دروس الشيخ ناصر العقل

ناصر العقل

منهج السلف في تقرير العقيدة ونشرها والرد على المخالفين

منهج السلف في تقرير العقيدة ونشرها والرد على المخالفين منهج أهل السنة والجماعة في أبواب الدين وكلياته وقواعده واضح بين، سواء ما كان في مصادر التلقي والاستدلال، أم ما يتعلق بتقرير العقيدة ونشرها، أم في الرد على المخالف في أصول الدين أو فروعه وجزئياته، بخلاف أهل الأهواء والافتراق الذين ليس لديهم منهج واضح يحكمهم، ولا قواعد صحيحة يستندون إليها ويرجعون، ويستمدون منها العقيدة والدين، ولا مصادر واضحة في التلقي والاستدلال.

أهمية الحديث عن مناهج السلف في العصر الحاضر

أهمية الحديث عن مناهج السلف في العصر الحاضر إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد: فإن من أهم الأمور التي ينبغي بيانها لعموم المسلمين ولطلاب العلم خاصة: ما يتعلق بمناهج السلف العلمية والعملية في الاعتقاد والأحكام، وربما يقول قائل: لماذا التركيز على مناهج السلف في هذا الوقت؟ فأقول: إن الموجب للحديث عن منهاج السلف في هذا العصر أمور كثيرة:

التشكيك في المفاهيم والعقائد والأفكار

التشكيك في المفاهيم والعقائد والأفكار أولها: ما دخل على قلوب كثير من المسلمين، وعلى أعمالهم ومفاهيمهم وأفكارهم ومعارفهم من أفكار وافدة، شككتهم في أصول دينهم، وفي مناهج السلف، وفي سبيل المؤمنين، ثم ما طرأ على كثير من المسلمين من الخلل في أصول تلقي الدين، وتلقي العلم الشرعي. فقد كان المسلمون منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى وقت قريب يستمدون الدين عن القدوة، وما كان أحد من الناس يخالف هذه البدهية، بل كانت الأمة ترجع إلى الراسخين في العلم وإلى أهل الذكر كما أمر الله عز وجل، لكن في الآونة الأخيرة، ولكثرة مصادر التلقي غير النقية، ولهيمنة البدع على قلوب بعض الناس وأعمالهم، ولكثرة الأهواء والافتراق، ولشيوع المذاهب الهدامة بين كثير من المسلمين؛ اختل هذا الأصل، فصار الناس لا يدرون ولا يفهمون، وربما يجهلون عمن يأخذون الدين. كما أن كثيراً من أبناء المسلمين صار عندهم استقلالية في التلقي، وبعضهم أخذه التعالم والتعالي، فبمجرد ما يحصِّل الواحد منهم القليل من العلم؛ يظن أنه بذلك استغنى عن العلماء، فيستقل؛ فلا يأخذ عن القدوة وهو موجود بحمد الله في المسلمين إلى قيام الساعة؛ لأن الله تكفل بذلك.

الهجوم الإعلامي على عقائد الناس وقلب الحقائق

الهجوم الإعلامي على عقائد الناس وقلب الحقائق ثانيها: الهجوم الإعلامي الشرس على المسلمين وإلزامهم بمعلومات غير نقلية، وإدخالها إلى أذهان المسلمين بما يتاح من وسيلة معلنة أو خفية؛ مما جعل الناس تختل عندهم المناهج، وما كان المسلم قبل مدة يسيرة يظن أنه يتلقى الدين عن غير أهله، فكان حتى المبتدع والفاجر والفاسق والمعرض يعترف بأن الدين إنما يؤخذ عن القدوة، حتى ولو لم يأخذه، ولو خالف هواه. أما الآن فوجد من المتدينين من يزعم أنه يستغني عن القدوة، فقد وجد من دعاة الضلالة الذين يرفعون راية الإسلام بل والسنة بزعمهم من يحجب أبناء المسلمين عن القدوة -العالم الراسخ- بدعاوى كثيرة، وربما التبس هذا الأمر أيضاً على بعض خيار الدعاة، وعلى طلاب العلم أو من ينتسب للعلم، وربما ذهلوا عن هذه الحقيقة؛ فصرفوا من حيث قصدوا أو لم يقصدوا- الناس عن العلماء بدعاوى وشبهات. إذاً: نحن نحتاج إلى تذكير عموم المسلمين -وطلاب العلم خاصة- بمناهج الدين المتمثلة في مناهج السلف، ونذكرهم فيها جملة وتفصيلاً.

أصول ومرتكزات تتعلق بمنهج السلف في الاستدلال

أصول ومرتكزات تتعلق بمنهج السلف في الاستدلال أما الحديث عن منهج السلف في تقرير العقيدة ونشرها والرد على المخالف، فهو موضوع يحتاج الناس إليه، وقبل أن أبدأ بهذا المنهج أشير إلى بعض الأصول والمرتكزات والمسلمات التي ينبغي أن تفهم قبل معرفة بعض الفوائد في منهج السلف في تقرير العقيدة والدفاع عنها. والحديث سيتركز على القواعد والمناهج دون الدخول في التفصيلات والأمثلة والأدلة؛ لأن ذلك يستدعي وقتاً طويلاً، لكني أوجز بالاقتصار على أهم الأصول والمرتكزات التي تتعلق بمنهج السلف عموماً.

إتمام الدين وشموليته في العقائد والأحكام

إتمام الدين وشموليته في العقائد والأحكام أولاً: لا بد لكل مسلم أن يؤمن -ضرورة- بأن الله عز وجل أكمل هذا الدين، فالدين بجملته وتفصيلاته ليس بحاجة إلى أن يستمد من مصادر أخرى، أو اجتهادات البشر في أصوله وقواعده وأدلته، بل يحتاج إلى جهود البشر في جانب الاجتهاديات في الأحكام والاستنباط، أما ما يتعلق بالأصول والمناهج ما يتعلق بالعقيدة والقواعد فهي أمور مقررة توقيفية، قد أكمل الله بها الدين، والله عز وجل يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3]. فمنذ ذلك اليوم الذي أعلن الله فيه هذا الأصل تقرر قطعاً أن الناس ليسوا بحاجة إلى أن يستمدوا الدين من غير الكتاب والسنة. ثم يستلزم ذلك أن كمال الدين هو صلاحيته لكل زمان ومكان، ولكل بيئة ومجتمع، ولكل وضع من أوضاع البشر إلى أن تقوم الساعة، الوضع البدائي والوضع الحضاري؛ كله لا بد أن يكون الدين قد اشتمل على المنهج الأكمل في إصلاحه واستصلاحه؛ لئلا يدعي مدع أننا بحاجة إلى نمط آخر، أو إلى أصول أو اجتهادات أخرى في قواعد الدين تختلف عن مناهج الأولين؛ بدعوى أن أوضاع البشرية تغيرت، وأن الناس قد تحضروا، وأن المدنية هيمنت الخ. والله عز وجل جعل هذا الدين هو الدين الخاتم، وجعل رسالة النبي صلى الله عليه وسلم هي الرسالة الأخيرة؛ وهذا -بالضرورة- يقتضي أن تكون صالحة لكل زمان ومكان، كما أن هذا الدين الذي أكمله الله لا بد أن يشتمل على العقائد والأحكام على الأدلة بتفصيلاتها، وعلى القواعد التي ترجع إليها ملايين الجزئيات إلى ما لا نهاية. كما اشتمل على الأصول العلمية والعملية، المنهجية والجزئية، كما اشتمل على العلم والعمل، وعلى مناهج ذلك كله الذي تؤدي إليه، كما اشتمل أيضاً على الوسائل التي تخدم الدين أو التي يكون بها الاستمداد من الدين لأحوال البشر ونوازل الحياة.

الدين بين النظرية والتطبيق

الدين بين النظرية والتطبيق ثانياً: أن هذا الدين لا بد أن يمثله سلوك بشر، فالدين ليس بمثاليات ولا نظريات، إنما جاء لحل مشكلات البشر، ولتسيير أمورهم وأوضاعهم على ما يرضي الله عز وجل إذا سلكوا هذا الدين. فالدين يمثله سبيل المؤمنين الذي توعد الله من خالفه، وجعل ذلك مشاقة للرسول صلى الله عليه وسلم، قال سبحانه: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:115]، فجعل الله عز وجل الخروج عن مقتضى هذا الدين مشاقة للرسول صلى الله عليه وسلم، وخروج عن سبيل المؤمنين، وجعل اتباع غير سبيل المؤمنين من الأمور الموجبة لغضب الله ومقته وعذابه، وسبيل المؤمنين هو السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصف هؤلاء المؤمنين بالجماعة، والطائفة المنصورة، والفرقة الناجية، وبالظاهرين، ووصفهم بأوصاف كثيرة، ثم إنه وصف حالهم بوصف دقيق يكون هو الميزان عندما يختلف الناس، أو عندما يتنازعون في المقصود بأصحاب هذا الوصف؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن أن سبيل المؤمنين هو سبيل الجماعة، ثم لما سئل عن الجماعة قال: (هم من كان على ما أنا عليه وأصحابي). وهذا وصف بيِّن جلي؛ لأن ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام بيِّن جلي مسطور محفوظ، حفظه الله عز وجل في كتابه، وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، المنقولة عملاً، والمكتوبة والمسطورة، والتي تكفل الله بحفظها إلى قيام الساعة؛ لئلا يحتج محتج فيقول: لا أدري أو لا أعرف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة. فالحجة بذلك قائمة، والسنة بين أيدينا ولذلك وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأن ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فالجادة هي المنارة في وسط الظلماء، إذا كان الإنسان يسير في ليل وليس أمامه إلا هذا الطريق المنار؛ فإنه إذا خالف يميناً أو شمالاً وقع في الظلمة؛ وبذلك قصد الخروج عن مقتضى الواضحة، كذلك السنة واضحة كالطريق المنارة، لا يزيغ عنها إلا من تعمد الزيغ، نسأل الله العافية.

حفظ الدين واختلاف المناهج

حفظ الدين واختلاف المناهج ثالثاً: أن الله تكفل بحفظ دينه، وقد يقول قائل: إن المناهج قد اختلفت علينا وكثرت السبل، وكثرت دعاوى السنة، ولم يعد الدين واضحاً، فنقول: ليس الأمر كذلك؛ فإن الله عز وجل كما أكمل الدين فقد تكفل بحفظ دينه وبقائه، فقال عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، مؤكدات قاطعة أن هذا الدين سيحفظ. ثم الخبر الصادق عن النبي صلى الله عليه وسلم المتواتر بأن طائفة من هذه الأمة ستبقى ظاهرة: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين)، والظهور يشمل ظهور العيان ظهور الحجة ظهور القدوة ظهور العلم ظهور العمل ظهور المناهج، وهذا أمر بدهي أن يكون الظهور من كل وجه، وإلا فمتى يكون وصف النبي صلى الله عليه وسلم على حقيقته، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم، فهو لا ينطق عن الهوى. ثم فسر أمر الجماعة بتفسيرات أخرى، قال: (لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى أن تقوم الساعة)، وسمَّاهم الطائفة المنصورة والفرقة الناجية، وسماهم الجماعة، وسماهم الصحابة رضي الله عنهم بأسماء تدل على أنهم أهل الحديث وأهل الأثر الخ. وهذه الصفات بمجموعها توجب -حتماً- أن السنة بيِّنة واضحة لا يزيغ عنها إلا هالك، وأن الله عز وجل تكفل بحفظ الدين، ومن مقتضيات الحفظ: بقاء طائفة تكون هي القدوة؛ لأن الدين لا يكون مجرد مثاليات، أو نظريات. فكما حفظ الله الدين بمصادره -وهو القرآن والسنة- كذلك حفظ وضمن لنا العمل به، وحفظ لنا وجود القدوة وضمنها إلى قيام الساعة، ويلتمس ذلك ببقاء الطائفة الذين هم على الحق ظاهرين، وهم أهل السنة والجماعة.

منهج التلقي والاستدلال عند أهل السنة

منهج التلقي والاستدلال عند أهل السنة المنهج الذي عليه السلف في بيان تقرير العقيدة ونشرها يتمثل فيما يلي:

مصادر العقيدة توقيفية لا مجال للعقل فيها

مصادر العقيدة توقيفية لا مجال للعقل فيها أولاً: الدين -والعقيدة بخاصة- يقوم على الوحي، فالعقيدة توقيفية، أي: موقوفة على ما جاء عن الله تعالى، وصح عن رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الدين لله، فهو سبحانه الذي شرع الدين، ولا تستطيع قوى البشر وعقولهم أن تقرر منهاجاً تعبد الله فيه على ما يرضي الله عز وجل، أو منهاجاً تعبد الله على الأحكام التي تسعد الناس جميعاً في الدنيا والآخرة؛ لأن ذلك راجع إلى الله عز وجل وليس إلى البشر. ولذلك كلما أراد البشر أن يخرجوا قيد أنملة عن مقتضى الدين في أي أمر من الأمور؛ تخبطوا وتاهوا، فهم قد يجيدون تدبير دنياهم بعقولهم؛ لأن الله عز وجل جعل ذلك لهم، لكن أمر الدين لا طاقة للعقول فيه. ولذلك فما من أحد حكم عقله في الدين إلا ويأتي بالصبيانيات المضحكات، ويقع في زلات عظيمة، ومتاهات ومحارات يدخل فيها ولا يخرج منها إلا بتوبة.

الاعتماد على الأحاديث الصحيحة

الاعتماد على الأحاديث الصحيحة ثانياً: يعتمد السلف في تقرير العقيدة على الصحيح الثابت، فلا يعتمدون على الضعيف ولا الموضوع، ولا على الحكايات، أو الكرامات، أو الكشوف، أو الوجد، أو الذوق، أو العقليات والظنون، ولا على العلوم الطبيعية والمقاييس ونحوها؛ لأن هذه الأمور تتعلق بعالم الشهادة، والدين في أصوله وقواعده يعتمد على الغيب البحت، والغيب لا يعلمه إلا الله عز وجل. والعقول البشرية قد تدرك العمومات، لكن لا تدرك التفاصيل ولا تهتدي إلى ما يرضي الله عز وجل على جهة التفصيل، والعمومات لا توصل إلى ما يريده الله عز وجل، فلذلك أرسل الله الرسل وبعث النبيين؛ لتقوم بهم الحجة. إذاً: يقوم أساس منهج السلف على الاعتماد على الصحيح الثابت؛ ولذلك تميز منهج السلف بالعناية بالإسناد، وهذا لم يوجد في أي فرقة من الفرق التي خالفت السنة والجماعة أن تعتني بالإسناد، وإن عنيت ربه فعلى مناهج مختلة، ولا تعنى به أيضاً إلا عندما تريد أن تستدل بدليل للاعتضاد لا للتأصيل. فالسلف منهجهم فيما يتعلق بالحديث يكون معتمداً على الإسناد والرواية، أما القرآن فقد تكفل الله بحفظه.

الاستدلال بالآثار الضعيفة للاعتضاد بها لا للاعتماد عليها

الاستدلال بالآثار الضعيفة للاعتضاد بها لا للاعتماد عليها ثالثاً: قد يستدل السلف بعد الاستدلال بالقرآن والثابت من السنة بالأدلة والآثار الضعيفة لا للاستدلال بها، ولكن للاعتضاد، فليس عند السلف شيء من الاعتقاد إلا ويعتمد على دليل صحيح ثابت، أو على الإجماع الذي يقوم على الدليل، وهذه القاعدة لا تتخلف، ويجب أن يعتمدها طلاب العلم؛ لحماية العقيدة من تخريب المخربين، وهي أن العقيدة كلها بل الدين كله لا يعتمد إلا على الدليل الصحيح، وليس عند السلف شيء من الدين يعتمد على غير الدليل الشرعي الصحيح. وقد يشكل على بعض الناس: أن السلف في كتب السنة -خاصة كتب الآثار وبعض المسانيد وبعض السنن، ما عدا الصحاح- قد يوردون الأدلة والآثار الضعيفة؛ فيظن بعض الناس أن هذا للاستدلال، وليس كذلك وإنما لعضد الدليل الأصلي، فما من قضية من قضايا الدين ولا أصل من أصول له إلا وله دليل صحيح من الكتاب أو السنة، أو من الإجماع الذي يعتمد على الكتاب والسنة، أو من القواعد التي استمدت من مجموعة من الأدلة أو من دليل، فما قرره السلف من أصول الاعتقاد فهو مستند على دليل صحيح ثابت. واستدلالهم بعد ذلك بالأدلة الضعيفة وبالروايات والآثار وبالرؤى أحياناً والمنامات والقصص أحياناً؛ كل ذلك من باب عضد الدليل، لا من باب الاستدلال والاستقلال؛ فيجب أن يتنبه طلاب العلم لهذه المسألة، لأن بعض دعاة الفتنة بدءوا يثيرون هذه القضية، ويقولون: إن السلف يحشدون في كتبهم وفي كتب السنن والآثار والمصنفات شيئاً كثيراً من الروايات والأسانيد الضعيفة. ونقول: هذا ليس للاستدلال، إنما هو للاعتضاد، ومن باب حشد الدلالات وتقوية الدليل.

استخدام الدليل العقلي والفطري في استنباط الأدلة

استخدام الدليل العقلي والفطري في استنباط الأدلة رابعاً: من منهج الاستدلال أن السلف قد يستعملون الدليل العقلي والفطري -وهذا منهج القرآن، ففي كلام الله عز وجل نجد الاستدلال العقلي قائماً، ولكن ليس استقلالاً، فالاستدلال بالأدلة العقلية راجع إلى كمال الله عز وجل، ولا يعني ذلك أن البشر يستطيعون أن يسلكوا مسلك القرآن من كل وجه؛ لأن الله عز وجل هو خالق العقول، وهو الذي وضع من الأدلة والبراهين القرآنية ما يناسبها، لكن من الأدلة القرآنية ما لا تطيقه العقول استقلالاً؛ لأنه متعلق بكمال الاستدلال، وذلك لا يكون إلا لله عز وجل، لكن مع ذلك فإن السلف يستخدمون الدليل العقلي والفطري لتأييد الوحي، واستنباط الدلالة، وتوجيه الأدلة ودلالاتها. إذاً: الدليل العقلي عاضد، والدليل الفطري عاضد يؤصل له دليل من الكتاب والسنة؛ ولذلك لا يوجد عند السلف قاعدة في الدين أو أصل من أصول الدين دليلها العقل فقط؛ لأن الله عز وجل وفى في الوحي كل ما يحتاجه الناس في هذا الأمر، وإن احتاجوا إلى الاستدلال العقلي فمن باب تبيين الدلالة الشرعية، أو الدليل الشرعي، أو توظيف العقل لتأييد الشرع، وهذا لا حرج فيه، والسلف كانوا يسلكونه، بأن يأتوا بالدليل الشرعي ثم يعضدونه بالاستدلال من العقل أو الفطرة؛ لتقوية الأمر في قلوب الناس.

قواعد منهج السلف في بيان وتقرير العقيدة وأصول الدين

قواعد منهج السلف في بيان وتقرير العقيدة وأصول الدين أما من حيث منهج العرض والبيان والتقرير والنشر فإن السلف لهم في ذلك قواعد ذهبية واضحة بينة، لا لبس فيها ولا غموض:

الالتزام بالألفاظ الشرعية

الالتزام بالألفاظ الشرعية أولها: عند عرض العقيدة وأصول الدين يلتزمون بألفاظ الشرع ومصطلحاته، فلا تجد عند السلف مصطلحات كلامية في تقرير العقيدة، ولا مصطلحات فلسفية، ولا مصطلحات صوفية، ولا مصطلحات باطنية، ولا مصطلحات أدبية، بل يلتزمون بألفاظ الشرع ومصطلحاته، وإذا اضطروا إلى مواجهة المصطلحات المحدثة؛ واجهوها بألفاظ شرعية بينة، لها دلالات من الكتاب والسنة، فقد يعبرون أحياناً بتعبير موضح للقاعدة، لكن لا يخرجون عن اللسان العربي المبين، فقد يشرحون أصلاً من الأصول الموجودة في القرآن والسنة بكلام زائد عما في الكتاب والسنة، لكنهم يلتزمون المعنى بألفاظه الدقيقة، ولا يوقعون الناس في اللبس، وفي الإشكالات اللغوية، أو المحارات العقلية، أو السفسطات الفلسفية، بل يلتزمون ألفاظ الشرع ومصطلحاته. ولذلك جاءت تقريراتهم بالعقيدة متفقة في ألفاظها ومعانيها، فلا تجد أحداً من أئمة السلف قديماً أو حديثاً يخالف الآخر في تقرير أصول الدين، وهذا -بحمد الله- من مقتضيات حفظ الله لهذا الدين. فالسلف لم يختلفوا منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، ولن يختلفوا إلى قيام الساعة في أصول الدين، وإن اختلفوا في بعض الفرعيات التي تلحق بمسائل العقيدة، لكنها ليست أصولاً، بل هي من الأمور التي يسع فيها الخلاف، مثل الاختلاف في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه ليلة المعراج: هل هي عينية أو قلبية؟ لكن اتفقوا على أصل مبدأ الرؤية، كما اختلفوا في مسائل كثيرة لكنها فرعيات، وقد تلحق بالعقيدة لكن أدلتها غير واضحة. فهذه الأمور لا يلوم السلف بعضهم بعضاً في الخلاف فيها، أما أصول الإيمان وأركان الإسلام وأصول الاعتقاد المتعلقة بالرؤية وبالشفاعة وبكلام الله عز وجل وبالصفات هذه أصول واحدة لم يختلف عليها أحد من السلف منذ قديم الزمان وحتى الآن، ولن يختلفوا عليها إلى قيام الساعة، لأنها مسائل وأصول بينة واضحة، ولما وجد بعض الذين ندوا عن تعبيرات السلف في التعبير عن العقيدة؛ وقعوا في إشكالات، وأوقعوا الناس في إشكالات، كمن كتب عن الإسلام بأسلوب أدبي، تجد عنده تعبيرات باطنية قد لا يريدها، أو تعبيرات فلسفية، أو تعبيرات أدبية مائعة، لكنه لم يلتزم منهج السلف في التعبير عن العقيدة؛ فوقع فيما وقع فيه.

الوضوح والبيان في تقرير العقيدة

الوضوح والبيان في تقرير العقيدة ثانيها: حرص السلف على الوضوح والبيان في التعبير عن العقيدة، ويبتعدون عن الألفاظ البدعية والمصطلحات الفلسفية التي أحدثها الناس، كما فعل ابن سينا وابن رشد والفارابي وغيرهم، الذين عبروا عن بعض مسائل العقيدة بالمصطلحات الفلسفية على فهمهم الفاسد؛ فأوقعوا الناس في محارات وإشكالات، ويبتعدون أيضاً عن التعبيرات الكلامية المحيرة، كما فعل الرازي والماتريدي، ومن سلك سبيلهما، فقد عبرا أيضاً عن العقيدة بمصطلحات كلامية محيرة ليس لها وجه يعقل. ولذلك اختلفوا عليها، حتى كان الرازي يعبر عن شيء ثم يفترض على تعبيره إشكالات، ثم يحاول أن يجيب على تلك الافتراضات والإشكالات فيعجز. وأيضاً السلف لم يستعملوا التعبيرات الأدبية الفضفاضة المائعة، التي وقع فيها أمثال: سيد قطب رحمه الله، حيث عبر عن بعض مسائل الاعتقاد بتعبير أدبي أخل بالعقيدة، وأوقع من بعده في خلافات لفهم ألفاظه؛ حتى صار الناس يختلفون أحياناً في بعض ألفاظه على أربعة أو خمسة أقوال، هل هذا الحق أم الآخر، مع أن الحق لا يختلف عليه، والسبب في ذلك ما اعتاده من أسلوبه الأدبي، وربما لا يملك غير ذلك، لكن ليته لم يتعرض لتفاصيل العقيدة. ومن المسائل التي عمت بها البلوى في عصرنا حتى صارت مصدر فتنة لكثير من المسلمين، وخاصة المثقفين والناشئين من طلاب العلم، هي تسلط كثير من غير المتخصصين على قضايا العقيدة وأصول الدين. فمثلاً: الطبيب الذي تعلم بعض العلم الشرعي قد يحلل العقيدة من منظوره الطبي؛ فاختلطت عنده مصطلحات الطب بمصطلحات العقيدة، وهكذا المهندس درس شيئاً من العقيدة والعلوم الشرعية، ثم استقل بنفسه عن العلماء والراسخين في العلم؛ فصار يفسر العقيدة بتفسيرات هندسية، فخلط العلوم الهندسية بالعقيدة، وهلم جراً، حتى أننا نجد بعض التعبيرات في مسائل العقيدة من بعض الحكام، وقد يكون هذا المصطلح شيوعياً، أو تبع أي أيدلوجية أخرى، المهم أنه نشاز في العقيدة، والسبب في هذا: جرأة الناس على مسائل الاعتقاد. وبعض المسلمين قد يتردد عن الحديث في التخصصات الأخرى إذا جرى حديث في أي مجلس من المجالس، لكن إذا عرضت قضية من قضايا العقيدة والدين رأيت أجهل الناس في المجلس هو أسبقهم إلى الحديث عنها، ويوالي الذي لا يخالفه، وهذا الأمر ما كان موجوداً وإنما حدث من وقت قريب، كان الناس حتى الفجار منهم والفساق والمعرضين عن دين الله عز وجل لا يجرءون على الكلام عن الدين، أما الآن فصار الدين عرضة لكل متسول، وهذه مشكلة أدت إلى الخروج عن منهج السلف في مسألة الألفاظ. ومما تميز به منهج السلف أنهم تحاشوا المصطلحات الصوفية التي فيها لبس، أو تحتمل أكثر من وجه؛ وبذلك دخل كثير من الزنادقة على الإسلام، وأفسدوا العقائد من خلال المصطلحات الصوفية؛ لأنها مصطلحات مرنة تصلح لعدة وجوه، يعبر بها عن الحق وعن الباطل، فيستعملها صاحب الباطل في الباطل، ويستعملها صاحب الحق في الحق، وإن كان الحق غنياً عنها بحمد الله. كذلك السلف ابتعدوا عن الألفاظ الباطنية الماكرة، وعن ألفاظ الرافضة التي تقوم على الفرية والكذب. فتميز منهج السلف باعتماد المصطلحات والألفاظ الشرعية، والبعد عن الألفاظ البدعية في تقرير العقيدة وبيانها. وقد يلجأ بعض السلف أحياناً إلى استعمال بعض المصطلحات لضرورة تتعلق بعصره، أو تتعلق بأمر أو فتنة حدثت في زمنه؛ وهذه ضرورات، وفرق بين التقرير والبيان، فإن السلف لا يخلطون العقيدة بمصطلحات أخرى، لكن أحياناً قد تدخل عليهم بعض الألفاظ من باب البيان أو من باب الدفاع.

استخدام المنهج الوسط في التعبير عن الحق

استخدام المنهج الوسط في التعبير عن الحق ثالثها: يلتزم السلف في منهج العرض وتقرير العقيدة ونشرها المنهج الوسط في التعبير عن الحق، بعيداً عن المبالغات والعواطف والتحميلات الوهمية، وبعيداً عن الحشد والاستطرادات؛ ولذلك جاءت كتب العقيدة المفردة موجزة جداً، وأكثر ما يوجد في آثار السلف في كتب العقيدة من الأساليب والألفاظ المكررة؛ من باب حشد الأقوال وتقويتها في تقرير العقيدة والدفاع عنها، أما الألفاظ فليس عندهم فيها استطرادات. كما أنه ليس في تعبير السلف عن العقيدة غلو ولا تقصير.

التجرد عن الهوى والرأي

التجرد عن الهوى والرأي رابعها: التجرد عن الهوى والرأي، لكن لا يتجردون عن الحق. أما ما يتعلق بدعوى التجرد عند بعض الباحثين فيقصد بها أصحابها: أن الكاتب والمتكلم في أي قضية يحب أن يتجرد دون أن يكون له رأي مسبق حتى يبحث ويصل إلى نتيجة، وهذا لا يصح في الدين والعقيدة، لكن لا بأس بذلك في الكتب الاجتماعية وهذا الأصل كارثة الدراسات النفسية والاقتصادية، فهذا ينبغي أن تتجرد من الرأي؛ حتى تتبين لك الحجة، ويتبين لك الوسط العلمي الصحيح، لكن في العقيدة لا يصح التجرد من الحق لأن من تجرد عن الحق فقد ارتد. ومع الأسف فإن هذا المبدأ أخذ به بعض الباحثين في مسائل الدين وصار يطبقه جهلاً منه، فيقول مثلاً: أنا عندما أبحث عن مسألة: هل اليهود كفار أم لا؟ أتجرد عن الحكم بكفرهم حتى يثبت الدليل!! هذا حكم سبقت إليه، وقد قرره الله عز وجل، وليس هذا لك، وليست المسألة اجتهادية! المسائل الاجتهادية يتجرد فيها الإنسان من أن يكون له هوى أو رأي مسبق؛ حتى يصل إلى نتيجة، ويتقرر عنده الدليل الشرعي أو العقلي، أما مسائل الدين المتقررة أو قواعد المناهج الأساسية وأصول الدين فلا يجوز للمسلم أن يتجرد فيها عن الحق، بل يجب أن يلتزم الحق ويستدله، ولذلك كان السلف يبتعدون عن هذا المسلك؛ لأنه يؤدي إلى الردة، فكانوا يتجردون من الهوى والرأي الشخصي، لكن لا يتجردون عن الحق.

استخدام الوسائل المباحة في نشر العقيدة

استخدام الوسائل المباحة في نشر العقيدة خامسها: ومن أساليب السلف في ذلك: استخدام كل وسيلة مباحة في نشر العقيدة، حسب مستجدات العصر. والعجب من الذين يحجرون على الناس في مسألة وسائل العقيدة وأساليبها، والتفصيل فيها أن يقال: إن قصد بالوسائل والأساليب: الأمور المنهجية فلا شك أنها توقيفية، ولا يجوز لنا أن نخرج عن مقتضى عمل الشرع، وإن قصد بالوسائل والأساليب: الأدوات؛ فلا شك أنها مستجدات، فالصحابة استعملوا في تقرير الدين ونشره ما لم يكن موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعون استجد لهم من الوسائل ما لم يكن موجوداً في عهد الصحابة، وتابعوهم كذلك، وسلف الأمة في القرون الثلاثة الفاضلة حدث لهم من مستجدات الحياة من الوسائل والأساليب ما جددوه باسم العقيدة، فمثلاً: تصنيف الكتب لم يكن موجوداً في عهد الصحابة. فالسلف من منهجهم في نشر الدين: استخدام كل وسيلة مباحة في نشر العقيدة وبيانها، والدفاع عنها، في الدروس في حلق التعليم في الفتاوى في الخطابة في المواعظ في القصص في التأليف والكتابة فيما بعد ضرب الأمثال الجدال بالتي هي أحسن المناظرة، ضمن التفسير، ضمن الحديث، ضمن الأحكام، ضمن المتن، ضمن النظم، ضمن الرسائل الخاصة والعامة، والكتب والمصنفات؛ كل هذه استخدمها السلف في نشر العقيدة.

الاهتمام بالتصنيف والتأليف وتعدد الأساليب فيه

الاهتمام بالتصنيف والتأليف وتعدد الأساليب فيه سادسها: كذلك تعددت أساليب السلف في بيان العقيدة وتقريرها في جانب التصنيف والتأليف على مناهج كثيرة جداً. منها: حشد الأحاديث والآثار والنصوص عن طريق المسانيد؛ كمسند الإمام أحمد، بدون عنصرة ولا تبويب، إلا أن تسرد النصوص تحت أسماء الرواة، وهذا منهج سلكه كثير من السلف. ومنها: حشد النصوص وتبويبها وعنصرتها في العقيدة والشريعة والأحكام والآداب، وتسمى: المصنفات الشاملة، وهي مبوبة ومعنصرة في الغالب، ككتب الصحاح والسنن، مثل: صحيح البخاري، والكتب الستة عموماً، وإن كان بعضهم لم يعنصرها، لكنه رتب الأحاديث على العناصر، ولذلك سهل على من بعده وضع العناصر، كما فعل الإمام مسلم. منها: أسلوب حشد النصوص في تقريب العقيدة، وتقريب الأحكام والفتاوى والآداب، لكن بالعنصرة والتبويب وإن لم تكن تستعمل في القرن الأول الهجري، إنما استعملت في القرن الثاني والثالث والرابع. ثم أتى بعد ذلك أسلوب آخر احتاجه الناس، وهو وضع المصنفات في جانب من جوانب الدين مصنفات في العقيدة مصنفات في الأحكام وسموا مصنفات العقيدة: السنن، وسموها الآثار، ومن ذلك مثلاً: السنة لـ عبد الله ابن الإمام أحمد، وإن كان فيه بعض الآداب والأحكام، لكن في جملته يقرر منهج العقيدة، وتبويبه وعنصرته يتضمن تقرير العقيدة والرد على المخالفين. ثم جاءت بعده كتب كثيرة من هذا الباب، مثل: اللالكائي وابن بطة والآجري وغيرهم. ثم بعد ذلك لما كثر كلام أهل الأهواء في العقيدة؛ صنفت كتب متخصصة في العقيدة، مثل: التوحيد لـ ابن خزيمة في الأسماء والصفات، ثم فيما هو أدق في مسائل عقدية محدودة، مثل: خلق أفعال العباد للبخاري، وقد كانت قضية القضايا في ذلك العصر. ثم أيضاً في مثل قضية كلام الله عز وجل القرآن، والرد على القائلين بخلق القرآن، صنفت كتب مفردة في مسائل محدودة في العقيدة اقتضتها ظروف العصر. فكتب السلف في الرؤية كتب مستقلة وفي الشفاعة كتب مستقلة وفي كلام الله وفي مسألة خلق أفعال العباد وفي القدر وفي الصفات وفي الإيمان، أفردوا أصول العقيدة بمفردات، بل أحياناً الأصول المتفرعة عن الأصول الكبرى أفردوها بمفردات، لحاجة الناس إلى ذلك؛ لأن أهل الأهواء أثاروا هذه القضايا أمام العامة. وقد يكون بعض أهل الأهواء متخصصاً في بلية واحدة، لا يهمه قضايا الدين الأخرى، يكون سوسة في ركن واحد من أركان الدين، وفي استهداف هذا الأصل لوحده. ولذلك يعاتب بعض طلاب العلم الذين يؤاخذون بعض المجتهدين في الرد على مسائل مفردة من أصول الاعتقاد، وهذا منهج سليم لا حرج فيه، وهو فرض كفاية. فكل من رد على شبهة من الشبهات إذا عمت بها البلوى؛ فجزاه الله خيراً، ويجب أن نشكره على ذلك، ولا نقف عقبة أمام عمله.

تقرير العقيدة من خلال الرد على المخالفين

تقرير العقيدة من خلال الرد على المخالفين سابعها: كذلك من مناهج السلف في نشر العقيدة: تقرير العقيدة من خلال الرد، فمثلاً نجد عنواناً لكتاب في الرد: مثل رد الدارمي على بشر المريسي، وكذلك رد الإمام أحمد على الزنادقة والجهمية، وهذا الرد ليس خالصاً في الرد، بل في تقرير العقيدة من خلال الرد، وهذا هو الأسلوب الأمثل الذي درج عليه السلف، فهم لا يردون رداً خالصاً دون تقرير؛ لأن القارئ مهما كان عنده من العلم فهو يحتاج إلى أن يحصن أولاً بمنهج وعقيدة السلف في الأصل المردود عليه ثم ترد، أو من خلال الرد تؤصل، ولذلك فإن الإمام أحمد وكذلك الدارمي من خلال ردهما على الجهمية في بعض الردود الجزئية كانا يؤصلان، بحيث يخرج القارئ وهو محصن. ونذكر هنا مسألة أن السلف عندما يعرضون شبهات المخالفين لا يعرضونها تفصيلاً، بل إجمالاً؛ لأن التفصيل يوقع الناس في فتنة، ثم يردون عليها تفصيلاً أو إجمالاً بحسب المقام، وسيأتي بيان هذا. إذاً: هناك من مناهج السلف التقرير من خلال الجمع بين الرد والتقرير كما فعل الإمام أحمد، وكما فعل كثير من الأئمة، وهو منهج المتأخرين من السلف؛ لقيام الحاجة بذلك كما فعل ابن تيمية وابن القيم وكثير من أئمة السلف؛ لأن الأمة ابتليت بكثرة الأهواء والبدع والافتراق، حتى صار أهل السنة في غربة في كثير من بلاد المسلمين. فاحتاج الأئمة أن يكثروا من الرد، وفي أثنائه أيضاً يقررون العقيدة؛ ليجتمع التحصين والرد في آن واحد.

منهج السلف العلمي في الدفاع عن العقيدة والرد على المخالف

منهج السلف العلمي في الدفاع عن العقيدة والرد على المخالف للسلف في الرد على المخالف منهجان: منهج علمي، ومنهج عملي المنهج العملي: يتعلق بالمواقف. أما المنهج العلمي فهو القاعدة للمنهج العملي. والمنهج العلمي عند السلف في الدفاع عن العقيدة والرد على المخالف يتمثل فيما يلي:

الرد على المخالف من أصول الإسلام

الرد على المخالف من أصول الإسلام أولاً: أن السلف يعتقدون أن الرد على المخالف من أصول الإسلام ومن أصول الدين ومن مقاصد الشرع، ومن غايات الدين العظمى، ومن مناهج الحق التي توافرت بها النصوص في الكتاب والسنة وأجمع عليها السلف. ومن هنا فإن ذهول بعض الناس عن هذا الأصل يعتبر كارثة، لا سيما وقد تأثر به بعض طلاب العلم، وهناك دعوى يرددها بعض المخلصين، لكنهم جهلة يقولون: لماذا نشتغل بالرد؟ وهل الرد له أصل في القرآن أو السنة؟ والعجب من هذا Q كيف يذهل طالب العلم بل المسلم العادي عن أن الرد أمر ضروري لا يمكن أن يقوم الدين بلا جدال للمخالفين والمناوئين. والله عز وجل قد ذكر في كتابه كثيراً من القضايا العقدية من خلال الرد، فالقرآن ومليء بالرد على أهل الكتاب: اليهود والنصارى. مليء بالرد على الديانات الأخرى ومليء بالرد على الأمم وعلى الشبهات التي صدرت عن المشركين وغيرهم من الجماعات، بل وحتى من الأفراد، كقوله عز وجل: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [يس:78]، هذا الوليد بن الوليد، فرد واحد. وكذلك المقولة ولو كانت شنيعة إذا قيلت؛ لا بد من حماية الأمة منها، وبعض الناس يقول: إن بعض المقالات فيها شناعة؟ نقول: المقولات التي فيها شناعة لا أشهر بها، لكني أحصن الأمة منها بالطريقة المناسبة، فإن كانت بين طلاب العلم أدفعها عن طلاب العلم، وإذا اشتهرت بين العامة لا بد أن أدفعها عن العامة. ولذلك ذكر الله عز وجل في كتابه الكريم أموراً يقولها المبطلون ويستسمجها الذوق، حتى لو قال بها الإنسان الذي لا يهتدي بالنبوات، ولا يعرف الحق؛ فإنا نجده لو حكَّم فطرته لوجد المقولة سخيفة، ومع ذلك فإن الله عز وجل رد على أهلها في الكتاب كمن ادعى أن لله صاحبة، وإن كان هذا أمراً قد لا يخطر على بال عاقل أن الله له ولد سبحانه عما يقولون، وادعوا لله البخل تعالى الله عما يزعمون، والله عز وجل ذكر هذه المذاهب في القرآن، حين أعلنها أصحابها أمام الملأ، وصاروا يتباهون بها ويدافعون عنها، فكذلك أي مقولة أو بدعة أو مذهب خبيث يشتهر بين الأمة عبر الإعلام، أو عبر وسائل يسمعها غالب الأمة؛ لا بد من دفعها، وإلا فإنها تكون فتنة. وقد أفرد بعض المتأخرين وعلى رأسهم الشيخ بكر أبو زيد وفقه الله كتاباً في ذلك أسماه: الرد على المخالف. فالرد على أهل الأهواء والدفاع عن العقيدة من أساسيات الدين، ومن أساسيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن أعظم المنكر منكر العقيدة أعظم المنكر الإساءة إلى الله عز وجل الإلحاد في أسمائه وصفاته الخلل في عبودية الله عز وجل البدع في عبادة الله؛ هذه هي أعظم الخلل وأعظم المنكر، ومن المنكرات منكرات الأخلاق ومنكرات العادات، ولا شك أن هذه منكرات، لكن أعظم المنكرات منكرات العقيدة، ولذلك ينبغي للأمة أن تعنى بمنكرات العقيدة كما تعنى بغيرها بل أكثر. إن الدفاع عن العقيدة داخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وداخل في الجهاد، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم)، وقال الإمام يحيى بن يحيى: الذب عن السنة أفضل من الجهاد في سبيل الله. كما أن الرد على أهل الأهواء داخل في الجدال بالتي هي أحسن، وفي الدعوة إلى الله عز وجل، وفي حماية الدين وإقامة الحجة؛ كل هذه أساسيات من أساسيات الدين، لا يقوم الدين إلا بها. وليس كل الأمة تجند في الرد، لكن يجب أن تنبري طائفة من المتخصصين في الرد على أهل الأهواء، ولا مانع أن يقوم بعضهم ويكون هذا همه، ويكون على ثغرة من ثغور الإسلام، أما أن نقول: نؤصل فقط، فنقول: نعم التأصيل هو الأصل، لكن أكثر الناس تقع في نفسه الشبهة حتى لا تزول إلا بتفنيد؛ فنحتاج إلى تفنيد الشبهات، وحماية الأمة منها. والقرآن قد تصدى لهذا الأمر وهو الهدى، فقد تضمن الرد وأمر به، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فمن هديه وسنته القولية والعملية أمره أيضاً للأمة بالجهاد باللسان، وبالذود عن الإسلام؛ فكان يؤيد كل من ذاد، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر الصحابة، وأحياناً هو بنفسه يناضل ويرد، ويكشف الأمور التي فيها خطر على الأمة، ويقوم على المنبر أكثر من مرة في دفع الباطل عن الناس، أو في دفع نوازع البدعة كما حدث من النفر الثلاثة الذين نزعوا في العبادة إلى الغلو في الدين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حدث شيء من الأمور قام على المنبر، فقال: (ما بال أقوام يقولون كذا وكذا). فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتصدى لحماية الدين كما يتصدى لبيانه، وكذلك الصحابة والتابعون وسلف الأمة، قاموا بالواجب تجاه الأهواء منذ أن بدأ بها أفراد، كما فعل أبو بكر وعمر، والأهواء الجماعية كما فعل الصحابة مع المرتدين، وكما فعلوا مع القدرية، وكما فعلوا مع السبئية والرافضة والشيعة، وكما فعلوا مع الخوارج. الصحابة بينوا، وأقاموا الحجة، ونقلت عنهم آثار

الاعتماد على الدليل الشرعي في الرد على المخالف

الاعتماد على الدليل الشرعي في الرد على المخالف كذلك من منهج السلف في الرد وفي حماية العقيدة: الاعتماد على الدليل الشرعي الثابت، وتأييده بالحجة العقلية الفطرية، والتزام المنهج السليم في الاستدلال؛ لأن مناهج الاستدلال هي التي يكون بها تقرير الدين على وجه سليم يلتزم به صاحبه السنة، وأغلب الذين خرجوا عن السنة كان بسبب الخلل في مناهج الاستدلال، بل أول ما خرجت الفرق في هذه الأمة كان بسبب الخلل الموجود عندها في منهج الاستدلال كما فعلت الخوارج، فأول ما اختل عندها الاعتقاد وخرجت عن الجماعة؛ واستدلت بآيات الوعيد على غير وجهها، وعلى غير منهج سليم، ولم ترجع إلى أهل الذكر وإلى الراسخين من الصحابة؛ واستقل هؤلاء الأعراب السذج بجهودهم الذاتية في تقرير الدين، والاستدلال عليه على غير منهج سليم، فأخذوا نصوص الوعيد التي تتعلق بالكفار، وحكموا بها على الصحابة وكفروهم. إن كثيراً من الناس يستطيع أن يعرف الدليل، وينتزعه بسهولة، ومن خلال الأجهزة قد يحشد آلاف الأدلة في قضية واحدة، لكن قد لا يتخلص منها، مثل الدجاجلة الذين يحضرون الجن، ولكن لا يستطيعون الخلاص منهم، فهذا الذي يستدل أو الذي يحشد النصوص دون أن يعرف المنهج السليم في الاستدلال؛ إذا لم يسلك المنهج الصحيح فإنه سيضل، ومن هنا لا بد من التزام منهج السلف في الاستدلال على القواعد الصحيحة المعروفة عند السلف، وقواعد الاستدلال مرسومة محسومة معروفة، منها: أن القرآن يفسر القرآن، وأن السنة تفسر القرآن، وأن القرآن يفسر السنة، وأن القرآن يفسر بأقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته، وأن القرآن يفسر بأقوال الصحابة أولاً؛ لأنهم الذين تنزل في عهدهم القرآن، وتلقوه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم العدول الثقات، ثم بأقوال التابعين وأئمة السلف، ثم بأقوال أهل العلم المختصين، ولا يستدل على أمور الدين بقواعد الفلاسفة والمتكلمين، أو النظريات الحديثة أو غير ذلك؛ هذا كله من المناهج الفاسدة التي ضل بها الناس.

عرض المخالفات إجمالا

عرض المخالفات إجمالاً كذلك من منهج السلف في حماية العقيدة والدفاع عنها والرد على المخالف: عدم التعرض للمخالفات والبدع على جهة التفصيل، فالسلف من منهجهم إذا عمت البلوى بالشبهة، أو بمقولة فاسدة، أو بالعقيدة، أو البدعة، تصدوا لها، لكن لا يعرضونها تفصيلاً بل إجمالاً؛ لأن العرض التفصيلي يوقع الناس في الإشكال، وبعض الناس لا يميزون، فبعضهم إذا قرأ الشبهات ربما تنقدح في قلبه وعقله ثم لا تخرج، وبعض الناس يعتريهم ضعف العقول وضعف الإيمان وضعف المدارك وغير ذلك مما عليه عامة الناس، فأهل العلم يتميزون بالإدراك أكثر من العامة. فلذلك لا ينبغي أن كل ما يفهمه العالم يقوله، أو ما تفهمه عن الشبهة وعن صاحب الشبهة تقوله للناس، إنما تأتي بالشبهة والبدعة على وجه الإجمال؛ من أجل التنبيه على أصلها، ثم ترد عليها، وكان السلف يردون عليها بحسب الحال، تارة تفصيلاً إذا اقتضى الأمر التفصيل، وأحياناً إجمالاً إذا اقتضى الأمر الإجمال، والعالم هو الذي يقدر الأمر في ذلك. ثم لا يتكلمون عن غير الواقع، فالسلف لا يفترضون الشبهات، وليست هذه من عادات السلف أن يفترضوا الحجة للخصم، بل ما احتج به يردونه، وما قاله يذكرونه إجمالاً، لكن لا يفترضون الشبهات، أو الحجة للخصم؛ لأن ذلك يوقع في إشكالات، ثم إنه من التكلف الذي نهى الله عنه. كما لا يستهدفون إلا المقولة الواقعة فعلاً، إذا شاعت شائعة عند الناس لا ينبغي الاستسلام لها واعتبارها مقولة حتى يتثبت منها، وهذا منهج السلف.

الرد على الشبهات والبدع غير المعلنة

الرد على الشبهات والبدع غير المعلنة ومن مناهج السلف كذلك: أنهم لا يردون على الشبهات غير المعلنة، والبدع غير المعلنة، إنما يعالجونها بالحكمة بحسب حال البدعة وصاحبها؛ خوفاً من الإشهار أمام العامة، إذا سمعت بدعة لكنها لم تشتهر؛ فلا ينبغي أن نبادر في الرد عليها؛ لأن أغلب الناس تستهويه البدعة، فما كان السلف يظهرون البدعة قبل أن تشتهر، ولا يشهرونها قبل أن تعم بها البلوى، بل يتصدون لها بالكتمان، ويستهدفون صاحبها، ويقصدون من ابتلي بها؛ من باب النصيحة غير المعلنة، والرد غير المعلن، فهم لا يردون على الشبهات غير المعلنة، إنما يعالجونها بما يناسبها.

التشهير بالمخالف والسكوت عنه

التشهير بالمخالف والسكوت عنه إن السلف في ردودهم ودفاعهم عن العقيدة لا يذكرون أسماء أصحاب البدع والمقولات المردودة عليهم إلا إذا كان صاحب البدعة اشتهر ببدعته، أو كان داعية إليها، فعندئذ لا يجوز أن يترك، بل يشهر به باسمه؛ لأنه إذا أعلن فقد عمت به البلوى وتعلق الناس بشخصه، وإذا تعلق الناس بشخصه، فقد يكون من مقتضيات الرد التحذير من شخصه ومن مقولته في آن واحد. لكن إذا اشتهرت البدعة من غير قائل؛ فلا ينبغي أن نفتش عن قائلها، لأننا في الغالب نرفع له راية، والتجربة أثبتت أن كثيراً من أهل الأهواء والبدع الذين اشتهروا كانوا من المغمورين، حتى تعجل بعض المنتسبين لأهل السنة في ذكر أسمائهم، فتعاطف معهم أهل البدع وتكاثروا عليهم وتحلقوا معهم، وانتشرت بدعتهم بهذا الأسلوب غير المناسب. فالمنهج الأسلم أنه ما دام لم يعلن ولم يشتهر؛ فالأولى أن يرد على بدعته على مبدأ قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بال أقوام)، من هم الأقوام؟ لا ندري، إنما الذي يهمنا أن نرد الشر، لكن لو اشتهروا وصاروا أصحاب راية، أو انتصبوا قدوات شر؛ فمن هنا لا بد من التصدي لهم بأشخاصهم. كذلك من مناهج السلف في الرد: أنهم لا يسكتون عن القول المخالف إذا كان فيه خطر على الأمة، ولا عن المبتدع المخالف إذا جاهر ببدعته أو عمت به البلوى.

الرد على المخالف فيما لا يسوغ فيه الاجتهاد

الرد على المخالف فيما لا يسوغ فيه الاجتهاد من منهج السلف أيضاً: أن الرد المعلن الذي يتصدون له إنما هو على صاحب البدعة، وعلى صاحب الخلاف المذموم صاحب الهوى، لا على المجتهد فيما يسوغ فيه الاجتهاد. وأعني بذلك أن بعض المنتسبين للعلم قد يخطئ في أمر اجتهادي، ويخالف ما عليه جمهور المفتين من الأمة، أو في وقت من الأوقات، لكن المسألة فيها خلاف، فإذا كانت المسألة خلافية ولا نعرف أن السلف يعتبرون هذا النوع من أهل الأهواء، أو يتصدون الرد عليه، لكن ينصحونه ويردون عليه رداً علمياً، لكن لا يعتبرونه صاحب بدعة، ثم إنهم لا يتحمسون في الرد على مثل هذا إلا من باب المحاورة العلمية فقط، لكن لا يطبقون عليه منهج الرد على أهل الأهواء، فمن منهج السلف أنهم لا يردون على المخالف -أي: لا يشنعون عليه- في المسائل الاجتهادية التي يسوغ فيها الخلاف، أما ما لا يسوغ فيه الخلاف، أو كان من البدع، أو تبين أنه صاحب هوى، فهذا هو الذي يستهدف في الرد ويحذر منه.

الالتزام بآداب الرد

الالتزام بآداب الرد ومن منهج السلف في الرد والدفاع عن العقيدة: أن السلف يلتزمون آداب الحوار في الرد على المخالف، وقد يند أحياناً عن هذا المنهج عبارات لبعض السلف، لكن هذا نادر، والنادر لا حكم له، فبعض السلف قد يختل عنده شرط من شروط الحوار، أو شروط الرد؛ إما لاجتهاد، أو لاستدلال خاطئ، أو لجهل بدليل، أو لحدة اقتضاها المقام، قد يعذر فيها في ذلك الوقت؛ فلا يكون منهجاً، لا سيما أن أساليب أهل الأهواء والبدع غالبها استفزازية، فالعالم الذي يتصدى لهم قد يخرجونه عن طوره أحياناً، فتصدر منه الكلمة والعبارة، أو الأسلوب أو المنهج الذي قد يخرج أحياناً عن المنهج المعتدل، فهذا لا يعد من الأصول، إنما يعدُّ: إما من باب الزلات، أو من باب الحالات النادرة التي ليست منهجاً، فالمنهج هو العموم وما يقتضيه العموم، فالسلف في ردودهم على المخالفين في تقرير العقيدة والدفاع عنها لهم منهج متميز وهو التزام أدب الخلاف والحوار.

الإنصاف والعدل عند الرد على المخالف

الإنصاف والعدل عند الرد على المخالف من منهج السلف في الرد على المخالف: العدل والإنصاف، وعدم المراء في الدين، فإذا كانوا يحاورون أحداً أو يجادلونه، سواء في الكتابة أو المناظرة الشفوية؛ فإنهم إذا رأوا من الخصم تمادٍ فإنهم يقفون؛ لأنه يتبين لهم أنه لا يريد الحق، إذا تمادى وأخذ يلج في القضية؛ فاللجاج والمراء يدل على الهوى، فالسلف لا يستجيبون للمراء، ولذلك قل عندهم الحشو والاستطرادات في الردود، والرد على الرد، والرد على رد الرد إلخ، فهذه ليست عند السلف إنما يردون فقط، فإذا نكص الخصم مرة أخرى؛ عرفوا أنه ممارٍ، وقد نهينا عن المراء.

الرد على المخالف بدون تشف

الرد على المخالف بدون تشفٍ وكذلك من مناهج السلف في الرد: أنهم لا يسلكون مسلك التشفي من الخصم، فالتشفي لا يرد في عباراتهم، خاصة إذا صار من الخصم شيء من الضعف أو الانهزام؛ فإنهم يعينونه على نفسه؛ لعله يرجع إلى الحق فلا يتشفون منه أو يشهرون به كما يفعله أهل الأهواء. كذلك فإن السلف لا يشهرون بالمخالف، وإن كان صاحب بدعة، أو صاحب مقولة فاسدة، إلا إذا عمت بها البلوى، واشتهر اسمه ورفع الراية وأعلن نفسه؛ فمن هنا يكون هو الذي شهر بنفسه، وإذا شهر لا يمكن أن يرد الباطل إلا بسلاح يكافئه، ومن التكافؤ أن المشهر يشهر به، أو من اشتهر يشهر به، أما ما عدا ذلك فلا يشهر به، فالسلف ما كانوا يشهرون بالمخالف. كذلك اعتماد الحكمة والموعظة الحسنة ما دام المجال يسع ذلك.

اشتراط الأهلية عند الرد على المخالف

اشتراط الأهلية عند الرد على المخالف ثم السلف من عادتهم أنهم يتورعون في الرد عن أن يدخل الواحد منهم في قضية لم يستعد لها علمياً، فهم يشترطون في الراد الاستعداد والأهلية عند المجادلة والمراء، استعداداً بالعلم واستعداداً بالدليل واستعداداً بالمقدرة، فمن لا يملك العلم ولا يملك المقدرة كان يعتذر، فكثير من السلف كان يعتذر؛ لأنه يرى نفسه غير أهل، كذلك من عنده قدرة على المحاورة لكن ليس عنده دليل؛ فلا يوقع نفسه في مثل هذه الحوارات، فالسلف الذين كان عندهم تمنع كان عندهم هذا السبب؛ إما أن يكون عنده علم لكنه لا يجد في نفسه كفاية واستعداداً ومقدرة، أو عنده استعداد ومقدرة لكن ليس عنده علم كافٍ، فبعضهم تجده يحجم عن مناظرة عتاة الجهمية وعتاة المعتزلة وعتاة الفلاسفة لهذا السبب، ومن وجد في نفسه المقدرة؛ توجب عليه أن يرد، وأن يناضل ويكافح عنها. وهناك ظاهرة تصدي بعض من ليس لديه المقدرة بدعوى أنهم يمثلون السنة والجماعة لعتاة العقلانيين وعتاة العصرانيين وعتاة العلمانيين عبر القنوات والوسائل الإعلامية المعاصرة. والكثير من المحاورين يمثل الإسلام، أو يمثل السنة بزعمه لكن تراه يخرج في موقف ضعيف، وهذا خذلان للحق، وخير لنا وله وللإسلام والمسلمين أن يبقى في بيته، والله عز وجل يتولى دينه، إذا لم يكن عنده مقدرة فيجب عليه ألا يتقدم؛ لأنه سيوقع السنة في موقع المخذول، فإذا وقف من يمثل السنة موقف الضعيف؛ صور السنة على أنها هي الضعيفة. فلذلك يجب ألا يتصدى إلا من وجد في نفسه المقدرة، المقدرة العلمية والدليل، ثم المقدرة الشخصية والموهبة، وهذا لا يعني ألا يشارك طلاب العلم في صد الهجمات الشرسة، بل يجب أن يشاركوا، لكن بعض من يقدرون مع الأسف لم يسهموا، وكثير ممن أسهموا ليس لديهم قدرة؛ فخذلوا الحق من حيث أراد نصره، فيجب على طلاب العلم القادرين أن يبرزوا، وأن يتصدوا عبر الوسائل المتاحة، وإن كانت وسائل فيها نظر، لكن لا بد من ركوب ما يناسب منها، واستعمالها لرد الهجوم الشرس على العقيدة والسنة.

الحذر من القول على الله بغير علم

الحذر من القول على الله بغير علم ثم السلف أيضاً من منهجهم في ذلك: الحذر من القول على الله بغير علم، فالمحاور والراد يسعه إذا لم يعرف الدليل أو لم يعرف الحكم أن يقول: لا أدري، وليس في هذا حرج، ولا يضر بدينه ولا بعقيدته ولا بموقفه، والمعروف عن الراسخين في العلم الذين وضع الله في قلوب الناس قبولهم أنهم ممن يقف إذا لم يصل إلى نتيجة بينة، ولم يتبين له الدليل، أو لم يتبين له وجه الاستدلال، أو لم يتبين له وجه الحق؛ قال: لا أدري، أو أتوقف، والسلف كانوا كذلك، كان الواحد منهم أحياناً يقول: لا أدري في هذه المسألة، بل أحياناً يقول: هذه من محارات الأمور لا أعرف فيها شيئاً. فالحذر من القول على الله بغير علم، والحذر من أن تنسب إلى الدين ما ليس منه، وليس عليك حرج ولا غضاضة من أن تعترف بالعجز، فإن الإنسان بشر، والكمال لله عز وجل، والعصمة لرسوله صلى الله عليه وسلم وليست لأحد من الناس.

قبول الحق من المخالف

قبول الحق من المخالف كذلك من منهج السلف: قبول الحق وإن كان مع الخصم، إذا تبين الحق فإنه يقبل ولو كان على لسان الخصم، ثم عدم الانتصار للرأي أو الجماعة أو الحزب، والابتعاد عن العصبيات، والغرور والتعالي، بل يجب على طالب العلم أن يتواضع، حتى وإن كان في موقف الحق ويجزم أنه على السنة، بل ينبغي له أن يظهر أمام المحاور وأمام الناس سواء في الرد المكتوب أو المسموع على أنه مشفق وناصح، ولا يستعرض على أنه المستعلي، نعم، الحق عالٍ، لكن لا يعرض إلا بحكمة، والحكمة لا تكون باستفزاز الآخرين، ولا في التعالي عليهم، إنما الحكمة في خفض الجناح وإظهار الإشفاق بصدق وإظهار النصح بصدق، وهكذا. هذه قواعد عامة لا تمثل جميع منهج السلف، بل هي اجتهاد في استنباط بعض القواعد والمناهج في هذا الباب، وهو باب واسع يجب أن يتصدى له طلاب العلم ويبينوه للناس؛ لأن المسلمين الآن أحوج ما يكونون إليه مع اختلاط السبل وكثرة الأهواء والمناهج، فإن التذكير بهذه الأمور ضروري؛ للتقعيد لطلب العلم، ولخدمة الإسلام والمسلمين في هذا الأصل. أسأل الله للجميع الهداية والتوفيق والسداد والرشاد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

الأسئلة

مقولة: الفطرة من أصول العقيدة

مقولة: الفطرة من أصول العقيدة Q ما رأيك فيمن يقول: إن الفطرة من أصول العقيدة، ويستدل بقول الله جل وعلا: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:30]؟ A هذا الكلام مجمل، ويحتاج إلى تفسير، وكثير مما يرد النزاع فيه من مثل هذه المسائل أو غيرها فأغلب النزاع سببه عدم اتفاق المتنازعين على المفهوم، أو على تنزيل القضية على الحالات التي تنزل عليها القضية، فالذي يقول: (يستدل بالفطرة أولاً) ماذا يقصد بالفطرة؟ ثم ماذا يقصد بدلالة الفطرة؟ هل يقصد: يستدل بالفطرة في تقرير الدين، وتقرير أصول جديدة للدين، أو أحكام أو أدلة؛ فعلى هذا فإن الفطر لا تجدد: لا في أصول الدين ولا في الأحكام ولا في الأدلة، وإلا إننا قد وضعنا مصدراً جديداً للوحي، أو مصدراً بديلاً للوحي، أو رافداً للوحي، وهذا لا يرد، إذا ورد على الوحي شيء يخرجه عن العصمة؛ خرج من مقتضى اليقين إلى مقتضى الظنون، لأن الفطرة مهما كانت دلالاتها تبقى ظنية، فالبشر مهما كانوا ومهما كانت عقولهم وفطرهم فليس لهم قول قاطع في الغيبيات، فالفطرة رافد الفطرة نستمد منها الدلالة من أدلة الأحكام، (الإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس)، هذا فيما يتعلق بالتمييز بين النافع والضار بين الحسن والقبيح، فيما يدخل في قواعد الشرع، وإلا لو أن أمراً من الأمور قبحه الشرع؛ فلا يجوز أن نستسيغه بالفطرة، ولو أن أمراً من الأمور حسنه الشرع؛ فلا يجوز أن نقبحه بالفطرة، لأن الفطرة هي خلق الله، والشرع والدين كلام الله وأمره، فلا يمكن أن يتعارض الخلق مع الأمر. فإذا كان كذلك فإن دلالة الفطرة رافدة دلالة الفطرة لتأييد الاجتهاد في التمييز بين الأمور الخلافية وبين أمور الأحكام الاستنباطية. لكن قواعد الدين وأصول الدين وقطعيات الدين هذه لا يمكن أن يكون للفطرة فيها إلا التأييد؛ لأنه إذا قررها سبحانه فهو خالق الفطرة. إذاً: هذا من باب العبث والتلاعب بالألفاظ وعدم الدقة، وربما صاحبه يقصد المعنى الآخر، وهو أن الفطرة تدلنا على دلالة النصوص في التحسين والتقبيح في الاجتهاديات، أما في غير الاجتهاديات فلا، لا للعقل ولا للفطرة مجال.

المنهج الصحيح في رد الشبهة والبدعة

المنهج الصحيح في رد الشبهة والبدعة Q من أخطأ في العقيدة فهل نقرر المنهج ثم نرد الشبهة أو البدعة؟ أم نرد الشبهة والبدعة ثم نقرر منهجاً صحيحاً، وهو ما يسمى التخلية ثم التحلية؟ ويقول سائل آخر: هل ذكر حجج بعض الشبهات والرد عليها من الطرق السليمة للرد عليها؟ أم يذكر مذهبه فقط ويرد عليه؟ A هذا منهج فيه سعة؛ لأن السلف كانوا يقررون الحق، ثم يذكرون ما شاع عند الناس من شبهة، أو ما انتشر من بدعة ويردون عليها، وأحياناً يذكرون الشبهة ويردون عليها، ثم يقررون الحق بحسب السياق والمقال، وليس في هذا حرج فيما يبدو، وبعض الأئمة قد يستعمل هذا وهذا في وقت واحد، والإمام أحمد في كتاب الرد على الجهمية والزنادقة استعمل هذا وهذا، حسب السياق وما يقتضيه المقام. لكن ما كانوا يتركون القارئ أو السامع دون أن يبين له وجه الحق؛ لأنهم ما كانوا يفترضون أن الناس يفهمون كلهم، والناس ليسوا سواء في الفهم؛ بل فهم الناس متفاوت، فمنهم الساذج الذي حتى بدهيات الدين أحياناً تخفى عليه. مثال ذلك: ما حدث عند النبي صلى الله عليه وسلم (أن رجلاً قال: يا رسول الله! لا أعرف دندنتك ولا دندنة معاذ، إنما أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: حولها ندندن)، فهذا يعرف المجملات، فهذا ما يترك ويسلم لشبهة تناقش.

الولاء والبراء للمنهج السلفي وأتباعه

الولاء والبراء للمنهج السلفي وأتباعه Q ما رأي فضيلتكم فيمن يضع أو يكتب صفات معينة، ثم يدعي بأن من توفرت فيه هذه الصفات فهو سلفي المنهج، ومن لم تكن فيه فهو غير سلفي، وعلى أساس هذه الصفات يوالي ويعادي أتباع من وضعوا هذه الصفات؟ A هذه أيضاً من الأمور التي تحتاج إلى تحديد، وأئمة السلف الذين صنفوا وكتبوا أو أثر عنهم آثار يضعون خصائص وسمات لأهل السنة والجماعة، فيقولون مثلاً: من سمات أهل السنة أنهم لا يسبون أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فمن خرج عن هذا فهو مبتدع، المقل والمكثر كلهم سواء. وقالوا أيضاً: من سمات أهل السنة والجماعة الأخذ بالهدي الظاهر في العموم، لكن الهدي الظاهر في إجمالياته لا في تفصيلاته؛ لأن الهدي الظاهر: إقامة شعائر الدين الكبرى، لكن لو وجد شخص مثلاً لا يستاك أبداً فلا تقل: إنه مبتدع؛ لأنه قد يكون غفل عن السواك، لكن من تعبد بشيء يخالف السنة وإن كان جزئياً، وعرفنا أنه يتعبد به ويدعو إليه؛ فهذا مبتدع ولو كان جزئياً. أيضاً من علامات أهل السنة والجماعة: القول بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق. ومن علامات أهل السنة والجماعة: إثبات الرؤية وإثبات الشفاعة، ومن أخل بأي أصل من هذه الأصول؛ فهو مخالف للسنة والجماعة. ومن علامات أهل السنة والجماعة: الولاء للسلف، ومن لمز أحداً من السلف؛ خرج عن مقتضى أهل السنة والجماعة، ولذلك قد يخرج من أهل السنة والجماعة ممن ينتسب إليهم إذا عادى بعض أئمته، أو لمزه وسبه. فإذاً: السلف لهم خصائص، لكن لا يرسمها أي أحد منهم، بل السلف رسموا هذه الخصائص، وهي موجودة في كتبهم ووضعوا لها ضوابط، وهذه الضوابط إجمالية أيضاً، بمعنى: أن كل من خرج عن أصل من هذه الأصول؛ يلزم أن يبدع ويخرج من السنة، لكن الأصل أن من خرج أنه بدعي بشروط: أن نعرف أنه ليس بمتأول، ولا جاهل، وأن يعتقد ما يفعل، ولم يكن هذا عن غفلة منه، ولا عن تساهل إلخ. فالمهم أن هناك ضوابط وميزات وصفات، من خرج عنها فهو خارج، لكن ليس لكل أحد أن يعمل هذه الضوابط على جميع الأفراد؛ حتى تتحقق الشروط، وتنتفي الموانع، كما يقال في التكفير: له شروط وموانع.

مفهوم الافتراق

مفهوم الافتراق لقد حذر الإسلام من الفرقة والافتراق، وبين مخاطره على الفرد والمجتمع، وما تسلط علينا أعداء الإسلام إلا بسبب الافتراق في الدين، والانحراف عن النهج القويم، والصراط المستقيم، الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأسباب الافتراق ومظاهره كثيرة، لاسيما في عصرنا الذي كثرت فيه البدع وبدأت ترفع رأسها، فينبغي على كل مسلم غيور على دينه وأمته أن يسعى حثيثاً لدرء أسباب ومظاهر الافتراق والاختلاف، وذلك بالتمسك بمنهج السلف الصالح، والالتفاف حول علماء الأمة، والصدور عن رأيهم فيما فيه صلاح الإسلام والمسلمين.

تعريف الافتراق ومفهومه لغة واصطلاحا

تعريف الافتراق ومفهومه لغة واصطلاحاً إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:153]، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، الذي حذر أمته بقوله: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه). وبعد: فإن من أهم الموضوعات التي ينبغي أن يعنى بها أهل العلم وطلابه في هذا العصر، والتي أحوج ما يحتاج إليها المسلمون بعامة وطلاب العلم بخاصة مسألة: الافتراق. الافتراق مفهومه وأسبابه، وسبل التوقي منه، والحذر من الوقوع فيه، لاسيما في هذا العصر الذي كثرت فيه البدع وظهرت وأخرجت أعناقها، وكثرت فيه الأهواء وسيطرت على الناس، وكثر فيه الخبث والنفاق، وكادت رسالة الإسلام أن تكون في غربة مع كثرة العلم وانتشاره، إلا أنه علم لا يفيد الكثيرين ممن تلقوه؛ لأنه إما أن يكون تلقيه عن غير المصادر الأصلية، أو عن غير منهج أهل العلم والفقه في الدين، وكثرة وسائل العلم رغم أنها نعمة إلا أنها قد أضرت كثيراً من الناس، حيث اكتفوا بها عن أخذ العلم عن أهله، وهو الأصل الذي هو سبيل المؤمنين، لهذا فإني سأتحدث بما يتيسر إن شاء الله عن الافتراق مفهومه وأسبابه، وسبل التوقي منه بقدر ما يتسع له الوقت إن شاء الله. وسأحصر الحديث هذا الموضوع على خمس مسائل: المسألة الأولى: مفهوم الافتراق. الافتراق في اللغة: من المفارقة، وهي المباينة والمفاصلة والانقطاع، والافتراق مأخوذ من الانشعاب والشذوذ، ومنه الخروج عن الأصل، والخروج عن الجادة، والخروج عن الجماعة. وفي الاصطلاح: الافتراق: هو الخروج عن السنة والجماعة في أي أصل من أصول الدين القطعية أو أكثر، سواء كانت الأصول الاعتقادية، أو الأصول العملية المتعلقة بالقطعيات، أو المتعلقة بمصالح الأمة العظمى أو بهما معاً. فمخالفة أهل السنة والجماعة في أصل من أصول الدين افتراق، ومخالفة إجماع المسلمين افتراق، ومخالفة جماعة المسلمين وإمامهم فيما هو من المصالح الكبرى افتراق، والخروج عن جماعة المسلمين افتراق، وكل كفر أكبر يعد افتراقاً، وليس كل افتراق كفراً. كل كفر يخرج به الإنسان عن الإسلام وعن السنة والجماعة فإنه مفارقة، لكن ليس كل افتراق كفراً، بمعنى أنه قد يقع الافتراق من طائفة أو فريق من الناس أو جماعة، لكن لا توصف بالكفر، حتى وإن افترقت عن جماعة المسلمين في عمل ما، كافتراق الخوارج، فالخوارج الأولون افترقوا عن الأمة، وخرجوا عليها بالسيف، وأيضاً فارقوا جماعة المسلمين وإمامهم، ومع ذلك لم يحكم الصحابة بكفرهم.

الفرق بين الاختلاف والافتراق

الفرق بين الاختلاف والافتراق المسألة الثانية: الفرق بين الاختلاف والافتراق. وهذا أمر مهم جداً، وينبغي أن يُعنى به أهل العلم؛ لأن كثيراً من الناس خاصة بعض الدعاة وبعض شباب الصحوة الذين لم يكتمل فقههم في الدين، لا يفرقون بين مسائل الخلاف ومسائل الافتراق، ومن هنا قد يرتب بعضهم على مسائل الاختلاف أحكام الافتراق، وهذا خطأ فاحش أصله الجهل بأصول الافتراق، ومتى يكون؟ وكيف يكون؟ ومن الذي يحكم بمفارقة شخص أو جماعة ما؟ من هنا كان لابد من ذكر بعض الفروق بين الاختلاف وبين الافتراق، وسأذكر خمسة فروق على سبيل التمثيل لا على سبيل الحصر: الفرق الأول: أن الافتراق أشد أنواع الاختلاف، بل هو من ثمار الخلاف، إذ قد يصل الخلاف إلى حد الافتراق وقد لا يصل، فالافتراق اختلاف وزيادة، لكن ليس كل اختلاف افتراقاً، وينبني على هذا الفرق الثاني. الفرق الثاني: وهو أنه ليس كل اختلاف افتراقاً بل كل افتراق اختلافاً. الفرق الثالث: أن الافتراق لا يكون إلا على أصول كبرى من أصول الدين التي لا يسع الخلاف فيها، والتي ثبتت بنص قاطع أو بإجماع، أو استقرت منهجاً عملياً لأهل السنة والجماعة لا يختلفون عليه، فما كان كذلك فهو أصل، ومن خالف فيه فهو مفترق، أما ما دون ذلك فإنه يكون من باب الاختلاف. فالاختلاف يكون فيما دون الأصول مما يقبل التعدد بالرأي، ويقبل الاجتهاد، ويحتمل ذلك كله، وتكون له مسوغات عند قائله، أو يحتمل فيه الجهل والإكراه والتأول، وذلك في أمور الاجتهاديات والفرعيات، والفرعيات أحياناً قد تكون في بعض مسائل العقيدة التي يتفق على أصلها، ويختلف على جزئياتها. الفرق الرابع: أن الاختلاف قد يكون عن اجتهاد وعن حسن نية، ويؤجر عليه المخطئ ما دام متحرياً للحق، والمصيب أكثر أجراً، وقد يحمد على الاجتهاد أيضاً، أما إذا وصل إلى حد الافتراق فهو مذموم كله، بينما الافتراق الذي لا يكون عن اجتهاد ولا عن حسن نية فصاحبه لا يؤجر بل هو مذموم، وهو لا يكون إلا عن ابتداع أو عن اتباع هوى. الفرق الخامس: أن الافتراق يتعلق به الوعيد، وكله شذوذ وهلكة، أما الاختلاف فليس كذلك مهما بلغ الخلاف بين المسلمين في أمور يسع فيها الاجتهاد، أو يكون صاحب الرأي المخالف له مسوغ، أو يحتمل أن يكون قال الرأي المخالف عن جهل ولم تقم عليه الحجة، أو عن إكراه قد لا يطلع عليه أحد، أو عن تأول ولا يتبين ذلك إلا بعد إقامة الحجة.

ذكر الأخطاء الواقعة بسبب عدم التفريق بين الاختلاف والافتراق

ذكر الأخطاء الواقعة بسبب عدم التفريق بين الاختلاف والافتراق بمناسبة الفرق بين الاختلاف والافتراق لابد من التنبيه على بعض الأخطاء التي يقع فيها كثير من الناس في هذا العصر، خاصة الذين يواجهون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى مع ضعف في العلم. فمن هذه الأخطاء:

إنكار وجود الافتراق في الأمة

إنكار وجود الافتراق في الأمة الخطأ الأول: إنكار أن يكون في الأمة افتراق، وينبني عليه أيضاً نزوع بعضهم إلى إنكار حديث الافتراق الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وسيأتي الكلام عنه تفصيلاً بعد قليل، وهذا خطأ فادح، والمنكر لذلك يزعم أنه يريد إظهار حسن النية في الأمة، ومعاملة الأمة بالظاهر، ومن هنا يتنكر لحديث الافتراق أو يؤوله، أو يصرف الافتراق إلى فرق خارجة عن الإسلام قطعاً، أو إلى فرق في الأمة هي من غير المسلمين، وهذا خطأ فادح، بل هو معارضة صريحة لأخبار النبي صلى الله عليه وسلم، بل الأخبار القاطعة في الكتاب والسنة تدل على وقوع الافتراق، فالأمة فعلاً فيها افتراق وهذا حق، والافتراق من الابتلاء، والحق لا يتبين إلا بضده. والله سبحانه وتعالى كتب منذ الأزل ألا يبقى على الحق إلا الأقلون، وعلى هذا فإن القول بوقوع الافتراق لا يعد إساءة ظن بالأمة، بل هو أمر واقع لابد من الاعتراف به، ولابد من تصديق خبر النبي صلى الله عليه وسلم فيه كما أخبر، وكون الافتراق يقع في الأمة لا يعني أن الإنسان يُسلم بالأمر الواقع، أو يرضى بأن يفارق أو لا يتحرى الحق ولا يبحث عنه، بل إن وقوع الافتراق هو دافع لكل مسلم بأن يتحرى الحق، وليعلم أن الحق متحدد في نهج النبي صلى الله عليه وسلم وفي نهج صحابته ونهج السلف الصالح.

التسليم السلبي بوجود الافتراق في الأمة يبرر الإقرار بالبدع والوقوع فيها

التسليم السلبي بوجود الافتراق في الأمة يبرر الإقرار بالبدع والوقوع فيها الخطأ الثاني: وهذا الخطأ أيضاً قد يتخذ ذريعة للمفارقة، وهو يقابل الخطأ الأول ويضاده، وهو اعتقاد أن المفارقة ما دامت أمراً واقعاً فهذا يعني أن الأمة تقع فيه برضاً وتسليم، وأنه لا يضر المسلم أن يكون مع أي فريق كان؛ لأن المفارقة أمر واقع، فعلى المسلم أن يذهب مع من يعجبه من أهل الأهواء وأهل الفرق. وهذه دعوى باطلة، بل هي تلبيس على المسلمين، فلا يجوز أن يكون الخبر عن الاختلاف ذريعة للمفارقة، أو ذريعة للرضا بالبدع وبالأهواء وبالخطأ؛ حتى وصل الأمر عند بعض من ينتسبون للدعوة أن يقول: ما دام الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الأمة ستفترق، فإذاً لابد أن نرضى بالبدع ونقرها أمراً واقعاً، ونرضى بالأهواء ونقرها أمراً واقعاً، ونسلم للأمر الواقع، ولنعرف أنه لا دين إلا بدخن! وهذه دعوى باطلة، بل هي من مداخل الشيطان على الإنسان؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما أخبر عن الافتراق أخبر بأنه ستبقى طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرة منصورة، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وهذه الطائفة تقوم بها الحجة، ويهتدي بها من أراد الهدى، ويقتدي بها من أراد الحق والخير. فإذاً: الحجة لابد أن تكون قائمة، والحق لابد أن يظهر، ولا يمكن أن يخفى على ذي بصيرة، ولا على من يريد الحق ويسعى إليه. فمن هنا كان الرضا بالبدع والأهواء على أنها أمر واقع لا يجوز شرعاً، بل هو تلبيس على المسلمين، وهو أيضاً إقرار بالباطل.

الاستعجال في وصف المخالفين بالخروج والمفارقة والبدعة

الاستعجال في وصف المخالفين بالخروج والمفارقة والبدعة الخطأ الثالث: الذين يجعلون من الاختلاف ذريعة في وصف المخالفين بالخروج والمفارقة والمروق، وما يستتبع ذلك من الاستعجال في الحكم على المخالفين، حتى من مرتكبي البدع والأهواء دون تثبت من ترتيب الأحكام عليهم بالكفر أو بالبراء والبغض والهجر، والتحذير من المخالف مطلقاً دون التثبت ودون إقامة الحجة، أعني بذلك أنه لا ينبغي لكل من رأى بدعة في شخص أن يصفه بالمفارقة، ولا كل من رأى أمراً مخالفاً للشرع والدين والسنة أن يصفه بالمفارقة والمخالفة؛ لأن من الناس من يجهل الأحكام، والجاهل معذور حتى يعلم، ومن الناس من يكون مكرهاً في بيئة أو في مكان ما، كما يحدث في بعض البلاد الإسلامية التي يُكره فيها المسلمون على حلق اللحى، أو على ممارسة بعض الأعمال التي لا تجوز شرعاً، ويكرهون بذلك ولو لم يفعلوا لقتلوا، أو عذبوا، أو انتهكت أعراضهم أو نحو ذلك. إذاً: عارض الإكراه لابد أن يرد في ذهن الحاكم على الناس بأي حكم من الأحكام، ثم أيضاً لابد من إقامة الحجة على الناس، بمعنى أنه قد يرى أحد منا إنساناً يرتكب بدعة من البدع التي عادة إنما يرتكبها أهل الافتراق كبدعة الموالد مثلاً، فإذا فعلها إنسان عامي جاهل فلا يعني أن يوصف بالافتراق حتى يُبيّن له الأمر، أما الابتداع فيوصف فعله بالابتداع، لكن لا يوصف بأنه مفارق أو أنه خارج عن الجماعة، أو أنه من الفرق الهالكة بمجرد رؤية بدعة أظهرها حتى تقام عليه الحجة، اللهم إلا البدع المكفرة، وليس المقام هنا يتسع للكلام عنها. إذاً: اتهام الناس بالمفارقة للدين فيما هو دون الأصول من البدع والمخالفات والمحدثات هذا لا يجوز، بل هو من التعجل، وينبغي على من رأى شيئاً من ذلك أن يتثبت وأن يسأل أهل العلم.

الجهل بما يسع فيه الخلاف وما لا يسع

الجهل بما يسع فيه الخلاف وما لا يسع الخطأ الرابع: الجهل بما يسع فيه الخلاف وما لا يسع، يعني: عدم التفريق عند كثير من المنتسبين للإسلام، بل من المنتسبين للدعوة، عدم التفريق بين ما هو من أمور الخلاف، وما هو من الأمور التي ليس فيها خلاف، وأضرب لذلك أمثلة: الأول: هناك من الناس من يعد المسائل الخلافية من القطعيات والأصول، دون أن يرجع إلى أصول أهل العلم وإلى أقوالهم، أو دون أن يهتدي بأهل الفقه في الدين الذين يبصرون في هذه الأمور. الثاني: عدم التفريق بين الأصول المكفرة وبين البدعيات الكبار، أو البدعيات المخرجة من الدين أو المكفرة وبين الحادثة التي تحدث من الأشخاص، أو من الهيئات أو من الجماعات، وأقصد بذلك أن بعض الناس إذا عرف بأصل من الأصول التي تكفر، كالقول مثلاً بأن القرآن مخلوق، إذا عرضوا هذا الأصل طبَّقه على كل قائل بهذه المقولة دون الأخذ بأحكام التكفير، وهكذا في بقية المسائل، بمعنى عدم التفريق بين الأصل وبين الحكم على المعين، وهذا أمر مخالف لأصول السلف وأصول أهل السنة والجماعة. أهل السنة والجماعة يفرقون بين الأحكام، الأحكام بالكفر، والأحكام بالفسق، والأحكام بالتبديع وغير ذلك، وبين الحكم على المعين، فقد نحكم على شيء ما بأنه كفر، ونحكم على مقولة ما من المقولات بأنها كفر، وهذا لا يعني أن كل من فعل هذا الكفر يكفر، ولا كل من قال بهذا القول يكفر، أقول: هناك كثيرون لا يفرقون في هذه المسائل فيكفرون باللوازم ودون الأخذ بأحكام التكفير؛ لأن الكفر لا يجوز إطلاقه حتى التثبت وبيان الحجة وإقامتها، وبيان الدليل ومعرفة عدم وجود الجهل، وعدم وجود الإكراه، وعدم وجود التأول. وهذه مسألة تحتاج إلى مقامات طويلة، وإلى مقابلة للأشخاص، وإلى جلوس معهم، وإلى نقاش ونصيحة، أما أن نرتب أحكام الكفر على كل من ظهرت منه حالة كفر، أو مقولة كفر، أو اعتقاد كفر، فهذا لا يجوز إلا في الأمور الكبرى التي تعلم من الدين بالضرورة، مثل إنسان أنكر شهادة أن لا إله إلا الله، هذا معلوم من الدين بالضرورة كفره، أو أنكر شهادة أن محمداً رسول الله، هذا معلوم من الدين بالضرورة كفره، أو من سب الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا معلوم من الدين بالضرورة كفره، لكن هناك ما هو دون ذلك من أصول الدين كمسائل الصفات، مسائل القدر، مسائل الرؤية والشفاعة، مسائل الصحابة وغير ذلك من الأمور التي لا يعلمها العامة. بل تخفى حتى على بعض من ينتسبون إلى العلم، تخفى عليهم تفصيلاً، وربما يتلفظ بعضهم بلفظ كفر وهو لا يشعر، أو وهو لا يدري، أو لم يتمعن العبارة، فهل هذا يحكم بكفره؟ لا. إذاً: من أشد الأخطاء التي يقع فيها كثيرون من الذين يتعرضون للحكم على الناس خاصة صغار طلاب العلم، والأحداث منهم الذين لم يتفقهوا في الدين على أهل العلم، إنما أخذوا العلوم، الشرعية عن الكتب والوسائل دون اهتداء، ودون اقتداء، ودون مراعاة للأصول، ولا معرفة بأصول الاستدلال وأصول الأحكام، فهؤلاء يقع بعض منهم في هذه المسائل الخطيرة، وهي عدم التفريق بين الأصول وبين تطبيق الأصول على الجزئيات والحوادث والنوازل. فأحكام الكفر والتكفير لا تعني تكفير كل شخص يقول بها أو يعملها أو يعتقدها، وأحكام الولاء والبراء لا تعني تطبيق هذا الولاء والبراء على كل من يظهر منهم ذلك حتى التأكد، أقصد بذلك البراء بخاصة، أما الولاء فهو الأصل. كذلك عدم اعتبار المصالح والمفاسد، أو الجهل بقواعد المصالح والمفاسد في هذا الجانب، وهي أساس كبير من أسس الخطأ في هذا الجانب.

وقوع الأمة في الافتراق

وقوع الأمة في الافتراق المسألة الثالثة: وقوع الأمة في الافتراق. هذه المسألة محسومة بأمور: الأول: الأخبار المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم بوقوع الافتراق في هذه الأمة، من ذلك حديث الافتراق: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة)، هذا حديث مشهور للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد رواه جمع من الصحابة، ورواه أيضاً الأئمة العدول الثقات في السنن، كالإمام أحمد، وكـ أبي داود، والترمذي، وابن ماجة، والحاكم، وابن حبان، وأبي يعلى الموصلي، وابن أبي عاصم، وابن بطة، والآجري، والدارمي، واللالكائي. كما صححه جمع من أهل العلم، كـ الترمذي، والحاكم، والذهبي، والسيوطي، والشاطبي، وأيضاً للحديث طرق حسنة كثيرة جداً بمجموعها تصل إلى حد الجزم بصحته، هذا أمر، وأمر آخر وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بخبر آخر: أن الأمة ستتبع الأمم السابقة، وهو الحديث الصحيح المتفق عليه في الصحاح والسنن: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة). الثاني: هذا الحديث أيضاً فسر بنصوص وألفاظ كثيرة، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)، وقوله: (شبراً بشبر وذراعاً بذراع)، وغير ذلك من الألفاظ التي تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر على سبيل التحذير أن الأمة ستقع في الافتراق حتماً، وأن وقوعها أمر واقع يبتلي الله به هذه الأمة، وليس وقوع الافتراق ذماً إلا للمفترقين، ليس هو ذماً على الإسلام، ولا ذماً على أهل السنة والجماعة وأهل الحق، إنما هو ذم للمفترقين، والمفترقون ليسوا هم أهل السنة والجماعة. أهل السنة والجماعة هم الباقون على الأصل، وهم الباقون على الإسلام، وهم الذين أقام بهم الله الحجة على الناس إلى قيام الساعة. إذاً: الافتراق واقع حتماً، وهو أمر حتى لو لم يشهد به الواقع، وتشهد به العقول، فهو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق وألفاظ عديدة؛ لذلك ورد التحذير منه، وإذا كثر التحذير دل على أن الأمر واقع أو سيقع. الثالث: النصوص الواردة تتضمن التحذير، من ذلك قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:153]. وقد شرح النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية شرحاً بيناً مفصلاً، بأن خط خطاً طويلاً مستقيماً ثم خط خطوطاً تتفرع عن هذا الخط وتخرج عنه، فقال: إن هذا صراط الله، وهذه السبل هي التي تخرج عن الصراط المستقيم. وكذلك نهانا الله سبحانه وتعالى عن التنازع فقال: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46]. وكذلك توعد الله سبحانه وتعالى الذين يخرجون عن سبيل المؤمنين: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:115]، نسأل الله العافية. وسبيل المؤمنين هو سبيل أهل السنة والجماعة. كما أن النبي صلى الله عليه وسلم رتب أحكاماً على المفارقة بدليل أنها ستقع، إضافة إلى إخباره عن الخوارج، وأنهم سيخرجون عن هذه الأمة، وأنهم يمرقون، والمروق لا يعني الكفر والخروج من الملة قطعاً، إنما المروق من أصل الإسلام الذي هو جماعته، والسنة التي عليها أهل السنة. وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل المفارق للجماعة، وكذلك بين النبي صلى الله عليه وسلم أن من مات مفارقاً للجماعة مات ميتة جاهلية، وأن الفرقة عذاب، وأن الشذوذ هلكة، وغير ذلك من الأمور والمعاني التي تدل على أن الفرقة واقعة، والتحذير منها لم يكن عبثاً؛ إنما لأنها ستقع ابتلاء، ولا تقع إلا والناس على بصيرة، يعرفون الحق وهو موجود في الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح، ويميزون بين الحق والباطل، فمن اهتدى اهتدى على بصيرة، ومن ضل ضل على علم، نسأل الله العافية.

تاريخ الافتراق في الإسلام

تاريخ الافتراق في الإسلام المسألة الرابعة: تاريخ الافتراق في الإسلام، وهذا مفيد؛ لأن فيما حدث في أول الإسلام عبرة، ولا أستطيع أن أتكلم عن تاريخ الافتراق تفصيلاً، لكني سأقف على بعض النقاط التي هي موطن عبرة، والتي لابد من تصحيح المفهوم فيها، فيما أخطأ فيه كثير من الناس في العصر الحاضر: أولاً: أول عقائد الافتراق التي ظهرت في الأمة هي العقائد السبئية عقائد الشيعة، فأول ما سمع الصحابة من عقائد الافتراق والفرقة بين المسلمين هي عقائد السبئية، وقد قال بها شخص اختلف في اسمه، والأشهر أنه عبد الله بن سبأ، فقال بها بين المسلمين فاعتنقها كثير من المنافقين، ومن الكائدين الذين كادوا للإسلام، ومن الجهلة، ومن الموتورين الذين ظهر الإسلام على بلادهم وعلى أديانهم، فاعتنقوا مقولات ابن سبأ فسارت بين المسلمين سراً حتى ظهرت منها: الشيعة، والخوارج. هذا بالنسبة لأول العقائد التي ظهرت بين المسلمين تخالف أصول الإسلام وتشمل سائر أمور العقيدة. أما أول الفرق ظهوراً وافتراقاً عن إمام المسلمين وعن جماعتهم فهي الخوارج، والخوارج نابتة نبتت من السبئية، الخوارج هي فرقة سبئية، وبعض الناس يظن أن السبئية شيء والخوارج شيء آخر، لا، الخوارج هم نبتة من نبتات السبئية النكدة، وكذلك الشيعة نبتة من نبتات السبئية النكدة، والسبئية افترقت إلى فرقتين رئيسيتين: هي الخوارج، والشيعة. رغم ما بين الخوارج والشيعة من بعض الفوارق، إلا أن الأصل واحد، وأصل ذلك الفتنة على عثمان رضي الله عنه التي أثارها ابن سبأ بأفكاره وعقائده وأعماله، فانبجست منها أخبث العقائد: وهي الخوارج، والشيعة. والفرق بين الشيعة والخوارج أيضاً صنعه المبطلون، بمعنى أن ابن سبأ بذر بذوراً تناسب طائفة الخوارج، وبذوراً أخرى تناسب طائفة الشيعة، وجعل بينهما شيئاً من العداء لتفترق الأمة كما يحدث الآن، أو كما صنع أعداء الإسلام ضد المسلمين ما يسمى بلعبة اليمين واليسار، قسموا المسلمين إلى أحزاب، هذا أحزاب يمين وهذه أحزاب يسار، وهذه اللعبة واحدة، ومنشؤها واحد، وأصل القائلين بها واحد، هذا أمر. وأمر آخر لابد من التنبيه عليه: وهو أنه في تاريخ الافتراق لم يحصل من الصحابة أفترق ألبتة، وما حصل بين الصحابة إنما هو خلافات كانت تنتهي إما بالإجماع، وإما بالخضوع لرأي الجماعة والالتفاف حول الإمام، هذا هو ما حصل بين الصحابة، ولم يحصل من صحابي أن افترق عن الجماعة، فالصحابة الأئمة المقتدى بهم في الدين لم يحصل من أحد منهم أنه فارق الجماعة أبداً، ولم يحصل أن أحداً منهم أيضاً يُعد قوله أصلاً في البدع، ولا أصلاً في الافتراق، والذين نسبوا بعض المقولات أو بعض الفرق إلى بعض الصحابة إنما افتروا عليهم أكبر فرية، ولا صحة لما يقال: من أن علي بن أبي طالب هو أصل التشيع، أو أن أبا ذر هو أصل الاشتراكية، أو أن فلاناً من الصحابة هو أصل كذا، كل ذلك إنما هو من الباطل المحض. ثم إن الافتراق لم يحدث إلا بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، وحينما حدثت الفتنة بين المسلمين خرجت خارجة الخوارج، وخارجة الشيعة، أما في عهد الخليفتين أبي بكر وعمر، بل حتى في عهد عثمان لم يحدث افتراق ألبتة. ثم إن الصحابة قاوموا الافتراق، ولا يظن ظان أن الصحابة غفلوا أو جهلوا، أو أنهم لم يتنبهوا لمسائل الافتراق، سواء كانت أفكاراً أو عقائد أو مواقف أو أعمالاً، بل وقفوا ضد الافتراق أشد الوقوف، وأبلوا في ذلك بلاء حسناً بحزم وقوة، لكن أمر الله لابد أن يقع. من المناسب أن أشير إلى أصول البدع التي انبثقت عنها الفرق، ثم انبثق عنها الافتراق، وأقصد بذلك الأشخاص الذين تولوا كبر ذلك وصاروا أئمة ضلالة إلى يوم القيامة، وبعدهم انفتح باب الافتراق، وكثر المضللون. أول أولئك: عبد الله بن سبأ اليهودي الذي ادعى الإسلام، وأتباعه وأشياعه كثر، فقد جمع بين بدعة الخوارج وبدعة السبئية. ثم بعد ذلك ظهرت بدعة القول بالقدر، وأول من قال بها على نحو معلن وصار له أتباع هو معبد الجهني، لكن بدعته لم تكن على الحد الذي كانت عليه فيما بعد من الانحراف والخطورة. ثم جاء بعده غيلان الدمشقي الذي تولى إثارة كثير من القضايا حول القدر، وأيضاً حول التأويل والتعطيل. وغيلان بعدما استتيب ولم يتب قتل. ثم جاء بعده الجعد بن درهم فتوسع في هذه المقولات، وجمع بين مقولات القدرية، ومقولات المعطلة والمؤولة، وأثار الشبهات بين المسلمين، حتى انبرى له كثير من السلف واستتابوه ولم يتب، وجادلوه وأقاموا عليه الحجة فلم يرجع، فلما افتتن به الناس حكم بضرورة قتله درءاً للفتنة، فقتله خالد بن عبد الله القسري في قصته المشهورة، حينما قال بعد خطبته في عيد الأضحى ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بـ الجعد بن درهم

أسباب الافتراق

أسباب الافتراق المسألة الخامسة: أسباب الافتراق. لو حاولنا أن نستقرئ أسباب الافتراق منذ أن بدأ حتى يومنا هذا لوجدناها كثيرة جداً لا تكاد تحصى، وكلما تجددت للناس أفكار وثقافات وأعمال تجددت للناس أسباب للافتراق، لكن هناك أسباب كبرى رئيسة، وتكاد تتفق عليها أصول الفرق قديماً وحديثاً، ألخصها فيما يلي:

كيد اليهود والنصارى والمنافقين والزنادقة وغيرهم

كيد اليهود والنصارى والمنافقين والزنادقة وغيرهم أول أسباب الافتراق وأشدها نكاية على الأمة: كيد الكائدين بأصنافهم من أهل الديانات، كاليهود والنصارى والصابئة والمجوس، وكذلك من الموتورين الذين حقدوا على الإسلام والمسلمين؛ لأن الجهاد قضى على دولتهم، ومحا أديانهم من الأرض، فهؤلاء بقوا على حقدهم للدين والإسلام، وآثروا النفاق والزندقة على أن يبقوا على دياناتهم؛ حفظاً لرقابهم، أو للتعايش مع المسلمين، وهؤلاء هم أشد المعاول فتكاً بالمسلمين، والكيد لهم بدس الأفكار والمبادئ المنحرفة والبدع والأهواء بينهم. كذلك كيد المنافقين وهذا يشمل أولئك وغيرهم، وكيد أهل الفساد وأهل الملل والزندقة.

أهل الأهواء والمصالح والأغراض الشخصية

أهل الأهواء والمصالح والأغراض الشخصية السبب الثاني: أهل الأهواء الذين يجدون مصالح شخصية أو شعوبية في الافتراق، فكثير من أتباع الفرق ممن يجدون في الفرق تحقيقاً لمصالح شخصية إما شهوات وإما أهواء وإما أغراض عصبية أو شعوبية أو قبلية أو غيرها، وربما بعضهم يقاتل لهذا الأمر لهوى أو لعصبية، فهم الذين يكثِّرون أتباع الفرق، ويجتمعون حولهم لتحقيق هذه المصالح، وهذه الطائفة موجودة في كل زمان وفي كل مكان، متى ما ظهر في الناس رأي شاذ أو بدعة أو صاحب هوى، فإنه يجد من الغوغاء ومن أصحاب الأهواء والشهوات والأغراض الشخصية من يتبعه لتحقيق ذلك.

الجهل

الجهل السبب الثالث: الجهل، والجهل يشمل كل الأسباب، لكن الجهل هو مدخل لأصحاب الأهواء على الجهلة، وأيضاً الجهل هو قد يوقع صاحبه في البدعة، والجهل هو عدم التفقه في الدين وليس مجرد عدم تحصيل المعلومات، والإنسان بإمكانه أن يحصل ما يحصن به نفسه وما يحفظ به دينه من العلم، ويكون بذلك عالماً بدينه ولو لم يتبحر في العلم، والعكس كذلك، قد يوجد من الناس من يعلم الشيء الكثير، وذهنه محشو بالمعلومات، لكنه يجهل بدهيات الأصول الشرعية، مثل: أحكام الخلاف، وأحكام الافتراق، وأحكام التعامل مع الآخرين، وهذه مصيبة كبرى أصيب بها كثير من الناس اليوم، تجد الواحد منهم لديه معلومات شرعية أخذها من مصادر كثيرة، لكن تجده جاهلاً في أحكام الخلاف والحكم على الآخرين، وفي أحكام التعامل مع الناس، وفي أحكام الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيفسد من حيث لا يشعر، فالجهل مصيبة والجهل سبب رئيسي لوجود الافتراق، والجهلاء هم مادة الفرق وهم وقودها.

الخلل في منهج تلقي الدين

الخلل في منهج تلقي الدين السبب الرابع: الخلل في منهج تلقي الدين، وأقصد بذلك أنه قد يوجد لدى كثير من الناس كما أسلفت علم، وقد يطلع على كثير من الكتب، لكن عنده خلل في منهج تلقي الدين؛ لأن تلقي الدين له منهج مأثور منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وسلف الأمة، واقتفاه أئمة الهدى إلى يومنا هذا. وهذا المنهج إنما هو علم واهتداء واقتداء وسلوك، وهو يتعلق بالقواعد الشرعية والأصول العامة، أكثر مما يتعلق بفرعيات الأحكام أو بكميات النصوص.

مظاهر الخلل في منهج التلقي

مظاهر الخلل في منهج التلقي هذه مظاهر الخلل في منهج التلقي وبوضوح هذه المظاهر يتبين المقصود منها.

أخذ العلم من غير أهله

أخذ العلم من غير أهله أولاً: أخذ العلم عن غير أهله، وأقصد بذلك أن الناس صاروا يأخذون العلم عن كل من دعاهم إلى التعلم، وكل من رفع على نفسه فوق رأسه راية الدعوة وقال: أنا داعية، جعلوه إماماً في الدين وتلقوا عنه، وقد لا يفقه من الدين شيئاً. فلذلك ظهرت في العالم الإسلامي دعوات كبرى ينضوي تحت لوائها ملايين من الناس خاصة الشباب، وأئمتها جهلة في بدهيات الدين، فيفتون بغير علم، ويَضلون ويُضلون، وسبب ذلك أنهم وجدوا أتباعاً لهم يأخذون عنهم دون ترو ودون تثبت، ودون منهج صحيح، لا يتثبتون هل هم أهل للتلقي أم لا؟ ثم أيضاً الناس تجذبهم العواطف أكثر مما يجذبهم العلم والفقه، وهذا خطأ فادح، بمعنى أنه بمجرد أن يظهر الداعية وتكون له شهرة وأثر في الناس يجعله الناس إماماً في الدين، حتى لو لم يعلم شيئاً، وهذا خطأ فادح، بل لا ينبغي أن يتصدر الدعوة إلى الله ولا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا العلماء الأجلاء الذين يفقهون الدين، ويأخذونه من أصوله على منهج سليم صحيح، وإلا فليس كل من حُشي ذهنه يكون إماماً في الدين؛ لأنه قد يوجد من الفسقة بل قد يوجد من الكفرة من يعلم من فرعيات الدين الشيء الكثير، ووجد من المستشرقين من يحفظ بعض الكتب الكبيرة في الفقه الإسلامي، بل حتى منهم من يحفظ القرآن، ويحفظ صحيح البخاري، ويحفظ بعض السنن. ووجد من المستشرقين منذ سنين من يحفظ المغني في الفقه الحنبلي تسعة مجلدات، فهذا يحفظ العلم، لكن لا يفقه من الدين شيئاً، وقد يكون هناك مثله ممن يدعي الإسلام، قد يكون عنده من المعلومات الشيء الكثير، لكن لا يفقه منهج التلقي، ولم يأخذ الدين عن منهجه الصحيح، فصار يفتي بغير علم.

الاستقلالية عن العلماء والأئمة

الاستقلالية عن العلماء والأئمة من مظاهر الخلل في منهج التلقي والذي هو سبب للافتراق: الاستقلالية عن العلماء والأئمة، أي: استقلالية بعض المتعلمين الأحداث عن العلماء، فيكتفون بأخذ العلم عن الكتاب والشريط والمجلة والوسيلة، ويعزفون عن التلقي عن العلماء، وهذا منهج خطير، بل هو بذرة خطيرة للافتراق، ولو رجعنا إلى أسباب الافتراق في أول تاريخ الإسلام -افتراق الخوارج والرافضة- لوجدنا أن من أهم أسباب وجود هذا الافتراق فيمن ينتسبون للإسلام، وأعظم أسباب هلاكهم وافتراقهم هو انعزالهم عن الصحابة، وأخذهم العلم عن أنفسهم، قالوا: علمنا القرآن وعلمنا السنة فلسنا بحاجة إلى الرجال، وهذا حق أريد به باطل. فمن هنا استقلوا عن منهج التلقي الصحيح المأخوذ عن النبي صلى الله عليه وسلم بالقدوة والاهتداء، والذي أخذ عن الصحابة وعن السلف بهذا الطريق هم العدول جيلاً عن جيل. كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يأخذ هذا العلم من كل خلف عدوله)، والعدول: هم الثقات الذين يأخذون الدين وينقلونه إلى الآخرين. والاستقلالية خطر كبير جداً؛ لأن العلم إنما تكون بركته وتلقيه الصحيح عن العلماء، والعلماء لا يمكن أن ينقطعوا في أي زمان. ودعوى بعض الناس أن في العلماء نقصاً وتقصيراً هذه دعوى مضللة، نعم العلماء بشر لا يخلون من نقص وتقصير، لكنهم مع ذلك هم القدوة، وهم الذين جعل الله أخذ الدين عن طريقهم، وهم أهل الذكر، وهم الراسخون، وهم أئمة الهدى، وهم المؤمنون الذين من تخلف عن سبيلهم هلك، وتلقي العلم عن غير أهله خطر على صاحبه وعلى الأمة.

ازدراء العلماء واحتقارهم والتعالي عليهم

ازدراء العلماء واحتقارهم والتعالي عليهم ثالثاً من مظاهر الخلل: ازدراء العلماء واحتقارهم والتعالي عليهم، وهذه مظاهر شاذة مع الأسف بدأنا نرى نماذج منها، وهذا أمر خطير يجب أن نتناصح فيه، وما لم يعالجه طلاب العلم والعلماء فالأمر خطير.

التتلمذ الكامل على الأحداث وصغار طلاب العلم

التتلمذ الكامل على الأحداث وصغار طلاب العلم رابعاً: تتلمذ الأحداث -أي: صغار السن- على بعضهم، أو على طلاب العلم الذين هم دون من هم أعلم منهم، بمعنى التتلمذ الكامل، ولا أقصد بذلك أنه لا يجوز أخذ العلم عن أي طالب علم، من أجاد أي علم من العلوم الشرعية أخذ عنه، لكن لا يعني الاستغناء به عمن هو أعلم منه، فمكمن الخطر أن يستغني بعض الشباب في أخذ علمه وقدوته وسلوكه وهديه ببعض طلاب العلم عن العلماء الذين هم أجل وأكبر وأعلم، وهذا مسلك خطير، بل أخطر منه أن يكون بعض الصغار شيوخاً لبعض في العلم، ولا أقصد بذلك عدم وجود المجالسة والمخالطة والمشاركة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، هذا أمر مطلوب، والاجتماع على ذلك مطلب شرعي ضروري، لكن أقصد تلقي العلم بهذه الطريقة، والاستغناء به عن أخذه عن العلماء. إذاً: هذا مسلك خطير، وهو من أسباب وجود الافتراق؛ لأنه يؤدي إلى حصر أخذ الدين عن أناس معينين، والتحزب لهم، والتعصب لهم، ومن ثم تكون هذه بذور للافتراق.

اعتبار اتباع الأئمة على هدى وبصيرة من التقليد

اعتبار اتباع الأئمة على هدى وبصيرة من التقليد خامساً: اعتبار اتباع الأئمة على هدى وبصيرة تقليد، وهذه شنشنة ها كثيراً من بعض المتعالمين، فيقولون: إن اتباع المشايخ تقليد، والتقليد لا يجوز في الدين، وهم رجال ونحن رجال، وعلينا أن نجتهد كما اجتهدوا، ونحن نملك الوسائل والكتب، والآن توافرت وسائل العلم، فما لنا وأخذ العلم عن العلماء، بل أخذ العلم عن العلماء تقليد، والتقليد باطل. نقول: نعم، التقليد باطل، لكن ما مفهوم التقليد؟! هناك فرق بين التقليد وبين الاتباع والاهتداء، الاتباع واجب شرعاً، وعامة المسلمين بل كثير من طلاب العلم لا يجيدون ممارسة أو أخذ أصول العلم على الطريقة الصحيحة، فممن يأخذون العلم؟ وكيف يأخذون أصول التلقي ومنهج أهل السنة والسلف والأئمة؟ لا يمكن أن يأخذوه إلا باتباع العلماء، والاتباع ليس بتقليد، وإلا فهذا يعني أن كل إنسان هو إمام وحده، ومن هنا يكون كل إنسان فرقة، ويكون عدد الفرق بعدد الناس، وهذا باطل قطعاً. إذاً: اتباع الأئمة على هدى وبصيرة ليس بتقليد، إنما الاتباع الأعمى هو التقليد.

الاقتصار في طلب العلم على الوسائل فقط

الاقتصار في طلب العلم على الوسائل فقط سادساً: التتلمذ على مجرد الوسائل، وهو أن يكتفي طالب العلم بأخذ العلم عن الكتب، وينطوي وينعزل عن أهل العلم وعن أهل الخير، وعن أهل الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعن العلماء، ويقول: أنا أتلقى العلم عن الكتب وعن الوسائل، ولدي الكتاب والشريط والإذاعة إلى آخره، من الوسائل المقروءة والمسموعة، ثم يقول: أنا بإمكاني أن أتعلم بهذه الوسائل. أقول: لا شك أن هذه الوسائل نعمة، لكنها أيضاً سلاح ذو حدين، فالاكتفاء بأخذ العلوم الشرعية عنها إنما هو مسلك خطير جداً، وهو من أسباب الافتراق؛ لأن هذا يُوجد أشخاصاً وصوراً ممسوخة لأهل العلم، يأخذون العلم على غير أصوله، وعلى غير قواعده، وبغير اهتداء واقتداء، ويأخذون العلم بمشاربهم هم، وبأهوائهم وبأمزجتهم، وبأحكامهم المفردة، والإنسان مهما بلغ من الذكاء والقدرة والتأهل للعلم، فإنه وحده لا يستطيع أن يصل إلى الحق ما لم يعرف ما عليه السلف، وما عليه أهل العلم في وقته، ويعالج قضايا العلم وقضايا الأمة والأحداث مع العلماء، فإنه بذلك يَهلك ويُهلك. بل إن هذه الوسائل أوجدت عندنا صوراً ممسوخة لمن يسمون بالمثقفين، وعندهم من المعلومات ما يعجب الناس ويبهرهم، لكنهم لا يقرون بأصل، ولا يفهمون منهج السلف، وبذلك يقتدى بهم بغير علم، وهذه الظاهرة كثرت بشكل مزعج، حتى وجد من هذا الصنف أناس يتصدرون الدعوة إلى الله، وتوجيه الشباب على هذا النمط، بمجرد أنهم يملكون من المعرفة والثقافة العامة والكم الهائل من المعلومات الشرعية، دون معرفة للضوابط ولا للأصول ولا للمناهج ولا لكيفيات التطبيق وكيفيات العمل، ولا لطريقة أئمة الدين في تناول مسائل العلم وتطبيقها على النوازل والحوادث.

التقصير في فقه الخلاف وفقه الاجتماع

التقصير في فقه الخلاف وفقه الاجتماع سابعاً: التقصير في فقه الخلاف. وأقصد بفقه الخلاف معرفة أحكام الخلاف بين المسلمين، وماذا يترتب على الخلاف؟ وما يجوز الخلاف فيه وما لا يجوز؟ وإذا خالف المخالف ماذا نطلق عليه؟ ومتى نطلق عليه الكفر أو الفسق إلى آخره؟ هذه أمور يجهلها كثير من الناس، ومن هنا يحدث الافتراق. كذلك فقه الاجتماع والجماعة، وهذا أمر غفل عنه الكثير من الشباب الذين يأخذون العلوم الشرعية، غفلوا عن أصول فقه الاجتماع، اجتماع الأمة وجمع الشمل وفقه الجماعة، وأيضاً محاذير الافتراق، ومحاذير الفتن، وما توصل إليه؟ وكذلك عدم التفريق بين الثوابت وبين المتغيرات من الأحكام والأصول. أيضاً: الجهل بقواعد الشرع ومقاصده العامة، مثل: مسألة جلب المصالح ودرء المفاسد، ومسألة التيسير، ومسألة متى يكون للناس في أمر من الأمور رخصة؟ ومتى يكون لهم ضرورة؟ واللجوء إلى الضرورة كيف يكون؟ وأحكام الفتن، وأحكام السلم، لذلك نجد كثيراً من الناس لا يُفرق في كلامه وأحكامه بين ساعات الشدة والفتن، وبين ساعات السلم والأمن، وهذا ليس بفقه، بل هو خلل كبير، وسبب للافتراق. وأضرب مثالاً لذلك ما حدث فيما شجر بين إخواننا الأفغان، ما حدث فتنة، والمتبصر يدرك الحق وأصحابه، ويدرك الباطل وأصحابه، ومن لديه حق أكثر وإن كان فيه أخطاء، ومن لديه شيء من الباطل وإن كان عنده حسنات، لكن لا يفقه أحكام الكلام في الفتن، ومتى يكون الكلام مناسباً ومتى لا يكون؟ ومتى يجوز الحديث عن الأشخاص والأحكام عليهم ومتى لا يجوز؟ ولا يفقه المصالح الكبرى للأمة، والمصالح المعتبرة في جمع الشمل، وجمع الكلمة، وضرورة السكوت والإعراض والكف عما يشجر بين المسلمين أثناء الفتن، ودرء المفاسد إلى آخره، كثيراً ممن سمعتهم لا يفقهون هذا الأمر مع الأسف، بل ولغ الناس على غير هدى ولا بصيرة في هذا الأمر، ولم يهتدوا بكلام أهل العلم.

التشدد والتعمق في الدين

التشدد والتعمق في الدين ثامناً: التشدد والتعمق في الدين، وهو من أعظم أسباب الافتراق. قد يقول إنسان: كيف نفرق بين المتشدد وغير المتشدد؟ المتشدد يوزن بنماذج: أول هذه النماذج: العلماء في الأمة -ولا تخلو الأمة من علماء- العلماء في الأمة هم النموذج، فمن زاد على هديهم وسمتهم في الأحكام وفي الهدي والسلوك إلى حد فيه عنت وإرهاق للآخرين، أو مصادمة لما عليه أهل العلم فهذا متشدد، فهم القدوة. كذلك من علامات التشدد: إيقاع المسلمين في العنت والحرج في أمور دينهم، وأقصد المسلمين الذين هم على السنة لا عبرة بالفساق وأهل الفجور، لكن من هم على اعتدال وعلى سنة وأوقعهم في حرج في دينهم، أو شدد عليهم، ولم يسلك مسلك التيسير في أمورهم التي يضطرون إليها فهو متشدد. ومن علامات التشدد: التسرع في إطلاق الأحكام، بمجرد ما يسمع قضية أو حادثة أو خبر يحكم على صاحبها غيابياً، أو يحكم قبل أن يتثبت، أو يحكم باللوازم، كأن يقول: إذا كان فلان قد قال كذا فهو كذا بدون نقاش، مثل قولهم: من لم يُكفر فلاناً فهو كافر، سبحان الله ربما ما تبين له كفر فلان، وهكذا من نزعة إطلاق الأحكام والإلزامات في الأقوال. وأيضاً: الإكثار من التكفير الخارج عن سمت العلماء وعن رأيهم، هذا معلم بارز من معالم التشدد. إذاً: التشدد والتعمق في الدين هو سبب رئيس من أسباب الافتراق، وهو الذي افترقت به الخوارج عن الأمة.

الابتداع في الدين في العقائد وغيرها

الابتداع في الدين في العقائد وغيرها تاسعاً: الابتداع والبدع في الدين، سواء في العقائد والعبادات أو الأحكام أو غيرها.

العصبيات بأنواعها وأصنافها

العصبيات بأنواعها وأصنافها عاشراً: العصبيات بشتى أصنافها وأنواعها، سواء كانت مذهبية أو عرقية أو شعوبية أو قبلية أو حزبية، أو عصبيات شعارات أو غيرها، وأخطر تلكم العصبيات هي ما يكون في مجال الدعوة؛ لأنه يُلبس على الناس، وتكون هذه العصبيات مبررة باسم الدين.

تأثر المسلمين بالأفكار والفلسفات الوافدة عليهم

تأثر المسلمين بالأفكار والفلسفات الوافدة عليهم حادي عشر: تأثر المسلمين بالأفكار والفلسفات الوافدة عليهم، أياً كان نوع هذه الأفكار والفلسفات، ما دامت تتعلق بأمور الدين أو الأحكام أو العادات الأخلاق.

دعاوى التجديد في الدين على غير هدى

دعاوى التجديد في الدين على غير هدى ثاني عشر من مظاهر الخلل في التقي والتي حدثت بعد القرون الثلاثة الفاضلة: هي دعاوى التجديد في الدين، ما بين وقت وآخر يظهر على المسلمين بلية يدعي صاحبها أنه يريد أن يجدد للناس أمر دينهم، وقد يكون هذا المجدد جاء لينسف بتجديده قواعد أهل العلم، وما عليه السلف من المناهج والأصول، وما عليه أهل السنة والجماعة من المناهج والأصول، وهذه الدعاوى التي تدعو إلى الافتراق كثرت في الآونة الأخيرة، حتى في مجال الدعوات المعاصرة، وقد كثر الذين يدعون ضرورة التجديد، وليتهم قصدوا بالتجديد تجديد أمور الحياة والوسائل والأساليب والأسباب هذا أمر بدهي، وهو من سنن الله في خلقه، لكنهم قصدوا بالتجديد تجديد الأصول والمناهج في الدين، وتجديد العلوم ومآخذ الفقه في الدين، ومآخذ الأحكام من النصوص وغير ذلك، وهذا أمر خطير ينسف كل ما كان عليه أهل السنة والجماعة من الأصول التي أبقتهم على نهج النبي صلى الله عليه وسلم.

التساهل في مقاومة ومحاربة مظاهر البدع في المسلمين

التساهل في مقاومة ومحاربة مظاهر البدع في المسلمين ثالث عشر: التساهل في مقاومة ومحاربة مظاهر البدع في المسلمين، بحيث تظهر بعض البدع فيغفل عنها الناس، ويتساهلون فيها، ثم تنمو وتزيد وتكثر، وقد تظهر بعض البدع أيضاً بمظاهر ملبسة، تظهر على شكل عادات وأحوال معينة، وقد تأخذ مسميات غير مسميات البدع كالأعياد الوطنية والأيام الوطنية وكرفع الصور وغيرها، وتأخذ تبريرات وأشكالاً وأسماء أخرى غير أسماء البدع حتى تستقر البدع، ثم بعد ذلك ينزع أصحابها إلى الفرقة أو الافتراق عن الدين وعن الأمة.

ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمناصحة

ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمناصحة رابع عشر: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وترك المناصحة، ووقوع المداهنة في الدين، أيضاً عدم قيام طائفة من الأمة في درء الفساد والافتراق عنها.

