دروس للشيخ ابن جبرين

ابن جبرين

المحرمات المتمكنة في الأمة

المحرمات المتمكنة في الأمة لا شك أن الذنوب والمعاصي سبب لمحق البركات وقلة الخيرات ومنع الأرزاق، وتسليط الله سبحانه وتعالى على عباده أنواعاً من الابتلاءات، فيجب على العباد اجتناب المعاصي والآثام، والتوبة والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى؛ ليتجنبوا سخطه ويفوزوا برضوانه.

المدح والثناء

المدح والثناء بسم الله الرحمن الرجيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، ونسأل الله أن يحشرنا في زمرتهم، وأن يعمنا معهم بمغفرته ورحمته. وبعد أيها الإخوة: فأنا لا أحب هذا المديح؛ وذلك لما ورد في الأحاديث: (أن رجلاً مدح آخر عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ويحك! قطعت عنق صاحبك، إن كان أحدكم مادحاً لا محالة فليقل: أحسبه كذا والله حسيبه، ولا أزكي على الله أحداً)، وبكل حالٍ فإن أخانا الشاعر -وفقه الله- قال وتكلم بحسب ما يظنه، ونحن نستغفر الله أن نكون دون ما يظن، ولا شك أن الإنسان أعرف بنفسه، ولا يجوز لأحدٍ أن يظن أو يتخيل شيئاً لم يكن، والإنسان يظن بنفسه القصور، ويعرف من نفسه بأنه ليس أهلاً للمديح ولا للمقالات، لما يعرفه من نفسه ولا يعرفه غيره، وقد كان أبو بكر رضي الله عنه إذا مدحه أحد يقول: (اللهم اجعلني خيراً مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون)، ويقول الشاعر القحطاني رحمه الله في نونيته: والله لو علموا بقبح سريرتي لأبى السلام عليّ من يلقاني ولأعرضوا عني وملوا صحبتي ولبؤت بعد كرامة بهوانِ فنحن نعمل بالظاهر، وهو ما يظهر لنا من الناس، ونكل سرائرهم إلى الله، ونقول: هذا الذي نعرف، وأما الأمور الخفية فأمرها إلى الله.

آثار المعاصي وارتكاب المحرمات

آثار المعاصي وارتكاب المحرمات أيها الأحبة! أعود إلى ما أتحدث عنه وهو: آثار المعاصي والمحرمات التي تمكنت في الأمة، والموضوع واسع، لكن سنأخذ منه رءوس المواضيع، فأبدأ بمقدمة عن آثار المعاصي، ثم أذكر بعد ذلك أنواعاً من هذه المعاصي، وفي الختام أذكر علاجاً لها، وكيف يقضى عليها، حتى يعود الناسُ إلى التمسك بالإسلام وبالأعمال الصالحة.

المعاصي سبب في قلة الخيرات ومحق البركات

المعاصي سبب في قلة الخيرات ومحق البركات أما المقدمة فأقول: لا شك أن الذنوب والمعاصي والمحرمات سبب لمحق البركات وقلة الخيرات، وسبب لمنع الأرزاق، ولعقوبة الله تعالى ولتسليطه على عباده أنواعاً من المثلات، وذلك لأنه تعالى يغضب على من عصوه، ويعاقبهم بعقوبة على قدر ذنوبهم إذا لم يعفُ الله تعالى عنهم، كما ورد في بعض الأحاديث القدسية أن الله تعالى يقول: (إذا أطعت رضيت، وإذا رضيت باركت، وليس لبركتي نهاية، وإذا عُصيتُ غضبت، وإذا غضبت لعنت، ولعنتي تبلغ السابع من الولد). والمعصية يدخل فيها كل مخالفة، فتكون سبباً لغضب الله تعالى، ولا يقوم لغضبه قائم، ولأجل ذلك يتوعد الله على كثير من المعاصي باللعن، ويتوعد على بعضها بالغضب، ويتوعد على بعضهما بالعذاب العاجل أو العذاب الآجل؛ وذلك تخويف منه للعباد حتى لا يقعوا في هذه المعاصي والمحرمات، ويخبرهم بأن هذه المعاصي سببٌ لمنع الرزق، وسببٌ لظهور الفساد، وسببٌ للشرور، ولتمكن الأشرار، ولتسلطهم على الأخيار. سببُ ذلك هو هذه المعاصي وهذه المخالفات، يقول الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم:41]. الفسادُ: يعم فساد الأخلاق، ويعم فساد البلاد، ويعم العقوبة، ويعم الانحرافات؛ هذا كله عقوبةٌ على ما كسبت أيدي الناس، ويعم -أيضاً- العقوبة العامة التي يعاقب الله بها من عصاه وخالف أمره. والكسب في قوله: (بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) هو المحرمات، يعني: بما عملوا من المحرمات التي تسبب العقوبة ومحق البركة، ومع ذلك فإنه سبحانه يخبر بأنه لا يعاجل عباده، ولكن يمهلهم ويؤخرهم، وإلا فلو عاجلهم لأحلّ بهم العقوبة الصارمة، ولذلك يقول الله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ} [النحل:61]، والضمير يعود على الأرض. أي: ما ترك على الأرض من دابة. أي: لو يؤاخذ الناس بما يستحقونه من عقوبة على المظالم والمعاصي والمحرمات، لعجل لهم العذاب ولأخذهم ولأهلك حتى الدواب في الأرض.

المعاصي والذنوب سبب للعقوبات

المعاصي والذنوب سبب للعقوبات قال تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمْ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً} [الكهف:58]، والكسب هنا المراد به: الكسب السيئ. يعني: المحرمات والسيئات. أي: أنه تعالى لولا إمهاله لكان العباد على ما يعملونه مستحقين العذاب، إلا إذا استقاموا ولزموا الطريقة المستقيمة التي إذا لزموها أعانهم الله وأغاثهم. ولذلك قال تعالى: {وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً} [الجن:16]، الطريقة: هي الإسلام. أي: إذا استقمنا على الإسلام، وتمسكنا به، وعملنا بشرائعه، وتركنا المحرمات؛ فإن الله تعالى يسقينا ماءً غدقاً، يسقي أرضنا ويسقي بلادنا ويسقي حروثنا وأشجارنا، وأما إذا لم نفعل فإنه يعاقب من يشاء بأنواع العقوبات حسبما يستحقونه، ومع ذلك فإنه يعفو عن كثيرٍ من المخالفات، وإلا فإن العبادَ على معاصيهم وذنوبهم يستحقون أكثر مما نزل بهم: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30]، والكسب هنا: السيئات. أي: ما نزل بنا من مصيبة فإنه عقوبة على السيئات التي كسبتها أيدينا والتي عملناها، (فما نزل بلاءٌ إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة)، هكذا ورد في بعض الأحاديث. والإنسان لا يغتر بما هو فيه لا نغتر بالأمن، ولا نغتر بزهرة الحياة الدنيا ولا نغتر بزخرفها، ولا نغتر بكثرة الأموال والأولاد، ولا نغتر بالصحة في الأبدان، ولا نغتر بما أعطانا الله وما خولنا، فإن هذا ليس دليلاً على رضا الله إذا كنا عملنا ما يسخطه، ولكن هو من الإمهال الذي لم يأتِ أجله، ولذلك يقول الله تعالى: {بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا} [الكهف:58] يعني: أن هذا الإمهال إذا لم يستقم الإنسان ولم يرجع إلى الله تعالى، فإن له أجلاً ينتهي إليه، ودليل ذلك الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وقرأ قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102])، و (الظالم) هنا: العاصي الذي اقترف معصية، وفعل ذنباً أيما ذنب. (يملي له): يعني: يؤخره ويمهله ويعطيه على ما هو عليه، ومع ذلك فإنه ينتظر إذا كان ذا عقل أن تتغير حاله. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: (إذا رأيت الله يعطي الظالم وهو مقيم على ظلمه، فاعلم أنه استدراج). يعطيه: أي يوسع عليه. إذا رأيت الله تعالى يوسع على إنسان وهو ظالم، ومع ذلك تزداد رتبته وتزداد منزلته ويزداد ماله وتزداد توسعته، وهو يزداد في طغيانه ومعصيته، فلا تظن أن ذلك لكرامته على الله، ولكن ذلك من باب الاستدراج، اقرأ قول الله تعالى: {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [الأعراف:182 - 183]. أملي لهم. أي: أؤخرهم إلى أن يحين الأجل الذي تنزل بهم العقوبة فيه، لذلك وقع في بعض الأحاديث: (ما أخذ الله قوماً إلا عند غرتهم، وغفلتهم وسلوتهم)، والأخذ هنا العقوبة، أي: لا يعاقبهم ويأخذهم أخذ عزيزٍ مقتدر إلا بعد أن يركنوا إلى الدنيا ويطمئنوا إليها، ويظنوا أنهم ممتعون فيها؛ كما أخبر الله تعالى عن الذين مضوا، كما في قوله تعالى: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام:43 - 44]. (أخذناهم بغتةً) أي: على حين غرة وغفلةٍ، أخذهم الله تعالى أخذ عزيزٍ مقتدر، أو أخذهم بالتدريج وعاقبهم عقوبةً بطيئةً لم يتفطنوا لها حتى بغتهم أمر الله، وهذا ونحوه يدل على أن السيئات والمحرمات سببٌ للذنوب، وأنها من أكبر الذنوب، وأنه بسببها تنزل العقوبة العاجلةُ أو الآجلة، وإذا أمهل العاصي ومات وهو على طغيانه وعلى كفره وعناده وظلمه وعدوانه؛ فلا يأمن أن يعاقب في الآخرة، فإن عذاب الآخرة أشد وأبقى. كثير ما يذكر الله العذاب الأخروي الذي هو عذاب النار وبئس القرار: {ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر:16]. إذاً: نحن نخاف من عذاب الدنيا أن يعاجلنا الله به كما عاجل الأمم السابقة الذين عتوا وبغوا وطغوا وتعدوا، أو نخاف من عذاب الآخرة إذا متنا ونحن على هذه المعاصي والمحرمات، وانتهاك الحرمات. نخاف أن يعاقبنا الله عقوبة أخروية التي هي أشد من عقوبة الدنيا. هذا ما أحببت أن أقوله في آثار الذنوب، وللذنوب آثار وسيئات عظيمة لا أريد أن أتطرق إليها، وقصصها موجودة في القرآن كما قص الله علينا عقوبة الذين كذبوا، وكيف أخذهم لما أن كذبوا ومكروا، وردوا رسالته وكذبوا رسله، فأنزل بهم أنواع العقوبات التي ذكرها الله تعالى في القرآن.

ذكر أنواع المعاصي والمنكرات

ذكر أنواع المعاصي والمنكرات وبعد ذلك أقول: إن المحرمات المتمكنة في الأمة كثيرة، وإن المسلم ليحذر أن يركن إلى شيءٍ منها فيكون من أهل العقوبات، وقد وردت الأدلة في ذكر أنواعٍ من المعاصي والسيئات وفي التحذير منها وبيان عقوبتها وشدة العذاب عليها، فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله! وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)؛ وذلك لأن هذه السبع قد ذكر الله عليها عقوبات شديدة.

الفواحش

الفواحش فعل الفواحش: لا شك أنه من أسباب العقوبة، ورد في بعض الأحاديث: (ما فشا الزنا في قوم حتى أعلنوه إلا ابتلوا بالطاعون، والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا)، يذكر كثير من الأطباء كثرة الأمراض التي يقولون إن سببها فعل هذه الفواحش، والتي استعصى عليهم علاجها كثيراً. اسألوا الأطباء: ما هو علاج هذه الأمراض -مرض الإيدز- أو ما أشبهه؟ لا شك أنها تستعصي عليهم، وأن من أسبابه اقتراف هذه الفواحش والمحرمات، وأن من أسباب فشو هذه المحرمات والفواحش: العكوف على رؤية هذه الأفلام الفاتنة، وكذلك سماعُ هذه الأغاني الماجنة وما أشبهها.

النظر إلى الصور والأفلام

النظر إلى الصور والأفلام وهكذا أيضاً: النظر إلى الصور والتفكه بالنظر إلى الصور التي تعرض في الأفلام -في أجهزة الفيديو وما أشبهها- التي يعرض فيها صور نساء، سيما إذا كانت من بلاد بعيدة كالبث المباشر، وما يعرض فيه بواسطة الدشوش وما أشبهها. لا شك -أيضاً- أنها فتنة وأي فتنة، حيث إن الذي ينظر في تلك الصور لا يأمن أن تقع في قلبه صورة هذه المرأة أو صورة هذا الزاني، أو هذا الفاحش الذي يفعل الفاحشةَ أمام عينيه، فيمثل له كيفية الوصول إلى هذه الشهوة وقضاء الوطر، فلا يملك نفسه أن يندفع، إذا لم يكن معه إيمان. نقول: لو كان معه إيمان لما أكب على السماع وعلى النظر إلى هذه الصور، سواء كانت مرسومة ومصورة في صحف ومجلات، أو كانت مبثوثة في البث المباشر، أو في هذه الأفلام ونحوها، فيعرض نفسه للفتنة، فهذه من المعاصي ومن المحرمات المتمكنة التي فتنت الكثير، والتي دعت إلى فواحش أخرى، فالمرأةُ إذا أكبت على رؤية هؤلاء الرجال الأجانب لم تأمن أن يقع في قلبها ميل إلى فعل الفاحشة، وإذا رأت المرأة هؤلاء النساء المتفسخات، المتبرجات، المتكشفات المتحليات بأنواع الفتنة لم تأمن أن تقلدهن فترى أنهن أكمل منها عقلاً، وأكمل منها اتزاناً وقوةً، فيدفعها ذلك إلى أن تلقي جلباب الحياء، وأن تكشف عن وجهها، وأن تبدي زينتها للأجانب، وأن تكون فتنة وأي فتنة.

التبرج والسفور

التبرج والسفور ومن المحرمات المتمكنة: وهو الوقع في التبرج الذي هو تفسخ وقلة حياء من كثير من النساء اللاتي كان سببُ ذلك عكوفهن على رؤية هذه الصور التي في الصحف والأفلام ونحوها، فوقعن في أن خلعن جلباب الحياء، ودعاهن ذلك إلى أن يتمنين فعل الفاحشةِ أو يفعلنها متى تيسر ذلك وقدرن عليه، ولا يحصى ما يحصل أو ما يعثر عليه هيئات الأمر بالمعروف والدعاة إلى الله تعالى من أماكن الدعارة ومن أماكن الفساد، ومن اختطاف والتقاط النساء من الأسواق ومن الأزقةِ ومن المجتمعات لفعل الفاحشة، وكذلك أيضاً: التقاط الطالبات اللاتي أمام المدارس سواء قبل الدراسة أو بعدها، وهذا لا شك أن من دوافعه: أولاً: قلة الإيمان الرادع. ثانياً: عدم الغيرة من أوليائهن والمحافظة عليهن. ثالثاً: أن الأولياء جلبوا لهن هذه الأجهزة والآلات التي سببت أنهن يخلعن جلباب الحياء، ويتبرجن هذا التبرج إلى أن حصلت هذه المحرمات وما أشبهها.

القمار والميسر

القمار والميسر كذلك أيضاً: هؤلاء الذين يعيبون أهل الخير، قد يكون كثير منهم من الذين يتعاطون القمار، ويتعاطون الميسر الذي قرنه الله بالخمر، فكثير منهم يبيتون طوال الليل على اللعب بما يسمى الأوراق، أوراق اللعب -البلوت- أو ما أشبهها. ماذا يستفيدون من هذا اللعب؟ إن كان على عوض فإنه الميسر المحرم، بحيث إنه يكتسب حراماً إذا اكتسبه، وإذا كان واحد منهما كاسباً والآخر مكسوباً، فالكاسبُ أكل حراماً، مع ما يترتب على ذلك من العقوبة ومن الإثم الذي ذكره الله بقوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [المائدة:91]، فالميسر هو هذا اللعب الذي يؤخذ عليه عوض: {وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ} [المائدة:91]، لا شك أن الذين يلعبونه ينشغلون عن الذكر فلا تجدهم يذكرون الله إلا قليلاً، وينشغلون عن الصلاة. كثير منهم إذا لعبوا إلى نصف الليل أو ثلث الليل أو ثلثي الليل لا يدركون الصلاة مع الجماعة، وهذا من أضرار هذه الألعاب التي فشت وتمكنت في كثير من الناس -والعياذ بالله- ويدعون أنهم بذلك يقطعون الفراغ، وأن عندهم فراغاً يحبون أن يشغلوه بما ينشغلون به، حتى لا يكون عندهم وقتٌ ليس فيه عمل، وبئس ما فعلوا! فعندهم وقت ثمين يستحق أن يشغلوه بطاعة الله فما بالهم لم يتعلموا العلم؟ وما بالهم لم يتعلموا القرآن ولم يتعلموا حفظه؟ وما بالهم لم يجتهدوا في ذكر الله تعالى ودعائه وطاعته؟ لماذا ينشغلون باللهو واللعب؟ ومع ذلك يتركون ما هو ذكر وطاعة وخير، ويقطعون أوقاتهم. هذا من المحرمات المتمكنة التي تذهب بالأوقات كثيراً.

العكوف على سماع الأغاني

العكوف على سماع الأغاني ولا شك أن المحرمات كثيرة، ولكن من أبرزها: عكوف الكثير على سماع الأغاني والموسيقى والملاهي ونحوها، فإن الكثير عندما يُقرأ عليهم القرآن تجد أحدهم ينعس أو ينام، ولكن إذا سمع أغنية أو مطرباً أو مغنياً طرب له، وذهب عنه النعاس والوسن الذي كان يعتريه، وقام نشيطاً، وبات ليله على هذا السماع، ولا شك أن هذا من النفاق، حيث إنه حيل بينهم وبين سماع القرآن، واعتاضوا عنه بسماع الغناء واللهو الذي يشغلهم. ثم هو مع ذلك يفسد القلوب، فإن هؤلاء الذين يعكفون على سماع الغناء تفسد أفئدتهم، وتفسد قلوبهم والعياذ بالله، وتثقل عليهم الطاعات، وتسهل عليهم المحرمات، ثم هو دافع أيضاً إلى ما وراءه، وإلى ما هو شر منه، وذلك أنه إذا كان سماع أغنية مثيرة أو أغنية امرأة من المطربات ونحوها، فإنه يدفع إلى فعل الفواحش، واقتراف المحرمات -والعياذ بالله- فيكون إثمه أعظم وأكبر، ولأجل ذلك فشت -بسبب هذه الأغاني- هذه المعاصي التي منها فعل فاحشة الزنا واللواط أو ما يشبهه، وتمكنت في كثير من الناس بسبب أنهم ألفوا هذه الأصوات الرقيقة، الرنانة، المثيرة للوجد، المثيرة للشهوات، التي تدفعهم إلى اقتراف المحرمات، ولا يجدون ما يردعهم، وليس معهم من الإيمان ما يمنعهم من اقترافها، فكان عندهم دافع وهو سماع هذه الأغاني، وليس عندهم مانع من الإيمان القوي، والخوف من الله تعالى، ومراقبته، فنهيب بالإخوة أن يحفظوا أنفسهم عن سماع الأغاني أو الجلوس عندها.

التولي يوم الزحف

التولي يوم الزحف سادساً: التولي يوم الزحف: وهذا عندما يتقابل الصفوف في القتال فينهزم من ينهزم، ويسلط العدو على المسلمين بسبب انهزامه، فإنه بذلك متوعد بوعيد شديد، ذكره الله تعالى بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمْ الأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال:15 - 16]، وهذا وعيد شديد على التولي يوم الزحف. يعني: يوم الوغى.

القذف

القذف سابعاً: القذف، فذكره بقوله صلى الله عليه وسلم: (وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمْ اللَّهُ دِينَهُمْ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور:23 - 25]. والقذف هو الرمي بالفاحشة، أن يرمي إنساناً بريئاً بقوله: إنك قد زنيت، أو هذا زانٍ، أو هذه زانية وهو كاذب عليهم، ولا شك أن هذا بهتان وظلم وكذب، ورمي لمسلم بريء بفاحشة لم يعملها وإلصاق له بتهمة يظهر عليه شنيعتها، ويلام بها ويعاب بها؛ فلأجل ذلك يستحق العقوبة كل من رمى إنساناً بريئاً بفاحشة، وهو عالم بأنه بريء؛ فإنه يعاقب بالعقوبة التي ضربها الله، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا} [النور:4 - 5]، فعاقبهم بثلاث عقوبات: الأولى: الجلد. الثانية: ردُ الشهادة. الثالثة: الحكم عليهم بأنهم فاسقون إلا من تاب. هذه من المعاصي التي بين النبي صلى الله عليه وسلم أنها من الموبقات المهلكات التي تسبب العذاب على صاحبها سواء في الدنيا أو في الآخرة، ولا شك أنه يلحق بها كل ما يشبهها مما يدخل في الوعيد، أو مما فيه مفسدة للأمة توقع فيما بينها ظهور المحرمات.

صغائر الذنوب

صغائر الذنوب أيضاً: فمقدمات هذه المحرمات ملحقة بها، ولذلك سوف نذكر ما يلحق بها حتى يعرف المسلم أن المعاصي كبيرها وصغيرها لا يجوز التهاون به، فمقدمة السيئات تعتبر سيئات، والمقدمات التي هي الصغائر تعتبر من الذنوب، ولا يجوز أن يتهاون بها المسلم، فلا يتهاون بمقدمات هذه الذنوب وما أشبهها، ولذلك ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إياكم ومحقرات الذنوب؛ فإنهن يجتمعن على الرجل فيهلكنه، ثم ضرب لهن النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً: كمثل قوم كثير نزلوا بأرض فلاة، فحضر جميع القوم، فجعل هذا يأتي بعود، وهذا يأتي ببعرة حتى جمعوا سواداً كثيراً، فأججوا فيه ناراً فأنضجوا خبزتهم)، المثل واضح، وهو أنه لو كان هناك جماعة مسافرون، وليس معهم حطب يوقدون به، ليصلحوا طعامهم، والأرض ليس فيها حطب ظاهر، ولكنهم قوم كثير فتفرقوا في الأرض فوجد هذا بعرة، ووجد هذا عوداً ووجد هذا عوداً، فجمعوا هذه الأعواد وهذه البعرات ونحوها. (حتى اجتمع سواداً) يعني: حطباً كثيراً، فكان ذلك سبباً في أنهم أوقدوا فيه وأنضجوا طعامهم وأصلحوا ما يريدون إصلاحه، فكذلك هذه السيئات الصغيرة تأتي من هنا واحدة، وتأتي الثانية، وتأتي الثالثة، وتأتي الرابعة، حتى تجتمع على الإنسان فتهلكه، وهو متساهل بها ومتصاغر لها لا يظن أنها تبلغ مبلغاً.

الاستهزاء بالصالحين

الاستهزاء بالصالحين فمثلاً: الكلمات التي لا يهتم بها الإنسان ولا يلقي لها بالاً قد تهلكه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرجلَ ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب). وما أكثر هذه الكلمات التي لا يزنها صاحبها عند المقال ولا يفكر فيها، وقد تكون كفراً، وقد تكون فسقاً، وقد تكون معصية، ولكنه لا يقدر لها تقديراً، فكثيراً ما يتكلم بكلمة في مسبة أو في بهتان أو في ظلم أو غيبة أو في نميمة أو في سخرية واستهزاء بأمر من الأمور ولا يتفطن لها، فيحكم عليه بالكفر والعياذ بالله. ولأجل ذلك توعد الله الوعيد الشديد على السخرية بأهل الخير وبأهل الصلاح، وعدّها كفراً، وكذلك السخرية والاستهزاء بآيات الله وبأحكامه وبشرائعه، فمن الأدلة: قول الله تعالى عن أهل النار: {وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنْ الأَشْرَارِ * اتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمْ الأَبْصَارُ} [ص:62 - 63]، يقولون: إننا كنا نستهزئ بالمتطوعين، نستهزئ بالمصلين، نستهزئ بأولئك الملتحين، نستهزئ ونسخر بأولئك المتدينين، ونعدهم أشراراً ونعدهم فجاراً وضلالاً، واليوم لا نراهم عندنا في النار أين هم؟ أين ذُهب بهم؟ معلوم أنهم يحكون استهزاءهم بأهل الخير فيقولون: أين أولئك الذين كنا نعدهم من الأشرار؟ ونتخذهم سخرياً؟ ويقول الله تعالى: {سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ * زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [البقرة:211 - 212]. (يسخرون من الذين آمنوا): يعني يستهزئون بالمؤمنين أو بالمتدينين أو بالصالحين، يسخرون بعباداتهم ويسخرون من أعمالهم، ويسخرون من زهدهم وتمسكهم يسخرون منهم. فلذلك عاقبهم الله تعالى بأن أحل بهم غضبه وعذابه، وصاروا من أعدائه، وأولئك الذين استهزئ بهم صاروا من أولياء الله الذين أكرمهم بجزيل جزائه. وهكذا أيضاً: حكى الله تعالى عن المنافقين أنهم يلمزون أهل الخير في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} [التوبة:79]، ما أكثر الذين يلمزون المطوعين! يلمزونهم: يعيبونهم بالصلاة يعيبونهم برفع الثياب يعيبونهم بإرخاء اللحى وإعفائها يعيبونهم بترك الدخان يعيبونهم بترك الخمور، وما أشبهها. وتلك شكاةٌ ظاهر عنك عارها هذه ليس فيها عليك عيبٌ إذا عابك مثل هؤلاء وتنقصوك، واعلم أن الذي يعيبك في تمسكك هو أولى بأن يكون معيباً، فهؤلاء يعتبرون من المجرمين الذين ذمهم الله بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين:29]، والذين آمنوا يراد بهم الذين حققوا الإيمان وعملوا الصالحات، وتركوا المحرمات، فالمجرمون يضحكون منهم ويستهزئون بهم: {وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ * وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} [المطففين:30 - 33]، هكذا تكون حالتهم في الدنيا، وأما في الآخرة؛ فإن المؤمنين يضحكون منهم، عندما يرون أن حظهم كاسد، وأنهم هم الخاسرون. وهكذا أيضاً: لا شك أن هذا الاستهزاء والسخرية بهؤلاء هو العيب الحقيقي؛ لأنهم أهل الطاعة وأهل الاستقامة، أما أولئك ماذا يتمدحون به؟ يتمدحون مثلاً: بشربهم للخمور، فهذا من المنكرات ومن المحرمات المتمكنة التي فشت وتمكنت في كثيرٍ من الناس، بحيث إنهم يبيتون كثيراً من الليالي على شرب هذه المسكرات وتعاطيها، ولا ينتبهون إلا آخر الليل، وربما يفوت عليهم وقت أو أوقات وهم في سكر وسبات والعياذ بالله. وقد وردت الأدلة الكثيرة في تحريم الخمر، وقد حرمها الله تعالى وذكر العلة في ذلك في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة:90]، فهؤلاء يعيبون أهل الخير وهم على هذه الحالة التي هي: تعاطيهم لهذه المسكرات والمخدرات وما أشبهها.

أكل مال اليتيم

أكل مال اليتيم خامساً: أكل مالُ اليتيم: فيعم كل من كان عنده مال لغيره من يتيم أو فقير أو نحو ذلك، فأكله وجحده، وقد توعد الله عليه فقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} [النساء:10] أي: يعاقبون بأن يأكلوا ناراً وهذه النار التي يأكلونها هي من نار جهنم. يروى: أنهم يلقمون جمرات في النار تحرق أجوافهم، أو أنهم يسقون من الحميم الذي هو أشد حرارة مما يتصور، كما في قوله تعالى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:15]. فأخبر بأنهم إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً، أو أنهم يأكلون هذا المال الحرام، ويعاقبون بأن يعذبوا بالنار يوم القيامة، فهذا وعيد شديد، فالمسلم عليه أن يبتعد عن أكل مال الناس بغير الحق -اليتامى وغيرهم- والله تعالى قد نهى عن أكل المال بغير حق، فقال تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:188]، أي: لا تأكلوا أموالهم التي تخصهم بغير حق، ظلماً وعدواناً؛ فإنكم بذلك متعرضون لعذاب الله وغضبه.

أكل الربا

أكل الربا رابعاً: أكل الربا: وهو المعاملات الربوية التي يأخذ بها مالاً بغير حق، فهذه المعاملات الربوية هي من كبائر الذنوب، ولذلك قال الله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة:275 - 276]، ولا شك أن الربا متمكن في هذه الأمة، ومتمكن في هذه البلاد وفي غيرها؛ فكثير من المعاملات يكون فيها رباً وأهلها لا يشعرون، ولكن يفعلون ذلك تقليداً أو يفعلونه ظناً منهم أنه لا إثم فيه، فالواجب أن نبتعد عنه وألا نتعامل إلا بالمعاملات المباحة التي لا شك فيها، وفي الحلال غُنية عن الحرام.

السحر

السحر ثانياً: السحر، قال الله تعالى: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة:102] إلى قوله: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة:102]، أي: ما له في الآخرة حظ ولا نصيب. والسحر متمكن في هذه البلاد، وهو من الأعمال الشيطانية، ومتمكن في كثير من البلاد الإسلامية، ولاشك أنه نوعٌ من الشرك، وما ذاك إلا لأن السحرةَ يعبدون الشياطين حتى تلابس من يريدون إضراره، فيكون الساحر بذلك مشركاً، حيث إنه يتقرب إلى الشيطان بما يحب حتى يخدمه الشيطانُ فيضر به مسلماً أو يضر به من يريد إضراره، فلما كان كذلك حكم على الساحر بأنه كافر، فواجب علينا أن نحذره ونبتعد عنه، وواجب أن نعرف بمن نعرف منه أنه ساحر أو أنه يتعاطى السحر من رجل أو امرأة.

قتل النفس التي حرم الله

قتل النفس التي حرم الله ثالثاً: القتل: والمراد به الاعتداء على المسلم بسفك دمه أو جرحه، أو قطع طرف منه أو نحو ذلك، ورد في الحديث: (أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء). فالمظالم التي بين الناس يوم القيامة تكون في الدماء، وتكون في الأموال، وتكون في الأعراض؛ ولكن الدماء أهمها فلذلك فأول ما يحكم بينهم أمر هذه الدماء، وذلك لأهميتها، وقد ورد الوعيد الشديد في قتل المسلم عمداً، فقال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء:93]، وعيد شديد. فتوعده الله بأنواع من الوعيد: الأول: عذاب جهنم -وجهنم هو اسم من أسماء النار- وبئس القرار. الثاني: الخلود في النار، أي: طول المقام فيها إلى أجل يعلمه الله. الثالث: اللعن، الذي هو الطرد والإبعاد من رحمة الله. الرابع: الغضب، وإذا غضب الله عليه فإنه يستحق أن يعاقبه. الخامس: أعد له عذاباً عظيماً على هذا الذنب الذي هو اعتداء على حرمة مسلم وإراقةُ دمه بغير حق.

الشرك بالله

الشرك بالله أولاً: الشرك قال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة:72].

كيف يحصن المسلم نفسه عن هذه المحرمات؟!

كيف يحصن المسلم نفسه عن هذه المحرمات؟! بعد أن عرفنا هذه الأمثلة التي تمثل لنا كثيراً من هذه المحرمات، وهي كثيرة، نختم بـ (كيف يحصن المسلم نفسه عن هذه المحرمات؟). كيف يحصن الإنسان نفسه ونساءه وأولاده ويحفظهم عن هذه المحرمات وأشباهها؟

كثرة ذكر الله تعالى

كثرة ذكر الله تعالى ثالثاً: كثرة ذكر الله تعالى: فهي سببٌ من أسباب الحماية من هذه المحرمات؛ لذلك يأمر الله تعالى بذكره، كما في قوله تعالى: (فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء:103]؛ وذلك لأن الذي يذكر الله يتذكر أمره ونهيه، فيتذكر أنه أمر بالعبادات، ويتذكر أن في امتثاله لها أجراً، ويتذكر بأنه نهى عن المحرمات، وأن في تركه لها أجراً، وأن في تركه للأوامر وفعله للمحرمات عقوبة، فيحمله هذا التذكر على أن يتقرب إلى الله بالطاعات ويترك المحرمات ويبتعد عنها.

مجالسة الصالحين

مجالسة الصالحين رابعاً: مجالسة الصالحين من أهل الخير: فإنهم يذكِّرون الإنسان إذا غفل، ويعينونه على ذكر الله، ويدعونه إلى الخير، ويحذرونه من الشر. والصالحون هم الذين أصلحوا أعمالهم وأقوالهم واستقامت أحوالهم، ومن تمام ذلك اجتناب أهل المعاصي والبعد عنهم، فإن هذا من تمام مجالسة الصالحين، فإن من جالس الصالحين اجتنب الطالحين، ومن جالس أهل الخير هجر أهل الشر وابتعد عنهم، أما الذي لا يجالس الصالحين فكثيراً ما يجتذبه أهل الفساد ويدعونه إلى ما يفعلونه، فيزينون له ما هم فيه فلا يأمن أن يقع فيما وقعوا فيه. ومعلومٌ أن الأشرار -ولو اعترفوا أنهم على شر- يتمنون أن يكون الناس مثلهم، حتى لا ينفردوا بالشر وحدهم، فصاحب الدخان لا يعترف بأنه على باطل، بل يزين لكل من رآه ولكل من جالسه أنه على حق، وأن هذا الدخان لا مانع منه ولا بأس به، حتى يوقع فيه غيره من صغيرٍ وكبيرٍ إلى أن ينشبوا فيه، ويصعب عليهم التخلص، فيكون أيضاً من دعاة هذا الأمر، ويعيب من زهد في ذلك بأنه بخيل، وبأنه متزمت، وبأنه متشدد أو غال أو نحو ذلك. وهكذا يعيب هؤلاء المفسدون والأشرار أهل الدين ويعيبون أهل الصلاة وأهل ترك المحرمات بهذه العيوب التي يلصقونها بهم، ويريدون أن يزهدوا في أفعالهم حتى يكونوا مثلهم، وهذه سنةُ الله تعالى أن كل عاصٍ يدعو إلى معصيته، ولو اعترف بأنه على باطل، ولكن لابد إذا كان متمكناً في هذه المعصية أن يزين حالته، ويعتذر عما هو عليه، ويبين للناس أنه ليس على باطل حتى يفعلوا مثلما فعل، فلا يسلم الإنسان إلا إذا اجتنبهم وابتعد عنهم، لكن إن كان معه قدرةٌ على مقاومتهم وإقناعهم والرد عليهم، وإبطال شبهاتهم، فإنه يفعل ذلك، ويجالسهم حتى يرد عليهم، فإذا رأى أنهم تمادوا واستمروا في غيهم، ولم تؤثر فيهم كلماته فالنجاة النجاة، والبعد عنهم أولى. أيها الإخوة: هذه توجيهات في السلامة من هذه المحرمات، ولا شك أن الإنسان الذي معه فكرٌ وعقل يعلم أيضاً -إن شاء الله- الطريق إلى السلامة من بقية المحرمات باجتنابها والحذر من مقارفتها. نسأل الله أن يحمي المسلمين من المعاصي ما ظهر منها وما بطن، وأن يبصرهم بعيوب أنفسهم حتى يتجنبوها، وأن يحمي مجتمعات المسلمين من العصاة والمفسدين، ونسأله أن يعز الإسلام والمسلمين، ويمكن لهم في الدين، ونسأله أن يصلح أئمة المسلمين، وولاة أمورهم، وأن يجعلهم هداةً مهتدين؛ يقولون بالحق وبه يعدلون، ونسأله أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويصلح أحوال المسلمين، والله أعلم، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.

التربية الحسنة

التربية الحسنة أولاً: بالتربية الحسنة: وهو أن يتربوا على معرفة الله، ومعرفة الحلال والحرام، والثواب والعقاب، وعلى معرفة آثار المعاصي والطاعات، ولا شك أن الذي يتربى على الطاعة يألفها ويحبها، وكذلك الذي يعمل الأعمال الصالحة، تحمله على الاستكثار من العبادات وما أشبهها، وكذلك الذي يكون عارفاً بعظمة الله وبجلاله وكبريائه واطلاعه على العباد، لا شك أن هذه المعرفة تحجزه عن اقتراف هذه الذنوب وفعل هذه الجرائم.

المحافظة على الصلاة

المحافظة على الصلاة ثانياً: المحافظةُ على الصلاة: فإن المحافظة عليها سببٌ في الحماية، ودليلُ ذلك قول الله تعالى: {وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45]. الفحشاء: هو القول الفاحش. والمنكر: جميع المعاصي التي هي منكر. وكون الصلاة تنهى عنها: أن المصلي إذا كان يصلي لله يمتثل أمره، ويتعبد له بأنواع العبادات: يكبره، ويعظمه، ويجله، ويدعوه، ويركع له، ويسجد، يقوم له ويقعد، ويخضع في صلاته، ويستحضر عظمته، ويستحضر كبرياءه، ويستحضر أنه مأمور بهذه العبادة من الله، ويستحضر أن في أدائها وفي المحافظة عليها طاعةً وأجراً كبيراً، وأن في تركها عقوبة، ويستحضر بقلبه أنها ما شرعت إلا لتهذيب النفوس، وما شرعت إلا للإقبال على الله تعالى، إذا فعل ذلك؛ فإنها تحميه وتصده عن المحرمات وعن فعل الجرائم والتهاون بها.

الأسئلة

الأسئلة

توبة القاذف

توبة القاذف السؤال الرابع: فضيلة الشيخ: ذكرت في محاضرتك أن من المنكرات أو من الموبقات: قذف المحصنات المؤمنات الغافلات، ولكن من وقع في هذه المعصية فكيف التوبةُ منها؟ A الله تعالى ذكر العقوبة، وأنه يجلد ثمانين جلدة، ولكن إذا طلب ذلك المقذوف وترد شهادته إلا أن يتوب، لكن إذا لم يدرِ بالذي قذفته، ولكن علم غيره، فأولئك الذين علموا عليك أن تتبرأ عندهم، وتقول: إني قد ظلمت فلاناً وبهته وكذبت عليه، وقلت: إنه قد زنا، أو إنه قد لاطَ، أو إن فلانة زانية، أو إن هذا ليس ولد أبيه، يشهد أنه كاذب، ويشهدُ أن المقذوف بريء. والحمد لله رب العالمين.

قابل التوب شديد العقاب

قابل التوب شديد العقاب Q ذكرت آثار المعاصي وعقوبتها وعدم الاستهانة بها، وعدم الاستهانة بالصغائر والكبائر من الذنوب، ولكن هناك الذين يفعلون المعصية ثم إذا نصحتهم قالوا لك: إن الله غفورٌ رحيم، فما هو توجيهاتكم لأولئك؛ جزاكم الله خيراً؟! A عليك أن تذكرهم بأن الله غفور رحيم، وأنه شديد العقاب، كما يجمع بين ذلك في الآيات، يقول الله تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ} [الحجر:49 - 50]، آيتان متجاورتان في سورة الحجر، فإذا عرفت أن الله غفور رحيم، فاعلم أن عذابه عذاب أليم، واقرأ عليه قول الله تعالى في أول سورة غافر: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ} [غافر:3] أي: كما أنه يغفر الذنوب، فإنه يعاقب عليها عقاباً شديداً، فهو لم يقتصر على المغفرة، بل ذكر معها شدة العقاب، والآيات في هذا كثيرة. ثم تقول له: إذا عرفت أن الله غفور رحيم، فإن الرحمة لأهلها، فكن من أهلها، وأهل الرحمة ذكرهم الله، واقرأ عليه الآية التي في سورة الأعراف في قول الله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ} [الأعراف:156 - 157] إلى آخر الآيات، حقق هذه الأوصاف حتى تكون من أهل الرحمة، فأما كونك تتساهل، وتتمادى فلا تأمن أن تكون من أهل العذاب.

الاستهزاء بالمطوعين

الاستهزاء بالمطوعين السؤال الثاني: فضيلة الشيخ: نشهد الله على حبكم في الله، وسؤالي هو: إن من المحرمات التي استهان بها كثيرٌ من الناس: الاستهزاء والغيبة، وغيبة رجال الهيئة وغيبة العلماء، وكذلك الطعن في أعراضهم مع نسيان أعمالهم الفاضلة ودحر حسناتهم. هل من كلمة توجيه لهم جزاكم الله خيراً؟ A لقد ذكرنا في المحاضرة عقوبة المستهزئين والأدلة على ذلك، مثل قوله تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة:79]، إلى قوله: {فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة:79]، وهذا ينطبق على هؤلاء الذين يعيبون كل متطوع سواء من الهيئات -أهل الحسبة- أو المتطوعين غيرهم الذين يدعون إلى الله، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، وهؤلاء الذين يلمزونهم ويعيبونهم، يذكرون لهم فعلةً أخطئوا فيها، وينسون عشرات الأفعال التي أحسنوها، والتي يمدحون بها، فكم من عاصٍ أخذوا على يده، وكم من عاتٍ فضحوه، وكم من معلن للفسق قمعوه وعابوه، هم يسهرون طوال الليل، ربما إلى الصبح في أمور المسلمين في الأعمال التي تهم المسلمين. تأتيه المخابرة من هنا: أن هناك رجلاً اختطف امرأةً أو اختطف غلاماً لفعل الفاحشة، أن هناك مجتمعاً يضم خناً، أو فساداً -رجالاً ونساء- وتبرجاً ونحوه، أن هناك بيت دعارة يجتمع فيه أناس على الفساد، أن هناك معمل خمر يباع فيه أو يشرب أو يتعاطى، فيأتون إلى تلك الأماكن ويراقبونها، ويأتون أولئك العصاة فيستتيبونهم. هل ننسى هذه الأعمال التي عملوها، والتي ربما أنها سببُ دفع الله تعالى عنا العقوبة؟ ورد في بعض الأحاديث: (لولا شيوخ ركع، وأطفال رضع، وبهائم رتع؛ لصب عليكم العذاب صبا)، فلا يجوز أن نذكر سيئة أخطأ فيها أحد أعضاء الهيئة أو أحد الدعاة إلى الله، وننسى عشرات الفضائل فنكون كما قال القائل: ينسى من المعروف طوداً شامخاً وليس ينسى ذرة ممن أسا يذكر مثقال ذرة إذا كانت سيئة، وينسى أمثال الجبال من الحسنات.

ضرورة تغيير العادات والتقاليد المخالفة للشرع

ضرورة تغيير العادات والتقاليد المخالفة للشرع السؤال الثالث: هناك في بعض عاداتنا وتقاليدنا ما يتنافى مع الشريعة، ولكنها أصبحت في العادات والتقاليد، ومن ذلك: خلوة الرجل بزوجة أخيه أو عمه أو خاله، وإذا قيل له: إنها حرام. يقول: هذه عاداتنا وتقاليدنا، وإذا تركناها قاطعنا كثيراً من الأقارب، فما العمل جزاكم الله خيراً؟ A لا يجوز الاستمرار على هذه العادات -ولو أنها عادات- بل ينبهون على أنها محرمات، وأنه لا يجوز التمادي فيها، وينبهون على الأدلة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما). يعني: أجنبية، ويقول: (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم)، فهذا من حيث الخلوة، ويخص الأقارب، ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إياكم والدخول على النساء). يعني: في غيبةِ محارمهن، (قال رجل: أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت). الحمو: هو أخو الزوج. يعني أنه لا يظن به سوء؛ لأنه يدخل في بيت أخيه، وتكون امرأة أخيه خاليةً ليس عندها أحد، فربما قرّب الشيطان بينهما، فلذلك قال: (الحمو الموت)، وكونه يقول: إننا إذا فعلنا ذلك قاطعونا، نقول: لا يجوز المقاطعة، ولكن إذا كانت المقاطعة تحصل لأجل تغيير المنكر؛ فإن كونهم -مثلاً- يهجرونكم أولى من كونكم تصرون على هذا المنكر. ثم نقول: عليكم أن تعالجوهم بالتدرج: أولاً: معالجة النساء بالتستر، وتغطيةِ وجوههن عند غير محارمهن. ثانياً: معالجتهن حتى لا يكشفن إلا عند المحارم، ولا يخلون إلا بالمحارم. ثالثاً: معالجتهن حتى لا يسلمن على أجنبي، ولو كان ابن عمٍ، أو أخا زوجٍ، أو زوجَ أختٍ، أو نحو ذلك. أعني: المصافحة أو الخلوة أو نحو ذلك. ومع معالجة ذلك وكثرةِ ذكره وذكر الأدلة عليه تنقطع هذه العادات.

فتاوى منوعة

فتاوى منوعة اختلاف العلماء في الفتاوى قد يكون بسبب اختلاف الأفهام، أو بسبب قصور بعض العلماء عن الإحاطة بجميع الأدلة، وعلى المفتي أن يأخذ بالدليل الواضح، وإذا كانت المسألة اجتهادية فله أن يبدي فيها رأيه الذي يميل إليه، فإن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد، وتبرأ ذمة المستفتي بسؤال العالم الذي يثق بعلمه ودينه.

الحض على التعلم والسؤال

الحض على التعلم والسؤال بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. مما لا شك فيه أن الله تعالى كلف العباد وأمرهم ونهاهم، وهذا الأمر والنهي قد تضمنه القرآن الكريم والسنة النبوية، ولابد للمأمور والمنهي -الذي هو المكلف- أن يبحث عما أمر به، وعما نهي عنه، وإذا يسر الله له القدرة على البحث وعلى المعرفة فإنه يفعل ذلك بنفسه، ويستدل على ما يفعله أو ما يتركه، وإذا صعب عليه فإن الله تعالى جعل من حملة العلم من يكون مرجعاً في ذلك، ولقد قامت الحجة على الخلق أجمعين، أولاً ببعثة الرسل، حيث جعل الله في كل أمة رسولاً يبين للناس ما أمروا به، وختم أولئك الرسل بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد بين هذا النبي عليه الصلاة والسلام للناس ما يحتاجون إليه، فما توفاه الله إلا بعدما بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، حتى قال بعض الصحابة: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه إلا ذكر لنا منه علماً، وأخبر بعضهم أنه علمهم كل شيء حتى الخراءة يعني: آداب التخلي التي يستحيى منها. وكان صحابته رضي الله عنهم يسألونه عما أشكل عليهم، وإذا كان هناك أشياء ليسوا بحاجة إليها توقفوا عن البحث فيها، وخافوا أن ينزل عليهم شيء فيه المشقة، ولكن كانوا يفرحون إذا جاء أعرابي فاهماً فيسأل وهم يستمعون، وقد نقلوا إلى الأمة ما تعلموه، ونقلت الأمة جيلاً بعد جيل ما نقل عنهم وما قالوه، وكتب ذلك - والحمد لله- في مؤلفات أهل العلم. ولكن ومع ذلك فإنه قد يقع شيء من الاختلاف بين أهل العلم بسبب اختلاف الأفهام، أو بسبب قصور بعض العلماء عن الاطلاع على الأدلة كلها؛ فلهذا تنوعت المذاهب، ووقع اختلاف في الفتاوى، ولكن هذا الاختلاف لما كان مجاله الاجتهاد كان موسعاً؛ ولذلك روي أن رجلاً كتب كتاباً في اختلاف العلماء والأئمة وسماه: الاختلاف، فعرضه على الإمام أحمد فقال: سمه كتاب السعة أي: التوسعة؛ لأن في الاختلاف في الأمور الاجتهادية توسعة على الأمة حتى لا ينحرجوا بقول واحد. وحيث إن أغلب المسائل أدلتها واضحة فإن على المفتي أن يأخذ بالدليل الواضح، وإذا كانت المسألة فيها مجال للاجتهاد أبدى فيها رأيه، وقال: هذا قولي الذي أميل إليه، وللإنسان بعد ذلك أن يبحث أو يسأل غيره حتى يجد الجواب، فإن اتفقت الأجوبة علم أنه ليس هناك إلا قول واحد، وإن اختلفت رأى ما هو أقرب إلى أهداف الشريعة الإسلامية وسار عليه. وغالب الأسئلة التي يقدمها العوام هي مجال اجتهاد، وإلا فإن المسائل الأصولية التي أدلتها واضحة لا أظنها تخفى على أفراد المسلمين لا سيما في هذه البلاد، حيث إن أولاد المسلمين منذ السنة السادسة أو السابعة وهم يتلقون الدروس، ويتلقون العلم مرحلة فمرحلة، هذا من حيث التعليم، وكذلك أيضاً من حيث العمل، فمن حين يبلغ الطفل السابعة وآباؤه يلقنونه أموراً في العقيدة وأموراً في العبادة، يلقنونه ويقولون له: افعل كذا، وقل كذا وكذا. فالحمد لله ما بقي أحد ينقصه شيء إلا من معه شيء من الإعراض أو معه شيء من الغفلة، أو الذين نشئوا في أطراف البلاد البعيدة عن العلم وعن سماع القرآن وسماع الذكر وسماع المعلومات، فلا يستغرب إذا وجد منهم من يجهل أحكام العبادات، ويقع في شيء من المحرمات عن جهل، بسبب البعد عن العلم وأهله، فلا نستغرب أن في أطراف المملكة إما في الجنوب أو في الشمال ونحو ذلك ممن نشئوا في البوادي لا يعرفون شيئاً إلا مجرد أنهم مسلمون، ويسمعون كلمة الشهادتين ولا يدرون ما وراءهما، فهؤلاء ملومون على الإعراض مع أنه يمكنهم أن يتعلموا بوسائل كثيرة، ولكن للغفلة أو الاشتغال بالأمور الدنيوية أعرضوا. أما الذين في القرى والذين في المدن فيستغرب أن أحداً منهم يجهل مسألة من أمور عبادته التي هو مأمور بها، سواء كانت فعلاً كالصلوات والطهارات وما أشبهها أو تركاً كالمحرمات ونحوها.

الأسئلة

الأسئلة

وجوب الصلاة على من أجريت له عملية جراحية

وجوب الصلاة على من أجريت له عملية جراحية Q بعض الناس يقدر الله عليه عملية جراحية، فيمكث لا يصلي حتى يخرج من المستشفى، مدعياً أنه لا يتطهر، وثيابه نجسة، فما رأيكم؟ A نقول: هذا خطأ، بل عليه أن يصلي الصلاة في وقتها، ولو كانت ثيابه نجسة، فالتيمم يرفع الحدث ويرفع الخبث، فإذا تيمم ينوي أن هذا التيمم عن الحدث الذي هو غسل أعضاء الوضوء، وعن النجس الذي على ثيابه أو على بدنه من الدماء، ويصلي على حسب حاله ولو على جنبه، ولو بالإيماء إذا كان عنده عملية. ختاماً: جزى الله شيخنا كل خير، ووفقنا الله وإياكم إلى ما يحب ويرضى، وصلى الله وسلم على الحبيب الهادي.

واجب الكفيل نحو العمال

واجب الكفيل نحو العمال Q نرجو أن تتفضلوا بدقائق بذكر واجب المسلم نحو إخوانه الذي يكون هو كفيلاً لهم من سائقين وعمال؟ A كل مسلم عليه واجبات نحو إخوانه، لاسيما الذين تحت كفالته أو تحت مسئوليته، فالذين تحت مسئوليته مثل الأولاد ونحوهم، فهؤلاء مسئوليته عنهم كبيرة، وهم الذين استرعاه الله عليهم، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم:6]، وأما المسئولية الخاصة في الذين يقيمون تحت كفالتك فإن عليك العهدة، فأولئك إما جهلة بأصل الإسلام، أوجهلة بأصل العقيدة، فاغتنم جهلهم وأزله، وإما أنهم قد تعلموا ما هو ضد الإسلام، وما هو ضد العقيدة، وتسممت بذلك أفكارهم، وامتلأت أدمغتهم مما هو ضد الإسلام وضد المسلمين؛ فهؤلاء أيضاً عليك مسئولية تجاههم، وهي أن تحرص على إزالة تلك الشبه، وتخفيف تلك المعاصي التي ارتسمت في أفكارهم. فالواجب أولاً: أن تدعوهم إلى العمل الصالح إذا كانوا مسلمين، فهؤلاء العمال أو الخدم الذين يخدمونك، سواء كانوا سائقين أو خدامين مطلقاً أو نحو ذلك، عليك أن تدعوهم إلى العمل الصالح، فإنهم قد نشئوا في بلاد أهلها مسلمون ولكن لا يطبقون تعاليم الإسلام، بحيث إنهم يعلمون أنهم مسلمون، وأن الصلوات الخمس مكتوبة، وأن الزكاة مفروضة، وكذلك الصوم والحج، وكذلك يعلمون تحريم المحرمات، ولكن لا يكون في بلادهم قيام بهذه الأمور كما ينبغي، فتجدهم يشتغلون في بلادهم في أوقات الصلاة، وتجدهم يأكلون في نهار رمضان، مع أنهم أيضاً قد يقعون في أمور شركية وعبادة لغير الله، وما أشبه ذلك، فلا شك أن هؤلاء إذا جاءوا فهم تحت مسئوليتك، فأنت مسئول عنهم، فعليك أن تبين لهم وتقول: ليس الإسلام مجرد التسمي، ومجرد أنه مكتوب في إقامتك أنك مسلم، لكن لا يكون إسلام إلا بإقامة الصلاة، فهذا وقت الصلاة، وهذه كيفيتها، وهذه أماكنها، فلابد أن تؤديها حتى تصدق في قولك: إنك مسلم، وإذا لم تفعل ذلك فإنك لست بمسلم ولو قلت ثم قلت، ولا ينفعك انتماؤك ولا مجرد تسميك، ولا ينفعك عمل آبائك ولا أسلافك الذين نشئوك على هذه النشأة الخبيثة، وهكذا تقول لهم في بقية الأركان. كذلك أيضاً إذا رأيتهم يعملون أعمالاً تخالف تعاليم الإسلام فلابد -أيضاً- أن تحرضهم على تركها، فتبين لهم تحريم المحرمات، سواء كانت محرمات اعتقادية مثل كونهم يبغضون السلف أو يبغضون الصحابة كالرافضة أو يبغضون أئمة الدعوة الذين يسمونهم وهابيين أو نحو ذلك، ويسيئون الظن بهم، ويقولون: إنهم وإنهم، فتبين لهم أن هذه الأقوال التي يطعنون بها على أهل السنة خبث وكذب ولا حقيقة لها. وكذلك تبين لهم إذا كانت عندهم شبهات، فقد يكون بعضهم يحمل شبهات كثيرة، ويدعي أن تلك الشبهات حقيقية، ولكنها ليست حقيقية، وإنما هي خيالية، فتبين له بطلانها، فبعضهم سمعوا أن أئمة الدعوة يبغضون الرسول، ويبغضون الأولياء، وأنهم ينهون عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وتحملوا ذلك، فإذا جاءوا إلى هذه البلاد أخذوا يستمعون، فهل سمعوا أحداً ينهى عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟ حاشا وكلا، وهل يرون أحداً يبغض الرسول ولا يقتدي به؟ حاشا وكلا، نحن ننهى عن الغلو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لا يدل ذلك على أننا نبغضه، هذا مما يجيء به الكثير من أولئك الذين يأتون من بلاد بعيدة تحمل فكرة سيئة عن هذه البلاد، وأنهم وهابية هذا من حيث الاعتقاد. أما من حيث الأعمال التي هي معاص فهي كثيرة في بلادهم، مثل كونهم يشربون الخمور، أو كونهم يحلقون اللحى، أو كونهم يشربون الدخان أو مقدماته أو ما يلحق به، أو كونهم يتعاطون بعض المحرمات كالزنا أو اللواط أو مقدماته، أو كونهم اعتادوا أن نساءهم تتبرج وتختلط بالنساء، ولا يرون في ذلك بأساً أو ما أشبه ذلك، وهذا -أيضاً- ينبغي أن نعالجه مع هؤلاء، فنبين لهم أن هذا مما أنكره الشرع، وأن هذا محرم في ديننا، فإذا بيناه لهم، وبينا أنهم إذا كانوا مسلمين وجب عليهم القبول، فإذا فعلنا ذلك كان ذلك إن شاء الله مما يخرجنا من المسئولية. أما إذا قال الكفيل: أنا لا حاجة لي بدينه، دينه له يفسد أو يصلح، أنا ما جئت به إلا لأستخدمه في دنياي، ليعمل عندي هذا العمل، ليقود السيارة، أو ليخدمني في بيتي، ولا علي منه، يصلي أو لا يصلي، يزني أو يسرق أو ما أشبه ذلك، أنا لست مسئولاً عنه!! فنقول: لا، لست بمعذور، بل أنت مسئول عنه، فإذا كنت لا تستطيع أن تقيمه على الشرع؛ فألغ عقده، ورده من حيث جاء، أو تأتي به لمن يقيمه على الشريعة ويبين له، فإذا كنت عاجزاً عن أن تقطع حجته فأت به إلى من يقطع حجته من الذين معهم علم ومعرفة.

الحض على تدريس الأبناء في حلقات تحفيظ القرآن

الحض على تدريس الأبناء في حلقات تحفيظ القرآن Q تعلمون وتدركون ما للقرآن الكريم من دور هام يتضح جلياً في سلوك الأسرة المسلمة والمجتمع، فهل من توجيه في هذا المجال المبارك، وخصوصاً أن كثيراً من المسلمين لا يحرصون على تدريس أبنائهم في حلقات جماعة تحفيظ القرآن؟ A أحسنت أيها السائل! وسمع ذلك الإخوان، ولا زيادة على ما ذكر هذا السائل أو هذا المقترح جزاه الله خيراً. ولا شك أن القرآن هو كلام الله، وفي تلاوته للاحتساب الأجر، قال صلى الله عليه وسلم: (من قرأ حرفاً من القرآن فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (ألم) حرف، ولكن (ألف) حرف، (ولام) حرف، و (ميم) حرف) فإذا كان كذلك فإن على كل مسلم أن يهتم بالقرآن، يهتم بقراءته، ويهتم بتجويده، ويهتم بمعرفة النطق بكلماته وآياته، ويهتم أيضاً بكثرة تلاوته، حتى يكون من الذين يتلونه حق تلاوته، وينبغي له أن يجعل للقرآن وقتاً يومياً، حتى لا يمضي عليه يومه ولم يقرأ شيئاً، فمثلاً يحدد وقتاً بعد الفجر أو بعد العشاء، يأخذ مصحفاً -إذا كان لا يحفظ- ويقرأ جزءاً أو ما تيسر يومياً، فبذلك يكون قد استعد لهذا القرآن ولم يهجره، والله تعالى قد ذم الذين يهجرونه في قوله: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:30] يعني: معرضين عنه، فمن هجره: الإعراض عنه، وعدم تلاوته حق التلاوة، وما أشبه ذلك، هذا بالنسبة إلى العامة. كذلك أيضاً: نوصي كل ناصح لنفسه محب للخير أن يربي على ذلك أولاده منذ الصغر، يحبب إليهم كتاب الله، ويدرسهم إياه وهم صغار حتى يتربوا على معرفته، وحيث إن الجماعات الخيرية -جزاهم الله خيراً- قد توسعوا في نشر المدارس الخيرية في هذه البلاد، فنجد في كل محل مدرسة ومدرسون يدرسون القرآن، وحيث إن الأولاد -غالباً- عندهم وقت فراغ في آخر النهار في مثل أيام الدراسة، فليس عندهم -غالباً- حاجة بعد العصر، فإن من الواجب أو من المؤكد على الوالد أن يأتي بأولاده ويضمهم في هذه المدارس، ويرغبهم ويشجعهم على ذلك، ولو أن يعطيهم جوائز على الحضور أو على الحفظ أو ما أشبه ذلك، فبذلك ينفعهم الله تعالى، وبذلك أيضاً ينفعون آباءهم، والكلام على هذا معروف، وليس هذا مجال التوسع.

حكم رش الماء على القبور

حكم رش الماء على القبور Q يقوم بعض الناس بعد الفراغ من دفن الميت برش الماء على القبور المجاورة، ويقول: اسقوا جيرانه. أو نحو هذا الكلام، سؤالي: هل لهذا العمل أصل في الشرع أم أنه بدعة؟ A هذا لا أصل له، ورش قبر الميت بعدما يدفن هو حتى ييبس ظاهر القبر الذي هو من تراب، فنرشه ونجعل عليه الحصباء حتى ييبس، وحتى لا تذروه الرياح، فقد تأتي الرياح مثلاً والتراب متفرق فتثير ذلك التراب، وقد تحمل تراب القبر حتى ربما يظهر بعض القبر، فلأجل ذلك نرشه، أما الجيران الآخرون فقد يبست قبورهم، وقد تصلبت، ولا حاجة إلى أن ترش، وليس ذلك سقياً كما يقول هؤلاء: اسقوا جيرانه. ولا أصل لذلك.

التوسعة في كيفية الاصطفاف خلف الإمام

التوسعة في كيفية الاصطفاف خلف الإمام Q إذا صلى اثنان جماعة ثم أتى ثالث، فهل المشروع في حق الثالث أن يكبر خلف الإمام ثم يجر المأموم، أم يجر المأموم أولاً ثم يكبر، أم يكبر بجوار الإمام ثم يدفع الإمام إلى الأمام؟ A يتشدد الناس في مثل هذا والكل جائز، فجائز أن تصف إلى جانبه ولو كنتم ثلاثة في صف، والإمام في الطرف، فلو صليتم الثلاثة في صف واحد فهذا جائز، وجائز أن يكون الإمام هو الوسط، والمصلون عن يمينه وعن يساره، فلو أتيت وهم يصلون وصففت عن يمين الإمام أو عن يسار الإمام أو في جانب المأموم وصليتم كذلك فلا بأس بذلك، ويجوز مثلاً أن تصف إلى جنبه، ثم بعدما تكبر للإحرام أو تصلي ركعة أو نصف ركعة؛ يتقدم الإمام أو يتأخر المأموم، كل ذلك جائز، ولا يشترط أن تكبر قبل أن يتقدم الإمام أو بعدما يتقدم الإمام، ولو أنك -مثلاً- قدمت الإمام قبل أن تكبر ثم كبرت مع المأموم جاز ذلك إن شاء الله، وكذلك لو كبرت ولم يتقدم الإمام إلا بعدما كبرت جائز ذلك، فالكل جائز وفيه سعة.

العدل بين الذكور والإناث من الأولاد

العدل بين الذكور والإناث من الأولاد Q رجل يهدي لأولاده في العيد هدايا، لكن تكون قيمتها للذكر ضعف قيمة هدية البنت، فهل يجب عليه أن يعدل في قيمة الهدية؟ A لا بأس بذلك، بعض العلماء قالوا: الرجل إذا أعطى أولاده فإنه يقسم بينهم على كتاب الله كالإرث، فيعطي الذكر مثل حظ الأنثيين، ومنهم من يقول: إنه يسوي بينهم فيعطي الذكر كالأنثى، ويستدل بالحديث الذي يقول فيه النبي عليه الصلاة والسلام: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) والصحيح القول الأول: أنه إذا أعطى الذكر زاده وجعل له مثل حظ الأنثيين، فإن ذلك هو غاية العدل، سواء كانت هدايا في وقت خاص كالعيد، أو عطايا عامة. لكن معلوم أن الرجل الذي عنده أولاد ذكور وإناث أنه في العادة يعطي كلاً منهم ما يحتاج، فالذكور يحتاجون حوائج، والإناث يحتجن أشياء لا يحتاجها الذكور، فمثلاً: الإناث بحاجة إلى الحلي، والحلي من الذهب ثمنه كثير، وليس بحاجة إليه الرجال، والذكر بحاجة إلى سيارة يتنقل عليها، وليس كذلك الأنثى، فكل منهم يعطيه ما هو بحاجة إليه، أما العطية التي للتمليك فيجعل للذكر نصيبين، وللأنثى نصيباً.

استعمال القلم الذي فيه ذهب

استعمال القلم الذي فيه ذهب Q أهدى إلي أحد الإخوة قلماً سائلاً ريشته من ذهب عيار ثمانية عشر، وهي صغيرة أقل من حجم ظفر الإصبع، ما حكم استعمال هذا القلم؟ A قد منع العلماء من استعمال الذهب في كل شيء، ولكنهم أباحوا الأشياء الطفيفة التي لا يؤبه لها، فمثل هذا القلم الذي ريشته من ذهب يمكن أن يتسامح فيه؛ فما دام أنه أقل من الظفر فيمكن أن يتسامح فيه، والأولى له إذا تيسر أن يغيره فهو أفضل، والاستعمالات المعروفة للذهب في كل شيء لا تجوز للرجل، وقد أنكر النبي عليه الصلاة والسلام على من لبس خاتماً من ذهب وقال: (أيعمد أحدكم إلى جمرة من النار فيضعها في يده!) فقاس العلماء على الخاتم الساعة اليدوية أو نظارات العينين أو الأدوات التي تستعمل كسكين من ذهب أو سيف من ذهب أو حزام من ذهب أو بندقية أو ما أشبه ذلك من الأسلحة، فضلاً عن الأواني التي تستعمل كإناء للشرب حتى ولو فنجان قهوة أو شاي أو ما أشبه ذلك، قالوا: هذا كله داخل في النهي. والنهي ورد عن الأكل والشرب: (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما) ولكن العلماء ألحقوا بذلك سائر الاستعمالات.

