتصوم نافلة وهو موجود لا يجوز لها، إلا أن تقول له: ما رأيك هل أصوم غداً؟ فإن أذن لها وإلا فلا يجوز لها أن تصوم؛ لأن صومها يحول دون استمتاعه بها، للحديث الذي رواه البخاري ومسلم: (لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه).

من حقوق الزوج على زوجته: ألا تأذن لأحد بالدخول إلى منزله إلا بإذنه

من حقوق الزوج على زوجته: ألا تأذن لأحدٍ بالدخول إلى منزله إلا بإذنه ومن حقه عليها: ألا تأذن لأحد بالدخول في منزله إلا بإذنه، لحديث: (لا يحل للمرأة أن تأذن في بيته إلا بإذنه).

من حقوق الزوج على زوجته: ألا تخرج من بيته إلا بإذنه

من حقوق الزوج على زوجته: ألا تخرج من بيته إلا بإذنه أيضاً من الحقوق: ألا تخرج من بيته بغير إذنه مهما كانت الأسباب والمبررات, حتى الخروج إلى المسجد, ولزيارة والدها أو والدتها حتى ولو كانا مريضين، نعم. فلا يجوز, ولو كانا سيموتان لا يجوز, فلا تخرج إلا بإذنه, ما هو الدليل على ذلك؟ ما روى الطبراني: {أن رجلاً سافر عن امرأته ومنعها من الخروج، فمرض أبوها فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في عيادة أبيها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتقي الله ولا تخالفي زوجك، فمرض أبوها حتى مات وهي في البيت, فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حضور جنازة والدها, فقال لها: اتقي الله ولا تخالفي زوجك، فأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم: أني قد غفرت لها بطاعتها لزوجها) غفر الله لها بهذا الأمر, وذلك لأن طاعة الزوج واجبة، وعيادة المريض مستحبة، فلا تترك الواجب للمستحب, ولكن لا ينبغي للزوج أن يضيق على المرأة وأن يمنعها من الخروج إلى والديها؛ لأن في ذلك قطيعة لها وحملاً لها على معصيته, وليس هذا من المعاشرة بالمعروف التي أمر الله بها, ليس كل الحقوق ينبغي أن تطالب بها, إذا عرفت أنه لا يجوز أن تخرج إلا بإذنك فلا تكن شديداً تضطرها إلى الخروج, عليك أن تكون مرناً تسمح لها بالحقوق, مثل المدير والموظف أليس الموظف لا يستطيع أن يخرج إلا بإذن المدير؟ لكن ما هو موقف المدير عندما يرى الموظف جاء إليه واستأذنه, يستحي ويقول: حاضر, لكن إذا كان كلما استأذنه قال: لا. والله لا تخرج!! فماذا يحصل للموظف؟ إما أن ينقل أو يفصل ويخرج, فكذلك المرأة إذا ضيقت عليها وقلت: لا تخرجي لا تخرجي احترمتك حتى تعبت ثم خرجت, فيجب أن تكون مرناً في حدود الحاجة, فإذا كانت هناك ضرورة تقتضيها وزوجتك تذهب إلى بيتٍ وأنت تعرف أن هذا البيت طاهر وليس فيه شر فلا يوجد مانع, لكن المكان الذي فيه ريبة لا. وألف لا.

من حقوق الزوج على زوجته: أن تحفظ ماله

من حقوق الزوج على زوجته: أن تحفظ ماله من حق الزوج على زوجته: أن تحفظ ماله وما يودعه في البيت من نقود أو متاع أو أثاث, وألا تتصرف فيه إلا بإذنه؛ لأنها راعية في بيت زوجها, ومسئولة عن رعيتها, والحديث في صحيح مسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) وذكر منهم: (والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها) وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشاد، ومدح المرأة التي تحنو على زوجها، وتشفق عليه، وتحفظ ماله، وتوفر عليه في مصارفه، فقد روى النسائي والبيهقي، عن أبي هريرة قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أي النساء خير؟ قال: التي تسره إذا نظر, وتطيعه إذا أمر, ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره).

من حقوق الزوج على زوجته: ألا تطالبه بما يرهقه وبما هو فوق طاقته

من حقوق الزوج على زوجته: ألا تطالبه بما يرهقه وبما هو فوق طاقته ومن حقه: ألا تطالبه بما يرهقه وبما هو فوق طاقته, وأن ترضى منه بالقليل, وأن تشكره على ما يقدم لها من طعام، أو شراب، أو ثياب، إذا أتى لها بثوب ولو كان لا يعجبها تقول: كثر الله خيرك, وبارك الله فيك؛ لأنها إذا مدحته يذهب ويأتي بثوب أحسن, لكن إذا رأته قالت: ما وجدت إلا هذا القماش!! قال: حسناً اتركيه والله لا أحضر لك بعد ذلك أبداً!! فالمفروض أن تشكره حتى تدفعه إلى أن يعطيها, لكنها إذا حطمته لم يعد يعرف شيئاً, حتى ولو أراد أن يشتري ثوباً حسناً يقول لنفسه: وإن كان حسناً فإنها ستقول: ليس حسناً! فعليها أن تشكره على ما يقدم لها من طعام أو شراب أو ثياب مما هو في قدرته, وأن تدعو له بالخلف, إذا جاء وأعطاها قالت: أخلف الله عليك رزقك الله كثر الله رزقك, فإذا قالت هذا الكلام فيضطر أن يعطيها ولو أدى إلى أن يحتجب من ثيابه هو؛ لأن التعامل بين الناس يجب أن يكون على هذا, فكيف بينك وبين الزوجة؟ يجب أن يكون على أعظم درجة من الأدب والأخلاق الفاضلة.

من حقوق الزوج على زوجته: تدبير المنزل

من حقوق الزوج على زوجته: تدبير المنزل ومن حقه عليها: تدبير المنزل؛ والتدبير هو وضع الشيء في موضعه, هذا هو التدبير, وهو الاقتصاد والاعتدال، وألا تسرف في الماء، بإمكان المرأة وهي تغسل الأواني أنها تستغرق الماء كله. وبعضهن تفتحه إلى آخر شيء, ثم يدق الهاتف فتذهب تتكلم والماء يصب، ثم تأتي بالأواني وقد ذهبت كميات كبيرة من الماء، فهذا ليس من التدبير, إنما هذا من الإسراف وهذه خيانة للزوج؛ لأن الزوج إذا انتهى الماء فهو الذي يأتي بالماء ليست هي, وهي التي أسرفت به, وإذا انتهى اللحم وهي تسرف فيه تقول: اذهب اشتر لحماً, وإذا انتهت الفاكهة تقول: اذهب واشتر فاكهة, فمن حقه عليها التدبير في أمرها بحيث تقتصد في النفقة، وتقوم بالخدمة المتعارف عليها من طبخ وكنس وفرش وتنظيف، وذلك ليتفرغ الرجل للعمل، وللعلم، وجلب متطلبات الأسرة, فواجب الرجل أن يأتي بالمتطلبات الخارجية, وواجب المرأة أن تقوم بالخدمة داخل البيت.

من حقوق الزوج على زوجته: أن تبر أهله وأقاربه

من حقوق الزوج على زوجته: أن تبر أهله وأقاربه ومن حقه عليها أيضاً: أن تبر أهله وأقاربه خصوصاً والديه, إذ يجب عليها برهما، وإكرامهما، وخدمتهما شكراً لله على ما أنعم عليها من ولدهما الذي أصبح زوجها, بعض النساء أول ما تكره من الناس أم بعلها، حسناً! من أتى لك بالبعل هذا الذي تتمتعين به ليل نهار؟! هذه الأم، فالمفروض أنك تعرفين فضلها، وتعرفين واجبها وتقدرينها أكثر من أمك، أما أن تتخذيها عدوة؟! لا. ولا حول ولا قوة إلا بالله! وما يذكر من الخلاف اللازم بين أم الزوج وبين الزوجة أمر مستغرب جداً، فهو من كيد الشيطان, ومن إضلاله لإفساد الترابط الأسري، ولحمل الزوج على عقوق والدته ووالده. ودور الزوجة الصالحة يجب أن يكون بارزاً في التحمل، وعدم إثارة المشاكل، والصبر على ما تجد من ألم أو مرارة أو من سوء معاملة من الأم أو من الأب, وعدم الشكوى إلى الزوج من والدته, لا تكون كلما دخل تقول: أرأيت أمك ما فعلت؟ والله إنها قالت وقالت! فماذا يفعل؟ أتريدين أن يذهب ويضرب أمه؟ اصبري, ليس كل قضية تحملينها إليه. بل تحمَّلي؛ لأنك تضعينه أمام خيارات صعبة؛ لأن هذه الأم وهذا الأب بمنزلة الضيف الذي سيرحل عما قريب, فهذه الأم ستعيش أياماً وليالي سنتين أو ثلاثاً أو أربعاً وبعد ذلك تموت, فهي ضيفة عندكم لا ينبغي أن تسيئي إليها -أيتها المرأة- وأن تضعي زوجك أمام خيارات صعبة، إما التضحية بأمه، أو التضحية بزوجته.

من حقوق الزوج على زوجته: حفظ عرض الزوج

من حقوق الزوج على زوجته: حفظ عرض الزوج آخر الحقوق وأهمها: حفظ عرض الزوج بعدم التبرج, والكشف على غير المحارم, أو الخلوة بالأجانب, حتى ولو كان شقيق زوجها, وعليها أن تصون سمعته، فلا تجعلها مضغة في الأفواه، وأن تراعي شعوره, وتتحرى ما يرضيه، وتتجنب ما يسخطه ويؤذيه.

وصايا للبنات عند زواجهن

وصايا للبنات عند زواجهن

وصية أسماء بنت خارجة لابنتها

وصية أسماء بنت خارجة لابنتها روي أن أسماء بنت خارجة الفزاري قالت لابنتها عند زفافها، ونرجو من الأمهات أن يسمعن ويوصين بناتهن هكذا, ليس بالعكس، فبعض النساء إذا أوصت ابنتها قالت: احذري، من حين أن تذهبي لا تخضعي له, أنت بنت رجال, اجعلي لنفسك شخصية, فإنه إذا رآك لينة ضيعك، ولكن كوني عنيدة فتخرب عليها من أول شيء!! قالت أسماء بنت خارجة الفزاري لابنتها: "إنك خرجت من العش الذي درجت فيه إلى فراش لم تعرفيه, وقرين لم تألفيه, فكوني له أرضاً يكن لك سماءً، وكوني له مهاداً يكن لك عماداً, وكوني له أمة يكن لك عبداً". وهذا واقع فعلاً، إذا رأيت امرأتك تتواضع تضطر أن تكون عبداً لها, لكنك إذا رأيتها تتكبر عليك تضربها على وجهها, وإذا دخلت وهي مبتسمة وراضية وقالت: حياك الله وعسى ما تعبت اليوم؟ وكيف العمل اليوم؟ وكيف الأمور؟ وتقرب لك الطعام بسرعة, تضطر أنك إذا أكملت تأخذ الصحون وتغسلها معها، لماذا؟ تبادلها هذه الخدمة, لكن إذا دخلت وهي تقول: ما هذا الدوام؟ أنا في أشغال وآتي وألقى لي مشاكل هنا فبالعكس! "ولا تلحي عليه في الطلب فيكرهك". نريد أن نذهب إلى الأهل هذه الليلة, فإذا قال: نذهب فحسن، وإذا قال: لا. فلا تقولي: أرجوك, الله يرزقك ويعطيك العافية, هذا الإلحاح يجعله يوافق وهو كاره, وإذا كره كرهها هي نفسها. "ولا تبتعدي عنه فينساك, إن دنا منك فاقربي إليه, وإن نأى عنك -متعباً يريد أن يجلس ليرتاح- فابتعدي عنه, واحفظي أنفه وسمعه وعينه, فلا يشمنّ منك إلا أطيب ريح, ولا ينظر منك إلا إلى أحسن منظر جميل, ولا يسمع منك إلا أحسن كلام" لأن هذه هي القنوات التي تصب إلى القلب.

وصية عبد الله بن جعفر لابنته

وصية عبد الله بن جعفر لابنته أوصى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ابنته عند زواجها فقال: [أي بنية! إياك والغيرة، فإنها مفتاح الطلاق -الغيرة العمياء التي تغارها بعض النساء على زوجها في غير موضع ريبة، هذه والعياذ بالله تفسد الحياة وتفتح الطلاق- وإياك وكثرة العتاب؛ فإنها تورث البغضاء].

وصية أمامة بنت الحارث لابنتها

وصية أمامة بنت الحارث لابنتها وأوصت أمامة بنت الحارث ابنتها حين زفتها إلى زوجها فقالت: "يا بنية! لو أن الوصية تترك لفضل أدب أو لتقديم حسب لزويت عنك؛ ولكنها تذكرة للغافل -أي: الوصايا- ومئونة للعاقل, أي بنية! لو أن امرأة استغنت عن زوجها لغنى أبويها وشدة حاجتهما إليها لكنت أغنى الناس عن ذلك, ولكن للرجال خلق النساء, ولهن خلق الرجال. أي بنية! احفظي عني عشر خصال: 1 2/ الصحبة بالقناعة، والمعاشرة بالسمع والطاعة, فإن في القناعة راحة القلب, وفي الطاعة مرضاة الرب. 3 4/ تعاهدي موضع عينه، وتفقدي موضع أنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح, ولا يشمنّ منك إلا أطيب ريح. 5 6/ تحري وقت طعامه، واهدئي حين منامه, فإن حرارة الجوع ملهبة, وتنغيص النوم مغضبة. انظروا هذا الكلام، يمكن أن يكون أصول الحياة, يدرس في الجامعات، وهي امرأة عادية؛ لكن تقول: انتبهي وقت الطعام ووقت المنام, لا تؤخري طعامه ولا تنغصي منامه, فإن تأخير الطعام على النار يغلي، وهو يسمع القدر يصدر الصوت وهي نائمة إلى الساعة الثانية ثم تقوم تطبخ! فيغضب لذلك, يقول: بدل ما كنت أداوم سبع ساعات، الآن أداوم ثمان ساعات من أجلها، هذا بدون إضافي, وبدل ما كنت أرتاح قبل العصر الآن ليس عندي راحة, فيغضب ويأكل كأنه يأكل في دمه, لكن ما أجمل أن تكون الزوجة مهيئة للطعام بمجرد دخوله والطعام جاهز, ثم بعد ذلك اهدئي عند منامه إذا أراد أن ينام، تأخذ أطفالها وأولادها وتذهب بهم في شقة بعيدة، وتسكتهم، وترقدهم، وتجلس معهم ولا يسمع لهم صوتاً, وتراعي الوقت إذا قال: أيقظيني الساعة كذا تضع الساعة عند عينها, ثم تأتي توقظه بلطف, لكن بعض النساء إذا قال زوجها: أريد أن أنام قامت تضرب أولادها يبكى ذلك ويصيح الآخر!! مسكين هذا, أين يذهب لينام؟ أيذهب في الشارع؟ أم في المكتب؟ أم في القهوة أو الفندق؟ إذا كان بيتك الذي هو سكن لك ما وجدت راحة أين ترتاح أيها الإنسان؟! 7 8/ احرصي على ماله، وراعي عياله, وملاك الأمر في المال حسن التدبير، وفي الأهل والعيال حسن التقدير. 9 10/ لا تفشي له سراً, ولا تعصي له أمراً, فإنك إن أفشيت سره لم تأمني غدره, وإن عصيت أمره أوغرت صدره".

القول الجامع في أدب الزوجة

القول الجامع في أدب الزوجة القول الجامع في أدب الزوجة: أن تلتزم بيتها, ولا تكثر الخروج إلا لحاجة ضرورية, وأن تكون قليلة الكلام, تحفظ بعلها في غيبته, وتطلب مسرته ورضاه في حضرته, ولا تخونه في نفسها ولا في ماله, ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه, فإن خرجت لضرورة خرجت مختفية في هيئة رثة، وتحترز أن يسمع لها صوتاً أو يعرفها أحد, فهمها صلاح زوجها, وتدبير بيتها, والإقبال على صلاتها وصيامها, وقراءة كتاب ربها, قانعة بما رزقها الله عز وجل. وفي اعتقادي أيها الإخوة وأيها العروسان: أنه إذا قام كل من الزوج والزوجة بالحقوق التي ذكرناها فإنه لن يكون هناك مجال للخلاف, إذا التزم كل واحدٍ بهذه الحقوق وقام بالواجبات فلن يكون هناك خلاف, وسيترتب على ذلك قيام الحياة الزوجية السعيدة، ولكن مع كل ذلك لا تخلو الحياة الزوجية من مشاكل ومنغصات مهما كان, حتى بيت النبي صلى الله عليه وسلم كان يحدث فيه بعض المشاكل, وهذا شيء طبيعي في حياة البشر, فالكمال لله, والزوجة التي ليس فيها عيب ولا نقص هي في الجنة, والزوج الذي ليس فيه نقص هو في الجنة, ومهما حاول الزوج أو الزوجة أن يجتهدا إلا أنه قد يحدث، ليس في كل يوم إنما في السنة أو في كل ستة أشهر.

وسائل حل المشاكل الزوجية والقضاء على الخلاف

وسائل حل المشاكل الزوجية والقضاء على الخلاف أما إذا حدثت مشكلة في كل أربعة أشهر أو خمسة أشهر فهذا شيء طبيعي مشكلة في غمرة الدنيا وفي حالة الضعف البشري فعليك أن تقوم بحل هذه المشكلة والقضاء على الخلاف بوسائل:

من وسائل حل المشاكل الزوجية: التحلي بالصبر

من وسائل حل المشاكل الزوجية: التحلي بالصبر على كل من الزوجين التحلي بالصبر والتحمل وعدم التصرف السريع في حالات الغضب والانفعال, فيلزم على الزوجة ألا ترد على زوجها في كلمة يقولها, كلما يقول لها: كذا قالت له: وأنت كذا, وقال: أنتِ فتقول: وأنتْ فلا ينفع الكلام, فماذا يفعل هو؟ قد يستعمل وسيلة أخرى، يضربها على وجهها, فإن ضربته رجمها، فإن رجمته قام خبطها، فإذا خبطته طلقها, فماذا بقي معه ماذا يفعل؟ لكن إذا قال لها كلمة وسكتت انطفأت, لكنها عندما ترد عليه لا بد أنه سينفعل, فالرجل باستمرار يحب أن تكون له السلطة في نهاية الأمر, لا يحب أن تكون آخر كلمة تقال له, يريد أن تكون آخر كلمة منه هو, فعلى المرأة بالدرجة الأولى ألا ترد عليه بكل كلمة يقولها. كما يلزمه أيضاً أن يترفع عن السباب والشتائم, وأن يكون عتابه لائقاً وأدبياً.

من وسائل حل المشاكل الزوجية: الانتقال من مكان المشكلة

من وسائل حل المشاكل الزوجية: الانتقال من مكان المشكلة على الزوج في حالات الخلاف والمشاكل أن يخرج من الغرفة التي وقع فيها الكلام, إذا رأيت المشكلة كبرت قم وقل: أعوذ بالله من الشيطان، واذهب إلى غرفة أخرى, وإذا اقتضى الأمر فليخرج من المنزل, حتى تهدأ العاصفة، ويذهب الغضب، وتعود الأمور إلى مجاريها، وإذا عدت إلى المنزل فيجب عليك أن تبدأ بالسلام, لا تدخل وأنت مغضب, ومع السلام ابتسامة ولو كنت غاضباً, ويجب على المرأة أن ترد عليه السلام بابتسامة, ولو كانت غير راضية؛ لأن هذه أول خطوة في سبيل الوفاق ونزع الخلاف والقضاء على المشكلة.

من وسائل حل المشاكل الزوجية: ألا تخبر المرأة أهلها بما حدث بينها وبين زوجها

من وسائل حل المشاكل الزوجية: ألا تخبر المرأة أهلها بما حدث بينها وبين زوجها لا ينبغي لكِ أيتها الزوجة الكريمة أن تنقلي شيئاً، وهذا مهم وأنا أوصي به كل شخص يعلم امرأته في أول ليلة ويقول لها: لا تنقلي شيئاً مما يحدث بينكِ وبين زوجك من الخلافات إلى أهلك، فمن حين أن تذهب إلى أهلها تقول: والله إنه قال لي وعمل بي هذا لا يجوز, لماذا؟ لأنك بهذا توسعين شقة الخلاف, وتكرهين زوجك إلى أهلك, ولا تستفيدين شيئاً، إذ أن أهلك ليس بمقدورهم أن يعملوا شيئاً, ماذا يفعلون؟ أيضربونه؟! سوى أن ينظروا إليه بعين الكراهية, وأن يحملوا هذا الخلاف في قلوبهم, ولا ينسونه, بينما أنتِ سوف تصلحين مع زوجك وتنسين الخلاف معه, مع أول ابتسامة أو نظرة أو قبلة. فعليك -أيتها الزوجة- ألا تنقلي شيئاً مهما حدث إلى أهلك، لأنك سوف تنسين المشكلة وأهلك لا يزالون يعيشونها، فلا تخبري أهلك بأي مشكلة بينكما ما دمت تؤملين البقاء مع زوجك، حتى على فرض أن الحياة أصبحت مستحيلة -لا سمح الله- وقررت القرار النهائي فهناك لا ينبغي -أيضاً- التشهير بالزوج؛ لقول الله عز وجل: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة:237] ولا ينبغي تشويه سمعته, ولا الإساءة إليه, إذا طلقت المرأة وجاءها شخص وقال: ما الذي حصل؟ قالت: نصيب وقدر وانتهى, لكن بعض النساء تقول: فيه وفيه وفيه , هذا الكذب عندما تنشره يأتي النساء الأخريات ويقلن: لن نتزوجه, وهو ما كان يضربها إلا لأنها هي السيئة؛ لأنها لو كانت طيبة ما ضربها, فالضرب الذي أتى بها والعتاب الذي حصلت عليه وسوء التعامل بسببها هي, فتشرع تشوه سمعته، وتشهر به بين الناس, وهذا لا يجوز.

من وسائل حل المشاكل الزوجية: ألا يخبر الزوج أحدا بما حدث بينه وبين زوجته

من وسائل حل المشاكل الزوجية: ألا يخبر الزوج أحداً بما حدث بينه وبين زوجته أنت أخي الزوج -أيضاً- لا تخبر أهلك ولا أهل زوجتك, ولا تشتك منها على أهلها, بعض الأزواج بمجرد أن يحصل بينه وبين امرأته شيء يأخذ نفسه ويذهب إلى أبيها ويقول: ابنتك فعلت وفعلت , فيقول الأب: هذا واجبك وهذه مسئوليتك، أنا لا دخل لي بها, أنا أعطيتك بنتاً تتعامل معها بالأسلوب الذي تريد, لا يجوز لك أن تشتكي إلى أهلها، فهذه مشكلتك وعليك مباشرتها بنفسك, وعدم إشغال الآخرين بمشاكلك, فلديهم من المشاكل ما يلهيهم ويغنيهم.

من وسائل حل المشاكل الزوجية: مبادرة كل من الزوجين إلى الصلح

من وسائل حل المشاكل الزوجية: مبادرة كل من الزوجين إلى الصلح وإذا غضبتِ أختي الزوجة، وسمعت أي مبادرة بالصلح من زوجك فاستجيبي بسرعة, وبادري واشكري له طيب الخلق. وأنت أيها الزوج! إذا بادرت زوجتك إلى استرضائك فسارع إلى الاستجابة, ولا تفكر -أخي الزوج- أثناء الغضب والخلاف بالطلاق, فكر في كل شيء إلا الطلاق, ولا يخطر لك على بال، فإن الشيطان قد يستغل نقطة الضعف التي تعيشها أثناء الغضب فيقحمك في هذه الورطة, ثم تحطم حياتك وتندم ولكن حين لا ينفع الندم, فالطلاق مخرج نهائي شرعه الإسلام عند فشل الحياة الزوجية، وعند عدم إمكانية استمرارها وليس سوطاً أو سيفاً تسله على زوجتك كلما غضبت عليها, وقد يظن بعض الشباب أن الطلاق هو الحل الوحيد لجميع المشاكل. في حين كان بإمكانه أن يطرق وسائل أخرى، منها إعطاء الفرصة للتجربة بإرسال الزوجة إلى أهلها شهراً أو شهرين أو ثلاثة ليعرف الإنسان مدى قدرته على الصبر عنها, ولتعرف هي مدى قدرتها على الصبر عنه. يقول لي أحد الإخوة حدث بينه وبين زوجته خلاف, وأدى الخلاف بعد أن تصاعد جداً، فغضبت هي وقالت: طلقني الآن, طلقني الآن, قال: عازمة الآن, فقالت: نعم, فقامت وأتت بالورقة, قال: دعيني أفكر إلى غدٍ, وأعطيك الخبر غداً, قالت: حسناً, وذهبت ونامت في غرفتها وأغلقت الباب, وهو نام في غرفته مغلقاً على نفسه, وفي الصباح ذهب للدوام, وجاء من الدوام ودخل وقال: هات الورقة التي معك أمس، قالت: لا أريد الطلاق، لو أنه أطاعها في تلك اللحظة وطلقها لندمت وندم هو أيضاً, أنت إذا رأيت المواضيع تأزمت وتأزمت قل: اذهبي إلى عند أهلك واجلسي شهراً, وبعد شهر تقبل عليك وأنت تقبل عليها, لكن لو تسرعت وطلقت ستندم ثم تذهب تستفتي ولكن لا ينفع الندم. وأنتِ أيتها المسلمة! لا تحاولي أن تطلبي من زوجك الطلاق, وإذا لاحظت عليه رغبة في التصرف بهذا فسارعي إلى تهدئة الوضع علك أن تثنيه عن هذا التهور, حتى قال بعض العلماء: عليها أن تسد فمه، إذا رأته يتلفظ بها فلتلجمه, وتقول: والله لا تطلقني, يا أبا أولادي!! فتذكره. وقد يحصل إذا رأيت -يا أخي المسلم- قصوراً أو نقصاً في القيام بالواجب فعالج هذا القصور والنقص بألطف الأساليب وأقرب الطرق، بالكلمة الطيبة والتوجيه الحسن بعيداً عن العصبية والإثارة.

من وسائل حل المشاكل الزوجية: ألا تطلب المرأة من زوجها الطلاق

من وسائل حل المشاكل الزوجية: ألا تطلب المرأة من زوجها الطلاق وأنتِ أيتها المسلمة! لا تحاولي أن تطلبي من زوجك الطلاق, وإذا لاحظت عليه رغبة في التصرف بهذا فسارعي إلى تهدئة الوضع علك أن تثنيه عن هذا التهور, حتى قال بعض العلماء: عليها أن تسد فمه، إذا رأته يتلفظ بها فتلجمه, وتقول: والله لا تطلقني, يا أبا أولادي!! فتذكره. وقد يحصل إذا رأيت يا أخي المسلم قصوراً أو نقصاً في القيام بالواجب فعالج هذا القصور والنقص بألطف اsأسلأساليب وأقرب الطرق، بالكلمة الطيبة والتوجيه الحسن بعيداً عن العصبية والإثارة.

من وسائل حل المشاكل الزوجية: الابتعاد عن المحرمات

من وسائل حل المشاكل الزوجية: الابتعاد عن المحرمات من الأمور الهامة التي ينبغي التنبيه عليها لما لها من أثر كبير في سعادة الزوجين: الابتعاد عن المحرمات، والمعاصي كبيرها وصغيرها؛ فهي سبب كل مشكلة في البيوت؛ خصوصاً تلك المعاصي التي عمت وطمت وانتشرت وتساهل الناس بها، رغم ورود تحريمها والتحذير منها في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [الجن:23] فهذه المحرمات والمعاصي هي سبب كل مشكلة في البيوت, والمعاصي كبيرها وصغيرها خصوصاً تلك المعاصي التي عمت وطَّمت وانتشرت، وتساهل الناس فيها حتى أصبحت أمراً عادياً ومقبولاً عند كثير من المسلمين، منها: ترك الصلاة, والكذب, والكبر, والغيبة، والنميمة, واليمين الفاجرة, والاختلاط, والتبرج, وحضور الحفلات المختلطة, وأكل الحرام, وأكل الربا, والتهاون في الواجبات, وعدم أداء الصلاة في المسجد, كل هذه المنكرات ظاهرة.

من وسائل حل المشاكل الزوجية: الحرص على الطاعات والنوافل

من وسائل حل المشاكل الزوجية: الحرص على الطاعات والنوافل كما ينبغي التنبيه على الحرص على الطاعات والنوافل، مثل: كثرة قراءة القرآن، وذكر الله, وقيام الليل, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رحم الله امرأً استيقظ من الليل فصلى ركعتين وأيقظ امرأته، فإن لم تستيقظ نضحها بالماء حتى تستيقظ, ورحم الله امرأة استيقظت من الليل فصلت ركعتين ثم أيقظت زوجها، فإن لم يستيقظ نضحته بالماء). أحد الإخوة بارك الله فيه وفي زوجته, يقول: منذ أول ليلة وأنا لم أتعود قيام الليل, ولكنه تزوج بامرأة صالحة يقول: بعد أن قضى غرضه منها, قامت واغتسلت وهو نائم وجاءت إليه, يقول: فجلست تقرأ القرآن ثم مدت يدها على كأس عندها وأخذت ماءً بسيطاً ونضحته -فلم تصب كوباً, بعض النساء تقول: نضحته أي: تغرقه من أجل أن يضربها- أخذت قليلاًَ من الماء ثم أنزلته كالرذاذ على وجهي, وينزل عليّ الماء كأنه من مكيف, ماء من أصابع دافئة فاستيقظت, وجاءت بالحديث وقالت: (رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن لم يستيقض نضحته بالماء) قالت: فأنا إن استجبت لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم رحمني الله عز وجل, يقول: فلما ذكرت الحديث خفت من الله, يدعو لها الرسول صلى الله عليه وسلم بالرحمة وأنا أقعد نائماً مثل الثور، يقول: فأقوم وأتوضأ وأصلي, ومن تلك الليلة ما تركت قيام الليل, يقول: فنتسابق أنا وهي من أجل رحمة الله فهي تقوم من أجل الدعوة, وأنا أحياناً أقوم من أجل الدعوة, ولكن أكثر الأوقات هي التي تقوم وتسبقني رغم أن عندها أولاداً وتنام متأخرة, لكنها تقوقظني وتنضح في وجهي الماء وتقول: قم: (رحم الله امرأة) وتذكره. هذا أعظم شيء. وينبغي للمرأة أن تذكر زوجها بقيام الليل، وقراءة كتب العلم، والاستماع إلى الشريط الإسلامي.

من وسائل حل المشاكل الزوجية: الابتعاد عن الإسراف

من وسائل حل المشاكل الزوجية: الابتعاد عن الإسراف ومما ينبغي الإشارة إليه: ضرورة الابتعاد عن الإسراف بجميع صوره وأشكاله في المآكل والملابس والمساكن، إذ أن الإنسان المسلم مجبول على الاعتدال، والاقتصاد، والاكتفاء بما هو ضروري، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف:31] والمبالغة أو الاستغراق في مطالب البطن والجسد يدل على فراغ الإنسان، وعدم إدراكه للهدف الذي من أجله خلقه الله، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:56 - 58]. فعليكما أن تبتعدا كلياً عن الإسراف، وأن يتم الاكتفاء بأقل الأمور, وتوفير المبالغ الزائدة وإرسالها إلى الأفغان وإلى المجاهدين في فلسطين , وإلى الفقراء والمساكين, وإنفاقها في وجوه البر، إذ ربما يوجد بقربكما أو من جيرانكما من هو في أمس الحاجة إلى الريال والمساعدة في أمور لا تؤثر عليكما، ولكنها ستكون ذات أثر كبير ونفع جليل لهم, فقد تكون الثياب المبتذلة عندكما ثياب عيد عند غيركما، قال تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:274] وهكذا. ليس من خلق المرأة الجري وراء بيوت الأزياء والموضات، ومتابعة كل جديد وتقليد العمي, بل. إن المؤمنة مستقلة النزعة وليست ذيلية تتبع كل ناعق، وتلهث وراء كل مستحدث. فانتبهي أيتها الأخت الفاضلة! ولا تجعلي اهتماماتك محصورة في اهتمام الساذجات من النساء, اهتمي بالجوهر والمضمون, ولا ترهقي زوجك ولا تثقلي كاهله بكثرة الطلبات والكماليات. من أهداف الزواج في الإسلام كما ذكرنا من قبل: تكثير سواد المسلمين, وعلى الزوج والزوجة المبادرة إلى الإنجاب والحذر من الاستجابة للدعوات المضللة التي ينادي بها أعداء الإسلام, والتي يقصدون من ورائها إضعاف المسلمين وكسر شوكتهم، وتقليل عددهم على المدى البعيد حتى يسهل القضاء عليهم, فتكاثروا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم مكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة.

من وسائل حل المشاكل الزوجية: عدم تجاهل أم الزوج

من وسائل حل المشاكل الزوجية: عدم تجاهل أم الزوج في كثير من الأحيان تحدث مشاكل بسبب أطراف غير الزوج والزوجة، إما من أهل الزوج أو من أهل الزوجة, ولكن لو فكرنا قليلاً لوجدنا أن السبب الأول والأخير إما الزوج أو الزوجة, فمثلاً: تحدث المشاكل بين أم الزوج والزوجة بسبب تصرف الزوج حين ينصرف بكليته إلى زوجته -ويتجاهل والدته- في النظرة والابتسامة، والسهرة والتمشية والنزهة مما يوغر قلب أمه عليه وعلى زوجته التي تعتبرها سبباً لهذا الإعراض, وبالتالي تتولد الكراهية في نفسها لها. والطريق الأمثل أن تتجنب -يا أخي- ملاطفة زوجتك أو مداعبتها أو التوجه إليها بالكلام في المجلس الذي تجلس فيه أمك, وقل لزوجتك على انفراد: هذا التصرف من أجل مداراة الأم, وأن بإمكانكما ممارسة كل ما تريدانه من الأنس والملاطفة ولكن عند عدم وجود الوالدة, كما ينبغي عليك أن تعرض على الوالدة الخروج معكما إلى النزهة مهما كانت, وأن تركبها في مقدمة السيارة وألا تدعها في البيت لمفردها, صحيح أنك ربما تريد حريتك مع زوجتك, وترى أن وجود الأم ربما يشكل عليك نوعاً من الضغط أو المضايقة, لكن لا. إذا تركت أمك تولد في قلبها ناراً عليك وعلى زوجتك وتغضب, وعندما تخرج تقول لها: اذهبي معنا يا أمي! فإذا قالت: لا أريد أن أخرج, قل: لابد أن تخرجي, وتركب أنت وهي في مقدمة السيارة ولا تدعها في البيت وتخرج مع زوجتك فهذا يسبب لها ضيقاً شديداً ينعكس على التصرفات تجاهك وتجاه زوجتك. أما الهدية والملابس والطيب والعطور مهما كانت، فلا تقدم شيئاً خاصةً لزوجتك إلا بعد تقديم ما هو أفضل لأمك, ولا تتذرع أنها كبيرة في السن, فإن القضية في نظرها قضية اعتبارية, تنظر إليها والدتك من عدة زوايا، فهي لا تريد أن تشعر أنها غير ذات أهمية في بيتك، وأنك قد اتجهت إلى غيرها.

وصية إلى الزوجين بالتزام الطريق الصحيح

وصية إلى الزوجين بالتزام الطريق الصحيح أخي الزوج! وأختي الزوجة: هذه بعض الوصايا التي أوجهها إليكما, وقبل أن أودعكما أود أن أذكركما بالآثار العظيمة التي تعود عليكما في الدنيا والآخرة إن أنتما التزمتما الطريق الصحيح، وسرتما على النهج الإسلامي القويم, أما في الدنيا: السعادة, والبركة, والرزق, والراحة, والأمن، والطمأنينة, وصلاح الذرية, ودوام الذكر: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97] وأما في الآخرة: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:89] الجنة سببها الهداية والعمل الصالح {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [يونس:9] الجنة ريحانة تهتز, وقصر مشيد, ونهر جارٍ, وثمرة ناضجة, وزوجة حسناء جميلة, وحلل كثيرة, ومقام أبدي في دار سليمة, وفاكهة وخضرة, أرضها وترابها المسك والزعفران, وسقفها عرش الرحمن, وملاكها المسك الأذخر: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ} [محمد:15] وحصباؤها اللؤلؤ والجوهر, ثمارها ألين من الزبد، وأحلى من العسل, وفاكهتها مما يتخيرون, ولحم طير مما يشتهون: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ} [ص:51] غلمانها وخدمها ولدان مخلدون {إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً} [الإنسان:19] هذا وأعظم نعمة يمن الله بها على أهل الجنة, أن الله عز وجل يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبداً, ويحادثهم، ويتجلى لهم، ويرونه سبحانه من فوقهم, فيا لذة الأسماع بتلك المحاضرة! ويا قرة العيون بالنظر إلى وجه الله في الدار الآخرة! {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23]. هذه آثار الهداية من أخذ بها نفعته في الدنيا والآخرة، ومن تركها ضل في الدنيا وشقي في الآخرة, ففي الدنيا الحيرة والضلال والقلق والاضطراب والفساد, وإفساد الأولاد ومحق بركة الرزق: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124] رفض لأنه لا يريد الهداية, الطريق واضحة أمامه أعلامها واضحة, وأماراتها واضحة, كالمحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك, فله وجبتان: الوجبة الأولى في الدنيا: قال الله: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:123] والوجبة الثانية: قال تعالى: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124] تصوروا! رجلاً يحشر أعمى ويؤمر بالسير على الصراط, أعمى ويمشي على الصراط كيف يمشي؟! {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:125 - 126] الجزاء من جنس العمل, كذلك أتتك آياتنا في الدنيا فنسيتها وتعاميت عنها وتجاهلتها, كل شيء له في ميزانك ولبرنامجك مكان إلا القرآن والدين والهداية لا تريدها, للمباريات مكان, وللتمشيات مكان, وللمسلسلات, وللألعاب وللدوام وللنوم وللطعام, لكن للعلم للقرآن للصلاة للهداية لا. هذا البرنامج فارغ, تأتي تقول له: هناك ندوة نحضرها؟ قال: ليس عندي وقت, أشغل نفسه بما لم يشغله الله به, أشغل نفسه بما يضره في الدنيا والآخرة -والعياذ بالله- فنعمة الهداية نعمة عظيمة جداً والله، وهي جديرة بكل اهتمام. ويكفينا أنك بالهداية تنجو من عذاب الله من النار, يقول الله عز وجل: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ * وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف:74 - 77] هذه أمنيتهم, يقولون: نريد الموت, وعرفوا أن النجاة منها مستحيلة، فقالوا: نريد الموت {قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف:77] لماذا؟ {لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ * أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ} [الزخرف:78 - 80] وهم مضيعون، لا والله، سرك ونجواك -فضلاً عن ظاهرك- مسجل عند الله {بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:80] كل شيء مسجل عليك: {هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية:29]. {فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ} [الحج:19] التفصيل من نار, ثياب من نار {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} [الحج:20 - 21] إذا تعبوا من العذاب بالمقامع {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج:22] أعاذنا الله وإياكم منها, ففيها ما لا يتصوره العقل، يقول الله عز وجل: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47]. وفي الختام أرجو قبول تحياتي وأحلى أمنياتي مع دعائي لكما من القلب بالتوفيق والسداد, وأن يثبتكما الله بالقول الثابت, وأن يأخذ بأيديكما إلى ما يحبه ويرضاه, وأن يجنبكما ما يسخطه ويأباه محبكما في الله: سعيد بن مسفر بن مفرح في مدينة أبها في يوم الثلاثاء الموافق (8/ 7 / 1409هـ) على صاحبها صلوات الله وسلامه عليه, والله أعلم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كيف تنال محبة الله؟

كيف تنال محبة الله؟ إن أعظم ما يحصل عليه الإنسان من نعمة هي محبة الله سبحانه وتعالى محبة العلي الكبير محبة الغفور الرحيم، والله سبحانه إذا أحب عبداً حفظه وكلأه في الدنيا والآخرة؛ لذلك لابد على العبد أن يحرص على نيل محبة الله، متتبعاً في ذلك كل ما يحبه الله من الأعمال والأقوال، ومعرضاً عن كل ما يوجب بغض الله وغضبه، وقد ذكر الشيخ حفظه الله عشرة أسباب ينال بها العبد محبة الله ورضوانه وحمايته سبحانه وتعالى.

الذين يحبهم الله

الذين يحبهم الله الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الإخوة في الله! يروي أهل السنن دعاءً مأثوراً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأفضل الأدعية، وأعظم الأذكار ما كان مأثوراً عنه صلوات الله وسلامه عليه؛ لأنه أعرف الناس بربه، وأعبدهم لله عز وجل، فإذا أردت أن تدعو أو أن تذكر الله، فابحث عن الدعاء المأثور الذي نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مانع من أن تدعو بما شئت ولكن إن أردت الأفضل فأفضل الدعاء هو دعاؤه صلوات الله وسلامه عليه. أُثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: (اللهم إني أسألك حبك، وحب من يحبك، وحب كل عملٍ يبلغني حبك، اللهم اجعل حبك أحب إليَّ من نفسي وأهلي، ومن الماء البارد على الظمأ) هذا الدعاء يتضمن رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في نيل محبة الله عز وجل؛ لأنه إذا أُحب من قبل الله فقد ضمن النجاة، إذ أن الله إذا أحب عبداً لم يعذبه، إذا أحب عبداً تولاه، إذا أحب عبداً سدده ووفقه وهداه، فكان يسأل صلوات الله وسلامه عليه من ربه أن يرزقه حبه، وحب كل عملٍ يقربه إلى حبه، ثم يطلب أن يكون حبه لله أحب إليه من النفس ومن الأهل ومن الماء البارد على الظمأ. وأيضاً يروي الترمذي مع أهل السنن حديثاً آخر فيه دعاءٌ مماثل يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم ارزقني حبك، وحب من ينفعني حبه عندك) تأملوا دقة الألفاظ النبوية. ثم يقول: (اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوةً لي فيما تحب) أي: ما رزقتني من مال، وما رزقتني من جمال، وما رزقتني من منصب، وما رزقتني من جاه، وما رزقتني من أولاد، وما رزقتني من زوجات، وما رزقتني من ثروات (اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوةً لي على ما تحب) صلواته وسلامه على الرسول صلى الله عليه وسلم، اجعل المال الذي رزقتني وأنا أحبه قوةً لي فيما تحبه من العمل الصالح، واجعل المنصب الذي أنا أحبه قوةً أستعين به على ما تحب من العمل الصالح، واجعل الزوجة والأولاد والجاه والعمارة والسيارة، واجعل كل شيء رزقتني وأنا أحبه قوةً لي فيما تحب. إذ أن من الناس من يرزق من هذه النعم فيجعله قوةً على ما يبغضه الله عز وجل، يستعين بالمال على معصية الله، ويستعين بالمنصب على معصية الله، ويستعين بالزوجة على معصية الله، ويستعين بالأولاد على معصية الله، ويصرف كل هذه النعم التي مَنَّ الله بها عليه في معصية الله، فيستعيذ النبي صلى الله عليه وسلم بالله، ويسأل الله عز وجل أن يجعل كل ما يرزق مما يحب عوناً وقوةً له فيما يحب تبارك وتعالى. ويقول: (اللهم اجعل ما زويت عني مما أحب) ما زويت وما صرفت ولم تعطني إياه مما أحب. وحب الطمع: لا تطمع فيما عند الناس؛ لأن الناس لا يملكون شيئاً أصلاً، والناس أيضاً فقراء، والله لو كان الشخص منهم مليونيراً وعنده ملايين الدنيا فإنه فقير؛ لماذا؟ يخاف على المال، لكن إذا طمعت فيما عند الله عز وجل أغناك الله، وعلم الله منك صدق التوجه واليقين، وصدق العبودية فيغنيك الله من فضله، ولا تطمع فيما في أيديهم فيعطيك الله، فازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس، واطمع فيما عند الله يحبك الله تبارك وتعالى.

الأذلة للمؤمنين الأعزة على الكافرين

الأذلة للمؤمنين الأعزة على الكافرين فعليك يا أخي! أن تجعل همك الأول والأخير كيف تنال محبة الله عز وجل، وقد جاءت الأوصاف في الآيات الكريمة وفي الأحاديث النبوية تبين من هم الذين يحبهم الله عز وجل، فيقول عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:54] هذه صفاتهم: أذلةٍ على المؤمنين: رحماء، وأرقاء، ومتواضعين، ومتعاطفين كالعبد لسيده، وكالوالد لولده، لكن لمن؟ للمؤمنين وفي المقابل أعزة على الكافرين، أشداء كالأسد على فريسته، وكالعقاب على طريدته، لكن على من؟ على الكفار. انظروا كيف الخلق؟ الإنسان ذو شخصيتين وهو مؤمن يحمل شخصيتين: شخصية الذلة والتواضع والرحمة والعطف والتسامح، وعدم الأخذ على الأخ، والتغاضي عنه والعفو عن زلته لكن للمؤمنين، أما على الكفار فأسد هصور لا يذل، لكن هل المؤمنون الآن في هذا الوضع؟! لا. إلا من رحم الله، فهم -الآن- أعزة على المؤمنين وأذلة على الكفار ولا حول ولا قوة إلا بالله! هؤلاء لا يحبون الله ولا يحبهم الله. من هم الذين يحبهم الله ويحبونه؟ {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54] لأنهم اتصفوا بهذه الصفات {وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة:54] بعد أن اتصفوا بهذه الصفات، لم يحبهم إلا لاتصافهم بها، ولم يعملوا هذه الصفات ولم يذلوا للمؤمنين ويعزوا أنفسهم على الكفار إلا لأنهم يحبون الله عز وجل: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّه} [المائدة:54] بالنفس والمال واللسان، لا تأخذهم في الله لومة لائم، هذه علامة صدق محبتهم في الله؛ لأن المحب الذي يخاف اللوم في محبوبه ليس بمحبٍ على الحقيقة، يقول: أجد الملامة في هواك لذيذةً حباً لذكرك فليلمني اللَّوم يقول: إذا لاموني أني أحبك فرحت وأجد الملامة لذيذة من أجل أن أتذكرك، ويقول: إذا مرضنا تداوينا بذكركم فنترك الذكر أحياناً فننتكس فذكر الله عز وجل أعظم شيء عند المؤمن حتى أنهم لا يخافون في الله لومة لائم، من يلومهم وهم في طاعة الله؟ لا يخشون أحداً إلا الله. من الناس الآن من يخشى ملامة الناس في طاعة الله، يريد أن يطلق لحيته فيقول: الناس يلومونني عندما أطلق لحيتي، سبحان الله! أتخشى في الله لومة لائم؟ يريد -مثلاً- أن يلتزم بطاعة الله فيقول: الناس يلقبونني (مطوعاً) ويصنفونني في مكان! أتخشى في الله لومة لائم؟ يريد أن يقيم مشروعاً، يريد أن يغير منكراً، يريد أن يعمل عملاً صالحاً فيراقب الناس، هذا يخشى في الله لومة لائم، فهذا ليس ممن يحبهم الله، ولا ممن يحبون الله، فالذين يحبهم الله ويحبونه لا يخافون في الله لومة لائم، يخافون الله فقط، أما غير الله فلا يخشونه، ولا يخافون لومته؛ لأنهم يخافون الله ويخشونه ويحبونه، ويحبهم الله سبحانه وتعالى.

أهل الصبر

أهل الصبر أيضاً الذين يحبهم الله كثير وقد ذكرهم الله في القرآن وفي السنة، يقول عز وجل: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:146] يحب من يتصف بصفة الصبر، والصبر هو نصف الدين، الصبر هو القاعدة التي يقوم عليها الدين، والذي لا يصبر لا يمكن أن يكون مؤمناً، لابد من الصبر في طاعة الله، ولابد من الصبر عن معصية الله، ولابد من الصبر على أقدار الله المؤلمة. أتريد أن تمارس العبادة بدون صبر؟! لا. لا يمكن، فالعبادة مشقة، كونك تصلي الصلوات الخمس، كونك تقوم جزءاً من الليل، كونك تصوم، كونك تزكي، كونك تحج، كونك تعتمر، كونك تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر أو تقرأ أو تذكر أو تدعو، هذا جهد لابد فيه من ممارسة ومعاناة. ولابد من صبر عن معصية الله؛ لأن في ترك المعاصي مشقة، والمعاصي محببة إلى النفس، والأغاني محببة، والنظر المحرم محبب، والغفلة محببة، والغيبة والنميمة محببة، والنوم والفراش الوفير والزوجة الجميلة والمتعة والشهوات، والأغاني والخمور والزنا كل هذه شهوات محببة، لكن المؤمن يحجز نفسه عنها ويستعين على ذلك بالصبر: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ} [البقرة:45] {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:153] فالصبر إذا تحليت به كنت ممن يحبهم الله بنص القرآن، يقول الله عز وجل: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:146].

أهل الإحسان

أهل الإحسان وأيضاً يقول الله عز وجل: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134] المحسن هو: الذي بلغ مرتبةً من مراتب الدين هي أعلى المراتب، فمراتب الدين ثلاثة: المرتبة الأولى: الإسلام. والمرتبة الثانية: الإيمان. والمرتبة الثالثة: الإحسان. والناس يتفاوتون -فدوائر الدين والمكلفين هي خمس دوائر- الدائرة الأولى أوسع دائرة، وهي دائرة الكفار، والدائرة الثانية: دائرة المنافقين، والدائرة الثالثة: دائرة المسلمين، والدائرة الرابعة: دائرة المؤمنين، والدائرة الأخيرة: دائرة المحسنين، هذه لا يدخلها إلا قليل من الناس، وقد عرفها جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح فقال: (أن تعبد الله كأنك تراه) أي: أن تنكشف أمامك الحُجب، وتزول عن عينيك الحواجز والموانع، وتصبح تمارس العبادة كأنك ترى الله، تراقب الله كأنك تراه، تشعر برقابة الله عليك في جوف الليل وأنت ليس معك إلا الله فتمتنع عن المعاصي، تمر يدك على الإذاعة وتسمع أغنية كنت تتقطع لها وتحبها، وليس هناك من يراك أو يسمعك لكنك تعلم أن الله يراك، فتغلق (الراديو) وتزيل المؤشر منه خوفاً من الله، هذه مرتبة الإحسان، تمر في الشارع فترى امرأة متبرجة فاتنة وليس هناك من يراك لو نظرت إليها لكنك تعلم أن عين الله تراك، سئل الحسن البصري: بم نستعين على غض البصر؟ قال: [بعلمك بأن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى المنظور إليه] فإذا تيقنت هذا وعرفت أن الله ينظر إليك غضضت بصرك خوفاً من الله، وهذا هو معنى الإحسان، وهذه درجته، فالله يحب المحسنين، والمحسن هو: الذي يمارس عمله على أحسن درجة من الأداء، محسن في صلاته، محسن في زكاته، تجد الرجل والرجل يصليان وبينهما كما بين السماء والأرض، وشخص قلبه بين يدي الله وآخر قلبه في الحمامات. نعم. بعض الناس لا يفكر في صلاته إلا في أقذر شيء، بعضهم يفكر في صلاته في الحرام، كيف يصنع؟ كيف يغني؟! وهو في الصلاة يخطط للمعاصي -والعياذ بالله- وهما يصليان هذا محسنٌ وهذا مسيء، وسمي مسيئاً بنص الحديث، المسيء في صلاته لما عجل فيها وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ارجع فصلِ فإنك لم تصلِ) بينما المحسن هو الذي يمارس أداء العبادة على أحسن قدر من الإتقان، ولهذا كتب الله الإحسان في كل شيء حتى في الذبح وأنت تذبح الذبح موت وليس إحساناً، فهو إساءة وموت، لكن أحسن فيه، كيف تحسن؟ أرح الذبيحة، وحد شفرتك، وأجهز عليها: (وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) هذا من الإحسان كما قال صلى الله عليه وسلم، فالله يقول: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134] وأيضاً هذه الآيات منطوقها يتضمن مفهومها: أن الله لا يحب غير الصابرين، وأن الله لا يحب غير المحسنين.

التوابون المتطهرون

التوابون المتطهرون أيضاً يقول عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222] والتواب هنا صيغة مبالغة، لم يقل هنا: يحب التائبين، قال: (يحب التوابين) كثير التوبة الذي كلما وقع في ذنبٍ تاب إلى الله، والذي يستغفر الله في كل حين، والذي يتوب إلى الله في كل لحظة وفي كل وقت من الخلل الذي قد يقع فيه أثناء حياته ومعيشته في هذه الدنيا، فالله يحب التوابين ويحب المتطهرين. المتطهر: هو الذي يتطهر ويتزكى ويترفع عن الآثام، وعن الذنوب، والمعاصي، وأيضاً يتطهر ظاهراً وباطناً، فظاهراً عن النجاسات، وباطناً عن المعاصي والذنوب والحماقات التي تبعده عن الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222] {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً} [الصف:4] هذه خاصة بالمجاهدين في أول سورة الصف: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [البقرة:222] وفي آية كريمة يقول الله عز وجل: {فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [آل عمران:76] الذين يجعلون بينهم وبين عذاب الله وقاية بفعل أوامره وترك معصيته.

صفات لا يحبها الله سبحانه وتعالى

صفات لا يحبها الله سبحانه وتعالى الله عز وجل لا يحب أشياء كثيرة ذكرها الله في القرآن الكريم، منها ما في قوله عز وجل: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة:205] ما هو الفساد؟ الفساد هو: عمل ضد الإصلاح، هناك إصلاح وهناك إفساد، فالإصلاح يكون على منهج الله، والإفساد يكون ضد منهج الله، والمنافقون يفسدون ولا يصلحون: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة:11] يتصورون عملهم السيئ الذي هو إفساد إصلاحاً، وهو في الحقيقة إفساد، قال الله عز وجل: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ} [البقرة:12] فالله لا يحبهم ولا يحب عملهم: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة:205]

الفخر والاختيال في الأرض

الفخر والاختيال في الأرض {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد:23] مختال ومتكبر، ومتعجرف ومتعالٍ، ومتعاظم على الناس لا يحبه الله؛ لأنه يجهل نفسه، فالذي يعرف نفسه لا يختال ولا يتكبر، الذي يعرف نفسه يعرف حقيقتها أنه عبد وأنه ضعيف، وأن الكبرياء والعظمة والاختيال كلها لله، ليست لك. أيها الإنسان: تواضع حتى يحبك الله؛ فالله لا يحب كل مختالٍ فخور.

الظلم بجميع صوره وأشكاله

الظلم بجميع صوره وأشكاله {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران:57] الظلم بكل صوره وأشكاله، ظلم العبد لنفسه بالمعاصي، وظلم العبد لربه بمزاولة الشرك وصرف العبادة عن الله، ظلم العبد لغيره بالعدوان على حقه من مالٍ أو عرضٍ أو دم، فهذا يعرض الإنسان لبغض الله ولعدم محبة الله؛ لأن الله لا يحب الظالمين: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً} [النساء:36] وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (أحب الأعمال إلى الله: الصلاة لوقتها، ثم بر الوالدين، ثم جهادٌ في سبيل الله) وفي آخر يقول عليه الصلاة والسلام وقد سئُل عن أحب الأعمال إلى الله: (إيمانٌ بالله، قيل: ثم أي؟ قال: جهادٌ في سبيل الله، قيل: ثم أي؟ قال: حجٌ مبرور) ويذكر صلوات الله وسلامه عليه يوماً من الأيام أحب الأعمال إلى الله فيقول: (أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل) لأن القليل مع الاستمرار يفعل فعلة في القلب وفي السلوك أعظم من كثير مع الانقطاع. ويضرب العلماء هذا المثل يقولون: ائتِ بإناء واجعله يقطر قطرات على صخر وانتظر ثم ائتِ بعد فترة تجد القطرات هذه قد حفرت حفرة في الصخر. قطرة وقطرة وقطرة، كل يوم تجدها تتقاطر، تعال بعد فترة تجد هذا الحجر قد نقر وأصبحت فيه حفرة بتأثير قطرات الماء؛ لأنها مستمرة، لكن اجمع هذا الماء كله في إناءٍ واحد ثم صبه دفعةً واحدة على الحجر هل يؤثر في الحجر؟ لا يؤثر فيها ولو كان واحداً من مليون من الملي، لا يمكن لماذا؟ لأنه عارض. كذلك عمل العبادة إذا داومت عليها أثرت في قلبك، ونقشت في قلبك محبة الله، وفي حياتك مراقبة الله عن طريق مداومتك، إذا داومت على صيام يوم، أو على قيام يوم، أو على أذكار معينة، أو على صدقة معينة، أو على قراءة قرآن بجزء معين من القرآن فإنه يؤثر في قلبك حدد لنفسك في القرآن تلاوة أن تتلو كل يوم جزءاً، وداوم عليه وهذا أحب الأعمال إلى الله، أحب من أن تقرأ في يومٍ واحدٍ ثلاثين جزءاً ثم تترك المصحف عشرة أيام أو عشرين يوماً أو شهراً كاملاً، لكن اقرأ كل يوم جزءاً باستمرار وبانتظام عظيم، حدد لنفسك ركعتين في جوف الليل قبل صلاة الفجر أو في أي وقت من الليل أفضل من أن تقوم ليلة من الليالي ثمان ركعات وتترك القيام أسبوعاً أو أسبوعين؛ لأن (أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل).

أسباب نيل محبة الله سبحانه وتعالى

أسباب نيل محبة الله سبحانه وتعالى أما السؤال أيها الإخوة! كيف تنال محبة الله؟ وهو عنوان الدرس، متى يبلغ العبد هذه المحبة؟ ومتى يصل إليها؟ وكيف ينالها ويحصل عليها؟ يذكر ابن القيم في كتابه العظيم مدارج السالكين أسباباً، فهذه عشرة أسباب يستطيع المؤمن والمسلم أن ينال بها محبة الله عز وجل إذا داوم عليها، وهذه الأسباب أسباب عملية نريد أن يأخذها الشخص كمنهج، وهذه ثمرة حِلق العلم وحضور الدروس والمحاضرات، يجب أن يكون لها أثر ومردود عليك بأن تجد من نفسك تحولاً وتعديلاً، وتغيراً في كل محاضرة تحضرها، أما أن تحضر وتسمع وتخرج ولا تتأثر فهذا لا ينفع، وهذا كان شأن الصحابة رضي الله عنهم مالك بن الحويرث رضي الله عنه جلس مع النبي عشرين يوماً ورجع معلماً لأهله في الدين، وهو الذي روى حديث (صلوا كما رأيتموني أصلي) وهو الذي روى حديث جلسة الاستراحة، كثير من الصحابة بعضهم ما جلس مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا يوماً أو يومين ورجعوا دعاة إلى الله. الجن سمعوا الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ في وادي نخلة لما رجع صلى الله عليه وسلم من الطائف مكلوماً مطروداً وجلس في الوادي وإذا بجن كانوا مسافرين من الشام إلى اليمن سمعوه، فلما سمعوه رجعوا إلى قومهم منذرين فقالوا: {يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} [الأحقاف:30] ولو إلى قومهم منذرين يدعونهم ويقولون: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِي اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ} [الأحقاف:31]. فلابد أيها الإخوة! أن تكون مجالسنا مجالس علم وعمل، نستفيد منها ونأخذ منها فوائد بحيث نطبقها ونرجع إلى بيوتنا للمحاسبة والمعاتبة والمراقبة للنفس، بحيث أستفيد من كل جلسة، أي عمل أتعلمه أحوله إلى سلوك أسير عليه، وهذه الأسباب العشرة لنيل محبة الله هي:

قراءة القرآن الكريم وتدبره

قراءة القرآن الكريم وتدبره أولها: قراءة القرآن الكريم بالتدبر والتمعن؛ لأن القرآن كلام الله عز وجل، وهو خطاب الله وإلى أهل الأرض، والذي يكثر منه يدل ذلك على محبته لله، وإذا أكثرت من تلاوة كلام الله عز وجل أحبك الله الذي لا إله إلا هو. لو أتتك رسالة من حبيبك أو من صديقك أو من أبيك أو أمك أو من زوجتك -وبالطبع نحن نتكلم مع أهل الإيمان في رسائل الطهر والعفة، لا نقول رسالة من حبيبتك، وإن كانت حبيبة على الحرام فهي لعينة شيطانة رجيمة؛ تحبك الآن لكنها تلعنك وتلعنها يوم القيامة؛ لأنه حبٌ أقيم على معصية الله، حبٌ أقيم على الحرام، فلا يجوز هذا، وإنما نعني الحب الحلال حبك لزوجتك- وأنت مسافر وتأتيك رسالة منها تقرؤها القراءة الأولى، والقراءة الثانية، والقراءة الثالثة، وكلما ضاق صدرك أخذت رسالتها وقرأتها، وكلما قرأتها انشرحت نفسك، هذه رسالة محبوبك من الأرض، حسناً فرسالة محبوبك في السماء، رسالة الله إليك، خطاب الله إليك، كلما قرأته أحببت ربك، وكلما قرأته أحبك ربك. ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (من أراد أن يناجي ربه فليقرأ القرآن أو ليقم إلى الصلاة) والذي يقرأ القرآن كما جاء في الأحاديث له ثوابٌ عظيم عند الله عز وجل حتى ينال به أعلى الدرجات، يقول عليه الصلاة والسلام: (من قرأ حرفاً من القرآن كان له حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (ألم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) أي: إذا قلت: (ألم) كتب الله لك ثلاثين حسنة، إذا قرأت سورة الإخلاص عدد حروفها ستة و (66) حرفاً كتب الله لك (66) حسنة، إذا قرأت سورة الفاتحة عددها (150) بـ (1500) حسنة، إذا قرأت صفحةً من القرآن -في مصحف المدينة المنورة - هذا المصحف في كل صفحة (15) سطراً، وفي كل سطر (40) حرفاً، في المتوسط (15×40) (600) حرف، إذا قرأت صفحةً واحدةً كتب الله لك (6000) حسنة، وفي كل جزءٍ (20) صفحة، إذا قرأت جزءاً واحداً كتب الله لك مائة وعشرين ألف حسنة، إذا كان وردك اليومي من القرآن جزءاً واحداً تقرؤه في ربع ساعة، أو في ثلث ساعة، أو في نصف ساعة على أبعد التقدير يسجل الله لك مائة وعشرين ألف حسنة، من الذي يأتي بهذه التجارة إلا تالي القرآن، عظيم جداً. يقول عليه الصلاة والسلام: (الذي يقرأ القرآن وهو ماهرٌ به مع السفرة الكرام البررة -مع الملائكة- والذي يقرأ القرآن وويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران: أجر المشقة وأجر التلاوة) فتلاوة القرآن من أعظم الأذكار ومن أعظم ما يتقرب به العبد إلى الله، فإذا أكثرت من التلاوة فإن الله عز وجل يحبك، والله قد أمر بالقرآن وبالتلاوة فقال في القرآن الكريم: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ} [العنكبوت:45] ويقول عز وجل: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل:4] ويثني الله على أهل القرآن فيقول: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر:29 - 30]. والذي يقرأ القرآن -أيها الإخوة- يحفظ من الزيغ، يثبت على الدين، ما عهدنا وما علمنا رجلاً داوم على تلاوة القرآن وعكف على قراءته إلا وثبته الله، الذين يضلون وينحرفون وينتكسون، ويضعفون ويتراخون ويميلون؛ هؤلاء هم الذين هجروا القرآن، يقول الله عز وجل: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} [الفرقان:32] فيثبتك الله على الإيمان إذا داومت على تلاوة القرآن، فاجعل لك ورداً من القرآن، وانتبه واحذر! أن تنسى القرآن إذا كنت حفظته، احذر أن تهجر القرآن إذا كنت تقرؤه، لابد أن يكون لك ورد معين من كتاب الله، تقرؤه كل يوم، إما في الليل أو في النهار أو قبل النوم، وأحسن الأوقات -كما يقول بعض أهل العلم- للتلاوة: هو الذي يسبق الصلاة، أي: أن تعود نفسك باستمرار ألا يؤذن إلا وأنت في المسجد، لا تأت الصلاة متأخراً إذا أذن المؤذن جلست ثم قمت تتوضأ إذا قربت الصلاة، ثم تهاونت إلى أن تقام الصلاة، ثم تأتي وقد فاتتك تكبيرة الإحرام، وقد تفوتك الركعة الأولى أو الثانية، وبعضهم تفوته الصلاة كلها، لا. عندك ساعة وتعرف الأوقات يؤذن للعشاء -مثلاً- الساعة الثامنة إلا عشر دقائق حاول أن تخرج من بيتك الثامنة خمس عشرة خمس بحيث تدخل ثمانية إلا عشر أو تدخل قبل الأذان فتصلي ركعتين ثم تجلس، ومعك وقت ما بين الأذان والإقامة (ربع ساعة) (ثلث ساعة) (خمسة وعشرين) دقيقة يمكن أن تقرأ فيها جزءاً، في الفجر كذلك، في الظهر كذلك، في العصر كذلك، إذا داومت على هذا ربح عظيم، يمكن أنك تقرأ خمسة أجزاء، تستطيع أن تقرأ في كل جلسة جزءاً، فتكون خمسة أجزاء، فإذا لم تقدر فثلاثة أجزاء بحيث تختم في كل عشرة أيام، أقل شيء أن تختم في كل شهر مرة، هذا أقل شيء، جهد المقل، ولكن فيه بركة كبيرة جداً. هذا أول سبب من أسباب نيل محبة الله، وهو ممكن، أليس ممكناً أيها الإخوة؟! هل هناك صعوبة بأن نقرأ القرآن نحن الذين جعل الله ألسنتنا ألسنة عربية؟ هذه نعمة من نعم الله علينا أيها الإخوة! هناك إخوة لكم في بلاد العالم الإسلامي في الباكستان وفي الهند وفي أفريقيا وفي الشرق وفي الغرب ألسنتهم أعجمية لا يستطيعون قراءة القرآن، ويجدون صعوبة في النطق به، ويبذلون من أعمارهم السنوات الطوال حتى يتعلمون كيف ينطقون بالقرآن، ثم إذا جاء أحدهم يقرأ القرآن لا يدري ما معناه، يقرؤه ويجوده ولا يدري معنى حرف واحد، وأنت تعرف معناه بسهولة، وتجد ثوابه بسهولة ثم تترك القرآن بعد هذه النعمة!! هذه علامة من علامات عدم محبتك لذكر الله عز وجل -أيها الإنسان البعيد- أما إذا قرأت القرآن وداومت على تلاوة القرآن فإن هذا من أعظم العلامات على حبك لله، وبالتالي سوف يحبك الله تبارك وتعالى.

كثرة التقرب إلى الله بالنوافل

كثرة التقرب إلى الله بالنوافل الثاني: كثرة التقرب إلى الله بالنوافل بعد أداء الفرائض: والدليل على هذا حديث في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل (ما تقرب إليَّ عبدي بعمل أحب إليَّ مما افترضته عليه) أعظم عمل تتقرب به إلى الله هو الفريضة؛ لأنها شيء مطلوب محتم عليك، ولابد أن تأتي به، فمن فضل الله أن جعله محبوباً عنده كأعظم ما يكون ما دام أنك ملتزم به، لكن لا يكفي بأن تنال به محبة الله، صحيح أن العمل الذي تقدمه من صلاتك للفريضة محبوبٌ عند الله، لكن لا تنال بهذا العمل محبة الله فمحبة الله لك أنت تنالها بشيء آخر، قال: (ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه). (حتى) هنا للغاية أي: العبد يتقرب يصلي الفريضة ويقول: لا يا ربِّ هذه الفريضة مفروضة مني، مفروغ منها، مالي فضل فيها، أريد أن أقدم شيئاً زائداً عليها حتى أحبك، فأنا أصوم الفريضة، وأصوم معها النافلة، وأنا أصلي الفريضة وأصلي معها النافلة، وأنا أقرأ القرآن نافلة، وأنا أحج فريضة، وأعمل معها نافلة، وأنا أتصدق بفريضة الزكاة وأعمل معها نافلة، لماذا؟ قال: لأنال محبة الله. (ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه) فيصبح العبد ربانياً مثل ما قال الجنيد: بالله يقسم، وبالله يسمع، وبالله يبطش، وبالله يسير، يقول عز وجل: (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها). ما معنى هذا الكلام؟! قال العلماء: معناه: أنه يبصر بالله فلا تقع عينه إلا على ما يحبه الله، ويسمع بالله فلا تسمع أذنه إلا ما يحبه الله، ولا تسير رجله إلا إلى ما يحبه الله، ولا تمتد يده إلا إلى ما يحبه الله، أصبح عبداً ربانياً يسير في كل شئونه على أمر الله عز وجل. متى نال هذه الدرجة؟ ومتى بلغ هذه المنزلة؟ بالنوافل، قال العلماء: النوافل هي إدامة الطرق على باب الله، تطرق باب الله عز وجل بالفريضة فيفتح لك، لكن بعد الطرق والفتح تديم وتزيد فيفتح لك أكثر، وتقبل أكثر، وتنال محبة الله عز وجل. ولذا كان السلف رضي الله عنهم يتنافسون في هذا المجال منافسة عظيمة: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17 - 18] كانوا يصومون كثيراً، ويتصدقون كثيراً، ويجاهدون كثيراً، ويقرءون كثيراً، ويذكرون كثيراً يتنافسون في العمل هذا، لماذا؟ لينالوا محبة الله عز وجل، ونحن نريد -أيها الإخوة- أن نصبغ أنفسنا بهذه الصبغة، لا نريد لشبابنا. ولا من شباب الصحوة فينا أن يجعلوا اهتماماتهم اهتمامات لا جدوى منها، نريد أن يصلحوا أول شيء البواطن من الداخل، صحيح أن من الناس من يتحرك قلبه من الداخل، ثم بعد ذلك ينطلق فيرى منكرات ويرى آثاماً ومعاصي، فيضطر أن يصطدم بها ويعمل على إزالتها؛ لكن يهمل جانب الإيمان هنا، فتجده لا يصلي الفريضة في المسجد وهو يتقطع قلبه على الدين، تفوته صلاة الفريضة وينام عنها، وتجده لا يصلي نافلة في الليل، لا يصوم النافلة، يقصر في النوافل فيحرم أعظم شيء وهو محبة الله عز وجل. قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربه: (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه) فتصبح العلاقة بينه وبين الله علاقة قوية، بمجرد السؤال يعطيه الله، والتعبير هنا (لأعطينه) مؤكد بمؤكدين: لام القسم ونون التوكيد المثقلة (لأعطينه) ما قال أعطيه (ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) ثم قال في رواية ليست للبخاري رواية في السنن: (وما ترددت في شيءٍ أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته، ولابد له منه) هذا الثاني -أيها الإخوة- كثرة النوافل.

دوام ذكر الله

دوام ذكر الله الثالث: دوام ذكر الله؛ لأن من أحب شيئاً أكثر من ذكره، الذين يحبون الرياضة يكثرون من ذكرها، ويقرءون الجرائد ويفتحون على الصفحات الرياضية مباشرةً، ويحبون أخبار الدوري، وأخبار الكأس، وأخبار البطل، وأخبار الوصيف، وأخبار النجم، وأخبار هذه الأشياء، لماذا؟ لأنهم أحبوها. والذين يحبون السيارات والموديلات يتابعون أخبارها: الأمريكي والياباني والألماني والجديد، حتى أن بعضهم ليعرف السيارة على بعد كيلو متر يقول: هذه موديل واحد وتسعين، وما يدريك؟ قال: (الطيس). والثاني قال: هذه (91)، قلت: بماذا؟ قال: لوحة سوداء يضعونها عند الكَفَر، واحد أنا والله ما أدري، قلت: كيف تفرق بين (90) و (91)، قال: بهذه (طرنبيل) قطعة بلاستيك سوداء علقوها عند الكَفر الأخير، هذا الفارق بين (91) و (90)، والشخص الذي معه (90) يذهب بسيارته يبدل الرخصة تكون واحد وتسعين، لماذا؟ قال: فيها (طرنبيل)، والثاني، قال: فيها مرايا جيدة ورهيبة، و (الطيس) تولع، لا حول ولا قوة إلا بالله! كيف استخف الناس بعقولنا إلى هذه الدرجة! أتدرون -أيها الإخوة- أن هذه الأساليب أساليب الكفار؟ أساليب اليهود الذين يغرقون الأسواق الإسلامية بالسلع الاستهلاكية الرخيصة من أجل امتصاص ثرواتها، فهم يجددون ويضعون لنا في كل عام موديلاً وفي كل موديل خيط، بعضها يكون خيطاً أحمر أو أصفر، قال: واحد وتسعين فيذهب الشخص يبيع سيارته من أجل أن يأخذ خيطاً أصفر، قال: يا شيخ! هذه ممتازة، هذه خيطها أحسن من خيط تلك السيارة، والله هي هي، بل الموديلات الأولى أفضل، فلعبوا على عقول الرجال في السيارات، ولعبوا على النساء في الذهب وفي موضات الملابس والتشكيلات التي أضلت الناس والعياذ بالله. فتجد الشخص الذي يحب السيارات يهتم بها ويسأل عن دقائق الأمور فيها، والذي يحب الأراضي والعقارات معلق قلبه بها، والذي يحب المزارع معلق قلبه بها، والذي يحب الله ورسوله معلق قلبه بالله ورسوله، فإذا رأيت إنساناً يذكر الله كثيراً فاعلم أن الله يحبه وهو يحب الله، وإذا رأيت إنساناً ساكتاً لا يذكر الله، فاعلم أنه مبغض عند الله، وقد بين الله عز وجل هذا في القرآن الكريم، فقال عز وجل: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:142] يذكرون الله لكن قليلاً وهم منافقون، أما الذي لا يذكر الله بالكلية فهذا ميت -والعياذ بالله- (مثل الذي يذكر الله والذي لا يذكر الله كمثل الحي والميت). وذكر الله من أحب الأعمال إلى الله لما روى أصحاب السنن حديثاً في السنن يقويه ويشده ويبجله الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه الكلم الطيب، يقول فيه عليه الصلاة والسلام: (ألا أخبركم بأفضل أعمالكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: ذكر الله عز وجل) والله عز وجل يقول في القرآن الكريم: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران:191] فاستغرق الذكر جميع أحوالهم، فهم في ثلاث حالات ليس هناك حالة رابعة، الإنسان إما قائماً أو قاعداً أو نائماً، لكن المؤمن يذكر الله قائماً، ويذكر الله قاعداً، ويذكر الله على جنبه، فماذا بقي معه من وقت لا يذكر الله فيه؟ وبعد ذلك يذكرون الله في كل حين ووقت: {وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [آل عمران:41] {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} [الأعراف:205] فالذي يغفل عن ذكر الله هذا دليل على موت قلبه، وعلى عدم محبته لله، وعلى عدم محبة الله له. والأذكار كما بينته في بعض الدروس خمسة أنواع أذكرها باختصار: 1) ذكر الله عند ورود أمره: إذا ورد عليك أمر الله ونفذته فأنت ذاكر. 2) ذكر الله عند ورود نهيه: إذا ورد عليك نهي الله وتركت النهي فأنت ذاكر. 3) ذكر الله في الأحوال والمناسبات: إذا دخلت المسجد وخرجت من المسجد، ودخلت بيتك وخرجت من بيتك، وأكلت الطعام وشبعت منه، وجئت زوجتك، وخرجت من الحمام ودخلت إلى الحمام، أي عمل تفعله فيه ذكر مأثور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. 4) ذكر الله المقيد بعدد معين، جاء في النص من قال مائة مرة، من قال كذا هذا تأتي به كما قال. 5) ذكر الله المطلق وهو أن تذكر الله وأن يكون ذكر الله على لسانك، لما روى الترمذي عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه، قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! كثرت عليَّ شرائع الإسلام، فأخبرني بعملٍ أتشبث به وأوجز، فقال عليه الصلاة والسلام: لا يزال لسانك رطباً بذكر الله). وفي هذا يقول العلماء: إن هذا من دلائل نبوته ومن إعجازه صلوات الله وسلامه عليه، فإنه جمع له الدين كله في كلمة واحدة: (لا يزال لسانك رطباً بذكر الله) ومن هو الذي لا يزال لسانه رطباً من ذكر الله؟ إنه الذي يحب الله. هل الزاني لسانه رطب من ذكر الله؟ أبداً. لا يزني الزاني وهو يذكر الله، ولا يرابي المرابي وهو يذكر الله، ولا يغني المغني وهو يذكر الله، ولا ينظر في الحرام وهو يذكر الله، ولا ينام عن الصلاة وهو يذكر الله، من هو الذي يعمل هذا؟ الغافل عن الله. أما الذي يذكر الله أبداً لا يمكن أن يعمل مثل هذه الأعمال، ولهذا وصاه النبي صلى الله عليه وسلم بدوام ذكر الله حتى قال: (لا يزال لسانك رطباً) وهذه استعارة بلاغية عظيمة بمعنى: أن الذي لسانه ليس فيه ذكر الله لسان ناشف، لسان حجري، لسان جاف، وقلبه قاسٍ -والعياذ بالله- قال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:22] إذا قسا القلب من ذكر الله قسا اللسان عن ذكر الله، وتحجرت العين عن البكاء من خشية الله، وقسا السمع من سماع كلام الله، وجفت الجوارح، وعجزت وتكاسلت عن القيام بأوامر الله لماذا؟ لأن القلب قاسٍ من خوف الله، قاسٍ من رحمة الله، قاسٍ من ذكر الله، أما إذا لان القلب لذكر الله دمعت العين من خشية الله، ورطب اللسان بذكر الله، وسمعت الأذن كلام الله، وسارت الرِجل إلى مساجد الله، وامتدت اليد في طاعة الله، وعَمَر الإنسان وقته كله بالإيمان بالله عز وجل. فلابد -أيها الإخوة- من هذا الأمر وهو من أهم الأمور ومن أيسرها على الإنسان.