عوامل توقي الافتراق

عوامل توقي الافتراق الفقرة الأخيرة: كيف نتوقى الافتراق؟ أولاً: ينبغي أن نعرف أن توقي الافتراق يكون بتوقي الأسباب والمظاهر التي ذكرتها والحذر منها. لكن هناك أيضاً أشياء أخرى عامة وخاصة. من الأشياء العامة: الاعتصام بالكتاب والسنة، وهذه قاعدة عامة تندرج تحتها توصيات أو أمور كثيرة: الأول: من ذلك معرفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم في كل شيء، على المسلم أن يتحرى هدي النبي صلى الله عليه وسلم في كل أمر من أمور الدين، وبهذا سيهتدي ويبتعد عن الافتراق أو النزوع إلى الفرقة. الثاني: السير على نهج السلف الصالح، من الصحابة والتابعين وأئمة الدين أهل السنة والجماعة. الثالث: التفقه في الدين، بأخذه عن العلماء وبطريقته الصحيحة بمنهج أهل العلم. الرابع: الالتفاف حول علماء الأمة، من الأئمة المهتدين الذين تثق الأمة بدينهم وعلمهم، وهم بحمد الله لا يمكن أن تفقدهم الأمة، ومن زعم أنهم يفقدون فقد زعم أن الدين سينتهي؛ لأن الأمة إنما تمثل بعلمائها، وأهل السنة والجماعة إنما يمثلهم أهل العلم والفقه في الدين، فمن ادعى يوماً من الأيام أنه يمكن أن يكون هناك فقد لأهل العلم، أو لا يوجد نموذج من العلماء تهتدي به الأمة فقد زعم أنه ليس هناك طائفة منصورة ولا فرقة ناجية، وأن الحق ينقطع ويعمى على الناس. الخامس: الحذر من التعالي على العلماء، أو الشذوذ عنهم بأني نوع من أنواع الشذوذ التي تؤدي إلى الفتنة أو المفارقة. السادس: من ذلك ضرورة معالجة مظاهر الفرقة خاصة عند بعض الأحداث أو المتعجلين، والذين تخفى عليهم الحكمة في الدعوة. السابع: الحرص على الجماعة والاجتماع والإصلاح بمعانيها العامة وبأصولها، لابد أن يحرص كل مسلم وكل طالب علم وداعية على الجماعة والاجتماع والإصلاح بين الدعاة وأهل الخير، وعلى جمع الكلمة وعلى البر والتقوى. الثامن: من أراد أن يعتصم بالسنة والجماعة وينجو من الافتراق فعليه أن يلازم أهل العلم، ويلازم الصالحين من أهل التقوى والخير. التاسع: تجنب الحزبيات وإن كانت في الدعوة، وكذلك العصبيات أياً كان نوعها ومصدرها؛ لأنها بذور للافتراق. العاشر: بذل النصيحة لولاة الأمور وللعامة، وإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على فقه وبصيرة، وأخص الشباب وأنصحهم بضرورة الالتفات حول العلماء وطلاب العلم، وأن يتلقوا عنهم الدين ويتفقهوا على أيديهم ويحترموهم ويوقروهم، ويصدروا عن رأيهم في كل أمر ذي بال من أمور الأمة، ويلتزموا ما يقررونه في مصالح الأمة، وفي مشكلات المسلمين الكبرى، وعليهم أن يلتزموا بتوجيهات أهل العلم تحقيقاً للمصلحة، وجمعاً للشمل، وصوناً من الفرقة. وذلك هو منهج السلف الصالح، وهو الهدى، وهو الذي به نستطيع أن نقتدي بأئمة الدين أهل السنة والجماعة، وذلك هو سبيل المؤمنين. وبهذا القدر أكتفي. هذا وأسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد والرشاد، وأسأله تعالى أن يجمع كلمة المسلمين على الحق والخير والهدى، وأن يوحد صفوفهم، وأن ينصرهم على أعدائهم، كما أسأله تعالى أن يكفينا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونعوذ به من الفرقة والافتراق، ونسأله العصمة من ذلك. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

الأسئلة

حكم من يقوم بنشر المسائل الشاذة من مسائل الخلاف بين علماء الأمة

حكم من يقوم بنشر المسائل الشاذة من مسائل الخلاف بين علماء الأمة Q ما حكم من يتبع ويتبنى الدعوة إلى المسائل الشاذة من مسائل الخلاف بين علماء الأمة، ويقوم بنشرها وتبنيها بين العامة؟ هل يعتبر من الذين ينشرون الفرقة والاختلاف في الأمة أفيدونا؟ A هذا السؤال يتضمن الجواب، لكن يظهر لي أن السائل يريد أن أفصل، وأظن أن الوقت لا يتسع للتفصيل؛ لأنه ما دام بوصفه أنه ينشر المسائل الشاذة فهذا شذوذ وهلكة، وكان السلف يصفون من فعل هذا بأنه صاحب بدعة وصاحب هوى؛ لأن من اتبع الشذوذات هلك، لذلك قالوا بأن من طلب غريب الحديث كذب، ونحو هذا الكلام، بمعنى أن من اهتم وقصر جهده على الأمور الغريبة والشاذة فإنه يَهلك ويُهلك، وهذا الشخص إما أنه جاهل يجب أن يُعلم، أو منحرف يجب أن يُعدّل، أو أنه ضال يريد الضلالة؛ لأن إثارة المسائل الشاذة والقضايا الغريبة لا شك أنها إثارة للفتنة، وقد لا يشعر من يفعل ذلك، فينبغي نصحه وتنبيه أهل العلم عليه.

ضوابط الحكم على الجماعات الإسلامية الموجودة في الساحة

ضوابط الحكم على الجماعات الإسلامية الموجودة في الساحة Q هل نحكم على جماعة من الجماعات التي تدعو إلى الله عز وجل وضرب أمثلة بأنها خارجة عن نهج أهل السنة والجماعة أي أنها واقعة في الافتراق، أم أننا نحكم على أفراد بأعينهم بخروجهم عن أهل السنة والجماعة؟ وهل الافتراق بمعناه الحقيقي قد وقعت فيه بعض الجماعات؟ A هذا سؤال عام، لكن أقول: الضابط في ذلك: هو أن أي جماعة تتبنى مناهج في الدين وليس مناهج في الدعوة، تتبنى مناهج حول أصول الدين تخالف مناهج السلف في بعضها أو في أكثرها، فلا شك أنها بذلك تفارق جماعة المسلمين، أما إذا كانت إنما تتبنى مناهج في الدعوة ولا تتقصد منهجاً معيناً، أو تدعي أنها على منهج السلف فهذه توزن بموازين السلف، فإن كان الخير فيها أكثر وأصولها العامة على منهج أهل السنة والجماعة في الجملة، حتى وإن وجد فيها بعض الشواذ أو بعض المفارقين، فلا يصل الأمر إلى أن نصفها بالمفارقة، وإذا كان فيها شيء من المخالفات في الجملة أو عندها مخالفات مبيتة ونصحت بها وبُيّن لها الحق فأصرت عليه، فهذه مفارقة. لكن هناك أمر آخر ينبغي التنبيه عليه وهو أن كثيراً من الجماعات في العالم الإسلامي لا تهتم بقضية العقيدة أصلاً، إنما تهتم بتجميع المسلمين على وسائل معينة ومناهج معينة في الدعوة، فهذه لابد من التفصيل في الحكم عليهم، والمناهج في الدعوة ليست مناهج في الدين إنما هي وسائل وأسباب يختلف فيها الناس ويعذر بعضهم بعضاً فيها؛ لأنها مجال الخلاف، ويسع فيها الخلاف مهما بلغ، مناهج الدعوة، ووسائل الدعوة، وأساليب الدعوة، وأساليب الدعاة، وأنماط الدعوة هذه أمور يسع فيها الخلاف، ولا ينبغي أن نبني عليها الحكم بالافتراق، إنما الافتراق في الأصول، فأي دعوة من الدعوات تتبنى أصولاً في العقيدة في الدين تخالف مناهج السلف فهي مفارقة، وإذا وافقت مناهج السلف فهي موافقة. إذاً: لابد من التفصيل عند الحكم على المعين أو على الجماعة المعينة.

المدرسة العقلية الفلسفية المعاصرة وعلاقتها بافتراق الأمة

المدرسة العقلية الفلسفية المعاصرة وعلاقتها بافتراق الأمة Q ما رأيك بالمدرسة العقلية الفلسفية المعاصرة؟ وما رأيك بالداعين إليها، مع أن الداعين إليها أناس يلبسون ثياب الملتزمين والصالحين؟ وهل هم ممن يهدف إلى افتراق هذه الأمة؟ A الحقيقة هذه مسألة نسيت التنبيه عليها وكانت في ذهني، وهي أنه من ابتلاء الله للأمة أن يحدث كثير من الافتراق على أيدي أناس يظهر منهم الصلاح، وهم يظنون أنهم صالحون، فمثلاً ممن ذكرتهم: معبد الجهني على سبيل المثال، والجهم بن صفوان، وواصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد هؤلاء يُعدون من العُبّاد والزُهّاد، والذين يتلبسون الآن بوشوح السنة وهم على مذهب العقلانيين في العصر الحديث، لا يصلون مع أولئك شيئاً في التقوى والصلاح، أولئك كانوا من قوام الليل ومن صوام النهار، وكانوا قدوة في مسائل العبادة، لكنهم ليسوا بقدوة في الاعتقاد والدين، ولعل مسألة الخوارج قريبة في أذهانكم، وصف النبي صلى الله عليه وسلم عبادة الخوارج: بأنكم تحقرون صلاتكم عند صلاتهم، ويقرءون القرآن، يصلون الليل، ويصومون ومع ذلك خرجوا على الإمام، فهذا فيه عبرة وعظة. ولذلك ينبغي للمسلم أن يسأل ربه العافية والسلامة، ألا يكون ميزانه مختلاً في وزن الرجال. لا بد أن يكون أئمة الهدى على استقامة في العمل وفي الاعتقاد، في الهدي والسلوك الظاهر والباطن، وأن يكونوا على نهج السلف، أما من خالف نهج السلف في فكره أو في اعتقاده أو في عمله فهو مخالف. يعني: لو كان في اعتقاده سليم لكن خرج على الجماعة بالسيف، فهو مفارق، ولو كان في اعتقاده فاسد لكن مظهره صالح، يصلي وفيه ورع وفيه تقوى وزهد وعزوف عن المحرمات إلى آخره، فهذا ليس بقدوة ما دام اعتقاده فاسداً. إذاً: ليست العبرة بهذه الأمور. أما مسألة العقلانيين فهي وصف ينطبق على كثير من الفئات يجمعها قاسم واحد على اختلاف مناهجها ومشاربها وأساليبها، وهذا القاسم هو القول في الدين بالرأي، وعدم اعتبار أقوال السلف فيما يخالف فيه، بمعنى أنه قد يوافق كثيراً من السلف ويثني عليهم ويقول: إنه متبعهم، لكن في المسألة التي يخالف فيها يبرر لنفسه، ويخالف عقلاً لا شرعاً. وما اتفق عليه السلف لا سبيل للمخالفة فيه، سواء كان في العقائد أو في الأعمال أو في المناهج، والقاسم المشترك عند العقلانيين المخالفة بمجرد الرأي لما عليه السلف، إما في اعتقاد، أو في عمل، أو في نهج، أو في هدي، أو في سلوك مما هو سمت عام لأهل السنة والجماعة مما لا يسع فيه الخلاف. فمن قال برأيه سواء كان مقلداً لآراء آخرين كالمستشرقين أو بعض المفكرين الذين ابتليت بهم الأمة ممن يسمون بالمفكرين الإسلاميين الآن، وهم أئمة افتراق، سواء قلد هؤلاء أو قلد غيرهم، أو تبنى بنفسه بعض الأفكار التي تخالف منهج السلف فهو عقلاني. وهؤلاء المثقفون في العالم الإسلامي لا يخلو منهجهم من لمز من يخالفهم من الأئمة، وقد يثنون على العالم في جانب ويلمزونه ويثلمونه في الجانب الذي يخالفونه فيه. فعلى أي حال هذا أمر لا ضابط له، فالمدرسة العقلية هي مدارس شتى أهمها المدرسة الجديدة التي ظهرت بين الدعاة، وهي مدرسة أشبه بمدرسة المعتزلة، وهي مدرسة تحررية تأخذ بمناهج تبتدعها من نفسها وتلغي مناهج السلف في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى وفي الدين.

حكم انتساب الجماعات والفرق إلى أهل السنة والجماعة

حكم انتساب الجماعات والفرق إلى أهل السنة والجماعة Q هل الفرق المذكورة في الحديث المقصود بها هي الفرق التي تنتسب إلى أهل السنة والجماعة كالخوارج والمعتزلة الجهمية، أم المقصود بها هذه الجماعات والفرق التي خرجت حديثاً مثل: جماعة الإخوان، والجماعة المحمدية، وجماعة أهل السنة والحديث، أرجو منكم الإجابة؟ A ليس في أهل السنة والجماعة فرق، بل لا يتأتى ذلك، وكون بعض الفرق تدعي السنة والجماعة هذا أمر طبيعي جداً، وهو نوع من التلبيس، بل لا تكاد فرقة من الفرق التي تريد أن يكون لها رواج في المسلمين إلا وتدعي السنة، فدعوة السنة ليست عبرة، إنما العبرة التمسك بالسنة، وأهل السنة والجماعة ليس لهم شعار وليسوا حزباً، وليسوا جماعة تتكتل على نظام أو على مؤسسة أو على هيئة تنظيم معين، أهل السنة والجماعة وصف عام شامل في العقائد والأصول والمناهج والهدي الظاهر، من اتصف به فهو من أهل السنة، حتى لو كان وحده في بيئة من بيئات المسلمين، أو أي مكان من الأرض، ولو لم يكن في بلاد المسلمين فهو من أهل السنة والجماعة حقاً وولاء وبراء، وله من الحقوق ما لبقية أهل السنة والجماعة. إذاً: أهل السنة والجماعة وصف وليسوا جماعة محددة، أما الدعاوى فقد يكون بعض من ينتسبون أو يرفعون شعارات الكتاب والسنة، أو السنة والجماعة أو نصر السنة، قد يكونون فعلاً من أهل السنة والجماعة وقد لا يكونون، فليس كل من رفع شعاراً خرج عن السنة والجماعة، وليس كل من رفع شعاراً دخل في السنة والجماعة، فالعبرة بموازين الشرع، من كان على نهج السنة والجماعة وهو واضح، وسبب خفائه عن الناس عدم أخذ العلم عن أهله، فهو واضح لمن أراد أن يتبصر فيه ويأخذه عن أهل العلم، فمن كان على ذلك فهو من أهل السنة والجماعة، حتى وإن انتمى إلى بعض الدعوات أو الجماعات التي عندها انحرافات، قد يكون من الجماعات التي توصف بأنها منحرفة، قد يكون من أفرادها من هو على السنة، لكن ما سبب وجوده فيها؟ هذا أمر ينبغي أن نلتمس له العذر ما لم نجد لذلك ما ينقض، أو نقيم عليه الحجة وهكذا.

عدم الفرق بين المنهج والعقيدة

عدم الفرق بين المنهج والعقيدة Q ما الفرق بين الفرقة التي تخالف أهل السنة والجماعة في العقيدة، والتي تخالف أهل السنة والجماعة في المنهج؟ A ينبغي أن نفهم أن العقيدة ليست مجرد الأعمال القلبية، ومن هنا التفريق بين المنهج والعقيدة غير صحيح، العقيدة هي اعتقادات في القلب وهي أعمال وهي مناهج، العقيدة تشمل المناهج؛ لأن مفهوم المناهج مفهوم واسع يدخل فيه منهج الأخذ بنصوص الكتاب والسنة، هذا اسمه منهج، والسلف لهم في ذلك منهج يدخل في الاعتقاد، فمثلاً: من تلقى نصوص الكتاب والسنة بالأسلوب الرمزي أو بالتفسير الإشاري أو بالتفسير الباطني خالف منهج أهل السنة والجماعة، وهو يقرأ الكتاب والسنة ويستند إليهما، هذا مثال. مثال آخر: المواقف تجاه الأحداث الكبرى في الأمة، هذا منهج، مثل: موقف الصحابة مما شجر بينهم، موقف التابعين مما شجر بين الصحابة، هذا منهج وهو عقيدة. أيضاً: مناهج تلقي العلم تسمى مناهج، ومنها ما هو عقيدة، مثال ذلك: مقاييس تصحيح الأحاديث الضعيفة التي استقر عليها الدين، وبقي الصحيح صحيحاً معروفاً والضعيف ضعيفاً معروفاً واستقر عليه، فتصحيح البخاري ومسلم استقر عليه، وتصحيح ما صححه الأئمة، وتعديل الثقات، وتجريح المجروحين هذه مناهج وقام عليها الدين، ومن أخل بها أخل بالدين. أيضاً: منهج تلقي أخبار النبي صلى الله عليه وسلم والقبول لها، تلقي الأوامر والنواهي. أيضاً: منهج أهل السنة والجماعة تجاه الأئمة والجماعة، هذا منهج وهو عقيدة في جملته. تبقى مسألة تطبيق المناهج على الحوادث والنوازل، هذه يرجع فيها إلى أهل العلم؛ ليعرف نهج تطبيقها على أسلوب أهل السنة والجماعة. إذاً: المناهج لا يفرق بينها وبين العقيدة؛ لأن العقيدة اعتقاد وعمل ومناهج.

مفتريات حول دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

مفتريات حول دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لقد جاءت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب لتجديد ما اندرس من عقيدة السلف الصالح؛ ولذا فقد حظيت بالقبول من قبل كثير من الناس، وقد دعا رحمه الله تعالى إلى الإسلام بصفائه ونقائه ووضوحه، بعيداً عن الخرافات والأساطير والخزعبلات، مما جعل أعداء هذه الدعوة المباركة يكيدون لها، ويلبسونها كثيراً من الشبهات والافتراءات، وقد دافع رحمه الله تعالى ومن جاء بعده من أتباعه عن هذه الدعوة المباركة، ودحضوا كل شبهة وفرية حول هذه الدعوة المباركة، وما انتشار الدعوة السلفية الصحيحة إلا ثمرة من ثمارها، وكل ذلك بفضل الله تعالى وتوفيقه.

منطلقات الافتراءات حول دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب

منطلقات الافتراءات حول دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم. مشاهدينا الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامجكم حراسة العقيدة، وبادئ ذي بدء نقول: إن دعوة الشيخ: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى تمثل منعطفاً حقيقياً في تاريخ الأمة الإسلامية، إلا أن المواقف قد تفاوتت تجاه هذه الدعوة، ما بين محب لها ومناصر لها، ويرى أنها امتداد طبيعي لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وبين مبغض يكيل لها التهم والشبهات والافتراءات، وحول هذا الموضوع في حلقة جديدة من برنامجكم: حراسة العقيدة نستضيف فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: ناصر بن عبد الكريم العقل أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. فأهلاً بكم شيخ ناصر. الشيخ: وبك وبالمستمعين المشاهدين. المقدم: شيخ ناصر قد بدأنا في موضوع: حقيقة دعوة الشيخ: محمد بن عبد الوهاب في الحلقات السابقة. الشيخ: نعم. المقدم: كما أشرنا بداية إلى إشارات سريعة حول طبيعة هذه المفتريات، ونريد أن نتعرف بشكل عام على طبيعة هذه المفتريات التي تحيط بهذه الدعوة المباركة وتحاول أن تشوهها. الشيخ: نعم، قد سبق الإشارة -كما تفضلت في نهاية الحلقة الماضية- إلى بعض المنطلقات لهذه المفتريات، فالمنطلق الأول وهو الغالب: الكذب والبهتان والمكائد من الخصوم، سواء من أعداء الإسلام أو من أهل البدع والأهواء والافتراق الذين لا يعجبهم مسلك الدعوة السلفية الحقيقية على منهاج النبوة؛ لأن ذلك يحرمهم من منافع معنوية ومادية كثيرة، وهذا المنطلق يمكن أن يعادل في تقديري ما يزيد عن (70%) من المفتريات أو ربما أكثر من هذا بكثير، بمعنى أن (70%) مما يدور حول الدعوة من الاتهامات والمفتريات والبهتان مبني على الكذب أصلاً. المقدم: والجهل، كم يقدر من النسبة تقريباً؟ الشيخ: والثاني من هذه المنطلقات هو: الجهل، وفي الحقيقة بالنسبة للنسبة العددية فقد يكون الأكثر كأفراد، لكن أنا أقصد المنطلق المنهجي الذي مبناه على الكذب والبهتان. ثم يأتي في الدرجة الثانية: الجهل بحقيقة الدعوة جعلت الكثيرين من المسلمين يتقبلون هذه المفتريات؛ لأن الحقيقة غائبة عنهم لعدة اعتبارات، منها: أن الجهل يحجب صاحبه كشف الحقائق ودائماً الجاهل تبع لغيره. وعلى هذا يأتي المنطلق الثالث وهو: التعصب الذي ينبني عليه التقليد الأعمى والتبعية غير الراشدة، أعني: أن كثيراً ممن أخذوا هذه الاتهامات وقبلوها إنما قبلوها بالتبعية والتقليد للرءوس الذين يعرفون أن هذه كذب غالباً وأنها من المفتريات. المنطلق الرابع: التقليد، فما الذي يحول بين المقلد وبين معرفته للحقيقة؟ غالباً أصحاب الأهواء والبدع والافتراق يحاصرون أذهان الأتباع، فيحاصرونها بوسائل قد تكون عاطفية أحياناً، وقد تكون دينية مخترعة، فتجعل الأتباع لا يفكرون ولا يتطلعون إلى التعرف على الحقيقة؛ لأنهم قد حجبوا بوسائل الرءوس، فالرءوس لهم من الحيل والوسائل ما يحجبون بها الأتباع، ومن هنا تكون مسألة التقليد في اتهام الدعوة ونشر المفتريات حولها، وتعتبر -مع الأسف- لها جانباً كبيراً، يعني: أن المنطلق الرابع في طبيعة المفتريات ينبني على إشكالية في الحقيقة ربما نكون -أعني: المتأخرين من أهل السنة والجماعة- من الذين يأخذون بخط السلفية الحقيقي قصرنا فيما نسميه بالحقيقة: تجاوزات الأتباع، هذه إشكالية

المقصود بتجاوزات الأتباع وكيفية التعامل معها

المقصود بتجاوزات الأتباع وكيفية التعامل معها المقدم: لو توضح ماذا تقصد بتجاوزات الأتباع؟ الشيخ: تجاوزات الأتباع هي: أنه كأي مبدأ في العالم، أو كأي دين، أو كأي مذهب، سواء كان حقاً أم باطلاً، لا بد أن يوجد من أتباعه من يخالفون المنهج الذي هو عليه أو يخالفون الأصول، كالإسلام مثلاً، فهو دين أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد وجد من أتباعه من يتجاوزون الأصول أو الضوابط، فيخرجون إلى ما يخالف الدين أو يضاده، ولذا فمن الطبيعي أن يكون من أتباع هذه الدعوة، أعني: من أتباع السنة والجماعة -الدعوة بحقيقتها ليست إلا السنة والجماعة، بل هي أصل الإسلام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم كما أسلفت، وأتباع السلف سواء كانوا علماء قد يزل منهم فتحسب زلته على الدعوة وعلى السنة، أو طلاب علم فضلاً عن عامة الأتباع- من يظهر منه أخطاء، سواء في العقيدة، أو في السلوكيات، أو في منهج التعامل مع الآخرين، أو في الحوار والدفاع عن الإسلام. المقدم: إذاً يا شيخ ما المنهج الصحيح في التعامل مع أخطاء هؤلاء الأتباع؟ الشيخ: أخطاء الأتباع توزن بالمنهج، والآن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب ذات منهج واضح بين ومرسوم في كتب ومؤلفات، وفي مجتمع طبق مبدأ السنة والجماعة، منذ أن بدأت الدعوة في عهد الإمام محمد بن عبد الوهاب وقبل أن يتوفى قام لها كيان ودولة -التي هي الدولة السعودية الأولى- مهيبة ذات كيان متكامل، فأقامت مجتمعاً إسلامياً متكاملاً بالنسبة لمقاييس عصره، هذا المجتمع بتطبيقاته وبعلمائه وبدولته هو المقياس والمنهج العام، ومن هنا نحاكم أي تجاوزات إلى هذا المنهج، وأعود فأقول: إن المشكلة التي أوجدت لنا كثيراً من اللبس والإشكالية الكبيرة: هي أنه فعلاً يوجد منا نحن أتباع هذه الدعوة أتباع السنة، بل أتباع نهج النبي صلى الله عليه وسلم من قد يتجاوز هذا المنهج وتحدث منه أخطاء، وعند ذلك نجد الخصوم بالطريقة الانتقائية الظالمة غير العادلة يلتقطون هذه الأخطاء أياً كان نوعها، فردية أو جماعية من بعض الفئات، وخاصة الذين ينتسبون إلى السلفية في خارج المملكة العربية السعودية، وفي خارج جزيرة العرب، فهؤلاء قد يكون بعدهم عن المنبع الصافي للإسلام وعن مهبط الوحي وعن التطبيقات النقية للسنة يجعلهم يقعون في تجاوزات منهجية أو عقدية، أو في مواقف فردية أو جماعية، هذه التجاوزات أو الأخطاء تحسب علينا على منهج غير موضوعي ولا علمي. لذا أعود فأقول: أنادي أتباع هذه الدعوة والمنصفين من غيرهم بأن يبرزوا هذه الإشكالية، وينبهوا الناس، ويقيموا الحجة على الخصوم، وأن ما يحدث من تجاوزات من أتباع هذه الدعوة أياً كانوا، علماء كباراً أو عواماً -زلة العالم محتملة؛ لأنه لا معصوم إلا النبي صلى الله عليه وسلم- فإنها تحاكم إلى المنهج، ويرجع فيها إلى المنهج، وما وافق المنهج فهو الحق وما خالف المنهج فنحن منه براء. المقدم: المشكلة يا شيخ أنه أحياناً تجد من أتباع هذه الدعوة من تفهم من خلال كلامه أن عنده نوعاً من الانهزامية في انتسابه للدعوة؛ بسبب ما يحدث من أخطاء من بعض الأتباع، فإذا قلت له مثلاً -كما سيأتينا في الإشكالات-: إن التكفير في دعوة الشيخ: محمد بن عبد الوهاب هو التكفير في الإسلام بضوابطه وبشروطه وبأدلته، يقول لك: انظر في الكتاب الفلاني ستجد أنه قد كفر الفئة الفلانية أو البلدة الفلانية، وأحياناً قد تكون أخطاء علماء. الشيخ: اجتهادات خاطئة، وعلى أي حال فكما قلت: إن في كلام المنصفين من غير أتباع هذه الدعوة ما يجلي هذه الحقيقة. المقدم: نعم، فلو نظرنا الآن يا شيخ إلى هذه الدعوة وأتباع هذه الدعوة -أتباع النبي عليه الصلاة والسلام- بشكل عام سنجد أن الخصوم أو المخالفين ينظرون في سقطات أتباعهم على أنها منهج عام، والصحيح أن يقولوا: إن المنهج العام للمذهب الفلاني مثلاً هو كذا، إلا أن فلاناً وفلاناً قد خالفوا، وهذا من الإنصاف. الشيخ: بل هذا هو الموضوعية والإنصاف والعدل، والذي يجب أن تحاكم به أخطاء المنتسبين لهذه الدعوة المباركة، لكن كما قلت: الأمر ينطلق من شهية البحث عن العثرات، والانتقائية في التقاط الزلات، وجعلها منهجاً عاماً، وهذا أمر يحتاج إلى تجلية وإن كان جلياً من قبل كثير من الباحثين وعلماء الدعوة، لكن المشكلة هي إعراض الناس عن البحث عن حقيقة هذه الدعوة من تراثها، الذي هو الوثائق كما سيأتي الإشارة إليه.

الأصول العلمية العامة للرد على الشبهات والافتراءات حول دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب

الأصول العلمية العامة للرد على الشبهات والافتراءات حول دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب المقدم: إذاً يا شيخ نود الآن أن نتعرف على الأصول العامة العلمية للرد على هذه المفتريات، عندما يسمع لا سيما المسلم بهذه الافتراءات التي تنسب إليه، خاصة أن هناك من الناس من ينظر لأهل هذه البلاد أو كل مسلم يقيم السنة ويحافظ على الواجبات بوصفه أنه وهابي، فما هي الأصول العلمية العامة التي يمكن من خلالها نرد على هذه المفتريات؟ الشيخ: في الحقيقة هذه المسألة هي منهجية مهمة جداً في تقويمنا لأخطاء بعضنا، وأيضاً هي مهمة لعموم الأمة المسلمة في نظرة بعضها لبعض في مذاهبها وفرقها، وهي أصول قد اتفق عليها المسلمون، ولا أحسب أن إنساناً يحترم نفسه وعنده شيئاً من العلم إلا ويقر بهذه الأصول؛ لأنها شعار جميع المسلمين، وبالتالي فيجب أن تحكم في أمر الدعوة وما يقال فيها خاصة من المفتريات والبهتان، حتى علماء المبتدعة يقرون بهذه الأصول، والكافر قد لا يقر ببعضها، لكن نستطيع أن نحاكمه إلى بقية الأصول التي نتفق عليها أيضاً، وهذه الأصول التي سأذكرها هي خمسة أصول عامة قد تندرج تحتها أصول كثيرة يتفق معي فيها جميع العقلاء من هذه الأمة.

الرجوع إلى الكتاب والسنة بالمنهج السليم في التلقي والاستدلال

الرجوع إلى الكتاب والسنة بالمنهج السليم في التلقي والاستدلال أولاً: الرجوع إلى الكتاب والسنة بالمنهج السليم في التلقي والاستدلال، أعني: الرجوع إلى النصوص الشرعية دعوة لا تتحقق إلا بمنهج سليم، لذا فأقول: ينبغي أن نحاكم دعوة الإمام: محمد بن عبد الوهاب وأهلها وأهل السنة جميعاً في كل زمان وخاصة في هذا الزمان، ونحاكم منهجهم وما يصدر عنهم من أقوال وأفعال تمثل المنهج إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وآثار السلف الصالح؛ لأن آثار السلف الصالح هي التطبيقات المنهجية للدين، والتي هي سبيل المؤمنين الذي توعد الله من خالفه، فهذا هو الجانب الأول، ولا أظن مسلماً يجادل فيه. المقدم: وقد أشرنا لبعض المعالم في المنهجية الصحيحة في التعامل مع الكتاب والسنة والاستدلال في حلقات سابقة. الشيخ: نعم، لكن الآن سنقف على هذه النقاط بإيجاز.

المنهج التطبيقي الذي سارت عليه دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب

المنهج التطبيقي الذي سارت عليه دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب ثانياً: المنهج التطبيقي الذي سارت عليه هذه الدعوة في جميع الجوانب، يعني: هذه الدعوة أقامت كياناً متكاملاً، كياناً دينياً كما يعبرون عنه، وكياناً سياسياً، وكياناً اقتصادياً، وكياناً اجتماعياً، وكياناً علمياً، وكياناً حضارياً ومدنياً، وبالتالي أقامت دولة بكل مقوماتها، لكن بعض الناس يظنها دولة ساذجة، أو كياناً -كما يقولون- ريفياً أو كياناً بدوياً، أو أحياناً يعبرون بتعبيرات تدل على اللمز، وهذا في الحقيقة خلاف الموازين، ولو قيموها بالموازين العلمية الصحيحة لوجدناها في وقتها وفي بيئتها تعتبر دولة في منتهى المدنية والحضارة، فقد أحيت العلم، يعني: النهضة بجميع جوانبها، الحرفية والصناعية وغيرها، وأصبح مجتمع نجد وما حوله من البلاد والبقاع التي سيطرت عليها أو تمكنت منها الدعوة في الدولة السعودية الأولى -وكان الشيخ: محمد بن عبد الوهاب قد عاش جزءاً منها- دولة وكياناً متكامل العناصر، أي: دولة دينية ومدنية. المقدم: ومما يدل على أهمية وقوة وحضارة هذه الدعوة أن نجداً لم يلتفت إليها إلا بعد قيام الدعوة، وأنها عنصر منافس لانتشار هذا المذهب وانتشار هذه العقيدة، لذلك نجد أن الدولة العثمانية قد حاولت أن تحاصر هذه الدعوة حتى لا تخرج عن هذا الإطار. الشيخ: نعم، وأشاعوا أنها دولة بدائية، وأنه ليس عندها من مقومات الحضارة ولا من مقومات المدنية، وهذا كله خلاف الواقع إذا قارناها بالسابق، وقارناها ببيئتها الجغرافية والزمانية.

كون الواقع الذي نعيشه امتدادا لدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب

كون الواقع الذي نعيشه امتداداً لدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب ثالثاً: أن هذا الواقع أو المجتمع الذي نعيشه الآن يعتبر امتداداً لهذه الدعوة ودولتها؛ لأنه من المميزات الإيجابية لهذه الدعوة أنها أقامت كياناً يجمع بين الدعوة الإصلاحية والدولة، أعني: الدولة السعودية الثالثة -تسمى تاريخياً- التي أقامها الملك عبد العزيز رحمه الله ولا يزال أبناؤه وأحفاده على هذا العهد إن شاء الله، ونسأل الله أن يوفقهم للخير، وهذا المجتمع الذي نعيشه قد دخله الخلل، لكن ليس من جانب سلبيات هذه الدعوة نفسها، ولم يصل هذا الخلل إلى هز الثوابت، لكنه خلل قد يكون حجة علينا، لذا فأقول: إن الواقع الذي تعيشه الدعوة كمجتمع وككيان ممثلة بالدولة السعودية القائمة الآن، ثم أيضاً بالكيان المجاور من الدول المتأثرة المجاورة وغير المجاورة أيضاً، بل في جميع العالم متمثلة بفئات تعتمد منهج السنة والجماعة، وإن لم تكن كيانات دولية أو كيانات اجتماعية، فهذا هو الواقع الذي نعيشه، وهو حجة، بمعنى: أنه منظور، وأعود فأنبه على أنه قد توجد إشكاليات على هذه الدعوة ممن ينتسبون إليها، بل والآن يسيئون إليها، ومن هذه الإشكاليات: التكفير والغلو، أو الانفلات الذي يوجد من بعض أبناء جلدتنا، يعني: انفلات التميع، أو الغلو الذي نتج عنه الحركات المتشددة والتكفير والتفجير ونحوه، وهذا كله خارج نطاق المنهج الذي ندعو إليه، ونحن أول من أنكرها، ولا زلنا نعاني منها ونحاول علاجها أو نسهم في علاجها، ونتمنى أنه لو تبصر عقلاء العالم لوجدوا أن العلاج لهذه المظاهر ينبغي أن يكون من المنابع الموثوقة، التي هي مصادر هذه الدعوة المباركة؛ لأن الكثيرين مع الأسف ينتسبون إليها، وهذا يوجد إشكالية. إذاً فأقول: إن الاعتدال والمنهج الوسط لعموم أتباع هذه الدعوة، من دولة ومجتمع ومشايخ وعلماء وطلاب علم ومراكز بحث وجامعات يعتبر كياناً موجوداً في هذه الدولة المباركة، لكن مع الأسف هناك نوع -كما قلت- من الانتقائية، والآن خصومنا سواء من الكفار أو من أهل الأهواء أو البدع يحسبون علينا هذه الشذوذات والتجاوزات، ومن هنا تأتي الإشكالية، فهم لا ينصفون ولا يأخذون بقواعد العدل والموضوعية، بل ولا بالديمقراطية التي ينادون بها.

شهادات المنصفين

شهادات المنصفين رابعاً: شهادات المنصفين، وفي الحقيقة تحتاج هذه إلى سعة من الوقت لنقرأ نماذج من شهادات عقلاء العالم في كل الدنيا، سواء من المسلمين أو من غيرهم، كاليهود والنصارى والمشركين والملحدين، وهذه الشهادات لا تقدر بثمن أبداً، فهي شهادات دقيقة ومبنية على استقراء وتحليل وإنصاف وموضوعية، وهي مرتكز ينبغي أن يرجع إليها، وأصحابها هؤلاء ليس لهم انتماء حتى نقول: والله هذا من انتمائهم، وليس لهم مصالح وأغراض دنيوية، فالدعوة ميزتها أنها لا تملك رشوة الآخرين، ولا تملك ما نسميه بالإغراءات المادية، وهذا كله مما جعل المنصفين يتكلمون بتجرد، وخاصة في عهد الدولة السعودية الأولى والثانية، وأما الدولة السعودية الثالثة القائمة الآن، فهي بحمد الله قد حباها الله عز وجل، لكن قد توجد أحياناً مجاملات، لكن أغلب مقالات الإنصاف هي في الحقبة السابقة، أعني: في الدولة السعودية الأولى والثانية، وأول الدولة السعودية الأولى في ذلك الوقت لم تكن عندها مغريات. المقدم: ممن صدرت؟ الشيخ: من يهود ونصارى وأدباء ومؤرخين ومستشرقين وفئام من الناس، وشهادتهم موجودة الآن كوثائق. وقد جمع كثير منها، وأنا قد أشرت إلى كثير منها كما أشار غيري إلى ذلك.

معرفة الواقع لدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب من خلال التاريخ

معرفة الواقع لدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب من خلال التاريخ خامساً: التاريخ، فالتاريخ كنز، والبشرية الآن بعد التطور والبحث العلمي قد عرفت كثيراً من الحقائق عن الأمم السابقة، من خلال وقائع التاريخ، حتى التاريخ الذي هو عبارة عن كتابات وآثار فقد استطعنا أن نتعرف من خلاله على كثير من الحقائق أو النظريات العامة، فكيف بدعوة هي ملء السمع والبصر، ولها تراث كامل من جميع الجوانب العلمية، ووثائق تُقرأ وتشاهد، فالتاريخ شاهد لمن أراد أن ينصف هذه الدعوة، وماذا قد فعلت؟ فهي دعوة لها إيجابياتها التي لا تحصر لمن سبر التاريخ، وإحياؤها للأمة ولجميع غايات الإسلام الكبرى، وتطبيقها في الواقع لمجتمع مسلم متكامل بحسب إمكاناته وظروفه في هذا الزمن، أو في الزمن السابق القريب. المقدم: إذاً شيخ ناصر هي دعوة لإنصاف هذه الدعوة من خلال هذه المنطلقات التي ذكرتها، سواء كانت من الكتاب أو واقعة في السابق أو في هذه اللحظات، أو من خلال التاريخ، أو من خلال شهادات المنصفين الذين أنصفوا فعلاً هذه الدعوة ممن لا ينتسبون إليها، أو أحياناً قد لا ينتسبون للإسلام في حقبة سابقة كما ذكرت.

أهم الافتراءات حول دعوة محمد بن عبد الوهاب

أهم الافتراءات حول دعوة محمد بن عبد الوهاب المقدم: نود يا شيخ أن نتعرف بشكل مجمل على أهم الافتراءات التي تحيط بهذه الدعوة؟ الشيخ: حتى يكون الأمر واضحاً فلا بد أن نضع النقاط على الحروف، بمعنى: أننا سنذكر ما قاله الشيخ الإمام: محمد بن عبد الوهاب في إحدى رسائله من خلال عرضه لأبرز الشبهات والمفتريات في وقته، وكيفية رده عليها. ثم لعلنا نتناول بعض النقاط كنماذج من هذه المفتريات، والشيخ: محمد قد أثيرت عليه مفتريات من قبل خصومه، ذكرها في إحدى رسائله وذكرها الخصوم، وسأذكرها من خلال رسالة له يقول فيها: منها قوله: -يعني: أن خصماً من الخصوم قد جمع المفتريات والاتهامات من كذب وتلبيس وغير ذلك على الدعوة- إني مبطل كتب المذاهب الأربعة. وهذه ليست قول واحد من الخصوم، لكن أراد الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن يرد على واحد ليوثق أن هذه المقالة لم يسمعها من عامة الناس، بل إنما سمعها من واحد يدعي العلم، وهي السائدة في وقته ليس فقط في مجتمع الإمام: محمد بن عبد الوهاب، بل السائدة في عموم جزيرة العرب، كما انتقلت هذه الشبهات إلى دول المغرب وإلى الشام وهو حي، فهو أجاب على واحدة منها، كتب هذه الشبهات أحد خصومه. وقال الشيخ يذكر كلام الخصم: وإني أقول: إن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء. المقدم: يقصد أنهم كفار. الشيخ: نعم، ثم قال: ثالثاً: وإني لا أدعي الاجتهاد. فتأمل ورع الشيخ، وكيف أن خصومه يعترفون له بدرجة الاجتهاد وهو ينفي عن نفسه ذلك، وكون الخلق يعترفون له بالاجتهاد، فهذا فضل من الله عز وجل، لكنه يقول: أنا لا أدعي الاجتهاد. ثم رابعاً: يقول: وإني خارج عن التقليد. يعني: عن الاتباع والاهتداء بأئمة سابقين، فهم قالوا: إن الشيخ ليس له سلف ولا يعترف بالعلماء السابقين ولا المعاصرين، وبالمناسبة قبل أن أذكر جواب الشيخ، العجيب أني قد وجدت أن أقوى رسائل الشيخ هي للعلماء المعاصرين له في كل مكان يصل إليه، فكان يحترمهم ويجلهم بخلاف ما يزعم هؤلاء الخصوم من أن الشيخ ودعوة الإمام تتقوقع على أهلها، فقد كتب لأئمة اليمن رسائل في مدحهم والثناء عليهم، والاعتراف لهم بالفضل والعلم، هذه الرسائل تكتب بماء الذهب، وكذلك كتب إلى علماء الشام وعلماء العراق وعلماء المغرب يعترف لهم بالعلم والإمامة، ومن هنا أنبه على دعوة الكذبة الذين كذبوا علينا -من الذين ينتسبون للدعوة ومن خصومها- فقالوا: إن منابذة العلماء من منهج الشيخ الإمام: محمد بن عبد الوهاب! والعكس صحيح، فالشيخ: محمد يحترم ويجل العلماء، حتى الذين يخالفونه، ودليل ذلك ما حصل منه من مراسلة العلماء في عصره. خامساً: وإني أقول: إن اختلاف العلماء نقمة، يقولون هذا كذب علي. سادساً: أني أكفر من توسل بالصالحين. وسابعاً -والترقيم من عندي-: وإني أكفر البوصيري في قوله: يا أكرم الخلق. وثامناً: وإني أقول: لو أقدر على هدم قبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهدمتها. وتاسعاً: ولو أقدر على الكعبة لأخذت ميزابها وجعلت لها ميزاباً من خشب. وعاشراً: وإني أحرم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم. والحادي عشر: وإني أنكر زيارة قبر الوالدين وغيرهما. والثاني عشر: وإني أكفر من حلف بغير الله، وكل هذه اتهامات اتهمني بها الخصم. المقدم: وفيها شيء من التلبيس. الشيخ: والثالث عشر: إني أكفر ابن الفارض وابن عربي. والرابع عشر: أني أحرق (دلائل خيرات) و (روض الرياحين)، وأسميه: (روض الشياطين). فهذه نماذج ما ثبت عن الشيخ؛ لأنه وثقها بكتابته، والخصوم لم ينكروا ما يقولونه، بل جادلوه فيها في عدة رسائل، ورده على الرسائل موجودة، مع العلم أن هناك أعظم من ذلك، مثل دعواهم أنه يبغض النبي صلى الله عليه وسلم! تأمل إلى الجواب الموجز، فقد نسف هذه المفتريات بسطرين، ولم يرد عليها واحدة واحدة، مع أنه في رسائل أخرى رد على بعضها بشيء من التفصيل، وفي رسائل أخرى كفاه العلماء في وقته بالرد، وهو منشغل بالتأصيل والتأسيس وانطلاق الدعوة، ثم قال: جوابي عن هذه المسائل أن أقول: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور:16]. يعني: أن كل ما قيل عليه تبرأ منه، وطبعاً سيستثني المسائل التي فيها لبس، وقبله وجد من بهت محمداً صلى الله عليه وسلم بأنه يسب عيسى بن مريم ويسب الصالحين، فتشابهت قلوبهم بافتراء الكذب وقول الزور. ثم ذكر قوله عز وجل: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [النحل:105]، وبهتوا النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يقول: إن الملائكة وعيسى وعزيراً في النار، فأنزل الله في ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء:101]. ثم فصل بعض التفصيل في بعض المسائل التفصيل المنهجي العلمي الموضوعي. ثم قال رحمه الله تعالى: وأما المسائل الأخرى

دعوى عدم محبة الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه النبي عليه الصلاة والسلام والأولياء الصالحين

دعوى عدم محبة الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه النبي عليه الصلاة والسلام والأولياء الصالحين المقدم: إذاً: فالكذب الذي حصل على الشيخ رحمه الله في عصره لا زال يتكرر، حتى في هذه العصور التي نعيشها، فهناك كذب صريح على الشيخ، وقد تبرأ من كثير من الأشياء التي نسبت إليه، ووضح بعض الأشياء التي فيها شيء من الغموض، وأكد على أشياء أنه قال بها؛ لأنها وردت في كتاب الله وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم. الشيخ: نعم، فمنذ وقته وإلى يومنا هذا نجد أن أغلب الشبهات والبهتان والمفتريات التي أثيرت في وقتها على الشيخ تكرر بأساليب حسب العصر وحسب المصطلح. المقدم: من هذه المفتريات أو الشبه التي نسمعها والتي تحتاج إلى شيء من الإيضاح، قولهم: أنتم يا من اتبعتم دعوة الشيخ: محمد بن عبد الوهاب لا تحبون النبي عليه الصلاة والسلام والأولياء الصالحين! بدليل أنكم لا تعملون مولد النبي عليه الصلاة والسلام، ولا تتوسلون بالأولياء، فهل هذا فيه شيء من عدم حب النبي عليه الصلاة والسلام والأولياء الصالحين؟ الشيخ: عندما توسعت الدعوة وصار لها كيان سياسي أحب أن أشير بإيجاز أو أذكر لمحة بسيطة حول قضية يثيرها الخصوم: وهي أن الدعوة حينما قويت أو توسعت وصار لها كان سياسي لم تبدأ بقتال، وهذه هي الحقيقة التاريخية التي لا محيد عنها. كما أنه قد اعتدي عليها، وحرمت من بعض الشعائر التعبدية كالحج، فقد منع أتباع الدعوة من الحج سنين، وما ذاك إلا محاصرة للدعوة ولأفرادها، مع أن الإسلام يأمر أتباعه بالدفاع عن أنفسهم إن حصل عليهم اعتداء، بل وأصحاب العقول السليمة يقولون بذلك، والمهم أنه في وسط أو آخر عهد الدولة السعودية الأولى بدأت الدولة تصدر ما يشبه النظام الذي تتبناه ومنهجها تجاه الآخرين، وأقول هذا لأن فيه جزءاً من الجواب عن الذي سألت عنه. وقد دخل الإمام: عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب على الملك سعود بن عبد العزيز في مكة وعرض عليه أصولهم ومبادئهم علناً أمام الناس، وكان ذلك بمثابة دستور واضح. يقول: وأما ما يكذب علينا ستراً للحق وتلبيساً على الخلق بأنا نفسر القرآن برأينا، ونأخذ من الحديث ما وافق فهمنا من دون مراجعة شرح ولا معول على شيخ، وأنا نضع -أي: نقلل- من رتبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقولنا: إن النبي رم في قبره هكذا زعموا، وعصا أحدنا أنفع له منه، وليس له شفاعة، يعني: النبي صلى الله عليه وسلم كما زعموا، وأن زيارته غير مندوبة، وأنه كان عليه الصلاة والسلام -انظر إلى هذا البهتان والكذب على أئمة الدعوة- لا يعرف معنى لا إله إلا الله حتى أُنزل عليه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:19]، مع كون الآية مدنية! فانظر اللفتة العجيبة في ذلك. ثم قال رحمه الله تعالى: وأننا لا نعتمد على أقوال العلماء، وأننا نتلف مؤلفات أهل المذاهب لكون فيها الحق والباطل، وأننا مجسمة، وأننا نكفر الناس على الإطلاق من أهل زماننا ومن بعد الستمائة، فانظر تجد أنها هي نفس الشبهة التي قيلت للشيخ. ثم قال رحمه الله: إلا من هو على ما نحن عليه، ومن فروع ذلك: أننا لا نقبل بيعة أحد إلا بعد التقرير عليه بأنه كان مشركاً، وأن أبويه قد ماتا على الإشراك، وأننا ننهى عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ونحرم زيارة القبور المشروعة مطلقاً، وأن من دان بما نحن عليه سقط عنه جميع التبعات حتى الديون. المقدم: إذاً: فما الفرق بين هذا الدين وبين دين المشركين في عهد النبي عليه الصلاة والسلام؟ الشيخ: نعم، فانظر البهتان. ثم قال: وأننا لا نرى حقاً لأهل البيت رضوان الله عليهم، وأننا نجبرهم على تزويج غير الكفء لهم، وأننا نجبر بعض الشيوخ على فراق زوجته الشابة لتنكح شاباً إذا ترافعوا إلينا، فلا وجه لذلك، وذكر في أول الحديث أن بعض علماء مكة والحجاز استفهموا عن حقيقة هذه الأمور، وأن أئمة الدعوة والعلماء والإمام سعود، وهو الذي يعتبر ملكاً ومع ذلك كان عالماً فقيهاً، تولى الرد على هذه الشبهات مع الشيخ: عبد الله. يقول: فكان جوابنا في كل مسألة من ذلك: {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور:16]، فمن روى عنا شيئاً من ذلك أو نسبه إلينا فقد كذب علينا وافترى. المقدم: إذاً: دعنا يا شيخ في صلب هذه الشبهة، يعني: أنهم لا يحبون النبي عليه الصلاة والسلام بدعوى أنهم لا يحتفلون مثلاً بمولده، ولا يحتفلون بالإسراء والمعراج، ولا يدعون إلى زيارة قبره، فهل هذا المنع من هذه الاحتفالات ناتج عن دليل صحيح؟ الشيخ: أحياناً هم يجعلون الحق باطلاً، يعني: أن الدعوة قد قامت على السنة ومحو البدعة، مع أن كثيراً من المسلمين قد ابتلي ببدع كثيرة لا يقرها الشرع، وأغلب البدع تتعلق بممارسات تجاه النبي صلى الله عليه وسلم، مثل: الموالد، والتوسل البدعي، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم من دون الله، ودعاء الأولياء أو الطغاة في قبورهم أو التوجه إليهم بالتوسلات البدعية، فهذه لا شك أنها من البدع المنكرة وقد منعتها الدعوة، وذلك لما تمكنت الدعوة

دعوى أن الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه جاءوا بمذهب خامس على المذاهب الأربعة

دعوى أن الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه جاءوا بمذهب خامس على المذاهب الأربعة المقدم: هناك أيضاً دعوى نسمعها مفادها: أن مذهب الوهابية -كما يسمى- هو المذهب الخامس بعد المذاهب الفقهية الأربعة. الشيخ: نعم، فهذه أيضاً من الأمور التي لا تزال مع الأسف تثار حتى عند بعض من ينتسبون للعلم، وعند من زاروا هذه البلاد خاصة، وذلك بعد هذا الانفتاح وظهور المؤسسات العلمية، كالجامعات ومراكز البحوث والمؤتمرات والمجمعات والمجامع التي جمعت علماء المسلمين في هذه البلاد وغير هذه البلاد، والذين عرفوا فعلاً أننا لسنا مذهباً خامساً، ومع ذلك لا تزال هذه الشبهة تقال، ودعني أيضاً أوثق هذا من كلام أئمة الدعوة. يقول: ولا نفتش على أحد في مذهبه -هم اتهموا بأنهم يرغمون الناس ألا يقبلوا غير مذهبهم- ولا نعترض عليه إلا إذا اطلعنا على نص جلي مخالف لمذهب أحد الأئمة، وكانت المسألة مما يحصل بها شعار ظاهر كإمامة الصلاة، فنأمر الحنفي والمالكي مثلاً بالمحافظة على الطمأنينة والاعتدال؛ لأنه لا يعقل أن الإمام أبا حنيفة لا يرى الطمأنينة والاعتدال، فهذه اجتهادات جاءت عن أصحابها، ونحن ننكر ما يخل بالصلاة مثلاً، والجلوس بين السجدتين؛ لوضوح دليل ذلك، بخلاف جهر الإمام الشافعي بالبسملة فلا نأمره بالإسرار، فإذا عرفنا أن مذهبه شافعي ما ننكر عليه لماذا تجهر، ولا نلزمه بالإسرار قال: وشتان ما بين مسألتين، قال: فإذا قوي الدليل أرشدناهم بالنص وإن خالف المذهب، وذلك يكون نادراً جداً، ولا مانع من الاجتهاد في بعض المسائل دون بعض فلا مناقضة لعدم دعوى الاجتهاد، وقد سبق جمع من أئمة المذاهب الأربعة إلى اختيارات لهم فيها بعض المسائل مخالفين المذهب المتزن. ثم يقول: ثم إنا نستعين على فهم كتاب الله بالتفاسير المتداولة المعتبرة، ومن أجلها لدينا تفسير ابن جرير ومختصره لـ ابن كثير والشافعي وكذا البغوي والبيضاوي والخازن والحداد والجلالين وغيرهم. لكن مع التحفظ على بعض الأخطاء الموجودة في هذه الكتب. قال: وعلى فهم الحديث بشروح الأئمة المبرزين كـ العسقلاني أو القسطلاني على البخاري والنووي على مسلم والمناوي على الجامع الصحيح. بمعنى: أن هؤلاء يمثلون عدة مذاهب ومدارس، وعليه فنعول على كتبهم ونرجع إليها في ذلك الوقت، أي: في أول قيام الدعوة قبل ما يسمى بالانفتاح. يقول: ونحرص على كتب الحديث خصوصاً الأمهات الست وعلى شروحها، ونعتني بسائر الكتب في سائر الفنون أصولاً وفروعاً وقواعد وسيراً ونحواً وصرفاً وجميع علوم الأمة. ثم قال: ولا نأمر بإتلاف شيء من المؤلفات أصلاً، إلا ما اشتمل على ما يوقع الناس في الشرك. ثم قال: وما يفعله بعض الجهلة نتبرأ منه. المقدم: إذاً: مذهب الشيخ: محمد بن عبد الوهاب هو لا ينفك عن المذاهب الأربعة الفقهية، وإن كان رحمه الله يعتمد على الدليل وصحة الدليل، سواء وافق المذهب أم لم يوافق.

دعوى مسارعة الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه إلى التكفير والتشدد في الآراء الفقهية

دعوى مسارعة الإمام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه إلى التكفير والتشدد في الآراء الفقهية المقدم: دعنا يا شيخ في الأخير نعرج على مسألة أو دعوى هامة جداً، ونريد أن نشير إليها إشارات سريعة فنقول: إن هناك دعوى بأن الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه يكفرون ويسارعون بالتكفير، وأنهم يعرفون بالتشدد وبالآراء الفقهية التي هي صادرة عن التشدد، والأخذ مثلاً بالأحوط حتى وإن كان هناك سعة على الأمة، فكيف تردون على هذه الدعوى؟ الشيخ: قبل أن أوثق من كلامهم عليهم رحمة الله تعالى لابد من مقدمة يسيرة فأقول: أولاً: لنعرف أنهم ينطلقون من الكتاب والسنة، ومن الأدلة الصحيحة الصريحة، فهم يكفرون من أهل الملل من لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ لأن الله هو الذي كفرهم لا هم، وبقية أهل الملة الذين يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فالإمام: محمد بن عبد الوهاب وأتباعه إلى يومنا هذا من أكثر الناس تورعاً عن تكفير الأعيان، وعن تكفير الناس جملة وتفصيلاً، حتى إنهم لم يكفروا المخالفين من الفرق، بل هم يتفقون على أن الفرق الإسلامية التي لم تخرج عن الملة لها حق الإسلام، وهي من أهل القبلة. ثانياً: أنه قد يوجد من بعض المجتهدين من علماء هذه الدعوة ومن أتباعها من يخطئ فيكفر من ليس بكافر، لكن ليس هذا هو المنهج. ومن هنا فإن كثيراً من المفتونين مع الأسف الآن، وبعضهم قد يكون من أبناء جلدتنا، لكنهم فتنوا، فيذهبون إلى الدروس السنية لأئمة الدعوة، فيلتقطون بعض العبارات التي تشعر بالتكفير فينسبونها إلى الدعوة. إذاً: أعود فأقول: دع الشيخ يدفع هذه الدعوى الباطلة. المقدم: دعوى التكفير أم التشدد؟ الشيخ: التكفير والتشدد مصطلحان لا انفصال بينهما. يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: ولا أكفر أحداً من المسلمين بذنب، ولا أخرجه عن دائرة الإسلام. ثم قال في هذه الرسالة أيضاً: أما المسائل الأخرى وهي أني أقول: لا يتم إسلام الإنسان حتى يعرف معنى لا إله إلا الله، هذه سبق الكلام عنها. ثم قال طالباً من الذين يرددون هذه الشبهات والأقاويل أو ترد إليهم: ثم اعلموا وتدبروا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6]. أي: يقولون لكم: إني أكفر بكذا وكذا، فهلا أثبتم عليَّ ذلك، وقد أرسل إليه أحد علماء اليمن رسالة يقول: بلغني عنك أنك تقول كذا وكذا، ذكر من ذلك أنك تقول بالتكفير؛ ولأنه عالم في اليمن قال: أنا لا أصدق الناس -انظر ما شاء الله متثبت- أنك تكفر بالعموم ولا تريد الصالحين، ولا تعمل بكتب المتأخرين إلى آخر كلامه. همنا موضوع التكفير. قال: وأما الكذب والبهتان فمثل قولهم: إنا نكفر بالعموم، ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه، وأنا نكفر من لم يكفر ومن لم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله. المقدم: إذاً: يا شيخ هناك فعلاً شبهات وافتراءات على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهذه دعوة منك إلى جميع الناس في أقطار العالم أن يراجعوا دعوة الشيخ من منابعها الأصلية، وألا يكتفوا بأحكام الآخرين أو انطباعاتهم. وفي ختام هذه الحلقة ضمن سلسلة حلقات حراسة العقيدة، نشكر الشيخ: ناصر بن عبد الكريم العقل أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام: محمد بن سعود الإسلامية. والشكر موصول لكم مشاهدي الكرام على متابعتكم لسلسلة حلقات حراسة العقيدة، وهذه هي آخر حلقة من برنامجكم حراسة العقيدة. إلى أن نلتقي بكم في حلقة قادمة نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مصدر تلقي العقيدة عند العقلانيين

مصدر تلقي العقيدة عند العقلانيين لقد انتكست مفاهيم أهل الأهواء عندما جعلوا العقل مصدر تلقٍ للعقيدة، فقد خاضوا بعقولهم في الغيبيات، فضلوا وأضلوا، وما علم هؤلاء أن العقل له وظيفة محددة، بل أطلقوا له العنان والخوض في كل شيء، فكان ما كان من انحرافهم وشذوذهم، فينبغي للمؤمن أن يعمل عقله فيما خلق له، ولا يقحمه فيما لا دخل له فيه فيهلك، بل عليه أن يستسلم لشرع الله سبحانه وتعالى، حتى وإن خالف عقله وهواه.

التعريف بالعقلانيين

التعريف بالعقلانيين بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فإن من أعظم المصائب التي ابتلي بها المسلمون في تاريخ الإسلام، والتي حرفت الكثيرين عن منهج الحق هي تقديس العقل وتعظيمه وإعطاؤه أكثر مما خلق له، والتعويل عليه أكثر مما يطيق، وهذه البلية إنما وفدت على المسلمين بسبب عوامل كثيرة لعل من أخطرها وأهمها: العقائد الموروثة والفلسفات المستوردة التي وفدت على المسلمين عن طريق أهل الكتاب، وعن طريق الزنادقة الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا عقائدهم، وأيضاً عن طريق جانب الضعف الذي ابتلي به المسلمون حينما ظنوا أنهم بحاجة إلى علوم الآخرين، فترجموا كتب الفلسفة وعلم الكلام من لغات اليونان وغيرهم إلى اللغة العربية في بداية القرن الثاني الهجري وما تلاه. هذه بداية الافتتان بالاتجاهات العقلية كما سيأتي تفصيله إن شاء الله. كما ذكرت لكم في درس سابق أن الأصل الذي يقوم عليه الدين هو التسليم لله تعالى، والتسليم لرسوله صلى الله عليه وسلم، ومن هنا أخذ معنى الإسلام، فالإسلام هو الاستسلام لله بالطاعة، والانقياد له، والخلوص من الشرك، وعلى هذا يكون معنى الإسلام التسليم لله تعالى بأمور: أولاً: بالتأله والعبادة والخضوع والذل، وصرف جميع أنواع العبادة له سبحانه وحده. ثانياً: بتصديق خبره. ثالثاً: بامتثال أمره واجتناب نهيه. رابعاً: بالقناعة وباطمئنان القلب بما جاء عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم. ولا شك أن من التسليم لله تعالى التسليم للرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يتم التسليم لله تعالى إلا بالتسليم له؛ لأنه صلى الله عليه وسلم هو الذي بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وهو الذي جاءنا بالحق والهدى والنور. إذاً: فالتسليم إنما يقوم على التعبد والتصديق وعلى العمل والامتثال، ويشير إلى ذلك قوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65] أي: تسليم التصديق، وتسليم الامتثال، وتسليم القناعة أيضاً، وبعض الناس قد يصدّق وقد يمتثل، لكن لا تكون عنده قناعة بقضاء الله وقدره وشرعه وأمره ونهيه، فهذا تسليمه ناقص. إذاً: فنستطيع أن نقول: أساس التسليم: الإيمان بالغيب، والغيب إنما سمي بذلك؛ لأنه غائب عن الناس، غائب عن المدركات وعن العقول، فلا يستطيع بشر ولا مخلوق أن يدرك الغيب، إلا من أطلعه الله عليه، وعلى هذا ممكن أن يرد سؤال عن المقصود بالعقلانيين: من العقلانيون إذا وردوا، خاصة إذا جاء هذا الاصطلاح في مباحث الاعتقاد وأصول الدين؟ العقلانيون هم الذين يقدّسون العقل، ويعتمدون على أفكار البشر وفلسفاتهم وآرائهم، ويقدمونها ويحكمونها في كلام الله تعالى وشرعه، ويقدمونها ويحكمونها في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويجعلون العقل -وهو نتاج البشر- أكثر وأعلى درجة ومنزلة من كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، بل يجعلون أقوال البشر وآراءهم أيضاً هي المقدمة وهي المحكّمة على كلام الله تعالى وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام. أيضاً العقلانيون هم الذين يقحمون العقول فيما لا مجال لها ولا طاقة لها به، فهم يقحمون العقول في أمور التشريع فيما ورد عن الله تعالى وورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويقحمون العقول أيضاً في أمور الغيب وأخبار الغيب، وليس المقصود بالعقلانيين هم الذين يفكّرون بعقولهم على هدى وبصيرة، أو الذين يستخدمون عقولهم كما أمر الله تعالى! لا، هؤلاء لا يسمون بالعقلانيين، إنما هؤلاء هم الذين على السنة وعلى الحق والهدى، وهم أهل الاقتداء والاهتداء، أما كلمة العقلانيين إذا أُطلقت فتُطلق مقابل أهل السنة والجماعة، وتطلق والمقصود بها الذين يقدّسون العقل ويقحمونه فيما لا طاقة له.

أصناف العقلانيين

أصناف العقلانيين العقلانيون في تاريخ الإسلام أصناف: أولها وأخطرها -وهم العقلانيون الخلّص-: الفلاسفة، ولا أقصد بذلك الفلاسفة الذين سبقوا المسلمين، لا، أولئك أمرهم واضح؛ لأنهم لم يكونوا على الإسلام أصلاً، إنما أخطر العقلانيين وأنكأهم على الأمة الإسلامية هم الفلاسفة المسمّون بالفلاسفة الإسلاميين، الذين يعلنون الإسلام ويظهرونه، وهم في حقيقة أمرهم إنما يستمدون دينهم من عقولهم ومن فلسفة السابقين لهم، كـ ابن سينا والفارابي وابن رشد وابن عربي ومن نحا نحوهم. إذاً: هؤلاء الفلاسفة الخلّص هم أخطر طبقة من العقلانيين؛ لأنهم يخلعون الدين كله، حتى ما يتعلق بذات الله وأسمائه وصفاته، وأمور الغيب كاليوم الآخر وما فيه، وكالأخبار التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بها من أخبار الغيب كل ذلك يخضعونه للعقل إخضاعاً خالصاً، ولا يعوّلون فيه على النصوص. الطبقة الثانية من العقلانيين: المتكلمون، وهم أيضاً لا يقلون خطورة على الفلاسفة لأمور: الأمر الأول: أن أمر الفلاسفة معروف، وأيضاً اشتهروا بخلاف ما عليه أهل السنة في الاعتقاد والعمل. الأمر الثاني: أن المتكلمين تكلفوا في خلط نصوص الشرع بأصول الفلاسفة، والأصول العقلية التي كان عليها العقلانيون، أي: أنهم حاولوا التلفيق بين ما جاء عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم وبين زبالة عقول البشر، فبهذا المنهج التلفيقي ظهرت أعظم وأنكى الفرق على المسلمين وأخطر الفرق، ابتداءً من الجهمية وهم أول من تجرأ على أصول الدين بالعقل، خاصة على الأصول الكبرى القطعية المجمع عليها، ثم المعتزلة، ثم ما تفرع عنهم من فرق، وتلاهم بعد ذلك المتكلمون من الأشاعرة والماتريدية، وإن كانوا أخف وأقل غلواً، لكنهم أقحموا العقول في بعض أصول الدين مما جعلهم ينحرفون عن منهج السلف في هذه الأصول. أيضاً من العقلانيين: أغلب المتصوفة، وسيأتي في حلقة قادمة الحديث عن منهج المتصوفة، وستسمعون شيئاً من ذلك، وأن أغلب المتصوفة يعتمدون على الهوى والذوق، والذوق إنما هو منهج عقلي ينافي منهج الكتاب والسنة، وينافي التسليم. هذا في القديم، أما في الحديث فقد ظهرت اتجاهات كثيرة عقلانية خالصة، أو اتجاهات ملفقة تحاول أن تلفق بين دلالات النصوص الشرعية وبين المناهج الفلسفية والعقلية من ناحية، ومن ناحية أخرى بين الدلالات الشرعية وبين النظريات الغربية الحديثة، وهي التي افتتن بها المسلمون أكثر من غيرها. فهؤلاء أصحاب اتجاهات لا يمكن حصرهم، إنما يجمعهم اتجاه واحد أو وصف واحد، وهو وصفهم بالعلمانيين، فأغلب العلمانيين على هذا الاتجاه. فالعلمانيون ورثوا أغلب أفكار الفرق القديمة من حيث تسلطهم على الإسلام من ناحية، وعلى نصوصه وشرعه وأحكامه، ومن ناحية أخرى أنهم جعلوا عقولهم وأهواءهم هي الموازين التي يزنون بها الحق من الباطل، ويزنون بها أنماط السلوك والتصرفات في المسلمين. وأخطر العلمانيين ما يسمون الآن بالحداثيين، والحداثيون هم توجهات واتجاهات مختلفة، لكنهم الورثة الحقيقيون للفرق؛ لذلك نجدهم أكثر الناس إشادة بشذاذ الفكر القدامى، وهم الذين أشادوا برءوس البدع القدامى ولا يزالون يشيدون بهم، كما أنهم يشيدون باتجاهات الفرق كالمعتزلة والجهمية ومن نحا نحوهم؛ لأنهم يرونهم أصحاب الفكر الحر، والفكر المتحرر التجديدي في تاريخ الإسلام. ستأتي نماذج من خلال العرض التفصيلي لهذه الاتجاهات.

قيمة العقل في الإسلام

قيمة العقل في الإسلام قبل أن أتكلم عن مصدر التلقي عند العقلانيين على التفصيل أحب أن أشير إلى أمر لا بد من الإشارة إليه؛ خوفاً من الالتباس في الفهم، وهذا الأمر هو ما يتعلق بقيمة العقل في الإسلام، بعض الناس ربما يظن أننا إذا تحدثنا عن العقلانيين وعن منهجهم، وقلنا بأن مناهجهم منحرفة ربما يظن أننا بذلك نحجر على العقل الذي خلقه الله وأكرم به الإنسان، لا، ليس المقصود ذلك؛ لأن العقل من أكبر نعم الله تعالى على عباده، بل إنه مناط التكريم والتكليف، فالله تعالى إنما كرم بني آدم بالعقل عن غيرهم من سائر المخلوقات؛ فلذلك منزلته في الإسلام أعظم منزلة، والله سبحانه وتعالى كثيراً ما يشير إلى العقول والألباب والقلوب، ويجعلها مناط التفكير والتبصّر في أمر الله وخلقه وقدره، والتبصر في أمر الهداية والضلال، لكن العقل له وظيفته وله مجاله، فالله سبحانه وتعالى حينما خلق الخلق وميزهم بالعقول جعل لهذه العقول وظيفة كبرى وعظمى، بل جعل من وظائف العقل ما هو كفيل بكده وإتعابه إلى أن تقوم الساعة، وإليكم بيان ذلك: أولاً: أناط الله سبحانه وتعالى أمر الاجتهاد في النصوص الشرعية واستنباط الأحكام منها على ضوء مستجدات الحياة بالعقول. والحياة كل يوم فيها مستجدات، والله كلفنا أن نستنبط الأحكام ونحل المشكلات من نصوص الشرع من الكتاب والسنة بعقولنا، فلذلك نجد أن مجال الاجتهاد لا يزال مجالاً واسعاً رحباً لم تف به عقول العباقرة حتى الآن، بل نجد أن المسلمين مقصّرون كل التقصير في استنباط الأحكام من نصوص الشرع في مستجدات الحياة. إذاً: المسلمون بل وجميع البشر إلى الآن ما وظفوا عقولهم الوظيفة الكافية فيما كلفهم الله به، فَلِمَ يتطّلعون إلى ما لا يطيقون؟ ثانياً: أن الله سبحانه وتعالى كلف العقول وأصحابها بعمارة الأرض واستعمارها بكل وسيلة مباحة. وعمارة الأرض واكتشاف كنوزها وأسرارها، والنظر في خلق الله تعالى، وفي ملكوت السماوات والأرض، والتفكر الذي يؤدي إلى توحيد الله تعالى وتعظيمه والخضوع له وعبادته، كل هذا لا يتم إلا بكد العقول، فهذه وظيفة كبرى للعقول لم تف بها كاملة إلى الآن. إذاً: فالعقل لا يزال مقصراً في هذا الجانب، فَلِمَ يتطلع العقل إلى ما لا يطيق؟ لِمَ يتطلع إلى أمر الغيب والغيب محجوب؟ لم يتطلع إلى أن يقول في التشريع، والتشريع إنما جاء به الله سبحانه وتعالى، والله أعلم بشئون عباده من خلقه؟ ثالثاً: من مجالات العقول التفكّر والنظر في حكم التشريع. حِكَم التشريع لا نهاية لها، أو لا يمكن الوصول إلى غايتها على الإطلاق، لكن مع ذلك لا مانع للإنسان من أن يتفكر بعقله في حِكَم بعض التشريع؛ ليزداد إيماناً. رابعاً: من وظائف العقل التمييز بين الخير والشر، وبين النافع والضار في الجملة. فعلى هذا يكون العقل من أعظم الوسائل التي ترشد الناس إلى الخير وإلى الفضيلة، والتي بها يحققون الاجتهاد على هدي من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه الوظائف للعقل وظائف كبرى وعظمى تغنيه عن أن يتطلع إلى ما لا يطيق. إذاً: فكف العقل عن الخلط في الغيب ليس هجراً له إنما هو إشفاق عليه، فالله سبحانه وتعالى أشفق على عقول عباده حينما أخبرنا ببعض أمور الغيب التي لنا فيها مصلحة، وحجب عنا الكثير، فما أخبر الله به من أمور الغيب نؤمن به ونسلم، ولا نتطلع إلى تفصيلاته؛ لأننا لو عرفناه ما صار غيباً، والله سبحانه وتعالى امتدح الذين يؤمنون بالغيب، بل جعل قاعدة الدين والهداية هي الإيمان بالغيب: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:1 - 3] فالخوض في الغيب ينافي الإيمان به؛ لأن الإيمان بالغيب يعني: التسليم بأن خبر الله صدق وحق، وإذا حاول الإنسان أن يخوض في الغيب فإنه غير مسلم بكلام الله ولا بخبره، إنما يكون مشككاً، والتشكيك في الغالب يهدم الدين والإيمان.

أقسام العقول

أقسام العقول ينبغي أن نعلم أن العقل عقلان: عقل هداية، وعقل معيشة. أما عقل الهداية فيهبه الله تعالى لمن يشاء من عباده، ولا يمكن لأحد من الناس أن يكسب عقل الهداية بمجرد عبقريته أو ذكائه، ولا يمكن لأحد من الناس أن يكون مدركاً لأمر الهداية والرشد إذا لم يهد الله قلبه للإسلام. فهذا العقل يهبه الله لمن يشاء، وهو منحة من الله. أما العقل الآخر: فهو عقل المعيشة، فهذا لدى جميع الناس، لا فرق بين مؤمن وكافر، كل الناس فيهم عقول معيشة، لكن الكفار يفقدون عقول الهداية، والمسلمون وهبهم الله عقول الهداية التي بها يتفكرون في أمر الله وخلقه، ويهتدون إلى عبادته، ويسترشدون إلى الخير والهدى والصلاح على ما يرضي الله سبحانه وتعالى. هذا الفارق نجده في سلوك الناس، وفي بعض النماذج التي ممكن أن تكون فيها عبرة، ولو استعرضنا أحوال بعض الصحابة كـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد كان آية في الذكاء والعقل، لكن قبل أن يهديه الله للإسلام جعله عقله المعيشي يغفل عن بدهيات الخير والفضيلة، فكان يأخذ التمر ويصنع منه صنماً ويعبده ثم إذا جاع أكله، فكان بعد إسلامه يضحك على نفسه: كيف كان يفعل ذلك؟ لم يهده عقله العبقري عقل المعيشة إلى الخير والهدى، وكذلك تعرفون قصته رضي الله عنه حينما دفن ابنته في الجاهلية، فحين كان يحفر لها كانت تعبث بلحيته وتقول: يا أبي يا أبي، ومع ذلك لم يرق قلبه وإنما دفنها حية خوف العار، أنفعه عقل المعيشة؟ لم ينفعه؛ لأن الله لم يهده، لكن لما اهتدى عمر بن الخطاب كان آية، بل كان هو الفاروق بين الحق والباطل، ونصر الله به الإسلام، وأعز به الشرع والدين، حينما وهبه الله عقل الهداية. ومثالاً آخر أيضاً فيه لنا عبرة وعظة: الآن نجد من البشر من هم من أكبر الناس عقولاً وذكاءً، ومع ذلك يقعون في أخس التصرفات التي يشمئز منها كل ذي فطرة سليمة، خذوا مثلاً: الهنود، فالهنود الآن الذين لم يسلموا من أكبر الناس عقولاً وحكمة، بل يُضرب المثل في حكمتهم، ومع ذلك يعبدون أخس المخلوقات؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يهبهم عقول هداية، ما نفعتهم عقولهم، يعبدون الفرج، ويعبدون القرد، ويعبدون البقر وغير ذلك من المعبودات الخسيسة. فمن عبد غير الله فليس بعاقل عقل هداية، فكيف من عبد أخس المخلوقات؟ إذاً: عقل الهداية لا يأتي بالذكاء ولا بالعبقرية، ولا يأتي بعلوم الدنيا، ولا يأتي بأي كسب من أنواع الكسب الدنيوية، إنما هو هداية من الله سبحانه وتعالى، وهذا الميزان هو الذي نستطيع أن نزن به أحوال الناس اليوم، الذين يعقلون والذين لا يعقلون، فأكثر الناس الذين يريدون أن تشيع الفاحشة، ويريدون أن يروجوا للضلالة بين الناس يستعملون بعض العقليات وبعض الحجج العقلية، وهؤلاء عموا عن الحق، أعميت بصائرهم عن الحق.

كيفية نشوء النزعات العقلية

كيفية نشوء النزعات العقلية بدأت النزعات العقلية في تاريخ الإسلام بالتدرج، كانت في أولها مجرد نزعات يسيرة فردية، ثم تحولت إلى فرق، وهي الفرق الهالكة، كالتي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة) وذكر أن كلها هالكة إلا واحدة، والفرق التي هلكت كلها بالاتجاه العقلاني استعملت أهواءها وعقولها، وتركت منهج السلف في الاستدلال، وتركت الاهتداء بكلام الله تعالى وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم فهلكت، لكن قبل أن تكون الفرق كانت هناك نزعات فردية، أولها ما حدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ليس له أثر في الدين، إنما فيه عبرة من حال المنافقين وأهل الكتاب والمشركين، فالمنافقون والمشركون وأهل الكتاب مع كون القرآن يتنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يحتجون على الشرع بعقولهم، وعلى القدر بعقولهم، لم يهتدوا؛ لأن الله سبحانه وتعالى كتب عليهم الضلالة، ثم بعد ذلك ظهرت نوازع فردية من بعض الناس، كالرجل الذي اعترض على قسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم يوم حنين، وهو الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيكون أصل الخوارج، قال صلى الله عليه وسلم: (سيخرج من ضئضئ هذا الرجل أناس يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) فالخوارج خرجوا بأهوائهم على المسلمين، وكبعض الأشخاص الذين ظهروا في عهد عمر بن الخطاب مثل: صبيغ بن عسل التميمي الذي بدأ يضرب بعقله آيات الله بعضها ببعض، آيات القدر، فكان يفسّر الآيات ويقول: هذا يكون وهذا لا يكون، هذا كيف يصير؟ وهذا كيف لا يصير؟ فذكر أمره عند عمر بن الخطاب فجاء به، فأدرك أن فيه شكاً وريباً، وأنه بدأ يستعمل عقله في أمر القدر وأمر الغيب والشرع الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، فأدرك أنه مريض القلب والعقل، فضربه عمر بالدرة حتى أدمى رأسه، وقال: كفى يا عمر أتريد أن تقتلني؟ أجد ما في رأسي قد ذهب، وعزله عمر عن الناس سنة كاملة لا يتحدث إليهم ولا يتحدثون إليه؛ لأنه عقلاني يعترض على الدين بعقله، وبذلك تأدب الناس في عهد عمر. ثم بدأت أيضاً نزعات أخرى في عهد صغار الصحابة: نزعات الأهواء، وكانوا يسمون أصحاب القدر، الذين يعترضون على القدر جبراً أو اختياراً ويتكلمون فيه، وكان الصحابة يسمونهم: أهل الرأي وأهل القياس، ولا يقصدون بذلك قياس الشرع القياس الفقهي، قياس حكم على حكم أو قضية على قضية، إنما كانوا يقيسون الأمور الغيبية بالأمور المشاهدة، وهذا خطأ، فسماهم الصحابة: أهل القياس. وقال علي رضي الله عنه حينما رأى بعض الذين يتكلمون في الدين برأيهم كأهل الأهواء والخوارج والرافضة وغيرهم، قال: لو كان الدين بالرأي لكان مسح أسفل الخف أولى من مسح أعلاه. يعني: أن الدين ليس بالرأي، الدين شرعه الله سبحانه وتعالى، وعلينا أن نمتثل أمر الله تعالى ولا نقول: هذا يصلح وهذا لا يصلح.

نماذج من رءوس البدع العقلانيين

نماذج من رءوس البدع العقلانيين ظهرت رءوس البدع بعد ذلك، وهم الأشخاص الذين أخذوا يتكلمون بالبدع علناً، أولهم: ابن السوداء وهو اليهودي الذي كاد للإسلام، وأسس دين الشيعة الرافضة الذين هم عليه إلى اليوم، وكان من أول من جهر بالاعتراض على الدين بعقله ورأيه، كان يقول مثلاً: لا يمكن أن يترك الله النبوة بلا وريث، وبما أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له أبناء إذاً فوريثه في النبوة صهره وابن عمه علي. وكان يقول لما مات علي: لا يعقل أن المعصوم يموت! كيف يموت علي؟ لا أبداً، إنما علي رُفع وسيرجع مرة أخرى وهكذا. كان يقول هذا الكلام عند أناس سُذّج دخلوا الإسلام قريباً ولم يتفقهوا في الدين، فأصبح يروج بينهم هذه المقولات العقلانية حتى صارت ديناً يقتدى به إلى اليوم عند الرافضة، ثم ظهر معبد الجهني وغيلان الدمشقي وأكثر كلامهم كان في القدر، ثم ظهر الجعد بن درهم وهو من رءوس البدع، وبدأ يتكلم في القرآن، وقال: القرآن ليس منزل، والقرآن مخلوق، والله لا يتكلم. وقال: لا يُعقل أن الله يتخذ إبراهيم خليلاً، وقال: لا يُعقل أن الله كلّم موسى تكليماً، هكذا بهواه لم يسلم لكلام الله تعالى. وقال: لا يُعقل أن الله تكلم بالقرآن، وقال: إن الإنسان مجبور وليس له حرية ولا إرادة، إن عمل الخير فهو أصلاً عامل للخير سواء اختار أو لم يختار، فجاءت قضية إلغاء التكاليف بعد ذلك. فلما بدأ يعلن أفكاره العقلانية وقف أمامه السلف وناظروه واستتابوه فلم يتب، فحكموا بردته بإجماع، حتى قتله أحد ولاة المسلمين يوم عيد الأضحى، وقال حينما انتهى من خطبته: ضحوا تقبّل الله ضحاياكم فإني مضح بـ الجعد بن درهم؛ فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، فقتله، وبذلك انقمعت البدعة عشرات السنين، وهكذا دائماً إذا أُقيم حداً لله حفاظاً على دين الله، فإن الدين يُنصر بالرعب، متى ما أُقيم حد غيرة على دين الله تعالى وعلى شرعه، فإن الله سبحانه وتعالى ينصر الدين بهذا الحد، ويكف الله عن المسلمين كثيراً من الشرور بهذه الحدود، وكما تعلمون أيضاً يتنزل الخير والغيث بتطبيق الحدود. وبعد قتل الجعد بن درهم انقمعت فتن المتكلمين والعقلانيين مدة من الزمن، حتى ظهر الجهم بن صفوان وزاد على كلام سلفه الجعد بأمور، ومنها: إنكار الرؤية، قال: لا يُعقل أن المؤمنين يرون ربهم في الجنة. إذاً: فما تقول في كلام الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23]؟ وما تقول في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (سترون ربكم عياناً)؟ قال: العقل مقدّم ومعصوم عندي. هذا مبدؤه ومبدأ من جاء من بعده. ثم أيضاً تكلم في الجنة والنار وقال: لا يمكن أن الجنة والنار تدومان أبداً، قال هذا بعقله، فقيل له: لماذا؟ قال: لا يُعقل هذا فقط، ما عنده دليل، قاس الأمور بعقل المعيشة، لم يوفقه الله لعقل الهداية الذي يسلم لله تعالى، والذي يعلم أن الله على كل شيء قدير. كل هذه الأمور مربوطة بخبر الله تعالى وبقدرته، وخبر الله صدق وحق، وقدرته لا نهاية لها. ثم جاء واصل بن عطاء أيضاً واعترض بمجرد عقله على مسألة مرتكب الكبيرة، وذلك عندما كان للحسن البصري رحمه الله درس، وكان يقرر مسألة مرتكب الكبيرة: هل هو مخلّد في النار أو لا؟ وسئل، فقال: مرتكب الكبيرة في الدنيا فاسق بمعصيته مؤمن بإيمانه، وفي الآخرة أمره إلى الله، إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له، وإن عُذِّب فستشمله شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال واصل بن عطاء: لا، هذا لا يُعقل. هذا هو أسلوب العقلانيين حتى الآن، تجد اعتراضهم على الشرع وعلى الدين بهذه الصورة: لا، هذا لا يمكن، هذا لا يُعقل. فقيل لـ واصل: ما تقول؟ قال: أقول: مرتكب الكبيرة كافر في الدنيا مخلد في النار يوم القيامة، فماذا يقول في أحاديث الشفاعة التي ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقد ثبتت أحاديث قطعية متواترة أن شفاعته تشمل جميع الموحدين من أمته مرتكبي الكبائر وغيرهم، لكنه لا يبالي بالسنة؛ لأن عقله هو المقدم، فأسس مذهباً اسمه: مذهب المعتزلة، كما أسس قبله الجهم بن صفوان مذهب اسمه: مذهب الجهمية. لم يكتف العقلانيون بمسائل صغيرة من الدين، بل حكّموا عقولهم في أمور غيبية كبرى لا طاقة للعقل بها، فأنكر الجهمية أسماء الله وصفاته بعقولهم، قالوا: عقولنا لا تعقل أن يكون لله أسماء وصفات، فأنكر المعتزلة صفات الله، وقالوا: عقولنا لا تؤمن بأن لله صفات، هكذا بدون دليل، فلو استدلوا بالكتاب والسنة لوجدوا دلالتهما على أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، لكنهم لا يعوّلون على النصوص، بل عقولهم مُحكّّمة. ثم بعد ذلك تلت الفرق وانفتحت على ا

مصادر العقلانيين

مصادر العقلانيين مصادر العقلانيين تتلخص فيما يلي:

الاعتماد على العقل

الاعتماد على العقل المصدر الأول: الاعتماد على العقل وهو أخطرها، بمعنى جعل الأفكار والآراء والأهواء العقلانية هي المعتبرة وهي المقدمة على كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي المحكمة أيضاً، فإذا اشتبه عليهم أمر من أمور الدين فالحكم ليس هو قال الله وقال رسوله، لا، الحكم هو العقل! إن المقارنة بين العقل وبين كلام الله تعالى ليست طيبة؛ لأنه لا مقارنة بينهما، فكلام الله هو الحق والصدق، والله سبحانه وتعالى هو العليم الخبير وهو الكامل له الكمال المطلق، أيقارن بنتاج العقل؟ العقل عقل البشر، والبشر ناقص، والبشر يعتريه السهو والخطأ والنسيان والخلل والضلال والوساوس والشكوك، فكيف يكون عقله هو المُحكَّم؟ لكن -نسأل الله العافية- انطمست فطرهم، وزالت عقولهم عقول الهداية، فأصبحوا يجعلون العقل هو المقدّس، مع أن هذا لا يتأتى من أبسط الناس الذي ليس عنده عمق في التفكير، فلو قلت له: ما رأيك أيهما نصدّق ونكذّب ما في عقلك أو كلام الله وكلام رسوله؟ سيضحك عليك ويقول لك: هذا الكلام لا داعي له، وربما يقول: هذا كفر، كيف تقول لي هذا الكلام؟ ومع ذلك ضل العقلانيون وانتكست عندهم المفاهيم، حتى ظنوا أن كلامهم وأقوالهم أقدس من كلام الله ومن أقوال الله. إذاً: الاعتماد المطلق على العقل عندهم هو القاعدة، والعقل هو المُحكَّم، فلذلك فرّعوا على هذه القاعدة المنكوسة تفريعات منكوسة، فقالوا مثلاً: دلالة النقل والشرع ظنية، من قال: إنها ظنية؟ أكلام الله ظني؟ هذا نابع عن تصورهم للقرآن حينما قالوا بأن القرآن مخلوق، وحينما قالوا بأن القرآن إنما عبّر عنه بشر، فتجرءوا على أن يقولوا في القرآن وفي كلام الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الكلام، فقالوا: دلالة النقل والشرع ظنية، ودلالة العقل قطعية، كيف تكون دلالة العقل قطعية؟ لو نسأل أحد هؤلاء العقلانيين عن عقله: أتدري ما عقلك؟ ما يدري ما عقله، هذا العقل الذي يستخدمه سلاحاً ضد الحق لو نقول له: أين عقلك؟ لقال: والله ما أدري أين عقلي، ولو نقول له: كيف تفكّر أنت؟ لقال: والله ما أعرف كيف أفكّر، وأين روحك؟ والله ما أدري أين روحي، على أي شكل تكون الروح؟ والله ما أدري، إذاً: إذا كنت لا تدري عن نفسك يا مسكين ولا تدري عن عقلك ولا أين عقلك ولا كيف تفكّر، فكيف تقول: العقل قطعي والنقل ظني؟ إنها الضلالة، نسأل الله العافية. فالإنسان إذا قُدّرت له الضلالة انتكست مفاهيمه، وكما قلت لكم: لو كانت العقول والعبقرية تنفع والذكاء ينفع لما وجدنا الهندي قبل أن يخرج إلى عمله الرسمي، وربما يكون في مقاييس الناس عالم ذرة قبل أن يذهب إلى المعمل يسجد لبقرة منتنة، ثم يذهب ليشتغل في محل عمله، وتجده إذا مر من عند بقرة بالسيارة في الشارع وقف، ولو حتى أدى هذا إلى الحادث تقديساً للبقرة، نسأل الله العافية! أهذا نفعه عقله؟ إذاً: إذا كان النقل بزعمهم ظني والعقل قطعي، وتعارض ما في أذهانهم مع كلام الله ورسوله فالمقدم ما في أذهانهم، كذا زعموا. فمن هنا انتكست كل علومهم وكل أحكامهم، وجاءوا بما خالف منهج السلف وعقيدتهم، ووقعوا في أمور كبرى في الدين أخرجتهم عن السنة والجماعة، بل أخرجت بعضهم عن الدين، فأنكروا أسماء الله وصفاته بعقولهم. نحن نقول: إن الله سبحانه وتعالى له أسماء وصفات في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، نؤمن بها كما جاءت على ما يليق بجلال الله سبحانه، لكن العقلانيون لم يسلموا، وقالوا: لا، نحن عقولنا لا تؤمن بهذا، فأنكروا الأسماء والصفات، وبعضهم لم ينكر الأسماء والصفات وإنما أولها، ومعنى التأويل أن يقول: أنا لا أفهم قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] فلابد أن أؤولها، مع أن هذا كلام الله عن نفسه، والله سبحانه وتعالى يستوي على العرش استواء يليق بجلاله لا نعلم كيفيته؛ لأن الله ليس كمثله شيء، فهو سبحانه وتعالى ليس مثل مخلوقاته ولا مخلوقاته مثله، ولا يتوهم ولا يخطر على البال أن نتصور لله صورة أو هيئة، وما نتصوره في أذهاننا ليس هو الله، وليس هو من صفات الله؛ لأن الله ليس كمثله شيء، فهم عكسوا القضية فجعلوا ما في أذهانهم هو الصفة، فلذلك أولوا الصفة، هذا بناء على هذه القاعدة، ثم تجرءوا على إنكار الرؤية، فقالوا: أن المؤمنين لا يرون ربهم في الجنة يوم القيامة، لماذا؟ قالوا: لا يُعقل هذا. وأنكروا شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته، بل أنكروا شفاعات الأنبياء والمؤمنين والصالحين، وأنكروا الشفاعات التي ستحدث يوم القيامة بعد إذن الله ورضاه، قالوا: لا شفاعة؛ لأنه لا يُعقل أن الذي يدخل النار يخرج منها، ينبغي أن يأخذ جزاءه إلى الأبد، كل ذلك بعقولهم فقط. ثم اعترضوا على دين الرسول صلى الله عليه وسلم في أمور كثيرة، صار ميزانهم عقولهم، ما حلا لهم من التشريع والأحكام والعقائد أخذوا به، وما لا يحلو لهم ردوه، ولذلك هم لا يتورعون عن تكذيب أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءتهم شبه من الشيطان، فالشيطان دائماً يدخل على

تقديس آراء الرجال

تقديس آراء الرجال المصدر الثاني عند العقلانيين هو متفرع عن المصدر الأول، لكن له بعض الخصائص، وهو تقديس آراء الرجال وكلام الزعماء والمقدسين فيهم، وتقديمهم على كلام الله وكلام رسوله. فأهل الفرق وأهل الهوى إلى الآن إذا جاءتهم آية من كلام الله أو حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما يقول بعضهم: نعم هذا حق، لكن لابد أن أرجع إلى رأي الزعيم فلان أو الشيخ فلان ماذا يقول في الآية أو في الحديث؟ أو لابد أن يرجع إلى القواعد والمناهج التي وضعها الزعماء والرؤساء الذين يرجع إليهم، فمثلاً: أصحاب الطرق الصوفية إذا جاءتهم آية أو حديث يرجعون إلى الولي وإلى شيخ الطريقة ماذا يقول في الآية والحديث؟ والمعتزلة إذا جاءتهم آية أو حديث رجعوا إلى قول النظام أو المريسي أو القاضي عبد الجبار أو نحوهم ليروا ماذا يقولون؟ فإن كان قولهم يوافق الكتاب والسنة أخذوا به، وإن عارض الكتاب والسنة ردّوا نصوص الكتاب والسنة، هذا منهجهم، يعني: تقديم آراء الرجال، ولا يزال هذا المنهج في العقلانيين من العلمانيين والحداثيين حتى الآن، يأخذون من النصوص والأصول الشرعية ما يوافق القواعد والاتجاهات التي هم عليها، وما يعارضها إما يصرفون النظر عنه، أو يقولون فيه قولاً يؤدي إلى الرد. أيضاً هناك مصادر مشتركة بين العقلانيين القدامى والمحدثين، وهناك مصادر انفتحت على المسلمين أخيراً وهي مصادر جديدة يأخذ بها العقلانيون، ولم يتوصل إليها القدامى، وهي زيادة في الضلالة.

الأهواء والأمزجة

الأهواء والأمزجة المصدر الثالث: الأهواء والأمزجة والرغبات الشخصية، أغلب العقلانيين إنما دينهم هواهم، خاصة فيما يتعلق بالأحكام الشرعية، أحكام الحلال والحرام، وأغلب الأمور العملية في الشرع إنما ميزانهم فيها الأهواء، ما يهوونه يعملون به ويأخذون به، وما لا يهوونه يردونه بوسائل الرد التي ردوا بها أمور العقائد، وهذه دعوى شيطانية عند من يروجون المحرمات، وهذه البلية مع الأسف بدأت تظهر جلياً بين المسلمين الآن، بمعنى أن الناس أصبحوا يجعلون الدين خاضعاً لأهوائهم ورغباتهم، ويخضعون نصوص الكتاب والسنة وأقوال السلف لما يهوونه وما يرغبونه، وما لا يهوونه ولا يرغبونه يردونه بأي صارف من الصوارف التي يرفضون بها النص، ونجد الآن هذا الاتجاه ظاهراً في الصحف وأجهزة الإعلام، وفي كثير من التوجهات والاتجاهات المعاصرة، فهم يعوّلون على رغبات الناس، فحين تشيع فاحشة من الفواحش أو تصرف خاطئ من التصرفات يقولون: هذه رغبات الناس، وهذا ما يهواه الناس وما يريدونه، فيجعلون رغبات الناس والأهواء هي الميزان، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:116] والناس لو استفتوا لهلكوا وأهلكوا، فلذلك الآن كثيراً من العلمانيين والحداثيين يضربون على هذا الوتر، يقولون مثلاً: من الضروري الخروج عن التقاليد، فهم يسمون أحكام الشرع: تقاليد، هذه مسألة ينبغي أن تفهموها، ويسمون أحكام الشرع بما يتعلق بتعدد الزوجات وقوامة الرجل، وما يتعلق بالحشمة والفضيلة والسلوك الحسن والسنن، وحتى ما يتعلق بالسنن العملية كإعفاء اللحى والسواك يسمونها: عادات وتقاليد. ويقولون: الآن تطور الناس وأغلبهم يرفض العادات والتقاليد، ويجعلون رغبات الناس وأهواءهم ميزاناً؛ ولذلك يضربون على هذا الوتر ويضغطون على المجتمع، بل حتى ويضغطون على المؤسسات الرسمية، يقولون: لماذا نحجر رغبات الناس؟ إلى متى الكبس؟ هذا من أعظم مصادر العقلانيين وهو الضغط من خلال الأهواء، ودفع الناس إلى الشر؛ لأنهم يهوونه، وكما تعلمون أن أهواء الناس ليست مصدراً للتشريع أبداً، بل العكس التشريع في الغالب يصرف الناس إلى الخير، وإن لم يهووه، ويصد الناس عن الشر وعما فيه مضرتهم، وإن لم يهووا ذلك. ومن خلال هذا الاتجاه أصبح أصحاب هذه التوجهات الشيطانية يسلكون مسلكاً خطيراً، حيث أضفوا الآن على اتجاهاتهم ورغباتهم مسحة من الدين، فقالوا: الدين لا يحجر على حريات الناس، الدين يأخذ برغبات الناس، يأخذ بالرأي الغالب، وأخذوا يستدلون من النصوص بما يوافق أهواءهم، وعلى منهج الزنادقة قديماً الذين أخذوا بمثل قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} [الماعون:4] يأخذون بجزء من النص أو بالنص الذي يريدونه ويقولون: هذا كلام الله، مع أن أصول الاستدلال كما تعرفون عند أهل السنة والجماعة: أنهم يوازنون بين النصوص، النصوص كثيرة، والنصوص فيها الناسخ والمنسوخ، وفيها المطلق والمقيد، وفيها الخاص والعام، والنصوص أيضاً لا بد في استنباطها من رد بعضها إلى بعض، ولا يمكن أن نأخذ نصاً وحده ونقف عنده، لا؛ لذلك الله سبحانه وتعالى أرشد المسلمين إلى أن يأخذوا الدين عن أهل الذكر الذين يحيطون بنصوص الكتاب والسنة وقواعد الاستدلال ولغة العرب، فلا يجوز لأي إنسان أن يأخذ أي دليل ويقول: هذا دليلي، لا؛ لأن الاستدلال له منهج سليم عند أهل السنة، وهو المنهج المستقيم والطريق المستقيم الذي هو الوسط لا إفراط ولا تفريط ولا غلو ولا تقصير، وهذا لا يمكن أن يهتدي إليه أي إنسان بمجرد أن يأخذ النصوص من القرآن والسنة، لا، بل لا بد من الإلمام بأصول الاستدلال، وهذا لا يدركه إلا أهل الفقه في الدين، لكن الآن العقلانيون يخبطون في هذا المسلك، ولا يبالون بقواعد الاستدلال وقواعد الشرع، يأخذون من النصوص ما يعجبهم، وأكثر الناس يُفتن من خلال الجرائد والمجلات في هذه المسألة، يسمع بالدليل ويقرؤه ويظن أن هذا هو الحق، وما يدري أن هذه من شبه الشيطان وأعوانه؛ لصد الناس عن دين الله. والله سبحانه وتعالى نبّهنا إلى هؤلاء في آيات كثيرة، منها: قوله تعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا} [الفرقان:43]. وقوله تعالى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:28]. وقوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص:50]. وقوله تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [المؤمنون:71].

الفلسفة

الفلسفة المصدر الرابع من مصادر العقلانيين قديماً وحديثاً: الفلسفة، الفلسفة بمعناها القديم والحديث، وهي تعني: الكلام في أمور الغيب بغير علم، وهذا الكلام يسمونه: إلهيات، أو ما وراء الطبيعة، والكلام فيما عدا عالم الشهادة هو بمجرد الظن، ولا يمكن أن يتكلم الإنسان في الغيب إلا بظن، بل هو الظن السيئ، وهو الكلام السيئ؛ لأنه لا يمكن أن يطّلع على الغيب إلا من أطلعه الله من نبي، وبما بيّن الله لنا من أمور الغيب، ما عدا ذلك لا يمكن الكلام فيه. فإذاً: الفلسفة إنما هي الكلام في أمور الغيب بغير دليل ولا برهان. مصادر العقلانيين الرئيسية قديماً وحديثاً هي الفلسفة، بل ما يسمونه بالمعقولات والقواعد العقلية إنما هي قواعد الفلاسفة، ترجموها وحولوها وأعطوها بعض الصياغات والمعاني التي تقرب من أذهان الناس وسموها: أدلة وبراهين، وما هي إلا فلسفة لا تستند إلى أي برهان ولا دليل لا عقلي ولا ذهني ولا حسي؛ لذلك الفلسفة هي من أضر العلوم على البشر قديماً وحديثاً؛ لأنها خوض بالغيب بغير دليل، بخلاف العلم التجريدي فهو يفيد، فإن استخدم فيما ينفع الناس وعلى هدي القرآن والسنة فهو خير كله، وإن لم يستخدم وفق ذلك صار شر وسيلة ضارة.

دراسات المستشرقين

دراسات المستشرقين المصدر الخامس من مصادر العقلانيين المحدثين: دراسات المستشرقين. المستشرقون: هم طائفة من أهل الكتاب ومن الملاحدة الغربيين، تسلطوا على التاريخ الإسلامي وعلى التراث الإسلامي إن صح التعبير، يعني: تسلّطوا على دراسة الإسلام من منظورهم هم، فخرجت عنهم نظريات خطيرة، صارت هذه النظريات في العصر الحديث مصدراً لأغلب الدراسات التي بنيت عليها أكثر مصالح المسلمين في السياسة والاقتصاد والاجتماع وغيرها، بمعنى أن أغلب بلاد المسلمين في العصر الحديث -خاصة التي دخلها الاستعمار- بُنيت على مناهج المستشرقين، سواء في التعليم أو الإعلام أو الاقتصاد أو في غيرها. وأيضاً أمر آخر أن أكثر الذين تعلموا من أبناء المسلمين تعلموا على النظريات الاستشراقية، فالذين درسوا في الغرب أغلبهم تتلمذوا على المستشرقين وعلى أفكارهم الخبيثة الهدّامة، وجاءوا بها وكأنهم من الفاتحين.

أفكار المستشرقين حول الإسلام

أفكار المستشرقين حول الإسلام الكلام عن الاستشراق والمستشرقين يطول، لكني ألخّص مجمل أفكار المستشرقين حول الإسلام، والتي هي الآن سائدة حتى بين أغلب أجيال المسلمين؛ لأنهم تربوا عليها وعُلِّموا إياها من خلال مناهج التعليم في البلاد التي دخلها الاستعمار، فألخصها بما يلي:

الإسلام حركة إصلاحية عقلانية

الإسلام حركة إصلاحية عقلانية أولاً: المستشرقون عندهم تفاوت في أفكارهم، لكن هناك قاعدة عامة تجمعهم، كلهم يرون أن أحسن ما يقال في الإسلام: إنه حركة إصلاحية عقلانية، وليس ديناً إلهياً، وإنه لم يكن منزلاً من الله وإنما هو من صنع رجل عبقري مصلح اسمه: محمد. هذه الفكرة هي السائدة عند أغلب أجيال المسلمين في البلاد المستعمرة إلى اليوم، وهي التي سببت الانحراف في توجهات المسلمين، كذلك إذا نظرنا إلى أسباب الانحراف في أكثر الحركات الإسلامية التي ظهرت الآن وعندها نزعات عقلانية نجد أن أسباب انحرافها مقولات المستشرقين، بل إن أغلب الكتاب المشاهير كـ العقاد وطه حسين ومن نحا نحوهما ينحون هذا المنحى، لذلك نجد العقاد وغيره من الكتّاب تبعاً له كثيراً ما يُزكّز على قضية العبقرية في محمد صلى الله عليه وسلم، وله كتاب اسمه: عبقرية محمد، ولذلك أتباع المستشرقين من الكُتّاب المسلمين لا يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يقولون: الرسول وإنما يقولون: محمد، قال: محمد، ومحمد العبقري، ومحمد المُصلح، وكأنهم أعجبهم كلام المستشرقين حينما أثنوا على الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنه ثناء مبطّن، قالوا: عبقري ومصلح، لكن ما قالوا: رسول، فماذا ينفع هذا؟ هذه من شبهاتهم التي اصطادوا بها المسلمين.

الإسلام نتاج اجتهادات رجال الدين من المسلمين

الإسلام نتاج اجتهادات رجال الدين من المسلمين ثانياً: أيضاً من مبادئ المستشرقين العقلانية والتي اصطبغت بها ثقافات أغلب أجيال المسلمين أنهم يرون أن الإسلام بشريعته وبعقيدته إنما هو نتاج اجتهادات رجال الدين من المسلمين، اجتهدوا حتى صارت مدارس فقهية ومدارس عقدية، وهذه المدارس اجتهادات من البشر، اجتهادات من أحمد بن حنبل ومن البخاري ومن أبي حنيفة ومن الشافعي ومالك، ومن الصحابة الأولين أيضاً يقولون: هذه اجتهادات، هذه نظرة المستشرقين، وأغلب المسلمين المثقفين -مع الأسف- الذين لم يتفقهوا في الدين وقليل منهم المتفقه في الدين، أغلبهم تأثروا بهذه النظرة؛ فلذلك ظهرت في بعض الاتجاهات الإسلامية الآن دعوة وأصبحت تعلن حتى عندنا في هذا البلد: أننا لماذا لا نجدد في أصول الإسلام؟ لماذا لا نجدد في أصول الفكر الإسلامي؟ الإسلام مصدره الكتاب والسنة، وهذه نصوص ونحن رجال والسلف رجال، فمن الممكن بعقولنا أن نضع منهجاً جديداً للدين وللشرع كما وضعه الأولون، من أين فهموا هذا الفهم؟ فهموا أن الصحابة والسلف هم الذين وضعوا الدين، وما علموا أن الدين إنما هو اهتداء واقتداء، وأن التعلق بالكتاب والسنة دون اعتبار لأصول الاستدلال عند السلف ومناهج الاستدلال وأصول العلوم الشرعية، كأصول الحديث، وأصول التفسير، وأصول الفقه أو غيرها إنما هذا هدم للدين؛ لأن الفرق التي ضلّت تقول: إنها متعلقة بالكتاب والسنة، فالآن الرافضة الذين لم يتركوا من الدين شيئاً إلا وهدموه، ومع ذلك تجدهم يرجعون إلى الكتاب والسنة، لكن بأهوائهم، تركوا منهج الصحابة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) وأمر باتباع سبيل المؤمنين، وسبيل المؤمنين هو سبيل أئمة الهدى، وحذّر الذين لا يتّبعون سبيل المؤمنين. إذاً: العقلانيون الآن تأثروا بهذا الاتجاه الموجود عند المستشرقين، وقالوا: أن الإسلام اجتهادات الصحابة واجتهادات الأئمة، ونحن نرجع إلى الكتاب والسنة وهما موجودان، نقول: هذه دعوى، لكنها شيطانية، هذا من لبس الحق بالباطل، لا عمل للكتاب والسنة بين ظهرانيهم، لكن الدين عمل نُقل، ليس فقط مجرد نصوص، النصوص المجردة لا تنفع بدون الاهتداء والقدوة وأخذ الدين عن الرجال الذين نقلوا عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الدين أغلبه عمل وسلوك، والعمل والسلوك أُخذ عن شخص النبي صلى الله عليه وسلم من شخص الصحابة، ومن شخص التابعين، ومن أشخاص الأئمة الهدى إلى أن تقوم الساعة؛ لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ومن عاداهم إلى أن تقوم الساعة).

أن كثيرا من أصول الإسلام غلطة ارتكبها المسلمون

أن كثيراً من أصول الإسلام غلطة ارتكبها المسلمون ثالثاً: من أصول العقلانية التي قال بها المستشرقون وتأثر بها كثير من المسلمين، وهي التي يروجها العلمانيون الآن: دعوى أن كثيراً من أصول الإسلام إنما هي غلطة ارتكبها المسلمون يجب ألا تتكرر، فمثلاً يقولون: الجهاد بالسيف عنف، فارتكبه المسلمون باجتهاد منهم، وهذه غلطة تاريخية يجب ألا تتكرر. هذا هو الذي عليه غالب المثقّفين المسلمين الآن، وهو التوجه الذي يضرب عليه العلمانيون والحداثيون، يسخرون من الجهاد ويسخرون من استعمال السيف لإعلاء كلمة الله. رابعاً: قال المستشرقون: إن الرق استعباد للبشر، مع أنهم يفهمون معنى الرق في الإسلام، الرق في الإسلام هو ارتكاب أخف الضررين، ومعناه: أن أهل الكتاب الذين يقاتلون المسلمين ولا يرضون بدخول الإسلام ولا أن يكونوا أهل ذمة، شُرع عليهم الجهاد، فإذا تم الجهاد وبقي منهم من بقي أسرى في أيدي المسلمين، فإنه يفضّل أن يكون رقيقاً من أن يُقتل، ومعنى أن يكون رقيقاً هو أن يكون تحت رعاية المسلمين وفي خدمتهم، والإسلام كما تعرفون فتح أبواب العتق للأرقّاء، وهذا فيه فرصة لإقامة الحق والعدل بين أهل الكتاب، وفيه فرصة لمن يبقى منهم حياً ليتأمل لعله يهتدي إلى الإسلام. على أي حال هم يرون أن الرق غلطة تاريخية يجب ألا تتكرر. يقولون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: إنه تجاوزات، فهناك أناس من المتحمسين سلكوا سلوك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا يعني كبت لحريات الناس والوقوف أمامهم، ويعتبرون هذه غلطة تشريعية ليست من الإسلام بشيء! وهكذا سحبوا القضية على كثير من أحكام الإسلام. أيضاً تعدد الزوجات إنما هو رغبة للنبي صلى الله عليه وسلم، فكونه معدداً فرأى أن الأمة تعدد، والآن العلمانيون والحداثيون يضربون على هذا الوتر في صحفنا وإعلامنا، الآن يضربون على قضية المرأة، ويرون أن الأحكام التي جاءت في المرأة إنما هي أحكام جاءت عبر التاريخ كتقاليد وعادات، أو أنها غلطات تشريعية يجب ألا تتكرر. وربما لا يقولون هذا الكلام صراحة، لكنهم يلغزّون ويلغّمون أقوالهم بما يفيدها، بمعنى أن مجرد استهتارهم بهذه الأحكام إنما هو استهتار بالدين نفسه.

الإسلام قيم وشرائع مثالية

الإسلام قيم وشرائع مثالية أيضاً من أقوال المستشرقين: أن الإسلام قيم وشرائع مثالية، ومعنى مثالية: أنها قيم نتمناها في الخيال، لكن لا يمكن تطبيقها، وقالوا إن هذه المثالية تصلح للمجتمعات البدائية؛ لذلك طبّقها الصحابة تطبيقاً صحيحاً، لكن لا يمكن أن تُطبّق مرة أخرى هذا رأي المستشرقين، وهذا الذي بُنيت عليه حياة المسلمين الآن، ما دخلت الدساتير والأنظمة القانونية في بلاد المسلمين وحكموا بغير شرع الله، ودخلت الأنظمة الاجتماعية التي أفسدت الأسرة وأفسدت المرأة، حتى ما خرجت سافرة عارية وخرجت من الحشمة والفضيلة إلا باسم أن الشرع القديم كان مثالياً ولا يصلح للعصر الحديث. هذا عقلانية متناهية فهم حكموا بعقولهم، والله سبحانه وتعالى أنزل الدين ليُعمل به إلى قيام الساعة، وهو الخير والصلاح للبشر في كل زمان، وإذا كانت البشرية قد انحرفت عن دين الله وعن منهجه فهل انحرافها يكون حُجّة؟ نعم هم بعقولهم يقولون: يكون حُجّة، الآن يحتج علينا العقلانيون العلمانيون والحداثيون بانحرافات البشرية في أوروبا وأمريكا، يقولون: الناس تطوروا وسبقوكم بالعقل والفكر، وأنتم تريدون أن تطبقوا أحكاماً لا تصلح إلا لعصور الجمل والوسائل البسيطة لعصور البداوة إلى آخره. هذه شبهات الشيطان، الإسلام دين الله، وإذا انحرف عنه البشر أننحرف عنه معهم؟ لا، وإن كانت لهم عقولهم هذه. هذه شبه من آثار المستشرقين.

حاجة الإسلام إلى تجديد يلائم الحياة

حاجة الإسلام إلى تجديد يلائم الحياة من آثار المستشرقين أيضاً: أن الدين الإسلامي دين يشتمل على قواعد وتعاليم جيدة، لكنه يحتاج إلى تجديد ليلائم الحياة، الدين كله يحتاج إلى تجديد، فلذلك ظهرت حركات التجديد في المسلمين، حتى في الحركات الإسلامية التي تتبنى هذا الاتجاه، ويقصدون بالتجديد ترك منهج السلف وإحداث مناهج جديدة حتى في السلوك، فبعضهم يقول: إلى متى نحن نقول بعدم الاختلاط؟ الاختلاط ضرورة أصلية، وإلى متى نحن نحجر على المرأة في البيت؟ المرأة لا بد أن تكون مهذّبة تشارك الرجل في عمله وتنفِّس عنه وتفتح نفسه للعمل ولآفاق الحياة ليسعد بالحياة الجميلة! كل هذا بعقولهم، وهذه الفكرة بدأت تروج حتى في المجتمعات الإسلامية المحافظة كما هي عندنا الآن.

الإسلام دين الحرية والديمقراطية

الإسلام دين الحرية والديمقراطية أيضاً ظهرت دعاوى من المستشرقين وتأثر بها العقلانيون عندنا، دعاوى أن الإسلام إنما هو دين الحرية، والحرية لها مفهوم آخر عندهم، ويقصدون بالحرية التحلل من الأخلاق والفضيلة والحشمة، هذا قصدهم بالحرية، ما قصدهم الحرية بمعناها الحقيقي وهي حرية السعادة التي بها يسعد الإنسان بمنهج الله ودينه! لا، بل يقصدون الحرية بمعناها المقلوب، الحرّية الشيطانية التي هي إيقاع الناس في حبائل إبليس، وكذلك يقولون الإسلام دين الديمقراطية إلى آخره.

وصف أهل السنة بالتزمت ووصف المعتزلة والجهمية بحرية الفكر

وصف أهل السنة بالتزمت ووصف المعتزلة والجهمية بحرية الفكر أيضاً هناك بعض الأفكار التي راجت عند العقلانيين وهي من آثار المستشرقين، وهي وصف أهل السنة بأنهم المجتمع المتزمت، المجتمع المحافظ الذي تصلّب على أحكام وتقاليد وعادات، وغير قابل للتطور، ولا يصلح أن يعيش القرن العشرين بين المجتمعات الحديثة، وبالمقابل الذي يروجه الآن الحداثيون والعلمانيون تبعاً للمستشرقين دعوى أن الفرق القديمة التي ظهرت في الإسلام كالمعتزلة والجهمية يمثّلون حرية الفكر، فهم الفرق المتحررة المتنورة التي استطاعت أن تخرج عن السمت الذي عليه السلف، ويرون أن المنهج الصحيح هو منهج هذه الفرق. هذه دعوى من أخطر الدعاوى على المسلمين، والتي بدأت تظهر حتى بين بعض الدعاة، الآن هناك دعاة ليسوا في بلادنا بحمد الله لكن في البلاد الإسلامية الأخرى يتبنون اتجاه الاعتزال؛ لأنهم يرون أن المعتزلة هم أصحاب الحرية الفكرية، وسمعتم طرفاً من أقوالهم والمعتزلة عقلانيون يأخذون الدين كله بعقولهم، لا يعوّلون على التسليم لله تعالى ولا التسليم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا الأخذ بالنصوص.

مظاهر وأخطار الاتجاهات العقلانية في البلاد الإسلامية

مظاهر وأخطار الاتجاهات العقلانية في البلاد الإسلامية لعلي أتجاوز إلى نقطة تهمنا جميعاً وهي ما يتعلق بالاتجاهات العقلانية في بلادنا مظاهرها وأخطارها. التوجه العقلاني الآن في البلاد الإسلامية يظهر بشكل أكبر مما هو عندنا بحمد الله، لكن مع ذلك يجب أن نحرص على حماية بلادنا، كما أننا أيضاً من واجب النصيحة والنصح لجميع المسلمين أن نناصح إخواننا في كل البلاد الإسلامية، وأن نبيّن لهم طريق الحق، ونسأل الله أن يطهّر جميع البلاد الإسلامية من هذه التوجهات الخبيثة، فما دامت هذه البلاد لا تزال سليمة في العموم فيجب أن نحرص على حمايتها، والسعيد من وعظ بغيره، ولا يلدغ مؤمن من جحر مرتين، وقد لُدغنا عشرات المرات. الاتجاه العقلاني في البلاد الأخرى يتلخّص في أمور، بعدها أنتقل إلى الاتجاه العقلاني عندنا.