حكم أهل الفترة في الآخرة

حكم أهل الفترة في الآخرة Q ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يفيد بأن أهل الفترة يختبرون، وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل عندما سأله عن أبيه: (هو في النار)، وحكم صلى الله عليه وسلم على أبيه عبد الله بأنه في النار، كيف نجمع بين ما سبق، ومنهم أهل الفترة؟ A حديث: (إن أبي وأباك في النار) قد صححه بعضهم؛ لأنه في صحيح مسلم، وبعضهم لم يصححه، وبكل حال فالحكم على أهل الفترة أنهم تحت مشيئة الله تعالى، فمنهم من تكون قد قامت عليه الحجة بأن وجد الحق ولكنه لم يشتغل به، فهؤلاء على ما حكم عليهم. ومنهم من لم يبلغه شيء من الشريعة، ولم يسمع بشيء أصلاً عن الإسلام، فهؤلاء هم الذين ورد أنهم يختبرون. وعلى كل حال نقول: الأحاديث التي فيها أنهم يختبرون أكثر، والحديث الذي فيه أنه حكم على بعضهم بأنه في النار محمول على أنهم قامت عليهم الحجة، أو أنهم عرفوا الدليل، أو أنهم كانوا في بلادهم عندهم ما يعرفون به الحق وما يحكم به عليهم، ويمكن أيضاً أن يحكم عليهم بأنهم تبع لآبائهم وأسلافهم الذين أضلوهم، وهذا أيضاً عليه الأدلة الكثيرة مثل قوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا} [البقرة:166] فيكون الأتباع مثل أسلافهم كلهم في النار، وكقوله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا} [القصص:63]، ومثل قوله تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} [الصافات:27 - 28] إلى قوله: {فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ} [الصافات:32]، ومثل قول بعضهم لبعض: {لا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ} [ص:60] أي: قدمتم الكفر لنا ونحن تبعناكم، ومثل قولهم: {إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} [الأعراف:173]، فهذه الأدلة تدل على أن الأتباع مأمورون بأن يقولوا الحق، وألا يقلدوا آباءهم، ولا يتمسكوا بأقوال أسلافهم، وإذا فعلوا ذلك فإنهم ملومون.

آداب زيارة المريض

آداب زيارة المريض Q ما هي آداب زيارة المريض؟ A قد وردت الأدلة في استحباب زيارة المريض، والمريض هو الذي حبسه المرض، سواء في بيته أو أحد المستشفيات، والذي يزوره قد أحسن إليه؛ وذلك لأنه أخ لنا مسلم حبسه المرض وأقعده، وهذا المرض الذي حبسه معلوم أنه عاقه عن أن يخرج، وأن يظهر، وأن يتمتع بالصحة، وأن يتمتع بالطيبات، فيرى أن له حقاً عليك، وحقاً على فلان وفلان أن يزوروه، فإذا زرتموه فإن من آداب الزيارة السلام، ثم بعد ذلك أن تفسح له في أجله، فتبشره بالشفاء وبالعافية، وبأنك إن شاء الله سوف تقوم وسوف تشفى، وسوف تنفع وتنتفع، وذلك لا يرد من القدر شيئاً. وإن رأيت أنه يحب أن تطيل الجلوس عنده فلا مانع من أن تطيل وتجلس معه بقدر ما تقدر عليه ساعة أو نصف ساعة أو نحو ذلك، وإن رأيت أنه يضجر من طول البقاء فلا تجلس عنده إلا قليلاً وهو قدر الزيارة، وقال بعضهم في الزيارة العامة التي ليست زيارة مريض: زيارة الصداقة قدر احتلاب الناقة، يعني: الزيارة العامة، وأما عيادة المريض فعلى قدر ما يأنس به المريض. وقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام رغب في ذلك فقال: (زائر المريض في خرفة الجنة) يعني: كأنه في ذلك المكان أو في تلك الحال يقتطف من ثمار الجنة، فهذا يدل على أن عيادة المريض لها فضيلة عظيمة.

الحكمة في إنكار المنكر

الحكمة في إنكار المنكر Q أرى منكراً يرتكبه بعض الأشخاص ولا أستطيع نهيهم عن ذلك، فما هو الطريق السليم لإبعادهم عن هذا المنكر؟ A لا يخلو الحال إما أن يكون هؤلاء عدداً كثيراً أو قليلاً، فإذا كانوا عدداً قليلاً فبالإمكان إقناعهم واحداً بعد واحد حتى يتركوا هذا المنكر، وإذا كانوا عدداً كثيراً فليس في الإمكان إلا النصح في الأماكن العامة كخطب الجمع، والأماكن التي تجمعهم كالوظائف والأسواق وما أشبهها، فتحرص على إقناعهم وبيان الحق لهم، هذا من حيث بيان أنه منكر. وأما من حيث التغيير وردع الناس عنه فهذا يختلف أيضاً باختلاف ذلك المنكر، ويختلف باختلاف العاملين له، فالمنكرات تتفاوت، منها ما قد يصل إلى الكفر، ومنها ما هو معصية، ونحو ذلك. والذين يفعلون ذلك منهم من يفعله لعذر، ومنهم من يكون متأولاً، ومنهم من يكون مقلداً، ومنهم من يكون معانداً، فأنت عليك أن تنظر إلى ذلك المنكر، فإن استطعت علاجه فعالجه ولو كان من الصغائر كشرب الدخان، أو حلق اللحى، أو إسبال الثياب، أو التخلف عن صلاة الجماعة، أو سفور النساء، أو سماع الأغاني، أو شرب بعض المسكرات، وبعض المخدرات أو ما أشبه ذلك. وأيضاً تعالج الوسائل التي تؤدي إلى ذلك، وعليك أن تنصح من يفعل ذلك بالتي هي أحسن، وتجادلهم بالمجادلة التي تردعهم أو تبين لهم خطأ ما هم عليه. وكذلك أيضاً عليك أن تستعين بأهل القوة وبأهل المعرفة رجاء أن يقنعوهم أو يأخذوا على أيديهم، وأن تبين للمسئولين خطر هذه المنكرات، وآثارها السيئة على أفراد وجماعات، وذلك إن شاء الله طريق إلى حلها أو طريق إلى تخفيفها.

قراءة (ملك يوم الدين)

قراءة (ملك يوم الدين) Q هل يجوز أن يقول الإمام: {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] في فاتحة الكتاب؟ A يجوز ذلك؛ فإنها قراءة سبعية قرأ بها كثير من القراء السبعة، فلا ينكر على من قرأ {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] أو {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4].

سماع الغناء وكشف وجه المرأة

سماع الغناء وكشف وجه المرأة Q انتشرت هذه الأيام فتاوى عدة في مسائل الحجاب والغناء من بعض المشايخ تبيح السماع إلى الغناء وكشف الوجه، وهناك من أخذ بهذه الفتاوى واعتبرها صحيحة، وإذا أنكرنا عليهم هذا الشيء قالوا: هذا موضوع اختلف فيه العلماء، فلا حرج فيها، ويقولون: ما الذي يدريك لعل الفتوى التي تبيح سماع الغناء أو التي تبيح كشف الوجه هي الصحيحة؟ فكيف نرد على هؤلاء وفقكم الله؟ A لا شك أن هؤلاء ممن يتبعون الهوى وما تميل إليه نفوسهم، فلما كانت نفوسهم مائلة إلى هذه الملاهي أو هذه المعاصي آثروا ذلك القول الذي يبيحها ولو كان قولاً ضعيفاً، فنقول: أولاً: مسألة الغناء: ما هناك أحد من العلماء أباحها إلا ابن حزم من الظاهرية، وابن حزم لا يُعد مع الأئمة الأربعة؛ حيث إنه انفرد عنهم بأشياء لا يقبلها العقل، تمسكاً بمسألة الظاهر، ولكنه هنا خالف الأدلة، والأئمة الأربعة وأتباعهم من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة وأئمة السلف كلهم يقولون بتحريم الغناء، والأدلة عليه واضحة -ولا مجال لسردها- من الكتاب ومن السنة، ومن أرادها فليقرأ كتاب ابن القيم إغاثة اللهفان، فإنه توسع في ذلك، حيث كتب فيه ثنتين وثلاثين صفحة فيما يتعلق بالغناء، وتبعه على ذلك كثير من العلماء فكتبوا في تحريم ذلك، وردوا على من قال بجواز ذلك. وفي هذه الأزمنة كان ممن انتصر لـ ابن حزم رجل يقال له: أبو تراب الظاهري في الحجاز، حيث أباح الغناء، وآخر أخفى نفسه، وأخذ ينشر إباحة الغناء، ويتشبث بأشياء لا أصل لها ولا دلالة فيها، وقد رد عليه العلماء، ومن أفضل من رد عليه الشيخ حمود التويجري في كتاب اسمه "فصل الخطاب في الرد على أبي تراب " حيث ناقش أدلته، وبين بعدها عن الصواب، وكذلك الشيخ أحمد محمد باشميل ناقش الاثنين، وبين الصواب في ذلك. فعلى هذا نحن نرجع إلى أدلة هؤلاء، وإلى أدلة هؤلاء، وسنجد أن الأدلة واضحة على التحريم، أما الذين استباحوا ذلك فليس لهم دليل صحيح، لا آية ولا حديث إلا مجرد عمومات، وقد تكلف ابن حزم في رد الأدلة تكلفات تبعد عن العقل. ثانياً: مسألة حجاب النساء، لم يكن بين السلف فيها خلاف، بل ولا بين الأئمة، وكلهم يقولون: على المرأة أن تتحجب، وألا تبدي شيئاً من زينتها، فقط روي عن ابن عباس رواية شاذة أنه فسر قوله تعالى: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31] بأنه الوجه والكفان، ولكن تبين من رواية أخرى أن ابن عباس كغيره يقول: إن المرأة تستر وجهها إذا دخلت الأسواق، ولا تبدي إلا عيناً واحدة فقط تنظر بها، تستر عيناً وتنظر بعين، وتستر بقية وجهها، وكذا سائر السلف الذين فسروا القرآن وفسروا الآيات. فهؤلاء الذين أباحوا في هذه الأزمنة ذلك، ما الذي حملهم على تجويزهم للمرأة أن تكشف وجهها، وأن تكشف يديها؟ إنما هو الواقع، لما رأوا الناس قد تفسخوا، ورأوا النساء قد خلعن جلباب الحياء تقليداً لمن وثب على البلاد من الأجنبيات من كافرات أو عاهرات أو غيرهن، ولما رأوا أن صور النساء قد انتشرت سواء في الأفلام أو في الصحف أو نحو ذلك، ورأوا أن نساء المسلمات في هذه الدول قد قلدنهم، وتوسع الأمر عليهم؛ قالوا: ما لنا إلا أن نتلمس لهم عذراً، فنبيح للنساء ذلك أحسن من أن يعصين علينا، فالمرأة إذا قلنا لها: تحجبي، قالت: لا أتحجب، وما دام أن هؤلاء يدعين الإسلام من البلاد الفلانية والبلاد الفلانية، ويأتين وهن على هذه الحال، فما الفرق بيننا وبينهن؟ قالوا: فنلتمس لهن عذراً حتى يفعلن شيئاً بديلاً بفتوى، فهؤلاء الذين التمسوا ذلك أمثال الطنطاوي وأشباهه، ما هو دليلهم؟ ليس لهم من الأدلة ما يصلح أن يكون دليلاً، ولو كان المجال واسعاً لتتبعناها وعرفنا بعدها عن الدليل، فهم فقط اعتمدوا على الهوى، واعتمدوا على ما ينظر إليه الناس، ولما رأوا النساء يملن إلى هذا أرادوا أن يتساهلوا معهن، ويفتوهن بالجواب الذي يناسبهن ويصلح لهن، وما هكذا يكون العالم، العالم يقول بالحق ولو لم يوافق أهواء الناس، هذا هو الواجب.

حكم الصندوق التعاوني (الجمعية بين أفراد معينين)

حكم الصندوق التعاوني (الجمعية بين أفراد معينين) Q ما رأيكم في قضية ما يسمى بالصندوق التعاوني، وهو أن يكون هناك مجموعة أشخاص يؤخذ من كل واحد منهم -على سبيل المثال- ألف ريال كل شهر، ثم تعطى واحداً منهم، وهكذا يدور الدور على باقيهم، والزكاة على من تكون؟ A هذه تسمى الجمعية بين الموظفين في دائرة واحدة، وهذه كثر البحث فيها، والسؤال عنها، ثم لكثرتها وشدة الحاجة إلى معرفة الحكم فيها رفعوا فيها أسئلة متعددة، وعرضت على مجلس كبار العلماء في جلسته الأخيرة في شهر صفر، وأصدروا في ذلك فتوى، واجتمع رأي أكثريتهم وأكابرهم على إباحة ذلك وجوازه، وأصدروا في جوازها فتوى من هيئة كبار العلماء، ورأوا أن فيها مصلحة، وليس فيها شيء من الأسباب التي تقتضي التحريم، وقالوا: أولاً: كل منهم ينتفع، وليس أحد منهم نفعه أكثر من الآخر. ثانياً: الذي يرجع إليه قرضه لا يكون قد زيد فيه، فليس لهذا زيادة على هذا، فيعتبر هؤلاء أقرضوك ثم رددت عليهم قرضهم مفرقاً، أقرضوك في الشهر الأول مثلاً عشرين ألفاً، ثم أخذت ترد عليهم في الشهر الثاني ألفين، وفي الشهر الثالث ألفين، حتى توفيهم، فليس في ذلك إلا أنك أعطيتهم. وبعض المشايخ تشددوا في هذا، ونهوا عنه، وقالوا: إنه قرض جر نفعاً، وقد بين العلماء أنه ليس قرضاً جر نفعاً، فإن القرض الذي جر نفعاً هو أن تنتفع من ذلك المقرض بشيء غير رد القرض، وأما هذا فإنما هو رد القرض فقط، فإنه رد عليك قرضك بدون زيادة، فالصحيح إن شاء الله أنه لا بأس بها.

حكم الجماعة الثانية في المسجد

حكم الجماعة الثانية في المسجد Q بعض المصلين إذا دخلوا المسجد وقد قضيت الصلاة لا يصلون جماعة، ويقولون: إنه لا ينبغي أن تقام جماعة أخرى بعد انتهاء الجماعة الأولى من الصلاة، فهل فعلهم هذا صحيح؟ A هذا من جملة ما وقع فيه الاختلاف، ذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أنهم إذا دخلوا بعد انتهاء الجماعة صلى كل واحد منهم فرادى، وعللوا ذلك بتعليلات، منها أنهم قالوا: ما دام أنها قد صليت الجماعة فإنا لا نعيد جماعة أخرى؛ مخافة أن الناس يتوانون ويتأخرون عن الجماعة الأولى، ويقول أحدهم: إذا فاتتني جماعة حصلت على جماعة، فيحصل لي الأجر، وليس لهم في ذلك إلا مجرد التعليل. وهذا القول -وهو أنهم يصلون فرادى- تجدونه كثيراً في البلاد التي تعتنق مذهب الحنفية كبلاد الهند وباكستان وتركيا، وكثير من أهل مصر وسوريا على هذا المذهب، وهو أيضاً مذهب الشافعية، فعندهم أنها لا تعاد الجماعة، وأن المتأخرين يصلون فرادى. والقول الثاني: أنهم إذا جاءوا وقد انتهت الجماعة الأولى صلوا جماعة ثانية، وإذا جاءوا وقد انتهت الجماعة الثانية صلوا جماعة ثالثة، وهكذا، وهذا هو الصحيح إن شاء الله، ونذكر بعض الأدلة ليقنع بعض من يسمع منهم، أو لتقنعوهم بالأدلة: الدليل الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: (اثنان فما فوقهما جماعة) وهو حديث ترجم به البخاري، ورواه ابن ماجة، فجعل الاثنين جماعة، فإذا دخل اثنان بعد الصلاة فإنهما يصليان جميعاً، فتكون لهم جماعة. الدليل الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة)، ومعلوم أنك إذا دخلت أنت وصاحبك وصلى هو وحده، وأنت وحدك، فقد صليت فرداً وصلى هو فرداً، وفاتتك هذه المضاعفة. الدليل الثالث: قوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) أو كما في الحديث، وهذا حديث صحيح، فجعل صلاتك وحدك أنقص، وصلاتك مع واحد أكثر أجراً، وصلاتك مع اثنين ومع ثلاثة ومع أربعة أفضل، فكلما زاد العدد فهو أكثر أجراً، وهذا دليل واضح يرد قول الحنفية والشافعية. الدليل الرابع: الحديث الذي فيه (أن رجلاً دخل بعدما صلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من يتصدق على هذا فيصلي معه، فقام أبو بكر فصلى معه)، فهذا دليل على أنه يجوز أن يقوم مع المتأخر ولو إنسان قد أدى الصلاة جماعة فيصلي معه ليحيز على فضيلة الجماعة. فنحن نقول: إذا رأيتم هؤلاء فاقنعوهم، وقولوا لهم: هذه الأدلة لو بلغت أبا حنيفة أو بلغت الشافعي لما تركاها، فأنتم لا تتركون هذه الأدلة؛ فقد قامت الحجة عليكم.

جمع الصلاتين للضرورة

جمع الصلاتين للضرورة Q هل يجوز للطبيب في غرفة العمليات أن يجمع صلاتين في وقت إحداهما وذلك لضرورة مواصلة العملية التي ربما لو قطعها لتضرر المريض، ومثله الحارس والعسكري في ميدان عمله؟ A المفروض أنهم يتناوبون، هذا هو الواجب، أن يكون هناك طبيبان أو ثلاثة أو أربعة إذا قام أحدهم للصلاة اشتغل الباقون في العملية، فإذا رجع المصلي قام الثاني، ثم إذا رجع قام الثالث، حتى يصلي الثلاثة في وقتها، وكذلك يقال أيضاً في الحارس: يكون هناك حارسان أو أكثر، يذهب أحدهما فيصلي الصلاة في وقتها، ثم إذا رجع قام مقام الثاني وذهب الحارس الأول حتى يؤدي الصلاة في وقتها. ولكن قد يتعللون بأنهم لا يستطيعون، ولا يقوم أحد مقام هذا الطبيب في هذه العملية، وهذه العملية قد تكون خطرة إذا لم يسرع ويواصل فيها أدى إلى موت ذلك المريض، أو ما أشبه ذلك، ففي هذه الحال -لأجل الضرورة- له أن يؤخر الصلاة إلى أن تنتهي العملية، والتخيير واسع: أن يؤخر الظهر إلى آخر النهار، إلى أن يبقى من الليل نصف ساعة أو نحوها ويصلي الظهر والعصر في آخر وقت العصر، وكذلك لو دخل عليه وقت المغرب، وقد بدأت العملية قبل أن يصلي المغرب، فله أن يؤخرها مع العشاء ولو إلى نصف الليل فيصليهما معاً؛ لأن الصلاتين يجمعان في وقت الأخيرة منهما، فالظهر والعصر يجمعان في وقت الآخرة، والمغرب والعشاء يجمعان في وقت الأخيرة. وقد أجاز بعض العلماء تقدميهما، يعني: لو علم أنه سيستمر معه العمل، وقد دخل وقت الظهر؛ جاز أن يقدم العصر مع الظهر ويصليهما، ثم يبدأ في العملية مثلاً.

حكم الغبن في البيع

حكم الغبن في البيع Q غُبنت في شراء سلعة غبناً فاحشاً، اشتريتها بمائة ريال وهي تباع بخمسين ريالاً، فهل لي الرجوع على البائع؟ وهل هناك نسبة للربح لا يجوز أن يتجاوزها البائع؟ A الراجح أن البائع يبيع كما يبيع الناس، إذا جاءه إنسان مماكس عارف بالسلع، وعرف أنه سوف لا يشتري إلا بما يبيع به غيره باعه بخمسين، فإذا جاءه إنسان جاهل بالسلع، ولا يحسن المماكسة ولا المراجعة فقال له: السلعة بمائة، واشتراها ذلك الجاهل بمائة؛ لم يجز له أن يبيعه بها، بل يقول: ثمنها خمسون، كما بعت على غيرك أبيع عليك ولا أظلمك، فإذا باع لهذا بمائة، ولهذا بخمسين، وهو يعرف أن هذا جاهل، وهذا عارف؛ فإنه يعتبر ظالماً آخذاً ما لا يحل له، والواجب أن يخبرهما بسعر واحد، وهو السعر المعتاد. وإذا وقع هناك غبن لا يتهاون به فله الخيار، وهذا الغبن حدده بعضهم بالثلث أو بالنصف، يعني: إذا كانت تساوي بمائة فاشتراها مثلاً بمائة وخمسين، فهذا غبن الثلث، أو اشتراها بمائتين فهذا غبن النصف، فله الخيار. والغبن له أسباب، منها: تلقي الركبان، أن يتلقى الجالبين خارج البلد، ويشتري منهم رخيصاً فيخدعهم، فلهم الخيار. ومنها: زيادة الناجش، إذا عرضت السلعة في المزاد العلني، وهناك رجل لا يريد شراءها، ولكنه ناجش، يزيد فيها لما رأى أنك ترغب فيها، فيزيد فيها حتى ترتفع، فتباع بأكثر من ثمنها. ومنها: زيادة المسترسل، وهو الجاهل الذي لا يحسن المماكسة، فإذا قال مثلاً: بكم تشتري؟ قال: بعشرة. قال: لا أبيع، فقال: بثلاثين، قال: لا أبيع، ولا يزال يزيد عشرة عشرة حتى يزيد في السلعة أكثر من ثمنها، فيسمى هذا مسترسلاً، فإذا ثبت أنه مغبون فله الخيار.

حكم إنشاء جماعة ثانية والأولى في التشهد

حكم إنشاء جماعة ثانية والأولى في التشهد Q وهذا سؤال مكمل للسؤال الأول: إذا دخل عدد من الناس المسجد والجماعة الأولى ما زالوا في التشهد الأخير، فهل يدخلون معهم أم ينتظرون ويصلون جماعة؟ A المختار أنهم ينتظرون، والمسألة فيها خلاف: هل إذا جلست معهم في التشهد تكون قد أدركت الجماعة، أو لا تدرك الجماعة إلا إذا صليت معهم ركعة كاملة؟ قولان للعلماء، وأنا أختار ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية أنك لا تدرك فضيلة الجماعة إلا إذا لحقت معهم ركعة بركوعها وسجدتيها، يعني: ركعة تعتد بها، فإذا جئت وقد رفعوا من الركوع في الركعة الأخيرة فاتتك الصلاة، فإذا كنت تؤمل أن هناك جماعة متأخرين سيأتون ويصلون جماعة فانتظرهم، وإذا كنت لا تؤمل بل تظن أنك آخر واحد فادخل مع هؤلاء ولو في التشهد حيث إن بعض العلماء يقول: من دخل معهم ولو في التشهد أو قبل السلام والتحلل أدرك فضيلة الجماعة؛ لأنه دخل معهم في جزء من الصلاة، وإن كان ذلك الجزء لا يعتد به. وعلى كل حال: المختار أنك تنتظر، ثم إذا دخلتم اثنان أو ثلاثة فانتظروا حتى يسلم الإمام، ولا تكبروا قبل أن يسلم حتى لا تجتمع في المسجد جماعتان.

السلف الصالح بين العلم والإيمان

السلف الصالح بين العلم والإيمان لقد جاء محمد صلى الله عليه وسلم بهذا الدين نقياً، وتلقاه عنه أصحابه الكرام، ففقهوه ونقلوه إلى من بعدهم، فحفظ الله دينه بهم وحفظهم بدينه، فكانوا بحق خير هذه الأمة علماً وعملاً، ثم خلفت من بعدهم خلوف خالفوا هديهم، واستنوا بغير سنتهم، فأصيبوا بضعف الإيمان وقلة اليقين، فابتدعوا في الدين ما لم يأذن به الله، فحري بالمؤمن أن يتبع السلف، وأن يتخذ طريقهم نهجاً وسلوكهم قدوة.

فضل السلف

فضل السلف بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد: فسلام الله عليكم أيها الإخوة ورحمة الله وبركاته! وها نحن قد اجتمعنا على غير أرحام كانت بيننا، وعلى غير معرفة أو صداقة سابقة، وإنما جمعنا المحبة الدينية لله وفي الله، ونرجو أن تكون هذه المحبة دائمة إلى الممات، ونرجو أن تكون محبتنا خالصة لوجه الله، وذلك بأن نحب الله، ونحب من يحبه الله ونبغض من يبغضه الله؛ وذلك لأن المؤمنين يحبون الله، ومحب المحبوب محبوب، ومبغض المحبوب مبغوض. ونحن في هذه الليلة سنتكلم حول هذا الموضوع: (السلف الصالح بين العلم والإيمان). فأولاً: نتكلم قليلاً عن المراد بالسلف وسبب تسميتهم. وثانياً: على سبب فضلهم. وثالثاً: على حقيقة علمهم. ورابعاً: على ثمرة علمهم الذي تعلموه.

سبب تفضيل السلف على من بعدهم

سبب تفضيل السلف على من بعدهم وأما البحث الثاني فهو: لماذا فضلوا على من بعدهم؟ والسبب أنه قد ورد الشرع بتفضيلهم ووردت السنة بأفضليتهم، فذكر الإمام أحمد في رسالته في الصلاة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنتم خير من أبنائكم، وأبناؤكم خير من أبنائهم، وأبناؤهم خير من أبنائهم)، يعني: أن الخيرية تكون للأول، ولا شك أن الأولين حازوا قصب السبق وهو صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا أفضل ممن بعدهم، ولهذا اتفقوا على أن الصحابة رضي الله عنهم عدول تقبل روايتهم، ولم ينقل على أحد منهم ضعف ولا كذب ولا رد في رواية ولم يجرح أحد منهم في الرواية، بل قبلت روايتهم كلهم، واتفقوا على أنهم كلهم عدول، فهذه من ميزاتهم. وثبت أيضاً في الصحيح قول النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني -أي: القرن الذي بعثت فيهم- ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويقولون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن)، أي: السمنة؛ فهذا دليل على أفضليتهم، وعلى أن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الوجود، فأفضلهم القرن الأول الذي انقضى بسنة مائة، ويليه القرن الثاني الذي انقضى بسنة مائتين، ويليه القرن الثالث الذي انقضى بثلاثمائة. هذا إذا عبر عن القرن بأنه مائة سنة، ومنهم من يقول: إن القرن هم الجماعة الذين يتواجدون في زمان واحد وتتقارب أعمارهم ثم يفنون، فآخرهم هو آخر القرن. وعلى هذا يحمل حديث: (أنتم خير من أبنائكم)، أي الصحابة خير من أبنائهم (وأبناؤكم خير من أبنائهم)، أي: أبناء الصحابة خير من أولادهم. ولا شك أنهم في ذلك الزمان أو في تلك القرون كان فيهم الفضل والشرف والعقيدة السليمة، ولم تظهر فيهم البدع والمحدثات، وإذا ظهرت بدعة كانت مضطهدة وأهلها أذلة، فكانوا بذلك أفضل من غيرهم. وكانوا مع ذلك قدوة لمن بعدهم، ولهذا تتخذ أقوالهم حجة لا سيما علماؤهم وعبادهم الذين تبصروا في دين الله، وعبدوا الله على نور وبرهان؛ وذلك لأن العلماء حسنوا الظن بهم، بحيث جعلوا الأصل فيهم أنهم لا يعملون إلا عن دليل، ولا يقولون إلا عن توقيف، ولا يروون إلا عن تثبت، ولذلك تقبل مراسيل الصحابة بالاتفاق، ومراسيل كبار التابعين فيها خلاف، ولكن يترجح أنها تقبل إذا دلت القرائن على صحتها ولو لم تثبت مسندة. وهكذا أيضاً أقوالهم التي يذهبون إليها تتخذ دليلاً، فيقال: هذا القول قد سبقنا إليه فلان الصحابي، أو قد قال به قلبنا من التابعين فلان وفلان، وهم من العلماء الأجلاء الذين لا يقولون إلا عن توقيف.

من هم السلف وما سبب تسميتهم

من هم السلف وما سبب تسميتهم فالبحث الأول يتعلق بالسلف من هم؟ كثيراً ما نسمع: قال السلف، وهذا مذهب السلف، وعند بعض السلف. اصطلح العلماء على أن أهل القرون الثلاثة المفضلة يسمون السلف، ومن بعدهم يسمون الخلَف إذا كانوا على الإسلام، أما المغيرون والمنحرفون فيقال لهم: خلَفْ، بمعنى: خالف بسوء. فالخلَفَ معهم الإيمان ولكن هم أنقص من السلف، والخْلَف خلف سوء كما في قول الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} [مريم:59] فالخلفُ: هو الذي يأتي مخالفاً لمن قبله مخالفة كاملة، ونحن موضوعنا عن السلف، وذلك لأن الكلام على الخَلَف والخَلْف يحتاج إلى وقت آخر. فالسلف: هم أهل القرون المفضلة، وهم: الصحابة والتابعون وتابعو التابعين. فالصحابة: هم الذين رأوا النبي صلى الله عليه وسلم وآمنوا به وماتوا على الإيمان ذكوراً وإناثاً، وقد حازوا قصب السبق؛ وذلك لأنهم فازوا وسبقوا غيرهم بالصحبة لكونهم صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم وأخذوا عنه وسمعوا منه، ولا شك في فضلهم. ثم جاء بعدهم تلامذتهم الذين هم التابعون، والتابعي: هو من رأى أحداً من الصحابة وعقل رؤيته، ولو من أصاغر الصحابة، وسمي كذلك لأنه تابع لمن قبله. وتابعو التابعين: هم الذين رأوا أو أدركوا أحداً من التابعين، ولو من المتأخرين. وقد ذكر العلماء أن الصحابة انقضوا في القرن الأول، قيل: إن آخرهم أنس بن مالك الذي مات سنة ثلاث وتسعين، وقيل: إن منهم من أدرك المائة كـ أبي الطفيل. أما التابعون فاستمروا، حتى بقي بعضهم إلى أواخر القرن الثاني، ولكنهم يتفاوتون، فمن أكابرهم من أهل المدينة الفقهاء السبعة الذين أدركوا أكابر الصحابة: كـ سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود والقاسم بن محمد بن أبي بكر ونحوهم من أولاد الصحابة الذين أخذوا عن كبار الصحابة وأدركوا الخلفاء أو بعضهم. ومن أصاغر التابعين من رأى بعضهم، حيث ذكروا أن الأعمش رأى أنس بن مالك فكتب له رؤية فأصبح من التابعين. أما تابعو التابعين: فهم الذين ما أثر أنهم رأوا أحداً من الصحابة، ومنهم بعض كبار الأئمة كـ مالك بن أنس وأبي عبد الرحمن الأوزاعي ومن في طبقتهما، فهؤلاء من أكابر تابعي التابعين. وفيهم أيضاً أكابر حملة العلم ممن أثر عنهم علم عظيم، فتابعو التابعين بقوا إلى قرب القرن الثالث أو أواسطه. ثم جاء بعدهم أتباعهم الذين ما أدركوا أحداً من التابعين فهؤلاء أتباع تابعي التابعين، ومنهم الأئمة البخاري ومسلم والشافعي وأحمد ونحوهم، فهؤلاء من أكابر أتباع تابعي التابعين. ونقول: إن أهل القرون الثلاثة ومن في طبقتهم هم السلف؛ وذلك لأنهم سلفوا، أي: مضوا قبل من بعدهم، فالسلف معناه المضي، يقال: سلف الشيء إذا مضى وانقضى وانقرض، فهذا هو سبب تسميتهم بالسلف. ثم إنهم سلفوا على الاستقامة، أي: مضوا على عقيدة سليمة مستقيمة، ليس فيهم من هو منحرف ولا مبتدع إلا من هو شاذ لا يؤبه له، ومن اضطهد وأذل وأهين في هذه الفترة التي هي فترة السلف الأجلاء، حيث كان من بينهم علماء الصحابة الذين حفظوا العلم، وعلماء التابعين، وعلماء تابعي التابعين، وكذلك منهم العُبَّاد والزهاد من رجال ونساء، ولا شك أنا إذا اعتقدنا أنهم على الصواب كانت أقوالهم قدوة.

حقيقة علم السلف

حقيقة علم السلف نقول: إن المراد بالعلم هنا العلم الصحيح الموروث عن الرسل، الذي هو ميراث رسل الله وميراث أنبياء الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء، لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر).

فضل اتباع علم السلف

فضل اتباع علم السلف ولا شك أن علوم السلف التي تلقوها عن نبيهم وتلقوها عن مشايخهم وأكابرهم، علوم جمة فيما يتعلق بالأمر والنهي من الله عز وجل، فتعلموا منه ما يقولونه بألسنتهم وما يعتقدونه في قلوبهم وهو أمور العقيدة، وتعلموا منه ما يتقربون به إلى الله عز وجل وهو أمور العبادة، وتعلموا منه ما يلزمهم في هذه الحياة من الأعمال وما يلزمهم تركه من المحرمات ونحو ذلك، كل ذلك تحملوه وبلغوه، فهذا من العلم. ولا شك أن من اقتدى بهم في هذه العلوم ممن جاء بعدهم ولو بعدة قرون أنه يحشر في زمرتهم، وذلك أن اقتداءه بهم وإرثه لعلومهم وحرصه على الاقتداء بهم وتخصيصهم بالاقتداء؛ دليل على أنه يفضلهم وعلى أنه يحبهم ويقدرهم قدرهم، ولا شك أيضاً أنه سيتبعهم في الإيمان وسيتبعهم في العمل، فيكون من نتيجة ذلك أن يعمل كأعمالهم، ثم هو يوم القيامة يحشر في زمرتهم فإن: (من أحب قوماً حشر معهم)، كما ورد بذلك الحديث. نحن نحث على علم السلف ونقول: إن واجبنا أن نتعلم العلم الصحيح الذي ورثه السلف عن نبيهم صلى الله عليه وسلم، ونقدمه على العلوم الأخرى التي تزاحمه، والتي متى اشتغلنا بها فاتنا من العلم الخير الكثير، وفاتتنا المسابقات التي تقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة، وإذا اشتغلنا به قطعنا السير ووصلنا إلى الله تعالى ونحن على طريق مستقيم، وسرنا سيراً سوياً ليس فيه انحراف ولا اعوجاج، وإذا اقتدينا بمن بعدهم وأخذنا الطرق المنحرفة، خيف علينا أن نقع في المهالك، وخيف علينا أن نبتدع في دين الله ما لم يأذن به الله.

نشأة علم السلف

نشأة علم السلف علم السلف متلقى عن الرسول عليه الصلاة والسلام، أخذه صغيرهم عن كبيرهم وكبيرهم عمن فوقه إلى أن ثبتوا ذلك وأوصلوه إلى مصدره ومعينه وهو النبي صلى الله عليه وسلم. وقد قيضهم الله عز وجل وقيض علماء الأمة من بعدهم لحفظ هذا العلم الصحيح ولتصفيته وحمايته مما يدخل فيه من الأكاذيب ومما ليس منه، ولهذا اشتغلوا بترتيب الأسانيد وتصفيتها، وهذه الأسانيد التي توجد في كتب الحديث ما هي إلا للتثبت، حتى لا يقبل قول إلا بعد التثبت من صحته. ذكر بعض العلماء أن السلف لم يكونوا يسألون عن الإسناد، ولكن رأوا من بعض الناس التساهل في الرواية، فقالوا للرواة: سموا لنا رجالكم، حتى نعلم ممن أخذتم، فإذا سموا رجلاً موثوقاً عرفوا أن الحديث وثابت، وإذا سموا من هو ضعيف أو من ليس من أهل الصناعة عرفوا أن ذلك ليس بثبت، وهذا دليل على حرص السلف رحمهم الله على حفظ السنة وعلى حمايتها عما هو دخيل فيها. علمهم الذي تميزوا به هو: حفظهم للسنة النبوية التي رووها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك حفظهم لكلام الله سبحانه وحرصهم على حمايته عن أيدي العابثين، ولهذا اهتموا بتدوين كتاب الله وكتابته بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بعدة أيام، فأثبتوه في صحف حتى لا يذهب ولا يفقد منه شيء، ثم كتبوه في مصاحف ونشروه إلى الأمة حتى يقرءوه ويحفظوه، ويعرف أن هذا هو القرآن المنزل عليهم. ثم من علمهم أيضاً أنهم اشتغلوا ببيانه وبإيضاحه، وذلك بتفسيرهم لمعانيه التي قد تخفى على من بعدهم، وذلك لأنهم شاهدوا التنزيل، ولأنه نزل بلغتهم وبلسانهم، ولأنهم أعرف بأسبابه وأعرف بما يراد به، فلأجل هذا تُقدَّم تفاسير الصحابة وتفاسير تلاميذ الصحابة على من بعدهم من أهل الأزمنة المتأخرة الذين يفسرون القرآن بالآراء أو بالتخرصات أو يطبقونها على الوقائع والحالات أو ما أشبه ذلك، فيقدم على الصحيح تفسير أولئك على غيرهم. وإذا تجدد شيء يدخل في عموم الآية فلا مانع من قبوله ولكن نقدم التفاسير السلفية، ولأجل هذا فإن علماء الأمة الذين اشتغلوا بعلم التفسير يستشهدون بالأحاديث أو الآثار التي لها صلة بالقرآن؛ وذلك لأنها بيان له.

تبليغ السلف للعلم والدعوة

تبليغ السلف للعلم والدعوة نحن نعلم أولاً أن الله تعالى أنزل هذه الشريعة وهذه الرسالة على محمد صلى الله عليه وسلم، وكلفه بأن يبلغها للناس بقوله: {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ} [الشورى:48]، {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [النور:54]، {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ} [المائدة:67]، ونحن بلا شك نعرف ونعتقد ونتحقق أنه بلغ الرسالة، ثم بعد ذلك لم يقتصر على مجرد إلقائها عليهم، بل بينها لهم ووضحها بالعمل وبالقول، فشرح لهم ما خفي منها ووضح لهم ما يحتاجون إلى إيضاحه قولاً وعملاً بأمر الله له، قال الله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44]. لما أنزل الله عليه هذا الكتاب ليبينه للناس شرع في بيانه؛ فبيانه هو بيانه بالفعل كالصلاة والحج والزكاة وما أشبه ذلك من الأشياء المجملة، وكالحدود والعقوبات والتعزيرات المجملة في القرآن التي أوضحها وبينها. وبينها أيضاً بالقول وذلك فيما فسره وأوضحه من الآيات التي بين المراد منها كما استشهد بذلك المفسرون. ولا شك أن الصحابة الذين بينها لهم قد تحملوها، ولما تحملوها لم يسكتوا عندها بل بلغوها وبينوها لتلامذتهم؛ وذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام كلفهم بأن يبلغوها، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليبلغ الشاهد الغائب)، وقال فيما ثبت عنه: (نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع، ورب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه). فلما سمعوا ذلك منه عرفوا أنه سوف ينتقل إلى الرفيق الأعلى، وأنهم سيقومون بعده بحمل هذه الشريعة وبحمل نصوصها وحمل معانيها وحمل كيفياتها، فما سكتوا، بل بلغوا ذلك وأخبروا من بعدهم بما علموه وبما حفظوه، فالنصوص التي حفظوها حدثوا بها وما تركوا شيئاً، والنصوص التي حفظوا معناها ذكروا معانيها فمثلوا لهم الأمثلة، وفعلوا الأفعال أمامهم ليبينوا لهم أن هذا هو ما حفظوه وتلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولأجل هذا ظهرت أعمالهم طبقاً لذلك العلم، وذلك أن العلم إذا كان سليماً وكان علماً صحيحاً فإنه يتبعه العمل لأنه ثمرته.

أقسام علوم السلف

أقسام علوم السلف ونقول: علم السلف يتكون من علم النصوص، وهوحفظ الآيات وحفظ الأحاديث، ويتكون أيضاً من فهمها وشرحها وبيان معانيها ومدلولاتها، ويتكون من العمل بها وتطبيقها، ويتكون من إظهارها وإعلانها والعمل بها، فهذه أربعة أمور: أولاً: الحفظ، والثاني: الفهم، والثالث: التطبيق، والرابع: البيان، هذه هي مراجع علومهم. وتنقسم علومهم إلى أقسام: علم الآيات ومعانيها وما يتعلق بها، ويسمى التشريع. وعلم الأحاديث وتفريعها وتقسيمها وتوزيعها إلى مواضيع وما أشبه ذلك، وكذلك ما يتعلق بها دراية من معرفة صحيحها وسقيمها ومقبولها ومردودها، وتجريح الرواة وما يتصل بذلك، ويسمى هذا علم السنة. وكذلك جاء قسم ثالث وهو: علم التفقه فيها والتعقل، ويسمى علم الفقه. وكذلك قسم رابع هو: علم الاعتقاد وهو أهم. فقسموها إلى علوم أصولية وعلوم فروعية. فالأصولية التي تتعلق بالعقيدة، وقد أوضحوها وبينوها أحسن بيان، والتي تتعلق بالفروع أوضحوها كذلك، ولما علموا أن هناك ما يكفر به أفردوا ذلك بالتأليف، فكتبوا مؤلفات كثيرة فيما يتعلق بعلم العقيدة وبعلم السنة، وذلك أنهم رأوا أو شاهدوا بعض المبتدعين الذين يخاف أن يفسدوا في الأرض، فردوا عليهم بدعهم وكتبوا ما يناقض تلك الشبهات التي يشبهون بها على ضعفاء البصائر. وقد حفظ الله تعالى لنا تلك المعتقدات التي كتبها لنا علماء سلف الأمة، فمثلاً توجد مؤلفات ألفت في العقيدة في القرن الثاني، وأكثر منها في القرن الثالث موجودة ميسرة، إذا اقتناها العالم وأراد قراءتها والتقيد بها، عرف أن السلف رحمهم الله كانوا على عقيدة راسخة، وكانوا على علم غزير، وكان منبع علمهم وأصله هو الكتاب السنة. أما الفروع التي كتبوا فيها والتي تناقلوها فهي أيضاً كثيرة؛ وذلك لأنهم احتاجوا إلى أن تحفظ على الأمة سنة نبيهم وعلمهم الموروث عنه، فكتبوا في ذلك مؤلفاتهم التي في الفروع، وضمنوها أحاديث ثابتة عن نبيهم عليه الصلاة والسلام، رووها بالأسانيد المتصلة، وضمنوها آثاراً عن الصحابة وآثاراً عن التابعين تبين ما يقولونه وما يذهبون إليه، وكل ذلك لأجل أن يحفظ ذلك العلم ولا يضيع منه شيء. وذلك لأن الله سبحانه تكفل بحفظ هذه الشريعة، فقيض علماء السلف الذين حفظوها بالأسانيد وحفظوها في صدورهم، ثم لما أنهم خافوا أن يضيع منها شيء بسبب النسيان الذي يطرأ على الحفظ، سارعوا في تدوينها وكتابتها، فألف خلق كثير في القرن الثاني فيما يتعلق بالفروع، كالإمام مالك وأبي حنيفة، فإنه كتب عنه علم جمّ فيما يتعلق بالفروع، وكذلك صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن، وكذا أهل ذلك الزمان كـ ابن جرير وعبد الرزاق بن همام ومعمر بن راشد ونحوهم من علماء ذلك القرن. ثم جاء بعدهم تلاميذهم، فألفوا في ذلك مؤلفات كثيرة كأهل كالصحيحين والسنن وغيرها مما كتب في القرن الثاني والقرن الثالث، أي: في القرون المفضلة، وجاء في القرون التي بعدهم من ألف في ذلك ونفع الله تعالى بعلومهم، ولكن العلم السلفي هو العلم الصحيح، وهو أقرب إلى الثبوت وأقرب إلى الصحة.

أقسام السلف في حفظ العلم

أقسام السلف في حفظ العلم ولا شك أن اشتغالهم وحرصهم على كتابة وإثبات هذا العلم هو مما فتح الله تعالى به عليهم؛ وذلك لأنهم لما ورثوا العلم اشتغل بعضهم بحفظه في الصدور بحيث لا ينسى منه، ورزق الله كثيراً منهم الحفظ الثاقب، حتى روي عن الشعبي عامر بن شراحيل أنه قال: (ما كتبت سوداء في بيضاء)، يعني أنه كان يقتصر على الحفظ، فكل شيء يعرض له فإنه يحفظه ولا يحتاج إلى تدوينه، وأنت تشاهد ما روي عنه من الآثار وما روي عنه من الأحاديث. وقسم ثان اشتغلوا بالتفقه فيه والتفهم له واستنباط الأحكام منه. وقسم ثالث: يسر الله لهم الأمرين فجمعوا بين الحفظ وبين الفهم. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب مثلاً لحملة هذا العلم بالغيث الذي يقع على الأرض، وأخبر بأن الغيث إذا وقع على الأرض انقسمت الأرض أربعة أقسام: القسم الأول: يحفظ الماء حتى يزرع منه الناس ويسقون دوابهم، هؤلاء بمنزلة الحفظة الذين رزقهم الله حفظاً وإن لم يكن معهم نوع تفقه. والقسم الثاني: الأرض التي يصيبها الماء أو المطر ولكنها لا تحفظ الماء ولكن تشربه، ثم تنبت النبات فينتفع الناس بذلك النبات ويرعون منه، فهذا القسم بمنزلة الفقهاء الذين رزقهم الله الفهم واستنباط الأحكام، وإن لم يكن معهم مقدرة على الحفظ. والقسم الثالث: الأرض التي تجمع بين الأمرين: تحفظ الماء لنيل الشرب وللسقي، وتنبت الكلأ والعشب الكثير، فهؤلاء بمنزلة من جمعوا بين الحفظ وبين الفهم والفقه. وهناك قسم رابع: وهو أرض سبخة لا تنبت كلأ ولا تمسك ماء، وهم الذين لم يشتغلوا بشيء من العلم، بل هم معرضون عنه. نقول: إن هذا هو العلم الصحيح الذي هو ميراث النبي صلى الله عليه وسلم، ونص الحديث: (مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً، فكان منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلأ، فسقى الناس منها ورعوا وشربوا، وأصاب منها طائفة أجادب أمسكت الماء فسقى الناس وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه بما بعثني الله به من الهدى والعلم، فعلم وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به).

البدع التي ظهرت في القرن الأول

البدع التي ظهرت في القرن الأول نحن لا نشك أن عهد السلف وجد فيه مبتدعة، ووجد فيه محدثات ومعاص ونحو ذلك، ولكن كان هناك من يقاومها ومن يرد على أهلها، ومن يبطل شبههم وحيلهم ولا يبقى لهم أثراً فلم يحصل ضرر على الأمة، وذلك لكثرة الحق وقوة أهله، فلم يكن للمبتدعة شيء من التأثير.

انتشار بدعة الجهمية وانتقاص مذهب السلف

انتشار بدعة الجهمية وانتقاص مذهب السلف ومع الأسف أن بدعة المعتزلة وبدعة الجهمية وبدعة القدرية انتشرت فيما بعد القرون الثلاثة، وبالأخص بدعة الجهمية التي هي إنكار الصفات، فقد تمكنت في القرن الرابع وما بعده حتى صار مذهب السلف لا يعرف، بل صاروا يتنقصون السلف ويرمونهم بأنهم جهلة، بمنزلة الأميين الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني، كما أخبر الله بذلك عن أهل الكتاب في قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} [البقرة:78] أي: إلا مجرد تلاوة لا يفقهون من معانيه شيئاً. فالخلف الذين هم أهل القرون المتأخرة الرابع والخامس والسادس وما بعدها فكانوا يزعمون أن السلف إنما يؤمنون بألفاظ مجردة لا يدرون ما معانيها، بل يؤمنون بها ألفاظاً ويفوضون معانيها ولا يعرفونها، ولا شك أن هذا تنقص لهم، حتى زعموا أن علم السلف هو مجرد التفويض، ويستدلون بقولهم في أحاديث الصفات: (أمروها كما جاءت بلا كيف)، ولا شك أن هذا تنقص لهم وعيب لهم، وذلك لأنه قد نقل عن السلف رحمهم الله أشياء كثيرة تدل على إيمانهم بالله وإيمانهم بصفات الله، وإيمانهم بما جاءهم عن الله عز وحل، وتقبلهم للشريعة، وتطبيقهم النصوص، واعتقادهم بمدلولاتها، ووصفهم الله تعالى بصفات الكمال وإثبات الصفات كما جاءت. كما أنهم نهوا عن التكلف في السؤال عن الكيفية وما أشبه ذلك، وهذا معنى قولهم في آيات الصفات: (أمروها كما جاءت بلا كيف)، أي: لا تسألوأ عن الكيفية لأنها مجهولة، وكما يقول مالك بن أنس وهو من علماء تابعي التابعين لما سئل عن الاستواء؛ فقال: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة)، وروي هذا أيضاً عن شيخه ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وهو أحد أكابر التابعين من أهل المدينة، فإنه سئل عن الاستواء فقال: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول، ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم). فهذه المقالة تدل على أنهم يعرفون معاني الآيات ويعرفون معاني النصوص ويؤمنون بها، إلا أنهم يعرفون أن لها كيفية وتلك الكيفية هي المجهولة، وهي التي لم تصل علوم الخلق إلى معرفتها.

ضعف حجج المبتدعة

ضعف حجج المبتدعة نقول: إن السلف رحمهم الله لما حصلوا على هذا العلم الموروث، كان من آثار ذلك أن عملوا به في باب الاعتقاد وفي باب العمل، وكذلك حصل أن ردوا على المبتدعة فيما جاءوا به من شبهات، وأنكروا تلك البدع التي حدثت في زمانهم حتى بقي أهلها لا يؤبه لهم، ولم تتمكن بدعهم إلا في قرون متأخرة. وقد ذكر علماء الأمة كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن عقيدة السلف وعقيدة أتباعهم، هي ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم، وما بلغه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أخذ عن الوحيين الكتاب والسنة، وأن هذا هو الواجب اعتقاده، وأنه هو الهدى الذي بعث الله تعالى به رسوله في قول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة:33]. ولا شك أن من اتبعه فإنه على هدى، ومن تركه وحاد فإنه على ضلال، ولا شك أيضاً أنه الصراط السوي الذي أمرنا الله تعالى باتباعه في قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:153]، فذكر أن من سار عليه فإنه بمنزلة من يسير على الصراط المستقيم، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم وضح معنى هذه الآية (فخط خطاً مستقيماً وقال: هذا صراط الله. وخط خطوطاً عن يمينه وعن يساره، وقال: هذه سبل، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه)، يعني أن من سار على هذا السبيل السوي فإنه يؤدي به إلى النجاة، ومن انحرف عنه إلى بنيات الطريق فإنه يؤدي به إلى الهلاك، والصراط وصف بالاستقامة لأنه ليس فيه اعوجاج ولا انحراف، وإنما هو سبيل الله الذي من سار عليه فلا خوف عليه، ثم هو واضح المعالم لا يخفى على أي إنسان.

بدعة القدرية

بدعة القدرية ثم حدث في أواخر عهد الصحابة بدعة أخرى هي بدعة إنكار القدر السابق، كما قال يحيى بن يعمر: (كان أول من قال بالقدر في البصرة معبد الجهني، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن حاجين أو معتمرين فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء، فوفق لنا عبد الله بن عمر داخلاً المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي وظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي، فقلت: أبا عبد الرحمن إنه قد خرج قبلنا أناس يقرءون القرآن ويتقفرون العلم، وإنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف فقال: إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برءاء مني، والذي نفسي بيده لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهباً ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر خيره وشره). هذه الطائفة أنكروا العلم السابق وقالوا: إن الله لا يعلم الأشياء حتى تقع، وأنكروا أن يكون الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير الخلائق، وأنكروا أن يكون الله قدر على العباد ما هم فاعلون، وعلم ما عمل الشقي والسعيد وما أشبه ذلك، وقد أنكروا النصوص الصريحة في ذلك، ولكن رد عليهم السلف وبينوا خطأهم، وبينوا أن هذا قول باطل، وأن هذا تنقص لعلم الله تعالى، ولهذا يقول الشافعي رحمه الله: (ناظروهم بالعلم، فإن أقروا به خصموا، وإن جحدوه كفروا)، أي: سلوهم: هل تقرون أن الله بكل شيء عليم؟ وبأن الله يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون؟ فإن اعترفوا بأن الله بكل شيء عليم انقطعت حجتهم ولم يبق لهم ما يتعلقون به، وإذا أنكروه وقالوا: لا نقر بأن الله بكل شيء عليم كفروا، وذلك لأنهم تنقصوا الله تعالى ووصفوه بالجهل، فإنّ من نفى العلم عن الله يلزمه أن يثبت له الجهل. فهذه بدعة خرجت ولكن كان هناك من يقاومها ويردها، فلم تكن متمكنة في ذلك العهد، وذلك لقوة أهل الحق وكثرتهم ولقوة الأدلة التي جادلوا بها، فانقطعت الشبه: {وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة:48].

بدعة الجهمية

بدعة الجهمية وفي أول القرن الثاني خرجت بدعة الجهمية، وهم الذين أنكروا أن يكون الله تعالى متكلماً وأنكروا أن يكون القرآن كلام الله، وأنكر أن يكون الله يحب من يشاء من خلقه، وأن يكون الله كلم موسى أو اتخذ إبراهيم خليلاً، ولما أظهر ذلك الجعد قتل في عهد السلف، قتله أمير العراق خالد بن عبد الله القسري يوم العيد وجعله بمنزلة الأضحية حيث قال: (أيها الناس؛ ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بـ الجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يكلم موسى تكليماً ولم يتخذ إبراهيم خليلاً، تعالى الله عما يقول الجعد)، ثم نزل وذبحه، كما روى ذلك البخاري في أول كتابه (خلق أفعال العباد). ولما ظهر الجهم أنكر عليه السلف، وهو الذي نسبت إليه هذه البدعة، أعني بدعة إنكار الصفات، وهو الذي نشرها وتلقاها عن الجعد بن درهم، ولكن كان السلف رحمهم الله على جانب من العلم وعلى جانب من الإيمان، فلأجل ذلك ردوا عليه وأنكروا بدعته وشنعوا على الجهمية الذين هم أتباعه، فلم يكن في عهد السلف بدع متمكنة.

بدعة الخوارج

بدعة الخوارج قد وجد بعض البدع في القرن الأول، فوجدت بدعة الخوارج في عهد الصحابة، وقاتلهم علي رضي الله عنه وقاتلهم بعده الصحابة إلى أواخر القرن الأول، وبدعة هؤلاء هي من أخس البدع، حيث إنهم جعلوا العفو ذنباً والذنب كفراً فكانوا يكفرون بالذنب، ويخرجون المذنب من الإسلام، ويحكمون بأنه حلال الدم والمال ويحكمون عليه في الآخرة بأنه من أهل النار، هكذا عقيدتهم، وقد جاءت الأحاديث بذمهم وبيان ما هم عليه من العقيدة السيئة، ورويت تلك الأحاديث واشتهرت. ولما كان الخوارج كذلك لم يتبعهم أحد من الصحابة ولا من علماء الأمة، وإنما تبعهم بعض العوام وبعض المتأولين ممن لم يكن لهم قدم راسخ في العلم المعروف عن الصحابة رضي الله عنهم.

رسوخ الإيمان عند السلف

رسوخ الإيمان عند السلف كذلك مما يبحث فيه مسألة الإيمان (السلف بين العلم والإيمان) فنقول: ما المراد بالإيمان؟ لاشك أن الإيمان في الأصل هو العقيدة الراسخة في القلب، وأن تلك العقيدة لا بد أن يكون لها مستند، فإن الشيء الذي له مستند يعتمده يكون راسخاً راسياً لا يخاف عليه أن يتزعزع ولا أن يسقط، فإن حيطان المسجد أو غيره من البنايات أو الأعمدة تعتمد عليها السقوف، إذا قامت على أساس قوي عميق، فإن البناء يثبت وينتفع به، وأما إذا لم يكن لها أساس بل كانت على وجه الأرض ولم تكن على أصل تعتمد عليه، فإنه لا تلبث أن تسقط أو تتصدع الحيطان أو ما أشبه ذلك. فكذلك علم السلف الذي ذكرنا لا شك أنه أثر في قلوبهم، فصار من آثار ذلك العلم الإيمان الذي هو عقيدة راسخة، وسبب رسوخها هو قوة الدليل الذي اعتمدوه، وهو تلك النصوص الواضحة التي لا غموض فيها ولا التباس، وذلك لأنهم بنوا عقائدهم على أصول عقلية تؤيدها أدلة وأصول نقلية سمعية، فالأدلة النقلية هي ما ورثوه عن نبيهم صلى الله عليه وسلم من الآيات ومن الأحاديث، والأدلة العقلية هي ما شهدت به الفطر السليمة المستقيمة التي لم تتغير بالبدع ولا بالخرافات ولا بغيرها، بل صانها ربها عن أن تركن إلى تلك الشبهات وتلك الخرافات، فكان ذلك سبباً من أسباب بقائها على هذه العقيدة ورسوخها وعدم تزعزعها، ولهذا لم تؤثر فيهم تلك الشبهات، التي أدلى بها المبتدعة، فعند الخوارج شبهات يستدلون بها، وعند المعتزلة شبهات يعتمدونها، ولكنها شبهات لا يلتفت إليها وليست راسخة، بل بعض الشبهات التي يتشبثون بها يحطم بعضاً، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام في بيت مشهور في آخر العقيدة الحموية فقال: حجج تهافت كالزجاج كأنها حق وكل كاسر مكسور أي: حججهم أو شبهاتهم في منزلة ما إذا كان معك زجاجتان إحداهما في يدك اليمنى والأخرى في اليسرى، ثم ضربت إحداهما بالأخرى فتنكسران معاً، فكذلك حجج المبتدعة: فحجج المعتزلة عقلية تنقضها حجج الجهمية، ومثلهم بعض العلماء كـ ابن القيم في الصواعق بمثال نظمه أيضاً في أبيات بقوله: واضرب لهم مثلاً بعميان خلوا في ظلمة لا يهتدون سبيلا فتصادموا بأكفهم وعصيهم ضرباً يدير رحا القتال طويلا حتى إذا ملوا القتال رأيتهم مشجوجاً ومفجوجاً او مقتولا وتسامع العميان حتى أقبلوا للصلح فازداد الصياح عويلا فهذا أيضاً مثل لحججهم وأنهم مثل العميان إذا اصطدم بعضهم ببعض، وذلك أنهم لا يهتدون ولا يدري أحدهم بالآخر، فإذا تصادموا وظن أحدهم أن الآخر تعمده، فإنه سيضربه بكفه وبعصاه، ثم كل منهم يضرب الآخر، فهكذا شبهات هؤلاء لما كان الحق واضحاً لم تؤثر فيه تلك الشبهات ولما كانت تلك الشبهات مبنية على تخرصات وظنون لم تقبل، بل أبطل بعضها بعضاً. ولهذا كثيراً ما يذكرون أن بعضهم يرد حجته بنفسه، فبعض أولئك المبتدعة يبتدع حجة ويتخذها دليلاً، ثم يأتي إلى نقضها بنفسه أو ينقضها شيخه أو تلميذه، وهذا دليل على أن تلك الشبهات ليست على علم راسخ، وأما حجج الصحابة والتابعين ومن بعدهم فإنها عن دليل راسخ، فلهذا لم تؤثر فيها تلك الشبهات، لأنهم لما اعتقدوا هذه العقيدة وآمنوا هذا الإيمان ورسخ في قلوبهم، لم تزعزعه تلك الشبهات.

فتاوى عن المرأة

فتاوى عن المرأة لقد رفع الإسلام من مكانة المرأة، وحفظ لها حقها، ولم ينقصها من حقها شيئاً، سواءٌ أكانت أماً أم أختاً أم بنتاً أم زوجة أم غيرها، وجعل لها من الأجر والثواب كما للرجل إن أحسنت واتقت، وهي تجتمع مع الرجل في غالب الأحكام الشرعية، وتختص بأحكام شرعية قد بينها الله في كتابه وبينها الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته.

مكانة المرأة في الإسلام

مكانة المرأة في الإسلام الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه. أما بعد: فإن شريعة الإسلام شريعة واسعة، وشريعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، من الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، وقد ذكر الله تعالى في القرآن نساء الدنيا، وجعل لهن أحكاماً، وذكر ثوابهن في الآخرة كثواب المؤمنين من الرجال. وقد كانت المرأة قبل الإسلام لا قدر لها عند الجاهليين، بل كانوا يحتقرونها ولا يعطونها شيئاً من المال؛ لأنها في زعمهم لا تقاتل ولا ترد الأعداء ونحو ذلك، فجاء الإسلام وجعل لها حقاً، وجعل لها مالاً، وجعل لها ملكاً، وعلق بها أحكاماً كثيرة، وألزمها بعبادات كما ألزم الرجال بعبادات، وجعل لها من الأحكام مثل ما للرجال، وجعل النساء شقائق الرجال. ولا شك أنا بحاجة إلى معرفة تلك الأحكام، ولو كانت تختص بالنساء، كأحكام الحيض والنفاس، وما يتصل به مما تختص به المرأة، فالرجل بحاجة إلى معرفة ذلك؛ لأن لديه نساء من زوجات أو بنات أو أخوات أو محارم، فهو بحاجة إلى أن يعرف الأحكام التي تتعلق بالنساء حتى يعلم من تحت يده، وكذلك المرأة بحاجة إلى أن تعرف الأحكام التي تختص بالنساء، حتى تعرف كيف تعمل في تلك الأحكام. وقد استثنيت المرأة من بعض الأمور التي تختص بالرجال، وذلك لا شك أنه كرامة لها وحفاظ عليها، فثبت في الحديث أن عائشة رضي الله عنها قالت: (يا رسول الله! هل على النساء جهاد؟ فقال: عليهن جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة) فأسقط عنهن الجهاد الذي هو قتال الكفار، وجعل عليهن هذا الحج، حيث إنه جهاد للنفس، وقام مقام القتال، مع أنه إذا احتيج إلى المرأة فإنها تشارك في خدمة المجاهدين، فقد ثبت أن عائشة رضي الله عنها هي وامرأة من الأنصار في غزوة أحد كانتا تخدمان الغزاة، فكانتا تأتيان بالماء وتفرغاه في أفواه القوم الذين أصيبوا، وكل ذلك خدمة للمجاهدين، فيكون ذلك جهاداً، وهكذا كان بعض النساء تغزو مع المسلمين، ومنهن أم سليم أم أنس بن مالك وغيرها، كن يغزون فيداوين الجرحى، وينقلن المرضى، ويخدمن الغزاة، ويقمن بأي عمل يحتاجوا إليه، فكان ذلك مما دعت إليه الشريعة.

حفظ الإسلام لكرامة المرأة وعرضها

حفظ الإسلام لكرامة المرأة وعرضها لقد جاءت الشريعة بحفظ كرامة المرأة وصيانتها، ومن صيانتها أن تقر في البيوت، وألا تبرز للرجال الأجانب، وأن تحتفظ بجمالها وبزينتها؛ ليكون ذلك أحفظ لها عن أن تمتد إليها الأنظار، وأن تطمع فيها النفوس المريضة، فحجاب المرأة وسترها وتسترها عن الرجال لا شك أنه كرامة لها، وليس كما يقول دعاة الضلال: إنه تحجر وتضييق على المرأة، وأن المرأة كالرجل، وأنها وأنها كما يهذي به هؤلاء الذين لهم أغراض نفسية، يريدون أن يشبعوا أغراضهم، ويريدون أن ينالوا مشتهياتهم، فلم يجدوا بداً من أن يتكلموا بهذا الكلام الدنيء الذي يحاولون به أن تبرز المرأة، وأن تخرج إلى جانب الرجل، وأن تشتغل معه سوياً، وهو غير محرم لها، وأن تبدي زينتها وجمالها ليتمتعوا بما يريدونه منها، هذه ادعاءاتهم كما يقول بعض المتأخرين: يرون أن تبرز الأنثى بزينتها وبيعها البضع تأجيلاً وتنقيدا يرون أنها حرة في نفسها، وأن لها أن تبذل نفسها لمن تريد بعوض أو بغير عوض، ولا شك أن هذا إهانة لها، وأن كرامتها في تطبيق الشريعة، والعمل بما جاءت به، وأن تقتصر على ما أمرها الله به، فما يتعلق بالتستر والتحجب قد بينته الشريعة، فأمر الله تعالى بتستر النساء، وأمر بغضهن للأبصار، فقال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور:31] لا شك أن هذا تعليم من الله تعالى للمرأة أن تحفظ زينتها، وألا تبديها ولا تبرزها لكل أحد، بل عليها أن تحفظ زينتها، وألا تبدي زينتها إلا لمحارمها وأهليها وأقاربها الذين حرمت عليهم، الذين هم أقارب لها ومحارم لها. كما أن من كرامتها ومن الحفاظ على صيانتها ألا تسافر إلا مع ذي محرم؛ وذلك لأن الأطماع تمتد إليها، فالنفوس الرديئة متى رأت المرأة متبرجة أو خالية فإنها قد تطمع فيها، حتى في الأماكن المقدسة، كما ذكروا أن امرأة من السلف كانت تطوف وحدها في البيت الحرام، فلما رآها أحد الفسقة جاء إليها، وصار يطوف إلى جانبها، ويعاكسها ويتكلم معها، وهي لا تصغي إليه، فلما كان في اليوم الثاني قالت لأخيها أو لأحد محارمها: هلم فطف معي حتى تريني المناسك، فلما رآها ذلك الفاجر تطوف ومعها محرمها ابتعد عنها، فقالت: تعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتقي حرمة المستأسد الضاري تقول: إنه لما رآها خالية جاء إليها، وأخذ يغازلها، فلما رآها مع محرم ابتعد عنها، ومثلت ذلك بمن له غنم وعنده كلاب ضارية تحميها من الذئاب، فالذئاب إنما تعدو على الأغنام التي ليس عندها كلاب تحميها، وأما إذا كان عندها كلب مستأسد ضارٍ فإنه يذود تلك الذئاب ويبعدها ويحمي الغنم منها، فتمثلت بهذا المثل. وبكل حال فلا شك أن من حفظها ألا تسافر إلا مع ذي محرم وأن ذلك من كرامتها؛ وذلك لأن المحرم عنده غيرة على محارمه، وأنفة وحمية، فحتى لا يطمع فيهن طامع -لأنها قد تضعف عن مقاومة أولئك المعتدين- لا جرم أن الشرع اشترط لها هذه الشروط. وأما ما يتعلق بأحكامها الشرعية فلا شك أنها مثل الرجل في غالب الأحكام، فتجب عليها الصلاة كما تجب على الرجل، وكذا الطهارة بأنواعها، وتختص بأمور تتعلق بها كنجاسة دم الطمث ودم النفاس، وما يتعلق بذلك، وتختص أيضاً بأشياء تتعلق بالمناسك ككونها تلبس ما شاءت من اللباس، والرجل لا يلبس في الإحرام إلا إزاراً ورداءً، ويكشف رأسه، وذلك كله دليل على أن الشرع كما بين الأحكام التي تتعلق بالرجال فقد بين كذلك ما يتعلق بالنساء.

