دروس للشيخ إبراهيم الفارس

إبراهيم بن عثمان الفارس

منهج السلف في تلقي العقيدة

منهج السلف في تلقي العقيدة إن لأهل السنة والجماعة ثوابت وقواعد لا يمكن أن تتغير على مر الأزمان وإن من أعظمها وأبرزها ثوابت العقيدة والمنهج المستقى من كتاب الله وسنة رسوله الله صلى الله عليه وسلم، فالعقيدة لها شأن عظيم ومنزلة كبيرة؛ لذا كان لزاماً على أهل السنة أن يلتزموا ثوابت معينة ويعملوا على نشرها بين الناس.

من منهج السلف في تلقي العقيدة اقتصارهم على الكتاب والسنة في التلقي

من منهج السلف في تلقي العقيدة اقتصارهم على الكتاب والسنة في التلقي بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين. أيها الأحبة! أيها الإخوة! إن الحديث عن السلف رضي الله تعالى عنهم أجمعين حديث ذو شجون، كلنا يحبه؛ لأننا نقدر هؤلاء السلف الذين حملوا لنا الرسالة من لدن بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى زماننا هذا. والحديث عن السلف يأخذ مناحي متعددة، فهناك حديث عن بطولاتهم، وهناك حديث عن زهدهم وورعهم، وهناك حديث عن عباداتهم، وهناك حديث وهناك حديث. ومن ضمن هذه الأحاديث حديث عن منهجهم في تلقي العقيدة. أولاً: لم اخترنا هذا الموضوع؟ هذا الموضوع - كما ستعرفون بعد قليل - علمي يحتاج إلى تركيز ومتابعة، ولعل السبب الذي جعلني أختار هذا الموضوع: هو أن هناك فئات متعددة، وتجمعات كثيرة كل منها يدعي أنه على الحق، ويقول: إنه حامل راية الصدق، لكن هذه الادعاءات المختلفة تحتاج إلى مقياس وميزان ومعيار يستطيع الإنسان بموجبه أن يقيس هذا الكلام هل هو حق أم باطل؟ إذاً: ما الذي يعرفني أن كلام هذه الطائفة صحيح أو تلك الطائفة صحيح أو الثالثة أو الرابعة؟ الذي يعرفني ذلك هو هذا المنهج الذي سنتلقاه بشكل موجز في هذا اللقاء. ولنعلم أن منهج السلف في تلقي العقيدة منهج مطول وموسع، لكن سأحاول قدر جهدي أن أجعله في نقاط رئيسة، وفي تتابع سهل وميسور؛ حتى يسهل استيعابه، وسترون من خلال هذا الطرح أن هناك جماعات من الطوائف والفرق تخرج من هذا المنهج، وبالتالي لا يبقى لدينا إلا طائفة واحدة فقط، وهي الطائفة التي ذكرها المصطفى صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق، لا يضرهم من خذلهم) أي: الطائفة الناجية أو الطائفة المنصورة، وهذه الطائفة هي المتمسكة بمنهج السلف، أما بقية الطوائف فإنها تبتعد أو تقترب من منهج السلف بحسب تمسكها بما جاء عن السلف، فكلما كثر هذا التمسك اقتربت من هذا المنهج، وكلما صار العكس حصل العكس. إذاً: منهج السلف في تلقي العقيدة هو معيار أو ميزان أو مقياس نستطيع أن نقيس به مناهج الفرق الأخرى، وما أكثر الفرق التي تحيط بنا! وما أكثر الجماعات التي تلتف حولنا! لن أذكر شيئاً منها بالأسماء الآن، وقد يتطرق الحديث عنها بعد حين إن شاء الله. أولاً: من هم السلف؟ هل هم الذين مضوا وانتهوا أي: عصر الصحابة؟ هل هم الذين ذكرهم الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: (خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) أم أن من سار على منهجهم فهو منهم حتى في العصور المتأخرة؟! التعريف الصحيح: أن من سار على منهج السلف، وطبق طريقتهم، فإنه منهم ولو كان متأخراً عنهم. إذاً: سيكون هناك أناس من السلف سيأتون بعدنا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، أو قبل ذلك؛ لأن القيامة لا تقوم وفي الأرض من يقول: الله الله! ما معنى كلمة منهج؟ كلمة (منهج) قد تكون غريبة، لكنكم تعايشونها دائماً في مناهج التعليم، كمادة القراءة، ومادة العلوم، المنهج: عبارة عن كتلة أو كيان أو شيء يحتوي على جملة أشياء أو جملة نقاط متكاملة ومتجانسة مع بعضها البعض، ويجمعها عامل واحد، أو يجمعها فقه واحد، أو أسلوب واحد. فإذا ذكرنا منهج السلف في الزهد فمعنى هذا: أن نتحدث عن كل ما له صلة بالزهد عند هؤلاء السلف، وهكذا في الأمور الأخرى. دعونا نبدأ في عرض منهج السلف في تلقي العقيدة. النقطة الأولى في هذه المسألة: اقتصارهم - أي: السلف - على مصدري التلقي: القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فلا يأخذون من العلوم الأخرى، ولا يأخذون من القوانين الأخرى، ولا يأخذون من مناهج الغرب أو الشرق، إنما منهجهم في التلقي هو القرآن، ثم السنة، فإن لم يوجد في القرآن والسنة شيء من ذلك كنوازل العصر الحاضر فإنهم يجتهدون في ذلك، وإذا أجمعوا على هذا الأمر أخذوا به. والإجماع يكون في أمور الفقه، أما في أمور العقيدة فلا؛ فإن مسألة الإجماع هنا غير واردة، وإنما يقتصرون في تلقي العقيدة على القرآن وعلى ما ورد في السنة فقط، ولا يكاد يوجد إجماع أو كلام حول الإجماع في مسائل العقيدة. فهذه النقطة ميسورة وسهلة، وربما أقول: هي الأساس الذي بنى عليه السلف منهجهم ولا شيء غيره، وهذه النقطة يتفرع منها عدة نقاط: النقطة الأولى: اقتصارهم على مصدري التلقي القرآن والسنة الصحيحة، وذكرنا الصحيحة هنا لأن هناك بعض الطوائف الذين قد تخرجهم هذه المسألة مباشرة. فإذا جئنا مثلاً إلى طوائف الصوفية تجد أحدهم يعبد قبراً أو يطوف به أو يتمسح به تقول له: يا أخي! هذا لا يجوز، هذا حرام، يقول لك: لا، لقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم الأمر بذلك. ما هو الدليل؟! قال: يقول الرسول عليه السلام: (من أحسن ظنه بحجر نفعه ذلك الحجر) نقول: هذا نص حديثي ذكر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحن في منهجنا أن التلقي في العقيدة يقتصر على القرآن والسنة الصحيحة، فنأتي إلى هذه السنة ونناقشها، وندرسها سنداً ومتناً، وفي النهاية سنجد أن هذا حديث موضوع. إذاً: أنتم يا طائفة الصوفية! تخرجون من الحلبة في أول جولة من جولات الصراع إن صح التعبير. ولو جئنا إلى العقلانيين، وهم الطوائف التي تأخذ بالعقل وتحكم به، أمثال المعتزلة قديماً، ومن أمثال أهل العقل حديثاً ممن يعيشون بيننا ويتواجدون ربما في بلاد الإسلام بكثرة، ولعل لهم مؤلفات كثيرة، ولهم كتب موجودة ومنتشرة، ويشاركون في المؤتمرات والدراسات والدروس وغيرها، من أمثال فهمي هويدي، ومحمد الغزالي، ومحمد عمارة، وغيرهم يأخذون بمبدأ العقل ويحكمونه، وتجد أنهم يحكمون العقل في مجال العقيدة فعلاً، وبالتالي إذا أردتم معرفة المزيد عن هذه المسألة انظروا إلى الردود الموجودة في الأسواق على كتاب محمد الغزالي: السنة النبوية بين أهل الفقه والحديث، ستجدون أنه أخضع أحاديث العقيدة الصحيحة إلى العقل، فيحكمها عقلاً. إذاً: هذا المنهج - الاقتصار على التلقي في ما يتعلق بالعقيدة على القرآن والسنة الصحيحة - يخرج هؤلاء العقلانيين.

الاعتقاد الجازم أن رضا الله يكون بالإيمان بالكتاب والسنة

الاعتقاد الجازم أن رضا الله يكون بالإيمان بالكتاب والسنة وهذه النقطة يتفرع عنها جملة نقاط ومسائل، أولى هذه المسائل: الاعتقاد الجازم بأن رضا الله سبحانه وتعالى والفوز بجنته لا يمكن أن يتم إلا بالإيمان بهما، والعمل بما جاء فيهما. فهم يعتقدون اعتقاداً كلياً لا يخالطه شك ولا ريب أن رضا الله في الدنيا الذي يترتب عليه مزيد من الرزق والعافية والتمكين في الأرض، ورضا الله في الآخرة الذي يترتب عليه المغفرة والرحمة وبعد ذلك دخول الجنة؛ لا يمكن أن يتم إلا بالعمل بعد الإيمان، بعد أن تؤمن بما في القرآن، وتؤمن بما في السنة، وتطبق ما فيهما، فإن هذا الرضا سيكون من نصيبك. هذه القضية قد تخرج كثيراً من الأشخاص الذين لهم توجه عقدي يخالف منهج أهل السنة، هم منا وفينا ولكنهم منحرفون في مجال السلوك، فإنهم يعيشون مثلاً في المعاصي أو في كبائر الذنوب معيشة مستمرة متواصلة؛ فهؤلاء لا نقول: إنهم ليسوا من السلف، ولكن نقول: إنهم بعيدون عن منهج السلف بقدر بعدهم عن التمسك بالقرآن والسنة، فكلما ابتعد الإنسان عن تطبيق ما في القرآن والسنة قيل له: إنك مبتعد عن منهج السلف بمقدار ابتعادك عن تطبيق ما فيهما. إذاً: تلحظون أن هذه النقطة - وهي الفرع الأول من النقطة الأولى - تخرج كذلك مجموعات من الناس، وستجدون في نهاية المطاف أن الذين يسيرون على الحق - فعلاً - هم قلة قليلة؛ ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف:103] هم قلة، ويقول تعالى: {ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ} [الواقعة:39 - 40]، ويقول: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود:40]. إذاً: تجد أن أهل الحق قلة، وبالتالي لا يلزم من هذا أننا إذا أخرجنا هذه الطوائف والفرق أنه ينتهي أهل الإسلام، لا، بل إن أهل السنة هنا هم القلة، وهذا أمر واضح وبين: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة) طائفة هنا تعتبر جزء قليل من عموم الأمة.

كمال الدين

كمال الدين المسألة الثانية من النقطة الأولى: أن هذا الدين كامل، وهذه نقطة من أهم النقاط؛ لأن هناك طوائف وفرق تعيش بيننا وتعاشرنا تقول: إن هذا الدين ناقص، فهناك مثلاً الرافضة الذين يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم انشغل بالحروب وبالمعارك، ولم يكن متمكناً - بسبب ذلك - من تبليغ عموم الرسالة، فخشي من أن يأثم؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة:67] ولم يجد أمامه أناساً مؤهلين، فهم يقولون: إن الصحابة كانوا منافقين، وبعضهم كان كافراً، وبعضهم كانت أهدافه دنيوية، فالمصطفى عليه السلام كان منشغلاً بالحروب أولاً ولم يجد لديه الجيل المؤهل لتبليغ الرسالة، وأمامه إشكالية أخرى، وهي: أنه يجب عليه أن يبلغ؛ فذهب بالعلم كله وأعطاه لـ علي بن أبي طالب. ثم علي بن أبي طالب لم يجد من الناس مؤهلين للعلم، فأعطاه الحسن، والحسن أعطاه للحسين، فتناقل بين أئمة الشيعة. ثم جاء الإمام الحادي عشر عند الشيعة الحسن العسكري فوجد أن الناس غير مؤهلين فنقله إلى المهدي المنتظر: محمد بن الحسن العسكري الذي اختفى في سرداب سامراء سنة مائتين وستين للهجرة، ولا زال مختفياً على قولهم. إذاً: اختفى هذا الطفل ومعه الشريعة كاملة، ومن هذه الشريعة - كما يذكرون - مصحف فاطمة، فهو مثل قرآننا ثلاث مرات، وليس فيه من قرآننا حرف واحد. وفي روايات أخرى تقول: إن الله أنزل هذا القرآن سبعة عشر ألف آية! والقرآن الموجود عدد آياته ستة آلاف ويزيد قليلاً معناه: أن الموجود هو الثلث، وهذا يصدق الرواية الأولى. إذاً: الشيعة يدعون أن الدين ناقص، وأن الله لم يكمل الدين، وأن قول الله سبحانه وتعالى: {أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3] غلط، وليست بصحيحة، وبالتالي: فهذه الطائفة تخرج من هذا المعيار والمقياس. وهناك طائفة أخرى، وهي طائفة الصوفية، فهم يقولون: إن هذا الدين ناقص؛ لأنهم يقولون: إنكم تأخذون علومكم من ميت عن ميت، ونحن نأخذ علومنا عن الحي الذي لا يموت! ويقول أحدهم: حدثني قلبي عن ربي، فيقولون: أنتم تأخذون علومكم من البخاري الذي أخذها عن فلان وفلان، أو من أبي هريرة الذي أخذها عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وكلهم موتى، أما نحن فنأخذ علومنا عن الله سبحانه وتعالى مباشرة. إذاً: معنى هذا: أنهم يأخذون علوماً متواصلة ومستمرة من الله سبحانه وتعالى لهؤلاء الصوفية، فكأن دين الله سبحانه وتعالى الذي أنزله إلى محمد صلى الله عليه وسلم ناقص. ويدل على ذلك تقسيمهم لأنواع التوحيد، يقولون: التوحيد ثلاثة أنواع: توحيد العامة الذي يشترك فيه جميع الناس، ومنهم الأنبياء والمرسلين. وتوحيد الخاصة الذي يشترك فيه مبتدئو الصوفية. وتوحيد خاصة الخاصة، الخاص بعلماء الصوفية أو بأقطابهم. إذاً: معنى هذا: أن هؤلاء يعيشون مراحل من التوحيد لم يصل إليها بعد الأنبياء والمرسلين؛ ولذلك تقول هذه الطائفة بشتى فرقها: خضنا بحراً وقف الأنبياء بساحله، أي: نحن خضنا علوماً لم يستطع الأنبياء أن يخوضوا فيها؛ لعدم مقدرتهم ومعرفتهم. فقولنا: (إن الدين كامل) أخرج مجموعات من الطوائف والفرق التي تدعي أنها تحمل لواء الإسلام، وأنها تدعو إلى دين الله سبحانه وتعالى، ولو ناقشت أي إنسان من هذه الطوائف لقال لك: إنني على الحق، وأنت على الباطل، وهذا أمر مشاهد، بل وتخرج هذه الكلمة - إن الدين كامل - كذلك طوائف أخرى من أمثال الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية الذين يدعون أنهم على الحق. ولو ذهبنا إلى بعض المكتبات لوجدنا فيها كتب أبي منصور الماتريدي إمام أهل السنة والجماعة، وللعلم فإن فرقة الماتريدية فرقة منحرفة في باب الأسماء والصفات ومع ذلك يدعون أنهم أهل السنة! فتجد كتباً موجودة في المكتبات الإسلامية بعنوان: انتشار المذهب السني - كتاب تاريخي عقدي - في المشرق العربي، في القرن كذا وكذا تقرأ الكتاب وإذا هو يتحدث عن انتشار المذهب الأشعري، وهل هو المذهب السني؟! هكذا ادعى، وهكذا قال! إذاً: كل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك فهم يدعون أنهم على منهاج الحق، ولكن قولنا: (إن هذا الدين كامل) يخرجهم، فعندما تأتي إليهم تقول لهم: ماذا تقولون في باب الأسماء والصفات؟ يقولون أقوالاً متعددة، فهؤلاء ينفون أسماءً، وهؤلاء ينفون صفاتٍ، وهؤلاء يثبتون البعض ويؤولون البعض، وهؤلاء يحرفون البعض ويغيرون البعض، وهكذا. أما السلف فيثبتون ما ورد في القرآن والسنة كما جاء من غير تشبيه ولا تعطيل.

تقديم النقل على العقل

تقديم النقل على العقل المسألة الثالثة: تقديم النقل على العقل عند توهم التعارض، ولا تعارض بين نقل صحيح وعقل صريح. هذه المسألة من المسائل التي ركز عليها شيخ الإسلام تركيزاً قوياً جداً، وأشار إليها في عدة مواضع في كتابه: درء تعارض العقل والنقل، وهو كتاب مكون من إحدى عشر مجلداً، مطبوع وموجود. هذه القضية لو أردنا أن نستفيض في دراستها والنظر في خفاياها لطال بنا المقام إلى حد بعيد، ولكن أحصرها في أمثلة: لو سألت أحداً منكم عن أيهما يكون نجساً المني أو الغائط؟ كلكم ستجيبون أن المني طاهر والغائط نجس، ومع ذلك إذا خرج من الإنسان قطرة من المني أوجبت عليه أن يغسل جسده من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه. لكن إذا خرج منه غائط هل يلزمه ذلك؟ لا، يلزمه غسل الموضع، وتجديد الوضوء فقط، أما غسل الرأس والأكتاف والظهر والبطن والأفخاذ والسيقان هذه ليست واردة. إذاً: العقل يقول لك: الأصل أن هذا نجس وهذا طاهر فالأولى أن يغتسل الإنسان من الغائط ولا يغتسل من المني، خاصة أن المني طاهر، لكن الشرع يقول لك: لا، بل اغسل جسدك كاملاً لخروج المني ولا تغسله لخروج الغائط أو البول. إذاً: كأن هناك تعارض بين النقل والعقل، فالذين يأخذون بالمبدأ العقلي يقولون: لا، هذه مسألة حقيقة تحتاج إلى أن نتوقف معها، هذه غير مقبولة عقلاً، فهي مرفوضة عقلاً، لكن أهل الحق يقولون: لا، نقدم النقل على العقل، والعقل هنا صحيح أنه يفرض على الإنسان أن يغتسل من خروج الغائط ولا يغتسل من خروج المني، لكن الشرع يقول لنا: لا بد أن نغتسل للمني، إذاً لا بد أن نغتسل، فقدمنا النقل على العقل. جاءت الاكتشافات الحديثة والتي تعد مصداقاً لقول الله سبحانه وتعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [فصلت:53]. يقول أحد الأطباء الألمان: إنني اكتشفت - بعد دراسة مستفيضة لمدة عشر سنوات - أن الإنسان الأوربي يوجد لديه سرطان الجلد بنسبة تفوق وجودها في العالم الفقير - ومنه العالم الإسلامي - تكاد تصل إلى (10%). يقول: بعد دراسة ومتابعة مستفيضة دقيقة تبين لي أن السبب في ذلك هو أن الإنسان إذا أفرز شيئاً من المني فإن الجلد يفرز إفرازاً معيناً، فإذا تراكم هذا الإفراز مرة وثانية وثالثة وعاشرة أدى ذلك بالإنسان إلى أن يصاب بسرطان الجلد. أما المسلمون فإنهم عندما يخرج من أحدهم شيء من ذلك فإن عباداته لا تقبل إلا بعد أن يغتسل غسلاً كاملاً، حتى إن الفقهاء يذكرون لك أنه لا بد أن يغسل كل نقطة في جسده، كل شيء حتى ما تحت منابت الشعر، وما تحت الآباط، حتى مغابن الجلد وغير ذلك؛ حتى يزول هذا الإفراز. إذاً: تلحظون أن التعارض هنا لا يمكن، إذاً: لا تعارض بين نقل صحيح وعقل صريح، لكنه تعارض وهمي زال وانتهى في هذا الزمن. مثال آخر: حديث الذبابة، الحديث المشهور المعروف: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه؛ فإن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر دواء). أنت في نعمة وفي خير، فعندما يقع الذباب في الكأس تسكبه وتنتهي، لكن افترض أنك فقير لا تملك إلا هذا الكأس في البر، حال الجوع والعطش فماذا تفعل؟ هل تخرج الذباب مباشرة وتشرب الماء؟ لا، نص الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لك: (فلتغمسه، فإن في أحد جناحيه داء، وفي الآخر دواء). في الفترة القريبة - قبل عشرين سنة أو خمس عشرة سنة - اكتشفت هذه المسألة، وإذا بأحد جناحي الذباب يحوي ميكروبات مرض، والجناح الآخر يحوي فطريات تقضي على المرض، فإذا جمع هذا الجناح مع هذا الجناح قضت الفطريات على الميكروبات وانتهى المرض. ويقول الذين حللوا هذه القضية من العلماء الغربيين: أنهم اكتشفوا أن الذباب عندما يقع في الإناء فإنه يغمس جناحاً ويرفع آخر. وعندما درسوا هذا، وأجمعوا على أن الجناح المرفوع هو الجناح الذي يحتوي على الدواء، أما الجناح الذي يسقط في الماء أو في العصير أو في غيره فهو جناح الداء، ولذلك جاءك النص: (فليغمسه) فيسحب الماء أو الحليب أو العصير الجراثيم أولاً، وهذا بفعل الذباب وليس بفعلك أنت، ثم بفعلك أنت تغمس الذباب؛ حتى يختلط هذا مع هذا فيزيل هذا هذا. إذاً: تلحظون أنه لا تعارض بين نقل صحيح وعقل صريح، فتقديم النقل على العقل منهج من مناهج السلف، وهذا يرد على طوائف من أهل العقل وهم موجودون وبكثرة في كثير من البلاد الذين يخضعون نصوص الشرع العقدية بالذات للعقل، وأضرب مثال على هذا: أحدهم يقول: قضية عذاب القبر من القضايا التي لا يمكن أن يؤمن بها الإنسان؛ لأننا نحفر القبور ولا نجد فيها مد البصر نعيماً أو عذاباً، أو حيات أو عقارب، لا نجد ذلك، نحفر القبر فنجد جثة هامدة أو عظاماً بالية، ليس فيها شيء، إذاً: هذا يدل على أنه ليس هناك عذاب قبر، ليس هناك عذاب للقبر نهائياً، فيا ترى ما هو الجواب على هؤلاء؟ الإجابة على هؤلاء: أننا أولاً نقدم النقل، فنؤمن إيماناً قطعياً بأن عذاب القبر ثابت نصاً من القرآن ومن السنة، وأنها من عقائد الإسلام التي ذكر بعض العلماء أن من أنكرها قد يخرج من الإسلام؛ لأنه رد نصوصاً ثابتة لا أقول من السنة بل حتى من القرآن، كما في قول الله سبحانه وتعالى عن آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46]، فغدواً وعشياً هذه ليست موجودة في الآخرة، الآخرة ليس فيها صباح وظهر وعصر ومغرب وعشاء، فغدواً وعشياً هذه في الدنيا، يعرضون على النار، ثم يوم القيامة يتغير العذاب فيدخلون النار، ويوم القيامة سيكون مآلهم إلى النار بشكل مستمر أو متتابع، هذا دليل من القرآن. ويوجد في السنة عدة نصوص كما في حديث البراء بن عازب في الصحيحين، وكما في حديث أصحاب القبرين اللذين يعذبان وما يعذبان في كبير، وغير ذلك. أقول: ليس هذا مجال الرد حقيقة على هؤلاء، لكن هؤلاء يثيرون هذه المسائل، فنحن نقول لهم: لا، بل إن قضية إثبات النقل وتقديمه على العقل هو منهجنا، فإن عرفت الحكمة من ذلك فبها ونعمت، وقد لا أعرفها أنا وتعرفها أنت، وقد لا أعرفها أنا وأنت وغيرنا، وقد لا نعرفها جميعاً ويعرفها من يأتي بعدنا عن طريق دراسات أو بحوث إلى غير ذلك من الوسائل.

الاستشهاد بنصوص الوحيين

الاستشهاد بنصوص الوحيين المسألة الرابعة: الاستشهاد بنصوص الوحيين، وهذه مسألة من المسائل التي تميز بها السلف، خذ إن شئت كتاباً من كتب أهل العقل أو من كتب المبتدعة أو غيرهم فستجد أن الاستشهاد بالقرآن والسنة فيه نادر. وقد اطلعت على مجموعة كبيرة من الكتب - بحكم التخصص - فأجد أن الكتاب من أوله إلى آخره لا يحتوي ولا على آية واحدة، وهو كتاب في العقيدة! لاحظ كتاباً في العقيدة ولا آية واحدة تذكر فيه! حديث أو حديثين أو ثلاثة في ثلاثمائة صفحة، لكن خذ إن شئت كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وكتب ابن القيم، وكتب محمد بن عبد الوهاب، وخذ أياً شئت من كتب السلف ستجد أن الصفحة الواحدة فيها عشرات من الاستشهادات القرآنية والدلائل النبوية. فهذا يدل على أنهم فعلاً يأخذون من مصدري الوحي القرآن والسنة، ويرجعون إليهما، ويستشهدون بهما.

التأدب مع نصوص الوحيين

التأدب مع نصوص الوحيين المسألة الخامسة: التأدب مع نصوص الوحيين، وهذه من النقاط الهامة التي نقع فيها نحن وللأسف، وهذا منهج سار عليه السلف، أما نحن فإننا وللأسف نخالفه. مثال ذلك: عندما يأتيك إنسان وأنت قد عملت مخالفة معينة صريحة ويقول لك: يا أخي! اتق الله، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول كذا وكذا، الله سبحانه وتعالى يقول كذا وكذا، أنت تسمع وتقول: طيب إن شاء الله، جزاك الله خير، وتمشي ولا تلقي بالاً لهذا الكلام، الله يخاطبك والرسول يخاطبك وأنت تضرب بهذا الكلام عرض الحائط. هل هذا هو منهج السلف؟! دخل عبد الله بن مغفل المزني الصحابي الجليل على ابن أخيه وإذا هو يحذف بالحصى، فقال له: يا ابن أخي! لقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحذف بالحصى وقال: (إنها لا تصيد صيداً، ولا تنكأ عدواً، ولكنها تفقأ العين، وتكسر السن). إذاً: نقل له نص الرسول عليه السلام، جاء إليه في اليوم الثاني وإذا هو يحذف بالحصى؛ فغضب غضباً شديداً وقال: أقول لك قال رسول الله كذا وكذا وتعود! والله لا أكلمك أبداً، لاحظوا ابن أخيه فلم يكلمه؛ لأنه لم يتأدب مع نصوص الوحيين، ولم يأخذها على أنها نهي من الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا عبد الله بن عمر رضي الله عنه كان جالساً مع أولاده، فإذا بـ عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، فقال ابنه بلال: والله لنمنعهن) فغضب عبد الله بن عمر غضباً شديداً وقام إلى ابنه وضربه، ثم حلف ألا يكلمه. أين التأدب مع نص الرسول صلى الله عليه وسلم؟ أين التأدب مع قوله عليه السلام؟ هنا كان الجزاء في عدم التأدب هو الضرب والمقاطعة. أما نحن في هذا الزمن فكثيراً ما تأتينا الأحاديث والنصوص، بل والآيات القرآنية الصريحة وليس أن ندخلها من هنا ونخرجها من هنا، بل لا ندخلها أبداً، وهذه مسألة تخرج كثيراً من الناس من منهج السلف؛ ولذلك منهج السلف هنا منهج يحتاج إلى مجاهدة وبذل وعمل، ويحتاج إلى ضبط النفس حتى يكون الإنسان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. المسألة ليست غاية في السهولة، لا، إذا كنت تريد أن تسير على منهجهم فلا بد أن تكون مثلهم، أو لا بد أن تقلدهم، أو على الأقل تقترب منهم قدر جهدك شيئاً فشيئاً؛ حتى تكون معهم، وتحشر معهم.

من منهج السلف في تلقي العقيدة عدم الخوض في علم الكلام والفلسفة

من منهج السلف في تلقي العقيدة عدم الخوض في علم الكلام والفلسفة أما النقطة الثانية فهي من النقاط المهمة كذلك، وهي: عدم الخوض في علم الكلام والفلسفة والاقتصار في بيان العقيدة على القرآن والسنة، وهذه كأنها مشتقة من الأولى، لكن فيها تركيز على جانب مهم، وهو علم الكلام والفلسفة. جاء مجموعة من الناس إلى الخليفة العباسي المشهور المعروف بـ المأمون الخليفة السابع من خلفاء بني العباس، وهو من أشهر خلفاء بني العباس وأقواهم، وكان رجلاً مشهوراً بالحلم والفضل وغير ذلك، لكنه سود عصره بتقريب المعتزلة وابتلاء أهل الحق من أهل السنة. هذا الرجل - أي: الخليفة المأمون - احتوته المعتزلة وأثروا عليه؛ فجعلوه معتزلياً مثلهم، ثم طلبوا منه أن يأتي بكتب الفلاسفة القدماء من يونان أو رومان أو فرس أو روم أو هنود أو غيرهم، وفعلاً بدأ يرسل الرسل والمراسلات إلى أصحاب هذه الدول؛ فتقدم الكتب تباعاً. كان من ضمن هذه المراسلات رسالة موجهة إلى ملك صقلية جورج الأول، فتلقى الرسالة من خليفة المسلمين يطلب فيها نسخاً من كتب موجودة في الخزانة الخاصة بمكتبة كذا وكذا في هذه البلدة أو في هذه الدولة. فجمع هذا الملك أعيان الدولة وعرض عليهم الأمر؛ فكلهم رفض، قالوا: لا، نحن في حرب مع المسلمين ولا يليق أن ترسل لهم الكتب أو تنسخ لهم الكتب، إلا واحداً من هؤلاء وكان من علمائهم، فقال: بل أرسل له هذه الكتب وأعطه إياها، فوالله ما دخلت هذه الكتب على قوم إلا فرقت دينهم أحزاباً وشيعاً. فيبدو أن هذا الملك انصاع لرأي هذا الكاهن أو هذا العالم فأخذ هذه الكتب ونسخها، وكانت مكتوبة باللغة اليونانية القديمة. جاءت هذه الكتب إلى المأمون باللغة اللاتينية فما الحل؟ الحل أن يبحث عن أناس يترجمونها، فما وجد أناساً يجيدون اللغة اللاتينية إلا اليهود، واليهود لأنهم يقرءون التوراة باللاتينية فإن بعض فرق اليهود تحرم أن تترجم التوراة للغات أخرى، فكانوا يقرءونها باللاتينية. فجمع هؤلاء اليهود وعرض عليهم الأمر، فأبدوا استعدادهم للترجمة، ثم بدءوا يكتبون ويكتبون، فوجدوا أن هذه الكتب فيها بغيتهم؛ لأن فيها إفساد لعقائد المسلمين، وفيها تحزيب وتفريق لهم، فبدءوا يكتبونها بسرعة، ثم أعطوها للمأمون بعد أن نسخوا نسخاً منها لهم خاصة. ثم تقول الروايات: إنهم بدءوا يكتبونها ويعطونها للوراقين بعد الترجمة بأسعار رخيصة، حتى ذكرت الرواية أن الكتاب ذات المائة صفحة كان يباع بعشرة دنانير، ومن كتب الفلاسفة ذات المائة صفحة يبيعونها بدينار يعني: المجلد من كتب أهل الإسلام بعشرة دنانير، والمجلد من كتب هؤلاء بدينار، وأنا شخص لا أعرف، أحب القراءة، فأدخل في مكتب الوراق وأجد أن هذا بدينار، وهذا بعشرة، آخذ ما كان سعره بدينار، فظهرت هذه الكتب وبدءوا يقرءونها ويتأثرون بما فيها، ثم ظهرت الآراء العقدية المختلفة؛ لأنهم لم ينهجوا منهج السلف في عدم الخوض في علم الكلام والفلسفة؛ ولذلك كان السلف يؤكدون على أن علماء الكلام ليسوا من العلماء، ويقولون: لو أوصى بماله لعلماء بلده لم يدخل في ذلك علماء الكلام. ويقولون عن أحد السلف: حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال، ويطاف بهم في الأسواق ويقال: هذا جزاء من ترك القرآن والسنة وأقبل على علم الكلام. ما هو علم الكلام؟ هو دراسة المسائل العقدية بمنأى ومعزل عن الكتاب والسنة، يعني: يدرسونها بالأشياء العقلية، وبالاجتهادات والآراء، فيقولون مثلاً: اسم الله سبحانه وتعالى، نأتي بمعناه من عندنا، ونأتي بصفة من صفات الله من عندنا، ومن صفات الله كذا وكذا، فيضيفون صفات لله ليست موجودة في القرآن ولا في السنة، وهكذا، فإخضاع مسائل العقيدة للجوانب العقلية هذا نهى عنه السلف نهياً كلياً.

النهي عن البدع

النهي عن البدع ينبثق من هذه النقطة عدة مسائل: المسألة الأولى: النهي عن البدع، ومن ذلك علم الكلام، إذاً القضية هنا ليست قضية علم الكلام فقط، فعلم الكلام ركز عليه في بند مستقل؛ لأنه هو المهم، لكن أعطيت البدع جانباً آخر من الأهمية، فنهى عن البدع نهياً تاماً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وقال: (كل بدعة ضلالة). وقال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ) إلى آخر ذلك. فالبدع هنا: كل ما استحدث في دين الله مما ليس له أصل في منهج الرسول صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام، وخاصة الخلفاء الأربعة. يأتي شخص مثلاً يقول: هؤلاء الصوفية يقيمون احتفال المولد النبوي، ويقيمون احتفال ليلة النصف من شعبان، ويقيمون احتفال رأس السنة الهجرية، ويجلسون جلسات للأذكار، ويقرءون أذكاراً إضافية بعد الصلوات، وأذكاراً مستقلة بأن يتحلقوا فيذكرون الله بشكل جماعي إلى غير ذلك. نقول لهم: هذه عبادات لكن هل لها أصل في القرآن أو في السنة؟ سيقولون: لا. نقول: إذاً أنتم تخرجون من منهج السلف؛ لأنكم جئتم بشيء لم يرد عن السلف.

الرد على المنحرفين بمنهج متميز

الرد على المنحرفين بمنهج متميز المسألة الثانية: الرد على المنحرفين بمنهج متميز، شخص الآن سلك مسلك علم الكلام، وبدأ يؤلف في ذلك مؤلفات، وشخص بدأ يدخل في البدع ويدافع عنها، ويكتب فيها المؤلفات، فما هو منهج أهل السنة في هؤلاء وفي الرد عليهم؟ ليس منهجهم منهج السب والشتم واللعن، وإظهار العيوب كما يحصل من كثير من الناس، حتى الذين ينتمون أو يدعون الانتماء إلى المنهج السلفي. وهنا مثال على ذلك: ابن حجر الهيتمي له كتاب اسمه: الفتاوى الحديثية، له في هذا الكتاب فتوى قدر صفحة كاملة، سئل فيها: ما رأي فضيلتكم فيمن يقول: إن الطلاق بالثلاث يقع واحدة، وإن ابن تيمية يقول كذا وكذا؟ جاءوا بقول ابن تيمية فقط وهم يريد الحكم في ذلك، فماذا كانت النتيجة؟ قال: أما ابن تيمية فهو شيخ أضله الله وأعماه، وأعمى بصره، وكلام طويل قدر ثلاثة أرباع الصفحة، ثلاثة أرباع الصفحة هذه كلها سب وشتم لـ ابن تيمية. ثم في الأخير جاء بقوله الفقهي أو حكمه الذي يراه: أنا رأيي في هذه المسألة كذا وكذا في حدود سطر. نقول: انتقل الآن إلى شيخ الإسلام ابن تيمية وانظر كيف يرد على المنحرفين! يذكر القول مثلاً عن ابن سيناء ثم يقول: أما هذا القول فهو قول ساقط متهافت، ما يتعرض إلى شخصيته، مع العلم أن ابن سيناء ثبت كفره، فقد كان يقول عن نفسه: إنني أنا وأبي من أصحاب دعوة الإمام العبيدي، أي: الدولة التي تسمى خطأً الدولة الفاطمية، ومع ذلك نجد ابن تيمية يقول: قال ابن سيناء كذا ويرد عليه. ويقول: ابن المطهر الحلي، ولا يقول: قال ابن المطهر الحلي الرافضي المجرم الكافر، لا يقول هذا؛ لأن القضية ليست قضية رد على ذوات، وإنما رد على فكر. إذاً: منهج الرد على أهل الأهواء أو أهل البدع أو أهل الأخطاء عند السلف منهج متميز. ودعونا ننقل هذه الصورة إلى واقعنا الآن، أنت الآن ترى الشيخ فلاناً من العلماء أو من طلبة العلم أخطأ أو اجتهد اجتهاداً معيناً في مسألة معينة، وهذا الخطأ أمر عادي؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لنا: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) وقال: (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم). إذاً: تجد أن الأخطاء هذه مسألة حاصلة، فليس هناك أحد معصوم إلا الأنبياء والمرسلين، فماذا يترتب على ذلك؟ تجد أن هؤلاء يأخذون هذا الخطأ، ثم يقيمون الدنيا ولا يقعدونها على هذا الخطأ، ويردون عليه ردوداً كثيرةً ومستفيضة، وربما يكبرون القضية حتى يخرجوا هذا الشخص من الإسلام، أو يتهمونه بأنه من غير أهل ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا أمر حاصل، لكنه ليس من منهج السلف، من سار على هذا المنهج فليس من السلف في هذه المسألة بالذات، فما بالكم بالمسائل الأخرى! أنت الآن تسير في الشارع ورأيت رجلاً مثلاً عليه سيما الانحراف في جوانب معينة، فيا ترى عندما ترى ذلك عليه كيف ستتعامل معه هل تقول له: يا كلب! لماذا تفعل هذا الفعل؟ هذا ليس من منهج السلف، إن فعل أحد ذلك قيل له: تعال، أنت خالفت ما عليه السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم في مناقشة أصحاب الأخطاء، بل فتأخذه جانباً وتعرض عليه خطأه بأسلوب لطيف جميل هادئ، وهذه مسألة لعلكم كلكم تطبقونها. فمثلاً: إمام المسجد جمع يوماً من الأيام خمسة أو ستة أو سبعة من أهل الحي ويقول: يا جماعة! فلان من الناس جارنا لا يصلي معنا الفجر، وفلان جارنا هذا ما نراه يصلي معنا أبداً، وفلان عليه ملاحظات كذا وكذا ما هو الأسلوب الحسن لدعوته؟ هل أحد منكم سيقول: نذهب ندق عليه الباب ثم نسحبه بقوة، ثم نأتي به إلى المسجد هنا ونضربه ونحقق معه؟ لا يوجد أحد يقول هذا أبداً، إنما كل واحد يأتي بأسهل الأفكار والطرق وأيسرها لإبلاغه بهذه النصيحة. ممكن نزوره يوماً من الأيام ونجلس نتحدث معه في كل المواضيع إلا موضوع الصلاة، ثم نضع له كتيباً وشريطاً بدون ما يشعر، ثم نخرج، فهذا منهج متميز في الرد، لكن أهل الأهواء والبدع يتسقطون الأخطاء، تجد أحدهم يبحث عن أي خطأ، ثم بعد ذلك يكبره ويكبره ويكبره! ثم بعد ذلك ينشره بين الناس على أنه خطأ فلان ابن فلان من طلبة العلم أو من العلماء أو غيره، هذا هو منهج دارج وموجود وللأسف الشديد، وبالتالي فمن فعل ذلك فقد خالف منهج السلف.

من منهج أهل السنة والجماعة في تلقي العقيدة التزام العدل والإنصاف مع الأعداء

من منهج أهل السنة والجماعة في تلقي العقيدة التزام العدل والإنصاف مع الأعداء النقطة الثالثة: التزام العدل والإنصاف مع الأعداء، أنا جئت بهذه المسألة متأخرة حتى أربطها بالنقطة التي سبقتها. التزام العدل والإنصاف حتى مع الأعداء قال تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة:8] هذا هو منهجنا. منهجنا أننا إذا رأينا المحسن قلنا له: أحسنت، وإذا رأينا المسيء قلنا له: أسأت، وإذا رأينا صاحب الخطأ قلنا: هذا خطأ، وإذا رأينا صاحب الحسنة قلنا: جزاك الله خيراً على هذه الحسنة، هذا هو منهجنا. إذاً: نحكم على الجميع بناءً على أعمالهم، ولا نغطي أعيننا عن الحسنات ونظهر السيئات أو العكس، وهذه مسألة لا داعي للدخول في تفصيلاتها، ولكنكم تعرفون أن هناك كثيراً من الناس يعيشونها بطرفيها المتناقضين. يعني: بعض الناس الآن يغمض عينيه عن أخطاء هائلة جداً تصدر من أشخاص أو من جماعات أو من تجمعات أو من غير ذلك ولا يلقي لهذه الأخطاء بالاً أبداً؛ لأنه يحب هذا التجمع فيثني عليه على وجود الخطأ. وإذا كره جماعة أخرى أو أفراداً أو أشخاصاً أو غير ذلك فإنه يظهر مساوئهم بشكل كامل، ولا يلقي بالاً للحسنة، هذا ليس من منهج السلف؛ فمن سار على ذلك فقد خالف السلف، وما أكثر الذين يخالفون السلف في هذه المسألة! وقد ورد عن أبرز السلف - وهم الصحابة - أنهم كانوا يثنون حتى على الغرب، عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه أثنى على الروم، فبين في كلام طويل له أن الروم فيهم وفيهم وأنهم يعدلون مع رعيتهم، لاحظوا! الروم وكفرة ومن أهل النار إذا ماتوا على ما هم عليه ومع ذلك أثنى عليهم. إذاً: قوله تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ} [المائدة:8] طبقها عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه وأرضاه، ولا بد أن نكون على نفس المنهج، وأن نسير على ذات المنهج، فلا نتطرف يمنة ولا يسرة، بل نقول للمحسن: أحسنت، وللمسيء: أسأت.

من منهج السلف في تلقي العقيدة أنهم لا يتعصبون لأحد إلا للرسول

من منهج السلف في تلقي العقيدة أنهم لا يتعصبون لأحد إلا للرسول النقطة الرابعة: أنهم لا يتعصبون لأحد إلا للرسول صلى الله عليه وسلم، فكل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا البشير الهادي النذير صلى الله عليه وسلم. فهم لا يتعصبون لجماعة ولا لحزب ولا لتجمع ولا لفكر ولا لمنهج، إنما التعصب هو لما قاله المصطفى عليه السلام؛ ولذلك ورد عن كثير من أئمة السلف كالإمام أحمد والشافعي والإمام مالك وغيرهم أنهم كانوا يقولون مقولات متشابهة: إن الحق هو هدفي، وما عارضه فاضربوا به عرض الحائط. قال الإمام مالك: كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر، ويشير إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان يحدث في مسجد المدينة. ويقول الشافعي: إذا جاءكم من قولي ما يخالف قول الرسول صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولي عرض الحائط. هذا هو المنهج! إذاً: ما في تعصب، ولكن وللأسف الشديد تجد أن هذه التعصبات موجودة ومنتشرة، فإذا كنت أنا منطوياً تحت لواء حزب معين أو فكر معين أو حتى مذهب معين تجد أنني أتعصب لهذا المذهب. ومن الطرائف في المسائل الفقهية: أنه يروى عن الأحناف أنهم يقولون: إذا جاء نص من القرآن أو من السنة يخالف ما جاء عن الإمام أبي حنيفة فإن النص إما أن يكون مؤولاً أو منسوخاً! معنى هذا: أن هذا تعصب مقيت، ويوجد في بعض الطوائف: إذا وقع الفأر في إناء كذا وكذا فيه كذا وكذا فلا يجوز أكله، بل لا بد من إلقائه أو بيعه لفرقة كذا أو لمذهب كذا لا داعي لذكره! هذا تعصب، وهذا التعصب نهى عنه الشرع، وبين أن التعصب هنا هو للقرآن وللسنة، فإذا ورد فيه الأمر أخذنا به، وإذا ورد فيه النهى انتهينا عنه. ورد عن الإمام أحمد قول، ثم رأينا أن هذا القول مخالف لأقوال أئمة أخر، نحن نقول: نحن حنابلة، لكن إذا جاء عالم من العلماء وقال: الإمام أحمد يقول كذا وبقية العلماء يقولون كذا وكذا، ودليلهم هو القوي، ودليل أحمد ضعيف، إذاً نأخذ بدليل هؤلاء الأئمة ولا نأخذ بدليل الإمام أحمد؛ لأننا نبحث عن الحق فهو مظنتنا أياً كان موقعه.

من منهج السلف في تلقي العقيدة عدم الاقتصار على جزء من النص دون الآخر

من منهج السلف في تلقي العقيدة عدم الاقتصار على جزء من النص دون الآخر النقطة الخامسة: أن السلف رضي الله تعالى عنهم إذا جاءوا إلى النصوص الشرعية لا يقتصرون على جزء دون الجزء الآخر، بل يأخذون النصوص الشرعية كاملة، فإذا جاءوا إلى نصوص شرعية آيات أو أحاديث لا يأخذون بجزء منها ويغضون الطرف عن الجزء الآخر، لا، بل يأخذون الجميع. فمثلاً: الخوارج فرقة من الفرق، والمرجئة فرق من الفرق وجدت في الزمن القديم، ولا زال لها امتداد في الزمن الحاضر، هذه الطائفة أو تلك الطائفة كل منها أخطأت في مسألة الأخذ بالنصوص، فأخذوا جزءاً وأغفلوا النظر عن جزء آخر. فالخوارج مثلاً قالوا: ثبت في الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر) فهذا قلب الإنسان مليء بالإيمان، لكن عنده شيء يسير جداً من الكبر، فمعنى هذا أن هذا الإنسان لا يدخل الجنة، لكن السرقة، والزنا، والقتل كل ذلك أكبر من شيء يسير من الكبر، فمعنى هذا أنه لم يدخل الجنة، إذاً معنى هذا أنه في النار، وأنه كافر، فكفروا الناس بناءً على هذه القاعدة. وجاءت طائفة أخرى - المرجئة - وقالوا: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان) يعني: القلب كله فسق وفساد ومعصية إلا نقطة واحدة من إيمان؛ فإنه لا يدخل النار، قالوا: إذاً الحمد لله قلوبنا فيها إيمان أكثر من مثقال ذرة فلنفعل المعاصي والمنكرات والسيئات إلى غير ذلك. أما السلف فجاءوا بالنص هذا وبالنص هذا وجمعوا بينهما فقالوا: إن حديث الكبر فيه دلالة على التحذير من غلظ الكبر، وأنه من الذنوب الخطيرة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أن الإنسان الذي في قلبه جزء بسيط من الكبر إن لم يتعرض لنفحة من نفحات مغفرة الله فإنه سيعذب في النار بقدر ذنبه، ثم يدخل الجنة؛ لأنه لا يخلد في النار مسلم. وعلى نفس مذهب المرجئة: كثيراً ما يحصل الإرجاء في مجالسنا، فمثلاً: تجد مجموعة من الناس يتحدثون عن فلان ابن فلان من الناس غيبة، فيأتي شخص ويقول: يا جماعة! اتقوا الله، حرام عليكم، هذه غيبة، قالوا: يا أخي! إن الله غفور رحيم، هذا إرجاء، هذا هو منهج المرجئة تماماً، وهي فرقة خارجة عن منهج أهل السنة والجماعة. فعندما يقولون: إن الله غفور رحيم، فلماذا يقطعون النص ويأخذون جزءاً منه ويتركون الباقي؟! إن الله غفور رحيم وإن الله كذلك شديد العقاب، والله سبحانه وتعالى توعد الذين يغتابون عن طريق آيات ونصوص عن المصطفى عليه السلام كثيرة، ومع ذلك فأنت أغفلت النظر إلى هذه النصوص وأخذت بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة:173]. كذلك أحياناً من الإرجاء - وهذا يحصل أحياناً مع الكبار، ومع علية القوم أو الكبار - أن يأتي بعض الناس أو بعض المشايخ أو بعض طلبة العلم أو غيرهم يقولون: شرب الخمر معفو عنه مع الإيمان فإن الصحابة شربوا الخمر، وكان هناك رجل اسمه حمار، كان يشرب الخمر دائماً، وكان يؤتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا يجلدونه، وسبه أحدهم؛ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوه، فإنه يحب الله ورسوله) وهو مدمن يشرب الخمر دائماً. وعبد الرحمن بن عمر بن الخطاب شرب الخمر في مصر، وكذلك مثلاً يروون أن هناك صحابة زنوا كـ ماعز، والغامدية، هؤلاء زنوا ومع ذلك فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن هؤلاء في بحبوحة الجنة). فتجده يأتيه بالنصوص التي فيها وعد وتركيز على العفو والمغفرة، ويترك النصوص التي فيها وعيد وفيها تشديد على من يفعل هذا الفعل، وهذا يعد كذلك من الإرجاء.

من منهج السلف في تلقي العقيدة عدم محاكمة النصوص إلى العقل

من منهج السلف في تلقي العقيدة عدم محاكمة النصوص إلى العقل النقطة السادسة: أن السلف ما كانوا يأتون إلى النصوص الشرعية فيحاكمونها إلى العقل، وهذا امتداد للنقطة التي ذكرناها في ما يتعلق بعدم التعارض بين النقل والعقل. أهل السنة لا يأتون إلى النصوص الشرعية ويأخذون النص الشرعي، ثم يحاكمون النص الشرعي بناءً على العقل، يعني: لا يأتون إلى النص ثم يبدءون في دراسته عقلاً، فإن وافق العقل أخذوا به، وإن عارض العقل وجهوه توجيهات مختلفة. فأهل العقل أصلوا قضايا عقلية عن طريق التلقي من الفكر الغربي اليوناني أو الروماني أو غيرها من الأفكار، ثم بعد ذلك جاءوا إلى القرآن والسنة، وبدءوا يدرسون ما في القرآن والسنة، فإن وافق العقل انتهت القضية، لكن إن عارض العقل ما هو الحل؟ الحل: أن يبقى ما في العقل على أصله ولا يغير، ولكن النص الشرعي هو الذي يغير؛ ولذلك غيروا آيات الصفات، وغيروا آيات الأسماء تأويلاً وتحريفاً وتغييراً وتبديلاً كالمعتزلة والجهمية والأشاعرة والكرامية والكلابية والماتريدية، وكثير من الطوائف غيروا بناءً على هذه القاعدة. إذاً: هذه القاعدة تخرج عدداً كبيراً من الفرق من المنهج السليم، وبالتالي لا يبقى إلا من سار على المنهج الصحيح وهم قلة. والأمثلة على هذه النقطة كثيرة، وأضرب مثالاً لعله قد يكون فيه بعض الصعوبة: أهل العقل والمعتزلة على رأسهم قالوا: إن الإنسان هو الذي يخلق الشر، الله سبحانه وتعالى يقول: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96]. فيقول هؤلاء: إن الإنسان هو الذي يخلق الشر، والله هو الذي يخلق الخير على منهج المجوس، إذاً: هذا قولهم أصلوه في عقولهم. ثم جاءوا بآيات القرآن فعرضوها، وإذا بآية تعارض هذا الفكر، وهي قول الله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق:1 - 2] أمرنا الله أن نتعوذ من الشر الذي خلقه الله، ومن هذا الشر ما ذكر في بقية السورة: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق:1 - 2] هل هذه تعارض فكرهم أو توافقهم؟ تعارضه؛ لأنهم قالوا: إن الإنسان هو الذي خلق الشر، والله ما خلق الشر، الذي خلق الشر هو الإنسان فقط، لكن الآية تقول: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق:1 - 2] أي: إن الله هو الذي خلق الشر، فماذا فعلوا؟ قاموا وحرفوا الآية، فقالوا: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1] (من شرٍّ ما خلق) جعلوا (ما) هنا نافية بدلاً من أن تكون موصولة! إذاً: حرفوا النص حتى يوافق ما ذهبوا إليه، وهناك حادثة طويلة أذكر خلاصتها وهي أن عمرو بن عبيد -وهو من زعماء المعتزلة المشهورين- عارضته سورة المسد، وهو في ذهنه أفكار تتعلق بالقضاء والقدر، فعارضته هذه السورة؛ فأراد أن يحرفها ويغير فيها، فعجز وما استطاع؛ ولذلك ورد عنه أنه قال: وددت لو أحك سورة المسد من المصحف. لماذا؟ لأنها عارضت فكره المنحرف. أما السلف الصالح فلا، لا يأتون إلى نصوص عقلية يجعلونها في أذهانهم، ثم يأخذون نصوص الشرع ويحكمونه، لا، وإنما يأخذون نصوص الشرع فيجعلونها في أذهانهم، ثم بعد ذلك يأتون إلى المسائل العقلية، فإن وافقت فبها ونعمت، وإن عارضت ممكن أن توافق النصوص فيما بعد، ممكن أن يعرفها غيرنا، إنما النص الشرعي هو المقدم. أما النص العقلي فهذا أمر غير مقبول إذا كان هناك تعارض وهمي، والأصل أنه لا تعارض بين نقل صحيح وعقل صريح. هذا ما سمح به الوقت في عرض جزء من منهج السلف في تلقي العقيدة، ونخلص من ذلك إلى: أن السلف رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم هم من سار على هذا المنهج من لدن الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأن من خالف هذا المنهج فإنه يبتعد عن منهج السلف بمقدار هذه المخالفة. فهناك أناس خالفوهم مخالفة تامة، فخرجوا حتى عن مسمى الإسلام تماماً، ككثير من فرق الصوفية وفرق الرافضة وغيرها، وفرق الجهمية وغيرها، والمعتزلة. وهناك أناس وافقوا السلف في كثير من النقاط ولكنهم خالفوهم في نقاط أخر، فهم يبتعدون عن منهج السلف في وقت ويقتربون بقدر ما أخذوا من هذا المنهج، فيكون بذلك هذا المنهج هو الميزان والمقياس، وهو المعيار الذي نستطيع أن نقيس به ما نراه أمامنا من أفكار عقدية تطرح من قبل أمم أو جماعات أو فرق أو تنطوي تحت لواء الإسلام. ونحن الآن لا نناقش في عقائد هؤلاء اليهود والنصارى والمجوس وغيرهم، لا، وإنما نتحدث عن كل من تسمى باسم الإسلام، وادعى أنه على المنهج الصحيح نقول: هذا هو المنهج الذي أخذ من القرآن ومن السنة، فإن ابتعدت عنه فقد ابتعدت عن منهج السلف بقدر ابتعادك عنه، وإن اقتربت منه وحققته كاملاً فأنت سائر على منهج السلف، وآخذ بطريق السلف، والله سبحانه وتعالى الموفق والهادي إلى سواء السبيل، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

حكم توهم صفات الله بالعقل

حكم توهم صفات الله بالعقل Q هل يجوز توهم صفات الله بالعقل؟ وكيف الخلاص ممن يحصل له ذلك ولا يستطيع دفعه؟ A هذه المسألة لعلي أقربها لك من خلال ما يلي: أنت الآن كم تشكل بالنسبة للرياض؟ أنت نقطة صغيرة ربما لا تشاهد بالنسبة للرياض كعاصمة، وكم تشكل أنت بالنسبة للمملكة؟ وكم تشكل أنت أيها المرء بالنسبة لقارة آسيا بالنسبة للكرة الأرضية؟ أو كم تشكل بالنسبة للمجموعة الشمسية؟! كم تشكل بالنسبة للمجرة التي نعيش فيها؟ وكما يقول علماء الفلك: فإن أمامنا في السماء مئات الآلاف من المجرات، وكل مجرة فيها مئات الآلاف من النجوم! يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث في الصحيح: (إن السماوات السبع والأرضين بالنسبة إلى الكرسي - أي: كرسي الله - كدراهم - يعني: قروش - ألقيت في فلاة) في بر، في صحراء! تخيل السماوات السبع والأرضين السبع، فكم تشكل أنت الآن بالنسبة للأرض؟ لا شيء، فما بالك بالأرضين السبع والسماوات السبع كدراهم ألقيت في فلاة؟! إذا كان الكرسي العظيم جداً الذي لا تشكل السماوات والأرض بالنسبة إليه إلا كدراهم ألقيت في فلاة والعرش لا يقدر قدره إلا الله، والله فوق ذلك، فأنت الآن كيف تستطيع أن تتخيل صفة من صفات الله سبحانه وتعالى وهو بهذه العظمة التي لا يمكن أن تتخيل حتى ما ورد في الحديث، لا يمكن أن تتخيله؟ يعني: الكرسي بالنسبة للعرش، والسماوات السبع بالنسبة للكرسي، والإنسان بالنسبة للأرض، والأرض بالنسبة للمجرات، وهكذا ستجد أن الله سبحانه وتعالى هو العظيم، ستجد أن الله سبحانه وتعالى هو الكبير، وستجد أن الله سبحانه وتعالى هو العلي. إذاً: هذه الصفات عندما ترد إلى ذهنك ينبغي أن تضع في اعتبارك هذا الأمر، ويحضرني هنا ما ذكره أحد العلماء، يقول: من أراد أن يتخيل صفة من صفات الله فليطبق على نفسه هذه التجربة، يجلس على فراشه، ويخرم البطانية خرماً صغيراً ويضعه على عينه، ثم ينظر من خرم البطانية على فتحة الباب حق القفل إن كان من الأقفال الأولى، ثم يوازنها ويقول: يا جماعة! أنا أسمع بقارة اسمها استراليا ولا أشوفها الآن، أين هي؟ فنحن نلاحظ الآن أن القارة بعيدة جداً وأنت ما عندك إلا إمكانات ضعيفة جداً، وتريد أن تتخيل هذه القارة الضخمة الكبيرة البعيدة. إذاً: معنى هذا فأنت إذا أردت أن تتخيل صفات الله سبحانه وتعالى فضع في اعتبارك هذا الأمر أولاً، ثم ضع في اعتبارك قول الله سبحانه وتعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] فمهما تخيلت أن الله له الصفة الفلانية هذا خطأ، ثم ضع في اعتبارك كذلك أن الله سبحانه وتعالى لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار. إذاً: ضع في اعتبارك هذه الأمور، ثم بعد ذلك ضع في اعتبارك قضية أن هذه وسوسة من الشيطان، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كذلك أمرك بأن تتعوذ من الشيطان، وتطرد هذه الوسوسة عن قلبك ونفسك، وتتجه إلى شيء آخر؛ حتى لا يزداد فيك الوسواس وينقلب ذلك إلى تأثر أو تأثير فيك.

حكم دراسة علم النفس والمنطق

حكم دراسة علم النفس والمنطق Q هل تعتبر دراسة علم النفس وما يتبعه من دراسة التقييم الإنساني للدين والأخلاق من علم الكلام؟ وهل هناك فرق بين علم الكلام وعلم المنطق؟ A أولاً: لدينا علم الكلام وعلم المنطق وعلم النفس. أما دراسات علم النفس وما يتعلق بالنفس الإنسانية من خوف ورجاء ومحبة وقلق واضطراب وانفصام شخصية وغير ذلك من المسائل، فهذه تدرس في مدارس نفسية متعددة. فهناك مدارس نفسية غربية، وهناك مدارس نفسية شرقية ترتب هذه المسائل على عقائدهم هم، لكن نحن عندما ندرس قضية الخوف عند الإنسان فهذه مسألة نفسية. لكن نحن نرتبها الآن: على أن الخوف عند الإنسان ينبع من جملة أشياء منها: الخوف من الله، والخوف من العقاب، والخوف من النار، والخوف من سوء الخاتمة. إذاً: تلاحظ أننا رتبنا مسائل نفسية على قضايا عقدية، وهذا ليس فيه إشكال، ليس فيه شيء، إذاً: إخضاع المسائل أو القضايا النفسية للمسائل الشرعية هذا أمر مطلوب؛ ولذلك تجد في جامعة الإمام قسماً خاصاً بعلم النفس، وهو يدرس هذه المسائل من الواقع الإسلامي، فهذا ليس فيه إشكال. أما علم الكلام: فهو دراسة العقائد وإخضاعها للجوانب العقلانية، فهذا هو علم الكلام. وأما علم المنطق: فهو استخدام القدرات العقلية والكلامية في الجدل والنقاش في دحض شبهات الخصم ورده، وعلم المنطق منه ما هو ممدوح، وهو قليل، وغالبه مذموم؛ لأنه يستند على المغالطات، فيغالط الإنسان في قضايا، ثم يرد بناءً على ذلك بأسلوب جدلي منطقي فلسفي يؤدي في النهاية إلى اقتناع الخصم بصحة نظرية خصمه، مع العلم أنها خاطئة عن طريق القوة والقدرة والإقناع، وفي الإلقاء والمقاطعة. إذاً: علم المنطق هنا مذموم في غالبه، وممدوح في جزء منه؛ ولذلك تجد شيخ الإسلام رد على المناطقة في كتابه: نقض المنطق، وكثير من العلماء يردون على المناطقة وأهل المنطق، بل يذمون علم المنطق جملة وتفصيلاً، إلا أقل القليل منهم، وهذا القليل تجد أنهم يركزون أولاً على فهم أساليب المناطقة، حتى يناقشوهم بناءً على ذلك، ثم بعد ذلك تدرس العلوم المنطقية المسموحة والمأذون بها.

نبذة عن تاريخ الفرقة التيجانية ومؤسسها

نبذة عن تاريخ الفرقة التيجانية ومؤسسها Q هذا سائل يسأل عن ورد لازم كان موجوداً عند إخوانهم، ولكن الخط سيء جداً؛ فلم أستطع قراءة هذا الخط، وكأنه يذكر الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام مائة مرة، والاستغفار مائة مرة، وكأن هذا على شيء من شكل جماعي أو نحو ذلك؟ A نعم، هذا الورد سلمك الله هو ورد الفرقة التيجانية، يقول: اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق، ويقول ذلك مائة مرة، ويقال كذا مائة مرة، وغيرها المرات المعروفة، فهذه من أوراد التيجانية، بل ويقولون من الغرائب في هذا الورد أنهم يقولون: من قال: اللهم صل وسلم على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق ألف مرة في اليوم فإنه - لا حظوا - يدخل الجنة ويدخل معه سبعين من أهل الجنة، ويكون في أعلى عليين، ويكون مع الرسول صلى الله عليه وسلم بجانبه، ويكون ويكون ويذكرون فضائل لهذا الورد. بل ويذكرون أن هذا الورد أفضل من القرآن، أي: ورد قولهم: اللهم صل وسلم على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق يقولون: أنه أفضل من قراءة القرآن. ولو رجعت إلى الوراء قليلاً، إلى الفرقة التيجانية التي ظهرت في المغرب العربي، وفي الجزائر في الأصل وفي تونس، وفي المغرب كفروع، فهذه الفرقة - أي: التيجانية - لو دققت النظر فيها لوجدت أنها صنيعة الاستعمار الفرنسي؛ ولذلك زعيم هذه الطائفة المدعو أحمد التيجاني كان من أكبر المخلصين لفرنسا إبان الاستعمار الفرنسي للجزائر، حتى إن فرنسا لم تجد وسيلة لمكافأته إلا أن تزوجه جاسوسة فرنسية - نسيت اسمها حقيقة - وكانت امرأة جميلة، فأفسدت عقله، واستطاعت أن تخضع الفرقة التيجانية للفكر الفرنسي، فصارت التيجانية مع الفرنسيين ضد المجاهديين الجزائريين الذين يجاهدون ضد الاستعمار.

حكم من احتج على نشر البدع بحديث (من سن في الإسلام سنة حسنة)

حكم من احتج على نشر البدع بحديث (من سن في الإسلام سنة حسنة) Q يقول: بماذا نرد على من يجعل قوله صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها) حجة في ابتداع بعض الأمور؟ A نعم. هذا الحديث: (من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها، لا ينقص ذلك من أجورهم إلى أن تقوم الساعة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة، فعليه وزرها، ووزر من عمل بها، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئاً إلى يوم القيامة). مثلما قلت قبل قليل: أن السلف يرجعون إلى النصوص كجملة واحدة متكاملة فهناك نص آخر يقول: (وكل بدعة ضلالة)، ونص يقول: (عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي). ونص يقول: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). إذاً: تجد الآن أن هناك نصوصاً تبين أن الإحداث في الدين أمر منكر ومردود، وهذا الحديث يقول: (من سن في الإسلام سنة حسنة) إذاً: لا بد أن نجمع بينها؛ لأن ظاهرها التعارض، والجمع بين هذا كما ذكره أئمة الإسلام أن الدين كامل، وإحداث شيء في الدين جديد هذا غير جائز؛ أخذاً من هذه النصوص. أما من سن في الإسلام سنة حسنة فإن لها سبب، وهي فيما يتعلق بالأمور الجائزة المشروعة، وسببها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى أناساً فقراء من أهل اليمن، فدعا إلى التصدق عليهم في خطبة خطبها عليه السلام، والناس كانوا واقفين لم يتبرعوا فجاء رجل بعد زمن معين بصرة من تمر، ثم جعلها أمام الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم توافد الناس يتصدقون، فقال الرسول عليه السلام: (من سن في الإسلام سنة حسنة)، فهو عبارة عن أمر في مسألة مشروعة كالصدقة أو الدعوة أو الأساليب الدعوية أو غير ذلك مما لا يمس أصول الدين، ولا حتى فروعه، فنكون بذلك قد جمعنا نوعاً ما بين هذا وهذا، وإلا فمسألة الجمع بينهما تحتاج إلى مزيد من التفصيل.

حكم الإكثار من الحلف بالله

حكم الإكثار من الحلف بالله Q هناك نساء يكثرن من الحلف بالله على الناس، وبعضهن تقول: قد حلفت أكثر من ثلاثين مرة، وبعضهن على أولادهن كي لا يفعلوا شيئاً أو ليفعلوا شيئاً، وهن يسألن: هل في ذلك كفارة؟ وهن يردن التوبة. A أولاً: تعويد الإنسان لسانه على كثرة الحلف هذا أمر نهي عنه، فقد ورد في قول الله تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة:224] هذه أصل من الأصول التي ينبغي أن نجعلها أمامنا باستمرار. ثم إن قضية الحلف الكثير هنا سيجعل الإنسان يستهين به حتى في المسائل التافهة البسطية، وفي المسائل المهمة جداً، فيجعلها على درجة متساوية، فلا يجعل للحلف تلك القيمة والمنزلة. النقطة الثالثة: أن الحلف ينقسم إلى أقسام، فهناك اليمين المعروفة الثابتة التي إذا خالفها كفر، وهناك الأيمان التي تعد من باب اللغو، مثل: أن تحلف بطريقة سلسة وسريعة وأنت تحلف عليه كأنك معتاد لهذا الكلام، لكن هذا الأمر الأصل فيه ألا يكثر منه الإنسان، أخذاً بقول الله تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة:224]. وهذه المسألة تعد من لغو اليمين: {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة:225] فتعد من لغو اليمين، لكن الحلف على شيء معين: والله العظيم لأذهبن مع هذا لفعل كذا، والله إن ذهبت من هنا لأفعلن كذا، فذهب، فعليه كفارة معينة حول هذه المسألة، وكلكم تعرفون مسألة الكفارات وما يتعلق بها.

كيفية صلاة وحج من به سلس بول

كيفية صلاة وحج من به سلس بول Q إني أشكو من نزول البول منذ ثلاث سنوات ولم أتحكم فيه؛ فما الحكم إذا ذهبت لقضاء فريضة الحج هذا العام؟ A سلس البول له أحكامه المعروفة، وسلس البول - كما تعرفون - هو عبارة عن ضعف في العضلات القابضة في مجرى البول، وبالتالي ستجد أن البول ينزل بطريقة لا شعورية، بدون ما يشعر الإنسان، فهذا إذا عالجه ولم يحصل على الشفاء فعليه أن يتوضأ عند كل صلاة، يعني: يغسل ذكره وبعد ذلك يتوضأ قبيل الصلاة بقليل، ثم بعد ذلك يشد على نفسه خرقة معينة مبطنة مثلاً من بلاستيك أو غير ذلك حتى لا ينزل البول فيوسخ ثيابه الداخلية وثيابه الخارجية، أو حتى المسجد. فإن لم يتمكن من هذا وخشي أن يتسخ المسجد أو غيره لا يصلي مع الجماعة، لا يصلي مع المسلمين في المسجد؛ لأن في ذلك ضرراً متعدياً على المسجد، وعلى غير ذلك. وهذه المسألة الآن ميسورة وسهلة وبسيطة، يعني: بالإمكان أن لهذا الشخص أن يأتي إلى المسجد قبيل الإقامة بدقيقة أو دقيقتين ويذهب إلى دورة المياه ويغسل ذكره والمنطقة المحيطة به ثم بعد ذلك يشد على نفسه خرقة معينة لا ينفذ منها البول ثم بعد ذلك يتوضأ الوضوء للصلاة، ثم يدخل المسجد ويصلي ويفعل، ذلك في كل صلاة. وبالنسبة للحج ليس هناك إشكال، فإذا ذهب إلى مكة وأراد أن يطوف بالبيت، أو أراد أن يقف في أي موقف ننظر هل يحتاج إلى طهارة؟ فكثير من المواطن في مكة أو في الحج لا تحتاج إلى طهارة، يعني: لا يلزم أن يكون الإنسان مثلاً طاهراً في يوم عرفة، وهو الأولى، والأصل أن يكون الإنسان طاهراً في كل وقت، لكن لا يلزم أنه إذا رمى الجمرات أن يكون على طهارة، وإذا بات في المزدلفة أن يكون على طهارة، وإذا بقي في منى أن يكون على طهارة، إنما اشترطت الطهارة فقط في الطواف بأشكاله المختلفة: طواف القدوم، طواف الإفاضة، طواف الوداع. حتى السعي يرى جمهور العلماء أن السعي لا يلزم منه الطهارة، وبالتالي فتستطيع أن تشد على نفسك بالخرقة حتى على الأقل لا تلوث المكان الذي أنت فيه، ثم بعد ذلك تقضي حجك بيسر وسهولة إن شاء الله.

كيفية التدرج في علم العقيدة للمبتدئين

كيفية التدرج في علم العقيدة للمبتدئين Q كيف يمكن التدرج في تعلم العقيدة بالنسبة للمبتدئ في طلب العلم؟ وهل يمكن أن تخبرنا أو ترشدنا إلى كتب للقراءة والحفظ، والتدرج فيها من السهل إلى الصعب؟ وجزاكم الله خيراً. A مسائل العقيدة أو دراسة العقيدة هي مثل الرياضيات إن صح التعبير، الرياضيات تحتاج إلى تفهيم وإلى شرح، وإلى فهم وإلى دراسة متدرجة شيئاً فشيئاً، يعني: لا تستطيع أن تحل مسائل معقدة إلا بعد أن تحفظ جدول الضرب، فإذا لم تحفظ جدول الضرب لن تستطيع حل هذه المسائل؛ لذلك تجد أن هناك تدرجاً. نفس العملية بالنسبة لمجال العقيدة، يحتاج الأمر بك إلى أن تأخذ الأمر بطريقة تدريجية واحدة تلو الأخرى، وأبرز نظام لفهم العقيدة بشكل كلي هو: التدرج مع المشايخ وطلبة العلم عن طريق أن تبدأ معه منذ الصفر، وتتابعه شيئاً فشيئاً وتعلق، ولا تأتي مثلاً وتستمع فقط، لا، تأتي لتعلق وتستمع، ثم بعد ذلك تذهب إلى البيت لتحفظ وتستفيد، وبركة المسجد إن شاء الله قد حلت عليك، لكن لتعلم أن العلم صيد، والكتابة قيد، فالصيد هنا سيفر منك، فإذا لم تقيده وتسجله وتحفظه في الصدر فإنه سيزول وينتهي ويضيع، وبالتالي لا بد أن تراجع نفسك مثلاً بعد فترة من الزمن، فعندما تستمع إلى درس في العقيدة أو غير ذلك فستجد كأنك لم تحضر هذا الدرس، وكأنه غريب عليك؛ لأنك لم تجلس مع ما سجلته في بيتك لمراجعته ومدارسته شيئاً فشيئاً، وتركيزه في الذهن شيئاً فشيئاً. الشيخ عبد العزيز بن باز الآن يأتي بعض الطلبة إليه يقرءون عليه كتباً، وتصوروا أن الكتب التي تقرأ على الشيخ بعض منها يحفظه حفظاً كاملاً من أوله إلى آخره، ومع ذلك يقرءون عليه؛ لأنه إذا لم يقرأ عليه اليوم وبكرة وبعد سنة وسنتين فإنه سيضيع. فقضية ترداد العلم والمعلومات في الذهن وتكريرها فهذا يثبتها، وكذلك بالنسبة لحفظ القرآن قد يعزم يوماً على حفظ سورة البقرة، فيحفظها، لكن بعد الحفظ يتوانى عن مراجعتها، وبعد شهر أو شهرين وإذا هي قد تفلتت، وهكذا طبق ذلك على بقية العلوم. بالنسبة للكتب: هناك كتب كثيرة جداً ومختلفة، فهناك كتب تناقش مسائل توحيد الألوهية، ومسائل توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وكتب تجمع بين هذا وهذا، وكتب تناقش مسائل أركان الإيمان وما يتعلق بها. فأنت حسب مقدرتك وعلمك وفقهك، لكن أنصح في هذا أولاً: بالاستماع إلى الأشرطة الموجودة في السوق حول مسائل العقيدة. فهناك أشرطة كثيرة جداً في مسائل العقيدة للشيخ محمد بن عثيمين، وكذلك الشيخ سفر وسماحة الشيخ: عبد العزيز. إذاً: هذه الأشرطة أحياناً تأتي بالتدرج، فممكن تسمعها وتستفيد منها، وهناك كتب مبسطة وسهلة تستطيع أن تسير معها بالتدرج من أمثال الكتيبات الصغيرة التي تبسط العقيدة، كالتوحيد للناشئة، وهناك كتاب التوحيد، وأنت لا تقل أنك من الناشئة، لكن لا تحصر المسألة، خذها واقرأ ما فيها واهضمها، ثم بعد ذلك تدرج إلى غيرها من الكتب. خذ مثلاً كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب وشروحه، ثم بعد ذلك اقرأ هذه الشروح شيئاً فشيئاً فستجد في ذلك فائدة كبيرة، ثم بعد ذلك انتقل إلى الكتب الأخرى المتعلقة بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات، وأركان الإيمان من أمثال: شرح العقيدة الطحاوية، ومن أمثال معارج القبول وما يتعلق بها، فستجد في ذلك الفوائد الكثيرة. أقول لك: إن كتب العقيدة كثيرة جداً، والأولى والأصل في ذلك أن ترتبط بأحد طلبة العلم أو المشايخ الكبار ارتباطاً دائماً، وهذا سينقلك بالتدرج مع كتب العقيدة إلى أن تهضم الصغير؛ لتنتقل بعد ذلك إلى الكبير، ثم الأكبر.

الحرب الشرسة على المسلمين في البوسنة والشيشان

الحرب الشرسة على المسلمين في البوسنة والشيشان Q قد انقطعنا عن أخبار الشيشان والبوسنة وغيرهم، فلو سمحت تحدث عن أخبارهم، وجزاك الله خيراً؟ A إذا كنت أنت انقطعت فتتوقعني أنا لم أنقطع؟! فأنا كذلك منقطع عن هذا الأخبار كما انقطعت أنت، قبل كل شيء أحب أن أشير إلى أن الحرب ضد الإسلام يزداد وهجها، وتقوى ثورتها، ويزاد لواؤها شيئاً فشيئاً، وهذا تحقيقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كيف بكم إذا تداعت عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها؟ قالوا: أو من قلة نحن يا رسول الله؟ قال: لا، بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل). الآن تجد الحرب ضد الإسلام والمسلمين تأخذ أشكالاً متعددة ومختلفة ومتنوعة في كل البلاد، وهذه الحرب المختلفة المتنوعة من ضمنها ما يجري في البوسنة وما يجري في بلاد الشيشان. أنا سأذكر لكم الجديد في هذا الأمر في ما يتعلق بالبوسنة، عندنا في الكلية أحد القادة البوسنيين الذي يحضر رسالة الدكتوراة، هذا القائد يجلس في الكلية ستة أشهر في الرياض يعمل في بحثه، ثم بعد ذلك يسافر ثمانية أشهر أو سبعة أشهر ليقود كتيبة من كتائب الحرب في داخل البوسنة، ماذا يقول؟ يقول هذا الرجل: إن إهلاك الصرب أو القضاء عليهم من السهولة بمكان، ولكن يقف أمامنا عقبات ثلاث: العقبة الأولى: السلاح، فتعرفون أن منظمة الأمم المتحدة - التي تسمى منظمة الأمم - بإجماع الدول إسلامية وغير إسلامية حرمت على المسلمين اقتناء الأسلحة، وبالتالي يقول: لا يوجد بأيدينا سلاح إلا ما نأخذه من هؤلاء المعتدين الصرب، أو ما يأتينا تهريباً بطريقة معينة؛ لأن الموانئ محاصرة. يقول: وهذه حلها سهل ولله الحمد، فقد حصلنا على كثير من الأسلحة. العقبة الثانية: جنود الأمم المتحدة، يقول: الأمم المتحدة تملك الآن قريباً من خمسين ألف جندي داخل أراضي البوسنة، وهؤلاء هم لحماية الصرب، فإذا ازداد ضربنا عليهم أخرجوا لنا مبادرة سلمية جديدة، أو قالوا: إن هناك أسلوباً لوقف الحرب إلى غير ذلك. يقول: وهؤلاء حجرة عثرى في وجوهنا. أما الحجر الأساسي والرئيس في هذه المسألة فهي المساعدات الهائلة الضخمة جداً التي ترد إلى الصرب من دول الغرب المختلفة، من روسيا في الدرجة الأولى، وبعد ذلك من بلغاريا ورومانيا واليونان، ومن الدول الغربية المعروفة كألمانيا وهولندا وبلجيكا وبريطانيا، وكل هذه الدول تساعد الصرب سواء كان ذلك بالسلاح أو بالعتاد أو بالمؤن والأغذية. ويقول هذا الشخص: تصور أن الشاحنات المملوءة بالأغذية والأطعمة والأدوية والأسلحة والرجال ترد بشكل لا ينقطع إلى البوسنة، يقول: يستحيل أن تمر ساعة أو ساعتان ولا ترى فيها شاحنة مليئة بهذه الأشياء تدخل أرض البوسنة لإمداد هؤلاء الصرب. يقول: لو انقطع هذا المصدر فإننا سننتصر عليهم في فترة بسيطة من الزمن. إذاً: فالحرب كما قال الله سبحانه وتعالى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال:73] فهؤلاء الروس أرثوذكس وكاثوليك وبروتستانت، وهؤلاء يهود وهندوس، ومع ذلك كلهم يتساعدون في سبيل ألا تقوم للإسلام قائمة في وسط أوروبا. أما الشيشان فكذلك تسير على هذا المنهج، لماذا هذه الدولة طالبت بالاستقلال عن دولة نصرانية لتعلن راية الإسلام؟! وروسيا تجزأت، فسمحت للدويلات بالتجزؤ مثل دول البلطيق إستونيا ولاتفيا وغيرها، ما في إشكال؛ لأنها دول نصرانية، لكن الشيشان بلد مسلم أراد الاستقلال فقيل له: لا، لن تستقل، ثم بعد ذلك وجهت روسيا عشرات الآلاف من الجند، وبدأت المعارك الطاحنة، فهناك معارك هائلة جداً ومريعة ومخيفة تفوق في ضرواتها ما يحصل في كل دول العالم الآن، لكن هناك تعتيم إعلامي غربي، وتعرفون الإعلام العربي بأجمعه هو عالة على الإعلام الغربي وبالتالي فلا أخبار تأتينا عن هؤلاء إلا ما يتصدق به الغرب. فإذا قال الإعلام الغربي: خذوا هذا الخبر أخذناه، وإذا قال: حرفوا هذا الخبر بهذه الصورة حرفناه، وهكذا! ولذلك تجد أن أخبار هؤلاء لا ترد إلينا إلا بالأسلوب الذي يريده الإعلام الغربي. فالوكالات المعروفة كوكالة بريس، ووكالة رويتر، ووكالة كذا هذه من يملكها؟ يملكها يهود ونصارى وغيرهم، وهم الذين ينقلون الأخبار. ولو ذهبت إلى أي جريدة في جميع دول العالم فستجدها مربوطة بهذه الوكالات، فيذكرون الخبر بالأسلوب الذي يريدون، ثم يرسلونه بالفاكسات إلى هذه الجرائد وتتلقاه. إذاً: القضية الآن أن التعتيم الإعلامي الغربي أثر تأثيراً في قصور المعلومات عن هؤلاء، ولكن الله سبحانه وتعالى معهم، فلا يضر ألا نعرف أخبارهم، صحيح أننا نتمنى ذلك، لكن لا يضر ألا نعرف أخبارهم، فإن الله ناصرهم ومؤيدهم، وسيرفع من شأنهم. الأخ البوسني هذا يقول: صحيح قتل منا مئات الآلاف، وشرد أعداد هائلة، ودمرت البوسنة، ولكن والله تتصورون أننا استفدنا فوائد عجيبة جداً، وكانت هذه الحرب خير لنا بشكل غريب. يقول: كنا قبل هذه الحرب مسلمين اسماً، لا نصلي ولا نصوم، نأكل الخنزير، ونشرب الخمر، لا صلاة، لا عبادة، شرك، كفر، كل الشعب البوسني، يقول: ما الذي يمنع أن نموت على هذه المسألة وندخل في النار؟ لكن جعل نصف هؤلاء أو ربعهم يموتون في سبيل أن يحيا الناس الآخرون ويحيا نصف شعب البوسنة، أو ثلاثة أرباع شعب البوسنة حياة الإسلام، حياة العزة، يقول: هذا هو الانتصار الذي حصلنا عليه الآن، وسنعززه وسندافع عنه. والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

أصول التلقي في الاعتقاد بين أهل السنة ومخالفيهم

أصول التلقي في الاعتقاد بين أهل السنة ومخالفيهم افترقت الأمة المحمدية كافتراق اليهود والنصارى، ولا تزال الأمة الإسلامية تواجه تيار العقائد الباطلة، التي تأخذ أصول تلقيها في الاعتقاد من الرجال بعيدة عن الكتاب والسنة، ولكل مذهب أو فرقة مصدر تلق في العقيدة، ومصدر التلقي في الاعتقاد لأهل السنة والجماعة هو الكتاب والسنة.

معرفة دين الإسلام ونشره في الآفاق

معرفة دين الإسلام ونشره في الآفاق الحمد لله رب العالمين، وصل الله وسلم على نبينا محمد الأمين وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فإن العنوان عنوان علمي يتعلق بمنهج ندين به جميعاً ونحبه ونجعله في قلوبنا، يتعلق بمنهج ندافع عنه بأرواحنا ونفتديه بأبنائنا وأزواجنا وأموالنا، ذلكم المنهج هو معتقدنا وديننا وبالتالي فمعرفة هذا المعتقد مما يتعين بالضرورة على كل طالب علم. ويتحقق من معرفته والالتزام به: الدعوة إليه ونشره في الآفاق. ولا يغيب عن أذهانكم إن كنتم ممن يسعون إلى هذا المنهج ويدعون له، ويرفعون من شأنه ويحبون نشره في الآفاق، أن هناك أناساً يسيرون على نفس المنوال ولكنهم يدعون إلى مناهج باطلة، فكما أنكم تدعون إلى منهجكم بقوة مستخدمين في ذلك كل الوسائل المشروعة في نشر هذا المنهج، فكذلك هناك أناس يرفعون مناهجهم، ويحاولون بثها في الآفاق مستخدمين في ذلك كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة. إن الحديث عن أصول التلقي في الاعتقاد بين أهل السنة ومخالفيهم يتطلب منا أولاً الحديث بشكل مجمل عن أصول التلقي في الاعتقاد عند بعض الديانات؛ لأننا قارنا بين فئات على رأسها أهل السنة والجماعة، وفئات أخرى تمثل مشارب عقائدية مختلفة.

الحياة هي العقيدة

الحياة هي العقيدة أن الحياة هي العقيدة، فلا حياة بدون عقيدة معنى هذا: أنه لا يوجد على وجه الأرض في مشارقها ومغاربها منذ أن نزل آدم على وجهها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها إنسان لا يحمل بين جوانحه عقيدة أبداً، لأن هذه القضية متلازمة مع الجسد، فلا يمكن أن يوجد جسد إلا وفيه عقيدة، فخذ جولة على جميع أرجاء الأرض في هذه اللحظات بفكرك وخيالك، ستجد أن الجميع يؤمنون بعقائد متفاوتة. فالنصراني له عقيدة واليهودي له عقيدة، والهندوسي له عقيدة، والبوذي له عقيدة، والوثني المشرك له عقيدة، حتى في المذاهب التي تدخل مجتمع المسلمين: الصوفي له عقيدة، والباطني له عقيدة، والزيدي له عقيدة، وهكذا. بل حتى الملحد الذي يعلن الإلحاد له عقيدة؛ لأن الإلحاد بحد ذاته عقيدة لها أصول ولها مناهج، ولها طرق وأساليب لا يخرج عنها من يدين بها، إذاً: العقيدة هي الحياة والحياة هي العقيدة، ولا يمكن أن يوجد إنسان إلا وله معتقد. إذاً: عندما تتحدث عن العقيدة فأنت تتحدث عن شيء لا غنى للناس عنه، وبالتالي تبرز أهمية الحديث عن العقيدة في كل مجال، ويتأكد هذا الحديث إذا كان حديثاً عن عقيدة أهل الحق الصحيحة.

العقيدة المنزلة من عند الله

العقيدة المنزلة من عند الله الوقفة الثانية: هل العقائد المنتشرة في جميع أرجاء الأرض عقائد توفيقية من الناس جاءوا بها من عندهم، واخترعوها من بنات أفكارهم، أم أنها توقيفية من الله سبحانه وتعالى؟ هذه مسألة تتضح بشكل سهل وميسور، في أن العقائد تنقسم إلى قسمين: عقيدة صحيحة واحدة ثابتة، هي التي من الله سبحانه وتعالى، وبقية العقائد إما أن تكون عقيدة صحيحة حرفت وغيرت وبدلت فصارت تأخذ الطابع البشري، أو أنها عقيدة بشرية في أصلها وأساسها.

أصول التلقي في الاعتقاد لبعض الديانات المختلفة

أصول التلقي في الاعتقاد لبعض الديانات المختلفة الوقفة الثالثة: تتحدث هذه الوقفة عن أصول التلقي في الاعتقاد عند بعض الديانات المختلفة، سواء كانت هذه الديانات سماوية أو أرضية، كأصول التلقي عند اليهود وأصول التلقي عند النصارى، وأصول التلقي عند الهندوس، وأصول التلقي عند المذاهب الوضعية، كالوجودية مثلاً والماركسية إلى غير ذلك. فاليهود مثلاً: ما هي أصول التلقي في عقيدتهم؟ عندما تناقش يهودياً وتسائله، فإنك ترى أن لديه عقائد ومعتقدات قد أدخلها في كيانه وفؤاده وقلبه، يؤمن بها ويدافع عنها، ويقاتل ويقتل دونها. وتأتي للنصراني والهندوسي وكذا، وتسألهم في ذاك السؤال فإن الإجابة ستكون على الصورة التالية: اليهودي سيقول لك: إن معتقدي آخذه من ثلاثة مصادر: المصدر الأول: التوراة والمصدر الثاني: التلمود. المصدر الثالث: ما يقوله لي علماء الدين الذين أنتمي إليهم أو الذين أرتبط بهم.

مصادر تلقي العقيدة عند اليهود

مصادر تلقي العقيدة عند اليهود

مصدر عقيدة اليهود الأول التوراة

مصدر عقيدة اليهود الأول التوراة التوراة: هي كتاب الله سبحانه وتعالى المنزل على موسى عليه السلام، ولكن عندما تتدبر في التوراة وتفحصها، وتدرسها دراسة دقيقة متأنية تجد أنها محرفة تحريفاً ليس باليسير، وهذا التحريف لم يطل القصص التاريخية أو المناهج الفقهية فقط، بل طال حتى المسائل العقدية، فمثلاً تقرأ في كتاب الله سبحانه وتعالى عن اليهود أنهم قالوا: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران:181]. وقالوا عن الله سبحانه وتعالى: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:64]. وقالوا: {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:30]. وقالوا: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة:18]. فتجد أن هذه الآيات قد سطرت في التوراة بمعان مختلفة وألفاظ مختلفة، ولكن المعنى واحد. إذاً: معنى هذا أنهم عندما يتحدثون عن الله سبحانه وتعالى، يتحدثون معه على أن له أوصافاً سبحانه، أقل من بعض الناس. فلو وصفت أحداً بأنه بخيل، لنقد عليك وانتقدك، ولو وصفته بأنه فقير، لربما غضب عليك، ولو ولو، لكنك تجد أن اليهود يصفون ربهم بأوصاف هم أقل من أوصاف بقية البشر، أو من علية القوم على الأقل. وهذه النصوص موجودة في التوراة، فيصفون الله بالعجز وبالتعب؛ ولذلك قالوا في التوراة: إن الله سبحانه وتعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استراح باليوم السابع، فرد الله عليهم ذلك بقوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:38]. ويصفون الله بالعجز والحزن والبكاء ويصفون الله بأوصاف ربما تعد أوصافاً كلها نقص، وهذا مسطر في التوراة. وإذا كان أساس العقيدة هو الإيمان بالله سبحانه وتعالى، ووصفه بما يستحق من الوصف، وعبادته بما يستحق من العبادة، فمعنى هذا أن أساس العقيدة في التوراة الذي هو الإيمان بالله قد انهار، أو انهارت أركانه جملة. فما بالك بقضية الأنبياء الذين يتهمونهم بكثير من الفواحش كاللواط والزنا وغيرها في التوراة؟ وكذلك ما يتعلق بالملائكة وما يتعلق باليوم الآخر لا تكاد تجد له ذكراً في التوراة.

المصدر الثاني لعقيدة اليهود التلمود

المصدر الثاني لعقيدة اليهود التلمود يقولون فيه -أي: التلمود- إنه كتاب جمعت فيه أقوال الحاخامات -أي: علماء اليهود وأحبارهم- وسطرت وبوبت وفصلت وشرحت، والتلمود يعد كتاباً سرياً مطبوعاً في أكثر من اثنى عشر مجلداً ضخماً، ولا يظهر للناس أبداً، ولا يوجد منه إلا نسخ قليلة جداً في بعض مكتبات العالم المشهورة، هذا الكتاب يذكر قصة عيسى أنه ابن زنا وقصة زنا مريم بشكل مفصل، ويستغرق عدة صفحات، وعندما يتحدث عن بقية الأنبياء بنفس الوضع، وعندما يتحدث عن الله سبحانه وتعالى يتحدث بشكل يثير الاشمئزاز. من أمثلة ذلك يقولون: إن نصوص التلمود لا يمكن أن تغير أو تعدل، حتى ولو بأمر من الله سبحانه وتعالى. وهذا يوضح لك نصوص الحاخامات ولو دققت النظر في مصدرهم للتلقي العقدي فإنهم لا يأخذون من التوراة؛ لأن التوراة الأساسية حرفت من قبل رجال، لا يأخذون إلا من التلمود الذي هو كلام رجال حاخاماتهم فمصدر اليهود العقدي يرجع إلى رجالاتهم، ودل على ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ} [التوبة:31]، أي: علماء اليهود: {وَرُهْبَانَهُمْ} [التوبة:31] أي: علماء النصارى: {أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة:31]. فهذا يدل على أن مصدرهم في التلقي هو الرجال، وهو مصدر اليهود الوحيد في فهم العقيدة واستيعابها وتلقيها. فالرجال يسطرون لهم ما شاءوا، ويحذفون عنهم ما شاءوا.

مصادر تلقي العقيدة عند النصارى

مصادر تلقي العقيدة عند النصارى إن النصارى يسيرون على منوال اليهود تماماً، فمصادرهم في التلقي هم القساوسة والرهبان، ولذلك عاشت النصرانية فترة طويلة من الزمن يحرم على أتباعها قراءة الإنجيل، ومن وجد عنده الإنجيل صودر الإنجيل وعذب الشخص وربما قتل، ومن وجد عنده الإنجيل فإنه يعد متهماً بالهرطقة، أي: الخروج عن الدين النصراني، إذاً: الإنجيل حكر على الرجال، يأتون إلى الناس ويشرحون لهم ما شاءوا، ويخفون عنهم ما شاءوا. فالناس لا يتلقون عقيدتهم من الإنجيل، بل يتلقونها من الرجال الذين هم القساوسة والرهبان، ولذلك بدءوا يخرجون لهم نماذج من ألاعيبهم كصكوك الغفران كما حصل ذلك في القرن السادس عشر للميلاد، يبيعون صكوكاً لأراض في الجنة بمبالغ معينة من المال، والناس ينهالون عليها فتتخم جيوب هؤلاء الرهبان بالأموال في سبيل أن يدخل هؤلاء الجنة.

مصادر تلقي العقيدة عند الهندوس والديانات الأخرى

مصادر تلقي العقيدة عند الهندوس والديانات الأخرى لو خرجت عن الديانات السماوية المحرفة، وانتقلت إلى الهندوسية مثلاً كديانة وضعية، لوجدت أن الهندوس: عبارة عن مشركين يعبدون الأصنام والأوثان والأحجار والبقر وغيرها. والهندوس كما هو معروف عنهم يعدون من أغبى عباد الله سبحانه وتعالى والسبب في ذلك يرجع إلى أنهم يعبدون كل ما يعجبهم، ولذلك لا تكاد تجد بيت هندوسي في الهند إلا وفيه عدد كبير جداً من الأصنام الصغيرة، فهذا صنم للحب، وهذا صنم للزواج، وهذا صنم للمطر، وهذا صنم للقحط، وهذا صنم للنماء والخصب إلى آخره. فمثلاً لو أصاب أحدهم قحط أخرج صنماً من الدولاب ووضعه أمامه على الطاولة، وبدأ يدعوه ويقول: ارفع عني القحط الذي نحن فيه يا صنم القحط، وإذا انتهى القحط أعاده مكانه. وإذا رزق بمولود فتح الدولاب وأخرج صنم الأولاد وقال: شكراً لك يا صنم الأولاد! وصلى له ثم أعاده وهكذا. ولذلك يذكر بعض الإخوة من الهند أن العائلات الكبيرة جداً في الهند لديها غرف كاملة تحتوي على عدد هائل جداً من الأصنام يتجاوز المئات، وكل صنم له تخصص معين. هذا بالإضافة إلى عبادتهم للبقر، فقد وصل بهم إلى أنهم يعبدون ما يخرج من البقر من روث وغيره. ويترتب على ذلك ما هو مسطر في كل كتبهم المقدسة، ويترتب على ذلك أن مصادر التلقي من هذه الكتب عند هؤلاء الهندوس، والبراهمة هم الذين أصلوا لهم هذه العبادات، فكتبوا لهم مجموعة من القوانين، في كتاب يسمى قانون منو، وفي كتاب آخر يسمى الفيدا، وجعلوا فيه قواعد عبادة الأصنام وكيفيتها، ثم نشروها بينهم. وتجد في النهاية أن العملية كلها شرك وكفر. فهذه الديانات لو نظرت إليها لوجدت أن أصول التلقي متفق عليها وهم الرجال، فلو رجعت إلى الماركسية لوجدت أن أصول تلقي عقائد الإلحاد عند الماركسية ترجع إلى كارل ماركس وإنجلز ولينين واستالين وغيرهم الذين أصلوا لهم العقائد الماركسية. إذا: يجمع بين هذه العقائد التي هي خارج نطاق الإسلام: أن مصادرها في بناء العقيدة هم الرجال. وبما أن الرجال يتغيرون بتغير الزمن، فإن الأجيال تتغير بتغير الزمن، كذلك العقائد تتغير بتغير الزمن. ولذلك عقيدة اليهود اليوم ليست عقيدتهم قبل مائتين سنة، وليست عقيدتهم قبل ألف سنة، وعقيدة النصارى اليوم ليست عقيدتهم قبل خمسين أو مائة سنة؛ لأن العقيدة لديهم تتغير بتغير رجالاتها ومن يعتنقها، والرجل هو الذي يؤصل، فإذا انتهى الرجل جاء رجل آخر، فعدل وغير كما تغير الدساتير وكما تغير القرارات. إن المناهج المطروقة في هذا المقام: المنهج العقلي، والمنهج الذوقي، والمنهج العاطفي، والمنهج الوقتي، والمنهج السري، والمنهج النقلي. أما المنهج العقلي، فيتمثل في اسمه منهاج العقلانية التي يدين بها مجموعة من الناس قديماً وحديثاً، كالمعتزلة في القديم، والتنويريون أو المستنيرون، أو العقلانيون، أو العصريون في الزمن الحاضر. والمنهج الذوقي: تدين به مجموعة كبيرة من الطوائف الصوفية. والمنهج العاطفي: وهي المناهج التي تدين بها طوائف الرافضة. والمنهج السري: وهي المناهج التي تدين بها الطوائف الباطنية، كالدروز والنصيرية والإسماعيلية، والآغاخانية، والبهرة، وغيرها من الطوائف. والمنهج النقلي: هو المنهج الذي يدين به أهل السنة والجماعة.

المنهج العقلي

المنهج العقلي المنهج العقلي: هو المنهج الذي ينسب نفسه إلى العقل، أي: أخذ من العقل، ومعنى ذلك أنهم يرون في العقل رؤيا معينة، بحيث إنهم سموا منهجهم بالمنهج العقلاني. والمنهج العقلي منهج تأثر في جل أفكاره ومناهجه وأرائه بالفلسفة اليونانية والحضارة اليونانية.

أولا: المنهج من ناحية نشأته

أولاً: المنهج من ناحية نشأته نشأ المنهج العقلاني في أوائل القرن الأول الهجري، ويقول العلماء: إن السبب الأساس لنشأته: أن الخليفة العباسي المأمون هو الذي أعطى دفعة قوية للمنهج العقلاني ليبرز؛ لأن العقلانيين المتمثلين باسم المعتزلة، أحاطوا بـ المأمون إحاطة السوار بالمعصم، واستطاعوا أن يؤثروا عليه تأثيراً قوياً حتى دان بمنهجهم. وبالتالي استغلوا فيه القوة والملك، وبدءوا في نشر مذهبهم بطرق متفاوتة. هو أن المأمون بإيحاء من زعماء المعتزلة أرسل مجموعة من الرسائل إلى جملة من زعماء العالم الغير مسلم، فأرسل رسلاً إلى زعماء الهند والصين، ومنها رسالة إلى الملك جورج الأول ملك صقلية، وكانت صقلية في ذلك الوقت دولة جزء منها مسلم والجزء الآخر غير مسلم، فأرسل رسالة طلب فيها من ملك صقلية إعطاءه مجموعة من الكتب التي في خزانة كنيسة كذا وكذا. فجمع ملك صقلية الوزراء ورجالات الدين، وقرأ عليهم رسالة الخليفة المأمون، فقال: ما رأيكم؟ فأصر الجميع على عدم التجاوب؛ لأنه عدو محارب، وكلهم كان على نفس الرأي، ما عدا بابا الكنيسة، قال له: أيها الملك، لقد اطلعت على هذه الكتب، وقرأتها وعرفت ما فيها، فوالله ما دخلت هذه الكتب على قوم إلا أفسدت عقائدهم، فانسخ لهم منها نسخة وأرسلها إليهم. فارتاح الملك لهذا الرأي، ونسخ نسخة من هذه الكتب السرية التي أغلق عليها في أماكن خاصة، ثم أرسلها إلى المأمون. بدأ المأمون ينظر إليها فإذا هي مكتوبة باللغة اللاتينية، لغة لا يعرفها لا هو ولا أتباعه فبدأ يبحث عمن يترجم هذه الكتب، فوجد اليهود مستعدين لذلك؛ لأن اليهود في ذلك الوقت يقرءون التوراة باللغة اللاتينية، ويجيدون العربية بحكم الاحتكاك مع المسلمين والعرب. وعندما قرءوا اليهود هذه الكتب، وجدوا فيها سلاحاً نزل عليهم فجأة ما كانوا يحلمون به، فهي كتب فاسدة عقائدياً إلى أقصى حد: كتب أفلاطون: كتب أرسطو، كتب فيثاغورث من زعماء اليونان. فبدءوا يكتبون ويكتبون، ثم أعطوا نسخة منها إلى المأمون واحتفظوا بنسخة عندهم ثم بدءوا ينسخون هذه النسخ، ويجعلونها في أماكن الوراقين، والنسخة التي تعد خمسمائة صفحة بدينار، وكتاب موطأ الإمام مالك مثلاً مائة صفحة بعشرين ديناراً، فهذا يشتري وذاك يشتري، حتى انتشرت الفكر التي جاءت عن طريق هذا المنهج. وبدأ الفكر ينتشر ويقوم على قضية تقديس العقل، وأن العقل هو الحكم في كل شيء، فما أحبه العقل يحب، وما كرهه العقل يكره، وما حكم به العقل يؤخذ به، وما رده العقل يرد. هذا هو المنهج الذي دان به هؤلاء الحكماء وعلماء اليونان ثم نشروه بين الأتباع. إذاً: هذه بداية النشأة، ثم بدأ يظهر ويتبلور، ويدعو إليه أصحابه بطرق معينة، يكتبون فيه كتابات، ويؤلفون فيه التأليف، وتظهر المناظرات والمحاضرات والدروس في المساجد لبث هذا الفكر العقلاني.

ثانيا: أهداف المنهج العقلاني

ثانياً: أهداف المنهج العقلاني المنهج العقلاني منهج لم يمت، بقي حياً قبل عهد المأمون إلى زماننا هذا، لكنه يتعرض للمد والجزر بحسب حالات معينة، ويظهر أحياناً ويبرز بقوة، ويتدلس أو ربما يتوقف أو يصاب بالبيات فترةً من الزمن، ولعلنا في هذا الزمن نعيش فترة بروز وانتشار له كما سنعرف بعد قليل. من أهداف هذا المنهج في القديم والحديث: الهدف الأول: رفض الفقه وتمييع الإجماع، يقولون هؤلاء الذين أجمعوا وأفتوا في المسألة الفلانية، هل هم أنبياء؟ لا، هل هم ملائكة؟ لا، هل المسألة جاءت من الله سبحانه وتعالى؟ لا، إذاً: جاءت عمن؟ عن الإمام أحمد؟ عن الإمام أبي حنيفة؟ عن الشافعي عن الثوري عن الأوزاعي؟ إذاً: هم رجال، ونحن رجال، فلماذا يفرضون علينا آراءهم ومسائلهم الفقهية، فنحن نأتي بالأحكام، كما أتى هؤلاء بالأحكام. فهم لا ينظرون إلى قضية الخلفية العلمية، والدراسة العميقة للقضايا الفقهية، إنما ينظرون إلى قضية أن هؤلاء علماء لهم عقول، ونحن لنا عقول فقط، أما القضايا الأخرى فلا ينظر إليها. فترتب على ذلك مدارس الرأي، فكل واحد يأتي برأي من عنده ويعتبره حكماً يدين به، وقالوا: إن الفتاوى غير محكورة على أحد، فمن أراد أن يفتي أفتى. ولذلك في هذا الزمن، تجد أناساً ليسوا بالعلماء بل أشكالهم وسلوكهم وتصرفاتهم بعيدة كل البعد عن سلوك العلماء ومناهجهم، ولعلكم تقرءون في بعض المجلات أو الجرائد أنهم يصدرون فتاوىً في قضايا مصيرية للأمة، لا أقول: قضايا جزئية، بل قضايا مصيرية للأمة، ولا داعي لذكر النماذج في هذه المسألة. الهدف الثاني: الانفتاح الفكري عن طريق الأخذ من المصادر المختلفة، كما أخذ أسلافهم المعتزلة من الفكر اليوناني ومن الهنادكة، ومن الفرس ومناهجهم، كذلك العقلانيون المعاصرون يريدون الانفتاح على الغرب، ويأخذون منه كل شيء. ولذلك تجد أن الفكر العقلاني المعاصر -كما سنعرف من النماذج- يأخذ من الغرب كل شيء، حتى القوانين الوضعية والأفكار الفلسفية والفتاوى المتعلقة في الشئون الحية الخاصة والعامة والأحوال الشخصية، فتجد بعضاً ممن يدعو إلى الإسلام ويحمل رايته يدعو إلى الاحتفال بالقانون السويس أو إلى الأخذ بالقضايا الفلانية، في القانون الفرنسي، وهكذا. الهدف الثالث: الهجوم على الخلافة، وهم لا يريدون الخلافة التي تتم عن طريق الانتخاب أو البيعة أو بطريقة معروفة، إنما يريدون نشر ما يسمى بالديمقراطية، وحكم الشعب للشعب، والناس ينتخبون من شاءوا، فيأتي الفاسد والصالح والطالح، ويتساوون في الحكم على الشخص، كأن تأتي برجل ساقط ليس له قيمة في المجتمع، بل إنه ضار جداً على المجتمع بفساده وضياعه وضلاله ومخدراته وفسقه، وتقارنه تماماً بنفس المنزلة برجل يملك أعلى المؤهلات العلمية، فصوت هذا هو صوت هذا في انتخاب ذلك الرجل، وهذه هي الديمقراطية المزيفة المرفوضة التي لا يقرها الإسلام. لكن العقلانيين يدعون إليها ويحاولون إحياءها على أنها منهج إسلامي، ويؤصلون بذلك كتباً ومؤلفات. الهدف الرابع: تمييع الجهاد فمسألة الجهاد العسكري عند أهل العقل مرفوضة، فليس هناك شيء اسمه جهاد العدو، بل العالم كله قرية واحدة ودولة واحدة، ولا بد أن يعيش باطمئنان، وليس هناك شيء اسمه عقائد مختلفة، إنما هناك اختلاف في وجهات النظر، من الممكن أن تقترب هذه الوجهات أو تبتعد بحسب الحوار. ولذلك تجدهم يدعون إلى الحوار بين الأديان، وإلى عقد المناظرات بين الأديان، حتى يتفق على دين مستقل، وآخر صيحات العقلانيين في هذا الزمن ما دعوا إليه عن طريق إيجاد دين مشترك يسمى الدين الإبراهيمي بين الإسلام واليهودية والنصرانية، وهذا ناتج عن لقاءات متتابعة، عقدت في عدة دول عربية وأوربية. إذاً: هم يريدون تمييع الجهاد؛ لأن الجهاد في هذه الحالة يترتب عليه أن يتكتل المسلمون على منهج واحد، ويتكتل النصارى على منهج، واليهود على منهج، ثم تقوم المعارك، مع العلم أن هؤلاء لا يعلمون أن هذا تمييع، لكن بالنسبة لليهود والنصارى انتصار، لأنهم عندما يرون المسلمين بهذا الوضع في تمييع الجهاد، فإنهم سيبدءون في غزوهم والدخول عليهم من جميع الأبواب المتاحة. وهذا ما هو مشاهد في هذا الزمن. الهدف الخامس: مسائل الاختلاط والحجاب، فلا يوجد عند العقلاني مسائل مرتبطة بالحفاظ على الستر والحجاب وما يتعلق بالاختلاط وغيرها، بل هي مسألة عادية، تعد من الأحوال الشخصية التي تخضع للمتغيرات الزمنية، وليست مربوطة بالمنهج الشرعي، بل هي مربوطة بالمنهج الذوقي، فإذا كان الأمر يتطلب أن تغطي المرأة وجهها غطت المرأة وجهها. وإذا كانت المسألة لا تتطلب وليس هناك مجال للفتنة فلا داعي لذلك، وإذا كان الاختلاط فيه فتنة وستؤذى المرأة فلا تختلط، وإن لم يكن هناك فتنة فلا بأس أن تختلط، فالمسألة مسالة ذوقية، راجعة إلى التصرف الشخصي فقط لا غير. وهذا -كما ذكر بعض من رد عليهم- ترتيب تدريجي للوصول إلى أهداف إلغاء ما يسمى بالحجاب والستر، ونشر السفور والاختلاط داخل المجتمع المسلم مسايرةً للمنهج الغربي. لأن الغرب كانوا يقولون لهم: إنكم أنتم مقلدون ولا تحكمون عقولكم، فكأن هؤلاء يقولون: لا نحكم عقولنا لكن التقاليد تضغط علينا، فنريد أن نتدرج في مسألة رد هذه التقاليد خطوة خطوة. الهدف السادس: إباحة الربا، وإباحة الربا مأخوذ من مسألة النظام الاقتصادي العالمي؛ لأن هذا أمر يتطلبه الوضع الاقتصادي، والحياة قديماً حياة ساذجة وبسيطة، ومنزوية داخل مجتمع صغير، أما الآن فلا. فالعالم كله متشابه، والاقتصاد كله متداخل، وبالتالي لا تستطيع إلا أن تعايش هذا المجتمع ومن سبل المعايشة إباحة الربا. إذاً: ستجد في نهاية المطاف من خلال هذه الأهداف أن المجتمع العقلاني وعلماء العقلانية يدعون إلى السير في ركاب الغرب تماماً. ويدعون إلى الأخذ بالمنهج الغربي، ويضفون عليه طابع أنه منهج عقلي.

سير المنهج العقلاني وأسلوبه في الحكم على الأشياء

سير المنهج العقلاني وأسلوبه في الحكم على الأشياء العقل عند العقلانيين مقدس؛ ولذلك يقول الإيجي: لو وجد المعارض العقلي لقدم على الدليل النقلي قطعاً، أي: بصورة كلية قطعية لا مجال للأخذ فيها، وهذا قول موجود في كتاب القائد إلى خارجة العقائد للإيجي صفحة 163.

كيفية الحكم على الأمور من خلال العقل

كيفية الحكم على الأمور من خلال العقل لدينا عقل شخص معتزل أو عقلاني آمن بقضية أو بفكرة وأقرها بعقله، فجئت أنت بدليل شرعي من القرآن أو السنة، فإنه يأخذ هذا الدليل ويعرضه على العقل، فلا يكون أمامه إلا خياران اثنان: إما أن يكون هذا الدليل موافقاً للفكرة العقلية الموجودة لديه. وإما أن تكون معارضة، فإن كانت موافقة فالقضية انتهت وليس هناك إشكال. وإن كان هناك تعارض بين الدليل النقلي والعقلي فإنه ينظر إلى هذا الدليل النقلي: هل هو قرآن أو سنة، فإن كان قرآناً فإنه هو المقدم، لكن العقل مقدس عنده، والفكرة العقلية هي الأساس، والقرآن يعارضه فالحل هو أن يحرف القرآن، ويغير أو يعدل شيئاً في القرآن تعديلاً يوافق الفكرة العقلية. وإن كان الدليل العقلي معارضاً للسنة فإنه ينظر إليها: هل هي سنة متواترة أو آحاد؟ فإن كانت سنة متواترة عاملها معاملة القرآن من ناحية التحريف والتعديل والتبديل. وإن كانت آحاداً ردها رداً كلياً. مثال ذلك: المعتزلة يقولون: إن الإنسان هو الذي خلق الشخص ولم يخلقه الله سبحانه وتعالى، مع العلم أن الله سبحانه وتعالى يقول: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات:96]. فالإنسان هو الذي خلق الشر فقط، أما الله فلم يخلقه، فهم آمنوا بهذه العقدية فجئنا لهم بقول الله سبحانه وتعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} [الفلق:1 - 3]. فالله يأمرنا أن نتعوذ من الشر الذي خلقه، إذاً: الله سبحانه وتعالى كما في الآية هو الذي خلق الشر، فجئنا بالآية وعرضناها على العقل فكانت مخالفة، إذا: معنى هذا أنهم يتجهون معها اتجاهاً آخر، وهو التحريف والتعديل والتغيير، فقالوا: لا، الآية هي: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:1]. {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق:2]، فما: نافية عند المعتزلة وليست موصولة، أي: ما خلق الله الشر، فباعتبار أنه قرآن ثابت قطعي الدلالة قطعي الثبوت ما ردوه، لكن أثبتوا هذا المعنى. وخذوا مثالاً آخر على هذه المسالة: المعتزلة قرروا أن الإنسان هو الذي يخلق فعل نفسه، فهو الذي يقرر أنه سيفعل المعصية، أو سيفعل الخير أو غير ذلك، والله لا يعلم شيئاً عن ذلك -تعالى الله عما يقولون- وهذا إنكار لعلم الله، ويترتب عليه أن الله لا يعلم ماذا ستعمل، ولا يعلم متى ستموت، ولا يعلم من سيدخل الجنة ومن سيدخل النار إلى غير ذلك. وهذه القاعدة عقلية تعارض سورة المسد: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد:1 - 3]. فالسورة لما نزلت كان أبو لهب على ظهر الأرض حياً، فمن الممكن أن يقول: أنا من أهل النار، إذاً: سأؤمن وأكون من أهل الجنة، لكن الله قد كتب في علمه أن هذا الإنسان سيعاند ويموت معانداً ويكون من أهل النار. فوجدوا أن هذه السورة تعارض الفكرة فحاولوا أن يحرفوا السورة ما استطاعوا فقد روي عن عمرو بن عبيد أنه قال: والله لوددت أن أحك سورة تبت من المصحف. فالعقل عند هؤلاء مقدم على كل شيء، حتى لو ترتب على ذلك أن يلغي السورة كاملة من القرآن لكي يؤصل فكره العقلاني.

نماذج معاصرة في المنهج العقلاني

نماذج معاصرة في المنهج العقلاني لو قرأت في كتب محمد عمران وكتب محمد الغزالي، وكلاهما من المعاصرين، وفي كتب أحمد أمين وقد مات وفي كتب كثيرة لهؤلاء العقلانيين؛ لوجدت أن فيها أموراً تحكم العقل. مثال ذلك: في النصوص الشرعية الثابتة (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) وهو حديث ثابت في الصحيحين فالعقلانيون أصلوا في أذهانهم أن المرأة مثل الرجل، وتحكم كما يحكم الرجل، والدليل على ذلك عندهم: أنديرا غاندي ومارجريت تاتشر وتنسوتشيلر وغيرهن من النساء اللاتي يحكمن، فما الفرق بين المرأة والرجل في هذه الحال؟ فلما جاءهم الدليل: (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) فوجئوا أن هذا الدليل معارض، لكنهم وجدوا أن هذا الحديث آحاد فردوه. فهم ردوه لأنه عارض المنهج العقلي، فجعلوا العقل هو المحكم للنقل، والنقل مجرد محاك للعقل، فما قبله العقل أخذ، وما رده العقل رد، ولا يهم كيف يكون شأن هذا المردود: هل هو قرآن أو سنة ثابتة أو غير ثابتة؟ فأهم شيء عندهم الرد لأنه عارض العقل. مثال آخر حديث الذبابة: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء) فالعقلانيون يقولون: مرفوض عقلاً وبالتالي فهو مردود، بالرغم من أنه حديث ثابت وشبه متواتر. كذلك حديث: (من اصطبح بسبع تمرات لم يضره سحر في ذلك اليوم) يقولون: هذا مرفوض عقلاً؛ لأن السحر داء نفسي والتمر علاج عضوي، ولا يمكن أن يؤثر هذا في هذا، فهو مرفوض، في نصوص كثيرة طبقوا عليها هذا المنهج. وختام القول في هذا المنهج: أن العقلانيين المعاصرين يدعون دعوة مؤصلة إلى إخضاع كل النصوص الشرعية للجوانب العقلية, وخاصة مسائل العقيدة، وهذا هو لب الموضوع، أي: إذا تحدثت عن صفات الله أخضعها للعقل، وإذا تحدثت عن يوم القيامة أخضعها للعقل، فعذاب القبر مثلاً قضية عقدية، فالعقلانيون لا يتصورون أن في القبر عذاباً؛ لأنهم يحفرون القبر فلا يجدون فيه إلا عظاماً، فأين عذاب القبر؟ إذاً: ليس هناك عذاب قبر. لكن الآيات القرآنية تبين عذاب القبر كما في قول الله سبحانه وتعالى حاكياً عن فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر:46]. ويوم القيامة ليس فيه غدو ولا عشي، فهم يعرضون على النار غدواً وعشياً قبل يوم القيامة، أما يوم القيامة فيدخلون أشد العذاب، فهذه الآية أثبتت عذاب القبر. ومما يثبت عذاب القبر حديث ثابت صحيح: (مر الرسول صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يتنزه من البول، وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة). فقال العقلانيون: إن العذاب المقصود به: هو عذاب قبل دخول النار، والحديث هذا مردود، وهكذا قاسوا العقائد بهذا المنطلق، فضلوا حتى وصل الأمر بهم إلى أن كثيراً من معتزلة اليوم، قد خرجوا عن الإسلام تماماً، للاختلال الواضح في عقائدهم وفيما يتعلق بعقائدهم في الإيمان بالله أو في الملائكة، حتى وصل بهم الأمر إلى أن أنكروا الملائكة والجن بحكم أنها أمور غيبية، والقرآن تحدث عن الجن، وبين الله سبحانه وتعالى ذلك في قوله: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:27]. فإذا أنكرت الجن أنكرت هذه الآية، وإذا أنكرت آية فكأنك أنكرت القرآن كله، ومن أنكر شيئاً من القرآن فقد كفر وخرج عن ملة الإسلام، وهكذا يسير معتزلة اليوم على منهج يبتعد شيئاً فشيئاً عن دين الله سبحانه وتعالى.

المنهج الذوقي

المنهج الذوقي المنهج الذوقي: منهج ينتسب إلى الصوفية الغلاة، الذين يتذوقون الأشياء، فما أعجبهم ذوقاً أخذوه ليس عقلاً، بل كأنهم يتذوقون الأشياء فما كان حلواً أخذوه وما كان مراً رفضوه. والمصدر الأول عندهم في تلقي العقائد هو القرآن الكريم، لكنهم يؤمنون به لفظاً ويخالفونه معنىً فالقرآن عندهم له ظاهر وباطن، فالظاهر هو لنا إذ يسموننا نحن أصحاب الظواهر، ويسمون أنفسهم أصحاب البواطن، ويسموننا أصحاب الشريعة، ويسمون أنفسهم أصحاب الحقيقة؛ ولذلك روي عن أحد زعمائهم الكبار -وهو الحلاج - يقول لأحد أتباعه: ستر الله عنك ظاهر الشريعة، وكشف لك حقيقة الكفر، فإن ظاهر الشريعة كفر خفي، وحقيقة الكفر معرفة جلية، ولذلك فإن الصوفية يصلون في نهاية المطاف إلى إعلان الكفر المحض عن طريق إسقاط التكاليف جميعاً.

مصدر الصوفية في التلقي

مصدر الصوفية في التلقي الصوفية يأخذون كتاب الله للزينة، وعلى أنه كتاب أنزل من عند الله سبحانه وتعالى لعصر من العصور ثم انتهى، أما في هذا الزمن فلا. ولذلك لا تكاد تجد صوفياً يقبل على كتاب الله، بل ربما جميعهم يعكفون على الأذكار، فلو راقبتهم في الحرمين، وفي دول أخرى لوجدت معهم كتب أذكار فقط، أما القرآن لا يقرءونه؛ لأن هذه الأذكار قد وردت عن مشائخهم الأكابر. إذاً: مصدرهم في التلقي ليس القرآن وإن ادعوا ذلك، بل مصدرهم في التلقي المشائخ الأكابر: حزب الإمام الشاذلي، حزب عبد القادر الجيلاني، حزب فلان بن فلان، من قال: كذا وكذا في اليوم أربعة آلاف وأربعمائة وأربعة وأربعين مرة دخل الجنة على ما كان من العمل، ومن قال: كذا وكذا ألف مرة دخل الجنة، ويأتون بأساليب مختلفة تأخذ على الإنسان جل وقته، فمنهجهم الأول في التلقي ليس القرآن الكريم وإن ادعوا ذلك، إنما منهجهم في التلقي هي الأذكار التي حلت محل القرآن الكريم، فلا يخلو لسان أحدهم ولا بيت أحدهم من كتاب أذكار يقرؤه ليل نهار. المصدر الثاني للصوفية -لأصحاب المنهج الذوقي- السنة النبوية، لكن ليست من صحيح البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرها، بل السنة النبوية التي تؤيد فكرهم ومذهبهم، فهم يريدون تأييد مذهبهم عن طريق مشائخهم، فيأتي الشيخ مثلاً يحدث أتباعه ويأمره ألا يأخذ إلا منه، وألا يرجع إلى أي كتاب أو مخطوط أو قول أو شخص آخر، كما قيل: كن بين يدي شيخك، كالميت بين يدي غاسله. ومن قال لشيخه: لم؟ فقد ضل عن الطريق، وهكذا يؤصلون العبودية المطلقة للشيخ. فالشيخ يريد أن يقربهم من أن الأحاديث مصدر من مصادر التلقي، ولكنه يأتي بالأحاديث التي تناسب، مثلاً الحديث الموضوع: (من أحسن ظنه بحجر نفعه هذا الحجر)، إذاً: هذا دليل على اتخاذ الأضرحة، وهو دليل شرعي تستطيع أن تناقش به، كذلك: (من حج ولم يزرني فقد جفاني)، إذاً: هذا يوافق الضريح والحج، وللضريح أساس شرعي، وهكذا يأتون بالأحاديث الموضوعة المتتابعة لتأصيل هذا المنهج الذي يدنون به. إذاً: الأذكار المطبوعة أو المكتوبة هي المصدر الأول، والسنة المنتقاة التي تؤيد مناهجهم وأفكارهم هي المصدر الثاني، والثالث: حكايات وكرامات الأولياء والمقبورين. فتجدهم يطوفون على القبر ويتجمعون عنده، ويدعونه ويستشفون به، ثم يؤصلون في ذلك الكرامات المتتابعة. وهكذا ألف الشعراني طبقات الأولياء، وألف النبهاني كرامات الأولياء في مجلدين ضخمين جداً، يذكر فيهما مجموعة ضخمة من الكرامات. يقول أحدهم: أعطاني شيخي من قبره -لاحظ أعطاه وهو في قبره- كحلاً، إذا اكتحلت به فتح لي ما بين العرش إلى الفرش. فيحاولون أن يؤصلوا هذه الكرامات حتى يرتبط الناس بأصحاب القبور، ويقدسونهم تقديساً كاملاً، ويأخذون دينهم من أصحاب هؤلاء القبور. المصدر الرابع في التلقي: نشر مسائل المنامات، ينشرون الرؤيا بين أتباعهم على أنها معتقد يدينون به.

أهداف الصوفية في تأصيل هذا المنهج

أهداف الصوفية في تأصيل هذا المنهج من أهدافهم ربط أصحابهم بهم بشكل قطعي كلي، وربط هؤلاء الأصحاب أو الأتباع بالأذكار التي ألفوها، وربطهم بالأضرحة والأولياء الذين يطوفون بهم ويدعونهم من دون الله. والهدف من ذلك كله: هو الغنى والثروة التي يريدها هؤلاء المتبوعون. فزعمائهم زنادقة ملاحدة كفرة، يريدون المال والزعامة والشهوة، فكلما وجدوا لذلك طريقاً تلبسوا باللباس الشرعي لهذا الطريق. ولذلك عندما تذهب إلى قبر من القبور الضخمة جداً في دولة من الدول، تجد القبر بجانب المسجد، وبجانب القبر، أو خارج المسجد مستودعات ضخمة جداً لتلقي النذور، فهذا يأتي بخروف، وهذا يأتي بعجل، وهذا يأتي بنقود، وهكذا كل واحد على حسب قدراته وطاقته. وتقسم الأموال إلى أقسام: فالدولة تأخذ الثلث، والثلث الآخر يؤخذ ليصرف على المكان: ترميم وتحسين وتجميل حتى يعطي رهبةً أكثر وأكثر، والثلث الآخر يعطى للسدنة والمشرفين على هذه القبور. ولذلك فإن الذين يشرفون على هذه القبور من الأغنياء، حتى إن أحدهم قد فضح جملة من هؤلاء بعد أن كان معهم، قال: إن أحد هؤلاء السدنة يملك عشرات العمائر والقصور، ويملك ملايين كثيرة نتيجةً لعمله في هذا المكان. مثلاً ضريح البدوي في طنطا، يقدم إليه كل سنة أكثر من 1. 5 مليون نسمة كالحج، هؤلاء كلهم يحتفلون بمولد البدوي وكل واحد منهم يأتي بنذر، فلو أن كل واحد مثلاً جاء بعشرين ريالاً، فإن المبلغ سيكون ضخماً، إذاً: هؤلاء الصوفية جميعاً يهدفون إلى مسألة الكسب المادي. أما الشهرة فإن زعماء الصوفية عندما يتحرك أحدهم تتحرك وراءه آلاف مؤلفة، فهم لهم صولة وجولة وتأثير في الحكومات. أما الشهوات فإن الأتباع أذلة صاغرون بين أيدي شيوخهم، يقولون: لو رأيت شيخك على امرأتك فظن الحق ولا تظن الباطل، ويقولون من كرامات الأولياء أن شيخاً من مشائخهم أراد أن يختبر تلميذاً له، فذهب مع تلميذه إلى بيته -أي: بيت التلميذ- ودخل إلى غرفة نومه، ودعا امرأته وقال لها: تزيني للشيخ فتزينت، ثم قال للتلميذ: قف أمام الجدار ووجهك إلى الجدار ولا تلتفت، فقضى الشيخ حاجته وانتهى، وأخذ بيد تلميذه وقال: لقد نجحت في الاختبار. إذاً: يبحثون عن الشهوة، فهذا هو المنهج الذوقي الذي يدعون إليه، ولذلك تجد أن عقائد هؤلاء جميعاً منصبةً على مسألة واحدة، ألا وهي عبادة الأضرحة، ودعوة أصحابها والركون إليهم ودعاؤهم والتمسح بها، وجعلها الآلهة المعبودة من دون الله سبحانه وتعالى. فعقيدتهم تدور من أولها إلى آخرها على أصحاب القبور، وعلى من في هذه القبور.

المنهج العاطفي

المنهج العاطفي هو المنهج الذي تدين به طائفة الرافضة في جميع أرجاء الأرض، وهو مبني على مسألة العاطفة، أي: أنهم لا يحكمون العقل، بخلاف العقلانيين الذين أعطوا العقل دوراً مهماً، أما هؤلاء فقد عطلوا العقل تماماً، وجعلوا العاطفة هي المتحكمة، ولذلك لو دخلت أي مكان من أماكن تجمعاتهم، فإنك تجد منهم من يقرأ كتاباً أو ينصح بنصيحة أو غير ذلك، قد أثر في الحضور تأثيراً عجيباً، حتى إنهم ليبكون بكاء الأطفال الصغار، وقد استمعت أنا إلى كلمات من هذا القبيل، ليس فيها تلك المواعظ المحزنة التي تؤثر في القلوب أبداً، بل هي أشياء تتحدث عن مقتل الحسين أو غير ذلك، ولكنهم يبكون بدموع غزيرة؛ لأنهم نشئوا على المنهج العاطفي، وعلى هذا الفكر.

مصادر الرافضة في التلقي

مصادر الرافضة في التلقي المنهج العاطفي مصدره في التلقي أربعة مصادر: المصدر الأول: القرآن الكريم. والثاني: السنة. الثالث: الرقاع. الرابع: أقوال الأئمة.

المصدر الأول القرآن الكريم

المصدر الأول القرآن الكريم أما القرآن الكريم فإن أصحاب هذا المنهج هم نسل اليهود ونتاجهم وبالتالي فإن اليهود يريدون من أتباعهم ألا يرتبطوا بالقرآن الكريم، فوجدوا أن إدعاء تحريف القرآن منهج يجعل أتباع هذا المنهج يبتعدون عنه، فبدأوا أولاً في القدح في حملة القرآن من الصحابة: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعائشة ومعاوية وفلان وفلان، فبدءوا في المرحلة الأولى في ذم كل من ينتسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحبة، إلا عدداً يسيراً من هؤلاء الصحابة. فإذا كان أبو بكر كافراً، وعمر كافراً، وعثمان كافراً، وعائشة كافرة، ومعاوية كافراً، فكيف نثق بقرآن نقله لنا هؤلاء الكفرة. إذاً: تجد أن الشك سيتوارد إلينا؛ لأن هذا القرآن نقل إلينا من قبل أناس كفرة، ولذلك أصلوا هذا الفكر منذ أول ظهور المنهج، ولا زال يسير عليه أتباعه إلى زمننا هذا. ثم وجدوا أن هناك أناس يقبلون على الدعاء بالرغم من أن هذا الكلام قد نشر بينهم، فأصدروا أمراً آخر، قالوا: إن من حفظ شيئاً من القرآن الكريم، فإنه سيفقد ما يعادله من مصحف فاطمة في قبره. فهم يدعون أن هناك مصحفاً لـ فاطمة، وذلك عندما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل جبريل عليه السلام يسليها ويحدثها كل يوم، وكان علي بن أبي طالب مختفياً وراء الجدار، ويكتب ما يقول جبريل لمدة ستة أشهر، وبعد أن ماتت فاطمة رضي الله تعالى عنها جمع علي هذا المصحف ونسقه ورتبه، وخرج بسبعة عشر ألف آية، ثم ذهب إلى أبي بكر وقال: هذا هو المصحف الحق، فنظر إليه أبو بكر وفتحه فوجد فيه: تبت يدا أبي بكر وتب، تبت يدا عمر وتب، فقال: لا حاجة لنا به فأعاده. ثم جاء به إلى عمر فأعاده كذلك، بل الغريب لماذا لم يمزقه أبو بكر وعمر؟ وهذا فيه دلالة على كذب هؤلاء القوم، وفي النهاية قالوا: إن مصحف فاطمة أخذه المهدي المنتظر وأخفاه معه، وسيخرج في آخر الزمان. وإذا سألت أتباع الشيعة: إن مصحف فاطمة هو المصحف الحقيقي، فلماذا لا نحفظه الآن؟ قالوا: ليس موجوداً. يعني: يعيشون هكذا بدون مصحف، قالوا: لا، فإن الله سبحانه وتعالى رحمنا فأوكل للملائكة أن يحفظوا مصحف فاطمة في قبورنا، واقتنع الناس بهذه الفكرة. بقيت القضية الثانية ألا وهي أن هؤلاء الأشخاص الذي اقتنعوا بهذا الأمر يريدون أن يبعدوا الناس عن مسألة حفظ القرآن، فقالوا: من مات جاءه الملك ليحفظه مصحف فاطمة، وإن من حفظ من القرآن شيئاً لا يوازي ما حفظه من مصحف فاطمة. أي: أن الإنسان عندما يموت يأتيه الملك في قبره، فيقول له مثلاً: افتح سورة البقرة، وعدد صفحاتها خمسون صفحة، فيقول الملك: إذاً: نخصم عليك مائة وخمسين صفحة من مصحف فاطمة. ولذلك لا تكاد تجد رافضياً يحفظ القرآن، أو يحفظ إلا أجزاء بسيطة جداً من القرآن الكريم. فالرافضة أصلوا عند أتباعهم مسألة عدم حفظ القرآن، حتى لا يفقد ما يوازيه من مصحف فاطمة. ولو أن إنساناً أراد أن يقرأ القرآن فإنهم قد أتوا بعقبات أخرى فقالوا: إن القرآن لا يمكن أن يحتج به إلا بقيم. والقيم عندهم هو الإمام، والإمام المهدي المنتظر مختف لم يظهر، إذاً: القرآن ليس بحجة، لأن القيم غير موجود. ثم جاءوا بقول آخر قالوا: إن الأئمة اختصوا بمعرفة القرآن فلا يسبقهم فيه أحد، فلا يمكن أن يعرف القرآن إلا بوجود الإمام، والإمام مختف، وبالتالي فالقرآن غير مفهوم بالنسبة لهم. وقالوا: إن القرآن له معان ظاهرة وباطنة، فالمعاني الظاهرة تفهمها أنت، أما الباطنة فلا. وبما أنك تفهم المعاني الظاهرة فقط فإنه يلتبس عليك الأمر، ولذلك تجدهم لا يقرءون القرآن. فإن قيل: نراهم في الحرم يقرءون القرآن كثيراً؟ A خذ واحداً من هؤلاء الذين يقرءون القرآن، واعمل دراسة عليه، راقبه في الحرم وفي مكانه الذي يعيش فيه، فتجد أنه لا يقرأ القرآن أبداً إلا في الحرم، والسبب في قراءتهم للقرآن ليس تقديساً له، وإنما لأنهم يمارسون مبدأ التقية، التي هي في حد ذاتها عبادة، فهي دين آبائهم وأجدادهم، يقولون: من لا تقية له لا دين له، والتقية عندهم تسعة أعشار الدين، فيمارسون التقية عن طريق قراءة القرآن، وليس لذات القراءة، بل لممارسة هذا المنهج.

المصدر الثاني السنة

المصدر الثاني السنة إن الرافضة لا يعترفون بالسنة التي جاءت عن الصحابة، لأن الصحابة كلهم كفار عندهم، وبالتالي فلا يأخذون إلا من الصحابة الذين يعترفون بهم، فـ أبو بكر وعمر وعثمان كل هؤلاء مرفوضين، ويقولون: ارتد الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة: سلمان وعمار وأبو ذر، وفي رواية: إلا أربعة ومعهم المقداد. أما بقية الصحابة فكلهم مرتدون، إذاً: أي كلام منقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم عن غير هؤلاء الأربعة مرفوض. فلا ينقلون إلا عن هؤلاء الأربعة مع العلم أن أبا ذر والمقداد وغيرهم رواياتهم ضعيفة وقليلة جداً. فجاءوا لأحاديث البخاري ومسلم والترمذي ووضعوها أمامهم، فما أعجبهم منها أخذوه، ثم ركبوا عليه سنداً في آخره أبو ذر أو المقداد أو عمار أو سلمان الفارسي، وركبوا عليه سنداً معيناً ثم جعلوه في الكتب، فكان من الصعوبة أن يجعلوا آلاف الأحاديث منسوبة إلى سلمان، أو أبي ذر؛ لأن معنى هذا أن أبا ذر كان يجلس مع الرسول صلى الله عليه وسلم أربعةً وعشرين ساعةً يستمع إليه، وهذا لا يمكن أن يتصور، فبتروا النصوص وجعلوها عن فلان عن فلان عن جعفر الصادق، فقيل لهم: إن هذا الحديث موجود في البخاري الذي وجد قبل جعفر الصادق فوجدوا في ذلك إشكالية، فقالوا: إن جعفراً الصادق جاء به بوحي من الله، إذاً: الأئمة يوحى إليهم.

المصدر الثالث الأئمة

المصدر الثالث الأئمة إن الرافضة جعلوا الأئمة يوحى إليهم، وتنقل إليهم النصوص من الله سبحانه وتعالى عن طريق الملائكة. فصار الأئمة أناساً تنتقل إليهم النصوص الشرعية وحياً من الله، فجعلوهم بمثابة الأنبياء.

المصدر الرابع الرقاع

المصدر الرابع الرقاع والرقاع: عبارة عن لعبة حصلت لكنها صارت ديناً، ومعتقداً بنيت عليه كثير من معتقدات الرافضة. والرقاع: عبارة عن فتاوى صدرت من المهدي المنتظر، يقولون: إن هناك رجلاً يدعى ابن عثمان بن سعيد العمري، هذا الرجل أراد أن يكسب المال فلم يجد وسيلة، فذهب إلى قرية كل أهلها من هذا الصنف وسكن معهم، وبدأ ينسق مع صاحب له بطريقة معينة على خدمته، فصار يعبد الله في المسجد طوال الوقت، لا يأكل ولا يشرب وإذا أراد أن يقضي الحاجة، أخذ قليلاً من الماء لا يكفي للوضوء وهم ينظرون إليه، يأخذه ويذهب إلى منطقة بعيدة عند صخرة ويقضي حاجته ثم يتوضأ ويرجع، فيرونه يجلس أياماً طوالاً لا يأكل ولا يشرب، فقالوا: هذا ولي من أولياء الله. وحقيقة الأمر أنه إذا ذهب يقضي حاجته، يقضيها ولا يتوضأ، بل يشرب الماء الذي معه، فيأتي صاحبه ويضع له قرصاً على الحجر، يشبه براز الإنسان فيأكلها، والذي يراه يعتقد أنه برازاً أو غير ذلك. فاعتقدوا فيه الولاية، وفي يوم من الأيام قرر السفر زاعماً أنه على موعد مع المهدي المنتظر، فقالوا: بلغه سلامنا، فذهب وجاء بعد أيام وبشرهم أنه راض عنهم وعن سلوكهم، وبعد شهر أراد أن يذهب، فأرسلوا له أن لديهم أمور دينية فيها اختلافات ومشاكل، فأخذ الفتاوى وذهب، فجلس على جانب الطريق يجيب عليها وجاء بها، وقال: إنها فتاوى من المهدي المنتظر وفي يوم من الأيام قال لهم: يقول لكم المهدي المنتظر: إن القرية الفلانية تعيش أزمة ماليةً لكوارث معينة، ويريدون جمع تبراعات، فجمع عدداً هائلاً من الأموال، وذهب بها وأخفاها، وهكذا، فصار يأخذ الفتاوى ويجمع الأموال إلى أن انقطعت أخباره، فجمعوا هذه الفتاوى في رقاع. وهناك شخص آخر فعل مثله ونجح في ذلك، فجمع الرقاع وهي عبارة عن فتاوى. طبعاً فهؤلاء أناس دجالون ومحتالون، إذ طبعت هذه الفتاوى وكتبت فوجدوها متفاوتة، هذا يقول: حلال، وهذا يقول: حرام وهذا يقول: يجوز، وهذا يقول: لا يجوز، فطرحوها وزينوها وعدلوها، ثم أخرجوها وطبعت في كتب على أنها مصدر من مصادر التلقي في العقيدة. فيسألونه مثلاً عن الإيمان بالملائكة فيجيب، ويسألونه عن الإيمان بالرسل فيجيب وهكذا، فالرقاع هي مصدر من مصادرهم التي يدينون بها. وخلاصة الكلام حول هذه المسألة: أن المنهج العاطفي أو منهج معتمد على تعطيل العقل، تدين به طائفة كبيرة جداً في المجتمع المسلم، وتحكم العاطفية في مسألة التلقي، فما قبلته العاطفة قبلوه، وما ردته ردوه، ولذلك يشعرون بعاطفتهم أن الحسين قتل ظلماً، وأنه عذب قبل أن يقتل. واستغلت هذه العاطفة وبالغوا فيها إلى أن جعلوا هؤلاء الرافضة يعبدون الحسين ويطوفون بقبره ويتمسحون بتربته، ويرون أن الحج لقبره يعادل أكثر من مليون حجة، كما صرح بذلك محمد بن الحسن العاملي في كتابه وسائل الشيعة، وفي كتاب الكافي وغيرهما، يقولون: الحجة إلى قبر الحسين تعادل أكثر من ألف ألف حجة، وهكذا أصلوا عند أتباعهم مسألة الاعتقاد بأئمة أهل البيت، وأنهم هم الذين بأيديهم كل شيء، ونتج عن ذلك التأصيل أن جعلوا الأئمة هم الآلهة تماماً. ففي كتاب مشارق أنوار اليقين للحافظ رجب الفرسي -من أتباعهم- كتب مجموعة كبيرة من الخطب لـ علي بن أبي طالب، يقول في خطبه مثلاً: أنا محيي الأرض بعد موتها، أنا خالق السموات والأرضين، أنا محيي الموتى من قبورهم، أنا الذي خلق الجنة وخلق النار، أنا الذي يدخل أهل الجنة الجنة، وأدخل أهل النار النار، أنا الذي أنفخ في الصور، أنا الذي أخرج من في القبور، أنا وأنا وأنا، فلم يبقوا لله سبحانه وتعالى شيئاً من ملكه أبداً. ويقولون عن جعفر الصادق: إنه يقول: نحن أسماء الله الحسنى الذي إذا دعي بها أجاب، إذا دعينا بها أجبنا، فجعلوا الأئمة هم الآلهة الذين يعبدون من دون الله سبحانه وتعالى؛ ولذلك تجد الرافضة لا يعبدون الله حقيقة، بل يعبدون الأئمة تماماً، فمعتقدهم منصب على هؤلاء الأئمة.

المنهج السري

المنهج السري النقطة الأخرى: المنهج السري، وهو منهج الباطنية الذين احتكروا المنهج على مجموعة من الناس فقط. فالدروز والنصيرية من فرق الباطنية المختلفة، وليس لهم معتقد، لو سألت أحداً منهم: ما هي عقيدتك؟ لا يعلم؛ لأن العقيدة حكر وحصر على الفئة العليا عندهم، فلا يعلمون كل الناس، ولا يعلمون إلا فئات معينة من الأشخاص، وذلك إذا وصلوا إلى حد معين من الاختبار أو النجاحات المتتابعة التي يعقدونها لهم، فيعلمونهم عند ذلك حتى لا يندثر المنهج، لكن ليس كل واحد منهم يعرف. فلو افترضنا أن واحداً من هؤلاء علم عقيدتهم بطريقة أو بأخرى، فإن هذا الإنسان يعد تابعاً لهم تؤخذ منه العهود والمواثيق، والتهديد بالقتل والإعدام إذا أفشى هذه المعلومات، حتى لأتباعهم، فتعد عقيدتهم عقيدة سرية. ومع ذلك ظهر أناس فضحوا هذه العقائد، وعلى رأسهم رجل اسمه سليمان الأذلي من اللاذقية، وهو من النصيرية قبل أن يتركها، ثم استدرجه النصيريون تدريجياً حتى جاء إليهم، فأعدموه وأحرقوه؛ لأنه فضحهم في كتاب الباكورة السليمانية. قال: إن عقائد الباطنية حكر، وهي عقائد تتوجه إلى أن مصدر التلقي في العقيدة هم هؤلاء الزعماء، والعقيدة تتأصل في أن علي بن أبي طالب للنصيرية هو الإله، والحاكم بأمر الله الفاطمي للدروز هو الإله، والآغاخان للآغاخانية هو الإله، وهؤلاء الزعماء الدينيون هم الذي يتلقون من هؤلاء الآلهة ويضعون العقائد بأتباعهم، بناءً على معرفتهم بهؤلاء الآلهة. إذاً: المناهج المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة: أولاً: المنهج العقلي، وأصل التلقي عند أهل العقل هو العقل. فالعقل هو الذي يحكم، فما أحبه العقل أحبوه، وما كرهه العقل كرهوه، وما حكم به العقل حكموا به، وما رفضه العقل رفضوه، فالعقل هو مصدرهم الأول في التلقي. يعني: القرآن والسنة وأقوال الأئمة وغيرها هي مصادقة، لكنها ليست مصادر أصلية، إنما هي مصادر فرعية تابعة للعقل. فالعقل هو الحاكم عليها، فما حكم به العقل على هذه المناهج أخذ، وما رده رد، وبالتالي فمصدرهم هو العقل لا غير. ثانياً: المنهج الذوقي: المنهج الذوقي وهو منهج المتصوفة ومصدرهم في التلقي ليس القرآن ولا السنة ولا الكتب والأذكار، بل مصدرهم في التلقي هم الأقطاب أو الرجال الذين يعدون زعماءً لهؤلاء المتصوفة. فما قاله القطب فقوله لا يرد، ولا يمكن أن يناقش، ولا يمكن أن يجادل فيه بحال من الأحوال. إذاً: كلام هذا القطب كلام مقدس يعد بمنزلة القرآن الكريم بالنسبة لهم. فمصدر التلقي عند أصحاب المنهج الذوقي هم هؤلاء الأقطاب أو هؤلاء الأوتاد، ولذلك أصلوا لذلك نوعاً من التقديس، فقالوا: إن الكون يحكمه أربعة أقطاب: الجيلاني، والرفاعي، والشاذلي وغيرهم، فالكون مقسم إلى أربعة أقسام، كل واحد يحكم قسماً، وكل واحد من هؤلاء الأقطاب له كذا وكذا من التدرجات المعروفة. وكل واحد يحكم شيئاً، فهذا يحكم السماء، وهذا يحكم القمر، وهذا يحكم الشمس، وهذا يحكم المشتري، ومن يحكم عليه ويأمره يخرج من الصورة ومع ذلك هناك أناس يصدقونهم ويؤمنون بأقوالهم. إذاً: مصدر المنهج الذوقي الذين يتذوقون الأحكام فقط، يعني: يأخذونها على أنها أمر مسلم لا يمكن أن ترد. ثالثاً: المنهج العاطفي، فإن أصحاب هذا المنهج منهجهم في التلقي هم الأئمة، فما قاله الأئمة فإنه لا يرد، ولا يمكن أن يناقش، ومن أقوالهم: إن الرد على الإمام كالرد على الله سبحانه وتعالى. وبالتالي فما قاله الإمام يعد أمراً مقدساً لا يمكن أن يناقش بحال من الأحوال. رابعاً: المنهج السري المرتبط بالباطنية، والأشخاص الذين يدينون بهذا المنهج يأخذون عقائدهم من أناس متخفين لا يظهرون للناس أمرهم، وهؤلاء هم زعماء هذه المناهج الباطنية، وهم الذين يصدرون لهم الأحكام في مجال العقائد وغير العقائد، وهذا هو مصدرهم في التلقي.

مصادر أهل السنة والجماعة في التلقي

مصادر أهل السنة والجماعة في التلقي هل نقول: إن مصادرنا في التلقي هم فلان وفلان وفلان من الناس، فما قاله فلان أخذناه، وما رده رددناه؟ لا. إن مصدرنا الأول في التلقي: هو القرآن، فإذا قرأت آية في كتاب الله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]، علمت أن الله سبحانه وتعالى لا يشابه أحداً من خلقه، وإذا عرفت أنه: {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، أقررت وآمنت أن الله سبحانه وتعالى يسمع ويبصر، لكن ليس كسمع البشر وليس كأبصارهم. وإذا قرأت قول الله تعالى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} [المائدة:119]، عرفت أن الله يرضى ويغضب. وإذا قرأت قول الله تعالى: {بِيَدَيَّ} [ص:75]، أثبت لله اليد. وإذا قرأت: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]، أي: ليس له شبيه. إذاً: مصدرنا في التلقي هو القرآن الكريم، فهذا هو المصدر الذي نتلقى منه عقائدنا في الله وفي الملائكة وفي النبيين والكتب وفي اليوم الآخر وفي القدر، كل ذلك نتلقاه من كتاب الله سبحانه وتعالى ونؤمن به، ونقر أمام الآخرين أجمعين أن كتاب الله لا ولن يتعرض إلى تحريف أو تغيير أو تبديل؛ لأن الله أوكل حفظ القرآن الكريم لنفسه. قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]. بخلاف مناهج الكتب الأخر التي أوكل الله سبحانه وتعالى حفظها لأصحابها، كالتوراة والإنجيل، فخانوا الأمانة وما رعوها فحرفوها وغيروها. المصدر الثاني من مصدر التلقي عند أهل السنة: السنة النبوية الصحيحة، فإذا ثبت أمر في السنة ثبت، وليس حديثاً موضوعاً أو ضعيفاً أو منكراً أو باطلاً، أو فيه كذا وكذا من الأمور القادحة، فإن هذا يعد أمراً واجب التسليم، وواجب الأخذ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم بين لك أموراً في العقيدة كثيرةً جداً لم ترد في القرآن، فأنت تأخذ بها وتؤمن بها وتقر على أنها منهج شرعي، وإذا خالفته أو عارضته فإن ذلك يعد معارضة لدين الله. إذاً: نحن لم نرتبط بأشخاص مثلنا مثلهم، إنما ارتبطنا بكتاب الله سبحانه وتعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وارتبطنا بالسنة بما ثبت لدينا ثبوتاً قطعياً من السنة على أنه صحيح، وجعلناه هو المصدر لنا نأخذ منه العقيدة ونستقي منه المنهج. إذاً: من خلال هذه المقارنة ينقسم الناس إلى قسمين: القسم الأول: أهل السنة والجماعة، ويرجعون في تلقيهم العقيدة إلى القرآن، وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. والقسم الآخر: بشتى أصنافه وفرقه ودياناته، يأخذون من غير القرآن والسنة، بل ويأخذون من رجال، وهؤلاء الرجال هم الذين يقررون لهم أحكامهم. حتى العقلانيين الذين يحكمون العقل يحكمون أنفسهم، أي: أنهم يحكمون الرجال في مناهجهم، ولذلك فإن العقلانيين لا يمكن أن يتفقوا على رأي. ذكر أن المعتزلة اجتمع من زعمائهم أكثر من تسعة عشر زعيماً للاتفاق على توحيد المنهج المعتزلي، ومراجعة الأخطار التي يتعرض لها هذا المنهج، فخرج هؤلاء التسعة عشر بعشرين رأياً يعني: دخلوا بتسعة عشرة رأياً كي يخرجوا برأي واحد، فخرجوا بعشرين رأياً أي: زاد رأي إضافي. وفي رواية أخرى للشرساني: أنهم دخلوا تسعة عشر، للاتفاق والاتحاد، وخرج كل منهم يكفر الآخر، وهذا يدلك على أن كلاً منهم يحكم عقله، والعقل يختلف من شخص لآخر، وبالتالي فكل منهم يعد رجلاً بحد ذاته يحكم كيفما يشاء، ويقرر كيفما يشاء. هذا والله سبحانه وتعالى الموفق والهادي إلى سواء السبيل، والله سبحانه وتعالى أعلم. وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

طرائق النجاة من العقائد الباطلة

طرائق النجاة من العقائد الباطلة Q لقد أرسلت في شرح العقائد وتنوعها وتشعب مدلولاتها خاصة ونحن قليلو المعرفة بهذه العقائد كيف نعرف العلاج من حيث السبيل والنجاة من هذه العقائد المتشعبة؟ A أنتم تلاحظون الآن أننا نعيش في مجتمع لم ترد إليه هذه العقائد بشكل واضح، بالرغم من تكاثرها، لكنها دخلت على دول أخرى بالتدرج، وقليلاً قليلاً حتى وصل الأمر إلى انتشارها انتشار النار في الهشيم. فنحن نخشى أن يصل الأمر بنا إلى أن نشابه بقية الدول. فلابد أن يحصن الإنسان نفسه، ويحصن أولاده عن طرق بث المعتقد الصحيح الواضح المفصل في ذاته أولاً، ثم في ذوات أبنائه ومن يعول ويعرف ثانياً. وعن طريق القراءة المتأنية والهادفة لكتب العقيدة المبسطة، وحضور دروس العقائد السهلة الميسورة، التي تناسب كل الأعمار، والتأصيل بذلك في النفس وفقهه وفهمه. عند ذلك لو وردت إليك أي عقيدة أخرى، ستجد أنها من العقائد المردودة فعلاً. ويكون من الممكن أن ترد أي عقيدة، حتى ولو كان فهمك ضحلاً جداً، ولكن هذه الضحالة مقابل العقيدة الباطلة القادمة من الشرق أو الغرب كالجبل. فقد ذكر شيخ الإسلام أن العامي من أهل السنة يستطيع أن يرد على العالم من أصحاب البدع والأهواء الأخرى؛ لأن العقيدة الصافية البسيطة في قلبه وفي كيانه تستطيع في قوتها أن تجابه فكر العالم الضال الذي فيه تداخلات كثرة. فإذا حصن الإنسان نفسه فإن هذا يعد علاجاً أولياً، ثم لا يحاول أن يدخل في مناقشات ومجادلات، فإنه قد يتأثر بالفكر الآخر إن لم يكن محصناً، فليس لك أن تقرأ التوراة إن لم يكن لك في ذلك حاجة. لأنك قد تتأثر ببعض الفكر الموجود في التوراة. وقد تقرأ في كتاب من كتب الصوفية وكاتب هذا الكتاب قوي الحجة واسع الاطلاع قوي البيان، فيؤثر في فكرك، وأنت لا تحتاج لهذا الشيء وليس من الضرورة في شيء، وبالتالي فعليك أن تبتعد عن هذه المناهج إلا إذا اضطررت لها اضطراراً. وبذلك تجد أنك قد حصنت نفسك من الوقوع في مزالق هذه الاتجاهات.

التحذير من اتباع المناهج الشيعية

التحذير من اتباع المناهج الشيعية Q هناك كتاب انتشر في بعض المكتبات يسمى بـ (يا شيعة العالم استيقظوا) للدكتور موسى، فما رأيك في هذا الكتاب. A إن الصحوة منتشرة في جميع أرجاء الأرض، ليس عند المسلمين فقط، بل الصحوة بالإطلاق العام. فاليهود لديهم صحوة، والهندوس لديهم صحوة والرافضة لديهم صحوة، والصوفية لديهم صحوة، فالجميع لديهم صحوة، وبالتالي كل منهم يريد أن يظهر، ويريد أن يدعو أكبر قدر ممكن من الأتباع حتى ينضموا إلى صفه، ويريد كل منهم أن يرتب صفوفه ويعد عدته. ومن ضمن المناهج التي تعد من باب الصحوة ما يدعو إليه موسى. هذا الرجل رأى أن المنهج الشيعي في دول الغرب منهج منبوذ ومرفوض، لأن هؤلاء الناس كانوا يقرءون عن الشيعة فيما يتعلق بضرب الصدور بالسلاسل، حزناً على رجل قتل قبل (1300سنة)، فتراهم يضربون أنفسهم بالسكاكين، ويموتون أحياناً من شدة النزيف، فكانت تصور هذه المشاهد وتنشر في التلفزيونات العالمية، فيضحك الناس على هذا الدين الذي يدعو إلى مثل هذه المنهج، فهذا الرجل أراد أن يلمع المنهج الرافضي، ويبعد عنه كل ما يقدح فيه. فتجده يدعو إلى التشيع بثوب جديد، وهو ليس على منهج الحق إنما هو شيعي؛ لكنه يريد أن يظهر التشيع بمظهر آخر. فلذلك لا تفخر بهذا المنهج؛ لأنه شيعي معاد لأهل السنة، وهو على غير الطريق المستقيم، فمهما لمع في المنهج فهو بعيد عنك كل البعد، وبالتالي فهذه خطة لإبراز هذا المنهج بثوب جديد.

الطرائق الجيدة في دراسة كتب العقيدة

الطرائق الجيدة في دراسة كتب العقيدة Q أريد أن أبدأ في طلب العلم، خاصة في علم العقيدة، فما هي الطريقة الجيدة في ذلك؟ A إن مسألة دارسة العقيدة وفهمها في هذا الوقت يعد أمراً متعيناً أكثر من غيره لانتشار العقائد الباطلة، وظهورها بمظهر جميل وتلميعها بطرق متعددة. فعلى كل من يرغب في دراسة العقيدة أن ينظر أولاً إلى مستواه العلمي، فهناك من لا يعرف القراءة فكيف يدرس العقيدة؟ وهناك من يحمل شهادة عالية ويريد أن يدرس العقيدة. فكل منهم له منهجه الذي يختلف به عن الآخر، فإن كان هذا الإنسان لديه بعض المعلوم فعليه أن يبدأ بالمبسطات من كتب العقيدة. والذي يريد دراسة العقيدة لا يستطيع أن يقرءها بنفسه، فقد تكون هذه المبسطة صعبة على المبتدئ، وقد تكون سهلة، لكن بحسب حكمك على نفسك تستطيع أن تحدد لك المنهج؛ فتبدأ في أخذ الكتب التي تناسبك ثم تقرءها على أحد المشايخ وطلبة العلم وتكتب وتعلق، ومدار ذلك كله على رجل يعرف مستواك العلمي. فمن الممكن أن تأتي إلى شخص ليعلمك، وتعرف أن لديه علماً، فتقول: أريد أن أدرس كتب العقائد. فإنه من الممكن أن يسألك مجموعة من الأسئلة، وبناءً على إجابتك يقرر الكتاب الذي يناسبك. وإذا كنت إنساناً مبتدئاً لا تعرف أنواع التوحيد، فليس من الممكن أن أقول لك: اقرأ كتاب التدمرية لـ ابن تيمية. لأنك لو قرأت كتاب التدمرية لـ ابن تيمية سنة كاملة لن تفهمه. لأنك لا تفهم مبادئ العقيدة، وبالتالي لا يتم الحكم في هذه القضية إلا من خلال مجالستك لأحد طلبة العلم، حتى يستطيع أن يحدد مستواك الفهمي تجاه مسائل العقيدة، وبناء عليها يستطيع أن يحدد لك كتاباً يناسب مستواك العلمي الذي تحمله. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم. وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللحظات الحاسمة عند الموت

اللحظات الحاسمة عند الموت إن لسوء الخاتمة وحسن الخاتمة علامات وأسباباً، فينبغي للمؤمن أن يبتعد عن أسباب سوء الخاتمة، وأن يسعى إلى تحصيل أسباب حسن الخاتمة، فإنما الأعمال بالخواتيم.

قصة النهاية

قصة النهاية

قصة شاب حدث له حادث مروري

قصة شاب حدث له حادث مروري بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: فقد انطلقت سيارة فارهة فيها ثلاثة من الشباب، وكانت مسرعة سرعة عالية، وهي متجهة من الرياض إلى المنطقة الغربية، كانت الموسيقى تصدح بكل قوة من مسجل السيارة، والمغني الغربي يصرخ بكل شدة، وثلاثة من الشباب يصفقون جذلين فرحين مستبشرين لسماعهم لمغنيهم المحبوب، وفجأة حصل ما لم يكن في الحسبان في منطقة قريبة من حلبان، وذلك أن السيارة انقلبت وتدحرجت عدة مرات ثم توقفت، تتقدم سيارة الإسعاف مسرعة وتحمل المصابين، وكان أحدهم وهو قائد السيارة مصاباً إصابة شديدة، فحُمل على نقالة الإسعاف وركب صاحباه بجانبه، وركب أحد رجال الأمن معهم، واتجهت السيارة منطلقة إلى أقرب مستشفى، ولعله مستشفى القويعية، وكان هذا المسجى يتنفس بصعوبة، والدم يغطي وجهه وعينيه، بل كان يغطي كل جسده باعتبار قوة الإصابة، فبدأ هذا الضابط ينظر إليه بشفقة وحنان؛ لأنه يرى فيه إصابات تكاد أن توصله إلى النهاية، وفجأة يبدأ التنفس يزداد صعوبة ويتغير، ويحس الضابط بحكم المعاشرة والمعايشة لمثل هذه الحالات أن هذا الرجل يلفظ أنفاسه الأخيرة، فبدأ يلقنه الشهادة، فقد عرف اسمه من صاحبيه، فكان يقول: يا فلان قل: لا إله إلا الله، يا فلان قل: لا إله إلا الله، يرددها مرات ومرات؛ لأنه يعلم قول المصطفى عليه الصلاة والسلام: (من كان آخر كلامه من هذه الدنيا: لا إله إلا الله دخل الجنة)، فرفع هذا المسجى عينيه ناظرتين إلى هذا المتحدث، وركز النظر وحدده، فكان كلما قال له: يا فلان قل: لا إله إلا الله، قال: إنني في سقر، يا فلان قل: لا إله إلا الله، يقول: إنني في سقر، يا فلان قل: لا إله إلا الله، يقول: إنني في سقر، ثم يغمض عينيه ويسقط رأسه بعد ارتفاعة يسيرة، حينها طأطأ الضابط رأسه؛ فقد كان مشهداً مريعاً مخيفاً لأول مرة يرى مثل هذا المشهد! التفت الضابط إلى صاحبيه بسرعة، وقال: ماذا كان يصنع زميلكما؟ أكان يصلي؟ قالا: لا، والله ما كان يعرف الصلاة قط، وما كنا نعرف الصلاة قط، عند ذلك جعل هذا الضابط يردد قول الله سبحانه وتعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:38 - 43]. إذاً: كانت لحظة حاسمة وحرجة ودقيقة، حددت المصير، وبينت النهاية لهذا الشاب.

الأعمال بالخواتيم

الأعمال بالخواتيم موقف ثان: ولعل المواقف التي ستتردد كلها مواقف موثوقة مذكورة على ألسنة علماء أفاضل قدماء ومعاصرين. هذا شاب نشأ في فساد وضلال، درس في جامعة الملك عبد العزيز في جدة تخصص لغة إنجليزية، تخرج من هذا التخصص، وعمل في شركة، ترقى درجاته في هذه الشركة، وكان يمضي كل وقته في لعب ولهو وضلال وفساد، ولكن الله سبحانه وتعالى هيأ له سبل الهداية، وبين له طريق الحق فالتزمه وتمسك به وتشبث به، فأراد أن يكفر عما أمضاه من سنين عديدة في مجال الفساد، فصار يعتكف الخميس والجمعة في الحرم، ولكن هذا لم يكفه، فقرر قراراً ونفذ هذا القرار: وهو أنه اتجه إلى أفغانستان للجهاد أيام الروس، وكان قد أخذ إجازة استثنائية من عمله ثلاثة أشهر، ثم عاد بعد ذلك إلى بلده، وهو في شوق للعودة مرة أخرى إلى أفغانستان، وفي السنة الثانية ذهب إلى أفغانستان للجهاد ومعه زوجته تعلم وتدرس وتربي. وفي السنة الثالثة ذهب لوحده إلى أفغانستان ودخل في معارك في جلال آباد حارب حرباً يريد بها الشهادة، يريد بها الانتقال إلى الله سبحانه وتعالى، وفعلاً نالها، فقد أصابته قذيفة هاون مزقت جسده قطعة قطعة، فحمل هذا الرجل في سيارة أحد المجاهدين -وهذا الرجل ممن أعرفهم- حمل هذا الرجل ولف في عمامته الأفغانية الكبيرة، وأثناء عودة السيارة به إلى أقرب قرية آمنة كانت رائحة المسك تفوح منه بشكل نفاذ، ودفن، وأخذت العمامة إلى الشيخ عبد الله عزام رحمه الله فسافر إلى الرياض في زيارة له بهذه العمامة كدليل وكبيان لوالده بأن ابنه قد استشهد، أخذ هذا الوالد هذه البشارة وحفظها لديه وأبقاها في حقيبة عنده، كان الزوار الذين يزورونه وبالذات الذين لهم صلة قوية به، كانوا يشمون رائحة المسك بعد أن تفتح لهم هذه الحقيبة بعد مضي أكثر من سنة من استشهاد هذا الرجل. إذاً: هذه لحظة حاسمة ودقيقة وحرجة بينت النهاية، وأوضحت المصير لهذا الشاب.

خطر رفقة السوء ووجوب الحذر منهم

خطر رفقة السوء ووجوب الحذر منهم موقف ثالث: هذا شاب نشأ في هداية وفي طاعة، ولكن أهل الضلال وأهل الباطل -وما أكثرهم! وما أكثر ما يخططون، وما أكثر ما يعملون، وما أكثر ما يبذلون- نجحوا في استمالته إليهم، فمال معهم وازداد ميلاً، فانحرفت أعماله، بل وانحرف فكره، وكان له أخ صغير بدأ يبذل الوسع لعل الله سبحانه وتعالى أن يعيد هذا الأخ إلى جادة الحق وطريق الصواب، ولكن هيهات هيهات: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:56]. مرض هذا الشاب المنحرف، ورقد في المستشفى فترة معينة ثم أعيد إلى منزله، مكث في المنزل فترة، وفي ليلة ما كان المرض قد ازداد عليه واشتد، وتحلق حوله والداه وإخوته، وطلب من أخيه الصغير في لحظة من اللحظات المصحف، فرح هذا الأخ الأصغر فرحاً شديداً بهذا الطلب، لعل هذا هو الطريق الذي ينقذ أخي، فركض الأخ الصغير بسرعة وبحث عن أقرب مصحف فجاء به وهو مستبشر وهو مسرور وهو فرح وهو يبتسم، وأعطاه لأخيه، فأخذه بين يديه يقلبه يمنة ويسرة، ثم رفعه ودار به بيده على أهله الذين يتحلقون من حوله، وقال لهم: أشهدكم يا أهلي أني كافر بهذا، ثم أغمض عينيه ومات! إذاً: لحظة حاسمة وحرجة ودقيقة حددت النهاية، وبينت المصير لهذا الشاب.

اسوداد وجه قاطع الصلاة عند تغسيله غسل الموت

اسوداد وجه قاطع الصلاة عند تغسيله غسل الموت موقف رابع: هذا شخص آخر جيء به إلى مسجد الراجحي أو لعله جامع زياد لا أعلم، إنما الحادثة وقعت بهذه الصورة التي سأذكرها لكم، وتعرفون أن جامع الراجحي في الربوة، وجامع زياد في حي سبيع، كلها لديها إمكانية في تغسيل الموتى، جيء بشاب جميل القسمات أبيض مشرباً بحمرة، وهذا الشاب مات في حادث، وكان عمره يتراوح بين الثالثة والعشرين إلى الخامسة والعشرين فأدخل إلى المغسل، فبدأ أحد الشباب المتطوعين يغسله، وكان معه أحد المعاونين، وفجأة بدأ ينظر إلى وجه هذا الشاب الجميل فعلاً، لكن هذا الوجه بدأ يتغير تدريجياً من البياض إلى السمرة، والسمرة تزداد وتزداد حتى اسود وجهه تماماً وصار كالفحم. ارتاع هذا الشاب الذي تطوع بغسله، فهو لأول مرة أو للمرة الثانية يشارك في تغسيل الموتى، خرج من المغسلة وهو في أشد حالات الخوف، لأنه شاهد الجسد أبيض والوجه أسود، فسأل عن ولي أمر هذا الشاب، فقيل له: ذلك الرجل الذي في الركن الفلاني، فذهب إليه مسرعاً، وقال له: أنت والده؟ قال: نعم، قال: ماذا كان يعمل ابنك؟ قال: لا أعرف، قال: أكان يصلي؟ قال: لا، والله ما كان يعرف الصلاة قط، قال: فأخرج ابنك فو الله لا أغسله في هذه المغسلة، فحُمل ولا يعلم أين ذهب به. إذاً: لحظة حاسمة وحرجة ودقيقة، حددت المصير وبينت النهاية لهذا الشاب.

قصة الشيخ المؤذن

قصة الشيخ المؤذن موقف خامس: هذا رجل آخر يسكن في منطقة الملز بالقرب من كلية أصول الدين، وكان في مسجد من مساجدها مؤذناً، وكان يؤذن في المسجد قبل إنشاء ما يسمى بوزارة الحج، منذ زمن بعيد، فكبر في عمره، وكان يمضي وقته في قراءة القرآن، وفي القيام بالمسجد، وفي الأمر بالمعروف في الأسواق القريبة في شارع الأمير عبد الله وما جاوره، عند ذلك قرر بعض جماعة في المسجد أن يقترحوا عليه اقتراحاً وهو: أن يترك الأذان باعتبار أنه قد بلغ من العمر ما بلغ، فذهبوا إليه وطرحوا عليه هذه الفكرة، لكنه أجابهم بإجابة صارمة حازمة، قال لهم: والله! إن الأذان يسري في دمي ولا أستطيع أن أتخلى عنه، فإذا كان قصدكم الراتب فخذوا الراتب لا أريد منكم قرشاً واحداً، لكن اتركوا لي الأذان، قالوا: ما كنا نقصد ذلك، وإنما أردنا أن نريحك، فاستمر في عمله، وكانت زوجته كفيفة، وكان يسكن مع قريب له، فاستمر فترة من الزمن، ولكن حصل ما لم يكن بالحسبان. لقد قرر هذا القريب الانتقال إلى مكان بعيد في حي السلام، فلابد أن ينتقل هذا الرجل الكبير مع قريبه، وكذلك هذا الرجل الكبير المؤذن فقد بصره فصار كفيفاً مثل زوجته، فرفض هذا الكفيف أن ينتقل مع قريبه، وأصر هذا القريب أن ينقله معه، باعتبار أنه لا يمكن أن يعيش لوحده، وفي النهاية اتفقوا على حل وسط، ألا وهو أن يقوم أحد أقرباء هذا الكفيف أو أي إنسان يسكن معهم في توصيله إلى المسجد قبيل أذان الظهر، ويعود لأخذه بعد أذان العشاء، فكان يمكث في المسجد وهو كفيف الظهر والعصر والمغرب والعشاء، كل هذا الوقت كان يقضيه في ذكر وطاعة وعبادة، وفي قيام بمهمة الأذان. فأصيب هذا المؤذن بمرض أقعده الفراش، وهذا المرض جعله لا يستطيع الحركة، حتى إنه كان يؤخذ ما تحته من قاذورات وغير ذلك، لعجزه وشدة مرضه، وفي ليلة من الليالي يقول أحد الصالحين الذين كانوا يسكنون معه: في وسط الليل استيقظ وطلب مني أن أدله على دورة المياه، فقلت له: إنك لا تستطيع، فأنت مقعد وكبير ومريض، قال: أقول: دلني على دورة المياه، فنهض كأحسن ما يكون النهوض، فأخذت بيده وذهبت به إلى دورة المياه، فتوضأ كأحسن ما يكون من وضوء، ثم انطلق على وجهه إلى صالة البيت، واتجه إلى القبلة وهو كفيف بدون دلالة مني، ثم رفع صوته بالأذان كأحسن ما يكون الأذان، ثم بعد أن انتهى أقام للصلاة كأحسن ما تكون الإقامة، ثم سقط ميتاً. كانت لحظة حاسمة وحرجة ودقيقة، حددت المصير لهذا الرجل، وبينت النهاية له.

خطر إطلاق النظر في الحرام

خطر إطلاق النظر في الحرام موقف سادس: ذكره الشيخ ابن القيم رحمه الله: أن رجلاً شاباً كان يقوم بمهمة الأذان في أحد المساجد، وكان يصعد المنارة في كل فرض لأداء الأذان، ولكنه لم يلتزم بالنهي الشديد فيما يرتبط بغض البصر، فكان يطلق لبصره العنان، يقلبه يمنة ويسره، وكانت المنارة تعلي البيوت، فنظر في لحظة من اللحظات إلى بيت، وإذا بفتاة جميلة في شكلها، ولم تكن متسترة باعتبار أنها في حرزها وفي بيتها ومأمنها، فأخذت بلبه وسلبت عقله، وأكمل الأذان بصعوبة، وعرف مكان البيت، ونزل مسرعاً متجهاً إلى البيت، وعرف أن هذا منزل رجل نصراني، فرجع إلى المسجد وأكمل الصلاة بصعوبة، ودخل بيته وتزين بأحسن الأزياء، ثم ذهب إلى هذا الرجل النصراني في منزله وطرق الباب واستأذن، ولم تكن هناك حشمة باعتبار أنهم لا يلقون بالاً للحشمة، ودخل فرأى البنت وإذا هي أجمل مما رآها من قبل، فطلب من صاحب البيت أن يتزوج من هذه البنت؛ لأنه علم أنها لم تكن متزوجة، فقال له صاحب البيت: لا نستطيع أن نزوجك باعتبار أنك لست على ديننا، فإذا كنت على ديننا فلا مانع من أن نعطيك ما تريد، فخرج وهناك صراع هائل رهيب بين العاطفة وبين العقل، صراع هائل يعيش في داخله، هل يا ترى يضحي بدينه في سبيل هذه الفتاة الجميلة، أم يصمد على دينه ويتمسك به ويفقد هذه الدرة التي لم يرَ أحسن منها؟ وفي النهاية تغلب الهوى وتغلبت النفس، فذهب إليهم وقال: ليس عندي مانع من الدخول في دينكم، وفي قرارة نفسه أنه سيعود إلى الإسلام بعد أن يظفر بها، قالوا له: لا، والله، إلا بعد أن نختبرك، بعد أن تعيش معنا فترة من الزمن. ولعل تلك الفترة التي تحدث عنها ابن القيم كانت فترة ضعف للأمة الإسلامية، بحيث لم يكن هناك إمكانية لإقامة حد الردة على هذا المرتد فاتجه هذا الشخص معهم إلى كنائسهم وبدأ يرعى الخنازير ولبس الزنار، واستخدم كل العبادات التي يستخدمونها، وأكل مما يأكلون وشرب مما يشربون، وترك الدين جملة وتفصيلاً، وعندما وثقوا منه، قالوا له: إن موعد الزواج الليلة، فاتجه إلى منزله وبدأ يتجهز ويجهز ما استطاع تجهيزه، فصعد إلى سطح بيته وبدأ ينظم بعض الأشياء، وكان سطحاً خرباً، وكان الرجل قد تعب من التنظيم والترتيب فأرد أن يتكئ على الجدار قليلاً، فاتكأ على جدار مهترئ ضعيف البنية، وعندما اتكأ عليه سقط الجدار وسقط الرجل وكانت النهاية، فمات على دين النصرانية. وكانت لحظة حاسمة وحرجة ودقيقة، حددت المصير وبينت النهاية لهذا الشاب.

الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة

الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة لعل المواقف كثيرة جداً ومتكررة، ولكن الوقت ربما لا يسعف بذكرها كلها، فندخل في نقطة أخرى من النقاط التي لابد أن يعملها كل مسلم، هذه النقطة: هي أن كل فرد على وجه هذه الأرض لا يمكن أن يخطئ واحداً من هذين الطريقين: إما أن يختم له بخاتمة حسنة، وإما أن يختم له بخاتمة سيئة، وليس هناك طريق ثالث غير هذين الطريقين، فانظر يا أخي إلى أي الطريقين تسلك. قد يسأل سائل وقد يطرح سؤالاً: يا ترى ما هي الوسائل وما هي الطرق وما هي الإمكانات التي إذا تمسكت بها وسرت عليها أظفر بالطريق الذي يدلني والذي يرشدني إلى النهاية السعيدة، والخاتمة الخسنة؟! كنت قد ألقيت هذه المحاضرة في منطقة القويعية قبل فترة في العطلة الصيفية، وسبحان الله العظيم! كانت الفترة التي ألقيت فيها هذه المحاضرة، قبلها بيومين قد حصلت حادثة في هذه المنطقة تدل على حسن الخاتمة، عرفها كل أهل القويعية والمناطق المجاورة لها. يقولون: إن هناك سيارة فيها رجلان وامرأة اتجهت من القويعية إلى قرية قريبة من القرى في تلك المنطقة، واصطدمت هذه السيارة مع سيارة أخرى وجهاً لوجه، واحترقت السيارة التي تحمل الرجلين والمرأة، وجاءت وسائل الإطفاء والإسعاف، وقد رأيت السيارة وأخرجوا الجثث المحترقة، كانت الجثث محترقة تماماً ليس فيها شيء يميز هذه الجثث عن بعضها، فحملت لتدفن، وقبيل الدفن فقد أهل المرأة يد المرأة، وهي لم تغسل باعتبار عدم إمكانية التغسيل. فقالوا: إن يد المرأة غير موجودة، فاتجهوا مرة ثانية إلى السيارة ففتشوا فيها ووجدوا يد المرأة منقطعة من الكتف، وإذا هي لم تتعرض لأي أثر من آثار الحريق، وإذا هي قد ضمت أصابعها بهذه الكيفية، ورفعت إصبعاً، وأغلب أهل القويعية رأوا هذه اليد بهذه الصورة، يقولون: فذهبنا لنسأل عن هذه المرأة، فقالوا لنا: إنها امرأة صوامة قوامة تمضي الليل في قيام، وتمضي النهار في صيام، وكانت خاتمة حسنة لهذه المرأة. إذاً: هذا المنهج وهذا السبيل وهذا الطريق لابد له من عمل، ولا بد له من بذل، وهو ما اصطلح على تسميته بالأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة.

السبب الأول من الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة تذكر الموت

السبب الأول من الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة تذكر الموت الأسباب كثيرة ومتنوعة ومتعددة، لكن يمكن أن نحصرها في الأسباب التالية: أولاً: تذكر الموت وما بعد الموت باستمرار. للأسف الشديد ليس لدينا أي جانب من جوانب التذكر المرتبط بالموت وما بعد الموت وما في الموت وما حول الموت، ليس لدينا أي اهتمام بذلك؛ باعتبار الانشغال المستمر بالدنيا الذي جعل كل حياتنا تمضي في هذا الجانب، وربما يكون الإنسان مشتغلاً بأمور قد حث عليها الشرع، ولكن الأصل في ذلك أن يخصص المرء شيئاً يسيراً من وقته لتذكر الموت وما بعد الموت باستمرار. إن تذكر الموت يجعل الحياة هينة بالنسبة للإنسان، ويجعل قيمة هذه الحياة تنحدر تدريجياً حتى تصل إلى لا شيء بالنسبة لهذا الإنسان، حتى يصل به الأمر إلى أن يرى هؤلاء التجار وهؤلاء الأغنياء وهؤلاء الفساق ممن أنعم الله عليهم بالنعم الهائلة من ملك وسلطان ووزارة وغير ذلك، ينظر إلى هؤلاء على أنهم قد ابتلاهم الله ببلية عظيمة، لكنهم لم يحسنوا التصرف فيها، فتهون عليه الدنيا، بل تذكر الموت يجعلك يا أيها الإنسان تعمل الطاعات باستمرار. يذكر عن أحد الصالحين أنه حفر قبراً في منزله، وكان إذا أحس بضعف إيماني رقد في قبره، وكان يغطي هذا القبر بغطاء قوي، فيبدأ في التذكر ومحاسبة النفس، فكان يخاطب نفسه: يا نفس ماذا تتمنين؟ يا نفس ماذا ترغبين؟ يا نفس ماذا تريدين؟ فتجيبه أريد أن أصلي ركعتين، أريد أن أتصدق بدرهمين، أريد أن أفعل وأفعل، فيقول: الطريق أمامك مفتوح، والباب أمامك واسع، فيخرج من قبره وقد ازداد إيماناً، يا ترى هل طبقنا مثل هذا؟ هل ذهبنا إلى المقابر؟ هل زرنا المقبرة؟ هل جلسنا على شفير القبر؟ هل مكث أحد منا لوحده بجانب قبر يتذكر ماذا يلاقي صاحب هذا القبر؟ هل دخل أحد منا في القبر لوحده؟ هل رقد فيه لوحده؟ هل غطى على نفسه؟ كلنا لم يفعل ذلك للأسف الشديد إلا من رحم الله، لماذا يا ترى؟ مثل هذا الموقف يجعل إيماننا يزداد، ونحن نعيش في وقت قست فيه قلوبنا قسوة عجيبة، وصلت فيه الأمور إلى أن هذه القلوب ربما تفوق الحجارة في القسوة وفي الشدة، لماذا لا نرققها؟ لماذا لا نلينها بهذا العمل وبغيره من الأعمال؟

السبب الثاني من الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة زيارة المقابر وتشييع الموتى وغسلهم

السبب الثاني من الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة زيارة المقابر وتشييع الموتى وغسلهم السبب الذي يليه: زيارة المقابر وتغسيل الموتى وتشييع الجنائز، فقضية تغسيل الموتى وتشييعهم مع زيارة المقابر قضية مترابطة، فلابد أن تذهب إلى المقبرة، وتجلس فيها لتتفكر وتنظر من يأتي ومن يخرج، وتتفكر في موقف هؤلاء، فمثلاً تقول: كان هذا الرجل وزيراً يقود وزارة كاملة فيها آلاف الموظفين، وأمره مطاع ونهيه مطاع، ومع ذلك لا قيمة له في هذه الحالة. وهذه ضابط كبير قائد معسكر كبير ومع ذلك انتهى كل ذلك فلا قيمة له؛ لأن القيمة في العمل، فإن كان قدم خيراً فهو الذي سيجد، وإن كان غير ذلك فلا حول ولا قوة إلا بالله، وقد يكون تغسيل الموتى له دور في ذلك، بل وقد ترى موقفاً من مواقف حسن الختام أو من مواقف سوء الختام وأنت جالس، بل وربما تجلس بجانب رجل يحتضر، وربما يكون لهذا الاحتضار دور في إنماء الإيمان وتقويته في قلبك، بعد أن أوشك على الموت والاندثار. كنت بجانب الوالد في المستشفى المركزي، وكان مصاباً بكسر في حوضه، وكان في الغرفة المجاورة لنا رجل كان يبدو عليه لا أقول سماع خير، إنما سماع شر، وفي ليلة من الليالي وفي آخر الليل بدأ هذا الرجل يصرخ، ذهب إليه الأطباء ولم أكن موجوداً، لكن حدثني أحد المرافقين الذي كان في مرافقة الوالد، قال: إنه عندما بدأ هذا الرجل يحتضر كان أحد الأطباء الصالحين الطيبين معه الأكسجين، وكان يحاول أن ينقذ حياته، فعندما وجد أن لا فائدة ولا نتيجة، بدأ يلقنه الشهادة، فكان يقول وللأسف الشديد بصوت عالٍ: هل رأى الحب سكارى مثلنا، كان يصرخ بكل قوة وبكل شدة، يقول هذا المرافق ومعه مجموعة: والله لقد ارتسمت الصورة في أذهاننا، ولن تزول أبداً صورة هذا الرجل. إذاً: جلوسهم بجانبه أعطاهم دفعة إيمانية قوية ارتسمت في قلوبهم، ولن تزول ولن تضيع بمشيئة الله تعالى.

السبب الثالث من الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة الابتعاد عن مقسيات القلوب

السبب الثالث من الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة الابتعاد عن مقسيات القلوب هذا سبب إذا اتبعه الإنسان مع أسباب أخرى أحسن الله له الخاتمة ألا وهو: الابتعاد عن مقسيات القلوب، ومقسيات القلوب كثيرة، ولعل الحديث عنها يطول ويطول، ولكن أبرز مقسيات القلوب في هذا الوقت بالذات هي وسائل الإعلام بصورها وأشكالها وأنواعها المتعددة المتكررة، كالفيديو والسينما والتلفاز والصحافة والمجلات وغير ذلك مما هو موجود لدينا، عندما يعكف الإنسان عليها باستمرار وبشكل متتابع ومستمر، فإن قلبه يميل معها، وقلبه يحب هذا الشيء الذي يعرض فيها، ثم بعد ذلك يلتصق به التصاقاً لا ينفك عنه إلى أن يموت؛ لأن من أحب شيئاً مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه. فهذا الرجل الذي يعكف على الغناء أو على الأفلام، أو على كذا، سيترتب على ذلك أن هذا الرجل سيدمر نفسه وحياته وأسرته. ومجال الدخول في وسائل الإعلام ليس هذا وقته، ولعل هناك من هو أقدر مني ممن يستطيع التحدث عنه ومناقشته.

السبب الرابع من الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة الارتباط بالصالحين

السبب الرابع من الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة الارتباط بالصالحين الارتباط بالصالحين سبب مهم جداً؛ ليسير الإنسان في طريق صحيح، ويختم له بخاتمة حسنة، لأن الإنسان عندما يساير الصالحين ويحب الصالحين ويعيش مع الصالحين، ويسايرهم في تنقلاتهم وتحركاتهم وأعمالهم وتصرفاتهم، يسير معهم على الهدى وطريق الحق، ويكون مثلهم، هذا هو الأصل في هذه القضية. ولعل هناك قصة تحضرني حول هذا الجانب، وهي من القصص اللطيفة المعاصرة فيما يتعلق بالارتباط بالصالحين وآثار ذلك على النفس والأسرة، وهذه القصة هي: كان هناك مدرس مرحلة ابتدائية، يقول: ونحن مجموعة في أحد المجالس، فحدث موقف غريب. يقول: بجانب المدرسة التي كنت أدرس فيها قصر ضخم جداً، وكان هذا القصر الضخم العالي الأسوار مجهول الهوية، لكبره واتساعه، يقول: كان هذا القصر يسكنه أحد الأشخاص، وكان لا يصلي ولا يعرف من الإسلام إلا الاسم فقط، كان يسكن القصر هو وزوجته وأبناؤه الصغار الذين لا تكليف عليهم، فبلغ أحد الأبناء سن الدراسة، فبدأ هذا الأب يتردد ويحتار، هل يا ترى يدخل هذا الابن في المدرسة الحكومية الملاصقة لبيته، المدرسة التي تمتاز بسوء البنيان وبضعف الخدمات، أم يذهب به إلى مدرسة أهلية من أفخم المدارس وأجمل المدارس، المال لا قيمة له عنده، لكنه بدأ يفكر، المدارس الأهلية تحمل الغث والسمين، والغث هو الغالب، أما هذه المدرسة الحكومية فقد لاحظ عليها ملاحظات جميلة، ففيها نشاط جميل، والأساتذة الذين يدخلون ويخرجون كان يلحظهم كلهم من الصالحين، وكان يسمع إذاعة المدرسة في الصباح، ويسمع البرامج التي يربى عليها النشء، وأخيراً عقد العزم على إدخال ابنه هذه المدرسة، فدخل هذا الابن إلى هذه المدرسة في الأسبوع الأول. يقول المدرس: كان الطفل يخرج في الساعة العاشرة أو العاشرة والنصف، وفي الأسبوع الثاني، بدأ يمكث معنا حتى صلاة الظهر، لم يكن يعرف كيف يصلي، وكان لا يعرف الركوع ولا السجود، فأخذته جانباً وطلبت منه أن يبين لي لماذا لا تعرف الصلاة؟ قال: لم أذهب إلى مسجد قط، أبداً؟ قلت له: ألم يكن والدك يصلي؟ قال: أبداً، يقول: فعقدت العزم على أن أركز على هذا الشاب لعل الله سبحانه وتعالى أن يجعله سبباً لهداية أسرته. وفعلاً بدأ هذا المدرس يربيه شيئاً فشيئاً، وأحب هذا الطفل المدرس، وبدأ يحافظ على الصلاة في المسجد القريب الظهر والعصر في المدرسة، والمغرب والعشاء في المسجد، لكن بقيت صلاة الفجر، كيف يصلي الفجر يا ترى وهو لا يوقظ من أحد؛ ولا يستيقظ إلا إذا أوقظ في الساعة السابعة، فقرر قراراً -وقد كان طفلاً ذكياً- فطلب من والده أن يوقظه لصلاة الفجر، قال له والده: إنك صغير على الصلاة فأصر الطفل، ثم لم يوقظ وفي اليوم الثاني هدد أباه بأنه إذا لم يوقظه لصلاة الفجر فإنه لن يدرس، وفي اليوم التالي لم يوقظه أبوه إلا قبيل الذهاب إلى المدرسة بقليل، فبدأ يبكي بشدة، فلم يدرس باعتبار أنه طفل مدلل، ولم يرغم على الدراسة وترك في البيت، وفي اليوم الثاني نفذ التهديد وترك الدراسة، وفي اليوم الثالث أوقظه الوالد وذهب به إلى المسجد بالسيارة، فدخل الطفل المسجد وصلى، أما الأب وللأسف فكان في السيارة ينتظر، تكررت العملية مرة أو مرتين أو ثلاثاً، وفي اليوم الرابع لم يستيقظ، فغاب عن المدرسة وكانت القضية واحدة بواحدة، إن أيقظتني للصلاة درست وإلا فلا، كان الأب في فترة المكوث جانب المسجد يفكر: وهل من المعقول أن يكون هذا الطفل الساذج الصغير أفهم مني وأعقل مني وأحسن إدراكاً مني؟ وكانت الخواطر تأتيه واحدة تلو الأخرى، وأخيراً عرف أنه كان على طريق خاطئ، وعلى ضلال، فهداه الله سبحانه وتعالى، واهتدت الأسرة بكاملها، بفعل هذا التصرف من المدرس. إذاً: هذا الأب عندما قرر أن يجعل ابنه في مدرسة فيها مدرسون صالحون، كان هذا سبيلاً لهدايته إلى الحق، فلعل الحكاية الطريفة حول هذا الطفل لم تنته، وهو لا زال في الصف الثالث أو الرابع الابتدائي الآن، يقول المدرس: في يوم من الأيام أخرجت الطلاب الذين لم يؤدوا الواجب، فضربتهم، وبقي هذا الطفل وكان معهم فطلبت منه أن يفتح يده لأضربه باعتبار أنه يستحق العقاب؛ لعدم أدائه واجب المادة، فقال الطفل: يا أستاذ لا تستطيع أن تضربني، لقد كانت كلمة هائلة من طفل صغير، قلت: لماذا؟! قال: لأني صليت الفجر في جماعة، وإمام المسجد الذي أصلي فيه حدثنا بعد العصر وقال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله حتى يمسي)، وأنا في ذمة الله، فلا تستطيع أن تضربني. كان عملاً ذكياً وقولاً صادقاً في نفس الوقت، وهو يدل على ذكاء عجيب. وهذا الطفل الآن في السنة الدراسية الثالثة أو الرابعة وهو من أذكى أطفال هذه المدرسة.