الاتجاه التجديدي

الاتجاه التجديدي أولاً: نجد الآن في المسلمين ما يسمى بالاتجاه التجديدي، وقد ظهر في بعض الدعوات الإسلامية. هذا اتجاه عقلاني خطير، وإن كان أصحابه فعلاً يُعرفون بالخير والصلاح والتقوى وحسن النية، لكنهم يفقدون الفقه في الدين، ليس فيهم علماء متضلعون في الشرع، فلذلك يأخذون الدين بالأهواء والعواطف وهم لا يشعرون، فهؤلاء ظهر فيهم الاتجاه التجديدي العقلاني الخطير، ويتضّح هذا الاتجاه في بلاد السودان، كالاتجاه الذي يتزّعمه الترابي، هو اتجاه عقلاني اعتزالي خالص، فهو يأخذ بمبدأ التجديد الذي يعني: ترك مناهج السلف، وإنشاء مناهج جديدة تناسب المسلمين في العصر الحديث، لذلك أتباع هذه الحركة لا يتورعون عن بعض الأشياء، مثل: مسألة الاختلاط في الجامعات وغيرها، هذه أمور لا تهمهم، بل منهم من يرى أن الاختلاط بين الرجال والنساء ضرورة، وهم في السودان يحملون لواء أقوى دعوة إلى هذا الاتجاه العقلاني الخطير، وواجب طلاب العلم في هذا البلد خاصة أن يناصحوا أولئك؛ لأنهم ليس فيهم علماء، هذا أمر نعرفه جيداً، ليس فيهم علماء، ليس فيهم فقهاء في الدين، إنما هم مفكرون، والتفكير لا ينفع بدون الاهتداء بهدي الله، بل هو سبب الضلالة، ما أضل كثيراً من عباد الله الذين ضلوا إلا بسبب أن الله أعطاهم فكراً فاستخدموه بغير هدى، والناس الذين تفكيرهم بسيط أغلبهم على السنة والهداية؛ لأن تفكيرهم لا يرجع بهم إلى الأهواء الشيطانية؛ فلذلك أقول: إن هؤلاء فيهم خير لكن ليس عندهم فقهاء في الدين، وبينهم وبين أصحاب الفقه في الدين جفوة. أيضاً يوجد هذا الاتجاه في تونس، وعلى رأسه الداعية راشد الغنوشي، هذا أيضاً رجل فيه إخلاص وفيه خير، لكن ما عنده فقه في الدين، ولا يعرف مناهج السلف بدقة من خلال ما ظهر من قبله، فعنده اتجاه عقلاني تجديدي يشبه اتجاه ما في السودان. هناك أيضاً اتجاهات في البلاد الأخرى لست بحاجة الآن إلى أن أتكلم عنها تفصيلاً؛ لضيق الوقت، يعني: الآن هناك بعض التوجهات خرجت مثل: مجلة المسلم المعاصر، وأيضاً جريدة المسلمون فقد بدأت تبرز هذا الاتجاه بقوة، ومعهد الفكر في أمريكا الآن بدأ يتبنى هذا الاتجاه، وهو يقوم عليه بعض المفكرين الإسلاميين إن صح التعبير، وبدأت بوادر هذا الاتجاه عندنا على ألسنة بعض الدكاترة الذين عندهم حماس في الدعوة وعندهم حماس في نشر الخير، لكن ليس عندهم فقه في الدين، وإنما عندهم ثقافة إسلامية، وهذه الثقافة هي التي ضرت أكثر مما نفعت؛ لأنها أوجدت الغرور في الناس، يأخذ كثير من العلوم الإسلامية من خلال المجلات والصحف ويلتقطها من ألسنة المتكلمين ومن الإذاعة ومن التلفاز، ويظن أنه بذلك صار عالماً، فصار يتكلم في التجديد الفكري الإسلامي وفي أصول خطيرة جداً، أقول: هذه الاتجاهات بدأت بوادرها عندنا على أيدي بعض الدعاة الذين ليسوا متفقهين في الدين، ولا يرجعون إلى أهل العلم، ومع الأسف أن بعضهم يحتقر العلماء، وهذه بادرة خطيرة يجب أن نتناصح فيها، وأن نبادر لئلا تستفحل؛ لأنها بدأت على ألسنة أناس مخلصين وجادين في الدعوة، وفيهم من النشاط القوي، وعندهم قدرة على التأثير، فلذلك ينبغي أن نتنبه.

مظاهر وأخطار الاتجاهات العقلانية في بلادنا

مظاهر وأخطار الاتجاهات العقلانية في بلادنا أما الاتجاه العقلاني عندنا الآن، ولا أقصد في هذا الاتجاه الذي ذكرته أنه اتجاه عقلاني خالص، لكن أقول هناك رائحة أو بوادر العقلانية التي نخشى من أن تستفحل، وأن يكون لها أثرها مستقبلاً، لا سيما أنها ترفع لواء الدعوة. الاتجاه العقلاني الخالص يتضح أو يبدو من خلال أمور بدأنا نشعر فيها أخيراً، بدأنا نسمعها ونقرؤها، وبدأت تصطبغ فيها أفكار بعض الناس وتُعلن في أحاديثهم وفي مجالسهم وفي الصحف وفي المجلات وفي الإذاعة وفي التلفاز، وتتلخص هذه الأفكار أولاً بالجرأة على الله تعالى وعلى الدين باسم الحرية العقلية، أحياناً جرأة صريحة في غفلة الناس أو عدم غفلتهم، لكن النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضعيف، أو بدأ يضعف عندنا، كم من زلة ظهرت في الصحف فيها جرأة على الله تعالى، فالمطلوب منا أن نحمي ديننا وبلادنا وعقيدتنا من هذا التوجه الخطير الذي هو بداية الانحراف.

الاستهزاء بالسنن

الاستهزاء بالسنن الأمر الأول من مظاهر الاتجاه العقلاني: الاستهزاء بالسنن، هذه المظاهر بدأت -مع الأسف- تظهر من خلال القنوات التي ذكرتها لكم من خلال بعض الأشخاص، الاستهزاء باللحية، كلمة شواكيش أو أصحاب المكانس! أصبحت هذه المظاهر مع الأسف -مع أنها إلحاد وكفر- أصبحت مستمرأة عند الناس، وكأنه أمر طبيعي، كذلك الاستهزاء بالسواك، وبتقصير الثياب، والاستهزاء بتمسك المرأة بالفضيلة وعدم الاختلاط وغير ذلك، هذه أمور بدأت تظهر جلياً.

الاعتراض على أحكام الله

الاعتراض على أحكام الله الأمر الثاني من مظاهر الاتجاه العقلاني: الاعتراض على أحكام الله، هناك اعتراض صارخ وصريح، ويأخذ عدة وجوه ومسالك، بعضها اعتراض عملي، بمعنى أنه اعتراض بدأ في البنية التي بنيت عليها بعض المؤسسات، والأمور التي هي ظاهرة للأمة. الاعتراض على أحكام الله فيما يتعلق بالمرأة خاصة؛ لأن إفساد المرأة كما تعرفون هو الوسيلة لإفساد المجتمع، وأكبر مدخل على الدين لهدمه هو إفساد المرأة؛ لأنها إذا فسدت فسد البيت، وإذا فسد البيت فسد المجتمع، وإذا فسد المجتمع فسدت الأمة هذه نتيجة حتمية تلقائية، فلذلك بدءوا يتكلمون عن مسألة القيادة، ومسألة العمل وترك المنزل، ومسألة الاختلاط وأنه ضرورة إلى آخره، ومسألة التبرج والسفور، وما يتعلق أيضاً بقضايا أخرى غير مسألة المرأة، كالربا فقد أصبح الآن محل نظر عند بعض الناس، حتى إن بعض العلماء يكاد لا يجرؤ أن يقول: الربا حرام علناً. هذه مسألة خطيرة، مع أن المعروف أن الذي يُعمل به في المحاكم لا يزال يقوم على شرع الله، لكن كثرة الربا وانتشاره وإقراره بين الناس جعل القول بأن الربا حرام شذوذاً. هذه مسألة خطيرة يجب أن تتنبهوا لها، أيهدم دينكم بين ظهرانيكم وبين أيديكم؟ أتهدم القيم وتهدم الفضيلة ويهدم الدين وما أنعم الله به علينا من نعمة؟ أيضاً انتشار شرب المسكرات، الآن صار التركيز على محاربة المخدرات لأنها أضرت بالدنيا أكثر من الدين، بينما المسكرات الغالب أنها تضر أصحابها، الآن المسكرات كثرت وإقامة الحدود للسكر تكاد لا تطبق إلا قليلاً، أغلب الناس يسكر ويُترك، وهذه انتشرت بشكل ذريع الآن، وأصبحت تكاد تكون ظاهرة مستمرأة عند الناس. هذا أمر خطير. والعقلانيون الآن يشيعون بأن هذه مسألة تتعلق بحرية الأفراد وأمزجتهم، والذي يشرب الخمر هو مريض والمريض يُعطف عليه، هكذا تشيع عند بعض الناس هذه الشائعة وهذه الظاهرة ما كانت سمتاً عند المجتمع بحمد الله، لكن بدأت تشيع وتظهر بين الناس، بسبب التساهل بهذه الأمور. أيضاً كثرة الغناء، حتى أصبح الغناء لا يُستنكر لا في الشوارع ولا في البيوت، وأجهزة الإعلام تتولى كبرها في هذا، فهي التي عودت الناس والأجيال على أن الغناء أمر عادي، والموسيقى كذلك، ورفع الصور. هذه كلها من أساليب العقلانيين؛ لترويض الناس على التهاون بالدين، والاستهانة به، وإدخال ما هو أعظم دفعة دفعة أو جرعة جرعة، وهذا أمر لا يخفى عليكم جميعاً. وأظن أن الوقت لا يتسع لبقية الكلام، لكن ننهي الموضوع ونختم بالأسئلة. وأسأل الله أن يقينا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحفظنا بالإسلام، وأن يجعلنا من الهداة المتقين الصالحين، كما نسأله تعالى أن يحيينا مسلمين، وأن يتوفانا مسلمين، وأن يلحقنا بالصالحين، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته كما وعد؛ لأن الله سبحانه وتعالى وعد بنصر الدين إلى أن تقوم الساعة، فنسأله تعالى أن يحقق وعده لنا وفينا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

الأسئلة

حكم تسمية المعارضين لشرع الله بعقولهم بالعقلانيين

حكم تسمية المعارضين لشرع الله بعقولهم بالعقلانيين Q لماذا لا نسمي هذه الفئة باسم أهل الأهواء كما كان السلف يسمونهم بخلاف تسميتهم بالعقلانيين؛ فإن هذا الاسم أولاً فيه ذم ومدح لهم، ثم إنه يوحي بأنهم فئة جديدة في التاريخ الإسلامي رغم أن لهم أصولاً قديمة، ثم إن الأصول السليمة دلّت على قصور العقل عن الإحاطة بكل شيء، وهذا ينافي تسميتهم بالعقلانيين، أفيدونا أفادكم الله؟ A في الحقيقة كلمة (العقلانيين) ليست اسماً إنما هي وصف لهم، ولذلك ليست مشتهرة، ولا ينبغي أن تشتهر على أنها هي الاسم لهم، فهم أوصافهم أوصاف شرعية، لكن من سماتهم ومن أصولهم: العقلانية، فلذلك كلمة العقلانية لا تعرف إلا عند المتخصصين الباحثين؛ لأنهم يرون من عدة وجوه أنهم أصحاب الباطل، ولهم عدة صفات وعدة توجهات: من توجهاتهم: العقلانية في الاستدلال، أو من أصولهم: العقلانية في الاستدلال، فإذا سميناهم بالعقلانيين لا يعني أن اسمهم العقلانيين؛ لكن لأنهم يعتمدون على العقل دون الشرع، لا الاعتماد الفطري الصحيح الذي هو تسخير العقل فيما وظّفه الله له، وإنما أقحموا العقول فيما لا تدرك، وأقحموا العقول في الاعتراض على شرع الله. إذاً: فهذه صفة ليست اسماً ولا ينبغي أن تكون هي اسمهم، يسمون بالمنافقين كما سماهم الله، ويسمون بأهل الأهواء كما أشار الله إلى أهل النفاق، ويسمّون أيضاً بأهل الرأي في مقابل أهل السنة، ويسمّون بالفرق أو أهل الافتراق، ويسمّون الآن بالعلمانيين، وهذا المصطلح لا يزال يحتاج إلى شيء من الإيضاح والتفصيل عند الناس، كلمة علمانية لا يعرفها أغلب الناس، العلمانية: هي النفاق بأسلوب جديد، وأيضاً العلمانيون أغلب أحكامهم أحكام المنافقين، فالمنافقون منهم المنافق الخالص ومنهم المذبذب لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومنهم ومنهم. بمعنى أنه ليس كل نفاق هو الخروج من الملة، قد يكون من المنافقين من لم يخرج من الملة، لكنه مفسد في الأرض عاص، فلذلك هم أحسن أوصافهم في هذا الوقت: العلمانيون. وممكن أيضاً أن نتدرج في إفهام الناس معنى العلمانية حتى نصفهم بالمنافقين، وهذا هو الوصف الشرعي الذي ينبغي أن نستقر عليه، لكن بعد أن يفهم الناس ما معنى العلمانيين؟ ومن هم؟ وما صفاتهم؟ والغالب أن العلمانيين من الصعب تشخيصهم بأشخاصهم؛ لأنهم كالمنافقين يتلونون ويظهرون ما لا يبطنون، وأغلبهم يدسون على المسلمين دساً، الصريح منهم ممكن يُعرف، لكن أغلبهم لا يُعرفون، إنما الله سبحانه وتعالى وصفهم بقوله: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون:4] عجيب كلامهم إذا قرأته، وعندما كنا حديثي عهد بمقالات بعضهم، تجدهم مقالات عجيبة تسمع لها، تعجبك في أصالتها وفي عمقها، لكنها ضلال، {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} [المنافقون:4] هذه الأيام بعض الناس بدأ يبتعد إذا سلم عليهم متدين، مع أنه ما قال له شيء، لكن كما قال تعالى: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون:4] هذا هو الوصف الشرعي لهم. فهم إذاً: أهل الأهواء وهم المنافقون، لكن ومع ذلك بالمناسبة أحب أن أنبه لأمر مهم جداً، أنا أرى بعض الناس بدأ يتعجل للإشارة بالأصابع إلى أناس، فهناك من يقول: هذا علماني أو هذا غير علماني، لا، فالمسألة تحتاج إلى شيء من التروي، فليس كل علماني ينبغي التشهير به، وليس كل منافق ينبغي التشهير به؛ لأن أغلب المنافقين مذبذبون، وإذا شهّرت صار عدواً، وربما إذا سترت عليه قد تأخذه بالنصيحة والموعظة مستقبلاً، أو ربما يتبين له الحق؛ لأن العلمانيين الخلّص عدد قليل جداً في المجتمع الآن، فالقواد والرواد والمخططون وأصحاب الأفكار عدد قليل جداً، والبقية رعاع من رعاع المنافقين، فينبغي ألا نساعد الشيطان عليهم، ينبغي أن نتروى ونتثبت، أما الذين شهروا أنفسهم أعداء لله ورسوله فهؤلاء لا بد من فضحهم وبيان عوارهم؛ لكن هذا لا بد أن يكون بالحكمة وبالاسترشاد بأهل الذكر وأهل العلم.

فتن الشبهات

فتن الشبهات المرء بين فتنتين: فتنة الشهوات، وفتنة الشبهات، وأعظمها وأخطرها على الفرد والمجتمع هي فتنة الشبهات؛ لأنها تضر بعقيدة المرء ودينه، فقد تخرجه من الدين بالكلية، وقد توقعه في بدع عظيمه، فلذلك حذر منها الرسول صلى الله عليه وسلم أعظم تحذير، وقبل ذلك حذر منها الله سبحانه وتعالى، وأخبر أنها سبب الفرقة في الدين، وسبب ذهاب الربح والعزة عن الأمة، وسبب الذل والهوان.

خطورة فتن الشبهات وواجب العلماء والدعاة تجاهها

خطورة فتن الشبهات وواجب العلماء والدعاة تجاهها الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فإن النبي صلى الله عليه وسلم وهو الناصح الأمين قد حذّر من الفتن بجميع أنواعها، فتن الشهوات، وفتن الشبهات، لكنا لو استعرضنا نصوص الكتاب والسنة ونهج السلف الصالح لوجدنا أن فتن الشبهات الفتن في الدين والعقيدة هي الأخطر وهي الأنكى والأشد، وهي التي جاء النهي عنها أكثر من غيرها بإجمال، أما فتن الشهوات فقد جاء النهي عن مفرداتها: النهي عن أكل الربا، والنهي عن الزنا، والنهي عن الانغماس في الدنيا والافتتان بها، جاءت نصوص متواترة وكثيرة في النهي عن فتن الشهوات، لكن ما جاء في نصوص الكتاب والسنة عن فتن الشبهات جاء على سبيل التحذير من مناهج الشبهات وأهلها؛ لأنها تخل بالعقيدة؛ ولأنها مرض يصرف القلوب والعقول عن العقيدة وعن الحق، وأصحابها هم الذين وصفهم الله عز وجل بالأخسرين أعمالاً، قال تعالى: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف:104] فأعظم أخطار فتن الشبهات التي هي مطاعن في العقيدة والدين أن أصحابها يظنون أنهم على هدى، ولذلك قال السلف: إن صاحب البدعة لا يتوب أو لا تقبل له توبة. هم لا يقصدون أنه لو تاب لا يتوب الله عليه، فإن الله يتوب على من تاب من أي ذنب ولو كان الشرك، لكنهم يقصدون بذلك بأن صاحب البدعة وصاحب الضلالة لا يوفق للتوبة؛ لأنه يظن أنه على هدى، فهل يتوقع ممن يظن أنه على هدى أن يحرص على التوبة؟ بالعكس، المسلم الذي يُبتلى بالشهوة يعرف أنه وقع في ذنب، هذا هو الغالب، بل عامة المسلمين الذين يقعون في فتن الشهوات سواء كانت فتن الدنيا، أو فتن المعاصي، أو فتن الفسق والفجور، فإن أصحابها غالباً يعرفون أنهم ارتكبوا الموبقات، ولذلك تجد الذين يتوبون من هذا الصنف هم الأكثر، لكن صاحب الشبهة مريض القلب والعقل يظن أنه على هدى، فلا يسعى إلى التوبة إلا من بصّره الله عز وجل. وجاء في النصوص الإشارة إلى أن عواقب فتن الشبهات ليست على أصحابها فقط، بل تعم الأمة، ولذلك الفتن في العقائد ابتلي بها غالب الأمة بعد القرون الثلاثة الفاضلة، وبقيت فتن البدع والشركيات جراح غائر في جسد الأمة إلى يومنا هذا، وليعلم كل عاقل أن أعظم سبب لما تعانيه الأمة المسلمة اليوم من الذل والهوان والشتات هو الافتراق في الدين، الذي هو فتن الشبهات، والذي هو الخروج عن السنة والجماعة، وذكر عز وجل أن هذا سبب الفشل وذهاب الريح، قال سبحانه: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46] فالأمة الآن تعيش أقسى ما مرّت عليه في تاريخها من مظاهر الفشل وذهاب الريح، والخذلان، وقلة البركة، والتناحر والتناطح؛ لأنها وقعت فيها الفرقة في الدين، والفرقة في الدين مع أنها أمر قدّره الله على جميع الأمم وعلى هذه الأمة، إلا أنه مع ذلك نهى الله عنه ويسّر العلاج والوقاية منه، وأعني بذلك الإشارة إلى شبهة كثير من الجاهلين وأصحاب العلمنة وما يسمون بالليبراليين وغيرهم، الذين يزعمون أننا نبالغ عندما نقول: إن الأمة افترقت، وأن الذين أوقعوا الأمة في هذا الحرج هم الذين خرجوا عن السنة والجماعة، وهم الذين استباحوا دماء أهل الحق والخير في كل البلاد التي فيها فتن وقلاقل إلى آخرها، يقولون: أنتم بهذا تفرّقون، نقول: نحن نحكي عن الواقع، ونريد للأمة أن ترجع إلى أسباب عزها بالاعتصام بالكتاب والسنة، يقول تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103]، إذاً: أعظم سبب الذل والهوان الذي أصاب الأمة، وتسلّط الكفار من اليهود والنصارى، وتسلّط أهل الأهواء والبدع الذين ينتسبون للإسلام، وهم ربما يكونون في بعض البلاد أشد نكاية بالأمة من الكفار أنفسهم، هو الفرقة في الدين، وأن الأمة لن تخرج من وهدة الذل والهوان والشتات والتقاتل إلا بالرجوع إلى مصدر العزة وهو الاعتصام بالكتاب والسنة، والالتفاف تحت لواء السنة والجماعة كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فالفرقة واقعة من سنن الله، ووقوعها ليس حجة في أن نرضى بها، بل وقوعها يستلزم منا أن نعالجها، وأن نحذّر من بقي من بعض فصائل الأمة التي لا تزال على الفطرة، وأن نناصح الذين افترقوا، ونبيّن لهم وجه الحق، ونقيم عليهم الحجة، ونعيدهم إلى سواء السبيل، والنبي صلى الله عليه وسلم حينما ذكر افتراق الأمم الماضية: اليهود على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى على ثنتين وسبعين فرقة، ذكر أن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة، أي: أن كلها سلكت مسلك الشبهات، وهلكت بالشبهات والضلالات والبدع، إلا واحدة، والهلاك هنا -وهذا ما ينبغي التنبه له خاصة عند طلاب العلم- لا يعني هلاك الخروج من الملة بالضرورة، ولا

المقصود بفتن الشبهات

المقصود بفتن الشبهات ما المقصود بفتن الشبهات؟ المقصود بها كل ما يؤدي إلى بدعة أو ضلالة أو فرقة وخروج عن جماعة المسلمين، أهل السنة والجماعة، أو خروج عن السنة، وكل ما يؤدي إلى خلل في العقيدة أو المنهج الذي تمثله العقيدة، وكل ما يؤدي إلى خلل في المواقف تجاه مشكلات الحياة؛ لأن العقيدة الصحيحة الصافية كما أنها علم فهي كذلك عمل، كما أنها أمور اعتقادية علمية فهي كذلك أمور اعتقادية عملية، تتمثل بالأقوال والأفعال وبالمواقف، وهذا نجده في أصول العقيدة التي رسمها السلف الصالح على ضوء القرآن والسنة، نجدهم حينما تحدثوا عن العقيدة وحينما بينوها وشرحوها بيّنوها على أساس أنها تمثّل جميع أصول الدين، وجميع ثوابت الدين، وجميع مسلّمات الدين، سواء منها ما كان علمياً اعتقادياً كأركان الإيمان وما يتفرّع منها، أو ما كان منها عملياً كأركان الإسلام وما يتفرّع منها، ويدخل في هذا وذاك الأمور القولية الثابتة لشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، كذلك بيّنوا الأصول والثوابت العملية التي هي الإطار العام الذي يحكم العقيدة؛ لأن أمور العلم والاعتقاد في قلوب الأفراد لا يعلمها إلا الله عز وجل؛ لأنه قد يتكلم بالحق المؤمن والمنافق، لكن يبقى محك الاختبار العمل والمواقف. ولذلك نجد في وصايا النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل المصالح العظمى من ثوابت الدين، مواقف المسلم تجاه المسلمين وتجاه غير المسلمين، وتجاه الحياة كلها جعل كل ذلك من العقيدة، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، (من غشّنا فليس منا)، (عليكم بالجماعة) وأمر صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة، وأمر بالحفاظ على مصالح الأمة العظمى وجعلها من ثوابت الدين، وأمر بدرء المفاسد على الأمة، وبرفع الحرج عن الأمة، كل هذه من ثوابت الدين التي يجهلها كثير من أبنائنا في الوقت الحاضر؛ لأنها ما بُيّنت على الوجه الذي يتناسب مع مستجدات العصر، فقد كان السلف رحمهم الله في كل زمن يعرضون العقيدة بحسب النوازل؛ لأن العقيدة كما أنها ثوابت قطعية -وهي مقتضى نصوص الكتاب والسنة- فهي كذلك مفاهيم علمية وعملية ومواقف، وهي تطبيقات ضرورية لمقتضى الكتاب والسنة، ولذلك من الشبهة التي قيلت عن السلف: إن عقيدتهم فيها ردود أفعال، فهؤلاء زعموا أن السلف تكلموا في أمور الاعتقاد في القرن الثاني بأمور لم يتكلم عنها السلف في القرن الأول، ثم تكلموا عن أمور في القرن الثالث مثل: بدعة القول بخلق القرآن ونحوها، وبعض مسائل حول الصفات لم يتكلم عنها السلف الأولون في القرنين الأولين، فقالوا: هذا إحداث في العقيدة، نقول: لا، هذا ليس إحداثاً في العقيدة، هذا يعتبر من مواقف العقيدة تجاه الأحداث؛ لأن الإسلام دين شامل لكل زمان ومكان، والحياة دائماً فيها مستجدات، وأعظم وأخطر هذه المستجدات مستجدات العقائد والأفكار التي تقول بها الأمم والموروثة، في القرن الأول الهجري لم تكن هناك شبه كثيرة، لكن وجدت بعض الشبهات، فكان الكلام فيها بقدر ما تحتاجه الأمة، لكن في القرن الثاني اتسع الخرق بدخول الفلسفات ودخول مذاهب الأمم والديانات السابقة على المسلمين؛ بسبب الترجمات، وبسبب دخول أفراد من هذه الأمم إلى الإسلام ظاهراً، وحينما عرفوا العربية عرضوا مذاهبهم الباطلة على صورة مصطلحات إسلامية، فجاء مذهب القدرية وجاء مذهب المرجئة، ثم جاء مذهب المعتزلة، ثم جاء مذهب الجهمية إلى آخره، كل ذلك نتيجة إدخال العقائد الموروثة من الأمم الضالة على المسلمين من خلال أشخاص عرفوا كيف يكيدون للأمة، وهؤلاء أدخلوا عقائدهم وشبههم بمصطلحات جذّابة للشباب الذين عندهم عشق للأفكار الغريبة، فتلقفوا هذه الأفكار عن الفلاسفة وغيرهم، ثم صاغوها بصياغة تحمل مصطلحات إسلامية، فدخلت على أجيال المسلمين هكذا، فالله عز وجل سخّر السلف لحماية الدين، وسخّرهم للدفاع عن الحق، فاضطر السلف رضي الله عنهم أن يواجهوا هذه الوافدات بما يقابلها من مقتضى النصوص، فظهرت معان لم تكن ظاهرة في القرون الأولى؛ لأنها لم تكن موجودة في القرون الأولى، هذه إشارة عابرة إلى شبهة أن السلف قالوا بأشياء لم يقل بها من سبقهم، وأنهم في كل عصر يحدثون أشياء ليست ردود أفعال، ردود الأفعال هي العواطف التي لا تقوم على أدلة شرعية، ردود الأفعال هي الانتصار للرأي، كما ينتصر هؤلاء العقلانيون الذين أثّروا في عقول بعض شبابنا، هؤلاء هم الذين عندهم ردود الأفعال، أما السلف فإنهم يواجهون مشكلات العصر بما يتناسب مع مصطلحات أهله، بمقتضى النصوص والقواطع الشرعية. فعلى هذا فتن الشبهات: هي كل ضلال أو بدعة أو شرك أو خلل في العقيدة والمنهج الثابت للسلف سواء كان علمياً أو قولياً أو عملياً، فكل ما يخل بهذا ويخرج عن أصول الاعتقاد عند السلف، فإنه يعتبر فتناً وشبهات.

أنواع الشبهات

أنواع الشبهات الشبهات أنواع: النوع الأول: شبهات عارضة، وهذه خاصة، يعني: تحدث لشخص بسبب ما عنده من أفكار ومن خيالات وأحياناً تصل إلى حد الوساوس وغيره، هذه فتن وشبه خاصة يتعرض لها بعض الأفراد، بعض أفراد المسلمين تكون عنده أوهام وشكوك، شبهات في القدر، أحياناً في مقام الألوهية نسأل الله السلامة، غالباً هذا وسواس قهري، وأحياناً في بعض مسائل الدين في بعض أحكام الشرع، في علل التشريع، لكن بقدر قوة إيمان الشخص تزول بإذن الله، أو تكون مرضاً خاص به عندما يصل الأمر إلى حد الوسوسة، فإذا كانت مرضاً فهي لا تضر بإيمان الإنسان، بل ربما يؤجر على مكابدة هذا المرض، لا يهمنا هذا الشيء الفردي، فالأوهام والخطرات التي تكون للأفراد ليست هي الفتنة العامة، وإنما هي فتنة قد تضر بالشخص نفسه، فما دام لم يدع إليها فهو داخل في النوع الأول: وهي الشبهات الفردية. النوع الثاني: الشبهات التي تؤثر في أصول الاعتقاد، وتصبح مذاهب يدعو إليها أصحابها، سواء كانت مستوردة أو مخترعة من قبل أشخاص أنفسهم، سواء كانت بسبب أوهام ووساوس لكن يدعو إليها صاحبها، أو كانت مقننة بفكر وثقافة معينة، كل ذلك يعتبر من الشبهات غير العارضة، بل من الشبهات الدائمة التي تبقى ويكون لها ضحايا من أبناء المسلمين. النوع الثالث: الشبهات التي تصرف القلوب والعقول عن الهدى والحق صرفاً كاملاً أو جزئياً. النوع الرابع: الشبهات العامة التي تؤدي إلى فرقة بين المسلمين، والفرقة أنواع: فرقة غير ظاهرة، وفرقة ظاهرة، سواء كانت فرقة عن عموم الأمة، أو عن عموم أهل السنة والجماعة، أو فرقة عن منهج العلماء ومنهج أهل الحق والعقد، سواء كانت فرقة في الدين، أو فرقة فيما يتعلق بمصالح الأمة العظمى. والفرقة في الدين كالبدع والمحدثات وغيرها، والفرقة في المصالح العظمى كالخروج على العلماء والخروج على الولاة، وعن مقتضى السمع والطاعة. والخروج عما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم من ضرورة الجماعة والسمع والطاعة بالمعروف لولاة الأمر، وضرورة اجتماع الكلمة وحفظ الحقوق المعتبرة بين الأمة لأفرادها ومجموعاتها. والخروج الذي يؤدي إلى الإخلال بمصالح الأمة العظمى، مثل: الإخلال بالأمن، أو الإخلال بقوة الجماعة وتماسكها، أو سلوك مسالك الإنكار التي تؤدي إلى فساد أعظم، وهذه كلها غالباً تحدث من فئات متدينة، بل لا أعرف أن هذه الشبهات تحدث إلا من متدينين؛ لأن غير المتدين يسلك مسالك لا تكون على شكل رايات دينية، إلا بعض أصحاب المصالح الشخصية الذين يغررون بالغوغاء باسم الدين، كما حدث في فتنة ابن الأشعث وغيرها، يغررون بالمتدينين باسم الدين، وتجد هؤلاء الرءوس لا يهمهم إلا السلطان أو الانتقام من الخصوم. أو مصالح معينة شخصية أو أممية، لكن تجدهم يستغلون عواطف الناس ثم يتبين الحق، كما حدث من ابن سبأ من يتتبع سيرته يجد أنه أظهر الغيرة والحرقة على دين الأمة وعلى مصالحها، فاستثار طائفة من جُهّال شباب المسلمين في ذلك الوقت حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام، فاستمالهم إلى مذهبه، ثم تبيّن أنه يهودي كائد خبيث، يعتبر بمثابة رأس الاستخبارات اليهودية في ذلك الوقت، على حسب المصطلحات المستعملة اليوم. إذاً: كل ما يؤدي إلى الفرقة والخروج عن الجماعة، أو يؤدي إلى الإخلال بمصالح الأمة العظمى، بجماعتها وبأمنها وبقوتها وعزتها، حتى وإن كان باسم الدين يعتبر من أعظم الشبهات التي حدثت في التاريخ، وهي أعظم ما يحدث في يومنا هذا وأخطره على الأمة؛ لأنها ملبسة غير بينة وغير واضحة، لو جاء واحد يحمل لواء الإرجاء لعرفه العلماء وقالوا: هذا مرجئ، أو لواء الاعتزال لقالوا: هذا معتزلي، لكن إنسان يقول: أنا مشفق على الأمة، أنا أريد أن أقضي على الفساد وكذا وكذا، فهذا أكثر الناس لا يميّز فيه بين المنهج الحق والمنهج الباطل، هذه من الشبهات المجملة وأسبابها كثيرة.

أسباب ظهور فتن الشبهات في هذا العصر

أسباب ظهور فتن الشبهات في هذا العصر أهم أسباب ظهور فتن الشبهات في هذا العصر. هناك أسباب علمية منهجية يفهمها طلاب العلم ويفهمها العلماء، وهي في الحقيقة البذرة الأساسية التي تنطلق منها إلى اليوم الفتن، خاصة من المتدينين أصحاب الغلو والتكفير والتفجير وغيرهم.

الخلل في منهج التلقي والاستدلال

الخلل في منهج التلقي والاستدلال السبب الأول: الخلل في منهج التلقي والاستدلال، تجد الواحد منهم يستدل بأدلة قوية صريحة من القرآن والسنة، فالإنسان الذي يجهل منهج الاستدلال يسلّم؛ لأنه يتلو عليه آية، لكن أسلوب تطبيق الآية على الواقعة هي المزلّة التي تحتاج إلى الراسخين في العلم في القضايا الكبرى والمصالح العظمى، فالخلل في منهج التلقي والاستدلال يعتبر من أعظم أسباب انتشار الشبهات، خاصة شبهات الغلو والتكفير وغير ذلك على الذين اغتروا بها. أيضاً هذا المنهج نفسه سبب رئيس في ظهور مظاهر الانفلات والعلمنة، وضعف الولاء والبراء، وما يسمى بالليبرالية وغيرها من التوجهات الآن التي اجتذبت عدداً كبيراً من شبابنا، نحن الآن نعيش غوائل تيارين خطيرين، كل منهما شر، أنا في تقديري -وربما تستغربون- أن الأخطر منهما على المدى البعيد: هو تيار العلمنة والإعراض عن دين الله، هو تيار الليبرالية، هو تيار العقلانية المميعة، الذين يريدون أن يكون المسلم كالأوروبي والأمريكي، ولكنه يحمل شعار الإسلام واسمه فقط، كما يقولون: مظهر بلا مخبر، مع أنه إذا اختل المظهر اختل المخبر لكنهم يجهلون، هذا أخطر على المدى البعيد؛ لأنه يؤسس على فكر مقنن ودعوة هادئة، وينساب إلى الشباب عبر أساليب ومصطلحات وألفاظ يغتر بها أكثرهم، ولأنه يحمل معنى التنوّر، والثقافة، والفكر، والحرية، والرأي والرأي الآخر، والإنصاف، والعدل، والتجرد العلمي، يحمل شعارات خادعة فعلاً، ولأنه لا يستعجل، بل يهمه النتائج ولو بعد عقود، لا يهمه أن ينجح بعد سنتين أو ثلاث أو عشر، فهو ينخر في عقل الأمة منذ أكثر من عقد في جميع بلاد المسلمين. أما الاتجاه الآخر فصحيح أنه خطير، وهو الذي نعانيه الآن، وهو اتجاه التكفير واتجاه الغلو، لكنه مثل نار السعفة إذا أوقدت فيها دقيقتين ثلاث دقائق تنتهي، صحيح أن الغلو استمر عندنا بعض الوقت، ولم أعلم أن الغلو في العصور الماضية يكون له مثل هذا الانجذاب، لكن هذا له أسبابه، أهمها ذنوبنا، يجب أن نعترف، لكن ومع ذلك ينتهي الغلو، وليس له حبل طويل، ليس عنده إستراتيجية بعيدة المدى؛ لأن صاحب الغلو نظرته بين رجليه لا يتعداها، وصاحب الغلو ينتهي ويَهْلَك؛ ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الأهواء والبدع في جملتها وحذّر منها وحذّر من السبل، لكنه ما أمر بقتال أحد غير الخوارج؛ لأنهم يهلكون الحرث والنسل باسم الإصلاح، أي: أن الذي يدعو الآن إلى الليبرالية أو العلمانية أمره واضح ونفاقه واضح، حتى الذين ليس عندهم تدين يدركون أن هذا الليبرالي أو العلماني يستهدف الفضيلة وكرامة المرأة، ويستهدف ظهور الفجور والمعاصي، ويدندن حول إشاعة الشهوات أمره واضح، لكن الخوارج وأمثالهم على مرِّ التاريخ يحملون شعار الدين والغيرة، ولذلك يقلبون عقول الشباب المتدين خلال دقائق وساعات، خلال جلسة واحدة يتحوّل الشاب الذي يستهدفونه من شاب هادئ رقيق محترم إلى شخصية عدوانية شرسة، باسم الحرقة على الدين، فينفخونه مثل: نفخ البالون فينفجر. إذاً: شبهات الغيرة على الدين خطيرة جداً؛ لأنها تحمل مضامين الانتصار للإسلام وللعقيدة، لكن العبرة بالعمل، ولذلك كثيراً ما تأتي أسئلة حينما أتكلم عن بعض رءوس البدع والمشاهير، ونقول: منهجهم غير سليم، يقول: أنت تتهم نيته؟ أقول: يا أخي أنا لا أستطيع أن أتكلم في نيته، ولا اطّلعت على قلبه، ولا يعلم النية إلا الله عز وجل، لكن هناك شرط آخر وهو صلاح العمل وليس صلاح النية فقط، فلا بد أن تصلح النية ويصلح العمل، فهؤلاء دعاة التفجير ودعاة التكفير، ودعاة الفساد في الأرض باسم الجهاد الذين يستحلون دماء رجال الأمن، ويستحلون دماء المخالفين لهم، والذين انتهكوا موبقات باسم الغيرة على الدين، نقول: هؤلاء عالجوا الخطأ بخطأ، نحن نتفق وإياهم على كثير من أمور العقيدة، خاصة الذين هم أهل سنة، نتفق نحن وإياهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نتفق وإياهم على ضرورة الإعداد للجهاد، نتفق وإياهم على أن الأمة بحاجة إلى تغيير إلى الأحسن، بحاجة إلى أن نصحح الأخطاء، نتفق وإياهم على ضرورة دفع الباطل، لكن الكلام على الأسلوب، ما يدفع المنكر بمنكر، بعض الناس إذا جئت له بالدليل قد لا يفقه الاستدلال، لكن عبر التاريخ يفهمها الصغير والكبير والمتعلم والعالم، على مدى تاريخ هذه الأمة، كم من طوائف غيورين منذ عهد الصحابة إلى يومنا هذا استعملوا العنف لإنكار المنكرات، ثم يؤدي الأمر إلى تجذّر المنكرات واستفحالها وزيادتها، ويؤدي الأمر إلى فساد أعظم، ألا نعتبر؟ هل يمكن أن يزال المنكر بالتكفير والتفجير، واستهداف رجال الأمن، واستهداف المنشآت السكنية، واستهداف المستأمنين من الكفار الذين يعيشون في بلادنا، ودخلوا بتأشيرات رسمية هم في ذمتنا وذمة الدولة؟ هل استهدافهم هذا يؤدي إلى إنكار المنكر وإقرار المعروف؟ وهل أدى إلى إنكار شيء من المنكر؟ بل العكس، وأي إنسان عاقل فضلاً عمن يتقي الله ويخافه أي إنسان عاقل فضلاً عمن يتق الله ويخافه، يعرف أن الفساد لا يُدفع بفساد ولا يُدفع بالقتل والإهلاك، ي

وسائل الإعلام بشتى أنواعها

وسائل الإعلام بشتى أنواعها كذلك من أسباب ظهور الشبهات: وسائل الإعلام بشتى أنواعها، وسائل الإعلام أشد نكاية على الأمة من جميع الوسائل الأخرى، حتى القوة العسكرية التي ضرب بها الكفار بعض بلاد المسلمين ويهددوننا بها، ليست أشد من وسائل الإعلام؛ لأنها بيّنة واضحة، ولأنها ظلم مكشوف لا يرضاه عاقل، لا مسلم ولا غير مسلم. وكل عقلاء الأمم الآن يدركون أن هذا الانتهاك لحرمات بلاد المسلمين في العراق وفلسطين وأفغانستان والصومال وغيرها، كلهم يدركون أن هذا ظلم، لكنهم يخافون من جبابرة الدنيا اليوم، أما الذين يؤيدون إما لهوى وإما رغبة وإما رهبة، لكن لا يوجد أحد يؤيد بعقله السليم ما يحدث الآن من نكاية بالأمة. إذاً: فتن الشبهات الإعلامية التي تنساب على عقول شبابنا وبناتنا ونسائنا ورجالنا بهذا الشكل المغرر هذا هو الخطير الآن على المدى البعيد، أما القوة العسكرية ستقاوم بقوة، والأمة لا تزال فيها طائفة على الحق ظاهرين بإذن الله، والفرج قريب، وكلما اشتدت انفرجت، والله عز وجل جعل مع العسر يسرين، يجب أن نتفاءل، لكن مع التفاؤل نعمل، والانتصار على القوة العسكرية محتوم إن شاء الله، وهو وعد الله الصادق، لكن المشكلة الأفكار التي لا يتنبه لها أحد إلا القليل، المشكلة الشبهات التي تنساب على عقول أبنائنا وبناتنا حتى في غرف النوم، عبر الإنترنت (حمار الدجال)، عبر الفضائيات، عبر مجالس السوء، عبر كثير من الوسائل التي توافرت، حتى الجوال الآن في جيب كل واحد إلا القليل النادر، وفيه من الشر المستطير ما يقلب عقيدة الإنسان في دقائق، وهذا مصداق حديث النبي صلى الله عليه وسلم (يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً) من كثرة ما يأتي من أفكار منحرفة تنساب إليه وهو لا يشعر، الآن نفاجأ سواء في وسائل إعلامنا أو في مجالسنا أو في بعض مظاهر اجتماعاتنا، أو من بعض شبابنا، نفاجأ ببروز أفكار خطيرة هدّامة تهدم العقيدة، وتهدم العقول، وتهدم الفضيلة، كثير من الشباب الآن بدءوا يتنكرون للعقيدة، بدءوا يتنكرون لآبائهم وأجدادهم وأسلافهم، بدءوا يتنكرون لدعوة الحق التي هي سبب هذا العز الذي نحن فيه، إنها دعوة التوحيد التي رفع رايتها الإمام محمد بن عبد الوهاب، ومع ذلك تظهر أجيال من أجيالنا تريد أن تهدمها بشبهات السوء، وتتنكر لها، بل تحملها مسئولية ما يحدث من انحرافات، العقيدة التي هي معقد العز الكتاب والسنة، العقيدة التي هي أصل الإسلام. هذه الدعوة المباركة وجد الآن من أبنائها من يريد أن يهدمها، ويتهمها بشبهات قالها أسلافه ممن تصدوا للدعوة من الكفار وكبار رءوس البدع، ثم نسمعها من أبناء جلدتنا من أين جاء هذا؟ جاء عبر هذه الوسائل، انسابت إلينا ونحن في غفلة، بل فرطنا، فهذه مسئوليتنا، وليت جهود الذين يتعجلون بالأعمال العنيفة تنصب إلى استصلاح الأجيال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق:2] لو كل منهم اهتم بنفسه وبأسرته وبذويه وبالشباب من حوله، ورباهم على الاعتقاد الصحيح، ونمّى فيهم الغيرة على الدين بأسلوب منهجي سليم بعيداً عن التشنج والأعمال العنيفة، لكان للأمة من أمرها رشداً في هذا الواقع المؤلم، لكن شبابنا فرقوا ما بين المذاهب المتميعة وما بين المذاهب المتشددة. وأنا عندي يقين بحكم التخصص فيما ندْرُسه وما ندَرِّسه، وما نتلقاه من تقارير وبحوث نعرف أن المحرك الأساس لهذه الفتن باسم الدين في بلدنا وفي غيرها عوامل خارجية، عوامل حاقدة حاسدة لنا، ما بين أصحاب فكر من الأصل يعادوننا، وإن كانوا يحملون اسم الدين والإسلام وما أكثرهم، فهؤلاء استغلوا غيرة شبابنا ودخلوا عليهم وتمسلموا لهم وتمذهبوا وكأنهم على مذهبهم، ثم زجوا بهم إلى مثل هذه التوجهات التي بدأت بذورها في آخر زمن الجهاد الأفغاني، الجهاد الأفغاني الأول بريء، لكن في آخره حينما نزحت جماعة التكفير والهجرة، ونزحت جماعة التبيّن، ونزحت الاستخبارات بمختلف أشكالها، بدءوا يصوغون أفكار بعض شبابنا بصبغة دينية سلفية، لكنها تحمل مضامين سياسية ومضامين فكرية ومفاهيم خاطئة نعرفها، ولو يتسع الوقت لأتيت بوثائق وما يشبه الوثائق، فرجع بعض شبابنا المتأخرين من أفغانستان وهم يحملون التنكر لبلادهم ومجتمعهم وعلمائهم ودولتهم، بدءوا يطعنون في ذمم العلماء، ثم طعنوا في الدولة وبيعتها وحقها في الشرع بمجرد وجود مفاسد، خالفوا وصية النبي صلى الله عليه وسلم، النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن الأمة ستجد أمراء من مختلف الأنواع والأصناف، منهم التقي، ومنهم الفاجر، وأمر بالسمع والطاعة للجميع، لكن بالمعروف، وأمر بالتناصح والدعاء لولاة الأمر، في أحاديث لا تكاد تخفى على أحد وهي كثيرة وصحيحة، حتى في موضوع المظالم، المسلمون في كثير من بلادهم يلقون مظالم من ولاتهم يجب أن يصبروا على الظلم، حتى الظلم الشخصي من الأثرة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث صحيح، قال: (إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني ع

دعاوى الاتجاهات العقلانية المعاصرة حول عقيدة السلف

دعاوى الاتجاهات العقلانية المعاصرة حول عقيدة السلف لقد انبرى العلماء الأفذاذ لدحض دعاوى الاتجاهات العقلانية المعاصرة حول عقيدة السلف، وبينوا أنها منبثقة عن الكتاب والسنة، لا عن أحداث تاريخية وردود أفعال كما تزعم العقلانية المعاصرة الأفاكة، ومما يدل على شمول الدين وكماله أنه ما من بدعة إلا وفي نصوص الكتاب والسنة ما يدحضها ويكشف عوارها، فكان لزاماً على كل مسلم أن يعي ما يصبو إليه أصحاب الاتجاهات العقلانية من مصادمة الشرع بعقولهم القاصرة.

دعوى تأثر عقيدة السلف بالأحداث التاريخية وأسبابها

دعوى تأثر عقيدة السلف بالأحداث التاريخية وأسبابها المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم مشاهدينا الكرام! أهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامجكم: حراسة العقيدة. إن دعاوى المناوئين لعقيدة السلف تحتاج منا وقفة جادة، نرى العقلانيين يلقون التهم جزافاً على عقيدة السلف مثلاً، وفي هذا اللقاء بإذن الله تعالى نحاول أن نجيب على عدد من دعاوى العقلانيين لعقيدة السلف أهل السنة والجماعة. فهل عقيدة السلف عبارة عن ردود أفعال ونتيجة صراعات تاريخية؟ هل السلف يتساهلون في تكفير المخالفين؟ وهل تراث السلف ظلامياً كما يدّعون ويكرسون ثقافة الكراهية والعدائية؟ ما موقف السلف من أهل البيت؟ وما حقيقة وصفهم بالناصبة والجبرية مثلاً؟ (دعاوى الاتجاهات العقلانية المعاصرة حول عقيدة السلف الصالح) هو موضوعنا لهذه الليلة مع فضيلة الشيخ الدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. مرحباً بكم شيخ ناصر. الشيخ: أهلاً بك أستاذ تركي وبالمشاهدين. المقدم: كما أرحب بكم مشاهدينا الكرام مرة أخرى، وأسعد بتواصلكم وأسئلتكم على أرقام البرنامج. شيخ ناصر كما ذكرنا في مقدمة الموضوع أن هناك دعاوى، وفي الحلقات السابقة تحدثنا أيضاً عن دعاوى أخرى اتهم بها المناوئون وبالأخص العقلانيون عقيدة السلف أهل السنة والجماعة. فهناك أحداث تاريخية مرت على الأمة منذ عهد النبي عليه الصلاة والسلام إلى هذا العصر، وهذه الأحداث التاريخية منهم من قال: إن عقيدة السلف تأثرت بهذه الأحداث التاريخية التي تتابعت على الأمة، هل هذه الدعوى صحيحة؟ الشيخ: على أي حال هذه دعوى ليست جديدة، بل هي امتداد لدعاوى المنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم الذين كانوا يشكون في مصادر الدين، وفي مصداقية الدين، بل كانوا يشكون أيضاً في عز الإسلام ونصره، وكانوا يشككون بالنبي صلى الله عليه وسلم ويسخرون منه وبالمؤمنين، لكن تختلف المصطلحات وتختلف الشعارات من عصر إلى عصر، فكثير من أصحاب الاتجاهات العقلانية والنزعات العلمانية والليبرالية وغيرهم في هذا العصر يثيرون قضايا كبرى على عقيدة السلف، ومنها ما تفضلت به: من أن كثيراً من عقيدة السلف كانت نتيجة صراعات وردود أفعال وانطباعات عن أحداث تاريخية ونحو ذلك، وهذه كلها دعاوى عارية من الصحة، ولا تصمد أمام البحث العلمي الصحيح لعدة اعتبارات: أولاً: عقيدة السلف ليست من صنع أحد منهم ولا من غيرهم، عقيدة السلف إنما هي امتداد للوحي المعصوم من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وسبيل المؤمنين الذين ضمن الله لهم بقاء الإجماع: (لا تجتمع أُمتي على ضلالة) ولعل مثل هذا يتضح بالأمثلة على وجه سريع. فمثلاً: اعتبر العقلانيون ما قرره السلف من حقوق الصحابة ومراتبهم وآل البيت وحقوقهم من الإضافات، ثم اعتبروا اعتقاد شرعية خلافة معاوية رضي الله عنه من الإضافات، وهذا نوع من الخنوع والخضوع والعمالة للسلاطين، ثم اعتبروا أيضاً شرعية خلافة بني أمية، وأيضاً بني العباس بعدهم من جهة السمع والطاعة لهم بالمعروف اعتبروا هذه الأمور من الإضافات، واعتبروها أيضاً نوعاً من الخنوع وما يسمى بالمجاملة أو المداهنة أحياناً للسلاطين، ثم أضافوا أيضاً أشياء في صميم العقيدة، فزعموا مثلاً: أن ما وقفه السلف في منهجهم تجاه المخالف وتجاه البدع والأهواء أنه نوع من ردود أفعال، وأنهم أضافوه إلى الدين وليس من الدين، في حين أنه من ثوابت الدين، كذلك على سبيل التمثيل في المسائل العقدية: زعموا أن القول بأن القرآن كلام الله منزّل غير مخلوق من الإضافات، وزعموا أيضاً أن ما نسميه بالتزام منهج السلف واحترام سبيل المؤمنين أنه نوع من الإضافات، والسنة والجماعة التي هي مسمى أهل الحق الذين بقوا على أصل الدين، زعموا أن هذه من الإضافات وهكذا. المقدم: يبدو أن هناك إشكالاً عندهم ما بين التفصيل في هذه المسائل والتعمق فيها، ورد الشبهات على المخالفين، وبين أصل المسألة، وأن هذه المسألة أصلاً نابعة من قول الله تعالى أو من قول النبي عليه الصلاة والسلام؟ الشيخ: على أي حال هي إشكالات متعددة، قد يكون ما ذكرته، وقد تكون هذه الأمور نوعاً من الهروب من التزام الحق الذي لا محيد عنه، وأيضاً هو أسلوب الانتقائية الذي يزعمون أنهم يعيبون خصومهم عليه، فالانتقائية في اختيار الجوانب ملبسة على اعتبار أنها منهج السلف، مع أن هذه الجوانب في حقيقتها ليست ملبسة، لكن هم يجهلون أصول تقرير الحق، فلعل المنزع الأساسي عندهم يأتي من جهتين: النزعة الأولى: من جهة الجهل وهو الغالب، فهم عندما يقرءون يجدون مثلاً: أن السلف ما تكلموا بأن القرآن كلام الله منزّل غير مخلوق إلا في القرن الثاني والثالث، وظنوا أن هذه إضافة وهي ليست إضافة، بل هي تقرير لحق موجود في الكتاب والسنة (قواطع النصوص)، وإنما جاء الكلام فيه وظهر عندما ظهر المعارض. وأيضاً عندما تكلموا في شرعية خلافة

وجه إدخال مسألة المسح على الخفين في العقيدة

وجه إدخال مسألة المسح على الخفين في العقيدة المقدم: لكن قد يقولون: إن هناك مسائل فقهية ليس لها اتصال بالعقيدة، أدخلت في العقيدة وتُدرس في كتب العقيدة، والمؤلفون يتحدثون عنها، مثلاً: مسألة المسح على الخفين مسألة فقهية، ومع ذلك أُدرجت في مسائل العقيدة، هل هذا يُعتبر من الإضافات في العقيدة؟ الشيخ: هذا أيضاً يُعتبر من جهلهم في التأصيل، والسلف عندما يدرجون قضية من قضايا الفقه في العقيدة إنما هو نتيجة ضرورة حماية الأدلة والأحكام الضرورية، وإلا فباب المسح على الخفين هو كتب الأحكام، لكن لما وجدت فرق تمسح على الرجلين دون الجوربين وتُنكر المسح على الجوربين، في حين أنها ثبتت في أحاديث صحيحة، فمن هنا هؤلاء أنكروا أمراً قطعياً من الدين، وأي قطعي من الدين فهو من العقيدة، فلما كابرت بعض الفرق وأنكرت المسح على الخفين أدرجه السلف كنموذج لإثبات الثوابت من الأحكام التي خالفها المخالفون في كتب العقائد.

كيفية عرض الفقهاء لمسألة المسح على الخفين واختلافها عن عرض أهل العقيدة لها

كيفية عرض الفقهاء لمسألة المسح على الخفين واختلافها عن عرض أهل العقيدة لها المقدم: وهل يختلف عرض الفقهاء عن أهل العقيدة في هذه المسألة؟ الشيخ: قد يختلف، فالفقهاء يتكلمون عن الدليل واستنتاج الأحكام من الدليل، وصفة المسح ووقته وشروطه إلى آخره، لكن علماء العقيدة وهم أيضاً فقهاء أدرجوه في أبواب العقيدة؛ لإثبات أن هذا أصل من الأصول القطعية في الدين، بغض النظر عن تفاصيل أحكامه.

ضرورة تأصيل وتقرير الحق الذي يرد به الباطل في مسائل العقيدة

ضرورة تأصيل وتقرير الحق الذي يرد به الباطل في مسائل العقيدة المقدم: ألا يمكن أن تمر فترة على الأمة من حدث أو موقف أو مصيبة أو مشكلة عامة على الأمة، فيحتاج فيها الناس إلى تأصيل مسألة بعينها، حتى إنها تبرز على أن القول فيها هو قول أهل السنة، فمثلاً: مسألة خلق القرآن وقول الإمام أحمد فيها؟ الشيخ: على أي حال كلما جدد أهل الباطل أصلاً في باطلهم على نمط وعلى منهج لم يكن قد سبق الكلام فيه كان من الضروري تأصيل الحق في هذا الأمر، ورد الباطل على ضوء الكتاب والسنة، فمن هنا قد يحدث للناس مصطلح لم يكن شائعاً ولا مشهوراً، فكما تفضلت حين تطاول أهل الكلام والفلسفة على كلام الله عز وجل وأنكروه، ثم أنكروا أن يكون القرآن هو كلام الله، وهذا من الأصول القطعية في الدين، ولم يكن يتحدث عنه الناس في عهد الصحابة والتابعين إلا على جهة الإجمال، فلما تكلم فيه أهل البدع من المتكلمين وغيرهم والفلاسفة على النحو البدعي الذي ذكروه، وهو زعمهم أن القرآن مخلوق فهذه بدعة جديدة، حين حدثت اضطر السلف الذين جعلهم الله عز وجل حماة الدين أن يقرروا الحق الذي يرد هذا الباطل بمصطلح يتناسب مع دعواهم وطرحهم في الساحة، وهكذا وإلى يومنا هذا نحتاج في رد بعض الباطل الذي يقوله أهل الباطل إلى تأصيل وتقرير على ضوء قواعد الشرع، على ضوء العقيدة وأصولها وثوابتها، وعلى ضوء منهج السلف.

ضرورة إبراز عقيدة معينة وتأصيلها ومناقشتها وتوضيحها عند الحاجة إلى ذلك

ضرورة إبراز عقيدة معينة وتأصيلها ومناقشتها وتوضيحها عند الحاجة إلى ذلك المقدم: إذاً: قد تكون هناك فترة من الفترات أولوية أن تبرز عقيدة معينة وتؤصّل وتناقش دون غيرها من العقائد التي لا تثار عند المخالفين، مثلاً: ألا يكون هذا دليلاً على أن عقيدة السلف في أصلها لا تتأثر، إنما قد يكون هناك في فترة من الفترات تركيز على قضية معينة؛ لأجل إبرازها وتوضيح العقيدة الصحيحة للناس، ودرء قول المخالفين؟ الشيخ: هذا دليل على شمولية الدين وكماله، وأنه كلما أحدث الناس باطلاً أو بدعة أو شبهة وجدنا في مقتضى قطعيات النصوص وثوابت السلف ما ينفي هذا الباطل، فمثلاً: الكلام عن العلمانية كاتجاه معارض للدين كلام جديد، لكنه مبني على أصل من الكتاب والسنة، وعلى الحكم بما أنزل الله. فإذاً: كلما استجدت عند الناس مصطلحات ومفاهيم خاطئة لابد من رد هذه المصطلحات والمفاهيم على ضوء القواعد والقطعيات والمسلمات والثوابت، تبقى في هذه الأمور مسائل خلافية بجزئيتها، لكن نحن نتكلم عن الأصول والثوابت، فكلما أحدث الناس أمراً من الأمور يعارض أصلاً من الأصول والثوابت في الدين، فلا بد أن ينبري من أهل الحق، من يدافع عن الحق ويقرر الحق في هذه المسألة على ضوء ما قاله السلف إلى قيام الساعة.

الرد على دعوى أن السلف يتساهلون في تكفير المخالفين

الرد على دعوى أن السلف يتساهلون في تكفير المخالفين المقدم: أيضاً هناك دعوى أخرى نسمعها بين الحين والآخر، والتي تُنسب لمذهب أهل السنة والجماعة ومنهج السلف بصفة عامة، يقولون: إن السلف يتساهلون في تكفير المخالفين. يعني: أي مخالف يخرج عن قولهم برأي معين يُخرجونه من الملة، هل هذه الدعوى صحيحة؟ الشيخ: على أي حال هذه دعوى عريضة وكبيرة، وتثار اليوم على نحو غريب ومريب، وقد أثيرت تقريباً في العصور المتأخرة مع نشأة دعوة الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فقد اتهمت هذه الدعوة وإلى يومنا هذا بأنها تقوم على التكفير، وهذا باطل، وهذه مسألة كبيرة جداً، لكن لعلي أُذكّر ببعض أصولها لنعرّي هذه الدعوى الكاذبة والبهتان على السلف من أنهم يكفّرون، فالسلف لا يكفّرون بمعنى التكفير المذموم، لكنهم يقولون حكم الله عز وجل. فمن هنا أُذكّر ببعض الأصول بإيجاز: أولاً: التكفير حكم من أحكام الله عز وجل، ليس إلى البشر، وأحكام الله عز وجل منها القطعي ومنها الاجتهادي الذي يرجع إلى اجتهادات العلماء، ومن القطعيات في التكفير: أن الله عز وجل كفّر أهل الكفر الخالص، أهل الكتاب حينما كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم وغيّروا وبدّلوا، ثم المشركين من باب أولى، وأهل النفاق الخالص، وأهل الردة، والملاحدة، وكل من لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فهو كافر بحكم الله، ولم يكن هذا نتيجة صراعات أو ردود أفعال إنما هو حكم الله الثابت، فمن كفّره الله وكفّره رسوله صلى الله عليه وسلم نكفّره إما بعينه وإما بنوعه، العين مثل: تكفير الله لفرعون وأبي جهل وصناديد قريش الذين ورد ذكرهم بأسمائهم، فهؤلاء لا بد أن نكفّرهم بأعيانهم؛ لأن الله كفّرهم، كذلك الأنواع التي كُفّرت: أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، والمشركين، والملاحدة إلى غير ذلك. إذاًَ: التكفير حكم قطعي لا خيار لنا فيه، ولم يأت به السلف من عند أنفسهم.

حكم تكفير المعين والحكم عليه بالنار

حكم تكفير المعين والحكم عليه بالنار المقدم: من يأتي ويقول: لا يُحكم على النصراني إذا مات أنه كافر من أهل النار؟ الشيخ: هذا في الحقيقة فيه تلبيس وخلط، فنحن لم نُتعبد بالكلام عن المعين مُطلقاً، لكن حكم الله نقوله، فأي إنسان يموت على غير شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، أو يموت على ناقض للشهادتين، بما في ذلك اليهودي والنصراني فالأصل فيه أنه كافر خالص من أهل النار مخلّد، نقول: هذا الأصل، لكن عندما نتحدث عن المعين لا نتألى على الله، ولا ندري عن فرد ما من الأفراد على أي حال مات، يبدّل الله من الأحوال ما يشاء، فمن هنا الكلام على المعيّن بعينه بالجزم سواء من أهل القبلة وهو الأخص -يعني من المسلمين- بكفره وبجنة أو نار، أو الجزم على معين حتى لو لم يكن مسلماً، يكون الحديث في هذه المسألة نوعاً من الإثم والبدعة؛ لأننا لم نُتعبد به، لكن بالإجمال نُطلق ما أطلقه الله، ونحكم بما حكم الله به. إذاً: الأصل فيمن لم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله أنه كافر، وهذا حكم الله وليس من عندنا، والسلف حينما أطلقوا هذه الإطلاقات إنما حكموا بحكم الله، لكن الإشكال في أهل القبلة، فيمن الأصل فيه أنه مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهذا هو الذي تكفيره بعينه يحتاط فيه السلف، ولم أر أكثر احتياطاً من سلف الأمة وعلمائها من تكفير المعين، سواء كان فئة أو جماعة أو فرقة أو شخصاً إلى يومنا هذا، إنما الذين يجازفون في التكفير هم بعض أهل الغلو والجهلة من المسلمين، ومن الذين أحياناً قد ينتسبون للسنة والجماعة، وهذه تجاوزات ليست على المنهج. أيضاً هناك مسألة مهمة: فرق بين الحكم بالكفر والردة على عمل معين وقول واعتقاد، وبين من يفعل ويقول ويعتقد. أعني: أن كثيراً من الأحكام قال فيها السلف: إنها كفر، مثل: سب الرسول صلى الله عليه وسلم، مثل: سب المؤمنين والاستهزاء بالمؤمنين وبالدين، ومثل: ترك الصلاة، وإن كان ترك الصلاة فيه نصوص قطعية، قد يكون لا يصلح مثالاً للخلاف عليه، مثل أيضاً: الكلام في بعض المعاصي التي هي كفريات، أو حتى ارتكاب كفريات خالصة مثل: مظاهرة المشركين، فمثل هذه الأمور يجب أن نفرِّق بين الفعل وبين الفاعل، فالسلف كانوا في الأمور التي يظهر أنها كفر بوضوح سواء كانت اعتقادات أو أقوالاً أو أفعالاً أو أحوالاً يقولون: إنها كفر إذا تثبّتوا منها وتبين لهم الحال، لكنهم لا يكفّرون المعيّن الفاعل، حتى وإن فعل كفراً صريحاً بواحاً لا يتسرعون بتكفيره حتى تنطبق عليه الشروط وتنتفي الموانع، وهذه معضلة، فبعض الشباب الغيور المتدين اليوم جنحوا إلى التكفير، ووقعوا في مسالك الغلو ومسالك استباحة الدماء والإخلال بالأمن، فهؤلاء أُتوا من حيث أنهم لم يفرقوا بين الحكم على فعل معين أو قول وبين المُعيّن، ولم يتركوا الأمر لأهله كما أمر الله عز وجل وهم العلماء، أولاً: العلماء لا بد أن يتثبتوا من كل قول أو فعل. الأمر الثاني: لو ثبت كما هو حال كثير من المسلمين اليوم من فئة أو دولة أو جماعة أو فرقة أو شخص أنه وقع في أمر كفري خالص، فإنه لا يُكفّر حتى تنتفي الموانع وتتوافر الشروط.

بيان من يحق له التكفير

بيان من يحق له التكفير المقدم: من يحق له التكفير؟ الشيخ: العالم الراسخ الذي يستطيع أن يتبين ويتثبت، فالتكفير ليس في ذمة جميع الناس ولا أكثرهم، ولا حتى طلاب العلم ولا كثير من العلماء، فالتكفير أمر خطير هو حكم الله يجب ألا يقال حتى يثبت. وكثير من الأحوال الكفرية التي يقع فيها المسلمون لا يُكفّرون بأعيانهم؛ لأن الإكراه وارد، والتأول وارد، والاشتباه وارد، والجهل وارد، لا سيما في هذا العصر، فبعض المُكفّرة هداهم الله الذين يلومون العلماء في عدم الاستعجال في التكفير يقولون: الأمر بيّن ظاهر هذا كفر، نقول: حتى ولو كان كفراً، يقولون: هذا إنسان مجاهر نراه فعل وفعل، أو هذه الفرقة الفلانية تعمل الكفر الظاهر، نقول: ولو كانوا، فالحكم على المعين والأعيان يحتاج إلى شيء من التثبت؛ لأنه حكم الله، ثم يترتب على الحكم بالتكفير إجراء وحدود ليست إلى عامة الناس. فمن هنا ما دمت ذكرت وصف السلف بأنهم مُكفِّرة، وفي الحقيقة هذه جناية وبهتان، بل العجيب -وأنا أشرت إلى هذا في حلقة ماضية- أنه إذا تأملنا إلى كبار أئمة السلف وكبار العلماء إلى يومنا هذا نجدهم أشد تهيباً في التكفير ممن دونهم من العلماء وطلاب العلم.

الرد على العقلانيين والعلمانيين في اتهامهم السلف والعلماء بأنهم أصل التكفير

الرد على العقلانيين والعلمانيين في اتهامهم السلف والعلماء بأنهم أصل التكفير المقدم: نجد أن مسألة التكفير قد يكون فيها شيء من النسبية، فهناك غلاة يكفّرون المعين بالشبهة أحياناً، يتساهلون في هذا الأمر، وهناك أهل إرجاء لا يرون التكفير أصلاً، خاصة تكفير أهل القبلة ونحو ذلك لا جملة ولا تفصيلاً، لذلك السلف حين يقررون هذه المسألة ويقولون: يُكفَّر المعين إذا توافرت فيه الشروط وانتفت الموانع. والتكفير هو خاص لأهل العلم، تجد أن أولئك الذين لا يكفرون يقولون: أنتم تكفرون بهذا الاعتبار، هل هذا الاعتبار مبني على أصول شرعية، أم أن هذا الاعتبار الذي اتهموا به السلف هو من اجتهادات السلف المحض؟ الشيخ: على أي حال بهذه التوجهات المتضادة يتبين الحق والاعتدال، وما أرجفت به الاتجاهات العقلانية وبعض العلمانيين وبعض الليبراليين من اتهام المشايخ والعلماء والمتدينين بأنهم أصل التكفير، وأن منهج السلف وأئمة الدعوة المعاصرة أو دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي يسمونها الوهابية أنها هي أصل التكفير هذا بهتان، وعري عن أي دليل ولا حتى شبهة؛ لأنهم حينما يرون تكفير الكافر الذي كفّره الله يزعمون أن هذا ينسحب على بقية الخلق، وهذا جهل منهم أو تجاهل. وحقيقة أن منهج أهل السنة والجماعة هو المنهج الحق الذي به يُعالج التكفير في مثل هذا العصر، فلو أن أصحاب هذه الاتجاهات بدل ما يضربون الأمة بعضها ببعض، ويلصقون التهم على العلماء في أنهم يكفّرون، لو أنهم انتزعوا الأحكام من عند العلماء في هذا التكفير ونشروها لقاموا بجهد عظيم، وأراحوا الأمة من مثل هذه الدوامة التي بها يكون الاتهام الجزاف. أكرر مرة أخرى لخطورة الأمر: إن اتهام منهج السلف وعلماء السلف، وعلمائنا اليوم، ومناهجنا، وما نقوم عليه من أصول الحق التي ندرسها وندرّسها أجيالنا بأنها هي أصل التكفير هذا بهتان عظيم، والواقع خلاف ذلك، ولو أخذ الأمر بالتجرد والموضوعية والتقصي بالأرقام والإحصائيات لوجدوا أنهم بعيدون عن الحقيقة، وأن المنهج المعتدل هو منهج السلف التي تقوم عليه بلادنا بحمد الله، وتقوم عليه مناهجنا، وأنها هي العلاج للتكفير في العالم لو طُّبقت على الوجه الصحيح.

موقف السلف من أهل البيت

موقف السلف من أهل البيت المقدم: أيضاً من الدعاوى التي تُسمع أحياناً وصف السلف بالناصبة، لذلك نود أن نتعرف على الموقف الصحيح للسلف من أهل البيت رضوان الله عليهم، بالمقابل نريد أن نعرف أصل هذه الدعوى: هل أهل السنة والجماعة والسلف الصالح يُناصبون العداء لأهل البيت؟ الشيخ: على أي حال هذه الدعوى قديمة وجديدة إلى الآن تقال، ولما ظهرت طائفة من الأمة وفارقت الجماعة تغلو في آل البيت وتنزع إلى تقديسهم، وهي سمة موروثة من بعض الأمم القديمة، فالإسلام قام على أمم تحمل كثيراً من الاعتقادات والتقاليد الموروثة، ومن ضمنها بعض الدول الشرقية، مثل: دولة فارس وما حولها، كانت تحمل من ضمن عقائدها تقديس الملوك وتقديس علماء الدين، وتقديس أسر معينة، ويرون أنها تجري فيهم دماء القداسة والإلهية ووراثة النور والنبوة هكذا زعموا فلما انتقلت هذه الأمم إلى الإسلام عن جهل، وُجِدَ من صُنّاع الافتراق مثل: ابن سبأ من بذر بذرة تقديس طائفة من المسلمين؛ لتكون مناسبة للموروث الفارسي المجوسي، فبذر نزعة تقديس آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فمن هنا ظهرت طائفة تغلو في آل البيت بدرجات، منهم من يصل إلى حد الغلو الخفيف الذي هو تفضيل آل البيت على بقية الصحابة، وأعني: أئمة آل البيت على أبي بكر وعمر، مع أن لهم شيئاً من الفضل، لكن ليس فضلاً مطلقاً. وطائفة أخرى صارت تسب بعض الصحابة من أجل ترسيخ تقديس آل البيت. وطائفة ثالثة صارت تقدسهم إلى حد أنها تعتقد لهم بعض خصائص الربوبية أو كل خصائص الربوبية، فقد زعموا أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلههم وربهم في ذلك الوقت، وحرّقهم بالنار، لكن بقيت لهم أسلاف، ولكل قوم وارث، ولذلك لما حرقهم بالنار قالوا: لا يحرق بالنار إلا رب النار. فالمهم هنا نشأت نزعة القديس، وجعلت من لم يسلك مسلك التقديس لآل البيت عدواً لهم، وهذه النزعة متطرفة أحدثت أقوالاً متطرفة كما هو معلوم، فالسلف رحمهم الله ابتداء من الصحابة حفظوا حقوق آل البيت التي أمر الله بها وأمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يزالون يحفظون لهم حقوقهم ويقدرونهم، وإن كان قد يوجد شيء من التقصير في الممارسات هذا أمر آخر؛ لأن بعض أهل الأهواء يستغل وجود بعض الجفاء ممن ينتسبون إلى السنة والجماعة مع آل البيت وعدم اعتبار قدرهم، وهذا الجفاء قد يكون أيضاً نتيجة رد فعل غير مباشر، لكن ليس منهجاً ولا ديناً، فالدين الذي ندين الله به أن لآل البيت حقاً خاصاً؛ ولذلك نصلي عليهم مع النبي صلى الله عليه وسلم دون بقية الصحابة، ونقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وهذه من واجبات الصلاة عندنا، ونكررها خمس مرات في اليوم وأكثر، والسلف حفظوا لآل البيت حقوقهم، ويقررون هذا في كتبهم، فلو جاء مدع وقال: أنتم لا تفعلون، فتشهد لنا كتبنا -كتب السلف- إلى يومنا هذا، فما من كتاب شامل في العقيدة إلا ويؤسس حقوق آل البيت.

رد افتراءات الرافضة على الصحابة وأهل السنة

رد افتراءات الرافضة على الصحابة وأهل السنة المقدم: لكن هناك يا شيخ روايات يعتمدون عليها أن عمر رضي الله عنه أو بعض الصحابة اقتحموا على علي رضي الله عنه البيت، ولطموا فاطمة وأسقطوا جنينها كما يقولون، وحرّقوا الباب ونحو ذلك، هل هذه الدعاوى وهذه الافتراءات لها وجه من الصحة؟ الشيخ: كل ما يقولونه ليس بصحيح، وقد تكون بعض القصص صحيحة، بمعنى أنه يوجد شيء مما نسميه المواقف الشرعية تجاه بعض المسائل التي اختلف فيها أفراد من آل البيت مع أفراد من الصحابة، بناء على فهمهم للدليل، فهذا وجد في عهد أبي بكر وعهد عمر، لكن هذا لم يؤد إلى الإساءة إلى آل البيت أبداً، بل كانوا يرعون لهم حقوقهم، والأمر الآخر أن آل البيت أنفسهم لم يكن لهم دين يعتقدون به أن الصحابة وقعوا في مثل ما قاله هؤلاء أصحاب البهتان. إذاً: الحكايات أصلها كذب ومخترعة، وقد يوجد لبعض المسائل أساس ليس على الوجه الذي ذكروه، إنما خلافات تحدث بين البشر، كما وقع الخلاف بين فاطمة رضي الله عنها وبين بعض الصحابة حول الإرث، والصحابة ذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يورث، وليس له ميراث دنيوي، فكان هناك اختلاف، وهذا الاختلاف لم يصل إلى حد أن يكون في القلوب شيء، وبقي الأمر على هذا إلى يومنا هذا، فالصحابة رضي الله عنهم رعوا لآل البيت حقوقهم، ولزوجات النبي صلى الله عليه وسلم حقوقهن، كما رعوا لبقية الأمة حقوقها، وكل أعطوه حقه. بهذا يتضح أن الولاء الحقيقي لآل البيت هو الذي عليه أهل السنة والجماعة؛ لأنه هو الذي يقوم على تطبيق وصايا النبي صلى الله عليه وسلم دون تقصير ولا غلو، أما التجاوزات وأما ممارسات الأفراد، وما يحدث من بعض المنتسبين للسنة من أخطاء أو ممارسات شخصية فهذا أمر لا يُحمل على المنهج، وما نؤكد عليه دائماً أن أصحاب هذه الشبهات ينتقون انتقاء، فيضعون الأخطاء ويضخّمونها، أخطاء أفراد أو حتى زلات علماء ويجعلونها أصلاً ويحكمون على منهجنا بها، ولو أنصفوا ودرسوا الأمور بموضوعية لوجدوا أننا ننفي هذه الأخطاء قبل أن ينفوها هم.

الرد على من وصف السلف ومنهجهم بالظلامية وغيرها من الأوصاف

الرد على من وصف السلف ومنهجهم بالظلامية وغيرها من الأوصاف المقدم: هناك بعض المصطلحات يوصف السلف وتراث السلف بها، فبما أننا نتكلم عن العقلانية هناك نموذج عندي الآن في بعض الصحف التي انتشرت بعنوان: التنوير صراع ضد التخلف، يقول الكاتب: لن يرضى التنوير بالانسياق إلى غياهب الظلامية التقليدية، ثم يقول: الحالة العربية خصوصاً والإسلامية عموماً حالة ظلامية. فادعاؤه بأن الحالة الإسلامية وأن دين الإسلام دين ظلامي، هل هذه الدعاوى صحيحة؟ الشيخ: مع الأسف أصبحت هذه الشعارات الآن مرتكزاً لأصحابها؛ لزعزعة العقيدة في قلوب أجيالنا، ولمسخ العقول وحرفها عن مسارها الفطري والشرعي الصحيح، فوصف الكتاب والسنة وتراث السلف ومنهج السلف، ووصف حياة الأمة المزهرة الزاهرة القديمة بالظلامية هذا مبني على عدة اعتبارات، وكلها مبنية على الباطل: الاعتبار الأول: أن هذا وصف جاء من قبل مستشرقين وهم الذين يقيسون النور والظلام بالتقدم المادي البحت، وبحالهم الغربية التي كانوا عليها، وإلا لو وضعنا على مقاييسهم الحكم على التاريخ لوجدنا أن عصر التنور والنور هو عصر الإسلام، وهو الذي دفع البشرية بما فيها أوروبا إلى التقدم والمدنية والحضارة، وإلى العلوم التجريبية، ومع ذلك يأبون إلى أن يصفوا التاريخ الإسلامي أو تطبيقات الشرع في التاريخ الماضي بأنها ظلامية، بناء على هذا المنطلق، وهم يعتبرون أي معوِّق لنظرياتهم ولجاهلياتهم ظلام، فيأخذون الأمر بالعكس، ولذلك لو أخذنا مصطلحاتهم هذه مثل: الظلامية ومثل: الموروث، ويقصدون به كل ما ورث من الأمة حق وباطل، والإقصائية، وثقافة الكراهية ونحو ذلك من العبارات لو قلبناها عليهم لأصبحت تحمل المعاني الصحيحة، وهذه قاعدة عظيمة في كل ما يستشهدون به من وقائع التاريخ علينا أهل السنة والجماعة، أو من الأدلة الشرعية، أو من حتى المصطلحات إذا قلبناها عليهم أصبحت تحمل المضامين الصحيحة. فالعصور الظلامية في أوروبا هي عصور النور عند العرب وعند المسلمين إلى يومنا هذا، ولا تزال الأمة تعيش النور ما دام هذا القرآن وهدي النبي صلى الله عليه وسلم بين يديها، وما دامت طائفة من الأمة على الحق ظاهرين، حتى لو لم يكن لهم كيان على المقاييس المادية كما يقول هؤلاء، ومع ذلك هذا هو النور، وامتداد منهج السلف هو النور، والظلامية هي أفكارهم وطروحاتهم.

الرد على من يتهم الإسلام بتكريس ثقافة الكراهية

الرد على من يتهم الإسلام بتكريس ثقافة الكراهية المقدم: كذلك لنأتي لنطبق هذا الأمر على الواقع، فهنا يقول أحد الكتاب: ثقافة الكراهية والموقف من الآخر -وهذا في الصحف اليومية التي تصدر عندنا- وكان يتكلم عن السلوك العدوانية، ثم يقول: لذلك نجد أن المجال الإسلامي المعاصر يعيش هذه المحنة في صور ومستويات متعددة إلى نهاية الكلام. فهل الإسلام عندما يتحدث عن عقيدة الولاء والبراء يكرّس ثقافة الكراهية التي ذكرها الكاتب؟ الشيخ: أولاً: دعنا نذكّر الإخوة المشاهدين بذريعة هؤلاء الذي يجعلون الأشياء وسيلة للاصطياد في الماء العكر، وهو أنه يوجد من بيننا مرضى القلوب أهل الغلو وأهل العنف الذين لا يسلكون المسلك الشرعي في التغيير، ولا المسلك الشرعي في معالجة مشكلات الأمة الذين يصادمون الحياة، والذين يستهدفون الأمن، والذين يخلّون بمقومات الحياة والضرورات الخمس التي أمر الله بها وجاء بها الإسلام، هذه الفئة تنتسب إلى المتدينين وتنتسب إلى الإسلام كله، لكنها فئة يخرجها الإسلام من المنهج الصحيح، فهم هؤلاء أصحاب الاتجاه الذين يصفون عملنا بالإقصائية، هؤلاء يأخذون مثل هذه التصرفات ويجعلونها أصلاً ويحكمون بها علينا. هذا أمر. الأمر الآخر: أن هؤلاء يستهدفون ثوابت لا نملك التنازل عنها، حينما يصفوننا بالإقصائية، أو أن عندنا ثقافة الكراهية، كثيراً ما يقصدون بهذا ثوابت الحق مثل: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهم يرون أن هذا نوع من الإقصائية ونوع من العدوانية ومن نشر ثقافة الكراهية، كذلك الولاء والبراء، فنحن ندين الله عز وجل بأن نوالي الحق وأهله، وأن نبرأ من الباطل وأهله بالمنهج الشرعي القويم، بالمنهج الشرعي الذي رسمه الإسلام، والذي ليس فيه عدوان ولا ظلم، لكن فيه إحقاق للحق وإبطال للباطل، فهم يعتبرون عقيدة الولاء للحق وأهله والبراء من الباطل وأهله يعتبرونه ثقافة كراهية، ويعتبرونها إقصائية. أيضاً الحكم على الناس من حيث حكم الله عليهم بأن هذا مسلم وكافر يرون هذا عدوانية وإقصائية وثقافة كراهية. فإذاً: هم حينما يقولون هذا يستهدفون ثوابت الحق التي يقوم عليها الإسلام، ويوهمون الأجيال بأن هذا من صنع أناس هم المتدينون الذين يمثلهم العلماء ويمثلهم أسلافهم السلف الصالح، وهذا نوع من التلبيس الذي ينبغي كشفه في مثل هذا العصر، إلا أنه في الحقيقة أصبح الآن زخماً منتناً في حياة الأمة عبر كثير من وسائل الإعلام.

موقف العلماء وطلبة العلم من التطرف الإعلامي

موقف العلماء وطلبة العلم من التطرف الإعلامي المقدم: هناك العديد يا شيخ من وسائل الإعلام والكثير من المقالات فلو ذهبت مثلاً إلى الإنترنت وبحثت في ثقافة الكراهية وغيرها تأتيك عدة مقالات بعضها من صحفنا اليومية، من المسئول عن هذا؟ وأين دور العلماء من هذا التطرف الموجود في وسائل الإعلام؟ الشيخ: على أي حال هذه في الحقيقة الآن تعتبر موجة عارمة تحتاج إلى شيء من الأناة وسعة الصدر، والواجب في هذا ليس فقط على العلماء الكبار؛ لأن العلماء الكبار بمثابة الأسس أو بمثابة الأركان الذين يحافظون على مقدرات الأمة الكبرى ومصالحها العظمى، ولا نتصور من العلماء الكبار أنهم كلهم سينزلون في ساحة المعارك الإعلامية. وأيضاً متابعة هذه الغوغائية بتفاصيلها، إنما هذا واجبي وواجبك وواجب طلاب العلم الآخرين، وذلك بأن نبصّر هؤلاء، وكثير منهم يجهلون ويقلدون، وكثير منهم ينتحلون شخصيات أخرى وراء الكواليس، وكثير منهم مدفوع، وكثير منهم أيضاً عنده غبش، وقد يكون منهم المبطل. فهؤلاء كلهم يحتاجون إلى شيء من المناصحة، ويحتاجون إلى شيء من إقامة الحجة، وشيء من تحصين الأجيال بأسلوب مكافئ، بعيداً عن الانفعالات وبعيداً عن التشنج؛ لأن التشنج الذي يسلكه بعض الغيورين لا يؤدي إلى نتيجة، بل يفرح به العدو ويستغله المخالف.

بيان أعظم سبب للغلو والتطرف في هذا العصر

بيان أعظم سبب للغلو والتطرف في هذا العصر المقدم: لكن أليس هذا الكلام من مسببات التشنج والدعوة إلى التكفير؟ الشيخ: بلى، فكل فعل له رد فعل، وهو في الحقيقة من الأشياء التي كثيراً ما أتحدث عنه مع أهل الاختصاص من زملائي الذين يعيشون التخصص، فنحن الآن عندنا قناعة تامة بأن هذا أعظم سبب للغلو والتطرف، وإن كانت أسبابه كثيرة. أعظم سبب للغلو والتطرف في هذا العصر هو الاتجاه المعاكس، وأنا أكاد أجزم أنه أعظم سبب لتغذية الغلو، والغلو عادة نَفَسُه قصير، لكن استمر الآن عقداً من الزمن؛ لأن هذه المغذيات تبرره، وليس هذا هو السبب الوحيد، بل الأسباب كثيرة، لكن أنا أعتقد جازماً أنه أعظم سبب، وعندي اليقينيات في هذا، وإن شاء الله هناك بعض البحوث تصدر في هذا. المقدم: في الحقيقة هذا الكلام خطير، وأنه من الاضطرارات الأمنية أن هذا تطرف، وكونك أحد كبار المتخصصين تقول: إن هذا هو أعظم سبب؟ الشيخ: نعم، عندي هذا السبب المباشر الذي يغذي ويتذرع به الغلاة إلى يومنا هذا، وإن كانت الأسباب كثيرة، ورجال الأمن يعرفون هذا، وكثير من المختصين يعرفون هذا، هناك أسباب كثيرة في الخارج والداخل، وكيد الكائدين، وحسد الحاسدين، وعمليات استخباراتية وغيره وغيره كثيرة، لكن الذريعة السطحية المباشرة التي تعتبر ممدة للغلو وتوجد التعاطف معه وتغذيه هي هذه النزعة نزعة التطرف المقابل، فكيف تتصور من شاب غيور على عقيدته ودينه يقرأ يومياً في الصحف تحطيماً لعقيدته ولثوابته بصورة مباشرة، بأقلام أناس من أبناء جلدتنا؟ هذا الشباب المتوثّب الغيور في سن مبكرة يستفزه هذا، ولا أستطيع أن أهدئ هذا الاستفزاز بمجرد كلام أقوله وهو يسمع ويقرأ ويرى، فأقول: نعم هذا سبب مباشر. المقدم: هذا أيضاً يسبب اتهام العلماء واتهام كبار الدولة بأنهم مثلاً يتواطئون مع مثل هذه الأفكار، هل تخطر هذه ببال هؤلاء الشباب؟ الشيخ: نعم، الذي ليس عنده إدراك لخلفيات الواقع، وليس عنده معرفة بجلب المصالح ودرء المفاسد قد يتهم بغير بينة، واتهام العلماء واتهام الدولة واتهام بعض المفكرين، واتهام حتى بعض الناس الذين لا يُعرفون بالتدين، لكنهم عقلاء وأصحاب رأي ومشورة، فاتهامهم هو جزء من عملية روافد الغلو، بمعنى أنه إذا رأى الشاب المتحمس الغيور مثل هذه الأمور يشعر بأن العالِم ساكت، وأن الحاكم ساكت، وأن هذا الرجل صاحب الرأي والمشورة ساكت، وما يدري أن هؤلاء يُعالجون ويشتغلون، لكن بأسلوب حكيم، وبأسلوب لا يدركه الصغير والمبتدئ والمتحمس الحماس الزائد عن الحد الشرعي، فمن هنا هذه أمور تشابكت وأوجدت مثل هذه الظواهر المزعجة، التي لم تكن مجرد ظواهر، بل أصبحت الآن في الحقيقة مدارس واتجاهات تحتاج في علاجها إلى أن تجتمع جهود جميع المصلحين من الدولة والعلماء وأصحاب الرأي والمشورة، وولاة الأمر ومن التربويين والإعلاميين وجميع طبقات المجتمع الذين يمثلون أهل الحل والعقد، لا بد الآن أن تتداعى جهودهم بشكل منظم ومرتب، كما تنادي الدولة وفقها الله، لعله يدرأ الكثير من الشر.

الرد على دعوى أن السلف يعدل بعضهم بعضا ويجرحون المخالفين

الرد على دعوى أن السلف يعدل بعضهم بعضاً ويجرحون المخالفين المقدم: أيضاً من الدعاوى التي يُتهم فيها السلف بأنهم يعدّلون بعضهم البعض ويجرّحون المخالفين؟ الشيخ: نعم، هذا في الحقيقة من القصور في فهم هؤلاء، فالسلف رحمهم الله أقرب الناس إلى العدل، وهذا طبيعي ما داموا أقرب الناس إلى الكتاب والسنة، وما داموا أبعد الناس عن الأهواء بجملتهم، فلا شك أنهم أقرب الناس إلى العدل؛ لكن نظراً لأن موازين السلف في تقويم الرجال موازين شرعية دقيقة، ولا يجاملون ولا يداهنون في حساب الدين، فإنهم حينما تكلموا في الرواة خاصة رواة الحديث، وتكلموا أيضاً في العلماء الذين يؤخذ عنهم العلم، وركّزوا على توافر شروط الثقة والعدالة، سواء لنقل الدين أو للأمانة العلمية التي يقوم بها القدوة، من هنا أيضاً بطبيعة الحال اعتبر السلف البدع قادحة شرعاً، وهي ليست من أهوائهم ولا من أمزجتهم، البدع قادحة، الفسق قادح، النفاق قادح، فمن الطبيعي أن السلف يتكلمون عن المجاهر ببدعته أنه لا تؤخذ روايته، وأن الداعية للبدعة كذلك لا تؤخذ روايته في الحديث؛ لأنه هو جرح نفسه ما جرحوه حينما دعا إلى الباطل وحينما أصر على البدعة ودعا إليها، هو نفسه الذي تلطخ بالسمة التي تخرجه من العدالة، فالسلف يعملون بموازين؛ لكن هؤلاء نظراً لأنهم يتعاطفون مع أهل الأهواء، وأهل السنة والجماعة يقدحون أهل الأهواء بقوادح شرعية، فهؤلاء لا يطيقون القدح في أسلافهم، في حين أنهم لما رأوا أن السلف يوثّقون العدول، والعدول هؤلاء مصدر الدين أزعجهم أن تكون العدالة على هذا النحو، وأن يكون التجريح على هذا النحو. إذاً: فالسلف في الحقيقة إنما يعملون بالموازين الشرعية في تعديل الرجال وتقويمهم، ولا شك أنهم يحذّرون من البدع والابتداع وأهل البدع، ويرون البدع جارحة، فأهل الأهواء إلى يومنا هذا يتعاطفون مع المجروحين، بل مع الكذّابين والوضّاعين، ولو كانت عندنا سعة من الوقت فإن معي بعض النقول فيها أن الكثير من معاصرين العقلانيين يمجدون الوضّاعين الكذّابين، ويرون أنهم دعاة حرية، ويمجدون كثيراً من روس البدع الكبار، وحتى الذين لم يكونوا كذّابين، لكنهم أيضاً دعاة فتنة، مثل: غيلان الدمشقي، والجعد بن درهم، والجهم بن صفوان، هؤلاء يعتبرونهم من المظلومين حينما جرحهم السلف، بينما هم دعاة بدعة ودعاة ضلالة، فهم الذين فرقوا الأمة، فمن هنا هؤلاء الذين يزعمون هذه المزاعم موازينهم مختلة، فلا يعرفون معنى العدالة شرعاً، ولا معنى التجريح شرعاً فيجرّحون العدول ويعدّلون المجروحين.

منهج السلف في تعديل الرجال

منهج السلف في تعديل الرجال المقدم: أهل السنة عدلوا حتى مع الشخص الذي اتُهم بتهمة معينة أو قدح معين، وذلك بأنهم أخذوا من بعض رواياته دون بعض؟ الشيخ: نعم، من عرفوا صدقه، أو الذي لا يستبيح الكذب كالخوارج يروون عنهم في غير بدعتهم، كذلك غير دعاة البدعة، يعني: كثيراً من رواة أهل السنة مرجئة، لكنهم ليسوا دعاة بدعة، كثيراً ممن لمزوا بالقدر ليسوا دعاة بدعة، والسلف يقومونهم ويعدلونهم على ضوء القواعد المرعية في تعديل الرجال، ويروون عنهم. المقدم: أيضاً مسألة اتهام أن السلف يعدل بعضهم البعض، هل هذا واقع؟ يعني: هل هناك ممن كان على منهج أهل السنة والجماعة اتهم بجرح معين أو نحو ذلك؟ الشيخ: السلف لا يجاملون، قد يقولون في بعض السلف الصالحين: هذا رجل صالح، لكن مثلاً فيه غفلة، فيطعنون في روايته بسبب غفلته، أو يكون مثلاً متساهلاً في الرواية، فهذه خصائص البشر، فالذي عنده تساهل أو عنده غفلة أو هناك قادح في روايته وإن كان من المنتسبين للسنة والجماعة ومن الفضلاء، وأحياناً من العبّاد فالسلف لا يجاملونهم، فقد ردوا كثيراً من روايات العباد وبعض الصالحين. لأن الموازين عند السلف واحدة لا تختلف ما بين منتسب للسلف وغيره، من اختل عنده شرط في الرواية، فإنهم لا يأخذون بروايته. المقدم: شكراً جزيلاً على ما طرحت، ونحن نعلم أنك مُتعب ومرهق، لكن نسأل الله عز وجل لك الشفاء العاجل، ولا بأس طهور إن شاء الله. نتقدم بالشكر الجزيل للأستاذ الدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

خطر السحر والشعوذة على الأسرة

خطر السحر والشعوذة على الأسرة للسحر والشعوذة آثار خطيرة على الفرد والأسرة والمجتمع، ومع ذلك فقد ابتلي كثير من الناس بالذهاب إلى السحرة والمشعوذين يطلبون الشفاء منهم، وما علموا أنهم يزيدونهم مرضاً إلى مرضهم، ويجعلونهم يتعلقون بهم من دون الله تعالى، فمن ذهب إليهم فلا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع، خسر دينه ودنياه، فيجب على المسلم أن يبتعد عنهم، وذلك باتخاذ الأسباب الشرعية في دفع السحر والعين قبل الوقوع، والعلاج بالرقية الشرعية بعد الوقوع.

التعريف بالسحر والشعوذة

التعريف بالسحر والشعوذة الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فإن من أخطر الأمراض التي أصابت مجتمعنا في الآونة الأخيرة الأمراض التي تنتج عن السحر والشعوذة والعين، فهذه الأمراض من السحر والشعوذة وما ألحقته بالمسلمين مجتمعات وأفراد وأسر من أضرار إنما هي أعراض لأمراض كبرى وخطيرة هي أمراض القلوب والنفوس كما سيأتي بيانه. وفي بدء الكلام عن هذا الموضوع الخطير يحسن التعريف بالسحر والشعوذة. السحر: عمل خفي يؤثر على الإنسان إما في عقله أو بدنه أو قلبه أو نفسه أو في بعضها أو جميعها، ويتم بعقد وبغير عقد، وبطلاسم وبأمور أحياناً تكون محسوسة وظاهرة، وأحياناً تكون خفية، وأغلب السحر من عمل الشياطين من شياطين الإنس والجن. وكذلك الشعوذة: هي نمط من أنماط السحر، وأعمال يعملها الدجال أو الممخرق يخفى سببها على الناس، لكنها أمور معلومة عند أهلها الذين يتناولونها، سواء كانت هذه الأمور معنوية أو حسية، والشعوذة كذلك من عمل الشياطين، ونلاحظ في الآونة الأخيرة كثرة ما ابتلي به الناس في هذا العصر من غوائل السحر والعين والشعوذة من الأمراض النفسية والأوهام والقلق والهموم والغموم، نسأل الله العافية، وما ينتج عن ذلك من الحزن وضيق الصدر والخوف والهلع، ثم ما نتج عن هذا أيضاً من آثار ظاهرة على الأسرة المسلمة والمجتمع من فساد ذات البين وتفكك الأسر، وما ينتج عن ذلك من خلافات بين الزوجين تصل إلى الخصام، ومن خلافات بين الأقارب: بين الآباء والأبناء، وبين الإخوة وبين الأقارب من الأعمام والأخوال وغيرهم والأرحام والجيران، وانفصام عرى الوشائج والقربى بين الناس، بل كثرة آثار السحر والشعوذة في الناس أدى إلى كثرة الخصام وتعقد المشكلات التي أتعبت الناس، وأتعبت الجهات الأمنية والقضاء، وصارت من أعقد المشكلات التي أوقعت في الناس الكثير من الكوارث والأضرار الجسيمة، التي تؤدي أحياناً إلى إزهاق النفوس، وإلى إلحاق الأضرار البالغة، وانتشار الفساد في العقائد والأخلاق وشيوع الفواحش والفساد الأخلاقي؛ بسبب انفصام الأسر، ونحن نعلم جميعاً أن من أبرز أسباب الانحراف الخلقي بين ناشئة المسلمين: هو الانفصام في الأسر من افتراق الأب والأم (الزوجين) أو الأقارب بعضهم عن بعض مما يؤدي إلى تفلت الشباب والأبناء، وعدم وجود من يرعاهم في هذا الجو الذي كثرت فيه العوارض والقواطع والجوارف التي تجرف الناس عن الفطرة السليمة، وعن العقيدة الصحيحة، وعن الفضيلة.

أسباب الوقوع في آثار السحر والشعوذة

أسباب الوقوع في آثار السحر والشعوذة

الغفلة عن ذكر الله

الغفلة عن ذكر الله إن ظهور أعراض السحر والشعوذة ما هو إلا سبب لعرض رئيس وسبب لمرض أكبر من ذلك وهو كثرة المعاصي في الناس اليوم، وإعراض الناس عن دين الله عز وجل وشرعه، والغفلة عن ذكر الله وعن شكره، والله عز وجل ذكر لنا ذلك لو كان هناك من متدبر، فقال عز وجل: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7]. وقال سبحانه: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه:124]. فهذه الأمور ما هي إلا نوع من أنواع المعيشة الضنك، لما أعرض الناس عن ذكر الله عز وجل ولم يشكروا نعمه، ولما غفلوا عن الأسباب الشرعية التي سيأتي ذكر شيء منها قست قلوبهم، وفسدت أعمالهم وقل توكلهم على الله عز وجل، وارتبطت قلوبهم بالأسباب، وضعفت هممهم في العبادة والطاعة؛ فهيمنت عليهم الشياطين والأوهام، ووكلهم الله إلى غيره حينما أعرضوا عنه، كما قال سبحانه: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف:36]، وكما تعلمون أن السحر والشعوذة والعين والمصائب من عمل الشيطان، وما ذلك إلا لإعراض الناس عن ذكر الله. وقال عز وجل: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى:30]، أي من الإعراض عن ذكر، والإعراض عما أوجب الله، والوقوع فيما نهى الله من المعاصي والفواحش وغير ذلك من الأمور التي توقع الناس في مثل هذه الغوائل، بل السحر والشعوذة والعين وما ينتج عن ذلك من أمراض نفسية وضيق الصدر ونحو ذلك كله لا يحصل إلا نتيجة للإعراض عن ذكر الله والغفلة عن ذلك. والإعراض عن الذكر والوقوع في المعاصي والآثام يضعف الإيمان، ويفسد القلوب، وإذا ضعف الإيمان وفسدت القلوب ضعف التوكل على الله، وإذا ضعف التوكل على الله تطلع الناس إلى الأسباب المادية، ووكلهم الله إليها وهي لا تنفعهم، بل تضرهم. ثم ينتج عن الإعراض عن دين الله عز وجل قلة التفقه في دين الله، فيجهل الناس الأحكام، فيقعون فيما لا يجوز عن تقصير وجهل، ولذلك نجد أكثر ما أوقع بعض المسلمين الذين بقيت عندهم بعض سمات الفطرة، أكثر ما يوقعهم في أعمال السحر والشعوذة الجهل بالأحكام الشرعية، وعدم فقه الأمور التي تتعلق بالرقية، وقبل ذلك بذل أسباب الحماية من الأوراد، ومتى تكون؟ وكيف تكون؟ والأسباب الشرعية الأخرى من إقامة الفرائض، والبعد عن المنكرات، وفعل الخيرات والصدقات، والإكثار من تلاوة القرآن ومن ذكر الله والاستغفار، كل هذه الأمور أكثر الناس يجهل أحكامها وآثارها الطيبة في النفوس، وربما أن أكثر المسلمين يعرفون أشياء كثيرة من المعارف العامة، لكنهم يجهلون أكثر ما يتعلق بدينهم وما يتعلق بعلاقتهم بربهم عز وجل، وإن عرفوا لم يعملوا، وعدم عملهم بما يعرفون يستوجب النسيان والغفلة، فقلة الفقه في دين الله والجهل بحدود الله وأحكام الشرع أوقع الكثير من المسلمين في مثل هذه الأمور، حتى صاروا ضحايا لغوائلها وآثارها المدمرة على الأسرة، ونتج عن ذلك ضعف التحصن بالأسباب الشرعية التي جعلها الله محصنات تحمي المسلم بإذن الله عز وجل. المحصنات الشرعية كثيرة: أولها: توحيد الله عز وجل من قلب واع، ومن عقل عارف بدين الله عز وجل، ثم ما يلزم منه من إقامة الفرائض والسنن وتلاوة القرآن وعمل الخيرات وعمل الصدقات، وعمل الورد اليومي الذي جعله الله عز وجل تحصيناً للمسلم في صباحه ومسائه. فضعف الإيمان في القلوب وقلة الفقه في الدين وضعف التحصن بالمحصنات الشرعية كل هذا جعل الشيطان يهيمن على الناس، وجعل المعاصي هي الأصل في أعمال كثير من المسلمين الآن، فجلب الناس المعاصي إلى أنفسهم وإلى بيوتهم، جلبوا وسائل الفساد والآثام في البيوت والأسواق، وجلبوا كل ما يحضر الشياطين ويطرد الملائكة في النفوس وفي البيوت وفي الأسواق وفي كل مكان، كالصور، وآلات اللهو، والمعازف، والأجراس، إضافة إلى قلة الذكر والشكر كما قلت، وقلة تلاوة القرآن، فكل ذلك مما جلب الآثام والفواحش وأفسد العقائد والأخلاق، وحصد الحسنات حصداً. إذاً: لقد صار الشيطان قريناً وضجيعاً لأكثر الناس؛ بسبب الغفلة عن ذكر الله، وجلب ما يضر من الآلات والوسائل، كل هذا ومثله مما تعرفونه لاشك أنه يهيئ النفوس والأبدان لأن تعبث بها الشياطين شياطين الجن والإنس، فمن هنا تكثر آثار السحر والشعوذة بين الناس اليوم.

أثر الشيطان الرجيم على الإنسان

أثر الشيطان الرجيم على الإنسان من هنا أحب أن أقف وقفة فيما ورد في القرآن والسنة من أثر الشيطان الرجيم على ابن آدم، وغفلة الناس اليوم عن هذه الحقيقة، يقول الله عز وجل عن الشيطان لعنه الله: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة:268] يعني: ييسر ويزين للإنسان الفحشاء، ثم ذكر وسائل الفحشاء فقال عز وجل: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [المائدة:91]، فالخمر والميسر هما أمهات الخبائث وغيرهما تبعاً لهما. وقال عز وجل: {وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور:21]. وقال سبحانه: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} [النمل:24]. وقال سبحانه: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ} [المجادلة:19]. وقال عز وجل: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف:36] أي: قرين يصاحبه ويخالطه ويشاركه في أكله وشربه ونومه كما ورد في السنة، فما بالكم بإنسان قرينه الشيطان وجليسه وضجيعه؟ لاشك أنه سيكون فريسة سهلة للسحر والسحرة والشعوذة والمشعوذين. وقال سبحانه عن الشيطان: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [الإسراء:64] يعني: أن الله عز وجل سلط الشيطان على بني آدم، وجعله من أسباب ضلالهم وشقائهم وعذابهم في الدنيا والآخرة، وجعل وسائل الشيطان من الأسباب الصارفة للناس عن الخير، والله عز وجل استثنى من هؤلاء عباده المخلصين، قال تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الإسراء:65] والمسلم لا يسلم من الشيطان بمجرد أن يتسمى بكونه مسلماً أو أن يقر بأنه مؤمن، بل لابد من الجهاد، وبذل الأسباب التي بها يسلم بإذن الله من غوائل الشيطان وجنوده، يقول النبي صلى الله عليه وسلم مخبراً عن أثر الشيطان في بني آدم، يقول: (يعقد الشيطان على قافية أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، فإذا قام وذكر الله انحلت عقدة، فإذا توضأ انحلت عقدة، فإذا صلى انحلت عقدة) ثم ذكر أنه يصبح سعيداً نشيطاً إلى آخر الحديث، فهذا الحديث الصحيح مخصص لعموم الآية، خصص النبي صلى الله عليه وسلم العموم بمن بذل الأسباب الشرعية، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً أن من قرأ آية الكرسي؛ فإن الله يحفظه من الشيطان. إذاً: الأصل في المسلم إذا لم يبذل الأسباب الشرعية من ذكر الله عز وجل وصلى وقام بما يجب، فإن الأصل أن الشيطان يصاحبه حتى في نومه ويعقد عليه هذه العقد الثلاث. ومن الأسباب الشرعية: قراءة آية الكرسي، وأيضاً: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]، والمعوذتين عند النوم، كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن هذه وغيرها تطرد الشيطان. وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً أن للشيطان جنوداً يعملون الفساد في الناس، وأن أحب هؤلاء الجنود للشيطان الذي يفرق بين الرجل وامرأته؛ لأن التفريق بين الرجل وامرأته، يعني: فساد الأسرة، الرجل والمرأة يلحق بهما أبناء وبنات وإخوة وأخوات وآباء وأمهات، فالشيطان أو الإنسان الذي يسلطه الشيطان إذا فرق بين الرجل وامرأته شتت أمر الأسرة، فتشتت في دينها ودنياها. وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الأسواق معركة الشيطان، ينصب بها رايته، كما رواه مسلم، فينبغي للمسلم ألا يغتر بنفسه، وألا يستهين بأمر الشيطان؛ فإنه مسلط عليه، بل إن الشيطان حاول في الأنبياء، لكن الله عصمهم منه، فلا يأخذ المسلم الغرور والجهل والكبر، فيقول: أنا مسلم، وأنا ملتزم، وأنا لا يمكن أن يقربني الشيطان، بل تقول: ينبغي للمرء إذا أراد أن يحمي نفسه من غوائل الشيطان وآثار ذلك أن يعمل الأسباب الشرعية، وقد تعرض إبليس لعنه الله لأبينا آدم وأخرجه من الجنة، وتعرض لإبراهيم، لكن الله كفاه إياه وأعاذه منه، وتعرض لموسى، وتعرض لعيسى، وتعرض لداود وسليمان، وتعرض لنبينا صلى الله عليه وسلم، لكن الله كفاه إياه، فالشيطان تعرض لأخلص أولياء الله وما عصمهم منه إلا ما أعطاهم الله عز وجل من الأسباب الشرعية، فلا يقول: أنا مسلم وأعرف أن الشيطان عدوي ثم يقعد دون بذل الأسباب التي تحميه من الشيطان وغوائله وإفساده، ولذلك ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح أن كل إنسان معه قرين، وهذا القرين هو الغالب إلا من عصم الله، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذا للصحابة، فقالوا: (وأنت يا رسول الله! قال: وأنا، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم)

جلساء السوء

جلساء السوء من الأمراض الشائعة في مجتمعنا اليوم، ومن أعظم ما يوقع الكثير من الناس في آثار السحر والشعوذة: جلساء السوء من الجنسين بين الرجال وبين النساء، خاصة الشباب والشابات، فإن دعاة السوء اليوم كثر، وأسباب السوء والدوافع إليه قوية وعنيفة تدفع الشباب إلى ذلك دفعاً. ولذلك نجد أن دعاة السوء اليوم استطاعوا أن يوغلوا في الأمة في إفساد شبابها وبناتها، إلى حد جعل المشكلة أكبر من أن تعالج بمجرد الجهود الفردية، ثم ما يستتبع ذلك من ظهور المسكرات والمخدرات ونحو ذلك والتدخين، فإنها غالباً طعمة سوء، من وقع فيها صار من حزب الشيطان إلا من عصم الله.

استقدام العمالة والخدم والخادمات

استقدام العمالة والخدم والخادمات من الأسباب الرئيسة لانتشار السحر والشعوذة في الناس: استقدام العمالة إما من كفار أو مسلمين جهلة الخدم والخادمات، هؤلاء غالباً يتسلحون بالسحر، ويكيدون الناس لأدنى سبب بالسحر. وهذه الظاهرة شاعت في مجتمعنا من خلال الخدم والعمالة لأسباب كثيرة، لعل من أهمها: كثرة ما يقع على الخدم من ظلم، فيكيدون، وأغلب هؤلاء الخدم ممن لا يخافون الله عز وجل، وأيضاً في شعورهم بالغربة يجدون أن هذه هي أسهل طريقة للانتقام من خصومهم. وأغلب هؤلاء يتسلحون بالسحر والاستعداد له قبل أن يأتوا، يوصي بعضهم بعضاً، السابق يوصي اللاحق، وقد تواتر هذا، خاصة في الخادمات، فلذلك نجد أغلب الخادمات تأتي مستعدة لأسباب عمل السحر فيمن يكيدها، أو للدفاع عن نفسها لأدنى سبب، ومن هنا كان أكثر ما يظهر في الأسر من السحر من خلال هذه الفئة، ولذلك ينبغي أن تعالج هذه المشكلة من عدة وجوه: أولاً: يجب على المسلم ألا يستقدم خادم ولا خادمة إلا عند الضرورة القصوى وليتق الله عز وجل. ثانياً: إذا ابتلي بالخادمة فعليه أن يحتاط باختيار النوع والديانة ولو تعب في ذلك. ثالثاً: ينبغي أن يحرص على أن يرعى الخادم والخادمة التي عنده بتفقيههم في دين الله عز وجل، لاسيما وقد تيسرت عندنا وسائل تفقيه القادمين بأي لغة، من خلال المكاتب التعاونية، فإذا ابتليت الأسرة بخادم أو خادمة أو سائق فينبغي لها لأول وهلة أن تتصل بمكتب التعاون الأقرب، ويقولون: عندنا خادم أو خادمة لغته كذا نحتاج أن تعينونا في تفقيهه في دين الله عز وجل وفي تعليمه أصول دينه، وهذا أمر ميسور، وهو يدرأ كثيراً من الشر؛ لأن هؤلاء الذين يأتون أغلبهم جهلة، وربما أغلبهم يظن أن السحر مشروع، هكذا يعتقد ويظن، فلو علم أن السحر غير مشروع وهو مسلم فربما تركه وتورع عنه، وغير ذلك من الأسباب. ثم ينبغي أن نحرص على العدل بهؤلاء وعدم الظلم لهم؛ لأن كثيراً من الذين يستقدمون العمالة يظلمونهم، والظلم يؤدي إلى ردود الفعل والانتقام للنفس بوسيلة مشروعة أو غير مشروعة، فمن هنا أظن أن أكثر الذين أصيبوا بمثل هذه المصائب من جراء الخدم يتحملون جزءاً كبيراً من مسئولية ذلك، أولاً: باستقدامهم لهؤلاء الخدم، ثم لإهمالهم لهم، ثم لما يقع منهم من ظلم أو حيف أو تقصير يضر بالخادم فيكيد، وهذا يزيد مشكلة السحر والشعوذة تعقيداً.

المبالغة في نسبة غالب الأمراض إلى السحر والعين

المبالغة في نسبة غالب الأمراض إلى السحر والعين أصبحت هذه الظاهرة شيئاً مرعباً، حتى بالغ كثير من الناس في هذا الأمر، فالناس قد تصيبهم أمراض كثيرة: عضوية ونفسية وعقلية وغيرها، ولا يلزم أن يكون ذلك بسبب العين أو السحر أو الشعوذة، لكن طرق موضوع السحر والشعوذة يستفيد منه فئة من الناس وهم السحرة أنفسهم، إذا أكثروا بين الناس إشاعة أنهم مسحورون أتوا إليهم، فأخذوا أموال الناس وجلبوه إليهم، وكذلك بعض الرقاة الجهلة يفسرون كثيراً مما يعجزون عن تشخيصه بأنه سحر أو شعوذة أو عين أو نحو ذلك وهذا غلط وفيه تعجل. فلذلك نجد أن فزع الناس إلى غير الأسباب الشرعية من فزعهم إلى الكهنة والعرافين والمشعوذين والوقوع في حبائلهم أكثر من هذا، وتسبب في كثرة عزوا الأشياء والأمراض إلى السحر والشعوذة، حتى أوهم هؤلاء المشعوذون والكهان والعرافون والسحرة أوهموا الناس بأمراض لم تكن فيهم، {فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن:6]، كما أخبر الله عنهم، وألجئوا جهلة المسلمين إلى الوقوع في البدع والشركيات، ووقعوا في حبائل هؤلاء السحرة، فأخذوا أموالهم، لاسيما أن الناس قد يفتنون أحياناً بحالات نادرة يحدث أن يستفيد واحد فائدة قدرها الله عز وجل قدراً فائدة من سؤال عراف فيفتن الناس بهذا العراف، مع أن الأصل فيه الكذب، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يصدقون مرة واحدة ويكذبون تسعة وتسعين، يضيفون إلى الصدق تسعة وتسعين كذبة، فبذلك يلبسون على الناس. ثم أيضاً أن أكثر المشعوذين والدجالين يتظاهرون للناس على أنهم من أهل الصلاح، وأنا أعجب من غفلة كثير ممن يذهبون إلى هؤلاء السحرة والمشعوذين ويسألونهم عن أحوالهم، ثم يأتون ليزكوهم ويقولوا: والله فلان جئناه ووجدناه يتلو آيات من كتاب الله، وما شاء الله يسبح ويهلل، نعم هذا من تلبيس الشياطين، ما يستطيع أن يأخذ أموالك وفلوسك إلا إذا أظهر لك أنه تقي وصالح، وأنه يسبح ويهلل، لكن لا تنسى أنه شيطان من الشياطين، ولا تنسى أنه عراف وساحر، فمن هنا فتن الناس بهؤلاء، فلما فتنوا بهم، تعلقوا بهم ولما تعلقوا بهم صار هؤلاء السحرة والمشعوذين ينسبون كل أمراض الناس إلى السحر والشعوذة، يقولون: أنت مسحور، والذي سحرك فلان أو فلانة، وسحرت في مكان كذا، وهذا كله كذب. وغالباً أن الساحر إضافة إلى أنه يريد أن يأخذ أموال الناس غالباً تجده يتقصد التفريق بين الأسر، فينسب السحر مثلاً إلى الأب أو إلى الأم أو إلى العمة أو إلى الصديق، ويقول: سحرك فلان، ويكون فلان هذا إما قريبك وإما صديقك وإما جارك وهو يكذب، لكنه حصل ما يريد من وقوع الفتنة بين الناس، ثم إنه حصل ما يريد من جانب آخر وهو استجلاب أموال الناس. قد يقول بعض الناس: إن هناك من استفاد أو عرف موطن السحر من خلال ساحر، أقول: هذا قد يحدث في المائة واحد أو أقل، لكن يحدث منه من الأضرار ما الله به عليم، وقد يكون الله عز وجل دفع المرض بسبب آخر، فتوهم الناس أنه بسبب الساحر هذا أمر. الأمر الآخر: أن الذين يذهبون إلى الكهنة لو سألتم أي واحد منهم لوجدتم أن هؤلاء الكهنة كل منهم يقول بقول لا يوافق الآخر، بل لابد أن يكذب الآخر، فيأتي هذا المريض المسكين ويقول: ذهبت إلى فلان من الكهنة وقلت له كذا وكذا وقال لي: كذا وكذا، فيقول الساحر الثاني: لا، يكذب، أنا الذي أعرف وأنا الذي أستطيع، وهذا لم يخبرك بالحقيقة إلى آخره، لا يتفقون، وهذا دليل على كذبهم. الخلاصة أن أغلب ما يوقع الناس ويوهمهم بأن ما يجدونه من أمراض عضوية أو نفسية سحر أو شعوذة أغلبه من الكذب، أغلبه ليس سحراً ولا شعوذة، وإنما هي أمراض عادية سيأتي ذكر شيء منها؛ لأن بعض الأمراض العضوية تسبب أشياء وهمية ونفسية وعقلية، فالإنسان بدل ما يذهب ويتطبب ويتداوى بالدواء الطبيعي والشرعي ربما يستعجل فيذهب إلى الكهنة فيوقعونه في الأوهام، فيظن أنه مسحور وليس بمسحور، أو أن فيه عيناً وليس فيه عين. فأقول: أغلب ما ينسب من السحر والشعوذة أغلبه من الأوهام، وربما يرجع إلى أمراض نفسية أو عضوية يكون علاجها بالعلاج الطبيعي والعلاج الشرعي، الذي سيأتي كما ذكرت شيء منه.

من أخطاء بعض الرقاة

من أخطاء بعض الرقاة

تعجل بعض الرقاة في نسبة الأمراض إلى السحر والعين

تعجل بعض الرقاة في نسبة الأمراض إلى السحر والعين من أسباب تعلق الناس بالسحر والشعوذة ما يعمله بعض جهلة الرقاة، نعم، الرقية الشرعية مشروعة وهي أفضل وأعظم ما يتداوى به المسلم من جميع الأمراض العضوية وغير العضوية، الرقية الشرعية بكتاب الله عز وجل وبالأدعية المأثورة الصحيحة هذا حق، وربما أكثر الرقاة بحمد الله على هذا المنهج، لكن مع ذلك يوجد عدد من الرقاة يرتادهم أعداد كبيرة ألوف من الناس عندهم جهل وعندهم تقصير، ووقعوا في بعض الأخطاء التي أوهمت الناس بالخوف والرعب من السحر والشعوذة، والسحر والشعوذة من كيد الشيطان وكيد الشيطان ضعيف، لكن الناس قد يقصرون في بذل الأسباب الشرعية، ولاشك أن الناس لو بذلوا الأسباب الشرعية والطبيعية فإن الله عز وجل سيعينهم ويشفيهم، إلا من قدر الله له غير ذلك. أعود إلى الرقاة، كثير منهم هداهم الله يزيدون المشكلات تعقيداً ويوهمون الناس، ويضخمون الأمور، ويربطون الناس بغير الأسباب الشرعية، يوهمونهم بأن فيهم سحراً وأن فيهم عيناً وأن فيهم شعوذة إلى آخره، بدون تثبت كثير من الرقاة، يتعجل في التشخيص بلا بينات، ويقول للمريض: أنت مسحور، وأظن أن الذي سحرك قريب لك، أو التي سحرتك قريبة لك، والراقي قد يقول: أظن، لكن المريض لتعلقه بالأسباب لا يعرف كلمة أظن، فيبدأ يتهم أقرب الناس إليه، بل بعض الرقاة هداهم الله أحياناً يعينون، يقول: الذي عانك أو الذي سحرك أو الذي أثر فيك فلان أو فلانة، وأحياناً يسمي أمه وأخته وأخاه وأباه وقريبه فيوقع الفتنة بين أقرب الأقربين، ويعرف كثير منا مشكلات مستعصية إلى الآن بعضها وصل بعضها إلى حد القطيعة التامة، وبعضها إلى حد إزهاق النفوس؛ بسبب هذه التوهمات من بعض الرقاة.