إيثار ما يحبه الله على ما تحبه النفس

إيثار ما يحبه الله على ما تحبه النفس الرابع: إيثار ما يحبه الله على ما تحبه النفس: لابد أن يحصل تصادم وتعارض بين محاب الله ومحاب النفس، فأين أنت؟ مع من تقف؟ هناك شد حبل بين الهوى وبين الدين والشرع، الهوى يجذب وأمر الله وشرعه يرفع، والشيطان مع الهوى، والنفس الأمارة مع الهوى، والدنيا مع الهوى، وأنت مع من؟! إن كنت عاونت شيطانك ونفسك وهواك ودنياك سقطت عن طريق الله ومن عين الله، وإن كنت مع الشرع في صراع: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:40 - 41] وإن كنت مع الشرع في صراع {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} [الجاثية:23] لابد أن تقف دائماً مع الشرع، وأن تؤثر محبة الله وأمره على محبة النفس، إذا تعارض أمر الله مع أمر النفس، أمر الله بالقرآن، وأمر الشيطان والنفس بالغناء، فمع من أنت؟ مع الله. أغلق الراديو واقرأ القرآن، أمر الشيطان بالنوم وأمر الله بصلاة الفجر وأنت على فراشك تتقلب تسمع الأذان، وفي إمكانك أن تقوم وفي إمكانك أن تنام، صراع نفسي، معركة تدور على الفراش بين نوازع الإيمان وبين نوازع الشر والشيطان، فمع من أنت؟ إذا قمت فأنت تحب الله، إذا آثرت النوم على أمر الله فالبعيد لا يحبه الله، فهل تريد أن يحبك الله؟ عليك أن تؤثر أمر الله وتقدمه على هوى النفس ومحبتها. وهذا -أيها الإخوة- ميدانٌ واسع وفسيح، وعقبة كئود سقط فيها الكثير من الناس؛ لأنها نقطة عملية قد ينجح الشخص في القرآن وتلاوته؛ لأنه كلام يصرفه، وقد ينجح في ذكر الله؛ لأنه كلام يقوله، وقد ينجح في بعض النوافل، لكن متى التعارض؟ في هذه المشكلة، هنا العقدة، هنا الامتحان وفيه يكرم المرء أو يهان. ستعلمي إذا انجلى الغبار أفرسٌ تحتك أم حمار

العمل بآثار أسماء الله وصفاته

العمل بآثار أسماء الله وصفاته الخامس: العمل بآثار أسماء الله وصفاته: الله عز وجل له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأحد أقسام التوحيد هو الإيمان بأسماء الله وصفاته، نؤمن ونثبت لله عز وجل كل ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات من غير تشبيهٍ ولا تمثيل، ولا تكييفٍ ولا تعطيل، بل نؤمن أنه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] ولكن هذا الإيمان يقتضي منا أن تنعكس آثار هذه الأسماء والصفات علينا، فإذا آمنا بأن الله هو الرزاق طلبنا الرزق بطاعة الله، لا نطلب الرزق بمعصية الله. بعض الناس تجده يبيع ويشتري في الدخان لماذا؟ قال: هذا الدخان يجلب الناس، فهذا لم يعرف أن الله هو الرزاق، هذا عنده قدح في عقيدته، عنده عقيدة إن الرزاق هو الدخان. وآخر عنده عمارة وفيها دكاكين أجرها على حلاق، لماذا؟ قال: يا أخي! مغلقة لها سنة، ليس هناك من يستأجرها، هذا ليس عنده يقين أن الله هو الرزاق، عنده يقين أن الدكان هو الرزاق، والدكان ما دام أنه لم يأتِ له شخص يستأجره غير الحلاق، فأجره للحلاق، فيفتح قلعة وثكنة لمحاربة سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولحيته ملء وجهه، هو يعفي لحيته لكن يحلق لحى المسلمين في دكانه، لو أنه حلق لحيته لوحده وليس عنده دكان كان ذلك أخف؛ لأنه ما من لحية تحلق في الدكان إلا وعليه إثمها وإثم من حلقها إلى يوم القيامة. وقد رأيت ذات مرة رجلاً علق على دكانه -صالون الحلاقة- لوحة مكتوب فيها: صالون اللحية الغانمة -إيه والله رأيتها بعيني- صالون اللحية الغانمة، قلت: سبحان الله! أي غنمٍ لهذه اللحية وهي تحت القدم، يحلقها الحلاق ويضعها تحت قدمه، ثم يكنسها بالمكنسة ويأخذها في صندوق الزبالة، وفي آخر اليوم إذا مرت البلدية قال: قف قف يا ولد! تعال خذ الصندوق عندي هنا لحى المسلمين، وأخذها عامل البلدية ورماها مع الزبالة في صندوق البلدية، وحملتها سيارة البلدية، انظروا هذه اللحية المعذبة (هذه اللحية الغانمة) وأين الغنم؟! هذا الغرم! هذا الشؤم -والعياذ بالله- ثم يأخذها إلى المحرقة وتحرق مع النفايات، هذه لحية صالون اللحية الغانمة! فالذي يؤجر دكانه على محل غناء أو على محل الفيديو أو محل يباع فيه الحرام هذا ليس عنده عقيدة في أن الله هو الرزاق. الذي لا يقول كلمة الحق خشيةً من قطع الرزق هذا مسكين لم يؤمن بأن الله هو الرزاق ذو القوة المتين. فلا بد أن تنعكس آثار هذه الأسماء والصفات عليك، إذا علمت بأن الله سميع لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء فإنك تخاف الله ولا تقدر بأن تتكلم بكلمة حرام؛ لأنك تعلم أن الله يسمعك، إذا علمت بأن الله بصير يرى ويسمع دبيب النملة السوداء، في الليلة الظلماء، على الصخرة الصماء، تقول عائشة: [سبحان الذي وسع سمعه الأصوات] لما جاءت المرأة المجادلة تشتكي، تقول: [والله إنها تشتكي للرسول صلى الله عليه وسلم في الغرفة المجاورة ما سمعتها، والله سمعها من فوق سبع سماوات وقال: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [المجادلة:1]] فإذا آمنت بأن الله بصير، فإنك تستحي أن تمارس معصية، فأنت تعلم أن الله يراك وأنت في غرفتك في جوف الليل: وإذا خلوت بريبةٍ في ظلمةٍ والنفس داعية إلى الطغيانِ فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني فهذا مقتضى أنك آمنت بأن الله سميع بصير، إذا آمنت بأن الله حكيم عرفت حكمته، إذا آمنت بأن الله قوي خفت من قوته، إذا آمنت بأن الله جبار خفت من جبروته، إذا آمنت بأن الله منتقم خفت من نقمته، لماذا؟ لأنك آمنت بهذه الصفات. إذا آمنت بأن الله عزيز رُمت عزته وطلبت العزة في جنابه، إذا آمنت بأن الله رحيم طمعت برحمته، إذا آمنت بأن الله مالك يوم الدين طمعت بأن تنالك هذه الرحمة في ملكه يوم القيامة، لماذا؟ لأنها انعكست آثار أسماء الله وصفاته عليك، إذا تخلقت بهذا كنت ممن يحبهم الله عز وجل، وهذه مهمة جداً وينبغي أن نعود أنفسنا عليها.

التأمل والتفكر والتدبر في نعم الله وفضله

التأمل والتفكر والتدبر في نعم الله وفضله السادس: التأمل والتفكر والتدبر في نعم الله وفضله وإحسانه عليك أيها الإنسان! وهذه -أيها الإخوة- نغفل عنها كثيراًَ، وما أعظم نعمة الله علينا: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل:53] نعمة الخلق، فمن الذي خلقك أيها الإنسان؟! {يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار:6 - 8] نعمة الخلق والإيجاد، نعمة الرزق والإمداد، نعمة الإيمان والإسعاد، نعمة العافية، نعمة الأمن، نعمة الجوارح، تفكر يا أخي في نفسك! تأمل في نعمة العين التي في رأسك، تصور أنك أعمى في هذا المسجد -عافاك الله- وتريد أن تخرج إلى المسجد بعد صلاة العشاء فمن يذهب بك إلى البيت؟ من يقود لك السيارة؟ كيف تعرف الألوان؟ كيف تعرف الأشكال؟ الأعمى الآن مسكين لا يرى من العالم شيئاً، يقول: كيف الطيارة؟ لا يعرفها! كيف السماء؟ لا يراها، كيف الجبال؟ لا يراها، كيف البحار؟ لا يراها! كيف العمارات؟ لا يدري عنها شيئاً، والله جعل لك عينين: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ} [البلد:8] فسخِرها فيما يحبه الله، تأمل في أفضال الله عليك، تأمل في نعمة الله عليك بالأذنين، وتصور أنه لا يوجد لديك سمع تسمع وأنت جالس في المجالس والناس يتكلمون وأنت مثل (المسند) جالس لا تسمع شيئاً! تقول: ماذا يقولون؟ لا تدري ماذا يقولون؟ يشيرون لك إشارة لا تسمع، ولا تدري ماذا يقصدون بالإشارة، فالسمع نعمة من نعم الله عليك: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:78] نعمة اللسان هذه نعمة، يقول الله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً} [البلد:8 - 9] اللسان نعمة تفصح به عما في نفسك، وتعبر به عما في خاطرك، تُعلم الناس ما تقول، الآن الأعجم يومئ بكلام غير واضح وغير مفهوم، لكن كلمتان تخرجهما من لسانك يفهمك الناس، فاستعمل هذا اللسان في طاعة الله عز وجل. {وَشَفَتَيْنِ} [البلد:9] نعمة من نعم الله عليك؛ لأن الشفتين واللسان هي التي تتحكم في إخراج الحروف، هناك حروف لا تخرج إلا بالشفتين، وهناك حروف لا تخرج إلا من طرف اللسان، وكذلك باللسان تتذوق الأطعمة، تصور نفسك مصاباً بالنزول وأهلك يحضرون لك الطعام وأنت لا تتذوقه، تقول: لا أجد فيه طعماً؛ لماذا؟ لأنك مريض، فهذه نعم. نعمة اليدين، نعمة الأصابع، نعمة الإبهام وديتها في الشرع نصف دية اليد، لو فقدت أو لو أن الناس ما عندهم إبهام لتعطلت الحضارة كلها، من يشد مسماراً بإصبعين؟ لا أحد يستطيع أن يشد مسماراً بإصبعين أبداً، لكن هذه تشد وتقبض، إذا حدث لأصبعك شيء لن تستطيع أن تصنع شيئاً، فاعرف نعمة الله عليك، من فصَّل لك هذه اليد؟ كلها مفاصل من أجل ماذا؟ لكي تستعملها في كل اتجاه، لكن لو أن الله أعطاك يداً مثل (العصا) فكيف ستستعملها؟ لن تستعملها إلا في الضرب، لكن الله لم يخلقك لتضارب الناس حتى يعطيك عصاً معلقة، لكن الله جعل يدك في الجزء العلوي من أجل أن تصل بها إلى رأسك، وتصل بها إلى رجلك، لكن لو أن يديك في أرجلك، وجدت حمامة أو طائراً وقفت في رأسك فكيف تمتنع؟! وجعل رأسك أعلى شيء، وجعل العينين في المقدمة، وجعل الأذنين في الجنبين، والرأس مركب على رقبة، والرقبة لولبية تحركها يميناً وشمالاً لماذا؟ من أجل أن تستعملها، لكن لو أن رأسك على رقبتك على عظم، فكيف تتلفت؟ هذه نعمة أم ليست نعمة أيها الإخوان؟! انظروا إلى من يصاب بشد عضلي كيف تراه؟ تقول: كيف حالك؟ يقول: بخير، لا يستطيع أن يلتفت وإذا التفت قال: آه رقبتي! ماذا بك؟ قال: عصبة صغيرة، عضلة صغيرة، اشتدت عليه أرقته في نومه، إذا جاء لينام لا يستطيع أن ينام من أجل شيء بسيط، أليست هذه كلها نعماً؟! في كل النعم التي يمن الله بها عليك لا تغفل عنها لحظةً من لحظاتك، وأنت تأكل الطعام تأمل في النعم التي ساقها الله إليك، وأخرج لك من الطين ومن الماء هذه النعم المتعددة، وصنفها وحلاها، وجملها وشكلها من كل نوع، ثم تأمل كيف يخرجها الله منك بعد أن تأكلها، ويفصل ما ينفعك فيبقيه فيك، ويفصل ما يضرك فيخرجه الله منك، وتأمل لو أن الله حبس فيك هذا الضرر كيف تصنع؟ لو احتبس فيك البول لأصبحت حياتك مريرة، ولانعدمت حياتك أيها الإنسان! وكل هذه النعم، والمجال لا يتيح لي التوسع فيها؛ المهم أن تتأمل في فضل الله وإحسانه عليك؛ في عافيتك، وفي ستر الله عليك، وفي رزق الله لك، وفي كل النعم التي من الله عليك بها، فإذا تأملت فيها وشكرت الله أحبك الله، هذا مما يعرضك لمحبة الله عز وجل.

انكسار القلب والشعور بالخضوع الكامل لله

انكسار القلب والشعور بالخضوع الكامل لله السابع: انكسار القلب والشعور بالخضوع الكامل له، والإذعان لأمره فلابد من الإذعان والانكسار؛ لأن الله رب وأنت عبد ولا ينبغي للعبد إلا أن ينكسر أمام سيده، لا يتعالى ولا يتعاظم، وإنما يستذل: (أنا عند المنكسرة قلوبهم من أجلي) يقول الله عز وجل: (أنين المذنبين أحب إليَّ من زجل المسبحين) فالذين تنكسر قلوبهم ويخشون الله ويخافون الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [المؤمنون:60] {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً} [الأنفال:2] أي: تنكسر وتخاف قلوبهم، هؤلاء يعرضون أنفسهم لمحبة الله عز وجل، أما الذي قلبه قاسٍ ومتعالٍ ومتعاظم ولا يخاف من الله هذا لا يعرف الله، وبالتالي لا ينال محبة الله عز وجل.

مجالسة الصالحين

مجالسة الصالحين الثامن: مما يعرضك لمحبة الله عز وجل مجالسة الصالحين: الحرص على أن تكون مجالسك دائماً مطعمة بالطيبين، وأن يكون وقتك كله مع الطيبين، لِمَ؟ لأنهم يؤثرون فيك، والمرء من جليسه، المرء من خليله: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي ... إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي ... فلا تصحب أخا الفسق وإياك وإياه فكم من فاسقٍ أردى مطيعاً حين آخاه يقاس المرء بالمرء إذا ما المرء ما شاه وللقلب على القلب دليلٌ حين يلقاه وللناس على الناس مقاييس وأشباه فعليك إذا كنت تريد أن تنال محبة الله عز وجل أن تجلس مع من يحبهم الله، حذار من الجلوس مع من يبغضهم الله، فإنك وإن كنت محبوباً عند الله ثم جلست مع من يبغضهم الله عرضت نفسك لبغض الله، كيف تجلس مع من يبغضهم الله وتريد أن يحبك الله؟! إن مقتضى محبة الله لك ومحبتك لله أن تحب في الله، وأن تبغض في الله، ولهذا جاء في الحديث، عنه عليه الصلاة والسلام، والحديث في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه: (ثلاثٌ من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: منها: أن يحب المرء لا يحبه إلا لله) أن يبني علاقاته وأواصره الاجتماعية على أساس دينه وعقيدته، فلا يحب إلا من يحبه الله ولا يبغض إلا من يبغضه الله، أما إذا ذاب بين الناس ولم يتميز بإيمانه ولا عقيدته، ولم يحب في الله ولم يبغض في الله، فهذا إنسان لا يعرض نفسه لمحبة الله بل ربما عرضها لبغض الله عز وجل.

قطع كل سبب يحول بين القلب وبين الله

قطع كل سبب يحول بين القلب وبين الله التاسع من أسباب نيل محبة الله عز وجل: قطع كل سبب والقضاء على كل عقبة تحول بين القلب وبين الله: هناك عقبات، وهناك موانع، وهناك حواجز تحجز قلبك عن الله، فعليك أن تزيل هذه الحواجز، وأن تقطع هذه العلاقات حتى تصل إلى الله عز وجل، مثل من؟ مثل رفيق السوء، هناك رفيق؛ لكنه رفيق سوء قاطع طريق بينك وبين الله، أنت تريد الله وهو يريدك إلى الشيطان، فاقطع الصلة به. مثل زوجة السوء: هناك زوجة تعينك على طاعة الله، وهناك زوجة تعينك على معصية الله قاطعة الطريق بينك وبين الله، أنت تريد الله وهي تريد النار. مثل عمل السوء، عمل تمارسه أنت وترتضيه وتأخذ عليه راتباً أو تمارس فيه أجراً، ولكنه عملٌ سيئ يقطعك عن الله، فاترك هذا العمل واترك وظيفة السوء، جار السوء تخلص منه، كل شيءٍ يحول بينك وبين الله عز وجل ولا يوصلك إلى الله تخلص منه، إذا وقف هذا عائقاً بينك وبين أن تنال محبة الله.

قيام الليل

قيام الليل وآخر شيء وهو أصعب شيء ولكنه من أسهل الأشياء على الإنسان ويحصل عليه الإنسان عن طريق الاستمرار والتدرب وعن طريق الصبر، يقول أحد السلف وهو ثابت البناني: [كابدت قيام الليل عشرين عاماً، وتلذذت به عشرين عاماً]. آخر شيء مما يجعلك من أحباء الله هو قيام جزء من آخر الليل ولو ركعتين لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ركعتان في جوف الليل خير من الدنيا وما عليها) وهذه من أفضل الأشياء في آخر الليل؛ لأن الله عز وجل -كما صح في الأحاديث الصحيحة وهي عقيدة أهل السنة والجماعة - أن الله عز وجل ينزل في الثلث الأخير من الليل نزولاً يليق بجلاله فيقول: (هل من سائلٍ فأعطيه؟ هل من تائبٍ فأتوب عليه؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له) فإذا وافقها عبدٌ سعد في الدنيا والآخرة. أيها الإخوة! هذه علامات محبة الله عز وجل وأسباب نيل هذه المحبة، فنريد أيها الإخوة! أن نتصف بها. نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلنا وإياكم جميعاً من المحبوبين إليه، ونعيد دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم ارزقنا حبك، وحب من يحبك، وحب كل عملٍ يقربنا إلى حبك، اللهم اجعل حبك أحب إلينا من أنفسنا، ومن أهلينا، ومن الماء البارد على الظمأ، إنك على كل شيءٍ قدير. والله أعلم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

الأسئلة

الأسئلة أما السؤال أيها الإخوة! كيف تنال محبة الله؟ وهو عنوان الدرس، متى يبلغ العبد هذه المحبة؟ ومتى يصل إليها؟ وكيف ينالها ويحصل عليها؟ يذكر ابن القيم في كتابه العظيم مدارج السالكين أسباباً، فهذه عشرة أسباب يستطيع المؤمن والمسلم أن ينال بها محبة الله عز وجل إذا داوم عليها، وهذه الأسباب أسباب عملية نريد أن يأخذها الشخص كمنهج، وهذه ثمرة حِلق العلم وحضور الدروس والمحاضرات، يجب أن يكون لها أثر ومردود عليك بأن تجد من نفسك تحولاً وتعديلاً، وتغيراً في كل محاضرة تحضرها، أما أن تحضر وتسمع وتخرج ولا تتأثر فهذا لا ينفع، وهذا كان شأن الصحابة رضي الله عنهم مالك بن الحويرث رضي الله عنه جلس مع النبي عشرين يوماً ورجع معلماً لأهله في الدين، وهو الذي روى حديث (صلوا كما رأيتموني أصلي) وهو الذي روى حديث جلسة الاستراحة، كثير من الصحابة بعضهم ما جلس مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا يوماً أو يومين ورجعوا دعاة إلى الله. الجن سمعوا الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ في وادي نخلة لما رجع صلى الله عليه وسلم من الطائف مكلوماً مطروداً وجلس في الوادي وإذا بجن كانوا مسافرين من الشام إلى اليمن سمعوه، فلما سمعوه رجعوا إلى قومهم منذرين فقالوا: {يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} [الأحقاف:30] ولو إلى قومهم منذرين يدعونهم ويقولون: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِي اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ} [الأحقاف:31]. فلابد أيها الإخوة! أن تكون مجالسنا مجالس علم وعمل، نستفيد منها ونأخذ منها فوائد بحيث نطبقها ونرجع إلى بيوتنا للمحاسبة والمعاتبة والمراقبة للنفس، بحيث أستفيد من كل جلسة، أي عمل أتعلمه أحوله إلى سلوك أسير عليه، وهذه الأسباب العشرة لنيل محبة الله هي:

نصيحة لمن انقطع عن الدروس والمحاضرات في الدراسة النظامية

نصيحة لمن انقطع عن الدروس والمحاضرات في الدراسة النظامية Q أحد الإخوة يعاتبني كثيراً ويقول: إنني انقطعت عن الدروس والمحاضرات في هذه المدينة، يقول: وهذا شيء أثر على الشباب وهم غاضبون جداً وينصحني بألا أواصل الدراسة وأن أرجع وأقطع الدراسة؟ A جزاه الله خيراً وجزى الله الإخوة خيراً على هذا الكلام، ولكني أقول له: إن الدراسة كلها خير، وطلب العلم -كما تعرفون- فضيلة، واطلبوا العلم من المهد إلى اللحد، وقد وجدت متعة في طلب العلم، وأسأل الله أن يعينني على إنهائه وسواء كنت هنا أو هناك فالإنسان سيكون له عمل في أي مجال وأي مكان، والساحة -والحمد لله- مملوءة بالدعاة والعلماء في هذه المنطقة، وسأعود قريباً بإذن الله، أما أني أترك العلم فهو ليس شيئاً عاطفياً أو جاء من فراغ، إنما شيء جاء بعد دراسة وتصميم وقدمت فيه تضحيات حتى إني خرجت من وظيفتي وتركت عملي الوظيفي حتى أتفرغ للدراسة؛ لأن هذا شيء مهم جداً، ووجدت فيه مصلحة وفائدة كبيرة جداً. أسأل الله أن ينفعني وإياكم بما نقول، وبما نسمع وبما نتعلم، إنه على كل شيءٍ قدير.

كيف ندعو إلى الله؟

كيف ندعو إلى الله؟ إن الله سبحانه وتعالى خلق الجنة والنار، وجعل لكل واحدة منها طرقاً موصلة إليها، فالجنة لها طرق ومسارات إذا بحث عنها الإنسان وسار عليها بلغ مقصده، والنار لها طرق ومسارات؛ فإذا أعرض الإنسان عن الله وجنته والطرق الموصلة إليها سار في طرق الشيطان والنار والعياذ بالله، ومن الأسباب المؤدية لدخول الجنة الدعوة إلى الله، مع الأخذ بالرصيد الكافي من العلم الشرعي، والصبر على ما يعرض للمرء في طرق الدعوة.

خطوات في اختيار الطريق إلى الجنة

خطوات في اختيار الطريق إلى الجنة الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على نعمه وآلائه التي لا تحصى ولا تعد، له الحمد تبارك وتعالى، وله الفضل والمنة، له الحمد بالإسلام، وله الحمد بالإيمان، وله الحمد بالقرآن، وله الحمد بكل نعمة أنعم بها علينا من قديم أو حديث، أو سر أو علانية، أو حي أو ميت، أو شاهد أو غائب، له الحمد حتى يرضى، وله الحمد إذا رضي. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وبعد: فضيلة مدير المعهد أيها الإخوة الكرام المشرفون على برنامج التوعية في هذه المؤسسة العلمية أيها الإخوة الطلاب الذين حرصوا على الحضور في هذا اللقاء المبارك، الذي لم أكن قد تهيأت له بالمادة العلمية التي تليق به، على اعتبار أنه لقاء أخوي فقط، وليست محاضرة أو كلمة، وإن كنت لست من فرسان هذه الميادين، وقد أنفع في مجال ولا أنفع في مثل هذا المجال أمام العلماء، وأمام طلبة العلم المتقدمين في العلم والسن؛ ولكن قِدتُ إليه فنسأل الله أن يعينني وإياكم. هذه الدنيا أو هذه الحياة -أيها الشباب- ورطة، من خلق فيها فقد ورط، ولا مخرج له من هذه الورطة إلا باللجوء إلى الله، يقول الله عز وجل: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ * وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:50 - 51]. الورطة: هي المهلكة والابتلاء والمحنة والفتنة، الله يقول: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الكهف:7] ويقول عز وجل: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] أي: ليختبركم وليوجدكم على مسرح هذه الحياة من أجل الافتتان، ومن أجل الابتلاء والاختبار؛ ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيي عن بينة. لم يؤخذ لنا رأي في قضية وجودنا في هذه الحياة، هل أخذ رأي أحدنا؟ لا. خلقنا رغم إرادتنا، ولم يؤخذ لنا رأي في قضية انتقالنا من هذه الحياة، ولو أخذ لنا رأي ما كان أحدنا يريد أن يموت؛ لأن الإنسان يكد ويتعب ويحصل ويتوظف ويبني ويتزوج ويصير له أولاد، فإذا صلحت له الدنيا من كل جانب جاء الموت ليشطبها من كل جانب. لهوت وغرتك الأماني وعندما أتمت لك الأفراح فوجئت بالقبر فليس لنا رأي في المجيء، وليس لنا رأي في الانتقال، وإنما نحن مطلوب منا أن نعمل في هذه الدنيا عملاً صالحاً، والله عز وجل سيجازينا في الآخرة على ضوء ما نعمل في هذه الحياة، فالذي يريد أن يخلِّص نفسه من الورطة، والذي يريد أن يخلِّص نفسه من هذه الفتنة ومن هذا الابتلاء ليس له مجال ولا طريق إلا باللجوء إلى الله؛ لأنه سيقدم على الله شاء أم أبى، وستكون له المعاملة في الآخرة على ضوء معاملته لله في هذه الدنيا. إذا كنت في الدنيا كما يريد الله، كان الله لك في الآخرة كما تريد، وإذا كنت في الدنيا بعكس مراد الله، كان الله لك بعكس مرادك في الدار الآخرة، وأنت الآن تكسب وتعمل، وسوف ترحل وتقدم على الله، وتجيء بشيء مثقل إما بالحسنات أو بالسيئات، والله يقول: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل:89 - 90] ويقول في آية أخرى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا} [الأنعام:160]. فأنت الآن تحصد وتعمل، سواء تعمل في طريق الخير أو في طريق الشر، والناس مذ خلقوا ووطئوا هذه الأرض وهم مسافرون، وما من يوم يمر ولا شهر ينتهي ولا سنة تتبدل إلا وأنت تقطع بهذه السنة وبهذا الشهر؛ وبهذا اليوم وبهذه الساعة وبالدقيقة مرحلة من مراحل عمرك إلى الله وإلى الدار الآخرة، وهذه اللحظة أو هذا اليوم أو هذا الشهر فيه عمل. هل يستطيع الإنسان أن يقف على عجلة الزمن فلا يعمل لا عملاً صالحاً ولا عملاً سيئاً؟ لا. فلا بد من عمل؛ لأنه بين أمر ونهي، وبين طاعة ومعصية، وبين استجابة لله واستجابة للشيطان، فإذا استجاب لله لم يستجب للشيطان، إذا رفض أمر الله استجاب للشيطان، إذا أمره الله بالصلاة وقام إلى الصلاة أطاع الله، وإذا أمره الله بالصلاة ولم يقم قام الشيطان بدعوته إلى النوم وترك الصلاة، فترك الصلاة فأطاع الشيطان، فهو بين أمر الله أو نهيه، وبين أمر الشيطان أو نهيه. وهو يستجيب إما لهذا وإما لهذا، وتنتقل الساعة والشهر واليوم والسنة، وهو يملأ هذه الخزائن بهذا العمل، ثم يقدم على الله تبارك وتعالى، وهناك يجازى على ضوء ما سبق أن قدم وعلى ضوء ما سلك في هذه الدنيا، هذه قضية ليس فيها جدال بين أهل العقول. لكن لسائل أن يقول: كيف الطريق إلى الله؟ ومن أي السبل نسلك على الله؟ لأن الشيطان يسول للناس أن طريق الهداية والالتزام والتدين والاستقامة طريق شائك وطريق صعب، ولا يمكن أن يسير فيه أحد، وأنه طريق معتم ومظلم، والحقيقة عكس ذلك، الطريق إلى الله من أسهل الطرق، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (وإنه ليسير على من يسره الله عليه) اللهم يسره علينا يا رب العالمين! طريق سهل ممهد مضاء واضح، كما سمعتم في خطبة الشيخ سعد كالمحجة البيضاء -المحجة: هي الطريق الواضح- ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، هذا الطريق -طريق الجنة، طريق الإيمان، طريق الهداية، طريق الالتزام- له أربع مسارات، وله أيضاً قبل ذلك ثلاث خطوات:

الخطوة الأولى: تصحيح الماضي بالاستغفار

الخطوة الأولى: تصحيح الماضي بالاستغفار أول خطوة: تصحيح الماضي: حتى نربط بين ما قيل وبين ما سيقال، حتى لا يفوت الإخوة الذين جاءوا شيئاً نقول: إن طريق الجنة طريق السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة عبر أربع مسارات، مسارين موجبين للجنة، ومسارين في عكس الاتجاه مانعين من الجنة ومؤديين إلى النار، وقبل السير هناك ثلاث خطوات يجب أن يتخذها الإنسان وهي: أن الإنسان بين ماض ومستقبل وحاضر أليس كذلك؟ هل في الزمن شيء غير الماضي والحاضر الذي فيه الإنسان والمستقبل؟ لا يوجد شيء غير هذا. ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها فالماضي: حياتك التي أمضيتها في السابق المملوءة بما ملئت به من خير أو شر، إذا أردت السير في طريق الله عز وجل فينبغي قبل كل شيء أن تصحح الماضي، ومن رحمة الله تبارك وتعالى أن جعل تصحيح الماضي من أيسر السبل ومن أسهل الإمكانات، ولا يكلف الإنسان شيئاً أبداً إلا عملاً لسانياً وعملاً قلبياً: فالعمل القلبي: وهو العزم على التوبة. والعمل اللساني: وهو أستغفر الله وأتوب إليه هل يعجز الواحد أن يستغفر ويتوب من المعاصي من الجرائم من الذنوب من الزنا من الخمور من اللواط من الغناء من الفجور من أي عمل قد عملت من الشرك من قطع الصلاة، أي مهلكة أي جريمة؟ الله يقول: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} [الزمر:53 - 54] فإذا أناب الإنسان إلى الله، وأسلم لله، ووجه وجهه إلى مولاه، فإن الماضي كله يغفر: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:70]. فهل في الاستغفار وتصحيح الماضي فيه صعوبة؟ لا. لا يوجد أحد يقول: لا والله لا أستطيع أن أستغفر، إلا إذا كان لا يريد أن يستغفر ويظل عاصياً، ويريد أن يبقى عدواً لنفسه عدواً لدينه عدواً لرسوله عدواً لكتابه عدواً لمولاه هذا هالك خاسر لا خير فيه، لا تحزن عليه واتركه، لا تتصور أنه يعادي الناس أو يعادي القبيلة بل إنه يعادي نفسه فيهلكها ويوردها موارد الدمار، يوردها في النار، ثم يقول: {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:127 - 128] {فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ * نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ} [لقمان:23 - 24] {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:3] {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} [الزخرف:83].

الخطوة الثانية: إصلاح المستقبل بالنية الطيبة

الخطوة الثانية: إصلاح المستقبل بالنية الطيبة هذا الذي يرفض ولا يريد أن يستغفر أو يتوب لا تحزن عليه: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية:25 - 26] دعه يلهو دعه يلعب دعه يغني دعه يسهر دعه يسكر دعه يفجر لكن من أين الطريق؟ هل توجد طريق غير طريق الله؟ هل يستطيع أن يمتنع إذا دعاه داعي الله؟ إذا تخلى عنه الرجال، وتخلت عنه الأموال والأولاد، وتخلت عنه المناصب، من يمنعه من الله؟ من يمنعه من رب العالمين؟ وهناك يقبض الله عليه قبضة لا يفلته إلا في النار، هذا ليس فيه حيلة، فالله يقول: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة:40 - 41] مهما خوفته لا يخاف؛ لأن الله يقول: {وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَاناً كَبِيراً} [الإسراء:60] مهما رغبته في رحمة الله عز وجل وفتحت له الآيات الساطعات الواضحات، يقول الله: {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا} [الأنعام:25] {وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً} [الأعراف:146]. هؤلاء ما عندهم قابلية للسير في طريق الله، لا يريدون أصلاً هداية الله، فهؤلاء يقول الله تبارك وتعالى فيهم: {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} [الحجر:88] أي: اتركهم والمرجع إلينا. لكن شخص يقول: أريد أن أرجع يا رب إليك، وأريد أن أتحول بقلبي وقالبي إليك، فكيف الطريق؟ نقول له: الطريق سهل، الماضي تمحوه بالاستغفار، والمستقبل تصلحه بالنية الطيبة، وهل في أن تنوي النية الطيبة تعب عليك؟ ليس هناك تعب أن تنوي وتعقد العزم في المستقبل أن لا تعمل سيئاً، ولا تترك لله طاعة، هذه النية خير من عملك، بحيث أنك لو مت فكل هذه النية الطيبة الله يكتبها لك.

الخطوة الثالثة: إصلاح الحاضر بفعل الأوامر وترك النواهي

الخطوة الثالثة: إصلاح الحاضر بفعل الأوامر وترك النواهي وماذا بقي معك بعد الماضي والمستقبل؟ بقي الحاضر الذي نعنيه الآن، ما من لحظة تمر عليك الآن إلا ولله عز وجل أمر ونهي عليك، اجتهد أن تنفذ الأمر وتترك النهي فقط، إذا أمر الله بالصلاة تصلي، إذا أمر الله بالصوم تصوم، إذا أمر الله بالحج تحج، إذا كنت صاحب مال وأمر الله بزكاته فزك، ثم ماذا بعد؟ نهى الله عن النظر إلى الحرام فلا تنظر إلى الحرام نهى الله عن سماع الغناء والحرام فلا تسمع نهى الله عن الغيبة والنميمة فلا تغتب ولا تنم نهى الله عن البطش باليد في الحرام فلا تبطش بيدك حراماً نهى الله عن أن تسعى بقدمك إلى الحرام فلا تمش لماذا؟ أنت مقيد، أنت عبد رباني تسير على نور من الله أنت تنظر بالله وتسمع بالله وتتكلم بالله وتبطش بالله وتمشي بالله لأنك عبد مع الله نور الله قلبك فتح الله بصيرتك ربطك به لست عبداً حيوانياً لست عبداً شهوانياً لست إنساناً شيطانياً لست عبد هواك ولا عبد شيطانك لا. أنت إنسان تسير في الأرض ومعلق بالسماء: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ} [آل عمران:162] {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الملك:22] ليس هذا كهذا أبداً. هذه هي المراحل الثلاث التي تصلحها أيها الشاب قبل الهداية: أن تصلح الماضي بالاستغفار، وتصلح المستقبل بالنية الحسنة، وتصلح الحاضر بالعزم على أنك لا تعصي الله فيه، ولا ترتكب معصية ولا تترك لله فيه طاعة.

الطريق إلى الجنة تمر عبر مسارات

الطريق إلى الجنة تمر عبر مسارات أما الطريق فكما يوضحها الشيخ: أبو بكر الجزائري في رسالة له، يقول: الطريق بالنسبة للجنة سهلة جداً، فهناك أربعة مسارات: اثنين في اتجاه الجنة، واثنين في اتجاه النار، الذي في اتجاه الجنة طريق واضح أبيض، محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فيها مساران لا بد من السير فيهما:

المسار الأول: الإيمان بالله

المسار الأول: الإيمان بالله المسار الأول: اسمه مسار الإيمان. المسار الثاني: اسمه مسار العمل الصالح. ولذلك قرن الله بين المسارين في كل القرآن: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الشعراء:227] {إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً} [سبأ:37] {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البقرة:277] المهم أنه لا يمكن أن تصل إلى الجنة إلا إذا سرت في المسارين، خطوة في الإيمان وخطوة في العمل الصالح، لكن إيمان بدون عمل صالح كذب وادعاء، الذي يقول: إنه مؤمن ولا يعمل عملاً صالحاً هذا مدعٍ، ما أقام على صدق دعواه وإيمانه برهاناً ودليلاً، من انقياده وطاعته لله وبعده عن معصية الله، وعمل صالح بغير إيمان لا يقبله الله: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:23] لا بد من اقتران الإيمان بالعمل الصالح. وهذا الطريق طريق الإيمان واضح جداً. أولاً: لنعتقد جازمين ومعنى: نعتقد أي: نجزم ونؤمن في أعماق نفوسنا لا في مخيلاتنا، وانتبه: الإيمان السطحي الذي لا يغير من سلوكك ولا يبلغ حد الجزم في نفسك، ولا يدخل إلى أعماق نفسك، ولا يترجم هذا إلى الانقياد والإذعان والخضوع لمولاك وخالقك، ولا تظهر منه حرارة وجدانية، والتهاب وتحرك في قلبك على دينك وعلى عقيدتك وعلى خوفك من الله، هذا ليس بإيمان، هذا يسمى فكرة أو رأياً أو أي كلام، إنما الإيمان أن يدخل قلبك، ويستقر في أعماق نفسك هذا هو المؤمن. فلتعتقد أولاً جازمين: أن الخالق لهذا الكون ولهذا الإنسان ولكل من على وجه البسيطة هو الله الذي لا إله إلا هو، وأنه المدبر، وأنه الرازق، وأنه هو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى هذه أول قضية. ولنعتقد بعد ذلك: أنه ما دام هو الخالق لوحده فيجب أن يكون هو الآمر لوحده: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف:54] لا يصلح أن الله يخلق وغيره يأمر، هذا شرك لا يصح، فما دام أنه الخالق وحده فيجب أن يكون هو الآمر وحده، فإذا أمر غير الله بأمر يناقض ويصادم ويرد أمر الله، فيجب أن يرفض المسلم أمراً يتناقض مع أمر الله؛ لأنه: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) فالأمر الأول والأخير لله: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة:50]. هذه قضيتان: القضية الأولى: أن الخالق للكون وللإنسان والعوالم سفليها وعلويها، ليلها ونهارها، شمسها وقمرها، أشجارها وجبالها، أنهارها وبحارها، كل من على وجه البسيطة، هو الله: {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] ما من مخلوق في الكون من الذرة إلى المجرة، إلا وهو على هداية من الله، وقد درستم في العلوم: أن الذرة هي أصغر جزيء في المادة، أي: أن كل مادة من مواد هذا الكون لها ذرات، الحديد له ذرة، الألمنيوم له ذرة، البلاستيك له ذرة، الخشب له ذرة، الطين له ذرات هذه مواد، الذرة هي أصغر جزء، وما هي الذرة؟ الذرة لو أتيت بقطعة سكر وسحقتها في المهراس أو طحنتها في مكينة القهوة حتى صيرتها مثل البودرة، ثم أخذت واحدة من هذه البودرة (واحدة صغيرة ما تراها أنت) وجعلتها على رأس دبوس مثلاً وأدخلتها في المجهر (الميكروسكوب) (المجهر الإلكتروني الحديث) الذي يكبر ثلاثة ملايين مرة، يجعل من (المليمتر) ثلاثة كيلو، (المليمتر) الذي هو واحد على عشرة من (السنتيمتر) وتضع هذه الذرة ثم تنظر فيه إلى الذرة وترى في هذه الذرة عالماً، كاملاً مكوناً من حركة، فيه نواة في الوسط يسمونها النيترون، وفيه شحنة كهربائية سالبة، وفيه حول هذه النواة والنيترون إلكترونات، هذه الإلكترونات تدور باستمرار بعكس اتجاه الساعة، تدور مثل دوران المعتمر والحاج حول الكعبة. لما تأتي لتطوف فإنك تجعل الكعبة على يسارك وتطوف، بينما الساعة تدور عكس ذلك، الآن هذه النواة تدور مثلما يدور الطائف، وكل مادة فيها إلكترونات تختلف عن المواد الأخرى، فمثلاً: الإلكترونات في الحديد ثلاثة عشر إلكترون في كل نواة، إلكترونات النحاس ستة عشر إلكتروناً في كل نواة، الإلكترونات في الألمنيوم عشرون إلكتروناً، الإلكترونات في اليورانيوم ثلاثة وخمسين إلكترون، وكلما زادت الإلكترونات في هذه الذرة كان هذا العنصر أو هذه المادة أقدر على نقل الشحنة الكهربائية، وكلما قلَّت هذه الإلكترونات كلما كانت هذه الحركة والقدرة على نقل القوة الكهربائية والشحنة الكهربائية غير قوية بمعنى: أن هناك تعادلاً كهربائياً بين الشحنة السالبة الموجودة في الإلكترونات والشحنة الموجبة الموجودة في النواة، فإذا تخلخل هذا التعادل حصل انفجار، وما تسمعون عنه الآن من تفجير الذرة، ما هو تفجير الذرة؟ تفجير الذرة هو خلخلة النظام والتعادل الكهربائي بين الإلكترونات وبين النواة، وجاءوا طبعاً بأغلى مادة يوجد فيها أكثر عدد من الإلكترونات وهي اليورانيوم، واليورانيوم معدن غالي الآن، ومنه تصنع القنبلة الذرية. هذا اليورانيوم استطاعوا أن يشحنوا ذراته، واستطاعوا أن يفصلوا هذه الشحنات الموجودة -السالبة والموجبة- يحصل من هذا الانفصال تفجير، وبقدر قوة وعدد الإلكترونات والذرات يحصل قدرة التفجير، هذه الذرة عالم! من المجرة إلى أعلى شيء في الكون وهي المجرات التي تتكون منها المجموعات الشمسية. كل شيء في هذا الكون خلقه الله وأعطاه الهداية، وأعطاه القدرة على أن يسير في الخط الذي رسمه له الله، ولا تتصوروا أن الحيوانات والطيور والحشرات تعيش هكذا من غير نظام لا. هذه عوالم لها أنظمة لها سنن لها قوانين لها أحكام لها شرائع تعرفون وتسمعون النملة التي مر عليها سليمان ودخل وادي النمل: {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ} [النمل:18] واحدة من النمل رأت الوفد والموكب آتياً، فخشيت أن يتعرض هذا الخلق للإبادة؛ نظراً لأنه لم يعد يراهم، أنت عندما تمشي في الطريق لا تنظر في الأرض حتى ترى النمل الصغير، فلما رأته قامت هي ونادت وقالت: {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل:18]. يقول المفسرون: إنها نادت وأمرت ونهت وحذرت واعتذرت فنادت قالت: (يا أيها النمل) وأمرت: (ادخلوا مساكنكم) ونهت وحذرت فقالت: (لا يحطمنكم سليمان وجنوده) واعتذرت، قالت: (وهم لا يشعرون) لا يدرون، لا يرونكم! هذه هل عندها عقل أم ليس عندها عقل؟! عندها عقل. يذكر ابن القيم رحمه الله في كتاب له اسمه " مفتاح دار السعادة " يقول: إن رجلاً كان في سفر، وفي الطريق مر على شجرة، فجلس تحتها يستظل، وبينما هو مستظل إذا بمجموعة وقوافل من النمل تمشي، يقول: ونملة من النمل خرجت من السير ورأت لها رجل جرادة فأرادت أن تحمله ليكون لهم غذاء، يمكن أن يعيش عليه النمل شهراً، فحاولت حمله من كل جانب فلم تستطع، فتركته ورجعت إلى الخط العام، وأمسكت لها ست نمل من جماعتها، فأخبرتهن فجئن إليها. يقول: لما رأى الست نملات قام وحمل رجل الجرادة، وفي المنطقة نفسها بحثت النمل فلم تجد رجل الجرادة؛ فاعتذرت منهن وودعتهن فرجعن، ولما دخلت النمل في الخط العام رجعت في رحلتها فوضع الرجل في مكانها؛ فلما جاءت ورأتها رجعت بسرعة لتستدعي النمل، فقالت: ارجعوا! فرجع النمل فقام هذا الإنسان وأخذ رجل الجرادة (منكد هذا الإنسان!) ينكد على هذه الضعيفة، فاعتذرت منهن، وقالت: الحقيقة أنا وجدتها لكن لا أدري أين ذهبت! فسامحنها في المرة الثانية ورجعن، ولما رجعت وضعها مرة ثالثة، فلما رأتها جاءت مسرعة جداً ودعت الست نملات، فرجعن معها ولكنه أخذها للمرة الثالثة، فلما أتت النمل في المرة الثالثة ولم تجدها مباشرة أحطن وأمسكن بها انتهى الأمر مقبوض عليها! هذه كذابة! هذه تقدم معلومات غير صحيحة وغير دقيقة تكذب على الأمة! فما الذي حصل؟ أخذتها مجموعة النمل حتى أتت إلى الخط العام، فوقفت على الخط وأعلنت حالة تنفيذ حكم واحد على هذه الكذابة، وقام النمل كله وتجمع من أول الطريق ومن آخر الطريق وعمل دائرة وأخذوها ووضعوها في الوسط ثم انقضوا عليها من كل جانب وقطعوها قطعة قطعة هذا نظام أم ليس بنظام؟! عالم النحل -تعرفون النحل- كيف هذا العالم الدقيق؟ كل مخلوق وكل موجود من الذرة إلى المجرة، كله يمشي وفق الاتجاه الذي خلقه له الله تعالى من أجله، فيجب أن تعتقد أنت عقيدة جازمة، أن الله هو خالق كل شيء؛ لأن الله يقول: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر:62] متصرف، مالك الملك، مالك كل شيء، له الأمر -تبارك وتعالى- من قبل ومن بعد هذه الأولى. الثانية: أن تعتقد أنه ما دام أنه الخالق لوحده، فيجب أن يكون هو الآمر لوحده ولا ينازع في أمره. الثالثة: أن حكمة الله عز وجل اقتضت إرسال الرسل لبيان مراد الله، فقال: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165]. فاقتضت حكمة الله أن يرسل الرسل، وأن ينزل عليهم الكتب، من أجل بيان الطريق إلى الله تبارك وتعالى، وهذا الطريق بدأه من الأنبياء نوح عليه السلام، وختم بمحمد صلى الله عليه وسلم، ثم ختم بالكتاب الكريم المهيمن وهو القرآن العظيم الذي فيه كل شيء: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام:38]. وتضمن الكتاب الكريم الشريعة والعقيدة، وتضمن الإيمان كله مع أركانه: الإيمان بالله الإيمان بالكتب الإيمان بالرسل الإيمان بالملائكة الإيمان بالبعث بعد الموت الإيمان بالقدر خيره وشره من الله عز وجل الإيمان بالجنة الإيمان بالنار الإيمان بالحوض الإيمان بالصراط الإيمان بالميزان الإيمان بالقبر الإيمان بكل المغيبات التي أخبر بها

المسار الثاني: العمل الصالح

المسار الثاني: العمل الصالح وبعد الإيمان الطريق الثاني وهو العمل الصالح الذي هو ممثل في الشريعة، فلنصل الصلوات الخمس بكمال الطهارة والخشوع والخضوع في جماعة المسلمين، ولنؤد الزكاة، ولنصم رمضان، ولنحج البيت الحرام، ولنقرأ القرآن، ولندع إلى الله، ولنأمر بالمعروف، ولننه عن المنكر، ولنتعلم دين الله؛ لأن هذه رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم ونحن ورثته: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108]. ولكن "على بصيرة" هذه كلمة مهمة؛ لأن من الناس من يدعو إلى الله على غير بصيرة فيعميها، يريد أن يكحلها فيعميها، والبصيرة: هي الفقه في الدين والفهم لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأسلوبه وهديه في الدعوة، هدي الرسول صلى الله عليه وسلم واضح، وهو: الحكمة واللين، وعدم العنف، والصبر، والتؤدة، لكن القسوة والعنف والشدة والمضاربة هذه ما تؤدي إلى دعوة، تؤدي إلى ردود فعل تجعل الناس أعداءً للدين، حتى في بيتك أنت الآن عندما تأتي وأنت مستقيم ملتزم متدين وتريد الهداية، تدخل البيت وربما تجد أشياء لا تحبها، وتجد أنها مغايرة ومناقضة لما ينبغي أن يكون. وتريد أن تغير الوضع في البيت بمجرد قلم منك، فتقوم بالصياح على أبيك وأمك وعلى إخوانك، وتظن بهذا أنك تدعو إلى الله! ليس هذا أسلوب الدعوة، أنت بهذا الأسلوب عندما تقف بقوة وبعنف وبمجابهة مع أمك وأبيك وإخوانك تضطرهم إلى أن يقفوا ضدك، ويكرهوك ويكرهوا دعوتك ودينك، وبالتالي يعادونك، وأي شيء يرون أنه يغيظك يعملونه بدلاً من أن يكونوا أنصاراً لك على الخير وأعواناً على الدين. أذكر لكم قصة لشاب من الشباب الطيب عمره ست عشرة سنة -وقد هداه الله ووفقه- ولكنه مسكين بحكم عدم السعة بالعلم، دخل إلى البيت وأخذ يغير من قريب ومن بعيد، ويخاصم، ويصيح على أمه وأبيه وإخوانه المهم أن أمه ضجرت منه وتصدت له، وأصبحت تبحث عن كل شيء يغيظه تفعله قال لها: لا تخرجي إلى السوق، قالت: لا. والله سأخرج. وكانت تخرج إلى السوق وهي متغطية فأصبحت تخرج وهي كاشفة! إذا دخل ورأته وكان الراديو مغلقاً ترفع الصوت جداً، وتقول: إن كنت رجلاً تعال وأغلقه، وإذا اقترب منها ضربته بالعصا المهم صارت تعاديه في كل شيء، وأخيراً اضطر المسكين إلى أن يخرج من البيت، والخروج من البيت هدف من أهداف الشيطان من أجل زعزعة كيان الأسرة وفك رباطها، وفي نفس الوقت إظهار أنك -ما شاء الله- تحب في الله وتبغض في الله، وكنت فاشلاً في دعوتك مع أرفق الناس بك أمك وأبيك، فأعلنت التمرد عليهم والسلبية. وهذه طريق سهلة يستطيع كل واحد أن يعملها: أن أترك أهلي وأذهب لأقعد في المسجد هذه سلبية، الإيجابية أنني أستطيع أن أصلح هذه الأم، وأن أصلح هذا الأب وأصلح الإخوان، فبم أصلحهم؟ بالصبر بالأسلوب بالحكمة أصبر عليهم ولا أجادلهم، حتى ولو أراهم على المنكرات، أنا نفسي آخذ بالكمال أنا نفسي كإنسان ملتزم لا أسمع حراماً لا أمشي في الحرام لا آكل الحرام لا أسهر على حرام آخذ نفسي بكل كمال لكن غيري آخذهم بالقوة؟ كلا. كلا، بل آخذهم باللين، والذي يطيعني الله يحييه والذي لا يطيعني الله يجزيه الخير أدعو له في الليل والنهار. أما أن الذي يطيعني الله يحييه، والذي لا يطيعني الله يلعنه، والله لا يُرد عليه إلا بقول: هذا خبيث، هذا ليس فيه خير، وأبغضه وأخاصمه. سبحان الله! أنت كنت من قبل هكذا، أنت متى اهتديت؟ بعض الشباب ليس له سوى شهرين أو ثلاثة أو أربعة أو سنة، حسناً أنت كنت ضالاً، لو أنه جاء أحدهم وأنت عاصٍ وضال وجاءك بهذا الأسلوب، بالله كيف يكون وضعك؟ أكنت تطيعه أو تضاربه؟ تضاربه رأساً، وتقول له: اذهب يا شيخ وريحنا منك لكن ربي هداك، ولهذا يقول الله: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيكُم} [النساء:94] الله منَّ عليك بالهداية فارحم هؤلاء الناس. فهذا الشاب يقول: بعدما تعب منها خرج، وجاءني يشكو عليَّ، فلما شكا عليَّ قلت له: يا أخي أنت أخطأت، حقيقة أنت السبب في فساد أمك، أمك طيبة وصالحة، ولكن أسلوبك هو الذي أفسدها، وعليك أن تصلح ما أفسدت. قال: كيف أصلح ما أفسدت؟ قلت له: ارجع إلى البيت. قال: كيف أرجع والمنكرات؟ قلت له: في غرفتك لا تسمع المنكرات ولا تنظر إلى المنكرات، لكن لا تقل لهم شيئاً، جئت وهم على المنكرات دعهم، أمك تريد أن تخرج إلى السوق اذهب معها، يقول الله: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [العنكبوت:8] لكن: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:15] فأنت في نفسك لا تطعهم في المعصية لكن دعهم على ما يريدون وتدرج رويداً رويداً. اغتنم الفرص، اهتم بالمناسبات، استغل الأوقات التي يكون فيها يقظة عندهم مثل الوفاة، مثل المرض، مثل الموعظة، عظهم بكلمة، لا تعطهم الكثير، بل مثل المريض، الآن المريض إذا أتيت عليه وهو مريض سوف يموت هل تفتح فمه وتدخل الأرز غصباً؟ هو لا يريد الزاد، هو مريض الآن، تأتي له بالأرز واللحم وتأتي له بالإدام والفاكهة، وتقول له: كل. يقول: لا والله. فماذا يحصل؟ ماذا تقول له؟ تقول له: من فضلك، لأجل خاطري، هذه الملعقة فقط، والله إذا لم تأكل الزاد لن آكل ولن أتغدى، أكرمني هذه المرة، فيقول: يا ولدي أنا لا أريد أن آكل، أو تقول أمك -إذا كبرت-: يا ولدي أنا لا أريد أن آكل، يا ولدي أنا مريضة، فتقول: لقمة فقط، فتقول: هات هذه اللقمة، وتأكلها بغصب. أو أنك تقول: لا والله لا بد أن تأكل غصباً عنك، ثم تأخذ وتمسك لحيته من فوق ومن تحت ثم تأتي بالصحن وتصبه! لو فعلت هذا ماذا يحصل؟ ماذا يقول لك أبوك أو أمك؟ يقول: الله لا يكثر خيرك، ولا يجمل حالك أنت ولا زادك، لا أريد الزاد بهذه الطريقة، أكثر الشباب الآن لا، يريد أن يغصب أمه أو أباه ويدحس الدين دحساً في قلوبهم، اسمعي اسمعي، خذي حتى تكرهك، وتقول: اتركنا منك ومن كتبك وأشرطتك ودينك يا أخي! هذا الأسلوب ليس من أساليب الدعوة، الأسلوب يكون باللين، تأخذها مرة بالسيارة وتسمعها شريطاً، إذا قالت: أغلق، تقول: طيب. فقال لي هذا الرجل: والآن ماذا أفعل؟ فقلت له: الآن اذهب إلى البيت وثلاثة أشهر لا تقل لها ولا كلمة، إلا عندما تحييها في الصباح وفي المساء، وتسلم على يدها ورأسها، وتقبلها، وتطيعها، ولا تغير منكراً، قال: طيب، جزاك الله خيراً. ذهب الرجل ثلاثة أشهر وهو مثل العسل في البيت، جالس معهم في البيت، وأي طلب يرسلونه يذهب هو، وكان في السابق لا يدخل البيت وإنما يبقى مع الإخوان في الله، مع الزملاء، لا يشتري لأهله شيئاً ولا ينفعهم بشيء، لكن الآن عندما ذهب وأصبح موجوداً باستمرار، أي طلب إلا وهو الأول؛ أحبوه فهو معهم موجود في البيت. بعد ثلاثة أشهر قالت الأم: تعال يا ولدي -الله يوفقك- الحمد لله الذي هداك -انظر اعتبرت سكوته هداية على مفهومها هي- ماذا بك؟ فقال لها: الحمد الله، الحقيقة أنا كنت من قبل مخطئاً، كنت أغير عليك، وأنت فيك خير، وأنت طيبة، وأنت فيك دين وإيمان، لكن أنا المخطئ، أنا قليل الدين، أنا الذي ما عرفت كيف أتكلم ولا شيء، الآن ماذا تريدين؟ قالت: يا ولدي ما رأيك في السوق؟ قال: ليس فيه شيء، اخرجي، ولو خرجتِ ماذا يضر؟ أنت صاحبة دين، وأنت فيك غيرة، قالت: يا ولدي والله لن أخرج مرة ثانية لأجل خاطرك، انظر كيف أتت المبادرة منها هي، والله لن أخرج مرة ثانية وهذا السوق خبيث، ليس فيه إلا رجال وليس فيه شيء، اذهب يا ولدي وائت لنا بالمقاضي، قال: أبشري، ما دام عرفتِ فأنا خادمكِ، أي طلب تريديه أنا آتي لكِ به، وأرجع الذي لا يصلح، ولو يطلع ويرجع عشر مرات. قالت: وهذا الفيديو -لديها فيديو وأفلام- ما رأيك فيه؟ قال: ليس فيه شيء، اتركيه، الذي يريد أن يشاهد يشاهد، والذي لا يريد أن يشاهد على (كيفه) قالت: أعوذ بالله! كيف أتركه في بيتنا، وأنت ولدنا وفيك خير وأنا إن شاء الله فيَّ خير، وأبوك فيه خير؟ والله لن يجلس في البيت، أخرجه، أصبحت أمه داعية، ذهب أبوه في الليل يريد أن يسهر، قالت: انظر ربي رزقنا بولد صالح وطيب، ونحن نعاديه وضده، لماذا؟ ما رأيك لو ولدنا فاسق أو زاني أو يبيع مخدرات أو مع الخمور أو في القهاوي؟ هل نحن نغضب؟ قال: نعم والله نغضب، قالت: طيب لما هداه ربي هل يصلح أن نعاديه؟ قال: لا والله، بل نعينه. وبعد ذلك وإذا بالأسرة كلها، جاء الإخوان يقول الولد: كنت أذهب إلى المسجد وأصلي في الأمام، وآخذهم بالعصا أضربهم بها، فيخرج واحد يختبئ في الحمام، والثاني يختبئ في (الحوش) وأضاربهم ولا أقول لهم شيئاً، أما الأب فقال: انظروا والله لو يتأخر واحد عن المسجد لأن كلمة الأب ليست مثل كلمة الأخ، أنت تهدد لكن ليس لك عليهم سلطة فهم إخوانك، لكن أبوك إذا هدد يملك أن يصنع شيئاً، فكان الأب وكانت الأم وكانت الأسرة كلها في سبيل الهداية بسبب لطف الولد، الدعوة تكون بأسلوبك ومنهجك ولكن باللطف، لا تستعجل. الهداية تنقسم إلى قسمين: هداية إرشاد ودلالة، وهداية اتباع واهتداء. الأول: على الأنبياء وأتباعهم. والثاني: لله. حسناً أنت تريد أن تبقى على ما تشاء، تريد أن تدعو الآن، أو تريد أن تدعو الناس غداً، أو أنت على مراد الله؟! أنت على مراد الله، وليس الله على مرادك، الله إذا أراد لك الهداية التزمت، أنت اسلك فيها فقط، ولذلك يقول الله عز وجل: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56] وقال: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ} [الشورى:48] {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} [البقرة:272] هداهم ليس بيدك، ما أدراك لعلك يوماً من الأيام تقول لواحد: قال الله وقال رسوله، وإذا لم طعك تقاطعه، تقول: والله هذا خبيث وليس فيه خ

الطريق إلى النار يكون عبر مسارات

الطريق إلى النار يكون عبر مسارات بقي الطريقان المانعان من الجنة المؤديان إلى النار، وهما طريقان في عكس الاتجاه وهما: طريق الشرك بالله وطريق المعاصي.

المسار الأول: الإشراك بالله

المسار الأول: الإشراك بالله فالشرك بالله: أن تعبد مع الله غيره، وأن تجعل لله نداً وقد خلقك، أن تحب إنساناً أكثر من الله، أن تخاف من إنسان أكثر من الله، أن تصرف أي شيء من أنواع العبادات من رهبة أو رغبة أو خشوع أو خضوع، أو استغاثة أو استعانة لغير الله تبارك وتعالى، أو دعاء أو نذر، أو رجاء أو توكل أو أي شيء من أنواع العبادة يجب ألا يصرف إلا إلى الله. ثم لا ندعو ولياً ولا نبياً، ولا نذهب إلى كاهن ولا إلى عراف ولا مشعوذ، ولا نصدق أحداً من هؤلاء الكاذبين الذين يدعون أنهم يعالجون علاجاً عربياً، إنما هي كهانة وشعوذة، أما العلاج الشرعي من كتاب الله وسنة رسول الله أو من أدوية محسوسة مثل الحبوب، أما كتاب وتذهب تمحيه وتشرب ماءه، فهذا كله كهانة وشعوذة هذا هو الطريق الأول وهو الشرك بالله.

المسار الثاني: المعاصي والذنوب

المسار الثاني: المعاصي والذنوب المسار الثاني: مسار المعاصي والذنوب، وطريق المعاصي والذنوب ووصولها إليك من سبعة أبواب:- باب العين: ومعصيته النظر المحرم إلى النساء، أو إلى ما متع الله به الناس من متاع الحياة الدنيا. والأذن: ومعصيتها سماع الغناء، أو الغيبة أو النميمة، أو ساقط القول، أو رديء الكلام. الجارحة الثالثة هي اللسان: وهو كثير الآفات، فيه أكثر من تسع عشرة آفة: الكذب الغيبة النميمة الجدال المراء القول بالزور القول على الله بغير حق الخوض فيما لا يعني الخوض في الباطل الحلف الفاجر إخلاف الوعد كل هذه من اللسان. هذه ثلاث جوارح. الجارحة الرابعة: اليد، ومعاصيها أن تمدها إلى ما حرم الله، أو أن تكتب بها شيئاً حرمه الله، أو أن تأخذ بها شيئاً حرمه الله. الجارحة الخامسة: الرجل، ومعصيتها أن تنقلك إلى مكان لا يرضى الله عنه. الجارحة السادسة: الفم والبطن، ومعصيته أن ينزل فيه شيء حرمه الله من رباً أو حرام، أو رشوة أو تبغ أو دخان، أو (شمة) أو (جراك) أو (قات) أو أي شيء من هذه الخبائث، أو خمر أو مخدرات. والجارحة السابعة: جارحة الفرج، يزني به الإنسان أو يلوط. هذه هي المعاصي، إذا استطعت أن تقيم من نفسك حارساً على أبواب المعاصي السبعة وخلصت من الشرك إلى التوحيد، وقمت بالإيمان والعمل الصالح فقد نجوت، وقد خلصت من الورطة التي ورطها أكثر الناس في هذه الدنيا، ولا مخلص لك من ورطة هذه الحياة إلا بهذا الطريق إن كنت تريد النجاة في هذه الدنيا والآخرة، أما إذا كنت لا تريد فانتظر، قال تعالى: {فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ} [الأعراف:71]. أسأل الله تبارك وتعالى أن يسلك بي وبكم سبيل المؤمنين، وأن ينجينا وإياكم من عذابه عز وجل إنه على كل شيء قدير، والله أعلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

الدعوة إلى الله أفضل الطرق المؤدية إلى الجنة

الدعوة إلى الله أفضل الطرق المؤدية إلى الجنة Q أي الطريقين أفضل: أن أمكث بمصحفي في محرابي متفرغاً لعبادة الله، هارباً من غضب الله، وأستزيد من الأجر، أو أن أدعو إلى الله، وهذا الطريق بلا شك أنه أقل من الأول في كسب الأجر، فأي الطريقين أسلك؟ A من قال لك: إن الطريق الثاني هو أقل أجراً من الطريق الأول؟ بل العكس، الطريق الثاني هو أعظم أجراً وأبقى وأدوم من الطريق الأول، الطريق الأول طريق منفعته لازمة لك فقط، حسنات تجمعها لنفسك، لكن الطريق الثاني طريق منفعته متعدية إلى غيرك. إذا دعوت إلى الله، وهدى الله على يديك رجلاً واحداً فإنه خير لك من حمر النعم، أو خير لك من الدنيا وما عليها، وأيضاً فإن هداية الإنسان الواحد على يديك ستكون كل أعماله من صلاة وزكاة وصيام وحج وبر وكل حسناته، تأتي يوم القيامة تجدها صورة كأصل في ميزان حسناتك؛ لأن من دل على هدى كان له مثل أجر فاعله دون أن ينقص من أجر صاحبه شيء، ومن دل على إثم أو ضلال كان عليه من الوزر مثل ما على فاعله دون أن ينقص من وزر فاعله شيء. فعملية الجلوس في المحراب متضرعاً تقرأ، هذه ليست طريقة الرسل، هل بعث الله الرسل على هذا المنوال، وتركهم يجلسون في المساجد والزوايا يعبدون الله ويتضرعون؟ لا أبداً. بعث الله الرسل في أواسط أقوامهم وكلفهم بحمل الرسالة، ثم لما انتصر الدين هل جلس الصحابة في مكة والمدينة يتعبدون أم تشتتوا وتفرقوا وماتوا في كل بقاع الأرض؟ ما من بقعة في السند ولا في الهند ولا في الشرق والغرب إلا وفيها قبر مسلم، كان في إمكانه أن يجلس في زاوية من الزوايا ويقرأ ويتعبد، لكن لا، ما هذا بصحيح، الطريق الدعوة والانتقال بها، ودعوة الناس لكن على هدي الرسول صلى الله عليه وسلم: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف:108] الذي لا يدعو إلى الله على بصيرة لا يدعو إلى الله حقيقة، بل يدعو إلى الشيطان وإلى نفسه: {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108] نسأل الله لي ولك أن نكون من أهل البصيرة في دين الله.

كيفية معالجة مرض ضعف الإيمان

كيفية معالجة مرض ضعف الإيمان Q أنا شاب أجد في نفسي الثقل أمام الأوامر الشرعية، فهل هذا نفاق؟ وكيف السبيل إلى تقبل الأوامر الشرعية بنفس طيبة؟ A هذا ليس نفاقاً ولكنه ضعف في الإيمان، الآن إذا جئت إلى مريض وطلبت منه أن يحمل لك كيساً هل يستطيع حمله؟ مريض على السرير، وقلت له: من فضلك ارفع لي هذا الكيس على السرير -كيس أرز أو كيس حبوب أو سكر- لا المريض لا يستطيع، لكن إذا أصبح متعافي نشيطاً فإنه يستطيع، فأنت ثقل الطاعات والأوامر الشرعية عليك يدل على ضعف ومرض في قلبك. كيف تعالجه؟ بالعلاج الإيماني: عن طريق حلق الذكر، ومجالسة العلماء، وكلام الله وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومؤاخاة الطيبين، والبعد عن السيئين هذه وسائل العلاج، وبعد ذلك بالمجاهدة؛ لأن الله يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:69]. والعلم بالتعلم، والصبر بالتصبر، والدين بالمجاهدة، جاهد، أنت يصعب عليك أنك تقوم أو يثقل عليك أن تقوم لصلاة الفجر، ولماذا؟ لأنك تريد النوم، جاهد نفسك حتى تصبح العبادات والطاعات في حقك ملكات راسخة، وعادات ثابتة تمارسها بسهولة، هذه تحتاج إلى مبادرة من نفسك، لا أحد يستطيع أن يداويك في هذا الموضوع، لا تتصور من العالم أن يقول لك: أنا سأحمل عنك جزءاً من الصلاة، لا. ولا المدرس ولا الزميل ولا بل أنت أنت، البداية منك، والمبادرة من جانبك، لأنها داخلة ضمن دائرة مسئولياتك أنت، في أن تهتدي وتحمل دين الله بقوة إن شاء الله.

حكم من أصبح جنبا في رمضان من العادة السرية ولم يغتسل

حكم من أصبح جنباً في رمضان من العادة السرية ولم يغتسل Q رجل يعمل العادة السرية ليلة رمضان ثم يتسحر وينوي الصوم ولا يغتسل بل يكتفي بالوضوء، فما رأيكم في ذلك؟ A العادة السرية عادة محرمة بالكتاب وبالسنة، والمسلم الوقاف عند أوامر الله لا يعملها، قبل أن نعطيك ونفتيك في سحورك وفي صيامك، نقول: إن هذا محرم؛ لأن الله يقول: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المعارج:29] {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} يعني: الإماء {فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المعارج:30 - 31] هل تريد أن تكون معتدياً على حدود الله تبارك وتعالى؟ هذه الآية قد جاءت في سورة المؤمنون، فالله أخبر في هذه الآية أن الذي لا يقتصر على الزوجة أو على ملك اليمين، ويبحث عن شيء فوق ذلك أنه ما أفلح، وأنه عادٍ، وأنه غير حافظ لحدود الله عز وجل، فليتق الله هذا الشاب في نفسه، ولا يعمل هذه العادة. والرسول صلى الله عليه وسلم في السنة يقول: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة -يعني: الزواج والنفقة- فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم -ولم يقل: عليه بيده- فإنه له وجاء). نكاح اليد الذي يسمونه "العادة السرية" اسمه في الشرع "نكاح اليد" وصاحبه ملعون (لعن الله ناكح يده) وفي الأثر: أنه يأتي يوم القيامة ويده حبلى منه، ما من حيوان منوي يخرج منك عن طريق العادة السرية إلا حملت منه يدك ولكن لا يظهر منه الحمل الآن، ويظهر الحمل يوم القيامة. فيا أخي المسلم تب إلى الله أول شيء. أما قضية الصوم حال أنك تسحرت ولم تغتسل، فإن الرجل إذا أصبح جنباً -من الحلال أو من الاحتلام- وصام فإن صيامه صحيح؛ لأنه لا يشترط في نية الصوم الطهارة، تقول عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً فيصوم ثم يغتسل ويتوضأ) أما هذا الذي يقول: أنه مارس العادة السرية وتوضأ، فوضوءه غير رافع للحدث الأكبر؛ لأن العادة السرية خروج ماء هو مني وفي الحديث (الماء من الماء) أي: ماء الغسل يجب بخروج الماء وهو (المني) أي: أنه يوجب الغسل، فلا يرتفع الحدث الأكبر عنك بالطهارة الصغرى وهي الوضوء، فينبغي لك أن تعود إلى البيت وأن تغتسل وأن تقضي جميع الصلوات التي صليتها بالوضوء؛ لأنها لم تقبل منك.

كيفية قراءة القرآن وختمه في رمضان

كيفية قراءة القرآن وختمه في رمضان Q هل يستطيع الإنسان أن يختم القرآن الكريم في شهر رمضان المبارك بكثرة القراءة؟ الشيخ: حسناً، أولاً: يستطيع الإنسان أن يختم القرآن ليس في رمضان مرة بل في رمضان مرات ومرات، وقد قرأت في كتب العلم وكنت أقف عندهم وأتحير: كيف أن بعض أهل العلم كان له في رمضان ستون ختمة، الشافعي رحمه الله كان يختم في رمضان ستين ختمة، في كل يوم ختمتين، ختمة في الليل وختمة في النهار! فأقول في نفسي: كيف؟ هل نقعد شهراً ونختم مرة واحدة؟ فجربت مرة من المرات اعتكفت في أحد المساجد، وقلت: لأجربن هذا اليوم، هل أستطيع أن أختم القرآن مرة، فبدأت بعد صلاة الفجر في تلاوة القرآن وانتهيت منه قبل المغرب بحوالي ساعة، ختمته كله، لكنني لم أكن أتوقف إلا للصلاة، فعرفت أن ما ذكر وما نقل أنه صحيح. وبعد ذلك قراءتهم رحمهم الله قراءة متمكنة، القرآن اختلط بدمائهم، وأصبحت ألسنتهم وشفاههم كأنها مصنوعة للقرآن، لم يعد فيها تعب، يمارسون القرآن وهو سهل عليهم، رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به -يعني: متمكن، أصبح مثل الآلة- مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران: أجر القراءة وأجر المشقة). لكن في سبيل التحصيل، لا يقعد يتعتع في البيت ويقول: أنا أريد أجرين لا. إذا كان يتعتع ولا يتعلم هذا يمكن أن يكون عليه وزر، لكن يتعتع عند التعلم والتلقي، فلا بد أن يتعلم حتى يستقيم لسانه، فهذا الأخ الذي يقول: هل يستطيع الإنسان؟ نعم يستطيع الإنسان أن يقرأ القرآن في رمضان ليس مرة بل مرات كثيرة، ولكن ورد في بعض الآثار: أن السنة ألا يختم في أقل من ثلاثة أيام بلياليها؛ لأنه لو ختم في أقل من ثلاث فسيؤدي هذا إلى انقطاعه عن مصالحه، وربما لا يفهم المراد من القرآن، ولكن الشافعي رحمه الله كان متفرغاً للعلم، ليس له مصلحة واحدة في الدنيا، حتى قيل أنه قال: من اشتغل عن العلم بشراء بصلة لم فاتته مسألة، يقول: من اشتغل عن العلم بشراء حزمة بصل لا يتعلم، فكيف أنه يشتغل عن العلم بشراء (كشف) كل يوم ومعه بيان من زوجته بالحاجات، كيف يتعلم هذا؟ لا يتعلم والله المستعان!

صل وانتظر النتيجة

صلِ وانتظر النتيجة للصلاة مكانة عظيمة في جميع الأديان السابقة، والمحافظة عليها مما امتدح الله به الأنبياء. إلا أن الله اختص هذه الأمة عمن سبقها بأن جعل الصلاة عمود هذا الدين، وميزها عن سائر العبادات بأن افترضها على أمة الإسلام في السماء، حين عرج نبينا محمد ليلة الإسراء. ولعظم هذه العبادة كان التشديد على المحافظة عليها، والوعيد الشديد لمن فرط في شيء منها، حتى أنها جعلت فاصلاً بين الكفر والإيمان.

أهمية الصلاة

أهمية الصلاة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين سيدنا وحبيبنا وإمامنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره وسار على دربه واتبع شريعته ودعا إلى ملته وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الأحبة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأسعد الله جميع أوقاتكم، وأسأل الله سبحانه وتعالى كما جمعنا في هذا المكان الطاهر وفي هذه الليلة المباركة وبعد أداء هذه الفريضة العظيمة أسأله أن يجمعنا بمنه ورحمته وفضله وكرمه في جناته جنات النعيم وآبائنا وأمهاتنا وإخواننا وأخواتنا وزوجاتنا وذرياتنا وجميع إخواننا المسلمين برحمته إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين. أيها الأحبة: من أعظم الدلائل ومن أبرز البراهين على صدق إيمان العبد وعلى قوة يقينه هو: حرصه على أداء هذه الصلاة التي هي صلة بين العبد وبين الله، وكلما كانت علاقتك بالصلاة قوية وحرصك عليها شديداً وحبك لها عظيماً كان هذا دليلاً على حبك لله وعلى قوة إيمانك به ويقينك عليه. وإذا نظرنا إلى هذه الفريضة العظيمة وجدنا أنها تحتل مكاناً عظيماً في الإسلام بل في كل الرسالات، فإنه ما من نبي بعث ولا رسالة نزلت إلا وفيها الأمر بإقامة الصلاة كما فيها الأمر بتوحيد الله عز وجل، فهي عبادة مشتركة لجميع أمم الأرض منذ أول الأنبياء إلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، يقول عز وجل: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ} [الأنبياء:73] فبعد أن سرد قصص بعض الأنبياء ذكر أنه أوحى إليهم فيما أوحى إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة.