حفظ الإسلام لحقوق المرأة في الآخرة

حفظ الإسلام لحقوق المرأة في الآخرة وقد حفظ الإسلام حقوق المرأة في الأعمال الصالحة في الآخرة، فلما قالت عائشة: (يا رسول الله! لا أرى أن الله يذكر النساء! فأنزل الله آيات تتعلق بالنساء مع الرجال، مثل قول الله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} [آل عمران:195]) فنص على الذكر والأنثى، وأن الله لا يضيع عمل عامل منهما. ومثل قول الله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب:35] إلى آخر الآيات، حيث ذكر ثوابهم جميعاً بقوله: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:35]. ولما تمنت إحدى النساء أن تكون مثل الرجال فيما يكتسبون وفيما يعملون من الأعمال؛ أنزل الله قوله تعالى: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} [النساء:32] فلكل منهم نصيب مما اكتسب، ولا شك أنها تؤجر على نيتها، فإذا فاتها شيء من الأعمال التي يعملها الرجال، وهي تنوي أن تكون مثل الرجال في ذلك العمل؛ فلها نيتها، فإن الأعمال بالنيات. وقد سأل بعض السلف: هل للحائض والنفساء حظ في ليلة القدر إذا لم تتمكن من الصلاة فيها لحيضها؟ فقال: نعم، لها حظ منها بقدر النية إذا وافقت ليلة القدر وهي لا تقدر أن تصلي ولا أن تقرأ لهذا العذر، ولكنها تنوي وتعزم على المشاركة في الأعمال الصالحة بنيتها، وبما تقدر عليه من الذكر ومن الدعاء ونحو ذلك، فيكون لها نصيب مثل غيرها من المغفرة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه). وبكل حال فالأحكام التي تتعلق بالمرأة ظاهرة ومشهورة، ونتوقف عند هذا، ونستقبل الأسئلة التي تختص بالنساء، والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

الأسئلة

حكم ارتكاب مفسدات الصوم والصلاة مع الجنابة جهلا بالحكم

حكم ارتكاب مفسدات الصوم والصلاة مع الجنابة جهلاً بالحكم Q ما قول فضيلتكم فيمن يرتكب محظوراً من محظورات الصيام جهلاً منه منذ سنوات؟ وكذلك من لا يغتسل من الجنابة ويصلي وهو جنب، ما قولكم في ذلك؟ A لا شك أنه مفرط، فإنه لا يجوز للإنسان أن يقدم على العمل الذي لا يدري ما عاقبته، والمسلم الذي نشأ بين المسلمين وفي بلاد الإسلام لا يمكن أن يجهل إلا عن تفريط، فكونه مثلاً يصلي بلا وضوء هذا تفريط منه؛ لأنه يرى المسلمين يتوضئون، ويرى أماكن مكتوباً عليها أنها أماكن للوضوء في كل مسجد مثلاً، وكذلك هو يقرأ القرآن ويسمع القرآن، وفيه التعليمات التي منها إزالة الأحداث كبيرها وصغيرها، مثل قول الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6]، فلا يجوز الإقامة على مثل هذه الحال. وهكذا في الصيام عليه أن يتعلم ما الذي يجب عليه تركه في هذا الصيام، وبكل حال لو قدر مثلاً أنه فعل شيئاً يفسد الصيام ولم يشعر كالاستمناء مثلاً كما يفعله كثير من الشباب في نهار رمضان، أو أن يباشر امرأته وينزل، ويعتقد أن ذلك لا يفسد الصيام مثلاً، أو أن يجامع ويعتقد أنه ليس عليه إلا مجرد أن يقضي ذلك اليوم، وليس عليه كفارة أو ما أشبه ذلك؛ فمثل هذا لا يعذر، لأنه لابد عليه أن يعرف الحكم ويعمل به، فإن كان عليه كفارة بالجماع بادر وأخرج تلك الكفارة، وإن كان عليه قضاء ذلك اليوم الذي أفسده بالاستمناء أو بتكرار النظر أو بالمباشرة ونحو ذلك بادر وقضى ذلك اليوم، وإذا كان قد مضى عليه سنوات سنة فأكثر أطعم مع القضاء مسكيناً عن كل يوم، وكذلك بقية الأحكام. أما بالنسبة للصلوات فإن كانت كثيرة بأن بقي مثلاً لا يغتسل من الجنابة لمدة أشهر أو لمدة سنوات جهلاً منه وإعراضاً وعدم اهتمام، فلعله يقال له: أصلح عملك في المستقبل، وتب إلى الله، وأكثر من النوافل؛ لأننا لو ألزمناه بقضاء الصلوات لسنة أو سنتين فإن في ذلك مشقة وتنفيراً له، ولكن لعله يكتفي بأن يكثر من النوافل، ويحافظ على الصلوات في بقية حياته، ويحافظ على الطهارة من الحدثين.

حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخول رمضان بعده

حكم من أخر قضاء رمضان حتى دخول رمضان بعده Q من أخر قضاء رمضان حتى رمضان الآخر، ما عليه؟ A إذا كان لعذر كأن يكون مريضاً أحد عشر شهراً وهو على فراشه، ولم يستطع أن يصوم هذه المدة؛ فليس عليه إلا القضاء، وأما إذا كان تفريطاً وإهمالاً وهو قادر، فإن عليه مع القضاء إطعام مسكين كفارة عن التفريط.

حكم لبس الكعب العالي والعدسات الملونة والملابس الضيقة للمرأة بين النساء

حكم لبس الكعب العالي والعدسات الملونة والملابس الضيقة للمرأة بين النساء Q ما حكم لبس النساء للكعب العالي، والعدسات الملونة، والملابس الضيقة بحجة أنها بين النساء؟ A ننهى عن ذلك، الكعب العالي لا شك أنه تقليد ما عرف إلا من النساء الكافرات أو المقلدات للكافرات اللاتي أخذن يلبسن هذا، فترفع المرأة كعبيها وليس لها قصد إلا أن تقلد هؤلاء، وقد يكون في ذلك خطر؛ وذلك لأنها إذا مشت بالكعب المرتفع قدر شبر أو نحو ذلك سبب لها ميلاً في المشي، وربما سقطت، وربما تعبت، وربما إذا خلعته وأرادت أن تمشي بقدميها تتأثران بسيرها على ذلك الكعب العالي، وبكل حال الأصل أنه لا يجوز؛ لكونه تقليداً بلا فائدة. وأما العدسات فلا شك أن فيها تغييراً لخلق الله، فلا يجوز استعمالها سواء كان لرجل أو امرأة، والمرأة قد تركب العدسات في حدقة العين وتقصد بذلك أن يظهر لون العينين مغايراً للون الطبيعي بخضرة أو بلون جذاب أو نحو ذلك، فنقول: لا يجوز لها ذلك ولو كان زوجها يستحسن ذلك منها. وكذلك لبس النساء للملابس الضيقة بين النساء، نقول: لا يجوز لها أن تفعل ما فيه هذا التقليد من الألبسة الضيقة التي تبين تفاصيل حجم أعضائها، أو الألبسة الشفافة، حتى ولو كانت بين نساء، فإن ذلك يصير ديدناً وعادة متبعة، فتألف ذلك وتستحسنه، وتستثقل اللباس الواسع الذي لم تتعود عليه، ولو كان ذلك اللباس الذي لبسته أمام النساء فقط أو أمام محارمها أو ما أشبه ذلك، بل المرأة إذا صلت وهي وحدها تؤمر بأن تستر نفسها، ولو لم يكن عندها أحد، فلا يظهر منها إلا وجهها، تستر حتى كفيها وحتى أظافر قدميها، وتلبس ثوباً واسعاً حتى لا يتميز شيء من أعضائها ولو كانت في بيت مظلم. وكذلك أيضاً لا تفرج عضديها كالرجل عند السجود يعني بإبعاد عضديها عن جنبيها بالتجافي في الصلاة، بل تضم نفسها؛ وكل ذلك حرصاً على ألا تتعود على العادة التي فيها شيء من التبرج أو فيها شيء من إظهار المحاسن أو نحو ذلك. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

الطريقة المثلى للمرأة في طلب العلم

الطريقة المثلى للمرأة في طلب العلم Q ما هي الطريقة المثلى للمرأة في طلبها للعلم؟ A وسائل العلم -والحمد لله- في هذه الأزمنة متوافرة، فالمدارس التي أسستها الحكومة فيها علوم متوافرة قائمة بالواجب، والذين تولوا المناهج وتقريرها ممن يوثق بهم، سواء كانت تلك العلوم مما يتعلق بالعقيدة أو مما يتعلق بالأعمال أو بالأحكام أو بالآداب أو نحو ذلك، فدراستها حتى مع دراسة الأمهات تزيد المرأة علماً، هذه طريقة. الطريقة الثانية: أن تقرأ في الكتب، فالكتب -والحمد لله- توافرت، فقد كانت قبل ستين أو سبعين سنة لا ينالها إلا القليل، لكنها -والحمد لله- في وقتنا توافرت وكثر طبعها ونشرها، وأصبح كل بيت فيه عدد من الكتب، ففي إمكان الرجل ومثله المرأة أن يقرأ ما تيسر من الكتب في أوقات فراغه، سواء في كتب الأحكام كالحلال والحرام والعبادات والمعاملات، أو في كتب الآداب التي هي الآداب الدينية والأخلاق ونحوها، أو في كتب العقائد كالتوحيد وما يتعلق به، أو في كتب الترغيب والترهيب والوعد والوعيد والجنة والنار والرقائق وما أشبه ذلك، فهي موجودة في إمكان المرأة كالرجل أن تتناول أي كتاب وتقرأ فيه، وستجد أبوابه مفصلة موضحة، فتستفيد من القراءة. الطريقة الثالثة: الاستماع إلى المحاضرات ونحوها، ففي إمكان المرأة كالرجل أن تحضر المحاضرات العامة التي يكون فيها أماكن مخصصة للنساء، وتستفيد كما يستفيد الرجل، والفائدة منها تبقى آثارها معها. والطريقة الرابعة: وهي الاستماع إلى الأشرطة؛ وذلك لأنها -والحمد لله- تيسرت، وحصل بها تأثير ونفع عظيم، فما دام أن المحاضرات والندوات ونحوها تسجل وتباع في الأماكن بثمن يسير، ففي إمكان المرأة أن تستمع حتى ولو كانت تشتغل في بيتها، حتى ولو كانت تغسل ثياب أولادها أو تصلح طعام أولادها وزوجها، أو تشتغل بكنس دارها أو نحو ذلك، تستمع وتستفيد. الطريقة الخامسة: الاستماع إلى الإذاعة التي فيها علوم موفقة كإذاعة القرآن؛ فإن فيها خيراً كثيراً، فيها سماع كلام الله، وسماع الكلمات التي تتعلق بكتاب الله، والتي تتعلق بالنصائح والمواعظ، فالطرق -والحمد لله- كثيرة.

حكم اقتناء التلفاز وكيفية التخلص منه

حكم اقتناء التلفاز وكيفية التخلص منه Q جملة من الأخوات يسألن عن حكم وجود التلفاز في البيت، ويذكرن أنهن يحرصن على مقاطعته، ولكن يترتب على ذلك مقاطعة أهل البيت في أوقات طويلة، وقد يصبن بالملل، وفي النهاية قد تضطر إلى الجلوس أمامه، أفتونا أثابكم الله في ذلك؟ A ننصح بالابتعاد عن الصور، وعما يحمل تلك الصور، ولا شك أن التلفاز في هذه الأزمنة يحمل صوراً قد تكون فاتنة، فتظهر فيه المرأة أمام الرجال وهي سافرة متبرجة متجملة؛ وذلك يفتن الرجال، ثم تتكلم أمامهم وهم ينظرون إلى صورتها، وكذلك يظهر الرجل أمام النساء وهو متجمل في غاية الجمال وفي غاية الشباب، وقد تكون النساء عزاباً لم يتزوجن بعد، فيكون هذا أيضاً سبباً للفتنة، زيادة على ما يكون فيه من التمثيليات التي هي ملهية وقاطعة للوقت بغير فائدة، زيادة على ما هناك من الأغنيات التي تحمل في كلماتها شيئاً مما يثير الغرام، ويدفع إلى التهاون بالشهوات المحرمة أو المكروهة. ولما كان كذلك فإننا ننصح بعدم اقتنائه وبالابتعاد عنه، فإذا كان موجوداً في البيوت فالمرأة أو الرجل الذي يريد نجاة نفسه يتجنب الجلوس أمامه، وإذا اضطر إلى الجلوس مع أهله فإن عليه أن يكلفهم أن يطفئوه، ولا يشغل وهو مقيم معهم، هذا بالنسبة إلى من لا يستطيع إخراجه، والأولى أن يحاول إخراجه وتطهير البيت منه؛ حتى يكون الخير بدلاً عن الشر واللهو واللعب، وإذا لم يستطع فعليه الاعتزال. والمرأة التي تريد نجاة نفسها تعتزل في حجرتها مثلاً، وكذلك الرجل يعتزل في حجرة له، ويتركهم بعدما ينصحهم.

حكم قص المرأة لشعر رأسها وصبغه بألوان متعددة

حكم قص المرأة لشعر رأسها وصبغه بألوان متعددة Q ما حكم قص الشعر بالنسبة للمرأة، وما حد ذلك؟ وما حكم صبغ المرأة للشعر بألوان متعددة لتغيير صورته؟ A لا يجوز قص الشعر للمرأة؛ وذلك لأن من تمام زينتها توفير شعرها، ولم يزل الأمهات والجدات وكذلك المسلمات في كل زمان حتى قبل الإسلام يمتدحن ويمدحن بطول الشعر وبتربية شعر الرأس، وذلك زينة لها وجمال، وورد نهي النساء عن حلق الشعر حتى في النسك الذي هو من جملة العبادات، فحلق الشعر عند التحلل من الإحرام عبادة من العبادات، ولكن منعت منه المرأة؛ لأنها مأمورة بإبقاء شعرها، وأمرت بأن تأخذ من كل ضفيرة قدر أنملة، وهذا دليل على أنها تجمع رأسها، وتوفر شعرها، ولا تأخذ منه شيئاً، وإنما عند التحلل تقص من كل قرن قدر أنملة، أي: رأس الإصبع، وشعرها يبقى حتى بعد موتها، ففي حديث أم عطية لما غسلت زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (فضفرنا شعرها ثلاثة قرون، وألقيناه خلفها). وهذا دليل على أنهن كن يربين الشعر، وأنه يجعل ضفائر أي: قرون، كل ضفيرة تفتل وحدها وتلقيها، وقد يكون للمرأة عدة ضفائر، خمس ضفائر يعني: خمسة قرون أو أكثر أو أقل، ولا شك أن ذلك دليل على افتخار المرأة بهذا الشعر وبقائه، وأنه من كمال زينتها. لكن يرخص لها في ذلك إذا بلغت المشيب وأيست من النكاح، فقد ثبت أن أمهات المؤمنين بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم لما أيسن من النكاح كن يأخذن من شعورهن حتى يكون كالجمة، أي: أنها تقص من شعرها؛ لأنها أيست من أن تتجمل للأزواج، فتتركه إلى أن يكون كالجمة، يعني: إلى أن يصل إلى المنكب أو نحو ذلك. أما من هي في ذمة زوج أو ترجو النكاح فلا يجوز لها أن تقص منه، بل تتركه على حالته، ولو زين قصه لكثير من الأزواج الذين قلدوا الغرب واستحسنوا ما هو مستقبح، فكثير من الأزواج يظن أن جمال المرأة في أن تقص ناصيتها، أو أن تقص من جوانب رأسها أو ما أشبه ذلك، ولا شك أن هذا مخالف للجمال الفطري الصحيح، فلا يجوز أن يركن إليه. وأما صبغ الشعر فيجوز إذا كان الشعر أبيض فيصبغ بالحناء، فيجوز لها إذا كان قد شاب شعرها وانقلب أبيض أن تحمره بالحناء فقط، وأما الأصباغ الكثيرة التي تقلب الشعر الأسود فتجعله أحمر أو أزرق أو أخضر أو ملوناً فهذا لا يجوز؛ وذلك لأنه تغيير لخلق الله، والله تعالى قد ذم الذين يفعلون ذلك، وذكر أنه من عمل الشيطان، وذلك في قوله عن الشيطان: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء:119]، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله المتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات لخلق الله).

حكم الإطعام أو ما يسمى بعشاء الوالدين وتثويبه لهما

حكم الإطعام أو ما يسمى بعشاء الوالدين وتثويبه لهما Q ما القول فيما يفعله بعض الناس من إطعام ويجعل ثواب هذا لفلان من الموتى، وهو معروف عند الناس بعشاء الوالدين أو نحوه؟ A الصدقة لا شك أنها تصل إلى الميت، إذا تصدقت وجعلت أجرها لأبويك أو لأمواتك فلا بأس بذلك، سواء كانت تلك الصدقة مالاً؛ يعني: نقوداً تدفعها للفقراء الذين تحل لهم الصدقة، أو طعاماً بأن تدعوهم إلى طعام ليأكلونه وتقول: اللهم اجعل ثواب هذا الطعام الذي تصدقت به أو أطعمته لأبواي أو لأمواتي ونحو ذلك. وإطعام المساكين لا شك أن فيه أجراً، قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان:8] فدل على أنهم بإطعامهم هذا يريدون الثواب، ولهذا يقولون: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} [الإنسان:9 - 10]. لكن إذا كان الإطعام لغير مساكين كالإخوة والأقارب والجيران ونحوهم، ولم يكن الذين تطعمهم أو تعشيهم أو تفطرهم أو تسحرهم من الفقراء الذين هم أهل للصدقة، وإنما هم أقاربك وعشيرتك وجيرانك وزملاؤك؛ ففي هذه الحال فأنت تطعمهم كرامة لا صدقة؛ لأن هذا إنما هو إكرام لأجل الإخوة ونحو ذلك، ويهون على كثير النفقة في ذلك، فتراه يستضيف زملاءه، ويخسر الآلاف في ضيافتهم وفي إطعامهم، وتراه يقدم لهم أنواع المشتهيات، وهذا معلوم أن القصد منه هو الكرامة لا الصدقة، فإذا كان كذلك فما هو الثواب الذي يجعله لوالديه؟ هو ما قصد الثواب، وإنما قصد الكرامة، والضيافة، والزيارة وما أشبه ذلك، وهذا لا يحتاج إلى أن يقول: اللهم اجعل ثوابه لأبوي أو نحو ذلك. أما ما يسمى: بعشاء الوالدين فهذا فيه أجر إذا كان يطعم من هم أحق بالإطعام أو من هم مستحقون، وكان هذا معروفاً في هذه البلاد منذ القدم إلى قرابة ثلاثين سنة أو عشرين سنة، كانوا كل أسبوع وبعضهم كل يوم إذا دخل رمضان يجتمعون عند أحدهم، فيجمع أقاربه ويجمع جيرانه، ويضيفهم، ويقدم لهم لحماً شهياً، ويقول: هذا عشاء الوالدين. يعني: أجره لوالديه، وكان اللحم في تلك السنوات قليلاً، إنما يأكله أحدهم في الأسبوع مرة أو في الأسبوعين مرة، وربما لا يتيسر لبعضهم إلا في أيام الأضاحي ونحوها، ففي تلك الحال لا شك أن الطعام كان له وقع، والنفوس تشتهي هذا الأكل، وكان الأغلب فقراء وذوي حاجة، فإذا نوى بإطعامه أقاربه وجيرانه الذين هم محتاجون، وجعل ثواب ذلك لوالديه نفعهم ذلك إن شاء الله. أما في هذا الأزمنة فما دام أن الغالب أن كل بيت فيه ثلاجة وفيها لحوم، وأن أهل كل بيت لا يأكلون غداءً ولا عشاءً غالباً إلا وفيه لحم، فما الصدقة فيهم؟ ماذا تؤثر فيهم وهم عندهم اللحوم وعندهم الأطعمة؟ فهذه لا يقال عنها: صدقة، ولكن يقال: كرامة وضيافة.

حكم استعمال حبوب منع الحيض في رمضان وغيره

حكم استعمال حبوب منع الحيض في رمضان وغيره Q ما حكم المرأة التي تتناول حبوباً لإيقاف الحيض في رمضان أو في العشر الأواخر منه؟ وهل انحباس الدم بهذه الصورة يؤثر؟ A ذكر الأطباء: أن احتباس الدم يؤثر على صحتها، وأن هذا الدم دم طبيعة وجبلة يخرجه الرحم في أوقات محددة، وخروجه على عادته وهيئته لا شك أنه خروج دم فاسد لا فائدة في بقائه، ولكن قد يكون هناك أدوية تحبسه في عروقه، وتمسكه في الرحم أو في البطن أو في أماكنه التي يتحلل منها، وهذه الأدوية أجاز العلماء استعمالها لمناسبة ولسبب ولحاجة، فأفتى كثير منهم بجواز استعمالها للمرأة التي تخاف الحيض في الحج، وتخشى أن تحبس رفقتها، فيجوز لها أن تتعاطى ما يمنع الحيض حتى لا تحبسهم وتؤخر الرفقة؛ فتسبب لهم ضرراً، هذا مسوغ وعذر، ولكن شرط ذلك: ألا يكون في استعمال هذه الحبوب أو هذا الدواء ضرر على صحتها. أما بالنسبة إلى استعمالها في رمضان إذا كانت تأتيها الدورة في رمضان، وتعرف أنها إذا أتتها أفطرت أياماً وثقل عليها القضاء، فنقول: إذا كان قصدها من حبس هذا الدم هو مجرد الصوم، وتقول: لا أريد أن أفطر؛ فإن القضاء يشق علي، وأريد أن أصوم مع أخواتي حتى يسهل الصوم معهم، فإن صومي وحدي فيه كلفة ومشقة، وصومي معهم أقوم معهم إذا قاموا، وأتسحر معهم، وأمسك كما يمسكون, وأبقى على صيامي بقية يومي كما يبقون، ولا يكون علي دين يثقل علي؛ فنشير بألا تفعل لهذا الغرض، بل تترك الحيض على عادته وتحيض كما تحيض غيرها، وتقضي كما يقضي غيرها. أما إذا كان لها قصد أعلى من ذلك فلا بأس، إذا كان قصدها من استعمال حبوب منع الحيض أن تصلي مع المصلين، أو أن تعتمر مع من يعتمر، أو أن تصوم وتقرأ القرآن في المصحف أو بدون المصحف، يعني: قصدها عبادات لا تفعل مع الحيض كقراءة القرآن ومس المصحف والعمرة والصلاة ودخول المساجد وحضور المحاضرات فيها وما أشبهها، وهذه تفوت عليها إذا كانت حائضاً، فتقول: أستعمل هذه الحبوب أو هذا الدواء حتى يمنع الحيض، وحتى أتمكن من فعل هذه العبادات، فلعل ذلك يكون مبرراً، ويجوز بهذه النية إن شاء الله.

حكم إفطار الحامل والمرضع خوفا على ولديهما

حكم إفطار الحامل والمرضع خوفاً على ولديهما Q المشهور في مذهب الحنابلة أن الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما أفطرتا وأطعمتا عن كل يوم مسكيناً ولا تقضي، ما قول فضيلتكم في ذلك؟ A أما كونها تفطر وتكفِّر فهذا هو المشهور، وأما كونها لا تقضي فهذا ليس بصحيح، بل الصحيح أنها تقضي وتكفِّر، تقضي وتطعم، وهذا مروي عن ابن عباس، وعليه فسر الآية، وهي قول الله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة:184]، روي عن ابن عباس وغيره من السلف أن هذه الآية باقية لم تنسخ، وأنها في حق الكبير الذي يشق عليه الصيام مع كونه يطيقه، فيطعم ولا صيام عليه، وكذا المريض الذي لا يرجى برؤه، وكذا المرأة الحامل أو المرضع التي تخاف على الجنين في بطنها، أو تخاف على رضيعها ألا يجد لبناً، وأن لا يجد قوتاً وغذاءً؛ فتفطر لأجل غيرها، فلكونها أفطرت من غير مرض تكفر، ولكونها تطيق الصيام بعد زوال ذلك العذر تصومه، أي: تقضي وتطعم، هذا هو المشهور. والرواية التي فيها أنها لا تقضي، وإنما تقتصر على الإطعام رواية ضعيفة، سواء كانت الرواية عن ابن عباس أو كانت عن الإمام أحمد، فهي لا تثبت، بل الثابت والمشهور أنه لابد من القضاء مع الإطعام.

حكم تمكين الخادم أو الخادمة الكافرين من مزاولة عبادتهما

حكم تمكين الخادم أو الخادمة الكافرين من مزاولة عبادتهما Q ما قول فضيلتكم فيمن يسمح للخادمة سواء كانت نصرانية أو وثنية أن تمارس عبادتها وصلاتها في بيت المسلمين، وبعيداً عن أنظار الأطفال؟ A هذا خطأ؛ وذلك لأنه إذا احتيج إلى استقدام الكفار، سواء كانوا رجالاً كعمال، أو نساء كخدم يشترط عليهم ألا يظهروا دينهم، وألا يعلنوا كفرهم، ولا شك أن من إعلانهم مزاولة عباداتهم، فالنصارى مثلاً يعظمون الصلبان، فإذا كان معه صليب ينصبه ويتمسح به أو يرسمه على صدره منع من ذلك في بلاد الإسلام، وبالأخص في جزيرة العرب التي هي مهبط الوحي، فيمنع من ذلك، وكذا يمنعون من إحداث الأماكن التي يتعبدون فيها، فيمنعون من بناء الكنائس، وكذلك البيع والصوامع التي هي معابد لليهود والنصارى ونحوهم، وهكذا متعبدات غيرهم، فالبوذيون لهم عبادات يتعبدون بها، ولكن لا يمارسونها في البلاد الإسلامية، ولا يقيمون معابدهم، ولا يظهرون شعائرهم، وكذلك الهندوس الذي هم وثنيون لا يمكنون في بلاد المسلمين أن يظهروا شيئاً من عباداتهم وشركياتهم، بل يمنعون ذكوراً وإناثاً. فهذا الذي يمكن ذلك الخادم أو ذلك السائق مثلاً من أن يزاول عبادته أو صلاته أو شركه أو كفره في بيته مخالف للشروط التي تشترط على الوافدين وعلى جميع العمال الذين يأتون لهذا السبب؛ لأنهم ما أتوا إلا لحاجتهم، يعني: فاقتهم وفقرهم دفعهم إلى أن يذلوا أنفسهم، ويأتوك خداماً يخدمون بأجرة، فما دام أنهم أذلة فينبغي أن نزيد في إذلالهم، وأن نبعدهم عن دينهم حتى يشعروا بعزة الإسلام؛ وحتى يشعروا بذلهم هم وبهوانهم وحقارتهم. فالذي يمكن الخادمة من مزاولة عبادتها قد فعل خطأً، فعلينا أن ننتبه لذلك، وننبه الإخوة.

حكم بقاء النساء عند أزواجهن الذين لا يصلون

حكم بقاء النساء عند أزواجهن الذين لا يصلون Q ماذا عن النساء اللاتي لهن أزواج لا يصلون، وقد نصحوا مرات ومرات، ويقع منهم جماع وأولاد، فما الحكم في ذلك؟ A هذا مما عمت به البلوى، وكثرت الشكايات منه، ولا نحصي النساء اللاتي يتصلن بنا هاتفياً تشتكي من زوجها أنه لا يصلي، أو إنما يصلي أحياناً، أو لا يصلي مع الجماعة، ومع ذلك تعظه وتنصحه، وتكثر من توبيخه وهجره، ولكنه مصر على ذلك، أو إذا أحسن المقال قال لها: ادعي الله أن يهديني، أو ما أشبه ذلك، ولا يفعل السبب الذي يدفع نفسه إلى العمل الصالح الذي أمر الله به، وفرضه على عباده! نقول لهذه المرأة: هذا الزوج الذي أصر على ترك الصلاة إصراراً كلياً لا يجوز البقاء معه، بل على المرأة أن تمنع نفسها منه، ونقول له: ما دمت على هذا الحال فإنه تحرم عليك امرأتك؛ لأنك مرتد بذلك، قد عملت عمل الكفار ونحوهم، فلا يجوز لك أن تجامع امرأة مسلمة ولو كانت زوجتك وأنت لا تصلي؛ لأن تركك للصلاة ردة أو كفر يسبب طلاق الزوجة منك إذا كنت مصراً على ذلك. ولكن كثيراً منهن تعتل وتذكر أشياء تبرر بقاءها معه إما كثرة أولادها منه، وإما أنها لم تعلم الحكم إلا بعد أن ولدت منه ولداً أو عدداً من الأولاد، وإما أنها رأت منه حسن خلق وحسن معاملة، وأنه يقوم بواجباتها، ويأتي لها بحاجاتها، ويعطيها ما تطلبه، ويحسن عشرتها، وينفق عليها، ويكسوها الكسوة التامة، ولكنه مخل بهذا الأمر الذي هو حق الله تعالى. فنقول: لا يكون هذا عذراً، بل عليها أن تطلب الخلع، وأن تفارقه مهما كانت الحالة، وسوف يجعل الله لها فرجاً ومخرجاً، وربما إذا أصرت على امتناعها منه، وذهبت إلى أهلها، أو تركت ولده عنده إذا كان لها ولد منه، أو نحو ذلك، أن يكون ذلك منبهاً له، ويقول: لماذا لا أراجع نفسي؟ لماذا لا أتوب إلى ربي؟ لماذا لا أعلن التوبة؟ ما الذي ترجوه هذه المرأة ولا أرجوه؟ ألست مكلفاً؟ أليس كلنا يخاف الله ويرجو ثوابه؟ ألست أولى بأن أكون مستقيماً؟ أنا أولى بأن أنصح امرأتي وأنصح أولادي وأعلمهم! فإني أنا الذي أرعاهم وهم في ذمتي، (وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الرجل راع في أهل بيته وهو مسئول عن رعيته) فلعله ينتبه ويعود إلى نفسه، فإن أصر ولم يعد -والعياذ بالله- فلا يجوز لها البقاء معه، بل عليها أن تطلب الخلع. والطريق إلى ذلك أن تقدم شكاية إلى الشرطة أو إلى المحكمة، وتأتي بشهود معروفة حالهم من جيرانهم أو إمام المسجد القريب منهم أو مؤذن المسجد، ممن يعرفونه، ويشهدون لها أنهم لا يرونه يأتي إلى المسجد، مع مشاهدة سيارته عند بابه مثلاً، ويكون ذلك مصدقاً لقولها.

حكم اقتناء لعب الأطفال المجسمة والمجلات والملابس التي بها صور

حكم اقتناء لعب الأطفال المجسمة والمجلات والملابس التي بها صور Q ما حكم اقتناء لعب الأطفال المجسمة، وكذلك المجلات التي للأطفال وبها رسوم وصور، وملابس الأطفال التي عليها صور؟ A ننصح بالبعد عن لعب الأطفال التي هي صور حيوانات حقيقية، ولا يجوز للآباء شراؤها لهم؛ وذلك لدخولها في اسم الصور، وقد ورد الأمر بطمسها وإزالتها، وأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة، فلا يجوز شراؤها لهم، ولو كانوا يأنسون بها، ونحو ذلك. ولا شك أنها صور حقيقية، فإنا نشاهدهم يصورون اللعبة التي هي صورة لطفل، فيصورون له يدين وأصابع وأنامل وأظافر، وقد يحمرون الأظافر تشبهاً بعمل النساء، وكذلك يصورون لها رأساً كاملاً، ويصورون لها عينين مفتوحتين وأهداباً وأنفاً ومنخرين وشفتين، ويحمرون الشفتين، ويصورون لها شعراً يمسكونه خلفها مثل الشعر الطبيعي، وكذلك عنقاً وكتفين وبطناً وظهراً، وكذلك أيضاً قدمين وساقين، فهذه صورة إنسان، فتدخل في الحديث الذي أمر فيه بطمس الصور وبالنهي عنها. وأما ما يحتجون به من أن عائشة لما كانت صغيرة كان عندها لعب، حتى أنها كانت تقتني لعبة هي صورة خيل لها أجنحة، فتلك الصورة ليست مثل هذه الصور؛ وذلك لأنها هي التي تعملها بيدها، وكانت عائشة صغيرة في التاسعة أو العاشرة، وهي بحاجة إلى شيء تلهو به، فكانت تعمل بيدها تلك اللعب التي تلعب بها وتعبث بها، فتأخذ عوداً عادياً، وتجعل عليه عوداً آخر معترضاً، وتشده بخيط، ثم تجعل عليه خرقة، فيخيل إليها أن رأسه هو رأس الحيوان، وأن يديه معترضتان، ولكن ليس فيه وجه، ولا عينان، ولا فتحة أنف، ولا فتحة فم، ولا أذنان، ولا تفاصيل الوجه، ولا شيء من تكملة الصورة، ولا شعر، ولا كف، ولا أصابع، ولا أظافر، ولا رجلان، إنما هما عودان تعرض أحدهما على الآخر، فهل يقال: إن هذه صورة ويحتج بها على إباحة هذه الصور الحقيقية؟! لا. فننهى أن يقتني أحد لأطفاله هذه اللعب، وعلى المرأة ألا تلزم زوجها أن يشتري هذه اللعب، ولو كان الأطفال يأنسون بها. يمكن أن يوجد صور ليس لها أرواح، فيمكن أن يجد صورة سيارة أو صورة طائرة أو صورة أسلحة كبندق أو مسدس أو دبابة أو غيرها، فله أن يشتري من هذه الصور ما يلعبون به، وهي مباحة؛ لأنه ليس فيها أرواح، ففيها ما يلهيهم ويشغلهم ويكفيهم عن الصور التي هي صور حيوان محرم الاقتناء، حتى ولو صورة ذباب أو بعوض أو أي صورة شيء فيه روح كدابة أو كعقاب أو كذئب أو نحو ذلك، فكل ما فيه روح لا يجوز أن تقتنى صورته، وأما ما لا روح فيه كالشجر أو الجبل، أو الصناعات الحديثة كآلات الرمي أو آلات الركوب الجديدة فلا مانع من اقتناء صورها؛ لأنه ليس فيها روح. وأما الصور التي في الصحف فلا شك أن فيها فتنة؛ وذلك لأن هذه الصور المرسومة تشتمل على صور نساء كاشفات، وهن نساء بالغات، فإذا رأتها الصبية أو رأتها الشابة وهي على هذه الحالة من التكشف، فإنها تقتدي بها، وتتهاون بأمر الحجاب، فلأجل ذلك ننهى عن شراء هذه الصحف. كذلك نظر الرجال في تلك الصور التي فيها نساء متكشفات لا شك أيضاً أنه فتنة. وهكذا أيضاً الأقمشة والثياب التي ترسم فيها صور من فانيلات أو سراويلات أو ما أشبهها، حيث تطبع عليها صورة إنسان برأسه وبوجهه وبأنفه وبيديه لاسيما على أكسية الأطفال، فهذا أيضاً لا يجوز، والذين وردوها قد أخطئوا في ذلك، والذين صدروها إنما أرادوا بذلك الدعاية إلى تلك الصور، أو أرادوا بذلك تسهيل أمر هذه الصور التي هي محرمة، فالناس إذا تهاونوا بها شيئاً فشيئاً سهلت عليهم بعد ذلك، فلا يجوز لك أن تشتري لأطفالك هذه الأكسية التي رسمت عليها هذه الصور التي هي صور حيوانات. وهكذا أيضاً صور معابد المشركين أو ما يعظمونه كالصلبان وما أشبهها، وفي إمكان الإنسان أن يشتري غير هذه الأكسية، ولو أن يشتري قماشاً ويأتي به إلى الخياط، ويأمره بأن يفصله على ولده، ويجعل تفصيله على كذا وكذا، وبهذا يسلم من اقتناء أو شراء هذه الأكسية التي عليها هذه الصور.

معنى قوله: نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات

معنى قوله: نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات Q يقول صلى الله عليه وسلم: (نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها) ما هو التفسير الصحيح لهذا الحديث؟ A هذا الحديث رواه مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (صنفان من أمتي لم أرهما بعد: رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها). شرح العلماء هذا الحديث بما ظهر لهم، فالذي اختاره أكثر الشراح أن قوله: (كاسيات عاريات) محتمل أنهن كاسيات من نعم الله، عاريات من شكرها، فتكون الكسوة والعري بالمعنى دون اللفظ، كسوة بالمعنى، وعري بالمعنى أيضاً. والقول الثاني: أنهن كاسيات يعني: عليهن ألبسة، ولكن تلك الألبسة إما ضيقة وإما شفافة رقيقة، بحيث لا تستر ما تحتها، فتكون كاسية؛ لأن عليها ثوباً، ولكنها شبه عارية؛ لأن ذلك الثوب لضيقه يبين تفاصيل جسدها، فيتبين منه ثدياها وصدرها ومنكباها وعنقها وعضداها، ونحو ذلك، يعني: تتبين أعضاؤها لضيق ذلك الثوب فكأنها عارية، وإذا كان الثوب شفافاً رقيقاً، فإنه يشف عما تحته، فيرى جسدها، ويرى بياضه أو سواده أو حمرته أو نحو ذلك فكأنها عارية، فهي كاسية بهذا الثوب ولكنه ليس بساتر. وأما قوله: (مائلات مميلات) فالمراد أنهن مائلات إلى الباطل وإلى الهوى وإلى المنكر أو الفحش ونحو ذلك. مميلات لغيرهن، يعني: من رآهن مال إليهن، سواء كان من الرجال أو النساء، فالنساء يقلدنهن ويفعلن كفعلهن، فكأنهن سبب في ميلهن، وإذا رآهن من الرجال من هو قليل الإيمان مال إليهن للممازحة أو المعاكسة أو نحو ذلك، فيكون هنا الميل هنا ميلاً معنوياً. وقيل: إنه ميل حسي، بمعنى أنها إذا مشت فإنها تتمايل يمنة ويسرة، وذلك من صفات المتكبرين، أو من صفات الدعاة إلى الفحش وإلى المنكر، بمعنى: أنها تتمايل وتتلفت يميناً أو يساراً، أو تحني ظهرها أو جنبها حتى تميل غيرها، أو أن يقتدي بها غيرها. وأما قوله: (كأسنمة البخت) البخت: هي نوع من الإبل لها سنامان، أحدهما أصغر من الآخر، فهذا النوع معروف أنه يصلح لأن يركب، فالإبل التي لها سنامان تركب كما تركب التي لها سنام واحد، فشبه رءوسهن بأسنمة البخت، ولكن فيها ميل، فأحد السنامين أصغر من الآخر، فلذلك قال: كأسنمة البخت المائلة. وفسره بعض مشايخنا بأنه المرأة التي تجمع شعر رأسها خلفها، وتمسكه بحزام، ثم تلبس فوقه خماراً رقيقاً، فيخيل إلى من يراها أن لها رأسين: رأساً هو الشعر الذي خلفها، ورأساً هو الحقيقي، فيكون ذلك مثل أسنمة البخت. وعلى كل حال فالمرأة تبتعد عن الصفات التي تلحقها بمثل هؤلاء.

حكم زكاة حلي المرأة الملبوس للزينة

حكم زكاة حلي المرأة الملبوس للزينة Q ما حكم زكاة الحلي الذي تلبسه المرأة للزينة؟ وإذا كان عليه زكاة فكيف تخرج؟ A قد اختلف فيها مشايخنا: فمنهم من يرى أن فيها زكاة، ومنهم من يرى أنه لا زكاة فيها، والمشهور عند الفقهاء أنه لا زكاة فيها؛ لأنها لا تنمو، وهذا اختاره شيخنا الشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ عبد الله بن حميد رحمهما الله، وكانا يفتيان به. والقول الثاني: أنها تزكى، وهذا اختاره شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين، قالا: إنها تزكي إذا بلغت نصاباً، ويقدر النصاب بنحو أحد عشر جنيهاً ونصفاً، إذا كان هذا الذهب الذي عندها بهذا القدر فإنها تقومه وتزكي قيمته، وهذا هو الذي نفتي به؛ وذلك لقوة الأدلة، وهناك أحاديث مرفوعة تدل على هذا منها: حديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص: (أن امرأة دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وفي يد ابنتها مسكتان من ذهب، فقال: أتؤدين زكاة هذا؟ قالت: لا، قال: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار؟! فألقتهما) فقوله: (أتؤدين زكاة هذا؟) المراد الزكاة الشرعية. كذلك حديث عن عائشة (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عليها فتخات من فضة، وقالت: إني أتحلى وأتجمل بهن لك، فقال: هل تؤدين زكاتهن؟ قالت: لا. قال: هما حظك من النار، فأخرجت زكاتهما) أو كما قال عليه الصلاة والسلام. فهذان حديثان ثابتان، والأصل أن الزكاة إنما تطلق على الزكاة المالية التي هي إخراج ربع العشر. وعلى كل حال فكل من المشايخ له نظره، وله اجتهاده، وقد كتب فيها كثير من المشايخ رسائل، وكل يختار الذي يميل إليه. أما كيفية إخراج الزكاة فإنها تقدر بقيمتها التي تساويها الآن، فالمرأة إذا كان عندها من الذهب ما يبلغ خمسمائة جرام سألت من يبيع الذهب بكم تشتري هذه الخمسمائة التي عندي وقد استعملتها، فإذا قال: قيمة الجرام كذا وكذا، قدرت كم عندها من الجرامات، وعرفت قيمتها، وأخرجت زكاة القيمة.

حكم من حاضت بعد غياب الشمس في رمضان قبل الإفطار

حكم من حاضت بعد غياب الشمس في رمضان قبل الإفطار Q ما قول فضيلتكم في المرأة تحيض بعد مغيب الشمس في رمضان وقبل أن تفطر؟ A تم صيامها، فمعلوم أن تمام الصيام يكون بغروب الشمس ولو لم يؤذن المؤذن، فإذا تحقق غروب الشمس فقد تم الصيام، وجاز للصائم أن يفطر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم) يعني: حكماً ولو لم يتناول، فإذا غربت الشمس وتحقق غروبها كمل صيام المرأة، فإذا حاضت بعد ذلك فلا تقضي ذلك اليوم لتمامه. أما إذا حاضت قبل الغروب ولو بدقيقة فإنها تقضي ذلك اليوم؛ لأنه لم يتم؛ ولأن الحيض مفسد للصيام.

حكم صيام من شكت في حدوث الحيض قبل المغرب أو بعده

حكم صيام من شكت في حدوث الحيض قبل المغرب أو بعده Q إذا شكت هل حاضت قبل المغرب أو بعده فما الحكم؟ A إذا شكت في ذلك الخارج، هل خرج قبل الأذان أو بعده فالاحتياط لها القضاء.

من طهرت بعد العصر تقضي معها الظهر

من طهرت بعد العصر تقضي معها الظهر Q الحائض التي تطهر مثلاً بعد العصر هل تصلي الظهر والعصر؟ أو طهرت بعد العشاء هل تصلي المغرب والعشاء؟ A نعم، إذا حاضت في آخر صلاة تجمع مع ما قبلها، فتصلي الصلاتين، وإذا كانت الصلاة لا تجمع مع ما قبلها قضت الصلاة، وإذا حاضت في غير وقت صلاة فلا تقضي شيئاً، فالظهر والعصر يجمعهما من له عذر كالمسافر والمريض ونحوهما، فإذا طهرت قبل العصر قضت الظهر، وإن طهرت قبل غروب الشمس ولو بدقيقة قضت الظهر والعصر، فإن طهرت بعد دخول وقت المغرب لزمتها المغرب، فإن طهرت في آخر الليل قبل طلوع الصبح لزمتها الصلاتان: المغرب، والعشاء؛ وذلك لأنها أدركت آخر وقت تجمع فيه الصلاتان، وإن طهرت قبل طلوع الشمس قضت الفجر وحدها، وإن طهرت بعد طلوع الشمس أو في الضحى فلا تقضي شيئاً. وهذا مأثور عن الصحابة كما رواه ابن أبي شيبة عن مجموعة من الصحابة كـ ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف وغيرهما، ولا يقولون ذلك إلا بدليل، هذا بالنسبة إلى الطهر. أما بالنسبة إلى الحيض: فإنها تقضي الوقت الذي أدركت أوله، فإذا حاضت بعد أذان الظهر قبل أن تصليها بقيت الظهر في ذمتها فتقضيها إذا طهرت بعد خمسة أو ستة أو سبعة أيام ونحوها، وإذا حاضت بعد دخول وقت العصر ولم تصل العصر بقيت العصر في ذمتها، وكذا إذا حاضت بعد أن غربت الشمس بقيت المغرب في ذمتها، فتقضيها بعدما تطهر، وكذلك إذا حاضت بعدما أذن للعشاء وغاب الشفق تقضي صلاة العشاء بعد أن تطهر. فالحاصل أنها تقضي وتحتاط، حرصاً على أداء العبادة التي هي فريضة ولازمة على المكلف.

حكم صلاة المستحاضة وصاحب السلس والقروح

حكم صلاة المستحاضة وصاحب السلس والقروح Q سؤال ورد حول ما يسمى: بسلس البول أو البول المتقطع الذي يصيب بعض الناس، فما حكم الصلاة مع ذلك؟ وهل يكتفى بالفريضة فقط؟ A هذا المرض يصيب الرجال ويصيب النساء، وقد وقع لبعض الصحابة كـ زيد بن ثابت رضي الله عنه، فإنه لما أسلم أصيب بسلس البول، فكان يتأذى به وهو في الصلاة، ولكنه لا يقطع الصلاة، فذكر العلماء: أنه إذا كان به سلس البول ومثله القروح السيالة التي لا تتوقف، ومثله في النساء المرأة التي يسيل منها دم الاستحاضة؛ فهذا العذر يسمى: الحدث الدائم، فعلى صاحب هذا العذر أن يتوضأ لوقت كل صلاة، ولا يصلي فريضتين بوضوء واحد في وقتين، إلا أن تكونا مجموعتين في وقت، فإذا دخل وقت الظهر توضأ لها، وما دام لم ينتقض وضوءه فله أن يصلي نوافل، ويقرأ في المصحف، ونحو ذلك إلى أن يدخل وقت صلاة العصر، فيتوضأ لها وضوءاً جديداً ولو لم يحدث؛ هذا لمن كان به سلس في البول أو للمستحاضة، وهكذا إذا توضأ للعصر بقي على وضوئه يقرأ فإذا دخل وقت صلاة المغرب توضأ لها، ولا يكتفي بوضوئه لصلاة العصر، بل يتوضأ للمغرب بعد الأذان، وهكذا يتوضأ للعشاء، ويتوضأ للصبح. وإذا خرج البول وهو في نفس الصلاة فلا يضره، وإذا أصاب ثيابه أو أصاب جسده فلا يضره، ولكن عليه بعد ذلك أن يغسل ما أصابه للوقت الثاني أو أن يتحفظ. والمرأة في إمكانها أن تتحفظ بلبس ما يسمى: بالحفائظ التي تمسك ذلك الدم أو تلك النجاسة، والرجل بإمكانه أن يتحفظ أيضاً بأن يجعل ذكره في باغة أو نحو ذلك مما يمسك ذلك التقاطر حتى لا يلوث ثيابه أو بدنه، ثم بعد ذلك يزيل النجاسة ويجدد الوضوء والطهارة للصلاة الأخرى. وصاحب القروح السيالة بإمكانه أيضاً إذا دخل في الصلاة أن يجعل عليها قطنة أو شاشة تمسك ذلك الصديد الذي يسيل منها. الخلاصة: أن من شرط أصحاب هذه الأعذار أن يتوضئوا لكل صلاة.

حكم اشتراط البلوغ لمحرم المرأة في السفر

حكم اشتراط البلوغ لمحرم المرأة في السفر Q تسأل بعض السائلات عن المحرم وتقول: هل يشترط فيه البلوغ أو التمييز، أفتونا مأجورين؟ A المشهور أنه يشترط أن يكون المحرم في السفر بالغاً عاقلاً، ولكن كان هذا في الوقت الذي يطول فيه السفر، وتكون فيه الخلوة، كانت المرأة قديماً تسافر وتقطع المسافات الطويلة كعشرة أيام أو عشرين يوماً بين البلدين، وفي تلك الحال لا شك أنها تتعرض لقطاع الطرق، وتتعرض لمخاطر، وتتعرض لفلوات ومفازات طويلة، فيخاف عليها أن تضل، ويخاف عليها أيضاً أن يعتدى عليها إذا كانت خالية. ومع ذلك أجاز بعض العلماء إذا كان السفر قصيراً أن تسافر مع نسوة ثقات، وأجاز ذلك المالكية في الحج، مع أن السفر إلى الحج قد يستغرق أشهراً، وأغلبه في السفن، ولكن الجمهور على أنها إذا لم تجد محرماً في الحج فإنه يسقط عنها الحج. ولكن في هذه الأزمنة قربت المسافات، وقلت الأخطار، وكثر الأصحاب والمرافقون، وصار المسافرون أقرب إلى الأمان؛ فتساهل كثير من العلماء بالفتوى في ذلك، وأجازوا لها أن تسافر مسيرة ساعات مع صبي صغير ولو في العاشرة أو دونها إذا كان معها نسوة ثقات ورفقة مأمونون، سواء في الطائرة أو في السيارة، أجازوا ذلك من باب التسهيل على المسلمين؛ لأنها قد لا يتيسر لها أن تجد من يذهب بها، مثلاً تكون مضطرة إلى أن تسافر بالطائرة داخل المملكة ومعها نسوة ثقات، وكان محرمها قد أتى بها إلى المطار، والمحرم الثاني يتلقاها في المطار الآخر بعد الاتصال به، فإن هذا يتسامح فيه إذا كان هناك حاجة ماسة، فإن لم يكن هناك حاجة، أو استطاع المحرم أن يذهب معها؛ لزمه الذهاب معها. وأما السفر بالسيارات فإذا كانت المسافة ساعتين أو ثلاث ساعات أو نحوها، وكان معها نسوة ثقات، ومعها محرم لها دون البلوغ وفوق التمييز -أي: فوق السابعة-؛ فلعله أيضاً يكتفى بذلك؛ لقصر المسافة، ولأن الأحاديث التي وردت فيها ذكر اليوم كما في قوله: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر فوق ثلاث ليال إلا مع ذي محرم) والرواية الثانية: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يومين)، والرواية الثالثة: (مسيرة ليلة) فلما ذكر مسيرة يوم أو مسيرة ليلة أو يومين قدرت المسيرة باليوم، واكتفي في سفر نصف اليوم أو ثلث اليوم المحرم الذي دون البلوغ؛ لأن ذلك مما يتساهل فيه، مع الحرص على التحفظ.

أحكام المداينات

أحكام المداينات لقد أباح الله تعالى جميع البيوع إلا ما كان بيعاً محرماً، فإنه لا يجوز تعاطيه، ومما أباحه الله جل وعلا الدين إلى أجل بشروطه، وقد توسع كثير من المسلمين في الديون اليوم حتى أصبحوا يرتكبون أشياء محرمة؛ كبيع العينة أو الربا، أو بيع ما لا يملكه الإنسان لأجل قضاء الدين، فعلى الدائن والمستدين أن يراقبا الله ويلتمسا طرق الحلال.

الاستدانة وحكمها

الاستدانة وحكمها بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فإن الله تعالى أحل لنا الحلال وبينه، وحرم علينا الحرام وبينه، قال الله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام:119]، ومن جملة ما بينه ما يتعلق بالمبايعات، فالأصل فيها الإباحة إلا ما دل عليه الدليل، قال الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:275]، فجنس البيع حلال إلا ما دل الدليل على أنه محرم. ومن جملة المبايعات: البيع إلى أجل، وقد ذكره الله تعالى في قوله: {إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة:282]، يدخل في هذا كون الثمن ديناً، وكون المثمن ديناً، وهو ما يعبر عنه بالسلم، وكلها لها أحكام لا بد من معرفتها؛ وذلك لأن الإنسان قد يحتاج إلى سلعة ولا يكون معه ثمن، فيشتريها بدين في ذمته، ويحدد له أجلاً مسمى، فيحل ذلك بشروطه، فمن هنا نحن بحاجة إلى أن نتكلم حول ما يباح من الدين: أولاً: كون الثمن ديناً. ثانياً: كون المثمن ديناً. ثالثاً: وسائل الدين. رابعاً: حكم الزيادة في الثمن إذا كان ديناً أو في المثمن. خامساً: شراء السلع التي لا تقصد، إنما يقصد بيعها والانتفاع بثمنها. فأولاً وقبل كل شيء: قد حذر كثير من العلماء عن أخذ الدين إذا لم يكن للمرء نية في وفائه، واستدلوا على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله) أي: من استدانهم ديناً وهو لا يقصد إلا أن يماطلهم وأن يؤخر الوفاء، فإن الله تعالى يتلف ماله، ويبقى كذلك الدين متعلقاً في ذمته، حيث أنه لم يقصد بهذه الاستدانة إلا إمطال أصحاب الأموال، وإتلاف أموالهم، وأخذها بغير حق. ثانياً: نقول: إن الإنسان عليه أن يتعفف عن الدين، ولا يستدين إلا لضرورة، وقد حفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ في آخر الصلاة من الدين.

تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من المغرم

تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من المغرم وقوله: (اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم) المغرم: هو الدين، فقيل له: (ما أكثر ما تستعيذ من المغرم، فقال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف). وهذا واقع كثيراً، فتجد أن الإنسان الذي يتحمل ديوناً يأتي إليه أصحابها يطالبونه بحقوقهم وبالوفاء، ولا يكون عنده، فيضطر إلى أن يكذب، فيقول: سأعطيكم بعد شهر، ولا يتيسر له ذلك، فيحدثهم حديثاً ليس بصحيح، وكذلك أيضاً يعدهم موعداً فيخلف وعده، ومعلوم أن ذلك من صفات المنافق: (إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف)، وقد يكون معذوراً حيث أنه لا يجد ما يوفي به ذلك الدين، فيضطر إلى أن يصرف صاحب الدين، وهذا مما ينفر عن أن يقع الإنسان في الدين إلا لضرورة، ويحسن نيته أنه سوف يوفيه إذا وجد ذلك، فهذا دليل على كراهة الاستدانة والحذر من أخذ أموال الناس بغير موجب ولا سبب. كثير من الناس في هذه الأزمنة يوقعون أنفسهم في هذا المغرم، وفي هذه الاستدانة، فتجد أحدهم يستدين لأي شيء، يستدين حتى يعمر له منازل شاهقة، ويستدين ليشتري له سيارات فارهة، وهو ليس بحاجة إلى أمثالها، وكذلك يستدين حتى يطعم من طرقه أو من استضافه بأنواع من الأطعمة التي فيها إسراف، وهو غير مضطر إلى ذلك، فهو يذهب يستدين له ذبائح وفواكه وما أشبه ذلك، وتتراكم تلك الديون في ذمته، حتى يعجز عن الوفاء، ثم يعتذر بعد ذلك بأنه عاجز وغارم. فالغرم هو: تحمل الدين في الذمة، كما قال تعالى حكاية عن بعض خلقه أنهم قالوا: {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ} [الواقعة:66 - 67]، مغرمون يعني: مدينون ومحرومون مصابون بما أصبنا به، مما سبب تلف أموالنا، وبقاء الديون في ذممنا. كذلك نقول قبل الدخول في الأحكام: إنه يجب على الإنسان الحرص على وفاء الدين الذي تعلق بذمته، ويحرم عليه تأخير ذلك بغير سبب، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (مطل الغني ظلم) والمطل هو: التأخير، يعني: إذا كان غنياً قادراً على الوفاء فمطله -يعني: تأخيره للوفاء- ظلم. وفي حديث آخر قال: (ليّ الواجد يحل عرضه وعقوبته) الواجد هو: الذي يجد ما يوفي به دينه، (ليه) تأخيره للوفاء. (يحل عرضه وعقوبته) أي: يبيح لأصحاب الديون أن يتكلموا في دينه ويسبوه، ويقولون: إنه مماطل وظالم، وإنه خاطئ بأخذ حقوق الناس، وعدم الوفاء لهم. كذلك تحل شكايته حتى يؤخذ على يديه، ولا يتعدى على أموال الناس فيأكلها بغير حق، لقول الله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:188]، وذم الله تعالى اليهود فقال تعالى: {وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} [النساء:161]، فذلك كله يدخل فيه إذا استدان وهو ليس بحاجة، وأوقع نفسه في ذلك، وبقي الدين في ذمته.

الميت معلق بدينه حتى يقضى عنه

الميت معلق بدينه حتى يقضى عنه كذلك أيضاً ننبه إلى ما ورد أنه صلى الله عليه وسلم حث على وفاء الدين على الميت، وأخبر بأن الميت معلق بدينه حتى يقضى عنه، حتى أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أُتي بجنازة ليصلي عليها سأل: هل عليه دين؟ فإذا كان عليه دين سأل: هل خلف له وفاء؟ فإذا لم يخلف وفاء لم يصل عليه إلا أن يتحمل دينه أحد الحاضرين. والقصة مشهورة، فإنه لما جيء بميت ليصلي عليه قال لرجل: هل عليه دين؟ قالوا: ديناران، فتأخر في الصلاة، قال أبو قتادة: هما علي يا رسول الله! فقال: حق الدين، وبرأت ذمت الميت؟ قال: نعم، ولما كان بعد يومين سأل: هل أوفيت دينه؟ فلما قال: نعم، قال: الآن بردت عليه جلدته. فيتأكد على من توفي وعليه دين أن يبادر ورثته للوفاء عنه حتى تبرأ ذمته، وثبت أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم سأله رجل: (إذا قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي؟ فقال: نعم، ثم قال: إلا الدين)، يعني: أن القتل في سبيل الله لا يكفر الدين؛ وذلك لأن الدين حق آدمي، وحقوق الآدميين مبنية على المشاحاة والمقايضة، فكل ذلك يؤكد على أن يبتعد الإنسان عن الاستدانة إلا لضرورة، مع عزمه على الوفاء إذا تيسر ذلك له.

الدين إلى أجل وأحكامه

الدين إلى أجل وأحكامه وبعد أن عرفنا هذه المقدمة في النهي عن التسارع في الدين نذكر بعض الأمثلة، فمعلوم أن الدين في الأصل هو: تأخير الثمن للسلعة التي يشتريها، وتحديد أجل لوفاء الثمن، سواء كان الأجل واحداً أو عدداً، وهو ما يعبر عنه بالأكثر، والأصل في ذلك أنه مباح، والأصل كذلك أيضاً أن الثمن إذا لم يكن نقداً، فإن للبائع أن يزيد في الثمن مقابل الأجل، بمعنى: أنه إذا جاءه إنسان ليشتري منه مثلاً ثوبين أحدهما بنقد والآخر بدين، فإن له أن يقول مثلاً: الذي بنقد أبيعه بعشرين ريالاً، والذي بدين أبيعه بأربعة وعشرين ريالاً، فالزيادة مقابل الأجل، هذا شيء معروف ومعلوم بين الناس. ولا التفات إلى من منع من الزيادة في الثمن، فإن الناس أحرار في أموالهم، ولهم ألا يبيعوا إلا بما يناسبهم، ولكنا نقول: إن على المسلم الرفق بإخوته المسلمين، وعدم الإضرار بهم، بحيث يزيد عليهم زيادة ترهقهم، سيما إذا علم أن أخاه مضطر إلى هذه الاستدانة، ومستعد لأن يأخذ السلعة ديناً ولو كان بأضعاف الثمن، هذا نعتبره من الإضرار الذي منعت منه الشريعة، والله تعالى منع من الضرر مطلقاً، لقوله: {وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} [البقرة:282]، ولقوله: {وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق:6] وأشباه ذلك، فكذلك ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا ضرر ولا ضرار). كثير من الناس إذا رأى المضطرين انتهز فرصة اضطرارهم، فضاعف عليهم الثمن، فبدل ما تكون السيارة بأربعين ألفاً نقداً يبيعها لهم بسبعين ألفاً أو نحوها، وبلا شك أن هذا الأصل فيه الإباحة، ولكن ليس له أن يضر أخاه ويضاعف عليه الثمن، وينتهز حاجته وشدة فاقته، وضرورته إليها؛ وذلك لأنه يسبب مضاعفة الدين على أخيه، ونعرف أناساً يتضاعف عليهم الدين أكثر مما كان يتضاعف عليهم الربا، فمن ذلك أن أحدهم -مثلاً- استدان سيارة لحاجته بسبعين ألفاً، وقيمتها نحو الخمسين أو الأربعين ألفاً، فمتى حلت السبعون عليه جاء إليه صاحبها وقال: إما أن تعطيني وإما أن أشتكي، فيحتاج إلى أن يشتري منه أو من غيره ما يساوي سبعين ألفاً بمائة ألف، فيوفيه السبعين، وتبقى في ذمته مائة ألف، ثم تحل بعد سنة المائة الألف فيحتاج إلى أن يستدين ما يساوي مائة ألف بمائة وخمسين، ثم تحل المائة والخمسون فيأتي إليه ويقول: أعطني، فيستدين ما يساوي مائة وخمسين بمائتين وعشرين مثلاً، ثم بعد ذلك بثلاثمائة، ثم بأربعمائة، وهكذا إلى أن يصل إلى عشرات أو إلى مئات الألوف، بل وإلى الملايين، وسبب ذلك الدين الأول. فنحن نقول: عليك أن ترفق بأخيك أولاً، فلا تضاعف عليه هذه الأضعاف الكثيرة، ثم عليك بعد ذلك ألا تشدد عليه في الطلب، ولا تكلفه على أن يستدين، قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] أي: إذا عرفت أنه ذو عسرة ليس عنده أي شيء فأنظره وأخره إلى أن يجد، (فنظرة) يعني: صبر وتأخير إلى أن يجد ولو بعد سنوات، ولا تكلفه أن يستدين فيتضاعف عليه الدين، ثم يعجز بعد ذلك، هذا هو الذي يجب من الرفق بالإخوان المسلمين، وأن المسلم يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فإن هذا شبيه بما كانوا في الجاهلية يفعلونه، وقريب منه، إذا جاء الدائن قال للمدين: أعطني ديني أو أبيعك بدين آخر وتوفي الدين الأول، وهو ما يعنونه بقولهم: إما أن تعطيه وإما أن ترضيه، فندعو إلى الرفق بالإخوة المسلمين، الذين هم بحاجة إلى الاستدانة ومضطرون إليها، ألا يشدد عليهم بهذه الزيادة التي تثقل كواهلهم.

مسائل محرمة ومشتبهة في البيوع

مسائل محرمة ومشتبهة في البيوع وبعد أن عرفنا هذا الحكم نذكر الأشياء التي يمكن أن يكون لها حكم في المداينات:

الديون وحاجة الناس إلى الوثائق

الديون وحاجة الناس إلى الوثائق كذلك ذكرنا أن الديون عادة تحتاج إلى وثائق، الناس يتوثقون من ديونهم، وقد أبيح لهم أن يتوثقوا، ومن الوثائق الكتابة، قال الله تعالى: {إِذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة:282]؛ وذلك لأنهم إذا كتبوه توثقوا من عدم النسيان والزيادة وما أشبه ذلك. من الوثائق أيضاً الإشهاد، قال تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة:282]، والشهود أيضاً على المداينة؛ حتى لا يكون هناك اختلاف. ومن الوثائق أيضاً: الرهن؛ لقوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:283]، فالرهن يعتبر وثيقة يتوثق بها. فإذا تبايع الناس وتوثقوا من ديونهم قلت الخلافات، أما إذا لم يتوثقوا فإنه يحصل خلاف في أحايين كثيرة، فترى هذا يقول: بعتك بكذا، وذاك يقول: بل بعتني بكذا، فتحصل المرافعات والمخاصمات التي تشغل أوقات القضاة، فعلى المسلمين أن يتقيدوا بالتعليمات الشرعية، ويبتعدوا عن الأعمال التي تخالفها. أما مسألة البنوك وما يحصل فيها، فإن الكلام فيها طويل، مثل: مسألة الإيداع عندهم، أو الاقتراض منهم لفائدة أو ما أشبه ذلك، وينبغي للإنسان أن يجتنب الأشياء المشتبهة. كذلك مسألة القرض الذي يجر منفعة سواء من البنوك أو من غيرها، فهذا يعتبر قرض ربا: (كل قرض جر منفعة فهو ربا)، ومن صور ذلك إذا قال مثلاً: أقرضك ألفاً على أن تبيعني هذه السلعة بثلثي الثمن، فيجعل القرض مقابل بيعه برخص، فهذا قرض جر منفعة، فيكون من جملة الربا، وقد بين الله تعالى تحريم الربا. نعود فنقول: إن التشديد على الضعفاء والغارمين، وتكليفهم بما يشق عليهم ينبغي أن يتجنبه المسلم، فإذا عرفت أن هذا الذي عليه دين معسر، فلا تكلفه أن يستدين مرة ثانية، بل عليك أن تتغاضى عنه، وأن تتركه إلى أن يتيسر له السداد، ولا تطالبه وأنت تعرف أنه معسر؛ لأنه إما أن يضطر إلى أن يستدين مرة ثانية، وإما أن يشتكى منه فيحبس، وقد ينقطع عن وظيفته أو عن شركته، ولا تستفيد أنت من سجنه وحبسه شيئاً. لعلنا نكتفي بهذا، ونجعل بقية الوقت للجواب عن الأسئلة، والله أعلم، وصلى الله على محمد.