استعمال التخييل

استعمال التخييل بعض الرقاة يستعملون التخييل هداهم الله، وهؤلاء يجب أن يفرقوا بين التخييل وبين الاتهام. النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه الصحابة وأخبروه بأن فلاناً أصابته عين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من تتهمون)، كل يفهم بكلمة (من تتهمون) أن الناس ينبغي أن يستعيدوا في أذهانهم إذا كان هناك أحد تكلم في هذا الشخص، أو غبطه على شيء، أو مدحه في مجلس، أو قال ما يصرف أو يلفت النظر إليه، هذا حق، ولا مانع أن الناس يتذكرون وقائع حقيقية، لكن النقطة الأخرى التي يعمل بها كثير الرقاة، وهي نقطة شيطانية وهي: تخيل، ما معنى تخيل؟ ثق أنه بمجرد ما يتخيل الإنسان يقوم الجني الذي هو القرين ويلبس عليه، والشياطين والجن يحضرون الإنسان، فبمجرد ما يتخيل يلبسون عليه، وأكثر ما يعبث بالإنس من الجن فسقة الجن، فالفاسق طبيعي أنه يكذب ويفجر، فمن هنا إذا طلب الراقي التخيل قام الجني ووضع في خيالك أحد الناس من قريب أو صديق أو بريء من الأبرياء، فتقول أنت للقارئ مثلاً: والله توهمت خالتي فلانة، يقول: نعم، إذاً: هي التي عانتك، فتقع القطيعة وفساد القلوب واختلال الوشائج بين الناس، وهذا حصل كثيراً، وتوجد إلى الآن مشكلات كثيرة بين المجتمع من آثار هذه الطريقة. يا أخي! عندما تقول: تخيل، ما عندنا دليل شرعي ووحي من السماء يضمن لنا أن هذا الخيال حق، من الذي يضمن؟ والحقائق لا تثبت بها حقوق ولا حدود إلا بشهود ثقات، وبإجراءات معينة يعرفها أهل الشرع، فكيف بالتخييل؟! إذاً: من أعظم ما يحدث في ربط الناس بالسحر والشعوذة خطأ بعض الرقاة في مثل هذه الأمور، نعم هذه الأمور قد يعمل بها بعض الصالحين من الرقاة، لكن أقول: هذه زلات منهم، وينبغي تنبيههم لذلك، أقول: هناك فرق بين التخييل وبين الاتهام، الاتهام وارد؛ لأن العين حق كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث، والإنسان لا مانع إذا ترجح له أن فيه عيناً أن يأخذ شيئاً من أثر العائن فيتداوى به؛ لذلك لا مانع من أن يتصور أو يتذكر من يتهم، أما مجرد الخيال، فالخيال لا يأتي إلا بأوهام الشيطان.

الجزم بتفسير الرؤى

الجزم بتفسير الرؤى أيضاً مما يعمله بعض الرقاة: الجزم بتفسير الرؤى، أحياناً بعض الرقاة إذا رقى المريض، قال له: هل رأيت رؤيا؟ نعم، الرؤيا فيها مبشرات ولا حرج من ذلك، لكن الأمر يتعدى إلى أن بعض الرقاة يحدد العائن أو الساحر أو المؤثر في الشخص باسمه بمجرد الرؤيا، وهذا في الحقيقة مزلة قد يكون في حالات نادرة حقاً والغالب لا يكون حقاً. فينبغي أن يتثبت من يعمل هذه الوسيلة أو يقول بها.

تصديق الجن المتلبسين بالمرضى من الإنس حين ينطقون

تصديق الجن المتلبسين بالمرضى من الإنس حين ينطقون أيضاً مما يقوم به بعض الرقاة مما أثر في الناس في هذا الجانب: تصديق الجن حينما ينطقون، لاشك أن الجني يتلبس بالإنسي، وعند قراءة القرآن قد ينطق الجني ويتكلم، فإذا تكلم الجني يفرح بعض الرقاة بكلامه، فيبدأ يسأله عن أشياء غيبية، يقول: هل تعرف من سحر هذا المريض؟ فيقول: نعم أعرفه، فيقول: من هو؟ يقول: فلان، أو يقول: هل تعرف العائن الذي عان هذا المريض؟ يقول: نعم العائن فلان، فيصدقه، كون هذا مؤشراً أو قرينة، نعم، لكن التصديق لا؛ لأن الغالب في الجني الذي يتلبس بالإنسي أنه فاجر كذاب، والدليل على ذلك تناقض أخبار الجن، هناك جني يقول كذا، والآخر يكذبه فكلاهما يكذب، فعلى هذا ينبغي التثبت، نعم قد يكون من كرامة الله للإنسان أن يهيئ الله علاجه على لسان جني قد يكون هذا ما فيه مانع، وحدث هذا من السلف ومن الصالحين والعلماء، حدث أن استفادوا أخباراً من الجن، لكن لا يلزم أن يكونوا صادقين دائماً، فينبغي التثبت وعدم الجزم، ويؤخذ كلامهم على أنه قابل للصدق والكذب، أما أن يصدق دائماً فلا؛ لأنه يؤدي في الغالب إلى فتن وإلى قطيعة، وهذا حدث منه أن تفرقت أسر وتقاطع الأقارب؛ بسبب أخبار جني اتهم آخر من الإنس، وهذا الرجل يعاديه الناس الذين حوله، ويكون بينهم قطيعة وفساد إلى آخره، وأنا أعرف قصة لامرأة حدثت على يد أحد المشايخ، يقول: إن إحدى العائلات عندها مريض، وهذا المريض نطق فيه جني، وقال: إن الذي تسبب في دخولي في هذا المريض أخته فلانة، فاتهموها دون أن يتثبتوا، فوقع بينهم كلام وشجار، ونفت وأقسمت أنه لم يحدث منها ذلك، فأصروا إلا أن تكون هي التي سحرته، ربما يكون من عقوبة الله لهم أنهم ما شفي مريضهم، لكن الحاصل أن الأمر وصل إلى أن تقسم المرأة على المصحف، وهي امرأة معروفة بالصلاح، فأقسمت على المصحف أن هذا الجني كاذب، وأنها ما سحرت المريض، ومع ذلك صدقوا الجني وكذبوها إلى وقت قريب، ما رأيكم في هذا؟ هل هذا عمل سليم؟ من قال: إن هذا الجني معصوم؟ الأصل فيه الفسق والفجور، وإلا لماذا آذى هذا الإنسي أو الإنسية. والجن الغالب فيهم الضعف، فهم أضعف من الإنس، لكن لما أعرض الإنس عن ذكر الله وعن شكر الله فإن الجن تتسلط عليهم، وإلا فالأصل أن الجني أضعف من الإنسي، فكيف بامرأة صالحة تقسم على المصحف أن هذا لم يحدث منها ثم يصدق هذا الجني الفاجر، وتكذب وتقع القطيعة بين أسرة من أفضل الأسر. إذاً: تصديق الجن والشياطين والتسليم لقولهم أوهم كثيراً من الناس أن فيهم سحراً وليس الأمر كذلك، وبأن فيهم عيناً وليس الأمر كذلك، وربما يكون، لكن يبقى الأمر احتمالات.

القيام بحركات غير مشروعة مع المريض

القيام بحركات غير مشروعة مع المريض كذلك بعض الرقاة يقومون بعمل حركات أشبه بحركات الدجالين والمشعوذين، ولا أدري ما مدخل هذه الحركات على بعض الرقاة، فهناك أشياء مشروعة وهناك أشياء غير مشروعة: القراءة، النفث، وضع اليد على موضع الألم ونحو ذلك كله مأثور لا حرج فيه، لكن هناك أشياء ليس لها تفسير لا شرعي ولا عقلي، حركات موهمة تجعل المريض يتعلق بالأسباب ولا يتعلق بالله عز وجل، مثال ذلك: بعض الرقاة إذا رقى يلوي اليد من الخلف، وأنا رأيت بعض هؤلاء الرقاة، فقلت له: لماذا تلوي اليد من الخلف؟ قال: جربتها، قلت: أهل البدع يقولون: جربنا، والمشركون يقولون: جربنا، وعباد الأوثان يقولون: جربنا، فمجرد أنك جربت تقوم وتلوي يد المريض خلف ظهره؟! هذا ما يصلح، لكن اقرأ القرآن، وضع يدك على موضع الألم، إذا كنت لا تقرأ على امرأة شابة ونحو ذلك ضع يدك على موضع الألم، افعل أسباب الشرع، أما أن تلوي اليد من الخلف وبحركات أشبه بحركات المجانين هذه ما لها تفسير لا شرعي ولا عقلي. وآخرون مثلاً: يلتزمون حركة معينة، مثل: الضعط الشديد على الساعد، أو الضغط الشديد على الساق، أو الضغط الشديد على الأصبع، أو حركات متواترة معينة، أو الضرب على موضع معين، أو الضغط على هامة الرأس أو على الرقبة، أو النظر في العين، وهذه آخر موضة سمعتها، يضع القارئ عينه في عين المريض، وهذه حركة ما لها تفسير. إذاً: هي مدخل للشيطان على هذا القارئ، وآتاني رجل ثقة ممن أعرفهم بالصدق، فقال لي: ذهبت إلى فلان، وفلان هذا أعرفه، وقال لي: من الأمور التي أعملها في الرقية أن أضع عيني في عين المريض، قلت: أنت متأكد، قال: نعم، وأنا إلى الآن لم أتثبت منه شخصياً، وأرجو أن أتمكن من التثبت قريباً وينصح، لكن ما أدري ما تفسيرها، قد يكون جرب، لكن التجربة من عبث الشيطان؛ من أجل أن تتعلق بها أنت ويتعلق بها المريض، فيتركون التوكل على الله عز وجل. إذاً: ينبغي للقارئ عندما يقرأ على المريض أن يعلق قلب المريض بالله؛ لأنه يقرأ عليه كلام الله، أو يدعو الله عز وجل بأدعية مأثورة مشروعة، فمن هنا يؤثر الأثر البليغ، أما أن يعمل أشياء غير مشروعة، ثم قد تنفع من باب الابتلاء، لكن على حساب دينك، أليس المشرك عابد الوثن يدعي أنه يستفيد من عبادته للأوثان، وأحياناً هذه الأوثان تؤزه إلى الشر وتنطق معه وتحادثه، وتعمل معه أموراً يظن أنه يستفيد منها وهو متوهم. لذلك أصحاب البدع الآن يزعمون أنهم يستفيدون من دعوة الموتى ومن دعوة الصخور والأشجار والأحجار والآثار والمشاهد والمزارات، لكن الشيطان هو الذي يزين لهم ذلك. كذلك الذين يعملون أعمالاً غير مشروعة من الرقاة، قد يجدون بعض الفوائد وهي نادرة جداً، لكن تحدث من باب الابتلاء، أو من باب القدر الذي وافق هذا العمل، وهو قدر من الله عز وجل غيبي.

تشخيص المرض بظواهر ظنية

تشخيص المرض بظواهر ظنية يقوم بعض الرقاة بتشخيص المرض بظواهر على الجسم على سبيل الظن، فكون الراقي يعرف بعض الأمراض من باب القرائن ومن باب غلبة الظن هذا قد يكون مقبولاً، لكن المشكلة أن بعض القراء يستدل بالصداع على أمر معين ويجزم، أقول: إذا كان من باب غلبة الظن فلا حرج، لكن الجزم ما يجوز. أو يستدل الراقي بما يحدث للمريض من قشعريرة على التشخيص، نعم، القشعريرة في الغالب قرينة على تأثر الإنسان بالقرآن وأنه مصاب بعين أو سحر، أو أي شيء مما أثر فيه، لكن لا على سبيل الجزم بمكان السحر أو نوع المرض، بأن يقول: فيك مس أو فيك سحر جزماً، لكن يقول: هذا ربما يكون علامة على الشيء الفلاني، أرجو ألا يكون في هذا مانع مع التحفظ والاحتراز. إذاً: كون المريض تحدث له قشعريرة أو فتور في العضو أو نبض القلب أو ما يحدث له من بكاء هذه غالباً علامات على وجود مرض، لكن تشخيص المرض بالتحديد من خلال هذه الأعراض هذا رجم بالغيب، ويوهم المريض ويجعله يبذل أسباباً علاجية على مرض ليس هو مرضه، ويتعب في علاج مرض ليس هو المرض الحقيقي، فربما يتعب في نقض السحر وهو ليس بمسحور، وربما يتعب في علاج رأسه والمرض في قولونه. كذلك وصل الأمر عند الرقاة أن يشخصوا الأمراض العضوية، يقول: أنت عندك المرض الفلاني، الآن الحمد لله وسائل الطب على أرقى ما يكون، فكون الراقي يشخص المرض العضوي بحيث يذهب المريض ويبني على هذا حكماً، هذا أمر فيه نظر، ويدخل في باب الشعوذة، قد يقول قائل: التجربة أثبتت ذلك، نعم، التجربة غالباً تكون في أمور لها ظواهر ولها قرائن، أما التجربة في أمور غامضة فلا تعطي شيئاً، ثم إن التجربة تتخلف كثيراً، يحدث منها فائدة مرة وتتخلف الفائدة منها عشر مرات، وغالباً يكون صدق التجربة مرة أو مرتين من استحواذ الشيطان على الإنسان، لأن الإنسان توجه إلى الأسباب ولم يتوكل على الله عز وجل، أو بذل الأسباب بطريقة غير مشروعة، فإن الله قد يبتليه بمثل هذه الأمور، ويقول: نجحت التجربة، وأننا جربنا هذه الأمور فصارت نافعة، لكن غالباً يكون هذا من عبث الجن والشياطين بالإنسان، كما أن المبتدع قد يحدث منه مثل ذلك، ويرى أنه على حق وهو على باطل، فإن الله عز وجل أرسل الشياطين إلى الكافرين تؤزهم أزاً، وللمبتدع والفاسق والفاجر نصيبه من ذلك، بقدر إعراضه عن دين الله عز وجل وشرعه.

علاج آثار وغوائل السحر والشعوذة

علاج آثار وغوائل السحر والشعوذة أخيراً: ما العلاج لمثل هذه الأمور؟ لاشك أن العلاج ميسور، والله عز وجل ما أنزل من داء إلا وجعل له دواء، هذا الدواء عرفه من عرفه وجهله من جهله، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم. وموضوع العلاج لا يتسع له الوقت، لكن أوجزه لأترك فرصة للأسئلة، وسأركز على أهم الجوانب الشرعية والعملية للعلاج على شكل عناصر رئيسة.

غرس التوحيد في نفوس الناس

غرس التوحيد في نفوس الناس أول علاج لتفادي غوائل وآثار السحر والشعوذة والوقوع فيها: غرس التوحيد في نفوس الناس، التوحيد بمعناه الحقيقي الذي يعمر القلوب بمحبة الله وخشيته ورجائه، الذي يعمر القلوب بالتوكل على الله عز وجل والإنابة إليه، الذي يعمر القلوب بعبادة الله والإحسان في ذلك، العبادة الحقة التي تتحقق بها السعادة، كما وصف النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك سبحانه، فمن وصل إلى هذه الدرجة حماه الله، حماه في عقيدته، وحماه في عمله، وحماه في سلوكه، ثم حماه في بدنه ونفسه وقلبه. فالإنسان إذا عمر قلبه بالعقيدة السليمة الصحيحة، وعمر قلبه بذكر الله وشكره، فإن الله يدفع عنه كل سوء، ولا يضره سحر ولا سم ولا شعوذة ولا عين؛ لأنه بذل الأسباب بإذن الله عز وجل من غرس التوحيد في النفوس، وتغذية القلوب بالتقوى والتوكل. كذلك أحسن وسيلة: تربية الناس على العقيدة منذ الصغر، الأبناء يجب تغذيتهم بالعقيدة كما يغذون باللبن والغذاء تغذية مركزة، ولا يكتفي الناس بما يدرسه التلاميذ في المدارس، وما يدرسونه فيه خير، لكنهم يدرسونه للامتحانات، وما يدرس للامتحان الغالب لا بركة فيه، فينبغي لكل مسلم أن يغرس العقيدة في أبنائه وبناته وأهل بيته من الكبار والصغار على أسس سليمة، كما كان آباؤنا وأجدادنا وسلفنا الصالح يفعلون.

إقامة الفرائض والواجبات

إقامة الفرائض والواجبات ثانياً: إقامة الفرائض والواجبات، وأعظم ذلك إقامة الصلاة في الجماعة بالنسبة للرجل على وجهها وفي وقتها لجميع المسلمين، خاصة صلاة الفجر كيف نستغرب وجود مثل هذه الأمراض، وكثرة القلق والأمراض النفسية ونحن إذا عرفنا واقعنا في هذا البلد ويعتبر بحمد الله من خير البلاد، وفي هذه المدينة وتعتبر من خير مدن المسلمين، ننظر كم نسبة المصلين إلى نسبة غير المصلين، ثم كم نسبة الذين لا يحضرون الفجر من الذين يحضرون بقية الأوقات، هذا يعني أن هناك خللاً عظيماً، فالصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر لا تقام، الصلاة التي يحفظ الله بها المسلم لا تقام. إذاً: لا نستغرب وقوع مثل هذه الأمراض والغوائل، التي صارت الآن ظاهرة ملفتة في مجتمعنا اليوم.

الابتعاد عن الفواحش والمنكرات وتطهير البيوت من وسائلها

الابتعاد عن الفواحش والمنكرات وتطهير البيوت من وسائلها ثالثاً: الابتعاد عن المنكرات والفواحش وتطهير البيوت من وسائلها، إذا كنا نعرف أن البيت الذي فيه صورة لا تدخله الملائكة، وأنه يفرح به الشيطان ويسكن، والبيت الذي فيه الجرس وفيه الملاهي ووسائل الإعلام المفسدة، والبيت الذي لا يذكر فيه الله إلا قليلاً، وإذا ذكر فيه الله تجد القلوب منصرفة عن ذكر الله، فمعنى هذا أن سكانه من الشياطين أكثر من الملائكة، نسأل الله السلامة والعافية، هذا أمر أخبرنا الله به وهو حق، الناس قد يبتلون أحياناً بضرورات تعم بها البلوى، لكن ليس مقصودي هذا، مقصودي أن أغلب الناس يدخل هذه الشرور بطوعه، فهذا لاشك أنه سيحصد غوائل هذا التصرف، وعلى نفسه جنى، فلا يستغرب أن يوجد السحر والعين والآثار المدمرة في النفوس، والقلق والاضطراب والأمراض النفسية.

الإكثار من تلاوة القرآن والذكر والأوراد اليومية

الإكثار من تلاوة القرآن والذكر والأوراد اليومية رابعاً: الإكثار من تلاوة كتاب الله عز وجل، والإكثار من الذكر والأوراد اليومية؛ فإنها تحمي المسلم بإذن الله، وكتب الأوراد الآن موجودة في كل مسجد، يستطيع أي مسلم أن يطالع الأوراق التي فيها الأوراد الطويلة والموجزة والمختصرة. لكن أحب أن أنبه إلى أمر فيما يتعلق بالورد، كثيراً ما يأتي بعض المرضى أو الذين يصابون بشيء مفاجئ من عين أو سحر ويقول: كيف أصبت وأنا أتيت بالأوراد، والله عز وجل وعد ووعده صدق وحق؟ نقول: نعم، لكن فتش عن نفسك قد تكون أتيت بالأوراد لكن عملت ما يناقضها، قد عملت كبيرة فاستحوذ عليك الشيطان بعد الورد هذا أمر. الأمر الآخر: قد يأتي بالورد وقلبه لاه، قلبه في وادي ولسانه يجعجع بالورد، وقد ورد في الحديث أنه لا يستجاب الدعاء من قلب لاه أو قلب ساه. إذاً: الخلل في الغالب آت من الإنسان، إذا كان قد أورد وما نفعه ورده فالغالب أن الخلل جاء منه، فليفتش عن نفسه، أما وعد الله فلا يمكن أن يتخلف إذا توافرت أسبابه وشروطه، كل وعد وكل خبر عن الله عز وجل لابد أن تتوافر له أسباب وشروط، أو تنتفي الموانع.

أكل سبع تمرات عجوة والسعي إلى الرقية الشرعية

أكل سبع تمرات عجوة والسعي إلى الرقية الشرعية خامساً: من الأشياء التي ينفع الله بها، ووردت في السنة أنها تنفع من السحر والسم: أكل سبع تمرات عجوة، وكذلك السعي إلى الرقية الشرعية عند الإصابة بأي قدر من أقدار الله عز وجل، فينبغي الصبر، وكثير من الناس يقرأ يوماً يومين ثلاثة أو أسبوعاً أو شهراً أو شهرين أو سنة فيستعجل الشفاء ويستعجل الفرج، والأمر بيد الله من قبل ومن بعد، فهو سبحانه قد يؤخر للعبد ما هو خير له، لكن وعد الله صادق، ولابد أن يكون الفرج لمن يبذل الأسباب الشرعية بإذن الله، لكن عليه أن يصبر ويبذل الأسباب، ويتأكد من انتفاء الموانع. فالرقية الشرعية بإذن الله علاج حقيقي للسحر والعين وغيرها من الأمراض، بشرط أن تتوافر شروطها.

الاحتساب والتعاون في علاج السحر والعين

الاحتساب والتعاون في علاج السحر والعين سادساً: الاحتساب والتعاون في علاج مثل هذه الأمور كثير من المسلمين خاصة في المدن مع الأسف الناس كل واحد مشغول بحاله، لا يعرف حال صديقه ولا جاره ولا قريبه، وهذه ظاهرة سيئة في الحقيقة، فيمرض المريض فلا يجد من يهتم به، وربما يقع السحر ويفتك بالناس، أو تقع العين وتفتك بالأسر بحيث تفرق بين الزوجين وبين الأقارب، وأقاربهم يتفرجون، مع أنه بإمكان كثير من الناس علاج هذه المشكلات، لو تصدى لها من يكون فيه الاحتساب والقدرة، خاصة ما يتعلق بالفرقة بين الزوجين وبين الأقارب، نجد أن مسألة الاحتساب من أقارب المختلفين قليلة، فيجب على الناس أن يتعاونوا، فإذا حدث خلاف بين زوجين فيجب على أقاربهما أن يسعوا للإصلاح، لا تترك القضية تفسد بين الفريقين وتصل إلى القضاء، أو تصل إلى الفراق الذي يشتت الأسرة والأبناء والبنات، ويوقع الناس في أمور تفتك بالمجتمع كله وليس فقط بهذه الأسرة. فإذاً: من أهم العلاج أن يحتسب الناس فيتعاونوا ويهتموا -خاصة طلاب العلم- بإصلاح أحوال الناس وبإصلاح ذات البين وعلاج المشكلات في مهدها؛ فإن ذلك يجعل الله فيه الخير الكثير، وإصلاح ذات البين من أعظم أبواب الخير وأبواب البر التي نسيها الناس اليوم، لكن أن تفتك المشكلات بالأسر والأقارب والجيران ومن يهمهم الأمر وحتى من طلاب العلم الذين يجب أن يعنوا بأمور مجتمعهم تجدهم يتفرجون، إن جاءهم الناس ولجئوا إليهم ربما يساعدونهم وقد لا يساعدونهم فهذا خطأ.

الابتعاد عن جلساء ومواطن السوء

الابتعاد عن جلساء ومواطن السوء سابعاً: الابتعاد عن جلساء السوء ومواطن السوء. وهذا أمر مهم جداً، أغلب ما أوقع شبابنا في هذه الأمراض والمشاكل هو جلساء السوء، فينبغي للمسلم أن يختار لنفسه ولذويه من أبنائه وأقاربه ومن يعولهم ومن يتولاهم البيئة الصالحة والجلساء الصالحين، ويهيئ لهم الجو الشرعي المناسب في البيوت وعند الأقارب، وفي جميع الأمكنة التي يرتادونها، وليحذر أن يكونوا من أصحاب الأسواق، فإن الأسواق فيها رايات الشيطان، وكذلك من ذلك العناية بالأبناء والبنات: تحصينهم بالتربية الشرعية الجيدة، وتوفير الوسائل الشرعية التي تحصنهم وتقضي وقتهم فيما ينفعهم، وتصرفهم للخير، وتدفع عنهم الشر، وتدفع عنهم التطلع لما عند الناس من فساد وانحرافات.

التداوي بالأدوية الطبيعية بعد الرقية الشرعية

التداوي بالأدوية الطبيعية بعد الرقية الشرعية ثامناً: التداوي بالأدوية بعد الرقية والأدوية الشرعية، لابد من تناول الأدوية الطبيعية؛ لأن أكثر الأمراض التي يلجأ فيها الناس إلى المشعوذين والسحرة والدجالين وغيرهم هي أمراض تعالج بعلاج طبيعي، الطب الحديث والطب الشعبي إذا كان على أيدي ثقات مجربين. أحياناً بعض الأمراض تحتاج إلى زيادة تشخيص ولا يمكن علاجها إلا عن طريق الطب النفسي، ولا حرج في هذا، من الظواهر غير السليمة في مجتمعنا نفورهم من العلاج والنفسي ومن العيادات النفسية، وهذا غلط، أغلبهم يلجأ إلى الكهنة والسحرة والدجالين ولا يلجأ إلى العيادة النفسية عند طبيب مسلم ثقة؛ للناس مفاهيم خاطئة عن العلاج النفسي يظنون أن العلاج النفسي يعني الجنون، هذه نظرة رديئة عند الناس، وهذا غلط، كذلك كثير من المرضى يظن أن العلاج النفسي إذا تناوله المريض لا يمكن أن يستغني عنه، وهذا غير صحيح، بل يقول الأطباء النفسيين الثقات: إن أغلب علاجات الأمراض النفسية ليست من النوع الذي يعتاده المريض، وأنه بإمكانه إذا شفي أن يستغني عنه، لكن الناس توهموا غير ذلك. فأقول: لا مانع للإنسان إذا رقى وبذل الأسباب وما وصل إلى نتيجة، أو بقي آثار المرض لا مانع أن يزور العيادة النفسية؛ لأن هذا التداوي مما أباحه الله عز وجل، ومن الذي يحرمه؟ خاصة إذا أثر المرض على عبادة الإنسان ودينه، فلا يجوز له أن يتردد أو يحجم عن زيارة الطبيب النفسي، ولو أن الناس تركوا هذا الوهم الذي عندهم أرى أنه يمكن علاج كثير من الأمراض بإذن الله عن طريق العلاج النفسي والعيادات النفسية، ثم إن كثيراً من الأمراض والحالات النفسية والعقلية والقلبية والعضوية قد يكون سببها مرضاً عضوياً آخر كما هو معلوم، فلا داعي للعجلة في تفسيرها بأنها سحر أو عين، وتوهيم الناس بذلك؛ لأن هذا يوقع في بذل الأسباب غير الشرعية. نسأل الله للجميع العافية والسلامة. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

الأسئلة

حكم إدخال الخادمة الكافرة إلى المنزل

حكم إدخال الخادمة الكافرة إلى المنزل Q هل يجوز إدخال الخادمة الكافرة إلى المنزل؟ A الأصل في المسلم أن يبرأ من الكافر براءة تامة، فدخول الكافرة في بيوت المسلمين لا يجوز، والناس يخلطون بين مسألة أهل الذمة الذين كانوا يخدمون في بيوت المسلمين في القديم، وبين الخدم الذي يأتون الآن، الخدم الذين يأتون الآن يأتون بكامل حرياتهم، ويمارسون أمورهم كما يشاءون، لم تحكم عليهم الذلة والصغار، وليسوا أهل ذمة محكومين بأحكام الذمة، كما هو في اليهود والنصارى الذين كانوا بين ظهراني المسلمين وليسوا أرقاء، الآن الذين يأتون ليسوا أرقاء بل هم أحرار، فلذلك يأتون وهم في مركز قوي، الكافر والكافرة إذا جاء إلى هنا يأتي وهو يعتبر نفسه نداً لك أيها المسلم، صحيح أنه يؤخذ عليه شروط احترام تقاليد البلد ودين البلد وهذا أمر طيب، لكن مع ذلك يعتبر نفسه مساوياً لك، فما دامت الخادمة تدخل بهذه الصفة فلا يجوز للمسلم أن يستقدم الخادمة الكافرة في بيته، إضافة إلى ما هو معلوم من الأضرار والشرور المتحققة من وجود الكافرة في بيوت المسلمين، خاصة البيوت التي فيها أطفال صغار.

حكم ركوب المرأة مع السائق بدون محرم

حكم ركوب المرأة مع السائق بدون محرم Q ما حكم ركوب المرأة مع السائق بدون محرم؟ A الأصل في ذلك التحريم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ما خلا رجل بامرأة إلا والشيطان ثالثهما)، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك أشد النهي، والناس لو لم يوقعوا أنفسهم في بعض الأمور التي تحرجهم لسلموا من هذه الظواهر.

أثر المشكلات الزوجية على العلاقة الجنسية بين الزوجين

أثر المشكلات الزوجية على العلاقة الجنسية بين الزوجين Q في بداية زواجي أصابني مرض نفسي منعني من العشرة الزوجية، واستمر ستة أشهر إلى آخره، وبعون الله تم فك عقدة كذا، ولكن حتى الآن لا يزال عندي بعض الآثار؟ A بعض الأمور التي ذكرها السائل خصوصية له، وما كان ينبغي أن يذكرها بهذه الصراحة، لكني أذكرها إجمالاً، هو يقول: إنه بحمد الله شفي من بعض الأمور وبقيت عنده بعض الأمور، خاصة فيما يتعلق بسوء العشرة، أقول: هذا راجع إلى عدم معرفة أحكام الحقوق الزوجية بين الطرفين، هذا من جانب، من جانب آخر أن مثل هذا الشخص الذي يعاني من وجود شيء من الصعوبة في العشرة بينه وبين زوجته سواء منه أو منها، هذا يحتاج إلى أن يروض نفسه، ويتعود على الصبر على ما يحدث بينه وبين زوجته، إذ لا يمكن أن تكون العلاقة بين الزوجين صافية صفاء كاملاً؛ لأنهم بشر، ولننظر إلى حال النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أفضل الخلق وأكرم الخلق على الإطلاق، وأحسن الناس عشرة مع أهله، ومع ذلك وقع من زوجاته بعض الأشياء التي أغضبته، وهجرهن، ومع ذلك لم يصل الأمر إلى ما وصل عند السائل، فينبغي له أن يتقي الله، وأن يحرص على أن يروض نفسه على حسن الخلق، ويؤدب زوجته بالتأديب الحسن، ويصبر على ما يحدث أحياناً من أمور؛ لأن أغلب شبابنا اليوم يطلبون مثاليات؛ لأنهم يقرءون ويرون الممثلين والممثلات يصورن الحياة على أنها مثالية ودغدغة عواطف وكذا، ما دروا أنهم بشر وأنهم يتعاملون مع بشر، وأن البشر لابد أن يخطئ ويسهو، ويحدث منه شيء من المشاحة والضيق، فلا ينبغي للشباب أن يتصوروا أو يحلموا بالمثاليات في العلاقات الزوجية.

كيفية معرفة السحر في المريض

كيفية معرفة السحر في المريض Q إذا كان الشخص مسحوراً فكيف يعرف أنه مسحور؟ A على أي حال السحر له قرائن ودلالات بحيث يغلب على الظن أنه مسحور، لكن لا يلزم أن يجزم، ويزيل عن نفسه السحر بالرقية والأسباب الشرعية ودعاء الله عز وجل، وباللجوء إليه سبحانه.

كيفية علاج السحر

كيفية علاج السحر Q إنسان يظن أنه مصاب بسحر يمنعه من أداء بعض الأعمال؟ A يعمل الأسباب الشرعية، يرقي نفسه، من الخطأ عند كثير من الناس أنه يعتقد أنه لا يشفى إلا إذا ذهب إلى رقاة مشاهير، تجده يسأل من هو الراقي المشهور في هذا الحي، نقول: غير صحيح أنه لا يشفى الناس إلا على أيدي هؤلاء، هؤلاء تصدروا للناس وفتحوا أبوابهم، لكن قد تكون قراءة المريض على نفسه أبلغ من قراءة غيره، حتى لو كان عنده شيء من التقصير. كذلك يظن أكثر الناس أن الرقاة أفضل منهم، لا، ليسوا أصلح دائماً، فينبغي لمن يشعر بشيء من ذلك أن يرقي نفسه أو أهل بيته وجيرانه وإمام مسجده، ويتحرى الصالحين من حوله، لكن أن يسافر ويمتطي المسافات الطويلة ويتعب نفسه ويتعب غيره هذا مما لا أصل له، فينبغي للناس أن يحرصوا على الرقية الشرعية وأن يداوموا عليها ويصبروا، ثم الدعاء مع الرقية، وأن يلجأ إلى الله عز وجل في جميع الأوقات، خاصة في أوقات الإجابة، وأن يحرص على أن يتعهد نفسه، فالإنسان ما يصاب إلا من جراء ذنبه، فلذلك يتعهد نفسه ويقبل على طاعة الله عز وجل، ويحرص على اجتناب الموبقات والآثام، ويحرص على أن يطهر قلبه، ثم يلجأ إلى الله عز وجل بقلب صادق، ويتضرع وليثق بوعد الله وبالفرج القريب.

صحة تلبس الجني بالإنسي وكلامه على لسان المريض

صحة تلبس الجني بالإنسي وكلامه على لسان المريض Q بعض القراء عندما يقرأ على المريض إذا تكلم الجني على لسانه ويخبر بحقيقة المرض هل هذا صحيح؟ A نعم، صحيح أن الجني يتلبس ويتكلم، لكن إذا تكلم لا ينبغي أن نجزم بأنه صادق في كل شيء، قد نستفيد من كلامه ومعلوماته، لكن لا نعتقدها اعتقاداً كما يفعل بعض الناس، نعم، والعلاج هو الرقية الشرعية.

الحكم على حديث: (لا يدخل الجنة راق)

الحكم على حديث: (لا يدخل الجنة راق) Q يوجد حديث معناه لا يدخل الجنة راق فهل هذا صحيح؟ A أنا لا أعرف هذا الحديث، النبي صلى الله عليه وسلم أقر الصحابة على الرقية ورقى غيره ورقاه جبريل ورقته عائشة، فما يمكن أن يكون هذا الكلام، والله أعلم. أما السبعون ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب فهؤلاء في منزلة عالية، وليسوا هم فقط أهل الجنة، لكن الأخذ بالأسباب مطلوب شرعاً، وأعظم الأسباب وأنفعها الرقية.

كيفية علاج من تنجب الأولاد فيموتون بعد ولادتهم بأيام

كيفية علاج من تنجب الأولاد فيموتون بعد ولادتهم بأيام Q امرأة تحمل وتأتي بأولاد وبعد أيام يموتون فماذا تعمل؟ A هذه مسألة قد يعرفها الأطباء، لكن مع ذلك ينبغي أن ترقي نفسها أو يرقيها زوجها بالرقية الشرعية، وأن تبذل الأسباب المادية الأخرى من العلاج الطبيعي؛ لأنه غالباً تكون لأسباب عضوية معروفة يعرفها الأطباء.

ذكر الفائدة التي يحصل عليها الساحر من عمل السحر

ذكر الفائدة التي يحصل عليها الساحر من عمل السحر Q ما هي الفائدة التي تعود على الساحر جراء ممارسة السحر؟ A نسأل الله السلامة والعافية، الساحر شيطان، فهو يريد أن يوقع الناس في الفتنة، ثم إنه يستفيد أموالاً، والساحر يؤزه إبليس إلى الفتنة أزاً.

كيفية دفع السحر قبل وقوعه

كيفية دفع السحر قبل وقوعه Q كيف لنا دفع السحر قبل وقوعه؟ A هذا سؤال جيد، نعم، يدفع السحر قبل وقوعه بالأسباب الشرعية كما ذكرت، وأهمها إقامة الفرائض لله، والبعد عن المعاصي، والمواظبة على الأوراد والذكر، هذه أهم الأمور التي بها يحمي الله المسلم ويدفع عنه الشرور. نسأل الله أن يدفع عنا الشرور، وأن يعافي مرضانا ويشفيهم، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يحمينا من الشرور والآثام والمعاصي، ونسأل الله التوفيق والسداد. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب إن المتتبع لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى يجد أنها جاءت لتجدد ما اندرس من أصول العقيدة في حياة الناس، فهي لم تخرج عن أصول أهل السنة والجماعة قيد شبر، وما يشاع عنها إنما هو مجرد افتراءات وبهتان وكذب، وهو نتاج الجهل والتعصب للأهواء والمذاهب المنحرفة، والتقليد الأعمى للمذاهب الفقهية ونحوها.

حقيقة السمعيات والإلهيات والفرق بينهما

حقيقة السمعيات والإلهيات والفرق بينهما المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: من الأسئلة التي وردت تقول أخت سائلة: الإلهيات والسمعيات هذا التقسيم ناشئ عن ماذا؟ وما الفرق بينهما؟ الشيخ: هذا تقسيم حادث، وهو اصطلاح ولا مشاحة في الاصطلاح، لكن بين المصطلحين شيء من العموم والخصوص. أولاً المقصود بالسمعيات كل قضايا الدين التي الطريق إليها هو الوحي فقط، مثل: ثوابت الدين، علل الشرع الخفية، ومثل مسائل الغيب، جميع مسائل الغيب المتعلقة بذات الله عز وجل وأسمائه وصفاته، وتتعلق بالإيمان بالملائكة والكتب والرسل، وأخبار القيامة، وأخبار الساعة، فكل ما جاء وثبت في الكتاب والسنة بالنصوص من الأمور التي لا تُدرك بالحواس تسمى سمعيات، والطريق إلى معرفتها هو الوحي المسموع. أما الإلهيات التي وردت في الكتاب والسنة فيدخل فيها ما تكلم به الناس في حق الله عز وجل بحق أو بباطل، لا سيما ما تكلم فيه الفلاسفة وأهل الكلام، وأغلبه من التخرصات التي لا أصل لها، هذه تسمى الإلهيات، من باب أنها تنصب على الكلام حول الإله، وهو الرب عز وجل.

المراد بمصطلح الإلهيات والسمعيات

المراد بمصطلح الإلهيات والسمعيات المقدم: هل مرادهم أن الإلهيات مرجعها إلى العقل، وأن السمعيات مرجعها إلى السمع؟ الشيخ: غالباً يستعملون مصطلح الإلهيات ويقصدون به ما تقرره عقولهم وفلسفاتهم في الجانب الإلهي، وهذا هو الغالب، لكن أحياناً يدخلون ما ورد في الكتاب والسنة في الإلهيات بالتبع، وهذا هو السائد في الدراسات الأكاديمية في الجامعات، ومراكز البحث العلمي، غالباً يدرجون قضايا العقيدة تحت الإلهيات، وعلى هذا فإنهم أحياناً يعممون كل مسائل الاعتقاد تحت مسمى الإلهيات من باب التغليب.

موقف أهل السنة من مصطلح الإلهيات والسمعيات

موقف أهل السنة من مصطلح الإلهيات والسمعيات المقدم: ما هو موقف أهل السنة لهذا المصطلح؟ الشيخ: هذا عند أهل السنة يندرج تحت مسمى الألفاظ المجملة، وموقفهم منها: أن المعنى الصحيح يُثبت، ونقول: إن قُصد بالإلهيات ثوابت الدين الواردة في الكتاب والسنة وعند السلف الصالح فلا حرج، خاصة فيما يتعلق بالله عز وجل، وإن قُصد بالإلهيات تخرصات المتخرصين من الفلاسفة والمتكلمين وسائر الذين يتكلمون بمجرد الآراء في الأمور الغيبية فهذا لا نُقره ولا نسميه إلهيات، وكذلك السمعيات تندرج تحت القاعدة نفسها.

بيان الأسبق في معرفة الله العقل أم النقل

بيان الأسبق في معرفة الله العقل أم النقل المقدم: أيهما أسبق بمعرفة الله العقل أم النقل مع التفصيل في ذلك؟ الشيخ: هذه الأسبقية تختلف، هناك الأسبقية الاعتبارية والأسبقية الزمنية، ولعل السائل يقصد الأسبقية الزمنية، نقول: هذا راجع إلى مفهوم هذا المصطلح، فإن قُصد به معرفة مجملات الحق فهذه أسبق من حيث إن الإنسان مفطور عليها حتى قبل أن يبلغ، والإنسان منذ أن يُدرك عنده مُدركات فطرية صحيحة، فهذه أسبق من الناحية الزمنية، كذلك نستطيع أن نقول: آدم كان مفطوراً على الحق، ثم نزل عليه الوحي، فهذا أسبقية زمنية نسبية أيضاً. أما إن قُصد بالأسبقية الاعتبارية: أيهما أقوى وأجدر وأصدق وأولى بالاعتبار الدلالة الشرعية أم الدلالة العقلية؟ فلا شك أنها الدلالة الشرعية التي هي شرع الله الذي جاء من عنده سبحانه، والوحي المعصوم الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا شك أن له الاعتبار الأول من الناحية الاعتبارية، أي: من ناحية التقدير والاحترام والتقديم الاعتباري والاستدلالي.

عدم وجود التعارض بين العقل والنقل

عدم وجود التعارض بين العقل والنقل المقدم: وهل هناك تعارض بين العقل والنقل؟ الشيخ: لا أبداً، ليس بينهما تعارض، إلا أنه لا بد أن نقيد فنقول: العقل السليم الذي هو عقل الفطرة لا يتعارض مع الشرع أبداً؛ لأن الشرع دين الله ووحيه، وأوامره ونواهيه وخبره، والعقل السليم هو نعمة من الله عز وجل يقوم ويتأسس على احترام الشرع بالضرورة، فمن هنا العقل السليم يعتبر الشرع هو المرجعية، وهو المقدم في الاعتبار، فهو لا يتعارض مع النقل، بل يؤيده ويسعى إليه.

حكم قول القائل: ربك يقطع من هنا ويوصلها من هنا

حكم قول القائل: ربك يقطع من هنا ويوصلها من هنا المقدم: ما حكم قول: ربك يقطع من هنا ويوصلها من هنا؟ الشيخ: هذه من العبارات التي تدرج على ألسنة العامة، فليس فيها حرج، بمعنى أنها من باب الخبر وليست من باب الوصف والتسمية لله عز وجل، ويقطع بمعنى يفعل، ولا أظن أن فيها حرجاً، فمعناها صحيح إذا كان على المعنى الذي نفهمه، وهو أن الله عز وجل يقدر الخير والشر، ويُنقص الله عز وجل الإنسان من جانب ويعوّضه من جانب آخر.

وجه كون المؤمن لا يبتلى بالمصائب وعلاقة ذلك بمحبة الله

وجه كون المؤمن لا يبتلى بالمصائب وعلاقة ذلك بمحبة الله المقدم: الناس الذين لا يبتلون ولا تصيبهم مصائب هل يعني ذلك أنهم غير محبوبين من الله عز وجل؟ الشيخ: إن ذكر النصوص التي تدل على أن المؤمن يُبتلى، ليس هذا لازماً، لكنه هو الغالب بالنسبة للمؤمنين، فغالباً أن المؤمن يُبتلى بأنواع الابتلاء، لكن مع ذلك قد يدفع الله عز وجل عن المؤمن البلاء بأسباب: مثل: صلة الرحم، كثرة الدعاء، كثرة اللجوء إلى الله، الاستعانة بالأسباب والتي من أهمها الدعاء، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح: (أنه لا يرد القضاء إلا الدعاء) فمن هنا قد يكون الإنسان القريب من الله عز وجل الذي يُكثر اللجوء إلى الله، والذي يعظّم الله عز وجل في قلبه، ويحب الله ويخشاه ويرجوه، فيكون هذا سبباً لدفع البلاء عنه، لكن الأغلب أن المؤمن يُبتلى.

واجب كافة المسلمين تجاه تعلم العلوم الشرعية

واجب كافة المسلمين تجاه تعلم العلوم الشرعية المقدم: هل نأمر الذين يقرءون ويكتبون بدراسة الكتب الشرعية، سواء كان فرض عين أو فرض كفاية؟ الشيخ: نعم، الضروريات والأولويات في دين المسلم يجب أن يتعلمها، إن كان قارئاً فيقرأ كما هو السائد اليوم، وأغلب المسلمين الآن خاصة في بلادنا -ولله الحمد- أغلبهم قراء، فهؤلاء يجب عليهم أن يتعلموا ثوابت الدين وضرورياته، كيف يعرفون ضوابط الدين وضرورياته؟ بسؤالهم أهل الذكر وأهل العلم، ويبقى ما بعد ذلك وهو التعمق في العلم والتوسع فيه والفقه في الدين. مجملات النصوص تأمر بطلب العلم والفقه في الدين، وأنها هي المطلب الأسمى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) وعلى المسلم دائماً أن يسعى إلى التفقه في الدين بقدر استطاعته، لكن يبقى درجة التفقه: ما الذي يجب على هذا ولا يجب على هذا؟ ما الذي يتعين عليه أن يتعلم من العلوم الشرعية أو غيرها من فروض الكفاية؟ هذا بحسب أحوال الأشخاص وقدراتهم ومواقعهم في خدمة الأمة، وحسب الاستعداد عندهم والميول والإمكانات.

حكم رؤية أهل الميت ميتهم في المنام وإخباره لهم عن حاله

حكم رؤية أهل الميت ميتهم في المنام وإخباره لهم عن حاله المقدم: ما صدق قول العامة: إنه إذا مات لهم ميت رأوه في المنام وطمأنهم على نفسه مثلاً فهل يكون صادقاً؟ وما ضابط الرؤيا لتمييز هذا القول؟ الشيخ: على أي حال رؤيا الأموات ثبتت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ما الصادق منها من الكاذب؟ هذا أمر لا ينضبط بضابط دقيق إلا بسؤال أهل الذكر؛ لأن كثيراً من الرؤى تختلط بالأحلام، والرؤى لها علامات: أولاً: أن يكون فيها وضوح، وألا يكون فيها إلا أشياء توافق الشرع، وأنها غالباً تكون مبشرة، وتكون موعظة واضحة، لكن إذا كانت الأحلام تتعلق بهموم الإنسان اليومية وارتبطت بالأموات أو لم ترتبط فالغالب أن هذه انعكاسات الحياة التي يعيشها الإنسان في اليقظة، وإذا كانت الأحلام والرؤى يظهر فيها ما يخالف الشرع كأن تؤيد بدعة أو معصية، أو توقع الإنسان في وسواس أو أوهام أو تشاؤم أو نحو ذلك، فهذه تكون في الغالب من عبث الشياطين.

حكم أخذ الأحكام الشرعية من الرؤى والأحلام المنامية

حكم أخذ الأحكام الشرعية من الرؤى والأحلام المنامية المقدم: وأحياناً يؤخذ منها حكم شرعي؟ الشيخ: الرؤيا لا يؤخذ منها حكم شرعي، وإنما الرؤيا تؤيد الحكم الشرعي أو تنبه عليه، كأن أكون مثلاً: ليس عندي بصيرة بحكم شرعي من الأحكام، فيوفق الله رؤيا مني أو من غيري يكون فيها تبصير بهذا الحكم الشرعي، لكن يستحيل أن تكون الرؤيا الصادقة تخالف الشرع. أخيراً أقول وأظنه هو مغزى Q كون الناس الأحياء يرون أمواتهم فهذه رؤى وأحلام، والأصل فيها أنها ثابتة شرعاً، لكن ليس كل ما يراه الناس في أحوال الأموات يكون صادقاً.

ضوابط تفسير الرؤى والأحلام

ضوابط تفسير الرؤى والأحلام المقدم: ذكرت يا شيخ أهل الذكر، من هم أهل الذكر في تأويل الرؤى في هذا الزمان؟ الشيخ: تأويل الرؤى في الحقيقة له عدة ضوابط: أولاً: أن الرؤيا غالباً موهبة مثل: موهبة الخط وموهبة الحفظ، وهذه الموهبة إذا توافر لها الفقه في الدين زادت وانضبطت. ثانياً: هذه الموهبة إذا توافر لها إحاطة بعلم الرؤى وقواعده من أصحاب الخبرة من علماء السلف وغيرهم، فإنها تزداد وتنضبط. ثالثاً: إذا توافر للرؤيا تجارب مع بُعد نظر وحكمة عند المفسِّر، فهي غالباً تكون أقرب للصواب، لكن ليس من لوازم تفسير الرؤيا الفقه في الدين أو العلم الشرعي بالضرورة، ولا أيضاً أن تكون هذه الضوابط موجودة جميعاً، لكن أقول: أصل تفسير الرؤى موهبة، وهذه الموهبة تزداد وتصقل مع الأسباب التي ذكرتها. تأتي مسألة مهمة حول الرؤى وهي: أنه قد تختلط الموهبة أحياناً بما نسميه المؤثرات على الإنسان التي تجعله أمام الناس يفسّر الرؤى وهو ليس بمفسِّر، ويبدو له أنه مفسِّر وهو ليس بمفسِّر، وهو أن يقوم بتفسير الرؤى عن طريق الجن والقرناء، من حيث يشعر المفسِّر أو لا يشعر؛ وذلك أن الله عز وجل جعل مع كل إنسان قريناً، وهذا القرين إذا وجد في الإنسان مدخلاً يستخف به منه استخف به، ومن ذلك تفسير الرؤى، فمثلاً: بعض الرقاة تجده في مجلس فتُعرض عليه رؤيا، فربما يكلم شخصاً آخر ويقول: فلان الآن على الحالة الفلانية وهو غائب، فيتصلون به فيخبرهم أنه على الحالة الفلانية التي ذكرها الراقي، هذه أحياناً تكون لها علاقة بالرؤيا، وأحياناً لا تكون لها علاقة بالرؤيا، وتكون عبارة عن حدس ينقدح في ذهن المفسِّر من خلال عوامل مساعدة مثل: القرين، وأحياناً الجن، والجن قد يعبثون بمفسري الرؤى وهم لا يشعرون.

الفئات المهاجمة لأهل الخير وعمل الخير

الفئات المهاجمة لأهل الخير وعمل الخير المقدم: هناك فئة من الناس تُهاجم أهل الخير، سواء كانوا من العلماء أو المؤسسات الدينية أو المراكز الصيفية أو الدور النسائية، وليس لهم شغل شاغل إلا هذا الأمر، هل من نصيحة لمثل هؤلاء، وهم كتاب الصحف والمنتديات؟ الشيخ: على أي حال هؤلاء فئات: الفئة الأولى: هم مرضى قلوب، ونسأل الله السلامة، بمعنى أنهم أصحاب شهوات وأصحاب شبهات، ومن الذين عندهم نزعة نفاق ونزعة إعراض عن الدين، أو أصحاب أهواء، بمعنى أنهم ينتمون إلى فرق أو أحزاب أو غيرها، فهؤلاء لا شك أن ميزانهم مختل، فيصنّفون أهل الحق بتصنيفات عديدة تتضمن السخريات، وتتضمن التقاط الأخطاء والزلات، والانتقائية في نقد الأشخاص، وعدم الإنصاف إلى آخره. الفئة الثانية: ممن ينتسبون إلى الخير مع الأسف، وربما أن السائل يقصد هؤلاء أو لا يقصدهم، لكنه واقع وموجود أن هناك فئة من المحتسبين -إن صح التعبير- أو الغيورين على كثير من مسائل الدين تسوءهم بعض الأخطاء التي يقع فيها الناس أو الجماعات أو الأحزاب، فيضخّمون هذه الأخطاء، وتدخل عليهم أوهام فيسيئون الظن كثير من أهل الخير وبالدعاة، ويفسّرون الأقوال والتصرفات بأسوأ التفسير، ثم يقفون من أهلها مواقف سلبية، وربما يحذّرون منهم، ثم أعظم من هذا أنهم إذا وجدوا بعض الأخطاء والتجاوزات التي توجد بطبيعتها في البشر في الجمعيات والمؤسسات الخيرية، ودور التربية التطوعية وغيرها، إذا لاحظوا هذه الأخطاء عمموها وجعلوها وسيلة للتحذير من هذه الجمعيات والمؤسسات الخيرية، وهذا نوع من الوسواس، أو نوع مما نسميه المبالغة أحياناً في علاج الأخطاء، وهذا ناتج غالباً عن قصور نظر، أو عن ردود أفعال، ولعله وإن كان السائل لا يقصد هؤلاء فإني أحب أن أنتهز الفرصة مع إخواني المشاهدين لأقول: إن هذا مع الأسف مرض، وأنا يسعدني جداً أن ننقد مؤسساتنا الخيرية وأهل الخير، وننقد العلماء والدعاة بالأسلوب المنهجي الشرعي، وواجب علينا أن نفعل ذلك، وأن نقبل الرأي الاجتهادي في هذا الأمر بالأسلوب المنهجي والشرعي الذي يتوخى النصح والإشفاق والرفق والتثبت، وعدم التشهير، وأيضاً عدم التعميم، وأن يتوخى دفع المفسدة، أي: أن كثيراً ممن يسلكون هذا المسلك الآن أوهموا بعض الغافلين أن مثل هذه المؤسسات تتضمن أشياء خطيرة، وأنها خطر على المجتمع وعلى الأمة، إلى هذا الحد وكأنها قنبلة، وهذا نسف لبذور الخير التي بدأت تظهر عندنا الآن، وإن كان العقلاء من المسئولين والدعاة يعرفون أن هذا بعيد عن العدل والإنصاف، لكن هذا أحدث إرجافاً عند بعض شبابنا الناشئ، وأحدث تخوُّفاً، وأنا اعبتره نوعاً من الوسواس في تعميم الأخطاء، وإساءة الظن بجميع عمل الخير والأخيار؛ بسبب وجود هذه الأخطاء. إذاً: هذا المنهج خطير. المقدم: ذكرت يا شيخ أن هناك من الأخيار أحياناً من ينقد الأخيار، لكن يضخّم هذه الأخطاء، أي: أن هناك من الناس ممن نشاهده أحياناً في الساحة، سواء عندنا هنا في البلاد أو في البلاد الأخرى من يتحامل على جهات شرعية معينة، أو على دعاة بأعيانهم، أو على أحزاب إسلامية مثلاً في دول أخرى، ويضخّم هذه الأخطاء، بينما تجد المنافقين أو المنحلين أو المنحرفين أو التقريبيين يأخذون راحتهم بلا نقد؟ الشيخ: أو ينقدون، لكن نقد غير مكافئ، أي: أنه قد يوجد من يعمل هذا وذاك، وأنا أقول: يجب أن ننقد ونناصح، وهذا أمر لا نختلف عليه، لكن نختلف على الأسلوب والمنهج في هذا.

الرد على شبهة أن العلماء فوق النقد وموقف العامة ممن ينتقد العلماء

الرد على شبهة أن العلماء فوق النقد وموقف العامة ممن ينتقد العلماء المقدم: الإشكال يا شيخ الآن بعضهم يلبّس على الناس يقولون: لماذا تجعلون العلماء فوق النقد؟ من قال: إن العلماء فوق النقد؟ الشيخ: هؤلاء يعتبرون دفاعنا عن العلماء ادعاء للعصمة لهم، وهذا من التلبيس على الناس، وأنا أدّعي أنه لا يوجد بيننا في هذه البلاد من يعتقد العصمة للعلماء أبداً، نعم يوجد عند أهل الأهواء من يعتقد العصمة لشيوخهم، ويتحمسون له ويبثونها حتى في الفضائيات الآن، لكن عندنا أهل السنة والجماعة لا يوجد، إلا ما يمكن أن يكون من باب اللازم، فمثلاً عامتنا يسوءهم نقد العلماء، فإذا عبّروا عن فطرتهم في استنكارهم لنقد العلماء قال الناس: إذاً أنتم تعتقدون لهم العصمة، لا، لا يعتقدون لهم إلا الحق والكرامة، فعامة المسلمين بفطرتهم يريدون لعلمائهم أن يبقوا على عزتهم وكرامتهم، فالنقد أحياناً يكون جارحاً وأحياناً يكون نقداً غير مناسب، ومن هنا يستثير ردة الفعل فيدّعي المقابل أو يدّعي الخصم عدم الخطأ من العلماء، لكن نقول: إن علماءنا ليسوا معصومين. المقدم: لذلك يا شيخ الذي أغاظ هؤلاء العامة على مثل هذا الطرح، أن الذي يطرح ليس بكفء أصلاً أن ينقد هذا العالم؛ لجهله وبعده عن العلم الشرعي، فمثلاً يا شيخ: الآن نقاش العلماء واجتهاداتهم وردود بعضهم على بعض منذ عهد الصحابة وإلى عصرنا هذا موجود، ولم يستنكر أحد من العامة، لكن أن يأتي شخص لا يتصل بالعلم الشرعي، ثم بعد ذلك ينقد عالماً جليلاً من العلماء، هنا يتعرض لنقد العامة. الشيخ: نعم، أحسنت، وهذا خلل في جميع الموازين من الجانب الشرعي لمن يعتبر الشرع، أيضاً من لا يعتبر الشرع لو أخذنا هذا بالموضوعية والإنصاف لاعتبرنا أن هذا خلاف المنهج العلمي، وخلاف الموضوعية والإنصاف أن تستهدف العالم وأنت لست بعالم.

الوسائل الواقية للأبناء والبنات من الأفكار المنحرفة

الوسائل الواقية للأبناء والبنات من الأفكار المنحرفة المقدم: كيف أحمي أبنائي وبناتي من الأفكار المنحرفة؟ الشيخ: هذا في الحقيقة سؤال جاد، وأحس أنه في ذهن كل مسلم في كل بلد، وهذا في الحقيقة هاجس جميع المسلمين في كل الدنيا، كيف نحمي أجيالنا؟ الآن أدرك المسلمون في كل مكان أن أجيالهم مستهدفة، استهدفت استهدافاً مقنناً ومرتباً بوسائل فتّاكة، وحينما ننظر إلى ضماناته سبحانه وتعالى لحفظ الدين وكمال الدين وبقاء الدين إلى قيام الساعة، وبقاء طائفة من الأمة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم، وحينما ننظر إلى واقع الأمة في الأزمات ينتج عنها ظواهر صحية تعيدها إلى الحق ومصادر الحق. إذاً: أقول: الأسباب موجودة، وكل إنسان له ظروفه وبيئته، والسائل لا أدري أين يعيش وفي أي بيئة؟ لكن الله عز وجل أمرنا بأن نتقيه ما استطعنا، وأن نسدد ونقارب، فليبحث كل منا عن الوسائل الواقية في بيئته لأبنائه وأجياله، لكن هناك أمور عامة تتعلق بهذه الوسائل: أولاً: تربيتهم في البيت، وتعهدهم بوسائل التربية على احترام ثوابت الدين، وعلى المحافظة على فرائض الإسلام، وتعليمهم أركان الدين وأركان الإسلام وأركان الإيمان، هذه أمور سهلة وميسورة لكل مسلم. ثانياً: تربيتهم على الأخذ عن المصادر النقية: كتاب الله سبحانه وسنة النبي صلى الله عليه وسلم كل بقدر استطاعته. ثالثاً: توفير الوسائل الصالحة، ونجد بحمد الله الآن مع كثرة شيوع الوسائل الفتاكة التي عبثت بعقول كثير من المسلمين وقلوبهم وأخلاقهم، وعقائدهم، إلا أنه ومع ذلك الآن تزداد وسائل الحماية، وأقصد بالذات الوسائل الإعلامية، مثل: الفضائيات والنت وغيرها، تزداد الآن الوسائل البديلة التي إذا صدقنا مع الله عز وجل نجدها متوافرة لدينا، فنحفظ أجيالنا بقصرهم على الوسائل المأمونة، مثل: قناة المجد وفقها الله لكل خير، وكذلك القنوات الأخرى وهي كثيرة، وتزداد شهرياً ولله الحمد إذا لم يكن أسبوعياً، ثم كذلك المحاضن التي توافرت في جميع بلاد المسلمين وتزداد الآن، وهي المؤسسات الخيرية والتربوية والتعليمية، ومحاضن تحفيظ القرآن ودروس العلم وغيرها، وأهم ما ينبغي هو حجب الأجيال قبل أن تعقل وتفقه في الدين عن المصادر غير النقية، سواء كانت مرئية أو مسموعة أو مقروءة.

إمكانية تطبيق وسائل وقاية الأبناء من الأفكار المنحرفة

إمكانية تطبيق وسائل وقاية الأبناء من الأفكار المنحرفة المقدم: هل هذا ممكن يا شيخ؟ الشيخ: نعم ممكن: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق:2]، لكن قد تتفاوت ظروف الأسر والأشخاص، وبعض الأسر قد تكون ابتليت ببيئة أقرب إلى الانحراف والانغماس، ومع ذلك انتشال هذه الأسرة ممكن بالتشاور والتعاون وطرح القضايا أمام أهل الفكر والرأي عبر الوسائل الآن، وأنا أرى كثيراً من دعاتنا الراشدين -ولله الحمد- الآن لهم إسهام كبير جداً في طرح حلول ومشكلات لمثل هذا السؤال، فليتبعوا هؤلاء ويتابعوا برامجهم، وليكونوا على صلة بالمأمونين، كذلك ما من بيئة الآن في بيئة المسلمين إلا يوجد عندهم مجال للتشاور في المسجد، وفي المركز الإسلامي، وفي العمل، حتى في البلاد الأجنبية التي زرناها وفيها أقليات مسلمة بعيدة وغريبة نجد عندهم وسائل التشاور والتحصين لأجيالهم موفورة، لكن تحتاج المسألة إلى شيء من الجدّية والصبر.

دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بين جهل أصحابها وظلم أعدائها

دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بين جهل أصحابها وظلم أعدائها المقدم: ننتقل إلى مقدمات حول دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، وإلى تلك الصحف والكتب التي تحدثت عن دعوة الشيخ، سواء كانت بإنصاف أو أحياناً بظلم لهذه الدعوة، بداية دعني أسألك: ما هي حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب؟ الشيخ: في الحقيقة أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب يعرفها أكثرية البشرية وليس العالم الإسلامي فقط، وعندي من خلال بحثي عن إسلامية لا وهابية دلائل على ذلك، بعضها باستبانات، وسأذكر منها إن شاء الله في حلقة من الحلقات استبانة توضّح للمشاهدين بعض الحقائق الغائبة عنا، فالآن أكثر الدول وأكثر الشعوب وأكثر الديانات تعرف شيئاً اسمه: الوهابية غالباً بهذا الاسم، وليس عندي إحصائيات تدل على أن الأغلبية الساحقة لا يفهمون حقيقة هذه الدعوة، لكن أظن أني صادق إذا قلت: كثير من مناصريها بل من أبنائها من يجهلون الحقائق الكثيرة عنها.

حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

حقيقة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب المقدم: يعني: إذا كان أغلب الناس الذين يسمعون بهذه الدعوة ولا يعرفون حقيقتها، إذاً فأغلب الناس عندهم الدعوة مشوهة؟ الشيخ: أغلب الناس لا يسمعون عنها إلا من خلال مفتريات عليها، من خلال النافذة الناقدة الظالمة، لا من خلال الحقيقة، فأقول وعندي براهين على هذا: إن أهل السنة والجماعة أنفسهم الذين أهل هذه الدعوة في جميع الدنيا يجهلون الكثير من الحقائق عن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي تسمى: الوهابية. إذاً: دعني أعرّج على أهم النقاط في حقيقة هذه الدعوة بإيجاز: أولاً: هذه الدعوة ما هي إلا امتداد لمنهاج النبوة، لا أتكلم عن الجزئيات ومفردات التطبيقات، فالمنهج الذي قامت عليه هذه الدعوة هو المنهج العقدي والعلمي والعملي السياسي والاقتصادي والاجتماعي وجميع جوانب منهج إقامة الدعوة، وهذه الدعوة شاملة، لا كما يقول بعض الناس: إنها مجرد دعوة إصلاحية، أي: صلاح ديني، وهذا خطأ فادح، ومع الأسف سمعت من بعض أتباع الدعوة من يقول هذا الكلام، مع أنها دعوة دينية شاملة، وهذا خطأ فادح، وواقعها يخالف هذا القول. إذاً: هي امتداد لمنهاج النبوة، فهي دعوة الإسلام، ودعوة السنة والجماعة بعد الافتراق، قامت على إحياء السنن بجميع معانيها، السنن في العقيدة، التي هي الاعتقادات السليمة، والسنن في العبادات، والسنن في فرائض الدين، والسنن في الأخلاق، والسنن في جميع شعب الحياة. وأيضاً قامت على محاربة البدع، ابتداءً من الشركيات فجميع أنواع البدع، قامت على هذا قياماً متكاملاً. كذلك من حقيقة الدعوة أنها عبارة عن تجديد للدين في مصادره، وفي منهج الاستدلال وفي التطبيقات، وفي التعامل مع الرب عز وجل، وفي التعامل مع الخلق، وفي الجانب الفردي والجانب الأسري والجانب الاجتماعي والجانب الدولي والأممي.

معنى تجديد الدين ودور الشيخ محمد بن عبد الوهاب في هذا التجديد

معنى تجديد الدين ودور الشيخ محمد بن عبد الوهاب في هذا التجديد المقدم: ما هو المقصود بتجديد هذا الدين؟ الشيخ: التجديد هو إحياء ما اندثر من السنن ونفي البدعة، يعني: التجديد بمفهومه الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم أنه على رأس كل مائة سنة يبعث الله من يجدد لهذه الأمة أمر دينها، هذا الحديث صحيح، فالإمام محمد بن عبد الوهاب مجدد في الدين التجديد الشامل، ولا أعرف في التاريخ مثل هذا التجديد، ولا سيما أنه وجد في وقت ضعُفت فيه كثير من مناهج الدين العلمية والعقدية والتطبيقية في الأمة، ولا أقول: اندثرت؛ لأن الحق لن يندثر، والدعوى بأن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب تدّعي أنه لا يوجد في الأمة خير، هذه دعوى سنفندها إن شاء الله من خلال كلام الشيخ نفسه، عندما رد على هذه الشبهة. إذاً: هذه الدعوة هي حقيقة الإسلام وهي حقيقة السنة والجماعة، وهي ذات منهج متكامل عقدي ديني إصلاحي شامل لجميع جوانب الحياة، قامت عليه دولة، وقام عليه كيان اجتماعي في مهبط الوحي، والدعوة عبارة عن دعوة متكاملة حقيقتها حقيقة الدين، وقامت بكيانين: الكيان الأول: كيان دولة، الذي هو الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة التي نعيش في ظلالها الآن حماها الله من كل سوء. الكيان الثاني: الذي هو انتشار الدعوة، وانبعاج الدعوة في جميع الدنيا، ولا تزال دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب حيّة، والدليل على أنها حية ردود الأفعال ضدها، فلو كانت ميتة ما همّت الأمم الضالة وأهل الأهواء، والناعقون الآن باسم أهل الأهواء من أبناء جلدتنا. المقدم: الصورة على قدر الألم؟ الشيخ: نعم الصورة على قدر الألم، فإذاً حقيقة الدعوة هي كيان الإسلام، والذي نعيش الآن ثماره؛ لأنه عرق الأجداد والآباء، ونحن جيل يكاد يفرِّط بهذه النعمة، بل من أجيالنا الآن من تنكر لهذه النعمة وملَّ منها، أسمعت أحداً مل من النعمة؟ نعم هم أهل سبأ {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا} [سبأ:19] وهذه حقيقة، فحال كثير منا الآن سواء الذين مالوا إلى التفريط والانفلات وإلى التبعية وتمييع الدين، أو الذين مالوا إلى الغلو والتشدد ومعالجة الأمور بالعنف، فهؤلاء كلهم ملّوا النعمة، ملّوا الدعوة وإن ادّعوا أنهم ينهلون من ثوابتنا، وما أبعدهم عن الثوابت.

المقصود بالتجديد في مصادر الدين

المقصود بالتجديد في مصادر الدين Q ذكرت يا شيخ أن التجديد أحياناً يكون في مصادر الدين، ما المقصود بالتجديد في المصادر؟ الشيخ: ليس المعنى أنه جدد في مصادر الدين بالمعنى الاصطلاحي العام، ولكنه نقى مصادر الدين، وأرجع الأمة إلى الأخذ بمصادر الدين النقية من حيث الاستدلال والتلقي، فدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب قامت على ألا يُستدل في الدين إلا من كتاب الله أو ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه التزموا هذا المنهج التزاماً دقيقاً يُشبه عهد الخلفاء الراشدين من وجوه كثيرة، إلا اجتهادات خاطئة أو تجاوزات وزلات قد تقع من العالم، وهذه أمور معروف الحكم فيها، لكن أقصد من حيث المنهج، التزموا مصادر نقية، ولذلك أثّرت هذه الدعوة تأثيراً باهراً، أزعج الخصوم وحيّر الأصدقاء.

شمولية دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب

شمولية دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب المقدم: ذكرت يا شيخ قبل قليل حسب علمكم حفظكم الله أنه لا توجد دعوة مرت من بعد عهد النبي عليه الصلاة والسلام إلى هذا الوقت تشابه دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في إحياء السنة، قد يقول قائل: إنكم تبالغون بهذا الكلام، وأنتم معجبون بهذه الدعوة حتى إنكم عممتم هذا الحكم، أين عصر الدعوة الأموية والعباسية والإمام أحمد بن حنبل ومواقفه؟ الشيخ: عصر القرون الثلاثة الفاضلة ما كانت بحاجة إلى التجديد الشامل، وإنما كانت فقط بحاجة إلى التجديد الجزئي، فقامت المذاهب وقامت حركات إصلاحية قوية في القرون الثلاثة الفاضلة، فبعد الخلفاء الراشدين جاء عهد عمر بن عبد العزيز، ثم الأئمة الكبار أمثال الإمام أبي حنيفة فقد كان له أثر كبير في تأصيل كثير من أمور الفقه في الدين، ثم الإمام مالك، ثم الإمام الشافعي، ثم الإمام أحمد، وهؤلاء كلهم لهم إسهام في التجديد، لكنه تجديد يتناسب مع وضع الأمة؛ لأن الأمة ما كانت بحاجة إلى التجديد الشمولي، كذلك في عهد الإمام ابن تيمية وتلاميذه هناك نوع من التجديد، لكن الأمة ما أعرضت إعراضاً شمولياً، أما في عهد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب كان هناك نوع من البعد عن الإسلام ككيان لا كوجود، وإلا فيوجد علماء وصالحون ولا شك حتى في جزيرة العرب، ونجد بالذات التي قامت فيها الدعوة، كان يوجد فيها علماء ويوجد فيها طلاب علم، لكن لا يوجد كيان متكامل كالكيان في القرون الثلاثة الفاضلة، فما كانت الأمة بحاجة إلى مثل هذه التجديد الشامل كما هي بحاجة إليه بعد القرن العاشر والحادي عشر والثاني عشر، فلما احتاجت الأمة إلى التجديد الشامل وجدت مثل هذه الحركة فكانت فعلاً تتميز بالشمولية التي لم يسبقها مثلها بعد القرون الثلاثة الفاضلة؛ لأن الأمة ما كانت بحاجة إلى مثل هذه الشمولية.

حقيقة الافتراءات الموجهة ضد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

حقيقة الافتراءات الموجهة ضد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب المقدم: بما أنا في مقدمات لحلقات قادمة حول دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى نود أن نتعرف على طبيعة الافتراءات حول هذه الدعوة بشكل عام؟ الشيخ: لو أردنا أن ندرس هذه الافتراءات دراسة موضوعية لوجدناها تنقسم إلى ثلاثة أقسام، فالافتراء الذي قيل عن هذه الدعوة غالبه من الكذب والبهتان المتعمد ممن أشاعوه، والدليل على هذا أنهم قوبلوا من قبل أئمة الدعوة الأوائل ومن بعدهم بإقامة الحجة والحوار، وأيضاً التاريخ كشف هذا الكذب والبهتان، فالتاريخ إذا حُقق فهو من أعظم الوسائل لكشف الكذب، فبالتحقيق التاريخي انكشف الكذب الكثير على الدعوة من خلال الواقع، ومن خلال البحث العلمي المؤصّل، ومن خلال التتبع التاريخي. إذاً: أغلب المفتريات من باب الكذب والبهتان. فمثلاً: أشاعوا في العالم كله إلى اليوم أن الوهابية مذهب خامس، أقول: هذا يدل على الجهل عند هؤلاء الكذبة، المذهب الخامس هل فيه عيب؟ لو جاء إمام من أئمة الدين بمذهب يشبه المذاهب الأربعة مؤصل على أصول الشرع بالاستدلال، هل ننكره؟ فـ ابن حزم مثلاً مجتهد، وكثير من العلماء يعتبرونه خامساً مع الأئمة، وابن تيمية يعتبرونه مجتهداً مطلقاً، ويعتبرونه إماماً خرج عن تقليد الأئمة الأربعة، وهكذا أئمة لا يُعدّون. فإذاً: تسميتهم مذهباً خامساً جاءت من باب الجهل، لكن هم يقصدون إثارة العامة بأن مذاهب المسلمين محصورة بأربعة، وأن ما خرج منها خارج عن أصل الإسلام، فكلمة (مذهب خامس) كأنه مذهب خارج عن الإسلام.

الرد على دعوى أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب مذهب خامس

الرد على دعوى أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب مذهب خامس المقدم: هذا الافتراء حقيقة يا شيخ يثير الدهشة، فالمذاهب الأربعة مذاهب فقهية، فما أتى به الشيخ محمد بن عبد الوهاب في إطار الفقه كان فيه تبعاً لأحد المذاهب الفقهية وهو الحنبلي، علماً أن أصول العقيدة ليس فيه خلاف بين أئمة المذاهب، وهذه الأصول هي التي جاء الإمام ببيانها في زمنه؟ الشيخ: على أي حال هذه معادلة صعبة وقديمة، ونريد أن نتعمق فيها، لكن أشير إليها هنا بشيء من الإيجاز، وهي أن هذه الدعوة تنسحب على كل الذين خرجوا عن السنة والجماعة، فكثير من أهل الأهواء والبدع يدّعون أنهم مالكية، ولا أقول: كل المالكية؛ لأن المالكية الأصل أنهم على السنة، والشافعية على السنة، لكن هناك من يدّعي الشافعية وتجده بدعي بكل معنى الكلمة، وهو من أبعد الناس عن مذهب الشافعي، وكذلك من الحنابلة أيضاً، وبعض الناس يظن أنا نعتقد أن الحنابلة ليس فيهم من خرج عن السنة والجماعة، ويوجد ممن ينتسب إلى الإمام أحمد من خرج عن السنة والجماعة. إذاً: هم يوهمون الناس بأن المذاهب مختلفة في الدين، بينما المذاهب هي اجتهادية، وكل الأئمة الأربعة دينهم واحد وعقيدتهم واحدة، والإمام محمد بن عبد الوهاب هو على هذه العقيدة وصرّح بهذا، وكان يستدل بوضوح بأقوال أبي حنيفة والشافعي والإمام مالك وأحمد في قضية تأصيل الدين وأصوله. إذاً: هذه معادلة معضلة، وهي أنه يوجد ممن كان قبل دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب خارج عن السنة ويقول: أنا شافعي، مع أن الشافعي إمام في العقيدة والسنة قبل أن يكون إماماً في الفقه، بل إنه عرض أقواله في الفقه على الدليل، وقال: إذا خالف رأيي وقولي الدليل فاضربوا به عرض الحائط. فالعقيدة لا يساوم عليها ولا يتنازل عن شيء منها؛ فهو على عقيدة أبي حنيفة ومالك والإمام أحمد وهكذا.

وجه انتساب أهل الكلام إلى الأشعري والشافعي

وجه انتساب أهل الكلام إلى الأشعري والشافعي المقدم: كيف ينسب الأشعرية أنفسهم للشافعي، مع أن الشافعي من أكثر العلماء ذماً لأهل الكلام؟ الشيخ: بل السؤال أعمق ولعلي أصحح المسار لنختصر: المتكلمة الأشاعرة لماذا سموا أشاعرة انتساباً لمن؟ انتساباً لـ أبي الحسن الأشعري وهو على مذهب أهل السنة والجماعة. المقدم: ألم يكن كلابياً مثلاً؟ الشيخ: لا، هو عاصر ابن كلاب وما التقيا، بل هو أقدم وأعمق في فهم الفرق والأهواء من ابن كلاب، والإمام الأشعري على مذهب أهل السنة والجماعة فضلاً عن الإمام الشافعي، فمن هنا تأتي المعضلة وهي الانتماء للإمام والانتساب إليه، في حين أنه ليس على دينهم، فكتبه موجودة، و (مقالات الإسلاميين) الذي هو للإمام الأشعري، وكذلك و (الإبانة) و (رسالة إلى أهل الثغر)، يوجد فيها بعض الثغرات التي خرج فيها عن السنة، وهي نزعات باقية من تبعيته الكلامية لـ ابن كلاب وغيره، لكن مع ذلك في الجملة فالإمام الأشعري على منهج السلف، ويثبت الصفات الذاتية والفعلية، إلا تأويلاته التي تعلقت بالكلام ومسائل معدودة عند أهل العلم فتُعتبر زلات عالم. إذاً: ما دمتم أنتم تعتبون علينا اتباع محمد بن عبد الوهاب وتقولون: نحن ندفع المذاهب الأربعة نقول: الإمام محمد بن عبد الوهاب على مذهب الأئمة الأربعة وعلى مذهب الأشعري، وأتحدى أن يكون الأشاعرة أقرب من الإمام محمد بن عبد الوهاب إلى الأشعري، بل هو أقرب إلى الأشعري بنسبة (90 %) أو أكثر. المقدم: فعلاً الأشاعرة انحرفوا إلى مذهب المعتزلة؟ الشيخ: أي: متكلمة الأشاعرة؛ لأن المعاصرين الآن لا يتعمقون بالكلاميات، فهؤلاء -إن شاء الله- هم أقرب إلى السنة والفطرة، خاصة العوام منهم الذين لا يتعمقون في الكلاميات، أما متكلمة الأشاعرة فقد بعدوا، وأنا لا أدري لماذا جاء هذا الموضوع، لكن بمناسبة نسبة المذهب الخامس لدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب نقول: ليست مذهباً خامساً، بل هو يلتزم بمذهب الأئمة الأربعة، وهذه الدعوى من باب التشويه. كذلك من الكذب قولهم: إن أئمة الدعوة يكفّرون بالذنوب، بل هم أبعد الناس عن التكفير بالذنوب، صحيح أنهم حازمون في الأحكام التي وصف الله عز وجل بها الكفار والمشركين، وحازمون في مسألة حماية العقيدة من غوائل الشرك والبدع، وهذا الحزم لا يطيقه بعض الناس، فيفسّره بأنه تشديد، ويفسّره بأنه تكفير، في حين أنهم أبعد الناس عن التكفير، خاصة الإمام محمد بن عبد الوهاب، فعنده ورع عن التكفير لم نجده عند كثير من أئمة السلف الأوائل.

أمثلة ونماذج من الافتراءات على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

أمثلة ونماذج من الافتراءات على دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب المقدم: لعلنا نأخذ أمثلة يا شيخ؟ الشيخ: من البهتان والكذب: الأول: دعواهم أن دعوة الشيخ خارجية وأنها مجسّمة. الثاني: الجهل والتقليد الذي عليه عامة المسلمين شُوهَتْ في أذهانهم دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فتجدهم يسمونها الوهابية، فهم مقلّدة للكذبة والمفترين، ولعلي أكتفي بنموذج طريف على هذا الجانب الثاني وهو الجهل والتقليد. هناك قصة مشهورة سمعتها من عدد من العلماء، منهم الشيخ الألباني رحمه الله يقول: إن أحد العوام من بلد مجاور للملكة العربية السعودية زار الرياض، وهو في ذهنه مما في بعض بيئته أن الوهابية لا يحبون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وكأنه يرى أنهم يستنقصون النبي صلى الله عليه وسلم، أو أنهم جفاة في حقه، فهذا العامي عندما أتى إلى الرياض رغب أن يذهب إلى السوق، وهذا السوق مشهور، حتى قال لي الشيخ الألباني رحمه الله: أنتم تسمونها سوق ابن قاسم، هذه خصوصية للرياض، حراج ابن قاسم، فيقول: عندما ذهب إلى السوق صُعق وجاء إلينا مرتبك وهو يشتم أناساً معينين وغير معينين، قلنا: ما الذي حصل؟ قال: إني كنت أفهم من فلان وفلان وفلان بديارنا أن هؤلاء أهل نجد لا يحبون النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: وأنا في السوق وهم يتبايعون بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: فأسأل أول هؤلاء: بكم هذه السلعة؟ فيقول: صل على محمد صلى الله عليه وسلم، هي بكذا وآخر يقول: صل على النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: إنهم يتبايعون بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ملء السمع والبصر، وسمعت عدة أشخاص يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم في كل أمر وهم في السوق، ويقول هذا العامي: أما نحن فنتشاتم، وأحياناً يسب بعضنا الدين أثناء البيع والشراء، ثم يقول: أهذه الوهابية التي يقولون عنها؟! هذا نموذج للجهلة والمقلّدة.

مداخلة الدكتور سهل حول دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب

مداخلة الدكتور سهل حول دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب بداية نشكر لشيخنا الشيخ ناصر بن عبد الكريم العقل هذا الطرح المميز لهذا الموضوع المهم، والذي نحن بحاجة إليه في هذا العصر، خاصة فيما يتعلق بمسائل العقيدة، ودعوة الأئمة المجددين إليها. فدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله هي امتداد لدعوة أئمة السلف ودعوة المجددين من العلماء، فالشيخ رحمه الله لم يأت بجديد، وإنما هو يدعو لما دعا إليه نبينا عليه الصلاة والسلام، وما دعا إليه الصحابة الكرام، والمتأمل في دعوة الشيخ -وكتبه موجودة بحمد الله ومنتشرة في العالم الإسلامي- يجد أن هذه الدعوة المباركة ما هي إلا امتداد لدعوة الصحابة رضوان الله عليهم وأئمة الهدى، ولهذا العلماء رحمهم الله يشبهون (كتاب التوحيد) لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بأنه قطعة من صحيح الإمام البخاري , وأنا عندما أدرس الطلاب في الجامعة، وخاصة طلاب المنح يُعجبون كثيراً بـ (كتاب التوحيد) وغيره بأسلوب الطرح المتميز، ما هو إلا آية وحديث وقول لصحابي، ومصطلحات شرعية مأخوذة من الكتاب والسنة وأئمة السلف؛ ولهذا ندعو كل من يلمز دعوة الشيخ إلى أن يقرأ كتب الشيخ رحمه الله في مصادرها وفي مصطلحاتها وفي دلالاتها، فسوف يتبين له الحق في أن دعوة الشيخ رحمه الله ما هي إلا امتداد لدعوة أئمة السنة وأئمة الدين من الفقهاء الأربعة المتبعين في العالم الإسلامي؛ ولهذا كل من يلمز دعوة الشيخ أو غيره فلنقل له: اقرأ كتب الإمام الذي تتبعه في الفقه سواء الإمام مالك أو الإمام أبي حنيفة أو الإمام الشافعي أو الإمام أحمد تجد أن كلام هؤلاء الذي يقولونه في العقيدة هو ما يقوله إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله. المقدم: دكتور سهل أحياناً من يقرأ كتب الشيخ يرى أنها مختصرة، هل في هذا مغزى؟ مداخلة: مختصرة من جهة ماذا؟ المقدم: من جهة عدم الحشو في الكلام أحياناً وعدم إطالة الشروح إنما أحياناً يكتفي بآيات أو بحديث. مداخلة: هذا من أساليب الشيخ رحمه الله، وأساليب الأئمة أنهم يذكرون الكلام المختصر الذي يفهمه العالم ويفهمه العامي، ولكن المتأمل في كتبه يجد أنها تعتمد على الدليل، ولننظر في كتاب (التوحيد) وفي كتاب (الأصول الثلاثة) وفي كتاب (كشف الشبهات) وغيرها يجد مع اختصار العبارة سهولة العبارة واعتمادها على الدليل من الكتاب والسنة، وهذا ما يميز هذه الدعوة المباركة، كدعوة المجددين قبله. المقدم: دكتور سهل شكراً لك على هذه المداخلة. لنكمل ما تبقى من النقاط حول دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب وما أشيع حوله من المفتريات في الحلقات القادمة بإذن الله تعالى. أسأل الله أن يبارك فيكم وفي جهودكم شيخ ناصر. نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

حقيقة التدين

حقيقة التدين حقيقة التدين هي التمسك بجميع أوامر الدين وترك نواهيه ظاهراً وباطناً، فمن تمسك بالدين ظاهراً وباطناً فهو المتدين حقيقة، ومن تمسك به ظاهراً وتركه باطناً فهو مدَّعٍ للتدين، وليس متديناً، والدعاوى ما لم تكن عليها بينات فأهلها أدعياء، وللتدين مظاهر متعلقة بالقلب والجوارح ينبغي مراعاتها، والحرص على تحقيقها.

تعريف التدين لغة واصطلاحا

تعريف التدين لغة واصطلاحاً الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله، ورضي عن صحابته أجمعين. أما بعد: فإن كل دعوى لابد لها من حقيقة، وأعظم الحقائق هي حقيقة الدين. والدين والتدين أوصاف يتمنى كل مسلم أن يتصف بها، بل ربما يدعيها كثير من المسلمين، وقد تكون هذه الدعوى صحيحة، وقد لا تكون، ولابد من وزن كل دعوى بموازينها الشرعية والعقلية. ودعوى التدين دعوى كبيرة لابد لها من حقيقة، وهذا ما سنقف عنده بعض الوقفات بقدر ما يتسع له الوقت. أولاً: ما هو التدين بمعناه اللغوي والاصطلاحي؟ التدين: مأخوذ من الدين، والدين: هو التسليم والطاعة والتذلل والخضوع والعبودية، وعلى هذا فإن التدين -تدين المسلم- بمعناه الاصطلاحي يتمثل أولاً بالتسليم لله عز وجل، والتذلل له سبحانه، والخضوع والطاعة والامتثال، وجماع ذلك كله: العبودية لله سبحانه. ولذلك سمي الإسلام بهذا الاسم من هذا المعنى، فالإسلام معناه: التسليم، وهو: الاستسلام لله عز وجل بالعبودية والطاعة، الاستسلام المطلق. والاستسلام -أي: استسلام التدين- لابد أن يشمل استسلام القلب واستسلام الجوارح، وخضوع القلب وخضوع الجوارح، ولو تأملنا حال المسلمين اليوم ثم قارناها بحال المسلمين في القرون الثلاثة لانكشفت لنا الكثير من الحقائق المتعلقة بدعوى التدين. أثر عن الحسن البصري رحمه الله حكمة صائبة قال فيها: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب، وصدقته الأعمال. وعلى هذا تستجلى حقيقة التدين من إظهار علامات التدين على القلب أولاً، أي: الأعمال القلبية، التي سيأتي الإشارة إلى شيء منها، ثم على الجوارح التي هي الأعمال الظاهرة، والتي تتمثل بأعمال المسلم الظاهرة تجاه أركان الدين وواجباته والأخلاق ونحو ذلك. ثم ما يستلزم ذلك أيضاً من منهج التعامل، تعامل الإنسان أولاً مع ربه عز وجل، وتعامله مع الحقائق الشرعية، وتعامله مع أصول الإسلام، ومدى امتثاله لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم مدى تحقيقه لمعنى الإسلام، ومدى تعلقه بهذا الدين.

حقيقة التدين ومظاهره

حقيقة التدين ومظاهره أوجز النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة التدين بوصيته لأحد الصحابة لما سأله فقال: (قل: آمنت بالله ثم استقم)، وهذه كلمات جامعات جمعت الدين كله في كلمتين: (قل: آمنت بالله)، يعني: حقق الإيمان في قلبك. (ثم استقم)، في أعمالك في عبادتك في أخلاقك في تعاملك مع الحياة مع الناس. والإيمان بالله لا يكون إلا بمقتضى العقيدة الصحيحة، وهذا لا شك فيه، وإلا كل يدعي الإيمان بالله. والاستقامة على دين الله لا تكون إلا بمقتضى العمل بشرع الله، وبما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فحتى الإيمان بالله والاستقامة هي دعوى، لكن لها شروط وضوابط وحقيقة، وعلى هذا فإن التدين أمر لابد أن يحكم حياة المسلم كلها، في قلبه وروحه ونفسه وعواطفه ومشاعره وأعماله ومواقفه، كل هذه الأمور لابد أن يتحقق فيها معنى التدين. أو أول حقيقة في بلوغ المراد الشرعي بالتدين: هي صلاح القلب، وصلاح القلب يكون أولاً بتعظيم الله عز وجل في أسمائه وصفاته وأفعاله. فإذا أراد المسلم أن يختبر نفسه، أو يستجلي حقيقة تعلق قلبه بالله عز وجل فلينظر في حاله إذا قرأ القرآن وسمعه، ثم مرت عليه أسماء الله عز وجل، فهل يجد في نفسه تأثراً بمعاني أسماء الله؟ وهل يجد في استعراضه لأسماء الله عز وجل والتفكر فيها وتمعن معانيها أثراً في قلبه بزيادة تعظيم الله ومحبته ورجائه وخوفه وتقواه؟ وكل أسماء الله عز وجل لابد أن تغرس هذه المعاني، فإن وجد أثراً طيباً في ذلك فليحمد الله، وليعلم أنه بدأ طريق الاستقامة، وإن أحس بالغفلة وعدم التأثر بمعاني أسماء الله عز وجل؛ فليفتش عن حاله.

أركان العبادة المتعلقة بالقلب

أركان العبادة المتعلقة بالقلب ينبغي أن يختبر المسلم قلبه بمدى تحقق أركان العبادة في قلبه، فالعبادة في القلب لابد أن تقوم على ثلاثة أركان: الركن الأول: محبة الله عز وجل محبة تعظيم وتقديس، بأن يمتلئ قلب المسلم بمحبة الله. الركن الثاني: خشية الله عز وجل والخوف منه. الركن الثالث: تعلق القلب برجاء رحمة الله وعفوه في الدنيا والآخرة. فإذا امتلأ القلب بهذه المعاني أو شعر بها فلابد أن تثمر أموراً كثيرة: من تقوى الله ورقابته والإنابة إليه والتوكل عليه، والتعلق به سبحانه في كل الأمور، بحيث يحب المسلم ما يحبه الله، ويحب من يحبهم الله، ويبغض ما يبغضه الله، ويبغض من يبغضهم الله.

تحقيق التدين عند العبد بصلاح القلب ومظاهر ذلك

تحقيق التدين عند العبد بصلاح القلب ومظاهر ذلك لابد أن يتحقق معنى التدين في صلاح القلب بالتذلل لله سبحانه، التذلل القدري والشرعي، بأن يخضع لقدر الله عز وجل، ويؤمن بقدر الله، ويصبر على قضاء الله. وكذلك التذلل بالاستعداد والتسليم للعمل بما أمر الله به، والانتهاء عما نهى الله عنه. وكذلك لابد أن يشعر المسلم إذا تحقق التدين في قلبه بالإذعان لشرع الله: أنه يستلزم ذلك فعل ما أمر الله به، كما قال الله عز وجل: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ} [آل عمران:31]، ومما يستلزم صلاح القلب: اتباع ما أمر الله به واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، والاتباع يبدأ بالمحبة، بأن يحب المسلم الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يكون أحب إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين، ولتثمر هذه المحبة الاستعداد لقبول ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، فيستعد المسلم لتوقير النبي صلى الله عليه وسلم في كل أحواله، ثم اتباع سنته والاهتداء بهديه، وحب ما يحبه الرسول صلى الله عليه وسلم، وحب من يحبه، وبغض ما يبغضه الرسول صلى الله عليه وسلم، وبغض من يبغضه. كذلك تتجلى حقيقة التدين من حيث صلاح القلب: في الرقابة لله عز وجل، والذي ينتج عنها تقوى الله، فمن راقب الله اتقاه، وهذه من معاني الإحسان التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل، حينما سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان فقال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، بهذا الاستشعار تتحقق الرقابة لله عز وجل في قلب المؤمن وعقله ومشاعره وروحه وعواطفه، فإذا تحققت الرقابة لله عز وجل فإن المسلم لابد أن يتقي الله، وهذه نتيجة طبيعية، بل نتيجة حتمية، فكل من راقب الله واتقاه فلابد أن يقوم بما أوجب الله عليه، وأن ينتهي عما نهى الله عنه. والمسلم إذا استشعر أن الله يراقبه على معنى حقيقي وصحيح وسليم، فإنه لا يمكن أن يقع فيما يخل بحقيقة التدين. مثال ذلك ولله المثل الأعلى: الإنسان إذا شعر برقابة غيره له من البشر فتصوروا ما يفعله من التصنع والتكلف والمجاملة والمداراة إلى آخره؛ لأنه يشعر برقابة بشر برقابة إنسان لا يملك نفعه ولا ضره إلا بإذن الله، ولله المثل الأعلى، فكيف بمن يستشعر رقابة الله؟ ولذلك فإن حقيقة صلاح القلب إنما تتمثل بهذا المعنى، بالرقابة لله عز وجل؛ لأنه إذا امتلأ قلب المسلم بمحبة الله ورجائه وخشيته والإنابة إليه، إذا استشعر معاني صفات الله وأسمائه وأفعاله، إذا استشعر ما يجب لله عز وجل من التعظيم، فإنه لابد أن يجد أثر ذلك في قلبه وسلوكه، تتحقق التقوى التي أبرز معانيها: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية؛ باتباع ما أمر الله به، واجتناب ما نهى الله عنه. ثم لابد أن ينتج عن هذا الأمر أمر آخر تتجلى فيه أيضاً حقيقة من حقائق التدين: وهو التعبد لله عز وجل بما شرع، فالإنسان إذا خضع قلبه لله عز وجل، وإذا استكانت جوارحه وعواطفه وعقله وروحه لله عز وجل، فلا بد أن يتمثل ذلك بتحقيق العبادة، فإذا كانت العبادة على منهج سليم، على ما شرع الله وسن رسوله صلى الله عليه وسلم تحقق التدين في جانب العبادة لله، وذلك بامتثال ما شرعه الله بامتثال الفرائض والواجبات، والتقرب إلى الله عز وجل بما يحبه من الأعمال القلبية والعملية، والابتعاد عما يبغضه الله من الأعمال والأقوال القلبية والعملية. كما تتجلى حقيقة التدين بعد إقامة الفرائض وإقامة الواجبات في عمل السنن والنوافل، فالأعمال الصالحة يجر بعضها إلى بعض، والحسنات تدعو إلى الحسنات، فإذا وفق الإنسان وقبلت منه الحسنة فلابد -بإذن الله- أن يهتدي بها إلى الحسنة الأخرى، فمن أقام الفرائض على وجهها، وأدى الواجبات على وجهها فلابد أن يثمر ذلك في ظهور مظهر آخر من التدين، لا يتذوقه إلا من كان على هذا الطريق، وهو التقرب إلى الله بالنوافل، كما جاء في الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت بصره الذي يبصر به، وسمعه الذي يسمع به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها؛ ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه). وهذه المعاني العظيمة تتحقق إذا تدين المسلم لله عز وجل بالنوافل، ولكن لا يعقل أن يتدين بالنوافل ويقبل منه ذلك إلا إذا قام بالفرائض والواجبات، وهذا من جوامع الكلم للنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه اختصر الكلام، فبدل أن يقول: (تقرب بالواجبات والفرائض) قال: (بالنوافل)؛ لأنه لا يعقل أن الإنسان يتقرب بالنوافل على وجه شرعي صحيح مقبول عند الله إلا وقد وفى بالأركان والواجبات والفرائض، ولو عمل بالنوافل دون الفرائض ما نفعه ذلك. إذاً: تتجلى حقيقة التدين كذلك بالتعبد لله عز وجل، والتعبد لابد أن يكون على ما شرعه الله عز وجل، فكثير من عباد الأمم وأصحاب الديانات الباطلة قديماً وحديثاً يتعبون وينصبون في التعبد، لكنهم على غير شرع صحيح، فهؤلاء من الأخسرين أعمالاً، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا

الخشوع

الخشوع أول مظاهر التدين في الحقيقة: الخشوع. والخشوع: هو استكانة القلب والجوارح لله عز وجل، استكانة تظهر آثارها على حركات الإنسان وتصرفاته وأفعاله، ويتجلى هذا بأمور ظاهرة: أولها: بالقرآن الكريم، فإذا أردت أن تختبر قلبك ومدى خشوعك فانظر مدى تأثر قلبك بآيات الله المقروءة، فالقرآن هو كلام الله الذي لو أنزل على جبل لتصدَّع من خشية الله، هذا القرآن كلام الله الذي فيه الأوامر والنواهي والمواعظ والعبر والقصص، وفيه الوعد والوعيد، فإذا شعر المسلم عندما يسمع آيات القرآن بالخشوع والتأثر فليبشر بخير، وليعلم أنه تحقق فيه معنى من معاني التدين. ثم الخشوع في الصلاة، وهو اختبار حقيقي جلي، فمن أبرز آثار الأعمال القلبية: الخشوع، ومن أبرز مظاهر الخشوع بعد التأثر بكلام الله: الخشوع في الصلاة؛ ولذلك نجد في النصوص في القرآن والسنة أنه وصف عمل الصلاة بالإقامة، وأن تقيم الصلاة: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [المائدة:55]، لا إلى الأداء؛ لأن الأداء يستوي فيه المؤمن والمنافق، وكل يؤدي الصلاة، لكن لا يقيم الصلاة إلا من تحقق فيه معنى التدين. وأول مظاهر إقامة الصلاة: الخشوع فيها. والصلاة الخاشعة أيضاً لابد أن تثمر؛ لأنها لا بد أن تنهى عن الفحشاء والمنكر، ونجد معاني هذا في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في تعظيمه لقدر الصلاة، وفي أثر الصلاة في نفسه وروحه وقلبه ومشاعره وعواطفه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الصلاة قرة عين، كما ورد في الحديث الصحيح: (حبب إلي من دنياكم الطيب، والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة)، وقرة العين هي منتهى السعادة، والأم إذا أرادت أن تصف حبها لابنها لا تجد أفضل من كلمة: يا قرة عيني! لأنها في منتهى السعادة والحبور والمحبة لابنها. كذلك النبي صلى الله عليه وسلم لما استشعر معنى الصلاة وخشع في الصلاة قرت عينه، وشعر بأمن القلب وسعادة النفس وطمأنينة الروح وهدوء الجوارح، وزوال التعب والنصب الجسدي والقلبي؛ ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أرحنا بالصلاة يا بلال!) لا كما يكون من كثير من حالنا نسأل الله أن يعفو عنا، وكثير من حال الذين يقصرون في الصلاة حيث تجد الواحد يتململ ويتذمر من أداء الصلاة؛ حتى يعطيها أقل وقت ممكن، وينتظر وقت الإقامة، ثم يأتي ساعياً إلى المسجد، فإذا سلم ربما يسبح أو لا يسبح، ثم يمشي. ولو شعر ببعض قرة العين في الصلاة، وببعض السعادة والأمن والطمأنينة التي تكون للمصلي الذي يقيم الصلاة على وقتها لبكر، وربما جاء إلى المسجد قبل الأذان. إذاً: من مظاهر وحقيقة التدين وعلاماتها: الخشوع في الصلاة، ومما يعين على الخشوع: أن يقدم المسلم مقدمات للخشوع، وذلك بالاستعداد للصلاة استعداداً يحتسبه عند الله عز وجل، ويأتي بنية جازمة صادقة إلى المسجد مبكراً، وعلى الأقل إذا سمع الأذان وسمع (حي على الصلاة) (حي على الفلاح)؛ انشرحت نفسه واستعد للإقبال على بيت الله أو على المسجد أو على الصلاة، ثم توضأ الوضوء الذي يكون على السنة، ومشى إلى المسجد محتسباً خطواته، ثم دخل المسجد وسلم، ثم كبر واستشعر أثناء تكبيرة الإحرام بأنه رفع الحجاب بينه وبين ربه، ثم حقق المعنى الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الإحسان: بأن يعبد الله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإن الله يراه. إذا استشعر هذا المعنى في صلاته ارتفع الحجاب بينه وبين ربه، واستشعر أنه يرى ربه، ثم بدأ بصلاته على هذا النحو: إذا قال: الله أكبر، استشعر عظمة الله عز وجل، وأن الله أكبر من كل شيء، وأنه جاء ليقدم عبادة يحتسبها أمام الله عز وجل، ثم شرع في التسمية، وشرع بقراءة الفاتحة مستشعراً معانيها، مستشعراً معنى: (الحمد لله)، ومعنى: (رب العالمين)، واستشعر معنى الاستعانة بالله ومعنى عبادة الله، واستشعر الدعاء الذي يدعوه في الفاتحة وما بعد الفاتحة، إذا استشعر هذه المعاني في الصلاة خشعت جوارحه، ولذلك لا يتصور من إنسان على هذا الوضع في الصلاة أن يأتي بحركات أخرى، فلابد أن تسكن جوارحه، كما قال أحد الصحابة لما رأى إنساناً يعبث بيده وثيابه: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه. إذاً: بهذا المعنى وبهذه الصورة تتجلى حقيقة من حقائق التدين، فالخشوع يكون في جميع ما يتعرض له المسلم من آيات الله ونعمه وآلائه، فيخشع عندما يرى العبر، وعندما يرى المواعظ، يخشع لله ويستكين لله فيسكن قلبه وتهدأ جوارحه، وتطمئن نفسه وتسعد روحه، ويشعر بالأمن الذي وعد الله به المؤمنين، والأمن يشمل أمن الدنيا وأمن الآخرة، وأول أمن: أمن القلب، فالإنسان إذا لم يأمن قلبه وإذا لم يأنس قلبه بالله عز وجل استوحش، ولو توافرت له جميع الأسباب المادية، وإذا أنس بالله وأمن قلبه بالله أمن، ولو توافرت عنده أكثر المخاطر ما دام متوكلاً على الله باذلاً الأسباب.

الورع

الورع كذلك من مظاهر التدين: الورع، والورع ثمرة طبيعية لتحقيق العبودية لله عز وجل، ولتحقيق صلاح القلب والتعبد لله والخشوع، والمسلم إذا عبد الله على ما شرع الله وإذا عظم الله عز وجل في قلبه وجوارحه وعواطفه. وإذا ظهر أثر ذلك في خشوعه فلا بد أن ينتج عن ذلك الورع، فالورع معنى عظيم يجهله كثير من الناس. وأول الورع: الورع عما حرم الله، وليس أمام الخلق فقط، بل أولاً أمام الخالق عز وجل، فيجب أن يتورع المسلم من أن يقع فيما ينهى الله عنه، وأن يجد في قلبه واعظاً ورادعاً يردعه عما يغضب الله. ثم لابد أن ينتج عن هذا الورع ورع آخر: وهو الورع في حقوق الخلق، الورع في سائر ما يتناوله المسلم في حياته، فيتورع في مأكله، ويتورع في مشربه، ويتورع في دخله، ويتورع في حقوق الخلق، ويتورع عن الدماء والأعراض والأموال وسائر الحقوق، وكثير من الناس يفقد حقيقة الورع وإن تدين ظاهراً؛ لأن الفارق بين التدين الحقيقي والتدين العاطفي، أو من أكبر الفوارق وأظهرها بين التدين العاطفي الذي لا يوزن بميزان الشرع وبين التدين الحقيقي: الورع. ولهذا أمثلة من مسالك الذين سلكوا التدين بغير ورع فيها العبرة، ولنأخذ أبرز مثال: تدين الخوارج الذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يخرجون في أكثر من زمان، أخبر عن الخوارج الأولين، وأخبر عن خوارج يخرجون في آخر الزمان، جاء في حديث البخاري: (سيخرج في آخر الزمان أناس حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية)، يعني: ظاهرهم قول الدين، والغيرة على الدين. ولكنهم لا يتورعون عما حرم الله، بل لا يتورعون عن أعظم المحرمات في حقوق الخلق وهي الدماء، فأعظم المحرمات في حقوق الخلق هي الدماء، ومع ذلك هم متدينون، بل وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنا نحقر صلاتنا عند صلاتهم وصيامنا عند صيامهم، وقد وصفهم بعض الصحابة الذين جاءوهم في معسكراتهم بأن لهم دوياً كدوي النحل، مصفرة وجوههم، ناحلة أجسامهم من القيام بالليل، أُسوْد في القتال، لكن تدينهم غير حقيقي، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية؛ لأن تدينهم عواطف جياشة، تفجر الطاقات، والواحد منهم لو لم يضبط هذه العاطفة لربما فجر نفسه، كما يحصل من بعض المتأخرين. فعندهم عواطف جياشة، لكنها على غير هدى، وليس هذا هو التدين الذي أمر الله به، ومن هنا أحب أن أنبه على ظاهرة ظهرت في الآونة الأخيرة عند بعض الشباب، وإن كانوا قليلاً والحمد لله، لكن معظم النار من مستصغر الشرر، وهي تتعلق بحقيقة التدين، وهي أنهم تدينوا تديناً عاطفياً غير منضبط بالضوابط الشرعية، ولا بمنهج الرشد وأهل الرشد العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، وغير منضبط بمناهج العقلاء، فأدى بهم هذا التدين غير المنضبط إلى سلوك مسالك الغلو، فوقعوا في مصيدة المخالفين، ثم اتهام المخالفين لهم من العلماء وأهل الخير والصلاح والاستقامة -فضلاً عن غيرهم- بتهم تصل إلى حد التكفير، ثم أدى ذلك نتيجة التدين العاطفي غير الراشد إلى سلوك مسالك استحلت فيها الدماء، والفساد في الأرض بدعوى الغيرة على الدين وبدعوى الجهاد، وهذا يتنافى مع الورع؛ فالدين جاء بحفظ الضرورات الخمس: حفظ الدين، وحقيقة التدين: أن يحرص المسلم على حفظ الدين في نفسه وفي الأمة وفي البشرية جميعاً. ثم حفظ النفس، فاحفظ نفسك ونفس غيرك. وحفظ العقل. وحفظ العرض. وحفظ المال. هذه تسمى ضرورات عند جميع العقلاء، وحفظها حقيقة التدين، فحقيقة التدين تتجلى في هذا الأمر، ولا مانع أن نطيل في هذه الظاهرة؛ لأنها ظاهرة ظهرت آثارها فينا وسببت شق الصفوف والتغرير ببعض شبابنا المتدين، وظهرت لها آثار في أمننا وفي جميع أمورنا، فلابد من الوقوف عندها قليلاً. وحقيقة التدين تتجلى أولاً بالاستقامة على العقيدة، ثم بسلوك سبيل المؤمنين الذين توعد الله من خالفهم، كما قال عز وجل: {وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:115]، وسبيل المؤمنين هو سبيل السلف الصالح، ومن سار على نهجهم إلى قيام الساعة، وسبيل المؤمنين إنما يمثله العلماء أهل الحل والعقد إلى يوم القيامة، وإذا لم نقل بهذه الحقيقة ضاعت الأمور، وإلا لماذا أرشدنا الله عز وجل إلى أهل الذكر، ولماذا أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم بالأخذ عن العلماء وقال: (العلماء هم ورثة الأنبياء). إذاً: فحقيقة التدين تتمثل بسلوك سبيل المؤمنين الذي يمثله العلماء، والعلماء قد يشك فيهم بعض من عنده شبهات، لكن مع ذلك يبقى من الثوابت الشرعية والعقلية أن العلماء هم رأس الأمة دائماً، وهم الذين حفظ الله بهم الدين، وهم رأس الطائفة المنصورة الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم)، فإذا لم يكونوا ظاهرين بالعلم

الإخلاص والمراقبة والإحسان

الإخلاص والمراقبة والإحسان من حقيقة التدين: وجود الإخلاص في القلب، والمراقبة لله عز وجل، والإحسان، وكما يكون الإحسان في العبادة لابد أن يكون الإحسان مع الخلق، ولعل أظهر محك للناس في ظهور حقيقة التدين هو التعامل مع الآخرين، فمن التدين أن يكون المسلم رفيقاً شفيقاً رحيماً بالمسلمين، أن يرفق بالمسلمين في كل شيء، في نصحه، في بيانه، في رده، في بيعه، في شرائه، في جميع أنواع التعامل، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه)، ولو استعرضنا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لوجدنا أن الأصل في تعامله مع الآخرين -حتى الذين يخطئون والذين يقعون في فواحش الذنوب، والذين يقعون في الأمور المستشنعة- أنه يعاملهم برفق، فعامل الأعرابي الذي بال في المسجد بالرفق، وعامل حاطب بن أبي بلتعة الذي وقع في عمل ظاهره الكفر بالرفق، وكثير من ذلك، إلا إذا انتهكت حدود الله فهذا أمر آخر، وله ضوابطه، ويكون لأهل الحل والعقد أيضاً، وليس لكل إنسان أن يدعي دعوى الغيرة على الحدود فيفتات على العلماء. فالمهم الإحسان إلى الخلق عموماً، وكل له درجة من الإحسان، وحسن التعامل مع الآخرين هو المحك، ولذلك لما أخل كثير من المسلمين بهذه الحقيقة، حقيقة التعامل مع الآخرين، ولم يسلك كثير منهم مسلك الرفق والرحمة والحلم والنصح والإشفاق والتدرج في الدعوة ونحو ذلك، لما تخلف هذا الأصل عند المسلمين قل وضعف جانب القدوة فيهم، فالقدوة الآن في المسلمين قليلة ونادرة جداً في التعامل، وكثيرون نجدهم في عقائدهم على الاستقامة، وتجد هناك نماذجاً من الناس عقيدة أحدهم سليمة، وعلمه وفقهه في الشرع سليم، وقد يكون أيضاً باذلاً جهده في سبيل الدعوة إلى الله عز وجل، لكن لا يحسن التعامل مع الخلق، فهذا غالباً لا تنفع دعوته، ولا يقتدي به أحد، والمسلمون الآن بحاجة إلى الأنموذج الأمثل في التعامل أكثر من حاجتهم إلى الخطب والكتابات والوسائل الأخرى، وأنا أجزم أنا لو استغنينا عن أكثر ما نقوله وما نكتبه واتجهنا إلى غرس القدوة في الناس لتحقق الخير الكثير، فكثيرون ممن حرموا الاستقامة كان الحاجب بينهم وبين الاستقامة سلوك بعض المتدينين؛ لأنهم ما حققوا التدين. ثم كثير من الكفار وغير المسلمين حرموا نعمة الإسلام بسبب كثير من المسلمين، وهذا أمر معلوم مشهور، يعلمه كل من خالط أو عايش أو سافر إلى بلاد الكفار للدعوة إلى الله عز وجل، أو حتى دعا أحداً من الكفار في أي مكان، فسيجد أن من أعظم عوائق إسلام هؤلاء القوم أفراداً وجماعات وأمماً وقبائل هو سلوك المسلمين، وهذا صرحوا به وقالوه، فأكبر عائق لدخولهم في الإسلام هو عدم تحقيق التدين بين المسلمين في تعاملاتهم، فتجد كثيراً من المسلمين غليظاً فظاً، عنده جفاء، وعنده سلبية، وقد يتعامل مع الناس بشيء من المراوغة والكذب، وعدم الإتقان للأعمال إلى آخره. وكما تتحقق حقيقة التدين بالتمييز بين الحق والباطل لابد لكل من يدعي التدين أن يميز بين الحق والباطل، ويتجلى ذلك بأن يميز المسلم بين المعروف وبين المنكر، ويميز بين الكفر وبين الإسلام، ويميز بين المسلم وبين الكافر، ويميز بين المؤمنين وبين الكافرين، والله عز وجل يقول: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:35 - 36]، ويقول عز وجل: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ} [السجدة:18]، وبعض الناس يقول: الكل سواء، وهذا غير صحيح، لكن التمييز ينبغي أن يكون له ضوابطه وحدوده، فلا يصل إلى حد الخشونة في التعامل، أو الإساءة إلى الدين الحق أو إلى الفظاظة والغلظة في التعامل مع الآخرين. فمن حقيقة التدين أن يكون المسلم مميزاً، وكما يميز بين الضار والنافع في مأكله ومشربه ومعاملاته مع الناس يجب أن يميز قبل ذلك بين الحق والباطل، لكن بالضوابط الشرعية، لا يتخطى الحواجز الشرعية والطبيعية كما يفعل بعض الناس، فالأمر يحتاج إلى اعتدال؛ فلابد من التمييز بين الحق والباطل في حقيقة التدين.

اعتبار الآخرة نصب عين المسلم

اعتبار الآخرة نصب عين المسلم أخيراً: من حقيقة التدين: اعتبار الآخرة في تدينك، فلابد أن تضع الآخرة نصب عينيك، بمعنى أن تسعى إلى ما ينجيك ويسعدك في آخرتك، وأن تتجنب ما يعرضك للوعيد، وأن تسعى إلى ما يوصلك إلى رضا الله عز وجل والجنة، ورؤية الرب عز وجل، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا جميعاً ممن يتمتع بذلك، وأن تحرص على اتقاء عذاب الله، نسأل الله الإعاذة من ذلك. فحقيقة التدين: أن يكون هذا الأمر نصب عيني المسلم في أعماله القلبية وأعمال الجوارح جميعاً، بأن يسعى دائماً إلى إنقاذ نفسه من الهلكة، وأن يسعى إلى التطلع للاستعداد للآخرة في كل أموره، نسأل الله للجميع التوفيق والسداد. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

الأسئلة

حقيقة التدين وعلاقته بالقلب والجوارح

حقيقة التدين وعلاقته بالقلب والجوارح Q ذكرت في كلامك أن من حقيقة التدين: أن تظهر على المتدين علامات التدين، ألا ترى أنه يوجد من تغلب عليه علامات التدين يكون من أقبح الناس، وهناك في الجانب الآخر من تظهر عليه علامات الفسق وهو من أتقى الناس، والناس شهداء كما في الحديث: (الناس شهداء الله في أرضه)، فكيف يكون هذا؟ A على أي حال أنا لم أقل شيئاً ينافي ما جاء في السؤال، وأنا أوافق السائل بأنه قد يوجد كثير من التدين عند بعض من يوجد عندهم شيء من الفسق، وقد يتخلف كثير من مظاهر التدين عند بعض من ظاهرهم التدين، فأنا ما قلت: إن التدين مظاهر، بل بالعكس أنا بدأت قولي بأن التدين يبدأ من القلب، وبعلاقة الإنسان بربه عز وجل، فأرجو أن يتأمل السائل ما قلته، وسيجد أني لا أختلف أنا وهو.

أثر الدروس والمحاضرات والجلساء الصالحين في تدين المسلم

أثر الدروس والمحاضرات والجلساء الصالحين في تدين المسلم Q هل الحلقات والجلوس في المكتبات وحضور مثل هذه المحاضرات يعتبر أيضاً من حقيقة التدين وجزاكم الله خيراً؟ A في الحقيقة أنا كنت سأشير إلى هذا الأمر في مسألة أن حقيقة التدين تظهر أيضاً من الجليس، والنبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى ذلك فقال: (المرء من خليله؛ فلينظر أحدكم من يخالل)، وفي بعض الألفاظ: (المرء من جليسه)، فلا شك أن من حقيقة التدين: المجالسة، والعرب تقول: (الطيور على أشباهها تقع)، وهذا مثل صحيح، فلا يمكن للطير إلا أن يكون مع جنسه، وكذلك المؤمن لا يكون إلا مع جنسه، والفاسق يكون مع جنسه، وإذ تخلف شيء من هذا فهو نادر، والنادر لا حكم له. فلذلك أقول: من علامات التدين بالنسبة للشاب الناشئ أن يسلك مسالك الخير، ومن ضمنها: حلق تحفيظ القرآن ومجالس الذكر ودروس العلماء والمحاضرات، والجلساء الصالحون، وأهل الصلاح قد يكون منهم من يتجاوز هذه الأمور، فإذا رأيت من أحدهم إسرافاً في الغيبة والنميمة والقيل والقال وبهت العلماء والكلام في الولاة والكلام في مصالح الأمة العظمى وغير ذلك، فخير لك أن تبحث عمن هو أصلح منه، وستجد إن شاء الله.