اهتمام الأنبياء بالصلاة

اهتمام الأنبياء بالصلاة يذكر الله عن بعض الأنبياء بصفة صريحة ظاهرة الأمر بالصلاة: - إبراهيم عليه السلام: يقول تعالى: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ} [إبراهيم:37] وكان من دعائه: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ} [إبراهيم:40]. - إسماعيل عليه السلام: يثني الله سبحانه وتعالى عليه ويقول: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ} [مريم:54 - 55]. - موسى عليه السلام: وذلك حينما حصل له التكليم من الله عز وجل؛ لأن الله اختصه واصطفاه بالكلام {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} [الأعراف:144] {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء:164] حينما عاد من رحلة العمل التي قضاها في خدمة عمه وهي إجارة عشر سنين مهراً لابنته التي تزوجها {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ} [القصص:27] ثم قضى أفضل الأجلين وهي العشر سنوات ثم استأذن عمه في أن يعود إلى بلاده وسار بأهله، فلما كان في الطور في سيناء وكانت ليلة باردة ومطيرة وشاتية وكانت زوجته في حال الوضع، والمرأة في حالة الوضع تحتاج إلى الدفء وتحتاج إلى الطعام {فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً} [طه:10] رأى نوراً فظنه ناراً: {لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:10 - 14] هنا الشاهد في أول الأمر (فاعبدني وأقم الصلاة). عيسى عليه السلام لما حملت به مريم ابنة عمران وكان حملها به بطريقة تختلف عن البشر، أراد الله عز وجل أن يظهر قدرته في خلق الإنسان من غير أب واختار لهذه الآية مريم، وسبب اختيار الله لمريم؛ لأن الله قد عصمها من الشيطان؛ ولأن أمها وهبتها لله وكانت تظن أنها ذكر، فقالت: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [آل عمران:35] وهبته لله حتى يكون خادماً لـ بيت المقدس ولكنها لما وضعت إذا بها أنثى، والأنثى لا تصلح لأن تخدم بيت المقدس الذي يرتاده الرجال {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ} [آل عمران:36] قال الله تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً} [آل عمران:37]. ولهذا ثبت في الصحيح أنه: (ما من مولود يولد إلا ويضربه الشيطان على ضلعه عند خروجه من بطن أمه إلا مريم وابنها) لم يستطع لهم الشيطان؛ لأن الله أعاذهم {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ} [آل عمران:36] من ذريتها؟ عيسى {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ} [آل عمران:37]. كان الحمل عن طريق جبريل عليه السلام؛ نفخ في جيب درعها وقالت له حينما جاء: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً} [مريم:18 - 21] أراد الله بخلق عيسى التدليل على قدرته سبحانه وتعالى على خلق الأشياء من غير ما اعتاد الناس، فإن الله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وقد خلق الناس على أربعة أشكال: الشكل الأول: من غير أم ولا أب وهو آدم، قبضه ربنا من التراب وقال له: كن. فكان آدم من غير أم وأب. الشكل الثاني: من أب بلا أم، وهي حواء: مخلوقة من ضلع آدم لكن ليس لها أم. الشكل الثالث: من أم بلا أب وهو عيسى. الشكل الرابع: من أب وأم وهم سائر البشر، ولهذا يقول الله عز وجل: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ} [آل عمران:59] إذا كنتم تستبعدون أن يخلق الله عز وجل إنساناً من أم بلا أب فلماذا لا تستبعدون أن يخلق الله إنساناً من غير أم ولا أب {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران:59]. حملته وانتبذت به مكاناً قصياً، حملها ووضعها كله كان في آن واحد ليس في تسعة أشهر، وبعد ذلك قال: {فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَاناً قَصِيّاً} [مريم:22] والفاء هنا يسمونها فاء الفجائية وبعضهم يسميها تعقيبية تقول: جاء فلان ففلان ففلان وراء بعض، حملته وانتبذت به وجاءها المخاض وشعرت بالألم ليس ألم الوضع، إنما ألم مواجهة المجتمع بهذا المخلوق الجديد الذي ليس له أب، ماذا تقول للناس؟! فقالت: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً} [مريم:23]. وليس أشق على النفس العفيفة والطاهرة والشريفة من أن تدنس أو يدار حولها أو حول عرضها أي شيء فيتمنى الإنسان العفيف الشريف الطاهر وتتمنى المرأة الطاهرة الشريفة أن تدفن في الأرض ولا يدور حول عرضها شيء، فالعرض غالٍ، والعرض كالتاج على الرأس؛ أي شيء يلوثه يكسره، فرأت وضعها وعانت نفسياً وقالت: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْياً مَنْسِيّاً} [مريم:23] فناداها لما خرج مباشرة وكلمها وهو من الأربعة الذين تكلموا في المهد {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي} [مريم:24] كيف لا تحزن؟! {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً} [مريم:24 - 26]. وفي هذا الوضع النفسي المؤلم يقول لها: (وقري عيناً) وقرير العين هو الإنسان المرتاح الذي يعيش أفضل حياة السرور؛ لأن عين الإنسان المرتاح تقر -أي: هذه السوداء- لكن الذي في قلبه قلق ترى عينيه غير مستقرة، لا عيناً ولا نفساً، ولدها -وهي في حالة نفسية صعبة- يقول لها: قري عيناً، يقول المفسرون: قري عيناً؛ لأنك موضع اختيار من الله لإظهار هذه الآية! وهذا تشريف وتكريم أن يختارك الله من بين سائر العالمين ليظهر عن طريقك آية من آياته وقدرة من قدراته سبحانه! يقول تعالى: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً} [مريم:26] أي: لا داعي للاعتذار؛ لأن الاعتذار لا يجدي. ولذلك إذا رأيت التطويل مع شخص في الكلام ليس له نتيجة فكف. فأي كلام تستطيع أن توجهه للناس وتقنعهم بولدها؟ فالأحسن السكوت والله يدافع عنها: {فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّا * فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ} [مريم:26 - 27] في الصباح لم يكن معها شيء والآن قد أصبح معها ولد فاستغربوا: {قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً} [مريم:27] الفري: الشيء العظيم، {يَا أُخْتَ هَارُونَ} [مريم:28] أخوها من عباد بيت المقدس، ودائماً العروق والأصول السليمة لا تنبت إلا الثمار الطيبة؛ فذكروها بأخيها ثم ذكروها بأبيها وأمها: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} [مريم:28] كيف تشذين عن المنهج السوي؟! أبوكِ عابد وأمكِ عابدة وليست بغياً، وأخوكِ عابد، وأنت تعملين هذا؟! {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} [مريم:29] لم تتكلم؛ لأنها مأمورة ألا تتكلم، فاستغربوا وقالوا: عجيب! الطفل يتكلم؟! تكلمي أنتِ. فتكلم الطفل {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} [مريم:29 - 30]. هذه أول كلمة قالها وهي تنسف عقيدة أكثر من مليار ونصف نصراني على وجه الأرض الذين يعتقدون أن عيسى ابن الله -تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً- هو الذي يعرف نفسه ويكذبهم في أول عبارة منه، فيقول: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} [مريم:30] لأن الله سبحانه وتعالى ليس له ولد؛ صفة الولد في الرب صفة نقص، وصفة الولد في العبد صفة كمال، الذي عنده أولاد يرفع رأسه، لماذا؟ لأنه يحتاج إليهم إذا كبر ومرض وشاب وهرم، فمن نقصه يحتاج إلى الولد، أما الله فمن كماله لا يحتاج إلى ولد ولهذا يقول الله تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً * وَمَا ي

الصلاة عمود الإسلام

الصلاة عمود الإسلام احتلت الصلاة المكانة العالية والرفيعة في دين الله حتى جعلها الرسول صلى الله عليه وسلم عمود الإسلام، وأهم أجزاء الشيء عموده، فإذا عندك خيمة فالخيمة أهم جزء فيها هو العمود الذي بعدمه لا توجد خيمة، وإذا كان عندك خيمة ولا يوجد معها عمود ماذا تعمل بها؟ تصبح بطانية أو لحافاً فقط، لكن الخيمة لا بد لها من عمود، فإذا وجد العمود وجدت الخيمة، وإذا نقص وتد أو نقص شيء خاص بالخيمة تسقط، كذلك الصلاة عمود الإسلام، بحيث إذا وجدت وجد الإسلام وإذا انتفت وضاعت ضاع الإسلام. جاء في حديث معاذ الصحيح في السنن وفي مسند أحمد أنهم كانوا في سفر -في غزوة- فقال معاذ: (أصبحت وإذا بناقتي بجوار ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار) انظروا همة الصحابة! نفوسهم عالية، لا يسألون إلا عن هذه الجنة وعن هذه النار، لو أن شخصاً منا كان في هذا الموضع لقال: أسألك سيارة أو أرضية، همنا الأراضي فقط، وهؤلاء همتهم عالية، يريد الجنة ويريد الفوز بها ويريد أن ينجو من النار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد سألت عن عظيم). ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه يقول: (كنت بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل فأخذت إداوة ووضعت فيها ماء أرقبه ليقوم فأقدمه له، فقام من الليل ففتح الباب وأنا عند الباب، فقلت: هذا الماء يا رسول الله! قال: من؟ قلت: ربيعة، قال: سلني يا ربيعة! قلت: أسألك مرافقتك في الجنة قال: أو غير ذلك؟ قلت: ما هو إلا ذلك، قال: أعني على نفسك بكثرة السجود). يقول معاذ بن جبل رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم: (أخبرني بعمل يدخلني الجنة وينجيني من النار) لأن هذا هو السعادة وهو الفوز وما قيمة دنيا بعدها نار، وما قيمة قصر بعده قبر، وما قيمة جسد بعده تراب تأكله الدود لكن عندما تدخل الجنة {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران:185] اللهم إنا نسألك من فضلك يا أرحم الراحمين. والله إن هذا هو الفوز أن تنادى يوم القيامة، ما هو يوم القيامة؟ يوم قيامتك أنت، وهذا قريب لأن العبد إذا مات فقد قامت قيامته، وأنت في بيت أهلك يأتي إليك ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب فإن جاء ملائكة الرحمة شاهدتهم من بعيد فتحب لقاء الله، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قالت عائشة: يا رسول الله! كلنا يكره الموت؟ قال: ليس ذلك، لكن المؤمن إذا رأى ملائكة ربه أحب لقاء الله) اللهم لا تحرمنا من فضلك العظيم. ساعات حرجة أن تنظر وتقول وتعلن سعادتك التي تبدأها بأن تأخذ روحك ملائكة الرحمة وتضعها في حنوط من الجنة وكفن من الجنة، ثم تصعد إلى السماء ولها ريح كأطيب ريح وجد على ظهر الأرض، ثم تستفتح لك الملائكة في السماء فيفتح لك حتى يكتب كتابك عند الله في عليين وتعاد روحك إلى جسدك هذا والله هو الفوز وهذا ممكن وسهل جداً كما جاء في الحديث: (لقد سألت عن عظيم، ثم قال: وإنه ليسير على من يسره الله عليه) اللهم يسره علينا يا أرحم الراحمين، ثم ذكر (تعبد الله لا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وبعد ذلك قال: ألا أدلك على رأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله! قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله). وفي الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة) فهي عمود الإسلام، بل كانت قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (وجعلت قرة عيني في الصلاة) وكان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، من هو الذي إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة؟! بل نفزع للتليفون، نفزع للجار وللمدير وللوزير ولم نفكر أن نفزع إلى الله. شخص من الناس ظلم بشهادة زور على قطعة أرض، والأرض له وملكه وملك أبيه وجده والناس يعرفون ذلك، لكنَّ شخصاً أراد أن يأخذها؛ لأنها أمام البيت فهو يريدها للضيوف وموقفاً للسيارات، فذهب وسوّرها، وجاء صاحبها وقال له: يا أخي! هذه الأرض ملكي، قال: هذه ليست لك، فاشتكى ذاك، قال: تحت يدي هل عندك بينة؟ قال: عندي بينة، فذهب وأتى بشهود زور أن هذه الأرض المحددة شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً ملكاً لفلان بن فلان أباًَ عن جدٍ لا ينازعه فيها منازع ولا يشاركه فيها مشارك والله على ما نقول شهيد، وعلمهم الشهادة في الليل والله ينظر إليهم في الليل وأغراهم بنقود وقال: الدنيا دوارة؛ اليوم عليك وغداً لك، إذا شهدتم لي غداً أنا سوف أشهد لكم مرة أخرى، قالوا: مالنا بك عذر وشهدوا، قال القاضي للمشهود عليه: عندك فيهم جرح هؤلاء الشهود، قال: لا يحتاجون، التزكية أنا أزكيهم لكن كلمة أقولها يا قاضي! قال: نعم. قال: والله إني أعلم إن هذا يعلم -صاحب الدعوة- والشهود أنهم كاذبين وأن الأرض لي ولكن أرادوا أن يأخذوها غصباً فأنا أحيلهم إلى الله فينصفني منهم رب العالمين، قال: توقع أن عندك اعتراض على الصك، قال: لا. ليس عندي اعتراض، خرج من المحكمة ودخل إلى المسجد ورفع برقية عاجلة إلى الله؛ لأن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الله تعالى: (وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين) لكنه ما كان يريدها بعد حين، صلى ركعتين، وقال: اللهم إنك تعلم أن فلاناً ظلمني وأخذ الأرض وهي أرضي، وشهد اثنين ظلماً وزوراً، وإنه الآن يحوطها ويبني عليها وأنا أشاهده بعيني، فإن قتلته قتلوني وإن مكثت أشاهده كل يوم آلمني قلبي، اللهم إني أسألك أن تنصرني هذا اليوم وليس غداً، يقول: أريد الإجابة عاجلاً. وخرج من المسجد وذهب إلى بيته ودخل البيت مكسور الفؤاد حزيناً، قالت له زوجته: ماذا بك؟ قال: لا شيء، أريد أن أنام، فرشت له الفراش ونام قبل الظهر، وقليل وإذا بالصارخ يصرخ في القرية، ماذا حصل؟ قالوا: حادث مروري، لمن؟ للثلاثة؛ الشاهدين وصاحب الصك قد أخذ الصك في جيبه والشهود معه وقال لهم: الغداء في البيت في القرية وفي نشوة الفرحة بالأرض دار بقوة فانقلبت السيارة أكثر من مرة ومات الرجل ومات الشاهدان وما أمسوا تلك الليلة إلا في قبورهم، وفي اليوم الثاني بعد العزاء تأتي المرأة وتأخذ الصك من ثياب زوجها وهو ملطخ بالدم لتذهب إلى القاضي وتقول: يا قاضي! والله ما قتل زوجي إلا هذا الصك، قالت: والله إن الأرض ليست لنا لقد ذهب زوجي فلا أريد أن يذهب جميع أولادي.

أحاديث في فضل الصلاة

أحاديث في فضل الصلاة كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة وكان يقول لـ بلال: (أرحنا بها يا بلال) ليس مثلنا الآن ونحن نصلي الآن ونقول: دعونا نصلي الآن من أجل أن نرتاح منها كأنها حمل نبعدها عن أكتافنا من أجل السمر، يقول: نسمر، لقد صلينا وارتحنا من الصلاة، لا. يقول: (أرحنا بها يا بلال) أي: أدخل الراحة والأمن واللذة والمتعة في قلوبنا بها، هل نجد الراحة والأمن والمتعة في الصلاة الآن؟ أم أن بعضنا يأتي وهو مغصوب، وبعضنا في الصلاة تشاهده يراوح بين رجليه ويحك ويريد أن ينفك بأي وسيلة وينتظر حتى تنتهي الصلاة. وكان صلى الله عليه وسلم يقول كما في الصحيحين: (سبعة يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم: رجل قلبه معلق بالمساجد) وفي صحيح مسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط). والأحاديث في فضل الصلاة وأهميتها كثيرة جداً في دين الإسلام، هذه العبادة العظيمة حتى الملائكة تعبد الله بالصلاة يقول عليه الصلاة والسلام: (أطت السماء) أي: انحنت واحدودبت (وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وملك راكع أو ساجد). هناك ملائكة ركع من يوم أن خلقهم الله إلى يوم القيامة، فإذا قامت القيامة رفعوا ظهورهم وقالوا: سبحانك ربنا ما عبدناك حق عبادتك، والملائكة سُجَّد منذ خلقهم الله إلى يوم القيامة يسبحون الليل والنهار لا يفترون {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6].

من خصائص الصلاة

من خصائص الصلاة هذه الصلاة -أيضاً- لها خصيصة في دين الله وهي أن جميع التكاليف الشرعية فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم في الأرض إلا الصلاة لأهميتها، لما جاء الأمر بفرضيتها استدعي النبي صلى الله عليه وسلم فأسري به من مكة إلى بيت المقدس ثم عرج به من بيت المقدس إلى السماء حتى بلغ سدرة المنتهى وفي مكان في السماء تركه جبريل، قال: تقدم، قال: أنت، قال: لا. {وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [الصافات:164] {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم:9 - 13] إلى آخر الآيات. فرض الله عليه خمسين صلاة، هذا في أصل مشروعية الصلاة، ولو أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في الأرض وفرضت عليه الخمسين لما كان بالإمكان المراجعة! مثل الزكاة؛ هل راجع الرسول صلى الله عليه وسلم في الزكاة؟ هل راجع في الصوم؟ ليس هناك مراجعة في أي شيء إلا في الصلاة، لماذا؟ لأنه في السماء بين الله وبين موسى نزل الرسول صلى الله عليه وسلم وحمل التكليف خمسين صلاة، أي: لو كانت خمسين صلاة انظروا كم نصلي في مدى (الأربعة والعشرين) الساعة نصلي كل (ثمانٍ وعشرين) دقيقة صلاة! أقل من نصف ساعة؛ لأن كل نصف ساعة صلاة، أي: ثمانية وأربعون صلاة، ويبقى معنا صلاتان ندخلها في النص نأخذ من كل نصف ساعة دقيقتين حتى نغطي، بمعنى: أنه ليس معنا إلا الصلاة نصلي ونسلم، وأذن الثانية ونصلي، وأذن الثالثة إذاً نصف ساعة تتوضأ وتصلي وتسلم وأذن الثانية، أي: أنه ما معنا إلا الصلاة، وهذا هو الصحيح؛ فالله ما خلقنا إلا للصلاة وللعبادة، فالله فرضها خمسين من أجل أن تستوعب علينا وقتنا كله. ونزل صلى الله عليه وسلم ومر على موسى، فقال له موسى: (ما فرض الله عليك؟ قال: خمسين صلاة، قال: ارجع فاسأل ربك أن يخفف فإن أمتك لا تطيق -يقول: بني إسرائيل فرض الله عليهم صلاتين فضيعوها وأمتك ستضيعها- فرجع إلى الله سبحانه وتعالى وسأله التخفيف، فخففها الله خمساً، ونزل، قال: خمساً، قال: ارجع، فرجع ثانية ونزل قال: خمساً. بقي أربعون، فقال: ارجع فلا يزال بين الله وبين موسى حتى صارت خمساً، قال موسى: ارجع، يريد أقل من خمس، فقال صلى الله عليه وسلم: لقد استحييت من ربي) فقال الله عز وجل عند هذه الكلمة: (إنه لا يبدل القول لدي، هي خمس في الأداء وخمسون في الأجر). ولذا عندما تصلي خمساً فأنت تصلي خمسين؛ الحسنة بعشر أمثالها، فوالله إنه محروم من يضيع هذه الصلاة، خمس فقط! نصلي الآن العشاء وبعد ذلك كم نمكث حتى نصلي؟ إلى الفجر نحو (ثمان ساعات) إلا لمن أراد ووفقه الله للتهجد، ثم نصلي الفجر ركعتين ونمكث بعدها إلى الظهر من (أربع ونصف) أو من (خمس) إلى (اثني عشر) وليس هناك صلاة ومع هذا نضيعها؟! إذاً لماذا خلقنا الله؟! ما فهمنا -أيها الإخوة- لماذا خلقنا الله! أكثر الناس يظن أن الله خلقه من أجل أن يعمر ويتوظف ويدرس ويأكل ويشرب وهذه الصلاة في ذيل الاهتمامات آخر ما يفكر فيه الصلاة، أي: برنامجه معروف: استيقاظ دوام غداء نوم تمشية تسوق سهر نوم هذا برنامج أكثر الناس، والصلاة على الهامش، إن كان يوجد وقت وضع لها مجالاً وإن لم يكن نسيها وضيعها، هذا ضائع ليس فيه خير -والعياذ بالله- هذه خصيصة الصلاة أن الله فرضها في السماء لأهميتها. ومن خصائص الصلاة أيضاً: أنها العبادة الوحيدة التي لا تسقط على الإنسان في أي حال من الأحوال ما دام يملك عقله، جميع الشرائع تسقط، الزكاة ركن لكن إذا لم يكن عندك مال فليس عليك زكاة، أو عندك مال لم يبلغ النصاب ليس عليك زكاة، أو عندك مال وبلغ النصاب لكن لم يحل عليه الحول ليس عليك زكاة وهي ركن. والصوم ركن من أركان الدين ومن كان مريضاً أو مسافراً أفطر ويقضي بعد ذلك، والمريض مرضاً لا يرجى برؤه والأطباء يقولون: مرضك مزمن لا يمكن أن تشفى، أفطر طول حياتك ولا تصم وأطعم ويسقط عنك الصوم. والحج ركن، وإذا كنت لا تستطيع الحج يسقط عنك الحج كل الشرائع تسقط إلا الصلاة! الصلاة لا تسقط بعدم الاستطاعة، صلِّ قائماً، لم يقل: لا تصل، لا. قال: صل وأنت جالس، يا رب لا أستطيع أن أصلي وأنا جالس، صلِّ على جنب، يا رب لا أستطيع أن أصلي وأنا على جنبي، صل بالإيماء؛ أومئ إيماءً برأسك وأنت على السرير، كبر، الله أكبر اخفض رأسك في الركوع قليلاً وفي السجود أكثر، لا تستطيع تحريك رأسك فبعينك، لست متوضأً تيمم، لا تستطيع التيمم ليس عندك تيمم صل بغير وضوء، سريرك أو فراشك على القبلة الحمد لله، لا تستطيع أن تصلي إلى القبلة صل إلى غير القبلة {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:115] ثيابك طاهرة ونظيفة الحمد لله، وإن كان فيها نجاسة غيرها إذا لم يوجد أحد يغير لك صلِّ في ثيابك. المهم، لا تترك الصلاة، لماذا؟ لأهميتها. صلاة الأمن شرعها الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن صلاة الخوف من الذي بينها: الله، صلاة الأمن صلاة المغرب ثلاثاً، والعصر أربعاً، والعشاء أربعاً، والفجر اثنتين، والظهر أربعاً، ما جاءت في القرآن، جاءت في السنة الثابتة الصحيحة، لكن صلاة الخوف جاءت في القرآن بالتفصيل حتى لا يقول شخص من الناس: نحن في معركة، نحن في جهاد، نحن نفتح الأرض لدين الله، فليس هناك داعٍ للصلاة، نصليها في وقت آخر، لا. الصلاة حتى وأنت تجاهد تصلي، قال عز وجل: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمْ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء:102] تفصيل لكيفية صلاة الخوف، فليس هناك صفوف يا رب! الحرب محتدمة والسيوف مشتبكة، قال: {فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً} [البقرة:239] إذا كنتم راجلين أو راكبين؛ على طائرتك أو على دبابتك أو في خندقك أو راجل صلِّ، لا تضيع الصلاة وذلك لأهمية الصلاة!

كيفية الصلاة الصحيحة

كيفية الصلاة الصحيحة لكن حتى تجد نتيجة لصلاتك صلِّ وانتظر النتيجة، فلا تسمى الصلاة صلاة إلا إذا توفرت فيها أشياء أساسية، وليس كل من صلى يعتبر مصلياً، كم من مصلٍ لم تتجاوز صلاته رأسه، المنافقون كانوا يصلون، يقول الله عز وجل: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة:54] فأثبت الله لهم صلاة لكن بكسل، ونفقة لكن بإكراه ثم ذكر أنهم كفار: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ} [النساء:142] سماهم الله منافقين وقال: إنهم يقومون للصلاة ولكنهم يقومون وهم كسالى،، وإذا أردت أن تعرف هل أنت مؤمن أم منافق: اسأل نفسك عن قيامك للصلاة، إذا كنت تقوم وأنت تسحب نفسك سحباً وهذا يظهر فيمن يوجد في الصفوف الخلفية يؤذن ولا يأتي، وتقام الصلاة ثم يأتي، لماذا؟ يقول أحد السلف: بئس العبد الذي لا يأتي إلا إذا دعي، يقول: بئس العبد الذي لا يأتي إلا بعد الأذان. يقول ابن المسيب: [والله ما سمعت الأذان من خارج المسجد أربعين سنة ولا نظرت إلى ظهر مصلٍّ ولا خرجت يوماً من بيتي إلى المسجد فلقيني الناس وقد صلوا]. وكان السلف لا يسمعون الأذان إلا وهم في المسجد؛ لا ينتظرون الأذان، الأذان هو الإعلام بدخول الوقت فقط، ليس الإعلان لكي تأتوا للصلاة، هم يأتون قبل أن يدعوا، والآخر يقول: إذا رأيت الرجل تفوته تكبيرة الإحرام فاغسل يديك منه، يقول: هذا ليس بشيء. وإن مما يؤسف له أن نرى بعض الملتزمين الذين عليهم علامات الدين وعلامات السنة في لحيته وثوبه ووقفته لكن تجده دائماً يصلي في آخر الصف، تكبيرة الإحرام لعب عليه الشيطان فيها، وتجد بعض عوام الناس في الصف الأول، هذا الذي في الصف الأول هو الملتزم الصادق، أما ذاك الملتزم الصوري ملتزم بالشكل لكن القلب فيه مرض، أدى به إلى أن يكون متخلفاً دائماً. يؤذن المؤذن لكن لا يجيبه، ولو قلنا للناس: تعالوا قبل الأذان لن يأتي أحد، لكن تقول لنا عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثنا ونحدثه فإذا سمع: حي على الصلاة حي على الفلاح قام كأنه لا يعرفه منا أحد) وكان الرجل يبيع ويشتري والميزان في يده، فإذا سمع الأذان وضع الميزان لا أحد يستطيع أن يغلق هذه الوزنة، انتهى. لا يجوز، إذا عملت كذا معناه أنك تحب الله تحب الصلاة، أنت عندما يعزمك شخص تحبه، قال: الغداء عندنا أو العشاء الليلة عندنا، وأنت تحبه تأتي قبل الناس كلهم، تقول: والله آتي قبل الناس كلهم من أجل أن أتكلم أنا وإياه قبل أن يأتي الناس، لكن شخصاً لا تحبه ولا تطيقه ولكن تلزمك الظروف إما نسب وإما جيران وإما عمل نلزمك إن تذهب له فتقول: متى العشاء؟ فيقول: بعد العشاء، تقول: بعد العشاء وقت طويل، متى تضعون السفرة، لماذا؟ والله أنا مشغول وتنظر إلى الساعة فإذا جاءت الدقيقة تلك أتيت السفرة وعيناك على الصحن تأكله من عند الباب وتمشي مثل بعض الناس لا يأتي إلا إذا أقيمت الصلاة، يأتي آخر شخص ويخرج أول شخص؛ من أجل أن يسلم الإمام وهو عند الباب، ماذا بك؟ أنت مجنون؟ بينما المؤمن يأتي أول شخص ويخرج آخر شخص، بل يخرج هو يسحب نفسه بالقوة؛ لأنه يعرف أنه يدع روضة من رياض الجنة ويخرج إلى أماكن قد لا يحبها الله سبحانه وتعالى. وحتى تكون الصلاة صحيحة ننتظر نتائج هذه الصلاة ولا بد أن تتوفر في الصلاة هذه الأشياء:

الهيكل العام للصلاة

الهيكل العام للصلاة أولها: وهو الهيكل العام للصلاة والمعبر عند الفقهاء بشروط الصلاة وأركان الصلاة وواجبات الصلاة وسنن الصلاة، هذه لابد منها، لابد قبل أن تقف في المسجد بين يدي الله أن تتوفر فيك تسعة شروط -مثل- شروط الوظيفة قبل أن يدخل الشخص إلى الامتحان هل تتوفر فيه الشروط؟ إذا كانت تتوفر فيه الشروط، قالوا: ادخل، وإذا نقص شرطاً واحداً قالوا: لم تنطبق عليك الشروط، نقص شرط واحد فخذ ملفك, كذلك الصلاة لا تقف فيها إلا بعد توفر تسعة شروط، إذا توفرت هذه الشروط فادخل إلى الامتحان فإن نقص شرط اخرج. ثم أركان الصلاة الهامة أربعة عشر ركناً لابد منها، ثم واجبات الصلاة لابد منها، ثم السنن والابتعاد عن المنهيات والمكروهات والمبطلات. هذه لابد أن يعرفها المسلم وأن يحرص على توفرها في صلاته، وهذا ما يحتاج إلى التوسع فيه؛ لأن الطالب من أول صف إلى أن يتخرج من الجامعة وهو يدرس هذه الأمور، ومناهجنا -والحمد لله- مثالية في تعليم الدين، لكن أين التطبيق؟ عندي طفل صغير في صف رابع ابتدائي وعندهم في الفقه: الصلاة وأركان الصلاة ومن ضمنها الطمأنينة في جميع الأركان، فكنا نصلي في المسجد فقام وصلى السنة فعلى عادة الصغار يصلون بسرعة، ثم مشى وذهب إلى البيت، قلت: تعال يا ولدي! أنت صليت في المسجد، قال: نعم، والسنة، قال: نعم. قلت: أسرعت، قال: كل الناس هكذا، قلت: لا. ما علينا من الناس لكن أنت أخذت في الفقه (الطمأنينة) هات الكتاب، أتى بالفقه وقرأ علي أركان الصلاة أربعة عشر: القيام مع القدرة، تكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة والركوع والرفع منه والجلوس والاعتدال والطمأنينة قلت له: ما معنى الطمأنينة في جميع الأركان؟ قال: لا أعلم، قد حفظها لكن لا يعلم ما هي الطمأنينة؟ قلت: الطمأنينة معناها أن تطمئن في صلاتك ولا تسرع، قال: لماذا أطبقها أليست مثل المحفوظات والقواعد ومثل الجغرافيا؟ هل شخص يطبق الجغرافيا يذهب يأخذ له خريطة ويذهب يمسح الدنيا؟ فالمصيبة الآن أن الناس يتلقون دروس الدين على أنها مناهج دراسية للنجاح وليست مناهج دراسية للعمل والتطبيق والتربية، فهذا معروف عند كثير من الناس، من الذي ينكر أن أركان الصلاة أربعة عشر؟ كل شخص يعرف من الصغار إلى الكبار، لكن من الذي يطبق؟ هنا المسألة.

الخشوع في الصلاة

الخشوع في الصلاة الأمر الثاني المهم في الصلاة: الخشوع. الخشوع هو روح الصلاة، الصلاة جسد وروح؛ فجسدها: القيام والركوع والسجود والقراءة، وروحها: الحضور القلبي والخشوع، والجسد بدون روح ليس له قيمة، والصلاة بدون خشوع ليس لها قيمة، ولهذا لا يكتب لك من صلاتك إلا ما حضر فيها قلبك، وهل يحضر قلبك في كل الصلاة؟ مستحيل! ولهذا بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالنصف، قال: (يكتب للعبد من صلاته نصفها) أي: الذي يجيد النصف هذا أكثر واحد، (نصفها ثلثها ربعها خمسها سدسها سبعها ثمنها تسعها عشرها) بعد العشر لا يبقي شيء، لماذا الشخص لا يستطيع أن يجيد الصلاة كلها؟ لأن أقدس موقف بين يدي الله هي الصلاة. وهناك قوة خفية وهي: قوة الشيطان التي لا تريد لك أن تقف هذا الموقف فهي تصدك عن الصلاة بكل وسيلة، وإذا أردت أن تصلي تسلط على قلبك وأشغلك، ولذا لا يجد الإنسان وساوس ولا خطرات ولا أفكار إلا في الصلاة، هل يوسوس أحدنا وهو يتغدى أو يتعشى؟ ما رأيكم إذا وضعوا السفرة أمام أحدنا هل يأتيه وسواس؟ أو يأتيه تفكير؟ لا. يفكر في اللحم وفي الأرز وفي الإدام والمحلبية والسلطة والخضرة فقط، تفكيره بالسفرة، هل يوسوس أحدنا أو يفكر وهو يشاهد المباراة؟ لا. بل بعضهم لو أخذت الذي في يده لا يشعر، لكن لماذا يوسوس في الصلاة؟ لأن الصلاة كنز والشيطان يريد أن يسرقها عليك، ولذلك يقول أحد السلف: إذا نسيت شيئاً وأردت أن تذكره فقم إلى الصلاة، مباشرة يأتيك الشيطان من أجل أن يلهيك عن الصلاة، ولا يأتيك الشيطان بأهم شيء إلا إذا صليت، يعرف الشيطان من خلال ملابسته لك ما هو موضع اهتمامك، إن كنت تاجراً اهتمامك بالتجارة، وإن كنت تبني عمارة فتفكيرك كله في العمارة، كيف التفصيل؟ ومن المقاول؟ وأين نضع المجلس؟ وأين نضع الرخام؟ يضع العمارة كلها بين يديك، فإذا أكملت الصلاة ضيعها عليك فإذا بك لا صلاة ولا عمارة وهكذا. أذكر قصة وقعت لي قبل نحو (25 سنة) وكنت في أبها فأرسل لي أحد المحسنين مبلغاً من المال لتوزيعه على فقراء منطقة تهامة (مائة وخمسين ألفاً) وجاء بها في حقيبة دبلوماسية تركتها في ليلة من الليالي قبل التوزيع؛ لأني أرسلت إلى تهامة إلى بعض طلبة العلم لكي يأتوا ويوزعونها، فأردت زيارة أرحامي فأخذت أهلي وركبت فلما ركبنا في السيارة تذكرت الحقيبة، قلت: يمكن أن يسرقها لص وأنا ليس لدي إلا بيتي أبيعه وأعوض، فذهبت وأخذت الحقيبة ووضعتها في السيارة فإذا وصلنا البيت أنزلها، فوصلنا بيت الأهل وإذا بالمؤذن يؤذن فأنزلتهم وذهبت أصلي وجعلت الحقيبة في الحوض، أخرجتها من الحرز إلى الشارع! دخلت المسجد وصليت الركعتين -تحية المسجد- وجلست أقرأ وجاء الإمام فلما رآني قال: يا شيخ! أريد منك كلمة بعد الصلاة، قلت: خيراً إن شاء الله، فلما أقيمت الصلاة قدمني ولما قلت: الله أكبر، قال الشيطان: والحقيبة، لا حول ولا قوة إلا بالله! أي: لو أنه قال لي قبل الصلاة لخرجت، ولو تركني على الأقل أصلي وبعد ذلك يقول لي، أجل، المصيبة وقعت لكن مع بداية الصلاة، فأصابتني هزة أشبه بالصعق الكهربائي! (مائة وخمسون ألف ريال) أتركها في الشارع وأنا لا أملك في الدنيا إلا بيتاً لو بعته ما يأتي (بخمسين ألفاً)، و (المائة والخمسون الألف) في تلك الأيام تعدل مليوناً ونصف. فما عرفت ماذا أقرأ من بداية الصلاة أردت أن أنصرف! صعب، أواصل! أصعب! جمعت نفسي وقرأت الفاتحة وأتى الشيطان وأنا في الركعة الأولى، قال: بسيطة ويضع لي حلولاً فخرجت من الصلاة وأنا لا أعلم ماذا صليت، ولما انتهيت من الصلاة أردت أن أخرج وإذا بأخينا إمام المسجد يقوم، قال: معنا في هذه اللحظة المباركة فضيلة الشيخ سعيد بن مسفر وقد أكرمنا الله به في هذه الساعة فنطلب من فضيلته أن يتحفنا بكلمة. قلت: يا شيخ! لا يوجد لدي كلمة ألقيها. قال: والله لابد أن تتكلم، لا حول ولا قوة إلا بالله! أنا ليس عندي كلام وحالتي النفسية مضطربة فقمت واستفتحت وتكلمت بكلمتين وقد قيدت الجالسين وما أردت أحداً أن يخرج خفت أن يخرج شخص من أمامي فيأخذها، فقيدتهم بالجلوس في مجالس الذكر وفضيلة مجالس الذكر وأن الذي يخرج من مجلس الذكر منافق، المهم سلمت وخرجت وإذا بالحقيبة مكانها فأخذتها ودخلت سجدت لله سجدة شكر، قلت: والله ما حفظها إلا ربي أما أنا فقد ضيعتها، لكن الشاهد أن الشيطان لا يذكر بالشيء إلا في الصلاة وأعدت صلاتي تلك. لابد أن نحرص على مجاهدة أنفسنا في الصلاة، لا نقول: إنك تسلم (100%) لكن لا تستسلم (100%) كما قال ابن القيم: فهذا في صلاة وجهاد؛ لأنه قسم المصلين إلى خمسة أقسام، يقول: رجل ضيع حدودها وطهارتها فهذا خاسر، ورجل حفظ الحدود والطهارة والوضوء والركوع والسجود وضيع القلب والخشوع فهذا معاقب، ورجل يأخذ منه الشيطان ويأخذه من الصلاة، يقول: فهذا في صلاة وجهاد -والرجل الرابع والخامس ليسا موجودين الآن إلا أن يشاء الله- يقول: ورجل وضع قلبه بين يدي ربه واستشعر عظمة مولاه وعظمة الموقف الذي هو فيه، ففكر فيما بعد هذه الحياة -أين هو هذا؟ الله أكبر- يقول: فهذا مقرب.

أسباب الخشوع في الصلاة

أسباب الخشوع في الصلاة كيف تكون خاشعاً في صلاتك؟ للخشوع في الصلاة أسباب قبل الصلاة، وأسباب أثناء الصلاة، وأسباب بعد الصلاة. فالذي قبل الصلاة: أن تأتي مبكراً وتصلي ركعتين تحية المسجد أو السنة القبلية وتقرأ القرآن وتتهيأ، ويسمونها عملية إحماء لكي تدخل في الصلاة وأنت جاهز، لكن أن تقعد في البيت حتى تقام الصلاة ثم تأتي من هناك وأنت متعب فكيف ستخشع؟ وبعضهم إذا دخل والإمام في الركوع صاح عليه من عند الباب: (إن الله مع الصابرين) لا ترفع ظهرك، دعني ألحق هذه الركعة -أعوذ بالله من الخزي- أليس هذا موجود الآن؟ وتراه من باب المسجد يلقي بأحذيته كأنه مجنون، هل يفعل هكذا إذا دخل على أمير أو وزير أو على ملك؟ الذي يذهب الآن ليسلم على الأمير أو الوزير ماذا يعمل؟ يجلس ساعتين وهو ينتظر، فلو دخل المجلس بهذه الطريقة ماذا يقال عنه؟ هذا مجنون ويمسكونه ويطردونه ويقولون له: أنت لا تعرف أين تذهب. زيد بن علي بن الحسين كان إذا توضأ اصفر لونه، فيقال له: ماذا بك؟ فيقول: أتدرون بين يدي من سأقف بعد قليل، كانوا يضطربون ويخافون. أحد السلف وهو من التابعين - حاتم الأصم - كان من أخشع عباد الله في الصلاة وكان يقول: لأن تختلج الأسنة في ظهري أحب إلي من أن أذكر شيئاً من الدنيا في صلاتي، يقول: تطعن في ظهري السهام ولا أذكر شيئاً من الدنيا في صلاتي، قالوا: كيف تصنع؟ قال: إذا سمعت نداء ربي توضأت ثم أقبلت على مسجدي فأقف بين يدي ربي فأتصور أن الجنة عن يميني والنار عن يساري والكعبة أمامي والصراط تحت قدمي وملك الموت خلف ظهري يريد أن يقبض روحي بعد هذه الصلاة، من يضمن منا أنه سيصلي الفجر أو يصلي العشاء؟ لا أحد يضمن! صل صلاة مودع، يقول: ثم أكبر بتحقيق: الله أكبر. ولهذا لا داعي لأن أذكر شيئاً مع الكبير سبحانه، إذا كان الله أكبر في قلبي إذاً لماذا أذكر الدنيا؟ الله أكبر، يقول: وأقرأ بترتيل، وأركع في خضوع، وأسجد في خشوع، وأجلس في طمأنينة، وأتشهد في يقين، وأسلم في حذر ورجاء، ولا أدري أقبلت مني صلاتي بعد هذا أم ردت علي. فالخشوع في الصلاة مطلب رئيسي يتوقف عليه قبول صلاتك أو رفضها، وما دمت قد تعبت وجئت إلى المسجد وتوضأت وتركت شغلك وقمت تصلي فجاهد الشيطان، كلها عشر دقائق. الآن سنصلي العشاء ونعمل اختباراً لأنفسنا، سيأتيكم الشيطان ويأتيني، لكن الشخص إذا جاءه الشيطان يتذكر ويشغل نفسه بالتفكر في الآيات التي يقرأها الإمام ويقرأها هو، والتفكر في الأذكار ويجاهد الشيطان، ثم بعد الصلاة -بعد العشاء- الذي عنده وسوسة يوسوس إلى الفجر، لكن لا. لا تأتي الوسوسة إلا في العشر الدقائق وبعدها لا يوجد وسوسة. السبب الثالث حتى تكون الصلاة صحيحة: أن تكون في المسجد؛ إذ لا تقبل صلاة الرجل إلا في المسجد إلا من عذر مرض أو خوف، وشيخ الإسلام ابن تيمية يرى أن الجماعة شرط في صحة الصلاة بمعنى: أن الذي لا يصلي في المسجد وهو قادر وليس هناك مانع من خوف أو مرض أن صلاته غير صحيحة ويستدل على ذلك بأدلة قوية. الأمر الرابع: أن يكون للصلاة أثر في حياتك ولا يكون عندك انفصام بين الصلاة وبين السلوك؛ لأن الله شرع الصلاة لكي تنهانا عن الفحشاء والمنكر: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45] فلا يصلح أن تصلي في المسجد ثم تخرج تبارز الناس، تصلي وتكذب! تصلي وتغتاب! تصلي وتأكل الحرام وتشهد زوراً وتغش وتخون الناس، أين الصلاة؟! ما قيمة الصلاة إذا كانت الصلاة في وادٍ وسلوكك في وادٍ ثان؟! المصلي لابد أن يعرف في المسجد بصلاته وفي المجتمع بسلوكه، هذا مصلٍ لا يستطيع أن يكذب لكن إذا كان يصلي ويقع في الفحشاء فهو في الحقيقة لم يصل وإنما أدى دوراً تمثيلياً، والممثل غير الحقيقي، الممثل ممثل يؤدي دوراً مثل المسرحية، وهذا -أيضاً- ممثل، ولو أنه يصلي حقيقة لمنعته صلاته عن الفحشاء والمنكر؛ لأن الله تعالى يقول: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت:45]. الأمر الخامس وهو مهم جداً: أن تكون الصلاة قضيتك وشغلك مع نفسك وزوجتك وولدك وابنتك وعمالك وموظفيك، الصلاة هي عندك فوق وما معك إلا هي، وتحاسب الناس عليها وتقيمهم على قدر ما يحافظون عليها، كما قال عز وجل: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ} [طه:132] وكما أثنى الله على إسماعيل، فقال: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً} [مريم:55] عندك عمال؟ حاسبهم على الصلاة، الذي لا يصلي أعطه خروجاً بلا عودة إلى يوم القيامة، لا يرجع ما دام أنه لا يصلي؛ لأنه كافر. عندك أولاد؟ حين تدخل البيت تسأل ولدك: هل صليت؟ وتسأل المرأة: هل تصلي؟ عندك موظفون وأنت رئيسهم تقول لهم: هل صليتم؟ لا. الذي لا يصلي ليس له عندي قيمة، الذي يخون صلاته هذا يخون عمله، الصلاة لك وليست لي، لكني أعينك على أدائها، والذي لا يصلي تجعله في آخر اهتمامك، يريد إجازة، تقول له: لا يوجد إجازة، يريد رخصة لا يوجد رخصة، كل ساعة وأنت على رأسه، إذا غاب حاسبه، لماذا؟ تربيه لكي يصلي، وذاك الذي يصلي تتجاوب معه وتعطيه تقديراً خاصاً؛ لأنه يصلي، وطبيعي إذا كان مصلياً سوف يكون طيباً في العمل.

نتائج الصلاة

نتائج الصلاة أيها الإخوة: هذه هي الصلاة التي يريدها الله منا، صل وانتظر النتائج وهي توفيق الله لك في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا: التيسير والرزق اليسير والحب في قلوب الخلق والرعاية من الله سبحانه وتعالى، وفي القبر يجعل الله قبرك نوراً، وفي عرصات القيامة الخفة في الحساب، وبعد ذلك الفوز بالجنة والنجاة من النار، فنعيم الدنيا والآخرة وسعادة الدنيا والآخرة تتوقف على أشياء من أهمها: الإيمان بالله وتوحيده، ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة. فحافظ عليها وأدها كما أراد الله لتشعر بهذه النعمة التي يقول فيها ابن القيم: والله لو سلمت قلوبنا ما شبعت من الصلاة ولا من كلام الله، وعندما نقرأ سير السلف نعلم أنهم كانوا يقومون الليل كله، ثم نفكر نحن فنرى أننا لا نستطيع أن نقوم حتى دقائق منه، تقول: كيف كانوا؟ نقول: هؤلاء عرفوا، يقول ثابت البناني: [كابدت قيام الليل عشرين سنة وتلذذت به عشرين سنة أخرى وما صليت الفجر إلا بوضوء العشاء] لا يعرفون النوم {كَانُوا قَلِيلاً مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17 - 18] لماذا؟ لأنهم أحبوا الصلاة، أما نحن الآن نؤديها غصباً فقط، ومرة نقوم ومرة نسقط لضعف إيماننا ولعدم يقيننا بالله سبحانه وتعالى. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلنا وإياكم من المصلين، وأن يحبب إلينا هذه الصلاة، وأن يجعلها قرة عيوننا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

الأسئلة

الأسئلة

انحراف الشباب عن طريق الحق

انحراف الشباب عن طريق الحق Q إن مما يحز في النفس أن نرى شباب المسلمين يضلون عن الطريق السوي وهو واضح لديهم وضوح الشمس، وبعض إخواني منهم؛ لذلك أسألكم بالله أن تدعو لهم خاصة ولشباب المسلمين عامة لعل الله أن يقبل هذا الدعاء في هذا المجلس المبارك؟ A صدقت هذه الأخت المباركة! إنه مما يحز في النفس فعلاً ويقطع الفؤاد والقلب أن نرى أبناء الإسلام أبناء العقيدة أبناء التوحيد أبناء الفطرة وهم يتساقطون صرعى في طريق الضلال والفسق بل وصل بعضهم إلى طريق الكفر والردة عن دين الله، وذلك بترك الصلاة؛ لأن ترك الصلاة كما هو مقرر عند أهل العلم كفر مخرج لصاحبه من الملة. وترك الصلاة ليس معصية، ولكن كما قال عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة) فهذه الأخت تتألم لما ترى من تصرفات لا تليق من بعض الشباب الصغار الذين في المدارس المتوسطة والثانوية وربما في الجامعات ولا يدركون مسئولياتهم أمام الله، ألا يعرفون أنهم مسلمون؟! وأن من أولويات إسلامهم المحافظة على الصلاة في المساجد بدون أن يلزمه أبوه أو أخوه بذلك؟! إلى متى تريد أباك يقول لك: صلِ صلِ، أنت رجل قد بلغت وأصبحت مكلفاً لا تحتاج من أحد أن يقول لك: صلِ، لكن هذا بسبب ضعف التربية وقلة التوجيه وتأثير وسائل الشر التي عمت وطمت وارتفعت فوق بيوت المسلمين وانفتح عليها الشباب والشابات والرجال والنساء وشغلوا بها حتى سرقت دينهم وسرقت عقائدهم وأخلاقهم فأصبحوا يتمنون أو يتصورون أنهم مثل هؤلاء يريدون أن يعيشوا مثلهم ويتخلوا عن هويتهم الدينية وعن شخصيتهم الإسلامية التي اختصهم الله بها وأكرمهم بها. وهذه الأخت تقول: حتى إخواني، إخوانك وكثير لكن لا نملك إلا أن نوجه الآباء إلى الشعور بمسئوليتهم أمام الله سبحانه وتعالى في حماية أبنائهم، يقول الله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132] ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6] والذي يضع هذه الآلات وهذه الأجهزة في بيته فقد خان رعيته وغشهم، ومن مات وهو غاش لرعيته كما في الحديث الصحيح: (من مات وهو غاش لرعيته لم يرح رائحة الجنة) وندعو الله في هذا المجلس فلعله مجلس مبارك في هذه الساعة أن يهدي شباب المسلمين وأن يردهم رداً جميلاً إلى هذا الدين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

حكم من منع الخادمة من الصيام

حكم من منع الخادمة من الصيام Q إذا كانت عندي شغالة تصوم الإثنين والخميس، هل علي إثم إن منعتها من الصيام خوفاً عليها من التعب والمرض؟ A نعم، عليك إثم إذا منعتها من الصيام؛ لأنكِ قاطعة طريق بينها وبين الله، هذه خادمة! المفروض أنتِ الخادمة التي تخدميها، فلا تمنعيها من الصيام ولكن خففي عليها من الأعباء يوم الإثنين والخميس أو اجعليهما إجازة لها لتتفرغ لذكر الله وعبادته، والأعمال المنزلية في هذين اليومين قومي أنتِ بها، ليس حراماً أن تشتغلي في بيتك، بل من المآسي التي حلت على أسر المسلمين وأفسدت صحة النساء إسناد الأعمال المنزلية للخادمات! فتهطلت أجسام النساء وانتفخت وامتلأت بالشحم واللحم ثم ابتلوا بالأمراض بالسكر والضغط والذبحة الصدرية، تأكل من كل جميل وتجلس، حتى الهاتف لا تقوم له إذا دق تقول: هاتي الهاتف يا شغالة! وهي لا تتحرك أياماً وليالٍ حتى أصيبت بالمرض، بينما النساء الأوائل ما كان عندهن خادمات ولا متن جوعاً لا والله، بل إنهن مثل الغزلان بطنها لاصقة بظهرها وتقوم بالعمل داخل الدار وخارجها، والتي لا تقوم بشيء وهي جالسة كل شيء يخدمها ومع ذلك هي مريضة، تنام إلى الظهر وتقوم ووجهها منفوخاً مثل الكرة لا تدري أين وجهها من رأسها، وهذه الخادمة تريد أن تصوم، تقول: أمنعها، لا تصوم هي ولا تترك الناس يصومون، ولا حول ولا قوة إلا بالله!

حكم أخذ مال الزوجة

حكم أخذ مال الزوجة Q موظفة تساعد أهلها بمبلغ شهري وزوجها يرفض ويحتج على ذلك، فهل تستمر أم تخالفه وتعطيهم في الخفاء؟ A لا يجوز للزوج أن يتدخل في راتب زوجته؛ لأن الشريعة قد كفلت لها حق التملك، فمن الظلم الذي يمارس الآن نحو النساء استبداد بعض الأزواج وظلمهم في أخذ رواتبهن وتهديدهن؛ إما أن يهددها بالطلاق أو يهددها أن يفصلها، وبعضهم يقول: لا، الدوام هذا في وقتي مشروع لي، من قال لك: إنه وقتك؟ هل هي أمة، هل هي ملك يمين؟ لا. هي امرأة حرة تملك وقتها، لك حقوق تقوم بها، إذا قصرت في الحقوق التي نحوك هناك يجب أن تحاسبها، لكن ما دامت تقوم بحقوقك سواء كانت حقوقاً شخصية أو حقوقاً منزلية وعندها إمكانية أن تنفع نفسها وتنفع بيئتها أن تدرس وتربي بنات المسلمين ولا يترتب على هذا التعليم والوظيفة ضرر في دينها ولا دنياها، فلا يجوز لك أن تمنعها ولا يجوز لك أن تأخذ من راتبها شيئاً، وهي حرة التصرف في مالها، أشعرها بأنها شخصية مستقلة، لا تمارس عليها طغياناً ولا تهديداً، لماذا؟ هذا ظلم! والله سينتقم منك، وسوف تدعو عليك ولو سكتت، وتأتيك حينها مصيبة من السماء لا تعلم إلا وقد حصلت من السماء. لا تظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله، نعم. المرأة ضعيفة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (استوصوا بالنساء خيراً فإنهن عندكم عوان) ولا يكرم المرأة إلا كريم، ولا يهينها ويظلمها إلا لئيم، فلا تكن لئيماً: (خيركم خيركم لأهله). راتبها لها وهي حرة التصرف فيه، وإذا أعطت والديها فأعنها؛ لأنها بارة، هذه امرأة صالحة تبر أمها وأباها لا تعنها على عقوق أمها وأبيها، بل أنت كن عوناً لها، قل لها: أعطي أمك وأباك -وأيضاً- إذا هي كريمة فيجب أن تشارك معنوياً في مهام البيت، تقوم بحقوقها الشخصية من راتبها تشتري ملابسها وأدواتها ووملابس أولادها، لا تكن أنانية؛ لأن بعض النساء أنانية ومادية تقول: والله لا أعطيك فلساً، فينظر إليها ويقول: هل هذه امرأة مستقبل؟ فيفكر أنها غير مخلصة وبالتالي ربما يتركها، لكنه عندما يراها تبذل معه وتشارك في بيته، وإذا جاء بسلعة تعطيه منها، وإذا اشترى سيارة تساعده: خذ مني ألفين أو خمسة آلاف أو عشرة آلاف وإذا خرجوا رحلة قالت: العشاء اليوم مني، تساهم معه، يأتيه شعور، يقول: هذه والله امرأة العمر، هذه شريكة الحياة، فلا ينبغي أن يكون الرجل طماعاً في حق المرأة -وأيضاً- لا ينبغي أن تكون المرأة بخيلة، يجب أن يكون كلاً منهما سمحاً في التعايش والتعاون على الحياة.

كيفية معاملة الزوج لزوجته والعكس

كيفية معاملة الزوج لزوجته والعكس Q رسالة طويلة مضمونها: أن امرأة متزوجة وعندها أربعة أبناء، هجرها زوجها في بيتها وهي عنده في البيت بمثابة الخادمة، والسؤال يقول: هل يجوز أن أجلس معه في نفس البيت مع أنه لا يقوم بالنفقة علي بتاتاً فمعاملتي كمعاملة الخادمة التي تقوم بتلبية طلباته لا غير، فهل في جلوسي معه إثم علي؟ أفيدوني جزاكم الله خيراً. A هذه المشكلة لا يمكن الجواب عليها إلا بعد معرفة أطرافها، ورأي الطرف الثاني، فإننا لا نتوقع أن زوجاً يهجر زوجته من غير سبب، الذي نوصي به هذه الأخت أن تبحث عن أسباب هجران زوجها لها. بعض النساء تقول: لا يوجد أي سبب؛ لأنها لا ترى هي عيوب نفسها، فالجمل لا يرى اعوجاج رقبته، ولهذا لو سألته: كيف رقبتك يا جمل؟ لقال: مثل المسطرة وهي أعوج رقبة في الدنيا لكن لا يراها، عيونه مرتفعة يشاهد الدنيا كلها إلا رقبته، فالمرأة أحياناً لا ترى عيوبها، ترى الجوانب الحسنة فيها، لكن من الذي يرى المرأة ويقيمها ويرى عيوبها وحسناتها؟ ألصق الناس بها، من ألصق الناس بها؟ زوجها، فلذلك إذا هجرها نقول: لماذا هجرها؟ لا يهجرها إلا لسبب. فلتكن المرأة واقعية ولتتخلى عن الأنانية ولتراجع نفسها بنوع من الجدية: ما الذي جعل زوجها يهجرها؟ ثم تبتعد عن هذه الأسباب وستجد في النهاية أن زوجها يرجع لها. وأعرف أنا كثيراً من القضايا التي عرضت علي وعرفت أن السبب من المرأة، ولما عالجت المرأة الأخطاء رجعت الأمور كما كانت؛ لأن الرجل كما يقول بعض المربين: الرجل طفل كبير تستطيع أن تلعب به المرأة، تريده حلواً يكون حلوا، تريده مراً يكون مراً وناراً. المرأة تشبه الرجل إذا كانت طيبة ماذا يصير هو؟ هل يصير بطالاً؟ لا. والله لا يصير بطالاً أبداً، وإذا كانت المرأة طيبة وطائعة له؛ كلما قال لها قالت: أبشر، وإذا دعاها قالت: لبيك، نذهب؟ أبشر، لا نذهب؟ حسناً، كل شيء طيب، ماذا يصبح هو؟ يصبح أطيب منها، لكن إذا كانت عنيدة فكيف يكون هو؟ أعند منها، وهو يملك قدرات أكثر من المرأة، المرأة مسكينة لا تملك إلا القليل لكنه يملك كل شيء، يملك الضرب يملك النهر يملك الهجر يملك الطلاق يملك الطرد من البيت، فيستخدم هذه القدرات في الإضرار بالمرأة إذا أساءت، لكن لو أحسنت لا نتوقع إلا أن يكون مجنوناً أو شاذاً، أما إذا كانت تحسن إليه وتطيعه، وتعمل كل شيء يريده، وهو يأبى إلا الإعوجاج، فهذا لا يصلح أن يكون زوجاً، ولهذا شرع الله الطلاق. لكن تجرب المرأة مع زوجها في أن تكون طيبة بطاعته الطاعة المطلقة في غير معصية الله، تطيعه في الشيء الذي لا تريده هي، كأن تقول له: اليوم نذهب نتمشى؟ فيقول: لا، فتقول: حسناً، وكذلك إذا قالت: نذهب للجيران أو للسوق، فأجابها بلا، فرضيت، لكن بعضهن يغضبن ويختلقن المشاكل؟ فيقول: والله لا نتمشى مدى الحياة، لكن لو أنها قالت: اليوم نتمشى وقال لها: لا، فقالت: إذاً لا نريد، فإنه سيأتي في اليوم الثاني بنفسه ويقول: هيا انهضي! لماذا؟ لأن الحياة أخذ وعطاء تأخذ بقدر ما تعطي. ولهذا المرأة التي زفت ابنتها قالت لها: كوني له أمة يكن لك عبداً، وكوني له أرضاً يكن لكِ سماءً، وكوني له مهاداً يكن لكِ عماداً، لكن لا تعانديه مثل ما تعمل بعض النساء الآن، توصي ابنتها فتقول لها: لا ترضخي له! اجعليه يعلم أن معه امرأة، فتوصيها من أول ليلة بالعناد فلا يمر الأسبوع إلا وهي بعفشها وسيارتها مطلقة، الزوج يريد امرأة غير معاندة؛ لأن الحياة الزوجية هي شركة لها مدير، من المدير؟ الزوج، بعض النساء تقول: لا. أنا المدير، فيقول: والله لا آخذ مديراً علي فيقوم ليطلقها، ومعظم قضايا الطلاق الآن الموجودة في المجتمع سببها عدم طاعة المرأة لزوجها، لوجود خلل في التفكير عند بعض النساء. تظن بعض النساء أن طاعة الزوج نوع من الامتهان، وهذا خطأ، طاعة الزوج عبادة لله وتكريم للمرأة؛ لأنكِ حين تطيعينه يطيعك غصباً بعد ذلك، هكذا هندسة الأسرة تقتضي أن تكون هناك طاعة للآمر، فلو كنتِ مُدرسة ألستِ تطيعين مديرة المدرسة، فإذا غابت مدرسة وقامت المديرة بتوزيع جدولها على المدرسات الموجودات وكان لك نصيب من ذلك، ألست تطيعينها؟ هل قيام المدرسة بتدريس الحصة هو امتهان؟ لا. يمكن أن تكون المدرسة أفضل من المديرة في شهادتها أو تفكيرها أو دينها، لكن ما دام أنها مديرة لابد أن تطاع، وما دام وزيراً لابد أن يطاع، وما دام ملكاً لابد أن يطاع، وما دام رجلاً لابد أن يطاع، وإذا ما أطيع الرجل في بيته شعر بنقص في رجولته فيصبر يصبر ثم ينقلب. بعض النساء تمضي أمرها على زوجها وهو يقول: قد خسرنا! ولعل الله أن يهديها ويصبر أسبوعاً شهراً أو أكثر وتحسب أنه هكذا ولا تعلم إلا وقد تغير إما بطلاق وإما بزوجة ثانية، فنحن نوصي أختنا هذه رغم عدم علمنا بملابسات قضيتها مع زوجها وقد يكون هو المخطئ وقد تكون هي المخطئة لكن نقول كوصية أولية: ابدئي بالمبادرة منك وكوني طيبة وجربي وستجدين إن شاء الله أن زوجك سيكون طيباً.

حكم وضع العباءة على الكتف

حكم وضع العباءة على الكتف Q ما حكم وضع العباءة على الكتف وإن كانت العباءة واسعة وفضفاضة؟ A العباءة على الكتف بشت والبشت للرجال، أما المرأة فيجب أن تكون عباءتها على رأسها؛ لأن العباءة إذا كانت على الرأس سترت الجسد كله، أما إذا وضعت على الكتف وكشفت الأكتاف وكشفت الأرداف وظهر جزء من الجسم وبالتالي وقعت المرأة في التبرج، وهذه المصيبة التي يقنع الشيطان بها الناس خطوة خطوة، الآن هي على الكتف وبعد أيام تنزل إلى الوسط، وبعد أيام تنزل كأنها رجل.

حكم ترك الصلاة في المرض وكيفية القضاء

حكم ترك الصلاة في المرض وكيفية القضاء Q امرأة مرضت بسبب إجراء عملية ولم تصل، فهل تقضي الصلاة؟ فإذا كانت تقضيها فكيف تقضيها؟ A هذه المصيبة وهي أن بعض الناس إذا مرض ترك الصلاة خصوصاً أهل العمليات الذين أصبحوا بجوار الموت، يصلي طيلة حياته فإذا أصبح في غرفة العمليات ترك الصلاة ومات على الكفر -والعياذ بالله- قال: أنا مريض، أنت مريض صلِّ، لست متطهراً، لا تحتاج إلى طهارة، اتقوا الله ما استطعتم، صلِّ ما دام عقلك معك. يعفى عنك فترة التخدير، وإذا كان عقلك معك وفاتتك صلاة الظهر صلها، صلاة العصر صلها، وبعدها كل الصلوات تستطيع أن تجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بدافع المرض، وهذه المرأة التي عملت العملية وتركت الصلاة أخطأت وارتكبت جرماً عظيماً يخشى عليها من الكفر؛ لأن من ترك صلاة واحدة متعمداً حتى يخرج وقتها فقد كفر. فهذه عليها أن تتوب إلى الله وأن تقضي الصلوات التي فاتتها مرتبة تقضيها الليلة، ليس كما يقول بعض الناس: أقضي الظهر مع الظهر والعصر مع العصر لا. تصلي الظهر الآن -مثلاً- ترتب الأيام: ظهر، عصر، مغرب، عشاء، فجر، انتهت اليوم الأول، اليوم الثاني: فجر، ظهر، عصر، مغرب، عشاء، حتى تنهي أيامها، إن استطاعت كل الليل الحمد لله! قضت لها يومين أو ثلاثة وتعبت ترتاح ثم تقضي بحيث لا ينتهي يومها إلا وقد قضت جميع صلواتها التي فاتتها.

حكم لبس البنطلون للنساء

حكم لبس البنطلون للنساء Q امرأة تسأل عن حكم لبس البنطلون سواء للنساء أو للبنات؟ A صرح العلماء بحرمة لبس البنطلون لسببين: الأول: أنه لبس مختص بالكافرات، والمرأة مأمورة بعدم التشبه بها؛ لأنه: (من تشبه بقوم فهو منهم) والتشبه بهم في الظاهر مظنة الحب والولاء لهم في الباطن. الثاني: أن البنطلون مما اختص -أيضاً- به الرجال ولا يجوز للمرأة أن تتشبه بالرجال: (لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال) ولا نعلم لماذا المرأة المسلمة تحرص على هذا؟ لماذا البنطلون؟ أمك وجدتك إلى فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم لا يعرفن البنطلون، هذا ما جاءنا إلا من الكفار والغرب، لماذا تحرصين على أن تتشبهي بالكافرات؟ إذا كان عندك بناطيل أحرقيها ولا تلبسيها، وخليك بثيابكِ العادية الساترة؛ لأنكِ مؤمنة مسلمة لست مثل هؤلاء. والله أعلم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد

ما هي رسالتك أيها الإنسان؟

ما هي رسالتك أيها الإنسان؟ إن رسالة الإنسان في هذه الحياة عظيمة جداً، وحقيقة وجوده في هذه الحياة إنما هي لغاية كبرى، وهي عبادة الله وحده سبحانه، ولذا ترى كثيراً من النظريات الغربية المنحرفة في فهم حقيقة هذه الحياة مبتورة، لا يمكن بها الوصول إلى الغاية التي من أجلها وجدت الحياة؛ لأن هذه النظريات ابتكرها أناس بعقولهم القاصرة، بسبب البيئة التي عاشوا فيها وأرادوا أن يفرضوها على العالم، لكن سرعان ما تصرّمت وانحلت، ولم يثبت في هذه الحياة إلا ما شرعه الله تعالى في كتابه وسنة نبيه.

حقيقة الحياة في هذه الأرض

حقيقة الحياة في هذه الأرض الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أيها الضيوف الأعزاء: أنتم ضيوف على الجميع، ليس على المعهد فقط، وإنما على المنطقة بأسرها، حياكم الله ومرحباً بكم. أيها الإخوة الأفاضل من المدرسين، وأيها الأبناء الكرام من الطلبة: أشكر بالدرجة الأولى الشيخ محمد بن أحمد بارك الله فيه، والإخوة المشرفين على برنامج التوعية الإسلامية في المعهد المبارك، أشكرهم على إتاحة هذه الفرصة التي ألتقي فيها بكم، وإن كنتُ حقيقةً لا أقول هذا تواضعاً، وإنما هي الحقيقة التي أعرفها من نفسي، قد أنفع في مجالات في بعض المساجد وأمام بعض المستويات التعليمية، ولكن أمام طلاب العلم في المستويات المتقدمة، في الثانوية، وفي المعاهد العلمية، وأمام العلماء، لا أجد لديَّ شيئاً أستطيع أن أقوله، وليس لدي بضاعة أستطيع بيعها؛ لأن بضاعتي مزجاة، وباعي قصير، ومتاعي قليل، ولكن قد أرغمت على النزول في هذا الميدان، فكان لا بد من النزول عند رغبة الإخوة، رغم علمي -مقدماً- بأن الفائدة محدودة، ولكن نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعل البركة فيما نقول ونسمع. أيها الإخوة: ما هذه الحياة؟ من الذي ألبسنا ثوبها؟ ومتى سنخلع هذا الثوب؟ ولماذا جئنا إليها؟ هذه الحياة سرٌ غامض، ولغزٌ محير، حارت في فهمه العقول والألباب في القديم والحديث، ولم تجد الإجابة الصحيحة عليه، وظلت البشرية حائرة، وستظل حائرة إلى أن تجد الجواب الصحيح الذي يجيب على تساؤلاتها، تلك التساؤلات التي تتردد في ذهن كل إنسان من أين جئت؟ وإلى أين سأذهب بعد أن يتم دوري على مسرح الحياة؟ ولماذا جئت؟ وما هي رسالتي؟ وما هي مسئوليتي؟ وما هو دوري؟ هذه الأسئلة -أيها الإخوة- أسئلة محيرة في الحقيقة، وحينما يطلب من البشرية أن تجيب عليها من ذاتها فإنما يُطلب منها المستحيل؛ لأنه لا يمكن أن تجد الإجابة الصحيحة من عندياتها ومن ذاتها، إلا بتلقٍ آخر من عند الذي خلق هذه الحياة وأوجد هذا الإنسان، وهو الله الذي لا إله إلا هو. وكما يقول العلماء: العقل لوحده ليس كافياً لإدراك العلوم والمعارف. العقل والذكاء والعبقرية والتفرد والنجابة، هذه لا تكفي فقط لإدراك العلوم والمعارف إلا عن طريق معلم، فلو جئنا بطفلٍ صغير، أو شابٍ من الصحراء، أو من أغوار تهامة، أو من شعث الجبال، وهو لا يعرف مفردات اللغة العربية، وطلبنا منه أن يقرأ رسالة بعقله وبذكائه وعبقريته، هل يستطيع؟ لا يستطيع ولو كان ذكياً، لا بد أن يتعلم الحروف الأبجدية، ولا بد أن يتعلم كيف يفك الكلمة، وكيف يحللها إلى مفرداتها، ثم بعد ذلك سوف يقرأ. وعلى هذا قس كل العلوم، إذا أتيت بمسألة رياضية من المعادلات ذات المجهول أو المجهولين، وطلبت من إنسان لا قرأ الرياضيات ولا درسها أن يحلها بذكائه، فلن يستطيع، وإذا أتيت برسالة باللغة الإنجليزية، وطلبت من مدرس اللغة العربية الذي يعرف أسرار اللغة العربية كلها وقواعدها ومشتقاتها، وقلت له: اقرأ لي هذه الرسالة باللغة الإنجليزية، لقال لك: لا أستطيع، وإذا قلت له: أنت أستاذ في اللغة العربية، أنت ذكي وتفهم، اقرأها، لقال: لا أعرف؛ لأني ما درست هذا العلم! أجل، نصل إلى نتيجة وهي: أن العلوم لا تدرك بالعقل لوحده، بل لا بد من معلم، وما هذه المنجزات الحضارية التي تعيشها البشرية اليوم إلا وليدة مراحل متعددة من التجارب، مر بها الإنسان من بدايته إلى يومنا هذا، وأدخل بعض التحسينات على هذه المراحل، حتى وصلت البشرية إلى ما وصلت إليه من العلوم والمنجزات والمخترعات، لكن علم الآخرة؛ علم ما بعد هذه الحياة، علم لماذا جئت أنت لهذه الحياة؟ رسالتك ووظيفتك، هل يمكن أن تهتدي إليها بالعقل لوحده؟ لا. لا بد من وجود معلم يعلمك ويقول لك: أيها الإنسان! أنت جئت لغرضٍ هو هذا، وأنت بعد هذه الحياة سيحصل لك شيء هو هذا، ومن الذي يستطيع أن يجيب على هذه الأسئلة؟ لا يستطيع أن يجيب عليها إلا الذي أوجد الحياة، والذي خلق الإنسان وأرسل الرسل، وبين للإنسان مهمته ووظيفته على هذه الحياة، وبين له ما سيكون بعد هذه الحياة في الدار الآخرة. وإذا أرغم إنسان على أن يجيب إجابةً على علمٍ لا يعلمه، فإن الإجابة بالطبع ستكون خطأ، أليس كذلك؟ إذا أرغم إنسان على الإجابة على شيء لا يعرفه وعبر هو عن عجزه وقال: والله لا أعرف أن أقرأ الإنجليزي، قلنا: إما أن تقرأ وإلا ذبحناك، لا بد أن تقرأ الإنجليزي، فماذا سيكون الجواب؟ سيقرأ، لكن هل سيقرأ إنجليزي؟ سيأتي برطانة من عند نفسه، ويشعر فيها السامع أنها ليست عربية ولا هي أي نوع آخر، وإنما كلام ملفق، وستكون الإجابة خطأ، والنتائج تبعاً لذلك ستكون غلطاً وخطأ، وهذا هو الذي حدث للبشرية يوم أن طلب منها أن تجيب على أسرار هذه الحياة: ما هذه الحياة؟ من أين جاء الإنسان؟ وإلى أين سيكون بعد أن يموت؟ ولماذا جاء؟ لا تدري البشرية لماذا، ولكن لما أرغمت على الإجابة أجابت من عندياتها بإجاباتٍ خاطئة؛ وترتب على هذه الأخطاء أن بقيت النتائج كلها خطأ، وأصبحت البشرية تئن من ويلات تلك الأخطاء، وتعاني منها رغم تطورها المادي، فإنها وإن استطاعت أن تسبح في الفضاء، وأن تخوض في غمار العلم، وتغوص في الماء، وتخترع كل هذه الإنجازات، إلا أنها لم تستطع أن تسير شبراً واحداً أو خطوة واحدة في طريق الخير والنفع العام والصالح للبشرية، بل كل خطواتها من أجل تدمير البشرية، أجل. كيف حصلت الإجابات الخاطئة؟

نظرية ماركس في الحياة والرد عليها

نظرية ماركس في الحياة والرد عليها سئل شخص من البشر عن هذه الحياة واسمه ماركس، وهو زعيم الثورة البلشفية الشيوعية في روسيا، أصله يهودي وابن زنا ليس له أب، دعيّ، نشأ في الملاجئ وفي ظل الحرمان، وتولدت في نفسه عقد نفسية نتيجة الظروف التي عاشها من الحرمان والفقر؛ ترتب على هذه الظروف أن أحس بإحباط وبحقد وبحرمان شديد مما في أيدي الناس، فلما كبر انعكست هذه الظروف على فكرته، ونادى في الجماهير الكادحة من أمثاله من المحرومين ومن الأدعياء وأبناء الزنا، نادى بأنه: لا إله والحياة مادة. هذه نظرته، أن الحياة كلها في تصوره مادة، لماذا مادة؟ لأنه يشعر بالفقر تجاه المادة، يشعر بالحرمان تجاه المادة، ولذا نادى بدعوته الشيوعية، وألغى الملكية الفردية، وقال: الناس شركاء في كل شيء، حتى في الأعراض، ولما برزت هذه النظرية إلى حيز التطبيق أفرزت الفشل، وأعلنت أنها غير صالحة؛ لأنها لباس لا يليق بالبشرية. الملكية الفردية هي غريزة عند كل إنسان، لا يستطيع ماركس أن يلغيها بجرة قلم؛ لأنها سنة من سنن الله في خلق الإنسان؛ لتعمير هذه الأرض، الله أوجد في كل نفس رغبة في التملك للشيء، إذا كان عندك إخوان في البيت أو أبناء وليكونوا مثلاً اثنان، واشتريت لهم لعبة مشتركة، فإنه سيحصل على هذه اللعبة شجار، كل واحد يمسكها من جانب، هات وفك، قال: فك، هذه لي، والله لآخذنها، المهم تشاجرا، وإذا وجدها أحدهما كسرها، حتى لا يأخذها الآخر وهي ما زالت سليمة، وإذا أخذها ذاك قال: أعطل فيها شيئاً، لأنها ليست ملكه وحده، لكن لو اشتريت لهم من السوق لعبتين وسلمت لكل واحد منهما لعبة، وقلت: أنت لك هذه اللعبة الحمراء، وأنت لك هذه اللعبة البيضاء، ماذا سوف يحصل؟ يحافظ عليها أم لا؟ يحافظ عليها ولن يحطمها، وتعيش معه مدة طويلة؛ لأنها له، ويشعر بأنها له. فالملكية الفردية غريزة في النفس، وماركس لما قال: ليست هناك ملكية فردية، ومورست هذه الفكرة في المجتمع الشيوعي، والذي حصل أن الإنسان الروسي ما أصبح يحس بأهمية للعمل، ولا بأهمية للآلة، ولا بأهمية للنظام؛ لأنه مسمار في آلة الدولة، ولذا نتج عن هذا انخفاض في الإنتاج، وفساد في الإدارة؛ حتى إن روسيا التي كانت في الماضي سلة خبز العالم، أصبحت أفقر دولة تعيش على الهبات والمعاونات من أمريكا، وبدءوا ينقضون أفكارهم، ويلغون بعض أسس دعوة ماركس؛ لأنها دعوةٌ ليست حقيقية، وإنما هي جوابٌ خاطئ لعلم لا يعلمه ماركس، وألغيت النظرية التطبيقية الشيوعية في نفس الدول الشيوعية، التي ما زالت تتبناها وإلى الآن لم تلغ فيها. هذا مثال على أن الإنسان إذا طُلب منه أن يجيب على علمٍ لا يعلمه أجاب بالخطأ.

نظرية فرويد في الحياة والرد عليها

نظرية فرويد في الحياة والرد عليها وهناك شخص كان اسمه فرويد؛ وهو عالم من علماء النفس، وكما يقول أحد الإخوة: إنهم علماء العفس والرفس. الرفس أي: الرمح -تعرفون من هو الذي يرمح- هؤلاء العلماء يقولون: إنهم علماء نفس، علم النفس حقيقةً لا يعلمه إلا خالق هذه النفس، وكل العلوم التي تقدم لتفسير أسرار النفس من غير الكتاب والسنة، كلها هراء وكذب ولا تصح؛ لأن الله يعلم ما في نفوس هؤلاء العباد، وهو خالق النفس، وعارف أسرارها، وهذا جهاز مكبر الصوت، أصدق إنسان يتحدث عن أسرار هذا الجهاز هو صانعه، وإذا تعطل هذا الجهاز عند من نصلحه؟ عند صانعه، وإذا تعطل الجهاز ولم نذهب به عند صانعه ماذا يفعل به؟ يخربه، الآن هذا مسجل صغير خرب وذهبت به عند صاحب البنشر، وقلت: يا بنشري! من فضلك أصلح هذا المسجل، قال: هاته. وعبأه زيتاً وشحَّمه ما رأيكم! أيصلح هذا الجهاز أم يخرب؟ وإذا خربت ساعتك في يدك، العقل يقول: اذهب بها إلى مهندس الساعات ليصلحها، لكن لو ذهبت بها إلى النجار، وقلت له: أمسك، لا صديق إلا وقت الضيق، الساعة وقفت ونريدك أن تصلحها، قال: ما عندي علم، ما أعرفها، قلت: كيف ما عندك علم؟ عندك المطارق وعندك المناشير والمسامير، مهندس ولا يستطيع أن يصلح ساعة!! تصلح باباً ولا تعرف إصلاح ساعة!! قال: أبشر، هات، وضربها بمسمار في وسطها، ونشرها ودقها بالفأس، أتصلح أم تخرب الساعة؟ تخرب. هذا الإنسان، وهذه النفس البشرية الله خالقها وصانعها وبارئها: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر:62] {خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق:2] {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:1 - 3]. الله خالق هذه النفس فهو أعلم بأسرارها، أما النفس نفسها فلا تعرف أسرار النفس، جاء فرويد وهو من علماء (العفس والرفس)، فقيل له: يا فرويد! ما الحياة هذه؟ وكان عالماً كبيراً من علماء النفس، وكان الرجل معروفاً عنه في تاريخه وسيرته أنه إنسان شهواني من عبدة الجنس -أي: حمار شهوة- فقال: الحياة جنس. يريد أن يفسر الحياة من منظاره الأسود، ومن منطلقه النجس، إنسانٌ هابط وشهواني، يعيش في أوحال الشهوات، ويريد أن يحول حياة البشر كلهم من الطهر والعفاف، والنقاء والكرامة، إلى حياة القردة والكلاب، والحمير والخنازير. ويقول: لا توجد قيود على الجنس، يجب أن يعيش الناس ويمارسوا الجنس بإباحية كاملة. قيل له: كيف؟! إن هذه حياة الكلاب، من يمارس الجنس الآن بإباحية كاملة إلا الحيوانات الهابطة؛ القردة والكلاب والخنازير والحمير وجميع الحيوانات، أما الإنسان فله قيود على الجنس؛ لأن الجنس في حياة الناس وسيلة لغاية وليس غاية، الجنس وسيلة لغاية بقاء الجنس البشري، إذ لو لم يجعل الله عز وجل ميلاً في قلب الرجل إلى المرأة، وميلاً في قلب المرأة إلى الرجل؛ لانقرض الجنس البشري، وما بقي خلافة في الأرض تتحقق بها عمارة الأرض بطاعة الله عز وجل، فالله تعالى من حكمته عز وجل أن أوجد ميلاً في الرجل والمرأة، كل منهما تجاه الآخر؛ من أجل أن يلتقوا عند الزواج، ويحصل من هذا اللقاء أولاد شرعيون؛ يحققون الرسالة والخلافة في هذه الأرض، ولكن فرويد يريدهم أن يلتقوا كما تلتقي الحمير. والجنس حينما أوجده الله عز وجل في الإنسان ضبطه، وحدَّد مساراً له، ما تركه فوضى؛ لأنه لو ترك فوضى فهي حياة الحمير والكلاب والحيوانات، إنما جعل الله له مساراً؛ هذا المسار هو مسار الزواج، يتحقق به الغرض الذي من أجله أوجد هذه الغريزة، ولا يترتب على هذا مفاسد من تحلل الروابط، وانفكاك الأسر، واختلاط الأنساب، وانعدام الثقة؛ فهذه كلها وليدة الإباحية الجنسية الموجودة في أوروبا والشرق، ودول الإلحاد والكفر. أما الإسلام فقد أباح الزواج وشرعه، وندب إليه، وضبطه بمسار معين؛ من أجل أن تحصل فائدته، ولا يحصل له أي سلبيات أخرى، وكل شيء غير محكوم بنظام فإنه يتحول إلى فوضى، أليس كذلك؟ حتى اللعب الذي هو لعب وليس فيه نظام ولا هو جد، اللعب إذا لم ينضبط بنظام يصير فوضى كذلك؛ فكرة القدم مجرد لعبة رغم أنها تعيش في دواخل قلوبنا الآن، هذه اللعبة محكومة بنظام يسمونه قانون كرة القدم، وهذا القانون مكون من أكثر من مائة وعشرين مادة، ويشرف على تنفيذ هذا القانون الحكم، ويسمون الحكم سيد الملعب، ينزل الملعب كأنه يقطع الرءوس، وهو يحكم على جلد حمار منفوخ، ويساعده في تحكيم المباراة حكم رجال الخط، وشخص من هنا يغير معها، والآخر يغير معها من هنا، وحكم احتياطي جالس هناك؛ يمكن أن يموت الحكم أو يمرض أو يتعب فيدخل مكانه، ومائة وعشرون مادة من مواد تطبيق هذه اللعبة تبين لك أطوال الملعب، الطول مائة وعشرة، وعرض الملعب: سبعون، وطول القوائم -مثلاً- متران ونصف، وعرض العارضة التي فوقها ثمانية أمتار ونصف، ومنطقة الستة ياردة، ومنطقة الثمانية عشرة ياردة، ونقطة البلنتي تبعد عن الحارس باثنتي عشرة ياردة، وخط النصف، و (السنتر هاف) و (الباك فورد)، و (الونجلفت)؛ هذه كلها اسمها: قانون كرة القدم. بالله لو قيل لأحد عشر لاعباً: تعالوا أنتم يا فريق أحد عشر هنا، وأنتم هنا، وهذه الكرة بينكم، ونريد منكم من يحرز هدفاً بدون حكم وقانون، إلى ماذا تتحول هذا المباراة؟ إلى معركة فعلاً؛ لأن أول واحد يمسك الكرة يريد هدفاً، وذاك أمسكه برجله، وذاك ركب عليه، وبعد قليل تجد اثنين وعشرين لاعباً كلهم فوق بعض والكرة تحت، ويحصل قتل ولا يخرج منها سالماً. فإذا كان اللعب نفسه مضبوطاً بنظام، ولا يمكن أن يصير أبداً لعباً إلا بنظام، فكيف نريد أن يتصل الإنسان بالمرأة مثل ما يريد فرويد -هذا الملعون- عن طريق الإباحية الجنسية، وبغير نظام ولا تتدمر البشرية؟! لا يمكن أبداً، وما هو الآن واقع ومشاهد في أوروبا هو نتيجة دعوة فرويد. الآن في أوروبا وفي أمريكا سلط الله عليهم جندياً من جنوده اسمه: الإيدز، جندي بسيط من جنود الله، والله تعالى يقول: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الفتح:4] جندي لا يرى بالعين المجردة، لا تستطيع أن تراه إلا إذا أدخلته في عدسة أو أدخلته في ميكروسكوب إلكتروني يكبر الحجم ثلاثة ملايين مرة، أي: يجعل الملي الذي هو واحد من عشرة من السنتيمتر، يجعله ثلاثة كيلو، يمكن أن ترى هذا الفيروس بالمجهر، هذا الجندي أقلق أمريكا وأوروبا ودمرها الآن، وشبحه يبرز في كل ميدان وشارع وملهى، وفي كل مكان؛ لأنه من جنود الله المسلطين الذين فيهم شدة الله وبأسه، وغضب الله عز وجل، هذا جاء نتيجة الإباحية الجنسية، حتى إن وزير الصحة السويدي ورئيس الصليب الأحمر عندهم، نادى نداءً عظيماً جداً قرأته بعيني في جريدة الشرق الأوسط، لما عملت إحصائية عن المصابين بالإيدز في العالم، وجد أنهم أكثر من اثنين وستين ألف مصاب والزيادة مستمرة! وأن أمريكا لوحدها فيها أكثر من أربعين ألفاً والبقية في أوروبا، وفي السويد وحدها ألف وستمائة واثنان وعشرون مصاباً بالإيدز، والسويد هذه من الدول الإباحية في العالم، وهي من الدول الاسكندنافية المتطورة جداً كـ الدنمارك والنرويج، لقد قال: إن علينا أن ننادي الشعب السويدي بتنظيم علاقته الجنسية، يقول: فهذا لا يجدي في محاربة الإيدز، ولكن علينا أن ننادي بقوة وبحزمٍ إلى أن يكون لكل رجلٍ سويدي امرأة واحدة فقط، يعني الإسلام، أي: أن تبقى علاقة الرجل بالسويد مع امرأة واحدة -أي: زوجة- لأن عندهم الزوجة واحدة في العرف والصديقات مائة في التطبيق العملي، وليس عندهم طلاق، لكن بإمكانها أن تأخذ لها مائة عشيق، وهو يأخذ له مائة صديقة، وهذا شيء يبيحه عندهم النظام. هذا فرويد الخبيث قال مقولته هذه وثبت فشلها؛ لأنها جاءت من إنسان شهواني لا يعرف هذه الحياة إلا من منظاره، ولا يريد أن يفسرها إلا من شهواته. وجاء غيره من العلماء، وليسوا بعلماء بل هم أجهل الناس بحقائق الكون، وحقائق هذه الحياة، بل بأنفسهم.