السبب الخامس من الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة الكسب الحلال

السبب الخامس من الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة الكسب الحلال من الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة: الكسب الحلال، هذه القضية للأسف الشديد لم تلقَ منا أي اعتبار، ولعل الدخول فيها قد يؤدي إلى أخذ كثير من الوقت، لكني أحصرها في جانبين اثنين: الجانب الأول: جانب التنمية المالية للأموال الموجودة لدينا. الجانب الثاني: هو ما يرتبط بأكلنا وشربنا. أما الجانب الأول فيما يرتبط بالتنمية المالية: كلنا يسعى إلى الحصول على المال، وكلنا يتمنى أن يزداد هذا المال ويتكاثر وينمو، ليصرفه في مجالات الخير، هذا الهدف موجود لدينا جميعاً في تنمية أموال، لكن ما هو السبيل وما هو الطريق إلى تنمية المال؟ هذا الطريق وهذا السبيل هو الذي ضل فيه الكثير من الناس للأسف الشديد، فبدءوا يضعون الأموال في البنوك الربوية وتدر عليهم بالأرباح الربوية، وتزداد الأموال بهذه الطريقة وبهذه الكيفية، فيغذي جسده بمال حرام، ويترتب على ذلك وللأسف الشديد أن النار ستكون قريبة منه؛ لأنه ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أيما جسد نبت من سحت فالنار أولى به). نحن ندعم البنوك الربوية بأموالنا لماذا يا ترى؟ لنفترض أن لدينا في هذه الحارة أحد البنوك الربوية، ولنفترض أنه البنك الأمريكي، هذا البنك يقوم بأموالنا ويعمل بأموالنا، فلو سحبنا جميعاً هذه الأموال منه وجعلناه قاعاً صفصفاً فإنه سيغلق أبوابه، وسيجر أذيال الخيبة باحثاً عن مكان آخر. إذاً: نحن الذين ندعم ونشجع هذه البنوك الربوية، قد يقول قائل: أنا لا آخذ الربا، أنا أعطي أموالي ولا آخذ عليها ربا، نقول: وأنت كذلك قد أحييت هذا البنك؛ لأنك وضعت المال فيه، وجعلت التعاون على الإثم والعدوان هو الماثل أمامك؛ لأنك دعمته وأيدته وشجعته بهذه الكيفية وهذه الطريق. إذاً: لابد أن يكون في ذهن كل منا منهج وطريق، وهو ألا تدعم هذه البنوك، وألا يساهم فيها، وألا يضع المرء المسلم ماله فيها، حتى تغلق هذه البنوك أبوابها، ثم بعد ذلك ننشئ بقدراتنا بنوكاً إسلامية، ونسأل الله أن يفك قيد هذه البنوك الإسلامية وتفتح. أما الجانب الآخر: فهو جانب الأكل والشرب، نحن لا نلقي بالاً ماذا نأكل؟ وماذا نشرب؟ فقضية أكل الحلال والبحث عنه والابتعاد عن الحرام وتركه هذا الجانب لم نلقِ له بالاً، ولعلكم تعرفون الحديث ولو أن فيه ضعفاً، ولكنه معتضد بأحاديث أخرى، عندما طلب سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون مجاب الدعوة، فقال له عليه الصلاة والسلام: (أطب مطعمك تكن مجاب الدعوة)، فهل أطبنا المطعم يا ترى، أم أننا نأكل مما شئنا، ونبحث عن أي شيء لنأكله بدون النظر هل هذا من حلال أم من حرام؟! وهذا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، ذلك الرجل العظيم الذي بنى للإسلام ذروة ومجداً ومكانة، هذا الرجل طلب من أحد خدامه أن يأتي له بلبن من إبله الخاصة، فذهب الخادم ولم يجد نياقه الخاصة، فوجد ناقة من إبل الصدقة فحلب منها، ثم أعطاه لـ عمر، فشرب منه شربة واحدة، ولكن نفسه عافته، فقال له: من أين جئت بهذا اللبن؟ قال: من إبل الصدقة، فحاول وبذل جهداً حتى استقاء ذلك اللبن الذي شربه؛ لأنه لا يريد أن ينمو جسده من حرام، مع العلم أن لـ عمر عذراً في ذلك؛ باعتبار أنه لا يعلم، فكيف بمن يعلم وبمن يعرف؟!

السبب السادس من الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة إحسان الظن بالله تعالى

السبب السادس من الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة إحسان الظن بالله تعالى من الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة: إحسان الظن بالله تعالى، هذه القضية من القضايا التي غفلنا عنها وتناسينها؛ لأن ما في هذه الحياة من الملاهي أخذت منا كل أوقاتنا، فجعلتنا ننسى مسألة رحمة الله تعالى وعظم فضل الله تعالى، وأن الله سبحانه وتعالى قد ادخر عنده تسعة وتسعين رحمة، وأنزل علينا رحمة واحدة في الأرض نتراحم بها منذ خلق الله آدم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وتلك الرحمات العظيمة المدخرة عند الله خصصت لعباده الصالحين، فينبغي أن تكون دائماً نصب أعيننا، لعل الله سبحانه وتعالى يجعلنا من أهلها، لكن مع الأخذ في الاعتبار أن ما في هذه الحياة من فعل حسن فعلناه ربما لا يقبل منا، ولذلك روي عن أحد الصالحين أنه قال: والله ما كنا نخشى من قلة العمل، ولكنا نخشى من عدم القبول. وكان أحدهم يقول: والله لو علمت أن الله قد قبل مني حسنة واحدة لما وسعتني الدنيا من الفرح؛ لأن الله قال: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27]. إذاً: ينبغي في هذه الحالة أن يكون حسن الظن نصب أعيننا باستمرار، لكن لا يطغى ذلك فيجعل القضية كلها رجاء مستمر، وليس هناك أي خوف من عذاب الله ومن عقاب الله، ومن عدم قبول العمل ورده علينا، ولعل هناك رواية تذكر عن عمر بن الخطاب فإن صحت فجدير أن تكتب بماء الذهب، تقول هذه الرواية العظيمة: والله لو أن منادياً نادى: يا أهل المحشر! ادخلوا الجنة كلكم إلا واحداً لظننت أنه أنا هذا الواحد! إذاًً: منتهى الخوف والرجاء عند عمر بن الخطاب، تعادل الرجاء وتعادل الخوف عند عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وهذا الذي ينبغي أن نسير عليه باستمرار.

السبب السابع من الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة المداومة على العمل الصالح

السبب السابع من الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة المداومة على العمل الصالح السبب الأخير من الأسباب المؤدية إلى حسن الخاتمة: المداومة على العمل الصالح، وإن قل هذا العمل، فإن أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل، فلابد لكل منا أن يجعل لنفسه من غير الفرائض أعمالاً صالحة يلتزم بها باستمرار، ولو كانت قليلة لكنها دائمة، فالإنسان إذا داوم على عمل صالح فلعله يموت في أثناء تأديته لذلك العمل، أو بعد أن أدى هذا العمل بقليل، باعتبار أنه يداوم على أعمال متنوعة، من كونه يقرأ من القرآن قدراً معيناً، ويؤدي من الصلوات أو الركعات المسنونة قدراً معيناً، وله جلسات ذكر معينة وله وله، فهذه كلها إذا ارتبط بها الإنسان وسار عليها والتزم بها سيجد فيما بعد صعوبة في تركها، وسيجد أثر ذلك على نفسه وعلى حياته، وسيجد أهم من ذلك كله، سيجد أثر ذلك في آخرته، سيجده عندما يكون أحوج ما يكون إلى هذا العمل.

علامات حسن الخاتمة

علامات حسن الخاتمة قد يقول قائل: هل لي أن أعرف هل مات فلان على خاتمة حسنة أو خاتمة سيئة؟ نقول: هذه القضية في علم الغيب، لكن هناك علامات قد تعطيك بعض الدليل وليس كل الدليل، وتعطيك نوعاً من الرجاء وليس كل الرجاء في أن فلاناً أو فلاناً قد ختم له بخاتمة حسنة. أولى هذه العلامات: النطق بالشهادتين عند الوفاة. قد يقول قائل: إن من السهل إذا جاء الموت أن الإنسان ينطق بالشهادتين، وأن هذا أمر ميسور، ولكني أقول لك كما قال العلماء الذين سطروا هذه القضية في كتبهم: إن النطق في لحظة الوفاة يرتبط بما عاشه الإنسان طوال حياته، فعندما يعايش الإنسان قضية ما، ثم تأخذ عليه كل لبه وكل وقته، فإنه لا يتذكر في لحظة الوفاة إلا تلك القضية، فعندما يأتيه من يلقنه الشهادتين ويقول له: يا فلان! قل: لا إله إلا الله، لا يتذكر إلا تلك القضية التي عايشها. ولعل ما ذكره ابن القيم من قصة حول هذا المعنى تعطينا الدليل، يقول: كان هناك شاب ورث عن والده مالاً كثيراً، فبنى به قصراً ضخماً، وبدأ يتزين ويتهيأ أمام هذا القصر ليتصيد من يمر بهذا القصر، فمرت به فتاة جميلة وسألته: يا عبد الله! أين حمام منجاب؟ فقال لها: هذا، وأشار إلى بيته، فدخلت وكشفت عن وجهها، ودخل خلفها فرأى وجهاً جميلاً، فأخذت بعقله أخذت ولبه، وعندما رأت أنها وقعت في الفخ، رأت أنها لا تستطيع أن تنجو إلا بحيلة، فقالت: كم كنت أتمنى أن ألتقي بشاب مثلك في جمالك وفي غناك، لكن ترى أن المجلس لا يحلى إلا بكذا وكذا وكذا، وطلبت أشياء توقعت أنها غير موجودة في هذا المنزل، ففرح هذا الشاب بهذه الموافقة العجيبة من هذه الفتاة، فخرج مسرعاً إلى أقرب محل فاشترى ما أرادت ورجع إلى البيت فلم يجدها، فبحث في كل أرجاء البيت وفي كل زوايا البيت، لكنه لم يجدها، فزاغ عقله وذهب لبه في هذه الحالة؛ لأنه فقدها، فخرج من البيت وهو يردد البيت المشهور: يا رُب قائلة يوماً وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجاب كان يردد هذا البيت في الأسواق، فجن عقله وهو يردد هذا البيت، وكانت البنات الصغيرات يخرجن إليه عندما يرينه يمر بجوار منازلهن ويرددن: هلا جعلت سريعاً إذ ظفرت بها حرزاً على الدار أو قفلاً على الباب عندما اقترب موعد الأجل، كان أهله يلقنونه الشهادة، وكان يردد: يا رب قائلة يوماً وقد تعبت أين الطريق إلى حمام منجاب لا يتصور عقله أن في هذه الدنيا إلا هذه الكلمة فيرفض قبول الشهادة، وهذا هو واقع هذا الرجل الذي كان يردد هذا البيت من الشعر. العلامة الثانية: الموت في رشح الجبين: يروى: (أن بريدة بن الحصيب الصحابي الجليل، ذهب في زيارة أخ له في منطقة خراسان، ووجده في الموت، فرأى جبينه يعرق، فقال: الله أكبر! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: موت المؤمن بعرق الجبين). إذاً: إذا رأيت رجلاً في شدة البرد وهو يعرق منه الجبين فقط، فهذه علامة، ولقد رأيت العرق على جبين أحد المتوفين في يوم ما، ولم يكن هناك أي عرق على خديه أو على الرقبة، أو غير ذلك من المواضع التي غطيت ببعض اللحف، لم يكن هناك أي عرق إلا على الجبهة فقط، ولعل هذا فيه دلالة على حسن الخاتمة إن شاء الله. العلامة الثالثة: الموت ليلة الجمعة، أو نهار الجمعة من المؤمنين بالذات، ولعل هناك كفار يموتون ليلة الجمعة ويوم الجمعة ويصلى عليهم في الحرم النبوي أو المكي، ويدفنون في البقيع، ومع ذلك فهم كفار، إنما المؤمن إذا مات في ليلة الجمعة أو نهارها، فلعل الله أن يختم له بخاتمة حسنة. العلامة الرابعة: الاستشهاد في ساحة القتال، أو الموت أثناء الطريق إلى القتال في سبيل الله، هذا فيه دلالة على حسن الخاتمة إن شاء الله. العلامة الخامسة: موت المؤمن بأمراض متعددة إذا صبر واحتسب، كالكوليرا والطاعون والسل وغيرها، فقد ذكرت الأدلة الصحيحة في ذلك فيما يرتبط بداء البطن، الذي ذكره الأطباء أنه الكوليرا الآن والطاعون والسل، وكالموت غرقاً أو هدماً أو حرقاً بالنسبة للمؤمنين، هذا يرجى فيه أن يكون الشخص قد مات شهيداً، وهناك أنواع كثيرة للشهداء، فقد جاء في الحديث: (أن المصطفى عليه الصلاة والسلام زار عبد الله بن رواحة وكان مريضاً فجلس على طرف السرير، وسأل سؤالاً وقال: من الشهداء في أمتي؟ فقيل له: الشهيد الذي يقتل في سبيل الله، فقال: إذاً شهداء أمتي قليل، ثم قال الرسول عليه الصلاة والسلام: إن الشهداء سبعة، وذكر منهم: المصاب بالطاعون، والمصاب بداء البطن، والغريق والذي مات بالهدم، ومات بالحرق، والمرأة تموت في نفاسها ,) إلى آخر الحديث، فذكر أن هؤلاء كلهم شهداء، وهذا من فضل الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة. إذاً: أختم هذا الكلام بمقولة جميلة جداً ذكرها أحد العلماء، نقلها ابن القيم في الجواب الكافي رحمه الله تعالى، يقول: قال الحافظ أبو محمد الأشبيلي: واعلم أن لسوء الخاتمة أسباباً وطرقاً وأبواباً، أعظمها الانكباب على الدنيا والإعراض عن الأخرى، والإقدام والجرأة على معاصي الله عز وجل، وربما غلب على الإنسان ضرب من الخطيئة ونوع من المعصية وجانب من الإعراض ونصيب من الجرأة والإقدام فملك قلبه، وسبى عقله، وأطفأ نوره، وأرسل عليه حجبه، فلم تنفع فيه التذكرة، ولا نجحت فيه الموعظة، وربما جاءه الموت وهو على ذلك، وسمع النداء من مكان بعيد، فلم يتبين المراد ولا علم ما أراد، وإن كرر عليه الداعي وأعاد. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

كيفية التخلص من المعاملة مع البنوك الربوية

كيفية التخلص من المعاملة مع البنوك الربوية Q كيف نتخلص من الربا مع أن معاملة حكومات الدول الإسلامية والناس مع البنوك الربوية منتشرة، واختلط الحلال بالحرام؟ A نحن نعلم أننا في الزمان الذي ربما ينطبق عليه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس زمان من لم يأكل الربا أصابه غباره)، فنحن وللأسف الشديد نعيش أزمة، ولا يحس هذه الأزمة إلا من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، هذه القضية هي قضية دخول المال الحرام مع المال الحلال واختلاط هذا بهذا، لكننا نسعى ونبذل ولعل الجهود تنجح، وإذا تضافرت الجهود أتت الثمار بمسألة التقليل من هذا البلاء. وهناك مسائل ربما يطلق عليها قضايا الاضطرار ومسائل الاضطرار، فإذا اضطر الإنسان إليها اضطراراً لا مفر منه، فهذه تأخذ حكماً مستقلاً عن الحكم العام لسائر القضايا، فإذا اضطر الإنسان إلى مسألة ولم يجد مناصاً لهذه القضية، فعليه أن يتحرى أولاً مسألة البحث عن الحلال أو سلوك طريق الحلال، فإن لم يعثر على ذلك فليسأل وليستفسر لعل غيره يدله على طرق الحلال، ثم بعد ذلك إن لم يجد فالمسألة إن شاء الله فيها نوع من التخفيف، ولعل القضية هنا مثل ما ذكرها الأخ، وهي: أن قضية الحساب الجاري لبنك من البنوك ليست مسألة ملزمة بالنسبة لكل البنوك، بل عليه أن يتجه إلى بنك لا يتعامل بالربا، وبالتالي يبرئ ذمته في هذه الحالة أو بهذه الكيفية.

واجب الأمة في النهوض بها إلى العزة والكرامة

واجب الأمة في النهوض بها إلى العزة والكرامة Q يقول السائل: أنا تائب إلى الله سبحانه وتعالى، ولقد ارتكبت كثيراً من المعاصي، وأطلب منكم بيان طريق النجاة، وأطلب من الحاضرين الدعاء لي ولهم بالهداية؟ A أما بيان طريق النجاة وسلوك طريق النجاة فهذا أمره ميسور وسهل، ونحن في هذا الزمان وفي هذا الوقت بالذات نعيش مرحلة من المراحل الحرجة التي تمر بالأمة المسلمة، والتي تحتاج من كل فرد أي كان هذا الفرد كبيراً أو صغيراً ذكراً أو أنثى أن يبذل ويبذل في سبيل النهوض بهذه الأمة الشابة، بهذه الأمة الفتية التي عاشت مدة طويلة وفترات طويلة فيما يسمى بالغثائية، هذه الفترة لابد أن تنزاح ولابد أن تزول ولابد أن تنجلي، ولا تنجلي هذه القضية وهذه المسألة إلا بالعمل؛ لأن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، فلابد من البذل والتضحية، ولابد من العمل الدءوب المستمر. ولعلك أيها الشاب التائب من يساهم في نهضة الأمة وبروزها ورفعتها، فقد سامها الذل أحط الناس وأرذلهم وهم اليهود والنصارى، ولعلي أذكر لكم البشارة التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال لنا في الحديث الصحيح: (تكون نبوة، ثم يشاء الله لها إلى أن تنقضي، ثم تكون خلافة راشدة، ثم يشاء الله لها إلى أن تنقضي، ثم يكون ملكاً عضوضاً، ثم يشاء الله له إلى أن ينقضي، ثم تكون جبرية، ثم يشاء الله لها إلى أن تنقضي، ثم تكون خلافة راشدة تعم الأرض، ثم سكت عليه الصلاة والسلام). فالنبوة انتهت، والخلافة الراشدة انتهت، والملك العضوض انتهى بالأمويين والعباسيين والعثمانيين، ملك قوة وعزة مع وجود بلاء ودخن، لكن كان المسلمون في عزة وقوة ونشاط وحيوية، ثم انتهت الخلافة العثمانية وتبدد العالم الإسلامي إلى دويلات جبرية وتسلط فيها الناس، هذا شيوعي وهذا علماني وهذا بعثي وهذا ماركسي وهذا نفعي وهذا وهذا، وهذا هو حالنا، وهذه المرحلة ستزول عندما نعمل كلنا بلا استثناء، فإن العمل سيثمر، والثمرة ستكون هداية الآخرين، وكلما كبرت القاعدة توسعت القاعدة وازدادت القاعدة، فرتب على ذلك عودت الأمة إلى عزها وإلى قوتها. قد يقول قائل: ماذا أفعل؟ لا قدرة لي على الخطابة، لا قدرة لي على الإلقاء، لا قدرة لي على المشاركة، ماذا أصنع؟ ماذا أفعل؟ أقوال: المجال مفتوح بطرق كثيرة متعددة، خذوا مثالاً على ذلك: شاب صغير يدرس في سادس ابتدائي أصيب في حباله الصوتية بمرض، هذا المرض جعله لا يستطيع أن يتكلم إلا بصعوبة وبكلفة، فهو يتعتع في كلامه، وفي نهاية المطاف ترك الدراسة واتجه إلى مدرسة أهلية تعلم الآلة الطابعة، توظف في إحدى المصالح الحكومية براتب ضعيف، لكنه يسد الحاجة، بدأ يصرف على والده المقعد، وأمه الكبيرة وإخوته الصغار، وبدأ يجلس في المجالس، لكن هذه المجالس لا تعترف بالشخص السلبي؛ لأنه يجلس يستمع، ولا يشارك بكلام، فهو لا يستطيع أن يتكلم. بدأ يبحث عن الأماكن التي فيها الدروس والمحاضرات والندوات والخطب، وبدأ يسمع الأشرطة ويقرأ الكتب وتثقف وعلم، ثم إنه بعد ذلك عرف أنه مطالب بالدعوة والإرشاد، لكنه ماذا يفعل؟ لا يستطيع الكلام، فهداه الله سبحانه وتعالى إلى مجال لا يحتاج إلى كلام، فبدأ يأخذ مائة ريال من راتبه الشهري ويشتري بها مجموعة أشرطة ومجموعة كتيبات، ويذهب إلى الأسواق، مثل: سوق النسيم والهزاع وغيرهما من الأسواق، فكان إذا رأى رجلاً يستمع إلى غناء أو ينظر إلى التلفاز أو يدخن أعطاه شريطاً أو كتيباً، يقول الذي يروي الرواية عنه: في يوم من الأيام سألته وقلت له: يا ترى هل رأيت لعملك نتيجة؟ قال: نعم، في يوم من الأيام دخلت على صاحب محل وهو مصري فأعطيته شريط وكان يستمع إلى أغنية، فقلت له: أيش رأيك تأخذ مني هذا الشريط وتعطيني هذا الشريط الذي معك، يقول: أخذت ما معه وأعطيته ما معي وذهبت، يقول: وبعد أربعة أشهر دخلت على صاحب هذا المحل وأنا لا أذكر بأنني دخلت عليه، فعندما رآني بشكلي عرفني وقام مسرعاً إلي وقبلني، قلت: يا أخي أنا لا أعرفك، قال: ولكني أعرفك، فوالله بسبب شريط واحد أعطيتني إياه لقد اهتدت عزبة كاملة كنا نعيش فيها، وعدد أفرادها ثمانية أفراد، ثمانية أشخاص انضموا إلى ركب الدين بفعل شريط واحد، وجهد يسير بذله شخص، ربما لو رأيته لا تلقي له بالاً. إذاً: أقول: يجب علينا أن نساهم، ويجب علينا أن نعمل لهذا الدين.

بيان مكفرات الذنوب وطرق محوها وإذهابها

بيان مكفرات الذنوب وطرق محوها وإذهابها Q هل بعض صغائر الذنوب تؤدي إلى سوء الخاتمة؟ A مسألة صغائر الذنوب التي لا ينفك منها أحد، هذه كلنا نعملها، ليس هناك إنسان معصوم إلا الأنبياء، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)، ويقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم). إذاً: كلنا نذنب، بل ولا بد أن نذنب، هكذا أراد الله إرادة كونية، لابد من أن نواجه الذنب، لكن مطلوب منا عمل الصالحات التي تقضي على الذنوب وتمحوها، قال تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114]. فإذا عمل الإنسان الصغائر وكرر الأعمال الصالحة ورددها فإن هذه تمحو هذه، وهذه تلو هذه، وهذا ما اصطلح العلماء عليه من مكفرات الذنوب، ومكفرات الذنوب كثيرة، منها: التوبة، والاستغفار، والأعمال الصالحة، ومنها: المصائب الدنيوية التي تصيب المؤمن، ومنها: ما يعمله المؤمن في حال حياته وينظر إلى نتيجته عندما يموت، ومنها: القبر وما فيه، ومنها: القيامة وأهوالها، ومنها: رحمة الله، كل هذه تعد من مكفرات الذنوب التي تلغي عن المؤمن كثيراً من ذنوبه التي فعلها في حال الدنيا.

كيفية تلقين المحتضر المغمى عليه الشهادتين وحكم النطق بها بدلا عنه

كيفية تلقين المحتضر المغمى عليه الشهادتين وحكم النطق بها بدلاً عنه Q كيف يلقن المحتضر الشهادتين وهو في حالة إغماء عند الوفاة، خاصة بما يعرف بالموت الدماغي حين يفقد الإنسان وعيه وتموت مراكز الإحساس في المخ، وما يزال قلبه ينبض؟ وهل يمكن لمن حضر الوفاة أن يفعل ذلك بدلاً عن المحتضر؟ A لا يفعل ذلك بدلاً عن المحتضر، فإن كان الإنسان يقدر على أن ينطق بالشهادة فبها ونعمت، وإن لم يستطع لسبب ما، إما لمرض رهيب جداً، أو لحالة من الحالات لا يستطيع أن ينطق بها المسلم أو المؤمن، فيحاول أن يلقن، ولا يلزم من ذلك أن تسمع أيها المؤمن النتيجة؛ لأنه قد ينطق الشهادة في داخله، وقد ينطقها بقلبه، وقد ينطقها بلسانه بدون أن يخرج صوته، إنما أنت تبذل، ولست مطالباً بالنتيجة، لكن تلقنه وتكرر عليه مرات ومرات، ثم بعد ذلك تنتهي، ولعل الله سبحانه وتعالى أن يميته على الحق.

حكم من مات بالغرق أو الهدم أو الحرق وهو لا يصلي إلا الجمعة أحيانا

حكم من مات بالغرق أو الهدم أو الحرق وهو لا يصلي إلا الجمعة أحياناً Q من الشهداء: الغريق، فإذا كان الشخص لا يصلي إلا يوم الجمعة أحياناً فهل هو شهيد؟ A لا، لابد أن نعي ولابد أن نعلم أن الغريق والذي مات في الهدم أو في الحرق أو سقط على دابته أو وقصته وكذا لابد أن يكون مؤمناً، فموته بهذه العلة الإضافية المؤلمة تعد خيراً إضافياً على ما عاش فيه من خير طوال حياته، فهو مؤمن في الأصل، ولو مات موتاً عادياً فإنه سيموت على الإيمان، لكن عندما يموت بالغرق أضيف له أجر جديد ألا وهو أنه يعامل معاملة الشهيد في الآخرة، وليس في الدنيا؛ باعتبار أنه يصلى عليه ويدفن ويغسل، بخلاف الشهيد المقتول في الحرب، فأما إن كان لا يصلي، فهذا وللأسف الشديد يعد ليس بمؤمن بل ليس بمسلم؛ لأنه ترك ركناً من أركان الإسلام التي تخرجه من ملة الدين، فهو كافر في هذه الحالة؛ لقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر).

طرق علاج الوساوس في الصلاة وغيرها

طرق علاج الوساوس في الصلاة وغيرها Q أنا أصلي منذ كان عمري خمسة عشر سنة، والآن عمري سبع وثلاثون سنة، ولكن أحس أحياناً بالخسارة حيث إنني أوسوس في الصلاة؟ A أذكر قصة لطيفة، يقول بعض الرواة: إن اليهود جاءوا إلى عبد الله بن عباس وقالوا له: يا ابن عباس! إنكم أيها المسلمون توسوسون في صلاتكم، أما نحن اليهود فلا نوسوس في صلاتنا، فقال لهم: وماذا يريد بكم الشيطان حتى يجعلكم توسوسون في صلاتكم؟ يعني: أن دينكم من ألفه إلى يائه باطل، فلا داعي أن يقضي الشيطان وقتاً في إغواء إناس ضالين في الأصل، ولكن تجده يركز على أهل الحق وعلى الصالحين، لذلك أقول لك: عليك إذا وقفت بين يدي الله سبحانه وتعالى أن تستحضر بقلبك ما يقرأ الإمام، وأن تتفكر فيما يقرأ، وفي هذه الحالة إذا جاهدت نفسك تدريجياً سيزول الوسواس بالتدرج، ولعلك تستعيذ بالله من الشيطان باستمرار، فلعل الله سبحانه وتعالى أن يعيذك شر ذلك.

كلمة توجيهية للنساء وأوليائهن من الرجال

كلمة توجيهية للنساء وأوليائهن من الرجال Q هل من كلمة توجيهية للنساء؟ A أذكر لكم حادثة، ولو أن المجال ليس مناسباً لذكرها، لكن لنأخذ العبرة منها، والسعيد من وعظ بغيره، والشقي من وعظ بنفسه: كان هناك رجل ومعه زوجته في سوق من الأسواق الكبيرة لا داعي لذكره، وكانت متزينة بأبهى زينة، وكانت إذا وصلت إلى رصيف من الأرصفة تكشف عن وجهها كشفاً كاملاً، وكانت قد زينت نفسها بالمساحيق وغيرها. أمسكت الهيئة على مجموعة من الشباب في حدود الخمسة أو الستة ومعهم عدد هائل من الصور، وعندما حقق معهم، قالوا: إنهم رءوا المرأة التي ذكرت لكم في السوق، ورءوا وجهها ورءوا شكلها، فأخذت بعقولهم، فتابعوها وعرفوا موقع المنزل وموقع عمل الزوج ومتى يخرج ومتى يدخل، ثم دخلوا عليها عنوة وأخذوا معهم جهاز تصوير، ثم اعتدوا عليها وصوروها كما شاءوا بالتصوير، ثم اتصلوا فيها وهددوها، إما أن تعطيهم ما أرادوا باستمرار أو ستفضح بهذه الصور، وكانت المرأة عفيفة وصالحة، لكنها أعطت لنفسها العنان عن طريق هذا التبرج وهذا السفور عند غير محارمها، لكن ماذا فعلت يا ترى؟! لقد أخبرت زوجها مباشرة، فذهب زوجها إلى الهيئة وعرض عليهم القضية، فقال أعضاء الهيئة: اجعلها تواعدهم وتلين القول معهم، وفعلاً عندما اتصلوا عليها ألانت القول وضحكت معهم، ثم حضروا إليها في نفس الموعد الذي اتفقوا عليه، فدخلت مجموعة كبيرة من أعضاء الهيئة وقبضوا على هؤلاء، وعندما حقق معهم قالوا: والله ليس لنا ذنب، لكنا دخلنا السوق لنأخذ بعض المقاضي ليس لنا هدف، لكن عندما رأيناها بهذه الصورة غطت على عقولنا ففعلنا ما فعلنا. إذاً: الرجل بنفسه قد يؤدي إلى أن تقع المصيبة ببيته وهو لا يشعر، لذلك أقول لكم جميعاً: لننتبه إلى نسائنا وبناتنا وبنات من نعرف وحتى من لا نعرف، وننصح، فلعل الله سبحانه وتعالى أن يجعل ذكر هذه القصة نافعاً وموقظاً من الغفلة، وأنا قد فعلتها فعلاً في أحد الأسواق: والله لقد رأيت امرأة بهذه الكيفية، فأخذت زوجها وعرضت عليه القصة، فقلت: والله هذا الذي حصل، طلب من زوجته أن تغطي وجهها وأخذها وخرج من السوق، وترك ما معه من أغراض في السوق، وتأثر فعلاً بهذه القصة. إذاً: أقول لكم جميعاً: على المرأة أن تنتبه لنفسها. كذلك لتعلم المرأة أنها ما خلقت لتمضي جل وقتها في أمور تافهة غير مهمة، ويكون ذلك على حساب أمور مهمة فيما يتعلق بتربية أولادها في الإشراف على أسرتها، وفي العكوف في محرابها، وفي البحث عما يسر الزوج وينال رضاه، فهذه الأمور هي التي ينبغي أن توجه المرأة لها؛ لأن المرأة نصف المجتمع، فإذا فسدت المرأة فسد المجتمع؛ ولذلك كان اليهود ومن سار معهم يركزون على المرأة. ولعلي أختم الحديث بمقولة تكشف عن مخطط رهيب ضد المسلمين: إن الاستعمار الصليبي الذي عاشته البلاد الإسلامية في القرن التاسع عشر عندما لم ينجح الاستعمار النجاح الذي أرادوه، إذا بهم يجتمعون في إيجاد خطة ينجحون فيها ويحققون بها مخططاتهم، فقال أحدهم: علينا أن نخلع حجاب المرأة المسلمة ونغطي به المصحف. يعني: علينا أن نجعل المرأة في سفور وتبرج واختلاط وضياع، والمصحف لا يؤخذ بأحكامه، يجنب جانباً، عند ذلك تضيع الأمة المسلمة فتستعبد أيما استعباد، ولعل كثيراً من الدول الإسلامية قد انطبق عليها هذا الحال، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

طرق علاج قسوة القلب

طرق علاج قسوة القلب Q هذا يسأل عن قسوة القلوب ومسألة علاجها، ومسألة النظر فيها؟ A القلب الذي في الصدر ينقسم إلى قسمين اثنين: قلب محسوس ملموس، مهمة هذا القلب دفع الدم، والمحافظة على الجسد ومده بالغذاء، وتنمية الخلايا وغيرها. أما القلب غير المحسوس فهو القلب الذي إذا أحسست بألم أحسست به في صدرك، إذا أحسست بفرح أحسست به في صدرك، إذا أحسست بخوف أحسست به في صدرك، إلى غير ذلك، هذا هو القلب الذي يقسو وهو القلب الذي يلين. وهذا القلب له درجات، وهذه الدرجات تستطيع أنت أيها الإنسان أن تصعدها أو تنزل فيها، كلما ارتقيت درجة رق قلبك، وكلما نزلت درجة قسا هذا القلب، هذا القلب الذي يلين ويقسو مرتبط بالجوارح، مرتبط باللسان وباليدين وبالرجلين، فإذا عملت عملاً صالحاً ارتقيت درجة، وإذا عملت عملاً فاسداً نزلت درجة، إذا قلت قولاً فاسداً نزلت درجة، وإذا قلت قولاً صالحاً ارتقيت درجة. إذاً: القضية في يدك وأنت الذي تمسك بزمامها، فعليك في هذه الحالة إذا أردت أن تعالج هذا القلب أن تبحث عن العلاج، عليك أن توجد هذا العلاج، والعلاج سهل، وهو مجان ليس هناك ثمن يدفع، وهذا العلاج هو كتاب الله سبحانه وتعالى، فكتاب الله هو العلاج الأول الذي إذا التزمت به وارتبطت به ولازمته قراءة وخشوعاً وتذكراً وتدبراً ستجد أنك ترتقي شيئاً فشيئاً في سلم لين القلب. كذلك ذكر الله سبحانه وتعالى، إذا واظبت عليه ستجد فعلاً أن القلب بدأ يلين، ولذلك يقول الحسن البصري عندما سأله سائل قال له: إن قلوبنا قاسية، قال: ألينوها بذكر الله. نحن لا نذكر الله سبحانه وتعالى وللأسف الشديد إلا قليلاً، هذا حالنا. والرسول عليه الصلاة والسلام كان الصحابة يحصون له في المجلس الواحد فقط سبعين مرة وهو يقول: (أستغفر الله) وفي رواية: (مائة مرة، وهو يقول: أستغفر الله)، ونحن في المجالس المتعددة ربما لا نقول: أستغفر الله ولا حتى مرة واحدة، لماذا يا ترى؟ لأن ذكر الله سبحانه وتعالى لم تعتده الألسنة، فالذكر إذا رددته الألسنة وأكثرت منه سنجد الرقة في القلب، وتسمع القارئ يقرأ القرآن فتدمع عينك؛ لأن رقة القلب تؤثر في العين، كذلك عندما يرق القلب ستجد أن الجلد يقشعر عندما يسمع كلام الله، عندما يرق القلب ستجد أن القلب يرجف عندما يسمع وعيد الله سبحانه وتعالى؛ لأن القلب لين ورقيق. إذاً: هناك علاجان يسيران سهلان وهما: القرآن، والذكر المستمر، ويضاف إليهما العكوف المستمر على الأعمال الصالحة بشتى أنواعها، ففيها خير كثير وفيها أثر بين. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا رقة القلب وأن يباعد بيننا وبين قسوة القلوب. وقسوة القلوب قد وصف بها أعداء الله سبحانه وتعالى من اليهود والمنافقين، ونحن بيننا وبينهم البين الشاسع، فلابد أن يكون البون بيناً في قلوبنا، فهم قساة القلوب، ونحن نبحث عن الفرق بيننا وبينهم ألا وهو رقة القلوب، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

المرأة الداعية

المرأة الداعية المرأة كالرجل في الدعوة إلى الله تعالى، وهناك مجالات عدة للمرأة الداعية، فعليها أن تستغلها في الدعوة إلى الله تعالى، وعليها أن تعي أن أمامها معوقات، فتأخذ الحيطة والحذر منها، كما أن على المرأة أن تقرأ عن النماذج من النساء الداعيات إلى الله تعالى، لتقتدي بهن وأن تحذر ما يحاك ضدها من مؤامرات من أعداء الله تعالى.

المرأة التي يريدها الإسلام

المرأة التي يريدها الإسلام بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فأرحب بكم في هذه الليلة الطيبة المباركة، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل اجتماعنا اجتماعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، وألا يجعل من بيننا شقياً ولا محروماً. أيها الإخوة الأحباب! إن الحديث عن المرأة ذو شجون، والحديث عن قضايا المرأة يجر بعضه بعضاً، إن هذه القضية من القضايا التي لم تطرق الطرق السليم، وإن طرقت فطرق قليل لا يفي بالغرض. كثيراً ما يسأل الإخوة عن أشرطة تهم المرأة توزع على النساء في الزيارات واللقاءات والأعراس، لكنهم لا يجدون إلا أقل القليل، ولعل هذا نابع من قصور من أطراف مشتركة، وكل يتحمل عبء هذا القصور. وأنا بدوري أشكر الإخوة القائمين على هذا المسجد؛ لاهتمامهم بهذا الأمر والتركيز على هذه القضية، فلعلهم ألقوا بعض التبعة عن كواهلهم، نتيجة لترتيبهم لهذه الحلقة الطيبة المباركة. إن الحديث عن المرأة الداعية يحتاج إلى جلسات وجلسات، يحتاج إلى رجوع إلى مراجع متعددة؛ ليعرف الإنسان من خلالها من هي المرأة؟ وكيف تدعو إلى الله سبحانه وتعالى؟ ولكن وللأسف الشديد فكما أن القصور موجود في الأشرطة كذلك هو موجود في الكتب، فمن النادر أن تجد كتباً تتحدث عن هذا الموضوع وتطرق هذا الموضوع، وإن وجدت فهي قليلة، وبالتالي فلعل هذا الأمر أو هذه الحلقة تسهم ولو بشيء قليل في حل بعض هذا القصور. إن المرأة التي نريد أن نتحدث عنها في هذا اللقاء هي المرأة التي التزمت بدين الله سبحانه وتعالى، وهي المرأة التي استقامت على فطرة الله سبحانه وتعالى، وهي المرأة التي اختطت لنفسها خطاً خطه لها المصطفى صلى الله عليه وسلم، فسارت في طريقه ولم تحد عنه قيد أنملة، فهذه المرأة هي مدار الحديث في هذا اليوم، وهي مدار الكلام في هذا اللقاء، وقد ذكرني بعض الإخوة بموضوع حالة المرأة قبل الإسلام، تلكم المرأة التي كانت تعامل معاملة أقل من كثير من الجمادات. فلقد كانت تعامل عند اليونان وعند الرومان على أنها أثاث يباع ويشترى، وعلى أنها مهدورة الدم، وعلى أنها لا تملك لنفسها شيئاً، وعلى أنها مجرد خلق للاستمتاع فقط. وعندما جاءت النصرانية المحرفة رأت أن المرأة شيطان أو أن الشيطان قد تلبس بها، وبالتالي فهم يكرهونها ويتأذون منها ولا يقتربون منها، وكلما أراد الإنسان أن يتقرب إلى الله فلابد له أن يبتعد عن المرأة، ولذلك يعتبرون القساوسة والرهبان هم أقرب الناس إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأنهم ابتعدوا عن المرأة. هذه مكانة المرأة عند النصارى، وإذا انتقلنا إلى الجانب الجاهلي جانب المشركين الذين كانوا يعيشون قبيل بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم، لرأينا كيف تعامل المرأة عندهم. لقد كانت المرأة في وقت الجاهلية مهانة لدرجة غريبة، سواء كانت طفلة أو شابة أو كبيرة في السن، فالطفلة توأد وتدفن في التراب وهي حية؛ خوف العار والفقر وأشياء أخرى، وإذا كبرت تمتع بها من يأخذها، ثم عندما تبلغ من السن مبلغه فإنه لا يلقى لها بالاً. بل كانت تورث كما يورث المتاع، فالأخ إذا مات أخذ أخوه كل ما يتعلق به حتى إنه يأخذ زوجته فيكون مختصاً بها، فإن أرادها له زوجة وإلا تركها حرة طليقة، لكن عندما جاء الإسلام رفع من شأن المرأة، وجعلها مساوية للرجل في كثير من النواحي وفي كثير من المسائل، بل وجعلها مساوية للرجل في أهم مسألة وهي مسألة التكليف، فإن هذه المرأة إن اتبعت طريق الإسلام وسارت على طريق الحق، فإن لها ما للرجل وعليها ما على الرجل، هذا هو حال المرأة في الإسلام. وعندما نتحدث عن هذه المرأة، فإننا نتحدث عنها من خلال منطلق واحد أعدها الإسلام لتسير عليه، وهو الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى. إن المرأة داعية، ولا يمكن أن توجد امرأة إلا وهي داعية أياً كانت هذه المرأة، فإن المرأة إما أن تدعو إلى خير أو تدعو إلى شر.

دور اليهود في إفساد المرأة والإفساد بها

دور اليهود في إفساد المرأة والإفساد بها لقد عرف المجتمع الفاسد - مجتمع اليهود والنصارى - ما للمرأة من تأثير دعوي، فجعلوها في الواجهة لدعوة الآخرين للوقوع في حبائلهم، لقد استخدموا المرأة للدعوة، أو إن شئت فقل: للدعاية، فالمرأة تخرج في التلفاز، وتخرج في الإذاعة، وتخرج في الصحافة، وتخرج في الملهى، وتخرج في الملعب، وتخرج في الشارع، وتخرج في المحل التجاري، لماذا يا ترى؟ ألا يوجد رجال يقومون مقام المرأة في هذه الحالة؟ بلى إن الرجال كثر، ولكنهم يرون أن هذه المرأة تحقق مبدأ الدعوة أكثر من الرجل، ويكون التأثير الناتج من هذه الداعية أكثر أثراً وأعمق تأثيراً من الرجل، وبالتالي فقد ساروا على هذا المنهج، واستغلوا المرأة استغلالاً بشعاً عجيباً، وصل إلى حد أنهم يتاجرون بها، يشترونها ويبيعونها، فهم يتاجرون بعرضها ويتاجرون بكل شيء فيها، فإذا كبرت وانتهى دورها لفظوها كما تلفظ النواة، هذا هو حال المجتمع الغربي. إذاً: المرأة داعية في المجتمع اليهودي والنصراني، لكن داعية إلى الانحلال والفتنة والفساد. عندما رأى المجتمع الغربي نجاح هذا الاستغلال للمرأة أراد أن ينقله إلى مجتمعنا المسلم، فبدءوا بالتركيز على المرأة، فقالوا: لابد أن تخرج المرأة المسلمة إلى الشارع وإلى العمل وإلى المؤسسة والشركة، عند ذلك يسهل علينا استغلال هذه المرأة في سبيل تحطيم قيم المجتمع المسلم. فهم يريدون أن يحطموا الرجال عن طريق المرأة. إن المرأة لها تأثير ليس باليسير، فالمرأة تستطيع أن تقلب المجتمع رأساً على عقب، (فالدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة) فإذا كانت المرأة فاسدة فإنها ستفسد هذه الدنيا، وقد اشتهر أن السبب في فساد بني إسرائيل هو النساء، كما ثبت ذلك في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (أن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء). إذاً: هذه المرأة الداعية عندما علم الغرب والشرق أنهم لن ينتصروا على العالم الإسلامي إذا حققوا مبدأ: خذ حجاب المرأة وغط به المصحف فسيكون النجاح هو حليفنا باستمرار؛ ولذلك فهذا المبدأ قد نصبوه أمام أعينهم: خذ الحجاب أو خذ النقاب ثم غط به المصحف، وبهذا سينتشر السفور والاختلاط، ومع الاختلاط يكون الجهل، ومع الجهل سيكون الفساد، ومع الفساد سيكون الضياع، هذا هو هدفهم. لكن في هذا العصر ظهرت فيه الصحوة المباركة وبدأت تبرز شيئاً فشيئاً، وإن كانت تواجه المعوقات والصعوبات، فهي تشق طريقها بصعوبة، لابد من وجود الصعوبات باعتبار أن الإسلام لا يسير إلا على شوك، ولا يسير إلا على دماء، ولا يسير إلا على أشلاء، فالقضية قضية ابتلاء وامتحان واختبار لنا جميعاً، لي ولك وللمرأة الفلانية وللبنت الأخرى وهكذا. أقول: إن هذه الدعوة المباركة والصحوة الطيبة بدأت تركز على المرأة، وبدأت تعطي المرأة مكانتها وترفع من شأنها، وتركز على قضية درء المحاولات العدائية التي يقوم بها أعداء المرأة. نحن نعلم أن المرأة هي نصف المجتمع من الناحية الحسية، من الناحية التعدادية، وكما تعلمون في التعداد السكاني نادراً ما يتفوق عدد الرجال على النساء بشكل بين ملحوظ، كذلك هي نصف المجتمع الصغير داخل البيت، فالمرأة في مقابل الرجل، والبنات في مقابل الأولاد، ولا يمكن أن يستقيم شأن الأسرة إلا بوجود هذا التعادل، فامرأة صالحة مع رجل صالح يكونان أسرة صالحة. إذاً: هذه المعادلة لابد من وجودها، فقضية أن المرأة نصف المجتمع هذه حقيقة ناصعة بينة لا يمكن أن يغفل عنها أحد. هذه المرأة التي انتهجت نهج الحق لابد أن تكون مربية، وداعية وملتزمة؛ لأنها بهذا تؤدي دوراً يكمل الدور الذي يقوم به الرجل، فالرجل داعية إلى الله، والمرأة داعية إلى الله سبحانه وتعالى، وبين الدعوتين ارتباط والتزام لا ينفك أحدهما عن الآخر، فلو نجح الرجل في دعوته وقصرت المرأة، فإن الخلل سيظهر كما سنعرف بعد قليل. إن المرأة صانعة الرجال؛ لإن الرجال لا يوجدون إلا بنساء صالحات، ولا يمكن أن يوجد رجل إلا إذا وجدت المرأة الصالحة التي تربيه التربية الحسنة، ثم الزوجة الصالحة التي تشرف عليه وتراعي شئونه المراعاة الحسنة كذلك. إذاً: هذه المرأة التي تعد صانعة الرجال تحتاج منا إلى وقفات معها فيما يرتبط بالجوانب الدعوية.

هند بنت عتبة وعلو همتها في تربية ولدها

هند بنت عتبة وعلو همتها في تربية ولدها قبل أن أنتقل إلى بيان النقطة التالية تحضرني قصة تبين مدى علو همة المرأة، وهي قصة لامرأة كانت تعيش في الجاهلية أسلمت وحسن إسلامها، هذه المرأة هي هند بنت عتبة بن ربيعة، وكانت متزوجة بـ الفاكه بن المغيرة في الجاهلية، وعاشت مع زوجها حياة مستقرة مستريحة البال، وكان زوجها الفاكه له أصدقاء وزملاء وزوار، وفي يوم من الأيام كان جالساً في بيته مع زوجته، وكانت زوجته قد ألقت عنها بعضاً من ملابسها باعتبار أنها حرة في بيتها، فعنّ للفاكه بن المغيرة غرض يريد أن يأتي به من مكان ما، فخرج من البيت مسرعاً، وجاء رجل من زملائه فدخل البيت على اعتقاد أنه موجود، وعندما دخل رأى المرأة فخرج مسرعاً؛ لأنه لم يجد هناك رجلاً، وفي أثناء خروجه من البيت مسرعاً كان الفاكه قد جابهه ورآه، فشك في امرأته أنها قد وعدت الرجل وفعلت ما فعلت، فاتهمها وتركها تذهب إلى بيت والدها، فقال لها عتبة: اسمعي يا بنية إن كان صادقاً فأخبريني، فإني سأرسل إليه من يقتله غيلة - فـ عتبة بن ربيعة كان زعيماً من زعماء قريش، وقد قتل كافراً في معركة بدر - وإن كان كاذباً حاكمته إلى بعض كهان اليمن، قالت: لا والله يا والدي إنه كاذب، فقال: يا فاكه هلم لأحاكمك، فذهبوا سوياً إلى هذا الكاهن، ثم بعد ذلك خافت هند بنت عتبة وقالت لأبيها: إننا نقدم على رجل يخطئ ويصيب، فقال والدها: سأختبره، فأخذ حبة شعير ووضعها في إحليل فرسه، فذهبوا إلى الكاهن وقال: أخبرني ماذا خبأت لك؟ فقال: قد خبأت لي حبة شعير في كذا وكذا، فقال له: هذه مجموعة نسوة فيهن امرأة متهمة فأخبرني عنها، فمر عليهن ثم ضرب على كتفها وقال لها: قومي غير وحشاء ولا زانية، وستلدين ولداً يقال له: معاوية، فنهض الفاكه بن المغيرة فأخذ بيدها فنترت يدها من يده، فتزوجها أبو سفيان وأنجبت منه مجموعة من الأبناء ومنهم معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه، ومر عليها بعض متفرسي العرب فقال لها: إنني أتوسم فيه أن يسود قومه، قالت هند: ثكلته إن لم يسد إلا قومه. أي: فقدته إن لم يسد إلا قومه، فهي تريد منه أن يسود العرب بأجمعهم. انظروا علو همة هذه المرأة، وكيف أنها ربته حتى كبر، وفعلاً وصل الأمر به إلى أن ساد العرب والعجم مع جمعياً. أقول: إن المرأة ينبغي أن تضع نصب عينيها أن تكون ذات همة عالية في مجال التربية، وفي مجال الدعوة، وفي مجال الالتزام، وفي مجال الإشراف على نفسها وبيتها ومجتمعها، فالهمة العالية لابد أن تكون نصب عينيها باستمرار من جوانبها ومن منطلقاتها. وينبغي للمرأة أن تعي وتعلم أن النصوص الكثيرة التي وردت في كتاب الله تعالى وفي سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يختص بها الرجل فقط، بل تعمهما، فكل نص يأتي في كتاب الله فإن المقصود به الرجل والمرأة إلا ما استثني، وبالتالي فلابد للمرأة أن تعي هذه المسألة، فعندما يقول الله سبحانه وتعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] فإن الخطاب هنا ينصب على الرجال والنساء، فأنت أيها الرجل تدعو إلى الله سبحانه وتعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، والمرأة كذلك تدعو إلى الله سبحانه وتعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، فالخطاب للرجل، المرأة سواء. كذلك قول الله سبحانه وتعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف:108] فهذا الخطاب لنا جميعاً، فأنا أدعو إلى الله على بصيرة وأنتِ تدعين إلى الله سبحانه وتعالى على بصيرة. كذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته)، وفي الحديث: (والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها)، فالرعاية هنا تشمل الدعوة والالتزام، والتربية، وتشمل جوانب متعددة كلها تدخل تحت لفظة الرعاية. فأنت أيتها المرأة المسلمة راعية في بيت زوجك، تدعين أولادك وتربيهم، وتشرفين على زوجك، وتدعين من تزور بيتك من النساء، وكذلك من يزور بيتك من الرجال الذين لك علاقة وصلة بهم. إذاً: أنت أيتها المرأة المسلمة راعية في هذا البيت، وستسألين أمام الله سبحانه وتعالى {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88 - 89]: ماذا فعلت وماذا عملت وماذا قدمت؟!

مجالات المرأة الداعية

مجالات المرأة الداعية إن كل ما عرض قبل قليل لعله مقدمات، وسأعرض من خلال هذا اللقاء مجموعة من المسائل من أبرزها: المرأة الداعية، ثم وسائل الدعوة، ثم معوقات الدعوة، ثم نماذج دعوية، ثم وقفات عامة، ولعل الوقت يسمح بذلك أو لبعض من ذلك. النقطة الأولى: المرأة الداعية. المرأة الداعية في بيتها، مع أولادها، مع زوجها، للمرافقين لها، لجيرانها، لأقاربها، نأخذ هذه النقاط واحدة واحدة.

المرأة الداعية في بيتها

المرأة الداعية في بيتها أقصد بذلك البيت الحسي أو البيت الجاف أو البيت الجامد، أي: أن المرأة لابد أن تكون داعية في البيت المصمم؛ ليكون سكناً لها، فالمرأة عندما تضع مكتبة صغيرة في غرفة النساء، فإنها بهذا قد أثثت بيتها تأثيثاً دعوياً، وعندما تضع لوحة صغيرة فيها بعض النشرات الجميلة في مكان ظاهر في بيتها، فإنها قد أثثت البيت تأثيثاً دعوياً، وعندما تتعاهد مجلس الرجال بالكتيبات المستمرة، بحيث تجدد فيها وتغير فيها عندما تعلم أنها قد قرئت مرات ومرات، فهي بهذا تكون قد ساهمت في إنشاء البيت الدعوي، كذلك عندما تركز المرأة على طهارة المنزل وفرشه وأثاثه، فهي بهذا تعتبر امرأة داعية في بيتها الجامد الجاف، وعندما تبذل المرأة مساعيها في مسألة ستر شبابيك البيت، حتى لا ترى إذا فتح الشباك أو فتحت الستارة، أو ترى غيرها من جيرانها عندما تطل أو عندما تنظر من خلال النافذة تكون قد حققت جانباً دعوياً في بيتها؛ لأنها قد لا تنظر هي، لكن قد يأتي الشيطان إلى أحد أولادها أو بناتها فينظر إلى شيء ما قد يثيره ويلتصق بقلبه فلا يزول إلا بصعوبة، لكن إذا قطعت حبل الرجعة من أول الأمر، فإنها بهذا قد حققت جانباً دعوياً. وعندما تنظر إلى سور بيتها الذي يعد في الجملة مكشوفاً بالنسبة لجيرانها، فإنها تعرض على زوجها أو أولادها أن يبنى هذا السور أو يرفع، فتكون بذلك قد حققت جانباً دعوياً لها ولأولادها ولجيرانها. فهذه نماذج وإلا فالقضايا الدعوية المتعلقة بالبيت كثيرة جداً، فينبغي للمرأة أن تضع هذا نصب عينيها، فإن هذا من الجوانب الدعوية التي نغفل عنها ولا نلقي لها بالاً، مع العلم أن الكثير من القضايا الإفسادية قد تحصل بسبب هذا التقصير، فلو أن شاباً في مقتبل العمر ربيته أيتها المرأة تربية حسنة، فاعلمي أن الشيطان لم يتوقف عن الدعوة إلى باطله، فأنت تعملين والشيطان يعمل، ففجأة فتح هذا الشاب الشباك والنافذة فنظر منها فوقعت عينه على جيرانه، فيتعلق قلب هذا الشاب بما رأى، فتفسد كل الجوانب التربوية والدعوية التي بثثتيها في قلب هذا الابن، وبالتالي تكون النتيجة ربما الانحراف بالنسبة لهذا الولد أو بالنسبة للبنت، والسبب في ذلك أنك قصرت في جانب دعوي مرتبط بالمنزل وأثاث المنزل وغير ذلك.

المرأة الداعية مع أولادها

المرأة الداعية مع أولادها للأسف الشديد أننا نقصر تقصيراً هائلاً في مسألة تربية الأولاد، مع أن هؤلاء الأولاد هم جيل المستقبل، فينبغي أن نربي هؤلاء الأولاد ليتسنموا الأماكن التي سنتركها لهم بعد أن نبلغ من الكبر ما نبلغ، أو يتوفانا الله سبحانه وتعالى. وهؤلاء الأولاد لم نعطهم إلا أقل القليل من الجهود، وأقل القليل من الإمكانات الدعوية. وقد تقول المرأة: ماذا أعمل لكي أدعو أولادي ولكي أربي أولادي؟ أقول: لابد من وضع خطة مرتبة منظمة لهؤلاء الأولاد؛ حتى تكون هناك جوانب دعوية لهؤلاء الصبية، ولابد أن تعي المرأة أن الطفل لابد أن توضع له الخطة منذ ولادته، وتحضرني حادثة وفيها بعض الإفراط لكنها قد قيلت وسجلت. يقال: إن رجلاً رزق بابن وبلغ هذا الابن أربعة أشهر، فجاء هذا الرجل إلى مالك بن نبي وقال له: لقد رزقت بولد وأريد منك أن ترشدني إلى وسائل تربوية سليمة أستخدمها مع هذا الولد، فقال له: كم عمر هذا الابن؟ قال: عمره أربعة أشهر، قال: لقد مضى الوقت، ولكنني سأعطيك خطة للابن القادم أما هذا فقد انتهى. يعني: لا تنطبق عليه الخطة التي ستعطى، وطبعاً هذا أمر قد يكون فيه نوع من المبالغة، لكن هذا يبين مدى الاهتمام بالطفل منذ ولادته، وبالتالي فلابد أن تضع المرأة خطة تربوية دقيقة تجاه هذا الولد. وأنا حقيقة لن أدخل في هذا الجانب ولن أتعرض لهذا الجانب بأي حال من الأحوال، باعتبار أن اللقاء القادم بمشيئة الله سيكون مع الشيخ الدكتور عبد العزيز النغيمشي بعنوان (المرأة المربية) وبالتالي فلعل هذا من اختصاصه، ولن أتعدى عليه في هذا الجانب.

المرأة الداعية مع زوجها

المرأة الداعية مع زوجها أنتقل بعد ذلك إلى المرأة الداعية مع زوجها، فالمرأة لابد أن تكون واعية لهذا الزوج، فإما أن يكون هذا الزوج رجلاً صالحاً داعية إلى الله سبحانه وتعالى، وإما أن يكون رجلاً فاسداً، وإما أن يكون رجلاً عادياً، أي: ليس من الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى الذين تميزا في هذا المضمار، وليس من الذين عرف عنهم فساد معين أو انحلال بين، فالمرأة تجاه هؤلاء مسئولة أمام الله سبحانه وتعالى عن دعوتهم. أما المرأة الداعية مع زوجها الداعية لابد أن تراعي فينبغي أن تعي أن هذا الزوج الداعية قد يخرج الأيام الطوال ويسافر إلى البلد الفلاني أو الهجر الفلانية أو المناطق الفلانية، ولابد أن تعي أنه في مجال دعوي فتصبر على هذا الانقطاع، وتبتغي وجه الله سبحانه وتعالى بهذا التحمل. فتكون بهذا قد ساهمت في تنشيط زوجها، فعندما يستأذنها زوجها في الذهاب وتودعه بقلب منشرح، ويعلم أن زوجته قد اقتنعت وعرفت المهمة التي سيقوم بها، عند ذلك يؤدي العمل الدعوي في القرى أو الهجر أو البوادي أو غيرها وهو مطمئن البال، فينتج إنتاجاً أفضل، بخلاف ما لو خرج وزوجته غاضبة ساخطة متسخطة عليه، فإنه سيكون متكدر البال متغير النفس، وبالتالي فإن الأداء سيضعف، هذه مسألة. المسألة الثانية: أن على المرأة أن تراعي قضية ابتعاد زوجها عنها بفكره وهمومه، فقد لا يفكر في تأثيث البيت والحصول على المال والترقي في الوظيفة، وإنما يفكر كيف ينشر الدعوة في المكان الفلاني، ويفكر في فلان الذي انحرف، وفي فلان الذي بدأ يستقيم وهكذا. إذاً: على المرأة أن تقف بجانب زوجها وتدعمه في هذا الجانب. كذلك على المرأة أن تنتبه إلى هذا الزوج، فإنه كثيراً ما يعكف في المكتبة يبحث ويقرأ ويقلب صفحات الكتب، يبحث عن مسائل معينة يريد أن يفتي بها، أو يريد أن يلقي درساً أو محاضرة أو خطبة أو غير ذلك، فهو بهذا قد ينشغل عنها فترة من الزمن، فتعي المرأة هذا الجانب وتقدر لزوجها هذا الجهد، وتقدير المرأة لهذا الجهد يعد أمراً دعوياً؛ لأنها دعمت هذا الزوج وجعلته يؤدي ما أدى وهو يحس أنها تقف بجانبه، وقد تحملت هذا الانقطاع وهذا العناء. أما قضية وجود المرأة مع زوج منحرف، فهذه من القضايا الحساسة التي تحتاج إلى امرأة رزينة وهادئة، وامرأة عندها قوة وهدوء في نفس الوقت، يعني: عندها قوة في العمل وهدوء في الأداء، في سبيل إصلاح هذا الزوج؛ لأنها قد ارتبطت بهذا الزوج وربما يكون لها أولاد من هذا الزوج، وتعلم أنها لو انعزلت عنه وتركته فربما يتأثر هؤلاء الأولاد بأبيهم وبالتالي فلا مناص من الارتباط بهذا الزوج إن كان هذا الانحلال والفساد غير مخرج من الملة، فينبغي أن تبدأ الدعوة مع هذا الزوج بالتدريج، وتستخدم معه الوسائل المتعددة الكثيرة التي ربما لم يستفد منها إلا القليل من النسوة، ولعل واحدة من هذه الوسائل قد تجدي مع هذا الزوج وينجح العمل، ويؤدي هذا الأداء بصلاح هذا الزوج ورجوعه إلى جادة الحق. أما المرأة الداعية التي لها زوج صالح في الجملة ومن بيته إلى مسجده إلى عمله، فإنها تبدأ في تربية هذا الزوج عن طريق الكتيبات والأشرطة، وبطرق هادئة ليس فيها تغير فجائي، فإن الزوج مع هذه الترتيبات الدقيقة سيبدأ التغير يطرأ عليه شيئاً فشيئاً، إلى أن يهديه الله سبحانه وتعالى إلى سواء الصراط.

المرأة الداعية مع المحتكين بها في السكن

المرأة الداعية مع المحتكين بها في السكن كذلك المرأة داعية مع المرافقين لها، فكثير من النسوة يسكن في بيوت فيها أخ للزوج مع زوجته، أو ربما مع أم الزوج، أو والد الزوج، أو غير ذلك، وقد يكون هناك مجال للاحتكاك إذا كان مع المحارم أو مع النساء، وقد لا يكون هناك مجال للاحتكاك، فهنا المرأة بدورها تستطيع أن تستغل الجانب الدعوي المزروع فيها عن طريق بذره في هؤلاء بأسلوب غير مباشر، فعندما تضع كتيباً في المجلس الذي يجلس فيه أخو زوجها، فإنه في وقت فراغه قد يقلب هذا الكتيب مرة وثانية وثالثة، وإذا تكرر الوضع فقد يتأثر هذا الرجل، وعن طريق زوجة الأخ أيضاً. إذاً: تأثير المرأة على المرافقين لها يتم بطرق متعددة ومختلفة، لعلها تطرق في مسألة وسائل الدعوة.

المرأة الداعية مع جيرانها

المرأة الداعية مع جيرانها كذلك للمرأة الداعية أن تبذل جهودها الدعوية مع جيرانها، وتعلمون أن لقاءات النساء بالنساء أكثر بكثير من لقاءات الرجال، فمثلاً: في الحارة التي نسكن فيها نجد أن النسوة يلتقين كل أسبوع مع بعضهن البعض، فكنت أفكر وأقول: إن بعض رجالات هؤلاء النسوة لم ألتق به من سنوات طوال أكثر من خمس سنوات، يعني: لم يدخل علي ولم أدخل عليه، وإنما نتحدث سوياً عند الباب أو في الشارع، أو عند الذهاب إلى المسجد، أو عند الخروج من المسجد، أما الالتقاء داخل البيوت أو غير ذلك فلا، أما النساء فيلتقين باستمرار بشكل متتابع، فأقول: إن هذه اللقاءات المتتابعة مجال خصب وقوي ومثمر في سبيل الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وكما تعلمون أن قلب المرأة رقيق وعاطفي، فأي قصة أو حادثة أو واقعة أو غير ذلك تؤثر فيها لا محالة، وبالتالي فإن على المرأة أن تستغل هذا الجانب وتركز عليه من خلال احتكاكها مع جيرانها وجاراتها، وتحاول قدر جهدها أن تستثمر هذه اللقاءات في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، بحيث لا تكون مجرد كلام وأكل وشرب وغير ذلك.

المرأة الداعية مع أقاربها

المرأة الداعية مع أقاربها الجانب الأخير: ارتباط المرأة الداعية مع أقاربها وخاصة في الولائم والأعراس وغير ذلك، فلابد أن تضع المرأة الداعية نصب عينيها أن هذه الوليمة أو العرس أو اللقاء لابد أن يستثمر، إما بكلمة، وإما بتوزيع شريط أو نشرة أو كتيب، وإما بحفلة صغيرة، وغير ذلك من الوسائل المتعددة التي ربما نطرقها بعد قليل.

ضرورة استغلال المرأة الداعية للفرص واغتنامها

ضرورة استغلال المرأة الداعية للفرص واغتنامها قبل أن نطرق مسألة وسائل الدعوة التي للنساء أحب أن أنبه إلى مسألة اغتنام الفرص، فإن الفرص في هذا الزمان متيسرة لنا بشكل كبير، فإننا لو قارنا الوضع الذي نعيشه بأوضاع بلاد أخرى لوجدنا أننا نعيش فرصاً هائلة جداً وخصبة للمجال الدعوي. انظروا مثلاً إلى مصر، وإلى تونس، وإلى الجزائر، وإلى العراق، وإلى سوريا، وإلى كثير من الدول ربما لا تتيسر الفرص لديها التي نجدها نحن في هذه البلاد المباركة، وبالتالي فاغتنام الفرص مهم جداً في هذا الوقت بالذات، باعتبار أن المرأة لابد لها أن تساهم في عودة الأمة إلى عزها ومجدها الذي فقدته منذ أمد بعيد. ومن الفرص التي ينبغي أن تغتنمها المرأة الداعية ما ذكرت قبل قليل، ومنها كذلك الصحة، فالمرأة التي تعيش في صحة واطمئنان جسدي وروحي لابد أن تستغل هذا الجانب قبل أن يفجأها مرض وتحل بها كارثة جسدية أو غير ذلك، فتتمنى أن تكون صحيحة الجسد لتؤدي ما عليها، ولكن هيهات هيهات، لذلك ينبغي استغلال الصحة، بالإضافة إلى استغلال حيوية الشباب ونشاطه وقوته، فإن المرأة الشابة التي تتدفق شباباً وحيوية عندها من الإمكانات القوية في سبيل التأثر والتأثير ما لا يوجد عند النساء الكبيرات، وبالتالي فلابد للمرأة أن تراعي هذا الجانب. كذلك استغلال المال، ونحن لدينا الآن - ولله الحمد - مقارنة بغيرنا مال متوافر، فلو اقتطعت المرأة منه جزءاً يسيراً أو اقترحت على زوجها أو على أولادها أن تأخذ جزءاً يسيراً من هذا المال وتجعله مخصصاً للجوانب الدعوية، فإن الله سبحانه وتعالى سيبارك لها في ذلك، وستثمر هذه المساهمات في إثراء الحركة الدعوية الإسلامية. كذلك استغلال مسائل الفراغ الذي تعيشه النسوة في هذا الزمان، فالفراغ بالذات في بلادنا يزداد شيئاً فشيئاً؛ نتيجة لكثرة المال الذي أدى بالنساء إلى استجلاب الخادمات، واستجلاب الأجهزة التي تخفف من أعباء المنزل، فترتب على ذلك أن الكثير من النسوة يجدن فراغاً، وهذا الفراغ أين تمضيه المرأة الداعية؟ تمضيه المرأة الداعية في مجالات الدعوة، إذا كانت فعلاً تريد أن تستثمر الجانب الدعوي في حياتها.

وسائل الدعوة للمرأة الداعية

وسائل الدعوة للمرأة الداعية ننتقل الآن إلى وسائل الدعوة. ما هي الوسائل الدعوية التي على المرأة الداعية أن تقوم بها؟

الوسيلة الأولى من وسائل الدعوة للمرأة الداعية اللسان

الوسيلة الأولى من وسائل الدعوة للمرأة الداعية اللسان أول وسيلة هي: الوسيلة اللسانية، وهي أبرز وسيلة دعوية يقوم بها الرجل وتقوم بها المرأة. واستخدام اللسان في المجال الدعوي إما عن طريق الدرس، وإما عن طريق الخطابة، وإما عن طريق المحاضرة، وإما عن طريق الدعوة الفردية، وهناك طرق كثيرة جداً، وممكن أن تستفيد المرأة مما أعطاها الله سبحانه وتعالى، وتحاول قدر جهدها أن تستثمر هذا اللسان الذي وهبها الله سبحانه وتعالى في مجال الدعوة، وتستطيع أن تجعل الدروس أو المحاضرات أو غيرها في مجالات متعددة، وتستطيع أن تلقيها في مدارس البنات، وفي كليات البنات، وفي مدارس تحفيظ القرآن، وتستطيع أن تلقيها في الأسواق النسائية وفي التجمعات النسائية، كولائم الأعراس والعزائم وغيرها. إذاً: هناك مجالات عدة للاستفادة من الجانب اللساني بالنسبة للمرأة، ولا يلزم من هذا أن تكون المرأة عالمة، أو أن تكون المرأة مثقفة حتى تلقي محاضرة أو ندوة، بل بإمكان المرأة أن تلقي كلمات يسيرة تقرؤها من كتاب، أو قصة تفقهها وتعرفها، تستطيع أن تلقيها على مجموعة من النسوة، فتكون هذه القصة ذات أثر عظيم على هؤلاء النسوة، وبالتالي فلا يحقرن الإنسان من المعروف شيئاً مهما قل ومهما صغر، فإن هذا المعروف قد يثري ويثمر ولو لم يعلم الإنسان هذه الثمرة؛ لأنك تلقي كلاماً فقد يقع في قلب جاف فيقع موقعاً طيباً ثم يبدأ ينمو ويترعرع شيئاً فشيئاً، فكلمات يسيرة من امرأة قد يثمر امرأة صالحة طيبة.

الوسيلة الثانية من وسائل الدعوة للمرأة الداعية القدوة والسلوك

الوسيلة الثانية من وسائل الدعوة للمرأة الداعية القدوة والسلوك كذلك من الوسائل الدعوية: القدوة والسلوك، فقد لا تستطيع المرأة أن تلقي شيئاً؛ لأنها لا تعرف الإلقاء إما حياء وخجلاً أو عدم قدرة أو عدم إمكانية، فترتبط بجوانب أخرى كقضية السلوك والقدوة الصالحة، وهذا أمر مهم جداً فيما يرتبط بالجوانب الدعوية، فإن المرأة الداعية إذا كانت قدوة في نفسها، في لباسها، في سلوكها، في كلامها، في حركاتها، في سكناتها، فإن بقية النساء سينظرن إليها على أنها فعلاً امرأة متزنة، امرأة طيبة، امرأة صالحة، امرأة عليها وقار وجلال، وبالتالي تكون قدوة لغيرها من النساء، وسيستشهد بها كثيراً وهي لا تعلم، فعندما تأتي امرأة لتعاتب ابنتها تقول لها: انظري إلى فلانة فإن فيها كذا وكذا من الأخلاق الفاضلة، وفيها كذا وكذا من السلوك الحسن، فتكون أمام نظر هذه البنت صورة هذه المرأة بسلوكها وتصرفها، فمن هنا كان للقدوة الحسنة المجال الدعوي الخصب، حتى ولو لم تشعر المرأة بأثره المباشر؛ فإن القدوة لها أثر غير مباشر بشكل بين وملحوظ. كذلك من الوسائل الدعوية للمرأة: أن تستخدم المرأة مسألة توزيع الكتيبات والنشرات والأشرطة والهدايا وغير ذلك، وهذه مسألة مثمرة ومجدية فيما يرتبط باللقاءات النسوية، ولعل هذه أمرها واضح وأمرها بين، والثمرة التي تقطف لا يستطيع إنسان أن يحصي آثارها ويحصي النتائج.

الوسيلة الثالثة من وسائل الدعوة للمرأة الداعية التفكير

الوسيلة الثالثة من وسائل الدعوة للمرأة الداعية التفكير كذلك على المرأة في الجوانب الدعوية: مسألة التفكير، قد يستغرب الإنسان كيف يكون المجال التفكيري مجالاً دعوياً؟ أقول: المرأة التي تجلس في بيتها تفكر في مجالات دعوية، وتفكر في خطط تربوية، وتفكر في مسائل إصلاحية داخل البيت، وهذا التفكير المتتابع سيجدي ويثمر بالنسبة للمرأة وفيما تفكر فيه هذه المرأة؛ لأن المرأة كثيراً ما تفكر في سفاسف الأمور، لكن إذا انتقلت إلى الجوانب المهمة وكانت عالية الهمة في ذلك، فإن هذا التفكير سيثري العمل الدعوي بالنسبة لها، فإنها قد تكتشف وسائل جديدة يناسبها هي، وقد تكتشف وسائل تربوية جديدة لأولادها ولزوجها، وقد يثمر هذا التفكير عن ابتكارات جميلة، قد يكون هذا التفكير في مجال بعيد عن الدعوة من الناحية الظاهرية، لكنه دعوي من الناحية الجوهرية، وقد تفكر في إصلاح جهاز معين فتدعو أولادها وتقول: فكروا معي في إصلاح هذا الجهاز، فكروا معي في تصميم هذا الديكور، فمشاركة الأولاد معها في التفكير يعد جانباً دعوياً. كذلك الاحتكاك مع الأولاد والاهتمام بهم يعد جانباً تربوياً دعوياً ليس باليسير، حتى إن هذا المرأة إذا أعطت هؤلاء الأولاد دفعات دعوية فيما بعد تقبلوا منها وهم مسرورون، وأذكر حادثة أو قصة هي فيها شاهد لجانب التفكير: كان أحد التجار اليابانيين صاحب مصنع ضخم جداً للأجهزة الدقيقة للغاية، ويذكر في مذكرات له ويقول: كنا نصنع أجهزة بالغة التكاليف ودقيقة للغاية، فكانت هذه الأجهزة تباع في جميع أنحاء العالم، وكانت تعود إلينا بعض هذه الأجهزة بحكم أنها لا تعمل بشكل سليم. فبدءوا يفحصون هذه الأجهزة فحصاً عاماً فلا يجدون فيها شيئاً، فاستغربوا، وكثرت هذه الأجهزة التي تعاد مرة أخرى إلى المصنع، فاجتمع المدير بالمدراء والمسئولين عن المصنع، فعرض عليهم القضية ودرسوها من كل جوانبها، فما استطاعوا أن يصلوا إلى نتيجة، والأجهزة تتوالى في الرجوع إليهم، وكان هناك امرأة تعمل في هذا المصنع، وكانت في يوم من الأيام جالسة أمام شباك في المصنع، وإذا بالقطار يمر بجانب المصنع ثم بعد حوالي نصف ساعة مر قطار آخر، فاكتشفت أن هذا القطار يصدر اهتزازات في الأجهزة، وبالتالي فهذا القطار هو الذي أثر في هذه الأجهزة، فذهبت بهذه الفكرة إلى المدير، فاجتمع المدير ومهندسو المصنع ورأوا أن هذا قد يكون صحيحاً، فدرسوا هذه المسألة بطريقة دقيقة فتوصلوا إلى أن هذه القضية التي طرحتها المرأة كانت هي العلى التي بسببها كانت تعاد هذه الأجهزة، فإذا مر القطار والجهاز يعمل فإن الجهاز يفسد قليلاً، أو يحدث له بعض التأثير. فإذاً: ليس هناك حل إلا نقل المصنع عن مكانه أو نقل القطار، وليس هناك إمكانات لنقل هذا أو هذا، فيقال: إنهم عملوا عوازل هائلة على جدار المصنع، وحفروا قناة عميقة فيها ماء لحجز الذبذبات، فلم ترجع إليهم أي أجهزة أخرى بعد ذلك. فالشاهد في هذه القصة أن التفكير صادر من امرأة، وكانت ثمرته ليست باليسيرة بالنسبة لأجهزة تنتشر في جميع أنحاء العالم. أقول: إن التفكير إذا كان سليماً فإنه يثمر، وهذه الثمرة ستؤتي أكلها بشكل بين ومتميز.

الوسيلة الرابعة من وسائل الدعوة للمرأة الداعية الزيارات

الوسيلة الرابعة من وسائل الدعوة للمرأة الداعية الزيارات كذلك من الوسائل الدعوية: الزيارات التي لابد للمرأة أن تضعها نصب عينيها، وهناك زيارات إلزامية بالنسبة للنساء، فمثلاً: امرأة ولدت بابن أو ابنة فهي ستمكث في بيتها أربعين يوماً، فلابد من زيارتها والاطمئنان على صحتها، وهذه الزيارة تعتبر مجالاً دعوياً، قد تكون هذه المرأة التي رزقت بهذا الولد أو البنت ليست على المستوى المطلوب من الالتزام، فمن الممكن أن يكون من ضمن الإهداء الذي يهدى لها من ملابس، وملف للطفل، وعلك وغير ذلك من الهدايا، أن يهدى معها مجموعة كتيبات وأشرطة وتعطى لهذه المرأة، وسيكون لها أثر ليس باليسير؛ لأن هذه الملابس ستزول مع الوقت وتبلى، وهذا الأكل وغيره سينتهي ويزول، لكن الكتاب والشريط سيبقى، وإن لم يبق هو فإن مفعوله سيبقى إن شاء الله. إذاً: قضية الزيارات لابد أن تستثمرها المرأة الداعية. كذلك الزيارات الطارئة، الزيارات التي تقوم بها المرأة لأقربائها وزميلاتها وغير ذلك، فلابد من استغلال هذه الزيارات في الجوانب الدعوية، لا أقول: إن على المرأة أن تجعل كل وقتها دعوة، يعني: لا تذهب إلى لقاء إلا وتلقي فيه كلمة، ولا تذهب إلى عزيمة إلا وتلقي فيه محاضرة، ولا تذهب إلى عرس إلا وتوزع فيه أشرطة، هذا مطلوب، لكن لا يلزم أن يكون دائماً، لكن تضع المرأة نصب عينيها ألا تفرط في وقت من الأوقات إلا وقد أدت فيه شيئاً ولو يسيراً قليلاً، ولو أن تأخذ شريطاً واحداً فقط، فمثلاً: عندما تذهب إلى عرس لا يلزم أن تأخذ معها ثلاثة كراتين في كل كرتون مائتا شريط، لا، وإنما تأخذ معها إذا استطاعت ولو شريطاً واحداً، وتعتبر نفسها إذا لم تؤد شيئاً ولم تقدم شيئاً قد قصرت في هذا الجانب.

الوسيلة الخامسة من وسائل الدعوة للمرأة الداعية استغلال التجمعات النسائية العامة

الوسيلة الخامسة من وسائل الدعوة للمرأة الداعية استغلال التجمعات النسائية العامة كذلك على المرأة الداعية استغلال التجمعات النسائية العامة، مثل: الأسواق النسائية، ومجال الدعوة فيها بين وواضح ومعروف، وأضرب لكم مثالاً أو نموذجاً على أسواق الهودج التي يعرض فيها مجموعة من الأفلام عن طريق الفيديو عن البوسنة والهرسك، أو عن الصومال، أو عن أفغانستان، أو عن أوضاع معينة تحصل في العالم الإسلامي، وربما يحصل فيها محاضرات مسجلة، وأحيانا تقوم نسوة مجتهدات جزاهن الله خيراً بإلقاء بعض الدروس والمحاضرات في هذه الأسواق، وأنا أعرف مجموعة من النساء يذهبن إلى هذه الأسواق بهدف الاستماع والجلوس للاستفادة من المحاضرة، والاحتكاك بالأخريات للاستفادة منهن، فلم تذهب المرأة للتسوق ولا لإنفاق المال، بل ذهبت للاستفادة. إذاً: استغلال الأسواق النسائية جانب مهم في المجال الدعوي بالنسبة للمرأة الداعية.

معوقات الدعوة للمرأة الداعية

معوقات الدعوة للمرأة الداعية معوقات الدعوة كثيرة جداً، وأبرز هذه المعوقات المعوق الفكري أو الهجمة الفكرية المعاصرة خاصة في هذا الزمان، عن طريق تشويه أفكار الناس عن المرأة، ومحاولة بث هذا الفكر داخل عقول النساء، وأن هذه المرأة ينبغي لها أن تكون مساوية للرجل، وينبغي لها أن تتحرر، وينبغي لها أن تنطلق من قيودها، وينبغي لها أن تقود سيارتها بنفسها، وتعمل كيف تشاء، وتذهب متى تشاء، وتذهب وتأتي بأي أسلوب وفي أي وقت وبأي كيفية، ليس للرجل عليها سلطة. هذه الأفكار يراد منها أن تكون المجتمعات الإسلامية مشابهة للمجتمعات الغربية التي انتشر فيها الانحلال، الذي أدى بها الآن إلى الانهيار، فالمجتمعات الغربية الآن تنهار شيئاً فشيئاً، ولا يلزم من هذا أن يكون الانهيار في سنين قليلة؛ لأن انهيار الدول ليس كانهيار الأفراد، فانهيار الدول قد يحتاج إلى عشرات السنين، وقد تكون دولة بدأت مرحلة الانهيار لكنها لا تنهار إلا بعد خمسين سنة، وبالتالي فالمجتمعات الغربية تأمل من المجتمع المسلم أن يسلك نفس المسلك فينهار فيتساوى المجتمع المسلم مع المجتمع الغربي في هذا الجانب، ويتفوقون علينا في العدد والعدة، ويكونون هم المسيطرين، وبالتالي يحاولون نشر ذلك بشكل قوي جداً، والهجمة في المؤلفات الفكرية والأفكار المطروحة فيما يرتبط بالسفور والاختلاط والمساواة وغيرها أمرها واضح وبين، ولا تحتاج إلى مزيد بيان لضيق الوقت. وهذا اعتبره معوقاً؛ لأن بعض النساء تكون قد تشربت هذه الأفكار، وبالتالي لا تستطيع المرأة أن تدعو؛ لأن بعضاً من هذه الرواسب قد رسخ في ذهنها. كذلك إذا أرادت أن تدعو أخريات قد تجابه نساء يحملن هذه الأفكار فيكون مجال الدعوة ضيقاً؛ نتيجة لمحاولة إقناع هذه وتلك من التخلص من هذه الأفكار التي انغرست في أذهانهن. كذلك من المعوقات الدعوية: وسائل الإعلام، أو الهجمة الإعلامية، سواء كانت تلفازاً، أو فيديو، أو صحافة، أو إذاعة، أو غيرها، وهذه الوسائل الإعلامية كلنا جميعاً بلا استثناء نعلم مدى تأثيرها على المرأة بخاصة، فالمرأة دائماً تعكف وتمكث وتبقى في البيت، والإعلام أمامها من تلفاز وغيره يعمل طوال الوقت، كل الوقت الذي تعيشه المرأة نجد أن الإعلام يبث فكره ابتداء ليدخل في عقلها وفكرها. فإن انتقلت من محطة إلى أخرى وجدت محطة أمريكا الإعلامية، أو محطة لندن، أو محطة باريس، وهذه المحطات الإعلامية تبث فكراً منحلاً، ووسائل تربوية فاسدة، وجوانب أخلاقية هابطة، فتنهار المرأة نتيجة لذلك، ويترتب على ذلك أن تكون داعية انحلال بدل أن تكون داعية صلاح. إذاً: هذه المرأة الداعية ستجابه هذه الهجمة الإعلامية الصارخة من قبل هؤلاء الأعداء. كذلك من معوقات الدعوة: الجهل، كثير من النسوة يجهلن العلم الشرعي؛ لأنه ليس لديهن من العلم الشرعي إلا أقل القليل، وهذا الجهل يؤدي بهن إلى ألا يعلمن دورهن في هذه الحياة، ولا يعلمن أنهن مسئولات عن تربية أولادهن التربية السليمة، بل ولا يعرفن كيف يربين الأولاد، ولا يعرفن شئون الزوج، ولا شئون الدعوة بشكل عام؛ نتيجة للجهل، لذلك على النساء أن يركزن على الجوانب العلمية عن طريق التلقي العلمي، ولله الحمد والمنة فالجوانب العلمية ممكن أن تؤخذ الآن عن طريق الكتب الموجودة والمنتشرة في الأسواق، وعن طريق التسجيلات التي فيها من الدروس العلمية الشيء الكثير، وعن طريق حضور بعض الدروس العلمية التي ممكن أن تحضرها النساء، وهذه جوانب مفتوحة وموجودة وليس فيها إشكال. المعوق الرابع: الحياء، الحياء معوق كذلك من معوقات الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى بالنسبة للمرأة، فالمرأة حيية، فهي تخجل وتستحي وتتأثر بسرعة؛ نتيجة لهذه الفطرة التي وجدت فيها، وكون المرأة تستحي فإن هذا يعد جانباً فاضلاً فيها، ولكنه إذا زاد عن حده يعد عيباً وخاصة في المجال الدعوي؛ لأنها قد تدخل في مجتمع ترى فيه من المنكرات الشيء الكثير، ومع ذلك لا تستطيع أن تغير وتدعو وتنهى وتأمر وغير ذلك؛ لأنها تستحي وتخجل، وكثيراً ما نسمع أن المرأة تقول: أنا رأيت كذا وكذا، فإن قيل لها: لماذا لم تنصحي؟ تقول: والله أستحي وأخجل. إذاً: هذا خجل مذموم فيها، وهو معوق ينبغي على المرأة أن تراعيه وتنتبه له؛ فالحياء له حدود ونطاق معين، فإذا تجاوزها سمي هذا تقصيراً وذلاً، وسمي بأسماء مختلفة متفاوتة. الجانب الخامس من معوقات الدعوة للمرأة الداعية: شئون المنزل، فالمرأة كثيراً ما تشتكي كثرة أعمالها في منزلها، وأن هذا العمل يعيقها كثيراً عن أداء كثير من المهمات الدعوية التي تتمنى أن تقوم بها، وهذا حقيقة فيه جانب من الصحة وجانب من الخطأ كذلك، فإن قيام المرأة بشئون المنزل وإشرافها على منزلها ليكون منزلاً مريحاً يشعر فيه الزوج بالراحة النفسية والاطمئنان القلبي، ويشعر فيه كذلك الأولاد بالراحة يعد بحد ذاته أمراً وجانباً دعوياً مهماً، فإن الطفل أو الزوج إذا لم يجد منزلاً يرتاح فيه ويطمئن فيه قلبه فإنه سيتركه ويخرج ليبحث عن غيره من الأماكن التي يمضي فيها الوقت، فيمضي الوقت في سهرات ولقاءات، وفي غير ذلك، وهذا بحد ذاته قد يؤدي إلى انحراف هذا الزوج إن كان قابلاً لذلك، ونفس العملية تنقل إلى الأولاد، وبالتالي فإن جعل المرأة شئون المنزل معوقاً هذا ليس على إطلاقه، لكن أن تجعل المرأة كل شئون المنزل هي المعوق، أو تمضي كل وقتها في شئون المنزل ولا تعطي لأولادها أو لزوجها إلا أقل القليل أو فضول الأوقات فهذا يعتبر معوقاً، فالذي ينبغي للمرأة أن توازن بين هذين الشيئين، وأن تعطي كل شيء ما يناسبه، فتركز على شئون المنزل في الوقت الذي يكون فيه الزوج والأولاد في أماكن أخرى، إما في عمل أو غير ذلك، فإذا عادوا إلى البيت وجدوا البيت قد انتهى العمل الأساسي الذي يرتبط بتنظيمه وتنظيفه وغير ذلك، ويجد الأولاد الراحة مع أمهم، ويجد الزوج الراحة مع زوجته، وهذا بحد ذاته يعد أمراً دعوياً مهماً. المعوق السادس: قضية المواصلات، فكثير من النسوة يتمنين الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وعندهن القدرة على ذلك، فتقول إحداهن: بإمكاني أن ألقي محاضرة أو ندوة، وعندي العلم الذي يؤهلني لأن أؤدي جوانب دعوية، ولكنني لا أستطيع أن أنتقل من مكان إلى آخر؛ بحكم أنني لا أجد المواصلات المناسبة، فزوجي إما أنه يرفض أن يذهب بي، وإما أنه مشغول باستمرار، وبالتالي فلا مجال للانتقال، فهل لي أن أستجلب سائقاً يذهب بي إلى مكان وآخر، نقول: لا، هنا لابد أن تضعي نصب عينيك أن الله سبحانه وتعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، وأن الله سبحانه وتعالى بين ذلك وقال: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] فأنت ستثابين على نيتك، فنيتك وهدفك الذي تهدفين له صالح، ولكنك تتحيين الفرصة، فإن لم تأت الفرصة فضعي نصب عينيك أنك ستؤجرين على حسب النية التي تنوينها. كذلك من معوقات الدعوة: رب الأسرة، وكثيراً ما يكون رب الأسرة معوقاً من معوقات الدعوة؛ إما لأنه منحرف، أو لأنه لا يفهم مبدأ القوامة المذكور في قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:34]، فبعضهم لا يفهم مبدأ القوامة فهماً سليماً، فيرى أن القوامة هي أن يضغط على المرأة ويتحكم فيها كيفما يشاء، ويصرفها كيفما يشاء، فتجده يأمر زوجته بالأمر الخاطئ فلابد لها أن تطيع، ويأمرها بما يشاء وكيف يشاء، فأقول: إن عدم فهم من الرجل يعد معوقاً بالنسبة لهذه المرأة، وعلى المرأة الداعية أن تراعي هذا القصور في رب الأسرة، فتحاول أن تعالجه أولاً، ويعد ذلك أمراً دعوياً منها له، فإذا عولج ونجح العلاج فإنها بعد ذلك ستستفيد من رب الأسرة في المجالات الدعوية الأخرى.

نماذج دعوية للمرأة الداعية

نماذج دعوية للمرأة الداعية النقطة قبل الأخيرة: نماذج دعوية. نريد أن نقف وقفات موجزة مع بعض النماذج النسوية الدعوية، التي تبين لنا مدى حرص هؤلاء النسوة اللاتي سأذكر بعضاً من قصصهن في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.

قصة امرأة كبيرة في السن وأثرها في الدعوة إلى الله

قصة امرأة كبيرة في السن وأثرها في الدعوة إلى الله أستفتح ذلك بذكر قصة امرأة كبيرة في السن عمرها يتجاوز السبعين عاماً، هذه المرأة تحب أشرطة كثير من العلماء، ولا يمكن أن تجد شريطاً لهذا العالم أو ذاك إلا وقد حصلت عليه واشترته، فعندها من الأشرطة مئات لهؤلاء وتسمعها باستمرار، وتنقل هذا السماع الذي يرسخ في قلبها وعقلها ووجدانها إلى واقع الحياة. وهذه المرأة الكبيرة في السن تعتبر داعية وأنموذجاً للدعاة بشكل غريب، وسأذكر لكم نموذجين اثنين من مجالاتها ومناهجها الدعوية، وهذه المرأة وهي موجودة مد الله في عمرها: أولاً: يذكر الذي يعرفها ويعايشها، ويقول: كنت رجلاً منحرفاً، وكنت أسافر من الرياض إلى منطقة تبعد عن الرياض في حدود مائتي كيلو متر، وكانت هذه العجوز تسافر معي بعض الأحيان باعتبار أنها قريبتي وأنا محرم لها، فكنت أسافر إلى هذه المنطقة وأمكث فيها يوماً أو يومين ثم أعود أنا وهي، فكنت أستمع إلى الغناء ومعي مجموعة من الأشرطة، وهي معها حقيبة صغيرة فيها أشرطة لفلان من العلماء ولفلان من الدعاة، ففي يوم من الأيام سافرت أنا وهي، فعندما بدأ السفر فتحت شريط الأغنية لأحد المغنيين فسكتت، ثم بعد أن مضى حوالي ربع ساعة من الطريق قالت لي: يا فلان الآن أنت تحب هذه الأغاني؟ قال: قلت: نعم، قالت: وتحب هذا المغني؟ قال: قلت: نعم، قالت: لكن أنا حقيقة ما أحبه، ولا أريد أن أسمعه، وأتضايق منه، وأنت الآن تفرض علي شيئاً لا أريده، قال: قلت: لكن أنا ما أستطيع أن أترك السيارة بدون صوت، قالت: حسناً أنا عندي رأي: ما رأيك لو نحقق الأهداف كلها، أنت تصير مستريح وأنا أصير مستريحة، قال: قلت: كيف؟ قالت: الطريق يستغرق ساعتين لك ساعة ولي ساعة، هل ترضى بذلك؟ قال: قلت: ليس هناك مانع، قالت: إذاً: الآن أنت قد بدأت وقد مضى من وقتك ربع ساعة وباقي لك ساعة إلا ربع افتح المسجل كيف تشاء، يقول: وأشغل المسجل وأسمع طبيعي جداً، وعندما مضت ساعة بالضبط قالت: الآن جاء دوري، يقول: وأعطتني شريطاً للشيخ أحمد القطان بعنوان: (قصص وعبر) فأخذت الشريط وفتحته، وبدأت أسمع قصة وقصتين وثلاثاً وإذا هي قصص ممتازة، وبعد أن مضت الساعة قالت: انتهى دوري أغلق المسجل، قال: قلت: لا، اتركيني أسمع، قالت لي: أغلق الشريط، وكنت أستمع في وسط قصة قوية جداً، قلت: لا، اتركيني أسمعها، قالت: لا، هات الشريط انتهى وقتي أنا، وشغل أنت شريطك، قال: قلت: يا بنت الحلال أريد أن أسمع هذه القصة، قالت: أبداً. انظروا كيف الشد والجذب هنا، يقول: وفي النهاية قالت: استمر في سماع القصة، يقول: وفي هذه اللحظة فعلاً انغرس في قلبي حب هذه الأشرطة، وعند العودة نفس العملية أعطتني جزءاً من الوقت ولها الجزء الباقي، لكن بعد هذه السفرية بدأت فعلاً أعرف أنني على خطأ. إذاً: هذا جانب دعوي عجيب من هذه المرأة. ثانياً: هناك مثال آخر لهذه المرأة كذلك: يقول هذا الأخ بعد أن هداه الله سبحانه وتعالى جاءني مجموعة من المجاهدين فجلست أنا وهم فعرضوا علي أنهم محتاجون إلى مبلغ من المال قريب من ثلاثين ألفاً، يحتاجون هذا المبلغ لبناء كذا وكذا، وشراء كذا وكذا من الكتيبات السلفية لنشرها، وأنا ما عندي هذا المبلغ ولا أملك من هذا المبلغ إلا شيئاً يسيراً، فقلت: أذهب إلى تلك المرأة قد يكون عندها شيء، واتصلت عليها وقلت لها: يا عمة القصة كذا وكذا أيش رأيك والآن هؤلاء عندي وسيسافرون غداً؟ فقالت: اتصل بي بعد ساعة، قال: فقلت: بعد ساعة قد تجمع خمسة آلاف أو عشرة آلاف، يقول: وهذه المرأة ما تعرف الكتابة ولا القراءة، فنادت بنتها الصغيرة، وقالت: تعالي يا بنتي وائتي بدفتر التلفونات واكتبي: بسم الله الرحمن الرحيم. كيف حالك يا أم فلانة عساك طيبة والله القصة كذا وكذا وهؤلاء محتاجون فما رأيك هل عندك شيء تتبرعين به؟ قالت: إي والله عندي ثلاثمائة ريال، وكتبت إلى ثانية وثالثة ورابعة إلخ ثم قالت لبنتها: سجلي على أم فلانة ثلاثمائة ريال، وعلى أم فلانة خمسمائة ريال، وعلى أم فلانة مائتين، وعلى أم فلانة سبعمائة، حتى اكتمل المبلغ ثلاثين ألفاً، وما نقص منه سددت الباقي من عندها، ثم قالت لولدها: عندك الآن في البنك نقود وأريدك أن تسلفني لمدة أسبوع ثلاثين ألفاً، قال: غير معقول يا أمه أنا محتاج، قالت: هل أنت تحتاجها قبل أسبوع؟ قال: لا، قالت: إذاً أعطنيها وبعد أسبوع ترجع لك، قال: خير إن شاء الله، وكتب لها شيكاً بثلاثين ألفاً، وعندما اتصل عليها قريبها بعد ساعة قالت له: تعال، فلما جاء أعطته شيكاً بثلاثين ألفاً. إذاً: هذا منهج دعوي عجيب من هذه المرأة، هذه المرأة دفعت ثلاثين ألفاً؛ ليشترى بها كتيبات وأشرطة سلفية في التوحيد وفي العقيدة، ونشرت في عدة بلاد واستفاد منها آلاف مؤلفة.

أثر زوجة الإمام محمد بن سعود في الدعوة السلفية

أثر زوجة الإمام محمد بن سعود في الدعوة السلفية النموذج الثاني للمرأة الداعية: إنها زوجة محمد بن سعود موضى بنت أبي وهطان، هذه المرأة كانت تعيش في الدرعية، وإذا بالإمام محمد بن عبد الوهاب يقدم على الدرعية خائفاً يترقب من هول ما هدد به من قتل واعتداء من أهل حريملاء أو غيرها، واتجه إلى الدرعية يريد أن يقابل محمد بن سعود ليعرض عليه أمر الدعوة، فجاء إلى بيته ولم يجده، ووجد امرأة محمد بن سعود موضى بنت أبي وهطان فعرض عليها الأمر، ثم ذهب فجاء زوجها فعرضت عليه الأمر وحثته ودعمته وشجعته وأصرت عليه إلى أن اطمأن قلبه وفؤاده وضميره لهذه الدعوة، فالتحم مع الإمام محمد بن عبد الوهاب وأقاما الدعوة السلفية في ذلك الحين. إذاً: هذا فعل امرأة وتأثير امرأة، وهذه الدعوة التي برزت والتي نقطف ثمارها إلى الآن كان من جهودها.

قصة المرأة التي عرضت ذوائبها وضفائرها للجهاد بها في سبيل الله

قصة المرأة التي عرضت ذوائبها وضفائرها للجهاد بها في سبيل الله النموذج الثالث: يقول منصور بن عمار: كنت في يوم من الأيام أحض الناس على جهاد الروم، وإذا بامرأة ترسل لي ظرفاً، فتوقعت أن فيه مالاً، ففتحته وإذا في الظرف ذوائب امرأة، وورقة مكتوب فيها: لقد سمعتك تحض على الجهاد وتدعو الناس إليه، وأنا والله لا أملك من الدنيا إلا ثوبي الذي علي وهذه الضفائر التي قطعتها، فأرجو منك أن تعطيها أحد فرسان المسلمين ليجعلها لجاماً لفرسه، فلعل الله سبحانه وتعالى أن يعتقني بها من النار، يقول منصور بن عمار: فأخذتها وقرأتها وبدأت أبكي من شدة التأثر، ثم عرضت جدايلها وذوائبها على المجاهدين، فضج المسجد بالبكاء وبدءوا يبكون متأثرين، فنفر الناس إلى جهاد الروم بشكل غريب جداً لم يعهد. أقول: إن السبب في ذلك أن هذه المرأة استخدمت منهجاً دعوياً عجيباً في الحض على الجهاد في سبيل الله بين هؤلاء الناس. إذاً: هذه امرأة داعية استغلت أسلوباً للدعوة إلى الله، وأثمر هذا الأسلوب في تجييش جيش قوي اتجه إلى بلاد الروم محارباً ومقاتلاً.

قصة المرأة الدينارية التي اهتمت بالرسول واحتسبت زوجها وأخاها وأباها

قصة المرأة الدينارية التي اهتمت بالرسول واحتسبت زوجها وأخاها وأباها النموذج الرابع: (أن امرأة من بني دينار جاءت راكبة على حمار لها، فجاءها الناس يعزونها، قالوا لها: احتسبي أخاك، قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ما فعل رسول الله؟ قالوا: احتسبي زوجك، قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ما فعل رسول الله؟ قالوا لها: احتسبي والدك، قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ما فعل رسول الله؟ قالوا: هو حي يرزق لم يصب بأذى، قالت: أروني إياه، فذهبوا بها فأروها إياه، قالوا: هذا هو رسول الله، حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل). إذاً: هذه المرأة التي فقدت أعز الناس بالنسبة لها، فقدت زوجاً، وأخاً، وأباً، ومع ذلك وجدت أن في بقاء الداعية رسول الله صلى الله عليه وسلم على قيد الحياة مجالاً خصباً لاستثمار الدعوة. هذه الحادثة تعطي القارئ دفعة قوية دعوية، فأنت عندما تقرؤها وأقرؤها أنا وتقرؤها المرأة الفلانية نحس أن عند هذه المرأة جانباً قوياً من التحمل والصبر تجعلنا فعلاً نتأسى بها، فعملها هذا يعد جانباً تربوياً دعوياً بالنسبة لنا، يثري فينا أشياء كثيرة من الاهتمام بالدعوة.

قصة توبة معلمة على يد طفلة صغيرة

قصة توبة معلمة على يد طفلة صغيرة المثال الأخير هنا: هو أن معلمة كانت تدرس مجموعة من الطالبات، وكان الحديث ينصب على قضية اللباس، وكانت هناك بنت صغيرة جداً تلبس ثياباً محتشمة جداً، وهذه المعلمة التي كانت سيئة في سلوكها وفي تصرفها، فقالت لهذه البنت الصغيرة: إذا لم تغيري هذه الملابس فلا أريدك معي في هذا الفصل وانتقلي إلى أي مدرسة أخرى، فذهبت هذه البنت وهي تبكي إلى والدتها، وقالت لها: إن الوضع كذا وكذا فما رأيك؟ فقالت لها أمها: إن المعلمة تأمرك بأن تلبسي كذا وكذا والله سبحانه وتعالى يأمرك أن تلبسي كذا وكذا، فأيهما تطيعين؟ قالت البنت الصغيرة: أطيع الله. قالت الأم: إذاً أخبري المعلمة بذلك، وعندما جاء الغد رأت المعلمة البنت الصغيرة وعليها ملابسها المحتشمة، فقالت لها: ألم أنهك عن ذلك؟ قالت: بلى ولكنني رأيتك قد أمرتني بأمر وهو أمرني بأمر، فأطعته وعصيتك، قالت: من هو؟ قالت: الله، فهذه المعلمة أصيبت بصدمة قوية، ثم خرجت من الفصل واتصلت بأم هذه البنت الصغيرة وقالت لها: إذا استطعت أن تأتي فائتيني غداً، فجاءت إليها، وقالت المعلمة للأم: والله لقد وعظتني ابنتك موعظة لم أسمع أبلغ منها في حياتي أبداً، فاهتدت هذه المعلمة بسبب هذه الكلمة اليسيرة. إذاً: مجالات الدعوة ولله الحمد مفتوحة وواسعة أمامك أيتها المرأة، ولكن العمل العمل والبذل البذل، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه، وأن يجعلنا من الدعاة إلى سبيله والسالكين لدربه ولمنهاجه، وأن يجعلنا ممن يسيرون على هدي الداعية الأول المصطفى صلى الله عليه وسلم، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الدعوة إلى الله بالنسبة للمرأة

حكم الدعوة إلى الله بالنسبة للمرأة Q هل المرأة كالرجل في وجوب الدعوة إلى الله تعالى، أرجو إيضاح هذا؟ A لابد أن يعلم الإنسان أن كل مخلوق قد يُسر له أمر، ويُسر له منهج، والإنسان مطالب بهذا المنهج، فالرجل له مجالاته الدعوية التي لا يمكن للمرأة أن تقوم بها، فالجهاد في سبيل الله مجال دعوي قوي، لكن المرأة لا تطالب بالجهاد، كذلك للرجل أن يخطب على المنابر أمام الناس، والمرأة لا تستطيع أن تفعل ذلك، لكنها تستطيع أن تكمل هذا العمل بما تستطيعه أمام النساء، فالمرأة مطالبة بالبلاغ، والمرأة في هذا الجانب مساوية للرجل تماماً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده) فكل أمر فيه حث على الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى يخص الرجل والمرأة، وإذا قصر الرجل والمرأة فإنهما يأثمان على ذلك، وهما في هذا الأمر سواسية لا فرق بينهما.

شمول الدعوة إلى الله للحث على فعل الأوامر واجتناب المنهيات

شمول الدعوة إلى الله للحث على فعل الأوامر واجتناب المنهيات Q يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: الدعوة إلى الله تعالى تشمل كل ما أمر الله به من الواجبات والمستحبات، وكل ما نهى عنه من المحرمات والمكروهات، أرجو إيضاح ذلك؟ A يعني: أن الإنسان يدعو إلى الله سبحانه وتعالى، فهو حين يرى منكراً معيناً، ينهى عن هذا المنكر، وحين يرى إنساناً قد وقع في أمر مكروه ولو استمر فيه فليس عليه شيء، لكنه يريد أن يرفعه إلى الأحسن والأولى والأفضل، فبالتالي ينبه ذلك الإنسان على ذلك. كذلك في مسائل المستحبات حين ترى إنساناً لا يؤدي السنة الراتبة بعد الصلاة، تقول له: يا أخي تعلم ما للسنة الراتبة من فضل؟! ومن قام بها وأداها ماذا سيترتب على ذلك من أجر وغير ذلك؟! وهذا مستحب وليس بفرض على الإنسان، فأنت تحث هذا الإنسان وتدعوه للمحافظة على السنة الراتبة. كذلك تدعو فلاناً من الناس أن يلتزم بأداء صلاة الجماعة في المسجد وإذا كان لا يصلي في المسجد. إذاً: وبالتالي فقضية الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى سواء كانت سلباً أو إيجاباً، أو سواء كانت مرتبطة بجوانب المحرمات والمكروهات أو جوانب المستحبات والمفروضات فالإنسان مرتبط بالدعوة في كلا الحالتين، فيأمر من وقع في منكر محرم أن يرجع عنه ويبتعد عنه، ويأمر من وقع في مكروه بأن من الأولى أن تترك ذلك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بين لنا أن هذا أمر مكروه، وهذا أمر فيه وضوح.

حصول الأجر والفضل للمرأة الداعية بهداية الناس مثل الرجل

حصول الأجر والفضل للمرأة الداعية بهداية الناس مثل الرجل Q هل الفضل المذكور في الحديث: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم) يتناول المرأة؟ A نعم، يتناول المرأة مثل ما ذكر العلماء أن المرأة والرجل سواء في كل شيء إلا في مسائل خصها الشرع، وهي يسيرة، أما بقية المسائل فالرجال والنساء سواسية في ذلك، فقوله صلى الله عليه وسلم: (لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من حمر النعم) كذلك هو للمرأة؛ لأن يهدي الله بك رجلاً أو امرأة خير لك من حمر النعم. كذلك الرجل ممكن تقول: لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من حمر النعم، باعتبار أنك هديت رجلاً وأدخلته في الإسلام، أو جعلته ينتقل من سبيل الغواية إلى طريق الصلاح، وتكون بذلك قد نلت أجراً ليس باليسير، وهذا الأجر قد لا تشعر به في حال حياتك، لكنك ستراه يوم القيامة عندما تنال أجر اهتداء الرجل وصلاته وصيامه وحجه وزكاته، وتنال أجر أولاده الذين صلحوا على يدي هذا الوالد الصالح، وأحفاده وأحفاد أحفاده إلى أن تقوم الساعة، وكل هذا يعود لك ولا ينقص من أجورهم شيء، ولذلك يقول العلماء: إن الصحابة هم أفضل الناس ولا يمكن أن يجاريهم أحد، بل حتى لو أنفق أحد الصحابة الذين تأخر إسلامهم مثل أحد ذهباً لم يبلغ مد أحد الصحابة الذين تقدم إسلامهم ولا نصيفه، كما ثبت ذلك عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك عندما تكلم خالد بن الوليد في شأن عبد الرحمن بن عوف. يعنى: أن الصحابة اهتدى على أيديهم أناس، وهؤلاء الأناس ستكون أجورهم لهم، وفي نفس الوقت سترجع أجورهم إلى هؤلاء الصحابة، وأبناؤهم وأبناء أبنائهم سترجع أجورهم إلى هؤلاء الصحابة، ونحن وأبناؤنا وآباؤنا مدينون بالفضل الذي نحن ننعم به فضل الإسلام، لهؤلاء الصحابة الذين نقلوه لنا صافياً كاملاً لم يتطرق له شك ولا شائبة ولا غير ذلك.

واجب المرأة الداعية تجاه الخادمة في البيت

واجب المرأة الداعية تجاه الخادمة في البيت Q كيف تكون المرأة داعية مع الخدم في منزلها؟ A الخدم ينقسمون إلى أقسام، فهناك خادمة ملتزمة، وقد تكون الخادمة أحياناً أكثر التزاماً من ذات المرأة التي تسكن معها، وقد تكون الخادمة غير ملتزمة، وقد تكون الخادمة غير مسلمة، وهنا لابد من وضع كل قضية في موضعها، فإن كانت المرأة الخادمة غير مسلمة فينبغي أن تنتبه المرأة إلى هذا الجانب من أساسه، وألا تستقدم كافرة وخاصة إلى هذه البلاد، وتحرص على أن تستقدم المسلمة، فإن حصل واستقدمت هذه الكافرة فلتنتبه المرأة إلى أن هذه الكافرة قد تؤثر في أولادها وفي زوجها، وقد تنشر شراً داخل البيت وهي لا تعلم إلى غير ذلك من الأمور المعروفة، فإن قررت المرأة وكانت حريصة على دعوتها إلى الإسلام، فتحاول قدر جهدها أن تستفيد من الإمكانات المتاحة، قد تكون المرأة المسلمة مجيدة للغة الإنجليزية والخادمة تجيد اللغة الإنجليزية فرضاً فيتم التفاهم بينهما نتيجة لذلك، وإذا كانت المسلمة لا تعرف الإقناعات فتحاول أن تستفيد مما كتب ومما سجل، وقد تستعين بمكاتب دعوة الجاليات في إمدادها بالأشرطة والكتيبات لتعطيها لهذه المرأة الخادمة تباعاً، مع العلم أن المرأة المسلمة لابد أن تعي أن هذه الخادمة غير المسلمة عندما جاءت إلى بيتها صارت مسئولة عنها، فإذا رجعت إلى أهلها ولم تعرضي عليها الإسلام فإنها ستتعلق في رقبتك يوم القيامة، وستطالبك أمام الله سبحانه وتعالى بأنها جاءت إليك وأنت مسلمة ولم تعرضي عليها الإسلام لا من قريب ولا من بعيد. أما إن كانت المرأة الخادمة غير ملتزمة وهي مسلمة فيؤتى إليها بالكتيبات والأشرطة التي تحث على الالتزام بدين الله سبحانه وتعالى، وتجالسها وأن تتخلق معها بالأخلاق الحسنة، وتعاملها المعاملة السليمة التي يعامل بها الخدم في الإسلام، وقد ثبت عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنه خدم الرسول صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يتذمر منه أي تذمر، ولم يقل له في يوم من الأيام: لم فعلت كذا؟ ولم لم تفعل كذا؟ وهذا يدل على الخلق العظيم عند المصطفى صلى الله عليه وسلم مع الجميع حتى مع خدمه، فهنا هذه المرأة لكي تؤثر في خادمتها لابد أن تضع قضية القدوة الحسنة نصب عينيها، نعم.

قصص مؤثرة

قصص مؤثرة لقد أكثر سبحانه وتعالى من ذكر القصص في القرآن الكريم، وذلك لما فيها من العظة والعبرة، ولما فيها من قوة التأثير على سامعيها وقارئيها، فهذه قصص واقعية مؤثرة، ويكمن شدة تأثيرها عندما تأتي من بلدان حملت على كاهلها محاربة هذا الدين الإسلامي، كيف يخرج من أهلها من يثبت على هذا الدين ويصبر ويتحمل المشاق من أجله.

الكشف عن مخططات المنصرين في محاربة القرآن الكريم

الكشف عن مخططات المنصرين في محاربة القرآن الكريم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: أيها الأحبة الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تعلمون ما للقصة من أثر في القلب والضمير والكيان، فهي تشكل بمجموعها أثراً على الجسد فتقوده إلى الخير وتدفعه إلى الصلاح، والله سبحانه وتعالى قد أكثر من القصص في كتابه الكريم، وبينها وأوضحها بطرق متعددة وكيفيات مختلفة، وقال في بعض هذا القصص: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} [يوسف:111]، عبرة لمن؟ {لِأُوْلِي الأَلْبَابِ} [يوسف:111] أي: لأولي العقول الذين يدرسون هذه القصص بعقولهم، ويستنتجون منها الأثر والمؤثر والدرس والعبرة، فيطبقونها في مجالات حياتهم المختلفة. أيها الأحبة الكرام! إن ما سأطرقه في هذا اللقاء الطيب المبارك عبارة عن جملة من القصص التي عايشتها أو كان لي معايشة بجزئيات منها، وهذه القصص حقيقة فيها تأثير لمن ألقى السمع وهو شهيد، فعليك أيها الأخ المبارك أن تفقه هذه القصة وتجعلها عبرة، بل ونبراساً تسير على هداه. أيها الأحباب! لعلكم تعرفون جميعاً أن أعداء الله سبحانه وتعالى على مر الأزمنة قد علموا وعرفوا أن القرآن الكريم الذي هو مصدر قوة المسلمين ومرجع عزتهم، وعلموا مدى تأثيره العظيم عليهم، فماذا فعلوا؟ لقد بذلوا جهودهم في سبيل إيجاد انفصال وانفصام وفرقة وافتراق بين هذا الكتاب العظيم وبين المسلمين، وهذه الفرقة وهذا الانفصام ليس مداره على سحب القرآن من أيدي الناس وإبعاده عنهم لا، ليس هذا هو الهدف، إنما الهدف هو إبعادهم عن الاعتصام به والاقتداء بهديه، وإبعادهم عن قراءته وتدبر معانيه، وهذا الهدف قد سعوا إلى تحقيقه وتطبيقه ولا يزالون يسعون لذلك جاهدين بكل قوة، قد يقول قائل: وما دخل هذا الكلام بما ستطرحه من قصص مؤثرة؟! أقول: لا تستعجل، فإن هذه مقدمة لها ما بعدها. وأحب أن أشير في هذه المقدمة إلى أن هؤلاء القوم قد نطقت أفواههم وطبقت فعالهم في مجتمعاتنا الإسلامية، بل وما تخفي صدورهم أكبر: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} [الكهف:5]. استمع أيها الحبيب المبارك إلى بعض زعماء هؤلاء القوم من المنصرين المتميزين المشهورين المعروفين ماذا يقولون تجاه كتاب الله، ثم بعد ذلك قارن بين هذه المقولات المختلفة وبين ما سأذكره لك من قصص؛ لترى أن الله سبحانه وتعالى ناصر دينه، حتى ولو تخلى عنه أقرب الأقربين إليه، وهم الذين يعيشون في داخل ذاك البلد الذي يعلن الإسلام، أو تلك الدولة التي تدعو إلى الإسلام، وهذه المسائل وهذه القضايا ستتضح بعد قليل فلا تستعجل الأمر. يقول المنصر الأول ويدعى: وليم جيفورد: متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد المسلمين، يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في طريق الحضارة الغربية بعيداً عن محمد وكتابه. أما تاكري -وهو منصر آخر ومشهور- فيقول: يجب أن نستخدم القرآن وهو أمضى سلاح في الإسلام ضد الإسلام نفسه؛ حتى نقضي عليه تماماً، ثم يواصل قائلاً: كما يجب أن نبين للمسلمين أن الصحيح في القرآن ليس جديداً وأن الجديد ليس صحيحاً. أما الحاكم الفرنسي الذي حكم الجزائر إبان الاستعمار الذي تم في القرن الماضي، فيقول في ذكرى مرور مائة سنة على استعمار الجزائر: يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم، ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم؛ حتى ننتصر عليهم. ولذلك تواتر عن كثير منهم مقولة لا تنسب إلى أحدهم، لكن كل منهم ينطق بها إما بلسان الحال أو المقال، فيقولون: لن ننتصر على الإسلام إلا إذا خلعنا حجاب المرأة المسلمة وغطينا به القرآن. وأختم هذه النقولات أيها الأخ الحبيب بمقولة رئيس وزراء بريطانيا في فترة سابقة، يقول في مجلس العموم البريطاني: ما دام هذا القرآن موجوداً فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان. وعندما كان يتكلم بهذه الكلمات كان يرفع القرآن بيده، فقام أحد أعضاء مجلس العموم وخطف المصحف من يده ومزقه قطعة قطعة، فما كان منه إلا أن ضحك عليه وقال: ما أحمقك وما أغباك، إنك بهذا الفعل تثير المسلمين، وتجعلهم يطبعون بدل الكتاب مائة وبدل المائة ألفاً، ولكن ليست هذه الطريقة، ثم بدءوا يتناقشون في طريقة إبعادنا نحن المسلمين عن القرآن.

قصة اهتمام امرأة بريطانية مسلمة بتحفيظ أولادها القرآن قبل الدراسة المنهجية

قصة اهتمام امرأة بريطانية مسلمة بتحفيظ أولادها القرآن قبل الدراسة المنهجية هذه العبارات وهذه الألفاظ وهذه النقولات ما علاقتها في موضوعنا الآن؟ صحيح أن غالب هؤلاء الذين سمعت كلامهم من المنصرين البريطانيين من بريطانيا، لكن استمع إلى هذه القصة: ففي دولة من دول الخليج كان هناك رجل يحمل الجنسية الليبية، سافر هذا الرجل إلى بريطانيا لظروف معينة كلاجئ سياسي أو هارب أو غير ذلك، فالذي حصل أنه تعرف على بريطانية مسلمة فتزوجها ثم أنجب منها مجموعة من الأبناء أظنهم ثلاثة، ثم حصل له عمل في هذه الدولة الخليجية فقدم إلينا ومعه زوجه وأبناؤه الصغار، وزوجته لا تعرف من اللغة العربية إلا بضع كلامات فقط، أما حديث هذه الزوجة مع زوجها فباللغة الإنجليزية، وعندما قدمت إلى هذا البلد الخليجي بدأت تتعلم شيئاً من اللغة العربية، لكن أولاد هذه الزوجة أو هذه المرأة البريطانية قد بلغوا سن الدراسة، فبدأ والدهم في البحث عن مدرسة متميزة بسلكوها بمنهجها بفكرها بأخلاق أساتذتها؛ حتى يكون لهم سمة بارزة وظهور مميز في تربية أولاده، وفعلاً وجد هذه المدرسة فقرر إدخال هؤلاء الأبناء الصغار في هذه المدرسة، وهي مدرسة أهلية، وعندما أخبر زوجته بهذه البشارة أنه وجد مدرسة بهذه الصفات العجيبة، قالت له زوجته: لا أنا لا أؤيد، فتعجب وقال: لماذا لا تؤيدين أن يدخل الأبناء في هذه المدرسة المتميزة التي يقوم عليها أناس متميزون بالصلاح والتقى وحب الخير؟! قالت له: لي وجهة نظر اسمعها ثم بعد ذلك نتناقش، قال: ما هي وجهة النظر؟ قالت: نحن مسلمون -وهي لم يمض على إسلامها إلا قليل- والقرآن الكريم هو دستورنا وهو منهجنا وهو عزنا وهو سعادتنا، فلماذا لا نهتم بالقرآن الكريم أولاً ثم بعد ذلك نضيف العلوم الأخرى عليه؟ قال: ما فهمت، أوضحي لي أكثر، فقالت له: أريد أن نعلم أولادنا القرآن الكريم حفظاً وتجويداً وتلاوةً وإن استطعنا تفسيراً، وعندما ننهي ذلك الأمر بعد ذلك ممكن أن ننتقل إلى تعليمهم العلوم الأخرى، يقول: وجدت المسألة صعبة، كيف أدرس وأحفظ أولادي الصغار أبناء ست سنوات أو خمس سنوات القرآن الكريم، وتريد زوجتي مني أن أحفظهم القرآن كاملاً؟ ولكن إصرار هذه الزوجة كان عجيباً، وكان النقاش بيني وبينها يدوم طويلاً ويستمر ليالي وأياماً إلى أن استطاعت أن تقنعه. هذه امرأة بريطانية لا تجيد اللغة العربية ومع ذلك استطاعت أن تقنع هذا الزوج بأن يدخل هؤلاء الأولاد في مدرسة لتحفيظ القرآن فقط، وهذه المدرسة هي مدرسة متميزة بجوانب تخصصت فيها، الجانب الأول: أنها مدرسة أهلية، أنها مدرسة داخلية تضم الطلاب إليها ولا تخرجهم إلا في وقت العطلات الأسبوعية فقط، والجانب الثالث: أنها لا تركز إلا على القرآن. يقول: أدخلت أولادي هذه المدرسة وصبرت على حرمان وألم أكن أتصوره وأتوقعه، تخيل عندما تحرم من أولادك ستة أيام في الأسبوع لا تراهم إلا يوماً واحداً فقط، لكن في سبيل القرآن يهون كل شيء، وفي سبيل كتاب الله تذل الصعاب، يقول: وكان هذا هو النبراس الذي ربتني عليه زوجتي، المفروض أنا أربيها على هذا النبراس، لكن هي التي عكست الأمر، قلت لها قبل إدخالهم مدرسة التحفيظ: انتبهي ستحرمين من أبنائك، قالت: نعم سأتحمل وأصبر، لكن في سبيل النتائج التي سأقطفها، وفعلاً يقول: درسوا وتعلموا وبعد سنة كاملة تقريباً وإذا بالأولاد يخرجون من هذا المدرسة حفظة لكتاب الله، وليس حفظاً فقط، بل حفظاً مقروناً بالتجويد والترتيل، أسأل الأول: ماذا تحفظ؟ يقول: كتاب الله تعالى، أقول له: اقرأ من كذا، يقرأ وتتمنى أن يواصل وإلا يسكت. عندما تتذكر أن أمه لا تعرف من العربية إلا قليلاً تلوم نفسك وتقول: أنا عشت في بيئة إسلامية خالصة وفي جو إسلامي كامل، فما هو حالي مع كتاب الله، أنا أخشى أن يكون ما دعا إليه أهل التنصير من أمثال تاكلي ووليم جيفور وغيرهم أخشى أن يكون قد انطبق علينا فعلاً. إذاً: علينا أن نتدارك الأمر، علينا أن ننتبه إلى أنفسنا وأولادنا، وأقول من المبشرات ولله الحمد والمنة أن نرى الإقبال الشديد الآن على مدراس تحفيظ القرآن، وعلى حلقات القرآن في المساجد، وعلى دور القرآن، فهذه القصة ينبغي أن تجعلوها صورة أمام ناظريكم حتى تدفعكم لمضاعفة الجهود في سبيل رفعة دين الله، لنكون بذلك محاربين لهؤلاء النصارى، فأنت الآن عندما تجعل أولادك يذهبون إلى حلقات تحفيظ القرآن فإنك تعلن الجهاد على النصارى من حيث لا تشعر، عندما تجعلهم يحفظون القرآن ويتعلمون ما فيه ويطبقون ما تعلموه تكون بذلك قد جهزت جيشاً قوياً قوامه ابني وابنك وابن فلان وفلان وفلان.

قصة امرأة أمريكية تحض زوجها على الجهاد في سبيل الله

قصة امرأة أمريكية تحض زوجها على الجهاد في سبيل الله القصة الثانية: هذه امرأة أمريكية لاحظ أن القصة الأولى كانت متعلقة بامرأة بريطانية، أما القصة الثانية فمتعلقة بأمريكية، والثالثة: بامرأة أخرى أشير إليها في وقتها، لكنها ليست عربية، وهذه الجنسيات المختلفة تنتمي لدول تعلن الحرب صراحة على الإسلام والمسلمين، وهذه تعطيك دلالات على أن الله ناصر دينه، وعلى أن الله معز كلمته ولو كره الكافرون، ولو كره المجرمون، ولو كره المشركون: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة:32]. فيا أيها الحاقدون رويدكم، فالله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. أيها الأحبة! هذه المرأة الأمريكية كانت تعيش في أمريكا مع زوجها وأبنائها، أسلم هذا الزوج واقتنع فنشر الإسلام في أسرته، فأسلمت هذه المرأة عن قناعة وعن يقين وعن حب، فأخلصت في إسلامها، وحصل أن قدم هذا الزوج إلى دولة خليجية، وعندما وصل إلى هذه الدولة كان متخصصاً في علم متميز، وكان يعطى راتباً جزلاً ضخماً كبيراً، ولكنه وجد مجال العمل غير إسلامي، فطلب نقل كفالته إلى شركة أخرى، فأعطته نصف المرتب، واشترطت عليه شروطاً من أبرزها أن يحلق لحيته. والشرط الثاني: أن يلبس البدلة الإفرنجية، فقال لهم: أما حلق اللحية فلا يمكن أبداً أن أفعل ذلك، أما لبس البدلة الإفرنجية فدعوني أسأل الشيخ عبد العزيز بن باز -كان في حياته رحمه الله- فإن أفتاني بجواز ذلك لبستها وإلا فلا، قالوا: نحن شروطنا متكاملة ولا نريدك أن تنفذ شرطاً وتترك شرطاً، فتركهم ثم ذهب إلى شركة أخرى فوافقت على توظيفه لكن بربع المرتب الذي قدم به، ولكن تحققت في هذه الشركة الشروط التي يريد، فبدأ يعمل في هذه الشركة وينفق على هذه الأسرة، ويمارس الجوانب الدعوية المتعددة التي يتطلبها إسلامه من طلب العلم، والقراءة في القضايا الشرعية، وتعليم الأولاد، وتعليم الزوجة، قد يقول قائل: ما موضع الشاهد في هذه القضية؟ موضع الشاهد هو زوجة هذا الرجل، فقد كانت امرأة عجيبة، فهي عندما حصلت مشكلة كوسوفو وقام الصرب الأرثوذكس بمهاجمة المسلمين، ولو خرجنا قليلاً أيها الأحبة فالأرثوذكس يتميزون على مدار زمن الدولة الإسلامية منذ نشأتها إلى الآن بأنهم أشد الناس عداءً للإسلام؛ لأن النصارى فرق متعددة: الأرثوذكس والكاثوليك إلى آخره، هؤلاء تميزوا بحرب الإسلام، بل لديهم قواعد في دينهم تدعو إلى محاربة المسلمين، ولذلك من تتبع التاريخ الإسلامي لوجد أن الذين حاربوا الإسلام في المقدمة على مدار تاريخه هم الأرثوذكس، وتتلوهم بقية الفرق النصرانية مع فارق مميز، ولذلك هم الذين حاربوا المسلمين في مؤتة وفي تبوك، وفي مؤتة، وفي وقت الخلافة الراشدة في اليرموك وفي بيسان، وبعد ذلك في عين جالوت كلهم من النصارى الأرثوذكس. كذلك في عهد الدولة الأموية انحسر النصارى شيئاً فشيئاً إلى تركيا في عمورية وفي غيرها، وفي وقت الخلافة العباسية، وعندما قامت الدولة العثمانية كانت الحرب بين الدولة العثمانية والروس الأرثوذكس. إذاً: حرب الأرثوذكس ضد الإسلام قوية ومستمرة، وهذه نقطة اجعلها في ذهنك؛ لأنهم وإلى الآن يحاربوننا في الشيشان وفي كوسوفا وفي البانيا وفي البوسنة والهرسك. نعود إلى القصة ونقول: عندما حصلت المعارك الطاحنة في كوسوفا، قالت المرأة الأمريكية لزوجها: لماذا لا تذهب وتجاهد وأنت تعرف أن الجهاد ذروة سنام الإسلام؟ أقول: الأصل أن المرأة تتمسك بزوجها أكثر فأكثر، خاصة إذا كانت تعيش غربة متعددة: من غربة الوطن، وغربة الدين، وغربة أخرى متعلقة بالجنسية، فهي لا تتكلم العربية، عندها غربة في اللغة، وربما غربة الكراهية؛ لأنها من جنسية أمريكية، فهل هذه المرأة نظرت إلى هذه الجوانب؟ لا، بل قالت لزوجها: لماذا لا تجاهد؟ لماذا لا تسعى لتكون شهيداً في سبيل الله؟ ما فكرت المرأة بأن وراعي أبنائها سيموت، لا، وإنما فكرت في أن يجاهد، يقول: أنا كنت خائفاً، فقد كنت أنظر إلى أولادي الصغار فأخاف، وأنظر إلى غربة زوجتي وأولادي فأخاف، يقول الزوج: لكن المرأة نظرت من منظار آخر، هذا المنظار هو أن اسمي قبل الإسلام جورج فصار اسمي عبد الله، قال: فلما ترددت وخفت صارت تسميه: يا جبان، تعال يا جبان، اذهب يا جبان، ادخل يا جبان، كل يا جبان، لماذا؟ لأن المسلمين يقتلون في كل مكان وأنت جالس لماذا؟ اذهب فجاهد، يقول: والله صارت هذه الكلمات كخناجر تطعن في قلبي ليل نهار، بل وحفرت حفراً في فؤادي جعلتني أفكر فعلاً في نسيان كل شيء إلا الجهاد، فكانت النتيجة أن ذهبت إلى هناك وجاهدت ولم يكتب الله سبحانه وتعالى لي الشهادة فرجعت، وبعد أن رجعت وكان هذا الأمر على بدايات الحرب في الشيشان، فقالت لي: استعد وجهز نفسك وأعد العدة لتذهب وتجاهد في الشيشان، انظر إلى هذه المرأة، هل يا ترى هناك امرأة تنهج هذا المنهج؟ أنا لا أقول هذه المرأة امرأة أحد الصحابة أو التابعين، أو الأئمة الأعلام، أو أنها نشأت في جيل إسلامي وفي مجتمع إسلامي، لا، بل هي حديثة عهد بالإسلام، بل ولا تعرف من اللغة العربية إلا بضع كلمات تعد على الأصابع، كما ذكر لي ذلك زوجها، بل وحتى زوجها لا يتكلم من العربية شيئاً، ومع ذلك انظر إلى هذا المنهج، فهذه المرأة وتلكم المرأة الأولى الإنجليزية، هذه أمريكية وتلك إنجليزية، يقول شخص يحدثني عنهن: كن إذا خرجن إلى السوق فإنك لا تكاد ترى منهن شيئاً أبداً، يقول: نساء البلد الملتزمات ربما ترى أطراف العيون أو شيئاً من العين، أما هذه المرأة الأمريكية فهي تلبس حجاباً كاملاً يغطيها من القمة إلى القاع، ولا يظهر منها شيء، أليس في هذا درس وعبرة لمن وعى ولمن فقه؟!

قصة إسلام امرأة روسية أرثوذكسية وما حصل لها من بلاء بعد إسلامها

قصة إسلام امرأة روسية أرثوذكسية وما حصل لها من بلاء بعد إسلامها أيها الإخوة الأحباب! لب موضوعنا هو القصة التالية، وجعلتها هي الأخيرة؛ لتكون هي الخاتمة، وجعلتها هي الخاتمة؛ لأنها هي المؤثرة وهي المتميزة، هذه القصة رويت لي حقيقة بأسلوب، ولعلي أنا أحكيها لكم بأسلوب آخر، قد يكون هناك بعض الزيادات اليسيرة، لكنها لا تؤثر ولا تغير في أصل القصة، هذه القصة دائرة حول امرأة روسية، فأنا لا أتحدث الآن عن امرأة من هنا أو من هناك من عالمنا الإسلامي، لا، بل بريطانية أمريكية روسية؛ لنأخذ من ذلك عبراً مؤثرة. هذه المرأة الروسية جاءت من روسيا مع رجل روسي ضمن مجموعة من الفتيات جاء بهن هذا الرجل الروسي إلى دولة خليجية مجاورة، وكان الهدف من هذا الجلب هو شراء بعض البضائع الشخصية من الأجهزة الكهربائية وإدخالها إلى روسيا، باعتبار أنها للاستعمال الذاتي فلا تؤخذ عليها جمارك مضاعفة، إنما جمارك يسيرة، فيقوم التاجر الروسي بسحب هذه الأجهزة من هؤلاء النسوة ثم يبيعها بأسعار مضاعفة، وإعطاء هؤلاء النسوة بدل أتعاب، وهذا أمر دارج وبكثرة، باعتبار رخص هذه الأجهزة في هذه البلاد الخليجية. فلما قدم هذا الرجل ومعه مجموعة من الفتيات لهذا الهدف الذي ذكرته، لكنه عندما وصلن عرض عليهن الرجل خطة مخالفة لما اتفق معهن، قال: أنتن جئتن إلى هنا للحصول على مبلغ يسير من المال، وهذا بلد متميز بثرائه الفاحش، وبغناه المتميز، وبأهله الذين يدفعون بغير حساب، فعرض عليهن جانب الرذيلة، بيع الأجساد، والمتاجرة بالأعراض، فمن أرادت فلتبشر بالثراء السريع، وبدأ في بسط شباكه، وبدأ في طرح الإغراءات، وبدأ وبدأ إلى أن اقتنع أكبر عدد من هؤلاء الفتيات بخطته، والاقتناع وارد؛ لأنه لا رادع إيماني يردعهن، ولا وازع خلقي يمنعهن، والفقر الذي يعيش في قلوبهن يدعوهن فعلاً إلى هذه الممارسة، إلا امرأة واحدة رأت أن هذا الأمر لا يمكن أن تسلكه، فضحك عليها وقال: أنت في هذا البلد ضائعة ليس معك إلا ما تلبسين من ثياب، ولن أعطيك شيئاً، فبدأت تدرس الموضوع بشكل سريع جداً في ذهنها، فماذا فعلت؟ تصرفت تصرفاً حكيماً ألا وهو أنها خطفت جوازها من هذا الرجل ثم خرجت من الشقة وهربت إلى الشارع، وليس عليها ما يسترها؛ لأنها جاءت متبرجة ليس عليها إلا شيء يسير من الثياب، ومعها جوازها، فخرجت إلى الشارع هائمة على وجهها، وهذا الرجل ناداها وقال: إذا ضاقت عليك السبل وإذا سدت في وجهك الطرق فتعالي، فهذا هو عنواني. يقول المتحدث: كنت أسير في الشارع أنا وأمي وأخواتي، وفجأة وإذا بتلكم المرأة تسرع وتركض مقبلة ناحيتنا، فبدأت تتكلم باللغة الروسية، فأفدناها أننا لا نتكلم اللغة الروسية، فقالت لنا: هل تتكلمون الإنجليزية؟ قلت أنا: نعم، وقلن أخواتي: نعم، عند ذلك فرحت، لكن فرحها كان مشوباً بحزن، بل ومقروناً ببكاء، فقالت: أنا امرأة من روسيا وقصتي كذا وكذا، وأنا أريد منكم فقط إيوائي لفترة يسيرة من الزمن حتى أتدبر أمري مع أهلي وإخوتي في بلادي، يقول: بدأت أتدارس الأمر مع أمي وأخواتي هل نقبلها أو لا نقبلها، قد تكون مخادعة، قد تكون محتالة، قد تكون قد تكون؟ وفي نهاية المطاف رأينا أن نقبل هذا العرض منها، فأخذناها معنا وذهبنا بها إلى البيت، وبدأت تتصل بأهلها في روسيا ولكن لا مجيب؛ لأن الخطوط متعطلة في تلكم البلاد، وكانت تحاول كل ساعة تريد أن تتصل لكن دون جدوى. يقول: صرن أخواتي يعاملنها معاملة أخت، فصرن يعرضن عليها الإسلام ولكنها تنفر وتبتعد وترفض ولا تريد أن تناقش في هذا الموضوع؛ لأنها من أسرة أرثوذكسية متعصبة تكره الإسلام والمسلمين، فيقولون: فوجدنا أن اليأس بدأ يتسرب إلى داخلنا، ولكن لا يأس مع الإصرار، يقول: فكنت أدعم أخواتي في المناقشة وأصر عليهن، وكنت أتدخل أحياناً، وذهبت في أحد الأيام إلى مكتب الدعوة في تلكم البلد، وصاحب المكتب هو الذي يحدثني يقول: دخل علي هذا الرجل فقال لي: هل عندك كتب تتحدث عن الإسلام باللغة الروسية أو الإنجليزية؟ قلت: نعم عندي لكنها قليلة، لكن أعطيك ما لدي، وبإمكانك أن تأتيني بعد أسبوع أو عشرة أيام وأعطيك دفعة أخرى، يقول: أخذ هذه الدفعة القليلة وذهب، وبعد فترة من الزمن جاء إلي ولكن جاء ومعه أربع نسوة، ثلاث عليهن شبه حجاب، يعني: يظهر منهن الوجه والكفان، أما الرابعة فكانت آية في الجمال وعليها بعض الستر، ولكن شعرها ظاهر ووجها ظاهر، يقول: طلبت منه بسرعة أن يدخل النساء إلى غرفة الانتظار، فدخل وجلس وقال لي: إن هذه المرأة الروسية قصتها كذا وكذا، وأنا جئت الأسبوع الماضي أو قريباً منه طلبت كتباً، وأريد الآن كتباً أخرى وأشرطة؛ لأنني عرضت عليها الإسلام فبدأت توافق، ووعدها بالزواج منها إن أسلمت، يقول: أعطيته مجموعة أخرى من الكتب وذهب بها ثم رجع إلي بعد فترة، وقال: إنها وافقت على الإسلام وتريد أن تعلن إسلامها، ثم طلبت منها أن تقرأ جملة من الكتب؛ لأن النظام في ذاك البلد يتطلب عمل اختبار، فقرأتها ثم جاء بها إلي واختبرتها فنجحت، ثم وعدته وقتاً آخر ليأخذ صك إعلان الإسلام في قصة طويلة، المهم عندما أعلنت إسلامها، قلت له: هناك مجموعة من الأخوات في أحد المراكز يتعلمن القرآن الكريم ويعلمنه، وهن متميزات في العلم والثقافة والدراسة العالية، فيمكن أن يتفاهمن مع هذه المرأة بلغتها أو بالإنجليزية، يقول صاحب المكتب: بعد فترة جاء إلي هذا الرجل ومعه هذه الزوجة لاستلام الوثيقة المصدقة وثيقة الزواج، فقال لي: أبشرك أنني تزوجت وأنا مستريح الآن ولله الحمد والمنة، يقول صاحب المكتب: لكن الذي أثارني أن هذه المرأة متغطية تماماً ليست كأخواته وأمه، عليها حجاب كامل لا يظهر منها شيء، فسألته من باب الفضول عن هذا؟ فقال: هذه لها قصة ظريفة، يقول: بعد الزواج ذهبت أنا وهي إلى السوق لشراء بعض الحاجات فرأت زوجتي امرأة متحجبة، وهذه أول مرة ترى فيها امرأة متحجبة تماماً، فاستغربت من هذا الشكل لأنها أول مرة ترى هذا الشكل، فقالت: لماذا هذه المرأة بهذا الشكل أو بهذا المنظر، لعل هذه المرأة فيها علة تخفيها؟! يقول: أنا من دافع الغيرة الإسلامية قلت: لا، هذه المرأة تحجبت الحجاب الذي ارتضاه الله سبحانه وتعالى لعباده، والذي أمر به رسوله عليه الصلاة والسلام، يقول: فقالت لي بعد تفكير: نعم فعلاً هذا هو الحجاب الإسلامي، قلت: ما أدراك؟ قالت: أنا الآن إذا دخلت أي محل تجاري لا تنزل أعين أصحاب المحل عن وجهي، تكاد أن تلتهم وجهي قطعة قطعة، إذاً وجهي هذا لا بد أن يغطى، لا بد أن يكون لزوجي فقط، كذلك لا أخرج من هذا السوق إلا بحجاب، يقول: والله واضطررت أن أشتري لها حجاباً ولبست هذا الحجاب.

قصة رجوع المرأة الروسية المسلمة إلى بلدها مع زوجها وما حصل لها مع مدراء الجوازات هناك

قصة رجوع المرأة الروسية المسلمة إلى بلدها مع زوجها وما حصل لها مع مدراء الجوازات هناك يقول هذا الرجل المتحدث صاحب المكتب: انقطعت أخبار هذا الرجل زوج الروسية وهو فيما يبدو لي من فلسطين، قال: انقطعت أخباره فترة طويلة من الزمن خمسة أشهر أو ستة أشهر أو قريباً من ذلك، يقول: ثم جاء إلي بعد ذلك فقلت له: أين أنت هذه المدة لم نرك فيها، لقد كنت تأتي إلي كل أسبوع أو أسبوعين والآن مدة طويلة فماذا حصل لك؟ فقال لي: لا أنا ما انقطعت عنك لأن هناك مصلحة بيني وبينك فانتهت فقطعتها بانتهاء المصلحة لا؛ بل لأن هناك ظروفاً ألجأتني إلى هذا الانقطاع، وجئت إليك الآن لأريها لك؛ لأن فيها درساً وعبرة. وهذه أيها الأحبة الكرام هي لب موضوعنا الآن، يقول: بعد أن تزوجت هذه المرأة وعشت معها مستريحاً وأحببتها حباً كاملاً ملك علي كل كياني وكل قلبي وكل ضميري وكل أحاسيسي ومشاعري، يقول: وقعنا في مشكلة، وهذه المشكلة أن جواز هذه المرأة قد انتهى ولا بد أن يجدد، والإشكالية الأخرى أن هذا الجواز فيه مشكلة لا بد أن يجدد من البلد الذي تنتمي إليه المرأة، أو بمعنى أدق من المدينة التي تنتمي إليها المرأة، بمعنى: أنه لا يجدد في السفارة، بل لا بد من السفر، وإلا تعتبر إقامتها إقامة غير نظامية، يقول: فقررنا أن نسافر إلى روسيا، والحالة المادية تستدعي البحث عن أرخص خطوط موجودة، وفعلاً: وجدنا أن أرخص خطوط هي الخطوط الروسية، فأخذنا مقعدين وركبنا الطائرة، وركبت زوجتي بحجابها الكامل، يا امرأة يا أمة الله يا أمة السلام نحن سنقع في إشكاليات الآن، قالت: يا خالد أنت الآن تريد مني أن أطيع هؤلاء الكفرة الفجرة وقود النار لو ماتوا على ما هم عليه وأعصي الله سبحانه وتعالى، لا يمكن أن يصدر هذا. أسلمت من أشهر، فانظروا إلى قوة تمسكها بإسلامها وحجابها. يقول: فركبنا وبدأ الناس ينظرون إلينا وبدأن المضيفات يوزعن الطعام، ومع الطعام الخمر، وبدأ الخمر يعمل في الرءوس، وبدأت الألفاظ تخرج بدون ضابط، فتندر وضحك وسخرية وإشارة ونظرات، ويقفون بجانبنا ويعلقون علينا، يقول: أنا لا أفهم كلمة، أما زوجتي فكانت تبتسم وتترجم لي هذا يقول: انظروا إليها كأنها كذا وكأنها كذا، وهذا يعلق وهذا يتندر وهذا، فأنا كلما قالت لي كلمة أحسست أن سهاماً تدخل قلبي ولا تخرج منه، أما هي فتقول: لا تحزن ولا يضق صدرك، فهذا أمر يسير في مقابل ما جابهه الصحابة، وما حصل للصحابيات من بلاء. يقول: وصلنا إلى المدينة المرادة، وعندما نزلنا في المطار كان في ذهني نظرة عادية جداً وهي أن نذهب إلى أهلها ونسكن عندهم، ثم بعد ذلك ننهي إجراءاتنا ونعود، لكن نظرة المرأة هذه كانت بعيدة، قالت: أهلي متميزون بتمسكهم وعصبيتهم لدينهم، فلا أريد أن أذهب إليهم، لكن نستأجر غرفة ونبقى فيها، وننهي إجراءات الجواز، ثم بعد ذلك نزور أهلي، فرأيت أن هذا رأياً صواباً، يقول: استأجرنا غرفة، ثم ذهبنا ودخلنا على الموظف الأول والثاني والثالث نريد إنهاء الإجراءات، وكل منهم يطلب منا الجواز القديم وصورة للمرأة، فتخرج المرأة صوراً لها بالأسود والأبيض وعليها حجاب لا يظهر في هذه الصورة إلا دائرة الوجه فقط، فكل موظف يقول: لا، هذه الصور مخالفة، لكن نريد صورة ملونة ويظهر فيها الوجه والشعر والرقبة كاملةً، فتقول المرأة: لا يمكن أن أصور هذه الصورة أبداً، فكان كل موظف يقول: لا يمكن أن أعطيك جوازاً إلا بهذه المواصفات، فكل موظف يحيلنا على الآخر والثالث والرابع إلى أن أحالونا إلى المديرة الأصلية في الفرع وكانت امرأة، فذهبت إليها زوجتي وقالت لها تقنعها: ألا ترين صورتي الحقيقية وتقارنيها بالصور التي معك، قالت: نعم، ولكن النظام يقول: لا بد من صورة ملونة بالمواصفات التالية وأصرت، قلنا لها: ما الحل؟ كانت خبيثة فعلاً، قالت: لا يحل لكم الإشكال إلا مدير الجوازات الأصلية الكبرى في موسكو، فالتفتت إلى خالد وقالت له: يا خالد نسافر إلى موسكو، قال: قلت لها: يا زوجتي العزيزة أحاول أن أقنعها، يقول تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، ويقول عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]، وهذا جواز يراه مجموعة من الأشخاص فقط للضرورة ثم تخفينه في بيتك إلى أن تنتهي مدته، كم مدته خمس ست سبع سنوات، فقالت: لا، لا يمكن أن أظهر بصورة متبرجة بعد أن عرفت دين الله سبحانه وتعالى، إذا كنت رافضاً أن أسافر إلى موسكو فلعلي للضرورة أسافر لوحدي، وألتمس في ذلك حكماً؛ لأن الأمر ضروري، وهذا لعله أسلوب ضغط على زوجها، يقول: قررت وسافرت معها ووصلنا موسكو واستأجرنا غرفة، ومن الغد ذهبنا إلى مدير الجوازات، فدخلنا على الموظف الأول والثاني والثالث، وحصل في المدينة في موسكو نفس الذي حصل في المدينة، وفي نهاية المطاف وصلنا إلى المدير الأصل ودخلنا عليه، وكان من أشد الناس كفراً، فعندما رأى الجواز ورأى الصور قال: من يثبت لي أنك صاحبة هذه الصور، يريد أن تكشف وجهها، قالت: قل لأحد الموظفات عندك أو السكرتيرات تأتي وتقارن، أما أنت فلن تقارن، فأخذ الجواز وأخذ الصور وجعلها مع بعضها وأدخلها في درج مكتبه وأغلقها، وقال: ليس لك جواز قديم ولا جديد إلا بعد أن تأتي إلي بالصور المطابقة تماماً، يقول: حاولنا نقنعه وحاولنا ما فيه فائدة، فعدت كذلك أناقشها في قضية الصورة، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ولكنها كانت ترد علي بآية وتقول لي: يا خالد لقد تعلمت في دار تحفيظ القرآن: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 - 3]، وأثناء النقاش بيني وبينها غضب مدير الجوازات، فطردنا من مكتبه، خرجنا من دار الجوازات بأكملها وذهبنا لنتدارس الأمر في غرفتنا، أنا أقنع وهي ترد، أنا آتي بحجة وهي تأتي بحجة إلى أن جاء الليل، وعندما جاء الليل صلينا العشاء ثم أكلنا ما تيسر، ثم أردت أن أنام، قالت لي: خالد في هذا الموقف العصيب تنام؟! نحن نعيش موقفاً يحتاج منا إلى لجوء إلى الله سبحانه وتعالى، قم لنلجأ إلى الله، فإن هذا وقت اللجوء، يقول: قمت وصليت ما شاء الله لي أن أصلي ثم نمت، أما هي فاستمرت تصلي، وكان كلما استيقظت ونظرت فرأيتها إما راكعة أو ساجدة أو قائمة أو داعية أو باكية إلى أن ظهر الفجر، ثم أيقظتني وقالت: لقد دخل وقت الفجر فهلم لنصلي الفريضة، يقول: قمت وتوضأت وصلينا، ثم نامت قليلاً، ثم بعد ذلك قالت: لنذهب إلى الجوازات، نذهب بأي حجة أين الصور؟! ليس معنا صور؟! قالت: لنذهب ونحاول لا تيئس من روح الله، لا تقنط من رحمة الله، يقول: فذهبنا، ووالله منذ وطئت أقدامنا أول مكتب من مكاتب الجوازات، وزوجتي شكلها مميز ومعروف، عليها عباءة كاملة تغطي كل أجزاء جسدها، وإذا بأحد الموظفين ينادي فلانة بنت فلان؟ وتقول: نعم، قال: خذي جوازك، لقد أنهي الجواز بذات المواصفات المطلوبة، ولكن ادفعوا الرسوم فقط، يقول: ففرحنا، ووالله لو طلبوا كل المال الذي معنا لدفعناه، أخذنا الجواز ودفعنا الرسوم ثم عدنا وهي تنظر إلي وتقول: ألم أقل لك: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق:2]، يقول: والله إن الكلمة التي صدرت منها حفرت في قلبي تربية إيمانية لم أتلقها منذ سنين طوال من تربية تلقيتها، من دروس ومحاضرات سمعتها إلى غير ذلك.

قصة زيارة المرأة الروسية لأهلها مع زوجها وما حصل لهما معهم

قصة زيارة المرأة الروسية لأهلها مع زوجها وما حصل لهما معهم قال الموظف أثناء ذلك: لا بد أن تختمي الجواز من مدينتك أيها المرأة التي تنتمين إليها، فتقول هذه المرأة: وفعلاً ذهبنا إلى مدينتا، وقالت: فرصة نزور أهلي، نقول: فلما وصلنا مدينتي استأجرنا غرفة وختمنا الجواز وجعلنا فيها كل ما يخصنا، ثم ذهبت أنا وخالد لزيارة أهلي، فلما طرقنا الباب فتح الباب أحد الشباب الكبار، عندما نظر إلى أخته فرح واستغرب، أصيب بفرحة وردة فعل، الوجه وجه أخته، واللباس ليس لباس أخته، رأى سواداً يغطي كل شيء إلا الوجه، دخلت وهي تبتسم وتعانق أخاها ثم بعد ذلك دخلت وراءها فجلست في صالة المنزل، يقول: كان منزلاً شعبياً بسيطاً متواضعاً تحس آثار الفقر فيه، يقول خالد: جلست وحيداً، أما هي فدلفت إلى الداخل، يقول الزوج: كنت أسمع كلاماً لرجال ونساء بالروسية لا أفقه ما يقولون، ولا أعرف عن ماذا يتحدثون، ولكنني بدأت أسمع نبرات الصوت تزداد واللهجة تتغير والصراخ يزيد، فأحسست أن الأمر فيه شر، ولكنني لا أستطيع أن أقدر الأمور بقدرها، بناءً على عدم فقه اللغة، يقول: بعد مضي فترة من الزمن وإذا بثلاثة من الشباب ورجل كهل يدخلون علي، توقعت أن هذا بداية الترحيب بزوج ابنتهم، وإذا بالترحيب ينقلب إلى لكمات وضربات وكفوف، ويقول: وعندما نظرت إلى نفسي بين هؤلاء الوحوش رأيت أنني سأودع الدنيا، وليس أمامي إلا الهرب النجاة النجاة، وفعلاً فتحت الباب مسرعاً وهربت وهم ورائي، وضعت بين الناس، ثم اتجهت إلى غرفتي، وكانت ليست ببعيدة عن المنزل، نظرت إلى نفسي وإذا بورمات في وجهي وفي أنفي، وإذا بالدم يسيل من فمي، وإذا بثيابي ممزقة، فقد تلقيت ضربات عنيفة فعلاً، قلت: الآن أنا نجوت، لكن ما حال زوجتي؟ يقول: نسيت نفسي وبدأت أفكر في زوجتي، يقول: مشكلتي أنني أحببت زوجتي وعشقت زوجتي، لذلك لا يمكن أن أنساها وأفكر في نفسي، يقول: كانت صورتها أمام ناظري، هل فعلاً هي تتعرض في هذه اللحظة لنفس اللكمات والضربات والصفعات التي تلقيتها، أنا رجل وتحملت، لكن هي امرأة لن تتحمل أكيد ستنهار وستتركني، وسترتد، يقول: بدأ الشيطان يعمل عمله، وبدأت الأفكار تنقلب في رأسي يمنة ويسرة، لتستقر على أن لا زوجة لك بعد اليوم، يقول: ماذا أفعل؟ أذهب لا يمكن، النفس في ذلك البلد رخيصة، ممكن أن يستأجروا رجلاً لقتلي بعشرة دولارات، إذاً لا بد أن أبقى في غرفتي، يقول: فبقيت في غرفتي إلى أن أصبحت، ثم غيرت ملابسي وذهبت أتحسس الأخبار، أنظر إلى بيتهم عن بعد أرقبه وأتتبع كل ما يحصل فيه، لكن الباب كان مغلقاً، وفجأة فتح الباب وخرج منه ثلاثة من الشباب وكهل هو أبوهم، يقول: هؤلاء الشباب هم الذين ضربوني، وقد بدا لي من هيئتهم أنهم ذاهبون إلى أعمالهم، أغلق الباب وأقفل وأنا أرقب وأرقب وأنظر وأتمنى أن أرى وجه زوجتي، ولكن لا فائدة، وإذا بالرجال يرجعون من عملهم. انظروا ساعات طوال يقول: وأنا أذهب وآتي في ذات الشارع، لكن لا فائدة، وفي اليوم الثاني كررته، وفي اليوم الثالث كررته، يقول: يئست وتوقعت أن زوجتي ماتت أو أنها قتلت، لكن لو كانت ماتت على الأقل سيكون هناك حركة في البيت، سيكون هناك نوع من العزاء القليل من بعض الأقربين، لكن لا أرى شيئاً، إذاً لا زالت على قيد الحياة، يقول: وفي اليوم الرابع بعد أن ذهب هؤلاء إلى أعمالهم وإذا بالباب يفتح، يقول: وإذا بوجه زوجتي ينظر يمنة ويسرة، يقول: لم أر منظراً في حياتي أروع من ذاك المنظر ولا أجمل من ذاك المنظر بالرغم من أن ذاك الوجه الذي رأيته كان وجهاً أحمر مخضباً بالدماء، يقول: فاقتربت مسرعاً ونظرت إليها وكدت أن أموت؛ لأنها انقلبت إلى لون أحمر بالدماء على وجهها وعلى ساعديها وفخذيها وساقيها، يقول: وليس هناك إلا خرقة صغيرة تسترها، وإذا بيديها وقدميها مربوطة بسلسة، وعندما نظرت إليها بكيت ولم أستطع أن أتمالك نفسي، قالت: اسمع يا خالد أولاً: اطمئن علي فأنا لا زلت على العهد، ووالله الذي لا إله إلا هو إنما ألاقيه الآن لا يساوي شعرة مما لاقاه الصحابة والتابعون، بل والأنبياء والمرسلون. ثانياً: أرجوك يا خالد لا تتدخل بيني وبين أهلي. ثالثاً: انتظر في الغرفة إلى أن آتيك إن شاء الله، ولكن أكثر من الدعاء، وأكثر من قيام الليل، وأكثر من الصلاة، فإن الصلاة هي الملجأ بعد الله سبحانه وتعالى، يقول: ذهبت وبقيت في غرفتي يوماً ويومين وثلاثة أيام، وفي آخر ليلة اليوم الثالث في آخر الليل يطرق الباب، قلت: من بالباب؟ أول مرة أسمع الباب يطرق ويشدة، يقول: أصبت بخوف شديد من الذي سيأتي في هذا الوقت المتأخر من الليل، لعل هؤلاء الرجال علموا بي، لعل زوجتي اعترفت نتيجة الضرب والجلد، فقالت: إنه يسكن في الغرفة الفلانية، فجاءوا إلي لقتلي، يقول: أصبت برعب الموت، يقول: لم يبق بيني وبين الموت غير قليل، وأنا أقول في هذه اللحظة: من بالباب؟ وأنا أشعر فعلاً أن يدي وقدمي قد وصل الموت إليها، يقول: وإذا بصوت ينساب لم أسمع أروع منه ولا أجمل منه ولا أجمل منه إنه صوت زوجتي، تقول: أنا فلانة، يقول: فتحت الباب وأضأت النور، قالت لي: الآن نذهب، قلت: على وضعك؟ قالت: نعم، يقول: أخرجت بعض الملابس فلبستها وأخرجت حجاباً وعباءة احتياطية فلبستها، ثم أخذنا كل ما لدينا، وركبت السيارة وقلت لها المطار؟ قالت: لا لن نذهب إلى المطار، بل نذهب إلى القرية الفلانية، لماذا نحن نريد أن نهرب؟ قالت: لا، إذا عرف أهلي بهروبي فسيبحثون عنا في المطار، لكن نهرب إلى قرية كذا، ثم من قرية كذا إلى قرية أخرى وثالثة ورابعة وخامسة، ثم إلى مدينة من المدن التي فيها مطار دولي، وفعلا ًوصلنا إلى مطار دولي وحجزنا، وكان الحجز متأخراً، ثم استأجرنا غرفة وسكنا، يقول: فكنت أنظر إلى زوجتي وما حصل لها، وفي أثناء الطريق كنت أسألها ما الذي حصل؟ قالت: عندما دخلنا إلى البيت جلست مع أهلي، قالوا لي: ما هذا اللباس؟ يعني: تفاجئيننا بهذه المفاجأة الحلوة، قلت لهم: لا هذا لباس الإسلام، طيب من هذا الرجل؟ هذا زوجي، أنا أسلمت وتزوجت بهذا الرجل المسلم، قالوا: لا يمكن هذا، فقالت: اسمعوا أحكي لكم القصة أولاً، فحكت لهم قصة ذلك الرجل الروسي الذي أراد أن يجرها إلى الدعارة وبيع العرض، قالوا لها: لو سلكت طريق الدعارة وبعت عرضك كان أحب إلينا من أن تأتينا مسلمة، انظروا إلى التعصب الشديد عند هؤلاء القوم، لكن لن تخرجي من هذا البيت إلا أرثوذكسية أو جثة هامدة، يقول: من تلك اللحظة أخذوني ثم كتفوني ثم جاءوا إليك وبدءوا يضربونك وأنا أسمع الضرب، تقول: وأنا مربوطة، ثم بعد ذلك تقول: عندما هربت أنت رجع إخوتي وذهبوا واشتروا سلاسل فربطوني بها، وبدءوا يجلدونني بأسواط عجيبة غريبة، من العصر إلى وقت النوم، أما في الصباح فإخواني في الأعمال وأبي وأمي في البيت، وليس عندي إلا أخت صغيرة عمرها خمس عشرة سنة، تأتي إلي وتتندر بي، تقول: هذا التندر هي فترة الراحة الوحيدة عندي، تقول: أحياناً أنام وأنا مغمى علي، فقد كانوا يجلدونني إلى أن يغمى علي وأنام، وكانوا يطالبونني فقط بأن أرتد وأنا أرفض، تقول هذه المرأة لزوجها: بعد ذلك حصل أن أختي أثناء التندر بدأت تسألني: لماذا تتركين دينك ودين أمك ودين أبيك ودين أجدادك إلى آخره، فكنت أقنعها وأبين لها وأوضح لها، فبدأت فعلاً تشعر باقتناع، وبدأت الصورة أمامها تتضح، وبدأت صورة الباطل الذي تعيش فيه يظهر، ففعلاً قالت: معك حق هذا هو الدين الصحيح، وهذا هو الدين الذي ينبغي أن ألتزمه أنا، عند ذلك قالت لي: اسمعي يا أختاه أنا سأعينك، فقلت لها: إذا كنت تريدين إعانتي فاجعليني أقابل زوجي، تقول: فبدأت أختي تنظر من علو، فقالت: إني أرى رجلاً صفته كذا وكذا، فقالت: هذا هو زوجي فإذا رأيته فافتحي لي الباب لأكلمه، وفعلاً تقول: فتحت الباب فخرجت وكلمتك، لكن هناك مشكلة كنت مربوطة بسلسلتين، أما الثالثة فكان مفتاحها مع أختي، وهي مربوطة في أحد أعمدة البيت حتى لا تخرج، وأختي معها هذا المفتاح حتى أتحرك في نطاق معين لو أردت أكرمكم الله الدورة، تقول: في الثلاثة الأيام التالية أختي اقتنعت بالإسلام، وقررت أن تضحي تضحية تفوق تضحيتي، فقررت أن تجعلني أهرب من البيت، لكن مفاتيح السلاسل مع أخي وهو حريص عليها، تقول في اليوم الثالث أعدت أختي لإخوتي خمراً مركزاً، إلى أن ثملوا بحيث صاروا لا يعون شيئاً، ثم أخذت المفاتيح من جيبه وفتحت السلاسل وجئت إليك في آخر الليل، إذاً: قلت لها: وأختك ما مصيرها؟ قالت: طلبت من أختي ألا تعلن إسلامها علانية وأن تستخدم السر الآن إلى أن نتدبر أمرها. يقول: فحجزنا ورجعنا إلى البلد وأدخلت زوجتي المستشفى ومكثت فيه عدة أيام للعلاج من آثار الضربات والتعذيب. أيها الأحبة: أنا أعتذر حقيقة عن الإطالة، ولكن طبيعة القصة تتطلب الإطالة، وهذه القصة تحتاج إلى وقفات ووقفات مطولات لاستنتاج واستجلاء الدروس والعبر، ولكني أترك ذلك لعقولكم ولقلوبكم، لأخذ الدرس والعبرة، فهذه امرأة حديثة عهد بإسلام لا تتكلم اللغة العربية ومن روسيا، ومع ذلك نهجت منهجاً قد لا يسلكه أو قد يتراجع عنه كثير من الرجال وليس النساء ممن ارتضعوا الإسلام من الصغر، وقد توافقنني على ذلك. إذاً: هذه القصة فعلاً مؤثرة، وهذه القصة فيها عبرة وعظة ودرس، بل وفيها دروس، وأتمنى من الله سبحانه وتعالى أن نعيها جميعاً، وأن نأخذها لتكون أمام ناظرينا، وننقلها لتكون في قلوب وعقول زوجاتنا وبناتنا وأخواتنا، بل وأمهاتنا، ومن نعرف ومن لا نعرف؛ ليكون في ذلك نشر للخير ونشر للفضل، وليعرف الناس ويعلم الناس أن دين الله سبحانه وتعالى منصور، وأن الله ناصر دينه حتى ولو تخلى عنه أهله، حتى ولو حاربه وتزعم حربه أناس يعيشون بيننا ويتكلمون بلغتنا، وربما يصلون إلى قبلتنا ويتسمون بأسمائنا. أسال الله سبحانه وتعالى لي ولكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعل ما سمعنا جميعاً حجة لنا لا حجة علينا، وأن يعيننا على أنفسنا، وأن يجعلنا ممن يستمع القول ويتبع أحسنه، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله

البيت عمار أو دمار

البيت عمار أو دمار هناك عوامل كثيرة تؤثر في البيت والأسرة سلباً وإيجاباً، فينبغي للمسلم أن يسعى إلى تحقيق العوامل التي تعود على البيت والأسرة بالإعمار والخير، وفي المقابل عليه أن يسعى جاهداً إلى إبعاد العوامل التي تعود على البيت والأسرة بالدمار والفساد.

من العوامل المؤثرة في البيت: الأسرة

من العوامل المؤثرة في البيت: الأسرة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين. أيها الأحبة! أحييكم بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فإن الحديث عن البيت حديث ذو شجون، فالبيت عموماً يعد مؤسسة مستقلة، له منهجه الاقتصادي، والاجتماعي والإداري، فهو مؤسسة مستقلة لها مدير، وفي هذه المؤسسة أعضاء يديرون هذا الصرح؛ ليسير إلى خط يريده مدير هذه المؤسسة. والبيت عماد الأسرة التي تتكون من الأب والأم والذرية والأحفاد، وتتكون من الجد والجدة، والإخوة والأخوات إن كانوا موجودين، هذا البيت إذا أردنا أن نتحدث عنه من ناحية العمار لا بد أن نسلك خطاً مستقلاً، وإن أخذنا الجانب السيئ الذي قد يحصل في بعض البيوت فلا بد أن نأخذ جانباً آخر. لا تكاد تجد بيتاً إلا وفيه شيء من هذا العمار وشيء من ذاك الدمار، لا تكاد تجد بيتاً إلا وعليه ملاحظات إلا ما رحم الله وقليل ما هم، وكلما صفا البيت وارتقى في جو السماء ليقترب من الملائكة كان ذلك بيتاً ملائكياً إن صح التعبير، وكان ذلك البيت بيتاً سماوياً مرتبطاً بالله سبحانه وتعالى، وكلما انحدر في براثن الفساد وأسرع إلى دمار نفسه اقترب من الشيطان، حتى صار بيتاً شيطانياً، وبين هذا البيت وذاك البيت بيوت كثيرة على درجات متعددة. أيها الأحبة! رب البيت هو ملك البيت، فإن صلح صلح هذا البيت، وإن فسد فسد هذا البيت، وهو القائد الأعلى الذي يتحكم في شئون البيت ويدير دفته، ويوجهه الوجهة التي يريد، فإن كان يسير بالأسرة السير السليم كانت النهاية سليمة، والعكس هو الصحيح، يقول الشاعر: إذا كان رب البيت بالطبل ضارباً فلا تلم الصبيان فيه على الرقص ويقول آخر: رأيت صلاح المرء يصلح أهله ويعديهم داء الفساد إذا فسد يعظم في الدنيا بفضل صلاحه ويحفظ بعد الموت في الأهل والولد أيها الإخوة! لقد ركز ديننا الإسلامي تركيزاً شديداً على مسألة الأسرة، وأعطاها أهمية قصوى، ولو تتبعنا النصوص الشرعية في القرآن والسنة لوجدنا الشيء الكثير الذي يطرق ذا أو ذا بشكل موسع، ولو أردنا أن نستقصي الآيات والأحاديث والقصص المرتبطة بالبيت لكان ذلك أمراً عسيراً؛ لأن الإسلام ما جاء إلا لإصلاح الفرد الذي هو جزء من الأسرة، وما جاء إلا لإصلاح الأسرة التي هي جزء من المجتمع، وما جاء إلا لإصلاح المجتمع الذي هو جزء من الأمة. إذاً: فالإسلام هو دين الأمة، وتلاحظون أن الفرد هو الأساس، فإذا صلح الفرد صلحت الأسرة وصلح المجتمع وصلحت الأمة، وإن كان العكس فإن مآل الأمة إلى الضياع والتشتت والتفرق والفساد. هذه وقفات مع بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية حول البيت وما يتعلق به، ترد علينا تباعاً خلال هذا اللقاء الذي أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعني به أولاً وينفعكم به بعد ذلك. أيها الأحبة! هذه المحاضرة ستطرق جوانب وعوامل من مؤثرات البيت، فالبيت يتأثر بعدة عوامل: العامل الأول: الأسرة. العامل الثاني: الأطفال، وركزنا على الأطفال؛ لأنهم حيوية الأسرة، فإذا فقدت الأسرة الأطفال أو لم ترزق بأبناء كان هذا البيت بيتاً يشبه المقابر، والذين ابتلاهم الله بعدم وجود الأطفال يحسون بذلك، وهذا ابتلاء يحتاج إلى صبر وجزاؤه الجنة إن شاء الله. العامل الثالث: من العوامل المؤثرة في البيت: الخادم أو السائق أو كلاهما. العامل الرابع: الأجهزة التي تعمل في البيت ليل نهار أياً كان نوعها. العامل الخامس: تصميم البيت وشكله ومظهره وداخله وما يتعلق بذلك. العامل السادس: جيران صاحب المنزل وما يتعلق بهم. العامل السابع: الأسواق والمحلات المحيطة بالمنزل وهكذا. إذاً: تجدون أن البيت لكي يصبح بيتاً عامراً بالخير والنصح وبالتربية السليمة فلا بد أن يأخذ بالعوامل الإيجابية المؤدية إلى الخير والإعمار، أما إن كان بيتاً فاسداً يسير إلى الدمار فلا بد أن يكون متأثراً بالعوامل السلبية المؤدية إلى الدمار، ولذا سنتعرض لهذه العوامل عاملاً عاملاً أو واحداً واحداً، ثم نقف معها وقفات مختصرة مركزة، ونربط ذلك بالواقع المعايش وبالأمثلة المحسوسة الملموسة. أولاً: الأسرة، الأسرة كما تعرفون هي نواه المجتمع، فكلما تجمعت أسرة صالحة طيبة كان ذاك مجتمعاً سليماً متجهاً إلى الخير، وكلما كان العكس كانت هذه الأسرة نواة لمجتمع فاسد وضال، وهذا أمر تشاهدونه بأنفسكم، فإن الأسر تختلف والمجتمعات تختلف، والمجتمعات تختلف بحسب صلاح الأسرة وفسادها، ولذلك في هذا اللقاء ركزنا على موضوع الأسرة، فلكي تكون أسرتي أنا وأنت وأخي وأخوك أسرة صالحة لا بد من التركيز على القضايا التالية، حتى يكون بيتاً عامراً بالحق، وإن فقدنا هذه النقاط أو بعضاً منها أدى ذلك إلى أن يكون البيت عامراً بالفساد ويشرف على الدمار، وهناك نقاط إذا أخذ بها كان ذلك علامة خير وعمار، وإن تركت وفرط فيها كان ذلك بداية شر ودمار.

البناء العقدي السليم للأسرة المسلمة

البناء العقدي السليم للأسرة المسلمة أول نقطة في هذه المسألة: البناء العقدي للأسرة أي: بناء العقيدة السليمة داخل الأسرة، وهذه قضية التركيز فيها بالنسبة لنا نادر أو ضعيف أو غير موجود، فمثلاً: من منا يحدث أولاده وزوجته وإخوانه عن عظمة الله سبحانه وتعالى؟ من منا جمع أولاده وبدأ يحدثهم عن قوة الله وعن رحمة الله وعن كرم الله، وأخذ أسماء الله وصفاته وبدأ يبحث عن آثار هذه الأسماء على ذاته وعلى أولاده؟ لا أحد إلا ما رحم الله. من منا جلس مع أولاده أو مع إخوته وبدأ يحدثهم عن أهوال يوم القيامة وعن اليوم الآخر وعن الموت وعن عذاب القبر وما فيه، وعن حياة البرزخ وعن حسن الخاتمة وسوئها؟ من منا فعل ذلك مع أولاده؟ لا أدري. من منا حدث أولاده بأمور يفقهونها عن عظمة خلق الله في جسد الإنسان، قال سبحانه: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21]؟! من منا حدث أولاده عن قلب الإنسان وكيف يعمل؟ وعن الكلية وكيف تعمل؟ وعن الدم وما هي وظائفه؟ لا تحدثه بطريقة طبية، لكن اربط ذلك بقوله تعالى: {وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:20 - 21]. عندما تقول لهذا الطفل: إن جسد الإنسان ينتج في الثانية الواحدة خمسة وعشرين مليون كرة دم حمراء ويهلك في نفس الثانية خمسة وعشرين مليون كرة دم حمراء. عندما تقول لهذا الابن هذا الكلام تحسسه فعلاً بعظمة الله. والإنسان لا يستطيع أن يزيد هذه الكمية كرة دم واحدة ولا أن ينقصها كرة دم واحدة، بل إذا زادت أصيب الدم بالثقل، وإذا نقصت أصيب الدم بالتكسر، أي: أن الكريات فيها تعادل وتوازن عجيب جداً، وكل ذلك ينطبق عليه قول الله تعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان:11] وينطبق عليه كذلك صنع الله الذي أتقن كل شيء. وأعطيتك هذا المثال لكي تحسس هذا الابن بهذه العظمة، من خلال ما يستطيع أن يتصوره من أشياء معايشة مرئية مشاهدة، وهي الدم. إذاً: البناء العقدي من المهمات التي ينبغي أن يركز عليها دائماً وينتبه لها دائماً، وينبغي أن تربط هذا البناء العقدي بالعمل، فأنت عندما تأمر طفلك بأداء الصلاة تأمره أن يصلي لله الذي حدثتهم عن عظمته وعن كرمه ورحمته ومغفرته وجوده، وعن عذابه وعظيم عقابه. فإذاً: سيستشعر الابن عندما يقف في الصف ليصلي أنه يقف أمام الله، وهذه مسألة للأسف الشديد قد لا يشعر بها حتى الكبار.

الوسطية في بناء الأسرة وإصلاحها

الوسطية في بناء الأسرة وإصلاحها النقطة الثانية من الأمور المعايشة التي ينبغي أن يزرعها رب الأسرة وملك الأسرة في أسرته: قضية الوسطية في كل شيء. الوسطية أيها الإخوة من الأمور المفقودة في الأسرة، الوسطية في التعامل مع الآخرين، الوسطية في التربية، الوسطية في معاملة الزوجة، الوسطية في الزيارات والخروج والذهاب والإياب، كل ذلك لا بد أن يأخذ طابع الوسطية، كذلك الوسطية في الإنفاق، فلا يكثر الإنسان من الصرف والبذخ في الأكل مثلاً وهو لا يجد إلا الشيء القليل من المال، ولا يقصر على نفسه في الأكل والشرب ولديه الملايين، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:143] في جميع الأمور، إذا أنفق الإنسان لم يسرف ولم يقصر، وإذا ربى الإنسان لم يسرف ولم يقصر في التربية، أي: لم يضغط ولم يتساهل. إذاً: ستجد أن التعامل الوسطي سيؤدي بك في نهاية المطاف إلى التوازن، فتجد أنك تعامل أبناءك معاملة حسنة؛ لأنك استخدمت الجانب الوسط.

الفراغ الأسري وطرق علاجه

الفراغ الأسري وطرق علاجه النقطة الثالثة، وهذه نقطة في غاية الأهمية فيما يتعلق بالأسرة: ألا وهي الفراغ، أي: الفراغ الأسري، انتبه كلما وجدت الأسرة فراغاً كان ذلك مدخلاً شيطانياً عظيماً أو عجيباً أو مخيفاً أو رهيباً للتأثير؛ لأن الأسرة إذا وجدت الفراغ فإنها ستتجه إلى إشغال هذا الفراغ بكل ما فيه فساد، فهناك مجموعة من العوامل التي تجعل المرء يشغل فراغه بما يضر: كالشيطان، والنفس الأمارة بالسوء، والهوى، والدنيا، وأقران السواء، كل ذلك سيجعله يملأ هذا الفراغ بما يضر، فالولد يعيش مع الفراغ في ملل، فكيف يتخلص من هذا الملل؟ إذاً: في جهاز التلفاز إذهاب الملل، أو سماع أشرطة معينة أو زيارة الأصدقاء أو غير ذلك، كذلك زيارة الأسواق بالنسبة للنساء، أو استخدام الهاتف وهكذا. وهذا الفراغ إذا لم يكن هناك تربية ولا بناء عقدي ولا خوف من الله صرف إلى المسلك السيئ، وإن كان هناك بناء عقدي فهذا الفراغ صرف إلى المسلك الحسن. إذاً: فعلى كل إنسان ألا يوجد فراغاً عند أولاده أو أهله أياً كان، حتى لو كان يغلب على ظنه أن هذه الأسرة ستمضي هذا الفراغ في الأمور الخيرة، لا، بل لا بد أن تكلفهم بقراءة كتيب وتختبرهم فيه وتعطيهم عليه جوائز، بهذا تشغل الفراغ الموجود لديهم بشيء يستفيدون منه.

أثر الصراع داخل الأسرة وكيفية الحد منه

أثر الصراع داخل الأسرة وكيفية الحد منه النقطة الرابعة: الصراع داخل الأسرة، هذه مسألة موجودة في كل الأسر، سواء كان ذلك على مستوى الصراع بين الأبناء الصغار، أو الصراع بين الأبناء الكبار، أو الصراع بين البنين والبنات، أو الصراع بين الأب والأم، أو الصراع بين الإخوة الكبار المتزوجين، فهذه عوامل ستولد آثاراً سيئة فيما يتعلق بالتربية. إن مسألة الصراع داخل الأسرة شر، وهو موجود في كل أسرة، ولكن تختلف الأسر في وجوده قلة وكثرة، ومن الأسباب الأساسية في وجوده: الفراغ، ولو أن كل واحد في الأسرة منشغل بأعمال متتابعة وارتباطات مفيدة متتابعة فلن يجد وقتاً ليتكلم مع هذا أو ذاك أو المشادة أو حتى التضارب أو غير ذلك. لعل هذه المسألة قد يفهما البعض بأنها مسألة اعتيادية أو مسألة طبيعية، لا، هذه لها ردات فعل ليست باليسيرة، خاصة إذا مال الأب إلى أحد الأبناء وأيده، فإن الابن الآخر أو البنت الأخرى ستحاول أن تنتقم، ولكنها لا تستطيع فماذا تصنع يا ترى؟ تتجه لتنفيذ ما في نفسها أو يتجه الطفل لتنفيذ ما في نفسه مع الأقران، ثم يبدأ أهل الشر بالتقاط هؤلاء الذين يعيشون هذه الحالة النفسية، ثم يبدأ الفساد. لذلك ينتبه لهذا الجانب، ويحاول كل أب أن يضيقه شيئاً فشيئاً ويحاول ألا يجعل له امتدادات لا من هنا ولا من هناك.

ضرورة التوازن بين عمل رب الأسرة وبين اهتمامه بأهله وأبنائه

ضرورة التوازن بين عمل رب الأسرة وبين اهتمامه بأهله وأبنائه من ضمن النقاط التي ترتبط بالأسرة حتى تكون أسرة عامرة: قضية التوازن بين العمل وبين الأسرة، فبعض الآباء نتيجة للكبر والتعب وتحصيل لقمة العيش تجده يذهب منذ الصباح ولا يعود إلا في المساء، ثم بعد أن يأتي في المساء يجد هؤلاء الأبناء قد ناموا، أو يجلس معهم ساعة نصف ساعة ربع ساعة ثم الذهاب إلى المنام، أو تجد الأب يدخل إلى البيت وهو في حالة من الإعياء الجسدي والإرهاق النفسي، فلا يكون لديه أي قابلية للتفاهم من الأبناء بمحبة وود، والأبناء يحتاجون إلى الحنان، والأبناء يحتاجون إلى من يقف معهم ومن يجالسهم، فإن لم يجدوا هذا الحنان في الأب، فإنهم سيبحثون عنه في أي مكان آخر. أذكر لكم مثالاً حول هذه القضية: كان هناك طفل في المدرسة التي بجوار البيت في الخامسة الابتدائية تعرف على بعض الأطفال الذين معه في الفصل، وكانوا يسكنون بجوار المدرسة، أما هذا الطفل فمكانه بعيد وأمه مطلقة، ويسكن مع زوجة أبيه، وكانت تعامله بقسوة، والأب يصدق هذه الزوجة ويقسو على الطفل، فهذا الطفل عندما آلف بعض الأولاد صار يدخل معهم إلى بيتهم، فرأى أمهم تعطف عليهم وتعاملهم بحنان زائد، فكان يلحظ هذا الحنان من هذه الأم، ويفتقده تماماً، فهو لا يجد شيئاً منه أبداً في بيته، فكان يجلس معهم في البيت، فإذا طلبوا منه أن يذهب إلى بيتهم قال: لا، أبي وزوجته غير موجودين ذهبا في زيارة، مع أنهما موجودان في البيت، وإذا وصل إلى البيت وسئل عن سبب تأخره قال: أنا جالس مع فلان أحل أنا وإياه الواجبات، فبقي على هذه الصفة، حتى إن الأب لاحظ أن الابن يتأخر كثيراً، فصار يضغط على هذه الأسرة ألا تستقبل الطفل، فكان الطفل يأتي إلى باب هذه الأسرة وهو مغلق ويطرقه ولا يفتحون له، وإذا ما فتحوا الباب جلس يبكي عند الباب، تقول أم الأطفال: أحياناً يجلس من حين يخرج من المدرسة حتى أذان العصر، يرفض أن يعود إلى بيته، ما هو السبب في ذلك؟ السبب في ذلك أن هذا الابن ما وجد الحنان فقد الحنان، فأراد أن يبحث عنه في مكان آخر، ولذلك ينتبه الإنسان لهذا الناحية أو هذه النقطة، فيعطي العمل وقتاً محدداً ويعطي البيت وقتاً محدداً: (إن لنفسك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً) الأهل هم الأبناء والأم والزوجة لا بد أن يأخذ كل حقه، (أعط كل ذي حق حقه) هذا هو الأصل وهذا هو التوازن في قضية الداخل والخارج.

الاهتمام بمسألة الدخول والخروج ومن يزار ومن لا يزار

الاهتمام بمسألة الدخول والخروج ومن يزار ومن لا يزار النقطة الأخيرة المتعلقة بمسألة الأسرة: مسألة الدخول والخروج وفق قضايا الدخول والخروج، من نستقبل في بيوتنا؟ من الأشخاص الذين نزورهم؟ إننا لا نعطي بالاً لذلك، وهذا عامل تربوي مهم يؤدي إما إلى العمار أو الدمار، إذا قالت لي الزوجة مثلاً: نريد أن نذهب إلى آل فلان، فإذا بالزوج يذهب بزوجته وأولاده إلى ذلك البيت ويتركهم العصر والمغرب والعشاء إلى الساعة الحادية عشرة، وبعد أن ينهي أعماله وسهرته يأتي ويأخذهم، نقول لهذا الزوج: هل عرفت من هم آل فلان هؤلاء؟ قد يقول: نعم أعرفهم هم أقربائي، نقول: نسألك ما هو منهجهم الحياتي؟ ما هي أساليبهم في تربية أولادهم؟ قد يكونون ممن يملكون أجهزة التلفاز وأجهزة الدش، وأولادهم الكبار يدخنون، وسهرتهم بعد العشاء لعب ورق، وأولادك يمكثون عندهم ويحتكون بهم وينظرون إليهم ويجالسونهم ويشاهدون التلفاز معهم، فأنت تربي في البيت من جهة وتهدم ما بنيت من جهة أخرى، كأنك لم تفعل شيئاًَ، بل ربما يكون الهدم أشد وأكثر من البناء. وفي المقابل من الذين تستقبلهم؟ إذا جاء أحد الأقرباء لزيارتك، أنت تعرف أن أولاد هؤلاء غاية في السوء والفسق والفساد وغير ذلك، فما هو الحل في هذه المسألة؟ هل تترك أولادك معهم سبع ثمان ساعات يأخذون جوانب تربوية فاسدة منهم، خاصة إذا كان الأبناء صغاراًً والمؤثرون كباراً، وفي هذه الحالة تكون قد هدمت ما بنيت، لذا لا بد من ضبط مسألة الدخول والخروج، من الذي سيدخل ومن الذي سيخرج؟ كما قال نوح عليه السلام {وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا} [نوح:28] فقد ركز عليه السلام على قضية الذي يدخل البيت مؤمناً وطلب له المغفرة والرشد. لذلك أقول: إن من عوامل تربية الأسرة أو إفساد الأسرة عماراً أو دمار مسألة وقت الدخول والخروج، ثم هناك عامل جانبي آخر وهو أن يفرغ المؤمن من وقته للأسرة لتربية الأولاد، أن تكون له جلسات تربوية وهدوء نفسي، وهذا بدوره سيؤدي إلى خلق جو تربوي سليم، أو إنشاء جو تربوي صحيح يؤدي في النهاية إلى قطف الثمار عندما يكبر المؤمن.

من العوامل المؤثرة في البيت: الأطفال

من العوامل المؤثرة في البيت: الأطفال العامل الثاني: الأطفال، والأطفال هم جزء من الأسرة، ولكننا نركز عليهم؛ لأنهم هم أبناؤنا أكبادنا أحبابنا فلذات قلوبنا، هم عماد الأمة وعماد المستقبل، فنحن نبذل ونتعب ونجتهد في سبيل أن نؤمن لهم جواً أسرياً سليماً وتعليمياً سليماً، فالأب إذا نقصت درجات ولده درجة أو درجتين يتضايق؛ لأنه يشعر بعاطفة الأبوة. إذاً: أنت أيها الأب تبذل كل شيء وكل غال ونفيس في سبيل هؤلاء الأطفال، لذلك جعلنا لهم تركيزاً خاصاً؛ لأهمية مراعاة جوانبهم سواء كانت عماراً أو دماراً. وكما تعلم أيها الأب أن ابنك يمر بمراحل متعددة، وأنت تعايشها مرحلة مرحلة، فكثيراً منا يخطئ في مسألة عدم التفريق بين المراحل فتجده يعامل الابن ذا الخمس عشرة ربيعاً كما يعامل الابن ذا الست سنوات، أو يعامل الابن الذي بلغ مبلغ الرجال معاملة الابن الذي يدرس في السادسة أو السابعة، لا، لا بد من مراعاة جانب السن في تقدير الاحتياجات وفي تقدير التربية، وفي الاهتمام بالحاجات الفطرية عند هؤلاء، كما قال العلماء: لاعبه سبع سنين وأدبه سبع سنين، وبعد أن يبلغ عمره أربع عشرة سنة صادقه سبعاً، ثم بعد ذلك هو عدو أو صديق. هذه الأمور التي ترد علينا كثيراً يعرفها كثير منا، ولكنها على بساط الواقع صعبة التنفيذ، أو ربما تجد الأب مثلاً عندما يخطئ ابنه الصغير ذو الست السنوات يضربه ضرباً مبرحاً، كذلك عندما يخطئ الابن ذو الستة عشر عاماً يضربه كما يضرب الصغير، لا، هذا بلغ مرحلة الضرب، فيحفر في ذاته حفرة ربما لا تندفن وجرحاً لا يندمل، والسبب في ذلك أنه يشعر ويحس بقسوة المعاملة، وبالتالي قد يحمل في قلبه أموراً أنت لا تعلمها، ويكون في ذلك ردة فعل في المستقبل.

تحذير الآباء من جعل الطفل مع قرين السوء

تحذير الآباء من جعل الطفل مع قرين السوء من الجوانب التي أحب في الحقيقة أن أنبه عليها فيما يتعلق بالأولاد: مسألة التربية، وأركز على مسألة التربية وأبينها بشكل موجز ومختصر، لأن الوقت لا يكفي لعرض كل القضايا، ولكن عبر نقاط مركزة رئيسية حول هذه المسائل تجعلنا نفهم المقصود. فأول مسألة هي: جعل الابن مع قرين السوء، قد يقول قائل: لماذا ركزت على هذه النقطة كنقطة أولى؟ أقول: مع العلم أنها مسألة لا تأتي لاحقاً عندما يبلغ عمر الطفل ثماناً أو تسعاً أو عشر سنوات أو إحدى عشرة سنة راقبناه، لا، بل إن الطفل يتأثر من القرناء منذ الطفولة منذ السنة الأولى، وسأضرب لكم مثالاً على ذلك: هذا طفل صغير عمره سنة أو سنة ونصف أو سنتين كان يلعب مع طفل آخر عمره سنتين أو قريب من ذلك، وأحد هذين الطفلين كان قد رأى منظراً وموقفاً في أحد الأفلام، فأراد أن يطبقه مع هذا الطفل الآخر، فطبقه، ثم هذا الصغير بعد أن ذهب صاحبه كان يذهب إلى إخوته ويعرض نفسه وعمره سنتان أو سنة ونصف، كان يعرض نفسه ويطلب منهم فعل كذا وكذا، انظروا إلى قرين عمره سنة ونصف مع طفل عمره سنة ونصف، وكانت النتيجة أن وقع في هذه القضية التي تستغرب أن تحصل. إذاً: هذه مسألة كان يركز عليها العلماء ولذلك قيل لـ مالك بن نبي أحد المفكرين الذي عليهم بعض المآخذ، لكن له بعض الجوانب الحسنة، روي عنه أن رجلاً جاءه وقال: إنني رزقت بابن وعمره الآن شهران أو ثلاثة أشهر، وأريد منك أن تدلني على منهج تربوي أطبقه مع هذا الطفل، قال: يا أخي تأخرت في الاستشارة. لاحظ ماذا قال له: تأخرت في الاستشارة، يعني: كان ينبغي عليك أن تستشير قبل ذلك، قد يقول قائل: إن هذا فيه مبالغة، نقول: ليس هناك مبالغة، وإنما الذي ينبغي للمرء أن يهتم بالجانب التربوي من حين اختيار الزوجة الصالحة. يقول مصطفى السباعي في كتابه (هكذا علمتني الحياة) جنب ولدك قرين السوء كما تجنبه المرض المعدي، وابدأ ذلك منذ طفولته، وإلا لم ينفع الدواء، ولعل قضية التربية من القضايا التي تنمو مع الطفل وتترعرع معه شيئاً فشيئاً، فهو كلما كبر سنة أخذ هذه الجوانب التربوية وطبقها معه؛ لأنها تزرع في قلبه وتثبت في كيانه فلا تزول، ولذلك يقول الشاعر: علم بنيك صغاراً قبل كبرتهم فليس ينفع بعد الكبرة الأدب إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولن تلين إذا قومتها الخشب

من واجبات الآباء تجاه الأبناء إخفاء المعاصي والابتلاءات عن الأولاد

من واجبات الآباء تجاه الأبناء إخفاء المعاصي والابتلاءات عن الأولاد الجانب الثاني: إخفاء الابتلاء عن الأولاد، أحياناً يكون الأب مبتلى بمصيبة معينة كشرب الدخان ويظهرها عند الأبناء، فيتأثر الأبناء، يقول أحد الإخوة: إن طفلاً صغيراً عمره أربع سنوات كان مع والده، والأب يقود السيارة ومعه السيجارة في يده، فسأل الوالد الابن الصغير: ماذا تتمنى أن تصير إذا صرت كبيراً؟ قال: أتمنى إذا كبرت أن أتعلم قيادة سيارة وأمسك سيجارة بيدي، كلام الطفل طبيعي؛ لأنه تأثر بالابتلاء الذي كان قد وقع من والده، يقول الذي روى هذه القصة: إن الأب أصيب بصدمة فترك من بعدها شرب الدخان. أذكر كذلك أحد الجيران هداه الله كان له أبناء صغار، فكنت أذكره وأقول له: يا أخي إن أبناءك الصغار سيتأثرون بك في شرب الدخان، قال: لا ما يتأثرون، وأنا سوف أحاول أن أربيهم تربية سليمة، فماذا كانت النتيجة؟ كانت النتيجة أن أولاده صاروا يدخنون؛ لأن الأب قدوة، والابن يقتدي بوالده، فنقول: إذا كان الأب إذا كان مما أبتلي بهذه المشكلة أو هذه القضية، فليحاول أن يبعدها عن الأبناء، وأن يمنع نفسه أولاً، فإذا لم يستطع فعليه على الأقل ألا يجعل المرض يستشري إلى أبنائه من شرب دخان أو تفريط في صلاة أو غير ذلك، لكن إذا كان مبتلى ويريد أن يبحث عن علاج فليعالج نفسه، وفي نفس الوقت لا يجعل المرض الخطير يستشري في أبنائه.