تعريف بالخوارج وبيان مذهبهم وأفكارهم

تعريف بالخوارج وبيان مذهبهم وأفكارهم Q من هم الخوارج؟ وما هو مذهبهم؟ وعلى ماذا يتركز فكر الخوارج؟ A الخوارج: هم أناس خرجوا عن جماعة المسلمين وعن إمام المسلمين في عهد علي بن أبي طالب، ثم بعده أيضاً ظهرت فئات من الخوارج، ويظهرون آخر الزمان كما جاء في حديث البخاري، وهم قوم يتدينون على غير منهج صحيح، عندهم عاطفة في التدين شديدة جداً، لكنهم على غير منهج صحيح. وهذا ذكرني بفائدة أعرج عليها وهي: أن بعض الناس يشكل عليه الأمر فيما يتعلق بالظواهر الجديدة التي تشبه ظواهر الخوارج، وإن لم تكن كلها على مذهب الخوارج؛ لأنه لا يلزم أن يكون الغلو كله هو مذهب الخوارج؛ فالغلو واسع يشمل مذهب الخوارج وغيرهم، ولا يلزم أن كل من وقع في استحلال الفساد في الأرض أن يسمى من الخوارج، فقد يكون باغياً وقد يكون متأولاً إلى آخره، لكن عمله حرام وفساد وإن لم يكن من الخوارج. على أي حال الحقيقة التي ينبغي أن نفهمها في هذا الأمر أن مذهب الخوارج وما يشبهه غلو، والدليل على ذلك: أنه ما سلك مسالك العلماء والمعتدلين وأهل العقل والرشد. وإذا ما كان الفساد في الأرض والتكفير والتفجير هو الغلو في هذا الزمن فما هو الغلو؟ وإذا لم يكن هذا المظهر هو الغلو الذي يشبه غلو الخوارج فما هو الغلو؟ ومذهب الخوارج يقوم على الخروج على أئمة المسلمين وعلى العلماء وبقية المسلمين، وعلى التكفير واستحلال دماء المخالفين. أيضاً: يقوم على مناهج خاطئة في الاستدلال، فهم يستدلون بنصوص على غير وجهها، ولذلك لما جاءهم عبد الله بن عباس رضي الله عنه وبصرهم بخطئهم في الاستدلال وقلب أدلتهم عليهم، واستدل عليهم بأدلة أخرى رجع منهم قيل: أربعة آلاف، وقيل: ألفان في جلسة واحدة، وهذا عدد هائل، مع أنهم أصعب الناس في أن يقتنعوا بقول يخالف قولهم. وغالباً صاحب الغلو يقفل ذهنه عن قبول رأي الآخرين؛ لأنه مصمم في ذهنه على أن الآخرين على باطل، فلا تجد عنده الاستعداد لسماعك أو لفهمك على أنك إنسان لك وجهة نظر شرعية قابلة للاجتهاد، لا يفهم منك هذا. أيضاًَ لا يجلس معك، وليس لديه استعداد على أنه ممكن أن يقبل منك الحق، بل هو جازم على أن الحق معه، وأنك على باطل؛ ولذلك يكتفي بالحوقلة والحسبلة إذا حدثته فقط؛ لأنه يراك ضالاً يراك لا تعرف الاستدلال يرى أنك لم تعرف الحق الذي يعرفه، وإن كان مشفقاً عليك يمكن أن يدعو لك فقط بأن يهديك الله. فهذا هو منهج الخوارج، لكن أحب أن أنبه على أمر: ليس كل من سلك شيئاً من هذه المسالك يسمى خارجياً، فقد يقع الإنسان في الغلو ولا يسمى من الخوارج، وقد يقع في التكفير -وهو خطأ- ولا يسمى من الخوارج، وقد يستحل الفساد في الأرض، وقد يستحل التفجير، ولا يلزم أن يكون من الخوارج، فقد لا تتوافر فيه صفات الخوارج، قد تكون فيه خصلة من خصال الخوارج وهي التكفير، واستحلال الدماء إلى آخره، وهذا نوع من الفساد أو بغي، أو تأول خاطئ. ثم لا ننسى أن كثيراً مما يقعون فيه من هذه الأمور يقعون فيه بسبب أنهم مغرر بهم، فأحدهم شاب تدين بعاطفة قوية، وجاءه شخص من أصحاب الغلو وجلس معه ثلاث ساعات وشحنه شحناً عاطفياً مركزاً، فقلبه (180درجة)، وبدل أن كان إنساناً وديعاً ومسالماً أصبح خلال ثلاث ساعات إنساناً عدوانياً يتمنى أن يفعل أي شيء ينتقم فيه للدين بزعمه؛ فتحول إلى مفجر، وهذا في نظري إلى الآن ما حدث من الخوارج، ولا أظنه كان من البغاة. وتجد أغلب أصحاب هذا الفكر من صغار السن، وقد رؤيت بعض الأشرطة التي عرضت عنهم تجد أن فيهم خفة أو سفاهة في أحكامهم وتصرفاتهم، خفة مراهقين غوغاء، فهؤلاء مساكين يحتاجون إلى من يرجعهم إلى رشدهم، يحتاجون إلى من يعالجهم؛ فلا نستطيع أن نقول: إنهم خوارج، لكنهم وقعوا في الخطأ، وأعمالهم أعمال خوارج، لكن أشخاصهم الله يتولاهم، هو أعلم بحالهم.

حرمة أعراض العلماء وغيرهم

حرمة أعراض العلماء وغيرهم Q ( لحوم العلماء محرمة) هل هذا حديث؟ وإلا ما الدليل عليه؟ A من الإشكال أن يطلب الدليل على الواضحات، والأصل أن الله عز وجل حرم أعراض جميع المسلمين، قال تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات:12]، فالغيبة محرمة بين المسلمين كلهم، حتى فاسقهم أو فاجرهم لا يجوز أن تغتابه، وهل نحتاج إلى دليل على عدم جواز غيبة العلماء أو الكلام فيهم؟! سبحان الله! هذا انتكاس في المفاهيم، والجهل بمثل هذه الحقيقة المسلَّمة هو الذي يوقع بعض شبابنا وبعض أفرادنا وعَوَامِّنا في مثل هذه المسالك الخطيرة؛ بدعوى أنها ليست محرمة أو ليست غيبة. فمن البدهي أن المسلم العادي الذي ليس له حقوق كبيرة لا يجوز غيبته ولا نميمته، ولا الحط من قدره، ولا السخرية منه، فكيف بالعالم؟!

نصيحة لمن ترك التدخين

نصيحة لمن ترك التدخين Q أخي في الله قد ابتلي بداء التدخين، ولقد حدثني أنه ترك التدخين منذ أسبوع، فما هي الكلمة التي توجهها إليه، وجزاكم الله خيراً؟ A على أي حال نهنئه، ونحمد الله عز وجل أن أنقذه، ونسأل الله لنا وله الثبات، فعليه أولاً أن يواظب على صلاة الجماعة وجميع فرائض الدين، وعلى النوافل، وإذا أمكن أن يقوم الليل ويوتر، ويدعو ربه عز وجل آخر الليل، ويتحرى مواطن الإجابة وأزمان الإجابة، مثل: عصر الجمعة، وبين الأذان والإقامة، وآخر الليل وبعد الصلاة، وفي السجود؛ يتحرى مواطن إجابة الدعاء، فيدعو الله عز وجل فيها أن الله يثبته ويهديه. ثم هناك أمر عملي مهم وهو أن يختار صحبة صالحة، وأنا متأكد بإذن الله بناءً على وصية النبي صلى الله عليه وسلم في الجليس الصالح أنه إذا صاحب الجلساء الصالحين وعاش معهم لن يعود.

معنى (سبحان الله)

معنى (سبحان الله) Q ما معنى: سبحان الله؟ A سبحان الله يعني: أعظم الله وأقدس الله.

معنى حديث: (وإن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع)

معنى حديث: (وإن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) Q أرجو توضيح قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)؟ ومن المقصود بهذا الحديث: المنافقون أم غيرهم؟ A المنافقون النفاق الكلي لا يعلمهم إلا الله، وأما خصلة من النفاق فهذه ليست مخرجة من الملة، هي من المعاصي، من أشد المعاصي خصال النفاق، ومن كبائر الذنوب، لكن المنافق الخالص لا يعلمه إلا الله عز وجل. أما ما يتعلق بالفقرة الأولى من السؤال -وهي معنى الحديث- فالحديث عام فيه ما نعلمه وفيه ما لا نعلمه، فكون الإنسان يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، هذا فيه أمر غيبي وفيه أمر ظاهر، والغيبي لا نتناوله لا بالتخرص ولا بغيره؛ لأنه قول على الله بغير علم، وهو غيب، والغيب لا يعلمه إلا الله، لكن الجانب الظاهر هو أن المسلم على خطر، والنبي صلى الله عليه وسلم وهو المعصوم الذي ضمنت له الجنة، وهو أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، صاحب المقام المحمود يقول صلى الله عليه وسلم: (يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك)، فأي مسلم مهما كان فيه من الإيمان، مهما كان فيه من التدين والورع يجب أن يخشى على نفسه من خاتمة السوء؛ فإن الله عز وجل قدر في الغيب مقادير العباد التي لا نعلمها؛ فعليه أن يبذل أسباب الهداية وأسباب الاستقامة. إذاًَ: قد يعمل الإنسان بعمل أهل الجنة، بمعنى: أنه يكون صالحاً تقياً عاملاً بأعمال الإسلام، ثم في لحظة من اللحظات يقع في ردة، إما كلمة كفر، أو عمل كفر قلبي أو ظاهر، ثم يموت قبل أن يتوب؛ فيكون سبق عليه الكتاب. أو يكون والله أعلم ممن في قلبه دخيلة لا يعلمها إلا الله، فيعمل بعمل أهل الجنة فيما يظهر للناس، وهذا قد يكون هو المنافق، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار. لكن الظاهر أن الحديث أشمل من هذا، أنه يشمل كل مسلم يفرط في دينه في لحظة من اللحظات؛ فيقع في الكفر، لا سيما في آخر الزمان مع كثرة الفتن. والآن مع فتن الغوغائية والدهماء وفتنة حمار الدجال (الإنترنت) وفتن الفضائيات تسمع من المسلمين كفريات، ويقعون في الكفر، ويقولونه بسبب هذه الدخائل الخبيثة، وهذا لعله مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان: (يصبح المرء مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً)، بمعنى: أنه يقع في الفتن التي يقع بها في الكفر. وقد يكون كفراً غير مخرج من الملة، لكن الشاهد أن التعرض للفتن قد يوقع المسلم في كفر وردة فيسبق عليه الكتاب، بمعنى: أنه يقدر له أن يموت قبل أن يتوب؛ فيكون نسأل الله العافية ختم له بخاتمة السوء.

حكم التفجير والذين يفجرون أنفسهم

حكم التفجير والذين يفجرون أنفسهم Q هل يعتبر أهل التفجير خوارج أم بغاة؟ وهل ينطبق عليهم حديث البخاري الذي ذكرته؟ A الله أعلم! يجب أن نتورع ونترك هذا للراسخين من أهل العلم، ويجب أن نفرق بين الأشخاص والأعمال، فالأعمال لا شك أنها أعمال شنيعة، أعمال بغي وفساد في الأرض، والذين وقعوا فيها أخطئوا، أما من يكونون؟ لم نتعبد بذلك، بل أنصح كل مسلم أن يعرض عن الكلام في الأشخاص؛ لأنه لم يتبين لنا حال أفرادهم، نعم المنهج العام الذي يتبنى هذه الأعمال هو منهج تكفيري، منهج غلو، منهج يخالف منهج أهل العلم والاستقامة، ويخالف منهج الراسخين؛ وهذا لا شك فيه. لكن الأفراد في الحقيقة يتفاوتون، فمنهم من هو مؤصل في هذا الفكر، والغالب أن المؤصل يدفع غيره، وأغلب الذين ينظمون هذه الأمور التخريبية ويهندسونها هم وراء الكواليس، والضحايا مساكين، هذا الذي يظهر لي، وهذا في العموم والأغلب، لكنهم أخطئوا، والعمل خطأ. وكما قلت وأعيد: أنصح عموم الإخوة الذين ليسوا من أهل العلم الذين يعنيهم هذا الأمر أن يتركوا الحديث في هذه الأمور، وأن يأخذوا بالعبر والقواعد العامة، وهو أن هذا فساد ولا يجوز ارتكابه، ويحذرون منه، ويناصحون الشباب؛ لئلا يقعوا فيه، هذا الذي يسعنا، أما الكلام في الأشخاص فندعهم إلى الله عز وجل، فهو سبحانه الذي يتولاهم ويتولانا، نسأل الله للجميع التوفيق.

أسباب الخشوع في الصلاة

أسباب الخشوع في الصلاة Q إذا لم يخشع الإنسان في صلاته فما حكم صلاته؟ وما هي أسباب الخشوع في الصلاة؟ A الخشوع في الصلاة يحتاج إلى استعداد مسبق، والاستعداد المسبق هو: أولاً: ترويض القلب قبل أن تشرع في الصلاة على الإقبال على الله عز وجل، واستشعار عظمته، واستشعار رقابته. ثم التمعن في معاني الأذان، والاستجابة لنداء الله عز وجل، فإذا قال المؤذن: (حي على الصلاة) (حي على الفلاح)، تستجيب استجابة المقبل الحريص السعيد بالإقبال على الصلاة. ثم الدعاء والذكر وتقديم تحية المسجد قبل الفريضة بمجاهدة النفس فيها. وبذل الأسباب العامة التي ترقق القلب قبل ذلك، مثل تلاوة القرآن والأوراد، وبذل الخير للناس والإحسان والمعروف، وأكثر ما يرقق القلب: الإحسان إلى الناس، والوقوف عند مواطن العبر والمواعظ، سواء في كلام الله عز وجل، أو في أحوال الناس، وزيارة المرضى وزيارة المقابر، الاعتبار بأحوال الآخرين الذين هم دونك، هذه أمور ترقق القلب، فإذا رق القلب خشع في الصلاة. ثم المجاهدة، فجاهد نفسك، بمعنى أنه منذ أن تكبر تكبيرة الإحرام وأنت تستشعر أنك ترى الله عز وجل، وأن الله يراقبك، وأنك تناجي ربك وتناديه، وتعظمه وتقدسه وتحمده سبحانه. ثم تدافع الهواجس والخواطر والطوارئ التي تطرأ عليك من وساوس الشيطان ومن هموم الحياة، واستعد قبل أن تقدم إلى المسجد بأنك تخلع اهتماماتك الأخرى وتخلو بربك. فاعمل الأسلوب وكرره؛ لأنه قد لا تجد الخشوع الكامل لأول وهلة، بل تحتاج المسألة إلى ترويض طويل، قال عز وجل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} [الطلاق:2]. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ثوابت في الدين

ثوابت في الدين ثوابت الدين ومسلماته في عصرنا مستهدفة من قبل أعداء الله، فينبغي على المسلمين الدفاع عن هذه الثوابت والمسلمات، وذلك بالمحافظة عليها وفق تعاليم الإسلام، وبكشف التلبيسات والمؤامرات التي تحاك ضدها، ولا يكون ذلك إلا بتكاتف الجهود من العلماء والدعاة وولاة الأمور، وكل مسلم بقدر ما يستطيع.

مظاهر انتهاك مسلمات وثوابت الأمة الإسلامية

مظاهر انتهاك مسلمات وثوابت الأمة الإسلامية الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد: فإن موضوع هذه المحاضرة من الموضوعات الملحّة في هذا العصر، وفي هذه الظروف التي يعيشها المسلمون في جميع أقطار الدنيا عامة، وفي هذا البلد بخاصة، التي هي بلاد السنة ومهبط الوحي، بلاد الحرمين، البلاد التي نحسبها -إن شاء الله- لا تزال تحكم بشرع الله عز وجل وتتحاكم إليه، وإن وجدت كثير من الأخطاء والتجاوزات، ونسأل الله أن يعفو عنا جميعاً، لكن يجب أن نتحدث بنعمة الله، ومن هنا أؤكد أننا كغيرنا من عامة المسلمين نتعرض إلى مخاطر كبرى قد نختلف ويختلف كثيرون في ترتيب هذه المخاطر وما هو الأهم منها، لكن أحسب أننا -أعني طلاب العلم المعنيين بالعلوم الشرعية- لا نختلف في أن أخطر ما تتعرض له الأمة هو التشكيك بعقيدتها ومسلماتها وثوابتها، وهذا التشكيك الآن ينحى مناحي خطيرة ومؤثرة، ليس فقط على مستوى الأفراد، بل على مستوى الأمة بمجموعها، تستهدف أغلى ما تملك الأمة وهو الدين والإيمان والفضيلة. أول مظاهر ذلك: الهجوم الإعلامي العنيف -بكل معاني الكلمة- الذي يركز على هدم المقومات للأمة، ليس مجرد التأثير السلبي كما يعبّر البعض، بل أصبح هذا الهجوم الشرس العنيف يستهدف هدم وتقويض أغلى ما تملكه الأمة، وأول ذلك العقيدة والدين، ثم ما يستتبع ذلك من مقومات العزة يستهدف الأخلاق، ويستهدف الجماعة والكلمة، ويستهدف الأمن، ويستهدف القلوب والعقول، والأموال والأعراض، وليس من المعقول أن نتصور أن أعداء الأمة يقفون عند حد في النكاية بها، هذا أمر لا يتصوره عاقل، وإن وجد من بعض المغفلين، لا يتصور أن أعداء الأمة يقفون عند حد، بل لا بد أن يحققوا أغراضهم الكبرى التي نوه الله عنها، يقول الله عز وجل وهو أعلم بما في قلوب العباد، وهو أعلم بشئون الخلق، يقول سبحانه: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120] قد يكون لهم هدف اقتصادي، لكن لا ينتهون عنده، قد يكون لهم هدف سياسي، لكن لا ينتهون عنده ولن ينتهوا، وما هذه المظاهر التي نرى منها: الانتهاك الصارخ لمقومات الأمة من خلال انتهاك بعض دول المسلمين، ما هذا إلا نوع من الحرب الاستباقية التي تريد أن تحول بين الأمة وبين نهضتها، والمسلمون عموماً وأهل السنة على وجه الخصوص يعيشون في العقود القريبة الماضية نهضة رائعة، نهضة مبشرة بالخير في جميع بقاع الدنيا، لا سيما حينما تفطّنوا باستخدام الوسائل الحديثة في خدمة الدين ونشر رسالة السلام والأمن بين البشرية، حينما بدأ المسلمون عموماً وأهل السنة يستفيدون من الوسائل الحديثة إعلامية ومؤسسية في نشر الحق وتثبيت العدل بين الأمم، من هنا سيطر الخوف على أعداء الأمة، ومن هنا أيضاً قاموا بما قاموا به الآن تحت ذرائع كلها تبيّن أنها ليست مجرد واهية، بل ذرائع مكذوبة ومصطنعة، فكل الذرائع التي دخلوا بها العراق لم يوجد منها شيء، وارجعوا بأذهانكم إلى ما قبل سبع أو ست سنوات، لن تجدوا مما تذرعوا به في التدخّل السافر والاحتلال المباشر الذي استهدف المسلمين في أغلى ما يملكون لم يكن له مبرر واحد. إذاً: يجب أن يعي المسلمون الحقيقة، وأن يستعدوا لأن تجتمع كلمتهم ويرجعوا إلى الحق، ويتركوا مظاهر الشتات والفرقة والتنازع، والله عز وجل نهانا عن ذلك فقال: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46] فعلى هذا نقول: أعظم سبب للفشل هو هذا التنازع والفرقة في الدين، والخروج عن مقتضى الإسلام والسنة، ولن تعود الأمة إلى عزها إلا بالاجتماع على السنة، ولا يعني ذلك كما يزعم بعض جهلة الكتّاب وبعض جهلة المتحذلقين والمتكلمين أن هذا يعني أننا نسعى إلى إقصاء الآخر، لا والله، ولكن نسعى إلى إنقاذ الآخر من الهلكة، لسنا حريصين على الإقصاء، فهذا منهج نعوذ بالله منه، فنحن حريصون على الهداية، وعلى جمع كلمة الأمة على كلمة، سواء على الكلمة التي أرسل الله بها النبيين كلمة التوحيد ونفي الشرك، كلمة اجتماع المسلمين واجتماع الأمة على الضوابط والثوابت والمسلمات التي هي معقد الدين، ومعقد الاجتماع، ومعقد الأمن والسلامة، ومعقد القوة والعزة، ولن تعتز الأمة وترجع إلى عزها إلا بهذه الثوابت والمسلمات، وليست المسألة مسألة فرض رأي على الآخر كما يزعمون، ومن هنا سأناقش هذه القضية: ما هو الرأي والرأي الآخر؟ هل يدخل في ذلك أركان الإيمان والإسلام، ومسلّمات الدين والفضيلة، والحفاظ على الكرامة، والحفاظ على صيانة المرأة، والحفاظ على الأجيال والشباب؟ هل هذا مما فيه رأي ورأي آخر؟ كل أمة لها مسلمات وثوابت تدافع عنها وتبذل في سبيلها مهجتها ودماءها، ونحن يُستكثر علينا أن نثبت على ديننا، وليس فقط ندافع عنه، يُستكثر علينا أن نثبت على الدين الحق، ويق

ماهية مسلمات الدين الإسلامي وثوابته

ماهية مسلمات الدين الإسلامي وثوابته ما هي مسلمات الدين؟ هذه كلمة قد لا تكون مستعملة عند السلف، قد تكون اصطلاحية ولا مشاحة في الاصطلاح، وهذه كلمة وصفية ليست حدية، وليست هي الكلمة الشرعية، الكلمة الشرعية هي الإيمان والإسلام والسنة والحق والدين، لكن هذه العبارات أحياناً تستعمل على غير وجهها، فنريد أن نردها إلى الوجه الشرعي كمنهج السلف في الألفاظ المحتملة المجملة، فكلمة مسلّمات، ثوابت، أو مسلّمات الدين، وثوابت الدين من الكلمات المجملة، قد تُفسّر بأكثر من تفسير، فنحن نفسّرها بما يلي: ثوابت الدين: أركانه، قطعياته، قواعده. يعني: الأمور التي هي مبنى الدين، والأسس التي يقوم عليها الدين نسميها ثوابت ومسلّمات؛ لأنها ثوابت من مصدر الحق، هي كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، ولأنها مسلّمات يقينية قطعية لا مجال للكلام فيها ولا الزيادة ولا النقص، وعلى هذا فإن مسلّمات الدين هي الدين كله، وثوابت الدين هي الدين كله، لكن الدين منه ما هو قواعد وأصول ونصوص قطعية فهذه ليست محل جدل، ومنه ما هو اجتهاديات فهذه في مفرداتها ليست من الثوابت، لكن في أصولها ومرجعيتها ومصادرها هي من الثوابت. إذاً: الدين كله يرجع إلى الثوابت، والاجتهاديات لا بد أن تنطلق من الثوابت وإلا فليست معتبرة وليست من الاجتهاد، بل من الهوى والبدعة والضلال، والأحكام الفقهية الاجتهادية أصولها قواعدها منازعها مداخلها مصادرها ثوابت، لكن تطبيقاتها القول فيها من خلال إرجاعها إلى نص، أو من خلال فهمها من النص المحتمل هذا مما يجتهد فيه العلماء، وهذا من خصائص الدين في سعته وشموله وصلاحيته وكماله. إذاً: الثوابت والمسلّمات التي أريد أن أتحدث عنها، وسأركّز فيها على الثوابت والمسلّمات التي أصبحت تستهدف الآن بالتشكيك فيها وبالطعن، وبالدخول على عقول ناشئتنا من البنين والبنات والنساء والمثقفين وغيرهم، الدخول على عقولهم من خلال هزّها والتشكيك فيها، ومن خلال أيضاً الطعن المباشر فيها، وهذا كله وجد، كان هناك كثير من الناس الذين يتكلمون عن ثوابت الدين ويستهزئون بها ويشككون فيها، كانوا قبل عقود قريبة من السنين يُعرفون بالنفاق الظاهر، ولهم أوصاف وأسماء، الآن بدأ يتكلم في هذا الموضوع أناس، في الحقيقة أعجب ولا ينقضي عجبي، ولا أستطيع أن أفسّر هويتهم، أناس من أبناء جلدتنا، تربوا في أحضان السنة ومدارسها، وتقلبوا في أحضان عائلات معروفة بالعلم والفقه في الدين ومن مراجع البلد، تربوا في محاضن العلم واليقين والدين والفضيلة، ثم نفاجأ وهذه نتيجة ما ذكرته لكم من الهجوم الإعلامي والفكري الشرس عبر الإنترنت والفضائيات وغيرها، هذا الهجوم الشرس أوجد فئات من أبناء جلدتنا يشكون في أغلى ما نملك، وأصبحوا يسبون آباءهم وأجدادهم، أصبحوا يأسفون على التاريخ النقي الأبيض الذي عشناه قبل سنين، ويعتبرونها غلطة، بل منهم من يعتبر تاريخ الإسلام منذ عهد الخلفاء الراشدين إلى يومنا هذا كله غلطات، هذا وجد وتكلّم فيها الآن وسائل الإعلام، ويدورون حول هذا ويجزّئون عليه ويفرّعون، اعتبروا الحجاب دخيلاً، واعتبروا صيانة المرأة دخيلاً على الأمة وتقاليد، واعتبروا احتضان الشباب في محاضن الخير نوعاً من الإرهاب، واعتبروا التديّن بحد ذاته خطراً على الأمة، ما الذي بقي لنا؟ لم يبق من مقومات العزة شيء، كل مقومات العزة الآن يستهدفونها تحت ذرائع الإصلاح، وتحت ذرائع الإشفاق على الأمة، وتحت ذرائع إخراج الأمة من وهدة ما يسمونها بالتأخر والرجعية إلى التقدم والتحضر، وكأن من أسس التحضّر الانسلاخ من الدين، وما علموا أن الأمر عكس ذلك.

ضرورة الرجوع إلى دين الله عز وجل

ضرورة الرجوع إلى دين الله عز وجل هناك حقيقة كبرى يقينية قطعية نسيها كثير من طلاب العلم والدعاة فضلاً عن غيرهم، وصارت غائبة في هذه الظروف إلا النادر، مع أنها هي الفاصل في بيان وجه الحق وإقامة الحجة على هؤلاء على الإجمال، أما الدخول في التفصيل فهذا يحتاج إلى أدلة، أقصد أن حقيقة الأمة الإسلامية في كل بقاع الدنيا عامة، وفي بلاد مهبط الوحي خاصة، يستحيل أن يكون لها رقي ومدنية وحضارة على وجه تسعد بها وترقى وتعتز إلا بالإسلام والدين، وربما تخفى هذه الحقيقة بسبب غبش في التصور وفي النظر في واقع الأمم الأخرى، وهذا يقوله أصحاب نزعة العلمنة وبعض الجاهلين وبعض المغترين بالغرب رغم أنه قد انكشف وتعرى، ومع ذلك لا يزالون مغترين، وربما يشتبه عليهم أنه الآن الغرب كبلاد والدول الشرقية الأخرى التي أخذت بالأسباب المدنية ارتقت حضارياً ومدنياً، ووصلت إلى درجات الهيمنة والعزة، نقول: نعم، هذا صار حينما تخلف المسلمون عن رسالتهم، هذا أولاً. ثانياً: أن الله عز وجل وعد الكفار وغير الكفار ممن يأخذ بأسباب الدنيا بأن يعتز بها، لكن العزة في المسلمين لا تدوم بل تكون وبالاً عليهم إذا خالفوا دينهم، أما بقية الأمم الكافرة إذا أخذت بأسباب الدنيا قد تزدهر عندها الدنيا، لكن ليس لها في الآخرة من نصيب، فلا نقيس الأمة الإسلامية على الأمم الأخرى؛ فالأمة المسلمة مهما أخذت بأسباب العز الدنيوي دون أن تأخذ بدينها على وجه سليم، فلن تعتز ولن تقوى ولن تنتصر، قد تحصل على عزة جزئية ونصرة جزئية مآلها أن تنقلب الحال عليها وتكون وبالاً وعقوبة، هذه حقيقة أرجو أن تكون هي بداية الكلام عن المسلّمات. المسلمون اليوم وبعد اليوم وقبل اليوم وإلى قيام الساعة لن يكون لهم كيان دولي، ولن يكون لهم عزة ولا حضارة ولا مدنية تزدهر ويسعدون بها وتجتمع كلمتهم، وتكون لهم هيبة أمام العالم إلا بأن يرجعوا إلى دينهم، ويأخذون بأسباب الدنيا التي هي مطلوبة شرعاً ومن منطلق الدنيا لخدمة الدين أن تكون الدنيا بأكفّهم والدين في قلوبهم، ويسخّرون الدنيا لخدمة الدين وخدمة البشرية، ومن هنا تزدهر حضارتهم كما ازدهرت في السابق، أما أن نتصور مجرد تصور أن يكون للأمة عز ونصر وتمكين بدون أن ترجع للإسلام فهذا مستحيل، وإن وجد جزئياً فمآله إلى وبال، قد يوجد لأن ظروف التاريخ أحياناً يكون فيها خداع، ويكون فيها استدراج من الله عز وجل، ويكون فيها نوع من الجولات التي تنتهي في النهاية إلى ما وعد الله عز وجل به {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ} [محمد:7].

أصول العقيدة تقوم على يقينيات الأدلة

أصول العقيدة تقوم على يقينيات الأدلة من ذلك أولاً: أنه ليس في العقيدة أصل ليس له دليل، وما ليس له دليل فليس بعقيدة، ليس هناك في العقيدة إلا ثوابت تقوم على يقينيات الأدلة، فما كان دليله محتملاً أو ليس له دليل لا يدخل في العقيدة، وإن دخل عند أهل الأهواء والبدع لا يدخل عند أهل السنة، ومن هنا فأهل السنة والجماعة ليس في ثوابتهم وقطعياتهم وليس في أصول الدين عندهم، وليس في العقيدة أصل من الأصول ليس له دليل قطعي، أو قاعدة تستنج من دليل أو مجموعة أدلة، قد يشتبه الأمر على بعض الناس في وجود مسائل أدرجها علماء السنة في كتب العقيدة وليست يقينية، نقول: هذه جاءت بالتبع، هذه مسائل علمية لحقت بموضوع العقيدة من الناحية الموضوعية، لكن الثوابت ثوابت والأصول أصول، ليس عند أهل السنة ما ليس له دليل، ويستتبع ذلك مسلّمة أخرى، ليس عند أهل السنة ما يختلف عليه عندهم على الإطلاق، لا يوجد أصل من أصول العقيدة عند أهل السنة قديماً وحديثاً يختلفون عليه، أما أنه قد يزل عالم أو يجهل جاهل هذا ليس هو ميزان، نحن نتكلم عن المنهج ولا ننظر إلى أقوال الجاهلين ولا إلى زلات العلماء؛ لأنه لا معصوم إلا النبي صلى الله عليه وسلم، نتكلم عن الجمهور والجملة لا يوجد أصل من أصول الدين إلا عليه دليل، لا يوجد أصل من أصول العقيدة إلا عليه دليل، ولا يوجد أصل من أصول العقيدة يختلف عليه السلف، ولن يختلفوا عليه إلى قيام الساعة، ولو اختلفوا اختل الدين وما وجد الناس مصدراً للحق، ثم يتبع ذلك أن الدين هو ما شرعه الله وشرعه رسوله صلى الله عليه وسلم، وسبق الكلام عن هذا. عقيدة أهل السنة والجماعة توقيفية صادرة عن الأدلة، قطعية أدلتها صحيحة، المتفق عليها ويجمع عليها أهل السنة والجماعة، ومن هنا يتفرّع عن هذا تأصيل هو: أنه ليس في عقيدة أهل السنة والجماعة إضافات، وليس فيها ردود أفعال، وليست من صنع عالم أو علماء، وليست اجتهاد أو اتفاق مجموعة أو ثلة من الناس سموا أنفسهم: السلف وأهل السنة والجماعة أبداً، بل هي نهج الحق، نهج النبي صلى الله عليه وسلم، هي الكتاب والسنة، لا تنتمي إلى رجل ولا إلى إنسان ولا إلى طائفة أبداً، وتسميتها بالسنة والجماعة تسمية شرعية وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم حينما ذكر الاختلاف قال: (فعليكم بسنتي) ثم قال: (وعليكم بالجماعة). إذاً: السنة والجماعة مصطلح شرعي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لا غبار عليه، ليس من صنع العلماء ولا من صنع الأحزاب ولا الفرق ولا المذاهب الأربعة ولا غيرها، وليس ردود أفعال، ولا من صنع الحكام، ولا عمالة للدول، كما يقول بعض المفتونين: إن خلفاء بني أمية وبني العباس جمّعوا حولهم شلّة من العلماء وسموا أنفسهم كلهم طائفة أهل السنة والجماعة، هذه سذاجة وغباء واستغفال، هل الحق هكذا يحصر بدولة وبشلل؟ نعوذ بالله من ذلك.

الرد على دعوى كون بعض قضايا العقيدة ردود أفعال

الرد على دعوى كون بعض قضايا العقيدة ردود أفعال كذلك ليست العقيدة ردود أفعال؛ لأن كثيراً من شبابنا والمثقفين الذين دخلتهم الشبهات يتصورون أن بعض قضايا العقيدة كانت نتيجة ردود أفعال، ويستدلون على ذلك أن هناك أشياء أثبتها السلف من العقيدة وليست موجودة في عهد الصحابة، نقول: هذا جهل فهي موجودة، لكن التنويه عنها ما جاء مبرره، فمثلاً: في عهد الصحابة رضي الله عنهم هل كان هناك مبرر لتسمية طائفة من الناس أهل السنة والجماعة؟ لماذا لم يكن هناك مبرر؟ لأن الناس جمهورهم وجملتهم على السنة، وخلفاؤهم على السنة، وعلماؤهم على السنة، لكن حينما كثرت الأهواء والافتراق والبدع صار تمييز أهل الحق بالسنة والجماعة، بموجب وصية النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر ضروري، وهكذا بقية أصول الدين، فمثلاً: الكلام في قضية أن القرآن منزّل غير مخلوق، هذا تقتضيه النصوص، لكن التنويه عنه بهذا المصطلح لم يكن له مبرر حتى جاء أفراخ الفلاسفة وزعموا أن القرآن مخلوق، فلما زعموا ذلك فالأصول والثوابت موجودة من قبل عند أهل السنة، فأثبتوها عند الحاجة إليها، فهي موجودة ضمن النصوص القطعية؛ ولذلك الدليل على أن القرآن منزل غير مخلوق دليل قطعي من الكتاب والسنة، وليس هذا ردود أفعال. وهكذا بقية مسائل الدين التي تكلم عنها السلف على مدار التاريخ، كلما جدد الناس بدعة ومحدثة جاء السلف من أصول الدين ما ينفي هذه البدعة ويثبت السنة، وقد يضطرون إلى استعمال مصطلحات حقيقية شرعية صحيحة بمناسبة هذا الطارئ.

الرد على دعوى كون الدين غير شامل لأمور الحياة

الرد على دعوى كون الدين غير شامل لأمور الحياة كذلك مسألة كمال الدين، وهذا معروف ولا نتمارى فيه ولا نتجادل، لكن هناك أناس يحتالون على هذه القضية ويقولون: إن الكمال كمال إجمالي وليس كمالاً تفصيلياً، نقول: الدين ضوابط وفحوى، والدين روح، لكن تفصيلات الدين هذه يريد طائفة من المسلمين اليوم أنا نكتفي بمجملات الدين وبروح التدين، نكتفي بقواعد الإسلام العامة، والجزئيات نتركها ولو كانت فيها أدلة شرعية صحيحة، فتسمية قواطع الدين والأحكام جزئيات هذا غلط، ولذلك أرادوا أن يتخففوا من كل ما يخالف أهواءهم وبرامجهم للتطور وبرامجهم للتقدم وغيره، فكل ما يعارض أهواءهم في ذلك يردونه ولا يبالون بقطعية النصوص، مع أنه ليس في نصوص الشرع إطلاقاً ما يخالف التطور، بل جاءت النصوص الشرعية لمواكبة مستجدات ونوازل البشر إلى قيام الساعة واحتوائها وعلاجها، لكن هؤلاء يلبّسون، والإسلام ليس فقط يواكب التطور أو يجيزه، بل الإسلام ينبني على أن الحياة البشرية لا بد أن تطور، والتطور سنة الله في خلقه، لكن كلمة (تطور) سلاح ذو حدين: أولاً: التطور الذي يعني الخروج عن عقيدة الإسلام، والخروج عن الفضيلة، والخروج إلى انتهاك حرمات الإسلام، وإلى انتهاك مقومات الأمة، فهذا ليس بتطور وإنما هذا تأخر. ثانياً: التطور الذي يعني تطور المسائل ومستجدات الحياة في الأمور المباحة، وهذا دين الإسلام يستقبله ويرضاه، بل يأمر به ويحفّز عليه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه) هل يمكن أن يكون الإتقان بدون استعمال المستجدات من وسائل الحياة؟ لا يمكن، الآن العمل المؤسسي كيف نتقنه؟ كيف نتقن وسائل الدعوة؟ كيف نتقن وسائل نشر الدين والتفقيه في دين الله؟ بالأعمال البدائية؟ أبداً، معنى هذا: أن الأمة لن تستفيد ولن ينتشر الخير فيها. فإذاً: الإسلام يستوعب التطور بل يأمر به، لكن لنقف عند مفهوم التطور، ما هو التطور الممنوع وما هو التطور المشروع؟ ما هي الوسائل المباحة وغير المباحة؟ هذا أمر يُرجع فيه إلى قواعد الشرع وضوابطه. الدين كامل، وكماله لا يعني كمال المجملات والتفاصيل، ولا بد أن نقول هذا، وإلا سيرجع الأمر إلى الارتداد عن الاعتقاد بكمال الدين، إذا استدرك أي إنسان على كمال الدين معناه: أنه لم يقتنع بكمال الدين ولم يؤمن، فالدين كامل وشامل لكل جزئيات الحياة في الفرد والأسرة والمجتمع والبشرية جميعاً في كل وقت، ومهما كان التطور فالإسلام يستوعبه، بل يواكبه ويسبقه، لكن تقصير المسلمين هو الواقع والحاصل، ولا يعتبر حجة على الإسلام.

تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظ الدين

تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظ الدين كذلك الحفظ: أن الله تكفّل بحفظ الدين، ولذلك في الحقيقة مما يجب أن نتنبه له في هذا الوقت: الحذر من النظرة التشاؤمية السوداوية تجاه الأحداث والمدلهمات الآن، نعم الأمة تعيش مدلهمات وأحداثاً جساماً ربما لو قال قائل: ما مرت في تاريخ الأمة مثلها لكان صادقاً، لكن لا يعني هذا: أن الدين هلك، ولا يعني هذا: أن الأمة هلكت بعامتها، أبداً، بل هذا يخالف وعد الله اليقيني، الأمة لا تهلك بعامة، ستبقى منها طائفة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم حتى تقوم الساعة، لكن من هم هذه الطائفة؟ هم من يقوم بالواجب، هم من يأخذ بأسباب العزة، هم من يعتصم بالله عز وجل، ولا يمكن أن نحصرهم في ظرف معين، ولا بد أن يكونوا موجودين، قد يجتمع أهل الحق، وقد يشعرون بشيء من الغربة، ولكنهم ظاهرين، لا بد أن يظهروا الظهور الذي يقيم الحجة به على الخلق. إذاً: لا نخشى على الدين، ولكن نخشى على أنفسنا؛ لأننا قصّرنا، فعندما نخاف نخاف من ذنوبنا، نخاف من تقصيرنا، لا نخاف على الدين، يجب ألا نخاف على الدين، ولا نخاف على الأمة بمجموعها، بمعنى أنها تدمّر، وأنها تنتهك كلها وتهلك، فقد يصيبها أذى، {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} [آل عمران:111]، وقد يقع على طوائف منها من البلاء كما هو حاصل الآن، يقع عليها من البلاء ما هو عظيم وشديد، لكن الأمة بجملتها لا تهلك، ولا يمكن أيضاً أن تُنتهك، والدين باق ومنصور، لكن الذي أوصي به نفسي وإخواني جميعاً أن ننظر ما موقعنا مع الحق؟ ما موقعنا مع هذه الفئة والطائفة التي لا تزال على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم، ورأسهم العلماء دائماً؟ العلماء هم رأس الأمة، ولا يمكن أن تبقى طائفة ظاهرة منصورة بدون علماء، ولذلك هذه مسألة منهجية يحتاج إلى أن يؤكدها طلاب العلم والدعاة؛ لئلا يقع بعض شبابنا بسبب هذا التصور إلى التعدي إلى مسالك غير مسالك العلماء الكبار، فإنما العصمة بمجموعهم لا بمن خرج عن منهجهم، فمن خرج عن منهجهم فهو في سبيل الضلالة، مهما كان اجتهاده، ومهما كان صلاحه، فلنتنبه؛ لئلا يقع شبابنا ونساؤنا وبناتنا في غوائل الغلو أو غوائل التفريط، وفي كلها شر، الآن أجيال المسلمين يعيشون بين تيارين خطيرين إلا من عصم الله، وهم القلّة الذين بقوا على منهج العلماء ومنهج المشايخ، يعيشون بين تياري الانفلات: انفلات فكري، وانفلات أخلاقي، انفلات مع وسائل الإعلام مع وسائل الشر التي دخلت لا أقول في البيت، كنا قبل عشر سنين نقول: كل بيت، الآن دخلت كل جيب، كل واحد في جيبه شر مستطير، هذا الشر دخل العقول والقلوب والأخلاق، هذا الشر استهدف أغلى ما تملكه الأمة، لكن ومع ذلك لا نيئس، فالخير باق فلنلتمس طريق الخير ولنلتمس أهل الخير، وليحرص كل منا أن يعتصم بعصمة أهل الخير، وإلا فبوادر الغربة الآن ظاهرة، فليحرص كل منا أن يبقى على مسلّمات الدين وثوابته، وأن يبقى مع أهل الحق.

التسليم المطلق لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم

التسليم المطلق لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم من مسلّمات الدين: أن المسلم يجب عليه أن يدخل في الدين كله، وهو معنى التسليم: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65] ما معنى التسليم؟ الدخول في الدين، ما معنى الدخول في الدين؟ ليس معناه أن تقول: التقوى هاهنا، وإلا أنا متدين، وأنا أحب ربنا عز وجل، أحب الرسول صلى الله عليه وسلم هذه كلها دعاوى تحتاج إلى حقيقة، فلو أن إنساناً ادعى أنه يحب فلاناً من الناس أو صديقه، ويمسكه بيده فجأة ويصفعه باليد الأخرى، هذا محب؟ هذا يكذب، فالمخالفة لما يرضي الله عز وجل انتهاك لحرمات الله، والبعد عن مقتضيات الدين مخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فهذه كلها تخالف الدخول في الدين، والدخول في الدين هو التسليم بأن الدين حق وصدق ويقين، وأن الدين هو دين الله، وأن المقصود بالدين محبة الله وتعظيمه وخشيته ورجاؤه ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه، ولن تتحقق محبة الله إلا باتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، كما قال الله عز وجل لرسوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:31]. هذه هي حقيقة الدخول في الدين كله، بمعنى أن تسلّم للدين، وأنه حق وكامل ومحفوظ، وأنه طريق السعادة والنجاة، وأن الدين هو طريق العزة والنصر والتمكين، ثم بعد ذلك تستقبل الدين بالقبول، وأما الدعوى فكل مسلم الآن يدّعي أنه مع الدين، لكن أين تطبيق الإسلام في حياة المسلمين؟ نسأل الله أن يعفو عنا جميعاً، تطبيق الإسلام ضعيف جداً، وهذا أعظم سبب للذل، وهذا مما أوجد الفرقة بين الأمة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه. فإذاً: لا بد من الثوابت التي يجب أن يعيها كل مسلم، ولا بد أن يدخل في الدين كله، ويستقبل الدين استقبال رضا وتسليم واستعداداً لقبول ما يرد عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم بحسب الاستطاعة، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

دور المرأة في تثبيت ثوابت الحق ومسلماته في قلوب الأجيال

دور المرأة في تثبيت ثوابت الحق ومسلماته في قلوب الأجيال أيضاً يجب تثبيت ثوابت الحق ومسلماته في قلوب الأجيال، وهنا أخص طوائف معينة من أبناء مجتمعنا بالمسئولية، وأول ذلك وربما تستغربون: المرأة، أول مسئول عن تثبيت ثوابت الحق ومسلماته في قلوب الأجيال اليوم هي المرأة، فالمرأة بحكم أنها الحاضنة الأولى للأطفال، وإن كانت الحضانة الآن أُسندت إلى من لا تبرأ الذمة بهم، لكن إلى الله المشتكى، ولا يعني ذلك الإعفاء من المسئولية، فالأم مسئولة منذ أن تحضن الطفل، والطفل إذا رضع من امرأة صالحة رضعة لبن صحيح، واحتضنته في حضنها امرأة صالحة وهو طفل لا يعقل تنبني معه مقومات الفطرة. وسأذكر لكم كلاماً ربما يكون غريباً ومضحكاً، وأعتبره مشاهدة لي أو استقراء ناقص وابحثوا عنه، ربما يكون حقيقة، أنا أرى أن الذين يشبون من أبناء الأمة على ألبان أمهاتهم يكونون أقرب إلى المنهج السوي في التعامل والأخلاق وفي قبول الحق من الذين يرضعون من بقر هولندا والدنمارك، هذه حكاية مؤلمة وربما أجرح فيها الكثيرين، لكن أنا أشعر بهذا الشعور، وأحيل الأمر على المختصين من الأطباء وعلماء النفس، بل أتمنى لو أن أحداً منكم يجري دراسة ميدانية نحتاج إليها بالأرقام والإحصائية. أعود وأقول: يجب أن تتولى الأم مسئوليتها في رعاية الابن في صحته وعقله وبدنه ودينه، ثم يأتي دور الأب، والأم مهما كانت مشاغلها يجب ألا تتذرع بالمشاغل والوظائف عن الوظيفة الأساسية، أنا أقول: لا مانع أن تقوم المرأة بواجبات تجاه التعليم وغيره، ووظائف المرأة الضرورية في مجتمعنا لا بد أن تسده النساء، لكن بقدر، وإذا تزاحمت الواجبات يجب أن نعطي الواجب الأول حقه. ولذلك كنت أتمنى لو أنا نطرح طروحات فيما يتعلق بوظيفة المرأة في عصرنا هذا في بلدنا، تعالج هذه المشكلة من خلال التدريس والتعليم، كنت أتمنى لو أن المعلمة تعطى جزءاً من وقت وظيفتها لبيتها، بحيث لا تغيب عن البيت كل الدوام، ويكون ذلك بأن تتناوب النساء الدوام الرسمي المنهك الطويل الذي يصل إلى ثمان ساعات فأكثر، حتى يكون جزءاً من مهامها القيام بواجباتها الأسرية في رعاية أبنائها إن كان لها أبناء، في رعاية زوجها إن كان لها زوج، وإن كانت غير متزوجة كذلك تتهيأ لمتطلبات الحياة الأسرية. فإذاً: هذه أمور يرجع أصلها إلى الثوابت، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) ثم قال: (والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها). إذاً: هذه مسلمات أخللنا بها الآن تحت ذرائع كثيرة، ثم يأتي كما قلت مسئولية الأب.

دور المعلم في تثبيت ثوابت الحق ومسلماته في قلوب الأجيال

دور المعلم في تثبيت ثوابت الحق ومسلماته في قلوب الأجيال كذلك مسئولية المعلمين، سواء كانوا في التعليم الأولي في الابتدائي في المتوسط في الثانوي في الجامعي، فعلى المعلم تجاه الدين أولاً، وتجاه أبنائنا وتجاه المجتمع واجب أساسي في رعاية الشباب، ليس فقط في العملية التعليمية والارتقاء بمستويات الشباب من الناحية العلمية فقط، بل أيضاً الرعاية الأخلاقية الرعاية الإيمانية التي تثبت الثوابت والمسلمات في قلوب الأجيال، وليس على معلم الدين فقط، وكوننا نحصر تربية الشباب التربية الدينية الشرعية على معلم الدين هذا خطأ، معلم الدين يعلم مفردات الدين، لكن أنت أيها المعلم الآخر أسهم في تعليم الشباب مناهج الدين وسلوكياته، وكن قدوة. وهذا التقسيم للمسئولية في تربية الأجيال تقسيم ظالم وغاشم، أنت معلم الرياضيات، وهذا معلم الجغرافيا، وهذا معلم التاريخ، وهذا معلم الحاسب، وهذا معلم اللغة، عليك أيها المعلم واجب أساسي، كن قدوة في نفسك، يجب أن يكون الطالب كابنك ترعاه في مدرسته وترعاه في بيته مع التنسيق مع البيت، فترعاه في وقته الضائع الآخر. قد يقول كثير من المعلمين: لا يتسع وقتنا لهذا، نحن مشغولون بالواجبات، أقول: ليس هذا صحيحاً، فإذا أخذت الأمر ببرنامج علمي مدروس يراعي الأوليات ويستغل الأوقات على وجه صحيح، فإن في الوقت بركة، وما أكثر الأوقات التي تضيع هدراً في المدرسة وخارج المدرسة، ثم بعد ذلك مسئولية الإعلام وما أدراك ما الإعلام، الإعلام في الحقيقة أمر محيّر، هو نفسه بحاجة إلى الإصلاح، فكيف يُصلح؟ يجب على أهل الإصلاح أن يستغلوا الإعلام للإصلاح، فهو سلاح ذو حدين.

تفرع أركان الإيمان والإسلام عن ثوابت ومسلمات لا تصح الأركان إلا بها

تفرع أركان الإيمان والإسلام عن ثوابت ومسلمات لا تصح الأركان إلا بها من الأمور التي يجب التنويه عليها في مثل هذا المقام: أن أركان الدين مثل: أركان الإيمان وأركان الإسلام يتفرّع عنها ثوابت ومسلمات لا تصح الأركان إلا بها، يعني: لا يكفي من المسلم أن يؤمن بأركان الإيمان وأركان الإسلام فحسب، بل لها شروط ولها واجبات ولها فروع لا تصح هذه الأركان إلا بها، والإيمان المجرد بهذه الأركان لا يكفي، خذوا مثلاً: أركان الإيمان، لو أن إنساناً مثلاً قال: أؤمن بالله، وببقية أركان الإيمان الستة، ثم يذهب ويدعو غير الله، هل يصح إيمانه بالله؟ لا، الإيمان ليس مجرد التصديق، فكل البشرية تقول: نؤمن بالله، الأمم الشركية الآن كلها تقول: نؤمن بالله، والواحد قد يبذل مهجته من أجل ألا ينتهك إيمانه بالله، لكن على أي وجه؟ ثم هو يشرك، فهذا انتقض إيمانه، الإيمان بالله له معنى شرعي وليس مجرد دعوى. كذلك الإيمان بالرسل ومن ضمنهم الرسول صلى الله عليه وسلم، فلو أن شخصاً يقول: أنا أؤمن بالأركان الستة ثم يذهب ويقول: عيسى عليه السلام ليس بنبي ولا رسول، إنما هو داعية مصلح، كما حصل من بعض المفكرين المعاصرين، وأذكر أن شخصاً ناقشناه هنا في المملكة من الوافدين، وكان مصراً على أنه لا يؤمن بأن عيسى نبي ولا رسول، قلنا: وما ورد في القرآن؟ قال: هذا وصف لغوي للرسالة، أي: أنه مبعوث لا لأنه رسول حقيقي، ونبي يعني: أنه أنبئ بالغيب لا لأنه نبي حقيقي، هل هذا صح إيمانه بالرسل؟ لم يصح إيمانه بالرسل انتقض، هكذا بقية إيمانه بالدين. إذاً: كل ما ثبت من القواعد والضوابط الضرورية في الدين فهو من أركان الدين وقطعياته، ولو لم يدخل في مسمى الأركان الستة، بل هناك أمور يسميها الناس: عملية، ويظنون أنها من الأمور الهامشية في الدين، وهي محك الاختبار في الدين، يعني: ادعاء أركان الإيمان الستة وأركان الإسلام الخمسة ربما غالب المسلمين يقومون بها، لكن تأتي أصول أخرى هي من ثوابت الدين، أكثر الناس يستهين بها، وهذا سببه الإخلال بمعنى كمال الدين، والإخلال بمعنى شمولية الدين، والإخلال بمعنى أن الدين يشمل جميع متطلبات الحياة، ويشمل جميع الثوابت في الأحكام والعقائد.

من الثوابت والمسلمات الدينية

من الثوابت والمسلمات الدينية

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هناك من الأمور العملية للإسلام هي من ثوابت الدين غير أركان الإسلام الخمسة، مثل: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا من ثوابت الدين ومن خصائص الأمة: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [آل عمران:110]، ثم أيضاً أوجبه النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره) الأمر أمر وجوب، ثم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جاء في نصوص قطعية كثيرة، ثم يأتي بعض المتحذلقين والمفتونين بدعوى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هذا مسلك شخصي لبعض المتدينين الذين عندهم نزعة حادة ضد الآخر، والذين لا يقبلون الرأي الآخر، وأثروا على كثير من الشباب المتدينين، هل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رأي ورأي آخر؟ هذا مسلك طائفة تريد أن تفرض كما يشاع الآن في وسائل كثيرة الآن أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبارة عن قناعات أشخاص بتقاليد وآراء شخصية متزمتة، يريدون أن يفرضوها على الآخرين، هذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عندهم، ويتذرعون بممارسات بعض الذين يقعون في خطأ مقصود وغير مقصود، فهل هذا هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ لا، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبدأ شرعي، بل هذا الذي يفسّر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بهذا التفسير الخاطئ هو نفسه يجب عليه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ليست وظيفة طائفة، نعم، في مجال الحسبة التي تتعلق بالدولة لا شك أن هذا واجب تقوم به الدولة من خلال جهاز كما هو موجود في هذه الدولة المباركة، والحمد لله أن يوجد جهاز اسمه جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتولى واجبات ولي الأمر تجاه هذا الأمر، لكن على الأفراد أيضاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كل بقدر استطاعته بالحكمة وبشروطه، هذا لا يُعفى منه أحد. إذاً: من ثوابت الدين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن خصائص هذه الأمة، ومن أسباب دفع البلاء عن الأمة، أنا أعتقد جازماً أن من أسباب دفع كثير من البلايا التي أحاطت بهذا البلد المبارك من خلال التاريخ الذي عشناه، كثير من البلايا التي دفع الله عنا، كان من أسباب دفعها العمل بشرع الله في القضاء، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهو ضمانة بإذن الله في دفع البلاء عن الأمة، لو وجدت طائفة تقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو كانت ضعيفة ولو كانت قليلة الإمكانات، ولو كانت فيها ما فيها من القصور، إلا أنه بمجرد وجود هذا المبدأ الشرعي العظيم فهو خير عظيم لو قارناه بعدمه.

الجهاد في سبيل الله

الجهاد في سبيل الله أيضاً من الثوابت: الجهاد، الآن حينما وجدت بعض الممارسات الخاطئة ووجد بعض اللبس في أفكار بعض الشباب الذين سلكوا مسالك الغلو، أو استباحوا الدماء المحرم باسم الجهاد، أو أغلاط وقع فيها بشر، جرأ هذا الكثيرين من المنافقين والمرتابين والمشككين بأن يشككوا بمبدأ الجهاد أصلاً، فيقولون: هذه مرحلة مضت، وأنه كيف يسوغ الجهاد في هذا العصر أمام عالم فيه منظمات وفيه وفيه؟ وهؤلاء بعضهم يسوّغ عدوان الدول الظالمة على بلاد المسلمين، يحجر على المسلمين الجهاد ويسوّغ ويبرر دخول المحتلين الخلّص في بلاد المسلمين. نقول: الجهاد له شروطه وله فقهه وله مواصفاته، نعم يوجد من استعمل الجهاد على غير وجهه، وهذا مما يؤسف له، لكن لا بد من المناصحة والصراحة بشفافية، نعم يوجد من بعض شبابنا من يستعمل الجهاد على غير وجهه، ووقع في غوائل التكفير والتفجير واستحلال دماء رجال الأمن، هذا كله خطأ ومخالف لمنهج الإسلام، لكن هل هذا هو حقيقة الجهاد؟ هل يصب الجهاد في مسالك الغلو؟ لا، الجهاد مبدأ موجود، واستعداد الدول الإسلامية بجيوشها أليس مظهراً من مظاهر الجهاد؟ بلى، بغض النظر عن المقاصد، كون الأمة الإسلامية يوجد في بلادها جيوش تدافع عنها وتدافع عن أعراض المسلمين وعن أموالهم وعن حقوقهم، هذا ضرب من ضروب الجهاد، فلماذا يغالط هؤلاء؟ يريدون أن نسميها قوة عسكرية أم نسميها جهاداً؟ القوة العسكرية والجيوش هي وسيلة الجهاد. إذاً: الجهاد مبدأ شرعي قائم، ولا بد أن يقوم إلى قيام الساعة، ومتى تخلّت الأمة عن الجهاد ذلّت وخُذلت بواقع النصوص القطعية. وجميع الأمم تعتقد هذا الاعتقاد، فجميع الأمم الآن تعبئ الأسلحة وتحتاط؛ لئلا تنتهك في أديانها وأراضيها وحقوقها ودمائها ومصالحها الاقتصادية إلى آخره، يمكن أن يوصف فعلهم هذا مثل الجهاد عندنا، لكن هذا جهاد في سبيل الله، وهذا جهاد في سبيل الشيطان، في سبيل الضلالة والغواية. إذاً: الجهاد مبدأ وأصل شرعي، وهو ذروة سنام الإسلام ويجب على المسلمين أن يعدوا القوة: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال:60] يجب على المسلمين جميعاً بأفرادهم ودولهم وعلمائهم ودعاتهم أن يسعوا إلى القوة، لكن بالطرق الشرعية، ولينهجوا النهج السليم؛ لأن التوثب إلى تحقيق الجهاد بدون تطبيق الشروط، وبدون ضوابط وثوابت، وبدون رجوع إلى أولي الأمر، وهم العلماء ومن ولاهم الله أمر المسلمين، وبدون رجوع إلى رايات رشيدة، هذا عين الفتنة التي أحرجت المسلمين، والتي جعلت المنافقين يشككون في مبدأ الجهاد. ويجب على طلاب العلم أن يصححوا مثل هذه المفاهيم والأخطاء في الأمة، ويجب أن يرشدوا من وقع في الغلو واستعمل الجهاد على غير وجهه، واستباح المحرمات والدماء البريئة باسم الجهاد، ويجب أيضاً أن ينصحوا أولئك الذين يثبّطون عن الجهاد ويشككون في مشروعيته، أو ملغى مرحلياً، بل يجب الاستعداد له. فإذاً: أرجو من طلاب العلم -وكلكم كذلك- أن يؤكدوا على هذا الموضوع؛ لأنه موضوع شائك وحساس، وفتن فيه طوائف من أبناء الأمة بجميع أصنافهم.

ضرورة الاهتمام بالتوحيد ولوازمه

ضرورة الاهتمام بالتوحيد ولوازمه في خضم هذه الموجة من التشكيك وهز المسلمات في عقول أجيالنا وأبنائنا وبناتنا الرجال والنساء وغيرهم، من الأمور التي هي بدهية، لكن التأكيد عليها الآن أصبح ضرورة: أن هذه الأمة لا يمكن أن تجتمع وتتوحد وتقوى إلا بالاجتماع على السنة. هذه حقيقة، وحقيقة أخرى: أن الدين مبناه على تحقيق العبادة لله، ولذلك أنا آسف على الذين ينقدون الدعاة الذين يهتمون بالتوحيد، وإن كان بعض الذين يدعون إلى التوحيد عندهم شيء من الممارسات الخاطئة، لكن يجب ألا نخطئ الأصل، وإنما نخطئ الممارسات الخاطئة، فأنا لاحظت بعض الجماعات مشكورة في بعض البلاد الإسلامية الأخرى، مثل: جماعة أنصار السنة، ومثل: بعض الجماعات السلفية التي هي على نهج سليم، ليس كل من ادعى السلفية على نهج سليم في هذا الوقت، وأرجو تنبيه الشباب لذلك وغيرهم ممن يدعون إلى السنة، ربما ينقدهم بعض الدعاة الآخرين الذين لا يخرجون عن النهج أنهم دائماً ديدنهم الكلام في التوحيد، نقول: هذا ليس عيباً، وهذا هو الأصل، بل يا من تنقدهم يجب أن يكون ديدنك الكلام في التوحيد، لكن أيضاً يجب أن يكون المنهج متكاملاً، بمعنى أن تبين التوحيد وتبيّن لوازمه، وتنهى عن الشرك وتبيّن مخاطره، وأن ترسم منهجاً واضحاً يبين أن دعوتك للتوحيد لا تعني إهمال جوانب الدنيا والدين؛ بل لأنك تعتقد أن الأمة إذا اعتصمت بالتوحيد سخّر الله لها الدنيا، وإذا انتهت عن الشرك وابتعدت عنه فإن الله يعصمها وينصرها. ومن لوازم الدعوة إلى التوحيد ونفي الشرك تفقيه الناس في دينهم، وجمع الكلمة، والنهوض بالأمة في واقعها المادي، وإقامة الأعمال المؤسسية الخيرية والمادية، ودخول أهل التوحيد في جميع مجالات الحياة؛ لتقوم الأمة على نهضة التوحيد ونفي الشرك، نهضة دنيوية ودينية، نهضة مادية وإيمانية في وقت واحد. كذلك يجب على دعاة التوحيد ألا يحصروا دعوتهم على إطار ضيّق معيّن بجملتهم، أما أن تكون هناك تخصصات عند الأفراد، أي: أن كل فرد أو كل مجموعة صغيرة تقتنع بشيء وهو من وجوه الحق، وترى أنها لا تجيد غيره هذه لا نحجرها، فنحن نتكلم عن المناهج العامة في الدعوات الكبرى التي تنظم ملايين المسلمين، هذه هي التي يجب أن يكون منهجها منهج رشد يقوم على التوحيد ونفي الشرك والبدعة، وجمع كلمة المسلمين على السنة والجماعة، والاهتمام بالعمل المؤسسي، والدخول في مصالح المسلمين المادية الأخرى؛ لسد باب الفتنة عنهم.

مسارات جمع كلمة الأمة

مسارات جمع كلمة الأمة أحسب أيضاً أن من الأمور التي يجب التنبيه عليها في مثل هذا المقام: أن الأمة لا يمكن أن تصلح إلا بالمرجعية، وهذا بدهي، لا أقصد بالمرجعية مصادر الدين، فهذا أمر معلوم بالكتاب والسنة، لكن أقصد المرجعية في القدوة، وهذه مسألة اختلت كثيراً عند شباب الأمة وأفرادها، بل عند الجميع، لا أقول: عدمت، لكن اختلت بشكل مزعج، وهي الاستهانة بالمرجعية بالعلماء بمن لهم حق الطاعة، حتى لو لم يكونوا علماء، فجماعة المسلمين ينظمها في جمع الكلمة مساران: المسار الأول: الخط الشرعي الذي هو الالتفاف حول العلماء، فعلى جميع أفراد الأمة وفي مقدمتهم طلاب العلم أن تجتمع كلمتهم على علمائهم، وأن يلتفوا حولهم، وأن يصدروا عن آرائهم، وأن يتركوا كل وسيلة أو دعوى تحول بينهم وبين العلماء من حزبية أو جماعات أو توجهات أو تيارات أو غير ذلك، فأي توجه يحول بين العلماء وبين طلاب العلم فإنما هو من الكوارث التي تقع على الأمة، فيجب أن تجتمع القلوب والمناهج والكلمة على العلماء، وأن يصدر الجميع عن توجيه العلماء، ولا يجوز لأحد أن يتذرّع بأي ذريعة من الذرائع بدعوى أن العلماء لا يدركون الواقع، وهذه الحالقة، نعم العلماء لا يحيطون بكل شيء، لكن هم المرجع العام وهم الصمام، وهذا المتحذلق الذي يقول: لا يدركون الواقع، قم بخدمتهم، فالعلماء يجب أن تخدمهم التخصصات وتصدر عنهم، جميع التخصصات الدعوية والعلمية والبحثية يجب أن تخدم العلماء، وتقدم لهم المعلومة التي يسترشدون بها للحكم والفتوى، لكن بعض الناس يريد من العالم أن يكون طبيباً، وأن يكون مهندساً، وأن يكون متخصصاً بالكمبيوتر، وأن يكون عالماً بالذرة، هذا تحصيل معجز. فإذاً: العالم هو المرجع للجميع، للدعاة وطلاب العلم، وأهل الخير والحسبة، والمؤسسات الخيرية، هذا مسار. المسار الثاني: المرجعية الشرعية والاجتماعية المعتبرة شرعاً أو المعتبرة عرفاً، وكل هذا له وزنه في الشرع، فالمعتبرة شرعاً: السمع والطاعة لولي الأمر سواء كان براً أو فاجراً، تكون طاعته بالمعروف من غير معصية الله؛ لأن جمع الكلمة على الوالي والدعاء له واجب، كذلك البيعة واجبة في أعناق الجميع في أي بلد شرعي أقامت فيه بيعة شرعية مثل هذه البلاد، فهي واجبة على أعناق الجميع، حتى لا نقع فيما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية). ونحمد الله عز وجل أن في بلدنا بيعة، هذه نعمة تحقق فيها مطلب شرعي عظيم، فقده كثير من المسلمين. ثم أيضاً النصح لهذا الوالي والدعاء له، بعض الناس مجرد ما يرى خطأ كبيراً أو صغيراً يشحن نفسه بالحقد، ويبدأ يدعو على الوالي، وربما يشحن الآخرين ويحدث فتنة، وما يعلم أن هذا مصادم للشرع أصلاً، مصادم لمبدأ كوننا نؤمن بالسنة والجماعة، ومبدأ السنة والجماعة النصح، وهذا ليس منهج علماء كما يقول البعض، لا، بل هو منهج شرعي أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم، وما أكثر الأحاديث في هذا، وهذه الأحاديث تنطبق على عصرنا، هناك أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم توصي بالسمع والطاعة بالمعروف، والصبر على المظالم، والصبر على كل ما يصدر عن ولي الأمر، والدعاء له، والجهاد معه، والجمعة معه، والصلاة خلفه إلى غير ذلك من الأحكام القطعية المتواترة. هذه الأحاديث هل المقصود بها الخلفاء الراشدين؟ لماذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على الظالم، هل معنى أن الخلفاء الراشدين يظلمون؟ لا، لكن معناه أنه سيأتي من يظلمون، بعض الناس لا أدري كيف ينتكس ويرى أن السمع والطاعة لا تكون إلا لخليفة راشد؟ الخليفة الراشد ما يحتاج منك شيئاً، إن سمعت وأطعت وإلا فالأمة ستقف أمامك كلها، لكن في مثل هذه الأمور التي فيها ملابسات، وكان من تقدير الله سبحانه وتعالى أن يحكم الأمة البر والفاجر على مدار التاريخ، تُحكم بالخلافة والملك، كل هذا واقع، والله عز وجل يؤتي ملكه من يشاء. فإذاً: المسار الثاني: طاعة ولي الأمر، وولي الأمر ابتداء من الملك ومن دونه إلى أدنى مسئول من مدير المدرسة، والمعلم، والمسئولة في مكتبها، والرجل في وظيفته كل هذا ولي أمر. إذاً: يجب أن يطاع ولي الأمر صغيراً كان أو كبيراً، مهما كانت درجته في الوظيفة يطاع بالمعروف، ومن هنا تستقيم أمور الأمة وتعتز وتقوى، وتجتمع القلوب، وإلا تقع مثل ما يحدث في بعض البلاد الأخرى التنافر الذي ينتهي بالتقاتل واختلال الأمن. من الثوابت في إطاعة ولي الأمر: ضرورة الدعاء لهم، وجمع الكلمة عليهم، وإن كان عنده أخطاء؛ لأنه لا يمكن أن يحفظ دين الأمة ولا أموالها ولا أعراضها إلا بذلك، ولأنه بالتشاحن مع ولي الأمر يختل الأمن، وإذا اختل الأمن ما بقي لك لا دين ولا دنيا، حتى الدين يتضرر، وهذا موجود عبر التاريخ، والآن في واقع المسلمين وفي التاريخ الماضي، ما من وقت حيل بين الناس وبين الصبر على ولي الأمر إلا وتحدث فتنة وكارثة لا ينتصر فيها الدين، ويزداد الشر الذي يريد الناس أن يخرجوا منه، فمثلاً الذين خرجوا على عثمان

اعتبار العرف

اعتبار العرف الأمور العرفية التي تكاد تكون كلها أمور شرعية، الأمور العرفية معتبرة ما دامت لا تعارض الشرع، فهناك أناس تنظمهم أعراف تضبط أحوالهم، وتضمن حقوقهم وتثبت الأمن في قلوب الجميع، وهي مثل الرجوع إلى شيوخ العشائر، والرجوع إلى كبير الأسرة، أن تكون الأسرة فيها رجل كبير ولو كان عامياً ما دام له قدرة يجب أن تجتمع عليه الأسرة، ويتأدب عنده الجميع، وتعلم الأجيال المرجعية المرعية للمسجد، للبيت مرجعية، للشارع مرجعية، للقبيلة مرجعية، للأسرة مرجعية معتبرة، شيخ القبيلة يجب اعتباره واحترامه ولو كان عنده فسق وفجور، الإنسان الذي له قدرة، صاحب الرأي والمشورة، الذي يكون من أهل الحل والعقد بحكم الواقع لا بد من اعتباره، ولا يعني ذلك كما يظن البعض مداهنة في الدين، لا، هذه أمور معتبرة في الدين، والنبي صلى الله عليه وسلم اعتبر المؤلفة قلوبهم في الدين وأكثرهم أقرب إلى النفاق، لماذا في وقت عز الإسلام يعطيهم مائة من الإبل، ويعطي فقراء المهاجرين والأنصار واحدة؟ هذا هو الفقه؛ لأنهم يطيعهم الآلاف، ولذلك حينما مات النبي صلى الله عليه وسلم ترك كثير من الناس الدين بالجملة؛ لأن شيوخهم أعلنوا راية التمرد على الدين، هل الردة هي من أفراد الأمة؟ لا، بل من الشيوخ والرءوس أصحاب الجاه والمناصب الذين كانوا مغموزين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يؤلفهم، وحينما مات ارتدوا، انتهى الطمع. أنا أقصد بهذا أنه إذا كان هؤلاء وهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في عهد عز الإسلام، فلماذا لا نعود أنفسنا مراعاة من له شيء من الحقوق والاعتبار بقدر، ولا أقول: ننفلت ونلغي قواعد الشرع، ونجعل هذا أفضل من العالم، ومرجعية في الدين، لا، ما نجعله مرجعية في الدين، لكن نراعي الأمور المعتبرة في العرف التي تجمع شمل الأسر وتجمع شمل الناس.

إكرام الضيف

إكرام الضيف يستتبع هذا أمور بدأت تختل عند كثير من شبابنا وهي من مسلّمات الدين، البعض يظنها من العوائد التي ليس لها لزوم الآن: إكرام الضيف. أذكر لكم نكتة: سمعت قصة عجيبة، لكنها تحكي واقع بعض أجيالنا الذين ما رباهم آباؤهم على حقوق الضيف؛ لأنها ليست مجرد عادة أو موروثة، بل هي مبدأ شرعي: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) هناك شاب طرق عليه الباب أحد أصدقاء أبيه يريد الأب، ففتح هذا الشاب الباب، فقال الزائر: أين أبوك؟ قال: ذهب وسيعود بعد قليل، فاذهب ثم ارجع. نقول: كان من المفترض أن يقول له: تفضّل ولو مجاملة، لكن قال: اذهب ثم ارجع حتى يرجع أبي. أنا أكتفي بهذه النكتة عن الحديث عن هذه المسلمة، فينبغي بل يجب على المربين والدعاة أن يعقدوا دورات في الآداب؛ لأن الشباب قل عندهم القدوة وقل عندهم المربي؛ لا لأن الآباء لا يكرمون الضيف وليس عندهم أخلاق، لكن الآباء والأمهات انشغلوا، فمن يجلس لتربية الأبناء؟ ثم في أغلب الأسر الوقت الذي يكون فيه الأب والأم نائمين يكون الأبناء متيقظين والعكس كذلك، متى يلتقون؟ غالباً الأكل على الطاولة من جاء أكل، مثل: طريقة الفرنج، تجد أحدهم يفطر الساعة السابعة صباحاً والآخر يفطر بعد الظهر، متى يجتمعون ليتلقوا الآداب؟ إذاً: عندنا خلل، هذا الخلل من يتحمله؟ نحن نتحمله، لماذا كل شيء نسنده على الأسباب الخارجية؟ هناك أشياء نحن نتحملها، لماذا الأب يضيع وقته غالباً في الاستراحات وغيرها؟ لماذا الأم تنشغل في كثير من أحوالها بالفضول؟ مع احترامي للنساء الداعيات الخيرات، لكن أنا أتكلم عن عموم المجتمع فقد ابتلي بهذه البلاوي، من يعيد الأجيال إلى العادات والتقاليد الطيبة التي هي جزء من الدين؟ علينا أن نعيد الأجيال إلى الآداب التي تجمع كلمة الناس، وتحمي المجتمع من غوائل الشتات والفرقة التي غرسناها بأيدينا، إضافة إلى ما يأتي من العدو من هذا الهجوم الشرس الذي تضخ به وسائل الإعلام وغيرها على قلوب أجيالنا وعقولهم ونسائنا وبناتنا، هذا الضخ الذي أصبح الآن بيد كل واحد، كل واحد الآن يستطيع أن يتصل بكل مصدر للشر والكفر والرذيلة بسهولة، بضغطة زر باليد، كان سابقاً عبر وسائل الشبكة وكان الناس يتفادون هذا، أما الآن فقد صار في الجوالات التي في الجيوب، يستطيع أي إنسان أن يطّلع على كل شيء، أنا أقول: وقع الكبار في غوائل هذا الشر المستطيل، فكيف بالشباب؟ الله يحميهم، لكن يجب أن نسعى إلى غرس هذه الثوابت ليس فقط بالتعليم النظري، بل بأن نكون قدوات، وأن نسعى سعياً حثيثاً وأن نبادر إلى استحداث وسائل التربية، واستحداث وسائل الحماية، واستغلال المؤسسات والمحاضن التربوية الرسمية وغير الرسمية استغلالاً رشيداً يحمي هذه الثوابت، ويعيد الأمة إلى مصدر عزها، وهذا ليس بصعب، بل إننا نملك من الوسائل على هذا ما تقوم به علينا الحجة، لكن الوهن فينا نحن. نسأل الله أن يعفو عنا جميعاً، ونسأل الله للجميع التوفيق والسداد. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

الأسئلة

موقف المسلمين من الفتن والأمور المستحدثة

موقف المسلمين من الفتن والأمور المستحدثة Q ما موقفنا من هذه الفتن والأمور المستحدثة، مع الدعاء لشباب ونساء المسلمين؟ A نعم، الدعاء للشباب والنساء واجب، فيجب أن ندعو لهم بالتوفيق والسداد، وأن الله يحميهم، أما الموقف فقد ذكرت شيئاً منه، في الحقيقة الموقف: هو الاعتصام بأسباب الاعتصام التي ذكرها الله وذكرها رسوله صلى الله عليه وسلم: الاعتصام بالسنة، والسنة تتمثل برموزها العلماء وطلاب العلم، والاعتصام بالثوابت الشرعية التي ذكرتها، هذه أمور كلها ممكنة التطبيق من الجميع، وكل ما ذكرته ليس من الأمور التي تخص أحداً دون أحد إلا القليل منها، فلنستشهد بمثل هذه التوجيهات الشرعية العظيمة، ولنحرص جادين على التشبث بأسباب الحماية.

معنى القول بأنه لا يوجد أصل من أصول العقيدة مختلف عليه عند أهل السنة

معنى القول بأنه لا يوجد أصل من أصول العقيدة مختلف عليه عند أهل السنة Q قلت: لا يوجد أصل من أصول العقيدة مختلف عليه عند أهل السنة، فما رأيك في تعريف الإيمان عند الحنفية، ورؤيا الله ورؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم؟ A هذا قول المرجئة وليس قول أهل السنة والجماعة، وأما رؤية الله فليس فيها خلاف، الرؤية التي نعني بها رؤية المؤمنين لربهم في الجنة بأبصارهم نسأل الله أن يجعلنا جميعاً منهم، هذه قطعية، رؤية الناس لربهم في المحشر هذه قطعية، يأتي الخلاف في أمور تتعلق بالرؤية من حيث الموضوع العلمي لا من حيث القطعيات، فنحن نقطع أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه في المعراج، لكن ليس عندنا يقين هل رأى ربه بفؤاده أو بعين رأسه؛ لأن المسألة خلافية. إذاً: الخلاف ليس في أصل الموضوع، ولكن الخلاف في مسألة علمية فرعية لم تتضح فيها الأدلة، كذلك بقية الأشياء التي ذكرها مثل: التوسل، فالتوسل في أصله منه جائز ومنه ممنوع، فالجائز كثير من صوره قطعية، وما لم يكن قطعياً لا يدخل في القطعي، فالتوسل البدعي والشركي ممنوع عند السلف جميعاً بدون استثناء، لكن قد يوجد بعض صور التوسل يختلفون عليها، هل هي شركية أو غير شركية. إذاً: الاختلاف في بعض الصور وليس في الأصل. كذلك التوسل المشروع مثل: توسل المسلم بعمله الصالح: بصلاته، بدعائه إلى الله عز وجل، التوسل بالعبادة لله هذا من ضرورات الدين، كوننا ندعو الله هذا واجب علينا، ندعو الله في صلاتنا وفي كل المقامات، والدعاء أعظم درجات التوسل، وهذا مجمع عليه. كذلك التوسل بالعمل الصالح متفق عليه عند السلف. كذلك التوسل بأن تطلب من أخيك أن يدعو لك هذا أيضاً مشروع عند السلف ليس محل خلاف. بقي التوسل البدعي أيضاً الأصل فيه متفق عليه، لكن بعض صوره يختلف عليها. إذاً: أنا أقصد الأصول وهكذا بقية الأمور.

حكم الشك في أن القرآن شفاء للأمراض الحسية

حكم الشك في أن القرآن شفاء للأمراض الحسية Q ما توجيهكم لمن به شك في أن القرآن شفاء؛ بسبب ما ألقاه الدجالون والمشعوذون في قنواتهم الفضائية في روع بعض الناس ممن يشاهدونهم؟ A على أي حال هذا الشك مبني إما على التباس وهو الغالب، وإما أن يكون مبنياً على دخول الشبهة وسواس، فالقرآن شفاء، ولكن كيف يكون شفاء؟ هذا هو الذي ممكن يرد فيه الإشكال على بعض الناس، فبعض الناس يقرأ القرآن ولا يُشفى، معناه: أنها لم تتوافر الشروط، فالله عز وجل أخبر عن القرآن بأنه هدى وشفاء، وأنه شفاء لما في الصدور، {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت:44]، فمثل هذه الآية صريحة بأنه شفاء للأمراض؛ لأنه حينما ذكر الهدى ذكر ما يتعلق بالقلوب، أي: شفاء الهداية، ثم قال: (وشفاء) فالهدى ذُكر والشفاء جاء خارجاً عن مسألة الهدى، فمعناه: أنه شفاء للأمراض، وثبت قطعاً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستشفي بالقرآن ويعالج به، وأقر الصحابة على الرقية بالقرآن. فإذاً: هذا المبدأ ليس محل الإشكال، إنما يبقى تطبيقات الناس هي التي تسبب اللبس، وأيضاً عدم فهم الناس للشروط، كل شيء من أمور الشرع له شروط، فإذا لم تتحقق شروطه أو تخلف بعضها فقد لا يتحقق الوعد الذي وعد الله به؛ لأن الناس لم يقوموا بالواجب.

حكم تغليب حسن الظن بالله مع وجود الخوف والرجاء

حكم تغليب حسن الظن بالله مع وجود الخوف والرجاء Q مسألة حسن الظن بالله، هل يغلّب العبد حسن ظنه بربه خوفاً من ذنوبه؟ A حسن الظن بالله هو الأصل، والخوف من الله كذلك أصل، ومبنى العبادة على ثلاثة أمور: المحبة لله عز وجل محبة التعظيم والتقديس، والرقابة لله سبحانه وتعالى، والرجاء، أما المحبة فهي التي ينغرس فيها كمال التصور واستشعار كمال الله عز وجل على وجه إيجابي، ليس مجرد تصور علمي كما يكون عند الفلاسفة والمتكلمين وغيرهم، بل يجب أن تكون محبتك لله محبة يقينية تنبني على إيمانك بعظمة الله وكماله، ثم لا بد لصاحب المحبة من الرجاء والخوف في وقت واحد، لكن قد يغلّب الخوف وحسن الظن في مقام، ويغلّب الخوف في مقام، ويغلّب حسن الظن والرجاء في مقام، هذا حسب حال الشخص، لكن يجب ألا يزول حسن الظن والخوف.

حكم غيبة أهل المعاصي

حكم غيبة أهل المعاصي Q قد يكون هناك تساهل عند بعضنا في ذكر أخطاء لبعض الدكاترة بحجة أنه ليس له غيبة؛ لأنه مسبل، ولأنه يحلق لحيته؟ A هناك كلام في الناس يستثنى من الغيبة إلا بشروطه، لكن يبدو لي أن السائل من طلاب العلم وطلاب الجامعات، نقول: لا يجوز الكلام في الأساتذة والدكاترة بدعوى أنها ليست غيبة، بل هذه هي الغيبة بعينها، لا تجوز الغيبة في المسبل ولا غير المسبل، فإذا ذكرته بما فيه من الأخطاء فهذه غيبة، وإذا لم تكن فيه فهي بهتان، هذا ميزان ذكره النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة، فذكرك أخطاء أخيك بما فيه مثل حلق اللحية والإسبال أمام الناس، وتعييره والعتب عليه أو نحو ذلك، حتى وإن كان بدعوى النصيحة وإنكار المنكر، هذه هي الغيبة بعينها، إذا لم تكن هذه غيبة فما هي الغيبة؟ هل الغيبة أن تذكر الرجل الصالح بأعماله الصالحة؟ أبداً، الناس لا يتلذذون لذلك، أصحاب هذا الصنف لا يتلذذون إلا بالكلام في الخلق بالتخريج، ويقولون: هذا تجريح وتعديل، أي: جرح وتعديل؟ أستاذك وزميلك وغيرهما إذا رأيت عليهم مثل هذه المظاهر تنصحهم مباشرة، إذا ما استطعت، تنصح بإجمال، تذكر النصوص والقواعد الشرعية في تحريم مثل هذه الأمور، أما أن تتكلم في عرضه وتقول: أنا أذكره بما فيه، فهذا قلب للمفاهيم الشرعية، ولا أدري أي فقه ذلك.

حكم التصوير

حكم التصوير Q ما حكم الصلاة إلى القبر، وما حكم التصوير؟ A مسألة الصلاة إلى القبر مسألة مفصلة شرعاً عند أهل العلم وفي كتبهم، أرجو أن ترجعوا إليها. أما التصوير فله تفاصيله، وأكثر ما يكون حرج التصوير الآن تصوير المتحرك، الذي هو تصوير الفيديو وتصوير القنوات وغيرها، مثل ما يحصل من قناة المجد، هذه القناة المباركة، أنا لا أستطيع أن أفتات على العلماء وأقول: إنهم قالوا وقالوا بقدر ما أنبّه على مجملات. أولاً: هذه المسألة خلافية، هل تدخل في معنى التصوير أم لا؟ بعض أهل العلم يقولون: تسميتها تصوير تجوز؛ لأن هذا في الحقيقة نقل للواقع الذي خلقه الله عز وجل وأوجده، أي: أن هذا التصوير الذي يُنقل لنا الآن في مثل هذا المقام هل هو تصوير من عمل البشر في أصله؟ أم هو نقل للواقعة التي أوجدها الله عز وجل على هذه الحالة؟ بعض أهل العلم يرى أنه لا يدخل في مفهوم التصوير؛ لأنه ليس بمضاهاة، لكن قد يحرم إذا قُصد به أغراضاً غير مشروعة، ولذلك تحريم التصوير في السنة جاء على عدة صور، جاء بمجرد كون التصوير باليد مجسّماً أو غير مجسّم بأنه تقليد ومضاهاة لخلق الله، فهذا محرم لذاته، وجاءت نصوص أخرى تحرم التصوير الذي يؤدي إلى ذريعة الغلو والشرك، الذي يدخل فيه رفع الصور وحفظها، فهذا محرم باعتبار المآل. وبعض أهل العلم يرى أن الصورة الفوتوغرافية ما هي إلا حبس للصورة التي خلق الله الشيء عليها، وحبس الصورة ليس فيها حرج، هكذا يقولون. وبعضهم يرى أيضاً الصورة المتحركة من باب أولى، ما هي إلا نقل المشهد الطبيعي الذي أوجده الله عز وجل وهيأه إلى مكان آخر، فيرى أن هذا ليس بتصوير وليس هو الممنوع، والله أعلم. بمناسبة الكلام عن قناة المجد أنا لا أريد أن أجاملها، لكن أوصاني أحد الإخوة بوصية يلزمني أن أقولها، وهي أن كثيراً من أهل الخير وغيرهم يحتالون على قناة المجد بأن يدخلوها في بيوتهم بطريقة غير مشروعة، هروباً من دفع الرسوم، أنا أرى هذا لا يجوز، فهذه قناة خير لا تقوم إلا على الإسهام ودفع الرسوم، وإلا ستنقطع، وليس هناك شيء يبقى بدون دعم مادي، ومن أسس الدعم والحقوق الضرورية لمثل هذه الوسائل والقنوات أن تدفع لها حقوقها ورسوم الاشتراك، فلا يتهرب من الرسوم، وبعض العائلات والأسر التي لا تستطيع إدخال القناة على أهل الخير والجمعيات الخيرية أن توفر هذه الوسائل لها؛ لأنها في الحقيقة قناة خير، وأعتبرها في هذا الوقت غيثاً مثل المطر للأرض، نحمد الله أن وجدت هذه القناة وأمثالها من القنوات التي بدأت تتكاثر بحمد الله.

حكم سباب ولي الأمر ومدى تعلق ذلك بالبيعة

حكم سباب ولي الأمر ومدى تعلق ذلك بالبيعة Q هل سباب وشتم ولي الأمر ينزع البيعة؟ A قد لا ينزع البيعة، لكن هذا خلاف المنهج الشرعي، السباب والشتم لولي الأمر ولغير ولي الأمر ليس بمشروع، ومن باب أولى ولي الأمر؛ لأن هذا يشحن قلوب الناس ضده، فتحدث الفتنة عليه، كثير من الناس تأخذه العاطفة فيتكلم في أخطاء الولاة علناً وبدون منهج رشيد، ويظن أن هذا نوع من الحسبة وإنكار المنكر، إن كنت صادقاً أنك تحتسب وتنكر المنكر فاذهب إلى ولي الأمر وانصحه، أو أوصل النصيحة إليه إن استطعت، أو تكلم عند من يهمهم الأمر من العلماء والمسئولين الذين يوصلون النصيحة لولي الأمر، أما أن تشحن قلوب العباد ضده فمن المستفيد؟ لا الدين ولا أنت ولا الناس، وأين عقول الناس؟ ضاع رشدهم، وإلا توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم في هذا واضحة، ومنهج السلف الصالح واضح، فهم لا يستبيحون الكلام والشتم لولي الأمر أبداً مهما كان، إلا في ظروف خاصة يراعون فيها مصالح ويدرءون فيها مفاسد، ليست أمام جماهير الناس والغوغائية.

كيفية التعامل مع من يسخر ويستهزئ بالمتدينين

كيفية التعامل مع من يسخر ويستهزئ بالمتدينين Q ما رأيك فيمن يفعل بعض الأفعال غير اللائقة بالمتدينين، مثل أن يرفع صوته بالأناشيد وغير ذلك؟ A هذه سنة الله في الخلق لا يضرك، وهؤلاء يعالجون بالحكمة، وأرى أن من يفعل هذا أن تباشره بابتسامة، وأن تبدأ معه بالرفق، وغالباً ستكسبه، لكن إن قابلته بالمصادمة وقعت فتن في الغالب، وهذه أمور يصبر عليها أهل الخير، وهي سنة الله في خلقه، وهي ابتلاء.

حكم النظر إلى قنوات السحر والتعامل معهم

حكم النظر إلى قنوات السحر والتعامل معهم Q ما حكم النظر إلى قنوات السحر؟ A قنوات السحر فتنة، فيجب اجتنابها، وقد لبست لبساً عظيماً على الناس، فقنوات السحر يجب اجتنابها، فهم يخلطون الحق بالباطل، ولديهم وسائل عجيبة تدل على جهل الناس بأحكام السحر، فكثيراً ما أسمع حتى في مجالس العلم أموراً أعجب منها، يقولون: إن فلاناً من الناس في القناة الفلانية التي تروج السحر يبدأ بتلاوة القرآن ويدعو وتجده خاشعاً ووجهه منيراً، أقول: هل هذه ضوابط شرعية؟ كل السحرة على مدار التاريخ غالباً يلبسون على الناس بتلاوة الآيات، لا يكسبون قلوب الناس وأموالهم إلا بالتدجيل، وخلط الحق بالباطل، وبهذا الأسلوب الذي يستعمله في نفع الخلق أو دفع الضر عنهم كما يزعم، ولا ينفعهم ولا يدفع الضر عنهم إلا الله، لكن يبتلون بشيء من ذلك، هذا شيء. الشيء الآخر: أن كثيراً من الناس يفتن ببعض النتائج التي يسمونها إيجابية على يد الساحر، نعم قد تحصل، لكنها ابتلاء، وقد تحصل من باب التمويه، وقد تحصل ويحصل مآلها إلى أشد، وأنا سألت بعض الذين يروّجون استفادة بعض الناس من السحرة، قلت لهم: احصروا لي عدد الذين استفادوا مع عدد الذين تضرروا أيهم أكثر، ائتوني بالفوائد فقط يستفيد ثلاثة ويهلك مئات، ثم تأتون بالثلاثة الذين استفادوا وتجعلونهم نماذج، كم الذين لم يستفيدوا؟ كم الذين تضرروا؟ كم الذين دفعوا أموالهم وضيعوا دينهم ودنياهم ولم يستفيدوا ولم يشفوا ولم يعافوا؟ هذا أمر، الأمر الآخر: أن أكثر الفائدة التي تكون على يد السحرة تكون عن طريق الجن، فهي ابتلاء يهلك دين هذا وهذا بسببها، قد يستفيد بعض الناس بأن يُرفع عنه السحر، لكن بوسيلة شيطانية، قد يستفيد بعض الناس بأن يذهب أثر العين عنه؛ لأنهم يدلونه على العائن، لكن عن طريق الجن وعن طريق الشياطين. إذاً: وسيلة مدمرة أدت إلى نفع دنيوي يهلك به الإنسان في دينه، فمن الذي يريد أن يكسب دنياه بدينه؟ لا يصح هذا، فيجب ألا نروج هذه الأمور. وأرجو من طلاب العلم أن يتابعوا القضية، الفائدة التي تحصل أحياناً عند بعض السحرة والدجالين هل تستمر؟ أغلب الذين يستفيدون ينتكسون، لكن تُنقل الفائدة ولا يُنقل الانتكاس، سمعت عن شخص في إحدى البلاد المجاورة يقوم بعمليات بلا جراحة، يجلس في الغرفة ويعمل عملية لا توجد جراحة ولا آلات، يعني: جن وشياطين يقلبون الكبد والبنكرياس والأمعاء، يفعلون كل شيء، فيقوم الإنسان وكأنه شفي، أقول لهم: هذا قد يشفى ظاهراً، لكن تابعوه، هل عرفتم مآله فيما بعد؟ أظن أن أكثرهم يهلك بعد ذلك؛ لأن الجن والشياطين قد ينفعون بعض النفع الغائب عن مدارك الإنس مما أعطاهم الله عز وجل من قدرات، قد يؤثرون حتى على معامل التحليل الكيميائية ومختبرات الطب. أرجو من المختصين ألا يستغربوا مثل هذا الكلام، عمل الشياطين والجن قد يؤثر أحياناً في حالات نادرة، في حال استعمال الطرق غير المشروعة قد يؤثر في التمويه من خلال المختبرات، لكن هذا نادر والنادر لا حكم له، وهذا لا يؤثر على نتائج المختبرات والعلم، هذه نتائج علمية موثوقة، لكن تحدث حالات نادرة من باب الابتلاء. نسأل الله للجميع التوفيق والسداد، ونعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يجمع المسلمين على الحق والهدى، وأن يقينا شر أعدائنا والمنافقين الذين بدءوا الآن يهدمون الدين من أبناء جلدتنا وبألسنتنا، وهؤلاء هم أخطر علينا من أعدائنا الخلّص، نسأل الله أن يكفينا شرهم، وأن يصلح ولاة أمورنا، ويهديهم إلى سواء السبيل. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المعيار في معرفة المتشبهين بالكفار

المعيار في معرفة المتشبهين بالكفار لقد نهى الشرع الحنيف عن التشبه بالكافرين ظاهراً وباطناً، وأمر بالتميز عنهم ومجانبتهم في أمورهم وأحوالهم، فعلى العبد المسلم أن يبتعد عن التشبه بهم، وأن يتميز عنهم في جميع أمورهم المخالفة لشرعنا المطهر.

تعريف التشبه بالكافرين

تعريف التشبه بالكافرين إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل في كتابه الكريم: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120]، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)، والقائل صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم). أما بعد: أيها الإخوة الكرام، فإن موضوع التشبه بالكافرين من أهم وأخطر الموضوعات، وقد اهتم بها الإسلام. والنبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ الأمانة، وأدى الرسالة، ونصح للأمة، وحذرها في أحاديث كثيرة وفي مناسبات كثيرة من التشبه بالكافرين جملة وتفصيلاً، وقد وقعت طوائف من هذه الأمة في التشبه، لكن تختلف درجات وقوعها في هذا وخطورة هذا الأمر ما بين زمن وزمن، ولعلي لا أبالغ إذا قلت: إن التشبه بالكافرين الذي وقع فيه المسلمون في هذا العصر أخطر من أي تشبه وقع للأمة في أي عصر مضى، وهذا رغم خطورته أراه من أقل الموضوعات اهتماماً من قبل ذوي الشأن وذوي العلم، وأرى أن بيانه الآن للمسلمين من أهم الأمور ومن أهم الضرورات التي هي من واجبات طلاب العلم، وسأتناول موضوع التشبه بالكافرين من بعض الجوانب؛ لأن هذا الموضوع في الحقيقة متشعب وطويل، لكن يهمنا أن نفهم بعض الأصول والقواعد الضرورية التي ينبغي لكل مسلم أن يلم بها ليحذر من الوقوع في التشبه بالكافرين في عقيدة أو في عبادة أو في عادة أو في سلوك، ولعلي اقتصر على بعض الموضوعات التي يتسع لها الوقت، فأبدا بالموضوع الأول: وهو تعريف التشبه: التشبه لغة: مأخوذ من المشابهة وهي المماثلة والمحاكاة والتقليد. والتشبيه: هو التمثيل، والمتشابهات: هي المتماثلات، يقال: أشبه فلان فلاناً، أي: ماثله وحاكه وقلده. أما التشبه شرعاً -أي: الوارد النهي عنه في القرآن والسنة-: فإنه مماثلة الكافرين بشتى أصنافهم في عقائدهم وعبادتهم وعادتهم وفي أنماط السلوك التي هي من خصائصهم، وكذلك التشبه بغير الصالحين وإن كانوا من المسلمين كالفساق، والجهلة والأعراب الذين لم يكمل دينهم كما سيأتي بيانه. إذاً: نستطيع أن نقول على سبيل الإجمال: إن ما لم يكن من خصائص الكفار ولا من عاداتهم ولا من عباداتهم ولم يعارض نصاً أو أصلاً شرعياً ولم يترتب عليه مفسدة فإنه لا يكون من التشبه.

سبب النهي عن التشبه بالكافرين

سبب النهي عن التشبه بالكافرين الموضوع الثاني: لماذا نهينا عن التشبه بالكافرين؟ أولاً: ينبغي أن نفهم قاعدة هي: أن الدين مبناه على التسليم لله تعالى، والتسليم لرسول صلى الله عليه وسلم، والتسليم معناه: تصديق خبر الله تعالى، وامتثال أمره واجتناب نهيه وتصديق خبر الرسول صلى الله عليه وسلم وامتثال أمره، واجتناب نهيه، فإذا عرفنا هذه القاعدة فإنه ينبغي للمسلم أن يسلم بكل ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن يمتثله، وبكل ما جاء به النهي عن مشابهة الكافرين، وبعد أن يسلم ويطمئن ويثق بخبر الله وشرعه فإنه بعد ذلك لا مانع من أن يلتمس التعليلات والأسباب، فلذلك نستطيع أن نقول: إن أسباب النهي عن التشبه بالكافرين كثيرة، وأغلبها مما يدركه أصحاب العقول والفطر المستقيمة، ومن ذلك: أن أعمال الكفار مبناها على الظلال والفساد، هذا هو الأصل في أعمال الكفار، سوء كانت ظاهرة الفساد، أو كانت خفية الفساد فإن أعمال الكفار مبناها على الضلال والانحراف والفساد في عقائدهم وفي عاداتهم وفي عبادتهم وفي أعيادهم وفي سلوكهم، والصلاح استثناء، ثم إذا وجد بينهم من الأمور الصالحة شيئاً فإنما يكون مما لا يؤجر عليه أحد. هذا أمر. الأمر الثاني: أن التشبه في الغالب يوقع شيئاً من المشاكلة بين المتشبه والمتشبه به وبين المقلِد والمقَلد، والمشاكلة بمعنى التناسب والميول والانصهار والموافقة في الأعمال والأقوال، وهذا أمر لا ينبغي لمسلم أن يقع فيه. الأمر الثالث: أن التشبه بالكافرين يورث في الغالب ازدراء السنن وازدراء الحق والهدى الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي عليه السلف الصالح؛ لأن من تشبه بقوم وافقهم ورضي بفعلهم وأعجبه ذلك، وبالعكس فإن المخالف لا يعجبه الفعل والقول المخالف. الأمر الرابع: أن المشابهة تورث المودة والمحبة والمولاة، فإن المسلم إذا قلد الكافر فلابد أن يجد في نفسه إلفة له، وهذه الإلفة لابد أن تورث المحبة وتورث الرضا وتورث شيئاً من التناسب بين المتشابهين، وتورث المولاة، وهذا أمر فطري ضروري يدركه كل عاقل، خاصة إذا شعر المقلد بالغربة أو شعر المقلد بما يسمى بالانهزامية النفسية؛ فإنه بذلك إذا قلد غيره فإنه يشعر بعظمة المقلَد، وبالمودة له وبالإلفة والتناسب بينهم ولو لم يكن من ذلك إلا التناسب الظاهر لكفى، مع أن التناسب الظاهر في الشكل وفي العادة وفي السلوك لابد أن يورث التناسب الباطن، وهذا أمر يدركه كل من يتأمل مثل هذه الأمور في سلوك البشر. وأضرب مثلاً في وجود التناسب والمحبة والإلفة بين المتماثلين: لو أن إنساناً ذهب إلى بلد آخر يكون فيه غريباً، فإنه لو رأى إنساناً مثله يمشي في السوق يلبس كلباسه ويتكلم بلغته فإنه لابد وأن يشعر نحوه بشيء من المودة أكثر مما لو كان في بلده؛ لأن الإنسان إذا شعر أنه مقلد لآخر فإن هذا التقليد لابد أن يقع في القلب له أثر، هذا في الحالات العادية، فكيف لو قلد المسلم الكافر عن إعجاب؟ وهذا هو الحاصل؛ فإنه لا يمكن أن يقع التقليد من المسلم للكافر إلا ويكون ذلك صادراً عن إعجاب وعن تقليد، وعن محاكاة تورث المحبة والمولاة. والأمر الآخر الذي نهينا عنه التشبه؛ لأن مشابهة المسلم للكافر في الغالب لابد أيضاً أن تجعله في مقام الذليل والضعيف الذي يشعر بالصغار والانهزامية، وهذا هو الذي عليه كثير من الذين يقلدون الكفار الآن.

بعض القواعد التي يعرف بها المعيار في التشبه بالكافرين

بعض القواعد التي يعرف بها المعيار في التشبه بالكافرين الموضوع الثالث: إشارة إلى بعض القواعد الضرورية التي بها نفهم المعيار في التشبه. القاعدة الأولى: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بخبر صادق لا يتخلف أن هذه الأمة لابد أن تتبع سنن من كان قبلها من الأمم الأخرى، وحديث اتباع سنن من كان قبلنا حديث صحيح، ورد في الصحاح والسنن، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع)، وغيرها من الأحاديث الكثيرة التي تصل إلى حد الجزم بأن طوائف من هذه الأمة ستقع في تقليد الكافرين، والسنن هنا التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم قال أهل العلم: تشمل العقائد والعبادات والأحكام والعادات والسلوك والأعياد. والمقصود بالذين من قبلنا فُسر في أحاديث أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم منها: أنه فسرهم صلى الله عليه وسلم بأنهم فارس والروم، وفسرهم بأنهم أهل الكتاب، وفسرهم بأنهم الكفار على وجه الإطلاق، وفسرهم بأنهم المشركون، وهذه النصوص أيضاً يوافق بعضها بعضاً، كما أن الذين سيقعون من هذه الأمة في مشابهة الكافرين إنما هم الفرق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه ستبقى طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين منصورين يصدعون بالحق ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم حتى تقوم الساعة، وهؤلاء هم الفرقة الناجية، ومن ضرورات نجاتها وكونها على الحق ألا تقع في مشابهة الكافرين، فعلى هذا يكون إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن الأمة أنها ستقع المراد بذلك طوائف من هذه الأمة، وهم أهل الافتراق الذين افترقوا عن السنة والجماعة. القاعدة الثانية: أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما أخبرنا بوقوع التشبه أو اتباع سنن الكافرين حذر من هذا الأمر أشد التحذير، فأولاً: إخباره بذلك يتضمن التحذير، وثانياً: ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم التحذير من مشابهة الكافرين جملة وتفصيلاً، أما الجملة فكقوله صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم)، وكهذا الحديث: (لتتبعن سنن من كان قبلكم)، فهذا على وجه التحذير، والإخبار عن وقوع المشابهة، وكذلك ورد في نصوص كثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خالفوا المشركين)، (خالفوا اليهود)، (خالفوا المجوس)، فهذه نصوص عامة، أما على وجه التفصيل فسيأتي -إن شاء الله- في الموضوع الثامن نماذج لهذه الأمور التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم والتي سيقع التشبه من بعض المسلمين فيها بالكفار. القاعدة الثالثة: إخباره صلى الله عليه وسلم بأن طائفة من أمته ستبقى مستمسكة بالحق لا يضرها من خذلها ولا من عاداها إلى أن تقوم الساعة. هذه القواعد لا يمكن أن ينفصل بعضها عن بعض عند النظر في مسائل التشبه؛ لأنا لو فصلنا هذه النصوص بعضها عن بعض لتوهم بعض الناس أن المسلمين كلهم سيقعون في التشبه، وهذا لا يمكن أبداً؛ لأن هذا يناقض حفظ الدين، فالله تعالى تكفل بحفظه؛ ولأن هذا يناقض قوله صلى الله عليه وسلم بأن هناك طائفة ستبقى على الحق ظاهرة، أيضاً لو أخذنا بالحديث الآخر -وهو: (ستبقى طائفة) - ولم نأخذ بالحديث الأول لتوهم بعض الناس أن هذه الأمة معصومة من الوقوع بالتشبه بالكافرين، والأمر ليس بهذا ولا بذاك إنما ستبقى الأمة الوسط أهل السنة والجماعة هم الذين على السنة لا يتشبهون، والفرق الأخرى التي افترقت عن أهل السنة والجماعة إنما صار افتراقها بوقوع في التشبه، كما سيأتي أيضاً نماذج لذلك.

الأمور التي ورد النهي عن التشبه بالكافرين فيها

الأمور التي ورد النهي عن التشبه بالكافرين فيها الموضوع الرابع: في الأمور التي ورد النهي عن التشبه بالكفار وغيرهم فيها على وجه العموم، وهي أربعة أنواع: النوع الأول: أمور العقائد، وهي أخطر أمور التشبه، والتشبه فيها كفر وشرك، مثل تقديس الصالحين، ومثل صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله تعالى، ومثل ادعاء البنوة أو الأبوة لأحد من خلق الله سبحانه وتعالى لله كما قالت النصارى: المسيح ابن الله، وكما قالت اليهود: عزير ابن الله، وكذلك التفرق في الدين، والحكم بغير ما أنزل الله، وما يتفرع عن ذلك من أمور شركية، فإن هذا من الأمور العقدية. والنوع الثاني: ما يتعلق بالأعياد، والأعياد وإن كانت قد تدخل في العبادات أحياناً وقد تكون من قبيل العادات أحياناً إلا أنها خصت في الشرع بنصوص كثيرة لأهميتها، خُصت بالنسبة للنهي عن التشبه بالكفار فيها، وخُصت أيضا بقصر المسلمين على عيدين في السنة، فأعياد الميلاد، والأعياد الوطنية، والاحتفالات المنتظمة التي تأخذ يوماً في السنة أو يوماً في الشهر أو يوماً دورياً يتكرر تلتزم به الأمة، كل ذل من أمور التشبه الصريحة التي وردت فيها النصوص. النوع الثالث: العبادات، وقد وردت في الشرع عن النبي صلى الله عليه وسلم على جهة التفصيل أمور كثيرة في العبادات -ستأتي نماذج منها- نهينا عن التشبه بالكفار فيها، كتأخير صلاة المغرب، وكترك السحور وتأخير الفطور ونحو ذلك. النوع الرابع: في العادات والأخلاق والسلوك، كاللباس، وهذا يسمى الهدي الظاهر والهدي الظاهر، هو الهيئة واللباس وأنماط السلوك والأخلاق، فقد ورد أيضاً النهي صريحاً عن هذه الأمور على جهة الإجمال والتفصيل، كالنهي عن حلق اللحى، وعن اتخاذ آنية الذهب، وعن لبس ما هو من شعار الكفار، وعن التبرج وعن الاختلاط وعن تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال ونحو ذلك من العادات.

أحكام التشبه بالكافرين

أحكام التشبه بالكافرين الموضوع الخامس: في أحكام التشبه: أحكام التشبه على جهة التفصيل لا يمكن استقراؤها؛ لأن كل حالة من أحوال التشبه تعرض على النصوص وعلى قواعد الشرع، لكن هناك بعض الأحكام العامة التي تنظم جميع أنواع التشبه في الجملة لا على جهة التفصيل. فمن أنواع التشبه بالكافرين ما هو شرك أو كفر، كالتشبه في العقائد، والتشبه في بعض العبادات، وكالتشبه باليهود والنصارى والمجوس في الأمور المخلة بالتوحيد والعقيدة، كتقديس الأشخاص من الأنبياء والصالحين وعبادتهم ودعاؤهم من دون الله، وكتحكيم الشرائع والنظم البشرية، كل ذلك إما شرك وإما كفر، ومن التشبه ما هو معصية وفسق، كتقليد الكفار في بعض العادات، ومنه ما هو مكروه، وهو ما تردد الحكم فيه بين الإباحة والتحريم على سبيل عدم الوضوح في الحكم، يعني: قد تتردد بعض أنماط السلوك والعادات والأشياء الدنيوية بين الكراهة وبين الإباحة، فهذا دفعاً لوقوع المسلمين بالتشبه يكون حكمه مكروهاً، ويبقى Q هل هناك من أفعال الكفار ما هو مباح؟ أقول: إن المباح هو ما ليس من خصائصهم من أمور الدنيا ولا أثر لهم فيه، بمعنى: لا أثر لهم عقدي أو أخلاقي، وهو من الأمور التي تحكم سلوك عامة البشر، أو من الإنتاج المادي البحت الذي لا يلحق المسلمين في تقليدهم فيه ضرر، وهذا يدخل في باب المباح، بل أحياناً يجب على المسلمين أن يستفيدوا مما عند الكفار في علوم الدنيا البحتة، والمقصود بالبحتة: ما لا يوجد له فيه توجيه أو أثر يصادم النصوص أو القواعد الشرعية أو يوقع المسلمين في الذلة والصغار، فما كان كذلك فإنه يدخل في باب المباحات. إذاً: أمور العقائد والعبادات والأعياد تحريم التشبه بالكفار فيها قطعي، وما كان دون ذلك من قبيل العادات فإن كان من خصائصهم فهو حرام، وإن لم يكن من خصائصهم فالحكم فيه يتردد بين التحريم والكراهة والإباحة، وما كان من قبيل العلوم والأمور المادية البحتة كالصناعات والأسلحة وغيرها فهذا الأمر فيه مباح إذا قيد بالقيود السابقة.

أصناف المنهي عن التشبه بهم

أصناف المنهي عن التشبه بهم الموضوع السادس: في أصناف الذين نهينا عن التشبه بهم: باستقراء نصوص الشرع نستطيع أن نتعرف على أكثر هذه الأصناف لا على سبيل الحصر لكن على سبيل التقريب: الصنف الأول: ورد النهي عن التشبه بالكفار عموماً دون تخصيص، وعلى هذا يدخل في ذلك المشركون، واليهود، والنصارى، والمجوس وغيرهم، فقد نهينا عن كل ما هو من خصائص الكفار في العبادات، والعادات، واللباس، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عبد الله بن عمرو حينما رأى عليه ثوبين معصفرين: (إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها)، وهذا فيه دليل على أن اللباس إذا كان من خصائص الكفار فلا يجوز للمسلم لبسه. الصنف الثاني: المشركون، كذلك قد ورد النهي عن عبادتهم وأعيادهم وأفعالهم الشركية مثل المكاء والتصدية -وهو الصفير- والتصفيق، ومثل الاستشفاع بالمخلوقات إلى الله سبحانه وتعالى في الدنيا على وجه العبادة والتوسل ومثل النذر والذبح عند القبور ونحو ذلك. كذلك أيضا مما ورد النهي فيه عن أفعال المشركين: الإفاضة من عرافات قبل الغروب. وكان السلف رحمهم الله يكرهون كل ما هو من خصائص المشركين، وكل ما هو من أعمالهم، كما قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وغيره: من بنا ببلاد المشركين وصنع نيروزهم ومهرجانهم حتى يموت حشر معهم يقوم القيامة. وقد كره ابن عمر رضي الله عنهما وضع الشرفات على المساجد، ونهى عن ذلك في أكثر من مناسبة؛ لأنه كان يرى أنها تشبه أنصاب المشركين. الصنف الثالث: أهل الكتاب، والمقصود بهم: اليهود والنصارى؛ فقد نهينا عن كل ما هو من خصائص اليهود والنصارى في عقائدهم وفي عباداتهم وفي عاداتهم وفي لباسهم وفي أعيادهم، مثل البناء على القبور واتخاذها مساجد، ورفع الصور، والافتتان بالنساء، وترك أكلة السحور، وعدم صبغ الشيب ونحو ذلك. الصنف الرابع: المجوس. والصنف الخامس: الفرس والروم، وهذا طبعاً يشمل أهل الكتاب وغير أهل الكتاب، فالفرس والروم قد نهينا أيضاً عما هو من خصائصهم من عبادات وعادات وطقوس، مثل تعظيم وتقديس الكبراء والسادة. الصنف السادس: الأعاجم غير المسلمين، فقد ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه نهى عن زي العجم وزي المشركين أشد النهي، وقد أشار إلى مثل ذلك كثير من السلف؛ وذلك مبني على أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجعل الرجل في أسفل ثيابه حريراً وقال: مثل الأعاجم، أو يجعل على منكبيه حريراً وقال: مثل الأعاجم، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أيضا أن يقوم الناس لرجل تعظيماً له، بل إنه نهى أن يقوم المأموم والإمام قاعد لعلة؛ خشية من أن يفهم أن ذلك على سبيل التعظيم، وكما علل في الحديث: بأنه يشبه فعل الأعاجم، فإنهم كانوا يقومون عند سادتهم وكبرائهم، وهذا منهي عنه، وهو تشبه بالكافرين. الصنف السابع: الجاهلية وأهلها، فقد جاء النهي عن كل ما هو من أعمال الجاهلية ومن أخلاقها وعباداتها وعاداتها، مثل السفور وتبرج النساء، وبروز المحرم للشمس ولا يستظل كما يفعل الرافضة اليوم؛ فإن هذا من أعمال الجاهلية ومن أعمال المشركين، وكإظهار العورة أو شيء منها، والعصبية القومية، والفخر بالأحساب والطعن بالأنساب، والنياحة، والاستسقاء بالنجوم، فقد ألغى النبي صلى الله عليه وسلم كل أحوال الجاهلية وأعرافها، وعاداتها، وتقاليدها، وتشريعاتها، ومن ذلك التبرج والاختلاط والربا. الصنف الثامن: الشيطان، فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أفعال الشيطان ونهى عنها، كالأكل والشرب باليد اليسرى، فقد روى مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يأكلن أحدكم بشماله ولا يشرب بها؛ فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بها)، وهذه الخصلة مع الأسف وقع فيها كثير من المسلمين تساهلاً أو استكباراً عن الحق. الصنف التاسع: الأعراب الجهلة الذين لم يكمل دينهم، فإن الأعراب كثيراً ما يشرعون عادات وتقاليد ليست من الإسلام في شيء، وبعضها موروث من الجاهلية، فالأعراب الجفاة في عادتهم وتقاليدهم وأعرافهم واصطلاحاتهم ما يخالف الشرع، من ذلك العصبية الجاهلية، والفخر بالأنساب والطعن بالأحساب، وتسمية المغرب بالعشاء وتسمية العشاء العتمة ونحو ذلك مما هو من عادات الأعراب.

أسباب وقوع المسلمين في التشبه بالكافرين وتقليدهم

أسباب وقوع المسلمين في التشبه بالكافرين وتقليدهم الموضوع السابع: في أسباب وقوع المسلمين في تقليد الكفار وفي التشبه بهم خلاف أمر النبي صلى الله عليه وسلم ووقوعاً فيما نهى عنه: أولاً يجب أن نعرف أن هذا الأمر قد أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أمر لابد واقع. ثانياً: ينبغي أن نفهم بناءً على القواعد السابقة أن الذين وقعوا بالتشبه بالكافرين ليسوا أهل الحق، ولا أهل السنة والجماعة، إنما الذين وقعوا هم أهل الافتراق، وما من فرقة افترقت عن أهل السنة والجماعة إلا وفيها شبه بالكفار يقل أو يكثر، فما من فرقت خرجت عن منهج أهل السنة والجماعة من الفرق التي افترقت إلا ويكون فيها شيء من التشبه بالكفار قد يقل في بعضها وقد يكثر في البعض الآخر. من أهم أسباب وقوع المسلمين في التشبه بالكافرين: أولاً: مكائد الكفار للإسلام والمسلمين من أول ظهور الإسلام حتى اليوم، فالكفار بمختلف مللهم وعقائدهم وأديانهم وأهوائهم كادوا ولا يزلون يكيدون للإسلام، فكان من مكائدهم إيقاع المسلمين في كثير مما كانوا عليه من أمور العقائد والعادات والسلوك، ولذلك نجد أن أغلب أسباب الافتراق هي مكائد الكافرين، وما من فرقة افترقت عن الأمة إلا ونجد أن من أسباب افتراقها وجود طوائف من الكفار إما أن يكونوا رءوساً فيها أو من أتباعها من أجل إيقاع المسلمين في مثل هذه الأمور، فمكائد الكفار أصحاب الديانات والملل هي من أهم أسباب وقوع المسلمين في التشبه، والله سبحانه وتعالى أخبرنا بذلك في مثل قوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120]، ومثل قوله تعالى: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران:118]، ومثل قوله تعالى: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة:105]، ومثل قوله تعالى: {إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} [آل عمران:149]، وفي آية أخرى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا} [البقرة:109]. إذاً: فالكفار لا شك أنهم حرصوا ولا زالوا من أحرص الناس على حرف المسلمين عن دينهم، وهم أيضاً يبذلون جهوداً الآن أكثر من أي وقت مضى، وكل مسلم متأمل لواقع المسلمين الآن -بل واقع العالم كله- يدرك تكالب الكفار على الأمة المسلمة اليوم بمحاولة فرض كل أمور الكافرين عليهم من عقائد، ومن عادات، ومن أنظمة، ومن سياسات، ومن أخلاق وغيرها؛ فإن الكفار الآن نجدهم تألبوا على الأمة بإيقاع بالتشبه بهم أكثر من أي وقت مضى. ثانياً: من أسباب وقوع المسلمين في التشبه بالكافرين جهل بعض المسلمين بالإسلام وعدم تفقههم بالدين، جهلهم بأحكام الدين، وبمنهج السلف الصالح. ثالثاً: ضعف المسلمين مادياً ومعنوياً وعسكرياً، مما أدى إلى شعورهم بالضعف والانهزامية، وإلى غلبة الكفار عليهم في كثير من شئون الحياة. رابعاً: كيد المنافقين الذين يعيشون بين ظهراني المسلمين، وهم الأداة الفعالة والقوية في خدمة الكفار قديماً وحديثاً، فالمنافقون الذين بين المسلمين لهم أثر كبير في إيقاع المسلمين في التشبه، والمقصود بالمنافقين: فئات كثيرة، أولها أولئك الذين أدعوا الإسلام من الأمم الكافرة ودخلوا فيه ظاهراً بقصد الكيد ضده، ومنهم من هو مسلم في الأصل، لكنه ارتد وانحرف، ومنهم من هو مسلم في الأصل، لكن فهمه للإسلام منحرف وخاطئ، ومنهم من يميل إلى الفسق والفجور وإن كان يدعي الإسلام، فكثير من الذين يجرون المسلمين الآن إلى التشبه بالكافرين هم من الذين في قلوبهم مرض، والذين يحبون أن تشيع الأهواء والفواحش في المسلمين من العلمانيين وغيرهم. وعلى أي حال فإن أسباب وقع المسلمين في التشبه بالكافرين كثيرة.

نماذج مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي فيه عن التشبه بالكافرين

نماذج مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي فيه عن التشبه بالكافرين الموضوع الثامن: سأذكر فيه نماذج مما ورد النهي فيه عن التشبه بالكافرين عن النبي صلى الله عليه وسلم:

الافتراق في الدين

الافتراق في الدين الأمر الأول من الأمور التي ورد النهي عنها صراحة في الشرع عن التشبه بالكافرين فيها: الافتراق في الدين، وهذا كثير في الكتاب والسنة، يقول الله تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران:105]، ومنه إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بافتراق هذه الأمة بقوله: (افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة، والنصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة)، فهذا الافتراق جاء الإخبار به على سبيل النهي والتحذير.