نظرية داروين في الحياة والرد عليها

نظرية داروين في الحياة والرد عليها جاء شخص ثالث واسمه دارون، ينقل عنه المؤرخون أن شكله شكل قرد، وقال: إن الإنسان تطور عبر سلسلة من المراحل حتى صار إنساناً، وأنه في الأصل كان قرداً. كيف كان قرداً؟ ما دام أن القضية تطورات، والإنسان كان قرداً وصار إنساناً، فلماذا لم يتطور الإنسان ويصير جملاً، أو ثوراً، أو وعلاً، أو يصير أي شيء؟ لماذا بقي عند الإنسانية؟ ما دامت القضية تطورية! لأن الشيء الذي يقبل التطور لا يقف بمنطق العقل. ورُدَّ عليه وثبت بطلان نظريته ونسفت من أساسها؛ لأن الإنسان إنسانٌ منذ خلقه الله، نعرف ذلك من كلام الله الذي خلق الإنسان، وهو قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13].

نظرية فروبل في حقيقة الحياة والرد عليها

نظرية فروبل في حقيقة الحياة والرد عليها جاءت كثير من النظريات التي لا مجال لتعدادها، منهم شخص اسمه فروبل، يقول: إن نظريته قائمة على اللعب، وإن الله خلقنا في هذه الحياة من أجل أن نلعب. هذا مطرب يحب اللعب! ويقول: إن الناس ما خلقوا إلا للعب، ولما سئل: لِمَ يا فروبل؟ قال: ألا ترون الطفل الصغير لا يجلس إلا للعب دائماً باستمرار، يقول: لو أردت أن تجلس في مجلس وتلاحظ حركة طفل في السنة الثالثة أو الرابعة أو الخامسة أو السادسة، فإنك تلاحظ فيه أنه لا يمكن أن يجلس خمس دقائق على نفس الجلسة، ثم يقوم يجلس ويتوقف ويقوم، لا بد أن يتحرك، فقال: هذا اللعب عند الإنسان دليل على أن الحياة كلها لعب. قيل له: يا فروبل! لا، اللعب في حياة الطفل لغرض؛ وهو أن الطفل ينمو، وما من يومٍ يمر عليه إلا وهو في زيادة في النمو، هذا النمو يجب أن يقابل بحركة من الإنسان، فإذا توقف الإنسان عن الحركة، توقف النمو، فحتى ينمو لا بد أن يتحرك، فإذا اكتمل بنيان الإنسان فلن يتحرك حركة إلا حركة إرادية؛ عندما يكون عمره عشرين سنة لو تحرك كيف ما تحرك لن يطول، ولذلك إذا فصَّل ثوباً وعمره عشرون سنة فلن يطول سنتيمتراً واحداً، انتهى، لكن من عمر سنة إلى أن يبلغ الإنسان وهو ينمو وينمو، فيجد أنه يتحرك حتى تنمو فيه العضلات، وتساعد على نمو جسمه، لكن لو توقف نموه عند سن معين يتوقف، ولو وقفت حركته لتوقف نموه، وهكذا. أجل! من الذي يجيب على هذه الأسئلة؟ ومن الذي يخبرنا عن حقيقة هذه الحياة؟ ومن الذي يخبرنا عن سر وجودنا في هذه الحياة؟ ولماذا جئنا؟ إن الجواب الصحيح لا يمكن أن يوجد إلا من خالق هذه الحياة، وموجد هذا الإنسان، ألا وهو الله الذي لا إله إلا هو. أما هذه الحياة فقد أخبرنا الله تبارك وتعالى أنها دار عمل، وأنها سوق ونحن نخوض غماره؛ فلنعمل فيه صالحاً، أو لنعمل فيه سيئاً، وأن الجزاء في الآخرة على ضوء السلوك في هذه الدنيا؛ قال عز وجل: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل:89 - 90]، وقال عز وجل: {أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد:20].

حقيقة وجودنا في الحياة الدنيا

حقيقة وجودنا في الحياة الدنيا أما لماذا جئنا؟ فقد أخبرنا الله عز وجل بقوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] هذا هو الهدف. هناك عالمٌ من علماء أوروبا، وهو بروفيسور، لكن في علم الآخرة لا يعرف شيئاً، أجهل من ثور أهله، قيل له: لماذا خلقت؟ قال: لآكل، ولماذا تأكل؟ قال: لأعيش؛ لأنه لو لم يأكل سيموت، قيل له: أنت تأكل لتعيش، لكن لماذا تعيش؟ لا بد لعيشك هذا من هدف، قال: لآكل، ولماذا تأكل؟ قال: لأعيش، وإذا به من آكل لأعيش، وأعيش لآكل، قال: وبعدما تأكل وتعيش، وتعيش وتأكل، وتصبح وتمسي من أجل أن تعيش وتأكل، وفي النهاية أين تذهب؟ قال: أموت. تموت!! الله خلقك لأجل أن تموت؟ لو أن الهدف من أن الله خلقك من أجل أن تموت، فإنك كنت ميتاً، وليس هناك حاجة ليوجدك وتمر عبر هذه المرحلة في بطن أمك، وبعدها ولادة وطفل ودراسة من أجل أن تموت؟! أجل كل موجود هنا فهو ميت، ولكن أنت وجدت لهدف: ما هو؟ قال: لا أدري، يعرف كل شيء في علم الدنيا، لكنه لا يعرف شيئاً في علم الآخرة، لا يدري! حتى قال شاعرهم: جئت لا أعلم من أين ولكني أتيت ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت وسأبقى سائراً إن شئت هذا أم أبيت كيف جئت؟ كيف سرت؟ كيف أبصرت طريقي؟ لست أدري ولماذا لست أدري؟ لست أدري هذا منتهى الضلال والضياع، لا يدري لماذا جاء، ولو أنك وقفت مرة -مثلاً- على العقبة المتجهة إلى جيزان، ووقفت مع العسكري وهو يسمح للسيارات بالصعود والهبوط، وجاء صاحب سيارة وأوقفه العسكري، قال له: أين ذاهب؟ قال: لا أدري. من أين جئت؟ قال: لا أدري والله. ولماذا نازل؟ قال: والله لا أدري. ما رأيكم في هذا العسكري أيوفقه أم يتركه؟ يوقفه مباشرةً، ويقول: هذا أخبل ومجنون، لا يعرف إلى أين هو ذاهب، ولا من أين جاء، ولا يعرف لماذا نازل، هذا سكران سيعمل كارثة أو مجنون! ولا يسمح له بقيادة سيارة في رحلة مدتها ساعتان إلى جيزان أو ثلاث ساعات. لكن البشرية اليوم العاقل الكبير لا يدري من أين أتى، ولا يدري إلى أين هو ذاهب، في رحلة طويلة، ستون أو سبعون سنة يعيشها على ظهر هذه الأرض وهو لا يدري، ونقول: إنهم عقلاء ومفكرون، وإنهم أصحاب حضارة وإنجاز، وهم مفلسون، والله تعالى يقول: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] غفلوا عن الحقائق الأزلية التي من أجلها خلقوا، ولا يعرفون إلا ظاهراً من هذه الحياة، قال الله تعالى قبلها: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:6]، ثم أثبت لهم علماً ظاهراً لا يغني عنهم شيئاً إذا قدموا على الله عز وجل. فالإيمان أيها الإخوة! هو الذي يجيب على هذه التساؤلات.

طرق تعرف البشرية على الإيمان الحقيقي

طرق تعرف البشرية على الإيمان الحقيقي .

الاستجابة لداعي الفطرة في النفس

الاستجابة لداعي الفطرة في النفس الإيمان قضية رئيسية في حياة الإنسان، ليست أمراً على هامش الوجود، إنها قضية سعادة أبدية أو شقاوة أبدية، إنها قضية جنة أو نار، ولذا كان حريٌ بالعقلاء أن يجعلوا أولى اهتماماتهم بالإيمان كيف يدعمونه، وكيف يرسخونه، وكيف يعرفون حقائقه، ولقد مارست البشرية طرقاً عدة في سبيل التعرف على الإيمان الحقيقي. فمنهم من استجاب لداعي الفطرة في النفس؛ فإن الله فطر كل نفسٍ بشرية على الإيمان به، قال الله عز وجل: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم:30] وقال عليه الصلاة والسلام: (كل مولود يولد على الفطرة -أي: على الإسلام- فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي عن الله عز وجل: يقول الله عز وجل: (إني خلقت عبادي حنفاء -أي: مستقيمين على الفطرة- فاجتالتهم الشياطين) أفي الله شك فاطر السماوات والأرض؟ ما من نفسٍ مفطورة إلا وعندها يقين أن الله خالقها، ولهذا سمي الإلحاد بالكفر؛ لأنه تغطية للحقائق، ألحد أي: مال وانحرف، وما استجاب لداعي الفطرة في نفسه.

الاعتماد على مبدأ السببية في إثبات الإيمان

الاعتماد على مبدأ السببية في إثبات الإيمان ومنهم من اعتمد على مبدأ السببية في إثبات الإيمان وقال: إنه لا يوجد شيء إلا بسبب، ولا يكون حركة إلا بمحرك، ولا يكون خلق إلا بخالق، فقال كما قال الأعرابي: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فأرض ذات فجاج، وسماء ذات أبراج، ونجوم تزهر، وبحارٌ تزخر، أفلا يدل ذلك على السميع البصير؟ إن هذا الكون بما فيه من أسرار في كل شيء، بل ما فيك أنت أيها الإنسان من أسرارٍ في نفسك، فأنت كلك أسرار وألغاز من رأسك إلى أظافر قدمك، في نفسك وفي جميع أجهزتك من الذرة الموجودة فيك إلى المجرة الموجودة في العالم الخارجي، كلها تدل على الله عز وجل. وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد فمبدأ السببية مبدأ عقلاني؛ لأن هذه الحياة لا بد لها من خالق، والله خاطب العقول وقال: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} [الطور:35]، طبعاً العقول تقول: لا. ما خلقنا من غير شيء؛ لأن العدم لا يخلق شيئاً، قال عز وجل بعدها: {أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور:35]، هل خلقتم أنفسكم يا ناس؟! طبعاً يقولون: لا. ثم ما دام أنهم ما خلقوا من غير شيء، ولا خلقوا أنفسهم؛ تعين كنتيجة حتمية أن يكون لهم خالق وهو الله الذي لا إله إلا هو. ولو قلت لكم الآن: أتظنون أو تعتقدون فيَّ أنني أخاطبكم الآن وأنا بكامل قواي العقلية؟ ليس عندكم شك الآن أني عاقل، إذ لو كنتم تشكون أني أتكلم معكم من منطلق الجنون، ما جلستم أمامي وعطلتم حصصكم وجئتم تجلسون، لكن تريدون أن تسمعوا كلاماً يفيد، ولو قلت لكم وأنا أتحدث عن أسرار خلق هذا الميكرفون: لو سألني طالب وقال: يا أستاذ! كيف صُنع هذا الميكرفون؟ فقلت لكم: هذا الميكرفون كان في قديم الزمان قطعة من الحجر، ومرت عليه الرياح الشمالية والشرقية والجنوبية، وأيضاً عوامل التعرية من الأمطار والرياح ونحتته من هذا الجانب ومن ذاك الجانب، وجاءت حديدة ودخلت من هنا، وجاءت حديدة أخرى ودخلت من هنا، ومع الزمان صار (ميكرفوناً)، ما رأيكم، هل تصدقونني أم تكذبونني؟! لا تصدقونني. وقد يقول شخص: يا أستاذ! صحيح، لكن تلك الساعة كيف جاءت؟ قلت: هذه أصلاً كانت حديدة بيضاء في جبل من الجبال البيض، وجاءت الرياح وأخذتها ولطخت بها هنا، وهذا الهور كذلك كان حجراً ولطخت به الرياح وضرب هناك، ومع الزمن تجوف مع الرياح، وأصبح له (زقم) بارز في وسطه يا أستاذ! هذا كلام غير معقول! وجاء شخص آخر وقال: السلك المربوط من هنا إلى هنا، من أين جاء؟ هيا حلها الآن؟ قلت: أنت عقليتك قديمة، أنت رجعي، هذا السلك يا ولدي! مرت به الرياح على ظهور الغنم والإبل، وحملته الخرفان السود في نجد وانغزلت مع الزمن، وصار سلكاً وفجأة ارتبط هناك، وارتبط هنا وصار صوتاً، بالله هذا كلام عاقل؟!! تقولون: والله إنه أخبل، هيا قوموا نكمل دروسنا، هذا الأستاذ والله ما معه عقل، لماذا؟ لأني أتكلم بكلام يرفضه العقل ولا يمكن أبداً. هناك جهاز اسمه جهاز (الأمبيرفاير) الذي يكبر الصوت، فيه طاقة، وفيه جهد، ومائتين وعشرين، ومائة وعشرة، أحدهما يرفع والآخر للمايك وهذا، وهذا يا أستاذ! قلت: وهذا يا أخي! الله يهديك، كلما أجبنا لك على سؤال تأتيني بسؤال آخر، يا أخي! حرر عقلك، كن متطوراً ومتنوراً مثلما يقولون، افهم، هذه جاءت كذا، وطلعت كذا، وأضاءت لمبة من هنا، وكلها صدفة. هل تقبل العقول هذا الكلام؟! لا تقبل العقول هذا في جهاز بسيط، لكن كيف تقبل العقول أن يكون هذا الكون، بما فيه من أبراج ونجوم وعوالم ومجرات، ومن آخر العلوم المكتشفات قرأت قبل حوالي شهر في المجلة يقولون: كان العلم البشري يتوقع أن أعلى شيء في الموجودات هي المجرة؛ والمجرة: هي مجموعة من المجموعات التي من ضمنها المجموعة الشمسية، والمجموعة الشمسية تشتمل على عدة كواكب من ضمنها الأرض والشمس والقمر، ومن ضمنها: نبتون، وزحل، والمشتري، وعطارد، والمريخ؛ هذه كلها اسمها المجموعة الشمسية، وهي واحدة، يقولون: إن المجموعة الشمسية بالنسبة لبعض المجرات مثل قبضة رمل على شاطئ بحر، ويقولون الآن: إن هناك شيئاً استطاعوا أن يصلوا إليه وأن يكتشفوه بواسطة (الميكروسكوب الراديوي) ليس (الإلكتروني البصري)، الراديوي أي: يكتشفون بالميكروسكوب عبر موجات الراديو، التي تطلق ذبذبات على بعد ملايين ملايين المسافات والكيلوهات والسنوات الضوئية، يقولون: إنهم استطاعوا أن يكتشفوا أن هناك شيئاً سموها (الكواسار)، هذا الكواسار يقولون: لو أردنا أن نقيس حجمه نأتي بحجم المجرات التي اكتشفناها، ونضع واحداً صحيحاً وأمامه مائة صفر، ومن يقرأ هذا العدد؟ ستة أصفار: مليون، سبعة أصفار: عشرة مليون، تسعة أصفار: مليار، اثنا عشر صفراً: بليون، لكن مائة صفر من أين نعطي له اسماً؟! هذا الكون كله، وهذا الإنسان، وهذه الحياة كلها الله خالقها! ويأتي الإنسان هذا البليد ويقول: ليس لها خالق، إنها الطبيعة! هل الطبيعة التي تدوسها أنت بقدمك، هذه الطبيعة الصماء العمياء تخلقك أنت أيها السميع البصير؟! فاقد الشيء لا يعطيه: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر:62]. فمبدأ السببية هو مبدأ عقلي اعتمد عليه العقلاء في القديم بدون رسالات، وأثبتوا أن لهذا الكون خالقاً هو الله الذي لا إله إلا هو.

إثبات الإيمان بقضية حسابية تجارية

إثبات الإيمان بقضية حسابية تجارية ومنهم من مارس القضية على أساس أنها قضية حسابية تجارية، فقالوا: نحن في الإيمان نكسب ولا نخسر شيئاً، ونحن بالكفر نخسر ولا نكسب شيئاً، حتى قال فيلسوف غربي اسمه باسكال: إن عليك قبل أن تقرر بين أن تؤمن أو لا تؤمن، عليك أن تقيس وتفكر فيما يمكن أن تربحه في الإيمان وما يمكن أن تخسره، وما يمكن أن تربحه بالكفر وما يمكن أن تخسره، ثم قال: إنك بالإيمان تكسب كل شيء ولا تخسر شيئاً مهماً، وإنك بالكفر تخسر كل شيء ولا تكسب شيئاً مهماً، بالإيمان ماذا تكسب؟ تكسب الصدق، والعفة، والوفاء، والكرم، والشجاعة، وتكسب كل شيء، وتخسر ماذا؟ تخسر الزنا، والزنا خسارة إذا لم تزنِ؟ العقول بدون دين ترفض الزنا، وتخسر الخمور، وهل الخمور مكسب؟ هي خسارة. كيف يسعى في جنون من عقل تخسر الكذب، والجبن، والخصال الرذيلة، فهذه ليست خسارة، بل تركها كسبٌ لك أيها الإنسان. وقال أبو العلاء المعري؛ وهو فيلسوف ملحد، قادته فلسفته إلى الإلحاد والكفر -والعياذ بالله- يقول بيتين من الشعر: زعم المنجم والطبيب كلاهما لا تبعث الأجساد قلت: إليكما إن صح قولكما فلست بخاسر أو صح قولي فالخسار عليكما يقول: أنا سأموت، فإن جاء في الآخرة بعث ونشور فأنا لم أخسر شيئاً، لكن لو جاء يوم القيامة وليس هناك بعث ولا نشور فأنت الخاسر، أنا ما خسرت شيئاً، وطبعاً نحن لا نأخذ إيماننا من هذه النظرية القائمة على الاحتمال، هذه نظرية أبي العلاء المعري الذي يقول: أنت خاسر وأنا سأكسب مباشرة، وليس عنده يقين، ولذلك ألحد. لكن. نحن نأخذ إيماننا عن طريق الجزم والحق الذي نجزم بأنه هو الحق، وأن ما عداه فهو الباطل، وأن دين الله الذي شرعه الله، وأنزله الله تبارك وتعالى، هو دين الله الذي يصلح لكل حياة، والمؤمن -أيها الإخوة- حينما يهتدي لا يخاطر بدنياه من أجل أن يربح في آخرته، بل هو يربح دنياه ويربح آخرته؛ لأن هذه الحياة ستبقى شقاءً، وستبقى غايةً في الضلال إلا أن يعمرها الإنسان بطاعة الله عز وجل.

حال المجتمعات بدون إيمان

حال المجتمعات بدون إيمان أيها الإخوة: إن هذه الحياة لا يمكن أن تهدأ فيها النفس البشرية، ولا يمكن أن تعيش سويةً إلا في ظل الإيمان بالله تبارك وتعالى، يقول الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97]، والإيمان -أيها الإخوة- من الضروريات لسعادة الإنسان في هذه الحياة، سواءً كان فرداً أو كان مجتمعاً، فإن الإنسان بغير دينٍ في ظل الكفر -والعياذ بالله- سيعيش ريشةً في مهب الريح، تتقاذفه الأمواج، وتتلاطمه الشبهات، وتستحوذ عليه الشهوات، ولا يدري من يجيب، ولا يدري من يستمع له، فسيكون في ضلالٍ وحيرةٍ، حتى يرجع إلى الله تبارك وتعالى، وكذلك ستبقى هذه التساؤلات في نفسه، فهو حيوان شرسٌ، وسبع ضارٍ، لا تستطيع الثقافات ولا النظم ولا المراقبات أن تحد من شراهيته، أو أن تحد من طغيانه، بل إنه يدور فقط مع مصالحه وفي فلك منافعه والعياذ بالله. أما على مستوى المجتمع؛ فإن المجتمع بغير دين سيتحول إلى مجتمع غابة، وإن لمعت فيه بوارق الحضارة؛ فإنه مجتمع غابة، بل والله إن في مجتمع الغابات رأفةً ورحمةً أعظم مما في مجتمع الإنسان بغير الدين. وأنتم ترون الآن كيف تمارس أفظع أنواع الوحشية مع المسلمين في فلسطين في القرن العشرين، أنا ما رأيت المنظر لكن أحدهم أخبرني به، والله إني ما استطعت أن أنام الليل، يقول: جاء اليهود باثنين أو ثلاثة من الشباب المسلمين، وأوقفوهم وأخذوا الحجارة يدقون بها على أكواعهم، ويدقون أكتافهم، ويدقون ركبهم، تكسير، وما يمارس هذا التعذيب مع تيس، إذا أردت أن تذبح تيساً كيف تفعل به؟ تريح ذبيحتك عندما تذبحه، فلو ذبوحهم وأطلقوا النار عليهم لكان هيناً، لكن يرضونه على مرأى من العالم كله، ولا أحد يتحرك، لا مسلم يغار، ولا كافر يرحم، أين الإنسانية؟ يقول الشاعر: عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ عوى وغرد إنسان فكدت أطير المجتمع بغير دين مجتمع غابة حقيقةً، ولو لمعت فيه بوراق الحضارة الحياة فيه للأقوى لا للأتقى، مجتمع تعاسة حقيقةً وإن توفرت فيه أسباب الرفاهية، مجتمع تافه؛ لأن اهتمامات أهله تدور فقط في فلك شهوات البطون وملذات الفروج فقط، ولذا لم تتحقق السعادة للناس في ظل الكفر في أوروبا، وقد وفروا لأنفسهم أكثر الإمكانات البشرية والمادية فعاشوا عيشة البهائم. إن في العالم من الشباب من له وظيفة وتجده في الأخير يأخذ حبوباً ويشربها ليموت! أو يذهب إلى قمة جبل ويلقي بنفسه منه، أو يأخذ المسدس ويقتل نفسه؛ لأنه تعيس، يبحث عن السعادة في كل شيء فلم يجدها؛ لأن السعادة لا يمكن أن تكون إلا في ظل الإيمان بالله عز وجل. المجتمع بغير دين -أيها الإخوة- هو مجتمع ضلال، ومجتمع حيرة وانتكاسية؛ لأنه طوَّر المادة لكنه دمر الإنسان. وهل الإنسانية الآن مطورة أم مدمرة؟! إنها مدمرة، يقول أبو الحسن الندوي وقد سافر إلى أمريكا وعاد وكتب كتاباً، يقول: زرت أمريكا فوجدت فيها ناطحات السحاب، ووجدت فيها الشوراع الفسيحة، والموانئ العظيمة، وسمعت فيها هدير المصانع والآلات، ووجدت فيها كل شيء، غير الإنسان ما وجدته. يقول: ما رأيت الإنسان بإنسانيته ومبادئه، وبغايته الكريمة، يقول: وجدت مسخاً يمشي على قدمين وفي يده كلبٌ يأكل معه في صحفة واحدة. فالمجتمع بغير الدين مجتمع ضلال وحيرة؛ لأنه طوَّر المادة، ودمر الإنسان، فهو وإن استطاع أن يحقق شيئاً من الماديات إلا أنه لم يحقق شيئاً من سعادة البشر، إلا من أجل تدميره ومن أجل -والعياذ بالله- القضاء عليه، وما حرب النجوم عنا ببعيد، تسمعون الآن وقبل فترة مشاريع ضخمة ترصد لها المليارات من الدولارات من أجل المسابقة إلى غزو الفضاء، وإلى السيطرة على العالم الأرضي من خلال حرب النجوم، هذه ملايين تؤخذ من البشر ولو قسمت عليهم لما كان في الأرض شقي ولا فقير، لكن لما كانت البشرية بغير دين أصيبت بهذه الويلات والنكبات. هذه أيها الإخوة! بعض اللمحات عن الإيمان وأهميته وأثره في حياة الفرد والمجتمع، وقد يقول قائل: ما هو الإيمان الذي نعنيه؟ ما هو الإيمان الذي نريده؟ أهو مجرد تصورات، أو سلوك، أو عبادات؟ ما هو الإيمان الحقيقي الذي ينفع؟ ثم ما أسباب زيادة الإيمان؟ وما أسباب ضعف الإيمان؟ وما أسباب إحباط الإيمان؟ هذه الأسئلة الأربعة تحتاج إلى وقتٍ مثل الذي قضينا فيه، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يعين وأن يوفق على اللقاء بكم مرة أخرى للإجابة عليها؛ لأن الوقت محدد لي من قبل الشيخ فقد حدده بالدقيقة، قال: لا تزد ولا تنقص، هذه حصة، وليست فلتة، قال: لك خمسة وأربعون دقيقة، فأظن أني أخذت أكثر من خمس وأربعين دقيقة، فأستميحه عذراً وأستسمحكم أيضاً. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة .

الأمور التي تعين على تقوية الإيمان

الأمور التي تعين على تقوية الإيمان Q ما هي الأمور التي تقوي الإيمان في قلب المسلم؟ ومتى يجب على المسلم أن يداوم على ذلك حتى يصبح قوي الإيمان؟ A يقول السلف: كنا لا نتجاوز العشر آيات من القرآن حتى نعيهن ونتدبرهن ونعمل بهن ونطبقهن، هذا الذي ينفع، أما فقط قراءة هذرمة، لا تنفعك ولا تغني عنك يوم القيامة، الله أنزل القرآن لا لتقرأه هكذا، الله تعالى يقول: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29] هذا الأول: قراءة القرآن، ولكن تستعين أيضاً بالله، ثم ببعض الكتب المفسرة للقرآن الكريم، بعض الكتب التي تفسر لك بعض مفردات القرآن، وبعض أسباب النزول، وبعض الأقوال المأثورة فيه، أو القول بالرأي فيه، حتى تكون عندك ثقافة قرآنية كبيرة، تفهم فيها مراد الله عز وجل. الأمر الثاني: قراءة سنة النبي صلى الله عليه وسلم -أي: الحديث الشريف- وليكن في كل يوم تقرأ حديثاً واحداً، ولو استمريت على هذا سيكون معك في الشهر ثلاثون حديثاً، وفي السنة ثلاثمائة وستون حديثاً، وفي عشر سنوات تصير محدثاً كبيراً، تعرف الحديث، ودرجة صحته ومفرداته اللغوية، والأحكام الشرعية المستنبطة منه، وماذا يعنيك منه؟ وهل طبقته أو ما طبقته؟ وأخصر كتاب أدلكم عليه هو كتاب رياض الصالحين، الذي احتوى على الأحاديث الصحيحة وليس فيه حديث موضوع، والأحاديث الضعيفة فيه قليلة، فما فيه إلا بضعة عشر حديثاً ضعيفاً، ولكنها من فضائل الأعمال، وهو من أصح الكتب، وهو مبوب على أبواب تستفيد منها في كل شئون حياتك، لا بد يومياً بعد ما تغلق القرآن تأخذ رياض الصالحين وتقرأ فيه حديثاً، وتسأل نفسك فيه، وتطبقه حتى تحفظه؛ لأنه لا يمكن أن تحفظ حديثاً وما عملت به، فمن وسائل حفظ الأحاديث العمل بها. الثالث: الحرص على ممارسة العبادات والفرائض وفي جماعة المسلمين، وبكامل الطهارة والخشوع والخضوع، وفي الصف الأول، وتحرص باستمرار على الصلاة في الصف الأول، وأن تحج، وأن تصوم أحسن صيام، وتؤدي كل الفرائض الشرعية، وتحرص على ممارستها حرصاً قوياً. الرابع: البعد كل البعد عن المعاصي والذنوب؛ فإنها تحرق الإيمان وتنسف الإيمان من الأساس، فإن الإيمان مثل الشجرة يغذيها الماء ويحرقها البنزين، لو وضعت تحت شجرة ناراً، ماذا يصير؟ تحترق، أو صابوناً أو بنزيناً أو جازاً تحترق، فأكثر الناس الآن يريد إيماناً وهو يغني، يحرق الإيمان بالأغاني، ويحرق الإيمان بالنظر المحرم، ويحرق الإيمان -والعياذ بالله- بقلة الدين، فلا تعص الله؛ لأنك إن عصيت الله ضعف إيمانك، فحاول أن تبني وتحمي، لا أن تبني وتهدم. هذه الرابعة؛ الحرص كل الحرص على الابتعاد عن الذنوب صغيرها وكبيرها، دقيقها وجليلها، ظاهرها وباطنها، المتعلق بالقلب وبالجوارح، كل الذنوب حاول ألا تقع فيها، وإذا وقعت في شيء فسارع بالتوبة والرجعة إلى الله عز وجل. الخامس: أن يكون لك قرين وصاحب خير، زميل تختاره اختياراً كما تختار الذهب الأحمر؛ لأنه: إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي عليك أن تختار القرين الصالح، والزميل المناسب، الذي في مثل دينك أو أكثر؛ لأنه إذا كان أكثر منك سيسحبك معه، أما إذا كان أقل منك سينزلك معه. هذه الخامسة؛ أن يكون لك زميل صالح. كيف تختاره؟ من خلال الممارسة تراه، من أين تتعرف عليه؟ من المسجد، في الصف الأول، يقرأ كلام الله، فيه حب للخير، تمشي معه أول يوم، أقيمت الصلاة وإذا به مباشرةً معك، كذلك إذا قرأت القرآن، لكن من يوم أن ترى منه دعوة إلى أي معصية أو إلى تثاقل عن طاعة الله فاحذر منه فإنه شيطان. السادس من الأمور التي تقوي الإيمان وتحفظه وتزيده: الحرص كل الحرص على الابتعاد من قرناء السوء؛ لأن قرين السوء مثل الجمل الأجرب الذي يعدي ولا ينفع، فلو أدخلنا جملاً أجرب بين سبعين جملاً صحاح، هل تتعاون السبعين على أنها تقيه العافية من الجرب، أم هو يستطيع أن يعديها كلها؟ هو يعديها كلها وتصير بعد سنة جرباء كلها، لكن هي لا تتعاون على أن تصلحه؛ لأن الشر ينتشر، والخير يصعب انتشاره إلا بصعوبة. هذه هي وسائل تقوية الإيمان إن شاء الله تعالى، نسأل الله أن تداوم عليها يا أخي السائل! وأن يزيد الله إيمانك، وأن ينور الله بصيرتك.

مكفرات السيئات

مكفرات السيئات Q ما هي المكفرات التي تكفر سيئات المسلم في الدنيا والآخرة؟ A المكفرات عشرة، ذكرها الإمام ابن تيمية رحمه الله، منها في الدنيا ومنها في الآخرة، ذكرها في الجزء العاشر من الفتاوى في باب السلوك: مكفرات الذنوب عشرة أشياء، لكن ليس مقامها الآن.

نصيحة للشباب الغير متزوج

نصيحة للشباب الغير متزوج Q نريد منكم يا فضيلة الشيخ! نصيحة للشباب المسلم غير المتزوج الذين طغى عليهم الجنس وممارسته بطرق غير مشروعة؟ A الجنس غريزة موجودة في كل كائن، والله شرع لنا وسيلة لتفريغ هذه الغريزة عبر مسار نظيف اسمه: مسار الزواج، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة -أي: النفقة والقدرة على الزواج- فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج) هذا الزواج، (ومن لم يستطع) فعليه بيده! مثل ما يفعلونه الآن ويسمونها العادة السرية، أي: نكاح اليد؛ لأن العصاة والمجرمين قدموا المعاصي في قوالب مقبولة بتسميات مختلفة، فيسمون نكاح اليد: عادة سرية، التي بها لعنة الله ورسوله، والتي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي يوم القيامة ويده حبلى له؛ يبعث يوم القيامة ويده مثل الجبل فيها ستمائة أو سبعمائة ولد، ما هذا؟ قال: هؤلاء عيالك في الدنيا، لا إله إلا الله!! نكاح اليد محرم، وفيه فتوى صادرة من هيئة كبار العلماء، نحتفظ بها، وهي موقعة من كبار العلماء، ولا تنظروا لمن قال لكم: إنها أهون من الزنا، الباطل لا يحارب بباطل، والبديل لا يكون منكراً، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (فعليه بالصوم) فقط، وقال الله في الآية الكريمة: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المعارج:29 - 30] فقط، زوجتك أو ملك يمينك، ثم قال {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ} [المؤمنون:7] أي شيء حتى ولو يده: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون:7] أي: المعتدون على حرمات الله عز وجل، فأنت أيها المسلم! إن استطعت أن تتزوج فالحمد لله، وإن لم تستطع أن تتزوج فعليك وسائل تتبعها حتى تقلل من لهيب الجنس ولوعته في قلبك: أولاً: غض بصرك ولا تفتح عينك؛ لأن الشاعر يقول: والمرء ما دام ذا عينٍ يقلبها في أعين الغير موقوف على الخطر غض البصر؛ لأن غض البصر هذا من أعظم وسائل الحماية للإنسان. ثانياً: لا تستمع للأغاني؛ لأنها تهيج الشهوة إلى جانب كونها محرمة؛ لأن الغناء كله يتحدث عن الحرام، ليس فيه كلام إلا: يا ليل، ويا عين، ويا حبيبة، ويا طولها، ويا عرضها فقط، كلام فاضٍ، فلا تسمع الأغاني بأي حالٍ من الأحوال. لا تنظر إلى النساء، وغض بصرك، وكذلك لا تنظر إلى المسلسلات والروايات والمسرحيات؛ لأنها تحرض على الجنس والحب والغرام والعشق والهيام. أيضاً: لا تقرأ في كتب الروايات، ولا تشترِ المجلات؛ لأن فيها أصحاب الصور العارية الرخيصة. أيضاً: لا تفكر في هذه الأمور تفكيراً يستغرق عليك وقتك، وإنما إذا جاءك التفكير قم إلى القرآن، خذ المصحف واقرأ القرآن، أو قم إلى الصلاة، وبعد ذلك عليك بالصوم وهو أول وأفضل دواء، كما قال عليه الصلاة والسلام، وإذا كنت تقول: كيف أصوم؟ فلتصم الإثنين والخميس من كل أسبوع، أو تصم ثلاثة أيام من كل شهر، فإنه -إن شاء الله- يعينك إذا قصدت بذلك وجه الله تعالى، والاستعانة على كبح الشهوة في نفسك، فهذا دواء ناجع بإذن الله تعالى، وإذا ابتليت بحكم جاهليتك في الماضي بالتعرف على فتاة، ووقع في قلبك ميلٌ نحوها، فابحث من الآن إمكانية الزواج بها، قبل أن تتخرج، دع أهلك يتقدمون لها، أو يعقدون لك عليها، فإن كانت الطرق مهيأة، والسبل ممكنة، وأهلها موافقون، فحاول أن تعقد، وإذا صارت زوجتك فأحبها كثيراً، لا نقول لك: لا؛ لأن الحب الحلال حلال، واذهب وتكلم واجلس معها. وإن كنت بحثت عن الطريق الموصل إلى الزواج بهذه البنت وقالوا لك: لا. والله لا نزوجك، رفض أبوها أو رفضت أمها، أو رفض أبوك أو رفضت أمك، وطبيعي أنك لن تتزوج بفتاة غصباً عن أبيها وأمها، أتأخذها غضباً؟! لا، لا بد من رضا الولي: (لا نكاح إلا بولي وشاهدين)، فإذا عرفت أن الطريق مسدود إلى الزواج بها، فإن البقاء في العلاقة معها لا طائل تحته، لماذا؟ لأنك تلهب قلبك وليس هناك طريقة للحل؛ لأن أصل الحب هو ميل المرأة إلى الرجل، ولا يمكن أن يطفئه إلا اللقاء بها، ولا يمكن ذلك إلا عن طريق الزواج، وإذا تم اللقاء بها من غير زواج يزيد النار لهيباً هل هو حلال أن تزني بها؟ أو أن تجلس معها؟ بل هو حرام وليس بحلال، صحيح أنه يغضب الله، ومعصية من معاصي الله، وكبيرة من كبائر الذنوب، ولكن إلى جانب ذلك مشكلة عليك أنت، لا تنحل المشكلة، لا يحل مشكلتك من حب الفتاة إلا الزواج بها، فإن كان الزواج ممكناً فالحمد لله، وإن كان غير ممكن فقف واقطع طريق الرجعة عليها وعلاقتك بها، وافصلها بحزم الرجال وقوة الأبطال، ولا تفكر في شيء حتى تتزوج، ثم إذا تزوجت كما مال قبلك إلى الأولى سيميل قلبك إلى زوجتك؛ لأن بعض الناس يقول: لا والله إني لو أخذت مائة امرأة أني ما أحب إلا تلك، نقول له: لا والله إنك تحب زوجتك أكثر منها، وشيء مجرب، أول شيء كيف أحببت هذه وأنت كنت لا تعرفها؟ من طريق تعرفك عليها، أو رأيتها وكلمتها، وكذلك زوجتك الجديدة إذا تزوجت بها، إذا رأيتها وجلست معها ستحبها أكثر من تلك إن شاء الله. وبعضهم يقول: كيف أفعل؟ نقول: أنت رجل مؤمن وعاقل، تعرف أنك بهذا الكلام والاتصال والمراسلة، أو بأي اتصال مع المرأة، تعرف أنك لا يمكن أن تلتقي بها عن طريق الزواج، إنما تدمر نفسك وعرض مسلم وعرضها، وبعد ذلك النهاية فشل في فشل، فمن الآن كن قوي الإرادة، عظيم النفس، عالي الهمة، أعلن التمرد القوي على نفسك وعلى عاطفتك وقل لها: والله لا يمكن، وقد وضعت هذا الجواب لشخص من الشباب، وكان رجلاً حقيقةً بارك الله فيه ووفقه، والآن عنده ولدان من زوجته الجديدة، فقد جاءني وهو يبكي من لوعة الحب في قلبه تجاه بنت رفض أبوها أن يزوجه إياها، وقال له: والله لا تنكحها وأنا حي، فجاء الولد يقول: ماذا أفعل؟ رفض أن يزوجني، قلت: ماذا تريد؟ تريد أن تغصبه على ابنته، لو أن عندك بنتاً ورفضت أن تزوجها لشخص، هل يغصبك أحد على ابنتك؟ هذا يكون في غير الإسلام، يكون في الشيوعية، أما نحن فمسلمون، هذه ابنتي لا أزوجها إلا ممن أريد، وكذلك هذا الرجل هو حر في اختيار زوج ابنته، أنت لا تصلح لها، ولهذا هو ما يريدك يا أخي! قال: ماذا أفعل؟ قلت: الآن اتصل بها. فاتصل من مجلسي وأنا أمليه الكلام في ورقة، كلاماً شديداً قوياً، وعندما أكمل قلت له: ابصق في وجهها، فبصق في التلفون في وجهها، فهي وضعت السماعة؛ لأن عندها كرامة عندما تكلم عليها وقال: أنتِ خبيثة، وأنتِ مجرمة، وأنا لا أريدكِ، وأنا أعلن قطع الصلة بكِ، ومن الآن لا تكلميني ولا أكلمكِ، ووضع السماعة وذهب الرجل، وبعد يومين جاءني وقال: اتصلت بي، قلت: ماذا فعلت؟ قال: تفلتها، قلت: وهي ماذا صنعت؟ قال: بكت، قلت: فما موقفك أنت؟ قال: والله يا شيخ! يوم أن بكت تألم قلبي، قلت له: أنت ضعيف، أنت لا تصلح للجنة، تريد الجنة وأنت عبد شهوتك! كيف تعلن عبوديتك لله ثم تصير عبداً لامرأة، حرامٌ عليك! ثم قلت له: ارفع السماعة، فرفع السماعة وقال لها مثل كلامه الأول، فردت عليه وقالت: الله لا يردك، ولعن الله أباك وأمك، قالتها له، ويوم لعنت أمه وأباه، يقول: والله إن الله أخرج حبها من قلبي كما تخرج الشعرة من العجين، قلت: اذهب وابحث لك عن امرأة الآن، فذهب وتزوج بامرأةٍ، وبعد ما عقد عليها ودخل بها أحبها، وصار عنده ولدان منها، يقول لي: والله إني من أسعد الناس بهذه الزوجة. فقضية الجنس ولهيبه لا تعالج بأنك تبكي، فإنك إذا أتيت على نار مشتعلة هل تطفئها أم تؤججها؟ إذا أججتها التهبت، وإذا أطفأتها خمدت، فإذا كان عندك شيء في قلبك كبشرٍ فأخمد هذه الشهوة بعدم سماع الغناء، والنظر إلى النساء، وقراءة المجلات والخزعبلات، والنظر إلى المسرحيات، وقراءة الروايات، وبعد ذلك صم، والله يوفقنا وإياكم، والحمد لله رب العالمين.

من أين نبدأ؟

من أين نبدأ؟ ابتدأ الشيخ محاضرته بالحديث عن محاسبة النفس، والحث عليه، مبيناً خلال ذلك أهمية استغلال الأيام والليالي في مرضاة الله عز وجل وطاعته، كما تحدث أيضاً عن المخرج من ورطة الحياة، وذكر أنه لا مخرج من ذلك إلا بطاعة الله والتمسك بدينه، ثم بدأ بتناول الأمور التي يتوجب على المسلم أن يبدأ بها في رسم طريقه نحو نيل مرضاة الله عز وجل.

وقفة محاسبة

وقفة محاسبة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أيها الإخوة في الله: يدور الزمان دورته، وتمر الليالي والأيام، ويعود إلينا شهر رمضان، فرصة يتيحها الله للمؤمنين، وتمديد في الأعمار، وتأجيل للآجال، وقد يأتي رمضان ونحن في عالم آخر؛ في عالم الأموات، كما صنع بغيرنا من الناس، فكم من أسرة كانت -في رمضان الماضي- ترى يد رب الأسرة وهي تمتد إلى الطعام في وجبة الإفطار والعشاء والسحور، افتقدت هذه اليد في هذا الشهر، وكم من أسرة افتقدت يد الأم وافتقدت يد الولد وافتقدت يد البنت، وما حصل للناس يمكن أن يحصل لنا، وما لم يحصل لنا في هذا العام فقد يحصل لنا في العام القادم، والخاسر هو الذي يفوت مثل هذه الفرص، كما سمعتم قول الله عز وجل: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [الأنعام:31]. أما آن للإنسان أن يتوب -أيها الإخوة! - إلى متى وهو يتعاقب عليه الليل والنهار وهو يسير إلى النار؟! لماذا يقطع رحلة المصير والنار إلى جهنم؟! يقول عز وجل: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16]. أنت تسير يا أخي! ولا تدري أنك راكب على مطية الليل والنهار وهي تنزل بك في منازل الآخرة وأنت لا تشعر، فهل الأولى والخيار المناسب لك أن تنتقل عبر مطايا الليل والنهار إلى السعادة والفوز والفلاح والنجاح، أم إلى الشقاء والدمار والهلاك؟ لا خيار لك، فالخيار الأفضل والبديل الأمثل أن تستجيب لداعي الله، يقول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب:36]. ما لك خيار في الجنة والنار، لا بد لك -وقد قضى الله عز وجل- أن تعبده، يقول عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء:23] فما دام قضى الله أن تعبده -وليس لك خيار فيما قضى الله- فلا بد أن تستجيب، والذي لا يستجيب ويأبى إلا أن يركب رأسه ويسير إلى النار، فهذا يقول الله فيه: {وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ} [لقمان:23] ويقول عز وجل: {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ} [المرسلات:46] ويقول: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:3] ويقول عز وجل: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية:25 - 26]. هذه الأيام مطايا أين العدة قبل المنايا؟ أين الأنفة من دار الأذايا؟ أين العزائم أرضيتم بالدنايا؟ إن بلية الهوى لا تشبه البلايا إن خطيئة الأحرار لا كالخطايا يا مستورين!! ستظهر الخفايا سرية الموت لا تشبه السرايا قضية الزمان لا تشبه القضايا ملك الموت لا يعرف الوساطة ولا يقبل الهدايا أيها الشاب! ستسأل عن شبابك أيها الكهل! تأهب لعتابك أيها الشيخ! تدبر أمرك قبل سد بابك يا مريض القلب! قف بباب الطبيب يا منحوس الحظ! اشك فوات النصيب لذ بالجناب ذليلاً وقف على الباب طويلاً واستدرك العمر قبل رحيله وأنت بداء التفريط عليلاً إخواني! أين من أدرك مقامات المقبولين؟ أين من خفت مطاياه خلف المشمرين؟ أين من تأهب لأفزاع يوم الدين؟ أين من اتصف بصفات أهل اليقين؟ لله در نفوس تطهرت من أدناس هواها وتدرعت بلباس الصبر عن عاجل دنياها فرضي الله عنها وأرضاها سهرت تطلب رضى المولى فرضي عنها وأرضى يا من عليه نذر الموت تدور يا من هو مستأنس في المنازل والدور لا بد من الرحيل إلى دار القبور والتخلي عما أنت به مغرور غرك والله الغرور بجنون الخداع والغرور يا مظلم القلب وما في القلب نور الباطن خراب والظاهر معمور إنما ينظر إلى البواطن لا إلى الظهور لو تفكرت في القبر المحفور وما فيه من الدواهي والأمور كانت عين العين منك تدور يا من يجول في المعاصي قلبه وهمه يا معتقد صحته فيما هو سقمه يا من كلما زاد عمره زاد إثمه يا طويل الأمل! وقد دق عظمه يا قليل العبر وقد تيقن أن اللحد عما قليل يضمه أما وعظك الزمان وزجرك ملمه

الحث على محاسبة النفس

الحث على محاسبة النفس قال الفضيل بن عياض رحمه الله: إذا لم تقدر على قيام الليل وصيام النهار فاعلم أنك محروم، كبلتك خطيئتك. وقيل لـ ابن مسعود رضي الله عنه: [لا نستطيع قيام الليل، قال: قيدتكم خطاياكم]. قال الأصمعي: خرجت حاجاً إلى بيت الله الحرام وزيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فبينما أنا أطوف حول الكعبة الشريفة في الليل وكانت ليلة قمراء، إذ أنا بصوت حزين، فاتبعت الصوت فإذا أنا بشاب حسن الوجه ظريف الشمائل عليه أثر الخير، وهو متعلق بأستار الكعبة، وهو يقول: إلهي وسيدي ومولاي، غارت النجوم ونامت العيون وأنت ملك حي قيوم، إلهي أغلقت الملوك أبوابها، وقامت عليها حجابها، وبابك مفتوح للسائلين، وها أنا سائل واقف مذنب ببابك مسكين ثم قال في أبيات له: يا من يجيب دعا المضطر في الظلم يا كاشف الضر والبلوى مع السقم قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا وأنت يا حي يا قيوم لم تنم أدعوك ربي حزيناً راجياً فرجاً فارحم بكائي إله البيت والحرم أنت الغفور فجد لي منك مغفرة واعطف عليَّ بفضل الجود والكرم إن كان عفوك لا يرجوه غير تقي فمن يجود على العاصين بالنعم قال: ثم رفع رأسه إلى السماء وهو يقول: إلهي وسيدي ومولاي أطعتك بمنتك فلك الحمد عليَّ، وعصيتك بجهلي فلك الحجة عليّ. قال الأصمعي: فكان يردد هذا الكلام حتى وقع على الأرض مغشياً عليه، قال: فدنوت منه ورفعته فإذا هو زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين، قال: فرفعت رأسه فإذا هو يبكي، فبكيت لبكائه فوقعت قطرتان من دموعي على خده فأفاق. وقال: من هذا الذي شغلني عن ذكر مولاي؟. فقلت: أنا الأصمعي، فما هذا البكاء وما هذا الجزع، وأنت من أهل بيت النبوة أليس الله يقول: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} [الأحزاب:33]. قال: هيهات هيهات يا أصمعي، إن الله خلق الجنة لمن أطاعه وإن كان عبداً حبشياً، وخلق النار لمن عصاه وإن كان حراً قرشياً، أما سمعت قول الله عز وجل: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [المؤمنون:101 - 102] يعني: بالعمل الصالح {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [المؤمنون:101 - 104]. إخواني: هذه الحياة منهل يرده الناس كلهم ويختلفون فيما يردون ويريدون: {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ} [البقرة:60]. فالمحب لربه يتلذذ بمناجاة محبوبه. والخائف على ذنبه يتضرع بين يدي مولاه ويبكي على ذنوبه. والراجي يلح في سؤال مطلوبه. والغافل المسكين أحسن الله عزاءه في حرمانه وفوات نصيبه.

الحث على استغلال الأوقات

الحث على استغلال الأوقات أيها الإخوة في الله: هذه الأيام المباركة، وهذه الليالي الزاهرة، وهذه الأوقات الفاضلة، لا ينبغي أن تمر دون تدارك ولا استغلال، ينبغي للعبد العاقل أن يتدارك هذه الأوقات بالأعمال الصالحة، وأن يبادر إلى الإيمان وإلى التوبة والإقلاع عن الذنوب والمعاصي قبل انقطاع الآجال، وقبل الرحيل إلى القبور والانتقال، قبل قفل الباب، وطي الكتاب، وانقطاع الأسباب، وهجوم الموت، وحضور الفوت؛ لأن من تذكر القبر وأن مآله إليه ومورده عليه، وأنه لا بد من مجاورة الأموات، والانتقال من القصور والديار والفلل العامرات، إلى حفر ضيقة مظلمات، يكون فيها مقيماً إلى يوم قيام الناس لعالم الخفيات، والوقوف بين يدي الحكم الذي لا يخفى عليه مثاقيل الذرات. إذا تذكر الإنسان هذا؛ فإنه لا بد له من أن ينظر في خلاصه، وأن يراجع نفسه، وأن يقف وقفات جازمة مع هذه النفس، ليعرف أين هي؟ وما مركزه الإيماني؟ وما مكانته عند الله؟ أين هو من أوامر الله؟ أين هو من نواهي الله؟ ما علاقته بكتاب الله؟ ما صلته ببيوت الله؟ كيف هو في عينه إذا نظرت؟ كيف هو في أذنه وما سمعت؟ كيف هو في لسانه وما نطقت؟ كيف يده وما بطشت؟ كيف رجله وأين سارت؟ كيف بطنه وما أكلت؟ كيف فرجه وأين وفع؟ محاسبة حازمة جادة مع هذه النفس؛ لأنه إن لم يفعل هذا فقد خسر، فإنا لله وإنا إليه راجعون. روى أبو نعيم والحاكم أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه شيع جنازة من أهله، ثم أقبل على الناس فوعظهم وذكرهم بالموت، وذكر الدنيا وتنعمهم بها، وما سيصيرون إليه بعد الموت، من ظلمات القبور، وكان من كلامه رحمه الله أنه قال: إذا مررت بالمقابر فنادهم إن كنت منادياً، وادعهم إن كنت داعياً، ومر بعسكرهم وانظر إلى تقارب منازلهم، سل غنيهم ما بقي من غناه، وسل فقيرهم ما بقي من فقره، وسل عن اللسان الذي كانوا به يتكلمون، وعن الأعين التي كانوا بها إلى الحرام ينظرون، وسلهم عن الجلود الرقيقة والوجوه الحسنة والأجساد الناعمة ما صنعت بها الديدان، محت الألوان، وأكلت اللحمان، وعفت الوجوه، ومحت المحاسن، وأبانت الأعضاء، وأخرجت الأشلاء. أين حجابهم وكيانهم؟ أين خدمهم وعبيدهم؟ أين جمعهم وكنوزهم؟ والله ما وضعوا لهم في القبر فراشاً، ولا وضعوا معهم هناك مسكاً، ولا غرسوا لهم هناك شجراً، ولا أنزلوهم من اللحد قراراً، أليسوا في الخلوات، أليسوا في الظلمات، أليس الليل عندهم والنهار سواء؟ أليسوا في مدلهمات ظلماء، قد حيل بينهم وبين العمل، وفارقوا الأحبة والأهل، وأصبحوا ووجوههم بالية، وأجسادهم عن أعناقهم بائنة، وأوصالهم متفرقة، وقد سالت الحدق على الوجنات، وامتلأت الأفواه صديداً، ودبت دواب الأرض في أجسادهم، وتفرقت أعضاؤهم، ثم لم يلبثوا حتى أصبحت العظام رميماً، قد فارقوا الحدائق والبساتين، وساروا بعد السعة في الضيق، تزوجت نساؤهم، وترددت في الطرقات أولادهم، وتوزعت القرابات ميراثهم، فمنهم والله الموسع له في قبره، ومنهم من هو في حفرة من حفر النار والعياذ بالله؟ مر علي بن أبي طالب على مقبرة فسلم على القبور وقال: [يا أهل المقابر! أما الديار فقد سكنت، وأما الأموال فقد قسمت، وأما الزوجات فقد تزوجت، هذه أخبارنا فما أخباركم؟ ثم بكى وقال: والله لو تُركوا لقالوا: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة:197]]. يا ساكن القبر غداً ما الذي ضرك من الدنيا؟ هل تعلم أنها تبقى لك أو تبقى لها؟ أين دارك الفيحاء؟ أين قصرك الواسع؟ أين سيارتك الفارهة؟ أين ثمارك اليانعة؟ أين رقاق الثياب؟ أبن الطيب والبخور؟ أين كسوتك في الصيف والشتاء؟ أما والله وقد نزل الأمر فما يدفعه عنك أحد، وخلا الوجه يرشح عرقاً، ويتلمظ عطشاً، ويتقلب في سكرات الموت، جاء الأمر من السماء، وجاء طالب القدر والقضاء، فهيهات هيهات!! يا مغمض الوالد والولد وغاسله! يا مكفن الميت وحامله! يا تاركاً له في القبر وراجعاً عنه! ليت شعري كيف كنت على خشونة الثرى، ومتى ستكون أنت المحمول؟ كم حملت من الأموات؟ ومتى تكون أنت المحمول؟ كم سمعت من الأخبار عن الأموات؟ ومتى ستكون أنت الخبر بالموت؟ كم تركت في القبور من الأموات؟ ومتى ستكون أنت المتروك في القبر ويذهب الناس إلى بيتك؟ لا إله إلا الله أيها الإخوة في الله!! ما أغفلنا عن ذلك المصير، لا حول ولا قوة إلا بالله. أما والله لو علم الأنام لما خلقوا لما هجعوا وناموا لقد خلقوا لأمر لو رأته عيون قلوبهم تاهوا وهاموا ممات ثم قبر ثم حشر وتوبيخ وأهوال عظام ليوم الحشر قد عملت رجال فصلوا من مخافته وصاموا ونحن إذا أمرنا أو نهينا كأهل الكهف أيقاظ نيام

المخرج من ورطة الحياة

المخرج من ورطة الحياة يا أيها الإخوة في الله! ما هو المخرج من ورطة هذه الحياة؟ من خلق فقد ورط، وليس له من مخرج إلا مخرج واحد، المال ليس مخرجاً، فقد رأينا أرباب الأموال يوم أن ماتوا كيف سلبوا أموالهم، لم تغن عنهم أموالهم شيئاً، قارون جمع الأموال، قال الله عنه: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ} [القصص:81] ما نفعته أمواله، وليس المنصب والجاه والرتبة والمكانة والوظيفة بديل ولا مخرج، فقد رأينا أصحاب المناصب والرتب كيف يموتون ويخلسون من مناصبهم، ويودعون في الحفر المظلمات، وليست الزوجات ولا الأولاد ولا البنات ولا الريالات؛ ليست كل هذه مخارج من ورطة الحياة، المخرج من ورطة الحياة الإيمان بالله والعمل الصالح، يقول عز وجل: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ:37]. أموال وأولاد لا تنفع كلها، حتى الكفن الذي تخرج به من الدنيا لا ينفعك في الآخرة، هل ينفع الكفن؟ لو ينتفع الإنسان بالكفن لتكفن الأثرياء في أكفان من ذهب، لكن الكفن يواري عورتك إلى أن تدس في القبر، ثم تحل الأربطة ويتحلل في التراب ولا تنتفع به، سواء جديداً أو قديماً، ولهذا يقال: إن أبا بكر الصديق لما جيء له بكفنين نظيفين جديدين قال: [أعطوها الأحياء وهاتو لي كفناً بالياً، قالوا: لم يرحمك الله؟ قال: إن كنت على خير فعند الله أفضل منه، وإن كنت على شر فما يغني هذا الجديد شيئاً]. تكفنت في جديد أو قديم لا ينفع شيئاً، ما الذي ينفعك؟ {إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً} [سبأ:37] فقط. هل وطنا أنفسنا على هذا المخرج أيها الإخوة؟ هل نحن مرتبون أوضاع حياتنا على أن نعيش لهذا الغرض؟ هذه هي الوظيفة الرئيسية لنا في هذه الحياة، وقد وضحها الله في محكم التنزيل بقوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] هذا هو الغرض من خلقك ووجودك على ظهر هذه الحياة؛ أن تعبد الله، أن تؤمن بالله، أن تعمل الصالحات، وما تعمله من وظائف أخرى كلها مسخرة لخدمة هذا الغرض، فتأكل لتعبد الله، وتشرب لتعبد الله، وتتزوج لتعبد الله، وتنجب الولد ليعبد الله، وتتوظف لتعبد الله، وتنام لتعبد الله، وتستيقظ لتعبد الله، كل حياتك تسخرها من أجل الغرض الرئيسي الذي من أجله خلقك الله عز وجل. هذا هو الهدف، لماذا؟ لأنه هو المخرج لك، ليس المخرج لك غير هذا أبداً بأي حال من الأحوال، ولما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأمة، وكانت تعيش في دياجير الجهل والشرك والظلم والبعد عن الله عز وجل، وأخبر الناس أنه جاء لإنقاذهم وقال لهم: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، عرفوا معنى هذه الكلمة، وعرفوا أن مضمون الكلمة يشمل ويغطي جميع حياتهم، ولم يفهموها كلمة مجردة، أو كلمة عارية عن المعنى، لا. بل فهموها على أنها كلمة تشمل حياتهم كلها وتغطي مسار حياتهم كله، في الليل والنهار، في السر والجهار، في البيت والمكتب والمزرعة وفي كل مكان. لا إله إلا الله تحكم العين فلا تنظر إلى ما حرم الله. لا إله إلا الله تحكم اللسان فلا يتكلم به فيما حرم الله. لا إله إلا الله تحكم الأذن فلا تسمع ما حرم الله، وتحكم الفرج فلا يطأ ما حرم الله، وتحكم البطن فلا ينزل فيه ما حرم الله، وتحكم اليد فلا تبطش فيما حرم الله، وتحكم الرجل فلا تسير حرم الله. لا إله إلا الله؛ لا مطاع إلا الله، ولا معبود إلا الله، ولا مرجو إلا الله، ولكن لما قالوا هذه الكلمة قدموا البراهين عليها، فأُخرجوا من ديارهم ولا أحد يتصور أنه يخرج من بيته منهم. حتى النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من بعد أن أوحي إليه ودخل على خديجة رضي الله عنها وأخبرها بالخبر وقال: (زملوني). يعني: غطيني، كان في حالة نفسية صعبة، إذ نزل عليه الوحي بأمر لم يكن يتوقع -فكان في حالة نفسية- فقال لها: ما حدث له فقالت: والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتقري الضيف، وتعين على نوائب الدهر والله لا يخزيك الله] ثم ذهبت إلى ورقة بن نوفل ابن عمها وأخبرته، فدعا النبي وقال: (إنه الناموس الذي نزل على موسى وعيسى -يعني: إنه الوحي الذي ينزل على الأنبياء- ليتني كنت فيها جذعاً أنصرك نصراً مؤزراً إذ يخرجك قومك، قال: أومخرجي قومي؟!! -أمعقول يخرجونه وهم يحبونه وهو الأمين عندهم- قال: إنه ما جاء نبي قومه بمثل ما تأتي به إلا أخرجوه قومه وآذوه، فقال: الله المستعان!). فهم الصحابة هذا الفهم فقدموا التضحيات في سبيل هذا الدين، أُخرجوا من ديارهم وأموالهم، صهيب الرومي رضي الله عنه لما خرج من مكة مهاجراً وكانوا قد أقاموا حصاراً حول الفقراء من المؤمنين، لكن الأغنياء والأقوياء خرجوا عنوة مثل عمر خرج فقال: [الذي يريد أمه أن تبكي عليه فليلحقني في الوادي] وخرج في نصف النهار، لكن المساكين لا يقدرون، فأقاموا حراسة عليهم، فخرج يوماً صهيب رضي الله عنه إلى الخلاء ثم تأخر قليلاً حتى غفلوا عنه، ثم فر بدينه، فلما افتقدوه ركبوا الخيل وطاردوه ولحقوه على أطراف مكة، قالوا: جئتنا صعلوكاً والآن تريد أن تذهب، فخرج على دابة وأخرج قوسه ثم قال: [والله ما أضعها إلا في كبد واحد منكم، دعوني أفر بديني] قالوا: تفر بدينك لكن الأموال لا تأخذ منها شيئاً، قال: [أرأيتم إن دللتكم على مالي تدعوني؟] قالوا: نعم. فأعطاهم الذي معه ودلهم على الذي في مكة ثم خرج بنفسه، ونزل فيه قول الله عز وجل: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ} [البقرة:207]. ولما قدم إلى المدينة رآه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى) عرف كيف يبيع نفسه، باعها لله، فربح الدنيا والآخرة. من الناس الآن من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الشيطان، يشتري المجلة بعشرة ريالات: مجلة عارية ساخرة قذرة، ويشتري الفيلم بخمسين ريالاً ليفسد نفسه وزوجته وأولاده، ويشتري الدخان، ويشتري المعاصي والعياذ بالله، يحجز بآلاف الريالات ويأخذ أسرته بالكامل ليخرج إلى بلاد غير مسلمة من أجل ألا يسمع فيها الله أكبر، ولا يرى فيها بيوت الله، ولا يرى فيها داعي الله، لماذا؟ قلبه منكوس، يشري نفسه ابتغاء مرضاة الشيطان والعياذ بالله، أولئك الصحابة فهموا هذا الدين هذا الفهم، وقدموا التضحيات وعاشوا للإسلام وأُخرجوا وأوذوا، وكان منهم بلال الحبشي رضي الله عنه الذي كان يوضع على رمضاء مكة في الحر الشديد -وأرض مكة إذا كانت حارة لا يتحمل الإنسان أن يمشي بقدمه عليها- وهو عار من ثيابه، ثم يمرغ على الرمضاء التي مثل الجمر الأحمر، ثم توضع الحجارة المحماة على صدره ويسحب ويقلب عليها وهو يقول: أحد أحد، أحد أحد، أحد أحد. وآل ياسر يعذبون بالنار ويكوون بالجراح ويأتي أبو جهل ويطعن سمية بنت خياط أم عمار بن ياسر رضي الله عنها أول شهيدة في الإسلام، يطعنها بالرمح في بطنها ويخرج من سوءتها ميتة، ويمر عليها النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: (صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة). ويخرجون إلى الحبشة ويطردون، ويخرجون مرة ثانية إلى الحبشة ويرجعون، ويخرجون إلى المدينة ويحبسون قبلها في الشعب ثلاث سنوات حتى أكلوا ورق الشجر، وفي بيعة العقبة لما بايع النبي صلى الله عليه وسلم أهل المدينة -الأنصار- على البيعة قام أسعد بن زرارة وقال: (يا قوم! أتدرون على ما تبايعون؟ قالوا: بايعنا، قال: تبايعون على أن ترميكم العرب بقوس واحد، بايعتم على قطع الرقاب وعلى الخروج من الأموال وعلى ترك الأولاد والأهل فإما أن تصدقوا ولكم الجنة، وإما ألا تبايعوا ولكم عند الله عذر، فقام عبد الله بن رواحة وقال: يا رسول الله! مالنا إن صدقنا؟ -إن وفينا في هذه البيعة مالنا؟ - فقال عليه الصلاة والسلام: لكم الجنة). ما عند الرسول صلى الله عليه وسلم وظائف، ولا عنده عمارات ولا سيارات ولا أراضي، قال: (لكم الجنة). فقال عبد الله بن رواحة: [لا نقيل ولا نستقيل]. وفعلاً -رضي الله عنهم وأرضاهم- أتموا البيعة، ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة استقبلوه، وتكالبت عليهم قوى الأرض وحوربوا. وكان النبي صلى الله عليه وسلم في معركة بدر متخوف من موقف الأنصار، ولما قال: (أيها الناس! ما تقولون؟ قال سعد بن عبادة: يا رسول الله! كأنك تعنينا؟ قال: نعم. قال: سر بنا يا رسول الله حيث شئت، حارب بنا من حاربت وسالم بنا من سالمت، والله لو خضت بنا هذا البحر ما تخلف منا رجل واحد، لا نقول لك: اذهب أنت وربك فقاتلا كما قال قوم موسى لموسى، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون). هكذا فهم الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم. عبد الله بن أنيس رضي الله عنه صحابي جليل لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم أن خالد بن سفيان الهذلي -رجل شرس من أشرس العرب قوي الجثة، كبير الرأس، شجاع من أشجع الناس- جمع حوله مجموعة من أشاوس القوم في الجزيرة العربية، وأعد لهم معسكراً في عرفات بجانب مكة، ودربهم على أعلى تدريب من أجل اقتحام المدينة وقتل النبي صلى الله ع

الأشياء التي يبدأ بها المسلم لإصلاح نفسه

الأشياء التي يبدأ بها المسلم لإصلاح نفسه من أين يبدأ المسلم في إصلاح نفسه أيها الإخوة في الله؟ أولاً: لا خيار لك في هذا الطريق، لا بد من طريق الإيمان. ثانياً: لا مجال لك في تأخير التوبة؛ لأن التأخير مجازفة، والمجازفة خاسرة، فلا بد من التوبة من الآن؛ لأنك لا تعلم متى تموت، لو أننا نعلم متى نموت لكنا برمجنا الحياة بحيث إذا كان قبل الموت بيومين أو ثلاثة ضبطنا الأمور وتبنا، لكن من منا يضمن أنه يعيش هذه الليلة؟ لا ندري والله، والله يركبون السيارات ولا ينزلون منها، ويلبسون الثياب ولا يخلعونها، وينامون على الفرش ولا يستيقظون منها، ويركبون الطائرات ولا ينزلون منها، كثر الموت، والموت آت لكل منا، والذي لا يموت اليوم يموت غداً والذي لا يموت غداً يموت بعده، فأنت لا خيار لك في أن تتوب الآن. ثالثاً: تستشعر وتعرف وتفهم أن هذا الدين تضحية، هذا الدين دين امتحان وابتلاء، يقول الله تبارك وتعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:2] ويقول الله عز وجل: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الكهف:7] الله خلقنا للابتلاء، والابتلاء صوره وأشكاله كثيرة من ضمن أنواع الابتلاء: الابتلاء بالتكاليف الشرعية، توحيد وعقيدة صافية خالية من الغش ومن الخداع ومن البدعة ومن الضلال ومن الشرك، وبعدها عبادة: صلاة صيام زكاة حج عمرة أمر بمعروف نهي عن منكر حب في الله بغض في الله قراءة لكتيب صلة للأرحام إحسان إلى الناس فعل الخيرات في كل مجال، هذه ابتلاءات وهذه الأعمال فيها مشقة وفيها كلفة، لكن كلفتها تنظيمية من أجل تنظيم حياتك -أيها المسلم! - عند الله عز وجل. وابتلاك الله بشيء آخر وهو ترك المعاصي، فترك المعاصي نوع من الابتلاء؛ لأن المعاصي محببة إلى القلوب، شهوات مزينة وملمعة، زنا أغاني نوم عن الصلوات أكل ربا شرب خمور، هذه شهوات، والله ابتلانا بتحريمها، لماذا؟ ابتلاء، (ليعلم الله من يخافه ورسله بالغيب) وليعلم من يقف عند أوامره وينتهي عن نواهيه، حتى يكون أهلاً لدخول الجنة، ولهذا جاء في الحديث في الصحيحين قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (حفت النار بالشهوات، وحفت الجنة بالمكاره) فإذا تجاوزت المكاره وصبرت دخلت الجنة، وإذا اتقيت الشبهات والشهوات دخلت الجنة، أما إذا انهزمت أمام المكاره وضعفت، وانهزمت أمام الشهوات ووقعت، وقعت في النار والعياذ بالله. فلا بد من توطين النفس على أن هذا الدين ابتلاء، ابتلاء بالأوامر وابتلاء بالنواهي، وابتلاء في الأموال، وابتلاء في الأعراض، وابتلاء في الأنفس، وابتلاء في كل شيء، يقول الله: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:155 - 157]. والله يؤكدها بتأكيدات كثيرة: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) كم فيها من مؤكدات؟ بشيء من الخوف والجوع هذه كلها ابتلاءات لماذا؟ تمحيص من أجل أن يقول المؤمن: إنا لله، إذا ذهبت نفسي في سبيل الله فالنفس من الله، إذا ذهب مالي في سبيل الله فالمال مال الله، إذا مات ولدي فالولد من الله. أم سليم لما مرض ولدها -رضي الله عنها وأرضاها- وكان محبوباً عند أمه وأبيه، ولما مرض مات ودخل أبو سليم قال: ما صنع الغلام؟ قالت: [هو أهدأ ما يكون -وصدقت؛ لأنه قد مات ولم يعد يتحرك- وغطته بغطاء ثم ذهبت وتجملت وتعطرت، وجاءت إليه وعرضت نفسها عليه حتى واقعها، فلما انتهى قالت له: أرأيت لو أن قوماً لديهم عارية لقوم آخرين، فجاء أهل العارية وطلبوها أيرجعونها أم يرفضون؟ قال: بل يردونها، قالت: احتسب ولدك عند الله عز وجل، إنه عارية قد أخذه الله، قال: إنا لله وإنا إليه راجعون]، ثم لما كان الصباح ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولما رآه ضحك وقال: (بارك الله لكما في ليلتكما). فرزقوا في تلك الليلة بولد ورزق الولد بتسعة أولاد كلهم حفظوا القرآن؛ لأنها امرأة صالحة، آمنت بالله، عرفت أن الموت بيد الله، الله هو الذي أخذ الولد وهو الذي يأخذ البنت وهو الذي يأخذ الأب، مؤمنين بالله عز وجل. فيا إخوتي في الله: لا بد أن نفهم هذا المفهوم، أن الإيمان بالله كلفة وأنه ابتلاء وامتحان، وأن نوطن أنفسنا على أن نخضع لأوامر الله، وعلى أن ننزجر عن نواهي الله، وبعد ذلك نكون قابلين لكل ما جاء من الله عز وجل، إنا لله وإنا إليه راجعون. رابعاً: يبدأ الإنسان بنفسه، فيعرض عليها أوامر الله وينفذها بسرعة، عرفت أن الصلاة واجبة وأنها لا بد أن تكون في المسجد من الآن تلتزم وتقول: والله لا أصلي إلا في المسجد، من يمنعك إلا الشيطان، لا تطع الشيطان، عرفت أن الصيام واجب فصم، عرفت أن الزكاة واجبة فزك، عرفت أن بر الوالدين واجب فبرهما، أوامر الله نفذها كاملة، تأتي إلى النواهي فتنتهي عن كل ما نهى الله عنه، والنواهي معروفة، وتدخل النواهي من سبعة أبواب: من باب العين ومعصيتها النظر، ومن باب الأذن ومعصيتها سماع الغناء والكلام الساقط، ومن باب اللسان ومعصيته اللعن والسب والشتم والغيبة والنميمة والكذب والفجور والأيمان الفاجرة والعياذ بالله، ومن باب الفرج ومعصيته الزنا واللواط، ومن باب البطن ومعصيته أكل الحرام من ربا أو رشوة أو من غش أو من دخان، أو مخدرات أو خمور أو أي شيء خبيث، ومن باب الرجل ومعصيتها أن تمشي بها إلى ما حرم الله، ومن باب اليد ومعصيتها أن تمدها إلى معصية الله عز وجل، وبعد أن وقفت على ذلك، وأقمت الإسلام في نفسك، وبدأت البداية الصحيحة من نفسك، تنتقل بعدها إلى الأسرة، وتعقد حلقة علم في بيتك، من تتصور أنه يكفيك أمك وأبوك أخواتك وإخوانك وزوجتك وأولادك، تريد الجماعة يدخلون بيتك يعلمونهم؟!! يخبرني أحدهم أن زوجته لها عنده خمس عشرة سنة ويوم أن سألها يوماً من الأيام بعد خمس عشرة سنة أن تقرأ الفاتحة يقول: والله ما استطاعت أن تقرأها، يقول: فخجلت من نفسي أن زوجتي معي خمس عشرة سنة وهي لا تستطيع أن تقرأ الفاتحة، فلما عاتبتها قلت: لماذا لم تتعلمي؟ قالت: لا أحد يعلمني، وخشيت أني أطلب من ابنتي أن تعلمني فتضحك عليّ، أو أطلب من ولدي أن يعلمني فيضحك عليّ، أو أطلب منك أنت أن تعلمني فتضحك عليّ، قال الزوج: أنت أمية لا تقرئين حتى الفاتحة؟ يقول: فأدركت أنني أنا المقصر يقول: فعقدت حلقة في البيت وبدأت أقرأ الفاتحة وهي تقرأ بعدي وكلما أخطأت رديت عليها، وقرأ الولد وقرأت البنت وقرأنا الفاتحة، يقول: مر علينا أكثر من شهرين وأصبح البيت كله يحفظ جزء عمَّ. فعليك أن تبدأ من الأسرة، في أن نعقد حلقة ليلية في كل بيت، أليس هذا ممكن -أيها الإخوة؟ - إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طلب من الصحابة أن يخرجوا من بيوتهم وأموالهم إلى مكة خرجوا، وعندما أمرهم أن يخرجوا إلى المدينة خرجوا، وعندما أمرهم أن يهاجروا إلى الحبشة هاجروا، نحن الآن نطلب من الناس شيئاً سهلاً لا نأمرهم أن يخرجوا من ديارهم ولا من بيوتهم وأموالهم ولا يتركون وظائفهم، نقول لهم: أدخلوا نور الإيمان في بيوتكم؛ لأن النور إذا دخل ماذا يخرج؟ الظلام، الآن لو أطفأت الكهرباء -ونسأل الله ألا تطفأ هذه الليلة- لو أطفأت الكهرباء ماذا يحصل؟ يظلم المسجد، كيف نخرج الظلام؟ بإيقاد النور، فإذا أشعلنا النور ذهب الظلام. الآن في البيوت ظلام في الأعين ظلام في الألسن ظلام، والدليل أن العيون تنظر إلى الحرام، لو أن العين فيها نور ما نظرت والله إلى الحرام، ولو أن الآذان فيها نور الله عز وجل ما سمعت الحرام، ولو أن الألسن فيها نور الإيمان ما تكلمت بالحرام، ولو أن الأجسام فيها نور ما نامت عن الصلوات، ولو أن المرأة في قلبها نور ما سمعت الأغاني، ولو أن المرأة في قلبها نور ما كشفت الحجاب وتبرجت؛ لأن الحجاب ليس عادة ولا تقليداً، الحجاب شرع ودين وعقيدة تنبعث من النفس، الحجاب شريعة الله وفريضة في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا قلبها ليس مملوءاً بالإيمان وما عندها نور الإيمان تجدها تتحجب تقليداً، لكن لو وجدت فرصة للخلاص من هذا الحجاب لقذفته إلى غير رجعة، لكن المؤمنة التي عندها نور الإيمان في قلبها تتحجب، والله لو رميتها في البحر ستبقى متحجبة، لماذا؟ لأن القناعة بالحجاب تنبعث من داخل نفسها، فالآن في البيوت ظلام ما في ذلك شك، الولد نائم عن الفريضة؛ لأن في قلبه ظلمة المعاصي، البنت لا تصلي إلا بالمتابعة؛ لأن في قلبها ظلمة، نريد أن نخرج هذه الظلمات من البيوت، كيف نخرجها؟ بإدخال النور، ما هو النور؟ نور القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، أما القرآن فقد سماه الله نوراً في القرآن، قال عز وجل: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52] فهو نور، إذا دخل القرآن في بيتك وعلمت أولادك القرآن وشرحت لهم القرآن ذهب الظلام من قلوبهم، وندخل سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه نور بنص القرآن يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً} [الأحزاب:45 - 46]. فإذا دخل القرآن والسنة في بيوتنا وعقدنا تلك الجلسات الإيمانية ذهب الظلام، ولتكن بعد صلاة العشاء، ويجب أن نبرمج أوقاتن

الحث على استغلال شهر رمضان

الحث على استغلال شهر رمضان أيها الإخوة! أدعوكم في هذا الشهر الكريم المبارك إلى الاستغلال والاستثمار والمتاجرة. أولاً: بكثرة التلاوة، فإن تلاوة القرآن في هذا الشهر من أعظم القربات؛ لأنه شهر القرآن: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:185] فيجب أن يكون لك ورد يومي لا يقل عن عشرة أجزاء، كان بعض السلف يختم في ثلاثة أيام في رمضان، وكان بعضهم يختم في اليوم مرة، وكان بعضهم له ختمتين في كل يوم، ختمة في الصباح وختمة في المساء، فمنذ أن سمعت هذا الكلام استغربت وقلت: كيف يختم في اثني عشرة ساعة؟! ولكن قدر لي في يوم من الأيام أن أعتكف وبدأت من صلاة الفجر مع القرآن وما أتى العصر إلا وقد انتهيت منه، ما رقدت ذلك اليوم لأني أقرأ. فنقول للناس: أكثروا من التلاوة في هذا الشهر فإنه شهر القرآن والتسبيح. ثانياً: أكثروا من الصلاة والقيام، خصوصاً مع الإمام الذي يطيل، فإن هذا فيه ثواب عظيم، في البخاري ومسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) الشروط: إيماناً: تصديقاً، واحتساباً: تحتسب على الله هذه الوقفة، الإمام يطيل ويقرأ مثلاً في كل ركعة صفحة أو صفحتين، نعم أنت تتعب، لكن تتعب في سبيل من؟ واقف بين يدي من؟ كم يتعب أصحاب اللعب وأصحاب الفوضى وأصحاب المقاضي، كم يدورون بالشوارع من ساعات، بعضهم يخرج إلى الأسواق يدور من الساعة العاشرة إلى الساعة الثانية من الليل، يشتري حذاء لامرأته ويرجع وما وجد حذاء، وكلما اشترى حذاء ردته وقالت: أرجعه لا أريده هذا ليس جيداً، ضيع أربع ساعات في حذاء لكن أنت قضيت ساعة بين يدي الله عز وجل إيماناً واحتساباً، يعني: طلباً للمثوبة والأجر من الله عز وجل. ثالثاً: كثرة الذكر في الصباح والمساء. رابعاً: كثرة الإنفاق في هذا الشهر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان أجود من الريح المرسلة، وكان أجود ما يكون في رمضان). يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب حتى عصى ربه في شهر شعبان ها قد أظلك شهر الصوم بعدهما فلا تصيره أيضاً شهر عصيان اتل الكتاب وسبح فيه مجتهداً فإنه شهر تسبيح وقرآن كم كنت تعرف ممن صام في سلف من أهل وجيران وإخوان أفناهم الموت واستبقاك بعدهم حياً فما أقرب القاصي من الدان ومعجب بثياب العيد يقطعها فأصبحت في غدٍ أثواب أكفان حتى متى يعمر الإنسان مسكنه مصير مسكنه قبر لإنسان استغل هذه الأيام في الإنفاق في سبيل الله؛ لأنك تحت ظل صدقتك يوم القيامة، كما جاء في الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (المرء تحت ظل صدقته يوم القيامة) و (ما نقص مال من صدقة) بل تزيد {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:39] إذا كان عندك مليون ريال وأخرجت منه مائة ألف تتصور أنه نقص المليون، والله ما نقص، بل زاد، لماذا؟ قال الله: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا} [البقرة:276] وماذا؟ {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:276] والحسنة في هذا الشهر بألف حسنة، وقد اعتاد الناس أن يخرجوا زكاة أموالهم، ولو أخرجت الزكاة على القدر الصحيح الشرعي ما بقي فقير. فأنا أدعو أصحاب الأموال الأثرياء أن يخافوا الله في أموالهم وأنفسهم، ولا يضحكوا على أنفسهم، هذه الأموال والله إن لم تخرج زكاتها فستتصفح يوم القيامة صفائح من نار ثم تمشي عليها وتقلب على ظهر العبد وبطنه وجنبه {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لانْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة:35] ماذا تريد من ملايين تتصفح ناراً يوم القيامة على جنبك؟! أخرج زكاة المال، احصر الأموال الموجودة المنقولة والأموال الثابتة من العقار الذي للبيع والشراء، أما العقار الممتلك لقصد البنية والامتلاك فليس فيه زكاة، لكن في دخله إن كان مؤجراً، ثم احصر الديون التي عند الناس واجمعها كلها ثم اضربها كلها في اثنين ونصف وأخرج الزكاة طيبة بها نفسك، ولا تظن أن لك منة أو فضلاً فالمال مال الله، فالله أعطاك مائة وطلب منك اثنين ونصف، جئت من بطن أمك وأنت لا تملك ريالاً واحداً. فأخرج هذه الزكاة وابحث عمن يستحقها، لا تبرأ ذمتك بإلقاء الأموال على عواهنها وإعطائها من لا يستحقها، ابحث عمن تثق فيه في دينه وأمانته ليكون وكيلاً لك على تزكية الأموال، ولا تنسوا إخواناً لكم من الفقراء، في بقاع كثيرة من المملكة، كثير من الناس يرسل أمواله إلى الخارج، وهذا يجوز إذا كان قد حصل الاكتفاء، لكن في المملكة فقراء، وأنا أعرف في منطقة الجنوب في سواحل تهامة وفي جبال تهامة من الفقراء من يفتقدون كسرة العيش، ومن يحتاجون إلى قطعة القماش، ومن يعيشون تحت كهوف الجبال، وتحت ظلال الأشجار، يحتاجون إلى كل شيء من الأموال. وأنا مستعد بالتعاون مع الأثرياء الذين يملكون مالاً ويريدون إيصالها إلى هؤلاء، مستعد أن أتعاون معهم وأذهب إلى هؤلاء المساكين، رغم أن في الأمر مشقة وفيه جهد وتعب ولكن نحتسبه عند الله عز وجل، وأذكر في العام الماضي أن رجلاً من الأثرياء من هذه المدينة المباركة بعث لي بمائتي ألف ريال وقال: وزعها على الفقراء في تهامة، فأرسلت إلى مجموعة من الشباب الذين قد طلبوا العلم في أبها في كليات الشريعة وهم من تلك الجهات، أرسلت إليهم فجاءوني وطلبت من كل واحد أن يقدم لي كشفاً بالفقراء في قبيلته وحالة الفقير الاجتماعية، كم عدد أزواجه وكم أولاده، كم دخله من الوظيفة أو من الضمان الاجتماعي، والله لقد رأيت ما يقطع القلوب -أيها الإخوة! - يمكن (90%) كلهم غير موظفين، وقليل منهم الذين هم مسجلون في الضمان الاجتماعي، والبقية يعيشون على قليل من العيش يتتبعون تلك الماعز في ظهور الجبال ويتتبعون بها منازل القطر والمطر وليس معهم شيء، وبعضهم عنده زوجتان وعنده عشرة أو أحد عشر ولداً أو اثنا عشر طفلاً لا يعرفون الفاكهة، لما نزلنا وقسمنا عليهم العيش قالوا: ما هذا؟ لم يروه في حياتهم، فأخذت الكشوف هذه وبدأت أقسم المبالغ هذه وجعلت للأسرة الكبيرة خمسمائة والذي بعده أربعمائة والذي بعده ثلاثمائة وأقل شخص الذي لم يوجد معه أحد ولا زوجة نعطيه مائة ريال. يقول لي الإخوة بعد ما نزلوا يقولون: إن المائتا ألف غطت مساحة كبيرة في منطقة تهامة، ودعا الناس كلهم لذلك الرجل الصالح الذي أنفق هذا المال، ويمكن أنها زكاة عشرة ملايين، المليون زكاته خمسة وعشرون ألفاً، والعشرة الملايين فيها مائتين وخمسين ألف -ربع مليون- لكنها تبلغ عند الله عز وجل مقاماً كبيراً، وعنواني لمن يريده هو عند فضيلة الشيخ عادل الكلباني مستعد للتعاون رغم أن في هذا مشقة وأنا والله ما عندي وقت، لكن لدينا من يخدمنا من إخواننا المخلصين الصالحين بحيث يوصل تلك الأموال إلى من يستحقها ونؤدي زكاة أموالنا. أسأل الله الذي لا إله إلا هو لي ولكم التوفيق، والله أعلم، وباختصار سوف أجيب على بعض الأسئلة.