من واجبات الآباء تجاه الأبناء الحنان والعطف على الأبناء

من واجبات الآباء تجاه الأبناء الحنان والعطف على الأبناء من ضمن الجوانب فيما يتعلق بتربية الأبناء: الحنان الذي ينبغي أن يعطيه الأب للأبناء، فالأب عندما يربي ابنه فأنه يؤمن له الملبس والمأكل والمشرب، ويؤمن له الأدوات المدرسية، ويؤمن له وسائل الرفاهية، لكن هل تنتهي العملية عند هذه الأمور الحسية؟ لا، بل لا بد أن يهتم بالجوانب الروحية التي يحبها الطفل، فأنت أيها الأب عندما تأتي لابنك وتضمه إلى صدرك ولو كان كبيراً فثق تمام الثقة أنه سيشعر بحنان عجيب جداً، أضرب لك مثالاً: افترض أن لديك ابناً مشاكساً لا يحل الواجبات أولاً بأول، ثم عرضت عليه أن يحل الواجبات بالتهديد فرفض أو تملص، أو أنك أعطيته عشرة ريالات ليحل الواجب ربما لا يقيم لذلك نظراً؛ لأن المبلغ قليل أو الواجب كثير أو أو إلى آخر، لكن لو أنك انتقلت إلى جانب آخر ربما أنت لا تستخدمه مع الابن إلا قليلاً، وذلك بأن تأخذ الطفل إلى حضنك وتحدثت معه وطلبت منه أن يقبلك ثم قبلته وضممته ثم قصصت عليه قصة بسيطة ثم ربت على شعره، وكل ذلك على انفراد، ثم بعد ذلك اطلب منه أن يحل الواجب، انظر ماذا تكون النتيجة؟ ستكون عجيبة فعلاً؛ لأن الحنان الذي في قلبك قد صب في قلبه، فكانت النتيجة التقارب بين قلبيكما، مما أدى إلى أن يطيعك بسرعة، وهذه الأشياء التي يفتقدها الإنسان في أبنائه إذا لم يركز على جانب الحنان، فإن هذا الابن سينحرف ويتحول البيت إلى دمار، وأنت ترغب في أن يكون بيتك عامراً. مثال على ذلك: أحد الآباء كان له ابن عمره ثلاث عشرة سنة وكان يهتم اهتماماً كبيراً جداً بالأشياء الفنية المرتبطة بالآلات وإصلاح الآلات كالسيارات والساعات والراديو هات، إلى غير ذلك، وكان والده يقسو عليه قسوة شديدة، ويفضل ابنه الصغير على هذا الأكبر، فهذا الأكبر كنت أرى عليه نوعاً من أنواع الكآبة عجيبة جداً، فكان يحبني باعتباري أني قريب له جداً، فيعطني بعض ما يشعر به، فكان يقول لي: إنه في بعض الأحيان يدخل دورة المياه بقصد قضاء الحاجة فيبقى فيها الساعة ويبكي؛ لينفس عما في قلبه، ثم بعد ذلك يخرج ولا يريد من أحد أن يشعر بالذي يحصل له، وقال لي في يوم من الأيام: أتمنى أن يموت أبي أو أنني أموت؛ لأن الأمر عنده واحد وجود أبيه وعدمه، بسبب قسوة أبيه عليه، فهو يتمنى أن يعيش يتيماً؛ لعله يشعر على الأقل ببعض الحنان من الآخرين، فما كان مني إلا أن أخذت الأب جانباً ثم قرعته قرعاً بالكلمات المتتابعة المتلاحقة، وأشعرته بخطئه في حق ولده، فقلت له: هذا الابن الذي أنت تسعى ليكون بيتك عامراً قد يحول بيتك إلى دمار؛ لأن هذا الطفل عمره ثلاث عشرة سنة يفتقد الحنان تماماً، ووالدته مريضة، وأنت قد تركته وضيعته، وربما إذا كبر قليلاً تلقفه أهل الشر فسقط في الفسق والفساد والمخدرات، ومن سجن إلى سجن ومن مصيبة إلى بلية، وأنت الذي تعيش الهم والغم، فصار بيتك دماراً، أتريد ذلك؟ قال: لا، فرجع إلى ولده وبدأ يعطف عليه ويحن عليه، وفعلاً صار الابن الآن يحب أباه محبة شديدة، صار يجالسه ويتحدث معه، ولو طلب منه شيئاً لم يتردد في تنفيذه برغبة ومحبة.

من واجبات الآباء تجاه الأبناء متابعة الأبناء وتفتيشهم

من واجبات الآباء تجاه الأبناء متابعة الأبناء وتفتيشهم هذه نقطة سأوردها بسرعة فيما يتعلق بقضية الأطفال، ألا وهي: متابعة الأولاد من ناحية الواجبات المدرسية، وهذا أمر مهم، لكن هل ركز أحد منا على تفتيش أولاده ومتابعتهم من ناحية الحقائب وما تحتوي جيوبهم من أمور قد تخل بالأخلاق والآداب؟ قد لا يفعل ذلك أحد من باب الثقة، وأنا أقول: لا؛ فأن الأمور تتغير بين يوم وليلة، والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو ويقول: (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك). لذلك أقول: إن الإنسان الكبير العاقل يخشى على نفسه من الانحراف والفتنة، فما بالكم بالصغير الذي قليل العلم وقليل الخبرة، لذلك فمتابعة الابن بالتفتيش بطريقة لبقه مهمة وضرورية، ومتابعة البنت كذلك، وهذا سيعطيك نوعاً من التصور عن علاقة الابن مع زملائه، وما هي أرقام التلفونات التي لديه؟ وما هي الأسر أو البنات أو الأبناء الذين يتصلون به؟ وبهذا تستطيع أن تتصور بنفسك تصوراً كاملاً عن العلاقة الجانبية لابنك أو بنتك مع بقية أفراد المجتمع.

من العوامل المؤثرة في البيت: الخادمة والسائق

من العوامل المؤثرة في البيت: الخادمة والسائق العامل الثالث: الخادمة أو السائق، وقضية الخادمة أو السائق الآن من القضايا التي انتشرت في جميع المجتمعات إلا من رحم الله، ولعلي أخبركم أن الخادمة أو السائق من الأمور التي انتقلت من الكماليات إلى الضروريات عند بعض الناس، وهذا بحجم ذاته يعد جانباً مهماً لطرح هذه القضية، على اعتبار أنها عامل مؤثر من عوامل تحويل البيت إلى عمار أو دمار، فقضية الخادمة أو السائق لو دققنا النظر فيها لوجدناها عبارة عن دواء مر لا يحتاجه الإنسان إلا عند الضرورة القصوى، ولكننا وللأسف استمرأنا هذا الدواء، وصرنا نرجع إليه في كل وقت ونشرب. إذاً: الخادمة أو السائق ما هي عوامل الدمار العمار التي تنشأ بسببها في البيت: أقول لكم: إن عوامل العمار نادرة وقليلة، والمشهور والمعروف والمتواتر أن الخادمة أو السائق عامل من عوامل دمار البيت وإفساد الأسرة. ولعل الأمثلة كثيرة وكثيرة، ربما يضيق الوقت عن ذكرها.

من الآثار المترتبة السلبية على وجود الخادمة انتشار الأمراض الحسية

من الآثار المترتبة السلبية على وجود الخادمة انتشار الأمراض الحسية وهذه بعض النقاط الأساسية أو القواعد التفصيلة في هذا المسألة: يقول أحد الأطباء في مستشفى الملك خالد في الرياض لقد لاحظنا في الخمس السنوات الأخيرة انتشار أمراض السكر والضغط عند النساء بنسبة عالية في منطقة الرياض، يقول: والسبب في ذلك يرجع إلى الخدم؛ لأن المرأة تنام إلى قريب الضحى ثم لا عمل لا طبخ لا غسيل ثياب لا كنس لا كذا لا كذا إنما هو نوم وجلوس، إما مع صاحبتها أو على التلفون، أو عند الأجهزة، فكانت النتيجة انتشار الأمراض مثل: الضغط والسكر والسمنة إلى غير ذلك، هذا سبب والعامل الأساس في وجوده هو وجود الخادمة، فلو لم يأتينا من الخادمة إلا هذا لكان أمراً يدعونا إلى مراجعة الأنفس، ولكن الأدهى والأمر أن الخادمة انتقل مرضها ودمارها إلى الجوانب الأخلاقية والإفسادية، فيما يتعلق بالعرض، وهذه مسألة ذات شجون وذات توسع عجيب، لو أردت أن أستعرض بعضاً من آثار الخادمات التي خارج نطاق التأثير الأخلاقي لأخذ منا ذلك جزءاً كبيراً من الوقت، لكن خذوا بعض الأشياء الأخرى بالإضافة إلى أمراض الضغط والسكر، فالآن البنات عندما يتزوجن ربما لا تعرف البنت كيف تطبخ، وهذا أمر محسوس ومشاهد، والسبب أن البيت فيه خادمة ومربية، وبالتالي العمل يترك عليهن والبنت مشغولة بدراستها وبواجباتها وبزميلاتها وزياراتها، وهذه البنت مقبلة على بيت وعلى زوج وعلى أسرة وعلى أبناء وهي لا تعرف شيئاً من ذلك، بل والبعض يتعلل بأن هذه البنت عندما تتزوج ستجلب معها خادمة، وبالتالي تقوم هذه الخادمة بأداء المهمات كما كانت تؤديها من قبل في بيت أبيها، لكن من الذي يضمن لك بقاء هذه الخادمة على طول؟ هل الحياة مضمونة؟ لا، الأمور تتغير وتتبدل فما نحن فيه من نعمة قد نبتلى بزوالها وتنتهي هذه النعمة إلى أمور أخرى، وهذا أمر قد يحصل بسبب ذنوبنا وآثامنا، ولذلك فعلى الإنسان أن ينتبه لهذا الجانب ويركز عليه.

من الآثار السلبية المترتبة على وجود الخادمة نشر العقائد الفاسدة في الأسرة

من الآثار السلبية المترتبة على وجود الخادمة نشر العقائد الفاسدة في الأسرة من ضمن الأمور التي تؤدي الخادمة إلى نشرها داخل المنزل: قضية نشر العقائد الفاسدة، فكم من طفل أو طفلة بدأ يصدق ما تلقاه من عقائد تجاه بعض الأصنام أو الأوثان أو غير ذلك من الخادمة، حتى إنه ذكر ذلك في جريدة من الجرائد أن طفلاً كان يقف أمام الفرن وقد وضع يديه على جبهته، فخافت أمه أن يكون ممن يعبث بالفرن فقالت: ماذا تفعل؟ قال: أعبد إلهي؛ لأن الخادمة كانت ممن يعبد النار، أو أنها كانت ممن يريد نشر عقيدة فاسدة داخل هذه الأسرة، وعلمت الطفل هذا المنهج المنحرف. من ضمنها كذلك أن بعض الأطفال يعبدون أوثاناً أو أصناماً، وأذكر أن إحدى الأمهات كانت تقول: إن لها طفلة صغيره كانت لها لعبة على هيئة صورة، وكانت تضعها أمامها وتقف عندها بخشوع وسكون وخضوع، فكانت فيما بعد تلحظ هذا ويتكرر منها، فسألتها: لماذا تفعلين ذلك؟ قالت: أعمل مثل ما تعمل الخادمة مع لعبتها، فذهبت الأم إلى هذه الخادمة وبحثت عن لعبتها هذه وإذا هي تقف أمام صنم بوذا وتصلي له، فانظروا إلى التقليد من الأطفال للخادمة، ونحن عن هذا غافلون، والذي ينتبه منا لهذه الأشياء قليل، وكثير منا قد لا ينتبه لهذه الأمور.

من الآثار السلبية المترتبة على وجود الخادمة ابتذال الأطفال واستغلالهم

من الآثار السلبية المترتبة على وجود الخادمة ابتذال الأطفال واستغلالهم من آثار وجود الخادمة: يقول أحد الإخوة: إنه كان يسير في ضحى أحد الأيام في سوق من أسواق الرياض، وإذا بالخادمة معها بنت تشحذ من الآخرين، والبنت عليها ثياب ممزقة وحالتها مزرية، يقول: فنظرت إلى هذه البنت وإذا بها لا تشبه الخادمة، بل بينهما فرق، يقول: فبدأت أدقق النظر في البنت وإذا هي قريبة الشبه من بنت أحد زملائي، يقول: فانتظرت قليلاً إلى أن حان رجوع الخادمة إلى البيت وتابعتها وإذا بها تدخل بيت أحد زملائي، يقول: فلقيت زميلي فأخبرته بالقصة أو بالحادثة، وحقق المسألة وتابع، وإذا بالخادمة كانت تخرج في الصباح بالبنت الصغيرة، باعتبار أن الزوج في العمل والزوجة في المدرسة وتشحذ بها.

من الآثار السلبية المترتبة على وجود الخادمة نشر الرذيلة في البيوت

من الآثار السلبية المترتبة على وجود الخادمة نشر الرذيلة في البيوت أما الجوانب الأخلاقية فحدث ولا حرج، فالفساد الأخلاقي الذي تنشره الخادمة مع الأبناء أو مع البنات أو مع الرجال الأجانب يعني على أشده، يعني: أنا سأضرب لكم مثالاً حصل معي: ففي ليلة من الليالي كنت نائماً في حدود الساعة الثانية بعد منتصف الليل فاتصلت بي امرأة فرديت على الهاتف، وإذا بالمرأة يبدو لي على ما أعتقد أنها فلبينية أو اندونيسيه، وإذا هي تتحدث باللغة الإنجليزية فبدأت أحدثها بما أستطيع، فكانت تطلب مني أن آتي في نفس بيت الأسرة الذي تعمل فيه، فهي تتصل بأي واحد ليأتي في بيت الأسرة، فتعجبت وكان بالإمكان أن أقطع الخط وأتكلم عليها وتنتهي القضية، لكن، لا، هنا مصيبة، هذه المرأة الآن تريد أن تحول هذا البيت إلى دمار، فبدأت أكلمها وألين لها القول شيئاً فشيئاً ثم وعدتها أن آتيها بعد قليل، لكن بشرط أن تخبرني باسم الأب واسم الأم واسم البنات والأبناء واسم كذا، وما هو وضع البيت وماذا كذا، وهي كانت تتكلم معي لمدة نصف ساعة، فأخذت المعلومات هذه ثم وعدتها أن آتي بعد نصف ساعة، يعني في الساعة الثانية والنصف أو الثالثة، ثم إني اتصلت بصاحب البيت، ويرد صاحب البيت فقلت: يا أخي اسمك فلان بن فلان؟ قال: نعم، قلت: وزوجتك اسمها فلانة؟ قال: ماذا تقول؟ ثم قال: نعم، ماذا تريد؟ قلت: وبناتك أسماؤهن فلانة وفلانة وفلانة؟ قال: نعم، وهو يحاول أن يعبر بطريقة تنم عن انفعالات متعددة، لماذا يتصل بي رجل غريب ويعرض هذه الأسماء بهذه الصورة، قلت: يا أخي اطمئن أنا فلان بن فلان بن فلان أعمل في المكان الفلاني، وأخبرته بقصة الخادمة وماذا تريد به وبأهله، وأقول: ليس في كل مرة تسلم الجرة، فبدأ يشكر ويثني علي إلى آخره، ثم قال: لا بد أن نتخلص من وجود الخادمة ولا حاجة للخادمة هذه.

من العوامل المؤثرة في البيت: وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة

من العوامل المؤثرة في البيت: وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة العالم الرابع: الوسائل الإعلامية، والوسائل الإعلامية من أهم الأمور التي تجعل البيت من البيوت التي تنتقل من الدمار إلى العمار أو العكس، فهناك أمور لا يمكن أن يتحكم فيها الإنسان ولو ادعى أنه يستطيع أن يتحكم فيها، فلو جلب تلفازاً يستقبل البث العادي أو البث المباشر أو غير ذلك، وقال: أنا أتحكم فيه وأنا أشرف عليه، فإن هذا بصراحة يكذب؛ لأنه لا يستطيع، فلو تحكم فيه اليوم أو بكرة أو بعده فلن يتحكم فيه بعد شهر أو شهرين أو ثلاثة.

أثر الدش على الأطفال والمراهقين في الأسرة

أثر الدش على الأطفال والمراهقين في الأسرة لعلي أمثل على ذلك بمثال: أحد الرجال جاء إلى مدير مدرسة ثانوية وقال لمدير المدرسة: أريدك على إنفراد، فقال المدير: إذا انتهى الطابور إن شاء الله أجلس معك، يقول المدير: دخلت الإدارة وإذا بالأب ومعه ابنه، وابنه في أولى ثانوي وهو شاب نشيط في الدراسة وهادئ ليس عليه أي ملاحظات، فقال الأب: أريد أن تعطيني ملف ابني، فقلت: عجيب لماذا؟ وكيف تنقل ولدك من المدرسة ولم يبق على الاختبار إلا شهر واحد، لكن بعد ما يختبر وينجح إن شاء الله نعطيك الملف، قال: لا، أريد أن آخذ الملف؛ لأني سأسافر به خارج البلاد، قلت: لماذا سلامات ماذا حصل؟ قال: والله هذا الولد يفعل كذا وكذا بإخوانه، أعوذ بالله، والابن جالس ما يتكلم، قلت له: حسناً أريد أن أسأل الابن بمفرده، قال: فأخذت الابن إلى غرفة مجاورة فقلت: صحيح الذي يقوله أبوك؟ قال: صحيح، قلت: بإخوانك، قال: بإخواني، كلهم؟ قال: كلهم، قلت: لماذا؟ قال: إن أبي اشترى لنا دشاً قبل ثمانية أشهر، وفي ليلة من الليالي فتحت الجهاز ونظرت كذا وكذا وكذا وكذا أشياء إباحية، وأنا مراهق، فأريد أن أطبق ولم أجد إلا هؤلاء إخوتي، وبالأمس رأيت كذا وكذا فذهبت إلى أختي وهي أصغر مني بسنة، فحاولت وحاولت وبذلت وهي تصرخ، وفي النهاية سمع أبي وأمي الصراخ فجاءوا وضربوني، وقرر والدي طردي من البلد بأكمله بل من المملكة، يقول المدير: فسألت الأب: أنت عندك دش؟ قال: نعم، قلت: لماذا اشتريته؟ قال: من أجل المباريات والأخبار، قلت: بس؟ قال: بس، قلت: إن فساد ابنك كان بسببك، بل وفساد أبنائك الصغار أنت السبب فيه، بل أسرتك كلها، فبيتك صار دماراً وأنت السب فيه؛ لأنك فعلت وفعلت وفعلت وادعيت أنك تتحكم، قال: نعم أنا أتحكم بالجهاز ولا يستطيع أحد أن يطلع عليه إلا وأنا موجود، قلت: نعم، تتحكم فيه أول شهر أو أول شهرين ثم تضعف الرقابة، وعين الرقيب تنام، وكانت النتيجة ما حصل، خذ هذا ملف ولدك بحفظ الله. إذاً: قضية ادعاء التحكم في أجهزة الأعلام غير صحيحة، ولذلك الحذر الحذر الحذر من وسائل الإعلام الفاسدة.

من الوسائل المهمة لمواجهة خطر وسائل الإعلام وجود البديل السليم

من الوسائل المهمة لمواجهة خطر وسائل الإعلام وجود البديل السليم النقطة الثانية فيما يتعلق بالوسائل الإعلامية لا بد أن تعلم أيها الأخ الحبيب أن الأطفال لهم حاجات فطرية ولهم غرائز، لا بد أن يحقق أهدافاً معينة لإشباع هذه الغرائز، فوجود البدائل أمر مهم، والبحث عنه ودفع الأموال الكثيرة في سبيله هذا أمر مهم جداً، قد تقول: هذه السلعة صعب أن أشتريها بهذا السعر، أقول: في مقابل هذا الجهاز الإفسادي ينبغي عليك أن تدفع ولو كان السعر مضاعفاً، ولكنه سيكون إن شاء الله بديلاً سليماً في إشغال وقت فراغ ابنك، حتى لا يبحث عن البدائل الضارة عند الجيران أو عند أصدقاء السوء.

من العوامل المؤثرة في البيت: تصميم البيت وما يتعلق به

من العوامل المؤثرة في البيت: تصميم البيت وما يتعلق به العامل الخامس: من العوامل التي تحيل البيت إلى إعمار أو دمار: ما يتعلق بتصميم البيت، تصميم البيت التصميم العمراني، أنتم تلحظون الآن الفلل الموجودة حالياً أو البناء حالياً، تلحظون أنه تصميم غير إسلامي، المبنى داخل السور أو الحوش، ثم بعد ذلك بجانب الفلة إذا قام واحد من أبناء الجيران وطل من الشباك على الحوش فسيرى الذين يجلسون في الحوش من نساء وبنات وغير ذلك، وفي المقابل أنت لو فعلت ذلك سترى جارك بنفس الصورة، وأنتم تعرفون أن البيوت القديمة المبنية من الطين قديماً أو حتى البيوت المسلحة الحديثة المبنية من الخرسانة في بعض الدول كما في سوريا بالذات تبنى على التصميم الإسلامي، تكون النافورة والمزرعة والاستراحة والجلسة داخل البيت، وباقي الغرف تطل عليها، فيكون البيت مستوراً لا يطلع عليه أحد، فهي خصوصية خاصة لا يمكن أن ينظر إليها أحد. إذاً: تصميم البيت له دور مهم في مسألة جعل البيت عماراً أو دماراً. وكثير من وسائل الفساد التي تحدث بين الأسر أو بين الجيران يتم بهذه الصورة، فالابن المراهق ينظر من الشباك إلى بنت الجيران فتعجبه ويميل قلبه إليها، ثم يتجه إلى الهاتف، ثم شيئاً فشيئاً تتطور العلاقة إلى ما لا تحمد عقباه، والبنت كذلك قد تفعل شيئاً من ذلك فتكون المسألة دمار لهذا البيت، لكن لو كان البيت مستوراً لكان ذلك عاملاً مساعداً في إبعاد هذه المفاسد عن الأسرة. كذلك النوافذ، بعض الأشخاص يضع نافذة إلى درجة أن الجميع ينظرون إلى بيته بسهولة، والبعض الآخر لا يركز على أن يضع النافذة في أعلى الجدار، فيكون بذلك قد حمى أبناءه من أن ينظروا إلى الجيران فيتأثروا بما عندهم، وهذا مسألة قد تغيب عن الذهن، وقد يقول قائل: أنا سأضع شباك من درجة معينة، وسأحاول أن أضغط على جاري حتى يرفع شباكه، لكي لا يراني أو لا يرى حرمي، أقول: أنت في المقابل لا بد أن تعامل جارك بنفس المعاملة.

الآثار المترتبة على وجود الهاتف عند الأبناء والبنات

الآثار المترتبة على وجود الهاتف عند الأبناء والبنات كذلك مسألة وضع الهواتف، كثيراً من المشاكل والمصائب تحصل بانفراد الابن أو البنت بهاتف مستقل في غرفتها أو في غرفته، فتراه يغلق على نفسه الباب أو تغلق على نفسها الباب، فالبنت تكون نائمة في الساعة الثانية عشر أو الواحدة أو الثانية فيرن الهاتف وأنت لم تسمعه، فسمعت البنت الهاتف وأخذته، ثم ذئب بشري على الخط يكلمها برقة وبلطف وبكلام معسول، ثم البنت بعاطفتها تلين شيئاً فشيئاً ثم يكون الدمار بعد ذلك؛ لأنك وضعت لها هاتفاً مستقلاً، لكن لو وضعت هاتفاً عاماً داخل الصالة وهاتفاً عندك أنت أو في مكتبك أو غير ذلك، هنا تستطيع أن تضبط هذه العملية، حتى لا يترتب على ذلك شيء من هذا الضرر. كذلك الابن قد يتصل بأي رقم من باب العبث ثم تكون النتيجة أن تجيبه بنت أو غير ذلك فيستخدم معها أسلوباً معسولاً، فيوافق ذلك منها هواه فتكون الطامة. هناك نقطة مهمة أختم بها قضية تصميم البيت، وهي حقيقة أتمنى من كل إنسان يريد من بيته أن يكون بيتاً إسلامياً، أن يضع في وسط البيت دولاباً، ثم يملؤه بمجموعة من الكتيبات الصغيرة ومسجل ومجموعة كبيرة من الأشرطة ويضع بجانب هذا الدولاب لوحة مثل اللوحات التي تستخدم في بعض الوزارات لوحة من الفلين المغطى ببعض القماش، ثم يطلب من أفراد الأسرة الأبناء والبنات، من كل واحد منهم أن يعمل صحيفة في كل شهر أو كل شهرين صحيفة يعملها بنفسه، يبحث في الكتب ويكتب ويخطها ويرسمها ثم يعلقها في هذه اللوحة ويكتب اسمه عليها، وأحسن واحد يسوي لوحة له مكافأة معينة، ستجد أن هذا يضفي على البيت نوعاً من إشغال الوقت بما فيه فائدة، ثم التعلم الذاتي، أي: أن الطفل يشغل نفسه بنفسه، ثم الزوار إذا جاءوا إلى هذا البيت وقرءوا هذه الصحيفة قد يستفيدون منها، فيكون ذلك خيراً منه.

من العوامل المؤثرة في البيت: الجيران

من العوامل المؤثرة في البيت: الجيران أختم هذه المسائل بالحديث عن العامل السادس ألا وهو: الجيران، فالجيران من العوامل المهمة جداً في إعمار البيت أو دماره، فكما قيل: الجار قبل الدار، وكما روي أن أحد الأشخاص أراد أن يبيع منزله، فحرج عليه بأربعة آلاف دينار، فقيل له: إن هذا المنزل لا يساوي إلا ألفين فقط، قال: نعم، هو لا يساوي إلا ألفين دينار، لكن ألفي دينار قيمة البيت وألفي دينار قيمة جار البيت، الذي هو أبو دلف العجلي المشهور، فعندما سمع أبو دلف بهذه الحالة أعطى صاحب هذا البيت مبلغاً من المال؛ لأنه أراد أن يبيعه بسبب دين عليه. إذاً: الاهتمام بالجار هنا عامل مهم جداً في تحويل البيت إلى عمار أو دمار، ولذلك كثير من الأسر يتساهلون في مسألة اختلاط أبناء الجيران مع بعضهم البعض، ولا يدري الجار عن هذا الجار ما هي حالته وما هي أحواله، فيترتب على ذلك انتشار عوامل سيئة أو حسنة بدون أن يعلم هذا الأب أو هذه الأم أو تلك الأسرة، ولذلك على الإنسان أن يراعي دائماً ويركز دائماً على مسألة جاره، وينتبه لذلك انتباهاً شديداً. فالذي ينبغي للمسلم أن يوجه الجيران دعوياً؛ لأنهم عوامل مساعدة في جعل بيتك بيتاً عامراً بالخير، فعندما تدعو هذا الجار وترسل له هدية وتعطيه مثلاً شيئاً حسناً ليستفيد منه، فإن ذلك يؤثر في تربية هذا الجار وتربية أولاده الذين سيتأثرون به لا محالة، وهذه الهدايا من الأمور التي حث عليها شرعنا الإسلامي الحنيف، فقد قال المصطفى عليه الصلاة والسلام: (تهادوا تحابوا). والله سبحانه وتعالى الموقف والهادي إلى سواء السبيل، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

طرق الوقاية من العوامل الجانبية المفسدة لأخلاق الأبناء

طرق الوقاية من العوامل الجانبية المفسدة لأخلاق الأبناء Q ما رأيكم فيمن يسير مع أطفاله ببرنامج تربوي معين، ولكن إذا أتى إلى أهله أو أهل زوجته ولو ساعة واحدة أفسد ما كان يجني، بسبب الجهل خصوصاً من الكبار كالوالدين، وأنا أربي أولادي تربية حسنة جادة، ولكن هذه التربية يفسدها الأقارب، وأنا لا أستطيع أن أمنع أبنائي من الذهاب إليهم؟ A نعم، ذكرت وأشرت إلى أن قضية تأثر الأبناء بالعوامل الجانبية هذه مسألة عامة وشاملة، والانفكاك عنها قد يكون صعباً، لكن هناك مسألة إصلاح ما أفسدوا، فأنت الآن تسير على برنامج تربوي منظم ومرتب له بطريقة أو بأخرى، ثم حصلت ثغرات معينة إلزامية بسبب الاحتكاك بأقربائك أو أنسابك أو أهل زوجتك أو أخوال أولادك أو غير ذلك أو حتى أبيك أو أمك فأقول: إن هذه الثغرات ضعها في حسبانك أثناء وضع البرنامج التربوي، بمعنى أنك عندما تذهب بأبنائك إلى هؤلاء الناس ثم ترجع بهم فإنك تقوم بجمع المعلومات عما حصل، وبناءً عليه تستطيع أن تتخذ القرارات المناسبة فيما بعد. وأذكر لكم مثالاً: هذا أحد الإخوة يقول: أذهب إلى خالي في كل أسبوعين إلزاماً من والدتي، وخالي هذا عنده أجهزة تلفاز في كل مكان، وأمي فيها صلاح وتقوى ولا تحب التلفاز، فقلت لأمي: أنا ما عندي مانع أن أحب خالي وأقبله لكن تعرفين أن أبنائي وعيالي يتأثرون بهذا التلفاز، وبعد ذلك قد يطلبون مني أن أشتري لهم تلفازاً فأنا لا أريد أن أذهب بهم إلى بيت خالي من أجل ذلك، قالت: لا، ليس معقولاً إنه أخي، قال: قلت: يا أمي أنا عندي رأي وهو إذا ذهب أبنائي معي إلى بيت خالي لا يفتح التلفاز، فوافقت أمي، فطلبت من خالي إغلاق التلفاز، وفعلاً حصل أنها إذا ذهبت إلى هناك أُطفئت الأجهزة بأكملها، يقول: وهذا مكسب ليس باليسير فيما يتعلق بالجانب التربوي، وصحيح أنا أتمنى ألا يذهبوا، لكن لا أستطيع، وبالتالي حاولت أن أحل بعض القضية، وحل القضية كاملة لعله يتيسر فيما بعد. فأقول لكم: إن على الإنسان أن يسدد ويقارب، وإن شاء الله إذا كان ممن يتقي الله سبحانه وتعالى فإنه سيوفق في إيجاد الحلول تجاه هذه المشاكل التي تدخل عليه أو تفسد عليه ولو جزءاً يسيراً من برنامجه التربوي.

ضرورة التدرج في إزالة المنكر من البيوت

ضرورة التدرج في إزالة المنكر من البيوت Q يقول شخص: إني محافظ على الصلاة والحمد الله وأولادي كذلك، لكن الأولاد يرغبون بمشاهدة التلفاز، فكانوا يشاهدونه عند الجيران أو عند أصدقائهم، فذهبت واشتريت لهم تلفازاً خوفاً عليهم من الخروج من المنزل والمخالطة بالغير فما توجيهكم؟ A وجود الأجهزة الإعلامية بهذه الصورة في داخل الأسرة جانب تربوي خاطئ، وهذه مصيبة، وعلاجها يحتاج إلى صبر ومصابرة، فلو أخذت الجهاز منهم فجأة فإن هذا سيحدث لهم صدمة، وقد لا يتحملون هذه الصدمة، لكن تستطيع أنت بطريقة أو بأخرى أن توجد البدائل لهم فمثلاً تقول: انظروا يا أولادي إذا ما شغلتم التلفاز اليوم وبكرة أبداً فسوف أوصلكم إلى المكان الذي يحبونه كثيراً، مثلاً: حديقة الحيوان، ألعاب معينة، طلعة بر، أو أشتري لكم من المطعم الفلاني المشهور شيئاً أكلة معينة، ففي هذه الحالة تكون قد أبعدتهم عن الجهاز بطريقة تدريجية، ثم توجد لهم بدائل، فمثلاً: تشتري لهم جهاز الكمبيوتر ويعمل على التلفاز، ومعنى هذا إما أن تشغل التلفاز أو جهاز الكمبيوتر، فتكون قد سحبت جزءاً من الوقت ووجهته إلى هذا الجهاز، فتحتاج المسألة إلى صبر ومصابرة، وبالتدرج ستجد أنك قد سحبت منهم الجهاز من تحت أقدامهم وهم راضون عن عملك هذا. لكن تحتاج المسألة مثل ما قلت إلى أن تدرس نفسية أولادك ووضع البيت، وبعد ذلك تتخذ القرار البطيء التنفيذ، لكنه أكيد النتيجة.

نصيحة تبين خطر اقتناء الدش وحكم تأجير المحلات على الفاسدين

نصيحة تبين خطر اقتناء الدش وحكم تأجير المحلات على الفاسدين Q لقد انتشرت أجهزة الدش في هذه البلدة بكثرة فهل من كلمة في هذا الأمر ونصيحة إلى أولئك الذين يؤجرون الاستراحات لهؤلاء الفاسدين من الناس؟ A ذكرت لكم القصة قبل قليل عن ذلكم الطفل الذي في أول ثانوي الذي كان يفعل الفاحشة في إخوانه بسبب الدش، وأنا أقول لكم جميعاً: أبلغوا هؤلاء وناصحوهم أن السعيد من وعظ بغيره، والشقي من وعظ بنفسه، وإذا وقع الفأس بالرأس لم ينفع العلاج إلا بصعوبة، ولذلك فالإنسان يحتاط كل الاحتياط ألا تكون العظة فيه، وألا تكون التجربة فيه، وألا تكون المصيبة فيه وفي أولاده. يعني: دعوني أذكر لكم قصة موجزة صغيرة: استدعت الهيئة أحد الآباء - وهو أب صالح فيه خلق، ولكنه غني واشترى لأبنائه جهاز الدش، على أساس أنه نوع من التطور، والرجل الأب لو جالسته لرأيت فيه خلقاً دمثاً وصلاحاً بيناً، ففي يوم من الأيام يقول أحد أعضاء الهيئة: اتصلنا به وقلنا له: نريدك في حاجة ضرورية جداً، فجاء وقلنا له: لقد قبضنا على بنتين من بناتك في وضع مسيء للغاية، يقول: وقبل أن يأتي حققنا مع البنات فذكرن أن سبب وقوعهن في هذا الفساد هو مشاهدة الأفلام في جهاز التلفاز الذي يستقبل البث المباشر، المهم جاء الأب فقيل له بتلطف: الوضع كذا وبين له الوضع فسقط مغمياً عليه، ثم بعد أن استيقظ من الإغماء صار يبكي كالطفل، ويقول: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} [مريم:23] فضيحة. إذاً: فإذا كنا سعداء فعلاً فعلينا أن نتعظ بغيرنا ونجعل غيرنا عظة لنا، نعم. أما قضية تأجير الاستراحات لهؤلاء الفاسدين فأقول: إن تأجير الإنسان لاستراحة أو لمحل أو لدكان أو غير ذلك وهو يعلم قطعاً أنهم سيستخدمونه لفساد، فإن هذا المال الحاصل لهذا الإنسان حرام، ويكون بذلك قد أكل حراماً وأكّل أولاده حراماً، وصار سحتاً، وقد جاء في الحديث: (أيما جسد نبت من سحت فالنار أولى به) والإنسان عندما ينمي جسده من الحرام يأكل الحرام ويلبس الحرام كان ذلك أدعى في عدم إجابة دعائه، فتجده كلما رفع يديه إلى السماء: يا رب اغفر لي، يا رب ارحمني، يا رب أرزقني، يا رب أعطني، قيل له: لا لبيك ولا سعديك؛ لأن ملبسك حرام ومشربك حرام وغذاءك حرام، ومعنى هذا أن دعاءك لن يستجاب لك؛ بسبب هذا الحرام الذي أكلته، فلذلك يحتاط الإنسان في هذه المسألة: نعم.

أثر الخلاف بين الأبوين على الطفل

أثر الخلاف بين الأبوين على الطفل Q هذا شاب يقول: إنني ملتزم والحمد الله، وأمي مطلقة من صغري، فقدت حنان الأب وبعض حنان الأم، فإذا جلست عند أمي غضب أبي، وإذا جلست عند أبي غضبت أمي، فيضيق صدري، وأتمنى لو أمت لكي أتخلص من هذه المأساة، فما قولك في مشكلتي بارك الله فيك؟ A نعم، هذه مأساة أضيفها إلى كلامي الذي ذكرته فيما يتعلق بالحنان وأثره في الطفل، لكن أقول لهذا الشاب: أعانك الله وصبرك الله، ورزقك الله سبحانه وتعالى الصبر، وأتمنى أن تذهب إلى شخص موثوق وصالح وأكبر منك في السن، وتعرض القضية عليه، ثم بعد ذلك تطلب منه أن يذهب إلى والدك ويحدثه بمصيبتك التي تعيشها؛ لأن المشاعر الداخلية لا يطلع عليه الأب ولا تطلع عليها الأم؛ ولأن البعض لا يتعامل حقيقة إلا بالأمور المادية الحسية، ثم يحاول هذا الشخص أن يتصل بأمك عن طريق وسيط إما زوجته أو أمه أو غير ذلك، فتحاول هذه الأم كذلك أن تعالج المسألة، ويحاول أن يجعل هناك نوعاً من التوافق بين أمك وأبيك فيما يتعلق بمكوثك عند هذا أو ذا.

بيان متى يتم التفريق بين الأبناء الذكور والإناث في المضاجع

بيان متى يتم التفريق بين الأبناء الذكور والإناث في المضاجع Q نريد من فضيلتكم أن تبينوا لنا متى يتم العزل بين الأطفال عند النوم؛ لأنك ذكرت في أثناء المحاضرة أن الطفل في السنة الأولى ونصف السنة يطبق ما يرى؟ A نعم، أنا قلت: يطبق ما يراه إذا كان يشاهد شيئاً؛ لأن الطفل مقلد كما هو معروف، ولذلك طفلك الآن عندما يتحدث أو يتكلم هل تراه يتكلم من ذات نفسه؟ لا، هو يقلدك عندما تقول له: بابا يقول لك: بابا، وعندما تقول له كلمة معينة يقول لك نفس الكلمة، فهو يقلدك ولا يفهم معنى ما تقوله، ولذلك عندما تأخذ طفلك الصغير إلى مربية أجنبية سيتعلم منها من لغتها وسلوكها وحركاتها وسكناتها وغير ذلك. فأقول: إن الطفل يقلد ما يشاهده، لكن إذا ألغينا مسألة التقليد وهذه تعتبر مسألة طارئة فيما يتعلق بالحركات السيئة أو غير ذلك، فإن الأطفال الذكور والإناث يفرق بينهم منذ السابعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر سنين، وفرقوا بينهم في المضاجع) قال العلماء: معنى قوله: (وفرقوا بينهم في المضاجع) إنها تعود إلى العشر، وقال البعض: لا، بل تعود إلى السبع، واستنبطوا ذلك من نصوص أخرى في هذا المسألة، فالأولى أن نأخذ بالأحوط في هذه المسألة، وهو التفريق بين الأولاد في سن السابعة، وإذا أردنا أن نجمع بين بعض النصوص في هذه المسألة وشروح الحديث، فإننا نقول: يفرق بين الأبناء في العاشرة ويفرق بين البنات والأبناء في السابعة.

حكم ضرب الطفل دون سن العاشرة

حكم ضرب الطفل دون سن العاشرة Q ورد في الحديث: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر) هل نفهم من ذلك أن الأطفال دون سن العاشرة لا يضربون من ناحية تربوية بارك الله فيكم؟ A مسألة الضرب من المسائل التربوية التي في الحقيقة أغفلنا النظر عنها، يقول أحد الشعراء قولاً جميلاً حول مسألة ضرب الأولاد: لا تأسفن على الصبيان إن ضربوا فالضرب يبرا ويبقى العلم والأدب الضرب ينفعهم والعلم ينفعهم لولا الإخافة ما خطوا وما كتبوا فقضية وجود الضرب من القضايا التربوية، لكن لا بد من استخدامها الاستخدام المناسب، فإذا لم يضرب الابن ولم يستخدم معه أسلوب الضرب، فإنه قد لا يلقي بالاً فيما بعد للمناصحة أو الكلام العنيف أو غير ذلك. فالضرب هو أسلوب تربوي ورد ذكره في القرآن الكريم وفي السنة النبوية: (فاضربوهن ضرباً غير مبرح) فهناك الضرب فيما يتعلق بالذنوب كجلد الزاني البكر مائة جلدة، أو الجلد في القذف ثمانون جلدة، لكن لا يضرب في غير الحد أكثر من عشرة أسواط. فإذاً: إذا بدأ الابن ودخل سن السابعة فإنه يأمر بالصلاة ويركز على قضية الصلاة ويحاول معه بالترغيب بالهدية والشكر والثناء، والترهيب بالمقاطعة وغير ذلك، فإذا وصل سن العاشرة ورفض الصلاة في يوم من الأيام فعلى الأب أن يبين له أنك إذا ما صليت فسوف أضربك، ترى العصا قريبة، وإذا أصر على تركها فإنه يضربه ضرباً خفيفاً، وإذا أصر مرة أخرى فإنه يضربه ضرباً أشد حتى ينصاع؛ لأن الضرب يعد جانباً تربوياً مهماً غفلنا عنه.

قيام الليل

قيام الليل الصلاة على وجه العموم زاد المتقين، وقرة عيون الصالحين، ولكن لها في جوف الليل البهيم عندما تسترخي الجفون، وتسكن العيون لذة لا يشعر بها إلا المتهجدون.

وقفات بين يدي الموضوع

وقفات بين يدي الموضوع إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: قبل أن أتناول موضوع هذه الصفحات أحب أن أقف وقفات ثلاثاً: أما الوقفة الأولى: فهي وقفة موجزة مختصرة مع الحديث العظيم الذي تعد هذه الوريقات جزءاً من فقراته، فقد اشترط الحديث العظيم لدخول الجنة نقاطاً أربعاً، وتمثل هذه النقاط الأربع تنظيماً كلياً للمجتمع، ولا عجب فإن المصطفى صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم، فعندما بين هذا في النقاط الأربع بين فيه ترابط المجتمع في التربية الذاتية، وتربية الروح وترويض النفس لقيام الليل، والتآلف والتكاتف الاقتصادي، وعدم التعالي والتكبر، ونبذ الطبقية بإطعام الطعام، والألفة الاجتماعية الخاصة بصلة الأرحام، ثم الألفة الاجتماعية العامة بإفشاء السلام، فلو تحقق ذلك فينا لوجدنا ترابطاً عجيباً في المجتمع، ولكننا وللأسف الشديد نجافي كل هذه الأمور الأربع؛ فلذلك نجد أن التفكك موجود داخل المجتمع وبكل وضوح، وعدم تطبيق هذه النقاط سبب من أسباب هذه الفرقة. أما الوقفة الثانية: فإن البعض يشير إلى أن سبب زهد الناس في قيام الليل هو قلة المبادرة إلى صلاة الفجر، تقول بنت موشي دايان في مذكرات والدها الذي كان وزيراً للدفاع أو للحرب الإسرائيلية عام 67م، والذي قاد الجيوش اليهودية في الحرب ونجح في احتلال سيناء والجولان والضفة الغربية والقدس، تقول عنه: إن والدي بعد دخوله للقدس ذهب في جولة تفقدية ومعه أركان حربه، فرأى مجموعة من الشبيبة الفلسطينيين جلوساً يدخنون، فعندما رأوا هذا الرجل -وكان مميزاً فقد كان أعور، وكان يلبس غطاءً أسود على عينه- ثاروا في وجهه وقالوا: سنحرر فلسطين وسنطردكم أيها اليهود، وسنقضي عليكم، فابتسم ابتسامة الشامخ، وكان يجيد اللغة العربية أكثر من أهلها، فقال لهم: نعم. إنكم ستدمروننا وستقضون علينا وستطردوننا، ولكن أتدري متى يا فتى؟ فقال هذا الشاب: لا؛ لأنه لا يعلم، فقال موشي دايان عبارة ربما كثير من خطباء المسلمين ومحاضريهم قد لا يأتي بها، ومع أن هذه عبارة أخذت من مجرم لكن فيها بيان عجيب، يقول: إذا كنتم في صلاة الفجر كأنكم في صلاة الجمعة. إنها أربع كلمات لكن لها دلالتها، فنحن في صلاة الجمعة نذهب إليها مبكرين نشطاء متذللين جميعاً صغاراً وكباراً، ونحن في شوق واستعداد تام، فلو انطبق هذا الأمر على صلاة الفجر فلا شك أنه سيكون قد تمكن الإيمان منا، وبالتالي سنستطيع أن ندحر هذا العدو اليهودي الرابض على أرضنا. أما الوقفة الثالثة بين يدي هذا الموضوع، فيقول الشاعر: امنع جفونك أن تذوق مناما وذر الدموع على الخدود سجاما واعلم بأنك ميت ومحاسب يا من على سخط الجليل أقاما لله قوم أخلصوا في حبه فرضى بهم واختصهم خداما قوم إذا جن الظلام عليهم باتوا هنالك سجداً وقياما خمص البطون من التعفف ضمراً لا يعرفون سوى الحلال طعاما

فضل قيام الليل

فضل قيام الليل أيها الأحبة الكرام! إن الصلاة على وجه العموم زاد المتقين، وقرة عيونهم، ولها في جوف الليل البهيم عندما تسدل الجفون، وتستر العيون لذة لا يشعر بها إلا المتهجدون المخلصون. يقول أحد السلف وهو ينظر إلى الشمس ويخاطبها: أيتها الشمس لقد أطلت المكوث، أما آن لك أن تتواري، ألا فلتغربي! فهو يريد أن يأتي الظلام حتى يصف قدميه بين يدي رب العالمين، فيعيش لذة لا يعلم مداها ولا يشعر بحلاوتها إلا من عاشها. أيها الأحبة! لقد وصف الله سبحانه وتعالى عباده المتقين فقال جل وعلا: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ} [الذاريات:15 - 16] أي: في دار الدنيا، ثم بين سبحانه وتعالى إحسانهم في العمل فقال: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات:17 - 18]، فهم يحيون الليل بالعبادة فلا تراهم إلا مستيقظين حين ينام الناس، ومنتبهين حين يغفل الناس، فترى نور الطاعة على وجوههم. قيل للحسن البصري -رحمه الله- التابعي الجليل: ما بال المتهجدين أحسن الناس وجوهاً؟ قال: لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره. ولما بين لنا الباري سبحانه وتعالى جملة من أوصاف عباد الرحمن كان من هذه الأوصاف التي نتلوها ونسمعها وتقرأ علينا: أنهم تميزوا عن غيرهم بأنهم يمضون ليلهم في قيام وسجود حباً في الملك المعبود، يقول الباري سبحانه: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان:64]. ويقول الحق تبارك وتعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [الزمر:9]. يقول ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: من أحب أن يهون الله عليه الوقوف يوم القيامة فليره الله في ظلمة الليل ساجداً وقائماً؛ يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه. الله أكبر إنها سلعة تريد شيئاً يقدم بدلاً عنه لتنال ما وعد الله سبحانه وتعالى. وقد ذكر الباري سبحانه وتعالى في كتابه العزيز هذه العبادة الجليلة ثم أعقبها بالجزاء الأوفى، فقال جل ذكره وتعالى في صفاته: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [السجدة:16]. ثم عقب سبحانه بقوله: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:17]. فكما أنهم أخفوا العمل الذي يقومون به سواءً كان هذا العمل قياماً أو نفقة، واستتروا بجنح الظلام، فأخفى أحدهم ما ينفق فلا تعلم شماله ما أنفقت يمينه، أخفى الله سبحانه وتعالى لهم الأجر في الآخرة، فلهم من الكريم الوهاب ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

قيام النبي صلى الله عليه وسلم

قيام النبي صلى الله عليه وسلم إخوة الإيمان! لقد وفق الله سبحانه وتعالى المؤمنين بقيام الليل، وكيف لا وقد كان إمامهم وقدوتهم وأسوتهم المصطفى صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تتفطر قدماه الشريفتان، وما ذاك إلا لأن هناك لذة تنسي هذا التفطر والتشقق، إنها لذة تطغى على الألم. تقول عائشة كما صح في البخاري ومسلم: (إن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله! وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً، فلما كثر لحمه صلى الله عليه وسلم -بأبي هو وأمي- صلى جالساً، فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع)، فلم يترك القيام شاباً ولا هرماً بل حتى عندما شق عليه صار يصلي جالساً، أليس لنا فيه قدوة حسنة؟! قالت عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها وهي توصي عبد الله بن أبي موسى النصري: لا تدع قيام الليل؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدعه، وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعداً.

القيام قهر للشيطان وإحباط لمكره

القيام قهر للشيطان وإحباط لمكره روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد) أي: في كل ليلة يعقد ثلاث عقد. فلو أراد أحد منا أن يحصي كم عقدة لم تنحل طوال لياليه السابقة ما أظنه إلا سيحتاج إلى رقم كبير؛ لأن غالب العقد عندنا لا نحلها، بل يعقدها الشيطان ثلاثاً ونستيقظ وهي ثلاث، يقول صلى الله عليه وسلم: (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، ويضرب على كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطاً طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان). فكم منا من يقوم خبيث النفس كسلان، وكم منا من يقوم وهو كما يقال: نفسه في طرف أنفه، وما ذاك إلا لأننا لا نقوم الليل؛ ولأننا لا نهتم بهذا الأمر، بل حتى عقدة واحدة نعجز عن حلها، فبدلاً من أن يستيقظ أحدنا في الساعة الرابعة أو الثالثة ثم إذا سمع جرس ساعته أطفأه وقال: لا إله إلا الله، فتنفك عقدة واحدة، وإنما تجده يتلفظ بغير الذكر ويكسل عن حل هذه العقدة.

الرسول يدعو للزوجين الحريصين على قيام الليل بالرحمة

الرسول يدعو للزوجين الحريصين على قيام الليل بالرحمة روى النسائي في سننه عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى، ثم أيقظ امرأته فصلت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت، ثم أيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء). فماذا لو فعلت امرأتك بك كذلك؟ لا شك أنك لغضبك وحنقك عليها قد ترميها بالطلاق.

قيام الليل أنس بالله وقرب منه

قيام الليل أنس بالله وقرب منه أيها الأحبة الكرام! يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: إن الناس تجاه الأنس بالله سبحانه وتعالى على أصناف أربعة، فانظر في أي مرتبة أنت: أما المرتبة الأولى: فهم الذين يأنسون بالله في الظاهر وفي الخلوة، أي: يأنسون به في ظاهر الأمر مع أهليهم وأولادهم وزملائهم، في أسواقهم وكلياتهم وأعمالهم، همهم الإسلام والدعوة إلى الله، همهم نشر الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهم كذلك إذا اختلوا، فإنهم يتمنون هذه الخلوة، فإذا سنحت لأحدهم أغلق على نفسه الباب، ثم وقف بين يدي الله سبحانه وتعالى متفكراً منادياً داعياً مصلياً ذاكراً قارئاً للقرآن، كل ذلك على انفراد؛ لأنه يشعر أن هذا السلوك تربية تمنحه طاقة هائلة، ودافعاً قوياً لمواصلة مشوار النهار. وهذه الحالة من الأنس بالله في الليل وفي النهار، في الظاهر وفي الخلوة لا يطيقها إلا الأنبياء والصالحون والصديقون ومن سار على منهجهم واهتدى بهداهم. وأما المرتبة الثانية: فهم الذين لا يأنسون بالله إلا في الظاهر وأما في الخلوة فلا، ولعل هذا -تجاوزاً- ينطبق علينا أو على بعض منا، فنجد أن ثلث أوقاتنا استماع لمحاضرة أو إلقاء لدرس، أو مشاركة في ندوة، أو جلسة دعوية، أو جلسة مذاكرة، أو حلقة للقرآن، لكن ليس كل الوقت، بل لو طالت المحاضرة قليلاً لأصيب الناس بالتضايق، ولو طال الدرس قليلاً لتململ الإنسان، فإذا كانت جلسة مرح أو لعب أو لهو فإنها مهما طالت فستكون قصيرة، ومهما امتدت فسنقول: ما أسرع دقائقها، أما خلوتنا فالله المستعان، فتجد أن كثيراً من الناس إذا اختلى بكتاب فإنه يقرؤه أي كتاب كان، أما القرآن فلا يطلع عليه إلا نادراً، وإن حدثت منه الخلوة مع الله ذكراً وتفكراً وقياماً وصلاة وغير ذلك فلا تكون إلا على عجل. وأما الصنف الثالث: فهم الذين يأنسون بالله في الخلوة دون الظاهر، ولعل هذا كذلك -تجاوزاً- ينطبق على بعض الكبار من السن الذين يحرصون على أداء الصلاة مبكرين، فهم يدخلون أول الناس ويخرجون آخر الناس، ويختمون في كل ثلاث أو في كل سبع وربما في كل نصف شهر، وإذا جلسوا ذكروا الله سبحانه وتعالى إن كانوا لوحدهم، لكن في مجالسهم مع أترابهم، ومن يشابههم تجد أن هم الإسلام في قلوبهم وعقلوهم، وذكره على ألسنتهم ضعيف. أما الصنف الرابع: فهم الذين لا يأنسون بالله لا في الظاهر ولا في الخلوة، وهؤلاء لا يقال عنهم: إنهم فسقة، أو ضائعين، أو منحرفين، بل قد يكونون من أفضل الناس، لكن روتين الحياة العامة يجعله متنقلاً من عمله إلى منزله فيجد أولاده بانتظاره ليتناولوا وجبة الغداء، ثم يرتاح قليلاً، ثم يصلي صلاته، ثم يرجع إلى بيته، ويشرب شيئاً من الشاي مع أهله، ثم يذهب إلى زيارة أهله أو أقربائه بعد المغرب، ثم يرجع إلى بيته ويقرأ جريدة أو مجلة أو غير ذلك، ثم يسمر مع زوجته، ثم ينام انتظاراً لدوام الغد، فهو لم يفعل منكراً بيناً، ولم يفعل خطيئة ظاهرة، ومع ذلك فهو محروم من الأنس بالله. فسل نفسك أيها الحبيب في أي مرتبة أنت، ثم بعد ذلك اجعل لنفسك همة عالية ترتقي بها إلى المرتبة الأعلى، واجعل المرتبة الأولى التي هي مرتبة الأنبياء والمرسلين هي همتك، فأولئك الذين يأنسون بالله في الظاهر وفي الخلوة.

نماذج من القائمين

نماذج من القائمين أيها الحبيب! أريد أن أقف معك وقفات أعرض لك فيها بعضاً من النماذج المختصرة الموجزة عن حال السلف الصالح تجاه قيام الليل، فبعد أن استعرضنا بعضاً من الآيات وبعضاً من الأحاديث نريد أن نأخذ صوراً نطبق فيها هذه الأصول، فقد يقول قائل: إن ما ذكرت هي أحاديث للمصطفى عليه السلام، والمصطفى عليه الصلاة والسلام مميز عن غيره من البشر. فأجيب عليه: بأن هناك من سار على نهج المصطفى عليه السلام وطبق ذات المنهج الذي دعا إليه وانتهجه، فهذا عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما كان إذا قام في الصلاة كأنه عود من شدة الخشوع، وكان يسجد فتنزل العصافير على ظهره لا تحسبه إلا جذع حائط. وصلى يوماً في الحجر فجاءه حجر كبير من منجنيق، وذلك أثناء حصار الحجاج الثقفي لمكة أيام عبد الملك بن مروان، فذهب الحجر ببعض ثوبه وأصاب شيئاً من بدنه، ومع ذلك لم يتحرك في صلاته، وما ذاك إلا لشدة خشوعه بين يدي ربه سبحانه، ويذكر من ترجم له في أمر صلاته وقيامه الليل شيئاً عجيباً، فيقولون: كان يقوم الليل بتسليمة واحدة، لا تحس فيها بأي حركة! ولا عجب فإنه يستشعر لذة وسعادة المحروم من حرمها. وكان منصور بن المعتمر إذا ادلهم الليل وبسط جناحه المظلم على البيوت يصلي في سطح بيته، فلما مات قال غلام صغير يسكن في البيت المجاور لبيت منصور بن المعتمر: يا أماه! الجذع الذي كان على سطح آل فلان لست أراه الآن، فقد كان يظنه جذعاً واقفاً طوال الليل لا يتغير، فقالت أمه باكية متأثرة: يا بني! ليس ذلك والله بجذع، إنما ذلك منصور وقد مات. فقد كان رحمه الله يقوم قياماً طويلاً حتى تخيله هذا الطفل هذا التخيل العجيب. وكان رياح بن عمرو القيسي من التابعين الذين تميزوا بالثقة والعبادة والصلاة، وقد خطب امرأة اسمها: ذؤابة، وكانت امرأة عابدة صالحة، وعندما تزوج بها أراد أن يختبرها في أول ليلة تجمعهما، فلما أخذها إلى بيته وجاء الصباح رآها تعجن العجين، والمعلوم أن العروس لا تعجن العجين في العرس أو بعده بقليل، بل الأصل أن يأتي لها بأحد يعينها أو بأكل جاهز على الأقل في أول ليلة، فلما رآها تعجن العجين قال لها: يا ذؤابة، هل أحضر لك أمة؟ فقالت له: أنا يا رياح تزوجت رياحاً -رجلاً عابداً زاهداً متواضعاً- ولم أتزوج جباراً عنيداً، يأتي بإماء وخادمات، كما هو حادث هذه الأيام، فنجحت في الاختبار الأول، فلما جاء الليل تناوم رياح والأصل أنه يقوم كعادته، ولكن لابد أن يتحقق النتيجة لهذا الاختبار، فقامت ذؤابة تصلي ربع الليل الأول، فقالت: يا رياح، قم فصل، فقال: أقوم إن شاء الله وتناوم، فواصلت ذؤابة القيام إلى الربع الثاني ثم نادت: قم يا رياح! فقد انتصف الليل، فأجابها: أقوم إن شاء الله وواصل تناومه، وهكذا في الربع الثالث، حتى لم يبق إلا ربع فنادت: قم يا رياح! لم يبق إلا القليل. فقال كمقالته السابقة، ولما اقترب الربع الأخير من الرحيل واقترب معه ظهور الفجر قالت: يا رياح قم، فقال: أقوم إن شاء الله، فقالت له: يا رياح! لقد عسكر المعسكرون، وفاز المحسنون، يا ليت شعري! من غرني بك. وكأن ما وقع لها من زواجها به مصيبة حلت عليها أو مشكلة ألمت بها؛ لأنها رأت رجلاً نواماً وهي تريد رجلاً قواماً، وقد حسبت أن زواجها من رياح كان غرراً، وبذلك نجحت في الامتحان الذي أعده لها رياح. وكان الداراني رحمه الله يملك أمة فباعها؛ لأنه احتاج إلى مال، وعندما نزلت في منزل من اشتراها وانتصف الليل قامت هذه الأمة بإيقاظ أهل البيت: قوموا، قوموا إلى الصلاة، فقالوا لها: هل ظهر الصبح؟ قالت: لا، لم يظهر الصبح بعد، قالوا لها: فلماذا توقظينا؟ قالت: قوموا صلوا الليل. قالوا: نحن لا نقوم إلا لصلاة الفجر. قالت: أعوذ بالله وهل هناك أناس لا يصلون الليل! -وهي في ذاك الزمان فكيف لو جاءت هذه الأمة في وقتنا هذا- فقالت: والله لا أبقى عندكم، فرجعت إلى الداراني وقالت: إنك بعتني إلى أناس سوء -لأنهم لا يصلون الليل- فردني جزاك الله خيراً، فردها. ويقول الداراني رحمه الله تعالى: والله لولا قيام الليل ما أحسست بطعم الدنيا، والله إن أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم، وإنه لتمر بالقلب ساعات يرقص فيها طرباً بذكر بالله سبحانه وتعالى. وفي هذه العبارة من الجمال والروعة ما ينبغي للمرء أن يستحضرها دوماً، ثم يقول: إن كان أهل الجنة في مثل ما أنا فيه من النعيم إنهم لفي نعيم عظيم. وذلك مما يجدونه من لذة المناجاة، ولذلك ذكر عن بعض السلف أنه كان يكثر من الدعاء: اللهم لا تحرمني اللذتين: لذة المناجاة في الدنيا، ولذة النظر إلى وجهك الكريم في الآخرة. اللهم لا تحرمنا اللذتين، اللهم ارزقنا لذة مناجاتك في الدنيا قائمين وقاعدين ومضطجعين، ولا تحرمنا يا ربنا لذة النظر إلى وجهك الكريم. أيها الأحبة! كان الشيرازي أحد العباد الزهاد، وكان إذا جاء الليل يقوم ويناجي ربه قائلاً: لبست ثوب الرجا والناس قد رقدوا وقمت أشكو إلى مولاي ما أجد وقلت يا عدتي في كل نائبة ومن عليه بكشف الضر أعتمد أشكو إليك أموراً أنت تعلمها ما لي على حملها صبر ولا جلد وقد مددت يدي بالذل مفتقراً إليك يا خير من مدت إليه يد فلا تردنها يا رب خائبة فبحر جودك يروي كل من يرد ويظل يردد هذه الأبيات ويبكي حتى يطلع الفجر. إنه ارتباط بالله سبحانه وتعالى وثيق وتربية رائدة، ولذلك فكل من ربى نفسه على قيام الليل فإنه في النهار يشعر بنشوة ولذة تمتد معه طوال النهار، فإذا جاء الليل قام ليأخذ زاداً مرة أخرى، فيقوم وهو نشيط، صحيح البدن، صحيح الفكر، صحيح القلب من أثر تلك المناجاة وذلك القيام، فمن لنا بهذه الصحة التي فقدناها منذ أمد بعيد؟

قيام الليل تربية للنفس وتصفية للقلب ومرضاة للرب

قيام الليل تربية للنفس وتصفية للقلب ومرضاة للرب أيها الأخ المبارك! اعلم حفظك الله ورعاك: أن قيام الليل هو طريق الصالحين، وسبيل العالمين، وتكفير لذنوب المذنبين، وهداية للعاصين، وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة للإثم). وفي صحيح مسلم أن المصطفى عليه السلام قال: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل). وأحب أن أشير هنا إلى نقطة هامة يركز عليها العلماء كثيراً وهي أن قيام الليل مجاهدة للنفس، وهي بحق كذلك؛ لأن الجنة حفت بالمكاره، والنار حفت بالشهوات، فقيام الليل مجاهدة، ولذلك تجد أن كثيراً من السلف يقول: جاهدت نفسي سنيناً طوالاً فتلذذت في آخر الأمر بقيام الليل، فالأمر إذاً مجاهدة وبذل في أول الأمر، ثم بعد ذلك يتمتع الإنسان في آخره، ومثل ذلك مثل البناء، فإن الإنسان إذا أراد أن يبني سكناً أو متجراً وهو لا يملك إلا خطة غير ممولة للبناء فإنه ولا بد سيقوم بالضغط على النفس ويعمل دأباً في الليل والنهار حتى يتم البناء، ثم يتمتع بالسكن فيه إن كان أراده للسكن، وهذا فيما يتعلق بالمادة، وكذلك فيما يتعلق بتربية الروح، فقيام الليل إذاً: مجاهدة للنفس، وتقوية للإرادة، وشحذ للعزيمة، ومغالبة للشيطان، وترغيباً للجسد، ومقاومة لرغبات الهوى ونزغاته. أيها الأخ الحبيب المبارك! والناس نيام فيه تجرد، وفيه إخلاص لله سبحانه وتعالى، وتخلية للقلب عن أي أثر من آثار الرياء؛ لأن الغالب في الليل أنه لا أحد يراك من البشر، ولا يستمع إليك، ولا يرى فعلك، فيكون في ذلك صفاء للقلب، وحياة للروح. قم في ظلام الليل وادع مهيمناً يداك إليه في الدجى تتوسل وقل يا عظيم العفو لا تقطع الرجا فأنت المنى يا غايتي والمؤمل

فوائد قيام الليل

فوائد قيام الليل أيها الأحباب! إن في قيام الليل فوائد كثيرة، فإليك نبذة منها: أول فائدة من هذه الفوائد: أن العبد إذا قام من الليل وصف قدميه لمولاه عابداً خاشعاً سهل الله عليه سبحانه وتعالى القيام يوم يقوم الناس لرب العالمين، ومن استراح هنا تعب هناك، والجزاء من جنس العمل، فمن استراح في الدنيا سيتعب هناك والعكس صحيح، فمن أتعب نفسه في الدنيا فإنه سيجد الثمرة يوم القيامة، وليس المراد أتعب نفسه في شقاء الدنيا وتعبها، أو في جمع المال بطرقه المشروعة وغير المشروعة، بل أتعب نفسه وأجهد قلبه، وأجهد جسده في طاعة مولاه فإنه سيقطف ثمار عمله يانعة يوم القيامة. الفائدة الثانية: أن من أكثر من قيام الليل من الرجال بالذات فإن الله سبحانه وتعالى سيزوجه من الحور العين تعويضاً له عن ترك الفراش الوثير، والزوجة الحسناء لأجل التعبد لرب الأرض والسماء. الفائدة الثالثة: صحة جسم القائم لله سبحانه وتعالى، وصفاء روحه وبهاء وجهه، وقد مر بنا قول القائل للحسن البصري: ما بال الذين يتهجدون أحسن الناس وجوهاً؟ فقال: لأنهم خلوا بربهم فألبسهم نوراً من ونوره. الفائدة الرابعة: أن الفتوحات الربانية، والتوفيقات الإلهية، والإلهامات الجلية تتم بفضل قيام الليل، يقول الباري سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]. وكم من عالم استغلق على فهمه مسألة فقام يناجي ربه في جوف الليل البهيم ففتح الله عليه، ويسر له ما كان معسراً من قبل، ولذلك يقول السبكي رحمه الله: الفوائد ترد في ظلمات الليل. وقد علمنا من خلال قراءتنا لسيرة الإمام البخاري رضي الله تعالى عنه، أنه كان يقوم في الليل أكثر من عشرين مرة، فيوقد السراج ثم يكتب المسألة، ثم ينام، ثم يقوم فيوقد السراج ويكتب المسألة، فكان حين ينام يتفكر ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يسلم ويكتب مسألة إلى أن أخرج لنا هذا السفر العظيم الذي تلقته الأمة بالقبول منذ ظهر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. الفائدة الخامسة: أن الله سبحانه وتعالى يمتع القائمين برؤية وجهه الكريم يوم القيامة، فكما أنهم تلذذوا بمناجاته في الدنيا فسيكمل لهم الباري سبحانه هذه اللذة برؤية وجهه الكريم يوم القيامة، وهي الزيادة التي وعد بها في قوله سبحانه وتعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]. أيها الحبيب المبارك! إن الليل موطن تَنَزلُ الرحمات، ونزول رب الأرض والسموات، فعليك باغتنامه بالطاعات، والإكثار من القربات، يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟). ويقول المصطفى عليه السلام: (إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه، وذلك كل ليلة)، ففي كل ليلة ساعة استجابة من أدركها أدرك خيري الدنيا والآخرة، لكنا عن ذاك غافلون، وفي هذه الساعة مفرطون.

الوسائل المعينة على قيام الليل

الوسائل المعينة على قيام الليل قد يقول قائل: أنا أريد أن أقوم الليل وأتمنى ذلك فما هي الوسيلة المعينة على ذلك؟ و A أن هناك وسائل كثيرة وعديدة تعين على قيام الليل، يقسمها العلماء إلى قسمين: القسم الأول من هذه الأمور: الأمور الظاهرة. والقسم الثاني: الأمور الباطنة. ومعلوم أن قيام الليل فيه مشقة على الإنسان، كما قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمل:6]. إلا أن دراسة هذه الوسائل التي تعين على قيام الليل والأخذ بها سوف ييسر على الإنسان قيام الليل، فنبدأ أولاً بالأسباب الظاهرة المملوكة المحسوسة: السبب الأول: ألا يكثر العبد من الأكل والشرب في المساء فيغلبه النوم، ويصعب عليه القيام، وقد قيل: لا تأكل كثيراً، فتشرب كثيراً، فتنام كثيراً، فتخسر كثيراً، وقال لقمان لابنه وهو ينصحه: يا بني! إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، وقعدت الأعضاء عن العبادة. وقد قيل: إن أردت أن يصح جسمك، ويقل نومك: فأقلل من الأكل. ما حالنا اليوم؟ حالنا اليوم جميعاً في المرتبة الثالثة، بل وربما المرتبة الرابعة وربما المرتبة الخامسة، وقد يسأل سائل: كيف؟ وما هي المرتبة الأولى والثانية والثالثة والرابعة والخامسة؟ فأقول: تأمل ولا تشمت إلا بنفسك، سئل أحد الزهاد عن وجبة واحدة في النهار أو في اليوم كله؟ فقال: ذاك طعام الأنبياء، قيل: فاثنتان؟ قال: ذاك طعام الصالحين، قيل: فثلاث؟ قال: ينبغي أن يقدم له أهله معلفاً. فكلنا أهل معالف وللأسف الشديد، فكيف إذا كانت أربع وجبات أو خمس وجبات كما يفعل بعض الناس اليوم؛ إذ يتناولون وجبة في الصباح، وقبل الظهر شيئاً خفيفاً، وبعد الظهر الغداء، وفي العصر وجبة مع الشاي، وقبل العشاء قهوة وتمر، وبعد العشاء العشاء!! فإذا كنا نأكل أكلاً كثيراً كيف نريد أن نربي أنفسنا وقلوبنا وأجسامنا على قيام الليل! السبب الثاني: ألا تتعب نفسك بشكل دائم، فبعض الناس يمارس الرياضة مثلاً، ولا يمارسها إلا في الليل بعد صلاة العشاء، وقد تكون الرياضة عنيفة وقوية، ومن يمارسها يريد أن يكون رياضياً وهذا أمر حسن، لكن من يفعل ذلك يكسب شيئاً ويخسر آخر، فهو يكسب شيئاً من ناحية الرياضة، ويخسر عندما ينام متعباً ثم لا يقوم الليل، بل وللأسف الشديد قد لا يقوم لصلاة الفجر. السبب الثالث: ألا يترك الإنسان القيلولة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (قيلوا فإن الشياطين لا تقيل). فإذا استطاع الإنسان أن يقيل فليفعل، فإنه سيكتسب طاقة تعينه على أن يقوم لأداء بعض الصلاة في الليل، فإنك إذا نمت ساعة مثلاً في النهار فستستبدلها بساعة في الليل، وإياك أن تستبدلها بسهر لا فائدة منه إلى الساعات المتأخرة من الليل، بل اجعل نومك المعتاد في الساعة 12 مثلاً، أو الساعة 11، واجعل هذه القيلولة حتى تستيقظ نصف ساعة لتصلي لله سبحانه وتعالى ما شاء الله لك أن تصلي. السبب الرابع: أن يتجنب الإنسان ارتكاب المعاصي؛ لأن قلب العبد إذا قسا فإنه سيبتعد عن الله، وسيبتعد عن الطاعة، فالمعصية تقول: أختي أختي، والطاعة تقول: أختي أختي، فإنك إذا ارتكبت المعصية وتلتها الأخرى، ثم أتبعتها بالثالثة قسا القلب، وإذا قسا القلب كان أبعد القلوب عن الله سبحانه وتعالى، وكان القيام بالنسبة له شاقاً جداً، وقد كان أحد العلماء يقول: من أحسن في نهاره -أي: بالعمل الصالح- وفق في ليله. وقد قال رجل للحسن البصري: يا أبا سعيد! إني أبيت معافى، وأحب قيام الليل، وأعد طهوري، فما بالي لا أقوم؟ فقال الحسن له: قيدتك ذنوبك. فنحن اليوم إذا نمنا فإننا ننام وقد ربطنا بالحبال وبالسلاسل من كل جهة؛ لأن ذنوبنا كثيرة، وقد قيدتنا في كل اتجاه، ولذلك سأل رجل عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه ما لنا لا نستطيع قيام الليل؟ قال: أقعدتكم ذنوبكم. السبب الخامس: أن يبتعد الإنسان عن التنعم الزائد في الفراش، وفي الأكل وفي الشرب، فإنه إن فعل ذلك فسيدعوه إلى أن يربي نفسه على الزهد والورع، ويربي نفسه على الاقتصار على الأقل الذي يجعله سهل القيام، بسيط النوم، وأنت تلحظ في نفسك هذا، فإنك إذا أكلت ليلة من الليالي أكلة دسمة وأكثرت منها حتى ازداد أكلك عن المعتاد فستجد أنك لا أقول لن تقوم لليل، بل قد لا تقوم حتى لصلاة الفجر، وهذا أمر بين ومجرب. ولابد هنا أن أشير إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينام على فراش من أدم حشوه ليف، أي: من جلد مدبوغ حشوه ليف نخل قاس شديد، وليس مثلنا اليوم فإن فراشنا قد يكون وثيراً حتى إذا نام الإنسان اختفى في هذا الفراش لا يكاد يرى من تنعم الفراش ولينه، فكيف يقوم الإنسان لصلاة الليل بعد ذلك؟ ولذلك كان السلف يسعون إلى تخشين فرشهم؛ لأن هذا أدعى لقيامهم. وقد دخل عمر رضي الله تعالى عنه يوماً على الرسول صلى الله عليه وسلم وقد كان نائماً على حصير قد أثر في جنبه الشريف، فتأثر عمر لذلك وبكى، وقال: كسرى وقيصر يتنعمون وأنت يا رسول الله تنام على حصير قد أثر في جنبك؟ فقال عليه السلام جملة طويلة، أقتصر على ما يهمنا هنا قال: (أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة)، وإنما تكون لنا الآخرة بالقيام، والصلاة بالخشوع، والإكثار من الذكر، فهذا هو حال المصطفى عليه السلام، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون من هؤلاء. السبب السادس: الابتعاد عن فضول النظر والكلام؛ فإن ذلك يقسي القلب، ويبعده من الرب. السبب السابع: كثرة ذكر الله سبحانه وتعالى؛ فإن الإنسان كلما أكثر ذكر ربه لان قلبه، ودبت فيه الحياة، وكلما كان القلب حياً كان أقرب إلى الله، وكلما ابتعد الإنسان عن ذكر الله كان قلبه قاسياً، ثم يموت هذا القلب، وأبعد القلوب عن الله القلب القاسي، فكيف بالقلب الميت! فعليك أيها الأخ الحبيب! أن تكثر من ذكر الله، فإذا ركبت السيارة اذكر الله سبحانه وتعالى، وإذا كنت في مجلس اذكر الله سبحانه وتعالى، وكن دائماً ذاكراً لله، فإنك إن فعلت ذلك فستجد أثره في قلبك، ومن ثم ستجد أثر ذلك على سلوكك وحياتك وفي تعاملك مع الناس. وقد عرفت رجلاً من الصالحين أحسبه كذلك، كان مسافراً فتخطته سيارة وأخطأت عليه خطأ شنيعاً حتى كاد أن يذهب ضحية هذا الخطأ، فذهب وأوقفه وهو غاضب شديد الغضب، وربما الحالة تستوجب أن يأخذ من أخطأ ويضربه، ويتلفظ عليه بكل الألفاظ القذرة، لكن الرجل كان معتاداً على الذكر باستمرار فأخذ بتلابيب السائق الآخر وكان يقول له: الله يغفر لك لم تفعل هذا؟ الله يرحمك لم تفعل هذا؟! وهذا شيء عجيب، وما ذاك إلا لأنه عود نفسه على الذكر فكانت النتيجة هكذا السبب الثامن: أكل المال الحلال والابتعاد عن الحرام، وهذه مسألة سهلة النطق صعبة التطبيق، فكلما كان العبد متحرياً للحلال كان موفقاً، وقد صح عن المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي هريرة أنه قال: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون:51] وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:172]. ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟!). فإذا كان الإنسان قد أودع ماله في بنك ربوي، أو تعامل بالربا، أو تعامل بالأمور المحرمة بيعاً وشراءً وغصباً وأخذاً وخيانة وغير ذلك ثم قام في الليل البهيم يدعو الله، ويرفع يديه إلى السماء: اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، اللهم اغفر لي وارحمني، فيأتيه الجواب من الله سبحانه وتعالى: لا لبيك ولا سعديك؛ لأن جسده غذاه بالحرام، (وأيما جسد نبت من حرام فالنار أولى به). فانظر إلى حالك في أكلك وشربك، وإن كنت ولابد فاعلاً فارحم من تحت يدك: أبناءك وبناتك، وأمك وأباك، وزوجتك، فلا تؤكلهم حراماً وإن أكلت حراماً، ولا تجر غيرك إلى النماء من الحرام. السبب التاسع: التبكير في النوم بعد العشاء؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم: (كان يكره النوم قبلها والحديث بعدها). والملاحظ هذه الأيام أن النوم بعد العشاء صار مذمة لا محمدة وللأسف الشديد، وقد كان حال السلف متغيراً عن حالنا، فلو رأى الواحد منا اليوم إنساناً ينام بعد العشاء ربما سخر منه، مع أن هذا الذي ينام بعد العشاء إن لم يكن ممن يقوم الليل فعلى أقل تقدير يكون قد ابتعد عن سهرة قد يكون فيها المنكر من غيبة أو نميمة أو غير ذلك من المنكرات، وقد تكون جلسة مباحة لكن ليس فيها ذكر لله، ومثلها ستكون حسرة على صاحبها يوم القيامة. السبب العاشر والأخير من الأسباب الظاهرة الحسية: أن نتواصى بيننا بقيام الليل، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} [العصر:1 - 3]، فقيام الليل من الحق الذي ينبغي أن نتواصى عليه، وهو طاعة ينبغي أن نتواصى بالصبر عليها، إذ الصبر على طاعة الله نوع من أنواع الصبر؛ لأن الطاعة فيها مشقة، فالشيطان حريص دائماً أن يجعلها شاقة على المسلم، وهو يحاول أن يباعد بينه وبينها، فهو يريد أن يكون معه في نار جهنم، ولذا لابد من المجاهدة والمصابرة والتعب حتى يظفر بالنتيجة المرضية. أما الأمور الباطنة أيها الأخ المبارك! فإنها أمور متعددة أيضاً، ومن أبرزها: الأول: سلامة القلب عن الصوارف المختلفة كالحقد والحسد والبغضاء، فشأنها أن تجعل القلب قاسياً مهموماً حاقداً، وحينها لا يستطيع القيام بأي صورة من الصور. الأمر الثاني: لابد أن يكون عند الإنسان خوف من

مراتب قيام الليل

مراتب قيام الليل أيها الحبيب! قبل أن ننتهي أحب أن أشير إلى مجموعة نقاط من النقاط تتعلق بمراتب قيام الليل، والمراتب كثيرة ومتعددة فسأعرضها بإيجاز: أول هذه المراتب: صلاة العشاء في جماعة: (من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل) أي: له أجر قيام نصف الليل. المرتبة الثانية: صلاة الفجر في جماعة: (من صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله)، أي: وصلى العشاء في جماعة، ومعنى هذا: أن من صلى الفجر في جماعة ولم يصل العشاء، فكأنه قام نصف الليل. المرتبة الثالثة: أن يصلي العشاء ويوتر بعد العشاء، فكل صلاة بعد العشاء تسمى قياماً. المرتبة الرابعة: أن يوتر قبل أن ينام. المرتبة الخامسة: أن يوتر في ثلث الليل الآخر. المرتبة السادسة: أن يصلي -متأسياً بالرسول صلى الله عليه وسلم- في ثلث الليل الآخر إحدى عشرة ركعة. المرتبة السابعة: أن يقوم ما استطاع ويطيل القيام، ويدخل في ذلك أجزاء من أثلاث الليل التي تسبق الثلث الآخر، ويضم لها الثلث الآخر، وهذا هو حال الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع.

آداب قيام الليل

آداب قيام الليل أما الوقفة قبل الأخيرة: فهي عرض لبعض آداب قيام الليل. فأول أدب من هذه الآداب: أن يتوضأ الإنسان قبل أن ينام؛ لأن هذا معين، فإنك عندما تتوضأ وتستشعر أن هذا الوضوء هو من آداب قيام الله سيكون ذلك هماً في قلبك، وبالتالي ستجد أن الاستيقاظ سيكون عليك سهلاً ميسوراً، وهذا أمر واضح، فأنت عندما تضع الساعة مثلاً على الرابعة قبل الفجر لأن إقلاع الطائرة سيكون في الساعة 5. 30 فستجد أن نومك سيكون خفيفاً جداً ولو كنت مرهقاً ومتعباً، وستستيقظ مسرعاً؛ لأنك جعلت قيامك للسفر أصلاً مهماً، وبالتالي استيقظت. الأدب الثاني: أن تنوي أن النوم للراحة؛ حتى يعينك على قيام الليل، فتكسب كسبين: الكسب الأول: أنك جعلت النوم أجراً. والكسب الثاني: أنك جعلت النوم راحة أو وسيلة لقيام الليل. الأدب الثالث: أن تذكر الله سبحانه وتعالى عند القيام من النوم، فعن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تعار من الليل -أي: استيقظ- فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ثم قال: اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته)، رواه الإمام البخاري. الأدب الرابع من آداب قيام الليل: أن يتسوك الإنسان عند القيام، فقد ثبت: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشوص فاه بالسواك إذا قام من الليل) يعني: بعد أن يتوضأ أو أثناء الوضوء، وكان يشوص فاه لأنه سيقف بين يدي الله، فلا بد أن يكون طيب الرائحة، فالواحد منا عندما يذهب إلى العمل، أو إلى أي مكان سيقابل فيه الآخرين يريد من فاه أن يكون حسن الرائحة، فلابد أن يكون ذلك في وقوف العبد بين يدي الله من باب أولى. الأدب الخامس: أن تجعل قراءتك بين الجهر والسر، ففي مستدرك الحاكم بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على أبي بكر الصديق وهو يتهجد خافضاً صوته، ثم مر بـ عمر وهو قائم يرفع صوته، فسأل أبا بكر، فقال: يا رسول الله؟ لقد أسمعت من ناجيت، وسأل عمر، فقال: لأطرد الشيطان، وأوقظ الوسنان -يعني: النائم- فقال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي بكر: (ارفع قليلاً، وقال لـ عمر: اخفض قليلاً). الأدب السادس: أن تستحضر في لحظات قيامك نزول الرب إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله وعظمته، وهو يقول: (هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من داع فأستجيب له؟)، وذلك في ثلث الليل الآخر كما مر بنا. فإنك عندما تستحضر هذا وتربي نفسك على استحضاره تعلم أن هذا الثلث الأخير هو لحظات استجابة، وأن الله سبحانه وتعالى قد بسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، فتتوب من ذنوبك كلها، وتسأل الله من فضله. الأدب السابع: التفكر والتدبر فيما تقول وتقرأ، فإنه ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها. الأدب الثامن: أن تفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين، كما ثبت عن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح الصلاة بركعتين خفيفتين)، رواه مسلم. ولعل ذلك حتى تنحل العقدة الشيطانية الثالثة؛ لأنه إذا قام وذكر الله، ثم توضأ، ثم صلى ركعتين انحلت العقدة الثالثة، فكان نشيطاً، وبالتالي يكون نشطاً للصلاة الباقية. يا خاطب الحور في خدرها وطالباً ذاك على قدرها انهض بجد لا تكن وانياً وجاهد النفس على صبرها وقم إذا الليل بدا وجهه وصم نهاراً فهو من مهرها فلو رأت عيناك إقبالها وعقد يشرق في نحرها لهان في نفسك هذا الذي تراه في دنياك من زهرها وأخيراً: أسأل الله سبحانه وتعالى لي ولكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعلنا ممن يذكره قياماً وقعوداً وعلى جنبه، وأن يجعلنا ممن يقوم الليل، وأن يعيننا على قيام الليل إنه ولي ذرك والقادر عليه، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

قصص معبرة للشباب

قصص معبرة للشباب خلق الله الخلق وابتلاهم بأنواع من البلايا، وجعل في واقعنا قصصاً حقيقية؛ لنأخذ منها العبرة والعظة، وليتذكر العبد ربه إذا غفل، وليعود إليه في الرضا كما يعود إليه في الشدة، وليكون الصالحون له قدوة في الهداية والصلاح ونصرة هذا الدين.

قصة امرأة ذاقت مرارة العيش مع البدو

قصة امرأة ذاقت مرارة العيش مع البدو الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: إن ما لدي في هذا اللقاء عبارة عن مواقف معبرة، وقصص مؤثرة، فيها الدرس والعبرة والأسلوب والتجربة، فهي قصص من الحياة، ودروس من الواقع، وأنتم تعلمون أن الحياة مدرسة، والواقع تربية، وهي قصص معاصرة، تطرق قضايا مستجدة ومسائل جديدة، ربما لم تسمع هذه القصص من قبل، لكنني سمعتها، وبعضها قرأتها، بل وبعضها عايشتها. هذه القصص أيها الأحبة! موجهة للجميع، للكبار وللصغار، للشيب وللشباب، بل وللنساء وللفتيات، هذه القصص أيها الأحبة الكرام! لا أطرقها للتسلي، ولا نستمع إليها للتزاور، إنما أريد مني كمتحدث ومنك أيها المبارك كمستمع أن تستجلي منها الدرس والعبرة في مجالات حياتك التربوية، والدعوية، وفي مجالات حياتك المختلفة، فإن القصة أيها الحبيب! من أفضل وسائل التربية، ومن أفضل وسائل الحث على سلوك الطرق المختلفة أياً كانت هذه الطرق، ولعلك تعلم أن القرآن الكريم قد ركز كثيراً على القصص واهتم بها، وبين هذا الأمر بشكل مفصل وموجز، مطول ومختصر، ولا يخفى عليك قصص الأنبياء وقصص من خالف الأنبياء، ماذا كان حالهم؟ بل وقد استغل الأعداء القصة في سبيل دعم باطلهم، وأنت ترى المسلسلات والأفلام والمسرحيات والروايات ما هي إلا قصص، ومع ذلك فهي تفعل في الشباب على وجه الخصوص ما تفعله النار في الهشيم. أيها الأحبة! لا نطيل عليكم، وأبدأ بالموقف الأول، الموقف الأول: موقف عايشت بعضه، وشاركت في بعض جزئياته، وهي قصة -حقيقة- لم تستمع من قبل، وفيها العجب، فيها دروس غريبة، وفيها مواقف عجيبة. في أحد الأيام اتصلت بي امرأة وهي تبكي بل وتشتكي، وتحس أن قلبها يتفطر، وتكاد أن تموت، وتتمنى أن تبتلعها الأرض، هذه المرأة أيها الأحبة! تسألني وتقول لي: ما حكم الانتحار؟ قلت لها: لا يجوز، هذا أمر محرم، قالت لي وهي تبكي: ابحث لي عن مخرج، أريد أن أنتحر، أريد حكماً شرعياً بأي صورة من الصور؛ لأقطع سبيل حياتي، ومن حب الاستطلاع أردت أن أشاركها المأساة، فطلبت منها أن تشرح لي بعضاً من واقعها، فقالت لي الواقع التالي: توفي أبي وأمي في حادث سيارة، ولم يبق لهم إلا أنا، فكفلني عمي، جلست عنده فترة من الزمن وأنا أذوق الأمرين، كنت خادمة، بل أقل من الخادمة، الخادمة لها عزة، أو بعض من العزة، قد ترفض العمل فترجع إلى بلادها، أما أنا فكنت أقل من الخادمة في هذا المنزل، وكان أهل البيت يتمنون التخلص مني بأي صورة من الصور، وبأي كيفية من الكيفيات، تقول: عندما بلغت التاسعة وإذا بعمي يزوجني من ابن عمتي، شاب كبير في السن في الخامسة والعشرين وأنا في التاسعة، فضغط علي عمي إلى أن قررت أن أتزوج؛ لأن عمي يريد أن يتخلص مني، تقول: أخذني ابن عمتي ولكنه كان يعاملني معاملة الأخت، إذ كنت ألعب مع أخواته، كنت صغيرة وساذجة لا أعرف شيئاً اسمه زواج أو زوجية، وعندما بلغت الثانية عشرة أو الثالثة عشرة طلقني ولم يمسني، تقول: كانت الحياة الذهبية التي عشتها في حياتي هي الثلاث سنوات التي مرت علي، من التاسعة إلى الثانية عشرة، عندما رجعت إلى عمي كان الأمر بالنسبة لي انتحاراً بطيئاً، لقد أصيب عمي بصدمة، لقد تخلص مني وهأنذا أرجع إليه، لقد انتهت علاقته بي وها أنا أعود إليه، يا ترى ما العمل؟ تقول: انتظرت فترة من الزمن، وإذا بأناس يطرقون باباً يريدونني زوجة، لمن؟ لرجل كبير في السن يعيش في البادية وهم أهل بادية، يعيشون في منطقة تبعد عن القصيم ثلاثمائة كيلو متر تقريباً. تقول: أنا لا أعرف من هو زوجي الجديد، ولكن الذي خطبني رجل كبير في السن، عمره يتجاوز الخمسين، وأنا لا زلت في الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة، تقول: عندما سمعت أن هناك زوجاً يخطبني فرحت ولم أعلم ماذا ينتظرني، تقول: وافقت على الزواج، ولكنني رأيت أن عمي قد أخذ أموالاً هائلةً مهراً لي، فاستغربت ولم أعلم ما هو السبب. تقول: أخذني هؤلاء إلى هجرتهم أو إلى منطقتهم، وأدخلوني على زوجي في تلكم الديار النائية، كانت هجرة صغيرة مكونة من عشر بيوت تقريباً، تقول: فرأيت زوجي، لقد كان رجلاً مجنوناً بمعنى الكلمة، فمن أول ليلة دخلت عليه وإذا به يكاد أن يقتلني من الضرب، لا أستطيع أن أفعل شيئاً، لا أستطيع أن أهرب، فالمنطقة صحراوية برية، ماذا أصنع يا ترى؟ قلت: الصبر، ولعلي أن أصبر، تقول: صبرت وصبرت، ثم تحرك بطني وإذا به شاب أو غلام صغير، ألده فأفرح، وأصبر على عناء الحياة مع هذا الزوج الذي أراه مرة في الأسبوع، فإذا رأيته لم يفتأ يضربني طوال الليل، تقول: عندما جاء ابني الصغير فرحت به فرحاً شديداً، وعندما كبر هذا الابن وبلغ أربعة أشهر وإذا بطامة تأتي إلي، لقد كان لهذا الزوج أخت -عمة لهذا الطفل- ولكنها عاقر ليس لها أبناء، فقررت مع زوجي ومع إخوان زوجي أن تأخذ ابني لتتبناه، عارضت، بكيت، صحت، صرخت ولكن لا مجيب، فأخذته مني، وأقسمت يميناً ألا أراه ولا لحظة واحدة، تقول: عمر ابني هذا تسع سنوات الآن، ولم أره فعلاً ولا لحظة واحدة. قالت: مكثت فترة من الزمن وأنا أبحث عن مهرب ولكن لا نجاة، لا ملتجأ إلا إلى الله سبحانه وتعالى، تقول: رزقت بابن ثانٍ، فتكررت العملية مرة أخرى، لقد أخذ مني ابني هذا، من الذي أخذه؟ نفس العمة المجرمة، أخذته ورفضت أن أراه مرة أخرى -أي: هذا الابن الآخر- تقول: وإلى هذه اللحظة لم أر ابني الآخر، تقول: فقررت ألا أحمل بعد ذلك، أحمل وألد لغيري، تقول: مكثت أربع سنوات وأنا أعيش عذاباً لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى. تقول: بعد ذلك قدر الله لي فحملت، وكان غلاماً ثالثاً، وتعرفون أهل البادية وللأسف الشديد يحبون الذكور محبة شديدة، ففرح هؤلاء فرحاً شديداً بهذا الغلام، وفي اللحظة التي ولدت فيها وإذا خالة لي تأتي إلى المنطقة؛ لأن لها أراضي في تلك المنطقة وتريد أن تبيعها، ففرحت فرحاً شديداً وذهبت إليها، وقلت لها: يا خالتي! إما أن أذبح نفسي، وإما أن أعود معك، فأصرت على الرفض، فأصررت على الذهاب معها، وكانت النتيجة أن وافقت، وعند السفر قال لي أهل الطفل: تذهبين بولدنا؟ لا والله، لا يمكن، فأخذوه مني بالقوة، ثلاثة أبناء ليسوا لي، تقول: عندما رجعت مع خالتي ووصلت إلى الرياض واجهت ثلاث مشاكل، أنا أذكر هذه القصة أيها الأحبة لآخذ منها درساً، أو تأخذون منها درساً، وهو أن أي إنسان يتعرض لأي مصيبة أو لأي مشكلة أو لأي ابتلاء، فليعلم أن هناك من يعيش ابتلاءً أكبر منه وأكثر منه. تقول: عندما رجعت إلى الرياض أقسم عمي أيماناً مغلظة أن لا يستقبلني في بيته، وعندما أردت أن أسكن عند خالتي أقسم زوج خالتي أن لا أسكن في بيته، لم؟ لأنه يعيش مرحلة عداء مع عمي ومع أبي قبل ذلك، فهل يسكن عنده ابنة أعدائه؟ لا يمكن، تقول: فذهبت وسكنت عند عم آخر هو عمي الآخر وليس لي غيره، هذا العم كان أبكم لا يتكلم، فجلست عندهم فترة من الزمن، ولكن زوجته حقدت علي لا تريدني، قالت: لا نريدك بأي صورة من الصور، اذهبي، اخرجي، تقول: أين أذهب؟ فتقول لها هذه المرأة: أنت دخيلة علينا، لا نريدك عندنا أبداً، تقول: بدأت تضغط علي، تقول: والله إنني لا آكل إلا بقايا أكلهم، تقول: أخرج الأكل من زبالة المنزل وآكلها، تقول: أنام على البلاط، حتى الفراش والحصير تصادرهما هذه المرأة مني. وهي تبكي بكاءً حاراً: لو سمحت -بلهجتها طبعاً- ابحث لي عن مجال للخروج من هذه الطامة، أريد أن أنتحر، أريد أن أموت، عمري واحد وعشرون سنة الآن أو اثنان وعشرون سنة، ولم أذق فيها طعماً للحياة أبداً. طبعاً أنا اندهشت حقيقة وأصبت بصدمة، جلست فترة من الزمن وأنا لا أفكر إلا في وضعية هذه المرأة، طلبت منها أن تتصل بي بعد يومين أو ثلاثة، لعلي أبحث لها عن حل، وفعلاً عرضت القضية على بعض الإخوة، فكل منهم استعد بأن يبذل جهده، ولكن وللأسف الشديد، ولا زال خنجراً حقيقة يؤثر في إلى هذه اللحظة، لها عدة أشهر وهي لم تتصل، هل هي على قيد الحياة؟ هل ماتت، هل انتحرت؟ هل حلت مشكلتها؟ هل؟ هل؟ الله أعلم. إذاً: أنا عرضت هذه القصة المؤثرة، وهذا الموقف المعبر، لكي يكون درساً لك أيها الشاب! ولك أيتها الفتاة! ولك أيها الرجل! ولك أيتها المرأة! حتى نعي أن كل إنسان في هذه الدنيا إذا تعرض لبلاء وابتلاء، فليعلم أن هناك من هو أشد منه بلاءً وابتلاءً.

قصة طالب صغير ملتزم أثر في أسرته ومجتمعه

قصة طالب صغير ملتزم أثر في أسرته ومجتمعه الموقف الآخر: مرة من المرات جاء أحد الطلاب وهو طالب في المرحلة الثانوية يشتكي وضعه، يقول: لنا مجال خصب للاجتماع الأسري، نجتمع كل أسبوع، تلتقي الأسرة شيبها وشبابها، كبارها وصغارها، ولكن هذا اللقاء لقاء يغلب عليه طابع الفساد، الكبار متقوقعون مع بعضهم في كلامهم العادي، وفي سواليفهم المكررة ونقاشهم المعروف، والشباب إما عند الدش أو الفيديو أو لعب الورق أو غير ذلك. يقول: أنا أحترق من داخلي أريد أن أؤثر، أريد أن أبني، أريد أن أفعل، ولكنني وللأسف الشديد أتميز بميزة، هذه الميزة أنني صغير، فإذا دخلت المجلس فإن مكاني عند النعال، أي: بجانب الباب، لا أستطيع أن أجلس في وسط المجلس فأؤثر، لم؟ لصغر سني، يقول: أنا أعيش في سن الثامنة عشرة أو السابعة عشرة، أريد أن أؤثر، أريد أن أبني، أريد أن أعلم، أريد أن يكون لي دور، أنا أحترق من داخلي، أنا لدي إحساس وشعور، لدي اندفاع وحيوية ولكن لا أعرف ما الطريق؟ يقول: فالذي حصل أن أحد الإخوة أشار علي بمجموعة استشارات، يقول: طبقتها فرأيت ثماراً عجيبة، قال لي: في ظرف أربعة أشهر أو ثلاثة أشهر، أريد أن تحصي كل ما يلقى في مجلس الأسرة، وفعلاً بدأت أجلس وأتابع كلام هؤلاء الكبار، يقول: وإذا بهذا الرجل يناقض قضية (الوسم)، دخل (الوسم)، طلع (الوسم)، دخل سهيل، طلع سهيل، دخل كذا، طلع كذا، وإذا مرة أخرى يناقشون قضية النخيل وما النخيل، وماذا يحصل للنخيل؟ وأنواعها وهيئاتها وأشكالها وأفضلها. ومرة ثالثة: يناقشون قضايا الزواج وما يتعلق بها، ورابعة: يناقشون قضايا متعلقة بالحروب القبلية القريبة، ويتعرضون لها ولسيرها، وخامسة وسادسة وسابعة، يقول: وبدأت أسجل وأسجل وأسجل، ثم ذهبت إلى مستشاري وعرضت عليه القضية، فقال لي: أريد منك أن تتبحر في كل هذه القضايا، كيف أتبحر؟ أنا صغير! صحيح أنني ذكي، صحيح أنني حريص، صحيح أن لدي حافظة قوية، ولكني لا زلت صغيراً، قال: لا، الصغير هو الذي يتميز في هذا المقام، اذهب إلى مكان كذا، واحفظ كذا واذهب إلى فلان من الناس فتتلمذ عليه في كذا، يقول: وفعلاً بدأت أتبحر وأتبحر وشيئاً فشيئاً، وإذا بي موسوعة علمية في هذه المجالات التي يطرقها كبار السن. يقول: وفي اللحظة الحاسمة أردت أن ألقي بسهامي، أعددت العدة، وعندما جلس هؤلاء الكبار، وقال أحدهم: سيدخل (الوسم) بعد أربعة أيام، قال الثاني: لا، بعد ستة أيام، قال الثالث: لا، بعد ثمانية أيام أو سبعة أيام، قلت: لا، سيدخل الوسم بعد أربعة أيام وثلاث ساعات وخمسة عشر دقيقة وأربع ثوان، قال أحدهم: بسم الله الرحمن الرحيم، ما هذا الكلام؟ كلام غريب، بهذه الدقة العجيبة أثارهم، طبعاً ابتسموا، ضحكوا، سخروا، لكن ماذا قال هذا الفتى؟ عقب وقال: إن العجيري قال: كذا وكذا في موسوعته، وابن بسام قال: كذا وكذا، والمسند قال: كذا وكذا، وبدأ يأتيهم بالحقائق تباعاً واحدةً تلو الأخرى، وفعلاً شدهم في اللقاء الأول، والثاني والثالث، يقول بعد ذلك: وجدوا عندي شيئاً يهمهم، وجدوا كلاماً جديداً ومعلومات متجددة؛ لأنهم كانوا يرددون القصص دائماً، فيقول: بعد ذلك صار أحدهم إذا اتصل بأبي يذكره بموعد اللقاء، ويقول: ولا تنس أن تحضر معك محمداً، يقول: صار لي وزن، والوزن هذا ليس هو الهدف لكنه وسيلة إلى الهدف. يقول: وفي أحد الأيام عندما اجتمعنا، قلت لهم: ما رأيكم أنا سأحضر لكم أحد المتخصصين في علم الفلك، سيعرض لنا شيئاً جديداً عن الفلك والنجوم بالصور وبالفيديو وإلى آخره، قالوا: جيد، يقول: فاتفقت مع أحد الدكاترة، وجاء إلينا ومعه جهاز فيديو، ومعه شاشة ضخمة كبيرة لا يستطيع أن يحملها إلا أربعة أشخاص، ومعه صور وخرائط وأطفأ الأنوار، وبدأ يعرض: وهذا نجم كذا، وهذا نجم كذا، والنجم هذا يسمى كذا، إلى آخره من المعلومات، عندما انتهوا وذهب الدكتور إلى حال سبيله، يقول: شد الجميع على يدي، قالوا: هذا الذي نريد، نريد منك أن تأتينا بهذه المعلومات دوماً. يقول: بعدها بفترة جئت لهم بأحد الأشخاص الذين تخصصوا في الحيات وفي العقارب وفي الأشياء السامة، وكانت عنده عدد من الصور والأفلام، بل والأشياء الحية التي يحفظها في صناديق، فجئت به إلى هذا المكان، أو إلى استراحة كنا نجتمع فيها، وعندما رأوا الحيات والعقارب تهولوا، وكل يشير: هذه الحية التي لدغت أمي، وهذه العقرب شبيهة بالتي لدغت أبي. وهكذا يقول: صار لي وزن وصارت لي أهمية، فاستطعت بعد ذلك أن أجذب الشباب قبل المشيب، وأن أكون محبوباً من الصغار قبل الكبار، ثم بدأت أحرك المجلس: هذه مسابقة، وهذه كلمة، وهذه ندوة، وهذا درس، وهذه معلومة، وهذه كذا، وهذا توزيع شريط، وهذه وهذه، يقول: وفي نهاية المطاف ولله الحمد صارت أسرتنا الكبيرة أسرةً لا تعرف شيئاً اسمه اجتماع على فيديو أو على دش، أو على ورق أو على دخان أو حتى على كلام فارغ. إنه رجل واحد، إنه شاب واحد، ولكنه أمة أمة، كيف أثر؟ وكيف بنى؟ التخطيط، التنظيم، الدقة، بل الحرص، فأنا أقول لكم هذا الموقف لتأخذوا منه الدرس والعبرة والسيرة والتجربة، وكل منكم أيها الأحبة الكرام! لديه هذه القدرات، كل منكم لديه هذه الإمكانات، ولكننا وللأسف الشديد قد أغلقنا هذه الإمكانات بحجب وحوافز أغلقناها بحيث إننا لم نستثمرها، وإلا لو استثمر كل منا ما لديه فإنه سينتج ويثمر، وأنتم أمام مجال خصب التجربة، فالله الله، اسعوا وجربوا وسترون صحة ما قلت لكم.

قصة امرأة بارة بأبيها

قصة امرأة بارة بأبيها أما الموقف الثالث أيها الأحبة: فهو موقف غريب لا يصدق، لولا أنني عشت بعض أحداثه. في أحد الأيام قبل فترة -ربما أقول: لا تتجاوز ستة أشهر- اتصلت امرأة -وهذه قضية حقيقية أي: قضية الاتصال من النساء أحياناً؛ لأنهن لا يجدن من يقف بجوارهن- اتصلت وهي تبكي وتقول: إنني أعيش قضية، أريد منك أن تعينني أو تساعدني على حلها، ما هي؟ تقول: نحن نعيش في مدينة مجاورة للرياض، لن أذكر الأسماء، تقول: أنا متزوجة ولي مجموعة أبناء وبنات، ولي أخت متزوجة كذلك، والدي كبير في السن يعيش في هذه المدينة، وأمي كذلك، ولي أخوان اثنان، الأول يعمل في منطقة نائية بعيدة عن الرياض، والثاني لا يعمل، وللأسف الشديد هو منحرف، تقول: حالتنا المادية ضعيفة، ووصلت الحالة في مرة من المرات بوالدي إلى أن استدان أو اقترض سيارة من أحد الأشخاص، ووعده أن يعطيه المبلغ في وقت معين، تقول: حان الوقت المحدد، ولم نجد مجالاً لمعاونة والدنا إلا بالتضحية، فأخذت ما لدي من ذهب وما لدى بناتي من ذهب، وأنا أعمل معلمة -طبعاً كان اتصالها وقت الظهيرة- يعني: مثل ظهر اليوم، تقول: وأنا أحدد الوقت؛ لأن له أهمية، تقول: وجمعنا المال وأخذنا ما عند أختي كذلك، واستدنت بعض المال من بعض المعلمات وشيئاً فشيئاً إلى أن اجتمع المبلغ، وكان مقداره واحداً وأربعين ألفاً، هذا المبلغ الذي ذكرته، تقول: فرحت فرحاً شديداً بتحصيل هذا المبلغ؛ لأنني أعلم فرح والدي به، وكان والدي قد أصيب قبل فترة بجلطة، فنجاه الله منها. تقول: أخذت المبلغ وأعطيته لوالدي فشكرني شكراًً عجيباً عظيماً، وشكر أختي كذلك، وأخذ المبلغ ووضعه في دالوب الغرفة، ثم نام مطمئناً بعد أن اتصل بصاحب الدين وقال: أبشرك أن المبلغ موجود وحاضر، وعليك أن تأتي إلي إن شاء الله غداً في المساء، تتعشى عندي أنت وبعض الأشخاص. تقول: ذهب أبي واشترى خروفاً يريد أن يعمل وليمة من الغد في الليل لهذا الرجل، تقول: ونمت وأنا قريرة العين، وعند الساعة الواحدة في الليل -التي هي البارحة، طبعاً هي تتصل ظهراً- تقول: البارحة الساعة الواحدة اتصلت بي أمي وهي تبكي، وتقول: إن المبلغ قد سرق، ولو علم والدك بما حصل لمات من الفاجعة، ماذا ترين؟ كيف؟ وإذا بالابن الفاسد قد علم بالمبلغ فسطا عليه وأخذه وأعد عدته وجهز شنطته وأخذ ملابسه وسافر بالمبلغ، تقول هذه الأم: لم أجد في غرفة أخيك شيئاً من ثيابه ولا ملابسه، أخذها وذهب، فلا بد من عمل شيء، تقول: لم أستطع الذهاب إلى المدرسة هذا اليوم، وبدأت أفكر في الوضع، تقول: بدأت أتحدث مع أختي ومع زوجي، ومع زميلاتي، وقررنا أن نجمع شيئاً من هذا المبلغ، وفعلاً بدأنا نجمع ونجمع إلى أن استطعنا أن نجمع شيئاً يسيراً من هذا المبلغ، فلم نستطع أن نجمع إلا سبعة عشر ألف ريال، إذاً: بقي أربعة وعشرون ألفاً. تقول: في الساعة الثامنة -يعني: قبيل أذان العشاء أو مع أذان العشاء- توفر لدي سبعة عشر ألف ريال، طبعاً هذه المرأة تقول: طبعاً بعد أن جمعنا هذا المبلغ سبعة عشر ألف ذهبنا بالمبلغ وأعطيناه أمي ولم نخبر والدي، طبعاً جاء الرجل ومعه الضيوف -وطبعاً هذه المكالمة جاءت على شقين: جزء منها أنا شاركت فيه، وجزء آخر أهل البيت -تقول: فجاء الضيوف وجاء الرجل -يعني: أكرمهم أبوها- ثم جاء إلى زوجته وقال: أعطيني المبلغ، لم تستطع الزوجة أن تخبره بشيء، وقالت للبنت: أخبريه أنت، فقالت البنت لوالدها: يا أبي! المبلغ موجود -وطبعاً كان هذا نوع من الخطة أو من المنهج، أنا أعطيتها هذه الفكرة حقيقة ولو أنها كذبة لكنها تخفف من الواقعة- فقالت: المبلغ موجود، ولكنني خفت عليه فأودعته البنك وأبقيت منه سبعة عشر ألفاً، أربعة وعشرون ألفاً موجودة في البنك، وسبعة عشر ألفاً موجودة الآن. تقول: عندما سمع أبي هذا الكلام شق ثوبه -كعادة أهل البادية- تقول: شق ثوبه إلى آخره، تقول: ولو أخبرته أن المبلغ سرق عن بكرة أبيه ماذا سيكون حاله؟ تقول: صار يبكي كالثكلى، وشق ثيابه ثم هونت عليه وقلت: المبلغ موجود وسآتي به غداً، الآن الوقت ليل، وليس هناك أحد يعمل، وليس هناك بنك مفتوح، غداً إن شاء الله سيتيسر الأمر، فاعتذر من ضيفك، وأعطه السبعة عشر ألفاً، وإن شاء الله سيكون المبلغ متيسراً. تقول: أخذ المبلغ واعتذر من صاحبه، وقال: إنه موجود، وإن شاء الله غداً يكون لديك، تقول البنت: من الآن إلى الغد هناك حل. تقول: عندما جاء الليل ذهبت إلى منزلي في طرف من أطراف الرياض -طبعاً تقول: ذاك اليوم: ما درست كذلك -وعندما جاء العصر حاولت أن أستخدم كل إمكاناتي لتجميع المبلغ فما استطعت، كل ما جمعت: مائة، مائتين، خمسين فقط. تقول: وجاء العصر فإذا بوالدي يطرق الباب، قلت: إلى أين؟ قال: إلى البنك، تقول: لبست عباءتي وذهبت إلى البنك، دخلت قسم النساء وجلست، ماذا أصنع؟ لا شيء إلا أن آخذ تلفون البنك وأتصل، أبحث عن حلول فما استطعت، فخرجت في آخر الدوام إلى والدي وقلت: والله يا أبي! ما استطعت أصرف، قال: لماذا؟ قلت: زحمة، تقول: والبنك ليس فيه أحد أصلاً إلا القليل، النساء يدخلن ويخرجن وأنا أقول لوالدي: زحمة، وأبي كبير في السن لا يعرف واقع البنوك، قال: سنأتي غداً، تقول: فذهبت اليوم التالي إلى البنك ثم اليوم الثالث واليوم الرابع تقول: أربعة أيام وأنا أجلس في البنك من بدء فتح أبوابه إلى أن يغلق أبوابه. تقول: وفي اليوم الثالث صرت أبكي؛ لأنني لم أجد حلاً، وأنا أحب أبي، وأخاف عليه، لكنني لا أستطيع أن أحضر المبلغ، هو مبلغ بسيط، ولكننا أناس على قدرنا لا نستطيع أن نحضر هذا المبلغ. تقول: وفي اليوم الرابع بلغ مني الأمر مبلغه، تمنيت أن تبتلعني الأرض، تمنيت أن أموت، وتمنيت كل شيء إلا البقاء على ظهر الأرض، لأني لا أريد لأبي أن يموت أمام ناظري، تقول: وأنا جالسة وإذا بامرأة تدخل البنك، وتجلس بجانبي تنتظر دورها في تسديد مبلغ من المال، تقول: فعندما جاء دورها ذهبت، ومعها كيس فيه نقود، تقول: بعد قليل رجعت وجلست بجانبي، ثم ذهبت للتسديد ورجعت، وأثناء جلوسها بجانبي كانت تسمع بكائي، لم أستطع أن أصبر، كنت أبكي وأضغط على نفسي، ولكن صوت البكاء وحشرجته كان يظهر علي، تقول: حنت علي، وقالت: بالله عليك أخبريني، قلت: لا والله ليس هناك شيء، قالت: والله إلا أخبرتيني، تقول: وأيمان مغلظة مني ومنها، وفي النهاية أخبرتها بكل القصة، فقالت المرأة: الله أكبر، الله أكبر، الذي معي في الكيس أربعة وعشرون ألفاً خذيها، قالت: لا والله لا آخذها أنا لا أعرفك، قالت: والله إلا تأخذينها، على أنه دين مفتوح السداد، أنت ذكرت لي أنك معلمة في المدرسة الفلانية، وأنا أعرف هذه المدرسة، فإذا تيسرت أمورك سددي، لكن على المدى الطويل. تقول: أخذت المبلغ وقبل آن آخذ المبلغ قالت لي: اسمعي، أنت قصتك عجيبة، لكن قصتي أنا أعجب، تقول هذه المرأة صاحبة المال: منذ أربعة أيام وزوجي يصر علي أن آخذ المبلغ وأودعه في البنك، وأنا أقول: لا، زوجي يصر وأنا أرفض، تقول: وفي هذا اليوم قلت لزوجي: أريد أن أودع الأربعة والعشرين ألفاً في البنك، فقال لي زوجي: لا أستطيع فإني مشغول، قلت: لا بد أن أودعها في البنك، قال: يا امرأة! أنا مشغول لا أستطيع عندي موعد فليكن غداً، قلت: لا، بل اليوم، تقول: كأن هناك دافعاً قوياً يدفعني إلى أن آخذ المبلغ وأذهب به إلى البنك، تقول: وتخاصمت أنا وزوجي، وقلت: إذا لم تذهب بي إلى البنك ذهبت في سيارة أجرة، قال: اذهبي، تقول: والله إنها المرة الأولى التي أركب فيها سيارة أجرة في حياتي، فذهبت إلى البنك وعندما جلست بجانبك سمعت البكاء ولم ألق له بالاً، وكأنه أمر عادي بالنسبة لي، وعندما ذهبت لأودع المال قالت المرأة التي تستلم المبالغ: كم لديك؟ قلت: أربعة وعشرون ألفاً، كتبتها في ورقة وأعطيتها، ثم سحبتها، أحس أن يدي تنسحب وأنها لا تتقدم، فقررت أن أرجع وأستريح قليلاً فاسترحت، ثم ذهبت لأودعه مرة أخرى، ثم رجعت مرة ثانية، كأن هناك مانعاً يمنعني من أن أودع المبلغ، والله إني لأرى هذا خيراً ساقه الله إليك. تقول هذه المرأة: أخذت المبلغ وأنا أبكي بكاء يسمعه كل من في البنك وخرجت -طبعاً هذه المكالمة الأخيرة من المرأة لأهل البيت تخبر المرأة بما حصل، وتحمد الله على ذلك- تقول: فذهبت به إلى والدي وكاد يموت من الفرح، جاء المال ولا يدري كيف جاء، المال سحب من البنك، ولكنه لا يدري كيف سحب. فانظروا إلى هذه المرأة كيف برت بوالدها، وانظروا عندما برت بوالدها كيف ساق الله لها أموراً خيالية وغير متصورة، وكيف ساق الله لها أشياءً غير متوقعة: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2 - 3].

قصة شاب صالح يعيش أزمة مالية

قصة شاب صالح يعيش أزمة مالية وهذا أيها الأحبة يقودني إلى قصة حصلت لي أنا شخصياً حقيقة، والدنيا دروس وتجارب، وأفضل شيء في هذه الحياة أن ينقل الإنسان تجاربه ودروسه للآخرين. في أحد الأيام اتصل بي أحد الإخوة من الأساتذة عندنا في الكلية، فقال لي: إن فلان بن فلان يعيش أزمة مالية عجيبة، وهذا الرجل أعرفه، وهو رجل من أفريقيا، لكنه متميز بالتقى والصلاح والتدين وهو خريج من الجامعة الإسلامية. يقول: إنه يحتاج إلى تسعة آلاف ريال؛ لأن إيجار البيت انتهى، وصاحب البيت يطالبه الآن بالإيجار أو يخرج، قلت: والله لا أملك شيئاً الآن، فلو أخبرتني قبل أسبوع، إذ كان عندي بعض الزكوات، ومن الممكن أن أعطيك إياها، لكن الآن والله لا أملك شيئاً. وضعت السماعة، تصوروا يا إخوة ما إن وضعت السماعة إلا وجرس الباب يدق في نفس اللحظة، رفعت سماعة جرس الباب وسماعة التلفون في يدي الأخرى، قلت: نعم؟ قال: أنا فلان بن فلان، لكنني لا أعرفه، قال: معي كل خير إن شاء الله، وضعت السماعة ونزلت إليه وسلمت عليه، قال: أنا فلان، مرسل لك من فلان، يقول: هذا مبلغ تسعة آلاف ريال، هي زكاة له يقول: ضعها فيما شئت، قلت: أعطاني حرية في التصرف؟ قال: نعم، وفي نفس اللحظة اتصلت بهذا الرجل، قلت: بشر صاحبك أن الله أعطاه رزقه من السماء، أتذكر هذا الرجل المعسر وأنا أنتظر الأخ ليأخذ المبلغ ويعطيه إياه، هذا الطالب أرى فيه سيما الصلاح وقيام الليل وصيام الإثنين والخميس، أرى فيه التقى والورع وحب الخير والفضل، وحب دعم الخير، أتصور هذا فيه بشكل متتابع، وهو يجيد عدة لغات: الإنجليزية والفرنسية والعربية وعدة لغات أفريقية، ومع ذلك رفض أن يعمل في عدة سفارات طالبت به، لماذا؟ لأنه يرى أن العيش في هذه المناطق قد يكون موبوءاً، فرضي بمبلغ يسير في أماكن مأمونة موثوقة. أليس في هذا درس وعبرة أيها الأحبة؟ أقول: نعم.

قصة امرأة نجحت في أن تجعل زوجها يعفي لحيته

قصة امرأة نجحت في أن تجعل زوجها يعفي لحيته الموقف الآخر: رجل متزوج ويحب أسرته وزوجته وأولاده، والألفة قائمة بين هذه الأسرة، وبينهم مودة ومحبة، وهذا الرجل متميز بسلوكه الحسن وسمته المقبول، إلا أنه يحلق لحيته. حملت زوجته وثقل عليها الحمل وأتعبها وولدت بمشقة، ومن شدة فرح هذا الزوج بصحة زوجته وبنجاة مولوده قال لها: اطلبي هديتك، اطلبي ما شئت وسأعطيك، قالت: آلله -تحلفه- أن تنفذ لي طلبي؟ قال: اطلبي، المال موجود والخير متوفر، ولو اضطررت لاستدنت، قالت: أريد طلباً واحداً فهل تحققه؟ قال: نعم، والله لأحققنه، قالت: تعفي لحيتك فقط، وفعلاً كان موقفاً صعباً، لم يكن متعوداً على هذا، وكان عمره يقارب الأربعين ومع ذلك لم يعف لحيته يوماً ما، وهذا الطلب من زوجته لا بد أن ينفذ؛ لأنه وعد بالتنفيذ، ولكن المسألة قد تكون صعبة، ولكن الألفة بين هذين الزوجين جعلته ينفذ هذا الأمر، وكانت النتيجة أن أعفى الرجل لحيته، فمن لنا بمثل هذه المرأة؟ من لنا بنساء بهذه الكيفية وبهذه الصورة؟ عندما طلبت من زوجها هذا الطلب، لو طلبت منه أساور من الماس أو عقوداً من ذهب، أو مما غلا ثمنه لنفذه وجاء به، لنفذ الطلب وحقق الرجاء، ولكنها لم تطلب منه إلا هذا الطلب، الذي تحس فعلاً أنه سيقرب هذه العشرة أكثر فأكثر من الله سبحانه وتعالى. هذا موقف أحببت حقيقة أن أذكره؛ ليكون درساً للفتاة المسلمة، التي ينبغي لها أن تكون ذات همة عالية، وتكون نظرتها عالية فعلاً.

قصة رجل صالح أصيب بحادث في سيارته مع امرأته وأولاده

قصة رجل صالح أصيب بحادث في سيارته مع امرأته وأولاده وهذا يقودني حقيقة إلى ذكر قصة وموقف أريد أن أقرأه عليكم نصاً، وأن أعرضها كما وردت وكما جاءت والعهدة على راويها. يقول: سافرت إلى مدينة جدة في مهمة رسمية، وفي الطريق فوجئت بحادث سيارة يبدو أنه وقع للتو كنت أول من وصل إليه، أوقفت سيارتي، واندفعت مسرعاً إلى السيارة المصطدمة، تحسستها في حذر، ونظرت إلى داخلها وحدقت النظر، وخفقات قلبي تنبض بشدة، وارتعشت يداي، وتسمرت قدماي، وخنقتني العبرة، إذ ترقرقت عيناي بالدموع ثم أجهشت بالبكاء. إنه منظر عجيب وصورة تبعث الشجن، وتثير البكاء، كان قائد السيارة ملقىً على مقودها جثة هامدة، وقد شخص بصره إلى السماء رافعاً سبابته، وفي ثغره ابتسامة جميلة، ووجهه تحيط بها لحية كثيفة، يقول: كأنه الشمس في ضحاها، والبدر في سناه، والعجيب أن طفلته الصغيرة كانت ملقاة على ظهره، محيطة بيديها على عنقه، وقد لفظت أنفاسها وودعت حياتها. يقول: لم أر ميتة كمثل هذه الميتة، طهر وسكينة ووقار، هذا المتوفى قد أشرقت شمس الاستقامة على محياه ظاهرة بينة بارزة، يقول: منظر سبابته التي ماتت توحد الله سبحانه وتعالى، وجمال ابتسامته التي فارق بها الحياة حلقت بي بعيداً وبعيداً، تفكرت في هذه الخاتمة الحسنة، وازدحمت الأفكار في رأسي، وسؤال يتردد صداه في أعماقي ويطرق بشدة: كيف سيكون رحيلي؟ وعلى أي حال ستكون خاتمتي؟ يقول وهو متأثر يعيش المأساة في هذه اللحظات الحرجة فيمزق حجب الغفلة، وتنهمر دموع الخشية، ويعلو صوت النحيب: من رآني هناك ظن أني أعرف الرجل، أو أن لي به قرابة، كنت أبكي بكاء الثكلى، لم أكن أشعر بمن حولي، وفجأة انساب صوتها، وصوتها يحمل برودة اليقين، هذا الصوت لامس سمعي وردني إلى شعوري، تنادي: يا أخي! لا تبك عليه، إنه رجل صالح، إنه رجل صالح، إنه رجل صالح، صارت تردد في مسامعي، لم تقل هذه المرأة: هيا، أخرجنا وبسرعة من هذا المكان جزاك الله خيراً! يقول: التفت إليها لم أرها، إنها امرأة تقبع في المقعد الخلفي من السيارة، وتضم إلى صدرها طفلين صغيرين جميلين لم يمسا بسوء ولم يصابا بأذى، كانت شامخة في حجابها شموخ الجبال، هادئة في مصاف مصابها هدوء النسيم، لا بكاء، لا صياح، لا زئير، لا عويل، أخرجتها ومن معي من السيارة، يقول هذا الرجل: من رآني ورآها ظن أني صاحب المصيبة دونها، من شدة بكائي وتأثري، يقول: قالت لنا وهي تتفقد حجابها، وتستكمل حشمتها في ثبات الراضي بقضاء الله سبحانه وتعالى وقدره: لو سمحتم احملوا زوجي وطفلتي إلى أقرب مستشفى، وسارعوا في إجراءات نقله إلى المستشفى، ثم احملوني وطفلي إلى منزلي جزاكم الله خيراً. بادر بعض المحسنين إلى حمل الرجل والطفلة إلى أقرب مستشفى، وحاولنا أن نحمل المرأة معنا في هذه الصحراء المقفرة إلى مكانها، ولكن المرأة رفضت وردت علينا بثبات وقالت: لن أركب مع رجل أعزب، لن أركب معكم ولو مت في مكاني هذا، تقول: لا أركب إلا في سيارة فيها نساء. يقول: ثم انزوت عنا جانباً، ممسكة بطفليها الصغيرين ريثما نجد بغيتها، وتحققت منيتها، إذ استجبنا لرغبتها وأكبرنا هذا الموقف منها، ومر وقت طويل ونحن ننتظر على تلك الحالة العصيبة وفي تلك الأرض الخلاء ساعتين كاملتين حتى مرت بنا سيارة فيها رجل ومعه أسرته، فأوقفناه وأخبرناه خبر هذه المرأة، وسألناه أن يحملها إلى منزلها فلم يمانع. عدت إلى سيارتي وأنا أعجب من هذا الثبات العظيم: ثبات الرجل على دينه واستقامته، والرجل على خلقه في آخر لحظات حياته وأول طريق آخرته، ثم العجب الآخر من ثبات هذه المرأة على حجابها وعفافها وصبرها، وثباتها على ما لم يصدر منها تأثراً بما حصل لزوجها وابنتها في لحظة من أصعب المواقف وأحلك الساعات، التي ربما ينهار عندها الرجال، إنه الإيمان، نعم أيها الأحبة! إنه الإيمان الذي قال الله سبحانه وتعالى فيه: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27].

قصة طفل صغير كان سببا في هداية أسرته

قصة طفل صغير كان سبباً في هداية أسرته أما الموقف الذي يليه أيها الأحبة الكرام! فهو موقف شاب صغير، هذه القصة ذكرت حقيقة في الإذاعة، ولعل بعضاً منكم لم يسمعها، شاب صغير في الثالثة الابتدائية، كان يدرس في المدرسة، وكان فيها شباب يحثونه على طاعة الله سبحانه وتعالى، وعلى أداء صلاة الفجر، وعلى الاستجابة لله سبحانه وتعالى، وكانت النتيجة أن تأثر هذا الغلام الصغير بهذه الدعوة من المدرسة، واستجاب لأداء صلاة الجماعة في المسجد، ولكن الفجر صعب بالنسبة له، إذ قرر أن يصلي الفجر في المسجد، ولكن من الذي يوقظه؟ أمه؟ لا، والده؟ لا، ماذا يصنع يا ترى؟! قرر قراراً خطيراً وصارماً، وهو أن يسهر الليل ولا ينام، وفعلاً سهر الليل إلى أن أذن الفجر، وخرج إلى المسجد مسرعاً يريد أن يصلي، ولكن عندما فتح الباب إذا بالشارع موحش ومظلم، وليس هناك أحد يتحرك فخاف وارتاع: ماذا يصنع؟ ماذا يفعل يا ترى؟ وفي هذه اللحظة سمع مشياً خفيفاً، رجلاً يمشي رويداً رويداً وعصاه تطرق الأرض، وأقدامه لا تكاد تمس الأرض، فنظر إليه وإذا به جد صديقه أحمد، فقرر أن يمشي خلفه دون أن يشعر به، وفعلاً بدأ يمشي خلفه إلى أن وصل إلى المسجد، فصلى ثم عاد مع هذا الكبير في السن دون أن يشعر به، وقد ترك الباب مفتوحاً، دخل ونام ثم استيقظ للمدرسة وكأن شيئاً لم يحدث، واستمر على هذا المنوال فترة من الزمن، أهله لم يستغربوا منه إلا كثرة نومه في النهار، ولا يعلمون ما هو السبب، والسبب هو سهره في الليل. وفي لحظة من اللحظات أخبر هذا الطفل الصغير أن هذا الجد قد توفي، مات جد أحمد، مات هذا الرجل الكبير في السن، صرخ أحمد وبكى، قيل له: ما الذي حصل؟ لماذا تبكي يا بني؟! لماذا تصيح يا بني؟! إنه رجل غريب عنك، إنه ليس أباك ولا أمك ولا أخاك، فعندما حاول والده أن يعرف السبب قال لوالده: يا أبي! ليتك أنت الميت قال: أعوذ بالله! هكذا يتمنى الابن أن يموت الأب ولا يموت ذلك الرجل؟ قال: نعم، -من براءة الأطفال- قال: يا أبي! ليتك أنت الميت؛ لأنك لم توقظني لصلاة الفجر، أما هذا الرجل فقد كنت أمشي في ظلاله دون أن يشعر إلى صلاة الفجر ذهاباً وإياباً، وقص القصة على والده، كاد الأب تخنقه العبرة، فبكى وتأثر، فكان تغيراً جذرياً كلياً في حياة هذا الأب بفعل سلوك هذا الابن، بل بفعل سلوك هذا المعلم، فانظروا إلى ثمرة هذا المعلم، ماذا أثمرت؟ أثمرت أسرة صالحة وأنتجت منهجاً صالحاً.

همة امرأة غير متعلمة في الدعوة

همة امرأة غير متعلمة في الدعوة امرأة كبيرة في السن، عمرها الآن يكاد يقترب من الثمانين، ولكن هذه المرأة أيها الأحبة! تفوقنا جميعاً فيما يتعلق بالدعوة والحرص عليها، هي غير متعلمة ولا تقرأ ولا تكتب، ولكنها تنهج منهجاً دعوياً يصعب عليها تركه. يقول هذا الرجل الذي يحدثني بنفسه عنها إبان الدعوة إلى جمع التبرعات لبعض الجماعات المتميزة في أفغانستان، يقول هذا الأخ: جاءني مجموعة من الأشخاص من الأفغان، وقالوا: نريد أن نجمع مبلغاً من المال لإنشاء معهد شرعي في المنطقة الفلانية، يقول هذا الرجل: وليس لدي شيء، فاتصلت بعمتي وقلت: نريد ثلاثين ألفاً لمعهد كذا وكذا في المكان الفلاني فما رأيك يا عمة؟! قالت: أنا ليس لدي شيء، قلت: يا عمة! القصة كذا وكذا، والإخوان عندهم حجز غداً للعودة، فلا بد من تدبير المبلغ، قالت: إذاً: اتصل بي بعد العشاء إن شاء الله، يقول: فاتصلت بها بعد العشاء وإذا بها تقول: المبلغ موجود. يقول: مررت عليها وأخذت الثلاثين ألفاً، وسألتها: من أين جئت به؟ كيف صنعت يا عمة؟! قالت: اتصلت بأحد أقربائي وطلبت سلفة ثلاثين ألفاً وجاء بها إلي، ولكني لا أستطيع أن أسدده، فقلت لابنتي الصغيرة: تعالي، فجاءت، فقلت لها: أعطيني دليل التلفون، وأعطيني التلفون، يقول: فبدأت تتصل: أم محمد! ما رأيك في مشروع كذا وكذا وكذا، ووضعه كذا، أم محمد مائتين ريال، أم صالح أربعمائة، أم عبد العزيز خمسمائة، أم كذا أربعمائة، أم أم، قالت: إلى أن استوفينا ثلاثين ألفاً، لاحظوا أيها الأحبة! كيف حضرت المبلغ بعد طلبه بساعات، وبذلت من أجل ذلك الجهد؟ والدال على الخير كفاعله، فهذه امرأة كبيرة في السن وأمية، ولكن انظروا كيف فعلت؟ أليست أيها الأحبة! تفوق الكثير من الدعاة إلى الله بهذا المنهج. أقول هذه القصص؛ لكي يكون في ذلك نبراساً لنا، ودروساً لنا، وتجارب لنا في مسائل حياتنا، ومسيرتنا العلمية والدعوية، لعل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بها جميعاً، وأن يجعلها إن شاء الله معينة لنا على التوجه إلى الله سبحانه وتعالى، وعلى نصرة دينه. وصلى الله وسلم على محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.

العدو الدائم حقائق ووثائق

العدو الدائم حقائق ووثائق ليس هناك أمة من الأمم تعادي أمة الإسلام كاليهود، والتاريخ شاهد على ذلك، فهم ناقضو العهود والمواثيق، وهم عبدة العجل وقتلة الأنبياء كما شهد بذلك القرآن الكريم. فاليهود هم العدو الدائم والمستمر للإسلام والمسلمين، وهذه العداوة لن تنتهي بمعاهدات ولا باتفاقات، بل ستبقى دائمة، ولن يوقف زحفهم ومكرهم وكيدهم إلا القوة وجمع الكلمة.

عرض تاريخي لبعض مراحل اليهود

عرض تاريخي لبعض مراحل اليهود بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد الأمين، وعلى آله، وأصحابه، ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين حديثنا في هذا اللقاء سيكون عن عدو، وهذا العدو تميز بميزة أساسية هي الدوام والاستمرار، وقد يخطر على البال أنه العدو الدائم إبليس أو الشيطان، وهذا يوصف بهذا الوصف فهو عدو دائم مستمر، وعدو لصيق للجميع بلا استثناء ولكن الحديث لن يتطرق إلى هذا النوع من الأعداء، بل سيكون عن عدو يسمع به الكثير في هذه الأيام: إنهم اليهود. نسمع كثيراً عن كلمة السلام الدائم مع اليهود، فعندما نأتي بكلمة العدو الدائم نجد أن هذه الكلمة تضاد هذه الكلمة بشكل كلي، فأيهما أولى بالأخذ؟ وأيهما أولى بالصواب؟ هذا ما ستتحدث عنه الحقائق، وما ستطرقه الوثائق التي سأشير إلى بعض منها، مع ملاحظة أن الحديث عن هذا العدو الدائم حديث طويل ويحتاج إلى عرض متواصل؛ لأن العرض الموجز والقصير قد لا يعطي الموضوع حقه، وحسبي أنني سأشير إلى بعض الوثائق، وسأعرض لبعض الحقائق فقط، وأحاول أن أنتقي منها ما يهم، وما يفهم، وما يُعرف عند البعض. أقول وبالله التوفيق: إن موضوع هذه المحاضرة سيشتمل على وقفات: الوقفة الأولى أستطيع أن أسميها مقدمة، أو تمهيد، أو تقعيد، أو قاعدة لما سأشير إليه بعد ذلك، ثم الوقفة التي تليها وقفة متعلقة ببعض الحقائق والوثائق عن هذا العدو، ثم بعد ذلك أختم بقصيدة جميلة كتبها أحد الطلاب وهي من القصائد التي ربما لم تُسمع قبل ذلك باعتبار أنها جديدة. فأقول أيها الأحبة الكرام! فيما يتعلق بالتمهيد: لكي نفقه ونفهم الحديث عن هذا العدو لا بد أن نفقه جذوره، وأسسه وأصوله، وهذا أمر تاريخي متشعب الأركان، وبالتالي لا يمكن أن نستعرضه مفصلاً، إنما سأعطي لمحات. إن إبراهيم عليه السلام عندما جاء من منطقة حران في العراق إلى الشام بعد أن نجاه الله من النمرود تناسل أبناؤه، وكان حفيده يعقوب عليه السلام ممن استقر في فلسطين، ويعقوب عليه السلام رُزق بأبناء، ومن هؤلاء الأبناء يوسف عليه السلام الذي حقد عليه إخوته، ثم أُلقي في الجب -في البئر- ثم انتقل إلى مصر عبداً رقيقاً، ثم تطور به الأمر إلى أن صار ملكاً حاكماً، ثم بعد ذلك جلب أباه وإخوته إلى مصر، وتملك مصر وتناسل إخوته وأبناؤه وكونوا تجمعاً قوياً في مصر، وكان الحكم بأيديهم، ثم زالت دولتهم وضعف شأنهم وعاد الملك مرة أخرى إلى الفراعنة. وهؤلاء الفراعنة كانوا يحسدون يوسف ويحسدون إخوة يوسف، فقلبوا ظهر المجن لهم وكانت النتيجة أن استعبدوهم، فصار الفراعنة يقتلون أبناءهم ويستحيون نساءهم {وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} [البقرة:49] واستمر الأمر على هذا المنوال، وبنو إسرائيل يعيشون في ذلة وفي مهانة إلى أن استنقذهم الله سبحانه وتعالى ببعثة موسى عليه السلام. وعندما بُعث موسى إليهم دعاهم أولاً قبل أن يدعو الفراعنة، وطلب منهم أن يعودوا إلى الله سبحانه وتعالى، فهل يا ترى استقبلوا هذا المنقذ الذي أراد أن ينقذهم من وهدة الذلة والمهانة إلى قمة العزة والنصر؟ لقد جابهوه مجابهة غريبة وعجيبة، ثم اتجه موسى بعد ذلك إلى دعوة فرعون، ولكن النتيجة كانت السخرية والاستهزاء، ونتج عن ذلك خروج موسى عليه السلام من مصر ومعه بنو إسرائيل، وهلك فرعون وملأ فرعون وجميع من معه من جنده في البحر. وذهب موسى متجهاً إلى منطقة الشام متجاوزاً صحراء سيناء، وعندما خرج هؤلاء القوم إذا بهم يقابلون قبيلة من البدو الرحّل في سيناء، وكان هؤلاء البدو يعكفون على أصنام لهم يسجدون لها ويخضعون، ويستنجدون ويستغيثون بها، فبنو إسرائيل عندما رأوا نجاتهم وهلك عدوهم ورأوا الآية العظمى التي جاءت مع موسى -العصا- ورأوا أثرها في فلق البحر وجعله يبساً، ثم هلاك فرعون أمام أعينهم لم يسجدوا لله شكراً وتذللاً، بل قالوا له: {اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف:138] وكأنهم لا رب لهم، ولا إله لهم، ولا خالق ولا معبود فيطلبون من موسى المخلوق الضعيف أن يجعل لهم إلهاً وأن يوجد لهم رباً، فعاتبهم موسى وصبر عليهم. ثم اتجه بهم ووعدهم بنصر عظيم وخير عميم في فلسطين، ولكن هناك عقبة كئود موجودة أمامهم، وهي مدينة من مدن الجبارين، وهذه المدينة كما ذكر بعض العلماء هي مدينة أريحا الآن، فلكي يتجاوز هؤلاء القوم هذه المنطقة إلى وسط فلسطين لا بد من اجتياز منطقة أريحا، فماذا قالوا له؟ هل قالوا له: هلم لنقاتلهم، ومن يُقتل منا فهو شهيد ومن يبق فهو منتصر؟ لا، وإنما قالوا: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة:24] وهذه غاية في الذلة من هؤلاء القوم. فكانت النتيجة أن حكم الله عليهم بالتيه أربعين عاماً يتيهون في صحراء سيناء، كانوا ينامون في الليل في الصحراء، فإذا استيقظوا قالوا هذا الطريق فيتجهون معه، فإذا ناموا واستيقظوا ضاعت معالم طريقهم؛ لأن المنطقة صحراوية والرياح شديدة فتضيع المعالم وتضيع الآثار، فيعودون من نفس الطريق الذي جاءوا منه، فصاروا يدورون في هذه المنطقة أربعين سنة. فعاشوا عقاباً في مصر بذلة الفراعنة وإهانتهم لهم، وعاشوا شظف عيش عجيب في صحراء سيناء، فهل هذه التربية القاسية أعطتهم دروساً وعبراً في الرجوع إلى الله؟ أم جعلتهم يزدادون عتواً ونفوراً؟ هذا ما سنعرفه بعد قليل.

تحريف اليهود للتوراة

تحريف اليهود للتوراة انتهى التيه ودخلوا أرض فلسطين، وعندما دخلوها وجدوا رزقاً لم يكونوا يحلمون به، ونعيماً لم يكونوا يتصورونه، وملكاً في أيديهم يتصرفون فيه كيفما شاءوا. خرجوا من فقر وذلة ومهانة، وشظف عيش فوجدوا كل شيء تحت أيديهم، ولكنهم وجدوا التوراة أمامهم تقول لهم: لا تسرقوا، وتقول لهم: لا تخونوا، وتقول لهم: خذوا كل شيء بحقه، ولا تأخذوا أموال الناس بالباطل وغير ذلك من الأوامر والنواهي فيما يتعلق بجمع المال، لكنهم يريدون جمع المال بأي صورة وبأسرع وقت، فماذا يصنعون يا ترى؟ هل يطيعون التوراة التي هي أوامر من الله؟ أم يغفلون النظر عنها ويجمعون المال حتى يكونوا أغنياء بأقصى سرعة؟ تأرجحت لديهم هذه المسألة وتلك، فكانت النتيجة أن قر قرارهم على رد نصوص التوراة، فجاءوا إلى نصوص التوراة التي تحرم عليهم السرقة والاغتصاب، والأخذ بغير حق إلى آخره فحذفوها من التوراة، فكان المظلوم إذا جاء إليهم يقول: هذا حرام عليكم، قالوا: من أين علمت أن هذا الأمر حرام؟ فإن التوراة لا تحرم ذلك، أثبت لنا نصاً من التوراة يُحرّم أن أخذ المال من فلان أو فلان حرام. هذا الأمر تحدث عنه بعض علماء الملل والنحل، عندما تحدثوا عن أسباب تحريف اليهود للتوراة، ومعلوم أن اليهود والنصارى أوكل الله سبحانه وتعالى لهم حفظ كتبهم، فلم يراعوا الأمانة فحرفوا وبدلوا. أما القرآن فإن الله تكفّل بحفظه، كما قال عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] ولذلك تعرّض القرآن الكريم لهجمات من التحريف والتأويل والتغيير أضعاف ما تعرض له الإنجيل وقبله التوراة، ومع ذلك بقي كما أنزل لم يُغير منه حرف واحد، بل ولا حتى علامة إعرابية؛ لأن الله تكفّل بحفظه. فأقول هذه النظرية تقول: بأن هؤلاء الذين ظُلموا صاروا يأتون من ظلمهم ويذكرونهم بأحوال الأنبياء وما كانوا عليه من طهر، وأنفة، وعزة، وخلق، ودين، وتقى، وورع، فغاظ هؤلاء الذين يجمعون المال من غير حله أن يسمعوا هذه السير، فذهبوا إلى سير هؤلاء الأنبياء وحرّفوها وغيّروها فذاك نبي زان! بل وزان ببناته! وذاك نبي يسرق! وذاك نبي يقتل! وذاك نبي يعبد الأصنام! وذاك نبي يعتدي على العرض! وذاك نبي يفعل ويفعل! ولم يبقوا نبياً إلا ووصفوه بأوصاف يتنزه عنها كثير من البشر، فصار المظلوم لا يجد مجالاً للتذكير بالأنبياء؛ لأنهم إذا ذُكِّروا بالأنبياء قالوا: أي أنبياء؟ هؤلاء أردى منا! نحن نأخذ مبلغ كذا وكذا والأنبياء انظروا ماذا يفعلون. بل ويقولون: انظروا إلى لوط كيف زنا ببناته! ففي التوراة نص أن لوطاً زنا ببناته! هذا مذكور عندهم بشكل صريح، بل ورزق بأبناء من هؤلاء البنات! لكن لم يسكت هؤلاء المظلومون على مر الزمن وتوالي العصور، بل جاءوا يخاطبون الذين ظلموهم: إن هناك آخرة، وهناك جنة، وهناك ناراً، وهناك حساباً، وهناك عقاباً، وهناك أعمالاً توزن، وهناك صحفاً تتطاير، وهناك أهوالاً يوم القيامة، وهناك عذاب قبر، وهناك سوء خاتمة، فأخذ هؤلاء التوراة وحذفوا منها كل ما يمت إلى الآخرة بصلة، ولذلك تجد التوراة عندما تقرأها من أولها إلى آخرها لا تجد فيها نصاً يتحدث عن جنة أو عن نار أو عن آخرة أو عن عذاب أو حساب أبداً؛ لأنها حذفت، وحُرِّفت وغُيِّرت وبُدِّلت. فلم يسكت هؤلاء المظلومون بل صاروا يأتون هؤلاء الظلمة ويذكرونهم بالله، ويخوفونهم من عقابه، فلم يسكت هؤلاء بل ذهبوا إلى صفات الله في التوراة وأرادوا حذفها، ولكنها كثيرة ومتعددة ولا يمكن أن تُحذف، فحرَّفوها وغيروها وبدلوها، فوصفوا الله سبحانه وتعالى في التوراة بأوصاف يتنزه أخس الناس عنها. والله سبحانه وتعالى ذكر لنا شيئاً من ذلك عندما قال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا} [المائدة:64] وقال: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ} [آل عمران:181] وذكروا أوصافاً منها: أنه حزن على إغراق قوم نوح، وأنه ندم وبكى على إغراقهم، حتى رمدت عيناه. وأنه تعب أثناء الخلق، وارتاح واضعاً قدماً على قدم وذكروا كلمات يقشعر الجلد من سماعها، لكنها موجودة في التوراة. فعاش اليهود هذه الفترة بهذه الكيفية يجمعون المال بأي صورة وبأي كيفية. هذه هي الوقفة الأساسية في هذه المقدمة.

موقف اليهود من أركان الإيمان الستة

موقف اليهود من أركان الإيمان الستة

موقف اليهود من الإيمان بالله

موقف اليهود من الإيمان بالله الوقفة الثانية: موقف اليهود من أركان الإيمان الستة: أولاً: موقفهم من الإيمان بالله: سبق أنهم يصفون الله سبحانه وتعالى بأوصاف يتنزه عنها البشر، ولم يكفهم هذا بل هم ممن يعبد كل شيء إلا الله سبحانه وتعالى، وأول دليل: عبادتهم للعجل، فهم عندما خرجوا من مصر خرجوا وهم أذلة مغلوبون في نفس الوقت، والفراعنة كانوا يقدسون عجلاً مشهوراً لديهم يُدعى عجل أبيس، وعندما مات أبيس أقيمت له جنازة أسطورية لا تشابهها جنازة أي فرعون من فراعنة مصر كما تذكر ذلك كتب التاريخ، هذا العجل أبيس له معبد ضخم جداً في ذاك الزمان ربما اندثر الآن، لكن هذا العجل كان مقدساً في قلوب الفراعنة، وبالتالي في قلوب اليهود. وعندما ذهبوا إلى صحراء سيناء وعاشوا فترة التيه ذهب موسى عليه السلام لموعد ربه، وليتلقى وحياً من ربه سبحانه وتعالى، فاستغل السامري هذا الفراغ بالرغم من وجود هارون، فجمع ذهباً وصنع منه عجلاً، وجعله إلهاً لهم. هذا العجل شبيه تماماً بعجل أبيس الذي مات في مصر، والله سبحانه وتعالى دلل على شدة ارتباط اليهود بالعجل بقوله: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} [البقرة:93] فكلمة أشربوا من الشرب وهو هنا الارتواء، فكأن قلوبهم امتلأت وارتوت من محبة وعبادة العجل. إن العجل الذي عبده اليهود قبل آلاف السنين لا زال يُعبد إلى الآن، فاليهود الآن يعلقون سلاسل في رقابهم فيها العجل، بل ومن شعارات الماسونية التي هي وليدة اليهودية والصهيونية من شعاراتها العجل والحية. إذاً: لا زال العجل موجوداً في قلوبهم إلى هذا الزمان، وعبادة العجل عندهم باقية ومستمرة، فهم يعبدون أشياء كثيرة ما خلا الله سبحانه وتعالى فلا يعبدونه. من الأشياء التي يعبدونها كذلك الحية؛ تخليداً لمعجزة موسى عليه السلام، فهم يخلدونها، طبعاً لا زالوا كذلك يلبسونها على شكل أساور، ولكن وللأسف الشديد أن هذا أمر واقع عندنا في أسواق الذهب، فهناك أساور على شكل حية! وخواتم على شكل حية، وهذه تقديس لحية موسى. ومعلوم معروف أن غالب مصانع الذهب والفضة العالمية في أيدي اليهود إلى هذا الزمان، بل ومن العجائب كذلك في أصفهان في إيران أن هناك قرية تسمى اليهودية، وقرية أصفهان متميزة بغناها، ومتميزة بوجود فئة من اليهود أغنياء، هؤلاء اليهود يتحكمون في شيئين اثنين في منطقة أصفهان: في السجاد العجمي غالي الثمن، وفي صياغة الذهب. وبالتالي تجد أن الذهب وصياغته بأيديهم، ولذلك غالب مصانع الذهب في أمريكا وفي إيطاليا بأيدي اليهود، فهم الذين يصنعون هذه الحيات على شكل أساور أو خواتم أو قلائد أو غير ذلك، لكن تنطلي علينا هذه القضايا نتيجة لجهلنا. من الأشياء التي عبدها هؤلاء القوم بعل، وهو صنم موجود في منطقة بعلبك في سهل البقاع في لبنان، وبك معبد بلغة الكنعانيين، وبعل اسم الصنم، والله سبحانه وتعالى بين ذلك بقوله: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} [الصافات:125] فالكنعانيون كانت لهم قوة وتأثير على اليهود، وبالتالي أعجبوا بصنمهم فعبدوه، ولا زالت طوائف من اليهود إلى الآن تزور منطقة بعلبك تقديساً لهذا الصنم، بالرغم أنه ليس موجوداً، لكن تقديساً للمنطقة التي كان فيها صنم يُعبد من قبل آبائهم وأجدادهم. وعبدوا عزيراً كذلك، وقالوا: إن عزيراً ابن الله. وعبدوا أشياء كثيرة غير هذا.

موقف اليهود من الملائكة

موقف اليهود من الملائكة أما موقفهم من الملائكة فإنهم يبغضونهم ويكرهونهم، يقول تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:98] وهم اليهود، ولذلك عندما أخبرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن الذي يأتيه بالوحي جبريل قالوا له: ذاك عدونا من الملائكة؛ فهم لا يحبون الملائكة.

موقف اليهود من الرسل

موقف اليهود من الرسل أما الرسل فهم لا يؤمنون إلا بموسى، ومع إيمانهم بموسى إلا أنهم كانوا يبغضونه، وكانوا يتحدونه، وكانوا يسخرون منه، فمثلاً قالوا له: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} [المائدة:24] قالوها سخرية، وقالوا له: {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً} [النساء:153] وقالوا له: {اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف:138]، فما اقتنعوا بالأشياء التي جاء بها. فهؤلاء القوم إيمانهم بالأنبياء ضعيف، وهناك آيات كثيرة توضح كيف يتعاملون مع الأنبياء، قال تعالى: {فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [البقرة:87] يعني: مجموعة أنبياء، فقتل زكريا ويحيى، وحاولوا قتل عيسى. وقتلوا أنبياء عدة. وهؤلاء هم أنبيائهم ومع ذلك يقتلونهم. والرسول صلى الله عليه وسلم كم من مرة حاولوا قتله والقضاء عليه؟ ولكن الله سبحانه وتعالى قال له: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة:67].

موقف اليهود من اليوم الآخر ومن الإيمان بالقضاء والقدر

موقف اليهود من اليوم الآخر ومن الإيمان بالقضاء والقدر وأما حالهم مع اليوم الآخر فهم لا يؤمنون به كما أشرنا، أما موقفهم من القضاء والقدر فهم جملة لا يؤمنون بالقدر إلا بنطاق معين، فعندهم أن كل إنسان له اختياره الكامل بدون أي ارتباط بالله سبحانه وتعالى، فليس لله أي إرادة أو مشيئة في ذلك.

الكتب المقدسة عند اليهود

الكتب المقدسة عند اليهود الكتب المقدسة عند اليهود تتمثل في كتابين اثنين: الكتاب الأول هو العهد القديم، والكتاب الثاني هو التلمود. والكتاب الموجود عند النصارى ينقسم إلى قسمين: العهد القديم، ويشمل التوراة وأسفار الأنبياء، والعهد الجديد خاص بالنصارى ويشمل الأناجيل الأربعة وأعمال الرسل. أما العهد القديم فهو الذي يختص باليهود، فاليهود لا يؤمنون بالعهد الجديد؛ لأنهم لا يؤمنون أصلاً بعيسى، فالعهد القديم يتكون من شقين: الشق الصغير هو التوراة، وهي التي أنزلت على موسى، والشق الأعظم والأكبر هو أسفار الأنبياء. أما التوراة فتنقسم إلى خمسة أقسام: سفر التكوين، ويتحدث عن تكوين الخليقة إلى وفاة يوسف عليه السلام، وسفر الخروج ويتحدث من عهد يوسف إلى خروج موسى من مصر، وسفر الأحبار أو اللاويين وهو سفر فقهي، وسفر العدد وهو سفر تاريخي يذكر أخبار بني إسرائيل بالعدد، وسفر التثنية يذكر أحكاماً تفصيلة لم تذكر أو لم يشر إليها في سفر الأحبار لكن الناظر في التوراة سيجد فيها نقاط من التحريف لا حصر لها وهي عجيبة جداً بل ومضحكة، بل ومن تمعن فيها من نفس القوم علم أنها محرّفة، وأنها مغيّرة تغييراً جذرياً أو كلياً. أما أسفار الأنبياء فهي الأكبر؛ وهي الوحي الذي يقولون: إنه أنزل على الأنبياء من بعد موسى إلى وقت عيسى، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام: تاريخ ويشمل -مثلاً- سفر الملوك الأول، وسفر الملوك الثاني، والثالث، والرابع، وسفر أخبار الأيام الأول، وسفر أخبار الأيام الثاني، وأخبار الأيام الثالث، وأخبار الأيام الرابع، وسفر القضاة كلها أخبار تاريخية، وكأنك تأتي بكتاب البداية والنهاية وتضمه مع القرآن، وتقول: هذا الكتاب المقدس، فهي أخبار تاريخية تتحدث عن المعارك وما الذي حصل فيها؟ ومن قتل فيها؟ وكيف قتلوا؟ وكم عدد الذين قتلوا؟ وكيف كانت الحرب؟ وسفر القضاة يتحدث عن القاضي فلان، وكيف حكم؟ وماذا حكم؟ وما القضايا التي حكم فيها؟ أما النوع الثاني فهي أسفار تشريع، والنوع الثالث أسفار نبوءات. أما أسفار التشريع فبعضها مثل سفر يوشع بن نون الذي جاء من بعد موسى، وسفر المزامير وهو سفر الزبور، وسفر كتاب سليمان عليه السلام، لكن بعضها غريب جداً، كسفر الأمثال، فقد جمّعوا فيه كل الأمثال الموجودة عند اليهود وضموها إلى الكتاب المقدس، وأعطوه طابع القدسية، وهناك سفر اسمه سفر الإنشاد وهو أناشيد، فمثلاً ينشد الأطفال أيام الأعياد وأيام الأفراح، فهم أتوا بالأناشيد وأعطوها طابع القدسية. فتلحظ الآن كتاباً مقدّساً، لكن إذا تمعنت فيه ستجد العجب! بل والأعجب من ذلك كله سفر يسمى سفر أستير، وأستير هذه امرأة كانت بغياً، وكانت متميزة بجمالها وذكائها، وكانت من سبي بابل، أو من النساء اللاتي ولدن في بابل بعد سبي بختنصر ليهود فلسطين؛ هذه المرأة أحبها أحد ملوك العراق، فملكت عليه قلبه وشغفت لبه حتى توصل الأمر في النهاية إلى أن أطلق يد اليهود في مقدرات الحكومة في ذاك الزمان، فبدل أن كانوا في الذلة صاروا في العزة والملك، وفُتح لهم المجال للرجوع إلى فلسطين، لذلك قدّس اليهود هذه المرأة؛ وهذا أمر قد لا يلامون فيه، لكن الغريب في التقديس ليس هذا، الغريب أنهم ركزوا على حياتها الخاصة مع الملك، فكانوا يذكرون قصصاً غرامية ووقائع فراشية متعلقة بفراش الملك، وأمور يندى الجبين عندما يذكرها الشخص أمام أولاده، ولذلك قال أحمد ديدات عندما حدّث جيم سويدرت قال له: إن في كتابكم لقصصاً ولكلاماً مقدساً أستحي أن أقرأه على بناتي، فاستغرب سويدرت هذا وقال: أين هذا؟ قال: اقرأ رقم كذا وكذا وكذا! من سفر أستير، فطأطأ سويدرت رأسه وأقر بالهزيمة في هذا الموقف بالذات. أما القسم الثالث فهو النبوءات، والنبوءات أيها الأحبة هي نبوءات مستقبلية، ولكن اليهود كانوا حريصين حرصاً شديداً على هذه النبوءات، فاستطاعوا حذف كل ما يتعلق منها بالمسلمين؛ لأنها تنبئ اليهود ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، لكن النبوءات نوعان: هناك نبوءات صريحة، وهذه الصريحة حُذفت، وهناك نبوءات ليست بصريحة، من ذلك نبوءة في سفر أشعيا، تقول هذه النبوءة: إن نور الله شع من سيناء، وظهر من ساعير، وعمّ الأرض من فاران. فهم لا يعرفون ما فاران هذه! فعندما جاء من يشرح الكتاب المقدس بيّن أن فاران هذه هي جبال مكة، وساعير هي الناصرة التي كان يسكنها عيسى عليه السلام، وسيناء معروفة؛ إذاً نور الله أي وحي الله، ظهر في سيناء ببعثة موسى، وشعّ ببعثة عيسى في الناصرة، وعمّ الأرض ببعثة محمد في جبال مكة، فلو كانوا يعلمون تفسير ذلك لحذفوه، لكنهم لا يعلمون. ومن أشهر هذه النبوءات نبوءة حزقيال ونبوءة دانيال، ونبوءة أشعيا، ونبوءة أرميا، وبعض هذه النبوءات من تمعن فيها رأى فيها دلالات على نبوءة الرسول صلى الله عليه وسلم. أما الكتاب المشهور الثاني عندهم فهو التلمود، والتلمود ظهر وأنشئ قريباً من سنة (200 ميلادية)، وأول من أبرزه رجل يُدعى يهوداهانتي، وهو أول من بدأ في تأليفه، وهو عبارة عن كلام علماء اليهود، فكلام علماء اليهود وحاخاماتهم هو أصل التلمود، ثم بعد ذلك بدءوا يأخذون هذا الكلام ويشرحونه ويطورونه ويكبرونه حتى وصل الأمر إلى أن يكون اثني عشر مجلداً من النوع الكبير جداً، وأعطوا هذا الكتاب طابع القدسية التي سطروها على صفحة الكتاب الأولى بقولهم: إن كلام الحاخامات لا يمكن أن ينقض ولو بأمر من الله! بمعنى أن هذا الكلام يأخذ طابع القدسية! ولذلك فاليهود يقدسون التلمود أكثر من التوراة. والتلمود الآن سري لا يمكن أن تطلع عليه، فلا يوجد منه إلا نسخ بسيطة جداً في مكتبات مشهورة في العالم، هذه المكتبات عليها حراسة، أو بمعنى أدق في غرف مغلقة كأنها خزائن ذهب؛ لأنه يحتوي -أي: التلمود- على نصوص تُعادي النصارى بالذات، وتعادي المسلمين بطريقة غير مباشرة، بمعنى: أن من خالف اليهود يُفعل به ويُفعل، أما النصارى فيخاطبونهم بالاسم وبالنص، ولذلك يخاف اليهود من إظهاره حتى لا ينقلب عليهم النصارى، فيكتسب طابع السرية المطلقة.

اليهود العدو الدائم

اليهود العدو الدائم عندما تأخذ القرآن الكريم وتبدأ في إخراج الآيات التي تتحدث عن الديانات المختلفة ستجد أن هناك أمراً غريباً! لو أخذت مثلاً اليهود، النصارى، المجوس، الوثنية، الصابئة، ثم أخذت كل ديانة ووضعت تحتها الآيات التي تتعلق بها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ثم جئت في النهاية إلى عمل إحصائية، فاليهود عددهم الآن عشرون مليوناً، والنصارى ملياران، فالآيات التي تتحدث عن النصارى تتناسب مع عددهم، لكن سترى هناك مفارقة عجيبة، فاليهود على قلتهم إلا أن الآيات التي تتحدث عنهم كثيرة جداً، وغير متخيل عددها بالنسبة للآيات التي تتحدث عن النصارى، ما هو السبب؟ السبب هو عنوان هذه المحاضرة. السبب: أن الله جعل اليهود هم عدونا الدائم إلى قبيل قيام الساعة. ولذلك تجد أن الصراع بين الأمة المسلمة واليهود متواصل مستمر منذ بعثته عليه الصلاة والسلام إلى نزول عيسى بن مريم في آخر الزمان، ولم ينقطع لحظة، ولم يتوقف دقيقة بأي صورة من الصور. إذاً: هم العدو الدائم والمستمر. فجميع الأعداء يكون هناك شد وجذب وتوقف معهم إلا اليهود؛ لأن العدو الدائم يبقى على عداوته، لكن العدو المتقطع قد يرجع إليك فيعرف أن الحق معك فينضم إليك، فكم من نصراني أسلم؟ وكم من يهودي أسلم؟ لا تستطيع أن تقارن. تجد أن النصارى يسلمون بالملايين، لكن اليهود ليسوا كذلك؛ فلكون العداوة دائمة هنا ركز القرآن عليهم وحذر منهم ونتيجة لذلك فمنذ هاجر المصطفى عليه الصلاة والسلام إلى المدينة وإذا به يكبّل اليهود بالعهود وبالمواثيق فعقد عهداً مع بني قريظة، وعهداً مع بني قينقاع، وعهداً مع بني النضير؛ حتى لا يخونوا؛ لأن من طبعهم الخيانة، فالذين قتلوا الأنبياء وكذّبوهم وسخروا منهم واستهزئوا بهم ليس هناك أي رادع ومانع من أن ينقلبوا على رجل ليس منهم بل هو من قبيلة مختلفة عنهم. ولو نظرنا مثلاً إلى نقضهم لعهودهم: فبنو قينقاع نقضوا العهد، حيث ذهبت امرأة مسلمة متحجبة إلى صائغ في سوق بني قينقاع، فقال لها الصائغ: اكشفي عن وجهك، فرفضت، فأصر عليها أن تكشف ليرى وجهها فرفضت، فأشار إلى رجل آخر فقام الرجل من ورائها وهي جالسة فعقد طرف ردائها، أو ربما عباءتها في أعلاها، فعندما قامت انكشفت؛ لأن الثوب ارتفع فضحكوا عليها، فقام مسلم كان في السوق بعد أن صرخت وا إسلاماه وقتل اليهودي الفاعل، فقام اليهود وقتلوا المسلم، فعند ذلك نُقض العهد، وطُرد هؤلاء القوم. بنو النضير كان هناك عهد وميثاق بينهم وبين المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهو أن يكون هناك تعاون في دفع الديات، يعني: لو قُتل رجل معين قتله اليهود خطأً فالرسول يشاركهم في الدية، ولو قتل المسلمون رجلاً من نفس القبيلة خطأً فاليهود يشاركونهم في الدية، فعندما قتل عمرو بن أمية الضمري رجلاً من بني عامر ممن يدخل في هذا الحلف وهذا التعاهد ذهب الرسول لبني النضير وطلب منهم المشاركة في دفع الدية، فقالوا هذا أفضل وقت لقتل الرسول صلى الله عليه وسلم، من يقوم على هذا الحصن ويُلقي رحى على هذا الرجل -أي: الرسول صلى الله عليه وسلم- وهو جالس؟ فقام عمرو بن جحاف النضري وحاول أن يفعلها، ولكن الله فضحه، فكان نقضاً للعهد والميثاق، فدمِّرت ديارهم وأجلاهم المصطفى عليه الصلاة والسلام. وبنو قريظة خانوا العهد والميثاق وأعانوا المشركين فكانت النتيجة قتل سبعمائة رجل منهم صبراً في الأخاديد، ولذلك فاليهود الآن عندما يأخذهم الحماس يصيحون منادين بثارات بني قريظة، يريدون أن يثأروا لهؤلاء الذين قتلوا. وأحب أن أشير إلى نقطة أخيرة في هذا المقام فقط من مواقفهم: والآن في هذا الزمان الحرب قائمة بين المسلمين في مناطق متعددة وبين الأعداء، فمثلاً: في الشيشان هناك حرب قوية، ومتجددة وفيها أخبار سارة بشكل دائم ومستمر، طبعاً الحرب بيننا وبين الروس، وبين النصارى الأرثوذكس، لكن الذي يخفى هنا أن كثيراً من الغنائم التي يحصل عليها المجاهدون ويفحصونها يجدون فيها أسلحة إسرائيلية يهودية معونة من اليهود لدولة عظمى؛ لأن ملة الكفر واحدة، في أندونيسيا على بعدها لوحظ أن الذين يقاتلون المسلمين من المنظمات النصرانية يقاتلونهم بأسلحة يهودية. إذاً: فهم عدو دائم؛ ولذلك عندما نقول: العدو الدائم، نقصد بذلك العدو المستمر الذي لم تنقطع عداوته أبداً، طبعاً إذا قلنا: العدو الدائم، لا يذهب ذهنك إلى العداوة الحربية العسكرية، فهذه دائرة من الدوائر، لكن هناك دوائر أخرى، هناك الدائرة الإعلامية، هناك الدائرة الاقتصادية، هناك الدائرة السياسية، فالإعلام يتحكم فيه هؤلاء، وكالات الأنباء يتحكم فيها هؤلاء، العديد والعديد من المحطات الفضائية الضخمة يتحكم فيها هؤلاء، الآلة الإعلامية الضخمة في أمريكا وأوروبا يتحكم فيها هؤلاء، البنوك الاقتصادية الضخمة يتحكم فيها هؤلاء. إذاً: تجد أن عداوتهم المستمرة الدائمة شاملة لكثير من المسائل، فإن حذرنا منهم فإن أثرهم لن ينطلي علينا، ولكن نحن -وللأسف الشديد- كالنعام إن صح وصف النعام بأنها تدس رأسها في التراب؛ وهذا كما يقال غير صحيح، لكن على اعتبار أنه صحيح فإننا كالنعام فعلاً ندس دوماً رءوسنا في التراب، وينطلي علينا خداع هؤلاء، وبالتالي نجد أننا كثرة ولكننا كغثاء السيل، فنحن نعيش -وللأسف الشديد- في مرحلة الغثائية في هذا الزمان.

حقائق ووثائق

حقائق ووثائق

الوثيقة الأولى عن مقاتلة اليهود للمسلمين

الوثيقة الأولى عن مقاتلة اليهود للمسلمين ننتقل إلى الوقفات التي أستطيع أن أسميها حقائق أو وثائق: أما الحقيقة الأولى، أو الوثيقة الأولى فسأذكرها، ثم سأخرج منها الدروس والعبر، هذه الدروس والعبر قد تتباين فيها وجهات النظر، فالحقائق والاستنتاجات كل يستنتج بحسب ما يعلم، وبحسب ما يعرف. أما الحقيقة الأولى أو الوثيقة الأولى فتقول: يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (تقاتلون اليهود -وفي رواية: الكفار، وفي رواية: المشركين- أنتم شرقي نهر الأردن وهم غربيه، حتى إن الشجر والحجر ليقول: يا مسلم! خلفي يهودي تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر يهود)، والكل يسمع بهذا الحديث، لكن وللأسف الشديد نحن أمة لا تقرأ، وإذا قرأنا لا نفهم، وإذا فهمنا لا نحلل هذه المقولة ليست مني وللأسف الشديد، وتمنيت أنها مني فعلاً، لكن الذي قالها رجل عبقري، على الرغم من أنه عدو إلا أنه عبقري، إنه موشي ديان، وكان رئيساً لوزارة الحرب عام (1967م) وهو الذي قاد الجيوش التي احتلت القدس الشرقية والجولان والضفة وسيناء هذا الرجل يتميز بأنه عربي مجيد للغة العربية، بل وأديب، بل -وللأسف- وشاعر، هذا الرجل هو الذي قال هذا الكلام. قال: لأنني عندما دخلت هذه المناطق كانت الصحف الإسرائيلية قبل شهر تقريباً من المعركة تتحدث عن المعركة كأنها تقع في هذه اللحظة ومع ذلك لم يستفد منها العرب في أي صورة من الصور. نرجع إلى كلامنا هذا فنقول هذا الحديث يقول: (تقاتلون اليهود) يخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين فلا يصح أن نضع إلى جانب هذا الكلام كلمة السلام الدائم، ومعنى كلمة السلام الدائم: المستمر المتواصل الغير منقطع أبداً، فلا يوجد سلام دائم، ممكن أن يكون هناك سلام مؤقتاً وليس دائماً. هذا يجرنا إلى جزئية ليست من الحديث: عندما يكون العرب وبعض من يمثل السياسية العربية يقول: السلام العادل، يقولون: السلام العادل هو بأن ترجع إسرائيل إلى حدود عام (1967م)، بمعنى أنها تنسحب من الضفة ومن غزة ومن الجولان، وتنسحب من المسجد الأقصى ومسجد الصخرة، وترجع إلى منطقتها التي كانت تعيش فيها عام (1967م)، معنى هذا: إقرار بأننا سلّمناهم منطقة من العالم الإسلامي، وكأننا نسمع يافا تقول: وا إسلاماه، ونسمع عكا تصيح وتقول: وا إسلاماه، ونسمع عسقلان تصيح وتقول لنا: وا إسلاماه، وهكذا حيفا وغيرها تصيح وتبكي وتقول: وا إسلاماه! فنحن رضينا بذلك؛ لأننا عندما نقول: انسحاب كأننا نوقع على التسيلم الكلي؛ وهذا أمر ينبغي أن ينتبه له. الاستنتاج الثاني من الحقيقة الأولى: على مجلس الوزراء أو ما يسمى الكنيست الإسرائيلي لوحة مرسوم عليها خريطة، هذه الخريطة تقول: دولة إسرائيل من الفرات إلى النيل، والحديث يقول: (تقاتلون اليهود أنتم شرقي نهر الأردن وهم غربيه) يعني: في الضفة الغربية، معنى هذا أن إسرائيل لن تتجاوز منطقة الضفة الغربية، ولن تتجاوز الأردن وسوريا، والعراق، وتذهب إلى سيناء مرة ثانية، ثم تحتل جزءاً كبيراً من مصر؛ قد يحصل تطور لليهود ودخول هذه المناطق لكن لن يستمر، ولو حصل سيرجعون إلى مكانهم الذي حدده الحديث، ولكن الواقع الحالي يدل على أنهم لن يتمكنوا من مضاعفة مساحة بلدهم أكثر مما هي عليه الآن. الحديث يقول: (تقاتلون اليهود أنتم شرقي نهر الأردن وهم غربيه) أي: في الضفة الغربية لنهر الأردن، والضفة الغربية الآن تشكل دولة الحكم الذاتي الفلسطيني. والفلسطينيون العرب عموماً يطالبون بإقامة دولة تتمتع بحكم ذاتي في فلسطين لمدة معينة من الزمن، ثم بعد ذلك ينتقل الأمر إلى دولة تتمتع باستقلال كلي دائم، وهذا الحديث يعارض ذلك، فالجيش اليهودي سيكون في الضفة، والدولة إن وجدت فهي دولة هشة، وسرعان ما يكتسحها الجيش ليستعد لمجابهة المسلمين في نهر الأردن، أو بجانب نهر الأردن. وقفة أخرى يقول في آخر الحديث: (حتى إن الشجر والحجر يقول: يا مسلم! خلفي يهودي تعال فاقتله) هذا يدل على جبن اليهود، وخوفهم، ورعبهم، فهم يختفون خلف الأشجار والأحجار يخافون من الموت (إلا الغرقد) ولذلك تجد أشجار الغرقد كثيرة جداً في إسرائيل الآن، وهذه سنشير إليها في حقيقة أخرى.

الوثيقة الثانية عن حرص اليهود على الحياة

الوثيقة الثانية عن حرص اليهود على الحياة الوثيقة الثانية: يقول الله سبحانه وتعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ} [البقرة:96]. الله سبحانه وتعالى قال عن هؤلاء: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة:96] جُعلت (حياة) نكرة للدلالة على أي حياة، فأهم شيء أن يبقى اليهودي حياً؛ لأنها لو عُرِّفت وكانت أحرص الناس على الحياة، لكان المعنى: الحياة الكريمة، الحياة العزيزة، الحياة المتميزة، لكنهم يريدون أي حياة، ويدل على ذلك بقية الآية {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} [البقرة:96] لماذا؟ لأن اليهودي كما أشرنا قبل لا يؤمن بالآخرة، ولا يؤمن بالجنة، ولا يؤمن بالنار، لا يؤمن بالحساب والعقاب، لا يؤمن إلا بالحياة الدنيوية الحسية الجسدية، فلا يوجد شيء اسمه روح عندهم، وبالتالي يتمسكون بالحياة تمسكاً شديداً، هذه الحقيقة وللأسف الشديد غفلنا عنها. وقضية الغفلة عن هذه الحقيقة تتمثل في الصورة التالية: عندما قتل يحيى عياش وكان من مناضلي منظمة حماس، وكان رجلاً فاضلاً مشهوداً له بالخير، عندما قتل هذا الرجل رحمه الله ورضي عنه قام أربعة من أتباعه وأصحابه للثأر له، وقاموا بأربعة تفجيرات، هذه التفجيرات نتج عنها مقتل قرابة خمسين يهودياً وجرح قرابة أربعمائة قد يزيدون أو ينقصون قليلاً، وهذا تحدثت عنه الصحف كثيراً، لكن الأمر الذي لم تتحدث عنه الصحف إلا قليلاً وبنسبة يسيرة، بل ولم يشر إلى ذلك إلا بعض صحف اليهود، إنه أمر يتحقق فيها قاعدة أو وثيقة أو حقيقة: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة:96] (22000 يهودي) قاموا بهجرة معاكسة من إسرائيل إلى خارجها، إلى أوروبا وأمريكا؛ خوفاً ورعباً، فأربعة تفجيرات هجّرت (22000)، فماذا لو كانت أربعين؟ ماذا لو كان أربعمائة تفجير يقوم به أربعمائة استشهادي؟ ماذا ستكون النتيجة؟ إذاً: تبقى قضية {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} [البقرة:96] حقيقة غير مفقوهة بالنسبة لنا، وغير واضحة بالنسبة لنا بالرغم من أنها ظاهرة المعالم، إلا أننا لا نستنتج الدروس ولا نأخذ العبر

الوثيقة الثالثة عن خوف اليهود وجبنهم

الوثيقة الثالثة عن خوف اليهود وجبنهم هذه الحقيقة تجرنا إلى حقيقة أخرى تقول عن هؤلاء القوم: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ} [الحشر:14] فالآن أنتم ترون الأخبار وتشاهدونها، فالطفل الفلسطيني الصغير يرمي بالصخرة والإسرائيلي لديه رشاش ومختف في دبابة، أو في مجنزرة، أو في مدرعة، أو في طائرة هيلوكبتر. إذاً: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ} [الحشر:14] هذا في الزمان السابق، والقرى المحصنة والجدر في هذا الزمان هي الدبابة، والمجنزرة، والطائرة؛ لأنهم جبناء يخافون الموت، ويخافون أن يهلكوا، ولذلك عندما قتل أحد اليهود قبل أسبوعين تقريباً صورت وكالات الأنباء مجموعة من الجند؛ ونشرت هذه الصورة مجلة الأسرة في الغلاف الداخلي؛ هذه الصور لمجموعة من الجند يبكون، فترى الدموع تسيل على خدودهم لأن أحدهم قد قُتل، فيعلق المعلق هنا ويذكر قوله تعالى: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104]. إذاً: هؤلاء يخافون؛ لأنهم رأوا أن صاحبهم هذا فقد كل أمل في الحياة؛ لأنه بعد الممات لا يوجد شيء عندهم، فقد انتهت حياته، ولذلك تجدهم يحرصون كل الحرص على أن لا يجابهوا مجابهة صريحة، ولذلك أكبر ما يرعبهم ويخيفهم هي قضية العمليات الاستشهادية.

الوثيقة الرابعة عن إفسادات بني إسرائيل

الوثيقة الرابعة عن إفسادات بني إسرائيل الحقيقة التي تليها: يقول الله سبحانه وتعالى: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} [الإسراء:4 - 7]. هذه الحقائق وهذه الوثائق الإلهية العظيمة العجيبة فيها من الدروس ما لا يحصيه من يتتبعها، ومن ينظر فيها، ومن يدقق في محتواها؛ الله سبحانه وتعالى كتب على هؤلاء القوم أن لهم الظهور مرتين فقط: أما المرة الأولى فقد ظهروا في عام 400 بعد البعثة الموسوية، فظهروا وتجبروا وطغوا وفسقوا، وأفسدوا، وقتلوا الأنبياء، وكانت النتيجة أن سلط الله عليهم الغزو البابلي الأشوري بقيادة بختنصر، فجاس خلال الديار ودمر كل شيء، ولم يبق حجراً على حجر، كما قال تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ} [البقرة:259] هذا هو نبي الله أرميا. هذا الرجل أرميا مر على بيت المقدس وهو مدمّر، لأن بختنصر لم يبق في دولة اليهود أحداً أبداً، وأخذ معه قرابة نصف مليون أسير إلى العراق، ولا زالت بقاياهم إلى الآن في العراق، أخذ معه كل المقدرات الاقتصادية، ولم يبق في البلد شيئاً، ومن لم يأخذه قتله، ومن لم يقتله أبقاه لأنه كبير في السن، ثم لم تقم لليهود قائمة، ولاحظوا نقطة مهمة، وهذه نظرية تفسيرية لبعض علماء الملل مع أن بعض العلماء يخالف في ذلك؛ وأنا أذكر هذا لقناعتي به. يقول هذا العالم: ولم تقم لليهود بعد هذه الدولة التي فسدت وفسقت قائمة، وقد حاولوا إقامة الدولة في بداية سيطرة الدولة اليونانية فلم يستطيعوا، وحاولوا في بداية سيطرة الدولة الرومانية فلم يستطيعوا، قد تقوم لهم دولة لكنها صغيرة في حكم ذاتي قليلة العدد، أما أن يقوموا قومة كاملة فلم يظهر لهم كيان إلا عام (1948م) يعني: قبل اثنين وخمسين سنة. يقول الله سبحانه وتعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ} [الإسراء:6]، أي: ((ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ)) أيها اليهود! ((الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ)): الضمير يعود على العراقيين، والعراقيون قد ذهبوا، فلهذا قال هذا العالم أي: على المسلمين، فلماذا لم تذكر الآية المسلمين: ثم رددنا لكم الكرة على المسلمين؟ يقول هذا العالم: إن ظهور دولة اليهود عام (1948م) كان والإسلام في أقل حالاته، كانت القومية العربية، كانت الاشتراكية، كانت الشيوعية، كانت الحداثة، كانت الإباحية، كان لها صولة وجولة، أما الإسلام فكان موسوماً بالرجعية والتخلف؛ ولذلك يكون الضمير في بعض الأحيان للتحقير، ففرق بين قولك: جئت أنا وأبو محمد، هذا رفع من الشأن، لكن قولك: جئت أنا وهذا! فيها تحقير، فهنا الضمير يكون للتحقير؛ فقوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ} [الإسراء:6] لأن المسلمين في عام (1948م) كانوا لا يهتمون بشيء اسمه تدين، أو رجعة إلى الحق أو غير ذلك. . {وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ} [الإسراء:6] المدد يأتي دوماً من الخارج إلى الداخل، فالله أمد اليهود ويمدهم بأموال من روسيا، وأمريكا، وكندا، وألمانيا، والنمسا، ومن البنوك ومن تجار اليهود، وليس بمال بل بأموال متنوعة مختلفة. {وَبَنِينَ} [الإسراء:6] قبل أيام أُعلن في الأخبار أن (13000) مستوطن جدد جاءوا إلى إسرائيل، بالرغم من أن المستوطنين يعلمون أن هناك حرباً ضروساً وقوية إلا أنهم جاءوا للمساهمة في هذه الحرب، وهؤلاء هم البنون. {وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا} [الإسراء:6] وأنا لن أجيب على هذا التساؤل؛ لأنه سياسي حساس، لكن سأضع خطوطاً صغيرة، وهناك خط أحمر لن أتجاوزه. كم عدد جيوش العالم الإسلامي، ودباباتهم، وطائراتهم، ومدافعهم، وصواريخهم، في مقابل جيش اليهود؟ لو أن العالم الإسلامي كما يذكر أحد العلماء -من باب الطرافة- جمع علب البيبسي التي هي صنعة يهودية لمدة عام كامل ورمى بها دولة إسرائيل لأغرقها بهذه العلب، ومات أهلها اختناقاً. إذاً: هناك قدرات وقوة عند المسلمين لكنها معطلة، فهم غثاء كغثاء السيل. فاليهود الآن يسيطرون على مقدرات كثير من العالم الإسلامي، بل ويسيطرون على قيادات. ثم يقول الله سبحانه وتعالى: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ} [الإسراء:7] نهاية المطاف بالنسبة لهؤلاء القوم {لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ} [الإسراء:7] الآن اليهود يخططون لهدم المسجد الأقصى. لكي يقيموا عليه المعبد الذي يسمى بهيكل سليمان، وقد جهزوا مخططات لهذا الهيكل وأعدوها، وأعدوا كل شيء حتى المحراب، وحتى الثريات واللمبات، والأدوات والأجهزة وغير ذلك. ولكن الآية تقول لنا: {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ} [الإسراء:7] فهذا فيه معنى، ولعل هذا المعنى يدلنا على أن اليهود لن يستطيعوا هدم المسجد الأقصى، وبالتالي سيبقى هذا المسجد إلى أن يدخله أهل الإسلام؛ وهذا يجرنا إلى نقطة مهمة كثيراً ما يغفل الناس عنها، وهي أن اليهود يلبسون على المسلمين في الخلط بين المسجد الأقصى وقبة الصخرة، فيجعلون قبة الصخرة هي المسجد الأقصى، والمسجد الأقصى يغفل الذكر عنه، وهذا الأمر ينبغي أن ننتبه له ونلحظه، فانتبهوا لهذا، وفرقوا بين المسجد وبين قبة الصخرة.

قصيدة سنفديك أقصانا

قصيدة سنفديك أقصانا وأختم هذا اللقاء بقصيدة جميلة حول هذه القضايا المتعلقة باليهود بعنوان (سنفديك أقصانا) يقول فيها كاتبها: بأي لسان سوف يسعفني الشعر ودمع المآقي صار من طوله بحر تناولت بحر الشعر من بحر أدمعي وصدق بحور الدمع يحكي به الدهر وبعد فإسرائيل طال فسادها مواثيقها نقض وغاياتها مكر وسلمهم المزعوم نصب وخدعة وتوقيعهم للعهد يعقبه الغدر وقومي ينادون السلام وما دروا بأن معاداة اليهود هي النصر أيرجى من القوم اللئام سلامة وتاريخهم كالليل أسود مغبرُّ أساساتهم نقض العهود ألم تروا خيانتهم موسى الكليم فقد خروا سجوداً لعجل ألهوه بزعمهم فتعساً لكم بئس الخيانة والكفر ومن بعده خير العباد نبينا أرادوا به شراً بإلقائهم فخر فجاء خطاب الرب جل جلاله نذيراً لخير الناس إذ رابه الأمر جلاهم نبي الله لله فعله وهل غير أمر المصطفى للورى أمر؟ ومن بعده والقوم تلك صفاتهم إلى يومنا هذا وطبعهم الشر بل اليوم زاد الشر والسفح والبلا بمقدم صهيون إلى القدس بل قروا يدنس قدس الله مسرى نبينا وقبلته الأولى بمن حالهم نكر سنفديك أقصانا بكل دمائنا وهل فوقها تفدى به القبلة البكر ويمضي دعاة الظلم وفق قرارهم يبيدون شعباً أعزلاً ملؤه الفقر بلا رحمة يرمون طفلاً ممهداً وأماً عجوزاً هدها الفقر والذعر وبنت حصان لم تذق طعم ريبة تُقاد ليستولي كرامتها القذر وذاك غلام خارج لجهادهم بقناصة يُرمى وفي يده الصخر وذاك الفتى المقدام يُقتل بغتة أمام الأب المفجوع ذاكم هو الدّرُ فضحت أيا طفل المعالي نظامهم وتعتيمهم للوضع فليخسأ الكفر ومن بعده تأتي الصبية سارة تنادي أنا لم أحمل الصخر لا أجرو فعمري صغير لم يجاوز رضاعتي ولكن رماني دونما رحمة قذر ومع كل ذا يأتي زعيم مغرر يقول بأن الحل للسلم ينجّرُ وهذا وربي! ليس إلا خديعة وخوف وإرجاف وذعر ولا فخر ووالله! إن الحل والله! واضح وضوحاً كما يبدو لناظره البدر هو الحل في الأنفال في التوبة التي تقول بأن الحل آخره النصر فبدر وحطين وخيبر لم تزل تنادي علاج الذل ما قاده الغر جهاد لأهل الكفر يخزي جموعهم ونصر لأهل الحق يُشفى به الصدر جهاد لأجل الله والله شاهد عليكم ورأس المال فيه هو الصبر فهبوا بعون الله وادعوا إلهكم بأن تُرفع الرايات كي يُرفع الضر وصلوا على الهادي المجاهد أحمد وأصحابه الأبطال ما هطل القطر والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا ورسولنا وحبيبنا ونور قلوبنا محمد صلى الله عليه، وعلى آله، وعلى من سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين

عقيدة السيخ

عقيدة السيخ الديانة السيخية من الديانات الموجودة على ظهر الأرض، وقد نشأت في باكستان ثم الهند، وهذه الديانة عبارة عن مجموعة أفكار أخذت من الديانة الإسلامية والهندوسية. وعقائد هذه الديانة تخالف عقيدة المسلمين وعقيدة الهندوس، ولهم طقوس وعادات وتقاليد خاصة بهم، ويعتبرون من ألد أعداء المسلمين.

لمحة عن الديانة السيخية

لمحة عن الديانة السيخية الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. وبعد: سيكون الكلام في هذا اللقاء بمشيئة الله سبحانه وتعالى عن ديانة جديدة لم تخرج على ظهر هذه الأرض إلا قبل فترة ليست بالبعيدة بالنسبة للديانات المعروفة، فهذه الديانة لم تظهر إلا قبل أربعمائة وخمسين أو خمسمائة سنة، وليست كالديانات التي عرفت واشتهرت مثل الإسلام والهندوسية واليهودية والنصرانية والبوذية وغيرها من الديانات التي ظهرت قبل سنين طوال تتجاوز الألف. وسنتطرق في درسنا لهذه الديانة إلى جملة قضايا، فسنعرض أولاً لنشأة هذه العقيدة، ولقضايا مرتبطة بأبرز أئمة هذه العقيدة، ثم بعد ذلك عرض لمجمل العقائد، ثم تركيز على الكافات الخمس، ثم بعد ذلك عرض لمواقف السيخ من الاستعمار، ثم من المسلمين، ومن الهندوس، وحال السيخ كذلك في الخليج وغير ذلك من القضايا الفرعية التي سنطرقها أثناء هذا الدرس. ولا بد أن يؤخذ في الاعتبار نقطة هامة وهي قلة المراجع حول هذه القضية، فلا تكاد تجد مرجعاً وافياً مستوفياً لعقيدة السيخ إلا بعض المراجع المكتوبة باللغة الإنجليزية والتي لم تترجم بعد، وأما المراجع العربية فلا أقول: إنها قليلة، بل شبه معدومة، فليست موجودة كمراجع، وإنما هناك كتابات يسيرة جداً موجودة في بعض الكتب ولا يعول عليها كثيراً باعتبار أنها عبارة عن تركيز فقط لبعض المسائل والقضايا، كما هو موجود في موسوعة الندوة العالمية، وهناك كتيب كتبه محمد السوداني بعنوان: السيخ أو العدو الخفي، وهناك كذلك كتابات كتبت في بعض المجلات كمجلة المجتمع، ومجلة الاعتصام والدعوة المصريتين. وهناك كتابات متناثرة داخل دراسات مرتبطة بديانات الهند بشكل موجز جداً وليس بشكل بين، مع أن هناك مجموعة من المؤلفين تحدثوا عن ديانات مشهورة في الهند إلا أنهم لم يتطرقوا للسيخ، بل تطرقوا إلى ديانات أقل من ديانة السيخ من ناحية الديانة أو كثرة العدد كمثل المؤلف أحمد شلبي في كتابه (مقارنة الأديان) في الجزء الرابع منه عندما تحدث عن أديان الهند الكبرى كالهندوسية والبوذية والجينية، ولم يعرض للسيخية بالرغم من أن السيخ يتفوقون كثيراً على الديانة الجينية من ناحية القوة أو العدد أو الانتشار أو الغنى أو غير ذلك، لكن يبدو -والله أعلم- أن لقلة المراجع التي بيد هذا الرجل جعلته يصرف النظر عن الكتابة عنهم. فهذه المعلومات التي لدي معلومات حقيقية جمعتها من مصادر متعددة وتعبت فيها؛ لأن المراجع قليلة، فكان هناك بعض الإحالات لبعض الرسائل الجامعية التي في الكلية، وهناك بعض اللمحات في بعض الكتب وهي لمحات متناثرة، فلعلها أن تعطي لا أقول معلومات وافية مفصلة عن هذه الديانة، وإنما تعطيك أيها الأخ المبارك قاعدة لدراسة هذه الديانة التي تعتبر من الديانات المعادية عداء كفرياً للإسلام، بل لديهم قاعدة مشهورة ومعروفة توافقوا عليها تقول: إنه لكي يدخل السيخي الجنة لا بد له أن يقتل مسلماً، وهذه القاعدة موجودة في مجمل العقائد التي يطبقها السيخ في كتبهم، وبالتالي فدراسة هذه العقيدة تعتبر ملزمة بالنسبة للشاب الواعي الذي يريد أن يعرف أعداءه ويعرف الذين يحيطون به. وأذكر من طرائف القوم: أن سيخياً كان موجوداً في القصيم في مدينة بريدة، وعندما جاء إلى هذه المدينة كان ذا شنب طويل جداً وبشكل غريب ومخيف، وأول يوم وصل فيه إلى هذه المدينة المباركة إذا بالهيئة يقبضون عليه، ويطلبون منه حلق أو تقصير هذا الشنب، فرفض باعتبار أن هذا من العقيدة التي يؤمنون بها كما سنعرف بعد قليل، فرفض، فحلق إجباراً بالقوة، فخرج من مقر الحلاق الذي يقع في جوار الهيئة وهو يصيح ويبكي أشد البكاء؛ لأنه قد ارتكب جرماً ليس باليسير، ثم طلب أن يرجع إلى بلاده مباشرة ولا يبقى في هذا البلد، فعاد ولم يبق في القصيم إلا فترة يسيرة من الزمن. وكذلك حادثة أخرى حصلت لرجل كان تاركاً لشعره، وكان شعره طويلاً جداً؛ لأن في عقيدتهم ترك الشعر كما هو عليه، فلا يمس بأي موس أو مقص أو غير ذلك، فكان شعره طويلاً يكاد يصل إلى منتصف صدره، وكان أمراً ملاحظاً، فرجال الهيئة يعرفون هؤلاء بسيماهم فأخذ وطلب منه أن يحلق شعره وإلا سيرحل، فاختار الترحيل على أن يحلق شعره، فرحل إلى بلاده؛ لأنه يرى أن هذا فيه إهانة لدينه وإهانة لمعتقده.