رفع القبور والبناء عليها واتخاذها مساجد واتخاذ التماثيل

رفع القبور والبناء عليها واتخاذها مساجد واتخاذ التماثيل الأمر الثاني: رفع القبور والبناء عليها واتخاذها مساجد، واتخاذ التماثيل ورفع الصور أيضاً، وهذه الأمور أيضاً وردت فيها نصوص كثيرة أجملها فيما يلي: روى مسلم وغيره عن علي رضي الله عنه أنه قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أدع قبراً مشرفاً إلا سويته ولا تمثالاً إلا طمسته). وروى ابن أبي عاصم بسند صحيح عن معاوية رضي الله عنه قال: (إن تسوية القبور من السنة وقد رفعت اليهود والنصارى فلا تتشبهوا بهم)، يعني: رفعت البناء على القبور، وهذه البلوى -أي: رفع البناء عن القبور أو رفع القبور بذاتها- من أعظم البلوى التي أصيب بها المسلمون في كثير من أقطارهم اليوم؛ وذلك مصداقاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم)، ومن ذلك اتخاذ قبور الأنبياء مساجد، ومعنى اتخاذ قبورهم مساجد أي: البناء عليها بناء مساجد، والصلاة في هذه المساجد ويتبع ذلك البناء على قبور الصالحين أو دفن الصالحين في المساجد ولو بعد بنائها، كل ذلك يشمله النهي. ومن ذلك أيضاً: ارتياد المقابر من أجل الدعاء عندها أو دعائها من دون الله أو التقرب إليها بسائر القربات، وكل ذلك إنما هو من فعل اليهود والنصارى وقد حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم أشد التحذير. ومن ذلك ما رواه مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس -أي: بخمس ليال- قال: (إني أبرء إلى الله إن يكون لي منكم خليل، فإن الله قد اتخذني خليلاً كما اتخذا إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، إلا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد إلا فلا تتخذوا القبور مساجد؛ فإني أنهكم عن ذلك). وجاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (قاتل لله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، وفي لفظ مسلم (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد). وفي الصحيحين عن عائشة وابن عباس قالا: (لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجه فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد؛ يحذر ما صنعوا). وهكذا في قصة أم سلمة وأم حبيبة وما رأتاه من كنيسة في الحبشة من حسنها ومن تصاوير فيها فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهما: (أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح أو الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله)، وهذه الأمور من أعظم ما ابتلي به المسلمون اليوم.

الافتتان بالنساء

الافتتان بالنساء الأمر الثالث: من أعظم وجوه التشبه وأخطرها على المسلمين الافتتان بالنساء، فإن هذه من خصال الكفار، والمقصود بالافتتان بالنساء: إخراجهن عن حشمتهن حتى يفتتن بهن الرجال، وخصت النساء بذلك لأمور: أولاً: لأن النساء يرغبن بهارج الدنيا. وثانياً: لأنهن ينزعن إلى التقليد والمحاكاة والمبالغة في ذلك. وثالثاً: لأن المرأة جبلت على إغراء الرجل والتزين له، وكذلك الرجل جبل على الميل إلى المرأة وخاصة إذا سفرت ولم تنزع إلى الحشمة وإلى الستر. ومشابهة أهل الكتاب والكفار في عاداتهم وأخلاقهم وأعيادهم كثير من ذلك إنما تدعو إليه النساء أولاً ثم الصبيان والسفهاء، وهذه الخصلة -خصلة الافتتان بالنساء- وقع فيها كثير من المسلمين خاصة في هذا العصر مع الأسف، والنبي صلى الله عليه وسلم حذر من ذلك وقال: (فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)، فإذا أعطيت المرأة شيئاً من القوامة وإذا لان الرجال مع النساء فيما هو من حدود الله تعالى، وإذا تخلوا عن مبدأ الحشمة والستر فإن هذا هو الطريق والسبيل إلى الفتنة، وفي الغالب أن الأمة إذا وقعت في هذه الخصلة فإنها تخسر دينها ودنياها.

ترك الشيب بلا صبغ

ترك الشيب بلا صبغ الأمر الرابع: من الأمور التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم لأنها تشبه بالكفار: ترك الشيب بلا صبغ تشبهاً باليهود، فأمر بصبغ الشيب مخالفة لليهود والنصارى، فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم)، مع اجتناب السواد كما هو معلوم في نصوص أخرى.

حلق اللحى وترك الشوارب

حلق اللحى وترك الشوارب الأمر الخامس: ورد النهي عن حلق اللحى، والأمر بقص الشوارب؛ لأن فعل ذلك تشبه بالمشركين والمجوس واليهود والنصارى، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحديث كثيرة الأمر بإعفاء اللحى، واحفاء الشوارب، وعلل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مخالفة للمشركين والمجوس، فقال عليه الصلاة والسلام: (خالفوا المشركين حفوا الشوارب وأوفوا اللحى)، وفي رواية: (جزوا الشوارب)، وأيضاً ورد عند مسلم: (جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى خالفوا المجوس).

ترك الصلاة بالنعال

ترك الصلاة بالنعال الأمر السادس: ورد النهي عن التشبه بالكافرين وبالذات اليهود؛ لأنهم لا يصلون بالنعال على وجه الاستدامة، فورد النهي عن ترك الصلاة في النعال؛ مخالفة لليهود ما لم يترتب على ذلك أذى، كما رواه أبو داود والحاكم وصححه وتابعه الذهبي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خالفوا اليهود؛ فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم)، وهذه المخالفة يقع فيها كثير من الجهلة وأصحاب البدع، وكما تعلمون هذا مشروط بعدم وجود الأذى، فإذا كان المسجد مثلاً مفروشاً والأرض غير نظيفة وطاهرة كما هو في المدن فإنه لا يشرع الصلاة بالنعال على الفرش، وإنما النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على التراب وفي أرض المسجد التي ليس فيها فرش، فلذلك ينبغي للمسلم أن يحرص على السنة إذا خرج خارج المساجد المفروشة بأن يحاول أن يصلى في نعاله امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ويفعل ذلك أحياناً لا على سبيل الدوام؛ لأن ذلك لم يؤثر عن السلف.

التفريق في الحدود بين الشريف والوضيع

التفريق في الحدود بين الشريف والوضيع الأمر السابع: التفريق في الحدود وفي الجزاءات والتعزير والأنظمة بين الشريف والوضيع، أو بين الشرفاء والضعفاء، كما يفعل اليهود، فقد جاء في الصحيحين في قصة شفاعة أسامة بن زيد رضي الله عنه في المخزومية التي سرقت، فقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا أسامة! أتشفع في حد من حدود الله؟! إنما هلك بنو إسرائيل أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفسي بيده! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).

السدل في الصلاة وتغطية الفم

السدل في الصلاة وتغطية الفم الأمر الثامن: ورد النهي عن التشبه بالكفار في السدل في الصلاة وأن يغطي الرجل فاه، وهو ما يسمى بالتلثم؛ لأن ذلك من فعل اليهود، فقد أخرج أبو داود والترمذي وأحمد والحاكم وقال: على شرط الصحيحين: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن السدل في الصلاة، وأن يغطي الرجل فاه)، وقد علل ذلك بعض الصحابة بأن ذلك من فعل اليهود.

التبرج والسفور وخروج المرأة لغير حاجة

التبرج والسفور وخروج المرأة لغير حاجة الأمر التاسع: من التشبه بالكافرين وأهل الجاهلية: التبرج والسفور وخروج المرأة لغير حاجة، قال الله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:33]، وقال ابن عباس: لا تبدي العورة ولا تستن بسنة المشركين.

الاختصار في الصلاة

الاختصار في الصلاة الأمر العاشر: الاختصار في الصلاة، والمقصود بالاختصار في الصلاة: وضع اليد على الخاصرة؛ فإن من السنة أن يضع المصلي يديه على صدره اليمنى على اليسرى، فالاختصار في الصلاة منهي عنه؛ لأنه من فعل اليهود، كما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها كرهت الاختصار في الصلاة وقالت: لا تشبهوا باليهود.

الاحتفالات والأعياد التي لم ترد في الشرع

الاحتفالات والأعياد التي لم ترد في الشرع الحادي عشر: الأعياد والاحتفالات، والمهرجانات التي لم ترد في الشرع، ومعروف أنه لم يرد إلا عيد الأضحى وعيد الفطر؛ فإن كثرة الأعياد من دين أهل الكتاب والكفار والمشركين والمجوس، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يعيد المسلمون بأكثر من عيدين، وقال الله تعالى في صفة عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان:72]، قال كثير من مفسري السلف: المقصود بالزور أعياد المشركين، والأعياد من الشرائع والتعبد، وهي عبادة توقيفية لا يجوز الزيادة فيها ولا النقص عما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم فيها. فلو أحب أحد من الناس -مثلاً- أن يضع للأمة عيداً ثالثاً مهما كانت مناسبته فإن هذا من تشريع غير ما شرعه الله، وكذلك لو أحب أحد من الناس أن يلغي عيداً من الأعياد التي شرعها الله فإن ذلك تشريع أيضاً ولا يجوز، بل إنه كفر؛ لذلك منع الرسول صلى الله عليه وسلم أهل المدينة من إحياء بعض أعيادهم وأيامهم القديمة، فقد أخرج أبو داود وأحمد والنسائي بإسناد صحيح على شرط مسلم عن أنس قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى والفطر)، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: اجتنبوا أعداء الله في أعيادهم. فالعيد مهما كان مبرره لا يجوز الزيادة فيه ولا النقص، فكل مناسبة تأخذ اهتماماً من المسلمين في زمن دوري كأن يكون كل شهر أو كل سنة أو كل سنتين أو كل خمس أو كل عشر، وكل مناسبة تلتزم بها الأمة في زمن معين وعلى هيئة معينة فإنها تكون عيداً ولو لم تسم عيداً، ويدخل ذلك من باب الأولى ما يسمى بالأعياد الوطنية أو أعياد العروش، أو أعياد المناسبات أو أعياد الانتصار، أو أعياد الفصول أو غيرها من الأعياد، ومن ذلك ما يسمى أيضاً بالأسابيع إذا اتخذت شكلاً تلتزم به الأمة أسبوع كذا وأسبوع كذا ما لم يتغير هذا الأسبوع من وقت إلى وقت فإنه يدخل في باب التعييد، وهو بذور الابتداع، حتى ولو فطن الناس في وقت تشريع هذا الأمر إلى الأمور الشرعية والمحاذير فإنه ستأتي أجيال لا تفطن، وقد تأخذ هذه الأمور على أنها من اللوازم على الأمة، وكل ما ألزم الناس به أنفسهم مما لا يلزم شرعاً فإنه يكون تشريعاً، سواء سمي عيداً، أو سمي يوماً، أو أسبوعاً، أو شهراً، أو مناسبة، أو احتفالاً، أو مهرجاناً، أو غير ذلك، كل هذه الأمور لا شك عند أهل العلم أنها من المحذور وهي من التعييد الممنوع.

ترك أكلة السحور

ترك أكلة السحور الثاني عشر: ترك أكلة السحور كما يفعل أهل الكتاب؛ لأنهم لا يتسحرون، فقد روى مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر)، ومع الأسف نرى الكثير من المسلمين في هذا الوقت يقع في هذا المحذور خاصة الذين يسهرون إلى قرب وقت السحور ثم ينامون وقد أكلوا نصف الليل أو قبل ذلك، فهؤلاء لا شك أنهم يتركون أكلة السحور عمداً وهذا لا يجوز بل هو من سنن الكافرين وسنن اليهود، ولو لم يأت في ذلك إلا نهي النبي صلى الله عليه وسلم لكفى.

تأخير الفطور

تأخير الفطور الثالث عشر: تأخير الفطور، فإن تعجيل الفطور من السنن، وهو مخالفة لليهود والنصارى، فقد أخرج أبو داود والحاكم وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون)، وهذه الخصلة طبعاً أيضاً وقع فيها بعض الناس وهي كثيرة في الرافضة الشيعة، فإن الشيعة يؤخرون صلاة المغرب ويؤخرون السحور إلى أن تشتبك النجوم، وكذلك يقع فيه بعض الناس من باب الحيطة والتنطع في الدين، فإن هؤلاء أحياناً لا يثقون بالمؤذنين، ولا يثقون أيضاً برؤيتهم لغروب الشمس، فيتأخرون عن وقت الإفطار زعماً منهم أن هذا من باب الاحتياط، وهذه عادة من الشيطان؛ لأنه وقوع في المحذور، فتأخير السحور وتعجيل الفطور من السنة.

تأخير صلاة المغرب

تأخير صلاة المغرب الرابع عشر: تأخير صلاة المغرب، من الأمور التي هي من خصال الكفار تأخير صلاة المغرب عن وقتها، فإن اليهود يؤخرون المغرب حتى تشتبك النجوم، أي: تبدوا متشابكة وتظهر للأعيان، وقد أخرج أبو داود والحاكم وصححه وكذلك ابن ماجة وأحمد في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال أمتي بخير أو على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم).

اعتزال الحائض في المؤاكلة والمؤانسة والجلوس في البيت

اعتزال الحائض في المؤاكلة والمؤانسة والجلوس في البيت الخامس عشر: اعتزال الحائض من النساء في المؤاكلة والمؤانسة والجلوس في البيت، فإن من خصال اليهود أنهم إذا حاضت المرأة يفاصلونها ويعتزلونها عن المؤاكلة وعن المجالسة في البيت، وهذا نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) وذلك حينما سأله بعض المسلمين الذين كانوا يرون أفعال اليهود في المدينة.

الصلاة في أوقات الكراهة

الصلاة في أوقات الكراهة السادس عشر: النهي عن الصلاة وقت طلوع الشمس وزوالها وغروبها؛ لأنه تطلع بين قرني شيطان ولأنها يسجد لها الكفار وقت الطلوع، ووقت الزوال، ووقت الغروب، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم عن عمرو بن عبسة في حديثه الطويل ومنه قال: (صل صلاة الصبح ثم اقصر عن الصلاة حتى ترتفع الشمس؛ فإنها حين تطلع تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار)، وقال مثل ذلك في غروبها أيضاً.

الصلاة مختصرا

الصلاة مختصراً السابع عشر: النهي عن الصلاة مختصراً، وهو وضع اليد على الخاصرة، وهذا قد مر.

القيام لشخص تعظيما له

القيام لشخص تعظيماً له الثامن عشر: النهي عن القيام لشخص؛ تعظيماً له، خاصة إذا كان الشخص له مقام أو كان من المعظمين، فقد ورد النهي عن ذلك في نصوص كثيرة، من ذلك ما ورد من النهي عن صلاة المأمومين قياماً والإمام قاعد خاصة إذا طرأ على الإمام طارئ فلم يستطع القيام، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ينبغي إذا قعد الإمام أن يقعد المأموم مثله؛ خوفاً من تقليد الأعاجم الذين يقومون لعظمائهم، فقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي أخرجه أبو داود وابن ماجة: (إذا صلى الإمام جالساً فصلوا جلوساً، وإذا صلى الإمام قائماً فصلوا قياماً، ولا تفعلوا كما يفعل أهل فارس بعظمائها)، وفي رواية: (ولا تعظموني كما تعظم الأعاجم بعضها بعضاً)، وأخرج مسلم في حديث آخر: (إن كدتم أنفاً تفعلوا فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود)، وذلك حينما قام الصحابة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بهم قاعداً موعوكاً.

ندب الميت بالنياحة

ندب الميت بالنياحة التاسع عشر: ندب الميت بالنياحة، وإقامة المآتم الصاخبة، كما تفعل الجاهلية، فقد قال النبي صلى الله علية وسلم في الحديث المتفق عليه: (ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية)، وهذه الخصلة أيضاً وقع فيها كثير من المسلمين اليوم.

الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم

الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم العشرون: الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم، وهذه من أفعال الجاهلية التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم، والنياحة).

العصبية

العصبية الحادي والعشرون: العصبية إلى قوم، أو إلى مذهب، أو إلى بلد أو نحو ذلك، فأي عصبية أو انتماء لغير الإسلام على وجه الافتخار والتعصب كل ذلك من أفعال الجاهلية، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية)، أخرجه أبو داود ومسلم في معناه، وهذه العصبية التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الأمور التي وقع فيها المسلمون قديماً وحديثاً، فمن أعظم الأمور العصبية التي وقعت بين المسلمين الآن وافتتنوا بها وفرقتهم القوميات، والوطنيات الضيقة التي جعلت المسلمين شعوباً وفرقتهم، ولعل أحداث هذه الأيام تبين لنا مدى أثر القوميات والعصبيات التي هي جاهلية على المسلمين.

إفراد يوم عاشوراء بالصوم

إفراد يوم عاشوراء بالصوم الثاني والعشرون: إفراد اليوم العاشر من المحرم وهو يوم عاشوراء بالصوم؛ لأن اليهود تفعل ذلك، فقد روى الإمام أحمد في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صوموا يوم عاشوراء وخالفوا اليهود، صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده).

وصل الشعر

وصل الشعر الثالث والعشرون: وصل الشعر من قبل النساء، والمقصود بوصل الشعر: وضع شعر غير ما خلقه الله للمرأة كما تفعل اليهود، ومثله في نظري ما يسمى بالباروكة؛ لأنها من باب وصل الشعر، فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث معاوية رضي الله عنه قال في القصة من الشعر التي يوصل بها: إنما هلك بنو إسرائيل حين اتخذتها نساؤهم، وقال معاوية: ما كنت أرى أن أحداً يفعله إلا اليهود.

قسوة القلوب وعدم الخشوع

قسوة القلوب وعدم الخشوع الرابع والعشرون: قسوة القلوب وعدم الخشوع لآيات الله وذكره، وهذه من خصال اليهود التي نهى عنها الله تعالى في قوله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحديد:16].

الرهبانية والتشدد في الدين

الرهبانية والتشدد في الدين الخامس والعشرون: الرهبانية والتشدد في الدين، فإن هذا من أعظم خصال النصارى، فالمبالغة بالدين مما لم يشرعه الله سواء في العبادة، أو في العقائد، أو في الأحكام، كالانقطاع للعبادة وترك السعي لطلب الرزق، وترك الجهاد، وترك الضرب في الأرض، وكتحريم المباحات، كالتنطع في الدين مما يخرج عن منهج الاعتدال الذي هو دين الإسلام، والرهبانية كما تعلمون من فعل النصارى، وقد نهى الله عن ذلك ونهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم، فإن قوماً شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في الصوامع والديارات رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم).

خطر التشبه بالكافرين وأهمية الانتباه لذلك

خطر التشبه بالكافرين وأهمية الانتباه لذلك والخلاصة: أن موضوع التشبه من أخطر وأهم الموضوعات التي ينبغي أن يعنى بها المسلمون؛ لأن المسلمين اليوم وقع كثير منهم في أشد أنواع التشبه وأعظمها على الدين، بل وقعوا فيما هو كفر وما هو ظلال وما هو شرك وما هو دون ذلك، وإن كان التشبه وقع فيه المسلمون قديماً لكنه لم يصل الأمر بالمسلمين كما وصل بهم الآن، فإنا نجد أن المسلمين الآن تبعاً لغيرهم في غالب الأمور إلا من عصمه الله. فالمسلمون اليوم تبعاً للكفار في كثير من الأمور ليست تبعية جزئية في أمر من أمور العبادة أو خصلة من خصال العادات أو نحو ذلك، وإنما هي تبعية شاملة لأغلب مناحي الحياة في العقائد وفي التشريع، ومن ذلك القوانين الوضعية المستوردة، وفي الأحكام وفي التحاكم، ونجد أن كثيراً من المسلمين جماعات ودول يتحاكمون الآن إلى الدول والمنظمات الكافرة، كتحاكمهم بل أكثر من تحاكمهم إلى الله ورسوله. وأيضاً ما هو من قبيل الأخلاق والسلوك والهدي الظاهر هذا مع الأسف وقع فيه كثير من المسلمين بل أصبحت بعض بلاد المسلمين السنة فيها هي الشاذة، وأخلاق الكافرين وعادتهم هي الأصل، وهذا أمر مدرك لدى الجميع، ونحن في هذه البلاد -بحمد الله- لا يزال ظاهر سلوك المسلمين على الإسلام، ولا تزال كثير من الأخلاق والعادات والأحكام والنظم على الإسلام ولا تزال كثير من الأخلاق والعادات والأحكام والنظم على الإسلام الظاهر، وهذه نعمة من الله تعالى يجب أن نحافظ عليها. أخيراً: لا يسعني إلا أن أوصي نفسي وإخواني بتقوى الله سبحانه وتعالى والنصح للمسلمين، ومحاولة إخراجهم من هذا الوضع الذي هم فيه، والحفاظ على ما بقي عندنا في هذا البلد من أمور السنة الظاهرة، ومحاولة صد هذا التيار العارم الجارف من أحوال الكافرين وأعمالهم التي أصبحت تفد إلينا اختياراً أو إجباراً. هذا وأسأل الله أن يحيينا مسلمين، وأن يميتنا مسلمين، وأن يحشرنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، كما أسأله تعالى أن يجعلنا على الصراط المستقيم، وأن يجنبنا طريق المغضوب عليهم والضالين. وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

الأسئلة

كيفية التحذير من التشبه بالكافرين

كيفية التحذير من التشبه بالكافرين Q الأمة في هذا الزمن وقعت في تيه فكري، وانهزمت أمام الكفار فضاعت في كثير من مناحي حياتها فكرياً وتاهت ثقافياً، ونراك أغفلت كثيراً من جوانب هذا الضياع والتيه، وركزت على أمور لا نعاني منها في زمننا، مثل بناء القباب، وصبغ الشيب، والصلاة في النعال، فهل من توجيه؟ A في الحقيقة كنت متردداً بين أمرين: إما أن آخذ النصوص الشرعية والقواعد وأكتفي بالأمثلة فيما عدا ذلك، أو العكس أشير إلى القواعد أشارة موجزة ثم أفصل فيما وقع فيه المسلمون من التشبه، فآثرت الأول؛ لأنه يتعلق بالأصول الشرعية التي هي الموازين، والمعيار والمقصود بهذا: أن نعطي الموازين من النصوص والقواعد التي بها يزن المسلم أعمال المسلمين على ضوئها، فلذلك ركزت على القواعد وعلى أصناف التشبه والمتشبه بهم والمتشبهين أكثر من تركيزي على وصف أحوال المسلمين إلا لماماً، فأرجو أن يكون لي في ذلك عذر، والوقت لا يتسع بأن نجمع بين الأمرين، ولعله إن شاء الله في مناسبة أخرى يكون لنا حديث فيما وقع فيه المسلمون من تشبه خالص بالكافرين.

حكم التشبه بالكافر في الأمور المتعلقة بجمال المرأة

حكم التشبه بالكافر في الأمور المتعلقة بجمال المرأة Q إن معظم الابتكارات المتعلقة بجمال المرأة كالابتكار في الأزياء وتسريحات الشعر وأدوات التجميل ونحوها يأتي من الكفار، فإذا حرمناها بدعوى مشابهة الكفار نشأ عن ذلك عدم التجديد في جمال المرأة وأصبحت مملولة، وتحول الرجال إلى نساء الكفار ذوات الجمال المتجدد؟ أضف إلى ذلك أن الغرب سبقونا إلى مجال الذوق بسنوات كثيرة ووضعوا قوانين وضوابط للجمال لا ندركه ومعروف أننا نتشبه بهم في هذا المجال؛ لأنهم أعرف منا في هذا المجال، وأذواقهم أحسن من أذواقنا؟ A على أية حال السؤال نقض نفسه بنفسه، فليس مبالغة المرأة في الجمال هدفاً مقصوداً لذاته، نعم المرأة تتجمل لزوجها، والجمال للزوج له طرق يستغنى بها عن وسائل الكفار وأساليبهم، هذا أمر، أمر آخر يبدو لي أن ما يتعلق بالألبسة والتسريحات التي تعملها النساء لا تعملها لأزواجهن، بل أغلب النساء -وأجزم بذلك- تتزين للشارع وللخروج للحفلات أكثر مما تتزين لزوجها. إذاً: فهذا الأمر باطل من أصله، ثم أن تزين المرأة إذا كان لقصد التزين لزوجها ليس فيه ممنوع إلا أن تقع في محرم حرمه الشرع، أما التزين لغير الزوج فهو لا يجوز، وهو التي تعمله دور الأزياء وغيرها.

خطر التشبه بالغرب في مظاهر الزواج والاحتفالات

خطر التشبه بالغرب في مظاهر الزواج والاحتفالات Q من الملاحظ دخول بعض العادات الغربية من مظاهر الزواج لدينا، فما توجيهك فيما يقومون بهذه الأعمال؟ A في الحقيقة الاحتفالات الكبيرة خاصة الزواجات يبدو لي أنها أصبحت الآن أعظم وسائل إدخال العادات والتقاليد الفاسدة للمسلمين، وليس تقليد الكفار فقط؛ لأننا أيضاً نهينا عن أخلاق الفساق والفجرة الذين يحبون أن تشيع الفاحشة، فحفلات الزواج هي من أهم الوسائل أو من أخطرها في نشر هذه العادات والتقاليد، ولكن كيف ندفع هذا الشر؟ هذا أمر يبدو لي أنه واجب الجميع، يعني: المفروض أن نتعاون جميعاً مع ولاة الأمور، ومع أصحاب قصور الاحتفالات وغيرها بأن ندرأ الشر قدر الإمكان.

توجيه من يقوم بتقليد الغرب في العادات والتقاليد وترك تقليدهم في التقدم الصناعي

توجيه من يقوم بتقليد الغرب في العادات والتقاليد وترك تقليدهم في التقدم الصناعي Q ما توجيه فضيلتكم لمن يقوم بتقليد الكفار في العادات والتقاليد ويترك ما وصلوا إليه من تقدم صناعي؟ A هذا وصف جيد لواقع المسلمين، فالمسلمون الآن يأخذون كل رديء عن الكفار، ولا نراهم أخذوا الجيد، فمنذ أن بدأت التحولات الكبرى عند المسلمين ابتدءاً من دخول العلمانية في الحكم وإقامة الأنظمة، والقوانين الوضعية، وانتهاء بالتعليم، وما بينهما من الاقتصاد، والسياسة، والاجتماع وغيرها كل مظاهر الأخذ عن الكفار نجد أن المسلمين أخذوا كل ضار وتركوا النافع، ولا نسمع عن خصلة من خصال الكفار الرديئة تحدث في أوروبا وأمريكا إلا ونراها بعد يسير موجودة في بلاد المسلمين، بينما نجد أن الأمور الهامة من إعداد القوة ومن الصناعات ومن الأمور الدنيوية نجد أنا متخلفين فيها جداً، ولا نزال نعتمد على الكفار، وهذا طبعاً انتكاس، وسببه التخلي عن دين الله وشرعه، وهذا لا شك فيه. ولو أخذنا بأوامر الشرع لما وقع هذا، ولكان العكس هو الصحيح، وهو أننا نأخذ بالنافع ونترك الفاسد، لكن الذي حصل والذي يريده -مع الأسف- المعجبون بالكفار من العلمانيين والحداثيين والمنافقين وأهل الفسق والذين يحبون الفجور والفواحش الذي يطمعون إليه الآن هو أن تتغير تقاليدنا وتكون كتقاليد الكفار، وأن نخرج عن عاداتنا التي هي أحكام الإسلام، وطبعاً هم يسمونها عادات وتقاليد وهي أحكام الشرع، يريدون أن نخرج عنها إلى ما عليه الكفار، ولا نراهم حريصين على التقدم المادي كما نراهم حريصين على التقليد في هذه الأمور، ولو حرصوا لكان الأمر غير ما هو عليه، وهناك من يعتقد بالغرب وبعاداتهم، فكلما تحدث عن شيء قال: وجدت ذلك في الغرب، ثم يبدأ يمتدحه ويمتدح ذلك الشيء سواء كان ذلك الشيء حسناً أو سيئاً. وهذا من الانهزامية، وهذا ما نراه كثيراً بين كثير من المثقفين الذين يعجبون بالغرب، فنجدهم -كما تقرءون في كثير من المقالات في الصحف- إذا أردوا أن يستشهدوا على شيء أنه حسن أو أنه جيد مفيد قلوا: قال فلان الغربي أو قالت المؤسسة الفلانية الغربية أو قالت النظرية الغربية وهكذا، ولا يقولون: قال الله قال رسوله إلا إذا حلا لهم الدليل، فإذا كان الدليل يخدمهم أتوا به.

حكم أخذ الجائزة المبنية على قمار

حكم أخذ الجائزة المبنية على قمار Q في كلية البنات هناك مسابقة تقام بين الطالبات والطالبة تشترى قسيمة المسابقة، وقد أفتى المشايخ بأن ذلك قمار، ولم نعلم إلا بعد الفوز، فما حكم الجائزة؟ هل نتصدق بها أو نردها إلى أصحاب المسابقة؟ A أما ما حصل من جائزة فالأولى التصدق بها؛ لأن إرجاعها إلى أصحابه قد يعود إلى نفس العملية مرة أخرى فقد يعمل قماراً مرة أخرى، فالأولى التصدق بها، وصرفها في وجوه الخير، فهذا أجدى وأنفع. وصل اللهم وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الرقية ما لها وما عليها

الرقية ما لها وما عليها للرقية الشرعية شروط وضوابط يجب التزامها، وإلا خرجت عن مسارها الصحيح، وكانت نتائجها عكسية، والناظر في أحوال غالب الرقاة يجد التجاوزات غير الشرعية، وما ذلك إلا بسبب عدم التزام الشروط والضوابط الشرعية للرقية، ومع ذلك تجد كثرة الذاهبين إليهم، فيجب الحذر من مثل هؤلاء الرقاة الذين يخالفون الضوابط الشرعية للرقية.

التعريف بالرقية الشرعية

التعريف بالرقية الشرعية الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وآله ورضي الله عن صحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد: فإن موضوع الرقى وما يدور حولها من تساؤلات، وما يجري من كثير من الرقاة من تجاوزات يحتم على كل من يهمه الأمر، سواء من العلماء وطلاب العلم، أو من المسئولين وأهل الحسبة، أن تتضافر جهودهم في علاج كثير من المشكلات التي تنشأ عن الأخطاء حول الرقية؛ ولذلك سيكون حديثي في ثلاثة أمور: أولاً: في أصل الرقية شرعاً. ثانياً: الأسباب التي جعلت الكثيرين من مجتمعنا في هذا اليوم يحتاجون إلى الرقية ويلجئون إلى الرقاة، سواء منهم من يرقي على أصول شرعية، أو من يقع في أخطاء، إما لجهل، أو تجاوزات مقصودة وغير مقصودة. ثالثاً: الإشارة إلى أهم الأمور التي ينبغي أن تكون في الرقية الشرعية، ولعلي أطيل الحديث عما يحدث من أخطاء وتجاوزات حول الرقية، سواء من بعض الرقاة، أو من الذين يحتاجون إلى الرقية من المرضى وأولياء المرضى. أولاً: ينبغي أن نعرف ما هي الرقية، كثير من الناس يخلط بين الأوراد والتحصينات الشرعية وبين الرقى، مع أن بينهما تشابهاً من وجوه واختلافاً من وجوه كثيرة، وكثير من الناس يخلط بين الرقية والتداوي بالأسباب المشروعة وغير المشروعة؛ ولعل سبب ذلك أن بعض الرقاة لا يكتفي بالرقية الشرعية، فيضيف إليها من تخرصاته وأوهامه أو من تجاربه الشخصية، التي هي أشبه غالباً بالشعوذة، حتى صارت عند بعض الناس من لوازم الرقية. الرقية المشروعة: يقصد بها طلب الشفاء من الله عز وجل، إما عن طريق القرآن، فهو الشفاء والرحمة، وهو الهدى والنور، أو عن طريق الأدعية المشروعة، سواء منها المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة وسلف الأمة، أو غير المأثور إذا لم تكن تشتمل على معان غير مشروعة، أو عبارات أو طلاسم أو أشياء لا يكون لها أصل شرعاً، أو تتنافى مع الشرع، هذا هو الأصل في الرقية، ومع ذلك فإن الناس اليوم أضافوا إلى الرقى أشياء كثيرة، فأدخلوا التمائم وغيرها من الأعمال غير المشروعة ضمن الرقية وكأنها من الرقى، وهذا ما سأركز عليه.

بواعث الرقية وأسباب كثرة استعمالها

بواعث الرقية وأسباب كثرة استعمالها ما هي بواعث الرقية؟ الرقية المشروعة علاج بإذن الله عز وجل من أمراض القلوب وأمراض الأبدان، أمراض القلوب سواء كانت نفسية أو غيرها كضيق الصدر والقلق والخوف والاضطراب وقسوة القلوب وغير ذلك مما يعتري البشر، خاصة إذا كثرت أسباب قسوة القلوب، وأكثر ما يحتاج الناس في الرقية اليوم وفي عصرنا وفي وقتنا هذا في علاج أمراض القلوب الأمراض النفسية، وهي داخلة ضمن أمراض القلوب، وسأذكر شيئاً من أسباب جعل الكثيرين يحتاجون إلى الرقية، لكن الأكثر منهم يباشر الرقية بطرق غير مشروعة، سواء بنفسه أو عن طريق بعض الرقاة الذين يتجاوزون المشروع، إما لجهل أو لتخليط أو لأغراض الله أعلم بها، لا نريد أن ندخل في أعمال القلوب، إنما يهمنا الظواهر مما حدث من أخطاء، ممكن نسميها أخطاء شنيعة مؤثرة في العقيدة، ومؤثرة في سلوكيات الناس، ومؤثرة في معارضة أحكام الشرع. أما أمراض الأبدان الأمراض العضوية، فلا شك أن القرآن والأدعية المشروعة سبب بإذن الله عز وجل من أسباب العلاج لكثير من الأمراض العضوية، بل عامة الأمراض التي يتناولها الطب ويعالجها أيضاً ممكن علاجها بالقرآن، لكن الذي لا يمكن علاجه لا بالقرآن ولا بغيره كالموت؛ فالموت ليس له علاج، إلى آخره، الشيء الذي يفوت هذا قدر، لكن ما دام المرض يحتمل أن يعالج فإن الاستشفاء بالرقية على الوجه الشرعي يكون من أسباب علاج المرض بإذن الله، سواء كان نفسياً قلبياً أو عضوياً. المتأمل لحال الناس اليوم لو قارن بين ما سبق من حوالي ثلاثين أو عشرين سنة وبين حال الناس اليوم لوجد الأمر مهولاً فعلاً، يعني: اليوم تسارع الناس إلى الانكباب حول الرقاة وحول الأطباء النفسيين، لا شك أن هذا له أسبابه.

أمراض القلوب

أمراض القلوب أعظم الأسباب: أمراض القلوب، وهي سبب للمرض النفسي والاختلال العقلي عند كثير من الناس، وسبب أيضاً لكثير من الأمراض العضوية، فضلاً عن الأمراض القلبية والنفسية. وجماع ذلك: الإعراض عن ذكر الله، يقول الله عز وجل: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه:124] هذا في الدنيا، والمعيشة الضنك تبدأ من القلق الذي يبدأ في قلب الإنسان ونفسه والأمراض النفسية، ثم ما ينشأ عنه أو عن غيره من بعض الأمراض العضوية كذلك، فهو نوع من المعيشة الضنك، القلق الاضطراب الوساوس وغير ذلك مما هو كثير اليوم.

كثرة المعاصي والشرور والملاهي

كثرة المعاصي والشرور والملاهي من الأسباب: كثرة المعاصي والشرور والملاهي، وكذلك بهارج الدنيا، الدنيا تغلف على قلوب الناس، إذا أقبلت قلوبهم على الدنيا فإنها تغلف؛ حتى لا تتأثر بالذكر والأوراد، وتكثر عليها هجمات الشياطين والوساوس والخطرات والخوف والقلق وغير ذلك، اليوم ضحكت الدنيا على الناس، الغني والفقير، لم تعد تشغل الأغنياء كما هو المعهود في السابق فقط، بل ألهت جميع الخلق، ضحكت لهم ضحكة الذئب، ولعل كبار السن يعرفون ما هي ضحكة الذئب؟ ضحكة الذئب يضرب بها مثلاً للمخادعة التي ينخدع بها الغر الساذج، الذئب إذا رآه الغر الساذج فاتحاً فاه يظنه يضحك، وهو يريد أن يأكله ويفترسه، والدنيا اليوم فعلاً فغرت فاها للناس، وظن الناس أنها تضحك لهم وهي تقتنصهم، تقتنص دينهم وأخلاقهم وقلوبهم، وتحولهم عن حقيقة العبادة لله عز وجل إلى عبادة الدنيا والشهوات والشبهات كما هو حاصل، وهذا لا بد أن ينعكس على قلوب الناس وعقولهم وأنفسهم وأبدانهم. ولذلك عرفنا من خلال المختصين بالمستشفيات أنه عندما تحصل أي هزة ببعض أنواع التجارة أو في الأسهم تكثر أحوال الطوارئ والإسعافات، نسأل الله السلامة والعافية، الدنيا كلها ما تساوي صحة مؤمن وحفاظه على صحته، فضلاً عن دينه وأخلاقه. وليست هذه الظاهرة ظاهرة خفيفة أو جزئية، بل في كل مكان في بلادنا إذا حصلت أي هزة اقتصادية خاصة في الأسهم أعلنت إسعافات الطوارئ، أكتفي بهذا المثال؛ لأن أمامي أموراً كثيرة أحب أن أنبه عليها. كذلك الملهيات، وهي جزء من ضحكة الدنيا للناس، الملهيات والبهارج. كذلك الوسائل التي الآن أشغلت الناس، رغم أنها نعمة من الله عز وجل؛ لكن نظراً لأنها لم تشكر واستخدمت على غير وجه شرعي في الغالب أصبحت مدمرة لدين الناس ودنياهم، أصبحت هذه الوسائل بشتى أنواعها مشغلة مهلكة للأعصاب موترة للنفوس. فمثلاً: كم أحدث علينا الجوال الآن من المشكلات، نعم هو نعمة ويخدمنا، لكن صرنا أسرى الجوال، خدمناه أكثر مما يخدمنا، كنا قبل عشرين سنة ما نحتاج إلى الجوال أبداً، ولا نفكر أن نحتاج إليه، الآن لا يستغني عن الجوال إلا النادر، هذا مثال، كم يأخذ من عقلك ومشاعرك وقلبك وحسك؟ كم يأخذ من وقتك؟ يلهيك عن ذكر الله وشكره، كم بسبب هذا الجوال تنسى الواجبات والضروريات؟ كم تسيء الأدب وأنت لا تشعر؟ هذا كله أثره على القلب وعلى النفس بالغ. وأيضاً من الأشياء التي تدل على قسوة القلوب واستحواذ الوسائل علينا: أن الجنائز هي أكبر فرصة لموعظة القلوب وترقيقها، وأكبر فرصة لتذكر الموت، وأكبر فرصة لأن يراجع الإنسان نفسه، لكن الآن عندما نتبع الجنازة نذهب إلى المقبرة وتجد مع الناس الجوالات وكأنك في سوق حراج، ضحكات، وبيع وشراء، وتبادل نكات، وأشياء لائقة وأشياء غير لائقة، ألا يؤثر هذا على القلوب، ويجعل الناس يركضون وراء الرقاة ووراء المشعوذين والدجالين يبحثون عن الصحة والعافية؟ هؤلاء ما عرفوا طريق الصحة والعافية. كذلك الوسائل الأخرى، خذوا حمار الدجال (الشبكة العنكبوتية) وتسمى (الإنترنت)، والفضائيات. والوسائل الأخرى التي أشغلت الناس وأقلقتهم وجعلتهم يعيشون أسرى للمادة، أسرى لهذه القضايا التي جعلت الإنسان يسمع ما يهز شعوره ووجدانه، في كل لحظة من الأحداث الجسام والفتن وكثرة المزعجات والمثيرات.

تنافر القلوب

تنافر القلوب أضف إلى هذا تنافر القلوب، نسأل الله السلامة والعافية، وهذا نتيجة قسوة القلوب. والتنافر بين الناس اليوم، حتى إنه أصبح سوء الظن، والاحتياط بين الناس، وكلام الناس بعضهم في بعض يكاد يكون هو الأصل، وهذا له أثره على السلوكيات، وعلى إيمان الناس؛ لأن الإنسان إذا كان في قلبه شيء على مؤمن، فإنه غالباً يحرم من كثير من الخير، وإذا سلم قلبه من هذه المؤثرات قبل الخير وبقي على الفطرة والاستقامة، وشعر بالهناء والسعادة.

الصحة والفراغ

الصحة والفراغ من الأسباب: الصحة والفراغ عند الكثيرين، هناك طائفة من المجتمع عندهم مع الصحة فراغ، فإذا ما أشغل وقته بما لا ينفعه في دينه ودنياه، فلا بد أن تهجم عليه الهواجس والخواطر والأوهام والشياطين والجن، ثم لا ننسى ما نتج عن ذلك كله من قلة الورع والخشوع.

عدم الاهتمام بصيانة القلوب وتفقدها

عدم الاهتمام بصيانة القلوب وتفقدها القلوب كالآلات وكغيرها ما تمشي بلا صيانة، وما تمشي بلا وقود، أكثر الناس اليوم غفلوا عن صيانة القلوب ووقودها بذكر الله وشكره وتلاوة القرآن وأعمال الصالحات إلا القليل، فأكثر الناس لا يعطي قلبه وجسمه من العبادات والذكر وأسباب الهناء والسعادة، حتى في العبادة نجد أن قلوب الأغلب مع الدنيا، والدليل على هذا الصلاة، والصلاة أكبر مقياس لصلاح القلوب؛ لأن كثيراً من الأمور بين العباد وبين ربهم لا نعلمها، ولا نستطيع أن نتتبع سلوكيات الناس حتى الظاهرة، لكن الصلاة علانية، فكم نسبة الذين يصلون والذين لا يصلون؟ وكم نسبة الذين يدركون الركعة الأولى؟ في أغلب المساجد الأغلبية تقضي بعد سلام الإمام، هذا دليل على أن الناس لا تعطي العبادات إلا مساحة قليلة من الوقت بالدقيقة والثانية، ولو أن الإمام تقدم دقيقة صاحوا عليه؛ لأنهم ما يعطون العبادة إلا جزءاً يسيراً جداً محدوداً بالدقائق، هذا أيضاً فارق كبير، يعني: قبل ثلاثين أو عشرين سنة كنا نعهد أنه في أغلب المساجد بعد الأذان مباشرة إذا كان المسجد مثلاً يتكون من أربعة صفوف أو خمسة تجد الصف الأول مكتملاً، كذلك يوم الجمعة إذا كان المسجد فيه عشرة صفوف تجد ثلاثة صفوف مكتملة الساعة التاسعة صباحاً، الآن تعال الساعة الحادية عشرة وانظر من في المسجد ستجد أربعة، خمسة، عشرة، عشرين، وإذا أحسنا الظن صفاً، لا شك أن هذا سينعكس على القلوب والنفوس.

قلة التحصن بالأوراد الشرعية

قلة التحصن بالأوراد الشرعية من الأسباب: قلة التحصن بالأوراد الشرعية، أكثر الناس حتى لو قرأ الورد أو صلى أو تحصن بالأدعية تجد أنه يدعو وقلبه لاه؛ ولذلك كثير من الناس يقول: أنا والله اليوم صليت الفجر، والله عز وجل تكفل بحفظ من صلى الفجر في جماعة إلى أن يمسي، أنا اليوم قرأت الأوراد، وأنا أعرف أن الورد -خاصة قراءة المعوذتين- من أسباب حفظ الإنسان، لكني أجد أنه حصل لي كذا وعندي غفلة وعندي قسوة قلب، نقول: لأنك دعوت وقلبك ليس مع ربك، الإنسان ينبغي أن يستحضر في جميع أمور دينه معنى الإحسان الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الأصل الثالث من أصول الإسلام، وهو المرتبة الثالثة من مراتب الدين بعد الإيمان والإسلام، والإحسان: هو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. والإنسان إذا فقد هذه الخاصية لا يستفيد من دعائه ولا من ورده، يصبح دعاء أجوف، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يقبل الله دعاء من قلب لاه أو قلب ساه. ثم أيضاً: قلة التعلق بالأسباب الشرعية التي تحفظ الإنسان، تحفظه من أن يلجأ إلى الرقية أو غير الرقية.

كثرة الشبهات والشهوات

كثرة الشبهات والشهوات من الأسباب: كثرة الشبهات والشهوات التي وردت على الناس، وأكثر ما ذكرته يدخل في هذين الأمرين. هذا كله جعل الملائكة تبتعد والشياطين تسيطر على كثير من أحوال الناس اليوم، حتى نكاد ننفر الملائكة من المساجد. فمثلاً: لو قيل لكم قبل عشرين سنة أو قبل خمسة عشرة سنة: سيأتي يوم من الأيام تسمعون المزامير والأجراس والموسيقى والطرب في المساجد، أي واحد منكم سيقول: أعوذ بالله، أسأل الله ألا يلحقني ذلك الوقت، فها نحن اليوم كم نسمع من الجوالات الآن على الأنغام، كلها أعوذ بالله تجلب الشياطين وتطرد الملائكة من المساجد فضلاً عن البيوت. هذه الظاهرة في مثل هذا المسجد ومساجد المدن الكبيرة نوعاً ما خفيفة، لكن أنا كثيراً ما أزور بعض الأرياف والمدن الصغيرة، ففي بعض المساجد لا يفتر الجوال من أول الصلاة إلى أن ننتهي، ولو أقسمت على ذلك ما أظني أكون مبالغاً؛ لأنه أمر شهدته. قبل ثلاثة أسابيع كنت في إحدى المدن الصغيرة القريبة من الرياض، فمنذ أن صف الإمام لصلاة المغرب إلى أن انتهى من الصلاة وكذلك صلاة العشاء ما فتر الجوال من أنواع الموسيقى والأجراس والأنغام. إذاً: لماذا نستغرب كثرة الأمراض النفسية، والأحوال التي تلجئ الناس إلى البحث عن كل ما يمكن أن يتشبثوا به لعلاج ما يجدونه؟ هذه أسباب معلومة. فهذه الأمور تستدعي بعد كثير من الناس عن مواطن الخير، وأن تستحوذ عليها الشياطين ومردة الجن، بل وحتى صالح الجن الذين فيهم شيء من الفسق عندهم نوع من العبث ببني آدم؛ لأن طبيعة الجني أضعف من الإنسي، فإذا وجد على الإنسي منفذاً فإنه يعبث به.

دور الخادمات والخدم في انتشار السحر والأمراض في الأسر

دور الخادمات والخدم في انتشار السحر والأمراض في الأسر لا أنسى مسألة مهمة أرى أنها سبب كبير في وجود كثير مما يعتري الناس من السحر والأمراض التي تنشأ عن أسباب كيدية، وهي: كثرة العمالة بيننا، خاصة الخادمات في البيوت، وهذه ليست مجرد ظاهرة، بل أصبحت حقيقة غالبة في أن الكثيرات من الخادمات بل وحتى الخدم الرجال يكيدون للعائلات وللأفراد ولكفلائهم مكائد منوعة، الآن أصبحت مصدر إزعاج لكثيرين، خاصة في شيوع السحر، والعطف والصرف، شيء مذهل، وبإمكان أي واحد منكم أن يسأل المختصين من رجال الأمن، أو المختصين من رجال الهيئات، رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو بعض المشايخ الذين لهم اهتمام بهذه الأمور، تجد أن الأمر مذهل. وهذه الأمور تحتاج إلى إحصاءات، وليت طلاب العلم يهتمون بهذه الأمور والقيام بإحصاءات، وليتنا نقنع الكثيرين من أرباب البيوت وربات البيوت بإمكان الاستغناء عن الخدم قدر الإمكان، وهذا أمره وإن كان يتعسر على كثير من الناس، لكن مع ذلك: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق:2]. استقدام الخدم والعمال والإكثار من ذلك إلى حد الترف أوجد الكثير من الوسائل غير المشروعة، التي يكيد بها هؤلاء على من حولهم. هذه الأمور استوجبت وجود كثير من أمراض القلوب والنفوس والعقول والأبدان، وعلى هذا فإن إقبال الناس على الرقية لا يعتبر غريباً، بل هو مشروع؛ لأن الرقية الشرعية بشروطها مشروعة ومباحة، ولا يجوز لأحد أن يضيق على الناس في ذلك، لكن بشرط ألا يكون فيها شرك، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح.

شروط الرقية الشرعية

شروط الرقية الشرعية من أهم شروط الرقية المشروعة: الشرط الأول: أن تكون بالطرق المشروعة: بالقرآن، وأدعية النبي صلى الله عليه وسلم، وأدعية السلف الصالح ونحوها من الأدعية التي لا يكون فيها غموض ولا شركيات ولا عبارات غير واضحة، ولا يكون فيها عدوان ولا ظلم إلى آخره، الأدعية التي ليس فيها مخالفة شرعية كلها جائزة، حتى ولو لم ترد في الكتاب والسنة. هذا الشرط الأول. الشرط الثاني: أن يتعلق المرقي والراقي بالله عز وجل، وليعلما أن الرقية سبب وليست بذاتها التي تشفي، فالشافي هو الله عز وجل، وأن الله هو الذي جعل الرقية سبباً، وجعل القرآن شفاء، وجعل الدعاء مشروعاً لدفع الكرب وشفاء الأمراض، هذا حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم، فليتعلق القلب بالله، وأنه سبحانه هو الشافي، وهو الذي جعل هذه أسباباً. الشرط الثالث: اليقين والتفاؤل، كثير من الناس ما عنده ثقة بأن كلام الله شفاء، ما عنده ثقة بأن الدعاء المشروع شفاء، يعني قد يلجأ للرقية لكن عنده شك، عنده نوع من ضعف اليقين، وهذا يؤثر في سرعة الشفاء وفي الاستفادة غالباً. الشرط الرابع: ألا تصاحب الرقية طرق غير مشروعة، وسأذكر نماذج منها، إلى الآن أصبحت ظواهر لا تحصى، ما يصاحب الرقية من عوارض وأشياء غير مشروعة كثيرة جداً، كل يوم نسمع بالمزعجات والمضحكات والمبكيات من بعض الرقاة والجهلة الذين يتمادون في التساهل في شروط الرقية، حتى بعض الصالحين يحدث منهم عن غفلة أشياء كثيرة من هذه التجاوزات التي تؤثر في شرعية الرقية. الشرط الخامس: الفقه بأحكام الرقية، يجب على الراقي والمرقي أن يعرفا الأحكام الضرورية، ويجب على الراقي بالذات أن يعرف مشروعية كل ما يعمله من وسائل الرقية التي يجريها ويجربها على المريض. وأحب أن أنبه على ظاهرة وهي: أن كثيراً من الرقاة لا يراجعون العلماء، وهذه ظاهرة مريبة ومؤسفة، نعم يوجد فضلاء من الرقاة نعرف منهم من يراجعون المشايخ في كل ما يستجد لهم من قضايا مع المرضى، فهم يراجعون العلماء، لكنهم قلة حسب استقرائي الناقص، أغلب الرقاة لا يراجعون المشايخ، ولا يراجعون الراسخين في العلم، ولا أهل التجارب، فتستدرجهم أحوال المرضى وتستدرجهم الجن والشياطين إلى أمور هي من الشعوذة، ويظنون أنها مشروعة، وسأذكر نماذج منها. يحسن أن يكون الراقي والمرقي على طهارة، وأن تكون الرقية في مكان مناسب، فكلما كان المكان أنسب فهو أولى، كأن يكون في المسجد، أو في مكان طاهر، أو مكان لائق بعيداً عن الصور والأشياء التي تمنع وجود الملائكة، أو التي تجلب الشياطين، فكلما كان المكان أنسب فهو أقرب لتأثير الرقية. كذلك الوقت المناسب، كلما كان اختيار الوقت الذي يكون فيه إجابة الدعاء فهو أفضل، لكن ليس هذا من الشروط. أيضاً مما يغفل عنه كثير من الذين يرقون الناس عدم النصيحة، أغلبهم كالآلة مجرد أن يقف أمامه المريض ينفخ وينفث عليه ويمشي، نعم هذه رقية، وإن شاء الله إذا توافرت فيها الشروط تنفع، لكن هناك أمر مهم جداً غالباً يهيئ بإذن الله المريض لقبول الرقية واستعداده لأن يشفى بسرعة، وأيضاً يهيئ الرقية، لأن تكون أقرب للفائدة والشفاء، وهو أن ينصح الراقي المريض بما يرقق قلبه وبما يعلقه بالله عز وجل، وأن يبين له أن الرقية سبب، وأيضاً يبعث فيه روح التفاؤل، وأن الشفاء بيد الله، وأن الله عز وجل يجيب المضطر إذا دعاه، وأن الله وعد بإجابة الدعاء، وأنك إن شاء الله نرجو لك الشفاء العاجل، كلام يجمع بين التفاؤل والنصيحة في نفس الوقت. إذا كان المرقي لم يتمكن من الطهارة فلا مانع في حالات المرض المفاجئ أو المعضل أن يقرأ الراقي عليه حتى ولو لم يكن طاهراً، فمثلاً: الحائض والنفساء يقرأ عليهما على هذه الحال، أيضاً الجنب لو كان يشق عليه أن يتطهر ويغتسل فليتيمم، فإذا كان يشق عليه التيمم فلا مانع أن يقرأ عليه، لكن الأولى إذا أمكن أن يقرأ عليه وهو طاهر.

بيان ممن تكون الرقية وبم تكون

بيان ممن تكون الرقية وبم تكون عامة الناس اليوم يفهمون أن الرقية لا تكون إلا من الغير، مجرد ما يطرأ لهم أي طارئ ويصاب عندهم شخص يفزعون إلى الشيخ يتصلون به يقولون: نريد أرقام الرقاة، فيقول لهم: هل قرأتم عليه أنتم؟ قالوا: لا، نحن ما نقرأ، وهل تنفع قراءتنا؟ الكثيرون ممن يتصلون هذا حالهم، لا يعرفون أن الرقية لا بد أن تكون أولاً من المريض نفسه إذا أمكن، فالأولى والواجب عليه أن يرقي نفسه، ثم يرقيه من حوله من أهل بيته الصغار والكبار، حتى لو كانوا واقعين في بعض المعاصي، ما يضر هذا إذا كانت قلوبهم صافية ويقرءون بإقبال على الله عز وجل، فالله يجيب دعاء المضطر، بل دعاء المضطر وإن كان كافراً يجاب، فكيف بالمسلم وإن ارتكب بعض الآثام والمعاصي فقد تؤثر رقيته على المريض، لكن المهم أن يقبل على ربه، وأن يقرأ وهو مطمئن القلب مطمئن بوعد الله. فإذاً: المريض يقرأ على نفسه إن أمكن أو يقرأ عليه من حوله، هذا هو الواجب، أما إنهم كلما صارت لهم حاجة إلى رقية ذهبوا يركضون يبحثون عن رقاة، هذا غير صحيح، وهذا مما أوقع أكثر الرقاة في فتنة، صار لهم جماهير ففتنوا بذلك، كل المسلمين يقرءون القرآن. كذلك ليست هناك آيات محددة للرقية، بعض الناس يقول: أنا لا أعرف آيات الرقية، نقول: اقرأ ما تقرأ به في صلاتك، والقرآن كله شفاء، وإن كان من أسباب سرعة الشفاء أن تقرأ الآيات المناسبة لكل مرض، لكن هناك آيات مناسبة لجميع الأمراض، الفاتحة وهي رقية مناسبة لجميع الأمراض، كل مسلم يقرأ الفاتحة، آية الكرسي، (قل هو الله أحد) والمعوذتان، هذه كلها رقى، وأغلب المسلمين يعرفون هذه السور، أما الفاتحة فأحسب أن كل مسلم يقرأ الفاتحة، وهي أول ما عرف أنها رقية، والنبي صلى الله عليه وسلم قال للذي قرأها: (وما أدراك أنها رقية؟)، أقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.

عدم تنافي الرقية الشرعية مع طلب العلاج عند الأطباء

عدم تنافي الرقية الشرعية مع طلب العلاج عند الأطباء الرقية لا تتنافى مع بذل الأسباب الأخرى، لا تتنافى مع مراجعة الأطباء، بل الرقية لا تتنافى مع طلب العلاج عند الطبيب النفسي، بل هذا خير على خير، سبب معنوي وسبب مادي، بعض الناس يظن أنه إذا ذهب للراقي يقطع الدواء، ولا يعالج في عيادة نفسية، وهذا وهم ولا أصل له، لا شرعاً ولا عرفاً، ولا أيضاً عند المجربين الذين يأخذون بالقواعد الشرعية. لكني أسمع من بعض المختصين بالرقية كلام في الحقيقة هو محل نظر، يقولون: إن بعض الأدوية النفسية تخفف أثر الرقية على المريض، بل بعضهم يدعي أنه أحياناً ينعكس أثر الرقية على المريض إذا كان يمارس علاجاً نفسياً، هذا نادر، والنادر لا حكم له، وإن قال به ثقات، حدثني بعض المجربين من طلاب العلم الذين يرقون، لكن ومع ذلك لا أسلم لهم بأن هذه قاعدة عامة، بل يجب أن نبعدها من أن تكون قاعدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (تداووا عباد الله)، فلا يمكن أن العلاج بالقرآن والأدعية يتنافى مع العلاجات الطبيعية، والله عز وجل شرع هذا وشرع هذا، وهذه ربما من عبث الجن والشياطين بالناس؛ لأن بعض الذين يعالجون يقول: كأن الجني يقول: أبعدوا عني هذا الدواء، المريض هذا يأخذ علاجاً نفسياً أرهقني وآذاني، نقول: آذاك؛ لأنك آذيت المسلم، ولماذا تجعلون هذا السبب في حرمان الناس من الأدوية؟ كثير من الأمراض علاجها عند الطب النفسي مع الرقية، كثير من الأمراض التي أصابت الناس اليوم -وهي كثيرة- هي الأمراض النفسية، وعلاجها بإذن الله عند العيادات النفسية مع الرقية بالقرآن. كذلك بعض الناس وهذه الحقيقة في مجتمعنا ليس لها أصل شرعي ولا واقعي ولا علمي، بعضهم يرون أن مراجعات العيادات النفسية عيب وأمر يستحى منه، ما أدري من أين جاء هذا الشعور؟! حتى إن بعضهم يعتقد أنه ما يذهب للأطباء النفسيين إلا المجانين، هذا أمر غريب، الطب النفسي اليوم رحمة لكثير من العباد، ولا يتنافى مع الإيمان ولا مع العبادة ولا مع الصلاح ولا مع التوكل على الله، ولا يتنافى مع الرقية، هذا هو الأصل، لا يمكن أن يتنافى سببان شرعيان أبداً، والله عز وجل شرع هذا وشرع هذا.

ذكر الأحكام العامة المتعلقة بالرقية

ذكر الأحكام العامة المتعلقة بالرقية هناك أحكام عامة في الرقية أسردها سريعاً: أولاً: لا شك أن الرقية لها أصل شرعي، وهي سبب بإذن الله من الأسباب الكبرى، بل هي أعظم سبب للشفاء بإذن الله. ثانياً: أن الرقية تكون بكل الأدعية المشروعة التي لا تتنافى مع الشرع، وأصل الرقية الفاتحة، ثم آيات معينة وسور معينة ورد فيها فضل، وأنها سبب لدفع الشر، مثل: آية الكرسي ومثل: المعوذتين، ومع ذلك القرآن كله شفاء، لكن مع قراءة الفاتحة وآية الكرسي والمعوذتين من المناسب لمن يرقي نفسه أو يرقي غيره أن يقرأ الآيات التي تتناسب مع المرض، إذا كان يظهر أن المرض سحر وظهرت يظهر علامات وقرائن لا مانع أن يقرأ آيات السحر. وإذا كان يظهر أن المرض عين يقرأ الآيات التي تتعلق بالحسد وهكذا، بل إن هذا ربما يكون من أسباب قوة تأثير الرقية بإذن الله، لكن أن يدعي أحد أنه لا بد أن تلتزم آيات معينة هذا غير صحيح، ليس بلازم لكنه الأفضل، الأفضل لزوم الآيات المناسبة إذا كان القارئ يفقه هذه الأمور. ثالثاً: أن الرقية تحصين للإنسان الذي لم يكن عنده مرض، أو عنده مبادئ مرض، أو يخشى أن يكون عنده مرض في أعراض ليست مؤكدة، فلا مانع أن تكون الرقية للتحصين، وكذلك للاستشفاء. رابعاً: من الأشياء المشروعة التي لا بأس بها أن يمسح الراقي، سواء كان يرقي نفسه أو يرقي غيره أن يمسح على موضع الألم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، كما ورد في البخاري ومسلم وغيرهما. خامساً: لا مانع من النفث، بل النفث مشروع، لكن إذا لم ينفث فإن الرقية بإذن الله تنفع، ليس النفث شرط. والنفث: هو أن ينفخ على موضع المرض إذا ما كان يؤذي المرقي، إذا كان مثلاً المرض في وجه الإنسان لا يليق أن تنفث في وجهه، لكن تنفث حول الوجه، وأن تنفث في الماء، تنفث في شيء سائل ثم يشربه، أو يغسل به المريض، كل هذا مشروع وورد فيه أدلة. سادساً: لا مانع من تشخيص المرض بالعلامات الظاهرة من غير جزم، عند من له خبرة من الرقاة، لكن بشرط ألا يجزم. فكثير من الرقاة مع كثرة الرقية يعرف مظاهر لأمراض معينة، قد يفرق بين مظاهر السحر ومظاهر العين بالتجربة، لكن بعض أنواع التجربة تكون من عبث الشياطين والجن، بل اليوم أدعي أن أكثر تجارب الرقاة الذين تجاوزوا المشروع، أكثرها من عبث الشياطين والجن وهم لا يشعرون، لكن مع ذلك أيضاً لا نسد الباب، إذا كانت العلامة ظاهرة تدل عليها قرائن كثيرة بالتجربة فإنه لا مانع أن يغلب الراقي الظن ولا يجزم، المشكلة أن يجزم بأن هذا عين أو سحر أو نحو ذلك. سابعاً: يجوز أخذ الأجرة على الرقية، لكن لا تنبغي المشارطة؛ لأنها تعلق قلب الراقي وعلاقته بالمريض بالمشارطة والمال والحقوق المتبادلة، نعم ما ورد في قصة اللديغ حيث شارطهم الصحابي على أن يدفعوا له مكافأة وهي كما تعرفون، لكن هذه لم يعمل بها أحد من الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، ولا عملها السلف الصالح، فهذه خصوصية؛ لأن هذا الصحابي الذي اشترط هو وأصحابه؛ لأنهم محتاجون ضرورة للأكل، ولأنهم استضافوا هذه القبيلة ولم يضيفوهم، فكانوا بحاجة ماسة إلى الطعام، فهذا الصحابي اشترط ليسد حاجة إخوانه ما هو شرط شخصي، أما الشرط الشخصي فلا ينبغي، وأرى أنه يؤثر في أثر الرقية، وفي تقديري أنه لا يجوز، وهو رأي كثير من أهل العلم، بل رأي جمهور العلماء أنه لا يجوز المشارطة.

تجاوزات وأخطاء من كثير من الرقاة

تجاوزات وأخطاء من كثير من الرقاة

جعل الرقية مهنة

جعل الرقية مهنة أولاً: أكثر الرقاة فيما أعلم يقعون في أخطاء، أول هذه الأخطاء: كون الإنسان يجعل مهنته الرقية، هذا غلط؛ لأنه لا يعرف أن السلف كانوا يجعلون طائفة منهم يمتهنون الرقية، نعم كونه ينفع نفسه وينفع غيره هذا من أعظم أعمال البر والخير ونفع المسلمين، لكن أن تكون هذه مهنته فهذه لا يعرف لها أصل في الشرع، وأغلب الذين جعلوا الرقية مهنتهم قد فتنوا بفتن عظيمة، فقد وقعوا في شعوذات وبدع وفي أخطاء شنيعة أخلاقية وعقدية وغيرها؛ فلذلك لا ينبغي لطالب العلم بل لا ينبغي لأحد من المسلمين أن يفرغ نفسه للرقية، نعم يعطي جزءاً من وقته لا حرج، لكن أن تكون هي مهنته، ألا يعرف عنه إلا أنه راق، ويفتح ما يشبه مؤسسات وشققاً مخصصة إلى آخره، هذا هو أقرب إلى البدعة. وأقترح أن مثل هذا يعرض على العلماء ولست مفتياً فيه، وذلك بأن تقوم أعمال مؤسسية تنظم الرقية، تراقبها وتشرف عليها هيئات شرعية، هذا لا مانع، يدرب عليها بعض المحتسبين على أصول شرعية؛ لأنها بحاجة إلى مثل هذه الضوابط الشرعية.

الاستعانة بالجن في الرقية

الاستعانة بالجن في الرقية ثانياً: الاستعانة بالجن، وهذا أكثر ما وقع من الذين تجاوزوا الضوابط الشرعية، الاستعانة بالجن واستنطاقهم والتحاور معهم، والاتفاق معهم على أن ينفعوا عندما يحتاج إليهم الراقي، وهذا من الاستمتاع المحرم الذي ذكره الله عز وجل في قوله: {رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا} [الأنعام:128] ثم قال: {النَّارُ مَثْوَاكُمْ} [الأنعام:128]؛ لأنهم وقعوا في خطأ الاستمتاع بين الفريقين، لا يجوز الاستمتاع بالجن؛ لأنهم غيب وأحوالهم غيب وعبثهم أكثر من الإنس، وكذبهم أكثر من صدقهم، بعض الناس يقول: لا، هؤلاء الجن صالحون، ثق أن الجني الذي يتعاون معك عاص، ثق بأن الجني الذي يتلبس بالإنسي فاسق، فكيف يكون صالحاً وهو يؤذي الإنسي؟! نعم قد يكون صالحاً في أمور كثيرة، لكن بعمله هذا قد وقع في الإثم العظيم، ووقع في كبيرة من كبائر الذنوب، فكيف تتعامل معه؟! كذلك: تصديق الجن والتسليم لهم بما يقولون، هذا من كبائر الذنوب، نعم وقعت حالات معينة من بعض السلف، والنبي صلى الله عليه وسلم حدثهم وقال: (اخرج عدو الله)، (اخسأ عدو الله)، لكن ما نعرف أن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة وسلف الأمة كانوا يقولون: لماذا أتيت إلى هذا الإنسان؟ وماذا تريد؟ وإذا كان قد آذاه أحد: من الذي حسده؟ من الذي سحره؟ لأن هذا أمر غيبي، ولا ندري هل هو جني صالح أو شيطان أو من مردة الجن أو من غيرهم، حتى وإن ادعى الصلاح، وكما قلت: حتى لو كان يدعي أنه مسلم، فاعلم أنه بهذه الوسيلة صار فاسقاً فكيف تثق به؟! كيف تستنطقه؟! كيف تصدقه؟! فلا يجوز هذا على الإطلاق، وإن كان فيه فرج ومخرج لبعض الناس، فهذا من الابتلاء، كما قال الله عز وجل: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:35]، هذا من الابتلاء ومن الاستمتاع المحرم.

استعمال الراقي حركات زائدة عن المشروع أثناء الرقية

استعمال الراقي حركات زائدة عن المشروع أثناء الرقية ثالثاً: استعمال حركات زائدة عن المشروع، وهذه أيضاً من عبث الجن والشياطين بالرقاة، يعني: الآن إذا تأملت كثيراً من الرقاة الذين عندهم تجاوزات تجد أنه يمارس حركات لا أصل لها، النفث له أصل، وضع اليد على موضع المرض إذا لم يكن عورة هذا له أصل، لكن استعمال حركات ليس لها دليل شرعي ولا عقلي ولا علمي وهذا نوع من الدجل والشعوذة، وإن قال به بعض خيار الرقاة؛ لأنهم وقعوا في زلة، هذا يلوي العنق، وهذا يضع عينه بعين المريض، وهذا يلوي اليد من الخلف، وكأنه يمارس معه رياضة شاقة، وآخر يضرب ضرباً عنيفاً، وغيره يستعمل الصراخ والعويل، وكأنك في مجلس شياطين ما كأنك في مجلس مسلمين، ولقد سألت كثيراً من الرقاة عن هذا الفعل، فقال: أنا وجدت هذه الحركة تدلني على المرض أو السحر أو موطن العلة عند المريض، نقول لهذا وأمثاله: يا أخي! حتى لو دلتك هذه الحركة على المرض فهذا دليل على أنه عبث بك الجن والشياطين، فهم جعلوا هذه دلالة. وآخر ينظر إلى العرق الفلاني، وآخر يضرب على هامة المريض، وآخر يضربه بأداة ضرب وكأنه يجلده جلد حد، كل هذه تجاوزات وإن كان فيها بعض الفوائد الظاهرة فهي من باب الابتلاء، كما أن المشركين وأهل البدع يستفيدون من بعض بدعهم، ويجدون أنها جلبت لهم منافع ودفعت عنهم مضاراً، لكنه ابتلاء يخسرون دينهم وعقيدتهم. فأقول: يا أخي الراقي! ويا أخي المرقي! لا تخسر دينك، الله عز وجل جعل في باب الحلال غنية، لا أقول: لا ترتقي، بل إذا احتجت إلى الرقية فلك أن ترتقي، وحديث: (الذين لا يسترقون) هذا ليس له علاقة بعموم المسلمين، ما يجوز أن نجعله سبب حجب للناس بألا يرتقوا، النبي صلى الله عليه وسلم رقى نفسه ورقاه جبريل ورقته عائشة رضي الله عنها لما عجز، وإن كان لم يطلب الرقية، لكن هذه سنة من سنن الهدى، لكن مع ذلك ما يصاحب الرقى وما يحدث من بعض الرقاة من هذه الحركات يجب الابتعاد عنه والنصح فيه. إضافة إلى ما يحدث من بعضهم من وضع التهويلات، من إطفاء الأنوار، أو جعل الأنوار خافتة، ووضع الستور، أو جعل باب وراء باب، ما معنى هذا؟ يقول: أجد له أثراً نفسياً على المرضى، نقول: هذا أثر شيطاني على المرضى ما هو أثر نفسي، ليس من أثر الرقية أن تضع للناس بابين باباً داخلياً وباباً خارجياً، أو أنك تجعل نوراً خافتاً أخضر أو أحمر، أو تجعل ستائر وكأنك من كبار الدجالين الذين يوهمون الناس أن هناك أشياء لها اعتبار، وتجعل في قلوبهم خشية من الموقف؟! هذا كله من الدجل ومن الشعوذة، وإن عمل فيه بعض الصالحين فهو نوع من الأمور التي استدرجهم فيها الجن والشياطين. إذاً: الاستدلال بالإشارات والحركات التي لم يرد بها الشرع هذا أمر لا أصل له، ويجب الابتعاد عنه من الراقي والمرقي. من ذلك أيضاً: استعمال الكهرباء، الحقيقة استعمال الكهرباء ما لم يكن بطريقة علمية تحت إشراف طبيب متخصص فإنه نوع من الدجل، وضرره أكثر من نفعه، نعم قد تكون للراقي والمرقي فائدة من باب الابتلاء، لكنها سبب غير مشروع، ما دام أن الأطباء يرون أن استعمال الكهرباء لاستخراج الجن خطأ فهذا لا يجوز استعماله، إلا بطريقة علمية مدروسة مأمونة.

الرقية الجماعية

الرقية الجماعية رابعاً: الرقية الجماعية فيها نظر، لا نعرف أن السلف يرقون رقية جماعية، نعم قد تفيد، واليوم مع كثرة المرضى يقول بعض الناس: أنا ما أتمكن من رقية الجميع على انفراد، نقول: الله يتولى عباده، الناس يرقون أنفسهم ويرقى بعضهم بعضاً، من قال لك: تتخصص من أجل تقول: والله أنا عندي مئات أو عشرات ما أقدر أن أقرأ الرقية لكل مريض وحده، يا أخي! أغلق بابك، من قال لك: لازم تتصدر للخلق من أجل أن تجمعهم كأنهم أغنام، ثم إذا قرأ القارئ وجدت هذا يسقط وهذا يصرخ، وكثير من السليمين يمرضون، وتتعدى عليهم الجن، ويحدث من المآسي ما هو معلوم. إذاً: الرقية الجماعية في تقديري لا أصل لها، إلا لو كانت بعدد محدود بضوابط، هذه يعرفها أهل الاختصاص.

الرقية في الماء الكثير

الرقية في الماء الكثير خامساً: الرقية في الماء الكثير، ما نعرف أن السلف استعملوها، بعض الناس يقول: ما وجدت الخزانات ولا الوايتات في وقت السلف، نقول: بل هي موجودة، كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم سواقي وجوابي وآبار، وكان بإمكان النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ في البئر ويقرأ أصحابه وكلهم ينزحون من البئر ويستشفون، وإلا بدل ما نقرأ على خزانات المياه والوايتات نذهب فنقرأ على مياه التحلية في الشرقية ويكفي الجميع! ونقول: ستأتيكم الرقية إلى بيوتكم عبر ماء التحلية واستريحوا. هذا ابتلاء وإهانة للشرع في تقديري، ينبغي أن تنضبط الأمور بضوابط، نعم القراءة في الإناء الكبير هذا وارد، أما القراءة بهذا الشكل فإنها تجعل الناس يتعلقون بغير الله.

تخييل العائن أثناء الرقية

تخييل العائن أثناء الرقية سادساً: هناك ظاهرة انتشرت عند قليل من الرقاة وهي من عبث الجن والشياطين بالإنس وهي: ما يسمى بالتخييل، بعض الرقاة إذا قرأ على المريض يقول له: عندما أقرأ عليك تخيل أشخاصاً مروا عليك في حياتك، مروا عليك في مجالس ومناسبات، فالذي يثبت في خيالك هو الذي سحرك أو أصابك بالعين، هذا نوع من الدجل، التخييل لا أصل له، بل هو نوع من الدجل والأوهام، قد يدخل من خلاله الجن والشياطين ويضعون في خيالك إنساناً بريئاً من ذويك وأقاربك وجيرانك ومن الصالحين، فتقول: هذا الذي عانني وهذا الذي سحرني، فتقع فتنة وفساد عظيم بين الأسر والعائلات، وحدث مثل هذا كثير، هذا يختلط بمسألة مشروعة وهي الاتهام، الاتهام غير التخييل، الاتهام تصور الواقع، واحتمال أن هذا المريض أصابته عين، العين حق وتحدث من بعض الحاسدين، لكن يمكن أن نقول للمريض: تذكر من تتهم؟ هل جلست في مجلس وسمعت كلاماً فيه مدح؟ تذكر، لعلك تأخذ من الذين حضروا هذا المجلس كسبب شرعي لعلاج العين. إذاً: هناك فرق بين تذكر الواقع الذي حصل فيه المرض وبين التخييل، قد يدخل عليك أوهامك، فتظن أن أول واحد يصير في خيالك هو الذي ضرك، وهو ربما يكون بريئاً فتقع فتنة.

استخدام الجن وغيرهم في معرفة العائن والسحر والساحر

استخدام الجن وغيرهم في معرفة العائن والسحر والساحر سابعاً: استخدام الجن في معرفة العائن وفي معرفة الساحر أو السحر، أيضاً استخدام بعض الحركات لمعرفة العين والساحر ومكان السحر، هذا كله من الشعوذة، الجني المتلبس بالإنسي دائماً يريد أن يتخلص، فمن أجل أن يتخلص يقول لك: هذا الرجل عانه فلان، قد يكون أحياناً من أهل بيته، من عمومته، من جيرانه، من أصدقائه، من أجل أن يتخلص الجني، فمع الأسف الراقي يجزم ويخبر المرقي ويقول: ابن عمك أو فلان صديقك الذي جلس معك في المكان الفلاني هو الذي سحرك أو هو الذي عانك، فتحدث قطيعة، بل في بعض الأحوال حصل فيها قتل، راق جزم أن فلاناً هو الساحر فصدق المرقي وذهب وأحدث فتنة، وكم حدث من تشتيت الأسر والعداوات بين المؤمنين من الأقارب والجيران وغير الأقارب والجيران ما لا يحصى. الجن تكذب، وأنت لا تستطيع أن تزكي كثيراً من الإنس الذين حولك، فكيف تزكي جنياً غيبياً ما تعرف حاله، ولا يمكن أن تتوصل إلى حاله؟! الجن غيب خالص، ولا تدري من الذي يتحدث معك، ولا ماذا يقول، أحياناً يكون هسترة من المريض ما هو جني. إذاً: هذه من الأشياء الخطيرة عند كثير من الرقاة. فعلى أي حال الكلام في هذا يطول، لكن أقول: الأسباب المشروعة وافية وكافية، والله عز وجل أغنانا بها عن الأسباب غير المشروعة، وإن تعلقت بها قلوب بعض الناس، وإن انتحلها وتعلق بها بعض الرقاة، فهي لا خير فيها، والله عز وجل جعل لنا من المشروع ما هو سبب كاف، ولا شك أننا إذا اتقينا الله، وترسمنا خطى الشرع، وعملنا بفقه من الدين، وإذا تعاون الرقاة والمحتسبون في الرقية مع طلاب العلم المتخصصين ومع العلماء وصارت هناك مرجعية لضبط الرقية فسنجد خيراً كثير، ولا حاجة إلى تعليق الناس بالأسباب غير المشروعة، بل بالأسباب المشكوك فيها، قد يقول بعض الناس: إن هذه أسباب تتراوح عليها الفتاوى، نعم قد يكون بعضها فيها فتوى، لكننا مع ذلك نجزم أنها من أسباب انصراف الناس عن الأسباب المشروعة البحتة، ففي الحلال القطعي غنىً عن المشتبه. هذا وأسأل الله للجميع التوفيق والسداد. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أحكام الأعياد

أحكام الأعياد من أعظم المصائب التي ابتلي بها المسلمون في عصورهم المتأخرة تقليد الكافرين، واتباع سبيلهم في كثير من شئون دينهم ودنياهم، وما ذاك إلا للانهزامية والذل والهوان الذي أصاب الأمة الإسلامية، لذا كان على العلماء وطلاب العلم البيان والنصح للأمة فيما يتعلق بهذه الأمور الخطيرة التي تضر بالأمة في عقيدتها ووحدتها، ومن ذلك مشاركة الكفار في أعيادهم.

التعريف بمفهوم العيد وبيان وقته وحكم الزيادة على الأعياد المشروعية أو النقص منها

التعريف بمفهوم العيد وبيان وقته وحكم الزيادة على الأعياد المشروعية أو النقص منها إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فإن من أعظم المصائب التي ابتلي بها المسلمون في عصورهم المتأخرة تقليد الكفار، واتباع سبيلهم في كثير من الشئون، فقد اتبعت طوائف من هذه الأمة سبيل الكافرين في أمور عظيمة، بل فيما يتعلق بالعقائد والأحكام والشرائع والشعائر والأعياد والأخلاق والآداب التي تتنافى مع الإسلام. وكان من أبرز مظاهر هذا التقليد تقليد الكفار في أعيادهم، أو مشاركتهم في شيء منها بأي نوع من أنواع المشاركة التي حذر الله منها، وحذر منها رسوله صلى الله عليه وسلم، وأجمع أئمة الدين على التحذير منها. فكان على طلاب العلم البيان والنصح للأمة فيما يتعلق بهذه الأمور الخطيرة، وبآثارها السيئة على المسلمين في دينهم ودنياهم. وفي هذه الأيام تكثر أعياد طائفة من أهل الكتاب: اليهود والنصارى، فيقع كثير من المسلمين في المحظور؛ إما بالمشاركة في هذه الأعياد مشاركة كاملة، وإما ببعض المشاركة الجزئية، كالتهنئة، أو إتاحة الفرصة للكفار لإظهار أعيادهم بين المسلمين أو نحو ذلك مما هو معلوم، لذا كان لا بد من الحديث عن الأعياد وأحكامها. وسأبدأ هذا الحديث بالتعريف بمفهوم العيد؛ ليتبين ما هو العيد؟ ومتى يكون العيد عيداً؟ وليتبين أيضاً ما يخفى على كثير من الناس من وقوعهم في بعض الاحتفالات والمناسبات التي هي بمثابة الأعياد دون أن يشعروا بذلك. فالعيد في اللغة: مأخوذ من عاد يعود، إذا تكرر ورجع بعد انصراف، وهو أيضاً في اللغة: اسم لما يعود ويتكرر من زمان أو مكان أو هما معاً، ويدخل في ذلك المناسبات والآثار ونحوها كما سيأتي تفصيله. ويطلق على العيد في اصطلاح غالب الأمم: كل ما يعود ويتكرر زمانه أو مناسبته، أو يحتفل به أو يحتفى به، أو يجتمع عليه من الأيام أو المناسبات أو الأمكنة التي تهتم بها الأمم على أي نوع من أنواع الاهتمام. ومن ذلك على سبيل الإجمال: أولاً: الاحتفال بالذكريات السارة، فأيّ نوع من أنواع الاحتفال الذي لم يرد في الشرع إذا تكرر وأخذ صبغة التقليد أو العادة أو الاعتياد عليه فإنه يعد عيداً، كأعياد الميلاد، وأعياد الاستقلال، وأعياد الوطن، وقد تسمى أحياناً بأيام الوطن، أو الاستقلال أو نحو ذلك من المسميات. ثانياً: الذكريات غير السارة، فبعض الأمم قد تهتم بالذكريات المؤلمة، فتعيد الذكرى بها كنوع من المأتم وإظهار الحزن، أو ليكون ذلك من المظاهر القومية التي تعتز بها. ثالثاً: الأماكن التي تتخذ مزاراً، كالمشاهد والآثار والبقاع، وكذلك الأماكن التي تهتم بها الأمم أو الشعوب ولم تشرع زيارتها؛ فإن الزيارة لها على وجه متكرر يعتبر عيداً، والمكان الذي يزار ويتخذ مزاراً يعتبر من الأعياد، كما ورد ذلك في صحيح السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم. رابعاً: إحياء الآثار والأسواق القديمة على شكل عوائد أو آثار جاهلية أو نحو ذلك، فإن إتيان هذه الأماكن والاحتفاء بها، أو حتى الاهتمام بها بأي نوع من أنواع الاهتمام على وجه غير مشروع يعتبر من العيد الممنوع، كالاهتمام مثلاً بأسواق الجاهلية: كسوق عكاظ، وذي المجاز، ومجنة وغيرها. لذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور أعياداً، أي: اتخاذها أماكن للتجمع، أو زيارتها زيارة على وجه التعبد غير الزيارة المشروعة؛ لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تتخذوا قبري عيداً). خامساً: ما أخذ طابع الاهتمام المتكرر الثابت، سواء من مكان أو زمان أو أي شيء من الأشياء، فإن هذا عيد، وذلك كالأيام التي تهتم بها بعض الأمم أو كل الأمم في العصر الحاضر كيوم الأم، ويوم الطفل، ويوم الصحة، ويوم الشجرة والنظافة ونحو ذلك من المهرجانات والاحتفالات، أو الأمور السنوية أو الدورية، فإن هذه من الأعياد الممنوعة. والأصل في الأعياد أنها تعتبر من أبرز مظاهر حياة الأمم التي تعتز بها؛ لأنها من الخصائص والسمات والشعائر والشرائع التي تخص كل أمة، وقد تجتمع بعض الأمم في عيد واحد أو أكثر لسبب أو لآخر؛ ولذلك أمر الله المسلمين بالتميز في الأعياد، وأن تكون لهم أعياد لا يتعدونها ولا يزيدون عليها، بل ولا يقلدون غيرهم فيها ولا يلغون شيئاً منها، وكل أمة لها أعيادها التي تتميز بها وتعتز بها. إذاً: فالأعياد من الشرائع والشعائر التعبدية التوقيفية، فهي تدخل في العقيدة من جانب، وفي الشريعة من جانب آخر، وعلى هذا فهي توقيفية، بمعنى: أنها موقوفة على ما جاء عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز لأحد بحال أن يشرع عيداً جديداً، أو ينشئ نوعاً من أنواع الأعياد بأي وجه من الوجوه، كما أنه لا يملك أحد من الناس أن يلغي عيداً من الأعياد التي شرعها الله تعالى. وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم -كما سيأتي في النصوص- أن العيد من شعائر الدين، وهو من شرع الله ا

أنواع الأعياد المحرمة وحكم المشاركة فيها

أنواع الأعياد المحرمة وحكم المشاركة فيها الأعياد المحرمة على نوعين: النوع الأول: أعياد الكفار التي تخصهم، كالسبت لليهود، وكالأحد للنصارى، فلا يجوز لأهل بلد من بلاد المسلمين أو لطائفة أو لفرد من المسلمين أن يشاركهم في هذا اليوم على وجه التعبد، بل لا يجوز لبلد من بلاد المسلمين أن يعطل هذا اليوم على أنه يوم عيد، ولا حتى مجاملة لليهود والنصارى؛ لأنه كتب عليهم أن تكون لهم الذلة والصغار في بلاد المسلمين، وأن يكونوا أهل ذمة، وغاية ما كان أن الإسلام أذن لهم بإقامة أعيادهم في بيوتهم، ويغلقون عليهم أبوابهم، ولا يسمحون لأحد من المسلمين بأن يشاركهم، هذا إذا كانوا أهل ذمة. أما إذا كانوا كفاراً من الذين لا يقيدون بأحكام أهل الذمة، فالأصل فيهم ألا يقيموا أعيادهم ولا سراً بين المسلمين. وهناك أعياد أخرى للكفار أيضاً؛ كعيد رأس السنة، وعيد الميلاد، وعيد الفصح وغيرها من الأعياد المعروفة. وهناك أعياد أيضاً قد تكون مشتركة بين بعض الأمم كالفرس والمجوس، ويوجد شيء منها عند طوائف من النصارى، وطوائف من مبتدعة المسلمين وغيرهم، كعيد النيروز والمهرجان. والعجيب أن عيد المهرجان يوافق أول الميزان، وهو يوافق ما يسمى هنا باليوم الوطني، فلذلك ينبغي مناصحة المسئولين في هذا البلد والتحذير من هذا اليوم؛ فإن الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولأئمة المسلمين وعامتهم، وهذه الأعياد -أي: أعياد الكفار- اجتنابها واجب شرعاً، على أي شكل من الأشكال، وكما بيَّن ذلك أئمة المسلمين على وجه التفصيل. النوع الثاني: الأعياد التي أحدثها أهل البدع وأهل الافتراق من طوائف المسلمين الذين ينتسبون للإسلام، كعيد مولد النبي صلى الله عليه وسلم، أو الموالد الأخرى، وعيد المولد -كما تعرفون- لم يكن معروفاً في عهد الصحابة ولا التابعين ولا القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما ابتدعته طوائف من الروافض الباطنية، الذين هم في الحقيقة على دين الفرس والمجوس، والتي حكم عليها المسلمون بأنهم من الخارجين أصلاً عن الإسلام، وحدث هذا أول ما حدث على يد الدولة الفاطمية التي قامت في مصر، وهي دولة رافضية باطنية قامت أصلاً على البدع والانحرافات، فهي أول من ابتدع للمسلمين أعياد الميلاد، وكذلك الطوائف الأخرى والفرق الباطنية الأخرى التي ظهرت في بلاد المسلمين قد أسهمت في إظهار هذه الموالد والأعياد المبتدعة. كذلك مما ابتدعه بعض المسلمين من أهل الافتراق وأهل الأهواء: الاحتفال ببعض الأيام والليالي، كليلة الإسراء، والنصف من شعبان، ويوم عاشوراء، وأيام المعارك، وأيام المناسبات، وكليلة بدر وكغيرها، وكل هذه الاحتفالات هي من الأعياد المحرمة قطعاً. ويدخل في هذا النوع أيضاً: الأعياد البدعية المحدثة أخيراً، كالأيام الوطنية، وأيام الجلوس، وأيام الثورة، وأيام الاستقلال، والأيام العالمية، كيوم الأم ويوم الطفل والشجرة والصحة ونحو ذلك، ومنها الأسابيع التي تتكرر كل سنة أو بشكل دوري، فقد أخذت شكل الاحتفاء والاهتمام المعين، ونحن نعرف أن الإسلام جعل الاهتمام بهذه الأمور دائماً، ولم يخص بوقت من الأوقات، فليس للمساجد أسبوع، وليس للشجرة أسبوع، وليس للنظافة أسبوع، وإنما كل الأيام وكل الدهور وكل الشهور أيام للمساجد وللشجرة وللنظافة؛ لأن هذه من متطلبات الإسلام وعز المسلمين في دينهم ودنياهم، فلا يجوز أن يخصص لها وقت معين على أي شكل من أشكال التخصيص. إذاً: الاحتفاء بالأعياد المشروعة -وهي الأضحى والفطر والجمعة- والتعبد بالتعييد بها، واعتبارها أعياداً من أعياد المسلمين واجب شرعاً، ولا يجوز لبلد أو لطائفة أو لفرد من المسلمين أن يحدث عطلة من الأسبوع غير يوم الجمعة، أو عيداً من الأسبوع غير يوم الجمعة، مع أن العيد لا يعني العطلة، فهذا مفهوم خطأ؛ لأن العيد يعني نوع من الاحتفاء والاهتمام، وأخذ الزينة والاجتماع للصلاة كيوم الجمعة ونحو ذلك من المعاني والمظاهر التي تظهر العزة والقوة والاجتماع والتماسك، والتعاطف والتكافل في الأمة، وأما التعطيل فشيء محدث، لكن مع ذلك كون الأمة تعطل بعض أعمالها يوم الجمعة تهيؤاً للصلاة، وللسعي للرزق، وللسلام وللاجتماع على الأمور التي فيها عز للإسلام والمسلمين فهذا مشروع. لكن لو حلا لأحد أن يضع للمسلمين عطلة أو يوماً غير الجمعة، فإن هذا من الشرع الذي لم يشرعه الله، بل هو من الباطل، وهو كفر كما هو معلوم. كذلك الأعياد المشروعة السنوية كالأضحى والفطر التعييد فيها واجب شرعاً، بمعنى: أنه ينبغي للمسلمين أن يعيدوا فيها بما ورد في الشرع من إقامة صلاة العيد، والاجتماع في هذا اليوم العظيم، ولبس الزينة لمن يملك ذلك، والتوسيع على العيال وعلى الجيران، وإطعام الطعام، وإظهار الترابط بين الأمة، والاجتماع، وإفشاء السلام وغير ذلك من المعاني التي لا بد من إظهارها في هذا اليوم. كما أنه لا يجوز في هذا اليوم لأحد أن يصوم، أو ينشئ عبادة أخرى، أو حتى عادة أخرى تتنافى مع عظمة هذا اليوم العظيم.

الأدلة من الكتاب والسنة على حرمة الاحتفال بأعياد المشركين

الأدلة من الكتاب والسنة على حرمة الاحتفال بأعياد المشركين أما الأعياد غير المشروعة فكلها حرام، وما يحدث فيها على وجه الاهتمام والقصد فهو حرام قطعاً بالكتاب والسنة والإجماع كما أسلفت. أما القرآن فقد قال الله تعالى في صفات المؤمنين: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} [الفرقان:72]، قال المفسرون: إن المقصود بالزور هنا: الشعانون وأعياد الكفار، والشعانون: هي أعياد المشركين والكفار. والمقصود بـ (يشهدون)، أي: يحضرون، فهذا دليل على أن مجرد حضور الكفار حتى للتفرج والاستطلاع حرام قطعاً؛ لأنه تعزيز لهم ومشاركة، ويدخل السرور على قلوبهم، ويشعرهم بموادة المسلمين وبولائهم لهم، وكل ذلك حرام قطعاً. وقال الله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً} [المائدة:48]، فالمسلمون لهم شرعتهم ومنهاجهم، وأهل الكتاب لهم شرعتهم ومناهجهم، والكفار وغيرهم لهم شرعتهم ومناهجهم، وكل أمة تختص بشريعة ومنهاج، ومما شرعه لهم الأعياد، فلا يجوز لمسلم أن يزيد أو ينقص في هذه الأعياد، ولا أن يشارك غيره مما هو من خصائص الأمم الأخرى في أعيادهم. وأما السنة فللحديث السابق وقد ذكرته، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في السبت والأحد: (إنهما يوما عيد للمشركين فأنا أحب أن أخالفهم). وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا)، ويشير إلى عيد الأضحى، وهذا وارد في الصحيحين، وكذلك الحديث السابق هو صحيح الإسناد عند الحاكم وغيره. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم)، ومن أعظم مظاهر التشبه وأبرزها الأعياد؛ لأنها من سمات وخصائص الأمم، والمشاركة لهم في أي عيد من أعيادهم، أو التهنئة لهم، أو إعطاؤهم الفرصة ليعيدوا هو من باب التشبه بهم، وإعطاؤهم الفرصة فيما لا يجوز لهم. وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة: (خالفوا اليهود)، (خالفوا المجوس)، (خالفوا المشركين)، وكان من أبرز الأمور التي تجب فيها المخالفة الأعياد. إذاً: فالأعياد من جملة الشرائع والمناسك التوقيفية، والله تعالى يقول: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} [الحج:67]، فالعيد كالصلاة وكالقبلة وكالصيام، كما أن العيد من أبرز ما تتميز به الأمم، فيجب على المسلمين أن يتميزوا بأعيادهم، وأن يتميزوا بمخالفة أعياد الآخرين من الكفار والمشركين واليهود والنصارى.

بيان العلماء في حرمة مشاركة المسلمين للكفار في أعيادهم

بيان العلماء في حرمة مشاركة المسلمين للكفار في أعيادهم من المفيد أن نقف وقفة في مشاركة غير المسلمين في أعيادهم، خاصة حينما ظهرت بعض مظاهر هذه المشاركة في الآونة الأخيرة من بعض جهلة المسلمين، أو الفساق والفجار منهم، فكان لا بد من البيان والتفصيل في هذا الأمر على وجه تقوم به الحجة وتؤدى به النصيحة. وأبدأ هذا البيان بفتوى للشيخ محمد بن عثيمين، وربما قد قرأها أكثركم، ومن المعلوم -قبل أن أقرأ الفتوى- أن النهي عن مشاركة الكفار في أعيادهم بأي نوع من أنواع المشاركة أمر مجمع عليه قديماً وحديثاً، وهو رأي المشايخ الآن جميعاً، وللشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله كتاب صغير جيد في هذا الموضوع أنصح بقراءته. يقول الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: لا يجوز تهنئة الكفار بعيد الكريسمس أو غيره من أعيادهم؛ لأن ذلك ينبئ عن رضا بهذا العيد وإقرارهم، ولا يجوز رضا المسلم بشعائر الكفر ولا الإقرار بها؛ لأن ذلك لا يرضي الله عز وجل، قال الله تعالى: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر:7]، وقال جل وعلا: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85]، فهذا فيه إشارة إلى أن العيد دين. ونقل ابن القيم رحمه الله تعالى في (أحكام أهل الذمة) الاتفاق بين أئمة الدين على أنه لا يجوز تهنئة الكفار بأعيادهم، وهذا مجرد التهنئة فكيف بالمشاركة؟ وأما كونهم يهنئوننا بأعيادنا فإنما يهنئوننا بأمور رضيها الله لعباده، وشرعها لهم، بخلاف تهنئتنا إياهم بأعيادهم؛ لأن جميع الأديان منسوخة بدين الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم، وإذا هنئونا بأعيادهم فإنا لا نجيبهم على ذلك؛ لأنها ليست بأعياد لنا. وإذا كان لا يجوز تهنئتهم بأعيادهم، فإنه لا يجوز مشاركتهم فيها والذهاب إلى أماكن احتفالاتهم بها، ولو بدعوة منهم، ولا تجوز مجاملتهم في هذه الأمور؛ لأن هذا من المداهنة في الدين، والله أسأل أن يهديهم لدين الإسلام، وأن يثبتنا عليه، ويرزقنا الاعتزاز به. كتبه: محمد الصالح العثيمين رحمه الله. أيضاً هناك كلام جيد أشبه بمقالة للشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى، يقول فيه: أما بعد: فإن تخصيص يوم من السنة بخصيصة دون غيره من الأيام يكون به ذلك اليوم عيداً، علاوة على أنه بدعة في نفسه ومحرم، وشرع دين لم يأذن به الله، والواقع أصدق شاهد، وشهادة الشرع المطهر فوق ذلك وأصدق، إذ العيد اسم لما يعود مجيئه ويتكرر، سواء كان عائداً بعود السنة أو الشهر أو الأسبوع، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. ثم يقول: وقد منّ الله على المسلمين بما شرعه لهم على لسان نبيه الأمين صلى الله عليه وسلم من العيدين الإسلاميين العظيمين الشريفين اللذين يفوقان أي عيد كان، وهما: عيد الفطر وعيد الأضحى، ولا عيد للمسلمين سنوياً سواهما، وكل واحد من هذين العيدين شرع شكراً لله تعالى على أداء ركن عظيم من أركان الإسلام. فهذه مقتطفات من قوله. ثم قال: وتعيين يوم ثالث من السنة للمسلمين فيه عدة محاذير شرعية: أحدها: المضاهاة بذلك الأعياد بالأعياد الشرعية. الثاني: أنه مشابهة للكفار من أهل الكتاب وغيرهم في إحداث أعياد لم تكن مشروعة أصلاً، وتحريم ذلك معلوم بالبراهين والأدلة القاطعة من الكتاب والسنة، وليس تحريم ذلك من باب التحريم المجرد، بل هو من باب تحريم البدع في الدين، وتحريم شرع دين لم يأذن به الله، كما يأتي إن شاء الله بأوضح من هذا -هذا كلام الشيخ- وهو -أي: التعييد- أغلظ وأفظع من المحرمات الشهوانية ونحوها. الثالث: أن ذلك اليوم الذي عيِّن للوطن -يشير إلى اليوم الوطني- الذي هو أول يوم من الميزان هو يوم المهرجان الذي هو عيد الفرس والمجوس، فيكون تعيين هذا اليوم وتعظيمه تشبهاً خاصاً، وهو أبلغ من التحريم من التشبه العام. الرابع: أن في ذلك من التعريج على السنة الشمسية وإيثارها على السنة القمرية التي أولها المحرم، ما لا يخفى، ولو ساغ ذلك -وليس بسائغ ألبتة- لكان أول يوم من السنة القمرية أولى بذلك. وأختم كلام الشيخ محمد بن إبراهيم برسالة برقية كان أرسلها لولي الأمر في وقته فقال: صاحب الجلالة الملك المعظم أيده الله! بلغني أن هناك يوماً في السنة عند الموظفين والمدارس يسمى يوم النظافة، وقد احتفل به في جدة، وأبدي لجلالتكم حفظكم الله! أن تخصيص هذا اليوم والاحتفال به أمر لا يجيزه الشرع، حيث يكون بصفة العيد، ولا عيد لأهل الإسلام غير أعيادهم التي سنها الشرع، وما سواها فحدث باطل ينهى عنه الإسلام ويمنعه، أما النظافة فأمرها معروف، وهي مطلوبة في كل وقت، ولا تخصص بوقت دون وقت، بلغني هذا الخبر وعسى ألا يكون صحيحاً، وغيرتكم للشرع وحمايتكم له تأبى إقرار هذا الشيء وأمثاله، تولَّاكم الله بتوفيقه. عام (1379هـ). وفي

ظاهرة تقليد الكفار في أعيادهم دليل ضعف المقلد لهم وبيان أصناف المقلدين

ظاهرة تقليد الكفار في أعيادهم دليل ضعف المقلد لهم وبيان أصناف المقلدين أمر آخر مهم في مسألة المشاركة: وهو أنه ثبت بالاستقراء التاريخي، وباستقراء أحوال المسلمين اليوم الذين يقلدون الكفار، أن الأمم القوية العزيزة هي التي تنفرد بأعيادها وعاداتها وتقاليدها، وأن الأمة الضعيفة هي التي تقلد غيرها في أعيادها، وهذه قاعدة مطردة على مدار التاريخ، فمن أبرز علامات الضعف والهوان والذل في أمة من الأمم: تقليدها ومشاركتها لغيرها في أعيادها بأي نوع من أنواع المشاركة. إذاً: تقليد الأمم لبعضها البعض من أبرز علامات الضعف والانهزامية والذوبان والتبعية والذلة في الأمة المقلدة، ولذلك نجد أن الذين يقلدون الكافرين اليوم في أعيادهم على ثلاثة أصناف: الصنف الأول: المبتدعة، وهؤلاء أمرهم ظاهر؛ لأنهم هم الذين أدخلوا الأعياد المحرمة قديماً على المسلمين. الصنف الثاني: الفساق، وهم على صنفين: الأول: فساق جهلة. الثاني: فساق تمردوا، أي: أنهم عرفوا أن هذا فسق، لكنهم أخذوا بأعياد الكفار وشاركوهم فيها عمداً؛ لأن من طبيعتهم الفسق والإجرام. الصنف الثالث: أهل النفاق الذين يظهرون للمسلمين الإسلام، لكنهم يوالون الكفار بأي نوع من أنواع الموالاة في الباطن، فهؤلاء من أحرص الناس على مشاركة الكفار في أعيادهم، بل يتهافتون عليها، ويتقربون إلى الكفار ويتوددون إليهم بإهدائهم بطاقات التهنئة بالعيد والمشاركة، ومسارقة ذلك بين المسلمين في البلاد التي الإسلام فيها عزيز، نجد أن هؤلاء المنافقين يسارقون الوقت، ويسارقون الظروف ليشاركوا الكفار بأي نوع من المشاركة، حتى إن بعضهم ممن يقوم على إدارات المؤسسات أو الشركات أو غيرها يتقرب للعاملين لديه من الكافرين بإتاحة الفرصة لهم للتعييد، وإظهار أعيادهم والإعلان عنها في اللافتات واللوحات والبطاقات. بل ربما يدعو غير الكفار -أي: من المسلمين- ليشاركوهم عيدهم! وبعض المسئولين قد يشارك الكفار في أعيادهم كنوع من المجاملة، وهذا هو والله بعينه الذل والصغار والهوان والانحراف والتبعية والانهزام الذي ليس بعده انهزام.

أضرار تقليد المسلمين للكفار في أعيادهم

أضرار تقليد المسلمين للكفار في أعيادهم إن التقليد للكفار في أعيادهم نتجت عنه أضرار وآثار واضحة في المسلمين اليوم، من أبرزها: الإخلال بالعقيدة؛ لأن العيد هو من شرع الله، وهو داخل في الشعائر والشرائع والعقائد، فمشاركة الكافرين في أعيادهم هو اهتزاز في عقيدة الذي يشاركهم، بل هو خلل في العقيدة. كذلك من الأضرار: إظهار الولاء للكفار بأي نوع من أنواع المشاركة لهم في عيدهم، وإظهار الولاء والإعلان له لا يمكن أن يظهر في السلوك وفي العمل إلا وقد وقر ولاء الكفار في القلب، نسأل الله العافية. لذا فأقول: لا شك أن الذي يجامل الكفار في أعيادهم ويشاركهم بالتهنئة أو بأي نوع من أنواع المشاركة أنه قد وقر في قلبه ولاء الكفار وحبهم، سواء شعر أو لم يشعر. أيضاً: أنه تشريع لما لم يشرعه الله سبحانه وتعالى، بل هو معاداة واعتراض على أمر الله وعلى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله نهانا عن ذلك، ونهانا عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، فمشاركة الكفار في أعيادهم هي محادة لله ولرسوله ولدين الله، ومحاربة لسبيل المؤمنين. ثم إن المشاركة لهؤلاء الكفار في أعيادهم دليل على الانهزامية والضعف والذلة والتبعية لغير المسلمين. كما إن المشاركة للكافرين في أعيادهم تجرِّئ -وهذا ما حصل- الكفار على المسلمين، فقد جرَّأت بعضهم لأن يظهروا كثيراً من عاداتهم وتقاليدهم ومظاهر الفسق، لا سيما وأن الأعياد يصحبها عند الكفار إظهار الفسق والإجرام والشرب والفواحش والمحرمات، وكان هذا مما جرَّأهم على أن يظهروا بين المسلمين ببلاياهم وبمصائبهم، وحصل من هذا ضرر عظيم وكبير كما تعلمون. ثم إن هذا فيه مخالفة لإجماع المسلمين ولجماعتهم، وهو سلوك لسبيل غير المؤمنين، وتنكب لغير الصراط المستقيم، واتباع لطريق المغضوب عليهم والضالين.

واجبنا تجاه ظاهرة تقليد الكفار ومشاركتهم في أعيادهم

واجبنا تجاه ظاهرة تقليد الكفار ومشاركتهم في أعيادهم قد يقول قائل: ما العمل؟ مع أن المسألة سهلة في الحقيقة وفي نظري؛ لأن الأمر واضح، فحكم الله في هذا الأمر واضح، والنصوص والآيات والأحاديث وأحكام الشرع التي بينها العلماء واضحة، والمسلم بحمد الله لم يصل إلى درجة أن يغصب أو يكره لأن يعمل هذه الأعمال التي فيها مشاركة للكفار، فما بقي إلا العزم الصادق لكل مسلم بأن يتجنب الكفار في أعيادهم، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اجتنبوا أعداء الله في أعيادهم. فالمسألة مسألة عزم وصدق نية، وتوبة إلى الله سبحانه وتعالى لمن يمارس ذلك، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى: لا بد من المناصحة عموماً، وأذكر شيئاً من ذلك -أي: من باب المناصحة في هذا الأمر- لإزالة مظاهر تقليد الكفار في أعيادهم بقدر الجهد والاستطاعة. أولاً: بيان أن مقتضى النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم واجبة شرعاً، سواء بالمحاضرات أو الندوات أو الكتب، أو كل ما يملك المسلم من الوسائل المشروعة المتاحة، فيجب البيان، وبالبيان تقوم الحجة وتبرأ الذمة؛ لأن هناك ممن يقع في هذه المحظورات بسبب جهله، وهناك من يستضعف المؤمنين ويستضعف أهل الحق، وهناك من الفساق والفجار من يستغفل الناس ويستغفل أهل العلم ويستغفل المسلمين، فإذا وجد الإنكار ووجد البيان وأقيمت الحجة، فإنه بهذا سيرتدع من في قلبه مرض بإذن الله. إذاً: لا بد من قطع دابر هذه البدعة والضلالة بين المسلمين، وتحذير المسلمين من فعلها، وبيان الحكم الشرعي منها على وجه التفصيل بكل وسيلة، وبيان أحكام الولاء والبراء التي تميز المسلم بسلوكه وبعقيدته وبشريعته وبعيده وبنهجه، وباستقلاليته وشخصيته، وهذه بحمد الله -أي: نصوص الولاء والبراء- واضحة في الكتاب والسنة، وما علينا إلا أن نبينها ونشرحها، وأن نربي عليها المسلمين خاصة الأجيال الناشئة. ثم أيضاً النصح لمن يقع في مشاركة الكفار في أعيادهم جهلاً منه؛ لأنه ربما -وهذا أمر واقع- يكون بعض من يشارك الكفار يشاركهم عن جهل، وربما لم تبلغه الأحكام الشرعية، أو ظن أن هذه من المسائل العادية التي لا تتنافى مع الشرع، فلا بد من نصح هذا الصنف بأفرادهم وبأعيانهم، سواء من الجيران أو زملاء العمل، أو من نراه من المسلمين من يقع في هذا المحظور، فعلينا أن ننصحه ونبين له أن هذا لا يجوز، وأنه محظور يتنافى مع العقيدة ومع الشريعة، ومع ما أمر الله به. وقد تكون هناك طائفة من الفساق والفجرة يصرون على هذا المنكر رغم البيان وإقامة الحجة، فهؤلاء لا بد أن يرفع أمرهم لولاة الأمر؛ لأن فعلهم هذا ممنوع شرعاً، وبالتبع فهو ممنوع نظاماً في هذا البلد. فإذاً: من يمارس هذا العمل علناً ويتبجح به من الفساق أو الفجرة فعلينا أن نبين أمره للمسئولين. وعلى هذا فأرى ضرورة تتبع ما يظهر من بعض المؤسسات وبعض الجهات، وبعض الشركات التي تعمل هذا العمل، من إتاحة الفرصة للكافر بإعلان أعيادهم والاحتفال بها، ثم أيضاً مشاركتهم وإتاحة الفرصة للمسلمين في مشاركتهم، أو التغاضي عن هذا مع ظهوره، إما في مقر العمل أو في الإسكانات، ولا يلزم أن تكون المسئولية فقط في مقر العمل، بل نقول: إن لصاحب المؤسسة أو الشركة أن يمنع الكفار من إظهار أعيادهم، ويمنع المسلمين من مشاركتهم، ويبين للكفار أن هذا لا يجوز، وأنه يتنافى مع دين البلد وتقاليدها ونظامها، والذي أعرفه أن من أنظمة العقود مع غير المسلمين بيان هذا الأمر لهم، وأن النظام عندنا في هذا البلد -بحكم عملها بالكتاب والسنة في كثير من الأمور- أنها تشترط على المتعاقد غير المسلم أن يراعي دين البلاد وتقاليدها وظروفها، وهذا شرط مسبق، إلا إذا كانت بعض الدوائر تتساهل. فإذاً علينا أن نقيم هذا النظام، وأن نتتبع من يخالفه، ونبلغ المسئولين والجهات المعنية بأي مخالفة أو تجاوز؛ لأن هذه المسألة مع الأسف استفحلت وظهرت، حتى رؤي في بعض المؤسسات وبعض الشركات إعلانات بالخط العريض عن بعض أعياد الميلاد، وتوزع البطاقات والكروت بالتهنئة للكافر بأعيادهم، وهذا أمر عظيم وشر مستطير لا بد من القضاء عليه قبل أن يستفحل. ثم لا بد أيضاً من استئناف الطلب من الجهات الرسمية بالتأكيد على الكفار بألا يعملوا على إظهار أعيادهم، وأن يراعوا دين الأمة وتقاليدها وعاداتها الطيبة، والذي أعرفه أنه حتى في الأنظمة الدولية مع أننا لسنا بحاجة إلى أن نشير إليها، لكن أقول -مع الأسف-: حتى في الأنظمة الدولية ما يشير إلى مراعاة أوضاع كل بلد من قبل الوافدين عليه، فكيف ونحن المسلمون الذين نحن أحق من غيرنا بأن نظهر الحق الذي عندنا، وأن نكبت الباطل، وألا يتجاوز أحد هذا الحد؛ لأن فيه صغاراً وذلاً على المسلمين، وفيه حرباً على الإسلام وأهله. فإذاً: لا بد من إعادة استئناف الطلب من الجهات الرسمية بالتأكيد على الكفار بألا يعلنوا أعيادهم، وألا يسمحوا للمسلمين بمشاركتهم، وألا يكون هناك شيء من التجاوزات التي تتنافى مع دين البلد وعاداتها الطيبة. وأخيراً: فإنه على كل مسلم أن يبذل جهده في محاربة مثل هذه البدع

كلمة أخيرة تتضمن النصيحة حول أحكام الأعياد

كلمة أخيرة تتضمن النصيحة حول أحكام الأعياد في الختام أحب أن أشير إلى بعض الأمور العامة التي يجب علينا جميعاً أن نبدي النصح فيها بهذا الموضوع، أعني: أحكام الأعياد. أولاً: نحن نعرف أن أكثر المسلمين الذين يقعون -خاصة في هذا البلد- في مشاركة الكفار في أعيادهم بأي نوع من المشاركة أكثرهم من الجهلة السذج، الذين تستهويهم هذه المظاهر، فيجب على الجميع البيان بكل وسيلة متاحة ومشروعة. ثانياً: أنا أرى أن الكلام على الأعياد يجب أن ينطلق من منطلق شرعي، يبين للناس أن الحكم في الأعياد متعلق بالعقيدة، وأن تجاوز هذا الحكم إخلال بالعقيدة، والإخلال بها إخلال بشرع الله، وتشريع لما لم يشرعه الله، ثم إن الإخلال بها أيضاً محادة لشرع الله تعالى. وأن يكون البيان عند المناسبة، بمعنى: قبل وقت الأعياد العادية التي تكثر عن الكفار، فينبغي أن يتناصح المسلمون فيما بينهم، وأن يستذكروا التحذير عن هذه البدعة بكل جهد وبكل وسيلة. ثالثاً: أنه لا بد من الزيارة والاتصال بالمسئولين عن الشركات والمؤسسات والدوائر التي يلحظ أنها تتساهل في هذا الأمر، وإبداء النصح لهم وإقامة الحجة عليهم، والمسألة بحمد الله ليست محل خلاف فنقول: والله قد تنازع فيها الناس، ولا داعي أن ندخل في النزاع، والمسألة أيضاً ليست خفية، بمعنى: أننا نقول: لا نذهب للتفتيش عن عورات الناس، بل هي ظاهرة وواضحة، والمنكر إذا ظهر لا بد من السعي لتغييره، وأحسن وجوه السعي لتغييره أن نذهب إلى المسئولين في مكاتبهم وفي بيوتهم، ونعظهم ونناصحهم، وأن نذكرهم بالله سبحانه وتعالى، ونذكرهم بمغبة الانجراف وراء هذه الظواهر المزعجة التي تخل بدين الأمة وعقيدتها وشرعها. ثم أيضاً هناك وجوه أخرى من المناصحة؛ لأنه قد لا يستطيع بعض الناس أن يذهب أو يزور، كالمناصحة بالكتابة والمراسلة للمسئولين لبيان هذا الأمر. والتوصية بكل وجوه النصيحة المشروعة التي لا بد من سلوكها لإقامة الحجة والبيان، وإن لم نفعل ذلك فالأمر خطير؛ لأنه قد تعاقب الأمة بجملتها الصالح منها والطالح؛ لتفريط الصالحين في عدم إنكار ما يظهر من منكرات، ومن أعظم المنكرات وأخطرها منكرات الأعياد البدعية؛ لأنها من الشعائر التعبدية، ومن الشعارات التي تتميز بها الأمم، والتساهل فيها إنما هو حكم بالذلة، وحكم بالمجاهرة بالمعاصي وبالمبتدعات، وهذا مغبته ليست فقط على الذين يعملونه، وإنما مغبته على الجميع، بل على حساب الأمة في دينها ودنياها، ولأنه ينافي القوة والعزة والمهابة التي عليها الأمم. فإذاً: على الجميع أن يعملوا جهدهم في النصح لله تعالى ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم في هذا الأمر وغيره. ووجوه النصح بحمد الله مفتوحة ومتاحة، فعلى كل مسلم أن يتقي الله في هذا الأمر، وأن يبين وأن يناصح ويعمل جهده. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

الأسئلة

حكم المشاركة في الاحتفالات المحرمة بأمر من الجهات المسئولة في الدولة

حكم المشاركة في الاحتفالات المحرمة بأمر من الجهات المسئولة في الدولة Q تقوم وزارة المعارف بإرسال خطابات إلى جميع المدارس بالمشاركة في هذه الأسابيع، فما الحكم؟ مع العلم أنه يطلب منا إرسال بيانات بإقامة المدرسة لهذا الأسبوع أو أي احتفال آخر، فكيف الرد؟ وما هي النصيحة؟ A مثل هذا الأمر الذي يأتي من طريق جهات رسمية أرى أن يعالج على مستوى الجهات المسئولة، ولا بد من رفع هذا الأمر إلى المسئولين، وإلى المشايخ الذين يملكون البت في هذه القضية، ولا يمكن لمثلي أو لأي فرد من الإخوان أن يقوم هو بمفرده ويبت في هذه الأمور، أو يصل فيها إلى نتيجة عملية، وإنما لابد من رفع الأمر إلى المسئولين وإلى المشايخ، والأخذ إن شاء الله بالوجهة الشرعية التي تبرأ بها الذمة وتقتضيها المصلحة.

واجب المسلم تجاه أعياد الكفار والمشاركين فيها

واجب المسلم تجاه أعياد الكفار والمشاركين فيها Q ما واجبنا ودورنا أيها الشيخ في هذه الأيام وخاصة مع اقتراب عيد النصارى؟ وكيف نمنعهم من ذلك نرجو طرح بعض الأساليب الممكن اتخاذها في ذلك؟ A في رأيي أن هذا الأمر لابد فيه من أشياء: أولاً: البيان للحكم الشرعي في مسألة المشاركة في أعياد الكفار، أو في إظهارها بين المسلمين، سواء كان ذلك بالكتاب، أو بوسائل الإعلام، أو بنشر الفتاوى، أو بالمحاضرات، أو بالندوات وغيرها. ثانياً: لا بد من إشعار غير المسلمين -بطريقة مناسبة- بأن ما يعملونه في أعيادهم يتنافى مع دين البلد ومع عقيدتها، وأنه يصادم ويسيء إلى هذا المجتمع، ويصادم ما هو عليه هذا البلد من الدين والعقيدة والشرع القويم، وكثير من الكفار الذين في البلد ربما لو قيل لهم هذا لاحترموا هذا المبدأ، بناءً على أنهم في الأصل لابد أن يحترموا البلاد وأهلها ودينها، وهذا أمر ضروري، أعني: البيان للكفار، لكن بطريقة مشروعة وبأسلوب مناسب ليس فيه استفزاز، ويتحرى فيه المصلحة أيضاً، وإذا ظن أن هذا العمل قد تكون له أضرار أكبر؛ فيمكن أن تسلك أساليب أخرى. ثالثاً: أرى أنه من الضروري تتبع الجهات التي تظهر فيها أعياد الكفار، وإبلاغ المسئولين بها في الأمن والشرطة والإمارة والهيئات أولاً بأول، وإبلاغ المشايخ كذلك، لعل المشايخ أو الجهات المسئولة تملك -بل أكيد أنها تملك- من القدرة أكثر مما يملك الأفراد. وهناك من الأساليب أرى أنها لا تجوز، كاستعمال القوة أو العنف تجاه أي عمل من هذا النوع؛ لأن القوة لا يملكها إلا من بأيديهم التغيير لذلك المنكر. وأقصد بهذا أنه لا ينبغي للفرد المسلم أن يسلك مسلك العنف في تغيير هذه المنكرات؛ لأنه لا يملك ذلك، وعلى هذا فأقول: إن سبيلنا الذي نستطيعه هو المناصحة والبيان، وإبلاغ الجهات المسئولة بذلك. وأيضاً إشعار الذين يعملون هذه الأعياد بأن هذا لا يجوز، وأنه يتنافى مع أوضاع البلد إلى آخره. والناصح لن يعدم من أساليب النصيحة، والذي ليس عنده فقه كامل في النصيحة، بمقتضياتها وآدابها وشروطها وقواعدها ينبغي عليه أن يسترشد بطلاب العلم والدعاة والمشايخ.