الأسئلة

الأسئلة

التأثر الوقتي بالموعظة وعلاجه

التأثر الوقتي بالموعظة وعلاجه Q نسمع الآيات وتخشع القلوب، وكذلك إذا سمعنا المواعظ تأثرنا، ولكن إذا خرجنا من المسجد انشغلنا بالدنيا، هل من كلمة حول ذلك؟ A شيء طبيعي ألا تبقى النفوس كلها على مستوى واحد من الإيمان، لكن ما هو سلوكك بعد خروجك خارج المسجد؟ هل تغفل وتقع في المعاصي والذنوب، أم تغفل وتبقى في المباحات؟ إن كنت تقع في الذنوب والمعاصي فمعنى هذا أنك لم تستفد من الموعظة، أما إذا خرجت من المسجد وعدت إلى ملابسة الدنيا ومعافسة النساء والأزواج لكن في حدود الحلال فهذا شيء طبيعي، وقد شكا حنظلة إلى أبي بكر قال: (نافق حنظلة، قال: ما هو؟ قال: نكون مع رسول الله فكأن على رءوسنا الطير، ثم نخرج ونعافس النساء والأموال وننسى، قال: وأنا كذلك، فذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! إننا نكون معك على حال فإذا خرجنا ورجعنا إلى الضيعات والأولاد والنساء تغيرت أحوالنا، قال: لو بقيتم في بيوتكم وفي الشوارع كما كنتم عندي لصافحتكم الملائكة في الطرقات، ولكن ساعة وساعة). فالقلب لا يبقى على ما هو، المهم أنه لا يقترب إلى الحرام، لا تخرج من المسجد فتنظر إلى النساء، لا تخرج من المسجد فتسمع الأغنية وأنت في السيارة، لا تخرج ثم تذهب إلى الأسواق لتعاكس وتنظر إلى الحرام، معناه: أنك ما استفدت من الجلسة هذه، بل كانت وبالاً عليك يوم القيامة والعياذ بالله، لكن اذهب من الآن إلى البيت واجلس مع زوجتك ونم معها ولاعبها أو لاعب أطفالك أو اسمر معهم، لا شيء عليك؛ لأنه حلال إن شاء الله.

كلمة عن الحجاب

كلمة عن الحجاب Q بعض النساء موجودات وهن كثير في هذا المسجد فهل من كلمة للفت أنظارهن إلى الحجاب؟ A قد قلت لهن: إن الحجاب هو شريعة ليس قطعة سوداء تغطي بها المرأة وجهها، وليس عباءة تلفها حول جسدها، ولكنه شريعة الله عز وجل المنزل في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكما أمر الله المرأة بالصلاة أمرها بالحجاب، وكما أمرها بالزكاة أمرها بالحجاب، وكما أمرها بالصيام أمرها بالحجاب، وآية الحجاب محكمة في كتاب الله عز وجل. أما ركوب المرأة مع السائقين من غير محارم فهذا محرم، ولا يجوز للمرأة ذلك حتى ولو جاءت للمسجد، لا يجوز شرعاً أن تركب المرأة مع سائق أجنبي من غير محرم لأنه في تلك الحال تكون هناك خلوة؛ في الحديث: (ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) أما إذا لم تكن خلوة ولم يكن سفر يعني: من الحي إلى هنا، من أي حي من أحياء الرياض إلى المسجد وهم مجموعة من النساء ولو كان لا يوجد رجل لكن مجموعة نساء وتؤمن الفتنة فلا بأس، المهم الخلوة، أما أن تأتي المرأة لوحدها والسائق لوحده وليس معهم أحد إلا الشيطان فقد حذر وحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الأمر.

حكم الحركة الكثيرة أثناء الصلاة

حكم الحركة الكثيرة أثناء الصلاة Q ما حكم كثرة الحركة في الصلاة، وهل تصل إلى درجة البطلان؟ A أركان الصلاة أربعة عشرة ركناً منها الطمأنينة، والطمأنينة: هي السكون وعدم الحركة، وإذا رأيت إنساناً يكثر الحركة فاعلم أن قلبه غير خاشع، وإذا رأيت شخصاً يعبث بلحيته، أو يحك ظهره، أو يثبت عقاله وغترته، فاعلم أن قلبه غير موجود في المسجد؛ لأن القلب إذا سها سهت اليد، وسهت العين، وتعبت قدماه، وقامت يده تحك لماذا؟ لأن ملك الجوارح غير موجود وهو القلب، لكن إذا سكن وحضر القلب حضرت الجوارح. نظر أحد السلف إلى رجل يعبث بلحيته في الصلاة فقال: والله لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه. فكثرة الحركة في الصلاة التي تؤدي إلى الإخلال بها مبطلة. أما إذا كانت الحركة يسيرة وأيضاً ليست مستديمة وتقتضيها ظروف أو ضرورة، مثل: وضع شيء من المتاع، أو أخذ شيء ضروري جداً، ولم يكن كثيراً فنسأل الله عز وجل أن يغفره.

التوبة تمحو ما قبلها

التوبة تمحو ما قبلها Q أنا شاب سافرت مرة واحدة إلى الخارج، وإني أتعذب حتى الآن من هذه السفرة هل لي توبة، وهل يحرمني هذا من الحوريات؟ A أبداً يا أخي! لا يحرمك هذا السفر من الحوريات إذا تبت وحسنت توبتك، فإن الله عز وجل يغفر الذنب، ومهما كان ذنبك فإن رحمة الله ومغفرته أعظم من ذلك، يقول الله عز وجل: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الحجر:49] ويقول: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} [الزمر:53] ويقول: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الفرقان:70] بل يقول بعض أهل العلم: إن العاصي إذا تاب وحسنت توبته يمكن أن يرتفع إلى درجة أعظم من الطائعين، ليكون قد بدل الله له سيئاته حسنات، وأما حرمانك من الحور العين فلن يكون بإذن الله إذا صحت توبتك واستمريت على التوبة إن شاء الله. أسأل الله ألا يحرمني وإياك من الحور العين.

الحث على إعفاء اللحية وبيان ميزاتها

الحث على إعفاء اللحية وبيان ميزاتها Q أريد أن أربي لحيتي ولكن أشعر بتعب من جراء قوة الشعر الذي يخرج؟ A صدق، اللحية الآن في معركة مع صاحبها هو عليها بالسلاح الأبيض فما موقفها هي؟ تخرج عليه مثل الرماح تقول: تذبح وأنا أطعن، فالمعركة قائمة، لكن إذا أعلنت الهدنة ووضعت السلاح عنها فإنها سوف تعلن الهدنة وتضع السلاح معك، وستنبت بداية مثل الدبوس لكن بعد أن تكبر قليلاً تنبت مثل الحرير، وتعلن المهادنة معك، أما ما دمت تحاربها؛ لا بد من حاربك أن تحاربه، واللحية -أيها الإخوة! - ليس من الضروري أن الواحد يتفكر في الموضوع على أنه مسألة شعر لا. اللحية معلم من معالم الرجولة، وهدي من هدي النبي صلى الله عليه وسلم. الله خلق الرجل رجلاً وخلق المرأة امرأة أليس كذلك؟ أليس هناك ميزات وفروق بين الرجل والمرأة؟ بلى. ومن ضمن الفروق هذه اللحية، يخرج الطفل والطفلة من البطن سواء عندهم شعر في الرأس، وشعر في الحواجب الولد والبنت سواء، وشعر في الجفون الولد والبنت سواء، فإذا اكتملت رجولة الرجل وأنوثة الأنثى طلع شعر في العانة عند الرجل والمرأة سواء، وشعر في الإبطين للمرأة والرجل سواء، لكن شعر في الوجه للرجل وليس للمرأة شعر، يظهر لها أثداء في الصدر ويغلظ صوته ويرق صوتها، وتعظم أكتافه وتعظم أردافها، فروق فردية، فالله أراد أن تكون رجلاً فميزك بهذه اللحية، ولذا لا تصلح أنت إلا بلحية والمرأة لا تصلح بلحية، ما هو رأيك الآن إذا ذهبت البيت وامرأتك معها لحية؟ فقلت: ماذا بكِ؟ قالت: أريد أن أكون مطوعة، هل تقبلها بلحية؟ لا تقبلها أبداً، فكما أنك لا تقبلها بلحية هي أيضاً لا تقبلك بغير لحية، وقد تقول: أنا حليق وامرأتي قابلة لي، نقول: ماذا تعمل صابرة بالغصب، لكن لو عندك لحية فهي تفضل ذلك. وقد أجري استفتاء لمجموعة من النساء؛ أربعمائة امرأة وسئلن: هل تفضل المرأة الرجل الأمرد، أم الرجل الذي له لحية؟ وكلهن بالإجماع قلن: نريد رجلاً له لحية؛ لأن المرأة تشعر أمام الرجل الذي معه لحية تشعر بالأنوثة؛ لأنها أمام شكل مغاير لها، انظروا لأسلاك الكهرباء؛ سلك حار وسلك بارد، ضع بارداً مع بارد ماذا يكون؟ تكون كهرباء؟ لابد من حار وبارد حتى تولع النار، وكذلك رجل وامرأة لا تكون الحياة مضبوطة إلا برجولة وقد تقول أنت: إن هناك معالم للرجولة ثانية، صدقت هناك معالم أخرى، لكن هذا معلم بارز، وهي مثل الظرف الذي عليه عنوان، قد يكون في الظرف شيكات لكن لا أحد يعلم ماذا فيه، وقد يكون في قلبك شيكات من الإيمان والعمل الصالح لكن لا يعلم الناس ماذا في قلبك، أظهر على وجهك سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأكرمها، فإن الله قد أمرك بها، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (أكرموا اللحى) وإكرام اللحية أن تتركها في أكرم موضع فيك وهو وجهك، لكن إذا حلقتها هل أكرمتها؟ أين يحلق الرجل الآن؟ في الحمام، يحلق على المغسلة وتذهب لحيته مع الماء وتذهب في البلاعة، هذه لحية المسلم الذي أمر بإكرامها؟ والذي لا يحلق في الحمام يحلق عند الحلاق في السوق، وتنتقل اللحية بعد الحلق إلى تحت قدم الحلاق، وبعد ذلك يكنسها بالمكنسة ويضعها في الزبالة، عشرين ثلاثين سبعين لحية، وإذا جاءت سيارة البلدية قال: يا ولد! تعال احمل اللحى، وجاء عامل البلدية وأخذ اللحية ووضعها فوق الزبالة وذهب بها إلى المحرقة، رحلة معذبة، مسكينة هذه اللحية مع هذا الرجل، وبعد ما راحت طلعت الأسبوع الثاني وقام عليها. يا أخي: اتق الله في وجهك لحيتك اتركها تملأ وجهك، كم وزن اللحية؟ كم كيلو هي؟ أطول لحية وأكبر لحية لا تزن خمسين غراماً، لا تعب في حملها يا أخي! فاترك لحيتك؛ لأنها معلم وفي نفس الوقت تعينك على طاعة الله، إذا الرجل ملأت وجهه لحيته يستحي أنه ينزل في منازل السوء، لماذا؟ قال: ما تستحي على وجهك، لكن إذا كان أحلس أملس سهل عليه الاندساس ولا أحد يلومه. أسأل الله الذي لا إله إلا هو لكم التوفيق، والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أهمية الإيمان

أهمية الإيمان إن للإيمان أهمية عظيمة، فهو بلسم الحياة، ومفتاح دار السعادة، والإنسان بدون إيمان، شأنه شأن البهائم، بل أدنى منها. إن الحياة الحقيقية لا تكون إلا بالإيمان، فبالإيمان يكون الأمن، والاستقرار، والطمأنينة، والعفة، والكرامة، وبدون الإيمان يصير الخوف، والقلق، والضنك، والرذيلة. فيا أيها القارئ الكريم! عليك بالإيمان، عض عليه بالنواجذ، واسأل الله الثبات عليه، والله الهادي إلى سواء السبيل.

أهمية الإيمان للوجود الإنساني

أهمية الإيمان للوجود الإنساني السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله هذه الوجوه الطيبة، وجمعنا الله وإياكم في الدنيا على طاعته، وفي الآخرة في دار كرامته، ومستقر رحمته. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: أشكر نادي الشباب الرياضي في مدينة الرياض، ممثلاً في مجلس إدارته وهو سمو الأمير خالد بن سعد بن فهد، وبقية أعضاء المجلس وهيئة الإدارة، والرياضيين، وأشكر هذه الوجوه الطيبة التي جاءت لا تريد شيئاً إلا الله، طابت فطاب مسعاها وممشاها، وأسأل الله عز وجل أن يجعل مصيرها طيباً، وأن يجعلنا جميعاً ممن يقال لهم يوم القيامة: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر:73]. أشكر النادي على ترتيب هذه المحاضرة، التي تلبي الحاجة الماسة في قلوب الشباب، وتقدم البناء المتكامل لهم، والرعاية الشاملة لأرواحهم، كما تقدمها لأجسادهم، فإن المسئولية الملقاة على عاتق مسئولي رعاية الشباب، تقتضي منهم توجيه الاهتمام للإنسان بشقيه: المادي والروحي، وأما التركيز على الجانب الجسدي، وإهمال الجانب الروحي، فلا يمكن القول به؛ لأن الإنسان بروحه لا بجسده. يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته أتطلب الربح مما فيه خسران أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان إن توجه الأندية الرياضية إلى هذا الأمر هو مقتضى الواجب، ونرجو الله عز وجل أن يبارك في هذا التوجه، وفي جهود المخلصين، الذين يرعون شباب هذه الأمة؛ هذه الأمة التي شرفها الله بهذا الإيمان وهذا الدين، والتي أكرمها الله بهذه الرسالة السماوية الخالدة، التي ينبغي أن تعتز بها كمظهر حضاري تتميز به على سائر أمم الأرض وشعوبها. نحن أمة القرآن أمة الإسلام أمة الإيمان ولنا الشرف والفخر أن نقف على أرض صلبة، من العلم الراسخ في الأعماق، الذي يقدم لنا التفسير الحقيقي لغوامض هذه الحياة، يوم أن ضلت البشرية، وتاهت في متاهاتها، وضاعت في دياجيرها وظلماتها، ولم تعرف إلا العلم الظاهر المتمثل في المادة: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7]. هذا التوجه توجه مبارك، ينبغي زيادته وتشجيعه؛ لأنه الوضع الصحيح، فالأندية الرياضية مراكز تربوية، إنما وضعت في الأصل لرعاية الشباب في جميع نواحي الحياة: روحياً، وجسدياً، وثقافياً، واجتماعياً، وفي جميع دور الحياة، حتى نُخرج للمجتمع شاباً متكاملاً مرعياً من كل جانب، دون تغليب جانب على آخر، بل في توازن وتكامل واتساق، فلقد ارتضى الله لنا دين الإسلام حيث قال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110] وقال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:143] فأسأل الله عز وجل أن يبارك في هذه الجهود، وأن يزيد منها. أيها الإخوة في الله: إن قضية الإيمان قضية رئيسية من قضايا الإنسان، بل هي لب حياته، فالإنسان بغير إيمان لا معنى لوجوده ما الذي يشعرك من أنت؟ ما الذي يجيبك على التساؤلات التي تتردد في صدرك؟ هل تستطيع المادة أن تفك مغاليق قلبك؟ أو أن تحل أسرار هذا الكون؟ لا. إن الإيمان هو الذي يقدم لك هذا، ليست قضية الإيمان قضية هامشية يمكن للإنسان أن يناقشها، أو أن يتجاهلها، لا. إنها قضية الوجود الإنساني المكرم، أو الوجود الحيواني الهابط، إنها قضية سعادة أبدية، أو شقاء أبدي، إنها قضية الجنة أو النار. إن الإنسان بغير إيمان سعفة في مهب الريح، انظروا إلى الدول الكافرة يوم أن غاب عنها الإيمان، وعاشت في ظل المادة، التي طورتها وطوعتها، واستغلتها أعظم استغلال، ما قيمة الإنسان في ظل المادة بعيداً عن الإيمان؟ لا قيمة له، قيمته أقل من قيمة حذائه الذي في قدمه، فلو أنك سألت الرجل صاحب المنصب الكبير: ما الحكمة من حذائك الذي في قدمك؟ لقال: الانتعال، ووقاية القدم، وما الحكمة من قلمك الذي في جيبك؟ لقال: الكتابة، وما الحكمة من معطفك الذي على كتفك؟ فيقول: الدفء، وتقول له: ما الحكمة من عينك التي في رأسك؟ فيقول: النظر، وما الحكمة من يديك التي في أعلى جسدك؟ فيقول: الحماية، فتقول له: إذاً وما الحكمة منك أنت؟ يقول: لا شيء. فحذاؤه في قدمه لها حكمة، أما هو بكامله لا حكمة له، والذي لا حكمة له لا معنى له ولا قيمة له. إن الإنسان بغير إيمان يبقى سعفة في مهب الريح، وحشرة من الحشرات في هذا الكون، بل بهيمة من بهائمه، لا هم له إلا الاستغراق في شهوات البطن والفرج، والتنافس والتكالب على المادة والرغيف، يعيش بعقلية الحيوانات، يقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12] ويقول: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44]، ويقول: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179]. زودهم الله بإمكانيات وقدرات يستطيعون بها أن يتعرفوا على سر وجودهم، والحكمة من خلقهم، فعطلوا هذه الوسائل كلها، واستعملوها فقط فيما يستعملها الحيوان، ولذا إذا أتينا بحيوان، ووضعنا أمامه العلف، انطلق إليه بفكره، وإذا عطش انطلق وراء الماء، وإذا رأى أنثاه انطلق إليها ونزا عليها، فهو يفكر في كل ما يفكر فيه الإنسان الذي يعيش بغير دين، وما تفكير الكافر والإنسان الذي بغير دين إلا في الطعام، والشراب، والزوجة، والعمارة، والسيارة، والوظيفة، أما ما عدا هذا فلا يفكر فيه، فهذه عقلية الحيوانات، وقضية التطور والتحسين في مستوى المعيشة ليست هي سر الوجود. في أمريكا قمة التطور الإنساني، هناك كلاب تعيش في ناطحات السحاب، وقد رأيت صوراً لكلاب تلبس بدلات، الكلب يلبس بدلة (وكرفتة)، وقال لي أحد الإخوة: إنه رأى كلباً يأكل في المطعم، وهو جالس على كرسي، وأمامه شوكة وملعقة، هذا كلب متحضر! لكن هل بين الكلب المتحضر الذي يعيش في ناطحات السحاب، وبين الكلب الذي يعيش في المزبلة فرق؟ لا. فهذا كلب متحضر، وهذا كلب بدوي، والجميع كلاب. إن الحضارة ليست عمارة، أو لباساً، أو مركباً، أو منصباً، الحضارة هي: مبادئ مفاهيم عقائد أخلاق فإذا تجرد الإنسان من المبدأ والعقيدة والخلق الإنساني فماذا بقي له؟ ولهذا تجدون أناساً في الدول الغربية الكافرة لا يألفون أمهاتهم، ولا آباءهم، ولا إخوانهم، ولا أبناءهم، ولا بناتهم، وإنما يألفون كلابهم، فتراه يمشي والكلب معه، ويأكل وهو بجواره، لقمة له ولقمة لكلبه، والطيور على أشباهها تقع. إن الإنسان بغير الإيمان حيوان، وليته حيوان لكنه أضل، كما قال الله عز وجل: {بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179]. بل إنهم يقرون بهذا يوم القيامة، يوم يحشرون إلى النار، وتصبح الحيوانات تراباً، فيتمنون لو أنهم كانوا حيوانات في الدنيا، ليصبحوا تراباً في الآخرة، يقول عز وجل: {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً} [النبأ:40] أي: عندما يرى الحيوانات وقد تحولت إلى تراب، يقول: يا ليتني كنت واحداً منها، شاركها في الحياة، ولم يشاركها في المصير، بل وينفون عن أنفسهم العقول يوم القيامة، ويقولون: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:10 - 11]. فالإيمان ليس شيئاً هامشياً حتى تأخذ به، أو تُخيّر فيه، بل إنه قضية وجود. هل تريد أن تعيش الوجود الإنساني المكرم، الذي كرمك الله به؟ إذا كان A نعم، فعليك أن تأخذ بالإيمان، وبغير الإيمان تهبط إلى الوجود الحيواني، وتشارك سائر الحيوانات فيما هي فيه، مع الفارق، والفارق في ماذا؟ في الظاهر فقط، فالحيوان ينام في الحضيرة، وأنت تنام في العمارة، لكن العقلية والتفكير والآمال واحدة، فأنت عقليتك محصورة في بطنك كيف تملؤها، وفي شهوتك كيف تقضيها، وفي آمالك وأطماعك كيف تحققها!

سر تكريم الله للإنسان

سر تكريم الله للإنسان الإيمان -أيها الإخوة- ضروري؛ لأنه يرفع الإنسان إلى الدرجة التي كرمه الله بها، لقوله عز وجل: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:70] بم كَرّم الله الإنسان؟ فكر، وانظر إلى سائر المخلوقات، ثم قم بإجراء موازنة ومقارنة، لتعرف سر التكريم، هل التكريم بالقوة؟ لا. فالحيوانات فيها من هو أقوى من الإنسان وأشجع، الأسد ملك الغاب، أشجع من أي حيوان، ولو أن التكريم بالشجاعة لكان الأسد أفضل مخلوق، لكن ليس التكريم بهذا. يقال: إن أسداً وضبعاً وثعلباً خرجوا إلى الغابة للصيد، فاصطادوا كبشاً وغزالاً وأرنباً، فقال الأسد للضبع: قسّم العشاء، فقال: الأمر سهل! الكبش لي، والغزال لك، والأرنب للثعلب، فغضب الأسد غضبة قوية، وضربه على رأسه فقتله، ثم قال للثعلب: قسّم أنت. قال: الأمر سهل! الكبش غداؤك، والغزال عشاؤك، والأرنب فطورك يا سيدي، فقال الأسد: ما أعظم هذه القسمة! من علمك هذا يا ذكي؟ قال: علمني هذا الغبي وهو ميت. فحياة الحيوانات قائمة على شريعة الغاب، والبشرية الآن في ظل غياب الدين قائمة على شريعة الغاب. لمن الحياة في العالم؟ للأقوى. ليس للأفضل، ولا للأكمل، بل الفاضل الكامل إذا كان ضعيفاً فليس هناك من يقدره، والخبيث الفاشل إذا كان قوياً فالكل يخاف منه، في ظل غياب الإيمان والدين، ولو كان الإيمان موجوداً لكانت الحياة للأتقى لا للأقوى، وللأعلم لا للأجهل. فَسِرُّ التكريم الذي كرم الله به الإنسان، ليست الشجاعة، ولا القوة، ولا ضخامة البدن، إن سر التكريم: الدين، والإيمان، والإسلام، وقد يقول شخص: لا. بل سر التكريم العقل، فنقول له: لا. إن العقل مع كل مخلوق، حتى مع أبلد الحيوانات، فأبلد حيوان يضرب به المثل في البلادة وهو الحمار، ضرب الله به مثلاً لليهود، وقال فيهم: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الجمعة:5] يقول العلماء: وهذا مثلٌ ينطبق على كل من تشبه بأخلاق اليهود، حينما يحمل القرآن ولا يستفيد منه شيئاً، فمثله كمثل الحمار يحمل أسفاراً. فبالرغم من أنه بليد، ولكن مع بلادته معه عقل، يستطيع أن يستعمله في الوظيفة التي خلقه الله لها، فما هي وظيفة الحمار؟ بينها الله في القرآن حيث قال عز وجل: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} [النحل:8] الوظيفة: أنه وسيلة للركوب، ولذا يعرف كيف يقف، وينتظر حتى تحمل عليه، فإذا نزلت مشى، وإذا سافرت به في طريق يعرفها أو يحفظها فإنك تراه يمشي فيها لوحده، وإذا سافرت به بعد سنة في تلك الطريق الأولى فإنه لا يجهلها أو ينكرها، هذه وظيفته، وإذا دفعته إلى النار فإنه يرفض، إذا أوقدت ناراً، أو حفرت حفرة، وأتيت بحمار وأنت تجره بخطامه إلى طرفها، هل ينقاد لك ويلقي بنفسه في النار؟ لا. ودائماً أذكر قصة قالها لي أحد العلماء من اليمن، قصة فيها عبرة لمن له قلب، وأنا لا أكررها عبثاً، بل أريد من أصحاب العقول أن ينتبهوا لها، يقول هذا الشيخ: إن هناك أناساً يزرعون التبغ (الدخان) ويحصل عندهم قحط شديد، وينحبس المطر، ويوفرون الماء في الآبار لسقيا أشجار التبغ (الدخان) وتضعف الحيوانات، ويبدو عليها الهزال، حتى تظهر أضلاعها على ظهورها، ولا تجد من الأكل إلا الطين من الأرض، يقول: فيؤتى بمجموعة من التبغ الأخضر كالبرسيم، فيقدم إلى الحمار، فإذا اقترب منه وشمه رفضه وهز رأسه، الحمار يترك هذا التبغ وهو أخضر، وبعض البشر يشربونه وهو محروق يابس، لماذا لم يأكله الحمار؟ لأن عنده عقلاً، يعرف أن هذا حار ومزعج وأنه يضره. لكن بعض البشر يشتري علبة الدخان وقد كُتب عليها: تحذير رسمي: (التدخين يضر بصحتك فلا تدخن!) فلا يقرأ، ولو اشترى علبة مانجو أو بسكويت، ووجد تاريخ الصلاحية قد انتهى لأقام الدنيا وأقعدها، وذهب إلى البلدية وخاصم صاحب البقالة، وقال له: كيف تبيع طعاماً قد انتهت صلاحيته؟ وفعلاً لا يجوز غش المسلمين، ولكن الشاهد كيف أنه يشتري علبة الدخان ولا يفكر؟ وكل طعام معلب في الدنيا عليه تاريخ صلاحية، إلا الدخان ليس عليه تاريخ صلاحية؛ لأنه فاسد من يوم أن صنعوه، بل كتبوا عليه: (التدخين مضر بصحتك فلا تدخن!) وعلبة الدخان بأربعة ريالات، وعلبة البسكويت بريال، أين عقول بعض البشر؟ إنهم يلغونها، وإلا لو حكموا عقولهم وفكروا لوجدوا أن ممارسة التدخين عادة سيئة، ينبغي التمرد عليها، والانتصار عليها، وإعلان رفضها، والابتعاد منها. صحيح أن العادة تأسر الإنسان، لكنها تأسر الإنسان الضعيف، ضعيف الشخصية، الذي أصبح تافهاً ولا يستطيع أن يتحكم بنفسه، أما القوي فتجده ينتصر على إرادته، ويعلن رجولته. فليس سر التكريم -أيها الإخوة- عند الإنسان هو العقل، ولكنه الإيمان والدين، وسآتي لكم بدليل من القرآن الكريم، نبي الله سليمان أوتي ملكاً لم يكن لأحد من بعده، قال تعالى حاكياً عن سليمان: {وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص:35] فسخر الله له الجبال والطير والوحوش والجن والإنس، وكانت مملكته مملكة عظيمة، وكان مجلس الحكم عنده يمثل فيه جميع فئات المخلوقات؛ أمة الطير، وأمة السباع، وأمة الوحوش، وأمة الحشرات، وكل الأمم موجودة، وكان يعرف أفراد المملكة كلها ويتفقدهم، وفي يوم من الأيام تفقد المملكة، وكانت أمة الطير من بينها، وكم أنواع الطيور؟ آلاف الأنواع في الأرض، ولكن لم يغب عن ذهن سليمان واحد منها اسمه الهدهد: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} [النمل:20 - 21] قال الله عز وجل: {فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ} [النمل:22] أي: تأخر فترة غير طويلة، ثم جاء بمنطق الثقة والقوة، ورغم أنه طائر يخاطب ملكاً ونبياً من الأنبياء، إلا أنه يقول له: {أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} [النمل:22] أي: علمت أمراً لم تعلمه أنت، واكتشفت خبراً لا تدري عنه أنت، إنه خبر مهم، إنهم قوم يشركون بالله، يعبدون غير الله: {أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّه} [النمل:22 - 24]. انظروا إلى العقلية! والله إن عقلية هذا الطائر أعظم من عقلية ملايين البشر في هذا الزمان، هدهد يغضب لله، لا يرضى أن يُعبد غير الله، لا يرضى أن يُشرك بالله، ويقول بعد ذلك: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّه} [النمل:25] أي: كيف يسجدون للشمس؟ من خلقهم؟ من أوجدهم؟ من فطرهم؟ من يميتهم؟ من يبعثهم؟ من يحاسبهم؟ {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّه} [النمل:25] يستغرب هذا الطائر أن تنصرف العقول عن عبادة خالقها وفاطرها وموجدها، إلى عبادة مخلوق وهي الشمس! وهذه عقلية أخرى. أيمكن بعد هذا أن نقول: إن الإنسان أكرمه الله بالعقل؟ لا. فعقلية الطائر أفضل! البعوضة الصغيرة (النامس) يقول ابن القيم في كتاب له اسمه: مفتاح دار السعادة، يتكلم فيه عن أسرار خلق الله بما يدهش العقول: حشرة صغيرة تقف على ست قوائم، وهذه القوائم ذات مفاصل، وهذه المفاصل داخلها عظام رقيقة دقيقة، يجري فيها المخ والدم يقول الناظم: يا من يرى مد البعوض جناحها في ظلمة الليل البهيم الأليلِ ويرى نياط عروقها في نحرها والمخ في تلك العظام النّحلِ ويرى ويسمع كل ما هو دونه في قاع بحر مظلم متجلجلِ امنن عليّ بتوبة أمحو بها ما كان مني بالزمان الأولِ هذه البعوضة الصغيرة فيها أسرار من الخلق لا يعلمها إلا الله، علماء التشريح عندما يشرحونها يقفون مذهولين، مبهورين، إن تشريح وظائف أعضائها الآن شيء معجز، فمعها في رأسها قرنا استشعار، بمنزلة (الرادار)، ولها خرطوم مثقوب يمص به الدم، أدق من الشعر، ولها رأس، وبطن، وذيل، وأجنحة، وست قوائم بمفاصل وعظام إنها تركيبية عجيبة، وبعد ذلك في رأسها مخ أعظم من مخ الإنسان. إذا أرادت أن تعيش، فإنها تسلب دمك أيها الإنسان؛ لأن قوت البعوض هو دم الإنسان، فهي تعيش على أعلى وأعز شيء في حياتك، وهو الدم، فعدوك إذا أراد أن يتهددك يقول لك: والله لأشربن من دمك، والبعوضة تقول كذلك: والله لأشربن من دمك، ومع هذا كله فهي لا تشرب من دمك في خفية أو ذلة، بل بعد المواجهة، فأنت تنام على سريرك، فتدخل البعوضة التي بإمكانها أن تلدغك في قدمك أو ساقك أو في يدك، لكن تقول: لا يصلح أن ألدغه قبل أن أعلمه، فتأتي إلى أذنيك وتحدث صوتاً: (طنين)، فإذا سمت صوت طنين البعوضة ذهب النوم عنك، لا يأتيك النوم أبداً، وبعد ذلك ماذا تفعل؟ من الناس من يكون متعباً، لا يستطيع أن يقوم ويحاربها، فيتنغص نومه، ثم يأتي ببطانيته ويدخل رأسه تحتها، وكذلك أقدامه وجوانبه، ويبقى محاصراً لنفسه داخل البطانية، خوفاً من البعوضة، ويصبر على الأذى، ولكن مع شدة الأمر فإنه يرفع البطانية قليلاً من عند رأسه، لعله يأتيه الهواء لماذا كل هذا؟ إنها بعوضة يا مسكين! لا إله إلا الله ما أضعفك! بالله هل من حقك أيها الإنسان الضعيف -يا من تخاف من البعوضة- أن تعصي الله؟!! إذا كانت الملائكة الغلاظ الشداد لا تعصي الله ما أمرها، وهي الملائكة العظيمة الخلقة، ذكر الإما

الإيمان يقدم التفسير الصحيح للحياة

الإيمان يقدم التفسير الصحيح للحياة السبب الثاني من أسباب أهمية الإيمان وضرورته: أنه يقدم لك التفسير الصحيح للحياة. ما هي الحياة أيها الإخوة؟ اسأل نفسك: ما الحياة؟ ومن أين جئت؟ ولماذا جئت؟ وأين سوف تذهب بعد أن تموت؟ وما دورك في الحياة؟ هذه الأسئلة تتردد في ذهنك فمن يجيب عليها؟ أأنت تجيب؟ لا. لماذا؟ لأنك لم تأت بنفسك أنت، بل إنك لا تعرف كيف خلقت، يقول الشاعر: لا تقل كيف استوى كيف النزول أنت لا تعرف كيف أنت ولا كيف تبول إنك لما خلقت وجيء بك إلى هذه الحياة لم يؤخذ رأيك حتى تقدم التفسير لنفسك؛ بل جيء بك رغماً عنك، ولهذا لا تعرف سر وجودك من نفسك، بل لا بد أن تعلم ذلك ممن خلقك. كنت اليوم في مطار أبها، ونحن ننتظر إقلاع الطائرة التي تأخرت لأسباب، تأخرت قرابة أربع ساعات، فطال الوقت على الناس، وشعروا بالضيق، وكنت في زاوية من الصالة، وتجمَّع عليّ بعض الإخوة، فاستغللت الموقف وقلت لهم: ما رأيكم في هذا الانتظار؟ قالوا: صعب جداً، قلت: ما رأيكم بالانتظار يوم القيامة؟ يقف العباد يوم القيامة سبعين سنة انتظاراً لفصل القضاء، واليوم الواحد من أيام الآخرة كألف سنة: {وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج:47]. القلوب واجفة، والأبصار شاخصة، والأجسام عارية، والبطون خاوية، والرعب مجلل لأهل الموقف، يقول الله: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:18 - 19]. فأبصارهم شاخصة في ذلك اليوم الرهيب، وهم وقوف كلهم ينتظرون فصل القضاء. إذا حدثنا الناس عن هذا الكلام، فإنهم يفكرون بعقلية هذه الدنيا، تراهم ينظرون كيف تسير الأيام، وقالوا: اليوم الواحد مثل ألف سنة، كيف؟ اليوم عندنا على دورة الشمس والقمر، إن اليوم أربع وعشرون ساعة، نقول لهم: يا جماعة! الأمر مختلف؛ لأن عالم الآخرة غير عالم الدنيا. إن نسبة عالم الدنيا إلى الآخرة كنسبة عالم البطن إلى الدنيا، فلو أننا جئنا بطفل يريد أن يخرج للحياة قبل خروجه بساعة أو ساعتين، وأمسكنا به وقلنا له: يا طفل! أنت سوف تخرج بعد ساعة إلى عالم فيه جبال، وأشجار، وأنهار، وبحار، وسماوات، وأرض، وطائرات، وسيارات، وملاعب، وعمارات، وشوارع، وناس يمشون ويأكلون ويشربون، ثم فكر هذا الجنين بعقلية بطن أمه، ونظر إلى الأجواء المحيطة به، ورأى الطحال أمامه، والكبد عن يساره، والرئة من هنا، والعمود الفقري بين عينيه، فماذا سيقول لنا؟ سيقول: أنتم رجعيون، عقليتكم قديمة، فأين الجبال التي تقولون؟ وأين الأنهار التي تدعون؟ ليس هناك إلا بطن أمي، لكن متى يراها؟ إذا خرج من هذا البطن ورأى العالم. أما الذين يعيشون ويفكرون بعقلية الطفل الذي لا زال في بطن أمه، فإننا حينما نحدثهم عن الآخرة، يقولون: أين أين؟ فنقول: سترونها والله، كما قال الله عز وجل: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:1 - 8]. إن الإنسان لا يمكنه بمفرده أن يقدم لنفسه التفسير الحقيقي لهذه الحياة؛ لأنه لم يخلق الحياة ولم يخلق نفسه، ولا بد إذا أردنا العلم الصحيح عن الحياة والإنسان والكون أن نسأل خالقها، ألا وهو الله، وكيف نسأله؟ نسأله عن طريق الإيمان به، عن طريق كتابه وسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه، وبغير ذلك لا نعرف هذه الحياة، نعرف منها الظاهر فقط، نعرف الأكل، والشرب، والنوم، والنكاح، كما أن الحيوانات تعرفه، لكن هل نعرف لماذا جئنا وأين نذهب بعد الموت؟ إن قضية البعث بعد الموت قضية لازمة، مثلها مثل قضية الموت، فكما أن الله خلقنا فإنه يميتنا ويبعثنا؛ لأن الله ذكر قضيتين وجعلهما متلازمتين في القرآن: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} [الزمر:30] هل استطاع شخص أن يخرج على قاعدة الموت؟ ويقول: أنا فلان بن فلان والله لن أموت؟ لا يستطيع أحد أن يخرج من سنة الله في الموت، ولا أن يفلت من سنة الله في البعث، لأنه قال: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر:31]. فالذي يقدم لك التفسير الحقيقي لهذه الحياة هو الإيمان والدين، ويقدم لك أيضاً تفسيراً لنفسك، فيُعلمك من أنت، فأنت فيك أسرار غير الأسرار الظاهرة، بعض الناس يتصور عندما تقول له: من أنت؟ أنك تسأله عن نسبه، فيقول لك: أنا فلان بن فلان بن فلان، ومم تتكون؟ قال: أتكون من رأس، ورقبة، وجذع، وأرجل، وأيدي، وجهاز هضمي، وتنفسي، ودموي، وعقلي، وسمعي، وبصري من كل هذه الأجهزة، نقول: لا. هذه ليست أنت، بل أنت شيء آخر، بدليل أنه إذا خرج هذا الشيء الآخر منك تذهب قيمتك. الآن إذا مات شخص وخرجت روحه، هل يبقى لعينه قيمة؟ أو لأذنه قيمة؟ أو لرئته قيمة؟ أو لقلبه قيمة؟ أو لكليته قيمة؟ أبداً. ولا شيء، بل الآن في عمليات زرع الأعضاء، إذا مات شخص، فإنهم يأخذون قلبه، ويضعونه في شخص آخر حي، لماذا عمل في هذا ولم يعمل في الأول؟ لأن الراكب نزل، من هو الراكب؟ أنت. فمن أنت؟ أنت الروح. فما الروح؟ اسأل الكافر قل له: ما الروح؟ يقول: لا أدري، نعم إن الكافر لا يدري من هو. لكن المؤمن يعرف الروح عن طريق أمر الله؛ وقد سئل النبيُ صلى الله عليه وسلم عن الروح، فقال الله: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء:85] إذا أردت أن تعرف روحك فسر على أمر الله تعرف من أنت، إن الكافر لا يعرف من هو، ولكنه يعرف عيونه، ولهذا أبدع في طب العيون، ويعرف أذنيه، ويعرف قلبه، ولكنه لا يعرف روحه؛ لأنه لم يبذل جهداً في معرفة الروح، ومن الذي يخبره عن الروح؟ إنه الله، والإيمان به، والاستقامة عليه، والالتزام به، والرضوخ والانقياد له، فإذا عرفت هذا عرفت نفسك، أما بغير هذا فلن تعرف من أنت هذه الأهمية الثانية.

السعادة الحقيقية في الإيمان

السعادة الحقيقية في الإيمان الأهمية الثالثة: إن الإيمان يكسبك أيها الإنسان! طعم الحياة ولذتها. إن الحياة أيها الإخوة! لها لذة وطعم، ولكن هذا الطعم وهذه اللذة ليست في الشهوات، ولا في الملذات، ليست في كأس، ولا غانية، ولا نغمة، ولا نومة، ولا رحلة، ولا نزهة، ولا في شيء من هذا، فمهما تمتعت -والله الذي لا إله إلا هو- مهما تمتعت من متاع الدنيا، وأنت بعيد عن الإيمان، فإنك تعيش في عذاب لا يعلمه إلا الله، العذاب الذي يعاني منه الناس وهو موجود في قلوبهم، سببه بعدهم عن الله تبارك وتعالى، قد يقول قائل: لم؟ لأنك تلبي فقط متطلبات جسمك وكيانه، فتعطيه الأكل والشرب، والشهوات، والرحلات، والسهرات، والنوم، والعلاج، فتبني هذا الجسد، لكن تهمل روحك وكائنك الداخلي، فكوب البرتقال، والتمشية، والنزهة لا يستفيد منها إلا جسدك، أما روحك فإنها تكون في عذاب، إلى أن يأتيها غذاؤها، وغذاؤها من أين أيها الإخوة؟ إنه من الإيمان بالله، من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولذا يخبر الله عز وجل أن الذي يعرض عن دين الله، وعن كتاب الله، والإيمان به، وعن السير على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنما يعذبه الله في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فالضنك والشقاء والضيق، فمهما تمتعت، فمتع الحياة كلها لا تلبي رغباتك من راحة القلب، فأنت تشعر عندما تدخل المسجد وتقرأ آية من كلام الله، أو تركع ركعة لله، أو تسجد سجدة لله، أو تذكر الله وتستغفره، أن سروراً دخل إلى قلبك هو أعظم من جميع لذائذ الحياة، لكن بغير الإيمان والدين فإنه سوف يبقى شيء في الداخل ينغص حياتك مهما تمتعت، سوف يبقى شيء يلذع قلبك، يقول لك: إن الشهوات ليست هي الحل، ولهذا يقول الله: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:124 - 126]. إنك لا تخسر بالإيمان شيئاً، إن الإيمان يُصلح لك الدنيا قبل الآخرة، يتصور بعض الناس أن للإيمان آثاره ونتائجه في الآخرة فقط، لا. إن للإيمان آثاراً في الدنيا قبل الآخرة، يقول الله عز وجل: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النساء:134] فثواب الله عز وجل في الدنيا والآخرة وفي دين الله تبارك وتعالى: الأمن، والطمأنينة، والاستقرار، والرضا، وأنت لا تفرح بهذه الحياة، لماذا؟ لأنك تعبد الله، تسير على الخط الصحيح، حتى لو جاءك الموت فإنك تفرح، ترجو لقاء الله وتحبه، وهذا لا تجده أبداً إلا في الإيمان والدين، وفي الخضوع لشريعة الرحمن تبارك وتعالى، وبغيره العذاب، والقلق، والحيرة، والاضطراب. هأنتم ترونهم في الغرب والشرق يعيشون تحت ظل الكفر، ويعانون من ضغط المادة والحضارة ما لو وضع على الجبال الراسيات لأرضها أو صدعها، يتخلصون من الحياة، ويهربون من ضغوطها بالانتحار والموت، وبالأعمال التي يتصورون أنها مبدعة وخارقة، وهدفهم منها الموت سباق السيارات التي يسمونها (الرالي)، هل ترون أنه سباق سيارات؟ هل تتصورون أنها شجاعة منهم، أو رغبة في الرياضة؟ لا. لكنها عملية انتحار، هو يعرف نفسه أنه سوف يذهب منتحراً من أعلى جبل، أو من على بئر، لكن تجده يقول: أنتحر وآخذ لي سيارة، وقبل أن أموت أحقق رقماً قياسياً عالمياً، ويذكر اسمي، فيذهب بسيارته ويسابق، فإذا رأيته تقول: هذا مجنون. هذا ضرب من ضروب الهروب من الحياة، لماذا؟ بسبب الضغوط التي تثقل قلوبهم بكفرهم، وببعدهم عن الله تبارك وتعالى. فيا أخي في الله! أنت بالإيمان تكسب كل شيء، ولا تخسر شيئاً مهماً، وبالنفاق والكفر والعياذ بالله! تخسر كل شيء، ولا تكسب شيئاً مهماً بالإيمان تكسب سعادة الدنيا، فتعيش مرتبطاً بالله متصلاً به، تتلقى تعليماتك وتصوراتك وأفكارك وتوجيهاتك كلها من الله، في كل دقيقة من دقائق حياتك، وكل جزئية من جزئياتك، حتى في الأكل، نعم تأكل، لكن الأمر من الله علمك كيف تأكل وتشرب، فتأكل وتشرب بيمينك، وعلمك كيف تنام، فإنك تنام على شقك الأيمن ذاكراً لله، وعلمك كيف تدخل دورة المياه، فإنك تقدم رجلك اليسرى، وتستعيذ بالله من الخبث والخبائث، وعلمك كيف تأتي زوجتك نعم، فإنك تمارس هذا باسم الله، لا باسم الشيطان الرجيم. هذا شرف، وأي شرف أيها الإخوة! أي شرف أعظم من أن تعيش في الأرض وتوجيهاتك كلها من الله؛ تسير في الشارع وأنت مأمور من الله بغض بصرك، وبرد السلام، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبمساعدة الضعيف، هذه كلها أوامر من الله تدخل مكتبك لتمارس عملك وعندك أوامر من الله تدخل سوقك لتبيع وتشتري وعندك أوامر من الله أي شرف أيها الإخوة! أعظم من هذا الشرف؟! وأي مجد أعظم من هذا المجد؟! إنه شرف الإيمان بالله، شرف العيش على كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا في الدنيا أيها الإخوة. وبعد ذلك لا يحرمك الإيمان من شيء، يقول الله عز وجل في متع الحياة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:172] كلْ مما جعله الله طيباً في هذه الأرض كلها {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً} [المؤمنون:51] تزوج، وإذا لم تكتف بواحدة فاثنتين أو ثلاث أو أربع، لكن الحرام لا. لم؟ لأنك طيب، والله طيب ويأمرك بالطيب، ويجعل لك زوجة طيبة خالصة لك، لكن القذرين الخبثاء لا يألفون إلا الخبث والعياذ بالله! فالإيمان عندما حرم عليك الزنا لم يرد تعذيبك، بل أراد كرامتك، وعندما حرم عليك الخمور لم يرد تعذيبك، وإنما أراد صيانتك، وعندما حرم عليك المخدرات، لم يرد حرمانك من ملذات الحياة، وإنما أراد تكريمك وتفضيلك، وجعلك إنساناً ذا عقلية متميزة، لا تلغيها ولا تذهبها بالمخدرات. إذاً أنت بالإيمان لا تخسر شيئاً، بل تكسب كل شيء تكسب الدنيا، وهل الدنيا فقط هي المكسب؟ لا. يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح، في ضرب نسبة ومقارنة بين الدنيا والآخرة: (ما الدنيا في الآخرة إلا كما يدخل أحدكم إصبعه في اليم ثم ينزعها فلينظر بم ترجع؟) هل ترجع إصبعك بقطرات من محيط الآخرة؟ والله خسارة عليك يا أخي! أن تضيع الآخرة من أجل هذه القطرات. ويوم أن تموت وتتخلى عنك الحياة، يأتيك الإيمان ليسعفك في تلك اللحظات، يقول الله عز وجل: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27]. وبعد ذلك إذا انسلخت من الحياة، وانتزعت منها، وسللت منها كما تسل الشعرة من العجين، إذا كنت صاحب منصب فإنهم ينزلونك من منصبك، أو كنت صاحب عمارة فإنهم ينزلونك من عمارتك، أو كنت صاحب أولاد فإنهم يتبرءون منك، أين توضع؟ في القبر، في الحفرة المظلمة، من ينفعك هناك؟ ينفعك الإيمان، يقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت:30 - 31]. وبعد ذلك يوم يُبعث الناس من قبورهم لفصل الجزاء والحساب يوم القيامة، لا خوف عليك ولا أنت تحزن: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:70 - 71]. هل خسرت شيئاً بسبب الدين؟ لا. هل خسرت الزنا؟ لا. لأن الزنا تركه ليس بخسارة بل هو ربح، هل خسرت الربا؟ لا هل خسرت الشرك بالله؟ لا. هل خسرت الخمور؟ لا. هل خسرت المحرمات كلها؟ لا. لكنك ربحت؛ ربحت العزة، والتوحيد، والصلاة، والصلة بالله، ربحت الزكاة، والمواساة لإخوانك في الله، ربحت الصيام وهو أزكى العبادات، ربحت الحج والوقوف بعرفات، ربحت ذكر الله في الأرض، وذكره لك في السماء، ربحت الصدق، والبر، والوفاء، والمروءة، والشهامة، والكرم، والشجاعة، ربحت كل خُلُقٍ كريم أمر الله به. هذا في الدنيا وبعد ذلك تربح الدنيا والآخرة. إذاً: أيها الإخوة! هل الإيمان ضروري أم لا؟ إنه -والله- من أهم ضرورات الإنسان.

الوسائل المؤدية إلى معرفة الإيمان

الوسائل المؤدية إلى معرفة الإيمان لقد مارس الإنسان في أطوار حياته ضروباً من الممارسات، في التعرف على قضية الإيمان، فمنهم من اعتمد على مبدأ السببية، وهو أن لكل حدَثٍ مُحدِث، ولكل مخلوق خالق، نظروا بعقولهم، قال البدوي في القديم: البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، ونجوم تزهر، وبحار تزخر، أفلا يدل ذلك على السميع البصير؟! مبدأ السببية يلزمك أن تؤمن بالله؛ لأن الله يقول: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ} [الطور:35 - 36] {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الزمر:62 - 63]. وبعضهم استجاب لداعي الفطرة، وداعي الفطرة الذي جعله الله فيك يقضي بأن تؤمن بأنه لا إله إلا الله، يقول الله: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الروم:30]. فالدين القيم هو الفطرة، وهو اللباس الذي فُصِّل على مقاسك، وإذا أخذت اللباس المناسب استراحت نفسك، وإذا لبست ما ليس لك لم تسترح، ولهذا فصل للشر (ماركس) و (لينين) و (استالين) فصلوا له لباساً، وماركس ولينين يهودٌ أبناء زنا، ليسوا هم الذين خلقوا الإنسان حتى يفصلوا له اللباس، ففصلوا له لباساً لا يصلح، وهو لباس الشيوعية، وبدءوا يُلبسون هذا اللباس للشعوب بالحديد والنار، وسجنوا وقتلوا ملايين البشر في سبيل إبقاء هذا المبدأ، وفي النهاية يصادمون سنة الله، والله غالب على أمره، وإذا بالشعوب تنتفض وتخلع هذا اللباس الخبيث، وتقول: تسقط الشيوعية، لماذا؟ لأنه لباس لم يفصله الله. فلباسك أنت أيها المسلم! الإيمان والدين: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم:30] والذي يلبس لباساً مناسباً يستريح فيه، لكن إذا كان مقاس ثوبك مثلاً (58) وأخذت لك ثوباً مقاسه (30) يصلح لطفل عمره أربع سنوات، ولبسته، ولكنه ليس على قياسك، ويصل الثوب إلى سرتك، وعندما تخرج إلى الشارع، ماذا يحكم عليك الناس؟ يقولون: مجنون! انظروا إلى هذا المهبول، يلبس ثوب ولده! فتقول: يا جماعة أليس هذا بثوب؟ يقولون: ثوب، لكنه ليس مناسباً لك. وإذا لبست حذاءً لولدك، واستطعت أن تدخل إصبعك الكبيرة فيه، ومشيت به في الشارع، أو ذهبت به إلى العمل، ماذا يقول لك الناس؟ يقولون: أصبح مجنوناً جاء في حذاء ولده! سبحان الله! من يلبس حذاء ليست له، أو ثوباً ليس له يقال عنه: مجنون، إذاً كيف بمن يعتنق ديناً محرفاً باطلاً ليس له؟! كيف بمن يعيش على مبدأ ليس له؟ إنه مجنون -والله- ألفُ مجنون، بل يوم القيامة يقولون عن أنفسهم: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك:10]. فالبس اللباس الذي أجازه الله، فطرة الله، دين الله، الدين الذي شرعه الله هو الإيمان، حتى تستريح وتسعد في الدنيا والآخرة.

حقيقة الإيمان ومقتضاه

حقيقة الإيمان ومقتضاه ولكن أيها الإخوة! قد يسأل سائل فيقول: ما هو الدين؟ أو ما هو الإيمان الذي تعنيه؟ الإيمان الذين نريده -أيها الإخوة- هو ما فسره علماؤنا، علماءُ أهل السنة والجماعة، يقولون: الإيمان قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، وأركانه ستة: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وبالبعث بعد الموت، وبالقدر خيره وشره من الله تعالى. ومعنى الإيمان: الجزم والتصديق، وظهور آثار هذا الجزم على عملك، فتؤمن بالله أي تراقبه وتعبده، وتؤمن بملائكة الله أي تعرف أدوارهم، وتتشبه بأخلاقهم في طاعة الله، وتؤمن برسل الله أي تصدق بهم كلهم، وليكن قدوتك خاتم المرسلين سيدنا محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، وتؤمن بكتب الله المنزلة، ثم تخضع لآخر كتاب منزّل، والمهيمن على كل الكتب، وهو القرآن، وتؤمن بالقضاء والقدر من الله، فترضى بما قسم الله لك، وتؤمن بالبعث بعد الموت، فتعمل لما ينجيك من عذاب الله بعد الموت. هذا مقتضى الإيمان، وهناك تعريف جديد، يقول العلماء فيه: إن الإيمان عمل قلبي، وقناعة ذهنية، تبلغ أعماق النفس البشرية، وتحيط بها من جميع جوانبها الثلاثة. وجوانب النفس ثلاثة: إدراك، وإرادة، ووجدان. فالإدراك يعني: المفاهيم والمعارف والحقائق التي تفهمها، قضايا الإيمان هي كل ما أخبر الله به، وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم، يجب الإيمان بها، ثم تترجم هذا الإيمان في إرادات تبعث على الخضوع والانقياد والإذعان لكل أحكام الشرع، فلا ترفع رأسك على أمر لله، أمرك الله بغض بصرك فلا تنظر به إلى حرام، وأمرك بحفظ سمعك فلا تسمع به حراماً، وأمرك بكف لسانك فلا تطلقه في حرام، وأمرك بصيانة فرجك فلا تقع به في حرام، وأمرك بحفظ بطنك فلا تدخل فيها إلا حلالاً، وأمرك بكف يدك فلا تمدها إلى حرام، وأمرك بكف رجلك فلا تحملك إلى حرام، وأمرك بالعبادة، والصلاة، والزكاة، وببر الوالدين، ونهاك عن كل محارمه، ثم أذعنت وحققت الإيمان. الثالث: الوجدان، وهو أن يكون لك قلب حي، يحترق على الإيمان، قلب يعيش هموم المسلمين، وهموم الدين، ويفرح لله، ويغضب لله، ويحب ويكره في الله، يعيش من أجل الله، يضحي بحياته في سبيل الله، يصبغ حياته كلها بمنهج الله، يبرمج كل شئون دنياه وآخرته على وفق دين الله إذا ركبت معه في السيارة ترى الإيمان معه في السيارة، وإذا نظرت إلى وجهه رأيت الإيمان في وجهه، وإذا رأيت لباسه ترى الإيمان في شكله، وإذا دخلت غرفة نومه ترى الإيمان في غرفة نومه، حياته كلها مبرمجة ومصبوغة بالإيمان، هذا هو الذي نريده ونعنيه، وغير ذلك لا يسمى إيماناً، ومن عاش هذا -أيها الإخوان- فسينعم في الدنيا والآخرة، ومن رفض وأبى: {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ} [الشعراء:227]. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقنا وإياكم الإيمان الخالص، واليقين الصادق، وأن يدلنا ويوفقنا للعمل الصالح، وأن يثبتنا عليه حتى نلقاه، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

حال المجاهدين وواجبنا تجاههم

حال المجاهدين وواجبنا تجاههم أيها الإخوة: (المؤمن للمؤمن كالبنيان أو كالبنان يشد بعضه بعضاً) (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كأعضاء الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) إخوانكم في العقيدة والدين والإيمان، يعيشون في أفغانستان، وقوى الشر والطغيان والإلحاد تتكالب عليهم من كل حدب وصوب، حتى قرأنا في آخر الأخبار أنهم يتعرضون لمجاعة، وأن المجاهدين الآن يبيعون أسلحتهم ليشتروا طعاماً لأطفالهم ونسائهم، وكتب لي أحد قادة المجاهدين يقول لي: إنه يموت في كل يوم مائتا طفل من الجوع! يموتون جوعاً ونحن نموت شبعاً وتخمة، ونقذف بشتى أصناف الأطعمة في القمائم، أيليق هذا بنا أيها الإخوة؟! تموت الأسد في الغابات جوعاً ولحم الضأن تأكله الكلاب الآن الكلاب في الشوارع لم تعد تأكل اللحم والأرز، لأنها شابعة، وإخوانكم يموتون جوعاًَ، وفي أيديكم فضول أموال منّ الله بها عليكم، إن مقتضى شكر الله على نعمة المال التي بأيدنا أن نواسي إخواننا أولاً، لنسقط عنا جزءاً من عهدة الجهاد، فإن الجهاد ليس فرضاً على الأفغان فقط، إنه فريضة الله على كل مسلم، فعلى كل مسلم الدفاع عن الإسلام، يقول الله عز وجل: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة:41] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [الصف:10 - 11] فإن قعدت عن الجهاد بنفسك فلا تقعد عن الجهاد بمالك؛ لأن (من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا) والآن شهر رمضان على الأبواب، وإخوانكم يصومون ويموتون جوعاً، يموتون جوعاً قبل رمضان، فكيف إذا جاء رمضان؟!! كيف يفطرون؟ ونحن أصابتنا التخمة من كثرة الأكل، معظم الناس الآن يستعد لرمضان بقائمة من الطلبات، بعض النساء قد قدمت كشف الطلبات لزوجها من قبل أسبوع كرتون شعيرية، وكرتون شربة، وكرتون قطر الموز، للمحلبية، والحبة تكفي شهرين، ومع ذلك تريد كرتوناً، لماذا؟ من أجل أن تصنف الأطعمة وتعددها، ثم يأكلون من كل نوع لقمة أو لقمتين، والباقي يرمى في القمامة، وإخواننا يموتون جوعاً. يا إخواني! المؤمن تحت ظل صدقته يوم القيامة، إذا أنفق نفقة وجدها، يقول الله: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة:245]. فالمال مال الله، ساقه الله إليك من حيث لا تحتسب، ثم يطلب منك أن تقرضه، سبحان الله! أي فضل هذا؟! المال مال الله، يقول: خذ. ويعطيك، ثم تقرضه من أجل أن يضاعفه لك، ولم ترضَ بذلك!! {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:39]. إن صدقتك التي تقدمها اليوم تجدها غداً، فقد جاء في الحديث الصحيح عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنهم ذبحوا في بيت النبي صلى الله عليه وسلم شاة، فأنفقتها حتى لم يبق منها إلا كتفها، فلما سألها الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (هل بقي شيء؟ قالت: ذهبت كلها إلا كتفها، قال: لا يا عائشة! قولي: بقيت كلها إلا كتفها) لماذا؟ {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل:96] {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:39]. يا إخواننا! إن علينا مسئولية أمام الله في هذا الأموال التي بين أيدينا، يجب أن نساهم وأن نتبرع في كل فرصة ومناسبة تتاح، لمد إخواننا المجاهدين، ومعنا في هذا المكان المبارك بعض الإخوة المخولين من قبل الهيئات الرسمية، لجمع التبرعات لإخواننا المجاهدين، وسوف يكونون عند الأبواب لجمع التبرعات، ولا تخرج هذه الليلة إلا بمساهمة، اجعل لك نصيباً يا أخي! أطعم واحداً من المجاهدين في هذه الليلة، فلو أن سيافاً طرق عليك الباب، وقال لك: جئتك من الأفغان، وأريدك أن تطعمني هذه الليلة، ماذا تقول له؟ ليس عندي شيء، لا. ستقول: مرحباً، ولو أطعمته من لحمك، لماذا؟ لأنك تحبه في الله، فأطعمه الآن وهو هناك بإرسال مبلغ من المال، خمسمائة ريال، مائتين ريال، مائة ريال، خمسين ريالاً، أو أقل منها؛ لأن بعض الناس يفتح كيس النقود فإذا رأى خمسمائة جعلها على جنب، ومائة على جنب، وخمسين على جنب، وعشرة على جنب، كل هذه لمن؟ هذه للمرأة، امرأتك إذا طلبتك وقالت: أريد أن أخرج إلى السوق لأشتري أشياء، وأعطيتها خمسمائة ستقوم برميها في وجهك، تقول: ما هذه الخمسمائة؟! هذه لا تكفي لشراء نعل، أريد ألفين أو ثلاثة، فيقول: حاضر، خذي، وإذا لم يعطها فقد تضربه، لكن إذا طُلب منه نفقة في سبيل الله فإنه قد يبخل، وقد يخرج خمسة أو أقل من ذلك، كيف تنصر ديننا بخمسة؟! في غزوة العسرة جاء أبو بكر بماله كله، وعمر جاء بنصف ماله، وقال عمر: [لا أسبق أبا بكر إلا هذا اليوم] فلما جاء عمر بنصف ماله، قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما أبقيت لأهلك؟ قال: نصف المال) وإذا بـ أبي بكر يحمل ماله كله على كتفه، لم يبق درهماً واحداً، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أبقيت لأولادك يا أبا بكر؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله) فقال عمر: [فعلمت أني لا أسبق أبا بكر إلى خير أبداً] هؤلاء الذين يحبون الله ورسوله، نريد مساهمة مجزية، مساهمة تجدها عند الله يوم القيامة. واعلم أنك -والله- ما تقدم شيئاً إلا تلقاه، لن يضيع الله مما قدمت شيئاً، بل يربيه، يربي الله لك الصدقة، كما جاء في الحديث: (إن الله ليربي لأحدكم صدقته كما يربي أحدكم فلوه) فكما تربي فلوك يربي الله صدقتك، تأتي وهي مثل الجبال يوم القيامة. وأذكر لكم قصة واقعية، يحدثني بها من أثق فيه، وعاش أحداثها ويعرف الذي وقعت له في جبال عسير كان هناك رجل مسافر، فآواه المبيت في ليلة مطيرة وذات رياح عاتية إلى أن دخل ونام في غار -كهف في الجبل- وبينما هو نائم -وبهذا الكهف كان قبراً- رأى في المنام رجلاً وامرأة ومعهما بقرة يحلبونها ويشربون لبنها، ولكن الذي أشكل عليه أن البقرة لا جلد لها، جلدها مسلوخ، ودماؤها تقطر من لحمها، فتقدم إلى الرجل وقال: يا أخي! ما شأنك؟ من هذه المرأة ومن أنت؟ وما هذه البقرة التي ليس عليها جلد؟ قال: هذه زوجتي وأما البقرة فإنه عندما كنا في الدنيا أحياء، أصابت الناس مجاعة، فشعرنا بحاجتهم إلى اللحم، فذبحنا هذه البقرة، وقسمناها على الفقراء والمساكين، فما بقي بيت في القرية إلا وأكل من لحمها، غير أننا أخذنا الجلد وبعناه، فلما مت أنا وزوجتي، أعطانا الله بقرة في الجنة غير أنه لا جلد لها. يقول: أتأسف على شيء في حياتي، أتأسف على الجلد، يا ليتني أنفقته في سبيل الله كما أنفقت البقرة، فيا أخي! أنفق في سبيل الله، ضع مبلغاً من المال تجده عند الله تبارك وتعالى، أسأل الله أن يأخذ بقلوبنا وإياكم إلى ما يرضيه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الأسئلة

الأسئلة .

علاج نقصان الإيمان

علاج نقصان الإيمان Q هل الإيمان يزيد وينقص؟ وإن كان يزيد وينقص فما العلاج لزيادته عند النقص؟ A معتقد أهل السنة والجماعة أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي. والعلاج أن تكثر من الطاعات وتقلل من المعاصي، بل تقضي على المعاصي كلها.

الدعوة إلى الله في جميع الميادين

الدعوة إلى الله في جميع الميادين Q أنا مستقيم والحمد لله، وألعب رياضة الحديد، والأيام التي ألعب فيها ثلاثة أو أربعة أيام من الأسبوع، كما أني أستمع إلى الأشرطة الإسلامية، وأيضاً أوجه زملائي إلى الاستقامة والدعوة، فهل تنصحونني بأن أستمر في هذه اللعبة أم أتركها؟ A لا يا أخي! لا ننصحك بأن تتركها، بل استمر فيها -أظنه يقصد بها لعبة الأثقال حمل الحديد- فليس هناك مانع من أن تمارس هذه الرياضة، اجعل عضلاتك قوية، حتى إذا دعاك داعي الجهاد فتكون بطلاً فيه، وأيضاً حسناً يوم أن استقمت ووجدت نفسك مع طيبين تدعوهم إلى الله ويستجيبون لك، وأنا أقول للشباب الذين يهديهم الله وهم في ممارسة الرياضة: ألا يتركون الرياضة، فلمن يدعون هذه المواقع؟ فإذا صلحوا فعليهم أن يقعدوا من أجل أن يصلحوا إخوانهم الآخرين، أما إذا ذهب كل من صَلُح فمن يدعو إخواننا الباقين؟ إن الوقوف والوجود في مجتمعات الشباب هي الإيجابية، فإن الأنبياء ما بعثوا في القفار ولا الصحاري، وإنما بعثوا في أواسط أقوامهم، وكان النبي صلوات الله وسلامه عليه يغشى مجامع الناس، ويأتي إلى الأسواق، ويبشر بدين الله، فادخل كل ميدان وادع إلى الله، واثبت، والله معك.

حكم الجهاد على مريض بمرض الإيدز

حكم الجهاد على مريض بمرض الإيدز Q مرض الإيدز مرض وجد في أناس عن طريق إجراء بعض العمليات ونقل الدم في خارج المملكة، فهل يجوز أن يجاهد الشخص المصاب بهذا المرض في أفغانستان؟ A الذي يصاب بهذا المرض لا يستطيع أن يقوم من مكانه حتى يذهب يجاهد في أفغانستان؛ لأن مرض الإيدز مرض سلطه الله على الدول الكافرة التي استباحت محارم الله وأعلنت التمرد على الله عن طريق اللقاءات الجنسية المحرمة، الزنا واللواط، فسلط الله عليهم هذا الجندي الصغير الذي اسمه فيروس الإيدز، وهو فقدان المناعة المكتسبة، فالذي عنده شيء من هذا لا يستطيع أن يقوم أصلاً حتى نقول له: اذهب وجاهد، لكن نسأل الله أن يشفيه إذا كان مسلماً، وكان سبب هذا المرض عن طريق نقل الدم وليس عن طريق عمل الفاحشة، نسأل الله أن يشفيه.

حكم الاستهزاء بالعلماء

حكم الاستهزاء بالعلماء Q ما رأيكم فيمن يستهتر بالعلماء ويسبهم، وإذا قيل له: اتق الله! قال: إنني أحترم علمهم ولكن لا أحترمهم شخصياً؟ A يا أخي الكريم! الداعية أو العالم لا احترام لشخصه، وإنما الاحترام للمبدأ الذي يحمله، وأي نيل منه أو استهزاء به استهزاء بالدين؛ لأن الله يقول: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين:29] {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65 - 66] فعملية الاستهزاء والنيل من العلماء والدعاة جريمة قد تؤدي بصاحبها إلى الكفر والعياذ بالله! فننصح أخانا الكريم أن يتوب إلى الله من النيل من العلماء، فإنهم واجهة الإسلام.

كيفية تعامل الشاب الملتزم مع أسرته المنحرفة

كيفية تعامل الشاب الملتزم مع أسرته المنحرفة Q أنا شاب منّ الله عليّ بالاستقامة، والمشكلة أن أسرتي لا يحبون الشباب الملتزم، وإذا أردت الذهاب إلى محاضرة لا يسمحون لي بذلك، فماذا أفعل؟ A عليك يا أخي! ألا تُحدِث إشكالاً بينك وبين أسرتك، ومن الطبيعي أن أسرتك التي عاشت على وضع معين سنيناً طوالاً، يصعب عليك أن تقلبها بجرة قلم، فأسرتك قد وجدت فيك جانب الاستقامة، لكنها لا تحب أن تكون مع مستقيم آخر، فلا تحاول أن تأتي بإخوانك في الله إلى البيت حتى لا تؤذي أهلك، وأيضاً لا تأتي إلى المحاضرات إلا بإذنهم، وإن لم يسمحوا فلا داعي للحضور، وعليك أن تشتري الشريط الإسلامي حتى لا تُحدِث إشكالاً بينك وبينهم، واعمل مع أهلك بلطف وبحب وبخدمة، وببذل وود مستمر في البيت، حتى يحبوك ثم يطيعوك. أما أن تصطدم بهم في بداية الأمر، فسوف يقف أبوك في وجهك، وأمك كذلك، والأسرة كلها، وبالتالي تجد نفسك تحارب في ميدان وأنت لوحدك فيه، وقد يترتب على ذلك ضعف وتراخ وتراجع.

نصيحة للشباب المراهق الذي لا يقدر على الزواج

نصيحة للشباب المراهق الذي لا يقدر على الزواج Q ما نصيحتك للشباب في سن المراهقة الغير قادرين على الزواج؟ A نصيحتي لهم هي الوصية بالعفة، الله يقول: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:33] والعفة: هي الترفع عن الدنايا والقذارات، وصيانة النفس من هذه الجرائم بوسائل، من ضمنها: أولاً: عدم النظر إلى النساء، فإن النظر باب الزنا. ثانياً: عدم استماع الغناء، فإن الغناء رقية الزنا. ثالثاً: عدم النظر إلى المسلسلات والأفلام الخليعة. رابعاً: عدم قراءة المجلات والقصص الغرامية. خامساً: كثرة قراءة القرآن. سادساً: مزاملة الصالحين. سابعاً: البعد عن الزملاء السيئين. ثامناً: كثرة حضور حلق العلم. تاسعاً: كثرة ذكر الله. عاشراً وأخيراً وهو الطب النبوي العظيم: الصوم، تصوم ثلاثة أيام من كل شهر، أو تصوم الإثنين والخميس من كل أسبوع، وأيضاً تقليل الطعام، فالشاب الذي ليس عنده زوجة لا يكثر في الأكل، وإنما يأكل قليلاً، يأكل لقمتين ويقوم، لماذا؟ لأنه يأكل ويشبع وليس عنده امرأة، فأين يذهب بهذا الطعام؟ فلا تأكل إلا قليلاً، يكفيك لقمة عيش أو لقمتين وقليلاً من الرز وحبة فاكهة، ولا تأكل الشحم ولا اللحم ولا العسل ولا البر ولا السمن إلى أن تتزوج، فإذا تزوجت فدق إلى أن تدوخ ومعك المرأة.

الحب بين النعيم والعذاب

الحب بين النعيم والعذاب Q سئلت عن سؤال سابق كان عن الحب هل هو نعيم أم عذاب، نرجو أن تعيد الجواب؟ A هذا السؤال المفروض ألا يقدم لي وإنما يقدم لأهل الاختصاص، أما أنا فلست مختصاً بالحب، ولكن لنسأل أهل الاختصاص، وسألناهم فقال بعضهم: إن الحب نعيم، تقوله كوكب الشرق، تقول: الحب نعيم، وسألنا بعضهم، فقالوا: الحب عذاب، يقوله شهيد الفن، يقول: الحب عذاب، حبك نار، قربك نار، بعدك نار، نار يا حبيبي نار ومن الصادق منهم؟ كذبوا كلهم. الحب ينقسم إلى قسمين: إن كان حلالاً فهو نعيم، وإن كان حراماً فهو فاحشة وعذاب أليم؛ فعندما تحب زوجتك يصير نعيماً لأنها بيدك، كلما أردتها كانت بجانبك، لكن إذا أحببت بنت العرب، وإذا بها بعيدة، وكلما تذكرتها طار قلبك وتقطع جوفك وهي عند أهلها، فتعيش في عذاب، يقول الناظم: فما في الأرض أشقى من محب وإن وجد الهوى حلو المذاق تراه باكياً في كل حين مخافة لوعة أو لاشتياق فيبكي إن نأى شوقاً إليهم ويبكي إن دنا خوف الفراق فتسكن عينه عند التداني وتسخن عينه عند الفراق إذاً لماذا أحب؟! ولماذا أعذب نفسي؟! وإلى متى؟ إلى أن تتزوج، فإذا تزوجت فأحب زوجتك. كان هناك أحد الشباب كنت أسير معه في طريق من المسجد إلى بيتي، فمررنا بفتيات، فغضضت بصري ثم تلفت فيه؛ لأنه شاب ملتزم، أريد أن أختبره، هل سيغض بصره أم لا؛ لأن من الشباب الملتزم من يحصّل الالتزام بالشكل، فيربي لحيته ويرفع ثوبه، لكن إذا رأى النساء نظر إليهن، وهذا لا يصلح، هذا ليس بملتزم، الالتزام شكل ومضمون تعفي لحيتك عملاً بسنة الرسول، وترفع ثوبك عملاً بسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام، وأيضاً تغض بصرك، وتحفظ سمعك، وتخاف الله وتراقبه في كل شيء، أما مع الناس متدين وإذا كنت لوحدك عاص، فهذا خطر عظيم، جاء في السنن من حديث ثوبان رضي الله تعالى عنه -والحديث صحيح- قال عليه الصلاة والسلام: (يكون يوم القيامة أقوام لهم حسنات كأمثال جبال تهامة، ثم يقول الله لها: كوني هباءً، قالوا: لم يا رسول الله؟ قال: كانوا إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها). إذا كان في غرفة النوم شغل الراديو بصوت منخفض ورقد على الأغاني، لكن لو رآه أحد زملائه استحى، يستحي من الناس ولا يستحي من الله. فراقبت الأخ هذا ونحن نمشي، فكانت عيناه عند قدمه والله ما رفعها، وبعد ذلك لما مرينا قلت له: يا فلان، قال: نعم. قلت: ما هو الأحسن غض البصر أو التلفت؟ قال: لا والله غض البصر أفضل، قلت: لماذا؟ قال: لو أني تلفت لكان قلبي الآن يتقطع عليهم، لكن عندما غضيت بصري ولم أر شيئاً استرحت، ولهذا يقول الله عز وجل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:30] لماذا؟ قال: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30] أحسن لك يا أخي. ويقول ابن القيم: وأنت إذا أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر ويقول: وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتل فيا أخي لا تعذب نفسك بعينك، اجعل عينيك في رأسك، انظر بها إلى الحلال إلى أن تتزوج، ثم انظر إلى زوجتك إن شاء الله.