كيفية نشأة الديانة السيخية وذكر أهم زعمائها

كيفية نشأة الديانة السيخية وذكر أهم زعمائها الكلام في هذه الديانة يكون من عدة جوانب: الجانب الأول: نشأة هذه العقيدة. العقيدة السيخية نشأت من قبل شخص معروف يسمى ناناك، وهذا الرجل ولد في سنة 1469م في مدينة فلوندي في باكستان بقرب لاهور، وقد أمضى حياته في وقت الملك المغولي لبلاد الهند، حيث كانت باكستان الشرقية وبنجلادش وكشمير والهند دولة واحدة تحكم من قبل الحكام المغول، فلم يكن هناك تقسيم. فولد هذا الرجل في هذه المنطقة التي هي فلوندي في عهد الملك المغولي بهلول اللودي، وكان هذا الملك ليس بمشهور لكنه معروف في سجلات التاريخ. وهذا الرجل الذي هو ناناك كان هندوسياً، وكلمة هندوس جمع هندوكي، فكلمة هندوكي مفرد، وإذا جمعت باللغة الإنجليزية أضيف إليها حرف ( S) فصار المعنى هندوسي، لكن جرت على ألسنة الناس على أن هندوس اسم علم لهم، مع أن الاسم هنا هو الجمع الإنجليزي لكلمة هندو أو هندوكي، فلا بد أن يلاحظ هذا الشيء. وكان ناناك هذا من طبقة الكاشتر وهي الطبقة الثانية عند الهندوسيين، فالهندوس يقسمون أنفسهم إلى أربع طبقات: الطبقة الأولى: البراهمة، وهم حملة الكتاب المقدس، وهم في أعلى الدرجات، ويمتلكون كل ما يمتلك من ناحية المادة أو من النواحي المعنوية وغيرها. الطبقة الثانية: طبقة المحاربين وهم الكاشتر، وكان ناناك من هذه طبقة الكاشتر، ويقال: إنه يرجع إلى العنصر الآري الذي جاء إلى الهند غازياً قبل مئات السنين. كان ناناك هذا محباً بشكل بين للعزلة والانعزال منذ صغره، وهذا أمر يلاحظ في الأطفال كثيراً فتجد بعض الأطفال يشتهر عندهم محبة العزلة وعدم الارتباط بالآخرين، فتجده يلعب لوحده ويجلس لوحده وغير ذلك وهذا هو المشاهد، ومن عنده أطفال قد يشاهد هذا في بعض أطفاله، فكان ناناك مشهوراً بحب العزلة منذ صغره وكان ذكياً، فعندما أدخل المدرسة انكب على الدروس انكباباً عجيباً؛ لطرد هذه العزلة التي كان يعيشها، وليس لطرد العزلة ذاتها ولكن لأنه يحس بفراغ، فأراد أن يعوضه عن طريق الانكباب على الدرس مع عدم الارتباط بالآخرين، فاستطاع أن يجيد عدة لغات، فاستطاع أن يجيد اللغة الأوردية، والفارسية، بالإضافة إلى لغته الأم والسنسكريتية. وبعد أن كبر قليلاً وتخرج من المدرسة عمل محاسباً لرجل أعمال أفغاني مشهور ومعروف بثرائه كان يعيش في منطقة باكستان يدعى سلطان بور، وكان يسكن بجوار أسرة مسلمة، وكانت هذه الأسرة تعمل في خدمة هذا الرجل الأفغاني، فكان يراهم يصلون ويتعبدون ويطوفون بالقبور وبالأضرحة فعرف عن طريق هذه الأسرة الإسلام، أي: الإسلام المحرف لا الإسلام السليم، فتعرف على الإسلام بهذه الكيفية، ثم بعد ذلك فكر في ديانته التي يؤمن بها، وفكر كذلك في ديانة هذه الأسرة التي احتك بها، فأراد بعد ذلك أن يدرس الأديان، ونظراً لأنه شاب ذكي ولديه ذكاء وفهم واستيعاب فقد بدأ في جمع مجموعات من المؤلفات والكتب حول الأديان، فدرس الديانة الإسلامية والهندوسية واليهودية وغيرها ليرى ما هو الصواب، وأثناء دراسته لهذه الأديان كانت المسألة لديه تعتبر عادية، لكن ظهر في حياته شخص كان له دور كبير جداً في إبرازه وبروزه، هذا الشخص كان رجلاً هندياً يدعى السيد حسين درويش، وكان رجلاً هندياً صوفياً مسلماً، يعني: كان مسلماً اسماً، وأما سلوكه فليس من الإسلام، وإنما كان من صوفية الهند، فتعرف عليه عن طريق هذه الأسرة المسلمة، فالتزمه ولازمه باستمرار، وكان السيد درويش يؤمن إيماناً قطعياً بوحدة الأديان أو بمعنى أخص بوحدة الوجود، ويؤمن بالحلول والتناسخ، ويعد من غلاة الصوفية، ويرى أن أي عبادة تصدر من أي فرد كان فإن هذه العبادة تعد عبادة سليمة إذا كانت موجهة إلى الله سبحانه وتعالى، وأما مصدر التوجه من أين هو من فلان أو فلان فهذا لا يهم، فأهم شيء في هذه القضية أن تكون عبادة سليمة وموجهة إلى الله، فعند ذلك تقبل هذه العبادة، ولذلك كان يقول لـ ناناك: إن ديانة الهندوسية صحيحة، وإن ديني صحيح، وإن دين هذه الأسرة صحيح، وإن كل هذه الأديان صحيحة وبالتالي لا خلاف في ذلك، وأما الخلافات الموجودة الآن فهي خلافات شكلية إلى آخر ذلك. فأثر فيه هذا الفكر أيما تأثير، وبالتالي بدأ يفكر في مشروع توحيد الأديان، فهو لا يرى أمامه في الهند إلا دينين اثنين الهندوسية والإسلام، ويرى بينهما من الانقسام والتنافس والاختلاف في العقائد الشيء الكثير جداًن فبدأ يفكر في مسألة توحيد الأديان، ففكر في أن يقوم أولاً بجولة كاملة لجميع المناطق المقدسة في العالمين الإسلامي والهندوسي، فشد الرحال إلى مكة ومكث في مكة فترة من الزمن، ومكة آنذاك كان فيها من البدعيات والشركيات الشيء الكثير، ولم تزل إلا قبل فترة ليست بالبعيدة، كالقباب التي على القبور، والطواف حول الأضرحة وغير ذلك، وكما هو معروف فإن مقبرة المعلا في مكة كانت معروفة بكثرة قبابها، وكذلك البقيع في المدينة، ففي كتاب (رحلة الحرمين) لـ إبراهيم رفعت باشا، وهذا الرجل كان زعيماً في المحمل المصري، وكانت هذه الرحلات قد قامت من مصر في الأعوام من (1314هـ) تقريباً إلى (1322هـ) أو (1323هـ) أو قريباً من هذا التاريخ، فهذا الرجل كان محاسباً في المحمل وبالتالي فإنه كان رجلاً مؤرخاً وكاتباً، فكان يصور كل ما يراه ويتحدث عنه بدقة دقيقة جداً، حتى إنه كان يكتب في كتاباته الأشياء التي صرفها أو قيمتها، فمثلاً: كتب عن بعض الأشياء أنه في تاريخ كذا كان سعره في مكة كذا وكذا. وموضع الشاهد: أنه أرفق في هذا الكتاب عدداً كبيراً من صور القباب المقامة على القبور، فهذه قبة حمزة، وهذه قبة خديجة، وهذه قبة عثمان إلى آخر ذلك. فـ ناناك زار مكة، ثم زار المدينة، ثم زار الأماكن المقدسة عند الرافضة كالنجف وكربلاء، وزار بغداد، ثم زار مزار شريف، وزار مشهد، وزار قم وغيرها من المناطق، ثم بعد ذلك رجع إلى بلاده باكستان، ثم أخذ جولة في الهند فزار المعابد الهندية المشهورة، وزار نهر الجان المشهور، وزار بنارس، وزار مناطق كثيرة جداً ودخلها وتعرف على كل الحياة الدينية في هذه المناطق، ثم رجع إلى بلاده. والآن تمخضت فكرة توحيد الأديان في ذهنه، فماذا يفعل يا ترى؟ دعي مرة من المرات من قبل والده للعمل في الحقل الذي كان يديره والده، وكان والده غنياً، فقال له: لا أستطيع أن أعمل؛ لأني قد أوكل لي مهمة أعظم بكثير مما تتخيل يا والدي، فأراد والده أن يعرف منه هذا الخبر فرفض أن يخبره بذلك. وفي يوم من الأيام جمع مجموعة من أتباعه وكانوا متحلقين في جانب نهر للاستحمام، فدخل في هذا النهر ثم اختفى كما يقول أتباعه ذلك، لكن هل اختفى فعلاً أو أنها خدعة أو غير ذلك؟ الله أعلم، يقولون: اختفى لمدة ثلاثة أيام، ثم خرج إلى أتباعه وأعلن إعلاناً وقال: إنني رأيت الرب، وقد أوصاني بأن أعلن: لا هندوس ولا مسلمون، فرفع هذا الشعار: لا هندوس ولا مسلمون، أي: أن الهندوسية شيء مرفوض والإسلام شيء مرفوض، والبديل هو دين منتقى من الدينين السابقين وهو عبارة عن مجموعة أفكار أخذها من هذا الدين وهذا الدين، ثم أخرجها على أنها الدين الأساسي الذي يريد أن يؤمن به. وبعد أن أعلن هذا الإعلان رفض المسلمون هذا الكلام وكذلك الهندوس، فقام بمناظرات شديدة وقوية مع الهندوس ومع المسلمين كذلك، فكان انتصاره على الهندوس بيناً واضحاً؛ لأن عقائد الهندوس باطلة، وبالتالي فكثير ما تتهاوى هذه العقائد أمامه، بالإضافة إلى أنه كان ذكياً، فكان ينتصر عليهم في النقاش، مما جعل كثيراً من الهندوس يتبعونه، وقد كان يناقشهم في ثلاث مسائل أساسية: المسألة الأولى: مسألة عبادة الأوثان، كيف أن الإنسان يعجب بشيء فيعبده على أنه إله؟ المسألة الثانية: ما يسمونه بالهندية: إستاتي، وهي إحراق الأرملة مع زوجها المتوفى، وكانت عادة بشعة جداً موجودة عند هؤلاء، فكان يناقشهم في هذه الجريمة التي تفعل. المسألة الثالثة: مسألة الطبقية أو الطبقات عند الهنود، وكان يركز على طبقات المنبوذين، فاتبعه عدد كبير جداً وخاصة من الطبقات الدنيا الذين هم المنبوذين، فصار له أتباع. وأما من ناحية المسلمين فكان يناقشهم كثيراً في مسألة عبادة الأضرحة والقبور، ويقيم عليهم الحجة، فكان ذلك من أسباب سقوط هذا الدليل عند المسلمين، وبالتالي فإن أتباعه الذين معه كانوا يرون فيه انتصاراً لهم؛ لأنهم يرون أنه انتصر على الهندوس عن طريق مناقشتهم في عدة قضايا، ويرون أنه انتصر على المسلمين في إسقاط دليلهم تجاه الأضرحة وتجاه القبور. واشتهر عنه أنه كان يحمل معه القرآن والفيدا -وهو كتاب الهندوس المقدس- باستمرار، ويعود هذا إلى أنه يريد أن يؤسس لنفسه كتاباً مقدساً، وهذا الكتاب المقدس لا بد أن يأخذه من هذا الكتاب وهذا من الكتاب، وأخرج لأتباعه مجموعة من النصوص التي تعتبر مقدسة، ولو رجعنا إليها ودققنا فيها لوجدنا فيها نصوصاً بل آيات كاملة من القرآن، ونصوصاً كاملة من الفيدا وهو كتاب الهندوس المقدس. ومن القضايا التي آمن بها وسعى إليها قضية محاربة المبدأ الذي يؤمن به الهندوس وهو التناسخ، وإحلال مبدأ الإيمان بيوم القيامة؛ ليبين لهؤلاء الهندوس سقوط هذه العقيدة وتهافت هذه العقيدة ورفضها عقلاً ونقلاً ونصاً وفطرة، وفعلاً كان لها دور كذلك في سقوط المبدأ الهندوسي. والتقى ناناك بالحاكم المغولي المشهور بابار الذي ينسب إليه المسجد الباباري المهدوم، وأعجب هذا الملك بفكرته وأيدها. ونسبة هذا المسجد لـ بابار لا يدل ذلك على أنه كان رجلاً صالحاً أو قوياً أو رجلاً ممتازاً من الناحية الشرعية، فالقضية قضية نسبة فقط، فالمسجد بني قبله ونسب إليه، فقد اشتهر بتأييده لهذا المنهج الذي هو منهج السيخ، بل وقد ثبت ثبوتاً قطعياً وتاريخياً أنه كان للسكان المغول المسلمين دور قوي في بروز السيخ وظهورهم، فأبرز من

عقائد السيخ

عقائد السيخ عقائد السيخ: أولاً: نريد أن نتعرض لعقيدتهم في الإلهيات والنبوات والسمعيات: أما عقيدتهم في الإلهيات: فإن ناناك أول ما جاء للناس معلناً العقيدة الجديدة كان قد تأثر تأثراً قوياً بعقيدة المسلمين، بل وأحب عقيدة المسلمين، وفي نفس الوقت كان هناك ارتباط قوي وجذور راسخة في العقيدة الهندوسية من قبله؛ لأنه نشأ وترعرع فيها، فوجد هناك نوع من الإشكال؛ فهو لا يستطيع أن يقطع هذه الجذور عن العقيدة الهندوسية، ولا يستطيع أن يرتبط بالهندوسية تماماً، فأراد أن يوفق بين الهندوس والمسلمين فأخذ من هذا قليلاً ومن هذا قليلاً بحسب قناعاته هو، وليست القضية قضية وحي وإنما بحسب قناعات معينة، فرأى -مثلاً- أن الهندوس يعبدون الأصنام فما أعجبته قضية عبادة الأصنام، وأن قضية التوحيد وعبادة إله واحد هي الأصل، وبالتالي أصل عقيدة التوحيد عند أتباعه، فالسيخ يوحدون الإله ولا يعبدون إلا إلهاً واحداً بخلاف الهندوس، مع وجود اختلاف في مسألة: من هو هذا الإله الذي يعبد؟ وما هي صفة الإله الذي يعبد؟ لكن في الجملة هم أخذوا من المسلمين هذه القضية ووجهوا العبادة لإله واحد فقط لا غير. إذاً: فعندهم مبدأ التوحيد مع وجود بعض التداخلات في مسألة عبادة بعض الأصنام لا لأنها أصنام تشارك الإله الأول في العبادة، بل لأنها نائبة عن الإله الأول عند بعض تجمعات السيخ، هذا من ناحية ما يرتبط بقضية الإلهيات. كذلك يكرهون أو يحرمون أي شيء يؤدي إلى عبادة الأوثان، ومن أبرز ذلك قضية تصوير التماثيل، وبالتالي تجد أن معابدهم لا تحتوي على تماثيل بأي حال من الأحوال، ويمنعون ذلك منعاً باتاً؛ لأنها تؤدي إلى أن تعبد هذه التماثيل من دون الإله الذي وحدوه. أما عقائدهم في النبوات فيقولون: إن المعلم -وهو الإمام- هو النائب عن الرب، وبالتالي فلا بد من أن تؤخذ أقوال هذا المعلم على أنها أقوال مقدسة، وهذا المعلم روحه العلمية ليست الروح المعروفة، والعلم الذي في روحه ينتقل بعد وفاته إلى المعلم الذي يليه وهكذا بالتدرج، فيكون المعلم الأول مثلاً يحمل كمية معينة من العلم، والذي يليه يحمل ما عنده من علم مع ما عند سابقة وهكذا؛ فكل معلم يكون أحسن من سابقه لاحتوائه على مجموعة من الأرواح العلمية التي انتقلت إليه من المعلمين السابقين، فهذا المعلم يعد بمثابة النبي بالنسبة لهم، ويقدسونه تقديساً عجيباً، ويحترمونه احتراماً غريباً، وأقواله مطاعة في كل حال وفي كل وقت وفي كل زمان. أما بالنسبة لإيمانهم بالسمعيات أو اليوم الآخر فهم يؤمنون بالآخرة، ويؤمنون بالقيامة، ويرفضون مبدأ تناسخ الأرواح الموجود عند الهندوس، فيقولون: إن الرجل إذا مات فإن روحه تنتقل مباشرة إلى عالم معين، ثم بعد ذلك ترد في يوم آخر ليحاسب ويلقى جزاء أعماله، فالمسألة بالنسبة لهم مأخوذة من المسلمين تماماً بدون أي إشكال في عقائدهم. أما قضية الطبقية فهم يرفضون المبدأ الطبقي الموجود عند الهندوس، لكن مع توالي الوقت ومع كثرة دخول الناس في دينهم وخاصة المنبوذين من الهندوس وجدوا أن القضية فيها نوع من التداخل الطبقي، فلم يعجبهم هذا، فأصلوا مبدأ الطبقية لكنها طبقية ليست شديدة جداً كما هي عند الهندوس؛ فعندهم طبقات: الجات، وهم القبائل المعروفة والمشهورة، والمذهبيين وهم طبقة المنبوذين، ولكنهم لا يحتقرون الطبقة الصغرى طبقة المذهبيين؛ لا يحتقرونها ويذلونها، ولكنهم يرون أنهم أقل مستوى منهم كما هو موجود عند بعض الجهلة من المسلمين؛ باعتبار أن هذه طبقة معينة وهناك طبقات أقل منهم. وأما كون مثلاً من علم برهمياً قطع لسانه، ومن ذكر برهمياً باسمه المجرد صب في أذنيه الرصاص وغير ذلك فهذا ليس بموجود عند السيخ. كذلك من عقائدهم أنهم لا يتزوجون إلا بزوجة واحدة كما سبق. وأما بالنسبة لأعيادهم فإنهم يرون أن أعيادهم لا بد أن تكون مخالفة لأعياد الهندوس، فاخترعوا لأنفسهم أعياداً جديدة، وهي عيد ميلاد ناناك ووفاته، وعيد ميلاد روبنت وعيد استشهاده كما يقولون، فهي في استشهاد أو ولادة بعض الأئمة المشهورين بالنسبة لهم، هذه هي مجمل الأعياد عند السيخ. ولهم عدة كتب مقدسة ومن أبرز كتبهم المقدسة: كتاب غورجرانت، وهذا الكتاب عبارة عن مجموعة من الأناشيد أسسها وألفها المعلمون أو الأئمة الذين توالوا على هؤلاء، وهي عبارة عن ستة آلاف نشيد ألفت وجمعت في مجموعة كتب، وتعتبر الكتاب الأول بالنسبة لهم. وكذلك عندهم كتاب يسمى: راحة ماما، وهو عبارة عن كتاب تقاليد وآداب أسسها أئمتهم، وهي تقاليد مرتبطة بالزواج، وبالوفاة، وبمواليد الأطفال، وبتعميدهم، والأحوال الشخصية إلى آخره، وهذا الكتاب مقدس بالنسبة لهم. وعندهم كتاب مقدس وهو المشهور لكنهم يختلفون في اسمه، وهذا الكتاب ينسبونه إلى ناناك وهو ليس بسليم لا ينسب، لكنه ينسب إلى هؤلاء المشهورين الذين جاءوا بعد ناناك، ويقولون: إنه هو الكتاب الذي أوحى به الرب إلى ناناك، وهو عبارة عن آيات قرآنية ونصوص من الفيدا، وكلام لـ ناناك نفسه، وقصص وغير ذلك جمعت وألفت وأخرجت على أنها إنجيل خاص بالسيخ، ولا يسمونه إنجيلاً بل يسمونه الكتاب المقدس، لكنه عبارة عن كتاب جمعت فيه نصوص شرعية وغير شرعية من أماكن مختلفة. ومن ضمن عقائدهم أداؤهم للفرائض كالصلاة والصيام وغيرها، فعبادتهم في الجملة فيها نوع من التقليد للمسلمين ونوع من التقليد للهندوس؛ لأنهم أخذوا من الديانتين، فتجدهم يصومون عدداً معيناً من الأيام في فترة معينة من السنة، فـ ناناك أصل مبدأ الصيام لكنه يخالف المسلمين ولا يريد أن يوافقهم في صيام رمضان، ويوافقهم في أن الصيام تربية، فأخذ بالصيام لفترة معينة. وكذلك وافق المسلمين في الصلاة، لكنه لا يريد أن يشابههم، فأصل لأتباعه مبدأ الصلاة بدون سجود، فتجدهم يكبرون وينشدون أناشيد معينة، ويقرءون من كتابهم المقدس، ثم يشيرون برءوسهم ويركعون، ثم ينتهون من الصلاة بهذه الكيفية، وينشئون معابد شبيهة بالمساجد لكن ليس فيها محاريب، ومن أشهرها المعبد الذهبي في أمر ستار الذي حصلت له قصة سنذكرها فيما يأتي.

الكافات الخمس عند السيخ

الكافات الخمس عند السيخ ومن أبرز عقائدهم الكافات الخمس، وسميت الكافات الخمس لأن كل كلمة منها تبدأ بحرف الكاف، وقد أسسها روبنت، وهي كما يلي: الأولى: الكيش، فهذه الكلمة تبدأ بحرف الكاف، ومعناها: عدم مس الشعر بمقص، وخاصة الشعور الظاهرة والشارب، فلا يمس شيء منها أبداً بأي حال من الأحوال لسببين اثنين: السبب الأول: لأجل التميز، فهم يريدون أن يتميزوا عن غيرهم من الديانات الأخرى. والسبب الثاني: لأجل الخوف؛ فإن روبنت أنشأ لهم هذه العقيدة باعتبار أنهم في فترة نشأة فيخشى عليهم من دخول أناس غرباء من ديانات أخرى وغير ذلك، فإذا كان الرجل معروفاً بتركه لشاربه ولحيته وشعره فإنه يتميز بهذه الطريقة، ولو دخل رجل قد قصر من شاربه أو لحيته أو شعره فإنه سيعرف، فالسيخ معروفون بهذه الصورة، فلا ترى السيخي إلا وقد أطلق اللحية بشكل مميز وترك الشنب يلتقي مع اللحية بطريقة معينة حتى كأنك ترى رجلاً هندياً مسلماً تقياً نتيجة لهذه الصورة. الثانية: الكانجا أو الكانغا، وهي عبارة عن جدل الشعر على شكل ضفائر فوق الرأس، يقولون: وهذا لسببين اثنين: السبب الأول: محافظة على الشعر عن طريق جدله الضفائر. والسبب الثاني: لخفة الحركة؛ لأنه إذا صار شعره كثيراً قد يتعبه وخاصة الرجل، فإنه يتحرك كثيراً ويذهب ويأتي، وقد يتعبه أثناء القتال أو الصراع أو غير ذلك، فلا بد أن يضفر شعره ثم يلفه بعمامة، ولذلك تجد السيخ لا بد لهم من لبس العمامة، ونادراً ما تجد سيخياً لا يلبس عمامة، ولهم عمائم مميزة. فالسيخي يتميز بعمامته التي تكون على شكل الحرف ثمانية، وإطلاق شعر لحيته وشاربه. ثم لا بد في عقيدة الكانجا من حمل المشط حتى يكون الرجل عندهم بصورة جميلة، فيمشط شعره ولحيته باستمرار، ولذلك فالمشط والسكين عندهم قرينان لا يفترقان. الثالثة: الكاتشا، وهي عبارة عن مخالفة الهندوس في مسألة اللباس، فالهندوس قديماً كان لباسهم هو الدوكي الهندي، وهو موجود إلى الآن وخاصة عند نسائهم، وهو عبارة عن قطعة قماش طويلة جداً تلفها المرأة على أسفلها ثم تطويها على أعلاها، وربما يظهر جزء كبير من بطنها وظهرها، وهذا محرم تحريماً كاملاً عند السيخ فلا بد من وجود لباس مستقل بالنسبة لهم ويسمى السروال العسكري أو الكاتشا، وهو سروال قصير يلبسه الرجل والمرأة، ولكنه مغطى بثوب شبيه بالثوب الباكستاني. الرابعة: الكارا، وهو تحريم الزينة والتبرج والحلي وغير ذلك بالنسبة للنساء والرجال، وإنفاق كل ما يرتبط بالزينة والحلي في سبيل تطوير المذهب، ولذلك نادراً ما تجد هندوسياً عليه خاتم ذهب أو ساعة فخمة أو غير ذلك، وإنما يلبسون حلقة حديد فقط، ويقولون: إن الحديد هذا دلالة القوة، وأنه يطرد رواية الشيطان. الخامسة: الكيربان، وهو سيف صغير، ويلزم السيخي بأن يحمله معه أينما ذهب في كل مكان وفي كل وقت، فإن لم يستطع فليحمل معه ما يقوم مقامه من سكين أو مدية أو غير ذلك؛ للدفاع عن نفسه، ولقتل المسلم؛ ليتحقق له دخول الجنة، وهذا ما ورد بالنص في كتاب روبنت المشهور.

موقف السيخ من الاستعمار والمسلمين والهندوس وغيرهم

موقف السيخ من الاستعمار والمسلمين والهندوس وغيرهم أما مواقف السيخ من الاستعمار ومن المسلمين والهندوس وغيرهم: فالسيخ بعد أن أنشأ ناناك منهجهم بدءوا يتكاثرون لكن بأسلوب بطيء، ثم بعد أن جاء أرجن التقى بـ أكبر الحاكم المغولي الذي تأثر به ففتح المجال لـ أرجن للدعوة، ونجحت هذه الدعوة في استقطاب عدد كبير من هؤلاء، وبدءوا يتمركزون في شمال الهند. وعندما جاء الاحتلال الإنجليزي إلى الهند فإن أول من ثار في وجه الاحتلال هم المسلمون ثم السيخ، فقد احتل الإنجليز أفغانستان قبل الهند في القرن السابع عشر والثامن عشر، فاندحر الإنجليز اندحاراً رهيباً من قبل الأفغان، والسيخ كذلك قاموا لدحر هذا الاستعمار، فوجد الإنجليز أنهم أمام عدة جبهات، منها: جبهة الأفغان، وجبهة المسلمين في الهند، وجبهة السيخ، وجبهة الهندوس، فبدءوا بالتخطيط القذر الذي ساروا عليه في مسألة (فرق تسد) فطبقوا هذا المنهج مع السيخ، فوعدوا السيخ بأن يجعلوهم أمة مستقلة، ويعطونهم دولة مستقلة، ويغدقون عليهم بالأموال والخيرات بشرط أن يكفوا أيديهم عن قتال الإنجليز، ثم شرطوا عليهم شرطاً خفياً لم يعلن وهو أن يوجهوا جهودهم ضد المسلمين، فقام زعيم من زعمائهم يدعى راجيف سنج بهذه المهمة عام 1809م تقريباً، ووقع معاهدة مع الإنجليز بتنفيذ هذا المبدأ، وفعلاً أعطوا منطقة البنجاب، وهي منطقة من أغنى وأجمل المناطق في الهند بعد منطقة كشمير، وقد سمح لهم بحكم هذه المنطقة، وبعد ذلك بدأ الإنجليز يغدقون عليهم بالأموال، فبدءوا يستثمرون هذه الأموال، وهم لا يؤمنون بمبدأ إنفاقها في المشاريع الاستهلاكية الضائعة، فبدءوا يستثمرونها في تقوية أنفسهم وإعداد القوة لتكوين دولتهم، ثم بدءوا يضربون المسلمين من الخلف، فتخلص الإنجليز من عدوين لدودين: المسلمين والسيخ، وكسب الإنجليز المعركة بهذه الصورة. ولم يكسبوها في أفغانستان؛ لأنهم قضي عليهم، لكن عندما احتلوا الهند وجدوا أن السيخ في مصافهم، ووجدوا أن المسلمين قد ضعفوا فلم يقف في وجههم إلا الهندوس، واستطاع الإنجليز بطريقة فنية أن يكسبوا السيخ والهندوس إلى أنفسهم، وأقاموا معارك بين الهندوس والسيخ والمسلمين وبقوا هم على كرسي الحكم مطمئنين آمنين. فالاستعمار الإنجليزي كان له دور قوي جداً في إظهار السيخ وتكوين دولتهم وغناهم، فهم إلى زماننا هذا وهم أغنياء بسبب ما فعل معهم في القرنين الماضيين من قبل الإنجليز.

موقف السيخ من المسلمين

موقف السيخ من المسلمين أما مواقف السيخ مع المسلمين فهو كما يلي: ففي أول الأمر كان السيخ في وقت ناناك لم يكونوا يؤمنون بمبدأ مقاتلة المسلمين، ويرون أن المسلمين إخوة لهم، وإنما جاءوا فقط للتوفيق بين الهندوسية والإسلام، لكن عندما جاء روبنت الخليفة العاشر بالنسبة لهم فإنه أقنعهم أن المسلمين من أعدى أعداء السيخ، وبالتالي بدأ القتال ضد المسلمين قتالاً حامي الوطيس إلى زماننا هذا، فهو قتال مستمر أكثر من ثلاثة قرون ونصف، فهم يقاتلون المسلمين باستمرار. والسبب في ذلك أن من عقائدهم: أن من قتل مسلماً دخل الجنة. فالمجازر المستمرة بدأت من الهندوس أولاً، ومن الإنجليز ثانياً، وأما المسلمين فلا بواكي لهم، وليس بأيديهم قوة ولا سلاح فكانوا هم المهزومين في كل معركة إلا ما رحم ربي. وبعد ما وقع الخلاف بين الهند وباكستان انقسم إقليم البنجاب إلى قسمين، وانقسموا إلى قسمين، فكان السيخ موزعين بين الهند وباكستان، ورفض السيخ هذا التقسيم، وأرادوا أن تكون الدولة مستقلة لهم فحصلت معارك بينهم وبين الباكستانيين المسلمين أدت إلى طرد السيخ من باكستان، فرجعوا إلى الهند وبقوا في البنجاب الهندي. فقضية إقامة المجازر المستمرة من قبل السيخ ضد المسلمين لها طابع المد والجز بحسب اتفاقهم أو عدم اتفاقهم مع الهندوس، فإن كان الأمر مع الهندوس فيه اتفاق وفيه سكون وفيه سكوت فإن السيخ يتحولون على المسلمين، وإن كان الأمر على العكس فإن السيخ يتحولون على الهندوس مباشرة، فالقضية قضية وقت فقط، فإذا سمحت الظروف قاتلوا المسلمين، وإذا لم تسمح وقفوا في وجه الهندوس، وهذا هو منهج السيخ باستمرار دائماً وأبداً.

موقف السيخ من الهندوس

موقف السيخ من الهندوس السيخ يرون أن الهندوس قد سيطروا على حكم الدولة ورفضوا أن يعطوهم إمكانية الحكم المستقل للبنجاب، وبالتالي فلا بد من إيجاد عدة وسائل لحرب هؤلاء الهندوس والاستقلال بالبنجاب، فبذلوا جهوداً كثيرة من ضمنها: القيام بثورات متعددة، وإثارة القلاقل عن طريق القتل العشوائي لأي هندوس يرى، فتسمع دائماً في الإذاعة أو في التلفاز أو تقرأ في الصحافة وغيرها أنه قام سيخي بتفجير قنبلة في سيارة فيها أناس مدنيين من الهندوس؛ لأجل إثارة القلاقل؛ حتى إذا طالبوا بدولة مستقلة أذن لهم، فالقلاقل التي يثيرونها باستمرار ضد الهندوس هي وسيلة للضغط على الحكومة الهندوسية. وأنديرا غاندي الحاكمة المعروفة عملت اتفاقاً مع السيخ على أن يكونوا دولة واحدة ووحدة وطنية وغير ذلك، وفعلاً نسقت هذه المسألة ووجدت بعض التجاوب، ونتيجة لرضاها بهذه القضية فقد اتخذت مجموعة من الحرس ومن ضمنهم اثنان من السيخ، وفي يوم من الأيام رفضت تنفيذ مطلب للسيخ في مسألة معينة فوضعت العين الحمراء عليها، إلى أن قامت الطامة الكبرى بالنسبة للسيخ وهي أنهم أعلنوا التمرد في أمرستار في المعبد الذهبي وأرادوا إعلان الاستقلال بالقوة، فترتب على ذلك أن أنديرا غاندي أمرت بتسيير جيش هائل جداً لمحاصرة المعبد الذهبي في أمرستار عام 1984م، فحوصر محاصرة دقيقة وقوية ونتج عن ذلك تدمير المعبد، والاطلاع على كمية هائلة جداً من السلاح، ومقتل أكثر من ألف وخمسمائة سيخي مع خمسمائة جندي هندوسي، وأراد السيخ أن ينتقموا فأوحوا إلى هذين الحارسين بقتل أنديرا غاندي، فأطلق عليها النار وقتلت، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وإلى وقتنا الحاضر والحرب مشتعلة بين السيخ والهندوس بسبب فرض السيخ لمنهجهم في سبيل تكوين دولة مستقلة لهم.

السيخ والخليج وموقف المسلمين من عقيدة السيخ

السيخ والخليج وموقف المسلمين من عقيدة السيخ النقطة التي تليها هي: قضية السيخ والخليج، وما هو موقفنا من السيخ. عرفنا مجمل عقيدة السيخ، ومن ضمن عقائدهم الأصلية الأساسية المؤصلة قضية: من قتل مسلماً دخل جنتهم الموعودة. فهم يكرهون المسلمين ويحقدون عليهم، فلا بد من أن يؤصلوا هذه العقيدة في بلادهم، ولكنهم مضطرين للانتقال إلى البلاد الخليجية لكسب الرزق والمعيشة، فيأتون تباعاً، ونتيجة لهذا الإتيان المتوافر في الخليج فقد صاروا يجمعون المال ويرسلونه إلى بلادهم ليتقووا به أكثر فأكثر، وترتب على ذلك جملة قضايا، ونتيجة للترتيب والتنظيم فقد توصلوا في نهاية المطاف إلى احتواء مناطق عسكرية كاملة، واحتكار عدة مسائل اقتصادية في دول الخليج. فالسيخ يتكاثرون في مناطق الخليج بكثرة بينة واضحة، ولعل السبب في ذلك أنهم يركزون على مسألة العمالة المدربة، فيعتبرون بالنسبة للهند من الناس المثقفين، فهم يركزون على الجانب التثقيفي بالنسبة لقومهم؛ والسبب في ذلك يرجع إلى ارتقاء مستواهم المعيشي لدرجة أنهم لا يمكن أن يستغنوا عن العمل في الدول الخليجية أو العربية، فهم ليسوا مثل غيرهم من الهنود البنغلاديشيين أو غيرهم، ويترتب على ذلك أنهم يأتون إلى بلادنا ولديهم معرفة واطلاع. ثم إنهم يركزون على الجانب التثقيفي، بمعنى: أنهم يحرمون على أتباعهم أشياء كثيرة كشرب الخمر، والتدخين، ودخول الملاهي وغير ذلك، مما أدى إلى إنشاء جيل مثقف يأخذ العلم الموجود لديهم فيأتي إلى بلاد المسلمين وهو يشعر بأنه مثقف أكثر من غيره من العمالة التي لا تعلم شيئاً، فبطريقته وثقافته ولباقته يستطيع أن يحتل مراكز معينة. ولذلك تجد في بعض الدول خاصة دول الخليج كالإمارات وغيرها أن هناك سيخاً يشكلون تجمعات اقتصادية قوية، فبأيديهم مجموعة من التجارة المعروفة بأنه لا يديرها إلا السيخ، وهناك معابد خاصة بهم نتيجة لذلك، وهناك دوائر حكومية يرأس كثير من فروعها سيخ هندوس، بل وهناك شرطة وضباط وغير ذلك من السيخ، ولو ذهبت إلى الإمارات وهي المميزة في هذا الجانب ستجد أن هناك عدداً من السيخ يرأسون دوائر حكومية معينة وإدارات عسكرية، بل وقد دخلوا في الجيش والدفاع ودخلوا في كل مكان نتيجة لهذا السبب، وهذه مصيبة من المصائب، ولعلي أختم بكلام قاله أحد المسئولين الكويتيين عندما قال: نحن والله نسير بالبركة، وإلا فلو قام الهندوس فقط بحركة في الكويت لاستطاعوا أن يحولوا الكويت إلى دولة هندوسية في ظرف ثلاث ساعات، أي: أن عدد الهندوس يتجاوز مائة وخمسين ألف هندوسي في هذه الدويلة الصغيرة، فممكن أن يلتفوا بطريقة أو بأخرى على هذه الدولة ويأخذوها بسهولة، وخاصة أن كثير من هؤلاء المائة وخمسين يعرفون خفايا الأمور، فهذا -مثلاً- صاحب متجر يعرف كيف يعمل صاحب المتجر وكيف يذهب وأين يذهب؟ والذين يعملون في الدائرة الفلانية أو الشرطة الفلانية يعرفون الخفايا، وهذه أعماله في الدائرة الحكومية الفلانية، أو الدائرة العسكرية المهمة الفلانية فيعرفون كل شيء ويستطيعون بطريقة فنية أن يقوموا بما يريدون، وأن يحققوا ما يريدون. فهذا ما يرتبط بالعقيدة السيخية، ولعلي اختصرت هذه القضية لسببين: الأول: كسباً للوقت؛ لاعتبار أن الدرس هو درس واحد ولم أرض في تمديده إلى درس آخر، بالإضافة إلى قلة المراجع أو ما كتب عن هذه الديانة.

الأسئلة

الأسئلة

قضية حرق الأرملة مع زوجها المتوفى

قضية حرق الأرملة مع زوجها المتوفى Q هل حرق الأرملة موجود الآن؟ وعند من هو موجود؟ A حرق الأرملة كان موجوداً بشكل بين وواضح عند الهندوس، وبدأ يضعف ويقل لدرجة أنه كاد أن يتلاشى، لكنه لم يتلاش فهو موجود عند الهندوس في بعض المناطق والقرى التي تعتبر محافظة على عقيدتها، فهم يعتبرون هذه القضية اختيارية الآن، وأما سابقاً فكانوا يعتبرونها إجبارية، ونتيجة لوجود الإعلام وكثرة السياح والتصوير وغير ذلك فإنهم يخشون من النقد اللاذع لهم فأرادوا تغطية هذه القضية وإلغائها، وصارت محصورة في بعض المناطق فقط.

حكم استقدام السيخ الهنود للعمالة في البلاد العربية

حكم استقدام السيخ الهنود للعمالة في البلاد العربية Q إذا كان قتل المسلم يدخل الجنة عند السيخ، فما رأيكم فيمن يستقدم السيخ؟ ولماذا لا يكثف الإعلام بإشعار العامة والجهلاء بذلك؟ A قضية تكثيف الإعلام عن هذه القضية يعد أمراً مفقوداً، فعقيدة السيخ أن من قتل مسلماً دخل الجنة من العقائد الثابتة التي لا شك فيها، وكونه إذا جاء إلينا فربما يقتل مسلماً، هذا قد لا يرد بالنسبة للسيخي؛ لأنه يعرف أنه سيقتل لو قبض عليه، لكنه قد يحقق هذا الهدف إذا توفرت له الفرصة سواء كان في البلاد العربية أو غيرها، وأما في الهند فالأمر فيها مفتوح وبين، فثق تمام الثقة أن الهندوسي الذي يستقدم إلى البلاد العربية فإن يديه ملطختان بدماء إخواننا المسلمين الهنود الموجودين في الهند.

موقف السيخ من المسلم السني أو الشيعي

موقف السيخ من المسلم السني أو الشيعي Q معلوم أن من عقائد السيخ: أن من قتل مسلماً دخل الجنة، فهل يفرقون بين السني والشيعي؟ A الذي يبدو لي أنه لا فرق، ولكن قد يكون هناك فرق إذا كانت القضية فيها تفصيل بالنسبة لهم، فالظاهر أنه لا فرق، وهذه المسألة لا علم لي بها.

نداء لأصحاب الشركات التي فيها عمالة هندوسية وسيخية

نداء لأصحاب الشركات التي فيها عمالة هندوسية وسيخية Q ذكر أن حكومة الهند ألزمت المسلمين الذين يطلبون عمالة هندية أن تكون النسبة الكبيرة منهم هندوس، وهذه الحقيقة عارضوها بشدة لأن واقعهم يخالف ذلك؟ A أنا دققت في هذه المسألة فقيل لي: إن المسألة لم تتضح، لكن يقولون: عندنا هنا مكاتب استقدام، وفي الهند هناك مكاتب استقدام، فمكاتب الاستقدام التي في الهند لا يديرها ويشرف عليها إلا الهندوس، فالمسلم عندما يذهب إلى مكتب من مكاتب الاستقدام ويبحث عن عمالة كمكنيكي سيارات فإن المكتب يرفع التلكس أو الفاكس ويتصل بالمكتب الهندوسي لإيصال عمال يعملون في مكانيك سيارات، فالمكتب الهندوسي سيأتي بالهندوس ويدخلهم إلى البلاد نتيجة لذلك، فهذا قول وهو المشهور. وهناك قول آخر وهو: أن الحكومة الهندية إذا لاحظت أن هناك ارتفاعاً في نسبة استقدام المسلمين فإنها تقف موقف المتابع لهذه المسألة، وأما إذا رأت المسألة طبيعية فإنها لا تتدخل، فإذا رأت أن هناك تغليباً لجانب استقدام المسلمين فإنها تتدخل، فالقضية الأساسية ترجع في الأصل إلى مكاتبنا التي لا تهتم باستقدام هؤلاء. وعندي مجموعة من المظاريف تحتوي على نداء موجه لكل صاحب شركة لديه عمالة هندوسية بأن يرعوي ويرجع إلى الله سبحانه وتعالى ويطرد هؤلاء، وأقترح على من أراد مظروفاً ولديه إمكانية لإعطائه من عنده عمالة أن يأخذه ويعطيه لصاحب مكتب الاستقدام بعد أن يناصحه ألا يستقدم هؤلاء الهنود؛ لأن الذين يأتون إلى مكاتب الاستقدام غالبهم جهلة لا يفهمون ولا يميزون بين هندوسي أو سيخي أو غيرهم، فأهم شيء أن يجد رجلاً يعمل، فالذي يعلم هو صاحب المكتب، فإذا كان عند صاحب المكتب وعي فإنه يقنع هذا الشخص الذي جاءه ألا يستقدم إلا مسلماً.

أصل اشتقاق اسم السيخ

أصل اشتقاق اسم السيخ Q ما أصل اشتقاق اسم السيخ؟ A أنا بحثت فيها فلم أجد شيئاً، وفي الحقيقة لم أجد الوقت الكافي للبحث عنها، فقد رجعت إلى بعض المعاجم فلم أجدها تحيل إلى معنى كلمة سيخ أو دلالتها، لكن وجدت معنى غريباً وهو أنهم يقولون: إن كلمة سيخ معناها الأحرار وهذا في لغة من لغاتهم، ولم أتأكد من ذلك، فهذه المسألة ستكون في ذهني فإن وجدت لها معنى فسأفيدكم بها إن شاء الله.

بيان مذهب السيخ الذين يقصرون لحاهم

بيان مذهب السيخ الذين يقصرون لحاهم Q الملاحظ أن السيخ يأخذون من لحاهم ويقصرونها فعلام يدل ذلك؟ A هذا طبعاً يعد أمراً طارئاً، وهؤلاء في الغالب أو في الجملة هم من الذين ينتسبون إلى الحزب الآخر وهو الحزب التجديدي، ومن الذين يعتبرون أنفسهم من المجددين، فيأخذون من لحاهم، ثم هنالك قضية أخرى وهي أنه لا يلزم أن يكون كل سيخي طائعاً ومتابعاً للسيخية تماماً، فقد يكون فيهم مخالف أو عاص كما هو موجود في كل الديانات.

المقارنة بين عقيدة الشيعة وعقيدة السيخ

المقارنة بين عقيدة الشيعة وعقيدة السيخ Q هل عقيدة السيخ بالإلهيات والنبوات وغيرها أهون من الشيعة وكلاهما شر أم غير ذلك؟! A نعم، أنا اعتبرهم أهون من الشيعة بكثير، فالشيعة معروف ومفهوم عنهم أنهم يخالفون المسلمين في كل شيء ويرون أن أي أمر يوافق المسلمين لا بد أن يغير ليخالفهم، فهذا أمر يقعدونه ويؤصلونه، فقد قال الكليني الذي هو ثقتهم المشهور: ما خالف العامة ففيه الرشاد، أي: أهل السنة. وقد ذكروا عن رجل أنه سأل أبا عبد الله جعفر الصادق فقال له: إذا كان عندي مسألتان مختلفتان فأيهما أتبع؟ قال: انظر أيهما خالف العامة فاتبع، قال: فإن كان العامة يأخذون بكلا المسألتين؟ أي: أن فيها خلافاً فبعضهم يأخذ برأي وبعضهم يأخذ بالرأي الآخر، قال: انظر فما كان أكثر العامة قد أخذوا بها فخذ بالأقل، قال: فإن كانوا متساوين في ذلك؟ قال: فاتركهما وابحث عن مسألة ثالثة، قال: وإن لم توجد مسألة ثالثة؟ قال: خذ بأحدهما واستغفر الله تعالى! أي: لا بد أن تخالف أهل السنة بأي صورة من الصور، وبأي حال من الأحوال.

معنى قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم)

معنى قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم) Q ما موقف المسلم مع أعدائه بجانب قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:105]؟ A هذه الآية لو أخذت بها لوحدها لكنت كمن يأخذ بقوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون:4] فقط، فهذه الآية مرتبطة بغيرها من الآيات والنصوص، ومعناها أنه لا يضرك شيء أيها المسلم إذا كنت مهتدياً وبذلت في سبيل هداية الآخرين جهدك وناصحتهم وأمرتهم بالمعروف ونهيتهم عن المنكر فلم يستجيبوا لك أثناء ذلك، ففي هذه الحالة لا يضرك شيء من هؤلاء إن أديت ما عليك، فهذا هو الأصل في الجمع بين النصوص؛ لأن منهج السلف في أصول الاعتقاد أنهم يأخذون النصوص كاملة ولا يفصلونها، والذين يفصلون النصوص هم الفرق الضالة، كالخوارج الذين يأخذون بنصوص الوعيد، والمرجئة الذين يأخذون بنصوص الوعد، وأما أهل السنة والجماعة فإنهم يأخذون بالنصوص كاملة، ومن النصوص الكاملة هذا النص، فإذا أديت ما عليك ولم يستجب لك أحد فلا يضرك أحد إذا اهتديت أنت.

سبب أفضلية عمالة السيخ

سبب أفضلية عمالة السيخ Q ما سبب أن عمالة السيخ من أفضل العمالة؟ A سببه أنهم يهتمون بجانب التثقيف، فهم يقدمون إلى البلاد الإسلامية بدافع عقائدي، وبالتالي فإنهم يتلطفون ويؤصلون لمنهجهم ولعقيدتهم في دول الخليج.

هل إطالة السيخ لشعرهم يعتبر من المجاهرة بالكفر

هل إطالة السيخ لشعرهم يعتبر من المجاهرة بالكفر Q ألا يعتبر لباس السيخ وإطالة شعورهم من المجاهرة بالكفر؟ A قضية المجاهرة بالكفر موجودة عند جميع الأديان، فالنصارى يجاهرون بالكفر عندما يلبسون الصليب ويعلنونه، فنحن نحاول قدر جهدنا أن ننصح ونبذل الجهد، لكن أن نلزمهم على ترك ذلك فلسنا مطالبين بأن نلزمهم، قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]، {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، لكن إذا رأيت إنساناً بهذه الصورة فتحاول قدر جهدك أن تناصح، وتحاول قدر جهدك أن تأمر وتنهى وتبلغ الآخرين عنه، فإن عدل وغير فبها ونعمة، وإن لم يعدل فقد أدينا ما علينا والباقي على الله سبحانه وتعالى. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أنواع النفاق والكفر والشرك

أنواع النفاق والكفر والشرك النفاق والكفر والشرك في الإسلام أنواع متعددة، منه ما هو مخرج من الملة، ومنه ما لا يخرج من الملة، فكل هذه الثلاث لها ضوابط شرعية مأخوذة من الكتاب والسنة، واجتهد العلماء في تخريجها على أقسام؛ ليجتنبها المسلم ويحذر منها.

النفاق وأنواعه

النفاق وأنواعه

سبب تسمية المنافق بهذا الاسم

سبب تسمية المنافق بهذا الاسم أخذ هذا الاسم من عمل يعمله حيوان يعيش بالبرية هو الجربوع، وهذا الحيوان الصغير من شدة حرصه على التخفي عن الأعداء يحفر له حفرة ذات أبواب متعددة، من هذه الأبواب باب مفتوح إلى البرية بجانب معلم معين يعرفه بحواس معينة، أما الأبواب الأخرى فأبواب مغطاة، بمعنى: أنه يحفر داخل الأرض، ثم بعد ذلك يرتفع شيئاً فشيئاً إلى سطح الأرض، وإذا اقترب من الوصول إلى سطح الأرض ترك طبقة رقيقة ذات سمك معين لم يحفرها، يترك هذا السمك للحاجة عندما يهاجم من قبل عدو من الخارج أو حتى من الداخل، فيدخل ويختبئ في هذا الجحر، ثم يخرج من الباب الثاني، وإذا كان العدو يدخل عليه في جحره يخرج من الباب الخفي، والباب الأول يسمى: النافقاء، والأبواب الأخرى تسمى القاصعاء حسب مصطلحات اللغة العربية. وأطلق على المنافق منافقاً؛ لأنه يظهر شيئاً ويخفي شيئاً آخر، فيظهر أمراً ويخفي أمراً مخالفاً له، وتجده يتحدث بكلام ويأتي بما يعاكسه وبما يخالفه، هذا هو سبب التسمية.

النفاق في المدينة

النفاق في المدينة تعرفون أن المصطفى عليه الصلاة والسلام عندما هاجر إلى المدينة كانت المدينة تعج بالديانات المختلفة، وكان المسلمون فيها أقلية، وبعد ذلك بدأ الإسلام ينتشر شيئاً فشيئاً، ثم بدأت المعالم تتحدد، فبقي اليهود على ديانتهم، والمسلمون بدءوا ينتشرون ويتكاثرون، لكن وجد أناس على الشرك ولا يستطيعون المكوث على الشرك؛ لأن القضية ليس هناك رجل يمكث على هذا المنهج، إما أن يسلم وإما أن يقتل؛ لأن الإذن لهم قد حدد، وبالتالي فهؤلاء لا يريدون الإسلام، فترتب على ذلك أنهم دخلوا فيه كرهاً ونفاقاً، فصار أحدهم يخفي دينه الأصلي، إما أن يكون مشركاً أو نصرانياً أو يهودياً ويظهر خلاف ذلك، وبعد ذلك يخرج ما يضمره من عداء للإسلام، ويحاول أن يكيد للمسلمين، ولعل القصص كثيرة جداً مع هؤلاء، كما حصل في معركة أحد، وفي غزوة تبوك، وكذلك ما حصل في غزوة بني المصطلق وغيرها من جهود هؤلاء المنافقين في تثبيط الصف الإسلامي. وبعد أن انتشر الإسلام وازداد، بدأ هؤلاء المنافقون يقلون شيئاً فشيئاً، يقول أحد العلماء حفظه الله: كان المصطفى عليه السلام عنده القابلية، والاستعداد، والقدرة على أن يقبض على هؤلاء المنافقين واحداً تلو الآخر؛ لأن الوحي يخبره بهم، فيقضي بذلك على النفاق، لكن القضية ليست قضية قضاء على أشخاص، ولكن القضية قضية منهج، فالإسلام أراد أن يحدد لنا من خلال هؤلاء الأشخاص منهج النفاق، حتى نعرفه ونعايشه في مستقبل الأيام، وهذا هو الذي نتج، فالمنافقون الأول انتشروا في وقت الإسلام الأول، لكن المنهج بقي ولم يتغير، وبالتالي فلو قضي على هؤلاء المنافقين، لكسب المصطفى عليه السلام عداوة، ألا وهي أن الناس يتحدثون أن محمداً يقتل أصحابه، لكن تركهم على ما هم عليه إلى أن أفناهم الدهر، وفي نهاية المطاف بقي المنهج، وهذا المنهج باقٍ لم يتغير، وبالتالي هذا المنهج عرفناه وعلمناه من خلال النصوص الشرعية في القرآن الكريم والسنة التي تحذر المسلمين منه شيئاً فشيئاً إلى أن تكامل المنهج. ولذلك فإن كثيراً من الناس الآن يعرفون في لحن القول، ويعرفون بالتصرف، ويعرفون في الكتابة، يعرفون من خلال الإذاعة والتلفاز والصحافة إلى آخر ذلك بأنهم فعلاً يمثلون منهج النفاق.

أنواع النفاق

أنواع النفاق النفاق ينقسم إلى نوعين: النفاق الاعتقادي، والنفاق العملي.

النفاق الاعتقادي وأقسامه

النفاق الاعتقادي وأقسامه النفاق الاعتقادي: هو الذي يعتقده الإنسان بقلبه وبفؤاده وبضميره داخل صدره، لا يخرجه أمام الناس في الأصل، لكن فيما بعد يخرج أمام الناس لا محالة؛ لأنك سترى ذلك على وجهه وفي فلتات لسانه، وفي تصرفاته، وفي سلوكه، وهذا النفاق ينقسم إلى سبعة أقسام: القسم الأول: التكذيب الكلي للرسول صلى الله عليه وسلم، وعدم تصديق خبره أي: تكذيبه تكذيباً كاملاً، وقد يقول قائل: إذا كان يكذب الرسول صلى الله عليه وسلم تكذيباً كاملاً فهل يعتبر منافقاً؟ A هذا يعتبر كافراً؛ لأن هناك شعرة دقيقة بين هذا وهذا وهي أن المنافق إذا جاء عند المسلمين أظهر الإسلام، لكن إذا دخل مع غيره من أصدقائه وزملائه وغيرهم، فإنه يظهر التكذيب الكلي لما جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم، فهذا أخذ الكل فكذب به. وكل النقاط التالية عبارة عن إظهار شيء وإخفاء خلافه، وبالتالي فلا تفهم من هذا أنه يعلن ذلك علناً؛ لأنه لو أعلنه علناً لدخل في زمرة الكفار، ولخرج من زمرة المنافقين، فهذا القسم يظهر ما يبطن، أما أن يخفي هذا ويظهر غيره فهذا هو الخطر. القسم الثاني: تكذيب بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فتجده في مجالسه الخاصة يكذب أموراً ثابتة ثبوتاً قطعياً عن المصطفى عليه الصلاة والسلام، فهو لا يكذب بأمور ليست أساسية في الدين، كأمر ورد فيه حديث حسن، لم ترد فيه آية ولا حديث متواتر، ولا حتى حديث صحيح، وإنما هو حديث حسن ليس من جهة أنه جاء عن الرسول عليه السلام، لكن من جهة أن هذا الحديث في سنده أو في متنه ضعف أو فيه غير ذلك فيكذبه، بل المقصود: أن يكذب أمراً ثابتاً عن المصطفى عليه السلام. القسم الثالث: بغض الرسول عليه السلام. القسم الرابع: بغض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، مثل الحجاب ثبت في القرآن وثبت في السنة، فتجد إنساناً يبغض ذلك، هو اسمه فلان بن فلان، اسم إسلامي كامل، ومسلم ويصلي ربما، ومع ذلك يبغض الحجاب؛ لأنه جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أو لأنه لا يعجب هواه، وبذلك تجده يعارض، وينتج عن هذا البغض أن هذا الرجل يدخل في زمرة المنافقين، وأنبه هنا إلى نقطة مهمة وهي: أنه كثيراً ما يدخل الإنسان في النفاق وهو لا يشعر، وقد ثبت ذلك عن الصحابة والتابعين، كانوا يرددون ذلك مراراً وتكراراً، أنه يدخل في النفاق ولا يشعر، وقد روي عن عروة بن عبيد الله بن عبد الله بن مسعود أحد تابعي التابعين أنه قال: ليتق أحدكم أن يكون يهودياً أو نصرانياً وهو لا يشعر، وروي وثبت: أنكم تعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على وقت رسول الله من الموبقات، وفي نص آخر: من النفاق، أدق في أعيننا من الشعر، لا قيمة لها وربما لا ترى، ومع ذلك كان الصحابة يعدونها نفاقاً. إذاً: قضية النفاق قضية حساسة تحتاج إلى وقفات، وتحتاج إلى تنبه، فبغض بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هذا وارد كثيراً، خاصة من الصحفيين والكتاب والأدباء، يحصل كثيراً منهم ذلك، فتجدهم قد دخلوا في زمرة النفاق، شعروا أو لم يشعروا. القسم الخامس: المسرة بانخفاض دين الإسلام. القسم السادس: الكراهية بانتصار دين الإسلام. فالكراهية بانتصار دين الإسلام: فإذا كان هناك جماعة إسلامية تريد الظهور والبروز ونشر الدعوة وغير ذلك، وتدخل في معترك سياسي معين، فتجد أن البعض يكره لهذه الجماعة أن تظهر، ويتمنى أن تظهر الجماعة المخالفة سواء كانت اشتراكية أو ماركسية أو غير ذلك من الجماعات. فهذا يعد بحد ذاته باباً من أبواب النفاق قد يدخل صاحبه في النفاق الاعتقادي المخرج من ملة الإسلام. وكذلك المسرة بانخفاض دين الإسلام، وأنا لا أذكر الأشياء الظاهرة البينة الواضحة، لكن أفترض أن هناك محل تسجيلات إسلامية، وجاء إنسان ورأى أن هذه المحلات قد أغلقت بسبب ما، ومحلات التسجيلات تحارب باستمرار، فرآها قد أغلقت، فتجده يفرح لأن هذا المحل قد أغلق، والفرح ليس نابعاً لأن هذا المحل أغلق، فهذه القضية نبعت من أن هذا الرجل كره أن يكون لدين الإسلام ارتفاع، فعندما انخفض في هذا الجانب الدقيق البسيط، فرح بذلك، فيعد هذا باباً من أبواب النفاق، ولذلك اربطوا هذا الكلام بقول الصحابة والسلف رضوان الله تعالى: إنكم تعملون أعمالاً هي في أعينكم أدق من الشعرة، كنا نعدها من النفاق على وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم. القسم السابع: اعتقاد أنه لا يجب اتباع المصطفى عليه الصلاة السلام في قضية أو في قضايا، أحياناً يقول بعض الناس: هذه القضية حقيقة تنفع في أيام كان عصر المدينة عصراً صغيراً ومجتمعاً منظماً بشكل بدائي، والقضية ليست قضية تداخلات دولية واقتصاد عالمي وغير ذلك، فهذه تنفع، أما في هذا الزمان فلا، وهذا مثل العلمانيين، فالعلماني دائماً يدخل تحت هذا الباب، تحت قضية عدم وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم في كل القضايا أو حتى في قضية واحدة، فتجده مصلياً ويحافظ على الصلاة، ومن أحسن الناس في هذا الجانب، لكنه يأتيك من جانب الاقتصاد فيقول لك: لا يا أخي! الربا حرام في المدينة؛ لأن المجتمع كان صغيراً، أما الآن فلا، ما نستطيع أن نقول ذلك؛ لأن السياسة الاقتصادية الدولية تفرض علينا ذلك، فلا بد أن نساير السياسة الدولية وإلا تخلفنا عنها، فتجده يدافع عن هذا الباب وعن هذا الجانب، هذا الرجل العلماني يدافع عن هذا الجانب؛ لأنه أراد أن يفصل الدين عن الاقتصاد، هذا الرجل يعد منافقاً في هذه القضية، ولذلك ما أكثر المنافقين في هذا الزمان وفي هذا العصر، كثيرون جداً في هذه التفصيلات وبهذا التوسع.

وقفة مع كتاب الصحافة والإعلاميين والرؤساء

وقفة مع كتاب الصحافة والإعلاميين والرؤساء كثيراً ما تسمع خطابات من رؤساء دول أو غير ذلك يتحدث عن الإسلام والحكم بالدين وأشياء كثيرة جداً، فإنك إذا انتقلت إلى الواقع العملي في بلد هذا الرجل، لوجدت أن اسمه إسلامي صرف، وزين العابدين بن علي، نأخذه كمثال صريح، معمر القذافي مثال صريح، هؤلاء جميعاً وغيرهم كثير أحياناً في خطبهم يصرحون بأن دولتهم إسلامية، وأنهم من ضمن منظمة المؤتمر الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي، وغير ذلك من المنظمات، ثم في النهاية تجد أن هذا قد سجن ستين ألفاً أو سبعين ألفاً، وهذا يشنق المسلمين في كل يوم وفي كل ليلة، وهذا ينشر مذهب كذا، وهذا وهذا إذاً: أين قوله من فعله؟ هنا تناقض عجيب جداً، فمثل هذا منافق بقلبه مسلم بلسانه، وهذا هو الواقع، ولذلك كثير من زعامات العالم الإسلامي يطبقون المنهج النفاقي بشكل ثابت وظاهر. ومن القضايا الأخرى: قضية الإعلاميين. فالإعلامي يتحدث كثيراً وتجده أحياناً يتحدث في قضايا عجيبة جداً، أحياناً يقدم برنامجاً دينياً وأنت تتلذذ حين تسمع هذا البرنامج، وبعد أن ينتهي مباشرة تجده يقدم في لقاء آخر برنامجاً كفرياً صراحاً، معنى هذا: أن هذا الرجل أظهر لك شيئاً وأخفى شيئاً آخر، أظهر جانباً إسلامياً للناس، وأظهر جانباً غير إسلامي لأناس آخرين فظهر بوجهين، وذو الوجهين كما ثبت عن السلف رحمهم الله يعد منافقاً؛ لأنه يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه.

حكم النفاق الاعتقادي

حكم النفاق الاعتقادي النفاق الاعتقادي كما تعرفون يوجب الخلود في النار، ومن مات وهو منافق نفاقاً اعتقادياً دخل النار بل ودخل الدرك الأسفل: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء:145]، فالجنات درجات والنار دركات، فآخر دركة في النار هي خاصة بالمنافقين، لضررهم الشديد على الأمة الإسلامية، ولذلك كثيراً ما نخدع بهؤلاء، كثيراً ما نخدع بالمنافقين، فتجده رجلاً يبدو على سيماه الصلاح والتقى والورع والثوب القصير واللحية، فهو رجل يعجبك؛ لأنك ليس لك إلا الظاهر، لكن قلبه قلب ذئب يكيد للأمة، ويكيد للإسلام، ويكيد للمسلمين، هذا هو المنافق. إذاً: نخدع بالمنافقين دائماً، وقد خدع الجيل الأول بالمنافقين، فما بالنا لا نخدع نحن، خدع المسلمون بل الصحابة بـ عبد الله بن سبأ ابن السوداء الصنعاني اليماني المعروف، خدعوا به فأثر تأثيراً ليس باليسر، ولهذا يأمرنا الإسلام أن نتوخى في الانتقاء، ونحذر في التعرف على الناس وخاصة في هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن، ربما يغلب كما قال البعض إساءة الظن على حسن الظن في هذا الزمان.

النفاق العملي

النفاق العملي أما النفاق العملي: هو العمل الذي يعمله الإنسان بظاهره، كما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كان فيه واحدة منهن كان فيه شعبة من نفاق: إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر) ذكر منها قضية الأمانة، وقضية الوفاء بالعهد، وقضية الكذب، وغيرها من القضايا. هذه القضايا بمجموعها قضايا لا يتصف بها إلا من كان إيمانه ضعيفاً، وبالتالي لا يهمه أن تكتب عليه سيئات، أو يكون كاذباً أو يكون فاجراً أو يكون غداراً أو لا يهمه، فإن قلت: فإذا تكرر منه هذا وهذا وهذا وهذا؟ قال ابن تيمية رحمه الله: إن هذه منافية لكمال الإيمان الواجب، لكن إذا تجمعت وتأصلت في القلب، فإنها تطرد الإيمان بالكلية، ولذلك كما قال المصطفى عليه السلام: (من كن فيه كان منافقاً خالصاً) أي: خرج من الإسلام وصار منافقاً وليس بمسلم، حتى وإن صلى وإن صام وإن زعم أنه مسلم. ومن نماذجها أيضاً كراهية الجهاد، فالمنافق لا يحب الجهاد ولا يتمناه، أما المسلم فإنه يطبق حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (من لم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق). وكذلك الكسل عن القيام بأداء الصلاة، فتجده في فراشه يتململ ويتكاسل، لكن لو دعي إلى وليمة أو دعي إلى أمر مفرح أو غير ذلك، فإنك تجده كالحصان في الذهاب إلى هذا العمل، أما في الصلاة فلا، فالتكاسل عن أداء الصلاة هذا يعد شعبة من شعب النفاق. وكذلك عدم ذكر الله سبحانه وتعالى إلا أقل القليل، أو في أقل القليل إما مجاملة أو أمام آخرين، فهذا يعد كذلك من النفاق العملي الذي لا يخرج من الملة في الأصل، ولا يعامل صاحبه معاملة رجل قد خرج من الملة يستحل دمه إذا ثبت عليه هذا النفاق، لكن إذا توافرت فيه هذه الصفات فقد يخرج من رفقة الإسلام.

الكفر الاعتقادي وأقسامه

الكفر الاعتقادي وأقسامه الكفر ينقسم إلى قسمين اثنين: كفر اعتقادي، وكفر عملي. أما الكفر الاعتقادي: فهو كفر يخرج من الملة ويوجب الخلود في النار، فصاحبه خالد مخلد في النار وخارج عن ملة الإسلام، وإذا ثبت عليه ذلك فإنه يعامل معاملة المرتد الذي يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وهذا الكفر له خمسة أقسام:

القسم الأول كفر التكذيب والجحود

القسم الأول كفر التكذيب والجحود كما في قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ} [العنكبوت:68]، فهذا تكذيب وجحد. والتكذيب والجحود ينقسم إلى قسمين اثنين: القسم الأول: تكذيب ذات الشيء الذي ورد إليه. والقسم الثاني: جهة التكذيب. فجهة التكذيب تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: اعتقاد كذب الرسل. فيعتقد أن الرسل ليسوا على صواب، وأنهم كذبة، وأنهم جاءوا لمصلحة ذاتية ولأمر شخصي وغير ذلك، وهذا قليل؛ لأن الرسل أول ما يأتون يبينون أنهم لا يريدون أجراً، ولا يريدون غنيمة، ولا يريدون متاعاً، ولا ملكاً، ولا سلطاناً ولا غير ذلك، وكما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن زعماء قريش أتوا إليه وقالوا له: إن كنت تريد مالاً جعلناك أكثرنا أموالاً، وإن كنت تريد ملكاً ملكناك، وإن كنت تريد نساء أعطيناك، فقال: لا. إذاً: هو لا يريد إلا تبليغ الدعوة، لذلك هذا الأمر جعل الناس لا يكذبون بالرسل؛ لأنهم يعرفون أن الناس يهدفون إلى مصالح شخصية، أما الرسل فلا يريدون إلا طاعة هؤلاء ليس لهم، ولكن لله سبحانه وتعالى. القسم الثاني: التكذيب باللسان مع إقرار القلب. تجده يكذب بلسانه لكن قلبه مقر بذلك، وعلى رأس هؤلاء كما عرفنا مسبقاً فرعون، قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل:14]، فهو مكذب جاحد، تكذيبه تكذيب جحود، جحد برسالة موسى بلسانه، لكن قلبه مؤمن بها ومقر بها. وكذلك قوم ثمود: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا} [الشمس:11]، كذب هؤلاء بما جاءهم رسولهم عليه السلام من الأمر والنهي، فكذبوا ظاهره ولكن إيمانهم الباطني ثابت. وكذلك ما ثبت عن قريش أن الله سبحانه تعالى قال عنهم: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام:33]، ولذلك ثبت عن أبي جهل أنه قال: كنا نحن وبنو هاشم كفرسي رهان، فكانوا ينفقون وننفق، وكانوا يفعلون ونفعل، وكانوا وكانوا والآن لهم نبي فمن أين لنا ذلك؟! إذاً: القضية ليست قضية تكذيب كلي، بل تكذيب ظاهري، أما الباطني فقد كان هناك إقرار ثابت لذلك الأمر. أما جهة المكذب به، فينقسم إلى قسمين: القسم الأول: تكذيب أو كفر عام كامل، كمن يجحد جميع فروض الدين، يجحدها كاملة بلا استثناء، أو أن يجحد شيئاً معيناً، كأن يجحد فرضاً، أو يحلل حراماً، أو يحرم حلالاً، أو يجحد صفة من الصفات أو غير ذلك، فهذا يعتبر كذلك كافراً كفراً أكبر اعتقادياً مخرجاً من الملة، فتجده مثلاً يمشي على منهج الإسلام لكنه يحلل الربا، ولا يوجد شيء اسمه ربا، ففي هذه الحالة هو كذب أمراً معلوماً من الدين بالضرورة في القرآن وفي السنة، بما لا يتطرق إليه شك، وبالتالي يكون هذا الرجل قد كذب من ناحية جهة المكذب به تكذيباً جحودياً، فيكون قد كفر كفراً اعتقادياً، أما من كذب شيئاً أو أنكر شيئاً من باب التأول أو الجهل أو غير ذلك، فهذا ربما يلتمس له العذر حتى يتبين له الأمر، كما ثبت عن الأشاعرة مثلاً أنهم يتأولون بعض الصفات، أو ينكرون بعض الصفات مع أنها ثابتة في القرآن، وليس إنكاراً عن علم، لكنه إنكار عن جهل أو إنكار عن تأول أو غير ذلك، فهؤلاء الناس لا يعاملون معاملة الكافرين، لكن يلتمس لهم العذر حتى توضح لهم الحجة. وكذلك ما ثبت في صحيح البخاري ومسلم أن رجلاً كان مسرفاً على نفسه إسرافاً عجيباً، وعندما أحس بدنو أجله، قال لأهله: إذا أنا مت فحرقوني، ثم خذوا رمادي وذروه في البحر، فلعل الله لا يقدر علي. فهنا جحد قدرة الله سبحانه وتعالى؛ لأنه قال في نفسه: أنه إذا مات وأحرق وطحن ثم ذروه في البحر ضاع رماداً، فعند ذلك أمر الله سبحانه وتعالى بكل شيء أن يجمع ما سقط فيه ثم أحياه، فسأله: ما الذي دعاك إلى ذلك؟ فقال: خوفك يا رب! فهو جحد القدرة، لكن الجحود هنا ليس جحود تعمد، بل جحود تأول، وبالتالي فقد غفر الله سبحانه وتعالى له كما ثبت ذلك في البخاري. وكذلك ما ثبت عن الإمام الشافعي أنه قال: ناظروا القدرية في العلم، الذين يقولون: إن الله لا يعلم الأمور إلا بعد أن تحصل، فإن أقروا به خصموا، وإن جحدوه كفروا. إذاً: هم جاحدون أصلاً، لكن لا يثبت عليهم الكفر إلا بعد أن تقوم عليهم الحجة، فقال: ناظروهم بالعلم إن أقروا به خصموا وانتهت القضية، وإن جحدوا انطبق عليهم كفر التكذيب والجحود، وذلك من باب التكفير في مسألة المكذب به في فرض معين أو في مسألة معينة.

القسم الثاني كفر الإباء والاستكبار مع التصديق

القسم الثاني كفر الإباء والاستكبار مع التصديق هو مصدق ومؤمن بقلبه وبلسانه ومقر بذلك، لكنه وصل إلى درجة الاستكبار والتكبر على ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم أو عموم الرسل، ومن أبرز هؤلاء فرعون، فهو كان يعلم أن موسى صادق: {قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ} [الإسراء:102]، لكن {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:24]، وقال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38]. إذاً: هو مقر، لكنه استكبر وأبى، باعتبار أنه إن آمن فقد هذا الملك، فكان الإباء والاستكبار هو الداعي له لهذا التكذيب. كذلك إبليس: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:34]، فكانت النتيجة أنه انقلب إلى الكفر. إذاً: الإباء والاستكبار هنا وارد بالنسبة لإبليس، فهو مقر بربوبية الله وألوهيته، كما في قوله تعالى: {إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال:48]، وكما ورد في آيات كثيرة، لكن الإباء والاستكبار هو الذي جعله يرد هذا المورد المهلك. وكذلك اليهود، فقد ثبت في القرآن الكريم أنهم يعرفون الرسول كما يعرفون أبناءهم، بل وأشد من معرفتهم لأبنائهم؛ لأنه ثبت أنهم قد جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا محمد! والله إنا لنعرفك أشد مما نعرف أبناءنا؛ لأننا قد يتطرق إلى أبنائنا الشك في مسألة أن تكون زوجة أحدهم قد جاءها طفل من غيره، بطريقة أو بأخرى، أما أنت فنعرفك أشد مما نعرف أبناءنا، ومع ذلك كفروا؛ لأنهم استكبروا استكبار حسد وتكبر. إذاً: القضية قضية تكبر، وليست قضية أن هناك لبساً، أو أن هناك شكاً في هذه النبوة. كذلك ما ثبت عن أبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم فقد مات على الكفر: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56]، فقد ثبت أنه قال: ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية ديناً إذاً: هو أقر مع التصديق، وهذا هو كفر الإباء مع التصديق. وفي البيت الثاني قال -كأنه يلتمس لنفسه عذر-: لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحاً بذاك مبيناً فهو يخاف أن يقول له أبو جهل: تركت دين عبد المطلب، تركت دين آباءك، تركت دين أجدادك. فهنا بسبب هذين الأمرين لم يلتزم بدين الرسول صلى الله عليه وسلم مع العلم أنه كان مصدقاً، فكان مستكبراً آبياً، فكفره كفر إباء واستكبار، أبى أن يؤمن لهذا السبب. كذلك ما ثبت عن أبي جهل أنه كان يقول: كنا وبنو هاشم كفرسي رهان، كانوا ينفقون وننفق، ويتصدقون ونتصدق، ويطعمون ونطعم، ويكرمون ونكرم. كفرسي رهان أي: بجانب بعض لا تدري أيهما يسبق. لكن في نهاية المطاف قالوا: منا نبي، فمن أين لنا بنبي؟ إذاً: ليس هناك إلا الكفر الدائم بالرسول صلى الله عليه وسلم، فأثبت ذلك وأقر هذا الأمر. كذلك ما ثبت عن الرجال بن عنفوة الذي كان وزيراً لـ مسيلمة الكذاب، عندما جاءه رجل يحاجه في مسألة الرسول صلى الله عليه وسلم، فكذب مسيلمة وقال: والله! إنني أعلم أن محمداً صادق، وأن مسيلمة كاذب، ولكن كاذب ربيعة أحب إلي من صادق مضر، والنبي صلى الله عليه وسلم من مضر، ومسيلمة من بني حنيفة من ربيعة. إذاً: هو مصدق ومؤمن بالأمر بجملته، لكن قضية الإباء والاستكبار والتكبر هو الذي جعله يقول هذا الأمر.

القسم الثالث كفر الإعراض

القسم الثالث كفر الإعراض وكفر الإعراض: هو أن يعرض عن الدين جملة وتفصيلاً، لا يتعلمه ولا يأخذه ولا يريد أن يتعلمه، وخير مثال على ذلك ما ذكره علماء السير أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما ذهب إلى الطائف ووجد مجموعة من أكابرها ومشهوريها، وهم ثلاثة إخوة من بني عبد يا ليل بن كلال، وكانوا زعماء ثقيف هناك، فجلس إليهم وقال لهم كلاماً كثيراً، فصرح أحدهم وقال: والله! إن كنت صادقاً فأنت أجل في عيني من أن أكلمك، وإن كنت كاذباً فأنت أحقر في عيني من أن أكلمك. إذاً: هو لا يريد أن يكلمه أبداً، لا من هنا ولا من هنا، فهو لا يريد أن يكلمه إذا كان صادقاً، ولا يريد إن يكلمه كذلك إن كان كاذباً. إذاً: لا يريد أن يكلمه في الحالتين، وهذا نوع من الإعراض الكلي. وكفر الإعراض هنا موجود كثيراً، فأنت تجد إنساناً يعرض عليه الإسلام، أو يعرض عليه الدين فيقول لك: لا تكلمنا عن الدين، اترك الدين جانباً، ولكن كلمنا فيما جئنا من أجله، أو في القضية الفلانية، فهذا معرض، فيدخل في مسمى كفر الإعراض.

القسم الرابع كفر الشك أو الظن

القسم الرابع كفر الشك أو الظن وهذا النوع من الكفر، كفر الشك أو الظن، كفر ظني أول أمره، ثم بعد ذلك ينتقل صاحبه، فإما أن يكون معرضاً، وإما أن يكون مؤمناً، وخير مثال على ذلك: كفر صاحب الجنتين، فالذي ذكره الله سبحانه وتعالى في سورة الكهف: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً} [الكهف:35 - 36]. فالكفر ظاهر في قوله: (مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا) إلى الأبد. وقوله: (وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً) هذه الناحية الثانية. ثم في المقابل قال: {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا} [الكهف:36]. إذاً: هنا شك وظن أنها ستستمر إلى الأبد، وأن الساعة لن تقوم، ثم يأتيه الشك مرة أخرى فيقول: (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا)، فصار يعيش في مرحلة شك عجيبة. فجاءه صاحبه وبدأ يقنعه ويحاول أن يقنعه فما اقتنع، فقد أعرض مباشرة عندما قال: {أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا} [الكهف:34]، فهنا نصحه وأعرض. فكفر الشك أو الظن لا يمكث مع الإنسان، لكنه يتحول إلى إيمان أو يتحول إلى إعراض بعد ذلك.

القسم الخامس كفر النفاق

القسم الخامس كفر النفاق فالمنافق هو كافر، وكل منافق كافر، وليس كل كافر منافق، فكل منافق يعد كافراً، فجمع مع الكفر نفاقاً، أما الكافر فلا يعد منافقاً ولا يأخذ طابع النفاق، لذلك فإن الكافر قد أخذ مرتبة واحدة وهي الكفر، أما المنافق فقد جمع على الكفر نفاقاً، ولذلك كانت عقوبته أشد، فكان ممن جعلهم الله سبحانه وتعالى في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيراً. هذا ما يرتبط بالكفر الاعتقادي الذي يعتقده الإنسان بقلبه.

الكفر العملي وأقسامه

الكفر العملي وأقسامه النوع الثاني: الكفر العملي المحسوس الملموس، وينقسم هذا الكفر إلى نوعين اثنين: عملي أكبر، وعملي أصغر.

الكفر العملي الأكبر

الكفر العملي الأكبر الكفر العملي الأكبر كثير جداً، وهو أي عمل أو تحرر أو تطرف يخرج الإنسان من الإسلام عندما يأتي به، فسواء كان ذلك تلفظاً أو حركة بأحد جوارحه، أو غمزاً أو لمزاً أو غير ذلك، كل هذا يعد كفراً. فمثلاً لو لفظ بالكفر، قال: لصنم أو لرجل أو غير ذلك: أنت إلهي، أو أنت ربي، أو غير ذلك، أو أن الرسول كافر، أو لا إله والحياة مادة فقد كفر بهذا التلفظ. إذاً: تلفظ بألفاظ تخرجه من الإسلام، وهذا كفر عملي؛ لأنه عمله بلسانه فخرج من الإسلام. وكذلك سجوده للصنم أو للحجر أو للقبر أو لغير ذلك، يعد كفراً عملياً أكبر يخرجه من الملة. كذلك الاستهانة بالمصحف، كما يحصل من كثير من الناس، وخاصة من الشيعة، كما ثبت ذلك أن المصحف بالنسبة لهم مهان لا يعترفون به وستعرفون ما حصل من حوادث أخيرة، عندما كانوا يأتوننا بالورق المقطع الذي تقطعه المطابع، ويوضع في كراتين التفاح، وقد جاءت مجموعة كبيرة من الكراتين إلى هذه البلاد، وانتشرت في كثير من المدن. هذا نوع من الاستهانة بالمصحف يخرجهم من ملة الإسلام. وكذلك قتل النبي أو إهانته أو سبه، كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الصارم المسلول: أن من كذب نبياً فقد كفر أو خرج من رفقة الإسلام.

الكفر العملي الأصغر

الكفر العملي الأصغر أما الكفر العملي الأصغر فقد ورد كثيراً في نصوص شرعية تسميته كفراً، لكنه لا يصل إلى درجة الكفر الأكبر، ومن ذلك نصوص كثيرة جداً، من ذلك: (من أتى كاهناً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد)، ذهب شخص إلى كاهن من الكهان، وسأله سؤالاً من الأسئلة، وتعرفون الآن أن كثيراً من الكهان في كثير من البلاد ينتشرون ويتعاملون مع قرنائهم من الجن، فيعطونهم معلومات قد تكون خاصة فيما يرتبط بالماضي صادقة، وكثير من العامة الذين يسافرون إلى البلاد الأخرى مثل المغرب ومصر وغيرها يتعاملون معهم، وقد سألت أناساً سألوهم، وأذكر شخصاً عمره خمسة وخمسون سنة، ذهب إلى واحد من الكهان في مصر، يقول: جلست معه، فقال لي كل المعلومات الداخلية الخاصة بي، يقول: أخبرني عن أمور خاصة جداً، ذكرها لي ولا يعرفها أحد إلا أنا وزوجتي، يقول لي الكاهن: واسمك واسم أولادك وأسماء بناتك، وأسماء كذا، وبيتكم في المكان الفلاني، ولونه كذا، وسيارتك لونها كذا، وغرفة النوم لونها كذا، والفراش لونه كذا، وو حتى وصل إلى أشياء لا تعرف إلا بيني وبين زوجتي في ملابس داخلية أو غير ذلك، فيقول: انذهلت من ذلك، شيء غريب. فهذا الكاهن ذكر له الماضي، مثلما يقولون: قراء الفنجان، أو قراء الكف، أو الضرب بالحصى أو الرمل أو غير ذلك، وهذا موجود بكثرة في هذه الدول، إذ يأتي رجل عليه شخصية وهيئة، ومعه فنجان صغير وصندوق، وهذا الصندوق فيه بعض الأدوات، فهذا يصيح بلحن معين، ويدعو إلى قراءة مستقبلك، فتناديه، وتذهبون إلى رصيف من الأرصفة ويبدأ هو في أخذ فنجان ويخطط فيه أو ينظر فيه، أو يأخذ كفك ويخطط فيها، كأنه يقرأ المستقبل كما يقولون، أو يأخذ رملاً ويخطط فيه أو غير ذلك، وكل هذه الحركات لا قيمة لها، فقط هو ينتظر أن يأتي قرينك من الجن بالمعلومات ليعطيها قرينه من الجن، فيصبها في ذهنه أو في روعه فينفث بها، هذا هو المنهج، وإلا فإن القراءة هنا لا قيمة لها، بل كلها متساوية، ثم بعد ذلك يعطيه المعلومات، ثم يقول: لحظة: أقرأ لك المستقبل، وهنا انتهى دور القرين، لأن المستقبل علم غيب ولا يعلمه إلا الله، لكنه يربط الماضي بالحاضر وبالمستقبل، فلا يأتي رجل عمره خمسون سنة أو ستون سنة، ويقول له: أنت ستتخرج من الثانوية أو من الجامعة، أو ستتزوج وعمرك ثمانون سنة أو تسعون سنة، أو غير ذلك، لا، لكنه يعطيك أشياء مناسبة، فعندما يكون عمرك ثلاثين سنة أو خمسة وعشرين سنة، ويعرف أنك غير متزوج، يقول: أنت ستتزوج، وستتخرج من الجامعة، وسترزق كذا، وسيأتيك كذا، ويعطيك أشياء جميلة، ثم يعطيك حالة خاصة فيها نوع من الألم، كأن يقول: ستصاب بحادث وستنجو منه، أو ستصاب بسكر في جسدك وستنجو منه وتشفى منه بسرعة، وبهذا الأسلوب يتعامل معك، حتى لا تكون المسألة مفضوحة، ثم تعطيه وتغدق عليه العطاء، فهؤلاء الذين يأتون الكهان قد كفروا كفراً أصغر. كذلك ما ثبت عن المصطفى عليه السلام أنه قال: (سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر) فقتاله كفر أصغر. وكذلك ما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اثنتان في أمتي هما بها كفر: الطعن في النسب، والنياحة)، فالطعن في الأنساب الآن من الأمور التي عمت وطمت في هذا الزمان، هذا خضيري وهذا قبيلي، هذا خط 110، وهذا خط 220، وهذا عبد وهذا نذل، هذه كلها داخلة تحت هذا التحذير النبوي العظيم: (اثنتان في أمتي هما بها كفر: الطعن في النسب) الطعن في الأنساب كأن تطعن فيه فتقول: هذا الرجل من أين جاء، جاء من المريخ، جاء من القمر؟ جاء من آدم! وأنت من آدم! وكلنا من آدم، وكلنا نرجع إلى التراب فلماذا تقول: لا بد أن يلتزم مع أناس أقوياء، فيكون أفضل له؟! وربما يغير في اسمه، وربما لا يأتي باسمه الحقيقي حفاظاً على روحه، وبالتالي هذا يعتبر خارجاً عن الأصل. هذه القضية موجودة ومنتشرة في المجتمعات، فكلما انتشر الجهل فيها انتشرت، وكلما علم العلم الشرعي وظهر وبرز تلاشت، ولذلك كلما كان المجتمع جاهلياً في فكرة كانت هذه متأصلة، وكلما قل المجتمع وابتعد المجتمع عن هذه الجاهلية وجد أنها قد ضعفت فيه شيئاً فشيئاً، ولذلك في مجتمعنا الآن بدأت تضعف وتقل ولله الحمد، ومن الشيء الغريب جداً: أن يأتيك رجل من الصلحاء الأتقياء البررة، وعنده بنت لكنها غير مناسبة، إما أنها أشرف منه أو أقل شرفاً فلا يتزوجها، ويذهب ويتزوج من لبنان أو من سوريا أو من مصر، لا تعرف أصله وفصله، ومع ذلك تمدح هنا، وتذل من هنا، لأن المفاهيم عندنا منحرفة، فانحراف المفاهيم بهذه الطريقة وبهذه الكيفية تحتاج إلى توعية من الشباب وإلى فهم منهم، فاعلم أن كثيراً من العلماء السابقين كانوا أبناء إماء، فقد ثبت ثبوتاً كاملاً قطعياً أن الأئمة السبعة المشهورين كانوا أولاد إماء، بل وثبت أن المشهورين من الحكام كانوا أولاد إماء، منهم: هارون الرشيد كلكم تعرفونه أمه امرأة اشتريت من السوق وجارية، ثم في النهاية ولدت رجلاً من أعظم الرجال، والمأمون كذلك أمه جارية. إذاً: فقضية الطعن في النسب لا بد من الانتباه لها.

الهندوس ومراحل تطورهم

الهندوس ومراحل تطورهم كان الهندوس متخفين لضعف قوتهم، لكنهم الآن تنمروا وبرزوا وظهروا من قبل الاستعمار وأبرزوهم، وكان لهم دور ليس باليسير في حرب الإسلام والمسلمين، وتعاون عجيب جداً مع كل أعداء الإسلام، للقضاء على الإسلام في القارة الهندية، بل وفي غير القارة الهندية، هؤلاء الهندوس يعدون من الفرقة التي تحتاج إلى عرض مفصل عنها، وما يرتبط بها، لاعتبارات متعددة، لعل أبرزها أن الكتابات عن هذه الفرقة وعن ديانتها وأفكارها ضعيفة وليست باليسيرة، وهذه الفرق من الفرق التي لم تأخذ حقها من الدراسة والبحث، فكلنا نعرف أن هناك هندوس يعبدون البقر، لكن ما هي ديانتهم، وكيف يتعاملون مع ديانتهم، وما هي كتبهم المقدسة، وأين تواجدهم، وما هو نشاطهم، وما هو موقفهم من الإسلام والمسلمين ودورهم في إبراز الفرق في داخل المجتمع المسلم؟ وأضرب لكم مثالاً: البرياولية، القرآنيون، البهائية، القاديانية، البابية، كلها فرق، كل هذه الفرق كان للهندوس دور في إظهارها، وكان لهم دور في إبرازها، فإذا عرفت هذه الفرقة، لعلك تعرف الأسباب التي أدت إلى بروز هذه الفرق.

الأسئلة

الأسئلة

كيفية معرفة العمل الكفري الأصغر والعمل الكفري الأكبر

كيفية معرفة العمل الكفري الأصغر والعمل الكفري الأكبر Q ما الدليل على أن العمل الفلاني من العمل الكفري الأصغر، والآخر من الأكبر، وهل يساوى مثلاً سباب المسلم إتيان الكهان، نرجو التفصيل؟ A الكفر العملي الأكبر والأصغر، المقياس فيها: هل هذا العمل ينافي التوحيد، أو ينافي كماله الواجب، فإذا قلت مثلاً: سجود لصنم، هذا معناه: يلغي التوحيد بأكمله، لأنه ألغى أساس التوحيد، فألغى بقية الدين، لكن قضية إتيان الكاهن، إذا صدق الكاهن بما قال كفر كفراً أصغر حسب الحديث، لكن إذا اعتبر الإنسان أن هذا الكاهن يعلم الغيب، وأنه عنده القدرة على معرفة الغيب فعلاً، وأنه، وأنه، وأعطاه حجماً فوق حجمه، قد يؤدي ذلك إلى الكفر الأكبر، والفاصل دائماً بين قضايا الأصغر والأكبر أحياناً تصل إلى درجة أن القليل من الناس يستطيع أن يكتشفها، كما في الشرك الأكبر والشرك الأصغر والشرك الخفي، كذلك هناك شعارات دقيقة من الممكن أن ينتقل الإنسان من الشرك الأصغر إلى الشرك الأكبر بدون أن يشعر، فهذه القضايا لا يشعر بها الإنسان إلا إذا درس هذه القضية من شتى جوانبها، وعرف أن هذا ينافي كمال التوحيد، وهذا ينافي تمام التوحيد، فهذا يعتبر أكبر وهذا يعتبر أصغر، وعلى ذلك قس.

تسجيل الدروس حتى لا يفوت منها شيء

تسجيل الدروس حتى لا يفوت منها شيء Q هل من الممكن إحضار جهاز تصوير شخصي صغير الحجم لتسجيل الدرس حتى لا يفوت شيء؟ A يبدو أن ذلك حسب كثرة المسائل في هذه المسألة، فلا مانع لمن أراد أن يسجل، وبالتالي كنا نقول لبعض الإخوة: تسجيل خاص، لكن من أراد أن يسجل فليسجل ليس هناك مانع بعد ذلك.

حكم بغض النساء تعدد الزوجات

حكم بغض النساء تعدد الزوجات Q بعض النساء يبغضن تعدد الزوجات، فإذا كان هذا من النفاق الاعتقادي، ما الذي يلزم هؤلاء النساء إذا متن على هذا؟ A هذا ليس من النفاق، هذا من الغيرة، فالمرأة تغار من أن يأخذ زوجها جانباً آخر أو نصفاً آخر، وبالتالي تجدها لا تحب أن تفقد هذا الزوج، فتكره هذا التعدد ليس من منطلق أنه حكم شرعي، في مرة من المرات قال أحد الإخوان: كنت ألقي محاضرة على مجموعة من النساء الطالبات، فكنت أريد أن أبرر قضية تعدد الزوجات: أن المجتمع يحتاج لذلك، من أجل تعداد النسل وكثرته، وآتي بعدة مبررات، فقامت امرأة وقالت: لا تتكلم بهذا، هذا أمر جاءنا من الله سبحانه وتعالى، فلا بد أن نسلم به، رضينا أم أبينا. إذاً: الاستسلام والتسليم لنص ورد عن الله سبحانه وتعالى وعن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأصل، وبالتالي قالت: نرضى ولا نناقش ولا نعارض. فالقضية مجرد غيرة وليست من باب النفاق.

دركات النار وتنوع عذابها

دركات النار وتنوع عذابها Q الذي نعلم أن إبليس كفر كفر إباء واستكبار، هل يكون عذابه أقل من المنافقين الذين في الدرك الأسفل من النار؟ A قضية معرفة العذاب بحد ذاته ليس معناه: أن من كان في دركة أقل أو أكبر أن عذابه سيكون أشد أو أقل، كفى أن المنافق في الدرك الأسفل من النار، لكن من كان في الدرك الأسفل سيكون أشد الناس عذاباً؟ أقول: هناك شدة العذاب وتنوع العذاب، وهناك أمور أخرى، فلعل إبليس قد يكون جمع بين الكفر والشرك وأشياء أخرى، ولعل كثرة إضلاله للناس جمعت له سيئات عظيمة جداً، فالعقاب بناء على ما جاء به من أعمال سيئة، وبالتالي كان هذا العقاب مناسباً لما قدم ومناسباً لما فعل، ولذلك ثبت أن أبا طالب أخف الناس عذاباً مع أنه مشرك وكافر؛ لأنه قدم خدمات للإسلام ليست باليسيرة، كذلك ثبت أن أبا لهب يخفف عنه شيء من العذاب؛ لأنه أعتق مولاة له اسمها ثويبة عندما بشرته بالرسول صلى الله عليه وسلم فرحاً بمقدمه. إذاً: قد يكون للأعمال الصالحة تأثير، كما أن الأعمال السيئة كلما زادت زاد تأثيرها أكثر.

الكفر الأصغر ليس مخرجا من الملة

الكفر الأصغر ليس مخرجاً من الملة Q هل الكفر الأصغر مخرج من الملة؟ A الكفر الأصغر ليس بمخرج من الملة.

تفاوت الخطأ في المذاهب المتعددة

تفاوت الخطأ في المذاهب المتعددة Q ينتاب المسلمون أحياناً: هل جميع المذاهب والأمم على خطأ ونحن الوحيدون على صواب؟ A هذه ليس فيها شك أبداً، فهذه المذاهب على خطأ، لكن الخطأ يتفاوت، هناك خطأ يخرج من الملة، فعندما تقرأ عن ديانة من الديانات الهندوسية واليهودية، تعرف أنهم ليسوا على الحق أبداً، وعندما تقرأ عن فرقة من الفرق الباطنية كالنصيرية والدروز، فالدروز يقولون: إن إلههم هو الحاكم بأمر الله العبيدي الفاطمي، والنصيرية عندما يسمعون الرعد أو البرق يقولون: وعليك السلام؛ لأنهم يقولون: إن إلههم هو علي بن أبي طالب، وهو مختف في البرق أو في الرعد خلف السحاب، والبرق ضحكه والرعد صوته. إذاً: هذا كفر، فتعرف أن هناك كفرة، لكن هناك أناس كفرهم أقل، وبالتالي تقول: هؤلاء أخطئوا، وهؤلاء على صواب في جوانب، لكنهم يخطئون من جوانب أخرى.

الباطنية عدة نحل

الباطنية عدة نحل Q هل الباطنية تشمل عدة نحل أم أنها نحلة واحدة؟ A تشمل عدة نحل، وسنتطرق لها في حينه إن شاء الله.

كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب

كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب Q آمل اقتراح كتاب للتوحيد يكون مختصراً وشاملاً وواضح الأسلوب؟ A كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب.

كفر النفاق والنفاق العملي

كفر النفاق والنفاق العملي Q هل كفر النفاق يشمل النفاق العملي؟ A كفر النفاق يشمل النفاق العملي إذا كان المنافق قد جمع كل صفات المنافقين العملية فإن هذه تناقض أصل الإسلام، وبالتالي يكون كافراً ومنافقاً في نفس الوقت.

حكم من حلل أمورا محرمة

حكم من حلل أموراً محرمة Q هل تحليل ما حرم الله غير المعلوم من الدين بالضرورة، يعتبر كفراً في تحليل بعض فروع الدين؟ A أحياناً يحلل الإنسان أموراً ورد فيها تحريم، لكنها ليست ثابتة التحريم، مثلاً: أكلة من الأكلات، أو حيوان من الحيوانات، فقد ثبت ثبوتاً قطعياً أن الضفدع حرام، أو أكل لحم الأسد حرام مثلاً، ثبت ثبوتاً قطعياً في القرآن والسنة النبوية وليس هناك نقاش حول هذه المسألة، ومن أحلها فقد كفر، إذاً: نقول: بعض فروع الدين من أحلها وهو يعلم أن فيها دليلاً صريحاً ثابتاً هذا يكفر، لأنه شرع للدين ما ليس منه، أو أنه رأى أن هذا الدين ناقص، فجاء بشيء جديد يضيفه إليه، لكن إن جاء بأمر شرعي فأحله أو حرمه، فهذا يناقش في هذه المسألة فإن اتضحت له الرؤية، وإلا فله شأن آخر.

أهل الحق مبتلون من قبل أهل الباطل

أهل الحق مبتلون من قبل أهل الباطل Q سمعنا عن إيقاف الشيخ سعد نرجو إيضاح ذلك؟ A قضية الإيقاف من الابتلاءات في هذا الزمن، وقضية إيقاف هؤلاء الدعاة أو إيقاف الأشرطة، أو إيقاف كذا، أو منع كذا، هذه من الأمور لا بد أن تعد نفسك لها أيها الفتى، وأيها الشاب وأيها الشيخ الجليل، تعدون أنفسكم لتلقيها؛ لأن الدعوة لا بد أن تسير هذه المسارات، فإن طريق الدعوة طويل وشاق، ولا بد من وجود هذه المصاعب، ولا بد من وجود هذه الابتلاءات، ولا بد من وجود هذه الفتنة، قال الله سبحانه وتعالى للصحابة: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران:144]، فلا بد أن تنتبه، فإنه لا يوجد شيء اسمه انقلاب على العقب، أو الرجوع إلى الوراء، لا، بل عليك أن تستمر في الطريق وتواصل المسير، فإنه عندما أعلن في غزوة أحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل، وقف أناس عن القتال فجاءهم بعض الصحابة وسألوهم: لماذا توقفتم؟ لماذا لا تسيرون في نفس الطريق الذي سار فيه الرسول صلى الله عليه وسلم؟ إذاً: نحن نقول: إنه كلما تعرضت الدعوة لضربات كان ذلك أقوى لها، فلا بد أن نعي ذلك، ولا بد أن نفقه ذلك، ولا بعد أن نعرف أننا على الحق في ذلك؛ لأن أهل الباطل دائماً لا يحاربون، ولذا تجد الجرائد الآن تقول: هذا كفر صراح، وهذا فساد بيان، لا أقول: في جرائد دولية، أو جرائد عرب، بل جرائد عندنا هنا، ومع ذلك لم يوجد أحد قال لها شيئاً أو ناقشها أو أوقفها، هل سمعتم أن جريدة الشرق الأوسط أوقفت شهراً أو أسبوعاً أو منعت من الدخول؟ هل سمعتم بإيقاف مجلة سيدتي أو أنها منعت؟! لا، لم يسمع أنها منعت، وبالتالي يترتب على هذا الأمر أن أهل الحق هم الذين يحاربون، أما أهل الباطل فلا، ولذلك فإن هذه تعطينا دفعات قوية في أننا على الحق سائرون وبالمنهج متمسكون.

حكم الجهاد في البوسنة وأفغانستان

حكم الجهاد في البوسنة وأفغانستان Q هل الجهاد في البوسنة وأفغانستان فرض عين أم فرض كفاية؟ A هو من باب فروض الكفايات الآن؛ لأنه في البوسنة بالذات لا يحتاجون إلى الأشخاص، فالأشخاص موجودون بكثرة، لكن يحتاجون إلى الدعم وإلى السلاح، ويحتاجون إلى المادة التي تعطى إليهم مباشرة، لا تعطى إلى منظمات دولية تنفقها يميناً ويساراً على ما تحب وعلى ما تشاء، إنما تعطى لهؤلاء، فهم يحتاجون إلى السلاح وإلى المادة، أما قضية الأشخاص فإن الأشخاص كثيراً ما يكونون عبئاً، لأنه يأتي وهو غير متعلم، وغير متمرس وغير متدرب، ثم يحتاج إلى المحافظة عليه، فيكون في كثير من الأحيان عبئاً على هؤلاء، فإن كان لك إمكانية فادفع وساهم لنصرة هؤلاء.

التحدث عن نشأة الفرق في صدر الإسلام

التحدث عن نشأة الفرق في صدر الإسلام Q حبذا لو تحدثتم عن نشأة الفرق في صدر الإسلام، لعل ذلك أكثر فائدة؟ A نشأة الفرق عندما نتحدث عن الفرق داخل المجتمع المسلم، ممكن أن نتحدث عن نشأة الفرق، وهذا في الذهن إن شاء الله، لكننا عندما اخترنا الهندوسية، هذا من باب التغيير.

مفهوم قول النبي صلى الله عليه وسلم (تخيروا لنطفكم)

مفهوم قول النبي صلى الله عليه وسلم (تخيروا لنطفكم) Q هل ما قلتموه، من الطعن في النسب، وإعراض بعض الشباب عن الزواج يتعارض مع ما روي: (تخيروا لنطفكم)؟ A ليس المقصود بقوله: (تخيروا لنطفكم) الطعن في النسب، وإنما يقصد به الحذر من المرأة الحسناء في المنبت السوء، يعني: امرأة سيئة في سلوكها وتصرفاتها وهي جميلة، أو أهل بيتها سيئون للغاية، أو المجتمع الذي تعيش فيه سيء، وهي سيئة نتيجة لذلك، فعند ذلك نقول: إن هذه هي المرأة الحسناء في المنبت السوء، أما معنى: (تخيروا لنطفكم)، ابحث عن ذات الدين، (تنكح المرأة لأربع: لنسبها ولجمالها ولحسبها ولمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) فذات الدين هي الأساس.

دماء وأشلاء

دماء وأشلاء للأمة الإسلامية أعداء في القديم والحديث، وهذا العداء ناتج من حقد دفين للمنهج الذي تسير عليه الأمة الإسلامية، فالمسلمون يتعرضون لإذابة أو مسخ أو انصهار أو احتواء شمولي أو اندماج مع أخلاقيات الغرب الفاسدة، كل ذلك بجهود كبيرة من أعداء الإسلام، والإبادة الحسية أعظم وسيلة لمحاربة المسلمين، والتاريخ يشهد بذلك.

ما تعرض له المسلمون من مذابح في الماضي والحاضر

ما تعرض له المسلمون من مذابح في الماضي والحاضر بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فمسألة الحديث عن دماء المسلمين وأشلائهم مسألة ذات شجون، الدخول فيها متعب ومرهق وممل ومحزن ومبك. إن المطالع في تاريخ الأمة الإسلامية منذ بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى هذا الزمن وإلى أزمنة تالية، عندما يطالع ذلك ويقرؤه، سواءً كان ذلك في الفتن والملاحم بما يرتبط بالمستقبل، أو فيما مضى في تاريخ السابقين، فإنه يتألم ويحزن، وفي نفس الوقت يفرح ويأمل؛ لأن المسلم في هذه الحياة وجد لكي يدعو ويبذل ويضحي، فالبذل والدعوة تقترن بالنجاح أحياناً وتقترن بالفشل أحياناً أو في مراحل أخرى، والفشل والنجاح هو ديدن الحياة؛ لأن الفرق بين الآخرة والدنيا في هذه الناحية، فالآخرة إما نجاح كامل وإما فشل متواصل، فالذين يدخلون الجنة سيكونون ممن ظفروا بالنجاح الدائم الأبدي، والذين سيخلدون في النار سيكون الفشل هو قرينهم إلى أبد الآباد، أما في هذه الحياة الدنيا فيجتمع للإنسان في ذلك فشل ونجاح.

الملاحظات المطروحة من أجل هذا الموضوع

الملاحظات المطروحة من أجل هذا الموضوع إن الحديث عن هذه القضية حديث ذو شجون، ولعلي أنبه على بعض الملاحظات اليسيرة قبل أن أدخل في لب الموضوع. أولى هذه الملاحظات: أن ما ذكر في العنوان بأنه عرض تاريخي لمذابح المسلمين ليس على إطلاقه؛ لأن العرض التاريخي يتطلب وقتاً طويلاً، لكي يستعرض الإنسان كل ما تعرض له المسلمون من ابتلاءات وامتحانات ومذابح وخلاف ذلك. النقطة الثانية في هذه القضية: أن القضية قضية عرض لنماذج لا غير، وهي نماذج منتقاة. النقطة الثالثة: هي أنني سأستعرض بعضاً من النماذج التي أحس أن الماضي مرتبط بالحاضر فيها، وأن التاريخ يعيد نفسه، وأن ما يحصل الآن قد حصل فيما سبق، وأن التفريط الذي حصل في الماضي وأثمر هذه المذبحة هو نفسه التفريط الذي حصل في الحاضر وأثمر هذه المذبحة، والمسلم يدرك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين)، ولكننا وللأسف الشديد نلدغ مراراً وتكراراً؛ لأننا لا نتعظ ولا ننتبه. هناك وقفات موجزة، ثم تمهيد، ثم لب الموضوع، ثم ختام اللقاء.

عداء أهل الباطل لأهل الحق

عداء أهل الباطل لأهل الحق أما المقدمات الموجزة: فأحب أن أنبه الإخوة الكرام إلى أن جميع ما تعرض له المسلمون من مذابح كان الهدف الأول والأخير فيها واحد، سواء كانت هذه المذابح في القرن الأول، أو في القرن الذي نعيشه الآن. استعرض أي مذبحة واقرأ تفاصيل هذه المذبحة واقرأ الأسباب، ثم اقرأ النتائج، ثم قارن، ثم ستعلم صدق كلامي من كذبه. أقول: إن هذه القضية لا بد أن تجعل في ذهن المسلم على أنها قضية مسلمة؛ لأن الله سبحانه وتعالى أوضح لنا ذلك بقوله: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217] فقوله تعالى: (ولا يزالون) تدل على الاستمرار، استمرار متتابع متواصل، مذابح متتابعة متواصلة، ما هو الهدف؟ الهدف هو: ((حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)) هل التعبير في هذه الآية يئول إلى غير المعنى المراد، بأن يعتقد الإنسان أن قوله تعالى: (ولا يزالون يقاتلونكم) حتى يحتلوا بلادكم، أو حتى يظفروا باقتصادكم أو بخيراتكم، أو بكذا وكذا؟ لا، بل لا بد أن تجعل نصب عينيك أن كل قتال ضد الأمة المسلمة منذ أن بزغ فجر الإسلام إلى زماننا هذا، بل إلى أن يرث الله سبحانه وتعالى الأرض ومن عليها أنه قتال عقائدي في سبيل العقيدة، بل ولا تكاد تجد قتالاً على وجه الأرض إلا وللعقيدة أسباب قوية في دفع المتقاتلين والمتحاربين إلى هذا القتال، فالعقيدة هي المحركة لهذه المسألة، وهي التي بسببها حصلت هذه المعارك، ولعل الوقت لا يسمح لعرض نماذج من هذا، ولكن أقول: إن الحرب التي تقع بين النصارى أنفسهم تجد أنها بسبب أن هؤلاء كاثوليك وهؤلاء بروتستانت، وتجد أن هؤلاء أرثوذكس وهؤلاء كاثوليك، وتجد أن هؤلاء أرمن وهؤلاء مارون، وتجد أن هؤلاء وهكذا، فهي حروب عقائدية. عند اليهود كذلك تجد أن هؤلاء بابليون وهؤلاء سامريون، حرب متتابعة بين هؤلاء، لم؟ ما هو السبب؟ هل هو سبب اقتصادي؟ لا، هو سبب عقائدي، إذاً: ضع في اعتبارك أن الحرب الموجهة ضد الأمة المسلمة هي حرب بسبب تمسكها بعقيدتها، وكلما ازداد التمسك بالعقيدة ازدادت شدة الحرب ضد الأمة، والله سبحانه وتعالى أوضح لنا ذلك بقوله: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120] فالمنهج هنا أن الرضا لا يأخذ أي طابع الموافقة، سواء كان عبوديةً أو ذلةً أو مطاوعةً على طول الخط، لا يكون هناك رضاً إلا بأن يعلن الإنسان رفع راية النصرانية أو رفع راية اليهودية، عند ذلك نظفر برضا هؤلاء اليهود أو هؤلاء النصارى. وتجد الدول التي ترتمي تحت أقدام النصارى واليهود وبالرغم من الذلة التي تفرض عليها، لا زال هؤلاء اليهود والنصارى يحتقرونهم، ويرون أنهم لم يحققوا أهدافهم بعد؛ لأن الهدف الأسمى بالنسبة لهم هو أن تنضم هذه الدول إلى ركبهم عقائدياً ودينياً. الوقفة الأخرى في المقدمة: أنني لا بد أن أنبه إلى أن هناك قصوراً سيحصل في هذه المحاضرة باعتبار أن هناك تشعبات متعددة وكثيرة، حاولت أن ألم بأطرافها لعل الله سبحانه وتعالى أن يجعل في هذا اللم خيراً، إنما أقول: أن هناك قصوراً سيلحظه بعض الموجودين ممن هم أعلم مني بذلك، ولكن أقول: إنني بذلت وحسبي ما بذلت، والله سبحانه وتعالى هو الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

مناهج المعادين ضد الأمة الإسلامية

مناهج المعادين ضد الأمة الإسلامية أقول في النقطة الثانية وهي التمهيد: هناك مجموعة من الوقفات مع مناهج المعادين أو بمعنى أخص: وقفات عامة توضح المنهج المعادي ضد الأمة المسلمة الذي سار عليه الأعداء منذ القدم، منذ بزوغ هذه الرسالة إلى زماننا هذا، ما هو المنهج المستخدم؟ ثم بعد ذلك ندخل في نماذج تفصيلية أو قصص تفصيلية حول هذه المسألة. أولى هذه النقاط بالأحرى هي مسائل: قضية الإبادة الحسية. النقطة الثانية: الاحتواء الشمولي. النقطة الثالثة: الإذابة والمسخ والانصهار. النقطة الرابعة: الاندماج. طبعاً الأعداء وضعوا نصب أعينهم هذه المناهج الأربع: إما أن يكون هناك إبادة حسية، أو احتواء شمولي، أو إذابة ومسخ وانصهار، أو اندماج، فإن حصلت هذه بأكملها أو أجزاء كبيرة منها فبها ونعمت بالنسبة لهم، وإلا فهناك أولويات بالنسبة لهم، فالأولى هي: الإبادة الحسية، فإن لم تحصل أو لم يكن هناك إمكانية انتقلوا إلى مسألة الاحتواء الشمولي، ثم الإذابة والمسخ والانصهار، ثم الاندماج، ولعلي أعرض لكم وقفات موجزة سريعة مع هذه المناهج.

أولا الإبادة الحسية

أولاً الإبادة الحسية أولاً: الإبادة الحسية: الإبادة الحسية هي ما ذكره الله سبحانه وتعالى عنهم حينما قال: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217] فالإبادة الحسية هنا منهج سار عليه الأعداء فيما يرتبط بالقضاء على المسلمين، فهم لا يريدون لمسلم أن يبقى على وجه الأرض؛ ولذلك تجدهم يفتعلون النصوص الشرعية التي تحث أتباعهم على القضاء على المسلمين، خذوا نموذجين اثنين حول هذه القضية. أنتم تجدون التوراة تتحدث، فهم يقولون: إن النص الذي ذكر فيها هو من الله سبحانه وتعالى، تقول لليهود بأجمعهم: إنك ملزم إلزاماً بأن تقتل الأميين أو تقتل ما سوى اليهود، ولا يقولون: تدعوه إلى اليهودية، وإذا التزم باليهودية تتركه، لا، بل المنهج عندهم هنا: أن تقتل من خالف دينك مباشرةً بدون دعوة، لم؟ لأنهم يرون أنهم شعب الله المختار، ولا يمكن أن ينضم إليهم غيرهم، وبالتالي القتل هنا هو الأصل، ماذا يترتب على القتل بعد ذلك؟ يترتب عليه احتلال الأرض، ويترتب عليه أخذ الذرية، ويترتب عليه السيطرة الاقتصادية، إذاً: هذا نموذج. النموذج الثاني عند الرافضة: عندما يسطرون نصوصاً تؤيد منهجهم الفعلي العملي الملاحظ والمشاهد بقولهم: من قتل ناصبياً أو من قتل أحد العامة بتعبيرات متفواتة دخل الجنة، فسأل أحدهم أحد الأئمة كما يقولون: فإن لم أستطع أن أقتله؟ قال: تذله ما استطعت. إذاً: هم يهدفون إلى مسألة القضاء الحسي على المسلمين، وتحضرني في هذه اللحظة حادثة في وقت الخليفة المهدي العباسي وهو الخليفة الثالث يقول أحد المسئولين عن السجن لأحد الأئمة: كنت مسئولاً عن سجن كذا وكذا، وكان هذا السجن مليئاً فيه أكثر من خمسمائة فرد، وكنت أعتقد أنهم كلهم من النواصب -أي: المخالفين للشيعة، أي: أهل السنة- فأردت القضاء عليهم، ولكنني خفت أن يكون بينهم أحد من الشيعة، يقول: اتفقت أنا وبعض السجانين الآخرين على مسألة القضاء عليهم، فبدأت أركز على أعمدة السجن فأجعل في الأعمدة أو أسفل منها قليلاً من الملح ليكون هو الأساس، ثم بعد فترة أدرجت الماء فذاب الملح فسقط السقف عليهم فمات هؤلاء كلهم، فماذا أفعل؟ قال له هذا الإمام: ليس عليك شيء، بل أنت مأجور وما هم إلا كالخنازير. إذاً: هذا في وقت الخليفة المهدي، هذه الرواية قد تكون مفتعلة أو قد تكون مكذوبة، لكنها تنبئ عن حقد ينبع من قضية الإبادة الحسية التي يسير عليها هؤلاء. الإبادة الحسية تنقسم إلى قسمين اثنين: إبادة حسية كبرى، وإبادة حسية صغرى. أما الكبرى فتأخذ طابع الهجوم المتتابع المتواصل عن طريق الهجمات المتصلة، كهجمات الصليبيين في وقت المماليك وصلاح الدين وغيرهم، وهجمات الاستعمار المعاصر، وهجمات الاستعمار في القرن التاسع عشر، وهجمات الروم وهجمات الفرس، وأي نوع من الهجمات على المسلمين بقصد استئصالهم، هذه تعتبر إبادة حسية كبرى. أما الإبادة الحسية الصغرى فهي مسألة بذر الثورات داخل البلدان الإسلامية؛ للقيام بحروب مضادة بين المسلمين أنفسهم؛ فيضعف المسلمون شيئاً فشيئاً ويترتب على ذلك أو ينتج عن هذا الضعف سهولة احتواء المسلمين والقضاء عليهم، كما سأضرب لكم نموذجاً في ذلك بما حصل في بعض الدول وأبرزها الأندلس. هذه طبعاً الإبادة الحسية الصغرى.

ثانيا الاحتواء الشمولي

ثانياً الاحتواء الشمولي النقطة الثانية من مناهج الأعداء: الاحتواء الشمولي عن طريق الاحتواء السياسي والاحتواء الاقتصادي والاحتواء العسكري.

الاحتواء الاقتصادي

الاحتواء الاقتصادي فالاحتواء الاقتصادي مثلاً عن طريق التحكم الكامل في الاقتصاد العالمي في البنوك العالمية، في قضايا النقد، في قضايا النفط، في قضايا البنك الدولي، في قضايا صندوق النقد الدولي، في جميع ما يرتبط بتبادل العملات إلى غير ذلك، يتحكمون في السوق الاقتصادي العالمي الذي ينتج عنه تركز الثروات في أيدي فئات معينة من اليهود والنصارى، مع بقاء البلاد الإسلامية في فقر مدقع إلا في قليل ممن في هذه البلاد الإسلامية، ممن يعطى من هذه الأموال الشيء الكثير حتى يسكت عن مخططاتهم، ويتعاون معهم في سبيل إنجاح هذه المخططات؛ ولذلك لو ألقيت نظرة على العالم الإسلامي بأكمله ستجد أنه يعيش فقراً أو تحت الفقر، وخذه دولة دولة، نأخذه من المغرب: المغرب فقيرة، تونس فقيرة، ليبيا فقيرة بالرغم من أنها بترولية، الجزائر بترولية فقيرة، مصر فقيرة، السودان فقيرة، الصومال تعرفون حالها، انتقلوا إلى سوريا ولبنان، والعراق وإيران وباكستان وبنقلادش، وكل هذه الدول تعتبر فقيرة أو دون الفقر، وكل هذه الدول لها مديونات ضخمة جداً على البنوك العالمية، ولم يبق إلا دول الخليج والنظرة مركزة عليها، بل وكثير من دول الخليج بدأت مظاهر الفقر تظهر في أطرافها وفي أجزاء منها مما هو ناء من هذه البلاد، وربما كلكم يعرف أن بعض دول الخليج تعتبر دولاً بدلاً من أن تكون دائنة هي دول مدينة، وهذا منهج يسير عليه الأعداء ويركزونه للاحتواء الشمولي الاقتصادي. الثاني: الاحتواء السياسي عن طريق التحالفات أولاً، فلا تجد دولة إلا ولها تحالف عسكري مع دول غربية أو شرقية أو دون ذلك، وهذه التحالفات جعلت هذه الدول تظفر بحماية الدول الغربية في سبيل أن تعطيها أو تستذل هذه الدول للدول الكبرى، فعندما أنشئت هيئة الأمم وأنشئ مجلس الأمن وأنشئت المنظمات الدولية المعروفة كل هذه المنظمات الدولية ركزت على جانب مهم، وهو جانب الاحتواء السياسي العالمي المركز في أيدي فئة معينة لبقية دول العالم، وخاصة العالم الإسلامي. أما الاحتواء العسكري فكلكم تعرفون أن الدول الإسلامية خاصة يمنع عليها أن تصنع أسلحة بشكل مطلق، لا يمكن لها أن تصنع سلاحاً، وعندما صنعت العراق قنبلة أو بدأت في إنتاج القنبلة النووية ضرب المفاعل النووي، ثم بعد ذلك بدأ التركيز الإذلالي العجيب عليها؛ حتى لا تنتج أي سلاح بأي صورة كانت، نحن لا نقول: إن هناك تأييداً للحكم في العراق أو غير ذلك، لكن نقول: إنه لا يمكن لدولة إسلامية أن تصنع سلاحاً متطوراً، ولو جنبنا العراق جانباً بحكم الحساسية تجاه موضوعه، وذهبنا إلى باكستان، فإننا سنجد أن هناك ضغطاً عالمياً مكثفاً في سبيل ألا تصنع قنبلة نووية، مع العلم أن عبدة البقر جيرانهم عندهم من القنابل النووية الشيء الكثير، لم؟ لأن هناك احتكاراً أو احتواء شمولياً عسكرياً للدول النصرانية الكفرية ضد العالم المسلم. كذلك عندما يباع السلاح لدول إسلامية فإن قائمة الشروط لا حد لها: لا يستخدم في كذا، ولا يستعمل في كذا، ولا يضرب به كذا، إلى آخر ذلك، وهذا طبعاً من باب الإذلال العسكري الذي نشاهده. كذلك لا يمكن أو لا تكاد تجد دولة إسلامية تصنع من الأسلحة التقليدية المعروفة كالدبابات أو الطائرات أو الصواريخ العادية، لا أقول: النووية أو الذرية أو غيرها، لا تكاد تجد دولة تصنع ذلك، فهي دول استهلاكية في الجملة، أما ما يذكر أن هناك بعض الصناعات العسكرية في بعض البلدان، فهي تعد صناعات تافهة في مقابل ما يصنعه الغرب من آلات ومن أدوات.

ثالثا الإذابة والمسخ والانصهار

ثالثاً الإذابة والمسخ والانصهار أما النقطة الثالثة من المناهج فهي: الإذابة والمسخ والانصهار، ولعل هذه الحديث عنها يطول، لكن أضرب لها مثالين أو ثلاثة أمثلة. الإذابة والمسخ والانصهار فيما يرتبط بالجانب الفكري والمسائل الفكرية، وذلك عن طريق القضاء على كل ما يمس الجانب الغربي أو النصراني أو اليهودي أو الاستعمار، وذلك عن طريق ذم هذا المنهاج الذي يتحدث عن ذلك، ثم حذف هذا المنهاج من جميع وسائل الوعي التي تبث على الناس، سواء كانت إعلاماً أو تعليماً أو غير ذلك، وحتى الخطب والمحاضرات وغيرها لا تتحدث عن هؤلاء، لا تتكلم عن اليهود، ولا تسب النصارى، ولا تفعل ولا تفعل وهذا أمر واضح بالنسبة لكم، فهنا مسألة إذابة تجهيزية، والقضية ربما لا يدركها أهل الجيل الأول، أو أهل جيل معين، لكن التخطيط يأخذ طابع الأجيال المتلاحقة والمتتابعة، فقد قال مثلاً: تيودور هرتزل الزعيم الصهيوني المعروف في عام (1898م) في سويسرا: يجب علينا إعلان دولة إسرائيل بعد (50) سنة. فهو لا يرجم بالغيب ولا يعلمه، ولكنه يخطط ويبذل، وهو عندما قال هذا الكلام هو يعرف أنه سيموت، لكنه يعرف أن هناك أجيالاً لاحقةً ستحمل الراية وتواصل المشوار، وفعلاً هذا الذي حصل، أعلنت دولة إسرائيل عام (1948م)، وهذا منهج استخدمه هذا الرجل وأتباع هذا الرجل في سبيل الوصول إلى هدفه، وحققوا الهدف عن طريق تذليل الصعاب للوصول إلى هذا الهدف. فأقول: إن الإذابة والمسخ والانصهار لا تأخذ طابع المفاجأة، يعني: لا يضغطون على الناس ويطالبونهم بأن ينصهروا في بوتقة الغرب مباشرة، بل هي قضية تدريجية شيئاً فشيئاً، بطريقة مرتبة ومنظمة ودقيقة، وفي نهاية المطاف ستجد أن النتيجة قد وصلت إلى ما تعرفون، ومثال ذلك: قبل عشرين سنة أو ثلاثين سنة أول ما فتح التلفاز عندنا هنا، لو ظهر منه صورة امرأة كما يظهر في التلفاز الآن ممثلة كاشفة الوجه والشعر والذراعين والساقين بل والفخذين، فماذا سيحصل؟ سيثور المجتمع بأكمله من أوله إلى آخره، سيثورون، لم؟ لأن هذا منظر رهيب لا يعرفونه ولم يتعودوه، وبالتالي يفشل المخطط، لكن الذي حصل أن التلفاز بدأ القضية بالتدريج: صوت امرأة، كف امرأة، أصابع امرأة في البيت السعيد، شيئاً فشيئاً، تخرج المرأة متحجبة ليس فيها من الأصباغ شيء، شيئاً فشيئاً حتى وصل الأمر إلى ما ترون. فأقول: إن هذا منهج وللأسف الشديد خطير للغاية، ولا بد من الانتباه لهذا المنهج. النقطة الثانية: الإذابة والمسخ والانصهار الاجتماعي فيما يرتبط بإفساد الأسرة، والأسرة كما تعرفون هي عماد المجتمع، وهي عماد الأمة، فإذا صلحت الأسرة صلح المجتمع؛ ولذلك ركز الغرب أو بالأحرى ركزت الدول الشيوعية على مسألة الأسرة، وعرفت أن الأسرة إذا كانت صالحة فإن المناهج الشيوعية لن تنجح، وبالتالي نخروا في أسس هذه الأسرة إلى أن تهاوت، ثم بدءوا في تلقف هؤلاء الضائعين من أولاد وبنات، وبدءوا يلقنونهم التعاليم الشيوعية، ونجحت الشيوعية في ذلك فترة من الزمن إلى أن تهاوت وانتهت.

رابعا الاندماج

رابعاً الاندماج ثم بعد ذلك ننتقل إلى المنهج الرابع: الاندماج، الاندماج منهج يهدف إليه الغرب؛ لأنهم رأوا أن قضية الإبادة الحسية صعبة، وقد تكون مستحيلة في كثير من المناطق، فانتقلوا إلى قضية الاحتواء الشمولي، ثم الإذابة ثم الاندماج، والاندماج جعل هذه الدول الإسلامية مستذلة تماماً، بل ومندمجةً فكرياً وعقائدياً ومنهجياً ودعوياً مع الدول الغربية حتى ولو أعلنت الإسلام، حتى ولو كان الفرد منها مسلماً، لم؟ لأنني عندما أقرأ في الكتب أو في المذكرات أن الكنيسة تقول: يجب علينا أن نعلن قارة إفريقيا عام ألفين قارة نصرانية، طبعاً عام ألفين لم يبق عليه إلا سنوات قليلة: سبع أو ثمان سنوات فقط لا غير، ومع ذلك فإن النتائج ليست قوية، فهل معنى هذا: أنهم يقولون: إن جميع أفراد القارة الإفريقية لا بد أن يلتزموا بالمنهج النصراني؟ لا، هذا خطأ، إنما المنهج الذي يسيرون عليه هو أن الزعامة التي تتحكم في الناس يجب أن تكون إما نصرانية وإما مندمجة مع النصارى، تأخذ أقوالهم وتؤيد أفكارهم وتنشر غسيلهم ولا تمانع في ذلك أبداً، هذا هو الذي يريدون، وهذا المخطط نجحوا فيه الآن، وكثير من زعماء الدول الإسلامية في إفريقيا تجد أنهم ينهجون هذا المنهج، والنجاح متتابع متواصل وقوي بالنسبة لهؤلاء. من الاندماج ما نسمع عنه في الآونة الأخيرة من صيحات متتابعة متكررة فيما يرتبط بمحاربة الرجعية- ما يسمى بالرجعية أو الأصولية أو الإرهاب أو الالتزام بالأحرى- وكل من التزم بدين الله سبحانه وتعالى وكل من أطلق لحيته وقصر ثوبه فهو متطرف، هذا ما صرح به أحد زعماء الدول الإفريقية أو بمعنى أخص الزعيم الليبي عندما قال لشعبه: إذا رأيتم رجلاً يحمل مسواكاً وله لحية وثوبه قصير فاقتلوه كائناً من كان فإن هذا متطرف، ما معنى هذا الكلام؟ معنى هذا الكلام: أن القضاء على هؤلاء الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى منهج، وهذا المنهج اتفق عليه الأعداء مع الأصدقاء، أو بمعنى أخص المسلمون -أو ما يسمون بالمسلمين- مع اليهود والنصارى، ومثال ذلك: أحد زعماء الدول الإفريقية المشهورين أو زعيم أكبر دولة إفريقية يلتقي بزعيم أكبر دولة نصرانية ويلتقي معه في أوربا -طبعاً هو ليس أوربي- يلتقي به ويتفقان سوياً على محاربة التطرف، طبعاً هذا يدعي أنه مسلم أو يحكم دولة إسلامية، لكن الآخر ما الذي يعنيه؟ القضية قضية اندماج في محاربة الإسلام، وهذا ما يهدف إليه الغرب.

نماذج من العداء ضد الإسلام والمسلمين

نماذج من العداء ضد الإسلام والمسلمين ننتقل إلى نموذج طبق في الماضي، ثم سنعرض نماذج طبقت في الحاضر فيما يرتبط بقضية حرب الإسلام، ثم أعرض لكم بسرعة مسائل مذابح المسلمين.

النموذج القديم ما حصل في الأندلس

النموذج القديم ما حصل في الأندلس تعرفون أن الأندلس عاش فيها الإسلام فترة طويلة من الزمن، بل وكانت حاضرة علمية عجيبة لجميع الدول الأوربية، تمد الدول الأوربية بالعلماء والمفكرين، فقد كانوا يأتون إلى الأندلس ليدرسوا فيها، بل وذكر أحد المؤرخين الألمان أنه كان الأوربي الذي يتحدث اللغة العربية في ذلك الوقت يعتبر رجلاً ذا شأن ومثقفاً؛ لأنه يتحدث لغة العلم والحضارة، هذه الدولة لم يكن الغرب ينظر إليها على أنها دولة علم، بل كان ينظر إليها على أنها دولة إسلام، والإسلام مناوئ للنصرانية، إذاً: لا بد من القضاء عليه، فاستخدم مناهج متعددة وكثيرة وحرباً متواصلة ضروساً، ولم ينجح إلا عندما استخدم قضايا تدريجية فيما يرتبط بحرب هذه الدولة، وأولى هذه القضايا: مسألة الطائفية والدويلات، إذاً: نشر الطائفية والتفرق والتشرذم، تحت مسمى قبيلة معينة أو منهج فكري معين أو منطقة معينة أو غير ذلك، ثم الصراع المتتابع بين هذه الدويلات، ثم دعم هذا الصراع بشكل متواصل، حتى يضعف هؤلاء أجمعون فيستغل الغرب ذلك، ثم بعد ذلك يترتب على ذلك السقوط والانهيار، وكلكم تعرفون قصة فرديناند وإيزابيلا اللذين كانا زعمين مختلفين، كل منهما في مكان، فاتفقا على حرب المسلمين، وتزوج هذا بهذه، ثم بدءوا يركزون على مسألة حرب المسلمين بصبر وأناة وتؤدة، عن طريق نشر الطائفية والفرقة والتشرذم الذي أدى في نهاية المطاف إلى سقوط غالب مناطق الأندلس في أيدي النصارى، ثم بعد ذلك ما الذي حصل؟ إنشاء محاكم للتفتيش، ومحاكم التفتيش هذه كان السبب الأول في إنشائها هو القضاء على المسلمين. ومحاكم التفتيش هذه عندما تقرءون قصصاً عنها ربما لا تصدقون ما يذكر فيها، ولكن الغريب أن هذه القصص من النصارى أنفسهم، هم الذين ذكروها وتحدثوا عنها، فكان الإعدام نصيب كل من وجدوه مختوناً، أو يختن ابنه أو يصلي أو يذكر الله سبحانه وتعالى، أو يملك مصحفاً أو يتكلم بكلمات إسلامية أو غير ذلك، كان نصيبه القتل مباشرة، وليس هناك شيء اسمه تحقيق أو سجن أو غير ذلك، فقتل من المسلمين الأندلسيين مئات الألوف، بل وقد ذكر بعض المؤرخين أن القتل تجاوز ألفي ألف -أي: مليوني نسمة- من المسلمين، قتلوا على أيدي نصارى أوربا الذين يعيشون في أسبانيا، قتلوا لأنهم يقولون: لا إله إلا الله، وترتب على ذلك أن أوربا انصبت بقضها وقضيضها لتحويل أسبانيا إلى دولة نصرانية كاملة في فترة وجيزة، وهذا الذي حصل، فالمسلم عندما يقبض عليه ويقتل يُرتاح منه، لكن أحياناً توجد مجموعة كبيرة من القبائل التي ربما يتعب هؤلاء النصارى في قتلهم وحصارهم وحربهم، فكانوا يحاصرونهم ويشترطون عليهم شرطاً واحداً: إما أن نحاصركم حتى تموتوا، أو أن تنتقلوا إلى الدول الإسلامية المجاورة ونعطيكم مالاً، وفعلاً يوافق هؤلاء؛ لأن هذا أرحم لهم، وكان هدف النصارى من ذلك هو أن يتكتل هؤلاء في الدول الإسلامية المجاورة، فيضعف اقتصاد هذه الدول مما يسهل عليهم ابتلاعها فيما بعد.

مقاتل المسلمين

مقاتل المسلمين فأقول: إن النماذج التي سأذكرها بعضاً منها سأعلق عليه، والبعض الآخر سأترك التعليق له أو عليه بالنسبة للدروس والعبر لكم أنتم تستقصون ما تعرفون أو ما تتفتق عنه أذهانكم تجاه هذه المسألة. وهذه المسألة تنقسم إلى قسمين اثنين: مقاتل المسلمين قديماً، ومقاتل المسلمين حديثاً.

مقاتل المسلمين في القديم

مقاتل المسلمين في القديم أما مقاتل المسلمين في القديم فتنقسم إلى قسمين: العدو الخارجي المباشر، والعدو الداخلي المتخفي، يغريه العدو الخارجي بالمال من أجل الدخول إلى هدفهم. فمن النماذج ما حصل من دولة الحشاشين التي عاشت من عام (420) للهجرة إلى عام (550) للهجرة، في حدود (130) سنة، دولة الحشاشين هذه قامت بطريقة لطيفة وقضت على الزعامات الإسلامية، إذ كان لديها منهج، ألا وهو: أن المسلم يموت إذا مات زعيمه، أو يموت إذا مات عالمه وهو باق على قيد الحياة، فلا يهمه أن يكون المسلم يأكل ويشرب وينام وينكح ويسكن فهذا أمر اعتيادي، لكن لا يريد منه أن يكون داعية إلى الله، فإذا جرد من العالم أو جرد من الزعيم الصالح، فإن هذا المسلم يسهل فيما بعد تحريكه يمنة ويسرة، ولذلك تجد أنهم ركزوا على الزعامات، فبدءوا في قتل الزعامات المسلمة وعرف عنهم بالانتحاريين أو الفدائية، ويسميهم المؤرخون الفداوية، أي: أنهم يفدون أنفسهم في سبيل مذهبهم، فقتل على أيديهم مجموعة كبيرة من القضاة والعلماء والدعاة، بل الوزراء والحكام، فقتلوا نظام الملك وهو من الوزراء المعروفين المشهورين الذي كان له إصلاح كبير في الدولة المسلمة، وكادوا أن يقتلوا صلاح الدين الأيوبي، فأقول: هؤلاء الحشاشون أثمرت جهودهم ثماراً ليست باليسيرة، وبقيت دولتهم وامتدت إلى زماننا الحاضر، فالمنهج الإسماعيلي: البهرة الإسماعلية، المكارمة، إلى آخر ذلك، كل هؤلاء يعدون امتداداً فكرياً لهذه الدولة- أي: دولة الحشاشين-. أقول: الحسن بن الصباح خرج من مصر رجلاً عالماً مثقفاً شاباً جلداً قوياً بعد خلاف حصل داخل الدولة الفاطمية المصرية، بعد موت الحاكم بأمر الله الفاطمي عام (411هـ)، فخرج إلى العراق ثم خرج إلى مناطق إيران، ثم اتجه إلى مناطق أفغانستان، ثم عاش هناك وفكر في إنشاء دولة، انظروا إلى علو الهمة، فقد كان فيه علو همة لم تكن في غيره، إذ قرر أن ينشئ دولة وهو فرد واحد، لم يقل: سأنشئ قصراً وأتزوج ويكون لي أولاد وأرض واستراحة وكذا، لا، كان همه إنشاء دولة، وفعلاً وصل إلى هدفه بالطريقة المرتبة المنظمة، فقد ذهب إلى القرى الفقيرة، فتعرف على مجموعة من الشباب، وبدأ يتصادق معهم، ثم بدءوا يجلسون سوياً، وجعل هذه الجلسة في مكان بعيد عن الناس، ثم كوّن مبنىً صغيراً، ثم طوره وجعله مبنىً محصناً، ثم قال: نريد نقود لننفق على أنفسنا، لماذا لا نذهب إلى القوافل المهاجرة أو المسافرة من منطقة إلى منطقة ونعرض عليها الحماية، نقول: نحميكِ من مكان كذا إلى مكان كذا مقابل كذا ونسير معهم، ثم نأخذ منهم نقداً، فإن رفضت وهي قافلة صغيرة هاجمناها وأخذناها، وإن كانت كبيرة تركناها، شيئاً فشيئاً حتى جمع المال ثم بنى القلعة على رأس جبل، ثم بدأ يوسع في القلعة ويكبر فيها، إلى أن وصلت إلى الهدف الذي يريد، ثم بعد ذلك بدأ يحقق المنهج الدعوي، وقد وجد بجانب هذه القلعة غابة من أجمل الغابات وفيها نهر يجري، فبنى فيها قصراً جميلاًن وجعل فيها من الأثاث الشيء الجميل، جاء به من العراق، ثم وضع فيها أربعة من الفتيات الجميلات، ثم بدأ يبث الدعاة: اذهبوا إلى القرى، وقولوا لهم: تعالوا إلينا ونعرض عليكم ما عندنا، فإن وافقتم عليه فخذوه، وإن عارضتموه فاتركوه فأنتم أحرار، فكان هؤلاء الفقراء وهم أوساخ وقذارى الناس يدخلون القلعة، فيقولون لهم: أول شيء لا بد أن نضيفكم، فيعطون صحناً صغيراً فيه بعض المأكولات المعتادة، ثم كأس صغير فيه حشيش؛ ولذلك سموا بالحشاشين، يشرب هذا الرجل كأس الحشيش ثم يتخدر، ويؤخذ ويدخل به إلى دورة المياة، ثم ينظف شعره وأظافره وتغير ثيابه ويلبس أساور الذهب والفضة والثياب الحسنة والأطياب والعطورات، ثم ينزل به إلى هذا القصر الصغير فيستيقظ بعد نوم طويل، يلتفت يمنة فيرى نساء جميلات، ويلتفت يسرة فيرى نساءً جميلات، أمامه بيت فاخر لم يتخيل رؤيته في أحلامه، فإذا خرج قليلاً رأى غابة من أجمل الغابات ونهراً، فتقول له أحد الفتيات: إنك في الجنة، وهذا أول قصورك ولك قصور كثيرة، وتعال لدينا، ويحاول أن يتحرش بهن، فيقلن: لا، انتظر، فأنت زائر، كل واشرب، ثم نحن لك وأنت لنا، فيؤتى له بآنية، ويؤتى له بغذاء لم يتخيله في آنية الذهب والفضة فيأكل ويشبع، ثم يشرب كأساً من حشيش ويتخدر، فيعاد به مرة أخرى إلى القلعة ثم يستيقظ بعد أن تغير ثيابه ويعاد إلى ثيابه الأولى، فيستيقظ من منامه فيرى ثيابه القذرة، لكن أظافره قد قلمت ورائحته جميلة وشعره مرجل وثيابه قذرة، فيكون هناك صراع داخلي عجيب: ماذا يفعل؟ ماذا يصنع؟ ما الذي حصل؟ هل هو منام؟ هل هو يقظة؟ لا، فيدخل عليه رجل وقور يقول له: يا بني! لعلك رأيت في منامك كذا وكذا ويذكر له القصة، يقول: نعم، رأيت، فيقول الرجل: إن ما تراه من رائحة وشعر من آثار رؤيتك، وهذا مكانك في الجنة إن كنت معنا على الخط، فيؤمن بهم، وبهذه الطريقة استطاع أن يجمع عشرين ألف جندي، وأرسل له أحد الخلفاء العباسيين رسالة يهدده فيها ويتوعده، وأنه لا بد أن يستسلم؛ لأن جنوده تقدمت حتى كادت أن تحاصر بغداد، واستطاعت أن تقتل آلافاً مؤلفة من المسلمين، فأرسل له الخليفة رسالةً يتهدده فيها، وأنه قد جهز له جيشاً عرمرماً ضخماً قوامه مائة ألف، فقال للرسل: ليس لدي رد، ولكن الرد انظروا: تعال يا فلان! ارم نفسك من القلعة، فرمى نفسه من القلعة، يا فلان! اقتل نفسك، أخذ الخنجر وقتل نفسه، يا فلان! اقطع لسانك، فضغط على لسانه فقطعه فنزف فمات، قال: قل للخليفة: إن لدي عشرون ألفاً يحبون الموت كما تحبون الحياة، وكلهم من هذا الجنس، لم؟ لأن كلاً منهم في ذهنه أنه إذا مات سيذهب إلى ما رآه في حلمه-أي: الجنة- فاستطاع أن يكون دولةً ضخمة تشمل إيران وأجزاء من العراق، وأفغانستان وباكستان وجنوب الاتحاد السوفيتي لتكون دولة للحشاشين، واستطاع أن يقضي على الكثير من أهل السنة، ولذلك يقال: إن أذربيجان الآن وهي دولة من الدول التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي أغلب أهلها من الشيعة: يقال: إنهم أثر من آثار هذه الهجمة الإسماعيلية بقيادة الحشاشين.

مقاتل المسلمين في الزمن المعاصر

مقاتل المسلمين في الزمن المعاصر مقاتل المسلمين في الزمن المعاصر، وهي عبارة عن وقفتين: الهجمة الخارجية، والهجمة الداخلية.

الهجمة الخارجية

الهجمة الخارجية أما الخارجية، فهذا أمر كلنا نعرفه وكلنا نلم به، ولذلك لن أطيل فيه؛ باعتبار أنه أمر مفهوم. الهجمة الخارجية فيما يرتبط مثلاً بهجمة النصارى على المسلمين في السودان والصومال والبوسنة والهرسك وألبانيا وكوسوفو، وفي أذربيجان من قبل الأرمن، كذلك في العراق ولبنان ومصر وغير ذلك، وهي هجمة من قبل النصارى مدعومة من دول الغرب، وإما أن تكون الهجمة من الغرب مباشرة، أو أن الغرب هم الذين يحملون الراية بطريقة سرية، فعندما نتحدث مثلاً عن الهجمة الغربية ضد المسلمين في البوسنة والهرسك نجد أن البوسنة والهرسك التي كانت دولة مسلمة من سنة (855هـ) للهجرة إلى زماننا هذا، كان الغرب يفكر في القضاء عليها، ولكنه لم يستطع؛ لأن الخلافة العثمانية كانت تحميها، فلما جاء الانقلاب الشيوعي في يوغسلافيا بدأ مسلسل القضاء على المسلمين، ولكنهم كانوا متماسكين، فاستطاع أن يستخدم معهم أسلوب الإذابة بدلاً من أسلوب الإبادة الحسية، ولذلك فإن هناك مسلمين لا يعرفون من الإسلام إلا الاسم فقط لا غير، لا يصلون ولا يصومون ولا يحجون، ولا ولا، ومع ذلك فالغرب لا يرضيهم ذلك، لا يرضيه إلا الإبادة الحسية، أما الاحتواء الشمولي والإذابة والمسخ والاندماج لا يكفيه، فقرر القضاء على الإسلام تماماً عن طريق الإبادة الحسية، وتزعم ذلك الأرثوذكس بقيادة الصرب، وكذلك الكاثوليك بقيادة الكروات وبدءوا التركيز القوي على المسلمين للقضاء عليهم، ثم بدأ الدعم الخارجي المتواصل من جميع دول العالم للقضاء على المسلمين في البوسنة والهرسك، فروسيا تدعمهم سياسياً وإعلامياً وعسكرياً ومادياً، ودول أوربا تدعمهم كذلك، وأمريكا تدعمهم كذلك، بل ودول إسلامية أخرى تدعمهم كذلك كإيران ومصر كما هو معروف عن طريق إمداد يوغسلافيا بالبترول وغيرها، بل وكل الدول الإسلامية تدعمهم عن طريق السكوت أو تعليق القضية بالمجلس النصراني المجرم-مجلس الأمن أو هيئة الأمم- وذلك عندما تجعل القضية بأيدي هؤلاء النصارى أو هؤلاء اليهود، ونحن نعرف أن رئيس الأمم المتحدة بطرس غالي وهو من الكاثوليك، ويعد هذا الرجل والصرب إخوة في الدين وفي المنهج وفي المعتقد وفي كل شيء. مثال آخر في الهجمة الخارجية: الهندوس عندما قاموا بهجمة شرسة ضد المسلمين في كشمير، وضد المسلمين في الهند نفسها، ولعلكم ترون بعض النشرات الموجودة في المساجد، أو التي تذكر في بعض المجلات أو غيرها من الهجمة الشرسة من قبل الهنود ضد المسلمين، حتى إن بعضهم يصرح ويقول: أمام المسلمين واحد من أمرين: إما أن يكونوا هندوساً مثلنا، وإما أن يعودوا إلى وطنهم الأم باكستان، ليس هناك حل ثالث أبداً؛ ولذلك بدأت المذابح تترى، ومع أن هذه المذابح قديمة لكنها برزت وظهرت بشكل قوي، كما حدث في هدم المسجد البابري. والبوذية كدين آخر ماذا فعلت في بورما؟ ماذا فعلت في منطقة أرَكان؟ فقد شردت مئات الآلاف وقتلت عشرات الآلاف من المسلمين في هذه المنطقة، كذلك ماذا فعلت في منطقة فطاني في جنوب تايلاند؟ تعمل الأفاعيل والأفاعيل ونحن لا نشعر ولا نعلم ولا ندرس ولا نقرأ، كذلك اليهود ماذا يفعلون بالمسلمين في فلسطين وفي جنوب لبنان وفي غيرها من المناطق بشكل علني، وماذا يفعلون بالمسلمين بشكل خاص عندما يمسكون بزمام الأمور في كثير من القضايا.

الهجمة الداخلية

الهجمة الداخلية ما هي الهجمة الداخلية؟ هنا لعلي أقف وقفة، أقول: كثير منكم قد يتوقع أن هذه المحاضرة عندما يكون عنوانها دماء وأشلاء، أنني سأتحدث عن عدد القتلى وعدد الجرحى، وكم قتل في المعركة الفلانية، وكم قطعت من يد، وكم قطع من رأس، وكم قطعت من رجل، لكن هذا موضوع سطحي وقضية سطحية؛ لأننا نريد أن ندخل في العمق الذي يؤدي إلى هذا النتاج، فإذا عرفت أن هناك هجمة من قبل الأرثوذكس الصرب على المسلمين فتوقع أنه سيكون هناك دماء وأشلاء، وعندما تعرف أن هناك هجمة من قبل البوذيين على المسلمين في بورما، فاعلم أن هناك دماء وأشلاء، والدماء هنا تمثل القتلى، والأشلاء تمثل الجرحى أو تمثل -إن صح التعبير- الحقد على المسلمين عندما يمثلون بهم، ولعل بعضاً منكم شاهد بعض الصور أو الأفلام التي تنشر لمسلمين قتلوا في آشام أو في الهند أو في بورما أو في البوسنة أو غيرها، حتى إنني رأيت صورة لجثث هائلة من المسلمين على شكل جماعات، وتحمل بواسطة (الشيولات) وتوضع في (القلابات)، ورأيت من ضمن حركة هذا الشيول أنه عندما يحمل الجثث هذه يد تنقطع، وهذا رأس يسحق تحت الشيول، وهذا جسد ينفري، وبطن يخرج ما فيه، يعني: مناظر مؤذية للغاية، ولكن ليس الهدف عندما أذكر لكم ذلك أن أتحدث عن هذه النماذج أو النوعيات-أي: الدم وقطعة اللحم الفلانية أو الرأس أو اليد- لكن أذكر لكم الأصول، ولكم أن تتخيلوا فيما بعد ما هي نتائج هذه الأصول. الهجمة الداخلية عن طريق أذناب الاستعمار وممثلي الاستعمار في العالم المعاصر فمثلاً: نجد أن النصيرية تفعل الأفاعيل، وهم الذين قال فيهم شيخ الإسلام ابن تيمية: النصيرية أكفر من اليهود ومن النصارى ومن كثير من المشركين، وهم يتحكمون الآن في جزء غال من بلادنا الإسلامية ويملكونه ويحكمونه، وقد قضوا على الدعوة فيه قضاء شبه كامل إلا من رحم الله سبحانه وتعالى، وكان لهم مذابح هائلة جداً سواء كانت على مستوى المدن، أو على مستوى التجمعات أياً كانت، فلهم هجمة صاعقة وشنيعة تم فيها تدمير أكثر من عشرة آلاف مسلم على أقل التقديرات، وقيل: ثلاثين ألف مسلم على أكثر التقديرات في منطقة حماة، وفعلوا الأفاعيل في تدمر وفي بقية المدن والمناطق والمحافظات في تلكم البلاد التي يحكمونها. كذلك البعثية العراقية بقيادة حزب البعث العراقي ماذا فعل بالمسلمين الأكراد؟ بل وماذا فعل بالدعاة إلى الله سبحانه وتعالى؟ كان همه الأول والأخير ألا يبقي داعية إلى دين الله سبحانه وتعالى في ذلكم البلد؛ ولذلك تجد أن أقل البلاد نشراً للدعوة الإسلامية العراق، لم؟ للهجمة الدموية الشرسة ضد الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى في ذلكم البلد، وقد نهج الحزب البعثي الاشتراكي الذي يتزعمه حزب البعث العربي الاشتراكي بقيادة أحمد حسن البكر، ثم صدام حسين نهجوا منهج القضاء التام على كل ما يمت إلى الإسلام بصلة ومنهج، واستخدموا في ذلك وسائل كثيرة جداً لعل المقام لا يسمح لنا بذكرها. كذلك الهجمة الداخلية التي تقوم بها العلمانية ممثلة في الزعامات في كثير من بلدان العالم الإسلامي، فهي تقوم بهجمة شرسة ضد الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى، بدعوى مكافحة الإرهاب أو التطرف أو الأصولية أو غير ذلك وبدعم متواصل من الغرب، ويعطون هذه القضية الخطورة، وتكبيرها وتضخيمها بالوسائل التي يملكونها من إعلام متنوع، وكسب الرأي العام في صفهم، وهذا ما يحصل في كثير من الدول ولا داعي لذكر النماذج. كذلك ما تقوم به الصوفية من هجمة قوية ضد المسلمين، وهي فرقة مغفول عنها، وليس هدفها الأول والأخير: هو التجمع أو مسبحة أو الأذكار، وهز الرءوس، لا، هؤلاء الصوفية من أخطر الناس على الأمة الإسلامية، وأقرأ لكم تصريحاً غريباً جداً ذكره أحد المعروفين الذين لا يمتون إلى الإسلام بصلة، وهو الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة يقول: إن سبب دخول فرنسا تونس كانت الصوفية، وذلك بأن هذه الطرق هي التي كانت تقاتل الفرنسيين، ثم نجح الفرنسيون في التفاهم مع شيخ الصوفية على أن يدخلوا البلاد، فلما أصبح الصباح قعد الشيخ مطرقاً برأسه وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، فلما سأله أتباعه عن الأمر الذي يقلقه، قال لهم: لقد رأيت الخضر وسيدي أبا العباس الشاذلي وهما قابضان بحصان جنرال فرنسا، ثم أوكلا الجنرال أمر تونس، يا جماعة! هذا أمر الله فما العمل؟ فقالوا له: إذا كان سيدنا أبو العباس راضياً ونحن نحارب في سبيله -ليس في سبيل الله- فلا داعي للحرب، ثم دخل الجيش الفرنسي تونس دون مقاومة. ويقول كذلك في مكان آخر في مذكرات له: إنني اطلعت على الميزانية الفرنسية، فوجدت فيها مخصصات ضخمة للطرق الصوفية؛ لأنها تخدر أعصاب المسلمين عن الجهاد -يقول هذا الكلام قبل أن ينحرف- في أوائل زمنه. ثم النقطة الأخيرة هنا: قضية المنافقين، وماذا يفعلون في الأمة الإسلامية من أفعال تؤدي في كثير من الأحيان إلى الانتشار أو ظهور الدماء والأشلاء، أو ذبح المسلمين في كثير من المناطق، فالمنافقون منذ ظهور الإسلام يسعون بجد واجتهاد في سبيل إضعاف المسلمين عن طريق نشر الحروب والمعارك فيما بينهم، والنماذج في هذا كثيرة جداً ولا يكاد يخلو بلد من هؤلاء المنافقين.

ملاحم المستقبل

ملاحم المستقبل الوقفة قبل الأخيرة: ملاحم المستقبل. كذلك لا بد أن نعلم أن المستقبل فيه دماء وأشلاء وملاحم، وسيكون للمسلمين ملحمة ضخمة مع النصارى، وملحمة ضخمة مع اليهود، وملحمة ضخمة مع الملاحدة، أما مع النصارى فقد بين لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك بمعناه، يأتون النصارى إلى المسلمين في ثمانين راية، مع كل راية اثنا عشر ألف -يعني قريباً من مليون- وستكون ملحمة كبرى ضخمة بين المسلمين والنصارى. أما اليهود وبزعامة الدجال، فسيقاتلهم المسلمون حتى إن الحجر والشجر ليقول: يا مسلم! خلفي يهودي تعال فاقتله. أما الملاحدة فستكون هناك دماء وأشلاء وملحمة ضخمة بقيادة عيسى بن مريم عليه السلام ضد يأجوج ومأجوج الملاحدة، الذين يقولون: قد قضينا على أهل الأرض فهلموا لنقاتل أهل السماء، فيطلقون سهامهم إلى السماء، فترجع مخضبةً بالدماء فتنة من الله لهم، ويحاصر هؤلاء الملاحدة المسلمين في تيماء حتى يبلغ بهم الضنك والشدة مبلغه، حتى إن رأس الثور أو البقرة ليبلغ ثمناً هائلاً، ويقوم يأجوج ومأجوج بالقضاء على دول العالم الإسلامي، وابتلاء المسلمين في قراهم وفي هجرهم بشكل مخيف للغاية. والنتيجة من ذلك كله: أن الدولة الإسلامية ستظهر وستبرز بالرغم من كل هذه الدماء وهذه الأشلاء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (تكون نبوة، ثم يشاء الله لها إلى أن تنقضي، ثم تكون خلافة راشدة، ثم يشاء الله لها إلى أن تنقضي، ثم تكون ملكاً عضوضاً، ثم يشاء الله له إلى أن ينقضي، ثم تكون جبرية، ثم يشاء الله لها إلى أن تنقضي، ثم تكون خلافة تعم الأرض). وقد بين لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم أن الإسلام سيدخل كل بيت بعز عزيز أو بذل ذليل، وإن هذا الدين سيبلغ ما بلغ الليل والنهار. إذاً: كل بيت سيدخله هذا الدين، وسينزل عيسى بن مريم ويسقط الجزية، ولا يقبل من الناس إلا أحد أمرين اثنين: إما أن يسلموا وإما أن يقتلوا، فإذا لم يسلم فإنه سيقتل وينتهي، فلا يبقى على وجه الأرض إلا المسلمون فقط، وسيكون الإسلام هو الذي يضرب بجرانه، ويكون المسلمون هم الذين يملكون الأرض من أولها إلى آخرها، وكما تعرفون فإن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، لا بد من العمل ولا بد من التضحيات والبذل، ونحن لسنا مطالبين بالنتائج، نحن مطالبون بالعمل، ويكفينا أن نقدم ونرى ما قدمنا في صحفنا يوم القيامة، أما قطف الثمرة فإن قطفناها فخير على خير، وإن لم نقطفها فحسبنا أننا قدمنا، والله سبحانه وتعالى الموفق والهادي إلى سواء السبيل. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

نصيحة لمن يهون من أساليب الدعاة في الدعوة إلى الله

نصيحة لمن يهون من أساليب الدعاة في الدعوة إلى الله Q أنا شاب غيور على أمتي، وأحترق كثيراً عندما أسمع مذابح المسلمين، فأقوم ببعض الأعمال للمشاركة في أعمال خيرية للمسلمين سواء بالتبرعات أو الدعاء أو غير ذلك، ولكن أجد من الشباب من يهون علي هذه الأعمال، فما هي نصيحتكم لمثل هؤلاء؟ A لا بد أن يضع الإنسان نصب عينيه: (وتبسمك في وجه أخيك صدقة)، وإن كل عمل مهما قل فإن الإنسان مأجور عليه، وإن أحب الأعمال إلى الله أدومه وإن قل، وإن الإنسان مهما بذل ومهما فعل فإن هذا الفعل سيكون له الأثر، حتى ولو لم يقطف الثمرة، أو حتى ولو لم يرها، تخيل أنني أهديت فلاناً من الناس شريطاً بريالين اثنين فقط لا غير، فأخذ هذا الرجل هذا الشريط، ثم استمع إليه، فاهتدى واهتدت زوجته وأبناؤه، وإذا بهؤلاء الأبناء كونوا أسرة واهتدت هذه الأسرة. فالحاصل: أنه أصبح هناك مجتمع مصغر مكون من عدة أسر، كل هذا المجتمع اهتدى بسبب شريط واحد بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بجهدي، والله سبحانه وتعالى قادر على أن يهدي الناس جميعاً، ولكن هذه القضية قضية ابتلاء واختبار؛ ليرى الله سبحانه وتعالى هل نقدم، هل نعمل، هل نفعل؟ أم لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)، مهما كان المعروف قليلاً، إلا أنه إذا قرن بالإخلاص فإن الثمرة ستكون قوية، وهذه نصيحتي إلى من يرى خلاف ذلك.

كيفية تلقي المسلم الأخبار الصحيحة عن المسلمين

كيفية تلقي المسلم الأخبار الصحيحة عن المسلمين Q من أين يتلقى المسلم الأخبار عن المسلمين عبر مصادر صحيحة؟ A نحن نعيش فترة لغوب في الأخبار الصحيحة التي يتلقاها الفرد المسلم عن بقية المسلمين، بل وسائل الإعلام هي التي تتحكم في معرفة أحوال العالم الإسلامي، فإذا أرادت أن تخبرك عن البوسنة، جاءت بالأخبار مركزة عن البوسنة، فعرفت عنها كل شيء، لكن أفغانستان لا نعرف عنها شيئاً؛ لأن وسائل الإعلام لا تعطينا شيئاً، إذاً: ننساها، بورما لا تعطينا وسائل الإعلام عنها شيئاً، إذاً: ننساها، قررت وسائل الإعلام أن تعطينا عن بورما أعطتنا، إذاً: هي التي تحركنا؛ ولذلك نحن نعيش فترة قصور إعلامي عجيب، هذا القصور الإعلامي يحتاج منا نحن أن نبدأ في التعاون التدريجي لإنشاء مجلات أو نشرات إسلامية أو غير ذلك، ويحتاج منا دعم المجلات الإسلامية التي تأتينا بالأخبار الصحيحة، فهذه المجلات الإسلامية أو الجرائد الإسلامية إذا دعمت فإنها ستكون ذات ثمرة، فإذا كان هناك مجلة إسلامية تصدر في البلد الفلاني وأنا أشتريها وأتابع الأخبار، وأحس بأن غيري يشتريها فإنني أساهم في بقاء هذه المجلة، التي هي وسيلة من وسائل إمدادي بالأخبار، لكن عندما أترك شراءها أنا وأنت وفلان وفلان، فإن معينها ينضب فتغلق، وينقطع آخر حبل من حبال إمدادي بالأخبار الصحيحة، فهذه مشكلة والجميع يعايشها، ولكن قضية وجود الحل يحتاج إلى وقت وجهد وتضافر وإمكانات، وشيئاً فشيئاً لعل الله سبحانه وتعالى أن يلطف بنا؛ فنجد الأخبار السليمة من مصادرها الصحيحة، ولعل بوادر ذلك بدأت تظهر شيئاً فشيئاً عبر كثيرة من المجلات التي بدأت تظهر في الساحة، وتمثل اتجاهات إسلامية صحيحة في الجملة.

كلمة حول قرب النصر للمسلمين

كلمة حول قرب النصر للمسلمين Q علمنا أن التضييق واستخدام القوة ضد المسلمين دليل على قرب النصر للمسلمين، فهل من كلمة حول هذا الموضوع؟ A إن الحلقة كلما ضاقت كان ذلك أقرب إلى الانفراج، وكلما ازدادت حلكة الليل كان ذلك إيذاناً لبزوغ الفجر، فنحن نرى ولله الحمد الرجعة إلى دين الله سبحانه وتعالى في كثير من البلاد، ونرى أن الكثير بدءوا يعون الواقع ويعرفونه، ويعرفون أن رسالتهم في هذه الحياة ليست هي الرسالة التي كان يعيشها الكثير، ممن همه أكل وشرب ونوم وغير ذلك، ولو كان منهجه صحيحاً في أن يعبد الله سبحانه وتعالى في مسجده، ثم إلى عمله، ثم إلى بيته، فهو مطالب بأكثر من ذلك، وهذه الرجعة الصحيحة التي نراها في كل دول العالم بلا استثناء دليل على قرب النصر، ولكننا قوم نستعجل، جاء الصحابة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو مستظل في ظل الكعبة، وكانوا يستعجلون النصر، فطلبوا منه أن يستعجل لهم النصر، فقال لهم: إنكم قوم تستعجلون، لكن في مستقبل الأيام ستتحرك الضعينة أو المرأة من صنعاء إلى حضرموت وهي منطقة خطيرة جداً لا تخاف إلا الله سبحانه وتعالى، وهذا الذي حصل، فقضية استعجال النصر هنا يجب ألا نجعله نصب أعيننا، لابد أن نجعل نصب أعيننا باستمرار العمل، هذا هو الذي نركز عليه، فقطف الثمرة هذا إن جاءت فالحمد لله، وإلا فأبناؤنا أو أبناء أبنائنا هم الذين سيقطفونها، وحسبنا أننا أرضينا ربنا سبحانه وتعالى، وهذا هو الهدف الذي يجعله كل منا أمام ناظريه.

كيفية الوصول إلى أخبار البوسنة والهرسك والصومال

كيفية الوصول إلى أخبار البوسنة والهرسك والصومال Q ما أخبار البوسنة والهرسك والصومال؟ A لعل اللجنة الثقافية عندكم تعطيكم أخباراً في ذلك، ولعل اللجنة الثقافية ترتب لقاءات خاصة للاطلاع على أخبار هذه الدول والحروب؛ لأن الأخبار متجددة ومتتابعة ومتغيرة باستمرار، وهذه الأخبار تحتاج من الإنسان أن يتابعها بشكل متتابع من المصادر السليمة الصحيحة، فأقول: إن وجود معلومات من الوسائل الأجنبية تحتاج إلى تأكد وتثبت، ووجود الأخبار الصحيحة يحتاج إلى أن يكون الإنسان على علاقة بأناس يعايشون الأخبار عن كثب.

كيفية مواجهة الحملات النصرانية

كيفية مواجهة الحملات النصرانية Q لو كنت أريد أن أكون حملة ضد النصرانية، فكيف يكون تكوينها، وما كيفية الهجوم عليهم؟ A إن النصارى عندهم جهود هائلة في سبيل مناهجهم، لكن سأذكر لكم نموذجاً واحداً: ألبانيا دولة فقيرة للغاية، وأحد الإخوة ذهب إلى ألبانيا للمشاركة في إقامة دورة هناك، يقول: تصور أننا ثلاثة أيام لم نأكل الشمام والخبز، لأنه ليس عند ناشئ، لا يوجد غير خبز وجراوة، نذهب إلى البقالة فلا نجد إلا علبة أو علبتين أو ثلاثة، فهي دولة فقيرة، واستغل الغرب هذا الفقر المدقع عند هذه الدولة، فقالوا: تعالوا، نحن نعلم أبناءكم وندرسهم منذ التمهيدي إلى الجامعة، لكن بشرط: أن تجعلوهم في أيدينا ولا تتدخلوا في شيء، فيقول: إن الحكومة الألبانية كادت توافق، فبدأت حملة من بعض الإخوة في مسألة مساعدة التلاميذ عن طريق تأمين حقيبة وملابس وكتيبات ودفاتر وأقلام لهؤلاء حتى يواصلوا الدراسة، وفعلاً نجحت هذه الحملة، وتم تعميم أكثر من مائة حقيبة دراسية لهؤلاء. ومن النماذج كذلك البابا يقول: إنه من أشهر البابوات في سبيل الدعوة إلى النصرانية في الدول الفقيرة، قام بزيارة لألبانيا، وكان يلتقي بالفقراء، لاحظوا زعيم النصرانية يلتقي بالفقراء ويسلم عليهم ويمسح على رأس الطفل ويجلس معه ويقبله، وهو عندما يقبل هذا الطفل ليس لدعوة هذا الطفل فقط، بل يعرف أن هناك آلاف أو مئات الألوف من الناس ينظرون إلى صورته وهو يفعل ذلك، فما الذي يفعل؟ طبعاً يعطيه سلسالاً ذهبياً فيه الصليب، أو يعطيه هديةً أو لعبة فيها صليب، أو يعطيه لباساً فيه صليب ويلبسه إياه، يقول هذا: فالبابا عن طريق هذه الزيارة نشر عدداً هائلاً من الوسائل الدعوية النصرانية، يقول: نحن الآن بدأنا في طبع نماذج محاربة لهذا المنهج، يعني مثلاً باللغة الألبانية: أنا أحب الإسلام، فنعطيه إياها ويلصقها على سيارته، مثلاً شيء يعلق في السيارة فيه آية الكرسي، أو فيه دعاء باللغة الألبانية أو فيه كذا، فأقول: قضية الحرب المضادة موجودة، لكن الحرب المضادة الأساسية هي أن تكون أنت متمسكاً بدينك، وتدعو إلى دين الله، هذا بحد ذاته هو أشد ما يضايق النصارى، فإن أشد ما يضايق النصارى هو هذا المنهج: أن تدعو إلى دين الله سبحانه وتعالى؛ لأنك في هذه الحالة تسحب البساط من تحت أرجلهم شيئاً فشيئاً. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه الغفور الرحيم، والله سبحانه وتعالى أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

قصص لا تنسى

قصص لا تنسى إن التاريخ خير أستاذ لمن تأمل فيه، وتتبع أحداثه، وعاش أجواء من سبقه من الأمم، ولذا قيل من أراد أن يضيف عمراً إلى عمره فليقرأ التأريخ، وذلك لما فيه من العبرة والعظة.

مأساة أسرة

مأساة أسرة بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين. قبل أن أبدا في عرض القصص التي ينبغي ألا تنسى فإن الشباب الصالح الذين يتلون آيات القرآن يجدون فيه قصصاً هي التي ينبغي ألا تنسى، بل ولن تنسى باعتبار أنها في كتاب الله، والله قد حفظ هذا الكتاب عن أن يتعرض لتحريف أو تأويل أو تغيير، من هذه القصص قصة يوسف مع إخوته ومع والده، فهذه القصة لو تمعن في دراستها الآباء لعرفوا أن فيها من العبر ومن الأساليب التربوية الشيء العظيم. فهذا يعقوب عليه السلام ذلكم النبي الصالح فضل أحد أبنائه على البقية، وقد كانوا في سن لا تجعلهم يحكمون على الأمور بمنظار عقلي بل بمنظار عاطفي، فترتب على ذلك أنهم قرروا أن يستأثروا بوالدهم الذي صرف الحنان والمحبة والرعاية ليوسف وأخيه بنيامين، فقالوا: لا بد أن نقتل هذا الابن؛ حتى نستحوذ على والدنا. فتلك الآيات تعطيك أيها الوالد الكريم عبرة ودرساً، وتعطيك قصة لا تنسى: وهي أن الأبناء ينبغي أن يكونوا في مرتبة واحدة، حتى لو كنت تفضل البعض، أو تحب البعض، أو تقدر البعض قدراً زائداً على غيرهم، أو تقدر البعض وتكره الآخرين، فإنه ينبغي عليك أن لا تظهر ذلك أمام الجميع، فلا تظهر هذه المحبة فيحسد الأبناء المفضولون إخوتهم الذين فضلتهم عليهم ويكرهونهم، وقد يكيدون لهم كما فعل إخوة يوسف مع يوسف عليه السلام، فنصيحتي للآباء أن يقرءوا هذه السورة، وأن يتمعنوا فيها، وأن يأخذوا المناهج التربوية العجيبة من هذه السورة. خرج رجل صالح من بيته متجهاً إلى متجره بعد أن اشترى قليلاً من الخبز الجاف الذي حصل عليه بصعوبة ووضعه في بيته لأولاده، وأوصى زوجته بأن تهتم بهم، خرج إلى متجره الذي يسمى متجراً وهو في الحقيقة لا يحتوي إلا على شيء قليل جداً من البضاعة، وكان متعباً نحيلاً هزيلاً، فقد أنهكه الجوع فهو لا يستطيع أن يحصل على لقمة العيش التي تكفيه ومن يعول، والمادة ليست بموجودة، والغذاء لا يباع في الأسواق، فهو يريد أن يبيع ولو شيئاً قليلاً ليشتري ما يسد رمقه فحسب، هو لا يريد أن يتفنن في الطعام، ولا يريد أن يتففن في الشراب، وغاية ما يريده خبزاً جافاً فقط، فتح الرجل متجره بعد أن استعان بالله تعالى، وبقي فيه يرقب الغادي والرائح ويتمنى أن يطل عليه أحد العملاء ليشتري منه ولو شيئاً قليلاً. وفجأة! تقف سيارة على باب لمتجر، إنها مليئة بالجند، إنها سيارة الشرطة؟! تقف متجهة إليه، إنه لم يبلغ بعد سن الكهولة بل لا زال فيه روح الشباب، فنزل بعض الجند واتجهوا نحوه ثم سحبوه بكل قوة وأركبوه في السيارة، ثم ذهبوا به ولكن إلى أين يا ترى؟ لقد أخذوه إلى منطقة قريبة وأخذوا صندوقاً من الرصاص كبير الحجم، ثقيل الحمل، ثم قالوا له: احمل هذا على ظهرك واذهب به من المكان الفلاني إلى المكان الآخر! فتلكأ وتردد؛ لأن هذا الصندوق لثقله لا يطيقه ثلاثة أو أربعة فكيف بواحد؟ وعندما أبدى الرفض توالت عليه الصفعات واللكمات والضربات، فاستعان بالله وحمل الصندوق ومشى به ثلاثة أو أربعة أمتار ثم سقط؛ فهو لا يستطيع فعلاً أن يحمل هذا الصندوق، وعندما رأوه بهذه الصورة ضربوه فتحامل على نفسه وحمله مترين أو ثلاثة إلا أنه سقط مغمىً عليه من شدة الإعياء، وعندما رأوه بهذه الكيفية أخذوه وذهبوا به إلى جذع شجرة قريبة منهم، ثم ربطوه وأوثقوه في هذه الشجرة وسمروا يديه في الشجرة، ثم بدءوا يضحكون عليه ويتلاعبون به، فبدءوا ينتفون شعره بأيديهم، ويخلعون أضافره بزراديات كانت معهم، ثم بعد ذلك خلعوا ثيابه وقطعوا مذاكيره ثم أدخلوها في فمه، ثم أخذوا حربة وضربوه بصدره، فارتفعت روحه إلى بارئها، كانوا يضحكون جذلين من هذا المشهد! وبعد أن انتهوا من فعلتهم الشنيعة ذهبوا إلى حال سبيلهم بعد أن أخذوا هذا الصندوق معهم. فوجد الناس جثة الرجل المسكين وبدءوا يحدثون بما حصل له، فسمعت زوج هذا الرجل المدعوة زهرة بما حصل لزوجها من قبل الجيران؛ لأن الحادثة كانت قريبة من قريتهم، فذهبت مسرعة بكل قوة إلى مكان الحادث، وحدثت الفاجعة فما أن وصلت الشجرة حتى رأت مشهداً مخيفاً مرعباً هائلاً لا يمكن أن يصدق، حاولت أن تنزله من على الشجرة لكنها لم تستطع، فقد كانت ضعيفة هزيلة فهي لم تأكل شيئاً منذ مدة من الأيام، فعادت مسرعة تستنجد برجالات القرية لعلها تجد أحداً يساهم معها في إنزال زوجها من الشجرة، وقبل أن تصل إلى البيت إذا بسيارة شرطة أخرى فيها مجموعة من الجند ينظرون إليها، وعندما أدركت ذلك اتجهت مسرعة إلى بيتها، وقبل أن تتوارى ناداها أحدهم وهو شاخص إليها ينظر إليها: إنها جميلة وفيها مسحة من جمال، فطلبوا منها أن تأتي معهم، فصرخت واستغاثت ورفضت، لكنهم جروها بشعرها بكل قوة حتى أركبوها في السيارة، ثم ذهبوا بها إلى معسكرهم، وهناك سألوها مع من تسكنين؟ قالت: في بيتي مع زوجي الذي قتلتموه، ومع أولادي الخمسة، ومع أختي، ومع أخي. فسألوها: أين أخوك؟ فأجابت لقد سافر وهرب، فما كان منهم إلا أن رجعوا إلى البيت وهي معهم فأخذوا يبحثون في البيت فلم يجدوا إلا الأطفال، وفجأة وقعت أعينهم على بنت في الثانية عشرة من عمرها، فسحبوها معهم واتجهوا بها إلى المعسكر! ثم بدءوا يتوالون عليها اغتصاباً شرساً بكل قبح وجنون، وبكل شراسة وحماقة، وحينها لم تتحمل البنت الصغيرة هذه المشاهد المريعة المخيفة! ومن جراء هول ما يحصل لها أسلمت الروح إلى باريها، وليست الكبيرة بأحسن حال منها فهي الأخرى تكاد أن تسلم الروح إلى باريها، فلما رأوا ذلك تركوها، فرجعت إلى بيتها وقد أسدل الليل ستاره على هذه القرية الحزينة البائسة، فنظرت إلى البيت ونظرت إلى أولادها الذين يكادون يموتون من الروع من الخوف من الجوع، يا إلهي! ماذا تفعل: تنادي! تصرخ! لا مجيب، نظرت فإذا رجل يتسلل في جنح الظلام حتى دخل البيت مسرعاً وأخذ يهمس في أذنها: زهرة زهرة زهرة انتبهي إلي إنني أخوك، فانتبهت إليه فإذا هو أخوها، فضمته وهي تبكي وتصرخ: لقد قتلوا زوجي، لقد قتلوا أختي، لقد كادوا أن يقتلوني، فقال لها: هيا خذي ما خف حمله وغلا ثمنه نريد أن نهرب، إنهم سيقتلوننا إذا جاء الصباح، فأخذها هي وأولادها وانطلقوا مسرعين يمشون الليل مع النهار وبعد ثلاثة أيام من الإعياء والتعب والمشقة اجتازوا الحدود ووصلوا إلى منطقة آمنة، فألقوا أجسادهم مباشرة على الأرض الجرداء نياماً لا يريدون شيئاً إلا الراحة، وعندما استيقظوا من نومهم ورأوا أنهم قد أمنوا من مكر هؤلاء بدءوا يقصون على الآخرين ماذا جرى لهم. أتدرون هذه الحادثة لمن حصلت؟ ومن هي هذه المرأة؟ ومن هو هذا الرجل؟ وأين حصلت هذه الحادثة؟ ومتى حصلت هذه الحادثة؟ إنها حادثة من عشرات بل مئات بل آلاف الحوادث التي تتكرر يومياً في منطقة من مناطق العالم الإسلامي، إنها منطقة بورما التي تحاذي بنجلادش، حيث يقوم فيها البوذيون بحملة شرسة هائلة مخيفة لطرد ستة ملايين مسلم من هذه البلاد، فهم لا يريدون مسلماً واحداً يبقى فيها على الرغم من أنها منطقتهم وبلادهم! فقد عاشوا فيها منذ عشرات القرون، فقد دخلها الإسلام في القرن الثاني الهجري ونحن اليوم في القرن الخامس عشر، فهي منذ ثلاثة عشر قرناً أرض إسلامية، فالإسلام فيها ينتشر ويزداد لكن هؤلاء المسلمين لا بواكي لهم، فلا أحد يلقي لهم بالاً أو يعطف عليهم من أمة الإسلام، فما كان من الشعب البوذي المجرم إلا أن قام بعملية مسخ واستئصال هذا الشعب المسلم في منطقة آراكان التي هي جزء من منطقة بورما، والتي كانت بلداً إسلامياً سيكون في طي النسيان، وإذا استمر هذا الحال فسيكون بلداً بوذياً بعد فترة يسيرة؛ لأن الحملة الشرسة مستمرة. والمشهد السالف الذكر يتكرر دوماً، فاللاجئون في بنغلادش يزداد عددهم كما ذكرت الأخبار، فقد يصل عددهم إلى ألف لاجئ في اليوم، وهذا رقم هائل، وأما الذين لا يصلون والذين يموتون من الجوع والقهر والتعب فيتجاوزون الألفين يومياً. وأما الذين يقتلون فلا أحد من البشر يستطيع أن يحصي عددهم، إنها مأساة عجيبة رهيبة هائلة من يستطيع أن يتصورها؟ لا يتصورها الذين انطبق عليهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم). إن الشعب المسلم في جميع أرجاء الأرض لا هم له إلا كيف يأكل، وكيف يشرب، وكيف ينام، وكيف يقوم، وأما أن يفكر في أمته وما يحل بها من الويلات! وأما أن يتذكر ويتابع ويدعو فلا. ومن العجب أن هذه القصص المتكررة المتوالية ليس لها ذكر في جرائدنا أو مجلاتنا التي تصدر في عالمنا الإسلامي! بل إنها تذكر في مجلات الغرب وجرائدهم، فهذه القصة موجودة في مجلة الصنداي تايمز التي تصدر في بريطانيا، ولنا أن نسأل لما يا ترى لا يذكرون شيئاً عنهم؟

حقد رافضي

حقد رافضي قام رجل مشهور يعمل وزيراً من الوزراء بإرسال رسالة إلى هولاكو زعيم التتار الذي دمر الخلافة الإسلامية العباسية سنة 656هـ، وقتل في ثلاثة أيام متتالية أكثر من مليون ومائتي ألف ما بين رجل وامرأة وطفل. كان هذا الوزير وزيراً لآخر الخلفاء العباسيين الذي يدعى بـ المستعصم بالله، وقد كان خليفة المسلمين غارقاً في اللعب واللهو، وكان قد استوزر مجموعة من الوزراء منهم هذا الوزير الذي تميز بأنه رافضي خبيث. وكان من خبر هذا الوزير أنه قام سراً بإرسال رسالة إلى هولاكو الذي اجتاح أجزاء من العالم الإسلامي إلى أن وصل إلى إيران ثم توقف؛ لأن أهدافه قد تحققت فأراد الرجوع إلى بلاده، فأرسل له هذا الوزير رسالة: إلى هولاكو من فلان بن فلان: إنني أستحميك وأطلبك وأرجوك أن تقدم علينا وتخلصنا مما نحن فيه، فرد عليه هولاكو رسالته بقوله: لا أستطيع أن أقدم عليكم؛ لأن عندكم في بغداد مائة ألف جندي مدربين أقوياء، فأخشى أن أتعرض وجيشي إلى الهزيمة، فرد عليه هذا الوزير: لك علي في فترة وجيزة أن أصرف الجند ولا يبقى في بغداد إلا الضعاف منهم. ثم وفّى بوعده فقام بصرف الجند من بغداد مستغلاً وزارته التي منحها، فبدأ يرسل كتائب الجند إلى مصر وإلى سوريا وغيرهما، ولم يبق في بغداد إلا عشرة آلاف جندي من أضعف الجند، ثم أعاد الرسالة مرة أخرى إلى هولاكو وقال له: تعال على الرحب والسعة فلم يبق أحد يردك عما تريد، فقدم هولاكو ثم حاصر بغداد حصاراً يسيراً فسقطت بغداد في أيدي التتار، ثم أذن لجنده بأن يفعلوا الأفاعيل، ومعهم هذا الوزير الخائن وأتباعه، فبدءوا يعيثون في المسلمين فساداً، فقتلوا في يوم واحد: خمسمائة ألف، وفي اليوم الثاني: خمسمائة ألف، وفي اليوم الثالث: مائتي ألف، فكان القتلى في ثلاثة أيام مليوناً ومائتي ألف رجل وامرأة وطفل، فأنتنت بغداد من كثرة الجيف ولا أحد يستطيع أن يدفنهم، حتى إن رائحة الجثث كانت تشم في دمشق على مسافة سبعمائة كيلو متر من بغداد. وذكر ابن كثير أن الذين قتلوا مليون ومائتا ألف، وثمانمائة ألف آخرين ماتوا من شدة الرائحة والوباء. أتدرون من هو هذه الوزير؟ إنه رجل يدعى مؤيد الدين ابن العلقمي، وقد كان رجلاً رافضياً شيعياً يحقد على أهل السنة كما يحقد غيره من الشيعة على أهل السنة، فهم يكرهونهم كراهية عجيبة. وكان يهدف من إرسال الرسالة أن يقيم دولة شيعية على أنقاض الدولة السنية التي يحكمها الحاكم العباسي، وفعلاً أقيمت الدولة الشيعية ولكن الله سبحانه وتعالى بالمرصاد فقد قتل ابن العلقمي على يد التتار، وقتل الوزير الآخر نصير الدين الطوسي الذي كان ملازماً لـ ابن العلقمي على أيدي التتار أيضاً، ولم تقم لهم قائمة. وإنما كانت هذه القصة من القصص التي لا تنسى؛ لأنها تتكرر دوماً وأبداً فالشيعة باستمرار يخططون ليكيدوا للعالم الإسلامي.

مكائد لا تنتهي والتأريخ يعيد نفسه

مكائد لا تنتهي والتأريخ يعيد نفسه هذه الصورة حصلت سنة 656هـ، لكننا في هذا القرن: قرن التطور، قرن الحضارة كما يسمى نجد أن هذه الصورة تتكرر يوماً بعد يوم، إن الشيعة الذين تقرءون وتسمعون عنهم يكيدون للإسلام أيما مكيدة، ولعل ما حصل في الحرمين في الأعوام 1407هـ و1408 لم يغب عن أذهانكم بعد. ولذا يجب أن يتنبه الناس لهؤلاء ويعرفوا حقيقتهم، وأنهم أشد عداوة لنا من اليهود والنصارى! لأنهم يتسترون بستار الإسلام، ويتمسحون بالإسلام اسماً وهم ليسوا بالمسلمين، وهم بعيدون كل البعد عن الإسلام، إنهم يخططون الآن لا للحصول على المال ولا للحصول على المتاع! ولا للحصول على البنايات! ولا للحصول على السيارات ولا للحصول على التجارة؟ وإنما يخططون لإنشاء الأمبراطورية الشيعية الإسلامية العظمى في أجزاء من أفغانستان وإيران والعراق وسوريا والأردن ولبنان وشمال الجزيرة والخليج بأكمله. إنهم يسيرون على مخطط دقيق منظم، ولا يلزم أن يتحقق ذلك في يومين أو شهرين أو عامين، فاليهود عندما اجتمعوا في بال في سويسرا في سنة 1898م في آخر مؤتمر من مؤتمراتهم، أعلنوا قراراتهم وكان من ضمن هذه القرارات: يجب علينا أن نعلن دولة إسرائيل بعد خمسين سنة، ومع ذلك لم يلق العرب لذلك بالاً، ولكنهم كانوا يسعون ويخططون وينظمون وينظرون، وفي النهاية أعلنت دولة إسرائيل سنة 1948م. فكانت أهدافاً تحققت ليست رجماً بالغيب، بل توقعات مبنية على دراسة وتخطيط، ولذلك ينبغي أن يتنبه الناس لهؤلاء الأعداء الذين يعيشون بيننا ويرتبطون بنا، وربما الكثير من الناس اليوم قد احتك بهم.

صاحب النقب

صاحب النقب اتجه مسلمة بن عبد الملك رحمه الله تعالى القائد الأموي المشهور ومعه جيش قوي قوامه أكثر من مائة وعشرين ألف جندي إلى بلاد الروم؛ ليفتتح عاصمة الروم القسطنطينية آنذاك والتي تسمى اليوم اسطنبول، وتقع الآن في الشمال الغربي من تركيا، وكانت هذه العاصمة عاصمة قوية جداً، وقد استعصت على مسلمة بن عبد الملك ولم يستطع أن يفتحها، ولكن الله يسر فتحها على يدي محمد الفاتح القائد العثماني المظفر. وعندما اتجه مسلمة بن عبد الملك إلى القسطنطينية كان في طريقه مجموعة كبيرة من المدن والقرى والمناطق الشاسعة التي يمتلكها النصارى ففتحها مدينة مدينة، وبلدة بلدة، ثم توقف عند حصن كان ذا بنايته قوية، وحصانة شديد، وجنوده كثيرون ومدربون وأشداء، فبدأ الجيش الإسلامي في الحصار واستمر الحصار فترة من الزمن ولكنه لم يسقط! وحينها حاول مع مجموعة من البنائين أن يحفروا حفرة في هذا الحصن، ومعلوم أن الحصون القديمة من طين، فحفروا فتحةً يدخل منها الرجل أو الرجلان، ولكن من الشجاع القوي الذي يدخل من هذه الفتحة ويقاتل ويقاتل إلى أن يصل إلى الباب ويفتحه، فهذا عمل لا يستطيع أحد أن يفعله إلا الشجعان الذين باعوا حياتهم لله تعالى، فصاح مسلمة فيهم من منكم يستطيع أن يدخل على هؤلاء فيفتح لنا إن قدر له الله النجاة؟ فقال أحدهم: أنا وهذه الحادثة تكرر شبيه لها في حصار اليمامة التي تقع على مقربة من الرياض الآن أو قريبة من منطقة الجبيلة والعينية؛ فقد حدثت هناك معركة قوية جداً عندما قام خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه ومعه الصحابة ومن معهم بحصار مسيلمة في حديقته المحصنة المسورة، فاستعصت عليهم وما استطاعوا أن يفتحوها، فقام البراء بن مالك أخو أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ضعوني على ترس وارفعوني إلى الأعلى وسأقفز عليهم وأقاتلهم إلى أن أفتح لكم، وفعلاً قفز على جدار الحديقة ثم نزل عليهم كالصاعقة وبدأ يقاتل ويقاتل ويحارب ويضرب مع كل اتجاه إلى أن وصل إلى الباب ففتحه ثم دخل المسلمون وقضوا على جند مسيلمة، وكانت النتيجة أن البراء بن مالك لم يبق في جسده منطقة إلا وفيها طعنة أو ضربه أو جرح أو غير ذلك حتى إن الصحابة مكثوا شهراً كاملاً يمرضونه نتيجة لذلك، فقد أبدى رضي الله عنه بطوله عجيبة غريبة نفتقدها في هذا الزمان. فعندما صاح مسلمة وقال: من منكم يستطيع أن يدخل على هؤلاء فيفتح لنا؟ فقام رجل وقال: أنا، فدخل النقب وقاتل وضارب مع كل اتجاه حتى وصل إلى الباب ففتحه فاستسلم أهل الحصن وسلموا أنفسهم، حينها قام مسلمة وقال: أين صاحب النقب؟ فلم يقم أحد، فالكل رفض أن يعرف بنفسه، فقال مسلمة: إن بابي مفتوح وأنا أقسم على صاحب النقب أن يأتيني، فأدرك صاحب النقب بعد هذا القسم أنه لا بد أن يبر بهذا القسم، وفي يوم من الأيام كان مسلمة بن عبد الملك بن مروان الأموي جالساً في خيمته وإذا برجل يستأذن يريد أن يقابله، فقيل له: أنت صاحب النقب؟ قال: لا، أنا سأخبركم من هو، قال: ادخل، ثم قال: تريد مني أن أخبرك عن صاحب النقب؟ قال: نعم، قال: سأخبرك من هو ولكن بشروط ثلاثة -فكانت هذه الشروط هي العبرة-، فقال: أولاً: ألا تذكر اسمي للخليفة، والثاني: ألا تسألني عن اسمي، الثالث: ألا تأمر لي بمكافأة، قال: لك علي ذلك، قال: أنا صاحب النقب، فطأطأ مسلمة رأسه عجباً، فخرج صاحب النقب واختفى بين الجند لا يعرف له حال ولا يعلم له صفة، وكان مسلمة رحمه الله كلما صلى في صلاته وسجد وكان قريباً من ربه بدأ يدعو: اللهم اجعلني مع صاحب النقب، اللهم اجعلني مع صاحب النقب، اللهم اجعلني مع صاحب النقب؛ لأن هذا الرجل لا يريد بعمله جزاءً ولا شكوراًً، وإنما يريد الجزاء الأوفى عند الله سبحانه وتعالى، ولذلك كان مسلمة كلما تذكر صاحب النقب بدأ يدعو ويبكي؛ لأنه عرف أن في المسلمين أناساً لا هم لهم إلا العمل لخدمة هذا الدين ولخدمة هذه الأمة بصمت، فيحمل أحدهم همّ هذا الدين بصمت مستشعراً مسئولية حمل هذا الدين على عاتقه، لكنه يعمل بصمت، وهذا هو المطلوب منا، وهي العبرة التي ينبغي أن نستقيها ونحن نعمل لهذا الدين، ونجتهد في أن نقدم له وندعو إليه ساعين إلى نكثر سواد الأمة؛ لأن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، فالنصر لا يمكن أن يأتي إلا بقاعدة قوية صلبه تستطيع أن تطيح بالباطل وتقضي عليه وتحل محله.

الخاتمة السيئة

الخاتمة السيئة الرابعة: انطلق ثلاثة من الشباب في سيارة فارهة متجهين من الرياض إلى المنطقة الغربية، وكانت الموسيقى الصاخبة تصدع بكل جنون وحماقة، وكان هؤلاء الشباب يصفقون معها جذلين مستبشرين مع المغني الغربي الذي يزعق ويصرخ، وفجأة وفي لحظة من اللحظات انقلبت السيارة مرة وأخرى وثالثة ورابعة ثم توقفت وإذا الناس يتقاطرون عليها جماعات ووحداناً؛ ليروا من فيها، فإذا بقائد السيارة قد أصيب بإصابة قاتلة، وأما من معه من أصدقاء في السيارة فكانت إصاباتهم أقل منه، وكانت هذه الحادثة قريبة من منطقة حلبان بين الرياض والطائف، فقدمت سيارة الإسعاف مسرعة ثم حملت المصابين، فجعلت المصاب الأول -قائد السيارة- هو المسجى في نعش الإسعاف وصاحبيه بجانبه عن يمينه وعن يساره، ومع هؤلاء ركب أحد الجند الصالحين الطيبين، فعادت سيارة الإسعاف مسرعة إلى مستشفى القويعية، وقبل أن تصل كان ذلكم المسجى في وسط السيارة يتنفس بصعوبة وكلفة بالغتين، وكانت الدماء تغطي وجهه وعينيه وأنفه وفمه، فعرف هذا الجندي أن هذا المريض أو هذا المسجى يلفظ أنفاسه الأخيرة فأراد أن يلقنه الشهادة؛ لأنه يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قال: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)، فقال له: يا فلان! -عرف اسمه من صاحبيه- قل: لا إله إلا الله، يا فلان! قل: لا إله إلا الله يرددها مرات ومرات، ففتح هذا الشاب عينين ذابلتين مليئتين بالدموع والدم، ورفع رأسه إلى هذا الذي يناديه: يا فلان: قل لا إله إلا الله، ثم قال بصوت خافت: إنني في سقر، ثم أغمض عينيه وسقط رأسه ولفظ روحه، طأطأ الضابط رأسه ثم انتبه فجأة ونظر إلى أحد الأصحاب وقال له: هل كان صاحبكم يصلي؟ قال: لا والله ما كنا نعرف الصلاة قط، لم نذهب إلى مسجد قط، عند ذلك سمع الضابط الكون يردد قول الله سبحانه وتعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:38 - 43].