حكم من أقام حفلا مرة واحدة في حياته بمناسبة ما

حكم من أقام حفلاً مرة واحدة في حياته بمناسبة ما Q ذكرتم يا فضيلة الشيخ! أن العيد هو ما أخذ طابع الدوام والاستمرار، فلو أقام شخص حفلاً مرة واحدة في حياته بمناسبة ما، مثل: ذكرى ميلاده، أو ذكرى وفاة عزيز عليه، أو أي مناسبة أخرى، فما الحكم في ذلك؟ A ما دام أنه أخذ صفة التعييد فهو عيد حتى لو لم يتكرر؛ لأنه ليس من شروط العيد أن يتكرر، وما دام أنه سمي عيداً واحتفل به على نحو الاحتفال بمولد الشخص فهو عيد؛ لأنه عبارة عن إحياء ذكرى قد تكررت، وهي ما بين الميلاد والعيد، فهنا يكون ممنوعاً، أما لو كان يوماً مفرداً من الأيام يعمل فيه عملاً من الأعمال التي تنفع المسلمين في دينهم ودنياهم فهذه مسألة أخرى، أما ما دام أنه تعلق بمولد الشخص ووفاته، وكان بمناسبة مصادفة المولد ليوم معين، فهذا لا يجوز؛ لأنه أخذ صفة العيد.

حكم الاحتفال بمناسبات مادية دنيوية كعيد الشجر وغيره

حكم الاحتفال بمناسبات مادية دنيوية كعيد الشجر وغيره Q الأيام التي تقام للطفل والشجرة والنظافة والغذاء والشرطة وغيرها، هل يحكم عليها بالابتداع ولو كانت في أمور دنيوية مادية وليست في أمور تعبدية، نرجو التوضيح في ذلك لإزالة الشبهة، وجزاكم الله خيراًَ؟ A ليس من شروط العيد أن يكون تعبدياً فقط، بل متى ما توافرت صفات التعييد في أي مناسبة فلها حكم العيد، والاحتفال بيوم معين أياً كان اسمه يتكرر في السنة، أو يتكرر بشكل دوري كل سنتين، أو كل عشر سنوات مثلاً فإنه عيد، لكن ما حكمه على جهة التفصيل؟ بمعنى: ما مدى حرمته؟ هل هي كحرمة العيد الشرعي، أي: العيد المتعبد به أو أقل من ذلك؟ هذه مسألة لا بد من تفصيلها عند أهل العلم، وآمل أن تعرض هذه المشكلة على هيئة كبار العلماء، أو على لجنة الفتوى؛ لبيان التفصيل فيها. أما كون التعييد بهذه الأيام مثل يوم النظافة وغيرها فمحرم؛ لأنها تأخذ صفة العيد، وقد سمعتم فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، وفيها القول الفصل، لكن مع ذلك فهناك تفصيل في هذا الحكم، ما درجة الكراهية؟ أو ما درجة التحريم؟ وما الذي يحرم فيه؟ هذه مسألة في نظري لا أستطيع أن أفتي فيها، وهي أكبر من أن أقدر على الحكم فيها على جهة التفصيل؛ فلتعرض على المشايخ.

حكم رد التهنئة على الكفار عند تهنئتهم لنا بأعيادهم

حكم رد التهنئة على الكفار عند تهنئتهم لنا بأعيادهم Q أعمل موظفاً في مطار الملك خالد الدولي بالخطوط السعودية، وأقابل ركاباً من غير المسلمين، وفي مثل هذه الأيام دائماً يحيوننا بتحية يقولون فيها ما معناها باللغة العربية: سنة جديدة سعيدة، فهل أرد عليهم هذه التحيَّة أم أسكت، والمعتاد أنه يرد عليهم بنفس الكلمة، فما رأي فضيلتكم؟ A بمقتضى ما عرفناه من النصوص وأقوال علماء هذه الأمة من المحدثين والفقهاء وأئمة الدين ومشايخنا في هذا العصر أنه لا يجوز مبادلتهم بالتهنئة، ومن هنأنا منهم بعيده كما قال الشيخ محمد بن عثيمين فلا يرد عليه بالتهنئة، والفتوى واضحة في هذه المسألة بالذات. وأعيد قراءة الجزء المختص بجواب هذا السؤال: يقول الشيخ: وإذا هنئونا بأعيادهم فإننا لا نجيبهم على ذلك؛ لأنها ليست بأعياد لنا. فهذا كلام الشيخ محمد بن عثيمين، بل هو أيضاً كلام سائر أهل العلم.

حكم استخدام التاريخ الميلادي وإغفال التاريخ الهجري

حكم استخدام التاريخ الميلادي وإغفال التاريخ الهجري Q نلاحظ أن استخدام التاريخ الميلادي بدأ يفرض نفسه، وللأسف على المستويين الرسمي والخاص، فما حكم استخدامه والإصرار عليه مع إغفال التاريخ الهجري؟ A إن استخدام التاريخ الميلادي هو نوع من التبعية للكفار، لكن حكمه لابد فيه من التفصيل؛ لأنه قد يجوز أحياناً استخدامه لحاجة تقتضيها مصلحة المسلمين في مصالحهم الدنيوية، أو علاقاتهم مع الأمم الأخرى، أو لضبط أوقات تقتضي الأحوال والمصلحة ذلك. فلذا من وجوه التفصيل: أنه إذا وضع التاريخ الميلادي مرادفاً للتاريخ الهجري فأرى أنه لا مانع من ذلك، كأن تؤرخ الصحف والمجلات، أو الأمور التي تقتضي أن نتعامل فيها مع الدول الأخرى، كالخطابات التي تذهب إلى الخارج، والمواعيد التي ترتبط فيها الدول -المواعيد الدولية- فيبدأ فيها بالتاريخ الهجري ثم بالتاريخ الميلادي، وهذا هو الأصل، فيقال: يوم كذا من الهجرة، الموافق ليوم كذا من الميلادي، فهذا لا مانع منه إذا كان لمصلحة. كذلك: استعمال التاريخ الهجري لأمور تخصنا في هذا البلد، كتواريخ الأغذية المصنعة في البلد، كالألبان وغيرها، والمنتجات المحلية، فأرى أنه من الذل والصغار والانهزامية أن نؤرخ بالتاريخ الميلادي، حتى وإن كان بيننا كفار قد ابتلينا بوجودهم لضرورة معينة، فينبغي أن يعرفوا تاريخنا ولا نخضع لتاريخهم. ولذا فينبغي أن تكون التواريخ المتعلقة بأحوالنا الداخلية كلها بالهجري دون استثناء، سواء ما يتعلق بقرارات، أو ما يتعلق بمنتجات، أو ما يتعلق بمواعيد، أو مناسبات علمية إلى غير ذلك. لكن الملاحظ الآن أنهم يبدءون بالتاريخ الميلادي في كثير من المؤسسات، كالطيران وغيرها، ويبدو لي أنهم يبدءون بالتاريخ الميلادي لسببين: الأول: أن هناك من يتعمد إثارة هذه المسألة، وإرغام المسلمين على تواريخ غيرهم، وهناك طائفة من المسلمين فيهم غفلة واستغفال، ويظنون أن هذا نوع من إظهار التطور، وإظهار التقرب إلى الكافرين بأي نوع من أنواع التقرب، وهذا ربما قد يكون عن جهل أو عن غفلة، لكن هناك من يتعمد ذلك. الثاني: أن بعض العمال في هذه المؤسسات التي تؤرخ بالميلادي هم أصلاً من غير المسلمين، أو من المسلمين الذين لا يعرفون التاريخ الهجري؛ بسبب تأثير الاستعمار ومسخ الاحتلال لكثير من مظاهر الإسلام في البلاد الإسلامية الأخرى، فهم لا يعرفون من التاريخ إلا الميلادي، ومن هنا قد يصعب على بعضهم أن يتعرف على التاريخ الهجري، لكن هذا لأن هناك تفريطاً من الإدارات والجهات المسئولة، والذي أعرفه أن التعاليم الصادرة من قبل الدولة توجب الاهتمام بالتاريخ الهجري واستعماله قبل التاريخ الميلادي، أو استعماله مفرداً، وبناء عليه كل من يعمل بالتاريخ الميلادي أو يتجاهل الهجري تجاوز الأنظمة. وعلى المسئولين على الأنظمة أن يتقوا الله في هذا، وأن يلاحظوا هذا التجاوز الذي يضر بدين الأمة وعزتها وهيبتها وكرامتها. وأما استخدام التاريخ الميلادي المجرد فلا شك أنه لا يجوز؛ لأنه -كما تعرفون- تبعية للغير.

حكم من يخصص للعمرة يوما محددا من السنة

حكم من يخصص للعمرة يوماً محدداً من السنة Q ما رأيك فيمن يجعل للعمرة يوماً محدداً من السنة؟ A إذا كان تحديد اليوم من السنة للعمرة يقصد به التعبد لله تعالى، بمعنى: أنه يرى أنه يجب عليه أو ينبغي له أن يوقع العمرة في هذا اليوم على جهة التعبد والتشريع فهذا لا يجوز. أما إذا كان من باب التحري ليوم من الأيام الفاضلة، كليلة سبع وعشرين، أي: ليلة القدر، أو ليلة عرفة، أو يوم عرفة لمن لم يكن حاجاً، أو كان حاجاً وأراد أن يغتنم فضل ذلك اليوم، فيؤدي فيه عمرة أو نحو ذلك، دون تعبد أو إصرار متعمد بألا يستجيز العمرة في غير هذا اليوم ونحو ذلك، فهذا لا يجوز. أما مجرد تحري اليوم الفاضل والزمان الفاضل فأرجو ألا يكون به بأس. لكن هناك أيضاً نوع آخر من تحري العمرة في بعض الأيام التي فيها مناسبات غير مشروع الاحتفال بها، فيتعبد بأداء العمرة فيها، كبعض أيام رجب، أو بعض أيام شعبان، أو ليلة الإسراء والمعراج؛ وهناك ما يسمى بالعمرة الرجبية، فيعمل ذلك المبتدعة، ويظنون أن ذلك من باب السنن، وهي في الحقيقة بدعة لا تجوز. وكتحري أيضاً العمرة ليلة المولد، فهذا أيضاً بدعة؛ لأن وضع العمرة في يوم مناسبة لأهل البدع لا يجوز. وأما التحري ليوم فاضل من الأيام التي يشرع فضلها فلا بأس به، بشرط ألا يكون على وجه التعبد.

حكم إقامة الاحتفالات الجماعية للأطفال والكبار في عيدي الفطر والأضحى

حكم إقامة الاحتفالات الجماعية للأطفال والكبار في عيدي الفطر والأضحى Q ما رأيكم في أن تقام احتفالات في عيدي الفطر والأضحى تكون فيها المقالات والمحاضرات والطرائف المفيدة والألغاز والأناشيد الجماعية للأطفال من الجنسين تحت سن السابعة، والأولاد الكبار بشرط عدم اعتبارها تعبداً، وذلك لكي يعرف العالم أن في ديننا فسحة، مع العلم أن القائمين عليها من أهل الدين والصلاح، وهو أفضل من ترك ذلك، فينشأ فراغ؛ لأن طبيعة الناس يبحثون عن التسلية في أيام العيد، فإذا تركه أهل الخير استغل الفسقة ذلك الفراغ، فعملوا احتفالات محرمة؟ A هذا سؤال متقن، وأشكر السائل على اهتمامه بهذه المسألة، وقبل أن أجيب عليه ينقدح في ذهني الآن منشأ هذا السؤال، فأقول: ما منشأ هذا السؤال؟ والجواب: إذا كان القصد هنا إظهار الفرح والتعاون والتعاطف وإفشاء السلام ولعب الأطفال ومرحهم فيما بينهم، والاجتماع للصلاة، والاجتماع على المائدة، أعني: مائدة الأعياد المباحة، فهذا أمر واقع. وأخشى أن يكون هناك نزعة عند بعض الناس لتنظيم هذه الأمور بشكل يتدرج إلى المحظورات وهم لا يشعرون، وقصص كثيرة مما تقع فيها الأمة من بدع ومن محدثات، وما تقع فيه الأمة من الفسق والفجور وإظهار الفواحش هو عن طريق استعمال المشروع للتدرج إلى غير المشروع. مع أنه واقع فعلاً أن الناس يلبسون أحسن الملابس، ثم يجتمعون للصلاة في مصليات العيد، ثم بعد صلاة العيد يهنئ بعضهم بعضاً، ويسلم بعضهم على بعض، ثم يتزاورون فيما بينهم، فيتزاور الجيران وأهل الحي الواحد، والأقارب فيما بينهم، ويسافر بعضهم لبعض عند الحاجة، ثم بعد ذلك يتيحون الفرصة للأطفال بنين وبنات يلعبون مع بعضهم في حدود السن التي لا يحرم فيها الاختلاط، هذا هو الواقع. لكن أن تنشأ مؤسسات تعمل على هذا، بمعنى: أننا نجعل لهذا نظماً وطرائق، فأرى أن هذا خروج عن مقتضى الفطرة هذا أولاً. ثانياً: أنه يبعدنا عن البساطة والبراءة التي عليها الناس. ثالثاً: أنه سيدخل أساليب وطرقاً ونظماً تجرُّ الناس إلى المهلكات، وإلا فما أشار إليه السائل هو الواقع ولا داعي لأن نقترحه، ولا أن نعمل عليه، ولنبقى على ما نحن عليه بحمد الله، ونحن على السنة في العيد بحمد الله، ولا تزال السنة في الأعياد هي الظاهرة، والناس يصلون ويجتمعون ويهنئ بعضهم بعضاً، ويتكاتفون ويتعاونون، ويلعب الأطفال ويظهرون شيئاً من المرح، والعيد قد يجوز فيه أحياناً ما لا يجوز في غيره، مثل مرح الأطفال، وإنشادهم الأناشيد والأغاني المباحة التي ليس فيها إسفاف ولا تبذل، وكل هذا يجوز في العيد ما لا يجوز في غيره. فإذاً: المسألة بحمد الله واضحة، ولا داعي لأن نتكلف إحداث سبل ووسائل يكون فيها المحظور، وبالعكس فما أعرف أن الأمة يوم العيد تعاني من فراغ، بل العكس هو الصحيح، فالناس يضيق عليهم يوم العيد، وخاصة عيد الفطر، فيضيق عليهم للسلام وتبادل الهدايا وتبادل الأفراح، والتزاور والتكافل، ويضيق عليهم الوقت بسبب تباعد المسافات الآن في المدن، أما في القرى فالأمر أسهل. وإنما الوقت الذي يضيع ويهدر، ويشعر فيه الإنسان بفراغ، هو وقت وفراغ طائفة من الفساق الذين لا يشاركون المسلمين الصلاة، ولا يشاركونهم الأفراح، فهؤلاء فعلاً يشعرون بالفراغ القاتل، لكنهم بحمد الله هؤلاء قلة، وهؤلاء مشكلتهم ليست في عدم وجود إظهار السنن في الأعياد، وإنما مشكلتهم هي في البعد عن المسلمين، واعتزالهم الجماعة، وعكوفهم على معاصيهم وفسقهم وفجورهم.

حكم الاحتفال بعيد الكريسمس في بلاد المسلمين

حكم الاحتفال بعيد الكريسمس في بلاد المسلمين Q تحتفل شركة (أرامكو) بعيد الكريسمس، وتعطي موظفيها إجازة لذلك، فما حكم ذلك؟ وما هي النصيحة ونحن على مقربة من نهاية السنة الميلادية؟ A ربما هناك أيضاً شركات غير شركة (أرامكو) تحتفل بذلك، لكن شركة (أرامكو) هي أظهر من غيرها، ومبدئياً لا شك أن هذا العمل في بلاد المسلمين غير جائز، لكن لا أدري ما يكتنفه من أحوال ومن ظروف للشركة؟ ولا شك أن هذا الإجراء الذي هو إعطاء إجازة حتى للموظفين المسلمين يوم عيد النصارى أو اليهود لا يجوز في الشرع. وأرى أنه لابد للعاملين من المسلمين في الشركة أن يتفاهموا مع المسئولين وإدارة الشركة على الفصل في هذا الموضوع. وإذا كان فيها من الكفار عدد ويريدون أن يقيموا لأنفسهم عيداً -عيد ميلادهم- فعليهم أن يعلموا بأحكام الشرع، وهي: أن يخفوا هذا العيد ولا يظهروه، وألا يشاركهم مسلم، وألا يعلن التعطيل للعيد إعلاناً ظاهراً، وألا يكون هذا الأمر مما يلزم به الموظف المسلم، لكن هذا كلام نظري، ويحتاج الأمر إلى مدارسة شرعية على ضوء ما عليه هذه البلاد -بحمد الله- من إظهار للشريعة والعمل والالتزام بموجبها، ولابد من التحاكم إلى شرع الله، وهذا لا يتم إلا بالطرق المناسبة في الشركة، وأرى أن على المسلمين الذين في الشركة أن يجتمعوا فيما بينهم مع مسئوليهم ومع مدير الإدارات أو رئيس الشركة أو مجلس الإدارة فيها، وأن يناقشوا القضية مناقشة جادة على ضوء النظم الشرعية، ولابد -إن شاء الله- أن يصلوا إلى ما فيه المصلحة.

حكم تهنئة الدول الكافرة بأعياد استقلالها

حكم تهنئة الدول الكافرة بأعياد استقلالها Q في الفترة الأخيرة انتشر بين بعض الدول الإسلامية تهنئة الدول الكافرة بِعيد الاستقلال أو غير ذلك من الأعياد، فما حكم ذلك في الإسلام؟ A المصيبة ليست فقط في هذا المظهر المخالف للشرع، وإنما المصيبة الكبرى أن عدداً كبيراً من البلدان الإسلامية تحتفل بأعياد الكفار، وليس فقط تهنئهم، وفي بعض البلاد العربية فضلاً عن الإسلامية -بلاد العجم- تعطل في أعياد الكفار، حتى العيد الأسبوعي، فأنا أذكر في تركيا منذ زمن -لا أدري هل الأحوال قد تبدلت أو لا تزال؟ - كان يوم الجمعة يوم عمل! والمسلم ليس له أن يذهب ليصلي الجمعة، والعطلة يومي السبت والأحد، وكأن المسلمين ما لهم وجود أصلاً، مع أن عدد المسلمين في البلد (98%) إن لم يكن أكثر، يعني: أن الإسلام فيها هو الأصل، وأرضها أرض إسلام، وهي دار الخلافة الأخيرة، إذ إن آخر خلافة سقطت للمسلمين هي الخلافة العثمانية التركية، ثم إن من البلاد العربية من يعطل أيضاً يومي السبت والأحد، وكثير من البلاد تحتفل بأعياد النصارى، بل وأعياد اليهود أيضاً؛ مجاملة لمن فيها من أقليات أو شرذمة من اليهود أو الكفار الوافدين، ومع ذلك فرضت عليها الأعياد بدساتيرها وأنظمتها، وشرعت تشريعاً من دون شرع الله. إذاً: فمسألة التهنئة وإن كانت لا تجوز تأتي في المرحلة الثالثة، وهذه ربما تكون ناتجة للمجاملات الدولية والعلاقات الدولية الأخرى، لكن ومع ذلك لا تجوز، لكن الحكم فيها أخف من الأمور الأخرى التي ذكرتها.

حوار مع الأحداث

حوار مع الأحداث الدين الإسلامي دين الوسطية، فلا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا جفاء، يأمر الأمة بلزوم الصراط المستقيم، ويحذرها مما من شأنه أن ينحرف بها يميناً أو يساراً، فعلى شباب الإسلام الرجوع إلى الشرع في جميع القضايا، والالتفاف حول العلماء، كما يجب على طلاب العلم والعلماء أداء دورهم في توعية الشباب، وردعهم عن الغلو والحماس الفارغ الذي ما جنت منه الأمة إلا شراً.

أسباب عزة المسلمين وأسباب ضعفهم

أسباب عزة المسلمين وأسباب ضعفهم الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ورضي الله عن صحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإن الله عز وجل فضل هذه الأمة بهذا الدين، وأكرمها ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم فيها، وجعلها آخر الأمم وأفضل الأمم في الدنيا والآخرة، ثم إن الله عز وجل تكفل بحفظ هذا الدين إلى أن تقوم الساعة، وتكفل ببقاء طائفة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم إلى أن تقوم الساعة، ووعد الله حق وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم صدق، لكن قد يبتلي الله بعض عباده، وقد تتقلب أمور الأمة من حال إلى حال، من قوة إلى ضعف ومن ضعف إلى قوة، وجعل الله عز وجل أسباب قوة المسلمين واجتماعهم وعزتهم بالتمسك بدينه، وهذه حقيقة كبرى جهلها كثير من المسلمين اليوم ولاسيما العرب، وغابت عن أذهان بعض الدعاة والمصلحين، هذه الحقيقة هي أنه لا عز لهذه الأمة ولا رفعة ولا نصر في دينها ودنياها إلا بالتمسك بهذا الدين. نعم، قد ترقى أمة من الأمم الأخرى الكافرة وقد تعتز وقد تقوى إلى حين بأسباب الدنيا، أما هذه الأمة فلن يكون لها عز ولا رفعة ولن تخرج مما وقعت فيه في العصور المتأخرة من حال الذل والهوان والفرقة والشتات والفتن التي بدأت تتوالى يوماً بعد يوم لن تخرج الأمة من هذه الحال إلا بالعودة إلى دينها وباللجوء إلى الله عز وجل حق اللجوء والاستمساك بدين التوحيد والاجتماع على السنة والجماعة التي أمر الله بها ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبجمع الكلمة على الحق والهدى، وبتثبيت الأجيال على مسلمات الدين التي هي معقد العز بتوفيق الله عز وجل. مسلمات الدين سأشير إلى شيء منها فقد غفل عنها الكثيرون لاسيما في مثل هذه الظروف التي كان يجب على الأمة أن تعرف موطن الداء وتعرف أين الدواء، وهو موجود بين ظهرانيها في كتاب الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي نهج المؤمنين الذي هو سبيل المؤمنين الذي توعد الله من خالفه فقال عز وجل: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:115]، ولما حادت كثير من طوائف الأمة عن سبيل المؤمنين ولاها الله عز وجل ما تولت ووكلها الله إلى أسبابها الضعيفة، وكلها الله إلى غير حول ولا قوة إلى قوة وحول العباد الضعفاء فوقعت فيما وقعت فيه. وأعيد وأكرر هذه المسألة وهي مسألة أنه غفل كثير من الدعاة والمصلحين وكثير من المفكرين والساسة وغيرهم عن هذه الحقيقة الكبرى، فراحوا يلتمسون أسباب العز عند الخلق، وراحوا يلتمسون أسباب القوة عند من لا ينصح لهذه الأمة ولن ينصح. قال الله عز وجل: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120]، فمن أراد للأمة العز والرفعة وجمع الشمل فعليه أن يلجأ إلى هذه الحقيقة، وعلى هذا فإن حال الأمة اليوم يعتبر من الأحوال التي لم تمر بها في تاريخها، والله أعلم. ولاسيما الفرقة والشتات والإعراض عن دين الله. فالأمة تعيش اليوم واقعاً لم يحدث مثله في التاريخ، ولا يعني ذلك اليأس من رحمة الله؛ فإن أسباب العلاج وإن أسباب العز موجودة في الأمة، وهي نفسها تحمل الدواء لكنها لم تدركه، ولم يدرك هذا الدواء إلا القليل، نعم مرت الأمة بفتن كبار في تاريخها الطويل وامتحان من الله عز وجل، وكانت الأمة تتجاوز هذا الامتحان في كثير من أحوالها، أو على الأقل طوائف من هذه الأمة تتجاوز هذا الامتحان باللجوء إلى الله عز وجل والاعتصام بكتابه والأخذ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وتحقيق المسلمات الكبرى وعلى رأسها الجماعة، وهي مرجعية العلماء.

وجوب شكر نعمة الإسلام والسنة

وجوب شكر نعمة الإسلام والسنة وقبل أن أبدأ بأحداث اليوم التي هي منذ سنين قريبة منذ ثلاثين سنة تقريباً إلى يومنا أحب أن أشير إلى أمر مهم لابد لنا في كل مسألة تتعلق بالأحداث وعلاجها أن نتذكر هذه المسألة، وهي نعمة الله عز وجل الكبرى التي تتمثل أولاً بالإسلام، وهذه نعمة لا تعدلها نعمة، وتستوجب من الشكر ما يجب أن نتفطن له، شكر القلوب والألسنة والأعمال والأفعال: فوالله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا. هكذا كان الصحابة يقولون في أناشيدهم. وإن هذه نعمة لها ضريبة لا تبقى إلا بأداء هذه الضريبة، وهي شكر الله عز وجل والثبات على هذه النعمة وحمايتها ثم غرسها في قلوب الأجيال مصحوبة بالاستفادة من العبر، فأكثر أجيالنا اليوم لا تعرف عبر التاريخ حتى القريب منها؛ لأنها ليس في قلوبها الثوابت الشرعية والثوابت التاريخية. فالله عز وجل وفقنا وهدانا لنعمة السنة، والله عز وجل ابتلى الأمة منذ آخر عهد الصحابة إلى يومنا هذا بوجود الافتراق، فكانت فرق من الأمة تتساقط خروجاً عن السنة إلى سبل الأهواء والضلال التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم، فبعد الفتنة العظمى التي كان فيها قتل عثمان رضي الله عنه فتنة الغوغائية فتنة الغلاة من الخوارج وأمثالهم بعدها ظهرت أول بذور الافتراق، فظهرت الخوارج والشيعة، ثم جاءت فتن وبدع العباد الذين سلكوا مسالك الأمم الضالة في العبادة، وظهرت الطرق الصوفية، ثم ظهر الكلام في الله عز وجل والقول على الله بغير علم، فظهرت القدرية وظهرت الجهمية وظهرت المعتزلة وظهرت الفرق الكلامية وهكذا؛ مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع). وقوله في الحديث الآخر: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة ثم قال: وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة إلا واحدة)، هذه الفرق وإن كانت لم تخرج من الإسلام إلا القليل منها -نسأل الله العافية- سلكت سبيل الردة، وحادت عن السنة فوقعت فيما نهى الله عنه من التنازع والفشل وضلوا عن سبيل الله، وأرهقوا الأمة بالافتراق، وأصابوا الأمة بالذلة والهوان فتسلط عليها العدو. لكن مع ذلك بقي الحق في أمرين: بقي بمصادره الكتاب والسنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك)، وهذا إلى قيام الساعة. ثم أيضاً بشر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مهما بلغ الافتراق ومهما خرجت طوائف من الأمة عن السنة وسبيل الحق إلا أنه تبقى طائفة على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم إلى أن تقوم الساعة، فتقوم الساعة وهم ظاهرون ويقاتل آخرهم مع المهدي وعيسى ابن مريم إلى أن يقضي الله بما يشاء وتنتهي هذه الدنيا وتقوم الساعة على شرار الخلق بعد أن يسخر الله ريحاً تقبض أرواح المؤمنين، لكن ذلك لا يكون إلا بفتن جسام، نسأل الله العافية. ثم إن الله عز وجل تكفل بحفظ مصادر الدين بأن حفظ هذا القرآن، قال عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]. وأيضاً قيض من أئمة الدين من يحفظون للأمة سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويعملون بها. أما خصوصية هذه البلاد فيما أنعم الله به عليها فهي تتمثل في الجماعة والسنة، هذه النعمة التي ملتها بعض أجيالنا؛ لأننا لم نعد نذكر الأجيال بهذه النعمة، حيث انصبت جهود الناس اليوم إلى الدنيا، والدنيا ضحكت للناس ضحكة الذئب، وأصبحت همَّ الأغلب إلا من عصم الله، فتركنا الأجيال فريسة الأهواء والتيارات وفريسة الشبهوات والغزو المركز الذي استهدف قلوب أجيالنا وعقولهم واستهدف سلوكياتهم وأخلاقهم؛ إنه غزو رهيب مركز عبر الوسائل المدمرة من الإنترنت حمار الدجال، ومن الفضائيات ومن الصحف ومن جلساء السوء ومن دعاة السوء، فانقسمت أجيالنا -إلا من عصم الله- بين تيارات متنازعة قسم منهم اجترفه تيار التفريط والتساهل والتميع في الدين، والتنكر للسنة وأهلها والتنكر للعلماء والتنكر للحق وثوابت الدين وثوابت هذه البلاد، وقسم آخر أيضاً اجتذبته تيارات الغلو في الدين والتشدد والتنطع والتنكر لنعمة الإسلام ونعمة الأمن والتنكر للعلماء والولاة، والتنكر أيضاً لمقومات حفظ هذه البلاد، التنكر للمسلمات الكبرى التي قام عليها هذا الكيان. وبقيت -ولله الحمد- طوائف من شبابنا -وهي الأكثر- على البراءة والفطرة. لكن ماذا عملنا تجاه حماية هذه الأجيال؟ فمن أعرض نسأل الله له الهداية، وكذلك من أفرط وغلا نسأل الله له الهداية وجب أن نعالج هذا، وهذا لكن أيضاً مما يجب أن يعنى به جيداً الآن كلنا آباء وإخواناً ومربين ومعلمين ومسئولين في الدولة والمحكومين كلنا يجب أن تتظافر جهودنا لحماية هذه الأجيال، وتثبيتها على ثوابت الدين الحق الذي هو مصدر عزنا. ولعله من المناسب أن أقف على بعض المسائل المهمة في تذكير إخواني بهذه النعمة التي نحن

أحداث فتنة دخول الحرم

أحداث فتنة دخول الحرم فمن الأحداث التي أنا أذكرها أحداث فعلاً فيها عبر: فتنة دخول الحرم، ودخول الحرم في الحقيقة فتنة عجيبة أنا عايشت هذه الحادثة وعايشها كثيرون ممن هم في سني أو أقل أو أكثر بقليل، وفيها عبر وفيها دلالات وفيها دروس لو أنها عرضت نقية صافية على الشباب الذين أفسدوا بالغلو في هذا الوقت والتكفير والتفجير لما وقعوا فيها بإذن الله، فلو استفادوا من الدروس من تلك الفتنة لما وقعوا فيما وقعوا فيه. والكلام فيها يطول، لكن أحب أن أشير إلى بعض الوقفات: أولاً: الذين ابتلوا بتلك الفتنة في بداية أمرهم قبل أن يخرجوا على المسلمات هم أناس من أجيالنا بعضهم زملاؤنا في الدراسة وبعضهم سبقونا بقليل وبعضهم بعدنا مباشرة، ذلك الجيل أنا أحكي عن معايشته، ذلك الجيل الذي وقعت فيه الحادثة بعض الناس كنا نعيش معهم في الكليات وفي العمل وفي دروس العلم عند المشايخ، فما الذي حدث؟ الذي حدث فيه عبرة، نسأل الله العافية، وألا يجعلنا شامتين، فيه العبرة والعظة، فأحداثهم تشبه الأحداث الأولى التي حدثت في عهد الصحابة في الفتنة الكبرى، فأول أمرهم نجد أن كثيراً منهم من خيار الشباب تديناً وحرصاً على العلم والتفافاً حول العلماء وحرصاً على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحباً للخير. لكن ربما دخلهم مجموعة من أهل الأهواء الله أعلم بحالهم، وقد يكونون بعدد أصابع اليد أو أقل أو أكثر استغلوا اندفاعهم وغيرتهم فبدءوا يشحنونهم الشحن السياسي المعروف ضد الأحداث وضد الولاة وضد المشايخ إلى آخره، وباسم الغيرة وباسم إنكار المنكرات بدءوا يموجون في مسألة إنكار المنكرات، ويعملون أشياء كثيرة صحيحة، وأشياء فيها نظر، وبدءوا يجادلون ويناقشون، وبدأت المسألة تظهر إلى مسألة الخلافات بين الشباب، ثم انتقلت إلى الخلافات عند العلماء الكبار، فصار العلماء والمشايخ الكبار وعلى رأسهم في ذلك الوقت الشيخ ابن حميد رحمه الله، والشيخ ابن باز وابن عثيمين وطبقة من المشايخ عنوا بالأمر وبدءوا يناقشون هؤلاء الشباب وخاصة الغلاة منهم، فرجع منهم إلى طريق المشايخ من رجع وبقي منهم من تعصب وتحزب وصاروا يعتبون على المشايخ أول الأمر، فهل انتهى الأمر إلى هذا الحد؟ ما هي إلا أشهر قليلة وعبوا تعبئة غير مرشدة وحسبنا الله ونعم الوكيل، فبدءوا يتكلمون في ذمم المشايخ وقالوا: المشايخ تعلقوا بالدنيا واشتروا بالرواتب والتهوا بالإقطاعات، وهو نفس الكلام الذي قاله الغوغائية في عثمان رضي الله عنه تماماً خطوة بخطوة، فبدأ العقلاء يتشاورون، وبدأ الناصحون لهم ينصحون حتى إني والله! أذكر أنه في المسجد الحرام بدأت مساجلات ومناظرات طويلة بينهم وبين بعض المعتدلين من طلاب العلم الناصحين المشفقين وكثير منهم أحياء يشهدون بما حدث، فاعتدل منهم من اعتدل وتراجع منهم من تراجع عن سب المشايخ، لكن بقي تعاطف مع هذه الاتجاه، وصاروا بين بين، هذا الاتجاه تعمق في أهله حتى توصل إلى تبني المواجهة مع العلماء ومع الولاة، فحصل من الدولة -وفقها الله- أنها أرادت أن تدرأ الفتنة، فسجنت بعضهم، لكن لا يزال المشايخ الكبار عندهم أمل وحسن ظن، فشفعوا لهم وأخرجوهم من السجون، فلما أخرجوهم -والحق يقال- تراجع منهم كثيرون واستفادوا من الدرس واستفادوا من التجربة، وعرفوا أن إنكار المنكرات لا يتم إلا بالتناصح بينهم وبين ولاتهم وأن ما يحدث من المشايخ إنما هي أخطاء غير مقصوده، وأنه لا يتم هذا إلا بالنصيحة التي أوجبها الله ووصى بها الرسول صلى الله عليه وسلم وعرفوا أن الفتنة لا تؤدي إلى نتيجة وأن المعارضة أمر لا يمكن أن ينكر به المنكر ولا يقال به معروف فاعتدلوا. وبدءوا يناقشون الآخرين، فتعصبت الفئة الغالية وبعض المغترين فيها فصارت كياناً معارضاً تماماً، فجرتهم العزلة عن العلماء وترك العلماء إلى الفتنة، وأنا حسب علمي ما من طائفة مهما كانت على الصلاح والاستقامة تنازل العلماء إلا وتبتلى بفتنة إلا وتصاب بفتنة أقولها وأنا جاد، هذا حد علمي ما أعرف طائفة من شباب الأمة صار بينهم وبين العلماء شيء من الخصام ثم نابذوا علماءهم إلا ويصابون ويعاقبون بفتنة، وارجعوا إلى التاريخ، فمن ذلك: الفتنة على عثمان فتنة الخوارج فتنة أهل حروراء فتنة ابن الأشعث فتن بالعشرات، وكلما ظهرت طائفة تعتزل عن العلماء وتستهين بهم تبتلى ببلوى تكون موطن عبرة. هؤلاء لما تجمعوا وتكتلوا دخلهم أهل الأهواء وزينوا لهم أعمالاً عجيبة، الله يعلم ما الذي حدث، لكن فيها أشياء نعرف عنها، وبعض من نشط معهم نشاطاً عجيباً وكنا نعرفه نشط في تحويلهم إلى الحرم، وتوهيمهم أن المهدي موجود وبيعتهم لفلان المهدي، واسمه محمد بن عبد الله القحطاني، فقالوا: كيف يصير قحطانياً؟ لأنهم طلاب حديث، فصنع لهم بحيلة صكاً على أنه قرشي هاشمي وإنما هو قحطاني بالحلف من حلفاء قحطان، فبايعوه فوقعت الفتنة! ثم هندس لهم ذلك

أسباب الغلو والتطرف

أسباب الغلو والتطرف من أعظم أسباب الغلو والتطرف والتفجير والتكفير وجود النفاق والفساد على مستوى الأرض كلها والكون كله، ثم على المستوى العالمي الإسلامي ثم في بيئاتنا، وغيرة الغيور الذي لم ينضبط بضوابط الشرع ولا عنده فقه من الدين ولا عنده تجارب ثم يشحنه آخرون هذا يسمى استغلال الحدث. لكن ومع ذلك هل ما يوجد من فساد وإعراض وما يوجد أحياناً من تجاوزات يبرر الغلو في الدين؟ وهل يبرر التكفير والتفجير؟ لا والله! ليس هذا بمبرر؛ لأنه لا يجوز أن نبرر الفساد بفساد، ولا أن نعالج الخطأ بخطأ، فهذا ليس في موازين الشرع، ومنذ أن ظهر الغلو في تاريخ الأمة وهو محجوج بنصوص الشرع وقواعده وبأقوال العلماء، ومع هذا يأتي من يدعي أو يبرر لمثل هذه الأعمال الشنيعة التي أساءت إلى الإسلام وإلى المسلمين وإلى البلاد، يبررها بوجود المفاسد، والمفاسد تعالج بالطرق الشرعية، فنحن نعترف أن عندنا تقصيراً وخللاً نسأل الله أن يعفو عنا جميعاً، والتقصير بعضه يأتي من الناس وبعضه قد يأتي من بعض من يتحملون مسئوليات، لكنهم بشر، والواجب علينا فيما يحدث بيننا دولة وحكاماً ومحكومين من أمور مبناها على التناصح كما أمر الله عز وجل وأوصى رسوله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (الدين النصيحة، قالوا: لمن يا رسول الله؟! قال: لله تعالى ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)، وأئمة المسلمين هم الحكام والعلماء. ولا يخلو مجتمع من أخطاء حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، لكنها تتفاوت، ونحن نعترف أن عندنا أخطاء كثيرة علاجها أولاً: بالنصيحة، وثانياً: باجتماع الشمل والحفاظ على الأمن، وثالثاً: بأن نرجع إلى من أمرنا الله بالرجوع إليهم في مثل هذه الأمور وهم العلماء حتى وإن ادعى من يدعي أنهم مقصرون، فالعلماء هم حجة الله وهم أهل الذكر الذين عناهم الله عز وجل بقوله: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43]، بل إن الله وجهنا إلى الرجوع إلى العلماء في مثل هذه الأحداث التي نعيشها بآية بينة واضحة نسيها كثير من المسلمين قال عز وجل: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83]، ومن هم الذين يستنبطون الأقوال؟ هل هو مبتدئ أو حدث أو إنسان يتطفل على العلم والعلماء؟ A لا، بل الذين يستنبطون هم العلماء الراسخون الكبار، وكثير من شبابنا هداهم الله لهم تجاوزات على مشايخنا، لكن ومع ذلك مشايخنا هم أفضلنا وهم أزكانا وهم أعلمنا وهم مرجعنا وهم معقد الحل والعقد فينا، ومن نعمة الله عز وجل علينا التي ما شكرناها وجود العلماء في هذه البلاد، ولا تزال الدولة وفقها الله وهداها وسددها تعتبر العلماء وتجعل لهم الصدارة حتى وإن حصل تقصير، نعم قد يحصل، لكن مع ذلك هذه حقيقة يجب أن نقولها وأن نعترف بها، وهي نعمة يجب أن نشكرها ونشكر من فعلها، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله. ومن الثوابت الكبرى والأمور المحمودة في هذه البلاد المباركة: بقاء الاعتبار للعلماء، وقد أتانا كثير من البلاد الإسلامية وغير الإسلامية يتمنون واحداً من علمائنا يذهب إليهم، يقولون: هاتوا لنا شيخاً واحداً نشتريه بأي ثمن، وبعضهم إذا جئته تجده يتفطر كمداً ويتفطر غيرة ويكاد يحترق قلبه، فتقول له: لماذا؟ فيقول: لأني سمعت من بعض شبابكم من يسب علماءكم، فدعوهم لنا؛ لأنكم لا تعرفون قدرهم، وهذه والله! حقيقة، لكن ليس كلنا لا نعرف قدرهم، وإنما يوجد من سفهائنا من لا يعرف قدر العلماء، وهذا ما سأشير إليه من الثوابت. فيجب أن نتذكر نعمة الإسلام ثم نعمة السنة التي هي معقد الاجتماع دائماً، ولا يوجد ولن يوجد في تاريخ الإسلام من أوله إلى آخره -واستعرضوه- أن تجتمع كلمة المسلمين في بلد ما على كيان قوي له اعتباره دولة ومجتمعاً إلا على السنة والجماعة، ومتى ما وجدت البدع وجد الافتراق، ومتى ما وجد الغلو وجد الافتراق حتى وإن كان باسم الدين والغيرة، وأول افتراق حدث في الأمة كان بسبب الغلو؛ فإن الذين خرجوا على عثمان كانوا ناساً غيورين وما أخرجهم على عثمان إلا الغيرة، لكن على غير هدى، ولم يرجعوا إلى الصحابة، بل كانوا يتهمون نيات الصحابة، بل استحلوا دماءهم، فالخوارج استحلوا دم علي وطلحة والزبير وعثمان بن عفان، ويفتخرون بهذا إلى اليوم. وإن كان تاب بعضهم فالبقية كلهم يعتبرون هذا مفخرة، وهم متدينون، وسبب خروجهم إنكار المنكرات كما يزعمون، نعم هناك منكرات لكن سبيل تغييرها النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر، بل حتى المظالم أمرنا بالصبر عليها، وقد جاءني سؤال يتكرر في كل محاضرة في هذا الموضوع، يقول: الشباب يعانون ضغوطاً وكثير من المجتمع يعانون ضغوطاً ما يجدون وظائف وما يجدون أعمال

كيفية معالجة الغلو والتطرف والفتن

كيفية معالجة الغلو والتطرف والفتن أكثر ما تحدثت به معلوم، لكن ما الحل؟ الله عز وجل أرشدنا إلى الحل، والحل في أمور:

ضرورة التوبة إلى الله عز وجل

ضرورة التوبة إلى الله عز وجل الأمر الأول: مما يجب أن نتذاكر ونتواصى به دائماً ضرورة التوبة إلى الله عز وجل، فهذه الأحداث حصائد ذنوبنا، وكونه يتسلط علينا ناس من شبابنا ومن أبنائنا وباسم ديننا هذا لاشك أنه نتيجة تقصير منا في حق الله عز وجل، ويجب أن نعترف بهذا، وما لم نعترف فالمسألة أعظم، ومع الأسف بعض الجهلة إذا قيل: نحن مذنبون ونحتاج تجديد توبة أو هذا نتيجة المعاصي، قال: أنتم بس ما عندكم إلا التوبة، ونحن ماذا نعمل؟ نحن أمة مسلمة ومجتمع مسلم إلى آخره، ومع ذلك لو لم نكن مجتمعاً مسلماً يمكن ألا نعاقب، ويمكن أن تزدهر عندنا الدنيا ونأخذ حظنا من الدنيا، وليس لنا من الآخرة نصيب، نسأل الله العافية، لكننا نحن أمة مسلمة نعاقب على الذنب ويكفر الله بذلك عنا، لكن ومع ذلك هذه الحقيقة يجب أن نتوصل لها، لابد من توبة صادقة مع الله عز وجل من الجميع، وأن نتواصى على هذا حكاماً ومحكومين علماء ومتعلمين وعامة وسائر طبقاتنا.

ضرورة الاجتماع على كلمة الحق

ضرورة الاجتماع على كلمة الحق الأمر الثاني: ضرورة الاجتماع على كلمة سواء على ثوابت الدين والدنيا التي اجتمعنا وتبايعنا عليها حكاماً ومحكومين، فكلنا في أعناقنا بيعة، فعندما بايع أهل الحل والعقد لهذه الدولة وفقها الله لكل خير فمعناه أن البيعة في ذمة الجميع، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)، والبيعة هي معقد الاعتصام، بها نستطيع أن نطبق أمور الإسلام، والله عز وجل يقول: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103]، فيجب أن نعتصم بحبل الله، وحبل الله هو الثوابت التي سأذكرها، والله عز وجل نهى عن التنازع، فقال: {وَلا تَنَازَعُوا} [الأنفال:46]، حتى على الدنيا، لكن تنازع الدين أخطر {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال:46]، وقال: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام:153]، فالبدع والأهواء والتيارات والحزبيات هذه يجب أن نتجنبها، وأن نبتعد عنها؛ لأنها سبيل الفرقة والشتات وهي التي تغذي الفتنة وهي وقودها. فيجب أن نجتمع، لكن أيضاً الله عز وجل جعل لهذا الاجتماع معاقد وعرى ممسكات مستمسكات، فما هي هذه المستمسكات؟ أولها الدين بجملته، فعلينا أن نأخذ بالدين كما أمر الله لا كما نشتهي، فكثير من الناس يقول: نريد الدين، لكن يأخذ من الدين الذي يعجبه والذي لا يعجبه لا يأخذ به، والدين كله لله، يجب أن نأخذ بالدين بجملته، ثم الدين لا يبقى إلا بجماعة، والجماعة هي السلطان والعلماء وأهل الحل والعقد والمرجعية وأن الأبناء يخضعون لآبائهم ويخضعون لمن ولاه الله أمرهم، والشباب يعرفون قدر الكبار، وكل يعرف مرجعيته في دينه ودنياه، فيرجع رجال العشائر إلى شيوخهم، ويرجع أصحاب المؤسسات إلى رؤسائهم، ويرجع أبناء المدارس إلى مدرائهم، ويرجع أبناء الفصل إلى معلميهم، ويرجع الطلاب والتلاميذ إلى مشايخهم وعلمائهم، فرأس الأمة هم أهل الحل والعقد ومن بيده شيء من مصالح الأمة وإن لم يكن صالحاً ولو كان فاسقاً، وبعض الناس ما يفهم هذا، والله عز وجل جعل رأس الجماعة خيار الأمة وهم العلماء ثم الولاة، والولاة لهم حقوق وعليهم حقوق، والذي لهم أوجب من الذي عليهم؛ لأن الذي لهم يوجب أمن الجميع، والذي عليهم قد تكون حقوقاً فردية، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالسمع والطاعة فقال: (ولو أخذ مالك وضرب ظهرك) لأنك إذا ما سمعت ولا أطعت شققت عصا الجماعة وأخللت بالأمن. إذاً: أعود وأقول: لا يمكن أن يكون دين إلا بجماعة ولا جماعة إلا بسلطان، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالنصح للسلطان وبطاعته في المعروف براً كان أو فاجراً، بل حتى لو وقع ظلم كما وقع في تاريخ الأمة كلها، حتى إنه أوصى حتى الأفراد فقال: (وإن أخذ مالك وضرب ظهرك) يعني: تسمع وتطيع. وقال توجيهاً عاماً للأمة: (إنكم ستلقون بعدي أثرة)، يعني: أنكم قد تظلمون وتؤخذ أموالكم وتؤخذ المصالح العامة كما حدث في كثير من تاريخ الأمة، قال: (إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)، ولم يقل: كفروا وفجروا، وإنما قال: (فاصبروا حتى تلقوني على الحوض)، فهذه ثوابت يجب أن نغرسها في قلوب الأجيال؛ ليعتزوا ولا يذلوا، لا كما يزعم البعض فالله! ما في الدين إلا العزة والخير والجماعة وحفظ الأمن. ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، فمن نعم الله علينا أن الله حبانا بدولة تحمل الإسلام ونظام الحكم فيها وجود القضاء ووجود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووجود احترام المشايخ وجود أصل الخير، ولا يعني ذلك عدم وجود تجاوزات، فأنا أعرف من كثير من المسئولين أنهم اعترفوا علناً وسراً في مجالس خاصة وعامة بوجود أخطاء كبيرة، لكن ما السبيل إلى علاج هذه الأخطاء؟ السبيل هو التناصح والشورى، ومع ذلك ما يلزم أن تتغير كل المنكرات، فبعض المتعجلين -خاصة الشباب المتحمس- يقول: أنكرنا وأنكرنا، وأنكر المشايخ ولا نفع، فأقول: وإذا ما نفع فأوصيك بالصبر. كنا كثيراً في مجالس الشيخ ابن باز نجد من بعض طلاب العلم الغيورين جزاهم الله خيراً يشكون للشيخ: أننا نريد كذا، فيقول الشيخ: اكتبوا أنتم للمسئولين وادخلوا عليهم، اكتبوا لهم أو وصوا من يكتب لهم، ما هو لازم الشيخ ابن باز وابن عثيمين، كذا يقول، ابحثوا بأي طريق ووصلوا الأمر للمسئولين وكلموهم، وكان بعضهم يقول: يا شيخ! تكلمنا في الموضوع الفلاني وتكلمت أنت وما أفاد، فكان الشيخ إذا قالوا هذا الكلام يهون عليهم، حتى إنه أحياناً يبكي وذكر أنه نصح في مسألة من المسائل وكتب أكثر من عشرين مرة أو قال: عشرين مرة، وما استجيب له إلا في المرة العشرين، وفي أمور يقول: لا نطاع فيها إلى الآن، لكن أمرنا لله، وفي أمور كثيرة يتحقق منها خير، وشهد

ضرورة السمع والطاعة لولاة الأمر في غير معصية

ضرورة السمع والطاعة لولاة الأمر في غير معصية ثم أيضاً الدين والجماعة والإمارة لا يمكن أن تكون إلا بسمع وطاعة، فـ عثمان رضي الله عنه يقول: إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن؛ لأن السلطان معه قوة مادية والقرآن ما هو إلا توجيه يأخذ به المؤمن ويتركه المنافق، لكن ما الذي يأخذ العاصي والمنافق والظالم والباغي والمفسد والقاتل؟ الذي يأخذه بالقوة هو السلطان. ثم أيضاً بعد السمع والطاعة لابد من الأمن، وما أدراكم ما الأمن؟ بعض الناس يظن الأمن مصلحة هامشية أو ضرورية لكنها من أدنى المصالح، وليس كذلك، بل الأمن هو تاج ذلك كله، والدين جاء بحفظ الضرورات الخمس، وكثير من نصوص الدين وقواعده وأساسياته تقوم على هذا الأساس: حفظ الضرورات الخمس، والدين لا هل يمكن إقامته على الوجه الكامل بدون أمن، فهل تستطيع أن تصلي الجماعة بلا أمن أو تقيم الجمعة بلا أمن أو تصلي الاستسقاء أو تصلي الجنازة بدون أمن؟ وهل تستطيع أن تحج بدون أمن؟ قبل دعوة الشيخ: محمد بن عبد الوهاب كان هناك خوف، واقرأ في تاريخ ابن بشر وابن غنام تجد أحدهم يقول: وفي هذا العام لم يحج أحد، وبعد حوالي عشر سنين لم يحج أحد، لماذا ما حج أحد؟ واختلال السبل، حتى من مكة كان الحاج إذا خرج من مكة يوجد في الجبال من ينهبه ويقتله. وقبل أن يتمكن الملك عبد العزيز رحمه الله كان الناس يصلون في الحرم أربع جماعات كل واحدة لا تعترف للأخرى، فهل هذا دين نرضاه؟ جاء الملك عبد العزيز رحمه الله وجمعهم على إمام واحد، هذه الفضائل تنساها أجيالنا؛ لأننا لا نذكرهم بها، وأكثر الناس -مع الأسف- مثل الحشرة لا يقع إلا على الجرح فقط أو على موطن المرض، لكن الحسنات لا يذكرها إطلاقاً. فإذاً: ينبغي أن نذكر لأجيالنا هذا الخير؛ فلا يمكن حفظ الدين إلا بأمن، ولا يمكن حفظ العقول بلا أمن، ولا يمكن حفظ الأموال بلا أمن، ولا يمكن حفظ الأرواح بلا أمن، ولا يمكن حفظ الأعراض والأنساب بلا أمن، وما أدراك ما الأعراض والأنساب؟ وبعض الذين يحاضرون أحياناً لا يكون عنده شعور بهذه المسائل حتى يذكر العرض فإذا ذكر العرض انتفض وعرف أن المسألة خطيرة، وأنه وصل المحز إلى العظم، ونحن نسأل الله ألا تأتي هذه الساعة، وإن شاء الله نحن موقنون بأن الله عز وجل سيحفظنا، لكن ومع ذلك هذا مشروط بأن نبقى على ديننا ونتوب ونتعاون مع ولاتنا وعلمائنا ومشايخنا وتجتمع كلمتنا على الحق والهدى، ومشروط بأن ندفع الغلو، لا أن نجلس نتفرج، فبعض الناس يقول: نحن مشغولون بالإصلاح، نعم الإصلاح له شروطه، ومن الإصلاح دفع الفساد، وأنا أضرب مثلاً لما يحدث عندنا من كثير من المفاسد والمنكرات التي يجب أن نعالجها مع الغلو: بأناس في بيتهم هذا البيت يحتاج ترميمات ويحتاج إصلاحات ويحتاج إلى حماية إلى آخره، كل مشغول بشغله ولم يشغلوا بإصلاح هذا البيت، فأتاهم واحد سفيه معه شهاب من نار، وقال: أريد أن أحرق البيت من أجل أن أريحكم، فما رأيكم؟! فمن عنده نوع من سوء الفهم قال: دعوه يحرقه، لكن أيهما أسفه هذا الذي يحرق أو هذا الذي يؤيده؟! لكن العاقل والذي يعمل بالدين سيكف السفيه الذي سيحرق ويشتغل بالإصلاح في وقت واحد، فيمد يداً للإصلاح ويمد يداً أخرى لكف الكارثة والفتنة التي تقضي على كل شيء.

أهمية المرجعية في حياة الأمة

أهمية المرجعية في حياة الأمة ومن الأمور الثوابت التي يجب أن نتذكرها المرجعية، وما أدراك ما المرجعية؟ وقد أشرت إلى هذا كثيراً، فما لم نرجع إلى علمائنا فهذا -نسأل الله العافية- دليل شؤم ودليل عدم توفيق وخذلان، وإذا ما أكدنا على هذه الحقيقة وتواصينا ووصينا أجيالنا وأبناءنا وربينا أنفسنا وغيرنا على مرجعية العلماء وطاعة الولاة في المعروف فسنتحمل مسئولية هذا التقصير.

مسئولية المجتمع تجاه الغلاة

مسئولية المجتمع تجاه الغلاة ثم أخيراً: مسئولية تجاه الغلاة: الغلاة الذين كفروا وفجروا دفعتهم الغيرة في الغالب، وأغلبهم ممن غرر به وهو لا يدري، وأغلبهم قصرنا في حقه، وأنا أعرف أناساً بذلوا جهدهم مع بعض الغلاة لكن بعدما استووا ووصلوا الخط الأحمر، وبعدما تجاوزوا الإشارة الحمراء ففي هذا الوقت لا توجد هناك فرصة أن تقول له: ارجع، يعني: هم حالهم مثل الذي وصل إلى الإشارة وهي حمراء ثم استمر يمشي، فإذا تجاوز الحمراء هل من المعقول أو من المناسب أن تقول له: ارجع؟ قد يكون ذلك صعباً، بل يمكن أن رجوعه يؤدي إلى كارثة أكبر، وهؤلاء كذلك. وغالب من يتجاوز الإشارة الحمراء يصاب بكارثة تضره وتضر غيره، والآن صار يفجر نفسه ويفجر الآخرين، حتى إن بعضهم إذا لم يتمكن منه رجال الأمن فجر نفسه، فعلى ماذا يدل هذا؟ مهما قال بعض الناس من التبريرات هذه لا وجه لها شرعاً إطلاقاً ومن عمل بها فهو آثم، نسأل الله العافية، ومن أيدها فأخشى أن يكون أشد إثماً؛ لأن هذا الصغير مغرر به، لكن ذلك الذي يضحك وهو جالس واضع رجلاً على رجل يضحك لهؤلاء الشباب المساكين ويدفعهم ويشجعهم وأنتم الأبطال وأنتم المجاهدون، ويرقص على الجثث والأشلاء هذا هو مغذي الفتنة. ونعرف بين ظهرانينا من هذا النوع الكثير، فلماذا لا ننصحهم في الله، ونخوفهم بالله؟ فلنتق الله جميعاً ونتناصح. أسأل الله للجميع التوفيق والسداد، وأسأله عز وجل أن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وألا يعاقبنا بذنوبنا، وأن يجمع كلمتنا وكلمة ولاتنا ومشايخنا وشبابنا على الحق والهدى. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

الأسئلة

أسباب الفرقة والخلاف

أسباب الفرقة والخلاف Q ما هي أسباب الفرقة والخلاف؟ A هذا سؤال كبير، وأعظم سبب للفرقة والخلاف هو التقصير في حق الله عز وجل، فإذا ضعف التدين في الناس وفي أعمالهم وإذا كثر الخبث وإذا كثرت المنكرات وإذا ضعف الإيمان في القلوب وإذا التفت الناس إلى الدنيا وإذا تساهلوا بتربية أبنائهم وإذا فرطوا في أخذ دينهم وإذا تنكروا لعلمائهم وإذا تنكروا لولاتهم وقعت الفرقة والنزاع.

الطريقة العملية لحفظ الشباب من فتن الغلو والتفجير والتكفير

الطريقة العملية لحفظ الشباب من فتن الغلو والتفجير والتكفير Q ما هي الطريقة العملية لحفظ الشباب من هذه الفتن والغزو المركز على شباب الأمة؟ A هذا سؤال جاد، وهذه مسألة يجب أن يتوافر لها علاج؛ الغلو عند الشباب الغلاة يعالج كما يعالج التفريط عند الشباب المفرطين، فنحن نعيش مصائب يجب ألا نتساهل بها دون الأخرى، لكن بعضها يحتاج إلى العلاج العاجل؛ لأن ضررها مدمر يهلك الحرث والنسل، ولذلك أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بقتال الخوارج، وهل حل حاسم لابد منه، وعاجل تتظافر عليه الجهود، وأيضاً في الوقت نفسه لا ننسى علاج المشاكل الأخرى، لكي نعدل وننصف، وأيضاً لكي نستقيم على المنهج الوسط، وبذلك ننتصر. فالعلاج ينبغي أن تتظافر له جهود العلماء، والدولة خاصة، والمؤسسات التربوية وجهود العلماء والإعلام الذي بقي فيه بقية خير؛ لأن أغلب الإعلام -مع الأسف- على مستوى العالم ومستوى العالم الإسلامي لا يخدم دين المسلم، بل هو سبب من أسببا الفرقة والشتات ومغذ للغلو، فمثل هذا الوقت لابد نقول بصراحة: الإعلام تولى كبره ودخل منه المنافقون وصاروا يتدخلون بالدين والعقيدة، ويستهترون بالمتدينين والعلماء، فصاروا سبباً للشحن غير المرشد. فلا بد أن تتوافر جهود الإعلاميين الأخيار مع العلماء مع الدعاة مع الصالحين مع الآباء وما أدراكم ما الآباء؟ وأنا من خلال مناقشتي ومن خلال مخالطتي لكثير من الغلاة بحكم التخصص كثير منهم يأتون ويناقشون وبعضهم يأتي مستنصحاً ولا أزال -ولله الحمد- أرى وأسمع وتأتيني أوراق ويقابلني شباب مستنصحين من أصحاب الغلو، وإن شاء الله تنفع فيهم النصيحة. فأقول: الآباء مقصرون، فابنك وإن ذهب مع المتدينين يجب أن تعرف من هم؟ وهذه الكلمة أقولها ما كنت أجرأ أقولها قبل خمس سنوات؛ خوفاً من أن يشك الآباء في المتدينين، فالمتدينون -بحمد الله- في هذه البلاد من الشباب هم أغلبية وهم أهل رشد، نشهد شهادة أن أغلبهم أهل رشد، وخاصة في التحفيظ وفي الحلقات المعلنة وفي المدارس الرسمية وفي المراكز الصيفية وغيرها، فالحقيقة جميع من يعيشون تحت المظلات الرسمية أو المؤسسات الظاهرة في المساجد وغيرها هم على رشد ولله الحمد، وهم أغلبية، لكن معظم النار من مستصغر الشرر، فلا نستهين بوجود فئة قليلة تندس ويأتون ليخطفوا الشباب من المساجد ويخطفوهم من البيوت ويخطفوهم من مجالس الأسر ومجالس العائلات، ولذلك بعض العائلات تساهلوا أو وجد عندهم نوع مما نسميه الاندفاع العاطفي بدون اهتمام بالشباب المراهقين والصغار، وبعض الناس الكبار إذا جلس مجلساً بدأ يتكلم كلاماً بدون ميزان، والصغير يسمع ويشحن يسمع ويشحن يسمع ويشحن، والكبير عنده عقل وعنده حكمة وأكثر ما يقوله قد لا يؤمن به، لكن يطلق لسانه في سب المشايخ وفي سب الدولة وفي التحريض، فهذا أصيب من حيث لا يدري ففوجئ أن ولده ذهب مع الغلاة؛ لأنه تسبب في شحنه، وهذا قليل ولله الحمد، لكنه يوجد، وأنا أعرف قصة قريبة من هذا: في مجلس من المجالس واحد من هؤلاء الشباب المتوترين هداهم الله قال عن أحد المشايخ الكبار: إنه مرتد، وأبوه وجده موجودين في المجلس ما استطاعوا يقولون له شيئاً؛ لأن البيئة كلها مشحونة الكبار والصغار، فلما خرج منهم هذا الذي يكفر العلماء ما استطاعوا يردونه ولا يقفون في وجهه يخافون عليه من أكبر، يخافون أن يفجر نفسه وهو عندهم، فالأمر خطير. فالآباء مقصرون ويكلون الأمر إلى غيرهم. ثم في الدرجة الثانية المعلمون وما أدراك ما المعلمون؟ أبناء المسلمين في هذا البلد وغيره يجلسون أمام المعلمين ساعات طوال في وقت هيأت لهم الدولة المدرسة والمقاعد والنظام الذي يسخر ذلك الطالب الشرس الشقي أن يجلس وديعاً أمام المعلم، وهذه نعمة، ولكن أين توجيه المعلم؟ أنا أشكر لكثير من المعلمين اهتمامهم لكن أيضاً أعتب على كثير منهم أنهم لم يؤدوا الواجب بالقدر الكافي، وهذا دورهم؛ فالآن التلميذ الصغير يأخذ الابتدائي والمتوسط والثانوي ويأخذ من المعلم أكثر مما يأخذ من أبيه. وأنا واجهت بعض الأشياء من أبنائي في الابتدائي أقول له: يا ابني! هذا غلط، فيقول: لا، أستاذي قال لنا كذا، فأقول: يا ابني! هذا كذا يمكن أنك ما فهمت كلام الأستاذ، يمكن أنه قصد غير هذا، وأقول له: هذا غلط، غلط بين مثل الشمس، فيقول: يا أبي! هذا الذي قال لي الأستاذ، فيسلم بما قال له الأستاذ وأنا كأن كلامي ما له قيمة. إذاً: أنا أحمل المعلم شيئاً من هذه المسئولية.

معنى حديث: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)

معنى حديث: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب) Q ما موقفنا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)؟ A هذا السؤال يرد في كل محاضرة؛ لأن هذا مثل قميص عثمان، يعني: من أكثر ما يتذرع به الغلاة هذا الحديث، وأنا أعلم أن بعضهم يعلمون أن هذا الحديث حجة عليهم، لكن يقول: ولو، فتقول له كذا وكذا، فيقول: ولو، طيب ولو ما معناها؟ معناها: الهوى. فحديث (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب)، خطاب للأمة، وأول معني بهذا الحديث الصحابة ثم الخلفاء الراشدون بالذات، فماذا صنعوا بهذا الحديث؟ شاور عمر بن الخطاب الصحابة ماذا يصنع، وكيف يخرج المشركين من جزيرة العرب؟ فاختلفوا هل جزيرة العرب هي الحجاز أو هي نجد أو الجزيرة كلها، والاختلاف لا يزال واقعاً، ويمكن أن جزيرة العرب هي كل الجزيرة، وهذا محتمل، وهذا الذي عليه الجغرافيون وكثيراً من علماء التاريخ، وإذا قلنا: يوجد في جزيرة العرب مشركون فما المقصود بهذا الحديث؟ هذا الحديث له فقه، فقهه الصحابة والتابعون وسلف الأمة بإجماع عملي سلكوه وهو أن الخطاب للجماعة، هذا شيء، الشيء الآخر أنه لا يعني الأفراد والعصابات، فهل سمعت أن صحابياً أو تابعياً أو أحداً من القرون الثلاثة الفاضلة بل حتى الخوارج الذين استحلوا دماء المسلمين هل سمعت أحداً منهم ذهب لمشرك وقتله في جزيرة العرب؟ إذاً: الخطاب للجماعة، والجماعة هم من يمثلهم العلماء وأهل الحل والعقد، وعمر خليفة يستطيع أن ينفذ الخطاب؛ لأنه يمثل المسلمين كلهم لكنه شاور الصحابة، فاختلفوا اختلافاً كثيراً فكان جملة فقههم أن المقصود بالمشركين هم المشركون الذين يكون لهم كيان أشبه بدولة، لهم كيانهم الاجتماعي والاقتصادي ومعابدهم يمارسون كياناً كاملاً مثل ما نسميه الآن دولة، فهؤلاء لا يسمح لهم، هذا شيء. الشيء الآخر ألا يكونوا أهل ذمة ولا آتين بعقد ولا عهد، أما إنسان يأتي معه تأشيره طبعاً كانت العهود لها صور كثيرة على مدى التاريخ. والعهود في عصرنا بين المسلمين وبين غير المسلمين هي تأشيرة الدخول، أما إذا جاء بدون تأشيره فالدولة لن تتركه، وهذا معروف، فعندها رجال أمن وعندها أهل الاختصاص، وحتى لو وجدت كافراً دخل بدون تأشيره فهل يجوز لك أن تأخذ السلاح وتقتله؟ سبحان الله! من قال هذا؟ وبأي دين؟ وبأي مبدأ؟ هذا يترك للسلطة. إذاً: المخاطب السلطان وجماعة المسلمين والعلماء، والذين يأتون بعهود كانت الجزيرة مليئة منهم في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان فيها كثير من العلوج المشركين المجوس، والذي قتل عمر مجوسي، ولما استأذن الصحابة في أن يطردوهم من المدينة قال: لا، أخذوا العهد عليكم، وهم غدروا به وقتلوه ومع ذلك قال: لا، هؤلاء أخذوا العهد علينا، هم في ذمة الجميع، والعجيب أن الله جعل الكافر في بلاد المسلمين إذا دخل بعقد -مثل هؤلاء الذين يدخلون عندنا- أنه في ذمة الجميع، وسبحان الله! أمر عجب! وهو كافر، لكن هذا حكم الله. فالذي يقتل كافراً خالف دين الله ووقع في الوعيد، وخالف الصريح من النصوص وخالف ما أجمع عليه الصحابة واتفق عليه سلف الأمة وخالف نهج الخلفاء الراشدين وخالف العلماء وغدر بالجميع وغدر بعهد الدولة وبعهد الشعب والمجتمع ووقع في الوعيد: (من قتل ذمياً لم يرح رائحة الجنة)، وأنا ناقشت عدداً منهم فتجد أحدهم يقول لك: ولو، نسأل الله العافية، وما دام ولو، فما هناك حيلة إلا الله يتولانا ويتولاكم.

كيفية الرد على العلمانيين

كيفية الرد على العلمانيين Q ألا ترون أن أفكار العلمانيين الذين استغلوا هذه الأحداث لبث أفكارهم، يجب علينا اتخاذ حركة إصلاح قبل أن يبثوا أفكارهم؟ A يجب أن نأخذ بأصول الإسلام في إنكارها والرد عليهم، وإقامة الحجة عليهم، وبيان خطرهم بدون ما يثير فتنة ويخل بالأمن، أيضاً التعاون مع المسئولين والولاة والمشايخ وبذل الجهود، وأنا أعرف مشايخ باذلين جهدهم في هذا الأمر، وهناك جهود يا إخوان أكثرها لا يعلم؛ لأنهم يدرون أنهم لو أشاعوها ونشروها يمكن أن تصير على الأمة فتن أكبر، وهذه من الفوارق بين فهم الشباب حدثاء الأسنان الذين يقعون في الغلو وبين ما عليه المشايخ، فالمشايخ لا يتحدثون على أكثر ما يبذلونه تجاه المناصحة في هذا الأمر حتى مع العلمانيين أنفسهم، فكثير من العلمانيين أحضرهم المشايخ في مجالس وأخذوا يناقشونهم وأقاموا عليهم الحجة وبعضهم حوكم وبعضهم طلب للقضاء وبعضهم اتخذ منه إجراءات من الداخلية وبعضهم إلى آخره. فهناك إجراءات وهناك تقصير كله موجود، ونحن موقفنا مع العلمانيين وغير العلمانيين ينبني على الأصول الشرعية من إقامة الحجة، وبيان الحق، وأيضاً الشكوى عند ولاة الأمر، وبيان وجه خطرهم، ونقاشهم، وكل ما نملكه، وأما تطبيق الحد عليهم فلا نملكه، وما أحد فرد يستطيع تطبيق الحد، وإلا لكانت فوضى، وما أوكلت الحدود للأفراد أبداً. ولذلك نقول لبعض الغلاة: أنتم الآن إذا استهدفتم الأمن أضعفتم الحدود، فأول من يقوم على الحدود هم رجال الأمن أنفسهم، فلماذا تستحلون دماءهم؟ رجال الأمن هم رجال حسبة، ولذلك دائماً نذكرهم ونقول لهم: لا تنسوا النية الصادقة، فأنتم أهل حسبة، وأنتم حماة الدين وحماة الأعراض وحماة الأموال، فاحتسبوا ذلك عند الله، ومن قتل من رجال الأمن وهو يستحضر هذا في نيته فهو شهيد إن شاء الله؛ لأنه لم يقتل فقط دون عرضه وماله ودينه بل قتل دون أعراض الأمة وأموالها ودينها. لكن ومع ذلك أقول: مثل هذه الشكاوى حقيقية فنحن نشكو من العلمانيين ونشكو من المفاسد، لكن ما العلاج؟ العلاج أن نتحاكم إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإلى نهج السلف الصالح وإلى علمائنا، وهذا معنى قوله عز وجل: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83]. أقول: فلو أننا تواصينا على هذا لكان الخير كبيراً.

حكم تارك الصلاة

حكم تارك الصلاة Q قول العلماء: من ترك الصلاة كفر؟ A هذه مسألة خلافية، والترك إما ترك كلي وإما ترك جزئي إلى آخره، والرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أن ترك الصلاة كفر، لكن للعلماء في ذلك تفصيل بناءً على مجموع مجمل النصوص.

ضرر الغلو على المسلمين في كل بلاد

ضرر الغلو على المسلمين في كل بلاد Q قارن بين ما يقع في المملكة وما بين يقع في البلاد الأخرى من بلاد المسلمين؟ A نقارن وما علينا إلا الاستمساك بما أوصانا الله به، فلا محيد عن الأخذ بما أوصانا الله به، وكون العالم الإسلامي يتعرض لمشكلات كبرى وفتن وقتل وقتال، فالطريق إلى التصحيح هو الطريق الشرعي، والغاية لا تبرر الوسيلة، ومتى كان العنف أو القفز على حواجز الشرع والواقع والحواجز الرسمية حلاً؟ بل العكس والله! أدى إلى إعنات المسلمين والضرر بهم في خارج بلادنا أكثر مما أدى علينا أيضاً وإن كنا تضررنا. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

مسلمات في العقيدة

مسلمات في العقيدة المسلمات في الدين هي المناهج والأصول التي يقوم عليها الدين علماً واعتقاداً وعملاً، فحين كثرت الفتن والصوارف عن دين الله عز وجل، وتداعت الأمم الكافرة بعقائدها وأفكارها وأخلاقها لطمس هذه المسلمات، كان لزاماً على جميع الأمة أن يقفوا أمام هذه الموجات العاتية؛ للحفاظ على هذه المسلمات، التي بها إقامة الدين وعزة المسلمين.

دواعي التذكير بمسلمات العقيدة وإبرازها

دواعي التذكير بمسلمات العقيدة وإبرازها الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين. أما بعد: فإن مما ينبغي التنبيه عليه بين يدي هذه المحاضرة والتي هي بعنوان: مسلمات في العقيدة، مما ينبغي التنبه له أولاً: أن هذه المسلمات التي سأذكر طرفاً منها، كانت إلى وقت قريب بدهية، ينشأ عليها الكبير والصغير في هذه البلاد التي بحمد لله نشأت على السنة، وكان أهل العلم يتعهدون غيرهم من طلاب العلم والعامة في تلقين المسلمين هذه المسلمات في سن الطفولة والشباب، وسن الكهولة والشيخوخة، وكانوا يتعهدون الناس ويلقنونهم هذه المسلمات بطرائق شتى، واستخدموا لذلك شتى الوسائل التي يقدرون عليها في ذلك الوقت، ومن ذلك أنهم كانوا يتعهدون المصلين بين وقت وآخر، فيعلمونهم أمور دينهم، وكانوا يقرءون عليهم المتون الضرورية التي تبنى عليها أساسيات الدين، وكانوا يعلمون الصغار هذه الأمور مع تعليمهم لهم لكتاب الله عز وجل، وكانت هناك الكتاتيب والمدارس التي ترعى الناشئة، وتلقنهم هذه المسلمات، وكان أهل العلم وطلاب العلم يتعهدون الناس في مجالسهم أيضاً، ليس في المساجد فحسب أو في المدارس، بل حتى في المجالس، فإلى وقت قريب كانت مجالس الناس في هذا البلد لا يمكن أن تخلو من التعلم والتعليم، حتى المجالس الأسرية والمجالس العامة واجتماعات الأفراح وغيرها من الاجتماعات، التي تكون في المجتمع على مستوى الأسرة والحي والبلد وجماعة المسجد وغير ذلك مما هو معروف واعتاد عليه الناس في هذا البلد من الاجتماعات الصغيرة والكبيرة، كان طلاب العلم يتعهدون الناس في هذه المجالس ويعلمونهم أصول دينهم. الأمر الثاني: وهو أنه في الآونة الأخيرة لما كثرت مصادر التلقي، وتداعت على هذه الأمة المسلمة وهذا المجتمع بصفة خاصة في هذا البلد، تداعت عليه الأمم بعقائدها وأفكارها وأخلاقها بكل الوسائل الشيطانية التي توافرت من الفضائيات، ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، فنجد الواقع أن الأمة الآن تتحول تحولاً مخيفاً عن دينها، وعن أخلاقها، وأن هذا المجتمع الذي نعيش فيه على السنة والفضيلة بحمد الله استهدف من جميع أعدائه في الداخل والخارج، فكثرت الفتن والصوارف عن دين الله عز وجل، والدعوة إلى ما يفسد العقيدة والفضيلة، وبدأت البدع العقدية والفكرية والثقافية والعملية ترفع رأسها على أيدي أناس من الأعداء، بل ومن أبناء جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا ويدّعون أنهم منا، وهذا استوجب على طلاب العلم أن يعيدوا للأمة التذكير بمسلمات الدين. وقد يقول قائل: لماذا نتحدث عن مسلمات الدين ونحن بحمد الله في بلد كثر فيه التعليم والكتابة؟ أقول: نعم، ومع كثرة التعليم كثر الجهل بالدين هذا هو الواقع، ومن شاء فليستعرض في ذهنه واقع كثير من شبابنا ومثقفينا ومفكرينا، ومن هم في مراكز التأثير في الفكر والأدب وغيره على ناشئة الأمة، يستعرض في ذهنه ماذا عندهم من المسلمات؟ ليس عندهم إلا القليل النادر، وأغلب ما يوجد عند الكثيرين ما يزعزع العقيدة ويشكك في هذه المسلمات؛ بسبب ما ذكرته لكم من المؤثرات الوافدة عبر الوسائل التي هجمت علينا من كل حدب وصوب.

نماذج من مسلمات الدين والعقيدة

نماذج من مسلمات الدين والعقيدة موضوع هذه المحاضرة: هو مسلمات في الدين، أو مسلمات في العقيدة. المسلمات: هي أصول الدين وأركانه، والمناهج التي يقوم عليها الدين علماً واعتقاداً وعملاً، وسأذكر طائفة من هذه المسلمات على سبيل التمثيل لا على سبيل الحصر؛ لأن الحديث عن المسلمات يطول، لكني سأعرض ما تيسر له الوقت، ولذلك أحب أن أنبه إلى أني استأذنت الإخوة القائمين على هذا البرنامج جزاهم الله خيراً بأن نجعل الأسئلة بعد صلاة العشاء لمن شاء أن يجلس؛ لأن الموضوع سيستغرق فيما يظهر لي كل الوقت المتاح حتى إقامة الصلاة. والآن لنتحدث عما يتيسر مما هو معلوم بالضرورة من مسلمات الدين، التي لا يسع المسلم أن يجهلها، والتي تدخل تحت الفريضة الواجبة على كل مسلم ومسلمة.

مصادر الدين هي الكتاب والسنة

مصادر الدين هي الكتاب والسنة أول هذه المسلمات: ما يتعلق بمصادر الدين، وأعني بمصادره: الأمور التي يستمد منها الدين، وهذه من أخطر الأمور التي تزعزعت في قلوب كثير من مثقفين ومفكرين في هذا العصر، واتبعوا فيها أهل الأهواء وهم لا يشعرون؛ وذلك لأن مصادر الدين إنما هي القرآن الكريم كلام الله عز وجل، وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير. ويعبر عن ذلك تعبيراً شرعياً بالكتاب والسنة، الكتاب كتاب الله، والسنة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه مصادر الدين وليس غيرها، ولا يجوز لأحد أن يستمد الدين من غير هذين المصدرين. قد يقول قائل: والإجماع؟ نعم، الإجماع مصدر من مصادر الدين، لكنه مصدر غير مستقل، فالإجماع لا يكون إلا إذا استمد من الكتاب والسنة، بل لا يوجد إجماع يعول عليه في العقيدة من مسلمات الدين إلا وهو مستمد من الكتاب والسنة، بل لا يحدث إجماع في الدين إطلاقاً معتبر إلا ويستند على نصوص الكتاب والسنة، والإجماع بعضه يستند على نص أو أكثر، وبعضه يستند على مجموعة نصوص، وبعض الإجماع يستند على قواعد الشرع المستمدة من النصوص. إذاً: الدين لا يستمد أبداً إلا من القرآن والسنة والإجماع المبني على القرآن والسنة، فيجب على كل مسلم أن يسلم قطعاً أنه لا يمكن أن يستمد الدين إلا من الكتاب والسنة.

إكمال الله تعالى للدين

إكمال الله تعالى للدين من المسلمات: أن الدين ما شرعه الله وشرعه رسوله صلى الله عليه وسلم. من المسلمات: أن الله قد أكمل الدين، وهذا الكمال باق إلى قيام الساعة، منذ أن أنزل الله قوله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3]، والدين قد اكتمل بجزئياته وكلياته، ولا يجوز لأحد بعد ذلك أن يحدث شيئاً زاعماً أنه من الدين، لا بزيادة ولا نقص؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ر). وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد). وقال صلى الله عليه وسلم: (كل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة). وهذه المسلمات يندرج بعضها تحت بعض، ولا يمكن أن تتخلف واحدة، وهي متعلقة بمصادر الدين. قد يقول قائل: أليس باب الاجتهاد باق إلى قيام الساعة؟ نقول: نعم، الاجتهاد باق، لكن لا يمكن أن يصح حكم مبني على الاجتهاد إلا وله دليل من الكتاب والسنة، أو مبني على قاعدة استمدت من الكتاب والسنة، وهذه مسلمة لا بد منها، وإلا نكون قد فتحنا باب الأهواء في الدين، وانتقض اعتقادنا بأن الله أكمل الدين، وانتقض اعتقادنا بأن الله ختم النبوة، وانتقض اعتقادنا بأن الوحي قد انقطع، كذلك لو قلنا: إن الناس قد يحتاجون إلى جزئية واحدة من الدين لم يشرعها الله ولا رسوله، أو لا يوجد لها دليل وتحتاج إلى وحي، فهذا لا يمكن أبداً، أما الاجتهاد فلا شك أنه باق، ولا تستقيم الأمور إلا به، سواء مما هو حادث أو مما سيحدث من النوازل والقضايا التي تحتاجها هذه الأمة، سواء في العبادات أو الأمور الأخرى التي تتعلق بمصالح الأمة، كل ذلك لا بد فيه من اجتهاد، في المستجدات وغير المستجدات، لكن يبقى الاجتهاد على أصوله وضوابطه الشرعية؛ لأن الاجتهاد لا يمكن أن يكون إلا من النصوص الشرعية، أو القواعد المستمدة من النصوص. من المسلمات: أن مبنى الدين في قلب مسلم والجماعة والأمة لا يصح إلا بالتسليم لله عز وجل، والتسليم لرسوله صلى الله عليه وسلم، ومعنى التسليم: التصديق والإذعان والخضوع والرضا بحكم الله عز وجل، ثم ما يتبع ذلك من خضوع القلب والجوارح والاعتقاد والعمل. ثم ينبني على التسليم الدخول في الدين، بمعنى أن المسلم إذا سلم بمقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فلا بد أن يكون خاضعاً لدين الله عز وجل، وخاضعاً لكل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

العمل بخبر الآحاد الصحيح في العقائد وغيرها

العمل بخبر الآحاد الصحيح في العقائد وغيرها من المسلمات: أن كل ما جاء في كتاب الله، وكل ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير وجب قبوله، سواء كان من المتواتر أو من الآحاد؛ لأن أهل الأهواء خالفوا أهل السنة والجماعة، وخالفوا طريق الحق باعتقادهم أنه لا يصح اعتقاد شيء لم يثبت بالتواتر، وإذا قلنا بهذا المبدأ نقضنا أكثر الدين، والمقصود أن ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بسند صحيح وجب قبوله في الاعتقاد والعمل؛ لأن الكثير من أمور الدين انبنى على أحاديث الآحاد، حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل أفراد الصحابة يقيمون الحجة على أمم، وقامت الحجة على الفرس وعلى رأسهم كسرى برجل واحد، وقامت الحجة على الروم وعلى رأسهم هرقل برجل واحد، وقامت الحجة على أهل مصر وعلى رأسهم المقوقس برجل واحد، وقامت الحجة على كثير من قبائل العرب والدول المحيطة بالمسلمين بإرسال آحاد الأمة إلى أولئك الملوك والأمم، فقامت عليهم الحجة واستحلت دماؤهم بذلك، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أفراد الصحابة لتبليغ الدين والجهاد وتطبيق الحدود، كما أرسل معاذاً إلى اليمن، وكما فعل الصحابة حينما بلغوا بتحويل القبلة إلى الكعبة فاتجهوا إلى الكعبة بخبر واحد، ثم إن الصحابة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلوا كثيراً من الدين بخبر الواحد من الصحابة، إذا روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً أو فعلاً أو تقريراً أخذوا به، وجعلوه من الدين، وعلى هذا فإن أكثر الدين فيما يتعلق بالأحكام مبني على أخبار الآحاد. فهذه من المسلمات.

العمل بمقتضى الشهادتين

العمل بمقتضى الشهادتين من المسلمات: أن رأس الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فلا يصح إسلام المسلم إلا بهما، ولا يصح إسلام الكافر إذا دخل الإسلام إلا بهما؛ فهي أصل الإسلام، ولا تصح ولا تعتبر الشهادتان إلا بشروطهما، فلو أن إنساناً شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، إذا كان لأول وهلة نقول: دخل في الإسلام، لكن إذا لم يعمل بمقتضى الشهادتين خرج من الإسلام، من لم يعمل بمقتضى الشهادتين بشروطهما خرج من الإسلام، فلنفرض أنه شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، لكن أبى أن يعمل أي عمل من أعمال الإسلام، لا الصلاة ولا غيرها من أركان الإسلام الأخرى، ولا بشيء من أعمال الإسلام، يكون قد ارتد بعد دخوله الإسلام، والمسلم الذي نشأ في بلاد مسلمة أو بين المسلمين ويشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، لكنه معرض عن الدين بالكلية، ولم يقم بشروط لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، خرج من مقتضى الإسلام، ودلائل ذلك نصوص كثيرة لا يتسع الوقت لذكرها، وهي معلومة عند أهل العلم، وينبغي أن تكون من مسلمات الدين؛ ولذلك لما طلب النبي صلى الله عليه وسلم من المشركين أن يعصموا دماءهم وأموالهم بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله أبوا؛ لأنهم يعلمون أن وراءهما عمل وشروط، وإلا فسهل النطق بكلمة لا إله إلا الله، لكن كانوا يعلمون بمقتضى فقههم للعربية، ومقتضى ما هم عليه من الإدراك العام لرسالات الرسل السابقين، والبدهيات التي يعلمها سائر البشر، أنهم إذا شهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله لابد أن يعملوا بمقتضاهما.

قيام الدين على أركان وواجبات وشروط

قيام الدين على أركان وواجبات وشروط من أساسيات الدين ومسلماته: أن الدين لا يقوم إلا على أركان وواجبات وشروط، وأول ذلك ما يتعلق بمراتب الدين الثلاث وما يدخل فيها من أركان: المرتبة الأولى: الإسلام، فلا يصح إسلام المسلم حتى يسلم بأركان الإسلام الخمسة، ويعمل بما يستطيعه منها، يعلمها أولاً ثم يعمل بها ثانياً بحسب استطاعته. المرتبة الثانية: الإيمان، لا يصح إسلام المسلم إلا بأن يؤمن بأركان الإيمان الستة وما يندرج تحتها من الأصول، الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسوله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله عز وجل. هذه الأركان الستة لا تصح وحدها مجردة، لو أن إنساناً آمن بالله، لكنه أنكر أسماء الله وصفاته وأفعاله، وجحد ما يلزم لله عز وجل من التعظيم والتوقير والمحبة، فإنه يكفر وإن أقر بالإيمان بالله، وهو ركن من أركان الإيمان. إذاً: هذه الأركان الستة كالأركان الخمسة في الإسلام لها شروط، لا يصح من المسلم أن يعترف بها مجردة عن شروطها وضوابطها وقواعدها التي فصلت وبينت بالنصوص الشرعية الأخرى، مثال ذلك: لو أن إنساناً آمن بالملائكة وبجميع أركان الإيمان الأخرى، لكنه قال: أنا لا أصدق أن جبريل من الملائكة، بل أرى أنه عدو للبشرية، هل يصح إيمانه؟ المبدأ أقر به، لكن لوازم هذا المبدأ وأركان هذا المبدأ وواجبات هذا المبدأ أخل بها. المرتبة الثالثة: الإحسان، من لوازم الدين الإحسان، وهو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. إذاً: كل ركن من أركان الدين يتفرع عنه أصول وشروط ضرورية تعتبر من المسلمات في الدين، وهذه الشروط تجب على كل مسلم بحسب ما يرد إليه من الخبر، وتعلم هذه الأصول واجب على كل مسلم، بل فريضة، لكن مع ذلك فإن الذي يتعين عليه هو ما يرد إليه من الخبر ويرد إليه بالتعليم، فما تعلمه من أصول الإسلام وجب أن يقر به، وما لم يصل إليه ربما يعذر به، ما لم يكن من الأعمال الضرورية المعلومة من الدين بالضرورة.

اتباع سبيل المؤمنين

اتباع سبيل المؤمنين من المسلمات: أن الدين إنما يتمثل بالسنة وهو حبل الله المتين، وهو الصراط المستقيم، والدين هو سبيل المؤمنين، وسبيل المؤمنين هو طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين من أئمة الهدى، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وهم أهل السنة والجماعة، السلف الصالح، ومن خالف خالف السنة وخرج عن مقتضى الصراط وهو سبيل المؤمنين فهم نوعان: إن خرج بما يقتضي الردة فهو ليس من المسلمين، وإن خرج بما لا يقتضي الردة فهو يخرج من أهل السنة ولا يخرج من مسمى المسلمين، فهذا مما سيأتي الإشارة إليه بعد قليل.

قيام دعوة الرسل على عبادة الله عز وجل واجتناب الطاغوت

قيام دعوة الرسل على عبادة الله عز وجل واجتناب الطاغوت من المسلمات: أن دعوة الرسل جميعاً قامت على أساسين: {أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36]، ويتفرع عن هذين الأصلين سائر أمور العقيدة والتشريع.

عدم قبول دين غير الإسلام

عدم قبول دين غير الإسلام من المسلمات: أن الدين عند الله الإسلام، بحيث لا يقبل الله من البشر غير الإسلام، كما قال عز وجل: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:19]. وقال سبحانه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران:85]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم وغيره: (والله! لا يسمع بي رجل من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار)، والنبي صلى الله عليه وسلم أقسم على ذلك قسماً وخص اليهود والنصارى؛ لأنهم أهل كتاب، فغيرهم من باب أولى، إذا كان اليهودي والنصراني سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمن به دخل النار، وحكم عليه بالكفر الأكبر فغيرهم من أصحاب الديانات الوضعية والوثنية والنفاق والردة من باب أولى، وهذا ينبغي أن تكون من المسلمات، يتفرع عن هذه مسلمة أخرى كثر فيها الكلام في الآونة الأخيرة، وهذا برهان ما أشرت إليه قبل قليل من أن بعض المسلمات ضاعت في بعض الأجيال المتأخرة، خاصة عند بعض المثقفين والمتعلمين الذين لم يتمكنوا من تعلم أصول الدين الضرورية.

حكم تكفير الكفار الأصليين

حكم تكفير الكفار الأصليين من هذه المسلمات: أنه لا بد من الحكم بكفر الكافرين الخلص، وأنهم من أهل النار، فهذا أمر لا ينبغي أن يجادل فيه مسلم، الكافرون الخلص هم اليهود والنصارى وأصحاب جميع الديانات الوضعية والوثنية كل من لم يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويدخل في ذلك المنافقون الخلص، ويدخل في ذلك المرتدون، هؤلاء يدخلون في حكم الكفر الخالص، وأنهم من أهل النار، وهذا الحكم إجمالي لا يتعلق بمعين؛ لأن المعين لا نعلم على أي حال لقي الله عز وجل سواء المسلم أو الكافر، لكن يبقى الحكم على العموم وعلى الظاهر، ونحن لا نعلم إلا بالظاهر، ولذلك فنحن نحكم بالظاهر. فعلى هذا من المسلمات التي لا يجوز الجدال فيها: أن الله حكم بكفر الكافرين الخلص، أما من كان مسلماً فالحكم بكفره يحتاج إلى قواعد أخرى ليس هذا مجال الحديث عنه. إذاً: الأصل في المسلمين الإسلام، والأصل في الكفار الكفر، ولا ينبغي للإنسان أن يجادل في هذه المسلمة إلا بما يحكم به أهل العلم على ضوء قواعد الشرع، والله عز وجل يقول: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا} [البينة:6]، ولم يرد في الكتاب والسنة استثناء أحد من الكفار أبداً، وحكم الله فيهم قاطع أنهم كفار وأنهم من أهل النار، أما مسألة الحكم على المعين فهذه مسألة أخرى تحتاج إلى تفصيل. الإسلام هو دين الله في كل زمان بحسبه، فالإسلام في عهد جميع الأنبياء هو ما جاء به كل نبي، ثم الإسلام بعد بعث النبي صلى الله عليه وسلم هو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا الدين، فليس الإسلام غير ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم بعد مبعثه، وهو هذا الدين المتمثل بالكتاب والسنة، فمن ابتغى غيره من الديانات فقد كفر وارتد، ومن هنا ندرك خطورة مسلك بعض الذين يدّعون الإسلام ويدْعون إلى الجمع بين الديانات الكتابية، وهي ما تسمى بالديانات الإبراهيمية، هذه كفر وضلال مبين، فإن الله عز وجل حكم بكفر اليهود والنصارى ونسخ دينهم المبدل، وأمرهم وجوباً وحتماً بأن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم فكفروا به، فلا يجوز للمسلمين أن يعدوهم من أهل الديانات الصحيحة أبداً، وعلى هذا فإن دعوى صحة الديانات السابقة، أو أنها ممكن أن تجتمع على أصول أو نحو ذلك كله من الباطل؛ لأن الله عز وجل أغنى المسلمين بالحق عن أن يحتاجوا إلى الديانات الباطلة المنسوخة، وأصول الإسلام لا تتوافق مع ما عند أهل الكتاب، فالإسلام فيه غنى عما عندهم، فيجب عليهم هم أن يرجعوا إلى الإسلام، لا أن يعود المسلمون إليهم أو يتقربوا إليهم بأي أصل من الأصول، فإن ذلك من الكفر والضلال المبين.

عدم عصمة أحد غير النبي صلى الله عليه وسلم

عدم عصمة أحد غير النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمات: أنه لا عصمة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ليس من الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم من هو معصوم، يؤخذ قوله بلا عرض على الكتاب والسنة، بل كل أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم قد يقع في الخطأ والزلة، حتى العلماء الكبار قد يقعون في بعض الزلات؛ ليسوا معصومين، لكن العبرة بجملتهم وبمنهجهم العام لا بما قد يقع من الأفراد.

عدم اجتماع الأمة على ضلالة

عدم اجتماع الأمة على ضلالة يقترن بهذه المسلمة مسلمة أخرى وهي: أنه لا تجتمع الأمة على ضلالة، ومعنى ذلك أنه لا يمكن في يوم من الأيام أن تتفق الأمة على جحد شيء من الدين، أو زيادة شيء في الدين، أو نقص شيء من الدين، أو تشريع ما لم يشرعه الله، أو الإجماع على بدعة، أو ترك سنة، لا يمكن هذا أبداً؛ لأن الله عز وجل تكفل بحفظ الدين، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه لا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم، ولو افترض أن يخفى الحق أو تخفى السنة أو تعم البدعة لضاع الدين بذلك، ووقع عليه اللبس والشك، وهذا لا يمكن أبداً، ولاحتاج الناس إلى النبوة وإلى الوحي، وهذا لا يمكن أبداً.

الأصل التوحيد والفطرة لا الشرك والضلال

الأصل التوحيد والفطرة لا الشرك والضلال من المسلمات: أن الأصل التوحيد والفطرة، وأن الشرك والضلال أمور تطرأ على البشر، سواء من ناحية تاريخية لعامة البشرية أو من ناحية خلقية، فمن الناحية التاريخية: أن الله عز وجل جعل آدم على الفطرة وعلى الدين القويم، بل كان نبياً وكذلك كان أبناؤه الأولون على الفطرة وعلى الدين القويم، وإن حدثت منهم أخطاء، ولم يكن الشرك إلا بعد أحقاب طويلة بعد آدم عليه السلام، وكذلك (الأصل) في الأفراد الفطرة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ما من مولود إلا ويولد على الفطرة)، وفي بعض الألفاظ: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، لكن هذه الفطرة إجمالية ليست تفصيلية، لا يفطر أحد على معرفة تفاصيل الدين، لكن يفطر على قبول الحق والهدى والفضيلة والخلق القويم، ثم بعد ذلك التربية إما أن تنشئه على العمل الصالح والعقيدة السليمة، وإما أن تنشئه على غير ذلك كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح. وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه أنه قال: (خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين).

ضرورة فهم العقيدة والدين بمقتضى النصوص الشرعية وفق منهج الاستدلال

ضرورة فهم العقيدة والدين بمقتضى النصوص الشرعية وفق منهج الاستدلال من المسلمات: أن فهم العقيدة وسائر أمور الدين لا يمكن أن يكون إلا على مقتضى النصوص الشرعية، وعلى منهج الاستدلال الصحيح، لكن ليس لكل أحد أن يتناول نصوص الشرع ثم يقول أنا أفهم معناها ومقتضاها، لا؛ لأن الدين يقوم على الاتباع والاهتداء والاقتداء، ويقوم على الأصول والضوابط والشروط التي جاءت في الاجتهاد، ففهم الدين إنما يقوم على منهج كسائر العلوم الأخرى، بل هو أولى؛ لأن الخوض في الدين بغير علم وعلى غير أساس من المنهج السليم هو القول على الله بغير علم، فلا بد أن تفهم العقيدة وسائر أمور الدين على منهج شرعي وفق استدلال السلف، وأعني بذلك أن فهم الدين على نوعين: الأول: فطري وبديهي، الثاني: يحتاج إلى استنتاج من الكتاب والسنة على ضوء قواعد الاجتهاد، وهذا ليس لكل أحد أن يجتهد في الدين بمجرد رأيه وبمجرد مزاجه، فلا بد أن تتوافر فيه شروط الاجتهاد؛ لأن الله عز وجل قال: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43]. وقال سبحانه في الذين تنازعوا في الدين: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:83]، وهم العلماء، ولذلك نوه الله عز وجل عن الراسخين، وأنهم هم الذين يعلمون ما أشكل من كثير مما ورد في نصوص الكتاب والسنة، ولأن الله عز وجل أخبرنا بطائفة من أهل الزيغ الضلال يتبعون ما تشابه من نصوص الشرع، كما قال سبحانه: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران:7]. بالوقف على لفظ الجلالة، وفي قراءة أخرى صحيحة بالوصل: ((وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)). إذاً: هناك جزء كبير من أمور الدين ليس لكل أحد أن يتناوله ما لم تتوافر فيه الشروط والضوابط الشرعية باجتهاد. من هنا أحب أن أنبه على ظاهرة مزعجة وخطيرة على الأمة، وهي أن كثيراً من الناس تجرءوا على القول على الله بغير علم، وعلى القول في الدين بلا دليل، أو يأخذون الدليل على غير معرفة بمنهج الاستدلال، فتناولوا قضايا العقيدة والأحكام بمجرد أمزجتهم وأهوائهم، فهم بمجرد أن يعرفوا النصوص ويتصفحوها خاضوا فيها بغير علم، وهذا لا شك أنه خطأ عظيم وباب فتنة، ومن هنا ندرك أيضاً مدى لعب الشيطان بهذا الصنف من الناس، وهم أكثرية اليوم، وندرك هذه الظاهرة من خلال ما نلاحظه في مجالس الناس اليوم، لا توضع قضية من قضايا الدين إلا وتجد أجهل الحاضرين هو أجرؤهم على القول، وهذا أمر خطير جداً؛ لأنه قول على الله بغير علم، وهو من أعظم الذنوب ومن كبائرها. فمن هنا يحسن أن نتنبه وننبه على هذه القضية؛ لأن الجرأة على القول في دين الله بغير علم من أخطر الأمور، واستهان الناس بالعلماء، ولم يرجعوا إلى أهل الاختصاص من أهل العلم. يقول بعضهم مقولة في الحقيقة تدل على الجهل المركب، يقول: إننا إذا حجرنا الدين على العلماء هذه كهنوتية كما هي عند النصارى وغيرهم، نقول: هذا لا شك أنه جهل مركب، ولا شك أن الدين هو دين الله عز وجل، وأمر الله جميع البشر بأن يلتزموا به، لكن الدين أعلى وأجل وأهل أن يصان وأن يحترم، ولابد له من مناهج للاستدلال وشروط وضوابط لا تتوافر لكل واحد، وهذا إذا كان في كل علم من العلوم فكيف بما يتعلق بعلوم الشرع؟! أقول: إننا ندرك جميعاً الآن أنه لا يجوز لأحد أن يتكلم في الطب إلا إذا كان متخصصاً، ولا في الهندسة إلا إذا كان متخصص، ولا في غيرها من العلوم الأخرى إلا إذا كان متخصصاً، مع أنهم يعملون للدنيا، ولو تكلم أحد في هذه العلوم من غير أهل التخصص لعابه الناس، بل تجد أكثر الناس إذا أراد أن يتكلم بمجرد رأيه في هذه العلوم، تجده يحترز من أن يتكلم عند المتخصصين؛ يخشى أن يعاب، ومع ذلك الجرأة على الدين وعلى العلوم الشرعية كثرت، مع أنها أولى أن تحترم، وأن يرجع فيها إلى أهل الاختصاص، فليس في الدين كهنوتية، لكن الدين علم من العلوم التي ينبغي أن تؤخذ على أصولها ومناهجها وقواعدها وشروطها، وإلا لماذا أرشدنا الله عز وجل إلى سؤال أهل الذكر، وإلى الرجوع إلى الراسخين، وإلى احترام العلماء، والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن العلماء هم ورثة الأنبياء، وأخبر بأن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، إنما ورثوا العلم، وهو الدين. فعلى هذا لا يجوز لأحد أن يتناول أمور الدين دون أن يستوفي الشروط، وإلا فقد قال على الله بغير علم، وافترى على الله الكذب. إذاً: هذه ينبغي أن تكون من المسلمات.

وجوب التزام السنة والجماعة وعدم التفرق في الدين

وجوب التزام السنة والجماعة وعدم التفرق في الدين من المسلمات في الدين: أنه لا يجوز التفرق في الدين، ويجب التزام السنة والجماعة، كما أمر الله عز وجل: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103]. والافتراق واقع في هذه الأمة، فحين نهانا الله عن التفرق في الدين، فقد أخبرنا أن التفرق سيكون، كما قال سبحانه عن الأمم: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود:118 - 119]، فالافتراق واقع لا شك، لكن لا يعني ذلك أن جميع الأمة ستقع في الافتراق، بل لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عن الافتراق أخبر أن طائفة تبقى على الحق ظاهرين وهم الجماعة وهم أهل السنة، ولما سأله الصحابة عن هؤلاء: من هم؟ قال: من كان على ما أنا عليه اليوم وأصحابي، وبهذا نعرف تميز أهل السنة والجماعة بهذا الوصف. إذاً: الافتراق واقع في طوائف من المسلمين، وقد يكون في الأكثرية؛ لأن الإسلام قد يكون في غربة أحياناً، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الدين سيعود غريباً كما بدأ غريباً، والغربة نسبية قد تكون في زمن دون زمن، وفي مكان دون مكان، لكن لا يمكن أن ينمحي الدين بالكلية أبداً، لا بد أن يبقى أهل السنة وأهل الحق وهم الطائفة المنصورة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، لا بد أن يبقوا إلى قيام الساعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من عاداهم حتى تقوم الساعة)، وهم الذين يقاتلون الدجال ويقاتلون مع المهدي ومع عيسى عليه السلام، وبعد أن تقبض أرواحهم لا يبقى بعدهم إلا شرار الخلق مدة يسير ثم تنتهي الدنيا وتقوم الساعة. إذاً: الحق باق بمن تقوم به الحجة على الخلق، وهم أهل السنة والجماعة إلى قيام الساعة، لكن مع ذلك تقع طوائف الأمة في صراع، دليل ذلك قوله عز وجل: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} [هود:118 - 119]. وما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع) وفي بعض الروايات: (حذو القذة بالقذة). وضرب النبي صلى الله عليه وسلم لذلك مثلاً قال: (حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم) يعني: طوائف من الأمة، وليس كلهم. ومن يبقى على الحق هم أهل الحق، هم الذين على السنة، ولذلك سموا أهل السنة، وهم الجماعة المعتصمون بحبل الله، ولذلك سموا الجماعة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر الأهوال والفتن، قال: (عليكم بسنتني وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ) وقال: (عليكم بالجماعة؛ فإن يد الله مع الجماعة) إلى آخره من النصوص التي تدل قطعاً أن من المسلمات الضرورية أن الجماعة لا بد أن تبقى وإن قلّت، ولا بد أن تظهر السنة وإن قل أهلها، وهؤلاء هم الذين على منهج السلف الصالح، وهم الطائفة التي وصفها النبي صلى الله عليه وسلم أنها على البيضاء، التي ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، وهي السنة. إذاً: من المسلمات أن الافتراق واقع وهو خبر الله وخبر الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا يكذب، ووقوعه حق وصدق، فلا بد من التسليم بذلك، لكن الشأن في أن على كل مسلم أن يحفظ نفسه من الوقوع في الأهواء ويحذرها، وإلا فالشرور والأهوال والبدع والافتراق لا بد أن تحدث إلى قيام الساعة وتتجدد أيضاً، لكن ينبغي أن يعلم أن المفارقين للسنة والجماعة على صنفين: الصنف الأول: الذين يخرجون من الملة، نسأل الله العافية، فهؤلاء لا يعدون من فرق المسلمين الثنتين والسبعين فرقة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة) وهذه الواحدة هي أهل السنة والجماعة، لكن الفرق التي تفارق الجماعة إلى أمر يخرجها من الملة ليست من الفرق الثنتين والسبعين المتوعدة الهالكة، ومن هؤلاء الذين يخرجون من الملة: غلاة الجهمية، الرافضة الباطنية، الفلاسفة، أهل الردة، المنافقون الخلص ونحو هؤلاء، هؤلاء لا يعدون -وإن انتسبوا للإسلام- من فرق المسلمين، لكن الذين خالفوا السنة بالبدع والأهواء والافتراق، ولم يقعوا فيما يخرج من الملة، وهم الأكثرية من فرق المسلمين الثنتين والسبعين، هؤلاء من المسلمين، لكنهم ضلوا، يسمون: أهل الأهواء، ويسمون أهل البدع، ويسمون: أهل الافتراق، ويسمون: أهل الوعيد، وأعمالهم وأفعالهم هي من كبائر الذنوب، ويخشى على الواحد منهم إذا ما تاب أن يدخل النار إذا لم يتغمده الله برحمته. أقول: إن الفرق الثنتين والسبعين مثل: فرق الخوارج، والمرجئة، وبعض فرق القدرية، وأكثر المعتزلة، وأهل الكلام، ومتكلمة الأشاعرة، والماتريدية، وأكثر الفرق التي تعد من فرق المسلمين لا تخرج من الدين، وإنما تعد من الفر

التباس طريق السنة مع وضوحه على كثير من الناس

التباس طريق السنة مع وضوحه على كثير من الناس من المسلمات: أن طريق السنة مع وضوحه ومع جلائه، ومع أنه هو مقتضى الوحي الذي أنزله الله فسماه النبي صلى الله عليه وسلم: الصراط المستقيم، وسماه الله عز وجل: حبل الله، فرغم وضوح السنة ورغم وضوح الدين ونهج السلف الصالح، إلا أنه من المسلمات قد يلتبس على بعض المسلمين وعلى أهل الأهواء والابتداع والافتراق وعلى الأفهام طريق السنة وإن كان واضحاً؛ وذلك أن الهداية هي لله عز وجل، فلا أحد من الناس ينفعه ذكاؤه ولا مقدرته ولا مواهبه مهما قويت ولا علمه إذا لم يوفقه الله للسنة والحق. فعلى هذا نتأمل هذه المسألة تأمل اعتبار وعظة وعبرة، وندرك مدى وصية النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه: (يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك)، وأن يسأل المسلم ربه العافية دائماً، وأن يعتصم بالله ويدعوه بأن يوفقه ويثبته؛ لأن أي بشر مهما توافرت عنده المواهب والقدرات إذا لم يوفقه الله عز وجل فإنه قد ينتكس عن السنة وتخفى عليه، وقد يظن الباطل أنه الحق، ولذلك أشير إلى ظاهرة في الآونة الأخيرة: ظاهرة الخروج عن السنة من قبل بعض المتعالمين والمغرورين من المثقفين وغيرهم، تجد كثرة سؤال الشباب عن هذه الظاهرة: نحن نعرف أن فلاناً قد درس دراسات شرعية، أو أنه تخرج من جامعة شرعية، أو أنه مثلاً عرف بأنه متعلم وقرأ كتباً إسلامية، ودرس على المشايخ، كيف تخفى عليه هذه الحقيقة؟ أقول: نعم، تخفى عليه؛ لأن الله عز وجل ما أراد له التوفيق، فلا يمكن أن يضل مثل هؤلاء إلا عن دفينة في قلوبهم، والله أعلم بما في القلوب؛ لأن من يتق الله يجعل له مخرجاً، لكن هؤلاء لا بد أن يكون عندهم خلل فعميت بصائرهم عن الحق نسأل الله العافية. لذلك يجب على المسلم إذا ادلهمت الفتن والصوارف عن الحق والسنة أن يكثر من دعاء الله عز وجل بأن يحميه ويوفقه ويسدده، ويثبت قلبه على الحق والهدى، وأن يلتزم أهل الحق ولا يزيغ مع أهل الباطل.

عدم اختلاف أهل السنة والجماعة في أصل من أصول الدين

عدم اختلاف أهل السنة والجماعة في أصل من أصول الدين من البديهيات ومن المسلمات: أن أهل السنة والجماعة الذين يتمثل فيهم سبيل المؤمنين، والذين هم على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته إلى قيام الساعة، أنهم لا يختلفون في أصل من أصول الدين أبداً، وليس عندهم خلاف في قضايا العقيدة إطلاقاً، وهذه مسلمة أتحدى من يأتي بخلافها، لكن قد توجد بعض المسائل ملحقة بأصول العقيدة، وهي ليست من الأصول يختلف عليها السلف، تذكر من الناحية العلمية فقط، مثلاً: السلف لا يشكون أبداً بوقوع الرؤية العينية من قبل المؤمنين لربهم في الجنة، نسأل الله أن يمتعنا بذلك جميعاً، ولكن مع ذلك اختلفوا في الرؤية العامة في يوم المحشر مع أنها ثابتة قطعاً، لكن اختلفوا هل هي بالعين أم بالقلب؟ بينما رؤية المؤمنين لربهم في الجنة ثابتة بالعين لا شك في ذلك، وليس عند السلف اختلاف في ذلك، لكن هناك خلاف في نوع الرؤية العامة لا في أصلها. أيضاً السلف ألحقوا كثيراً من المسائل بأصول العقيدة، واختلفوا في هذه الملحقات الفرعية لهذه الأصول، ولذلك هذه ميزة يدركها من بصره الله ووفقه للحق: أن أهل السنة بحمد الله إلى يومنا هذا وإلى أن تقوم الساعة لا يختلفون في أصل من أصول الدين إطلاقاً، وليس عندهم أصل من الأصول ليس عليه دليل، ومن هنا أحب أن أشير إلى الذين لبسوا على كثير من شبابنا الآن ممن لم يوفقهم الله للهدى وانصرفت قلوبهم عن الحق، هؤلاء زعموا أن كثيراً من أصول الدين عند السلف مختلف عليها، وكذبوا والله وليس عندهم على ذلك دليل، وزعموا أن أصول الدين ليست كلها من الكتاب والسنة، إنما هي تراكمات تاريخية -بزعمهم- صنعها السلف وردود أفعال، وزعمهم أن أصول السلف وأهل السنة والجماعة كانت نتيجة صنع السياسة، في عهد بني أمية وبني العباس، وأما السلف ما هم إلا رجال خضعوا للسلاطين فقرروا من الدين ما يهواه السلاطين، وبدعوا من يخالف السلاطين، وحكموا بقتل من لا يرضاه السلاطين، وزعموا -قاتلهم الله أنى يؤفكون- أن السلف ما قاموا ضد الجهمية إلا استجابة لرغبة بني أمية، وما قاموا ضد المعتزلة إلا استجابة لرغبة الحكام، وما حكموا بقتل الجعد بن درهم إلا استجابة لسلاطين بني أمية، وما حكموا بقتل الجهم إلا استجابة لطلب بني أمية، وهذا القول قاله أسلافهم من ماضي القرون، والعجيب أن ينطلي هذا على أناس ينتسبون للعلم الديني من أبناء أهل السنة والجماعة، ويقع في نفوسهم أن العقيدة ردود أفعال. وهؤلاء الملبسون هم الذين قال الله فيهم: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران:7] أي: من القرآن والسنة والدين، {ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران:7]، ولذلك عمت الفتنة بهذه المقالات بعض شبابنا الآن، وصدقوا هؤلاء وزعزعوا عقائدهم، وجعلوهم يتساءلون التساؤل الذي يدل على الشك في البدهيات. إذاً: أهل السنة لا يختلفون في أصل من أصول الدين، لكن مع ذلك قد يكون من بعض أفراد أهل السنة حتى من العلماء من تكون له أقوال شاذة، لكن ليست محسوبة على العقيدة، قد تكون منهم مواقف شاذة من أفرادهم لا من جملتهم، أما في الجملة فهم معصومون؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تجتمع أمتي على ضلالة)، لكن أفرادهم ليسوا بمعصومين، فقد يقع إمام من أهل السنة في زلة في عقيدة أو في قول أو في موقف أو في خلق أو في تعامل مع الآخرين، فالدين بريء من هذه الزلات، والسنة بريئة منها، لذلك لا نجد أصلاً من أصول السنة إلا وهو متفق عليها، وما لم يتفق عليه فليس بأصل، وما ليس له دليل من الكتاب والسنة فليس بأصل، وما أثاره أولئك الملبسون الذين أشرت إليهم من أن أهل السنة يستدلون بالضعيف والمرجوح، هذه مهزلة، لا يجب أن تنطلي على أحد، فهم خلطوا بين الاستدلال وبين وجود الأحاديث الضعيفة والموضوعة في بعض كتب أهل السنة، نعم، قد توجد في كتب أهل السنة أحاديث ضعيفة، لكن ليست أدلة، إنما جاءت عند بعض السلف الذين ظنوا أنها صحيحة، أو عرفوا أنها ضعيفة، لكن جاءوا بها للاعتضاد، مثلما تجيش جيوشاً من القواد المدربين ومن عامة الناس غير المدربين، فالأصل والعمدة هم أولئك المدربون القواد، فهم الذين يعتمد عليهم بعد الله عز وجل في القيادة، فكذلك النصوص الشرعية لا يؤخذ منها في الدين إلا ما كان صحيحاً، وما لم يصح قد يستدل به بعض الأئمة من باب الاعتضاد لا من باب الاعتماد، فليس عند أهل السنة ولا أقرانهم استدلال على أصل من أصول الدين القطعية بدليل ضعيف، لكن يستدلون بالآية وبالحديث الصحيح، ثم قد يأتون بأدلة ضعيفة من باب الاعتضاد؛ لأنها محتملة الصحة، كذلك من الأحاديث الموضوعة بعض الأئمة قد يرى صحته فيرويه، وغيره يرى أنه موضوع، فقد نحكم على هذا الحديث بأنه موضوع، ومن يرويه يرى أنه ضعيف. أقول: وقع من بعض المسلمين من يزعم أن أهل السنة يستدلون بهذه الأحاديث الضعيفة، وأنه وجدت في كتبهم الأحاديث الضعيفة، نقول

لا يصح إيمان المسلم حتى يستقر الإيمان في قلبه

لا يصح إيمان المسلم حتى يستقر الإيمان في قلبه من المسلمات: أنه لا يصح إيمان المسلم حتى يستقر في قلبه الإيمان، الإيمان بالله عز وجل ومحبته ورجاؤه وخوفه، بأن يحب الله ويحب ما يحبه ويبغض ما يبغضه؛ لأن الله حكم بأن من لم يفعل ذلك فليس بمسلم ولا مؤمن، والله عز وجل فرق بين الهدى والضلال، وبين الحق والباطل، وبين الفضيلة والرذيلة، وبين الإيمان والكفر، وأنكر أشد الإنكار على من لم يفرق، كما قال سبحانه: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم:35 - 36]. وقال سبحانه: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ} [السجدة:18]. ولذلك ينبغي أن تكون أعمال المسلم، أي: أعمال الجوارح ظاهرة في تعامله مع الأشخاص، فإن التمييز بين الحق والباطل، والهدى والضلال، وبين الفضيلة والرذيلة من ضروريات الدين وإن كانت تتفاوت، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه) وقد ورد في بعض الألفاظ: (وذلك أضعف الإيمان). بمعنى أنه من لم ينكر في قلبه المنكر ليس عنده إيمان قط، ومن لم يكن عنده أدنى ذرة من الإنكار للمنكر فليس بمؤمن، فقد نفى الله عز وجل الإيمان عمن في قلبه مودة لمن حاد الله ورسوله، قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة:22]، هذا يدل على نفي الإيمان في قلب من لم يعمل بمبدأ الولاء والبراء مطلقاً، وإلا فإن الولاء والبراء قد يضعف في قلب المسلم بقدر قوة إيمانه أو ضعفه، لكن أن ينعدم الولاء والبراء فقد نفى الله الإيمان عن هذا الصنف.

الرضا بحكم الله عز وجل وقدره

الرضا بحكم الله عز وجل وقدره من المسلمات: أنه لا يصح الدين والإسلام إلا بالرضا بحكم الله عز وجل وقدره، حكم الله الذي هو شرعه، ولا يصح الإسلام إلا بالحكم والتحاكم إلى شرع الله عز وجل، ولذلك نفى الله عز وجل الإيمان عمن لم يفعل ذلك، قال سبحانه: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65]. وقال سبحانه: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} [المائدة:50]، فالمسلم الذي ليس في قلبه الرضا بحكم الله والتسليم له أو ادعى الإسلام وليس كذلك فليس بمسلم، أما مخالفة التسليم بحكم الله عز وجل من حيث العمل الظاهر، فهذه لها قواعدها، قد تكون كفراً أكبر إذا كانت إعراضاً عن الدين بالكلية، أو تشريعاً بغير ما شرع الله عز وجل، أو مضاهاة لشرع الله، أو عدم الرضا بشرع الله ونحو ذلك، هذه أمور يعرفها أهل العلم بقواعدها، لكن المسلمات في الدين أنه لا يصح إيمان المسلم إلا بالرضا والتسليم بشرع الله حكماً وتحاكماً وخبراً، ومن لم يفعل ذلك فإنه ليس بمسلم، أما المخالفة في الأعمال فهذه تكون في بعضها معصية وفي بعضها كفر إلى غير ذلك. ذكرنا في المسلمة الأولى: أنه يجب التزام السنة والجماعة، فهنا نقول: إن المخالف لأهل السنة والجماعة في أصل من أصول السنة لا يستحق أن يكون من أهل السنة والجماعة، ما لم يكن هذا المخالف عالماً زل في مخالفة أصل من الأصول وليس في مخالفة منهج أهل السنة والجماعة، كما عليه جميع أهل الأهواء وغيرهم من الفرق فهؤلاء يخرجون من السنة، لكن المخالفة في أصل عن اجتهاد من عالم راسخ فهذه زلة من عالم لا يتبع عليها، ولا تخرجه هذه المخالفة من السنة، وهذه لا تكون إلا للعلماء؛ لأنه لا يتصور من العلماء الراسخين تعمد ترك السنن، أما الجهلة الذين لا يرعوون للنص ولا يتبعون الدليل، ولا يخضعون لقول الحق، فهؤلاء يخرجون عن السنة بمخالفة أصل أو أكثر من أصول السنة. من المسلمات: أن الجهاد فرض كفاية على الأمة، إذا قام به البعض سقط عن الآخرين، وأنه قائم إلى قيام الساعة.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من المسلمات: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأصول والمسلمات الضرورية التي أوجبها الله عز وجل على جميع طوائف الأمة على الولاة وعلى العلماء، ثم على كل من الهيئات والمؤسسات وغيرها كل بحسبه، ثم على الأفراد، والدليل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على جميع الأمة بمجموع أفرادها، قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من رأى) وهذا يدل على الأفراد والجماعات: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه) لكن كما هو في جميع أصول الدين أن للتغيير شروطاً وضوابط وقواعد لا بد منها. كذلك من الأدلة: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)، هذا يدخل فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك. أقول هذا؛ لأن بعض المتحذلقين خاصة من الذين لم يفقهوا الدين من المتعلمين والمثقفين وغيرهم يعتبرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ممارسات من بعض أهل الغيرة تتعلق بهوايات لهم، أو ممارسات شخصية أو اجتهادات فردية، أو أنهم احتسبوا هذا الأمر من عند أنفسهم، فلا شك أن هذا إخلال بأصل الدين، فإن الله عز وجل وصف الأمة بأنها خير أمة، قال سبحانه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [آل عمران:110]. وقال تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:104]. فإذاً: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل وليس مجرد اجتهادات فردية، أو إرضاء لطائفة من الناس، أو مجرد إجراء رسمي تفرضه الدولة، إنما هو واجب على الجميع كل بحسب استطاعته، والإخلال به إخلال بأصل من أصول الدين.