حكم الحوالات

حكم الحوالات وهناك ما يسمى بالحوالات، وهي أيضاً يقع فيها شيء من الربا، فالشخص -مثلاً- إذا أراد أن يحول خمسة آلاف ريال إلى مصر، معلوم أن العملة هناك تسمى الجنيه المصري، في هذه الحال بعضهم يعطي البنك خمسة آلاف ريال، ويقول: حولها لي جنيهات أستلمها منك في مصر، وهذا خطأ؛ لأن الصرف -بيع نقد بنقد- يشترط فيه التقابض، الجنيهات المصرية تكون نقداً والريالات السعودية تكون نقداً، والنقد بالنقد لا بد فيه من التقابض، فإذا كنت مضطراً إلى الحوالة فإنك تودع عندهم خمسة آلاف ويعطونك بها صكاً أن عندنا لك خمسة آلاف ريال سعودي، فإذا أتيت إلى فرع البنك في مصر تطالبهم بها، فإذا قالوا: لا يوجد عندنا نقد سعودي، فاتفق معهم على صرفها بسعر يومها، فيكون هذا صرفاً بعين وذمة. وهكذا يجوز -ولأنه الأقرب- أن تصرفها بجنيهات مصرية، وتستلم بالجنيهات المصرية، فإذا استلمتها جنيهات رددتها عليهم، وقلت لهم: حولوها لي إلى مصر، فإذا قالوا: لا بد أن نأخذ عليك أجرة التحويل فلا بأس في ذلك، فإذا صرفوها -مثلاً- بستة آلاف جنيه مصري، أخذوا على كل ألف -مثلاً- عشرة وأعطوك الباقي، يعني: أخذوا منها خمسين جنيهاً أجرة نقلهم، فمثل هذا جائز، فالحوالة تجوز في هاتين الحالتين: إما أن تعطيهم النقود السعودية وتطالب هناك بصرفها وبما تساويه، وإما أن تصرفها جنيهات ثم تردها عليهم، وتطلب منهم تحويلها أو إرسالها إلى بلادك التي تريد. أما واقع البنوك في هذه الأزمنة فإنه خاطئ، كثير منهم يقولون: ما عندنا دولارات -إذا طلبت منهم- الآن، ما عندنا إلا ريالات، ولكن نصرفها الآن بدولارات أو بجنيهات مصرية أو بليرات سورية أو بريالات قطرية أو بدنانير كويتية، ونحولها الآن مباشرة، وهم ما سلموك شيئاً، فأنا أرى أن هذا صرف من غير تقابض، والصرف لا بد أن يكون يداً بيد، وذكرنا دليله في قصة عمر مع أبي طلحة حين قال له: (لا تفارقه حتى تسلم له أو تعطيه نقوده)، وكذلك كلام ابن عمر لما تصارفوا بعين وذمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا بأس، ما لم تفترقا وبينكما شيء).

بيع النقد بالنقد دينا

بيع النقد بالنقد ديناً من المداينات التي لا تجوز: بيع النقد بالنقد وأحدهما غائب، فهذا من الربا، وهو أكثر وأخطر ما يحدث في الدراهم وما قام مقامها مما يكون أثماناً للسلع، فهذه النقود بيع بعضها ببعض يسمى صرفاً، فالصرف هو: بيع نقد بنقد، ويشترط فيه التقابض قبل التفرق. ذكر أن أحد التابعين جاء إلى طلحة وقال: اصرف لي هذه النقود من الدنانير، فتفاوضا واتفقا على أن قيمتها من الدراهم -الفضة- كذا وكذا، ثم قال: انتظر حتى يأتيني خادمي أو جاريتي آخر النهار، وسمع ذلك عمر رضي الله عنه فقال: كلا والله! لا تفترقان حتى تتقابضا أو تعطيه دنانيره، يعني: أن هذا الصرف -وهو بيع الدراهم بالدنانير- لا يصح حتى يكون هناك تقابض، ومعلوم أن الناس الآن يتعاملون بالأوراق النقدية، والأوراق قامت مقام الفضة، واعتبرت نقداً؛ فنزلت منزلتها، فلأجل ذلك إذا بيع نقد بنقد فلا بد من التقابض قبل التفرق، فإذا بيعت دراهم المملكة السعودية بجنيه استرليني فلا بد من التقابض قبل التفرق. إذا كان الجنيه -مثلاً- يساوي خمسمائة، فتفاوضا واتفقا على أن يصرف له هذا الجنيه بخمسمائة، فإنه يدفعها له نقداً، فإن لم يجد إلا بعضها لم يصح التفرق وبينهما شيء، وقد دل على ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: كنا نبيع الإبل بالبقيع، فنبيع بالدراهم ونأخذ الدنانير، ونبيع بالدنانير ونأخذ الدراهم، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لا بأس ما لم تفترقا وبينكما شيء) أي: إذا صرف أحدهما بالآخر فلا يفترقا وبينهما شيء. وكذلك أيضاً بيع الذهب بدراهم أو ما يقوم مقامها، والذهب والفضة العلة فيهما الوزن أو الثمنية، فإذا قيل: العلة الوزن فإن الذهب الذي هو مصوغ وفي العادة أنه يوزن، والدراهم التي هي من الفضة والأصل أنها موزونة، فلا يجوز أن تباع الدراهم بالذهب ديناً، إذا اشتريت ذهباً فلا بد أن تنقد البائع الثمن، أو تأخذه كأمانة للتجربة، فإذا وجدت الثمن أديته وقلت: هذا ثمن الذهب الذي أخذته منك عارية أو للتجربة، ولا تتفقان على الثمن إلا عند إحضار القيمة. ومن الأخطاء التي يقع فيها كثير من الناس في المداينة: أن رجلاً يشتري الذهب بدين، وهذا غلط، سواء كان الذهب مما يسمى (بالغوائش) التي في الذراع وهي الأسورة، أو الخواتيم في الأصابع أو قلائد الرقبة، والواجب ألا يشتري الذهب إلا بثمن حال، ولا يشترى بدين، وأحياناً لا يكون معك الثمن كله، فلك أن تقترض من إنسان حتى تسلم ثمن هذا الذهب في مجلس العقد، وأجاز بعض العلماء أن تأخذه كأمانة ثم إذا حصلت على الثمن أتيت به، وحينئذ تحددان الثمن، فيكون البيع بنقد، مثال ذلك: إذا كان الذهب الذي أخذته قيمته في ذلك الوقت يساوي أربعين ألفاً، ولما لم يكن عندك أخذته كأمانة لتقيسه، ولما أتيت بالثمن بعد يومين أو بعد ثلاثة وجدت الثمن قد ارتفع، فهذا الذهب الذي أخذته بالأمس كانت قيمته أربعين، والآن يساوي خمسين، فإنه يطالبك بقيمته وقت الوفاء، وهكذا لو انخفض، أما شراؤه بدين فهذا لا يجوز لما ذكرنا من أن العلماء جعلوا العلة هي الوزن في هذا المذهب ومذهب أبي حنيفة.

بيع الدين بالدين

بيع الدين بالدين بيع الدين بالدين من المسائل التي تتعلق بربا النسيئة، ومعلوم أن الأصل في الربا أنه يزيد في الدين الذي في الذمة، كما كانوا يقولون: إما أن تعطي وإما أن تربي، أما ربا الفضل فلا نتعرض له الآن، وليس التعامل به كثيراً، ولكن الواقع فيه الناس بكثرة هو ربا النسيئة، فمنه ما يسمى بيع الدين بالدين، ورد أنه صلى الله عليه وسلم: (نهى عن بيع الكالئ بالكالئ) أي: بيع غائب بغائب، بيع دين بدين، لا يجوز بيع الدين بالدين، وصورة ذلك: إذا كان عندك مال لآخر غائب، كأن يكون دين سلم لا يحل إلا بعد أشهر، فتبيعه بثمن مؤجل، فيكون الثمن ديناً، والمثمن ديناً، فهذا داخل في بيع الدين بالدين، ويقع فيه كثير من الناس ولا ينتبهون. والسلم يجوز في كل شيء يرتبط بوصف، فيجوز أن تشتري من إنسان مثلاً مائة صاع أو ثلاثمائة كيلو من البر مؤجلة تحل بعد خمسة أشهر، لكن تسلمه الثمن نقداً حتى لا يكون البيع ديناً بدين، وتحدد مدة الأجل الذي يحل به الوفاء، فإذا بعت عليه أو على غيره بدين قبل أن يحل الوفاء فإن ذلك لا يجوز، مثل أن تقول: عند فلان لي مائة صاع من البر تحل -أي: يحل الثمن- بعد خمسة أشهر، أبيعكها الآن كل صاع بخمسة ديناً، فيكون الثمن غائباً والمثمن الذي هو البر غائباً؛ فهذا بيع دين بدين لا يجوز.

بيع ما لا يملك

بيع ما لا يملك كذلك أيضاً مما يقع كثيراً بيع ما ليس بموجود عنده، ومثاله: يأتي المستدين ويقول: أريد سيارة أو أريد عوض عشرين ألفاً، وليست السيارة موجودة عنده، فيتفق معه على الفائدة قبل أن يملك السلعة، فيبيع شيئاً لم يملكه، فيدخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تبع ما ليس عندك). الحيلة في مثل هذا: إذا كنت تريد سيارة ديناً، فإنك ستأتي إلى إنسان عنده مال فتقول: إنني بحاجة إلى سيارة ديناً، وتعجبني السيارة التي في المكان الفلاني، فيقول: لا بأس أنا أشتري السيارة لنفسي وأسلم ثمنها، وبعد ما تدخل في ملكي أخيرك في شرائها ديناً أو عدم شرائها، فيتصل بصاحبها ويتفاوض معه، ويتفقوا على الثمن ويرسل إليه ثمنها، ويرسل إليه من يقبضها ويستلمها بحيث ينقلها من مكانها، ثم بعد ذلك يقول: هذه السيارة اشتريتها مثلاً بخمسين ألفاً نقداً ولا أبيعها إلا بستين ألفاً ديناً، ولا ألزمك بشرائها، إن شئت أن تأخذها فخذها وقيمتها في ذمتك، وإن لم تناسبك فلا ألزمك، هذا هو الأقرب لمثل هذا، أما أنهما يتفقان على السلعة والدين قبل أن يشتريها، كأن يقول مثلاً: إن قيمتها خمسون ألفاً، وسأشتريها وأبيعكها لك بستين أو بسبعين ألفاً، ويتفقان على الثمن قبل أن يملكها فأرى أن هذا شبيه ببيع ما لا يملك.

مسألة بيع العينة

مسألة بيع العينة فأولاً: يقع كثير من الناس في ما يسمى بالعينة: وذلك أن يشتري الشخص مثلاً سيارة ديناً بمائة ألف، ثم يبيعها على صاحبها بثمانين ألفاً مثلاً، فيبقى في ذمته دين مائة ألف وهو لم يستلم إلا ثمانين، فكأنه استدان ثمانين ألفاً بمائة ألف، ولا شك أن هذا داخل في الربا، وقد سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن رجل باع حريرة بثلاثين ديناراً ديناً، ثم اشتراها بعشرين ديناراً نقداً، فقال رضي الله عنه: (دراهم بدراهم أكثر منها دخلت بينهما حريرة)، فننبه على أن هذا لا يجوز، وهذا يسمى ببيع العينة، فيحتالون حيلاً في مثل هذا، فيجعل صاحب المعرض أو صاحب المخزن واسطة بأن يبيع هذه السلعة ديناً بمائة ألف، ثم يشتريها بثمانين ألفاً نقداً ثم يبيعها عليه؛ لأنه صاحب المكان ويستفيد منها؛ ولأنها في معرضه أو مخزنه، فهذه حيلة في مسألة العينة، ولا عبرة بمن ترخص في ذلك أو أباحه؛ ذلك لأنه شبيه بدراهم أكثر منها إحداهما دين، وقد دل على ذلك أيضاً ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا) أوكسهما يعني: أقلهما، صورة ذلك إذا باع سيارة بمائة ألف ديناً، ثم اشتراها بثمانين ألفاً نقداً، فقد باع السيارة بيعتين فنقول له: ليس لك إلا أوكس الثمنين وهو الثمانون، فإن أخذت المائة وقعت في الربا، فله أوكسهما وهو الأقل أو يقع في الربا إذا أخذ السلعة بالقيمة المرتفعة، فعلينا أن ننتبه إلى مثل هذه المسألة.

مسألة التورق

مسألة التورق وهناك مسألة أخرى تسمى: مسألة التورق، وقد منعها بعض العلماء، ولكن كثير من العلماء أباحوها للضرورة، وصورتها: أن يشتري السلعة وليس له غرض فيها، وإنما يريد بيعها والانتفاع بثمنها، وهذا يحمل كثيراً من الناس على أن تتراكم عليهم الديون، والتورق: هو أخذ الورق -الذي هو الدراهم- إذا باع السلعة، فيحتاج مثلاً إلى مائة ألف، فيشتري سيارة بمائة وخمسين ألفاً، ويبيعها بمائة ألف حتى ينتفع بهذه المائة، فالذين أباحوها أرشدوا إلى إرشادات لتكون أخف على المستدين فقالوا: إذا كنت محتاجاً إلى هذه المائة الألف، فعليك أن تشتري السلعة التي أنت بحاجتها ومضطراً إليها؛ حتى لا تبيع هذه السلعة، فمثلاً: إذا كنت تعمر داراً، واحتجت إلى ما تعمر به، ففي إمكانك أن تستدين مواد البناء، كالأسمنت، والحديد، والبلاط، وأدوات الكهرباء، ومواسير المياه، وما أشبه ذلك، فاشتريها بدين حتى لا تستدين مرتين، لكن بعض الناس يذهب ليشتري -مثلاً- أكياساً، ويبيعها في محلها، فيخسر! فيبيعها مثلاً نقداً: بخمسين ألفاً، وقد اشتراها بسبعين ألفاً، فيخسر من الجهتين من جهة شرائه بثمن عالٍ، ثم بيعه بأرخص وشرائه لمواد البناء، ومن هنا كان علينا أن ننصح إخواننا حتى لا يتضرروا مرتين، وبعض العلماء يقول: من الرفق بهذا المستدين أو من الأفضل له أن يشتري سلعاً بسعر الجملة، ثم يبيعها مفرقة ليربح فيها، بدلاً من أن يزاد عليه فيها مقابل الأجل، ولكن يعتذرون لهؤلاء بأنهم لا يحسنون بيع التفريق، وبأنهم مستعجلون كما يقولون، فنقول لأحدهم مثلاً: لو اشتريت ثياباً أو اشتريت عمائم بخمسين ألفاً، وقيمتها أربعون ألفاً، بعها مفرقة، فربما تبيعها بستين ألفاً إذا بعتها مفرقة، كما يبيع أهل المتاجر والدكاكين، فيكون ذلك أرفق بك حتى لا تخسر، وقد كتبت عليك بخمسين ألفاً وقيمتها نقداً أربعون ألفاً، فإذا بعت كما يبيع الناس، وربحت فيها وحصلت على فائدة، فإنك توفي ما عليك وتتاجر ببقيتها، هذا ما نقوله في مسألة التورق، فإذا كان محتاجاً ولم يجد إلا مسألة التورق -أن يشتري مثلاً سلعة ويبيعها؛ لأجل أن يوفي بها دينه مثلاً، أو يعطي مثلاً عمالاً يعملون عنده أو ما أشبه ذلك- فعليه أن يسلك الطريق الأرفق، ولا يكلف نفسه. هذه من مسائل المزايدات.

الأسئلة

الأسئلة

حكم بيع التمر بالتمر

حكم بيع التمر بالتمر Q يقع بعض المزارعين في مسألة وهي: أنهم يدفعون من التمور غير الجيد لمستحقي الزكاة، وعندما يحضر الفقير لاستلام التمر يقول: خذوا هذا النوع وأعطوني نصف مقداره من النوع الجيد، فما الحكم في هذه المسألة؟ A لا يجوز بيع التمر بالتمر، لا بد أن يكون مثلاً بمثل، فنقول لهذا الفقير: اقبض هذا التمر الرديء واذهب به إلى الأسواق، وبعه بدراهم، ثم تشتري بالدراهم تمراً جيداً، هذا هو الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً لما جاءه بتمر ثمين فقال: إنا لنشتري الصاع من هذا بالصاعين، يعني: إن الصاع بالصاعين من الرديء، فقال له: (كفى بع الجمع) يعني: الرديء، بع الرديء بالدراهم ثم اشتر بالدراهم تمراً جيداً.

حكم تأخير باقي النقود عند صاحب البقالة

حكم تأخير باقي النقود عند صاحب البقالة Q دخلت بقالة، واشتريت بعض الأغراض، وأعطيته مائة ريال فأخذ المائة ليرد لي الباقي، فقال لي: لا يوجد عندي صرف الآن، ولكن ارجع لي بعد ساعة أو ساعتين وأعطيك الباقي، فما رأيكم في ذلك؟ A لا بأس بذلك، وذلك لأن هذه النقود سعرها متفق، لو بعت مثلاً شاة بخمسمائة أو بعت خمس شياه كل شاة بخمسمائة، فأحد المشترين أعطاك ورقة واحدة، والثاني أعطاك خمس ورقات، والثالث أعطاك عشراً أعني: فئة خمسين، والرابع أعطاك من فئة العشرة أو فئة المائتين، فإنك لا ترد شيئاً من ذلك، فمثل هذا لا يسمى صرفاً؛ وذلك لأنها نقداً واحداً، قيمته لا تتغير.

لا يشترط سؤال الإمام أهل الميت هل عليه دين

لا يشترط سؤال الإمام أهل الميت هل عليه دين Q هل يشترط على الإمام أن يسأل أهل الميت هل عليه دين أم لا؟ A كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عليهم، وصلاته فيها شفاعة لهم، وشفاعته بلا شك تسقط ما عليه من الحقوق، فخاف أنها لا تسقط ما عليه من الحقوق للآدميين، فلذلك لم يصل إلا على من لا دين عليه، إلا إذا تُحمل، فأما نحن فلسنا مثل النبي صلى الله عليه وسلم، فنصلي عليهم وندعو لهم، والديون التي عليهم يتحملونها إما في الدنيا وإما في الآخرة.

حكم الاحتيال في قضاء الدين عن المدين من الصندوق الخيري

حكم الاحتيال في قضاء الدين عن المدين من الصندوق الخيري Q بعض المستدينين يتفق مع صاحب الدين أن يتقدم بشكوى ضده، ويدعي المدعي عليه الإعسار، ثم يحال للمحكمة، ويصدر بهذا الدين حكم شرعي بإلزام المدين، ثم يرفع عنه بالجهات التي تخص المعسرين ويسدد عنه، فما حكم ذلك؟ A هذه من الأشياء المحرمة، لا يجوز ذلك، وما أخذوه فهو حرام؛ وذلك لأن الجمعيات الخيرية أو الصندوق الخيري إنما أنشئ للمستضعفين والغارمين العاجزين، فهذا الذي اتخذ هذه الحيلة أخذ ما لا يستحقه سواء هو أو الطرف الذي اتفق معه، كلاهما أكلا حراماً، فننصح من عرف شيئاً عن هؤلاء أن يرفع أمرهم إلى الجهات المختصة حتى يلاقوا جزاءهم.

حكم البيع والشراء في الأسهم

حكم البيع والشراء في الأسهم Q ما حكم الشراء والبيع في الأسهم؟ A يقع هذا كثيراً، ونقول: إذا كانت هذه الأسهم معلومة المقدار فلا بأس، وصورة ذلك: إذا كانت هناك شركة تجارية رأس مالها مثلاً مائة ألف، وكل سهم بعشرة آلاف، فباع أحدهم نصيبه من هذه الشركة الذي هو عشرة أسهم، فكأنه باع عشر هذه التجارة، فيقول: بعتك أسهمي في هذه التجارة التي هي مثلاً أكياس أو سيارات أو أقمشة أو ما أشبه ذلك، فهذا جائز، أما إذا كانت السهام نقوداً فأرى أنه لا يجوز، كالأسهم التي في البنوك أو ما أشبهها، فإذا كان رأس المال نقوداً فإنه يكون بيع نقد بنقد من غير تقابض، وأما إذا كانت الشركة مثلاً صناعية فلا مانع أيضاً من بيع الأسهم فيها، ويجوز أيضاً إذا كانت النسبة معروفة كأن يقول: إني أملك مثلاً ثلاثة في المائة من هذه الشركة من رأس مالها ومن أرباحها، وقد جعلت رأس مالها كله -مثلاً- في مصانع وفي أدوات وفي سيارات وفي معدات وفي آلات الصناعة، فتشتري نصيبه منها، وهو شيء معلوم.

حكم بيع السلعة بزيادة عما حدده صاحبها وأخذ الزيادة

حكم بيع السلعة بزيادة عما حدده صاحبها وأخذ الزيادة Q شخص وكل آخر لبيع سيارته، وحدد له الثمن بأن يبيعها له في المعارض بأربعين ألف ريال، ولكن السيارة استحقت أكثر من ذلك، فباعها الوكيل بخمسين ألف ريال، فأخذ الوكيل العشرة ألف وأعطى صاحبها الأربعين ألفاً، فما حكم ذلك؟ A لا تحل له إلا برضا صاحب السيارة؛ لأنها قيمة سيارته ولو أنه قال لموكله: ما زاد على الأربعين فهو لك لجاز للوكيل أن يأخذ الزيادة، فنقول: هذه العشرة ألف ملك صاحب السيارة، وعلى الوكيل أن يخبر صاحب السيارة فيقول: بعتها بخمسين، فإذا سمح بالعشرة كلها وإلا فصاحب السيارة أحق بها، ويعطيه منها ما يستحقه كأجرة. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

حكم من طلق الرابعة من نسائه ثم تزوج الأخرى مباشرة

حكم من طلق الرابعة من نسائه ثم تزوج الأخرى مباشرة Q رجل متزوج أربع نساء، فطلق الرابعة وهي حامل وتزوج رابعة أخرى، فهل للأولى طلاق وهي حامل، وما حكم زواجه من الأخرى؟ A هذا لا يحوز، عليه أن يفارق الجديدة ويجتنبها، إلى أن تضع الحامل التي طلقها حملها، فإذا وضعت حملها فعليه أيضاً أن يجدد العقد على الزوجة الرابعة الأخرى، ولا يستجيب لذلك العقد الأول فإنه باطل؛ ولا يصح له أن يجمع بين خمس.

حكم شراء المزرعة دينا عن طريق غني دينا

حكم شراء المزرعة ديناً عن طريق غني ديناً Q شخص أراد أن يشتري مزرعة فذهب إلى شخص مليء، وطلب منه أن يشتري المزرعة له بدين، حيث أن الذي عنده المال لم يملك المزرعة مثلاً، بل عن طريق الذي يريد الدين، فما حكم الدين جزاك الله خيراً؟ A لا بأس في ذلك، على صاحب المال أن يشتري المزرعة بنقد، وبذلك يملكها، فإذا اشتراها مثلاً بمائتي ألف ونقد الثمن، وكتب بينهما البيع وتم العقد، له بعد ذلك أن يبعها على ذلك الذي يريد ملكيتها بدين، فيقول: اشتريتها بمائتي ألف وأبيعكها ديناً مثلاً بمائتين وخمسين أو ما يتفقان عليه أقساطاً أو أجلاً واحداً أو نحو ذلك، وعلى الذي اشتراها أن يستغلها ويحرص على أداء ثمنها.

حكم أخذ نعال أخرى بدلا عن نعاله التي أخذت في المسجد

حكم أخذ نعال أخرى بدلاً عن نعاله التي أخذت في المسجد Q يسأل سائل عما يقع عند التجمعات الكبيرة، حيث يخرج أحدهم فلا يجد نعليه، ولكنه يجد مكانها نعالاً أخرى، فهل يأخذها؟ A ذكر العلماء أنه إذا أُخذ نعله ووجد غيرها مكانها أنها لقطة، لكن قالوا: يأخذ قيمة نعله منها، ويعرفها إذا كانت تحتاج إلى تعريف، لكن إذا كانت مثل نعاله أو دونها، وتحقق أن صاحبها أخذ نعله، وأنه لا يردها فلا بأس أن يأخذها لأنها دون حقه.

حكم توكيل المستدين لمن دينه في بيع السيارة

حكم توكيل المستدين لمن دينه في بيع السيارة Q هل يجوز لي بعد بيع السيارة أن أتوكل عن المشتري ببيعها له أو توكيل أحد أولادي بذلك؟ A لعل الأولى أن يوكل غيرك، لأنك -ولو كنت مثلاً قد بعتها ديناً- قد تتساهل أو نحو ذلك، ومع ذلك يمكن لو أنه مثلاً قبضها، وغير موضعها، ولم يجد من يشتريها منه بنقد، ففي هذه الحال لا بأس أن يوكل المديِّن مثلاً أو غيره ليبيعها.

حكم من استدان مالا مع تعليق شرط الزيادة إذا تأخر عن السداد في وقته

حكم من استدان مالاً مع تعليق شرط الزيادة إذا تأخر عن السداد في وقته Q ما حكم من تدين خمسين ألف ريال، ثم شرط عليه أن يزيد في كل سنة يتأخر عن السداد فيها ألف ريال؟ A لا أجوز ذلك، ويعتبر هذا ربا الجاهلية، وهو أيضاً ربا البنوك، حيث أنه إذا تأخر من اقترض منهم عن السداد فإنهم يزيدون عليه، وذلك عندما يحل الدين، ففي آخر السنة التي عليه فيها عشرون ألفاً مثلاً، إذا تأخر سنة أخرى جعلوها اثنين وعشرين ألفاً، فإن تأخر سنة ثالثة جعلوها ثلاثة وعشرين ألفاً، وهذا هو الربا الصريح.

حكم من استدان البضاعة ثم باعها دينا من آخر

حكم من استدان البضاعة ثم باعها ديناً من آخر Q هناك بعض التجار يستدين البضاعة ثم يقوم هو ببيعها ديناً على شخص آخر، فما حكم ذلك؟ A لا بأس إذا استدان البضاعة بعد قبضها فإنه يملك التصرف فيها، فيبعها إما على صاحب المعرض أو المخزن وإما على غيره، بشرط ألا يبيعها على الذي باعه، أي: على الذي دينه.

نصيحة في الرفق بالمعسرين

نصيحة في الرفق بالمعسرين Q يوجد بعض الناس يدينون العشرة بخمسة عشر، ويطلبون كل شهر ألفين وخمسمائة ريال للسداد، ومرتب بعضنا ثلاثة آلاف وهو يريد الزواج، فهل من نصيحة لمثل هؤلاء؟ A لا شك أن في هذا إضرار، وذلك حينما يستدين الإنسان ليتعفف ويتزوج، فيتراكم عليه دينه ثلاثين ألفاً أو خمسين ألفاً، ثم إن أهل الدين يقتسمون مرتبه فلا يبقى له إلا خمسمائة أو أربعمائة، وبما أن لديه زوجة وعنده مسكن وقد يكون مستأجراً، فنرى الرفق بمثل هؤلاء وعدم التشديد عليهم، فإذا تأخر أحد الأقساط فلا يضايقونه بل يخففون عنه في الأقساط، ويتركون له ما يسد حاجته وفاقته.

حكم إعارة الذهب

حكم إعارة الذهب Q ما حكم اقتراض الحلي من امرأة أخرى ثم إعادته إليها؟ A هذا لا يسمى قرضاً وإنما يسمى عارية، يعني: إذا احتاجت مثلاً إلى حلي تتجمل به، فتستعيره وتتجمل به ثم تعيده؛ لأن القرض يملكه المقترض وله أن يتصرف فيه، ويرد مثله، وأما إذا أعيد نفسه فيسمى عارية ولا بأس بذلك.

حكم الزيادة في الدين دون شرط

حكم الزيادة في الدين دون شرط Q تدينت مني قريبتي مبلغاً من المال لمدة ستة أشهر، وبعد ذلك قامت بردها وزادت عليها ثلاثمائة ريال، فقلت لها: هذه الزيادة ربا، فقالت: اعتبريها هدية من عندي، فهل تجوز هذه الزيادة لي أم أردها إلى صاحبتها؟ A لا بأس إذا كانت اعتبرتها هدية، ولم تشترطيها عند الاستدانة، وإنما رأت أن تكافئك بها على الجميل، لقوله عليه الصلاة والسلام: (من صنع إليكم معروفاً فكافئوه).

أفضلية قضاء الدين المقسط بأقرب وقت

أفضلية قضاء الدين المقسط بأقرب وقت Q اقترضت مبلغاً من الصندوق العقاري فبنيت منزلاً لي، وأنا الآن منتظم في تسديد أقساط الصندوق العقاري، فهل يعتبر هذا المبلغ المتبقي من الدين؟ وهل من الأفضل تسديد المبلغ كاملاً إذا كنت قادراً على ذلك؟ A يعتبر من الدين، وإذا كانت عندك ثروة وقدرت على أن تسدده دفعة واحدة فهو أفضل، ويسقط عنك أيضاً بعضاً من الدين.

لزوم نقل السيارة من مكانها بعد بيعها

لزوم نقل السيارة من مكانها بعد بيعها Q عندما أقوم بعملية المداينة أقوم بإحضار السيارة، وبعد بيعها بالدين هل ألزم الذي اشترى السيارة بنقلها من مكانها قبل التصرف فيها وبيعها، أم يكفي أن أعطيه مفاتيح السيارة وأوراقها، ويقوم بتحريكها من مكانها وعدم نقلها؟ A نرى أنه لا بد أن ينقلها، وبعض العلماء يقول: ينقلها بما يسمى بالاستمارة، ولعل الصواب أن الاستمارة هذه إنما هي من الأنظمة، فإذا اشتراها ودخلت في ملكه، وغير مكانها وقبضها القبض الكامل جاز له أن يبيعها ولو بدون الاستمارة، وذلك لأنها قد تكلفه وقد تنقص قيمتها إذا أخرج لها رقماً وما أشبه ذلك، فنقول: إنها دخلت في ملكه بمجرد دفعه للثمن، وبمجرد تحريكها وقبضها، بحيث أن غلاءها له ورخصها عليه، ولو تلفت لذهبت عليه، فصح له أن يتصرف فيها.

من تعامل بالربا هل يأخذ المبلغ على ما اتفقا عليه مع الزيادة؟

من تعامل بالربا هل يأخذ المبلغ على ما اتفقا عليه مع الزيادة؟ Q شاب أراد الزواج، فذهب لشخص لكي يعطيه سيارة ديناً، فقال البائع: خذ هذه ستون ألف ريال، اشتر بها سيارة، وهي عليك بمائة وعشرين ألف ريال، فذهب هذا ولم يشتر بها سيارة، بل أخذ الستين وصاحب الدين لا يعلم فما الحكم؟ لأنه عنده الآن أولاد وقد تزوج بذلك المال، فماذا يفعل؟ A قال الله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [البقرة:279]، فنقول لذلك الذي أعطاه الستين: ليس لك إلا الستون الألف التي هي رأس مالك، وإذا أخذت أكثر منها فإنه ربا، وإذا كان ذلك قد مضى عليه سنين، فلعل ذلك داخل في قوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} [البقرة:275].

مسألة: ضع وتعجل

مسألة: ضع وتعجل Q رجل اشترى بضاعة بخمسين ألف ريال ديناً، ثم اتفق مع البائع على أنه إذا سدد خلال شهرين تكون القيمة قيمة بيع نقد، أي: أربعين ألفاً مثلاً، فهل يصح هذا الشرط؟ A أرى أنه يدخل في مسألة (ضع وتعجل) أعني: أنه إذا حصل على الأربعين ألفاً جاء بها وقال له: أنا أعطيك الأربعين ألفاً -التي هي بيع نقد- على أن تسقط عني الزيادة، فيدخل هذا في مسألة (ضع وتعجل)، فيجوز للإنسان إذا كان له دين يحل مثلاً في ذي الحجة، فاحتاج إليه وقال: أعطني ديني فإني محتاج، فيقول المستدين: ضع وتعجل، يعني: دينك قيمته في الوقت الحاضر عشرون ألفاً وقد جعلته بخمسة وعشرين ألفاً، ضع الخمسة وتعجل العشرين، لعله بذلك يصلح.

حكم بيع السلع قبل أن تنقل من مكانها

حكم بيع السلع قبل أن تنقل من مكانها Q استدنت من أحد الناس سيارة وهي في أحد معارض السيارات، وبعد أن ذهبنا للمعرض وكتبت الأوراق المطلوبة في ذلك وسلم لي الشخص مفتاح السيارة، عرض علي صاحب المعرض أن يشتريها مني بأقل من الثمن المحدد لها، فهل في بيعها على نفس المعرض شيء؟ A في مثل هذه الحالة لا تبعها في موضعها، فأنتم الآن ثلاثة أطراف: أنت الطرف المستدين، والذي باعك هو الذي يملك الدين، وصاحب المعرض هو صاحب السلعة، فرفيقك الذي اشتراها اشتراها بنقد، سلم ثمنها مثلاً أربعين ألفاً، وباعها عليك بخمسين ألفاً، وصاحب المعرض يريد أن يشتريها منك بتسعة وثلاثين ألفاً، فينقصك ألفاً، والحيلة في هذا أولاً: أنه إذا اشتراها من المعرض فلا بد أن يقبض مفاتيحها وأوراقها، ولا بد أن يخرجها من هذا المعرض أو ينقلها إلى معرض آخر أو إلى بيته، ويجوز أن ينقلها من مظلة إلى مظلة، ثم بعد ذلك يعرضها عليك ويقول: هذه السيارة اشتريتها بأربعين ألفاً وأبيعك إياها بخمسين ألفاً ديناً، ثم إذا التزمت واشتريتها بخمسين ألفاً فإنه بعد الكتابة يأخذ وثيقته التي هي الكتابة، وأنت لا تبعها أيضاً في موضعها حتى تغير موضعها، وتنقلها إلى مكان آخر، فإذا نقلتها جاز لك أن تبيعها على صاحب المعرض أو على غيره.

حكم استبدال الذهب بالذهب

حكم استبدال الذهب بالذهب Q عندنا ذهب قديم بعته على صاحب المحل، ووزنه وعرف قيمته، ثم اشترينا ذهباً جديداً بقيمة الذهب القديم، فما رأي فضيلتكم؟ A لعل ذلك جائز إذا لم تفترقا وبينكما شيء، يعني: سواء اشترى منك الذهب ودفع ثمنه أربعة آلاف مثلاً، ثم اشتريت منه الذهب الجديد بخمسة آلاف وزدته بألف، أو لم تطلب الأربعة آلاف، بل تقول مثلاً: أنا أشتري بها وأزيدك على ثمن هذا الذهب القديم بعد ما تحدد قيمته، وأزيدك معها ألفاً -مثلاً- وأشتري بخمسة آلاف ذهباً جديد.

حكم السلف إلى أجل بشرط الزيادة

حكم السلف إلى أجل بشرط الزيادة Q رجل يسلف ألفاً وخمسمائة ريال، ويأخذ ألفي ريال -زيادة خمسمائة ريال- فما حكم ذلك؟ A هذا هو الربا، فلو أعطاك -مثلاً- عشرة ريالات وقال: تردها علي اثني عشر ريالاً بعد شهر أو بعد سنة، فإنه يكون قد وقع في الربا، فليس له إلا رأس ماله، يقول تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة:279].

حكم بيع البضاعة في مكانها أكثر من مرة

حكم بيع البضاعة في مكانها أكثر من مرة Q هل طريقة المداينة المتبعة هذه الأيام مباحة، خصوصاً أنه يتم الاتفاق مثلاً: العشرة بأربعة عشر أو بخمسة عشر، وكذلك كون البضاعة تباع في مكانها أكثر من مرة، فما رأي فضيلتكم؟ A هذا أيضاً من الخطأ، يعني: كون البضاعة تباع -قبل أن تنقل- مراراً فهذا من الخطأ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم، وقد يقال: إن في ذلك مشقة إن طلبنا منه أن ينقلها إلى دكانه، ولكن نقول: عليه أن يغير مكانها، بأن ينقلها إلى مكان آخر ولو كان قريباً. ثانياً: الاتفاق على الثمن قبل أن يشتري السلعة، هذا أيضاً أرى أنه لا يجوز، نسمع أن المستدين يأتي إلى التاجر أو يأتي إلى من عنده نقود ويقول: أريد مالاً، فيقول الدائن: كم تريد؟ فيقول: أريد عشرين ألفاً، فيتفق معه على أن يزيد في الألف أربعمائة أو خمسمائة أو ثلاثمائة، ثم يذهبون إلى أحد التجار فيقولون: أعطنا عوض عشرين ألفاً، فكونهم يتفقون على الفائدة قبل ملك السلعة هذا من الخطأ، فإنه شبيه ببيع ألف بألف وأربعمائة، ألف نقداً بألف وأربعمائة ديناً، ولو جعلوا هذه السلعة في البيعة كحيلة، والعلة في تحريم ذلك أولاً: أن هذا من الإجحاف والإضرار، كونه يبيع ما يساوي ألفاً بألف وأربعمائة، وسبب لتراكم الديون على الضعفاء والغارمين. ثانياً: فيه تحديد للفائدة قبل أن تملك السلعة، أما لو اشترى السلعة مثلاً، أو قال لصاحب المتجر: أريد أن أشتري منك مائة كيس، ثم يشتريها ويودعها عنده أو عند غيره، فإذا جاءه المستدين، أتى به إلى هذه السلعة وقال: هذه مثلاً عشرون كيساً قيمتها ألفان، وأبيعكها بألفين وأربعمائة أو ما أشبه ذلك ديناً، اقبضها وتصرف فيها، فمثل هذا لا بأس به؛ لأنه لم يبع شيئاً إلا بعد أن ملكه، ولم يحدد الفائدة إلا وقد وقف عليها المستدين، وبهذا يتجنب المسلم إضرار إخوانه المسلمين.

بيع العينة وتحريمه في الشرع

بيع العينة وتحريمه في الشرع Q احتجت إلى مال، وذهبت إلى دائن فاشترى ستين كرتوناً من الصابون، فاشتريتها منه بثمن مؤجل، فقمت أنا ببيعها على صاحب المحل، والبضاعة لم تتغير من مكانها، واستلمت المال، فما حكم ذلك؟ A ذكرنا أن هذا داخل في المنهي عنه، وهذه هي مسألة العينة؛ وذلك لأنه لم يبع شيئاً، وإنما أعطاك الدراهم، وكراتينه بقيت عنده، فكأنه أعطاك عشرين ألفاً وكتبها ثلاثين ألفاً مؤجلة، فهذه هي مسألة العينة، وتجري هذه عند القضاة ويكتم المتقاحنون فيها الحيل، وذلك بأن يكتب أن عنده ثلاثين ألفاً قيمة ستين كرتوناً من الصابون، كل كرتون بثمن كذا وكذا، ثم يكتب أنه استلم السلعة وتصرف فيها، مع أنه لم يستلم ولم يتصرف في السلعة التي هي كراتين الصابون، بل هي باقية في مكانها، وصاحبها هو الذي اشتراها، أعني: باعها واشتراها دون أن يحصل هناك قبض، فهذا نرى أنه ربا؛ لقوله في الحديث: (من باع بيعتين في بيعه فله أوكسهما أو الربا) يعني: أنه باعك كراتين -مثلاً- بثلاثين ألفاً، ثم اشتراها منك بخمسة وعشرين ألفاً، وأعطاك الخمسة والعشرين ألفاً، وكتب في ذمتك ثلاثين ألفاً، فقل له: لا يحل لك إلا الخمسة والعشرون أو تقع في الربا. (فله أوكسهما) أي: الأنقص، والقصد: أنهم إذا جاءوا إلى القاضي وقد كتب أنك استلمتها وتصرفت فيها، فالقاضي يحكم بما يراه وظهر له من أنك استلمت وتصرفت.

حكم بيع ما لا يملك

حكم بيع ما لا يملك Q رجل أتى إلينا يريد أن يستدين مبلغاً من المال، واتفقنا وتفاهمنا على السعر، ولكن السلعة ليست موجودة عندي، فذهبت واشتريت السلعة وقبضتها، ثم قبضها المستدين، ثم كتبناها عليه، فما رأيكم؟ A أخطأتم في تحديد الثمن قبل تملك السلعة، وكذلك تحديد الزيادة، فقد كره كثير من العلماء أن يقول: بعتك على أن أربح في كل عشرة ريالاً أو ريالين؛ لأن هذا شبيه بقوله: بعتك العشرة بإحدى عشر أو باثني عشر، وكان الواجب أن تقول: أنا سوف أشتري السلعة، وبعدما أشتريها وتدخل في ملكي نتفق وإياك على بيعها بثمن مؤجل كما يبيع الناس بالمؤجل، فأما تحديد الثمن قبل أن تملكها فأرى أن ذلك داخل في بيع ما ليس عندك، وداخل فيما ذكروه، ولكن إذا قبضها وتصرف فيها لم يملك بعد ذلك المطالبة بالنقص.

لا إفراط ولا تفريط

لا إفراط ولا تفريط شريعة الإسلام هي شريعة الوسطية، فهي وسط بين التشريعات في المعاملات، ووسط بين التشريعات في العبادات، وهي وسط في سائر الأحكام. ولما تفرق المسلمون وظهرت الفرق تغيرت هذه الوسطية عند كثير من الفرق، فجانبوا الوسطية إلى الإفراط أو التفريط، ولكن الله حفظ هذا الدين وحفظ وسطيته على أيدي أهل السنة والجماعة، فهم وسط بين الفرق كوسطية الإسلام بين الملل.

دين الإسلام وسط بين الأديان

دين الإسلام وسط بين الأديان بسم الله الرحمن الرحيم نحمد الله ونشكره، ونثني عليه ونستغفره، ونشهد أن لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، ولا رب لنا سواه، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم. وبعد: فإن دين الإسلام وتعاليمه وسط بين الإفراط والتفريط؛ وذلك لأن الإسلام جاء منتظماً لمصالح العباد، وكمله الله تعالى وأتمه على أحسن ما يرام، وضمنه كل مصلحة وأمر بها، ونهى عن كل مفسدة، فلا جرم أن هذا الدين هو الدين الذي فطر الله العباد على استحسانه والميل إليه، وقد ارتضاه الله تعالى لنا ديناً، فقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3] يعني: اختاره ورضيه ديناً للعباد يدينون به ويتقربون به إلى ربهم، وأخبر بأنه الدين الحق لا سواه، فقال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:19]، أي: هو الدين الصحيح، وما سواه من الأديان فإنها منسوخة، فالأديان السماوية السابقة قد نسخها هذا الدين، وحل محلها، وتضمن ما فيها من العبادات والمعاملات الملائمة، فقام مقام كل ما سبقه من الأديان، وزاد على ذلك بما هو مناسب وملائم لحال العباد والبلاد. وأخبر سبحانه بأن من تركه وخالفه فهو خاسر تائه ضائع، فقال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85]، وذلك لأن هناك أدياناً يدين بها من يعتنقها ويعتقدها من عباد الله، وزين لهم الدعاة إلى تلك الأديان أنها أديان حقة صحيحة ملائمة مناسبة، ولكن عند التأمل والتعقل يتضح أنها باطلة، وأن الذي شرعها ودعا إليها هو الشيطان الرجيم.

كمال دين الإسلام ووجوب اتباعه

كمال دين الإسلام ووجوب اتباعه وبعد أن بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكمل الله له هذا الدين أصبح الدين السماوي الذي لا يناسب ولا يلائم العباد سواه، وأصبح الدين الباقي. وأما ما سواه من الأديان الباطلة المضلة، فقد نهى عنها دين الإسلام وحذر منها، فإن الإسلام جاء وهناك دين أهل الوثنية الذين يعبدون الأصنام والأوثان من دون الله، ويعتقدون أنها تقربهم إلى الله زلفى، وتشفع لهم عند الله، ويصرفون لها خالص حق الله، فلما جاء الإسلام نهاهم عنها نهياً صريحاً، وحذرهم عن التعلق بتلك الأوثان، وأمرهم أن يعبدوا الله وحده، فجاء الإسلام بإبطال ونسف عبادة ما سوى الله من نبي أو ولي أو صالح أو قبر أو حجر أو مدر أو صخرة أو شجرة أو بقعة، أو غير ذلك مما يعظم ويصرف له شيء من خالص حق الله، فهذا دين باطل، يعني: دين الوثنية، جاء الإسلام بنسفه وبالقضاء عليه. وهناك أديان انتشرت في هذه الأزمنة، وكثر الذين يعتنقونها، مع كونها باطلة، فتجد هناك ديناً يتسمى أهله بالبوذيين، وهم على عقيدة رجل يسمى بوذا زينت له نفسه فابتدع واخترع أشياء ما أنزل الله بها من سلطان: في العقائد وفي الأعمال، ومع ذلك استمرت عقيدته وانتشرت منذ عدة قرون، ولا تزال تلك العقيدة الباطلة منتشرة، وهناك من يدين بها، ويقدسها ويعظم معلوماتها وما تضمنته! وهناك ديانات منتشرة في كثير من البلاد كالهندوس ونحوهم الذين يعبدون أوثاناً أو معبودات سوى الله تعالى، فهؤلاء يدخلون في الوثنية. وهناك أديان منحرفة زين الشيطان لأربابها أنهم على خير، فصاروا يدينون بها ليل نهار، كأنها مسلمة لكل عاقل كعقيدة القاديانيين السيئة المنتشرة في المشرق. هذا من حيث الأديان الباطلة التي تخالف الإسلام كلياً.

انحراف بعض الفرق عن الإسلام

انحراف بعض الفرق عن الإسلام وهناك من ينتسب إلى الإسلام ولكن لم يتحقق به وصف الإسلام، ولا الحقيقة المطلوبة من دين الإسلام، وهؤلاء على خطأ وضلال، مع كثرتهم وكثرة من يدين بدياناتهم، والإسلام براء منهم، وهم بعيد عن تعاليم الإسلام، كالباطنية الذين يجعلون للأعمال باطناً غير ظاهرها، فللعبادات وللعقائد عندهم بواطن يعتقدون أنها هي المعنى الشرعي ويريدون أشياء غير هذه الظواهر، وهذه العقيدة الباطنية من أكفر الكفر وأضل الضلال؛ لأنهم يخالفون الشرع بتعاليمه وباعتقاداته، وقد بقي على معتقدهم كثير من الفئات لا تزال موجودة إلى اليوم، يدينون بتلك العقيدة السيئة كعقيدة الدروز الذين يوجدون في كثير من البلاد العربية المجاورة، وعقيدة النصيرية الذين يدينون بالعقيدة الباطنية السيئة. ومثل هؤلاء ولو تسموا بأنهم مسلمون فإنهم ليسوا من المسلمين المطبقين لشعائر الإسلام، ولأجل ذلك نقول: إن الإسلام الحقيقي هو الاعتقاد بالله إلهاً ورباً وخالقاً، والديانة له بالعبادة كما فسره الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، حيث يقول: الإسلام هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والخلوص من الشرك وأهله. فيبين رحمه الله أن المسلم حقاً هو المذعن المنقاد المتذلل، الذي متى علم بأن هذه الخصلة من الإسلام جاءنا بها واتبعها ولم يتخلف عنها، ومتى علم أن الإسلام حرم أو نهى عن هذه الخصلة ابتعد عنها، ودان لله تعالى بتركها، هذا هو المسلم حقاً. ونحمد الله أن حفظ علينا شعائر ديننا، فجميع المحرمات أدلتها موجودة في الشريعة من الكتاب والسنة، وجميع العبادات والواجبات المشروعة أدلتها موجودة في الكتاب والسنة، فلسنا بحاجة إلى تحكيم العقول، ولا إلى أن نزن بأهوائنا ما يلقى إلينا، وما يسوغه لنا أولئك الأعداء الذين يجعلون أهواءهم هي الميزان الحق، فما وافق أهواءهم اتبعوه وشرعوه.

كمال الإسلام وحرمة الزيادة فيه

كمال الإسلام وحرمة الزيادة فيه وإذا كان الإسلام قد تضمنته الشريعة، وأدلتها واضحة صحيحة، فليس للمسلم أن يدين بأي قربة أو طاعة إلا بعد أن يثبت له دليلها، وليس له أن يحرم أي خصلة إلا بعد أن يتحقق دليلها من كتاب الله أو من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد تكفل الله سبحانه ببيان هذا الدين، وجعله كاملاً، فأنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم في آخر حياته: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3]. وكماله: احتواؤه على كل خير، ونهيه عن كل شر، ولقد بين وكمل تعاليمه وتفسيره وإيضاح معانيه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، الذي كلفه الله بأن يبين للناس هذا الدين، فقال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:44]، أي: لتوضح لهم بالأمثلة وبالإيضاح التام ما أجملت أحكامه في القرآن، فإذا بينه النبي عليه الصلاة والسلام بأفعاله كان هذا البيان من الله تعالى؛ لأنه وحي وتشريع. فجاء هذا الإسلام -بحمد الله- بكل ما فيه خير ومصلحة، ونهى عن كل ما فيه شر ومضرة كما روي عن بعض العقلاء من الأعراب لما دخل في الإسلام لأول ما عرض عليه، فقال: إني تأملت ما جاء به محمد فرأيته ما أمر بشيء وقال العقل: ليته نهى عنه، ولا نهى عنه شيء وقال العقل: ليته أمر به. والمراد هنا: العقول السليمة والفطر المستقيمة، فإنها تشهد بحسن هذا الدين، وباحتوائه على كل خير، وتنزيهه عن كل شر، وتشهد بمطابقته وملاءمته للمصالح، واحتوائه على كل ما ينظم الحياة تنظيماً كاملاً صحيحاً، فكان ذلك هو السبب الذي اختاره الله لهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس، وأخرجهم به من الظلمات إلى النور، ومن ظلمات الجهل والظلام إلى نور الحق والإيمان، فكان حقاً على عباد الله الذين هداهم الله وأقبل بقلوبهم إلى اعتناقه، وصدقوا الرسول الذي جاء به، يطبقوه أتم تطبيق، وأن يعملوا به، وأن يكونوا في العمل به عارفين بأهدافه ومقاصده، غير زائدين فيه ولا مضيفين إليه ما ليس منه، وغير مقصرين في شيء منه ولا مخلين وناقصين بشيء من تعاليمه.

الإسلام نسخ كل ما تقدمه من الأديان

الإسلام نسخ كل ما تقدمه من الأديان فهناك من يدين الآن بدين النصارى، ولا شك أن دين المسيح كان ديناً سماوياً، ولكنه مؤقت، حيث إن المسيح ابن مريم عليه السلام كانت رسالته مؤقتة بنبوة وبإرسال محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي بشر به في قوله: {وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:6]. وقد أخذ الله الميثاق عليه بل وعلى كل الأنبياء أن يتبعوا نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم متى بعث، فقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ} [آل عمران:81]، قال ابن عباس: ما بعث الله نبياً إلا أخذ عليه الميثاق: لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته: لئن بعث محمد وهم أحياء أن يتبعوه ويؤمنوا به وينصروه. وثبت أيضاً أن دين موسى الذي يدين به أتباعه من اليهود سابقاً كان ديناً سماوياً اختاره الله وفضله في ذلك الوقت، ولكنه مؤقتٌ أيضاً ببدء إرسال هذا الرسول الكريم، فمنذ أن بعث وذلك الدين منسوخ، مع أن تلك الأديان التي هي دين اليهودية والنصرانية قد دخلها بعد أنبيائها الكثير من التحريف والتغيير والتبديل، وما ذاك إلا أن الله استحفظهم كتبها ومراجعها، وضمن حفظ شريعتنا بنفسه، فقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، تكفل الله بحفظ هذه الشريعة أن يدخلها شيء من الزيادة والتغيير، وأما الشرائع التي قبلها فقد وكل حفظها إلى أولئك الحملة كما في قوله تعالى: {بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ} [المائدة:44]، فجعلهم وكلاء على حفظه ولم يتكفل بحفظه، فكان ذلك سبباً في وقوع تلك التحاريف والتغييرات والتبديلات في الشرائع السماوية مما جعلها غير ملائمة وغير مناسبة.

أمثلة على وسطية الإسلام بين اليهود والنصارى

أمثلة على وسطية الإسلام بين اليهود والنصارى هذا معنى كون دين الإسلام وسطاً بين الأديان، فإنه وسط بين الأديان السابقة، وعقيدته السلفية وسط بين العقائد، وعباداته وقرباته أداؤها وسط بين الإفراط وبين التفريط، فلما علم الله أن بعضاً من أهل تلك الأديان قد غلوا وزادوا وتجاوزوا الحد، وأن البعض منهم قصروا وجفوا، جاء الإسلام في موضع متوسط لا إفراط ولا تفريط. ولنأتي على ذلك بأمثلة في الأديان وفي العقائد وفي الأعمال؛ حتى يعرف بذلك كون دين الإسلام وسطاً، لا إفراط فيه ولا تفريط.

وسطية الإسلام في القصاص

وسطية الإسلام في القصاص وكذلك فإن اليهود يرون أن القصاص حتماً، وليس هناك مجال للعفو، والنصارى يرون العفو حتماً، فجاء الإسلام بتخيير ولي المقتول بين القصاص، وبين العفو وأخذ الدية، أو العفو مطلقاً، فصار متوسطاً، لا إلزاماً بالعفو، ولا إلزاماً بالقصص، بل متوسط بينهما.

وسطية الإسلام في المجازاة

وسطية الإسلام في المجازاة وهكذا توسطه أيضاً في المجازاة ونحوها، فالله سبحانه وتعالى أباح لنا المجازاة على الأعمال بمثلها في قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل:126]، فأباح للإنسان أن يعاقب من اعتدى عليه كما في قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة:194]، أي: بالمثل فقط لا بالزيادة، ولكنه فضل الصبر بقوله: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل:126]. أما دين النصارى فيأمرهم بأن يعفو، وأن لا ينتصروا وأن لا ينتقموا لأنفسهم أبداً، ودين اليهود يحكم عليهم بالاستيفاء والقصاص، فالإسلام جاء بهذا الدين الذي لا إفراط فيه ولا تفريط.

وسطية الإسلام في الطلاق

وسطية الإسلام في الطلاق وهكذا أيضاً في الأعمال، فدين اليهود ودين النصارى بينهما تفاوت، ففي بعض الأديان الإفراط، وفي بعضها التفريط. ومن أمثلة ذلك: أن اليهود يرون الطلاق ولا يرون الرجعة، فمن طلق زوجته فلا رجعة له عليها، وأن النصارى يرون أن لا طلاق، فمتى عقد للإنسان فلا طلاق ولا يحق له الطلاق، فجاء الإسلام فتوسط وجعل للإنسان أن يطلق متى شاء، وأن يراجع بعد الطلقة الأولى وبعد الثانية؛ وذلك لأن الإنسان قد يستعجل في أمر له فيه أناة فيتلافى ذلك بعد حين، فتوسط الإسلام بين هؤلاء وهؤلاء.

وسطية الإسلام في عيسى بن مريم

وسطية الإسلام في عيسى بن مريم فمثلاً: من كان قبلنا من الأمم منهم من غلا ومنهم من جفا، فجاء الله بالإسلام فجعله بين هؤلاء وهؤلاء، فاليهود يعتقدون في عيسى أنه: ولد بغي، وأن أمه زانية، حيث رموها بالبهتان كما قال تعالى: {وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} [النساء:156]. وجاءت النصارى فغلوا فيه ورفعوه عن مكانه، وأعطوه ما لا يستحقه، فحكى الله عنهم أنهم قالوا: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة:17]، وحكى عنهم أنهم قالوا: {وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:30] وكذلك كفر من يقول إن الله ثالث ثلاثة -يعني: الله وعيسى وأمه- كما في قوله: {أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة:116]. فجاء دين الإسلام فتوسط، فلا إفراط ولا تفريط، فلا إفراط فيه حيث رد على الذين زادوا وقالوا: هو الله أو ابن الله أو ثالث ثلاثة، ولا تفريط فيه حيث رد على الذين قالوا: إن المسيح ابن بغي، بل شهد بأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وجعلوه رسولاً كسائر الرسل، كما في قول الله تعالى: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ} [المائدة:75]، فشهد له بأنه رسول، وحكى كلامه في قوله: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} [الصف:6]، فهو رسول كسائر الرسل، وهذا هو القول الوسط، فلا إفراط ولا تفريط.

وسطية أهل السنة بين الفرق

وسطية أهل السنة بين الفرق وبعد أن عرفنا هذا في الأديان السابقة نأتي إلى أمثلة من العقيدة السنية لهذه الأمة؛ وذلك لأن الذين دخلوا في الشريعة الإسلامية قد ارتبط بهم وامتزج بهم من ليس بمحقق في الاتباع، ودخل في العقيدة وفي الإسلام ما ليس منه، وافترقت بهم الطرق وتفرقت بهم السبل، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وسئل عن تلك الواحدة فقال: (من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي). إذاً: فعقيدة أهل السنة والجماعة هي السيرة السلفية، وهي العقيدة السنية، وهي الشريعة المحمدية والملة الإبراهيمية، التي هدى الله إليها هذه الأمة.

وسطية أهل السنة في مسألة الأولياء

وسطية أهل السنة في مسألة الأولياء وهكذا أيضاً توسطهم في غيره من الأولياء والصالحين، وذلك أن هناك طائفتين ضلتا في مسألة الأولياء: طائفة غلت، وطائفة جفت. فالطائفة الذين غلو هم الذين يعبدون الأولياء، والولي عندهم: هو الرجل الصالح الذي قد حصل من القرب ومن الصلاح في العمل ما جعله محبوباً عند الله، وأنه ولي من أولياء الله، يجري الله على يديه من خوارق العادات ما لم يجره على يدي غيره، فقالوا: هذا الولي يستحق منا أن نقدسه، فصاروا يغلون فيه في حياته، فيتمسحون به وبثيابه، ويتبركون بما مسه من ماء أو غيره، وبعد موته يعكفون عند قبره ويتمسحون بقبره، ويصلون عنده ويعتقدون أن للصلاة عنده مزية وفضيلة، وأنه يشفع لهم في تكفير سيئاتهم وفي قبول صلاتهم، وفي مضاعفة حسناتهم، فيعملون عند قبره من الأعمال ما لا يصلح أن تكون إلا لله وحده، فهؤلاء قد غلوا وتجاوزوا حدهم وقدرهم. والطائفة الثانية الذين لا يرون لعباد الله الصالحين قدراً، ولا يقيمون لهم وزناً، فلا يقتدون بهم، ولا يتبعون سيرتهم، ويحقرون شأنهم، ويحتقرونهم في أعمالهم، ويدعون أنهم -كما يعبرون- أهل تشدد، أو أهل جمود، أو أهل رجعية وتقهقر أو ما أشبه ذلك من عباراتهم السيئة، فهؤلاء قد فرطوا. وأهل السنة توسطوا فيما لأولياء الله تعالى، فقالوا: نحن نحبهم؛ لأن الله يحبهم، بل ونحب كل من يحبه الله من الصالحين والمؤمنين والأتقياء، ولكن محبتنا لهم لا تصل إلى أن نتمسح بتربتهم، ولا إلى أن نصير لهم شيئاً من حقوق الله، أو نذبح لهم من دون الله، أو نطوف بأضرحتهم، أو ندعوهم مع الله أو من دون الله، بل محبتنا لهم تحملنا على أن نقتدي بأفعالهم، فإذا كنا كذلك فإننا متوسطون بين هؤلاء وهؤلاء، لا إفراط ولا تفريط. هكذا جاء دين الإسلام، فالذين غلوا وزادوا وقعوا في الشرك؛ وذلك لأنهم عظموا هؤلاء المخلوقين، وجعلوا لهم شيئاً مما لا يصلح إلا لله، فإن التعظيم عبادة والعبادة لله وحده؛ لأن العبادة هي التذلل، فإذا كانوا يتذللون عند تلك الأضرحة، ويخضعون ويخشعون، فتلك عبادة، وإذا كانوا يذبحون لهم وينذرون فذلك تعظيم وهو من العبادة، وإذا كانوا يدعونهم ويهتفون بأسمائهم فإن الدعاء مخ العبادة، وإذا كانوا يتمسحون بهم ويطوفون بقبورهم ويطيلون الإقامة عندها فإن ذلك تعظيم، وذلك حقيقة العبادة، فأولئك الذين غلوا وقعوا في الشرك بالله سبحانه، مع أن هؤلاء الصالحين لا يرضون أن يشرك بهم، فالمسيح عليه السلام بريء من شرك من أشرك به، وهكذا كل من عبد من دون الله ولم يرض فهو بريء من شرك من أشرك به. وفي يوم القيامة لابد وأن يتبرءوا منهم، ويقولوا: نحن برآء من أفعالكم، كما قال تعالى عن الملائكة: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [سبأ:40 - 41]، فأخبروا بأنهم عبدوا ولكنهم لم يرضوا بذلك، ولا أحبوا ذلك، وإنما الشياطين هي التي سولت لهم وزينت لهم أن يعظموهم وأن يعبدوهم، وإلا فأنبياء الله ورسله وأولياؤه والصالحون من عباده بريئون من شرك من أشركهم مع الله سبحانه وتعالى. وبالجملة: فإن المسلمين أهل العقيدة السلفية قد توسطوا في أولياء الله، فأحبوهم محبة قلبية، وحملتهم محبتهم على أن تتبعوا أخبارهم ودونوا سيرتهم، ونظروا في الأشياء التي كانوا يعملونها فعرفوا أنهم ما صاروا صالحين إلا بسبب زهدهم في الحرام وبعدهم عنه، وتقربهم إلى الله بأنواع القربات، فقالوا: هذا هو سبب صلاحهم، لماذا لا نفعل مثلما فعلوا حتى نكون مثلهم، فنصلح كما صلحوا، حتى نكون أولياء لله كما كانوا أولياء لله، يحبهم الله تعالى ويوفقهم ويعينهم، فنفعل الأفعال التي أحبهم الله لأجلها حتى يحبنا كما أحبهم، وحتى يعيننا كما أعانهم، ويهدينا كما هداهم.

وسطية أهل السنة في باب القدر

وسطية أهل السنة في باب القدر وإذا نظرنا في هذه العقيدة فسنجدها وسطاً لا إفراط فيها ولا تفريط، فهي وسط بين العقائد الكثيرة، يقول شيخ الإسلام رحمه الله: إن أهل السنة وسط في فرق هذه الأمة، كما أن الأمة وسط بين الأمم، فهم وسط في باب القضاء والقدر بين المجبرة وبين القدرية، وذلك لأن هناك فرقتين زائغتين في باب القدر: إحداهما قد غلت وأفرطت وزادت، وإحداهما قد فرطت وجفت. ففرقة تقول: إن الإنسان هو الذي يخلق أفعاله، وليس لله قدرة على هداية ولا إضلال؛ فهؤلاء قد أشركوا. وفرقة جعلت العبد مجبوراً وليس له اختيار أبداً، وعرفته بذلك، فجاء أهل السنة فتوسطوا وجعلوا له اختياراً، ولكن اختياره مربوط بمشيئة الله؛ {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان:30]، فهذا توسطهم في باب القدر.

وسطية أهل السنة في باب الإيمان

وسطية أهل السنة في باب الإيمان وتوسطوا في أسماء الإيمان والدين؛ وذلك لأن هناك فرقتين منحرفتين، إحداهما قد فرطت والأخرى قد أفرطت، فمن المفرطين الذين يجعلون الأعمال ليست من الإيمان، وعندهم أن من صدق بقلبه ولو لم يعمل فهو مؤمن كامل الإيمان، وآخرون كفروا بترك الأعمال ونحوها. فجاء أهل السنة وتوسطوا، فلا إفراط ولا تفريط، فجعلوا الإنسان يستحق اسم الإيمان واسم الإسلام ولو كان معه شيء من الذنوب وشيء من المعاصي، فلم يخرجوه من الإسلام بالكلية كالخوارج والمعتزلة الذين يكفرون بكل ذنب، فمن أذنب ذنباً أخرجوه من الإسلام، وخلدوه في النار والعياذ بالله، ولم يكونوا كطائفة أهل الإرجاء الذين يجعلونه كامل الإيمان، ويبيحون له الاستكثار من المعاصي، ويعتقدون أنها لا تضره. فأهل السنة هم الوسط فيقولون: إن المعاصي لا تخرج العبد من الإيمان، ولكن عليه منها ضرر؛ فإنها قد تجتمع على العبد فتهلكه، ولو لم يخلد في النار لكن يستحق دخولها ويعذب بقدر سيئاته إذا كان من أهل الإسلام، فتوسط أهل العقيدة السلفية، فلم يكفروا بالذنوب كالخوارج، ولم يجعلوا المذنب كامل الإيمان كأهل الإرجاء، بل جعلوه مؤمناً ناقص الإيمان، وقالوا: هو مؤمن بإيمانه، فاسق بكبيرته.