أسباب حسن الخاتمة

أسباب حسن الخاتمة فهذه الحادثة المؤلمة، وهذا الموقف الرهيب الواقعي الذي يتكرر يعطي المتأمل دلالات، منها: أن الإنسان في هذه الدنيا لا محالة واقع في أحد طريقين: إما سوء الخاتمة، وإما حسن الخاتمة، فمن كانت خاتمته حسنة فإنه سيراها قبل أن يلفظ نفسه الأخير، وإن كانت خاتمته سيئة فسيراها كذلك قبل أن يلفظ النفس الأخير. ولعل سائل يسأل ويقول: أنا أتمنى وأرجو وأطلب أن أكون ذا خاتمة حسنة، فهل هناك أسباب أو وسائل إن تمسكت بها منّ الله علي بالخاتمة الحسنة؟ و A نعم، هناك أسباب ووسائل إن تمسك المرء بها كانت خاتمته حسنة إن شاء الله، وسأعرضها بإيجاز: أما السبب الأول من هذه الأسباب: فهو أن تتذكر الموت باستمرار وما بعد الموت وما يحصل في القبر، وليكن في مخيلتك. أيها الحبيب! هذا الموت الذي لا يفرق بين غني ولا فقير، ولا بين صعلوك وملك، فشأن الموت أنه يأتيك كما أتى غيرك، وسينقلك من دار إلى دار، فإنك إذا فكرت في ذلك فإن الدنيا ستهون عليك، وبالتالي ستبدأ بالتفكير بما هو أهم وهي أمور الآخرة. أما السبب الثاني: أن تحرص على أن تشارك بقدر ما تستطيع في تشييع الجنائز، وفي تغسيل الموتى، وفي زيارة المقابر، فهذه تذكرك باستمرار بالآخرة، بل ولعلك ترى مشهداً أو منظراً أو موقفاً وأنت تغسل ميتاً يعطيك صورة تنطبع في قلبك لا تزول أبداً إما حسن خاتمة أو سوء خاتمة. أما الثالث: فالابتعاد عن مقسيات القلوب، فنحن اليوم ولا حول ولا قوة إلا بالله نعيش بقلوب كالحجارة بل أشد قسوة، والذي جعلها قاسية يتمثل في جملة أسباب من أبرزها وأشهرها: وسائل الإعلام، نحن وللأسف الشديد نعكف على وسائل الإعلام فتقسو قلوبنا، ثم نشتكي للآخرين ونقول: نحن ذوو قلوب قاسيه. نسمع القارئ يقرأ في صلاة التراويح أو في صلاة القيام قول الله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر:36 - 37]. و (هم يصطرخون فيها) أي: يصرخون ويصيحون بأعلى صوت، فلا تتأثر! كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى إلى والي من ولاته موعظة فقال له: تذكر صراخ أهل النار في النار مع خلود للأبد. فما كان من هذا الوالي إلا أن أغلق الكتاب ثم ركب ناقته وقدم على عمر وقال: والله يا أمير المؤمنين لقد خلعت فؤادي بخطابك هذا، والله لا عملت لك عملاً، ثم اتجه إلى عبادة ربه. لقد أخاف هذا المشهد الوالي وعظم في صدره وأصبح يتخيل دائماً صراخ أهل النار في النار مع خلود للأبد، وأما نحن فنسمع الآيات التي تصف هؤلاء في النار ومع ذلك لا نلقي لها بالاً. ومن تلك الآيات: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف:77]، فهم يتمنون الموت فلا يجدوه، فهذا مشهد ينخلع له القلب الحي، أما نحن فنسمع ذلك فلا تتحرك الأفئدة؛ لأنها قاسية، فأسباب القسوة كثيرة ومن أبرزها: وسائل الإعلام التي ينبغي على كل أن يحذرها ويتنبه لخطرها ويقي نفسه وأبناءه ونساءه من شر هذه الوسائل المدمرة التي تقضي على كل دين، وعلى كل حياء، وعلى كل خلق موجود في ذواتنا وفي ذوات أبناءنا أو من نعول. أما السبب الآخر من أسباب الخاتمة الحسنة: فهو الارتباط بالصالحين، فنصيحتي للآباء أن دعوا أبناءكم يرتبطون بالصالحين، وأنتم كذلك ارتبطوا بالصالحين، فإن الذين يرتبطون بالصالحين سيكونون معهم في الدنيا باستمرار وسيحشرون معهم في الآخرة. أما السبب الآخر: فهو الكسب الحلال فلا بد على كل منا أن يحرص كل الحرص أن يكون كسبه حلالاً؛ لأن المطعم الخبيث إذا نما الجسد منه فإن الإنسان إذا رفع يديه إلى السماء وقال: يا رب! أحسن خاتمتي، يا رب! توفني مسلماً، يا رب! اجعلني مع الصالحين، فإن الدعاء سيرد عليه ولا يستجاب له؛ لأن مطعمه حرام، ومشربه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك! ولكن نجد البعض منا لا يلقي لهذا بالاً، فيضع أمواله في البنوك الربويه، ويساهم في دعمها ونموها، فإذا بها تفتح الفرع تلو الفرع، وما ذاك إلا لأننا وضعنا أموالنا لديهم، فهم يتاجرون فيها ويستغلونها، لكننا لو امتنعنا جميعاً عن أن نشارك في هذا الفرع الذي يوجد في حينه فإن هذا الفرع سيغلق أبوابه، ويجر أذيال الخيبة متجهاً إلى منطقة أخرى.

قبسة من زمن العز

قبسة من زمن العز معلوم أن هارون الرشيد رحمه الله تعالى من الملوك الذين كثر الكلام السيئ عنهم من قبل أعداء الدين، فكان الناس يعرفون عن هارون الرشيد أنه صاحب لهو وغناء وخمر وغير ذلك، لكن لو اطلعت فعلاً على سيرة هذا الرجل لرأيت في الليلة الواحدة مائة ركعة، ولرأيت أنه يحج عاماً ويغزو عاماً، فقد كان رجلاً مجاهداً صاحب خلق ودين، ولكن الذين دمر عليهم بلادهم وأفسدها عليهم من المشركين أو النصارى أو الشيعة أو المجوس ألفوا فيه المؤلفات المضادة له. ومن مواقف هذا الرجل أنه ذات مرة جاءه خطاب طويل كثير الحروف والكلمات من ملك الروم يشتم ويسب فيه الخليفة هارون الرشيد، كما يسب المسلمين ويضحك عليهم في خطابه هذا، وأخذ يهدد في خطابه قائلاً: سأدمركم سأقضي عليكم سأكون جيشاً هائلاً قوياً يكتسح بلاد المسلمين فلا يرده أو يقف أمام وجهه أحد حتى يصل إلى الكعبة فيقضي عليها ويدمها، فلما وصل هذا الخطاب إلى هارون الرشيد قرئ عليه، فالتفت إلى كاتبه وقال: اكتب خلف الخطاب -فهو لا يريد أن يرسل له خطابه في ورقة جديدة استحقاراً له وإهانة له! - من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، إن الجواب ما ترى لا ما تسمع، والسلام على من اتبع الهدى. فكان الخطاب ثلاث كلمات، ثم نادى في الناس: الغزو الغزو الجهاد الجهاد، فاجتمع الناس زرافات ووحداناً، وما هو إلا وقت قصير فإذا بالجيش يلتئم، وإذا بالقوة تتجمع، ثم يقودها هذا البطل العظيم متجهاً إلى نقفور بذاته، ويصل إليه بعد أن يفتح البلاد تلو البلاد، والقرى تلو القرى إلى أن يصل إلى عاصمة نقفور، فيحاصرها ويستمر في الحصار ويحلف ألا يرجع إلا برأس نقفور، ولما شعر الروم بالخطر عرضوا عليه ما شاء من مال جزية ولكنه رفض، ثم في النهاية قام الروم بالانقلاب على نقفور وسلموا رأسه إلى هارون الرشيد قتيلاً، ثم استسلموا جميعاً إلى هارون الرشيد ودفعوا له الجزية أذلة صاغرين، فعاد رضي الله عنه ورحمه الله منتصراً قوياً إلى بلاده، قد رفع راية الإسلام عالية خفاقة على تلك البلاد، وأما نحن اليوم: رب وا معتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم تصرخ امرأة في عمورية: وا معتصماه! بعد أن اعتدى عليها الروم، فيقول المعتصم: لبيك لبيك. ويتجه بجيش قوي إلى عمورية وهي بلد قوي من أحصن معاقل الروم، ثم يفتحها ويدمر الروم ويقضي على من اعتدى على هذه البلاد الإسلامية، ويخلص الأسارى المسلمين منهم، ثم يأتي إلى المرأة ويقول: هل استجبنا لك؟ قالت: نعم وجزاك الله خيراً. وفي هذا الزمان يصرخ المسلمون في الجزائر، وفي بورما يصرخون، وفي يوغسلافيا يصرخون، ويصرخون في إرتيريا، وفي الحبشة، وفي الفلبين، وفي أفغانستان، وفي إيران، وفي العراق، وفي سوريا في كل البلاد بلا استثناء يصرخون: رب وا معتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم يعني: لامست أسماع الحكام والولاة. وهذا الذي نعيشه من بلاء ومن ذل ومهانة من قبل الأعداء في كل مكان هو بسببنا نحن! إذ أن الذل والهوان سببه الوقوع المستمر في الذنوب، فالله سبحانه وتعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فقد غير المسلمون العهد مع الله، أما كانوا عاهدوا الله على نصر دينه، والسير في طريقه، وترك البدع والمعاصي والآثام والخطايا؟ لكن هذا العهد انهار فكنا ممن خالف العهد ونبذ الميثاق وراء ظهره، فغير الله حالنا من حال العزة إلى حال الذلة التي نعيشها الآن. فبينما كنت أقرأ في كتاب يتحدث عن صلاح الدين الأيوبي، وكان هذا الكتاب يتحدث على سيرة هذا الرجل عن قرب، إذ إن مؤلف هذا الكتاب رجل عاش مع صلاح الدين وعاشره طوال حياته، كان هذا الرجل هو القاضي الذي عينه صلاح الدين قاضياً على الجند. فاستوقفني في هذا الكتاب موقفان: أما الموقف الأول: فهو عبارة عن قصة موجزة، وأما الموقف الثاني فهو عبارة عن خاطرة لـ بهاء الدين شداد قاضي صلاح الدين. يقول القاضي: كان صلاح الدين رحمه الله تعالى يحب الأطفال محبة شديدة، ويعطف عليهم، وكان له من الأبناء سبعة عشر ابناً، وبنت واحدة، وكان يحبهم محبة شديدة، وكان إذا اجتمع معهم عطف عليهم ويقرئهم القرآن بنفسه، ويحفظهم الحديث بنفسه، ويؤكلهم بيده، لكنه يرى الإفرنج الصليبيين يكتسحون بلاد العالم الإسلامي بلدة بلدة ومدينة مدينة فهل يبقى مع أبنائه في لذة ومتعة، وفي نعمة وسعادة وهو الملك الذي يملك شمال أفريقيا والسودان ومصر والجزيرة والشام وأجزاء من العراق؟ لقد كان بإمكانه أن يمكث في قصره الفاره ويرسل القوات إلى كل مكان ويتمتع مع أبنائه، لكنه قال: لا، إن لم أقد الجيوش بنفسي ضد هؤلاء فربما يترتب على ذلك هزيمة؛ لأنه عاش في وقت كثرت فيه الخيانات وكثر فيه الضعف. فبدأ يقود الجيوش تلوى الجيوش واحداً تلو الآخر مدة تسعة عشر عاماً. يقول بهاء الدين شداد: كان إذا دخل مدينة ورأى أطفالاً صغاراً ناداهم، ثم حن عليهم وعطف عليهم وقبلهم وبكى، فكان يبكي رحمه الله؛ لأنه يتذكر أبناءه الذين مضت عليه سنوات طوال لم يرهم، فهو في جهاد مستمر ضد الروم الذين كانوا يتوافدون على البلاد الإسلامية في مئات الآلاف، فكان لا يفكر إلا في مجابهتهم ودحرهم، ولو فكر في أبنائه لضاعت أمور الأمة، أما نحن في هذا الزمن وللأسف الشديد لا نعطي الدعوة إلى الدين ونشره إلا فضول أوقاتنا، وصلاح الدين أعطى الدعوة والعمل لنشر الإسلام ومحاربة أعداء الإسلام كل جهده ووقته، وكل قوته وطاقته فنصره الله، لذلك لا بد أن نعتبر بهذا الموقف فنعطي ديننا كل أوقاتنا لا فضولها حتى يقدر الله سبحانه وتعالى لنا النصر. وأما القصة فيحكيها القاضي بهاء الدين شداد فيقول: لم أر البحر في حياتي فاتجهت مع صلاح الدين إلى منطقة عسقلان، وعندما فتحناها وحررناها من الروم النصارى قررنا أن نركب البحر إلى عكا، فاتجهنا إلى سفن وركبناها ثم اتجهنا إلى عكا، يقول: فماج البحر موجاً هائلاً وبدأت تتأرجح السفن فخفت وارتعت روعة هائلة، بل وحلفت الأيمان المغلظة بالطلاق والعتاق ألا أركب البحر مرة أخرى، وفي لحظة جلوسي وتفكيري دخل علي صلاح الدين وقال: في نفسي خاطرة هل أذكرها لك؟ يستأذن من قاضيه احتراماً؛ لأنه عالم، فقال: تفضل يا أمير المؤمنين، -وكان يسميه أمير المؤمنين وهو فعلاً كان أميراً للمؤمنين-، فقال: في نفسي أنني إذا حررت بلاد الإسلام من الروم وطردتهم إلى بلادهم أن أكتب وصيتي وأودع أهلي وأودع أولادي، وأقبلهم واحداً واحداً، وأذرف الدموع الأخيرة عليهم، ثم أركب هذا البحر وأتجه إلى النصارى وأتتبعهم في جزائرهم وفي بلادهم وفي ديارهم، فأدعوهم إلى الإسلام أو أقتلهم دون ذلك حتى يمن الله علي بالنصر أو أموت دون ذلك، فيقول بهاء الدين: فكدت أن أموت. وإنما قال القاضي ذلك لما رأى الفرق بين الحالتين المتضادتين، فهو يتمنى ألا يركب البحر ويعقد العزم على ذلك، وصلاح الدين يفكر في أن يودع أولاده وأزواجه وأهله، ويكتب وصيته، ويتجه في البحر ليقاتل الروم في ديارهم في إيطاليا وفرنسا وبريطانيا وجميع دولهم. والناظر إلى هذه القصة يجد مدى العزم والقوة على خدمة هذا الدين، وهي القوة والعزيمة التي نفتقدها وللأسف الشديد، بل لا أكون مبالغاً إذا جزمت أنه لا يوجد فينا ولا ذرة واحدة من هذه العزيمة الهائلة الرهيبة القوية عند صلاح الدين. ولعل هذا الموقف تكرر من عقبة بن نافع الفهري عندما افتتح بلاد المغرب وموريتانيا، فقد دخل بفرسه في المحيط الأطلسي، وبدأ ينظر في الأفق فلا يرى إلا الماء ثم أخذ يقول: والله لو أعلم أن خلفك أرضاً -وقد كان خلفه أرض فعلاً وهي أمريكا لكنه لا يعلم- لركبتك حتى أجاهد في سبيل الله حتى أموت. إن النظر إلى هذه العزيمة وهذه القوة بعين العبرة لا بد أن يعطينا الدروس تلو الدروس في أن نتمرن ونتمرس ونتدرب على خدمة هذا الدين، ونجتهد في إعطاء هذا الدين جل أوقاتنا، بل كل أوقاتنا لعل الله سبحانه وتعالى أن يمن علينا بالنصر، ولعله سبحانه أن يمن علينا بالقوة والهداية.

همة تستعصي على العاهات

همة تستعصي على العاهات كان هناك شاب صغير عمره اثنا عشر عاماً يدرس في المرحلة الابتدائية في آخر سنة منها، وقد أتم تلك السنة بنجاح، ثم في العطلة الصيفية أصيب بمرض في حلقه جعله لا يستطيع أن يتكلم، فوجد نفسه غير قادر على أن يواصل الدراسة، فما كان منه إلا أن عقد العزم على أن ينفع أهله؛ لأنه ابنهم الأكبر، فوالده مريض، ووالدته كبيرة، وهو أكبر الأولاد، فكيف يحصل على قوت لهم؟ اتجه الغلام إلى محل لتعليم الطباعة وبدأ يتعلم الطباعة، ثم توظف في إحدى الوزارات طباع على آلة طباعة، وكان يأخذ الراتب الذي يتقاضاه ويصرف على والديه وإخوته الصغار، وكان من عادته أن يجلس في مجالس الناس مع أقربائه، لكنه كان يحس بأنه شاب سلبي، فهو فعلاً يسمع ويفهم وقد رزق ذكاء لا بأس به، لكنه لا يستطيع أن يعبر وأن يشارك، فكان هذا الشاب يعيش في عزلة مع هؤلاء فكره هذه المجالس وبدأ يفكر في مجالس يطغى عليها الجانب السلبي -أي: التي يكون فيها الحديث من جانب واحد- كالدروس والمحاضرات والندوات وغيرها، فبدأ يشارك في الندوات والدروس ويواظب على سماع المحاضرات سواء من الأشرطة وغيرها، فبدأ العلم يزداد في ذهنه شيئاً فشيئاً وبدأ يعرف من الدعاة في المساجد أن هناك شيئاً اسمه الدعوة إلى الله، وأن هناك شيئاً اسمه نشر هذا الدين، وأن هناك شيئاً اسمه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فأراد أن يشارك وأن يبذل لكنه لم يستطع؛ لما أصابه من عاهة عدم الكلام. ومع ذلك لم يستسلم لهذه العاهة! بل قرر أن يخصص جزءاً من مرتبه للدعوة وكان مرتبه ألفين ومائة، فكان يعطي والده الألفين ويذهب بالمائة الباقية إلى مكتبة فيشتري بها كتيبات وأشرطة ونشرات، ثم بدأ يحملها معه ويذهب إلى الأسواق، فكلما دخل على صاحب محل وهو في الغالب إما يسمع الغناء، أو يشاهد التلفاز، أو يدخن أهدى إليه شريطاً أو كتيباً أو نشرة، ولأنه لا يستطيع أن يتكلم فقد كان يخرج كلمة هدية بكل صعوبة ثم يذهب. يقول الذي روى الرواية عنه يقول: التقيت به بعد مدة طويلة فقلت له: هل رأيت أثراً من آثار نشاطك الذي تعمله؟ قال: نعم، -يعبر كتابةً-، ثم قال: ذهبت إلى محل من المحلات وأعطيت صاحب المحل شريطاً من الأشرطة ثم بعد ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر -وكان صاحب المحل أو العامل مصرياً- عدت إلى المحل بعد فدخلته وقد نسيت أنني دخلت في هذا المحل قبل ذلك، فقدمت إليه كتيباً فعندما رآني هذا العامل أخذني وضمني وقبل رأسي، ولأني لا أتذكره جيداً فقد قلت له: أنا لا أعرفك، قال: نعم أنت لا تعرفني ولكنني أعرفك، فو الله بسبب شريطك الذي أهديت إلي في المرة السابقة اهتديت أنا وأصحابي وعددنا ثمانية! فقد تنقل بيننا هذا الشريط في شقتنا التي نسكنها وكلنا تأثر به، فترتب على ذلك أننا عرفنا طريق الهداية وتركنا طريقة الغواية. فاهتدى ثمانية أشخاص بسبب ريالين فقط! ولا عجب فإن الإخلاص إذا كان مرتبطاً بالعمل فإن الثمرة تكون عظيمة.

الأسئلة

الأسئلة

قصة أب وأد ابنته في الجاهلية

قصة أب وأد ابنته في الجاهلية Q أرجو أن تذكر لنا قصة البنت التي وأدها أبوها قبل الإسلام؟ A ذكرها الإمام الطبري في تفسيره وسأذكرها بتصرف، يقول الإمام الطبري: كان الرسول صلى الله عليه وسلم جالساً بين أصحابه وفجأة دخل عليه أعرابي وجلس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وبدأ في سرد قصته، يقول هذا الرجل: تزوجت ومكثت مع زوجتي، وكنت إذا حملت هذه الزوجة أنظر فإذا كان المولود بنتاً أخذتها مباشرة ثم حفرت حفرة وألقيتها في التراب وهي حية، ثم رجعت إلى زوجتي، وإذا كان المولود ذكراً تركته، فقد كان يصنع هذا الصنيع باعتبار أن هذا المنهج كان منهجاً يعيشه بعض الناس في الجاهلية، يقول: وفي مرة من المرات حملت زوجتي وعندما ولدت وإذا بالمولودة بنتاً فأردت أن أصنع بها صنيعي بمن سبقها، فمنعتني زوجتي وبكت بين قدمي وتوسلت إلي أن أترك لها هذه البنت، فرحمتها وعطفت عليها وتركت لها البنت، فبدأت تربيها تربية حسنة حتى شبت البنت وترعرعت وإذا هي من أحسن البنات جمالاً وخلقاً ومحبة لوالديها، فبدأ الخطّاب يقدمون عليّ من كل مكان يريدون هذه البنت لتكون زوجة لأحدهم، فأخذتني الغيرة الجاهلية، وفكرت أأعطي ابنتي لرجل غريب؟! ثم عقد العزم وقرر قراراً تعيساً وهو: أن البنت لا بد أن تقتل، فقال لزوجته: أريد أن أسافر لأزور قرابتي في القرية الفلانية وأريد أن آخذ معي ابنتنا، فخافت الأم وقالت في نفسها: لقد حان موعد الرحيل الأبدي، ثم قالت له: أخشى عليها أن تصنع بها مكروهاً، فأعطاها الأيمان والعهود والمواثيق ألا يمسها بسوء وهو في قرارة نفسه كاذب، ثم اتجه مع القافلة إلى القرية المقصودة، وعندما وصل إلى طريق مهجور رأى في نهايته بئراً مهجورة، فاتجه بناقته وناقتها إلى البئر، فعرفت البنت ما يريد أبوها أن يصنع فقد كانت كبيرة وذكية، وقد سبق وأن حذرتها أمها وأخبرتها بما قد يمكن أن يصنع بها، فبدأت تبكي وتصرخ وتتمسح برداء والدها، وتقبل قدميه، وتتوسل إليه، وتطلبه الرحمة، فأخذ ينظر إليها وإلى جمالها فتأخذه الغيرة وينظر إلى البئر السوداء المظلمة فيرحمها، فأخذته الحمية الجاهلية فسحبها بشعرها بكل عنف وقسوة وألقاها على الأرض، ثم أخذ يجرها وراءه وهي تتشبث بكل صخرة وتريد النجاة لكن الرجل كان أقوى من المرأة، فسحبها إلى أن وصل إلى شفير البئر ثم نظر إليها النظرة الأخيرة وهي تتوسل إليه، ثم ألقاها في البئر فهوت فيه وهي تصرخ ولكن هيهات، وبعد الارتطام القوي أخذ صوتها المصحوب بالأنين والبكاء يخفت شيئاً فشيئاً حتى انقطع، ثم قفل الرجل عائداً إلى قريته. وعندما وصل هذا الحد رفع رأسه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وإذا عيناه -بأبي هو وأمي- تذرفان، وإذا الصحابة يبكون؛ فقد كان الموقف عنيفاً، ويمثل جريمة بشعة لا يمكن أن يتصورها إنسان، فقال المصطفى عليه السلام: (والله لو كنت معاقباً أحداً على عمل عمله في الجاهلية لعاقبتك، ولكن الإسلام يجب ما قبله). هذا الموقف يعطينا مدى ازدراء المرأة في الجاهلية من قبل هؤلاء، فقد كانت المرأة محتقرة مهانة لا قيمة لها، وكما أن جاهلية الماضي كانت تعيش هذا المنهج فإن جاهلية القرن العشرين تعيش هذا المنهج، إذ المرأة لا قيمة لها مهانة مستذلة فليست سوى لعبة يلعب بها اللاعبون، ويستمتع بها الساقطون، فإذا كبرت نبذت، وأما الإسلام فقد أعزها واحترمها وجعلها في منزلة الرجل لها ما للرجل وعليها ما عليه، وليس ذلك إلا في الإسلام.

حكم صداقة اليهود أو النصارى

حكم صداقة اليهود أو النصارى Q هل يأثم المسلم عندما يصادق اليهودي أو النصراني؟ A إن كانت مصادقته لهذا اليهودي والنصراني بقصد دعوته إلى الإسلام فهذا مطلوب، وأما إن كان يصاحبه إخوة وغير ذلك فلا يجوز له أن تخذه ولياً، ولا يجوز له أن يتخذه صديقاً، ولا يجوز له أن يتخذه قريناً، فإن هذا قد نهى عنه الشرع في آيات كثيرة وفي نصوص متعددة.

طريق الاستقامة

طريق الاستقامة Q أنا أريد الاستقامة فما الطريق الذي يوصلني إليها؟ A طريق الاستقامة طريق واضح بين ليس فيه عوج، لكن الشيطان يأتي إلى الشاب في أول الأمر يريد أن يهول عليه هذا الطريق، فيصوره في ذهنه صعباً مستحيلاً، وإلا فإن هذا الطريق لو سار فيه فوالله ثم والله لن يتخلى عنه؛ لأنه طريق كله لذة وسعادة، كله متعة وطمأنينة، فهو السعادة التي يصبو إليها كل البشر ويبحثون عنها. إن هذا الطريق هو الذي قال فيه إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى: نحن في لذة لو علم بها أبناء الملوك لجالدونا عليها بالسيوف، ولا عجب إنها لذة الإيمان والهداية، إن أبناء الملوك يعيشون في فراغ قاتل، نعم هم يمتلكون الأموال والسيارات بل والطائرات لكنهم ليسوا سعداء، ولذا تجدهم يبحثون عن اللذة بأي وسيلة لكن إبراهيم وجدها فقال: لو علموا بهذه اللذة لقاتلونا عليها بالسيوف؛ ليحصلوا عليها. فنصيحتي لك أيها الشاب! أن تعقد العزم على أن تنتهج هذا النهج، ثم لا بد لك أن ترتبط بالشباب الصالحين، فإن كنت مرتبطاً بغير ذلك من شباب سيئين أو غيرهم فاقطع العلاقة معهم مباشرة، ثم بعد ذلك إن كنت مرتبطاً بوسائل التربية الفاسدة من إعلام وغيره فاقطع علاقتك بها قطعاً كلياً، ثم بعد ذلك ارتبط بأحد الشباب الصالحين ليدلك على الخير وأهل الخير وأهل الصلاح وستسلك الطريق الحق إن شاء الله، وستستمر عليه.

من خطط الرافضة لتكوين دولتهم العظمى

من خطط الرافضة لتكوين دولتهم العظمى Q الرجاء إعطاؤنا نبذة عن آخر أخبار الرافضة. A لعلكم تعرفون أن في كتبهم: أن من قتل سنياً دخل الجنة، ولا يجد القارئ في أي كتاب من كتبهم شيئاً حول اليهود أو النصارى أو المجوس، وإنما يجدها طافحة بالعبارات المعادية لأهل السنة، فهم أعداؤهم، لذلك يحقدون عليهم حقداً عجيباً، فهاهم الآن يخططون لتكوين دولتهم العظمى، ولكي لا نطيل نكتفي بذكر مخطط واحد فقط من أعمالهم، فبينما أعطت دول العالم العربي البالغة إحدى وعشرين دولة دولة نيجيريا -وهي دولة فقيرة وعدد سكانها أكثر من (130) مليون- 75 منحة دراسية موزعة في جامعات العالم العربي، فقد أعطت إيران نيجيريا في عام 1408هـ فقط 3000 منحة دراسية، بمعنى أن 3000 نيجيري في سنة واحدة سيدرسون في جامعات طهران وقم وشيراز وتبريز وغيرها، وسيعودون إلى نيجيريا دعاة للتشيع، والأطم من ذلك أن من الـ (75) منحة 50 في علوم تطبيقية، أي: كيمياء وفيزياء وأحياء، وحوالي 23 منحة كما عرف هي العلوم الشرعية، أي أن 23 طالباً فقط سيعودون دعاة إلى الإسلام إن كانوا صالحين كلهم، وأما الشيعة فهم (3000) في جامعات شرعية شيعية في إيران. ومن هنا ندرك أن إيران تسعى الآن إلى ما يسمى بتصدير الثورة الفكرية عن طريق نشر المنهج الباطل الرافضي في جميع أنحاء العالم، ولذلك تجدهم يتحركون في كل مكان، فلو ذهبت إلى سفارة من سفاراتهم في أوربا: إلى لندن مثلاً أو إلى بلجيكا وإلى سفارة من سفارات العالم الإسلامي كدول الخليج مثلاً تجد أن سفارات العالم الإسلامي تعطيك كتيبات ورسائل وصور عن الحضارة والتقدم والشوارع والعمارات الموجودة في البلد الخليجي الفلاني وغير ذلك، وأما السفارة الإيرانية فإنها تعطيك كماً هائلاً من الكتب والأشرطة والرسائل والمنشورات في الدعوة إلى التشيع، وهذا يدلك على مدى نشاط هؤلاء وحرصهم على الدعوة إلى مذهبهم الخبيث، ولذلك نراهم الآن ينتشرون في كل أصقاع الأرض، ويحاولون أن يفسدوا الجهاد في أفغانستان عن طريق دعم المجاهدين الشيعة للانفصال بجزء من أفغانستان لتكوين دولة شيعية هناك، وكذا في جنوب العراق، وكذا في سوريا فإن الذي يتحكم فيهم هم النصيريون وهم فرع من فروعهم، وفي لبنان حزب الله ومنظمة أمل والدروز وكلهم ينتسبون إلى المنهج الشيعي، وفي المدينة النخاولة، وفي نجران المكارمة، في القطيف الإمامية البحارنة، وإن ذهبت إلى الكويت والإمارات وقطر والدول الأخرى فكذلك، وإذا ذهبت إلى مصر والسودان فكل هذه الدول تجد أن للشيعة فيها نشاطاً مستمراً، وهم لا يخططون ليصلوا إلى أهدافهم في سنتين أو في خمس سنوات، بل قد يكون التخطيط على مدار عشرين سنة أو ثلاثين سنة، وبالتالي يسعون له خطوة خطوة وسيصلون إن لم ننتبه إلى هذا المخطط.

التعاون في دعوة العصاة والحذر من الانحراف معهم

التعاون في دعوة العصاة والحذر من الانحراف معهم Q يقول: أنا رجل مستقيم بإذن الله، وفي العمل تعرفت على أصحاب كثيرين، وهم يأتون إلى منزلي وأعرف أنهم مقصرون في الصلاة ولكنني أجالسهم وأناصحهم وأطمع إن شاء الله أن يهديهم الله وأن يستقيموا، فهل علي شيء في مجالستهم؟ A هذا الرجل إن كان هدفه من مجالسة هؤلاء أن يدعوهم إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يحرص على أن يغير حياتهم من الأسوء إلى الأحسن فهذا منهج من مناهج الدعوة، ولكن ينبغي الحذر ففي القضية نوع من الحساسية، فقد يأتيك الشيطان ويقول: إنك تدعوهم، ثم تستمر معهم في لهوهم ولعبهم وتقصيرهم بحجة أنك لا تريد أن تنفرهم وفي نهاية المطاف قد تنحدر معهم. فنصيحتي لمثل هؤلاء إذا كان نجاحك مع هؤلاء صعباً فلِمَ لا تحاول أن تستعين بعد الله سبحانه وتعالى بآخرين، فتدعو أحد المشايخ والعلماء أو أحد طلبة العلم كإمام المسجد مثلاً، أو شباب آخرين في الحارة ليجلسوا معهم، أو تزورهم أنت بنفسك في بيوتهم كل على حدة، فلا يشترط أن يجتمعوا لكي تناصحهم، بل إن مناصحتهم على انفراد قد تكون أنفع بإذن الله سبحانه وتعالى، ولعل الله أن يهدي أحداً منهم فينضم إليك، وكلما كثر عدد الصالحين في هذا المجتمع الذي أنت فيه كان تأثيرهم أقوى. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الإنترنت في الدعوة إلى الله

الإنترنت في الدعوة إلى الله الإنترنت سلاح ذو حدين يستخدم في الخير والشر ونشر الفضيلة والرذيلة، والواجب على كل مسلم غيور على دينه أن يستغل الإنترنت في جانب الخير ويبتعد عن جانب الشر. والإنترنت من الوسائل المتميزة والمثمرة جداً والمفيدة في نشر الدعوة إلى الله تعالى.

أهمية الدعوة إلى الله

أهمية الدعوة إلى الله بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد الأمين وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين. أيها الأحبة الكرام! أرحب بكم وأبارك لكم حضوركم في هذا اللقاء الطيب المبارك، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أيها الأحبة! اعلموا -رعاكم الله- أن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى من أجل الأفعال وأعظم الأعمال التي يؤديها المسلم في دنياه ويحتسبها لآخرته ويضعها في ميزان حسناته، بل هي من الهموم التي تقعده وتقيمه ويفكر فيها ليل نهار يبحث عن نوافذ للأمل ومخرج من الضيق الذي تعيشه الأمم والأفراد. أيها الأحبة! إن الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى يقومون بمهمة بالغة الشأن عظيمة الأهمية لا يعلم قدرها إلا من تعلق قلبه بها وجعلها محور حياته، فهي مهمة الأنبياء والمرسلين الذين ابتعثهم الله سبحانه وتعالى لإخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة. أيها الأحبة! إن من سار على نهج الأنبياء واقتفى أثرهم من المصلحين العاملين الباذلين فهو داعية إلى الله سبحانه وتعالى، قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108]. إن الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى هم الشموع التي تحترق لتضيء للناس طريق الهدى والحق، وهم وعي الأمة المستنير، وفكرها الحر، بل هم قلبها النابض، فهم أطباء القلوب المريضة والجريحة بل وحتى القلوب الميتة، وهم قادة سفينة النجاة التي من ركبها نجا ومن ابتعد عنها هلك وضاع، وهذه السفينة يقودها الدعاة وسط الأمواج المتلاطمة والرياح الهوجاء التي تحيط بها من كل جانب، هذه السفينة هي سفينة الأنبياء والمرسلين الذين قادوها ثم سلموا قيادتها إلى هؤلاء الدعاة الذين جاءوا من بعدهم. فالدعاة لا يعيشون لأنفسهم ولا لملذاتهم ولا لشهواتهم؛ لأن الذي يعيش لنفسه يعيش صغيراً ويموت صغيراً وينسى في لحظات بعد موته، قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162 - 163]. أما الدعاة الصادقون المخلصون فإنهم يعيشون لأمتهم ولمجتمعهم ولذواتهم ولأسرهم، فدعوتهم هي هم بالليل والنهار، وهي فكرهم في النوم واليقظة، وشغلهم الشاغل في السر والعلن، يؤثرون من أجلها التعب والنصب ويضحون في سبيلها بالوقت والجهد والمال، بل بالمهج والأرواح، ويستعذبون في سبيل نشرها وإبلاغها البلاء الشديد والعذاب الأليم. أيها الأحبة! إن الحديث عن الدعوة حديث ذو شجون وحديث محبب إلى النفس؛ لأنه يعطي الإنسان زاده ليواصل فيه طريق الحياة الشاق الطويل إن مد الله في عمره، ولكنه طريق عذب؛ لأنه في سبيل الله؛ ولأن الداعية يعلم أن الله أمره بهذا، فهو يحقق إرادة الله سبحانه وتعالى فيه، ويسير على منهج الأنبياء في هذا المقام وفي هذا المجال. والدعوة إلى الله لم تتوقف منذ بدأ أول نبي على وجه الأرض، ولن تتوقف حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وهذه الدعوة يحملها من يحملها ثم يسلم الراية لمن يأتي بعده. والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى تتميز بوسائل مختلفة ومتفاوتة تتغير بتغير الزمان والمكان فما كان معروفاً الآن لم يكن معروفاً قبل فترة وجيزة، وما كان معروفاً قبل تلكم الفترة لم يكن معروفاً قبل قرون. إذاً: هذا التغير يدل على أن الدعوة إلى الله دعوة توقيفية اجتهادية في فروعها؛ مبنية على أصول توقيفية ثابتة راسخة، قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:125] هذه القاعدة هي الأساس وهي المرتكز، فمن خلالها ننطلق ونجدد ونغير ونبدل وندرس حالة الشخص والمجتمع ثم بعد ذلك نستفيد من الإمكانية ثم نتجه بعد ذلك إلى استثمار الوسيلة الموجودة؛ لعل الله أن ينفع بها. وهذا يدعونا إلى وقفة عتاب مع من يرى أن وسائل الدعوة جامدة، وأنها متوقفة على منهج معين، فالسلف الصالح استخدموا الوسائل الدعوية المتغيرة والمتجددة.

استغلال اليهود الإمكانات المتاحة لتأسيس دولتهم

استغلال اليهود الإمكانات المتاحة لتأسيس دولتهم إن أعداء الإسلام بل أعداء الدين استغلوا ما يتعلق بالإمكانات المتاحة الموجودة أيما استغلال في سبيل نشر ما يدعون إليه وما يريدون نشره في أصقاع الأرض، ومن النماذج المتميزة في هذا المقام اليهود، فقد استغلوا كل الوسائل المتاحة في سبيل تلميع تاريخهم، وإبراز مناهجهم، والدعوة العامة الشاملة العالمية للتعاطف مع قضيتهم، فقلبوا الأمور وأظهروا الحق باطلاً ولمعوا الباطل وجعلوه حقاً. إن من وسائل الدعوة المتطورة والمتغيرة والمتجددة وسيلة مهمة جداً ظهرت في الزمن الحاضر وبدأت تنتشر انتشار النار في الهشيم، وبدأت تثبت نفسها بشكل غير متوقع، ألا وهي الإنترنت. فالإنترنت من الوسائل التقنية التي يعدها البعض من مبتكرات القرن العشرين، ويعتقد البعض أن الإنترنت سيكون مجاله في القرن الواحد والعشرين، وسيكون له مردود غير متصور ويعطون نماذج تخيلية في هذا المقام. ومن هذه النماذج: أن من أراد السفر إلى أي دولة من دول العالم فإنه يحتاج إلى جهد وبذل مال ويصاب بتعب وإرهاق، لكن في إمكانه أن يسافر عبر شبكة الإنترنت بالنظر ويتصل بأي شركة من الشركات مثلاً، ويتفق معهم على زيارة لندن بسعر معين، ثم بعد ذلك تبدأ في الفرجة والكاميرا تمر على الشوارع والحدائق والملاهي والمنتزهات، وتطلب من الشخص الذي يفرجك أن يتوقف عند هذا المنظر أو ذلك الشكل ويعلق عليه، فأنت تتفرج ما شئت في لندن أو غيرها من البلدان بشكل دقيق ومتكامل وأنت جالس على كرسيك أو على سريرك في بيتك، فكأنك زرت هذه المدينة ورأيت كل ما فيها وأنت مستقر في منزلك. فهذا الجهاز يحتاج منا إلى استغلال، ومبادرة في أن نستغله لصالح الدعوة إلى الله، فالأعداء استفادوا من ذلك، ولذلك تجد أن الإنترنت الآن فيه من وسائل الدعوة الباطلة ووسائل الدعوة اللاأخلاقية الشيء الغير المتصور. فالمواقع الإباحية الخليعة تعد بعشرات الملايين، فلو طلبت من برنامج من برامج البحث أن يعطيك المواقع التي تتحدث عن الشيء اللاأخلاقي الفلاني فسيعطيك، وهذه المواقع قد تتجاوز عشرين مليون موقع، على الرغم من أن هذه المواقع يضاف إليها المئات يومياً. إذاً: استغلال الأعداء لهذه القضية واضح وبين. أما عن استغلال الإنترنت في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى فسيكون في المسائل التالية: أولاً: وقفة ابتدائية من الإنترنت؛ النشأة والظهور. ثانياً: البرامج المتاحة في الإنترنت للدعوة إلى الله. ثالثاً: وقفة عتاب.

نشأة الإنترنت وظهوره

نشأة الإنترنت وظهوره أولاً: يعتبر الإنترنت برنامجاً أخذ مبدأ التطور بطريقة غير متوقعة، فأول ما ظهر في أمريكا على يدي وزارة الدفاع الأمريكية لربط بعض المواقع الخاصة، ولسرعة الاتصال فقط، فمن كان لديه عدة مواقع أو عدة مدارس فإنه بواسطة الإنترنت يختصر الوقت، فيستغني عن المراسلين والاتصالات التلفونية، وطلب أوراق، وغير ذلك؛ لأن القضية منحصرة في مراسلات بالجهاز أو بالكمبيوتر، وفعلاً نجحت هذه العملية، ثم شيئاً فشيئاً وإذا بها تعمم، وشيئاً فشيئاً وإذا بها تكون عالمية وإذا بمئات الملايين يدخلون في هذه المواقع، فتستطيع الآن أن ترسل أي رسالة لأي شخص في أي مكان في العالم في ثانية واحدة فقط، وتستطيع أن تتحدث مع عدد كبير من الأشخاص في جميع أرجاء العالم، ويستمعون إليك بسعر زهيد جداً. إذاً: عملية ظهور الإنترنت عملية بسيطة، فهي مجرد فكرة طرحت من ناحية عسكرية ثم عممت لتنتشر من الناحية المدنية.

الميادين التي تستغل في الإنترنت للدعوة إلى الله

الميادين التي تستغل في الإنترنت للدعوة إلى الله أما الفقرات التي ممكن أن تستغل في الإنترنت للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى فأقول: وكل ما في الإنترنت ممكن أن يستغل، وهذه الأشياء التي ممكن أن تستغل هي ما يلي: أولاً: البريد الإلكتروني. الثاني: المنتديات الكتابية. الثالث: المواقع الثابتة. الرابع: البرامج الصوتية والمرئية. الخامس: برامج الاختراق. فنبتدئ أولاً بالجهاز الذي أمامك: لديك جهاز، وتشترك مع شركة من الشركات بالإنترنت، هذه الشركة التي هي مقدمة للخدمة تعطيك خطاً مقابل مبلغ من المال، وهذا الخط يمر على المرشح، ثم بعد ذلك يخرج هذا الخط إلى كمبيوترات العالم بأكمله؛ فأي موقع تختاره تدخل عليه، فتستطيع أن تتصفح وترى ما تشاء، وتنظر إلى ما تشاء، فعندما تفتتح الجهاز وتشترك بالإنترنت يكون أمامك مجموعة من الخيارات، كالبريد، والمواقع المتجددة الثابتة والكتابية والصوتية والمرئية إلى غير ذلك، فكل هذا يكون متاحاً أمامك، وبمجرد حركات بسيطة أو برامج بسيطة تستطيع أن تنتقي هذا أو ذاك أو آخر أو رابع أو خامس.

أهمية استخدام البريد الإلكتروني في الدعوة إلى الله عز وجل

أهمية استخدام البريد الإلكتروني في الدعوة إلى الله عز وجل فنبدأ أولاً بقضية البريد الإلكتروني: فمئات الشركات الموجودة في أنحاء العالم يكون لها بريد إلكتروني، بمعنى: أن تسجل في هذا الشركة وتقول: أنا اسمي فلان، وأريد بريداً باسم كذا، ولا يلزم أن يكون الاسم حقيقياً، ثم بعد ذلك يوافقون، ويسجلونك عندهم، ثم عندما تقول لي: أنا أريد منك بريداً، أو رسالة أو كلمة أو مقالة جميلة فأكتب الوثيقة أو أصورها ثم بعد ذلك أكتب رقم البريد الإلكتروني وإذا بالوثيقة تصل إليك في ثلاث ثوان أو أربع ثوان فقط لا غير، ثم تطلع عليها وتعيد الرد في ثلاث ثوان وهكذا. هذا هو البريد الإلكتروني بشكل بسيط ومبسط، لكن كيف يستغل هذا البريد الإلكتروني في الدعوة إلى الله؟ وأول قضية أريد أن أشير إليها هي قضية التدرج في استغلال البريد الإلكتروني، وسترون أن الاستغلال في هذه الناحية عجيب جداً. أولاً: المراسلة الفردية، فمثلاً: أنا أعرف فلاناً من الناس في أمريكا أو في إستراليا وأعرف بريده الإلكتروني وأعرف أنه منحرف، فتجدني أرسل له رسائل وأكتب له كتابات مناصحة أو دعوة أو غير ذلك، وهذه الوسيلة الدعوية مثمرة والمثال على ذلك ما يلي: أحد الدعاة الفلبينيين علم أن أكبر وأخطر مجرم في الفلبين مسجون في أحد السجون في الفلبين، ولديه جهاز كمبيوتر، ويمضي وقته في التسلية بالإنترنت فحرص الداعية المسلم كل الحرص في دعوته فراسله عبر بريده الإلكتروني باللغة الفلبينية، وإذا به يرد على الرسالة بسب ولعن وشتم وذم، فأطلنا النفس معه وردينا عليه برسالة أخرى فيها رقة ولطف وعذوبة، وتمنيات له بالخروج من السجن، وبتكوين حياة أسرية جديدة، وأن نعيش الهم الذي يعيشه، فوجد نوعاً من السعادة في أن هناك أناساً يعيشون همومه فبدأ يلين، وبدأ يرسل رسائل، فأرسل الداعية له كتباً وأشرطة مسموعة ومرئية موجودة في الإنترنت، وهي عبارة عن كتب مدخلة في الإنترنت في مواقع كثيرة، فكان الدعاة يسحبون الكتاب المكون من 100 صفحة أو 200 صفحة أو 1000 صفحة ثم يرسلونه إليه عبر البريد الإلكتروني، فيحفظ الكتاب عنده ويتصفحه وإن شاء طبع منه ما شاء، فبدأ يقرأ مطويات ويستمع إلى أشرطه وينظر إلى مرئيات وإذا به يعلن إسلامه! ولم يكن هناك أي احتكاك بينه وبين أي مسلم بشكل مباشر أبداً بأي صورة من الصور؛ لأن سجنه انفرادي، وإذا بصحيفة فلبينية تعلن أن المجرم فلان بن فلان قد أعلن إسلامه. فهذه الفائدة حصلت عن طريق المراسلات الفردية التي تولاها شخص بعينه. ثم بعد ذلك ننتقل إلى شق آخر: وهو الارتقاء بالمراسلات من الفردية إلى الجماعية، فمثلاً: هناك موقع من المواقع اسمه (ياهو) وتستطيع أن تطلب منه عناوين كل المشاهير في العالم كالتجار والأغنياء والساسة أو الممثلين والمغنين والفساق، المهم يكون مشهوراً حتى ولو كان في الحضيض. وهذا البرنامج فيه عشرات الألوف من الأسماء، وفيها أسماء رءوساء دول، فالإخوة يضعون خطاباً جميلاً -باللغة الإنجليزية مثلاً- وبضغطة زر وإذا بهذا الخطاب يصل إلى الألوف من الناس فجأة بطريقة واحدة وبعملية واحدة. فهؤلاء المشاهير عندما يطلعون على هذا الخطاب قد يتفاعلون معه وبعضهم قد يرسل رداً فيه سب وشتم، والبعض الآخر يطلب المزيد؛ لأنهم يحسون أن هناك دعوة إلى السعادة، فإن هؤلاء المشاهير يعيشون أوضاعاً مأساوية من ناحية فراغ القلب، ومن ناحية الفراغ الروحي، فهم يسعون إلى السعادة ويبحثون عنها بأي وسيلة، وبالتالي فإن هذا الأمر يجعلهم يتجاوبون مع هذه المراسلات. والإخوة الذين يرسلون هذه الرسائل يقولون: والله لا نستطيع أن نتجاوب حتى مع المشاهير لكثرة الرد الذي يأتينا ممن يطلبون المزيد، يقول أحد الإخوة: نرسل رسالة واحدة ثم فجأة وإذا (5000) رسالة تأتينا في خلال يومين أو ثلاثة أيام، يقول: لا نستطيع أن نرد عليها، فهذا يطلب المزيد وهذا يطلب الكتب وهذا يطلب أشرطة وهذا يطلب كذا وهذا يريد منا الرد على خطابه بخطاب آخر، يقول: ونحن لا نتمكن. فلو كان هناك طاقة بشرية أكثر لكان هناك مجال أوسع لدعوة هؤلاء. واليهود في أمريكا أنشئوا برنامجاً الكترونياً اسمه: (يسكيو) وقد سجل فيه إلى الآن أكثر من 80 مليون مشترك على مستوى العالم بأكمله، وميزة هذا البرنامج أنك عندما تشترك فيه تجد فيه خاصية تذكر لك هذه الخاصية من هم الذين معك في هذا البرنامج الآن، وتذكر لك عناوينهم، كما أنها تذكر لهم عنوانك أنت، فإذا طلبت عناوينهم تجدها أمامك، فلو افترضنا أن هناك مليون مشترك أو 500 ألف مشترك في لحظة واحده دخلوا في هذا البرنامج فماذا تصنع يا ترى؟ ممكن أن تكتب خطاباً جميلاً وترسله إلى هؤلاء، ودعهم يفكرون فيتجاوبون أو لا يتجاوبون، أهم شيء أنك بذلت وقدمت شيئاً. وهذا البرنامج أيضاً يجعلك تنتقل بعد ذلك إلى محادثة من شئت منهم محادثة صوتية، فممكن أن يرد عليك شخص معين برسالة ويقول: رسالتك جميلة وأنا أطلب المزيد، فتضغط الزر وتطلب محادثته ولو كان في أقصى الدنيا في الصين أو الأرجنتين أو إندونيسيا أو اليابان أو غيرها. فتدعوه إلى الإسلام، فهذه المسألة غاية في البساطة، ولكن أين الذي يعمل؟ وأين الذي يقدم؟ وأين الذي يبذل؟ فهذا البرنامج يستخدمه البعض من الدعاة، فأحد الدعاة يقول: أنا عندي جزء من الوقت أخصصه للدخول في (الآيسيكو) ثم بعد ذلك أطلب خمسه أو ستة فقط لا غير وفي إمكاني أن أرسل رسالة إلى عشرات الألوف، لكن إذا ردوا علي فكيف أرد عليهم؟ لا أستطيع، يقول: أنتقي لي خمسة أو ستة ثم أرسل لهم رسائل فتأتيني ثلاث رسائل تقريباً من هؤلاء الستة، وهؤلاء يطلبون المزيد، فهذا يطلب كتاباً وهذا يطلب شريطاً وهذا يطلب مزيداً من المعلومات، فأبدأ أتعاون معهم، وشيئاً فشيئاً أستطيع أن أربطهم معي، يقول: وكم من شخص أسلم على يدي، أو فكر أن يسلم، وهذا مكسب عجيب، فإن هؤلاء الدعاة يدخلون تحت قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم). والعدو الآن يستغل البريد الإلكتروني ليعطيك كما تعطيه، فأحياناً أفتح البريد الإلكتروني فأجد فيه دعوات سيئة أجد فيه دعوات فاسدة أجد فيه أشياء لمذاهب باطلة ولفرق منحرفة حتى داخل المجتمع المسلم فإن هناك دعوات لتبني فكر أو منهج باطل، فالأعداء يستغلون، فلماذا لا نستغل؟ ويبذلون فلماذا لا نبذل؟ وعجبت من جلد الفاجر وعجز الثقة.

أهمية استخدام برامج المحادثة في الدعوة إلى الله عز وجل

أهمية استخدام برامج المحادثة في الدعوة إلى الله عز وجل ثانياً: أنتقل إلى قضية برامج المحادثة: برامج المحادثة هي: البرامج الصوتية، وهي كثيرة جداً، وتستغل الآن على نطاق فردي وجماعي، أما على النطاق الفردي فعن طريق استغلالها في الخدمات الخاصة، كأن يكون لك أخ أو قريب في دولة من الدول، فلو اتصلت به هاتفياً فإن ذلك مكلف من الناحية المادية، فأنا أطلب منه أن يدخل في هذا البرنامج ويسجل وأنا أسجل في هذا البرنامج، ثم نلتقي في غرفه خاصة ونبدأ نتحدث بتكلفة زهيدة جداً. أما على المستوى الجماعي: فإن هناك الكثير من برامج المحادثة، ومنها برنامج اسمه (البالتوك) وهو برنامج أمريكي وتقوم عليه شركة أمريكية يهودية، وأهل السنة بالذات استغلوا هذا البرنامج أيما استغلال للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى. فماذا يعني هذا البرنامج الذي يسمى بالبالتوك؟ أولاً: هذا البرنامج يدخله أشخاص كثيرون؛ فقد يتجاوز 120 إلى 140 ألف شخص في اللحظة الواحدة من جميع أرجاء العالم. فالإخوة عندما دخلوا في هذا البرنامج استغلوه استغلالاً عجيباً جداً، فإن فيه مواقع يسمونها مجموعات خاصة، إما خاصة بالهند وباكستان أو خاصة بالشرق بالفلبين واليابان أو البرتغال وأسبانيا أو خاصة بالإنجليز أو خاصة بالفرنسيين أو خاصة بالعرب، والعرب لهم غرف كثيرة لفرق متعددة، فالأحباش لهم مواقع، والشيعة لهم مواقع، والنصارى العرب لهم مواقع وهكذا، وأيضاً أهل السنة لهم مواقع. فأهل السنة عندما دخلوا في هذه المواقع بدءوا يستغلونها، فأهل السنة خلال أربع وعشرين ساعة تقريباً يتواجدون في هذا البرنامج ويقدمون عطاءات عجيبة جداً، فيتواجدون فيه دائماً؛ لأنهم يدخلون من نيوزلندا إلى أمريكا إلى غيرها من بلدان العالم، ولذلك لا ينقطع العطاء بأي صورة من الصور. ومثال ذلك: الدورات العلمية، فإنها تنقل حية على الهواء فمثلاً: تقام دورة شيخ الإسلام ابن تيمية في مسجد شيخ الإسلام ابن تيمية، فأسمعها وأنا موجود في نيوزلندا أو الأرجنتين أو في أي مكان آخر، فالإخوة جعلوا المسألة بسيطة فنقلوا الدورة حية على الهواء تسمعها واضحة صافية بل ربما أصفى ممن يحضرها في المسجد؛ لأن السماعة ستكون عند الملقي مباشرة. والأطرف من ذلك أن الإخوة في كثير من بلاد العالم صاروا يقيمون الدورات في الدول الأجنبية، فمثلاً: في النمسا يجمعون الرجال في مصلى والنساء في مصلى آخر ثم بعد ذلك يفتحون الجهاز على الدورة العلمية ويحاضر فيها أو يدرس الشيخ عبد الله بن جبرين جزاه الله خيراً أو الشيخ عبد العزيز الراجحي أو فلان من الناس، وإذا بالرجال في النمسا يجتمعون إلى شرح أو محاضرة هؤلاء العلماء وكأنهم معهم في ذلك المسجد، والنساء يستمعن وكأنهن في المسجد كذلك. أليس هذا أمراً دعوياً عجيباً جداً؟! أقول نعم، فهذه صورة من الصور. وصورة أخرى: هناك محاضرات عامة تقام كل ليلتين أو ثلاث ليال لمدة ساعتين، ويكون فيها إجابات عن الأسئلة وأخذ وعطاء، حتى أني مرة من المرات قمت بمحاضرة، وبعد أن انتهيت كتب لي واحد رسالة، وقال في هذه الرسالة: أنا أعيش في شمال السويد في منقطة ثلجية والنهار عندنا ثلاث ساعات، والليل واحد وعشرون ساعة، ولا يصلنا من البث الإسلامي شيء أبداً وليس لي مجال لتلقي العلم الشرعي إلا الإنترنت وبالذات البالتوك، فالرجاء لا تقطعوني! وهناك دروس ثابتة ومتواصلة ومتتابعة في كل ليلة، فهذا درس في الفقه وهذا درس في السيرة ودرس في السنن ودرس في العقيدة وغيرها، ويستمع إليها أناس من جميع أرجاء العالم. وهكذا الخطب، فمثلاً: خطب الحرمين يستمع إليها أي إنسان في أي مكان في العالم، وهناك بعض الخطباء تتمنى أن تستمع إليه، ولا تستطيع أن تستمع إليه إلا بعد فترة من الزمن عن طريق الشريط، لكن الآن بدأ الإخوة ينقلون بعض الخطب مباشرة على الهواء إلى جميع أرجاء الأرض في نفس اللحظة، ففي نفس اللحظة تستمع إلى خطبة فلان من الناس وتستطيع أن تنقل هذه الخطبة وتسجلها إلى آخر ذلك. وهناك المناقشات والعروض العلمية، فهنالك أشخاص يقيمون مناظرات مع الشيعة أو مع الأحباش أو مع النصارى، أو مع أي منحرف، وتكون هناك ردود فعل تثمر عن دخول عدد من الأشخاص في دين الله أو تصحيح المفاهيم الخاطئة. ومن الأشياء التي تعمل في هذا البرنامج أحياناً: عندما تفتتح مجموعات العرب تجد مجموعة من الفساق يفتحون غرفاً فاسدة ويتحدثون فيها بالفساد، فتجد شخصاً من الأشخاص الصالحين يدخل هذه الغرف ثم يبدأ في المناصحة. فمثلاً: ألقيت في يوم من الأيام كلمة على مجموعة من الأشخاص 60 أو 70 شخصاً كلهم من جميع أرجاء الكرة الأرضية، وفجأة وإذا بأحد المعروفين لدي معرفة قوية جداً يدعوني للدخول في غرفة أخرى، والدعوة هنا لا بد أن يكتب فيها اسم الغرفة، وكان اسم تلك الغرفة غاية في السوء، فقلت: ليس من المعقول أن يدعوني هذا الإنسان الملتزم الصالح إلى هذه الغرفة الفاسدة بشكل بين، فرفضت الدعوة واستمريت في كلامي مع الإخوة، وإذا بصاحبي يكرر الدعوة مرتين وثلاثاً وأربع، فلما رأيت الإصرار منه علمت أن هناك أمراً ما، وإذا به يخاطبني بهاتف وهو في الرياض ويقول: يا شيخ! هذه الغرفة افتتحتها امرأة واجتمع فيها ما يقارب من 80 أو 90 شخصاً وبدءوا يتكلمون ويضحكون في كل شيء إلا الخير، يقول: فدخلت هذه الغرفة وعلمت أن المسئولة عن هذه الغرفة امرأة فنصحتها وذكرتها بالله، وبالقبر ونعيمه وعقابه، وبالجنة والنار، وكان ذلك على انفراد، فبكت وقالت: سأخرج من هذه الغرفة وخذ رقم الغرفة السري وادخل أنت وكن أنت المسئول عن ذلك، فدخلت هذه الغرفة وبدأت أناصحهم وضيقت الموضوع إلى هم الشاب، والذي يهتم به الشاب العربي، وبدأ الكلام يأخذ منحاً آخر شيئاً فشيئاً، واحتجت إلى من يعينني في هذه القضية فطلبتك، وفعلاً دخلت وبدأت أناقش وآخذ وأعطي وكانت ردود الفعل لهذه المناقشة عجيبة. فأحدهم قال: أنا أول مرة حقيقة أستمع لكلام من مثل هذا الكلام؛ لأني كلما دخلت البالتوك لا أستمع إلا إلى فساد، وأحبه، والآن ألزمتموني أن أستمع إلى هذا الكلام؛ فوالله! لن أخرج من هذه الغرف الصالحة إلى الغرف الفاسدة أبداً. وهناك أسلوب آخر للنصيحة في الغرف الفاسدة، فمثلاً: دخلت مرة إلى غرفة مكتوب عليها أسماء جنسية أكرمكم الله، فأردت أن أناصح فلم أعط مجالاً، فبدأت أكتب كتابات موجودة عندي وهي ما يسمونه أو ما يعرف بالقص واللصق وفيها أبيات شعرية وآيات وأحاديث وكلمات رقيقة وأضعها، وأبين لهم أثر وجودهم في هذه الغرفة، فأول ما دخلت كان العدد يقارب خمسين شخصاً تقريباً وفي ظرف ثلاث دقائق من هذه الكتابات والتحذيرات ومنها أني كتبت: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ويخاف على عرضه ودينه ويخاف ربه فليخرج من هذه الغرفة، وفي ظرف ثلاث دقائق لم يبق فيها إلا ستة أشخاص فقط لا غير. إذاً: هذا أسلوب دعوي مثمر ومنتج، لكن أين نحن من هذا الأسلوب؟

أهمية استخدام المنتديات الكتابية في الدعوة إلى الله عز وجل

أهمية استخدام المنتديات الكتابية في الدعوة إلى الله عز وجل ثالثاً: المنتديات الكتابية: هناك مواقع خاصة بالمشاركة الكتابية، يعني: إذا كان لديك أمر فإنك تستطيع أن تطلب الآراء، وتستطيع أن تناصح وتستطيع أن تذكر قصة من القصص، أو تكتب تجربة وإذا بها فجأة تنتشر في جميع أنحاء العالم، بل تستطيع أن تضع إعلاناً. فمثلاً: دورة من الدورات أو محاضرة من المحاضرات أو ندوة من الندوات تستطيع أن تضعها في هذا البرنامج، ورمز المحادثة، فيعرف الناس أن هناك ندوة في هذا المكان أو في هذا الموقع، فمثلاً: كان هناك ندوة عن الإعلام الهادف في مدرسة، فطبعت الإعلانات ووزعت، وعندما دخلت المسجد المرافق للمدرسة لم أر الإعلانات على باب المسجد، بالرغم من أنه أقرب موقع للمدرسة، فقد يكون سقط أو غير ذلك، ولكن لو وضع الإعلان في مواقع المحادثات فإن الخبر سينتشر في كل مكان، والإخوة بدورهم سينشرونه في مواقع أخرى، وفي لحظات إذا بملايين الأشخاص الذين يطلعون على هذه المواقع الكتابية أو المحادثة الصوتية يعرفون أن هناك ندوة عن الإعلام الهادف في مدرسة كذا.

أهمية استخدام المواقع الثابتة في الدعوة إلى الله عز وجل

أهمية استخدام المواقع الثابتة في الدعوة إلى الله عز وجل رابعاً: المواقع الثابتة: هناك أشخاص ويبذلون جهدهم لإنشاء مواقع بأسمائهم ويستجيبون لتفاعل الآخرين. وهذا التفاعل غير متصور، فمثلاً: الشيخ محمد المنجد وفقه الله أنشأ موقع (الإسلام سؤال وجواب) يقول: أول ما أنشأت الموقع كان معي واحد أو اثنان، لكن صارت تأتينا أسئلة بشكل يجعلنا لا نستطيع أن نرد عليها، ولو كان الطاقم بالعشرات؛ لأن الأسئلة من جميع أرجاء العالم وكلهم يريدون الإجابات. والشيخ محمد الدويش له موقع واشترط فيه ألا تكون الأسئلة فقهية إنما اجتماعية وتربوية، ومع ذلك فلا يستطيع أن يتابع الإجابة على هذه الأسئلة على الرغم من أنه ضيق نطاقها فليست فقهية ولا عقدية ولا متعلقة بالتاريخ ولا الجغرافيا إنما في قضايا اجتماعية وتربوية، ومع ذلك لا يستطيع أن يتابعها لكثرتها. إذاً: هناك تجاوب، وهذا التجاوب يدعونا إلى أن نتجاوب نحن كذلك مع هذه المواقع فنشارك؛ حتى يكون هناك عطاء مثمر في نشر الخير وإبرازه إلى الآخرين؛ لأننا نجد الخير، أما المدعوون فقد يكونون في أماكن لا يجدون شيئاً، ويتمنون أن تكون هذه المواقع متجددة باستمرار حتى تسهل عليهم ما يتعلق بفهم وفقه أمور دينهم.

أهمية استغلال الاختراق في الهجوم على أعداء الدعوة الإسلامية

أهمية استغلال الاختراق في الهجوم على أعداء الدعوة الإسلامية خامساً: الاختراق أو ما يسمى بالهكرز، وهذه القضية هي قضية حرب أو قضية هجوم ودفاع، فمثلاً: تجد هناك مواقع فاسقه وفاسدة أخلاقياً أو فكرياً لمذاهب هدامة سواء كانت داخل المحيط الإسلامي أو الديانات الأخرى، هذه المذاهب تحاول أن تضلل العوام وتلبس عليهم وتحاول أن تدعو الآخرين بتبني فكرهم. فأنت مطالب بأن تقف في وجه هذه المواقع، والطرق الموجودة هي: طريقة الهجوم والدفاع، أما طريقة الهجوم فبتدمير هذا الموقع، وطريقة الدفاع في نشر الخير لينتشر ويغطي على هذا الشر، وأمر الدفاع تحدثنا عنه قبل قليل، وأما الهجوم فهو أن تدمر هذا الموقع؛ لأنه أحياناً إن لم تدمر هذا الموقع وإن لم تفسده أفسدك، وإن لم تقض عليه فإنه يفسد البرامج الدعوية التي تسعى إليها، فتجد أنك أحياناً تدعو أشخاصاً إلى الحق وفجأة وإذا بهؤلاء الأشخاص يخبرونك أنهم تلقوا رسائل ومعلومات من الموقع الفلاني يدعوهم إلى الفكر الفلاني، فترى أنهم يفسدون عليك. إذاً: أنت مطالب بأن تفسد عليهم، فهذه القضية هي قضية حرب وقضية صراع. فمثلاً: أحد الأشخاص في حرب الشيشان قال: رتبت أموري وأرسلت رسائل دقيقة مركزة إلى وزارة الدفاع الروسية أخبرهم أن في موقع كذا وكذا وكذا وكذا قنابل مؤقتة ستنفجر الساعة كذا والساعة كذا والساعة كذا، يقول: وإذا بأحد الأشخاص يخبرني بعد ذلك أن وزارة الدفاع الروسية استنفرت عشرات الآلاف من الضباط والجنود لتفتيش هذه المواقع، أليست هذه حرب استنزاف؟! جهد بسيط ويسير وسهل انظروا ماذا أثمر، بل أشارت إلى هذه القضية محطة البي بي سي البريطانية. مثال آخر: أحد الأشخاص استطاع أن يعرف جدول خطوط الطيران الإسرائيلي متى تقيم؟ ومتى تنزل؟ وأين تذهب؟ وأرقام الرحالات؟ واطلع على برنامج الخطوط بأكمله؛ استطاع اختراقه والاطلاع عليه وعرف أسماء الأشخاص الذين يركبون الطائرة -مثلاً- من لندن إلى تل أبيب أو من تل أبيب إلى نيويورك، فأرسل رسالة أن الطائرة الفلانية المتجهة من تل أبيب إلى لندن والذي يتواجد فيها فلان وفلان وفلان وعدد أسمائهم فيها قنبلة ستنفجر الساعة كذا وكذا، فجاء أمر مباشرة إلى الطائرة بالنزول الاضطراري في اليونان، فهذا عمل وجهد بسيط لكنه حرب. فبرنامج الهكرز لا بد أن يستثمر استثماراً جيد؛ لأن الهكرز هنا هو الاختراق وقد يكون حراماً إذا كان فيه الاطلاع على أسرار الآخرين، ودخول برامجهم واختراق أجهزتهم والاطلاع على ملفاتهم وعلى صورهم وهذا لا يجوز، إلا إذا كان في خدمة دين الله سبحانه وتعالى فقد يكون هذا جائزاً وخاصة مع من يعادينا ويحاربنا. ومثال آخر: شخص من الأشخاص خدع طائفة ضالة منحرفة تنتشر في الخليج العربي وما حوله، فأظهر لهم أنه يريد تدمير مواقع أهل السنة، فأرسل لهم رسالة قال: لقد دمرت موقع كذا وكذا، فذهب إلى أشخاص معروفين واستعار مواقعهم لمدة ثلاثة أيام، وأعطوه كلمة السر لدخول مواقعهم، فدخل موقعاً موقعاً، وكتب على لوحة الموقع أنه اخترق هذا الموقع ودمره، ثم بدأ يتصل بهؤلاء ويخبرهم بأنه قد دمر هذه المواقع، فتأكدوا منه فوجدوا الأمر صحيحاً، فظنوا أن هذا الرجل مخلصاً لهم، ففتحوا له المجال، فأخبرهم أنه يحتاج إلى أموال، فلما عرفوا أن له طاقه عجيبة فتحوا له حساباً في أحد البنوك، ومدوه بالمال، وهو من أهل السنة. إذاً: القضية ممكن أن تكون حرباً قوية تنتج وتثمر لمن استثمرها ولمن استغلها.

من ثمار الدعوة عبر الإنترنت

من ثمار الدعوة عبر الإنترنت وفي أحد البرامج وهو برنامج المحادثة (البالتوك) واحد من الأشخاص المتمكنين من خلال عرضه القضايا العقدية لأهل السنة صار يبحث في البريد الإلكتروني بطريقة لبقة عن أسماء النساء، ثم بعد ذلك جمع عدداً مناسباً من الأسماء ثم بعد ذلك أرسل لهن رسالة يطلب منهن الحضور لهذا البرنامج؛ لأن هناك محاضرات أسبوعية نسائية توعوية من جميع أنحاء العالم، وفعلاً بدأ يحضر بحدود 60 أو 70 امرأة من البرازيل وكندا ونيوزلندا والفلبين وغيرها، وهناك ترجمة باللغة الإنجليزية، ثم بدأ يقيم لهن دورات متتابعة من كل أسبوع، فانظروا إلى هذا الجهد كيف أثمر هذه الثمرة العجيبة في دعوة النساء إلى دين الله سبحانه وتعالى؟

وقفة عتاب لأبناء الأمة الإسلامية

وقفة عتاب لأبناء الأمة الإسلامية أختم هذا اللقاء بوقفة عتاب أخيرة، وأقول: لماذا أيها الأحبة! نسبق دوماً من قبل الأعداء إلى هذه البرامج التي تعد من أفضل الوسائل الدعوية على المستوى العالمي، أو لأنها على المستوى المحلي -ولله الحمد والمنة- موجودة وبكثرة، لكنها على المستوى العالمي ليست موجودة إلا من خلال برامج الإنترنت ومن خلال المحطات الفضائية، فالمحطات الفضائية الأصل فيها السلبية؛ لأنها تجعل الإنسان يستمع ويوجه فكره إليها، ويحجم الفكر بحسب ذات المحطة وتوجهها، فالمحطات الفضائية توجه الإنسان بناءً على الفكر الذي تحمله المحطة والذي يقوم عليها من الأفراد أو الجماعات أو الدول. أما الإنترنت فلا؛ فإن الأصل فيه التجارب، والأصل فيه السلب والإيجاب، والأخذ والعطاء، ولذلك علينا دوماً أن نستغله أيما استغلال مع الأخذ بالاعتبار الاحتياطات اللازمة؛ لأنه وعاء اشتمل على الخير وهو قليل، واشتمل على الشر وما أكثره في هذا الجهاز! وبالتالي إذا أراد الإنسان أن يستفيد منه أو يستغله فعليه أن يتعامل معه بحذر وخاصة إن كان هناك آخرون ممن هم أقل منه تعاملاً أو فهماً أو فقهاً فيما يتعلق بقضية التعامل مع هذا الجهاز؛ حتى لا يكون هناك تأثير مضاد من قبل الآخرين تجاه الغير.

التحذير من مفاسد المقاهي

التحذير من مفاسد المقاهي وأحب كذلك أن أشير إلى نقطة أخيرة وهي ما يعرف بالمقاهي التي انتشرت في كثير من المناطق والشوارع، فينبغي علينا أن نقف معها وقفة عتاب كذلك؛ لأن الغالب عليها أن الاستفادة منها دوماً استفادة سلبية، وبالتالي على كل منا أن يربي الشباب والكبار والصغار ألا يتعاملوا مع هذه المقاهي بحكم أن هذه المقاهي تقوم دوماً على نشر ما هو مباح كدرجة أولى وما هو فاسد بعد ذلك. فالأشياء الخيرة نادرة في هذه المقاهي، وبالتالي ستبقى قضية الضبط والانضباط في التعامل مع هذه الجهات قاعدة أساسية ينبغي أن نسير عليها. أسأل الله سبحانه وتعالى لي ولكم العلم النافع والعلم الصالح، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله وبارك على نبينا ورسولنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

الدعوة إلى الله في المقاهي

الدعوة إلى الله في المقاهي Q ما رأيك بمن يدعو إلى الله في المقاهي، مع العلم أنها مليئة بالمعاصي وعرض الأفلام، كما نسمع، فما رأيك في ذلك؟ وهل هناك توجيه لمن أراد الاستفادة منها؟ A طبعاً كل إنسان له قدراته وإمكانياته، فإذا رأى الإنسان أنه سيجدي في هذا المقهى وسيكون محمياً من التأثر من قبل الآخرين فجيد أن يستخدم هذه الوسائل المتجددة في دعوة هؤلاء إلى الله سبحانه وتعالى، ويبتكر الوسائل المناسبة لهؤلاء الذين يشاركون في هذه المقاهي، سواء كان هؤلاء ممن يملكون المقهى أو يعملون في المقهى أو بجانب المقهى.

الاشتراك في مواقع الإنترنت

الاشتراك في مواقع الإنترنت Q البعض يرى عدم الاشتراك في الإنترنت لوجود المفاسد فيها؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، ما هو توجيهكم رعاكم الله؟ A إذا كان الإنسان يرى في نفسه القدرة على أن يحول الفساد إلى خير بالتواصل بالإنترنت فيشترك فيه، وإن كان لا يجد إمكانية لذلك فوسائل الدعوة الأخرى المتاحة موجودة وبكثرة، فتبقى القضية متاحة بمن بيده الإمكانية، وشبيه هذا كثير؛ فأنت -مثلاً- ممكن أن تدعو إلى الله أو تناصح في الأسواق، فالبعض يقول: أنا إذا دخلت السوق أخشى أن أفتن أو أفتتن لما أرى من المفاسد والفساد وصوره المختلفة فأخشى لو ذهبت لتأثرت، وربما يقول: أنا ذهبت وتأثرت فعلاً، ولكن حماني الله سبحانه وتعالى وأخشى أن أكرره. فنقول: هناك مجالات أخرى، وكل بحسبه، فهذه القاعدة الأساسية في هذا المقام.

حكم النظر إلى المواقع الإباحية

حكم النظر إلى المواقع الإباحية Q أنا ممن استخدم الإنترنت في بداية الأمر من باب الفضول والاطلاع، وذلك للاستفادة من المواقع، ولكن وقعت في بعض المواقع الإباحية فأصبحت أنظر إليها ولم أستطع التخلص منها إلا نادراً، فأرجو النصيحة لي ولمن هو على شاكلتي؟ A الإنسان مجبول على حب الفضول، لكن تبقى قاعدة مهمة هنا وهي أن هناك خطوط حمراء ينبغي أن لا يتجاوزها الإنسان؛ لأن النظر سيحاسب عليه الإنسان، والسمع سيحاسب عليه الإنسان، وعلى الإنسان أن يعي ويعلم أنه إذا نظر إلى المواقع الإباحية فإنه يتشبه بالفساق والمنحرفين والضلال والمغنين والممثلين، فإنه سيكون في منزلتهم لأنهم لا ينظرون إلا إلى أمثال هذا الفساد. فينبغي استغلال هذا الإنترنت في الخير وبذل الدعوة إليه وإمضاء الساعات الطوال في نشر هذا الخير، والاستماع إلى المحاضرات والدروس التي تستمر الساعات الطوال في الإنترنت، ونتيجة ذلك الخير العظيم ونشره بين الناس، وعندما ينظر الإنسان في هذا الجانب سيعلم أنه بذر بذرة صالحة لا ثمرة فاسدة في قلبه، ويستقيم قلبه بعد ذلك شيئاً فشيئاً.

ضوابط الدعوة إلى الله تعالى على الإنترنت

ضوابط الدعوة إلى الله تعالى على الإنترنت Q هذا سائل يقول: ما هي شروط الدعوة إلى الله على الإنترنت؟ وهل هي لكل أحد؟ A لا، ليست لكل أحد، لا بد من وجود ضوابط وعلى رأسها الإخلاص لله سبحانه وتعالى ومراقبته سبحانه وتعالى في هذا الأمر وفي هذا النظام. أما قضية أسلوب التعامل مع الإنترنت وكيفية التواصل مع الآخرين لنشر الخير فيهم، فإذا كان هناك إخلاص ومراقبة لله سبحانه وتعالى وأسلوب رائع في التعامل مع هذا الجهاز ومع من يقصد الجهاز فستكون هناك -إن شاء الله- ثمار حسنة متعددة وكثيرة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.

كيفية الترشيح للمواقع الإلكترونية

كيفية الترشيح للمواقع الإلكترونية Q ما هو الترشيح الذي يمر به الخط؟ وهل يمكن المعاقبة القانونية على الإنترنت؟ وهل يمكن عمل موقع لفلسطين؟ A أي إنسان يمكن أن يفتح موقعاً، وهذا الموقع قد يكون صالحاً وقد يكون فاسداً، والموقع الفاسد قد يكون فاسداً أخلاقياً أو فكرياً أو عقدياً أو أي نوع من أنواع الفساد، فمدينة الملك عبد العزيز جزى الله القائمين عليها خير الجزاء لهم جهد مشهود في هذا المقام، فهم يغلقون مئات المواقع يومياً حتى لا يتأثر بها الأشخاص الذين يفتحونها، فممكن أن تدخل وتطلب أي موقع ضال فكرياً أو منحرف أخلاقياً وتطلع عليه ويترتب على ذلك أنواع من الفساد، وممكن أن تأخذ من هذا الموقع وتصور منه أو تنقله إلى جهازك كالصور والأفلام والمقالات وسيكون في هذا دعوة إلى نشر الشر والرذيلة. فهذه المدينة تعمل مثل الحجر على هذا الموقع، فأنت عندما تكتب اسم الموقع فإنه يمر على الشركة ليزوده ثم ينتقل إلى المدينة والمدينة عندها قائمة سوداء في هذا الموقع فتعطيك لوحة وهي: عذراً لا يمكنك الدخول إلى هذا الموقع! فعند ذلك تتوقف ولا تدخل هذا الموقع. عمل مواقع لفلسطين فهناك مواقع كثيرة لفلسطين فيها أخبار وصور متعددة لجهودهم وجهادهم وحربهم ضد اليهود وليست موقعاً واحداً، فمن يفتح موقع (ردادي) سيطلع على مواقع فلسطين وإندونيسيا والشيشان وغيرها من المواقع التي تعطي الأخبار بالتفصيل أولاً بأول.

كيفية إرسال المطويات الدعوية عبر الإنترنت

كيفية إرسال المطويات الدعوية عبر الإنترنت Q عندما أريد إرسال مطوية دعوية هل تكون عن طريق التصوير الفوتوغرافي أو الطباعة أو مادة مسجلة؟ وكيف تعمم هذه المطوية على الإنترنت؟ A تستطيع أن تدخلها بالتصوير الفوتوغرافي أو بالإسكنر أو بالصوت أو بالصورة المرئية، وكل هذه تستطيع أن تدخلها بالبريد الإلكتروني وفي لحظات، فيطلع عليها من شاء في أي لحظة وفي أي مكان بدون أي تكاليف. فمثلاً: هناك كتب تخرج إلى الساحة وتكون ظاهرة في بلاد بعيدة ولكي تنقل هذه الكتب إلينا وتباع ربما تحتاج إلى أيام بل شهور، لكن الإخوة هناك أول ما يخرج الكتاب وإذا بهم يدخلونه في الإنترنت، ويقولون: الكتاب موجود لدينا فهل تريد منه نسخة؟ أقول: نعم، وفي ظرف ثلاث دقائق أو دقيقتين وإذا بالكتاب موجود عندي، أستطيع أن أنسخه، وأستطيع أن أصدر أمراً للطابعة أن تطبع لي الكتاب وفي ظرف دقائق وإذا بالكتاب أمامي، فآخذه وأذهب إلى مكان تجليد وإذا بالكتاب في ظرف بسيط أمامي وهو قد طبع وهو لم يخرج في لندن -مثلاً- إلا قبل ساعة. فهذه إمكانية متاحة وسهلة موجودة.

أهمية الاستفادة من خبرات الآخرين في الدعوة عبر الإنترنت

أهمية الاستفادة من خبرات الآخرين في الدعوة عبر الإنترنت Q أنا شخص من الذين يدعون إلى الله عبر الإنترنت، وأنا من الذين لا يملكون علماً وافراً في علوم الشريعة فبعضهم قال: أغلق المحل إذا لم تعرف الحكم في ذلك، فهل علي في ذلك أثم؟ A طبعاً عليك بالاستفادة من جهود الآخرين، ويجب أن يكون هناك تعاون بينك وبين غيرك، وأنت بالتعاون قد تأتي بنتيجة أفضل مما هي موجودة الآن بالنسبة لك، وخاصة إذا كان المتعاون معك ممن يجيد لغات الآخرين.

بعض المواقع الإسلامية على الإنترنت

بعض المواقع الإسلامية على الإنترنت Q نريد أن تذكر لنا بعض المواقع الإسلامية على الإنترنت؟ A المواقع الإسلامية كثيرة جداً وغالب المشايخ لهم مواقع في الإنترنت، فمثلاً: الشيخ ابن باز رحمة الله عليه له موقع، والشيخ ابن عثيمين له موقع، والمنجد له موقع، والشيخ علي القرني له موقع، ومحمد الشنقيطي له موقع، ومحمد الدويش له موقع، والشيخ عبد الرحمن المحمود له موقع وغيرهم. وهنالك مواقع أخرى فمثلاً: إسلام تودي، وإسلام أون لاين، وإسلام وي، وكلها مواقع كثيرة وعجيبة جداً، وتستطيع أن تبحث عنها في موقع بحث اسمه أيمن، فتكتب فيه إسلام أو الإسلام باللغة العربية، وسيعطيك مئات المواقع التي تتحدث عن الإسلام وبعضها قد يكون خيراً وبعضها قد يكون داخلاً تحت مسمى الإسلام لكنه منحرف تماماً عن الإسلام، فهذه المواقع كثيرة جداً ومتعددة. وبعض المواقع التي أشرت إليها في السابق قد تعطيك إحالات إلى مواقع أخرى.

نصيحة لطلاب المدارس الذين يمضون أوقاتهم في مواقع الإنترنت

نصيحة لطلاب المدارس الذين يمضون أوقاتهم في مواقع الإنترنت Q أنا طالب في الصف الأول المتوسط، هل أستطيع أن أدعو إلى الله في الإنترنت؟ A لا، اجعل وقتك يمضي في التعلم وطلب العلم وستلحق الركب إن شاء الله فيما بعد، عندما تكون قاعدتك قوية وخلفيتك أقوى إن شاء الله.

الهندوسية [1]

الهندوسية [1] الهندوسية ديانة باطلة وخطرها على العالم الإسلامي ملموس، وقد نشأت هذه الديانة نشأة خاصة بها منذ قديم الزمان، وهي على أطوار عدة في نشأتها وتغيرها، حتى انتهت إلى الاكتفاء بكتابها المقدس الويدا، وهو ملخص من الكتب الهندوسية في العصور القديمة، وتظهر الطبقات بين الهندوسيين بشكل يثير الدهشة.

نشأة الديانة الهندوسية

نشأة الديانة الهندوسية الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: فإن الهندوسية ديانة تشغل حيزاً كبيراً جداً من الكرة الأرضية، ولها جهود ليست باليسيرة في سبيل الدعوة إلى مناهجها، ولها جهود ليست باليسيرة كذلك في سبيل حرب الإسلام والمسلمين، بل لها الأثر القوي في بروز كثير من الفرق والمذاهب التي تتسمى باسم الإسلام أو تندرج تحت مسمى الإسلام. إن الكتاب الذين كتبوا حول هذه الفرقة يكادون يعدون بالأصابع؛ لأنهم قلة قليلة فليس هناك كتابات مميزة عن هذه الديانة، بل الهندوس أنفسهم لم يكتبوا عنها من الناحية التاريخية، باعتبار أن أوائلهم لم يكونوا يهتمون بالجوانب التاريخية، فلا يعرف لنشأة الهندوسية تاريخاً محدداً أو زمناً معيناً، إنما القضية مجرد معرفة كلية وليس هناك معرفة جزئية، بمعنى: أنها نشأت قريباً من القرن الفلاني أو حول القرن الفلاني أو قبل كذا أو بعد كذا، إنما ليس ذلك تاريخاً سليماً صحيحاً كالتواريخ التي تنسب إليها الديانات الأخرى، فالبوذية مثلاً نستطيع أن نقول: إنها نشأت في القرن الفلاني، بل وفي السنة الفلانية، والإسلام كذلك نستطيع أن نقول عنه: أنه نشأ في اليوم الفلاني وفي الشهر الفلاني وفي السنة الفلانية، أما الهندوسية، فالتعامل معها بمئات السنين، ولذلك بعضهم يقول: إنها نشأت في عام 1500 قبل الميلاد، والبعض يقول: في عام 2000 قبل الميلاد، والبعض يقول: في عام 1000 قبل الميلاد. إذاً: لدينا 1000 سنة وهو رقم ليس باليسير، لذلك لا يعرف في أي وقت نشأت هذه الديانة، إنما نأخذ التاريخ المتوسط وهو 1500 قبل الميلاد، فتكون هذه الديانة نشأت -جمعاً بين هذه الآراء الثلاثة- في سنة 1500 قبل الميلاد.

كيفية نشأة الديانة الهندوسية

كيفية نشأة الديانة الهندوسية كانت منطقة الهند عبارة عن منطقة زراعية وخصبة، إلا أن الذين يعيشون فيها، كانوا بدائيين وكانت القبائل قبائل بدائية، وكان يغلب عليهم طابع العبادة السلطنية، -أي: عبادة القوة-، وتمثيل هذه القوة بسلطان يمثلها، يعجبون بالأسد فيعبدون صورة الأسد، يعجبون بالفيل فيعبدون صورة الفيل، يعجبون بالشمس فيعبدون صورة الشمس، يعجبون بالقمر، بالسماء بالكواكب بفلان من الناس، ببطل معين أو بشيء معين، بل بأكلات معينة، فإذا كانت تعجبهم الأكلة الفلانية يعبدون هذه الأكلة، عن طريق تمثيل صنم يمثلها، حتى وصل الأمر بهم إلى أن يعبدوا أجزاء من جسد الإنسان، يعجبون بكذا من جسد المرأة فيصورونه ويعبدونه، ويعجبون بشيء من الرجل فيعبدونه ويصورونه في معابدهم على أنه إله. إذاً: وجدت هذه الديانة قبل 1500 سنة من الميلاد، يعني: قريباً من (3400) أو (3500) سنة من الآن، وكانت هذه هي عبادتهم، وكانت هذه القبائل عبارة عن قبائل صغيرة تعيش كل قبيلة لوحدها، وكان التناحر والتقاتل بينهم وارداً على نمط الغزو القبلي المعروف. في هذا الوقت كان هناك مجموعة من القبائل أرادت أن تبحث عن منطقة خصبة جميلة مريحة لها، فأرسلت مجموعة من الأشخاص لكي يكتشفوا المناطق، وكانت هذه القبائل تسمى القبائل الآرية، وهي التي يدعي هتلر الزعيم النازي المعروف الانتساب إليها، وكان يقول: إن أفضل الشعوب هو الشعب الآري، ثم يقسم بقية الشعوب إلى درجات إلى أن يصل إلى العرب وهو قبل الأخير ثم اليهود، فاليهود هم في ذيل القائمة، وقبلهم العرب، ثم بعد ذلك مجموعة كبيرة من الشعوب في حدود (14) شعباً، ثم الذين في القمة هم الشعب الآري الذي ينتسب إليه. هذه الشعوب الآرية قيل: إنها تعيش في أواسط آسيا، أو بمعنى أخص في المناطق الجنوبية من الاتحاد السوفيتي الآن، وقيل: إنها كانت تعيش في النمسا والمجر وبلغاريا وغيرها، وقيل: إنها كانت تعيش في إيران والعراق. هذه القبائل هاجرت من مناطقها بحثاً عن النعيم والدفء، والمياه الدافئة، فأرسلت استكشافات وصلت إلى الهند، ورجعت إلى قبائلها وقالت: إن هناك مناطق جميلة وخصبة وليس فيها إلا عدد بسيط من القبائل السود، فقد كان اللون الأسود يغلب على تلكم الشعوب، فاتجهت هذه القبائل في رحلة طويلة استمرت ثلاثمائة سنة، يعني: كانت تصل على دفعات وذلك حين كانوا يسمعون الأخبار، فعندما وصلت الدفعة الأولى كانوا يتراسلون بطريقة أو بأخرى بأنهم وجدوا كذا وكذا، فتأتي قبيلة أو فرع للقبيلة وهكذا شيئاً فشيئاً. وكانوا يأتون إلى الهند ومعهم ثقافاتهم ودياناتهم وقوتهم، ومعهم الحضارة التي لم تكن موجودة قبل ذلك في الهند، فلما وصلوا إلى الهند قوبلوا بقوة من قبل هذه القبائل، لكنها قبائل بدائية، والحرب بدائية، والاتجاه التنظيمي في الحرب بدائي، أما هذه الدفعات فهي منظمة ومرتبة، فاستطاعت أن تستأصل هذه القبائل بأسرع وقت، ثم سيطرت عليها، لكنها وجدت أن هذه القبائل كثيرة بحيث يستعصي على الإنسان أن يقضي عليها، خاصة أن هذه القبائل عندما رأت الانهزام المتتالي بالنسبة لجيوشها أو لتجمعاتها بدأت تستخدم حرب العصابات، وبدأت تستخدم الانطواء في الجبال والاختفاء في الغابات، فخشي هؤلاء الآريون من هذه القبائل، فأرادوا أن يندمجوا معها بطريقة معينة بحيث تسير الحياة بعد ذلك السير الذي يريدون. وهذه القبائل الآرية التي قدمت على أرجح الأقوال أنها قبائل كانت تعيش في أواسط أوروبا الشرقية، أي: في النمسا والمجر وبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا وغيرها، ويقولون: إن السبب في هجرتهم: أن مناطقهم أصيبت بجفاف وهاجروا إلى الشرق وإلى الغرب، فالذين هاجروا إلى الشرق استوطنوا جزءاً من إيران والعراق والهند، والذين هاجروا إلى الغرب استوطنوا جزءاً من مناطق أوروبا وخاصة ألمانيا والمناطق التي في شمال ألمانيا من أمثال هولندا وبلجيكا وغيرها. هذه القبائل عندما هاجرت كانت تمر على قبائل ذات ديانات معينة، فتأخذ وتستفيد منها، وتفيد كذلك الآخرين بدياناتهم، وعندما وصلت إلى الهند وسيطرت عليها كان مجال هذه القبائل فيما يتفق في العبادات منصباً على تقديس القضايا الكلية فيما يرتبط بالطبيعة، فما كانوا يقدسون إلا المسائل الكبرى، فكانوا يقدسون الشمس والقمر والسماء والكواكب والسحاب والبرق والرعد والمطر، لكن لا يقدسون الأسد والفيل والأكلة الفلانية والجهاز التناسلي الفلاني أو غير ذلك، فوجدوا أن الشعوب الهندية لم ترضخ لدياناتهم، فاتفقوا -بما أنها ديانات وضعية- على أن يدمجوا هاتين الديانتين ببعضهما، فصار هناك اندماج في الديانتين: الديانة الهندية القديمة، والديانة الآرية، فخرج لنا ما يسمى بالديانة الهندوسية. إذاً: الديانة الهندوسية: عبارة عن خليط بين ديانة الآريين التي تنصب على تقديس القوى الطبيعية، وبين ديانة الهنود القدماء التي تركز في الغالب على الأشياء التي يحبها أهل الهند القدماء. وبعد فترة من الزمن تطور الوضع وصار هناك نوع من الاندماج، إذ وجد الآريون أن هؤلاء الهنود السود أو السمر بدءوا يسيطرون على جزء من إمكانات البلد بحكم الخبرة والمعرفة، فخشي هؤلاء القلة من الآريين أن يسيطر هؤلاء عليهم؛ فيذوب هذا الشعب الآري في الشعب الهندي، بمعنى: أن الكثرة تغلب الشجاعة مع الوقت، فأرادوا أن يجعلوا هناك نظاماً دقيقاً في العمل ومهاماً معينة في العبادات ومهاماً معينة في الارتباط بالآلهة، إلى آخر ذلك، فبدءوا في كتابة بعض الأفكار حول هذه المسائل، وسميت هذه الأفكار فيما بعد بالفيداأو الويدا، والويدا هذا هو أعظم الكتب المقدسة عند الهندوس. إذاً: يقال له: الفيدا والويدا، ينطق باللغتين والويدا: باللغة السنسكريتية-لغة هندية قديمة- ومعناها: القانون أو الحكمة، فبدءوا يسطرون هذه القوانين أو الأحكام، والمراد منها: إعطاء الطبقة الآرية أو الجنس الأبيض ميزة تخالف ما لدى الطبقة السوداء، ولذلك تلاحظون أحياناً أن هناك بعض الهنود لونه أبيض، وبعض الهنود لونه أسود وهناك تفاوت، وهناك طبقات بين هذا اللون وهذا اللون. طبعاً هؤلاء لو دققت فيهم وساءلتهم، ربما تجد أن اللون الأبيض ينتسب إلى الآريين في الأصل، وهو لا يعرف أنه ينتسب إلى الآريين أو لا يقول ذلك، لكن ينتسب إلى فرقة أخرى سنذكرها، أما الأسود فينتسب إلى الهنود القدماء. طبعاً بدأت كتابة هذه القوانين التي تعطي الأقلية الامتيازات المتتابعة؛ إلى أن تضخمت وكبرت، فصار حفظ هذه القوانين في القلب صعباً، فقالوا: لابد من تدوينها وكتابتها، فبدءوا بتدوين ما يسمى بكتاب الفيدا، وقيل: إن التدوين استمر عشرة قرون -يعني: 1000 سنة- وتدوين هذا الكتاب المقدس عند الهنود متواصل، إلى أن ختم بقرار من المجلس الأعلى عند الكهنة الهندوس على أنه لا يمكن إضافة شيء على هذا الكتاب، ولو لم يختم بهذا القرار لاستمرت الإضافات على هذا الكتاب، وهو كتاب ضخم جداً يشكل عدداً كبيراً من المجلدات. طبعاً ولم يترجم هذا الكتاب إلى اللغة العربية، وهو موجود في كثير من المكتبات الجامعية باللغة الهندية القديمة أو اللغة السنسكريتية. ولو قارنا الآن بين ديانة الهنود الموجودة حالياً مع ما كتب في الويدا مسبقاً لوجدنا كثيراً من الاختلاف والتغير والتعديل، السبب في ذلك أنها ديانة بشرية، والديانة البشرية خاضعة لإيرادات البشر ولآرائهم وأهدافهم، فكل فرقة أو كل تجمع أو كل عصر يضيف ويعدل ما يشاء حسب أهواء هذا العصر واتجاهاته، ولذلك تجد أن هناك آلهة كانت تعبد قبل 3000 سنة ليست لها وجود الآن، وتجد أن هناك أصنافاً تعبد الآن ليست موجودة في الكتب القديمة، وهذا في حد ذاته يبين تهافت هذه الديانة. من هذا الكلام بأجمعه يتضح لنا أن الهندوسية ليس لها مؤسس معروف، بمعنى لا تنسب إلى مؤسس، لكن الإسلام أسسه المصطفى عليه السلام، والمسيحية أسسها عيسى، واليهودية أسسها موسى، والحنيفية أسسها إبراهيم، والبوذية رجل يدعى بوذا، والجينية كذلك لها رجل، أما الهندوسية فليس لها رجل معين من الممكن أن نقول: له الدور القوي في بروزها وظهورها، لكن هناك رجال اشتهروا بتجديدها أو إعطائها روح الحيوية بعد أن كادت تموت، أما أن هناك مؤسساً لها فليس هناك مؤسس، كما أن كتاب الويدا الذي هو أعظم كتب الهندوس ليس له كاتب، أو لا ينسب إلى شخص معين، بل كل هذه الكتابات كتبت على مر القرون المتتابعة، وهذه الكتابات فيها تناقضات ليست باليسيرة؛ لأن ما كتب الآن مثلاً أحياناً يخالفه ما كتب بعد 500 سنة أو 1000 سنة، ومع ذلك أبقي ولم يعدل، ولذلك هناك تناقضات صريحة داخل هذا الكتاب.

أطوار الديانة الهندوسية

أطوار الديانة الهندوسية إنك لا تستطيع أن تستوعب المنهج العقائدي إلا بعد أن تربطه بماضي هذه الديانة وأساسها وأساس نشأتها، فأنت تعرف عن الإسلام كيف نشأ وكيف بدأت الدعوة الإسلامية، وما هي جهود الرسول عليه السلام في ذلك وجهود الصحابة والتابعين ومن بعدهم، كل هذا معروف بالنسبة لك، وتعرف كذلك التشريعات والعقائد، ونحن سنسير على نفس المنهج بالنسبة لهذا الأمر بما يرتبط بالهندوسية.

الطور الأول العصر الوزيري الأول

الطور الأول العصر الوزيري الأول سمي بالعصر الويدي الأول نسبة إلى كتاب الويدا الذي هو الكتاب المقدس الأول عند هؤلاء، ومبدأ هذا العصر من سنة 1500 قبل الميلاد، وهذه البداية بدأت أولاً عند دخول الآريين إلى الهند، ثم الاندماج الآري الهندي، ثم بعد ذلك بدء كتابة القواعد والقوانين العقائدية التي كان الهدف الظاهر منها هو تأصيل الديانة وكتابتها، أما الهدف الباطن منها فهو إضفاء الحقوق وحصرها في الآريين، حتى لا تختلط مع حقوق الهنود السمر الذين هم الهنود الأصليون، فكانت البداية بهذه الصورة، وفي هذا العصر اخترعت آلهة جديدة غير الآلهة الموجودة عند الهنود والموجودة عند الآريين، فجاءونا بأسماء آلهة: الإله أغنى، والإله أندرو والإله رودرا، وآلهة كثيرة جداً بالعشرات، وكل إله يمثل منهجاً، ولذلك وجد الهنود في آخر آمرهم أن لكل حركة أو سكنة تعمل مهما قلت إله، ولذلك وصل عدد الآلهة إلى أكثر من أربعمائة مليون إله، كل إله يختلف عن الإله الثاني في الهند، هذا إله النصر، هذا إله الحب، هذا إله العداوة، هذا إله الحكمة، هذا إله الصبر، هذا إله الكتابة، وهذا إله القراءة، هذا إله كذا، فأي حركة أو سكنة في هذا الوجود يجعلون لها إلهاً، ففي العصر الويدي الأول بدأت هذه الفكرة، ولم تنته إلا قبل عصر دخول الإسلام، فبدأ هؤلاء الهنود يجعلون لكل حركة من حركاتهم إلهاً يمثل هذه الحركة، حتى الحركات البسيطة التافهة تجد أن لها إلهاً كذلك، مثلاً: إله الأكل، إله الشرب، إله النكاح، إله الغسل، إله تقليم الأظافر، وإله القيء، فمثلاً: إنسان أصيب بداء القيء فإنه لا يذهب إلى إله الحكمة ولا إلى إله النار، بل يذهب إلى إله القيء، ويطلب منه أن يشفيه من هذا القيء الذي أصابه، إذاً: جعلوا لكل حركة إلهاً وجعلوا لها أسماء، ولذلك يقولون: إنه لا يوجد الآن إمكانية لحصر هذه الأسماء، ومعلوم الآلهة كانت تنشأ أول الأمر بشكل كبير، يعني: الصنم يكون ضخماً جداً وله معنى، ولكن وجد الناس أن الإنسان إذا أصيب بقيء معين من الصعوبة أن يذهب إلى القرية الفلانية لزيارة هذا الصنم وطلب الشفاء من هذا المرض، فماذا فعلوا؟ قالوا: يمكن للأسرة أن تعمل صنماً بدائياً صغيراً يمثل هذا الإله، فصارت كل أسرة حسب حاجاتها تجعل هناك أصناماً، ولذلك تجد عند الهندوس أحياناً دالوباً كبيراً جداً فيه عشرون أو ثلاثون أو أربعون صنماً، وكل واحد مخصص لعملية معينة، فلو افترضنا أن الرجل أصيب بأمر معين ولا يوجد الإله المخصص له في هذا الدالوب، فإنه مباشرة إن كان غنياً أو عنده قليل من المال ذهب إلى السوق واشترى إلهاً صنماً إما من الخشب وإما من البلاستيك، وإما من الخرق أو غير ذلك، ويكتب عليه مباشرة أنه إله الشيء الفلاني ويضعه في الدالوب، وبذلك يكون قد حدد إلهه فطلب منه أن يشفيه من هذا المرض. إذاً: اشتراه ثم سماه؛ لأنه كان مجهولاً أولاً، فتجده يشتري وصلة واحدة من بلاستيك مثلاً ويصنع عشرات الآلاف من هذه الوصلة، فيأخذ الإله ويجعل له اسماً، إله كذا وكذا، ثم يضعه في الدالوب، فإذا احتاج إليه توجه له في طاعة أو في حروب أو في غير ذلك.

الطور الثاني مرحلة التدوين لكتاب الويدا

الطور الثاني مرحلة التدوين لكتاب الويدا أما العصر الثاني: فهو مرحلة التدوين للكتاب المقدس الذي يسمى الويدا، ومرحلة التدوين هذه تمت على أيدي مجموعة من الآريين الذين اجتمعوا في اجتماع قوي وكبير جداً، فبدءوا يناقشون وضعهم وأنهم أقلية، وأنه من الممكن أن يندمجوا داخل هذا المجتمع فيضمحلوا ويزولوا، فاقترحوا أن تكتب الأفكار التي بدأت تنشر بين الناس في كتاب، ثم يعطى هذا الكتاب هالة من القدسية العجيبة، بحيث إن كل من سمعه أو قرأه أطاعه طاعة عقائدية، فاتفقوا على كتابة هذا النظام، الذي هو نظام الويدا أو آراء الويدا. ولم يضيفوا في الويدا فقط مجرد إدراج تقديرهم واحترامهم لا، بل أضافوا فيها قضايا الآلهة والعبودية والقرابين وعبادة النار والتناسخ والحلول ووحدة الوجود كما سنعرف، وأضافوا فيه حقوق كل طبقة من الطبقات، ثم أخرجوه للناس على دفعات قليلاً قليلاً، ثم اندثرت هذه الفئة وجاءت فئة أخرى بعدها فأضافوا عليه وهكذا إلى أن تدون واكتمل هذا الكتاب، وهذه المرحلة استمرت طويلاً، يقولون: استمرت أكثر من ستة إلى سبعة إلى ثمانية قرون، وتعد من المراحل الطويلة ضمن هذه الديانة.

الطور الثالث مرحلة تلخيص الويدا

الطور الثالث مرحلة تلخيص الويدا بعد أن انتهت كتابة الويدا واكتملت تحددت الطبقات: طبقة البراهمة وطبقة الجند المحاربين وطبقة الزراع والتجار وطبقة المنبوذين. والمنبوذون هم أهل الهند القدماء، وأعطي لكل طبقة عمل، فالبراهمة هؤلاء هم الكهنة الذين يقومون على المعابد ويأخذون القرابين والنذور، واستطاعوا بذلك أن يسيطروا على بقية الطبقات. والطبقة التي تليها: طبقة الجند المحاربين، وهي من بين الطبقات التي تعد من الفرقة الآرية أو التجمع الآري، لكنها من قبائل ضعيفة أو موالية أو ممن أخذهم الآريون معهم عندما قدموا إلى الهند. أما طبقة الزراع وطبقة المنبوذين فهم أهل الهند القدماء، فإذا رأوا رجلاً جيداً ونشيطاً وغير ذلك من الهنود القدماء، جعلوه في طبقة الزراع والتجار، وبقي البقية الباقية في طبقة المنبوذين. هذه الطبقات عندما ظهرت وتأصلت في مرحلة تدوين الكتاب، بدأ بعض المنبوذين وبعض الزراع والتجار يملون، فحصل نوع من الثورة على الكتاب المقدس، وقد قادها مجموعة رجال من الزراع والتجار والمنبوذين، وذلك عندما أخذوا الكتاب المقدس غصباً؛ لأنه محرم عليهم أن يقرءوه أو يسمعوه، حيث إنه إذا ثبت أن أحد طبقة الشودر -وهي الطبقة المنبوذة- سمع عمداً كلاماً للويدا فقطعت أذناه، ومن تكلم به قراءة قطع لسانه، بسبب ذلك أخذوه ولخصوه وحذفوا منه كل ما يمت إلى الطبقية بصلة، وأخرجوه للناس ونشروه فضعفت الهندوسية. إذاً: مرحلة تلخيص الويدا نستطيع أن نقول: إنها بداية مرحلة ضعف الهندوسية، فتأصل الضعف في المرحلة الثانية أو في العصر الثاني الذي هو عصر الضعف الهندوسي، وعصر الضعف الهندوسي هو عصر الإلحاد، وذلك بعد أن انتشرت هذه الكتابات التي لخصت كل ما يمت إلى الويدا بصلة، وحذفت منه كل ما فيه تمييز للطبقات، لا أقول الإلحاد الذي نعرفه نحن، إنما الإلحاد بالنسبة للهندوس، وهو أنه وجد أناس كفروا بالآلهة، ولم يعترفوا بالأصنام ولا بالأوثان، بل ولا يعترفون بوجود آلهة أو إله لهذا الكون، فهم كفروا بالطبقية ونبذوها، وأرادوا أن يثبتوا أنفسهم، فحطموا المعابد والأوثان، بل وقتلوا البراهمة الذين هم قمة المجتمع عندهم. إذاً: هذا العصر ترتب عليه ضعف في النواحي العقائدية والنواحي السياسية، فصارت البلاد ضعيفة، وفي هذه الفترات الضعيفة وجد أناس مصلحون، رأوا الهندوسية على وشك الانهيار، فخرج رجل منهم بالمنهج البوذي، وخرج آخر بالمنهج الجيني، فالجينية والبوذية خرجت أثناء ذلك، فبرز المذهب البوذي وانضم له عدد كبير من الهندوس، وانضم عدد كبير آخر إلى المذهب الجيني. أما العصر الذي يليه فهو العصر الويدي الثاني يأتي بعد عصر الضعف الهندوسي، وذلك بعد أن رأى كثير من البراهمة ما فعل هؤلاء الثوار في دياناتهم بدءوا يفكرون في إعادة الهندوسية إلى أصلها الأول، فتجمع عدد من البراهمة وأنزلوا أنفسهم إلى درجة عموم الشعب، وقالوا: لا نريد شيئاً اسمه طبقات، لكن الآلهة والأصنام والأرباب لا بد أن تستمر، فبدءوا قليلاً قليلاً يدخلون في هذا المجتمع إلى أن نتج عن ذلك أن الناس بدءوا يعودون إلى الهندوسية مرة أخرى، وأخرجوا شروحات للويدا فيها سهولة في التفسير، وابتعدوا عن مسألة القسوة فيما يرتبط بالتشريع ضد بعض الفرق والعنف وغير ذلك، فتقبل الناس هذه الهندوسية المعدلة أو المجددة، وهذا العصر بدأ قبل الميلاد بثلاثمائة سنة، أو بمائتين أو بمائة وخمسين سنة حسب الآراء، طبعاً ليس هناك تاريخ ثابت، لكنهم يقولون: إنه قبل الميلاد أو قريباً من الميلاد حدثت هذه الحركة، ويقولون في مقولة أخرى: إن هذا العصر الذي هو عصر النهضة الهندوسية بدأ بظهور المسيح، فعندما ظهر المسيح وبدأت النصرانية تنتشر في أصقاع الأرض، بدأ الهندوس يستفيدون من الديانة النصرانية ويضيفون على دياناتهم، فأعطوها نوعاً من التجديد ونوعا من التغيير فتقبلها الناس. إذاً: العصر الويدي الثاني أو عصر النهضة كثير من العلماء يقولون: إنه لم يبدأ إلا بعد الميلاد بفترة يسيرة عندما تأثرت الهندوسية بكثير من القضايا النصرانية وخاصة التثليث، فعند الهنود كما سنعرف فيما بعد كثير من القضايا العقائدية التي تشابه تماماً ما عند النصارى، وهذا يؤكد هذا الرأي.

الطور الرابع عصر انتصار الهندوسية والقضاء على البوذية

الطور الرابع عصر انتصار الهندوسية والقضاء على البوذية أما العصر الذي يليه فهو عصر انتصار الهندوسية والقضاء على البوذية، ونستطيع أن نقول: إنه عصر امتد إلى زماننا هذا، ولم تضعف الهندوسية فيه إلا قليلاً إبان الفتح الإسلامي، فظهرت الهندوسية وطردت البوذية من بلادها، وتجمع الهندوس في قيادات موحدة وحرب مركزة، وضغطوا على البوذيين ضغطاً قوياً فطردوهم من بلادهم، ثم بدءوا يركزون في مسألة نشر الهندوسية في أرجاء العالم، فبدأت ترسل الدعاة إلى ماليزيا وإلى إندونيسيا وإلى بنجلادش وإلى كشمير وإلى باكستان، بل وذهبوا إلى أوروبا وإلى أمريكا، فكان لهم دور في بروز الهندوسية مرة أخرى، وهذا كله قبيل ظهور الإسلام. ولذلك عندما تقرءون المعارك التي قادها المسلمون ضد هؤلاء الهندوس، تجدون أن الهندوس كانوا يحشدون قوات ليست باليسيرة، والسبب في ذلك قوتهم وتكاتفهم، لكن المسلمين ولله الحمد كانوا أقوى منهم فاستطاعوا أن يدمروهم.

الطور الخامس عصر دخول الإسلام وتراجع الهندوسية قليلا

الطور الخامس عصر دخول الإسلام وتراجع الهندوسية قليلاً أما العصر الأخير من عصور البراهمة فهو عصر دخول الإسلام وتراجع الهندوسية قليلاً. ففي عصر دخول الإسلام أوكل الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي المعروف إلى الحجاج بن يوسف أن يرسل الجيوش للتقدم شرقاً، فعين الحجاج بن يوسف محمد بن القاسم الثقفي ذلكم الفتى الشجاع، وهو قريب له قائداً لجيش ضخم واتجه هذا الجيش وافتتح شمال الهند، واستطاع أن يفتح أجزاء كبيرة من باكستان وشمال الهند بعد معارك ضارية، ثم توقف الفتح الإسلامي عند هذا الحد، وبعد ذلك بحوالي مائتين سنة أو أكثر جاء أحد الزعماء المسلمين من الدولة الغزنوية وهو محمود بن سبكتكين الغزنوي وهو رجل معروف بجهاده وقوته في دين الله سبحانه وتعالى، وكان وقته قريباً من سنة 400 أو 390 للهجرة، هذا الرجل اتجه بحروبه إلى القضاء على الهندوسية، واتجه للقرى والمدن والهجر والمعابد يدمرها قرية قرية، ومدينة مدينة، وفعلاً كتب الله له الانتصارات المتتابعة إلى أن استطاع أن يدخل وسط الهند، وكان من ضمن ما فعله رحمه الله أنه دمر أكبر معبد من معابد هؤلاء بعدما دُمِّر معبد الملتان، فهناك معبدان مشهوران في الهند، المعبد الأول: معبد الملتان وقد قضى عليه محمد بن القاسم، وهناك معبد اسمه معبد سومناه، وهو معبد ضخم جداً يقع في أواسط الهند استطاع أن يدمره محمود بن سبكتكين، وكان على هذا المعبد 1000 كاهن يقومون بخدمة الصنم الموجود فيه، والزوار الذين يأتون إليه سنوياً يعدون بعشرات الملايين، وكان فيه من الكنوز والأموال والذهب الشيء الذي لا يمكن أن يحصى، وكان في مدينة حصينة جداً، فضغط محمود ضغطاً عجيباً، وكان قد قال له بعض الكهان: إنك لا تستطيع فتح هذه المدينة فهي محمية، فأصر على أن يفتحها، وحاصرها إلى أن دمرها وفتحها، واستطاع في هجمة واحدة أن يقضي على 50000 جندي هندوسي لقوته رحمه الله، إلى أن دخل هذا المعبد، ثم دخل عند الصنم، وكان مثيراً في شكله، كله ذهب ومعلق في الهواء، يعني: ليس على قاعدة ولم يعلق بحبال ولا غير ذلك، فاحتاروا فيه، بل يقول البعض: إن كثيراً من الجند الذين فيهم ضعف في إيمانهم أصابتهم الرهبة الشديدة من هذا الصنم؛ لأنه ضخم جداً ومعلق في الهواء، ما معنى ذلك؟ معنى ذلك: أن لديه قدرة أن يقف بهذه الصورة. فقال محمود: ابحثوا إن كان معلقاً بحبال غير مرئية واقطعوها، فأخذ أحدهم سيفه وطلع ورقى بطريقة معينة عليه وأراد أن يقطع الحبال فلم يجد حبالاً، فما عرفوا هذه الطريقة، لكن محمود رحمه الله قال: أنا أتوقع أن هناك خدعة، فحكماء الهند يستطيعون أن يخدعوا الناس، اذهبوا إلى قبة هذا الصنم، فقد كان الصنم في معبد عليه قبة ضخمة، قال: واقلعوا جزءاً من اللبن الموجود على سطح القبة واحفروها، فحفروا وحفروا إلى أن أخرجوا اللبنة الأولى والثانية والثالثة ثم بدأ يتحرك الصنم، ويميل يميناً قليلاً قليلاً، فاستمروا في قلع اللبن حتى سقط الصنم؛ لأنه كان هناك أحجار مغناطيسية موضوعة على قبة الصنم، وهذا الصنم كان مغطى بغطاء داخلي من حديد، وعليه غطاء خارجي من ذهب، فوضعوه بشكل متوازن، بحيث لا يرتفع ولا يسقط، فعندما أبعدت هذه اللبنات سقط هذا الصنم. بعد أن جاهد في الهند محمود سبكتكين نشر الإسلام، فدخل تحت الحكم الإسلامي عدد كبير من الحكام الهنود، بل وكثير من الهندوس دخلوا في الإسلام، واستمر هذا الأمر فترةً من الزمن حتى ضعفت الهندوسية إلى أقصى درجة، لكن كان هناك فئات حافظت على نفسها وكانت في مدن حصينة أو بعيدة ونائية، أو في غابات ومعها كتابها المقدس، تنتظر فرصة الظهور، وعندما كانت الهند تحت الاستعمار الإنجليزي، قام الهندوس والمسلمون باتحاد لضرب الإنجليز، وفعلاً كاد الإنجليز أن يخرجوا من الهند نتيجة الضربات المتوالية، لكنهم قالوا: إن المسلمين الهندوس مختلفون في العقيدة، فلم لا نضرب بعضهم ببعض؟ وفعلاً ضربوا بعضهم ببعض، فقد أصلوا في الهندوس قضية أن الإسلام كذا وكذا وكذا، وبدءوا يشوهون صورته عند الهندوس، ويقربون الهندوس ويعطونهم الوظائف والعطايا المتواصلة والمتتابعة، وبذلك استطاع الإنجليز شراء الهندوس، فبدأ الهندوس يضربون المسلمين، وبدأ الإنجليز يدعمون الهندوس ويجعلونهم يتكاثرون، وكلما رزق أحدهم بولد أو غير ذلك أعطي مالاً حتى يكثر هؤلاء على حساب المسلمين، فكل من هجم أو ضرب مسلماً أو قتله فإن المسلم مهدور الدم ليس له قيمة، وأقيمت المجازر العجيبة اعتباراً من القرن الثامن عشر والتاسع عشر وأوائل القرن العشرين، فاستطاعوا أن يقلصوا عدد المسلمين بعد أن كانوا يشكلون الثلثين، فاستطاعوا أن يقلصوهم إلى أن وصل عددهم الآن (15%)، يعني: كانوا قبل ذلك يصلون إلى (70%)، أما الآن فإن العدد (15%) أو أقل، وهذا بسبب جهود هؤلاء الإنجليز في دعمهم للهندوس. والإنجليز عندما أبرزوا الهندوس وأظهروهم ظهروا منظمين ومرتبين ومعهم كتابهم الويدا، الذي يحتوي على نفس نظام الطبقات ونظام الآلهة والأصنام وغير ذلك، فأعادوا كل شيء إلى مكانه، مع تطورات هم رأوها مناسبةً عندما كانوا في وقت انحسار إبان الفتح الإسلامي. فخرجت الهندوسية الآن قويةً متمكنة لديها إمكانات ليست باليسيرة، وعدد هائل من الجند والقوات والعتاد والمنعة وغير ذلك، وجهود ليست باليسيرة في سبيل نشر دعوتها في جميع أرجاء الأرض.

سبب بقاء الديانة الهندوسية وعدم اندثارها

سبب بقاء الديانة الهندوسية وعدم اندثارها ما هو السبب الذي جعل الهندوس يبقون على دينهم؟ لماذا لم يندثر دين الهندوسية على مر العصور مع كثرة الضربات المتتابعة عليه؟ السبب في ذلك يعود إلى أن الهندوس لديهم ديانة متكاملة بصرف النظر عن أنها سيئة أو غير سيئة، فهي ديانة متكاملة، وعندهم عقائد مرتبطة بالألوهية والربوبية والنبوات والإلهيات والغيبيات والتنظيم الفقهي وتنظيم المجتمع والأحوال الشخصية، كل هذه القضايا موجودة عند الهندوس، وبالتالي بقيت عقيدتهم، فالعقائد التي تزول هي العقائد التي لا توفي بحاجة المجتمع، فإنه إذا جاءت عقيدة ناقصة تجاه مسألة تهم المجتمع فإن هذه العقيدة سرعان ما تتلاشى، فبقيت هذه الديانة لهذه الأسباب. كما أن من أسباب انتشارها أنهم كانوا يستغلون التجارة بالدعوة إلى المذهب الهندوسي، بل وجد في العصر الويدي الثاني مجموعة من الزعماء الذين حثوا التجار على الانتشار في بقاع الأرض، وخاصة في شرق آسيا لنشر الهندوسية، ولذلك انتشرت في إندونيسيا انتشاراً ليس باليسير، وفي ماليزيا كذلك. ومن ضمن الأسباب التي جعلت الهندوسية تنتشر: الكثرة الكاثرة من الهندوس في الهند، فالهند بلد ليس بالكبير جداً، فبدءوا يتضايقون من هذا الازدحام، وبالتالي حاولوا أن يبتعدوا عن هذا الازدحام إلى مناطق أخرى، فصارت هجرات متتابعة إلى إندونيسيا وماليزيا وشمال الهند في كشمير وبورما وبنجلادش وهجرات إلى أوروبا وأمريكا الجنوبية، فنقلوا مع هذه الهجرات الديانة الهندوسية، وهي موجودة إلى الآن في تلكم الدول، ولها دعاة وتنظيم ليس باليسير. هناك إحصائية في الحقيقة ذكرتها الشرق الأوسط، وهي إحصائية لا يستند عليها ولا يعتمد عليها باعتبار أن هذه الجريدة من الجرائد المشبوهة على الرغم من انتشارها، فقد ذكرت هذه الجريدة نسب الديانات في الهند كما يلي: (75%) هندوس، و (13%) مسلمون، و (2. 5%) أو (2%) سيخ، و (4%) مسيحيون، والبوذيون يشكلون (1%)، اليانيون أو الديانة اليانية تشكل أقل من (0. 5%).

أصل الديانة الهندوسية

أصل الديانة الهندوسية هل للهندوسية أصل سماوي؟ يعني: هل الدين الهندوسي يرجع إلى ديانة سماوية، يعني: مثلاً الإسلام دين سماوي، واليهودية دين سماوي، والمسيحية دين سماوي، والمجوسية على أرجح الأقوال أنها دين سماوي، فهل الهندسية دين سماوي؟ هناك أربعة آراء حول هذه المسألة:

الرأي الأول أصل الهندوسية دين إبراهيم

الرأي الأول أصل الهندوسية دين إبراهيم الرأي الأول: يقولون: أنها دين سماوي، لكنه حرف وغير وبدل فنسخ تماماً، فهي لها أصل من دين سماوي، قالوا: إن الديانة الهندوسية تسمى الديانة البرهمية، نسبة إلى براهمة، وبراهمة هذا هو إبراهيم عليه السلام، والآريون الذين جاءوا من النمسا والمجر، عندما جاءوا إلى الهند مروا في طريقهم بالعراق وإيران، وهذه مناطق تواجد ديانة إبراهيم، ووصلوا إلى الهند ومعهم ديانة إبراهيم أو جزء منها، وجزء من صحف إبراهيم، فنشروها وأضافوا إليها، وجعلوا بداية الويدا هي صحف إبراهيم، وأضافوا على هذه الصحف عدداً كبيراً من الأشياء فنتج لنا كتاب الويدا. إذاً: نظرة هؤلاء: أن الديانة ديانة سماوية، بل وإنها ترجع إلى الحنيفية، ولكن دخلها الخلل فيما بعد. طبعاً الذين قالوا بهذا القول هم أناس ممن يسمون بدعاة التقارب بين الأديان، فهناك الآن في الهند تجمع قوي جداً اسمه التقريب بين الهندوسية والإسلام، كما هو موجود في التقريب بين الشيعة والسنة، والتقريب بين النصرانية واليهودية والإسلام، ففي الهند التقريب بين الهندوسية والإسلام، ومن بعض تقريبهم قالوا: إن الإسلام هو ديانة إبراهيم، والهندوسية ديانة إبراهيم، إذاً: المرجع واحد والأصل واحد وبقي الفروع، والفروع هنا من الممكن أن نتفق عليها، أو أن نوجد حلاً وسطاً تجاهه. ويستدلون ببعض القصص الموجودة في الويدا، والتي هي موجودة في التوراة والإنجيل والقرآن، خاصة ما يرتبط بنزول آدم إلى الأرض، وما يرتبط بطوفان نوح، وما يرتبط بإهلاك بعض الأمم، يقولون: بما أنها موجودة في الويدا، إذاً: كتاب الويدا من أصل سماوي ابتداءً، بصرف النظر عما أضيف عليه وعدل فيه.

الرأي الثاني الهندوسية ديانة وثنية صرفة

الرأي الثاني الهندوسية ديانة وثنية صرفة الرأي الثاني: إنها ديانة وثنية أرضية صرفة، ولا تمت إلى الديانات السماوية بصلة، وهؤلاء هم أكثر علماء الملل، ويقولون: إن الواقع يبين ذلك، فإن الآريين جاءوا ومعهم أصنام، والهنود القدماء كانوا يعبدون الأصنام، فضمت هذه الأصنام إلى بعضها البعض، فأصبحت هي الآلهة التي تعبد، ولم نجد تغيراً في الديانة الهندية على مر عصورها من الوثنية إلى جزء من التوحيد، مما ينبئ على أن الديانة الهندوسية ديانة وثنية صرفة من بدايتها إلى وقتها الحاضر، ولم يطفُ عليها التوحيد بأي صفة من الصفات وبأي صورة من الصور، وهذا الرأي قوي، وربما يعتبر من أقوى الآراء.

الرأي الثالث الهندوسية كانت وثنية ثم انتقلت إلى التوحيد

الرأي الثالث الهندوسية كانت وثنية ثم انتقلت إلى التوحيد الرأي الثالث: إنها كانت وثنية ثم انتقلت إلى التوحيد، ثم انتقلت إلى الوثنية مرة أخرى، وهؤلاء ليس لهم دليل على دخول التوحيد؛ لأنهم لا يستطيعون أن يأتوا لنا بفترة التوحيد التي يقصدونها؛ فإننا إذا أخذنا الويدا وجدنا فيه مجموعة كبيرة من الأصنام، وهو الكتاب الأول، وإذا أخذنا واقعهم الحالي وجدناهم يعبدون الأصنام. إذاً: بداياتها أصنام ونهاياتها أصنام، فهل الوسط يكون توحيداً؟! ليس لهم دليل. إذاً: هذا قول ليس مؤكداً، وبالتالي يقف أمامه الإنسان ولا يعقله ولا يعترف به.

الرأي الرابع التوقف

الرأي الرابع التوقف الرأي الرابع: وهو السكوت عن هذه المسألة، ويقولون: ليس لدينا الدليل القوي على أن لها أصلاً سماوياً، وبالتالي السكوت هو الأولى، لكن نحن نحكم بالظاهر، أما قضية الأصول فالديانة لم تدون أصولها، وبالتالي لا نستطيع أن نحكم عليها، وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن ذلك، فقال: الله أعلم حول أصل هذه الديانة، لكن الظاهر لنا: أنهم وثنيون ويعاملون بحسب ظاهرهم، أما القديم فالله أعلم به، وبالتالي أن نسكت عن هذا الأمر هو الأصل، ولا نقول: إن لها أصل سماوي أو ليس لها أصل سماوي.

طبقات المجتمع الهندوسي

طبقات المجتمع الهندوسي لابد أن نعرف جميعاً أن الهندوس في الجملة يسيرون على نفس تيار المذاهب الأخرى والمناهج الأخرى في إيجاد طبقية داخل مجتمعهم، يعني: لا تكاد تجد ديانة إلا وفيها طبقية، فالمجتمع يقسم إلى طبقات، فاليهودية هي طبقات في عموم القبائل البدائية، كذلك عند الهندوس وعند النصارى وعند السيخ طبقية موجودة معروفة. أما الإسلام فليس به طبقية إلا عند الجهلة من المسلمين؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]، والمصطفى صلى الله عليه وسلم أوضح لنا ذلك، قال: (لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأسود على أبيض ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى)، فالمسألة هنا مبتوت فيها وهي: أن التقوى مقياس العمل ومقياس الطبقية، فكلما كان الإنسان أكثر تقى كان أرفع من غيره، أما الطبقية بالنسبة للون أو الجلد أو الجاه أو المال أو الحسب أو النسب أو غير ذلك فهي ليست موجودةً في الإسلام، لكن عندما دخل التحريف لبعض قضايا الإسلام وخاصة فيما يرتبط بالأنساب وغيرها، وجدت هذه الطبقية، فهذا منزلته عالية وهذا أقل، هذه ليست من الإسلام في شيء، إنما ظهرت عندما انتشر الجهل، فإذا قل الجهل زالت هذه القضايا. ينقسم الهنود إلى أربع طبقات: الطبقة الأولى: طبقة البراهمة. والطبقة الثانية: طبقة الكشتري. والطبقة الثالثة: طبقة الويشا. والطبقة الرابعة: طبقة الشودرا. إذاً: هذه الطبقات سنستعرضها بإيجاز لنعرف فحوى كل طبقة.

الطبقة الأولى طبقة البراهمة

الطبقة الأولى طبقة البراهمة الطبقة الأولى: البراهمة وهم الآريون الأول، أو يسمون أنفسهم بالمختارين أو النبلاء، فأول ما جاءت الآرية إلى الهند، وجدوا أنهم سيندمجون وينطوون تحت مجتمع في عمومه ويذوبون، فجعلوا لأنفسهم تميزاً فأعطوا لأنفسهم اسماً مستقلاً هو اسم البراهمة أو الطبقة النبيلة أو الطبقة المختارة أو الطبقة الآرية أو غير ذلك، ووقد ورد في قوانينهم المانو سميرتي حقوق هذه الطبقة، ومنها: من حقوق هذه الطبقة على الملك ألا يبغض البراهمة، حتى ولا في أوقات المصائب؛ لأنه إن فعل ذلك أباده البرهم، إما بجيشه أو مراتبه. إذاً: البرهمي له قدرة عجيبة حتى على إبادة الجيش؛ لأنه هو المختص أو المرتبط بالله. ويقولون: إن الطبقات الأربع خلقها براهمة وهو الإله الأقوى عندهم، فالبراهمة خلق الطبقة الأولى من رأسه ووجهه، وخلق الطبقة الثانية من كتفيه وعضديه ويديه، وخلق الطبقة الثالثة من فخذيه، لاحظوا الفرق في المسافة بين الفخذين واليدين، وخلق الطبقة الرابعة من قدميه، فيقولون: إن هؤلاء خلقهم براهمة من رأسه ومن وجهه، وهو أعظم ما في الإله، وبالتالي فهم في القمة، يقولون كذلك: وكيف ينجو من الهلاك من يغضب ذاك الرجل الذي جعل النار تهلك كل شيء، وجعل ماء البحار أجاجاً غير مشروب، وأنقص القمر وزاده. إذاً: البراهمة لهم القدرة كذلك على التصرف في أمور الكون! لاحظوا الهالة التي يريدون أن يضفونها على أنفسهم، وهي موجودة إلى الآن، يعني: لا تتوقعوا أن القضية قديمة، بل إنه إلى الآن الطبقية موجودة في الهند، ولذلك أحياناً تدخل بعض المدن فتجد رجلاً يملك آلاف الفدانات من الأراضي والقصور وغير ذلك، وتجد أناساً بجانبه في الشوارع يغتسلون من مياه المجاري ويأكلون من فضلات الطعام، وهذا بسبب الطبقية؛ لأنه فرض على هؤلاء -يعني: على الطبقة الأخيرة- كما سنعرف بعد قليل أنه لا يأكلون إلا من الفضلات، حتى إن بعضهم لا يأكل إلا من الفضلات تديناً. وقد قال أحد الإخوة: في يوم من الأيام سافرت إلى الهند لعمل، فسكنت في فندق من الفنادق يقول: وقرب الفجر قمت من النوم، فسمعت ضجة وكلاماً فنظرت من النافذة وإذا بصف من الناس لا ترى له طرفاً، فسألت الاستعلامات: من هؤلاء؟ فلم يخبرني، فبحثت حتى أخبرت بالسبب، قال: هؤلاء يجلسون الصفوف على فضلات الفندق، أي: كلما عبأ الفندق كيساً أو زبالة فيها شيء أخذها مجموعة يتقاسمونها إما ستة وإما خمسة، بحسب الاتفاق بينهم، وهذا الكيس إما أن يكون فيها أكل أو ليس فيها أكل، المهم أنهم يتقاسمون ما فيها أياً كان هذا الشيء، يقول: وكان هناك بجانب الفندق عدد كبير من القصور الضخمة، يقول: سألت أصحاب الفندق: لمن هذه القصور؟ قال: هذا قصر الكاهن، وهذا قصر المشرف على المعبد، وإذا كلهم داخلون تحت تصنيف البراهمة. يقول: وكيف يفلح من يؤذي ذلك الرجل الذي يستطيع أن يخلق عالماً آخر وآلهة يحفظونه؟ فانظروا يخلق هذا الرجل عالماً آخر ثم يخلق إلهاً يحفظه، يعني: يخلق إلهاً ليحفظه هو، وهذه من الأمور التي تضحك، باعتبار أنه هو الذي يخلق إلهاً، وهو الذي يستطيع أن يغير الأماكن العالية، ويستطيع أن يجعل إله القمر إله الشمس، ويغير إله الشمس إلى إله النجوم بحسب مزاجه ورأيه. فمن جاء بإيذاء للبرهمي فإنه سيتعرض لجملة مسائل من ضمنها قصر العمر، وقضايا كثيرة جداً. نحن قلنا: إن هؤلاء الآريين ميزوا أنفسهم أولاً بالصفة المعنوية أي: نحن ونحن ونحن، ثم الصفة المادية، إذ أرادوا أن يضفوا على أنفسهم صفات مادية معينة، فأي مال يكتسبه أحد أفراد الطبقة المنبوذة فإن للبرهمي الحق في الاستيلاء عليه حلالاً؛ لأن هذا رقيق ولا يمكنه أن يملك شيئاً، وإذا تعرض البرهمي إلى سب من الطبقة الرابعة فإنه يقطع لسانه، وإذا تعرض البرهمي لمناداة باسمه الصريح فإنه يقطع لسان من تعرض له، وإذا تعرض البرهمي إلى إيذاء في الطريق قطعت رجل الذي آذاه، بل يقولون: حتى لو وضع الشودري زنبيلاً أو ورقة في طريقه قطعت رجله، أي: الشودري هذا. إذاً: مجمل هذا الكلام يبين أن البراهمة الذين هم الآريون الأصليون الاستعماريون أرادوا أن يضفوا على أنفسهم هذه الهالة. إذاً: معنى هذا: أن المستعمر في الجملة يريد أن يفرض نفسه، وهذه قضية ليست عند الآريين فقط، بل هي عند اليهود الذين استعمروا فلسطين، بل عند المستعمر القديم الإنجليزي أو الفرنسي الذي استعمر البلاد العربية، يريد أن يفرض نفسه بهذا الأمر. فالطبقة الأولى هي طبقة البراهمة، وهي الطبقة التي يدعي أصحابها أنهم خلقوا من رأس الإله الذي هو براهما، ويقولون كذلك: إنه خصص لهم عمل وهو إدارة المعابد وتقديم القرابين وتلاوة الويدا وقراءته في المعبد، واستقبال الناس في المعبد وأخذ القرابين منهم، طبعاً الاستفادة منها فيما يخصهم هم، وكل من تعرض لهم بسوء فإنه يعاقب بعقوبات أضعاف أضعاف ما تعرض من السوء أياً كان الذي تعرض له، والبرهمي الصغير الذي يبلغ من العشر سنوات يعادل عشرات من الكشتر الذين يلونهم، حتى ولو كانوا كباراً، وحذاء البرهمي يعادل المئات من الطبقة الأخيرة الشودر وهناك نقطة استغلها بعض الهنود هناك، وهي أن المنبوذين يشكلون حوالي 70 إلى 80 مليون نسمة في الهند الآن، فالمسلمون الذين هم هناك استغلوا هؤلاء المنبوذين، فقالوا: انظروا هؤلاء هم أعيانكم لا يسمح لكم بقراءة الكتب المقدسة، ولا يسمح لكم بتكليمهم أو التحدث معهم أو مناقشتهم أو أو بل يهينونكم ويذلونكم وغير ذلك، وهذا جعلهم فعلاً ينفرون، فعندما عرض عليهم الإسلام استجابوا، ولذلك كثيراً ما تدخل قرى بأكملها في الإسلام نتيجة لذلك.

الطبقة الثانية الكشتري

الطبقة الثانية الكشتري الطبقة الثانية: هي طبقة الجند المحاربين وهي طبقة الكشتريين، هذه الطبقة مهمتها أنها تحمي البلاد من الأعداء، وهذا في الظاهر، لكن الأصل أنها تحمي البراهمة من أن يعتدى عليهم، ولذلك تجدهم دائماً حراساً للبراهمة، وتجد كل برهمي معه أربعة أو خمسة أو ستة يسيرون معه لحمايته. يقولون: إن الكشتري خلقه براهما من ذراعيه ومن كتفيه. هؤلاء الكشتر بدءوا يحاولون أن يفرضوا أنفسهم، يعني: بقوة السلاح فهم قريبون من منطقة الخلق من اليدين كما يقولون وهؤلاء من الرأس، ففي هذه الحالة يمكن أن نثور على البراهمة، وفعلاً حصلت عدة قضايا فيها ثورة على البراهمة من قبل الكشتر، ولكن البراهمة كانوا ينفقون على الكشتر أموالاً ضخمة جداً يترتب عليها أنهم يرضون عما هم فيه من تدني الدرجة.

الطبقة الثالثة الويشييون

الطبقة الثالثة الويشييون الطبقة الثالثة: الويشييون: وهم طبقة الزراع والصناع والتجار، وهؤلاء الذي خلقوا -كما يقولون- من فخذ براهمة، ومهمتهم تقديم الخدمات المحترمة للطبقة الأولى والثانية، للكشتر وللبراهمة، كالزراعة والتجارة والصناعة والأعمال اليدوية الشريفة وغير ذلك، لكن ليس لهم الحق في قراءة الويدا أو سماعه أو دخول المعابد إلا في أيام مخصصة ولمعابد معينةً فقط.

الطبقة الرابعة الشودريون

الطبقة الرابعة الشودريون الطبقة الرابعة طبقة الشودريين المنبوذين وهم الخدم والعبيد، فهؤلاء خصص لهم الأعمال الدنيئة كأمثال الكنس والتغسيل وتنظيف المجاري وتنظيف كذا، خصص لهم عمل دنيء في عرف هؤلاء الهندوس، وهذا الشودري إذا مر البرهم من الطريق لابد أن يجلس، أو إذا مر البرهم من الطريق إن لم يجلس لا بد أن يلتفت إلى الوراء، يعني: لا يريه وجهه حتى لا يتضايق البرهمي من وجه الشودري، وكذلك ليس من حق الشودري أن يأخذ مالاً أو يستخدم متاعاً وللبرهمي أن يأمره أن ينفذ كل شيء، وللبرهمي أن يقدمه قرباناً لبعض الأصنام التي لا ترضى إلا بدماء البشر، وقضية الإهانات التي يقوم بها الشودري ضد البرهمي كبيرة جداً، منها: إذا تكلم عليه قطع لسانه، وإذا مد يده قطعت يده، وإذا أهانه فعل به كذا وكذا، حتى لو قرأ الشودري الويدا صب في فمه الرصاص وفي أذنيه إلى أن يموت، وهذا أمر عجيب إذ إن الشودريين هم سكان الهند الأصليين، وأما البقية فيقال: إنهم من الآريين، أو ممن جلبهم الآريون معهم أثناء هجراتهم المتتابعة إلى الهند. إذا قال قائل: ما الذي جعل النظام الطبقي في الهندوس عنيفاً جداً وقاسياً للغاية؟ ف A أن هؤلاء البراهمة لكي يعطوا هذه الطبقية قوة قالوا: أيها الشودري إذا كنت ممتازاً في خدماتك ورائعاً في التزاماتك لمن هم أعلى منك، فإنك إذا مت فإن روحك ستنتقل إلى طبقة أعلى من طبقتك، وهذا مبدأ الحلول والتناسخ كما سنعرفه في الدرس القادم. قالوا: ستنتقل إلى درجة أعلى؛ ولذلك تجده يستميت في خدمة الطبقات الثلاث، حتى إذا مات انتقلت روحه إلى طبقة أعلى إلى درجة الكشتر، لكنه لا يصل إلى البرهمي حتى ولو تكرر الموت عدة مرات. وانتشرت عندهم قضية توارث العمل، أي: إذا كان هذا الرجل رجل زراعة، فإن أبناءه لا يمكن أن يستعملوا إلا في الزراعة، وإن كان الرجل كناساً للشوارع فإنه لا يمكن أن يأتي أبناؤه بوظيفة إضافية إلا كنس الشوارع، وبهذا المنهج استطاعوا أن يحددوا مسار الأعمال، فهناك قبائل معروفة مهمتها كنس الشوارع، وقبيلة كاملة تجدهم في الجيش، وقبيلة كاملة مهمتها الزراعة والتجارة، وهذا يعني حصر العمل وجعلوه ينتقل بشكل وراثي حتى لا تتداخل المهام فيفقدون السيطرة بعد ذلك.

الأسئلة

الأسئلة

القول الخامس في كون الديانة الهندوسية سماوية أم لا

القول الخامس في كون الديانة الهندوسية سماوية أم لا Q ما هو القول الخامس في كون الديانة الهندوسية سماوية أم ليست سماوية؟ A القول الخامس ذكره أبو ريحان البيروني في كتابه تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة، ويقول: إن الناس ينقسمون إلى قسمين: فالعامة يعيشون على الجانب الوثني، والخاصة يعيشون على جانب التوحيد، وهذا القول مردود ليس بصحيح، باعتبار أن الواقع يرده والكتابان اللذان للهندوس يردانه كذلك.

فرقة السيخ وأصلها

فرقة السيخ وأصلها Q هل السيخ فرقة من الهندوسية أم لا؟ A السيخ من الفرق التي ليس لها دراسات للأسف الشديد؛ فهي عبارة عن فرقة ظهرت لتجمع بين الهندوسية والإسلام، فأخذت من الإسلام شيئاً ومن الهندوسية شيئاً ومن البوذية شيئاً، وأخرجوه لنا على أنه ديانة مستقلة، ولذلك عند الهندوس آراء تجدها عند المسلمين، مثل تحريم حلق اللحى مثلاً، فإن تحريم حلق اللحى عند الهندوس أمر ثابت ويتخذونه ديناً لهم، بل ويتفوقون علينا في ذلك، فتجد الهندوسي ملتح باستمرار، ولذلك إذا رأيت هندياً ملتحياً فاعرف أنه هندوسي أو يغلب عليه الظن أنه هندوسي باعتبار أن ديانتهم تفرض عليهم هذا الأمر.

التعريف بتيار التاميل في سيرلانكا

التعريف بتيار التاميل في سيرلانكا Q هل تيار التاميل في سيرلانكا من الفرقة الهندوسية أم لا؟ A التاميل: قبيلة من القبائل كانت موجودة قديماً في جنوب الهند، وعندها تواجد قوي في سيرلانكا، هذه القبيلة تختلف أديانهم، فهم بوذيون وهندوس وجينيون، لكنهم إنما يسعون الآن للحرب التي تعرفون، ويهدفون إلى إنشاء دولة مستقلة فقط، أما ديانتهم ففي الغالب أنهم يدينون بالديانة الهندوسية، وسنعرف فيما بعد إن شاء الله أن الهندوسية تنقسم إلى آلاف الفرق، بل أوصلها البعض إلى مئات الآلاف من الفرق، إذ ليس هناك اتفاق بين الهندوس على مبدأ واحد أو هدف واحد، بل قد ترى هندوسيين اثنين، هذا من منطقة وهذا من منطقة، وتجد أن دين هذا يخالف دين هذا، واعتقاد هذا يخالف اعتقاد هذا؛ لأنها ديانات وضعية بشرية تعتمد على التوجه البشري.

المصائب التي جرها الهندوس على المسلمين

المصائب التي جرها الهندوس على المسلمين Q هل المصائب التي في كشمير من الهندوس أم من السيخ؟ وهل هناك تعاون بين السيخ والهندوس؟ A أما المصائب فهي من الهندوس وليست من السيخ، الهندوس هم الذين يركزون على كشمير لجعلها دولة هندية مع دولتها الأم الأصلية، أما السيخ فلهم دور في حرب الإسلام والمسلمين لكنه لا يمثلون شيئاً بالنسبة لدور الهندوس، وهناك تعاون بين السيخ والهندوس في جانب حرب المسلمين، لكن بينهم خلاف قوي كذلك؛ باعتبار أن السيخ يطالبون بدولة مستقلة استقلالاً ذاتياً في البنجاب، والمعارك تقوم بين فينة وأخرى، والتفجيرات مستمرة والقتل مستمر بالنسبة لهؤلاء؛ نظراً لحرص السيخ على فرض ديانتهم على الهند، وجعلها مستقلة استقلالاً ذاتياً في مقاطعة لهم.

أسباب التعرف على الديانة الهندوسية

أسباب التعرف على الديانة الهندوسية Q كيف يمكن الاستفادة من هذه المعلومات في دعوة الهنود، أي: لماذا نتعلم هذه الديانة؟ A أنت تتعلم هذه الديانة لتعرفها أولاً، ثانياً: لأنك تعايش الهندوس في كل مكان، فالهندوس عندنا في كل مكان: في المحطات في البوفية في البقالات في المحلات في كل الشبكات يوجد فيها هندوس، ولكنك لا تعرف بماذا يدين، وقد وجدت في محطة بوذياً فقلت له: أين ربك؟ فأخذ سلسلة من صدره وأخرجها وإذا بها صنم بوذا وقال: هذا هو ربي! قلت: هذا الذي خلقك؟ قال: نعم، هذا إلهك؟ قال: نعم، قلت: ما رأيك لو أخذته وكسرته الآن فغضب، فأنت حينما تعرف الشيء تستطيع أن تناقش من خلال هذه المعرفة.

الموسوعة الميسرة عليها بعض الملاحظات

الموسوعة الميسرة عليها بعض الملاحظات Q ما تقييمكم للموسوعة الميسرة والمآخذ عليها؟ A هذه مسائل انتشرت قبل فترة أن الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة عليها بعض الملاحظات، وقد كتب الشيخ عبد العزيز بن عبد اللطيف نبذةً في هذه الملاحظات، هي كثيرة في الحقيقة لكنه اختصر بعضاً منها، وكتبت في مجلة البيان في عدد من أعدادها، ويمكن أن ترجع إليها ولعلك تستفيد منها.

إطلاق لفظة الآلهة على معبودات الهندوس

إطلاق لفظة الآلهة على معبودات الهندوس Q استخدمت كلمة آلهة، ألم يكن الأفضل استخدام كلمة أرباب؟ A طبعاً لا مشاحاة، هم يسمونها آلهة، فالأحسن أنك تتنزل معهم في تسميتها على حسب التسمية التي يرون.

اختلاف العلماء في معنى افتراق أمة محمد إلى ثلاث وسبعين

اختلاف العلماء في معنى افتراق أمة محمد إلى ثلاث وسبعين Q يقول: (افترقت اليهود إلى واحد وسبعين فرقة، وافترقت النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة)، فهل افتراق أمة محمد صلى الله عليه وسلم لمن ينتسب إلى الإسلام فقط، أو إنها جميع الملل والنحل من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ممن جاءوا بعده، وعلى سبيل المثال: هل جميع فرق الشيعة يعتبرون فرقةً واحدة، أو كل فرقة تعتبر فرقة في حد ذاتها؟ A إن قضية افتراق الأمة الإسلامية إلى فرق ودول ومذاهب، أولاً: لا تستطيع أن تجزم أن هذه الفرقة من الواحد والسبعين. ثانياً: أن الخلاف الآن في هل الافتراق في أمة الدعوة أو أمة الاستجابة؟ فأمة الدعوة عموم الناس بعد محمد صلى الله عليه وسلم إلى أن تقوم الساعة هذه كلها أمة دعوة، وأمة الاستجابة هم الذين استجابوا للرسول صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء الذين استجابوا للرسول صلى الله عليه وسلم انقسموا إلى أقسام، فإننا نقول: الأشاعرة استجابوا للنبي صلى الله عليه وسلم، والمعتزلة استجابوا، والرافضة استجابوا، لكن هل هؤلاء يعدون من الفرق التي كلها في النار إلا واحدة أم لا؟ طبعاً هنا خلاف في هذه المسألة، لكن العلماء يرجعون رءوس الفرق إلى أربعة يقولون: الرافضة والمرجئة والخوارج والمعتزلة، وقيل لأحدهم: والجهمية؟ قال: هذه ليست من فرق الإسلام. إذاً: يفهم من هذا أن المقصود بالافتراق هنا: هو افتراق أمة الاستجابة، واختلفت درجة الاستجابة بالنسبة لهم، نقول: إن هذه الاستجابة ضعيفة أو قوية أو منحرفة أو فيها تحريف أو فيها تغيير، فتخرج بهذا إلى أن الذين يدخلون في تخصيص الفرق التي من الثلاثة والسبعين، هم الذين استجابوا للرسول صلى الله عليه وسلم، ورأس هؤلاء أربعة: الرافضة والخوارج والمعتزلة والمرجئة، وكل فرقة من هذه الفرق تنقسم إلى فرق كثيرة جداً، ففرقة الرافضة ينقسمون إلى أكثر من ثلاثمائة وخمس عشرة فرقة، كما قسمهم المقريزي، وبعضهم قسمهم أقل وبعضهم أكثر، لكن أين هذه الثلاثمائة؟ هذا الله أعلم به؛ لأننا لم نعرف تفصيل الحديث.

دور الاستعمار الإنجليزي في انتشار المسيحية في منطقتي الهند وباكستان

دور الاستعمار الإنجليزي في انتشار المسيحية في منطقتي الهند وباكستان Q ذكرت أن الإنجليز كان لهم دور عظيم وقوي في القضاء على المسلمين والتقليل منهم ونشر الهندوسية، فهل قام المستعمر الإنجليزي بعمل تبشير للمسيحية في منطقتي الهند وباكستان؟ A نعم، قام المستعمر بالدعوة إلى المسيحية بشكل قوي جداً، وقد ذكرت أن تواجد المسيحيين يشكل (4%) من سكان الهند، فإذا قلنا: إن عدد الهندوس الآن 700 مليون، فإن في كل 100 مليون 4 ملايين مسيحي، ولو ضربنا أربعة في سبعة لصار عدد المسيحيين هناك 28 مليوناً مسيحياً وهو عدد ضخم جداً. إن المستعمر الإنجليزي عندما جاء إلى الهند لم يقدموا إلا 200 ألف جندي فقط، ومع ذلك أسفر هذا العدد اليسير من الجند عن إيجاد عدد هائل من المسيحيين يتجاوز الخمسة والعشرين مليوناً، وهذه دلالة على أنهم قاموا بالتبشير خير قيام، لكن في نفس الوقت هناك أناس رفضوا النصرانية، فهل يتركون؟ لا، فإنهم يعملون حلفاً معهم ضد المسلمين، وفعلاً نجحوا في ذلك وجعلوا الهندوس يضربون المسلمين بدعم من المستعمرين، ونتج عن ذلك طرد المسلمين الطردة المعروفة التي نتج عنها الانتشار بين باكستان والهند، وكانت باكستان والهند دولة واحدة، فانتصرت باكستان بعد هذه العملية.

الكفر ملة واحدة

الكفر ملة واحدة Q ذكرت أن الاستعمار البريطاني عندما قدم إلى الهند قاموا بتمكين الهندوس وحمايتهم وتمكين النصر لهم على المسلمين بالرغم من أنهم يختلفون من الناحية العقدية، فهؤلاء نصارى وهؤلاء هندوس، ألا يدل على أن الكفر ملة واحدة، وكل هذه الديانات تتحد في حرب الإسلام؟ A نعم، هذا أمر مفروغ منه، أن ملة الكفر واحدة، وليس هناك تعليق على هذا، باعتبار أن هذا يعلق على نفسه، فملة الكفر واحدة وهدفهم واحد ومنهجهم واحد، ولا خلاف في أن العدو الأول والأخير لهم هو الإسلام.

العلاقة بين من يحمل اسم شودري والطبقة الشودرية

العلاقة بين من يحمل اسم شودري والطبقة الشودرية Q هل هناك علاقة بين من يحمل اسم شودري والطبقة الشودرية؟ A لا أعرف، لكن نسأل شودري باكستاني: ما معنى كلمة شودري عند الباكستانيين، فقد يكون لها معنىً معين لا نعلمه، وأما الطبقة الشودرية فهي الطبقة المنبوذة من الهنود.

العلامات التي تعرف بها الطبقات الهندوسية

العلامات التي تعرف بها الطبقات الهندوسية Q هل هناك علامات مميزة ومعروفة للطبقات الهندوسية؟ A ليس هناك علامات، إلا أنهم يذكرون أن هناك علامة شبه مميزة بالنسبة للطبقة الأولى والطبقة الأخيرة وهو في اللون، فلون هؤلاء يميل إلى البياض ولون هؤلاء يميل إلى السواد، وهذا ليس طبعاً على إطلاقه، فإنهم يقولون: في الآونة الأخيرة حصل بعض الاندماج اليسير ليس كثيراً، وبالتالي بدأ اختلاف الألوان داخل هذا الاندماج، أما معرفة علامات مميزة فإن البرهمي في الهند يلبس لباساً محدداً، بحيث إذا سار في الطريق يعرف أنه برهمي، كما أنه وجد عندنا قديماً هنا قبل سبعين أو ثمانين سنة أن الذين ينتسبون إلى الأشراف في الحجاز وغيرها يلبسون عمامة خضراء، بحيث إذا سار في الطريق يعرف أنه من الأشراف فيقدر ويحترم، أما الآن فتلاشت هذه القضية.

الفرق بين الدين والنحلة والملة

الفرق بين الدين والنحلة والملة Q ذكرت لفظ الديانة الهندوسية، وقد ذكرت في أول درس أن الديانة تطلق على الدين الصحيح، والنحلة: الدين الفاسد، والملة: على الاثنين، فما علاقة ذلك بلفظ ديانة هندوسية؟ A طبعاً نحن نطلقها مثلما قلت من باب التنزل مع الخصم، فنحن نتحدث عنها باعتبار أنهم يسمونها ديناً، وينسبونه ديناً معترفاً به مقراً به، وبالتالي نتنزل معهم عند ذلك. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الهندوسية [2]

الهندوسية [2] الهندوسية ديانة لها اعتقادات وعبادات يقوم بها أفرادها، وتتمثل في صور متعددة منها حرق أجساد الموتى وتناسخ الأرواح وغير ذلك.

الكتب المقدسة عند الهندوس

الكتب المقدسة عند الهندوس الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: أول كتاب عند الهندوس هو الويدا وينطق أحياناً بالفيدا، بالفاء الفارسية التي عليها ثلاث نقاط. وهذا الكتاب هو أبرز الكتب الهندوسية القديمة وأعظمها قداسة عندهم، فهم عندهم مجموعة كبيرة من الكتب المقدسة، لكن أبرزها وأعلاها هو هذا الكتاب، ومعنى هذه الكلمة باللغة السنسكريتية: الحكمة، أي: كتاب الحكمة، هم يسمونه بذلك ولكنه ليس كذلك، بل هو كتاب كفر وشرك. هذا الكتاب أغلب ما فيه عبارة عن قصائد وأناشيد، وهذه القصائد والأناشيد تحتوي في كثير من الأحيان على أحكام الديانة الهندوسية. بدأ الكتاب يبرز إلى حيز الوجود على شكل فقرات أو نقاط اعتباراً من القرن الخامس عشر قبل الميلاد، أي: اعتباراً من عام (1500) قبل الميلاد، ثم تطور شيئاً فشيئاً. وبعد أن اخترعوا الإله براهما في القرن الثامن قبل الميلاد، أرادوا أن يضفوا على هذا الكتاب صفة القدسية، فقالوا: إنه من نطق ومن كلام الإله براهما. والعجب أن هذا الكتاب سبق وجود الإله؛ فبراهما لم يظهر إلا في القرن الثامن قبل الميلاد، والكتاب ظهر قبل براهما بسبعمائة سنة. إذاً: معنى هذا أن الكتاب كان موجوداً قبل إلههم بسبعمائة سنة. ثم من ضمن مزايا هذا الكتاب: أنه لا يحل لهندي أن يحمله ويقرأه إلا البرهمي فقط، أما الكاشتر وهو الجندي الذي يلي البرهمي في الدرجة فله أن يسمع فقط، وأما البقية فلا يجوز لهم أن يسمعوا ولا أن يقرءوا. إذاً: هذا الكتاب محصور فقط في البراهمة، قالوا: إن السبب في ذلك أن الكتاب يمجد العرق الآري تمجيداً عجيباً، والعرق الآري مثلما عرفنا هو المسيطر فيما يرتبط بالهند، سواء في تجاراتها أو في حكمها إلى وقتنا هذا، فالعرق الآري لابد أن يمجد، وتمجيد العرق الآري لا يدخل فيه المنبوذون، ومن حولهم من الطبقات. إذاً: يعطي هذا الكتاب العرق الآري درجة قوية من الرفعة، وبالتالي لهم أن يقرءوا في سيرتهم وفي تاريخهم وفي أخلاقهم، أما غيرهم من الطبقات فليس لهم دخل في ذلك. كذلك من ضمن محتويات هذا الكتاب مجموعة كبيرة من الابتهالات والتضرعات والأدعية لعدد كبير من الأصنام، فتجد أحدهم إذا أراد المطر يدعو إله المطر بدعاء معين، وإذا أراد أن يدعو إله النار يدعو بدعاء معين، ولكل إله دعاء ويدعو إلى كذا هذا الدعاء، وهكذا، فيدعون بأدعية مختلفة لكل صنم من الأصنام. وطبعاً هذا الكتاب له شروح متعددة وكثيرة جداً، كالتفاسير عندنا التي تفسر القرآن الكريم، فهم أخذوا كتاب الويدا هذا وشرحوه بشروح مختلفة، وكل شرح امتاز بمزايا في الطول أو القصر وفي التوسع في نقاط معينة وفي التركيز على قضايا معينة، وأنا معي في الحقيقة مجموعة كبيرة من النماذج، لكن الوقت لا يكفي لعرضها. الكتاب الثاني من ضمن كتبهم المقدسة: مجموعة كتب تسمى كتب الملاحم، هذه الكتب لها دور كبير جداً عند الهندوس، وهي عبارة عن سير ذاتية لأشخاص أسطوريين، هم يقولون: لهم وجود، لكنك لو قرأت كتاباً منها تجد أن هذا الشخص الذي يتحدث عنه ليس له وجود، بل هو عبارة عن شخص أسطوري يتحدثون عن بطولاته وقوته وحياته وعبادته وجلوسه مع أهله ومع أولاده، ليعطوا الهندوسي نموذجاً فاضلاً لشخص فاضل؛ حتى يجعله قدوة، فكما أننا نقرأ في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لنتخذها قدوة، هم يجعلون هذه الملاحم والأساطير؛ لتكون قدوات لأشخاصهم عندما يقرءونها أو يدرسونها. من أبرز هذه الملاحم: ملحمة يسمونها الرامايانا، وهي ملحمة ضخمة جداً عبارة عن ثمانية وأربعين ألف بيت تقريباً في ألف صفحة، فالكتاب عبارة عن (1000) صفحة مضغوطة ضغطاً عجيباً لا تستطيع أن تقرأه إلا بمجهر، الصفحة الواحدة فيها 48 سطراً، والعادة في الصفحة الواحدة أنها تصل إلى عشرين، أو خمسة وعشرين، أو اثنين وعشرين سطراً، لكن الصفحة في هذا الكتاب فيها ثمانية وأربعون سطراً، مضغوطة ضغطاً شديداً، وهذه الرامايانا يقولون: إنها سيرة ذاتية لرجل اسمه راما، ويانا، يعني: سيرة، وهذا الكتاب يعد من أبرز كتبهم. كذلك هناك سيرة لمجموعة من الأبطال فيما يرتبط بالحروب والمعارك، واسم هذه الملحمة المهابهارتا، وهو عبارة عن كتاب معارك؛ ليعطوا الهندوس قدوةً في القوة والشجاعة والبطولة ليتدربوا على البطولة والشجاعة من خلال سير هؤلاء، فتجدهم إذا جاءت معركة يقرءون قبل المعركة من سير هؤلاء، أما إذا كانت القضية ليست بمعركة فإنهم يدرسون سيرة الراما يانا. أما الكتاب الثالث المشهور: فهو المانو سميرتي، وهو الكتاب الذي معي الآن، وهو الوحيد المطبوع باللغة العربية، ويحتوي على جزء كبير جداً من التعاليم المرقمة فمثلاً: في مجموعة حوالي 12 باباً، مثلاً باب: العبادات، فصل: الطقوس والعبادات اليومية، 63: الزواج السافل وترك الأعمال الدينية، وإهمال قراءة الويدا وعدم تعظيم البراهمة، كل أولئك تبعث على انحطاط الأسرة وهكذا. 64: إن مزاولة الصناعات اليدوية والأعمال التجارية إلى آخره. يعني: نقاط كثيرة جداً، يحتوي على أكثر من ثلاثة آلاف نقطة تربوية بالنسبة لهم. وفي هذه النقاط أشياء مضحكة للغاية وفيها أشياء ساقطة للغاية، وفيها أشياء جيدة يثنى عليها، إنما هذا الكتاب هو الكتاب المشهور، ويقولون: إن (مانو) هو أبو البشر، فمعنى اسم الكتاب أي: قانون أبي البشر، يقولون: إن البشر ليس لهم أصل وبداية وليس لهم نهاية على حسب قولهم، لكن يقولون: أبو البشر أي: رجل مشهور في البشر واسمه مانو، وهو الذي أسس لبشريته الذين جاءوا من بعده هذا القانون الذي يسيرون عليه، وسوف نقرأ نصوصاً من هذا الكتاب بعد قليل إن شاء الله.

مواقف الهندوسية من جملة من العقائد

مواقف الهندوسية من جملة من العقائد

قضية الألوهية عند الهندوس

قضية الألوهية عند الهندوس ممكن أن ندرس تحت قضية الألوهية جملةً من القضايا. أول نقطة: مسألة الوثنية عند هؤلاء، ما هو موقفهم من توحيد الألوهية؟ أولاً: الهندوس قوم مشركون شركاً أكبر. ثانياً: أن آلهة الهندوس تنقسم إلى قسمين: محسوس وغير محسوس. أما غير المحسوس: فهو القوى الطبيعية أياً كانت هذه القوى الطبيعية: الشمس، القمر، الأفلاك، الرعد، البرق، المطر، الشياطين والقوى الخفية إلى آخر ذلك، فأي قوة مهما كانت هذه تعتبر آلهة من آلهة الهندوس. ثم أشياء ملموسة تمثل هذه الأشياء غير المحسوسة، فعندما يريدون أن يمثلوا للمطر الذي لا يأتي إلا في أحيان معينة فإنه لابد من وجود صنم ممثل له، ولعل الغريب جداً أن عقائد كل الفرق في جميع أنحاء العالم على مر العصور فيها تطابق كامل من هذه النواحي، فالهندوس يمثلون القوى الطبيعية بأصنام وتعبد هذه الأصنام، والصابئة كذلك، واليونان والفراعنة كذلك والسومريون، كلهم يسلكون نفس الطريق، والذين يعبدون الأصنام في وسط إفريقيا أو في الأمازون نفس الطريقة، فما الذي جعلهم يتوحدون بهذه الكيفية، نقول: إن الموحد لهم في هذه الكيفية في العبادة هو إبليس. إذاً: هنا نوع من التوافق؛ لأن قضية التوافق هنا في هذه الكثرة الكاثرة لا يمكن أن تتم إلا بصورة فيها تفاوت واختلاف، أما أن يكون هناك تطابق كلي فإن في هذا دلالة على وجود منسق واحد أساسي هو الشيطان. إذاً: البراهمة يعبدون محسوساً وغير محسوس، وغير المحسوس: القوى الطبيعة القوية، والمحسوس: هو ما يمثل هذه القوى من أصنام يعبدونها؛ لأنهم يرون المطر في جزء من السنة، لكنهم يريدون أن يطلبوا المطر فماذا يفعلون؟ يطلبونه من خلال الصنم، فإذا جاء المطر اتجهوا إلى المطر بالعبادة، لكن خلال انقطاع المطر يتجهون إلى الصنم الذي يمثل المطر. فهؤلاء الهندوس لهم أصنام كثيرة جداً، وقد ذكر البعض أنها تتجاوز عدد السكان الهندوس، فكلما ازداد العدد ازدادت الأصنام، فبعضهم يحصرها في ثلاثمائة وثلاثين مليوناً، والبعض يقول: إنها لا حصر لها، بل وذكر أحدهم أمثلة فقال: إن بعض البيوت تجد في كل غرفة منها صنماً أو تمثالاً، ولذلك صناعة التماثيل هناك من أقوى الصناعات وأشهرها، وأكثر المصانع وجوداً في الهند الآن هي مصانع التماثيل؛ لأنه إذا أراد الإنسان أن يسافر أو يذهب لأي مكان أو يسكن بيتاً جديداً تجده لابد أن يجعل هناك بنداً خاصاً للتماثيل في مسألة شرائها، وكلما كان الإنسان غنياً تفنن في هذه الآلهة، وكفى بهذه القضية رداً عليه، يعني: إلهه من خشب صنعه رجل آخر يأتي به ثم يعبده، وقد يكون أيضاً من بلاستيك ومن حديد ومن غير ذلك، وللأسف الشديد بعض هذه التماثيل تدخل إلينا في بلادنا، إما أن تجدوها على شكل خشب منحوت، أو على شكل آخر؛ وتجدونها في بعض الأسواق وفي بعض المحلات. ومن أصنامهم المشهورة المعروفة الآن: إله أندرا، إله أغنى، إله سوريا، إله كارونا، إله مترا، إله سوما، كل هذه آلهة عندهم، وأندرا هو إله المطر، وهو أقدس الآلهة عندهم قديماً وتغير الأمر حالياً، وسبب كونه أقدس الآلهة عندهم قديماً أنهم يقولون: إن الآريين جاءوا إلى الهند هرباً من الجفاف، وعندما رأوا المطر مستمراً في الهند فرحوا بذلك، فاتخذوا المطر عبادة، لكن المطر ينقطع فجعلوا له إلهاً مستقلاً هو أندرا، ومن محبتهم للمطر قدسوا أندرا هذا، وصار هو الإله الأول بالنسبة لهم، وأغنى هو إله النار، يقولون: نتيجة لكثرة المطر كثرت عندهم الأشجار والفواكه والخضروات واللحوم وغير ذلك، فصارت حاجتهم إلى النار مستمرة، والنار طبعاً من كثرة استعمالها تؤثر أحياناً تأثيراً سيئاً باحتراق الغابات والأكواخ الخشبية، فصاروا يخافونها، فاتخذوا لها إلهاً هو الإله أغنى. كذلك الشمس، فقد كانت الفيضانات أحياناً تغطيهم فكانوا يفرحون بالشمس، فاتخذوا لها إلهاً يسمى سوريا وهكذا. فالمقصود: أنهم يعبدون قوىً مؤثرة ويتخذون لها أصناماً تجسد. فما هو السبب الذي جعلهم يتخذون هذه العبادات؟ السبب هو: الرهبة والرغبة، رهبة من تأثيرها ورغبة فيما عندها، فهم يوكلون كل هذه الأعمال لها، فالشيطان هدف إلى هذا الهدف وأوصلهم إلى هذه الدرجة وجعلهم يتوقفون، فلم يفكروا في هذا المطر من الذي خلقه، وهذه الشمس من الذي خلقها، والسماء من الذي خلقها وهكذا، بل وقفوا عند هذا الحد، وهذا هو ما ابتغى الشيطان؛ لأن الشيطان لا يريد منهم إلا أن يموتوا على الكفر ليكونوا معه في النار. في القرن الثامن قبل الميلاد -يعني: (800) قبل الميلاد -اجتمع مجموعة كبيرة من الكهنة، فرأوا أن هناك نقداً موجهاً إلى الديانة الهندوسية نتيجةً لكثرة آلهتها، فاتفقوا على توحيد الآلهة، فبدلاً من أن كانت ثلاثين مليوناً أو أقل أو أكثر، وحدوها إلى ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين إلهاً، أي: ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين صنماً، ثم بعد ذلك نقدوا من قبل بعض الملاحدة فيما يسمى بعصر الإلحاد، فوحدوها إلى أن أوصلوها إلى ثلاثة آلهة فقط، فقالوا: أما الإله الأول فهو براهما، وأما الإله الثاني فهو فيشنو، وأما الإله الثالث فهو سيفا، هذه أصنام ثلاث هي التي أبرزوها وأشهروها. أما براهما فقالوا: هو الذي خلق العالم وأوجده وهو سيد الآلهة، أما فيشنو فهو الذي يحفظ العالم من الشرور، أما سيفا فهو الذي يهلك ويدمر من خلال العالم، فالآريون جعلوا هناك موجداً وحافظاً ومهلكاً، ثم اتخذوا الأصنام الضخمة لهؤلاء الآلهة الثلاثة، ولذلك أي معبد تراه في الهند تجد أن فيه أصناماً لهؤلاء، فهذا صنم وهذا صنم، وهذا صنم، لكن بالتدرج؛ فبراهما الأول وفيشنو الثاني وسيفا الثالث، وكل منهم أهم من الآخر، فبراهما هو المقدم، ثم هذا ثم هذا فإذا عرفت هذا وكان هناك نقاش مع هؤلاء فإنك ستعرف ما هي تصورات هؤلاء الهندوس، وكيف نشأت الآلهة أو كيف تطورت عبادة الأصنام بالنسبة لهم. وبعد ذلك أصدروا قراراً بأن هذه الآلهة الثلاث لا تصنع إلا بطرق ومزايا خاصة، يعني: من الممكن للشخص أن يصنع له آلهة بشكل بسيط ويجعلها في بيته، لكن هذه الآلهة الثلاث بالذات لا تصنع إلا بكيفيات معينة وبطرق معينة، بل وصل الأمر إلى أنهم كانوا في زمان من الأزمنة يحرمون صناعتها على المنبوذين، بل وأشد من ذلك يحرمون عبادتها، فلا يعبدها المنبوذون، وإنما يعبد المنبوذون الآلهة القديمة؛ أندرا وأغنى، أما براهما وفيشنو وسيفا فهي خاصة بالبراهمة وبالكشتر الذين هم طبقة المحاربين. إذاً: حتى في الأصنام هناك طبقية بالنسبة لهؤلاء الهندوس.

عبادة الهندوس للبقر وتقديسهم لها

عبادة الهندوس للبقر وتقديسهم لها لو ذهبت إلى الهند الآن ودخلت بعض المدن فيها فستجد أن البقرة مقدسة لديهم تقديساً عجيباً جداً، ويحترمونها احتراماً ليس باليسير، وهذا الاحترام نابع من أنهم يعبدونها ويتخذونها إلهاً. وأذكر قصة في ذلك: كان الوالد رحمه الله يسافر كثيراً إلى الهند لجلب تجارة منها وبيعها في منطقة سدير، يقول: في يوم من الأيام كنا ساكنين في بومباي -وكانوا يذهبون إليها دائماً- يقول: ودخلنا السوق وأردنا أن نشتري قماشاً، فاشترينا قماشاً وأردنا أن نذهب إلى البيت، فمررنا على صاحب خضروات وفواكه كي نأخذ بعضاً منها، يقول: فأتت بقرة ودخلت المحل، وبدأت تأكل من كل الأصناف الموجودة، وتفسد وتخرب، يقول نحن أردنا أن نطردها، فإذا بصاحب المحل يتكلم علينا كلاماً عجيباً، فسكتنا، يقول: فاتجه صاحب المحل إلى البقرة وسجد لها واستمر على سجوده خاشعاً للبقرة إلى أن انتهت. يقول: ولما خرجت إذا بكثير مما في المحل قد دمر وأفسد، وصاحب المحل كان مستريحاً وفرحاً؛ لأن الذي جاء لمحله وزاره هو الإله، فهذا يعتبر فخر لمحله، يقول: وبعد أن شبعت البقرة أخرجت غائطها بين رجليها، يقول: فجميع أصحاب المحلات خرجوا من محلاتهم، واحد معه ماعون وذاك معه إبريق، فهذا يأخذ بولاً وهذا يأخذ روثاً، حتى ما بقي على الأرض شيء إلا أخذ. كان الوالد يحدثنا بهذه القصة القديمة، ولم أكن أتصور أن هذا صحيح، وكنت أظن أن الوالد يأتي بذلك من باب التأليف أو القصص أو غير ذلك، لكن هذا الكتاب يحتوي على أشياء أفظع من هذا الأمر بخصوص هذه القضية بالذات، مما يؤصل فعلاً قضية عبادة البقر بالنسبة لهؤلاء. وهذه نصوص من كتابهم المقدس تؤكد اهتمامهم بالبقر. يقول: إن العلم والنار والطعام والتراب والقلب والماء والطلي بخثي البقر والهواء والطقوس الدينية والشمس والزمن كل أولئك تطهر جسم الإنسان -وكأنه صابون- فهذا النص الآن أعطاك دلالة على أن العلم والماء والخثي وغير ذلك كله متساو بالنسبة لهم في تطهير جسد الإنسان. وهذا نص آخر يقول: تطهر الأرض بواحدة من الأسباب الخمسة الآتية: وهي الكنس، طليها بخثي البقر، رشها ببول البقر أو بلبنها، قشر ظاهرها، يعني: كشط ظاهرها، ربط بقرة فيها نهاراً وليلاً، من أجل أن تخثي وتبول فيها. فمثلاً: إنسان بال أو تغوط في أرض كيف تطهر هذه الأرض؟ إما أن تزيل ما عليها من قاذورات بكنسها، أو تقشر القشرة السطحية التي عليها، أو أنك تطليها بخثي البقر، أو تربط فيها بقرة يوماً وليلة لتطأها بأقدامها وتبول عليها إلى آخر ذلك، فإنها تطهر. وهذا نص طويل وفيه: على من يرتكب ذنباً بسيطاً بقتله بقرة أو ثوراً -طبعاً هو ذنب عظيم في نظر عباد البقر، يقول: على من يرتكب ذنباً بسيطاً بقتله بقرة أو ثوراً- أن يحف شعر رأسه ويكتسي جلد الحيوان الذي قتله، وأن يعيش في مربض البقر، ويقتات كل شهر الأول وعليه في الشهرين التاليين أن يأكل مقداراً زهيداً من الطعام من غير ملح وذلك مرة واحدة في الوقت الرابع للطعام، وأن يغتسل ببول البقر ويحفظ، وعليه أن يسير وراء البقر نهاراً ويقف وراءها ليلاً، ويستنشق الغبار الذي ينبعث من تحت أظلافها، وبعد أن يخدمها ليلاً ويعبدها عليه أن يبقى في المرعى المسمى (براسين). يقول: وعليه أن يضبط نفسه ويجردها من الغضب، ويقف حيث تقف البقرة ويتبعها حيث تذهب ويجلس حيث تجلس، ويجب عليه أن ينقذها بكل ما يستطيعه من الوسائل إذا ما رآها غارقة في الوحل أو مريضة أو خائفة من اللصوص أو السباع، وعليه ألا يحفظ نفسه من الحر أو القر أو المطر أو العواصف قبل أن يحفظها بقدر الاستطاعة. نص جديد: وعليه ألا يتكلم إذا ما أكلت البقرة شيئاً، سواء أكان المأكول من داره أو من دار غيره، أو من الحقل أو المزرعة وعليه ألا يتكلم إذا كان العجل يرضع.

سبب عبادة الهندوس للبقر وكيفيتها

سبب عبادة الهندوس للبقر وكيفيتها هناك نقاط أخرى عن كيفية العبادة، في مسألة كيف يقف إذا كانت البقرة تأكل من داره، وكيف يقف أمامها وبأي صورة، وما هي الأدعية التي يذكرها. إذاً: البقرة بالنسبة لهم معبودة؛ فلماذا يعبدون البقرة دون غيرها؟ الهندوس أول ما بدءوا كانوا يعبدون القوة، والهنود القدماء الذين كانوا قبل الآريين كان لهم عبادات يقال لها: العبادات الطوطمية، يعني: أي شيء يعجبهم يتخذون له تمثالاً، فإذا كان يعجبهم الأسد يتخذون له تمثالاً ويعبدونه على أنه الأسد، كذلك الأفعى وهكذا، ثم بدءوا يحصرونها في الشيء الذي ثبت ضرره أو ثبتت قوته أو ثبت نفعه، فمثلاً: المناطق الزراعية والغابات مليئة بالأفاعي وتعم وتكثر، فهي مخيفة: تعبد رهبةً ودفعاً لضررها، كذلك الأسد شجاع ومخيف ويعيش في الغابات وقوي ويقتل، إذاً: يعبد نتيجة لقوته. والبقرة تعبد لأنها تعطي، وخاصة أنها تأكل من العشب الأخضر الشيء الكثير فتدر لبناً عجيباً جداً، إذاً: هي تعطي شيئاً كثيراً فتعبد لنفعها. ثم يقولون قولاً آخر: إن عبادة البقر عند الهندوس ناتجة من تأثرهم بالفراعنة، فإن الفراعنة تأثر بهم اليهود، واليهود تأثر بهم الهندوس، وذلك أن الفراعنة كانوا يعبدون عجلاً يسمى أبيس، وإلى الآن في مصر هناك معبد يسمى معبد أبيس فيه مجموعة كبيرة من الأصنام لهذا العجل في صورة بقر، ففي فترة من فترات الفراعنة كانوا يعبدون البقر، وعندما سافر بنو إسرائيل مع موسى ودخلوا في التيه ذهب موسى عليه السلام لتكليم الله سبحانه وتعالى، فاتخذ السامري لهم عجلاً من ذهب، وقال: هذا إلهكم، فصدقه بنو إسرائيل؛ لأن عقيدة عبادة البقر ما زالت باقية في قلوبهم، والإيمان لم يستقر بعد في قلوبهم، فعبدوا هذا العجل وكان السامري عندما أخرج لهم العجل جعل الهواء يدخل من فمه ويخرج من دبره: {عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} [الأعراف:148] أي: له صوت، نتيجة لدخول الريح، فأعجبوا به فاتخذوه إلهاً، وعندما جاء موسى عليه السلام غضب عليهم وقام بإحراق هذا العجل وذره في اليم ونسفه نسفاً، ويقولون: إن بعضاً من الآريين احتكوا باليهود إبان الغزو البابلي، فـ بختنصر عندما هاجم اليهود كان جزء منهم متشربين بعقيدة حب العجل وعبادته، فأخذه هؤلاء الإسرائيليون إلى العراق ببابل، ومر بهم الآريون في هجرتهم إلى الهند، فأخذوا منهم عبادة العجل فوجدوا البقرة في الهند فعبدوها نتيجةً لذلك. إذاً: قضية عبادة البقرة عند الهندوس نابعة من أن هناك توجهات في القضية، وهي غير معروفة، لكن يقولون: السبب في ذلك أن الهنود القدماء حصروا معبوداتهم الطوطمية المتفرقة في ثلاثة أشياء: مصدر الرعب، ومصدر القوة -هذا في الحيوانات فقط- ومصدر النفع، فمصدر الرعب يمثله الأفعى، ومصدر القوة الأسد، ومصدر النفع البقرة هذا القول الأول. القول الثاني: أنها مأخوذة من عقائد الفراعنة التي أخذها عنهم اليهود، ثم انتقلت من اليهود الذين في فلسطين إلى أسرى اليهود الذين أسرهم بختنصر، فمر بهم الآريون في هجرتهم، فأخذوا منهم هذه العقيدة وذهبوا بها إلى الهند. القول الثالث: أن الهند مرت بها فترة من الفترات كان فيها جفاف ومجاعة، فأردوا أن ينموا نوعاً من أنواع الحيوانات، فاختاروا البقرة باعتبارها أفضل أنواع الحيوانات فائدة، ولكي يجعلوا الناس يحافظون عليها أضفوا عليها طابع القدسية، فصارت مقدسة حتى تبقى، لا تقتل ولا تذبح ولا تهان ويستفاد منها؛ نتيجةً لذلك. من الطرائف حول هذه المسألة: أن الأثرياء من المسلمين إذا أراد الإنسان منهم أن يعمل خيراً بنى مسجداً أو رباطاً لأهل الخير أو مدرسة تحفيظ قرآن، كذلك الأثرياء في الهند إذا كان الإنسان منهم يريد أن يعمل خيراً بنى حوشاً ضخماً مظللاً للبقر الكبيرات في السن، فإذا بلغت البقرة سناً معيناً لا تعطي لبناً وليس فيها فائدة لا تذبح، بل تحصر في هذا المكان إلى أن تموت فإن ماتت فهناك طرق لدفن البقر، ففي نصوصهم: إذا ماتت البقرة لابد أن تطيب ولابد أن تكفن ولابد أن يذهب بها، ولابد أن تحرق بخشب الصندل، ولابد أن يأتي معها الكهنة ويقرءوا الأناشيد والترانيم أمامها، ولابد أن يقف الناس بخشوع أمام البقرة وهي تحرق. وفي هذا دلالة على منحهم القدسية لهذه البقرة.

عبادة المنبوذين الهندوس وأقسامهم

عبادة المنبوذين الهندوس وأقسامهم وهنا قضية أخرى، وهي قضية المنبوذين وعباداتهم وأقسامهم: طبعاً المنبوذون في الهند يقفون في منطقة مبتعدة تماماً عن الهنود الذين بيدهم الأمر والنهي، ولذلك نوجه النداء لكل قادر على الدعوة إلى دين الله سبحانه وتعالى أن يتجه إلى هؤلاء المنبوذين لدعوتهم، ولذلك كثير من الهنود عندنا الآن في الكليات نؤصل فيهم هذه الفكرة، فتجد هندياً مسلماً وهو ليس من أي طبقة من هذه الطبقات، لكن نزرع فيه استغلال قضية احتقار الطبقتين الأولى والثانية والثالثة للمنبوذين، فهذا لابد أن يستغل في نشر الإسلام، يعرض عليه هل تجيد اللغة الهندية وتعرفها، اعرض عليه الديانة الإسلامية، اعرض عليه ما يرتبط باحترام الإسلام للإنسان، اعرض عليه حقوق المسلم والمساواة في الشرع بين الكبير والصغير، فإذا عرضت عليه ذلك أسلم؛ ولذلك فإن لبعض الأشخاص جهوداً منفردةً ومع ذلك أثمرت عن قرى كاملة دخلت في الإسلام وقرى الهند ليست مثل القرى عندنا، القرية الواحدة في الهند فيها مائتان أو ثلاثمائة أو أربعمائة ألف لكثرتهم؛ فعدد سكان الهند أكثر من ثمانمائة مليون، فلا يقارنون بثمانية ملايين أو تسعة ملايين عندنا، وبالتالي فإن هؤلاء الدعاة أثمرت دعوتهم، ثمرة ليست باليسيرة، لكن الهندوس الآن يتداركون الأمر، فقد بدءوا يتنازلون عن بعض خاصياتهم بشكل مؤقت للمنبوذين؛ لأنهم رءوا كثرة إسلام قرى المنبوذين، ونتج عن ذلك ضربة قاصمة لهم؛ حيث تكاثر عدد المسلمين بشكل كبير جداً وهذا ما لا يريدونه. والمنبوذون الآن من الهندوس لهم عبادات معينة ومعابد معينة وأصنام معينة، فلا يحق لهم أن يتخذوا صنماً بجوار براهما؛ لأنهم ينجسونه، إذا لمسوا صنم براهما صار نجساً، ولا يحق لهم أن يعبدوا فيشنو ولا سيفا ولا أندرا ولا غيرها، لكن يحق لهم أن يتخذوا تماثيل من أحجار أو من طين فقط، ويعطونها أسماءً من عندهم، أما الأسماء المشهورة فلا يحق لهم ذلك، كذلك لا يجوز لهم أن يدخلوا المعابد أبداً. إذا ذهبت إلى الهند لزيارة ودخلت معبداً ضخماً جداً فإنك لن تجد فيه واحداً من الطبقة المنبوذة، وإذا طلبت من أحد المنبوذين أن يذهب بك إلى المعبد فسيذهب بك إلى المعبد، لكن إذا وصلت إلى المعبد يرفض الدخول؛ لأنه يعرف أنه إذا اكتشف فإن مصيره أن تقطع رجله، وأحياناً لا تقطع رجله بشكل رسمي، لكن تقطع رجله بشكل غير رسمي، يعني: إذا عرف أحد البراهمة أن هذا منبوذ تبعه في أي شارع وقطع رجله.

الأماكن المقدسة عند الهندوس

الأماكن المقدسة عند الهندوس ننتقل إلى الأماكن المقدسة عند الهندوس: من أبرز الأماكن المقدسة عند الهندوس مدن وأنهار أبرزها نهر الجنجا وهو ضخم جداً يقولون: إنه نهر نزل من رأس الإله براهما، عندما خلق الخلق عرق فنزل منه هذا النهر، ولذلك يقولون: إن هذا النهر نهر مقدس، ويجعلون له أساطير كثيرة جداً ويعبدونه، ولهم يوم معين يغتسلون فيه، ويغسلون فيه ثيابهم ليتبركوا به، ومن مات ألقي فيه، ويقدسونه تقديساً يأخذ طابع القواعد التي تعطى للإله، فكأنهم جعلوا هذا النهر إلهاً يعبد، فله طقوس وترانيم وأدعية وأوراد تقال عند هذا النهر. ومن ضمنها مدينة بنارس تقدس؛ لأن النهر يخترقها، ولأن فيها أكبر معبد من معابد الهندوس بجانب هذا النهر.

عقيدة الحلول والاتحاد عند الهندوس

عقيدة الحلول والاتحاد عند الهندوس من عقائدهم عقيدة الحلول وعقيدة وحدة الوجود. أما عقيدة الحلول فتعني أن الإله يحل في أجساد بشرية، أي: اتحاد اللاهوت بالناسوت، اللاهوت نسبة إلى الإله، والناسوت نسبة إلى الناس، فاتحاد اللاهوت بالناسوت من عقيدة الهندوس، ويقولون: إن الإله يحل في الناس؛ لذلك يقولون في فلان من الناس: إنه فيه جزء إلهي، وقد تأثر بهم النصارى في هذا. ومن الأمثلة على ذلك: أحد المشهورين عندهم يدعى كرشنو كان ملكاً حكم فترة من الزمن ثم مات، فهم يعبدونه ويقدسونه ويقولون: إن الإله فيشنو حل فيه. أما وحدة الوجود فهي كذلك نوع من أنواع العبادة بالنسبة لهم، يقولون: إنه ليس في الوجود شيء إلا الإله، يعني: أي شيء في الوجود يمثل الإله، الحجر يمثل الإله، والصنم يمثل الإله، والحيوان يمثل الإله، فإذا وجهت الطاعة أو العبادة إلى أي شيء فكأنك وجهتها إلى الإله؛ وقد ثبت عن ابن عربي الحاتمي الطائي زعيم وحدة الوجود عند الصوفية المسلمين أنه قال: العبد رب والرب عبد يا ليت شعري من المكلف إن قلت: عبد فذاك رب وإن قلت رب أنى يكلف

موقف الهندوس من النبوات

موقف الهندوس من النبوات كذلك من ضمن وقفاتنا معهم وقفة مع قضية النبوات: الهندوس لا يؤمنون بأن هناك أنبياء على وجه الأرض أبداً؛ لأنهم أصلاً لا يؤمنون بالله سبحانه وتعالى، بل يؤمنون بأصنام أمامهم. إذاً: آلهتهم أمامهم، فلا حاجة إلى وجود أنبياء؛ لأن النبي يبلغ عن الله سبحانه وتعالى؛ لأن الإله بحد ذاته موجود عنده في بيته وفي غرفته، فليس هناك داع لوجود نبي. أما التعليمات والتقريرات التي يحتاجونها في حياتهم فيقوم بها الحكماء ويقوم بها الفلاسفة.

عقيدة تناسخ الأرواح عند الهندوس

عقيدة تناسخ الأرواح عند الهندوس أيضاً هناك قضية عقيدة تناسخ الأرواح: هم يقولون: إن الإنسان لابد في حياته أن يعمل إما شراً أو خيراً، فإذا عمل الشر أو الخير فما هو الجزاء الذي يناله نتيجة لعمله هذا؟ نحن المسلمين ثبت وصح عندنا أن من العقائد التي لا يتم الإيمان إلا بها: أن الإنسان سيموت وسينال جزاءه، وسينال أيضاً بعضاً من جزائه في الدنيا فيما يرتبط بالراحة النفسية، وفيما يرتبط بالراحة القلبية، والكافر سينال القلق والتعب والعناء، قال تعالى: {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام:125]. أما هؤلاء الهندوس فيقولون بتناسخ الأرواح، ويقولون: أن الإنسان طوال حياته سيجازى، وهذا الجزاء سيحدث بعد أن يموت وبعد أن تتخلص الروح من الجسد، هذه الروح عندما تخرج من جسد الإنسان ستبقى فترة من الزمن حرة طليقة، ثم تحل بعد ذلك في مكان آخر، وذلك المكان الآخر يكون بحسب عمل هذا الرجل، فإن كان عمله صالحاً حلت هذه الروح في جسد صالح، وإن كان فاسداً حلت في شيء فاسد، وكلما كان العمل أكثر صلاحاً كان هذا التناسخ أوضح فيما يرتبط بنفع هذا الإنسان، وكلما كان العمل أكثر فساداً كان هذا التناسخ أوضح فيما يرتبط بضرر هذا الإنسان. كذلك إذا فسد الأسد فإنه سيموت وتحل روحه في كلب، وإذا فسد الكلب فإن روحه تحل في حصاة أو في حديدة أو غير ذلك، والعكس صحيح فإن الكلب إذا صار صالحاً ترجع روحه إلى الأسد مرة أخرى بعد أن يموت، وإذا كان الأسد صالحاً ترجع روحه إلى إنسان، وإذا عاد الإنسان مرة أخرى ترجع روحه إلى إنسان أفضل ثم أفضل، حتى يصل إلى أن يكون كوكباً في السماء، ولذلك فإن كل الكواكب التي في السماء هي هندوس على أقوالهم. يقولون: إن الإنسان تمر به واحد وعشرون ألفاً وفي رواية: واحد وعشرون ألف مليون مرة من التجسدات، يعني: أنت أيها الإنسان ستموت وتحيا واحداً وعشرين ألف مرة قبل أن تصل إلى درجة عليا أو درجة دنيا، والدرجة العليا: أن تكون كوكباً في السماء، والدرجة الدنيا: أن تكون قطعة حديد موجودة. هذه هي عقيدة التناسخ، وقد أخذها مجموعة من الفرق عندنا وللأسف الشديد، ومن أبرزهم الدروز الموجودون في لبنان، ونصيرية حافظ الأسد يعتقدون هذه العقيدة بحذافيرها.