حكم التخلف عن الجماعة في الفجر

حكم التخلف عن الجماعة في الفجر Q أنا رجل أصلي جميع الصلوات والحمد لله بالمسجد إلا صلاة الفجر، فما نصيحتك؟ A وأنعم بلحيتك، ماذا فعلت ما دام أنك لم تصلِِّ الفجر، كيف تصلي كل الصلوات في المسجد إلا صلاة الفجر! إن صلاة الفجر هي المقياس، هي (الترمومتر) الإيماني، ما ظنكم فيمن يحضر امتحانات الفصول الأربعة ثم لا يحضر الامتحان النهائي، ما رأيكم فيه؟ راسب أم ناجح؟ راسب، فصلاة الفجر هذه هي الامتحان النهائي، وهي الفرق بين المؤمن والمنافق، إذا أردت أن تعرف هل أنت مؤمن أم منافق، فلا تسأل أحداً، وإنما اسأل نفسك عن صلاة الفجر، فإن كنت من أهلها بانتظام واستمرار فاعلم أنك مؤمن، ووالله ما بينك وبين النعيم إن شاء الله إلا أن تموت، لأن الله يقول في القرآن: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} [الإسراء:78] قال العلماء: مشهود من ملائكة الله، ومشهود من عباد الله المؤمنين، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من صلى البردين دخل الجنة) والحديث في البخاري ومسلم، وهناك حديث آخر في البخاري ومسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (أثقل الصلوات على المنافقين صلاتي العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً).

نصيحة لمن يغالي في المهور

نصيحة لمن يغالي في المهور Q بعض الآباء يشدد على بناته في شأن الزواج ويرفض من يتقدم للخطبة، ويطلب طلبات تثقل المتقدم، فرج الله كربك يا شيخ، نرجو منك تعليقاً لطيفاً في غاية الحسن على هذه المشكلة؟ A وأنت فرج الله كربك أيها الشاب، وزوجك بنتاً صالحة إن شاء الله قريباً، ونقول في تعليقنا للآباء: اتقوا الله في فتياتكم، اتقوا الله في بناتكم وفلذات أكبادكم، ابنتك يا أخي قطعة منك، فلذة كبدك، ما هي بأمة عندك تبيعها وتشتريها، أو سلعة تأخذ فيها أعلى سعر، ولا أرضية ولا سيارة، هذه جزء منك، إذا كنت تبحث حقاً عن كرامتها وسعادتها فزوجها، فسعادتها والله مع الزوج، فوالله لو عملت لها قصراً عشرين دوراً، وصنعت لها غرفة عشرة في عشرة، وجعلتها تنام على الحرير والذهب فإنها في عذاب، ولو أعطيتها زوجاً ونامت معه على الحصير فإنها في نعيم، لأن الله يقول: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21]. فيا من في قلبه إيمان ورحمة ورأفة على بنته زوجها، وإذا لم يأتك الخاطب فابحث لها أنت عن خاطب، وقد أخبرني أحد المشايخ عن رجل صالح في الرياض -رجل موفق نسأل الله أن يوفقه في الدنيا والآخرة- عنده ثلاث فتيات تخرجن مدرسات، ولم يأته أحد لخطبتهن، فذهب إلى المسجد واختار لهن ثلاثة من خيرة الشباب، ومسك كل واحدٍ منهم على حدة، وقال: تعال تريد تتزوج؟ قال: أين هي فقط؟ قال: تعال، فأخذه معه وأدخله المجلس، وأخذ الكبيرة وأدخله عليها وقال: هذا يريد أن يتزوجك فهل تقبلينه؟ فنظرت إليه ونظر إليها، قالت: نعم. وقال هو: نعم. فقال: حياك الله، غداً تأتيني أنت وأبوك وإخوانك، لا تأتيني بأحد غيرهم، جدك وخالك وولد عمك وعم عمك وجيرانك وجماعتك لا أريدهم، أريد فقط ثلاثة أو أربعة. ثم ذهب، وفي المغرب جاء بثانٍ من الشباب الذين قد ضبطهم في ذهنه، وأراه الثانية وقال له: حياك الله في الغد أنت وأبوك وإخوانك. ثم بالثالث في العشاء وقال له مثلما قال لصاحبيه، وبعد مغرب يوم الغد جاءوه الثلاثة ومعهم آباؤهم وإخوانهم للعقد، فطلب من كل واحد منهم مبلغاً زهيداً من المال، وعشاهم بكبش واحد فقط، وبعد ما انتهوا دعا الكبير وقال: أين سيارتك؟ ثم قال: يا فلانة اصعدي، وقال: هذه امرأتك اذهبوا وحياكم الله على الغداء في الغد، والثاني كذلك، والثالث كذلك. وفي الغداء تغدوا عند الرجل، ثم ذهبت كل واحدة مع زوجها، فما رأيكم بهذا العمل؟! هل نستطيع أن نعمل مثله؟ بعض الناس إذا أراد تزويج ابنته عمل قضية كبيرة لا تنحل إلا بسبعين عقدة، فأول شيء لا يريد تزويجها إلا على من يملك راتباً كبيراً، وإذا رأى أنه مبتلى بالزواج، قال: ائت لنا بأبيك وجدك، وبعد ذلك الجلسة الأولى للتفاهم، والجلسة الثانية لأخذ موعد، والجلسة الثالثة للعقد، والجلسة الرابعة للمشاورة في شئون العرس وهل سيكون في فندق فخم أم في صالة أفراح عظيمة، ومن المدعوين، وكم الكروت ونوعيتها، وكيف الشكل، سبحان الله!! فما تخرج هذه البنت حتى تخرج روح زوجها. هذا من التعقيد الذي ما أنزل الله به من سلطان، نحن نقص هذه القصص لتكون عبرة للناس من أهل العقول الذين يسعون في سبيل سعادة بناتهم؛ لأن الأب لما يزوج بهذا الأسلوب يريح ويرتاح، لكن بعض الآباء يشغل نفسه، تراه أسبوعاً يطلع، وينزل، والخيام، والكراسي، والدعوات، والذبائح، والقدور، والصحون، والأكياس، وبعد ذلك يأخذون ابنته ويتركونه هو والكراسي. أكتفي بهذا القدر، وأسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعل فيما سمعنا بركة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اتقوا فراسة المؤمن

اتقوا فراسة المؤمن بدأ الشيخ محاضرته بتحديد مفهوم البصيرة، وتمييزها عن البصر المادي، ومن ثم بين حرمان العصاة من هذه الصفة، مبيناً بعد ذلك مفهوم الأولياء وكيف يكون المؤمن ولياً لله. ومن ثم بدأ بتوضيح أسباب امتلاك البصيرة، وتطرق إلى كل سبب بشيء من التفصيل.

البصر والبصيرة

البصر والبصيرة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأسعد الله هذه الوجوه الطيبة، وأسأل الله كما جمعنا في هذا المكان الطاهر على طاعته أن يجمعنا جميعاً في دار كرامته. أما موضوع الكلمة التي سوف أتكلم بها هذه الليلة، فهي بعنوان: " اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله "،كل إنسان يمتلك حاسة البصر، وعنده أيضاً حاسة سادسة اسمها: البصيرة أو الفراسة، أما سائر الحيوانات والمخلوقات الأخرى فهي تمتلك حاسة البصر، وتمتلكها بقدر أكبر من امتلاك الإنسان لها، فعين الثور كبيرة، وعين الطائر ترى دقيق الحب من جو السماء، فالطائر الصغير عينه مثل حبة الذرة، ولكنه يطير في السماء ويرى حبة الذرة في الأرض، فينزل ويأخذها ففيها حدة، وعين الغراب دقيقة جداً لكنها عيون مادية تبصر في حدود مادية. والإنسان ببصره وبمقدار الرؤية وبموازين النظر التي عنده له مثل ما عند الحيوانات مع بعض الفوارق، أما الحاسة السادسة والنور الداخلي الذي هو البصيرة، فهذا لا يملكه إلا الإنسان المؤمن الذي فتح الله بصيرته، وبمقدار قوة البصيرة عند الإنسان وضعفها تتحدد سعادة الإنسان أو عكسها، فكلما كانت بصيرة الإنسان نافذة، وميدانها واسع، ومسافتها بعيدة، كان مردود السعادة عليه في الدنيا وفي الآخرة أعظم.

حرمان العاصي من البصيرة

حرمان العاصي من البصيرة وكلما كانت البصيرة قليلة أو ضعيفة، كان ذلك بمقداره، فيحرم العاصي من البصيرة، والمؤمن يعطى نوراً في قلبه، وبصيرة في عقله، تجعله يرتب الأمور بحسب أولوياتها في الترتيب، تقديماً وتأخيراً، وتعظيماً، مهماً وأهم، هل البصر يرتب هذه القضايا. لا. إن الذي يرتبها هي البصيرة. النور يقذفه الله عز وجل في قلب المؤمن. والذي لا يملك هذه البصيرة يعيش أعمى ولو كانت عيونه كعيون الثور، والله يقول: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} [الإسراء:72] ويقول عز وجل: {إِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46] ويقول عز وجل: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} [فاطر:19 - 23]. فالذي ليس معه نور الإيمان فهو أعمى، ولا يعرف كيف يسير في هذه الحياة، ولا يعرف كيف يرتب نفسه، ترتيباته ترتيبات مادية، فيقدم شهوة البطن فيأكل، أو يقدم شهوة الفرج فيبحث عن مواطنها، أو يقدم شهوة الملابس فيظهر في ملبس فاخر، أو يقدم شهوة السكن فيريد عمارة، أوشهوة السيارات فيريد سيارة جديدة فهذه ترتيباته وأولويات حياته كلها محصورة في نطاق مادي، في شهوات البطن والفرج والسيارة والنوم والعمارة وتمشية وأكل، لكن شيء غير هذا. لا. أهم شيء في حياته الذي خلق من أجله، ومصيره كالموت والقبر والحشر والنشر والصراط والحوض والكتب والجنة والنار، هذه مشطوب عليها في ميادينه، ما لها كرت أو ميزان! لماذا؟ لأنه أعمى لا يرى الطريق، وليس لديه البصيرة، لكن لو كان عنده بصر لرفع بصره ونظر إلى الآخرة، ثم نظر إلى الدنيا، بشهواتها، وملذاتها، ومتاعها، وما فيها من اللذائذ كلها إذا وضعتها في موضعها الطبيعي تراها، لكن إذا قربتها إلى قلبك، إلى أن تغطيه فلن ترى إلا هي، ولن تبصر إلا هي، مثل إصبعي هذه، إذا وضعتها أمامي أرى مساحتها (4×3×1 سم) لكن لو قربتها من عيني إلى أن أغطي بها عيني فلا أرى شيئاً إلا هي، ولا أرى أن وراءها مسجد، أو أناس، أو عمارات وأراضٍ، ما أرى إلا هي؛ لأني لصقتها لصقاً كاملاً بعيني، فحجبت مجال الرؤية، والناس حين يلصقون الدنيا وشهواتها بقلوبهم، حتى تحجب عنهم كل شيء يرونه فلا يرون إلا الدنيا، ولهذا رب العالمين يقول: {أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ} [الشورى:18] ويقول عز وجل: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً} [الأحقاف:26] وجعلنا لهم سمعاً من أجل أن يسمعوا، وأبصاراً من أجل أن يبصروا، يسمعون ماذا؟ يسمعون كلام الله، ودينه، وخطابه، يبصرون طريق الله، وأفئدة يعقلون عن الله أسرار خلق البشر، فهم ليسوا كالبقر، الآن هؤلاء أهل الشهوات، وأهل الكفر والمعاصي، الواقعين فيها والبعيدون عن الله، اسأل: ما الفارق بينهم وبين حياة البهائم؟ لا شيء!! اسأل الحمار، قل له ماذا تريد يا حمار؟ يقول: أريد حمارة. فقط تراه يمشي، فإذا رأى حمارة رفع رأسه وجرى وراءها، نعم هل عند الحمار غير هذا الاهتمام؟ وماذا تريد غير الحمارة؟ قال: أريد علفاً آكله، حتى أشبع، وبعد ذلك؟ قال: أرقد. فهذه هي حياة البهائم، والذين يعيشون هذه الحياة. من البشر هم بهائم يعيشون في مسلاخ بشر، والله سماهم بهائماً في القرآن قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] يعني: كالبقر والحمير، فالبقر، والبهائم أفضل منزلة؛ لأن الله تعالى سخرها وسارت فيما سخرها الله فيه، أما الإنسان خلقه وميزه وكرمه وفضله، وأعطاه العقل من أجل أن يعرف طريق الحق فيختاره ويعرف طريق الباطل فيجتنبه، فاختار طريقاً ليست حتى من مراتب الحيوانات، قال الله: {بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44]. فالله زودهم بهذه الإمكانيات، فاختاروا الخيار الأسوأ والعياذ بالله، وعاشوا لا يعرفون حقيقة الحياة التي هي عندهم ما تراه عيونهم وشهواتهم، أما الحقائق فإذا جئت تكلمه في يوم من الأيام تقول له: يا أخي! الموت قادم؛ فلأنه لا يرى إلا الدنيا، يتضايق من ذكر الموت، يقول لك: أنت تريد أن تميتنا قبل وقتنا دعنا نتمتع الآن، تقول له: أمامك الجنة والنار والقبر، أما ترى أباك من يضعونه في القبر بعد الفراش الوثير، والنور والزوجة فيجعلونه في ثوب ويهيلون عليه التراب ويتركونه؟ هناك عالم آخر. أما المغالطون فيقولون: لا شيء هناك، تضعونه في القبر فحسب، من قال لكم: لا يوجد شيء؟ من هو الذي مات، ونزل القبر وذهب الآخرة وما نظر شيئاً ورجع يقول: لا يوجد شيء؟ هل هناك من رأي ذلك؟ لا. حسناً من قال لنا: لا يوجد لا أحد قال لنا ذلك، ومن قال: إن هناك شيئاً بعد الموت؟ الأنبياء والرسل أخبروا عن الله بإجماع منهم منذ نوح إلى محمد صلى الله عليهم وسلم، ما من نبي إلا ويعلن أن البشر مبعوثون، وأن الناس سوف يحاسبون. وأيضاً هناك دليل عقلي منطقي: لا بد من الحساب، فالذي يقول: لا يوجد بعثاً ولا حساباً، هذا يلغي عقله؛ لأن العدل ما تحقق في الدنيا فلا بد من تحققه في الآخرة جزماً، فالآن ترى الواحد يعيش وهو مؤمن بر تقي صالح ومن أحسن الناس ولكن لا يجد له جزاءً على هذا الصلاح، لكنه قد يؤاخذ، وربما يسجن، أو يؤذى، أو يقتل أو يمرض ويعيش فقيراً، بينما تجد الآخر فاجراً، مجنوناً، مجرماً، خبيثاً، هتاكاً للأعراض، يلغ في الدماء يكذب يسفك يبيع الشعوب يمارس كل أنواع الجرائم، وبعد ذلك يموت، ويموت ذلك البر المؤمن، ولم تصل يد العدالة إلى ذلك المؤمن فتجازيه على عمله الطيب، ولا إلى ذلك الفاجر فتجازيه على عمله السيئ، أتنتهي الحياة بهذا؟ هل يتصور ذلك؟ كلا. يقول الله عز وجل: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:35 - 36] ويقول: {أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص:28] ويقول: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ * وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [الجاثية:21 - 22] فالذي يقول: لا يوجد شيء بعد الموت، نقول له: من قال لك؟ يقول: أنا ما رأيت شيئاً، وكونك ما رأيت شيئاً هل يعني أنه ليس هناك شيء؟ الآن هذا الجدار من يراه يقول: ليس وراءه شيء، لكن افتح الباب وانظر، وسوف ترى أن وراءه أشياء، يقول صلى الله عليه وسلم: (ما منكم إلا ويرى مقعده من الجنة أو النار وهو في بيت أهله) في ساعات الاحتضار تزول الحواجز والحجب، ويرى المؤمن وهو جالس في بيته ملائكة الرحمة، ويرى الفاجر ملائكة العذاب، فيفرح المؤمن ويتمنى لقاء الله، ويحزن الفاجر والكافر ويكره لقاء الله، فهنا يحب الله لقاء المؤمن، ويكره لقاء الفاجر. فهذا الذي يعيش في سجن المادة الذي غطى على قلبه بالدنيا والشهوات، حتى لم يعد يرى شيئاً مما يجب أن يراه في هذه الدنيا، إذا حدثته تقول له: الآخرة! يقول لك: لا. لماذا؟ لأن الران قد كسا قلبه، واستحوذ عليه الشيطان فأنساه ذكر الله.

مفهوم الولاية عند أهل الأتباع وأهل السنة

مفهوم الولاية عند أهل الأتباع وأهل السنة وهذه البصيرة التي يرزقها المؤمن لها أسباب: ففي صحيح البخاري في الحديث القدسي فيما يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل يقول: (من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) التعرض لأولياء الله من العلماء، ومن الدعاة الفضلاء، والصالحين والمصلين المؤمنين، فالإيذاء والتحرش بهم، وتشويه سمعتهم، والنيل منهم، وتضخيم أخطائهم إذا كان لهم أخطاء فهم ليسوا بمعصومين؛ فتكبير أخطائهم وتشويه السمعة لهم هذا حرب على الله. لماذا؟ لأنهم أولياء الله، والله يقول: (من آذى لي ولياً) والولاية هنا ضد العداوة؛ لأنه لا يوجد في الدنيا إلا ولي أو عدو: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:62] من هم؟ {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:63]. فكل مؤمن تقي فهو ولي لله. أما الولي عند أهل البدعة والضلال: هو الذي على قبره ضريح، وعلى الضريح قبة، ويذبح حوله ويطاف، هذا هو الولي عندهم! ذاك الذي يلبس عمامة كبيرة، وله مسبحة طويلة، وله أذكار وهمهمات، وتجليات وتكشفات، ويذهب إلى الحرم ويصلي فيه، كما يقول أهل البدعة مثل الصوفية. يقول أحد الشباب: زرت شخصاً من الصوفية في بلد من البلدان العربية بعد صلاة المغرب، يقول: فأعطانا من الخزعبلات، والكلام الفارغ عن شخصيته، ومكانته عند الله، وأن الكرسي والقلم في يده، والعرش تحت رجله، وأن الدنيا تحت قدمه، يقول: والمساكين المضللين فهموا هذا الكلام، فلما حان وقت صلاة العشاء قلنا له: قم صل معنا يا شيخ، قال: لا، سأصلي في الحرم -وهو في بلد بعيد عن الحرم- فخرجنا وقال الناس: هنيئاً له يصلي في الحرم، يقول: ولما أقيمت الصلاة، رجعت وذهبت إلى بيته، ونظرت من شق في الباب، وإذا به راقد على السرير؛ لأنه لا يريد أن يصلي أصلاً، فمثل هذا ليس عليه صلاة! فالذي يدعي كل هذه الأشياء هذا طاغوت وفاجر، فيدعي أنه يصلي في الحرم حتى لا يلزمه أحد بالصلاة مع المسلمين يقول: فرقد الرجل وأنا ذهبت أصلي وبعد الصلاة أتينا، فلما دخلوا قالوا: له هنيئاً يا شيخ صليت في الحرم، يقول: نعم. صليت في الحرم، يقول فقلت له: يا شيخ أنا دخلت عليك قبل الصلاة، وأتيت ورأيتك من شق الباب وأنت نائم على السرير، قال: قد رجعت، فهم يصلون مبكراً في الحرم. الولاية بهذا المعنى هي ولاية الشيطان، هذه ولاية باطلة مرفوضة يداس عليها بالأقدام؛ لأنها ولاية شيطانية. أما الولاية الربانية، فهي أن تكون مع الله، كيف مع الله؟ أي على كتاب الله وسنة رسول الله، تقوم بأوامر الله، وتنتهي عما نهى عنه، تكون ولياً من أولياء الله، من آذاك أو تعرض لك؛ فإنه يقع تحت وعيد الله، يقول العلماء: بأي إيذاء، لو أن أحدهم في الحمام يتوضأ وأنت تنتظره، وطرقت عليه الباب يعد هذا إيذاء للمسلم، هل أحد في الدنيا يقعد في الحمام مسروراً، لا يوجد أحد يبقى في الحمام إلا من يقضي حاجته، فلماذا تزعجه وتستعجله بالخروج، تريده يقطع قضاء الحاجة، هو لا يعقد إلا لأجل أن يكمل حاجته، ما في أحد يأخذ له وسادة ومسنداً ويقعد في الحمام إلا طائفة واحدة من الناس يرتاحون في الحمام، وهم أهل الدخان! نعم. بعض أهل الدخان إذا منعوا منه في الدوائر الحكومية ذهبوا إلى الحمام؛ لأنهم يجدون في الحمام رائحة دخان آخر. أما العقلاء فيبقون في الحمام بمقدار الحاجة ويخرجون، فإذا طرقت الباب على شخص منهم فيكون هذا إيذاءً له، وإذا كنت تقف عند إشارة المرور، ووقف بجانبك ومعه عائلته لا تنظر إليه، فهذا إيذاء له؛ لأن الذي أوقفه هو مصلحة المسلمين، بحيث لا يتجاوز أنظمة السير، فلو تجاوز الإشارة ومشى من أجل أن يحمي عرضه من هؤلاء الفضوليين لقطع السير وجوزي، وربما تسبب في حادث، فلا يجوز لك النظر إليه بحال من الأحوال، فهذا إيذاء للمسلم، وغيرها من أوجه الإيذاء، قال تعالى: (من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) يعني: أعلنت عليه الحرب، وإعلان الحرب من الله عز وجل، عاقبته التدمير؛ لأن الله غالب على أمره، ومن ذا يغلب الله يا إخوان لا إله إلا الله! من أنت -أيها الإنسان- حتى تقف في مواجهة رب العالمين؟ كم حجمك؟ متران في نصف متر، يعني متر مربع. وكم حجمك بالنسبة لـ أبها وبالنسبة للمملكة، وبالنسبة لـ آسيا وللكرة الأرضية؟ وما الأرض بالنسبة للشمس؟ فالشمس أكبر من الأرض بمليون مرة، وما الشمس بالنسبة للمجرة؟! وما المجرة بالنسبة للمجرات الأخرى؟! وما المجرات كلها بالنسبة للكرسي؟! وما الكرسي بالنسبة للعرش؟! وما العرش بالنسبة لله؟! لا إله إلا الله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأنت تقف في مواجهته!! أتظن أن الله غافل عنك عندما يمهلك؟ نعم. إن الله يمهل ولكن لا يهمل، يقول الله عز وجل: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [القلم:44 - 45] الآن الصياد عندما يأتي إلى البحر يأتي بالخطاف والشبكة ويصنع فيها لحماً أو خبزاً أو أي شيء، ويرميه ويمهله، وتأتي السمكة فتقول ما هذه المناسبة الضخمة، ما هذه الأكلة الفاضلة وتلتهمها، فإذا رأى الصياد أن هذه اللحمة أصبحت في فم السمكة، ماذا يفعل؟ يشد الخطاف بسرعة ثم يخرجها ويأكلها، فالله يمهل ويملي ويضع لك الطعم من منصب أو وظيفة شباب بسطة في الجسم ثم لا تدري إلا وقد خطفك، فلا يفلتك إلا في النار، قال تعالى {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102] وقال صلى الله عليه وسلم (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) فلا تغتر بإملاء الله عز وجل -أيها الإنسان- عنك، فإملاء الله للإنسان في هذه الدنيا من أجل أن يرجع إلى الله، فإذا لم يرجع فهذه مصيبة الإنسان، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه). أيها -المحارب لله- أنك ستموت، ولا تغتر بما أنت فيه من الجاه أو المنصب، أو المال، أو العافية، أو الشباب، فإنها كلها أشياء مؤقتة سوف تزول، لم تبق لمن قبلك حتى تبقى لك، ولو بقيت للذي قبلك لما وصلت إليك، لكن هذه المفاهيم والموازين تنتقل من إنسان إلى آخر، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، تذكر أنك ستموت، وأنك في ساعات الاحتضار ستكون أضعف ما تكون، وقد لاحظت وربما لاحظتم وحضرتم جنائز وتصورتم وضع الميت وهو في حالات الاحتضار، الله يقول: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} [القيامة:26 - 27] راق: يعني قارئ يقرأ أو طبيب يعالج {وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ} [القيامة:28] أي: تيقن أنه الموت {وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} [القيامة:29] والتفاف الساقين كناية عن الضعف المنقطع النظير؛ لأنه لا تلتف السيقان إلا من ضعف؛ لأنه لو كان متعافٍ لما التفت ساقاه، المريض في ساعات الاحتضار تلتف ساقاه، وتبرد أطرافه، وتتفصل مفاصله، وتنخسف أصداغه وتصير مثل الحفر، وتميل أنفه؛ لأن الأنف هذه تخرج منها الحياة، وهي أصلها غضروف، فإذا خرجت منها الحياة مالت الأنف، هذا هو الإنسان في هذه الحياة، تذكر أنك ستكون في هذا الموقف، متى؟ يمكن أن يكون ذلك في هذه الليلة، أو غداً وأنت لا تعلم، إذاً كيف تحارب الله وهذا موقفك؟ وقل لي بأي سلاح، وبأي صواريخ تقابل الله عز وجل؟ ثم تذّكر أنك ستوضع في الحفرة المظلمة، وسيوضع معك عملك، وسيأتي معك منكر ونكير يسألانك عن عملت في هذه الحياة، وتذّكر أن الله سيبعثك، وأنك ستقف بين يدي الله حافياً عارياً ليس معك أحد، ينجيك عدلك، ويوبقك ظلمك، وتذّكر أنه سيؤمر بك إلى الجنة أو إلى النار، فماذا تقول؟ فلا تؤذ عباد الله، لا تعادي أولياء الله، وقد سمعت عن رجل من الصالحين -وأسأل الله أن يهديه- وهو من عامة الناس، لكن عنده غيرة وحرقة على الإيمان والدين، ومع هذا محسوب من العاديين وليس من الملتزمين أو من الذين لهم شارة كبيرة في الدين، ففي أحد المجالس نال أحد الجالسين من أحد العلماء في المنطقة وتكلم فيه، وقال: إنه لما صافحني في وليمة مدّ رءوس أصابعه فقط، كناية عن الاستهزاء والسخرية من هذا العالم! فقال ذلك الرجل الطيب الموفق: يا أخي! لا تنل منه، والله حرام أنك تمسه بيدك؛ لأنك تنجس يده،، ولو علم الشيخ بك لكف يده؛ لأنك أنجس من الكلب، لسانك هذا تنال به من العلماء، وبدأ يدافع عن الشيخ دفاع المستميت، هذا هو الذي يريد أن يكون عند الله في منزلة عظيمة، عندما تسمع من ينال من عباد الله، أو أولياء الله، أو العلماء أوقفه عند حده، قل: لا يجوز. والثاني يقول معك: لا يجوز والثالث وهكذا فإذا سمع أهل الشر والفساد أن أهل الإيمان يد واحدة يذبون عن عرض بعضهم بعضاً، لا يستطيعون الكلام بكلمة، لكن إذا تكلم هذا وسكت أهل الخير كلهم، بل بعضهم قال: صحيح، لا يفتح فمه بكلمة واحدة، أين الإيمان، وأين الدين؟!

البصر والبصيرة الربانية

البصر والبصيرة الربانية يقول الله عز وجل: (من آذى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بعمل أحب إلي مما افترضته عليه) فأحب شيء عند الله أن تعمل الفريضة: (وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) فهذا العمل محبوب عند الله، لكن أنت غير محبوب عند الله بالعمل فقط، انظروا إلى التفريق في الحديث (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) يعني: أفضل عمل تتقرب به إلى الله وهي: الفريضة، لكن لا تكفي لنيل محبة الله لك، فأنت، لا تنال محبة الله إلا بشيء ثانٍ مع الفريضة وهو النافلة قال: (وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) فأنت تقدم العمل المحبوب عند الله ثم تزيد العمل الثاني حتى يحبك الله فإذا أحبك الله، قال: (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به) تصبح هذه الأذن ليست سمعك، أنت تسمع بالله، فهل يمكن أن تسمع حراماً وأنت تسمع بالله، فبمجرد أن تسمع أغنية تضطرب أذنك وتهتز؛ لماذا؟ لأنك تسمع بالله، أذن ربانية لا يمكن أن تسمع كلمة تسخط الله (كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به) عينك لا يمكن أن ترى حراماً، إذا رأت امرأة كأنما ترى شيطاناً لم يعلم أين الآخرة والجنة؟ بينما ذاك المؤمن يغض بصره لماذا؟ لأنه بصر رباني لا يمكن أن يرى ما حرم الله، كونك ترى امرأة منظر جميل، لكن ماذا يغنيك النظر إذا رأيت حراماً؟ ما هي المصلحة؟ الله يقول: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30] يعني: غض البصر، لكن النظر ليس أزكى، لماذا؟ لأنك تنظر إلى شيء لا تقدر ولا تصبر عليه، وإذا قدرت عليه فهو حرام، والحرام لا يحل مشكلتك، هب أن أحداً من الناس لم يخف الله ولم يراقبه، واستطاع بعد أن نظر أن يتصل بها ويزني، هل يحل الزنا مشكلته؟! لا. إن الحاجة إلى الجنس كالحاجة إلى الطعام، إذا تغدى لابد أن يتعشى، وإذا تعشى لابد أن يفطر، وإذا أفطر لابد أن يتغدى. هب أنه زنى مرة، هل يستطيع أن يزني كل يوم؟ وهب أنه استطاع أن يزني كل يوم، هل يزني في كل حياته؟ هل يعيش زانياً ملعوناً مطروداً عن الله عز وجل؟ ما هو الحل؟ الحل من أول الطريق: لا تنظر. (باب تأتيك منه الريح سدّهُ واستريح) هذه عينك التي يأتيك منها ريح الزنا ماذا تفعل؟ أغلقها، فإذا رأيت امرأة غض بصرك، نعم هناك تعب، لكنه أقل مائة مرة من تعب النظر. يقول الناظم: وأنا الذي جلب المنية طرفه فمن المطالب والقتيل القاتل إذا أنا نظرت إلى الحرام فماذا يحصل؟ الذي يحصل أن مردود الحرام يرجع على قلبي فيكسره ويحطمه، فمن مصلحتي أن أغض بصري ابتداء، ولكن لماذا أشعر بالتعب حين أغض بصري؟ لأن الشيطان يزين النظر أمامي، ولكن حين أحتسب هذا عند الله عز وجل يحصل لي منه ثواب كثير. فيقول صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: (كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبدي المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته، ولا بد له منه) فلا بد من الموت -أيها الإنسان- فالشاهد في الحديث: (كنت بصره الذي يبصر به) فمتى يكون الله بصرك؟ ومتى تبصر بالله؟ ومتى يكون بصرك ربانياً؟ تقدم المواضيع وتؤخرها على ضوء أولويات دينك وعقيدتك، ترى القرآن فتألفه، وترى المجلات فترفضها، ترى المساجد فتحبها، وترى الملاعب والمقاهي والمنتزهات التي فيها المعاصي فتنفر منها، ترى النساء فتغض بصرك ولا تنظر إليهن، ترى زوجتك أجمل ما يمكن أن ترى إن كنت متزوجاً، وإذا لم تكن متزوجاً فاستعفف (ومن يستعفف يعفه الله) والله تعالى يقول: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:33] ما هي العفة؟ هي استعلاء، وتطهر وتنزه وترفع عن هذه القاذورات إلى أن تتزوج حلالاً، ثم تسير في طريق الحلال الذي شرعه الله لك.

أسباب نفاذ البصيرة لدى المؤمن

أسباب نفاذ البصيرة لدى المؤمن أيها المسلم! فإذا أنت عملت بهذه الأمور، وقدمت وأخرت بحسب مقتضيات هذه العقيدة كان بصرك هذا وبصيرتك ربانية. وهناك خمسة أسباب تجعل بصرك ربانياً وبصيرتك ربانية، ذكرها ابن القيم رحمه الله في كتابه الجواب الكافي نقلاً عن أحد السلف اسمه شاه الكرماني يقول: 1 - من غض بصره عن الحرام. 2 - وعمر باطنه بالتقوى والمراقبة. 3 - وعمر ظاهره بالسنة. 4 - وكف نفسه عن الشهوات. 5 - وعود نفسه أكل الحلال، لم تكد تخطئ له فراسة. فهذه الخمس هي أسباب فتح البصيرة، بحيث لا تخطئ لك فراسة، تنظر إلى الأمور كأنها مجلية أمامك، كأنك تنظر إلى الغيب، كأنك تستقرئ أشياء المستقبل بنور الله عز وجل، فمهما حاول الناس، ومهما حاولت الشهوات والمغريات أن تُعمّي عليك، أو أن تقدم أو تؤخر في موازينك فبصيرتك تمنعك؛ لأن ميزان الآخرة والصلاة والقرآن عندك أرفع شيء، وميزان حب الله وحب رسوله وأوليائه في قلبك أعظم شيء، الحلال تسير فيه، والحرام تتركه، لماذا؟ لأن عندك موازين واهتمامات، ولك مبادئ تسير عليها، وهذه الأسباب الخمسة أتحدث عنها بتفصيل.

غض البصر عن الحرام

غض البصر عن الحرام أولاً: من غض بصره عن الحرام: قال العلماء: إن غض البصر يعقبه فتح البصيرة؛ لأن الجزاء من جنس العمل، تغض بصرك عن الحرام يفتح الله بصيرتك على كل ما يرضي الله في الدنيا والآخرة، وتصبح بصيرتك نافذة. والبصيرة هي التوفيق والتسديد والهداية، أي: أن الله تعالى يَمنُّ عليك بقوة تمكنك من السير في طاعة الله عز وجل، إذا سمعت المؤذن وأنت في غاية الراحة والنوم، والأنس بالزوجة، والدفء بالفراش، تسمعه يقول: الله أكبر! بصيرتك هذه توقظك، حتى إذا أردت أن تنام فإن جنبك لا يطاوعك، قال تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} [السجدة:16] ما يطيعك جنبك في أن تنام على فراشك، لماذا؟ لأن الجنب هذا مدفوع دفعاً داخلياً منَّ البصيرة التي منَّ الله تعالى بها عليك من غض البصر عن الحرام. وغض البصر هو وصية الله للمؤمنين في سورة النور، يقول الله عز وجل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30] وجاء بعد الأمر بغض البصر الحديث عن النور الذي ذكره الله عز وجل، وأنه في قلب عبده المؤمن كمشكاة فيها مصباح! وأن هذا نور يوجد في المساجد! وجاءت بعده الأوامر كلها التي تدل الناس على سعادتهم في الدنيا والآخرة، ومن ضمنها أن الله عز وجل أمر الناس بأن يغضوا من أبصارهم، حتى تضيء هذه الأنوار قلوبهم. فهذه الأنوار الربانية التي يبحث عنها الناس ويريدونها -وهي نور البصيرة- إذا أرادها المسلم فلها أسباب، من أول أسبابها: غض البصر، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من غض بصره عن الحرام، أبدله الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه إلى يوم يلقاه) وغض البصر ذكر ابن القيم رحمه الله فيه اثنتي عشرة فائدة، وهي من الفوائد التي كل واحدة منها خير من الدنيا وما عليها، ومن أعظمها: تعظيم الله: فأنت تعلم حين تغض بصرك أنك لا تعمل هذا إلا خوفاً من الله، هل من أحد يغض بصره في الدنيا خوفاً من أحد؟ لا أحد يستطيع أن يضبط بصرك في الدنيا إلا الله، أنت إذا أردت أن تنظر في عمارة وفي هذه العمارة نافذة وفي هذه النافذة امرأة، ونظرت أنت إلى المرأة في النافذة، ومرّ بك صاحب العمارة ورآك فقال: لماذا تنظر إلى المرأة؟ أما تستحي؟ فبإمكانك أن تعتذر بأبسط الأساليب وتقول: يا شيخ! أنا لا أنظر إلى المرأة، أنا أنظر في (تلييس) العمارة، (التلييس) ممتاز! أنا أنظر في نافذة الألمنيوم! وعينك أنت في المرأة لكنك أوهمت هذا بقولك أنك تنظر في العمارة، فمن الذي يعلم أن عينك في العمارة أو في المرأة؟ قال تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19] لا تخفى هذه على الله. فإذا أنت غضضت بصرك، كان هذا دليل قطعي على إيمانك بالله وتعظيمك له، فشعورك بأن الله مطلع عليك ألزمك بأن تغض بصرك خوفاً منه تبارك وتعالى، وهذا الخوف منه هو تعبير عن منتهى العبودية، وهو درجة من درجات الدين اسمها: الإحسان. فمراتب الدين ثلاثة: إسلام، وإيمان، وإحسان، فالإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه فعندما تغض بصرك من أجل الله، كأنك ترى الله عز وجل، فغض البصر من أعظم دلائل الإيمان عند العبد المسلم. ومن فوائد غض البصر راحة القلب، فالذي يغض بصره قلبه مرتاح دائماً، وذاك الذي يتلفت مسكين! قلبه يتوقد، مثل الدجاجة التي تدور في الشواية، وهذا الذي يوقد قلبه على (شواية) النظر، وكل يوم يذهب، إلى أين تذهب؟ قال: أنظر، ماذا تنظر؟! ينظر إلى ما يقطع قلبه ثم يرجع، بعضهم لا ينام الليل من نظرة واحدة! يخرج إلى السوق أو الشارع وهو خالي القلب والفؤاد، ليس في باله شيء، ثم يرجع إلى البيت وهو حزين، يقال له: تعشى، قال: لا، ما أريد، راجع دروسك، قال: نفسي مسدودة، ماذا بك؟! قال: لا شيء، ثم يزفر زفرة يتقطع لها قلبه! هل يزفر على الأقصى لأنه الآن بيد اليهود، وأن المسلمين الآن يسامون سوء الذلة في الدنيا كلها؟ هل يزفر على الأفغان أو يزفر على الإسلام؟ لا! بل يزفر على امرأة رآها وتقطع قلبه من أجلها، أعوذ بالله من هذه الهمم الدنيئة، والغايات الهابطة! يزفر ويبيت ليله في مرض، أما ذاك المؤمن الذي رآها وغض بصره، فيتعب قليلاً في لحظة غض النظر وحين يصرف المؤمن بصره يجد قوة تدفعه إلى النظر، لماذا؟ لأن الشيطان يريد أن تنظر وأنت تصارعه، لكن إذا ذهب المنظر، وذهب الشيطان شعرت بإيمان تجد حلاوته في قلبك إلى أن تلقى الله. وأذكر لذلك قصة: ذات يوم وأنا في بيتي جاءني أحد الشباب يزورني، وحان وقت صلاة العصر، وخرجت معه إلى المسجد ثم رجعنا! وفي الطريق قابلنا مجموعة من الفتيات كأنهن عائدات من المدرسة، أو من زيارة، فأنا وهو آخذ بيدي غضضت بصري -وما لي فضل في ذلك- لأني كبير في السن، والشايب الذي ما يغض بصره هذا شايب عائب -والعياذ بالله- ولهذا جاء في الحديث: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة منهم: أشيمط زان) كبير في السن وما زال يتلفت في النساء، ولكن المؤمن الذي هو شابٌّ ويغض بصره هذا عظيم، شاب نشأ في طاعة الله، شاب دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله رب العالمين، والشاب المؤمن هذا كان بجواري، المهم غضضنا أبصارنا وكنت أراقبه وجزاه الله خيراً، وكان يغض بصره وعينه في الأرض، وكلما اقتربنا كلما قويت قوة الشيطان على عيوننا، ولما جاوزن من عندنا -وفي قوة لكن في صبر- نظرت إليه وقلت له: غض البصر أفضل أم الالتفات؟ قال: غض البصر أفضل، قلت له: لماذا؟ قال: صبرت قليلاً لكن ليس في قلبي شيء، ولو أني ما غضضت بصري لبقيت مريضاً طوال يومي، فالأفضل أن أصبر قليلاً ولا أصبر كثيراً، الآن الإبرة تصبر عليها من أجل أن تسلم من المرض، لكن بعضهم يقول: لا والله. أظل مريضاً طوال حياتي ولا يضربوا لي إبرة واحدة، وهذا جنون! لكن اضرب نفسك بإبرة وغض البصر من أجل أن تسلم من المرض، إلى أن يعافيك الله سبحانه، ويعطيك عافية كبيرة إن شاء الله بزوجة حلال، أما أن تبقى مريضاً بمرض النظر إلى أن تسكنك عيونك في النار، فلا؛ لأن من ملأ عينيه بالحرام؛ ملأهما الله من نار جهنم والعياذ بالله. ففائدة أخرى من فوائد غض البصر: أن الله عز وجل يريح قلبك، فترتاح وتعيش هادئ البال، وهل في الدنيا مطلب أعظم من راحة القلوب؟ والله راحة القلب بطاعة الله أعظم من كل راحة.

إعمار الباطن بالتقوى والمراقبة

إعمار الباطن بالتقوى والمراقبة ثانياً: وعمر باطنه بالتقوى والمراقبة: ما معنى هذا؟ معناه: أن يستشعر الإنسان مراقبة الله له في كل وقت وحين، وأن يشعر بأنه واقع تحت الرصد الرباني، والنظر الإلهي، وأنه لا يخفى على الله منه خافية، وأن الله معه في الليل والنهار، والسر والجهار، وأن الله يرصد ويسجل عليه كل عمل، يقول الله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [المجادلة:7] كل شيء تعمله مكتوب عليك فلا تظنن أنك مفلت أبداً: وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني قال تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [النساء:108] الله معك وأنت تعمل هذا، والله يراقبك ويراك وينظر إليك، فإذا أحسست بهذا الشعور، وتعمق عندك هذا المعنى، فهل يمكن أن تعصيه وأنت تعلم أنه يراك؟ أبداً! فمن الذي يعصي؟ الذي غاب قلبه عن الله، وشعر أن الله لا يراه، أما من يشعر أن الله يراه ينتهي بسرعة، ولا يفعل معصية، فالحديث الذي في صحيح البخاري وصحيح مسلم عن الرجل الشاب الذي كان يحب بنت عمه كأشد ما يحب الرجال النساء، وبعد ذلك راودها عن نفسها فلم توافق، وبعد ذلك ألجأتها الظروف والحاجة إلى أن تطلبه مبلغاً من المال، فقال لها: لا أعطيك حتى تخلي بيني وبين نفسك، فوافقت تحت وطأة الاضطرار، ولما قعد منها مقعد الرجل من امرأته قالت له: يا هذا اتق الله، ولا تفض الخاتم إلا بحقه. فقام، لماذا؟ لأنه مؤمن تذكر عظمة الله، فقام وتركها. هذا العمل جليل وعظيم عند الله، وكان كفيلاً بأن يزحزح الله عنهم الصخرة ويخرجون؛ لأن هذا العمل لا يفعله إلا شخص عنده إيمان مثل الجبال، فتستشعر مراقبة الله عز وجل لك، ولو ما يراك أحد، فأنت تمشي في الشارع وترى امرأة وما يراك أحد، ولكن الله يراك فتغض بصرك. أنت في غرفة نومك في الليل ومعك المسجل أو الراديو، ومررت على أغنية، وكنت تحبها من أيام الجاهلية، ونفسك الأمارة بالسوء، وشيطانك الغوي يريدك أن تسمع، فلا تسمع؛ لأن الله تعالى يراك. فإذا أعطيت الراتب وفيه زيادة مائة أو خمسمائة وعددتها مرة ومرتين، وتأكد لك أن هذه زائدة تخرجها وتردها، بإمكانك أن تدخلها في جيبك ولكن الله يعلم أن هذا حرام، وأنت تعلم أن الله يعلم، كيف تقدم على هذا وأنت تعلم أن الله يعلم؟ لا يمكن؛ لأنه توجد مراقبة في قلبه. والمراقبة في قلبك تجعلك كبيراً، لا يمكن أبداً أن تقع في معصية لله، ولا أن تترك لله طاعة، لأنك مراقب من الداخل، فالآن عندما يقولون في الخط: السرعة محددة، والخط مراقب بالرادار، فإذا كانت السرعة محددة وجاء من تجاوز هذه السرعة، فإن سيارة المرور تلتقط رقم السيارة عن طريق الرادار، وتبلغ النقطة التالية، والتي بدورها توقف صاحب السيارة، وتلزمه بدفع الغرامة المحددة، فكل واحد منا عينه تتحرى أثناء السير، لماذا؟ لأن الخط مراقب. وطرق الله -يا إخوان- أما فيها مراقبة؟ بلى فيها مراقبة {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة:7] فالله معك، لماذا لا تستشعر مراقبة الله؟ وبعد ذلك لا يمكن أن تفلت من قبضة الله، يمكن أن تفلت من قبضة سيارة المرور، يمكن جندي المرور أن يعفو عنك، يمكن لا توجد سيارة في الخط، أما هنا أبداً يسمع الله عز وجل دبيب النملة السوداء، في الليلة الظلماء، على الصخرة الصماء، يعلم السر وما هو أخفى من السر، فلا يخفى على الله شيء، ولهذا قال رحمه الله: وعمر باطنه، أي جعل في باطنه عمارة، مبنى عظيم من المراقبة والخوف من الله، والاستشعار بعظمة الله، وعَمَر باطنه بالتقوى والمراقبة.

إعمار الظاهر بالسنة

إعمار الظاهر بالسنة ثالثاً: وعمر ظاهره بالسنة: ليس ظاهرك فقط يعني: شكلك، بل ظاهرك كل مظاهر حياتك، ظاهرك في لحيتك، وثوبك، وسواكك، وأكلك، وشربك، ونومك، ودخولك بيتك، وخروجك منه، وتعاملك، وفراش نومك، وكل شئون حياتك، تعمر هذا بالسنة، والسنة لم تفرط في شيء، حتى دخول الحمام فيه سنة، حتى جلوسك على الكرسي فيه سنة، أي تعظيم للإنسان أعظم من هذا التعظيم، أن الله يتولى رعايتك، ويحدد لك أمورك إلى أقصى شيء، حتى مباشرتك لزوجتك يعلمك الإسلام ما تقول عندما تأتي أهلك، ليست القضية بهيمية أو غريزة جنسية أو نزوة حيوانية، من حيوان على حيوانه، لا. إنها إنسانية، إنها صلة، إنها جنس؛ ولكن يمارس بإذن الله، يمارس باسم الله، ويتحول إلى عبادة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (إذا أتى أحدكم امرأته وقال: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فرزق مولوداً لم يقربه شيطان) وهذا تجدونه فيمن غض بصره عن الحرام، وعمر باطنه بالتقوى والمراقبة، وعمر ظاهره بالسنة. فلا تتهاون -يا أخي- عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه ومنهجه، عليك أن تعظمها، ولا تحسبها هينة فهي عند الله عظيمة.

كف النفس عن الشهوات

كف النفس عن الشهوات رابعاً وكف نفسه عن الشهوات: شهوات البطن، شهوات الجسد، وملذات الحياة، وخصوصاً المحرمة؛ لأن الاستغراق في الحرام مصيبة، ومن حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيه.

تعويد النفس على أكل الحلال

تعويد النفس على أكل الحلال الخامسة: وعود نفسه أكل الحلال: حرص على أن يكون كسبه طيباً؛ لأن الحلال الطيب ينبت العمل الطيب، والجسم الطيب. والحرام خبيث (وأيما جسد وكل لحم نبت من سحت فالنار أولى به) والرسول صلى الله عليه وسلم يقول لـ سعد: (أطب مطعمك تجب دعوتك) والحديث الوارد في صحيح مسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: (ثم ذكر الرجل أشعث أغبر يطيل السفر، يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له) فيجب أن يكون عندك دقة في مراقبة دخلك بحيث لا يدخل عليك ريال واحد من حرام؛ لأنه إذا دخل عليك ريالاً واحد من حرام أفسد عليك الحلال والعياذ بالله. فهذه الأمور الخمسة أذكرها بإيجاز، وهي من غض بصره عن الحرام، وعمر باطنه بالتقوى، وعمر ظاهره بالسنة، وكف نفسه عن الشهوات، وتعود أكل الحلال، لم تكد تخطئ له فراسة، هذا الكلام قاله: شاه الكرماني، ونقل الكلام عنه ابن القيم في كتابه الجواب الكافي، وكما نقل في كتابه فوائد غض البصر، وهي فوائد عظيمة جداً. يقول: وكان شاه الكرماني لا تخطئ له فراسة، كان ينظر بنور الله جل وعلا. وقبل أن نقدم المفاجأة التي ذكرها الشيخ أجيب باختصار عن بعض الأسئلة.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الحب العفيف

حكم الحب العفيف Q يقول أحد الإخوان: إن سألتم عنا فلله الحمد والمنة. الشيخ: متى سألت عنك يا أخي، الله يحفظك ويطيل عمرك؟!! السائل: ما حكم الحب العفيف؟ A أولاً: أسأل عنك إن شاء الله، أنا أسأل عنك وعن كل أخ في الله، وليس على التخصيص، ولكن على التعميم، والقلوب والأرواح كما جاء في الحديث: (جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف) ونسأل الله أن يجمعنا جميعاً في الجنة دار الكرامة، وجزاك الله خيراً. ثانياً: أما الحب العفيف فلا يوجد شيء اسمه (حب عفيف) هناك حب حلال، وحب حرام. فالحب الحرام: هو حب المرأة الحرام. والحب الحلال: هو حب الزوجة الحلال. فإذا كنت تحب زوجتك فهذا حلال، وهو طاعة لله، أما أن تحب بنت الناس التي لا يربطك بها رابط شرعي، وهي ليست زوجتك، وتحبها حباً عفيفاً، فهو حرام، بل هو حب سخيف -والعياذ بالله- وخبيث، ولا يوجد حب عفيف، الحب العفيف هو حب زوجتك الحلال. وقد سئل أحد العلماء ما حكم الحب؟ قال: حب الحرام حرام، وحب الحلال حلال.

الربط لمنع الحمل لضرورة

الربط لمنع الحمل لضرورة Q عندي زوجة، ولها ثمانية أولاد وبنتان وقد فتح بطنها، وأخرج منها طفل عن طريق العملية، هل يجوز لي الربط لما في ذلك من المصلحة حتى لا تحمل؟ A إذا قال الأطباء إن حملها يتعبها ولا تتم ولادتها إلا عن طريق العملية، وأنت عندك هذا العدد من الأولاد، فقد أفتى العلماء أنه يجوز الربط؛ لأن في ذلك مصلحة، وأنه لا ضرر ولا ضرار في شريعة الله عز وجل.

أثر الدعوة في تجديد الإيمان

أثر الدعوة في تجديد الإيمان Q نشكركم على تفضلكم بزيارة منطقة جيزان في الأسبوع الماضي، ونسأل الله لك السلامة يقول: إنا نحبك في الله، ويعلم الله كم كان لمحاضرتكم من التأثير الكبير في المنطقة، ولكن لنا بعض الشكاوي: الأولى: عدم توفر شريط تلك المحاضرة في تسجيلات أبها. ثانياً: قلة زيارتكم أنتم والشيخ عائض للمنطقة، وأنتم تعلمون ما لكم من التأثير فيها. حقيقة: باسم أهل جيزان أنقل عتابهم للشيخ عائض؛ لأن أولى الناس بالمشايخ في أبها منطقة جيزان، والمناطق المجاورة، وأولى الناس بالمعروف هم، وهذه المنطقة منطقة إيمان، والداعية لا يتعب فيها؛ لأن هناك جهد مبذول في المنطقة من الماضي، هناك جهود الشيخ عبد الله القرعاوي رحمه الله، وجهود الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله، وجهود الدعاة والمشايخ والعلماء، ليس هناك بيت في منطقة جيزان إلا وفيه شهادة من كلية أصول الدين، والمنطقة مملوءة من أهل العلم، ولكن يحتاجون إلى بعثرة قليلة فقط لإزالة الغبار وتطلع جذوة الإيمان، والله لقد رأيت في منطقة أبو عريش في الأسبوع الماضي ما سر قلبي، وشرح صدري، فقد امتلأ ملعب كرة القدم من العارضة إلى العارضة كلهم جاءوا مرتين، جاءوا المرة الأولى واعتذرت؛ لأني كنت مريضاً، وجاءوا في المرة الثانية، فجزاهم الله خيراً. وفي منطقة سامطة أتيت في نادي التسامح وفي نادي حطين وكان الملعب ممتلئاً، والصالة ممتلئة، فهناك إقبال، ويجب أن يقابل هذا الإقبال بحرص العلماء على الحضور، وأعدهم إن شاء الله أن أكرر الزيارة وباسمهم أنقل إلى الشيخ عائض طلبهم بأن يذهب، ولا يعتذر بأن المكان بعيد، فالمسافة تستغرق ساعتين، وأهل أبها الآن ينتقلون إلى تهامة بيسر

فضل الحب في الله

فضل الحب في الله Q لم أجد سؤالاً أكتبه، ولكن أخبرك أني أحبك في الله، وجميع من في هذا المسجد أخبرهم أني أحبهم في الله، وأشهد الله على ذلك، وأسأل الله أن يجمعنا وإياك وإياهم في دار كرامته. A يقول: لم أجد سؤالاً أكتبه، كثر الله خيرك أرحتنا منك، وأنا أنقل لكم أنه يحبكم في الله، والله -أيها الإخوة- أن إن أعظم حب في الدنيا هو هذا الحب، ليس حباً في ورق، ولا عود، ولا حباً في سفرة ولا أكل، ولا حباً في دنيا، إنه حب في أعظم شيء، حب في الله (أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله) يقول صلى الله عليه وسلم: (عن يمين الرحمن وكلتا يدي ربي يمين، أقوام ليسوا بأنبياء ولا شهداء، قال أحد الصحابة وجثا على ركبتيه: صفهم لنا يا رسول الله؟ قال: أقوام نزاع من القبائل، يجتمعون وينتقون من الذكر أطايبه كما ينتقي آكل التمر أطايبه) فهم نزاع من القبائل من كل بلد، مثلكم الآن، من شرق، ومن غرب، ونجران، وجيزان، وبيشة، وبالقرن، وحائل، ومن كل أرض، واجتمعتم هنا من أجل ماذا؟ هل هناك أموال توزع بعد هذا الدرس؟ هل هناك من يعشيكم؟ لكن يعشيكم الرحمن تبارك وتعالى، يعشيكم مولاكم بأن يقول لكم في آخر الجلسة: (قوموا مغفوراً لكم، قد بدلت سيئاتكم حسنات).

مفاسد بيع الدخان والمجلات الخليعة

مفاسد بيع الدخان والمجلات الخليعة Q نفيدكم أن صاحب سوق منهل المركزي استجاب للنصيحة وقام بمنع بيع الدخان، والمجلات العارية، وورق البلوت من محله نرجو أن تدعو له؟ A نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يبارك له في دكانه، وأن يخلف عليه بخير، وليبشر، فوالله ما ترك شيئاً لله إلا عوضه الله خيراً منه. ونحن بالمناسبة نناشد كل أصحاب محلات (السوبر ماركت) والأسواق المركزية، ومحلات الفيديو والتسجيلات، نناشدهم بالله، وندعوهم بدعوة الإيمان، ونقول لهم كما قال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال:24] لن تحشروا إلى الأسواق المركزية، ولا محلات الفيديو، ولا محلات التسجيلات، سوف تحشرون حفاة عراة، معكم أوزاركم وأوزار الذين تضلونهم بغير علم، ما من شريط فيديو ولا أغنية يباع في محل من هذه المحلات إلا وعلى صاحب المحل إثمه، وإثم من أضله إلى يوم القيامة، وعلى مالك العمارة مثل ذلك مع اللعنة والتشريد، لماذا؟ لأنه أجر العمارة لعمل حرام، لا يجوز لك أن تؤجر عمارتك على مثل هؤلاء، فليتق الله كل إنسان، نحن نحسن الظن بأصحاب المحلات التجارية، وأصحاب محلات (السوبر ماركت) وأصحاب محلات الفيديو، ومحلات التسجيلات، فلا نظن أنهم يحاربون الله، ولا نظن أنهم يسعون إلى هدم أسس المسلمين، ولا نظن أنهم ينشرون الرذيلة، ولكنهم يريدون تجارة فقط، وأكثرهم يقول: أنا أبيع وأشتري، هذا فاتح صيدلية، وهذا فاتح مواد بناء، وهذا (سوبر ماركت) أنا أفعل شيئاً جديداً، هل أفتح صيدلية؟ لا. بل أفتح شيئاً جديداً، ولكن أخطأت في الجديد، هذا فتح صيدلية لعلاج الأجساد، وهذا فتح سوقاً مركزياً لمصالح الناس، وهذا فتح مواد بناء في أمور مباحة، أما أنت فتحت مكاناً وقلعة لمحاربة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. ومحلات الفيديو والأغاني قلاع حرب ضد الله، ورسوله، وكتابه، والمؤمنين، والفضيلة، لماذا تنشر الأغاني؟ أسألك بالله بم تعتذر يا صاحب المحل أمام الله عز وجل، وقد أغناك الله؟ والله لأن تعجن من التراب، وتأكل طيناً، خير لك من أن تأكل في بطنك ناراً. إنك تربي أولادك على النار، أرباحك كلها نار، تفرح في نهاية كل يوم، تجيء وتسأل العامل كم بعت شريط فيديو اليوم؟ يقول: بعت مائة شريط اليوم، أفسدت مائة أسرة في ذاك اليوم! أفسدت مائة بنت وولد هذا اليوم! ما أحد يزني على هذا الشريط إلا وعليك مثل وزره هو زنى وأنت زنيت معه؛ لأنه من دل على ضلال كان عليه وزره ووزر من عمل به إلى يوم القيامة، يا صاحب السوق المركزي: بعض الناس يقول: أنا لا أجلب المجلات والجرائد، وكذلك الدخان لذاتها ولكنها تجلب لي المشتري، ليست هي التي تجلب المشتري، إن الذي يجلب المشتري لك هو رزاق السماء والأرض. نعم. إن الله هو الرزاق ليس الدخان هو الرزاق، إذا كنت تعتقد أن الذي يرزقك هو المجلات والجرائد فهذا قدح في عقيدتك، فأنت ما آمنت بأن الله هو الرزاق، أنت عطلت صفة من صفات الله، وتعطيلك لصفة من صفات الله قدح في عقيدتك، ليست المسألة مسألة بيع دخان، ولكن المسألة مسألة خراب ذمة وعقيدة، فعليك أن تعتقد في الله: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ} [الزخرف:32] وتعتقد في الله: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ} [العنكبوت:60] فليس على الدخان رزقك ولا المسجل، ولا الشريط، رزقك على الذي خلقك، لكنك استعجلت الحرام وأكلته، فعشت حياة ملطخة بالحرام، ويوم تموت والله ما ينفعك ولا يغني عنك شيئا، وسوف تندم وتعض على أصابع الندم وتقول: {لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ} [الحاقة:25 - 27]. أما المفاجأة وإن كانت غير سارة في نظر الناس، ولكنها سارة عند الله، في الأسبوع الماضي جمعت تبرعات لجماعة تحفيظ القرآن الكريم في هذا المكان، وكانت تبرعات مذهلة، يعني: جمعوا من هذا المجلس المبارك مائة وثمانين ألف ريال، شيء ما يصدقه العقل -يا إخوان- لكن البركة إذا حلت بارك الله في كل أمر، وجاء العشرات والمئات من الشباب، يقولون: ما علمنا بأمر التبرع، ولو علمنا لاستعدينا له. قلنا: إنها (ملحوقة) في الليلة الآتية نفتح صناديق التبرع عند الباب، والذي يريد الأجر يدركه إن شاء الله، والذي تبرع في الأسبوع الماضي ما يمنع أنه يتبرع الآن، لماذا؟ لأن المرء تحت ظل صدقته يوم القيامة، قال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:39]. وأذكر لكم قصة حدثني بها أحد الإخوة في مكة: يقول: كنا في وليمة، ومعنا بعض الإخوة والمشايخ يقول: شخص من الأثرياء خرج من المسجد الحرام، وركب سيارته الفارهة -سيارة (لكسز) - وهو ثري يملك الملايين يقول: وأثناء وقوفه وقف بجانبه رجل فقير من فقراء الحرم، وما أكثرهم! وقال له: من فضلك أعطني ما أتعشى به، وهو يملك الملايين ولا يضره لو أعطاه مائة ألف أومليوناً، لكن يقول: أنا مستعجل، وقد شغلت السيارة وقد مشت السيارة قليلاً يريدني أن أقف وأدخل يدي في جيبي وأخرج ريالاً، فالأمر يطول، قال: فقلت له: على الله، قال: فنظر إلي بعينين كأنها تبتلعني، وقال: تقول لي: على الله، تحيلني إلى ربي، أنا أعلم أن رزقي على الله ليس عليك، ولا بريالك، ولا بعشرتك، يقول: فرقعني بنظرته ثم ولى وتركني، يقول: وكان أمامي امرأة فقيرة تبيع حلويات، قال: لما رأته انصرف من عندي وما أعطيته شيئاً قالت له: تعال وفكت كيسها وأخرجت ريالاً وأعطته إياه، فانظروا كيف أن ريالاً سبق الريالات، قال: فلما أعطته قال: ضربني في قلبي شيء مثل السهم، يقول: الله ما أقل بركة هذه الدنيا وما أنا فيه، يُطلب مني ريالاً فلا أعطي، وهذه المسكينة ربما ما معها اليوم إلا هذا الريال، يقول: على الفور أوقفت السيارة وأطفأتها وأدخلت يدي في جيبي وفتحت الشنطة، وأخرجت عشرة ريالات، ونزلت أبحث عن الرجل فلم أجده، وكأن الأرض ابتلعته، يقول: فرجعت كأن هناك من ساقني إلى هذه المسكينة فأعطيتها العشرة، فسبحان الله، أنفقت ريالاً فردها ربي عليها بعشرة. فأنت الآن عندما تضع ريالاً فلا يضيع عند ربي: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:39] ليكن لكل منا في هذا المكان ريالاً سهماً في سبيل الله، نسهم به في ميدان الله عز وجل. أسأل الله لنا ولكم التوفيق، والله أعلم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

معوقات الهداية [2.

معوقات الهداية [2. 1] تحدث الشيخ في هذه المحاضرة عن معوقات الهداية، وقد بدأ حديثه بمقدمة لهذا الموضوع، فبدأ بالحديث عن نعمة الهداية ثم تحدث عن ثمرة الهداية، كما تحدث عن أهمية محاسبة النفس في سيرها إلى الله عز وجل، مبيناً الأسباب التي تعوق تحقق الهداية للمرء وقد فصل فيها تفصيلاً نافعاً.

فضل نعمة الهداية

فضل نعمة الهداية إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونشكره ولا نكفره، ونخلع ونترك من يفْجُره. اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفِد، نرجو رحمتك ونخشى عذابك، إن عذابك الجِدَّ بالكفار مُلْحِق. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه، صلوات ربي عليه صلاة دائمة متتابعة ما تتابع الليل والنهار، وسلَّم تسليماً كثيراً. أما بعد: أيها الإخوة في الله: الإيمان ولزوم طريق الإيمان نعمة يمن الله بها على من يشاء من عباده، ونور يقذفه الله عز وجل في قلب من يشاء من عباده، نعمةٌ لا ككل النعم، ونور يختلف عن جميع الأنوار، يقول الله عز وجل في وصف هذه النعمة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:3] أي: ديني. ويقول للرسول صلى الله عليه وسلم: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} [الفتح:1 - 2]. ويقول عز وجل في سورة يوسف على لسان يعقوب: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} [يوسف:6] اللهم أتمم علينا نعمة الدين والإيمان والهداية؛ لأن الإنسان بغير دين لا معنى له، ولا قيمة لوجوده، بل هو سَعفة في مهب الريح، ذرة هائمة من ذرات هذا الكون، حشرة تافهة من حشرات هذا العالم، لكنه بالدين والإيمان والهداية عنصرٌ فريد، إنسانٌ كريم، الله أكرمه، أنزل عليه كتابه، أرسل إليه رسوله، بيَّن له الطريق، أعدَّ له الجنة، كرامات إثر كرامات، متى تستحقها؟ إذا سرت في الطريق، إذا رُزِقت نعمة الهداية. نعمة الهداية نعمة تفسِّر لك هذه الحياة، وتقدِّم لك التفسير الحقيقي لِلُغْزِها، وتدلُّك على الطريق الصحيح الموصل إلى الله عز وجل، وتسكب في قلبك الأمن والطمأنينة والسرور والانشراح، وتطمئنك على المستقبل، وتبيِّن لك أن ما أمامك سيكون خيراً لك مما أنت فيه {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ} [فصلت:30 - 31] لما كنتم أولياء لله كانت الملائكة أولياء لكم؛ لأن الملائكة توالي من والى الله، وتعادي من عادى الله: {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ} [فصلت:31] منذ كنتم في الحياة الدنيا وفي الآخرة {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ} [فصلت:31 - 32].

ثمرة الهداية

ثمرة الهداية نعمة الهداية نعمةٌ ثمرتها الجنة، والحديث عن الجنة تُشرق له النفوس، دون أن تعلم حقيقة الحديث، فإن كل ما خطر في بالك فالجنة بخلاف ذلك، كل ما تتصور، اذهب بخيالك واسرح ببالك في آفاق الخيال، وتصور كل ما يمكن أن يهديك إليه بالك وخيالك، ولكن أغلى الأماني عندك وأعظم الخيالات لديك تقف دون أن تصل إلى حقيقة ما في الجنة، يقول الله عز وجل: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17] {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنْزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ} [الواقعة:17 - 22] جاء الوصف مترتباً بعضه على بعض إلى أن جاء كمال النعمة بزوجات الجنة، غذاء، وطعام، وشراب، وفاكهة، وبعد ذلك لحوم، وبعد ذلك لا بد من شيء بعد هذا، حتى يتم السرور كله، قال الله: {وَحُورٌ عِينٌ} [الواقعة:22] كيف هُنَّ يا ربِّ؟ قال: {كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة:23] الحورية كاللؤلؤة المكنونة {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً * إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً} [الواقعة:24 - 26]. نسأل الله وإياكم من فضله. {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:71] وفوق هذا كله طمأنينة، لا خروج {وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الزخرف:71]. هذه نعمة الجنة، ثمرة من ثمار الهداية والإيمان والدين. وثمرة أخرى، لا تقل عن هذه أهمية، هي: النجاة من النار، والله لو ما في الهداية إلا النجاة من النار لكانت السلامة كرامة، لو أمرك الله أن تخر ساجداً منذ خلقك إلى أن تموت من أجل أن تنجو من النار، وبعد ذلك يصيرك الله تراباً، لكان من حقك ألا تعصي الله طرفة عين؛ من أجل أن تنجو، أو لو أن الله أمرك منذ خلقك إلى أن تموت أن تخر له ساجداًَ من أجل أن تدخل الجنة وإذا عصيت يصيرك تراباً؛ لكان من حقك أن تطيع الله، فكيف إذا أطعته أدخلك الجنة ونجاك من النار؟! هل بقي لك مسوغ عقلي أن تعصي الله من أجل شهوة طاغية، ومن أجل لذة زائلة، ومن أجل شُبهة مضللة؟! لا والله. كذلك النار، كلما يمكن أن تتصوره من العذاب مهما سرحت في الخيال، وتصورت في البال فإن ما أعد الله لأهل النار في العذاب لا يخطر على بال، يقول الله عز وجل: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47] بدا لهم من العذاب ومن النكال والدمار ما لم يكن يخطر لهم على بال {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً} [مريم:71 - 72]. {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} [العنكبوت:55]. {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر:16]. {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} [القمر:47 - 48] على وجهه، أغلى ما في المرء وجهه، تود أن تُسحب على كل شيء إلا على وجهك {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ} [الزمر:24]، لكن: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:47] {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:48 - 49]. {إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ} [غافر:71] أغلال، الغل هو: القيد الواسع، الذي يوضع في الرقبة، ثم إن الغل مربوط بسلسلة (وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} [غافر:71 - 72]. {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} [الدخان:43 - 46] إذا بلعه فلا ينزل من حلقه إلا بتعب، زقومٌ، ينشف لا يطلع ولا ينزل، ثم إذا نزل فإنه ينزل بدافع الماء الحميم، يشرب الماء فينزله، فإذا نزل اشتعل في بطنه، نفس الطعام {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ} [الدخان:43 - 44] وما هو نوعه؟ قال: {كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ} [الدخان:45] يشتعل في بطنه، لا إله إلا الله! {كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الدخان:47] أي: إلى وسط النار {ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ} [الدخان:48] لماذا؟ قال: {ذُقْ} [الدخان:49] ذُقْ يا شخصية! ذُقْ يا عظيم! ذُقْ يا ثري! {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان:49] كنتَ عزيزاً في الدنيا وكريماً في الدنيا؛ لكن ما كنتَ عزيزاً على الله، ما كنتَ كريماً لدى الله، عزيزاً في الدنيا، في المادة والدرهم والمنصب والجاه والسلطة، ولكن لا وزن لك عند الله، لا قيمة لك عند الله عز وجل {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان:49] هذا عذاب ذكره الله، وذكر غيره كثيراً في القرآن. فيا إخواني! من يصبر على هذا العذاب؟! الذي لديه إمكانية يرفع إصبعه ويقوم، وما نذهب به إلى نار مثل هذه النار، نُشعل في يده عود الثقاب فقط -عود كبريت- ونقول له: يا بطل الأبطال! ويا متحدي النيران! أشعل هذا الثقاب واصبر عليه حتى يصل إلى إصبعك، وكن شجاعاً، اصبر لنرى كم تتحمل من نار هذا الثقاب! مهما كانت شجاعتُه، ومهما كانت بطولته، والله لا يستطيع أن يصبر على نار عود الثقاب، ولهذا يقول الله: {فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ} [البقرة:175] ما أصبرهم على عذاب الله، وقد كان بإمكانهم ألا يطئوا النار وألا يدخلوها، من يصبر على هذا العذاب؟! ومن يصبر أن يفوته النعيم الذي ذكره الله في الجنة؟!

وقفة محاسبة

وقفة محاسبة إخواني! ما هذه الغفلة، وإلى البِلى المصيرْ؟! وما هذا التواني والعمر قصيرْ؟! وإلى متى هذا التمادي في البطالة والتقصيرْ؟! وما هذا الكسل في الطاعة، وقد أنذركم النذيرْ؟! وإلى متى تُماطلون، وتعِدُون، وتكذبون، والناقد بصيرْ؟! انتبهوا -رحمكم الله- فالأمر والله شديد، وبادروا بقية العمر، فالندم بعد الموت لا يفيد! {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19]. أين أحبابكم الذين سلفوا؟! أين أترابكم الذين رحلوا وانصرفوا؟! أين أرباب الأموال والمناصب وما خلَّفوا؟! ندموا على التفريط، يا ليتهم عرفوا! حول مقام يشيب من هوله الوليدْ! {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19]. واعجباً لك -يا أخي! - كلما دُعيت إلى الله توانَيتْ! وكلما حرَّكتك المواعظ إلى الخيرات أبَيتَ وماطلتَ وتمادَيتْ! وكلما حذَّرك الموت ما انتهيتْ! يا من جسده حي وقلبه مَيْتْ! ستُعايِن والله عند الحسرات ما لا تريدْ! {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19]. كم أزعج المنون نفوساً من ديارها؟! فَيَبْنِي الإنسانُ العمارة، والفيلة، وغرف النوم الواسعة، والدواوين، والصوالين العريضة، والسيارات الفارهة، فيأتي الموت يُخرجه منكوس الرأس، يُخرجه من القصر إلى القبر، ومن النور إلى الظلام، ومن الأنس إلى الوحشة، ومن الأهل إلى الوحدة. كم أزعج المنون نفوساً من ديارها؟! وكم أباد البِلى من أجساد منعَّمة ولَمْ يُدارِها؟! وكم نقل إلى القبر أرواحاً بأوزاها؟! أما علمت أن الموت لك بالمرصادْ؟! أما صاد غيرك ولك سيصطادْ؟! أما بلغك ما فعل بسائر العبادْ؟! أما سمعتَ قول الملك المجيدْ: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19]؟ إخواني! أين مَن بنى وشاد وطوَّلْ؟! أين مَن تأمَّر على العباد وساد في الأوَّلْ؟! أين مَن ظن أنه لا يتحوَّلْ؟! لم يدفع عنه المال ولا العبيدْ؟! {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19]. كأنك -يا أخي! - بالموت وقد اختطفكْ! فيهرب منك الأخ وينسى إخاءكْ! ويُعرض عنك الصديق ويرفض ولاءكْ! وتذهل عن أولادك وعن نسائكْ! ويرجعون يقتسمون مالك ومتاعكْ! وأنت في اللحد فريد وحيدْ! {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:19]. والله لقد رُميت القلوب بالقسوة والغفلة، فلا تنتفع بوعظ ولا تخاف من تهديدْ! فإلى الله نشكي قسوة قلوبنا ونفوسنا الظالمة، إنه يفعل ما يريدْ، ونسأله العفو والعافية. فإنه نعم المولى ونحن بئس العبيدْ. إخواني في الله: لا مجال لنا في المماطلة، ولا مصلحة لنا من تأخير التوبة، إن الخيار الصحيح والبديل الأمثل أن نستجيب لله من أول لحظة، ثم نلزم الطريق ولا ننتكس، فإن العبرة بالخواتيم، لو صمتَ إلى قبل الغروب بلحظة ثم أفطرتَ بطل صيامُك، ولو صليتَ العشاء إلى قبل السلام بلحظة ثم انتقض وضوءُك بطلت صلاتُك، لا تنتفع بشيء إلا مع حُسن الخاتمة، فلا تطل عليك المدة، {وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16]. سر في طريق الإيمان والزمه، وعض عليه، واثبت عليه، ولو خالفك العالم كله، إذا عرفت فالزم؛ لكن متى يرجع الإنسان وينتكس؟ إذا لم يعرف، وهو ما سنتكلم عنه في سؤال نجيب عنه إن شاء الله في الأسئلة.