وسطية أهل السنة في مسألة الصحابة وآل البيت

وسطية أهل السنة في مسألة الصحابة وآل البيت ٍوتوسطوا في الصحابة، بل وفي غيرهم من أولياء الله، ونبدأ بالتوسط في الصحابة فنقول: قد ضل في باب الصحابة طائفتان: إحداهما فرطت، والأخرى أفرطت، وأهل السنة بينهما وسط لا إفراط ولا تفريط، وقد ضلت في شأن أهل البيت -خاصة- فرقتان: فرقة تكفرهم وتستبيح لعنهم، ويقال لهم: النواصب، وهم الذين نصبوا العداوة للصحابة، وأخرجوهم من الإسلام، وفرقة تغلو فيهم وتجعل عليا هو الله أو الرسول أو الأحق بالرسالة، وتعبده وتعبد أولاده وذريته من دون الله، وهذه الفرقة هي الرافضة، الذين يتسمون بأنهم شيعة علي، أي: أنصاره وكذبوا! فليسوا بشيعته بل هم أعداؤه وأعداء طريقته وسيرته. أما أهل السنة فتوسطوا، فلا إفراط ولا تفريط، وقالوا: إن عليا وأولاده وأهل بيته لهم حق الولاية والصحبة والإسلام والأسبقية والقرابة، ولكن لا نفضلهم على الخلفاء الذين قبلهم، ولا نغلو فيهم ونمدحهم بما ليس فيهم، بل لهم الشرف والقرابة، ولا يستحقون أن يوصفوا بما لا يستحقون من حق الله أو من حق الرسول عليه الصلاة والسلام، فلم يزيدوا ويغلوا كغلو الرافضة الذين جعلوا عليا إلهاً، حتى يقول بعضهم: أشهد أن لا إله إلا حيدرة: يعني: علياً، وبعضهم يدعي أنه أولى بالرسالة، ويزعم بأن جبريل عليه السلام خان الأمانة، وقد كان أرسل إلى علي فصرف الرسالة إلى محمد. فهؤلاء قد زادوا وغلوا، وجاءت الطائفة الثانية الذين سبوا وكفروا، وأخرجوهم من الإسلام فجفوا، وجاء أهل السنة فصاروا وسطاً بين الغلو والجفاء بين الإفراط والتفريط، فجعلوه صحابياً جليلاً من السابقين الأولين، له قرابته وله نسبه وله صهره وله أفضليته، ولكن لا نعطيه حقاً من حقوق الله ولا من حقوق الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا نغلو فيه فوق ما يستحقه هو أو غيره من خلق الله.

الوسطية في باب العبادات

الوسطية في باب العبادات هذه عقيدة أهل السنة، وهذا كله فيما يتعلق بالعقيدة، وبعد ذلك لابد أيضاً أن نذكر أمثلة للأعمال، وذلك لأن هناك أعمالاً في الشريعة الإسلامية جاء الإسلام بها بطريقة حسنة فأدخل الشيطان على بعض الناس الغلو والإفراط والزيادة، وأدخل على بعضهم التقصير والتفريط والنقصان، وذلك كله وسوسة من الشيطان، وتسويل لهم حتى لا يفعلوا الدين الحق كما جاء.

الوسطية في الطمأنينة في الصلاة

الوسطية في الطمأنينة في الصلاة وهكذا أيضاً في العبادات كالصلاة مثلاً: فإذا نظرنا إلى بعض الأئمة الذين قد يزيدون في الصلاة ويطيلونها إطالة قد تكون مملة، في الأفعال أو في القراءة أو ما أشبه ذلك، فيملون ويضجر من معهم من المأمومين، ويستثقلون صلاتهم وينفرون منهم، فهؤلاء في طرف، وهم أهل إفراط وغلو وزيادة. وهناك طرف ثانٍ يقصرون ويخلون، وينقرون الصلاة نقراً، ولا يطمئنون في حركاتها ولا في أفعالها كما ينبغي، فلا تنقعد صلاتهم ولا تكون مجزئة، ويكونون سبباً في إبطال صلاة من صلى معهم، ولو كثر الذين يرغبون في الصلاة معهم، فهؤلاء في طرف وهؤلاء في طرف، ودين الله وسط، والصلاة المعتدلة المتوسطة بين هؤلاء وهؤلاء، فالإمام يراعي حال المأمومين فلا يطيل إطالة تملهم وتضجرهم، ولا يخفف تخفيفاً يخل بالعبادة، ولكن يطمئن فيها الطمأنينة الشرعية، ويحرص على الاقتداء بالصلاة النبوية في القراءة وفي الأذكار وفي غيرها، وبذلك يكون متوسطاً بين الغالي والجافي، فهذا أيضاً مما انقسم الناس فيه إلى طرفي نقيض، ثم توسط أهل الحق بين هذين الطرفين.

الوسطية في باب النوافل

الوسطية في باب النوافل وهكذا لو تتبعنا كثيراً من الأعمال لوجدناها كذلك لوجدنا أن الكثير من الناس قد يشقون على أنفسهم في تحمل كثير من التطوعات ويحرمون الأنفس لذتها وراحتها. وآخرين يقصرون فلا يأتون بشيء منها أصلاً، ودين الله وسط بين ذلك. ونذكر قصة عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه، فإنه كان في أول شبابه كثير العبادة، فشق على نفسه، فكان يقوم الليل كله، ويختم القرآن في كل ليلة في تهجده، وهذا فيه غلو وفيه مشقة وفيه تعب، يؤدي إلى أن تفوت عليه حقوق واجبة، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا غلو، وقال: (إن لنفسك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً، وإن لعينك عليك حقاً، وإن لربك عليك حقاً، فأعط كل ذي حق حقه)، وهذا لا شك أنه زيادة تمل الإنسان من العبادة وتضجره. وهناك آخرون لا يعرفون مثل هذه العبادات -ولو كانت نوافل- فلا يصلي أحدهم في الليل أصلاً، ولا يصوم إلا ما فرض عليه، ولا يأتي بشيء من النوافل، ولا يتقرب بشيء من القربات، وكأنه مستغن عن هذه العبادات ونحوها، فلا شك أن هذا في طرف وذاك في طرف، فالذي كلف نفسه فشق عليها متطرف شديد التطرف، والذي تساهل في العبادات ولم يأت بشيء من العبادات إلا المفروضة، ولم يتقرب بشيء من نوافلها، هذا أيضاً متطرف غاية التطرف، ودين الإسلام وسط، وهو أن تتقرب إلى الله بقربات لا تكره بها نفسك، ولا تحرم بها نفسك من حقك، ومن الحقوق الواجبة عليك، وما أشبه ذلك، ولا تنس عبادة الله، ولا تشتغل بالملذات وبالشهوات عن حق الله، ولا تعط نفسك كل ما تشتهيه من لذة ونوم وشهوة بطن وشهوة فرج ومأكل ومشرب وملبس ونحو ذلك.

الوسطية في مسألة تصحيح نطق الأحرف

الوسطية في مسألة تصحيح نطق الأحرف وأوقع الشيطان كثيراً من الناس في الغلو في القراءة أثناء الصلاة، وأوقع آخرين في الجفاء، فأفرط في القراءة أناس، وفرط فيها أناس آخرون. وكذلك في الأذكار وغيرها، فإن أناساً وسوس لهم الشيطان بأنكم لا تحققون القراءة والحروف إلا إذا نطقتم بها على هذه الكيفية، فإذا لم تفعلوا فقد اختلت قراءتكم واختلت أذكاركم، وما إلى ذلك، حتى ذكروا أن بعضاً منهم يتكلف في النطق بل في القراءة، حتى إذا أراد أن ينطق بـ (الضاد) ونحوها أخرج بصاقه من شدة تكلفه وتشدده عندما يقول: (ولا الضالين) أو (المغضوب) يكلف نفسه حتى يخرج لعابه وبصاقه من شدة تكلفه! ولا شك أن هذا ما أنزل الله به من سلطان. وهكذا أيضاً تكلفهم في النطق بالتكبير ونحو ذلك، حتى ربما يخرج الكلمة عن وضعها الذي وضعت عليه، فيكرر الكاف ويشددها، ويقول: (الله أككبر) وما أشبه ذلك، وعند قراءة التشهد والتحيات يشدد التاء فيقول: (التتحيات) وما أشبه ذلك، حتى تخرج الكلمة عن وضعها وماهيتها التي وضعت عليها، ولا شك أن هذا تغيير للكلام عن وضعه، وعن ماهيته وما هو عليه. ولا شك أن الذين يفرطون في ذلك ويقصرون على خطر أيضاً، وذلك لأن هناك من لا يأتون بالتكبير كما ينبغي، فيأتي أحدهم بالكلمة دون أن يحقق حروفها، وكذلك في القراءة دون أن يحقق حروفها وتشديدها، والدين أمر بالتوسط في ذلك: التوسط في القراءة وفي التسليم وفي التشهد، وفي سائر أذكار الصلاة، لا إفراط أولئك ولا تفريط أولئك، لا غلو ولا تقصير، وهو أن تأتي بالقراءة بحروف بارزة ظاهرة يقرعها اللسان دون تكلف في التشديد، ودون تكلف في النزع، ودون تقعر وتشدق في تكلف الفصاحة، ودون تساهل في إدغام كثير من الحروف البارزة، ولا بعجلة وسرعة يختفي معها كثير من الحروف التي حقها الإبراز. إذاً: لا إفراط ولا تفريط، فإذا قرأها قراءة مفهومة مسموعة حروفها، ظاهراً شدها ومدها على ما ينبغي كان بذلك متوسطاً، لا إلى الجفاء ولا إلى الغلو الذي قد يضل ويوقع في تغيير الكلم وتحريفه عن مواضعه.

الوسطية في مسألة نية الصلاة

الوسطية في مسألة نية الصلاة وقد أوقع الشيطان كثيراً من الناس في الوسوسة في كثير من الأعمال، سواء كانت أفعالاً أو سلوكاً، ومن ذلك: الوسوسة في النية في الصلاة، فإن الشيطان يوسوس لبعضهم، فيقول له: أنت ما نويت، أو نيتك ليس سليمة وصحيحة، أو أنت ما استحضرت النية، فلا يزال يوسوس له أنه ما أتى بالنية المشترطة للعبادة من طهارة أو صلاة، حتى تفوت عليه الأوقات أو تفوته الصلاة أو يفوته فضيلة الوقت، وهذا بلا شك أنه زيادة على ما حده الله تعالى. وهناك من لا يبالي فيصلي أو يتوضأ بدون قصد صالح، وبدون نية حسنة، فيعتبر هذا مقصراً ومخلاً في أدائه للعمل، والوسط في ذلك هو أن ينوي الإنسان بقلبه الطهارة أو الدخول في الصلاة أو ما أشبه ذلك، فإذا فعل ذلك فإنه قد مضى، واعتبرت نيته صالحة كافية.

الوسطية في باب الاغتسال

الوسطية في باب الاغتسال وهكذا نقول في الغسل، فإن الاغتسال أيضاً طهارة شرعية، أمر الله الإنسان بعد الجنابة ونحوها أن يغتسل كما في قوله تعالى: {وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء:43]، وقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة:6] فالاغتسال هو: تعميم البدن بالماء كله بالماء، وهذا يحصل فيه إفراط وتفريط، وغلو وجفاء على حد ما ذكرنا في الوضوء، فإن هناك من يتشدد فيقيم في الاغتسال ساعة أو أكثر، وربما دلك جسده وبالغ في دلكه، وقد أخبرني بعضهم أنه يدلك جسده ويحكه بأظفاره، ويعتقد أن الماء لم يبلغه، حتى يخرج الدم من حكه بأظفاره، وبمبالغته في حك جسده، وهذا -بلا شك- غلو وإفراط وزيادة ما أنزل الله بها من سلطان، ولا شك أن قصد الشيطان وهدفه أن يمله من هذه العبادة حتى يضجر ويتركها كما ترك غيرها من العبادات. وهكذا الذي يغتسل ولا يدلك جسده، بل يمر الماء عليه دون أن يدلك جسده، وهذا أيضاً في طهارته خلل. وقد عرفنا أن السبب في ذلك هو الشيطان الرجيم الذي هو عدو للإنسان، فهو حريص على أن يضله ويبطل عليه أعماله كما يبطل عليه عقيدته، فالشيطان إذا رأى في الإنسان تصلباً ورأى فيه تشدداً جاءه من باب الغلو، وجاءه من باب الزيادة، وقال له: أنت لا يأتيك مثل ما يأتي غيرك، بل عليك أن تزيد وتبالغ، وإذا توضأ الناس للصلاة فلا تكتف بالوضوء، بل اغتسل للصلاة، وإذا توضأ الناس بالمد فلا تكتف به، بل توضأ بالصاع أو بالآصع، وإذا غسل الناس أيديهم ثلاثاً فلا تكتف بسبع ولا بعشر، بل زد عليهم حتى تكون أكثر، ويزين له أن الأجر على قدر النصب، وأنه كلما كثر العمل كان الأجر عليه أضعافاً مضاعفة، فهذه وسوسة من الشيطان. ودين الإسلام جاء بما فيه المصلحة، ونهى عما فيه مفسدة، فالاقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم وبسنته هو خير الهدي، فخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وما زاد على ذلك فهو محدث، (وشر الأمور محدثاتها)، والذي لا يقتنع بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فكأنه يعتقد أن دين الإسلام ناقص، وأن الرسول ما بلغ البلاغ المبين، وأنه قصر في التعليم، حيث اقتصر على بعض الشرائع أو على بعض الطهارة أو نحو ذلك، وإذا اعتقد هذا الاعتقاد السيئ وقع -والعياذ بالله- في الانحراف والضلال، فإن اتهام النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من الأنبياء بإخفاء شيء من الرسالة، أو بالنقص والتغيير في شيء من أمر الشريعة اعتقاد باطل وضلال مبين يوقع في الخروج من دائرة الإسلام.

الوسطية في باب إزالة النجاسات

الوسطية في باب إزالة النجاسات وهكذا أيضاً في باب إزالة النجاسات، فترى أحدهم إذا وقعت عليه نجاسة لا يكتفي بغسلها مرتين أو ثلاثاً مع زوالها، بل ربما غسلها عشر مرات أو أكثر، وهكذا في باب الاستنجاء الذي هو غسل أثر البول والغائط، أكثر ما قيل: إنه يغسل سبع مرات. ولكن تجد بعضهم يغسله عشرات المرات، ويصب على بوله عدداً من المرات، وكل ذلك من الغلو ومن الزيادة التي ما أنزل الله بها من سلطان. ولا شك أن هذا من وسوسة الشيطان ليمل العبد من العبادة، وذلك لأنه متى دام على هذا التطهر سنة أو سنتين مل وضجر، واستثقل العبادة، وربما ترك الصلاة لاستثقال الطهارة، وقد حدثني من وقع له هذا الأمر وأنه لا يكاد أن يتوضأ إلا لساعتين، فقال: كيف أصلي هذه الصلوات؟! فصار يجمع الصلوات الخمس في وضوء واحد: يتوضأ بعد العشاء ويصلي الصلوات الخمس، فيكون قد أفرط حيث ترك الصلاة في مواقيتها، بعد أن ثقل عليه الشيطان أمر الطهارة التي لا تستغرق إلا خمس دقائق ونحوها، ثقلها عليه حتى يغير العبادة عن وقتها. وكذلك في باب إزالة النجاسة فقد يوسوس له الشيطان أنه انتقض وضوءه وهو في الصلاة حتى يقطع صلاته، أو أن في ثوبه أدنى نجاسة ولو كانت قليلة، حتى ينوي أن صلاته بطلت؛ ليستثقل الصلاة فيمل منها بعد ذلك، وكثير منهم تركوا الصلاة لأجل هذه الوسوسة، فلما ثقل الشيطان عليهم الطهارة أصبحت الصلاة ثقيلة عليهم وشاقة أيما مشقة، فعند ذلك رأوا أن يتركوا الصلاة لأجل هذه المشقة، ولو رجعوا إلى تعاليم الإسلام وإلى ما شرعه لعرفوا أن هذا ليس من الدين في شيء، وأن الإسلام جاء بالسهولة وباليسر وبالسماحة وبالبعد عن كل المشقات وكل الصعوبات. فهؤلاء غلوا في باب الطهارة وقابلهم طرف آخر فرطوا في ذلك وتهاونوا. وأما الذين فرطوا فإنهم كثير، وسبب تفريطهم وسوسة الشيطان؛ ليبطل بذلك عملهم، فترى أحدهم إذا غسل وجهه لا يبالغ ولا يسبغه، فيبقى في وجهه بعض الأجزاء التي لم يأت عليها الماء، وإذا غسل يديه أو رجليه غسلهما بسرعة ومسحهما مسحاً ولا يبالي، فتبقى في عقبيه بقع لم يصلها الماء، وهؤلاء من الذين فرطوا وجفوا وقصروا في باب الطهارة، وكثيراً ما ننصح هؤلاء أن يسبغوا الوضوء وأن يتعاهدوا، حيث إن الشرع قد ورد بالأمر بالإسباغ في قول النبي صلى الله عليه وسلم لما عدد الخصال التي ترفع بها الدرجات، ويمحو الله بها الخطايا قال: (إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط). وهكذا أيضاً حثنا على أن نتعاهد ما قد ينبو عنه الماء من الجسد ومن القدمين خاصة في قوله صلى الله عليه وسلم: (ويل للأعقاب من النار)، وفي رواية: (ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار)، فالذين يغسلون غسلاً خفيفاً، ولا يتعاهدون أقدامهم، كثيراً ما ترى في مؤخرة أقدامهم بقعة لم يمسها الماء، فتبطل بذلك الطهارة، فهؤلاء مفرطون، حيث إنهم نقصوا في الطهارة، فأولئك زادوا وغلوا وتجاوزوا، وهؤلاء قصروا ونقصوا. ودين الإسلام جاء بالوسط، وهو أن الإنسان يتوضأ وضوءاً مسبغاً، فيكتفي بغسلة واحدة مسبغة كافية للعضو، وإذا زاد غسلة ثانية فهي أفضل، وإذا زاد غسلة ثالثة فهي أفضل من الثنتين، ولا تجوز الزيادة على ثلاث، والزيادة على الثلاث تعتبر إسرافاً وإفساداً وغلواً، فكيف بالذين يغسلون العشرات؟! هذا هو التوسط في هذا الباب.

الوسطية في باب الطهارة

الوسطية في باب الطهارة ونبدأ بمبادئ العبادة، وهي الطهارة، فإن الطهارة عبادة شرعية أمر الله تعالى بها، فيجب أن تؤدى كما أمر الله من غير إفراط ولا تفريط، ولكن هناك طائفتان متطرفتان في باب الطهارة إحداهما غلت والأخرى جفت، فالذين غلوا هم الذين زادوا في الطهارة ما ليس منها، وتشددوا فيها تشدداً زائداً حتى زهدوا فيما نقل لهم من أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته، وفي كيفية تطهره ووضوئه واغتساله، وما إلى ذلك، واعتقدوا أن ذلك لا يُطِّهر، فزادوا وغلوا. وطائفة أخرى جفت فتراهم لا يتوضئون ولا يتطهرون كما أمر الله، ولا يسبغون الطهارة ولا يتمونها، وكلا الطائفتين منحرفتان، فالطائفة الذين غلوا ترى أحدهم يغسل وجهه خمساً أو عشراً، ويرى أنه ما طهر، ويغسل يديه مراراً قد تتجاوز العشر، وكذلك في الاغتسال ربما يغتسل نصف ساعة وربما ساعة، وربما ساعتين، كما حدثني بعهضم أنه يطيل في مزاولته الاغتسال ساعتين، وكذلك في الوضوء مدة طويلة، ولا شك أن هذا غلو، والإسلام قد أمر بالتوسط في ذلك كله فلا إفراط ولا تفريط.

الإفراط والتفريط في اللباس

الإفراط والتفريط في اللباس ولك أن تقيس على ذلك في كل شيء، حتى مثلاً في الأمور العادية، كأمور المأكل والمشرب والملبس وما أشبه ذلك، فإن الإسلام جاء في هذا بالوسط، فمثلاً اللباس الذي أنزله الله زينة للناس، وامتن به على عباده بقوله: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا} [الأعراف:26]، هذا اللباس انقسم الناس فيه إلى ثلاثة أقسام، طرفان ووسط. الطرف الأول: وهم أهل البذخ والإسراف والإفساد، فقد يكون لباس أحدهم بمئات أو بما يبلغ الألف أو الألوف، وهذا بلا شك أنه إفساد وإسراف وتبذير للمال بغير حقه، ويعتبر إفراطاً وغلواً، ولو أنه اقتصد واستعمل ما يكفيه، وتصدق بهذا الزائد أو أنفقه في وجه من وجوه الخير لكان خيراً له. بينما هناك طرف آخر قد أنعم الله عليه ورزقه، ولكنه قصر على نفسه، فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً عليه ثيابٌ وسخة وممزقة، ثياب ذلة وهوان، فسأله فقال: (أليس قد رزقك الله مالاً؟ قال: بلى. قال: من أي أنواع المال. قال: من كل أنواع المال، من الإبل والبقر والغنم والرقيق والمال. فقال: إن الله إذا أنعم على عبد أحب أن يرى أثر نعمته)، فكون الإنسان راغداً غنياً ومع ذلك يقصر على نفسه، فيقتصر على ثياب دنسة وسخة متمزقة، قد تبدو منها عورته، يعتبر هذا تقصيراً وإخلالاً. وخير الأمور أوسطها: فلا يسرف في اللباس، ولا يقصر في اللباس، إذاً: الوسط بين ذلك، لا إفراط ولا تفريط.

الإفراط والتفريط في المأكل

الإفراط والتفريط في المأكل ونقول مثل ذلك في المآكل، فتجد كثيراً من الناس يسرفون، فيحشدون عند الطعام أنواعاً من الأطعمة، وكلها تذهب ولا يأكل منها إلا نزر قليل، وآخرون يكون عندهم أموال ولكن يحملهم البخل والشح على أن يقصروا على أنفسهم وعلى أولادهم، فيبيتون طاوين جياعاً وعندهم أموال، أو لا يأكلون إلا شظفاً من العيش أو أرغفة من الطعام، فيقصرون على أنفسهم والأموال عندهم يكدسونها ويجمعونها، وقد أمر الدين بالوسط في ذلك فلا إسراف ولا تقتير، كما في قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان:67].

الإفراط والتفريط في أمر الدنيا

الإفراط والتفريط في أمر الدنيا وأما الأمور المحرمة وكذلك المعاملات ونحوها فإن الناس فيها منقسمون إلى هذه الثلاث الطوائف وكذلك في السلوك والزهد ونحوه، بل في نفس أمور الدنيا انقسموا إلى ثلاث طوائف: فقسم أكبوا على الدنيا وعظموا شأنها، وركنوا إليها وأحبوها، وجعلوا دنياهم أكبر همهم ومبلغ علمهم، وشغلوا بها أوقاتهم كلها، ولا شك أن هؤلاء قد نسوا الآخرة، وأنهم قد زادوا في هذا الأمر وقد غلوا. بينما هناك آخرون قد زهدوا، ولكن زهادتهم أوقعتهم في أنهم تركوا مصالح أنفسهم، وانعزلوا عن الناس وما الناس فيه، وأضاعوا من تحت أيديهم من أهل وأولاد، فتركوا إيواءهم والإنفاق عليهم ونحو ذلك، وهؤلاء أيضاً مخلون ومقصرون، والأمر الوسط بين ذلك هو أن الإنسان يطلب من الدنيا الكفاف والقوت، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم اجعل رزق آل محمد كفافاً)، فلا إفراط ولا تفريط، فلا ينقطع عن الدنيا انقطاعاً كلياً بحيث يضيع نفسه، ويعرض نفسه للحاجة والتكفف وسؤال الناس، ويعرض أهله للجوع والضنك وضيق المعيشة ونحو ذلك، ولا يجعل همه كله منكباً على الدنيا صارفاً فيها هواه، وصارفاً فيها حياته، وصارفاً فيها أوقاته، وناسياً آخرته، وناسياً الأعمال التي تقربه إلى الله، لا هذا ولا هذا، بل يشتغل بدنياه بقدر، ويشتغل لآخرته بقدر، ولا يبالغ في محبة الدنيا المحبة التي تنسيه الآخرة، ولا يبالغ في التقتير فيها التقتير الذي ينسيه حظ نفسه الذي أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأن لنفسه عليه حقاً.

الإفراط والتفريط في المعاملات

الإفراط والتفريط في المعاملات وأيضاً هناك إفراط وتفريط في كثير من المعاملات، فكثير من الناس يتعاملون ولا يبالي أحدهم بالمحظور من المعاملات، فتجدهم يتعاملون بالغش والربا، وأخذ المال بالباطل، فهؤلاء قد زادوا وتوسعوا في بعض المعاملات، بحيث إنهم لا يعتقدون أن هناك معاملة محرمة، فعندهم الغش والزيادة على المسلم، وإيقاعه فيما يكتسبون من ورائه ونحو ذلك، كل ذلك يرونه جائزاً ومباحاً! فيبيحون لأنفسهم ما لم يبحه لهم الشرع. بينما هناك من يتشدد في بعض المعاملات، ويمتنع عن أشياء أباحها الله، فيمتنع عن البيع الذي أباحه الله، ويمتنع عن الإجارة التي أباحها الله، ويمتنع عن التكسب من العمل الذي أباحه الله، واعتقدوا أن ذلك ممنوع وأن فيه خطراً وأن فيه خطأ، فوقعوا في التقصير والنقص، وأولئك وقعوا في الزيادة والغلو والإفراط، وخير الأمور أوسطها، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. وبالجملة فإن السبب الذي أوقع هؤلاء وهؤلاء في الإفراط والتفريط هو الشيطان، فإن الشيطان يوسوس حتى يخرج هؤلاء من العبادة، ويخرج هؤلاء من العبادة، أو حتى تمل كثير من العبادات ويثقلها عليهم، ويثقل عليهم المكاسب ونحوها، ويوقع هؤلاء في المحرمات أو في المشتبهات التي تجر إلى المحرمات، فيحصل أنه أضل خلقاً كثيراً؛ ليصدق على الناس ظنه كما قال تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سبأ:20]. نسأل الله أن يبصرنا بالحق الذي هو دين الحق، والذي اختاره الله للأمة ديناً وحقاً، نسأله سبحانه أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، ولا يجعله ملتبساً علينا أبداً، ونسأله أن يعيذنا من نزغات الشيطان وأوهامه ووساوسه، وأن يجعلنا من الذين أنار قلوبهم بطاعته، وبصرهم بالحق، ودلهم عليه، ورزقهم الهدى والاستقامة والسلوك إلى الصراط السوي الذي يؤدي بهم إلى النجاة في الآخرة، والله تعالى أعلم. وصلى الله على محمد.

العوامل المؤثرة في تربية الأسرة

العوامل المؤثرة في تربية الأسرة لقد انشغل كثير من الآباء عن أبنائهم وأهلهم، وقصروا في تربيتهم على الإيمان والعمل الصالح بسبب ما فتح عليهم من زهرة الحياة الدنيا، فشغلتهم الدنيا والشهوات والملذات عن ذلك، ولم يهتم بالأبناء والأهل إلا النزر اليسير من الناس الذين شعروا بعظم المسئولية أمام الله تجاه أبنائهم وأهلهم. فعلى المسلم أن يتقي الله تعالى فيمن ولاه الله تعالى عليهم، وليأخذ نفسه بالجد في تربيتهم، وليتزود لذلك بما طرح من وسائل وأساليب لها أثرها في تربية الأسرة.

الأسباب المعينة على تربية الأولاد

الأسباب المعينة على تربية الأولاد بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فالأسرة: هم من تحت تربية الإنسان، وتحت ولايته من أولاد ذكورٍ وإناث، ومن زوجات وإخوة وخدم، وكل من كان تحت ولايته، وهو مسئولٌ عنهم، سيسأله الله تعالى يوم القيامة عن تربيته وتعليمه لهم، وعن الأسباب التي بذلها، وهل استوفى ما يجب عليه نحو أسرته، ونحو ذريته، ومن تحت ولايته -أي: فعل الأسباب التي تكون مؤثرةً في صلاحهم واستقامتهم- أم أنه فعل ما يضرهم؟ فالناس ينقسمون في تربية أولادهم وذويهم إلى أقسام ثلاثة هي: قسمٌ: اهتموا بإصلاح أسرهم، وبذلوا كل ما في وسعهم. وقسمٌ: أهملوهم وتركوا تربيتهم لغيرهم. وقسمٌ: أفسدوهم، وجلبوا لهم ما يعينهم على الفساد أو ما يوقعهم في الفساد والشرور.

استماع الأولاد إلى الإذاعات التي تنشر الصلاح

استماع الأولاد إلى الإذاعات التي تنشر الصلاح كذلك أيضاً: العادة أن الأولاد يحبون التطلع إلى الأخبار، وإلى الحوادث والنشرات، وما أشبه ذلك، فعلى الوالد المربي أن يحرص على أولاده أن يكونون من أهل الخير، فإذا رأى ميلهم إلى شيءٍ من الإذاعات، حرص على أنهم لا يستمعون إلا إلى الإذاعات الإسلامية: التي يذاع فيها الخير، ويقرأ فيها آياتٌ من كتاب الله، وأحاديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كإذاعة القرآن الكريم ونحوها. وبهذا يكونون -إن شاء الله- من أهل الخير؛ لأنهم شغفوا بهذه الإذاعة الإسلامية، وأحبوها وتابعوها، وانصرفوا عما سواها.

متابعة الأولاد للمجلات والصحف الإسلامية

متابعة الأولاد للمجلات والصحف الإسلامية كذلك أيضاً: لابد أنهم يتطلعون إلى النشرات، وإلى الصحف والمجلات، فهناك -والحمد لله- صحفٌ إسلامية، ومجلاتٌ دينيةٌ تعتني بالتربية الصالحة، وتعتني بالنشرات والمقالات الدينية الإسلامية، فإذا رأى أولاده بحاجةٍ إلى شيء يقرءون فيه من هذه النشرات وهذه المجلات وما أشبهها؛ حرص على أن يقصرهم على المجلات الإسلامية، وهي كثيرةٌ -والحمد لله- ولو كان في بعضها شيءٌ من التسليةِ مما يكون الأولاد والأطفال الصغار بحاجةٍ إلى النظر فيها كالرسوم التي تقرب المعاني، وتوضح الأخطار الهدامة ونحوها، وتبين وسائل النجاة، فإن الأطفال بحاجةٍ إلى أن يطالعوا تلك الرسومات ونحوها، وتوجد هذه في كثيرٍ من المجلات الإسلامية، وهي معروفة.

اقتناء الكتب الإسلامية للأولاد

اقتناء الكتب الإسلامية للأولاد كذلك أيضاً: لا شك أنهم بحاجةٍ إلى اقتناء بعض الكتب الإسلامية، وهي متوافرةٌ، ولم تكن متوافرةً من قبل كما في هذه الأزمنة، بحيث تمكنوا من نشرها وطبعها ونسخها وتصويرها، فأصبحت في متناول الأيدي، ولكن -وللأسف- زاحمتها كتبُ ضلال، وكتبٌ بدعيةٌ تدعو إلى الشر والفساد، فإذا وفق الله تعالى طالب العلم لاقتناء الكتب النافعة التي تتعلق بالعقيدة، أو تتعلق بالأحكام، أو بالآداب الدينية، أو بوقائع الإسلام والمسلمين التاريخية أو ما أشبه ذلك، فإن الله تعالى يحفظه ويحميه، وتسلم بذلك فطرته، فلا يتغيرُ عما هو عليه من الاستقامة، وكلما أهمه أمرٌ وجده في المرجع الفلاني، وجده في كتاب حديث، أو في كتاب فقهٍ، أو في كتاب عقيدة، أو أدبٍ أو أخلاقٍ أو تاريخٍ أو تفسير أو ما أشبه ذلك؛ فيتسلى بذلك، فيكون هذا من الوسائل التي إذا تربى عليها حفظه الله تعالى، وبهذا يتربى على التربية الصحيحة التي يبقى فيها على فطرته، وينشأ نشأةً صالحة. هذه بعضٌ من الوسائل التي تحفظ الأولاد في تربية الوالد لهم.

تشجيع الأولاد على حب المساجد والصالحين

تشجيع الأولاد على حب المساجد والصالحين كذلك أيضاً: لابد أن الوالد يتفقد أولاده فيحرص على أن ينظر حالتهم، فإذا رأى أنهم يحبون العبادة والمساجد، ويحبون الصالحين، فيحرص على أن ينشطهم في ذلك، وعلى أن يشجعهم على ذلك، ليكون هذا كله سبباً في الاستقامة، والبقاء على الفطرة الدينية، ومن أسباب الصلاح في الحال والمآل. فهذه لا شك أنها اسبابٌ مؤثرةٌ في استقامة الأولاد، وفي تربيتهم التربية الصالحة.

تفقد الأولاد والنظر إلى من يجالسون

تفقد الأولاد والنظر إلى من يجالسون كذلك من الأسباب: تفقد الأولاد -ذكوراً وإناثاً- والسؤال عن أصدقائهم، وجلسائهم، وزملائهم، وأصحابهم الذين يصحبونهم سواء في المدرسة أو في خارجها؛ وذلك لأن العادة أن الأولاد -ذكوراً وإناثاً- لابد لهم من أصدقاء يقتدون بهم، ويتعلمون منهم، ويجالسونهم، ويؤانسونهم، ويتصلون بهم، ويتزاورون فيما بينهم، ويحصل بينهم الاتصال ولو هاتفياً، والمكاتبات وما أشبهها، ولا شك أنهم إذا كانوا صالحين مستقيمين، استقام كل جلسائهم، فيسأل الوالد ولده: يا ولدي! من أصدقاؤك؟ فإذا قال: فلانٌ وفلان، قال: بماذا يأمرانك؟ وبماذا يحثانك؟ فإذا قال: إنهم يحثوني على ذكر الله، وعلى حفظ القرآن، وعلى تعلم العلم، فرح بذلك وسر، وشجعه على مجالستهم، وحثه على أن يكثر من الاقتداء بهم والتقرب منهم، وإذا ذكر له جلساء سيئةً أعمالهم، وسيئةً وجهتهم، حذره من أن يجالسهم أو يؤانسهم، هكذا يكون الوالد المربي.

إلحاق الولد بالمكتبات التي فيها كتب شرعية

إلحاق الولد بالمكتبات التي فيها كتب شرعية كذلك أيضاً: العادة أن هناك -والحمد لله- مكتبات خيرية، توجد فيها الكتب الموقوفة، فلابد أن يكون الولد بحاجة إلى شيءٍ من الثبات والخيرية، فإذا عرف أبوه أنه انتظم في إحدى المكتبات الإسلامية التي يوجد فيها جلساء صالحون، وتوجد فيها الكتب الإسلامية، وهي سليمةٌ أيضاً من الآفات والمحرمات، فإنه ينشطه ويشجعه على ذلك، هكذا يكون الأب المشفق.

إلحاق الأولاد بالمدارس الإسلامية الصحيحة

إلحاق الأولاد بالمدارس الإسلامية الصحيحة كذلك من الأسباب: أن يلحقه المدارس الإسلامية، فيحرص على أن يتربى على دراسة دينية إسلامية، كأن يلحقه بالمدارس الحكومية أو نحوها، وهناك مدارس مأمونةٌ، والمشرفون عليها من أهل الصلاح والاستقامة والإخلاص، فيختار لأولاده -ذكوراً وإناثاً- المدارس الخيرية: التي أهلها -من ذكورٍ وإناثٍ- المشرفون عليها والمربون من الذين يوثق بدينهم، ويشعرون أنهم مؤتمنون على أولاد المسلمين، فينصحون لهم؛ وذلك لأن هناك كثيراً من المدرسين والمربين -ذكوراً وإناثاً- يعرفون هذه المسئولية، فيشعرون بأنهم مؤتمنون على أولاد المسلمين، فيحرصون على أن يعلموهم الدين الصحيح، والحلال والحرام، والثواب والعقاب، والوعد والوعيد، وما يجب لهم وما يجب عليهم، فيؤدون ذلك بأمانة وإخلاص، وهؤلاء -والحمد لله- موجودون بكثرةٍ في هذه البلاد -في القرى وفي المدن- فيختار الوالد لأولاده من يكون صالحاً مصلحاً، ناصحاً مخلصاً، وإذا تيسر يلحق أولاده -ذكوراً وإناثاً- بالمدارس الخيرية التي تدرس فيها في المساء دروس دينيةٌ، مثل: حفظ القرآن، وحفظ بعض المسائل من السنة، وما إلى ذلك وهي الحمد لله متوافرةٌ في هذه البلاد في أنحاء المملكة، وقد نفع الله تعالى بها، وانتفع بها خلقٌ كثير، وحصل بها استقامة الكثير من الذين هداهم الله تعالى ووفقهم، وقد وفق الله كثيراً من الآباء حين ضموا أولادهم إلى هذه المدارس الخيرية سواءً كانت في المساجد -بالنسبة إلى الذكور- أو في المدارس -بالنسبة إلى الإناث- فانضم إلى هذه المدارس أولادٌ كثيرون يدرسون فيها، فبعضهم سنه في الخامسة من عمره ولم يتم الخامسة، وبعضهم سنه فوق العشرين إلى الثلاثين، فالصغار يملك آباؤهم غالباً إلزامهم بذلك، والكبار يدفعهم الدين والرغبة، وتدفعهم المحبة إلى أن ينضموا إلى تلك المدارس، يتحفظون كلام الله تعالى وكتابه، ويقرءونه، ويحرصون على أن يحفظوه، أو يحفظوا ما تيسر لهم منه، والمشرفون على تدريسهم من الثقات المأمونين، وكثيرٌ منهم متطوعون في عملهم، أجرهم على الله تعالى، وبعضهم له أجرةٌ يسيرةٌ أخذها لحاجته وفاقته، وبعض المحسنين الذين تبرعوا بهذه المدارس الخيرية قاموا بما يضمنها ويضمن استمرارها. فنقول: إن تربية الأولاد على كتاب الله وسنة رسوله فيها خيرٌ كثير، فالأولاد إذا ألفوا المساجد صاروا يترددون إليها يومياً، صباحاً ومساءً، فإذا كانوا في الإجازات صاروا يدرسون صباحاً ومساءً، وإذا كانوا في زمن الدراسة صاروا يدرسون آخر النهار وأول الليل، فألفوا المساجد وأحبوها، وعرفوا أنها أماكن الطاعة والعبادة، فكان ذلك سبباً في محافظتهم ومواظبتهم على هذه العبادات التي تؤدى في هذه المساجد، وإذا حافظوا على الصلاة حفظوا دينهم؛ لقول الله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45]، وإذا حفظوا كلام الله تعالى أو ما تيسر منه حفظهم الله تعالى، وحافظوا على ما يكون سبباً في صلاحهم واستقامتهم. فنقول: إنك -أيها المسلم- مسئولٌ عن تربية أولادك على الإسلام والقرآن، وإن أحسن ما تربيهم عليه: تعليم كتاب الله تعالى، فإذا انضموا إلى هذه المدارس حصلوا على خيرٍ كثير، وعليك بعد ذلك أن تتابعهم، وتتفقد أحوالهم، وتتأكد من موافقتهم على هذه الدراسة، وتتابع ما حفظوه، وما أشبه ذلك حتى تعلم محبتهم لهذه المدارس، وإقبالهم عليها، فهذا من أسباب التربية الصالحة والاستقامة على القرآن.

تعليم الأولاد العقيدة منذ الصغر

تعليم الأولاد العقيدة منذ الصغر من الناس من يهتم بصلاح أسرهم، فما هي الأسباب التي تعينهم، والتي ينبغي أن يفعلوها حتى ينجو كل فردٍ من أفراد الأسرة، وينشأ نشأةً حسنةً، ويتربى تربية صالحةً، ويكون قرة عين لوالديه، ويحفظه الله تعالى وذريته، ويكونون صالحين من بعده؟ أول تلك الأسباب: تلقين الأطفال في صغرهم العقيدة، فإن ذلك تنبيهٌ لهم على ما ينشئون عليه، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل مولودٌ يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، وقرأ قول الله تعالى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم:30]، وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى قال: إني خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين، فحرمت عليهم ما أحللت لهم)، فأخبر تعالى أنه فطر عباده على الحنيفية التي تقتضي معرفتهم لأنفسهم، ومعرفتهم لربهم، ومعرفتهم لما خلقوا له، ولكن جعل هناك أسباباً ووسائل تكون سبباً في الانحراف: فأبواه اللذان يربيانه ويصرفانه عما فطر عليه إلى ما يتلقيانه من أسلافهم وآبائهم من عقائد منحرفة، وأديان منسوخةٍ وكفرٍ وفسوقٍ وما إلى ذلك، فإذا وفق الله تعالى الوالدان لقنوا أولادهم معرفة الله، ومعرفة دين الإسلام، ومعرفة النبي صلى الله عليه وسلم، منذُ أن يعقل الطفل في السنة الثالثة أو ما بعدها، فإذا تلقن، وعرف ربه، وعرف لأي شيءٍ خلقه الله، وعرف دينه الذي هو مكلفٌ به، وعرف أسباب النجاة والهلاك، وتربى وهو صغيرٌ على ذلك؛ فإن الله سبحانه وتعالى يحفظه في صغره، وينشأ بعد ذلك نشأةً صالحةً، وهذا بتوفيق الله تعالى وتسديده للأبوين، هكذا رأينا آباءنا وآباء إخواننا المسلمين يلقنون أولادهم العقيدة الصحيحة السليمة في صغرهم، فينشأ الطفل على هذه المعرفة، لا يشك في أنه مربوب، وأن ربه هو الخالق وحده، ولا يشك أن عليه لله حقوقاً، وأن من تلك الحقوق عبادة الله، ولا يشك أن هناك عبادات ومحرمات، وأن عليه فرضاً: أن يؤدي العبادات، ويفعلها تقرباً إلى الله، وأن يترك المحرمات ويبتعد عنها حتى يسلم من الإثم، ولا يشك بعد ذلك أن هناك جنةٌ ونار، وأن الجنة أعدها الله للطائعين، وأن النار أعدها الله تعالى للكافرين، وأن الكفر: هو الخروج من الإسلام، وأن الإسلام: هو الدين الصحيح إلخ كما هو معروفٌ، ينشأ الطفل من صغره من السنة الثالثة، وما بعد على هذه العقيدة.

متابعة المراحل الدراسية في مدارس التحفيظ

متابعة المراحل الدراسية في مدارس التحفيظ كذلك أيضاً: لا شك أنهم سيقرءون في المراحل الدراسية عادةً -من مرحلة ابتدائيةٍ إلى مرحلة جامعية-، ولا شك أن هناك مدارس يوجد فيها الخير، ويوجد من يشرف عليها من الخيرين، فهناك مثلاً: المعاهد العلمية التي نشأت على العلم النافع والاستقامةِ والعمل الصالح، ولا شك أنها أيضاً من الوسائل المعينة على التربية الإيمانية. فإذا وفق الله الوالد، وضم أولاده إلى هذه المدارس والمعاهد العلمية، وتابعه على ذلك؛ رُجِيَ أنه يستقيم، ويستمر في الصلاح والاستقامة، حيث إنه يتربى على العلوم النافعة، فيقرأ القرآن وتفسيره والحديث وشرحه، والأحكام وشروحها وتفاصيلها، ويقرأ العقيدة والتوحيد وتفاصيل ذلك وأدلته، وكذلك يقرأ الآداب الإسلامية، فيقرأ ما هو بحاجةٍ إليه في حياته، فإذا قرأ هذه المواد كلها أثرت في استقامته وفطرته، فسلمت فطرته من الانحراف غالباً إلا من شاء الله، واستقامت عقيدته، ونشأ نشأة طيبة، وحصل من آثار ذلك بقاؤه على هذه العقيدة السليمة. وإذا اختار مدرسةً من المدارس غير هذه المعاهد العلمية، فإن والده إذا تعاهده وأوصى عليه من يشرف عليه من المدرسين كان ذلك أيضاً من الأسباب في استقامته، فيتعاهده أبوه، ويحثه على المواظبة على الدراسة الدينية التي فيها الخير والتعمق في أصول الدين، وفي العلوم الدينية النافعة كعلم العقيدة، حتى ترسخ في ذهنه وقلبه، وكعلم الحلال والحرام، والواجبات والمحظورات، والعبادات التي فرضها الله، والمحرمات التي حرمها الله، فيتابعه ويتفقده حتى يتأكد أنه على هذه الاستقامة؛ لأن هذه المدارس متوسطةً أو ثانويةً لا تخلو -والحمد لله- من مربين صالحين، ومشرفين مأمونين، وكذلك أيضاً: فيها العلوم الشرعية النافعة، ولو كانت قليلةً نسبياً، ولكنها لا تخلو من النفع، وإذا وفق الله تعالى طلبة العلم -صغاراً وكباراً- للاهتمام بالمواد الدينية العلمية، والحرص على تقريرها وترسيخها في قلوب الأطفال والطلاب كان ذلك من أسباب استقامتهم.

المهملون لتربية أولادهم وما جنوا منه

المهملون لتربية أولادهم وما جنوا منه من الناس من أهملوا أولادهم ومن تحت أيديهم ولم ينشغلوا بهم، فهؤلاء إذا وفق الله أولئك الأطفال لمن يعتني بهم ويتلقاهم حفظوا دينهم وحفظهم الله، وإلا فإنهم في سبيلهم إلى الهلاك والفساد، فكثير من الآباء -هداهم الله- منشغلون بدنياهم أو بشهواتهم وجلسائهم، وبملذاتهم الدنيوية، فتجد أحدهم يخرج من بيته في الصباح، ولا يأتي إلا في نصف الليل ليبيت، أو يأتي في وسط النهار ليأكل أكلته، ثم ينام، ثم يذهب في آخر النهار إلى أن يمضي ثلث الليل أو نصفه، وهو إما في تجارته أو حرفته وصنعته أو في وظيفته، أو مع أصدقائه وزملائه الذين يجالسهم، ويقضي معهم وقته في رحلاتٍ أو استراحاتٍ أو جلساتٍ أو اجتماعاتٍ، وأما أهله وأولاده وذريته فليس لهم نصيبٌ منه إلا قليلاً، ويتعلل بأنه منشغل، ويقول: يكفيني أني أُؤمن لكم ما تحتاجون إليه، اطلبوا مني ما تريدون من الدنيا، أُؤمن لكم المطعم والمشرب والملبس، وما تطلبونه من الحاجات الدنيوية، أما أنه يتفرغ لهم فلا، وليس لهم منه نصيب، ولا شك أن هذا كثير. والواجب على المسلم أن ينتبه لمن تحت يديه، وهؤلاء المعرضون عن أهليهم وأولادهم، لا يدرون ماذا يفعلون، وما يحل بهم، وما ينزل بهم؛ فيكلون أولادهم إلى من يربيهم، فيقول أحدهم: لقد نظمت الأولاد -الذكور والإناث- في تلك المدرسة، وقد وكلت تربيتهم وتعليمهم إلى هؤلاء المدرسين، وأما أنا فإني منشغل لا أتفرغ لمجالستهم، ولا لتفقد أحوالهم، وماذا يفعل؟ ينشغل في حاجاته وأموره الدنيوية، والأولاد إن وفقهم الله تعالى لمن يربيهم صلحوا، وإلا فهم في طريقهم إلى الانحراف والفساد؛ فقد يوفقون لجلساء صالحين، ومربين ومدرسين صالحين، فيعلمونهم ويربونهم، وينشئونهم نشأةً صالحةً؛ فيحيون حياةً سعيدة، ويعيشون على الخير والاستقامة، بسبب زملاء وأصدقاء ومعلمين ومدرسين ومدربين ومشرفين، وقد يكون ذلك بسبب بعض قراباتهم الذين يشفقون عليهم، يشفق على هذا أخوه أو عمه أو خاله أو قريبه أو صهره أو نحو ذلك. كذلك أيضاً: قد يكون للأمهات أثرٌ في التربية، وتفقد أحوال أولادها إذا كان الأب منشغلاً بأموره الخاصة، فتتفقد أولادها، وتحرص على أن يكونوا من أهل الخير، وأن يستقيموا على طاعة الله، وتحرص على الوسائل التي ذكرناها في القسم الأول، فلعل ذلك يكون وسيلةً من وسائل الصلاح، فأما إذا لم تكن الأم عارفةً بذلك، أو لم يكن هناك من يغار على هؤلاء الأولاد ولا يهتم بهم؛ فإنهم على خطر أن ينحرفوا، وأن يتربوا تربيةً سيئة إلا ما شاء الله، ونحن نعرف أن هذا كله ليس مطرداً، فقد رأينا أناساً عندهم نصح وإخلاصٌ لأولادهم، ومحبة لنجاتهم، وحرصٌ على استقامتهم ومتابعتهم، ومع ذلك قد خرج بعض الأولاد عن الاستقامة وانحرفوا، وابتلوا بما أفسد عليهم عقائدهم أو أفسد عليهم أعمالهم، أو أنهم بأنفسهم مالوا إلى الشر والفساد مع حرص الآباء، فليعلم الآباءُ والأولياء المسئولون أن هذا لا حيلةَ لهم فيه، وأن الله تعالى هو الهادي، وأن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن، من شاء أضله، ومن شاء أقامه، وأن من يضلل الله فما له من هاد، وهذا حقٌ. كذلك قد رأينا ورأيتم الكثير من الآباء المشتغلين بدنياهم، والمهتمين بأمورهم الخاصة، والمعرضين عن تربية أولادهم، ولكن وفق الله تعالى الأولاد إلى من رباهم تربيةً صالحة، فانتفعوا بما يسمعون من نصائح في إذاعاتٍ، أو خطبٍ، أو جلساتٍ، أو في مجلاتٍ وصحفٍ إسلامية، أو حلقاتٍ علميةٍ، أو جلساء صالحين؛ فانتفعوا انتفاعاً جلياً، فحفظهم الله تعالى واستقاموا، ولو لم يكن لآبائهم وأهليهم بهم عناية، فقد يوفق الله تعالى لهم من يعتني بهم، {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي} [الأعراف:178]، ولكن لا شك أن هناك أسباباً يجب أن يعتنى بها، لأن هذه الأسباب لها تأثيرٌ بإذن الله، والله تعالى هو الذي جعلها أسباباً، وجعلها مفيدةً، وأمر بفعلها، وبالحرص على الإتيان بما يستطيع الإنسان من الأسباب التي تكون وسيلةً إلى الصلاح. فالذين لم يهتموا بصلاح أولادهم، لا شك أن الغالب على الأولاد أن يتولى تربيتهم من يفسدهم إلا ما شاء الله، فينشئون نشأةً سيئة، ويقعون في المشكلات والأخطار، ويصعب بعد ذلك تقويمهم، فيقال لمثل هؤلاء: إنكم مسئولون عمن تحت أيديكم، تذكروا هذا الحديث: (كلكم راعٍ وكلكم مسئولٌ عن رعيته، فالرجلُ راعٍ على أهل بيته، ومسئولٌ عن رعيته)، فانشغالك بدنياك هذا الانشغال يصدك عن الخير، ويلهيك عمن أنت مسئولٌ عنه، ولابد أن تجعل لأولادك نصيباً من وقتك، ولابد أن تأتيهم في أول النهار أو في آخره، وإذا أقمتهم في أول النهار أقمتهم إلى الصلاة، وحرصت على أن تأخذ بأيديهم إلى المساجد إذا كانوا مكلفين. كذلك أيضاً: إذا أتيت إليهم في وسط النهار -في وقت راحتك- فلا يكن همك أن تنام، أو أن تنشغل بمن زارك ونحوه، بل عليك أن تجعل لأولادك نصيباً من وقتك، فتجمعهم في مثل هذا الوقت فتربيهم وتسألهم، وتحرص على أن يكونوا عارفين بمسئوليتك عنهم، وأنك مهتم بهم اهتماماً بليغاً. وكذلك أيضاً: تحرص على تفقد أحوالهم إذا أتيت إليهم في أول الليل، فتسألهم: ماذا فعلتم؟ وماذا استفدتم؟ وما أشبه ذلك. أما أن تنشغل بدنياك أو بشهواتك عنهم فإنك بذلك تكون ملوماً، وإذا رأيتهم قد انحرفوا لم تملك بعد ذلك استقامتهم، ولم تقدر على تقويمهم، وردهم إلى الحق، فنقول: عليك ألا تنقطع عنهم انقطاعاً كلياً، وعليك أن تربيهم بما تستطيعه ولو بأمرهم بالعبادة، وأمرهم بالصلاة التي هي عمود الدين، وإلزامهم بها، وإذا كنت من أهل الخير والاستقامة لابد أنك تؤدي الصلاة جماعةً، فأولادك الذكور تأخذ بأيديهم معك إلى المسجد، فيؤدون الصلاة معك في جماعة، ويتربون على هذا الفعل، وعلى محبةِ هذه الصلاة، ومحبة المسجد، ومعرفةِ فضله، وما إلى ذلك، فلو غبت مثلاً في أول الليل عن وقت المغرب والعشاء فإن الأولاد قد تربوا على أداء هذه الصلاة جماعةً، وإذا فعلوا ذلك فإن الله تعالى يحفظهم، ويقر عينك بصلاحهم.

أهمية تربية الولد حال صغره

أهمية تربية الولد حال صغره لا شك أن ربنا سبحانه فطر الإنسان على محبةِ ذريته محبةً طبيعية، وإن علم أنهم لا ينفعونه في حياته، فقد يكون عمره في الثمانين أو في التسعين، ويولد له أولادٌ صغار، ويعرف أنه سيموت قبل أن ينفعوه، ولكن مع ذلك يحبهم ويشفق عليهم، ويعطيهم ويبذل لهم، وينشئهم على ما يعرف أن فيه خيراً، فهذا دليل على أن الله تعالى جعل هذه الرحمةَ في قلوب الآباء للأولاد وقت حاجتهم؛ لأنهم في حالة الصغر بحاجة إلى عناية، فلو أن الطفل إذا ولد قذف به، ولم يعتنِ به أبواه، فهل يستقيم ويصلح؟ لابد أنه يحتاج إلى من يربيه، وإلى من يحضنه ويطعمه ويسقيه ويرضعه، وكذلك بحاجة إلى من يعلمه ويلقنه ما تستقيم به حالته، فإذا كان هؤلاء الآباء منشغلين، ويقولون: إنما تربيتنا للأجسام دون أن نعتني بالقلوب ولا بالفطر، فإنهم -بلا شك- ملومون على ذلك، محاسبون عليه حساباً شديداً، ولا شك أنه إذا أهمله وقت الصغر يقسو قلبه بعد ذلك، وإذا قسا قلبه بعدما يبلغ أشده يحاول أبوه بعد ذلك أن يرده فيصعب رده؛ وذلك لأنه قسا عوده، ولو اعتنى به في صغره لوجده ليناً: إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت ولا تلين إذا كانت من الخشبِ فإذا كان غصناً ندياً رطباً صغيراً فإنه يلتوي ويلين مع من يلينه، فأما إذا صلب ويبس فإنه لا يلين حتى يكسر، فعلى الوالدين أن يعرفوا أن إهمالهم لأولادهم في الصغر وإعراضهم عنهم وانشغالهم بالوظائف أو التجارات أو الأعمال وتركهم تربية الأولاد، وإسناد تربيتهم إلى من قد يفسدهم من معلمين أو نحوهم، فإن ذلك مما يحزنهم إذا فات الأوان، وقست قلوبهم، وصعب تقويمهم، فأسفوا وقالوا: هذا هو سببُ تفريطنا، ونشاهد أن كثيراً من الآباءِ يشتكون أن أولادهم قسوا عليهم، وخرجوا عن طواعيتهم، وعقوهم، وقطعوهم، وخرجوا عن الاستقامة والطاعةِ لآبائهم، فنسألهم: ما السببُ في ذلك؟ فيقولون: إنا كنا قد انشغلنا عنهم، ولم نعتنِ بهم، ووكلنا تربيتهم إلى معلمين، والمعلم عادةً إنما يعلمه ما قرر عليه من المناهج الدراسية، ولكن التعليم بالفعل قليل، ثم المعلمون يعلمونهم خمس ساعاتٍ أو ستِ ساعاتٍ كل يوم، فإذا خرجوا فهناك من يتلقاهم؛ فيحرفهم، ويصرفهم، ويفسدهم، فيكون الأبُ هو السبب، لماذا فسد أولادك؟ لأني لم أنتبه لهم، فبعدما انحرفوا عرفت أني فرطت، وقلت: يا حسرتا على ما فرطتُ في جنب الله! يا حسرتا على هذه الإضاعة! وعلى هذا الإهمال! وعلى هذا الانشغال! فالآن استقبل وقتاً جديداً، وقل: أولادي الصغار سأحتضنهم، وأعتني بهم اعتناءً كاملاً، وأربيهم على الصلاح والطهارة والصلاة والصيام، وعلى العبادات والقرآن، وعلى الذكر والدعاء، وعلى فعل الخير، وحضور حلقات العلم، ومحبةِ العلماء، وعلى كل ما يؤثر في استقامتهم وفطرهم، حتى لا يعصوني كما عصاني من قبلهم، فهذا قسمٌ وقع فيه كثيرٌ من الناس.

الآباء الذين سعوا في إفساد أولادهم

الآباء الذين سعوا في إفساد أولادهم من الناس من يسعون في إفساد أولادهم، لم يغفلوا عنهم، بل جلبوا إليهم ما يفسدهم، ويصرف فطرهم، ويحرفهم عن الاستقامة، وهؤلاء كثير -والعياذ بالله-، ولعل من أسباب ذلك أن الآباء أنفسهم ليسوا من أهل الاستقامة، ولا من أهل الالتزام بطاعةِ الله، وإنما هم من الذين فسدوا في صغرهم، فكانوا سبباً في فساد أطفالهم، ومن المعلوم أن الأطفال يقتدون بآبائهم فيما يفعلون. فهناك كثيرٌ من الآباء -هداهم الله- وقعوا في شرب الدخان، ولا شك أن الأبناء إذا شاهدوا والدهم صباحاً ومساءً يشرب هذه السجائر؛ هان أمرها عندهم، وسهل تعاطيها، وقالوا: لو كان فيها ضرر ما أصر عليها والدنا ومربينا، ولو أن الأب قد ينهاهم ويحذرهم عن الوقوع فيها، ولكن لا يقدر على أن يحذرهم تحذيراً دائماً وهو يتعاطى ذلك، وإذا قالوا له: إنا نراك تتعاطى هذا الدخان علناً، فقد يقول: إني مبتلىً به، فيقولون: إذا ابتليت به ولم تتركه كما نشاهد، فما المانع لنا أن نقتدي بك؟ ولا شك أنهم إذا وقعوا في هذه البلية -التي هي شرب الدخان- فسيحصل لهم من أسباب الانحراف الشيء الكثير. كذلك أيضاً: قد يكون الآباءُ ممن ابتلوا بالسهر على الحرام، يسهر كثيرٌ من الآباء على شرب المسكرات، وتعاطي المخدرات، فإذا كان الآباء على هذا، فماذا سيكون حال الأبناء؟ لا شك أنهم سيقتدون بآبائهم، ويفعلون كما فعلوا، فيكون ذلك من أسباب انحرافهم -والعياذ بالله- إذا وقعوا في هذه البلية، كذلك الكثيرُ من الآباءِ يكونون ممن ابتلوا بسماع الأغاني واللهو والباطل، والعكوف على سماعها من أشرطةٍ أو إذاعاتٍ مرئيةٍ أو مسموعةٍ، ويتلذذون بذلك، والغناء ينبت النفاق في القلب كما ورد ذلك في الأثر، وهو وسيلةٌ من وسائل الفساد، وذريعةٌ من ذرائع الفواحش، وإذا ابتلي به من يسمعه من ذكرٍ أو أنثى، لم يصبر -عادةً- عن أن يواقع الفواحش من الزنا أو مقدماته، وما أشبه ذلك، ولا شك أن هذا من الوسائل التي تصرف كثيراً من الأبناء عن الاستقامة إذا رأوا آباءهم يصغون إلى سماع هذه الأغاني والملاهي. كذلك ابتلي كثير من الآباء بإدخال أجهزةِ الفساد التي هي الدشوش إلى منازلهم، والتي هي من وسائل وأسباب الفحشاء والمنكر؛ لما يعرض فيها من المنكرات، فيرى فيها الناظرون النساء العاريات، والرجال العراة، واقتراف المحرمات، والحيل المحرمة، وسماع المنكرات والكفريات، والسخرية بأهل الصلاح والاستقامة وما إلى ذلك مما تقشعر من ذكره الجلود، وإذا ابتلي الآباء بمثل ذلك ألف هذا الأبناء، فمتى يتفرغون لأداء الصلوات؟ ومتى يتفرغون لقراءة القرآن؟ ومتى يتفرغون لذكر الله ودعائه؟ ومتى يعرفون أن لربهم عليهم حقوقاً؟ ومتى يعرفون أن الله حرم عليهم هذه المحرمات؟ لا شك أنهم ينشئون نشأةً سيئةً بسبب هذه المنكرات التي يشاهدونها في الصباح والمساء، ولا شك أن هذا من التربية السيئة.

أهمية تحذير الأولاد من الشر

أهمية تحذير الأولاد من الشر إن من أسباب الصلاح والاستقامةِ حفظ الآباءِ لأبنائهم عن هذه المحرمات. وإذا وفق الله تعالى الأب فإنه ينبه أولاده ويقول: يا بَنِيَّ! إياكم ومجالسة أولئك المدخنين أو نحوهم! لا تجالسوهم؛ فإن من جالسهم أوقعوه فيما يقعون فيه، فإنهم لما رأوا أنهم قد ابتلوا بذلك حرصوا على أن يكثر الذين يبتلون مثلهم. فمن أسباب الصلاح تحذير الآباء أبناءهم عن مجالسة أولئك المنحرفين، من شبابٍ أو كهولٍ أو شيوخٍ ونحوهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حث على الجلساء الصالحين، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي)، ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: (المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)، فإذا تفقد الوالد أبناءه مع جلسائهم، ورأى أن فيهم من يتعاطى شرب الدخان؛ حرص على إبعادهم عن ذلك حتى يسلموا من هذا الداء الدوي. كذلك أيضاً: يحرص على ألاَّ يجالسوا المفسدين الذين يوقعونهم في المسكرات وما أشبهها، وما أكثر وسائل ذلك! كثرت هذه المسكرات، وكثر تعاطيها، وأصبحت توجد في المقاهي، وفي الكثير من المطاعم والاستراحات وما أشبهها، فيوجد الذين يجلسون فيها على سماع النغمات الشيقة في نظرهم، وكذلك رؤية الصور الفاتنة التي يتلذذون بها في نظرهم، والوالد المشفق حريصٌ على إبعاد أولاده عن أمثال هذه المحرمات، فينصحه ألاَّ يدخل في تلك المقاهي التي تفسد عليه خلقه، والتي تغير فطرته. كذلك أيضاً: يبعد عن منزله هذه الوسائل، ويحذر أولاده أن يدخلوا بيوتهم هذه المنكرات من الدشوش ونحوها، وكذلك يحذرهم أن يزوروا أقاربهم إذا كانوا كذلك إلا إذا كانوا متحفظين، ويحذرهم أن يدخلوا تلك المقاهي التي يعرض فيها هذا الفساد، وهذا الشر الذي من وقع فيه ورآه اهتم به وألفه، وصعب بعد ذلك عليه أن يتركه، ويحذرهم من الكتب المضلة، والمجلات الخليعة، والإذاعات الماجنةِ الفاتنة وما أشبه ذلك، ولعله بذلك يكون قد ربح أولاده، ووفقه الله تعالى لأن يتربوا التربية الصالحة التي ينفعون فيها أنفسهم، وينفعون آباءهم. نقف عند هذا، ونسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين ونياتهم وذرياتهم، ونسأله أن يصلح أولادنا وذرياتنا، ونقول: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74]. اللهم! أصلح أحوال المسلمين، وأصلح ذرياتهم، وأصلح شبابهم، واجعلهم هداةً مهتدين، يقولون بالحق وبه يعدلون، واجعلهم خيرُ خلفٍ لخير سلف، واجعلهم قرةِ عينٍ لآبائهم وأجدادهم، وانفعهم بهم، وارزقهم الاستقامةَ والصلاح، وقهم أسباب الفساد، إنك ولي ذلك والقادر عليه، والله أعلم. وصلى الله على محمد.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الماء المستعمل إذا وقع على الملابس

حكم الماء المستعمل إذا وقع على الملابس Q هل الماء الذي يغسل الرجل به رجليه إذا سقط على الملابس أو شيء من الجسم طاهر أم لا؟ A الماء المستعمل لرفع حدث ليس بنجس، بحيث إنه إذا وقع على الثياب فلا ينجسها؛ وذلك لأن البدن طاهر، يعني: فوجهك ويداك ورجلاك طاهرة، ولكن هذا الحدث أمرٌ معنويٌ، فهذا الماء الذي استعملته وانصب من يديك أو من وجهك أو من رجليك ووقع على الملابس؛ نحن نقول: لا يستعمل في رفع حدثٍ آخر، يعني: لا يتوضأ به مرةً أخرى، كذلك ماء الغسل لا يغتسل به مرةً أخرى، ولا يعني هذا أنه نجس، بحيث إنه يغسل ما أصابه، ولكن لا يرفع به حدثاً، ولا يستعمل في رفع طهارة أخرى، لكن لا يغسل الثوب الذي أصابه. والله تعالى أعلم. وبالله التوفيق.