قضية حرق الأجساد عند الهندوس

قضية حرق الأجساد عند الهندوس ننتقل إلى قضية حرق الأجساد بالنسبة لهم: لعلكم قرأتم أو شاهدتم أو سمعتم عن حرق الرئيس غاندي، عندما مات حرقوه بخشب العود أو خشب الصندل، وخشب العود أو الصندل بالنسبة للعالين منهم. وهؤلاء الهندوس يقولون: إن الإنسان مكون من روح وجسد، فلابد من روحه أن تصعد إلى العلو حتى تحل فيما بعد في جسد أفضل، فكلما أوجدنا أسباب صعودها إلى العلو كلما جعلناها تحل في جسد أعلى، أما إذا دفناها في الأرض فإنها تنزل إلى السفل، فكأننا نسقط الروح إلى السفل، فتتحد مع أشياء أقل، أما إذا جعلنا الروح تصعد إلى الأعلى، فإننا نجعلها تناسخ في جسد أفضل، والذي ينقل الروح إلى الأعلى هو النار، فكأن الروح تنتقل مع النار أو مع دخانه، فيحرقون الجسد نتيجةً لذلك. ويقولون: إن الإنسان عندما يموت تنفصل روحه عن جسده، لكنها تبقى بجانب الجسد، ويبقى في الجسد قليل من الروح، فإذا أحرق فإن الروح الباقية في الجسد مع الروح التي بجانب الجسد تجتمع مع بعض، ثم تصعد مع لهب النار، ثم مع دخان النار، ثم تسبح في الهواء لتتحد فيما بعد مع جسد أفضل، فكأنك بالإحراق تساعد هذه الروح للاتحاد أو للتناسخ في جسد أفضل. هذا هو السبب الأساسي، وهناك أسباب كثيرة جداً فيما يرتبط بهذه القضية. ونذكر نموذجاً من كلامهم حول مسائل التناسخ بالنسبة لهم. يقولون: وعليه أن يتبصر بتناسخ الناس الذين يعودون إلى هذا العالم، بسبب ما ارتكبوه من آثام، وليتصور ما يقاسونه من عذاب الجحيم وما يلحق بهم من الآلام في عالم اليم -عالم من عوالم العذاب بالنسبة لهم- يقول: ويرتكب بخروج أرواحهم بولادات في أرحام مختلفة عشرة آلاف مليون مرة، هذا نص، وهناك نص آخر: واحد وعشرين ألف مليون مرة، وهناك نص آخر: واحد وعشرين ألف مرة فقط، لكن في الرواية الأولى: عشرة آلاف مليون مرة يتكرر الإنسان قبل أن يصل إلى العلو أو يصل إلى السفل. نص آخر: يقولون: إن من يستعمل حب السمسم في غير الطعام بغير الزيت وبغير الدلك -يعني: التنظيف- فإن هذا الإنسان يولد مرة ثانية دودة ويزرق في خرء الكلاب مع آبائه وأجداده!! حتى الآباء والأجداد يقعون في هذه المصيبة وهم لم يفعلوا شيئاً!! إذاً: قضية التناسخ فيها قضايا مضحكة للغاية. وهذا نص آخر يقول: إن قاتل البرهمن -يعني: للبرهمي- يخلق في رحم كلبة أو خنزيرة أو أتان أو ناقة أو بقرة أو عنزة أو نعجة أو غزالة أو طير، أي: من قتل البرهمي فجزاؤه مباشرة أن يتحول إلى حيوان. ونص آخر يقول: يغدو المرء جزاء أعماله السيئة التي ارتكبها بجسمه في خلقته الثانية جماداً، والتي ارتكبها بلسانه طيراً أو حيواناً، وينحط إلى الفرق السافلة إلى آخر ذلك. إذاً: هذه النصوص توضح لنا قضية التناسخ بالنسبة لهم، وأن عقيدة التناسخ تمثل الجزاء، فهم لا يؤمنون ببعث ولا نشور ولا حياة بعد الموت ولا غير ذلك، إنما الإنسان في هذه الحياة إذا مات فإنه سيعود مرة أخرى وثالثة ورابعة ومليون وعشرة ملايين وألف مليون مرة، وهكذا إلى الأبد بالنسبة لهم، وهذا نابع من أنهم أخذوا القضية من واقع عقائد بشرية موضوعة. ومن أغرب الأمور في هذه المسألة أن هؤلاء الهندوس يتفاوتون تفاوتاً كبيراً جداً فيما يرتبط بتناسخ الأرواح، فلا تكاد تجد تجمعاً للهندوس إلا ولهم رأي يختلف عن الآخرين في تناسخ الأرواح، وهذا نابع من أن القضية بشرية، كل واحد يضع من عنده ما شاء ويقرره على بني جلدته، ويترتب على ذلك نشوء هذه العقائد، وهذا يبين لنا أننا في نعمة لابد أن نشكرها، وهي العلم الذي أقامه الله سبحانه وتعالى فيما يرتبط بمعرفة جزاء الأعمال في الدنيا وجزائها في الآخرة وغير ذلك، هذا العلم أعطانا إدراكاً كاملاً بكل ما يرتبط بالموت وما بعد الموت، فهؤلاء الهندوس يعيشون في بلبلة عجيبة جداً، وهذه البلبلة أوجدت الإلحاد بشكل غريب عندهم، فالهندوس الآن كثر عندهم الإلحاد؛ نتيجة لدخول العلم من جميع النواحي، فمنهم من ليس بمقتنع بديانته وليس هناك البديل، وبالتالي انتشر بينهم الإلحاد، وهذا طبعاً دلالة على سمو الإسلام ورسوخه مقابل هذه الديانات، التي بأدنى التفاتة من هنا ومن هنا لديانات أخرى أو لمسائل أخرى تجعل صاحبها ملحداً. من ضمن الأسباب التي تجعل الناس يحرقون موتاهم قضية إرضاء أغنى الذي هو إله النار حيث تحرق الأجساد. وكذلك من الأسباب: أن فيها شياطين؛ ليتخلص الشياطين منها وتموت الشياطين عن طريق الحرق وغير ذلك.

عقيدة الانطلاق عند الهندوس

عقيدة الانطلاق عند الهندوس هناك عقيدة تسمى عقيدة الكارما وعقيدة الانطلاق، هذه العقيدة من العقائد العجيبة، فهم يقولون: إن الإنسان سيجازى على فعله صالحاً أو سيئاً بطريقة تناسخ الأرواح، لكن هناك قضية الوصول بسرعة إلى الاتحاد مع الإله براهما، ويتمثل ذلك في الانقطاع الكلي للعبادة، وهذا الانقطاع الكلي فيها يتم عن طريق اتخاذ عبادة معينة يسير عليها الإنسان ولا يتركها، وهذه العبادات مخترعة كأن يقرر أن يربي أظافره ولا يقصها أبداً هذه عبادة، فتجد الواحد أظافره طويلة جداً، فإذا مات اتحد مع الإله، لأنه تعبد الإله بتطويل أظافره، ويطول شاربه مثلاً ويتركه، أو يقرر أنه لا يستحم أبداً، وهذه العبادات تسمى عبادات الانطلاق على أساس أنه يصل ليتحد مع الإله، أو يبتلع سكاكين إلى أن يموت أو أمواساً أو ناراً أو جمراً أو يغرق نفسه، المهم أن يقتل نفسه بطريقة معينة، وهذه العبادة تسمى عبادة الانطلاق، وهي عبادة موجودة عندهم ومن أصول عباداتهم.

مجموعة من عبادات الهندوس اليومية

مجموعة من عبادات الهندوس اليومية للهندوس مجموعة كبيرة من العبادات اليومية، ومن أبرز عباداتهم اليومية ما يسمى بالصلاة، وهي أن يقف في كل يوم في الصباح وقبل الغروب متجهاً إلى السماء، ويقرأ ترانيم معينة، وهكذا صباحاً ومساءً، ثم في الظهر يأخذ ماءً في إناء ويرفعه إلى الشمس ثلاث مرات، ثم يسكب على الأرض ثلاث مرات بكفه؛ يقولون: هذا الماء سيرتقي إلى السماء ليكون طهوراً له، والطهور غير التطهير؛ فالتطهير عن شيء فعلته والطهور لشيء مستقبلي. كذلك عندهم تقديم زهرة للإله يومياً أياً كانت هذه الزهرة، حتى إذا لم توجد هذه الزهرة قدم ورقة نبات، فتتحقق العبادة اليومية بالنسبة لهم في هذه الصورة، ولاحظوا سخافة هذه العبادة وسخافة هذا العمل. من ضمن عباداتهم كذلك: الصمت، فمن الممكن أن يعقد العزم على أن يصمت ولا يتكلم طوال الوقت إلى أن يموت، وهناك قضية تدعى اليوغا، والتي نعتبرها نحن رياضة، وهي عبادة هندوسية يتمرن عليها الإنسان فيتعبد الآلهة بهذه الحركات الغريبة. كذلك من ضمن العبادات المهمة عندهم قضية الموسيقى والغناء، فلا تخلو العبادة والترانيم من الموسيقى.

تأثر الفرق والديانات الأخرى بالهندوسية وتأثيرها فيها

تأثر الفرق والديانات الأخرى بالهندوسية وتأثيرها فيها أما قضية التأثر والتأثير فهنا وقفات مع اليهود والنصارى والشيعة والصوفية، أما اليهود فلهم تأثر وتأثير في الديانة الهندوسية، أول تأثير هو ما يرتبط بالبقرة، فهناك رأي قوي جداً على أن عبادة اليهود للبقرة انتقلت إلى الهندوس فعبد الهندوس البقرة، وجعلوا لها قدسيةً عجيبةً جداً وأعياداً خاصة بها إلى آخر ذلك. كذلك التلمود الكتاب المقدس عند اليهود الذي يفوق التوراة عندهم بأضعاف مضاعفة. ففي التلمود نصوص كثيرة جداً مطابقة تماماً لما في مانوسمرتي ولما في الويدا، مطابقة تماماً بحرفيتها وبنصها، مما يدل على أن أحدهما أخذ من الآخر، فهؤلاء أخذوا من هؤلاء أو هؤلاء أخذوا من هؤلاء. أما بالنسبة للنصارى فنقف معهم وقفتين اثنتين، أحدهما في قضية التثليث، فالنصارى عندهم الأب والابن وروح القدس، وهؤلاء هم الآلهة المعروفة بالنسبة لهم، قال الله سبحانه وتعالى عنهم: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة:73]، وقال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة:17]. فإن قيل: أيهما أقدم الهندوسية أو التوراة؟ A الهندوسية أقدم بقليل على رأي كثير من العلماء، يقول بعضهم: إن المدة بين عيسى وبين موسى (1200 سنة)، وقد ذكرنا أن الهندوسية بدأت في عام (1500) قبل الميلاد، يعني: بين الهندوسية والتوراة فترة (300 سنة)، لكن الرأي الراجح هنا: أنها متقاربة، وهذا يدل على أن هناك تأثراً قوياً فعلاً بين هذه الديانة هذه الديانة. إذاً: النصارى يقولون بوجود آلهة ثلاث، ويقولون: باسم الأب والابن وروح القدس، فهم يرسمون الصليب باسم الأب، ويجعلون الابن على أكتافهم ثم روح القدس على صدورهم، فكأنهم يرسمون الصليب، هذا الثالوث أو التثليث أدخله رجل يهودي أراد إفساد الديانة النصرانية وهو شاءول الذي تسمى باسم بولس، أما الهندوس فكذلك لديهم التثليث البراهما وفيشنو وسيفا. أما من الذي تأثر بالآخر؟ فمن المعروف أن التثليث عند الهندوس وجد قبل الميلاد بثمانية قرون، ومعنى هذا أن النصارى هم الذين تأثروا بالهندوس، وبالتالي قال الشيخ محمد أبو زهرة في كتاب له فيه محاضرات عن النصرانية: فعلى النصارى أن يبحثوا عن أصول دينهم، ثم وضع مجموعة علامات استفهام؛ لأنه عقد مقارنة بين النصرانية وبين الهندوسية، فأكد أن النصرانية في كثير من عقائدها قد أخذت من الهندوسية عن طريق شاءول هذا، وهو الذي أدخل على النصرانية عقيدة الصلب والفداء، وأن هناك رجلاً مات في سبيل فداء البشرية، ونفس القضية موجودة عند الهندوس في كرشنا الذي ذكرنا قبل قليل أنه رجل مشهور ومعروف، وقد قدم نفسه قتيلاً ليفتدي مجموعة كبيرة من الناس من الذنوب. فهنا نوع من التقارب والتشابه، وهذا فيه دلالة على أن النصرانية أخذت أشياء كثيرة من عقائدها من الهندوسية. أما فيما يرتبط بالشيعة فالشيعة ينقسمون إلى أقسام: فهناك الرافضة والباطنية، فالرافضة يمثلون الإمامية في إيران، والزيدية وغيرهم، والزيدية يخرجون من الرافضة في بعض الأحيان، والباطنية ويمثلون النصيرية والدروز والإسماعيلية، هؤلاء في الجملة قد أخذوا من الهندوس مجموعة من العقائد من أبرزها عقيدة التناسخ، وهناك كتاب اسمه (المصحف المنفرد بذاته) من تأليف كمال جنبلاط الزعيم اللبناني المعروف، وهو والد وليد جنبلاط أحد وزراء الحكومة اللبنانية، فلو قرأت هذا المصحف أو نصوصاً منه لوجدت فيه عقيدة إثبات التناسخ بشكل ثابت مركز، وهو مشابه لما هو موجود عند الهنود. هناك بعض التغيرات في نواح معينة، فهناك عقيدة: كيف يموت الدرزي وعلاقته بالنصيري، وهل علاقة الدرزي بالنصيري كعلاقة الدرزي بغير النصيري؛ لأنهم متقاربون في العقيدة؟ كذلك نصيرية حافظ الأسد هؤلاء المجرمون الكفرة عقيدتهم فيما يتصل بالتناسخ موجودة عند الهندوس فقد أخذوها منهم. وهناك قضية غير قضية التناسخ وهي قضية الشرك. الهندوس يعبدون أشخاصاً مثلوهم بأصنام، نفس العملية بالنسبة للدروز وبالنسبة للنصيرية يعبدون أشخاصاً، فالنصيرية يعبدون علي بن أبي طالب، والدروز يعبدون الحاكم بأمر الله الفاطمي الذي قتل عام (411هـ)، في مصر فهؤلاء وهؤلاء متقاربون في مسألة الشركية، كذلك فيما يرتبط بالحلول. يقولون: إن الإله حل في الحاكم بأمر الله، فـ الحاكم بأمر الله يعتبر إلهاً بالنسبة للدروز، وعلي بن أبي طالب عند النصيرية إله كذلك؛ لأنه حل فيه الإله، ونفس العملية بالنسبة للهندوس، فكأن هناك تداخلاً في العقائد بين هؤلاء وهؤلاء. الصوفية كذلك تأثروا تأثراً قوياً بهؤلاء الهندوس، فمثلاً ابن عربي فيقول: العبد رب والرب عبد يا ليت شعري من المكلف إن قلت عبد فذاك رب وإن قلت رب أنى يكلف بمعنى: أن القضية واحدة، ليس هناك عبد وليس هناك رب، فالجميع كلهم آلهة، ولذلك تجد أن الصوفي إذا سمع الكلب قال: لبيك ربي، وإذا رأى شيئاً قال: يا رب، وتتفاوت الأشياء عند هذا الملحد، فالصنم والملك والإنسان والحجر والقذارة كل هذه ممثلة في ربه. والهدف من ذلك ليس هو التأثر بالفرق الأخرى، بل هناك أهداف أخرى، وهي أنه يريد أن يسقط التكاليف، لكن لا يريد أن يسقطها بطريقة مكشوفة، بل بطريقة منظمة وصل إليها بهذه الكيفية. والصوفية الآن الموجودون في جميع أنحاء العالم لهم تأثر في العبادة بما يرتبط بالهندوس، فالهندوس يقولون قولاً مشهوراً وهو: أن الإنسان ملزم بعبادات معينة، لكن فيما بعد مع مرور الزمن هذه العبادات تقل، فيقتصر من هذه العبادات على ذكر كلمة أو كلمتين أو ثلاث كلمات: براهما، براهما، براهما، أو فيشنو فيشنو فيشنو، دائماً باستمرار والصوفية عندهم نفس هذا المنهج، فإن الصوفي إذا ترقى إلى درجة معينة سقطت عنه التكاليف كما يقولون، فلا يصلي ولا يصوم ولا يحرم حراماً ولا يحل حلالاً، يعني: فيزني ويرتكب الحرام وكل هذا حلال له، فمرة كنا في العمل وكان عندنا هندي مسلم. فكان يمسح الطاولات وكان يقول: هو هو هو هو واستمعت إليه مرة ومرتين وثلاثاً وأربع، يعني: على مدار أيام، ثم جلست أتحدث معه، ففي نهاية المطاف قال: لقد وصلت إلى درجة أني كنت قبل عشر سنوات أقول: الله الله الله أما منذ عشر سنوات إلى الآن فكل عبادته مرتبطة بـ (هو) وأما الصلاة والصيام والحج والزكاة وغيرها من العبادات يقول: هذا أنا فوق فوق، يعني: لست مكلفاً بها، وهذه العقيدة بعينها موجودة عند الهندوس. إذاً: ما الذي جعل هذه تنتشر في بني جلدتهم؟ الذي جعل هذه الأمور تنتشر هو الجهل، فما خيم الجهل في مكان إلا وجدت الصوفية، وما وجدت الصوفية إلا وجد الشرك. إذاً: الجهل هو أساس البلاء، لكن العلم بشرع الله يقي من هذه المصارع، ويقي من هذه المساوئ.

الواقع المعاصر للهندوس

الواقع المعاصر للهندوس الهندوس الآن لهم دعوة مرتبة ومنظمة، وهناك الآن أساليب دعوية يستخدمونها في مجال الدعوة، أذكر لكم مثالاً واحداً على هذه الدعوة: أحد الأشخاص متقدم في العلم تخرج من إحدى الجامعات، وهو رجل منحرف، لكن مهما كان انحرافه فلن يصل إلى درجة الهندوسية، يقول: كان معنا دكتور هندي، فزرته في بيته، يقول: فأراد أن يعلمني الهندوسية، فجاء بصندوق صغير مذهب وفتحه ففاحت منه روائح العطر، يقول: فوقف أمامه بصورة العبادة المعروفة عند الهندوس، فسألته: ما هذا؟ فأفادني بأن ما في الصندوق هذا هو المعبود، فطلبت أن يريني إياه فأراني، يقول: فمن العجائب أني رأيت فيه صنم برونز، يعني: كأنه قطعة ذهب يقول: فبدأت أناقشه، فكان مصراً على هذه العبادة، وأنا ليس عندي أي خلفية دينية أصلاً، إذ كانت أحوالي الدينية سيئة للغاية فتركته على وضعه، يقول: سألت الهندوسي هذا: لماذا عبدته في هذا الوقت؛ فإني أعرف أنكم تصلون صباحاً ومساءً؟ فقال: ما استطعت أن أؤديها صباحاً لانشغالي في الكلية فأديتها ظهراً، انظروا إلى تمسكهم بدينهم مع تفاهته وسخافته. إذاً: هم يرتبون أمورهم.

واجبنا تجاه الهندوس

واجبنا تجاه الهندوس ماذا يجب علينا نحن تجاه هؤلاء؟ يجب علينا أن نتجه بالاتجاه المعاكس إلى دعوة هؤلاء إلى الإسلام، فهم الآن يحقدون على المسلمين حقداً عجيباً، وفي هذا الكتاب مجموعة من المواقف تجاه أعدائهم وبالذات المسلمين، ففي كتابهم: أن المسلم نجس إذا لمسته فلابد أن تغسل يدك بالماء وكذا وكذا أو ببول البقر، حتى تتطهر، ويقولون: المسلم نجس فلا يأكل من طعامك ولا يشرب من شرابك ولا يستخدم إلخ. وبذلك تظهر العداوة بين المسلم والهندوسي، ولذلك تجد الهندوسي يحاول أن يحقد عليك، بل والغريب أن الهندوسي هنا مع أنه عامل إلا أنه يحاول أن يتعالى عليك؛ لأنه يرى في نفسه أنه أعلى منك درجة، هذا مبلغه من العلم وللأسف الشديد. فيجب علينا أن نستخدم منهجين اثنين: المنهج الأول: دعم المجالات الدعوية في بلاد الهند، وهذا من أبسط الأشياء نظراً لانخفاض مستوى المعيشة هناك؛ فمثلاً عشرة ريال تستطيع أن تشتري بها عشرين أو ثلاثين أو أربعين شريطاً في الدعوة إلى الإسلام تطبع هناك. إذاً: تستطيع أن تدعم الدعوة هناك بمبالغ يسيرة، وكثير من الشباب يدعون هناك ويدرسون هناك، وعندهم الأهلية التامة لاستخدام هذه المبالغ -ولو كانت يسيرة- في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى. فلابد أن توضع هذه المسألة في الذهن. المنهج الثاني: دعوة الموجودين لدينا هنا عن طريق الاستفادة مما علمنا ومما سنعلم إن شاء الله؛ لأن هذه مقدمات وليست دراسة، وتستطيع أن تستفيد من مكاتب الدعوة ومن مكاتب الجاليات في سبيل دعوة هؤلاء، فلديهم عدد كبير من الكتب والأشرطة التي تعالج هؤلاء وتعالج ديانتهم وتدعوهم بالتي هي أحسن إلى دين الله سبحانه وتعالى. ثم النقطة الثالثة والمهمة هنا: هي أن تعلم أن هؤلاء أعداء لك، وأنهم لا يرضيهم إلا ألا يكون في الهند بأكملها أي مسلم، فتراهم يهينون المسلمين بشتى الطرق، ويرغمونهم على الانصياع لدينهم أو على الموت أو على الهجرة إلى مناطق الشمال، وطردهم شيئاً فشيئاً إلى بنجلادش أو باكستان، وبالتالي فإن عدد المسلمين يقل بهذه الكيفية، فهم يفكرون الآن في الامتداد الجغرافي، فكشمير الآن يخطط لها أن تكون هندية بشكل كامل، ويحاولون التأثير في اتخاذ القرار في الهند وفي بنجلادش عن طريق تكوين حكومات مؤيدة لها، فحكومة خالدة الضياء في بنجلادش، وحكومة بناظير بوتو التي سقطت وبدأت تظهر مرة أخرى يدعمونها حتى لا يظهر للإسلام دولة ولا قوة؛ لأنهم يعرفون أن الإسلام لو ظهر في بنجلادش أو في باكستان، فإنهم سيكونون فيما بعد مجاهدين، وأول ما يبدءون مجاهدة الذين يلونهم من الكفار، والذين يلونهم من الكفار هم الهندوس.

الأسئلة

الأسئلة

كيفية دعوة الهندوس إلى الله سبحانه

كيفية دعوة الهندوس إلى الله سبحانه Q هل الهندوس معتقدون تماماً بديانتهم على الرغم مما فيها من التناقضات والتفاهة ومنافاة العقل والفطرة السليمة، وهل يمكن دعوة الطبقة العليا من الهندوس إلى الإسلام؟ A دعوة الطبقة العليا واردة، وليس هناك شيء ليس بوارد، فالقضية قضية حجة وقضية بيان وقضية إسقاط الديانة الأصيلة ثم إيجاد البديل، فأنت اجعل منهجاً في الدعوة مع اليهودي أو النصراني أو الهندوسي أو البوذي أو أي إنسان خارج عن نطاق الإسلام، فاهدم ديانته أولاً، ثم بعد ذلك أعطه البديل، أما قناعتهم فعندهم قناعة تامة بديانتهم؛ لأنهم لم يجدوا البديل، فلو وجدوا البديل لسقطت هذه القناعة.

سفاهة الديانة الهندوسية

سفاهة الديانة الهندوسية Q كيف يعبدون هذه الآلهة في عصر العلم؟ A اسألهم فلعلهم يجيبون، فإن الدكتور الذي في جامعة كبرى معروفة مشهورة ومع ذلك يعبد بقايا البقر، كل هذا يدل على سفاهة هذه الديانة.

حكم استقدام الوثنيين إلى بلاد الإسلام

حكم استقدام الوثنيين إلى بلاد الإسلام Q نجد كثرة الهندوس في المؤسسات والشركات بأعداد كثيرة، فهل هناك كتب بلغتهم يمكن توزيعها عليهم ودعوتهم إلى الإسلام؟ A أولاً: لا يجوز استقدام مثل هؤلاء، فإن اليهود والنصارى أخف منهم ومع ذلك لا يجوز استقدامهم، فما بالك بأناس وثنيين؟! فلا يجوز استقدام هؤلاء، لكن وللأسف الشديدة عقيدة الولاء والبراء بالنسبة لنا كادت أن تندثر وتنمحي، وبالتالي ترتب على ذلك استقدام هؤلاء. ثانياً: الحكومة الهندية نفسها تفرض فرضاً -وللأسف الشديد- على المستقدم أن يأتي بنسبة معينة من الهندوس، يعني: إذا أردت استقدام عشرة من العمال فلا يرسلون لك مسلمين، بل يرسلون لك بحسب نسبتهم في الهند، فيرسلون ثمانية هندوس واثنين مسلمين، وهكذا نفس العملية بالنسبة للفلبين، ونفس العملية بالنسبة لتايلاند وهكذا، ولو أصرت الحكومات الإسلامية على ألا تتخذ هذا منهجاً وضغطت لترتب على ذلك تغير الوضع بالنسبة لهم، لكن الحكومات -وخاصة الحكومات الغنية، وخاصة حكومات الخليج- رضخت لهذا الرأي، فانتشر الهندوس لدينا بشكل غريب جداً، ولذلك يقول أحد الساسة الكويتيين: إن بلادنا تسير بالبركة -أي: الكويت- وإلا لو التفت الهندوس على بلادنا فإنهم سيأخذون الحكم في ظرف ثلاث ساعات، والسبب يقول: لدينا أكثر من مائة وخمسين ألف هندوسي، يعني: عدد هائل جداً؛ لأن البيت الواحد فيه ثلاث أو أربع خادمات، وأقل البيوت تجد فيه خادمتين، ولذلك صدر أمر فيه ترج من الحكومة للضغط نتيجة للتكاليف بعد الحرب، وترجو من الأسر التقشف والاكتفاء بخادمتين أو ثلاث، كذلك تجد في البيت خمس أو ست خادمات وسائقين، فتجد في بعض البيوت أن عندهم خادمة مربية، وخادمة للأولاد، وخادمة للرجل، وخادمة للمرأة، وخياطة للنساء. وتدخل أحياناً الأسواق فلا تجد هناك إلا عمالة، بل تدخل بعض الدول فتجد أن رجال المرور ورجال الشرطة كلهم من العمالة الأسيوية أو من الهند أو من غيرها، وقد ذهبت إلى البحرين مرة فوجدت شرطياً فسألته عن المكان الفلاني، فقال: أنا ما في! فحتى الشرطة صاروا من هؤلاء. إذاً: في الإمكان أن يلتفوا على المنطقة التي يريدون، ففي الإمارات ضباط برتب عالية ومدراء كبار برتب عالية في مؤسسات عسكرية، كلهم من هؤلاء الهندوس أو غيرهم. إذاً: هؤلاء لهم السلطة ولهم اتخاذ القرار وفي إمكانهم أن يفعلوا ما يريدون.

استمرار الديانة الهندوسية وانتشارها في الهند

استمرار الديانة الهندوسية وانتشارها في الهند Q هل مازالت هذه الديانة موجودة حتى الآن، أم اضمحلت وأصبحت بسيطة عند سائر البشر في الهند؟ وكيف يعرف أن هذا من المحاربين أو من المنبوذين؟ A أما قضية اضمحلالها أو عدم وجودها فهذا ليس بصحيح، بل هي موجودة وبكثرة، والآلهة والأصنام وغير ذلك موجودة بالملايين في الهند، ولعلك تزور الهند في يوم من الأيام لترى ذلك بنفسك، وأنا لا أدعوك لزيارتها؛ لأن هذه من الأمور التي تحرم لغير الضرورة، لكن لو افترضنا أن الضرورة ألزمتك بالذهاب، فسترى بأم عينيك أشياء كثيرة مما يرتبط بالطبقية، ومما يرتبط بعبادة الأصنام والأوثان وتقديس نهر الجنجا وغير ذلك، ففي بومباي تجد الواحد منهم يغتسل من مياه المجاري، لا أقول: النهر، وإنما المجاري يغتسل منها، وتجد كذلك النائمين على الأرصفة والبقاء عليها باستمرار، وتجد بجانبه قصراً لا تدرك أطرافه من فخامته لأحد البراهمة. وتجد الأصنام تباع في الأسواق بآلاف مؤلفة في معارض كبيرة، بل ويستخدمون أسلوب العرض لبيعها، ويسلطون عليها الأضواء، والآلهة ليس عليها أسماء، لكن أنت تأخذها وتجعل عليها اسماً، فتأخذ صنماً وتجعله يمثل إله كذا وكذا، للمرض الفلاني أو للعلاج الفلاني، وهذا من تفاهتهم.

سبب وضع الهندوسية نقطة حمراء على جبهتها

سبب وضع الهندوسية نقطة حمراء على جبهتها Q النساء الهنديات يضعن نقطة حمراء في الجبهة ما أصل هذا العمل؟ A أنت لو دخلت السوق ستجد نقطة حمراء على الجبهة، فهل هي من باب التجمل بالنسبة لهم أو غير التجمل؟ يقولون: إنها في الأصل من باب التجمل، لكن أول من بدأها الهندوسيات، فصارت علماً على الهندوسية تعرف بها، ويقال: إنها من باب العبادة؛ لأن هذه المنطقة يقولون: إن فيها تجمع الروح، ولذلك يضعون اليدين أو أطراف الأصابع عليها، فتجد المرأة تضع عليها هذه العلامة.

تعصب الهندوس لديانتهم

تعصب الهندوس لديانتهم Q هل الهندوس متعصبون جداً لديانتهم ويدعون لها ويرفضون التشكيك والكلام الناقض؟ A كل واحد يتعصب لديانته ويدعو إليها، لكنهم يتفاوتون ويختلفون فيها على درجات، كما أن المسلمين فيهم ملتزمون بالإسلام، ومنهم من يسمون أصوليين أو متطرفين -عند البعض- وهناك أناس ضعفاء في جانب من الجوانب ومقصرون في جوانب أخرى، كذلك لا يمكن أن توجد ديانة إلا وفيها هذه الدرجات.

كيفية التفريق بين الطبقات الهندوسية

كيفية التفريق بين الطبقات الهندوسية Q هل يمكن التفريق بين الطبقات الهندوسية؟ A هم يفرقون بين أنفسهم بأنفسهم، ويعرفون بعضهم من بعض بطريقة معينة، فأنت قد لا تعرفهم، أما هم فيعرفون بعضهم، وأذكر مثالاً على ذلك: كان عندنا كوري مسلم، فكنا نجلس معه ونستغرب منه ونقول: أنتم الكوريون كيف تستطيعون أن تفرقوا بين بعضكم البعض، فأشكالكم متشابهة؟ فقال: كلنا متفاوتون تفاوتاً كاملاً ولا تجد أي التباس في أشكالنا، لكن أنتم السعوديون متشابهون! قلنا: وهل هذا يعقل؟ قال: أنتم متشابهون بالنسبة لنا. إذاً: هو يقول هذا القول عنا، ونحن نقول هذا القول عنهم، كذلك الهندوس يعرفون بعضهم ويعلمون طبقاتهم، فهذا من الطبقة العليا وهذا من المحاربين وهذا من التجار وهذا من طبقة المنبوذين وهكذا.

واجب المسلم تجاه الهندوس

واجب المسلم تجاه الهندوس Q ما هو موقفنا أمام هذه الديانة وعملنا كشباب مسلم؟ A موقفنا من هذه الديانة بالنسبة لنا في بلادنا هو دعوة هؤلاء، والجانب الثاني والمهم ألا نستقدم هؤلاء إلى بلادنا، لكن نفترض أنهم جاءوا إلى بلادنا فإن القضية الأساسية هنا أن توجه لهم الدعوة عن طريق كتاب أو شريط وبالتي هي أحسن، والكتاب والشريط -ولله الحمد- متوافران في كل مكان، وهناك تسجيلات مهمتها بيع هذه الأشرطة، بعدة لغات من لغات الهند المحلية، وهناك مكاتب دعوة الجاليات لديها عدد كبير من الكتيبات فيما يرتبط بدعوة هؤلاء، فخذ واشتر وادع هؤلاء، فلعل الله سبحانه وتعالى يهدي أحدهم ويسلم على يديك، فيكون ذلك خير لك من الدنيا وما فيها، وخير لك من حمر النعم، ولابد أن تحث الآخرين على عدم استقدام هؤلاء سواء كان مديراً في مصنع أو شركة أو في مؤسسة أو غير ذلك، أو حتى في أسرة عادية لا تستقدم سائقاً هندوسياً أو خادمة هندوسية أو غير ذلك، وإذا أراد هؤلاء أن يستقدموا فليستقدموا مسلمين، هذا كذلك مما يجب علينا أن نعمله.

مدى صحة وجود المعابد الهندوسية في الدول الخليجية

مدى صحة وجود المعابد الهندوسية في الدول الخليجية Q ما صحة وجود معبد هندوسي في أحد الدول الخليجية؟ A المعابد الهندوسية موجودة في كل دول الخليج، لكن الهندوس ليس لديهم صلاة جماعية، إنما لديهم صلاة فردية، يعني: صنم موضوع، فيدخل الإنسان ويفعل حركات ويقرأ كلمات ويخرج، فيكفي أن توجد غرفة واحدة تمثل هذا المعبد، ولذلك فإن توافر هذه الغرفة من السهولة بمكان وفي كل مكان، ووجودها أمر خفي بالنسبة لنا، لكن وجود معبد معلن ومرسوم ومصمم على أنه معبد هندوسي يقال: إنه موجود في الإمارات، وأنا لم أقف على حقيقة الخبر، لكنه ليس ببعيد، فإن فيها كنائس، فليس بعيداً أن يوجد فيها معابد، وخاصة أن الهندوس يعدون أكثر بكثير من النصارى في تلكم الدولة، وأثرهم أكثر بكثير من أثر النصارى في هذه الدولة. والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اليزيدية

اليزيدية اليزيدية فرقة من الفرق الضالة والمنحرفة عن منهج الإسلام، وهذه الفرقة لها تواجد في تركيا وسوريا وإيران والعراق. ولهم عقائد وأفكار باطلة لا صلة لها بالإسلام.

عرض تاريخي لنشأة اليزيدية

عرض تاريخي لنشأة اليزيدية الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: فإن هذا الموضوع سيدور فيه النقاش حول فرقة من الفرق التي ظهرت منذ أمد بعيد، ومرت بأطوار متفاوتة مختلفة. ومن أبرز هذه الأطوار الطور الذي بدأ يبرز في هذا الزمن نتيجة للصحوة التي تعيشها الديانات في مختلف اتجاهاتها، بالإضافة إلى الصحوة التي تعم النحل داخل عموم الديانات، فلا تكاد تجد ديانة إلا وقد ظهر فيها نوع من الصحوة ونوع من الرجوع إلى دينها. فالنصرانية لديها صحوة بينة، واليهودية كذلك، والشيعة كذلك، والتصوف كذلك إلى آخر هذه السلسلة. ومن هذه الفرق أو هذه الطوائف أو -إن صح التعبير- هذه الديانات ديانة اليزيدية، هذه الديانة التي تنتسب إلى الإسلام نسبة فقط، ولكنها في الأصل بعيدة كل البعد عن دين الله سبحانه وتعالى. ولكي تتضح صورتها بشكل بين تحتاج إلى بعض العرض التاريخي لنعرف كيف نشأت هذه الطائفة. إن الأمويين بدأ ملكهم وبدأ حكمهم منذ تنازل الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما، وذلك أن المصطفى عليه السلام قال: (إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين). فبدأ الحكم الأموي من سنة أربعين أو إحدى وأربعين للهجرة، واستمر الحاكم أو الخليفة الأول معاوية بن أبي سفيان مدة، ثم بعد ذلك انتقل الحكم وراثياً إلى ابنه يزيد بن معاوية، ثم إلى معاوية بن يزيد الذي تنازل عن الحكم، وبعد ذلك تقلد عبد الله بن الزبير مقاليد الأمور وهو ليس بأموي. وقام البيت الأموي بمحاربة عبد الله بن الزبير ابتداءً من مروان بن الحكم ثم ابنه عبد الملك الذي أعاد للملك الأموي سيادته مرة أخرى، ثم استمر الحكم الأموي إلى آخر عهده في وقت مروان بن محمد بن مروان بن الحكم الذي يسمى بـ مروان الجعدي. هذا الرجل استمر حاكماً فترة من الزمن، ولكن الحكم العباسي بدأ يظهر ويبرز بقيادة رجل من دعاة الحكم العباسي، وهو أبو مسلم الخراساني الذي قاد جيشاً لجباً قوياً جداً فاتجه هذا الجيش القوي لمجابهة الجيش الأموي بقيادة مروان بن محمد الجعدي. فالتقى هذان الجيشان في معركة الزاب الكبير في العراق، وانتهت هذه المعركة بهزيمة قاسية للجيش الأموي، وهرب مروان بن محمد من منطقة الحرب إلى الشام، ثم هرب إلى مصر، ثم هرب إلى السودان، ثم قتل هناك. بعد أن اندثر البيت الأموي تولى العباسيون الحكم سنة (132هـ) وكان من أبرز المهام التي قاموا بها مسألة القضاء على كل أثر للبيت الأموي، أي: القضاء على أي رجل ينتسب إلى الأمويين بصلة النسب. فكانوا يقتلونهم قتلاً شنيعاً مريعاً مخيفاً، فكان الأمويون يختفون منهم في جميع الأماكن ويهربون إلى أطراف الأرض، وكان ممن هرب من هؤلاء رجل يدعى إبراهيم بن حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، واختفى في جبال شمال العراق، وهي بلاد الأكراد الآن، وهي عبارة عن مناطق جبلية شاهقة، وبدأ في تأسيس الدعوة لمجابهة الحكم العباسي. والحكم العباسي وجد في العراق كذلك، لكنه في أواسط العراق، أما في الشمال فكانت مناطق صعبة نائية ليس من ناحية المسافة، لكن من ناحية صعوبة الوصول إليها، وبالتالي بدأ إبراهيم هذا الدعوة لإعادة الحكم الأموي مرة أخرى. وواجه بعض الصعوبات، وواجه كذلك بعض الموافقة من قبل البعض، فضم إليه مجموعات من الناس وأيدوه وساهموا معه في ذلك. ووجد أن هؤلاء الناس الذين انضموا إليه لا يمكن أن يتم كسبهم من الناحية السياسية، فأراد أن يستفيد من الجوانب الدينية لتحريك الناس باعتبار أن العاطفة الدينية عند الناس أقوى بكثير من العاطفة السياسية، بل كثير من الناس ربما لا تحركهم العواطف السياسية، لكن لو حرك من الناحية الدينية لثار وتحرك خدمة لهذه العاطفة. فادعى بين الذين أيدوه أنه هو السفياني المنتظر، وقد ثبت في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: أن هناك رجلاً سفيانياً يخرج في آخر الزمان يكون له أثر معين، وذكرت آثار كثيرة عنه. فقال: إنه هو السفياني الذي ذكر في النصوص الشرعية، وسمي بالسفياني -بناءً على تفسيره- نسبة إلى أبي سفيان بن حرب، وأبو سفيان بن حرب هو جد لـ إبراهيم بن حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وبالتالي فهو المقصود بذلك، وفعلاً كان لهذه الدعوة نوع من التأثير الديني العاطفي داخل القبائل في ذلك المكان. استفاد إبراهيم من دعوته استفادة عادية، بمعنى: أنه حكم على هؤلاء، وربما استفاد منهم من ناحية الجاه والسلطة والمال وغير ذلك، لكن لم يستطع أن يوسع الملك باعتبار أن الحكم العباسي كان في بداياته، وكان قوياً جداً خاصة في وقت السفاح وأبي جعفر المنصور وغيرهم من الخلفاء كـ المهدي والهادي وهارون الرشيد والأمين والمأمون والمعتصم، كل هؤلاء الذين جاءوا في أوائل الحكم العباسي كانوا أقوياء للغاية وكانت جيوشهم قوية، وبالتالي فلم يكن له أي إمكانية للانتشار. ومع ذلك فإن الحكم العباسي لم يسكت عن هذه الدعوة فوجه إليها الجيوش المستمرة، وفعلاً تفرق هؤلاء تفرقاً تاماً وزالوا من الناحية المعنوية. أما من ناحية البقاء فلهم وجود وتجمع قبلي، ولا يزال حب البيت الأموي ممثلاً في إبراهيم بن حرب؛ وكذلك يزيد بن معاوية؛ لأن إبراهيم بن حرب بن خالد بن يزيد ينتسب إلى خالد بن يزيد بن معاوية، ومعاوية بن أبي سفيان. ويزيد بن معاوية ومعاوية بن يزيد الثالث هؤلاء يشكلون جانباً من البيت الأموي. والجانب الآخر يمثله مروان بن الحكم ومن جاء من بعده إلى آخر الخلافة الأموية، فلدينا الآن جانبان من الحكم. فـ إبراهيم بن حرب يرى أن خالد بن يزيد الذي هو جده قد غمط حقه فلم يعط إمكانية الحكم، وأخذ الحكم منه مروان بن الحكم، وبالتالي أراد أن يعيد لأسلافه المكانة التي كانت لهم بأن يؤسس لنفسه حكماً، وينسب هذا الحكم إلى رجل برز من خلال البيت الأموي الأول وهو يزيد. فـ معاوية أكثر بروزاً، لكن يزيد كان مجابهاً لحرب شعواء من قبل فئات متعددة من الناس، من أبرزهم العباسيون الذين كانوا يرون في الأمويين جملة وتفصيلاً أنهم هم الأعداء الأول بالنسبة لهم. وكذلك الشيعة والرافضة بشتى أصنافهم كانوا يرون في يزيد عدوهم الأول الذي في وقته تم قتل الحسين بن علي بن أبي طالب ومن معه من أبنائه وإخوته وغير ذلك. فكانوا يسبونه، وكان سب يزيد ولعنه من أبرز مناهج الشيعة، ولا تكاد تجد شيعياً وإلا وسب يزيد عنده من أصول الدين. كذلك رأى هؤلاء أن الخوارج يرون في يزيد بن معاوية عدواً لهم؛ لأن في وقته كان هناك نوع من القتال ضد الخوارج. إذاً: كان إبراهيم بن حرب يرى أن العباسيين والخوارج والشيعة كلهم يلعنون يزيد بن معاوية، فأراد أن يبرز يزيد بوجه مخالف للوجه المنتشر بين الناس، فبدأ يطلق على نفسه أو على حكمه أنه الحكم اليزيدي أو حكم الدولة اليزيدية نسبة لـ يزيد بن معاوية. ثم استمر إبراهيم بن حرب فترة من الزمن وتوفي، وبعد أن جاءت الجيوش العباسية فرقت هؤلاء شذر مذر، فاستمر هؤلاء يتوارثون محبة الأمويين في الجملة ويزيد خاصة، واستمروا فترة من الزمن إلى أن بدأ الحكم العباسي يضعف شيئاً فشيئاً، وبعد أن ضعف وجد في تاريخ اليزيديين رجل هو عدي بن مسافر بن إسماعيل الأموي، وهو رجل ينتسب كذلك إلى يزيد بن معاوية. ولد الرجل سنة (467هـ)، وبدأ في إعادة الدولة اليزيدية إلى كيانها مرة أخرى، وفعلاً بدأ الناس يتجمعون على عدي هذا ويحبونه، بل ويقدسونه، بل ويؤلهونه كما سيأتي، ثم تجمع هؤلاء جميعاً وتكونت الدولة اليزيدية مرة أخرى. نحن الآن نسير في النطاق السياسي ولم ندخل بعد إلى النطاق الشرعي، بمعنى: أن قضية نشأة اليزيدية كانت نابعة من الجانب السياسي على أرجح الأقوال، وهناك أقوال أخرى ستأتي. فبعد أن توفي عدي بن مسافر تولى من بعده ابن أخيه ثم ابن أخيه، ثم بعد ذلك جاء رجل آخر اشتهر بأنه عالم وعنده علم ومعرفة، فحكم فترة من الزمن، ثم ادعى أنه طلب من قبل الإله فاختفى عنهم لمدة ست سنوات، ثم جاء إليهم بعد أن قام بجولة في أرجاء الأرض وأرجاء السماء كما يدعي هو. ثم جاء إليهم بمجموعة كبيرة من المؤلفات والكتب التي فيها تحصيل لعقائد وأفكار وشرائع، وقال: هذه التي أعطانيها الإله، وجعلها لكم عقائد وديانة، فآمنوا بها واعتقدوها. ثم بدأ التطور يأتي إليها شيئاً فشيئاً، ثم بعد أن مات هذا الرجل تولى من بعده مجموعة خلفاء، وبدأ الضعف يتوالى عليهم شيئاً فشيئاً إلى أن أصيبوا بحالة ركود وخمود، واستمر هذا الركود فترة طويلة تتجاوز الستمائة سنة إلى أن بدءوا يظهرون في هذا القرن. في الوقت الحاضر بدءوا يظهرون ويعيدون أنفسهم، وذلك في بدايات القرن التاسع عشر، وتجمعوا سوياً وكونوا لأنفسهم منهجاً، ثم بدءوا بفتح فروع دعوية لهم في العراق، وأول ما بدءوا في كركوك، ثم في الموصل، ثم في مناطق السليمانية وغيرها في مناطق الأكراد، ثم بعد ذلك اتجهوا إلى بغداد، ثم اتجهوا إلى البصرة، ثم انتقلوا إلى فتح مكاتب دعوية لهم في سوريا وفي تركيا وفي إيران، وكل هـ

الأطوار التي مرت بها اليزيدية

الأطوار التي مرت بها اليزيدية هذه النحلة مرت بأطوار أربعة: أما الطور الأول فيبتدأ من سنة (132هـ) إلى سنة (500هـ) تقريباً، فهذا الطور يعد طوراً سياسياً في أول أمره بزعامة إبراهيم بن حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية. وبعد أن مات أصيب هذا الطور بالجمود والخمود إلى سنة (500هـ). الطور الثاني يبتدأ من سنة (500هـ) إلى سنة (600هـ) تقريباً، ويطلق عليه الطور العدوي الذي وجد فيه عدي بن مسافر بن إسماعيل الأموي الذي ولد سنة (467هـ) ومات سنة (557هـ). هذا الرجل كان قد نهج منهج التصوف، ولازم عبد القادر الجيلاني الصوفي المشهور ورابط معه مرابطة تامة، ثم سافر إلى عدة بلاد للتلقي الصوفي، ثم عاد إلى بلاده صوفياً بحتاً، فأنشأ الطريقة العدوية وهي طريقة صوفية كانت في الجملة من الطرق التي فيها بعض الغلو في بعض المسائل العقدية كما سيأتي. فهذا الطور يعتبر طوراً دينياً ابتدائياً دخل على الطور السياسي الذي خمد وركد قليلاً، فجاء عدي وأحياها سياسياً عن طريق الإحياء الديني. الطور الثالث ونستطيع أن نطلق عليه الطور الاستقلالي كدين جديد على يدي رجل يدعى الشيخ حسن بن عدي بن صخر بن صخر بن مسافر. فيعتبر عدي بن مسافر عم لوالده، فهذا الرجل هو الذي أحيا أو أبرز هذه الطائفة، فحكم حكماً عادياً في أول أمره، ثم جمع القبائل ورتبها ونظمها، ثم ادعى أنه مطلوب من الله، فاختفى عنهم فترة من الزمن تتجاوز السنوات الست، ثم جاء إليهم بعد ذلك بمجموعة من الكتب وقال: إنها كتب من الله أوحاها إليه. وهذه الكتب فيها مجموعة من القصص أخذها من القرآن والتوراة والإنجيل والزبور، وأخذها من التاريخ، وأخذها من ذهنه وفكره، وجمعها مع بعضها البعض وألف منها مجموعة من العقائد ثم أخرجها لهم. وكان هذا الرجل مقدساً ومحبوباً عندهم فتلقوا هذه الكتب بالقبول والتقدير والتقديس والاحترام، ولا زالت هذه الكتب موجودة ومشهورة بالنسبة لهذه الفرقة. الطور الرابع: هو طور الركود والتشتت. وبعد أن جاءت مجموعة من الزعامات التي تلت حسن بن عدي بدأ العالم ينظر إلى هذه الفرقة على أنها فرقة مرتدة، فبدأ يركز عليها وينظر إليها على أنها عدو جديد خرج ولا بد من قتاله وجهاده. فتوجهت إليهم الحروب، وخاصة أن المنطقة التي يعيشون فيها تعد من المناطق المشتعلة باستمرار، فشمال العراق فيها منطقة الأكراد، وهذه المنطقة تقع داخل حزام مضطرب، فهناك السلاجقة وهناك الصفويون وهناك بعد ذلك العثمانيون وغيرهم، كل هذه الدويلات كانت تقوم المعارك بينها داخل نطاق هذا التجمع اليزيدي. فكان بعضهم يركز على اليزيدية فيجاهدهم ويقاتلهم فتشتتوا وضاعوا، ثم أصيبوا بركود مستمر إلى أن بدءوا يحيون في هذا الوقت، وهو ما نسميه بالطور الخامس والأخير، وهو طور الظهور أو البروز. وهذا البروز تم في أواخر القرن التاسع عشر، ثم في أوائل القرن الحالي، وبدأ ظهورهم يبرز ويكثر عن طريق نشر كتبهم، حيث تم طباعتها من جديد، وإعادة صياغتها، وترجمتها إلى عدة لغات، وفتح مكاتب دعوية لهم في عدة دول، إلى آخر ذلك من النشاط الذي يفعله هؤلاء اليزيديون. وهناك كتب قديمة مؤلفة قبل ستين أو سبعين سنة تقول: إن عددهم في العراق فقط أكثر من مائة وعشرين ألفاً، مع العلم أن لهم تواجداً في إيران وفي تركيا وفي سوريا، وربما أن عددهم الآن في هذه الدول يفوق المليونين أو الثلاثة الملايين؛ نتيجة لجهودهم المستمرة والمتتابعة. وعلى افتراض أنهم أقل من ذلك في حدود المليون فإن النظرة الفاحصة في مناهجهم ودعوتهم تبين أن لديهم نشاطاً، وخاصة في المناطق الكردية التي ينتشر فيها الجهل، والتي تستغلها مجموعة من الديانات في سبيل التأثير عليهم، وأبرز هذه الديانات: النصرانية التي تنتشر في مناطق الأكراد عن طريق المساعدات الدولية الإغاثية بقيادة الأمم المتحدة. فهم ينشرون التنصير بشكل قوي جداً في تلك المناطق تحت مظلة الأمم المتحدة، وكذلك هناك جهود مستفيضة وقوية من قبل الرافضة لنشر الفكر الرافضي داخل هذه التجمعات.

أهم رجال الفرقة اليزيدية

أهم رجال الفرقة اليزيدية أول رجالات هذه الفرقة هو: يزيد بن معاوية، وقد سبق أن يزيد بن معاوية كان مستهدفاً من قبل مجموعة من الفرق، وبالتالي أراد إبراهيم بن حرب بن خالد بن يزيد إبرازه على أنه رجل ذو شأن، وأنه مختار من قبل الإله ليكون من مدبري هذا الكون، وبالتالي أضفي عليه التقديس والاحترام الذي وصل إلى درجة العبادة. فاليزيديون الآن يعبدون يزيد بن معاوية بطرق مختلفة كما سيأتي بل ويحتفلون بعيد ميلاده، ويسمونه عيد يزيد، فعيد يزيد هنا عبارة عن احتفال ضخم يقام في بلادهم، فيه شرب وطرب وغير ذلك مما يحصل في تلك الأعياد. الرجل الثاني هو: إبراهيم بن حرب بن خالد بن يزيد الذي يعتبر النواة الأولى لنشأة هذه الفرقة. الرجل الثالث هو: عدي بن مسافر الذي عاش قريباً من (90 سنة)، من (467هـ) إلى (557هـ) هذا الرجل من الرجالات المعدودين عندهم على أنهم من منشئي هذه الفرقة ومن أبرز دعاتها. وهذا الرجل بعد أن ولد وترعرع وكبر وتتلمذ على يدي مجموعة من الصوفية عاد إلى بلاده مرة أخرى ثم بدأ يعظ وينصح ويجمع الناس ويحاول أن ينمي فيهم العاطفة الدينية، وفعلاً أحبوه كلهم، وقد كان له عدة مزايا من أبرزها الزهد، فكان زاهداً؛ وإذا زهد الإنسان فيما عند الناس أحبه الناس، فكان زاهداً تماماً، وكان كل ما يملكه يعطيه لغيره فأحبوه، وأضيف إلى ذلك أن لديه علماً لم يكن موجوداً عند غيره. بالإضافة إلى أنه كان متكلماً فصيح اللسان، فأثر تأثيراً ليس باليسير في قومه، ونتيجة لذلك عندما مات بنوا على قبره ضريحاً ضخماً جداً، بل وبنوا على قبره كعبة مستقلة، بمعنى: أن قبر عدي بن مسافر يعد محجاً لليزيدية، فإذا أرادوا أن يحجوا في الحج المعروف فإنهم لا يحجون إلى مكة، وإنما إلى قبر عدي بن مسافر، ويطوفون عليه ويتمسحون به ويتبركون به ويسمون قبره بالكعبة، فعندهم كعبة مستقلة وحرم مستقل وهو حرم عدي بن مسافر. أما الرجل الرابع فهو: الحسن بن عدي بن صخر الذي ذكرناه سابقاً، والذي اختفى ست سنوات ثم عاد بديانات وأفكار جديدة. ثم من أبرز رجالاتهم كذلك: رجل يدعى بايزيد الأموي، وأنا لا أعلم إن كان موجوداً الآن أو لا، وقد ذكرت بعض الكتب الحديثة أنه هو الذي سعى بفتح المكاتب المختلفة للفرقة اليزيدية في العراق وفي تركيا وغيرها, وكان موجوداً إلى سنة (1969م)، فهذا الرجل يمثل امتداداً للفرقة اليزيدية. ولهذا الرجل جهود مستميتة في سبيل ترجمة كتب هذه الفرقة إلى اللغات الحية، فذكر عنه نشاط زائد وجهود جبارة في سبيل خدمة بني جلدته.

معتقدات اليزيدية

معتقدات اليزيدية ننتقل إلى النقطة التالية وهي المعتقدات والشرائع: إن الدين لم يأت إلى هذه الفرقة إلا من خلال المسمى بالشيخ حسن بن عدي بن صخر بن صخر بن مسافر، هذا الذي جاءهم بمجموعة من الكتب وكانت منتقاة ومجموعة من بعض الكتب المقدسة وغيرها. فجاء بمجموعة من الأقوال والأفكار وغيرها، وهذه المعتقدات والأفكار والأقوال تدور حول بدايات خلق الكون، وبدايات خلق آدم، ثم بدايات التناسل البشري، ثم بعد ذلك بدايات بعث الأنبياء، ثم ما يرتبط باليوم الآخر وعلاقة البشر باليوم الآخر، وبعد ذلك العقائد التي توصل إلى السعادة، والعقائد التي توصل إلى الشقاء، وكلها ضمنت داخل هذه الكتب. وعرض عقائدهم بشكل مفصل يحتاج إلى وقت، لكن سأذكر نماذج فقط.

عقيدة اليزيدية في إبليس

عقيدة اليزيدية في إبليس هم يؤمنون بالله، ويؤمنون بوجود رب لهذا الكون، لكنهم يقولون: إن الله خلق هذا الكون بأكمله، ثم خلق سبعة من الملائكة مساعدين له، من أبرزهم وأشهرهم إبليس، وهو زعيمهم وحاكمهم. وإبليس هذا له مكانة ليست باليسيرة عند هؤلاء اليزيدية، وقد أطلق عليهم الكثير من العلماء: عبدة الشيطان؛ لأنهم يعبدون إبليس باعتباره -عندهم- زعيم الملائكة، وهو في المرتبة الثانية بعد الله سبحانه وتعالى. ويقولون: إن إبليس مظلوم، ويقال من باب التوسع في هذه المسألة: إن اليزيدية إذا جاءهم إنسان ولعن إبليس عندهم فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل. ومن تعوذ من الشيطان عندهم فإنه يقتل، وهذا أمر متواتر عندهم، وقد ذكر أحمد تيمور باشا في كتاب له عن اليزيدية -وهو كتاب قيم-: أنه من خلال رجوعه إلى بعض كتبهم المقدسة التي لم تترجم وذكر بعضاً من نماذجها يقول: إن عدي بن مسافر عندما جاء من سفره الطويل بعد أن تلقى العلم على أيدي بعض المشايخ الصوفية وجد أن الناس يلعنون يزيد، ويلعنون الحكام العباسيين بأكملهم ويلعنون الخوارج ويلعنون الشيعة، ثم تطور اللعن إلى لعن علماء الشيعة وأئمتهم، حتى وصل اللعن إلى لعن علي بن أبي طالب والحسن والحسين لنوع من الانتقام. فيقولون: كونكم تلعنون يزيد الذي ننتسب إليه فنحن نلعن الذي تنتسبون إليه وهو علي بن أبي طالب أو الحسن أو الحسين، ونلعن عبد الله بن عباس الذي ينتسب إليه العباسيون. إذاً: صارت القضية قضية لعن لأناس مشهورين وبارزين ومعروفين، فأراد عدي أن يبعدهم عن اللعن، فعندما رأى القبول بالنسبة له نهاهم عن اللعن فانتهوا قليلاً، ثم حرم اللعن عليهم تحريماً قطعياً، حتى إن التحريم وصل إلى حد تحريم لعن إبليس بنفسه، فصار هؤلاء لا يلعنون أحداً، حتى إبليس أو الفراعنة أو أبو جهل أو أبو لهب أو غيرهم لا يلعنون. فهم يحرمون إطلاق اللعن، فترتب على ذلك أن هذه العقيدة نشأت من هذا المنهج. بعد أن مات عدي وجاء الشيخ حسن استغل هذا الجانب في مسألة أن إبليس يعتبر ملكاً له مكانة وله سلطة قوية، ولابد أن يعبد. إذاً: هؤلاء اليزيدية يعتقدون أن الكون خلقه الله سبحانه وتعالى وخلق سبعة ملائكة يعينونه ويساعدونه، وهؤلاء الملائكة يتمثلون في بشر ويسمون بالآلهة السبعة، فقد أوكل الله إليهم تصريف أمور الكون. وهؤلاء لهم تواجد ووجود لكنهم لا يمكن أن يظهروا في كل حين على الناس، فيقولون -مثلاً- إن يزيد أحد الآلهة السبعة، وهو ميت كجسد لكنه باق كروح، فهو ملك ارتبط بجسد ثم انتقلت هذه الروح لتدير جزءاً من الكون وبقي جسده المقدس في الأرض، فصار هذا الرجل ينقسم إلى قسمين: جسد مسجى في الأرض يعبد؛ لأن الروح قد حلت فيه فترة من الزمن، فقد تبارك الجسد بحلول روح هذا الملك فيه، وروح تدور في الكون وتصرفه. فـ يزيد وعدي بن مسافر وإبراهيم بن حرب وغيرهم من السبعة كانوا ملائكة حلوا في هذه الأجساد. ورابعهم الشيخ حسن، وهكذا بعض زعمائهم التالين لهم، حتى أوصلوهم إلى الآلهة السبعة، وأوكلوا بكل روح تصريف جزء من أمور الكون. وهذا يقودنا إلى الدخول في مسألة التأثر الصوفي الغالي، بمعنى: أن هذه الفكرة أو هذا القول نابع من تأثر عدي بن مسافر بفكر الغلاة من الصوفية الذين كانوا يرون أن الكون يديره أقطاب أربعة، وكل قطب له جزء من الكون يتصرف فيه ويديره حسبما يشاء، وهؤلاء الأقطاب الأربعة يختلف الصوفية في نسبتهم، فالبعض يقول: البدوي والدسوقي والرفاعي والجيلاني، وكل واحد يتصرف في ربع من أرباع الكون إلى آخر ذلك من الشعوذة والكلام الفارغ. لكن اليزيدية استفادوا هذه الفكرة من الصوفية ونقلوها إلى دينهم. إذاً: هذا جانب من جوانب التأثر اليزيدي من قبل المتصوفة. ويقولون: إن الله سبحانه وتعالى عندما أمر جبريل أن يأتي ببعض التراب من الأرض، ثم نفخ الله في هذا التراب الروح، ثم خلق منه آدم، ثم خرج من جسد آدم جسد آخر وهو جسد حواء. ثم بعد ذلك أمرهما الله سبحانه وتعالى ألا يأكلا من شجرة القمح، أما بقية الشجر فيأكلان منها كيفما شاءا. فاستمر آدم في الجنة أكثر من مائة سنة على هذا الوضع، وبعد ذلك بفترة من الزمن جاء إبليس وقال لآدم: ألا ترغب في ذرية؟ قال: بلى، أتمنى ذلك. قال: لك علي أن أعطيك الأبناء، لكن أطعني. فهم يريدون أن يحرفوا القصة ليكون إبليس في هذه الحالة قد فعل خيراً. فقال إبليس: كل من هذه الشجرة، أي: شجرة القمح. فأكل منها، وكان آدم لا يملك مخارج لتسريب الفضلات، فإن كل ما يؤكل من الجنة كان يضيع أو يخرج عرقاً، إلا القمح فإنه تكون نتيجة له بول وغائط، ولكنه لا يستطيع أن يخرجه، فاشتكى من هذا الأمر. فأرسل إبليس أحد الطيور إلى آدم فنقره نقرتين من الأمام والخلف، فانفتح فيه فتحتان للبول وللغائط، ثم بعد ذلك غضب الله على آدم لأنه عصاه في الأكل من الشجرة، وقال له: إن الجنة مطهرة طاهرة، وأنت الآن أكلت من هذه الشجرة فبدأ يخرج منك شيء قذر، وهذا لا يناسب الجنة، ولا يناسب ذلك إلا مكان آخر غير الجنة، فخرج إلى الأرض. فجاءه إبليس وقال له: إذا أردت الأبناء فاستخدم كذا وكذا، فوصف له الطريق ورزق بأبناء، فأعجب آدم بإبليس وأحبه، فإبليس له خدمة ليست باليسيرة بالنسبة لنا، فنحن الآن أثر من آثار نصيحة إبليس لأبينا آدم، وبالتالي فلا بد أن نحترم إبليس نتيجة لذلك. هذا توجيه ولهم عدة توجيهات في مسألة: لم يسمون عبدة الشيطان؟ ولم يحبون إبليس؟ فوجدوا في القرآن آيات كثيرة فيها لعن إبليس، وقالوا: هذا القرآن محرف من قبل الصحابة الذين جاءوا وأضافوا فيه هذا اللعن كراهية لإبليس، فكان القرآن عندهم محرفاً فيحرفونه بطمس أي كلمة فيها لعن لإبليس أو للشيطان أو غير ذلك بالشمع الأبيض. فالسبب الأول هو قضية اللعن. والسبب الثاني: القصة التي ذكرت. السبب الثالث: يقولون: إن إبليس هو سيد الموحدين؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمره بأن يسجد لآدم فرفض السجود، وبقية الملائكة سجدوا لبشر، إذاً: هؤلاء أشركوا مع الله غيره في السجود. أما إبليس فرفض أن يسجد لغير الله؛ لأن السجود لا يكون إلا لله، فهو سيد الموحدين لأنه رفض أن يشرك مع الله حتى لو زج في النار، فهذه دلالة على أنه ذو عقيدة راسخة لا يمكن أن تتحلحل. السبب الرابع: إن إبليس في هذا الزمن عنده القدرة على أن يضر الناس، فهذه القدرة توجب الخوف منه، وبالتالي فالخوف من إبليس يدعونا إلى أن نحترمه ونقدره؛ حتى لا يضرنا، ويجعل الضرر متجهاً إلى غيرنا. السبب الخامس: إن إبليس فيه بطولة عندما تحدى أمر الله سبحانه وتعالى. وانظروا كيفية التوجيهات العجيبة بالنسبة لهؤلاء في سبيل احترامهم لإبليس الذي أدى فيما بعد إلى أنهم يعبدونه ويوجهون له فروض العبادة. وهم لا يرون إبليس ولا يشاهدونه، ولكنهم يحبون أن يمثلوه في صورة من الصور، وبما أن اليزيدية يعيشون في شمال العراق، وشمال العراق مأوى لمجموعة كبيرة من الديانات ومن أبرزها ديانة الصابية التي تتمثل في عبادة الكواكب ممثلة في أصنام تصور هذه الكواكب، فقد استفادوا من هذه العقيدة فصوروا إبليس على أنه طاووس، فلذلك يسمونه الملك طاووس أو طاووس ملك. فصوروا إبليس على شكل طاووس وجعلوا هذا الطاووس على ألوان ويغلب عليها اللون الأزرق، ثم بعد ذلك عملوها على شكل فخار أول الأمر مصبوغة ثم برونز ثم ذهب وبدءوا ينشرونها، ولذلك قلما تجد بيتاً من بيوت اليزيدية وإلا فيه طاووس موضوع في أبرز مكان في البيت، ويتوجهون إليه بعبادات معينة. فإبليس الآن يعبد من دون الله نتيجة للأسباب التي ذكرت.

عقيدة اليزيدية في القبور

عقيدة اليزيدية في القبور كذلك من معتقداتهم عبادة قبر يزيد بن معاوية باعتبار أنه هو الأساس بالنسبة لنشأتهم، وعبادة قبر عدي بن مسافر والشيخ حسن وقبور كل الأئمة الذين جاءوا من بعدهم. فالأضرحة عندهم كثيرة جداً، ولا تكاد تجد مسجداً -يسمونه مسجداً- إلا وفيه قبر من قبور أوليائهم يعبدونه من دون الله سبحانه وتعالى. قبل أن ننتقل إلى بقية العقائد أريد أن أذكر طرفة أخرى من الطرف عن هذه الفرقة: هناك شيء في السماء يسميه علماء الفلك: مجرة التبان وفيه شيء شبه الغيم، وعلماء الفلك يقولون: إن هذه نجوم بعيدة جداً، ومن تكاثرها تكونت بهذا الشكل. لكن هؤلاء اليزيدية يقولون عنها شيئاً مضحكاً للغاية؛ يقولون: إن عدي بن مسافر ومعه مجموعة كبيرة من أتباعه أقام الله لهم وليمة في السماء، فركبوا خيولهم ثم صعدوا إلى السماء، وعندما اقتربوا من السماء أخبرهم أحد الملائكة أن خيولكم هذه ليس لها طعام، فقال عدي بن مسافر: أنا عندي تبن في المزرعة، فأرسل مجموعة ممن معه إلى مزرعته في الأرض. وهذا مذكور في كتابهم المسمى بكتاب المصحف رش، أي: كتابهم المقدس. فرجع مجموعة منهم وحملوا هذه الخيول بالتبن، ثم صعدوا إلى السماء، وفي الطريق جاءتهم ريح عاصف قوية فتساقط التبن في الهواء وأكملوا الطريق، بقي هذا التبن يسبح في السماء، ولذلك يسمونه طريق التبان أي: من التبن، أي: أن هذا التبن موجود في السماء نتيجة لسقوطه من خيول كانت صاعدة إلى السماء. هذا موجود في الكتاب المقدس، وأنا قرأته حقيقة بنفسي، والكتاب المقدس عندهم مترجم إلى اللغة العربية بلغة ركيكة جداً. وهذا يذكرنا بعجائب الهندوسية وعجائب بعض الديانات الأخرى، فسبحان الله العظيم! {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:82].

عقيدة التناسخ عند اليزيدية

عقيدة التناسخ عند اليزيدية العقيدة التالية من عقائدهم هي عقيدة التناسخ، واليزيدية يتأثرون تأثراً قوياً بالصوفية، وكان من أبرز عقائدهم التي أخذوها من التصوف عقيدة انتقال الأرواح من أجساد إلى أجساد أخرى. ولذلك فهم لا يؤمنون بالقيامة، ولا يؤمنون باليوم الآخر، بل يؤمنون بقضية التناسخ، والتناسخ عندهم هو الموجود عند الدروز والموجود عند النصيرية والموجود عند الإسماعيلية وعند المكارمة وعند جميع الفرق الباطنية. ويقولون: إن التناسخ ينقسم إلى أقسام متعددة، فهناك الرسخ وهو انتقال الجسد البشري إلى نبات، وهناك المسخ وهو انتقاله إلى حيوان، وهناك الفسخ وهو انتقاله إلى جماد، وهناك النسخ وهو انتقال الجسد إلى جسد آخر. ويقولون: إن الإنسان بحسب عمله، فكلما عمل خيراً أو شراً انتقل جسده إلى الجسد المقابل لعمله، فإن كان قد عمل شراً كثيراً فإنه سيأخذ مبدأ المسخ، أي: الانتقال إلى جسد حيوان. وإن كان قد عمل شراً قليلاً فإنه سينتقل إلى الرسخ، أي: الانتقال إلى النبات. وإن كان قد عمل شراً أقل أو غير ذلك ينتقل إلى قضية الفسخ أي: الانتقال إلى جماد. وإن كان قد عمل خيراً انتقل إلى إنسان أفضل، وقضية الشر درجات، وكلما ازداد الشر ازداد السوء في مسألة المسخ أو الفسخ أو النسخ أو الرسخ، وبالتالي نستطيع أن نقول: إن هذه العقيدة جاءتهم من عقائد الباطنية ومن عقائد غلاة الصوفية. وبهذا يتبين مدى صحة قول من قال: إن الشيخ حسن بن عدي بن صخر الذي جاءهم بهذه الكتب كان قد نقلها من مجموعة من كتب الفرق الأخرى.

المسائل الفقهية عند اليزيدية

المسائل الفقهية عند اليزيدية

الصيام عند اليزيدية

الصيام عند اليزيدية ننتقل إلى المسائل الفقهية عند الفرقة اليزيدية. أول قضية هنا هي قضية الصوم عند هؤلاء، فهم يصومون ثلاثة أيام في السنة فقط، وعندما يسألون: لماذا يصوم المسلمون ثلاثين يوماً وأنتم تصومون ثلاثة أيام؟ يجيبون بجوابين اثنين: الجواب الأول: هو الجواب الظاهر على الألسنة. أما الجواب الصحيح فهو الجواب المسجل في كتابهم المقدس، وهو المصحف الأسود أو مصحف رش، فيقولون فيه: إن رمضان كان رجلاً أطرش سمعه ضعيف، فأرسله الله إلى الناس ليبقى بينهم لينقل لهم قول الله سبحانه وتعالى. فقال له الله باللغة الكردية: (سي)، فنتيجة لعدم فهمه توقع أن الله يقول له: (سه)، فعلم الناس هذه العقيدة. معنى هذا الكلام: أن (سي) هي عبارة عن ثلاثة أيام باللغة الكردية، و (سه) عبارة عن ثلاثين يوماً، فالله قال له: اجعل الناس يصومون (سي)، فاعتقد أن الله يقول له: اجعل الناس يصومون (سه)، فنقل ذلك إلى الناس، وبالتالي أخطأ رمضان، وعندما جاء عدي بن مسافر اطلع على حقيقة الأمر فعدل الخطأ الذي حصل من رمضان. وهذه خرافة من الخرافات التي لا تقبلها الحيوانات، لكنها مصدرة في الكتب بالنسبة لهم، ولذلك يسمون رمضان الأطرش ولا يصومونه، وإنما يصومون ثلاثة أيام فقط لا غير.

الصلاة عند اليزيدية

الصلاة عند اليزيدية القضية الثانية: اليزيدية لا يصلون الخمس الصلوات المعروفة، لكن لهم صلاتان مشهورتان: صلاة يومية وصلاة سنوية. أما الصلاة السنوية فهي صلاة في أول شهر شعبان، حيث يسهرون ليلة كاملة يصلون صلاة معينة بركوعات وسجدات معينة بالنسبة لهم. أما الصلاة اليومية فهي صلاة الشروق، فعندما يستيقظ الإنسان من النوم يتجه إلى الشمس، وهذا يعطيك دليلاً آخر على تأثرهم بالصابئة، حيث يتجهون إلى الشمس ثم بعد ذلك يركعون لها ثلاث ركوعات بدون سجود، يركع أحدهم لها ركوعاً أولياً ثم يقوم ثم يركع ثم يقوم ثم يركع ثم يقوم، ثم يدعو بدعاء طويل مكون من صفحة كاملة لكن هو لا فائدة منه؛ لأن هذا الدعاء غريب للغاية؛ فهو مكون من كلمات مختارة من ثلاث لغات: من الكردية والعربية والفارسية. فتفهم كلمة ولا تفهم التي بعدها، وتفهم الثانية ولا تفهم الثالثة، وهكذا.

الحج عند اليزيدية

الحج عند اليزيدية الركن الآخر من أركان الدين عند اليزيدية هو الحج، فهم يحجون إلى قبر عدي بن مسافر، ويعتبرون عدي بن مسافر قبلة لهم يضربون إليه أكباد الإبل ويتجهون إليه ويطوفون بقبره، وقد بنوا على قبره ضريحاً مشابهاً للكعبة. ويأخذون من تربته ويسمونها البراءة، وهي عبارة عن تراب قديم يعجن بأشياء معينة ثم يضعه الإنسان معه باستمرار ولا يكاد يفارقه، ولذلك لا تكاد تجد يزيدياً إلا ومعه هذه التربة معلقة في جيبه أو في صدره أو في عضده، ويوجبون وجوباً عينياً على كل يزيدي يموت أن يجعل هذه التربة في فمه عندما يدفن في قبره وإلا فإنه سيواجه تحولاً في مسألة المسخ والنسخ وغيرها، أي: أنه سيعاقب على نسيانه لهذه البراءة.

الزكاة عند اليزيدية

الزكاة عند اليزيدية الزكاة بالنسبة لليزيدية هي دفع خمس الأموال لمشايخهم وقاداتهم، وهذه الفكرة مأخوذة من الفكر الشيعي. وهذا يعطيك دلالة على أنها عبارة عن عقيدة مجمعة من عدة عقائد، فأخذوها من الفكر الشيعي وأصلوها وهي أن يدفع الخمس لهؤلاء الزعامات.

مسائل عقدية متفرقة عند اليزيدية

مسائل عقدية متفرقة عند اليزيدية من العقائد اليزيدية عقيدة تحريم اللون الأزرق، فلا يلبسونه ولا يضعونه في شعاراتهم، والسبب في ذلك يعود إلى أن اللون الأزرق يمثل الطاووس، فالطاووس يغلب عليه بالنسبة لهم اللون الأزرق. فاللون الأزرق إذا لبس أبين سواء كان لباساً داخلياً أو خارجياً أو أثاثاً أو غير ذلك، ويترتب على ذلك عدم إهانة هذا اللون عن طريق الابتعاد عنه تماماً، فيحرمون استخدامه باستمرار، ولذلك لا تكاد تجد لوناً أزرق عند هؤلاء القوم. كذلك لليزيدية تقديس بين لبعض الظواهر الكونية، فيقدسون الشمس والقمر، ويقدسون بعض الكواكب، بل ويقدسون بعض الظواهر الكونية المتغيرة كالرعد والبرق وغيرها، وهذا نتيجة لتأثرهم بديانة الصابئة. ومن عقائدهم العجيبة: أنك لو رأيت يزيدياً ثم جئت فجأة وعملت دائرة حول هذا اليزيدي بالتراب، فإنه لا يخرج من هذه الدائرة إلا بعد أن تمحوها، أن يذكر أذكاراً كثيرة جداً، وإذا لم تمح الدائرة فإنه سيمكث فيها، ويقول أذكاراً متعددة ثم يخرج منها. يقول: إنك بهذه الدائرة تعمل سحراً له، وبالتالي فلو خرج منها قد يتأثر بسحرك، فيأتي بأذكار لطرد هذا السحر الذي فعلته تجاهه. وهذا طبعاً من غرائبهم. ومن عقائدهم تحريم القراءة والكتابة، وهذه من الأفكار التي طرحها عليهم الشيخ حسن بن عدي بن صخر بن مسافر وأخذوا بها، ولعل السبب يعود إلى أنه يريد من هذه الأمة التي جاء لها بهذا الدين ألا تقرأ الفكر الآخر من الديانات الأخرى فتتأثر فتعرف أنها على باطل، ولذلك إلى زماننا والأمية منتشرة بشكل هائل جداً في مناطق اليزيدية. فعندهم أمية بينة وظاهرة، والقراءة والكتابة محصورة في مشايخهم وأبرز قاداتهم، أما بقية الناس من عامتهم فإنهم يحرمون عليهم القراءة والكتابة. من العجائب كذلك قولهم: إن الإنسان إذا أراد أن يبصق فلا يبصق بصوت، ويصفون ذلك فيقولون: لا يبصق بضم الشفتين، وإذا بصق بهذه الكيفية فعليه أن يكفر بكفارات معينة، والسبب كما يقولون: إن البصاق بهذه طريقة فيه ذم للملك طاووس، أي: لإبليس. وهذا يعد أمراً منكراً أو كبيرة من الكبائر بالنسبة لهم.

الكتب المقدسة عند اليزيدية

الكتب المقدسة عند اليزيدية لهم مجموعة من الكتب المقدسة، من أبرز هذه الكتب ما ألفه الشيخ حسن ككتاب (الجلوة لأصحاب الخلوة)، وهذا الكتاب عبارة عن كتاب فيه صفات للإله وللخلق ولإبليس ولآدم وإلى وقت ظهور الفرقة. ثم يأتي الكتاب الأسود وهو مصحف رش، وهذا الكتاب يتمم كتاب الجلوة، ويتحدث هذا الكتاب عن نشوء الفرقة وعرض لمعتقداتها المختلفة وعرض لشرائعها، حتى الشرائع الصغيرة فهناك شرائع في الزواج والطلاق وغيرها، وشرائع كثيرة جداً موجودة في هذا الكتاب. ومن طرائفهم في مسألة الزواج أنهم يقولون: إذا أراد الإنسان أن يتزوج فعليه أن يبحث عن الفتاة المناسبة ويتفق معها على الزواج دون أن يعلم أهلها أو أهله، ثم بعد ذلك يأتيها في أي وقت فيختطفها اختطافاً. ثم بعد ذلك على أهل هذه الزوجة أن يذهبوا إليه ويصطلحوا معه. هذا هو أسلوب النكاح بالنسبة لهم، وكلها أشياء حقيقية غاية في العجب. ومن عقائدهم التي وجدت في هذا الكتاب ليلة يسمونها ليلة الفرشك، وهي في لغة الأكراد يسمونها الليلة السوداء، وهي مشابهة تماماً لليلة التي يعملها بعض الباطنية من اختلاط الرجال بالنساء وإطفاء الأنوار وما يحصل بعد ذلك.

أعياد اليزيدية

أعياد اليزيدية لهم عيدان رئيسيان، من أبرز أعيادهم: عيد رأس السنة الميلادية، فهم يحتفلون برأس السنة الميلادية كما يحتفل النصارى تماماً، وهذا نتيجة لتأثرهم بالديانة النصرانية. واليزيدية ينهجون منهج النصارى في تحليل الخمر، فالخمر عندهم هو دم عيسى عليه السلام، ويحرمون سقوط قطرة واحدة من الخمر على الأرض، ويقومون بالتعميد أي: تعميد أولادهم، فإذا ولد الولد أخذوه إلى عين معينة وصلبوه، فيعملون له صليباً ويرشوه بماء هذه العين كما يفعل النصارى تماماً في التعميد، وهذا دلالة على تأثرهم تأثراً كبيراً بالنصارى. كذلك عندهم عيد يزيد وهو تاريخ ميلاد يزيد يحتفلون به احتفالاً ذكرته سابقاً.

تأثر اليزيدية بالديانات الأخرى

تأثر اليزيدية بالديانات الأخرى تأثر اليزيدية بالديانات الأخرى، فتأثروا بالنصرانية والصابئة تأثراً واضحاً. وتأثرهم بالباطنية والصوفية في مسائل التناسخ ومسائل الحلول ومسائل الأقطاب والقطبية وعبادة القبور والطواف حولها وغير ذلك. أما تأثرهم بالصابئة والمجوسية فتقديسهم للظواهر الكونية، وتقديسهم للشمس وغير ذلك، هذا دلالة على تأثرهم بديانة الصابئة. هذا تقريباً ما يرتبط بالديانة اليزيدية، ولعلنا بهذه العجالة نكون قد عرفنا شيئاً عن هذه الديانة التي لها وجود في زماننا هذا، بل ولها نشاط حيوي في سبيل التكاثر والانتشار، وهذا يعطينا دفعات قوية في مسألة الحرص على أن نتمسك بديننا ونحمد الله سبحانه وتعالى على ما أعطانا من نعم، وكما بين السلف رحمهم الله أن الإنسان الذي يعرف الجاهلية يعرف ما يعيش فيه من نعمة وما يعيش فيه من نعيم، فيشكر الله على ذلك.

الأسئلة

الأسئلة

محل قيام اليزيدية

محل قيام اليزيدية Q أين قامت الدولة اليزيدية في أول نشأتها؟ A يقولون: قامت في منطقة تسمى منطقة لالش أو وادي لالش ومنطقة سنجار في شمال العراق في جبال الأكراد.

سبب إحياء كتب اليزيدية في القرن التاسع عشر

سبب إحياء كتب اليزيدية في القرن التاسع عشر Q كيف أحييت كتبهم في أول القرن التاسع عشر؟ وهل بقيت مخطوطات؟ A بقيت مخطوطات محفوظة عندهم؛ لأن لديهم قرى ومدناً خاصة بهم يحفظون بها كتبهم، إلى أن جاء أناس أقوياء أخرجوها. ومن الطرائف العجيبة: أن الجامع الكبير في صنعاء يحتوي على عدد هائل جداً من المخطوطات. هذه المخطوطات تقع في صفة الاصطلاح القديم، ومرصوصة رصاً فوق بعض، والأرضة قد أتلفت الكثير منها. هذه الصفة عبارة عن باب مرتفع عن مستوى الأرض ارتفاعاً بيناً، وأحياناً يحتاجون إلى درج من أجل أن يصعدوا، والمسئولون عنها رجال كبار في السن، فأحياناً لا يجدون شيئاً يصعدون عليه فكانوا يأخذون من هذه المخطوطات ويعملون بها درجاً. وقد ذكر لي أحد الأساتذة كان يدرس في اليمن فقال: أنا حقيقة قلبت هذه الصفحات، فهي محفوظة لكن لا يلزم المحافظة عليها، لكن هؤلاء حفظوها. ويقول: هناك مخطوطات في هذا المسجد تعود إلى أكثر من ألف ومائتين أو ثلاثمائة سنة، يعني قريبة من وقت الخلفاء الراشدين، وهذا دلالة على حرصهم على حفظ هذه المخطوطات.

حكم من ينتسب إلى اليزيدية

حكم من ينتسب إلى اليزيدية Q هل نكفر اليزيدي؟ A اليزيدي كافر، لا يعتبر من أهل الإسلام أبداً.

الحكم على يزيد بن معاوية

الحكم على يزيد بن معاوية Q هل يزيد كان عالماً بفرقته؟ A يزيد ليس بعالم، وقد أثنى عليه بعض العلماء، والبعض يذمه، والبعض يتوقف فيه. لكن في الجملة هو حاكم مسلم له جهود في خدمة الإسلام، وله قصور في جوانب أخرى، فلنا خدماته، وبقية ذلك أمره إلى الله سبحانه وتعالى.

الرد على قول اليزيدية إن إبليس كان موحدا

الرد على قول اليزيدية إن إبليس كان موحداً Q يقول: هلا رددت على الشبهة التي ذكرت أن إبليس إمام الموحدين حيث إنه لم يسجد لآدم؟ A إبليس لما رفض السجود ليس رفضه لأجل التوحيد، لكن كما ثبت في القرآن الكريم أنه أبى واستكبر، فالقضية قضية استكبار وإباء، فاستكبر على أمر الله سبحانه وتعالى وبين لنا ذلك من خلال قول الله عز وجل حاكياً عنه: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:12]. فرفض إبليس أن يسجد لآدم ليس لأنه أراد أن يوحد الله سبحانه وتعالى، بل رفض أن يسجد لآدم من واقع الإباء والاستكبار وتفضيل عنصره على عنصر آدم، ورجوعه إلى أصله الأول: {إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف:50].

موقف اليزيدية من الأنبياء

موقف اليزيدية من الأنبياء Q ما موقف اليزيدية من الرسول إذا كان رمضان هو المبلغ؟ A اليزيدية يرون في الرسل جميعاً أنهم جاءوا لأداء رسالة معينة من الآلهة السبعة وانتهى دورهم؛ فهم فقط مجرد مبلغين مثلهم مثل عدي بن مسافر ويزيد بن معاوية وإبراهيم بن حرب بن خالد بن يزيد وغيرهم. فهم في هذه المرتبة لا غير.

الفرق بين الزيدية واليزيدية

الفرق بين الزيدية واليزيدية Q هل لديهم تواجد في اليمن؟ وهل يعادون أهل السنة؟ A أريد أن تفرق بين كلمة اليزيدية والزيدية، فلا اتفاق بينهما البتة، فاليزيدية عبارة عن فرقة موجودة في شمال العراق في مناطق الأكراد. أما الزيدية فهي فرقة منتسبة إلى المنهج الشيعي، وبالتالي بينهما بون شاسع سواء في المكان أو في الفكر.

أماكن تواجد اليزيدية

أماكن تواجد اليزيدية Q نرجو ذكر أسماء أماكن تواجد اليزيدية في العالم؟ وهل لهم نشاط في الجزيرة العربية والخليج؟ A أما أماكنهم فقد ذكرت أنهم يتواجدون في تركيا وفي سوريا وفي إيران وفي العراق، هذا تواجدهم الأساسي. والأكراد الآن يطالبون بإنشاء دولة لهم، وهذه الدولة من الصعب أن تنشأ؛ لأن دولتهم التي يطالبون بها هي مناطق الأكراد، ومناطق الأكراد مقسمة بين الأربع الدول، فجزء منها في تركيا وجزء في سوريا وجزء في العراق وجزء رابع في إيران. فقد تجد كردياً سورياً وكردياً آخر قريباً له عراقياً، وكردياً ثالثاً تركياً، وكلهم أقرباء لبعض نتيجة لهذا التقسيم الاستعماري بعد تقسيم مناطق العالم الإسلامي. وبعد أن قسمت مناطق العالم الإسلامي كان هدف الاستعمار الأساسي والرئيسي هو أن يوجد مجموعة من المشاكل الحدودية التي بدورها ستوجد الخلافات بين الدول الإسلامية فتنشغل بهذه الخلافات الحدودية عن مسألة الإصلاح والدعوة أو غيرها. وهنا مثال على ذلك: هذا تقرير جديد من مجلس الأمن القومي الأمريكي لضرب الحركات الإسلامية في العالم؛ لإشغالها بذلك عن التفكير في المهمات الأخرى.

استغلال رمضان بالدعوة إلى الله

استغلال رمضان بالدعوة إلى الله Q تعلمون أنه في شهر رمضان يكثر المصلون في المساجد ويحضر فيها من لم يكن يحضر من قبل، السؤال: ماذا لو كان هناك استغلال لوجود هؤلاء في المساجد، وكيف ندعوهم؟ A لابد أن يضع الإنسان في اعتباره أنه مكلف من الله سبحانه وتعالى بالدعوة إلى الله، قال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108]. وقال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل:125]. فالخطاب هنا ليس خطاباً خاصاً، إنما العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالخطاب في القرآن الكريم للجميع، فنحن مأمورون بالدعوة في رمضان وفي غير رمضان، لكن يتعين علينا في رمضان استغلال هذا الجو الطيب في حث الناس على الاستمرار في العبادة والاستمرار في انتهاج منهج الصلاح وغير ذلك، وكل بحسب قدرته. فالذي يستطيع أن يتكلم يبذل جهده في ذلك، والذي لا يستطيع يحاول ويجرب إن لم يستطع في مسجد مليء بالناس فليجرب في مساجد بعيدة عن الناس فيها قلة من الحضور، فقد يفشل في أول محاولة وثانية وثالثة، لكنه سينجح -إن شاء الله- في الرابعة.

تحمس اليزيدية في نشر مذهبهم

تحمس اليزيدية في نشر مذهبهم Q عجيب أمر هذه الفرقة الباطلة في حماسها لنشر باطلها، ما تعليقكم على ذلك؟ A القضية مثلما ذكر عمر بن الخطاب: عجبت لجلد أهل الفجور على فجورهم، وضعف أهل الحق عن حقهم. فهذا أمر واضح وبين، وما الحرب التنصيرية الهائلة التي تصرف فيها آلاف الملايين في سبيل التنصير في جميع دول العالم إلا دليل يبين مدى الحرص على نشر هذه الديانة. ومعلوم أن أي موظف في الحكومة الأمريكية إذا قرر أن ينتقل إلى جانب التنصير أو يكون منصراً في أي دولة من دول العالم فإن الحكومة الأمريكية تعطيه الموافقة الفورية على أن ينتقل لهذا العمل ويصرف له راتبه كاملاً غير منقوص. وهذا فيه دلالة على الحرص على نشر التنصير من قبل الأفراد ومن قبل الحكومات. فهم يبذلون ويبذلون، ومن باب أولى أن أهل الحق أكثر بذلاً وأكثر نشاطاً في سبيل نشر الحق ودحر الباطل. أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

سلسلة الرافضة عقيدة وهدفا [1]

سلسلة الرافضة عقيدة وهدفاً [1] الرافضة من أكثر فرق الشيعة انتشاراً وقوة وعدداً وعدة، فينبغي اليقظة تجاه هذه الفرقة الخبيثة، ومعرفة أهدافها، والعمل على الحد من زحفها وانتشارها في أوساط المسلمين، وينبغي تعريف الناس بحقيقة هذه الفرقة التي كونت لها ديناً خليطاً من اليهودية والمجوسية والبوذية، وهي مع ذلك تتشدق باسم الدين الإسلامي، وأنها تسعى في نصرته.

أسباب وعوامل التركيز على الشيعة الرافضة

أسباب وعوامل التركيز على الشيعة الرافضة الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: ففي هذا اليوم نبدأ برنامجاً تعليمياً مرتبطاً بالرافضة عقيدة وهدفاً في الوقت الحاضر، وسيكون هذا البرنامج عبارة عن مجموعة من الحلقات التي نتحدث فيها عن واقع الرافضة من ناحية النشأة والأصول والعقائد في الواقع المعاصر، ثم بعد ذلك تكون الإجابة عن الأسئلة التي تدور في أذهانكم، وأرجو أن تكتب في حينها حتى لا تنسى، ثم بعد ذلك تجمع ويخصص لها درس مستقل إن كانت تستحق، أو جزء من درس إن كانت أقل من ذلك، كذلك ينبغي أن تكون الأسئلة والأجوبة حول هذا الموضوع الهام، الذي وللأسف الشديد يوجد كثير من الناس، بل وكثير من طلبة العلم الذين يعتقدون أن الصلة بين السنة بين الشيعة صلة قوية، ولا افتراق بينهم إلا في نواح يسيرة قد لا تتجاوز (10%)، أما (90%) فإنها مواضع اتفاق، وهذا وللأسف الشديد خطأ مبني على جهل مركب، وإلا فالخلاف بين أهل السنة وبين الرافضة خلاف في الأصول وفي الفروع، بل وفي كل شيء؛ لأن الرافضة لهم منهج مستقل، والإسلام بريء من دين الرافضة كبراءة الذئب من دم يوسف. فمسألة التركيز على الرافضة تعود حقيقة إلى مسألة هامة وهي: أن الرافضة اعتباراً من عام (1400هـ) بدءوا يظهرون ويبرزون بروزاً سريعاً وينتشرون انتشاراً بيناً، وقد يلحظ ذلك أهل العلم والبصيرة المتابعين بدقة، أما بقية الناس وللأسف الشديد فإن ملاحظتهم لهذه المسألة تضعف وتقل، وبالتالي لا يلقون لها بالاً، ولا يهتمون بهذا الجانب، فالشيعة الآن ينتشرون في جميع بقاع الأرض، ويدعون إلى مناهجهم، وهم مدعومون مادياً ومعنوياً وسياسياً من قبل دولة كاملة تتبنى منهجهم وتتبنى فكرهم، وتفرض إرادتها على الدول الأخرى، وتفرض مساعداتها ومساهماتها للدول التي تسايرها، وتقطعها عن الدول التي تعارضها. نبدأ هذا الدرس بمبادئ عامة أو قضايا عامة حول مسألة الرافضة. وهذه القضايا العامة تعتبر تمهيداً للدروس القادمة، أما الدروس القادمة فستكون دراسة تأصيلية علمية للفكر الرافضي، وهذه الدراسة ليست بمحاضرة إنما هي دراسة علمية تأصيلية، وهناك فرق بين الدرس العلمي وبين المحاضرة، باعتبار أن الدرس العلمي يأخذ طابع التأصيل والتميز والاختصاص بخلاف المحاضرة في الجملة أو الغالب. النقطة الأولى في هذه المسألة: لماذا ركزنا على الرافضة أولاً وتركنا غيرهم من بقية الفرق؟ لم لم ندرس النصيرية مثلاً أو الدروز أو الإسماعيلية أو الباطنية أو غيرهم من الفرق؟ السبب في ذلك يعود إلى أن الرافضة هم جمهور الشيعة، وهم الكثرة الكاثرة من الشيعة في هذا الزمان، بل وفي الأزمنة السابقة منذ ظهرت هذه الفرقة وانشقت عن دين الإسلام، فتعتبر هي الكثرة الكاثرة والعدد الضخم لمن ينتسب إلى هذا الفكر. الناحية الثانية: أن هذه الفرقة - أي: الرافضة - كالنهر الذي يسير في وسط بلاد معينة، وبقية فرق الشيعة سواء كانت فرق غالية أو فرق معتدلة كلها تستقي من هذا النهر، والفكر الرافضي هو الفكر الأصل، وبقية الفرق قد أخذت منه، وقد عدلت فيه أو أضافت عليه. إذاً: هي أصل وبقية الفرق تعد فروعاً لها. الناحية الثالثة: موقفهم المتميز من أهل السنة؛ فإن لهم موقفاً عدائياً واضحاً بيناً من أهل السنة، وقد تأصل وظهر على مدار التاريخ، وفي عدة أماكن، وبمختلف الوسائل، بخلاف بقية الفرق، فلو قال قائل مثلاً: إن النصيرية كان بينها وبين أهل السنة صراع، لقلنا: نعم، لكن النصيرية لا توجد إلا في منطقة محدودة وهي في جبال النصيرية الخاصة بهم في سورية. أما الشيعة الرافضة فالصراع بين أهل السنة وبينهم في كل مكان، بل وفي كل زمان إلى زماننا وربما إلى أزمنة لاحقة. الناحية الرابعة: بروز النشاط الدعوي لهذه الفرقة، تعلمون أن النشاط الدعوي للدروز ممنوع، والنشاط الدعوي للنصيرية ممنوع، والنشاط الدعوي للباطنية ممنوع، وإذا ظهر فهو على مستوى ضيق للغاية، أما النشاط الدعوي للرافضة فهو نشاط مدعوم، وتستخدم فيه جميع الإمكانات المتاحة لنشره وبثه بين الناس، وكذلك قضية انتشار هؤلاء في بقاع الأرض وفي كل مكان، وخاصة في المناطق التي يكثر فيها الجهل، فالذي يجب على الشاب المسلم أن يعرف هذه الفرقة معرفة واعية، ويدرسها دراسة مفصلة حتى يستطيع أن يلم إلمامة كاملة بمنهج هذه الطائفة وهذه الفرقة.

ظهور التشيع

ظهور التشيع النقطة الثانية في هذه المقدمات: متى بدأ التشيع؟ هذه القضية ذكرها علماء أهل السنة مفصلة، وذكرها علماء الشيعة مفصلة، ونحن في دراستنا هنا نريد أن نذكر الأقوال جميعاً، ثم نحاول أن نصل ونتلمس القول الصواب في هذا الجانب. هناك عدة أقوال ربما تتجاوز العشرة في مسألة: متى بدأ التشيع، فأعرض منها هذه الأقوال بإيجاز. القول الأول: أن التشيع بدأ مع ظهور آدم، أو بمعنى أخص قبل نزول آدم إلى الأرض، فآدم عليه السلام كما يقول الشيعة - هذا من باب تأصيل فكري وبيان أن هذا الفكر قديم قدم الإنسان، ولجذب الناس لهذا الفكر - يقولون: إن آدم عليه السلام عندما عصى الله سبحانه وتعالى نظر إلى العرش وإذا مكتوب عليه: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وأشهد أن علياً وصي الله. إذاً: هذا دلالة على أن علياً هو الوصي قبل أن يخلق بآلاف السنين، وآدم عليه السلام عندما أراد من الله سبحانه وتعالى التوبة سأل الله بما كتب على العرش، وطلب منه أن يغفر له بفضل وبمكانة محمد وعلي عنده، ويقولون: إن هذا التشيع قد ظهر بظهور آدم. وهذا من الأقوال التي سطروها في كتبهم؛ لرفع شأن التشيع بين الناس، وهذا من الكلام الباطل الذي ليس عليه دليل، والأدلة التي عندهم عبارة عن أكاذيب، وكما تعرفون جميعاً أن الشيعة من أكذب الناس، وكان العلماء الذين يؤلفون في الأمثال يستشهدون بمثل معروف ويقولون: أكذب من رافضي، وأكذب من أفعل التفضيل، يعني: أعلى شيء في هذا الجانب، فالرافضي من أكذب الناس في هذا الجانب. القول الثاني: أن التشيع ظهر مع إبراهيم عليه السلام، ويستشهدون لذلك بقوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ} [الصافات:83] فيقولون: أي: أن من شيعة علي لإبراهيم، فإبراهيم عليه السلام من شيعة علي بن أبي طالب. وهذا قول باطل ومردود وفيه حماقة؛ لأن الآية لا تؤخذ لوحدها، بل تؤخذ بما قبلها، فقوله: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ} [الصافات:83] أي: من شيعة نوح الذين ساروا على نهجه واقتفوا أثره في الإذعان لله سبحانه وتعالى إبراهيم عليه السلام. فكيف يكون إبراهيم عليه السلام من شيعة علي بن أبي طالب وعلي لم يخلق بعد ولم يأت بعد، فكونهم يدخلون اسم علي هنا فيه حماقة بينة، وهذا مذكور في كتب التفسير بالنسبة لهم. القول الثالث: أن التشيع ظهر، قبل البعثة، وذلك حينما أخذ العباس ومحمد صلى الله عليه وسلم بعض أبناء أبي طالب، فـ أبو طالب كما تعرفون عم الرسول صلى الله عليه وسلم وكان فقيراً، فاتفق العباس ومحمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام على أن يخففوا المئونة عن عمهم أبي طالب، فذهبوا إليه وقالوا: أعطنا بعض أبنائك نشرف عليهم ونربيهم وغير ذلك، فقال: اتركوا لي عقيلاً وخذوا ما شئتم، فأخذ العباس جعفر بن أبي طالب، وأخذ محمد بن عبد الله علي بن أبي طالب. قالوا: من تلك اللحظة بدأ التشيع وظهر، فصار علي مشايعاً لمحمد ومحمد مشايعاً لـ علي، وكانا جسدين بروح واحدة، فالتشيع عندهم بدأ من هذه اللحظة، وهذا لا دليل عليه، وإنما هو من باب تقوية أقوالهم في مسألة قدم التشيع. القول الرابع: أنه ظهر مع ظهور الإسلام، وذلك عندما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم، أي: منذ أنزل على المصطفى عليه الصلاة والسلام: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1] ظهر التشيع. يقول أحد علمائهم وهو محمد بن حسين كاشف الغطاء في كتابه (أصل الشيعة وأصولها) في صفحة (87) من هذا الكتاب، يقول: إن أول من وضع بذرة التشيع في حقل الإسلام هو نفس صاحب الشريعة يعني: أن بذرة التشيع وضعت مع بذرة الإسلام جنباً إلى جنب وسواء بسواء، ولم يزل غارسها يتعاهدها بالسقي والعناية حتى نمت وازدهرت في حياته، ثم أثمرت بعد وفاته. معنى هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء بدينين اثنين وليس ديناً واحداً، فهو يدعو إلى دين الإسلام ويدعو إلى التشيع، يعني: أن بذرة الإسلام بذرة مستقلة وبذرة التشيع بذرة مستقلة، ومعنى هذا أن هناك اختلافاً بين هاتين البذرتين، وهذا هو قول أحد علماء الشيعة المتأخرين. القول الخامس: أن التشيع ظهر بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك في سقيفة بني ساعدة عندما قام الصحابة بدراسة اختيار خليفة لهم بعد وفاة المصطفى عليه الصلاة والسلام، واتفقوا على أبي بكر، وكان علي بن أبي طالب منشغلاً بتغسيل الرسول عليه الصلاة والسلام وتجهيزه، فاختلف الصحابة قليلاً ثم اتفقوا على أبي بكر. أما علي بن أبي طالب والعباس فكانا مشغولين بالقيام بشأن الرسول عليه الصلاة والسلام. يقول الشيعة: إن الصحابة تآمروا واستغلوا فترة انشغال علي بن أبي طالب والعباس وآل البيت بتجهيز الرسول عليه الصلاة والسلام وأخذوا الخلافة غصباً منهما، وإلا لو كانا موجودين في السقيفة لما عدلوا بهما أحداً ولبايعوهما. ويقولون: في تلك اللحظة عارض بعض الصحابة اختيار أبي بكر خليفة للرسول صلى الله عليه وسلم، وممن عارض سلمان الفارسي وعمار بن ياسر والمقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وغيرهم. أقول: هذا كله كلام باطل ليس له أساس من الصحة، وإنما هو كلام مختلق، فإن الصحابة بأجمعهم قد أقروا بخلافة أبي بكر الصديق وبايعوه، وعلي بن أبي طالب كذلك بايعه معهم وأقر ببيعته وأذعن له وأطاعه. لكن الشيعة اختلقوا هذه القصص لتأييد قولهم أن التشيع ظهر بعيد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقام علي بن أبي طالب بالاعتراض على خلافة أبي بكر، وألفوا في ذلك قصصاً طويلة جداً، وسطروها في كتاب أسموه (كتاب السقيفة) أو كتاب سليم بن قيس العامري، يعني: له مسميان اثنان: (كتاب السقيفة) أو كتاب سليم بن قيس العامري، وهذا الكتاب ذكروا فيه قصة السقيفة كاملة، وأن الصحابة دخلوا على علي بن أبي طالب ووضعوا أرجلهم على رقبته إلى أن أقر وبايع لـ أبي بكر، وأنهم ضربوا فاطمة ضرباً مبرحاً حتى أسقطت ما في بطنها من حمل؛ لأنها رفضت أن تبايع أبا بكر إلى أن بايعته، وغير ذلك من الشعوذات. كما أن عمر بن الخطاب أحرق بيت فاطمة وأشعل فيه ناراً؛ لأنها رفضت أن تبايع أبا بكر. وهم بهذا يريدون أن يضربوا عصفورين بحجر. الأول: كسب تأييد الناس وعطفهم على آل البيت، ثم التمسك بمبدأ التشيع. الثاني: تأصيل أن التشيع بدأ وظهر بعيد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. القول السادس: أن التشيع ظهر في النصف الثاني من خلافة عثمان بن عفان، يعني: بعيد قدوم عبد الله بن سبأ اليهودي الصنعاني من اليمن، وذلك عندما أظهر الإسلام، ثم أظهر مسألة أنه من الدعاة إلى الإسلام، وركز على الجوانب الظاهرة من الإسلام وبخاصة الصلاة والمحافظة عليها، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي آخر خلافة عثمان بدأ يكون له بؤراً وتجمعات إفسادية في الكوفة والبصرة ومصر وغيرها، وينشئ بين هذه التجمعات والبؤر والأحزاب بعضاً من فكره ظهر فيما بعد. فيقولون: إن التشيع ظهر على يد عبد الله بن سبأ اليهودي الصنعاني. القول السابع: أن التشيع ظهر بعد وقعة الجمل التي قامت بين علي بن أبي طالب وعائشة رضي الله تعالى عنها ومعها طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام. وهذه المعركة حصدت خلال يوم واحد أكثر من عشرة آلاف قتيل مسلم، وهذا القول يؤيده أحد كتاب الشيعة وهو ابن النديم كما في كتابه (الفهرست) فيقول ابن النديم في صفحة (249): لما خالف طلحة والزبير علياً رضي الله عنه وأبيا إلا الطلب بدم عثمان، وقصدهما علي عليه السلام ليقاتلهما حتى يفيئا إلى أمر الله، فمن سار مع علي ضد عائشة وطلحة والزبير سموا أنفسهم شيعة علي. هذا القول ذكره ابن النديم في (الفهرست). القول الثامن: أن التشيع ظهر يوم صفين، وهي المعركة القوية التي ذهب ضحيتها أكثر من سبعين ألف قتيل بين علي بن أبي طالب من جهة وبين معاوية بن أبي سفيان من جهة أخرى. وظهرت بوادر التشيع عندما سمى الناس أتباع علي بشيعة علي، وسموا أتباع معاوية بشيعة معاوية، فأخذ لفظ التشيع أو ظهر اعتباراً من هذه المعركة. وبعد هذه المعركة ظهرت فتنة الخوارج فتنة الحرورية الذين قاتلهم علي بن أبي طالب بمن معه من الأتباع، فانقسمت القوات إلى ثلاثة أقسام: قسم مع معاوية بن أبي سفيان وهم أهل الشام، وقسم مع علي بن أبي طالب وهم أهل العراق، وقسم يتسمون بالحرورية أو الخوارج الذين انشقوا عن جيش علي بن أبي طالب. فمن هذا الوصف أخذ اسم التشيع يظهر ويبرز على الوجود. وقد أيد هذا القول مجموعة كبيرة من العلماء من أبرزهم الإمام ابن حزم الظاهري، وكذلك إحسان إلهي ظهير أيد هذا الرأي وناصره، بالإضافة إلى بعض الكتاب مثل:

وقفات مع بعض الأقوال في أول ظهور التشيع

وقفات مع بعض الأقوال في أول ظهور التشيع أقول: إن غالب هذه الأقوال ساقطة وباطلة ولا داعي لمناقشتها، وخاصة الذين يقولون: إن التشيع ظهر مع آدم، أو مع إبراهيم، أو قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، أو مع بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن هناك وقفات مع الذين قالوا: إن التشيع ظهر بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، أقول: إن هؤلاء لم يفرقوا بين محبة الصحابة لآل البيت الذين كانوا يرون في علي بن أبي طالب الأهلية التامة لأن يتولى الخلافة، ولكنهم في نفس الوقت يفضلون أبا بكر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي عينه ونص عليه بطريقة أو بأخرى كما في النصوص التي من ضمنها: (أن امرأة جاءت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقالت: إن عندي كذا وكذا فمتى آتيك؟ قال: في وقت كذا؟ قالت: فإن لم أجدك؟ قال: ائتي إلى أبا بكر). فدل ذلك على أن أبا بكر هو الذي يلي الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكن هؤلاء الصحابة وجدوا أن علياً مؤهل للخلافة، لأنه من آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم قد قال لنا: (اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)، وقال له كذلك: (ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى) يعني: أن منزلتك من الرسول صلى الله عليه وسلم كمنزلة هارون من موسى، وكان بينهما أخوة، وكذلك النصوص الكثيرة التي كانت ترفع من شأن علي بن أبي طالب. فكان هؤلاء الصحابة يحبون علي بن أبي طالب، لكن لم يصل هذا الحب إلى درجة أنهم يفضلونه على أبي بكر أو عمر لا. فاستغل الشيعة هذا الجانب وقالوا: إن هؤلاء الصحابة هم الذين بدءوا التشيع، وهذا القول متناف. أما الذين قالوا: إنه بعد معركة الجمل فهذا ساقط؛ لأن الناس في معركة الجمل بدءوا يسمون شيعة علي تمييزاً لهم عن شيعة معاوية، ولا خلاف بين شيعة معاوية وشيعة علي إلا في مسألة واحدة: من هو الأولى بالإمامة هل هو علي بن أبي طالب أو معاوية؟ أما في الفقه وأصول الاعتقاد والمنهج والفروع فهم متفقون تماماً، بل أن بعض الصحابة كانوا مع معاوية بن أبي سفيان كما أن كثيراً من الصحابة مع علي بن أبي طالب، فيكون هذا القول قولاً متهافتاً. والقول الذي تميل إليه النفس أن الشيعة المعتدلين ظهروا بعد معركة صفين وبعد مقتل علي بن أبي طالب وذلك حينما أحسوا أنهم فرطوا في نصرته، وبدءوا يزيدون في محبته شيئاً فشيئاً. وهؤلاء يسموا بالمعتدلين وانتهى المعتدلون، وليس في شيعة اليوم أناس يسمون بالمعتدلين. أما الغلاة فظهروا في أواخر خلافة عثمان وأوائل خلافة علي بن أبي طالب على يد عبد الله بن سبأ، وهم الذين ادعوا أن علي بن أبي طالب فيه ألوهية، وقام علي بن أبي طالب بإحراقهم، وقد ذكرت لكم ذلك في درس سابق عندما أعلنوا جميعاً أن علي بن أبي طالب هو إلههم وكانوا يصرحون بذلك بين الناس ويدعون إلى هذا المنهج، حتى إن علي بن أبي طالب أخذهم واستتابهم فأصروا على كفرهم، فحفر أخاديد ووضع فيها حطباً وأشعل فيها النار ثم أمر بهم فأحرقوا، وقد قال: ولما رأيت الأمر أمراً منكرا أججت ناري ودعوت قنبرا فأحرقهم داخل هذه الحفر، وهذا يدل على أن هؤلاء كانوا غلاة، وعندما رأى أتباعهم أنهم سيحرقون ويقتلون أحجموا عن إظهار مذهب الغلو. والشيعة أخذوا بمنهج الغلو وجعلوه دينهم إلى زماننا هذا. أما بداية تأصيل الفكر الشيعي ليأخذ منهجاً مستقلاً عن أهل السنة فقد بدأ بعد معركة كربلاء، عندما صار الشيعة يحسون بالحسرة والألم لعدم نصرتهم للحسين، فبدءوا يفكرون في الانتقام من بني أمية، لكنهم سلكوا طريق الانحراف عن المنهج، حين خالفوا الأمويين حتى في مجال الدين، واستغل بعض المجوس واليهود هذا الجانب المنحرف في هؤلاء ودخلوا معهم في التشيع، ثم بدءوا يعطونهم جرعات تدريجية من الانحراف، حتى انحرفوا كلياً عن شرع الله سبحانه وتعالى. أما بعد معركة زيد وهشام بن عبد الملك سنة (122) للهجرة فيسميها بعض العلماء مرحلة انقسام الشيعة إلى قسمين، ولكن الشيعة كما هو معروف الآن تتجاوز فرقهم أربعمائة فرقة، ذكر المقريزي أنه عد من الشيعة أكثر من ثلاثمائة وثلاثين فرقة، وربما يتجاوزون ذلك بكثير، وبداية الانقسام من لحظة مخالفة زيد لرأي الأكثرية الذين طلبوا منه التبرؤ من أبي بكر وعمر، فهؤلاء انحرفوا عنه وتركوه فسموا رافضة. أما الذين بقوا معه وساروا على منهجه فسموا زيدية، فالزيدية هؤلاء هم الذين ناصروا زيداً وساروا معه وقتلوا معه، وتبنى فكر الزيدية ابنه يحيى بن زيد الذي هرب من المعركة واتجه إلى مناطق بعيدة عن منطقة الأمويين، وبدأ ينشر المذهب الزيدي في مناطق بعيدة قريباً من أفغانستان الآن، ثم بعد ذلك انتشر المذهب الزيدي في مناطق عديدة من أبرزها اليمن.

أماكن نشوء التشيع وأسباب ذلك

أماكن نشوء التشيع وأسباب ذلك النقطة الثالثة: أين نشأ التشيع؟ نشأ التشيع وظهر في العراق، ويظن كثير من الناس أن موطن التشيع وبؤرة التشيع في إيران، أقول: لا؛ فإيران لم تكن شيعية إلا في الوقت القريب، يعني: قبل ثلاثمائة أو أربعمائة سنة فقط، أما قبلها على مدار الألف سنة فقد كانت إيران دولة سنية بحتة ليس فيها تشيع إلا القليل النادر، وعندما جاءت الدولة الصفوية نشرت التشيع. أما ظهور التشيع وبروزه فقد ظهر في العراق، وسبب ظهوره في العراق يرجع إلى عدة أسباب: الأول: أن الحسين وآل بيته دفنوا في العراق في كربلاء في الكوفة، ولأن علي بن أبي طالب دفن فيها، فهؤلاء من محبتهم لآل البيت أرادوا أن يكونوا قريبين من قبورهم. الثاني: أن العراق بؤرة التجمع المجوسي الفارسي، والمجوسية هي التي استغلت التشيع كستار لإعادة المجوسية إلى العالم الإسلامي مرة أخرى عن طريق التشيع. إذاً: صار هناك عاملان: العامل الأول: أن بؤرة المجوسية العراق. الثاني: أن آل البيت قد دفنوا في العراق، وبالتالي كان المجوس قد استفادوا من وجود آل البيت في منطقتهم سواء كانوا أحياءً أو موتى؛ لإظهار العقيدة المجوسية تحت ستار التشيع. الثالث: الصراع التقليدي المعروف بين العراق والشام، فالعراق دائماً معارض للشام، وفي صراع مستمر منذ مدد طويلة، من قبل الإسلام وإلى وقتنا هذا، ولا تكاد تجد توافقاً بين العراق والشام أبداً بأي حال، حتى في هذا الزمان عندما قام حزب البعث العربي السوري وحزب البعث العربي العراقي ومنهجهم واحد ومؤسسهم واحد ميشيل عفلق، ومع أن الفكر واحد إلا أن الصراع أبى إلا أن يسلك مسلكاً، ولذلك تجد أن كلاً منهما أراد أن يزيل الآخر. السبب الرابع: أن العراق كما صح في الحديث يظهر منه قرن الشيطان، كما بين لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم ذلك في أحاديث كثيرة جداً، وكذلك الفتن تظهر من العراق، كما أشار صلى الله عليه وسلم بيده نحو المشرق، ومشرق المدينة هو العراق، وبالتالي فالعراق منطقة ظهور الفتن، ومن ضمن هذه الفتن فتنة الشيعة الرافضة.

مسميات الشيعة وأسبابها

مسميات الشيعة وأسبابها النقطة الرابعة: الأسماء أو المسميات التي تطلق على الشيعة الرافضة، فواحد يقول لنا: شيعة، والثاني يقول: برافضة، والثالث يقول: إمامية، والرابع يقول: إثنا عشرية، والخامس يقول: بحارنة، والسادس يقول: جعافرة، وكل هذه الأسماء تدل على مدلول واحد. سأتكلم عن أسماء الشيعة بإيجاز، وأحاول أن أبين سبب التسمية. أقول: أول اسم يطلق عليهم الشيعة، وهذا الاسم من الأسماء التي يفخرون بها، وكلمة شيعة هنا صارت علماً عليهم، وإلا فنحن كذلك شيعة؛ لأننا نحب آل البيت ونشايع أهل البيت ونؤيد أهل البيت، لكن صارت علماً عليهم لتجاوزهم المشايعة والمناصرة إلى درجة الغلو، وصار العلماء جميعاً يطلقون عليهم هذا اللفظ في مقابل أهل السنة. الاسم الثاني: الإمامية، إذا قيل: الإمامية فهم الشيعة؛ والسبب في تسميتهم بالإمامية أنهم يجعلون الإمامة أصل الدين الأول، فهم يقولون: لو عبد الله العبد بين الركن والمقام منذ خلق الله السماوات السبع والأرضين السبع إلى أن تقوم الساعة، وجاء يوم القيامة بغير ولاية آل البيت، فإن الله سيكبه على وجهه في نار جهنم. إذاً: عندهم العبادة في جانب، والولاية في جانب آخر. ويقولون: لو جاء العبد بعمل سبعين نبياً، ثم جاء منكراً لولاية أحد من آل البيت لكبه الله في النار على وجهه. ويقولون: لو جاء العبد بذنوب لا حصر لها، حتى لو كان يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً وجاء مقراً بولاية آل البيت لأدخله الله الجنة على ما كان عليه من العمل. معنى هذا أن أهم شيء عندهم هو الإقرار بالإمامة، فمن أقر بالإمامة دخل الجنة ومن أنكرها دخل النار، وبقية مسائل الدين هذه تعتبر بالنسبة لهم لا شيء، فالصلاة والصيام والزكاة وغيرها، يقولون: من فرط فيها فإنه يدخل النار لكن أياماً معدودة، ثم يخرج منها ويدخل الجنة. إذاً: الإمامية سموا بهذا الاسم لهذا السبب. الاسم الثالث: الإثنا عشرية، وسموا بالإثني عشرية؛ لأنهم يقولون: إن الإمامة جاءت من الله سبحانه وتعالى لاثني عشر إماماً، وهؤلاء الأئمة هم: علي بن أبي طالب، ثم الحسن بن علي والحسين ثم علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ثم محمد الباقر، ثم جعفر الصادق، ثم موسى الكاظم، ثم علي الرضا، ثم محمد الجواد، ثم علي الهادي، ثم الحسن العسكري ثم محمد المهدي المنتظر الذي اختفى في سرداب سامراء سنة (255هـ) ولم يخرج حتى الآن فهم يقولون: إن الإمامة لا تكون إلا في هؤلاء، وإذا لم يوجد هؤلاء الأئمة فإن المسلمين لا يجوز أن يكون لهم إمام، ولذلك بعض الشيعة الآن يعارضون قيام الدولة الشيعية، ويقولون: لا يجوز أن تقوم دولة إلا بوجود إمام، ولكن بعض علمائهم القدماء مثل محمد باقر المجلسي وبعض علمائهم المعاصرين وهو الخميني اخترعوا ما يسمى بولاية الفقيه، أي: أن الفقيه بديل عن الإمام ويقوم بما يقوم به الإمام، ما عدا بعض القضايا وخاصة الجهاد وإقامة الحدود وصلاة الجمعة والجماعة. الاسم الرابع: الرافضة، وسموا بالرافضة؛ لأنهم يرفضون أبا بكر وعمر كما سماهم زيد بن علي بن الحسين عندما قال: رفضتموني، وفي رواية أخرى: أنهم قالوا: لن نقاتل معك حتى ترفض أبا بكر وعمر. وعندما رأوا هذا الاسم قد لصق بهم أرادوا أن يحرفوه فقالوا: نعم نحن رافضة، يعني: نرفض الظلم والحيف والفساد، فسمينا بالرافضة نتيجة لذلك، فحاولوا أن يحرفوا المعنى إلى معنى آخر أفضل من المعنى الأول بالنسبة لهم. الاسم الخامس: الجعفرية أو الجعافرة نسبة إلى جعفر الصادق وهو الإمام السادس عندهم، وهذا الإمام العالم جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب هو من العلماء الذين تتلمذ على يديهم مجموعة كبيرة من أئمة الإسلام كالإمام أبو حنيفة. والإمام جعفر الصادق كان يسب الشيعة ويلعنهم ويطردهم من مجلسه ولا يجالسهم ويكرههم، ومع ذلك فالشيعة يقدسونه تقديساً عجيباً، بل وصل الأمر بهم إلى درجة أنهم يكذبون عليه كذباً عجيباً وغريباً، وبعض العلماء حاول أن يحصر ما كتبه الشيعة ونسبوه إلى جعفر الصادق من كتب ومؤلفات وأقوال ونصوص وأحاديث وغيرها فقال: لو أن جعفراً الصادق كتب كل ما نسب إليه منذ ولد إلى أن مات ولا أكل ولا نوم ولا صلاة لما استطاع أن يستوفي نصف ما نسب إليه، وهذا يدل على صحة ما قاله بعض علماء الأمثال: أكذب من رافضي. الاسم السادس: البحارنة، والبحارنة نسبة إلى البحرين، وهذا الاسم من الأسماء الدارجة عندنا هنا في نجد، وليست البحرين هي البحرين الدولة المعروفة، لكن البحرين هي منطقة الدمام أو القطيف أو المنطقة الشرقية كانت تسمى بمنطقة البحرين، فالقطيف تسمى البحرين، وما حول القطيف كانت تسمى قديماً منطقة البحرين، وكانت منطقة شيعية قديماً من أيام ظهور القرامطة في القرن الثالث الهجري في ذلك المكان، وتناسلوا وكثروا، ثم استطاعوا في القرن الرابع الهجري أن يسيطروا على نجد في عهد دولة بني بويه، ونشروا المذهب الشيعي بنجد، ولكنهم اندحروا وزالوا ورجعوا إلى مناطقهم. ويسمون البحارنة نسبة إلى هذه المنطقة، ولو نسبناهم إلى منطقة البحرين الجزيرة المعروفة والدولة المعروفة، فإن هذه تسمية صحيحة باعتبار أن البحرين الموجودة الآن فيها أكثر من (70%) من سكانها شيعة، وبالتالي نستطيع أن نقول: إن النسبة سواء كانت إلى البحرين المعروفة قديماً وعرفت حديثاً بالمنطقة الشرقية أو القطيف أو غيرها، أو حتى إلى الجزيرة المعروفة التي كان تسمى قديماً جزيرة البحرين، فإن التسمية في ذلك صحيحة.

الجذور الأجنبية لفرقة الشيعة الرافضة

الجذور الأجنبية لفرقة الشيعة الرافضة النقطة الخامسة: الجذور الأجنبية لهذه الفرقة. عندما نأخذ عقائد الشيعة أو الرافضة أو الإمامية فالأسماء مختلفة لكنها تدل على منهج واحد، فلو أخذنا هذه العقائد ثم درسناها دراسة مفصلة ومتأنية ودقيقة سنخرج بمنهج وهو أن هذه الأفكار والعقائد والأصول والفروع قد استقت من أفكار أخرى ومناهج أخرى. وهؤلاء الذين درسوا هذه القضية اختلفوا، قال بعضهم: إن الشيعة يرجعون إلى الأصول اليهودية، والبعض قال: إنهم يرجعون إلى الأصول المجوسية الفارسية القديمة، والبعض قال: إنهم يرجعون في عقائدهم وأصولهم إلى الديانات الهندوسية والبوذية وغيرها، فكل واحد جاء بأدلة وجاء بآراء، ونحن هنا نريد أن نستعرض هذه الأفكار وهذه الأقوال لنرى ما هو القول الراجح في هذه المسألة.

القول بأن دين الشيعة مأخوذ من اليهودية

القول بأن دين الشيعة مأخوذ من اليهودية الفرقة الأولى الذين قالوا: إن أصل الفكر الشيعي يهودي. من أبرز من سار على هذا الرأي شيخ الإسلام ابن تيمية، ووافقه على قوله مجموعة كبيرة من العلماء، بل وبعض المستشرقين أيد هذا القول كما سنعرف بعد قليل. وأدلتهم في ذلك كثيرة نقتصر على دليلين اثنين: الدليل الأول: قالوا: إن عبد الله بن سبأ الذي ظهر في أواخر خلافة عثمان بن عفان كان يهودياً، ودخل في الإسلام نفاقاً، مثلما دخل شاول الذي تسمى باسم بولس في الديانة النصرانية وحرفها وغيرها وهو يهودي، وهذا الرجل استخدم نفس فكر شاول فدخل في الإسلام وأراد أن يحرفه، لكن الله سبحانه وتعالى تكفل بحفظ الإسلام، وبالتالي لم يستطع أن يحرفه مثلما نجح شاول في تحريف النصرانية. فهؤلاء يقولون: إن ابن سبأ جاء بآراء منها: مسألة الرجعة ومسألة العصمة ومسألة الإمامة وأن علي بن أبي طالب هو الأولى بالإمامة، وهذه الأقوال الكثيرة التي قال بها عبد الله بن سبأ هي التي يقول بها الشيعة الآن. الشيعة يقولون بعصمة الأئمة، ويقولون بأن الأئمة يعلمون الغيب، وأن الأئمة فوق مستوى البشر، قال الخميني: إن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل. ويقولون: إن أئمتنا يعلمون ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، وإن أئمتنا يعلمون متى يموتون ولا يموتون إلا باختيارهم. وهذه الأقوال التي ذكرتها لكم قبل قليل مسطرة في كل كتب الشيعة كلها بلا استثناء، ويقولون برجعة علي بن أبي طالب في آخر الزمان قبل أن تقوم الساعة، وهذا سنعرفه إن شاء الله في حينه. إذاً: مسألة ظهور أو وجود الفكر السبئي في الفكر الشيعي قديم وحديث، وهذا لا خلاف فيه. بهذا يكون المذهب الشيعي قد استقى فكره من الفكر اليهودي، هذه النقطة الأولى. النقطة الثانية: التشابه في الأصول الفكرية بين اليهود وبين الشيعة، سواء كانت في الأصول أو في الفروع، والذي ذكر ذلك وأصله وفصله كثيراً هو شيخ الإسلام ابن تيمية في (منهاج السنة) فقد ذكر في ذلك نصاً جميلاً وطويلاً أقرؤه عليكم سريعاً. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ومن أخبر الناس بهم - أي: الشيعة - الإمام الشعبي وأمثاله من علماء الكوفة، وقد ثبت عن الشعبي أنه قال: ما رأيت أحمق من الخشبية. سموا خشبية؛ لأنهم كانوا يتخذون سيوفاً من خشب؛ لأنهم يرون أن الجهاد ممنوع إلا إذا ظهر المهدي المنتظر، ٍولذلك لا يستخدمون السيوف وإنما يتخذون سيوفاً من خشب لتأكيد مسألة أن الجهاد ممنوع عليهم. يقول: ما رأيت أحمق من الخشبية لو كانوا من الطير لكانوا رخماً. والرخم طائر من الطيور المعروفة يبيض في مكان ثم يذهب ويرجف على بيضة غيره من الطيور الجارحة، فيأتي فيراه على بيضته فيقتله، فهذا يدل على الحماقة عند هذا الطائر. ويقول: ولو كانوا من البهائم لكانوا حمراً، والله لو طلبت منهم أن يملئوا لي هذا البيت ذهباً على أن أكذب على علي لأعطوني، والله ما أكذب عليه أبداً. ننتقل إلى قول شيخ الإسلام، يقول في مشابهة الشيعة لليهود: وآية ذلك أن محنة الرافضة محنة اليهود، قالت اليهود: لا يصلح الملك إلا في آل داود، وقالت الرافضة: لا تصلح الإمامة إلا في ولد علي، وقالت اليهود: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المسيح الدجال وينزل سيفه من السماء، وقالت الرافضة: لا جهاد في سبيل الله حتى يخرج المهدي وينادي مناد من السماء، واليهود يؤخرون الصلاة إلى اشتباك النجوم، وكذلك الرافضة يؤخرون المغرب إلى اشتباك النجوم، واليهود تزول عن القبلة شيئاً وكذلك الرافضة، واليهود تنود في الصلاة وكذلك الرافضة، واليهود تسدل أثوابها في الصلاة وكذلك الرافضة، واليهود لا يرون على النساء عدة وكذلك الرافضة، واليهود حرفوا التوراة، وكذلك الرافضة حرفوا القرآن إلى آخر ذلك. فقد ذكر حوالي خمسين أو ستين نوعاً من أنواع المشابهة بين اليهود والنصارى، وغالب هذه المشابهات موجودة عند الرافضة، لا أقول كلها؛ لأن دين الرافضة يعتبر ديناً بشرياً ليس ديناً إلهياً، وهو قابل للتغيير في كل زمان ومكان، فهناك أفكار مطروحة عند الرافضة هذه الأيام مثلاً لا تجدها موجودة عندهم قبل خمسمائة سنة، باعتبار أنه دين بشري قابل للزيادة والنقص والحذف وغير ذلك، وكثير مما ذكره شيخ الإسلام مكذوب عند الرافضة فارجعوا له في الجزء الأول من (منهاج السنة) بتحقيق الدكتور محمد رشاد سالم صفحة (21). وهذا نص آخر يقول أحمد أمين في (فجر الإسلام) صفحة (276) من هذا الكتاب: إن الشيعة تقول: إن النار محرمة على الشيعة إلا قليلاً، وهو قول اليهود: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً} [البقرة:80] كما ذكر الله سبحانه وتعالى ذلك عنهم. وهذا سنمر عليه في حينه ناقلين نصوصاً من كتب الشيعة عنهم. وأيد هذا القول تأييداً قوياً مجموعة من المستشرقين الذين كتبوا في الشئون الإسلامية من أمثال: جولد زيهر وغيره فقد كتبوا كتابات توافق هذا القول وتؤيد أن الشيعة أخذوا أصولهم من اليهود.

القول بأن دين الشيعة مأخوذ من المجوسية

القول بأن دين الشيعة مأخوذ من المجوسية القول الثاني: هم الذين قالوا: إن أصل التشيع هو الأصل المجوسي الفارسي القديم. ويستدلون على ذلك بمجموعة من الأقوال: القول الأول: الانتقام من الإسلام والمسلمين الذين دمروا دولة الفرس وقضوا على الدين المجوسي، واستخدموا التشيع وموالاة أهل البيت ومحبة أهل البيت ستاراً ودثاراً وشعاراً لتنفيذ الخطة وتحقيق الهدف، ويمثل ذلك مثلاً: البرامكة الذين أرادوا إبراز المنهج المجوسي عن طريق تأييد آل البيت وغيرهم ممن لحقهم أو سبقهم، فكانوا يستخدمون مسألة تأييدهم وحبهم واحترامهم لآل البيت لإعادة الدين المجوسي شيئاً فشيئاً ومحاولة إحيائه شيئاً فشيئاً. القول الثاني: أن العرب تأبى الضيم، ولا ترغب في أن يكون هناك ضغط عليها، بخلاف الفرس الذين كانوا قد عاشوا آماداً طوالاً على أن يحكمهم بيت وراثي له صفات مميزة، تصل به إلى أن يكون فوق مستوى البشر، أو أن فيه دماً إلهياً كما يقولون، فعندما زالت الدولة المجوسية وجاء الإسلام وانتشر في كل الأصقاع وجدوا أنهم في حاجة إلى وجود مثل هذا البيت، ولكنهم لم يجدوا مناسباً لهذا الأمر إلا أقرب المقربين إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو علي بن أبي طالب؛ لأنه أقربهم له رحماً وصهراً وعصبة وغير ذلك، فرأوا فيه وفي آل بيته البيت المناسب ليتولى الزعامة التي يدينون لها بالولاء، كما كانوا يدينون للبيت المجوسي سابقاً، وهذا القول عليه ملاحظة، وإنما هو قول ذكروه. القول الثالث: أن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما تزوج شهربانو بنت يزدجرد بن كسرى، وكان الحسين بن علي بن أبي طالب قد شارك في معركة فتح الفتوح في معركة نهاوند، التي كان فيها نهاية الدولة الساسانية، أي: الدولة المجوسية، واستطاع المسلمون بقيادة النعمان بن مقرن المزني الانتصار على هؤلاء، وقتل يزدجرد وأخذ كل ما معه أسارى وسبايا، وكان من ضمنهم بنته شهربانو فوقعت أسيرة عند المسلمين، فكانت من نصيب الحسين بن علي الذي أعتقها وتزوجها، وأسلمت وتسمت باسم آخر، وهذه المرأة أنجبت علي بن الحسين، والحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه كان له مجموعة من الأبناء ومن ضمنهم علي بن الحسين، لكن الشيعة المجوس رأوا في هذا الرجل الذي هو علي بن الحسين ميزة، وهذه الميزة عندهم أنه يجري فيها الدم الإلهي من ناحية أمه التي هي بنت يزدجرد الذي هو ملكهم الأخير، فقدسوا علي بن الحسين وقدسوا أولاد علي بن الحسين، ولم يروا في أبناء الحسين الآخرين أي أهمية ونسوهم تماماً. القول الرابع: أن الشيعة يغلون غلواً زائداً في سلمان الفارسي إلى زماننا هذا، ففرق الغلاة من الشيعة كالنصيرية والدروز والباطنية يغلون في سلمان الفارسي غلواً بيناً واضحاً حتى يصلون به إلى درجة أنه نبي أو إله، فعند الدروز أن سلمان الفارسي إله وكذلك عند النصيرية. وسبب الغلو في سلمان الفارسي أن والده كان قاطن، يعني: النار القيم الأعلى للنار، فكان والد سلمان الفارسي يطوف بلاد الفرس ليشرف على معابد النار، ويشجعهم على أن تكون النار مستمرة في الاشتعال، فـ سلمان الفارسي ترك والده وهرب منه وأسلم في قصة عجيبة طويلة، فرأى هؤلاء في سلمان أنه أولاً من بلاد فارس، وثانياً والده يمتاز بمزايا معينة فأحبوه نتيجة لذلك، وتخصيص سلمان بالمحبة وجعل غيره أقل منه يثير علامة استفهام.

تعظيم الشيعة الرافضة لأبي لؤلؤة المجوسي

تعظيم الشيعة الرافضة لأبي لؤلؤة المجوسي كذلك تعظيم أبي لؤلؤة المجوسي الذي قام بقتل عمر بن الخطاب في المدينة، فقام عبيد الله بن عمر بن الخطاب انتقاماً لوالده بقتل الهرمزان على أنه تمالأ مع أبي لؤلؤة المجوسي في قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فالذي حصل أن الشيعة إلى زماننا هذا يحتفلون احتفالين: الاحتفال الأول بمقتل عمر بن الخطاب، ولهم أكثر من ستين اسماً لعيد مقتل عمر، منها: عيد الشكر، عيد التبجيل، عيد الاحتفال، عيد الفرح، عيد كذا، هناك قائمة كاملة بأسماء هذا العيد عند الشيعة، أي: عيد مقتل عمر بن الخطاب؛ لأن الدولة المجوسية سقطت في خلافته، فمعركة القادسية وهي من معارك الإسلام الفاصلة ضد الفرس كانت في خلافة عمر بن الخطاب، ومعركة نهاوند التي تسمى فتح الفتوح التي قضي فيها على أعظم تجمع للفرس كانت في خلافة عمر بن الخطاب. إذاً: عمر بن الخطاب هو عدوهم الأول، والذي خلصهم منه لابد أن يقدس ألا وهو أبو لؤلؤة المجوسي، لذلك يقدسونه ويسمونه اسماً غريباً يسمونه بابا شجاع الدين، فهو عندهم شجاع؛ لأنه قضى على عدوهم الأول، وله مزار في شيراز بل في كثير من مدن إيران له مزار ضخم، ويقيمون له احتفالاً سنوياً يتجمع فيه مئات الألوف. وكثير من الناس الذين ذهبوا إلى إيران شاهدوا هذا الاحتفال لـ بابا شجاع الدين ولا يدرون من هو ولا يعرفون من هو، وإنما يتوقعون أنه عالم من علمائهم أو حبر من أحبارهم أو راهب من رهبانهم، مع أن هذا الرجل هو أبو لؤلؤة المجوسي الذي قتل عمر بن الخطاب.

احتفال الشيعة الرافضة بعيد النيروز أبرز أعياد المجوس وغيره من الأعياد المجوسية

احتفال الشيعة الرافضة بعيد النيروز أبرز أعياد المجوس وغيره من الأعياد المجوسية النقطة التي تليها: احتفالهم بعيد النيروز، وعيد النيروز هو العيد المعروف بأنه أبرز أعياد المجوس، وهو الذي يوافق أول أيام ربيع، ويحتفل به الشيعة إلى الآن، بل ويفضلونه على عيدي الفطر والأضحى ويجعلون ما يحصل فيه من فرح وطرب ولهو واحتفالات وغيرها مقدمة على الاحتفال بعيدي الفطر والأضحى. كذلك أذكركم بالاحتفال الضخم الذي أقامه شاه إيران قبل أكثر من عشرين سنة أو أقل من ذلك بقليل عندما احتفى بعيد ميلاد أورش وأورش هذا هو مؤسس الدولة المجوسية، فأقام احتفالاً أسطورياً ضخماً جداً عجيباً جداً، والناس إلى الآن يتحدثون بما فيه من العجائب. هذا ما يتعلق بمسألة أن الدين الشيعي مستقى ومأخوذ من الأصل المجوسي.

القول بأن دين الشيعة مأخوذ من البوذية والهندوسية وغيرها

القول بأن دين الشيعة مأخوذ من البوذية والهندوسية وغيرها يقول البعض: إن الدين الشيعي مستقى من الديانات الشرقية القديمة كالبوذية والهندوسية وغيرها من الديانات، ويستدلون على ذلك بأدلة. الدليل الأول: يقولون إننا عندما ندرس قضية العقائد في الدين الشيعي نجد أن هناك تطابقاً في كثير من العقائد بينه وبين الهندوس، وبينه وبين البوذية، ومن أمثلة ذلك: تناسخ الأرواح، وهذا المنهج موجود عند الهندوس بشكل بين وواضح، وكذلك الشيعة النصيرية والدروز والباطنية يقولون بالتناسخ حرفاً بحرف كما هو موجود عند الهندوس، ومعنى هذا أن هناك توافقاً بينهم أي: أنهم أخذوا منهم هذه العقائد. الدليل الثاني: القول بالحلول، وهذا القول عند بعض فرق الشيعة، والشيعة فرق تتجاوز الثلاثمائة فرقة أو أربعمائة فرقة، فعند بعض فرق الشيعة القول بالحلول، أي: حلول اللاهوت في الناسوت، أو حلول روح الله في روح البشر، تعالى الله عما يقول هؤلاء علواً كبيراً، وهذا كما هو موجود عند بعض فرق الشيعة هو موجود عند الفرق القديمة كالبوذية وغيرها، وقضية القول بالتجسيم والتشبيه هذا موجود قديماً وكذلك هو موجود حديثاً.

الجمع بين الأقوال في جذور الشيعة وأصلها

الجمع بين الأقوال في جذور الشيعة وأصلها بقيت نقطة الجمع بين هذه الآراء وهذه الأقوال، ثم بعد ذلك نتطرق إلى النقاط الأخرى. الكثير من الكتاب الذين درسوا منهج الشيعة اختلفوا، وكلهم أيد رأيه بأدلة وبأقوال وغير ذلك، لكن الرأي الراجح في هذا هو أننا نجمع بين كل هذه الأقوال ونقول: كل هذه الأقوال صحيحة، ليس هناك خلاف فيما بينها، والسبب في ذلك أن دين الشيعة عبارة عن دين بشري، وهو عبارة عن خليط مجمع من مجموعة كبيرة من الأديان، وأكبر دليل على ذلك أنهم يقولون في كتابهم المقدس الكافي وهو للكليني يقولون: ما خالف العامة ففيه الرشاد. والعامة هم أهل السنة. فالشيعة يخالفون أهل السنة في كل شيء، في جانب توحيد لابد أن يخالفوهم، في الأسماء والصفات، في الربوبية، في الألوهية، في الصلاة، في الزكاة، في الحج، وغير ذلك، لابد أن يخالفوهم في كل شيء. ولذلك لو دققت النظر لوجدت أن الشيعة لا يصومون ولا يفطرون إلا بعد أهل هذه البلاد باستمرار؛ لأنهم يعتبرون أن أهل هذه البلاد هم الذين يشكلون زعامة العامة، وبالتالي فهم إذا أرادوا الرشاد لا بد أن يخالفوهم، فهؤلاء عندما رأوا أن ما خالف العامة فيه الرشاد أرادوا أن يأتوا بأمور مخالفة للعامة، فقالوا: نأخذ من دين الإسلام أشياء ونأتي بعكسها ثم نجعلها ديناً لنا، فأخذوا من اليهودية، وهناك أمم دخلوا في التشيع من اليهود فجاءوا بعقائدهم، وهناك ناس دخلوا في التشيع من المجوس فجاءوا بعقائدهم، وهناك أناس دخلوا في التشيع من ديانات أخرى فجاءوا بعقائدهم، ثم ضمت هذه العقائد شيئاًَ فشيئاً، ثم أخرجوها على أنها دين متكامل. فنقول: من قال: إن دين الشيعة مأخوذ من مصدر واحد وهو المصدر المجوسي أو المصدر اليهودي أو كذا باستقلال فهذا غير صحيح، إنما الصواب في ذلك أن دين الشيعة قد جمع كل هذه الأقوال.

تعريف التشيع لغة واصطلاحا

تعريف التشيع لغة واصطلاحاً النقطة الأخيرة في هذه المسألة هي: تعريف التشيع. بما أننا قررنا أن ندخل في التشيع دخولاًَ علمياً سيكون الدرس القادم إن شاء الله محتوياً على موقف الشيعة من القرآن الكريم، وموقف الشيعة من السنة، وسندخل في ذلك بشكل موسع، ونقرأ نصوصاً من كتبهم حول هذه المسائل وحول هذه المعاني، ثم ندخل في أنواع التوحيد عند الشيعة، ثم نحاول قدر الجهد في الدرس القادم أن نستعرض أغلب عقائد الشيعة الأساسية وسنعرض في حلقة مستقلة مواقفهم من الإسلام والمسلمين قديماً وحديثاً. أولاً: تعريف التشيع في اللغة: يقول صاحب لسان العرب في مادة (شيع) في الجزء الثاني صفحة (272) يقول: الشيعة أتباع الرجل وأنصاره، وقد غلب هذا الاسم على من يوالي علياً وأهل بيته حتى صار اسماً خاصاً لهم. يعني: صار إذا قيل للإنسان: شيعي عرف أنه ممن يوالي آل البيت موالاة فيها مغالاة، فإذا قيل: فلان من الشيعة عرف أنه منهم، وأصل ذلك من المشايعة وهو المتابعة والمطاوعة. أما الجوهري في الصحاح فيقول في الجزء الثالث صفحة (1012): شيعة الرجل أتباعه وأنصاره، يقال: شايعه كما يقال: والاه من الولي، وتشيع الرجل أي: ادعى دعوى الشيعة، والشيعة هي الفرقة. أما التعريف الاصطلاحي فهناك تعاريف كثيرة جداً، اقتصرت على تعريف واحد ذكره الشهرستاني في الملل والنحل في الجزء الأول صفحة (146)، يقول: الشيعة هم الذين شايعوا علياً رضي الله تعالى عنه على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصاً ووصية، إما جلياً وإما خفياً، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره أو بكبوة من عنده، وقالوا ليست الإمامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة وينتصب الإمامة بنصبهم، بل هي قضية أصولية، وهي ركن الدين لا يجوز للرسل عليهم الصلاة والسلام إغفاله وإهماله ولا تسليمه إلى العامة وإرساله. فهذا التعريف للشيعة يخصص هؤلاء بهذا المسمى، يعني: من اعتقد اعتقاد هؤلاء بما ذكره الشهرستاني سمي شيعياً، وإلا فقضية محبة آل البيت ومشايعة آل البيت هذا أمر كلنا ندين الله سبحانه وتعالى به. وقد ذكر عن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى من جمع ديوانه أنه قال: إن كان رفضاً حب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي ونحن نقول كذلك: إن كانت محبة آل الرسول صلى الله عليه وسلم تعد رفضاً فكلنا رافضة، لكن التشيع هنا ليس المقصود به محبة آل البيت فقط، بل التشيع هنا هو المغالاة في آل البيت وإعطاؤهم مسائل لا تكون إلا لله سبحانه وتعالى، هذا هو التشيع، وكذلك الرفض هو رفض خلافة أبي بكر وخلافة عمر رضي الله تعالى عنهما جميعاً، فمن رفض خلافتهما يسمى رافضياً، أما حب آل محمد فكلنا ندين الله به، والله سبحانه وتعالى أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

سلسلة الرافضة عقيدة وهدفا [2]

سلسلة الرافضة عقيدة وهدفاً [2] لقد بذل الشيعة الرافضة جهوداً جبارة، من أجل إبعاد أتباعهم عن كتاب الله سبحانه وتعالى، وعن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأتوا لهم ببدائل، ووضعوا أمامهم العراقيل، فمن يلاحظ حال الشيعة مع القرآن يجد أنهم لا يهتمون به لا حفظاً ولا تلاوة، وكذلك السنة لا يهتمون بها؛ لأنها جاءت عن طريق الصحابة الذين هم عند الشيعة كفار مرتدون كما هو مسطر في كتبهم.

مؤلفات فرقة الرافضة وأقسامها وأبرز سماتها

مؤلفات فرقة الرافضة وأقسامها وأبرز سماتها الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثاني من الدرس العلمي الخاص بالرافضة، والذي هو بعنوان: (الرافضة عقيدة وهدفاً في الوقت الحاضر)، وتطرقنا في الدرس السابق إلى مجموعة من الوقفات التي تعد في جملتها مقدمات لدراسات هذه الفرقة، فلا بد أن نعي جميعاً أن هذه الدراسة لن تكون دراسة مفصلة وموسعة؛ لأن الدراسة التي تأخذ هذا المسمى والتفصيل تحتاج إلى أسابيع طوال، وإلى لقاءات متعددة، إنما نحاول قدر الجهد أن نحصر هذه المعلومات ونضغطها في ثلاثة دروس أو أربعة. في هذا الدرس قبل أن ننتقل إلى صلب الموضوع وهو: عقائد الرافضة، أحب أن أقف وقفة موجزة مع مؤلفات هذه الفرقة. هذه الطائفة لها مؤلفات كثيرة جداً، ولذلك تكاد مؤلفات وكتب هذه الطائفة تتجاوز وتفوق مؤلفات أهل السنة بكثير؛ والسبب في ذلك يعود إلى أنها طائفة تمتاز بصفة الكذب، وقضية الكذب مما وصم ووصف به الرافضة وعرفوا به، وبالتالي فكلما عنّ لهم أمر، أو احتاجوا إلى شيء، أو أرادوا تقرير قضية من القضايا، فإنهم مباشرة يأخذون القلم والإداوة والأوراق وثم يكتبون في هذه القضية، ويبدءون بتأليف الأساطير، وتنميق الكذب، ثم إخراجه للناس على أنه كتاب مستقل. وهذه الكتب والمؤلفات تملأ المكتبات الخاصة بهم، وهذه الكتب تنقسم إلى قسمين: كتب قديمة، وكتب حديثة، أو كتب متأخرة، وكتب متقدمة، والكتب التي يستطيع المسلم بموجبها أن يدحضهم بها هي الكتب القديمة المعتمدة عندهم، فهم يقولون: هذه كتبنا الأصلية، فإذا ناقشتهم في قضية معينة وقلت: هذه القضية مذكورة في هذه الكتب المعتمدة عندكم، وهذا يدل على أن معرفة هذه الكتب الأساسية من ضرورات اهتمام المسلم المتخصص بهذا الجانب. قلنا: هذه المؤلفات تنقسم إلى قسمين: قديم وحديث، أما القديم فعلى رأسها كتاب (الكافي) الذي ألفه رجل يدعى محمد بن يعقوب الكليني، ويسمونه حجة الإسلام، وهو متوفى سنة (328هـ)، وهذا الرجل ألف كتابه وقال: إنه عرضه على المهدي المنتظر، والمهدي المنتظر مختف بسرداب سامراء كما يزعمون في أساطيرهم من سنة (255هـ)، وهذا الرجل بعد اختفاء المهدي بفترة طويلة من الزمن عرض كتابه عليه بعد أن التقى به؛ لأن المهدي المنتظر يظهر لبعض الخاصة، فعرضه عليه وقال المهدي: إنه كاف لشيعتنا، ولذلك سمي بـ (الكافي)، وهو مطبوع في ثمانية مجلدات، ويباع في الأسواق، وينقسم إلى قسمين اثنين: القسم الأول يشكل مجلدين كبيرين في المسائل العقائدية، أما الأجزاء الستة الباقية، فهي في قضايا فقهية ومسائل اجتماعية. الكتاب الثاني كتاب (من لا يحضره الفقيه) لـ محمد بن بابويه القمي المتوفي سنة (381هـ)، وهو كتاب يغلب عليه الجانب الفقهي، وذلك ظاهر من عنوانه، وهو مطبوع في أربعة مجلدات. أما الكتاب الثالث فهو (تهذيب الأحكام) وهو مطبوع في عشرة مجلدات. والكتاب الرابع هو (الاستبصار) وهو مطبوع في أربعة مجلدات، وكلا الكتابين لـ محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة (360هـ)، ويغلب على الكتابين التوجه الفقهي. فهذه الكتب الأربعة القديمة هي أمهات الكتب بالنسبة للشيعة الرافضة، وجاء مؤلفون في القرن الحادي عشر والثاني عشر الهجري ونسقوا هذه الكتب، وشرحوها وأخرجوها للناس، فصارت كتباً معتمدة ومعترفاً بها. وهذه الكتب الحديثة التي شرحت الكتب القديمة أولها كتاب: (الوافي) لـ ملا محسن الكاشاني المتوفى سنة (1091هـ)، وقد جمع فيه أكثر من خمسين ألف حديث. أما الثاني فهو كتاب: (بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار) لـ محمد الباقر المجلسي المتوفى سنة (1111هـ)، وقد طبع هذا الكتاب طبعات متتابعة في أكثر من (120) مجلداً، وهذا الكتاب قد طبع بأكمله ما عدا مجلدين اثنين يحرص الشيعة على ألا تطبعا، ويتداولونهما بينهم بصورة سرية، وهذين المجلدان يحتويان على مطاعن الصحابة ولعنهم وذمهم وغير ذلك. ومع ذلك فقد قام بعض الشيعة بطبع هذين المجلدين، وأخرجا إلى السوق وبيعا في عدة معارض، من أبرزها معرض البحرين الدولي في العام الماضي. الكتاب الثالث: (وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة) لـ محمد بن الحسن العاملي المتوفى سنة (1104هـ) وهذا الرجل ألف كتابه ليكون كتاباً فقهياً جامعاً، وقد طبع في عشرين مجلداً، ويغلب عليه الطابع الفقهي، وهناك استدراك وشرح لقضايا تركها العاملي، ويسمى كتاب: (مستدرك الوسائل) لـ حسين النوري الطبرسي المتوفى سنة (1320هـ)، وحسين النوري الطبرسي هذا هو مؤلف كتاب: (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) عليه من الله ما يستحقه. إذاً: هذه المؤلفات الثمانية، هي المؤلفات المشهورة عند الشيعة، ولهم مؤلفات كثيرة وكبيرة جداً طبعت في مجلدات ضخمة كبيرة، سواء كانت في التفسير أو في الفقه أو في التوحيد أو في غيرها، وهذه المؤلفات تملأ المكتبات الشيعية، وقلما تدخل مكتبة شيعية إلا وتجد أنها قد امتلأت عن بكرة أبيها بهذه المؤلفات الكثيرة جداً، ولذلك هم يضاهئون أو ربما يتفوقون على أهل السنة في كثرة مؤلفاتهم.

موقف الشيعة من القرآن

موقف الشيعة من القرآن ننتقل إلى النقطة الأساسية في هذا الموضوع، وهي الحديث عن عقائد الشيعة، نريد أن نطرح في هذه القضية مجموعة من الوقفات التي ستكون موجزة ولن أطيل فيها؛ باعتبار أن الوقت لا يسمح بذلك. أولى هذه الوقفات فيما يرتبط بالعقائد: موقف الشيعة من مصدري التلقي: القرآن والسنة. وقد عرضنا هذه النقطة في درس سابق، ولكننا سنطرقها في هذا اللقاء من جانب علمي مركز. النقطة الثانية: موقف الشيعة من أنواع التوحيد. النقطة الثالثة: موقف الشيعة من أركان الإيمان. النقطة الرابعة: موقف الشيعة من جملة قضايا استقلوا واختصوا بها. هذه هي الجوانب العقائدية التي سندرسها فيما يرتبط بعقائد الشيعة.

اعتقاد الشيعة في حجية القرآن

اعتقاد الشيعة في حجية القرآن النقطة الأولى: موقف الشيعة من مصدري التلقي: القرآن والسنة. أولاً: لا بد أن نعرف أن القرآن قطعي الدلالة، قطعي الثبوت، حجة على الخلق أجمعين، لكن الشيعة يرون أن القرآن الكريم كتاب محرف من قبل عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وغيره من الصحابة، وأن هذا القرآن حذفت منه آيات كثيرة تتجاوز الألفي آية، أو أكثر من ذلك بكثير، على اختلاف بينهم، وأن هذا القرآن الموجود بيننا لا يمكن أن يعتمد عليه، وأنه مرفوض، لكنهم لا يستطيعون أن يعلنوا حقيقة أن هذا القرآن منبوذ ومرفوض، فجاءوا بعوائق وحواجز لإبعاد الناس عن هذا القرآن، بمعنى: أنني أستطيع أن أقول لك: لا تذهب إلى المكان الفلاني، لكن قد أحرج في منعك من هذا الذهاب، فأحاول أن أضع عراقيل في سبيل وصولك إلى هذا المكان، فلا تستطيع أن تذهب، وهذا هو مثال الشيعة تجاه القرآن، فوضعوا مجموعة كبيرة من العراقيل الفكرية التي تجعل الشيعي لا يمكن أن يأخذ من القرآن إلا أقل القليل. أما قضية حجية القرآن عند الشيعة، فنقول: إن القرآن حجة على كل المسلمين، وهم ملزمون بمتابعة ما فيه، فهو كلام الله سبحانه وتعالى المنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم، لكن الشيعة يقولون: إن القرآن ليس بحجة إلا بقيم، والقيم هو الإمام، والإمام هذا موجود على طول الزمن منذ بعث الرسول صلى الله عليه وسلم إلى سنة (255هـ)، وبعد ذلك الزمن اختفى ذلك الإمام. إذاًَ: القرآن من سنة (255هـ) إلى زماننا هذا ليس بحجة. وهذه النقطة تعطيك دلالة على أن الفترة من (255هـ) إلى هذا الزمان فترة يرى فيها الشيعة أن القرآن غير ملزم بالنسبة لهم، ولذلك يقول صاحب كتاب (الكافي) الكليني في الجزء الأول صفحة (188): إن القرآن لا يكون حجة إلا بقيم. ويقول صاحب (بحار الأنوار) في الجزء (36) في صفحة (80) من الكتاب نفسه: إن الأئمة هم القرآن نفسه. يعني: إذا وجد الإمام وجد القرآن، وإذا لم يوجد الإمام لم يوجد القرآن، حتى ولو كان القرآن موجوداً. ويقول المجلسي أيضاً: إن القرآن كتاب الله الصامت، والأئمة كتاب الله الناطق، فلا يعرف الصامت إلا بوجود الناطق. يعني: أن القرآن لا يفقه ولا يفهم، ولا يستطيع الإنسان أن يأخذ منه حكماً إلا بوجود الكتاب الناطق الذي هو الإمام، وبما أن الإمام قد اختفى في سرداب سامراء سنة (255هـ)، فقد انتهى الأخذ من كتاب الله سبحانه وتعالى. ويقول صاحب (الاحتجاج) في الجزء الأول صفحة (31): علي تفسير كتاب الله، والأئمة من بعده تفسير كتاب الله. أي: أن كتاب الله لا يفقهه إلا الأئمة منذ علي إلى آخر إمام، وبعد هؤلاء لا أحد يفقه التفسير إلا إذا وجد هؤلاء الأئمة. إذاً: القرآن الكريم لا يمكن أن يفهم ولا يمكن أن يفقه إلا بوجود الإمام، فعلماء الشيعة قد وضعوا العقبة الأولى في سبيل فهم كتاب الله بالنسبة للشيعة. النقطة الثانية في مسألة حجية القرآن بالنسبة للشيعة: إن الأئمة اختصوا بمعرفة القرآن فلا يشركهم فيه أحد. أي: كل الناس ما عدا الأئمة لا يمكن أن يفقهوا القرآن الكريم، ولذلك يقول الحر العاملي في كتابه (الفصول المهمة في معرفة الأئمة) صفحة (173): باب: أنه لا يعرف تفسير القرآن إلا الأئمة. فهذه عقبة ثانية من العقبات التي وضعوها فيما يتعلق بفهم القرآن الكريم. النقطة الثالثة في مسألة حجية القرآن عند الشيعة: أن قول الإمام ينسخ القرآن، ويقيد مطلقه، ويخصص عامه. يعني: الإمام له الحق والأهلية التامة في أن يتصرف في القرآن كيفما شاء، وهذا يستلزم أن كتاب الله سبحانه وتعالى عندهم في مرتبة ثانية بعد كلام الأئمة، فالإمام إذا قال قولاً وعورض بالقرآن الكريم فإن قول الإمام مقدم على قول الله سبحانه وتعالى، والسبب في ذلك أن قول الإمام ينسخ القرآن، ويقيد المطلق، ويخصص العام. فالإمام يستطيع بموجب كلامه أن يمحو آية موجودة في القرآن أو يحلل حراماً أو يحرم حلالاً موجوداً في القرآن، وهم بهذه الكيفية وبهذه الطريقة قالوا لكي يؤكدوا هذا المعنى بعد أن نوقشوا: إن أئمتنا معصومين وإن جميع الأئمة الذين جاءوا منذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المهدي المنتظر كلهم معصومون ولا ينطقون عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، وهؤلاء الأئمة الذين عددهم اثنا عشر إمام لو قال أحدهم قولاً فإنه يجوز لك أن تقول: قال الإمام جعفر الصادق: كذا وكذا، مع أن القائل غيره من الأئمة. كذلك عندما قال الإمام جعفر الصادق: التقية ديني ودين آبائي، يجوز أن تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: التقية ديني ودين آبائي، ويجوز كذلك أن تقول: قال الله تعالى: التقية ديني ودين آبائي؛ لأن هذا الكلام الذي صدر من جعفر الصادق كلام من معصوم، وهو لا يخطئ أبداً، فهذا الكلام ممكن أن تنسبه إلى الرسول عليه السلام، وممكن أن تنسبه إلى الله سبحانه وتعالى، وقد قال ذلك مؤكداً عليه جم غفير من كتاب الشيعة ومؤلفيهم، وهذا النص في شرح الكافي للمازندراني في الجزء الثاني صفحة (272) وقد ذكر ذلك بشكل موسع.

اعتقاد الشيعة في تفسير القرآن

اعتقاد الشيعة في تفسير القرآن للشيعة في تفسير القرآن عدة نقاط منها: أن للقرآن معاني باطنة تخالف الظاهر، وهذا يفهم منه أن الرافضة الإمامية باطنيون؛ لأنهم يجعلون للقرآن ظاهراً وباطناً كالباطنية، وهذا يدل على أن الشيعة يدخلون مع الباطنية في مسألة تأويل القرآن؛ لأنهم يقولون: إن للقرآن ظاهراً وباطناً، ففي (بحار الأنوار) في عدة مواضع من هذا الكتاب: باب أن القرآن له ظهر وبطن. وفي أشهر كتبهم وأعظم كتبهم وهو (الكافي)، الذي هو بمنزلة البخاري عند أهل السنة، كما ذكر ذلك أكثر العلماء، لكن أنا أقول: لا، إن هذا التوجيه ليس بصحيح، فإن (الكافي) عند الشيعة بمنزلة القرآن عندنا، بل إن (الكافي) بالنسبة للشيعة مقدم على القرآن، ومقدم على أي كتاب آخر. يقول الكليني في (الكافي) الجزء الأول صفحة (374): سألت عبداً صالحاً عن قول الله عز وجل: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف:33]، فقال العبد الصالح: إن القرآن له ظهر وبطن، فجميع ما حرم الله في القرآن هو الظاهر، والباطن من ذلك أئمة الجور، وجميع ما أحل الله في الكتاب هو الظاهر، والباطن من ذلك أئمة الحق. يعني: أنهم يفسرون القرآن بهذه الكيفية وبهذه الصورة، وتفاسير الشيعة هي بهذه الكيفية. النقطة الثانية في مسألة تأويل القرآن: أنهم قالوا: إن جل القرآن نزل فيهم وفي أعدائهم. يعني: أن غالب القرآن نزل في الشيعة وفي أعدائهم. يقول الكليني صاحب (الكافي) في الجزء الثاني في صفحة (324): نزل القرآن أثلاثاً: ثلثاً فينا وفي أعدائنا، وثلثاً سنناً وأمثالاً، وثلثاً فرائض وأحكاماً. ويقولون: إن ما نزل فينا وفي أعدائنا قد حرفه أهل السنة، وبالتالي يحاولون أن يعيدوا لهذا التحريف أصله، وهذا التحريف ذكره بعض الكتاب ومن أبرزهم الكليني في كتابه (الكافي) فقد ذكر عدداً كبيراً من الآيات، فمثلاً: {سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ} [المعارج:1 - 2]، يقول: (سأل سائل بولاية علي ليس له دافع)، وهكذا أمثلة كثيرة سأذكر لكم نماذج منها: فهم يقولون: إن هذا القرآن قد حذف منه ما يتعلق بنا وما يتعلق بأعدائنا. ففي سورة تبت يقول تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1] وهم يقولون: أصل السورة: (تبت يدا أبي بكر وتب)، (تبت يدا عمر وتب)، (تبت يدا عثمان وتب)، (تبت يدا عائشة وتبت) إلى أن يذكروا سبعين اسماً من الصحابة الذين يكرهونهم. ويقولون في قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ} [الشرح:1 - 3]، يقولون: (وجعلنا علياً صهرك) يقولون: وهذه كذلك حذفت. ويقولون في قوله تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النحل:51]، أن أصلها: (لا تتخذوا إمامين اثنين إنما هو إمام واحد) يقولون: هكذا الآية نزلت. وكذلك قول الله سبحانه وتعالى: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ} [الحشر:16]، يقولون: أصل الآية: (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر بـ عمر) فحذفت بـ عمر. كذلك قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران:123]، يقولون: إن أصلها: (ولقد نصركم الله ببدر بسيف علي وأنتم أذلة) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة جداً، حتى إنهم قالوا: إن أي آية فيها: (يا أيها الذين آمنوا) فإن المقصود بها علي بن أبي طالب أولاً، ثم يليه بقية المؤمنين، فرد عليهم شيخ الإسلام رداً لطيفاً فقال: هناك آيات فيها عتاب للمؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:2]، فهل يكون علي في رأس هذه الآية؟! إذاً: هم يقولون: إن جل القرآن نزل فيهم وفي أعدائهم، وقد حذف وحرف، فقام محمد الحسين النوري الطبرسي صاحب كتاب: (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) بجمع مجموعة كبيرة من الروايات وجعلها في كتاب له، وهذا الكتاب عندي نسخة منه، وفيه أكثر من (1500) رواية، وكلها عبارة عن آيات أدخل فيها شيء يتعلق بآل البيت أو أعداء آل البيت. فهذه عقبة من العقبات التي تجعل الشيعة لا يهتمون بالقرآن الكريم. النقطة التي تليها في هذا الجانب هي: ما هو البديل بالنسبة للشيعة فيما يرتبط بهذا القرآن؟ ما هو البديل عن هذا القرآن الذي فيه مجموعة كبيرة من العيوب التي اخترعوها وأصلوها؛ ليبعدوا الناس عن كتاب الله؟ قد عرفنا أن كثيراً من الكتاب يرجعون مناهج الشيعة وجذورها إلى اليهود، وبعضهم يرجع مناهج الشيعة وجذورها إلى المجوس، وكلا الرأيين صحيح، فهؤلاء المجوس أرادوا أن يجعلوا من ينتسب إلى التشيع بعيدين عن القرآن، فكيف يبعدونهم عن القرآن بهذه العقبات؟ يأتيك شيعي ويقول: نعم، هذه العقبات أظهرت لنا كتاباً محرفاً ناقصاً مشوهاً، وهناك بديل وهو مصحف فاطمة الذي قال عنه الكليني في (الكافي): إن عندنا مصحف فاطمة مثل قرآنكم ثلاث مرات، وليس فيه من قرآنكم حرف واحد. ومصحف فاطمة عبارة عن كتابة كتبها علي بن أبي طالب على مدار ستة أشهر، وكان جبريل عليه السلام ينزل على فاطمة في كل يوم بعد وفاة والدها صلى الله عليه وسلم؛ ليسليها، فكان علي بن أبي طالب يجلس خلف الجدار ويكتب كل ما يقول جبريل، ثم بعد أن توفيت فاطمة جمع هذا الكتاب ونسخه في كتاب مستقل، ثم عرضه على الصحابة، ومنهم أبو بكر وعمر وكلهم يقولون: لا حاجة لنا به، وهذا الكتاب كما قالوا: إنه مثل قرآنكم ثلاث مرات، وليس فيه من قرآنكم حرف واحد، ولذلك يقول صاحب الكافي: قال أبو عبد الله -أي: جعفر الصادق -: إن القرآن الذي أتى به جبريل سبعة عشر ألف آية. والقرآن الموجود ستة آلاف آية وقليل، ومصحف فاطمة سبعة عشر ألف آية، يعني: أنه قريب من ثلاثة أضعاف القرآن الموجود لدينا، ومصحف فاطمة بعد أن جاء به علي إلى أبي بكر وقال: لا حاجة لنا به؛ لأنه فتح الكتاب وإذا فيه: (تبت يدا أبي بكر وتب) إلى آخر ذلك، فأغلقه وقال: لا حاجة لنا به. وهذا حسب زعم الشيعة، والغريب أنه لم يمزقه. ثم جاء به علي إلى عمر، ثم إلى عثمان، ثم بعد أن تولى علي الخلافة لم يكن هناك مجال لإظهاره؛ خوفاً من اعتراض الآخرين، ثم تناقله الأئمة من بعده الحسن ثم الحسين ثم علي زين العابدين ثم أخذه المهدي المنتظر الطفل الصغير الذي عمره خمس سنوات، واختفى به في سرداب سامراء، وسيخرج في آخر الزمان ومعه هذا المصحف. والشيعة يرون قصوراً في أنفسهم؛ لأنهم لا يعرفون عن مصحف فاطمة شيئاً، حتى يلتزموا به، فاخترع لهم أحبارهم ورهبانهم منهجاً وطريقة في إبعادهم عن القرآن وربطهم بمصحف فاطمة، فقالوا: اسمعوا وانتبهوا إن أي شيعي يموت فإن الله يوكل بقبره ملكاً، وظيفة هذا الملك أنه يحفظه مصحف فاطمة، ففرح الشيعة بهذا وقالوا: في الدنيا ممكن أن نقرأ هذا المصحف الموجود حالياً ولو أنه محرف، وفي البرزخ والقبر نحفظ مصحف فاطمة، فعلى هذا يكون نوراً على نور وليس هناك إشكال، فخشي هؤلاء الأحبار والرهبان أن يتحقق هذا الهدف فعلاً، فقالوا: لا، إن من حفظ شيئاً من مصحف العامة، فإنه سيفقد ما يعادله من مصحف فاطمة في قبره، ولذلك يقولون: إن الشيعي إذا مات جاءه الملك وقال له: كم تحفظ من مصحف العامة؟ فإن قال: أحفظ سورة البقرة مثلاً، فيخصم عليك بمقدارها من مصحف فاطمة؛ لأنه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، فتجد أن الشيعي يحاول قدر جهده ألا يحفظ من القرآن شيئاً أبداً، إلا شيئاً يسيراً سمح له بحفظه وهي سور خاصة بالصلاة، خمس، عشر، عشرين سورة من قصار السور، من جزء عم فقط لا غير، هذا هو الذي أذن به لهم، حتى لا يكون هناك نوع من النكرة الكاملة من هذا الدين الذي كله متغيرات، فربطوه بعدد قليل من السور، وعدد قليل من الآيات، سواء كانت آية الكرسي أو بعضاً من الآيات في كتاب الله تعالى، وهذه السور تطبع في نفس كتب الأدعية، ليس هناك طبعة مستقلة للقرآن الكريم عند الشيعة، وإنما يأتون بكتاب مستقل وهو كتاب أدعية، ثم يطبعون في نهايته عدد ثلاث أو أربع أو عشر سور أو عشرين سورة، وهذه يسمونها سور الصلاة، وعلى رأسها سورة الفاتحة والمعوذات وبعض السور الأخرى. هذه الأمور المتعلقة بالقرآن الكريم. إذاً: نعرف من هذا أن موقف الشيعة من القرآن الكريم موقف الرافض والراد لكتاب الله سبحانه وتعالى. لكن قد يسأل سائل ويقول: أنا أذهب مكة وأدخل الحرم وأرى هؤلاء الشيعة يقرءون القرآن، أرى كثيراً من شيعة القطيف وشيعة قطر وشيعة الكويت وغير ذلك، يجلس أحدهم نصف ساعة أو ساعة يقرأ كتاب الله سبحانه وتعالى، فما معنى هذا؟ يقول بعض العلماء تجاه هذه القضية: إن الشيعة يطبقون أثناء قراءتهم لكتاب الله سبحانه وتعالى مبدأ التقية، فالشيعي يتعبد الله سبحانه وتعالى لا لقراءته للقرآن الكريم، لكن بإظهار التقية؛ لأن التقية عندهم عبادة لها أجر عظيم ليس باليسير، ففي نصوص كثيرة عندهم: أن التقية تسعة أعشار الدين، وهي:

موقف الشيعة من السنة

موقف الشيعة من السنة الشيعة يردون كتب السنة جملة وتفصيلاً، ولا يعترفون بكتب السنة ولا يقرون بها أبداً، وكتب السنة المقصودة هي كتب السنة المعروفة مثل: مسند الإمام أحمد، وموطأ الإمام مالك، وصحيح البخاري، وصحيح مسلم، والسنن الأربعة وغيرها، فهي بالنسبة للشيعة مردودة وغير معترف بها.

اعتقاد الشيعة أن قول الإمام كقول الله ورسوله

اعتقاد الشيعة أن قول الإمام كقول الله ورسوله جاء الشيعة ببدائل كثيرة جداً عن كتب السنة، من ذلك قولهم: إن قول الإمام كقول الله وقول رسوله. إذاً: ليس هناك داع أن نرجع إلى القرآن الكريم، وليس هناك داع أن نرجع إلى السنة؛ لأن قول الإمام هو قول الله، وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك لو أخذت كتاباً من كتب الفقه الخاصة بالشيعة، وفتحت هذا الكتاب وبدأت تقرأ فيه، فإنك نادراً ما تجد حديثاً مرفوعاً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فغالب الروايات تسند لأئمتهم، وهذا فيه نوع من إبعاد الناس عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وربطهم مباشرة بالأئمة؛ لأن باستطاعتهم أن يكذبوا على الأئمة بسهولة، فترتب على ذلك أن هؤلاء صاروا يقرون بأن هذا القول قول الإمام، وبما أن قول الإمام معصوم، فقوله صحيح لا يتطرق إليه خطأ، وبما أنه معصوم فمن الممكن أن تقول: إن هذا قول الله أو قول رسوله.

اعتقاد الشيعة أن علم الأئمة متلقى بالوحي والإلهام

اعتقاد الشيعة أن علم الأئمة متلقى بالوحي والإلهام أيضاً: يقولون: إن علم الأئمة يتحقق عن طريق الإلهام والوحي، ولذلك يقول الكليني في (الكافي): باب أن الأئمة تدخل الملائكة بيوتهم، وتطأ بسطهم، وتأتيهم بالأخبار. يعني: أنه يوحى إليهم، وبما أن الأئمة يوحى إليهم، فليس هناك داع أن نرجع إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وليس هناك داعٍ أن نأخذ منه، فالملائكة تدخل بيوت الأئمة وتطأ البسط، وتجلس معهم، وتلتقي بهم، وتأتيهم بالأخبار، وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله الذي هو جعفر الصادق: منا من ينكت في أذنه، ومنا من يوحى إليه، ومنا من يأتيه ملك أعظم من جبريل وميكائيل. في رواية ذكرها الكليني في (الكافي)، وهذه الرواية تدل على أن هؤلاء الأئمة يوحى إليهم. فهم يعتبرون الأئمة في منزلة الأنبياء، بل في روايات أخرى يرفعون هؤلاء الأئمة إلى درجة أرفع من الأنبياء، كما يقولون في الرواية المشهور عندهم التي تواترت عن كل علمائهم: إن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل. يعني: أن جميع الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين لا يستطيعون بلوغ مرتبة هؤلاء الأئمة، وعلى هذا ليس هناك داع إلى أن تأخذ من هذا الرسول. انظروا كيف يعملون الحواجز والعوائق لرد السنة، فهم لا يقولون: نرد السنة، ولا يقولون لا نعترف بما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، لا، ولا يصرحون به مباشرة، وإنما يضعون عراقيل لإبعاد الناس عن التلقي من السنة مباشرة، كما فعلوا مع القرآن الكريم. ويريدون أن يرفعوا من شأن الإمام مثلاً، فيقولون: إن أئمتنا يعلمون ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون. فإذا كان الأئمة يعلمون الغيب ويعلمون ما كان وما سيكون، فليس هناك داع أن نرجع إلى أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم. ويقولون: إن أئمتنا يعلمون متى يموتون، ولا يموتون إلا باختيارهم. كما ذكر الكليني في (الكافي): باب: أن الأئمة يعلمون متى يموتون، ولا يموتون إلا باختيارهم. ففي هذه الحالة هؤلاء الأئمة يعلمون الغيب، ويعلمون ما يرتبط بالمستقبل، فهذه ميزة تجعلهم مقدمين على الرسل. وكذلك يقول المجلسي في (بحار الأنوار) في الجزء (26) في صفحة (132): إن الله يرفع للإمام عموداً يرى به أعمال العباد جميعاً، فإذا أراد هذا العمود فإنه يرتفع له، فيرى عملك وعمل فلان وفلان. ويقولون كلاماً كثيراً فيما يرتبط بمعرفة من الذي سيدخل الجنة، ومن الذي سيدخل النار، فيعرفون أن فلاناً سيدخل الجنة وفلاناً سيدخل النار، وأن هذا فيه كذا وهذا فيه كذا، وكل ذلك مرتبط بعلم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، فإذا كان هذا مختصاً بالأئمة، فمعنى ذلك أن هؤلاء الأئمة أفضل من الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين، وبالتالي لا داعي يا شيعتنا أن تأخذوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ارفضوه وارفضوا ما جاء به، وهذا هو لسان الحال بالنسبة لهم.

اعتقاد الشيعة أن الأئمة مختصون بعلم الشريعة

اعتقاد الشيعة أن الأئمة مختصون بعلم الشريعة كذلك من العراقيل التي يضعونها أمام التلقي من السنة: أن خزن العلم وإيداع الشريعة خاص بالأئمة؛ وذلك لأسباب عدة، من ضمنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما بعث وبدأ يدعو إلى الله سبحانه وتعالى، فإنه انشغل بالحروب الموجهة للأعداء، بالإضافة إلى دعوة الناس إلى الدخول في دين الله أفواجاً، فلم يكن هناك وقت له ليعطي العلم الذي أعطاه الله له، ليعطيه هؤلاء، كذلك لم يجد أناساً مناسبين أكفاء عندهم الأهلية التامة للتلقي، فلذلك خشي الرسول صلى الله عليه وسلم أن يموت وعنده العلم، فأعطاه لـ علي بن أبي طالب، وعلي بن أبي طالب أعطاه للحسن ثم الحسين ثم تناقله الأئمة من بعده. معنى هذا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم انتهى دوره قبل أن يبلغ ويبين أمور الدين، وجاء دور الأئمة الذين حملوا العلم ونشروه. انظروا كيف يبعدون الناس عن التلقي من المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد نجحوا في ذلك بالنسبة لبني جلدتهم. ويقولون في رواية متواترة عندهم: إن علي بن أبي طالب يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم أسرَّ لي بألف حديث، في كل حديث ألف باب، في كل باب ألف مفتاح. يعني: ألف في ألف في ألف، وهذا العلم خاص بـ علي الذي أعطاه للأئمة من بعده. هذا جانب من جوانب إبعاد الناس عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم. هل هذا الإبعاد يكفي، أم أن هناك بدائل لا بد من إيجادها؟ هم أوجدوا بدائل فيما يرتبط بالقرآن، وأوجدوا بدائل فيما يرتبط بالسنة.

اعتقاد الشيعة أن كلام الأئمة من كلام الله ورسوله

اعتقاد الشيعة أن كلام الأئمة من كلام الله ورسوله من العوائق التي وضعها الشيعة لإبعاد الناس عن التلقي من السنة: أن كلام الأئمة نفسه من كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله، ويجوز أن تقول قال أبو عبد الله: كذا وكذا، فتنسب هذا القول لـ أبي عبد الله أو للرسول عليه الصلاة والسلام أو لله سبحانه وتعالى. يعني: أن كلام الأئمة هو كلام الله ورسوله، فقالوا: نكتفي بكلام الأئمة، فأخذوا كلام الأئمة وجمعوه، وجعلوه كلاماً مقدساً معتبراً يؤمنون به، ويدينون الله سبحانه وتعالى به. هذا الجانب الأول من إبعاد أتباعهم عن كتب السنة. الجانب الثاني: هو ما يسمى بحكايات الرقاع.

اعتقاد الشيعة في الرقاع المختومة من المهدي وتركهم السنة

اعتقاد الشيعة في الرقاع المختومة من المهدي وتركهم السنة الرقاع عبارة عن حماقة عجيبة حصلت عند الشيعة، ربما يضحك منها المجانين، كان هناك أناس فيهم ذكاء ويعرفون أن هؤلاء الشيعة يمتازون بغباء لا مثيل له، ولذلك يقول عنهم ابن القيم رحمه الله تعالى: إن الشيعة سبة أو عار على بني آدم. يعني: حتى الهندوس الذين يعبدون البقر أفضل من هؤلاء الشيعة. أما هؤلاء الناس الأذكياء فبدءوا يفكرون في استغلال هؤلاء الشيعة، فجاء رجلان: أحدهما يسمى عثمان بن سعيد العمري وكان هو الذي عليه المعول، ففكر هو وصديق له في أن يختلسوا أموال الشيعة، فقال لصديقه ولزميله هذا: سنذهب أنا وأنت إلى قرية كذا وكذا، وسأتظاهر أنا بالصلاح وبعدم الأكل والشرب، وبعد ذلك سأخرج في النهار، لأقضي الحاجة، وتضع لي على حصاة أو على حجر قرصاً من خبز لونه قريباً من لون فضلات ابن آدم، فمن رآه يعتقد أنه من فضلات بني آدم، فطبعاً يشمئز منه ويبتعد عنه، وأنا سآتي إلى هذا الحجر وآكل القرص وأشرب قليلاً من الماء ثم أعود، وهم يتوقعون أنني ذهبت لقضاء الحاجة، وسأمكث عندهم فترة على هذا المنهج، فيرون أني ولي من أولياء الله، ثم بعد ذلك سأستخدم مناهج متعددة لاستخلاص أموالهم منهم، وفعلاً بدأ يستخدم هذا المنهج، فجلس ثلاثة أيام أو أربعة أيام، وفي كل يوم يذهب ويأكل القرص ويشرب الماء ويعود، فبدأ الناس يرقبونه ويقولون: هذا ولي يصلي ويذكر الله طوال اليوم، وفي عبادة مستمرة، وبعد أيام متعددة قال: إنني سأذهب، فسألوه: إلى أين ستذهب؟ قال: إن عندي موعداً مع المهدي المنتظر، فإذا كان لأحد منكم وصية أو خطاب أو فتوى أو غير ذلك فلا مانع لدي، فبدأ كل واحد منهم يكتب له خطاباً، فيجمع الخطابات، ثم ذهب إلى مكان بعيد، وبدأ يجيب عليها ويختمها، ثم عاد بها إليهم ووزعها عليهم، فصاروا يتباركون بها؛ لأن فيها ختم المهدي المنتظر، فكرر هذه العملية مرة ثانية، وفي المرة الثالثة قال: إن المهدي المنتظر قال لي: إن قريتي كذا وكذا أصابتها جائحة وأصابتها مجاعة، وأصابها كذا وكذا، وأريد أن أذهب وأعرج عليها، وأريد أن أجمع مساعدات لهم، فصاروا يعطونه الأموال، فيأخذ هذه الأموال ومعها الرقاع، فأخفى الأموال في مكان معين ثم عاد، وهكذا فعل مرة ومرتين وثلاثاً إلى أن جمع مالاً كثيراً. فعرف بعض الأذكياء الآخرين خدعة عثمان بن سعيد العمري فطبقوها في قرى أخرى ثالثة ورابعة وخامسة، فكثرت الرقاع، وهذه الرقاع فيها تناقضات، لأن عثمان هذا ليس بعالم، فتجده في قرية يسأل عن مسألة فيقول: مباح، ويسأل نفس المسألة في قرية أخرى فيقول: محرم، فأصبح عنده تناقضات عجيبة، فقام بعضهم وجمع هذه الرقاع ووحد بينها وألغى التناقضات، ثم أخرجت في كتب مستقلة، وصارت فتاوى مستقلة يستندون عليها ويعتمدون عليها، وصدق ابن القيم رحمه الله عندما قال: الشيعة عار على بني آدم. انظروا كيف يعتمدون في مجال فتاويهم ودينهم على هذا المنهج.

اعتقاد الشيعة في مرويات الصحابة الداخلين في حزبهم حسب زعمهم

اعتقاد الشيعة في مرويات الصحابة الداخلين في حزبهم حسب زعمهم الجانب الثالث من بدائل السنة: هو مرويات الصحابة، هم يرون أن الصحابة كثر لكنهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الردة جعلتهم يخرجون من ربقة الإسلام إلا القليل منهم، من هؤلاء القليلين: كـ سلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر وغيرهم، لكن هؤلاء الذين بقوا وليسوا مرتدين أين أثرهم في كتب الشيعة؟ قيل للشيعة، هؤلاء منا وفينا ومع ذلك لا يروى عنهم شيء؟ وفعلاً تداركوا هذا الأمر، وبدءوا يسندون أسانيد ويقولون: حدثنا فلان بن فلان عن رجل، عن رجل أو عن مجموعة رجال، عن مجهول، عن سلمان الفارسي أنه قال كذا وكذا. وهذه المرويات قليلة جداً في كتب الشيعة. إذاً: هذه هي بدائل عند الشيعة عن السنة، فالسنة بالنسبة للشيعة مرفوضة رفضاً تاماً، كما أن القرآن مرفوض رفضاً تاماً، وأوجدوا البدائل للسنة فيما ذكرت قبل قليل.

موقف الشيعة من أنواع التوحيد

موقف الشيعة من أنواع التوحيد نعرف أن التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات، فما هو موقف الشيعة من أنواع التوحيد؟ أولاً: لابد أن نعي جميعاً أن الشيعة مشركون شركاً أكبر في مجال التوحيد، وشركهم بين وواضح في مجال التوحيد لا يشك فيه من له مسحة من علم أو قليل من عقل، وهذه نماذج في هذه المسألة.

اعتقاد الشيعة في توحيد الربوبية

اعتقاد الشيعة في توحيد الربوبية إن أول أنواع التوحيد هو: توحيد الربوبية، فما هو موقف الشيعة من توحيد الربوبية؟ للشيعة مواقف كثيرة جداً في توحيد الربوبية، سأقتصر فيها على بعض المواقف من باب التبيين لا غير. أولاً: أنهم جاءوا إلى الكتاب العزيز القرآن الكريم وجعلوا أي آية فيها كلمة (رب) فمعناها (إمام)،مثل قوله تعالى حكاية عن فرعون: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:24] هذه كلمة قالها فرعون، ومع ذلك قالوا معناها: أنا إمامكم الأعلى. وفي قوله تعالى مثلاً: {وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} [الزمر:69] قالوا: وأشرقت الأرض بنور إمامها، فجعلوا كل كلمة في القرآن فيها (رب) بمعنى الإمام، فكأنهم جعلوا الإمام هنا هو في مرتبة الربوبية ودرجة الربوبية، وحرفوا كل آيات القرآن لتناسب هذا الجانب. كذلك من ضمن النماذج في إشراكهم في توحيد الربوبية: أنهم قالوا: إن الدنيا والآخرة بيد الإمام يضعها كيف يشاء، ولذلك يقول صاحب (الكافي) الجزء الأول الصفحة (409): عن أبي عبد الله أنه قال: أما علمت أن الدنيا والآخرة للإمام يضعها حيث يشاء، ويدفعها إلى من يشاء، جائز له ذلك من الله سبحانه وتعالى. فكأن الله فوض الدنيا والآخرة والجنة والنار لهؤلاء، ولذلك يقولون: علي قسيم الجنة والنار، يدخل من يشاء الجنة، ويدخل من يشاء النار. ويقولون: إنه لا يمكن لأحد أن يجوز الصراط إلا إذا كان معه صك من علي بن أبي طالب، وهذا مشابه تماماً لأقوال النصارى فيما يرتبط بصكوك الغفران، فالنصارى يقولون: إن هناك صكوكاً إذا اشتراها الإنسان غفرت له ذنوبه ودخل الجنة، وأعطي بهذا الصك مكاناً في الجنة، فتكالب الجهلة من الناس -وكلهم جهلة- على هذه الصكوك يشترونها، وصار البابا وأتباع البابا يتنعمون بهذا المال. وهذا المنهج النصراني هو منهج الشيعة تماماً، فهم يقولون: إن من لمن يكن معه صك ولاية لـ علي بن أبي طالب فإنه سيدخل النار، فجعلوا الجنة والنار والحساب والعقاب والميزان وغيرها بأيدي الأئمة يتصرفون فيها كيف يشاءون، فكأن الله سبحانه وتعالى قد تخلى عن ذلك تماماً، وجعل ذلك لهؤلاء الأئمة، وكأن هؤلاء الأئمة هم الأرباب الذين بأيديهم كل شيء. من الجوانب الأخرى في شرك الربوبية: إسناد الحوادث الكونية للأئمة، فما من برق ولا رعد ولا زلزال ولا بركان أو غير ذلك إلا وللأئمة التصرف فيه، فإذا أرادوا إنزال المطر على أناس أمروا السماء فأمطرت، وإذا أرادوا أن يصيبوا إنساناً بصاعقة أمروها فأصابتهم بصاعقة، وهذا مسطر في كتاب (الكافي) الذي هو أصح الكتب عندهم، فقد قالوا: ما من برق ولا رعد ولا مطر ولا سحابة ولا بركان ولا ولا إلا وهو في أيدي أئمتنا يصرفونه كيف يشاء.