معوقات الهداية

معوقات الهداية أما الهداية، والموانع والمعوقات التي تمنع الناس منها، فهي كثيرة جداً، طريقٌ لاحِدٌ طويل، وعقبةٌ شاقةٌ كَئود، جنة عالية، سلعة غالية. تهون علينا في المعالي نفوسنا ومن يخطب الحسناء لَمْ يغلها مهرُ الجنة سلعة الله الغالية، في طريقها عقبات، ودونها موانع، ومن بينك وبينها معوقات، إذا استطعت أن تزيح هذه الموانع، وأن تقتحم هذه المعوقات وصلت إلى الهداية، وإن قصُرت بك الهمة، وضعُفت بك النفس، ووقفتَ أمام هذه المعوقات موقف العاجز الضعيف، وتقهقرت إلى الوراء، خسرتَ الدنيا وخسرتَ الآخرة {ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج:11]. ما هذه المعقوقات؟ وما هذه الموانع؟ هي كثيرة جداً، نذكر منها هذه الليلة ستة موانع:

جليس السوء

جليس السوء المعوق الأول -وهو أخطرها، وأهمها، وأعظمها-: الزميل السيئ، والرفيق الفاسد:- هذا قاطع طريق بينك وبين الله، كلما أردتَ أن تسلك إلى الله قطع الطريق بينك وبينه، لا يريدك أن تهتدي، لا يريد منك أن تسير إلى الله، يقطع الطريق عليك، يريدها عوجاً والله يريدها سمحة، يريدها ضلالاً والله يريدها هُدى، يريدها معصية والله يريدها طاعة، يريدها ظلاماًَ والله يريدها نوراً. الزميل السيئ: قد عرفنا من التجربة ومن الواقع كم سبَّبت زمالة السوء من نكبة لأصحابها، يقول علي رضي الله عنه: فلا تصحب أخا الفِسقِ وإياكَ وإياهُ فكم من فاسق أردى مطيعاً حين ماشاهُ يُقاس المرء بالمرءِ إذا ما المرء ماشاهُ وللمرء على المرءِ مقاييس وأشباهُ وللقلب على القلبِ دليل حين يلقاهُ ويقول الآخر: عن المرء لا تسل وسل عن قرينهِ فكل قرين بالمقارَن يَقتدي إذا ما صحبتَ القوم فاصحب خيارهمْ ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي ولا تصحب العاصي؛ لأنه يرديك ويُهلكك، ففي الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مثل الجليس الصالح، كمثل حامل المسك، إما أن يُحْذِيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة) أنت رابح مع الزميل الصالح في كل الأحوال، اشتريت، أو أهدى لك، أو وجدتَ ريحاً طيبة (ومثل الجليس السوء، كنافخ الكير، إما أن يُحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة). وقصة أبي طالب؛ عم رسول الله صلى الله عليه وسلم في السيرة ثابتة وواضحة، لما حضرتْه الوفاة، وكان ممن يُدافع عن الإسلام وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، دافع عن رسول الله دفاعاً عظيماً، وما استطاعت قريش أن تنال من رسول الله شيئاً يوم كان حياً، يقول في كلامه: ولقد علمتُ أن دين محمد من خير أديان البرية دينا ثم يقول: لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدْتَني سمحاً بذاك مبيناً يقول: أنا أعرف أنه أعظم دين؛ لكن أخاف من اللوم، رأسُه ناشف متعصب جاهلي يخاف من أن يلومه أحد، وما الشيء الذي يلومونك عليه؟! أيلومونك إذا دخلت الجنة وتركت النار؟! هذا مثلما يقول الآن بعض الناس عندما تأتي عنده، وتقول له: حجِّب نساءك، فيقول: يا شيخ! هذه عاداتنا، والله لا أستطيع أن أحجِّب امرأتي على فلان، إذا حجَّبتها فهذا عار عندنا، أعارٌ أن تدخل الجنة؟! العار إذا دخلت جهنم ونُكِّست على وجهك أنت وامرأتك في جهنم، هذا هو العار الصحيح، أما أن تحتجب زوجتك، وتطبق أمر ربك فما هو بعار. فهذا الرجل الجاهلي، لَمَّا حضَرته الوفاة جاءه الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول في أبياته: والله لن يصلوا إليك بضربةٍ حتى أُوسَّد في التراب دفينا يقول: إذا متُّ فهو عُذري، أما وأنا حي فوالله لن ينال منك أحدٌ منهم بشيء، وعندما جاءت قريش تفاوضه، وقالوا: نعطيك شاباً من خيرة شبابنا يكون ولداً لك وتعطينا ولدك نقتله، قال: ما أسفه عقولكم! تعطوني ولدكم أغذوه، وأعطيكم ولدي تقتلوه. ثم طردهم، وبصق في وجوههم. هذا الرجل لَمَّا حضرته الوفاة كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يقول كلمة: لا إله إلا الله، من أجل أن يجد له مبرراً يشفع له به عند الله، من أجل المواقف العظيمة النبيلة التي وقفها في حماية الدين والإسلام، فجاء إليه وقال: (يا عم! قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله) أعطني فقط حُجة أنك قلت لا إله إلا الله؛ حتى أستطيع أن أشفع لك عند الله. فالرجل لان قلبُه لهذه الكلمة، ثم أنه لن يخسر شيئاً، فهو ذاهبٌ ذاهبٌ في تلك اللحظات، لم تبق إلا لحظات ويموت، فلا يصلي، ولا يصوم، ولا يتعب، فقط يقل الكلمة هذه، والبقية على الله عز وجل، فأراد أن يقولها؛ لكن قرناء السوء حالوا بينه وبينها، كان عنده أبو لهب وأبو جهل، وعنده الوليد بن المغيرة، وعنده العاص بن وائل، هؤلاء رؤساء الكفر، صناديد قريش واقفون عند رأسه، فلما نظروا إليه وهو يتردد يريد أن يقولها، قالوا: أترغب عن ملة عبد المطلب؟! فضربوه على الوتر الحساس، على العصبية، فعرفوا أن رأسه ناشف، فذكّروه بملة أبيه وجده، قالوا: أترغب عن ملة عبد المطلب؟! فقال: بل على ملة عبد المطلب، ومات عليها، فقال صلى الله عليه وسلم بعد أن مات: (والله لأستغفرن لك، ما لم أُنْهَ عنك) واستغفر له الرسول صلى الله عليه وسلم، ونهاه الله، وقال له: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى} [التوبة:113] ولو كان عمّه {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} [التوبة:113] وقال فيه: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:56]. فكان من عذابه أن معه نعلان من نار يغلي منها رأسه مثلما يغلي اللحم في القدر، يرون أهل النار أنه أخفهم عذاباً وهو يرى أنه أشد أهل النار عذاباً. تصوَّر حذاءً من نار! إذا أردتَ أن تعرف العملية بالضبط، فإذا جاء الغد، وأنت خارج من المسجد في القائلة، فاخرج بدون حذاء، وامش على الأسفلت بدون حذاء، هل تستطيع؟! وفي القائلة؟! ودرجة الحرارة (40) درجة مئوية، لا تستطيع أن تمشي. لقد رأيتُ رجلاً وأنا في العُمرة، خرج من المسجد الحرام، وقد سُرقت حذاؤه، فأراد أن يقطع الشارع فقط ليشتري حذاءً، فعَبَر الأسفلت، فانسلخت أرجله من حرارة الأسفلت، وهو يبكي من حرارة الشمس، وهي فقط مسافة خمسة أمتار فقط يقطع فيها الشارع إلى المكان الآخر ليشتري حذاءً، فكيف بمن له نعلان من نار يغلي بها دماغه، وهو في ضحضاح من نار، وهو أخف أهل النار عذاباً، بسبب ماذا؟ بسبب الزميل والرفيق السيئ، فالزميل الصالح: يقول: قل لا إله إلا الله، والزميل السيئ يقول: لا. بل على ملة عبد المطلب، انظروا دور هذا ودور هذا. وأيضاً: في السنة تفسير الآية الكريمة في القرآن الكريم، قصة عُقبة بن أبي مُعيط -عليه لعائن الله المتتابعة- عُقبة هذا كان رجلاً أريباً وعاقلاً ولبيباً، وكان يحب أن يهتدي ويُسلم، ولكن كان له زميل خبيث، يصرفه عن الهداية، ويحول بينه وبين الإيمان، استغل عُقبة سفر زميله هذا إلى الشام، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، واستمع القرآن، وكاد أن يُسلم، ولكنه تأخر، حتى جاء زميله من الشام، ولَمَّا دخل الزميل السيئ البيت سأل زوجتَه عن زميله، قال: ما صنع رفيقي فلان؟ قالت: صَبَأ -صَبَأ أي: أسلم- قال: صَبَأ؟!، قالت: نعم. فخرج من بيته لِتَوِّه، ما نام، وذهب إلى بيت زميله، وطرق عليه الباب، فلما خرج وحياه قال: علمتُ أنك صَبَأتَ، قال: لا. قال: بل صَبَأتَ، قال: لا. قال: إن كنتَ صادقاً فهيا معي الآن إلى المسجد الحرام، وابصق في وجه محمد -الرسول صلى الله عليه وسلم- قال: أبشِر، فخرج معه إلى المسجد، وجاء والرسول ساجد في الكعبة عند المسجد الحرام، ما كان له أحد يحميه -صلوات الله وسلامه عليه- كان يتعرض لجميع أنواع الأذى، يُصب سلا الجزور على ظهره يُبصَق في وجهه يُرجم بالحجارة يُضرب، ولكنه صابر، ولا يدعو عليهم، وإنما كلما آذوه يقول: (اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون) هذا هو الداعية، هكذا يكون الذي يدعو إلى الله، لكن بعض الناس بمجرد أن تعبس على وجهه قال: الله أكبر عليك أنت لا خير فيك. وذلك بمجرد أن تقول له كلمة واحدة، فلا يحب إلا أن تصفق له وتطبل له، وتقول: جزاك الله خيراً، لكن بمجرد أن يتعرض لأقل ابتلاء فإنه يغضب مباشرة ويسب ويشتم ويشتكي ويعمل الأعمال، ويقول: هؤلاء لا خير فيهم، هؤلاء منافقون، لا يا أخي! أنت داعية، اصبر على ما ينالك، احتسب كل ما يأتيك، لا تشتكِ إلا على الله، اعفُ، اسمح. فجاء عقبة وزميلُه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجوعه من حادثة الطائف عندما قال له مَلَك الجبال: أتريد أن أُطبق عليهم الأخشبين؟ فقال: (لا. إني أرجو الله أن يُخرج من أصلابهم من يعبده) حيث كان نَظَرُ النبي صلى الله عليه وسلم بعيداً، وحُلُمه واسعاً، ونفسه كبيرة، فهي نفس نبي. جاء عقبة وبصق في وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فمسح عن وجهه البُصاق، ودعا له: (اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون) ولم يقل بعدها أية كلمة، ورجع هذا الشقي عُقبة، وعاش بقية عمره، إلى أن بقيت أيام قليلة، فبعد هذه الحادثة هاجر الرسول، وحدثت معركة بدر الكبرى، وكان مِن ضمن مَن قُتل عقبة بن أبي مُعيط، قُتل إلى النار، وأدخله الله النار، وأخبر الله عز وجل عنه في النار أنه يعضُّ يديه ندماً؛ لأنه ما اهتدى، قال عز وجل: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} [الفرقان:27] لم يقل: على يده ولا إصبعه، بل قال: {عَلَى يَدَيْهِ} [الفرقان:27] يأكل يديه كلها، فأنت إذا دخلت السوق واشتريت لك شماغاً بستين ريالاً، ووجدتها في دكان آخر بثلاثين ريالاً، فما رأيُك؟ وكيف سيكون شعورك؟ ستذهب إلى البيت ولن تتعشى تلك الليلة، يقال لك: تعشَّ، فتقول: لا والله، كيف أشتري الشماغ بستين وغيري اشتراه بثلاثين؟! أين عقلي أنا؟! هل كنتُ مجنوناًَ؟! لماذا لم أبحث جيداً في الأسواق؟! لماذا لم أبحث في عشرة دكاكين واحداً واحداً. فمن أجل ثلاثين ريالاً لن تتعشى؛ لأنك ضيعت شيئاً من حقك بغير حق؛ لكن يوم القيامة غبنٌ أعظم، سمى الله ذلك بيوم التغابن؛ يُغبن أهل ا

اتباع الهوى

اتباع الهوى المعوق الثاني من معوقات الهداية: اتباع الهوى لا اتباع الشرع:- وذلك كما يقول أكثر الناس اليوم، عندما تعرض على أحدهم الدليل من كتاب الله وسنة رسوله، يقول: صدقت، ولكن -يا شيخ- نفسي تقول لي كذا، وهواي يقول لي كذا. فهذا عبد هواه ولم يعبد مولاه، وهذا لا يهديه الله، يقول الله عز وجل: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية:23] أي: نفسه، وكيفه، ومزاجه، {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} [الجاثية:23] كيف يهديه الله وقد اتخذ إلهه هواه؟ فلما اتخذ إلهه هواه جاءت العقوبة عليه أن الله ختم على سمعه وعلى قلبه، وجعل على بصره غشاوة، فلا يرى الحق، ولا يرى طريق النور، ولا يسمع الحق ولا يفقهه؛ لأنه اتخذ إلهه هواه. قال الله: {فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية:23] فيجب عليك أن تخضع لأمر مولاك، ولا تقل: أنا على كيفي، أو على مزاجي، لا. لا كيف لك ولا مزاج ولا نفس، أنت على مراد ربك، أنت على شرع خالقك، أنت على هدي نبيك، {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر:7]، ولو كان أمر الله عز وجل لا تقبله نفسُك الأمارة بالسوء بسرعة أقصرها، {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات:40] فإذا قالت نفسك: اسمع الأغاني، فقل لها: لا. أو قالت نفسك: انظر إلى النساء، فقل: لا. أو قالت نفسك: احلق لحيتك، فقل: لا. أو قالت نفسك: اسحب ثيابك، فقل: لا. أو قالت نفسك: اترك الصلاة، فقل: لا. أو قالت نفسك: عق والديك، فقل: لا. لماذا؟ لأنك تسير وفق شرع ربك وخالقك، هذا هو المؤمن. أما أن تسمع أمر الله وتصر على المعاصي، فهذا ما لا ينبغي، كأن تعرف أن الغناء حرام، وتقول لمن ينصحك بتركه: والله صدقت، لكن ماذا أفعل؟ لا أستطيع، نفسي والله تحب الغناء، أحب الطرب. فهذا الذي يحب الطرب سوف يندم على الطرب يوم القيامة. دخلتُ في سوق من الأسواق في أيام العيد أشتري سلعة، وإذا بصاحب الدكان ينظر إلى جهاز التلفزيون وفيه مطرب -مغنٍ-، وهو يعزف بألحان، والرجل فاغرٌ فاه ينظر إليه، فسألتُه: بكم هذا؟ ما سمعَني، قلت: يا هذا، يا أخي تكلم! ماذا وراءك؟ قال: يا شيخ! ما رأيتَ؟ قلت: ماذا هناك؟ قال: المطرب العظيم هذا، أما تعرفه؟ قلت: لا والله لا أعرفه، نسأل الله أن يجعلني لا أعرفه، معرفة هذا وأشكاله خسارة، لا أعرفه، قال: (أوه!) فاتك نصف عمرك، قلت: وأنت فاتك كل عمرك، كيف فاتني نصف عمري؟! قال: هذا المطرب العظيم الذي كذا وكذا. وجعل يشيد به، قلت: وماذا في المطرب؟ ماذا يفعل؟ هل اخترع شيئاً؟ قال: لا. بل مطرب، يجعل الناس يلحنون ويغنون، قلت: حسناً، إذا مات هل ينفعه الطرب عند الله؟ أجاب مباشرة بنفسه، وقال: لا. قلت: إذاً: ماذا يفعل بهذا الطرب؟! قال: والله لا يحبه الله، قلت: الإنسان خُلق في الدنيا لكي يطرب ويغني فيدخل النار؟! إذا لم يكن في هذه الحياة خير ينفعني في الآخرة فما قيمة حياتي؟! يقول الله عز وجل: {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر:23] أي: لم تعد تنفعه الذكرى، فماذا يقول؟! {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:24] أين هي حياته؟ أهي هذه التي نحن فيها؟ لا. هذه ليست حياته {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:24] أي: للآخرة، التي فيها الحياة الطويلة، قلت: هذا المطرب لن ينفعه شيء من الطرب في الآخرة، قال: نعم. والله لن ينفعه، قلت: وما رأيك في الجماهير الذين يحبونه؟! أيحشرون معه يوم القيامة؟! قال: والله معه، قلت: أوينفعهم هذا؟ قال: لا ينفعهم، قلت: وأنت ما موقفك؟ تبرأْ منه الآن حتى لا تكون معه في الآخرة، أما إذا كان هو يطرب وأنت تشجع، فجمهوره في النار، كما جاء في حديث ابن ماجة عن عمرو بن مرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المغنين يُبعثون يوم القيامة عرايا، لا يستترون بِهَدَبَة، لهم عواء كعواء الكلاب في النار) الصياح الذي كان يصيحه في الدنيا يتحول من صياح إلى شكل آخر، صياح والنار تصلاه، والعذاب يناله في كل جزء من جسمه، يصيح صياحاً يؤذي أهل النار، لا حول ولا قوة إلا بالله. فانتبه لا تتبع الهوى، واتبع الشرع، فعليك أن تتبع دين الله عز وجل، يقول الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} [القصص:50] أي: لا أحد أضل ممن اتبع هواه، أي: لا يهديه الله، ألستَ تريد الهداية؟ ستقول: نعم. سنقول لك: إذاً الهداية في اتباع الشرع، لا تتبع الهوى، لا تقل: أنا على كيفي وعلى هواي وعلى مزاجي ومع نفسي، لا. بل كن على كيف ربك، على هوى ودين شرع ربك، أما هواك فلا {فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} [الأعراف:30]، لماذا؟ قال: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأعراف:30] عندما اتخذ الشيطان ولياً من دون الله صرفه الله عز وجل عن الهداية، وحقت عليه الضلالة، {وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} [الأعراف:30] والعياذ بالله. هذا المعوق الثاني، وهو اتباع الهوى، وعدم اتباع الشرع. نريد أن نضبط هذه المعوقات واحدة تلو الأخرى، نريد أن تكون هذه المجالس مجالس عمل مجالس منهج، لا نريد كلاماً ثم نخرج وكفى، لا. بل من هذا المجلس تقرر مصيرك، من هذا المجلس تحدد اتجاهك إلى الله، تغير واقعك رأساً على عقب، تغير كل شيء في حياتك؛ لأنك اهتديت إلى الله. أولاً: الزميل السيئ، ارفضه. ثانياً: الهوى المتَّبع، ارفُضْه، فماذا تتبع إذاً؟ تتبع الشرع. فما هو الهوى؟ الهوى: ما تَرِد عليك من خواطر، ومن أفكار، ومن رغبات، ومن شبهات، ومن شهوات، هذا هو الهوى.

الإعراض عن دين الله

الإعراض عن دين الله المعوق الثالث من معوقات الهداية: الإعراض عن دين الله:- فلا يُتَعَلَّم ولا يُعْمَل به، فتقول للمعرض: خذ هذا الشريط واسمعه، يقول لك: لا. لن أسمع، أرجوك اصرفه، صاحب الشريط صدق كثيراً؛ لكننا إذا سمعنا الشريط فسيكون حجة علينا، ويكون علينا ذنب إذا سمعناه ولم نعمل به، فالأفضل ألا نسمعه ولا نعمل به. انظر إلى الشيطان كيف يغويه! سبحان الله! يقول: إذا سمعنا الشريط وما عملنا به صار علينا ذنب، ولكن نتركه، لا نسمع ولا نعمل؛ لكي لا يكون علينا ذنب. لا. بل لكي يكون عليك ذنبان لا ذنب واحد، ذنب الإعراض وذنب الكفر، لكن لو استمعت فلعل الله أن يهديك، فما تدري، ربما في الشريط هذا خير، خذه -يا أخي! -، إذا عُرض عليك شريط إسلامي فخذه، وإذا رأيت كتاباً إسلامياً فخذه، وإذا سمعت بندوة إسلامية احضرها، وأقبل على الله. أما الإعراض عن دين الله، لا يتعلمه ولا يعمل به، فهذا مانع من موانع الهداية، إذ لا يهدي الله عز وجل من هو معرض عنه، يقول الله عز وجل: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:124]، ويقول: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً} [الزخرف:36] انظر، هذه واحدة بواحدة، اعرض عن ذكر الرحمن فسيسلط الله عليك شيطاناً، ثم إن الشيطان ماذا يفعل بك؟ هل يدلك؟ على الخير قال الله: (فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف:36] أي: رفيقٌ وصاحب، ماسِكٌ لمقود سيارتِه يقوده، ثم قال: {وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} [الزخرف:37] لن يهديك إلى الله، بل يضلك عن الله، ثم يقلب الموازين عندك، فيقول الله: {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف:37]. فيضللك الشيطان ويهديك إلى سوء الجحيم، ويقنعك أنك أنت الذي على الحق، وأن الذين على الحق هم على الباطل، فإذا انكشفت الأوراق يوم القيامة وزالت الحواجب، كل الحُجُب، قال: {حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} [الزخرف:38]، قال الله: {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ * أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ} [الزخرف:39 - 40] الأصم الذي لا يريد أن يسمع، والأعمى الذي لا يريد أن يرى، أتهديهما؟! {وَمَنْ كَانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ * فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ} [الزخرف:40 - 43] القرآن {إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} [الزخرف:43 - 44] سوف تُسأل يوم القيامة عن هذا الدين سواءً أحفظتَه أو ضيعته، أقبلت عليه أو أعرضت عنه. فإياك إياك أن تعرض عن الله. هذا هو المعوق الثالث، وهو: الإعراض، فكثيرٌ من الناس الآن تجد الرجل منهم جاهلاً أجهل من حمار أهله، وإذا قلت له: تعال نتعلم الدين، قال: يا شيخ! نعرف الدين. هذا الشخص لا يريد أن يهتدي، لماذا؟ لأنه معرض، لا يريد أن يهتدي؛ لكن لو قلتَ له: تعال، هناك عشاء، أو كبسة، أو لعبة، أو عَرْضة، ويسمونها عَرْضة شعبية، فسيجيبك، ويتقفز من المغرب إلى الفجر، ويقفز ويرجع، ويقفز ويرجع، وما آخر القفزات هذه؟ لا شيء، يعود إلى البيت وقد تعب، ثم ينام. لكن إذا قلت له: تعال إلى ندوة من ندوات العلم، وحلقة من حلقات الذكر، قال: نحن نعرف الدين، الدين يُسر، نحن أحسن من غيرنا، عَقَّدْتُم أنفسكم بالجلوس في هذه الندوات، وفي هذه الحلقات. وأنت -أيها المعرض- ألست بمعقد، نعم، لقد أوقع نفسه في معصية الله -والعياذ بالله- وسوف يندم يوم يرى الحقائق ماثلة أمام عينيه، ويقول: {يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر:24]. هذا هو المعوق الثالث. المعوق الأول: الزميل السيئ. المعوق الثاني: اتباع الهوى. المعوق الثالث: الإعراض عن دين الله، لا يتعلمه ولا يعمل به، بل أقبل -يا أخي- على الله، {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17] {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:50].

الكبر

الكبر المعوق الرابع: الكِبْر: الكبرياء، إذا قلت للمتكبر: تعال قال: لا. أنا شخصية، إذا جئت وأنا شخصية، فربما يجلس بجانبي فقير أو جندي أو فرَّاش، وأنا شخصية، فكيف يكون هذا؟! أََأُسْقِط اعتباري، ستذوب شخصيتي؟! لا لا، إلا إذا كان المجلس كله شخصيات فإنني سآتي. أتدرون من قال هذا التعبير؟ قاله كفار قريش، قالوا للرسول: لا نجلس معك وعندك هؤلاء العبيد، فأبعد من المجلس بلالاً وسلمان وصهيباً لا نجلس معهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم أراد أن يخصص لهؤلاء جلسة ولهؤلاء جلسة؛ لكن جاء التصريح من الله، قال الله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف:28] وهؤلاء هم الضعفاء (وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف:28] مفروطة عليه، ضال -والعياذ بالله-، أضله الله، وأموره كلها مَفْلُوتة، فلا تطعه، بل اجلس مع هؤلاء المؤمنين. فالكبرياء مانع من موانع الهداية، لماذا؟ قال الله: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} [الأعراف:146]. الكبرياء، انتبه! لا تتكبر على الله، اجلس في مجالس الذكر، ولو كنتَ عظيماً، ولو كنتَ مديراً، ولو كنتَ وزيراً، ولو كنتَ ثرياً، فأنتَ فقير إلى الله ولو كنتَ عظيماً، أنتَ فقير إلى الله ولو كنتَ مديراً، أنتَ فقير إلى الله ولو كنتَ وزيراً، أنتَ فقير إلى الله ولو كنتَ ثرياً؛ لأن الناس كلهم فقراء، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:15] لا يوجد أحدٌ يستغني عن الله في شيء، كيف تستغني عن الله وبيده مقاليد الأمور؟! فلا بد أن تَضَعْ نفسَك ولا تتكبر، لا تتكبر على عباد الله؛ لأن الكبرياء لله، يقول الله في الحديث القدسي الصحيح: (الكبرياء إزاري، والعظمة ردائي، فمن نازعني فيهما ألقيته في النار ولا أبالي). فالمتكبرون يوم القيامة يحشرهم الله عز وجل كأمثال الذر في صور الرجال، يحشر الله المتكبر فيجعله مثل الذرة، لكن في صورة رجل، ويصغره الله إلى أن يصير مثل الذرة لكن في شخصية رجل، يطأه الناس بأخفافهم، ويركضونه بأرجلهم، ولا يعرفون أنه هو، لا يرونه؛ لأنه مثل الذرة، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن المتكبرين يوم القيامة يحشرون في سجن يُقال له: بُوْنِس -هكذا في الحديث- تشب عليهم فيه نارُ الأنيار، ليست ناراً، بل نار الأنيار، نار من نوع خاص؛ لأن هذا الكبرياء لله، ليس لك. إذاً: فما هو الكبر؟ الكبر: هو غَمْطُ الناس وبَطَرُ الحق. غَمْطُ الناس: أي: يحتقر الناس، كلما جاءه فلان قال: ليس عنده شيء، ما وظيفته؟ فيقال له: فراش، فيشيح وجهه، ثم يقول: كم رصيده؟ فيقال: ليس عنده شيء، ثم يسأل: أعنده مزرعة؟ أو عنده شيء؟ فيحقر الناس، وربما أن هذا الفراش أعظم من ملء الأرض من أشكال هذا المتكبر؛ لأن موازين الله غير موازين البشر {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] فلا تتعاظم. وبَطَرُ الحق: إذا جاء الحق قال المتكبر: لا. من قاله؟ فلان؟ لا. الحق لا يؤخذ من فلان أو فلان، الحق يؤخذ من الله ورسوله. فلا تتعاظم. علامات الكبرياء: العلامة الأولى: الشموخ والأنفة ورفع الرأس، فبعض المتكبرين تراه كأنه مشنوق في السماء، إذا مشى كأنه مربوط بأنفه في السماء، لا يمشي معتدلاً، بل يمشي ورأسه إلى أعلى، ثم بعد ذلك؟ سيَدُسُّون بأنفك هذا -أيها المتكبر- في الطين، فما تنفعك أنفتُك. العلامة الثانية: عدم التسليم على الناس:- إذا دخل الإدارة -مثلاً- لا يسلم؛ فإذا قيل له: لماذا لا تسلم؟ قال: السلام يذيب الشخصية. أتريد بناء الشخصية على الكبرياء، بل والله تسقط شخصيتك بالكبرياء، لكن عندما تدخل على موظفيك وتقول: السلام عليكم، صباح الخير، وتسلم على الفراش، وتصبِّح عليه، وتسأله: كيف أنت يا أبا فلان؟ إن شاء الله مبسوط، مالي أرآك اليوم غضبان، فإن هذا هو الذي يبني لك شخصية، فهذا التصرف إذا متَّ أو أحالوك من الوظيفة، فإن الناس كلهم يقولون: بارك الله فيه، وفقه الله وحفظه في الدنيا والآخرة، لكن ذلك الذي يتكبر، فسيصبرون عليه حتى يرحل من الوظيفة، وإذا رحل ولقوه في الشارع -فوالله- لن يسلموا عليه، بل إذا رأوه يبصقون في وجهه، هذا الذي يريد أن يبني له شخصية، ما عادت له شخصية في تلك اللحظة. العلامة الثالثة: حب تقدم الناس:- إذا مشى المتكبر مع أناس فإنه يريد أن يمشي أولاً. العلامة الرابعة: حب قيام الناس له:- إذا دخل المتكبر على الناس فإنه يريد أن يقفوا له كلهم، لم يقفوا يكون غضبان. لا -يا أخي! -، المتواضع إذا دخل على المجالس وقاموا له: قال: لا. مكانكم مكانكم، وجلس في أقرب مكان، هذا هو المؤمن، هذا هو الْْهَيِّن اللَّيِّن، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل على قوم جلس أينما ينتهي به المجلس، ولكن كان الصدر عنده صلوات الله وسلامه عليه، أكرم خلق الله، جاءه رجلان أعرابيان قد سمعوا بذكره، وقد نُصر بالرعب مسيرة شهر، فلما جاءوا إليه وقفا وهما ترتعد فرائصهما، خوفاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (ما عليكما، لا تخافا، إني ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة) يقول: لا تخافوا مني، أنا لستُ بشخصية ولا شيء، أنا رجل ابن امرأة كانت بـ مكة تأكل القديد. ما هو القديد؟ القديد: اللحم الجاف، الذي يُعَلَّق على المناشير من الفقر، ثم يأكلونه يوماً بعد يوم. فيقول: أنا فقير ما عندي شيء، فما زالا حتى سكن، صلوات الله وسلامه عليه. فلا تتكبر -يا أخي! - على عباد الله، حتى يهديك الله، أما إذا نفخ الشيطان في أنف أحدٍ بالكبرياء فهذا لا يهديه الله.

معاندة الحق بعد الوضوح

معاندة الحق بعد الوضوح المعوق الخامس من معوقات الهداية: معاندة الحق بعد الوضوح:- بعض الناس يتضح له الحق ثم يعاند فيه، فتقول له: قال الله وقال رسوله، يقول: صدقتَ، نعم. قال الله وقال رسوله. لكنه لا يمتنع، فهذا معاند، لا يمكن أن يهديه الله، لماذا؟ لأن الله يقول: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء:115] أي: نثَبِّتُه في طريق الضلال، وبعد ذلك، ما هي النهاية؟ {وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ} [النساء:115] لأنه مشى في طريق جهنم من أولها، {وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:115] فلا تشاقق الرسول. وفي الحديث الصحيح أن رجلاً كان عند الرسول صلى الله عليه وسلم يأكل بشماله، وما منعه أن يأكل بيمينه إلا الكبرياء، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل بيمينك، قال: لا أستطيع) أي: أنا شخصية، لا آكل إلا بهذه، لا أستطيع بغيرها، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا استطعت) أي: جعلك الله لا تستطيع. قال العلماء: فما رفعها إلى فمه حتى مات، أصابها الله بالشلل، وصارت يابسة، لا يستطيع أن يحركهاالسبب هو الكبرياء. يحدثني أحد الإخوة الثقات بالأمس، فيقول: كان هناك شاب يلعب الكاراتيه، ولديه عضلات، فدعاه أحد المؤمنين إلى الله، وذكَّره بالموت، وذكَّره بعذاب الله، فسخر منه، وما ألقى له بالاً، قال له الأخ الصالح: حسناً -يا أخي! - إذا جاءك ملك الموت فماذا تفعل؟ يريد أن يهدده بالله وبالموت، قال: أواجهه بالكاراتيه -يعني: أعطيه ضربة كاراتيه- يقول: وفي هذه اللحظة، وبعد أن أكمل الكلمة، ونحن جلوس، إذا بالرجل يضطرب، ويقع على وجهه، ويرتفع ويقع، ثم أخذناه وغسلنا وجهه، وقلنا له: ماذا بك؟! قال: ضربني بعصا على ظهري مثل جذع النخلة -أي: (أحدٌ ضربني بصَمِيْل لا كالصُّمل المعروفة) بل مثل جذع الشجرة في ظهري، فوقعت على وجهي- فقلنا له: من هو؟ قال: لستُ أدري، قال له الرجل الصالح: لماذا لم تعطه ضربة بالكاراتيه؟! قال: إني أشعر بالموت، وأنت تفكر في الكاراتيه، فقال: الحمد لله. فأخذوه وذهبوا به إلى البيت، وجلس أياماً متعباً، ثم تاب وتاب الله عليه. انظر إلى الضربة كيف جاءت من الله عندما عاند الرسول، وأراد أن يلعب كاراتيه. هل سمعتَ -يا أخي-؟! لا تعاند، كلما سمعتَ أمراً لله فارض به، وقل: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [البقرة:285] ولا تقل: {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} [البقرة:93] أو سمعنا ولكن! لا. بل إن لكن هذه ملف الشيطان، وملف المنافقين.

الكذب

الكذب المعوق السادس -وهو من أخطرها-: الكذب:- وأنا جعلتُه الأخير، لأنه مرض منتشر في أكثر الناس. الكذاب لا يهديه الله أبداًَ، مستحيل أن يهديه، قال الله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [غافر:28] فهو كذاب، كيف يهدي الله رجلاً كذاباً دجالاً متلوناً، كل يوم له صبغة، وكل يوم له لون، وكل يوم له فكرة؟ لن يهديه الله. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم والحديث في الصحيحين: (عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدُق ويتحرى الصدق حتى يُكتب عند الله صِدِّيقاً، وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذاباً) وإذا كتبه الله كذاباً قال الله فيه: {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [غافر:28] لا يمكن أن يهديه الله، ولهذا ترون أن الكذاب من الناس هو أحط درجة في المجتمع، أسفل رجل، وأنقص رجل، لا قيمة له، حتى عند نفسه، فلو سألت الكذاب عن شيء، ستجده في نفسه يعرف أن خبره ليس صدقاً، حتى زوجته لا تثق في كلامه، وأولاده لا يثقون في كلامه، وجيرانه لا يثقون في كلامه، وكل الناس لا يثقون فيه، إذا نُقل خبر قيل: من قائل هذا الكلام؟ فإذا قيل: فلان، قيل: فلان كذاب، فلا يوثق في كلامه، حتى وإن كان صادقاً فسيقال عنه: كذاب؛ لأن الله قد كتبه كذاباً. فـ {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ} [غافر:28]-والعياذ بالله، يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119]، ويقول: {فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ} [محمد:21]، وأيضاً في الصحيحين يقول عليه الصلاة والسلام: (البيعان بالخيار، ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيَّنا بُورِك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما مُحِقت بركة بيعهما) الكذاب الذي يبيع سلعته، ويخفي العيب فيها، ويكتم، ويكذب في استعمال السلعة، هذا يمحق الله بركته، لكن انظروا إلى التاجر الصادق، إذا جئت إليه، وقلت له: ماذا في السيارة؟ قال: السيارة فيها الماطور لا يعمل جيداً، هذا الذي أعرف فيها، وغير ذلك لا أدري، نقصت قيمة السيارة، بدل أن كان سيبيعها بعشرين أصبح يبيعها بعشرة، لكن يبارك الله في العشرة. وكم من بائع يبيع سيارة بثلاثين ألف ريال، ويقول: ليس فيها أي شيء، فيقال له: أمصدومة هي؟ فيقول: أأبيع لك سيارة مصدومة؟! أتصدق هذا الكلام؟! فلا يعطيه كلمة لا وكفى، بل يعطيه شيئاً أعظم من لا، يقول: وهل تصدق أني أبيع لك السيارة مصدومة؟ أبداً، هذه ليس فيها أي شيء، وإذا سأله عن الكيلو كيف هو؟ قال: الكيلو؟ لم يقف لحظة واحدة. وهو واقف منذ سنتين، وإذا سأله: كم مشت؟ قال: خمسة آلاف فقط. من البيت إلى الدوام، لا أذهب إلى أي مكان آخر. ثم باعها بقيمتها وربما أكثر، لكن محق الله البركة. قال: (فإن كذبا) أي: في السعر (وكتما) أي: العيب، (محقت بركة بيعهما) وكم رأينا كثيراً من الحالات، أن الكذاب يمحق الله بركة بيعه. أيضاً: الكذب من علامات النفاق، روى البخاري ومسلم في الصحيحين قال عليه الصلاة والسلام: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) فالذي يكذب في المواعيد وفي الأقوال هذا -والعياذ بالله- منافق ولا يهديه الله إلا إذا تاب. وأيضاً في الحديث الصحيح عند البخاري، حديث سمرة بن جندب، حديث الرؤية الطويل، أنه صلى الله عليه وسلم انطلق مع اثنين من الملائكة في رحلة طويلة، ومن ضمن أحداث الرحلة أنه قال: (انطلقنا فأتينا على رجل مستلقٍ على قفاه، وآخر معه كلُّوب من نار، فيُشَرْشِر شِدْقه من فمه إلى مسمعه، ثم يُشَرْشِر الثاني، ثم يعود لهذا، فيكون كما كان، قلت: من هذا؟ قال: هذا الرجل يخرج من بيته، فيكذب الكذبة، تبلغ الآفاق). كذاب، يصنف الكذبات، يصنع ويصدر الكذب، لا يسمع شيئاً إلا ويضيف عليه كذبة، هذا -والعياذ بالله- عذابه في النار، أعاذنا الله وإياكم. وأيضاً عند البخاري ومسلم حديث صحيح: يقول عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: -منهم- رجل باع سلعة، فحلف بالله أنه اشتراها بكذا، فصدَّقه ذاك وهي على غير ذلك) هذا -والعياذ بالله- لا يكلمه الله يوم القيامة، فتأتي عنده في الدكان، فتقول: هذه السلعة بكم يا أخي؟ فيقول: نعطيك برأس مالها، فتقول: كم رأس مالها؟ فيقول: والله أنها عليَّ بأربعين، تفضل خذها بأربعين. ماذا ينتظر من الزبون أن يفعل له؟ أيعطيه ثلاثين، وهو يحلف له بالله أنه أخذها بأربعين؟ أينوي أن يخسره؟ بل يعتبره ما قصَّر وتجمل فيه أنه أعطاه برأس ماله، وما ربح عليه، ولكن عندما يخرج من عنده ويذهب إلى الدكان الآخر يجد السلعة بثلاثين، أي: أنها بعشرين، ذاك أقنعه وصدقه بيمينه، ولكن باع السلعة واشترى النار، واشترى غضب الجبار. لا تحلف بالله كاذباً ولا باراً، لا حول ولا قوة إلا بالله!!

هل تريد الهداية؟

هل تريد الهداية؟ هذه الستة المعوقات التي تعيق المسلم إذا أراد أن يهتدي، فتقف هذه المعوقات حجر عثرة في طريق هدايته. هل تريد الهداية يا مسلم؟ إن قلت: نعم، فعليك أن تشغِّل دَرَكْتَرات القوة، ودَرَيْدَرات العزيمة الرجولية، وتزيح هذه المعوقات من طريقك، وتلزم طريق الإيمان. أولاً: لا تصاحب الفسقة والعصاة، واختر الزملاء الصالحين. ثانياً: لا تتبع الهوى، ولكن اتبع الشرع. ثالثاً: لا تعرض عن دين الله، ولكن أقبل على الله، وتعلم واعمل بدين الله. رابعاً: لا تتكبر بل تواضع واخضع؛ تواضع دائماً في ملبسك، وفي مأكلك، وفي مشربك، وفي مركبك، حتى السيارة التي تركبها وأنت ماشٍ امشِ متواضعاً، كيف تمشي متواضعاً؟ أولاًَ: اركب أي سيارة. ثانياً: إذا ركبتَ فسم الله؛ إذا شغلت السيارة سم الله واذكر الله. ثالثاً: اجلس جلسة المتواضع. رابعاً: شغل السيارة بهدوء. خامساً: حركها بأدب. سادساً: راعي آداب الطريق، إذا رأيت أحداً ماراً في الطريق يريد أن يقطع فقِفْ له. سابعاً: إذا رأيت أحداً يريد أن يسبق بسيارته بعد أن كان محبوساً، ولم يسمح له أحد، فقف له وأشر له، ودعه يمشي، وبعض الناس يعاند، تأتي من هنا يعاند، وتأتي من هناك يأتيك، وينظر، يريد أن يقطع عليك، لماذا هذا الحجز دعه يمشي. هذه كلها من علامات التواضع. لكن من علامات الكبرياء: أن يأتي الرجل إلى سيارته، ويفتح الباب بأنفة، برأس إصبعه، وبعد ذلك يضع المفتاح دون أن يذكر الله ودون أن يسمي، وبعد ذلك يضبط المراية التي أمامه، وبعد ذلك يشغل ورقبته منحنية هكذا، ثم عندما يحرك السيارة لا يحركها بهدوء، بل يدوس إلى آخر ضغطة في البنزين وينزع رجله من آخر قوة من الكَلَتْش، فتعمل السيارة لفة، يسميها أصحابُها تفحيطة، يريد أن يفحط في النار، فيلف لفة قوية، فإذا كانت هناك حجارة أو تراب أو شيء فإنه يَحْثُوه على وجوه الناس، وعلى وجوه السيارات التي وراءه، ثم يدخل على هذا من هنا، ويأتي من هنا، ويأتي من هنا، وإذا رأى مارَّاً من هناك أتاه يريد أن يخيفه ويلف عليه، وإذا رأى سيارة أمامه اقترب منها وهكذا. هذا متكبر ومتغطرس، هذا ستأتيه مصيبة في الدنيا أو في الآخرة، وكل من رآه قال: الله أكبر عليه، الله ينتقم منه، جعلها الله في وجهه، فيدعو الناس عليه. لكن ذاك المؤمن إذا مشى مشى متواضعاً؛ لأن الله يقول: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:63]، {وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً} [الإسراء:37]، حتى بالسيارة، انتبه! (إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} [الإسراء:37] لا. لا تمشِ في الأرض مرحاً، ولا تتكبر. إذاً: فهذا الكبرياء، وهو المعوق الرابع من معوقات الهداية. الخامس: لا تعاند في الحق بعد وضوحه، إذا جاءك نهر الدليل، وإذا جاءك الأمر من الله ومن رسوله، فمباشرة لا تعاند، انتبه! أتعاند خالقك؟! أتعاند الذي بمشيئته يقبض عليك؟! أتعاند الذي مصيرك إليه، وناصيتك بين يديه؟! أتعاند الذي لا يمنعه منك شيء، وهو يمنعك من كل شيء؟! فانتبه! السادس والأخير: لا تكذب. بل كن واضحاً صادقاً في كل أمورك، وفي كل تصرفاتك، مع مديرك، أو مع أستاذك، أو مع والدك، أو مع والدتك، أو مع زوجتك، أو مع أولادك، أو مع جيرانك، قل الحق ولو كان مرَّاً، لا تكذب ولو حمَّلك الصدق جزءاً من المسئولية والمعاناة؛ لكن لو قارنت بين آلام الصدق، وآلام الكذب، لوجدتَ أن آلام الصدق أخف بمليون مرة من آلام الكذب. هناك رجل توفي والده وهو طفل صغير، أرسلته أمه مع قافلة إلى بلد ما ليتعلم العلم، وقالت له وهي تقبله: يا بني! أوصيك بتقوى الله، وعليك بالصدق، وإياك والكذب. فقط، تقوى الله، والصدق، وإياك والكذب، وأعطته مائة وخمسين ريالاً، وركب مع القافلة لينتقل إلى قرية فيها عالم يطلب العلم على يديه، وفي الطريق اقتطعت القافلةَ مجموعةٌ من قُطاع الطريق، وهم السرق، وقد جاءوا بالرجال وكتَّفوهم، وسلبوا الأموال، ثم فتشوا الرجال واحداً واحداً، ولما أتوا إلى الولد وهو جالس، قال سيدهم: لا تفتشوه، فليس عنده شيء، قال الولد: لا. عندي مائة وخمسين ريالاً، قال: فتشوه، ففتشوه فوجدوا معه مائة وخمسين ريالاً، فأخذوها منه. أما زعيم اللصوص فقد استرعى انتباهه هذا الموقف، قال: يا ولدي! لماذا قلت هذا الكلام، ونحن قلنا: ليس عندك شيء؟ قال: إن أمي أوصتني بتقوى الله، والصدق، وحذَّرتني من الكذب، فإن الصدق يوصل إلى الجنة، وإن الكذب يورد إلى النار، فأنا خشيت أن أكذب وأدخل النار. هذا الموقف هز الرجل هزة عنيفة، وقال: سبحان الله! طفل صغير يخاف من الكذب، حتى على ماله الذي هو له، حتى لا يدخل النار، ونحن ما نخاف من الله عز وجل، ثم التفت إلى رجاله وقال: ما أنا فيكم؟ قالوا: أنت سيدنا وفحلنا، قال: كلامكم وطعامكم وشرابكم عليَّ حرام إلا أن تشيروا معي فيما أشير به، قالوا: معك -في الخير أو الشر؛ لأنه فحل وبطل- فقال: إلى أين أنت ذاهب يا ولد! قال: أطلب العلم عند العالم الفلاني، أرسلتني أمي، قال: ونحن معك، ثم أمر بفك الرجال كلهم، وأرجعوا مال كل واحد إليه، وأرجعوا مال الولد إليه، وتابوا توبة إلى الله، وأصبح هذا الرجل من خيار الصالحين، هذا بسبب ماذا؟ هذا كله بسبب الصدق. الناس الآن يقولون: اكذِبْ تَنْجُ! لا. بل اصدُق تَنْجُ، أما الكذب فليس بجميل بأي حال من الأحوال، كن صادقاً ولو في أحلك الظروف، وفي أحرج المواقف فإن الله سيجعل لك فرجاً إذا صدقتَ؛ لأن الله يقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 - 3]. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يدلني وإياكم على طريق الهداية، وأن ييسر لي ولكم أسبابها، وأن يعيذنا وإياكم من موانعها ومعوقاتها. ثم إنني أدلكم على شيء قبل هذا كله، وقبل الهداية، ألا وهو: القناعة، فالذي ليس لديه قناعة أن يكون من المهتدين فإنه لا يريد أن يمشي في هذا الطريق كله، لكن إذا اهتديت، وحوَّلت الموجة إلى الله، وسلكت السبيل إلى الله، فالله سيفتح لك الأمور كلها؛ لأن الله يقول: {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} [الرعد:27]. فتُب وارجع إلى الله عز وجل، وصحِّح الوضع، وثق بأن الله كريم، ولن يردك، فالله عز وجل يقول في الحديث القدسي الصحيح: (أنا مع عبدي ما تحركت بي شفتاه، فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرتُه في ملأ خير منهم، وإن تقرب إليَّ شبراً تقربتُ إليه ذراعاً، وإن تقرب إليَّ ذراعاً تقربتُ إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيتُه هرولة، وكنتُ إليه بكل خير أسرع). أكرر سؤالي ورجائي إلى الله الذي لا إله إلا هو أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً. اللهم كما جمعتنا عليه من أجل طاعتك، فاجمعنا من أجله في دار كرامتك، ووالدِينا ووالدِي والدِينا وإخواننا وأخواتنا وجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

الأسئلة

الأسئلة .

ثمرة الحضور في مجالس الذكر

ثمرة الحضور في مجالس الذكر Q بعض الإخوة الذين يحضرون المحاضرات والدروس، ولكنهم -مع الأسف- لا يغيرون من أنفسهم، ولا من وضعهم، ولا من وضع بيوتهم وأهليهم، ولا من طباعهم، وكأنهم أرض سبخاء لا تستفيد من الماء، فهل هو ممن يقول: {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} [البقرة:93]؟ A ثمرة الحضور في مجالس الذكر: هو التحول والتغير في حياة الإنسان، أما الحضور مع الاستمرار على الوضع الأول دون تغيير في حياته، فهذا أشبه بالإدمان على المواعظ، أي: أن الموعظة في حياة الناس الذين لا يغيرون شيئاً أصبحت كشيء تعودوه وأدمنوا عليه، يحبونه؛ ولكن إذا جئت لتفتش حياتهم وجدتَ حياتهم هي هي، لم تغير هذه الدروس، ولا المواعظ، ولا الخطب، ولا المحاضرات شيئاً من واقعهم، واستمروا على وضعهم السيئ، فهؤلاء يُخشى عليهم -والعياذ بالله- أن يطبع الله على قلوبهم، فإذا طُبع على قلب الإنسان -أي: ختم عليه- لم يعد ينفع فيه شيء؛ لأن بني إسرائيل كانت تنزل عليهم الكتب، ويُوحى إلى أنبيائهم، ولكن {طُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ} [التوبة:87]، يسمعون الكلام من هنا ويخرج من هنا، وحليمة على عادتها القديمة، هذا لا ينتفع، فانتبه! حتى لا يطبع الله على قلبك عليك أن تغير باستمرار، فكل شيء تسمع من دين الله حق، ثم تجد أنك في وضع لا يتلاءم مع هذا الحق، فعليك أن تسعى إلى التصحيح، وستجد كل يوم وأنت تصحح أنك في وضع إيماني أفضل إلى أن تصل -بإذن الله- إلى درجة تنشرح فيها نفسك، وهناك يقول الله لك: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:27 - 30]. أما البقاء في المكان، والمراوحة على الأقدام في مكان واحد وعدم السير إلى الله خطوة واحدة، وتظن أنك مخدوع بهذا السماع وبهذا الحضور، هذا مكر من الشيطان.

من مآسي المسلمين: الاختلاط والربا

من مآسي المسلمين: الاختلاط والربا Q نغبط فضيلتكم بما منَّ الله به عليكم من جهد في الدعوة إلى الله، ومن قبول في التوجيه إلى الله، فجزاكم الله خيراً ونفع الله بكم، لقد بُلي الناس بمآسٍ محزنة، تبلَّد أمامها بعض الأشخاص، فما هو علاجها؟ وما هو موقف الشباب منها؟ ومن هذه المآسي: أولاً: الاختلاط الذي يكمُن في المستشفيات، وخاصة في التمريض والاستقبال، وواجهات الجمهور بشكل مخالف لشرع الله سبحانه وتعالى، فما هو موقف الإسلام؟ وما هو تصرف الشباب أمام هذا جزاكم الله خيراً؟ ثانياً: المآسي الربوية، والتي أصبح كثير من الناس يتعاملون بها، فما هو موقف الإسلام منها؟ وما هو العلاج ثبتكم الله بالحق ووفقكم إليه؟ A أولاً: شكر الله للأخ الكريم دعوته لي بالتوفيق والهداية، وأسأل الله لنا ولكم التوفيق والهداية والثبات. أما المآسي التي تنتشر في هذا الزمان فهو شيء طبيعي، أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بأنه في آخر الزمان يكون القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر، وقال: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء) ولكن عودة الناس إلى الله، واستشعارهم بالطريق الصحيح، هذا يُلزمهم ببعض التصرفات الإيجابية أمام تلك الظروف الغير مستصاغة والغير مقبولة، وهي تُبرِز مدى صدقهم مع الله، إذ أن الإنسان في الأجواء الصحيحة التي هي (100%) لا يبرز ولا نعرف إن كان صادقاً أو غير صادق، لكن إذا أُدخل الإنسان في ساحة البلاء وفي صالة الامتحان عُرف صدق إيمانه من كذب دعواه، فالذين يُبتَلون بالعمل في المستشفيات أو يضطرون إلى مراجعة المستشفيات، ويلمسون ما يجدون أو يشاهدون من الممرضات والعاملات، فهؤلاء يُفترض فيهم أن يكونوا إيجابيين، بِمَ؟ بغض أبصارهم؛ لأن الله قد ركب لك عينين، وركَّب لك على كل عين جفنين (وبابَين أوتوماتيك) أي: أنك لا تحتاج إذا أردتَ أن تغطي عينيك إلى جهد لا، بل افعل هكذا، وأغلق جفنيك مباشرة وأوتوماتيكياً وهذا من فضل الله، والله أمرك في عينيك فقال: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:30] فإذا راجعت المستشفى، أو كنت تعمل في المستشفى فليس هناك من أحد يستطيع أن يفتح عينك على منظر لا تريده إلا أنت، ولكن بإمكانك أن تغض بصرك وتمشي. وقد أعجبني طبيب سعودي موفق في أحد المستشفيات عندنا هناك يحمل شهادة الدكتوراه، وذلك عندما كنت مريضاً في مستشفى، حيث جاءني ومعه الممرضات بجانبه، وجلستُ أرصد حركته، -فوالله- كان يتحرك وهن ثلاث واقفات بجانبه، وما رفع نظره إليهن، كان يتكلم ويقول: قولوا كذا، واعملوا كذا، وسوُّوا كذا، وعينه أمامه، ولا يلتفت إليهن أبداً، بل عينه في الأرض، فهل تستطيع أي واحدة أن ترفع عينه؟ لكن بعض الناس مُجرد أن يرى المرأة تظل عينه مُسَمَّرة فيها، ويتكلم معها، و ( Good Morning) بالإنجليزي، أي: صباح الخير, و ( marsih) بالفرنسي، أي، شكراً، وكيف حالك؟ وهل أنتِ بخير؟ ثم يقول: ماذا نفعل؟ إنهن نساء! نقول له: نعم. نساء؛ لكنك ما اتقيت الله في النساء، ولو أنك حينما رأيت النساء غضَّيت، لكان فعلك هو المنطق، لكن حينما ترى النساء ترفع عينك، وتقول: -والله- وضعوا لنا النساء فلا؛ لأن النساء موجودات، وعينك موجودة في رأسك، وجفنك في تصرفك، وبإمكانك أن تغض بصرك، فهذا ابتلاء. الثانية: مسألة الربا وما يتعلق به: هذا مما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس في آخر الزمان يأكلون الربا، ومن لم يأكله يُصبه من غباره. والربا -كما تعرفون- موبقة عظيمة، ومن أعظم الجرائم، ومن الموبقات -والعياذ بالله-، وقد توعد الله صاحبه بالحرب، ما أذن الله بالحرب على صاحب معصية كما أذن بالحرب على صاحب الربا، وقال عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم: (لعن الله آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه) الحديث صحيح. وأخبر صلى الله عليه وسلم في حديث سمرة بن جندب، الذي في صحيح البخاري، حديث الرؤيا الطويل: أنه انطلق إلى رجل فأتيا على رجل يسبح في نهر من دم، وآخر على طرف النهر معه حجارة، وهذا يسبح إلى أن يأتي إليه، ثم يرمي بحجر في فمه، فيفغر فاه ويلتقم الحجر، ويرجع إلى طرف النهر، ثم يأتي ويرجمه، قال: من هذا؟ قال: هذا آكل الربا. وأخبر صلى الله عليه وسلم أن أكلة الربا يبعثون يوم القيامة وبطونهم كالجبال. بطن أحدهم كالجبل، مليء بجميع الأموال التي رابى بها في الدنيا، ثم أيضاً ترى الأموال التي داخل بطنه؛ لأنها شفافة، مثل البالونة، فترى السيارات، والأراضي، والعمارات، كلها داخل البطن، وهو تحتها، بطنه مثل الجبل، وهو بجسمه العادي يومئذ، أي: أن رأسه صغير، ورجليه صغيرتان، ويديه صغيرتان، لكن بطنه كبيرة كالجبل، وتصوروا إذا كان بطن أَحَدٍ كالجبل وهو تحته، فكيف سيكون حاله، لا حول ولا قوة إلا بالله! فهذه مصيبة. فعلى المسلم أن يتقي الله عز وجل وألا يسير في أمر من أمور الربا، فإذا كان لديك مال، وأردتَ أن تودعه فلا تودعه في البنوك الربوية، ولكن أودعه في البنوك الإسلامية التي انتشرت -والحمد لله- وموجودة الآن، وإذا لم تجد مكاناً فضع أموالك في بيتك، قد تقول: ربما تُسرق، فنقول: لا. الله سيحفظها -إن شاء الله-، لكن بعض الناس تجده من مجرد أن يحصل على خمسة آلاف أو عشرة آلاف يقول: سأفتح حساباً، وهذا دفتر شيكات، ويضع دفتر الشيك هنا في الجيب، وإذا سأله أحدٌ شيئاً قال: كم تريد؟ أأقطع لك شيكاً أو أعطيك نقداً، بمعنى: أنه يريد أن يكون شخصية، الله أكبر يا هذه الشخصية! لا يا أخي لا يحتاج هذا إلى شخصية، بل إن الشخصية العظيمة تكمن في الطاعة لله، من مراقبة الله تبارك وتعالى. أما أن تنفخ نفسك بالكذب، فالنفخة هذه لن تنفعك عند الله يوم القيامة، فاتق الله، اتق الله واحذر من الوقوع في هذه المأساة -مأساة الربا- لأن الله يقول: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:275]، ثم قال الله: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:276]، ويقول: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم:39].

نصيحة للنساء اللاتي يحضرن المحاضرات

نصيحة للنساء اللاتي يحضرن المحاضرات Q فتاة تقول: لو سمحت -جزاك الله خيراً- في إبداء النصح للمستمعات من الأخوات الحاضرات من ناحية رفع الصوت والكلام أثناء المحاضرة، ناسيات بذلك أو متناسيات أو متجاهلات أن ذلك يحبط العمل وهن لا يشعرن، بالإضافة إلى التشويش على الحاضرات جزاك الله خيراً. A قد كنتُ أتصور أن مشكلة النساء وكلام النساء، وكيف حالكِ؟ وهل أنتِ بخير؟ وكم لديكِ من أولاد؟ وكنا نريد أن نأتي إلى عمارتكم، وهل معكم سيارة؟ وأين يعمل زوجك؟ وغير ذلك، كنت أتصور أن هذا عندنا في الجنوب فقط، ولكن تبين أن ذلك موجود حتى عندكم في الرياض؛ وطبع النساء واحد، ولا حول ولا قوة إلا بالله! أهل الإيمان يبكون في حِلَق الذكر من خشية الرحمن، وهي جالسة تتكلم مع زميلتها، لم تعلم أين الجنة ولا أين النار، وتطلب من زوجها، وتقول: أوصلنا نحضر الذكر، فتخرج من هنا بالإثم والغضب من الله؛ لأنها معرضة عن الله، تجد العالم ينقطع صوتُه ويَبُحُّ نحرُه، وهو يحذِّر وينذِر، ويرغِّب ويرهِّب، وتجدها تتكلم، وإذا خرج زوجها من المسجد فقال: ماذا عرفتِ؟ قالت: ذكره الله بالخير، لم يدع وادياً إلا أوصلنا إليه، ذكره الله بالخير، وإذا قال: وما عرفتِ؟ قالت: لستُ أدري، كلام الواجب، ما دريتُ أين أوله ولا أين آخره. وذلك لأنها كانت تتكلم فما درت عن شيء؛ وإذا رأت امرأةٌ أمراةً أخرى لأول مرة منذ سنة أو سنتين أو ربما لا تعرفها، فإنها تسألها مجرد أن تدخل: أين بيتكم؟ وهي لا تعرفها، فتقول لها: بيتنا في حي كذا، فتقول: البيت لكم، أم هو مستأجر؟ وإذا قالت: بل مستأجر، قالت: أرجو أن يكون واسعاً، يحتوي على غرف أربع أو خمس، وهل معكم سيارة؟ وأين وظيفة زوجك؟ وهل عندك أولاد؟ وكم هم؟ وهل الأول في المدرسة؟ وكم سِنُّه؟ وكيف هي ابنتكم؟ وتظل في الحديث إلى الساعة الثامنة والنصف، وتخرج وقد توِّجت بغضب الله. وليتها ما حضرت -والعياذ بالله-. إن المؤمنة ينبغي لها إذا جاءت إلى المساجد أن تلتزم بآداب الإسلام: أولاًَ: ألا تلبس من الثياب جميلاً، فلا تخرج إلى المسجد كما تخرج إلى معرض الأزياء، لا. بل تلبس البذل من الثياب والرديء. ثانياً: ألا تتطيب؛ لأن شم الريح منها يفتن، وإذا خرجت فشم الرجال ريحها فهي زانية. ثالثاً: أن تحتجب بالحجاب الشرعي الكامل، فلا يبدو منها شعرة ولا ظفر، وجهها ويداها وقدماها وجسمها بالكامل. رابعاً: أن تدخل المسجد خاشعة خاضعة، لا ترفع صوتها، ولا تنظر إلى أحد. خامساً: أن تجلس في مصلاها، وتستقبل القبلة، ولا ترد كلمة على أحد، وحتى التي تسلم عليها تقول لها: لا كلام الآن، اسمعي الواعظ أو الشيخ، إلى أن تنتهي الحلقة. ثم تخرج -إن شاء الله- وقد استفادت. أما أن تأتي لتتكلم فليتها ما حضرت، لا حول ولا قوة إلا بالله!

مسائل تتعلق بلباس المرأة

مسائل تتعلق بلباس المرأة Q كثير من الإخوة يخبرون الشيخ بأنهم يحبونه في الله سبحانه وتعالى. وهنا سائلة تقول: فضيلة الشيخ! هناك من الزميلات من قد انْسَقْنَ وراء اتباع الموضة، من قص الشعر، ومن لبس الضيق والمفتوح وغيره، مما كان من الغرب، وقد أتلف أبصارهن أيضاً كثرة نظرهن إلى التلفاز، وإلى التمثيليات، وأنا أدعو لهن بالخير، فما هو الحل -جزاك الله خيراً-؟ A هذه فتنة استطاع الشيطان أن يروجها، وأن يبيعها في سوق النساء؛ لأنهن -كما جاء في الحديث- حبائل الشيطان، إلا من هدى الله وعصم، فتنة التبرج، والتبرج: هو خلق من أخلاق الجاهلية، يقول الله عز وجل لنساء النبي صلى الله عليه وسلم، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والخطاب موجه لهن ولسائر نساء الأمة: {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:33] والتبرج: يشمل كل مظهر من مظاهر الفتنة: في اللباس، أو في المشية، أو في النغمة والصوت، أو في أي مظهر من مظاهر الفتنة، وما نلمسه اليوم ونشاهده هذا تبرج جاهلي من طراز عال جداً، وهو لبس الضيق من الثياب، وقد جاء في الحديث: أن من يصنع هذا فهو من أهل النار، قال عليه الصلاة والسلام: (صنفان من أهل النار لم أرَهما بعد: نساء كاسيات عاريات)، قال العلماء: كاسية وعارية، كيف تكون؟ قال العلماء في الماضي: كاسية بنعم الله، عارية من شكرها؛ لكن أثبت الواقع اليوم أنها كاسية وعارية؛ لأنها تلبس لباساً ضيقاً يصف جسمها، ويفصل عورتها، كما لو كانت عارية، أي: لو أنها عارية لفَرَّ الناس منها، لكن بهذا اللباس أعراها أكثر، وفضحها أكثر، والحق للمسلمة أن تلبس ثوباً واسعاً فضفاضاً، لا يصف منها عورة، ولا يكشف منها سوءة (نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات)، وقف علماء الحديث في الماضي أمام هذه العبارة، وقالوا: الله ورسوله أعلم من مراده منها! كيف مائلة مميلة؟ أما الآن فرأيناهن مائلات مميلات، مائلة: في باروكتها، فتأخذ لها شعراً، ثم تجمعه فوق رأسها، إلى أن يصل فوق رأسها مثل سنام البعير، كما جاء في الحديث (رؤوسهن كأسنمة البُخت) انظر إلى سنام الجمل إذا مشى كيف يكون، يميل يميناً وشمالاً، وهذه كذلك، تكوِّم الشعر وتلفه وتلفه إلى أن يصل فوق رأسها مثل: سنام البعير، ثم إذا مشت مالت وأمالت، وأيضاً: تلبس الكعب العالي، الذي يقلب المحملة، وقد ذكر علماء الطب: أن المرأة التي تلبس الكعب العالي تنقلب محملتها، وإذا تزوجت لا تحمل؛ لأنه يرفع عجيزتها من الوراء، ويبدي سوءتها للناس، وهذا مظهر من مظاهر الجاهلية، وهذا نوع من التبرج. أيضاًَ من صور التبرج الموجودة عند النساء اليوم: لبس الثياب المشقوقة من عند الأرجل، تفصل إحداهن ثوباً ثم تشقه من تحت، لماذا؟ ما هذا؟ عيب هذا الفعل، الثوب لا بد أن يكون ساتراً، أما الثوب الفاضح، وإن أرغمت عليه المرأة أن يكون ضيقاً من عند رجلها، فإنها تشقه من عند رجليها من اليمين ومن الشمال، وأعطت تأشيرة دخول للشيطان من يمينها ومن شمالها والعياذ بالله، فلا يجوز هذا. وأيضاً: الروائح، فتتعطر بعض النساء والبنات بالروائح الباريسية، هذه الكالونية الفاتنة، وتخرج -والعياذ بالله- ليشم الرجال ريحها. كل هذا من صور الجاهلية، والتبرج الذي نهى الله عنه في القرآن. وعلى المرأة المسلمة أن تتقي الله تبارك وتعالى، وأن تعلم أن عذاب الله عز وجل سيحل بها، وأنها لن تفلت من قبضة الله إذا ماتت وهي على هذا العمل، ولتذكر الوقوف بين يدي الله، ولتذكر دخول القبر، ولتذكر الخلوة فيه، ولتذكر الوحشة والضجة في القبر، لن ينفعها شيء في الدنيا. اتقي الله أيتها المرأة المسلمة، وتوبي إلى الله، فإنك بعملك هذا تصرفين الناس عن الله، وتصدين عن دين الله، وتضلين الشباب عن هداية الله، وما من شاب ينظر إليكِ إلا ويسمر الله في جسدك مسمارين يوم القيامة، وما من شاب تسببين في إهلاكه وإضلاله عن طريق الله بعبارة أو بكلمة أو بنظرة أو بحركة أو بريحة أو بمنظر يراه منك إلا وأنت سبب في ضلاله وقائدة له إلى عذاب الله في النار والعياذ بالله. والثوب إذا لبسته المرأة وشقت له فتحتان عن يمين وشمال على حجة أنها لن يراها إلا النساء فسوف يراها الرجال حتماً، أتدرون لماذا شقَّتها النساء؟! لأن هذا بداية لنزع الحجاب؛ لأن النساء تركب السيارات، فإذا جاءت لتركب السيارة وثوبها طويل فلن يرى أحدٌ شيئاً، لكن عندما تقدم رجلاً، وترفع العباءة، فعند الفتحة ينكشف الساق، فيرى الناس ساقها، فتفتن الناس، وإذا قالت: لا أحد يراني، لا يراني إلا زوجي وأهلي، نقول لها: ولكن حينما تركبين السيارة والشارع مليء بالناس، والشياطين يقتنصون، فسوف يراك الناس، لكن لو لبستِ هذا الثوب فقط في البيت بحيث لا تخرج، بل تلبسه للنوم لزوجها، فلا مانع، فإذا كانت لا تلبس هذا الثوب إلا للزوج فلا مانع؛ لأن للزوج كل شيء.

موقف الشباب المسلم من تعدد الجماعات

موقف الشباب المسلم من تعدد الجماعات Q يسأل السائل بالله العظيم أن يُعْرَض سؤالُه على الشيخ، وهو يقول: نسمع في هذا الوقت بالجماعات التي تدعو إلى الله سبحانه وتعالى مثل: جماعة الإخوان المسلمين، وجماعة الدعوة إلى الله، وجماعة السلفية، فما رأيك في ذلك؟ مع بيان موقف الشاب المسلم مما هو موجود؟ A أولاً: لا يجوز لمسلم أن يُلزم الآخر وأن يسأله بوجه الله في أمر لم يُلزم به من قبل الشرع، فما ينبغي لك أن تسأل بالله العظيم أنه لا بد أن يُقرأ سؤالُك، لماذا؟ لأن الجواب على السؤال إنما يقرر الحاجة له، هو المسئول عن الندوة والمسئول أيضاً عن الإجابة، فكل سؤال يَرِد ليس بالضروري أن يُجاب عليه، فلا تلزم الناس، بل اسأل سؤالك، فإن أجِبْت عليه فالحمد الله، وإن لم تُجَب عليه فبإمكانك أن تسأل سؤالك في الرجل الذي تريد أن تقدمه له على انفراد، أو بالتليفون، أو تذهب إلى غيره، أما أن تفرض على الناس أنهم يجيبون على سؤالك غصباً، وتقول: أسألكم بالله، فهذا لا يجوز. أما سؤال هذا الأخ الكريم، فنحن إذا دُعينا إلى الله ينبغي أن نسأل الذي يدعونا: إلى ما يدعونا؟ فإن كان يدعونا إلى شخص، أو إلى هيئة معينة، أو إلى جماعة معينة، فلا نستجيب له، وإن كان يدعونا إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله، وإلى دين الله الذي جاء به رسول الله، فنحن نستجيب له، ليس عندنا في الإسلام شعارات، ولا عندنا لوحات، ولا لافتات، بل عندنا شعار واحد، ولافتة واحدة اسمها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، كتاب الله وسنة رسوله، يقول عليه الصلاة والسلام: (تركتُكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك)، وقال: (تركتُ فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي). فأي واحد يدعوك، إذا دعاك فقل: إلى أي شيء تدعوني؟ إذا قال: أدعوك إلى الإسلام -الكتاب والسنة- فأنت معه، وإذا قال: أدعوك إلى جماعة كذا، أو حزب كذا، أو هيئة كذا، أو مؤسسة كذا، فقل: لا يا أخي، أنا مسلم، ولا أريد أن أعيش إلا على الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وإلا فإن السلف الأول وتابعوهم كانوا من أي جماعة؟ فما عندنا تحزبات في دين الله، وإنما عندنا دين الله الواضح، وشرع الله الكامل الذي جاء من عند الله تبارك وتعالى، كتابٌ وسنة، وغيرهما فلا.

موقف الشاب الملتزم من زملائه الذين لا يصلون

موقف الشاب الملتزم من زملائه الذين لا يصلون Q فضيلة الشيخ! أنا أحبك في الله سبحانه وتعالى، وأنا موظف، وهناك بعض زملائي في الوظيفة، عندما تأتي صلاة الظهر لا يصلون، وقد نصحتهم مراراً، فما هو موقفي منهم جزاك الله خيراً؟ A أولاًَ: أحبك الله الذي أحببتني فيه. ثانياً: موقف الموظف وهو رجل محافظ ومجتهد وملتزم أسأل الله أن يثبته، بالنسبة لإخوانه الموظفين معه في العمل فله أولاً: أن يبدأ بالنصيحة، والدعوة ولكن بالصبر والحكمة وبالكلمة الطيبة، سمعتُم في القراءة التي قرأها عليك المقرئ أول اللقاء، سمعتم قول الله عز وجل: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33] ثم قال الله عز وجل بعدها مبيناً الأسلوب الصحيح للدعوة، فقال: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ} [فصلت:34] لا يستوي الأسلوب الطيب، والأسلوب السيئ في الدعوة، {ادْفَعْ} [فصلت:34] بماذا؟ {بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت:34] أي: قابل الأمور وعالج المشاكل بأحسن عبارة وألطف أسلوب {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ} [فصلت:34] بأسلوبك الطيب الذي بينك وبينه عداوة تحوله إلى ماذا؟ {كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34] ثم قال عز وجل إن هذا الكلام لا يقدر له كل أحد، هو في الذهن سهل لكن في التطبيق صعب، قال الله: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:35]. أسأل الله أن يرزقني وإياكم من الحظ العظيم في هذا الشيء الكثير، وهو الحِلم والصبر، فإذا جئتَ إلى زميلك، وقلتَ له: صلِّ: يا أخي الصلاة خير، وقال: جزاك الله خيراً، فقد برئت ذمتُك منه، ولكن ليس بالضروري أن تذهب وتبحث عنه في المسجد، وإذا ما لقيتَه في المسجد تتكلم عليه، أو تضاربه، أو تبغضه، لا. بل عليك بدلالة الإرشاد، أما الاتباع فليست لك، هداية الإتباع لمن هي؟ لله، أنتَ دله على الطريق وكفى، ولكن متى تبغضه؟ تبغضه إذا رفضك، أما إذا حدثته كل أسبوعين أو ثلاثة وجلست معه، وليس كل يوم، كلما مررت عليه قلت له: صلاة صلاة، كأن تقول له اليوم: صلاة، وغداً تقول له: صلاة، وبعد غد تقول له: صلاة، ثم بعدها يغضب عليك ويزهق منك، ويقول: يا رجل! شغلتنا، كل يوم صلاة صلاة، لن أصلي، فتكون أنتَ من جعله يقف هذا الموقف بأسلوبك، بل إذا قلتَ له: صلاة، فقد انتهى الموضوع، فتتحين له فرصة أخرى، أو انظر له مناسبة أخرى، أو زُره في بيته أو في مكتبه، أو اهدِ له شريطاً، اذكر له الحياة الدنيا الآخرة الموت الجنة، بأسلوب طيب وبطريقة حكيمة، حتى يكون عندما تذكر له مرة أخرى قال: جزاك الله خيراً، الحمد لله. أما إذا نصحتَه ودعاك وقال لك: أرجوك لا تنصحني، فكلما جلستُ معك قلتَ: الصلاة الدين، تريد أن تجلس فاجلس، الدين ما عدتُ أريد أن أسمعه منك، ولا تنصحني، ولا لك علاقة بي، فهناك يلزمك شرعاً أن تبغضه في الله، وتقول له: فِراقٌ، لماذا؟ لأنه حدد منك موقفاً معيناً يلزمك أنت أيضاً أن تحدد منه موقفاً معيناً. أما إذا كان ما زال يقبل الدواء، فأعطه الدواء، فأنت كالطبيب وهو كالمريض، والمريض في المستشفى كلما يمر عليه طبيب يعطيه علاجاً، ويقبل، والعافية بيد من؟ بيد الله، لكن ما رأيكم إذا قال الطبيب للمريض في الصباح: اشرب هذه الحبوب، فقال: لا أقبلها، فقال له: نعطيك إبرة، قال: والله لا أضربها، فقال له: إذاً: نعطيك أشعة، قال: ما هذه الأشعة، ما رأيكم ماذا سيفعل في الطبيب؟! أيتركه أم يخرجه؟ بل يكتب له ورقة خروج، ويقول: المريض غير متجاوب مع العلاج، لماذا؟ لأن المريض حدد من العلاج موقفاً. فأنت عنده كالطبيب، وما دام يقبل العلاج منك فأعطِه، مَرَّةً حبوباً، ومَرَّةً إِبَراً، ومَرَّةً أشعةً، ومَرَّةً هديةً، وهكذا، إلى أن يعافيه الله، والعافية لا تنتظرها أنت، الذي ينزل العافية هو الله، {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءَُ} [القصص:56].

ظاهرة الانتكاس وعلاجها

ظاهرة الانتكاس وعلاجها Q يقول: ظاهرةُ الانتكاسِ، ظاهرةٌ ملاحَظةٌ في صفوف الشباب الذين التزموا والشابات اللاتي التزمن، فما الحل؟ وما العلاج؟ A نعم. يلتزم الشاب فترة معينة، أسبوع أسبوعين، شهر شهرين، ثم ينتكس، وتلتزم الشابة فترة معينة ثم تنتكس، ويصابون بشيء من الإحباط نتيجة اصطدامهم ببعض القضايا في بيوتهم، أمه ترفض أبوه يرفض أهله ضده، وبعد ذلك يعاكس ويصادم، وبعد ذلك ينهزم، ويرجع رجعة ألعن مما كان عليه قبل الاهتداء -والعياذ بالله-. أولاً: المنتكس والراجع هذا سببه سوء البداية، فسوء البداية يؤدي إلى سوء النهاية، فالذي يلتزم الطريق من أوله يوصل، لكن الذي يمشي الطريق من أوله وهو غلطان، فيكون كلما سار زاد غلطه، والذين يهتدون هداية شكلية مظهرية، أو هداية عاطفية، بناءً على موقف معين مر بهم، فهؤلاء لا يلزمون الطريق بأسلوب صحيح، بل يأتون بعُنف على أنفسهم، وعلى أسرهم، وعلى آبائهم، وفي مجتمعهم، ثم تزول العاطفة، وينكشف المظهر الخادع، فيُحبَطون ويرجعون، مثل رجل يريد طلوع السطح، وبدل أن يأتيه درجة درجة حتى يطلع، بدلاً عن ذلك أراد أن يقفز مباشرة إلى السطح، فلا هو الذي وصل، ولا هو الذي سلم، بل ضرب برأسه في وسط الجدار ووقع وانكسر، ولو أنه مشى شيئاً فشيئاً لوصل. أو كرجل أخذ له سيارة وبدل أن يمشي بها مثلاً إلى الجنوب أو إلى الشمال أو إلى أي جهة، ويقف كلما مشى قليلاً، أو كلما سخنت، وإذا ما انتهى زيتُه يغيره، وكلما انتهى بنزينه يغيره، بدلاًَ عن ذلك استهلكها استهلاكاً متواصلاً من يوم أن أوقفها إلى أن انتهى البنزين أو إلى أن فسد الزيت تماماً حتى خَرِبَت السيارة، فهذا اسمه المُنْبَتُّ، لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع. المُنْبَتُّ: الذي يمشي بغير هدىً، يأخذ جمله ويمشِّيه ويمشِّيه دون أن يوقفه، ودون أن يؤكله ودون أن يريحه، حتى أمات الجمل، وبعد ذلك تعطَّل، لا هو الذي وصل، ولا هو الذي سلم، قال العلماء: كالمُنْبَت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى. فما أبقى له جملاً، ولا وصل، وهؤلاء هم أكثر الشباب اليوم، فهم يغترون بالمظاهر، ويتصورون فقط أن الهداية والالتزام في بعض الأمور التي جاء بها الدين، ولكنها أمور ظاهرة، فيخدعون بها أنفسهم ويخدعون الناس بها، وهذه أمور سهلة، كل واحد بإمكانه إطلاق لحيته، وتقصير ثوبه، وعمل بعض الأمور التي جاءت في الدين، لكن هذه ليس عليه المعوَّل، بل المعوَّل على القلوب، الكلام في قلبك، صدقك مع الله، يقينك بالله، تصديقك بحقائق الإيمان، إخلاصك في توبتك ورجعتك لله، هل أنت مخلص لله؟ ترجو النجاة من عذاب الله؟ ترجو الفوز بجنة الله؟ تراقب الله في كل حين؟ بعض الشباب تجده ثوبه قصير، ولحيته معفاة، لكنه تجده إذا رأى امرأة فتَّح عينيه هكذا، وتجده إذا دخل غرفته في الليل بدل أن ينام على ذكر الله، يبحث له عن أغنية ويجعلها مرخية جداً لكي لا يسمعها إخوانه، ولكن الله يسمعك، ويخدع الناس، ظاهره ظاهر إيماني، فهذا لا يستقيم أبداً ولا يستمر، بل يرجع إلى العذاب -والعياذ بالله- والدمار، ونحن نقول لإخواننا: أولاً: صححوا البدايات. ثانياً: أخلصوا العمل لله. ثالثاً: رويداً رويداً، والصبر، {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} [فصلت:35] على أهلكم وعلى أسركم، فإذا جاء أحدكم إلى أسرته فلا يحمل أسرته على الطاعة بالقوة، ويأخذ نفسه بالكمال، لا مانع، لكن في بيته لا يغضب على أمه ولا على أبيه ولا على إخوانه ولا على أخواته، إنما بلطف وحكمة وطيب وخدمة وحب وتفاني، وليدعُهم إلى الله بحكمة، فإن أطاعوه واستجابوا فالحمد لله. أما بالقوة والعناد والمضاربة، فإنه يحوِّل كل الأسرة ضده، وبالتالي يجد نفسه لوحده في الميدان، وإذا به يريد كل شيء، فيخسر كل شيء، ولا يحصل على شيء، ويقولون: من أرادها كلها ضيعها كلها. لكن قليلاً فقليلاً. رابعاًَ: عليكم بمثبتات الإيمان وهي كثيرة، وأذكر لكم أربعة فقط: 1 - المثبت الأول: كتاب الله: كتاب الله أعظم مثبت، يقول الله عز وجل: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} [الفرقان:32] فمن قرأ القرآن واستمر على قراءته، وداوم على تدبره، فهذا لا يضله الله بل دائماً يثبته الله. 2 - المثبت الثاني: فعل أوامر الله وترك نواهيه، والدليل: قوله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} [النساء:66]. 3 - المثبت الثالث: قراءة سِيَر الأنبياء وتاريخ الرسل، فتقرءون سَيَرَهم في القرآن الكريم وفي التفاسير، فتقرءون قصة موسى، وقصة عيسى، وقصة نوح، وقصة أيوب، وقصة هود، وقصة يوسف، وقصة يعقوب، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم تقرءونها، قال الله عز وجل في القرآن الكريم: {وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود:120] فعليكم أن تثبتوا موازين الإيمان عندكم بهذه الأمور الثلاثة مع الأمر الرابع. 4 - المثبت الرابع: الدعاء، ادع الله في كل لحظة، فقولوا: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8] اجعلوا هذا الدعاء في سجودكم، واجعلوه في قيامكم في الليل، واجعلوه في كل لحظة من لحظاتكم، كلما ذكرتم الله ادع الله به، {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا} [آل عمران:8] وادع بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك).

نصيحة لمن يقترفون المعاصي ويتوبون ثم يرجعون إليها

نصيحة لمن يقترفون المعاصي ويتوبون ثم يرجعون إليها Q يقول: فضيلة الشيخ! أنا أحبك في الله، وأنا في طريق الاستقامة منذ مدة، ولكن هناك بعض المعاصي إذا ابتعدتُ عنها رجعتُ إليها، ثم أندم بعد ذلك وأستغفر الله سبحانه وتعالى، لكن ما ألبث على ذلك إلا بضع أيام وأعود إليها، فماذا تنصحني وأمثالي جزاك الله خيراً؟ A ننصحك أن تتوب إلى الله توبة صادقة نصوحاً التي خاطبك الله بها وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً} [التحريم:8] قال العلماء: التوبة النصوح: هي التي توفرت فيها شروط التوبة الثلاثة: أولاً: الإقلاع عن الذنب. ثانياً: الندم على ما فات منه. ثالثاً: العزم على عدم العودة إليه. فمن تاب هذه التوبة تاب الله عليه. أما التوبة الكاذبة التي يتوب منها الشخص وفي نيته أن يعود في الغد، فهذا لم يتُب توبة نصوحاً، فالتائب من الذنب والعائد إليه كالمستهزئ بالله عز وجل، ونخشى عليك يا أخي! أنك تتوب إلى الله من ذنب ثم ترجع إليه، فلا تتوب إلى الله منه، بل تُب، ولكن لا يُقفل الشيطان الباب عليك، بل كلما أراد أن يوقعك في ذنب فتُب إلى الله؛ لأن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها، فلا يا أخي! لا تقنط من رحمة الله، وأقبل وتُب.