حكم تولي المرأة منصبا تخالط فيه الرجال

حكم تولي المرأة منصباً تخالط فيه الرجال Q لا يخفى على سماحتكم ما يحاك ويخطط للمرأة في هذا البلد المسلم من أعداء الإسلام، وكان آخر ذلك ما سمعنا به من تعيين إحدى النساء المنتسبات لهذا البلد في هيئة الأمم المتحدة، هل من كلمةٍ لسماحتكم حول هذا الموضوع، وبيان دور المرأة في المجتمع المسلم، ودور أولياء الأمور فيمن تحت أيديهم من النساء، وجزاكم الله خيراً؟ A هذا لا شك أنه مما يسوء كل مسلم، فالمرأة وظيفتها أنها تخدم زوجها وأولادها، وتربيهم التربية الصالحة، ولا شك أنه يجوز لها أن تتولى الأعمال المتعدية النافعة، فتتولى التعليم والتدريس إذا كانت ناصحةً، وكذلك تتولى العلاج والطب إذا كانت تحسن ذلك، وتتولى ذلك بالنسبة إلى النساء، وما أشبه ذلك، فأما ما ذكر من هذا فإنه مما يسوء كل مسلم، وعلى من سمع ذلك أن ينكره ويتبرأ من هذا الفعل، وإذا كانوا يعرفون هذه المرأة وأولياءها يتصلون بها وبأهلها، ويبينون بشاعةَ هذا الفعل، وأن هذا ينافي أنوثةَ المرأةِ، ويدل على رعونتها وقسوة وجهها وقلبها، وعتوها ونفرتها، وتعديها طورها الذي هو الأنوثة بتدخلها هذه المداخل مع الرجال والعياذ بالله، فينصح كل من يتساهل في مثل ذلك أو يستحسنه.

كيفية التعامل مع زوجة تتعاطى الدخان

كيفية التعامل مع زوجة تتعاطى الدخان Q رجل زوجته تشرب الدخان، علماً بأنه نصحها، ولكن قالت: لا أستطيع تركه، ولكن لا أشرب أمامك وأمام الأطفال، علماً: بأن لديها أربعة أطفال، ماذا يفعل زوجها في مثل هذه الحالة؟ هل يطلقها، علماً: بأنه حاول معها كثيراً، ولا زالت على هذه الحال؟ A هذا كذب وليس بصحيح، نعرف كثيراً ممن تركوا الدخان، وأقلعوا عنه، وتاب الله عليهم، ووفقهم، ولم يعودوا إليه، وإن كان يصعب عليهم تركه لأول مرة، ولكن إذا عزموا وتركوه تركاً كلياً -ليس تدريجياً- بل دفعةً واحدة، وصبروا عنه أسبوعاً أو أسبوعين، فإنهم بإذن الله ينفطمون عنه. فنقول: عليك أن تلزمها إلزاماً كلياً، فأولاً: بإمكانك أن تحجزها في بيتها، حتى لا يأتي إليها أحدٌ يشتريه لها أو تشتريه هي إذا خرجت، فإذا انقطع عنها تصبر مدةً طويلةً إلى أن تنفطم عنه، وكذلك تهددها بالطلاق إذا رأيت منها هذا الإصرار، فلعلها أن تخاف فترتدع وتتوب عنه، وإذا أصرت على ذلك فنرى أن بقاءها على هذه الحال بقاءٌ على خطر؛ لأنها قد تحسن ذلك لأولادها، وقد يشعرون بذلك، وقد يحسون برائحته وهم صغارٌ فيقعون في هذا المنكر، فالطلاق أولى -حينئذ- إذا أصرت.

كيفية التعامل مع أبناء يتأخرون عن الجماعة ويحلقون اللحى ويسبلون الثياب

كيفية التعامل مع أبناء يتأخرون عن الجماعة ويحلقون اللحى ويسبلون الثياب Q سائلة تقول: لي أولاد، وهم يعاندونني في الذهاب إلى المسجد في الوقت المناسب، ولا يذهبون إلا بعد الإقامة وقد تفوتهم بعض الركعات، الرجاء أن تنصحوني ماذا أفعل وجزاكم الله خير الجزاء؟ كذلك يكون بعضهم مسبلٌ الثوب، وقد أخذتُ تلك الثياب وقصرتها، وذهبوا وفصلوا أخرى، وبعضهم مُصِرٌ على حلق اللحية رغم معرفته بحرمةِ ذلك، الرجاء التوجيه وبيان ذلك بالدليل وفقكم الله. A واجبٌ عليها وعلى أبيهم وأقاربهم نصيحتهم عن هذه المعاصي، ومع الأسف أن هذا واقعٌ فيه كثير سمن الناس، كبارٌ وصغار، كهولٌ وشيوخ، فكثير من الناس وقعوا في هذه المعاصي التي منها: أنهم لا يأتون إلى المساجد إلا بعد سماع الإقامة، يجلسون على سهوٍ ولهوٍ، أو على قيلٍ وقال، أو على مشاهدةٍ للأفلام، ونظرٍ للشاشات إلى أن يسمعوا الإقامة، وقد يكون بعضهم غير متوضئ، فيتوضأ بعد الإقامة، ويفوته جزءٌ من الصلاة، ويفوتهم التقدم إلى المسجد، وتفوتهم الراتبة القبلية، ويفوتهم الذكر وقراءة القرآن، ويفوتهم تسبيح الملائكة لهم، (الملائكة تستغفر لأحدكم مادام في مصلاه: اللهم! اغفر له، اللهم! ارحمه)، والأدلة على ذلك كثيرة، فعلى المسلمين أن ينصحوا كل من رأوه يتأخر عن الصلاة، فلا يأتيها إلا وقت الإقامة أو بعدها. كذلك المعصية الأخرى التي هي الإسبال: الأدلة كثيرة على تحريم الإسبال، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار) ومثله: الثوب والقميص والسراويل، والإزار إذا جرهُ إلى أن يصل إلى الأرض أو إلى قرب الأرض يعتبر ذنباً كبيراً، وقد ورد في الحديث: (لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء)، وفي الحديث الآخر: (ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم ولهم عذابٌ أليم: المسبل، والمنان، والمنفق سلعته بالكذب)، والأحاديث كثيرة، فانصحوا الذين ترونهم يجرون ثيابهم أو يسبلونها أو يرخونها إلى تحت الكعبين. كذلك المصيبة الثالثة وهي مصيبة عامة: وهي ما ذكرت أنهم يحلقون لحاهم، وهذه بليةُ هذا الزمان، ابتلي بها الكثير، وادعوا أن هذا لا بأس به، وأنه لا حرج فيه، ونسوا أنهم مخالفون لسنة نبيهم محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ونسوا أيضاً: أن هذا الشعر جعله الله تعالى شعاراً للرجال، وفرقاً بين الرجال وبين النساء، ونسوا أن في حلقه تشبهاً بالنساء، وأن الذين يحلقونه هم الكفار، (ومن تشبه بقومٍ فهو منهم)، والأدلةُ على ذلك كثيرةٌ، فاحرصوا على تنبيه إخوانكم، وعلى تحذيرهم من المنكرات.

حكم حلق الأولاد القزع ولبس الخليع للبنات الصغار

حكم حلق الأولاد القزع ولبس الخليع للبنات الصغار Q ما رأيكم فمن يحلق لأبنائه القزع، ويلبس بناته الصغار ألبسةً تكشف شيئاً من مفاتنهن وعوراتهن؟ A هذا من التربية السيئة؛ لأنهم إذا تربوا على ذلك ألفوا هذه الأفعال، وصعب بعد ذلك تخليهم عنه، فيكون ذلك سبباً في انحرافهم وزيغهم، نسأل الله العافية، فلا شك أنهم إذا ألفوا هذه الأكسية القصيرة أو هذا اللباس الذي يسمى البنطلون صعب بعد ذلك تخليهن عنه، إذا كبرنَ، ومتى تصلحُ إذا نشأت وهي صغيرة على هذا اللباس القصير أو الضيق أو ما أشبه ذلك؟ كذلك أيضاً الأولاد: متى يصلحون إذا رباهم على هذا القزع، وعلى هذا الحلق الذي هو محرمٌ كما هو واردٌ في الحديث؟ وكذلك متى تصلح البنات إذا تربين على قصِ رءوسهن كما يسمى بمدرجات، أو على تغيير لون الشعر بما يسمى (الميش) وما أشبه ذلك؟ هذه الأمور من التربية السيئة، فنقول: على الوالدين أن يربوا أولادهم تربية حسنةً في صغرهم، وألا يعلموهم هذه المحرمات.

نصيحة لمن يتهاون في صلاة الفجر

نصيحة لمن يتهاون في صلاة الفجر Q أحياناً لا أصحو لصلاة الفجر، وذلك بالرغم من وضع المنبه، وكذلك زوجتي تصحيني ولا أصحو لصلاة الفجر، ولا أصلي الفجر إلا الساعة السادسة صباحاً -أي: بعد طلوع الشمس- فما حكم ذلك؟ A هذا لا يجوز، وأنت تعرف -أيها السائل- أنك مفرطٌ ومخطئٌ خطئاً كبيراً، فننصحك أنك إذا أوقظت أن تستيقظ وأن تنتبه، فإنه لو أيقظك أحدٌ من أقاربك لغرض لانتبهت وخرجت إليه، وكذلك لو كان عندك موعد سفر أو وعدك أحد في الساعةُ الثالثة أو الثانية فإنك تنتبه بسرعةٍ إذا جاء ذلك الوقت ولا تنام، فننصحك بأن تنام مبكراً لتعطي نفسك حظها من راحتها في النوم، وأن تجعل عندك ساعة تنبيه حتى لا تفوتك هذه الصلاة، فإنها أثقل الصلاة على المنافقين.

حكم مشاهدة الأفلام الكرتونية والاستماع إلى الأناشيد

حكم مشاهدة الأفلام الكرتونية والاستماع إلى الأناشيد Q تميل نفوس الأطفال عادةً إلى مشاهدة الأفلام الكرتونية على شاشة التلفاز، ولكن يصاحب هذه الأفلام موسيقى، وبعض الصور التي لا تجوز، وقد ظهر في الأسواق أفلام كرتونية، ولكنها تتميز بعدم وجود الموسيقى، وتكون هادفة تحتوي على القصص الإسلامية وبعض الإرشادات للأطفال، فهل ترى في هذه الأفلام بأساً أو عدم الاتجاه إلى هذا المتجه؟ أيضاً: يسأل كثير من الإخوان عن الإنترنت، وعما يسمى بـ (البلاستيشن) -وهي ألعاب تعمل على الحاسب الآلي- وعن الأناشيد الإسلامية أيضاً؟ A إذا كان لابد من الشر فيختار ما هو أخف، فمن قواعد الفقهاء: ارتكاب أخف الضررين لتفويت أشدهما ضرراً، فإذا لم يكن هناك سلامةٌ من هذه الشرور فبعض الشر أهون من بعض، فالأفلام التي تسمى كرتونية أنا لا أعرفها، وقد ذكر السائل أن فيها صوراً فاتنة، وفيها موسيقى، وهناك أفلام سالمةٌ من ذلك، وفيها شيءٌ من التربية الطيبة، فشغل الأطفال بتلك الأفلام السالمة أولى من شغلهم بهذه الشرور والمفسدات ونحوها. ولا شك أن هناك خلافاً في بعض الأشياء التي ذكر السائل، فالنشيد إذا لم يكن فيه تغنج، ولا تلحين، ولا تمايل يثير العواطف، فلا بأس بذلك إذا كان شعراً ينشد، فإن الشعر حسنه حسن، وقبيحه قبيح كالكلام. وكذلك التمثيل إذا كان هادفاً نرى أنه لا بأس به، إذا لم يكن فيه تنقصٌ لأحدٍ من العلماء أو من الدعاةِ أو ما أشبه ذلك، وكان فيه ما يفيد الناظرين، فلعله جائز.

وجوب نصيحة الأقارب الذين يوجد عندهم اختلاط

وجوب نصيحة الأقارب الذين يوجد عندهم اختلاط Q زوجي ملتزمٌ -ولله الحمد- ولكن له إخوانٌ وأخوات عندهم بعض المنكرات من دشوشٍ واختلاطٍ بين الذكور والإناث، ولبس بناتهم الألبسة المحرمة مثل البنطال وغيره، وأحد الأولاد وضع في بيت والدته دشاً، وأنا دائمة اللوم لزوجي في عدم إنكاره الدائم لهم، وجزاكم الله خيراً؟ A عليكم جميعاً أن تنصحوا أقاربكِ وأقاربَ زوجكِ، وتكرروا النصيحةَ لهم، حيث إنكم تقصدون بذلك نجاتهم واستقامتهم على الحق، وسلامتهم من المنكر، وإذا بينتم لهم ذلك فلعلهم أن يرعووا، ولعلهم أن يتوبوا، وننصحكم ألا تدخلوا تلك الأماكن التي فيها هذه الدشوش، وفيها هذه المرائي القبيحة، والصور الفاتنة التي تعرض على الشاشات؛ لأن النظر إليها يشوق الأطفال إليها، ثم بعد ذلك يألفونه ويصعب انفطامهم عنها.

نصيحة لشابة ترد كثير من الخطاب بحجة الدراسة الجامعية

نصيحة لشابة ترد كثير من الخطاب بحجة الدراسة الجامعية Q أنا شابةٌ عمري ثماني عشرة سنة، وقد تزوجتُ ولم أوفق في زواجي، والآن تقدم لي شبابٌ كثير وأنا خائفة وأرفض الزواج، ووالدتي تلح علي وتقول: إن شبابك يفوت، والعمر يطوى، ولن أبقى لكِ، أرجو أن تنصحني وتنصح والدتي، وأنا أريد أن أكمل دراستي الجامعية، بارك الله فيكم، وأطال الله عمركم على طاعة الله؟ A ننصحك أن تطيعي والدتكِ حتى لا يذهب عمرك عليك، فإذا تقدم لكِ من هو كفؤٌ من الشباب الصالح فلا ترديه؛ لقوله عليه السلام: (إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبير)، والدراسة ليست ضرورية، وفي إمكانك أن تدرسي بالانتساب، وفي إمكانك أن تدرسي إذا وفقكِ الله لزوج صالح وسمح لكِ بذلك، فلا تفوت عليكِ فرص الزواج، إذا تقدم لكِ من فيه الكفاءة والأهلية.

حكم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وشد الرحال إليه

حكم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وشد الرحال إليه Q ما حكم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وشد الرحال إليه؟ A وردت أحاديث ضعيفة في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم والحث عليها، وقد أوردها شيخنا الشيخ ابن باز رحمه الله في آخر رسالته: التحقيق والإيضاح لكثير من مناسك الحج والعمرة والزيارة على ضوء الكتاب والسنة، وبين أنها ضعيفة، وكذلك تكلم عليها العلماء، وبينوا أنها لا يعضد بعضها بعضاً، واستدلوا بقوله عليه الصلاة والسلام: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد) يعني: لا يسافر إنسانٌ لأجل مكان يتقرب فيه إلى الله فيتعبد فيه، ويدعي أن العبادة فيه لها الفضل إلا في هذه المساجد الثلاثة، وأما المشاهد -كما تسمى- والقبور وما أشبهها فلا يسافر إليها، ومن أراد أن يسافر إلى المدينة فيكون قصده زيارة المسجد النبوي الذي تضاعف فيه الصلاة، ولا يكون قصده القبر، ولا قبور الشهداء ولا غير ذلك، وإذا وصل إلى هناك تمكن من الزيارة بلا شد رحل.

الوسائل التي يتم بها إقناع الأولاد لحفظ القرآن

الوسائل التي يتم بها إقناع الأولاد لحفظ القرآن Q لم أستطع إقناع أبنائي بالذهاب إلى حلقات تحفيظ القرآن، فما هي الطريقة الصحيحة التي أستطيع إقناعهم بها، وبماذا تنصحونني؟ وهل حفظ القرآن الكريم واجبٌ على المسلم المستطيع؟ A نقول: لعلك أن تقنعهم شيئاً فشيئاً حتى يذهبوا إلى الحلقات العلمية، في أول الأمر تعطيهم جوائز حتى يألفوا، وكذلك تربيهم على محبة هذا العلم، ومحبة القرآن، وتبين لهم آثاره، وكذلك تضرب لهم الأمثال، لا يسبقكم فلان، لا يكون أولاد فلان خيراً منكم وأشباه ذلك، فإن الأطفال يتنافسون في مثل هذه المسابقات، وهذه الأعمال، ويتنافسون في الحصول على الجوائز والتشجيعات وما أشبه ذلك، ولا شك أنه إذا رباهم على هذه التربية صلحوا -بإذن الله-. كذلك يأخذ بأيديهم ويدخلهم إلى المسجد، ويقول: لا يسبقكم فلان وفلان، لعل الله تعالى أن يوفقهم. ولا شك أن حفظ القرآن من أفضل الأعمال؛ وذلك لأن من حفظه صارَ حافظاً للعلم، فإن القرآن: هو أصل العلوم، ويعتبر حفظه فرضاً على الأمة أي: من فروض الكفايات؛ ولذلك حفظةُ القرآن يتقدمون على غيرهم، فيكون أحدهم إماماً على من هو أكبر منه، وعلى من هو أشرف منه؛ وكذلك يتولى الخطابة والدعوةَ، ويتولى الأعمال الخيرية، فينبغي أن يتنافسوا في ذلك، وأن يحرصوا على حفظه أو ما تيسر منه.

نصيحة للشباب الذين يتكلمون في العلماء

نصيحة للشباب الذين يتكلمون في العلماء Q ما رأي فضيلتكم فيمن يستحل أعراض العلماء والدعاة، فيتحدث عنهم، ويحذر منهم العامةَ والخاصة، بحجةِ تحذير الناس من أخطائهم كما يزعم؟! A ابتلي في هذه الأزمنة بعض هؤلاء الشباب المنحرفين بسب كثيرٍ من العلماء البارزين، وصار التفكه والتلذذ عندهم بذكر أعراضهم، والتنقص لهم، فيقرءون كلام العالم من غير فهم، ثم يخطئونه في هذه الكلمة أو في هذه الجملة، فيدعون أنه أخطأ الصواب، مع أنهم ليسوا أهلاً أن يخطئوا، وليسوا أهلاً أن يصوبوا، ما بلغوا شيئاً من ذلك فيقال لهم: أقلوا عليهم لا أبا لأبيكمُ من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا فهؤلاء الشباب الذين يطعنون في علماء الأمة، ويطعنون في الدعاة، ماذا أفادوا؟ ننصحهم أن يمسكوا ألسنتهم، وإذا لم يمدحوا علماء الأمة فيكفوا ألسنتهم عن أذاهم، وعن تتبع أخطائهم إن كان هناك أخطاءٌ، وإذا كانوا صادقين فيتصلون بذلك العالم الذي أخطأ، ويناقشونه علناً، فسوف يجدون أنه على صوابٍ وأنهم هم المخطئون.

أهمية تعلم الصناعات وتدريب الأولاد عليها

أهمية تعلم الصناعات وتدريب الأولاد عليها Q يقول الله سبحانه وتعالى في إعداد القوة: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60]، أرجو أن توضحوا للشباب حكم تعلم الصناعات وإتقانها من الأسلحة كافة، لعل في إيضاحكم ما يدفع الشباب إلى التوجه للتخصص في تعلم هذه الصناعات وإتقانها، وأدعو الله أن يغفر لنا ولكم ولوالدينا وللمسلمين؟ A هذه الآية فسرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي)، والرمي في ذلك الزمان كان الرمي بالسهام التي هي قطعٌ من أعواد السَّلم ونحوها، يحدد أحد أطرافها، ويرمى بها في القوس، فتصيب المرمي وتنفذ فيه، كما في قوله: (كما يمرق السهم من الرمية)، ويرمى بها أيضاً في القتال ونحوه، لكن جاءت في هذه الأزمنة هذه الأسلحة الجديدة، وحيث إن المسلمين بحاجةٍ إلى هذه الأسلحة الجديدة، وبحاجةٍ إلى أن يستعملوها؛ حتى يكفوا بها عدوهم الذي يستعملها ويستعمل ما هو مثلها؛ فنرى أن تعلمها على ما ورد في الحديث من السنة لقوله عليه السلام: (ارموا بني إسماعيل! فإن أباكم كان رامياً)، وفي الحديث: (من تعلم الرمي ثم تركه فهو نعمةٌ كفرها)، والأحاديث في ذلك كثيرة، فإذا وجدت وسائل التعلم على هذه الأسلحة تعلم الرمي بها، حتى إذا احتيج إلى ذلك يكون مستعداً، فإن عليه أن يفعل ذلك، ويحرص على هذا التعلم بحسب استطاعته إن وجد ذلك في الداخل أو في الخارج، وهذا إذا تيسر.

كيفية التعامل مع الأولاد المعاندين

كيفية التعامل مع الأولاد المعاندين Q إذا لمس الأب من أحد أبنائه العناد وعدم اتباع النصح، وخاف عليه من الانحراف، فهل له أن يضربه ويقسو عليه؟ وما هي الطريقة المثلى لتربيته وجعله صالحاً بإذن الله؟ في الوقت الحاضر يصعب التخلص من المحطات الفضائية ومشاهدة الأبناء لها؛ لأنه إذا منعهم منها سوف يبحثون عنها في مكان آخر، فإذا جلس الوالد معهم، وحاول شرح الصالح لهم وحثهم على اتباعه، وبيان الشر والحرام وإقناعهم باجتنابه، فهل ترون أن هذه الطريقة صالحة وضرورية بإذن الله، وجزاكم الله خيراً ونفع بكم؟ A يفعل الوالد ما يستطيعه إذا رأى من أحد أولاده شيئاً من التصلب، أو شيئاً من القسوة عليه، أو الميل عن الاستقامة، وهذا يقع كثيراً من الأبناء، بحيث إنه يصد عن ذكر الله وعن الصلاة فيترك العبادة، ويقع في المنكرات، ويبتلى بالمخدرات، وما أشبه ذلك، فيقع الأب في حيرة، ماذا أفعل به؟! إنه قد كبر! إنه قد بلغ العشرين أو نحوها! كيف أضربه وهو أكبر مني؟ وأقوى مني؟ فنقول: يفعل ما يستطيعه، والهدايةُ بيد الله تعالى، يتكلم معه بالكلام اللين، ثم يشدد عليه ويقسو بالكلام، وإن رأى أن الضرب يؤثر فيه ويفيد ضربه، وإن رأى أنه لا يستفيد رفع أمره إلى من يأخذُ على يديه من الدوائر الحكومية، فلعلهم أن يؤدبوه التأديب الذي يرتدع به. ونوصيه أن يدعو لهم بالصلاح والاستقامة، ويفعل ما يقدر عليه من الأسباب. وأما ما ابتلي به المسلمون في هذه الأزمنة من القنوات الفضائية، فنقول: إن السلامةَ الابتعاد منها، والوالد عليه أن يبعدها عن مجتمعه وأسرته، وألا يدخل شيئاً من هذه الأجهزة في منزله؛ فإنها شر، وليس فيها خير، هذا هو الأولى، فيحذر أولاده، ويبين لهم شرها وآثارها، وإذا كانوا صالحين فإنهم سيقبلون من والدهم، ويرتدعون عن النظر إليها، وأما إذا عرف أنهم إذا منعوا منها في منزلهم تتبعوها في المقاهي وعند الجيران، ومع أصحابهم ورفقائهم؛ فننصحه أن يتابعهم، وأن يمنعهم منعاً شديداً حتى لا يقعوا فيها، وإذا كان ولابد فهناك أشرطة فيديو فيها منفعةٌ، فيظهر فيها مناظرُ حسنةٌ، ولو كان فيها شيءٌ من الصور المتحركة، فيتسلون بها، ويعرفون أحوال بعض الدول، ولا يكون فيها محذور إن شاء الله، فيكون فيها الانشغال عن المحرمات، هذا الذي نراه.

البدع والمحدثات في العقائد والأعمال

البدع والمحدثات في العقائد والأعمال من نعم الله على المسلمين أن أتم لهم دينهم وأكمله، ولا يجوز لأحد أن يزيد فيه شيئاً، ومن زاد في الدين ما ليس منه فقد أتى ببدعة، وهي مردودة عليه غير مقبولة. والناس في مسألة البدعة ينقسمون إلى طرفين ووسط: فطرف فتح الباب على مصراعيه، وأحدث ما لا يحصى من البدع، وقابل هذا الطرف طرف آخر جعل ما ليس ببدعةٍ بدعةً، حتى حكم على كثير من أمور الحياة بالبدعة، وتوسط آخرون فجعلوا البدع فيما أحدث في الدين، وأما ما تجدد من أمور الدنيا فلا يدخل في باب البدع.

انتشار البدع في الناس واختلاطها بالعبادات والمعاملات

انتشار البدع في الناس واختلاطها بالعبادات والمعاملات بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

من بدع الصيام

من بدع الصيام من بدع العبادات بدع الصيام كتأخير وقت الإمساك، وهذه البدعة جاءت من الرافضة الذين لا يصومون مع المسلمين، ولا يفطرون إلا بعدما تشتبك النجوم. وأما البدع التي هي عبادات مستقلة أو أفعال ظاهرة فلا شك أنه ليس لها أصل في الشريعة. وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن بدع الجاهلية، ومن ذلك أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بدعة كانت معتادة في الجاهلية وتسمى العتيرة وهي: ذبيحة شهر رجب، فقال: (لا فرع ولا عتيرة) ولكن مع الأسف يوجد من يعمل بها الآن وإن سموها بغير هذا الاسم، وهي في الحقيقة ليست قربة ولا طاعة.

بعض بدع التعزية

بعض بدع التعزية وكذلك هناك بدع في التعزية: إذا مات إنسان فإنه يجتمع أهله ويقرءون القرآن ويهدون ثوابه إلى ذلك الميت، وهذا العمل لم يفعله الصحابة ولا السلف، والذي عليه الجمهور: أن الميت إنما يدعى له ويترحم عليه، ومن أراد أن يعمل عملاً صالحاً ويهديه إليه فلا بأس، بخلاف ما يفعله هؤلاء من كونهم يقرءون القرآن بصوت واحد، أو يستأجرون من يقرأ القرآن ثم يجعلون ثوابه لذلك الميت. وهكذا أيضاً من البدع: كون المصاب بالموت يجعل عليه لباساً خاصاً، يقولون: حتى يعرف فيعزى! وليس لهذا أصل، بل الأصل أن المصاب عليه أن يتسلى ويصبر، ولا يفعل هذه الأفعال الخاصة ونحوها. ومن البدع أيضاً: أن كثيراً من الناس إذا مات أحد أقربائهم فإن المصابين بالموت يذبحون ذبائح لكل من زارهم، وربما يكون ذلك المال مشتركاً بينهم وبين اليتامى ونحوهم. وتراهم أيضاً يستزيرون الناس أو يستزيرهم أقاربهم، وكل يوم يذبحون الذبائح ويسرفون فيها ويُستمر على ذلك، ولا شك أن هذا فيه شيء من الجزع الذي ينافي الصبر الذي أمر الله تعالى به، وإن هذا مما ينكره العقل أيضاً.

بعض بدع النكاح

بعض بدع النكاح وأما البدع فيما يتعلق بالنكاح ونحوه فإن هناك من يفعل المعاصي -وإن كانت لا تسمى بدعاً ولكنها تسمى معصية- ويزعمون أن الشرع أباحها، ومن ذلك الاختلاطات والرقص والطرب وجمع المطربين وما أشبه ذلك. هذا قد يسمونه طاعة، أي: فيزعمون أن الشرع أباحه، والكثير يزعم أنه تسلية وليس بطاعة، والحق أنه من الذنوب التي قد توجب سخط الله تعالى على عباده.

بدع الأعمال والمعاملات

بدع الأعمال والمعاملات وأما البدع التي تتعلق بالأعمال فقد ذكرها العلماء رحمهم الله تعالى وفصلوا فيها، فذكروا مثلاً: طلاق البدعة وهل يقع أو لا يقع؟ وذكروا البيوع التي قد تكون بيوعاً لا أصل لها، وإنما هي معاملات مبتدعة وأشباه ذلك، ومن أراد التفصيل فليقرأ الكتب التي تكلمت على ذلك.

توسع بعض الناس في إطلاق كلمة البدعة على ما ليس ببدعة

توسع بعض الناس في إطلاق كلمة البدعة على ما ليس ببدعة وبعد أن عرضنا هذه الأمثلة القليلة فيما يتعلق بالبدع، نقول: إن كثيراً من الذين يسمعون كلمة البدعة قد يضيفون إليها ما ليس ببدعة، فقد يأتون إلى كل مسألة فيها خلاف فيحكمون عليها بأنها بدعة، أو يجعلون كل ما لم يجدوا له دليلاً من الشرع صريحاً أو نصاً واضحاً يجعلونه بدعة، وإن كان قد عمل به الصحابة أو عمل به المسلمون وهذا خطأ، ولذلك أمثلة.

خطؤهم في إطلاق البدعة على صلاة التراويح

خطؤهم في إطلاق البدعة على صلاة التراويح فمن ذلك: أن كثيراً من هؤلاء يعتقد أن صلاة التراويح بدعة، ويستدلون بقول عمر رضي الله عنه: (نعمة البدعة هذه)، وهذا خطأ؛ وذلك لأنها صُليت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حيث صلاها جماعة عدة ليال، ولكنه خشي أن تفرض عليهم، فترك الجماعة وأمرهم بأن يصلوا من غير جماعة، فكان كل واحد أو كل اثنين أو كل عشرة يصلون لأنفسهم، فرأى عمر أن يجمعهم على إمام واحد، وسمى هذا الجمع بدعة، وهو يقصد بدعة لغوية لا أنه بدعة شرعية. هكذا أجاب العلماء، فإذا حكمت على هذا بأنه بدعة، فيلزمك تضليل الصحابة، وإنكار السنة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم، فتكون قد أنكرت طاعة من الطاعات اتفقت عليها كلمة المسلمين من عهد الصحابة رضي الله عنهم إلى عهدنا، وليس المجال متسعاً للتوسع في هذا الشيء والكلام عليه، ومن أراد ذلك فليقرأ ما كتبه العلماء في ما يتعلق بهذا. وقد تكلم بعض العلماء كـ ابن رجب على قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث العرباض: (إياكم والبدع، فإن كل محدثة بدعة)، وذكروا أمثلة مما ليس ببدعة وأجابوا عنها. فنقول: إن بعضاً من الإخوة -هداهم الله- كلما رأوا أمراً مختلفاً فيه عدوه بدعة أو محدثاً أو ما أشبه ذلك، وهم بذلك مخطئون؛ لأن ذلك متوارث عن المسلمين من أولهم إلى آخرهم.

خطؤهم في إطلاق البدعة على اتخاذ المحاريب

خطؤهم في إطلاق البدعة على اتخاذ المحاريب وقد سمعت أن بعضاً منهم يقول: إن اتخاذ المحاريب في المساجد بدعة لا أصل له، فأنكروا ما جاء في السنة بل ما جاء في القرآن كقول الله تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} [آل عمران:39]، ولا شك أن المحراب هو مقدم المسجد، وأن المساجد لا تعرف ولا تميز إلا بهذه المحاريب التي تكون علامة لها، فكيف تكون بدعة؟! ثم إنها من البنايات التي توارثها المسلمون: متأخرهم عن متقدمهم من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عهدنا. وكذلك كون بعضهم ينكر ارتفاع المنابر! مع أنه عليه الصلاة والسلام اتخذ منبراً له، وكان ارتفاعه نحو ثلاث درجات وكان مناسباً في وقته، واتخذ الصحابة بعده منابر أرفع من ذلك ولم ينكر ذلك عليهم، وجعلوا ذلك من قبيل المباحات التي تستعمل بقدر الحاجة؛ لأنهم تأكدوا أن المصلين يحتاجون إلى ذلك، حيث لم يكن هناك مكبر، فاحتيج إلى أن يرتفع الإمام حتى يبلغ صوته البعيد منهم، فكيف يجعل ذلك من البدع أو من المنكرات؟!

خطؤهم في إطلاق البدعة في المسائل الخلافية

خطؤهم في إطلاق البدعة في المسائل الخلافية وهكذا الذين يجعلون المسائل الخلافية من البدع فهذا أيضاً خطأ، فإن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في بعض المسائل ولم يبدع بعضهم بعضاً، فقد اختلفوا في مسائل كثيرة، وكان سبب اختلافهم الاجتهاد، وإذا بلغهم النص رجعوا إليه، إذاً: هم يجتهدون حيث لا يذكرون شيئاً من النصوص الدالة على الحكم في المسألة، وبهذا الاجتهاد يقع الاختلاف، سواء كان ذلك في الفرائض كاختلافهم في الجد والإخوة: هل يرثون مع الجد أم لا؟ أم كان في غير الفرائض، كاختلافهم في الطهارة: فيما يلزم غسله وما لا يلزم، واختلافهم أيضاً في بعض العبادات والمحرمات وما أشبه ذلك. وهذه الخلافات إنما أداهم إليها اجتهادهم، ولا شك أن هذا من باب التوسعة على الأمة، حيث أوجدوا بذلك مجالاً للاجتهاد، فمن سلك سنة بعض الصحابة رضي الله عنهم فله قدوة، فلا يبدع ولا يضلل ما دام أن هناك من قال بهذه المقالة قبله، وباب الاجتهاد مفتوح؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن اجتهد فأخطأ فله أجر)، فهذه من أنواع اجتهاداتهم. وكذلك الأئمة من بعدهم كالأئمة الأربعة: أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، فإنهم أيضاً وقع بينهم شيء من الاختلافات، فلا يقال: إن هذا بدعة وأن هذا مبتدع حيث خالف في هذا؛ لأن هذا كله إنما يتعلق بالفروع لا بالعقائد، فاختلافاتهم هذه من الاختلافات الفرعية التي أداهم إليها اجتهادهم، فلا يقال: إن هذا مبتدع، بل عليك أن تقول: هذا ما أدى إليه اجتهاده. فإذا صليت مثلاً وراء إمام يتبع الشافعي ويجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية فلا تخطئه؛ لأن له قدوة وهو الإمام الشافعي رحمه الله، وإن كان الصواب مع الذين يسرون بها، ولكن هذا قول من الأقوال، وإذا صليت مثلاً وراء من يجلس جلسة الاستراحة فلا تقل هذه بدعة؛ لأنه قد روي فيها حديث، وإن كان قد أنكرها كثير من العلماء. ولا تقل: زاد هذا في الصلاة أو أنقص منها أو ما أشبه ذلك، بل قل: هذا مجتهد وله حظه من الاجتهاد وله دليل تمسك به، وإن كان هذا الدليل محتملاً عند كثير من العلماء، وهكذا بقية المسائل الاجتهادية التي تحدث في كثير من العبادات، فمجالها واسع وهو الاجتهاد.

لا يجوز التضليل في المسائل الخلافية

لا يجوز التضليل في المسائل الخلافية إذاً: عرفنا أن هذه المسائل إنما هي فرعية، وأن الخلاف فيها لا يؤدي إلى تضليل أحد من الطائفتين، بل كل منهم مجتهد ولكل مجتهد نصيب، وإن لم يكن كل مجتهد مصيب.

خطأ بعض المتشددين في إطلاقهم لفظ البدعة على الميكرفونات ونحوها

خطأ بعض المتشددين في إطلاقهم لفظ البدعة على الميكرفونات ونحوها وبعد ذلك نقول: إن هناك من ألحقوا بالبدع ما ليس منها، وذلك أن البدع الأصلية إنما هي ما يتعلق بالعبادات لا ما يتعلق بالعادات، فالعادات بابها واسع وفسيح، وليس للعادات مدخل في باب البدع والتبديع، ولكن انخدع بعض الناس فأنكروا ما تجدد من الأشياء وجعلوه في حكم البدع، فكان كثير من المتعصبين والمتشددين لا يصلون في المساجد التي فيها المكبر -الميكروفون- ويقولون: إن هذا بدعة لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فكيف نصلي بعد هذا الشيء ونقتدي به؟! نقول: إن هذا خطأ، والمكبر من الأجهزة التي سخرها الله تعالى ويسرها، وفي استخدامه مصلحة عظيمة بحيث أنه يكبر الصوت ويرفعه أو يدفعه إلى الأماكن البعيدة، وصوت الإنسان قد يضعف أن يذهب عشرين متراً أو أربعين متراً، أما المكبر فيدفعه إلى أبعد من ذلك، وفي هذا مصلحة عظيمة، وبهذا يتبين أن الذين جعلوه من باب البدعة قد اجتهدوا فأخطئوا، ويجب أن نبين لهم أن هذا وإن كان يتعلق بالعبادات، إلا أنه ليس متعلقاً بماهية العبادة وحقيقتها؛ لأن المصلي لا يدخل فيه، وإنما يكبر التكبير المعروف وهذا الجهاز يرفع ذلك الصوت ويكبره ويدفعه إلى الأماكن النائية، فهو أفضل وأيسر من الشخص المنبه الذي يبلغ الصوت ويرفع صوته، وبكل حال فلا يصح اعتقاد أن هذا من البدع. كذلك أيضاً اعتقد كثير منهم أن استعمال الأجهزة الحديثة يعتبر بدعة.

البدع خاصة بباب العبادات ولا تدخل في باب العادات

البدع خاصة بباب العبادات ولا تدخل في باب العادات وقد رفع بعض الناس إلى علماء الدعوة مقالاً شنع به عليهم، وذلك أن أئمة الدعوة رحمهم الله بدعوا من يفعل الأفعال الشنيعة عند القبور، وقالوا: إن رفع القبور بدعة وإن تشييدها وتجصيصها بدعة، وصدقوا في ذلك، أما الذين بقوا على تلك المعاصي ونصروها، فقالوا لأئمة الدعوة: إن عندكم بدعاً، فلماذا لا تنكرون بدعكم، وأنتم تنكرون علينا رفع القبور وتشييدها؟! ما تلك البدع التي يقولونها؟ يقول قائلهم: وها أنتم قد تفعلون كغيركم حوادث قد جاءت عن الأب والجد فحرب ببارود وشرب لقهوة وكم بدع زادت على العد والحد يقول هذا الناظم: إن عندكم بدعة يا معشر الوهابيين! ما هي هذه البدعة؟ كونكم تشربون القهوة فهذه بدعة! عد هذه من البدع مع أنها من العادات من المآكل ومن المشارب ونحو ذلك، وليس في ذلك تدخل في العبادات، وكذلك يقول: إنكم تحاربون بالبارود، يعني: تستعملون الأسلحة الجديدة كالبارود والبندقية التي يجعل فيها شيء من البارود الذي يدفع الرصاص، ونحوه من الأسلحة الجديدة كالدبابات والمدافع والصواريخ. يقول: إن حربكم بالبارود بدعة، والسنة هي الحرب بالسيف وبالرمح وبالسهم ونحو ذلك، هكذا عد هذه من البدع، وأجيب بأن البدع إنما تكون في القربات، ولذلك يقول الذي رد عليه: وأعجب شيء أن عددت القهوة مع الحرب بالبارود في بدع الضد يعني: كيف تعد هذه من البدع، وهي ليست من البدع؟! إنما البدع ما كانت في القربات التي يتقرب بها العباد إلى الله تعالى، أما العادات فهي موسعة، فلا يقال مثلاً: إن بناء المساجد على هذه الهيئة بدعة! لأن الله تعالى لما وسع عليهم وبنوا دورهم وزخرفوها بهذه الزخرفة، كانت بيوت الله أولى بالعناية وأولى أن تظهر بمظهر لائق مناسب حتى لا تكون حقيرة بالنسبة إلى المساكن. ولو أن المساجد بقيت على بنائها القديم من الطين مثلاً ومن البناء القصير ونحو ذلك، والبيوت حولها مزخرفة ومشيدة ورفيعة وملونة بالألوان، لكانت البيوت أرفع شأناً وأفضل من المساجد، ولكانت المساجد حقيرة في النفوس، وقد أمر الله تعالى بأن ترفع في قوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور:36]، فلا يقال: إن بناءها على هذا بدعة بل إنه من المباحات، وإن وردت الأحاديث في النهي عن زخرفة المساجد فإن النهي عن ذلك في الزمن الذي قد لا تكون فيه زخرفة للبيوت ونحو ذلك، وقد تكون تلك الزخرفة فاتنة ولافتة للأنظار. كذلك أيضاً جميع الآلات الحديثة الجديدة لا يقال: إنها داخلة في البدع، فلا يقال مثلاً: إن الاستنارة بالكهرباء من البدع، أو استعمال المكيفات والمراوح الكهربائية من البدع، وكذلك ركوب السيارات أو الطائرات إلخ، فكل ذلك ليس من البدع، بل من العادات، كما أن الألبسة من المباحات، فلم يكن الصحابة يلبسون العمائم كما نلبسها، وإنما كانت عمائمهم مدورة أو محنكة أو نحو ذلك، وهذا من جملة الأمور المباحة فلا تدخل في البدع، وكذلك ما كانوا يلبسون هذا اللباس العادي الذي هو القميص والعباءة وما أشبه ذلك، وكان غالب لباسهم كلباس المحرم: إزار ورداء، ولكن الأمر فيه سعة فلا يدخل ذلك في البدع، وهكذا أيضاً المأكولات ما كانوا يتوسعون بهذه المأكولات الجديدة: من أشربة وأطعمة وحلوى وما أشبه ذلك، وما كانوا يتوسعون في اللحوم كما نتوسع وما أشبه ذلك، وإن كان ذلك مذموماً حيث إنه إسراف وإفساد، ولكن كونه من البدع؟! ليس هذا بصحيح وإنما هو من العادات، فنعلم بذلك أن أصل العادات باق على الإباحة وليس فيها نهي إلا ما اقترن بمفسدة، كالإسراف والإفساد وحرمان خير أو شغل عن طاعة أو وسيلة إلى معصية وذنب، فإنه -والحال هذه- يعتبر منهياً عنه من هذه الحيثية، لا أنه قربة وعبادة.

لا تنقسم البدع إلى خمسة أقسام ولا إلى حسنة وسيئة

لا تنقسم البدع إلى خمسة أقسام ولا إلى حسنة وسيئة وبهذا نعرف خطأ الذين قسموا البدع إلى أقسام، فجعلوا البدعة تنقسم وتتعلق بها الأحكام الخمسة، وقالوا: إن من البدعة ما هو واجب وما هو مستحب وما هو مكروه وما هو مباح وما هو محرم، وجعلوا أشياء فعلها الصحابة بدعة، وقالوا: إن الصحابة جمعوا القرآن والرسول عليه الصلاة والسلام ما جمعه، إذاً: هذا بدعة وهي بدعة حسنة. نقول: ليس الأمر كذلك وليس هذا بدعة، بل الرسول عليه الصلاة والسلام كان يأمر بكتابته، ولكنه عندما لم يتم تكامل نزوله إلا في آخر حياته صلى الله عليه وسلم لم يكن هناك متسع من الوقت لجمعه في زمنه صلى الله عليه وسلم، فجمع وكتب في عهد أبي بكر الذي هو أول الخلفاء؛ لما عرف أن القرآن قد كمل وخاف أن يضيع شيء منه، فلا يعتبر طبع المصاحف ولا كتابتها ولا تجليدها على هذه الكيفية بدعة، وإنما هو من العادات والمباحات. فإذا عرفنا مسمى البدعة وأنه يتعلق بالعبادات ويتوقف عندها، فإننا نجعل بقية الأمور على الإباحة. وخلاصة ما ذكرنا: أن البدع منها ما يتعلق بالعقائد وقد تكون مخرجة من الملة وتقدم ذلك. ومنها ما يتعلق بالعبادات التي هي الأعمال وقد ذكرنا أمثلة ذلك. ومنها ما ليس ببدعة وإن اعتقده بعض الناس بدعة: كالأمور الخلافية التي جرى فيها خلاف بين السلف والخلف، ومنها ما هو على الإباحة: كالأمور الجديدة التي تجددت أو تتجدد في كل عصر من المخترعات والصناعات، فهذا باقٍ على أصل الإباحة، وليس من البدع المذمومة؛ لأن الله تعالى أباح لنا ما على الأرض في قوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الجاثية:13]، فنتمتع بما متعنا الله تعالى به. فهذا مجمل ما ذكرناه، وعلى المسلم أن يعرف كيف يقطع حجة الخصم الذي يخاصمه من المبتدعة، الذين زين لهم الشيطان ما هم عليه من البدع، وكذلك عليه أن يعرف كيف يقمع من يتشدد في باب البدع.

أقسام الناس في مسألة البدعة

أقسام الناس في مسألة البدعة الناس في البدع ثلاثة أقسام: قسم: تشددوا فجعلوا ما ليس ببدعة بدعة، حيث أدخلوا الصناعات الحديثة في البدع، وجعلوا المسائل الخلافية من البدع وهؤلاء مخطئون. القسم الثاني: توسعوا في البدع وجعلوها مباحة، بل جعلوا من البدع ما هو واجب وما هو مستحب وما هو مباح، وهؤلاء ليسوا على حق، بل هم مخطئون. والقسم الثالث: الوسط وهم الذين قسموا هذا التقسيم، فجعلوا الأمور المباحة -التي تتعلق بالأمور الدنيوية ونحوها- باقية على الإباحة، والأمور المبتدعة هي التي تتعلق بالعبادات أو تتعلق بالعقائد. وبهذا ننهي هذا المقال، ولا شك أن البحث فيه أوسع، ولكن نكتفي بهذا القدر، ونسأل الله عز وجل أن يرزقنا الاستماع والانتفاع، ونسأله سبحانه أن يجمع قلوبنا على طاعته، وأن يصرف قلوبنا إلى محبته، ونسأله سبحانه أن يجمع كلمة المسلمين ويوحد صفوفهم، ويرزقهم القول والعمل، ويريهم الحق حقاً ويرزقهم اتباعه، والباطل باطلاً ويرزقهم اجتنابه، وأن ينصر السنة وأهلها، وأن ينصر أئمة المسلمين وقادتهم، ويرزقهم البطانة الصالحة التي تحثهم على الخير وتحذرهم من الشر، والله تعالى أعلم. وصلى الله وسلم على محمد.

الأسئلة

الأسئلة

أسباب كثرة البدع

أسباب كثرة البدع Q ما هي أسباب كثرة البدع؟ A أسبابها كثيرة، وأهمها: الدعايات من الشيطان ومن أعوان الشيطان، فإن الشيطان يحب البدعة، وهي عنده أحب من المعصية، فهو يسول لبعض الناس أنهم إذا اعتقدوا أو اعتنقوا هذه البدعة فإنهم يكونون على حق وصواب. ومن أسباب كثرة البدع: أن بعض الناس يحب الشهرة يحب أن ينتشر له ذكر وصيت، فيبتدع بدعة، فينسب إليه أنه الذي دعا إليها والذي مكّن بها حتى يعرف، وقد لا يعرف عند الناس لا الأولين ولا الآخرين، فيبتدع بدعة يحاول بها إشهار اسمه، فعلى كل حال فإن الدعايات هي التي تنشر البدع.

لا تنقسم البدعة إلى حسنة وسيئة

لا تنقسم البدعة إلى حسنة وسيئة Q هل صحيح أن البدعة تنقسم إلى قسمين: بدعة دينية، وبدعة دنيوية؟ وهل صحيح أن البدعة الدينية تنقسم إلى قسمين: بدعة حسنة وبدعة سيئة؟ A ليس بصحيح، بل البدع كلها محدثة وضلالة: (كل بدعة ضلالة)، وقد ذكرنا في الكلمة أن البدع إنما تكون في العبادات، أما البدع الدنيوية: كالصنائع والمراكب والملابس والمساكن فلا يقال لها بدع وإنما هي عادات، وهناك فرق بين العادات والعبادات، فالعادات مباح للإنسان أن يفعل فيها ما يشاء، فله أن يلبس ما يشاء، وأن يركب ما يشاء، وأن يصنع من الصناعات والحرف ما يشاء، ولا تسمى هذه بدع فليس هناك بدعة دنيوية. والبدع الدينية كلها سيئة ليس فيها بدعة حسنة، وليس هناك ما يسمى بالبدعة الجائزة أو البدعة المباحة كما ذكرنا، بل كل ما أضيف إلى الشرع مما ليس منه فإنه لا يجوز.

الإصرار على استماع الغناء من الكبائر

الإصرار على استماع الغناء من الكبائر Q هل الاستماع إلى الغناء من الكبائر أم من الصغائر؟ A الإصرار عليه والإكثار منه من الكبائر؛ لأن ذلك استحقار لما هو محرم، أو لما هو دافع من الدوافع التي تؤدي أو توقع في الشرور.

العدد في حديث الافتراق غير مراد

العدد في حديث الافتراق غير مراد Q يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث فيما معناه: إن الأمة الإسلامية تنقسم في آخر الزمان إلى خمس وسبعين شعبة كلها في النار إلا واحدة، فما المقصود به؟ A الذي في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (وستفترق هذه الأمة على ثلاثٍ وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة)، وهذه الفرق قيل: إنها فرق أمة الدعوة، فعلى هذا فجميع من على وجه الأرض، كلهم داخلون في هذه الفرق، فالنصارى فرقة، والبوذية فرقة، والقاديانية فرقة، والهندوك فرقة، والمجوس فرقة، والقبوريين فرقة، والمعتزلة فرقة، وما أشبه ذلك، فتكون الفرق كثيرة. وهناك من يقول: إن العدد غير مقصود، وإنما ذكر لأجل بيان الكثرة، ذكرت الثلاث والسبعون لبيان كثرة المنحرفين، ومن أراد أن يقرأ عنها فليقرأ كتاب أبي الحسن الأشعري الذي سماه (مقالات الإسلاميين) فإنه ذكر فيه شيئاً كثيراً من الفرق، وكذلك كتاب (الملل والنحل) للشهرستاني وكتاب (الفصل) لـ ابن حزم، فإنه ذكر كثيراً من الفرق مما يدل على تشعبها. وهناك من يقول: إن الفرق الثلاث والسبعين خاص بأمة الإجابة الذين ينتمون إلى الإسلام، وهم مع ذلك قد أضافوا إليها ما ليس منها، فجعلوا الرافضة مثلاً عدة شعب، وجعلوا المرجئة عدة شعب، والجبرية عدة شعب والقدرية والخوارج وأشباه ذلك، وجعلوا أهل السنة شعبة واحدة، والصحيح أن هذا الحديث لا يلزم منه الحصر، بل الفرق والبدع في الأمة كثيرة، والفرقة الناجية هم الذين ذكرهم عليه الصلاة والسلام بقوله: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) وما عدا ذلك فإنهم ضالون أو معرضون للعذاب.

حكم قول (صدق الله العظيم) بعد التلاوة

حكم قول (صدق الله العظيم) بعد التلاوة Q هل قول: "صدق الله العظيم" بعد قراءة القرآن بدعة؟ A لم يكن مأثوراً، يعني: مستعملاً بكثرة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن لا ينبغي إنكاره إنكاراً بشدة، وإنما ينكر برفق لمن اعتاده؛ وذلك لأن المعنى صحيح، ولأنه قد ورد في القرآن في قوله تعالى: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} [آل عمران:95]، وفي قوله: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا} [النساء:87]، {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا} [النساء:122] وما أشبه ذلك، فلا ينكر لأنه من باب الذكر ولا يتخذ عادة متبعة.

ليس في القرآن مجاز ولا في لغة العرب

ليس في القرآن مجاز ولا في لغة العرب Q هل في القرآن الكريم مجاز؟ A ليس فيه مجاز على الصحيح، خلافاً لما عليه النحويون وقدماء البلاغيين، الصحيح أن القرآن كله حقيقة؛ وذلك لأن المجاز يصح نفيه، ولا يجوز أن يكون في القرآن ما ينفى، ويقال: ليس بصحيح أو ليس بحقيقة، وما ورد فيه من ذلك فإنما هو من باب توافق الأسماء، يعني: الشيء الذي يسمى باسمين متوافقين يكون كلاهما حقيقة وكلاهما صحيح، والصحيح أيضاً أنه ليس في اللغة مجاز، والذين سموه مجازاً إنما هم المتكلمون، فتوصلوا بذلك أن جعلوا حقائق الصفات من باب المجاز الذي يصح نفيه، فقالوا: ليس هناك -مثلاً- عرش لله حقيقة، وإنما هو مجاز عن المُلك! وليس هناك علو لله تعالى بذاته، وإنما هو مجاز بمعنى القهر والغلبة وأشباه ذلك. فإذاً نقول: لا مجاز في اللغة ولا مجاز في القرآن.

حكم الأناشيد

حكم الأناشيد Q ظهرت في الآونة الأخيرة الأناشيد -الأناشيد الإسلامية- فما حكمها؟ A الاستمرار عليها قد يكون فيه شيء من استحسان ما ليس بعادة سلفية، ولكن هي في الحقيقة قراءة لأنواع من القصائد، التي فيها إثارة للحماس، وإثارة للأشجان، وإغراء على ما هو حسن، فنقول: إن الاستمرار عليها لا ينبغي، وكذلك الإكثار منها، ولكن إذا قرئت لا على وجه التواجد الذي تفعله الصوفية، وإنما على وجه قراءة مقالة فلا بأس بها، فإنها شعر، والشعر حسنه حسن وقبيحه قبيح.

الصلاة قبل الجمعة وبعدها

الصلاة قبل الجمعة وبعدها Q نرجو توضيح سنة الجمعة وما عددها، وهل هي قبل الصلاة أم بعدها؟ A الأمر فيه سعة، فيجوز لمن جاء قبل الصلاة أن يصلي كما ورد في حديث: (من تطهر في البيت، ثم أتى إلى المسجد فصلى ما كتب له، ثم أنصت للخطبة حتى تنقضي الصلاة: كتب له أو غفر له ما بينه وبين الجمعة الثانية أو التالية) فهذا فيه إباحة أن يصلي الإنسان ما كتب له دون التحديد بعدد. وأما بعدها فثبت أنه عليه السلام كان يصلي ركعتين، وأحياناً يصلي أربعاً، ومن أكثر من الصلاة فلا إثم عليه؛ لأنها نافلة، والنافلة بابها موسع.

الهدي لا يجزئ عن الأضحية

الهدي لا يجزئ عن الأضحية Q رجل احتاج أن يضحي في عيد الأضحى، ونوى الحج هذا العام، فهل الأفضل له أن يوصي أهله أن يضحوا عنه، أم أنه يكفي ذبحه للهدي؟ A لا يكفي؛ لأن ذبيحة الفدية إنما هي من تمتعه، وأما الأضحية فإنها سنة، والأفضل أن يوصي أن تذبح أضحيته التي اعتادها عند أهله أو عند من يتصدق بها، ويذبح فديته التي في مكة عن تمتعه أو قرانه.

البدعة والمحدثة معناهما واحد

البدعة والمحدثة معناهما واحد Q ما معنى كلمة (محدثة) التي وردت في الحديث، وما الفرق بينها وبين بدعة؟ A كلاهما بمعنى واحد فالمحدث: هو الشيء الجديد الذي ليس له أصل، والمبتدع: هو الشيء المتجدد، ومنه قول الله تعالى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف:9] أي: ما كنت أول من ابتدع هذا الشيء، وذكر لفظ البدعة تارة ولفظ المحدثة تارة أخرى من باب التوضيح.

حكم المسح على غطاء الرأس للمرأة

حكم المسح على غطاء الرأس للمرأة Q هل يجزئ المرأة المسح على غطاء الرأس عند الوضوء مع جزء من الشعر أم لا بد من إزالة الغطاء؟ A إذا كان الغطاء معقوداً عقداً محكماً، يعني: إذا شدت المرأة على رأسها خماراً وأحكمت شده وجعلته تحت حنكها أجزأها أن تمسح فوقه، أما إذا كان موضوعاً وضعاً كالغترة فهذه لا مشقة في أن ترفعه وتمسح الرأس، وهكذا الرجل إذا كانت عليه عمامة قد شدها وأحكم شدها، أو جعلها تحت حنكه أو بين منكبيه، وشق عليه أن يرفعها مسح فوقها، فإن كانت ملقاة كالغترة فلا مشقة عليه أن يرفعها، ويمسح ويباشر الرأس بالمسح.

الحناء ونحوه لا يمنع صحة الوضوء

الحناء ونحوه لا يمنع صحة الوضوء Q إذا كان الحناء لا ينقض الوضوء بالنسبة للمرأة فهل للمناكير نفس الحكم؟ A لا؛ لأن الحناء إنما يبقى أثره ولونه، ولا يمنع وصول الماء إلى البشرة، وأما المناكير فإنها توضع على الأظفار، وتمنع وصول الماء إلى نفس الظفر، فهي شيء حائل بين الجسد وبين الماء، ومن شروط الوضوء إزالة ما يمنع الماء أن يصل إلى البشرة، فإذا وضع إنسان على رءوس أصابعه عجيناً ثم توضأ فهل يصح وضوءه؟! لا يصح وضوءه؛ لأن الماء ما وصل إلى رءوس الأصابع، كما لو وضع طيناً عليه أو شيئاً له جرم لا يصل بسببه الماء إليه، فلا بد من تحقق ابتلال البشرة بالماء.

زيارة المقابر في يوم الجمعة

زيارة المقابر في يوم الجمعة Q يوم الجمعة بالنسبة لنا يوم إجازة، فلو خصصنا بعض هذا اليوم -ساعات- لزيارة المقابر من كل يوم جمعة، فهل يدخل هذا من البدع؟ A لا يدخل؛ لأن زيارة المقابر في يوم الجمعة ورد فضلها، والموتى يسمعون من يزورهم، وحتى يوم السبت ونحوه من الأيام فلا يدخل في البدع ما دام أولاً: أنكم لم تقصدوا تخصيص هذا اليوم، وثانياً: أن هذا هو وقت فراغكم، وثالثاً: أنه ورد في فضل ذلك اليوم أو الوقت أو في تخصيصه بعض الأدلة فلا إثم عليكم إن شاء الله.

ينبغي للمسلم معرفة سنن الصلاة ليجتنب بدعها

ينبغي للمسلم معرفة سنن الصلاة ليجتنب بدعها Q أريد أن أعرف بدع الصلاة؟ A عليك أن تعرف سنة الصلاة، وما زاد عليها فإنه بدعة، صل مع المسلمين الصلاة المعتادة التي أولها التكبير وآخرها التسليم، ثم بعد ذلك تكون الإضافات والزيادات ونحوها من البدع.

يجب على المسلمين تشجيع المستقيمين ولا يجوز تخذيلهم

يجب على المسلمين تشجيع المستقيمين ولا يجوز تخذيلهم Q ينكر بعض الناس على الشباب الملتزمين بدينهم التزامهم بدينهم، ويتهمونهم بالتعصب، فماذا تقولون لهم؟ A تقول: هذا خطأ، بل المتمسك ينبغي أن يُشجع على تمسكه ولا ينبغي أن يُخذل، فإذا كان تمسكه بالسنة: كإعفائه لحيته أو رفعه ثوبه إلى نصف الساق أو إلى ما فوق الكعب يعد تشدداً، أو إنكاره للأغاني وللأفلام الخليعة ونحو ذلك يعد تشدداً، فهذا دعاية إلى التساهل بالطاعات وإلى التسهيل في المعاصي، بل الشاب الذي يكون هكذا ينبغي أن يشجع على فعله، وأن يساعد على ذلك، وأن يعتقد أنه على سبيل النجاة.

بدعة التعصب المذهبي وترك الدليل

بدعة التعصب المذهبي وترك الدليل Q يقول: هل التعصب المذهبي وعدم الأخذ بالدليل يعد من البدع؟ A إذا اتضحت السنة خلاف المذهب، ثم إن ذلك المتعصب رد السنة بغير دليل، وأخذ ينصر مذهبه وجعل يقول: كل ما خالف مذهبنا أو إمامنا فإنه يجب رده ولو قاله من قاله، لا شك أن هذا من البدع الشنيعة، أما الأئمة رحمهم الله فكانوا يقولون بوجوب تقديم السنة على أقوالهم. فهذا الشافعي رحمه الله ثبت عنه أنه لما سئل عن مسألة فقال: (أفتى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، فقال السائل: فما تقول أنت؟ فغضب أشد الغضب، وقال للسائل: أتراني في بيعة؟! أتراني في كنيسة؟! أترى على وسطي زناراً، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: ما تقول أنت؟) أي: هل تظن أني أذكر فتوى النبي عليه السلام وأخالفها. وأبو حنيفة الذي يتعصب له أهل مذهبه ثبت عنه أنه قال: (إذا جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين، وإذا جاء عن الصحابة فعلى الرأس والعين، وإذا جاء عن التابعين فنحن رجال وهم رجال)، وذلك لأنه من جملة التابعين، فهو يقدم قول الرسول وقول الصحابة على قوله، وكذلك يقول: (إذا خالف قولي قول الرسول فاضربوا بقولي الحائط أو الجدار، وإذا خالف قولي قول الصحابة فاضربوا بقولي الحائط) فهذه مقالاتهم، فماذا يقول من يتعصب لهم من أتباعهم؟! وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

فتاوى عامة

فتاوى عامة

كيف تقضي المرأة وقتها

كيف تقضي المرأة وقتها Q نرجو من الشيخ أن يبين لنا كيفية قضاء الوقت بالنسبة للمرأة؟ A المرأة كالرجل قد يعتريها بعض الأشياء التي يضيع بها الوقت، والمرأة يمكن أن تستغل وقتها، وهي مشغولة في بيتها، وقد لا تحتاج معه إلى شغل آخر؛ ولذلك يعاب على الذين يدعون إلى توظيف النساء ومشاركتهن للرجال، ويقولون: إنها فارغة، وليس عندها أي شغل في بيتها، فنقول: بل المرأة في بيتها تصلح شئون أولادها أو إخوتها، وكذلك تصلح أحوال بيتها، من غسيل أواني، أو غسيل ثياب، أو ما أشبه ذلك مما يصلح زوجها أو يصلح أولادها أو إخوتها. وهي تستطيع أن تقرأ، وقد كثرت القراءة والكتابة للنساء في هذه الأزمنة، تقرأ القرآن وحدها أو مع غيرها، وتتدبر وتتعقل، وكذلك تقرأ في السنة، وتستفيد من كتب السنة لوحدها أو مع غيرها، مع التدبر والتعقل ونحو ذلك. وكذلك أيضاً تجتمع مع زميلاتها وصديقاتها ويتباحثن -إذا تيسر لهن ذلك- فيما يهم المجتمع، وفيما يهمهن خاصة، وأخواتهن عامة، وفيما يقوي إيمانهن زيادةً على الأعمال الصالحة كالأذكار والصلوات والعبادات وما أشبهها، ولا شك أنها بذلك تستطيع أن تقضي على وقت الفراغ، أما إذا اعتلت أنها لا تستطيع أن تقرأ، ولا تعرف أن تستفيد من الكتب، أو ضجرت من طول القراءة أو ما أشبه ذلك، فعندها السماع، فتستطيع أن تقتني الأشرطة الدينية المشتملة على تعليمات وخطب وما أشبه ذلك، أو الإذاعات الدينية التي تشتمل على فضائل وقرآن وإرشادات وما أشبه ذلك، أو قراءة الصحف المفيدة، أو المجلات المفيدة المشتملة على المواعظ والذكرى، وما أشبه ذلك، وبذلك يشغل الإنسان وقت فراغه من رجل وامرأة.

حكم توزيع الكتب التي فيها دعايات لمن تكفل بطبعها

حكم توزيع الكتب التي فيها دعايات لمن تكفل بطبعها Q بعض الكتب المفيدة المختصرة تتولى بعض المحلات التجارية الخيّرة طبعها مع وضع أسماء هذه المحلات على هذه الكتب، فهل يجوز توزيع هذه الكتب في المساجد باعتبار أنها تعتبر دعاية لهذه المحلات؟ A لا بأس بتوزيعها إذا كان فيها فائدة، ولو كان قصد الذين طبعوها نشر محلاتهم ومؤسساتهم، ولكن لا يضر ذلك إن شاء الله ما دام أن فيها فوائد دينية ونصائح نافعة، فلا بأس بتوزيعها.

التقوى مكتسبة وليست فطرية

التقوى مكتسبة وليست فطرية Q هل التقوى مكتسبة أم فطرية؟ A بل مكتسبة، الأعمال الصالحة مكتسبة، ولأجل ذلك أمر الله بها، والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب:70]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر:18]، فهذا يدل على أن الإنسان يفعل هذه التقوى ويكتسبها، وأنها أعمال، وأصلها من التوقي، (اتقوا الله): يعني: توقوا عذابه، وكذلك قوله: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [البقرة:24] يعني: توقوها. إذاً: هي الأعمال التي يعملها الإنسان ويكتسبها حتى يكون من أهل الثواب المرتب على التقوى، كما في قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق:2] وقوله: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق:5]، ونحو ذلك، ولا شك أن هذا يدل على أنها عمل صالح.