اعتقاد الشيعة في توحيد الألوهية

اعتقاد الشيعة في توحيد الألوهية أما توحيد الألوهية ومقصودهم به فهناك نصوص كثيرة جداً تبين إشراكهم في توحيد الألوهية. أولى هذه النصوص: أنهم جعلوا كل نصوص التوحيد في الأئمة، فأي آية تحذر من الشرك فمعنى ذلك أنها تحذر من الإشراك في الإمامة، يعني: أي آية فيها كلمة شرك، فإن ذلك دلالة على الإمامة وما يرتبط بالإمامة، والأمثلة في ذلك كثيرة جداً قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65] يقولون: يعني: لئن أشركت في ولاية علي بن أبي طالب ليحبطن عملك. لا يوجد شيء عندهم اسمه أشركت بعبادة الله، لا، وإنما لئن أشركت في جعل علي بن أبي طالب ولياً ومعه آخر، فإن هذا فيه وعيد ألا وهو حبوط العمل. كذلك يقولون مثلاً: {أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل:61] يقول المجلسي صاحب (البحار): أي إمام هدى مع إمام ضلال في قرن واحد؟ وجاءوا بجميع آيات القرآن التي تحتوي على التحذير من الشرك وتقرير توحيد الألوهية، وجعلوها بهذا المنهج وبهذه الصورة والكيفية، وهذا لكي يقرروا في الناس مسألة ولاية الأئمة. فإذا ارتبط الناس بمحبة الأئمة وولاية الأئمة، فإنهم بالتالي سيرتبطون ويهتمون بأقوال الأئمة، والأئمة هم الذين كذبوا عليهم مئات الآلاف من الكذبات، فإذا آمنت بأقوال الأئمة فأنت بذلك تكون قد آمنت بأقوال هؤلاء الرهبان والأحبار، وبالتالي تكون من أتباعهم ومن شيعتهم الذين خرجوا من ربقة دين الله سبحانه وتعالى. النقطة الثانية في توحيد الألوهية: إن الولاية أصل قبول الأعمال عندهم، فإذا جاء الإنسان بولاية آل البيت قبل عمله مهما كان، وإذا لم يأتِ بولاية أهل البيت فإن عمله لن يقبل مهما كان؛ ولذلك يقولون في كل كتبهم بلا استثناء: لو جاء بعمل سبعين نبياً ولم يأتِ بولاية أئمة آل البيت أكبه الله على وجهه في سقر. ويقولون كذلك: لو أن عبداً عبد الله سبحانه وتعالى منذ خلق الله السماوات السبع والأرضين السبع بين الركن والمقام إلى أن تقوم الساعة ولم يأتِ بولاية آل البيت، فإن الله سيحرمه من الجنة وسيدخله في النار. ويقولون كذلك: إن الإنسان لو جاء بعمل يهودي أو نصراني ومع ذلك ولاية آل البيت، فإن الله سيتجاوز عن خطئه ويدخله الجنة. إذاً: الأصل هو الولاية، فإذا كان الإنسان موالياً لآل البيت فإنه سيدخل الجنة، ومن عارض آل البيت فإنه سيدخل النار، ولذلك جميع الإخوة الموجودين هنا على مذهب الشيعة كلهم في النار. النقطة الثالثة: أن الأئمة هم الواسطة بين الحق والخلق، فهم الآن يريدون أن يقرروا قضية الشرك بالله سبحانه وتعالى بشكل صريح، فقرروا مسألة: أن الأئمة هم الواسطة؛ ولذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ينقل إجماعاً في ذلك يقول في (1/ 124) من الفتاوى: إن من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم كفر إجماعاً. فهؤلاء في إجماع الأمة كفار؛ لأنهم يقولون: إن الأئمة هم حجب الرب والوسائط بينه وبين الخلق، كما ذكر صاحب البحار في الجزء (23/ 97): أن الأئمة هم حجب الرب والوسائط بينه وبين الخلق، ولكي يحققوا هذا المبدأ جاءوا بروايات كثيرة جداً عن أئمتهم، من ضمن هذه الروايات قولهم: بنا عبد الله، وبنا عرف الله، وبنا وُحد الله. ويقولون في نص آخر: إن الأئمة هم الشفاء الأكبر، والدواء الأعظم لمن استشفى بهم. وعندي نصوص لهم تبين فعلاً مدى وقوعهم في الشرك البين الواضح فيما يتعلق بتوحيد الألوهية. النقطة الرابعة: مسألة عبادة القبور بالنسبة لهم. معروف عن الشيعة أنهم يضاهئون الصوفية في عبادة القبور، وربما يتفوقون عليهم، بل لهم مؤلفات كثيرة جداً موجودة في كل مكان، وهذه المؤلفات باسم: مناسك حج المشاهد، منسك مستقل، فإذا أردت أن تزور قبر الحسين أو قبر الحسن أو قبر فاطمة أو قبر فلان أو فلان، لابد أن تغتسل وتلبس أحسن ثيابك، وتدخل وتقف أمام القبر بخشوع، ثم تتمسح بالقبر، ثم تصلي ركعتين وأنت باتجاه القبر، ثم تطوف بالقبر. هذا هو أسلوب الحج، انظروا (مناسك حج المشاهد)، حتى وصل الأمر بهم -لكي يقطعوا هؤلاء الشيعة عن الإسلام تماماً- أنهم جعلوا الحج لهذه القبور أفضل من الحج إلى بيت الله الحرام؛ ولذلك يقولون: من زار قبر الحسين في يوم عاشوراء كتب الله له أجر ألف ألف حجة. يعني: تذهب مرة واحدة فقط لزيارة قبر الحسين بن علي بن أبي طالب فتربح مليون حجة، فضل عظيم جداً، فهؤلاء يريدون إبعاد الناس فعلاً عن الحج إلى بيت الله الحرام. وقالوا: من لم يستطع أن يحج إلى قبر الحسين في يوم عاشوراء، فليقف في سطح بيته ويتجه إلى القبر، ثم يصلي باتجاه القبر ويكتب له بذلك عشرين حجة إلى آخر تلك الخزعبلات، والهدف هو إبعاد الناس عن الحج، ولذلك كثير من الشيعة لو راقبتم ودققتم يأتون من إيران، ويأتون من أماكن كثيرة جداً إلى هذه البلاد، ويذهبون إلى المدينة ويبقون في المدينة ولا يحجون؛ لأنهم يرون أنهم قد حجوا إلى قبر فاطمة، وحجوا إلى قبر الحسن، وحجوا إلى قبر جعفر الصادق الذين دفنوا في مقبرة البقيع. النقطة الخامسة فيما يتعلق بتوحيد الألوهية عندهم: أن الإمام يحرم ما يشاء ويحلل ما يشاء، فللإمام أن يحرم ما يشاء، ويحلل ما يشاء، مأذون له ذلك من الله، وهذا النص بعينه موجود في كتب اليهود، فالإمام عندهم يستطيع أن يقول: هذا حلال وهذا حرام، وهذا جائز وهذا مباح؛ لأنه إمام معصوم، وبالتالي استطاعوا أن يجعلوا كل الشيعة أو غالب الشيعة أن ينفذوا كل ما سطروه من كتابات فيها تحليل وتحريم منسوبة إلى أئمتهم. هذا ما ثبت في موقفهم فيما يتعلق بمسألة أنواع التوحيد.

عقيدة الطينة عند الشيعة

عقيدة الطينة عند الشيعة بقي عندنا مجموعة من العقائد لعلي أعرض بعضاً منها الآن، وسأعرض عليكم عقيدة من عقائدهم العجيبة جداً، وفيها طرافة: إنها عقيدة الطينة عند الشيعة. هذه العقيدة من العقائد العجيبة عند هؤلاء، وقد سطرها الكليني في كتابه: باب في طينة المؤمن والكافر. يريدون أن يضفوا على الشيعة درجة من العلو، وأنهم أناس محترمون ومحبوبون عند الله سبحانه وتعالى، فاخترعوا عقيدة الطينة. يقولون في عقيدة الطينة: إن الله سبحانه وتعالى عندما أراد أن يخلق آدم، أخذ من طينة الجنة شيئاً، وأخذ من طينة النار شيئاً، ثم أجرى نهراً من الجنة على طينة الجنة، ونهراً من النار على طينة النار، ثم تركهما لتتخمرا، فأخذ من أعلى طينة الجنة قطعة، ومن أسفل طينة الجنة قطعة، ومن أعلى طينة النار قطعة، ومن أسفل طينة النار قطعة، فعجنت هذه القطع الأربع، فخلق منها الخلق، خلق منها آدم وخلق منها الخلق، فعندنا جبلان: الجبل الأول من طينة الجنة، والثاني من طينة النار، فأعلى طينة الجبل الأول الذي من الجنة خلق منها الأئمة، وأسفل هذه الطينة خلق منها أتباع الأئمة، أما جبل النار فأعلاه خلق منه أئمة الجور المعارضين لأئمة الشيعة، وأسفله خلق منه أتباع أئمة الجور، أي: نحن. وسأمثل ما يقولونه على نفسي: أنا الآن بالنسبة لهم من طينة جبل النار السفلى؛ لأنني لست من الأئمة، فبالتالي أنا من الطينة السفلى، فأنا أعمل خيراً وأعمل شراً، فالخير الذي أعمله ليس من ذاتي؛ لأن ذاتي أصلها سيئة بالنسبة لهم، لكن الخير الذي أعمله إنما هو نتيجة لتأثري واختلاط طينتي بطينة الشيعة، أو الطينة التي خلقت من الجنة، ولو عملت شراً فهذا أصلي، أما الشيعي إذا عمل خيراً فهذا هو أصله، وإذا عمل شراً فذلك من تأثره بطينة السني. فإذا جاء يوم القيامة رجع كل شيء إلى أصله، فأنا الآن عملت خيراً، لكن هذا الخير ليس من تأثير طينتي، فيرجع هذا الخير إلى الشيعي، والشيعي عمل شيئاً سيئاً، لكن ليس من تأثير طينته، فيرجع هذا العمل السيئ لي. يقول الشيعي: إذا كنت الآن أعمل سيئة وهذه السيئات سترجع إلى السني، فلماذا لا أكثر منها لكي ترجع إلى أهل السنة، فبدل ما ترجع لهم سيئتين في اليوم لنجعلها عشرين سيئة في اليوم، وعلى ذلك: سأزني وأشرب الخمر وأمارس اللواط، وأسرق، وأقتل؛ لأن كل هذه الأعمال سترجع إلى أهل السنة؟ كذلك لماذا أعمل الحسنات وأتعب نفسي، من صلاة وصيام، إذا كانت حسنات أهل السنة سترجع لي، فليس هناك داع أن أتعب نفسي، فوقعوا في مشكلة رهيبة، فقد انتشر فساد عريض بين الشيعة، وصارت فوضى عجيبة، فجاء قرار بأن عقيدة الشيعة لا تنطبق على الشيعة إلا إذا خرج المهدي المنتظر، هذا ما يسمونه عقيدة الطينة، وهي من العقائد التي وقف العمل بها إلى أجل مسمى بموجب مرسوم خاص بهم.

عقيدة الظهور عند الشيعة

عقيدة الظهور عند الشيعة من عقائدهم الأخرى: عقيدة الظهور، يقولون: إن الإمام المهدي اختفى، لكن هل معقول أنه اختفى من مدة طويلة ولم يخرج؟ فقالوا: إنه يظهر في بعض الأحيان، لكن لا يراه إلا الرجل الصالح، الرجل الذي يتمسك بمذهب الشيعة جملة وتفصيلاً، فهم بذلك يريدون أن يجعلوا شيعتهم فعلاً يتمسكون بالدين الشيعي، وكلما كان الإنسان قوياً في تشيعه اقترب من رؤية المهدي المنتظر الذي يظهر في بعض الأماكن، وعندما يظهر أنت قد لا تراه وغيرك بجانبك يراه؛ لأنه أقوى منك في دين الشيعة، فيراه هذا الشخص ويسلم عليه. وهذا نوع من الدعاية لمذهبهم، وهو من غرائب مذهبهم كذلك. بل إن من غرائب مذهبهم أنهم رووا أن أبا عبد الله جعفراً الصادق كان حاجاً في يوم من الأيام، فأخذ ثلاث حصيات ورمى بها في الهواء، فقالوا له: لماذا فعلت ذلك يا إمام؟ فقال: لقد رفع إلي حبتر وزريق، وهذا وصف لـ أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، فأنا أرجمهما، وهما يخرجان في كل عام في مثل هذا الوقت، وعلى على كل مسلم أن يرجمهما. هذا من باب بتر الشيعة وإبعادهم عن الجيل الأول الذين هم أفضل البشر بعد الأنبياء والمرسلين، ولذلك يقول الشعبي: فُضل اليهود والنصارى على الرافضة بخصلة، فلو قيل لليهود: من أفضل أهل ملتكم؟ لقالوا: أصحاب موسى، ولو قيل للنصارى: من أفضل ملتكم؟ لقالوا: أصحاب عيسى، ولو قيل للرافضة: من شر أهل ملتكم؟ لقالوا: أصحاب محمد. هم يريدون أن يبعدوا الناس عن محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه بهذه الكيفية. إذاً: عقيدة الظهور عند الشيعة هي: أن المهدي المنتظر يظهر لهم، بل والأئمة عموماً يظهرون في مواطن معينة، فكلما كان الإنسان قريباً من دينهم رأى هؤلاء الأئمة، وبالتالي حاولوا بقدر جهدهم أن يجعلوا الشيعي يتمسك بدينه أكثر وأكثر. بقي لدينا في هذا الجانب: عقيدة البداء، وعقيدة الرجعة، وعقيدة التقية، وعقيدة الإمامة، وعقيدة العصمة، وموقف الشيعة من الصحابة وأركان الإيمان بالنسبة لهم، وهذا سيكون له إن شاء الله وقفات موجزة في الدرس القادم وفي اللقاء القادم، والذي يليه إن شاء الله سيكون مرتبط ومتعلق بجهود الشيعة في الزمن الحاضر من أجل إقامة الإمبراطورية الشيعية الإسلامية العظمى، التي تمتد من أواسط إيران وتنتهي في لبنان، وتمتد شمالاً قريباً من بغداد لتنتهي جنوباً بدولة الإمارات. هذا هو مخططهم، وسنحاول أن نقف مع هذا المخطط، ثم نتطرق كذلك إلى موقفهم تجاه الحرمين الشريفين، ومخططاتهم تجاه الحرمين الشريفين، هذا سيكون إن شاء الله في اللقاء ما بعد القادم. أما اللقاء الأخير فسيكون مخصصاً للإجابة عن الاستفسارات والأسئلة، وسترتب الأسئلة لتأخذ طابعاً منظماً، فمن عنده تساؤل فيكتبه وسيخصص له درس مستقل، والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

سلسلة الرافضة عقيدة وهدفا [3]

سلسلة الرافضة عقيدة وهدفاً [3] لقد لعبت الأدوار الخارجية دوراً كبيراً في اختراع دين جديد للشيعة، فاخترعت لهم عقائد متعددة تتمشى مع أهواء هؤلاء الذين يعملون خلف الكواليس، ومن العقائد التي تم اختراعها للشيعة عقيدة التقية، ثم البداء، ثم الإمامة وغير ذلك من العقائد الباطلة، ورتبوا على ذلك الأجور والعقوبات.

عقيدة التقية

عقيدة التقية الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فهذا هو اللقاء الثالث من اللقاءات المتتابعة المتعلقة بموضوع الرافضة عقيدة وهدفاً في الوقت الحاضر. لقد طرقنا في اللقاء الأول مقدمات مرتبطة بنشأة الرافضة وأصولها، والتسميات التي أطلقت عليها، ثم بعد ذلك انتقلنا إلى بيان بعض عقائدهم في مسألة الأصول، وفي هذا اللقاء إن شاء الله سنقوم بعرض بقية العقائد، ثم نقف وقفات متعددة مع الرافضة في الزمن الماضي، لنواصل الحديث فيما بعد إن شاء الله عن جهود الرافضة في الزمن الحاضر. من العقائد التي سنطرقها: عقيدة التقية. أولاً: التقية: هي أن يظهر الإنسان خلاف ما يبطن، والشيعة يرون مسألة التخفي المستمر عن أعدائهم من الدين؛ لكي يزداد عددهم، فهم يعطون للتقية منزلة عالية جداً، بل وصل بهم الأمر إلى اعتبار أن التقية تشكل الجزء الأعظم من الدين، لذلك قالوا المقولة المشهورة التي يروونها عن أبي عبد الله جعفر الصادق، يروون أنه قال: (إن التقية ديني ودين آبائي، ومن لا تقية له لا دين له). ويقولون عنه كذلك: التقية تسعة أعشار الدين. ويقومون بتحريف كثير من آي القرآن الكريم لتناسب هذا المعنى، حتى يبرروا لأنفسهم مبدأ الأخذ بالتقية، فيقولون: إن قول الله سبحانه وتعالى: {إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] أي: أكثركم تقية، فكلما كان الإنسان أكثر تقية كان كريماً عند الله سبحانه وتعالى. وهم كذلك يبذلون الجهود الكثيرة المتعددة، حتى لا يبدو أحدهم أنه من الشيعة، وحتى يستطيع أن يؤثر على الآخرين نتيجة لذلك. وهم يستخدمون مبدأ التقية كثيراً؛ لأنهم يتعبدون الله بهذا الاستخدام، وأحيانا قد لا يخشون من إظهار الحقيقة، لكنهم يخفون هذه الحقيقة حتى ولو أن إظهارها لا يترتب عليه شيء؛ تعبداً لله سبحانه وتعالى. ولذلك كما قلت لكم مسبقاً، إنهم يقرءون القرآن الكريم في المسجد الحرام، وتجدون أن هذه القراءة تثير كثيراً من المسلمين الذين يتهمون بعض الدعاة أو العلماء بأنهم يتحاملون على الرافضة، ويقولون لهم: انظروا هؤلاء الرافضة كيف أنهم يعكفون على قراءة القرآن، وأنتم تقولون: إنهم يقولون: إن القرآن محرف ومبدل، وفيه زيادة ونقصان، فلم يعكفون عليه قراءة وأخذاً وتلقياً؟ أقول: إن هذه القراءة في أصلها ليست قراءة لذات القرآن، بل يقرءونه تقية، أي: أنهم يظهرون أمامي وأمامك وأمام الآخرين تقية، فيفعلون هذه التقية تعبداً فهم يجلسون في الحرم، لأن الحرم بالنسبة للجالس فيه أجر، فهم يتعبدون الله بذلك، بالإضافة على جلوسهم في الحرم، فإنهم يطبقون مبدأ التقية عن طريق القراءة في كتاب الله سبحانه وتعالى.

عقيدة الرجعة

عقيدة الرجعة العقيدة التي تليها: عقيدة الرجعة. عقيدة الرجعة: هي اعتقاد الشيعة برجعة أئمتهم، وبرجعة أعدائهم قبل يوم القيامة، ولذلك يروون عن جعفر الصادق أنه قال: ليس منا من لم يؤمن بكرتنا، أي: برجعتنا. ويقولون: إن الإقرار بالتقية والاعتراف بها من القضايا التي تعد من صميم عقيدة الشيعة، فمن أنكرها فقد أنكر دين الشيعة وخرج منه، ولا بد من الإقرار بها، ويضعون على الإقرار بها أجوراً عظيمة جداً، بل ويذكرونها في الأدعية وفي الزيارات وفي يوم الجمعة وفي الصلوات، وفي كل وقت تجدهم يدعون ويطلبون عودة، فعندهم الإمام المنتظر، ولذلك نحن عندنا مثلاً إذا قلنا: (ص)، أي: صلى الله عليه وسلم، أو (رض) أي: رضي الله عنه، فعندهم اصطلاح كذلك اسمه (عج)، أي: عجل الله فرجه، أي: هذا المهدي المنتظر الذي اختفى في سرداب سامراء، وسيرجع في آخر الزمان، فهم يدعون الله سبحانه وتعالى دائماً بأن يعجل الله فرجه. والرجعة تشمل أصنافاً ثلاثة: الصنف الأول: خروج المهدي المنتظر الذي اختفى في سرداب سامراء سنة (255هـ)، هذا الرجل الذي سيخرج في آخر الزمان، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً ونعمة وخيراً ورفقاً وغير ذلك، بعد أن كانت مليئة بالظلم والجور. فـ المهدي المنتظر عندما يخرج إلى الدنيا يحيي الله معه مجموعة من الناس، من أبرز هم الأئمة، فالأئمة سيظهرون كلهم؛ ليكونوا معينين للمهدي في ترتيب أمور الدنيا، هؤلاء هم الصنف الأول. الصنف الثاني: هم ولاة المسلمين الذين اعتدوا على الشيعة واغتصبوا الخلافة، ويركزون على أبي بكر وعمر وعائشة وغيرهم. حتى إنهم يروون روايات كثيرة: أن المهدي عندما يذهب إلى المدينة فإنه يأمر بحفر قبر أبي بكر وعمر ويخرجهما طريين ثم يصلبهما على شجرة، ثم يحرقهما، ثم يذرهما في البحر، وهذا من باب الانتقام. وكذلك سيحيي عائشة ثم يقيم عليها حد الزنا، وهذه الروايات مسطرة في كتبهم بلا استثناء، ولذلك كان من الغرابة جداً أن يقوم الشيعة بالثورة على سلمان رشدي، الذي سطر في كتابه (الآيات الشيطانية)، كثيراً من القضايا التي يعتقد بها الشيعة اعتقاداً جازماً، فقد اتهم عائشة بكذا وكذا، واتهم أبا بكر وعمر وكثيراً من الصحابة، ومع ذلك أهدر دمه الخميني، وهذا من باب الدعاية الإعلامية السياسية، التي استطاع أن يغزو بها المسلمين؛ لأن غالب المسلمين بدءوا يقولون: انظروا إلى زعمائنا الذين يمثلون أهل السنة والجماعة لم يصدروا قراراً واحداً تجاه سلمان رشدي الذي تهجم على الإسلام، أما الخميني فقد جعل مليون دولار لمن يقتله، وأهدر دمه، وهذا يدل على مدى غيرتهم على الإسلام، مع العلم أن في كتاب سلمان رشدي وكتب الشيعة تتطابقاً شبه كلي في الرأي والطرح. الصنف الثالث: الذين آمنوا إيماناً قطعياً من الشيعة، هؤلاء يظهرون ويبرزون، وهذا فيه نوع من الدعاية للشيعي؛ لكي يتمسك بشيعيته، حتى يخرج مع المهدي ويكون من جنوده. وكأنهم يعطون الشيعي دفعة قوية للتشيع، حتى ينضم الشيعي فيما بعد إلى جيش المهدي المنتظر. هذا ما يتعلق بالرجعة بشكل موجز.

عقيدة المهدية

عقيدة المهدية عقيدة المهدية عند الشيعة، وهي: أن المهدي المنتظر الذي اختفى في سرداب سامراء سنة (255هـ) مع أن الإمام الحادي عشر الحسن العسكري كان عقيماً، ولم يكن له من أبناء. فعندما تورط الشيعة حين سطروا في شريعتهم أن الإمامة تنتقل من الأب إلى ولده، ولا يمكن أن تنتقل من الشخص إلى أخيه، فلما ووجهوا بأن الحسن العسكري كان عقيماً وليس له أولاد تورطوا، فماذا يفعلون؟ تفرقوا فرقاً عديدة، حتى إن النوبختي -وهو أحد أئمتهم- له كتاب مشهور معروف اسمه (فرق الشيعة)، يقول: إن بعد موت الحسن العسكري -الذي هو الإمام الحادي عشر- تفرقت الشيعة إلى أربع عشرة فرقة. يعني: كانوا متحدين، فتفرقوا بعد موت الحسن العسكري إلى أربعة عشر فرقة، وأكبر هذه الفرق وأشهرها التي لفقت روية أن الحسن العسكري له ابن وهو محمد، ومحمد كان صغيراً، وعندما بلغ الخامسة من عمره اختفى في سرداب سامراء، وسيخرج في آخر الزمان. وهذه من العقائد المضحكة العجيبة التي يسطرها الشيعة. إذاً: عقيدة المهدية تقول: إن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري، وأنه سيخرج بعد (70) سنة، ثم قالوا: إنه سيخرج بعد (140) سنة، ثم بعد ذلك اخترعوا عقيدة جديدة حتى يبرروا الخطأ وقالوا: سيخرج بعد (300) سنة، وهكذا، ثم فتحوا المجال وقالوا: لا نعلم متى يخرج، وهذه العقيدة ولدت عقيدة تسمى البداء كما سنعرفها بعد قليل. فعقيدة المهدية، تقول: إن المهدي المنتظر سيخرج من سرداب سامراء، وسرداب سامراء هو عبارة عن قبو صغير تحت منارة مسجد سامراء، وهذا القبو الصغير الذي لا تتجاوز مساحته اثنين ونصف في ثلاثة ونصف، أي: قريباً من ثمانية أمتار مربعة، وهذا القبو أمامه فرس عليه سرج جميل، وعنده حارس يحرسه، وهذا الحارس يظل يدعو دائماً باستمرار كل يوم، أو يأتي أناس يدعون كل يوم بأن يخرج المهدي إليهم ويفك أسرهم. والشيعة يتناوبون الحراسة عليه؛ ينتظرون قدوم هذا المهدي المنتظر.

عمل المهدي المنتظر عندما يخرج

عمل المهدي المنتظر عندما يخرج إن أول عمل يقوم به المهدي المنتظر عندما يخرج أنه سيجمع الشيعة الذين أحيوا معه، مع الشيعة الموجودين في وقته، ثم يقود هذا الجيش ليهاجم المخالفين وهم أهل السنة، فيقتل الرجال ويستحل النساء والأطفال ويجعلهم عبيداً لهم، فستكون نساء أهل السنة سبايا للشيعة، وأولادهم خدم لهؤلاء الشيعة. ثم سيتجه المهدي إلى الحرمين ويهدم الحرم المكي والحرم المدني ويسويهما بالأرض تماماً، هذا بعد أن يخرج أبا بكر وعمر من قبريهما. أما الرسول صلى الله عليه وسلم ماذا سيفعل في قبره؟ سنعرفه إن شاء الله في حينه عندما نتحدث عن جهود الشيعة ومخططاتهم تجاه الحرمين الشريفين.

عقيدة البداء

عقيدة البداء أما عقيدة البداء فهي: أن الله سبحانه وتعالى بدا له أمر فغير حكمه، وبدا لله شيء فغير حكمه هكذا تقول الشيعة. ويقولون كما في (الكافي) (1/ 146) عن جعفر الصادق قال: (ما عبد الله بشيء مثل البداء). والبداء: هو سبق الجهل وحدوث العلم. وهو غير النسخ، أما النسخ فهو أن يكون هناك حكم ثم يأتي حكم آخر يلغي الحكم الأول، هذا هو النسخ. أما البداء فهو أن الحكم معمول به، فإذا حصل حادث معين، أو قضية معينة، فهذه القضية ذاتها هي التي تلغي الحكم السابق بدون أن يأتي أمر شرعي بإلغائه. فكأن الله سبحانه وتعالى يجهل أن هذا سيحصل تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. وأول من قال بالبداء هم اليهود، فاليهود هم الذي نشروا البداء، وقالوا به كثيراً في التوراة، وفسروه في كثير من كتبهم.

السبب الذي جعل الشيعة يقولون بالبداء

السبب الذي جعل الشيعة يقولون بالبداء السبب الذي جعل الشيعة يقولون بالبداء: أنهم قالوا لأتباعهم عندما رأوا الملامة بسبب قضية المهدي المنتظر، فقالوا انتظروا بعد (40) سنة سيخرج المهدي وهو ابن (45) سنة، وهذا هو السن الذي يبعث فيه الأنبياء، فانتظروا (40) سنة ولم يخرج هذا المهدي، فاعترض الناس على هؤلاء الأئمة، فقالوا: لقد بدا لله أمر، وحتى يصدق الناس مسألة البداء كتبوا وسطروا في كتبهم أن البداء من العبادات أو من الدين، فصاروا بالبداء يحرفون كثيراً من الأحكام. السبب الثاني: أن الإمام أحياناً يقول بقول معين، فيقول الإمام: إنه سيقع كذا وكذا، فيأتي الزمن المحدد ولا يحصل ما قاله الإمام، فيقولون: لقد بدا لله أمر. فيكذبون الله ولا يخطئون الإمام؛ لأن الإمام معصوم، لا يخطئ أبد، لكن الذي يمكن أن يترتب عليه التعديل هو قول الله أو فعل الله سبحانه وتعالى، وهذا منتهى الكفر بالنسبة لهم. هذا ما يتعلق بعقيدة البداء بشكل موجز ومختصر.

عقيدة الإمامة

عقيدة الإمامة عقيدة الإمامة من العقائد الهامة جداً عند الشيعة، بل الإمامة عندهم هي أصل الدين الأصيل، وركنه الوحيد، فمن آمن بالإمامة فهو من أهل الجنة، ومن أنكر الإمامة فهو من أهل النار. ولذلك يقولون: إن من أقر بولاية علي بن أبي طالب ولو كان يهودياً أو نصرانيا أو مجوسياً دخل الجنة، ويقولون: في المقابل، لو أن عبداً عبد الله سبحانه وتعالى منذ خلق الله السماوات والأرضين بين الركن والمقام، لا ينقطع عن العبادة أبداً، ولكنه لم يؤمن بإمامة آل البيت فإن الله سيكبه على وجهه في سقر. وكذلك قالوا: لو أن عبداً جاء بعبادة سبعين نبياً ولم يقر بولاية أحد من آل البيت أكبه الله في النار على وجهه. وكذلك يقولون: لو عبد الله حتى انقطع عنقه، ولم يأت بولاية آل البيت، فإنه سيكبه الله في النار. إذاً: الإمامة والاعتراف بها أصل الدين الأصيل، وركنه الركين، ولذلك سموا بالإمامية نظراً لهذا السبب، أي: أنهم جعلوا الإمامة هي الأصل. ويسطرون في كتبهم في كثير من الأحيان: أن الإمامة أكمل وأجل من النبوة. ولذلك ذكر إمام لهم يسمى الطهراني في كتاب له اسمه (ودائع النبوة): أن الإمامة أجل من النبوة. بل وذكر صاحب (الكافي) نصاً غريباً يقول: عن أبي عبد الله جعفر الصادق أنه قال: بني الإسلام على خمس: على الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والولاية. اسقطوا الشهادة وأثبتوا الولاية. ثم قال: ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية. فالولاية عندهم مقدمة على الصوم والصلاة والزكاة والحج. ثم قال: فأخذ الناس بأربع وتركوا هذه، يعني: الولاية. أما محمد بن حسين آل كاشف الغطاء الذي يسمى عندهم حجة الإسلام، وله عدة كتب منها: (أصل الشيعة وأصولها) وهذا الكتاب طبع ووزع بالملايين، فهو يطبع طبعتين: الطبعة الأولى تسمى: طبعة الاستهلاك الخارجي، والطبعة الثانية: طبعة الاستهلاك الداخلي. أما طبعة الاستهلاك الخارجي فهي طبعة منقحة ليس فيها ذم للصحابة ولا ذم لأهل السنة ولا سب لهم؛ حتى يتأثر بها الناس. أما طبعة الاستهلاك الداخلي فتحتوي على حقائق رهيبة جداً، فيما يتعلق بالتصريح بأسماء الصحابة سباً وشتماً ولعناً وذماً إلى آخر ذلك. يقول محمد حسين آل كاشف الغطاء: إن أعظم ما بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم إنما هو الإمامة. فكأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأت بشيء أعظم من الإمامة. وهذا فيه من العجب العجاب الشيء الكثير. أما قضية وجود الأئمة الاثني عشر هؤلاء وحصرهم في هذا العدد، فيقولون: إن أول من جاء بها هو أحد اليهود هشام بن الحكم، فأصله رجل يهودي تسمى باسم الإسلام، وهو الذي ذكر أن الأئمة اثنا عشر إماماً، وسطر ذلك في كتبه، فأخذ منه الشيعة ذلك. ثم أقام الشيعة للتدليل على الإمامة بتحريف الآيات والنصوص والأحاديث وغير ذلك، وألف في ذلك الكثير من الكتب، من أبرز ذلك مثلاً كتاب (الألفين في أمامة أمير المؤمنين) لـ ابن المطهر الحلي يقول فيه: أردت أن أحصر فيه ألفي دليل على صحة إمامة علي بن أبي طالب، فأتى بألف وثمانية وثلاثين دليلاً، يعني: ما استطاع أن يصل بها إلى الألفين، وقد حرَّف الآيات وحرَّف الأحاديث، وحرَّف الوقائع التاريخية وحرَّف وحرَّف، حتى يثبت في ذلك الإمامة. فهم يركزون على الإمامة تركيزاً مهماً، ولذلك تجد أن جل كتبهم تتحدث عن قضية الإمامة. سأذكر لكم هذا النص الغريب العجيب، يقول نعمة الله الجزائري في كتابه الأنوار النعمانية (2/ 279): لن نجتمع معهم -أي: أهل السنة- على إله ولا نبي ولا إمام. يعني: لم يجتمعوا معنا لا على إله ولا نبي ولا إمام، لماذا؟ يقول: وذلك أنهم يقولون: إن ربهم هو الذي كان محمد صلى الله عليه وسلم نبيه وخليفته من بعده أبو بكر، ونحن لا نقول بهذا الرب، ولا بذلك النبي، بل نقول: إن الرب الذي خليفة نبيه أبو بكر ليس ربنا ولا ذلك النبي نبينا. هذا قمة الكفر بالنسبة لهؤلاء، فكأنهم يؤمنون برب غير الله، ويؤمنون بنبي غير محمد الذي جُعل خليفته أبو بكر، بل يقولون: إن ربنا هو الذي أوصى محمداً بأن يجعل علي بن أبي طالب خليفته، هذا هو قولهم بهذا. فنتيجة لتقرير الإمامة وإيصالها إلى أعلى درجة، فإنهم جحدوا الاتفاق فيما بيننا وبينهم في مسألة الألوهية والربوبية، وهذا النص سيكون حجراً يلقم به كل من قال: لا خلاف بيننا وبين الشيعة إلا في (5%) أو (10%)، أو خلافنا معهم في الفروع فقط لا غير. فلذلك نقول لهؤلاء: ما رأيكم في هذا النص؟ علقوا على هذا النص كيفما شئتم، وسيتبين لكم فعلاً أن هؤلاء الشيعة بسبب اعتقادهم هذا لا يصح أن نقول: إنهم من أهل الإسلام، بل هم كفرة خارجون عن دين الله سبحانه وتعالى، فهم لا يؤمنون بربنا ولا يؤمنون بنبينا ولا يؤمنون بأئمتنا، وبالتالي فهؤلاء ليسوا منا ولسنا منهم.

موقف الشيعة من الصحابة رضوان الله عليهم

موقف الشيعة من الصحابة رضوان الله عليهم النقطة التي تليها من عقائد الشيعة: موقفهم من الصحابة، موقفهم من نقلة الشريعة ومن حملة الملة، موقفهم من هؤلاء الذين حملوا الراية وحطموا راية كسرى، ودمروا معابد النار، موقفهم من هؤلاء الأصحاب الذين أوصلوا الدين إلى غيرهم. يريد الشيعة أن يبعدوا الناس عن دين الله سبحانه وتعالى، وأن يجعلوهم يكفرون بالله سبحانه وتعالى؛ لأنهم في أصلهم إما من المجوس أو اليهود، وبالتالي جعلوا محبة آل البيت وتأييد آل البيت ستاراً يتغطون به، فاخترعوا كل وسيلة تبعد المسلمين عن دين الله، سواء كان ذلك بإبعادهم عن القرآن أو بإبعادهم عن السنة، أو بإبعادهم عن أي شيء آخر، ومن ذلك إبعادهم عن الصحابة، فماذا فعلوا تجاه الصحابة؟ قالوا: إن الصحابة ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عدد أصابع اليد الواحدة، كل الصحابة ارتدوا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة، وفي رواية: خمسة، وفي رواية: ثلاثة عشر، ومهما تجاوزنا العدد فإنهم لا يصلون إلى العشرين في أكثر رواياتهم. إذاً: الصحابة الذين تجاوز عددهم الآلاف المؤلفة كلهم ارتدوا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يبق منهم إلا هذا العدد اليسير. وهذا العدد اليسير أبقوه لأسباب سنذكرها بعد قليل، فجعلوا كل الصحابة مرتدين كفاراً خارجين من دين الله سبحانه وتعالى. ولا تكاد تجد كتاباً من كتبهم إلا ويصرح بكفر هؤلاء الصحابة، سواء كان هذا التصريح بأسمائهم مباشرة، أو بكناهم، أو بأوصافهم أو بغير ذلك. فأقول لمن يدافع عن الشيعة ولمن يؤيد الشيعة، ولمن يقول: إن هؤلاء الشيعة منا وفينا، أقول له: جئني بأي كتاب للشيعة، وسأثبت لك أنهم يكفرون أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، الذين هم خير البشر بعد الأنبياء والمرسلين، وإذا كان قدوتنا والذين نحبهم هذا هو موقف الشيعة من الصحابة، فهل يا ترى نقف من الشيعة موقف المؤيد وموقف المشجع، وموقف المحب، وموقف الحريص على الوحدة، والحريص على كذا وكذا، وهم ينظرون إلينا نظرة مخالفة. فموقفهم من الصحابة يحتاج حقيقة إلى محاضرات متتابعة، فلو أخذنا كل صحابي على حدة وطرقنا ماذا يقولون فيه لاحتاج إلى زمن طويل. والشيعة لهم مؤلفات في هذا المضمار فمثلاً: بحار الأنوار الذي هو أكبر كتبهم، فمقدار الجزء الواحد منه أكثر من ستمائة صفحة، وفيه كتاب اسمه مطاعن الصحابة. يقول: أولاً: مطاعن أبي بكر الطعن الأول، الطعن الثاني، الطعن العاشر، الطعن الخامس عشر. مطاعن عمر، مطاعن عثمان، مطاعن عائشة، مطاعن الزبير، مطاعن طلحة، مطاعن معاوية، ثم مطاعن عموم الصحابة، ثم يذكرون في ذلك نصوصاً وروايات وأكاذيب وقصصاً وغير ذلك شيئاً كثيراً جداً بشكل عجيب، فلو طرقنا هذه المطاعن بشكل مفصل لاحتاج ذلك إلى دروس متتابعة ومتواصلة. وهذا الكتاب (مطاعن الصحابة) لا يطبع إلا بصفة سرية وخاصة، يعني: كانوا يطبعون (بحار الأنوار) منذ أمد طويل، وإذا وصلت الطباعة إلى هذا الكتاب (مطاعن الصحابة)، فإنه يترك على حدة بمفرده وينشر بين الناس بصفة كتاب مخطوط أو مطبوع طبعة حجرية قديمة، وأنا عندي الطبعة الحجرية القديمة، التي طبعت قبل أكثر من مائة وعشرين سنة أو مائة وثلاثين سنة. وفي الأخير عندما ظهر شأن الرافضة وبرزوا، وصارت لهم دولة تؤيدهم طبعوا هذا الكتاب الذي فيه مطاعن الصحابة ونشروه في كل مكان، بل وبيع في البحرين في المعرض الدولي قبل عامين.

موقف الشيعة من أبي بكر الصديق رضي الله عنه

موقف الشيعة من أبي بكر الصديق رضي الله عنه نريد أن نقف وقفات موجزة مع موقف الشيعة من بعض الأصحاب. أولاً: موقفهم من أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه. لقد ذكروا عدة مطاعن على أبي بكر الصديق، لكن سنذكر نموذجاً واحداً فقط، فهم في كتب تفاسيرهم يفسرون قول الله سبحانه وتعالى: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة:40]. ويقولون: أولاً: الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ معه أبا بكر؛ حتى لا يدل عليه المشركين فيقضوا عليه. هكذا تفسيرها عندهم. كذلك يقولون في قوله تعالى: {لا تَحْزَنْ} [التوبة:40]: أي: أن أبا بكر أصابه الحزن، وهذا دلالة على أنه جبان وأنه منافق، وأنه مع الرسول صلى الله عليه وسلم في ظاهره ومع المشركين في باطنه، ولذلك يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لمس صدر أبي بكر الصديق فجأة فإذا فيه قلادة معلقة، ففتحها وإذا هي صورة هبل، الصنم الذي يعبده المشركون. فقال ما هذا يا أبا بكر؟ فقال: استغفر لي يا رسول الله لم أقصد ذلك. إلى آخر تلك الخزعبلات. ثم إنه عندما التقى بـ عمر، قال له: لقد خدعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبت منه أن يستغفر لي، وسأغير مكان هذا الصنم. كما هو مسطر في كتبهم. فالشيعة يريدون أن يبينوا أن أبا بكر كافر؛ نظراً لهذه القصص المختلقة. وكما قلنا مسبقاً: لا يوجد أحد أكذب من الرافضة. فهذا أبو بكر الصديق الذي هو خير الخلق بعد الأنبياء والمرسلين يقفون منه هذا الموقف. ويقفون منه هذا الموقف؛ لأنه كما يزعمون أخذ الخلافة من علي بن أبي طالب، والخلافة لم تؤخذ من علي، لأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان مقراً بفضل أبي بكر وبتقدم أبي بكر عليه، وكان مع أبي بكر، فهم يقفون من أبي بكر هذا الموقف؛ لأنه أمر بتسيير الجيوش إلى العراق، وتدمير أصول الرافضة، فهم يحقدون على أبي بكر بسبب ذلك وغيره. صحيح أن أبا أبا بكر هو الذي سير الجيوش إلى العراق، لكن من الذي تحطمت الإمبراطورية المجوسية الفارسية في خلافته؟ إنه عمر بن الخطاب، لذلك فإن عمر بن الخطاب هو المقدم في الكراهية والحقد، ويطيلون في لعنه وسبه وشتمه.

موقف الشيعة من عمر بن الخطاب رضي الله عنه

موقف الشيعة من عمر بن الخطاب رضي الله عنه أما موقف الشيعة من عمر بن الخطاب فلهم مواقف كثيرة جداً منه، من ضمنها، يقولون: إن الله سبحانه وتعالى عندما قُتل عمر أوحى إلى الملائكة الذين يكتبون الحسنات والسيئات على الناس ألا يكتبوا سيئة واحدة على أي بشر لمدة ثلاثة أيام بلياليها؛ احتفاء بمقتل عمر بن الخطاب. يعني: أن الله سبحانه وتعالى يحتفل بمقتل عمر بن الخطاب، انظروا إلى هذه العقليات أين وصلت؟ وإلى أي حد وصلت؟ هذا موقفهم من عمر؛ لأن عمر بن الخطاب هو الذي دمر الإمبراطورية المجوسية في معركة جلولاء، وفي معركة القادسية، وفي معركة المدائن، وفي معركة نهاوند (فتح الفتوح) الذي قضي فيها على الملك الكسروي بعد مقتل يزدجرد بن كسرى. فهم يحقدون على عمر حقداً شديداً، وفي المقابل يرفعون من شأن قاتله أبي لؤلؤة المجوسي الذي يسمونه بابا شجاع الدين، ويقيمون له مزاراً في شيراز وفي غيرها من المدن، ويزار كل عام، ويحتفل به كل عام، بل إن مقتل عمر بن الخطاب قد عملوا له أكثر من عيد، وأطلقوا عليه أكثر من ستين اسماً ذكرها محمد مال الله في كتاب له بعنوان (يوم الغفران). فمن أسمائه: يوم الغفران، وعيد الشكر، ويوم النعمة، وغير ذلك، كل ذلك احتفاء بمقتل عمر.

موقف الشيعة من عثمان ومعاوية والزبير وعائشة وسائر الصحابة

موقف الشيعة من عثمان ومعاوية والزبير وعائشة وسائر الصحابة كذلك عثمان ومعاوية والزبير وعائشة كل هؤلاء ذكروا فيهم مطاعن ليست باليسيرة؛ وذلك أنهم عندما قالوا: إن القرآن محرف وفيه زيادة ونقصان، فهم عندما وصفوا هؤلاء الصحابة بهذه الصفات المشينة، إذاً: كيف نقبل القرآن من أناس هذه صفاتهم، فاستطاعوا بهذا التدبير العجيب الغريب أن يؤثروا على قطاع كبير من جمهورهم الذين قلدوهم. أما المستثنى من الصحابة فيما يتعلق بالردة فهم مجموعة ومنهم: سلمان الفارسي، وعمار بن ياسر، وأبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود وغيرهم، فهؤلاء هم الذين بقوا على الحق ولم يرتدوا. والسبب في استثناء الشيعة هؤلاء فقط، أولاً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم جاء في يوم من الأيام فوجد بعض الناس يقولون لبعضهم: من أين أصلك؟ من أين أنت؟ إلى أي قبيلة ترجع؟ ثم قالوا لـ سلمان: من أين أنت؟ قال: أنا مسلم، فقال صلى الله عليه وسلم لهم: (سلمان منا آل البيت) فهذه العبارة مهمة بالنسبة لهم. ثانياً: أن سلمان يرجع أصله إلى بلاد فارس، بل يرجع أصله إلى جذر قوي عند الفرس؛ باعتبار أن أباه كان قيم النار، فقد كان يشرف على المعابد كما بينا ذلك مسبقاً. أما عمار بن ياسر فتأييده ومحبته بالنسبة للشيعة كان لأمرين اثنين: الأمر الأول: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (عمار تقتله الفئة الباغية). وعمار قتل من قبل جيش معاوية بن أبي سفيان في معركة صفين، وبالتالي فالفئة الباغية هي فئة معاوية، فلكي يظهروا أن فئتهم -أي: الشيعة- ليست باغية وأنها على الحق، وما عداها هي الباغية، فلا بد من تلميع جانب عمار وإظهار أن عمار بن ياسر من الذين لم يرتدوا من الصحابة. الأمر الثاني: أن الشيعة عندما اتهموا بأن مرجعهم يهودي؛ لأنهم أخذوا عقائدهم من عبد الله بن سبأ كما بينا ذلك، وكتب كثير من الكتاب أن عبد الله بن سبأ هو الذي أنشأ العقيدة الشيعية، فهم أرادوا أن يوجدوا لهذا الأمر تبريراً أمام الناس، فقالوا: إن عبد الله بن سبأ اختفى لم يبق له وجود، وبعضهم قال: إن عبد الله بن سبأ هو عمار بن ياسر، ويستدلون على ذلك بمجموعة من الأدلة ليصلوا إلى هدفهم، فقالوا: عبد الله بن سبأ اليهودي الصنعاني وعمار بن ياسر من صنعاء من اليمن، ويقولون: عبد الله بن سبأ يرجع أصله إلى قبيلة سبأ، وهي قبلية من قبائل اليمن، وعمار بن ياسر من اليمن يرجع أصله إلى قبيلة سبأ، وعبد الله بن سبأ يكنى بـ ابن السوداء، لأن أمه كانت سوداء، وعمار بن ياسر كذلك يقولون: إن سمية بنت خياط كانت سوداء، فيسمى ابن السوداء فأرادوا التلبيس على الناس بهذه الصورة، وقد ذكر ذلك أحد الكتاب المشهورين المعروفين وهو مصطفى كامل الشيبي في كتابه (الصلة بين التصوف والتشيع)، أراد أن يحقق هذا المبدأ، فلذلك يحبون عماراً نتيجة لذلك. أما أبو ذر الغفاري فلأنه حصل منه موقف مع الصحابة ضد معاوية وضد عثمان في مسألة جمع الأموال، وكان لـ أبي ذر اجتهاد معين لم يوافقه عليه كل الصحابة، فالشيعة لم ينظروا إلى اجتهاده في مسألة جمع الأموال واكتنازها، بل نظروا له بأنه عارض عثمان ومعاوية، وبالتالي أيدوه وأحبوه. الشاهد في هذا: أنهم لم يقولوا: إن كل الصحابة مرتدون؛ لأن من الصعوبة بمكان أن يصدق الناس أن كل الصحابة ارتدوا، يعني: ليس معقولاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أمضى عمره في تربية الصحابة على الإيمان فشل في دعوته. والواقع أن الرسول صلى الله عليه وسلم على رأي الشيعة فاشل، وأنه بعد ثلاث وعشرين سنة من العمل الدءوب والعمل المتواصل والدعوة المتواصلة، لم يخرج لنا إلا أقل من أصابع اليد الواحدة من الصحابة الذين بقوا على الحق. أما البقية فكانوا كلهم هباءً منثوراً، فهم يقولون في إحدى رواياتهم: إن الصحابة كلهم منافقون ارتدوا عن دين الله إلا ثلاثة أو خمسة أو سبعة. وهناك عدة روايات في هذا الجانب. ومعنى هذا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينجح في دعوته؛ لأنه لم يصمد على الحق إلا أقل القليل. هذا ما يتعلق بعقائد الشيعة الرافضة، فقد عرضناها بشيء من الإيجاز والاختصار، ولعل في ذلك الكفاية. فمن كان يريد الاستزادة فليرجع إلى المراجع التي كتبت عنهم. وسأذكر إن شاء الله في الدرس القادم قائمة من المراجع، مع بعض المزايا لكل مرجع، حتى يستطيع الإنسان أن يرجع إلى الكتاب المناسب في أي مسألة من المسائل المتعلقة بالشيعة وعقائدهم.

الشيعة في الماضي المواقف والأهداف

الشيعة في الماضي المواقف والأهداف ننتقل إلى موضوع جديد في هذا اللقاء المتواصل حول الشيعة الرافضة، ذلكم هو: الشيعة المواقف والأهداف. والمواقف والأهداف تأخذ جانبين اثنين: أولاً: الشيعة في الماضي. ثانياً: الشيعة في الحاضر. الشيعة في الماضي سنطرقهم ثم ننتقل بعد ذلك إلى عرض للشيعة في الحاضر. أما الشيعة في الحاضر فسنطرق قضيتهم من خلال عرض الأهداف العامة والأهداف الخاصة الآن، وسيكون عرضاً تفصيلياً لأهداف الشيعة ومخططاتهم، وبرامجهم في غالب الدول الإسلامية، فنأخذها دولة دولة، ونعرض لمناهجهم في هذه الدول، ثم بعد ذلك نعرض لوسائل التبليغ ومجالات الدعوة وطرق الدعوة عند هؤلاء الشيعة، مع ذكر القصص والنماذج موثقة من كتبهم أو من نشراتهم أو من مجلاتهم أو من جرائدهم. وهناك أشياء كثيرة أحاول أن ألخصها لأعرضها لكم إن شاء الله في الدرس القادم. النقطة الأولى: الشيعة في الماضي. أولاً: لابد أن يعي المسلم أن الشيعة مهما اختلفت أصولهم فإنهم متفقون على أن عدوهم الأول هم أهل السنة. فالشيعة من نصيرية ودروز وباطنية إسماعيلية وقرامطة وإمامية وبهرة إلى آخر ذلك، كل هؤلاء يعدون فرقاً متفاوتة، لكنهم متفقون على أن عدوهم هم أهل السنة والجماعة. ثانياً: أنهم منذ أمد طويل وهم يبذلون ويبذلون ويبذلون؛ ليتمكنوا من إقامة دولة مستقلة لهم. وهم بقوتهم وتصميمهم على إنشاء الدولة لم تتغير منذ ألف سنة إلى زماننا هذا، فعندهم إرادة وعمل دءوب لتكوين هذه الدولة وصبر ومصابرة حتى حققوا هدفهم وكونوا دولة لهم. ثالثاً: هذا عرض لنماذج من الدول التي أقاموها مع وقفات مع هذه الدول، ولعل بعضاً منها قد ذكرته في لقاء مسبق حول صور من التحدي اليهودي، لكن سأعرضها بشكل موجز لمن لم يحضرها ولم يستمع إليها. أولاً: الدولة العبيدية، قاموا بإنشاء الدولة العبيدية التي استمرت (270) سنة، من سنة (297 هـ) إلى سنة (567 هـ)، والتي أزالها صلاح الدين الأيوبي رضي الله تعالى عنه ورحمه. هذه الدولة عندما قامت وسيطرت على شمال إفريقيا وعلى الشام وعلى الحجاز ساهمت مساهمة فعالة في نشر المذهب الرافضي في تلك المناطق، وكان من وسائلهم المتعددة والكثيرة جداً: القضاء على كتب أهل السنة تماماً، فلا يوجد صحيح البخاري ولا مسلم ولا موطأ الإمام مالك ولا مسند الإمام أحمد عند الناس، بل ومن وجد عنده كتاب من هذه الكتب يقتل، وذلك أنهم أصدروا قراراً وقانوناً أن من وجد عندهم موطأ الإمام مالك يقتل، بهذا النص، وبالتالي كان الناس يخفون هذه الكتب؛ خوفاً من القتل، وخوفاً من السجن والاضطهاد من قبل هؤلاء. كذلك عندما رأوا أن الناس يعكفون على القرآن والسنة قراءة وحفظاً وتلقياً وتدريساً وتعليماً فقاموا بإيجاد البديل عن طريق نشر الكتيبات الرخيصة السهلة اللذيذة في بعض الأحيان، وهي ما تسمى بالسير الشعبية، كتغريبة بني هلال، وسيرة حمزة البهلوان، وقصة سيف بن ذي يزن، وقصة الأميرة ذات الهمة إلى آخر ذلك من الكتيبات الصغيرة الرخيصة الثمن التي تطبع إلى وقتنا هذا وتنشر في كل مكان. وكلها عبارة عن شعوذة قصص باطلة، وكلام ليس له قيمة، لكنها حبكت حبكاً جميلاً، وعرضت فيها قصائد جميلة، حتى إن كثيراً من العامة بدءوا يقرءونها حتى في المساجد. كذلك تعاون العبيديون مع النصارى الصليبيين في حرب الدولة الزنكية، الدولة الزنكية بقيادة عماد الدين زنكي وابنه نور الدين زنكي وغيرهما، فالدولة الزنكية كانت تحارب الصليبيين، فكان الصليبيون يستنجدون بالدولة العبيدية فتنجدهم ضد الدولة الزنكية. والعبيديون يسمون أنفسهم فاطميين، وإلا فالأصل أنهم عبيديون؛ لأنهم ينتسبون إلى عبيد الله بن ميمون القداح الديصاني، وهو رجل يهودي، وكان يدعو في شمال أفريقيا إلى رجل من آل البيت، فعندما انضم إليه كثير من الناس ادعى الدعوة لنفسه، وألغى الذي كان يدعو له، وكون الدولة باسمه، وسميت الدولة العبيدية نسبة إليه. كذلك من جهودهم أن كثيراً من وزرائهم ونوابهم والمسئولين في حكوماتهم كانوا يهوداً أو نصارى، وهذا يدل على مدى التعاون بين هؤلاء العبيديين والصليبيين. هذه الدولة أسقطت ولله الحمد، لكن بعد أن فعلوا الأفاعيل في الدولة المسلمة. والله سبحانه وتعالى من فضله تعهد بحفظ دينه، ولم يوكل حفظ هذا الدين لنا، وإلا لضيعناه منذ أمد بعيد، فقد تعهد سبحانه بحفظ كتابه، الذي بحفظه يحفظ الدين، فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]. فهذا الذكر محفوظ بحفظ الله سبحانه وتعالى، ولم يسند حفظه لنا مثلما أسند دين اليهود والنصارى إليهم، فضيعوه فضاعوا.

موقف الدولة القرمطية من المسلمين

موقف الدولة القرمطية من المسلمين الدولة الثانية: هي الدولة القرمطية، التي نشأت في سنة (286هـ)، واستمرت إلى سنة (301هـ). هذه الدولة كانت لها جهود متواصلة وطويلة في حرب المسلمين، سأذكر لكم نموذجاً واحداً منها: هذا النموذج الذي قاده أبو سعيد الجنابي القرمطي، وذلك عندما هاجم الحجيج في مكة، فقتلهم وملأ صحن الحرم بهم، وألقاهم في بئر زمزم، وفعل الأفاعيل حتى إنه قتل في الحرم فقط أكثر من عشرين ألفاً، هذا غير الذين قتلوا في منى وغيرها من الطرقات. فيقال: إنه قتل عشرات الآلاف في الحرم، ثم في النهاية رقى على الكعبة وقال: أنا بالله وبالله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا يعني: أنني في منزلة قريبة من منزلة الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله يخلق الخلق وأنا أفنيهم. ثم بعد ذلك أخذ الحجر الأسود وذهب به إلى الأحساء، وبقي عنده عشرين عاماً، وما هؤلاء الشيعة الموجودون الآن في القطيف وفي الأحساء، إلا من بقايا هؤلاء القرامطة، فهم امتداد لهؤلاء القرامطة الذين لم يندثروا، بل تقوقعوا داخل الأحساء، وهم متواجدون إلى زماننا هذا. الدولة الأخرى التي سنذكرها: هي الدولة البويهية، التي حكمت حتى ستار الخلافة العباسية، تعرفون أن من عز الدولة البويهي، وعضد الدولة البويهي، وركن الدولة البويهي، بدأ حكمها في سنة ثلاثمائة وأربعة وأربعين، وهذه الدولة سأذكر لكم يعني نموذج واحد من نماذج حربها للأمة المسلمة، ذلكم النموذج هو جهدهم في مساعدة القرامطة. للأسف الشديد أننا نقول: الدولة الفاطمية ونقول: الفاتح جوهر الصقلي باني الأزهر، جوهر الصقلي كان وزير المعز لدين الله الفاطمي وكلهم من أذناب اليهود الذين احتلوا بلاد المسلمين وقاموا بتدنيسها، وأنشأ جوهر الصقلي الجامع الأزهر لتدريس المناهج الرافضية والفلسفة اليونانية بشتى أصنافها، وسحب الناس عن دراسة القرآن والسنة. إذاً: كان الهدف من إنشاء الجامع الأزهر هو تدريس المناهج المناهضة للقرآن والسنة، وسحب الناس عن دارسة القرآن والسنة. كذلك يقولون: إن أبو الحسن الأعصم أحد أبناء أبي سعيد الجنابي اختلف مع المعز لدين الله الفاطمي، فأراد أن يقاتله، فصار أمام عدوين: المطيع لله الخليفة العباسي، الذي كان وزيره هو معز الدولة بختيار البويهي، والمعز الفاطمي فقال: أبو الحسن الأعصم: لأتفقن مع المطيع لنقاتل سوياً المعز، ثم بعد ذلك أرجع لعدوي الأول، فذهب إلى المطيع وطلب منه المساعدة لمقاتلة المعز الفاطمي، فقال المطيع: إنهم كلهم رافضة، وكلهم في الكفر سواء، فرفض مساعدته، لكن قام وزير المطيع بختيار معز الدولة البويهي بإمداد أبو الحسن الأعصم بالمال والسلاح والعتاد بالرغم من معارضة الخليفة العباسي؛ لأن المطيع كان صورة فقط، ولم يكن له من الأمر شيء، إنما كان مثل الحكام الموجودين في بعض الدول، كملكة بريطانيا أو غيرها. يعني: يملك بدون أن يتخذ القرار، وإنما هو في الصورة فقط، أما القرارات فيتخذها رئيس الوزراء.

موقف الدولة الصفوية من المسلمين

موقف الدولة الصفوية من المسلمين الدولة الأخرى: الدولة الصفوية، وهي التي أنشأها إسماعيل الصفوي في سنة (950هـ) فـ إسماعيل الصفوي وجد في إيران، وكانت إيران دولة يغلب عليها الطابع السني، ولا يوجد فيها من الشيعة إلا عدد قليل جداً. فقام بعض الناس بالتأثير عليه فانتهج المنهج الشيعي، وعندما انتهج المنهج الشيعي وآمن به عقد العزم على نشره في إيران نشراً تاماً، فاستخدم العنف بشكل وحشي لا مثيل له، في سبيل نشر هذا الدين المحرف. فمن عارض الانضمام للشيعة يقتل، حتى قيل: إنه قتل في غداة واحدة أكثر من مائة ألف شخص؛ لأنهم رفضوا الدخول في التشيع. وضغط على الباقين فلم يتحملوا فرضخوا ودخلوا في التشيع. ويقولون: إن ظهور التشيع كان امتداداً لجهود إسماعيل الصفوي، وكان عالمه الأكبر وشيخه الأكبر محمد باقر المجلسي صاحب كتاب (بحار الأنوار) الكتاب الضخم للشيعة، فقد ألفه لـ إسماعيل الصفوي.

نماذج فردية لجهود الشيعة في حرب المسلمين

نماذج فردية لجهود الشيعة في حرب المسلمين ننتقل إلى نقطة أخيرة وهي: نماذج فردية لجهود الشيعة في حرب الأمة المسلمة، نذكر نموذجين فقط من النماذج.

دور ابن العلقمي في حرب المسلمين

دور ابن العلقمي في حرب المسلمين النموذج الأول: هو ما يذكره المؤرخون عن مؤيد الدين بن العلقمي الذي كان وزيراً للخليفة العباسي المستعصم بالله، هذا الرجل الذي هو مؤيد الدين بن العلقمي، كان طبعاً وزيراً ومعه وزير آخر هو نصير الدين الطوسي، نصير الدين الطوسي، وكانوا كلهم شيعة. انظروا إن الوثوق بالشيعة أدى بالخلافة العباسية للسقوط والانهيار والاندثار، فهؤلاء الشيعة الذين اتخذهم خليفة المسلمين المستعصم وزراء له ماذا فعلوا تجاهه؟ ماذا فعل ابن العلقمي؟ لقد أرسل رسالة إلى هولاكو ملك المغول (التتار)، والمغول كانوا يعيشون في بلادهم، فكانت التجارات بينهم وبين المسلمين، فكان هناك حاكم مسلم فيه حماقة، فعندما جاءه مجموعة من التجار المغول اعتدى عليهم وضربهم، فعادوا إلى بلادهم يشتكون إلى جنكيز خان، فغضب جنكيز خان وأراد تأديب هذا الحاكم، فاتجه لتأديبه فهذا الحاكم استنصر بالحاكم الذي بجانبه، فقام جنكيز خان بافتتاح دولة هذا الحاكم، والحاكم الذي بجانبه، ثم توقف ورجع إلى بلاده، وهولاكو حفيد جنكيز خان لم يجرؤ أن يتقدم إلى بغداد مهد الخلافة العباسية وقلب الأمة الإسلامية، لأن هذا قد يكون فيه مخاطرة، لكن لما جاءته رسالة من مؤيد الدين بن العلقمي يقول فيها: إنني أستنجد بك وأطالبك أن تأتي لتنقذنا من كذا وكذا وكذا، فطبعاً هولاكو استغرب؛ لأنه قد يكون هذا نوعاً من المكر والخديعة، وقد يكون هذا من الاستدراج له، فإذا جاء إلى بغداد ضرب، فأرسل رسالة: أنا لا أستطيع أن أقدم إلى بغداد؛ لأن بغداد زاخرة بالجند فيها أكثر من مائة ألف جندي مدرب، ولكن إذا صرفت هؤلاء الجند فإنني سأقدم عليك لأنصرك. وأرسل جواسيس إلى بغداد لمتابعة هل سينفذ مؤيد الدين بن العلقمي هذا الرأي أم لا، وفعلاً عندما وصل الخطاب بدأ ابن العلقمي بتفريق الجيش، فجعل عشرة آلاف جندي يذهبون إلى اليمن، لإصلاح الأوضاع، وقال لمثلهم: وأنتم اذهبوا إلى مصر، وأنتم اذهبوا إلى النوبة، وأنتم اذهبوا إلى الشام، فلم يبق في بغداد إلا عشرة آلاف جندي ومن أضعف الجند. ثم أرسل برسالة إلى هولاكو يطالبه فيها بالقدوم، فالجواسيس الذين أرسلهم هولاكو قالوا: نعم لقد حقق ابن العلقمي ما أمرته به، فقدم هولاكو ولم يحاصر بغداد إلا فترة يسيرة من الزمن، ثم دخلها، وعندما دخلها ماذا فعل هولاكو؟ لقد قتل أكثر من مليون ومائتي ألف على أقل الروايات، فرواية ابن كثير في البداية والنهاية تقول: مليون وثمانمائة ألف، يعني: قتل قريباً من المليونين، والرواية الأخرى تقول: مليون يعني: ألف ألف. وهؤلاء كلهم من أهل السنة؛ لماذا؟ لأن ابن العلقمي كان يقول لأتباعه من الرافضة: ابقوا في مكان معين حتى نضمن سلامتكم، ثم ذهب إلى هولاكو وجنده وقال: هؤلاء كلهم جند معك يدلوك على أعدائنا. فكان الجندي المغولي يأخذ معه أحد الرافضة، فيدله على البيوت المشهورة، هذا بيت القاضي فلان، فيدخلون فيقتلوه هو وأسرته، وهذا بيت العالم فلان، وهذا بيت طالب العلم فلان، وهذا بيت كذا، فيقتلونهم عن بكرة أبيهم، إلى أن وصل الأمر إلى أن رائحة الجثث صارت تشم على مسافة سبعمائة كيلو متر. بل قال ابن كثير: إن نصف هؤلاء ماتوا من الروائح ومن انتشار الأوبئة، لأنه يصعب أنهم يقتلون مليون وثمانمائة ألف. انظروا إلى الحقد في قلب مؤيد الدين بن العلقمي الذي جعله يسعى في سبيل هدم الأمة الإسلامية، وكان يهدف باستدعاء هولاكو إلى إقامة دولة رافضية، لكن الله سبحانه وتعالى رد كيده في نحره، فقد انقلب عليه هولاكو ولم يتهنَّ بملك، وقدم على الله سبحانه وتعالى بهذا الوزر العظيم، فكل هؤلاء الذين قتلوا سيسألونه لم قتلتنا؟ أو كنت السبب في قتلنا؟ هذا مثال من الأمثلة.

دور علي بن الفضل القرمطي في حرب المسلمين

دور علي بن الفضل القرمطي في حرب المسلمين المثال الأخير من أمثلة هؤلاء الرافضة في سبيل حرب الأمة الإسلامية قديماً فهو شخص يدعى علي بن الفضل، وهو من أتباع القرامطة بالأحساء ونجد، والقرامطة كان مكانهم بالأحساء ونجد وغيرها، فأراد أن ينشر الدعوة القرمطية في منطقة اليمن، فاتجه إلى اليمن وحيداً. وهذا فيه نموذج لعلو الهمة عند أهل الباطل. ذهب علي بن الفضل القرمطي إلى اليمن، وسكن في مكان منزو بجانب المسجد، فكان يتعبد بالمسجد ويصلي ويقرأ القرآن ويظهر الدين، فأحبه أهل الحي، ثم بدأ يتعرف عليهم ويتقرب إليهم ويلاطفهم، وكان شاباً نشيطاً قوياً له لسان وله عقل وله دراية، ثم بدأ يطرح عليهم أفكاره بشكل تدريجي: لماذا لا نكون أغنياء؟ لماذا لا تكون لنا دولة؟ لماذا لماذا؟ فانضم إليهم أعداد من قرى مجاورة، ثم صاروا يقفون في طرق القوافل، فأي قافلة تمر قالوا: أعطونا رسوماً ننفقها على الفقراء والمساكين، فإذا رفضت القافلة نهبوها، وإذا كانت القافلة قوية تركوها، فشيئاً فشيئاً جمعوا مالاً، وفي نفس الوقت كانوا يجمعون رجالاً، إلى أن صاروا أقوياء، ثم تدربوا على السلاح، ثم قتلوا أمير القرية التي هم فيها وسيطروا عليها وحصنوها، ثم اتجهوا إلى القرية الثانية والثالثة والرابعة والخامسة، ثم استطاعوا في فترة وجيزة من الزمن أن يحتلوا اليمن بأكملها، فصار علي بن الفضل هو الحاكم بأمره، ثم بعد ذلك قام بحرب شعواء رهيبة مخيفة ضد أهل السنة، حتى إنه كان يدخل القرية ولا يطلب من أهلها الدخول في منهجه، بل إذا علم أنها قرية سنية يقضي على من فيها تماماً، ثم يأتي بأصحابه من الشيعة الرافضة ويدخلهم في هذه القرية ويملكونها ويسكنون فيها، ويأخذون الأطفال والنساء سبايا. لا أقول: اندثرت دولة القرامطة الرافضة في اليمن، بل بقي فكرهم، فقام أناس بإحيائه مرة أخرى، فقد برزت فيما بعد مكارمة اليمن. والمكارمة ينتسبون إلى مكرم بن علي الذي كان من تلامذة تلاميذ علي بن الفضل، فـ المكرم بن علي أسس منهجاً ودعا إليه، وأخذه المكارمة الذين نشروه في اليمن، ثم سافر جزء منهم إلى نجران، وكونوا دولة لهم في نجران، وكان لهم قوة في نجران ثم تضعضع أمرهم فترة. والآن لهم نشاط ولهم بروز ليس باليسير، وهم ما يسمون باليامية، أو جزء كبير من اليامية، والمكارمة في نجران هم من أتباع الباطنية. ومنهج الباطنية والرافضة واحد وفكرهم واحد، هذا ما يتعلق بلقاء هذا اليوم. ولقاؤنا إن شاء الله في الدرس القادم سيحتوي على مسألتين اثنتين: أهداف الشيعة في الزمن الحاضر، ثم الإجابة على الأسئلة إن كان هناك فرصة للإجابة على الأسئلة. سنركز في أهداف الشيعة على أهدافهم العامة تجاه الأمة الإسلامية في الزمن الحاضر، ثم أهدافهم تجاه كل بلد على حدة، وسنذكر نماذج مفضلة بالأسماء وموثقة، ثم نذكر الأساليب الدعوية والمناهج التبليغية التي يقومون بها، سواء كان ذلك في البلاد الإسلامية أو غير الإسلامية، ثم بعد ذلك الإجابة على الأسئلة والاستفسارات، والله سبحانه وتعالى أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

سلسلة الرافضة عقيدة وهدفا [4]

سلسلة الرافضة عقيدة وهدفاً [4] الشيعة الرافضة يخططون في الزمن الحاضر لإقامة الإمبراطورية الفارسية، فهم يستخدمون وسائل عدة من أجل تحقيق هذا الهدف، وفي المقابل تجد كثيراً من أهل السنة في سبات عميق تجاه مخططات الرافضة، فالذي ينبغي للمؤمن أن يفقه لما ترمي إليه مخططات أعدائه.

أهداف الشيعة في الزمن الحاضر والمستقبل

أهداف الشيعة في الزمن الحاضر والمستقبل بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فسيكون موضوع هذا الدرس -إن شاء الله- عبارة عن تكملة للدروس السابقة، وسنتطرق إلى عرض لأهداف فالشيعة سواء كان في الزمن الحاضر الذي نعيشه أو في الزمن المستقبلي، من خلال خططهم وأهدافهم التي طرحوها. الشيعة تنهج منهجاً عجيباً وغريباً لطرح الأهداف، فلدينا من الأهداف المطروقة والمطروحة: الأهداف العامة التي سنعرض لها بشكل عام، ثم نعرض لها بشيء من التفصيل، وذلك من خلال الإمبراطورية الشيعية الإسلامية العظمى التي يريدون إنشاءها، ثم بعد ذلك الأساليب المستخدمة لإنشاء هذه الدولة، ثم بعد ذلك عرض مفصل لمنهج الشيعة في مناطقنا المحيطة بنا وخاصة في منطقة الخليج العربي. لا بد أن نعلم أن الشيعة يخططون لقيام إمبراطورية شيعية إسلامية عظمى تمتد من أفغانستان مروراً بإيران ثم العراق ثم الشام بأكمله، ويشمل أجزاء من الأردن، ثم شمال الجزيرة، ثم الخليج بأكمله؛ وهذه هي النقطة الأولى التي أريد أن أطرقها بشكل مفصّل. أولاً: أفغانستان: ماذا يريد الشيعة من أفغانستان؟ هل يريدون أن تكون جمهورية مستقلة أم يريدون أن تكون فرعاً من جمهوريتهم الأصلية الأساسية التي يريدون إنشاءها؟ قبل الإجابة على هذا السؤال لابد من الإشارة إلى نقطة مهمة وهي: أن الشيعة يخططون لإقامة إمبراطورية إسلامية عظمى، وليس معنى ذلك أنهم سيحققون إقامة هذه الإمبراطورية في ظرف عشر سنوات أو أقل من ذلك، وإنما هم يعملون ويخططون وينظمون، والزمن عندهم لا يدخل في الحسبان، بل قد يكون كثير منهم قد وضع زمناً بعيداً، ولكن هذا الزمن سيتقارب شيئاً فشيئاً إلى أن يتحقق الهدف، مثل ما فعل اليهود، ففي عام (1898م) أعلن تيودورهرتزل في مدينة بال في سويسرا أن دولة إسرائيل لا بد أن تقوم بعد خمسين سنة. وهو عندما قال ذلك لا يرجم بالغيب ولا يعلم الغيب، لكن أتباعه بذلوا جهوداً كبيرة في سبيل نشأة هذه الدولة، وفعلاً عندما حان عام (1948م) أعلن قيام هذه الدولة في قلب العالم الإسلامي، وهذا بعد عمل متواصل وبذل متتابع، سواء كان ذلك مع الخلافة الإسلامية في إسطنبول أو حتى مع المهاجرين والتجار والبنوك وغير ذلك مما تعرفون كثيراً منه؛ وهؤلاء الشيعة يسيرون على نفس المنوال وفي نفس مسار التيار الذي سار عليه اليهود. نعود إلى الحديث حول المسائل التفصيلية في الإمبراطورية الشيعية العظمى.

أهداف الشيعة في أفغانستان

أهداف الشيعة في أفغانستان أولاً: أفغانستان: أفغانستان دولة مجاورة لإيران بشكل تام وترتبط معها بحدود طويلة، وهذه الدولة لا تطل على البحار ولا على المحيطات أو غيرها، وترتبط بالاتحاد السوفيتي بحدود طويلة جداً، وترتبط بباكستان بحدود طويلة جداً كذلك، وهذه الجمهورية عندما غزيت من قبل الشيوعية وحصلت الحرب الإسلامية ضد الشيوعية، كان ممن شارك في الحرب مشاركة صورية أحزاب شيعية متعددة، قوامها ثمانية أحزاب وقيل: تسعة أحزاب، وهذه الأحزاب الشيعية كانت تكدس السلاح بشكل غريب للغاية، فكانت تطالب أمها إيران الممولة لها: لم لا يسمح لنا بالمشاركة في الحرب ضد الروس؟ فكانت إيران تقول لهم: لم يحن الوقت بعد للدخول في حرب مع العدو، فاستمروا على هذا السكوت إلى أن اندحرت الشيوعية وسقطت، عند ذلك رفعت إيران لافتة: حان وقتكم الآن؛ لأن هذه الدولة صارت بأيدي المسلمين، وفعلاً ظهر السلاح والتدريب عليه بشكل عجيب جداً، فصار للشيعة صولة وجولة في أفغانستان، حتى إنهم يشكلون جانباً قوياً في اتخاذ القرار في ذلك البلد، بل ويسيطرون على جانب كبير من كابل والأجزاء الممتدة من كابل إلى إيران، وهناك خطوط طويلة جداً ومناطق كثيرة جداً يسيطرون عليها، بالرغم من أنهم لا يشكلون إلا أقلية قليلة لا تتجاوز (10%)، ويطالبون بأعداد كبيرة من الأعضاء في البرلمان، وبأعداد كبيرة من الأعضاء في مجلس الوزراء، وبغير ذلك مما يفوق الحد الذي يناسبهم من ناحية الكم العددي بالنسبة لغيرهم من السكان؛ وهذا القدر الكبير يريدون أن يأخذوه إما بالرضا أو بالقوة، فإن رفض هؤلاء الذين يصارعونهم فإنهم سيفرضون عليهم الأمر بقوة السلاح، وأنتم ترون ماذا يفعلون عن طريق تحالفاتهم المشبوهة المستمرة، فمرة يتحالفون مع الحزب الفلاني، ومرة يتحالفون مع الحزب المعادي له، وهدفهم في هذا هو أن يكثر الانشقاق وتستمر الحرب بين المسلمين، فيضعف كلا الفريقين ويكونون هم بمعزل وبمنعة عن الحرب إلا قليلاً، ثم بعد ذلك سيبرزون ويظهرون وبالتالي سيكون للشيعة صولة وجولة فيما بعد في أفغانستان، وستكون عندهم إمكانية اتخاذ القرار في ذلكم البلد.

أهداف الشيعة في أذربيجان وما جاورها

أهداف الشيعة في أذربيجان وما جاورها الدولة الثانية من فروع هذه الإمبراطورية: أذربيجان، وأذربيجان هي جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفيتي المتفكك المنحل، وهذه الجمهورية يشكل الشيعة فيها نسبة كبيرة، وهي الآن تُدعم دعماً عجيباً من قبل إيران، ويمتد الإيرانيون أو الشيعة للسيطرة على مقدرات عدة مناطق أخرى بجانب أذربيجان كطاجيكستان وأوزباكستان وغيرهما، ويحاولون الدخول في هذه الجمهوريات؛ لتكوين سلطة لهم، ونحن نعلم جميعاً أن هذه الدولة -أي: إيران- لديها قوة جبّارة في المجال الدعوي، وبالتالي نجدها قد سخرت كل هذه المجالات الدعوية للدخول في هذه الجمهوريات، وكان لها أثراً محسوساً، وفي المقابل فإن أهل السنة والجماعة يمنعون منعاً باتاً من دخول هذه الجمهوريات، بل ويضيق عليهم ولا تصدر لهم تصاريح السفر، وإذا ذهبوا إلى هناك قُبض على بعضهم وحقق معهم، أو ضويقوا أو غير ذلك مما تعرفونه جميعاً من خلال زيارات كثير من الإخوة الذين غادروا هذه البلاد للدعوة في تلكم المناطق، أما الشيعة فالحدود مفتوحة بينهم وبين هذه الجمهوريات، فهم يدخلون ويخرجون متى شاءوا.

أهداف الشيعة في إيران

أهداف الشيعة في إيران الدولة الثالثة: إيران: وإيران عبارة عن مجموعتين من سنة وشيعة في الجملة، وهناك أيضاً يهود وهناك ديانات أخرى، لكن في الجملة هي شيعة وسنة، والشيعة لا يشكلون الأغلبية الكاملة المطلقة في إيران، بل يقول بعضهم: إن الشيعة يصل عددهم إلى (60%)، وبعضهم يقول: إلى حدود (65%) أو (70%) على أكثر تقدير، و (30%) أو (35%) أو (40%) كلهم سنة، وبالتالي فليس لهم صولة ولا جولة ولا قول ولا بيان ولا فعل ولا أثر ولا تأثير في تلكم الدولة، بل ليس لهم تمثيل في مجلس البرلمان السياسي في إيران، وليس لهم تمثيل في مجلس الوزراء، وليس لهم قيمة ولا أهمية. فأهل السنة في إيران يهانون إهانة عجيبة جداً من قبل الزعامة الشيعية في قم وفي طهران، ويضغطون عليهم ضغطاً عجيباً، بل إن هناك جهوداً مستميتة من قبل إيران لتشييع هؤلاء، ولفرض البرامج التعليمية الشيعية عليهم، فليس هناك استقلال في القضاء، وليس هناك استقلال في التعليم، وليس هناك استقلال في أي شيء مرتبط بالجوانب الدينية بالنسبة لأهل السنة. فهم مضطهدون اضطهاداً كاملاً، وأنصحكم جميعاً بالاطلاع على كتاب (أوضاع أهل السنة في إيران) لـ عبد الله بن محمد الغريب، فاطلعوا عليه لتعرفوا مدى ما يعيشه إخوانكم في إيران من اضطهاد عجيب بسبب هؤلاء الرافضة.

أهداف الشيعة في العراق

أهداف الشيعة في العراق الدولة الرابعة: العراق، أما العراق فتعلمون أن العراق يشمل المناطق المقدسة بالنسبة للشيعة، ومن أبرزها منطقتان اثنتان تحتويان على قبور كثير من الأئمة والعلماء البارزين وهما: النجف وكربلاء، بالإضافة إلى بعض المناطق الموجودة في بغداد وغيرها من الأماكن التي يوجد فيها مراقد بعض أئمتهم؛ ومنطقة النجف وكربلاء تقعان في جنوب العراق، وبالتالي لابد أن تكون هاتان المنطقتان تحت السلطة والسيطرة الإيرانية الشيعية، أما أن تكون العراق هي المسيطرة عليهما فلا، سواء كان المسيطر قطباً علمانياً أو بعثياً أو كافراً أو مشركاً فلا بد أن يسيطر عليهما الرافضة بأنفسهم، ولذلك فهناك تدابير مدعومة دولياً وعربياً وإسلامياً لحماية الشيعة في جنوب العراق، وأي تصرف من قبل الحكومة العراقية البعثية في بغداد لمهاجمة الشيعة سواء كانت بالطائرات أو الدبابات أو السلاح الجوي أو البري أو أي سلاح آخر، فإنه يواجه بضربات قوية ممن يحمي هؤلاء الشيعة، فهم يقوون أنفسهم ويتمركزون في جنوب العراق تمركزاً بيّناً وواضحاً، والتطورات المتلاحقة التي نسمع عنها تبين أن هؤلاء يعدون أنفسهم للانفصال عن العراق انفصالاً كلياً، وتكون هذه دويلة صغيرة في جنوب العراق، بحيث تكون هذه الدويلة معدة فيما بعد للانضمام إلى الجمهورية الإسلامية العظمى الخاصة بهم. وجاء أحد الإخوة بتقرير عنوانه: العراق يوافق على زيارة الإيرانيين للنجف وكربلاء. فإنه نتيجة للحرب الشديدة بين العراق وإيران حاولت العراق استخدام أسلوب الضغط على الإيرانيين بمنعهم من زيارة القبور والأضرحة التي تمارس عندها الشركيات بشكل واضح وبيّن، فنتيجة للضغط المتواصل سمح العراق بهذه الزيارة، وفيما بعد لا يؤخذ رأي العراق في ذلك الأمر.

أهداف الشيعة في سوريا

أهداف الشيعة في سوريا الدولة الخامسة: سوريا ومعلوم أن سوريا يتزعمها النصيرية، فهي بزعامة النصيري حافظ الأسد الذي يعد العدة الآن للقضاء تماماً على أهل السنة، وليست المسألة مرتبطة بالقضاء الجسدي أو التصفية الجسدية، وإنما التصفية الجسدية نوع من أنواع التصفية، ومن ذلك أنهم يجعلون في الأماكن النائية، ولا تسند إليهم الوظائف المهمة، ولا الأعمال البيّنة، وليس لهم أن يظهروا الظهور التجاري والاقتصادي وغير ذلك؛ وهذا واضح من خلال العمل النصيري الدءوب لهذه الفئة التي يتزعمها هذا الرجل، بل إنه من خوفه من أن يكون هناك ظهور لأهل السنة فقد استنجد بإيران لدعمه وتأييده اقتصادياً وعسكرياً، ولذلك فإن إيران أرسلت إلى سوريا أكثر من عشرة آلاف جندي من حرس الثورة لحماية المناطق الحساسة في سوريا، وأبرز المناطق الحساسة: قصور الرئاسة التي يعيش فيها هذا الرجل وزمرته، ومن خوفه أن ينقلب عليه أهل السنة فقد جهّز مناطق اللاذقية ومناطق الساحل على البحر المتوسط لتكون دولة نصيرية، فيما لو ترتب على ذلك سقوط دولته في دمشق، فإنه سيذهب إلى هناك، ويقيم دولة معدة إعداداً جيداً لمواجهة أي غزو وأي هجوم من قبل أهل السنة. فهؤلاء يعدون أنفسهم ويجهزون أنفسهم لحرب الإسلام والمسلمين. فأقول لكم جميعاً: إن هذه القضية حقيقة تغيب عن أذهان الجميع، لكن الواقع تكتبه كثير من الصحف والمجلات ولا تكتبه إلا المجلات الأجنبية، ونحن -وللأسف الشديد- اطلاعنا على ذلك ضعيف ونادر.

أهداف الشيعة في لبنان

أهداف الشيعة في لبنان الدولة السادسة: لبنان، تعلمون أن لبنان يعيش حرباً أهلية منذ أمد بعيد، وهذه الحرب كانت في الأصل بين المسلمين وبين النصارى، وعندما بدأ المسلمون في الظهور والبروز تزعم القيادة والزعامة بالنسبة لهم المنظمات الشيعية من أبرزها: منظمة أمل بقيادة نبيه بري، ومنظمة حزب الله المدعومة بشكل مباشر من إيران، أما حركة أمل فهي مدعومة بشكل غير مباشر من إيران وسوريا؛ وهذه المنظمة وذلكم الحزب لهما بروز قوي في جنوب لبنان وفي سهل البقاع، بل وفي صيدا وفي صور وأجزاء كبيرة من بيروت، ولهم تواجد جيد في الشمال في طرابلس وغيرها، وهؤلاء لا يتخذ أي قرار إلا ويستشارون فيه، وتعرفون أنهم يكثرون الآن وهذا أمر غريب باعتبار أنهم كانوا قديماً ثلة قليلة ليس لها تواجد في لبنان إلا بشكل ضعيف، أما في هذا الزمن فصاروا يملكون اتخاذ القرار، بل وصار منهم الرجل يشارك في الحكومة، فالرجل الأول نصراني والرجل الثاني سني والرجل الثالث أي رئيس مجلس النواب لابد أن يكون شيعياً.

أهداف الشيعة ومخططاتهم في الحرمين وبيت المقدس

أهداف الشيعة ومخططاتهم في الحرمين وبيت المقدس الدولة السابعة: شمال الجزيرة، أو بمعنى أدق بلاد الحرمين الشريفين، فلإيران جهود متواصلة في سبيل أن تكون هذه المنطقة خاصة بهم، وهذه مجموعة من النصوص تبيّن هذا الأمر: يقول حسين الخراساني في صفحة (132) من كتابه (الإسلام على ضوء التشيع): إن طوائف الشيعة يترقبون من حين لآخر أن يوماً قريباً آتٍ يفتح الله لهم تلك الأراضي المقدسة. إذاً: هي محتلة بالنسبة لديهم، ويترقبون ترقباً مستمراً من حين لآخر ليروا هذه البلاد مفتوحة لهم. ويقول محمد مهدي صادقي في إذاعة عبدان في احتفال أقامته الحكومة في هذه المنطقة في (17/ 13/1979م) وقد سمعت الخطبة في جميع المناطق التي يصلها هذا البث، يقول في هذه الخطبة الطويلة: أصرّح لإخواني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن مكة المكرمة حرم الله الآمن يحتلها شرذمة أشر من اليهود. يعني: أنتم المقصودون بهذا الكلام، والحكومة بنفسها تنشره من خلال الوسائل الإعلامية الرسمية أن مكة يسيطر عليها شرذمة أشر من اليهود؛ وهذا هو منهجهم، فأصل منهج الرافضة: أن أهل السنة أشر وأبغض إليهم من اليهود والنصارى، فهم يصرّحون بشكل علني في إذاعاتهم وفي كتبهم، فقوله هذا يبيّن أنهم يخططون لتحرير الحرمين من هؤلاء الذين هم أشر من اليهود. ويقول في نفس خطبته: كلا إننا سوف نرجع إلى فلسطيننا إلى مكتنا إلى مدينتنا. أي: أنهم كانوا مطرودين منها. يقول: كلا إننا سوف نرجع إلى فلسطيننا إلى مكتنا إلى مدينتنا، وسوف نحكّم القرآن في هذه البلاد المقدسة التي احتلت. والقرآن لا يقصد به القرآن الذي نحمله نحن، لكن مصحفهم الذي يسمونه مصحف فاطمة الذي هو مثل قرآننا ثلاث مرات، وليس فيه من قرآننا حرف واحد. وكذلك في مجلة الشهيد -وهي مجلة تصدر من قم- العدد (46) في (16/شوال/1400هـ) رسموا صورة الكعبة وصورة المسجد الأقصى وبينهما يد ومعها رشاش، ثم مكتوب بعبارة كبيرة: سنحرر القبلتين. يعني: أن القبلة الأولى فلسطين وهي محتلة وهذا أمر واضح، أما مكة المكرمة فهي على حسب تعبيرهم محتلة، وستعود إليهم ولابد من تحريرها، وهذا يبيّن لكم مدى حرصهم على بيان أن مكة المكرمة والمدينة ستعودان إليهم لتنضما إلى أخواتهما من المدن الأخرى المكونة للإمبراطورية الشيعية الإسلامية العظمى. وفي (بحار الأنوار) للمجلسي يقول: أول ما سيخرج المهدي سيذهب إلى مكة والمدينة، سيمر على المدينة أولاً ويخرج أبا بكر وعمر طريين من قبريهما، ثم يصلبهما على جذوع شجر، ثم يحرقهما وينسفهما في اليم نسفاً. إذاً: هذه النقطة الأولى. ويقول: ثم يعيد المسجد النبوي إلى أصله كما كان في وقت الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم يذهب إلى مكة ويهدم الحرم ويعيده إلى أصله كما كان في وقت الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم يأخذ الحجر الأسود ويذهب به إلى الكوفة. وهذا يدل على أمور متعددة: الأول: كراهية وحقد الشيعة على الصحابة خاصة على أبي بكر وعمر. الثاني: أنهم يحقدون على كثرة أهل السنة الذين لا تستوعبهم إلا مساجد قد وسِّعت ومُد في أرجائها، فيعيدونها إلى أصلها، وتعرفون أن المسجد الحرام في وقت الرسول صلى الله عليه وسلم أو المسجد النبوي في وقته عليه الصلاة والسلام لا يمكن أن يضم في جنباته إلا ألف مصل أو ألفين أو ثلاثة آلاف مصل لا غير في مقابل آلاف مؤلفة من الذين يأتون إليه سنوياً، فعلى ماذا يدل هذا؟! يقول الذين فسّروا هذا الكلام من الشيعة: وهذا يدل على أن المهدي سيحرم على أهل السنة دخول مكة والمدينة، وسيجعلها للرافضة فقط لا غير. وهذا موجود في (بحار الأنوار) (52/ 386). وأذكر قولاً للفيض الكاشاني في كتابه (الوافي) يقول في خطبة له: يا أهل الكوفة! لقد حباكم الله عز وجل بما لم يحب أحداً من قبل، فمصلاكم بيت آدم وبيت نوح وبيت إدريس ومصلى إبراهيم. يعني: المصلى الذي تصلون فيه كان بيت لنوح ولإدريس ولآدم ولإبراهيم، ولا تذهب الأيام والليالي حتى ينصب الحجر الأسود فيه. أي: في هذا المكان، ومعنى هذا أنهم سيعيدون المنهج القرمطي الذي أخذ بموجبه الحجر الأسود من مكة وذهبوا به إلى قرية الجشة في الأحساء، وأنشئوا هناك كعبة مستقلة دعوا الناس للحج إليها، والقرامطة في هجمتهم الشديدة على مكة وقتلهم لآلاف الحجاج أخذوا الحجر الأسود فذهبوا به ووضعوه في كعبة أنشئوها في قرية الجشة، وهي قرية معروفة موجودة إلى الآن، وينتسب إليها أناس عدة يسمون بالجشي، وهذه القرية كانت معدة لأن تكون بديلاً لمكة أو للكعبة، فالشيعة الرافضة يريدون أن يكرروا نفس العملية في الكوفة عندما يقوم قائمهم وهو المهدي المنتظر فإنه سيأخذ الحجر الأسود ويقيمه في مسجد أو مصلى الكوفة. إذاً: هذا ما يرتبط بالحرمين: مكة والمدينة، فهم من خلال هذه التصريحات يذكرون أن الحرمين محتلة وستعود إليهم في وقت من الأوقات. أما مخططاتهم تجاه الخليج العربي فسأعرض للمسألة بشكل موجز، ثم أعرضها بعد ذلك بشكل موسع. لدي تصريح يقول فيه حلنزي ميرزا رئيس وزراء إيران سنة (1840م) وهذا قبل (150) سنة يصرّح رئيس وزراء إيران بهذا التصريح ويقول: إن الشعور السائد لدى جميع الحكومات الفارسية المتعاقبة أن الخليج الفارسي من بداية شط العرب -أي: من الحدود الإيرانية- إلى مسقط -يعني: مروراً بالكويت والمنطقة الشرقية والبحرين وقطر والإمارات وعمان- بجميع جزره وموانيه بدون استثناء ينتمي إلى فارس؛ بدليل أنه خليج فارسي وليس عربياً. هذا التصريح أعتقد أن فيه غنى وفيه كفاية لمعرفة أن هؤلاء الشيعة يخططون بأن يكون الخليج العربي بمناطقه المتعددة منطقة مجوسية، تعبد فيها الأصنام والأوثان والنيران. هذا ما سبق بالعرض العام بخصوص أهداف الشيعة السياسية في المنطقة العربية وغير العربية التي تضم أجزاءً أساسية من منطقتهم التي يسمونها الإمبراطورية الإسلامية الشيعية العظمى، وهي في الحقيقة مجوسية.

أصل الشيعة في المنطقة الشرقية من السعودية

أصل الشيعة في المنطقة الشرقية من السعودية الآن ننتقل إلى النقطة التالية: وهي دراسة خاصة لقضية الخليج والرافضة. في البداية سنطرق قضية الرافضة في مجتمعنا، وكلنا يهتم بوجود هؤلاء الرافضة، وربما يعايشهم ويحتك بهم، سواء من خلال الدراسة، أو من خلال العمل أو من خلال الزيارات، وربما من خلال الحج والعمرة وزيارة المسجد النبوي، وربما يلتقي الواحد منا بهؤلاء الشيعة فيحب أن يعرف شيئاً عنهم، فهذه هي المعلومات عنهم: أولاً: أصل الشيعة في المنطقة الشرقية. الأصل لهؤلاء في الجملة يرجع إلى أنهم أناس قدموا إلى المنطقة الشرقية من إيران ومن بلاد العراق، إبان الضغط السني على هؤلاء الكفرة للانضمام إلى المنهج السني، أو من خلال ردة الفعل السنية تجاه جهود الرافضة التخريبية في المناطق السنية، فكانوا يهربون من هذه المناطق بعد عمل فساد من تخريب أو قتل أو اعتداء أو غير ذلك، ثم يتجمعون في مناطق بعيدة عن منطقة الخلافة وفي مناطق محيطة أو قريبة من الربع الخالي ليسهل لهم فيما بعد الهروب والدخول في الصحراء، فبدءوا يتواجدون في منطقة القطيف والأحساء وغيرها، والقطيف والأحساء قديماً قبل قدوم الرافضة كانت مناطق عربية صرفة لبني عبد القيس، وكان فيها أناس من الأزد، وفيها من قبائل أشجع وغيرها، فكانت مناطق عربية، ثم بدءوا يتوافدون إليها شيئاً فشيئاً ويزداد عددهم، وبدءوا يخططون لإقامة الدولة، وفعلاً أقاموا الدولة القرمطية المعروفة المشهورة التي فعلت الأفاعيل، وبعد قيام الدولة القرمطية تمكن هؤلاء من الازدياد والتكاثر، وانضم إليهم من أحبهم من أجزاء مختلفة من مناطق العالم، حتى صار لهم تمركز وقوة، إلى أن اضمحلت دولتهم كانحلال سياسي، لكن بقي لهم وجود وبقي لهم تكاثر وتناسل، وتقوقعوا على أنفسهم داخل هذه المناطق فلم يندثروا ولم ينتهوا، فهم يشكلون في المنطقة الشرقية نسبة غير معروفة، فهم يقولون عن أنفسهم: إنهم يشكلون في المنطقة الشرقية نسبة عالية يصلون بها إلى (20%)، والصواب في ذلك أنهم لا يتجاوزون (10%) أو ربما (5%)، هذا إذا أسأنا الظن، لكن الأصل في هذه المسألة أن نعطيهم حجماً أكبر حتى نأخذ الحذر منهم. وهم يتكاثرون بشكل غريب جداً، ويتناسلون بشكل متسارع، ويتواجدون في عدة مناطق، لكن نسبتهم في مناطق معينة تكاد تصل إلى درجة (100%) مثل: بعض القرى كأم الحمام أو الجشة أو القطيف أو غيرها، وتكاد نسبتهم تصل إلى (50) أو (40) أو (30%) في الأحساء أو في قرى الأحساء القريبة وغير ذلك، فهم يتفاوتون في مسألة النسبة بحسب كل قرية بذاتها. وهم يتواجدون بشكل بيّن وواضح في القطيف وقراها من أمثال: العوّامية وأم الحمام وما يحيط بها من مناطق كصفوة وتاروت والجشة وغيرها، ويتواجدون في البطّالية والأوجان، وفي مناطق متعددة في المنطقة الشرقية، وبعض المناطق تعتبر شيعية صرفة بحتة، والبعض منها محتوية على بعض من أهل السنة، وتواجدهم في القطيف وفي مناطق القطيف يختلف بحسب كبر المنطقة، فكلما كبرت المنطقة كلما داخلها أهل السنة، وأحياناً يكون هؤلاء من موظفين يذهبون إلى هناك للعمل، أو يكونون من غير السعوديين يعملون هناك، لكن جملة الشيعة يشكلون الغالبية العظمى وخاصة في القطيف وقراها.

مناهج وأهداف الشيعة في المنطقة الشرقية من السعودية

مناهج وأهداف الشيعة في المنطقة الشرقية من السعودية لدي الآن مجموعة من مناهج الشيعة في المنطقة الشرقية، وليس ذكري لمناهجهم في التكاثر أو في التعليم أو في الإعلام أو غير ذلك من باب اللافائدة من التنبيه عليهم، وأن في ذلك شقاً للوحدة الوطنية أو غير ذلك كما يقول الآخرون، ولكني أذكر ذلك محتسباً عند لله سبحانه وتعالى أنني أذكر هذا؛ لأبين أن هؤلاء لو تركوا على ما هم عليه، واستمر الأمر على ما هم عليه، وغُفِل عنهم، فإن التاريخ قد يعيد نفسه، وقد يقوم هؤلاء مرة أخرى ليكونوا لهم دولة، ولن يراعوا في مؤمن إلاً ولا ذمة.

منهج الشيعة في التكاثر

منهج الشيعة في التكاثر أول هذه المناهج: مناهجهم في التكاثر، فهم يحثون حثاً بيناً وواضحاً على الزواج المبكّر؛ ولذلك تجد الواحد منهم عمره خمس عشرة سنة وهو متزوج وعنده أولاد، وهو في هذا السن الصغيرة التي بالنسبة لنا من النادر في هذا السن أن يكون الواحد منا قد تزوج ورُزق بأبناء. وإذا لم يجد الشخص مالاً للزواج فإنه يُدفع إليه من أموال الخمس التي تؤخذ من عموم الشيعة وخاصة التجار، فإنه يؤخذ منهم الخمس فيوضع في صناديق خاصة وتصرف على هؤلاء الذين يرغبون في الزواج، وكذلك هم يحثون على التعدد في الزواج، ويدفعون مبالغ إعانية لمن يريد أن يُعدد إذا كان لا يستطيع التعدد، بالإضافة إلى أنهم يحثون على التكاثر، وكل طفل إضافي فإن الصندوق يتكفل بدفع مصاريف كفالته وتربيته وتنشئته، ويصدرون الأوامر الصارمة بتحريم جميع موانع الحمل إلا في أضيق نطاق وأضيق حدود، يعني: لا يجوز للمرأة أن تستخدم موانع حمل سواء كانت آلية أو حبوب أو غير ذلك إلا في أضيق نطاق، حتى لا يُفتح المجال لأن يكون هناك قلة في أعدادهم عن طريق استخدام هذه الموانع. وهناك مسألة أخرى وهي: تغيير الأسماء، فقد أصبحوا لا يعتادون على التسمية بأسماء: عباس وجعفر وكاظم وموسى، وعلي والحسن والحسين وغيرهم، بل صاروا يسمون باسم عبد الله وعبد الرحمن ومحمد وإبراهيم وصالح وعبد الكريم وهكذا، حتى فيما بعد عندما يقرأ القارئ وإذا فلان اسمه عبد الله بن عبد الرحمن الحسيني، وعندنا عوائل في نجد وفي أماكن أخرى تأخذ هذا المسمى، فيظن أنه قد يكون هذا منهم، ويضيفون على ذلك جانباً آخر وهو أنهم يحرصون كل الحرص على ألا يلد هذا المولود في المناطق الشيعية، فإذا قاربت المرأة الولادة أخذها هذا الشيعي وذهب بها إلى الأفلاج أو إلى المجمعة، أو إلى البكيرية، من أجل أن يأخذ لهذا الطفل شهادة ميلاد -مثلاً- باسم عبد الرحمن بن عبد الله الحسيني، محل الميلاد: البكيرية أو المجمعة، وبالتالي لا أحد يعرف أن هذا شيعي، بالإضافة إلى أنه يستخدم مبدأ التقية فلا يظهر أنه شيعي أبداً، ففي هذه الحالة ينخدع الناس بهؤلاء الشيعة، وقد يتم تعيينه في مكان عام أو خاص حساس، فإنهم لا يشعرون أنه شيعي؛ لأنه قبل زمن قريب كنا نعرف الشيعة بعوائلهم، مثل: عائلة البغلي فإنهم شيعة، والمطرود شيعة هم في المنطقة الشرقية، وأبو خمسين شيعة، أما الآن فيبتعدون عن الأسماء التي اشتهروا بها، ويأخذون أسماء إضافية جديدة مشابهة ومطابقة لأسماء أهل السنة من ناحية العائلة ومن ناحية الاسم الأول والثاني، فينخدع الناس بهم بالإضافة إلى قضية المواليد. ثم هناك ناحية أخرى نتيجة لكثرة المواليد والولادات عندهم، فهم يخشون أن تأتي التقارير من مستشفى القطيف العام للولادة بـ (2000) ولادة شهرية فرضاً، بينما مستشفى الولادة بالرياض وهو أكبر تأتي التقارير بـ (700) ولادة شهرية، فهم يبتعدون عن أن يلاحظ عليهم أحد شيئاً، وبالتالي يستخدمون هذا المنهج من الذهاب بنسائهم ليلدن في مناطق متفرقة. وأختم في قضية مناهجهم في التكاثر بقصتين: الأولى: عندما كنت مرة من المرات في البحرين -وما يحصل في البحرين يحصل في الشرقية- أن أحد القضاة أشار إلى بيت طيني صغير وقال: إن هذا البيت لرجل شيعي (سائق أجرة)، وهذا الرجل متزوج بأربع نساء وعنده (48 طفلاً)، ومستوى المعيشة في البحرين مرتفع، فمن يصرف عليه وأسرته؟ قال: هناك مجالات للصرف عليهم من مصادر أخرى؛ وهي أن هناك صناديق تتكفل بالدفع لهؤلاء. الثانية: كان لي قريب يعمل في مدرسة أم الحمام المتوسطة والثانوية في منطقة القطيف، فيقول: إن هذه المدرسة فيها ستمائة وتسعين طالباً شيعياً، وأربعة طلاب سنة أبناء مدرسين أجانب وافدين لهذه المنطقة. أقول: وأنا ذهبت مرة من المرات إلى هذه المنطقة وجلست فيها فترة من الزمن، وهي منطقة ليست كبيرة لو قارنتها بمنطقة من مناطق سدير أو القصيم ربما تجد أن هناك توافقاً مع بعض القرى، لكن لو قارنت من ناحية العدد السكاني أو عدد الطلاب لوجدت أن هذه القرية تفوق هذه القرية أربعة أضعاف، وهذا فيه دلالة على أن هؤلاء فعلاً عندهم تناسل بشكل جنوني عجيب وغريب. هذا ما يتعلق بالمنهج الأول الذي هو منهج التكاثر.

منهج الشيعة في الاقتصاد

منهج الشيعة في الاقتصاد المنهج الثاني: المنهج الاقتصادي. أستفتح هذا الكلام بقضية واحدة لأنطلق منها: عندما حصلت أزمة الخليج، وغادر مجموعة من الإخوة اليمنيين هذه البلاد متجهين إلى بلادهم، وقد كان كثير من اليمنيين يديرون محلات تجارية صغيرة، فيذكر لي أحد الإخوة في الأحساء ويقول: عندما قرر هؤلاء اليمنيون مغادرة المنطقة كان هناك مسارعة عجيبة جداً من قبل الشيعة في شراء محلات اليمنيين بأي سعر يطرحه هذا اليمني، المهم لا يأخذه أحد غير الشيعي، يقول: فلم نستطع نحن أهل السنة أن نأخذ إلا أقل القليل من هذه المحلات، أما الكثرة الكثيرة منها فقد أخذها الشيعة، يقول: حتى إن بعض المحلات أخذت وأغلقت لعدم وجود من يديرها، فهي مغلقة إلى الآن، لكن فيما بعد بدءوا يبحثون عن أناس ليديروا هذه المحلات المغلقة، ثم تفتح هذا المحلات باسم رجل شيعي. فالشيعة الآن يحاولون التركيز على الجوانب الاقتصادية وإعطائها جانباً مهماً من حياتهم، وتعرفون أن الشيعة في المنطقة الشرقية يملكون عدداً وافراً من الشركات الضخمة جداً، سواء كانت شركات غذائية أو صناعية أو غيرها، وهذه الشركات بأيديهم، بل وقد وصل الأمر إلى أن تصدّر منتجاتهم إلى جميع أنحاء البلاد، بل وحتى خارج البلاد، وهذه الجهود التي يبذلها هؤلاء الشيعة واضحة بالنسبة لنا ونراها في منتجات متعددة، من أمثالها: منتجات الري، ومنتجات المطرود، ومنتجات الرميح، ومنتجات كثيرة جداً في جميع محلاتنا وبقالاتنا، هذا إذا ذُكر على اسم المنتج اسم العائلة الشيعية، وإلا فهناك منتجات كثيرة جداً ينشر عليها الاسم العام مثلاً: شركة القطيف لإنتاج كذا، أو شركة سيهات لإنتاج كذا، فغلا يعرف المشتري من صاحب هذه الشركة، لكن ينبغي أن يعلم أنهم يمسكون بذراع حديدية في كثير من النواحي الاقتصادية في تلك المناطق. كذلك استخدام العمالة؛ فمثلاً: ترى سيارة من سيارات نقل الألبان كألبان الري، وتجد باكستانياً أو هندياً يقود السيارة، فإذا تناقشت مع هذا الهندي سيقول لك: أنا مسلم، لكن بأسلوب لطيف ستعرف من خلاله أنه شيعي، فالشيعة ليسوا كأهل السنة فالمهم عند أهل السنة أن يأتي العامل، سواء كان هذا العامل بوذياً، أو هندوسياً، أو مسلماً، أو كافراً، أو نصرانياً هذا لا يهم، بخلاف الشيعة فالعامل مهم عندهم، وبالتالي تجدهم لا يستقدمون إلا الشيعة الذين ينتفعون من وراء ذلك، فهم ينتفعون عن طريق هؤلاء العمالة والعمالة تنتفع عن طريق دعم التشيع والأسر الشيعية في مناطق باكستان أو الهند أو غيرها؛ وهذا أمر ملاحظ ومعروف، وكل منكم يستطيع أن يكتشفه بنفسه.

منهج الشيعة في الدعوة

منهج الشيعة في الدعوة المنهج الثالث: المنهج الدعوي عند الرافضة. أول قضية: هي إنشاء الحسينيات بشكل متواصل، فالحسينيات بدأت تظهر في المنطقة الشرقية بشكل عجيب ومتسارع، فلا تكاد تمضي فترة إلا وترى حسينية ظاهرة، إما أن تراها بشكل عملي علني بيّن واضح، وإما أن تراها بشكل خاص سري ولا تعرفها إلا إذا دققت، وذلك عن طريق توافد الناس إليها؛ فلا تكاد تجد شارعاً إلا وفيه حسينية، ولا تكاد تجد حارة إلا وفيها حسينية، وهذا أمر لو راقبته لفترة من الزمن ستجد أن التكاثر يظهر بشكل واضح، وهو أسرع بكثير من انتشار المساجد وبروزها. الأمر الثاني: أن هذه الحسينيات توظف توظيفاً بيناً لإبراز الجانب الدعوي، وسأذكر لكم مثالاً على هذا الأمر: في العام الماضي في يوم (10 محرم) قامت الحسينيات في المنطقة الشرقية بإبراز الجانب الدعوي، وذلك بإظهار الحزن على مقتل الحسين، فأول ما فعلوا وضعوا الميكرفونات على الحسينيات من الخارج، ثم بدءوا يلقون المواعظ والأذكار والقصائد وغير ذلك، فيسمعها كل من مر بجانب هذه الحسينية ولو من مسافة بعيدة، هذا أولاً. ثانياً: إغلاق المحلات التجارية، فإذا أردت أن تشتري شيئاً معيناً فإنك لا تجد إلا ندرة من المحلات تبيع هذا الشيء؛ لأن غالب المحلات التي تبيع هذا الشيء قد أغلقت أبوابها حزناً على مقتل الحسين وبالتالي يتضح لك أنهم فرضوا هذا العيد عليك وأنت في بلاد التوحيد. ثالثاً: إعلان الحزن عن طريق لبس السواد، فلا تكاد تجد شيعياً إلا وعليه قميص أسود، أو ثوب أسود، أو بنطلون وقميص أسود في المنطقة الشرقية، ومن أراد أن يشاهد ذلك بنفسه فليذهب في محرم القادم في جولة ثلاثة أيام قبل العاشر من محرم بيوم أو يومين، ثم اذهب إلى هناك وارصد الحركة وسترى العجب في هذه المسألة. كذلك رفع الأعلام السوداء، فلا تكاد تجد بيتاً إلا وعليه علم أسود، وهذا يدل على أن هذا البيت يعلن الحداد والحزن، وقبل فترات ما كانوا يعملون هذا، كانت هذه الأشياء لا تظهر أبداً إلا بشكل سري للغاية، أما اليوم فقد ظهر لهم أجنحة وبرزت جوانبهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله. رابعاً: الإعلانات عن الاحتفالات، فإنهم يضعون الإعلانات في الأسواق وفي المتاجر وفي الأماكن العامة احتفالاً بيوم الغدير، واحتفالاً بمولد علي الرضا، واحتفالاً باستشهاد الحسين، واحتفالاً بكذا، وندعوكم لحضور كذا وكذا في مكان كذا وكذا. وتعلن بشكل عادي جداً، كأنك تعلن عن محاضرة للشيخ محمد بن عثيمين أو محاضرة للشيخ سلمان العودة، كذلك هم يعلنون عن احتفال بيوم كذا أو بعيد كذا، ويعلنونها ويخرجونها إخراجاً جميلاً باستخدام الطباعة الجميلة والألوان. كذلك يقومون بطبع نشرات أو مطويات وفيها مثلاً أعياد الشيعة: عيد غدير خم، عيد مولد الإمام، عيد مقتل كذا، وغيرها من الأعياد، فيذكرون الأعياد كاملة وينشرونها ويوزعونها على المحلات التجارية، ويوزعونها في كل مكان. كذلك يقومون بتوزيع النشرات والأشرطة في كل مكان، بل وفي مساجد أهل السنة، يحدثني إمام مسجد فيقول: بعد أن انتهيت من الخطبة والصلاة وجدت الناس يتكالبون على أوراق يأخذونها من أماكن المصاحف، فقمت مسرعاً وأخذت ورقة منها فإذا هي عبارة عن خطاب رابطة علماء الشيعة للشيخ عبد العزيز بن باز يتهمون فيه المشايخ بالتعصب ضدهم وبالتهجم عليهم، ويطالبون الشيخ بمناظرة عامة وغير ذلك. فوزعت هذه النشرة في مسجد لأهل السنة، معنى هذا: أن النشرات وصل توزيعها إلينا، والأشرطة وصل توزيعها إلينا، فأحياناً بعض الإخوان قبل أن يفتح سيارته وإذا هناك نشرة داخل يد الباب، وإذا هي نشرة شيعية، وأحياناً يجد شريطاً على مساحة السيارة، بل وفي مرة من المرات في مركز صيفي في المعهد الإسلامي في الرياض عندما قام الطلاب من قاعة الدراسة لأداء صلاة العشاء وعادوا إلى أماكنهم لمحاضرة، فوجدوا كل كرسي عليه نشرة شيعية، وهذا تغلغل ودخول خطير، وهذا نابع من سكوتنا نحن وبروز وظهور هؤلاء. كذلك من الجوانب الدعوية للشيعة: دخولهم في المجال الصحفي، وهذا واضح وبين، وأذكر لكم نموذجاً واحداً فقط ولنصرح؛ لأنه أمر صريح، فهذا محمد رضا نصر الله وهو شيعي يكتب في جريدة الرياض مقالات مستمرة، وقد قرأت له عموداً في يوم من الأيام إبان فتح باب التطوع أيام حرب الخليج قال يمدح التطوع ويثني عليه: وقد خرج الشباب المتحمس للتطوع من الجشة والعوّامية والقطيف وأم الحمام والبطّالية وكذا وذكر قرى صغيرة لا تراها بالعين المجردة، ثم قال: كما خرج شباب جدة ومكة والرياض وأبها وبريدة لاحظوا المقارنة الآن، يعني: هناك نوع من إبراز الجانب الشيعي وهذه القرى الشيعية البسيطة التي لا تعادل كلها مدينة واحدة أو جزء من مدينة، ومع ذلك يبرزها. إذاً: الدخول في المجال الإعلامي الصحفي مهم بالنسبة للشيعة ويستغلونه لصالحهم، فهذا الصحفي في جريدة الرياض في مرة من المرات يلقي مقابلة مع الخبطي زعيم الشيعة الديني في القطيف فيظهره ويبرزه.

منهج الشيعة في العمل الرسمي الحكومي

منهج الشيعة في العمل الرسمي الحكومي الجانب الذي يليه: مناهجهم في العمل الرسمي الحكومي، فهم يحملون جنسية هذا البلد، والأولى أن يكون ولاؤهم لهذا البلد ولهذه الدولة، هذا هو الأصل، ولكن يا ترى هل فعلاً يوالون هذا البلد أم لا؟ الموالاة وغيرها سنأخذها فيما بعد، لكن نريد أن نتطرق إلى قضية العمل الرسمي بالنسبة لهم، ماذا يفعلون في الدوائر الحكومية؟ إنهم يحاولون اكتساح الوزارات المتعددة، وذكر لي أحد الإخوة في الأحساء أن هناك دوائر حكومية السني يعيش في غربة فيها. وهذه ظاهرة، قد تظهر فيما بعد بشكل متسارع في مناطق أخرى شيئاً فشيئاً، عن طريق الكثرة الكاثرة والانتشار المتواصل من قبل هؤلاء الشيعة. وكذلك هم يشكلون في بعض المراحل الجامعية التعليمية نسباً عالية جداً، لا تتناسب بأي حال من الأحوال مع نسبتهم، فتجد أن لهم كثرة كاثرة في كلية التربية في جامعة الملك سعود، وخاصة في الأقسام العلمية، وتجد أن لهم كثرة كاثرة في كليات جامعة الملك فيصل بالدمام، وتجد أن لهم ظهوراً بيناً وواضحاً في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في المنطقة الشرقية كذلك، وهذا الظهور وهذا البروز سيكون له آثاره فيما بعد؛ لأنهم عندما يتخرجون من هذه الكليات سيتخرجون بشهادات علمية فتحرص كثير من الدوائر على اكتسابهم، فيدخلون في هذه الدائرة وتلك الدائرة والدائرة الثالثة والرابعة، وشيئاً فشيئاً يترقى في العمل من موظف ثم مدير إدارة ثم مدير كذا إلى مناصب كبيرة، ثم يأتي بأبناء عمه وأبناء جلدته ودينه، ثم فيما بعد وخاصة في مناطق الشرقية سنرى أن هؤلاء قد اكتسحوا كثيراً من المجالات، بل يقول الإخوة: إن هناك مسئولاً شيعياً في إدارة حكومية معينة تراه دائماً لا يمكن للانتدابات المتواصلة المتتابعة إلا بني دينه، فهم يذهبون ليستفيدوا من الناحية المادية وغيرها. ذكر لي ذلك موظفان في شركة من الشركات الحكومية والكبيرة كذلك. ولعل سائلاً يسأل ويقول: هل إذا دخل الشيعة الدوائر الحكومية سيكونون دعاة لمذهبهم ودينهم؟ أقول: لا، قد لا يكونون دعاة، لكن كونه موظفاً في هذه الدائرة فهو يستفيد منها مادياً بحيث يكفي نفسه وعائلته وأبناءه المئونة، هذا أول جانب. الثاني: قد يكون عيناً لبني جلدته، وذلك عندما يكون مطّلعاً على خفايا هذه الإدارة. الثالث: أنه قد يكون داعية فعلاً للمنهج الشيعي من خلال ثقافته وعلمه بهذه الإدارة، بل إن بعض الدوائر الحكومية يوفد لها الشيعة رغماً عنها، حتى إن أحد الإخوة جزاه الله خيراً قال: إن هناك شيعياً في دائرة أنا مسئول فيها، وبعد مناقشات معه قال لي وأفادني بأنه جاء إلى هذه الدائرة مدفوعاً ومرغماً، وأنتم تعرفون ما هو السبب.

منهج الشيعة التعليمي

منهج الشيعة التعليمي الناحية التي تليها: مناهجهم في الجوانب التعليمية. النقطة الأولى في هذا الموضوع: أن الشيعة يتلقون التعليم في المدارس الحكومية المعروفة، وهذه المدارس تدرس عقيدة السلف ومناهجهم، فلا يسكت عن الذين يدرسون مناهج السلف، بل إن هناك غسيل دماغ متتابع لهم، فمن أبرز أدوار الحسينيات أنها تجمع الصغار بعد العصر أو بعد المغرب وتجعلهم يتلقون علماً مخالفاً لما تلقوه في الصباح، فيكون هناك غسيل لما تُلقي في الصباح، وما يتلقونه في الصباح إنما هو لمجرد نيل الشهادة والوصول إلى الوظيفة، أما العلم الشرعي الذي يدينون الله به فهو ما يأخذونه من خلال ارتباطهم بمشايخهم في حسينياتهم، وبالرغم من جهود المحو التي تستخدم في المساء إلا أنهم لم يسكتوا على هذا الأمر، بل إنهم يطالبون بحد ومنع كل ما فيه بيان لمنهج الشيعة والتحذير منهم أو حتى فيه لمز لهم أو غير ذلك، ومثال ذلك: ما فعلوه عندما طالبوا بإلغاء كتاب التوحيد للشيخ صالح الفوزان، وأُلغي عن المدارس الثانوية للطلاب، ومحاولاتهم المستميتة الآن في سبيل أن يُلغى هذا الكتاب على الطالبات، وهذا أمر بيّن، وربما سيُلغى نتيجة للضغط المستخدم من قبلهم. كذلك من ضمن المناهج التعليمية لهم إقامة دورات علمية مركزة في حسينياتهم المعروفة، ومثال ذلك: ما أقاموه في رمضان السابق الماضي من دورة علمية استمرت مدة (27 يوماً) متواصلة، تقام فيها لقاءات ومحاضرات وندوات في حسينية سيهات، وشارك فيها مجموعة من علمائهم وسادتهم وتجارهم وغير ذلك، وهي شاملة وعامة ومحتوية على تنظيم دقيق وعشاء وغير ذلك، ويترتب على ذلك بروز المنهج الشيعي عن طريق الطرح، من خلال المحاضرات الشرعية الدينية المعلنة، فقد أُعلنت في جداول ووزعت في سيهات وخارجها، وأعلنت في المحلات التجارية وفي كل مكان، المحاضرة الأولى في يوم كذا بعنوان (التربية في الإسلام) لـ محمد هادي الفضلي. المحاضرة الثانية: (المرأة ودورها في بناء المجتمع) لفلان بن فلان وهكذا، وتعلن هذه المحاضرات ولا يحتاج لها ختم ولا إذن من مركز الدعوة ولا غير ذلك؛ لأنهم معفوون من ذلك وللأسف الشديد. كذلك من ضمن مناهجهم التعليمية للشيعة: إقامة معارض الكتاب المتتابعة، فقد أقاموا عدة معارض للكتب، أقيمت هذه المعارض بطريقة لطيفة، وبطريقة محبوكة وهي: أنهم لا يعرضون في المعارض هذه الكتب الشرعية الحساسة للشيعة، وإنما عرضوا الكتب العامة التي تنفع للشيعة ولأهل السنة، أو الكتب التي ليس فيها ذم أو سب للصحابة أو طعن للقرآن أو للسنة وغير ذلك، فعندما تأتي الرقابة وتقول: أين الكتب التي تعرضونها؟ قالوا: هذه هي استعرضوها وإذا ليس فيها شيء، فيقال لهم: لا بأس أقيموا معرض الكتاب، فيقام معرض الكتاب، والهدف ليس هو بيع الكتاب وإنما الهدف أن يؤذن لهم بإقامة المعرض فأذن، ثم يقام المعرض الثاني، ثم الثالث، ثم يبدءون في إدخال الكتيبات شيئاً فشيئاً، وأنا زرت معرضاً من معارضهم، فنقّبت فيه فما وجدت فيه من الكتب التي تحتوي على لمز أو همز أو غير ذلك للصحابة إلا القليل مما غفلت عنه عين الرقيب، أما البقية فهي كتب عامة تخدم الشيعة بطريقة عمومية؛ وهذا منهج يسيرون عليه باستمرار، وهي الإقامة المتتابعة لمعارض الكتب. كذلك من المناهج التعليمية للشيعة: المطالبة المستمرة بمنع التحدث عنهم من خلال المحاضرات والندوات والدراسات والكتيبات إلى آخر ذلك، ولو طلبت فتح كتاب فيه حديث عن الرافضة، فإن هذا الشيء ممنوع، مع العلم أن هذا من الدين ومن الشرع، ممنوع أن تتحدث عنهم وتتكلم عنهم، وهنا هم المستفيدون من هذا؛ لأنهم فيما بعد سيجدون أن عامة الناس قد قل فهمهم واستيعابهم للمناهج الرافضية وللدين الرافضي، وسيكون عند الناس بالمقابل دعاية مضادة أقامها الشيعة: أن الشيعة مسلمون ولا فرق بيننا وبينهم إلا في أشياء يسيرة جداً وفي الفروع، وبالتالي هم منا ونحن منهم، فيتأثر الناس بهم، ويترتب على ذلك أن كثيراً من الناس يغتر بهم، بل وقد سمعت أحد الكبار الذين يرأسون بعض الكليات الشرعية أو شبه الشرعية يصرح أنه لا فرق بيننا وبين الشيعة إلا في (5%) وفي الفروع فقط؛ وهذه التصريحات نتيجة لجهل مركب يعيشه هذا الرجل، ونتيجة لعدم فقهه وفهمه لمناهج هؤلاء القوم. من ضمن المناهج التعليمية لهم: نشر الكتب والنشرات والدعايات التي تبين للناس أننا مسلمون، وأننا دعاة حق وخير، وأننا وأهل السنة منهجنا واحد، وأن الفرق بيننا وبينهم كالفرق بين الحنابلة والأحناف، أو كالفرق بين المالكية والشافعية؛ فنحن أصحاب فقه مستقل كما أنكم أصحاب فقه مستقل، ويؤثرون على الناس نتيجة لذلك وينشرون ذلك، وهذا أمر قد لوحظ وشوهد، هذا ما سبق في مناهجهم.

نماذج من فساد الشيعة الرافضة في بلاد المسلمين

نماذج من فساد الشيعة الرافضة في بلاد المسلمين هذه عدة نماذج من فساد هؤلاء الشيعة، فهل يا ترى هؤلاء الشيعة لهم ولاء لمن أغدق عليهم بالخير وأعطاهم وفتح لهم سبلاً متعددة؟ الدولة والحكومة السعودية -وفقها الله ودلها على طرق الخير- فتحت للشيعة سبلاً متعددة، وأعطتهم مجالات كثيرة، ودللتهم، وهذه الدولة التي أنعمت وأغدقت على هؤلاء الشيعة وأرادت أن تربيهم وتستجلبهم، وتحاول أن تروضهم وتحاول أن تنفعهم بخيرها العميم الذي طال كل مكان، ولكن هذه الدولة لم تجد من هؤلاء الشيعة الولاء والمحبة، بل وجدت منهم أنهم يوالون إيران موالاة قطعية مستمرة متواصلة قلباً وقالباً، ولا يحبون هذه الدولة أبداً، والدليل على ذلك أنهم إبان حادثة الحرم تلك الفتنة التي حصلت عام (1400هـ) خرجوا في مظاهرات عجيبة جداً يحملون لافتات مكتوب عليها: الموت للأسرة الحاكمة، الموت لآل سعود، الموت للدولة، ونسوا الخير الذي أُعطوه نسوه تماماً، بل دمروا هذا الخير الذي أُعطي لهم، فدمروا سيارات شركة الكهرباء، وأماكن عامة، وأماكن الخدمات دمرت وكسرت أبوابها وشبابيكها وأحرقت السيارات التي بجانبها، والسبب أنهم لا يحملون الولاء للمسلمين بأي حال من الأحوال، فولاؤهم لأصلهم المجوسي، فمهما أغدق عليهم وأُعطوا فإن هذا لن يؤخذ بعين الاعتبار بأي حال من الأحوال، وكما هو معلوم أن الشيعة كانوا يصرفون الأموال الهائلة ويدفعونها إبان قيام الثورة الإيرانية مساهمة منهم في نصرة هذه الثورة، فالتجار الكبار كانوا يدفعون أموالاً طائلة وهائلة، بل من ضمن هؤلاء التجار أشخاص كانوا يتعهدون بدفع تكاليف بناء مؤسسات حكومية في إيران دمِّرت أثناء فتنة الخميني، وهم تجار سعوديون من الدمام ومن الأحساء. كذلك من ضمن إفساد الشيعة أنهم حاولوا تفجير خزانات البترول في المنطقة الشرقية، وحاولوا تفجير خزانات الغاز في رأس تنورة، ووضعوا متفجرات في مصليات العيد في الخبر والدمام، ووضعوا متفجرات في فرع من فروع مستشفى القطيف، ووضعوا متفجرات في أماكن كثيرة جداً، بل وأدخلوا المتفجرات إلى الحرم في عام (1407هـ)، وهذا أعلن في وسائل الإعلام، وبعض مخططاتهم التفجيرية حصلت، وعُرضت صور من آثارها المدمرة، فقد جاءوا بسيارة ووضعوا فيها عجينة ففجِّرت هذه السيارة وتلاشت وتقطعت قطعاً لا تُرى، كذلك ما فعلوه من التفجيرات التي قام بها الستة عشر كويتياً، وكان من ضمنهم شاب اسمه عبد العزيز شمس الظاهري وهو من منطقة الأحساء من المنطقة الشرقية، وهم كلهم دينهم ومنهجهم واحد، وكذلك ما قاموا به في نفق المعيصم عندما فجّروا غاز الخردل الذي أودى بحياة آلاف مؤلفة من الناس. إذاً: هؤلاء جميعاً مهما أُعطوا فإنهم سيحملون حقداً مؤصلاً؛ لأنهم يدينون إلههم الذي يعبدونه بكراهية أهل السنة، وزعماء أهل السنة، ويحقدون عليهم حقداً عجيباً. وبالتالي لابد من معرفة نقطة مهمة هنا وهي: أيعيد التاريخ نفسه أم لا؟ هؤلاء الشيعة قديماً كان يغدق عليهم من قبل الخلافة العباسية بشكل عجيب في حكم البرامكة، وفي حكم بني بويه، ومع ذلك كانوا ينقلبون على من يسدي إليهم معروفاً؛ لأنهم معروفة عنهم الخسة والنذالة كذلك، ونحن نقول لمن يسمع هذا الكلام: إن هؤلاء الشيعة مهما أُعطوا لو بنيت لهم القصور ولو زفلتت لهم الطرق بالذهب، ولو أُعطوا من الأموال ما الله به عليم، فإنهم سيحملون الحقد الشديد لمن أعطاهم، وهذا القلب الذي يحمل الحقد لأهل السنة في المقابل يحمل محبة لأشياعهم وأتباعهم في مناطقهم المعروفة في إيران وغيرها.

موقف الشيعة الرافضة من الخليج

موقف الشيعة الرافضة من الخليج الناحية التي تليها: الخليج والرافضة نعرض نقاط موجزة ثانيها قضية البحرين، وقد عرضنا قضية السعودية وانتهينا منها.

منهج الرافضة تجاه البحرين

منهج الرافضة تجاه البحرين صرّح أحد زعمائهم ويدعى صادق روحاني من خلال الإذاعة الرسمية الإيرانية بأن البحرين هي الولاية أو المقاطعة الرابعة عشر لإيران، وترتب على ذلك أن إيران إذا زارها أحد من البحرين يحمل جوازاً بحرينياً صودر وأُعطي جوازاً إيرانياً؛ لأن هذه مقاطعة وليست بدولة، وترتب على ذلك أيضاً أن الدعوة لضم البحرين تصدر بشكل متتابع، بحسب السياسة وما يرتبط بها؛ فإذا كان هناك ضغط سياسي في العلاقات أعلن أن البحرين ستكون من ضمن إيران، وإن كان هناك تحسن سياسي سكت عن هذا الموضوع إلى أجل. والشيعة في البحرين يشكلون نسبة عالية جداً تقدر بـ (70%) ولهم إمكاناتهم المستفيضة وضغطهم العجيب ضد أهل السنة. وأختم بقصة واحدة فيما يتعلق بالبحرين: هناك شاب عالم متعلم مثقف اسمه محمد مال الله وله مجموعة كبيرة من المؤلفات في الرد على الرافضة ونقدهم والهجوم عليهم وفضحهم؛ وهذا الرجل تعرض لفتنة من قبل الرافضة، فقد كان يعمل في دائرة حكومية فيها مجموعة من الرافضة ومعه ثلاثة من أهل السنة، أو اثنان وهو الثالث فواجهوا ضغطاً عجيباً من قبل هؤلاء الرافضة، فانسحب الاثنان وبقي هو صامداً، وفي النهاية دُبِّر له مقلب فقدان مبلغ كبير من المال واتهم باختلاسه، فقبض عليه وصودرت مكتبته من الغد، وهي مكتبة ضخمة جداً يقول لي: إنه تعب في جمعها من جميع أرجاء الأرض، وتحتوي على عدد لا يمكن أن يتخيله عقل من الكتب النادرة للشيعة، وفيها مخطوطات وكتب طباعتها قديمة حجرية حصل عليها بطرق متعبة للغاية، فما دخل الاتهام المالي بمصادرة المكتبة؟! هذا طبعاً يضع علامة استفهام لجهود هؤلاء الرافضة في البحرين.

جهود الرافضة في الكويت

جهود الرافضة في الكويت أما جهدهم أو نشاطهم في الكويت فكما هو معلوم الآن أن الرافضة يشكلون في الكويت قوة اقتصادية عجيبة، وقوة سياسية قوية، فلهم تمثيل في مجلس الوزراء ولهم تمثيل في مجلس الأمة، ولهم تواجد اقتصادي بين واضح، ولعلي أحيل على كتابين اثنين كسباً للوقت: الكتاب الأول: (وجاء دور المجوس) لـ عبد الله بن محمد الغريب، وكذلك له كتاب آخر وهو (أطماع الشيعة في الجزيرة والخليج)، اطلعوا عليهما وسترون فيهما الجهود المستفيضة لهؤلاء الشيعة الرافضة في تلك الدولة.

جهود الشيعة في قطر والإمارات

جهود الشيعة في قطر والإمارات أما الشيعة في الإمارات فسأذكر نموذجاً واحداً بالنسبة للإمارات. لو ذهبت الآن إلى الإمارات فربما ستواجه ضابطاً أو جندياً أو مسئولاً، وعندما تتحدث معه لتعرض عليه قضية معينة أو مطالبة ستلاحظ أنه لا يجيد اللغة العربية بشكل تام وإنما يأتي بها مكسرة، فتسأله من أين أنت؟ فيقول لك: أنا أصلي من إيران فهو شيعي، ومع ذلك تجده يحمل رتبة رائد أو عقيد أو غير ذلك أو يشغل منصباً عالياً، ما هو السبب؟ السبب أن هؤلاء استطاعوا بطريقة تدريجية منظمة الدخول في مناطق الإمارات، والسيطرة على كثير من مقدرات البلد هناك، بل وهم الآن يطالبون بأن تكون الإمارات دولة تابعة لهم، وبدءوا مشوارهم باحتلال الجزر الثلاث المشهورة المعروفة بطنب الصغرى، والكبرى، وأبو موسى، وهي جزر مجاورة للإمارات وهي بعيدة بعداً شديداً عن إيران، ومع ذلك احتلتها إيران الآن، ويخططون لتكون هذه الجزر بمثابة القواعد التي ينطلقون منها لاحتلال بقية مناطق الخليج. أما قطر فبدءوا في مسألة السيطرة الاقتصادية عليها، فأول منهج لهم هو السيطرة الاقتصادية، ثم الوصول إلى احتكار السلع، ثم الدخول في مشاركات مع مشايخ هذه الدول، فتجد -مثلاً البهبهاني - وهو شريك أمير الكويت، وكذلك غيره قاموا بنفس العملية فهم يطبقونها مع أمير قطر أو وكيله أو نائبه أو غير ذلك، وهذا منهج مستخدم في جميع مناطق الخليج بلا استثناء.

واجب المسلمين تجاه الشيعة الرافضة

واجب المسلمين تجاه الشيعة الرافضة النقطة الأخيرة في هذا الجانب: ماذا يجب علينا؟ تحدثنا في الدروس الأولى عن عقائد الرافضة وفكر الرافضة، ثم بعد ذلك تحدثنا عن أهدافهم القديمة، ثم عرضنا أهدافهم الأخيرة في الزمن الحاضر، فماذا يجب علينا كمسلمين تجاه هذه الطائفة؟ يجب علينا عدة أمور: الأمر الأول: الترغيب بشكل بين وقوي على العلم الشرعي، وأخذه وتلقيه وفقهه وفهمه، ومن هذا العلم الذي لا بد أن ننتبه له هو فقه الرافضة، ومعرفة فقههم ومناهجهم وموقفهم من أهل السنة؛ لأن هؤلاء من الأعداء، ومعرفة فقه العدو ومنهجه من باب أخذ الحذر، ومن باب الإعداد، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60] فهذا من القوة التي نعدها لهؤلاء. إذاً: نعرف منهجهم وتخطيطهم وأفكارهم لنعد العدة لمجابهتهم فيما بعد؛ لأنك لو لم تعلم عنهم شيئاً فإنهم سيجابهونك على حين غلفة، وهذه المعرفة قد تأخذ الجانب الإجمالي أو التفصيلي كل بحسبه. الأمر الثاني: نقل هذه المعلومات المتلقاة عن هؤلاء الشيعة ودراستها وفقهها إلى الآخرين. أولاً: نقلها إلى المسئولين، فبعض المسئولين تغيب عنهم بعض الأفكار عن هؤلاء، وذلك بأن تأتي بكتبهم التي تتحدث عن الحقد على الحرمين الشريفين، والمخططات المدبرة لتدمير الحرمين، وتأتي بالنشرات والمقالات وبالجرائد التي تصدر في بلادهم وغير ذلك، ثم تجمع وتعرض على المسئولين، ثم يقال: انظروا إلى هؤلاء الرافضة الذين تعطونهم وتعطونهم، انظروا إلى ولائهم ومنهجهم وعقيدتهم. فمن باب المسئولية والأمانة أن تنقل عقائد الرافضة للمسئولين؛ حتى يأخذوا حذرهم تجاه هذه الطائفة؛ لأن بعض المسئولين قد يكونوا منشغلين بأعمالهم الكثيرة جداً، وارتباطاتهم في وزاراتهم، فيغفلون عن هذا الجانب. الأمر الثالث: بيان فكرهم من خلال قنوات الاتصال الممكنة، ومن خلال خطبة، ومحاضرة، ودرس، وندوة، ومجلس خاص، وشريط، ونشرة إلى آخر ذلك، فلابد من استغلال ذلك وبيان مناهج هؤلاء والتحذير منهم، وبيان ضررهم وأثرهم على الأمة إذا سكتت عليهم فيما بعد. الأمر الرابع: رصد تحركاتهم وتجمعاتهم وأعمالهم، وبيان ذلك للآخرين، وخاصة لمن بيده اتخاذ القرار. الأمر الخامس: مقاطعتهم من الناحية العامة الشاملة، والمفاصلة الخاصة بهم، يعني: أن تعمل مع أحدهم فتفاصله مفاصلة روحية كاملة؛ لأنه ربما يكون هناك اتصال جسدي بينك وبينه عن طريق الاحتكاك به لكونه زميلك في العمل، لكن ينبغي أن يكون في نطاق ضيق، أما المفاصلة الشعورية فلا بد من وجودها وظهورها. كذلك المقاطعة التجارية، وأنتم تعرفون قصة التفاح الإيراني الذي غزا الأسواق، ففي السوق الآن أحسن أنواع التفاح هو التفاح الإيراني، ومع ذلك لو ذهبت إلى السوق للبحث عن بديل لما وجدت إلا الرديء، وهذا التفاح تكرر بشكل متواصل في جدة وفي الرياض وفي بريدة وفي مناطق متعددة، ويجعلون هذا التفاح في قصاصات وأوراق خارجة من مطابع أو غيرها، وهذه القصاصات التي يلفون بها التفاح تجد أنها نص آية كاملة؛ وملفوف فيها هذا التفاح وهذا لاعتقادهم بأن هذا القرآن محرف، وبالتالي ليس له قيمة عندهم، ومن إهانتهم له أنهم يضعونه بهذه الصورة فيصدرونه لنا، كما أن بعض النصارى يجعلون لفظ الجلالة أو اسم محمد على الحذاء، كذلك هؤلاء الرافضة يهينوننا بهذه الصورة، ونحن ندعم منتجاتهم ونشتريها ولا نلقي بالاً لذلك، بل نفتخر به بأنه تفاح جميل ولذيذ، وكذلك نشتري ألبانهم ومنتجاتهم الأخرى، والأصل أن المؤمن يتعبد الله سبحانه وتعالى بهذه المقاطعة، فأنا أشتهي هذا الشيء لكني أتركه تعبداً لله سبحانه وتعالى؛ لأنه صادر من عدو يعلن الحرب علانية على الإسلام وأهله عن طريق بث القرآن مقطعاً مهاناً داخل هذه الكراتين التي فيها التفاح. الأمر السادس: مسألة متابعتهم في أعمالهم في الدوام ماذا يفعلون عندما يتجمعون مع بعض؟ فلو قمت برصدهم وبمتابعتهم فستجد فعلاً أن هؤلاء الأشخاص لهم لقاءات مستقلة، ويخططون لجلب أبناء جلدتهم وأقربائهم وأصدقائهم وغير ذلك. هذا ما يتعلق بماذا يجب علينا تجاه هؤلاء الرافضة. وهذه نشرة ذكرتها مجلة المجتمع في عام (1408هـ) بعنوان: (تصدير الثورة)، ذكروا فيها عدة قضايا لمناهج الشيعة في نشر دعوتهم، والوقت لا يسمح بقراءتها، لكن سأذكر نموذجاً واحداً فقط، وهذا النموذج يوضح مدى البذل العجيب من قبل الرافضة لخدمة دينها، تقول هذه النشرة: إن الرافضة قد أنشئوا أربع مطابع ضخمة جداً في أنحاء العالم: المطبعة الأولى في برمنجهام في إنجلترا، والثانية في بعض ولايات أمريكا، والثالثة في جاكرتا، والرابعة في سنغافورة، وقد أصدرت دار الحسين في برمنجهام مائة وأربعين عنواناً باللغة الإنجليزية وبطباعة فخمة وأنيقة، وكل عنوان طبع منه نصف مليون نسخة. ويقول في مكان آخر وقد تبرع أحد السعوديين من الدمام لطباعة نصف مليون نسخة من أحد كتب الرافضة باللغة الإندونيسية، وتم توزيعها في جميع أنحاء إندونيسيا. انظروا نصف مليون نسخة طبعت ووزعت في بلد يعيش مرحلة جهل للدعوة إلى المنهج الرافضي.

جهود الرافضة للسيطرة على المراكز الإسلامية في أوروبا وأمريكا

جهود الرافضة للسيطرة على المراكز الإسلامية في أوروبا وأمريكا أختم هذا الكلام بنقطة أخيرة وهي: جهود الرافضة المستميتة في سبيل السيطرة على الأماكن والتجمعات الإسلامية في أمريكا وفي أوروبا. تعلمون أن هناك عدة مراكز إسلامية بنتها مثلاً: السعودية أو الكويت، أو أهل الخير في السعودية والكويت والخليج، سواء كان ذلك المبنى رسمياً أو أهلياً، وهؤلاء الرافضة بدءوا يسيطرون على هذه المراكز، مع أنهم لم يبذلوا في بنائها شيئاً، لكنهم يسيطرون عليها عن طريق استخدام وسائل متعددة ومركزة وذكية في ذلك. فمثلاً: بعض المراكز الإسلامية في أمريكا وفي أوروبا وحتى في أفريقيا تستخدم مبدأ الانتخاب في تعيين مجلس إدارة هذا المركز؛ فهذا المركز أنشأته دولتنا أو أهل الخير مثلاً بخمسة ملايين دولار، فهو مركز ضخم يحتوي على مسجد ومصلى للنساء ومكتبة وقاعة محاضرات وسكن وأماكن تحفيظ قرآن وغير ذلك، لخدمة أبناء الجالية الإسلامية هناك، وهذا المركز عينت له الدولة فلاناً رئيساً وفلاناً عضواً وفلاناً عضواً، وهذا أمين صندوق، وهذا سكرتير إلى آخره، ومدة إدارتهم ثلاث أو أربع أو خمس سنوات وتنتهي، وبعد انتهاء المدة ينتخب بدلهم نفس الموجودين في المركز من الطلاب، فالطلاب هم الذين ينتخبون مجلس إدارة للمركز، فعندما تقترب مدة هؤلاء على الانتهاء ويعرف الرافضة أن هنالك انتخاباً يتوافدون من جميع مناطق أمريكا إلى هذا المركز، وكلهم طلاب، والبعض ينقل دراسته من الجامعة التي كان يدرس فيها ويسجل في الجامعة الموجودة في المدينة التي فيها المركز الإسلامي، والبعض لا يجد مجالاً للدراسة في المدينة التي فيها المركز فيطلب إعفاء لمدة فصل دراسي، والبعض الآخر يستخدم أساليب متعددة للحضور لهذه المنطقة، فهم يحضرون قبل ستة أشهر، ويظهر للناس أنهم من سكان هذه المدينة، ثم يبدأ الاقتراع، فتجد منهم أربعمائة أو خمسمائة شخص يتجمعون في قاعة المحاضرات، ثم تجد منهم ومن يقول: أنا رشحت نفسي رئيس مجلس إدارة، وتجد من أهل السنة من يرشح نفسه، أو واحد من أهل السنة أو اثنين أو ثلاثة ومثلهم من الشيعة، فعند الترشيح إذا رفعت يدي وقلت: أنا أرشح نفسي لمجلس الإدارة، وهم يعرفون أنني سني فيقال: من يرشِّح فلاناً فيرفع أربعون أو خمسون من أهل السنة أيديهم، فإذا جاء الشيعي وقيل: من يرشح هذا؟ تجد ثلاثمائة شخص كلهم يرشحونه، وبعض أهل السنة يرشحونه؛ لأنهم لا يعرفون ولا يعلمون مناهج هؤلاء، فتجدهم ثلاثمائة وخمسين يرشحون الشيعي، ثم تجد أن رئيس مجلس الإدارة والنواب والسكرتير كلهم شيعة، فيأخذون المركز، ثم يبدءون في نشر الكتب والأشرطة والكتيبات الشيعية، وتكون الخطبة بأيديهم، والمحاضرات بأيديهم، ودعوة المشايخ، ولا يدعون إلا مشايخ من إيران أو من العراق يلقون الدروس والمحاضرات، وينشرون الجانب الدعوي الرافضي في أمريكا نتيجة لذلك، فهم لا يخططون على مدار سنة، بل يخططون لسنين طويلة، ويرون أن مخططاتهم قد أثمرت. وتجمعاتهم هذه ثمرة ليست بغريبة في نشر المذهب الشيعي وإبرازه في جميع أرجاء الأرض. هذا ما لدي بخصوص هذا الموضوع، وفي اللقاء القادم إن شاء الله سنجيب عن الأسئلة بخصوص قضية الشيعة، وهناك أسئلة كثيرة جداً سنخصص لها درساً كاملاً. قبل أن أنتهي هناك كتيب بعنوان (هذه نصيحتي إلى كل شيعي) للشيخ أبي بكر الجزائري فاستفيدوا منه، وهذه المحاضرة انشروها في الأماكن التي تستطيعون. والله سبحانه وتعالى أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

سلسلة الرافضة عقيدة وهدفا [5]

سلسلة الرافضة عقيدة وهدفاً [5] إن مما ينبغي على أهل السنة أن يكونوا في يقظة دائمة ومستمرة من خطر الشيعة الرافضة، وأن يعلموا أن الغفلة ستوقعهم فيما لا تحمد عقباه، فالمتتبع للرافضة عبر التاريخ يجد أنه ليس لهم عدو إلا أهل السنة، وأنهم متى تمكنوا منهم فلن يتركوهم.

نقاط مهمة عن الشيعة الرافضة وأهدافهم

نقاط مهمة عن الشيعة الرافضة وأهدافهم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فقبل أن أبدأ في الإجابة عن الأسئلة أود أن أنبه إلى نقاط مهمة: الأولى: أن لفظة الرافضة إذا أطلقت أريد بها الشيعة، فلابد أن يعلم الجميع أننا إذا أطلقنا لفظة الرافضة فالمراد بها جميع التجمعات الشيعية الموجودة في المنطقة الشرقية والعراق وإيران، وأجزاء كبيرة من لبنان، وأجزاء كبيرة من أنحاء متفرقة في العالم الإسلامي وغيره. النقطة الثانية التي أحب أن أنبه عليها: أن هذه الأسئلة بعد أن تصفحت الكثير منها وجدت أنها تركز على الشيعة والرافضة الموجودين لدينا في بلادنا، ولابد من التنبيه والبيان إلى أن الغفلة عن جهودهم الدءوبة، في سبيل الانضمام إلى الحلف الدنس الذي يركزون عليه فيما بينهم، لإنشاء الإمبراطورية الإسلامية الشيعية العظمى. أقول: إن الغفلة عن هؤلاء من قبل من بيده الأمر سيوقعهم فيما لا تحمد عقباه فيما بعد، والسعيد من وعظ بغيره، ولعل لنا في التاريخ عبرة ونظرة، ولو ألقينا نظرة فاحصة على بعض مجريات التاريخ، خاصة فيما يتعلق بالجوانب الشيعية لرأينا كيف أنهم بدءوا من الصفر، أو بدءوا بدايات يسيرة فغفل عنهم، وكانت النتيجة أنهم ظهروا وبرزوا، حتى اكتسحوا من أمامهم ممن غفل عنهم. وخذوا مثالاً على ذلك ما قام به مؤيد الدين بن العلقمي الذي ذكرنا قصته في درس سابق، فقد كان يبذل جهوداً حثيثة ومستميتة في سبيل إنشاء دولة باطنية شيعية في العالم الإسلامي، يكون مركزها الكرخ في بغداد، ولكن الله سبحانه وتعالى خيب ظنه، ولكن بعد أن قدم المسلمون تضحيات جسام تجاوزت المليون شهيد، وذلك عندما تحالف هذا الرجل مع هولاكو زعيم التتار. ومثال ثان: عندما غفل المسلمون عن نشأة عبيد الله بن ميمون القداح الديصاني اليهودي الذي ظهر في تونس، فنشأ شيئاً فشيئاً إلى أن كون دويلة صغيرة عاصمتها المهدية في تونس، ثم بعد ذلك انتقل إلى أن وصل المد الشيعي الباطني ليشمل شمال أفريقيا والشام والحجاز واليمن وغيرها. ومثال ثالث: على الباطنية القرمطية التي نشأت في الأحساء، كيف سكت عنها وشيئاً فشيئاً إلى أن سيطرت على الجزيرة وأجزاء من الشام وجنوب العراق وغيرها، وكانت الأعمال التي تفعل من قبل هؤلاء مما يشيب له الولدان من القتل والإحراق والسبي لأهل السنة، فهم العدو الأول والأخير لهم. وخذوا كذلك أمثلة معاصرة أو قريبة من المعاصرة: ما فعله شاه إيران إسماعيل الصفوي، الذي وجد في أوائل القرن الحادي عشر، وهو الذي اكتسح إيران وحولها إلى دولة شيعية بعد أن كان يغلب عليها الطابع السني بشكل بين، وقد كان يقتل عشرات الآلاف يومياً من المسلمين الذين يرفضون الانضواء تحت لواء التشيع. كذلك ما قام به الشيعة في هذا الزمن -شيعة إيران- عندما أذلوا وأهانوا أهل السنة الذين يشكلون نسبة كبيرة في إيران، ومع ذلك لا قيمة لهم ولا صوت لهم في أي تجمع كان، مهما كان هذا التجمع صغيراً، بل والإهانة والقتل والتشريد وغير ذلك مما لا يخفى على أولي العلم، فأهل السنة في إيران يضطهدون اضطهاداً عجيباً من قبل هؤلاء الشيعة، ولكننا لا نسمع عنهم ولا نعلم عنهم شيئاً؛ بسبب انعدام البث الإعلامي السليم الصادر من قبل إدارات إسلامية تبين أحوال المسلمين في تلكم البلاد. إذاً: هذه النبذة تعطينا تصوراً عن هؤلاء الشيعة الذين يعيشون في بلادنا، ويعملون بشكل دءوب ومتواصل ومتتابع من أجل تحقيق أهدافهم الخبيثة، ومع ذلك يغفل عن كثير من أعمال هؤلاء، ولو استمر الوضع على ما هم عليه وعلى نفس المنهج، فإننا والله في خطر قادم من قبلهم، فهم والله الخطر القادم وهم الخطر الآتي، فالحذر الحذر والانتباه الانتباه، ولعل الله سبحانه وتعالى أن يقينا شرهم، وشر ما يخططون من القضاء على أهل السنة. نبدأ بالإجابة على الاستفسارات، لأن الأسئلة كثيرة، ولعل الإجابة تكون مختصرة في كثير من الأحيان؛ حتى نلم بأكثر هذه الأسئلة المطروحة.

توضيح وتفصيل لأماكن تواجد الشيعة في المنطقة الشرقية

توضيح وتفصيل لأماكن تواجد الشيعة في المنطقة الشرقية Q أين يتواجد الشيعة في المنطقة الشرقية بالتفصيل؟ A يتواجد الشيعة في المنطقة الشرقية في مناطق متعددة أولاها: منطقة القطيف، ومنطقة القطيف تكاد أن تكون شيعية صرفة إلا أقل القليل، ومن أبرز التجمعات في القطيف في مدينة القطيف الأصلية، ثم يتبعها مجموعة من القرى، أو ربما تسمى مدناً باعتبار أنها كبيرة نوعاً ما، ومن أشهرها سيهاد وتاروك والعوامية والجارودية وأم الحمام والجد والبديح والملاحة والأوجام والبحاري وسنابت وأم الساهت وغيرها، أما الأحساء فيتواجدون فيها بنسبة بينة واضحة في مناطق الهفوف والمبرد والقاع والقارة والمنصورة والبقالية والعمران والمراح والجشة وغيرها، وفي الدمام كذلك لهم تواجد بين واضح، بل ولهم أحياء يستقلون بها، نحو حي العنيد، وبعض الأحياء يوجد فيها أغلبية شيعية مثل حي الجبينية والعزيزية والنخيل وغيرها، ولهم تواجد مميز في كثير من الشركات والمؤسسات الحساسة، من أمثال: أرامكو، ومن أمثال: تمارث وغيرها من الأماكن الحساسة، فهذا يبين فعلاً مدى تواجد هؤلاء وانتشار هؤلاء. كذلك لهم تواجد بين في المنطقة الغربية في منطقة المدينة، وهم ما يسمون بالنخاولة، ولهم تواجد واضح في مجموعة كبيرة من القرى التي تمتد من المدينة المنورة إلى عزلة السدور، وهناك قرى متعددة يسكنها أناس من قبيلة حرب، وينتسبون إلى المذهب الشيعي، ولهم نشاط قوي في الدعوة إلى فكرهم ومنهجهم. كذلك لهم تواجد في المنطقة الجنوبية في نجران وما حول نجران، وهم حقيقة ليسوا من الشيعة الإمامية تماماً، وإنما هم من الباطنية، ولكنهم يرتبطون بالشيعة الإمامية بروابط ووسائط كثيرة، ويتفقون معهم ويتحدون معهم في حرب أهل السنة والجماعة.

بيان عدم سجود الرافضة على الفرش وسجودهم على الأحجار والطين

بيان عدم سجود الرافضة على الفرش وسجودهم على الأحجار والطين Q يلاحظ أن الروافض لا يسجدون على الفرش، وإنما يسجدون على البلاط، فما السر في ذلك؟ A السر في ذلك أن لهم عقيدة وقولاً فقهياً أنه لا يجوز السجود إلا على الأرض أو ما أنبتت الأرض أو ما خرج من الأرض، فيسجدون على قطعة حجر أو على طين، أو قطعة طين جافة، أو قطعة من الحصير، أو قطعة من الورق، وهذه مسألة فقهية موجودة لديهم، وهذه المسألة بدأت تستغل من قبل التجار فيأخذون طيناً ويصنعونه تصنيعاً معيناً، ويختمون أو يطبعون عليه طبعات معينة أو نقشات معينة، ويكتب عليه: هذا من طينة كربلاء، أو: هذا من طينة النجف أو غير ذلك، فيكون في هذا نوع من الترويج، ويكون هذا الحجر أو هذا الطين المجفف غالي الثمن؛ لأنه لا يأخذه إلا أقل القليل، وله أفضلية معينة بالنسبة لهم، وهم كما هو معلوم يقدسون قبور الأولياء تقديساً يصل إلى درجة العبادة المطلقة، فكون هذا الرجل يسجد على شيء من ناتج هذا القبر المقدس عنده هذا يعد بحد ذاته فضلاً ليس باليسير.

إعلان الرافضة في المنطقة الشرقية لأذانهم وبيان صيغته

إعلان الرافضة في المنطقة الشرقية لأذانهم وبيان صيغته Q هل يعلن الرافضة أذانهم في المنطقة الشرقية وما صيغته؟ A نعم يعلنون أذانهم في المنطقة الشرقية بشكل واضح وبين، وأنا حقيقة سمعت هذا الأذان بنفسي في منطقة العوامية، وهي من قرى القطيف، بل هي المركز الأساسي لتجمع السياح، والأذان عندهم هو الأذان المعتاد مع بعض الإضافات في التكبير، فعندهم بدل أن تكون التكبيرات أربع تكون مرتين، ويضيفون بعد أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله أشهد أن محمداً رسول الله يضيفون عليه: أشهد أن علياً ولي الله، وأشهد أن علياً وأولياءه الأطهار المعصومين الأبرار أولياء الله، ويضيفون كذلك: حي على خير العمل، حي على خير العمل. وهذا معلن ويسمع على مسافات بعيدة في مكبرات الصوت، وينتقون المؤذنين ذوي الأصوات الحسنة الجميلة؛ لأن الشيعة حقيقة يطرقون الجانب العاطفي دائماً، فالجانب العاطفي عندهم مقدم على غيره، وقد طرقنا في درس سابق مناهج التلقي عند الفرق المختلفة، وكان من ضمن ذلك منهج التلقي عند الرافضة، فهم يطرقون الجانب العاطفي، ويستغلون العاطفة في تحريك مشاعر أتباعهم، ولذلك في أعيادهم وفي لقاءاتهم وفي حسينياتهم يقرءون القصائد المحزنة والأقوال المحزنة والقصص المحزنة، التي تتلى وتردد بأصوات رخيمة جميلة من قبل أناس منتقين انتقاء، فيكثر البكاء والنحيب والصياح والصراخ، ويتفاعل الناس مع هذا الملقي، ويترتب على هذا التفاعل التأثر الذي يزدادون به تمسكاً بشرعهم وبدينهم.

أهداف الزواج الجماعي عند الرافضة

أهداف الزواج الجماعي عند الرافضة Q نسمع عن الزوجات الجماعية للرافضة، وعن دعايات الجرائد لهذا النوع من الزوجات، فما هدفهم من هذا؟ A هذا حقيقة كثيراً ما يذكر في الجرائد وخاصة في منطقة السيهات، فمرة يتزوج عشرون وأخرى أربعون وثالثة خمسون، وهؤلاء عندما يفعلون هذا الفعل وتقوم الجرائد بالدعاية لهم فهذا قد يظن أنه من باب التفاخر ومن باب الحث على الاقتصاد في النفقة، أي: في نفقة تكاليف الزواج فقط، بينما الحقيقة أن هذا الجانب يأخذ عدة مناحي يغفل عنها من يكتب هذا الخبر وينشره. أولاً: أن هذا فيه حث على الزواج من قبل هؤلاء الشيعة، فكون الإنسان يتزوج ويقيم حفلاً مستقلاً يكلف كذا وكذا من المال، وهذا المال سيتوفر لهذا المتزوج، فعندما يقام حفل جماعي في مركز خيري خاص بهم إما أن يكون ملعباً أو جمعية معينة أو غير ذلك فلا إيجار لمكان إقامة الزواج ولا وليمة كبيرة ولا ولا إلى آخر ذلك، فيتوفر لهذا المتزوج المبالغ التي ستصرف على بيت الزواج وما يتبع ذلك. فهذا فيه الحث على الزواج والتحمس له، فكون الواحد يتزوج مع عشرين أو ثلاثين وكل منهم يزف زفة معينة وبمنهج معين، ويحضر آلاف مؤلفة ويصفقون له ويدعون له ويباركون له، فيتحمس الشباب للزواج نتيجة لهذا التأييد الجماعي له، بالإضافة إلى التكافل الاجتماعي المادي الموجود داخل هذا الحفل، فكما هو معلوم أثناء الحفل يقوم التجار بالتعهد والتكفل بدفع مصاريف معينة، فهذا يتكفل بمصروف الشقة، وهذا يتكفل بشراء ثلاجة، وهذا يتكفل بشراء غسالة، وذلك يتكفل بدفع مبلغ رمزي أو مبلغ مقطوع، وهذا يتكفل بمصاريف المولود الأول وهكذا، فنجد أن الشاب قد حصل من خلال الزواج الجماعي على عدة مزايا تجعل الشباب الباقين يحرصون على أن يتزوجوا مثل من سبقهم، بل وتجعل الذي تزوج مرة يكرر هذا الزواج مرة أخرى.

وجه استدلال واستشهاد الرافضة بالقرآن مع عدم إيمانهم بصحة القرآن

وجه استدلال واستشهاد الرافضة بالقرآن مع عدم إيمانهم بصحة القرآن Q الرافضة يرفضون القرآن ولا يعترفون به، فلماذا يستدلون به ويستشهدون به في كتبهم، عندما يطعنون مثلاً في الصحابة أو غير ذلك؟ A هذا الأمر واضح ليس فيه أي إشكال، فأنت عندما تريد أن ترد على النصارى أو على اليهود أو على الهندوس أو على أي ديانة أخرى فلا تستشهد على هؤلاء بالقرآن؛ لأنهم لا يؤمنون بالقرآن، ولا تستشهد عليهم بالسنة؛ لأنهم يرفضون السنة، وبالتالي فالحل هو أن تستشهد عليهم وتدينهم من خلال النصوص التي يؤمنون بها، فتأتي بالإنجيل وتأتي بالتوراة وتقول للنصراني: أنت تقول كذا وكذا والإنجيل يخالفك في كذا وكذا، وتقول لليهودي: أنت تؤمن بالتوراة والتوراة تحرم أكل لحم الخنزير وتحرم كذا وأنت تفعل ما يخالف التوراة. إذاً: تستشهد عليهم من خلال ما يؤمنون به ويعتقدونه، وأنت في المقابل لا تؤمن بالتوراة ولا الإنجيل؛ لأنهما محرفان، وكذلك الكتب الأخرى، فأنت تستشهد عليهم بما عندهم وأنت لا تقر بذلك، فالرافضة والشيعة يستخدمون نفس المنهج، فهم يستدلون عليك بالقرآن الكريم وهم لا يؤمنون بالقرآن الكريم، ويعرضون الآيات لرد شبهة أو قول بالنسبة لهم، ويرفضونه منك عرض نص أنت تؤمن به، لأنهم في الأصل لا يؤمنون به ولا يعترفون به.

سبب مخالفة الشيعة في كثير من العبادات لأهل السنة

سبب مخالفة الشيعة في كثير من العبادات لأهل السنة Q ما العلة في أن بعض الشيعة عندما يريد الوضوء يغسل أعضاءه بيد واحدة فقط، ويمسح شعره ووجهه ورجليه بيد واحدة فقط؟ A لعل العلة في هذا يتمثل في أن الشيعة ينهجون منهجاً مخالفاً لأهل السنة، وهذا واضح ومسطر في أغلب كتبهم، بل ومكرر في الكافي في عدة مواضع منه، يقول النص: أن ما خالف العامة ففيه الرشاد، والعامة عندهم هم أهل السنة. فقولهم: (ما خالف العامة ففيه الرشاد) أي: أنك إذا خالفت العامة فقد أصبت الحق وسرت عليه، فهم يحاولون أن يخالفوا أهل السنة في كل شيء، حتى إنهم في شرح هذا النص يقولون: إذا كان في المسألة نصان للعامة متعارضان فإننا ننظر إلى أيهما أخذ به الأكثر من العامة فنأخذ بما أخذ به الأقل، وقالوا: فإن كان القولان أو النصان متساويين في الأخذ فإن استطعت أن تتوسط وتوجد حلاً ثالثاً فتأخذ به. إذاً: هم يسعون لمخالفة أهل السنة بأي حال من الأحوال، وهذا أدى بهم إلى الوقوع في مسألة عجيبة ألا وهي المطابقة التامة لليهود؛ لأننا نحن قد أمرنا من خلال النصوص الشرعية الثابتة بأن نخالف اليهود مخالفة تامة، فنحن نخالف اليهود والشيعة يخالفوننا، إذاً: الشيعة يوافقون اليهود، وذلك كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في مقدمة كتابه (منهاج السنة)، لذلك نجد أن هناك تطابقاً في كثير من العقائد والأفكار والمسائل الفقهية بين الشيعة وبين اليهود، وهذا ناتج من هذا الاعتقاد وهذا المنهج، أي: أننا نحن نخالف اليهود والشيعة يخالفوننا، فالشيعة يطبقون ويوافقون اليهود.

بيان ما يفعله الشيعة الرافضة في العاشر من محرم وحكم ذلك

بيان ما يفعله الشيعة الرافضة في العاشر من محرم وحكم ذلك Q ماذا يفعل الشيعة في العاشر من محرم؟ A العاشر من محرم هو يوم حزن بالنسبة للشيعة، وفعل الشيعة في العاشرة من محرم يعطينا وقفة لنفصل ماذا حصل في العاشر من محرم. في القرن الأول الهجري سنة (61هـ) استشهد الإمام والصحابي الجليل الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعندما استشهد رضي الله عنه أحس الشيعة أن هذا الإمام الذي امتاز بمزايا متعددة قد قصروا في نصرته، ولذلك يدعون أنهم قصروا في نصرته وتركوه لعدوه ليقتله ويقتل معه أتباعه وأبناءه ومن سار معه، فهم يحتفلون احتفالاً محزناً في العاشر من محرم، وهذا الاحتفال يكون له تحضير مسبق، فتراهم قبل عشرة محرم بعدة أيام يبدءون في الحزن وإظهار مظاهر الحزن، ويعدون العدة له. وهناك مظاهر كثيرة جداً تتعلق بيوم عاشوراء وتتمثل في النقاط التالية: الأولى: إغلاق المحلات التجارية تماماً، ليس هناك شيء اسمه بيع وشراء، ولذلك فإن الشيعة في المنطقة الشرقية يتحكمون في بعض مصادر الرزق بالنسبة للناس، ومنها بعض المواد الغذائية والأسماك وغيرها، ومن الطرائف: أن الأسعار ترتفع ارتفاعاً بيناً من اليوم الثامن إلى اليوم العاشر من محرم؛ لأن الشيعة يتوقفون عن البيع، وبالتالي يترتب على ذلك ندرة العرض وكثرة الطلب، وهذا بدوره يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. الثانية: أنهم يلبسون السواد سواء كان ذلك من الرجال أو النساء. الثالثة: أنهم يرفعون الأعلام السوداء على بيوتهم، ويغطون مراكز وأماكن العبادة والمعابد الخاصة بهم وهي ما تسمى حسينيات يغطونها بالسواد تغطية تكاد تكون كاملة، ثم يكتبون الكتابات التي فيها أشعار أو حكم أو أقوال لهؤلاء الأئمة، وبعضها تعلق في الشوارع وفي مناطق معروفة بالنسبة لهم. الرابعة: أنهم يلبسون ملابس عليها كتابات فيها حزن وفيه تأثر بما حصل للحسين. الخامسة: أنهم يتجمعون في الحسينيات ويبدأ القارئ يقرأ عليهم سيرة الإمام الحسين وكيف قتل وكيف حصلت المعركة إلى آخر ذلك، بصوت مؤثر كما ذكرت قبل قليل، وبعد ذلك يبدأ هؤلاء في ضرب صدورهم والبكاء والنواح والنحيب، وفي بعض المناطق في بغداد والنجف وكربلاء والبحرين وفي غيرها يقومون بمظاهرات في الشوارع ومعهم السلاسل ويضربون بها ظهورهم، حتى يخرج منها الدم، بل وبعضهم يتجاوز ذلك بأخذ السكاكين ويجرحون بها أنفسهم، فيبدأ الدم في الخروج وربما بغزارة، وتجد أن سيارات الإسعاف تتبعهم وتحمل من أصيب بإصابات بالغة، ويعمل له إسعافات أولية، ثم يذهب به إلى المستشفى. وهذا من باب إظهار الحزن والتأثر على قتل الحسين، وكل هذه الأفعال والمظاهر من الخرافات والبدع التي ما أنزل الله بها من سلطان، وهذا موجود وللأسف الشديد حتى عندنا هنا في الأحساء وفي القطيف، ولعل الإخوة الكرام يذهبون إلى هناك أيام العزاء المعروف من سبعة أو ثمانية محرم إلى عشرة محرم، وينظرون ويلحظون هذا الأمر، ويحرص الإنسان وينتبه ألا يدخل في مناطق الشيعة البحتة الصرفة؛ فقد يتعرض أثناء المد العاطفي عند هؤلاء الشيعة إلى اعتداء أو غير ذلك، فليحذر ولينتبه إذا أراد الذهاب.

كشف أهداف إيران من إعلان مناصرة الجماعات الإسلامية في مصر وتونس والجزائر وغيرها

كشف أهداف إيران من إعلان مناصرة الجماعات الإسلامية في مصر وتونس والجزائر وغيرها Q ذكرت إذاعة لندن في يوم الأحد (18/ 11) الساعة (11) مساء: أن أحد المسئولين في البرلمان الإيراني ذكر أن إيران لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه ما يحصل للجماعات الإسلامية في أفريقيا؟ A أنا سمعت هذا الخبر وتابعته في الإذاعة المذكورة، لكن الزعيم الإيراني أو المسئول الإيراني لم يصرح بأسماء دول معينة، لكنه يقصد بذلك مصر والجزائر وتونس وغيرها، وقصده بذلك أن يخدع كثيراً من الناس بحيث يعتقدون أن إيران فعلاً تناصر المسلمين وتقف مع المسلمين، في مقابل أن أكثر الدول الإسلامية أو ربما كل الدول الإسلامية تناصر الحكومات العلمانية في تلكم البلاد، لكن ينبغي أن يعلم أن إيران عندما صرح أحد زعمائها بهذا التصريح فإنه يريد بذلك رمي عصفورين بحجر واحد، فهو يريد أولاً: أن يوحي للعالم الإسلامي بأجمعه أننا نناصر المسلمين المضطهدين في جميع أرجاء الأرض، وأننا نقف معهم ونؤيدهم باستمرار. ثانياً: حث الحكومات العلمانية على تشديد الضربة على الإسلاميين في تلكم البلاد؛ لأنها عندما تعلن هذه الحكومات أن إيران تدعم الإرهاب، فإنها تنبه عامة الناس وعامة المسلمين في تلكم البلاد أن هؤلاء المسلمين الذين يتسترون باسم الإسلام إرهابيون، وأنهم مدعومون من قبل الشيعة الرافضة، إذاً: اسمحوا لنا وائذنوا لنا في ضربهم ولا تنتقدوننا، فيترتب على ذلك تشديد الضربة والقبضة على هؤلاء المسلمين في تلكم البلاد، وينتج من ذلك أن الإيرانيين يستفيدون الاستفادة البينة وهي: أن هؤلاء المسلمين قد تم احتواؤهم والقضاء عليهم من قبل الحكومات العلمانية، ويكون الرابح من ذلك هم الشيعة، فلا يبقى في الساحة إلا الشيعة؛ لأن المسلمين الذين يطالبون بإقامة الحق والجهاد ضد الشيعة قد تم القضاء عليهم من قبل حكوماتهم.

سبب تكفير الشيعة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه والطعن فيه

سبب تكفير الشيعة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه والطعن فيه Q ما سبب تكفير الشيعة لـ عمر بن الخطاب؟ A ذكرنا هذا في درس سابق أن الشيعة يرون في عمر بن الخطاب أنه عدوهم الأول، لأن عمر بن الخطاب في زمن خلافته أنهى الإمبراطورية المجوسية، فالحكم المجوسي الفارسي حكم عبدة النيران سقط في خلافة عمر بن الخطاب، ففي وقت عمر قامت المعارك المشهورة معركة جلولاء والمدائن والقادسية ونهاوند، وتم القضاء على المجوس تماماً في هذه المعارك. والشيعة كما نعلم هم امتداد للمجوس، فهم مجوس هذا الزمن، وبالتالي فهم يتأسفون على أبي لؤلؤة المجوسي الذي قتل بعد أن قتل عمر، ويسمونه بابا شجاع الدين أبو لؤلؤة المجوسي، ويقيمون له الأعياد والاحتفالات السنوية، وفي نفس الوقت يحتفلون بمقتل عمر بن الخطاب؛ لأن عمر بن الخطاب فعل بهم الأفاعيل وقضى عليهم تماماً، ويسمون وقت مقتله بأسماء متعددة، ويطلقون عليها أسماء الأعياد، كعيد التبجيل وعيد الشكر وعيد الغفران إلى آخر ذلك، وهي أعياد كثيرة جداً بينها الأخ محمد مال الله فك الله أسره في كتابه (يوم الغفران) وهو كتاب موجود في السوق. إذاً: لهذا العيد أسماء كثيرة جداً تصل إلى أكثر من ستين اسماً، ويحتفلون به احتفالاً مميزاً بيناً واضحاً، وهذا ناتج لحقدهم الشديد على عمر بن الخطاب. كذلك يقول هؤلاء الشيعة: إن الله سبحانه وتعالى قد أمر الملائكة بأن ترفع الأقلام عن الناس أجمعين ثلاثة أيام بلياليها احتفاء واحتفالاً بمقتل عمر بن الخطاب، وانظروا إلى مدى الحقد الرهيب عند هؤلاء، ولا يكاد يمضي يوم لأي شيعي كان، سواء كان هذا الشيعي عالماً أو جاهلاً، صغيراً أو كبيراً، ذكراً أو أنثى إلا ويلعن فيه عمر بن الخطاب، بل ولعن عمر بن الخطاب عندهم من أفضل القربات إلى الله سبحانه، كما صرحوا بذلك في كتبهم، وبالتالي هم يلومون من مضى يومه ولم يلعن عمر بن الخطاب، بل وقرأت في أحد كتبهم من العجائب أنهم يقولون: من نفخ على الطعام بلعن أبي بكر وعمر فإن هذا الطعام تنزل فيه البركة، إلى آخر ذلك من شعوذاتهم وكلامهم وحقدهم الدفين العجيب على هذا الصحابي الجليل. ولا أقول لكم: إن هذا موجود عند الشيعة في العراق أو في إيران فقط، بل موجود حتى عند الشيعة الموجودين عندنا في الشرقية أو في الغربية أو في الجنوبية أو في غيرها، ونحن نقربهم ونوظفهم ونحبهم وربما نعاشرهم، ومع ذلك هم يلعنون ويسبون ويشتمون ويكفرون أجل الناس بعد الأنبياء وأفضل الناس بعد الرسل، وهم صحابة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

حكم مقاطعة منتجات الشيعة الرافضة

حكم مقاطعة منتجات الشيعة الرافضة Q هل منتجات شركة ومخابز المطرودي ومخابز صفوة هي لشيعة أم لسنة؟ وإذا كانت لشيعة أفلا تقاطع؟ A هناك مجموعة من المحلات التجارية البينة الكبيرة الواضحة التي تنتشر مبيعاتها في جميع أرجاء المملكة، ومن أبرز هذه المحلات شركة ومخابز الوطنية وهي لـ عبد الله المطرود وليست بالمطرودي، المطرود وهو شيعي بين وواضح، وله مجموعة من المنتجات الأخرى كالألبان ومشتقات الألبان، وسيارات هذه الشركة تجوب شوارع الرياض كل صباح وكل مساء. وهناك مخابز الجواد وهي مخابز لشخص شيعي موجودة، ومركزها الأحساء، وهناك شركة الشهاتي للنقل مثلاً. وهناك شركات الري بشتى تفريعاتها وهي لـ أبو خمسين ويطلق عليه أبو خَمْسِين وإلا فاللفظة السليمة هي أبو خُمْسِين؛ لأنه كما معلوم عند الشيعة أنهم يتبرعون بخمس أرباحهم لصندوق خاص بهم، يصرفون منه على أنشطتهم، لكن أبو خمسين هذا من محبته لهذا الصندوق ولدعمه لهذا الصندوق يتبرع بخمسي أرباحه لهذه المشاريع، ويتبرع بها باستمرار، ولذلك اشتهر عنه التثنية أبو خمسين، وهي كلمة خففت إلى أبو خمسين. وكذلك هناك شركة المرهون العالمي للمزاد العلني، وهي شركة ضخمة يسميها الشركة العالمية للمزادات العالمية للـ مرهون أو قريب من هذا الاسم، وهذا كذلك من الشيعة المعروفين. فإذاً: الذي ينبغي للمسلم إذا علم وعرف أن هذه منتجات لأناس يدعون لمنهجهم وفكرهم، ويستخدمون هذا المال لدعم أفكارهم فالأولى حقيقة أن تقاطع، وهناك مواد كبيرة جداً تأتينا من أوربا ومن أمريكا ومن دول الهندوس ومن الرافضة ومن غيرها، وهناك أولويات في مسألة المقاطعة، فإذا عرفت وعلمت أن هذا المال أو جزء من هذا المال الذي تدفعه أنت سيذهب لدعم الشيعة فينبغي المقاطعة، فمثلاً: أنا سأشتري لبناً بخمسة ريالات، وهذه الخمسة الريالات الربح فيها مثلاً ريال، فخمس هذا الريال سيذهب إلى الصندوق، فأكون قد ساهمت بهذا المبلغ اليسير التافه بالنسبة لي، لكنه إذا تجمع بالنسبة لكثير من الناس سيكون مبلغاً هائلاً، فيصب في بوتقة صناديق الكفالة الشيعية التي تدعم البرامج الشيعية. لذلك أقول: الأولى بنا جميعاً أن نقاطع هذه المؤسسات وهذه الشركات وهذه المصانع، وكلما علمنا أن مصنعاً يدعم جانباً فيه حرب للإسلام فالأولى بنا أن نقاطعه، سواء كان نصرانياً أو شيعياً أو هندوسياً أو غير ذلك.

موقف الأئمة الاثني عشر من الشيعة

موقف الأئمة الاثني عشر من الشيعة Q ما موقف الأئمة الاثني عشر مما عليه الشيعة من ضلال؟ فهل كلما ينسبه الشيعة إلى الأئمة من أقوال هي ثابتة عنهم؟ A أولاً: أحب أن أنبه إلى أن أئمة الشيعة لا يعتبرون أنفسهم أئمة، فمثلاً: جعفر الصادق لا يقول: إنني إمام، وإنما الشيعة أنفسهم هم الذين يقولون عنهم ذلك. ومن المعلوم أن أئمة الشيعة من أمثال محمد الباقر وجعفر الصادق وغيرهما يتبرءون من الشيعة، بل ويسبونهم ويلعنونهم ويطردونهم من مجالسهم الخاصة والعامة، وهذا يوضح أن هؤلاء الأئمة الأعلام يرفضون هؤلاء ويتبرءون منهم تبرءواً كلياً بالرغم من تعلق الشيعة بهؤلاء الأئمة، والغريب أن هناك كتباً للشيعة تذكر جزءاً من هذا التبرؤ، وتذكر جزءاً من هذا الذم وهذا السب والشتم لهؤلاء الشيعة.

ثبوت وجود شيعة في المنطقة الشرقية يدرسون موادا شرعية

ثبوت وجود شيعة في المنطقة الشرقية يدرسون مواداً شرعية Q سمعنا أن الشيعة يدرسون في بعض المدارس الابتدائية المواد الشرعية فهل هذا صحيح؟ A نعم، أنا سمعت هذا وتحققت منه، ففي بعض القرى في المنطقة الشرقية توجد مدارس ابتدائية، وكل الذين يدرسون فيها ويديرونها شيعة، يعني: المدير والوكيل والفراش والمدرس كلهم شيعة، والمدارس الابتدائية كما تعرفون لا تشترط التخصص في التدريس، يعني: أنا مثلاً تخرجت فرضاً من كلية العلوم فإذا درست في مرحلة متوسطة أدرس علوماً لا أدرس مواداً شرعية، لكن في الابتدائية لو أني تخرجت من كلية شرعية مثلاً فممكن أن أدرس علوماً وأن أدرس رياضيات بحسب الحاجة، صحيح أنه لابد أن يكون هناك أولوية في أن أدرس المواد الشرعية أولاً، فإن كان هناك حاجة أن أدرس رياضيات أو علوماً فلا مانع من ذلك. فثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك شيعة يدرسون التوحيد والفقه والحديث والقرآن وغير ذلك في هذه المدارس.

مطالبة الشيعة بإلغاء كتاب التوحيد للمستوى الثانوي للبنين والبنات في السعودية

مطالبة الشيعة بإلغاء كتاب التوحيد للمستوى الثانوي للبنين والبنات في السعودية Q هل صحيح أن الشيعة طالبوا بإلغاء كتاب التوحيد للصف الثاني الثانوي بنين فنجحوا في ذلك، وهم بصدد المطالبة بإلغاء هذا الكتاب عن مدارس البنات؟ A نعم لقد نجحوا في إلغاء هذا الكتاب عن الصف الثالث ثانوي وهو من تأليف الشيخ صالح الفوزان، ألغي هذا الكتاب عن الصف الثالث الثانوي بنين، وحل محله كتاباً آخر لعله للشيخ محمد بن عثيمين، والآن هم بصدد المطالبة المستمرة بإلغاء هذا الكتاب عن مدارس البنات، ولعل بعضاً منكم اطلع على خطاب لهؤلاء نشر في مناطق كثيرة جداً من أنحاء المملكة وانتشر بين الناس، بل ورأيته معلقاً في مسجد من المساجد، وكان هناك تعليق عليه، ونبه المعلق إلى جهود هؤلاء، وهذا الخطاب لعلي أقرأ بعض النصوص منه أو بعض المقاطع من هذا الخطاب. يقول: لهذا فالخطوة التي أقدمت عليها الرئاسة العامة لتعليم البنات لإعادة طبع كتاب التوحيد لمؤلفه عبد الله ناصر الفوزان -يعني: ربما هناك لبس في الاسم- وإدراجه ضمن مقررات البرنامج الدراسي لطالبات الصف الثانوي، مع علمها المسبق بما يحويه هذا الكتاب من تهجم على تاريخ ومعتقدات وشعائر مذهب الشيعة الإمامية والزيدية والإسماعيلية. البالغ عددهم أكثر من ربع سكان المملكة. أقول: هذا من أكاذيب الشيعة المعروفة، وإلا فهم أقلية قليلة لا تتجاوز (10%) أو ربما (5%)، لكنهم الآن بصدد الوصول فعلاً إلى هذا الرقم عن قريب، وإذا سكت عنهم وعن تناسلهم وتكاثرهم، وأهملنا الدعايات المتواصلة لهم في زواجاتهم الجماعية وتناسلهم البين، فإنهم سيصلون إلى هذا العدد أو ربما أكثر منه. يقول: وتعتبر خطوة -يقصد خطوة الرئاسة- خطوة حمقاء تخرق جميع المواثيق الإنسانية الدولية، وتتنافى مع التعاليم الإسلامية والأعراف الإنسانية، وتتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان التي تنص على احترام الرأي الآخر، وتؤكد على ضرورة كافة حقوق الإنسان المعنوية والمادية، هذا سوى إخلال مثل هذه الأعمال بواجبات السلطة الحاكمة في كفالة المساواة بين جميع المواطنين، وفي توفير الحريات وصيانة الحقوق من محاولات التعدي والانتهاك، بالإضافة لما تسببه هذه الخطوات الرعناء من إثارة البلابل بين صفوف المواطنين، وزرع بوادر الفرقة والانشقاقات. أيتها الطالبات الغيورات! إننا واثقون من قدرتكن على دفع الجهات المسئولة باتجاه إلغاء هذا المقرر المشين، الذي ينال من عقيدتكن السمحاء، كما سبق وأن فعل إخوانكن طلاب الصف الثانوي في العام الماضي، وبذلك أورثوا طلاب هذا العام عزاً وشرفاً، إذ انتزعوا لهم حقوقهم، فأقرت وزارة المعارف منهجاً مقبولاً مبدئياً. انظروا هذا كلام عجيب جداً، يعني: جميع ما جرى على بقية الطلاب في أنحاء المملكة من حذف معلومات بينة عن الشيعة ومعرفة الشيعة كان بجهد هؤلاء الطلاب، وفعلاً أورثوا لهم عزاً وشرفاً، وقد صدقوا في ذلك، فأقرت وزارة المعارف منهجاً مقبولاً مبدئياً، فهناك خطوة أخرى. يقولون: نحن أمام هجمة قوية ينبغي أن نتجاوزها، ثم بعد ذلك ننتقل إلى المنهج الآخر فنحاول أن نجتازه. ثم يقول: فأقرت وزارة المعارف منهجاً مقبولاً مبدئياً، حيث خلا من كل التعريضات والتهجمات تقريباً، وابتعد عن نطاق الخلاف بين المسلمين مع المذهب الوهابي. انظروا يقول الخطاب: المذهب الوهابي الذي تدين به الدولة وعلماء الدولة وحكام الدولة وغير ذلك. يقولون: وابتعد عن نطاق الخلاف بين مذاهب المسلمين مع المذهب الوهابي، فليس المذهب الوهابي مذهباً مسلماً ولا يمت إلى الإسلام بصلة. هذا حسب قول هؤلاء إلى آخر هذا الخطاب، وهو طويل في مسألة حث هؤلاء الطالبات بالمطالبة بإلغاء كتاب التوحيد. إذاً: ما هي الوسائل التي طالبوا البنات باستخدامها؟ يقول الخطاب: وهنا لابد لنا من القيام من عدة خطوات عملية: أولاً: رفع خطابات الاستنكار والرفض للمنهج الحالي، والمطالبة بمنهج بديل يراعي تعددية المذاهب إلى إدارة المدرسة، وإلى الرئاسة العامة لتعليم البنات. ثانياً: تحريض أولياء الأمور للتحرك وإرسال وفود للذهاب إلى أمير المنطقة ومناقشة الموضوع معه. ثالثاً: الالتقاء خارج الدوام المدرسي لمناقشة مهاترات المقرر الدراسي، وهضم الفلسفة المذهبية للشعائر والممارسات بشكل يمكن من إقناع الطرف الآخر بصحة منهجكم منهج السنة العقائدي. رابعاً: التصدي للرد على تجاوزات المدرسات، إذا ما خرجن عن إطار التقيد بمحتويات المنهج المقرر. إلى آخر ذلك. كلام طويل جداً في صفحتين كتبت بشكل مضغوط للغاية، وهذا العمل سينجح كما أنهم نجحوا مع الطلاب وعندي قناعة ربما تكون شبه كاملة أنهم سينجحون مع الطالبات، ثم سينتقلون إلى إقرار منهج آخر لا يبين الحق تجاه المنهج الرافضي بأي حال من الأحوال، فلا محاضرة تلقى عنهم، ويمنع منعاً باتاً إلقاء محاضرة عن الشيعة أو خطبة عن الشيعة أو نشرة عن الشيعة، أو يؤلف كتاب عن الشيعة، أو حتى كتاب يحتوي على بعض المعلومات اليسيرة عن الشيعة لا يسمح به. إلى آخر ذلك. وأما أهل الحق وأهل الصدق والذين يسيرون على المنهج الحق فالضغط عليهم وما يتعلق بهم من حقوق فإن هذا ملغى، وهذا لا قيمة له عند الكثير وللأسف الشديد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

تبيين العلماء خطر الشيعة الرافضة

تبيين العلماء خطر الشيعة الرافضة Q ذكر الشيخ سلمان العودة في شريطه (السهام الأخيرة) معلومات عن الرافضة، وكذلك الشيخ سفر في شريطه (الأسئلة والأجوبة) رقم (74) أرجو الإحالة أو الإشارة إلى ذلك؟ A نعم أشار الشيخ سلمان إلى ذلك في شريط (السهام الأخيرة) فارجعوا له واسمعوه، وكذلك الشيخ سفر أشار إلى ذلك وبين ذلك في شريط (اللقاء الأسبوعي) رقم (74)، بالإضافة إلى أن هناك شريطاً آخر للشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله ووفقه بعنوان (حقيقة الرافضة)، فقد أشار وبين واقع هؤلاء الرافضة، وذكر معلومات وافرة عن هذه الطائفة.

شخصية ابن سبأ اليهودي وعلاقة الرافضة به

شخصية ابن سبأ اليهودي وعلاقة الرافضة به Q من خلال معاشرتي للشيعة في إحدى مدارس المنطقة الشرقية، ومن خلال المناقشة بيني وبين أحدهم تبين لي أنهم يقولون: إن عبد الله بن سبأ شخصية أسطورية، وذكروا أن ذلك موجود في كتاب قد ألفه أحد الأشخاص المنتسبين إلى أهل السنة، أرجو الإفادة حول هذه النقطة؟ A نعم، يحاول الشيعة أن يتبرءوا من عبد الله بن سبأ؛ لأنه ثبت ثبوتاً قطعياً أن هذا الرجل يهودي، هذه النقطة الأولى. الثانية: أن كثيراً مما طرحه عبد الله بن سبأ أخذ به الشيعة جملة وتفصيلاً. وهذا يبين أن الجذور الأجنبية للشيعة نزعت من الجذور المجوسية واليهودية، وبالتالي فهذا فيه ملمز ومغمز بين وواضح لهذه الطائفة؛ لذلك فهم يحاولون افتعال أن عبد الله بن سبأ شخصية أسطورية وليس لها وجود وذكر، وبعض المؤلفين سواء كان من الشيعة ومن أهل السنة فقد وصل ببعض هؤلاء المؤلفين إلى أن عبد الله بن سبأ هو عمار بن ياسر، وقرر ذلك وأدخله ونشره في كتبه، وقرأت ذلك في كتاب (الصلة بين التصوف والتشيع) للشيبي وهو عبارة عن رسالة ماجستير لهذا المؤلف وهو شيعي، وهذا المنهج الذي سار عليه الشيبي هو نوع من التبرير لإثبات شخصية عبد الله بن سبأ إثباتاً مقبولاً عند أهل السنة وعند غيرهم. أما قضية أن أحد الأشخاص المنتسبين إلى أهل السنة ألف في ذلك وذكر أنه شخصية أسطورية فهذا ليس بحجة، فمثلاً: لو جاءك إنسان وقال لك: إن الغزالي أو محمد عمارة أو فهمي هويدي أو فلان من هؤلاء ألف كتاباً يتهم فيه فلاناً فهل تأخذ بقوله على أنه صواب؟ نقول: قد ينتسب هؤلاء إلى أهل السنة لكنهم منحرفون عن المنهج أو أخطئوا الطريق، وقد يأتيك إنسان ويستشهد بمقولة لأناس معروفين لـ حسن البناء أو للترابي أو للمودودي أو للشعراوي لأناس معروفين ينتسبون إلى أهل السنة، نقول: لا، نحن لا ننظر إلى الرجال كرجال، فكل هؤلاء ليسوا بمعصومين، بل تقع منهم الأخطاء وتقع منهم التجاوزات المخالفة للصواب والمجانبة للحق، لكن نقول: إن هؤلاء لهم جهودهم ولهم نشاطهم ولهم أخطاؤهم فلا تحتج بأخطائهم على منهج. كذلك لعل هذا يجرني إلى تذكر ما روي عن ابن حزم أنه اتفق مع النصارى ليناظرهم في مسألة تحريف الإنجيل والتوراة فواعدوه في وقت معين، وجاءوا له بعد هذا الوقت المحدد بمجموعة كبيرة من الكتب فقالوا له: أنت تتهمنا بأننا حرفنا التوراة وحرفنا الإنجيل وأنهما قد حرفا تماماً، أو الغالبية العظمى من النصوص قد حرفت، فنحن كذلك نجابهك بمثل كلامك، فهذا كتاب يقول: إن القرآن محرف، وهذا كتاب يقول: إن هذه الآية هي كذا، وهذا كتاب يقول كذا، فقال: من قال بذلك؟ قالوا: قال به الشيعة، قال لهم ابن حزم: الشيعة ليسوا بمسلمين أبداً بأي حال من الأحوال، فلا تناقشونا فيهم ولا تستشهدون بهم. فأقول: إن استشهاد هذا الشيعي بقول أحد ممن ينتسب إلى أهل السنة في أن عبد الله بن سبأ شخصية أسطورية لا يلزم منه صحة كلامه ولا يسلم له بذلك؛ لأن الحقائق تنفي هذا الكلام وتلغيه، ولعلي أشير إلى كتاب للشيخ سليمان بن حمد العودة عميد كلية العلوم الاجتماعية في القصيم، له رسالة ماجستير عن عبد الله بن سبأ، وهي رسالة لطيفة وقوية، وفيها تحقيق واضح وحصر للأقوال التي ذكرت وقيلت عن عبد الله بن سبأ، ارجعوا إليها وهي موجودة في الأسواق وطبعتها مطبعة دار طيبة، اطلعوا عليها فلعل فيها خيراً كثيراً إن شاء الله.

شمول ضلال عامة الشيعة وخاصتهم وانحرافهم

شمول ضلال عامة الشيعة وخاصتهم وانحرافهم Q هل عامة الشيعة يصدقون ضلالات زعماء الشيعة في الجملة؟ A الشيعة الكبار والصغار والعامة والعلماء كلهم على منهج واحد، فالصغار يربون منذ الصغر على هذه الضلالات، وهناك تعليم يلقى في المدارس الحكومية عندنا، فالطفل الشيعي عندما يخرج من المدرسة يعلمه والده أو شيخه أو القائم عليه أن ما تلقاه في المدرسة غير صحيح، فهم يقولون: لابد من إقامة دروس أخرى لمحو ما تلقاه التلميذ في مدرسته، فتقام لهؤلاء الصغار الدروس المتتابعة المتواصلة في الحسينيات، ويربونهم تربية دقيقة على كراهية أهل السنة والحقد عليهم. يقول أحد المدرسين في المرحلة الابتدائية: انتدبت للتدريس في أماكن تواجد الشيعة، يقول: قمنا برحلة إلى البر نحن وطلاب المدرسة، وكانت هذه المدرسة مختلطة يعني: شيعة وسنة، وكان هناك طالبان من الشيعة في الرابع ابتدائي يمشيان وشاهدا جعلاً -الحشرة المعروفة- فأشار أحدهما إلى الجعل وقال: سني سني سني سني، يقول المدرس: ونحن نسمعه، فأخذناه على حدة وقلنا له: من قال لك ذلك؟ قال: قال لي الشيخ فلان في الحسينية الفلانية. هذا نموذج للحقد الشيعي، وهذا نموذج آخر ولا أقول: إنه في الشرقية بل هنا في الرياض في حي الروضة، يقول أحد مدراء المدارس: كان عندنا طالب شيعي في الرابع الابتدائي، وكان يأخذ المصحف ويرميه على الأرض بقوة ثم يلعب به كما يلعب بالكرة، وصرنا معه في أخذ وعطا واستدعاء لوالده وغير ذلك، فتبين فيما بعد أن القضية كانت نابعة من تربية داخلية في البيت وفي غير البيت لإهانة كتاب الله سبحانه وتعالى، لكن هذا الطفل لم يع متى يهين المصحف ومتى يحترمه؛ فهو لا يعرف مبدأ التقية، وبالتالي تجده قد أهان المصحف عند الطلاب في الفصل وإلى آخر ذلك. فأقول: إن هؤلاء الشيعة سواء كانوا صغاراً أو كباراً فهم يأخذون بمبدأ التنفيذ الفعلي الكامل لمنهاج الشيعة وآرائهم، ولا فرق في ذلك بين عامي وعالم، وعلى هذا المنهج يعتبرون كلهم خارجون عن ربقة الإسلام، وخارجون عن دين الله سبحانه وتعالى.