حكم العادة السرية

حكم العادة السرية Q أنا شاب مُبتَلىً بالعادة السرية، وبعضُهم يُجيز لي أن أفعلها باعتبار الضرورة، فما هو الحُكم؟ وبماذا تنصحُني؟ A الذي يُجيزها ليس له دليل، والفتوى صادرة من هيئة دار الإفتاء اللجنة الدائمة للإفتاء، بتوقيع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، بأنها محرمة، وهي أخت الزنا -والعياذ بالله-، وأدلة تحريمها من كتاب الله ومن سنة رسول الله. فأما من كتاب الله: فقوله عز وجل: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ} [المؤمنون:5 - 6] ماذا؟ {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون:6] زوجتك أو الأمة التي عندك، ملك يمينك، فقط، {فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ} [المؤمنون:6 - 7] فمن ابتغى شيئاً غير هذين الأمرين، بيده أو بغير ذلك {فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون:7]. وأما من سنة رسول الله: فقوله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للطرف وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم) ما قال: فعليه بيده، (فإنه له وِجاء). ووردت بعض الآثار في التحذير والنهي عن هذه المعصية المحرمة والعياذ بالله. فتُب إلى الله، واعلم أن الذي يقودك إلى الوقوع فيها هو الشيطان، فإذا رأى منك صلابة في الموقف وقوة في العزيمة انصرف عنك، أما إذا رأى منك ضعفاًَ وخَوَراً وحباً لهذه الشهوة المحرمة، قادَكَ إليها فتهلك. وقد قرر الطب الحديث أن الممارسة لهذه العادة السرية الخبيثة -واسمها العادة السرية تلطيفاً لاسمها، وإلا فإن اسمها: نكاح اليد- قرروا أنها سبب لإصابة الإنسان بأمراض خطيرة، منها: العُقم، الذي يُمارس العادة السرية إذا تزوج يكون عقيماً؛ لأن الحيوانات المنوية ذات الحياة والقوة تُستهلك وتُستنفذ عن طريق العادة السرية، فإذا تزوج لم يبقَ له شيء، قد صرَّف كل بضاعته في يده -والعياذ بالله- فلا تحمل زوجتُه، ثم قالوا: أنها تحدث له أمراضاً نفسية، وتجعله إنساناً هابط النفس، ليس لديه من شُغل إلا يده -والعياذ بالله- لم يخلقك الله يا أخي! لهذه المعاناة، لكن اصبر، وتمسك بطاعة الله، وابتعد عن المهيجات، لا تنظر إلى النساء، ولا تسمع الأغاني، ولا تقرأ القصص الجنسية، ولا تنظر إلى المسلسلات والأفلام الجنسية، ولا تجلس مع العُصاة الذين يذكرونك بالبنات والنساء، وإنما إذا قامت عندك الشهوة، واستطاع الشيطان أن يقنعك بشيء من هذا، فاغتسل، وصلِّ ركعتين أو أربع ركعات، أو اقرأ القرآن، أو اسجد لله، والله سوف يصرف عنك هذا الشر بإذن الله عزَّ وجلَّ. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قوة الروح، وقوة الجسد

قوة الروح، وقوة الجسد إن قوة الروح والجسد لدى المؤمن تنفعه في الدنيا والآخرة، فأما في الدنيا فيعيش في سعادة وأمان واطمئنان حتى الموت، وأما في الآخرة فإنه يجد ما حباه الله من النعيم الأبدي، والخلود السرمدي ما لم يعطه لأحد غيره من ضعفاء الأرواح والأبدان، ولذلك على المؤمن أن يكون قوياً في عقيدته وروحه وإيمانه، فيسعد بذلك سعادة لا يشقى بعدها أبداً.

أهمية القوة الإيمانية وفضلها على القوة المادية

أهمية القوة الإيمانية وفضلها على القوة المادية الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين. وبعد: أيها الإخوة في الله! القوة مطلوبة، والمؤمن مطالب بأن يكون قوياً؛ لأن الحياة لا تعترف إلا بالقوي، الضعيف يرفض ويداس بالأقدام؛ خصوصاً حينما تغيب شريعة الرحمن، وتسود شريعة الغاب، والله عز وجل يأمر بإعداد القوة فيقول: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال:60] ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍ خير). والقوة المطلوبة قوة شاملة، قوة في الإيمان والأبدان والعلوم والاقتصاد، وكل مناحي الحياة: (المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير). وحينما تذكر القوة لا يتبادر إلى أذهان الناس إلا القوة المادية؛ لأن العقول تلوثت وحصلت فيها تصورات غريبة على الإسلام، حينما يعتمد الناس على قوة المادة وينسون قوة الله، فإذا ذكرت لهم (القوى) فلا تنصرف الأذهان إلا إلى قوى المادة، وينسون قوة الإيمان والأرواح، رغم أن أهمية قوة الروح والإيمان أعظم بملايين المرات من قوة الأبدان والسلاح، لماذا؟ لأن الله عز وجل ينصر بالإيمان ولا ينصر بقوة السلاح، والتاريخ أمامنا، وبالاستقراء نعرف كيف حصل هذا؟ ففي غزوة بدر خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومجموعة من أصحابه ليس فيهم إلا اثنان من الخيالة فقط، وما خرجوا لقتال، إنما خرجوا لاقتطاع القافلة التي كانت تأتي بالتجارة لقريش من الشام إلى مكة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في حرب مع قريش، ومن حقه أن يقطع عليهم الطريق، فلما علم أن القافلة قادمة من الشام خرج لقطعها، ولما علم أبو سفيان -وكان أمير القافلة- نجا بها عن طريق الساحل، وعلمت مكة بخروج النبي لاقتطاع القافلة فخرجت عن بكرة أبيها؛ بقضها وقضيضها، وحدها وحديدها، ورجالها ونسائها يبلغون ألف مقاتل، ولما بلغهم أن القافلة قد نجت اختلفوا، فقال قائل منهم: نحن خرجنا لإنقاذ القافلة وما دام أن القافلة قد نجت فلم نقاتل؟! وقال الفريق الثاني: ما خرجنا للقافلة فقط، خرجنا لنستأصل شأفة الإسلام من أساسه، لنقضي على محمد، فإنه إن نجت القافلة اليوم لن تنجو غداً، ويقول أبو جهل: والله ما نرجع حتى نصل بدراً، ونشرب الخمر، ونضرب الطبول، وتعلم العرب أننا قد انتصرنا على محمد، وأيد هذا النداء في قلوبهم الشيطان، قال لهم: إني جار لكم، وقال لهم: لا غالب لكم اليوم من الناس، وقال: إني معكم، ولما حصلت المواجهة بين قوى الإيمان ممثلة بالصحابة وهم ثلاثمائة وبضعة عشر، بدون سلاح إلا سلاح الإيمان، وبين قوى الكفر الممثلة في قريش بجميع أسلحتها وعددها؛ كانت القوى غير متكافئة، فتدخلت قوة الله لتغليب جانب قوى الإيمان، وأرسل الله ملائكة، أمدهم الله بألف جندي من جنود السماء، وهذه أول معركة تشترك فيها الملائكة مواجهة بالإنس، وما كانت تعرف الملائكة كيف تقتل الناس؛ لأنها لا تعرف كيف تقاتلهم؟ فالله علم الملائكة فقال: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال:12] من أراد الله قتله ضربته الملائكة في رقبته، ومن أراد الله تعويقه دون قتلٍ ضربته الملائكة في أصابعه فتطيح الأسلحة من يده، تتقطع البنان وهي الأصابع: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال:12] وقتل الكفار، وانتصر الإسلام يوم الفرقان. وتدور عجلة الزمن إلى أن يحصل الفتح ويدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة منتصراً، ثم يجهز الجيش على قبيلة ثقيف وهوازن، ويخرج اثنا عشر ألف مقاتل ثلاثمائة، ولكنهم اعتمدوا على قوتهم، وقال الله عز وجل: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة:25] وكانت ثقيف وهوازن قد استحكموا في رءوس الجبال، فأمطروهم بالنبال، وضربت النبال في وجوه الخيول ورءوس الجمال فانتكست ورجعت، ثم من أراد أن يقف لا يستطيع لأن الجيش كله يرجع إلى الخلف، فهرب كل الناس حتى قال قائلهم: والله ما يردهم إلا البحر، ولم يثبت في ذلك اليوم إلا الرسول صلى الله عليه وسلم ومائة صحابي فقط، كان ينادي عليه الصلاة والسلام: (يا أهل بيعة الرضوان! يا أهل سورة البقرة! أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب) قال الله عز وجل: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا} [التوبة:26] اثنا عشر ألفاً ما نفعوا لكن مائة مع الله نفعوا، فأقوى قوة يجب أن نعدها هي قوة الإيمان؛ لأننا منصورون بدون شك، وإذا قلت الإمكانات نصرنا الله عز وجل بجنود السماوات والأرض: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الفتح:4] الريح جنود، الملائكة جنود، الأمطار جنود، التثبيت المعنوي جنود، كل هذه جنود إذا تدخلت في المعارك لا يستطيع أحد أن يغلبها؛ لأنها قوة الله، والله تعالى يقول: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ} [آل عمران:160] لا يغلبك أحد إذا نصرك الله: {وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران:160] وتركيز الناس فقط على قوى المادة مع إهمال قوى الدين والإيمان والروحانيات دليل على خلل في تصوراتهم وأفكارهم، ينبغي تصحيح هذا الخلل.

تركيب الإنسان من روح وجسد، وما يحتاجه الجسد من ضروريات

تركيب الإنسان من روح وجسد، وما يحتاجه الجسد من ضروريات حتى نجيب على هذا الأمر لا بد أن نسأل: ما هو الإنسان؟ وما تركيبه؟ وما أصل خلقته؟ الإنسان مخلوق من عنصرين ومركب من مادتين: قبضة من التراب، ونفخة من روح الله، وأما بقية الحيوانات فإنها مشكلة من عنصر واحد: قبضة من طين الأرض، أما الإنسان ففيه عنصر طيني وعنصر روحاني، يقول الله تعالى فيه: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص:71 - 72] هل جاء السجود لآدم بعد التسوية من الطين؟ لا. بل بعد نفخ الروح؛ لأنه أكرم عنصريه. {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ} يعني: من الطين: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص:72] فجاء الأمر بالسجود بعد نفخ الروح دليلاً على أن أكرم عنصريك هي الروحانية التي فيك؛ لأنك تشارك بها الملائكة، وتشارك بالعنصر الطيني الحيوانات، فإذا تجردت من الروحانيات عشت حياة الحيوانات بل أضل؛ لأن الحيوان يعرف مصلحته، وهذا ما نص الله عليه في القرآن الكريم، يقول عز وجل: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179] سبحان الله!! بغير الدين ما أنت؟ حمار؟ لا. ألعن من الحمار! ليت الواحد حماراً نركب على ظهره، لكن ماذا نعمل فيه إذا لم يكن عنده دين؟ لأن الحمار يعرف مصلحته، والثور يعرف مصلحته، لكن الذي ليس عنده دين لا يعرف مصلحته، له عقل لا يعقل به، وله عين لا ينظر بها، وله أذن لا يسمع بها، عطلها الله حيث يقول: {وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصَاراً وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الأحقاف:26] {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:78] فالإنسان إذا لم يكن معه إيمان ودين يسقط وينزل درجة أقل من درجة الحيوانية، يقول الله عز وجل: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44] قدم للحيوان شيئاً ضاراً يرفضه، ادفع الحيوان إلى حفرة فيها نار يصرخ، مع أنه يضرب به المثل في البلادة، فقد ضرب الله به مثلاً في القرآن الكريم، وشبه به اليهود الذين عندهم علم ما عملوا به، رفضوه واعتمدوا على نسبهم وقالوا: هم شعب الله المختار، قال الله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً} [الجمعة:5] وهم في حقيقتهم يقولون: هم شعب الله المختار، والناس هم الحمير، والله سماهم الحمير حقيقة! الحمار وهو أبلد الحيوانات إذا حفرت أمامه حفرة ثم أخذته بعنانه وسحبته إليها يرفض، وتحاول تجره فيثبت يديه، يقول: أين عقلك أنت؟! لكن أكثر الناس أضل من الحمار، يرى النار بعينه ويقتحمها، أجل هو أضل! فالإنسان مكرم لأكرم عنصريه وهو عنصر الروح، عنصر الإيمان، وكما أن للجسد ضرورات فإن للروح أيضاً ضرورات، لا يستطيع الجسد ولا تستطيع الروح أن تعيش إلا بضروراتها.

الهواء من ضرورات حياة الجسد

الهواء من ضرورات حياة الجسد الجسد لا يستطيع أن يعيش إلا بالهواء، أليس كذلك؟ هل يستطيع أحد أن يعيش بغير الأوكسجين؟ أهم شيء عند الناس في الدنيا كلها وأغلى شيء الهواء؛ لأن الإنسان لا يستغني عنه لحظة، ولذا جعل الله عز وجل الهواء مما لا سلطة لأحد فيه، ويكون معك في كل مكان، ففي المسجد هواء، وفي الخارج هواء، وعندما تركب السيارة يلحقك الهواء، أو تدخل بيتك تجد الهواء، وتدخل دورة المياه فتجد الهواء، وتركب في الطيارة يلحقك الهواء وتمشي في أي مكان والهواء معك، وبعد ذلك تشتريه، ما رأيك؟ لو أن الهواء بنقود لكان كل واحد فوق ظهره قربة وجالون وعيار، متى يغلق؟ لكنه مجاناً يا إخواني! أهم شيء وأغلى شيء موجود هو الهواء، وبالرغم من هذا يجعله الله بالمجان وفي كل مكان.

الماء من ضرورات حياة الجسد

الماء من ضرورات حياة الجسد شيء آخر أقل أهمية من الهواء، لكن إذا لم يكن موجوداً مات الناس! الماء تحتاج إليه في أوقات وتستغني عنه في أوقات، فما جعل الله الماء ملازماً لك بحيث تمشي والماء يمطر عليك ليل نهار؛ ولو كان ذلك لغرقت وانتهيت، لكن جعل الله الماء في إمكانك الحصول عليه بأبسط التكاليف، تحفر الأرض فتخرج لك عين أو بئر، يجري الله الأنهار، وينزل الأمطار، فتحمل الأرض هذه المياه وتختزنها إلى مستوى قريب ثم تحفرها وتلقاها، لو أن الله عز وجل أخذ ماء المطر وتركها فوق الأرض لأسنت الأرض وتعفنت وانتشرت فيها الملاريا والحمى وكل الأمراض، ولو أن الله عز وجل فتح الأرض ونزل الماء إلى أسفل السافلين لم نجد قطرة، لكن لماذا الله عز وجل نزله إلى عدة أمتار وأبقاه؟ يقول الله عز وجل: {فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} [المؤمنون:18] وقال: {وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} [الحجر:22] تأتي على البئر مملوءة بالماء لا تذهب، بينما الماء إذا وجد أي فرصة للنفاذ ينفذ، والأرض عبارة عن طين وحجر وفيها شقوق لكنها أقوى من الحديد، فلا تسمح بنفاذ قطرة واحدة، ولو فتح في الأرض في أسفل البئر شق صغير لذهب الماء كله: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك:30] الله رب العالمين. فلما كان الماء ذا أهمية -ولكن أهميته تقل عن أهمية الهواء- وجد الماء لكن بنوعٍ من الكلفة؛ تحفر لك بئراً أو تمشي إلى النهر وتأخذ لك ماءً، المهم أنه موجود، لكن لا تستطيع أن تصبر عن الماء طويلاً، وفي البلاد الحارة يقول الأطباء والعلماء: يمكن أن يعيش الشخص مدة ثلاثة أيام أو أربعة أيام أو أسبوع إلى أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع بدون ماء، لكن بعدها تجف عروقه ويموت، وفي البلاد الباردة يمكن أن يعيش إلى شهرين بدون ماء؛ لأن الجو يرطب جسده ويعطيه قدرة على العيش بدون الماء.

الغذاء من ضرورات حياة الجسد

الغذاء من ضرورات حياة الجسد شيء ثالث من الضروريات للجسد: الغذاء. الطعام ضروري جداً للإنسان، ولا يعيش الإنسان إلا بالهواء والماء والغذاء، ولكنه ليس مهماً كالماء، فيستطيع الإنسان أن يصبر عن الطعام مدة طويلة، تعرفون بعض الناس يضربون عن الطعام أشهراً ولا يموتون، ولذا كان خروج الطعام للإنسان من الأرض بكلفة أشد، وبتعبٍ أكثر، لماذا؟ لأنه يستطيع أن يصبر عليه، هذه ضرورات الحياة: هواء وماءٌ وغذاء، هذه ضروريات لا يستطيع الإنسان أن يعيش بغيرها، وإذا فقد الجسد هذه الضروريات الثلاث مات. وكما أن للجسد ضرورات لا يستطيع أن يعيش إلا بها كذلك للروح ضرورات لا يستطيع الإنسان أن يعيش إلا بها، وإذا قصر في هذه الضرورات ماتت روحه، والناس في غفلة من هذا الأمر، وهذه مهمة -أيها الإخوة- ويجب أن نركز على هذا الموضوع جداً، فإذا كنا نعرف أننا مخلوقون من هذين العنصرين وأن لكل عنصرٍ غذاءه المناسب له، فلما كانت الروح من السماء كان غذاؤها من السماء، ولما كانت الجسد مخلوقة من الأرض والطين كان غذاؤها من الأرض والطين، ويوم أن نقصر في أي مادة من مواد الروح أو مادة من مواد الجسد تموت. أجل! نحن لا بد أن نعيش حياتين متكاملتين في تنفيذٍ لمتطلبات الجسد والروح، والذي يحصل الآن في البشر أنهم يغلبون جانب الجسد ويهملون جانب الروح فتموت أرواحهم، ويعيشون بغير دين، ويوم أن يعيشوا بغير دين يحصل هناك هزة عنيفة لكيان الإنسان، ويحكم الإنسان على نفسه بأنه ليس إنساناً بل حيوان؛ لأن فيه الجانب الحيواني ممثل بجسده، والجانب الروحاني ملغى من قلبه، فهو من أجل هذا الجانب يركز عليه ومن أجل ذاك الجانب يهمله، وبالتالي يعيش حياةً مشطورة.

أهمية الإيمان وسر تكريم الإنسان

أهمية الإيمان وسر تكريم الإنسان كلامي السابق ينتج عنه Q هل الإيمان والدين، والعفة والطهر والعفاف والنقاء، والأخلاق والقيم والمبادئ هل هي ضرورة للإنسان كضرورة الغذاء والشراب والهواء أم لا؟ هل يمكن أن يعيش الإنسان بغير هذه الأشياء؛ يأكل ويشرب ويتمتع ويعيش حياة سعيدة؟ الجواب هنا له شقان: فالذين نظروا إلى هذا الإنسان على أنه إنسان مكرم، وسر التكريم له أربعة جوانب: 1 - خلقه الله بيده. 2 - نفخ الله فيه من روحه. 3 - أسجد له ملائكته. 4 - علمه الأسماء كلها. هذا سر التكريم؛ وليس لأحد غير آدم، كل المخلوقات يقول لها: كوني؛ فتكون، إلا آدم فإنه مخلوق بيد الرحمن، ومنفوخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وعلمه الأسماء كلها: {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة:31] هذا تكريم لهذا الإنسان، وهذا معنى قول الله عز وجل: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء:70] وهذا معنى قول الله عز وجل في سورة الحج: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج:18] من أهانه الله حينما ترك دينه فمن يكرمه؟ أجل الكرامة هنا في الدين، سر التكريم فيك أيها الإنسان في الإيمان، أجل ولا يمكن أن تعيش حياة كريمة سعيدة إلا بالإيمان، وإذا عشت بغير إيمان فإنها تعيش حياة هينة هابطة لا قيمة لها. والذين نظروا على أن الإنسان حيوان قالوا: لا قيمة للدين ولا داعي له، لماذا؟ قالوا: نظرنا إلى الحيوانات وهي تعيش بلا دين، فلماذا نحن نحمل ديناً ونحن مثلها؟ حسناً من قال لكم: إن الإنسان حيوان؟ هذه هي فلسفة العصر الآن وعمدته قائمة على حيوانية الإنسان، من أين جاءت هذه؟ الذي لا يقرأ التاريخ ولا يعرف كيف تسلسلت الأحداث في العالم، ولا يراقب عجلة الزمن لا يدري، يظن الأمور جاءت صدفاً، والأمور وراءها مخططون، وراءها عقول تلعب بالبشر كالدمى.

النظريات الإلحادية التي أضلت البشرية في العصر الحديث

النظريات الإلحادية التي أضلت البشرية في العصر الحديث في إبان الثورة الفرنسية سنة ألف وسبعمائة وتسعة وثمانين للميلاد كانت أوروبا تعيش في سبات وضلال وجهل لا يعلمه إلا الله، وكانت الكنيسة والإقطاع والإمبراطورية الموجودة تمارس ضغطاً وتعذيباً وقتلاً للعلماء وتحريقاً لهم، ومصادرة للفكر والحريات بدرجة لم تعهد البشرية لها مثيلاً، وكانت الشعوب تضيق بهذا القهر والتسلط عليها، فحصلت الثورات الفرنسية، وبعدها الثورة الصناعية في بريطانيا، وتمرد الناس على سلطان الكنيسة، ورفضوا الدين المحرف الذي لعبت به أصابع البشر، والذي ليس من عند الله، الدين الموجود في أوروبا وهو الكنيسة والديانة النصرانية ديانة محرفة وليس دين الله؛ لأن الدين عند الله هو الإسلام، وألغى الله جميع الأديان والشرائع والملل، ورضي الإسلام للبشر ديناً، فالدين المحرف لا تقبله العقول، فلما رفضته أوروبا حصل التمرد على الدين، واستغل المخططون من اليهود هذا الحدث فوجهوه وفق أغراضهم، وفصلوه على غاياتهم وأهوائهم، كيف؟

داروين ونظريته في مراحل تطور الإنسان

داروين ونظريته في مراحل تطور الإنسان هناك طبيب اسمه دارون صاحب نظرية ليست حقيقة علمية قال فيها: إن الإنسان تطور ومر بمراحل من الرقي والتطور إلى أن أصبح إنساناً، كيف؟ قال: كان أصله في قديم الزمان خلية، ثم تطور من خلية إلى نبات، ثم تطور من نبات إلى نبات يشبه الحيوان، ثم تطور من نبات يشبه الحيوان إلى حيوان يحس، ثم تطور إلى حيوانات فقارية يعني: ليس لها أرجل ولا أيدٍ، بل تمشي على الأرض مثل السلاحف والحيتان في البحر، ثم تطور إلى القرد، ثم تطور من القرد إلى الإنسان، هذه نظرية دارون! من أين علمت يا دارون أن أصلك قرد من بعيد؟ هو قرد مع أن الله خلق القرود، قال: هذه نظرية التطور، قلنا: حسناً! والتطور هذا الذي حدث، فلماذا الإنسان بقي إنساناً؛ ولم لا يتطور؟ لم لم تستمر المسألة في تطور؟! قال: سوف يتطور، قلنا: وماذا يصير؟ قال: يصير فأراً -قاتله الله- حسناً، متى يا دارون؟ قال: بعد خمسة آلاف مليون سنة. كبَّر الكذبة! من الآن إلى ذاك الوقت يقول: قد نساها الناس، خمسة آلاف مليون سنة، أين ألف سنة؟ وأين مائة ألف؟ وأين مليون؟ وأين ألف مليون؟ خمسة آلاف مليون كذبة ليس لها طرف! لما قال بهذه النظرية كان يريد شيئاً في نفسه مع أنه يعرف أنه كذاب؛ لأنه ما شهد خلقه، يقول الله تعالى: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً} [الكهف:51] ليس موجوداً يوم خلق الله آدم حتى يقول: إن الإنسان كان خلية، هو جاء في سلسلة البشر القريب، والبشر كائن وموجود منذ زمن طويل فما علم أصلاً، لكنه يضرب على وتر، يريد أن يلغي قضية: إن الله خلق آدم بيده، وأن آدم كرمه الله وعلمه الأسماء، وأنه منفوخ فيه من روح الله، يريد أن يجعل آدم مثل القرد، وما دام القرد أبانا (فمن يشابه أبه فما ظلم) فما دام أن أباك قرد فأنت قرد يا ابن القرد، هو يقوله! فهو يريد غرضاً من هذا الباب. وفرح اليهود بهذه النظرية؛ لأنها تحقق مبدأً قامت عليه ديانتهم وهو العرقية، اليهود ديانة لا تكتسب ولكنها تورث؛ أي شخص يريد أن يدخل في اليهودية يقولون: ما أصلك؟ إن كان جده يهودياً يدخل، أما إذا لم يكن له نسب في اليهودية فلا يدخل؛ لأنهم يقولون: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة:18] ويقولون: إنهم شعب الله المختار، ويقولون: إن بقية الأمم هذه ليست إلا حميراً خلقها الله لخدمة اليهود، وقال الله عنهم: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} [آل عمران:75] الأميون: يعني: جميع الأمم غير اليهود، فهم ينظرون إلى الأمم على أنها درجة أقل من درجة اليهود، ولذا لا بد أن نستحمرهم، كيف نستحمرهم وبأي وسيلة؟ سمعتم قبل أيام بالمذبحة التي حصلت في المسجد الأقصى، والتي هزت كيان ضمير العالم كله مسلمه وكافره؛ لأنها لم تمارس بشكلٍ مثل هذا أبداً، يعني: أي واحد يعترض -مثلاً- في الدول يحتج ويعترض ويتظاهر تعالج هذه الاحتجاجات والمظاهرات بوسائل لفضِّها فقط؛ إما بأن يرشوا عليهم ماءً، أو عيارات نارية تطلق فوق رءوسهم، أو دخان مسيل للدموع، أو اعتقالات وقبض، أما أن يسلطوا الرصاص على العزل الذين ليس عندهم حتى عصي، ويقتلوهم كما يقتلون الغنم فهذا ليس موجوداً، حتى في الغنم الآن، فلو أن عندك غنماً في بيتك وهربت عليك واحدة فأنت لا تأخذ البندق وترشها بالرصاص؛ كيف ترشها بالرصاص فتقتلها، تقول: اقتلوها من أجل أن تمسكها؟! لكن هم ينظرون إلى الناس على أنهم أحقر من الغنم، فجاءوا ليمارسوا شيئاً في داخل الحرم، فاعترض المسلمون قالوا: لا تعملوا هذا الشيء، فماذا كان الجواب؟ إطلاق الرصاص، قتلوا واحداً وعشرين شخصاً، وجرحوا ثلاثمائة شخص في ساعة واحدة، لماذا؟ لأنهم ينظرون إلى البشر على أنهم أحقر من الحمير. ولهذا فرح اليهود بنظرية دارون وأخذوها وبدءوا يغيرونها من كل جانب من أجل أن توافق أهواءهم ورغباتهم.

فرويد ونظريته في الجنس

فرويد ونظريته في الجنس وظهر لنا خبيث اسمه: فرويد، هذا - فرويد - عالم يهودي وطبيب نفساني يهودي، هذا أنجس طبيب على وجه الأرض، نظريته قائمة على تفسير هو: ما دام أن الإنسان حيوان فإن لحركة الحيوان هذه مقاصد وأهدافاً، ما هي؟ قال: إن كل تحركٍ يتحرك به الإنسان فهو بدافع الغريزة الجنسية، حتى الطفل الصغير يرضع أمه وهو يتلذذ جنسياً، وإذا بكى وهو على ظهرها ورفع رجليه فهي حركة جنسية، وإذا مص إصبعه فهي حركة جنسية، وإذا بلغ سنة من عمره فإنه يرى أباه ويكرهه ويريد أن يمارس الحركة الجنسية مع أمه، فإذا كبر وصار عمره سنتين سرى حقد عنده على أبيه؛ لأنه يراه يأتي أمه، فيحقد على أبيه؛ لكنه يفاجأ بأن أباه كبير ويستطيع أن يضربه؛ فتحصل عنده عقدة الكبت الجنسي، يقول: ثم إذا كبر وأراد أن يمارس الجنس مع أمه فينظر أباه يصرف عليه، ويعطيه، ويذهب به إلى المدرسة؛ فيحصل عنده الضمير يقول: يؤنبه ضميره؛ كيف يصرف عليك أبوك وأنت تريد أن تعمل الجنس مع أمك؟ هذه نظرية الخبيث فرويد. من قال لك هذا يا فرويد؟! من أين أتيت بهذه النظرية؟!! ألا لعن الله هذا الملحد! قال: أجريت تجربة على قطيعٍ من الثيران في مزرعة من المزارع فوجدت عجلاً من العجول خرج من بقرة من الأبقار وكبر، ويوم أن صار ثوراً جاء وطعن أباه وركب على أمه، يقول: فالإنسان مثله. ومن قال لك: أيها البعيد! أننا ثيران أو بقر؟! شاهدوا كيف حيوانية الناس تأتي لهذا الجانب! ولذا ماذا قال؟ قال: لا يوجد دين يحكم الغرائز، ولا قيم، ولا مبادئ، والذي يحكم الغرائز الجنس فقط، وهذه أقذر نظرية! وتلقتها أوروبا بالقبول ونفذت، ولما نفذت تحللت الروابط، وزالت القيم، وأبيحت المحرمات، وحصلت الإباحية الجنسية، ففي دول أوروبا الآن الإباحية الجنسية على أتمها، لا يوجد شيء ممنوع، ولذا أحل الله بهم الدمار في الدنيا قبل الآخرة، وسلط الله عليهم جندياً مجهولاً صغيراً لا يرى بالعين المجردة وهو جندي الإيدز، سمعتم بالإيدز؟ هذا (فيروس) وليس حتى جرثومة، (فيروس) لا يرى إلا بالمكبرات، هذا جندي صغير سلطه الله عليهم، أين كان هذا الإيدز؟ والإنسان موجود من قبل، لماذا لم يظهر إلا في هذا الزمان؟! جندي أرسله الله ليدمر البشر الآن، حتى قال وزير الصحة السويدي ورئيس منظمة الصليب الأحمر في السويد: إن علينا أن نعيد النظر في ممارساتنا الجنسية بحيث يبقى لكل رجل سويدي امرأة واحدة سويدية. وهذا يعني: الإسلام، يقول: لا يصلح أن يمارس الجنس مع كل امرأة؛ هذا سبب لنا هذا المرض وهذه المشكلة، عاشت أوروبا في بعدٍ عن الله عز وجل وفي حيوانية وبهيمية ساقطة بسبب نظرية فرويد التي بناها على نظرية دارون.

دور كهايم ونظريته: حتمية القطيع الجمعي

دور كهايم ونظريته: حتمية القطيع الجمعي جاء شخص آخر اسمه: دوركهايم وقال: إن الحتمية القطيعية هي التي تحكم الناس، لا دين ولا مبادئ ولا أخلاق ولا قيم ولا تقاليد. فما الذي يحكم الناس؟ قال: الذي يتعارف عليه الناس. لماذا؟ قال: إني أنظر إلى قطيع الغنم وهي تأتي من المرعى؛ يكون دائماً في أول الغنم ماعز أو خروف، يقول: إذا مشى شمالاً فكلها تمشي وراءه دون أن تسأله: لماذا مشيت شمالاً؟ كل رءوسها ماشية وراءه فقط، وإذا مشى يميناً كلها تمشي وراءه. يقول: ونظرت إلى سرب الطير في السماء، وفي أول السرب طائر طار شمالاً وكلها تطير وراءه، يطير يميناً وكلها تطير وراءه دون أن تسأل. لماذا؟ قال: هذا نظام القطيع، إن القطيع يتبع قائده، يقول: والبشر هم قطعان حيوانية بشرية، فأي شخص يدعوهم إلى شيء مشوا وراءه جميل أو قبيح، المهم أنهم وراءه فقط. هذه نظرية دوركهايم، يسميها حتمية القطيع الجمعي، يعني: ما اجتمع عليه الناس وساروا فيه هو الذي يقع، بدون أي دين، ولا يكون رسالة من الله ولا يكون تقليداً.

ماركس ونظريته المادية

ماركس ونظريته المادية وجاء الثالث اليهودي الخبيث وهو ماركس الذي نادى بنظريته البلشفية الشيوعية، والتي أفلست والحمد لله، وبدأت أوروبا الشرقية التي كانت فيها، وروسيا ترفضها وتتمرد عليها وتنقضها؛ لأنها أثبتت الفشل لها من خلال التطبيق والواقع. نادى ماركس بحتمية المادة، يقول: إن الذي يحكم الناس: المصلحة المادية، يعني: الريال فقط، ولهذا يقول: لا إله والحياة مادة؛ الحياة ريال، لكن من الذي خلق الإنسان ماركس أو فرويد أو دوركهايم أو دارون؟! الذي خلق الإنسان هو خالق الإنسان، وهو الذي أنزل عليه هذا الدين وهذا الإيمان كلباس مفصل عليه؛ يوم أن يلبسه يعيش في سعادة، ويوم أن يرفضه يعيش في شقاء. غير أن البشرية أجيبت وفق هذه النظريات الخبيثة على أن الإنسان حيوان، وما دام أنه حيوان فلماذا يكون له دين؟ ولماذا يتميز عن الحيوانات بدين؟ نظروا إلى البقر وإذا ليس لها دين، وإلى الكلاب وإذا بها ليس لها دين، وإلى الخنازير وإذا بها ليس لها دين، وإلى جميع الحيوانات في حدائق الحيوانات ما لها دين، قالوا: وأنت واحد منها فلماذا تخترع لك ديناً؟ لماذا تشذ أنت عن الحيوانات وأنت واحد من الحيوانات؟ فعاش البشر بلا دينٍ كحياة الحيوانات التي قال الله تعالى عنها في القرآن الكريم: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:12] هذا كلام الله عز وجل. ولما قدمت هذه النظريات للبشر فهموها على أنها دين وأنها هي المبدأ السائد في الحياة، فعاشوا حياة الحيوان والعياذ بالله! ويوم أن يكون الإنسان حيواناً فلا مكان للعقيدة، ولا للقيم، ولا للمبادئ؛ لأن هذه الأشياء لا مكان لها في عالم الحيوانات، وما الإنسان إلا واحد من قطيع الحيوانات، ويوم أن يكون الإنسان حيواناً فلا معنى للخطأ والصواب في حياة الناس، وخطأ كل شيء صواب عند الناس، ففي أوروبا الآن كل شيء صحيح، حتى إن مجلس العموم البريطاني أباح أن ينكح الرجل الرجل، تعلمون هذا أو لا؟ نعم. اقترح على هذا في مجلس العموم، وبالأغلبية وافق مجلس العموم على أنه يجوز للرجل أن يتزوج الرجل من عند القاضي، وأصبح الشخص الآن يأتي له بشخص ويقول: اعقد لي عليه، ويخرج ومعه صك ويأخذه في يده، لماذا؟ لأنه لا يوجد خطأ ولا صواب، لا توجد شريعة تحكم، فما الذي يحكم؟ لأن الناس رضوا هذا الشيء؛ نظام قطيع مجلس العموم قال: هذا أمر طيب، فقالوا: حسناً! ما الذي يحكم الخطأ والصواب في عالم البشر وفي سلوك الناس؟ المشرع، وهو الله الذي يعلم مصلحة البشر ويعرف مضرة البشر، فيحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، وينهاهم عن الشرور ويأمرهم بالخيرات، لماذا؟ {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] يعلم مصلحتك، ينهاك الله عن النظر الحرام: أنت عينك تريد أن تنظر إلى الحرام لكن الله ينهاك عن النظر للحرام لعلم الله بالضرر المتحقق من نظرك إلى الحرام، ولهذا يقول الله عز وجل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:30] نعم. أزكى؛ لأنك تشاهد، والذي يعيش بغير نظر والله إنه يعيش في أحسن راحة قلبية، لا ينظر شيئاً، وإذا شاهد شيئاً غض بصره ومشى، لكن يذهب إلى بيته ينظر زوجته أمامه، لكن ذاك الذي لا يغض بصره فإن قلبه يتقطع على كل ما يرى؛ لأنه يرى شيئاً لا يستطيع عليه ولا يصبر عنه، يقول: وأنت إذا أطلقت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر فشيء لا تستطيع أن تصبر عنه لماذا تنظر إليه؟ لكن رب العالمين يقول لك: لا تنظر! فتذهب إلى بيتك مرتاحاً، لكن يوم أن تنظر وترى تذهب وقلبك يتقطع. وكثير من الناس الآن يعيش في عذاب بسبب النظر، ولو أنه أطاع الله وغض بصره فإنه بهذا يحقق لنفسه راحة نفسية وإيماناً يجد حلاوته، يقول عليه الصلاة والسلام: (من غض بصره احتساباً لوجه الله أبدله الله إيماناً يجد حلاوته إلى يوم يلقاه) لأنك لا يمكن أن تغض بصرك إلا خوفاً من الله تعالى، لا يوجد أحد يستطيع أن يتحكم في نظرك ويعرف أين تنظر إلا ربك، وبإمكانك أن تنظر إلى امرأة وإذا قال لك شخص: لماذا تنظر؟ تقول: عيني في العمارة التي خلفها يا شيخ! لكن ربي يعرف أين تنظر عيناك، يقول الله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:19]. فالذين أجابوا على أن هذا الإنسان حيوان قالوا: لا دين ولا مكان للأخلاق، ولا مكان للخطأ والصواب، وهكذا كانت هذه النظرية اللعينة نظرية دارون: قنبلة في عقائد البشر! نسفت ما معهم من الدين والقيم والمبادئ، وحولت الإنسان من إنسانيته المكرمة إلى الحيوانية الهابطة، فعاش الناس حياة الحيوان التي لا يحسدون عليها في هذا الزمان، صحيح أنهم طوروا المادة، وفجروا الذرة، وسبحوا في الفضاء، وغاصوا في الماء لكن في الجانب المادي، أما جانب القيم والأخلاق والمبادئ فإنهم في الحضيض، لدرجة أن أحد العلماء يقول: زرت بعض البلدان الغربية فوجدت فيها كل شيء إلا الإنسان ما رأيته. ما رأيت الإنسان بإنسانيته، بمفاهيمه! بمبادئه! بقيمه! بأخلاقياته! رأيت مسخاً يمشي على قدمين في يده كلب، ما أدري الكلب أوفى أو هو أوفى من كلبه؛ لأنهم يعيشون حياةً بهيمية لا قيمة فيها للحياة الإيمانية، ونحن لا نحسدهم عليها.

السعادة الحقيقية الكريمة هي في الإيمان بالله

السعادة الحقيقية الكريمة هي في الإيمان بالله إذا عرفنا هذا -أيها الإخوة- استطعنا أن نجيب على السؤال الأول: هل الإيمان ضروري للإنسان حتى يعيش حياة سعيدة، أم أنه يمكن أن يعيش بغير إيمان؟ و A إنه لا يمكن للإنسان أن يعيش حياة الإنسانية المكرمة، حياة السعادة والرقي والأمن إلا في ظل الإيمان بالله، ويوم أن يتجرد من الإيمان يعيش حياة البهيمية والعذاب والشقاء، يقول الله عز وجل في هذا: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:124] ولو كنت مهما كنت، والله لو امتطيت أحدث الموديلات، وملكت ملايين الريالات، وتزوجت بأجمل الزوجات، وسكنت بأرفع العمارات، وكنت في أعلى المناصب والرتب لكن لا يوجد دين! {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:124] هذا في الدنيا، وإذا مات قال: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً} [طه:124 - 125] يحشره الله يوم القيامة أعمى البصر وأعمى البصيرة، في الدنيا كان أعمى البصيرة دون البصر، فلم ينظر ببصيرته في دين الله، فحشره الله أعمى البصر والبصيرة، وأمره أن يسير على الصراط: {وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه:125 - 126] الجزاء من جنس العمل، من نسي الله نسيه الله هناك، ومن تعامى عن الدين هنا أعمى الله بصيرته هناك: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه:127]. ويقول الله عز وجل في أهل الإيمان الذين قذف الله في قلوبهم الإيمان: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] لم يقل: ألا بالمال تطمئن القلوب! صحيح في المال تنتفخ جيوبك. ولم يقل: بذكر الله تطمئن البطون، بالطعام تطمئن البطون وتنتفخ، لكن لا تطمئن القلوب إلا بذكر الله فقط، بالزواج تطمئن الفروج، بالمناصب تطمئن الدنيا ويرتفع القدر في الدنيا، لكن بماذا القلب يطمئن قلبك؟ تدخله برتقالة خاصة؟ أو تنومه في غرفة نوم وحده؟ أو تركبه في سيارة؟ لا يوجد طعام له إلا ذكر الله ودين الله والإيمان بالله: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28] وإذا ما اطمأن قلبك فكيف تكون حياتك؟ هب أنك تمتعت بكل متاع الدنيا لكن قلبك ليس مطمئناً، هل هذا متاع؟ هب أنه فاتك كل شيء في الدنيا وقلبك ساكن ومطمئن، فهذا هو المتاع، العالم الآن في ظل المادة وفي البعد عن الدين، حصل ضغط قوي من الحياة المادية على النفس البشرية حتى فجرتها من الداخل، وتمزقت وتوزعت وتخلص الناس من الحياة بالانتحار، الآن آلاف البشر في أوروبا يموتون انتحاراً، والذي ما انتحر ينتحر بالمخدرات، لماذا الناس يتعاطون المخدرات هناك؟ هروباً من الواقع المرير الذي يعيشون فيه، إذا كنت في مكان طيب فلماذا تهرب منه؟ لا يهرب الشخص من مكان إلا وهو سيئ، وهم يهربون من حياتهم البعيدة عن الإيمان إلى حياة يغيبون فيها عقولهم بالخمور والمخدرات والألعاب والسيرك والسحر والتمثيليات والمسلسلات والأفلام، لماذا؟ يريد أن يغيب وقته بسرعة، يريد أن تمر عليه الأزمنة والأوقات حتى يخلص ما فيه من العذاب الداخلي، لأنه ما وجد الإيمان، لكن المؤمن اطمأن قلبه بذكر الله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97] ويوم أن يسكن قلبك إلى ذكر الله، وتطمئن نفسك إلى دين الله يحصل لك الأمن والأمان والراحة والاطمئنان، ويحصل لك أيضاً الفرح بما أمامك من المستقبل الذي ينتظرك، فإن نتائج الإيمان والدين تحصل للإنسان في الدنيا وفي الآخرة، من الناس من يتصور أن آثار الدين فقط في الآخرة، أنا ألتزم من أجل الجنة، وينسى أن آثار الدين تأتي في الدنيا قبل الآخرة، في الدنيا الأمن والطمأنينة والراحة وهدوء البال، وفي الآخرة الجنة.

حقيقة الدنيا عند أهل السعادة

حقيقة الدنيا عند أهل السعادة عقوبة المعاصي والكفر تأتي في الدنيا قبل الآخرة، يقول أحد السلف: [والله لو يعلم أهل الجاه والسلطان ما نحن فيه من السعادة لجالدونا عليها بالسيوف]. والآخر يقول: مساكين أهل هذه الدنيا جاءوا إليها وخرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: التلذذ بطاعة الله عز وجل، فهذه في الدنيا، وليست الدنيا بالنسبة للآخرة إلا كقطرة من بحر. ورد في الحديث الصحيح قوله عليه الصلاة والسلام: (ما الدنيا في الآخرة إلا كما يدخل أحدكم إصبعه في اليم ثم ينزعها فلينظر بم ترجع) البحر بجوارك هنا، إذا أتيت على طرف الخليج وأدخلت إصبعك في البحر ثم نزعتها كم تخرج إصبعك من ماء؟ قطرة قطرتين ثلاثاً هذه الدنيا، والآخرة أين هي؟ الذي وراءها من الماء، كم وراءها، الخليج فقط؟ انظر! الخليج خط فقط، انظر في البحر العربي الذي تحت، وانظر في البحر الأحمر والأبيض والمحيط الهادي والأطلسي، والمحيط الهندي، والمحيط المتجمد الشمالي، والمحيط المتجمد الجنوبي ثلاثة أخماس الأرض كلها ماء، هذه نسبة الدنيا قطرات إلى تلك؛ فتلك الآخرة، أفتضيع سعادة الآخرة من أجل شهوة عاجلة مثل هذه القطرات الضعيفة؟ ولذا يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة، يقول الله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} [مريم:39] لأن القلوب تتقطع ألماً وحسرات على ما فاتها من رضا الله: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم:39 - 40] يوم يموت الإنسان يصبح سمعه دقيقاً، وبصره حديداً، يقول الله عز وجل: {أسمعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} [مريم:38] صيغة تعجب هنا، فلان أسمع به، يعني: ما أسمعه! أبصر به، يعني: ما أبصره! فيوم القيامة يقول الله تعالى: {أسمعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ} [مريم:38] ما أسمعهم لنداءات يوم القيامة! ما أبصرهم لأحداث يوم القيامة! يقولون: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة:12] لكن لا ينفع، يقول الله تعالى: {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:22] يرى المسألة عياناً فيطلب الرجعة ولكن لا يجاب عليها.

آثار قوة الروح في حصول السعادة

آثار قوة الروح في حصول السعادة يا أخي! يا عبد الله! آثار الإيمان وآثار قوة الروح واليقين بالله تكسبك السعادة والعزة في الدنيا، وتكسبك عند الموت في أول مرحلة من مراحل الآخرة أن الله عز وجل يثبتك ويطمئنك وأنت جالس في بيت أهلك، ورد في الحديث: (إن المؤمن ليرى منزله من الجنة ومن النار وهو في بيت أهله) وفي الحديث الآخر يقول عليه الصلاة والسلام: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قالت عائشة: يا رسول الله! كلنا نكره الموت، قال: لا. إن المؤمن إذا كان في بيته رأى منزله من الجنة -في بيت أهله- فيحب لقاء الله فيحب الله لقاءه، وإن الفاجر إذا كان عند الموت يرى منزله من النار -وهو بعد في البيت على فراشه، قد يرى كرسيه محجوزاً في جهنم- فيكره لقاء الله فيكره الله لقاءه) لكنه ذاهب إليه عند ساعات الحرج، ساعات الانتقال من الدنيا إلى الآخرة فتنكشف الحجب وتزول الحواجز ويرى الإنسان بعينه وبصره وبصيرته الآخرة، ويقول: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون:99 - 100] فتقول الملائكة: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100]. وفي تلك اللحظات تكون قوة الجسد قد انتهت، لا تنفعك ولا تسقيك ماء، لكن قوة الإيمان في تلك اللحظات تتعرف عليك، ويأتيك إيمانك فيثبتك الله كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت:30] قالوا: ربنا الله بالإيمان، ثم استقاموا بالعمل {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا} [فصلت:30] أي: لا تخافوا مما أمامكم، ولا تحزنوا على ما ورائكم {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} [فصلت:31] هذا عند الموت. ويأتي نداء الرب إلى النفس الطيبة التي طابت بذكر الله وبدين الله فتقول لها الملائكة: (يا أيتها الروح الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي إلى روح وريحان، ورب غير غضبان) اللهم إنا نسألك من فضلك يا مولانا، ما أعظم هذا النداء -يا أخي- يوم يقال لك هذا الكلام، وطبعاً الطيب هذا اكتسبه من هنا؛ لأن الطيب طيب في كل تصرفاتك، إذا طاب قلب المؤمن طابت كل حياته، تطيب عينه فلا تنظر في حراماً، وتطيب أذنه فلا تسمع حرام، وتطيب يده فلا يمدها إلى حرام، ويطيب لسانه فلا يتكلم في حرام، ويطيب فرجه فلا يقع به في حرام، وتطيب رجله فلا تحمله إلى حرام، ويطيب قلبه فلا يفكر فيه بحرام، ويطيب كل شيء في حياته، يطيب سلوكه، يطيب وجهه، تطيب ثيابه، تطيب سيارته، تطيب زوجته، يطيب أولاده، يطيب بيته، يطيب عمله، يطيب شارعه، كله طيب لأنه صبغ نفسه بالإيمان، ومن يوم أن تشاهده ترى الدين معه، هذا هو الطيب، فيقول الله تعالى: (يا أيتها النفس الطيبة! كانت في الجسد الطيب اخرجي إلى روحٍ وريحان، وإلى ربٍ غير غضبان، ويقول الله للملائكة قولي: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي} [الفجر:27 - 28]) المطمئنة التي اطمأنت وسكنت وثبتت على دين الله، ارجعي كأنها كانت في رحلة عمل، والآن ترجع من أجل أن تستلم المصاريف السفرية، والانتدابات من رب البرية: {ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر:28] راضية مرضي عنها من قبل خالقها وبارئها: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:29 - 30] هذا عند الموت فقط، هذه المقدمات. وبعد ذلك في القبر حينما يوضع الناس في قبورهم -ونحن منهم ولا نعلم متى يكون، يمكن الليلة أو غد أو بعد سنة أو بعد سنتين لا نعلم- هناك يحصل نقاش وسؤال وامتحان أول، فهذا هو الدور الأول من امتحانات الآخرة، وأسئلته ثلاثة: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ لكن هي سهلة الآن وصعبة هناك؛ لأن الأجوبة ليست بالتغشيش ولا باللسان: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ} لا يتكلم اللسان لكن الجوارح والقلوب والأعمال: {وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس:65] هناك يقال للمؤمن: من ربك؟ فيقول: ربي الله، وما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، ومن نبيك؟ فيقول: نبيي محمد صلى الله عليه وسلم، ثبته الله؛ لأنه ثابت من هنا، قال الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [إبراهيم:27] اثبت هنا تثبت هناك، زغ هنا تزغ هناك، أمسك الحبل من أوله، أمسك الطريق من أولها، احجز من هنا، لكن تبقى ضالاً وشارداً عن الله ثم تموت وتقول: رب ارجعون، فلا يرجعك ربي، هذا لعب لا يصلح، فيثبت الله الذين آمنوا في الحياة الدنيا وفي الآخرة. أما العمي الحيوانيون الذين عاشوا حياة البهائم فإنهم هناك لا يعرفون الله؛ يقال له: من ربك؟ يقول: هاه هاه لا أدري، ما دينك؟ هاه هاه لا أدري -مثل الذي يستيقظ من النوم- ومن نبيك؟ قال: هاه لا أدري، فيقال له: لا دريت ولا تليت، ثم يجازى ويأتيه عمله إن كان مؤمناً على أحسن هيئة وشكل، فيقول له: أبشر بالذي يسرك، فيقول له: من أنت فوجهك الذي يأتي بالخير؟ قال: أنا عملك الصالح حفظتني فحفظك الله، والعمل الصالح إذا حفظته يحفظك، إنك ترى كيف يكون سلوك الطيبين، كل عمله له وزن؛ صلاة وصيام وحج وبر، وأمر ونهي وطاعة وإحسان وصدقات، وذكر وقرآن وعلم ودعوة، كل هذا عمل صالح، لكن الفاسد ما معه من عمل؟ عمله كله دنيا وفساد، كله -والعياذ بالله- خبث في خبث، فكيف يجد عند الله عز وجل عملاً صالحاً وهو لم يعمله هنا. حفظتني حفظك الله، فينام كما ينام العريس إلى أن يأذن الله لقيام الناس من قبورهم، فيحشروا إلى الجنة، وتمر به مراحل وأطوار يوم القيامة كأسهل ما تكون، يمر على الصراط كالبرق الخاطف، ويشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم شربة لا يظمأ بعدها أبداً، والحوض قد أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هو أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وكيزانه -يعني: آنيته- عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة واحدة لم يظمأ بعدها أبداً). وبعد ذلك تأخذ كتابك بيمينك؛ لأنك من أهل اليمين، وتمشي في اليمين، وتمسك خط أهل اليمين، ولا تعرف الغلط، ولا تعكس الطريق، ولا تعرف الشمال، إنما تمشي مع أولياء الرحمن، وبعد ذلك توزن مع أعمالك وإذا بك لك ميزان، ويثقل ميزانك، لك وزن عند الله، أما أولئك فلا وزن لهم، قال الله تعالى: {فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} [الكهف:105] وبعدما تتجاوز هذه الامتحانات يقال لك في النهاية: ادخل الجنة، تفضل: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [الزخرف:70 - 72] نسأل الله من فضله.

الضعف الروحي وعواقبه الوخيمة في الآخرة

الضعف الروحي وعواقبه الوخيمة في الآخرة أما أولئك الذين غفلوا عن الله وعاشوا حياتهم -والعياذ بالله- في البعد عن الله؛ فهؤلاء عند الموت تنكشف لهم الحجب، وتزول عنهم الأغطية، ويرون الحقائق كما هي على حقيقتها، فيندمون وتتقطع قلوبهم حسرات وندامات، ويقولون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر:37] قال الله تعالى لهم: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر:37] وبعد ذلك تقول الملائكة: (يا أيتها الروح الخبيثة! كانت في الجسد الخبيث، اخرجي إلى سخط من الله وغضب) وأنتم ترون هذا في الإنسان البعيد عن الله وأن الخبث يلازمه في كل شيء، حتى لسانه خبيث، عينه تقع في الخبيث، أذنه تسمع الخبيث، يقع في الخبيث، يمشي في الخبث، وإذا فرض أنه جاء مرة في مجتمع نظيف فإنه يضيق ويزهق؛ لأنه جرثومة، والجراثيم لا تعيش في الأماكن الطاهرة والمعقمة، لا تعيش إلا في الأماكن الموبوءة والقذرة، المجتمع الطاهر النظيف يعيش فيه المؤمن كأسعد ما يكون، أما إذا جاء فيه منافق فإنه يضيق منه، يقول: ما هذا! لماذا لا يوجد زنا، ولا خمور، ولا فجور، ولا تمرد، ما هذا! كيف تعيشون على هذا الأمر؟ هذا (أبو جعران) لا يريد أن يعيش في الطهارة يريد من قذارته وجيفته -والعياذ بالله- ومستنقعه! يريد قذاراته ليتلطخ بها، فهذا خبيث، وهذا يوم يموت تقول له الملائكة: (يا أيتها الروح الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، اخرجي إلى سخط الله وغضبه، فتخرج روحه) وبعد ذلك يحصل لها سؤال في القبر: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فلا يجيب، ويأتيه عمله على أسوأ شكل -والعياذ بالله- فما عمله؟ يتجمع الخبث كله، الربا والزنا، والغناء والفجور، والمال والزور كلها تأتي معاً، ويأتيه على أسوأ شكل ويقول له: (أبشر بالذي يسوءك، قال: من أنت فوجهك الذي يأتي بالشر؟ قال: أنا عملك السيئ، ضيعتني فضيعك الله) ثم يعذب في القبر فترة البرزخ إلى أن يقوم يوم القيامة، ويقوم من قبره مذهولاً خائفاً وجلاً تغشاه الذلة والمهانة، يرد على مراحل القيامة فيسقط عند كل مرحلة، يمر على الصراط فيسقط، ويرد الحوض فيطرد، ويوزن فيخف، ويأخذ كتابه بشماله، ثم بعد ذلك يسحب في النار على وجهه، يقول الله عز وجل: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:48 - 49].

غذاء الروح بالطاعات، ومرضه بالسيئات

غذاء الروح بالطاعات، ومرضه بالسيئات هذه -أيها الإخوة- آثار قوة الروح وتلك آثار قوة الجسد، ونحن مأمورون بالأخذ بالقوتين مع التغليب والتركيز على جانب قوة الروح، فإن قوة الجسد تنفعنا في الدنيا، أما قوة الروح فتنفعنا في الدنيا، وتنفعنا في الموت، وتنفعنا في القبر، وتنفعنا في الحشر، وتنفعنا إلى أن ندخل الجنة، فلنركز -أيها الإخوة- على هذا الجانب. قد يقول قائل: قوة الجسد معروفة، أني آكل طعاماً نظيفاً، أريح الجسد في رياضة وحركة، نقول: حسناً، لكن قوة الروح كما تأكل لجسدك طعاماً نظيفاً يجب أن تقدم لروحك طعاماً نظيفاً مثلما تحمي جسدك، إذ لو وجدت برتقالاً فيه فساد ما أكلت، أو تفاحة فيها عفن فلن تأكلها، أو لحمة فيها سوس أو دود لا تأكلها، أو لبن انتهى وقت استعماله لا تشربه، وكذلك الروح إذا أكلتها الربا هدمتها، وإذا قدمت لها المعاصي دمرتها، روحك هذه تحتاج إلى حماية من الخبائث، وتحتاج إلى تقوية، مثلما تقوي جسمك بالحركة والسير والرياضة تقوي روحك أيضاً بالطاعة: بقراءة القرآن وهو أهم ما نوصي به عباد الله، أهم ما نوصي به الناس تلاوة كتاب الله، فإن كل ضلال وفساد سببه البعد والغفلة عن الله تعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} [الأنبياء:1 - 3]. فتقرأ القرآن وتجعل لك ورداً يومياً منه، وتقرأ السنة وتحافظ على الصلوات الخمس في بيوت الله، تقيم الصلاة، تؤتي الزكاة، تصوم رمضان، تحج البيت، تعتمر، تحب في الله وتبغض في الله، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، تطيع والديك وتبرهم، تصل رحمك، تحسن إلى جيرانك، هذا مع حفظك للجوانب الأخرى وهي المعاصي، يعني: حماية وبناء، فإذا حميت دينك وبنيته كنت بذلك قوي الجسد والروح، وبعد ذلك تعيش حياة الكرامة والعزة، ويوم تموت تلقى الله عز وجل وأنت قوياً صحيحاً سليماً: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]. انظروا كيف ذكر الله عز وجل أنه الذي ينفع في الآخرة ليس الجسد، الذي ينفع هو القلب {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89] الذي يموت وقلبه سليم يدخل الجنة؛ لأنها دار السالمين، والذي يموت وقلبه مريض لا بد من تصفيته وتطهيره بالنار، في المستشفى الذي علاجه النار: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ * وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ * فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ * قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ * فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ * فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء:88 - 104]. أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقنا إيماناً يقينياً وعملاً صالحاً، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يحمينا من المعاصي والذنوب والشرور والآثام، إنه ولي ذلك والقادر عليه. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأسئلة

الأسئلة

قوة الإيمان تكون بكثرة العمل الصالح

قوة الإيمان تكون بكثرة العمل الصالح السؤال يقول: كيف يصبح الإنسان قوي الإيمان؟ A الإيمان في معتقد أهل السنة والجماعة هو: قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان. فإذا أردت أن يزيد إيمانك فزد في الطاعات: زد في قيام الليل، زد في صيامك، وفي قراءة القرآن، وفي أذكار الصباح والمساء وأذكار الأحوال والمناسبات، وفي جهدك وجهادك لخدمة دينك ودعوتك، وفي العمل الصالح، فإن العلماء يقولون: إن الإيمان مشبه بالشجرة، كلما ازدادت العناية بها كلما زادت الثمرة، وأن المعاصي تحرق شجرة الإيمان كما تحرق النار شجر الدنيا، إذا كان عندك شجرة تعطيها السماد والماء فإنها تخضر وتثمر، وإذا أعطيتها الجاز والبنزين احترقت، وكذلك أنت إذا أردت أن يزيد إيمانك فتزود من العمل الصالح وتب إلى الله من الذنوب والمعاصي.

نصيحة في أهمية الخشوع في الصلاة

نصيحة في أهمية الخشوع في الصلاة Q كيف أصبح خاشعاً في صلاتي؟ A الخشوع في الصلاة مهم جداً وعليه المعول في القبول، فإنه لا يكتب للعبد من صلاته إلا ما حضر فيها قلبه، صليت أربع ركعات حضر قلبك في اثنتين سجلت اثنتان واثنتان ما لك منها شيء، ولهذا جاء في الحديث الصحيح: (يكتب للعبد في صلاته عشرها، تسعها، ثمنها، سبعها) بعضهم لا يكتب له شيء من صلاته، فأنت حاول واجتهد أن تخشع في صلاتك، واعرف أنك وقفت في معركة مع الشيطان، وأن المعركة هذه مدتها عشر دقائق، والشيطان يجاهدك عشر دقائق ثم يتركك بعدها إلى الفجر، لكن قل: يا شيطان! لن تلعب علي، هي عشر دقائق أضبط نفسي ثم وسوس من بعد العشاء إلى الفجر، لكن الوسواس لا يأتي إلا في الصلاة، إذا أردت أن تتعشى الآن ووضعت السفرة أمامك هل يأتيك وسواس؟ لا تفكر في غير اللحم والأرز والعشاء أبداً، لكن قم صلِّ يأتيك الوسواس، لماذا؟ لأن الشيطان عدو يريد أن يسرقك ويسرق قلبك، وأن يتركك تقوم وتقعد وترفع وتسجد ومالك منها شيء، فلهذا ورد في بعض الآثار أن الشيطان يحرص على أن لا تصلي، فإن أبيت إلا أن تصلي وقف على رأسك عند الباب وقال لك عندما تدخل المسجد: والله لأخرجنك منها مثلما دخلت، يقول: أنت مشاغب، ليس مثل الذين قعدوا في المقاهي، وجلسوا عند نسائهم على الأفلام، ويتابعون الأحداث والمباريات، أنت عنيد لكن سأريك عملك، فإذا دخلت من هناك حلف أنه سيضيعك من صلاتك، فيدخل معك في صلاتك يذكرك العشاء والزوجة، ويذكرك المشاكل والعمارات، ويذكرك التجارات وكل شيء، أي شيء تبغاه يذكرك به في الصلاة، ثم إذا غيرت نفسك وإذا بك ما صليت ولا ذكرت شيئاً. فعليك يا أخي أن تجند نفسك لمحاربة هذا العدو، وعلى المجاهدة له، ولذا شرعت التكبيرات، أول شيء لما تبدأ في الصلاة تقول: الله أكبر، هذه مدفع ضد الشيطان، وبعد ذلك سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، ثم تدعو بعد ذلك وتقول: أعوذ بالله السميع العليم، وبوجهه الكريم، من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه، بسم الله الرحمن الرحيم، هذه استعاذة، ثم تقرأ الفاتحة ثم تقرأ سورة ثم تقول: الله أكبر، هذه مدفع ثانٍ، سمع الله لمن حمده، الله أكبر هذه مقرعة فوق رأسه، لكن بعض الناس يضرب بالمدفع لكن لا يصيب، شخص يصلي بجواري مرة من المرات وهو قائم يقول: التحيات لله والصلوات الطيبات، لم يعلم أهو قائم أم قاعد؛ نظراً لعدم خشوع قلبه في الصلاة أيها الإخوة! فلا بد من أن تعرف أنك في حربٍ مع الشيطان فلا توسوس في الصلاة. حسناً، كيف؟ لا أستطيع أن أجيب على هذا، لكن هناك شريط لا أعلم هل وصلكم في الشرقية أم لا، اسمه: رسالة إلى المصلي، هذا موجود في التسجيلات، وهو عبارة عن مجموعة كلام لأخت لنا في الله، وللشيخ ابن القيم رحمه الله، وللإمام الآجري في كتابه: الخشوع في الصلاة، ومجموعة من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، جمعت هذا كله وألقيته في أبها في درس بعنوان: رسالة إلى المصلي، وذكرت فيه أن الذي يريد أن يخشع في صلاته لا بد له من أمور؛ أمور قبل الصلاة، وأمور أثناء الصلاة وأمور بعد الصلاة، قبل الصلاة أشياء لا بد أن تأتي بها، إذا لم تأت بها ما خشعت، وأثناء الصلاة أشياء، وبعد الصلاة أشياء، إذا راعيتها فإن الله عز وجل سيعينك بإذن الله على أن تخشع، وبعد ذلك سينال منك الشيطان، رغم كل الجهاد فسيأخذ منك، لكن فرق بين من يأخذ منه الشيطان شيء، وبين من يأخذ منه الشيطان كل شيء، فمن البشر الآن الذين صلوا معنا المغرب لو عملنا امتحاناً الآن: ماذا قرأ الإمام في الركعة الأولى والركعة الثانية؟ لا أحد يجيب! اجعلوها بينكم وبين الله؛ لأنه يمكن أنا لا أعرف، وبعد ذلك أفشل، فاجعلوها بيننا وبين الله، الذي يعرف ما قرأ الإمام هذا صلى، والذي لم يعرف ما رأيكم لو سألنا العمود هذا الذي فيه الساعة، وقلنا: يا عمود! يا مسلح! ماذا قرأ الإمام؟ هل سيجيب؟ لا يعلم، وإذا أتينا بشخص من المصلين مثل العمود لكن عمود متحرك يمشي على رجلين وقلنا له: ماذا قرأ الإمام؟ قال: لا أعلم؟ فما الفرق بين العمودين؟ هذا العمود أحسن؛ لأنه أربعة وعشرين ساعة يصلي وذاك عشر دقائق وما حفظها، فنقول لإخواننا: الله الله في صلاتكم، اخشع في صلاتك وأحضر قلبك فإذا انتهت الصلاة فالحمد لله، تنتهي من الصلاة الساعة السابعة، ونبدأ الفجر الساعة الرابعة، من سبع إلى أربع تسع ساعات، أبعد ما في رأسك من وساوس كلها، ثم تعال إلى صلاة الفجر عشر دقائق، ثم اجلس من الفجر إلى الظهر، بين كل صلاة وصلاة خمس ست ساعات تسع ساعات ثلاث ساعات وبالرغم من هذا يسرق الشيطان صلاتنا، إذا سرق الشيطان صلاتك فقد سرق عليك أثمن ما تملك؛ لأن الصلاة كما يقول العلماء ثلاثة أقسام: 1 - هيكل عام. 2 - روح. 3 - وأثر. الهيكل العام المنصوص عليه في كتب الفقه: أركان الصلاة، واجبات الصلاة، شروط الصلاة، سنن الصلاة، مستحبات الصلاة، هذه اسمها الهيكل العام. والروح ما هو؟ الخشوع؛ إذا أتينا بهيكل لإنسان لكن ليس فيه روح هل له قيمة؟ لا. والأثر هو أثر الصلاة في سلوكك، أثر الصلاة في حياتك هل تنهاك صلاتك عن الفحشاء؟ هل هناك إنابة وتلازم بين عبادتك ومعاملاتك، أم أنك كالذي يصلي وإذا كان في الدكان نظر إلى الحرام في الشارع إذا خرج، إذا وقف عند الباب وشاهد امرأة فتح عينيه، وكان قبل قليل يقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] وإذا ركب سيارته شغل الاسطوانة والشريط على الأغاني، أين إياك نعبد وإياك نستعين؟! ولعله يرابي، فلابد أن يكون لهذه الصلاة أثر في تحديد سلوكك واتجاهك؛ لأن الله تعالى يقول: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45].

نصيحة للشباب في خضم الأحداث والفتن

نصيحة للشباب في خضم الأحداث والفتن Q ما هي نصيحتكم للشباب المتمسك بدينه القابض عليه في خضم هذه الأحداث والفتن التي تجري؟ A وصيتي لنفسي أولاً وإلى الشباب وإلى كل مسلم الاعتصام بكتاب الله عز وجل؛ لأنه: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران:101] والله تعالى يقول في الحديث القدسي: (وعزتي وجلالي ما اعتصم عبدٌ من عبادي بي فكادته السماوات والأرض إلا جعلت له منها مخرجاً، وعزتي وجلالي ما اعتصم عبدٌ من عبادي بمخلوق دوني إلا قطعت عنه أسباب السماء، وأسخطت الأرض من تحت قدميه، ثم لا أبالي في أي وادٍ هلك) فالعصمة بالله، وبكتابه، وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمؤمن مؤمن والله لو عاش في وسط أي بيئة وفي أي مكان فإن إيمانه يحميه، والفاجر فاجر حتى في عهد النبوة فقد كان يوجد منافقون وكفار. فنقول لإخواننا: تمسكوا بطاعة الله وأقبلوا عليها، وتمسكوا بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنكم بهذا تنجون؛ لأنها سفينة النجاة، من ركبها فقد نجا، ومن تخلى عنها فقد هلك.

أسباب الثبات على دين الله

أسباب الثبات على دين الله Q هذا سائل يريد بعض النصائح للثبات على الدين والتمسك بأوامر الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ A من أهم الأشياء التي تثبت على دين الله تبارك وتعالى: 1 - تلاوة القرآن الكريم؛ لأن الله تعالى يقول: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} [الفرقان:32] وما عرفنا أن أحداً اعتصم بالقرآن وتلا القرآن وتدبره فضل، من يضل؟ الذي يهجر القرآن تلاوة، أو يهجره عملاً، أو تدبراً، أو احتكاماً، أو استشفاء؛ يضله الله؛ لأنه جاء في حديث الترمذي حديث الأعور عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنها ستكون فتنة، قلت: فما المخرج منها يا رسول الله؟! قال: كتاب الله، فيه خبر ما بينكم، وخبر ما قبلكم وما بعدكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم) الزم القرآن الكريم، قال تعالى: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} [الزخرف:43 - 44] فاقرأ القرآن باستمرار، واجعل المصحف في جيبك، وفي السيارة، وفي المكتب، وعند سرير نومك، وكلما وجدت فرصة من الفرص فاقرأ القرآن وتدبر، قراءة تدبر يقول الله تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:82] ويقول جل ذكره: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29]. 2 - فعل الأمر وترك النهي: وفي هذا يقول الله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} [النساء:66] أشد هنا: أفعل للتفضيل، أفضل ما تثبت به نفسك أن تفعل ما وعظك الله به: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ} [النساء:66] نوعظ بفعل أوامر الله وترك نواهيه، وأنت تعرف أمر الله ونهيه، لا أحد يغرك إلى اليوم، تعرف أن النظر إلى النساء حرام، فلماذا تنظر وتقول: الإيمان في القلب، تحيلنا على صدرك وعينك مريضة؛ وتعرف أن الدخان حرام وأنه خبيث فلماذا تشربه وتقول: الدخان ليس فيه شيء والإيمان في القلب؟ وتعرف أن الربا حرام فلماذا تستمر فيه؟ وتعرف أن سماع الغناء حرام، فلماذا تستمر فيه؟ وتعرف أن الصلاة في البيت وتركها في المسجد من النفاق فلماذا تنام عن الصلاة؟! كل هذه أمور نعرفها، فإذا قمت بأوامر الله ولم تترك نواهيه فقد كذبت نفسك. 3 - قراءة قصص الأنبياء: فالأنبياء ذكر الله قصصهم في القرآن للعبرة والعظة، قال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف:3] وقال عز وجل: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} [يوسف:111] وقال جل ذكره: {وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود:120] فكلما قرأت قصة نبي ثبتتك على الإيمان، إذا كنت شاباً وجميلاً ووسيماً وما عندك زوجة والمنكرات من حولك، وسبل الفساد تفتح لك ثم دعيت إلى جريمة، فاذكر يوسف لما دعته المرأة ذات المنصب والجمال فقال: {مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف:23] فتقول: لا والله لا أعمل، إذا رأيت الدنيا تكالبت عليك من كل جانب وضاقت الأرض من كل مكان فتقول كما قال موسى: {كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] وإذا ضاقت بك الدنيا فتقول كما قال عليه الصلاة والسلام: {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40] هكذا تثبتك هذه القصص، فليست مجرد كلام، القرآن ما نزل من أجل أن نتسلى به، بل هو قصص ودروس عملية تربوية، ننتفع بها في حياتنا، وكل قصة ذكرت في القرآن فلها أهداف عظيمة، فاقرأ قصص القرآن، وبعد ذلك اعتبر منه وارجع منه بفوائد ونتائج ودروس في حياتك تمتثلها، وهذا سبب تثبيتك، قال الله تعالى: {وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ} [هود:120]. 3 - الدعاء: فتدعو الله في كل وقتٍ وفي كل حين تقول: يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك، وقد ذكر الله عز وجل أن هذا من صفات عباد الرحمن، فهم يقولون: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8] اللهم اهدنا فيمن هديت وثبتنا يا رب العالمين.

الطريق الأمثل إلى التوبة النصوح

الطريق الأمثل إلى التوبة النصوح Q هذا الشاب يسأل فيقول: أريد أن أتوب إلى الله توبة نصوحاً، ولكني أجد صعوبة في الالتزام دائماً، فأرشدني إلى طريق الخير والصلاح، جزاكم الله خيراً؟ A طبيعي أن تجد صعوبة يا أخي، طريق الجنة فيها وعورة: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات) وكل مكرمة لا تنالها إلا بتعب. الدنيا الآن المكارم فيها والرقي والرتب والمناصب تأتي بتعب، فالضابط لا يحصل على النجمة هذه حتى يذبحونه، وينتفون ريشه في الكلية، لكن يصبر ويمشي إلى أن يصير ملازماً، فأنت -يا أخي- اصبر على الطاعة، واصبر عن المعاصي، يقول: أريد أن أتوب إلى الله لكني أجد صعوبة، يريد أن يغني وهو تائب، يريد أن يظل نائماً وهو تائب، طبعاً (صعوبة ونصف) أتريد الجنة مجاناً والله تعالى يقول: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة:214]؟ لماذا أمر الله بالصبر في القرآن الكريم وقال: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف:35] وقال عز ثناؤه: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] الصبر عن النوم وعن الأرز واللحم مع الرقص واللعب، الصبر على المر، الصبر على أن تزهق روحك في سبيل الله، أن تتعب جسدك في طاعة الله، أن تقمع جماح شهواتك من أجل الله، تغض بصرك وعينك تتقطع وقلبك يتألم، تريد أن ترى لكن تقول: والله ما أنظر من أجل الله، تبتعد عن الأغنية وأذنك تريد أن تظل على الأغنية لكن تقول: والله ما أسمعها من أجل الله، هكذا الصبر، فيعوضك الله يوم القيامة بأن تنظر بعينك إليه، وأن تسمع بأذنك خطابه، وأن يزوجك بدل الزوجة الثانية باثنتين وسبعين حورية، الواحدة منهن خيرٌ من الدنيا وما عليها، تجدها مرآتك وكبدك مرآتها، إذا أردت أن تشاهد وجهك ولا توجد مرآة في الجنة فانظر في كبدها تشاهد وجهك في كبدها، عليها سبعين حلة ترى مخ ساقها من وراء الحلل، نصيفها على رأسها خير من الدنيا وما عليها، لو أنها في المشرق شممت رائحتها في المغرب أنت، إذا أشرفت على الأرض آمن من على وجه الأرض بالله الواحد القيوم، إذا طلعت على أهل الجنة برق برق في الجنة، فيقول الناس: ما هذا البرق؟ قالوا: لا. هذه حورية تبسمت في وجه زوجها! تريد أن تأتي وأنت نائم؟! لا تأتي يا أخي! ويقول الناظم: تهون علينا في المعالي نفوسنا ومن يخطب الحسناء لم يغلها المهر ويقول الثاني: الجود يفقر والإقدام قتال الذي يريد أن يكون شجاعاً لابد أن يموت، والذي يريد أن يصير كريماً لابد أن يخسر، والذي يريدها سلامات وعلى طرف لا هذه ولا تلك، فأنت أقدم. وكن في كل فاحشة جباناً وكن في الخير مقداماً نجيباً وتب توبة الصادقين، أما توبة الضعفاء والمنهزمين والمهزوزين فلا: أريد أن أتوب ولكن ما زلت أفكر، بعضهم يقول: أفكر في أن أتوب، ماذا يتوب؟ الخيارات دائماً في الأشياء المتقاربة، أما أن تخير نفسك في الجنة أو في النار!! لو دخلت في عمارة وقيل لك: هذه الشقة فيها أرز ولحم وبسطة وغرفة نوم وزوجة، وهذه الشقة فيها سكاكين وفيها نار وجمر، ما رأيك هذه أو هذا، ماذا تقول؟ تقول: والله أفكر؟! هذه جنة يا أخي! وتلك نار، كيف تقول: والله أريد أن أتوب لكني أريد أن أفكر، أقول: تب واصمد واثبت والله معك، ودائماً الذي يلتجئ إلى الله يقول الله عز وجل: (يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم). اللهم اهدنا فيمن هديت.

نصيحة لمن يدرس النظريات الفاسدة

نصيحة لمن يدرس النظريات الفاسدة Q ذكرت بعض النظريات أثناء الكلام وهناك بعض المراكز العلمية تدرس هذه النظريات، فما نصيحتكم في ذلك؟ A وهذه مصيبتنا -أيها الإخوة- حينما تحدث في تصورات أبنائنا وبناتنا مثل التي الأفكار تزعزع عقائدهم من الداخل وتنسفها، والمصيبة أن هذه النظريات الآن تدرس في معظم الجامعات في العالم كله، ولذا نوصي أن لا تدرس عندنا أصلاً، وإذا درست فمن منظور الإسلام ندرسها لإبطالها؛ لأننا مسلمون، نحن أبناء آدم وآدم مكرم، لسنا أبناء القردة والخنازير.

كلمة توجيهية للنساء

كلمة توجيهية للنساء Q نأمل منك أن توجه كلمة للنساء لعل الله تبارك وتعالى أن ينفع بها؟ A الحمد لله، كما أن هناك صحوة في صفوف الشباب فإن هناك صحوة في صفوف النساء والحمد لله، والمرأة لها مركز في الدين، المرأة شقيقة الرجل، يقول عليه الصلاة والسلام: (النساء شقائق الرجال) والله تعالى يقول: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة:228] ما الدرجة هذه؟ ليست أفضلية، بعضهم يستعمل هذه في غير مكانها، بل درجة مسئولية، أما الأفضلية فقد تكون المرأة أفضل منك عند الله، آسية بنت مزاحم مؤمنة وزوجها فرعون اللعين كافر، فمن الأفضل؟ آسية، أثنى الله عليها في القرآن، قال الله عز وجل: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ} [التحريم:11] يقول العلماء: إنها طلبت الجار قبل الدار: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ} [التحريم:11] ما قالت: ابن لي بيتاً في الجنة، بل قالت: عندك يا رب! أريد الجار قبل الدار: {وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم:11]. وزوجها الذي يقول: إنه الرب الأعلى وهي امرأة كانت من أهل الجنة، وهو كافر فهو من أهل النار. فالقضية ليست قضية أفضلية، فرب امرأة أفضل عند الله من ملء الأرض من الرجال، ولكنها درجة مسئولية، يعني: أن الله أعطاه المسئولية عن الأسرة، مثل المدرسة عندما تأتي مدرسة البنات -مثلاً- فيهن مديرة ومدرسة وفيهن عشر مدرسات؛ هل معنى هذا أن المديرة أفضل من المدرسات كلهن؟ لا. يمكن بعض المدرسات أفضل من المديرة: أفضل مؤهلاً، وذكاءً، وأفضل خبرة وتصرفاً، لكن خرج حظها قالوا: مديرة، نقول لها: تعالي انزلي، أنت مسئولة، هي التي توقع الدوام وتختم الدوام، والتي توقع الخطابات ومسئولة عن المدرسة، وإذا تدخل أحد تقول له: أنا مسئولة عن الأمر، وكذلك المسئول عن شركة الأسرة وعن البيت هو الرجل، فهو المدير العام للأسرة، والمرأة هي النائب، لكن يوم أن تضيع الأدوار في الأسرة وتحاول المرأة أن تأخذ دور الرجل تخرب الحياة، وتنعكس. فوصيتنا المرأة ونحن نأمل خيراً والحمد لله أن تدرك مسئوليتها، وأن تعرف أنها درة مصونة، وأن الله أكرمها بنتاً، وأكرمها زوجة، وأكرمها أماً، وأكرمها أختاً، وأن الجاهليين أهانوها، حتى مرت في بعض الفترات في أوروبا في القرن السابع وكان الناس يتساءلون: هل المرأة إنسانة أو شيطانة؟ وهل فيها روح إنساني أو روح شيطاني؟ وإذا كان فيها روح إنساني هل هو على مرتبة الإنسان أو مرتبة أقل؟ هذه التساؤلات كانت تعيش فيها أوروبا، واليوم لما قالوا: نحررها، حرروها فدمروها، ما حرروها حقيقة بل دمروها، أخرجوها من العش الذي كانت تعيش فيه إلى أن تصبح لعبة ومنشفة يمسحون بها قذاراتهم وأوساخهم. أما الإسلام، فانظر قول الله تعال: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىوَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب:33 - 34] ويقول في النساء: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب:59] ويقول: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور:31] إلى آخر الآيات؛ لأنها غالية عند الله، المرأة رخيصة عند الجاهليين. فنطلب من أخواتنا أن يكن على هذا المستوى من الفهم، وأن تحصل عندهن العزة بالله: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} [المنافقون:8] يقول الله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [فاطر:10].

§1/1