معنى أهل السنة والجماعة

معنى أهل السنة والجماعة Q ما معنى أهل السنة والجماعة إذا قلنا: (هذه عقيدة أهل السنة والجماعة)؟ A السنة هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم التي وصى بها، وكذلك سنة خلفائه، لقوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين)، وقال: (فمن رغب عن سنتي فليس مني)، وهي: طريقة الرسول وأعماله وأقواله وما كان عليه، وهي بحمد الله محفوظة، محفوظة أقواله، محفوظة أفعاله، محفوظة سيرته وسريرته، وهي التي عليها أهل هذه الطريقة، وسموا جماعة لأنهم أغلب الناس وأكثرهم وقت القرون الأولى، ولو قلوا في بعض الأزمنة، وكثر المخالفون لهم، ولكن من كان على الحق فهو جماعة ولو كان فرداً واحداً، وأصل الجماعة: المجتمع الكثير، والسواد الأعظم؛ لأن القرون الأولى كانوا هم السواد الأعظم، وكانت الفرق المخالفة لهم فرقاً قليلة، فلأجل ذلك قيل: أهل الجماعة، وعليهم تحمل الأحاديث التي فيها: (عليكم بالجماعة)، (عليك بجماعة المسلمين).

الجمع بين حديث: (وجبت) وقول أهل السنة أنه لا يشهد لمعين بالجنة أو النار

الجمع بين حديث: (وجبت) وقول أهل السنة أنه لا يشهد لمعين بالجنة أو النار Q قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للجنازة التي أثنى عليها الصحابة خيراً: (وجبت أنتم شهداء الله في الأرض) الحديث، كيف يتفق هذا مع عقيدة أهل السنة والجماعة: لا يشهد لمعيَّن بجنة ولا بنار؟ A في هذا الحدث أن ثناء المسلمين يُستبشر به، فإذا أثنى المسلمون على أحد خيراً كان هذا الثناء مما يستبشر به، ولكن لا شك أن أولئك الذين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لهم خواص وميزات ليست لغيرهم، فإنهم أولاً صفوة الله وخيرته من هذه الأمة، فإن الصحابة خير قرون هذه الأمة، وهذه الأمة أفضل الأمم، أولئك الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا أيضاً من أفاضل الصحابة وأعلمهم، واتفاقهم على الثناء على هذا خيراً، والثناء على هذا شراً دليل على معرفتهم، فجعل ذلك مما يستحق به ذلك الذي أثنوا عليه خيراً أن يُشهد له بالخير، فيقول: (هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة)، بمعنى: أنه صار أهلاً لها، إما أن الله أطلع نبيه على ذلك، وإما أن ذلك على وجه التفاؤل أو على وجه التقريب.

حكم زكاة الديون المقسطة

حكم زكاة الديون المقسطة Q رجل يبيع السيارات بالتقسيط، فهل يدفع الزكاة رغم أنه لم يتسلم كل المبلغ أم يُخرج زكاة الأموال التي تسلمها من الأقساط فقط، جزاكم الله خيراً؟ A يخرج زكاة الأموال المجتمعة من الأقساط وأما المؤجلة فإن كانت على أناس ذوي يسار، وهو يستطيع أن يأخذها منهم في أي وقت فإنه يزكيها. وإن كانت في أيدي أناس ذوي فقر وقلة وعسر، فلا زكاة فيها إلا إذا قبضها، هذا حكم زكاة الدين، وقيل: إن الدين المؤجل لا زكاة فيه إلا إذا حل أجله، فإذا حل أجله فانظر، فإذا كان ذلك المدين معسراً فلا زكاة لما عنده حتى يسلمه، ولو بقي خمس سنين، ففيه زكاة سنة واحدة إذا قبضته، وإن كان موسراً ثرياً، وأنت لست بحاجة إلى المال، وتركته عنده، فإنك تزكيه حيث إنه بمنزلة الوديعة.

حكم التصوير بكاميرات الفيديو

حكم التصوير بكاميرات الفيديو Q ما حكم التصوير بكاميرات الفيديو، علماً بأن الذين يُصَوَّرون يجلسون أمام الشاشة ويتزينون ويضحكون، ما حكم ذلك، أرجو إفادتنا وجزاكم الله خيراً؟ A لا شك أن ذلك داخل في حكم التصوير المنهي عنه في قوله: (من صور صورة كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح)، وفي الحديث الآخر: (كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفس تعذبه في جهنم)، والأحاديث كثيرة في ذلك، وهي ظاهرة، ولكن قد يقول بعض الناس: إن هذا ليس هو التصوير الذي باليد والنقش بالقلم؛ لأن هذه أجهزة إنما يستقبل بها ذلك المصور، ويحركها قليلاً؛ فتلقف صورته متحركة أو ساكنة، ولكن بكل حال ننهى عن مثل هذا؛ لأنه وإن لم يكن تصويراً حقيقياً لكنه قريب منه، هذا من جهة. من جهة ثانية ما ذكره السائل من أن الذين يطلبون أن يُصَوَّروا يتجملون ويظهرون بمظاهر فاتنة، مثلاً يضحكون أمام تلك الأجهزة وما أشبه ذلك؛ حتى تبقى صورهم محفوظة، فيكونون بذلك قد وقعوا في محذور أو سببوا الوقوع في فتنة.

حكم لبس النساء الملابس الضيقة

حكم لبس النساء الملابس الضيقة Q هل يجوز للنساء لبس الضيق عند النساء فقط، علماً بأنني عند خروجي من البيت أكون متحجبة الحجاب الإسلامي المشروع، وأيضاً لا يراني غير محارمي، وجزاكم الله خيراً؟ A ننصح جميع المسلمات أن يتقيدن بالشرع، ومن الشرع أن المرأة لا تلبس الثياب الضيقة حتى أمام النساء فلا ينبغي لبس الثياب التي تبين أحجام الأعضاء، كأن تبين مثلاً الثديين أو عظام الصدر أو عظام المنكبين أو الظهر أو العجيزة أو السرة، ولا شك أنه منهي عنه ولو لم يكن عندها إلا نساء؛ منهي عنه؛ لعموم الأدلة، فالمرأة تلبس ثياباً واسعة حتى ولو كانت خالية، وحتى لو كانت عند محارمها، ويباح لها أمام النساء أن تظهر الأشياء التي تظهرها عادة مثل الوجه والنحر والصدر والساعدين والساقين، وكذلك أمام المحارم، وأما إذا خرجت إلى الشوارع والأسواق فإن الأمر أشد، وهو أنه لا يجوز لها -والحال هذه- أن تبدي شيئاً من أحجام بدنها، ولا أن تبدي شيئاً من زينتها إلا الزينة الظاهرة التي قال الله عنها: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:31]، وهي الثياب، وما لا يتمكن من ستره، وبذلك تحافظ المرأة على كرامتها وحشمتها.

حكم جلسة الاستراحة في الصلاة

حكم جلسة الاستراحة في الصلاة Q ما رأي فضيلتكم بجلسة الاستراحة التي يفعلها بعض الناس في الصلاة، نرجو شرحها وتوضيح الراجح فيها؟ A فيها كلام طويل، ملخصه أنها مروية عن بعض الصحابة، وذلك الصحابي لم يصحب النبي صلى الله عليه وسلم إلا في آخر حياته قبل موته بسنة أو نحوها، حيث ذكر أنه كان يفعلها، ويمكن أنه رآه يفعلها مرة، ويمكن أنه رآه يفعلها في النفل؛ وذلك لأن الإمام يرفع قبل المأمومين، ولا يمكن أن يروه في الفرض وهو يفعلها، فلا يرتفعون إلا وقد كبر وتم انتصابه، وقد ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستوي قائماً، يقول الصحابة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يستوي قائماً وإنا لسجود بعد) مما يدل على أنهم لا يرونه يفعلها، بل إذا قاموا يكون قد قام، فيمكن أن مالك بن الحويرث رآه يفعلها في نفل، فعلى كل حال نقول: إنها جائزة لكبير السن أو للمريض ونحوه، فهي جائزة ومباحة عند الحاجة، وأما عند غير الحاجة فلا أستحبها، ومن فعلها فلا ننكر عليه، وقد اختارها الشافعية، وروي أن الإمام أحمد رجع إليها، والظاهر أنه عمل بها في آخر حياته.

حكم بيع وشراء أسهم الشركات

حكم بيع وشراء أسهم الشركات Q ما حكم شراء أسهم الشركات وبيعها، وكيف تخرج زكاة الأسهم التي ساهم بها في شركة؟ A الشركة تختلف، هناك أسهم في شركات في أرض، أو في تجارة توريد وتصدير، ونحو ذلك من بضائع، فهذه الشركة يجوز بيع الأسهم التي فيها إذا كان لك مثلاً نصف هذه الشركة التي هي مؤسسة أو شركة في ورش سيارات أو نحو ذلك، أو شركة لمعارض، فيجوز بيع نصيبك فيها قليلاً كان أو كثيراً. أما الشركات التي عمدتها العمل بالنقود كالصرافة ونحوها، فأرى أن بيعها لا يجوز؛ وذلك لأنه يكون بيع دراهم بدراهم، ما دام أنهم لا يعملون إلا في العملات، فإذا رخُص الجنيه مثلاً اشتروه، وإذا ارتفع باعوه، وإذا رخُص الدولار اشتروه، وإذا ارتفع باعوه، فأن بيع العملات يجوز إذا كان يداً بيد، إذا سلمت مثلاً الدراهم واستلمت الجنيه يجوز، أو سلمت الريالات واستلمت الدولارات أو استلمت بها سنداً كشيك أو نحوه فهذا جائز، ولا يجوز إذا لم يكن هناك تسليم ولا استلام، إنما هو مواعيد أو لا يقدرون على التسليم، إنما يعدونك أو نحو ذلك، فمثل هذا لا يجوز لأن بيع النقد بالنقد لا بد فيه من التقابض قبل التفرق لكونه جنساً واحداً يجري فيه الربا. فالحاصل أن بيع الأسهم إن كانت في بنوك أو نحوها عملها الصيرفة وبيع العملات، فلا يجوز بيع الأسهم في هذا، وإن كانت في شركات كأراض أو معارض سيارات أو بضائع فإنه يجوز والحال هذه

جماعة التبليغ في الميزان

جماعة التبليغ في الميزان Q ما رأى سماحتكم في الأعمال التي يقوم بها جماعة التبليغ والدعوة؟ A جماعة التبليغ في بلادنا أناس من أهل الخير، يحبون الخير، ويقومون بالتبليغ وبالدعوة، وقد نفع الله تعالى بهم، ولو كان فيهم شيء من الخلل، أما جماعة التبليغ في البلاد الأخرى كالهند والباكستان ونحوها فالغالب أن فيهم قبوريون، وفيهم صوفية، وأنهم يقومون ببعض الأعمال غير المشروعة، ولهم أسرار وبيعات خفية، فالذي يصحبهم من إخواننا الذين هم جماعة التبليغ في هذه البلاد الذين على عقيدة لا يخشى عليه ضرر، إذا كانت عقيدته ومعرفته بالتوحيد راسخة، وكذلك يعلم بالسنة وبمذهب أهل السنة، فإن شاء الله لا يخشى عليه ضرر، أما إذا صحبهم وهو جاهل من المبتدئين فإنه يخشى عليه أن تتدنس عقيدته بأعمالهم الخفية؛ لأنهم قد يؤثرون عليه لقلة علمه، فيركزون بعقيدته تلك الأعمال أو نحوها. ونوصي من يصحبهم من أهل العقيدة والمعرفة أن يظهر معتقد أهل السنة، وأن يدعوهم إلى الأعمال التي يعمل بها المسلمون في بلاد الإسلام، ونوصيهم أيضاً بأن يحرصوا على إلزامهم بأن يقرءوا كتب أهل السنة ككتب التوحيد وكتب العقائد لأنهم لا يقرءونها، وإنما يقرءون في كتب الوعظ والقصص وما أشبهها، لا يقرءون في كتب العقيدة، ولا في كتب التوحيد؛ وذلك لأنهم يرون أنها لا أهمية لها؛ مع أنها أشد أهمية من غيرها.

حكم اللعب بالكرة

حكم اللعب بالكرة Q هل لعب الكرة من ضياع الوقت، وهل الذهاب إلى البر وعدم صلاة الجمعة والجماعة من الضياع للوقت أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ A ضياع الوقت في كل شيء لا يهم، ولكن اللعب بالكرة قد يكون مهماً أو مفيداً بالنسبة إلى من يحب أن يكتسب نشاطاً ورياضة وقوة في بدنه، ويكون فيه شيء من اللعب والتنشيط والتقوية كما يذكرون، أما إذا كان مجرد نظر على شاشة للاعبين أو نظر من الجالسين؛ فأرى أن ذلك لا فائدة فيه، وأن الذهاب لمجرد النظر من ضياع الوقت، ومما يحاسب الإنسان عليه، فإذا ذهب الإنسان للنظر للمباريات أو التسلية أو ذهب للتجول والتسكع في الأسواق ونحو ذلك، وأضاع وقتاً أو أضاع صلوات، فإنه يأثم.

حكم تطويل المرأة لأظافرها

حكم تطويل المرأة لأظافرها Q هل تطويل الأظافر حرام أم لا؟ A من سنن الفطرة تقليم الأظافر في حق الرجال والنساء، ولا يجوز تطويلها لما يلي: أولاً: لأنه تشويه للنظر وللرؤية. ثانياً: لأنها مجمع للأوساخ، فقد يجتمع فيها شيءٌ من الأوساخ التي تجلب المرض، وتلوث الأكل والشرب وما أشبه ذلك. ثالثاً: أن ذلك أيضاً قد يفوت غسل ما تحتها من اللحم، فيكون الإنسان إذا توضأ لا يصل الماء إلى جميع بدنه، بل قد يكون هناك وسخ تحت تلك الأظفار غطاه الوسخ، فلم يتوضأ وضوءاً كاملاً، فلأجل ذلك جعل تقليم الأظافر من خصال الفطرة التي فطر الله تعالى الناس على استحسانها، فيكون تطويلها محرماً أو مكروهاً. وسمعت أن بعض العلماء استحب تطويل الأظافر للمجاهدين الذين يلتقون وجهاً بوجه بالكفار، وقد تحملهم المواجهة على أن يقدموا على الكافر بالأيدي، فإذا كان له أظفار استطاع أن يخمشه بأظفاره، ويجرحه بها؛ ويكون بذلك قمع للكافر، فيكون هذا شيئاً خاصاً في وقت من الأوقات.

حكم صلاة الضحى أثناء الدوام

حكم صلاة الضحى أثناء الدوام Q هل يجوز للموظف في الحكومة أو في شركة أن يقتطع جزءاً من الوقت لصلاة ركعتي الضحى؟ A لا بأس بذلك، لأن هذا وقت يسير، لكن إن ازدحمت عليه الأعمال، ولم يتمكن إلا من إضاعة المراجعين وتعطيلهم لم يجز له ذلك، وهو على نيته إن شاء الله، أما إذا كان عنده سعة من الوقت، فلا يكون مضيعاً لعمله سواءً كان في شركة أو وظيفة في الحكومة.

حكم الاحتفال بالمولد النبوي

حكم الاحتفال بالمولد النبوي Q أسئلة كثيرة تتعلق بحكم الاحتفال بالمولد النبوي؟ A بدعة من البدع لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم، ولا فعلت في عهده، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، فالقرون الثلاثة المفضلة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، هذه القرون الثلاثة ما فُعِل فيها، إنما فعله القرامطة أو الباطنية أو من يسمون أنفسهم بالفاطميين الذين ملكوا مصر والمغرب، وهم كذبة ليسوا بفاطميين، وإنما هم بنوعبيد، وهم رافضة غلاة، وهم أول من ابتدع في القرن الرابع بدعة المولد، وزينوا للناس أن هذا سنة، وأن فيه محبة للرسول ونحو ذلك، ومع الأسف تمكنت هذه البدعة وانتشرت في كثير من البلاد الإسلامية، ولا يزال يحتفل بها الكثير إلى اليوم، ويدعى إليها، وتكتب فيها الرسائل، ومع ذلك أهله لم يقتنعوا بكثرة ما رُدّ عليهم، وما كُتب في ذلك من الرسائل والكتب وذلك لأنهم ممن يصدق عليهم قوله تعالى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} [فاطر:8].

حكم أجرة الإمام والمؤذن

حكم أجرة الإمام والمؤذن Q نود أن نعرف ما حكم الراتب بالنسبة للإمام والمؤذن؟ A مباح إن شاء الله ما يرزقون من بيت المال؛ وذلك لأن بيت المال يصرف في المصالح العامة، فراتب المؤذن والإمام وخدمة المساجد ونحوها بمنزلة الرواتب التي تصرف للمعلمين والمرشدين والدعاة، ولهيئات الحسبة ونحوهم، وكذلك الحماة والحراس والحفظة والجنود والقضاة وما أشبه ذلك، وهذه كلها من الأعمال التي يحتاج المسلمون إلى توليها، فهي من العبادات والقربات، ومع ذلك يؤخذ عليها رزق من بيت المال يستعين بذلك صاحبه على حياته ومزاولة معيشته، لكن لا ينبغي أن يكون مقصوداً، إنما ينبغي أن يستعين به على حياته، وكذلك أيضاً لا ينبغي للإمام أن يضيع هذا المسجد الذي التزمه، بل إذا التزم القيام بما كلف به فإنه يفرغ نفسه، فإن هذا الرزق وهذا الراتب إنما هو عِوض تفرغه؛ لأنه إذا لم يكن ملتزماً فله أن يصلي هنا أو هنا كيف يشاء، فكونه التزم بذلك فإنه يحبس نفسه على هذا، وينبغي عليه المواظبة عليه كسائر الموظفين.

حكم مشاهدة التلفاز

حكم مشاهدة التلفاز Q لا يخفى عليكم ما لجهاز التلفاز من أثر على المجتمع سلبياً وإيجابياً، حيث إنه موجود في غالب البيوت اليوم، ومعظم الناس يقضي وقتاً ليس بقصير في مشاهدته، فحبذا لو استغل العلماء هذا الجهاز في الدعوة إلى الله، والتذكير بأيامه، وبيان الخير والشر للناس، وإني في هذه المناسبة أود أن أسوق هذا الاقتراح راجياً أن يلقى الاهتمام منكم، وممن يستطيع أن يعمل شيئاً في سبيل تنفيذه من الإخوة الحضور، وهو إيجاد برنامج تحت إشراف رئاسة البحوث العلمية والإفتاء على غرار البرامج الموجودة السريعة كبرنامج سلامتك، بأسلوب توجيهي يخاطب فيه الرجال والنساء والأطفال، والسلام عليكم ورحمة الله؟ A قد طرح هذا الاقتراح كثيراً، ولكن كبار المشايخ كالشيخ عبد العزيز وغيره توقفوا في إظهار صورهم أمام الناظرين؛ وذلك لأنه يُخاف أن يكون داخلاً في إظهار الصور وإن لم تكن ثابتة، لأن الصور التي في التلفاز قد تكون أخف من الصور الفوتغرافية؛ لأن تلك ثابتة كلما أريدت وجدت، وأما هذه فإنما تنشر مرة فتظهر فتكون أخف، ولكن مع ذلك توقفوا. ويوجد من المشايخ من تساهلوا، ورأوا ذلك جائزاً، فهم يتكلمون ويظهرون فيه، ويبدون ما لديهم من الآراء ويقولون: إن ظهورنا فيه يخفف بعض الشر، وأما البقية فإنهم لم يزالوا متوقفين في ذلك. والتلفاز بلا شك -كما ذكر السائل- من الأمور التي تحكمت في الناس، ودخلت كل بيت، وأصبحت شغلاً شاغلاً لأهل البيت عموماً أو خصوصاً إلا من شاء الله، ومع ذلك فإنا ننصح بعدم الإنكباب والإكثار من مشاهدته، سيما إذا كان فيه صور رجال أمام النساء أو صور نساء أمام الرجال، أو فيه أغاني ملهية، أو فيه أشياء تذهب الوقت وتضيعه بلا فائدة، أما إذا كان فيه فوائد كأخبار أو نصائح أو عظات فإنه مفيد على هذه الحال.

حكم التوكيل في ذبح العقيقة

حكم التوكيل في ذبح العقيقة Q هل يجوز توكيل جهة في ذبح العقيقة لا سيما في البلاد الإسلامية الفقيرة مثل أفغانستان؟ A جائز إن شاء الله، كما أن التوكيل في غير ذلك جائز، يعني: لو وُلد لك ولد في الرياض، وكان أخواله مثلاً أو إخوتك في الإحساء أو الدمام، وأمرتهم أن يذبحوا العقيقة عندهم؛ جاز ذلك، وتكون قد فعلت السنة في أي مكان.

حكم العقد على المرأة في عادتها الشهرية

حكم العقد على المرأة في عادتها الشهرية Q هل يجوز عقد قران المرأة وهي على العادة الشهرية؟ A لا مانع؛ لأن النهي إنما هو عن الوطء في الحيض، فأما العقد فلا مانع، وكذلك أيضاً ينهي عن إيقاع الطلاق وهي حائض؛ لأن ذلك يطول العدة عليها، وإذا كانت حائضاً فهي كالمريضة قد يملها زوجها ويعيبها؛ فيحمله على أن يطلقها، ثم يندم على ذلك. فالحاصل أن الطلاق في الحيض هو البدعة، والواقع في الحيض هو المحرم، فأما مجرد عقد النكاح فلا يضر ذلك ولو كانت حائضاً.

حكم الجلوس مع قوم يغتابون المسلمين

حكم الجلوس مع قوم يغتابون المسلمين Q كثير من مجالسنا تخلو من ذكر الله عز وجل، بل يقع فيها الغيبة والكلام بغير فائدة، فهل يأثم من يجلس فيها مع عدم قدرته على نصحهم ووعظهم وإرشادهم؟ A يأثم إذا وقعوا في محرّم كغيبة إنسان مسلم غائب، وإذا لم يستطع أن يرد عن عرضه، فالواجب عليه أن يرد عن عرضه، وقد ورد في الحديث: (من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة)، فنقول: إذا ابتليت بالجلوس معهم فعليك أن تذكرهم بالله، وبما يرشدهم إلى الخير، وعليك إذا رأيتهم يخوضون في أعراض الناس أن تنبههم بأن هذا حرام، وأن تأمرهم أن يخوضوا في حديث غيره.

حكم العمل مع الأجانب من يهود ونصارى لأجل دعوتهم

حكم العمل مع الأجانب من يهود ونصارى لأجل دعوتهم Q أعمل في مكان يوجد فيه الكثير من الأجانب، ولي رغبة شديدة في دعوتهم إلى الإسلام، ولكن لعدم إتقاني النطق باللغة الإنجليزية فقد قمنا بوضع مكتبة فيها بعض الكتب النافعة باللغة الإنجليزية عسى أن يقوموا بقراءتها، فهل برئت ذمتي بذلك؟ A لعل ذلك -إن شاء الله- يكون مؤثراً، وهناك مترجمون ودعاة باللغات الكثيرة، لغة الفلبين، ولغة الأردو، واللغة الإنجليزية، فلو استصحبوا أو نبهوا على أن يأتوا إلى هذه المؤسسة أو الشركة ولو يوماً في الأسبوع أو في الشهر لكان ذلك مفيداً؛ رجاء أن يؤثروا فيهم، أما أنت فقد أديت ما عليك من إحضار هذه الكتب التي يرجى منها إن قرءوها أن ينتفعوا ويتأثروا إن شاء الله.

وجوب صلة الأرحام على حسب القرابة

وجوب صلة الأرحام على حسب القرابة Q أمور كثيرة نجهلها في الدين من ناحية صلة الأرحام والقرابة، فهلا بينتم لنا ذلك جزاكم الله خيراً؟ A موضوع صلة الرحم، وبر الوالدين، وحقوق الأقارب موضوع واسع ومشهور، والقريب هو القريب في النسب، كالأخ وابن الأخ، والعم وابن العم، ونحو ذلك، والأرحام هم الأخوات وأبناؤهن، والخالات والعمات وأبناؤهن، وكذلك الأخوال وأبناء الأخوال وما أشبه ذلك، كل هؤلاء داخلون في قوله تعالى: {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال:75]، وفي قوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النساء:1]، فمن حقهم الزيارة والصلة، والصحبة والمؤاخاة، والنصيحة والمجالسة، والزيارة وما أشبه ذلك، ويتفاوت الحق بتفاوت القرب والبعد، والإنسان عليه أن يقوم بما يستطيعه من الصلة، وأن يبتعد عن القطيعة.

حكم هجر الأقارب الذين عندهم منكرات كالدش والتلفاز

حكم هجر الأقارب الذين عندهم منكرات كالدش والتلفاز Q هل يجوز لي عدم زيارة بعض الأقارب إذا كان في بيوتهم بعض المنكرات كالتلفاز والدش والفيديو مما ابتلينا به في هذا الزمان؟ A إذا زرتهم توقفوا أو خففوا منها فلا بأس بالزيارة، ففيها أثر، وإذا كنت متى زرتهم أرغموك على أن تحضر مجالسهم، وفيها دخان أو مسكرات أو أفلام خليعة أو صور فاتنة؛ وخشيت أن تفتن؛ فلك أن تهجرهم، ويكون ذلك محبة وحرصاً منك على سلامة دينك وعرضك.

حكم لبس البراقع والصلاة فيها

حكم لبس البراقع والصلاة فيها Q هل يجوز لبس البراقع والصلاة فيها؟ A لا بأس، إنما منعت المرأة من لبس البرقع في الإحرام، فأما في غير الإحرام فلا بأس، لكن يلاحظ أن كثيراً من هذه البراقع التي تسمى النقاب توسّعت الثقوب فيها، فيبدو الحاجبان وبعض الجبين، وتبدو الوجنة -العظم التي تحت العين- والأنف، وإنما يكون بين الخطين سلك دقيق، فيكون الأنف أو أكثره بارزاً، فتكون الفتنة موجودة، فأما إذا كان ثقب النقاب ضيقاً بقدر حجم العين أو سترت ذلك بخمار فوقه فلا مانع من الظهور فيه، ولا مانع من الصلاة فيه.

حكم سماع الأناشيد

حكم سماع الأناشيد Q هل سماع الأناشيد الإسلامية يعد من إضاعة الأوقات؟ A أرى أنه لا يعد إذا كان محتواها مفيداً، إذا كان فيها حماسة للإسلام، وتحريض على الأعمال الصالحة، أو على الجهاد في سبيل الله، أو على الغلظة على الكفار والمنافقين، وفيها الوصية بعبادة من العبادات، فلا مانع من سماعها، ولو كانت بأصوات ندية ما لم تصل إلى حد التغني والتلحين الذي يكون مطرباً، والذي لا يكون مفيداً.

كتب علمية ينصح بها طالب العلم

كتب علمية ينصح بها طالب العلم Q ما هي الكتب التي تنصح طلاب العلم بالاطلاع عليها في جميع أنواع العلوم الشرعية؟ A الكتب كثيرة، ولكن تختلف في الأهمية، منها كتب التفسير، وأهم كتب المتقدمين كتاب تفسير ابن كثير، ومن المتأخرين تفسير ابن السعدي. أما كتب الحديث فأهمها التي تذكر الأسانيد كالصحيحين ومما ليس فيها أسانيد كتاب مشكاة المصابيح، ومن كتب الأحكام التي تصلح للمبتدئين كتاب بلوغ المرام، والمحرر، والمنتقى، هذه كتب أحاديث. أما كتب الفقه فلكل مذهب كتب تخصه، ومما أختار على مذهب الإمام أحمد من الكتب المفيدة دليل الطالب وشرحه منار السبيل، وكذلك زاد المستقنع وشرحه الروض المربع، وأما المذاهب الأخرى فهي كثيرة، ولهم مؤلفات وشروح كثيرة. أما بالنسبة لكتب العقائد والتوحيد فننصح بقراءة العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، وكذلك العقيدة الحموية، وننصح أيضاً بشرح الواسطية للهراس، وكذلك الأسئلة والأجوبة الأصولية عليها لـ ابن سلمان، ففيها الكفاية إن شاء الله. وأما كتب التوحيد فننصح بكتاب التوحيد للشيخ محمد، وكذلك شرحه فتح المجيد أو تيسير العزيز الحميد. وأما كتب السير فننصح بمختصر السيرة للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، وكذلك من الكتب الجامعة كتاب زاد المعاد لـ ابن القيم وغيره من كتبه، وعلى كل حال الكتب كثيرة، ومن طلبها وجدها.

حكم زكاة البهائم التي ترعى في الأسواق

حكم زكاة البهائم التي ترعى في الأسواق Q البهيمة التي تأكل في الأسواق هل عليها زكاة؟ A يقولون: لا زكاة في البهائم إلا إذا بلغت من الغنم أربعين، وكانت سائمة يعني ترعى بأفواهها، فإذا كانت ترعى بأفواهها وليست معلوفة، وأغلب أكلها مما تجده في الأرض؛ ففيها الزكاة سواءً كانت تأكل في الأسواق من الشجر، أو من فتات الطعام، أو قشر البطيخ، أو ما أشبهه، أو ترعى في البرية من العشب والشجر ونحو ذلك، فإذا كانت سائمة فإن فيها الزكاة، وإن كانت معلوفة فلا زكاة فيها، ولا تجب الزكاة إلا إذا تم النصاب.

حكم لعب الأطفال بالعرائس التي لها صورة

حكم لعب الأطفال بالعرائس التي لها صورة Q ما حكم لعب العرائس للأطفال وكذلك لعب الكرتون؟ A ننصح بألا يقتنى للأطفال اللعب التي فيها صور واضحة، وأن يقتصر على ما ليس بصور حيوان، فيجوز أن يلهو الطفل بما ليس بصورة، فيجوز أن يجعل لهم مثلاً صورة سيارة، أو صورة طائرة، أو صورة أسلحة كمسدس مثلاً أو بندقية أو ما أشبه ذلك، أو أشياء من اللعب التي يلهو بها ويسلو بذلك، فكونك تشتري له صورة إنسان كامل الصورة بوجهه وشفتيه وعينيه وحاجبيه وأنفه ومنخريه وأذنيه وخديه، وشعره، مع اليدين والأصابع والأظفار والأنامل وما أشبه ذلك، فهذه الصورة تدخل في النهي، (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة).

حكم دفع الزكاة للأقارب

حكم دفع الزكاة للأقارب Q هل يجوز دفع الزكاة للأقارب كالإخوان والأخوات؟ A إذا كانوا فقراء، ولم يكونوا من الورثة الذين تلزمك مئونتهم جاز ذلك، أي: بهذين الشرطين: ألا تلزمك مئونتهم، وأن يكونوا فقراء، فإذا اختل شرط من ذلك لم يجز دفعها إليهم.

كيفية الترويح عن النفس

كيفية الترويح عن النفس Q بماذا يكون الترويح عن النفس؟ A بالأشياء المباحة، فالنفس قد تضجر، وقد تمل من الأشياء، خصوصاً من الوحدة، فيقرأ في كتب التاريخ ففيها ترويح، أو يقرأ في كتب الأخبار والقصص والحكايات المسلية ونحو ذلك، ففيها شيء من الترويح والتسلية، هذا بالنسبة للقراءة. كذلك أيضاً بالسماع، فلا بأس بسماع بعض الإذاعات التي فيها أخبار قد تقوي النفس ونحو ذلك، أو سماع الحكايات من الوقائع ونحوها في المجالس التي ينقلها الكبار والصغار، هذا بالنسبة للسماع. أما بالنسبة للأفعال، فله مثلاً أن يسير ويقطع الأسواق ويتفرج وينظر، ويكون في ذلك تسلية له، أو يسافر أو يخرج إلى أطراف البلاد، ليسلي عن نفسه ويرفه عنها، ففي ذلك شيء من التنزه وتقوية النفس.

الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ومنهجه في التعليم

الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ومنهجه في التعليم القراءة والحديث عن سير العلماء العالمين تزيد في الإيمان وتشحذ الهمم؛ إذ إنهم القدوة والأسوة الحسنة، ومن العلماء العاملين الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله، فقد كان مثالاً للعالم العامل؛ إذ كان رحمه الله شديد العناية بالعلم وتحصيله، شديد العناية بتبليغه وتدريسه، حتى إنه لا يكاد أن يُرى إلا في علم أو تعليم، وقد كان رحمه الله حريصاً على اتباع السنة، شديد العناية بالمعتقد السليم، غيوراً على حرمات الله، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، فهو مثال للعالم العامل، رحمه الله رحمة واسعة.

حديث عن الشيخ محمد بن إبراهيم عن قرب

حديث عن الشيخ محمد بن إبراهيم عن قرب بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجهم وسلك سبيلهم إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام! إنها لساعة محببةٌ إلى القلوب أن نجتمع فيها إلى علمائنا، ونأخذ عنهم، ونلتف حولهم. وإن سير العلماء لمن أفضل ما تكلم فيه المتكلمون، فإن سير العلماء مدارس يستقى منها الفضل والقدوة الحسنة. نستضيف في هذه الليلة فضيلة وسماحة شيخنا العلامة الفقيه عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين الذي يعد نجماً وكوكباً لامعاً في سماء الرياض بدروسه ومحاضراته، نسأل الله أن يرفع درجاته في الدنيا والآخرة. يحدثنا سماحة شيخنا عن شيخه العلامة الكبير محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ عالم عصره ومفتي مِصره، وفضيلة شيخنا عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين حينما يتحدث عن الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، ومنهجه في التعليم، فإنما يحدثنا عن كثب، ويتكلم عن معرفة؛ لأنه من أبرِ وأكبرِ تلاميذِ سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم، ومن ألصقهم به. وأترك المجال لسماحة شيخنا ليحدثنا الحديث العذب الذي تشتاقه نفوسنا، ألا وهو الحديث عن الشيخ: محمد بن إبراهيم آل الشيخ ومنهجه في التعليم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: سأحدثكم بما أعرفه ولا أتكلف ما لا أعرفه؛ وذلك لأن الشيخ: محمد بن إبراهيم رحمه الله قد تتلمذ عليه مئات، وربما يكونون ألوفاً: الذين قرءوا عليه والذين أخذوا مسيرته، وعملوا بها والذين تعلموا عليه علوم العقيدة، وعلوم الأحكام، وعلوم الآداب.

اشتغال الشيخ محمد بحفظ القرآن قبل البدء في طلب العلوم

اشتغال الشيخ محمد بحفظ القرآن قبل البدء في طلب العلوم ذكر لنا الشيخ -رحمه الله- في بعض الدروس: أنه كان يقرأ على مشايخ منهم: أعمامه وأبوه، كان يقرأ عليهم بعض الدروس ويحفظ، وذلك قبل أن يكف بصره، ولما أصيب ببصره اشتغل بحفظ القرآن، وأكب على حفظه حتى حفظه. وقد كانوا يعتنون أولاً: بحفظ القرآن قبل البدء في العلوم، وذكر لنا عجائب من حفظه ومن جهده واجتهاده. وللشيخ مشايخ وتلاميذ كثيرون لن أتكلم عن مشايخه، ولا عن تلاميذه، ولا عن مولده ووفاته، فإن ذلك قد كتب عنه كثيراً، وقد ألفت في سيرته عدة مؤلفات، وكتبت في ذلك عدة رسائل؛ تكلمت عن منهجه في التعليم، وعن اختياراته، وما يتعلق بسيرته. ونحن نتكلم على أطرافٍ مما أدركناه، ولست أنا أكبر تلاميذه، ولا أخصهم، فتلاميذ الشيخ كثر، ومن أخصهم ابناه الموجودان: عبد العزيز وإبراهيم، فإنهما قرءا عليه كثيراً، وكذلك زميله في الإفتاء: عبد الله بن سليمان بن منيع، فقد اشتغل في الإفتاء كثيراً، وأيضاً من زملائه: إسماعيل بن عتيق، الذي اشتغل معه كثيراً في الإفتاء، ومن تلاميذه الذين قرءوا عليه كثيراً: محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، وغيرهم وهم كثيرون لا حاجة إلى أن أعدهم، فهم مشهورون ومعروفون.

بدء تولي الشيخ الإمامة والتدريس

بدء تولي الشيخ الإمامة والتدريس الذي سمعته عن أول بدئه في التدريس وفي الإمامة: أنه كان تلميذاً لعمه عبد الله بن عبد اللطيف، وكان عبد الله هو الإمام والخطيب في هذا المسجد، الذي عرف بمسجد عبد الله، ثم عرف بعد ذلك بمسجد الشيخ محمد والذي لا يزال في وسط البلد، وكان صغيراً ثم وسع، وكان إمامه الشيخ عبد الله رحمه الله، ولما مرض استناب ابن أخيه الذي هو محمد بن إبراهيم بعد ما كف بصره، ولما توفي الشيخ عبد الله؛ ترك الشيخ محمد الإمامة، فقيل: لا تتركها؟ فقال: إن الذي أنابني قد مات، ولا ألي شيئاً لست أهلاً له، ولم أكن نائباً عن صاحبه، قال ذلك من باب الورع، كأنه يقول: عمي هو الذي وكلني، وحيث إني كنت وكيلاً عنه في هذه الإمامة، وحيث إنه قد توفي فأنا لا أقوم بهذه الإمامة؛ لأن الذي وكلني قد مات، وكان ذلك في سنة تسعٍ وثلاثين، ولما سمع بذلك الملك عبد العزيز استشار من الأولى بإمامة هذا المسجد؟! فعند ذلك قالوا: لا نعلم أكفأ من محمد بن إبراهيم، فأمر بأن يكون هو الإمام، وتولى إمامة هذا المسجد لمدة خمسين سنة، أي: من تسعٍ وثلاثين إلى أن مات سنة تسعٍ وثمانين وثلاثمائة وألف للهجرة؛ كان هو لإمام لهذا المسجد، إلا أنه كان لا يخطب به، فقد كان يخطب في الجامع الكبير، ويوكل أحدَ إخوته للخطبة بمسجده. وأما جلوسه للتعليم فأنا ما أدركت أول ذلك، ولكن أدركت تلاميذه الذين أخبروني بجلوسه، فكان جلوسه رحمه الله للطلاب من حين تولى هذه الإمامة -أي: من سنة تسعٍ وثلاثين- بعد موت عمه، حيث جلس للتدريس مع أن هناك من هم أكبر منه سناً، بل منهم في درجة مشايخه الكبار كالشيخ: سعد بن عتيق، والشيخ: سليمان بن سحمان، والشيخ: حمد بن فارس، وكذلك عمه الشيخ محمد بن عبد اللطيف الذي عُمِّر إلى أن مات سنة ثمان وستين، فرفع الله مكانة الشيخ محمد بن إبراهيم فتولى هذا التدريس.

كان وقت الشيخ عامرا بالتدريس والقراءة

كان وقت الشيخ عامراً بالتدريس والقراءة كان الشيخ لا يَمل من التدريس، وكان وقته للدراسة وللقراءة، ويدل على ذلك سماعه لفتاوى المشايخ التي جمعها الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله، وهي هذا المجموع الكبير الذي سماه: الدرر السنية، فإنه قرأها عليه، وكتب الشيخ في مقدمتها: لقد قرأ علي أخونا عبد الرحمن بن قاسم هذه الرسائل، فبعضها مرتين، وبعضها أكثر من ذلك، يقرأها عليه للتصحيح، وهي رسائل أئمة الدعوة ونصائحهم، ومسائل سئلوا عنها، فرتبها الشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله على الأبواب، فهذه المجموعة المكونة من اثني عشر مجلداً قرأها عليه وسمعها كلها. وأما قراءة القراء عليه، فذكروا أنه كان يجلس بعد الفجر مباشرةً غالباً، فيقرأ عليه إلى أن تطلع الشمس، ثم بعد ذلك ينصرف إلى بيته لتناول القهوة ونحوها، فإذا ارتفعت الشمس فتح بابه للطلاب فتوافدوا عليه، وقرءوا عليه في المطولات ككتب التفسير، وكتب الحديث، وشروح الحديث، فقد قرئت عليه الشروح الكبيرة كفتح الباري وغيره من الشروح، ومن كتب التفسير: تفسير ابن جرير، وتفسير ابن كثير، وتفسير البغوي، وهذه قرئت عليه مراراً، ولكن كان أكثر اهتمامه بكتب العقيدة وكتب التوحيد؛ وذلك لأن آباءه وأجداده أولوها اهتماماً، فكان حريصاً على تكرارها، وكان حريصاً على حفظها، وعلى تكليف الطلاب بحفظها. وهكذا إلى أن يَقرُبَ وقت القيلولة فيأذن لهم بالانصراف -قبل الظهر بساعةٍ أو نحوها-، ثم بعد صلاة الظهر يتوافدون إليه إلى المسجد، ويقرءون -هذا فيما أذكر وفيما نقل إليَّ- نحو ساعة أو قريباً منها. وكذلك بعد العصر يدرسون عليه أيضاً ساعة أو أكثر منها، وهكذا أيضاً بعد المغرب -أي: بين العشائين-، فيعمر وقته رحمه الله بهذه الدروس، وكان يهتم بالمتون ويوصي بها تلاميذه، فاستفادوا منه كثيراً. ولعلكم قرأتم في مقدمة: (الفوائد الجلية) للشيخ: ابن باز قوله: إني استفدت أكثرها من تقريضات شيخنا الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله.

تشجيع الشيخ لمن رأى فيه النجابة والذكاء

تشجيع الشيخ لمن رأى فيه النجابة والذكاء كان الشيخ إذا رأى نجابة الطالب الذكي فإنه يحبه، ويرفع مكانته، ويشجعه على الدراسة وعلى الحفظ، كما حصل لتلميذه الأمثل الشيخ: ابن باز -رحمهما الله جميعاً-، فإن الشيخ ابن باز رحمه الله كان دائماً يعترف بفضله عليه، وبتقديمه له، وكلما ذكره هملت عيناه دمعاً؛ لاعترافه بفضله، وفي هذا دليلٌ على أنه كان يشجع كل من يرغب في التتلمذ عليه، وحدثني بعض المشايخ كالشيخ عبد الرحمن بن عويمر رحمه الله أنه قرأ عليه زاد المستقنع مرتين أو ثلاثاً، وكذلك قرأ عليه كتاب بلوغ المرام حفظاً، وقرأ عليه زملاء له كانوا يجتهدون في حفظه، وقد أدركنا بعضهم يحفظون الزاد كاملاً حفظاً متقناً. أدركنا شيخاً لنا هو تلميذٌ للشيخ محمد يقال له: صالح بن مطلق رحمه الله كان يحفظ الزاد، وكان قد قرأه على الشيخ، وسمع شرحه عليه، وكذلك غيره من المشايخ، وأدركت شيخاً يقال له: عبد الله بن مرشد يحفظ الزاد، وكان ضريراً، وكنت مرةً في مسجدٍ له، وكان هو الإمام، وكان يوم مطر، فابتدأ يقرأ من وسط الزاد، حتى قرأ نحو ساعة أو ساعتين قراءة متواصلة! ثم سئل فقال: إني حفظته وقرأت شرحه على الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله.

إنشاء الشيخ لمعهد إمام الدعوة وتدريسه فيه

إنشاء الشيخ لمعهد إمام الدعوة وتدريسه فيه عندما أتيت إلى الرياض في سنة أربعٍ وسبعين، وذلك بعدما فتح المعهد العلمي، وانتظم فيه خلقٌ كثير، وبقي آخرون أغلبهم من المكفوفين لم يلتحقوا بالمعهد؛ وذلك لأن فيه علوماً لا تناسبهم وتصعب عليهم؛ لكونهم مكفوفي الأبصار، فعزم الشيخ رحمه الله على أن يفتح معهداً خاصاً، وسماه: معهد إمام الدعوة، ولما عزم على فتحه كان أول جلسة جلسها بعد الفجر، وذكر فيها فتحه لهذا المعهد، وأن سبب فتحه: أن هناك من لا يرغب في دراسة التقويم ولا الحساب ولا الجبر ولا الهندسة ونحوها من العلوم الجديدة، وإننا نريد أن يكون هذا المعهد معهداً شرعياً خاصاً، وذكر أنه يدرس فيه عشر موادٍ، وأخذ يعددها بأصابعه -ونحن ننظر- فقال: الفقه، وأصول الفقه، والحديث، ومصطلح الحديث، والتفسير، وأصول التفسير، والتوحيد، والعقيدة، والنحو، والفرائض، فهذه العشرة كلها دروس دينية، وهي التي قررها في ذلك المعهد عندما فتح في سنة أربعٍ وسبعين، ولما فتح للسنة الأولى كانت الدراسة في المسجد، فتولى تدريس حلقتين، حيث قسمهم إلى أربع سنوات، سنة رابعة: فيها المتقدمون الذين معهم تمكن، وسنة ثالثةٌ: دونهم في الرتبة، ولكن معهم سابق علم، وسنةٌ ثانية: دونهم كذلك، وسنة أولى: وهم الأكثرية، وهم المبتدئون، وإن كان فيهم أيضاً بعض التلاميذ المتفوقين. التزم الشيخ بتدريس السنة الرابعة، وبتدريس السنة الأولى الذين هم الأكثرية، وكنت أنا في السنة الرابعة، واستمر يدرسنا لمدة ثمان سنوات، قرأنا عليه فتح المجيد بأكمله فيما يتعلق بالتوحيد، وقرأنا عليه الفتوى الحموية في العقيدة، وكذلك العقيدة الواسطية، وقرأنا عليه كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية، وقرأنا عليه شرح الطحاوية، وكان يشرحه شرحاً متوسطاً، وكان يعلق على الجملة أو على المقطع تعليقاً خفيفاً؛ وذلك لأنه يثق بأنه ظاهر، وأن هذا الكتاب إن شرحه شرحاً موسعاً فسيطول، وبالأخص كتاب الإيمان لسعته، وما أشبه ذلك. وكان رحمه الله تعالى متوغلاً في علم التوحيد، وحضرنا له درساً في السوق، كان إذا انتصف الضحى -أي: قبل الظهر بساعتين- جاء إلى السوق -الذي هو مجتمع الناس- وقرءوا عليه باباً من أبواب كتاب التوحيد، ثم يشرحه شرحاً واسعاً، ويتوسع في ذلك الباب، وقد أعطي ذكاءً وفقهاً في هذا الكتاب، حتى إنه يستخرج منه فوائد عديدة زيادة على المسائل التي استنبطها منه المؤلف، ويشرح الجمل شرحاً بليغاً، ويطبقها على الواقع، وأتذكر أنه قُرئ عليه باب احترام أسماء الله تعالى، وتغيير الاسم لأجل ذلك، وفيه حديث أبي شريح؛ أنه كان يكنى أبا الحكم، فبعد ما شرح الباب قال: إن الناس يتساهلون في هذه الأسماء، فيسمون بما يقرب من أسماء الله تعالى، ثم قال: إن من الناس من يسمي عبد العزيز: عِزَيِّز، ويسمون عبد الرحمن: دِحَيِّمْ، وأخذ يمثل بمثل هذه الأسماء وهذا لا يجوز، فإن ذلك تغيير لأسماء الله، وأسماء الله يجب أن يكون لها مكانتها. ولما تكلم على باب ما جاء في المصورين، كان التصوير قد ظهر في ذلك الوقت، فأخذ ينكر على الذين يتوسعون في التصوير، بأي نوعٍ من أنواع التصوير، ثم استطرد وذكر ما انتشر من الكتب المليئة بالصور، فذكر أنها كتب لا فائدة فيها، ولا أهمية لها، ومع ذلك يوجد في جوانبها كثير من الصور، وكذلك المجلات، وأخذ ينكرها، وقد استجاب لذلك كثير من الذين سمعوهُ، فرجعوا ومزقوا ما عندهم من الصور. وبالنسبة إلى تدريسه للسنة الأولى، فقد درسهم الثلاثة الأصول، والأربعين النووية، ودرسهم في النحو: الآجرومية، وكنا نحضر له في درس ثلاثة الأصول، فكان يشرحه ويأتي بفوائد عجيبة يستنبطها من ذلك المتن، وهكذا أيضاً في شرحه للأربعين النووية.

تدريس الشيخ للمطولات

تدريس الشيخ للمطولات بالنسبة إلى الدروس الواسعة فقد درسنا عليه متن وشرح زاد المستقنع، وكان يكلفنا بحفظه، وإن كان بعضنا قد يعجز، ويكلفنا أيضاً: بحفظ البلوغ؛ لأنا قرأنا عليه الروض المربع مرتين، مرة في المرحلة الثانوية: وهي أربع سنين، ومرة في القسم العالي -الذي هو التخصص، وكان يوازي الجامعة- أربع سنين، فقرأنا هذين الكتابين، وقرأنا من كتب التوحيد، ومن كتب العقيدة. وكنا نلاحظ عليه في الفقه أنه لا يخالف ما في الكتاب إلا قليلاً، وكان الذي يقرأ عليه شيخ زميلٌ لنا، وهو عبد الرحمن بن محمد بن مقرن آل سعود رحمه الله الذي توفي في نحو اثنين وتسعين أو قريباً منها، وكذلك أحد التلاميذ الموجودين وهو: محمد بن عبد الرحمن بن قاسم، كان إذا قرأ عليه القارئ يأمره أن يقرأ جملةً من الروض المربع، وإذا قرأ الجملة شرحها، فأحياناً يكون منبسط البال، فيتوسع في الشرح، وأحياناً تكثر عليه الواردات فيختصر ولا يتوسع، وإذا توسع فإنه يأتي بأمثلة توضح تلك الجملة، ويبين ما يتعلق بها وما يلحق بها، وكذلك إذا شرح حديثاً من بلوغ المرام، يحرص على أن يتوسع في شرحه، ويبين ما يتصل بذلك الحديث، وتعرفون أن بلوغ المرام فيه بعض الأحاديث الضعيفة، فكان لا يتوسع في شرحها، وتعرفون أيضاً أن في آخره ستةَ أبوابٍ تتعلق بالأدب، وليست من الفقه، وقد شرحه لنا مرتين، وكان يتوسع في شرحه شرحاً غالباً. ولم يكن في ذلك الوقت قد تواجدت أجهزة التسجيل إلا قليلاً، فلم يكن أحدٌ يسجل كلامه فيما أذكر، ولكن كان أكثرهم يكتبون ما يستفيدونه منه، وكان من أكثر الطلاب عناية بكتابة فوائده زميلنا الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله، والذي توفي قبل أكثر من سنة إثر حادثٍ حصل له، فقد كان سريع الكتابة، ولكن كتابته لا يعرفها إلا هو؛ لأنه لا ينقط الحروف، ولأنه يسرع فيها، وغالباً لا يفوته إلا القليل من كلام الشيخ، وكانت طريقة الشيخ رحمه الله في الإلقاء متوسطة، فكان يتكلم كلاماً متوسطاً، ولا يسرع في إلقاء الجمل، بحيث إن من يريد أن يتابعه يستطيع أن يتابعه ويلحقه. ذكر لنا محمد بن القاسم رحمه الله أنه كتب ثمانية وعشرين دفتراً على شرح الفتوى الحموية، والدفتر عشرون ورقة، فمعنى ذلك أنه لو نسخ لكان مجلداً كبيراً، ويظهر أن الشيخ محمد بن القاسم رحمه الله لم يتفرغ لنسخه، وكان يتابعه في الشروح: في شرح الزاد، وفي شرح الحديث، ونحو ذلك؛ لاهتمامه بإثبات ما يقدر عليه من الفوائد، أما نحن فكنا نعلق بين الأسطر من بلوغ المرام أو في هامش الروض المربع: الفوائد الغريبة، والفوائد الجديدة، وبالنسبة للروض المربع كان مطبوعاً في ثلاثة مجلدات، وعليه حاشيةٌ للشيخ العنقري رحمه الله، ومع ذلك كنا نعلق في الهوامش وفي الحواشي ما يتيسر لنا من الفوائد، وكذلك أيضاً: قد يأخذ أحدنا دفتراً، ويعلق فيه ما تيسر من الفوائد.

التزام الشيخ بما في كتب الفقه وعدم المخالفة لها إلا نادرا

التزام الشيخ بما في كتب الفقه وعدم المخالفة لها إلا نادراً لم يكن الشيخ يخالف ما في كتاب الفقه إلا قليلاً، لا يخالفه فعلياً ولا قولياً إلا نادراً، فمرة كان يتكلم في الكلام على نية الصلاة، وأنها من شروط الصلاة، فصاحب الروض -كأصحاب المذهب- تأثروا بكتب الشافعية، فقال صاحب الروض: ويستحب التلفظ بها سراً، فأنكر الشيخ هذه الجملة، وقال: لا يستحب؛ وذلك لأنكم كما تعرفون في ثلاثة الأصول، وما ذكر في آخرها من شروط الصلاة؛ أنه ذكر النية وقال: (ومحلها القلب، والتلفظ بها بدعة)، فقال: إن التلفظ بالنية سراً أو جهراً كله بدعةٌ منكرة، ولا دليلُ على ذلك، وأخذ يبين أنه لا دليلَ على أن التلفظ بها مشروع. ومما ذكره الفقهاء: أنه لا يجوز استقبال النار ولو سراجاً، يقولون: ولا يجوز استقبال نارٍ ولو سراجاً، وبعد أن جاءت هذه الإنارة الكهربائية قال: لا تجعلوها أمام المصلي -أي: لا يستقبل المصلون نوراً كهربائياً- قالوا: كيف نفعل؟ قال: اجعلوها على رءوسهم على السواري، وكان في المسجد ستة صفوف من السواري، فكانوا يجعلون على رأس السارية واحدة من اللمبات، حتى لا يستقبلونها، وكانوا أحياناً يصلون في الرحبة التي في شرق المسجد، والتي توصف بالخلوة، وكانت هناك لمبةٌ يقرءون عليها قبل الصلاة -في وقت العشاء- وكذلك إذا كان هناك درسٌ، فإنهم يقرءون عليها، وكانت ملصقةً بخشبةٍ قرب المحراب؛ فإذا أقيمت الصلاة كان يقول: أطفئوا هذه اللمبة، ولا تشوشوا على المصلين، وهذا من تشدده رحمه الله بالعمل بما نص عليه الفقهاء: من أنه لا يجوز استقبال نارٍ ولو سراجاً، ولما جاءت هذه الكهرباء التي عمت المساجد، توسع في ذلك المشايخ وبالأخص الشيخ: عبد العزيز بن باز رحمه الله فقالوا: إنه لا مانع من استقبالها وجعلها أمام المصلي. ولما عمر المسجد الكبير في سنة سبعين، وركب فيه جهاز المكبر، أنكره بعض الناس الذين حوله، وقالوا: إن هذا بدعة؛ لأنه لم يكن معروفاً، وكيف نصلي ونحن لا نقتدي بصوت القارئ ولا بصوت الإمام؟ لا حاجة لنا في هذا، أما الشيخ فقد قبل ذلك، وقال: هذا فيه فائدة، وهو تكبير للصوت، وإرساله إلى مكان بعيد، ولكن لما كان هناك كثيرون لا يصلون فيه معه، قال لهم: لا تركبوا هذا المكبر في المسجد القديم، الذي هو مسجد آل الشيخ، واستمر المسجد ليس فيه مكبر إلى قبل وفاته بنحو أربع أو خمس سنين فيما أذكر، فركب فيه هذا المكبر، وكان قد اقتنع بأنه لا بأس به، وأنه جائز لما فيه من الفائدة: وهي تكبير الصوت، وإرسال الصوت إلى الأماكن البعيدة، وقد كانوا لا يسمعون المؤذن وهم بجوار البيوت، فاقتنعوا وقنعوا.

غيرة الشيخ في أمور العقيدة

غيرة الشيخ في أمور العقيدة بالنسبة إلى الأمور المستجدة فقد عرف الشيخ بغيرته على أمور العقيدة، وألف رسالةً طبعت في ذلك الوقت، ثم طبعت مع مجموع رسائله، في إثبات أن القرآن عين كلام الله، وأنه كلام الله حقاً، وأن الذين قالوا: إنه حكاية أو عبارة فهم في الحقيقة ينكرون كلام الله. وكان بعضهم يعرب بعض السور فمر على قوله تعالى: {قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} [عبس:17]، مع أن التلاميذ يعرفون أن هذا الحرف يفيد التعجب، وكان المدرس أشعرياً، فأنكر صفة العجب، وقال: لا يوصف الله تعالى بالعجب، فرفعوا الأمر إلى الشيخ، فعند ذلك أحضره وأقنعه وبين له: أن هذا يتعلق بالعقيدة، وأن الله تعالى موصوفٌ بصفات الكمال، وقد وصف الله نفسه بهذا في قوله: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ} [الرعد:5]، وكذلك في الأحاديث، فكان غيوراً على مثل هؤلاءِ. وأذكر أنه في حدود سنة خمس وسبعين طلب منا أن نقرأ على بعض المشايخ، فتوقف بعض زملائنا، وأشدهم الشيخ محمد بن قاسم، وقالوا: لا يمكن أن نقرأ على هؤلاء، فأقنعهم، بأننا قد أقنعناهم وأنهم قد اقتنعوا بما نحن عليه، فامتنع الزملاء، وعند ذلك صرفنا إلى قراءة أصول الفقه فقال: اقرءوا على الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أصول الفقه، وكذلك اقرءوا على الشيخ فلان في النحو، فالحاصل أنه كان يتنزل على رغبة الطلاب الذين يخافون أن يدخل في عقيدتهم شيءٌ من التغير. وبالنسبة إلى غيرته رحمه الله، فقد كان غيوراً على المحرمات، وكان من الإخوان الذين يحبون أن يغيروا الشيخ: عبد الرحمن بن ريان رحمه الله والشيخ فهد بن حمين شفاه الله والشيخ: عبد الرحمن بن مقرن رحمه الله وغيرهم من التلاميذ الذين عندهم قدرة على الإنكار والإقناع، فكانوا كلما سمعوا بمنكر جاءوا إليه وبينوا له، وأكثر ما كانوا ينكرون على أهل اللعب -أهل المباريات- ونحوها، ويقولون: إنه يحضرها أناسٌ، وإنهم لا يؤدون صلاة العصر جماعة، ولا صلاة المغرب، فأصدر أمره: أنهم لا يأتون إلا بعد صلاة العصر، وأن ينصرفوا قبل صلاة المغرب، إذا كانت هناك مبارياتٌ أو ما أشبه ذلك. وكذلك إذا أنكروا نشرة من النشرات، فإنهم يأتون إليه، فإذا أخبروه فإنه يغار على ذلك، ويرد على ذلك المتكلم في تلك النشرة، ولعل بعضكم يذكر ما قاله الشيخ ابن باز رحمه الله في مسألة دوران الأرض، حيث نشر نشرةً، وذكر قول الله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس:38]، وقال: من أنكر جريان الشمس على ما ذكر الله، فإنه قد رد كلام الله، ويكون بذلك مرتداً، فرد عليه الشيخ المعروف بـ الصواف رداً طويلاً، وأخذ ينشره في الصحف، ولما نشر في ثلاثةِ أعدادٍ أمر الشيخ محمد رحمه الله بإيقافه، وعدم نشره لبقيةِ ما عنده، ولكنه نشر بعد ذلك كتابٍاً أو رسالةً سماها: (المسلمون وعلم الفلك)، وهي التي رد عليها الشيخ حمود التويجري رحمه الله، وحاولوا أن يقنعوا الصواف بذلك، ولكنه أصر على عقيدته وعلى ما هو عليه في هذه المسألة. وكذلك كان الإخوان يفزعون إليه إذا رأوا منكراً، وكان المنكر في ذلك الوقت يستنكر ولو كان يسيراً، وكان يوجد في أقصى الرياض شرقاً: مطعم أو قهوة، وكان فيه هذا الجهاز الذي يسمى -السينما-، وانكب عليه الجهلة يزدحمون على النظر والتفكر في تلك الصور التي تعرض، ففزع الإخوان إليه، وأنكروا ذلك، وأمر بإقفاله فيما يظهر أو عدم استعمال هذا الجهاز لما فيه من الفتنة. ولما خرج جهاز التلفاز المعروف، فزع إليه الإخوان وقالوا: إنه تظهر فيه منكرات، وإنه فيه مفاسد، فأكد على المسئولين: ألاَّ تظهر فيه صورة امرأة -أي: صورة الوجه- فإذا كانوا في حاجةٍ إلى إخراج كلامها فيكون كلاماً بدون صورة، فكانت المرأة لا يبدو شيءٌ من بدنها إلا كيدها، وأما الرأس والوجه فلا يظهر طوال بقائه رحمه الله، وبعدما توفي توسعوا كما هو الواقع، وقد عرف أن هذا فتنة.

اقتداء الشيخ بآبائه وأجداده في الإمامة والخطابة

اقتداء الشيخ بآبائه وأجداده في الإمامة والخطابة كان الشيخ رحمه الله يقتدي بآبائه وأجداده في أعماله، فبالنسبة إلى الإمامة كان رحمه الله يمد صوته بتكبيرة الإحرام، وإذا كبر للركوع فإنه يختصر التكبير: (الله أكبر)، وكذلك إذا سجد، ولكونه ضريراً كان ينحني حتى يصل إلى الأرض، فإذا وصل إلى الأرض ولم يبقَ بينه وبين الأرض إلا قدر تكبيرة، قال: الله أكبر، لماذا؟ يخشى أنهم يسابقونه، فتبطل صلاتهم بهذه المسابقة. وبالنسبة إلى الخطب كان رحمه الله لا يخرج عن خطب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وقد كانت مطبوعة في رسالة مفردة، وكان يحفظها ويخطب بها، وكانت على طريقة الخطباء القدامى، كانت مسجوعةً غالباً، فيقف على كل جملةٍ ويرتلها، والخطبة الثانية: قد يدخل فيها أيضاً بعض التنبيهات والأشياء الجديدة. وأذكر مرةً أنه كان أمام المسجد شارعٌ واسع يسمى شارع آل سويلم، فمرت سيارة وهو في الخطبة، وعند ذلك نبه -وهو في الخطبة- وقال: إن هؤلاء الذين يمرون والناس يصلون، إن كانوا نصارى فيجب منعهم، وصرح بلعنهم -لعنهم الله-، وإذا كانوا متهاونين فيجب إقفال الأبواب عنهم، فبعد تلك الخطبة جاء الأمر من الملك في ذلك الوقت: الملك سعود بإقفال الشارع إذا أذن المؤذن الأذان الأخير للجمعة، ويمنع المرور أمام ذلك الشارع، حتى لا يشوش على المصلين، فيوقف الشارع من هنا ومن هنا، وهذا من حماسه وغيرته رحمه الله. وسيرته معروفةٌ ومعلومة، ومن أراد التوسع فيها فليرجع إلى ما كتبه تلاميذه في ذلك. نسأل الله أن يتغمده برحمته، وأن يفسح له في قبره، ونسأله سبحانه أن يرفع درجاته ويجزيه عن الإسلام والمسلمين أفضل الجزاء، وأن ينفع بعلمه، وأن يبارك في تلاميذه وفي خلفه، وأن يجعلهم قدوةً حسنة لمن بعدهم، إنه على كل شيءٍ قدر، والله أعلم، وصلى الله على محمد.

الأسئلة

الأسئلة

تكرار قراءة الكتب على الشيخ

تكرار قراءة الكتب على الشيخ Q هذا سائلٌ يقول: سمعت من فم الشيخ حسن بن عبد اللطيف المانع رحمه الله أنه قرأ كتاب التوحيد ثلاث عشرة مرة على الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ وسمعت أيضاً من أحد أبناء الشيخ محمد بن قاسم رحمه الله أن والده قرأ كتاب التوحيد والعقيدة الواسطية على الشيخ محمد بن إبراهيم أكثر من أربع عشرة مرة، ونحن نرى طلاب العلم في هذا الوقت لا يقرءون كتاب التوحيد، ولا كتب العقيدة، إلا مرة أو مرتين، وقد يستثقلون ذلك، فما توجيهكم حفظكم الله؟ A كان الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله موغلاً في كتب العقيدة والتوحيد، وكان قد تلقى الوصايا بها عن أبيه وأعمامه وأقاربه الذين يوصون بكتب العقيدة، فلا يستغرب مثل هذا. وسبب التكرار: أنه يقرؤه أحدهم حتى يكمله، ثم يأتي تلميذٌ آخر فيطلب قراءته، فيحضرون معه ويقرءون فيكمله مثلاً: في سنة أو أقل من سنة، ثم يأتي تلميذٌ ثالثٌ وهكذا، وربما يقرأ الواحد أو يسمعه ويحفظه مراراً، وقد كنت أحضر عند تلاميذٍ في المسجد نفسه وأغلبهم من المكفوفين، وكان يقرأ عليهم واحدٌ منهم قد توفي، ويرأسهم كبيرٌ لهم يقال له: علي، وهو أيضاً: كفيف، فكانوا إذا قرءوا جملة، أخذوا يستفصلون، ويقولون: احفظوا هذه الجملة، فإن الشيخ سوف يسألنا عنها احفظوا هذه الكلمة، فإنه قد سألنا مرة عن قوله: (مالت بهن لا إله إلا الله)، ما معنى مالت؟! وإنه سألنا مرةً عن قوله: (انفذْ على رسلك) ما معنى انفذ؟ وما معنى رسلك؟ فيكررون مثل هذه الكلمات حتى يحفظوها، وكذلك يحفظون جمل التعاريف، فيقولون: ما تعريف النذر؟ وما تعريف النذر الشركي؟ مما يدل على أنه كان يلقنهم ويشرح لهم، ثم بعد ذلك يناقشهم، ويسألهم مرةً بعد مرة؛ ولأجل ذلك تفقهوا به كثيراً، ومنهم الشيخ حسن بن مانع رحمه الله، وقد سألناه فقال: إني أتيت إلى الشيخ، وطلبت أن أقرأ عليه فقال: يا بني! لا تقرأ علي حتى تحفظ القرآن، فقلت: أبشرك بأني حفظت القرآن -وهو كفيف- فقال: لا تقرأ حتى تحفظ الثلاثة الأصول، فقال: إني أحفظها، فقال: لا تقرأ حتى تحفظ كتاب التوحيد، فقال: إني قد حفظته، وأخذ يعدد عليه محفوظاته.