اعتقاد الشيعة في قتل السني وأخذ ماله

اعتقاد الشيعة في قتل السني وأخذ ماله Q ما صحة ما نسمع عن الشيعة أنهم يقولون: من قتل سنياً سنوياً دخل الجنة؟ وأين يوجد هذا في كتبهم؟ A أما قضية من قتل سنياً سنوياً لا أعرف هذا، لكن الذي أعرفه أن عندهم أن من قتل سنياً دخل الجنة، وهذا موجود ومسطر في غالب كتبهم، وحقيقة أنا لم أجد وقتاً لإحضار مجموعة من الكتب حول هذه المسألة، إنما جئت بنص واحد من كتاب واحد هو (الأنوار النعمانية) لـ نعمة الله الجزائري من مطبوعات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات. بيروت. لبنان، ومؤسسة الأعلمي هي مؤسسة متخصصة شيعية صرفة في طبع الكتب الشيعية، وهذا الكتاب في الجزء الثاني منه في صفحة (306) يقول: في باب ظلمة، هو سماه (الأنوار النعمانية) فهو كله أنوار، فمثلاً: عن علي نور، وفي ذكري نور، وفي غيبة صاحب الزمان أي المهدي المنتظر نور، وفي تعيين وقت ظهوره نور، وفي كيفية رجعته نور، وفي الشهور الاثني عشر نور، وفي التزويج وأحكامه نور، وفي تكوين الأولاد نور، فكل هذا الكتاب أربعة أجزاء كله نور نور نور إلا باب واحد هو ظلمة لأحوال الصوفية والنواصب، من هم النواصب؟ هم أهل السنة، يقول في هذا الباب: وأما الناصبي وأحواله وأحكامه فهو مما يتم ببيان أمرين. الأول: في بيان معنى الناصب الذي ورد في الأخبار أنه نجس، وأنه شر من اليهودي والنصراني والمجوسي، وأنه كافر نجس بإجماع علماء الإمامية رضوان الله عليهم، فالذي ذهب إليه أكثر الأصحاب هو أن المراد به من نصب العداوة لآل بيت محمد صلى الله عليه وسلم، وتظاهر بذلك كما هو المعروف في الخوارج، ورتب الأحكام في باب الطهارة والنجاسة والكفر والإيمان وجواز النكاح وعدمه على الناصبي بهذا المعنى، وقد تفطن شيخنا الشهيد الثاني قدس الله روحه من الاطلاع على غرائب الأخبار، فذهب إلى أن الناصبي هو الذي نصب العداوة لشيعة أهل البيت عليهم السلام، وتظاهر بالوقوع فيهم، كما هو حال أكثر المخالفين لنا في هذه الأمصار وفي كل الأمصار، وعلى هذا فلا يخرج من النصب سوى المستضعفين منهم والمقيدين والبلهاء والنساء ونحو ذلك، وهذا المعنى هو الأولى، ويدل عليه ما رواه الصدوق قدس الله روحه في كتاب (علل الشرائع) بإسناد معتبر عن الصادق عليه السلام: ليس الناصبي من نصب لنا أهل البيت؛ لأنك لا تجد رجلاً إلا ويقول: أنا أؤمن بمحمد وآل محمد، ولكن الناصب من نصب لكم وهو يعلم أنكم تتولوننا وأنكم من شيعتنا. ثم يقول: ويؤيد هذا المعنى أن الأئمة عليه السلام وخواصهم أطلقوا لفظ الناصبي على أبي حنيفة وأمثاله، مع أن أبا حنفية لم يكن ممن نصب العداوة لأهل البيت عليهم السلام، بل كان له انقطاع عليهم، وكان يظهر لهم التودد وأبو حنيفة تتلمذ على يدي محمد الباقر وغيره، وكان يخالف آراءهم. ثم يقول الثاني: في جواز قتلهم واستباحة أموالهم: قد عرفت أن أكثر الأصحاب ذكروا للناصبي ذلك المعنى الخاص في باب الطهارات والنجاسات، وحكمه عندهم كالكافر الحربي في أكثر الأحكام، وأما على ما ذكرناه له من التفسير فيكون الحكم شاملاً كما عرفت، روى الصدوق في العلل مسنداً إلى داود بن فرقد قال: قلت لـ أبي عبد الله: ما تقول في قتل الناصب؟ قال: حلال الدم -هذا هو الشاهد- قال: حلال الدم، ولكني أتقي عليك -يعني: أخشى عليك من أن يعتدوا عليك؛ لأنهم كثرة- ولكني أتقي عليك، فإن قدرت أن تقلب عليه حائطاً أو تغرقه في ماء لكي لا يشهد به عليك فافعل، فقلت: فما ترى في ماله؟ قال: خذه ما قدرت. هذا النص ضمن نصوص كثيرة جداً في هذه المسألة وحول هذا المعنى وهذه القضايا.

كثرة كذب الشيعة على جعفر الصادق

كثرة كذب الشيعة على جعفر الصادق Q هل جعفر الصادق كان من أئمة الشيعة أم هم يكذبون عليه؟ A إن جعفراً الصادق هو من أشهر أئمة الشيعة الذين يودونهم ويحبونهم، وقد كذبوا عليه كذباً عجيباً جداً، لو جمع ما نسب إليه لتجاوز آلاف المجلدات كما ذكر أحد الإخوة يقول: بحسب أسماء وعناوين المؤلفات المنسوبة لـ جعفر الصادق فلو أن جعفراً الصادق منذ ولد إلى أن مات وهو ممسك القلم بيده لا يفلته من يده، فإنه لا يستطيع أن يحصي نصف ما نسب إليه من مؤلفات، فقد نسبوا إليه مجلدات ضخمة من تأليفه، هذا غير الكتب التي لم تنسب إلى جعفر الصادق، لكن حدثنا جعفر الصادق قال جعفر الصادق إلى آخر ذلك من النصوص الكثيرة.

بيان وقت أخذ القرامطة للحجر الأسود وإرجاعه وسبب ذلك

بيان وقت أخذ القرامطة للحجر الأسود وإرجاعه وسبب ذلك Q متى أخذ القرامطة الحجر الأسود؟ ومتى أرجعوه؟ وما سبب إرجاعه؟ A أخذ القرامطة الحجر الأسود من مكة بعد أن هجموا عليها بقيادة أبي سعيد الجنابي القرمطي في عام (317هـ) فدخلوا الحرم وقتلوا الحجيج وألقوهم في بئر زمزم، ومن التجأ إلى الكعبة ودخل في أستارها وغير ذلك قتلوه، واقتلعوا أستار الكعبة وقطعوها وأخذوها لهم، وقلعوا الباب وحاولوا قلع الميزاب فما استطاعوا، وضرب أحدهم الحجر الأسود بسيفه فكسره، ثم اقتلعوه وأخذوه معهم في عام (317هـ) وذهبوا به إلى هجر الأحساء، ومكث عندهم (22سنة)، وأرجعوه في سنة (339هـ) وهم ما أرجعوه مباشرة من الأحساء إلى مكة، بل أخذوه إلى الكوفة، وأرادوا تحقيق النص والهدف الذي ذكرنا نصه في اللقاء السابق وهو: أن الشيعة يريدون أن تكون الكوفة هي الموئل والمرجع، وأن الحجر الأسود لابد أن يكون فيها، فوضعوا الحجر الأسود في أحد مساجد الكوفة، ولكن الضغوط المتتالية والضعف الذي بدأ يظهر فيهم جعلهم يستسلمون ويرجعون الحجر الأسود إلى مكة في سنة (339هـ). وما ذكرنا بخصوص النزاع حول الإمامة بين الشيعة في إيران وفي العراق بعد وصية الإمام السابق في العراق، أي: بعد وفاة أبي القاسم الخوئي، فالشيعة في العراق وفي إيران بينهم اتفاق في المنهج وفي الأصول، لكن في الفروع بينهما نوع من الخلاف، فلهؤلاء إمام ولهؤلاء إمام، وسمعت أن الشيعة في الشرقية ينهجون هذا المنهج، فيقولون: إن الشيعة في القطيف يتابعون الأئمة في إيران، والشيعة في الأحساء يتابعون الأئمة في العراق، وبالتالي تجد أن هناك نوعاً من الخلاف اليسير في المنهج الفقهي، أما الأصول والقواعد الأساسية فلا خلاف بينهم البتة. وهذا الخلاف في إمامة العراق وإمامة إيران لا يؤدي إلى صراع أو قتال أو محاربة أو كراهية أو غير ذلك، هذا ليس بموجود عند هؤلاء الشيعة.

وجه استدلال الشيعة بالأحاديث الموجودة في كتب أهل السنة

وجه استدلال الشيعة بالأحاديث الموجودة في كتب أهل السنة Q هل يستدل الشيعة بالأحاديث التي توافق آراءهم الموجودة في الكتب الستة وغيرها من كتب الحديث، حيث إن في مستدرك الحاكم أحاديث توافق أهواءهم فهل يستدلون بها؟ A هم يأخذون بالأحاديث الموجودة في كتب أهل السنة لعدة مناح: المنحى الأول: للرد على أهل السنة، فممكن تجد أن أحدهم يأتي فيقول: ذكر البخاري في جزء كذا في صفحة كذا حديث كذا وكذا وكذا؛ ليرد عليك. المنحى الثاني: أنهم أحياناً يحتاجون للحديث لتأصيل منهج أو فكر يدينون به، فيأخذون الحديث من صحيح البخاري أو مسلم أو مسند أحمد أو غيرها، ولكنهم لا يذكرون أن مرجعه هو هذا الكتاب، بل يأخذون الحديث ويغيرون السند والراوي الذي سمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم لا يروون عن أبي هريرة ولا عن سمرة بن جندب ولا عن فلان، فهم لا يأتون بأسماء الصحابة الرواة؛ لأن جل الصحابة عندهم كفار، فيقولون مثلاً في حديث معين: روى صاحب الكافي عن محمد عن صالح عن سلمان الفارسي أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال، والحديث أصلاً في البخاري عن أبي هريرة مثلاً، فيغيرون في السند، وفي بعض الأحيان يغيرون في النص، بحيث لا يتوافق مع أهل السنة، وتعرفون أن الشيعة من أكذب الناس، وكما ذكر ذلك الإمام الشافعي رحمه الله أنهم أكذب الناس، وذكر عن الإمام الشعبي أنه قال: لو أردت منهم أن يملئوا هذا البيت ذهباً لملئوه لي على أن أكذب على علي، والله لا أكذب عليه. فهؤلاء الشيعة ينهجون منهج الكذب البين الواضح المعروف.

بيان الأنشطة الدعوية للشيعة في المنطقة الشرقية

بيان الأنشطة الدعوية للشيعة في المنطقة الشرقية Q ما صحة الندوات والدورات والمحاضرات التي أقيمت للشيعة في المنطقة الشرقية؟ A أنا معي حقيقة صورة من البرنامج الثقافي الثالث في شهر رمضان المبارك لعام (1413هـ) في سيهات في حسينية الناصر، وهذا البرنامج الثقافي أقاموه لا أقول: قبل عشرين سنة أو ثلاثين سنة لا، بل قبل أقل من شهرين، وهذا البرنامج يدلنا فعلاً على مدى نشاط هؤلاء في مسألة التوعية الثقافية فيما بينهم، وهذا البرنامج يجيب على تساؤلك أن هؤلاء لهم برامج تثقيفية قوية لمحو كل ما يتلقاه صغارهم وكبارهم نساؤهم ورجالهم من أهل السنة من خلال الوسائل التعليمية، وهذا البرنامج يجعلني حقيقة أتوقف وقفة يسيرة بعد قراءة بعض منه. أولاً: البرنامج يبدأ من (1رمضان) وينتهي في (27 رمضان)، وكل ليلة لقاء وفي كل لقاء محاضرة أو ندوة أو درس في مسجد أو في معبد أو في حسينية، أنا سأسألكم جميعاً بلا استثناء: اذكروا لي مسجداً واحداً من مساجد المسلمين يقام فيه محاضرات على مدار شهر كامل، لا يوجد مسجد تقام فيه أمثال هذه المحاضرات بهذا التتابع وبهذا التسلسل، أقول: إن هذا يعطينا وقفة: لماذا نحن نقصر وهؤلاء يبذلون ويعملون؟! سأقرأ لكم بعض هذه العناوين أول يوم (1رمضان) في يوم الثلاثاء ليلة الأربعاء الساعة (1:20) الشيخ عبد الهادي الفضلي وللمعلومية الشيخ عبد الهادي الفضلي دكتور، وكان يدرس في فترة معينة في جامعة الملك عبد العزيز ولا أعلم أين مقره الآن. الشيخ عبد الهادي الفضلي (ذكرنا فكرنا والفلسفات المعاصرة). اليوم الثاني، السيد: منير الخباز (عقائدنا والإعلان). اليوم الثالث: نخبة من الأطباء (الغذاء والصحة). اليوم الرابع: الشيخ عبد الهادي الفضلي (لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم). اليوم الخامس: الشيخ مصطفى مسلم (مودة أهل البيت). وللمعلومية فـ مصطفى مسلم هذا شيعي صرف وليس هو الدكتور مصطفى مسلم الموجود في قسم القرآن في كلية أصول الدين، فلزم التنويه لهذه الناحية، فحقيقة أذكر أن الشيخ الدكتور مصطفى مسلم تأثر تأثراً بيناً عندما سمع شريطاً للشيخ سفر الحوالي أو للشيخ سلمان العودة، وهو من الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى، وهو من الأكراد الذين نحسبهم والله حسيبهم ممن يحملون راية الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وهذا اللبس ينبغي أن ينبه عليه الإخوة وفقهم الله. اليوم السادس: الشيخ عبد الهادي الفضلي (الإسلام ومتطلبات العصر). ثم عباس العنسي (البناء الروحي للإنسان). ثم عبد الهادي الفضلي (عطاء الشيعة للإسلام). ولاحظوا عناوين قوية للغاية. ومنير الخباز (العمل الاجتماعي الموجه). ثم نخبة من الخطباء (دور المنبر الحسيني). هذا إعداد كامل لهؤلاء الأتباع ليقوموا بأداء الرسالة المنوطة بهم. وعبد الجليل الزاكي (كيف نتعامل مع التاريخ). وعباس العنسي (الحوار البناء والمجادلة). وعلي الناصر (الحقوق الشرعية الجزء الأول الحلقة الأولى). ثم الاحتفال في ذكرى ميلاد الإمام الحسن إلى آخر ذلك إلى يوم (27). أسألكم بالله: هل هؤلاء يحتاجون أثناء إلقاء هذه المحاضرات وهذه الدروس إلى علم وفتوى وختم مركز الدعوة، أو إذن من لجنة معينة أو إذن من مكان معين، لا والله لم يحتاجوا إلى ذلك، وهذا الإعلان المعلن في كل مكان لا يحتوي على ختم ولا يحتوي على إذن ولا يحتوي على شيء من ذلك، أما نحن وللأسف الشديد فكلكم تعرفون ماذا يجري إذا أراد إنسان أن يلقي محاضرة في بعض المناطق لا أقول: في الرياض، بل في الرياض أسهل من غيرها، وإنما في بعض المناطق تحتاج المحاضرة للموافقة عليها إلى سلسلة متتابعة من الموافقات من أصغر واحد إلى أكبر واحد حتى تصدر الموافقة، وهذا وللأسف الشديد يحز في النفس في مقابل ما يفعله هؤلاء.

نشاط الشيعة النخاولة في المدينة المنورة

نشاط الشيعة النخاولة في المدينة المنورة Q حبذا لو أعطيتنا فكرة عن عدد النخاولة في المدينة المنورة لجهل كثير من الناس بهم؟ A لعلي نبهت في بداية الأسئلة إلى نشاط النخاولة في المدينة، وأنهم يبذلون جهوداً مستميتة في سبيل نشر فكرهم ونشر منهجهم وآرائهم، بل وهناك واد كامل ينسب إلى قبيلة حرب أغلبه نهج المنهج الرافضي، وهناك تقرير مرفوع يبين أن عدد المدرسين من النخاولة في منطقة المدينة (300 مدرس) وعدد المدرسات (200 مدرسة)، وهذا تقرير قديم، وربما في هذا الزمان قد تضاعف العدد أضعافاً مضاعفة، وهذا يبين مدى نشاط هؤلاء وبذلهم.

دور المسئولين وغيرهم تجاه المد الرافضي والحد منه

دور المسئولين وغيرهم تجاه المد الرافضي والحد منه Q يلاحظ كثرة الشيعة وبروزهم في هذه البلاد، حتى إن جامعة الملك سعود بن عبد العزيز يمثل الشيعة فيها حوالي (30%) من الطلبة والمدرسين وغيرهم كثير، فهل تعتقد أن المسئولين على غير علم بما يدور خلف الكواليس، أم أن الأمر فيه شيء ما؟ وما دورنا تجاه الحد من المد الرافضي والحيلولة بينهم وبين ما يريدون؟ A أعتقد حقيقة أن القضية تأخذ عدة إجابات: الإجابة الأولى: أن بعض المسئولين حقاً لا يعلمون عن هؤلاء شيئاً أبداً. الثانية: أن بعض المسئولين لبس عليهم؛ لأنك تسمع في بعض الأحيان ممن يشار إليه بالبنان يقول في محاضرة في كلية التربية في جامعة الملك سعود: إن الخلاف بيننا وبين الشيعة هو في (5%) فقط لا غير، فعندما يقول هذه المقولة ويقوم الشيعة باحتواء هذا الرجل أو الالتفاف عليه، ونشر أشرطة محاضرته في كل مكان، فإن بعض المسئولين عندما يسمع هذه النسبة تصبح القضية قضية عادية، وليس هناك أي خلاف بيننا وبينهم. القضية الثالثة: أن بعض المسئولين يعلمون هذه القضية، لكنهم لا يبالون بهذه المسألة؛ لأنهم لم يقرءوا التاريخ ولم يطلعوا عليه، وربما أن بعض المسئولين يعلمون ويتمنون عمل شيء ولكنهم لا يستطيعون؛ لوجود معارضات معينة وأشياء معينة تجاه هذه القضية. أما دورنا نحن تجاه الحد من المد الرافضي فحبذا لو يربط الماضي بالحاضر، وذلك بأن تسطر وتكتب النشرات التي فيها قصص جدود هؤلاء وآثارهم وعملهم ويربط العمل المعاصر بالعمل الماضي ويرى التطابق بينهما، فسترى أن النتيجة في الماضي هي النتيجة في الحاضر، وينبه من بيده الأمر ومن بيده السلطة على هؤلاء، لعلهم يحذرون وينتبهون، وهؤلاء الرافضة في أيام فتنة الحرم دمروا مراكز حكومية معروفة، وأحرقوا السيارات، واعتدوا على الناس وقتلوا وخاصة رجال الأمن، وكيف أنهم قاموا بمظاهرات وحملوا لافتات فيها دعاية مضادة لأكبر المسئولين في هذا البلد، فهؤلاء ولاؤهم القطعي الكلي تماماً لإيران وللمنهج الرافضي في إيران، ولا يدينون بالولاء ولو (1%) لأهل هذا البلد وزعماء هذا البلد، وهذا فيه بيان وتحذير لهؤلاء بالانتباه حتى لا يقع الفأس في الرأس.

جهود الرافضة في أفريقيا

جهود الرافضة في أفريقيا Q هل من كلمة عن أوضاع الرافضة وجهودهم في أفريقيا؟ A لعل الوقت ربما لا يسمح بذلك باعتبار أن جهود هؤلاء الرافضة في أفريقيا جهود طويلة وكبيرة جداً، وبالتالي تحتاج منا إلى عرض مفصل. لكن أذكر نموذجاً واحداً من جهودهم في تلك البلاد، هذا النموذج هو: أن هؤلاء الرافضة ينتشرون في مناطق أفريقيا الوسطى، المناطق التي تعيش الفقر والجهل، وينشرون بينها المنهج الرافضي، ويستدعون الطلاب الأفارقة بأعداد هائلة جداً للدراسة في جامعات ومعاهد وحوزات إيران، حتى إنه ذكر في أحد التقارير أنه في عام من الأعوام استقدموا أكثر من (3000 طالب) من النيجر ونيجيريا وغيرها للدراسة في جامعات ومعاهد ومساجد وحوزات إيران، وهؤلاء بعد سنتين سيعودون دعاة إلى المنهج الشيعي في تلكم الدول الأفريقية، ويقول الذي ذكر هذا التقرير: إنه في هذا العام الذي حصل فيه هذا العمل ولعله عام (1407هـ) يقول: إنه لم تعط للدولتين نيجيريا والنيجر وأظن دولة ثالثة إلا (75 منحة) من الجامعات العربية، في مقابل (3000 منحة) للجامعات والمدارس والمعاهد الإيرانية، فكم النسبة عليكم أن تقارنوا وتعرفوا ذلك من خلال المقارنة. كذلك هنا نقطة أريد أن أنبه عليها وهي: أن الرافضة مدعومون دعماً قوياً من قبل دولتهم، فالسفارات في أفريقيا ليست مثل سفارات العالم الإسلامي بأجمعها، فسفراء سفاراتنا الذين يعيشون في هذه السفارات همهم الأول والأخير شهواتهم ولذاتهم وغير ذلك، لكن سفراء الرافضة الهدف من تعيينهم هو الدعوة إلى المنهج الرافضي، وتجد أن السفارات الشيعية تشبه خلايا النحل، فهذه أشرطة توزع، وكتيبات تنشر، ونشرات في كل مكان، وليست كتيبات دعوة ودعاية لهذا البلد، دعاية لنهضة عمرانية أو لنهضة اقتصادية وأعداد شوارع وغير ذلك، كل ذلك لا يلقون له بالاً، بل القضية هي نشر الفكر الرافضي في تلكم البلاد الضعيفة الفقيرة، التي ليس فيها تعليم وليس فيها إعلام، وتستغل هذه القوة المادية والمعنوية في نشر الفكر الرافضي في تلكم البلاد. هذا تقريباً ما لدي ولعلي أختم باقتراح ذكره بعض الإخوة وفقهم الله، يقول: أقترح حقيقة أن توزع مثل هذه الأشرطة؛ لعل أن يكون فيها خير وغير ذلك، وهذا اقتراح طيب، وأنا حقيقة أضيف على هذا الاقتراح اقتراحاً وهو: أن توزع هذه الأشرطة، وخاصة هذا اللقاء من الأسئلة والأجوبة يوزع على عامة الناس في المنطقة الشرقية بالذات؛ فلعل في هذا بعض البيان، وهو يعتبر جهد مقل ويسير، لعله يساهم في بيان حقيقة هذه الفرقة التي تهدف وتسعى إلى تحقيق أهدافها البعيدة المدى في إنشاء الإمبراطورية الشيعية الإسلامية العظمى، التي تمتد كما نبهنا من أفغانستان إلى لبنان، لتشمل الخليج العربي بأكمله، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يكفينا شرهم، وأن يجعلنا في منأى عنهم، وأن يفتح أعين المسلمين والمؤمنين كباراً وصغاراً مسئولين وغيرهم لجهود هؤلاء ولعمل هؤلاء؛ ليأخذوا الحذر منهم، ولينتبهوا لجهودهم وأعمالهم، فيوقفوهم عند حدهم، ولعل هناك نداء موجهاً إلى كل من بيده سلطة أن يدرس هؤلاء دراسة متأنية، ويأخذ ما تكلم به طلبة العلم حول هؤلاء، وأن القصد منه هو التنبيه والتحذير والبيان؛ حتى نحذر جميعاً ونسلم جميعاً من شر هؤلاء، ثم يضع نصب عينيه دراسة مناهج هؤلاء وفكرهم، فعند ذلك سيعلم أن هؤلاء يخططون للإيقاع بهذا المسئول وللارتقاء على كتفيه، لتحقيق أهدافهم التي يسعون إليها.

نبذة مختصرة عن أنشطة الرافضة في المنطقة الشرقية وغيرها

نبذة مختصرة عن أنشطة الرافضة في المنطقة الشرقية وغيرها Q سمعنا يا فضيلة الشيخ إبراهيم الفارس أنك قد زرت الأسبوع الماضي المنطقة الشرقية، وربما اطلعت على بعض أنشطة الرافضة، ونعلم عنك تخصصك في هذه المجالات، فهلا ذكرت لنا نبذة مختصرة عن نشاط الرافضة وجزاك الله خيراً؟ A حقيقة الحديث عن الرافضة كمنهج وكفكر وكدعوة يحتاج إلى وقت طويل، ويحتاج إلى أن يبسط الإنسان فيه المجال، ولكن سأوجز الكلام في لحظات يسيرة، وقد طرقت هذا الموضوع بشكل موسع في دروس متتابعة في مسجد الهجرة في حي الربوة بعنوان (الرافضة عقيدة وهدفاً في الوقت الحاضر) حوالي أربعة دروس، ولعلها مسجلة. ثانياً: هناك محاضرة بعنوان (الرافضة) للشيخ فهد القاضي، كذلك تسد بعضاً من النقص في هذه المسألة. ثالثاً: أطرق جانب عرض قضية الرافضة في هذا الزمان من خلال مسألتين اثنتين: الأولى: أن الرافضة في هذا الزمن يسعون بكل جهد وبكل ما استطاعوا من قدرة وقوة لإنشاء ما يسمى بالإمبراطورية الشيعية الإسلامية العظمى التي تمتد من أفغانستان وإيران وجنوب العراق وسوريا ولبنان والأردن والخليج بأكمله، وفي هذه المناطق للرافضة جهود ليست باليسيرة في سبيل البروز والظهور فيها. الثانية: أن الرافضة في بلادنا لهم جهد في السنوات الأخيرة ليست باليسيرة، بل ولهم نشاط مأذون به ربما لا يمكن أن يؤذن بنصفه ولا بربعه ولا بخمسه بالنسبة لأهل السنة، وأذكر لكم مثالاً: أعطوني مسجداً في الرياض أقام دروساً أو محاضرات متتابعة متواصلة على مدار شهر رمضان المبارك في رمضان القريب هذا من أول يوم إلى آخر يوم، لا يوجد مسجد قد قام بهذا الأمر بأي حال من الأحوال. أيضاً: الرافضة الآن يسعون إلى قضية اكتساح البلد من الناحية الاقتصادية، ومن الناحية التعليمية، ومن الناحية الإعلامية، ومن جميع النواحي التي تخطر في ذهنك، وسأذكر نموذجاً واحداً فقط لا غير كسباً للوقت ذلكم هو: نموذج الانفجار السكاني عند الرافضة، فالرافضة الآن يسعون ليتجاوز عددهم ربع سكان هذا البلد، وهم يدعون الآن من خلال كتاباتهم أنهم ربع سكان هذا البلد وهم لا يتجاوزون (5%) أو أقل من ذلك، لكن هم يسعون الآن بتحقيق هذا المبدأ عملاً، فهم يعملون ما يلي: أولاً: ليس هناك عندهم شيء اسمه وسائل منع الحمل فهو ممنوع وحرام لا يجوز إلا في أضيق نطاق وأقل حد. ثانياً: من أراد أن يتزوج الثانية والثالثة والرابعة فالنقد موجود والدعم متوفر. ثالثاً: كل طفل بعد الطفل الثالث الصندوق الخيري للرافضة يتكفل بدعمه إن لم تستطع أن تقوم بمصاريفه. رابعاً: توفير كل إمكانية للمادة لاستثمارها في مسائل أخرى، ليس مثلنا نحن هذا فلان يريد أن يتزوج، أين سيكون الحفل؟ والله سيكون في قصر كذا وكذا، ويكلف اللقاء في حدود (15000 ألفاً) أو (20000 ألفاً)، والوليمة عشر ذبائح الذبيحة بخمسمائة ريال أو ستمائة ريال هذه (6000 آلاف)، وإيجار القصر والفاكهة وإلى آخره يكلف مبلغاً ضخماً، أما الشيعة فلا يفعلون ذلك، وإنما يكون الزواج في حفل جماعي وليس في قصر أفراح بل في نادي رياضي يقام الحفل ويتزوج فيه عشرون شاباً على عشرين فتاة، ثم يكون فيه مرطبات وقطعتين من الكيك وانتهى الأمر، وما بقي من المبلغ يصرف في مسائل أخرى. وهذا نموذج آخر: في يوم من الأيام في البحرين، فيقول لي أحد القضاة وهو يشير إلى بيت من الطين، يقول: تصور أن هذا البيت يحتوي على رجل عنده (48 طفلاً وطفلة)، قلت: من أين يصرف على هؤلاء الأطفال؟ قال: هو يصرف على نفسه وما عجز عنه فيصرف عنه الصندوق الخيري الخاص بالرافضة، فالرافضة يدفعون خمس ما يتلقونه من مال وأرباح لهذا الصندوق، ولذلك معروف عن عائلة مشهورة في الشرقية لها مشاريع ضخمة جداً تسمى عائلة أبو خمسين، لها مشاريع مثل مشروع: الري للألبان والعصيرات وغيرها، فهذا الرجل من محبته لدعم هذا الصندوق تكفل بأن يدفع ليس خمساً واحداً بل خمسين اثنين، ولذلك سمي أبو خمسين وطبعاً أبو خمسين نطقه صعب فسمي أبو خمسين. وهذا نموذج ثالث: عند الرافضة قضية أن اسم الشخص اسمه كاضم بن حسين بن عباس، تاريخ الميلاد القطيف هذا (100%) رافضي وتوضع العين عليه، فالرافضة قالوا: لابد أن نلغي هذا الجانب، ونجعل اسم المولود عبد الرحمن بن عبد الله، وتاريخ الميلاد في البكيرية أو في المجمع أو في مكان كذا وكذا، فمن يعرف أن هذا رافضي واسمه هكذا بالإضافة إلى أنهم نتيجة للتناسل المتتابع العجيب الكثير عند الشيعة فقد جاء التقرير من مستشفى القطيف طاقته ألف مولود في الشهر ومع ذلك استقبل أربعة آلاف مولود، بينما مستشفى الرياض الولادة طاقته ألفان ولم يستقبل إلا ألف وخمسمائة، وتجد الرجل الشاب الشيعي إذا اقتربت حالة الولادة بالنسبة إلى زوجته أخذها وذهب بها إلى منطقة نائية فإذا ولدت هناك أخرج شهادة الميلاد من هذه المنطقة، والاسم غير المعتاد. إذاً: قضية التكاثر عند هؤلاء بينة وواضحة، فهم في سنة من السنوات شكلوا أكثر من (30%) من طلبة كلية التربية في جامعة الملك سعود بن عبد العزيز الذين لا يشكلون إلا أقل من (5%) من سكان المملكة، ومع ذلك (30%) من طلبة جامعة الملك سعود في كلية التربية والأقسام العلمية بالذات، والآن وللأسف الشديد تستغربون إذا قلت لكم: إنه في المنطقة الشرقية الذين يدرسون القرآن والتوحيد والفقه والتفسير ليس موجود في الابتدائي إلا الشيعة، فهناك مدارس في المنطقة الشرقية كل الذين فيها رافضة يدرسون التوحيد والفقه والتفسير، فماذا سيدرس هؤلاء؟ وهم الآن يسعون على قدم وساق في سبيل إثبات أنفسهم وإبراز أنفسهم وإظهار أنفسهم، ولعل هذه العجالة لا تعطيكم معلومات وافية، ولكني أختمها حسب ما أشار الأخ بخصوص الزيارة للشرقية أنهم في يوم عاشوراء في العام الماضي (1412هـ) في منطقة الأحساء بذلوا جهوداً عجيبة في سبيل الاحتفال بدينهم وبمنهجهم، فأغلقوا كل الشوارع المحيطة بالحسينيات، ووضعوا المكرفونات فوقها، ثم بدأت تبث المراسم والبكاء والزعيق والصراخ على مقتل الحسين بن علي بن أبي طالب ويسمعه غالب الناس، ثم تعلن هذه القضية عن طريقة لبس الملابس السوداء، ووضع الأعلام السوداء على البيوت، وتغطية الحسينيات بالأعلام السوداء وغير ذلك، وتعطيل الأسواق بأكملها في أيام عاشوراء، حتى إن أحد الإخوة ذكر أنهم في المنطقة الشرقية في أيام عاشوراء من يوم (8) إلى يوم (12) ترتفع أسعار المواد الغذائية الطازجة كالفواكه وغيرها؛ لأن الشيعة هم الذين يقبضون على زمام المواد الغذائية، فيعطلون الأسواق بعد تعطيل العمل نتيجة للاحتفال بيوم عاشوراء، فيقل العرض فيرتفع السعر، ويتأثر أهل البلد، وهذا غيض من فيض، ولعل فيه الغنى وفيه الكفاية والله سبحانه وتعالى أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

صور من التحدي اليهودي

صور من التحدي اليهودي لا يخفى على ذي لب وباحث في التاريخ أن اليهود وراء معظم جرائم التاريخ ونكباته، فهم قتلة الأنبياء، والمتطاولون على الذات الإلهية، وهم يكيدون لهذه الأمة منذ عهد النبوة، وبسببهم تفرقت هذه الأمة واختلفت، وهم مع ذلك لم يكلوا ولم يملوا من التخطيط للكيد بهذه الأمة.

من صور التحدي اليهودي

من صور التحدي اليهودي

عرض لجهود اليهود في حرب الدعوة الإسلامية في نشأتها الأولى

عرض لجهود اليهود في حرب الدعوة الإسلامية في نشأتها الأولى الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد: فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن هذا الدين سيظهر وينتشر ويعم البلاد، بل ويظهر في كل الكرة الأرضية. هذا الدين الذي سيظهر وقف له أعداء، ووجد له معادون، وهؤلاء الأعداء كثر ومتعددون، ولعل من أبرزهم: اليهود. وما سألقيه اليوم عبارة عن محاضرة ألقيتها في الرياض بعنوان: صور من التحدي اليهودي، وقد ألقيتها هناك لظروف خاصة مرتبطة بقضية الهجمة اليهودية الأخيرة بمساعدة جم هائل من النصارى والعلمانيين والزعامات النفعية التي تريد الاستسلام لهؤلاء اليهود والتسليم لهم. عندما أطرق هذا الموضوع عليكم بالذات أطرقه من نواح علمية خاصة؛ لأني أرى هذه الوجوه الطيبة المباركة تصبو إلى العلم، وتسمو إلى العلم، وتطلب العلم، ولعلي أستسمحكم عذراً أولاً وآخراً إذا أطلت عليكم أو أثقلت، فالعلم حمل ثقيل، ولابد من أن نتحمل، فلا علم إلا بتعب، ولا طلب إلا بتعب، والعلم لا يؤخذ كشربة ماء بل يؤخذ كشربة علقم، فإذا صبرت وصابرت فإنك ستشفى إذا أخذتها كدواء. ولعل بعضاً منكم يقرأ في كتاب الله تعالى نصوصاً متعددة وكثيرة تتحدث عن اليهود، وتتكلم عنهم فيتساءل ويقول: لماذا أطال القرآن الكلام عن فئة وشرذمة قليلة مقارنة بمجموعات وتجمعات بشرية أكثر من اليهود؟! علماً بأن النصارى في وقت نزول القرآن كانوا أضعاف اليهود، والمجوس والهندوس كانوا أضعاف اليهود، فلماذا التركيز على اليهود بالذات؟ هذا سؤال ينبغي أن نجد له إجابة، والإجابة على هذا السؤال هي ما سنلقيه في هذه المحاضرة. لا بد أن نعلم أننا عندما نناقش ونتحدث عن اليهود فإننا لا نناقش تحدي اليهود للنصارى أو للعلمانيين أو غير ذلك، بل نناقش تحديهم للمسلمين فقط، هذا هو الذي سيطرق، وهذا هو الذي سيطرح، ولعل الناحية التأصيلية لهذه القضية تأخذ الاتجاه التالي: أولاً: تمهيد وتوطئة: وهو عبارة عن عرض موجز مختصر عن جهود اليهود في حرب الدعوة الإسلامية في نشأتها الأولى، ثم الصورة الأولى من صور التحدي: المساهمة في إبراز المنهج الكلامي، ثم الصورة الثانية من صور التحدي اليهودي: المساهمة في إبراز المنهج الباطل، أما الصورة الثالثة من صور التحدي: فهي نقل النجاح من موقع إلى موقع جديد، والرابعة: تأخذ مظلة الإعلام والإفساد الشبابي، أما المظلة الخامسة: فالضغط والتحكم، والسادسة: السيطرة والتطبيع، ثم نتوقف وقفات مع صور من المواجهة؛ نطرق الدفاع ثم نطرق الهجوم ثم وقفة أخيرة، ثم ننهي المحاضرة على خير إن شاء الله تعالى. أما التمهيد والتوطئة في هذه المسألة: فإن اليهود ما فتئوا يكيدون للإسلام والمسلمين منذ بعث المصطفى البشير عليه السلام، ولا أريد أن أرجع إلى الوراء لأناقش لماذا وجد اليهود في المدينة وهم من أهل الشام أصلاً؟ لن أناقش هذا؛ باعتبار أن هذا موضوع تاريخي يحتاج إلى عرض، فإن كان هناك مجال عرضناه في الأسئلة إن كان هناك نشاط من قبلكم. فمن مناهج اليهود في تحدي المسلمين في نشأة الإسلام الأولى: طرح الأسئلة المعجزة؛ وذلك لتثبيط الإسلام والمسلمين، والدعوة والدعاة، عن طريق دعم هؤلاء المشركين بأسئلة التحدي المستمر، كسؤالهم عن الروح، أو عن الرجل الذي طاف البلاد، وعن الفتية الذين ذهبوا وتاهوا أول الدهر وغيرها. فالمشركون يتلقون ويسألون ليستخرجوا تحدياً معيناً، فينشرون بين الناس: أن هذا الرجل لا يفهم، وأن هذا الرجل لا يعي، فيجدون ثغرة بين هذا الرجل الداعية وبين الناس. ولعلكم تعرفون ما حصل من اليهود: يوم أن جاء المشركون إليهم وقالوا: أنتم أهل كتاب، وأنتم أهل علم، وأنتم أهل معرفة، فأينا على الصواب نحن أم هذا الرجل ومن معه؟ فقالوا: بل أنتم أيها المشركون! على صواب، وهؤلاء على باطل؛ ولذلك قال الله سبحانه وتعالى فيهم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} [النساء:51]. إذاً: هذا منهج مساندة المشركين في مكة، لكن كانت الفجوة المكانية بين اليهود والمسلمين عاملاً من عوامل ضعف التأثير، لكن عندما هاجر الرسول بدأ التحذير القرآني يتتابع وينزل، ولعل خير مثال على ذلك: سورة البقرة، السورة المدنية التي نزلت أول ما نزلت في أثناء الهجرة إلى المدينة، وفيها قصة كاملة لليهود، لأوضاعهم، لقضيتهم، لأسئلتهم، لمشاكلهم، لمصائبهم؛ وذلك لينتبه المصطفى لهؤلاء ويحذرهم، ولذلك ما إن قدم المدينة حتى أخذ عليهم العهود والمواثيق، فهذا عهد مع بني قريظة، وهذا ميثاق مع بني النضير، وهذه معاهدة مع يهود بني قينقاع، وفعلاً سارت الأمور على ما هي عليه، لكن هؤلاء قوم غدر وخيانة، فبعد الهجرة عملوا جملة أعمال. فأول عمل عملوه أن قالوا: إن هذا الإسلام الذي ظهر سيقضي على ديننا وعقيدتنا، فلا بد من القضاء عليه، وأبرز قضية هي: أن نقضي على الرمز وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، فعندما ذهب الرسول عليه الصلاة والسلام إلى يهود بني النضير ليستعين بهم في دية قتيل معينة باعتبار المعاهدة، فعندما جلس مستنداً عليه السلام إلى أصل حصن من حصونهم قام عمرو بن جحاش بن غريب! وصعد إلى أعلى الحصن ليرمي على رسول الله حجر الرحى لعله يشق رأسه فيموت. فجاءه الوحي فخرج وعرف الخيانة وقضى على هؤلاء، لكنهم لم يأخذوا الدرس ولا العبرة، فقام رجل آخر: وهو لبيد بن الأعصم بعمل سحر للرسول صلى الله عليه وسلم، فسحره حتى إنه يخيل إليه أنه يفعل الشيء وهو لا يفعله، وقد استمر شهراً كاملاً بهذه الطريقة. وهذا الرسول هو أفضل البشر، ويوحى إليه من الله، لكن لا يعلم من سحره، ويخيل إليه أنه يفعل الشيء ولا يفعله، وكان هذا التنفير سينجح لو كان المؤمنون أصحاب قاعدة هشة، لكن المصطفى عليه السلام كان يربي ويقوي القاعدة، ولم يكن يبذر البذرة ويدعها تخرج وينتهي الأمر، بل بذر وسقى وجعلهم يترعرعون حتى صلب عودهم فتحدوا كل شيء يأتيهم، ولذلك كانت قاعدة صلبة لم تتأثر، وأفشل الله خطة اليهود، لكن هل سكتوا؟ قامت زينب بنت الحارث الخيبرية بوضع السم في شاة أكل الرسول منها ومعه بشر بن البراء بن معرور رضي الله تعالى عنه، فمات بعد أن ازدرد اللقمة، أما الرسول عليه السلام فعلم وأخرجها من فمه، وقيل: إنه مات منها، فكان نبياً شهيداً صلى الله عليه وسلم. إذاً: لم تنجح هذه الطريقة فماذا نفعل؟ قالوا: لننتقل إلى طريقة أخرى، وفعلاً انتقلوا إلى طريقة أخرى، والطريقة الأخرى: هي أن ننشئ طابوراً إضافياً خاصاً داخلياً مستوراً يبث الفرقة بين المسلمين، فأنشئوا المنافقين؛ ولذلك تجد غالب المنافقين لهم ارتباط باليهود بأي صورة وبأي كيفية وفي أي زمان وفي أي مكان. والمنافقون في هذا الزمان (الطابور الخامس) مرتبطون باليهود، ولذلك لو رأيت أحد الصحفيين الذين يكيدون للإسلام والمسلمين فارجع إلى تاريخه فستجد أنه تتلمذ على اليهود مباشرة أو كتابة أو غير ذلك، ولكن هذا الطابور لم ينجح؛ لأن الوحي ينزل ويحذر، وتأتي الآيات المتتابعة التي تفضح هؤلاء واحداً تلو الآخر، فهذا يقول: ائذن لي ولا تفتني، إذاً: هو الرجل فلان! وهؤلاء أنشئوا مسجد الضرار، وهم فلان وفلان وفلان! وهذا يقول: لا تنفروا في الحر، إذاً: هذا فلان! ففضحهم الله واحداً بعد الآخر، وفي نهاية المطاف تساقطوا ولم ينجح هذا المنهج. إذاً: ننتهج منهجاً ثالثاً: وهو الحرب الجماعية؛ فنحن أقوياء متمرسون على القتال، ولدينا عتاد وأفراد وسلاح، فلنرفعها في وجه هذه القلة القليلة، فحاربت بنو النضير وبنو قينقاع وبنو قريظة ويهود خيبر وفشلوا وتحطموا جميعاً واحداً تلو الآخر. إذاً: لم تنجح الحرب الجماعية فانتقلوا إلى منهج آخر: فقد مات الرسول عليه الصلاة والسلام والأمة قوية ومسيطرة ومتمكنة وتمتد بسرعة فأخذوا يساهمون في اغتيال من ينوب عن هذا الإمام: كـ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، فـ عمر بن الخطاب قتل على يد أبي لؤلؤة المجوسي ومعه جماعة، تقول بعض كتب التاريخ: إن لليهود في ذلك دوراً غير مباشر، فقد كانوا هم الذين استقدموا أبا لؤلؤة المجوسي وباعوه للمغيرة بن شعبة، ويقولون: إن الهرمزان كان مدعوماً كذلك من قبل اليهود، ويقولون: إن الخنجر المسموم ذا الرأسين سمه اليهود منذ فترة طويلة الزمن. إذاً: فقد ساهموا في هذا كما ساهموا أيضاً في اغتيال عثمان عن طريق عبد الله بن سبأ كما سنعرف بعد قليل، وساهموا في أشياء كثيرة، والقضية أنهم ساهموا في اغتيال الزعامات المشهورة. لكن هذا المنهج لم ينجح؛ لأن الرجل من هؤلاء إذا سقط قام بدلاً عنه شخص آخر له نفس الإمكانيات أو أقل قليلاً، فلم ينجح هذا المنهج، فحاولوا بمنهج آخر: تذكية الفتنة بين المسلمين، فلما قتل عثمان وتولى علي قامت الفتنة فقام أهل الخير من الصحابة وغيرهم للم الشمل وللقضاء على مصدر الفتنة؛ وقامت عائشة تطالب بدم عثمان، وكان هناك اختلاف في وجهات النظر. وكادت أن ترجع المياه إلى مجاريها، لكن اليهود ساهموا في إيقاظها من جديد؛ ولذلك تروي كتب التاريخ: أن وفود صلح التقت من جيشي علي وعائشة لفض الخلاف، وليرجع كل جيش إلى مكانه، فعندما رأى اليهود أن هذا الصلح يكاد أن يتم التقوا ليلاً واتفقوا فيما بينهم على أن يقوموا بالحرب مباشرة هذا من هنا وهذا من هنا، وفعلاً بدءوها وتوقع كل فريق من الصحابة أن الخيانة صدرت من الجيش المقابل، فقامت المعركة المريعة المخيفة الهائلة التي ذهب ضحيتها عشرة آلاف من ا

المساهمة في إبراز المنهج الكلامي

المساهمة في إبراز المنهج الكلامي إذاً: المظلة الأولى: قالوا: هذه العقيدة الصافية السلسة السمحة هي التي وحدت المسلمين، وجعلتهم بهذه الصورة، فلننشئ مظلة عقائدية تسحب عدداً منهم وتجعلهم ينافسون المظلة الأم. قالوا: من أكبر علمائنا: لبيد بن الأعصم الذي سحر الرسول، فقالوا له: عندك عقائد قوية يا لبيد! فأخرجها، قال: والله لا أستطيع إخراجها؛ لأن عندي أناساً أقوياء من الصحابة، فلو أخرجت كلمة واحدة لأسكتوني وأنا ذمي. إذاً: هل تموت ويموت علمك معك؟ قال: لا، بل سآتي بواحد وأدرسه عقائدي، وهذا الرجل هو: طالوت ابن أخت لبيد، وفعلاً تربى طالوت على هذا المنهج، ثم بعد ذلك جاء طالوت ليبث هذه العقائد، لكنه وجد التابعين، إذاً: لم ينجح هذا وهو يهودي، فصار يطبق نفس المنهج على رجل مسلم اسمه: بيان بن سمعان التميمي، وهو رجل ضال مضل ساذج، فأخذه وعلمه، ثم قام بيان بتعليم الناس وإغواء السذج، وما أكثر الذين يستجيبون للسذاجة خصوصاً عامة الناس. ولا بد أن نعي أن هؤلاء العامة يسيرون مع كل أحد؛ ولذلك يقول أبو الدرداء عن هؤلاء: الناس صنفان: عالم ومتعلم، وباقي الناس همج ولا خير فيهم. فإما أن يكون عالماً، وإما أن يكون متعلماً، فإن لم يكن عالماً ولا سائلاً عن منهج العلم، فإن هذا من الذين لا خير فيهم. ولذلك بدأ هذا يؤثر في العامة، فجمع له عامة كثيرين جداً، وترتب على هذا أنه أغواهم واستهواهم حتى إنه ادعى في آخر الأمر أنه نبي، وهو الذي يقول: إن الله أنزل في قرآناً عندما قال: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ} [آل عمران:138]؛ لأن اسمه: بيان بن سمعان التميمي. وكان من تلامذته: الجعد بن درهم، فعندما وصل الأمر في نهاية المطاف إلى أنه ادعى أن الإله حل فيه وادعى الألوهية نفر منه تلميذه الجعد وتركه، فجاء بآراء منها: أن الإله لا يمكن أن يحل شيء فيه، وبالتالي لا يمكن أن يرى ولا يشاهد وليس له صفات، فنفى الصفات تماماً، وكانت هذه ردة فعل قوية لعمل بيان بن سمعان هذا الذي وصل إلى قمة التشبيه. وفعلاً نجح الجعد في تكوين جماعة، وكان من جماعته أو حزبه: الجهم بن صفوان، وهذا الجعد قبض عليه، وحقق معه فأقر واعترف، فحكم عليه بالقتل، وقتله خالد بن عبد الله القسري حيث ذبحه كما تذبح الشياه في أصل المنبر، فإنه قال في الخطبة: ضحوا تقبل الله ضحايكم! فإني مضح بـ الجعد بن درهم؛ فإنه يزعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، ثم نزل وذبحه في أصل المنبر كما تذبح الشياه. فعندما رأى الجهم هذه القضية هرب إلى اليهود في حران في شمال العراق، وتلقى منهم علماً غير العلم الذي تلقاه من الجعد، ثم كان الطلب عليه قوياً فهرب إلى الهند، ومكث في الهند فترة عند الهندوس، وتلقى منهم علماً، ثم رجع مرة أخرى واختفى في العراق عند الصابئة الذين يعبدون الكواكب، وتلقى منهم علماً، وانظروا إلى هذا الخليط من العقائد التي أخذها، ثم بدأ يدرس في طرف من أطراف العالم الإسلامي. لكن المسلمين كانوا له بالمرصاد، فكانت هناك قصة عجيبة طويلة لا أذكرها لكم إلا بشكل موجز: فقد كان يدرس أتباعه في نفي الصفات والأسماء وغير ذلك، فوقف أعرابي يستمع إليه، ثم عندما انتهى هذا من درسه قام الأعرابي وارتجز قصيدة سهلة: ألا إن جهماً كافراً بان كفره ومن قال قول جهم يوماً فقد كفر لقد جن جهم إذ يسمي إلهه سميعاً بلا سمع بصيراً بلا بصر إلى آخر الأبيات الطويلة، وقد ذكرها الألوسي في (جلاء العينين)، فترتب على ذلك أن سلم بن الأحوز حاكم الأمويين آنذاك قبض عليه فقتله، لكن هل انتهى مذهب الجهمية الذي أسسه الجهم بن صفوان؟ لا لم ينته. إذاً: فمنهج الجهمية ينسب إلى اليهود، لكن جاءت المعتزلة بعد ذلك وأخذت مذهب الجهمية فرممته من هنا وهناك وأخرجته للناس، واستجابت السلطة لمنهج المعتزلة وفرضته فرضاً على الناس، واستجاب الناس له بقوة السلاح والحديد والنار، إلا ذلك العالم العظيم أحمد بن حنبل الذي وقف وقفة عجيبة قوية في وجه هؤلاء. ولذلك يقول العلماء: إن الناس ثلاثة: أبو بكر في وقفته في حروب الردة، وعمر في وقفته في وجوه بني أمية، وأحمد بن حنبل في وقفته تجاه المعتزلة. فقد وقف لهم وحيداً وتحداهم ونصره الله سبحانه وتعالى عليهم، ثم قامت فئة أخرى وأخرجوا لنا مذهب الأشاعرة. إذاً: منهج الأشاعرة يرجع إلى المعتزلة، والمعتزلة يرجع إلى الجهمية، والجهمية يرجع إلى اليهود، وهذه نقطة مهمة لا بد أن نعيها جميعاً، فهذه المظلة التي كانت خاصة بالمنهج الكلامي، وقد كان لها قوة عجيبة في مسألة حرب المظلة الأساسية: وهي مظلة العقيدة الصافية، وقد يقول قائل: كيف الحرب؟ أقول: تذكروا واعرفوا ماذا فعلت المعتزلة من أفاعيل عجيبة في ضرب التوحيد وأهل السنة؟ ماذا فعل الأشاعرة عندما نشروا المذهب الأشعري في كل مكان وحاصروا أهل السنة؟

صور من إبراز اليهود للمناهج الباطلة ودعمها إياها لتقويض أركان الأمة المحمدية

صور من إبراز اليهود للمناهج الباطلة ودعمها إياها لتقويض أركان الأمة المحمدية لكن اليهود وجدوا أن هذه المظلة قد تجد قبولاً من أناس، لكنها ربما لا تجد قبولاً من أناس آخرين، ففكروا في إنشاء مظلة أخرى تستهوي أناساً آخرين، فجاءوا لرجل منهم يمتاز بالذكاء والحصافة والقدرة والقوة، وهو عبد الله بن سبأ الصنعاني اليهودي من اليمن، دخل المدينة فأعلن الإسلام وبدأ يعكف على العبادة، ويعكف على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لكي يراه الجميع. فصار يدخل الأسواق ويأمر وينهى، فأحبه كل الصحابة، وعندما زرع الثقة القوية في قلوبهم قال: إنني مسافر لأنشر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جميع أرجاء العالم الإسلامي، فذهب إلى البصرة والكوفة والشام ومصر، لكنه كان يدعو ظاهراً وينظر إلى أناس من اليهود أو المجوس أو المنافقين فيحتك بهم، فكون خلايا ترعرعت ونمت شيئاً فشيئاً إلى أن كبرت. وفي عهد عثمان نشأت هذه التجمعات الصغيرة، وبدأ يثير هؤلاء في أواخر خلافة عثمان على عثمان، فبدأت هذه التجمعات تدعو في الظاهر إلى نقد منهج عثمان في الحكم فقط، هذا هو الأمر الأساسي. وفعلاً هذا هو الذي بدر منهم، لكن اندس بينهم الذين ينهجون المنهج العقائدي الذي تبناه ابن سبأ، فتجمعوا وكبروا، وكانت النتيجة مقتل عثمان وظهور الفتنة، بعد ذلك نشر عبد الله بن سبأ في أتباعه الخلص عقائده التي يريد، من الرجعة والعصمة والتقية والبداء وغير ذلك من العقائد التي أخذ بها الشيعة الرافضة إلى زماننا هذا. فنشأ هذا المنهج وترعرع شيئاً فشيئاً، وصار شوكة عجيبة في جسد الأمة الإسلامية، بل وكان له قدرة وقوة في كثير من الأزمنة على ضرب الأمة وإجهاض كثير من مقدراتها، ومن أمثلة ذلك: الدولة العبيدية التي استمرت قريباً من 270 سنة، وهي تضرب في الأمة الإسلامية التي تسمى ظلماً وعدواناً: الدولة الفاطمية، فقد قضت على العلماء وعلى الإسلام والمسلمين داخل مصر، بل إن آثار هذه الدولة موجودة إلى الآن في مصر، ومن مظاهر ذلك: الكتب التي أنشأها الفاطميون لتشغل الناس عن ذكر الله تعالى، مثل كتاب: تغريبة بني هلال، أو كتاب حمزة البهلوان، أو كتاب سيف بن ذي يزن في أربعة مجلدات، وهي كتب قوية وفيها تشويق وباللغة الشعبية العامية وأشعار وغير ذلك. ومن آثارها كذلك مثلاً: ما يسمى بعيد شم النسيم، وهو عيد النيروز (العيد المجوسي المعروف) وهو موجود في مصر، والدولة العبيدية نجحت نجاحاً باهراً في سبيل تقويض كثير من مقدرات الأمة، بل كان لها قدم قوية في استجلاب الصليبيين لضرب الأمة الإسلامية، واستنجاد هؤلاء بالصليبيين لا يخفى على أحد. ومن النكت اللطيفة في هذا الجانب: أن العبيديين أو الدولة الفاطمية عندما وقفت وقفة عجيبة ضد المسلمين تنبه المسلمون وبدأت تظهر صحوة في القاهرة، هذه الصحوة التي بدأت تظهر وجدت مجابهة رهيبة من قبل هؤلاء، وكانت هذه الصحوة في وقت الحاكم بأمر الله الفاطمي المعروف، فكان يأمر عبيده الذين يبلغون الآلاف بأن يهاجموا هؤلاء الذين التزموا الحق، فصاروا يهاجمونهم في المساجد ويقتلونهم، فقامت معركة بين أهل القاهرة وبين هؤلاء العبيد، فكان الخليفة الفاطمي يخرج ويرى المعركة في النهار فيبكي، وفي الليل يأمرهم بالضرب فيهم والجلد معهم، بل إنه يعتق الشجعان منهم، ولعل هذا المنهج هو منهج الشيعة الآن. تجد مثلاً: نبيه بري أو (منظمة أمل) أو (حزب الله) أو (إيران) تتباكى على فلسطين وعلى القدس وعلى الفلسطينيين، ومع ذلك لم يضرب الفلسطينيين مثل هؤلاء، ولم يقض على الفلسطينيين مثل هؤلاء، فقد قتلوهم في تل الزعتر، وفي مذبحة صبرة وشاتيلا، وهم الذين ساندوا اليهود في مخيم نهر البارد، ثم يدعون أنهم ينصرون الفلسطينيين والقضية الفلسطينية. فهم يستخدمون منهج الحاكم بأمر الله حرفاً بحرف وسهماً بسهم. ومن الأمثلة كذلك: الدولة البويهية التي ظهرت إبان الخلافة العباسية، وكان لها دور قوي جداً في نصرة المذهب الشيعي، بل وصل الأمر بهم إلى منع أهل السنة من الدروس واللقاءات، وكانت الأوضاع آنذاك مأساوية كما ذكر ذلك ابن كثير رحمه الله تعالى. وأما الشيعة فدروسهم عامرة، ومساجدهم ظاهرة، والفرح والسرور بادٍ على وجوههم؛ لأن الوزارة بأيديهم؛ وزارة الدولة البويهية. وكذلك القرامطة، فقد فعلوا الأعاجيب عندما سيطروا على نجد والحجاز وجنوب العراق وجنوب سوريا، فقد سيطروا عليها سيطرة تامة، فقد كانوا يقتلون الحجاج، ويرمونهم في بئر زمزم، في حقد عجيب على الأمة المسلمة، مثلاً: الدولة الصليحية في اليمن، فعلت الأعاجيب، وكذلك علي بن الفضل كان من زعماء الصليحيين في اليمن، وهو الذي نشر المذهب الباطني، وهم الآن موجودون في نجران وفي اليمن، وهذا بفعل جهود علي بن الفضل. ولعلي أذكر لكم طرفة: علي بن الفضل هذا كان يحمي نفسه بحراسة شديدة جداً ففكر أحد الصلحاء في قتله، لكن كيف يقتله مع هذه الحراسة؟ فادعى أنه طبيب، فتعلم الطب فصار يطبب الناس، وفعلاً ظهرت آثاره، فاحتاج علي بن الفضل هذا إلى أن يحتجم فقال: جاءتني فرصة؛ لأنهم طلبوه ليحجم علي بن الفضل، لكنه عرف أن هؤلاء إذا جاءهم الشخص غيروا ثيابه وأخذوا الأدوات كلها، وغسلوها بالماء الحار، فلا يستطاع على قتله بأي شيء، فوضع سماً أسود في لحيته، ووضع عليه نوعاً من العود فصارت لحيته لحية إنسان متطيب، ثم ذهب إليه. وعندما أخذ المحجم ليضعه مرره بسرعة عفوية دون أن يشعر به أحد على لحيته، فالتصق السم بها ثم وضعه على رقبته فمات بعد دقائق معدودة لقوة السم، فلما علموا به أخذوه وقتلوه. ومن ضمن النماذج كذلك: الدولة الصفوية في إيران، وإيران كانت دولة سنية إلى عام (1150هـ) ثم ظهرت الدولة الصفوية وكان من أبرز زعمائها: إسماعيل الصفوي، وهذا الرجل تذكر كتب التاريخ التي تحدثت عن هذه الدولة -ومن أبرزها كتاب العصامي (سمط النجوم العوالي) - تقول: إنه في يوم واحد قتل مائة ألف سني في مدينة واحدة في مجزرة لا يتخيلها عقل، وذلك لأنهم تحدوه ورفضوا أن ينضموا إلى التشيع، ثم نقل المنطقة كلها من التسنن إلى التشيع. ومن النماذج الأخرى: ما فعله مؤيد الدين بن العلقمي، ونصير الدين الطوسي في مسألة القضاء على الخلافة العباسية؛ فقد أرسل ابن العلقمي خطاباً إلى هولاكو يحثه على دخول بغداد لكي تسقط الخلافة السنية، فيقيم خلافة شيعية بدلاً عنها. فأرسل له هولاكو يعتذر عن دخول بغداد؛ لوجود مائة ألف جندي مدربين وأقوياء، فتعهد له ابن العلقمي بصرفهم جميعاً، ولم يبق في بغداد آنذاك إلا مائة ألف جندي كلهم ضعفاء، فقدم هولاكو وحاصر بغداد حصاراً يسيراً فسقطت، وفعل بها الأفاعيل، وكان الشيعة يقودون الجند المغول ويقولون: هذا بيت فلان! وهذا بيت العالم فلان! وهذا بيت المؤرخ فلان! فيدخلونها ويقتلونهم واحداً تلو الآخر، فقضي على أعداد كبيرة، ولم يبق عالم ولا طالب علم من السنة إلا قضي عليه من قبل هؤلاء الشيعة. إذاً: فقد نجحت هذه المظلة في أن تقضي على كثير من مقدرات المظلة الأساسية الأم، ولكن الله سبحانه وتعالى تعهد بحفظ هذه المظلة، ولم يوكل حفظها لنا نحن، بل قال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، فإذا حفظ الله القرآن حفظ بحفظ القرآن أهل القرآن، فكانت المسألة مسألة شد وجذب، فينخفضون ويقلون لكنهم باقون: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم إلى أن يأتي الله بأمره)، والنماذج الحالية الآن في هذا الزمان: إيران وسوريا وما يحصل في الأحساء، وما يحصل في الكويت الآن، فهم يبرزون الشيعة قليلاً قليلاً، ويظهرونهم ظهوراً قوياً، وهؤلاء يخططون ليس على مدار سنة أو سنتين، بل على مدار سنين طويلة، فإذا ظهروا فسيضربون ضربتهم، فوالله إن كتبهم لتفوح بالحقد المرير علينا، الآن في المنطقة الشرقية: يتناسلون تناسلاً عجيباً ويقولون لأتباعهم ولأفرادهم: إن من يتزوج زوجة ثانية فله كذا وكذا من المال، ومن أنجب أطفالاً فوق العدد الفلاني فله مصروف مغر وهكذا.

نقل النجاح من مكان إلى مكان آخر

نقل النجاح من مكان إلى مكان آخر أما المظلة الثالثة: فهي نقل النجاح من مكان إلى آخر، ولعلكم تعرفون أن الحكومة الرومانية حاولت بعد رفع عيسى عليه السلام إلى السماء، وبعد أن رأى اليهود هؤلاء النصارى يتغلبون عليهم واحداً تلو الآخر، ومعركة تلو الأخرى، فحاول اليهود إفساد الديانة النصرانية، فجاء شاءول اليهودي ودخل في دين النصرانية محاولاً إفساد ديانتهم، وسمى نفسه: بولس، فبدأ يتلقى عقائد الرومان، ويدخلها بسهولة وبيسر في عقائد النصارى ويستجيبون له، فأدخل التثليث والصلب والفداء وقضايا كثيرة، إلى أن جعل عقيدة النصارى متفرقة شيعاً وأحزاباً، فقام اليهود بالقضاء عليهم واحداً تلو الآخر. ثم تجاوز اليهود حدهم فناوشوا الرومان، فعندما رأى الرومان هؤلاء اليهود قد كبروا أكثر من اللازم شردوهم وقضوا عليهم وطردوهم، فتشردوا في بلاد الله الواسعة، وذهبوا إلى أوروبا وتشردوا فيها، والأوروبيون آنذاك يعرفون أن الذي قتل عيسى ابن مريم هم اليهود، إذاً: لا بد من محاصرتهم والقضاء عليهم ومضايقتهم، وفعلاً ضايقوهم مضايقة عجيبة، وجعلوهم ينحصرون فيما يسمى: بالغيتو أو الفيتو، وهو: عبارة عن تجمعات صغيرة مجاورة للمدن، حتى إنه وضع عليها أسلاك شائكة لا يدخل اليهودي ولا يخرج إلا باستئذان، فبدأ اليهود يفكرون في القضاء على الكنيسة المسيطرة آنذاك على أوروبا، فبدءوا باستخدام المال والنساء في إغواء الطبقة القوية، والطبقات آنذاك كانت طبقتين: طبقة الإقطاعيين، وطبقة العمال، فبدءوا بالاحتكاك بالنبلاء على أن يعطوهم الاحترام والتقدير في بداية الأمر، ثم بدءوا بالتركيز على فرنسا؛ حتى لا يتشتتوا، فبدأ النبلاء الفرنسيون يثقون باليهود، فصار اليهود يتحكمون بهم، ثم بعد ذلك أشاروا على النبلاء هؤلاء بالخروج على الكنيسة فوافقوهم، وحصلت الثورة الفرنسية في القرن السابع عشر بقيادة اليهود. وعندما نجحت الثورة قام اليهود لهؤلاء العمال فأعطوهم الأموال الطائلة، والأراضي والمزارع، فلما رأت ذلك البلدان الكنسية طمعوا في الوصول إلى مستوى فرنسا المعيشي فحصلت بعد ذلك الثورات وتتابعت، وكل يدرى أن السبب الرئيسي في الجوع والفقر هو الكنيسة، فأسقطت الكنيسة وحوصرت في منطقتها، واستطاع اليهود بنجاح فصل الناس عن دينهم، ثم أخذوا ببث أبواقهم التي تدعو إلى عقائد منحرفة من نسيج خيال اليهود، فظهر أمثال: فرويد داروين، ودور كليم، وأسبينوزا، وسارتر، وماركس، وأنجلز، وهيقل، فبدءوا ينشرون أفكارهم وعقائدهم حتى صارت أوروبا أحزاباً وشيعاً يتحكم بها اليهود كيفما شاءوا. فاليهود الآن يتحكمون في أوروبا وفي أمريكا، وأمريكا تعتبر امتداداً لأوروبا، فعندما رأى اليهود النجاح الذي حققوه في أوروبا طمعوا في نقل هذا النجاح إلى العالم الإسلامي، فلجئوا إلى المظلة الرابعة. والمظلة الرابعة تختص بالأفكار والمذاهب المعاصرة، كالعلمانية، والحداثة، والاشتراكية، والماركسية، والقومية، وقد وجدت هذه الأفكار من يتلقفها واحداً تلو الآخر، ثم نقلوها إلى العالم الإسلامي، ثم ظهرت الطريقة العسكرية عن طريق الاستعمار الحديث الذي فرضه الأعداء على دول كثيرة: كالجزائر وتونس والمغرب والعراق ولبنان وغيرها، وهناك طريقة أخرى غير مباشرة: إما عن طريق بعثات التعليم التي ذهبت وتلقت العلم ثم رجعت تنفذ الأهداف، وإما عن طريق النصارى العرب الموجودين داخل المجتمع المسلم.

الإفساد الشبابي من خلال الإعلام المقروء والمسموع والمشاهد

الإفساد الشبابي من خلال الإعلام المقروء والمسموع والمشاهد أما الصورة الخامسة: فتختص بالإعلام والإفساد الشبابي، فقد وجدوا أن كثيراً من الشباب والفتيات غير مستعدين أن يستخدموا عقولهم، فبدءوا يبثون فيهم قضية الرياضة والفن والتمثيل وما إلى ذلك. ولذلك يقولون في البروتوكول الرابع عشر لهم: علينا أن نشغل الشعوب بالفن والرياضة؛ حتى يسهل علينا تمرير مخططاتنا عليهم. وفعلاً الآن ترى كأس العالم للشباب، كأس العالم للناشئين، وكأس آسيا، وكأس أفريقيا، وكأس الخليج، وكأس العرب، وكأس الملك، وكأس ولي العهد، وهكذا كئوس مستمرة واحداً تلو الآخر، فما ينتهي هذا إلا ويأتي هذا، والشاب مسكين إذا انتهى من مشاهدة المباراة انتقل للجريدة، ويبدأ يقرأ المعركة وكأنهم يصفون معركة بدر! فينشغل بها الشاب طول وقته. وفعلاً: نجحوا بهذه الكيفية فشغلوا عدداً كبيراً من الشباب، ولعلي أضرب لكم مثالاً على هذا: روبرت ماكسوي هذا اليهودي الذي يملك عدداً كبيراً من الصحف في أمريكا وبريطانيا وإسرائيل، وله صحيفة: معاريف الإسرائيلية، الصحافة المسلمة التي في بلاد التوحيد عندما مات أقامت الدنيا وأقعدتها، وتحدثت عنه وعن جميع ما يتعلق به، وهو يهودي ماكر كان همه الأول هدم الإسلام والمسلمين، وقد كان أيضاً من هؤلاء الذين ركزوا على الجانب الإعلامي، وعندما تحدثت الصحافة عن جبهة الإنقاذ، وعن عباس المدني مثلاً، وعن حسن الترابي، وعن الغنوشي -على ما عندهم من أخطاء- إلا أن التركيز لم يكن على أخطائهم الخاصة؛ لأنهم مسلمون، وبدأت الصحف تنقل ما قالته صحيفة واشنطن بوست أو التايم، وتنشره كما هو تقليد الإعلام في أيديهم، وهذه كلها بأيدي اليهود. إذاً: فهذه سيطرة إعلامية رهيبة جعلتنا نرضخ ونسير في اتجاهها، والآن البث المباشر الذي بدأ يبرز ويظهر وسيكون له أثر أكبر وأكبر فيما بعد.

تدريب اليهود للقادة والحكام المسلمين بأساليب مباشرة أو غير مباشرة

تدريب اليهود للقادة والحكام المسلمين بأساليب مباشرة أو غير مباشرة أما الصورة السادسة: فتختص بالسلطات والحكام والرؤساء الذين تربوا عندهم، سواء عن طريق التربي في المناهج أو في المحافل الماسونية المعروفة، فيؤخذ عليه ما يؤخذ، وبالتالي إما أن ينفذ هذا الحاكم أو يفضحونه أو ينقلبون عليه أو يقطعون عنه الدعم، فيقوم هذا الرئيس المسكين وهذا الزعيم الذليل بالضغط على الشعوب أو تنفيذ طلبات رؤسائه، فلا يجد الناس وقتاً كافياً للدعوة إلى الله تعالى؛ لأنهم مشغولون أكثر الوقت في البحث عن لقمة العيش، فنجحوا فترة من الزمن. ولذلك ترون الآن أن الدول الإسلامية كلها تعيش في الفقر مع غناها العجيب، مثاله: ما يحصل وترون في المغرب، والجزائر، وتونس، ومصر، والسودان، وسوريا، ولبنان، والأردن، والعراق، واذهبوا إلى الجهة الشرقية فكلها فقيرة، ولم يبق إلا دول الخليج، ودول الخليج الآن جاءها الدور، فالفقر يبرز في غلاء الأسعار، وانخفاض معدل الرواتب وما إلى ذلك.

السيطرة والتطبيع

السيطرة والتطبيع أما الصورة التي تليها فهي: قضية السيطرة والتطبيع، فقد وجدوا الآن أن العالم الإسلامي صار في أيديهم؛ لأن الزعامات في أيديهم، فسيطروا على مناهج التعليم، وبدءوا يقولون للناس: اليهود هؤلاء أحبابكم وأصدقاؤكم وأبناء عمومتكم، فلماذا تبتعدون عنهم؟ إذاً: احذفوا شيئاً اسمه: المقاطعة أو العدو الصهيوني أو الإسرائيلي، وهم يأملون في أن يجدوا اليهودي عالماً أو سائحاً أو غيره يجوب العالم الإسلامي وكأن هذه البلدان أصبحت بلداً له، ولعلكم قد سمعتم شريط (التطبيع) للشيخ سلمان العودة ففيه خير عظيم تجاه هذه القضية.

كيف نواجه الأعداء

كيف نواجه الأعداء أما النقطة الأخرى -وهي النقطة قبل الأخيرة- فهي: أسلوب المواجهه، إذاً فهؤلاء الأعداء ضغطوا علينا لأن المظلة الأساسية وهي مظلة العقيدة لا يريدونها، ويريدون القضاء عليها، فهذه المظلة مظلتنا لا نريد لها أن تتناقص بفعل نمو هذه المظلات الكبيرة القوية، بل لا بد أن نتوسع ونكبر هذه المظلة؛ لتسيطر على هذه المظلات، بل ولتقضي عليها، فما هو الأسلوب الذي نستخدمه؟ هناك أسلوبان: أسلوب المواجهة، وأسلوب الهجوم. فالتلفزيون والغزو الفضائي الذي يستهوي الشباب عبارة عن هجوم، والنصيحة لهؤلاء الشباب وترشيدهم وبيان خطر هذا الغزو عليهم بالتي هي أحسن عبارة عن دفع لهذا الهجوم، والأمثلة على ذلك كثيرة. ولابد أن يعلم الداعية أن لدى كل إنسان غريزة تقبل الوعظ والإرشاد إذا كان بأسلوب حسن وطريقة طيبة، فقد فطره الله على ذلك وجبله، يقول سبحانه في الحديث القدسي: (خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (كل ابن آدم يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه). إذاً فهناك شياطين حرفتهم، فأنت تحاول أن تعدل المسار بهذه الكيفية وبهذه الطريقة.

لأغلبن أنا ورسلي

لأغلبن أنا ورسلي وفي خاتمة هذا الموضوع: لا بد أن تعي -أيها الأخ المؤمن- أن العزة والنصر لهذا الدين، قال تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة:21]، {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ} [الحج:40]. فالنصر لنا بإذن الله سبحانه وتعالى، لكن النصر يحتاج إلى صبر ومجاهدة، والرسول صلى الله عليه وسلم في إمكانه أن يرفع يديه إلى السماء ويدعو بالنصر مرة واحدة فيقضي الله سبحانه وتعالى على المشركين أجمعين، لكنه مكث ثلاثاً وعشرين سنة وهو يصبر ويصابر ويدعو شيئاً فشيئاً إلى أن تكونت الإمبراطورية الإسلامية العظمى التي يسعى اليهود والشيعة إلى تقويض بنيانها، ولعلكم تعرفون أن هناك نشرة يصدرها الشيعة يكتبون فيها: الإمبراطورية الإسلامية الشيعية العظمى، التي تشمل إيران وأجزاء من أفغانستان والعراق وسوريا ولبنان والأردن والخليج العربي بأجمعه والمدينة المنورة كاملة، كل هذه داخلة في الإمبراطورية الإسلامية الشيعية العظمى التي يخططون لنشأتها. والواجب علينا أن نعي خطط الأعداء ونعرفها، فإذا وعيناها أخذنا الحيطة والحذر، ولعل الله سبحانه وتعالى يجعل ما قلت نافعاً لكم ولي قبل ذلك، في تثبيت ما قلت من علم أو من معلومات، والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

حقيقة وقوف إيران بجانب الجزائر في الانتخابات النيابية

حقيقة وقوف إيران بجانب الجزائر في الانتخابات النيابية Q إيران من أقوى الدول التي وقفت ظاهرياً مع انتخابات الجزائر، حيث وصل بها الأمر إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع الجزائر بسبب قمع الإسلاميين، فهل هذا وقوف ظاهري؟ A نعم، طبعاً لا بد أن تعلموا مبدأ التقية عند هؤلاء، وهو من المبادئ التي يتعبدون الله بها، فمثلاً: الخميني يدعو إلى قتل سلمان رشدي وأنه سيدفع مليون دولار لمن يقتل هذا الرجل؛ لأنه ألف كتاب: (آيات شيطانية) ولم يرد بذلك وجه الله سبحانه وتعالى، بل أراد الدعاية والشهرة والانتشار لهذا المذهب، وإلا فكتب الشيعة الموجودة المطبوعة الآن تفوق كتاب (آيات شيطانية) خسة ونذالة وعهراً وكذباً ونفاقاً تجاه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهم يأخذون هذا المبدأ لمجابهة هؤلاء الأعداء؛ ولتوضيح أنهم مع الحق باستمرار، فيصدقهم السذج ويسيرون في ركابهم، وبالتالي يتشيعون أو ينهجون منهج التشيع، ولذلك يستخدمون مناهج الكذب باستمرار، فالكذب على أهل السنة يعد فضيلة بالنسبة لهم.

عدم صحة نسبة الاستعاذة إلى الله كلاما له

عدم صحة نسبة الاستعاذة إلى الله كلاماً له Q نود معرفة معنى قولك: إنه غير صحيح أن تقول: يقول الله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؟ A المقصود أنك عندما تقول: قال الله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ} [العصر:1 - 2]، الله سبحانه وتعالى ما قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَالْعَصْرِ} [العصر:1]، يعني: أنه لم يرد في القرآن الكريم أن الله قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بهذه الصيغة أو بهذا النص. لكن الإنسان يقول ذلك من باب حسن النية، كما قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل:98].

واجبنا تجاه أصحاب العقائد الفاسدة والمنحرفة

واجبنا تجاه أصحاب العقائد الفاسدة والمنحرفة Q ما هو واجبنا من أصحاب العقائد الفاسدة كالأشاعرة والجهمية وغيرهم؟ A الموقف من أصحاب هذه العقائد كأشاعرة أو معتزلة أو جهمية أو رافضة أو غير ذلك، أن المؤمن مطالب بالتزام العقيدة الصحيحة خصوصاً في هذا الزمان؛ لأن الصراع بين جميع الناس بلا استثناء صراع في مجال العقيدة، فصراعنا مع الرافضة في العقيدة، وصراع المعتزلة مع أهل السنة في العقيدة، وصراع الأشاعرة مع أهل السنة في العقيدة، وصراع اليهود مع المسلمين أو اليهود مع النصارى أو الملاحدة مع كذا أو كذا صراع في العقيدة، بل إن صراع الملاحدة مع بعضهم البعض صراع في العقيدة. عندما اختلفت الصين مع روسيا قبل انهيارها كان هذا الاختلاف بسبب العقيدة؛ لأن هؤلاء يطبقون مناهج لينين، وهؤلاء يطبقون مناهج استالين؛ لأن استالين حرف بعضاً من أقوال لينين فصار هناك خلاف عقائدي بينهما. إذاً: أولاً: الاهتمام بالعقيدة التي تحرك الناس، ولا يمكن أن يوجد إنسان على وجه هذه البسيطة ليس في قلبه عقيدة، فكل الناس في قلوبهم عقائد، لكن هذا مسلم وهذا بوذي وهذا هندوسي وهذا نصراني وهذا ملحد يعبد هواه وهذا ماركسي إلى آخره، لذلك أقول: موقفنا جميعاً من هؤلاء يختلف بحسب هذا المنهج. ثانياً: أن تبدأ في نقاشهم إذا كنت ممن يستطيع، وإلا فرد ذلك إلى أهل العلم.

نصيحة لطلاب العلم

نصيحة لطلاب العلم Q ما هي نصيحتكم لطالب العلم؟ A النصيحة الأولى لطالب العلم: أن تضع نصب عينيك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من طلب علماً مما يبتغى به وجه الله لا يريد بذلك إلا عرض الدنيا لم يرح ريح الجنة). إذاً: لا بد أن يكون طلبك للعلم خالصاً لوجه الله تعالى، وألا تشوب ذلك شائبة من عجب أو رياء أو تطلع إلى منصب أو جاه. الثانية: العكوف المستمر على طلب العلم؛ لأنك إذا أعطيته كلك أعطاك بعضه. النصيحة الثالثة: أن العلم صيد والكتابة قيد، فيجب عليك أن تقيد وتراجع وتستمر على هذه المراجعة دائماً، وقد كان الشيخ ابن باز يقرأ عليه من بعض الكتب وهو يحفظها عن بكرة أبيها لتثبت المعلومة، فلعله قد نسيها أو فاتت منه.

عطاؤنا لمن؟

عطاؤنا لمن؟ الإنفاق في وجوه البر له أبواب كثيرة ومتنوعة، فينبغي للمسلم أن يتخير الباب النافع في الإنفاق، بحيث يكون إيجابياً لا سلبياً، والإنفاق له فضل كبير وعظيم قد بينه الشارع، وهذا الفضل العظيم يكون عائداً على المنفق في دنياه وأخراه.

وقفات حول الإنفاق والعطاء والبذل في وجوه الخير

وقفات حول الإنفاق والعطاء والبذل في وجوه الخير الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على سيد الأولين، نبينا محمد الأمين، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: أحبتي الكرام! أهلاً بكم في هذا اللقاء الطيب المبارك، وفي هذا المكان المبارك، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما نسمع وبما نقول، وأن يجعل ذلك حجة لنا، لا حجة علينا. أيها الأحبة الكرام! أيها الإخوة الأفاضل، عندما قرأت العنوان الذي تعهدت بالحديث عنه قلت في نفسي: يا ترى هل أتحدث عن عطائنا المادي أم المعنوي؟! عن عطائنا الروحي أم الجسدي؟! عن عطائنا الذاتي أو الاجتماعي؟! عن عطائنا الإلزامي أم العطاء التطوعي؟! هل أتحدث عن عطائنا التربوي أم العطاء الدعوي؟! هل أتحدث عن العطاء الجهادي؟! هل أتحدث عن عطاء القلم عن عطاء الفكر؟! عن ماذا يا ترى؟! كما تلحظون هي عناوين كثيرة، وفقرات عديدة كل منها يحتاج إلى وقفات تليها وقفات، بل إلى دروس ومحاضرات، بل يا ترى هل نتدارس هذا العطاء الذي نقدمه والذي نعطيه، والذي ندفع بموجبه من مالنا، ومن جهدنا، ومن وقتنا، ومن إمكاناتنا وقدراتنا؟ هل نتدارس هذه العطاءات المتنوعة ذات العناوين المتعددة، هل نتدارسها سلباً وإيجاباً، أم تشاؤماً وتفاؤلاً، أم إفراطاً وتفريطاً، وقوة وضعفاً؟ أيها الأحبة! حيث إن فعاليات المعرض تدور حول سنابل العطاء، لذلك سوف ينحصر كلامي حول الإنفاق والعطاء والبذل؛ لتستمر هذه السنابل مورقة مزدهرة عالية، تمد الآخرين بالعطاء بكل جمال، وتنشر النعمة في كل مكان، وأنتم تعرفون أحبتي الكرام أن المال هو صلب النفقة وأسها وأساسها، بل ورأسها وقاعدتها، وقد قدمه الله سبحانه وتعالى في مواضع كثيرة من كتابه على بذل الروح؛ لأهميته، ولرغبة الناس فيه، بل ولتمسكهم به ادخاراً وحفظاً، بل بعداً وشحاً. والمال أيها الأحبة الكرام نعمة من النعم العظيمة التي يهبها الله سبحانه وتعالى من يشاء من عباده، ويمنعها عمن يشاء من عباده ابتلاءً وامتحاناً؛ ليرى من يشكر هذه النعمة، ومن يصبر على هذا البلاء، فمن رزقه الله مالاً واتقى الله فيه وصرفه فيما يرضيه، بارك الله له فيه، ورزقه من حيث لا يحتسب، وحفظه عليه ونماه له. وأنتم تعرفون أحبتي الأفاضل أن قضية النفقة والإنفاق والإعطاء والبذل من القضايا التي وجد كثير منا أن هناك شحاً في هذا الزمان في بذلها، والمساهمة فيها، ولعل الأمر مبني على أسباب كثيرة ومتعددة، لعل هناك وقفات سأبينها في ثنايا هذا اللقاء المبارك. أحبتي الكرام! سوف يشتمل هذا اللقاء على جملة وقفات، من هذه الوقفات أريد أن أشير إلى قضية الصور المشرقة المضيئة لبعض العطاءات التي حقيقة عندما تسمع لها وعندما تقرأ عنها ولا أظنها مكتوبة -ستعطيك دفعات إلى الأمام، وتعطيك قوة للمساهمة والمشاركة والبذل والتضحية، حتى تكون مثل ذاك الشخص الذي بذل، وفي نفس الوقت ستكون هناك وقفات مصورة أو صور مسموعة لبعض السلبيات المتعلقة بالعطاء، فأحياناً يعطي الإنسان ويقدم ويضحي، ولكنه لا يحرص على وضع الأمور في نصابها، فتكون النتيجة ردة فعل عكسية لا تؤتي الثمار المرجوة، وأستفتح بصورة من صور العطاء الإيجابية وصورة من الصور السلبية، ثم بعد ذلك أدخل في بعض فقرات المحاضرة، ثم أختمها بصور أخرى سلباً وإيجاباً، حتى تتحدد لنا صورة عطائنا إلى أين؟! إذاً: نحن نفقه الآن أن العطاء سيتركز على العطاء المادي، فلن يكون هناك حديث عن العطاء التربوي، ولا عن العطاء الروحي، ولا عن العطاء الفكري، ولا حتى عن العطاء الاجتماعي أو غيره، باعتبار أن كل موضوع من هذه المواضيع يحتاج إلى محاضرات وجلسات ودروس متعددة. أيها الأحبة! أثناء الغزو الصربي للبوسنة والهرسك كان الإخوة الذين يساهمون بالبذل يقومون بالسفر إلى تلك البلاد، ويستقبلون التبرعات التي تقدم من هذا البلد ومن أبناء هذا البلد، تبرعات عينية، سيارات مليئة بالنعم المتعددة، وهذه النعم هي احتياجات الناس من أكل وشرب، فكانوا يقدمون هذه الأطعمة لهؤلاء المساكين الذين هجمت عليهم الصرب هجمة شرسة بقصد استئصالهم، ولكن كما قال سبحانه: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء:19] وقال عز وجل: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:216] فهذا الغزو على أنه شر كما يتبادر إلى الأذهان؛ إلا أن فيه من الخير العظيم ما لا يدركه الكثير من الناس، فإن تلكم البلاد كانت بلاداً ضائعة بمعنى الكلمة، فالإسلام مجرد اسم، أما الفعل فلا وجود له، عندما حصل الغزو وجاء الناس يناصرون من ينتسبون إلى دينهم، وإذا بهم يجدون الجهل والضياع والانحراف، فبدأت مسيرة التغيير والتجديد، وكانت النتيجة أن المساجد الخاوية والتي لا يرتادها إلا كبار السن، بدأت تعج بالمصلين الشباب، وهؤلاء النساء السافرات اللاتي لا يعرفن من الدين إلا إسمه بدأن يرتدين الحجاب الكامل، وبدأت المدارس تنتشر، وبدأ الخير يعم، وبذلك يقول أحدهم: والله إننا نرى أن هذا الغزو خير من الله سبحانه وتعالى لنا، قدمنا الآلاف، ولكننا كسبنا الآلاف، ولا يقصد بالآلاف الآلاف المادية، ولكن إنما يقصد بذلك آلاف الحسنات.

من الصور السلبية للعطاء والبذل: عدم اليقظة عند توزيع المساعدات

من الصور السلبية للعطاء والبذل: عدم اليقظة عند توزيع المساعدات أيها الأحبة! أعطيكم صورة من الصور السلبية، ثم أنتقل إلى الصور الإيجابية، فأبدأ بالضعف ثم أنتهي بالقوة. كان الإخوة يساهمون في توزيع المساعدات، وكان هناك رجل يوزع أكياس الأرز الصغيرة، وآخر يوزع علب الحليب، وثالث يوزع الزيت، ورابع يوزع شيئاً من الشاي أو غير ذلك فكان البوسني يجمع هذه الأغراض علبة في يد وكيساً في يد وشيئاً فوق الرأس، ويتضايق من كثرة ما معه، ولا يستطيع أن يتركه؛ لأنه زاده وزاد أبنائه، فلا بد أن يصبر، وفي نفس اللحظة يجد رجلاً يعمل خيراً ويدعو إلى خير، ويتبنى مساعدة هذا المسكين الذي انشغل بهذا الحمل المتنوع، فيقول له: تعال خذ هذا الكرتون الفارغ، فيفرح هذا الرجل، وإذا به يأخذ الكرتون ويعينه ذاك الرجل في وضع هذه المواد والأدوات والنعم والخيرات في هذا الكرتون، ثم يقوم بإغلاق الكرتون بقطعة من اللاصق، ثم يحمله على رأسه ويذهب به. عندما يضعه في بيته يتجمع الأولاد، بل ربما الأحباب، الزوجة والأبناء، البنات والأخوات، كلهم يتجمعون على هذا الخير الذي جاء، يا ترى من أين جاء؟! من الذي قدمه؟! من الذي أعطاه؟! وإذا بهم يجدون على الكرتون مكتوب هدية من جمهورية الإسلامية، هذه الجمهورية التي تتبنى الفكر المنحرف الذي يدعو إلى سب وشتم أفضل جيل بعد الأنبياء والمرسلين، هذا الفكر الذي يقول: إن القرآن محرف، وتتبناه هذه الدولة، وإذا بها تقول: هدية من حكومة جمهورية الإسلامية، ثم على جوانب الكرتون الأخرى: نسأل الله لكم العون والسداد والتوفيق والنجاح، وفي الجهة الأخرى دعوة إلى مواصلة الجهاد والحرب، دعوة إلى التحمل والصبر، كل ذلك بلغة بوسنية واضحة بينة، فالأبناء جميعاً والبنات لا يعرفون من يدعمهم إلا هذه الجهة، ولا يعرفون من يعطيهم إلا هذه الجهة، وقد غاب الأمر على الكثير ممن يقدِّم هذه المساعدات، إلى أن اكتشف الأمر في آخر المطاف، ولذلك عندما عملت مجموعة مقابلات إبان المعركة وإبان الغزو، كان كل منهم يثني على ذاك البلد، بالرغم أنه لم يقدم ولا حبة أرز واحدة، إنما كان يقدم كراتين فارغة، ولكن الخدعة انسرت، ولذلك تبقى قضية سلبية العطاء تحتاج إلى وقفة مراجعة، وسأشير إلى صور أخرى من هذه السلبية في حينه إن شاء الله.

من الصور الإيجابية للعطاء والبذل همة داعية وثمراتها

من الصور الإيجابية للعطاء والبذل همة داعية وثمراتها أيها الأحبة! من الصور الإيجابية في هذا المقام: في أحد الأيام كان هناك رجل متميز، والشباب ليس مقيداً بسن؛ لأنك قد تجد الرجل الكبير الذي يحمل روح الشباب، ويحمل اندفاع الشباب وحيوية الشباب وعطاء الشباب، وتجد كثيراً من الشباب عندهم خمول وكسل وفتور وجلوس وعدم عطاء، وهذا أمر تلحظونه. فهذا الرجل المتميز ذهب ليحضر شهادتي الماجستير والدكتوراه في أمريكا، وبعد أن أنهى دراسة اللغة الإنجليزية إذا به يقرر أن يطبق ما درسه في سجن قريب من منزله، خاصة أنه إنسان متميز بالتزامه، فقال: أستفيد وأفيد، فأستفيد أسلوب عرض ونقاش وحوار ودعوة، وأفيد هؤلاء الذين يستمعون إلي، فذهب إلى مأمور السجن واستأذن منه، فقال: حتى أستشير مرجعي، فأخذ منه العناوين، ثم بعد فترة من الزمن إذا بمأمور السجن يتصل به، ويقول: لقد جاءت الموافقة بالسماح لك بإلقاء محاضرة عن الإسلام في هذا السجن. يقول: فذهبت وألقيت المحاضرة، وكنت قد قررت لها ساعة واحدة، وإذا بها تمتد ثلاث ساعات في نقاش وحوار وجدل وأخذ وعطاء، ثم عندما ودعتهم خارجاً من السجن، وإذا بثلاثة من الجنود يعلنون إسلامهم أمامي وعلى يدي، ووالله لقد أحرجت؛ لأني لا أعرف كيف أجعلهم ينطقون بالإسلام كما هو معلوم ومعروف، لكني طلبت منهم إعلان الشهادتين فقط، وهذا هو الأصل، ثم خرجت وأنا فرح مستبشر، وجلست في منزلي وأنا أعيش فرحة لا تعادلها فرحة؛ انطلاقاً من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم). وبعد فترة من الزمن، إذا بمأمور السجن يتصل علي، ويقول لي: هل بالإمكان أن تتحفنا بمحاضرة أخرى؟ فقلت له: محاضرة أخرى؟! أردت أن أستفزه ألا تعلم أنني أخرج بني جلدتك في ذاك السجن من دينك النصرانية إلى دين الإسلام؟ فقال: هذا لا يهمني، الذي يهمني هو أن سجني قد أخذ درجة السجن المثالي على سجون الولايات المتحدة بأكملها في الشهر الماضي، ولو أخذت المركز مرة أخرى، فإن هناك ترقية سأنالها وأنا أسعى إليها، فقلت: نعم سآتيك، واتفقت أنا وهو على موعد وألقيت محاضرة في السجن، ثم فتح لي هذا الرجل النصراني باب العطاء، وسنابل العطاء، تفتحت هذه السنابل أزهاراً متفتحة رائعة ومورقة، ثم بدأت هذا السنابل تؤتي ثمارها. ثم يقول: كلما وجدت فرصة انطلقت إلى سجن وألقيت محاضرة أو درساً أو كلمة أو لقاء، وطوال فترة دراستي وأنا أفعل ذلك، فسأله من سأله: كم من شخص دخل في الإسلام على يديك؟ قال: والله لا أعلم عددهم؛ فهم كثر. انتهى هذا الإنسان من مشروعه العلمي وقرر العودة إلى بلده، لكن يا ترى هل تنقطع وتتوقف سنابل العطاء؟! إن هناك رجالاً الرجل الواحد منهم كأمة، والعكس صحيح وللأسف، فهناك أناس كثيرون، ولكنهم غثاء، يقول هذا الرجل: قررت في ذاتي قراراً: وهو لماذا لا أقوم بإنشاء مكتبة إسلامية في كل سجن من سجون أمريكا، وإن كان هذا المشروع مستحيلاً أو أكبر من المستحيل؟ لماذا لا أجرب؟ ما الذي يمنع؟! يقول: اتصلت بالبريد الإلكتروني بإدارة السجون، وطرحت عليهم الفكرة، فقالوا لي: اعرض علينا محتوى هذه المكتبة، فعرضتها بعد استشارة مع بعض الإخوة، وهذه المكتبة هي عبارة عن مصحف مترجم، ومجموعة من الكتيبات، ومجموعة من الأشرطة التي ليس فيها أي مهاجمة للدين النصراني حتى تلقى القبول، وعندما عرضتها عليهم درسوها، ثم أرسلوا لي بالموافقة، فدرست تكاليف كل مكتبة وإذا بها تصل إلى ألف ريال، وهي عبارة عن دالوب صغير ومسجل ومجموعة أشرطة، ومجموعة كتب وكتيبات، ثم طلبت من إدارة السجون إعطائي رقماً لأعداد سجون هذه الولايات، فإذا بهم يخبرونني أنها تتجاوز خمسة آلاف سجن، وهذا يدلك على مدى الإجرام في ذاك البلد الذي يعتبر بلد القمة عند الكثير والكثير. وللعلم أنهم لما ضاقت سجونهم بأهلها صاروا يستأجرون بواخر قد انتهت صلاحيتها، وهي في ساحل البحر، وقرروا تحويلها سجوناً. ثم يقول: بدأت التموين والتمويل، وبدأت آخذ من أهل الخير أموالاً لإقامة المكتبات في هذه السجون، وعندما عاد إلى هذه البلاد المباركة إذا به يعلن أنه قد تم تمويل ألف مكتبة لألف سجن. تخيل ألف سجن فيه ألف مكتبة، وهذا رجل واحد! إذاً: هذه صورة من العطاء تعطيك دفعات قوية للبذل، وتجعلك لا تحتقر نفسك، فكل منا لديه قدرات ولديه طاقات وإمكانات بإمكانه أن يستثمرها استثماراً بيناً واضحاً، فتؤتي كل سنبلة ثمارها، وتتفرع إلى مئات السنابل حتى تنشر الخير في كل مكان وزمان. أيها الأحبة! تعلمون وتعرفون من خلال الصورتين السابقتين السلبية والإيجابية أن محور العمل ومحور البذل ومحور التحرك هو المال. إذاً: المال هو -كما يقال- عصب الحياة، المال هو الأصل الذي حرك هذه الجوانب الدعوية، والحديث عن المال يحتاج منا أن نقف معه وقفة، فهذا المال أيها الأحبة! هو سماد هذه السنابل، هو ماء هذه السنابل، هو تربة هذه السنابل، هو شمس هذه السنابل، فلا يمكن لسنابل العطاء أن تنمو إلا بوجود المال، فإذا أخذ الإنسان المال وتملكه وجعله في حوزته، فلا يفيد إلا إذا خصص جزءاً من هذا المال واعتبره صدقة يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى. أيها الأخ المبارك! لا بد أن تعلم أن الصدقة مهما قلّت فإن شأنها عظيم، وأثرها كبير، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة)، ونلاحظ في هذا الحديث أن النفقة الحسية قدمت على النفقة المعنوية، باعتبار أثرها وتأثيرها، ولو كانت قليلة ويسيرة، فلا تحقرن من المعروف شيئاً بأي صورة من الصور.

من الصور الإيجابية للعطاء والبذل همة أخرس في الدعوة إلى الله

من الصور الإيجابية للعطاء والبذل همة أخرس في الدعوة إلى الله من الصور المشرقة: أن شاباً أصيب بعلة في حلقه فانقطع كلامه، فأصبح لا يستطيع الكلام بأي صورة من الصور، ثم نما وترعرع ونشأ وكبر، ولكنه مع ذلك بدأ يمارس الإيجابية في الدعوة في قصة جميلة ظريفة خلاصتها: أن هذا الشاب بعد أن تلقى العلم على أيدي مجموعة من المشايخ وطلبة العلم، وإذا به يحاول أن يقتطع جزءاً من مرتبه البسيط اليسير -حيث إنه يعمل طابع آلة- للإنفاق في وجوه الخير، فكان يشتري بمائة ريال في كل شهر مجموعة كتيبات وأشرطة، ثم يزور محلات التجارة في الأسواق المعروفة، فكان إذا رأى صاحب المحل وقد بدت عليه علامات مميزة في المنكر أو غيره أعطاه ما يناسبه، فسئل نطقاً: هل رأيت أثراً من آثارك؟ قال: نعم، في مرة من المرات دخلت محلاً من المحلات التجارية وفي أحد العمال من مصر، فرأيته يدخن ويشاهد التلفاز وفيه أغنية، وكنت أحمل بطاقة أنني لا أتكلم ولا أستطيع أن أتكلم، فأعطيته الشريط ثم خرجت، وبعد أشهر قمت بجولة ونسيت أنني دخلت ذلك المحل قبل ذلك، فدخلت وسلمت بالإشارة وكنت معلقاً البطاقة، وعندما رآني صاحب المحل إذا به يخرج من خلف طاولته ويأخذني بالأحضان ويقبل رأسي، فأشرت إليه أنني لا أعرفه، فقال: أنت لا تعرفني، ولكنني أنا الذي أعرفك، فأنت الذي جئت إلي قبل أشهر، وأعطيتني شريطاً لا يتجاوز سعره ثلاثة ريالات؛ وبسبب هذا الشريط وإذا بثمانية من أصحابي الذين يسكنون معي، والذين تميزوا وأنا منهم بأننا لا نعرف حقاً ولا نترك باطلاً إلا وارتبطنا به، فلا صلاة ولا صيام ولا حج ولا زكاة، والآن ولله الحمد والمنة صرنا من أول من يبادر إلى المسجد. انظروا! شيء يسير ومع ذلك أثمر.

فضل الصدقة وثمارها في الدنيا والآخرة

فضل الصدقة وثمارها في الدنيا والآخرة لا بد أن نعلم أن الصدقة ظل ظليل يتفيؤه المؤمن يوم لا ظل إلا ظله سبحانه وتعالى، ومن الذين يستظلون بظل العرش يوم القيامة: رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، وكما هو معلوم لبعضكم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس)، الله أكبر! فأنت تستطيع أن تنشئ لنفسك شيئاً يظلك يوم القيامة عندما تدنو الشمس من الخلائق، بحيث يخرج العرق منهم حتى يغطي بعضهم إلى رقبته، والبعض إلى حقويه، والبعض إلى ركبتيه، والبعض إلى عقبيه، بحسب صلاحه وبحسب فساده وكثرة معاصيه. إذاً: إذا كانت لديك صدقات فأنت ستظفر بأن الشمس لن تؤثر فيك؛ لأنك ستكون في ظل هذه الصدقة التي قدمتها. أيها الأخ المبارك! لو تصفحنا آيات القرآن الكريم وتمعنا فيها لوجدنا أن فيها وقفات ووقفات كثيرة متعددة تدعونا إلى النفقة، وإلى المسارعة في الإنفاق قبل فوات الأوان، وهذا جانب تربوي مهم جداً ينمي فينا صفة المسارعة إلى الخيرات، والمبادرة إليها قبل الفوات، لنقدم بين أيدينا زاداً نستظل به بعد الممات، حين نقوم لرب العالمين، يقول الله سبحانه وتعالى: {أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون:61]. ويقول سبحانه: {وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} [البقرة:272]. والصدقة أيها المبارك! تنمي المال وتباركه وتحفظه من الآفات وتبقيه، يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: (ما نقص مال من صدقة)، بل تزده.

وقفتان مع حديث (اللهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا تلفا)

وقفتان مع حديث (اللهم أعط منفقاً خلفاً وأعط ممسكاً تلفاً) يقول عليه الصلاة والسلام: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم! أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم! أعط ممسكاً تلفاً)، وهذا الحديث يجعلني أقف عنده وقفتين: الوقفة الأولى: آخذها من آخر الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم! أعط ممسكاً تلفاً)، الآن هو ممسك المال، وإذا نظرت إلى حسابه ستجده مائة مليون أو خمسين مليوناً، ومع ذلك هو ممسك للمال، فإذا كان المال عنده، فكيف يتلف هذا المال؟! أيها الأحبة! البخيل بالرغم من كثرة ماله فهو كأنه لا يملك شيئاً، وبالتالي فماله هذا يجمعه لمن سيأتي من بعده من ورثته، ففي أحد الأيام اتصلت امرأة تشكو مر الشكوى من زوجها، وتقول: إن زوجي يملك كذا وكذا وكذا من المال العيني والسيولة النقدية، ومع ذلك فإنه لا يعطينا شيئاً بطريقة لا يمكن أن تتصورها، فأنا من حب الاستطلاع أردت أن أعرف؛ لأنها قالت: هل يجوز لي أن أطالبه بالطلاق؟ فقلت في نفسي: لقد علمنا نهي الرسول صلى الله عليه وسلم أن المرأة تطلب من زوجها الطلاق بدون وجه حق، فإنها إن فعلت لا ترح رائحة الجنة، فقلت لها: أعطيني أمثلة ونماذج من بخله؟ فقالت: تصور أنه يأتي بقارورة الجبن ويجعلها في الثلاجة، ويقول: لا تفتحيها إلا بحضوري، ويقول: لا بد أن تبقى هذه القارورة في الثلاجة شهراً كاملاً، وأسافر أنا وهو إلى أهله على بعد أربعمائة كيلو من الرياض، والله لا يأذن بشراء ولا علبة عصير لأبنائه في السيارة، ويقول: إذا وصلنا إلى أهلي ستجدون العصير والفاكهة والأكل هناك، نذهب ونعود ولم يشتر لنا شيئاً، فقلت لها: ربما أنه لا يملك شيئاً، فبدأت تعطيني قائمة بما يملك، وإذا به يملك الشيء الكثير والكثير والكثير، فتذكرت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (اللهم أعط ممسكاً تلفاً)، فهذا ممسك ولكنه كأنه لا يملك شيئاً، كأن ماله قد تلف وأتلف، فالله أكبر، دلالة الحديث عجيبة جداً، وفي نفس الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (اللهم أعط منفقاً خلفاً). يقول أحد الإخوة وهو يروي عمن عايش الحدث: كان هناك رجل من كبار التجار مسافر هو وصاحب له إلى مكة لأداء العمرة، وعندما عادوا من مكة ومروا على منطقة في السيل في الطائف، فقرروا أن يصلوا في أحد المساجد، فعندما دخلوا المسجد وأدوا الصلاة إذا بإمام المسجد يأخذ الميكرفون ويتحدث ويقول: يا إخوان! ترون الآن أن هذا الزمان زمان أمطار، وأنتم ترون حال المسجد، فالماء ينزل في المسجد من كل اتجاه، ويشير إلى فرجات في المسجد، وكيف تشققت نتيجة لهذا الماء الذي ينزل من السقف التالف، ثم قال: نريد أن نعمل بعض الترميم لهذا المسجد، فما رأيكم أن تجمعوا لنا بعض التبرعات، فبدأ الناس يخرجون مما يستطيعون، فهذا يعطي عشرة ريال وهذا مائة ريال وهذا خمسين ريال، وهذا الرجل التاجر تحمس وكتب شيكاً لهذا الإمام بعد أن عرف اسمه بخمسة آلاف ريال، ثم أعطاه إياه، ففرح الإمام فرحاً شديداً بهذا المبلغ الذي جاء، ولم يكن يتصور أن يأتيه مبلغ بهذه الصورة وبهذه السرعة خمسة آلاف ريال. يقول: فركبنا السيارة ومشينا، وعندما اقتربنا من الرياض ولم يبق على المسافة إلا حوالي (90) أو (100) كيلو، توقفنا في أحد المحطات لمد السيارة بالوقود، وإذا بصاحبي التاجر ينزل من السيارة بسرعة، ويتجه إلى مكان آخر من المحطة، فيقابل ثلاثة أشخاص ويسلم عليهم ويسلمون عليه ويقبلون رأسه، فقلت: لعله التقى ببعض أقاربه، وبدأت أرقبه وأنظر إليه، وأنظر إلى هؤلاء الثلاثة الشبان، وكل واحد منهم يملك سيارة من السيارات الفخمة جداً يتجاوز سعرها النصف مليون، وبعد ربع ساعة تقريباً من محادثة هذا الرجل التاجر لهؤلاء الشباب إذا به يأتي إلي مطرق الرأس حزيناً متأثراً، فركب السيارة وهو ساكت لم يتكلم ثم انطلقنا، وقبيل خروجنا من المحطة قال: قف، فتوقفت وقال لي: أتعرف هؤلاء؟ قلت: أتوقع أنهم بعض أقاربك، فقال لي: هؤلاء أبناء فلان بن فلان، وكان أبوهم صاحباً لي وصديقاً لي، وقد انطلقنا في التجارة سوياً، وكل منا تملك الملايين، ولكنه كان قد أغلق على أمواله الأبواب فلم ينفقها، وقد توفي قريباً فأخذ الورثة وهم هؤلاء الأبناء الأموال، أخذ كل واحد منهم نصيبه، فكل واحد معه سيارة بهذه القيمة، وكل منهم قد اشترى استراحة ضخمة في هذه المنطقة، وبنى فيها قصراً ضخماً، فهم يأتون إليها بين الفينة والأخرى، وكان صاحبي قد قصر في حق نفسه، لا في السكن ولا في المأكل ولا في غير ذلك، فيقول: تذكرت هذا الحديث، ولكني لم أقل له شيئاً وبعد أن انطلقنا قليلاً، قال: هل بالإمكان أن نرجع إلى الشيخ؟ فكانت صدمة، كيف نرجع مسافة ستمائة كيلو تقريباً، فقال: أرجوك أتمنى أن ترجع، فقلت: لا مانع. أنا عندي إجازة ولا يمنع أن نرجع، فقال لي: احتسب ذلك عند الله سبحانه وتعالى، يقول: فرجعنا إلى الشيخ ووصلنا آخر الليل، واستأجرنا غرفة ونمنا فيها، ثم ذهبنا وصلينا الفجر في ذاك المسجد، فقابل صاحبي إمام المسجد وواجهه مواجهة كانت كالصاعقة عليه، ولكنها صارت بعد ذلك برداً وسلاماً، قال له: أنا الذي أعطيتك الشيك بخمسة آلاف، هل بالإمكان أن تعيده إلي؟! فقال له: لماذا؟ فقال له: لا تخف، إنما أريد أن آخذه منك وسأتكفل بترميم المسجد كاملاً من أوله إلى آخره، ففرح هذا الإمام فرحاً شديداً، ثم أوكل هذا التاجر ترميم المسجد لمن يعرف، ورمم ترميماً رائعاً حسب ما يذكر راوي القصة. يقول: فرجعنا إلى الرياض، ثم بدأ هذا الرجل ينفق يميناً ويساراً في بناء المساجد، وكان يساهم ويساعد في مشاريع الخير وسنابل العطاء بشكل متميز، ثم بعد ذلك قابلته في أحد الأيام بعد فترة من الزمن، فقال لي: أتعلم ماذا حصل، إنك لتستغرب؟ يقول: أول ما نزلت الرياض وبدأت مشاريع النفقة، كنت أتخيل أن مالي سينتهي بعد فترة وجيزة، ولكن والله! والذي لا إله إلا هو أن مالي بعد الإنفاق تضاعف، فبدل أن يكون خمسة ملايين مثلاً صار عشرة، ويقول: كنت إذا دخلت في مشروع تجاري أو عقاري إذا بي أضرب ضربات تجعل المال يتضاعف، وكنت في السابق أبذل وأبذل ولا ينمو المال إلا بشكل يسير، أو بطيء. وهذا مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث: (اللهم أعط منفقاً خلفاً). فالذي ينفق يعطى ويزداد مالاً، ولذلك ورد في قول الله سبحانه وتعالى في عدة روايات: (أَنفق أُنفق عليك) فإذا أنفق الإنسان جاءته النفقة من حيث لا يحتسب ومن حيث لا يتخيل. والنفقة إذا قام بها الإنسان فإن الله سبحانه وتعالى يضاعفها يوم القيامة أضعافاً لا تتصورها، ومصداق ذلك قول المصطفى عليه الصلاة والسلام: (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا الطيب- فإن الله ليتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل). انظر! تكون مثل الجبل يوم القيامة، فأنت عندما تقف بين يدي الله إذا بالموازين تنصب، وإذا بالأعمال توزن، وإذا بك ترى أعمالاً كالجبال، ما هذه الأعمال؟ أنا لم أعمل شيئاً يستحق، إنما هي صدقة بريال، أو صدقة بمائة ريال، أو صدقة بكذا، أو صدقة بكذا ومع ذلك ترى شيئاً عظيماً جداً، نعم؛ لأن الله سبحانه وتعالى نمى لك هذا الخير، حتى صار كالجبال العظيمة، وصارت هذه الأعمال ثقيلة في الميزان، وفي النهاية أنت الرابح في ذاك اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.

القليل الدائم من الإنفاق خير من الكثير المنقطع

القليل الدائم من الإنفاق خير من الكثير المنقطع أيها الأحبة! علينا أن نستوعب مجموعة وقفات لا بد أن تكون في الذهن، ومن هذه الوقفات المهمة: أن القليل الدائم خير من الكثير المنقطع، بمعنى أن تجعل لنفسك برنامجاً إنفاقياً مستمراً ولو كان يسيراً، وسيكون خيراً من الكثير المنقطع الذي لا يستمر، وهذا الأمر ليس نظرياً ولكنه أمر مجرب. والإنسان قد يحدث لديه حماس بالنفقة بعد أن يستمع إلى درس أو كلمة أو توجيه أو مناصحة حول الإنفاق والنفقة والصدقة وآثارها، أو عندما يزور معرض سنابل العطاء، فيخرج من جيبه خمسمائة ريال أو مائة ريال، وهذا كثير بالنسبة للبعض، ولكن سرعان ما يدب الفتور شيئاً فشيئاً، فتجد النفقة الكبيرة لا تعود إلا إذا جاءت وقفات مثل هذه الوقفات، لكن لو قرر هذا الشخص أن يخرج عشرة ريال أو خمسين ريال أو مائة ريال من راتبه كل شهر، ويضعه في مواضعه السليمة، فإن هذه المائة ستكون خيراً مستمراً متواصلاً، وسيجد أثرها العجيب، وفي نفس الوقت ليس لها تأثير على ميزانية الإنسان، فالبعض يقول: أنا لو أخرجت خمسمائة ريال قد تؤثر على الميزانية، أقول: نعم، لكن هذه الخمسمائة لو قسمتها على أجزاء، وجعلتها كل شهر خمسين ريالاً، فستكون النتيجة، ألا يكون هناك تأثير على ميزانيتك، وسيكون إنفاقك دائماً، وسيكون أثرها الجسدي والنفسي والقلبي والروحي والإيماني كبيراً وعظيماً عليك، وهذا الأمر يشعر به كل من طبقه وسار عليه. كذلك على الإنسان أن يعي قاعدة: أنه إذا أعطى لا يريد من عطائه هذا إلا الجزاء من الله سبحانه وتعالى، ولا يريد جزاءً من أحد، كما قال تعالى حاكياً عن المتصدقين: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} [الإنسان:9]. وعليه كذلك أن يعي أن النفقة تكون أقرب وأقوى أثراً إذا كانت مقرونة بالسر والكتمان، فإذا كتمها وأخفاها يكون أثرها عظيماً؛ لأنها أبعد عن الرياء وعن السمعة.

آداب الإنفاق

آداب الإنفاق أيها الأحبة! عندما نتحدث عن النفقة والإنفاق لا بد لنا من وقفات موجزة ومختصرة عن بعض آداب الإنفاق. هناك عدد كثير من الآداب، لكن لعلي أشير إلى أربعة منها أو ثلاثة بحسب ما يسمح به الوقت، فأقول: للإنفاق آداب كثيرة ومتعددة، ومن أبرزها وعلى رأسها: الإخلاص في النفقة، والابتعاد عن الرياء والسمعة ونحوها، فإذا أنفق على الفقراء أو المساكين، أو ساهم في مشاريع الخير وأعمال البر وسنابل العطاء، يريد بذلك الأجر والثواب من الله عز وجل لا الرياء والسمعة، فله ذلك، ومن أنفق رياءً وسمعة أخذ حظه من ثناء الناس في الدنيا، وليس له في الآخرة من نصيب، ولقد صح عن المصطفى صلى الله عليه وسلم في أول من يقضى عليه من الناس يوم القيامة، ومنهم: (رجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد فقد قيل) فقد قيل ونشر في الصحف والمجلات والمنتديات والجرائد وفي كل مكان: فلان فعل كذا، وفلان أنفق، وفلان أعطى للشهرة، للبروز، للظهور. (فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، ثم ألقي في النار). الأدب الثاني: عدم المن والأذى، وهذا يتفق مع ما فطر الله تعالى النفس الإنسانية عليه من الكرامة والعزة؛ لأن المان بنفقته يخدش كرامة النفوس الكريمة، ويجرح مشاعرها، ويستغلها بمنته، بل ويشعرها بالصغار والهوان، ومن هنا جعل الله تعالى الصدقات المقرونة بالمن والأذى غير مقبولة، وما أكثر ما تقترن صدقاتنا بالمن والأذى، إما من بعيد أو من قريب، يقول الباري سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة:264]. الأدب الثالث: الإنفاق من المال الطيب؛ لأن الله سبحانه وتعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، فقد أمر سبحانه بالإنفاق من الطيب المحبوب للنفس، يقول الباري سبحانه آمراً عباده بالإنفاق من الطيبات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة:267]. والبر والأجر إنما ينال بالإنفاق من الطيب المحبوب، يقول الباري سبحانه: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [آل عمران:92]. الأدب الرابع: الاعتدال في الإنفاق، فلا يتعالى المنفق فيه فيبذر ويسرف، ولا يقصر فيشح ويمسك، والاعتدال في النفقة صفة من صفات عباد الرحمن، حيث قال فيهم جل شأنه: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} [الفرقان:67]. أخي الكريم! ما أجمل أن تسمو مشاعر المتصدق، فيحس أن حاجته للفقير ليتصدق عليه أشد من حاجة الفقير إليه؛ وذلك أنه أشد حاجة إلى الحسنات والثواب في الآخرة من حاجة الفقير إلى المال الفاني والعرض الزائل، ولهذا فعليه أن يسعى هو إلى الفقير ولا ينتظر منه شكراً وثناءً، بل عليه أن يشكر الفقير الذي أتاح له فرصة تحصيل زاد ينفعه في الآخرة، وما أجمل شعور المتصدق عندما يكون سبباً في مسح دمعة يتيم، أو تخفيف لوعة مكروب، أو سد جوعة فقير معدم أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسان إحسان أحسن إذا كان إمكاناً ومقدرة فلن يدوم على الإحسان إمكان

من الصور الإيجابية للعطاء والبذل: قيام شخص واحد بتوزيع مائة ألف مظروف على الحجاج

من الصور الإيجابية للعطاء والبذل: قيام شخص واحد بتوزيع مائة ألف مظروف على الحجاج أيها الأحبة! قبل الختام أعطيكم تكملة لما بدأته في أول هذا اللقاء، حول ما يتعلق بصور العطاء، وقد أشرت إلى صورة من هذه الصورة، وأشير إلى صورة أخرى من صور العطاء، لتعرفوا وتعلموا أن هناك أناساً الفرد منهم كأمة، والرجل كجماعة، وواحد عن كثرة، وشخص عن قبيلة. هذا المثال هو متمم لما سبق وشبيه به وقريب منه. في أحد الأيام كان هناك شخص يجلس مع مجموعة زملائه، ويتدارس معهم أوضاع الذين يأتون إلى الحج من البلاد المختلفة، فقال: إن هؤلاء سيأتون إلى الحج ومنهم من يحمل البدع والخرافات، بل بعضهم يحمل الشركيات، فما دورنا في تصحيح مسار هؤلاء؟! إنهم يأتوننا ويبقون لدينا فترة من الزمن ويؤدون حجهم ثم يعودون وليس هناك أي تصحيح لمسارات الانحراف المختلفة التي يحملونها، والتي جاءوا بها من بلادهم، فلماذا لا نسعى إلى التصحيح؟! لماذا لا نختار شريحة معينة، هذه الشريحة هي شريحة البلاد العربية؟ ثم طرح فكرة وقال: لماذا لا نعطي هدية تحتوي مظروفاً فيه أمور تهم هذا الإنسان القادم للحج، ونحاول أن نصحح هذه الانحرافات الموجودة لديه؟! فقال الإخوة الذين كانوا معه: لا مانع، هذا أمر مستحسن، لكن كيف العمل؟ فأعطاهم الخطة وهي كما يلي: مظروف يحتوي على كتيبين اثنين وشريطين، ويكلف هذا كله ما يقارب عشرة ريالات، وبعد ذلك نريد أن نوزع مائة ألف مظروف، أي: بمليون ريال، فقالوا له: ممتاز جداً، ولكننا نعرف أنك لا تملك ريالاً واحداً، قال: نعم -وهو لا يملك شيئاً أبداً- ولكننا نستعين بالله سبحانه وتعالى ونبدأ المشروع، والذين التقوا معه هم ثلاثة وهو الرابع، فاتفقوا على توزيع العمل وانتقاء الكتيبات والأشرطة، وأن كل واحد ينتقي مجموعة كتيبات وأشرطة ثم يتدارسونها، كان الوقت ضيقاً ولم يبق على الحج إلا ما يقارب أربعين يوماً فقط لا غير، وكانت العملية تحتاج إلى جهد وبذل ومسارعة، فاتفقوا على أحد الكتيبات، واتفقوا على شريطين. فهذا الرجل الذي طرح الفكرة ذهب إلى مطبعة معروفة ومشهورة وعرض عليهم طبع الكتاب، فقال: أريد منه مائة ألف نسخة، قالوا: لا مانع، ولكن لا بد أن تأتي لنا بإذن من المؤلف، والمؤلف يسكن في منطقة تبعد عن الرياض مسافة خمسمائة وخمسين كيلو متراً تقريباً، وكان يحدثهم قريب الظهر تقريباً، فقال: لا مانع سآتي بالإذن، فشغل سيارته وانطلق إلى المنطقة التي ذكرت مسافتها، ثم وقف على باب ذلك الرجل وطرق عليه بابه، لم يكن هناك اتصالات بالجوال، فقال له: أريد منك كذا وكذا، قال: تفضل ادخل، قال: لا، الوقت لا يسمح، يقول: والله لقد أخرج لي الورقة بالأذن وأعطاني إياها، وأنا واقف أمام بابه، ثم أخذت الورقة وعدت من حيث أتيت، وكان سفره بحدود أربع ساعات ذهاب، وأربع ساعات عودة، ثم ذهب إلى المطبعة وأعطاهم هذا الإذن بعد صلاة العصر، ثم بعد ذلك ذهب إلى التسجيلات، وهو رجل واحد، ومر على هذه وتلك والثالثة والرابعة، وكل منهم يقول: لا نستطيع أن نطبع لكم مائة ألف نسخة مستحيل ذلك لا يمكن؛ لأن لدينا ارتباطات والتزامات متعلقة بالحج، قال لهم: إذاً أوزع العمل، فكم أكبر قدر تستطيعون طبعها؟ فالذي يقول: نطبع عشرين ألفاً، والذي يقول: ثلاثين ألفاً، والذي يقول: أربعين ألفاً، والذي يقول: عشرة آلاف، والذي يقول: خمسة آلاف، فبدأ يسجلها إلى أن اكتمل رصيدها، ثم بعد ذلك بقيت إشكالية أن الكثير من الخرافات والبدع الموجودة عند هؤلاء القوم الذين قدموا من خارج هذه البلاد المباركة، لا يوجد كتاب يعالج كل هذه القضايا، فقال: نؤلف كتاباً، ولم يبق على المدة إلا أقل من أربعين يوماً، قالوا: لا يمكن هذا، قال: نبدأ، وفعلاً ألف الكتاب في عجلة، وخرج كتيب يشتمل على مجموعة فتاوى تطرق كل الأمور المنحرفة الموجودة في تلكم البلاد، ثم بعد ذلك بدأ التغليف، وجاء بمجموعة كبيرة من الشباب للقيام بمشروع التغليف، ثم جعلها في استراحة وبدأ العمل، وإذا به يملأ ثلاث (تريلات) بمائة ألف مظروف، انطلقت هذه (التريلات) إلى مكة، ولكنها منعت من الدخول؛ لأنها لا تحمل تصريحاً، والتصريح هنا لا بد أن يكون في الوقت المفتوح، فقالوا له: لو كانت مواداً غذائية ممكن، ولو كنت أتيت بتصريح مسبق فلا يوجد مانع، فكان ذلك خيراً، فانطلقت واحدة من (التريلات) إلى مطار المدينة، والثانية انطلقت إلى مطار جدة، وهذا كان أفضل وأعظم أثراً؛ لأن الحاج عندما يقدم ويعطى المظروف، قد يكون أثره ضعيفاً؛ لأنه مقدم على شيء مهم، فقد يرمي المظروف أو ينساه، لكن الآن انتهى من كل شيء، فسيأخذ المظروف ويأخذه في حقيبته، وربما يقرأ في الطائرة المتجهة به إلى بلاده، فوزعت كل هذه المظاريف على هؤلاء الحجاج. حسناً! لقد كان العمل كله دائراً على رجل واحد، وقد قابله أحد هؤلاء الأشخاص وقال له بعد فترة من الزمن: يا ترى! هل سددت المبلغ الذي عليك، قال: سددت نصفه، أي: نصف مليون، والله سبحانه وتعالى سيعين على تسديد الباقي. هذا رجل واحد انظروا كيف نفع الله به؟ وماذا فعل؟ وزع مائة ألف مظروف على مائة ألف أسرة، وربما كل أسرة تفيد غيرها من الأسر. إذاً: صورة عظيمة من صور العطاء تجعلنا فعلاً نحتقر أنفسنا عندما لا نقدم إلا النذر اليسير والشيء القليل.

وقفات مع بعض سلبيات العطاء والبذل

وقفات مع بعض سلبيات العطاء والبذل أيها الأحبة! قبل أن أنهي هذا اللقاء أريد أن أقف مع بعض سلبيات العطاء، حتى يأخذ الإنسان حذره ويتجاوزها، ويحاول أن يضع الشيء المناسب في المكان المناسب، ويضع المادة التي ينفقها في مكانها الذي يناسبها، حتى تؤتي ثمارها يانعة بمشيئة الله سبحانه وتعالى.

من الصور السلبية للعطاء والبذل وقوع المراكز الإسلامية في الغرب في أيدي أهل البدع باسم الانتخابات

من الصور السلبية للعطاء والبذل وقوع المراكز الإسلامية في الغرب في أيدي أهل البدع باسم الانتخابات ذكرت لكم صورة في البدء، وسأشير إلى صور أخرى. في أوروبا وفي أمريكا على وجه الخصوص، تقوم بعض الدول بإنشاء بعض المراكز الإسلامية فيها، فمثلاً: المملكة تنشئ في أمريكا مراكز إسلامية متكاملة، وبعض أهل الكويت يساهمون في إنشاء بعض المراكز، والمراكز التي هناك تخضع في بعض الأحيان -إذا لم تضبط- إلى عامل الإدارة المتجددة أو المتغيرة، بمعنى أن الذي يدير المركز هي إدارة تتخذ تباعاً، كل ثلاث سنوات أو أربع سنوات ينتخب في هذا المركز إدارة تديره وتشرف عليه، فتخيل أن مركزاً يكلف ملايين من الريالات، ثم تقام فيه الجوانب الدعوية المختلفة، ويضم عدداً كبيراً من أهل الحق الداعين إليه المتمسكين به، ثم تنتهي فترة الإدارة الحالية ولا بد من تجديد مجلس إدارة، والذي يحدث أنه إذا قررت طائفة منحرفة بعيدة عن الحق وخاصة تلك الطائفة التي تسب أبا بكر وعمر، فهذه الطائفة تبدأ في التجمع في تلكم المدينة شيئاً فشيئاً، فتستقر ولو لفترة مؤقتة، وبعض الطلاب ينقلون دراساتهم إلى الجامعة التي في المدينة التي فيها المركز، وبعض التجار ينتقلون، وبعض وبعض، حتى يكثر عددهم، ويلتحقون بهذا المركز حتى يكثروا، ثم عندما تبدأ الانتخابات إذا بفلان من أهل الحق ينتخب نفسه لإدارة المركز، لكن الذي يؤيدونه قلة، وفلان الآخر ينتخب نفسه من الطائفة المنحرفة، وإذا بالذين يؤيدونه كثرة كاثرة، ممن جاءوا من الولايات المختلفة، فينتخبونه رئيساً، ثم أميناً، ثم إماماً، ثم مؤذناً، وإذا بالمركز يخرج من أهل الحق إلى أهل الباطل، أليس هذا الأمر حاصلاً؟ أقول: نعم، إنه حاصل وبكثرة للأسف الشديد، وبعض الإخوة بدءوا يتداركونه الآن، ولكن بعد أن فلتت بعض المراكز من أيديهم، وصارت في أيدي أهل الباطل. إذاً: هذه نفقة بذلت وبذل فيها الكثير وعمل لأجلها الكثير، ومع ذلك بدلاً من أن تكون عامل بناء صارت عامل هدم للأسف الشديد، ولكن الانتباه بدأ يحصل والملاحظة بدأت تؤتي ثمارها، فبدأ التركيز على ألا تكون الإدارة بالانتخاب، ولكن بعد أن ضاعت بعض المراكز

من الصور السلبية للعطاء والبذل الاغترار بالظاهر وعدم التبين والتفحص

من الصور السلبية للعطاء والبذل الاغترار بالظاهر وعدم التبين والتفحص أيها الأحبة! من السلبيات أيضاً: جاءني أحد الأشخاص وقال لي: إنني أريد أن أبني مسجداً، وعندي مقاول من باكستان، وهذا المقاول أحبه وأتعامل معه منذ أمد بعيد، وهو رجل مخلص، فأعطيته المال لبناء مسجد، فقلت له: هذا الرجل الباكستاني، ما هو توجهه؟ ما هي حقيقته؟ قال: لا أعرف، لكنه من المحافظين على الصلاة معنا، قلت له: أعطني معلومات عن المنطقة التي يسكنها بدقة، فأعطاني المعلومات، وكان قد دفع للمقاول الباكستاني دفعة أولى، وقال: أنا الآن سأرسل الدفعة الثانية، قلت: توقف لا ترسلها، كانت دفعة كبيرة جداً، قلت له: لا ترسلها، فترة يسيرة، فذهبت وسألت وسألت فتبين لي أن المسجد سيبنى في منطقة كل أهلها من أهل البدع المكفرة، وسيبنى لهم هذا المسجد، وسيكون مناراً لهم في باطلهم، وهذا الإنسان الخيِّر المنفق يعرف من ظاهر هذا المقاول أنه إنسان صالح أو طيب، ولكنه لم يعرف الخفايا، لذلك جئت وأخبرته بالوضع كاملاً، فتوقف عن النفقة ولله الحمد والمنة، فقلت له: إذا أردت أن تضع مالك فضعه في المكان المناسب بعد أن تسأل وتتحقق من الأمر.

من الصور السلبية للعطاء والبذل عدم اقتران العطاء بالدعوة

من الصور السلبية للعطاء والبذل عدم اقتران العطاء بالدعوة هناك إشكالية أخرى تحصل فيما يتعلق بالنفقة، بعض الأشخاص يذهبون إلى مناطق كثيرة في دول العالم لإعطاء المساعدات العينية، فيعطون أياً كان يتسمى باسم الإسلام، يعطونه الغذاء ويعطونه الكساء، وهذا أمر طيب، ولكن الإشكالية أنهم لا يقرنون العطاء بالدعوة، ولا يقرنون العطاء بدراسة الحالة الدعوية ودراسة الحالة العقدية، أو الحالة الدينية لهذا المجتمع الفقير الذي يراد به النهوض اقتصادياً على الأقل، فلا بد أن نقرن بين العطاء المادي وبين العطاء الفكري والديني والعقدي، حتى يتواءم هذا وهذا، ويمشي هذا مع هذا، بحيث عملنا وعطاؤنا اقتصادياً وفي نفس الوقت شرعياً دينياً، وهذا الأمر لا بد أن ننتبه له؛ لأننا وللأسف الشديد نرى الكثير والكثير الذين يركزون على قضية الإصلاح الاقتصادي ولا يركزون على قضية الإصلاح الشرعي لأمثال هذه المجتمعات. هذا ما لدي حول هذه المسائل المتعلقة بالعطاء، أسأل الله سبحانه وتعالى بمنه وفضله وكرمه أن ينعم علينا بالنعم الكثيرة، وبالآلاء الجسيمة، وأن يجعلنا ممن ينفق وممن يعطي، وممن لا يبخل ولا يشح، وأن يجعلنا ممن يجعل المال في يده لا في قلبه، وأن يجعلنا من المنفقين بالليل والنهار، ومن المستغفرين بالأسحار، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

الأسئلة

الأسئلة

حكم الإنفاق للمال بنية أن الله يضاعفه ويزيده

حكم الإنفاق للمال بنية أن الله يضاعفه ويزيده Q إذا تصدق الإنسان بنية أن الله يضاعف أمواله، كما ورد في الحديث، فهل تعتبر تلك الصدقة خالصة لوجه الله عز وجل؟ A يبدو لي والله أعلم، أنها قد لا تكون خالصة؛ لأن الذين ينفقون لا بد أن تكون أمام ناظريهم قاعدة وهي: أنهم لا يريدون بعطائهم جزاءً ولا شكوراً، وإنما ينفقون ابتغاء مرضاة الله سبحانه وتعالى، وقضية المضاعفة التي ستأتي بدل ما أنفق هذه ستكون مسألة جانبية، أو مسألة جزئية، لكن أن يجعلها الإنسان أصلاً، بمعنى أنني أنفق حتى يزداد مالي، وأنفق حتى تكثر أموالي، فقد تكون هناك لوثة من عدم الإخلاص أثناء النفقة، هذا الذي أقوله، والله أعلم.

نموذج من البرامج العملية في الإنفاق على الدعوة إلى الله عز وجل

نموذج من البرامج العملية في الإنفاق على الدعوة إلى الله عز وجل Q أرجو عرض بيان بعض البرامج أو الأعمال العملية في الإنفاق على الدعوة إلى الله عز وجل؟ A والله يا أخي الفاضل قضية الإنفاق فيما يتعلق بالواقع المعايش المعاصر الآن واقع متشعب، وواقع متغير، بمعنى أن كل مال ستنفقه ستجد أن هناك عشرات ومئات المواقع التي يمكن أن تستثمر فيها هذا المال الذي تملك، فأعطيك مثالاً على هذا: في أحد الأيام قرر أحد الأشخاص الاستفادة من (الإنترنت) في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، فطلب من أحد المواقع إعطاءه البريد الإلكتروني للمشاهير، وفعلاً موقع (ياهو) يملك هذا الأمر، فأعطاه البريدات الإلكترونية المسجلة لديه لمئات المشاهير، سواء كانت سياسة أو اقتصاد أو فن أو حتى في مسائل الفساد بأكملها، يقول هذا الشخص: فأخذتها، ثم بعد ذلك قررت أن أرسل لهم رسائل ليست باليد، لكن بالبريد الإلكتروني، يقول: وبدأت أراسلهم، ثم بدأت أدخل كتباً وأشرطة ومطويات في الكمبيوتر، ثم بعد ذلك أرسلها إلى أولئك، ولا تتصور كم كانت ردت الفعل عندهم، لقد كانت عجيبة جداً. أنا لا يمكن أن أشرحها الآن، لكن سأشرح لكم واحدة فقط مما فعله هذا الإنسان، يقول: كان من ضمن المراسلات مراسلة رجل اشتهر في الفلبين بأنه أعظم مجرم في ذلك البلد، وقد قبض عليه وأودع في السجن الانفرادي، وعليه حراسة مشددة لا يمكن أن تكون موجودة حتى على قصر رئاسة الجمهورية؛ لأن لهذا المجرم أتباعاً بالآلاف، فيخشون من هجوم مضاد لتخليص رئيسهم، فأرسلنا له رسالة، وأول رسالة أرسلناها له باعتبار أنه من المشاهير، رسالة فيها دعوة إلى الصبر والتحمل، وليس فيها أي إشارة إلى الإسلام، دعوة إلى الصبر والتحمل والنظر إلى الآخرين، وذكرنا له أن هناك مساجين في كل مكان، وأنه. وأنه. فلا تصاب باليأس ولا تصاب بالقنوط والإحباط، لأننا نخشى أننا لو جابهناه بالدعوة مباشرة أن يرد علينا رداً قبيحاً وسيئاً، وينقطع التواصل، فرد علينا رداً برسالة رقيقة يشكر فيها على هذه الرسالة، ويقول: أعطتني دفعة معنوية قوية، وأنا في الحقيقة أشكركم، ووجدت فيها حقيقة نقلة غير متخيلة، فقد كنت أفكر في الانتحار، وعندما جاءتني هذه الرسالة عدلت عن رأيي، فيقول: استغلينا هذا الأمر وبدأنا المراسلة معه، يقول المتحدث: وبعد فترة من الزمن سافرت إلى مكة، ثم عدت إلى المكان الذي كنت أتعاون فيه مع الإخوة، وإذا بهم يأتون بجريدة من جرائد الفلبين وفيها أن فلان بن فلان المجرم المشهور المعروف يعلن إسلامه. فانظروا! هذا جهد من الجهود، صحيح أنه جهد يحتاج إلى مال، لكنه مال يسير، لكن انظروا ما هي الثمار المقطوفة؟ إنها ثمار عديدة. إذاً: تبقى قضية الثمار لا يمكن أن نتحدث عنها؛ لأن أبوابها عظيمة وكثيرة جداً، وتستطيع أن تجالس الذين يعملون في مكاتب الدعوة، والذين يعملون في حلقة حفظ القرآن، والذين يعملون في دور تحفيظ القرآن النسائية، والذين يعملون في الجمعيات الخيرية المعروفة، في جمعيات البر، في جمعية مؤسسة الشباب الإسلامي، في المنتدى، جمعية الحرمين، وغيرها، كل ذلك يحتاج إلى المال حتى تسير المشاريع المختلفة التي عصبها هو المال.

هم الإسلام من يحمله؟

هم الإسلام من يحمله؟ المسلم لا يجعل الدنيا دائماً نصب عينيه، بل يتجه بكل أعماله المهمة إلى الآخرة، ويجعل همه الأول هو نصرة هذا الدين ونشر الدعوة الإسلامية في كل مكان، فإن للأعداء هموماً في محاربة الإسلام وأهله.

الهم الذي يحمله المسلم لنصرة دينه

الهم الذي يحمله المسلم لنصرة دينه إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى أصحابه ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين.

فرح النبي صلى الله عليه وسلم بقدوم جعفر

فرح النبي صلى الله عليه وسلم بقدوم جعفر إن هذه النقاط التي ستناقش وستطرح، تهم الجميع صغاراً وكباراً ذكوراً وإناثاً، علماء ومتعلمين بل وحتى العامة، فالجميع يهمه هذا الموضوع. ففي السنة السابعة من الهجرة، عندما انتهى الرسول صلى الله عليه وسلم من حرب اليهود في خيبر، بعد حرب ضروس ومعارك دامية وجهاد كبير، فرح المصطفى صلى الله عليه وسلم بفتح خيبر، وباستسلام يهود فدك وتيماء، وجمعت الغنائم فأغنى الله أهل المدينة، وتيسر عيش أهل الصفة؛ لكثرة ما حصلوا من غنائم، وفرح المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما رأى البشر يعلو وجوه هؤلاء الفقراء وهؤلاء الأطفال الصغار؛ لما حباهم الله من رزقه سبحانه وتعالى. في هذه اللحظة يطرق باب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيخرج عليه السلام ليعرف من في الباب، فقال: أنا جعفر، فذهل عليه السلام حين سمع هذا الصوت الذي افتقده سنين طوالاً، فأخذ عليه السلام رداءه يجره خلفه -لم يلبسه من شدة استعجاله وفرحه بهذا الذي قدم- إنه جعفر ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، قائد المؤمنين الصابرين في الحبشة، وفتح النبي صلى الله عليه وسلم الباب ونظر إليه والبشر يتهلل من وجهه، ثم ضمه إليه، وقبله بين عينيه، ثم أطلق كلمته المشهورة: (لا أدري والله بأيهما أفرح: بفتح خيبر أم بقدوم جعفر) لقد عادل فرحه صلى الله عليه وسلم بقدوم جعفر فرحه بفتح خيبر. وهذا يدل على أن لـ جعفر منزلة ومكانة في قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم، إذ رحب به واحترم جهده وجهاده، ثم بعد فترة وجيزة أصدر الرسول صلى الله عليه وسلم أمراً بأن يعطى جعفر إمرة جيش مؤتة الذاهب إلى قتال الروم أقوى جيش في ذاك الزمان، ويقول عليه الصلاة والسلام: (إن قائدكم هو زيد - زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم- فإن أصيب فـ جعفر بن أبي طالب، فإن أصيب فـ عبد الله بن رواحة، فإن أصيب فارتضوا لأنفسكم قائداً). وقول المصطفى عليه السلام: (فإن أصيب)، فيه دلالة على أن جعفراً سيموت، ما هذا يا رسول الله؟ قدوم جعفر بعد عنائه وتعبه وجهاده يتطلب منه الراحة والجلوس ليبني مستقبله ويربي أولاده، ويهتم ببيته وأرضه؟ لكن لا، بل ذهب جعفر قائداً مساعداً لـ زيد بن حارثة، حتى إذا قتل زيد قاد خضم هذه الغزوة جعفر، فإن قتل فقائدها عبد الله بن رواحة. عجيب أمرك يا رسول الله! فمن هذا المنطلق أيها الأحبة ومن هذه القصة العجيبة نتحدث عن عنوان محاضرتنا لهذه الليلة، والتي تأخذ مسمى: ما الهم الذي تحمله أيها المسلم؟ ماذا حمل الرسول صلى الله عليه وسلم من هم؟ هل حمل هم أن يعطي جعفراً الضياع والقصور ليعيش منعماً؟ لا. بل إن حمل راية الإسلام ونشر دعوته في أرجاء المعمورة، هو الهم الأول والأخير بالنسبة للمصطفى صلى الله عليه وسلم. فعلى الرغم من مكانة جعفر في قلبه إلا أنه قدمه قائداً مساعداً، بل وقال لصحابته: (فإن أصيب) وهذا دلالة على أنه سيقتل، وقد مات شهيداً رضي الله تعالى عنه وأرضاه.

ذكر قصة قائد طائرة وأخذ العبرة من ذلك

ذكر قصة قائد طائرة وأخذ العبرة من ذلك يحكى أنه كان هناك قائد طائرة من مصر، كان كثير الأسفار بحكم عمله وقيادته للطائرة المدنية، فكان ينزل في كل بلدة، وفي كل مدينة، وتعرفون أن حال هؤلاء ارتباط بمضيفة ونساء وفساد، وقد ضم هذا القائد إلى ما كان يقترف من هذه المفاسد، حباً شديداً للغناء والعزف، فكان يعزف جملة من الآلات الموسيقية، فإذا جاء إلى بلدة اجتمع مع شلة من أصحابه، فبدأ يحدثهم عن مغامراته ثم يبين لهم ماذا فعل في سهرته. وبعد أن ينتهي يبدأ العزف والتصفيق والتصفير والغناء، وكان هناك صديق قريب له يأتي إليه فيسلم عليه، ولا يسأله إلا سؤالاً واحداً: من أين جئت؟ فيقول: من ألمانيا، من سويسرا، من اليابان، من الهند، من إندونيسيا، من كذا وكذا من الدول، ثم يقول له: كيف حال المسلمين في ذاك البلد؟ فيقول: بخير، إجابة عامة؛ لأنه لا يعرف أصلاً كيف حالهم، ولا يعلم ماذا يحصل لهم. فكان يجيبه بهذه الإجابة المكررة الروتينية فجعل يتضايق منها. فقال في يوم من الأيام: لماذا لا آتي بإجابة فيها بعض التفصيل، فدخل أحد المراكز الإسلامية، في إحدى الدول الأوروبية، وجمع بعض المعلومات، والتقى ببعض القائمين على المركز، وفرح بهذه المعلومات، ورأى على وجوههم البشر والصبر والطاعة، على الرغم من أنهم يعيشون في مجتمعات كافرة، إلا أن نور الطاعة يشع من وجوههم، يصابرون ويصبرون وينشرون الدعوة، بالرغم من المحاربة والجهد والجهاد الذي يبذلونه. وبعد أن جمع المعلومات وجاء إلى مصر، جاءه السؤال الروتيني المعتاد: كيف حال المسلمين في ذاك البلد؟ فانبرى يجيب؛ لأن المعلومات توافرت: زرت المركز كذا، وعندي كذا من المعلومات، وعندي وعندي وعندي، ويتضايق هؤلاء من كذا, ويفرحون بكذا. فقال له صديقه: ما رأيك أن تذهب إليهم وتزورهم بين فينة وأخرى، وتتكفل بمساعدتهم، أنا سأعطيك وسأساعدك، لماذا لا نتعاون في جمع كتب ومصاحف، ونجمع مالاً فندعمهم شيئاً فشيئاً، وهكذا استمر هذا الطيار في جمع المعلومات وإيصالها إلى قريبه فكانت ردة الفعل أن ساهما في إصلاح المركز ودفعه إلى الأمام وفي نهاية المطاف رأى الطيار أن حياته السابقة في التراب أو تحت التراب. أما حياة قريبه المهتم بأمور المسلمين فكانت في الثريا في السماء، فرأى بوناً شاسعاً بين الحياتين، ورأى فرقاً شاسعاً بين المعيشتين، فقرر الانتقال إلى العلو وترك القاع، فترك كل اهتماماته السافلة التافهة، وبدأ يهتم بهذه المراكز الإسلامية وبالدعوة. إذاً: هذه الصورة القديمة من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهذه الصورة الحديثة حكاية هذا الطيار، تدعونا إلى التوقف مع الهم الذي تحمله أنت أيها المسلم.

النقاط التي تدعونا إلى حمل هموم المسلمين

النقاط التي تدعونا إلى حمل هموم المسلمين إن الذي يدعونا لطرق هذه المسألة من خلال الأمثلة السابقة، وما سيلحقها من أمثلة، نقاط متعددة:

النقطة الأولى الهم الذي يحمله كل مسلم

النقطة الأولى الهم الذي يحمله كل مسلم أولها: أن هذا الموضوع -أي: الهم الذي يحمله كل مؤمن- مهم جداً لجميع الناس، للذكر والأنثى، للصغير والكبير، للرجل والمرأة للعالم والمتعلم، فلابد أن يكون هذا الأمر مناقشاً ومدروساً؛ لأنه لا يمكن أن يوجد إنسان على وجه هذه البسيطة إلا وفي قلبه وفكره وكيانه هموم تشغله، وتأخذ جزءاً كبيراً من وقته. فكل إنسان له هموم، ليس المقصود بها الأمراض النفسية أو الأمراض الداخلية، بل المقصود بها: الأمر الذي يشغله ويحاول أن يحققه ويصل إليه، فمن الناس من همه البحث عن زوجة، أو البحث عن بيت، أو البحث عن مركبة، أو البحث عن وظيفة وغير ذلك. ومن الناس من عنده هموم في الشهوات والمتع وغير ذلك، فكل لا يخلو من هم. إذاً: هذا هو السبب الذي يدعونا لمناقشة هذه المسألة بشكل أكثر تفصيلاً.

النقطة الثانية كثرة أهل الصلاح

النقطة الثانية كثرة أهل الصلاح النقطة الثانية التي تدعونا لهذا الأمر: كثرة أهل الصلاح. فأهل الصلاح كثيرون، ولكن -وللأسف الشديد- نتائجهم قليلة، فتجد الفساد منتشراً وبارزاً في كل مكان، بالرغم من أن أهل الصلاح كثيرون وفي كل مكان. وسبب ذلك: أن الكثير من أهل الصلاح قد ضعف هم الدعوة إلى الله، وهم إصلاح الذات، وهم تربية الأسرة ونشر الإسلام؛ في قلوبهم. ولذلك عندما حصل غزو العراق للكويت، وجاءت القوات الأمريكية، قام بعض الإخوة بدعوة بعض من الضباط الأمريكيين، ومن أصول هذه الدعوة: أن يذهب بهم إلى مكة لتأدية العمرة، فالتقوا الشيخ صالح بن حميد إمام الحرم، وكان عميداً لكلية الشريعة في ذلك الحين، وألقى عليهم محاضرة، وعندما انتهت المحاضرة المترجمة قام أحد الضباط وأخذ يبكي في القاعة، ويقول: كل هذا الخير عندكم، وكل هذا النعيم عندكم، وكل هذه الراحة النفسية عندكم، ما ذنب أبي وأمي وأخي الذين ماتوا على الكفر، إنهم في النار، والسبب هو أنتم، عندكم كل هذا الخير وتكتمونه، عندكم كل هذا النور وتغلقون عليه الأبواب؟! وقد كان صادقاً فيما يقول بل هو محق فعلاً!! إذاً: أهل الصلاح كثر لكن النتائج قليلة، والواقع يشهد بذلك، فقد كان هناك رجل كبير في السن، وكان لا يجلس إلا في أول المسجد خلف الإمام، وفي يوم من الأيام تأخر عن الصف الأول، إذ حضر إلى المسجد، فوجده ممتلئاً بشبان صغار، وكانوا من شباب حلقات المسجد ومكتبته، أراد أن يجلس لكنه لم يجد مكاناً وكان رجلاً يغضب بسرعة، فنظر إليهم شزراً، وقال لهم: أيها الشباب! أنتم الآن تدعون أنكم ملتزمون، وتدعون أنكم أهل صلاح، ولكن أين آثاركم؟ إنني أسكن بجوار المسجد، وبجواري أبنائي الثلاثة، لكل واحد منهم دش يحمل عدداً كبيراً من المحطات الفضائية، وكم مرة سألت أولادي: هل أعطاكم أحد نشرةً، هل أعطاكم أحد شريطاً، هل أعطاكم أحد كتيباً، هل ناصحكم مشافهةً أو غير مشافهة في هذا الشر الذي وضعتموه على سطوحكم، فكلهم يجيبون بالنفي. أين خيركم؟ أين نفعكم؟ أين أثركم؟ يتحدث بغضب، فهذا الأمر وللأسف الشديد موجود.

النقطة الثالثة وجوب ظهور أثر هذا الهم على من يحمله

النقطة الثالثة وجوب ظهور أثر هذا الهم على من يحمله النقطة الثالثة: أن من اهتم بشيء فلا بد أن يظهر أثره عليه، لابد أن يظهر على ابتسامات وجهك وفلتات لسانك وسلوكياتك وتصرفاتك وعلى أسلوب تعاملك مع الآخرين، بل يظهر على قربك وبعدك من الله سبحانه وتعالى، إذاً: ظهور أثر الهم على الإنسان أمر بين وواضح، وبالتالي فالذي يهتم ببناء بيته، تجد ذكر بيته دائماً على لسانه وفي قلبه أمام الآخرين، دائماً يتحدث بهذا وباستمرار ولا يفكر إلا فيه. يذكر أن عمر رضي الله تعالى عنه وأرضاه، صلى يوماً من الأيام صلاة المغرب ولم يجهر بها، وخلفه صفوف عدة، فعندما انتهى من صلاته بهم قالوا له: لماذا لم تجهر بنا يا أمير المؤمنين؟ قال: ألم أجهر؟ قالوا: لا، ما جهرت بنا، قال: والله لقد أشغلني تنظيم وترتيب الجيش الذي سيتجه إلى قتال الفرس في القادسية، هذا الذي أشغله، وهذا الذي أخذ عليه فكره، فلم يدر: هل صلى جهراً أم سراً؟ إذاً: يظهر الأمر على قسمات الوجه وفلتات اللسان وعلى السلوكيات، بل حتى العبادة. ونحن الآن في صلواتنا ننشغل، لكن شتان بين الانشغالين، فالفرق بينهما أبعد مما بين المشرق والمغرب.

النقطة الرابعة عدم تقدير كثير من الدعاة لفقه الأولويات

النقطة الرابعة عدم تقدير كثير من الدعاة لفقه الأولويات أما النقطة الرابعة التي تدعونا لمناقشة هذا الموضوع فهي: عدم تقدير كثير من الدعاة لفقه الأولويات، بل وكثير من الناس -لا أقول الدعاة فقط- لديه خلل في فقه الأولويات. فتجد الإنسان يركز على قضية الوظيفة ويهتم بها اهتماماً كبيراً جداً، ولكنه يفرط في تربية أولاده وفي حقوق زوجته ودعوة جيرانه، ويفرط في دعوة أقربائه، وتجد في نهاية المطاف أنه حصل على أمور الدنيا بشكل بين ومميز، لكن هؤلاء الأولاد والأحفاد بل والزوجة والإخوة والأخوات قد انفلتوا من بين يديه؛ وذلك لأن الأولويات فيها خلل، فلابد من مراعاة هذا الجانب.

النقطة الخامسة كثرة الشباب الذين يحملون الهموم الدنيئة السافلة

النقطة الخامسة كثرة الشباب الذين يحملون الهموم الدنيئة السافلة أما النقطة الخامسة التي تدعونا لمناقشة هذا الموضوع فهي: كثرة الشباب الذين لديهم هموم ولكنها دنيئة وسافلة وتافهة جداً. وقد رأيت من هؤلاء الشباب من يأخذ الجريدة ويشتريها، ثم بعد ذلك يأخذ منها الصفحة الرياضية صفحتين أو ثلاثاً أو أربعاً، ويرمي بالباقي في المزبلة. فتراه لا يتطلع حتى على عناوين الأخبار ذات الخطوط العريضة، فهو لا يلقي لها بالاً، بل يرميها مباشرةً ويأخذ الصفحتين ويذهب إلى البيت فيا له من اهتمام صعب فعلاً! هم ولكنه هم دنيء! وهذا الهم الدنيء جعل هذا الشاب يفعل هذا الفعل، وما أكثر الذين يسيرون على هذا المنوال. إذاً: نحن نناقش هذا الموضوع لنوجد له حلولاً مطروحة، فإنه لا يلزم أن يكون هذا اللقاء لإيجاد الحلول. وفي هذه المحاضرة سيكون الطرح قصصياً لن أعلق عليه إلا نادراً، واستنتاج العبرة وأخذ الفكرة وتطبيق ذلك عليك أنت مع أسرتك، أجعل ذلك لك أنت، فبذكائك وفطنتك تستطيع أن تطبق.

قصة نوح عليه السلام

قصة نوح عليه السلام تعرفون نوحاً عليه السلام، لكن تخيل معي لو أنك داعية إلى الله في بيتك -وكلنا دعاة في بيوتنا بلا استثناء- فإذا بك تفكر في جارك، أو في ابنك، أو في قريبك الذي انحرف عن جادة الصواب، وأردت أن تدعوه، وبدأت تدعو حتى أمضيت خمس سنوات وأنت تدعو باستمرار، وفي نهاية المطاف استجاب لك هذا القريب وصلح حاله، فإنك ستقول: وا أسفاه على الوقت، لقد أمضيت وقتاً طويلاً جداً خمس سنوات في الدعوة، وفي النهاية التزم رجل واحد. لكن نوحاً عليه السلام أول المرسلين، أمضى تسعمائة وخمسين سنة وهو يدعو إلى الله، يدعو الآباء، ثم يدعو الأبناء، ثم يدعو الأحفاد، فقد قال عليه الصلاة والسلام واصفاً هؤلاء: {وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح:27]، وهذا فيه دلالة على أنه يعاصر الأجيال باستمرار، تسعمائة وخمسين سنةً وهو يدعو ويبذل، وكانت النتيجة بشكل عام: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} [هود:40]. يذكر بعض علماء التفسير: أن عددهم مائتين والبعض يذكر مائة، وبعضهم قال: عشرة رجال فقط في تسعمائة وخمسين عاماً، يعني: كل خمس وتسعين سنةً واحد فقط، وهو نبي الله نوح ليس أنا ولا أنت، بل هو نبي الله نوح أول المرسلين عليه السلام. ومع ذلك فلم ييأس ولم يكل ولم يتوقف، حتى جاءه الأمر الإلهي، قال سبحانه وتعالى: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هود:36]. وهنا انتهى الأمر وتوقفت الدعوة بعد تسعمائة وخمسين سنةً بدون يأس، أليس لنا في ذلك دروس وعبر؟ أليس هذا الهم الذي حمله نوح عليه السلام يعطينا دروساً في أن نجعل هم الدعوة وهم الإسلام ونشر الخير هو الأصل في جميع تفكيرنا؟

قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع زعماء قريش في رفضه ما عرضوه عليه

قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع زعماء قريش في رفضه ما عرضوه عليه هذا الرسول صلى الله عليه وسلم جاءه عمه وقال: يا محمد! عندي لك مشروع ناجح ومثمر، فجاء عليه الصلاة والسلام مسرعاً مستبشراً، وإذا بكفار قريش في المجلس: أبو جهل، أبو لهب، أبو سفيان، العاص بن وائل، وفلان وفلان فقالوا له: اسمع يا محمد. إن كنت تريد أن تكون ملكاً علينا فأنت الملك، وإن كنت تريد أن نزوجك أجمل بنات قريش فاختر من شئت ونحن نزوجك، وإن كنت تريد أن تكون أغنانا جمعنا لك من الأموال حتى تكون أغنانا مالاً. فلم ينتهز الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الفرصة، ولو كنا مكانه لانتهزناها، ولكن المصطفى عليه الصلاة والسلام كان نظره إلى غير هذا، فنظر إلى عمه ونظر إلى هؤلاء، وقال: (يا عم! والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يتمه الله أو أهلك دونه).

قصة النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته لأهل الطائف

قصة النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته لأهل الطائف خرج عليه الصلاة والسلام إلى الطائف، حين رفضت قريش الدعوة واستهزأت به، فماذا يفعل النبي صلى الله عليه وسلم؟ هل يتوقف؟ يغلق الأبواب؟ لا، بل أخذ يفتح أبواباً أخرى، والأبواب كثيرة، فاتجه عليه الصلاة والسلام إلى الطائف، والتقى ببني عبد ياليل بن عمرو من زعماء الطائف، ودعاهم إلى الله عز وجل؛ فماذا قالوا له؟ أما الأول: فقال له: إنني أمزق أستار الكعبة إن كان الله بعثك. وقال الثاني: أما وجد الله أحداً يبعثه غيرك. وقال الثالث: والله إن كنت صادقاً لأنت أجل في عيني من أن أكلمك، وإن كنت كاذباً لأنت أحقر في عيني من أن أكلمك. فهو لا يريد أن يكلمه بأي صورة من الصور سخريةً في الإجابة ورداً سيئاً، فقال لهم عليه الصلاة والسلام: إذاً: اكتموا علي، لكن هل كتم عنه هؤلاء المجرمون؟ لا، بل أغروا سفهاءهم وعبيدهم وصبيانهم، بأن يرجموا المصطفى صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم بالحجارة حتى سال الدم من عقبيه وعندها لجأ إلى حائط لـ عتبة بن ربيعة، ثم بعد ذلك رجع إلى مكة. وقبيل وصوله إلى مكة أتاه جبريل فسلم عليه وقال: يا محمد! هذا ملك الجبال معي -كما صح ذلك في البخاري - فسلم عليه ملك الجبال وقال: (يا محمد! لقد علمت ماذا فعل بك قومك، والله لو شئت لأطبقت عليهم الأخشبين) -جبلي مكة- يطبقه على أبي جهل وعلى أبي لهب وأمثالهما. ولو شاء النبي صلى الله عليه وسلم لانتهز الفرصة وقال: هؤلاء أهل إجرام، هؤلاء فسقة كفرة وفجرة، ليس لهم علاج إلا هذا، اللهم أهلكهم، اللهم دمرهم، ولكنه لم يقل ذلك عليه الصلاة والسلام. فانظروا إلى هم الدعوة، وانظروا إلى هم حمل الإسلام، قال: (لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً). الله أكبر، لنا في رسول الله أسوة، ولنا في رسول الله قدوة، ولنا في رسول الله منهج، فهل أخذناه أم لا؟ يقول ابن حزم رحمه الله: لو لم يكن للمصطفى صلى الله عليه وسلم معجزة إلا سيرته لكفاه.

قصة ارتداد العرب عن الإسلام بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم

قصة ارتداد العرب عن الإسلام بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم عندما ارتدت قبائل العرب، وفكرت في غزو المدينة وتدميرها واحتلالها، وتكوين ملك خارج نطاق قريش، جاء الناس وعلى رأسهم الصحابة إلى أبي بكر الصديق ذلك الرجل العظيم، الذي لا نعرف له حقه، فإنه عندما مات الرسول صلى الله عليه وسلم بفترة وجيزة قالت عائشة: إن والدي مات تأثراً بوفاة المصطفى عليه الصلاة والسلام. تقول عائشة رضي الله عنها: عندما مات عليه السلام صار والدي يذوي جسده وقلبه وكيانه وضميره إلى أن هلك تأثراً، وحق له أن يتأثر، لأن الذي مات هو الرسول صلى الله عليه وسلم، بأبي هو وأمي ونفسي. جاء الصحابة إلى الصديق رضي الله عنه وقالوا له: إن العرب ارتدت بقولها: لن ندفع الزكاة، وإنما نصلي ونصوم ونحج ونشهد الشهادتين، لكننا لن نزكي، فهل نتركهم فترة حتى تنتظم أمورنا، وحتى تذهب الصدمة التي أصابتنا من ذهاب الرسول صلى الله عليه وسلم من بين أظهرنا، وبعد ذلك نرد عليهم ونجازيهم، فقال رضي الله تعالى عنه وأرضاه: والله لو منعوني عناقاً -وفي رواية أخرى: عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه -والعناق: صغار المعز، والعقال: ما يربط به قدما البعير-. وهكذا كان هم بقاء الإسلام صافياً ناصعاً ظاهراً بارزاً كما أصله محمد صلى الله عليه وسلم في فؤاد الصديق رضي الله تعالى عنه.

قصة عزم أبي بكر الصديق على إنفاذ جيش أسامة

قصة عزم أبي بكر الصديق على إنفاذ جيش أسامة وفي نفس اللحظة عاش الصديق موقفاً عصيباً رهيباً إذ قالوا له: يا خليفة رسول الله! إنا سنقاتل هؤلاء المرتدين، فاترك جيش أسامة في المدينة يساهم معنا في القتال، لماذا تسيره إلى الشام لقتال الرومان؟ دعه في المدينة حتى يكون ردءاً ويكون معيناً ومساعداً لقتال هؤلاء المرتدين، فقال أبو بكر الصديق: أمرني الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بأن أسير جيش أسامة، ولا أسيره؟ والله لو قامت الكلاب بالهجوم على المدينة، وأخذت بأرجل أمهات المؤمنين إلى خارج المدينة لأسيرن جيش أسامة، فسار جيش أسامة. فقالت العرب: هؤلاء المسلمون في المدينة لم يلقوا لنا بالاً ولم يهتموا بنا، وإلا لما سيروا جيشاً إلى الروم، وبالتالي تراجعوا وخافوا فكانت خطةً عظيمة من هذا الرجل العظيم الذي لم نعرف له حقه. وقد كان الصديق رضي الله تعالى عنه وأرضاه حريصاً على ألا يأكل إلا حلالاً، كيف لا؟ وهو يسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما جسد نما من سحت فالنار أولى به). فقد جاءه غلام له بلحم فأكل منه، وكان رضي الله تعالى عنه لا يشرب شيئاً ولا يأكل شيئاً إلا بعد أن يسأل ممن هذا؟ ومن أين مصدره، فقال لغلامه بعد أن أكل بعضاً من قطيعات اللحم: من أين جئت بهذا اللحم؟ قال: لقد تكهنت لأناس في الجاهلية فأسلموا، وعندما رأوني أعطوني قطعة من اللحم فطبختها لك وأكلتها، فأدخل الصديق يده في فمه وقاء اللحم، وكاد يموت من شدة القي، فقالوا: يرحمك الله يا خليفة رسول الله! لقد كدت تهلك نفسك، قال: والله لو لم تخرج هذه القطعة من اللحم إلا ومعها روحي لأخرجتها. نعم يقول ذلك؛ لأنه يريد أن يرافق الرسول صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم. فإنه لو لم يهتم بهذه المسائل لكان بينه وبين المصطفى عليه السلام بعد المشرقين.

قصة عمر في استلامه مفاتيح بيت المقدس

قصة عمر في استلامه مفاتيح بيت المقدس عندما ننتقل إلى سيرة عمر فإنها سيرة عجيبة، وفيها من المواقف الغريبة في هم الدعوة الشيء الكثير، فقد اتجه عمر رضي الله تعالى عنه إلى تسلم مفاتيح بيت المقدس، ولعلي ركزت على هذه القصة بالذات لأننا نعيش الآن أحداث إخواننا في فلسطين، ضد هؤلاء اليهود أحفاد القردة والخنازير. هذا الغليان ينبغي أن نتفاعل معه بأرواحنا، ونتفاعل معه بدعائنا وأموالنا، لعل الله يجعل هذه الكوكبة الصغيرة من الأطفال الصغار هي بداية إعلان الجهاد على هذه الأمة المجرمة. أقول: عندما اتجه الفاروق رضي الله تعالى عنه إلى بيت المقدس، كان معه غلامه، وكان معه بعير يعتقبه مع غلامه، وعندما اقترب وصولهما إلى المنطقة التي فيها قادة النصارى، كان الدور في ركوب البعير للغلام، فقال الغلام: لا يا أمير المؤمنين! اركب أنت، قال: لا والله لا أركب، بل تركب إلى أن نصل إليهم وأنا القائد. عمر يقود البعير، والغلام عبد رقيق راكب، ما هذا؟! إنها عزة الإسلام، وعندما كاد يقترب والناس كلهم يرونه القيادات المسلمة والنصرانية اعترضته ماء مخاضة نتيجة لمطر، فرفع عمر رضي الله عنه ثوبه وخاض المخاضة، والتصق الطين بساقيه، وعندما رآه أبو عبيدة عتب عليه، فقال عمر لـ أبي عبيدة: يا أبا عبيدة! لو كان ذلك من غيرك، نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله، فهذا أمير المؤمنين عمر هل قابل زعماء بيت المقدس بأحسن هيئة، وبأحسن وصف؟ لا، بل قابلهم بثياب السفر التي عليه، ثوب فيه اثنتا عشرة رقعة! فإذا قلت: هل هو بخل أو فقر؟ ف A كل ذلك لا، فهو يحصل على ماله ولكنه يتصدق به، وعندما يعاتب على ذلك يقول: لقد سبقني صاحباي، ولا أريد أن أتأخر عنهما بهذه الزخارف. أيها الأحبة! لو وقفنا مع قصص الصحابة الكرام لما مللنا قراءة قصصهم، ولا يمل الإنسان من الاطلاع على سيرهم؛ لأن فيها العجب العجاب وفيها التربية والدروس والعبر.

قصة البراء بن مالك في معركة اليمامة

قصة البراء بن مالك في معركة اليمامة إن البراء بن مالك أخ لـ أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الرجل قال فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم: (رب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره، منهم البراء بن مالك). قاد خالد بن الوليد الجيوش المتجهة إلى منطقة نجد في اليمامة لقتال مسيلمة الكذاب، وإذا بـ مسيلمة ينهزم ويدخل في حديقته المسورة، مكث فيها هو وجيشه البالغ عدده ثلاثون ألف رجل، ليرتاحوا قليلاً، ولينظموا أمورهم، ويعيدوا ترتيب أوراقهم، وبعد ذلك يهاجمون المسلمين. فقال أبو دجانة لـ خالد بن الوليد: اجعلني على ترس، واجعل الترس على رءوس الرماح، ثم احملني وألقني عليهم، فرفض خالد فأصر أبو دجانة، ففعل به ذلك، فسقط أبو دجانة على الجيش، فقاتل وحاول أن يفتح الباب، ولكنه لم يستطع فقتل، فلما انقطع صوته عرف أهل الإسلام أنه قتل، فقام البراء بن مالك وقال: افعلوا بي مثلما فعلتم بـ أبي دجانة، فقال له خالد: لا، قال: أقسمت عليكم لتفعلن ذلك، فحملوا البراء. تخيلوا معي جميعاً أبا دجانة والبراء، كانا على الترس ينظران وإذا بجيش قوامه ثلاثون ألف جندي داخل الحديقة، ويتخيل بيته وأولاده وزوجته، له زوجة يحبها، وله أولاد يشفق عليهم وهم ينتظرونه ويقولون: لا تتأخر علينا يا أبانا! عد إلينا بالسلامة وربما يتخيل مزرعة له، وربما يتخيل مالاً يستثمره، ربما ربما، كل ذلك تركه في طي النسيان ولم يلق له بالاً، إنما كان همه الأول والأخير أن يفتح الباب، ليدخل أهل الإسلام فيقضون على أهل الشرك. حتى لو مات، حتى لو داسته الخيول، وجعلته لحماً على التراب، فحمل رضي الله عنه وألقي، فقاتل ببسالة إلى أن فتح الباب، ثم سقط مغشياً فتفقده خالد بن الوليد فرأى فيه أكثر من ثمانين ضربة، بسيف أو برمح أو بسهم، حتى إن أنس بن مالك قال: إن بعض الجروح في أخي البراء أدخل فيها أصبعي بعد أن شفي ولا أصل إلى قعره. الله أكبر، تبحث عن ماذا أيها البراء! تبحث عن شهرة؟ تبحث عن عزة؟ تبحث عن مكانة؟ تبحث عن مال؟ لا، تبحث عن الشهادة، تقاتل لتكون كلمة الله هي العليا.

قصة البراء بن مالك في معركة تستر

قصة البراء بن مالك في معركة تستر عندما حاصر أهل الإسلام تستر، أنزل أهالي تستر كلاليب محماةً في النار، وهذه الكلاليب كانت تعلق في ثياب المسلمين، فيقوم الأعداء برفعها بسرعة. إذا أراد المسلم أن يتخلص من قبض هذه الكلاليب وجد أنها حارة فتركها، فقبضت إحدى الكلاليب على ثياب أنس بن مالك وأراد رفعه، فرآه البراء فجاء مسرعاً وقبض على إحدى الكلاليب، وبدأ يسحب وهم يسحبون، إلى أن تفوق عليهم وخلص أخاه أنس. يقول أنس بن مالك فنظرت إلى يد أخي فلم أجد فيها مزعة لحم، أصبحت عظاماً بيضاء تلوح، ولذلك قيل له: يا براء! اقسم على ربك أن ينصرنا، فقال: أقسمت عليك يا رب أن تنصرنا وتأخذني شهيداً، فنصر الله المسلمين ومات البراء شهيداً. هذه سيرهم، وهذه سيرنا، فقارنوا أيها الأحبة وستجدون المفارقة.

قصة امرأة مع زوجها عند عرسها

قصة امرأة مع زوجها عند عرسها أيها الأحبة! تخيلوا معي عروساً تتهيأ وتتزين في الكوافير حتى تستقبل فارس أحلامها، وهذا هو حال النساء، بل هذا حال الرجال، لكن هناك امرأة كان حالها خلاف هذه الحال؛ لأن الهم يختلف، فهمها في الثريا، وهمنا نحن تحت الثرى. هذه المرأة خطبها رجل من تابعي التابعين وصلحاء الناس، كان عابداً زاهداً داعياً، فوافقت عليه لأنها تعرفه وتسمع عنه، وعندما دخل عليها أراد أن يختبرها فجلس معها فترة من الزمن ثم رقد، متى رقد؟ رقد في ثلث الليل الآخر، فقالت له: ما هذا يا رياح بن عمرو القيسي؟ أتنام في وقت الاستجابة، أتنام في وقت تنزل فيه الرحمات، أتنام في وقت نزول الرب إلى السماء الدنيا؟ قال: إنني متعب أريد أن أرتاح قليلاً، فقامت تصلي، وتكثر من الدعاء وتلح فيه، وعندما انتهى جزء من ثلث الليل، قالت له: قم لقد انتهى الجزء الأول فلا يفوتنك، فقال: أريد أن أرتاح دعيني أنام، فتركته حتى انتهى الجزء الثاني، ثم أيقظته وهو لم ينم، بل كان يراقبها بعين فاحصة، يريد أن يرى من هي هذه المرأة على حقيقتها، وعندما لم يبق من ثلث الليل إلا القليل قالت: قم فقد اقترب الفجر، قال: دعيني أنام، وعندما أذن الفجر قالت: قم يا رياح! تقولها بقلب يكاد أن يتفطر حزناً وألماً ثم ترفع يديها إلى السماء، وتقول: حسبي الله على من غرني فيك. فهل لنا من نساء فيها جزء من ألف من هذه المرأة، معلوم أن ليلة الزفاف لها ميزة خاصة، فبعد قضائها فمن الممكن أن تناصحه وينصحها، لكن حال هذه المرأة لم يتغير، والثبات لم يتغير، والاستقامة لا يمكن التراجع عنها هذه هي حالهم.

قصة من سيرة الشيخ عبد العزيز بن باز

قصة من سيرة الشيخ عبد العزيز بن باز أيها الأحبة! لو نظرنا إلى سير المعاصرين في هذا الزمان كسيرة الشيخ عبد العزيز بن باز، فإن في سيرته دروساً وعبراً ووقفات لا يمكن أن تنسى أبداً، ولن أذكر لكم إلا موقفاً واحداً كسباً للوقت فقط. يقول أحد الأشخاص: جئنا من مكة عن طريق البر، وكان سفراً مرهقاً ومتعباً، وكان الشيخ يطلب مني أن أقرأ عليه كتباً ورسائل وفتوى يجيب عليها، وأنا أكتب له طوال الطريق، وهو لا يكل ولا يمل، وعندما رأى أنني أتثاءب كل لحظة، قال: أرى أننا تعبنا -لم يقل: أرى أنك تعبت- من وعثاء السفر، فلماذا لا نقف ونأخذ شيئاً من الراحة، ننام ثم بعد ذلك نستيقظ ونصلي الفجر ونواصل الطريق؟ يقول: ففرحت بذلك، فصليت الوتر، فما إن وضعت رأسي على الوسادة حتى نمت، ولا أعلم عن حال الشيخ، يقول: وفجأةً استيقظت الساعة الواحدة، وإذا بالشيخ يصلي، واستيقظت الساعة الثانية وإذا به يصلي، واستيقظت الثالثة والرابعة والخامسة وإذا به يصلي، خمس ساعات وهو يصلي إلى أن أذن الفجر، عجيب جداً، أين ذلك الجهد؟ لقد انتهى ذاك التعب؟ وأضاف إليه تعباً متواصلاً مرهقاً، لماذا أيها الأحبة؟ لأن الذي يقف مع الله ينسى كل تعب بأي صورة من الصور.

قصة فاطمة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين طلبت منه أن يشتري لها خادما

قصة فاطمة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين طلبت منه أن يشتري لها خادماً طلبت فاطمة رضي الله عنها من والدها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشتري لها خادماً، فماذا قال لها عليه الصلاة والسلام، هل قال: سأذهب إلى مكتب الاستقدام، وآتيك بخادمة من إندونيسيا أو من الفلبين؟! لم يقل ذلك، بل جاء إليها هي وعلي رضي الله عنهما وكانا نائمين، وقال: (أعلمكما شيئاً يغنيكما عن الخادم، إذا أويتما إلى فراشكما فكبرا الله أربعاً وثلاثين، وسبحاه ثلاثاً وثلاثين، واحمداه ثلاثاً وثلاثين، فإن ذلك أفضل لكما) لماذا؟ لأن العبادة إذا كانت صادرة من القلب، فإنها تنسي آلام الجسد، فلا يحس الإنسان بألم الجسد بأي صورة من الصور.

قول معارف الشيخ ابن باز عن نشاطه رحمه الله

قول معارف الشيخ ابن باز عن نشاطه رحمه الله يذكر عن الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله أنه عمل في سلك الوظيفة عشرات السنين، ويقولون: منذ ثلاثين سنة لم يأخذ إجازةً يوماً واحداً، ومن حقه أن يأخذ إجازة. ويقولون: منذ خمس وعشرين سنة وهو يدعى للتقاعد براتب كامل ومع ذلك لم يتقاعد، هذا هو هم الإسلام، هم الدعوة ونشر الخير، ملأ قلبه وضميره وكيانه، لذلك انتشرت ثمراته في جميع أرجاء الأرض. امرأة في أواسط إفريقيا، سجن زوجها من قبل بعض النصارى وطالبوها بفدية، فلم تدر إلى أين تذهب؟ لا تملك شيئاً، فقيل لها: لن يساعدك إلا ابن باز، فأرسلت له رسالة، فلما وصلت الرسالة وعرضت على المكتب، قال مدير المكتب للشيخ: ليس عندنا بنداً لدفع الفدية لرجل مسجون في أواسط أفريقيا، فقال لهم: اطلبوا من المحاسب أن يخصم عشرة آلاف ريال من راتبي، فإن لم يوفها فليكتبها ديناً علي وأرسلوها إلى المرأة. امرأة في أوساط أفريقيا ينقذ الشيخ رحمه الله زوجها من أسر النصارى، إذاً: هم الإسلام في قلبه، ولذلك يقول الذين يجالسونه منذ سنين طويلة: لم نسمعه في يوم من الأيام يتحدث عن بيت أو أرض أو تجارة أو عقار أو استثمار أو بنوك أو غير ذلك، لا يتحدث إلا في النطاق الشرعي فيما يهم المسلمين، وإذا حدث عما يهم المسلمين بكى فترى الدموع تتقاطر من عينيه.

جهود الأعداء في إفساد المسلمين

جهود الأعداء في إفساد المسلمين لو سألني رجل منكم وقال: بعد هذه الوقفات المتعددة، نريد أن تعطينا بعضاً من اللمحات اليسيرة، التي تجعل هم الإسلام وهم الدعوة ونشر الخير هي الأصل بالنسبة لنا. فسأقول: سأجيب على هذا التساؤل، ولكن قبل أن أجيب عنه، أحب أن أقف وقفةً مع جهود الأعداء، يا ترى! هل الأعداء لهم هم دعوي؟ نعم، لهم هم دعوي، فهم يهتمون بإفساد المسلمين وتدميرهم ونشر الشر بينهم، فإذا أردنا أن نقف وقفة حتى تتبين لنا عداوتهم فإن الوقت يطول، والمجال لا يتسع لذلك، لكن حسبنا أن نأخذ رءوس أقلام.

إبليس العدو الأول لبني آدم

إبليس العدو الأول لبني آدم إبليس رأس الشر لا يهمه إلا أن يكون الإنسان معه في نار جهنم، ولذلك وردت النصوص الكثيرة في كتاب الله سبحانه وتعالى، عن اعترافاته أنه سيضل الناس وسيفسدهم، حتى يغيروا خلق الله وغير ذلك من أقواله، حتى تشعر أن هم الإفساد هو الأصل الذي يسير عليه إبليس، فهل يئس الشيطان؟ لم ييأس منذ أن خلق الله آدم إلى آخر نفس تخرج من إنسان على وجه هذه البسيطة، فمنذ ذلك الزمان إلى هذا الزمان وهو يبذل وسعه في إفساد الإنسان. قام رجل عابد زاهد بالاعتداء على امرأة والزنا بها، ثم خاف من الفضيحة فقتلها فذهب إبليس إلى أهلها وقال لهم: إن الذي قتلها هو الزاهد العابد الذي ادعى أنه سيقرأ عليها، فحفروا قبرها ورأوها مقتولة، فقرروه فأقر، وعرفوه بجريمته فاعترف، فحكموا عليه بالإعدام، فقيدوه وذهبوا به إلى مكان الإعدام، عند ذلك تراءى له إبليس وقال: أتريد أن أنقذك، قال: نعم، قال: لن أنقذك إلا إذا فعلت شيئاً واحداً، قال: ما هو؟ قال: أن تسجد لي، قال: يا غبي أسجد لك وأنا مربوط الأيدي والأرجل؟ لا أستطيع، قال: لا، يكفيني منك أن تشير برأسك فقط، وفعلاً أشار برأسه ثم اختفى إبليس بعد أن حقق ما يريد، فهذا الرجل كان عاصياً مرتكباً لكبائر متعددة متتابعة، ولكنه ليس بكافر، أما الآن فقد كفر، عند ذلك انتهى أمر إبليس مع هذا الرجل، لينتقل إلى غيره، وإلى آخرين وهكذا. إذاً: تبقى قضية واحدة وهي أن هذا العدو لا ييأس ولا يتعب أبداً.

تآمر أتباع إبليس على الإسلام والمسلمين

تآمر أتباع إبليس على الإسلام والمسلمين غلادستون رئيس وزراء بريطانيا في عهد الاستعمار كان يلقي خطاباً في مجلس العموم، فيقول ما نصه: ما دام هذا القرآن موجوداً فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان. إن غلادستون يهمه أن هذا القرآن موجود، فماذا فعل؟ وضع المصحف بجانبه، فقام رجل من أعضاء مجلس العموم، وأخذ المصحف ومزقه، ثم ألقاه تحت أقدامه وبدأ يطأ عليه بكل حقد وكراهية، فضحك غلادستون وقال: ما أحمقك وما أغباك، لو فعلنا ذلك لأثرنا أهل الإسلام ضدنا، ولو فعلنا ذلك لطبع المسلمون منه أضعاف ما مزقناه، ولكن الحل أن نأخذ حجاب المرأة المسلمة ونكشف وجهها ونغطي به المصحف، عند ذلك تفسد المرأة، وتفسد الأسرة والأولاد، وتضيع الأسرة ولا يجدون حكماً يحكم بينهم، ولا يجدون نبراساً يرجعون إليه؛ لأن المصحف قد غطي، فصار هذا هو همه وهذا هو منهجه، وصار يبذل قصارى ما يستطيع، بل الغالي والنفيس لتحقيق هذا الهدف، ولا زالت آثار غلادستون في عالمنا الإسلامي باقية منذ عشرات السنين، وهذا المنهج الذي طرحه يطبق إلى هذا الزمان.

العوامل المساعدة على جعل الدعوة الإسلامية هي الهم الأول

العوامل المساعدة على جعل الدعوة الإسلامية هي الهم الأول إن العوامل المهمة التي تجعل هموم الإنسان مرتبةً ترتيباً رائعاً، فيجعل هم الدعوة والإصلاح ونشر الخير هو الأول، ثم الهموم الأخرى لا يلغيها؛ لأنه لا يمكن أن يلغيها، ويستحيل أن يلغيها، ولكن يحتاج الأمر إلى إعادة ترتيب أوراق، فيجعل هم الدعوة إلى الله ونشر الخير بين الناس في رأس القائمة.

التفكير الدائم في هذا الهم

التفكير الدائم في هذا الهم إن من هذه العوامل: التفكير الدائم في هذا الهم، أن يفكر فيه دوماً وباستمرار، فيجعله نصب عينيه دائماً، فإذا جعله نصب عينيه فسيكون في ذلك مجال خصب للإبداع، فأنت تفكر في هذا الهم، ثم تنقل هذا التفكير إلى عمل، وتنقل هذا العمل إلى إنتاج، وتنقل هذا الإنتاج إلى إبداع، فيكون هذا الإبداع مثمراً، وهذا تسلسل: فكر ثم اعمل ثم أنتج ثم أبدع، هذا الأمر لو أخذناه بعين فاحصة وبنظرة دقيقة فإننا سنقطف الثمار تلو الثمار.

العمل الدءوب المتواصل

العمل الدءوب المتواصل من العوامل كذلك: العمل الدءوب المتواصل، اعمل لدين الله دوماً، ولا تنظر إلى النتائج سلباً أو إيجاباً أبداً: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ} [النور:54]. فالله سبحانه وتعالى لم يطالب الأنبياء بالنتائج، يقول المصطفى عليه السلام: (يأتي النبي يوم القيامة ومعه الرجل، والنبي ومعه الرجلان، والنبي وليس معه أحد). فهذا النبي لم يفشل، بل بذل جهداً واستغرق وسعه وكل طاقاته في سبيل الدعوة ولكن: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص:56]. إذاً: علينا أن نواصل العمل ونبذل ولا نتوقف، وسيكون النتاج رائعاً إن شاء الله.

الإبداع تحت ظلال الشرع

الإبداع تحت ظلال الشرع من العوامل كذلك ما يتعلق في قضية الإبداع: فنحن في هذا الزمان نحتاج إلى الإبداع الدعوي وإلى الإبداع التربوي والإبداع الذاتي، فإذا حصل ذلك تحت ظلال الشرع، فسيكون هناك نتاج. أحد الأطفال الصغار وقف في يوم من الأيام أمام ماكينة البيع الذاتي، التي تبيع علب المياه الغازية، فتدخل ريالاً أو درهماً فتخرج لك علبة من المياه الغازية، فبدأ ينظر إليها ويفكر، فهل فكر في أن هذه الآلة جيدة، ولابد أن تكون في منزله فيلعب عليها هو وأطفال آخرون؟! لا، بل فكر وفكر حتى سأله أخ له أكبر: بماذا تفكر؟ قال: أتمنى أن تكون مثل هذه الآلة في الشوارع، ولكن يكون فيها بدلاً من أن يكون فيها مشروبات غازية، فيكون هنا شريط للشيخ عبد العزيز بن باز، وهنا شريط للشيخ ابن عثيمين، وأشرطة للشيخ إبراهيم الدويش، وأشرطة للشيخ علي القرني، وأشرطة للشيخ فلان، وأشرطة قرآن، فتدخل ثلاثة دراهم، أو درهماً أو أربعة دراهم، ثم تضغط هذا الشريط، وينزل لك وتأخذه. فانظروا إلى هذا الطفل الصغير كيف كان يفكر، إنه إبداع فعلاً، فلو كنا نبدع مثل هذا الطفل الصغير، لما تفوق علينا هؤلاء الأعداء بهذا الإبداع الضخم الهائل الكبير، الذي وظفوه توظيفاً شيطانياً للأسف الشديد.

محاسبة النفس باستمرار

محاسبة النفس باستمرار أما العامل الذي يليه: فهو محاسبة النفس باستمرار، فهل نحن نحاسب أنفسنا؟ إن كان عمرك الآن ثلاثين سنة، أو أربعين سنة، أو خمسين سنة، فما هو الناتج الذي وصلت إليه؟ فإنك ستجد أن النتاج لا يساوي شيئاً أبداً أمام هذا العمر الطويل. فلو كان الإنسان يحاسب نفسه لرأى أن هذا التقصير يحتاج إلى عقاب، فيعاقب نفسه بمضاعفة الجهد وبإكثار العمل وبإعادة ترتيب الأوراق، فلنحاسب أنفسنا دوماً، لا أقول: كل يوم، ولا أقول: كل أسبوع، ولكن المحاسبة جرب كل شهر فلعلها تثمر، جرب فلعل أن يكون هناك نتيجة، لتصل بعد ذلك إلى المحاسبة الأسبوعية ثم اليومية.

عدم جعل الإنسان الدنيا نصب عينيه

عدم جعل الإنسان الدنيا نصب عينيه من العوامل كذلك: ألا يجعل الإنسان الدنيا نصب عينيه، فنحن -وللأسف الشديد- نجعل الدنيا هي الأصل، والآخرة هي الفرع، والدين هو فرع الفرع. كنت في أحد الأيام مجتمعاً مع بعض الإخوة لألقي درساً مهماً جداً، وقد أكدت عليهم الحضور؛ لأن الدرس يكتسب طابع الأهمية، فتخلف أحدهم فسألته بعد ذلك: لماذا تخلفت؟ قال: عندي ارتباط وكنت مشغولاً. قلت: أقسمت عليك بالله أن تخبرني؛ لأنني رأيت شخصاً فجر الحديث بعضه بعضاً، فأخبرني أنه رآه في المكان الفلاني، فقلت: أخبرني، فقال: أتحرج، قلت: لا، أخبرني ليس هناك حرج. قال: كنت في البقالة أشتري بعض الأغراض للبيت، انظر يشتري بعض الأغراض للبيت والدرس هنا، قلت له: لقد فاتك شيء عظيم، فإن هذه الأغراض من الممكن أن تؤجلها بعد ساعة فقط من انتهاء الدرس. فللأسف الشديد نحن نجعل أمور الدين والتربية وأمور العلم فروعاً، ونجعل أمور الدنيا أصولاً، فيبقى العمل الدعوي في القاع وليس في القمة.

تذكير النفس بعلو الهمة

تذكير النفس بعلو الهمة على الإنسان دوماً أن يذكر نفسه بعلو الهمة، فعليه أن يهتم بمعالي الأمور، وعليه دوماً أن ينظر إلى العلو وإلى الرجال، وإلى الأشاوس من الأنبياء والصالحين والشهداء والصديقين، عليه أن يقرأ سيرهم، ويربي نفسه وأولاده على منهجهم، وعليه أن يبعد أسرته عن جوانب التربية الساقطة. لكنك عندما ترى ابنك يتابع مباراةً تسكت، وتجعل الأمر عادياً, فأنت عندما تتركه مرةً ومرتين وأكثر تزرع في قلبه عوامل تربوية. فتراه لا يتمسك بسيرة محمد صلى الله عليه وسلم، أو بسيرة خالد بن الوليد أو بسيرة عمر بن عبد العزيز، لكنه يتمسك بسيرة فلان اللاعب، أو فلان الممثل، لماذا؟ لأن قلبه كان طرياً يملؤه الشيء اليسير السهل، فلا تتساهل في مثل هذه الجوانب. إذاً: اجعل همتك عاليةً بالنسبة لك، وبالنسبة لزوجتك، وبالنسبة لأبنائك وبناتك، بل وبالنسبة لجميع من تعرف، بل وحتى من لا تعرف ممن يحيط بك.

زهرة من بساتين المصطفى فيما يتعلق بقضية الهم

زهرة من بساتين المصطفى فيما يتعلق بقضية الهم هذا حديث عظيم للمصطفى صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بقضية الهم، ففي هذا الحديث درس وعبرة وموقف، وفيه التحذير والإنذار، ويعطينا فيه النبي صلى الله عليه وسلم باباً مفتوحاً من دخل فيه فإنه سينال العزة. ففي سنن ابن ماجة عن عبد الله بن مسعود أن المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: (من جعل الهموم هماً واحداً -هم آخرته- كفاه الله هم دنياه، ومن تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا، لم يبال الله في أي أوديتها هلك). تخيل أيها الحبيب! إذا جعلت الهم هم الدعوة إلى الله ونشر الخير والإصلاح بين الناس، كفاك الله هم الدنيا وما فيها من الهموم الأخرى، وانظر إلى التحذير: (ومن تشعبت به الهموم) أي: جعل هم الآخرة آخر الهموم (لم يبال الله في أي أودية الدنيا هلكت). هل تريد أن تكون كذلك لا والله، لا نريد أن نكون ممن وصف بهذا الوصف في آخر الحديث. أسأل الله في ختام هذه الكلمات الموجزة المختصرة أن يجعل همنا هو هم الدعوة إلى الله، وهم تربية الأولاد، وهم المناصحة لأهل الحق، وهم عزة الأمة المسلمة ورفعتها، وهم الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى، وهم الشهادة في سبيل الله، وهم دخول الجنة والنجاة من النار. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على حبيبنا ونور قلوبنا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه أفضل صلاة وأزكى تسليم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

§1/1