اعتناء الشيخ بالقرآن وإلزامه طلابه بحفظه

اعتناء الشيخ بالقرآن وإلزامه طلابه بحفظه Q يقال: إن الشيخ كان لا يستقبل طالب العلم إلا إذا كان حافظاً للقرآن، فهل ذلك صحيح؟ A صحيح، كما سمعنا في قصة الشيخ حسن بن مانع، فقد كان لا يقبل طالباً إلا بعد أن يحفظ القرآن، وكانت هناك مدارس لتحفيظ القرآن، ومنها مسجد الشيخ عبد الله، ثم مسجد الشيخ محمد، يذكر الأولون الذين كانوا يعرفونه في سنة عشرين وما بعدها: أنهم إذا دخلوا المسجد وجدوه مليئاً بالحلقات، هؤلاءِ عندهم مدرسٌ يقرءون في المفصل، وهؤلاء فيما بعده، يمكن في المسجد ثلاث أو أربع حلقات، ولا يخلو المسجد ليلاً أو نهاراً إلا في وسط الليل بعدما ينامون.

ركعتي الشروق عند الشيخ محمد بن إبراهيم

ركعتي الشروق عند الشيخ محمد بن إبراهيم Q سمعت من بعض طلاب العلم ممن لم يدركوا الشيخ أن الشيخ محمد بن إبراهيم كان لا يصلي بعد طلوع الشمس ركعتين؛ لأنه كان يرى الحديث ضعيفاً، فهل كنتم ترونه يصلي أم لا؟ A رأيناه يصلي، إلا أنه إذا انتهى من الدرس كان يذهب إلى بيته ولا يصلي، ولكن في غير وقت الدرس كرمضان فكان يجلس في مكانه يقرأ، وإذا انتهى من ورده صلى ركعتين، ورأيته يرفع يديه يدعو بعد الركعتين، ورأيته أيضاً يمسح بهما وجهه، مما يدل على أنه يرى أن الحديث في المسح ثابتٌ، ويرى أيضاً: أن مسح الوجه بعد الدعاء سنة وفضيلة، أما انصرافه بعد الدرس بلا صلاة، فلعل له عذراً، وقد كان مجلسنا في شرق المسجد، وكان وقت الحلقة يمتد إلى ساعتين -غالباً- أو ساعة ونصف، يجلس من بعد صلاة الفجر مباشرة، ثم إذا انتهى من الدرس أخذ بيده أحدُ التلاميذ إلى بيته، ويمكن أنه كان يصلي في بيته.

فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم في التصوير

فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم في التصوير Q فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم في التصوير هل تغيرت قبل وفاته أم بقي على ما كان يرى من تحريم التصوير مطلقاً؟ A لعلكم قرأتم له فتوى، وما أذكر أنه رجع عنها في فتوى أو في رسالة، وقد رد عليه أحد السوريين في فتوى مطبوعة، وقال راداً على المفتي محمد بن إبراهيم في تحريمه للتصوير: إن التصوير ليس خلقاً، فلا يدخل في قوله: (من يخلق كخلقي) وإنه عبارةٌ عن كذا وكذا وكذا، ثم رد الألباني على ذلك السوري فقال: إن قوله: إن هذا ليس من خلق الإنسان وإنما هو خلق الله غير صحيح، وذكر اثني عشر عملاً للإنسان في هذا التصوير، مما يدل على أنه عمل إنسان، ولا نذكر أنه تراجع عنه، أما بالنسبة إلى الصور الضرورية في الجواز أو في الحفيظة، فقد سئل عنها الشيخ ابن باز رحمه الله فرخص في ذلك للحاجة.

صحة نسبة فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم المطبوعة إليه

صحة نسبة فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم المطبوعة إليه Q فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم المطبوعة الآن يشكك بعض الناس في بعض الفتاوى فيها، ويقول: إنها أدخلت، وليست من كلام الشيخ، فما قولكم في ذلك؟ A ليس كذلك، والذي جمعها مأمون وموثوق، وهو زميلنا محمد بن عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله؛ وذلك لأن الشيخ أعطاه تفرغاً، فأكمل فتاوى شيخ الإسلام الخمسة التي بقيت، وعمل لها فهرساً، ولما أكملها أسند إليه ترتيب فتاواه، فعملها حتى بعد موت الشيخ، وانتهى منها حدود سنة خمس وتسعين، وهو يتتبعها من الكتابات ونحوها، وكان متحرياً، فمن قال: إن فيها ما ليس منها فليس بصحيح، إلا أنه أدخل فيها شيئاً من التقارير؛ وذلك لأنه كان يتابع كلام الشيخ، كما ذكرت لكم أنه كتب ثمانية وعشرين دفتراً على شرح الحموية، فقد كان يتابع كلام الشيخ، ويكتبه في دفاتر، ويمكن أنه كتب أكثر من ثلاثمائة دفتر من تقارير الشيخ خلال الثمان السنوات.

صفة الشيخ محمد بن إبراهيم الخلقية والخلقية

صفة الشيخ محمد بن إبراهيم الخلْقِية والخُلقية Q فضيلة الشيخ! لو وصفت لنا الشيخ محمد بن إبراهيم خَلْقياً وخُلقياً؟ A يمكن أن بعض الحاضرين أدركه، حيث إنه توفي من نحو خمسٍ وثلاثين سنة، أي: سنة 1389هـ. بالنسبة إلى الوصف الخَلقي: فإنه كان ربعةً ليس بالطويل ولا بالقصير، بل متوسطاً، ولم يكن عليه لحمٌ كثير، ولم يكن أيضاً نحيفاً، بل كان متوسطاً في طوله وعرضه، ووجهه يميل إلى الحمرة، ويميل وجهه إلى أنه عريض، ولحيته وعارضاه متوسطة كغالب الرجال. وقد ذكرنا أنه كف بصره وعمره في العشرين أو قريباً منها، ولما كف بصره واصل طلب العلم، وكان يحمل العصا كسائر المكفوفين، وكانت لديه معرفةٌ بالأصوات كسائر المكفوفين، بمعنى: أنه إذا سمع أحدهم ثم جاءه بعد يوم أو يومين عرفه بصوته، أتذكر مرة أنه خرج وحده من سكته التي فيها بيته -وهو بيت من الطين قبل بناء البيت الكبير- متوجهاً إلى المسجد لصلاة العصر، وقدر أني لقيته وليس معه أحدٌ يقوده، فأمسكت بيده، وسلمت عليه، وذلك في سنة ستٍ وسبعين، وبمجرد ما سلمت عليه عرف صوتي، مع أني كنت قليل السؤال له في الحلقة، فعرف صوتي مباشرةً، وأخذ يسألني، وكان في ذلك الوقت قد حصل جدبٌ في وسط نجد وما حولها، وعلى الرياض، وحصل على بلاد القصيم وما حولها مطرٌ غزيرٌ حصل منه هدمٌ ونحوه، فأخذ يسألني ماذا حصل في بلادكم؟ وكانت مشيته مشيةً معتدلة، بمعنى أنه لا يسرع في المشي إذا كان يمشي وحده، مع أنهم كانوا لا يتركونه يمشي وحده، ومرةً جلسنا في الحلقة فاستأذن، وقال: إني أريد أن أذهب إلى البيت وأرجع إليكم، وكنا في الحلقة صفين أو ثلاثة، فانتظرناه فإذا به يدخل من الباب وحده، مشى من بيته إلى المسجد وحده، فلما رأوه قاموا إليه، وأخذوا بيده إلى أن أجلسوه في الحلقة، وكان يجلس على الأرض، وكانت حصباء، ولم تكن مفروشة، فكان يجلس على الحصباء التي في ذلك المسجد، ولا يأمر أن يفرش له فراشٌ غالباً، ولا أن يجعل له كرسيٌ كغيره، بل يتواضع ويجلس على الحصباء، وسيرته طويلةٌ رحمه الله.

غالب حاشية الروض المربع منقول عن كتب المتقدمين

غالب حاشية الروض المربع منقول عن كتب المتقدمين Q حاشية الروض المربع للشيخ عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله هل نقل فيها شيئاً عن الشيخ محمد بن إبراهيم؟ A الغالب أنه ينقل عن شيخ الإسلام، وعن الكتب المتقدمة كما هو مشاهد، إلا أنه -رحمه الله- اعتنى بالقسم الأول: الذي هو العبادات، فبيضه وكمله، وزاد فيه، وأما من البيع إلى آخر الكتاب، فإنه لم يتفرغ له، فقد أصابه في آخر أمره عجزٌ وضعف بصر، فلم يتفرغ للعناية به وتبييضه.

المتون التي كان الشيخ محمد بن إبراهيم يوصي طلابه بها

المتون التي كان الشيخ محمد بن إبراهيم يوصي طلابه بها Q ما هي المتون التي كان الشيخ محمد يوصي طلابه بها؟ A ذكرنا أنه كان يعتني بهذه الفنون العشرة: الفقه، وأصوله، والحديث، والمصطلح، والتوحيد، والعقيدة، والتفسير، وأصول التفسير، والنحو، والفرائض، فكان يوصي بالعناية بها، وبالنسبة للتوحيد كان يركز على كتاب التوحيد، وعلى كشف الشبهات، وعلى ثلاثة الأصول، ويوصي بحفظها، فكان التلاميذ يحفظونها كما ذكرنا. وبالنسبة للحديث كان يوصي بحفظ الأربعين النووية وبلوغ المرام وعمدة الأحكام وما أشبهها. وبالنسبة لأصول الفقه كان يوصي بالورقات مع أن مؤلفها ليس حنبلياً، ويوصي أيضاً بقراءة روضة الناظر. وبالنسبة للفرائض: الرحبية، والنحو: الآجرومية، وكان التلاميذ يحرصون على حفظها، وقد وكَّل أخاه عبد اللطيف رحمه الله بتدريس النحو والفرائض، فكان عبد اللطيف يجلس بعد المغرب، ويجلس بعد الفجر، ويجلس إليه طلابٌ كثيرون يقرءون عليه في النحو والفرائض، وكان ملهماً في معرفة الإعراب، وفي قسم التركات ونحو ذلك، وهذا كان في آخر الأمر.

رد الشيخ على مفتي قطر في مسألة رمي الجمار

رد الشيخ على مفتي قطر في مسألة رمي الجمار Q سمعت أن الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله هو الذي اقترح إنشاء هيئة كبار العلماء، فهل هو الذي رشح أعضاءها؟ A ما سمعت بهذا، ولكن كان يأمر باجتماعهم، ولم يكن هناك أعضاءٌ مخصصون في زمانه، إلا أنه كان يجمع من رأى منه أهلية ونجابة عند مشاوراته في بعض الأمور، وأذكر في سنة أربعة وسبعين عندما أفتى مفتي قطر ابن محمود بأن رمي الجمار يجوز في كل وقت، وأصدر في ذلك رسالةً، فأنكر الشيخ محمد ذلك، وأرسل إلى ابن محمود ولما جاء جمع له المشايخ، فكان المشايخ كلهم مع الشيخ، منهم: عبد اللطيف وعبد العزيز بن باز، وعبد الله بن حميد، ومحمد بن مهيزا وعبد العزيز بن رشيد، ومحمد بن الواردي، وقد جمع نحو عشرين شيخاً لمناقشة ابن محمود في هذه الرسالة، ولما لم يقتنع رد على ابن محمود برسالته التي سماها: تحذر الناسك مما أحدثه ابن محمود في المناسك، وابن محمود له اجتهاده، وكان الأولى أن يقول: لك اجتهادك ولنا اجتهادنا، ولكن لما كان هذا مخالفاً لما ذكره العلماء المتقدمون في مؤلفاتهم: من أن الرمي لا يجوز إلا ما بين الظهر إلى الليل شدد في ذلك، وبعد ذلك رأى المشايخ -وبالذات الشيخ ابن باز التوسعة في الرمي، ليلاً ونهاراً.

الشيخ محمد بن إبراهيم ونظم الشعر

الشيخ محمد بن إبراهيم ونظم الشعر Q سمعت أن الشيخ كان ينظم الشعر، وأن له نظماً في بعض المسائل العلمية؛ فهل مر بكم ذلك وحفظتم شيئاً منه؟ A له بعض المراثي في مشايخه وفي أقاربه، ومما أذكره أنه ألقى إلينا لغزاً، وعجزنا أن نحله، وذلك في آخر كتاب الوسائط، يقول هذا من نظمه: هنا مريضٌ مخوف الموت ليس له سوى عبيدٍ يساوي قدر خمسينَا فأعتق العبد قبل الموت واكتسب العبيد قبل ممات السِّيْدِ سبعينَا ونازع العبد ورَّاثٌ لسيده من بعد أن مات في السبعين أفتونا هل هي له أو لهم أو بينهم وإذاً ما الوجه في القسم إن كنتم مجيبينَا وبحثنا في كتب الوصايا ولم نجد جواباً، ومات الشيخ قبل أن يخبرنا، ووجدنا هذه الأبيات عند أحدِ تلاميذه الآن، ولعله من زملائه، وهو الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل، ويمكن أنه أخذها من الشيخ، ويمكن أن له أبياتاً أخرى.

وجود تسجيل لخطبتين بصوت الشيخ محمد بن إبراهيم

وجود تسجيل لخطبتين بصوت الشيخ محمد بن إبراهيم Q هل يوجد تسجلٌ للشيخ بصوته ولو شريطاً واحداً؟ A عرض علي بعض التلاميذ تسجيل خطبتين من خطب الشيخ في الجامع الكبير بصوته، إلا أن المسجل كان بعيداً فكان في الصوت شيء من خفاء بعض الكلمات، ولا أذكر أننا كنا نحضر المسجل، وكان المسجل شيئاً غريباً، وكذلك الراديو، ولا أحد يستعمل المسجل مع شدة الحاجة إليه، ومع أنه كان موجوداً، ولكن لم يعتنِ أحد من التلاميذ بتسجيله، ولو سجل لسجل علمٌ كثير. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح حديث كلكم راع

شرح حديث كلكم راع من كمال الدين أنه اهتم بجميع مجالات الحياة التي يحتاجها الإنسان، ومن ذلك أنه أوجب على كل إنسان القيام بالمسئولية التي أنيطت به بحسب موقعه ومكانته، وقد اشتمل حديث: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) على جانب كبير من ذلك، بحيث ألقى المسئولية على كل مكلف فيما هو تحت رعايته، وبالتالي حمله إثم التقصير في رعاية ما استرعاه الله عليه.

مسئولية الإمام عن رعيته

مسئولية الإمام عن رعيته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين. وبعد: فالكلام في هذه الليلة سيكون على الحديث المشهور، الذي رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها، والرجل راع في مال أبيه وهو مسئول عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) رواه البخاري ومسلم. فهذا الحديث المتفق عليه يعطينا أهمية هذه الرعاية، حيث بدأها بعموم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) وختمها بالعموم: (فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)، وفصل فيما بين ذلك بذكر أربعة: بذكر الإمام، والرجل على أهل بيته، والمرأة في بيت زوجها، والرجل في مال أبيه، وهذا كنموذج أو مثال لمن عليه رعاية، فيبين صلى الله عليه وسلم هذه الرعاية التي لها أهميتها. فنحب أن نذكر كلاماً على هؤلاء الأربعة الذين ذكروا في الحديث، ثم إذا كان في الوقت سعة، ذكرنا بعض من يلحق بهم ممن هم مؤتمنون على أمر من الأمور الخاصة أو الأمور العامة، حيث إنه صلى الله عليه وسلم عمم أولاً وآخراً، وذلك دليل على أن كل فرد من المسلمين ذكراً أو أنثى فإنه راع.

معنى الرعاية

معنى الرعاية معلوم أن الراعي هو الذي عنده رعية، أي: تحت يده رعية، فيقال له: راع لهذه الرعية. وأصل الرعاية: هي رعاية البهائم وحفظها عما يفتك بها من السباع ونحو ذلك، إذا كانت ترعى من النبات ونحوه، قال الله تعالى: {كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ} [طه:54] أي: لتذهبوا بها لترعى، أي: لتأكل من هذا النبات، ويقول الشاعر: ومن رعى غنماً في أرض مسبعة ونام عنها تولى رعيها الأسد فالراعي هو الذي يراقب الرعية، والأصل في بهيمة الأنعام أنها تحتاج إلى من يرعاها، أي: من يحفظها، فيرسلون إليها راعياً، أي: إنساناً مؤتمناً على هذه الدواب، يرسلونه معها حتى يحفظها، فيسيمها في النبات، ويراقبها عن الضياع، ويحفظها عن السباع، ويؤتمن عليها إلى أن يردها إلى أهلها، فيسمى راعياً، ثم أطلق على كل من يؤتمن على رعية من الرعايا. وهم في هذا الحديث من البشر، أي: المسئول عنهم إنسان موكل عليهم، ورئيس يرأسهم، فيسمى راعياً، ويسمى من تحته رعية له، فأخبر صلى الله عليه وسلم من حيث العموم بأن كل إنسان لابد أنه راع ولو على نفسه أو أهله، ولو على ولده أو امرأته أو ما أشبه ذلك، وإذا كان كذلك فإن عليه حفظ هذه الرعية ومراقبتها، والإتيان بكل ما فيه مصلحتها، وكذلك -أيضاً- يشعر بأنه مسئول عن هذه الرعية، وهذا السؤال إنما يكون حقاً في الدار الآخرة، وقد تكون هناك مسئولية في الدنيا إذا كان فوقه من يناقشه ويسأله، فإن الغالب أن كل رئيس فإنه مرءوس، وفوقه من يسأله عن هذه الرعية التي استرعي عليها، فعليه أن يستحضر هذه المسئولية. والسؤال إذا كان في الآخرة فإنه يكون من الله تعالى، ولابد أن يكون ذلك السؤال سؤال مناقشة عن هذه الرعية: لماذا أهملتها؟ ولماذا أضعت من اؤتمنت عليه؟ ولماذا لم تنصح لها؟ ولماذا لم تولها حق الحفظ وحق المراقبة؟ فهذه المناقشة لابد أن يعد لها جواباً، فكل سؤال يحتاج إلى جواب، والأسئلة كثيرة، والناقد بصير.

معنى الإمامة

معنى الإمامة فنقول أولاً: بدأ صلى الله عليه وسلم بالإمام، وكلمة (الإمام) يراد بها كل من هو قدوة مؤتم به، أي: أنه قائد لغيره، وأن الناس يقتدون به ويأتمون بأفعاله، ولذلك يسمى كل القادة أئمة، سواء كان الاقتداء بهم في الخير أو في الشر، قال الله تعالى في أهل فرعون: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [القصص:41] فسماهم أئمة مع أنهم يقتدى بهم في النار، وقال تعالى في ذرية إبراهيم: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ} [الأنبياء:73]؛ فأخبر بأنهم أئمة يقتدى بهم في الخير، وقال في بني إسرائيل: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} [السجدة:24]. وحكى الله تعالى عن المؤمنين أنهم دعوا وقالوا في دعائهم: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان:74] أي: قدوة في الخير يؤتم بنا فيما هو خير وما هو من أسباب التقوى، للمتقين خاصة، وقوله: (إماماً)، أي: أئمة. وكذلك قال الله تعالى لإبراهيم: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} [البقرة:124]، فأخبر بأنه جعله للناس إماماً، أي: قدوة يقتدى به في الخير، ولذلك سأل ربه فقال: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} [البقرة:124]، فهكذا أخبر بأنه جعله للناس إماماً، والإمام هو القدوة، وهو معنى قوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل:120] يعني: قدوة في الخير يقتدى به.

رعاية الإمام لرعيته ومسئوليته عنهم

رعاية الإمام لرعيته ومسئوليته عنهم فالإمام في قوله صلى الله عليه وسلم: (الإمام راع، وهو مسئول عن رعيته)، يعم كل من كان إماماً، أي: قدوة يقتدى به، فإذا كان كذلك فإن عليه أن يهتم بمن هو راع عليهم، ومن هو مسئول عنهم من الرعية، فهكذا يكون الراعي. الإمام العام الذي يتولى رعية المسلمين هو خليفة المسلمين وإمام عام لهم، ولا شك أن رعايته آكد، وأن مسئوليته آكد، وأن عليه أن يحرص على الرعية الذين هم تحت ولايته وتحت مسئوليته، فيسير فيهم السيرة الحسنة التي هي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، والتي هي سيرة الخلفاء الراشدين الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم والسير على نهجهم في قوله: (فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ). هكذا أرشد إلى سنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده، واتفق الأئمة على أنهم الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وقد أكثر العلماء من ذكر سِيرهم وسَيرهم، ومن ذكر أعمالهم الصالحة التي يقتدى بها في الأعمال الخيرية، مما يدل على أنهم أسوة وقدوة لمن جاء بعدهم من الأئمة، ليقتدي بهم، ويسترشد بإرشاداتهم ويسير على نهجهم كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وأمره هذا أمر للخاصة والعامة، وليس الأمر خاصاً بالولاة ولا بالأئمة الكبار ولا بالخلفاء ولا بالملوك، بل هو عام لكل من سمع هذا الحديث من الأمة فإنه مأمور بأن يقتدي بهم. ولا شك أن أولى من يقتدي بهم خلفاء الأمة المسلمون، ولاة أمور المسلمين، الذين ولاهم الله تعالى دولاً تفتخر بأنها مسلمة، وتدين بالإسلام، وتأتي بالشهادتين، وتقتدي ظاهراً بتعاليم الإسلام، فإن عليهم أن يكون قدوتهم محمداً صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين الذين هداهم الله تعالى وسدد خطاهم، وساروا في رعاياهم سيرة حسنة، يضرب بعدلهم المثل، فهكذا يكون الأئمة، وجاء أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن من خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وإن من شرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم)، نعوذ بالله أن ندرك هذه الحال! فهكذا أرشد صلى الله عليه وسلم إلى أن الإمام راع، وأنه مسئول عن رعيته.

أقسام الناس في قيامهم بمسئولياتهم تجاه أولادهم

أقسام الناس في قيامهم بمسئولياتهم تجاه أولادهم كذلك قوله: (الرجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عن رعيته)، أهل بيته: ذريته ممن هو مولى عليهم، فأولاده من رعيته، ونساؤه وزوجاته من رعيته، وإخوته الذين تحت ولايته من رعيته، وكذلك من في ولايته من خدم أو نحوهم، كلهم داخلون تحت رعيته، وهو مسئول عنهم كلهم، وهؤلاء هم أسرة كل مؤمن غالباً، ومسئوليته أنه يسأل: هل أهملهم أو أدبهم؟ الإهمال: هو الاشتغال بشهواته وبلهوه وسهوه، والإعراض عمن تحت يده، وعدم الاهتمام بإصلاحهم، وعدم تربيتهم التربية الصالحة، فإنه في هذه الحال إذا سئل لم يجد جواباً، وذلك لأن كثيراً من الناس لم يهتموا بهذه المسئولية، فنحب أن نفصل في هذه المسئولية؛ لعظم خطرها، فنقول: إن الناس تجاه المسئولية انقسموا إلى ثلاثة أقسام:

القائمون على أولادهم حق القيام

القائمون على أولادهم حق القيام القسم الأول: اهتموا بمن ولاهم الله تعالى من أولاد ونساء ونحوهم، وأولوهم عناية تامة، وقاموا بما يجب عليهم، فعلموهم العلم النافع، ولم يتكلوا على المعلمين الذين يعلمونهم في مدارسهم ابتدائية أو ما بعدها، عرفوا أن أولئك يعلمونهم القول، وأنهم بحاجة إلى التعليم بالفعل، فعلموهم بالفعل، وذلك لأن التعليم بالفعل قد يكون أبلغ من التعليم بالقول، فمثال ذلك: إذا حفظ الولد ذكراً أو أنثى شروط الوضوء وفروضه، فإن الوالد يقول له: أنت الآن تحفظ شروط الوضوء، وكذلك أنت تحفظ أركان الوضوء الستة، بينها وطبقها وأنا أنظر إليك، فيكون ذلك من التعليم بالفعل. كذلك إذا لقن في المدارس أركان الإسلام فلابد أن والديه يربيانه على هذه الأركان، ويعلمانه كيفيتها، فإذا اعتنى الوالد بولده، وطبق معه أركان الإسلام، فإن ذلك من الرعاية الصادقة، وكذلك إذا تعلم في المدارس أركان الصلاة وشروطها وواجباتها ومبطلاتها وما أشبه ذلك، فإن مسئولية الوالد كبيرة في أن يطبقها معه، فيقول: يا ولدي! ما كيفية الصلاة؟ وما أركانها؟ وأين هذا الركن، وأين محله؟ وأين هذا المبطل وأين مكانه؟ وكيف تبطل الصلاة بترك هذا الواجب؟ وأين المستحبات في هذه العبادة؟ وعليه -أيضاً- أن يأخذ بيده إلى المسجد، ويقول: هذه هي الصلاة التي تعلمت أركانها، وعرفت أنها عمود الإسلام، وأنه لابد من أدائها في هذه المساجد بالنسبة إلى الذكور، فطبقها يا ولدي، ويمتثل الولد أمر والده بهذه العبادة، وبذلك يكون حقاً قد أدى هذه الأمانة. كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوقظ أهله في آخر الليل للصلاة النافلة، ويقرأ قول الله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132]؛ هكذا يتعاهد أهله بصلاة التطوع، فكيف بمن لا يأمرهم بصلاة الفريضة؟! كذلك -أيضاً- مدح الله تعالى نبياً من أنبيائه وهو إسماعيل، قال الله تعالى: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم:55]، فمدحه الله بأنه يأمر أهله بهذه العبادات، ومعلوم أن الأمر من الولي يقتضي الإلزام، أي: يلزمهم بهذه العبادات التي أمرهم الله بها وفرضها عليهم، والأمر بالشيء إلزام به، فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع) ليس المراد أن يقول: يا بني! صل. بل يأمره ويأخذ بيده، ويلزمه ويهدده، فهو ما بين السابعة إلى العاشرة يأمره أمر تعليم وأمر تفهيم وتأديب، وذلك ليألف هذه الصلاة ويحبها، وينشأ عليها صغيراً، وتكون بعد تكليفه محبوبة لديه لذيذة عنده، وبذلك يكون قد نشأ على طاعة الله تعالى، فإنه إذا نُشئ على ذلك نشأ عليه. وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ومنهم: (وشاب نشأ في عبادة الله)، أي: نشأ في طاعة الله حيث تولى تربيته والد صالح مصلح، يحب أن ينشأ أولاده على الخير، وأن ينشئوا على محبة الله وعلى محبة عبادته، فالوالد الذي يربي أولاده على الصلاة والزكاة، وعلى العبادات المحمودة التي يحبها الله تعالى، ينشأ ولده صالحاً، ويكون قرة عين لوالديه. وكذلك من مسئولية الوالد تجاه أولاده: أن يحبب إليهم ذكر الله تعالى، فيربيهم على الذكر تسبيحاً وتحميداً وتكبيراً وتهليلاً واستغفاراً وحوقلة ودعاء، وكذلك يلقنهم في حال الطفولة ما هم محتاجون إليه، فيربيهم على معرفة الله، ومعرفة نبيه، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة، وقد كان كثير من الآباء حين يبلغ ولده الثامنة من عمره وهو يلقنه الثلاثة الأصول وأدلتها؛ حتى ينشأ عليها؛ وحتى يكون على معتقد صالح سليم. وهكذا من صفة هذا الأب الناصح: أنه يحبب إلى أولاده كلام الله تعالى، وينشئهم على محبته، فإذا كان هناك مدارس للتحفيظ حرص على أن يسجلوا فيها وأن ينافسوا فيها، وأخذ يشجعهم ويحثهم على مواصلة حفظ القرآن؛ فيشجعهم بأن يعدهم بالخير، ويعدهم بالصلات، ويعدهم -أيضاً- بنتائج طيبة، ويشجعهم بما يعطيهم من جوائز تحفز هممهم، وتدفعهم إلى المنافسة وإلى المسابقة، فإذا أحبوا كلام الله تعالى ونشئوا عليه كان ذلك من أسباب صلاحهم. كذلك -أيضاً- يربيهم على الكلام الحسن، وعلى الآداب الحسنة، وقد ألفينا الآباء الصالحين يعلمون أولادهم محاسن الإسلام، فيعلمونهم البداءة بالسلام ورد السلام، وتشميت العاطس، وحمد الله تعالى بعد العطاس، ومحبة إخوانهم المسلمين، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، ويعلمونهم النصيحة للمسلمين عموماً وخصوصاً، وكيفية هذه النصيحة، ويعلمونهم صدق الحديث، ويؤدبونهم عليه، وينهونهم عما يخالف ذلك، ويعلمونهم الأمانة، وأن يكونوا من أهل الثقة والأمانة وما أشبه ذلك، وكل هذا بلا شك مما يكون الولد به صالحاً بتوفيق الله تعالى. وهكذا يحرص كل من الأبوين على أن يمنع عن الأولاد كل ما يفسدهم أو يفسد أخلاقهم، فيمنعونهم من سماع آلات الملاهي، ومن النظر إليها؛ لأنها غالباً تصرف الهمم إلى الشر، وتثير لذة الفساد والحرام في تلك النفوس الضعيفة، فتميل إلى الفساد، فإذا ربى الوالد أولاده من حين صغرهم على كراهة اللهو واللعب، وعلى كراهة الكذب والخيانة والعقوق وقطيعة الرحم والغش والتلبيس والتدليس والبغضاء والعداوة وما أشبه ذلك؛ فإن الله تعالى يحفظهم بعد ذلك، ويجعلهم محل ثقة وأمانة، ويكونون أهل صدق وإخلاص. فهذه سيرة الصنف الأول الذين اعتنوا بأبنائهم، وحرصوا على إصلاحهم.

المنشغلون عن أولادهم المهملون لرعايتهم

المنشغلون عن أولادهم المهملون لرعايتهم أما القسم الثاني: فهم أهل الإهمال، وهم أناس اشتغلوا بدنياهم، وانشغلوا بملاهيهم وبسهوهم وغفلتهم، ولم يهتموا بأولادهم ذكوراً وإناثاً، ولم يشعروا بما يكون فيه الأولاد وما يحتاجونه، فهم معرضون عنهم، ولاشك أن هذا الإعراض يسبب ضرراً كبيراً، وذلك لأن هؤلاء الأولاد إذا أهملوا ولم يكن هناك من يراقبهم، ولا من يحفظهم ويتولى أمرهم، فإنهم يدخلون في طريق الفساد، وذلك لكثرة المفسدين، وكثرة أهل الغواية الذين يجتذبون كل من وجدوه مهملاً إلى صفهم وإلى جانبهم. وفي هذه الأزمنة تكثر وسائل الفساد، فإذا لم يكن الراعي مراقباً لرعيته أخذتهم هذه الوسائل، فالأولاد إذا بلغوا السادسة أو الخامسة ولم يكن آباؤهم يهتمون بهم، ولا يراقبونهم، فهناك ومن يتولى تربيتهم، فالغالب أن يتولاهم أهل الشر والفساد، حيث انشغل الآباء عنهم. الأب الذي يخرج من صباح يومه، ويكب على دنياه وعلى تجارته أو حرفته أو صنعته أو وظيفته، ولا يأتي إلا في نصف الليل الأخير، وربما لا يأتي إلا آخر الليل، ماذا يكون مصير أولاده ونسائه وهو لا يشعر ولا يدري بما يفعلون، قد أهملهم وقد غفل عنهم، فهو إما منشغل بتجارته وبدنياه التي جعلها أكبر همه ومبلغ علمه، يكدح في أثرها، ويلهث وراءها، ويهتم بتحصيلها، وإما أنه صاحب لهو وسهو، إذا كان في أول الليل فكر في رفقته السيئة، يعكف معهم إلى آخر الليل على لهو وسهو وغناء وزمر وسمر على باطل، ولا يدري ماذا يكون من أهله! فلاشك والحال هذه أنه قد فرط في رعيته، وأنه مسئول عن هذا التفريط، ولا شك أن أولاده؛ سيما الذكور منهم الذين في إمكانهم أن يذهبوا ويتقلبوا، أنهم إذا خرجوا إلى أدنى ملهى وجدوا من يحتضنهم، فيوجد شباب مفسدون يأخذون هؤلاء الأطفال، ويربونهم على الفساد، وينشأ أولئك الأطفال المهملون شر نشأة، ويتربون شر تربية؛ فهذا أثر هذا الإهمال! رأينا كثيراً من الآباء قد عض كفه أسفاً وندماً على إهماله، وعلى تفريطه، فيقول: أبنائي وأولادي خرجوا عن طواعيتي، خرجوا عن مبدئي، وصاروا كلاً عليَّ، وصاروا غصة في حلقي، يفسدون أموالي ويتلفونها في شرب الخمور، فقد انهمكوا في شرب المسكرات، وانهمكوا في تعاطي الدخان، ففسدوا وفسدت أخلاقهم، فلا يعرفون عبادة، ولا يعرفون المساجد، ولا يهتمون بالقرآن، ولا يرتدعون عن هذه المنكرات وهذه المفسدات وما أشبهها. قد وقعوا في الفواحش، وقعوا في زنا، وقعوا في لواط، وقعت نساؤه أو بناته في تبرج واختلاط، الولد يخرج بعد أن يأتي من المدرسة ولا يدري أهله أين هو إلى أن يأتي في آخر الليل أو في وسط الليل، فلا يدرى أهو في بئر أو في بطن بعير، وإذا جاء جاء وهو منهك قد أتعب نفسه بما تعاطاه من المسكرات وما أشبهها. أيحب أحدنا أن يكون ولده كذلك، فيولي تربيته لمن يفسده، ولمن يوقعه في هذه الشرور وفي هذه المنكرات؟ لا شك أن هذا هو عين الإهمال، وأنه إضاعة لهذه الرعية. ولا شك أن كل إنسان يرى هذا الصنف من الشباب الذين قد وقعوا في هذه المشكلات وهذه المنكرات، فيحرص على احتضان بقية أولاده حتى لا يصبحوا كذلك، كما رجع إلى ذلك كثير من الآباء عندما رأوا كبار أولادهم قد خرجوا عن طواعيتهم، فقالوا: السبب في ذلك الإهمال، لأننا انشغلنا عنهم، ووكلنا تربيتهم إلى من يفسدهم، فنحن أكبر متسبب، فلذلك علينا أن ننتبه لأولادنا الآخرين في حالة صغرهم، وأن نربيهم التربية الصالحة حتى لا يفسدوا كما فسد من كان قبلهم، ولا شك أنهم إذا وقعوا في الدخان وقعوا في اللواط، ووقعوا في المسكرات، ووقعوا في المنكرات. وإذا وقعوا في هذه المخدرات التي تفسد العقول ماذا تكون عاقبتهم؟ يلحقون بالمجانين والبله الذين لا يعرفون مصالح أنفسهم، لأن هذه المخدرات وهذه الحبوب تسلب عقولهم وتأخذها شيئاً فشيئاً، وتكون هذه هي نهايتهم والعياذ بالله.

الذين يجلبون الشر والفساد لأبنائهم

الذين يجلبون الشر والفساد لأبنائهم القسم الثالث: الذين جلبوا لأولادهم الفساد، بدلاً من أن يجلبوا لهم أسباب الصلاح، تنزلاً على رغبة السفهاء، والله تعالى قد نهى أن يؤتى السفهاء الأموال، فقال تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء:5] أي: لا تسلطوهم عليها فيفسدونها، فأهل هذا القسم جلبوا لهم ما يفسدهم، فإن الكثير والكثير الذين جلبوا لأولادهم آلات الأغاني، فامتلأت البيوت بأشرطة الغناء الماجن، وامتلأت بأشرطة الفيديو التي تحمل صوراً خليعة، كذلك امتلأت كثير من البيوت بهذه الأجهزة التي تتلقى القنوات الفضائية التي تبث الشرور، وتمثل الفواحش والمنكرات أمام الشباب والشابات، فكيف تكون حالتهم؟ كذلك الذين شغلوا أولادهم باللهو واللعب والغناء والطرب وما إلى ذلك، فجلبوا لهم آلات اللعب، فمن ذلك ما يسمى (بلوت)، أو ما يسمى (كيرم)، أو ما أشبه ذلك، يزعمون أنهم بذلك يرفهون عن أولادهم، ومن ذلك مشاهدة الأفلام الخليعة التي يزعمون -أيضاً- أنها تسلية وترفيه، وأنها تجلب لقلوبهم قوة ونشاطاً وما أشبه ذلك، وما علموا أنها سبب من الأسباب في انحراف أخلاقهم، وفي فساد طباعهم، وفي انحرافهم عن الصراط السوي، لا شك أنهم والحالة هذه يكونون قد تسببوا فيما يفسد أولادهم بدلاً مما يصلحهم. كذلك -أيضاً- بالنسبة إلى نسائهم الذين هم مسئولون عنها، إذا كانوا يأذنون للنساء في أن يخرجن إلى الأسواق التي تزدحم بالرجال ولا يتفقدونها، فتخرج متعطرة متطيبة، وتبدي شيئاً من زينتها، فتبدي كفيها، وقد تبدي ساعديها وعليها الحلي من الأسورة التي تتلألأ في ذارعها، وكذلك خواتمها، وكذلك قد تبدي شيئاً من زينتها، وبعضاً من مفاتن ثيابها التي تفتن بها، وتتشبه بمن هن فاسدات ومن أخبر عنهن النبي صلى الله عليه وسلم ووصفهن بأنهن: (نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها)، فهؤلاء -بلا شك- مسئولون مسئولية كبرى، وذلك لأنهم عرضوا بناتهم ونساءهم وأخواتهم ومولياتهم إلى أن يكن وكر فساد، وربما يتعاطين الفواحش وهم لا يشعرون! وهكذا -أيضاً- يكن سبباً في الفتنة، حيث يفتتن بهن خلق كثير، ولاشك أن هذا كله من الإهمال ومن آثاره، حيث يرضى الوالد وولي الأمر ومن ولاه الله تعالى على أولاده من ذكور وإناث ومن نساء بأن يكن على هذه الهيئة، فهذا عين الإهمال. وهذه حالات الناس في هذه الأزمنة فيما يتعلق بولاية الرجل على أهل بيته، فلو شعر بأنه مسئول في الآخرة عن أهل بيته -أولاده ونسائه- لاهتم لهذه المسئولية وأعطاها حقها.

مسئولية المرأة في رعاية بيت زوجها

مسئولية المرأة في رعاية بيت زوجها أما النوع الثالث من الذين ذكروا في الحديث؛ فهو قوله: (والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسئولة عن رعيتها): المرأة -بلا شك- مسئولة، وقد أخبر بأن مسئوليتها في بيت زوجها، فإما أن تكون مصلحة وإما أن تكون مفسدة، وإما أن تكون مهملة، أي: كما يحصل للرجال، فالرجال منهم مصلح ومنهم مفسد ومنهم مهمل، فكذلك النساء. فالمصلحة هي التي تولي أولادها رعاية ومراقبة ونصيحة وتربية صالحة، وتوليهم عناية كبيرة، وإذا غفل عنهم الأب لم تغفل عنهم، بل تتابعهم وتتفقد أحوالهم، وتسألهم وتعلمهم، فإذا أيقظهم الأب للصلاة وخرج، تابعتهم أمهم إلى أن ينتبهوا للصلاة ويخرجوا إذا كانوا ذكوراً، وتتابع الإناث حتى تحبب إليهن العبادات كلها. وهكذا تربيهم كما يربي الرجل أولاده، فتربيهم على الكلام الحسن، وتعاتبهم على الكلام السيئ، فمتى سمعت منهم سباً أو هجاءً أو قذفاً أو عيباً أو لعناً أو شتماً أو كلاماً قبيحاً؛ عاتبتهم على ذلك، وأدبتهم على محبة الكلام الطيب الذي هو ذكر الله وما والاه، والذي هو محبة الخير والتكلم به، فهذه هي المرأة الصالحة، الراعية في بيت زوجها، أي: على أهله. كذلك تحفظ بيت زوجها، فلا تخرج منه إلا بإذن زوجها، أو لحاجة ضرورية، وإذا خرجت أو أذنت لأحد مولياتها من النساء، خرجن وهن محتشمات متسترات غير متبرجات بزينة، فهذا من أسباب صلاحها. كذلك تحفظ زوجها في نفسها، وتحفظ زوجها في بيته، وتحفظه في ماله، فلا تفسد ماله ولا تنفقه في شيء لا أهمية له، أو في شيء يعتبر فساداً، بل تكون هي المراقبة له، وهي تشعر بأنها مسئولة أمام الله تعالى، حتى لو غفل عنها زوجها، ولم يلاحقها ويسألها، فإن الله تعالى هو الذي يسأل المفرط والمهمل. أما المرأة التي تكون مفسدة فهي التي تكلف زوجها أو تطالبه مرة بعد مرة، أن يأتي بآلات اللهو حتى تمتلئ البيوت صحفاً ومجلات خليعة، وكتباً أو رسائل مفسدة، وحتى تمتلئ البيوت أشرطة غناء وآلات لهو وسهو وغير ذلك، فكثير من النساء متى خرجت إلى أولئك الذين أغرموا بأفلام الفساد أخذت تطلب من زوجها: أهل فلان عندهم وعندهم، ونحن نريد أن نكون مثلهم وأشباه ذلك، فهذه مفسدة أو ساعية في الفساد. وأما المهملة: فهي التي لا يهمها أمر من ولاها الله تعالى من المسلمين الذين تحت ولايتها، بل وقتها إما أن تزور أهلها أو جيرانها، أو تبقى في بيتها لا يهمها صلاح أو فساد، فهذا دليل على أن المرأة -أيضاً- عليها مسئولية كما على الرجل.

مسئولية الولد عن رعاية أبيه

مسئولية الولد عن رعاية أبيه وأما الرابع: فهو قوله: (الرجل راع في مال أبيه، وهو مسئول عن رعيته). معلوم أن الولد يساعد أباه في ماله، وفي حرفته وفي صنعته، وفي حرثه أو ماشيته أو ما أشبه ذلك، وعليه أن يساعد أباه فيما هو خير، فتارة يكون الأب صالحاً والابن صالحاً فيجتمعان في الصلاح، فيحفظ المال ويصرفه في مصارفه، ويخرج منه حق الله تعالى من زكوات وكفارات وما أشبهها، فيقوم إلى جانب أبيه بحفظ ماله، وتجنيبه المكاسب المشتبهة من غش أو خديعة أو غرر أو كذب في البيع والشراء، أو حلف مع فجور، أو مدح مع كذب، أو ما أشبه ذلك، فيجتمع الولد وأبوه على النصح والإخلاص الذي هو رعاية هذا المال وحفظه. كذلك -أيضاً- في صرفه، فلا يصرف منه إلا ما هو مستحق يتصدق منه الولد ووالده على المستضعفين والمستحقين، واليتامى والمساكين والفقراء والمعوزين، وكذلك يصرف منه في المصالح العامة التي يحبها الله تعالى كالدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي المشاريع الخيرية كالمساجد والمدارس والكتب والنشرات، والأشرطة الإسلامية وما أشبهها، فيكون بذلك صالحاً ومصلحاً. فهذا ممن وفقه الله تعالى -أولاً- في حفظ مال أبيه، وثانياً: في صرفه في مصارفه. أما إذا كان الولد غير مصلح، فالغالب أنه إما أن يهمل ما استرعاه الله من مال أبيه، ولا يهتم به، ولا يحرص عليه مع أنه أمانة، فإما أن يفسده، وذلك أنه يؤمر بأن يصلح فيفسد، وكم حصل من الأبناء من إفساد لأموال آبائهم وإتلافها فيما لا فائدة فيه، فكثير منهم يطاوع ابنه في أن يتاجر إلى بلاد بعيدة، ويزوده بأموال طائلة يفسد تلك الأموال، فيصرفها في حضور مهرجانات ومسارح وأماكن دعارة وأماكن فساد، ولا يشعر بأنه يسبب له الفساد والشر المستطير. هذه هي الأمور الأربعة التي ذكرت في هذا الحديث، ولا شك أن الأمور أكثر، فإنه صلى الله عليه وسلم ما ذكر هذه الأربعة إلا كمثال، فنقول: إن كل وال فإنه راع ومسئول عن رعيته، فالقاضي الذي يتولى الحكم بين المسلمين راع، وعليه أن يعدل في هذه الرعية، قال الله تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء:58]، وقال الله تعالى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالحْقَ} [ص:26] يعني: أن الله تعالى جعله حاكماً يحكم بين الناس، ونهاه بقوله: {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص:26]، فلاشك أن من أسباب العدل: أن يشعر القاضي بأنه مسئول عما استرعاه الله تعالى. وكذلك المعلمون الذين يتولون تعليم الأطفال ونحوهم، هم مسئولون عن رعيتهم، فلا يكون هم أحدهم أن يمضي عدة ساعات في التطبيق أو في التدريس، ولا يشعر بما وراء ذلك، بل عليه أن ينصح لمن استرعاه الله تعالى، وهكذا يقال في المدراء ورؤساء المكاتب، ويقال أيضاً في المسئولين والأئمة والمعلمين، وكل من كان له ولاية على أمر فإنه مسئول عن ولايته، فعليه أن يحرص على أدائها كما أمره الله تعالى؛ حتى لا يكون مسئولاً سؤالاً لا يجد له جواباً، أو لا يكون جوابه صواباً. نسأل الله أن ينفعنا بما علمنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يرزقنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً، ونسأله سبحانه أن يعيننا على أداء ما ائتمننا عليه، وأن ينفع المسلمين بما يعلمون، ويرزقهم العمل به، وأن يعيذنا من علم لا ينفع عملاً ولا يرفع، إن الله على كل شيء قدير. كما نسأله أن يصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وكل من له ولاية على أمر من الأمور، وأن يرزقهم البطانة الصالحة التي تحثهم على الخير وتحذرهم من الشر، وأن يرزقهم الإخلاص في أعمالهم، والاهتمام بما ولاهم الله تعالى وبما استرعاهم عليه، إنه على كل شيء قدير. والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على محمد.

الأسئلة

الأسئلة

كيفية الإنكار على ترك الصلاة جماعة

كيفية الإنكار على ترك الصلاة جماعة Q والدي حفظه الله ليس حازماً في أمر إخوتي بالصلاة، حيث إننا إذا عدنا من المسجد نجد أن إخوتي لم يصلوا معنا جماعة، ويكتفي أبي بقوله: لماذا لم تصلوا؟ ألم تعلموا أنها واجبة؟ ما تعليق فضيلتكم على هذا؟ A لا يكفي هذه الكلمة، نقول: عليك أن تذكر والدك المسئولية الكبيرة، وأن تحث إخوتك على طاعة الله وعلى طاعة والدهم فيما هو من طاعة الله تعالى، وأن تبين له بأن مسئوليته كبيرة، وأنه لا يكفي ولا يجوز إقرارهم على ترك الصلاة مع الجماعة بهذه الكلمة، ولعل مع تكرار النصيحة يتأثرون ويتأثر.

توجيه للآباء بالاهتمام بإصلاح أولادهم

توجيه للآباء بالاهتمام بإصلاح أولادهم Q يلاحظ في الآونة الأخيرة ترك الوالدين تربية الأولاد للشارع أو للدش أو للقنوات الفضائية، والانشغال عنهم بالعقارات والتجارات ونحوها، فما توجيه سماحتكم بخصوص هذا الموضوع؟ A هذا من الأقسام التي ذكرناها في ولاية كثير من الآباء، حيث انشغل الأب بحرفته وتجارته، أو انشغل بلهوه وسهوه وسمره مع زملائه، ولم يهتم بأولاده، فتولى تربيتهم من يفسدهم، فنقول للآباء: عليكم مراقبة أولادكم، وعليكم الحرص على حفظهم قبل أن يتمكن الفساد منهم؛ ثم تعجزوا عن إصلاحهم، فإن الشر إذا تمكن صعب انقلاع صاحبه منه، فإن الشاب إذا نشأ على ترك الصلاة صعب بعد ذلك رده إلى المساجد، خاصة إذا ألف المسارح والملاهي والملاعب، وصار يسهر على سماع الغناء والطرب وما أشبه ذلك، فعليكم أن تتلافوا الأمر قبل أن يتمكن، وقبل أن يحدق بكم الخطر فتعجزوا عن معالجته.

سؤال عن حكمة توهمها السائل حديثا

سؤال عن حكمة توهمها السائل حديثاً Q أفتونا مأجورين عن صحة الحديث: (لاعب ولدك سبعاً، وصاحبه سبعاً، واضربه سبعاً، ثم اترك له الحبل على الغارب) بارك الله فيكم؟ A ليس هذا حديثاً، وإنما هو حكمة من الحكم أو كلام لبعض المربين، ومعناها صحيح في السبع الأولى حيث يكون الولد طفلاً يحتاج إلى المداراة والملاعبة، ولكن مع ذلك يشمل التلقين من حين يبدأ في السنة الرابعة ولا يترك، فيلقنه الأصول الثلاثة وما أشبهها، ثم بعد ذلك يرجع في مرحلة التعليم والأمر؛ لقوله: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين) إلى آخر ذلك.

موقف الأب من الأم السيئة في التربية

موقف الأب من الأم السيئة في التربية Q إذا حاولت الإصلاح ورأيت الأم على عكس ذلك، فماذا علي أن أفعل، أفيدونا مأجورين؟ A إذا كانت الأم تعاكس الإصلاح فمعناه أنها تجلب الفساد، أو تحاول الإفساد، فإما أنها تتسبب في إفساد أولادها وتربيتهم على الأخلاق السيئة، وعلى النظر إلى الأفلام الخليعة وما أشبه ذلك، فنرى أنها لا تصلح مربية، وأن على والد الأولاد أن يبعدهم عنها، فيجعلهم إلى جانبه، ويبعدهم عن الفساد وعن المفسدين ولو كانوا من الأقارب، ولو أن يهددها بفراقها إذا رأى منها الإصرار على هذا الفساد.

تربية الأبناء على الفيديو الإسلامي

تربية الأبناء على الفيديو الإسلامي Q ما حكم من يربي أولاده على أشرطة الفيديو الإسلامي، كالتمثيل والمسابقات الإسلامية وغيرها؟ A نرى أن ذلك جائز إذا كان فيه مصلحة؛ لأن هذه الصور وأشرطة الفيديو فيها فائدة وفيها مضرة، فإذا كانت تمثيلات قبيحة فاتنة وصور خليعة فإنها محرمة، وإذا كانت صوراً عادية لا فائدة فيها فإنها ملهية، وإذا كانت مناظر مفيدة وصوراً جيدة يُعتبر بها، وتمثيلات هادفة، فإنها مفيدة، وفيها مصلحة.

التوفيق بين طلب العلم وتربية الأبناء

التوفيق بين طلب العلم وتربية الأبناء Q كيف يستطيع طالب العلم التوفيق بين طلب العلم وتربية الأبناء؟ أفتونا مأجورين. A لا يمتنع الجمع بينهما، ففي إمكانه أن يربيهم وأن يطلب العلم، فطلب العلم لا يستغرق الوقت كله، فإذا كان يحضر الحلقات التي بعد صلاة الفجر، أو بعد المغرب؛ فإنه يستطيع أن يرجع إلى أهله بعد إشراق الشمس، أو بعد صلاة العشاء، ويربيهم ويعلمهم. كذلك -أيضاً- في إمكانه أن يحضر بأولاده الذين قد فهموا، فيحضر بهم إلى الحلقات ليستفيدوا وليحفظهم وليعلمهم.

حكم تركيب دش وإلغاء القنوات الفاسدة منه

حكم تركيب دش وإلغاء القنوات الفاسدة منه Q عمدت هذه الأيام إلى تركيب دش فضائي، وألغيت منه جميع المحطات الفضائية عدا محطة الجزيرة التي تعنى بالأخبار والأحداث شمولاً وتفصيلاً ودقة وتحليلاً ومتابعة، وليس في هذه المحطة ما في غيرها من أفلام وبرامج فاسدة، إلا أنه -أحياناً- تقوم النساء بإلقاء الأخبار فيها، هل علي إثم في ذلك؟ وما تنصحني به في هذا المجلس المبارك؟ A هذا وإن كان كما ذكر السائل أنه ألغى القنوات التي فيها فساد، ولكن نرى أنه لا يستطيع التحكم في هذه القنوات، ونرى أن الأولاد والنساء والسفهاء قد يفتحون ما يريدون، وكذلك نرى أن النساء اللاتي يتولين الإذاعة وتصورهن تلك القنوات، أنهن فاتنات، وأن النظر إليهن شر وفساد، فنصيحتنا الاكتفاء بالإذاعات، وفيها أخبار وفيها تفاصيل، والأخبار تأتي في لحظات، سواء في الإذاعات أو في الصحف أو ما أشبه ذلك.

وجوب تزويج الابن على الأب القادر

وجوب تزويج الابن على الأب القادر Q هل تزويج الأب لابنه إذا كان الابن يطلب الزواج من تمام الرعاية التي استرعاه الله عليها؟ أفتونا مأجورين. A لا شك أن الوالد مسئول عن أولاده، وأنه متى طلب الزواج ليعف نفسه، وكان الأب قادراً لزمه ذلك، فإنه إذا لم يفعل تعرض الولد للفساد، مع توفر الدوافع وتوفر الأسباب، فهو إذا دخل الأسواق وجد النساء المتبرجات الفاتنات، وإذا غفل عنه والده ذهب إلى المقاهي والملاهي ووجد فيها الفساد، وكذلك إذا زار زملاءه الذين في بيوتهم هذه الدشوش وما أشبهها، وقع في قلبه ميل إلى الفساد الذي يشاهده. ثم هذه -بلا شك- شهوة ركبها الله تعالى في الإنسان، فلابد أن يدفع هذه الشهوة، ولابد أن يكون ذلك بالنكاح الحلال.

شروط أخذ الأب من مال ابنه

شروط أخذ الأب من مال ابنه Q هل للوالد أن يأخذ من مال ولده بالقوة بحجة حديث: (أنت ومالك لأبيك)؟ أفتونا مأجورين. A يجوز ذلك بشروط: الشرط الأول: ألا يكون في مرض الوالد أو في مرض الولد، لأنها قد تعلقت بها حقوق الورثة. الشرط الثاني: ألا تتعلق بذلك المال حاجة الولد الضرورية، فلا يأخذ سيارته ويتركه راجلاً، ولا يملك بيته ويتركه يستأجر، وكذلك أدواته التي هو بحاجة إليها. الشرط الثالث: ألا يأخذ من ولد ويعطي ولداً؛ لأنه مأمور أن يعدل بين أولاده، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم).

خطورة ترك التربية لخادمة غير مسلمة

خطورة ترك التربية لخادمة غير مسلمة Q الرجاء من فضيلتكم توضيح مدى خطورة ترك تربية الأبناء لمربية منزلية خادمة غير مسلمة؟ A وهذا أيضاً من البلاء، وهو أن كثيراً من الناس استجلبوا هذه الخادمات، وقد تكون غير مسلمة، ومن كانت مسلمة فإنها مبتدعة، أي: ممن نشئوا على بدع عقائدية أو بدع عملية، وكذلك -أيضاً- قد تكون جاهلة بأمور الشريعة، فتتولى تربية الأولاد، كيف تكون هذه التربية؟ هل تربيهم على القرآن؟ هل تربيهم على السنة؟ هل تربيهم على العلم النافع؟ إنما تربيهم على ما تعرفه، فقد تلقنهم كلمات بلغتها ولهجتها غير صالحة، تكون مشككة أو تكون بدعية أو نحو ذلك. فنصيحتنا: أن تكون الأم هي التي تتولى تربية وإصلاح أولادها فيما يتعلق بالعقيدة أو فيما يتعلق بالتعليم، فإذا ابتلوا واضطروا إلى هذه الخادمة فتكون خدمتها في أمور المنزل، من إصلاح طعام أو تغسيل ثياب أو ما أشبه ذلك.

العدل بين الأولاد

العدل بين الأولاد Q إذا كان الأب -أو الأم- يفرق بين أولاده في المعاملة، فما هو العمل في ذلك؟ أفتونا مأجورين. A لا شك أن هذا من الجور، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)، فمن العدل بينهم التسوية بينهم في العطاء، والتسوية بينهم في الكسوة وفي النفقة، وما إلى ذلك، وقد ذكر بعض العلماء أنه يسوي بينهم حتى في القبل، فإذا قبل هذا الصبي قبل الثاني والثالث، وذلك من باب التسوية ومن باب العدل. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا أشهد على جور)، بمعنى أنه إذا مال مع أحدهم فإنه يسمى جائراً، ولكن يمكن أن يجوز ذلك إذا كان هذا الذي مال معه صالحاً، والآخر فاسداً وماجناً، فإذا حاول إصلاح هذا وعجز عنه بأن صار عاقاً وعاصياً لأبويه، وعاصياً لله، ومعرضاً عن الله، ومعرضاً عن العبادة، ومنهمكاً في شرب المسكرات، أو في المنكرات أو في المعاصي، ولم يستطع أبواه إصلاحه، فلا مانع، بل يجوز لهم والحال هذه التساهل وعدم مساواته بغيره، بل عليهم أن يشددوا في الأمر معه، ولو أن يحرموه من تربيتهم له أو نفقتهم عليه، ولو أن يعاقبوه بما يكون سبباً في استقامته إذا وفق الله.

حكم تقصير الأسنان الطويلة للتجميل

حكم تقصير الأسنان الطويلة للتجميل Q امرأة تسأل وتقول: ما حكم التقصير من الثنايا العليا إذا كانت طويلة قليلاً لغرض التجمل؟ A نرى أن هذا من خلق الله الذي خلقه لعباده، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عما يشبه ذلك، فلعن الواشرة والمستوشرة، وهي التي تحك الثنايا حتى يكون فيها وشار، ولعن المتفلجات، وهي التي تحك ما بين السنين حتى يكون بين الثنيتين أو بين الرباعية والثنية فرجة أو ما أشبه ذلك، فذكر أن ذلك تغيير لخلق الله، فعليها أن ترضى بما قدر الله.

صبغ شعر الحاجب بلون البشرة ليظهر دقيقا

صبغ شعر الحاجب بلون البشرة ليظهر دقيقاً Q انتشر الآن في مجتمع النساء أمر نود معرفة حكمه، وهو أن المرأة تعمد إلى حواجبها وتشقر بعضه -أي: تصبغه بلون يشبه الجلد- حتى يكون الحاجب دقيقاً، أفتونا مأجورين. A لا يجوز ذلك، فقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم الواشمة والمستوشمة، والوشم هو تغيير البشرة بلون يخالف لونها العادي، ويدخل في ذلك -أيضاً- تغيير الشعر، فإذا كان قد نهى عن نتف الحواجب، وسماه نمصاً، ولعن النامصة التي تنتف شعر الحواجب أو تحلقه ونحو ذلك، فكذلك التي تغيره بهذا اللون، فإنها تدخل إما في الواشمة وإما في النامصة.

استعمال القسوة في تربية الأولاد

استعمال القسوة في تربية الأولاد Q بماذا تنصحون الآباء الذين يقسون على أبنائهم لأقل الأسباب، مع عدم اكتراثهم بتعليمهم أمور الدين؟ A هذا لا يجوز، لا شك أن القسوة تكون منفرة للأولاد، والوالد عليه أن يكون ليناً، ولكن لا يكون ضعيفاً، وعليه أن يكون شديداً ولكن لا يكون صلفاً، بل يستعمل الشدة في موضعها، ويستعمل اللين في موضعه، فيكون حازماً في أموره، فإذا استعمل الشدة والصلف والغضب لأدنى أمر من الأمور نفر أولاده، وربما يتربون على تلك الشدة والحدة والغضب الشديد، فيتعلمون هذه الأخلاق، وربما نفروا منه إذا استعمل معهم هذه الشدة. كذلك -أيضاً- لا يستعمل معهم اللين الزائد، بحيث يتساهل عن هفواتهم وعن زلاتهم، ولا يعاتبهم على شيء، ويتركهم يفعلون ما يريدون، فيستحسن الأمر أمامهم، فيكون بذلك ضعيفاً، فلا يكون شديداً ولا يكون ضعيفاً، وخير الأمور أوسطها.

حكم تزين المرأة عند الذهاب للمسجد

حكم تزين المرأة عند الذهاب للمسجد Q سائلة تسأل وتقول: هل يجوز للمرأة التي تأتي المسجد لسماع درس علم أن تزين وجهها بكامل الزينة؟ وهل (الروج) مانع للوضوء أم لا؟ أفتونا مأجورين. A لا يجوز ذلك، فقد أمرت المرأة إذا خرجت إلى المسجد لحضور صلاة الجماعة أن تخرج متبذلة، ففي الحديث: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن تفلات) أي: متبذلات، فلا تتزين، ولا تتعطر، ولا تجمل وجهها ولا يديها، ولا تتطيب، ولا تلبس ثياباً فاتنة تلفت الأنظار، وتحرص على أن تكون بعيدة عن مجتمعات الرجال أو ممرهم أو نحو ذلك.

حكم حضور الحائض إلى المسجد لسماع المحاضرة

حكم حضور الحائض إلى المسجد لسماع المحاضرة Q امرأة تسأل وتقول: امرأة أتتها الدورة الشهرية هذه الأيام، وتريد أن تأتي لتسمع هذه المحاضرات، فهل لها أن تأتي أم لا؟ أفتونا مأجورين. A ورد حديث بلفظ: (لا تحلوا المسجد لحائض ولا جنب)، وسبب ذلك أن المساجد محل الطهارة ومحل العبادة، وليس كذلك الحائض، فإذا كان هناك ملحقات تابعة للمسجد وليست من الأماكن التي يصلى فيها، وجلس فيها النساء فلهن ذلك، وإلا فلا يحل لها أن تدخل داخل المساجد التي هي أماكن الصلاة والأماكن التي يصلى فيها. والنبي صلى الله عليه وسلم لما أذن بخروج النساء إلى مصلى العيد، أمر بإخراج العواتق وذوات الخدور، وأمر بخروج الحيض، ولكن قال: (ليعتزل الحيَّضُ المصلى، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين)، فمع أن الصلاة كانت في صحراء، أمرهن بأن يعتزلن.

حكم الهدية لمدرس القرآن الكريم

حكم الهدية لمدرس القرآن الكريم Q تقول السائلة: نحن مجموعة نساء ندرس في دار تحفيظ للقرآن الكريم، وفي آخر الدورة لتحفيظ القرآن قمنا بإعطاء معلمة القرآن هدية، Q هل هذه الهدية جائزة أم تدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: (هدايا العمال غلول)؟ أفتونا مأجورين. A لا تدخل إن شاء الله، فالقصد منها المودة والمحبة، فتدخل في الحديث: (تهادوا تحابوا) إذا كان القصد محبتها ومودة لها على ما بذلته من النصح في التوجيه والتعليم في هذه الدورات، وكذلك -أيضاً- إذا كان القصد المودة والمحبة فيما بينهن، ولم يكن القصد أنها تلين مع الللاتي أهدينها، وأنها تتغاضى عن هفواتهن، أو تزيد في مكافآتهن أو ما أشبه ذلك.

إذا انشغل الأب عن تربية الأولاد أوصى بهم من يربيهم

إذا انشغل الأب عن تربية الأولاد أوصى بهم من يربيهم Q إذا كان الأب قد منع آلات الشر واللهو عن بيته، ولم يعط أولاده وقتاً للجلوس معه، هل يكون قد ضيع الأمانة في ذلك؟ أفتونا مأجورين. A إذا منعهم من آلات اللهو فإن عليه أن يعوضهم بما هو من الخير، فيجلب لهم ما يصلحهم، فيجلب لهم أشرطة القرآن، وكذلك النصائح ورسائل العلم وما أشبه ذلك، فإذا كان منشغلاً عنهم فلابد أن يوكل بهم من يعلمهم، فيوصي معلمي تحفيظ القرآن، وكذلك يوصي معلمي المدارس بالعناية بهم، وكذلك يوصي بعضهم ببعض، ويوصي بهم أمهاتهم ومن يتولاهم؛ لعله بذلك يصلحهم.

حكم السماح للنساء بالتسوق وحدهن

حكم السماح للنساء بالتسوق وحدهن Q هل ترك النساء يتسوقن في السوق وحدهن في ظل هذه المنكرات الموجودة من مخالفة حديث النبي صلى الله عليه وسلم؟ أفتونا مأجورين. A لا شك مع وجود كثرة المنكرات أن هذا يعتبر إهمالاً وإفساداً، فالنبي صلى الله عليه وسلم منعهن من الخروج إلى المساجد إلا في حالة أن يكن تفلات، مع أنه خروج لطاعة وعبادة، وكذلك -أيضاً- قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:33]، ومنعهن أن يخرجن إلا لحاجات ضرورية، فعلى هذا فالذين يمكنون نساءهم من دخول تلك الأسواق المزدحمة، ولا تؤمن المرأة أن تفتتن بمن تراه أو أن يفتتن بها؛ يعتبرون مهملين لهؤلاء الرعية، فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته.

§1/1