التزام جماعة السنة والسمع والطاعة لولاة الأمر المؤمنين بالمعروف

التزام جماعة السنة والسمع والطاعة لولاة الأمر المؤمنين بالمعروف من المسلمات: التزام جماعة السنة، يتبع ذلك كما هو في نصوص القرآن والسنة أيضاً أن من المسلمات السمع والطاعة لولاة الأمر من المؤمنين بالمعروف، كما جاءت في ذلك النصوص المتكاثرة، وما عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين إلى يومنا هذا، وأيضاً الصبر على الظلم والأثرة والجور، لا يجوز الخروج على الإمام المسلم إلا بشروط وضوابط، كأن يكون هناك ترك الصلاة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا، ما أقام فيكم الصلاة) أو كفر عند أهل العلم عليه من الله برهان، فهذه الأمور تعرف بشروطها عند أهل العلم، وإلا فمن المسلمات على كل مسلم: السمع والطاعة لولي الأمر بالمعروف، وعدم جواز الخروج، ووجوب الصبر على ما يحدث من الولاة من الظلم والأثرة، وهذا مقتضى وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، واتفق عليها سلف الأمة وخلفها، كما قال سبحانه: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59].

ضرورة التزام أصول الدين التي عليها أهل السنة والجماعة

ضرورة التزام أصول الدين التي عليها أهل السنة والجماعة من المسلمات: أن أصول الدين التي عليها أهل السنة والجماعة والسلف الصالح هي التي تمثل الدين الحق، وهي التي أمر الله سبحانه ونبيه صلى الله عليه وسلم بالتزامها، وأن أهل السنة والجماعة هم الذين سلموا من الافتراق والوقوع في البدع، وهم الذين بقوا على البيضاء وعلى الصراط المستقيم، وهم المؤمنون الذين توعد الله عز وجل من خالف سبيلهم بقوله: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:115]، ولذلك فإن هذا النهج الذي عليه السلف الصالح هو الذي تقوم به الحجة، وهو الذي عليه أئمة الهدى، والعلماء المصلحون الراسخون هم مرجع الأمة، وهم أهل الذكر إلى قيام الساعة، فيتمثل فيهم المنهج الحق الذي هو الأسلم والأعلم والأحكم، وخلاف عقيدة أهل السنة والجماعة ناتج عن هوى أو جهل أو غلو، فالطعن في سبيل السلف الصالح وأصولهم ومنهجهم وأشخاصهم في الجملة من لمزهم بغير حق كل ذلك إنما هو من منهج أهل الأهواء والبدع، وهذا الطعن يرجع إلى الدين نفسه، كما سيأتي في الكلام عن حقوق الصحابة رضي الله عنهم.

براءة السلف الصالح من الأهواء والبدع

براءة السلف الصالح من الأهواء والبدع من المسلمات: براءة السلف الصالح وأهل السنة والجماعة إلى يومنا هذا مما وقع فيه أهل الأهواء، خوارج، روافض، قدرية، مرجئة، معطلة، جبرية، معتزلة، جهمية، وسائر العقديات الجاهلية، والحزبيات والشعارات، والصوفية، وأهل الكلام، فأهل السلف السنة بريئون من هذه المناهج، ومن وقع فيها ممن ينتسبون للسنة فهو خطأ لا نقر به، يخطأ به صاحبه، وإن كان هذا الخطأ من عالم فهو زلة، وإن كان من غير عالم فهو بدعة. إذاً: منهج أهل السنة والجماعة أمر الله بالاستمساك به، وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم بالاستمساك به، وهو سنته سنة الخلفاء الراشدين، وهو الجماعة التي أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بلزومها.

محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأصول الضرورية والمسلمات: محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمحبتهم دين وإيمان، وبغضهم كفر ونفاق، وأصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وآل بيته لهم حق خاص من المحبة والولاء، والعشرة المبشرون بالجنة لهم حق خاص. إذاً: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفاوتون بأفرادهم ومجموعاتهم، لكنهم في الجملة هم خير أصحاب نبي من الأنبياء، وهم خير الناس بعد النبيين، وهم أصحاب أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم، وقد رضي الله عنهم، ورضي عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم ونهى عن سبهم أو سب أحد منهم، وهم نقلة الدين، فالطعن فيهم طعن الدين نفسه ولا شك، ثم إن الطعن فيهم طعن في وهو النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر معلوم عند الناس بالضرورة، فإنك إذا طعنت في أصحاب شخص من الأشخاص أياً كان، فإن ذلك لا بد أن يرجع إلى الإساءة إليه، فالطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجع بالإساءة إليه، والطعن في إحدى أو في بعض أو في كل زوجات النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو طعن في عرضه صلى الله عليه وسلم؛ لأنهن فراشه، ولا أقرب إلى الإنسان من زوجته، فمن طعن في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقد طعن في شخصه. هذه من المسلمات ومعلومة ليست فقط في الدين، بل معلومة في بدائه العقول. من ذلك خطأ وشذوذ هذه الطائفة الزائغة الباطلة التي تطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذلك الطعن فيمن سلك سبيل النبي صلى الله عليه وسلم أو سبيل الصحابة من العلماء المهتدين وأئمة الدين، من الأولين والآخرين، فكل من طعن في إمام من أئمة الدين أو في عالم من العلماء فقد استهدف الطعن في الدين والطعن في الأمة، ما لم يكن ذلك على سبيل بيان الخطأ الذي يقع فيه البشر، لكن الطعن الذي يرجع إلى الدين أو يرجع إلى المنهج أو يرجع إلى قواعد السلف حتى وإن وجه إلى الأشخاص، فإنه يكون طعناً في الدين نفسه إذا قصد به صاحبه الطعن في المنهج.

تميز منهج أهل السنة عن سائر المناهج الضالة

تميز منهج أهل السنة عن سائر المناهج الضالة من المسلمات المعروفة في منهج أهل السنة والجماعة قديماً وحديثاً: تميز منهج أهل السنة عن جميع المناهج الضالة، فسلموا من الغلو والتعصب، كما سلموا أيضاً من الإعراض عن الدين، هذا في جملتهم، وإلا فإن بعض الأفراد المنتسبين للسنة يكون منهم العاصي والفاسد والمقصر والمعرض، لكن هذا لا يرجع إلى المنهج ولا يرجع إلى الدين نفسه، إنما يرجع إلى سلوك الأفراد، كما ذكرت سابقاً قد يخطئ عالم منتسب للسنة، فهذا الخطأ لا يرجع إلى المنهج والدين والمسلمات، وإنما يرجع إلى تصرف هذا العالم أو لاجتهاده أو زلة أو خطأ، فالمنهج والمسلمات وعقيدة السلف سالمة منه، والأشخاص في الجملة هم أهل الاتباع والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ وهم من وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بأنهم على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعون له بإحسان.

براءة أهل السنة والجماعة مما وصفهم به خصومهم

براءة أهل السنة والجماعة مما وصفهم به خصومهم من المسلمات: أن أهل السنة والجماعة بريئون مما وصفهم به خصومهم من كل الألقاب التي عيروهم بها قديماً وحديثاً، فقد وصفوهم بأنهم نواصب وهذا من الافتراء، ووصفوهم بأنهم مرجئة وهذا من الافتراء، ووصفوهم بأنهم أهل غفلة ودروشة وهذا لا شك أنه من أعظم الافتراء؛ لأنه لا يعقل أن يكون الملتزم بالدين من الدراويش؛ فوصفهم خصوهم بذلك لأنهم يتورعون عن المراء والجدل، ويتورعون عن الدخول في المشتبهات، ويتورعون عن مخالطة أهل الأهواء والفرقة، ويتورعون عن الدخول في مداخل السوء ومواطن الريبة، فوصفهم خصومهم بالغفلة وبالسذاجة بسبب ذلك، وإلا فالصحابة رضي الله عنهم والتابعون وأئمة الدين هم أصحاب مواقف تحتاج إلى علم راسخ وذكاء وقاد وعندهم مواهب فاقوا غيرهم من أولئك المغرورين المتعالمين من أهل الأهواء والبدع، وكلنا يعرف ما قام به أولئك السلف في الرد على الخصوم، بمواقفهم المشهودة نصر الله الحق، كل ذلك ناتج عن ذكاء ومواهب عالية خص الله بها أهل العلم من الصحابة وغيرهم. فـ ابن عباس لما ناقش الخوارج حاجهم بمحاجة شرعية وعقلية يندر أن يوجد مثلها في التاريخ، وكذلك علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكذلك عبد الله بن عمر وغيره واجهوا القدرية بالحجة، كذلك الأئمة الأربعة من أئمة المسلمين وعلى رأسهم الإمام أحمد عندما قامت الجهمية المعتزلة بفتنة الناس بأن يقولوا بالكفر تصدى لهم بقوة الحجة والبيان، ولم يعجز من أن يرد عليهم بأساليب شرعية، لكنه تفادى المراء والجدل، وقد ذكر التاريخ مواقف أئمة السنة، وأنهم وهبهم الله من المواهب والذكاء والفطنة بخلاف ما يصفهم به خصومهم من أنهم أصحاب دروشة إلى غير ذلك، وهذا لا شك أنه من الجهل والبغي. كذلك التكفير والتفسيق والتبديع والسب والشتم والأخلاق الرديئة لم يعرف بها أئمة أهل السنة والجماعة، بل هم على درجة من الأخلاق والأدب والتورع عن التكفير، إلا من حكم الله بكفره واقتضت النصوص بيانه من مقالات الكتب ولتحذير الأمة منه، وهذه المسألة من المسائل التي أثارها بعض من ينتسب إلى الإسلام في الآونة الأخيرة، زعم أن من سمات السلف كثرة التكفير والتبديع والتفسيق للخصوم، قاتله الله أنى يؤفك، وحسبنا الله ونعم الوكيل. على أي حال أهل السنة والجماعة يكفرون من كفره الله ورسوله، ويحكمون على المقالات الكفرية بأنها كفر، سواء كانت عقائد أو أعمالاً، وأيضاً من قامت عليه الحجة ممن وقع في بدعة وانحراف يبينون خبثه ويحذرون منه، وكان السلف بناء على الأمر الشرعي الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم به في الحديث الصحيح: (إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما)، كانوا يحذرون كل الحذر من تكفير المعين، لكنهم بينوا أحوال الكفر، وبينوا سائر الكفر والكفريات من أهل البدع، وكذلك بينوا البدع وبدعوا من عمل بها في الجملة، وكفروا من عمل بخبث في الجملة، لكنهم قل أن يكفروا المعين، أكبر قضية يمكن نجد فيها البرهان على ذلك قضية المعتزلة والجهمية في وقت المأمون من القول بخلق القرآن وهي كفر، ومع ذلك تصدى لها السلف وتكلموا فيها كلاماً مشهوراً في المحاضرات والمحاجات والخصومات، وتكلموا فيها بالكتب والمؤلفات والرسائل، ومع كثرة أهل الباطل في ذلك الوقت نجد أنه يندر أن يكفروا معيناً ممن قال بهذه الفتنة، رغم شهرة القضية وقيام الحجة فيها. كذلك مسألة التفسيق والتبديع ليست من سمت السلف، لكن التزموا شرع الله عز وجل ببيان أحوال الفسق والبدعة والكفر؛ لتحذير الأمة منها ولإقامة الحجة على أصحابها، لعلهم يرجعون، فلا بد من بيان أحوال الكفر والفسق والبدع إذا كثر أصحابها، ولا شك أنه مع كثرة الفرق والابتداع والأهواء في الأمة كثر الفسق والبدعة والكفر، فأكثر السلف من النهي عنها، وهذا أمر تقتضيه النصيحة لله عز وجل ولكتابه ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولأئمة المسلمين وعامتهم، وهي من مسلمات الدين. فمن مقتضى النصيحة بيان أحوال الكفر والفسق والبدعة والتحذير منها، وبيان أحوال أهل الفسق والكفر والبدعة والتحذير من التلقي عنهم؛ فإن ذلك من النصيحة التي أوجبها الله، ومن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فما عمله السلف هو الواجب عليهم، أفيكون ذلك عيباً فيهم؟ ومع ذلك قد يقع في بعض السلف شيء من الجهل والظلم، وقد يقع من بعض أفراد السلف اعتداء في الحكم بالكفر والفسق، هذا يقع من أفراد وهي زلات، وليست هي المنهج الذي سطروه، أما ما حدث من بعض أفرادهم فليس هو الدليل، ومن سلك مسلك الانتقاء بمثل هذه الأمور بألفاظ وبنقول مبتورة فسيطعن في القرآن نفسه، أليس الله عز وجل قال: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4 - 5]؟ وقد فعل هذا بعض الزنادقة، قال: أنا يكفيني قوله عز وجل: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) إذاً أنا منهي عن الصلاة. فهذا استعمل الدليل على غير وجهه، وهذا أسلوب ال

العلماء هم الدعاة

العلماء هم الدعاة انتشر في هذا العصر عند كثير من الناس مفهوم وظاهرة تتضمن التفريق والفصل بين العلماء والدعاة، وهذه الظاهرة خطأ؛ لأن الأصل في الكتاب والسنة وما اتفق عليه جمهور سلف هذه الأمة أن العلماء هم الدعاة، وأن غيرهم تبع لهم، وقد كان لظهور هذه الظاهرة أسباب عدة، ولها حلول يمكن أن تتبناها جماعة المسلمين المتمثلة في علمائها.

مسائل التفريق بين العلماء والدعاة والعلم والدعوة وغير ذلك

مسائل التفريق بين العلماء والدعاة والعلم والدعوة وغير ذلك إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد: فإن الحديث عن الدعاة وعن العلماء أمر ضروري خاصة حينما انتشر مفهوم عند الناس في هذا العصر، ألا وهو مفهوم التفريق بين العالم والداعي، وبين العلم والدعوة، وبين الفقه في الدين والفقه في الدعوة، وما نتج عن هذا المفهوم من ظواهر خطيرة على الدين، وعلى السلوك والأفكار والمفاهيم. ومنشأ هذا الموضوع في ذهني أن كثيراً من الدعاة والحركات الإسلامية المعاصرة، والدعوات التي تتصدر للدعوة في العالم الإسلامي نشأ عندها هذا الفصل، وهذا الانفصال بين الداعي إلى الله سبحانه وتعالى، أو بين الممارس للدعوة إلى الله، أو بين المحترف للدعوة إلى الله وبين العالم والشيخ، أو بين العلماء وطلاب العلم، لذا فلابد من الحديث عن هذا الأمر على وجه النصح لا على وجه النقد، وسأتحدث عن بعض المسائل في هذا الموضوع؛ لأن الموضوع متشعب وطويل وهو ذو شجون.

تعريف العلماء والدعاة والدعوة

تعريف العلماء والدعاة والدعوة المسألة الأولى: التعريفات المتعلقة بعنوان المحاضرة: (العلماء هم الدعاة). فالعلماء: هم العلماء بالشرع العالمون به، والمتفقهون في الدين، والعاملون بعلمهم على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلف الأمة، والداعون إلى الله على هدى وبصيرة. وعلى هذا فالعلماء بحسب هذا التعريف هم الدعاة بداهة؛ لأنهم هم ورثة الأنبياء، والأنبياء هم الدعاة، وأجدر من يتصدر للدعوة بعد الأنبياء -وقد انقضت النبوة وانتهت- هم العلماء؛ لأنهم ورثة الأنبياء، والعلماء هم حجة الله في أرضه على الخلق، والحجة لا تقوم إلا على لسان داعية وعالم وقدوة، وعلى هذا فهم أجدر الناس بالدعوة. والعلماء هم أهل الحل والعقد، وهم المؤتمنون على مصالح الأمة العظمى، وعلى دينها وعلى أمنها، ومن باب أولى أن يكونوا هم المؤتمنين على الدعوة. والعلماء هم أهل الشورى، وإذا كانوا يستشارون في جميع مصالح الأمة وفي دينها ودنياها، فمن باب أولى أن يكونوا هم أهل الشورى في الدعوة وقيادتها. والعلماء هم أئمة الدين، والإمامة في الدين فضل عظيم وشرف ومنزلة رفيعة، والإمامة في الدين تقتضي بالضرورة الإمامة في الدعوة، وما الدين إلا الدعوة وما الدعوة إلا الدين. والعلماء هم أهل الذكر، وعلى هذا فهم أهل الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، والعلماء أفضل الخلق، وأفضل الخلق هو الداعي إلى الله، والداعي إلى الله هو أفضل الخلق. والعلماء هم أزكى الناس وأخشاهم لله، وإذا كانوا كذلك فهم أجدر بأن يدعو إلى الله على هذه الصفات، وهم الأجدر بأن يكونوا هم القواد والرواد للدعوة. والعلماء هم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر، وما غاية الدعوة إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. إذاً: فالعلماء هم الدعاة، وهذا على وجه العموم، وهم أهل لهذه الخصال على وجه العموم، ولا يلزم أن تتوافر هذه الخصال في كل عالم، فالكمال لا يكون إلا لله سبحانه، لكنهم في الجملة، أي: العلماء، هم أهل لهذه الخصال بجملتها. والعلماء لا يمكن أن تخلو أرض منهم، وهذا دفع لدعوى قد يدعيها بعض الجهلة ممن ينتسبون للدعوات بأنه لا يوجد علماء قدوة، أو أن العلماء الذين يقتدى بهم مفقودون، أو نحو من هذه الدعاوى التي لا تجوز شرعاً، بل هي مخالفة للواقع ولصريح النصوص، فالله سبحانه وتعالى قد تكفل بحفظ هذا الدين، وتكفل ببقاء طائفة من هذه الأمة ظاهرة منصورة، وأمرها بين، وهذا لا يمكن أن يتأتى إلا بأهل الحجة وهم العلماء، والصفات التي قد ذكرتها تتوافر في مجموعهم في كل زمان وفي كل مكان، وكل وقت وكل مكان بحسبه. أما بالنسبة للدعاة وقد عرفنا أن العلماء هم الدعاة، لكن تنزلاً للمصطلحات والألفاظ، فإنا نقول: الدعاة هم الداعون إلى الله على سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى بصيرة وفقه في الدين، وأول من تتوافر فيهم هذه الصفات هم العلماء؛ لأن الله عز وجل أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108]، ولا شك أن أتباع الأنبياء بالأولى هم العلماء. والدعوة: هي السعي لنشر دين الله عقيدة وشريعة وأخلاقاً وبذل الوسع في ذلك، ويتحقق هدف الدعوة إلى الله بالعلم والعمل والقدوة، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح، وهذه الأركان -على الأصح- أكثر ما تتوافر في العلماء، وهنا قد يرد سؤال عند بعض الناس: هل الدعوة مقصورة على العلماء؟ أو نقول بلفظ آخر: لا يدعو إلى الله إلا عالم؟! ف A لا؛ لأن أي مسلم قد عرف شيئاً من الدين وتبصر به لزمه أن يدعو إليه بعد هذا التبصر وفقه المسألة، وهذا هو الذي تتوجه إليه النصوص الشرعية، وعليه عمل السلف. أما قيادة الدعوة وريادتها وتوجيهها فلابد أن تكون من العلماء وفي العلماء، فيتصدرون الدعوات في كل أمر ذي بال، وعليه لابد أن نجعلهم هم القادة، وهم المرجع، وهم الموجهين في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ولا يكفي أن يكونوا مجرد مستشارين عند الحاجة كما يفعل كثير من الدعاة. كذلك قد يرد سؤال آخر أو استدراك آخر ألا وهو: العلماء لم يرفعوا راية للدعوة. فأقول: هذا الإشكال إن صح فهو يحتاج إلى تعديل، وهو أن الأصل في أهل العلم أن يسعى إليهم؛ ولا يسعوا إلى الناس، والأصل في أهل العلم أن يكون لهم سمت، وأن يكون لهم حق على الأمة، وأن يلتف حولهم عامة الناس أو خاصة طلاب العلم، كما أن الأصل ألا يرفعوا فوق رءوسهم رايات أو شعارات، ثم يطلبون الانتماء إليهم ونحو ذلك مما هو من لوازم بعض الدعوات المعاصرة مع الأسف؛ لأن رفع الرايات والشعارات للدعوات من قبل من لهم شأن في الأمة ليس هو من سمت السلف، بمعنى: إخضاع العلم للدعاية أو للشعارات أو الانتماءات هذا لم يكن من سمت السلف، بل هو من خصال أهل الأهواء والفرق.

بيان كون العلماء هم الدعاة أصل في الكتاب والسنة

بيان كون العلماء هم الدعاة أصل في الكتاب والسنة المسألة الثانية: لابد من البيان بأن الأصل في الكتاب والسنة وما اتفق عليه جمهور سلف هذه الأمة -وهو هديهم- أن العلماء هم الدعاة، وأن الدعاة هم العلماء، وأن غيرهم تبع لهم، وكما أسلفت: فكل طالب علم وكل مسلم عليه أن يدعو إلى الله بقدر وسعه، وعلى بصيرة في الأمر الذي يدعو إليه، لكن كل ذلك مشروط بالتبعية لأهل العلم؛ لأنهم هم قادة الأمة، وهم أهل الحل والعقد فيها، وهم جماعتها.

تركز مفهوم الفصل بين العلماء والدعاة في أذهان بعض المسلمين وفي الواقع

تركز مفهوم الفصل بين العلماء والدعاة في أذهان بعض المسلمين وفي الواقع المسألة الثالثة: التفصيل في هذه الظاهرة التي أشرت إليها، أعني: الفصل بين العلماء والدعاة، أو بين العلم والدعوة، أو بين طلب العلم الشرعي والدعوة، وهذا الفصل للأسف قد تركز في أذهان كثير من المسلمين لأسباب كثيرة سأذكر شيئاً منها فيما بعد. وهذا المفهوم تركز ليس في الأذهان فقط، بل حتى في الواقع، أي: فيما تعيشه الدعوات، وما يعيشه الدعاة في كثير من بلاد العالم الإسلامي، وكما أسلفت بأن من سمات أهل البدع: التفريق بين الداعي والعالم؛ لأنهم كانوا يتخذون رءوساً جهالاً. والداعية عندهم -أي: عند أهل الأهواء والبدع- من يخضع لأهوائهم ويلتزم بها، ويقول بمقولاتهم وينشرها وينتصر لها. ونجد هذا الأمر جلياً في الفرق الأولى كالخوارج، فإن دعاتهم ليسوا هم العلماء، لا فيهم ولا في غيرهم، وكذلك الرافضة فإن دعاتهم جهالهم، والمعتزلة والقدرية وأهل الكلام وسائر الفرق هم الذين يفصلون بين الدعوة وبين الفقه في الدين؛ لأنهم قوم يقل فيهم الفقه في الدين، وأكثر زعمائهم ودعاتهم إنما يمتازون بالولاء للافتراق الذي هم فيه، والولاء للمقولات التي هم عليها، ولا يفقهون من الدين إلا القليل، بل ومنهم من لا يفقه شيئاً. وأغلب دعاة هذه الفرق الذين نشروها في الأقاليم في البلاد الإسلامية قديماً من الجهلة، ومن العوام الذين لهم أهداف من أغراض أو عصبيات أو غيرها.

أسباب ظهور ظاهرة الفصل بين العلماء والدعاة

أسباب ظهور ظاهرة الفصل بين العلماء والدعاة المسألة الرابعة: أن هذه الظاهرة مع الأسف هي سمة قد بدأت تظهر في كثير من الدعوات المعاصرة، وفي كثير من الحركات الإسلامية، وفيما يلي نذكر بعض أسبابها: أولاً: أننا لابد أن نحمل هموم جميع المسلمين في كل بقاع الأرض، وهذا واجب شرعي على كل داعية وعالم، لا أن نحمل هم المسلمين في إقليم واحد، بل في جميع بقاع الأرض؛ لأن الأصل في المسلمين أنهم أمة واحدة، ومن مقتضى النصح والإشفاق عليهم بيان ما فيهم من خير وتشجيعهم عليه، وبيان ما فيهم من أخطاء وتنبيههم ونصحهم بالعدول عنها. ومن هذا المنطلق سأتوقف كثيراً عند ذكر بعض ظواهر الخطأ في بعض الحركات الإسلامية المعاصرة خارج هذه البلاد. ثانياً: أن هذه الظاهرة -أعني: الفصل بين العلماء والدعاة- قد بدأت تبرز عند بعض الشباب عندنا، وبعض المثقفين والمفكرين لسبب أو لآخر، ومن هنا كان لابد من الكلام عن أوضاع الدعوات المعاصرة بمجملها في جميع العالم الإسلامي، وليس في بلد واحد. ولذا نجد أن هذه الظاهرة قد تأصلت حتى في أعمال الدعاة وحركاتهم ومواقفهم وأعمالهم ومناهجهم، فصاروا يفصلون بين العالم والشيخ، وبين العالم والداعية، وأدى هذا الفصل إلى عواقب وخيمة سأذكر شيئاً منها. وأصبح الداعية عندهم هو من ينشط في الدعوة؛ لتحقيق مراد أصحابها، أو لتحقيق أهدافها، أو يواليها ويرفع شعارها، ويجمع الناس حوله على هذا الشعار، فهذا هو الداعية عند كثير من الدعوات المعاصرة بصرف النظر عن علمه وفقهه، بل الغالب أنه يكون من قليلي الفقه وقليلي العلم الشرعي، والمشايخ بمفهوم هؤلاء القاصرين ليسوا بدعاة، ولا يصلحون بأن يسهموا في الدعوة، أو أن يدخلوا في إطارها أو في نطاقها؛ لأن فيهم وفيهم!

العواقب الوخيمة من جراء الفصل بين العلماء والدعاة

العواقب الوخيمة من جراء الفصل بين العلماء والدعاة المسألة الخامسة: بسبب هذا الفصل ظهرت أمور أشير إلى شيء منها، هذه الأمور نراها جلية في كثير من الدعوات الإسلامية المعاصرة: أولاً: اتخاذهم رءوساً جهالاً أغلبهم لا يفقهون من الدين إلا ما يحلو لهم، وغاية ما يملك بعضهم من العلم إنما هو مجرد أفكار وثقافات أشتات، بل زاد كثير منهم مجرد العواطف والحركة، حتى كاد يكون مصطلح الداعية عندهم من ليس بعالم، وأن العالم ليس بداعية، وأحياناً يقولون: فلان داعية، يعني: ليس بعالم، وفلان شيخ من المشايخ، يعني: ليس بداعية! ثانياً: قلة وجود العلماء والمشايخ المتفقهين في الدين، والمتضلعين في العلوم الشرعية في أكثر الدعوات المعاصرة، مع أن وجود أهل العلم المتفقهين في الدين هو شرط من شروط الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وخاصة الدعوات الكبرى التي ينضوي تحت لوائها مجموعات وفئام من الناس، فهذه لا ينبغي أن يفقد فيها العالم، أو يكون العالم فيها مغمور، أو لا يتصدر الدعوة. ثالثاً: قصور النظرة في فهم قدر ومنزلة العلماء والمشايخ عند كثير من أتباع هذه الدعوات، ومن هنا وجد من بعضهم اتهام للعلماء بالقصور أو التقصير أو قلة الوعي، أو أي نوع من أنواع التنقيص؛ لتبرير عدم صلة الدعاة بالعلماء، بل إن بعض الدعاة يرفع نفسه ودعوته على حساب الكلام في أعراض العلماء، وهذا الأمر وإن كان مؤلماً لكن لابد من ذكره، ولابد من السعي لعلاجه. رابعاً: توريط بعض شباب الأمة بالانتماء للشعارات والقيادات الدعوية أكثر من الانتماء لأهل السنة والجماعة، ولأهل العلم من المشايخ والعلماء. خامساً: فصل الشباب عن أئمتهم ومشايخهم وعلمائهم، وحجبهم عن النظرة الشرعية الشمولية للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وعن غاياتها ومناهجها، وعن النظرة إلى أئمة السنة قديماً وحديثاً، بل إن بعض الدعوات تربي شبابها على جوانب من مناهج السلف؛ لتخدم أهدافها أو تخدم الجماعة وشعاراتها، وتغفل الجوانب الأخرى من السنة والعلم، وهذه من أساليب أهل الأهواء وأهل البدع، فيأخذون من الأئمة ومن العلماء ما يحلو لهم من قول أو فعل ويتركون الباقي، وهذا خلل في النظرة وخلل في المنهج. سادساً: نتج عن هذا الفصل بين الدعاة والعلماء كثرة الشعارات والأهواء والانتماءات والافتراقات والعصبيات لجماعات أو لأشخاص، مع العلم أن الأمة لا يجمعها على السنة والخير إلا علماؤها، ومهما بالغت الفرق أو مهما بالغت الجماعات والدعاة في أي مكان وفي أي زمان للسعي إلى جمع المسلمين دون الاسترشاد بأهل العلم، ودون أن يجعلوا هم القادة وهم الموجهين وهم المرشدين للدعوات فإن الشمل لن يجتمع. سابعاً: نتج عن هذا العزل بين العلماء والدعاة أن نشأ في الدعوات المعاصرة أو بعض الدعوات -لئلا نظلم الذين هم على استقامة- مناهج وأفكار وكتب ومؤلفات معزولة عن السنن، وعن العلوم الشرعية بشموليتها، بل وحتى بتفصيلاتها، وصارت كل طائفة تأخذ من العلوم الشرعية ما يناسب أوضاعها، وهذا أسلوب من الأساليب الخاطئة التي تخالف منهج السلف، بل حتى نشأ في الدعوة في بلاد العالم الإسلامي علم يشبه علم الكلام لدى الجماعات في ارتباطه بالأهواء والأشخاص لا بالسنن والأئمة. كما برزت في الآونة الأخيرة نتيجة لهذا الفصل بين الدعاة والعلماء دعوات كبرى، قوامها وركائزها رءوس ليسوا بعلماء، وتعتمد على أفكار وحركات محدثة تخالف هدي الإسلام، وعلى عواطف لا تضبطها القواعد الشرعية ولا المصالح المعتبرة. ثامناً: نتج أيضاً عن هذا الفصل التقصير في طلب العلم الشرعي على أصوله ومناهجه السليمة الصحيحة، بل نتج عن ذلك الحيلولة بين أتباع الدعوات وبين تحصيل العلم عن المشايخ، حتى إن كثيراً ما ترد إشكالات وشكاوى من بعض الشباب في شتى العالم الإسلامي، يشكون فيها من صرف بعض الدعاة لأتباعهم عن العلماء بذرائع شتى، بل إن بعضهم -كما علمت وتأكدت من هذا- قد يعاقب الشاب الذي ينتمي إليه بسبب لماذا جلس يطلب العلم الشرعي على الشيخ فلان؟! ونتيجة لذلك حصل الخلل، فقد فهم بعض الدعاة -هداهم الله- بسبب العزلة بينهم وبين المشايخ: أن المشايخ أعداء للدعوة، وسبب ذلك أن في دعواتهم أمراضاً ومصائب لا يرضاها العلماء، وقد ينتقدونها، فمن هنا تعللوا بصرف شبابهم عن المشايخ وعن أهل العلم والفقه في الدين، وهذا مسلك خطير ينبغي ألا يستمر، بل يجب مناصحة هؤلاء الدعاة وبيان الحق لهم. تاسعاً: في بعض الدعوات التي تسلك هذا المسلك ظهرت فئام من الجماعات والدعاة والشباب في البلاد الإسلامية عددها ليس بالقليل، شيوخهم بعضهم على قلة في الفقه وضعف في العلم، أو شيوخهم كتبهم، فيرشحون ما يريدون من كتب فكرية وثقافية، وأغلب ما تعتمد عليه هذه الجماعات الكتب الفكرية والثقافية أكثر من الكتب الشرعية، وقادتهم مع الأسف جهالهم، وأحكامهم أهواؤهم، مما أدى ذلك إلى الخلط والخبط عند بعض هؤلاء في العقائد وفي الأحكام، بل وفي المواقف وفي قضايا الأمة الكبرى، وفي التصرفات الطائشة التي تحدث من بعضهم، وفي صدور الأحكام المتعجلة ونحو ذلك من المظاهر التي

كلمة إنصاف

كلمة إنصاف المسألة السادسة: كلمة إنصاف، وسأتكلم فيها عن نوعين من الدعاة: النوع الأول: طلاب العلم الشرعي، فنحن في هذه البلاد أشهد أني أرى عليهم علامات الرشد، والالتفاف حول العلماء، والاسترشاد بهم والتلقي عنهم، وهذه ظاهرة سارة وهي الأصل، وينبغي أن نشجع الشباب عليها وسائر طلاب العلم. كما أني أرى من المظاهر السارة للشباب: استقامة العقيدة، واستقامة السلوك، والحرص على تلقي العلم الشرعي بمناهجه وأساليبه الصحيحة من مصادره الأصلية، كتب السلف المستمدة من الكتاب والسنة، وعلى أهله وهم العلماء أئمة الدين، والمشايخ الذين هم القدوة، وهذه ظاهرة تبشر بخير، لكن مع ذلك هناك بعض الظواهر التي أشرت إليها، والتي هي أحياناً قد تكون من النتائج الطبيعية للإقبال الكبير، وبحمد الله فإن غرس الله قد ظهر، وريح الإيمان قد هبت، وإقبال الشباب منقطع النظير، حتى يكاد يكون أكبر من أن يتحكم به بالإرشاد والتوجيه. وهذا أمر يجب أن نفرح به وأن نستبشر به، وهو علامة خير وبركة، ولله في ذلك حكمة هو يعلمها، ولا يمكن أن يكون هذا الإقبال على الخير مجرد ظاهرة اجتماعية، أو مجرد ردة فعل لأوضاع سيئة كما يقال، بل الأمر أكبر من ذلك، فالأمر هو من مراد الله، ومن سننه التي لا تتبدل ولا تتخلف، فقد بلغ السيل الزبى، وقد طغى الزبد، ولابد أن يذهب الزبد جفاء، ولا يمكن ذهابه إلا بجهود بشر، والبشر الذين يصطفيهم الله لابد أن يكونوا على علم وفقه في الدين، وأظن أن الله سبحانه وتعالى اصطفى هذا الجيل الخيِّر ليقوم بدور عظيم طالما تخلف عنه المسلمون في نصرة الإسلام ونصرة الحق، وهذا قدر الله وأمره، وهي سنة الله ولا راد لسنته، لكن مع ذلك لابد من علاج بعض الظواهر التي تنشأ بشكل طبيعي من هذا الاتجاه العارم إلى الخير، وإلى طلب العلم الشرعي في هذه البلاد. وقبل أن أخرج من هذه النقطة أحب أن أنوه عن أمر آخر، وهو أنه بحمد الله يوجد في هذا البلد من المشايخ الذين هم على السنة والاستقامة من فيهم الخير والبركة، كما يوجد من طلاب العلم والدعاة الذين يجمعون بين العلم والدعوة العدد الوافر الذي به -إن شاء الله- ستسترشد وتستنير الدعوات. النوع الثاني: الدعوات في الخارج، فأنا حينما تكلمت عن بعض الظواهر الماضية فإن كلامي فيه شيء من العموم، لذا قصدت أن أبدأ به، مع أنه كان من الأولى أن أنصف وأن أقول أو أذكر الجوانب الإيجابية والخيرة في الدعوات التي هي في سائر العالم الإسلامي قبل ذلك؛ لكن نظراً لأن الموضوع متعلق بظاهرة الفصل بين العلماء والدعاة، كان لابد من إشعاركم بهذه الظاهرة أولاً، ثم أعود فأقوم بتقدير جهد الدعوات المعاصرة بشموليتها وبعمومها. وعليه فالدعوات المعاصرة في شتى العالم الإسلامي وفي غير الإسلامي التي تحمل لواء الدعوة فيها خير كثير، رغم ما يعتريها من نواقص ومن خلل، وإذا قارناها بأحوال المسلمين فإنها أصلح من أحوال عامة المسلمين، ورجالها ودعاتها وشبابها لاشك أنهم قاموا بواجب قصر فيه غيرهم، ويكفيهم أنهم احتسبوا الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ورفعوا رايتها، وتعاطفوا من أجل الإسلام، وانتصروا للإسلام في قضاياه الداخلية والخارجية كل بقدر جهده وبأسلوبه. وهذا فضل لهم لابد أن يذكر ويشكر، ثم إن الدعوات المعاصرة أيضاً ليست كلها وقعت فيما ذكرت، بل البعض منها، وإلا ففيها من هو على السنة والاستقامة في السلوك والعمل والنهج الصحيح، وفيها ممن يتلقى عن العلماء، وأظنكم تعفوني من الأمثلة؛ لأن الأمر في مثل هذه المحاضرة لابد أن يأخذ صيغة العموم، وكذلك أن هذا لا يتناسب مع ذكر الأسماء والشعارات. أقول: إن بعض الدعوات في سائر العالم الإسلامي وفي غيره التي تحمل لواء الإسلام بعضها على خير وبركة، وفيها القدوة والأسوة، لكنها ليست هي الكثيرة، بل الأكثر من أصحاب الشعارات والدعوات الكبرى هم من ذكرت ممن فيهم أخطاء، وما هم فيه من أخطاء يستوجب التحذير منها أولاً، وثانياً: يستوجب النصح لهم والإرشاد والبيان، وأحسبهم -إن شاء الله- ممن يريد الحق ويسعى إليه؛ لأنهم ما رفعوا لواء الدعوة -وهذا ما ينبغي أن نظنه- إلا حسبة لله، وإلا أيضاً بحثاً عن الحق، فمن هنا أتعشم فيهم وفيكم الخير، كذلك أن يكونوا من رواد الحق وأن يقبلوا النصيحة.

الحل لظاهرة الفصل بين العلماء والدعاة

الحل لظاهرة الفصل بين العلماء والدعاة المسألة الأخيرة: هي الإشارة إلى الحل، وإن كان الحل في نظري لا يمكن أن يقول به مثلي، لكن لابد من الإسهام ولو بمجرد رأي قابل للنقاش، ثم إن الحل ينبغي أن تتبناه جماعة المسلمين المتمثلة في علمائها. وأرى أن ترفع مثل هذه المشكلات المتعلقة بالدعوات والدعاة بعرض واف ومفصل لأهل العلم من العلماء، بأفرادهم وبمؤسساتهم وبهيئاتهم في كل بلد بحسبه، ولا مانع أن جميع أحوال العالم الإسلامي تعرض على علماء بلد معين إذا رؤي أنهم هم الأمثل، وأن منهجهم هو الأسلم، لكن مع ذلك لابد -وقد طرح الموضوع- أن نسهم جميعاً في بيان بعض وجوه الحلول وإن كانت قابلة للنقاش، فأرى أن من الحل لمثل هذه الظاهرة، أعني: ظاهرة الفصل بين العلماء والدعاة، أو بين العلم والدعوة ما يلي: أولاً: ضرورة اهتمام العلماء وطلاب العلم بهذا الأمر دراسة ومعالجة، فيتفرغ طائفة من المشايخ وأهل العلم والفقه في الدين لذلك، وتعكف على الحلول للنصح بها لهؤلاء الذين وقعوا فيها، ومن ذلك: تأليف الكتب والرسائل، والإسهام في وسائل الإعلام المشروعة وغير ذلك. ثانياً: أرى أنه لابد من أن يتنقل العلماء وطلاب العلم في البلاد الإسلامية؛ ليرشدوا الناس والدعاة، وإن كان هذا هو خلاف الأصل؛ لأن الأصل أن العلماء يسعى إليهم ويسافر من أجلهم ويؤخذ العلم عنهم، ولا يأتون هم إلى الناس، لكن أقول: لا مانع في هذا الظرف وفي هذا العصر الذي نعيشه أن تسافر طائفة من العلماء إلى شتى أقاليم المسلمين، بل وحتى إلى غير البلاد الإسلامية التي يوجد بها مسلمون ويوجد فيها دعوة إلى الله. لابد أن تتحمل طائفة من العلماء السفر والذهاب إلى أولئك لتعليمهم الفقه الشرعي، ولإرشادهم فيما يجب أن يسترشدوا به في أمور دينهم ودنياهم، خاصة في أمور الدعوة؛ لأن ظروف المسلمين الآن لا تسمح بسفر الدعاة والعامة من بلد إلى بلد إلا بصعوبة بالغة، وبأخطار ومشقات لا يتحملها أغلب الناس، وقد صُنِعتْ للمسلمين حدود فصلت بينهم، وجعلت التنقل بين البلدان الإسلامية يحتاج إلى إجراءات أصعب من السفر إلى بلاد الكفار، وهذا أمر واقع ومشاهد، وحسبنا الله ونعم الوكيل. ثالثاً: يجب على جميع منتسبي الدعوات وخاصة الدعاة منهم الذين يتصدرون للدعوة أن يتفقهوا في الدين على أهله، وبطرقه الشرعية الصحيحة، وأن يكون هذا من مناهج الدعوات نفسها، بأن تكثر من الدروس الشرعية، وحلق الذكر وحلق العلم. رابعاً: ضرورة المناصحة المباشرة من كل من يرى خطأ في هذه الدعوات، ومن ذلك ما أشرت إليه مسبقاً، بل حتى المناصحة بالمراسلة؛ لأنه لا ينبغي للمسلم أن يرى هذه الأخطاء فيسكت عليها، والدعاة وعامة المسلمين لهم حق على كل من يرى خطأ منهم، وخاصة هذه الأخطاء الخطيرة التي ربما قد تؤدي إلى الانحراف والافتراق، وهي فتنة على الجميع إذا تُركت، فلابد من المناصحة المباشرة لقادة الدعوة أولاً ثم لمنسوبي الدعوات. والمناصحة لابد أن تكون بالأسلوب الشرعي الذي يحقق المصلحة، وأقصد بهذا أن بعض وجوه المناصحة القائمة الآن لا أرى أنها تجدي ولا تفيد، بل ربما تؤدي إلى تمادي بعض الناس في الأخطاء؛ لأن أكثر وسائل النصح من المؤلفات والكتب التي تكتب في نقد بعض الدعوات والدعاة من بعض طلاب العلم فيها شيء من التهجم والقسوة والتجريح واللمز والسب أحياناً، بل والحكم باللوازم، وهذا لا أظنه أسلوباً إصلاحياً، فالأسلوب الإصلاحي: هو أن تتغاضى عما يثير في الخصم العناد أو التمادي في باطله، وتسلك المسالك التي هي مسالك الإشفاق والنصيحة وحب الخير وحب الاستقامة للآخرين، وهذا هو المنهج الذي يجب أن يسلك في تقويم الدعوات جميعاً وخاصة في هذا الوقت. والمناصحة لابد أن تتركز على النقد الهادف المنصف المشفق الناصح، وأن يصحبها شيء من البيان بإقامة الدليل والحجة، دون إشارة إلى الخطأ أو اللمز أو السب أو التجريح أو التخطئة أو غير ذلك؛ لأننا يجب أن نفرق بين أمرين: الأول: أسلوب المناصحة وتصحيح الأخطاء. والثاني: أسلوب البيان عند الحاجة إليه، وعليه فإذا أردنا أن نبين فلا مانع في ذكر أخطاء الدعوات، لكن بشرط ألا نشخص ولا نسمي، وإنما على القاعدة الشرعية التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعلها، وهي: (ما بال أقوام). وأسلوب المناصحة الشرعي يجب أن يكون بعيداً عن التهجم والقدح والتجريح، أو الإلزام بما لا يلزم، أو حتى الإلزام بالخطأ وإن كان واضحاً صريحاً. خامساً: ينبغي على الدعاة والمشايخ وأهل العلم أن يعززوا من دور المؤسسات والمنظمات والمراكز الإسلامية النزيهة، كندوة الشباب العالمي والإسلامي، فإن فيها خيراً كثيراً، ولو أنها دعمت وسخرت لها بعض طاقات أهل العلم لتحقق من خلالها -إن شاء الله- نفع كثير؛ لأن لها صلة بكثير من المراكز والدعوات، وعندها من الإمكانات والوسائل ما لا يوجد عند أفراد الدعاة. سادساً: لابد من تصحيح المفاهيم بكل وسيلة، بالكتاب، وبالكلمة، وبالمناصحة الفردية، والمناصحة الشخصية، وبوسائل الإعلام، وبالأشرطة، وبكل وسيلة نملكها، وتصحيح ال

الأسئلة

الأسئلة

أهمية الارتباط بين الدعوة والعلم والعلماء والدعاة

أهمية الارتباط بين الدعوة والعلم والعلماء والدعاة Q نجد أن كثيراً من العلماء أو ممن يسمون بذلك يداهنون الباطل وأهله، ولا يحرصون على إنكار المنكر وتغييره، بعكس من ينتسبون إلى الدعوة فإن أحدهم يجد في نفسه الغيرة والحماس ويهب للدعوة دون علم، ثم ينكر على العلماء ما هم فيه فيتركهم وينفصل عنهم، فما رأيكم في ذلك؟ A هذا الكلام فيه إجمال أوافق على بعضه، ولا أوافق على البعض الآخر، فأنا أقول: قد يوجد ممن ينسب إلى العلم من هو مقصر، وقد يوجد ممن ينسب إلى العلم من يرتبط بهيئات أو جهات تسيء إلى سمعته، لكن ليس هذا هو الأصل والغالب، وإن كان هو الغالب فلا يعني هذا أنه لا يوجد من العلماء طائفة ليست على هذه الشكل، بل في كل بلد من بلاد المسلمين -بحسبها- يوجد علماء ليسوا على هذه الشاكلة. وإنما موازين بعض الدعوات مختلة؛ لأنهم وضعوا لأنفسهم مناهج وقواعد وأصولاً وقوموا الناس على ضوء هذه المناهج والقواعد والأصول، فما كان يتناسب أو يعايش هذه القواعد والأصول التي هم عليها، رضوا عنه وأثنوا عليه، ومن لم يتناسب قالوا فيه قولاً أو هجروه أو عزلوه. بل إن من الدعوات الكبرى المشهورة من إذا ظهر فيها عالم متبحر في العلم انعزل عن قيادتها وبقي على هامشها، والمسألة فيها نظر، ولاشك أن في غالب بلاد المسلمين من العلماء من هجرهم الدعاة، وهجرتهم الدعوات بغير حق، ثم لو افترضنا هذا جدلاً فهل سعت الدعوات إلى تعليم النابهين فيها إلى أن يتبحروا في العلوم الشرعية، ويكونون أئمة في الدين فيقودونها إلى الخير والسنة؟ الغالب لا، بل العكس هو الصحيح، وعلى ذلك شواهد وبراهين. وقد تكون للعلماء منزلة هامشية كأن يستشارون في بعض الأمور، أو يسرع أو يفزع إليهم عندما يكون للدعوات غرض، ويتركون في حالات أخرى، وهذه ازدواجية لا تجوز؛ لأن العلماء هم القادة في الحالات الضرورية، والحالات غير الضرورية، عندما يوافقون وعندما يخالفون. فإن وافقوا الدعوات فهذا هو الأصل، وإن خالفوها فالدعوات في الأصل هي المتهمة، وينبغي أن تحرر الأمور شرعاً بين الدعاة وبين العلماء.

بيان من يتصدرون للدعوة

بيان من يتصدرون للدعوة Q لقد قلت: إنه ليس هناك فرق في الأصل بين الدعاة والعلماء، فكيف نجمع بين هذا وإرسال الرسول صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة وهم لا يفقهون من الإسلام إلا القليل؟ A إن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم هو القدوة وهو المثل، وكان دعاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على نوعين: دعاة يذهبون لغرض معين، كإبلاغ رسالة أو كلمة أو كلمتين، فهذا يتحرى فيهم من يناسب هذه المهمة من الشجاعة والقدرة والجرأة والإقدام وقوة الكلمة، ولو كان شبه عامي، وإن كان هذا لا يقال في الصحابة، ودعاة يذهبون لتعليم الناس الدين، كما بعث إلى اليمن والبحرين وإلى شمال الجزيرة وجنوبها وغربها، وهؤلاء لا يكونون إلا علماء، وهكذا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث في تعليم الناس دينهم وتصدر الدعوة في الأقاليم الجديدة إلا العلماء الأمثل في العلم. وكان الخلفاء الراشدون على هذا النهج، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي كانوا يبعثون إلى الأقاليم علماء الصحابة، وكانوا يجعلون الرجل المناسب في المكان المناسب، فيما يتعلق بقيادة الجيوش وما يتعلق بالأمور الإدارية الجزئية قد يرسلون من لا يكون عالماً بالمعنى الكامل في ذلك الوقت، لكنهم لا يرسلون للدعوة إلى الله ولتعليم الناس الدين ولتفقيههم في الشرع إلا العلماء، ولم يتصدر الدعوة في القرون الثلاثة الفاضلة من أهل السنة والجماعة إلا العلماء بإطلاق، بل لم يتصدرها إلا أئمة الدين، وهذه قاعدة مطردة في أئمة السلف ومن كان على نهج السلف إلى يومنا هذا، ومن أخل بهذه القاعدة فهو مخل بنهج السلف وبسبيل المؤمنين. فلينظر في أمره، وليتأنى وليدرس وضعه، وليحرر المسألة شرعاً، ولا تأخذنا العواطف، أو تأخذنا العزة للانتصار لدعوة ما أو لمنهج ما، ما كان في منهج السلف قديماً وحديثاً يتصدر الدعوة إلا العلماء، لكن هل معنى هذا ألا يدعو إلا عالم؟ لا، فمن أعطاه الله بصيرة في أمر من أمور الدين وجب أن يدعو ويعلم، لكن القيادة والريادة والشورى والمرجع في الدعوة هم العلماء، وهم الذين على الصدارة، وليسوا مجرد أيضاً مستشارين، بل ينبغي أن يكونوا هم قادة الدعوة بكل معاني الكلمة الشرعية. وهذا ما أريده، وما أشار إليه السائل جزاه الله خيراً، وقد ذكرنا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنة أئمة الدين، وهو أنه لا يدعو إلى الدين ويتصدر الدعوة إلا عالم، فلذلك كان الفارق بين نهج السلف ونهج أهل البدع، فأهل البدع دعاتهم جهال والسلف دعاتهم العلماء، وهذا نهج لا يتخلف إلا نادراً في حالات لا تخرجنا عن القاعدة الأصلية.

عدم الفرق بين التبليغ والدعوة

عدم الفرق بين التبليغ والدعوة Q هل هناك فرق بين التبليغ والدعوة؟ وإذا كان هناك فرق فكيف؟ A الدعوة هي التبليغ، والدعوة هي البلاغ، ومع الأسف فقد قصر مفهوم الدعوة عند كثير من الناس، ولعله تتاح فرصة أخرى للحديث عن الدعوة.

تصحيح بعض المفاهيم عند بعض الشباب عن العلماء

تصحيح بعض المفاهيم عند بعض الشباب عن العلماء Q للأسف أننا نجد هناك علماء ليسوا دعاة فعلاً، وإن كانوا دعاة فإلى تخدير الشباب، وأمثال هؤلاء وكثير منهم من هو قابع في الشقة وتحت المكيفات، ولا يدخلون مع الشباب إلى مجال الدعوة، ومن أمثال هؤلاء أيضاً من همه فقط انتقاد الدعاة في كل جزئية كما هو الحال في حكم التمثيل فما رأيك؟ A هذا نمط من الأخطاء الواقعة، وهذا هو الذي أردت الإشارة إليه: وجود مفاهيم بهذا الشكل، المفاهيم التي في هذا السؤال هي نموذج أحسن مما قلته في تصوير الواقع، ولا أقصد السائل، فالسائل ربما يقصد أنه يتكلم على لسان الغير. فأولاً: هل عندنا علماء بمعنى الكلمة ليسوا دعاة؟ يبدو لي أن السائل يفهم من الدعوة الركض في الشوارع، وأسلوب الأحداث من الشباب الذي يناسبهم ويناسب سنهم، والمشايخ لهم سمتهم ويؤتى إليهم، والعالم العامل بعلمه هو داعية وإن قبع في مسجده وبيته، وهذا هو المفهوم الصحيح، وارجعوا إلى نهج السلف، فالعالم العامل بالعلم هو داعية بكونه قدوة في علمه ومظهره، حتى لو قبع في بيته، ويسع بعض العلماء الذين لا يستسيغون بعض الأساليب التي لا تناسب مواهبهم أو لا تناسب وضعهم الاجتماعي، أو لا تناسب سمتهم -هم معذورون- ألا يخرجوا من بيوتهم ومساجدهم. ولهم في ذلك تأول صحيح، والناس والعلماء لا يلزم أن يكونوا على نهج واحد، وعلى قالب واحد، وعلى وصف واحد، فقد تأثرنا نحن بهذا العصر بالشكليات والأرقام والمعلبات، فنريد أن يكون كل العلماء على شكل وعلى ماركة واحدة! وهذا غير ممكن. والعلماء منهم من يستطيع أن يخرج ومنهم من لا يستطيع، ومنهم من له سمت معين به يستطيع أن يمارس بعض الأساليب التي يراها الشباب، ومنهم من لا يسعه ذلك ولا يستطيعه، ولا يضره ذلك في أمانته وعلمه ودعوته، فالعالم عالم له احترامه، ويجب على هذا الشاب الذي رأى من هؤلاء العلماء هذه الظاهرة أن يذهب إليهم ليصحح مفهومه هذا. ثانياً: قوله: الدعوة إلى تخدير الشباب. هذه فيها نظرة، لكن منشؤها أن بعض الشباب عنده من التعجل وسرعة الانفعال بحيث يريد من العالم أن يركض معه حيث ركض، وأن يستجيب له متى ما رفع راية أو شعاراً، ومتى ما حصلت حادثة أو قامت قضية يريد للعالم أن يذهب معه، لا؛ لأن بعض العلماء له نظر في مفهوم الحكمة، وفي درء المفاسد وجلب المصالح، وفي اعتبار المصالح الكبرى ودرء الفتن وغيرها، والحكمة لا تناسب صاحب الأفق الضيق من الشباب أو المتعجلين، حتى قال بعضهم: قتلتنا الحكمة، فمن قتلته الحكمة فليس هو بخير؛ إن الحكمة لا تقتل أحداً، و (الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها)، وأقصد بهذا أن بعض المشايخ وبعض العلماء له منهج تروٍ في معالجة الأحداث والقضايا والمسائل، ويسعه ذلك كما يسع غيره من العلماء الذين لهم نهج آخر، وتغير المناهج فيه مصلحة للأمة ما دام على السنة والشرع، ولا أظن من علمائنا من يسعى إلى تخدير الشباب، وقائل هذه المقولة يجب أن يستغفر ربه، وليعد إلى رشده وليستنير رأيه في العلم والعلماء. والقبوع في الشقة قد يكون ممدوح له؛ لأنك لا تدري ما ظروف الشيخ، فلعله عاكف على علم، أو نفع للمسلمين لعل الله يدفع به من البلاء ما لا يدفع بك أنت، فلا ينبغي الاستهانة بالعلماء، فعلمهم خير كله، ودعاؤهم خير كله، وعبادتهم خير كلها، ولعل الله يدرأ بهم من المفاسد ويجلب بهم من المصالح الخير الكثير، ما داموا على العلم والفقه في الدين، حتى لو لم يتحركوا على ما يريد الشباب أو على ما نريده. وأما مسألة انتقاد الدعاة فيجب أن نفرح بانتقاد العلماء للدعاة، وقد أشار إليها السائل، ووالله إن هذه في نظري ظاهرة صحية؛ لأن هذا يعني أنهم أدركوا بعض الأخطاء عند الشباب، ويجب على الشباب إذا سمعوا نقداً من عالم أن يقفوا عنده وليتأنوا، فإن كان في تصوره شيء مما يحتاج إلى توضيح فليوضح، مع أني أرى أن الأصل في المشايخ أنهم لا يحكمون إلا بعلم؛ لأنه ربما قد يكون رأيهم في فئات من الشباب، وليس في كل الشباب وهذا هو الصحيح، فكون العالم ينتقد كل جزئية كما هو الحال في حكم التمثيل فهذه مسألة يسع فيها الخلاف، والتمثيل قابل للنقاش شرعاً، وكونه وسيلة من وسائل الشباب للدعوة إلى الله فهو وسيلة عاطفية قد تنفع فتكون مشروعة، وقد يكون عليها محاذير فتكون غير مشروعة. والمسألة تحتاج إلى رأي أهل العلم، وأهل العلم مختلفون في مسألة حكم التمثيل، واختلافهم مبني على إدراكهم لنصوص الشرع وقواعد الشرع وأصول الدعوة وأساليبها الصحيحة الشرعية، ويسعهم أن يختلفوا في ذلك، ويسعنا أن نتقبل هذا، وينبغي أن نأخذ هذه الأمور برحابة صدر، وكم فرحنا عندما تكلم المشايخ في هذه الأمور التي يمارسها الشباب، وهذا فتح من الله سبحانه وتعالى، ودليل على أن المشايخ هم الذين سيرشدون الشباب إلى الصحيح، ويرشدون الشباب إلى الخير.

الحكمة في النصيحة للعلماء والدعاة

الحكمة في النصيحة للعلماء والدعاة Q تقويم الدعاة وجعلهم في سلالم مما جعل الشباب ينفرون من البعض ويتقربون إلى البعض، وهناك أقول: لا مانع من المناصحة لكن بحكمة وعلم، ولا يكون القصد من المناصحة التشفي؟ A هذا كلام صحيح.

ظاهرة كثرة الكتيبات

ظاهرة كثرة الكتيبات Q الكتيبات الهائلة في الأسواق والتي قد تصل إلى المئات، وأخص منها التي في الجزئيات والتي لا فائدة من ورائها، بل تثير الخلاف أكثر من الإصلاح، أو في جزئيات الفقه لا حاجة لها، وغير هذه الأمثلة كثير جداً، فما رأيكم فيما قلت؟ A بالنسبة لبعض الكتيبات عليها مآخذ عديدة، لكن في أغلبها هي نافعة، وكثرتها دليل على إشاعة العلم، ويجب ألا ننزعج من كثرة الكتيبات والكتب، وكنت أتمنى لو يصدر في اليوم الواحد آلاف الكتب وتظهر في السوق، ولو نظرنا إلى حجم هذه الكتيبات التي ترشد الشباب والناس والمسلمين إلى الخير في دنياهم ودينهم، لوجدنا أن نسبتها إلى نسبة هذه التيارات الضخمة العارمة من الفساد في الصحف والمجلات والإعلام والوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة الشيء القليل. فنتمنى لو تكون دور النشر أكثر من مواد التغذية أو أمكنة المواد الغذائية، وأتمنى أن تكون الكتب أكثر من الأغذية، وهذا هو الأصل وهو المفروض، ولا يضير الناس كثرة الكتب، وإذا كان يضيق وقت بعض الناس عن قراءة هذه الكتب وملاحقتها فالعيب ليس فيها إنما فيه هو، وكان ينبغي أن يقرأ ما يسعه وما يستطيعه وما يتمكن من قراءته، إذاً: فهذه ظاهرة صحية، ونرجو أن تزداد، وأن نسعى إلى نشرها، وإلى الإكثار منها وإشاعتها بين المجتمع، لعلها تنشر بعض الخير وتدرأ بعض الشر الكثير جداً، والذي قد ملأ البيوت والأسواق، بل وملأ كل شيء حتى ملأ الفضاء.

الولاء للشعارات مخالف لمنهج أهل السنة والجماعة

الولاء للشعارات مخالف لمنهج أهل السنة والجماعة Q ما مقصودك بقولك: إن ادعاء العلم ورفع الشعارات أنهم على الحق من منهج أهل البدع؟ A أقصد أن الولاء للشعار وقياس الناس على هذا الولاء، بمعنى: أن من والى الشعار كان هو الداعية في أي دعوة ما، ومن والى هذا الشعار ودعا إليه كان هو المقبول وهو المتصدر، فهذا هو من منهج أهل البدع، ومنهج أهل السنة والجماعة أن الإنسان يرتقي إلى الدعوة بعلمه وفضله وسلوكه، سلوكه في سبيل الشرع بتمسكه بالسنة، فكلما كان الشخص أكثر علماً وفقهاً في الدين وعملاً بعلمه وأكثر التزاماً لهدي النبي صلى الله عليه وسلم كان أرقى وأعلى، لكن للأسف هذا الميزان لا يوجد في بعض الدعوات، فبعض الدعوات ليس الميزان عندها هو الفقه في الدين والعلم الشرعي، وإنما الميزان هو الولاء للدعوة، فمن كان موالياً لشعارها بأي شكل من أشكال الولاء فهو المقبول عندهم، حتى ربما قد ينصب زعيماً في هذا الولاء وهو لا يفقه من الدين شيئاً، وقد ربما تكون العجائز أفقه منه.

حكم ترك الكلام في الجماعات والحركات بحجة الاهتمام بما هو أهم من ذلك

حكم ترك الكلام في الجماعات والحركات بحجة الاهتمام بما هو أهم من ذلك Q نحن عندما ننشغل بهذه الموضوعات، فنحللها ونصب نار غضبنا في تحليلها، ألا يكون الأجدر أن نتكلم في موضوعات كبيرة تهم المسلمين، كخطر اليهود والنصارى على المسلمين مثلاً، ونترك الكلام في الجماعات والحركات؟ A إن الموضوعات التي تهم المسلمين كثيرة جداً، والكلام في موضوع لا يعني أن الموضوع الآخر غير مهم، بل أحياناً قد نتكلم في موضوع أقل أهمية لظرف أو لسبب أو لعذر معين أو بحكم التخصص أو إلى آخره، وأظن أن هناك من أهل العلم من تكلم في الموضوعات التي أشار إليها الأخ، وينبغي أن يتكلم الناس في الأمور هذه وغيرها بما يسعهم وعلى نهج السلف رحمهم الله تعالى.

التحذير من استهداف العلماء بذكر أخطائهم والتركيز عليها

التحذير من استهداف العلماء بذكر أخطائهم والتركيز عليها Q من الأسباب التي أدت إلى فصل العلماء عن الدعاة هو تقصير بعض العلماء بحد كبير، وثمة أسباب لا مجال لسردها، ولكن الشاهد هو: لماذا لا نوزع الأخطاء وأسباب تكوينها بأسباب كثيرة؟ A هل يلزم توزيع الأخطاء على الناس بغير حق؟ وهل من العدل أن نحمل أخطاء صنف من الناس صنفاً آخر؟ ما أظن أن هذا مقصوده، لكن لعله يقصد: لماذا لا نعدل، بمعنى: أننا إذا ذكرنا أخطاء الدعاة فلابد أن نذكر أخطاء العلماء، فأقول: إن أخطاء العلماء لا ينبغي أن تكون محل كلام؛ لأننا إذا تكلمنا عن العلماء فنقصد بهم العلماء بالمفهوم الشرعي، وهؤلاء هم الأفضل والأمثل، وكونهم يخطئون فهذا أمر بدهي؛ لأنهم بشر، لكن ليس في أخطائهم خلل منهجي، وليست أخطاؤهم سبباً لأخطاء الآخرين، وهذا في الجملة، ثم إننا إذا استهدفنا العلماء بذكر أخطائهم -وهم الأفضل- فهذا يعني: أنه يكون همنا هو ذكر الأخطاء دائماً ليس إلا، ثم في مثل هذا المقام عندما نقول: العلماء هم الدعاة، فالأصل أن نقرر معنى أن العلماء هم الدعاة، وإذا قررنا هذا فلا سبيل إلى الكلام عن أخطاء بعضهم، بل لا ينبغي ولا يحسن هذا، وليس هذا أيضاً من الحكمة، لاسيما أن أخطاءهم ليست مقصودة، وأخطاؤهم عن اجتهاد له أصول شرعية؛ لأننا نقصد العلماء القدوة الذين هم على الشرع والدين والفقه في الدين، وأخطاؤهم التي عن اجتهاد يؤجرون عليها، لكن الأخطاء الأخرى هي مخالفة للشرع.

الأثر الكبير للعالم في الأمة

الأثر الكبير للعالم في الأمة Q إن بعض الحلول التي ذكرتها طيبة وخاصة في الاحتكاك المباشر بالدعوات في الخارج، وذلك من قبل العلماء، والأمة في أشد الحاجة إلى مثل هذه الخطوات الجريئة الفاعلة، ولكن هذا يستلزم أن يكون للعلماء رابطة فعالة من خلالها يصدرون، وإلا فإن كل عالم سيرى أن المشروع أكبر من حجمه؟ A لابد من بذل الوسع بقدر الجهد، والله سبحانه وتعالى مع حسن النية سيبارك بأي جهد، وإذا بذل العالم جهداً في سبيل النصح فسيكون لبذله الأثر الكبير، وأثر العالم دائماً يكون كبيراً جداً أكبر مما نتصور، ولو اجتمعت مؤسسات الدنيا ووسائلها وأساليبها على أن تؤدي ما يؤديه عالم قدوة إمام في الدين ما استطاعت، ونحن بحمد الله عندنا المثل من هؤلاء العلماء، ومن كبار مشايخنا من يعدل في جهوده الفردية التي لا يملك فيها إلا وسائل بدائية جهود أمة، بل يعدل جهود منظمة من المنظمات العالمية التي تملك من الوسائل الجبارة ما لا يملكه إلا بكلمة يصدع بها بالحق ويناصح المسلمين، وهذا من فضل الله على الأمة.

معرفة العلماء بأحوال الدعوات

معرفة العلماء بأحوال الدعوات Q علمنا بلا شك أن للعلماء مكانة واحتراماً خاصاً بهم، فعند استفتاء بعض العلماء في أمور الدعوة التي لا يعرف مصالحها ونتائجها الإيجابية إلا من عاصرها، فيفتي -مثلاً- العالم بعدم الجواز في هذا الأمر، فلا نقول: هذا من جهله؛ لأنه ربما لم يطلع ولم يعاصر هذا الأمر، ويعرف نتائجه الإيجابية والمصلحة الراجحة فيه، فأرجو توضيح هذا الأمر والفصل فيه؟ A هذا الكلام في الحقيقة جيد، وهو يعالج معاناة كثير من الشباب الذين يسمعون بالشعارات والدعوات وغيرها، وكلام السائل أوافقه فيه على الكثير، لكن هناك نقطة لا أوافقه عليها، وهي أن العلماء لا يدركون ما عليه الدعوات؟ فأقول: العلماء يدركون ذلك، لكن منظورهم لهذه الدعوات غير منظور من يعيش فيها أو من يراها، وأنا أعرف أن كبار المشايخ والعلماء يرد إليهم من أخبار الدعوات وأحوالها وأحوال أشخاصها ما لا يرد إلى أتباعها أنفسهم. وعندي على هذا البرهان، فمشايخنا الكبار يرد عليهم من أحوال الدعوات وأخبارها وأخبار أصحابها وأخطائهم وحسناتهم أكثر مما يعرفه أتباعها، لكن نظرتهم في التشخيص تختلف لاختلاف الأصل الذي يحكمون به، فهم يقومون تقويم المنصف بين النظرة إلى الحسنات والسيئات، والذين يعيشون للدعوات -سواء المتحمسين لها والمتحمسين ضدها- ينظرون بمنظار واحد، فالمتحمسون ضد الدعوات لا يعرضون إلا الوجه السيئ، والمتحمسون مع هذه الدعوات لا يعرضون إلا الوجه الحسن. وأكثر الأسئلة التي ترد إلى المشايخ من هذا الوجه من طائفة لا يرضون ما عليه الدعوات، فيعرضونها بعرض يكاد يكون الجواب فيه، والذين لهم حماس مع الدعوات وأصحابها يعرضون أمرهم على المشايخ بشكل يوحي بالجواب، بمعنى: أنهم يعرضون الجوانب الإيجابية والنافعة، ومع ذلك من العلماء من أنصف وقال قولاً يدل على ترويه، وإن كان لا يعجب لا هؤلاء ولا هؤلاء، وأغلب فتاوى المشايخ في الدعوات لا تعجب الفريقين، لكنها تعجب المتروي المنصف الذي ينظر في الأمر نظرة شرعية تحقيقية، فهذا أمر. والأمر الآخر: أنا أرى أن قضية الدعوات الإسلامية كلها في العالم هي من أهم وأخطر النوازل التي تحتاج إلى مزيد وقت ومزيد جهد ومزيد استقصاء ومزيد دراسة، وليس الذنب ذنب العلماء ولا التقصير تقصيرهم، فهم لم يقصروا ولم ينقصهم الوعي والإدراك فيها، إنما أصحاب الدعوات أنفسهم لم يعرضوا أمورهم ومشاكلهم بشكل واف على المشايخ، فهم عندهم مشكلات يريدون من المشايخ أن يرقعوها، وعليهم مآخذ يريدون من المشايخ أن يدافعوا عنها، وهذا هو مسلك لجوء الناس إلى المشايخ، وإلا ففي الحقيقة فإن الأمر يحتاج إلى أن تدرس القضية دراسة وافية وتعرض عرضاً وافياً كما اقترحت، وهذا أمر يدركه سائر طلاب العلم. إذاً: فالذنب ليس ذنب المشايخ والقصور ليس قصورهم، بل لم يقصروا في رؤيتهم أبداً؛ لأن عندهم من النظرة الشمولية ما لا يوجد عند كبار رواد هذه الحركات، بل رواد هذه الحركات يعيشون في دوائر مغلقة، والعلماء يعيشون في دوائر مفتوحة لا يحجب دونها أي حاجب ولا حاجز.

قبض العلم في آخر الزمان

قبض العلم في آخر الزمان Q يقول: قد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن العلم يقبض في آخر الزمان وذلك بقبض العلماء، فهل هذا يعني أن آخر الزمان يقل فيه العلماء والدعاة أيضاً؟ A هذه المسألة قد تكلم فيها أهل العلم بكلام طويل، لكن هذا الخبر لا يمكن أن يصادم الخبر الآخر، وهو أن الله سبحانه وتعالى تكفل بحفظ الدين إلى قيام الساعة، وأنه لا تزال طائفة من الأمة على الحق ظاهرة ومنصورة إلى أن يأتي أمر الله، وأمر الله قيل: إنه بداية أشراط الساعة، ولذلك فسر المحققون من أهل العلم أن معنى الحديث: (انتزاع العلماء): أنه عند قيام أشراط الساعة الكبرى، أما قبل ذلك فلابد من قائم بالحجة، لكن قد يضعف الأمر ويقل ويكون الإسلام في غربة بعض الوقت، ومع ذلك لا تخلو الأرض من حجة من أهل العلم، يعني: يكون نبراساً للأمة، ومرشداً تستضيء به.

حكم إشغال الأمة بمسائل خلافية

حكم إشغال الأمة بمسائل خلافية Q ما قولكم فيمن يقول: بأن طلاب العلم الشرعي يضيعون الوقت في شرح المسائل والأمة في أحلك ظروفها، وليست الأمة في حاجة إلى ما يدور؟ A هذا الكلام مجمل، فإن كان يقصد أن الاستغراق في الجزئيات -كما قال بعض الدعاة وطلاب العلم- التي يسع فيها الخلاف، وإشغال المسلمين بها، مع أن المسلمين فيها يعذر بعضهم بعضاً، فهذا لا شك أنه مسلك خاطئ، وقد يسلكه بعض الشباب -هداهم الله-، فيكون همهم إثارة قضايا يسع فيها الخلاف، والمسلمون في حل من الاختلاف عليها علماً أو عملاً أو الأمرين جميعاً، وعند المسلمين ما هو أهم منها من المنكرات والمآسي، وإغراق المسلمين فيها لا شك أنه خطأ. وأما إن كان القصد أن المسلمين لا ينشغلون بالفقه الشرعي بالمسائل الفقهية ومسائل جزئيات العقيدة والأحكام وأن هذا يعتبر خطأ فأقول: لا، ليس هذا هو الصحيح، بل الأصل هو أن يغرق المسلمون في دراسة دينهم بجزئياته وبأحكامه، وهذا هو الأصل، ولن تستقيم أمورهم إلا بهذا، فدراسة العلم الشرعي للعمل والدعوة هو الأصل، لكن المذموم هو نقل المسائل الخلافية -التي يسع فيها الاختلاف- إلى ساحة الصراع والولاء والبراء عليها، واتخاذ المواقف من خلالها، والتشنيع على المخالفين فيها، وهذه ظاهرة بدأت تظهر مع الأسف عند بعض الشباب.

كثرة طرق الدعوة والخير

كثرة طرق الدعوة والخير Q يتضايق أحياناً بعض الشباب الصالح؛ لأنهم أوقفوا عن العمل الفلاني، أو لأنهم لم يسمح لهم بتوزيع كذا لأحد المشايخ أو لغيرهم، ولأنه لم يصرح لأحدهم بتوزيع الشريط النافع، فما الحل أمام هذه الأشياء، أرجو إرشادنا؛ لأن كثيراً من الشباب توقفوا عن العمل بسبب ذلك؟ A المسألة فيها شيء من التهويل والمبالغة، وهذه من وساوس الشيطان، فطرق الخير والدعوة مفتوحة، وإن أغلق باب منها انفتحت أبواب كثيرة، بل أقول لكم أمر لاحظته وهو: كلما سعى أهل الشر لإغلاق باب من الخير انفتحت عشرة أو أكثر، وهذا لاحظته منذ سنين، ولله في ذلك حكمة، وليس بجهود أحد من البشر أبداً؛ ولذا فلا يضيق صدر المؤمن والمسلم إذا أغلق أمامه باب خير، بل يتسع صدره وينصح ويؤدي كلمة المناصحة للمسئولين وولاة الأمر، وهذا أمر لابد منه في مثل هذه الأمور؛ لأنه قد يشي واش عند المسئولين بأهل الخير فتقع الوشاية موقعها، وقد يهول ذلك بعض الفسقة والفجار -وهذه سنة الله في خلقه- فيهول من التحذير من أهل الخير أو من وجوه الخير، فتقفل بعض أبواب الخير بناء على هذه المشورة الخائنة، فيجب على طالب العلم والداعي إذا رأى باباً من أبواب الخير قد أغلق أن يسعى إلى المناصحة، ويطرق أبواب أهل العلم والمسئولين وأهل الحل والعقد في الأمة، فيبين لهم ويرشد، وهذا أمر ضروري لأمور: أن المناصحة في مثل هذه الأمور أمر ضروري شرعاً؛ لأنه إما أن يؤدي إلى خير وهو الغالب، أو أن يدرأ به شراً، أو تقوم به الحجة على ولاة المسلمين، وهذا مطلوب منا شرعاً، أي: مناصحة من ولاه الله علينا، أو يجعل الله به هيبة لأهل الخير والحق فينصرون بالرعب، لكنّ كثيراً من الدعاة -هداهم الله- ييأسون من إيصال كلمة الحق والنصح لبعض المسئولين، وهذا مسلك خلاف الكتاب والسنة، أليس الله سبحانه وتعالى أمر الأنبياء والمرسلين أن يقولوا النصح وكلمة الخير والقول اللين لمن هم كفار خلص. إذاً: فكيف بمن ينتسب إلى الإسلام. ثم أمر آخر وهو: يجب أن يكون على بالكم أنه إذا لم تنفع المشورة والنصح، ولم تنفع الكلمة ولم تؤد إلى أي نتيجة فهي إعذار أمام الله سبحانه وتعالى، والإعذار لا يتم إلا بهذا الأسلوب، لا أن يتم بالصياح في المنابر، وإن كان هذا طيب ومفيد. ثم أخيراً: أنه في المناصحة والإنكار وبيان الحق وإرشاد المسئولين دفع للبلاء، فكم يدفع الله عن الأمة من البلاء بسبب نصيحة ناصح وأنتم لا تشعرون. وعدم المناصحة خلل في المنهج، أعني: منهج اتباع السلف، فالسلف كانوا يناصحون ولاة الأمر براً كان أو فاجراً، حتى الكافر إذا كانت نصيحته تؤدي إلى الخير أو إلى نفع للمسلمين أو إلى درء للفساد عنهم فإن النصيحة له واجبة لا لذاتها وإنما للخير، فهذا شيخ الإسلام ابن تيمية نصح بعض ملوك التتار وتكلم معهم، بل تكلم مع بعض النصارى فيما يحقق مصالح المسلمين، وتكلم مع بعض المشركين الذين سلطهم الله على المسلمين في وقت من الأوقات بما يقتضي النصيحة، فكيف ونحن بحمد الله في بلاد المسلمين، ومع أناس هم من المسلمين، لذا فالمسألة تحتاج إلى تأصيل شرعي، ولابد من أداء النصيحة إعذاراً إلى الله تعالى.

معالم على طريق الصحوة

معالم على طريق الصحوة الصحوة الإسلامية في العصر الحاضر يقظة بعد نوم، وصحوة بعد سبات، وهي صحوة مباركة آتت كثيراً من الثمار، وأعادت الناس إلى التمسك بالسنة وإحياء بعض معاني الدين التي كادت تموت، وإماتة البدع والمحدثات، ومع ذلك فهناك سلبيات وأخطاء ينبغي تداركها والعمل على إزالتها.

أهمية الكلام عن الصحوة

أهمية الكلام عن الصحوة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، أما بعد: أيها الإخوة! فإن من أهم الأمور التي تجول في خاطر كل مسلم غيور على دينه ما يتعلق بالصحوة في حقيقتها ومفهومها، وفي خصائصها وسماتها، وفي إيجابياتها وسلبياتها وأخطائها، وفي تسديدها وتقويمها وفي مستقبلها. والحديث عن هذا الموضوع متشعب وطويل، وبمجرد ما أشير علي بالحديث عنه تواردت إلي خواطر كثيرة اخترت منها ما أرى أنه مهم وجدير بالبحث على وجه السرعة، ونظراً لكثرة الموضوعات وتداعيها فإني سأطرح كثيراً من القضايا التي أذكرها على شكل أطروحات يجب على أهل الحل والعقد في هذه الأمة من العلماء والدعاة وطلاب العلم أن يعنوا بها، وأن يعطوها حقها من البحث والعمل. وسأقف بعض الوقفات: الوقفة الأولى: حول مفهوم الصحوة. والثانية: في تقويمها. والثالثة: في مظاهر هذه الصحوة. والرابعة: في خصائص الصحوة. والخامس: في عيوبها وسلبياتها. والسادسة: في مواقف الناس منها. والأخيرة: في التوصيات.

مفهوم الصحوة

مفهوم الصحوة أما الوقفة الأولى: ففي مفهوم هذه الصحوة. الصحوة: مصطلح جديد فرض نفسه على الناس، والصحوة في اللغة مأخوذة من الصحو، وهو: ترك الباطل، أو ترك الصبوة، أو ذهاب السكر. والصحوة أيضاً: تطلق على ذهاب الغيم، يقال: أصحت السماء بمعنى: انقشع عنها الغيم، أو نحوه مما يحجبه. ويقال: صحا فلان من نومه أي: أفاق. فالصحوة أيضاً بمعنى: الإفاقة من الغفوة والنومة والغفلة. أما في الاصطلاح: أي: فيما هو معهود عند الناس اليوم فإن الصحوة بالاصطلاح المعاصر تعني: عودة شباب هذه الأمة بخاصة إلى دين الله تعالى، كما أنها تعني إفاقة المسلمين بعامة من غفوة الجهل والفرقة، وهيمنة البدع والمحدثات والشركيات. كما أنها تعني أيضاً: الإفاقة من سكرة الذل والتبعية والهوى. أو هي: محاولة العودة إلى السنة والجماعة وتجديد الدين بالمعنى الشرعي الصحيح بعد الغربة التي هيمنت على الإسلام والمسلمين في العصور المتأخرة. والصحوة هي: وعد الله الذي لا يخلف، وهي قدر الله الذي لا يرد؛ لأنها مقدمات الفتح بمعانيه الشرعية الشاملة، والله تعالى بشر رسوله صلى الله عليه وسلم بالصحوة الأولى حينما تمكن الإسلام من قلوب الناس في ذلك الوقت، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:1 - 3]. وفي نظري أن التعبير عن نهضة المسلمين وعودتهم إلى دين الله بالصحوة تعبير سليم، وهو يقابل التعبيرات والإطلاقات السائدة إعلامياً والتي انطلقت من خصوم الدعوة في داخل العالم الإسلامي وفي خارجه، وهي: تلك التسميات التي تعني لمز الدعوة إلى الله، ولمز الرجوع والعودة إلى الإسلام. من هذه الإطلاقات الشنيعة: إطلاق كلمة التطرف على الصحوة، أو إطلاق كلمة الأصولية، وإن كانت هذه الكلمة محتملة للمعنى الصحيح والمعنى الباطل، لكن الذين أطلقوها لا يريدون إلا المعنى الباطل. كذلك: إطلاق وصف المعارضة على هذه الصحوة المباركة، كل ذلك من الإطلاقات الجائرة التي انساق معها كثير من خصوم الدعوة، ومن الإعلام في العالم الإسلامي مع إطلاقات الكفار فيها.

تقويم عام للصحوة

تقويم عام للصحوة الوقفة الثانية: تقويم عام موجز لهذه الصحوة، وسيليه تقويم شامل إن شاء الله. أما التقويم العام: فإن أحسن ما يمكن أن يقال في هذه الصحوة أنها في الجملة خير وبركة، وباعث على الفأل للأمة جميعاً، وهي: مقدمة النصر للإسلام والمسلمين، وهي بشرى من الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين، وهي قدر الله الذي لا يرد، وغرسه المبارك، ووعده الصادق، وأمنية كل مسلم مخلص. لكن مع ذلك يجب ألا نفرط في التفاؤل؛ لأنا نجد في ثنايا هذه الصحوة مظاهر فرقة، ومظاهر غلو وتشدد في الدين وتعمق، ونرى نزعات أهواء وعصبيات وشعارات وأحزاب وخصومات، إذا لم يعالجها العقلاء أهل العلم والفقه في الدين فربما تتحول إلى مصائب وبلايا ومحن وفتن لا يعلم مداها إلا الله، نسأل الله العافية.

مظاهر الصحوة وسماتها

مظاهر الصحوة وسماتها الوقفة الثالثة: في مظاهر هذه الصحوة وفي سماتها: مظاهر الصحوة وسماتها كثيرة ومختلفة بحسب رؤية الرائين، وبحسب نظرة المراقبين لهذه الصحوة، أو المعايشين لها، أو خصومها، لكني ألخص أهم هذه المظاهر بما يلي: أولاً: تنامي التدين، أي: العودة إلى الإسلام والسنة، والالتزام الشرعي في كل شرائح الأمة، بل في كل مكان، وكل بقعة من الأرض، وعلى كل مستوى من المستويات، وليس فقط في الشباب كما يظن بعض الناس، وإن كان أبرز مظاهر هذه الصحوة وجودها في الشباب، أو تنامي التدين في الشباب، لكن هذا مظهر من المظاهر، ونجد للصحوة مظاهر شتى في جميع مجالات حياة الأمة، وفي جميع شرائحها في الصغار والكبار، وعلى كل المستويات الرسمية وغير الرسمية. ثانياً: من مظاهر هذه الصحوة: ظهور الجماعات الكثيرة في الدعوة إلى الله، بصرف النظر عن إيجابية هذه الظاهرة أو سلبيتها، إنما ظهور الجماعات وكثرتها والتفاتها إلى الدعوة والحسبة كل ذلك مظهر من المظاهر الجلية للصحوة. ثالثاً: القوة في الحق في أبناء هذه الصحوة، والجرأة في الصدع بالحق. رابعاً: تتمثل الصحوة أيضاً في جرأة الشعوب على النداء بالعودة إلى الإسلام في كل مكان، وفي كل زمان، رغم ما يكتنف هذه النداءات والشعارات من الجهل والتقصير والتجاوز إلا أنها ظاهرة قوية في جميع الشعوب في العالم الإسلامي، بل وحتى في غير العالم الإسلامي، حتى في الأقليات الموجودة في البلاد الكافرة، نجد أن مظاهر الاعتزاز بالدين والالتزام، ومحاولة استعادة المكانة اللائقة بالمسلم شملت جميع الأرض، وما من حجر أو مدر فيه إنسان مسلم إلا ونجده بدأ يشعر بعزة الإسلام، وعزة المسلم، وهذه ظاهرة أقضت مضاجع الأعداء والخصوم. خامساً: تتمثل الصحوة بهذه النهضة العلمية الشرعية العارمة القوية في كل مجال وفي كل مكان، وعلى كل مستوى، وتتمثل هذه النهضة في كثرة المؤلفات الجيدة المؤصلة، وفي كثرة الوسائل الأخرى التي تنشر العلم الشرعي من النشرات والكتب والأشرطة وغيرها. كما تتمثل أيضاً: بكثرة المراكز العلمية والجمعيات وتناميها. المظهر السادس: محاولة استئناف الريادة لأهل الريادة الشرعية، ريادة الأمة بالعلماء وأهل الفقه في الدين، وهذه المحاولة محاولة جادة نشطة في الشباب وفي غير الشباب من شرائح الأمة وطبقاتها، فنجد أن المسلمين بدءوا يشعرون بأنهم بحاجة إلى الالتفاف حول أهل العلم والفقه في الدين، وإلى إحياء معاني أهل الحل والعقد في الأمة بعدما كاد هذا المعنى يضيع، وبعدما سيطرت العلمنة على الأمة فمكنت للرؤساء الجهال الذين قادوا الأمة إلى العلمنة والإعراض عن دين الله. فاستئناف الريادة للعلماء وأهل الفقه في الدين ظاهرة جلية واضحة بحمد الله، تتمثل في الالتفاف حولهم، وفي رد اعتبارهم، وفي السماع منهم، وفي الصدور عن قولهم ورأيهم وتوجيههم، رغم ما في ذلك من التقصير والتجاوزات، إلا أن هذه في نظري ظاهرة عامة قوية تتنامى وتزيد. السابع: إحياء شعائر الدين الظاهرة وغير الظاهرة من إقامة الصلاة، وإقامة الفرائض والسنن، وإحياء الجهاد، وإحياء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والحسبة بمعانيها الشاملة. ثامناً: السعي للخروج بالأمة من حالة الإعراض عن دين الله تعالى والصد عنه أحياناً، ومن حالة الجهل والفرقة وهيمنة البدع والتخلف العقدي، ومن التبعية الفكرية والثقافية والسياسية، إلى العزة التي أرادها الله سبحانه وتعالى. تاسعاً: تتمثل مظاهر هذه الصحوة وآثارها في تنازلات بعض الأنظمة والدساتير بالاعتراف بالإسلام، وإن كان شكلياً إلى الآن، لكنه تنازل يدل على أن الله سبحانه وتعالى أراد لهذه الأمة أن تنهض فألقى الرعب في قلوب أعداء الإسلام في الداخل والخارج. عاشراً: خروج الكفار والخصوم عن صمتهم، وعن الكيد والدس الخفي إلى إعلان الحرب على الإسلام والمسلمين إعلاناً سافراً، لا التواء فيه، بل إنهم أعلنوا رهبتهم من هذه الصحوة، حتى أن رئيساً من أكبر رؤساء الغرب يوصي رئيساً من أصغر رؤساء الشرق بأن يحذر من الأصولية، وهذه مسألة لا يبوح بها رئيس في أمر خطير من أهم أمور الغرب الاستراتيجية إلا والأمر وصل إلى حد الخروج عن الصمت والفزع الذي أقض المضاجع عند الغرب. أقول: إن من أبرز مظاهر الصحوة: خروج الكفار وخصوم الدعوة وخصوم الإسلام والمسلمين في الداخل والخارج عن صمتهم، وإعلانهم رهبتهم من الصحوة، وإعلان حالة الطوارئ سياسياً في جميع العالم.

خصائص الصحوة

خصائص الصحوة الوقفة الرابعة: في خصائص هذه الصحوة: وأقصد بالخصائص الجوانب الإيجابية التي تتميز بها.

سرعة الانتشار

سرعة الانتشار فأول هذه الخصائص وأبرزها لكل ناظر لأمر الصحوة هو: سرعة الانتشار وسرعة النمو، وسرعة التكامل بشكل مذهل.

القوة في الحق والحرص على العلم

القوة في الحق والحرص على العلم وثانياً: القوة والصلابة في الحق عند كثير من أبناء هذه الصحوة. وثالثاً: الإقبال والحرص على التزود بالعلم الشرعي والفقه في الدين، وهذه ظاهرة صحية تبشر بالخير، وتبعث على الفأل. إقبال المسلمين عموماً والشباب على وجه الخصوص على التزود بالعلم الشرعي الصحيح وبطرقه السليمة، وعلى التفقه في الدين، والتزام أهل العلم من العلماء والمشايخ القدوة، مما يبعث على الفأل في هذه الصحوة.

الحرص على السنة

الحرص على السنة رابعاً: الحرص على السنة والجماعة بكل معانيها، وهذا لا يعني أن الصحوة كلها تسلك طريق السنة والجماعة، لكن مظاهر الحرص موجودة، ودعاوى الالتفاف حول أهل السنة والجماعة ورفع شعار السنة والجماعة موجودة وبجد، لكن قد يكون هناك شيء من التقصير أو الفهم الخاطئ لمعنى السنة والجماعة، ولمناهج أهل السنة والجماعة. أما جدية الإقبال فهي موجودة ومتوفرة في كثير من فصائل الدعوة والصحوة في جميع العالم.

التخلص من البدع

التخلص من البدع خامساً: محاولة التخلص في الأغلب من البدع والمحدثات في الدين، ومن آثار الجهل والافتراق التي هيمنت على الأمة في عصورها المتأخرة.

العزة

العزة سادساً: تتمثل أيضاً هذه الخصائص بالاعتزاز، أي: اعتزاز المسلمين عموماً، وشباب الصحوة على وجه الخصوص بالدين والسنة، وإظهار الولاء للمؤمنين وللإسلام وللحق وأهله، والبراءة من الشرك والكفر والفسق والفجور، وهذه أيضاً خصيصة تكثر وتزداد بحمد الله.

السعي إلى إحياء معاني الجهاد والحسبة

السعي إلى إحياء معاني الجهاد والحسبة سابعاً: السعي إلى إحياء معاني الجهاد والحسبة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأمة، وهذه المعاني أيضاً: تظهر في كل بلد من بلاد المسلمين بقوة وجلادة، لكنها قد توجد فعلاً وقد لا توجد، أما التوجه فهو توجه عارم قوي، ومن أكبر هواجس الدعاة وشباب الصحوة في كل بلد إسلامي هو ما يتعلق بهذه الأمور التي تحيي شعائر الإسلام.

رفض مظاهر الفسق والانحلال والتبعية

رفض مظاهر الفسق والانحلال والتبعية ثامناً: رفض مظاهر الفسق والانحلال والذلة والتبعية والتشبه والانهزامية التي هيمنت على الأمة في الآونة الأخيرة: وأقصد بذلك أن المسلمين بدأ عندهم الشعور بضرورة العودة إلى الإسلام، فلذلك صار عندهم شيء من ردة الفعل المعتدلة أحياناً والعنيفة أحياناً ضد مظاهر الفسق والانحلال والرذيلة. بل ربما يكون من أقوى أسباب قوة هذه العودة إلى الإسلام هو هيمنة الفساق والعلمانيين على العالم الإسلامي، وما سعوا إليه من فرض الحكم بغير ما أنزل الله، ورفض دين الله تعالى وشرعه، وإعلان مظاهر الانحلال والخروج من الفضيلة والحشمة، أقول: إن هذا السبب هو من أعظم أسباب سرعة التنامي في وجود الصحوة والعودة إلى الإسلام من جديد. فلذلك يجب ألا يغفل من يدرس ظواهر التشدد والغلو في بعض شباب الأمة، عن أن السبب الأول لظهور العنف والتشدد والغلو في بعض الشباب الجهلة هو هيمنة العلمانية، وفرض أسسها الخبيثة التي تعلن الرذيلة وتعرض عن دين الله تعالى، وتصد عن سبيل الله، ولو تحاكم الناس إلى شرع الله لوجدوا أن المسئول الأول عن ظهور هذه المظاهر الشاذة في بعض الشباب المتشدد هو العلمنة وما نتج عنها.

الاهتمام بأمور المسلمين

الاهتمام بأمور المسلمين تاسعاً: من خصائص الصحوة الطيبة: الاهتمام بأمور المسلمين وقضاياهم في كل مكان، والمراقب المنصف يجد أن من أكبر حسنات هذه الصحوة المباركة أنها أيقظت المسلمين لشعور بعضهم بمعاناة البعض الآخر، وأيقظتهم للاهتمام بأمور المسلمين في أي مكان، وأوجدت لديهم ضرورة التكافل والتعاون والتناصر والتآزر، وأبعدت عنهم الإقليمية والانطوائية التي غرسها الجهل والبدع، وغرسها الاستعمار والاحتلال، وغرستها الأنظمة العلمانية.

محاولة النهوض بالأمة

محاولة النهوض بالأمة عاشراً: محاولة النهوض بالأمة في كل نواحي الحياة، فإنا نجد أن أكثر الناس جداً وإسهاماً في إخراج الأمة من ضعفها وذلها هم شباب هذه الصحوة، ولو مكن لهم لكان للأمة وضع غير ما هي عليه، أعني: لو مكن أهل الخير والاستقامة، وأهل العلم والفضل والفقه في الدين من الإسهام الإيجابي في أمور الأمة في دينها ودنياها؛ لنهضت نهضة جبارة سبقت غيرها من الأمم. وهذه سنة من سنن الله التي لا تتخلف. فمن حسنات هذه الصحوة وخصائصها الطيبة: أنها حاولت جادة النهوض بالأمة، رغم ما يحدث من صدها وإبعادها عن مراكز التأثير والإنتاج والعمل الإيجابي.

السعي إلى الرقي بالدعوة

السعي إلى الرقي بالدعوة حادي عشر: السعي إلى الرقي بالدعوة بوسائلها وخططها وأساليبها من الارتجاليات والعفويات، والطرق والوسائل البدائية والفردية، إلى العمل المؤسسي والمنهجي والإداري المدروس الذي يفيد من الإمكانات المتاحة للأمة، وهي الإمكانات المعاصرة الجبارة، والوسائل المتوفرة التي لو استخدمت في نصرة الحق، لكان خيراً عظيماً.

العالمية

العالمية ثاني عشر: من أبرز خصائص هذه الصحوة أنها عالمية، خرجت من نطاق الإقليمية والوطنية، ومن نطاق القومية، وإن كان هذا شيئاً نسبياً قد يتخلف أحياناً في بعض الجماعات أو في بعض البلاد أو في بعض الأفراد الذين لهم أثر في الدعوة، لكن السمة العامة التي تتميز بها الصحوة في عمومها في جميع العالم العالمية. وأنا عندما أتكلم عن الصحوة أحب أن أنبه أني لا أقصد الصحوة في بلد معين، ولا في العالم الإسلامي فقط، بل الصحوة في جميع العالم، لأنا نجد أن الإسلام نفسه يتنامى وتظهر دول الآن بملايين السكان تنضم إلى منظومة العالم الإسلامي، وهذه بداية نصر الله وفتحه الذي وعد الله به. فأقول: إن من أهم سمات هذه الصحوة: أنها عالمية، عالمية في التوجه والأهداف، وعالمية في نشر الإسلام، وعالمية في الاهتمامات حتى إنها تتخطى الحدود والإقليميات وهذا مما أزعج خصوم الدعوة، وجعلهم يتكالبون عليها في كل مكان، حتى الدول التي لا يوجد فيها عزة للمسلمين أو أن المسلمين فيها أقلية، نجد أنها تنضم إلى مجموعة التحدي والتصدي للإسلام والمسلمين، وهذا من سنن الله التي يجب أن نفقهها وأن نعلمها ولا نستغربها. ولا يهولنا الأمر إذا علمنا هذا، بل نستبشر خيراً؛ لأنه ما وجد هذا الزخم الهائل في خصومة الدعوة والتصدي لها إلا حينما كان لها كيان، فلذلك يجب بعد هذا ألا نتجادل: هل الدعوة أثمرت أو ما أثمرت؛ لأنها لو لم تثمر لما كان هذا الزخم من التخوف والتصدي لهذه الصحوة في جميع العالم. إذاً: فهي عالمية تحمل هموم المسلمين في كل مكان، وتحمل إن شاء الله غايات الإسلام في كل مكان.

عيوب الصحوة وسلبياتها

عيوب الصحوة وسلبياتها الوقفة الخامسة: أرجو ألا تضيق بها صدوركم، فإن الخير قد يأتي بالشر كما ورد في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الخير قد يأتي بالشر). فلذلك يجب ألا نغرق في التفاؤل، ويجب أن نعرف أن التسديد والنصر والتوفيق رهين ببذل الجهد والنصح، وفي تسديد الصحوة وترشيدها، وإن تركت لمجرد التفاؤل والاندفاع التي هي عليه فربما تحدث نكسات الله أعلم بها. فلذلك سأشير إلى أهم ما يمكن أن يظهر للمراقب لهذه الصحوة من عيوبها وسلبياتها ودوائها. والصحوة إنما تتمثل في بشر، وهم المسلمون الذين فيهم ما فيهم من أمراض العقائد، وأمراض السلوك، وأمراض الأفكار، والأدواء الأخرى، ثم إنها ظهرت من ركام جاهلي ثقيل عظيم شديد، فمن الطبيعي أن تحمل بعض أضرار هذه الركام، ومن الطبيعي أيضاً أن توجد فيها بعض السلبيات؛ لأن ضخامة الصحوة وسرعة انتشارها أكبر من أن يتحكم فيها العقلاء، لكن مع ذلك يجب التسديد والمقاربة والنصح قدر الإمكان ومع بذل الوسع وإهداء النصح، فإن الله سبحانه وتعالى لا يخيب عمل العاملين. من أبرز هذه العيوب ما يلي:

ضعف التفقه في الدين

ضعف التفقه في الدين أولاً: ضعف التفقه في الدين في العموم: فرغم كثرة الحرص على التحصيل الشرعي، ورغم كثرة الوسائل لهذا التحصيل إلا أنه تنقصه المنهجية التي تتمثل في أن تحصيل العلوم الشرعية ينبغي أن يكون على القدوة على ركب العلماء والمشايخ، وهذه المسألة لا تزال غير كافية في تفقيه الصحوة. وأيضاً: ينبغي أن يكون تحصيل العلم الشرعي على أصوله الشرعية المعروفة في التحصيل في البدايات والنهايات وطرق التحصيل وأساليبها، وعلى من تكون، وكيف تكون، كل ذلك لا يتسع المقام لتفصيله، إنما له طرق شرعية مثبتة في النصوص وآثار السلف، وفي مناهجهم.

الجفوة المفتعلة بين العلماء والشباب

الجفوة المفتعلة بين العلماء والشباب ثانياً: من أخطر أدواء هذه الصحوة في بعض فصائلها وبعض شبابها، وبالطبع ينبغي أن يفهم أن أكثر هذه العيوب توجد في شرائح من المسلمين وفي طبقات، وليست في جميع المسلمين، وفي جميع أبناء الصحوة، لكن مع ذلك لابد من الاعتراف بها، وإن وجدت في قلة من الشباب أو من المسلمين. أقول: من أخطر هذه العيوب والسلبيات: الجفوة المفتعلة بين العلماء والشباب، والتي يغذيها خصوم الدعوة وينمونها بكل وسيلة، وهذه الجفوة منها: جانب حقيقي، ومنها: جانب وهمي مفتعل ومتكلف أو سعى إليه خصوم الإسلام، وتتمثل هذه الجفوة بأمور: أولها: قلة الشباب الذين يتلقون العلم الشرعي عن المشايخ، وأكثرهم يتلقون العلم الشرعي إما عن بعضهم، أو عمن هم دون طلاب العلم والمشايخ، وهذا أمر لا ينكر لذاته؛ لأن تحصيل العلم الشرعي يكون عن كل من كان لديه علم وأجاده ولو لم يكن عالماً، لكن الخطير هو الاستغناء بالشباب الأحداث وطلاب العلم الصغار عن أخذ العلم عن الكبار. أما أخذ العلم عن الجميع فهو أمر شرعي، ولا يتأتى للناس ألا يأخذوا العلم إلا عن الكبار؛ لأن هذا أمر لا يمكن مع كثرة الواردين وكثرة الطالبين. لكني أقول: إن ظاهرة عزوف الشباب عن أخذ العلم عن المشايخ ظاهرة لا تزال موجودة، تحتاج إلى شيء من النظر والعلاج. كما تتمثل هذه الجفوة بالتفاوت بين الشباب والشيوخ والعلماء، التفاوت الذي سببه ضعف التلقي، أي: تلقي الشباب من مشايخهم، التفاوت في التفكير والتفاوت في الحكم على الأشياء، والتفاوت في النظرة إلى الأمور الخطيرة في حياة الأمة ومستقبلها. ولو قلنا بالإنصاف لوجدنا أن المسئول الأول عن هذا التفاوت ليس هو المشايخ والعلماء الكبار بقدر ما هم الشباب، أو الموجهون للشباب.

تغليب جوانب اليأس

تغليب جوانب اليأس ثالثاً: من العيوب التي توجد في بعض شباب الصحوة: تغليب جوانب اليأس، والتشاؤم والشعور بالإحباط، وسوء الظن، ونشر ذلك بين شباب الأمة وأفرادها.

التنازع في الخلافيات

التنازع في الخلافيات رابعاً: التنازع في الخلافيات التي يسع فيها الخلاف ويعذر فيها المسلم أخاه، وما ينتج عن هذا التنازع من التنابز، ومن التبرؤ أحياناً، والتهارج والتهارش والخصومات على الانتماءات والمناهج والشعارات، والتعلق بالأمور الخلافية التي يجب على المسلم أن يعذر أخاه في المخالفة فيها. وأنا أقول وحسب ما أعلمه: إن الكثير مما يختلف فيه المسلمون اليوم وخاصة الشباب، ويتخاصمون عليه من الخلاف على المناهج، أو على الجماعات، أو على الشعارات أو على الانتماءات أو نحو ذلك: إن أغلبه يدخل في مجال الأمور الخلافية التي يجب ألا يتنازع فيها المسلمون، إنما يجب أن يحترم كل واحد فيها وجهة نظر الآخر، ولا يجوز أن يخاصم فيها أو يعادي، أو يوالي ويتبرأ عليها.

التعلق بالشعارات أكثر من التعلق بالحقائق

التعلق بالشعارات أكثر من التعلق بالحقائق خامساً: من العيوب الخطيرة: التعلق بالشعارات أكثر من التعلق بالحقائق والمعاني.

الغلو في الدين

الغلو في الدين وسادساً: من السمات الظاهرة في بعض شباب الدعوة وشباب الأمة: الغلو في الدين، والتشدد الذي يصل أحياناً إلى سلوك مسلك الخوارج، وأحياناً يكون دون ذلك. ولاشك أن مظاهر الخوارج وسمات الخوارج موجودة في فئات قليلة بحمد الله، كما أن مظاهر التشدد والغلو في الدين وبذور الفرقة موجودة في قطاع من شباب الأمة، وهو إن كان قليلاً، لكن القلة يجب ألا يستهان بها، فإن الخوارج الأولين كانوا قلة ومع ذلك أتعبوا الأمة في العصور الفاضلة، فكيف في هذه العصور المتأخرة التي ضاع فيها كثير من معالم الحق عن الناس. وكما أسلفت فإن المسئول الأول عن وجود مظاهر الغلو والتشدد والعنف هو الأنظمة العلمانية والمظاهر العلمانية، وتمكن العلمانيين من مقاليد الأمة، وما فعلوه وأوصلوا الأمة إليه من رفض شرع الله تعالى، والصد عن دين الله، وإشاعة الرذائل، ومطاردة أهل الفضيلة، وفرض الكفر على الأمة بالحكم بغير ما أنزل الله، وما يستتبع ذلك من مظاهر الكفر والشرك والانحراف، والفساد الخلقي والاجتماعي، والفساد الاقتصادي وغير ذلك مما ساد في الأمة حتى أصبح من المعضلات الكبرى التي يئس الناس من حلها إلا بقدر من الله. أقول: إن المسئول الأول عن وجود مظاهر التشدد والعنف هي الأنظمة التي تتحدى الإسلام، فإذا زالت مظاهر هذا التحدي فلاشك أن مظاهر العنف ستخف، وربما يكون القضاء عليها سهلاً؛ لأن العقلاء إذا كان لهم دور في الحل والعقد استطاعوا أن يقضوا على مثل هذه المظاهر إذا لم تكن موجباتها أكبر من استطاعتها. أما الآن: فإن موجبات التشدد وموجبات العنف أكبر من أن يستطيع أهل الإصلاح القضاء عليها بين عشية وضحاها.

العاطفية وسرعة الانفعال

العاطفية وسرعة الانفعال سابعاً: من عيوب هذه الصحوة: العاطفية، وسرعة الانفعال، وسرعة الحكم، وما يستتبع ذلك من الطيش والتقلب في الآراء والمواقف، والجرأة في الفتاوى والأحكام، وغير ذلك، هذا وإن كان يوجد في القليل إلا أنها سمة بدأت تكثر وتنتشر مع فداحة الأحداث في الآونة الأخيرة.

التعلق بكل ناعق

التعلق بكل ناعق ثامناً: التعلق بكل ناعق واتباع كل من رفع الشعار: ولذلك نجد أنه يتصدر الدعوة إلى الله وأمور المسلمين في كثير من البلاد من لا يفقه من الدين شيئاً، أو لا يفقه إلا القليل.

الاستسلام للأوهام

الاستسلام للأوهام تاسعاً: الاستسلام للأوهام النفسية: ومن ذلك توهم بعض الخصوم الذين لا وجود لهم، أو توهم العقبات التي ليست بعقبات في الحقيقة، أو هي عقبات هينة بإذن الله وبعونه وتوفيقه. وكذلك توهم أن كثيراً من أفراد المجتمع والأمة ومن بأيديهم مقاليد الأمور خصوم، في حين أن الأمر قد لا يكون كذلك، نعم لا بد أن يوجد خصوم؛ لأن هذه سنة الله في خلقه، لكنه يوجد في بعض الأمة من الغيورين من يتوهم أن كثيراً ممن حوله هم من خصومه أو من خصوم الدعوة، وهذا مرض يجب أن يعالج. كذلك من الأمراض النفسية عند بعض شباب الصحوة التهويل من خطط الخصوم والأعداء، وافتراض الأشياء المستقبلية بناء على شائعات أو تقارير تسمع، أو على تصريحات تقال، أو على قرارات دولية أو غير دولية. والمبالغة في هذه الأمور فيها نوع من التيئيس والإحباط، وعدم الثقة بالله تعالى سبحانه وتعالى وبنصره. ولا أقول بالاستهانة بما عليه الأعداء، أو بما يخططون له من صد عن دين الله وشرعه، وقمع للدعاة والمصلحين، هذا أمر يجب أن يكون على البال حتى لو لم يوجد فيجب أن نفترض أنه موجود؛ لأنه سنة ثابتة من سنن الله. لكن أقول: المبالغة في تصوير الأحكام والتقارير على أنها عقبات كبرى أمام الدعوة إلى الله، وترتيب النتائج المستقبلية عليها بما يؤدي إلى اليأس والقنوط؛ هذا أمر لا يجوز شرعاً، وهي سمة وظاهرة خطيرة في بعض وشباب الصحوة.

تجاهل الآخرين من المخالفين

تجاهل الآخرين من المخالفين عاشراً: تجاهل الآخرين من المخالفين أو العامة، أو فصائل وطبقات المجتمع والأمة التي لا تباشر الدعوة، أو لا تؤديها أو لا يهمها أمر الدعوة، ولا أمر الإسلام والمسلمين. ينبغي للدعاة إلى الله ألا يفترضوا أن الناس كلهم يجب أن يكونوا على نمط واحد من الاستقامة، ولا على نمط واحد من الفهم والاستعداد، ولا على نمط واحد من القيام بالواجب، فإنا لو تصورنا الأمر كذلك لاختلت الموازين، ولما وجدنا للخير منفذاً، بل يجب أن نفهم أن الأمور مناطة أولاً بالخلص من أهل التقوى والصلاح الذين يحملون هذه الدعوة، وثانياً بأهل الحل والعقد في الأمة، وهم العلماء والدعاة وطلاب العلم، فهؤلاء هم الذين يجب عليهم أن يقوموا بالواجب، وغيرهم إن سادوا فهم تبع لهم، وإن لم يسودوا فالناس تبع لمن ساد، ويجب ألا نغفل عن هذه الحقيقة، فلذلك يجب على شباب الصحوة على وجه الخصوص ألا يتجاهلوا الآخرين، وأن يعطوهم اعتبارهم في جميع جوانب التعامل، وألا يستهينوا بهم لا سلباً ولا إيجاباً.

الاستهانة بمبدأ النصيحة

الاستهانة بمبدأ النصيحة حادي عشر: من سلبيات هذه الصحوة: الاستهانة بمبدأ النصيحة الواجبة شرعاً بمعناها الشامل، أعني: النصيحة لله تعالى، ولكتابه، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ولأئمة المسلمين وعامتهم. وتبرز أخطر جوانب الإخلال بالنصيحة في عزوف بعض الدعاة والمصلحين عن مناصحة ولاة الأمور، أو السلاطين أو الولاة بشتى أشكالهم وأنواعهم، فإن العزوف عن هذه المناصحة مخالفة لسنة من أعظم سنن الهدى التي كان عليها سلفنا الصالح. والمناصحة لابد أن تكون بأسلوبها المناسب، ولابد أن تؤدى حتى ولو رفضت، وأن تكرر حتى ولو صدت، وأن تكون بكل وسيلة يستطيعها الفرد، أو تستطيعها الجماعات، أو يستطيعها أهل الحل والعقد، فإن من أعظم جوانب التقصير الإخلال بهذا الجانب، بل أخطر من ذلك اعتقاد بعض الناس أن الولاة إذا كانوا ظلمة أو فجرة أو عصاة لا يناصحون، أو أنه لا تجوز مناصحتهم، أو أن مناصحتهم لا تفيد، وهذا مبدأ خطير يخالف الأصول التي عرفناها وعلمناها عن سلفنا الصالح، فإن المناصحة واجبة لكل من ولاه الله أمر المسلمين حتى لو لم يكن حقيقاً بالولاية، فلابد مناصحته بكل وسيلة، وبأسلوب مناسب، ولابد من تكرار المناصحة وإن لم تفد، فإن المناصحة واجبة شرعاً، وهي حق من الحقوق، ثم إنها مدفعة للبلاء، ومجلبة للخير، وبها الإعذار من الله سبحانه وتعالى، ويتحقق بها الأجر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقيام بالواجب ممن يسدون النصيحة.

الاضطراب في المواقف والأحكام

الاضطراب في المواقف والأحكام ثاني عشر: الاختلال والاضطراب في المواقف والأحكام خاصة عند الأحداث الخطيرة والمحن التي تصيب الأمة.

اختلال موازين العدل والإنصاف مع الخصوم

اختلال موازين العدل والإنصاف مع الخصوم ثالث عشر: اختلال موازين العدل والإنصاف خاصة مع الخصوم. وهذه أيضاً سمة ظاهرة عند كثير من الدعاة، فإن بعضهم يغفل إنصاف الخصم إما تورعاً وهو تورع كاذب، وإما بتأول كأن يقول: الأصل في الناس الخير، ونحن ما يهمنا إلا ذكر المعايب، أو ذكر الأخطاء لتفاديها. وهذا أمر لا يجوز فيمن يحكم على الآخرين باسم الدعوة إلى الله، وفيمن يقوم الآخرين تقويماً يقتدى به فيه، فإنه لابد من إنصاف الناس حتى الخصوم. والدعاة إذا تكلموا في حاكم أو عالم أو هيئة أو مؤسسة، في صديق أو منازع أو خصم، فلابد أن ينصفوا وأن يذكروا الإيجابيات، ثم يذكروا السلبيات، خاصة في هذا الوقت التي تلتقط فيه زلات الدعوة، ويترصد خصومها كل خطأ ليأخذوها به، فيجب الإنصاف. فأقول وأنا مقتنع: إن كثيرين من الدعاة وشباب الصحوة عندهم اختلال في موازين العدل والإنصاف مع الخصوم، تورعاً أو بتأول، أو بأسباب أخرى لا يناسب المقام ذكرها، ولعلها تأتي لها مناسبة أخرى إن شاء الله.

الجهل بقواعد الشرع ومقاصده

الجهل بقواعد الشرع ومقاصده رابع عشر: الجهل بقواعد الشرع، ومقاصده الكبرى.

قلة الصبر والتحمل

قلة الصبر والتحمل خامس عشر: قلة الصبر والتحمل.

الجهل بأحكام التعامل مع الولاة والعلماء والعامة

الجهل بأحكام التعامل مع الولاة والعلماء والعامة سادس عشر: الجهل بأحكام التعامل مع الولاة والسلاطين والرؤساء والعلماء والعامة.

قلة التجارب

قلة التجارب سابع عشر: قلة التجارب: لأن الصحوة وليدة ناشئة، وأحسن وصف لها: أنها الآن في فترة المراهقة، لقد تجاوزت فترة الطفولة، وبدأت في فترة المراهقة، فتجارب قوادها قليلة، واستفادتهم من الأحداث قليلة، يضاف إلى هذا ما قلته من السلبيات السابقة من عزوفهم عن الاستنصاح بتجارب السابقين من المشايخ الأكبر سناً، والأكبر علماً، والأكثر تجربة.

الجهل بأصول السنة

الجهل بأصول السنة ثامن عشر: الجهل بأصول السنة والجماعة في بعض شرائح الدعوة، وبمناهج أهل السنة والجماعة.

غلبة نزعات الأهواء

غلبة نزعات الأهواء تاسع عشر وأخيراً: غلبة نزعات الأهواء في بعض فصائل الصحوة.

مواقف الناس من الصحوة

مواقف الناس من الصحوة الوقفة السادسة: مواقف الناس من الصحوة: أعرضها بإيجاز: مواقف الناس من الصحوة تتلخص فيما يلي: أولاً: جمهور المسلمين وعامتهم من العلماء والدعاة، وطلاب العلم والعامة في كل مكان تغمرهم الفرحة والبشرى والغبطة والأمل والفأل بهذه الصحوة العالمية المباركة، وإن كانوا يشعرون بشيء من القلق، لكن الفأل هو الغالب على أكثر المسلمين. الموقف الثاني: طائفة مفرطة في التفاؤل وفي تزكية الصحوة والدفاع عن أخطائها إلى حد بعيد عن العدل والإنصاف، وإلى حد تناسي الأخطاء والانحرافات الفكرية والعقدية والسلوكية، وهذا أيضاً موقف ظاهر من داخل الدعوات والجماعات نفسها. فإنها لا تزال أو أكثرها في ذهول عما هي فيه من أخطاء، وما يرتكبه بعض أفرادها، وبعض جماعاتها من تجاوزات لا تجوز شرعاً. الموقف الثالث: طائفة تنظر إلى الصحوة بريبة وحذر، وخيفة وسوء ظن، وأغلب هؤلاء إما من أصحاب المصالح أو من القاعدين، وربما يكون منهم علماء وطلاب علم وأخيار، ومنهم من نجد أنه مضطرب في أمر الصحوة يتنازعه أمران: الخوف والحذر من ناحية، والأمل والرجاء من ناحية أخرى. وبعض هؤلاء الذين ينظرون إلى الصحوة بريبة من الأخيار وربما يكونون من العلماء والمشايخ، فلاسترابتهم مبررات يتحملها أكثر الدعاة، وهم ليسوا معصومين، وإن كانوا من التقاة الصالحين. الطائفة الرابعة: وهم قليل من المنتسبين للعلم، لكن لهم وجود وربما يكون لهم إسهام في إثارة البلبلة والتشهير بين أبناء هذه الصحوة، فلا يعجبهم العجب، همهم التشهير والنقد غير البناء والتحامل على كل من ظهر له أثر في هذه الصحوة المباركة. وهؤلاء وإن كانوا قلة إلا أنهم نتوء في أهل الخير، وهم ظاهرة مزعجة؛ لأنها تفت من عضد الأمة بأكملها، ومن مسيرة هذه الصحوة المباركة، ولأنهم ينقدون الصحوة والدعاة من منطلق الغيرة على السنة والجماعة، ولأنهم أيضاً ممن يعرف بالعلم والاستقامة، فلذلك أجد أن خطر هؤلاء أكثر من خطر خصوم الدعوة؛ لأن أسلوبهم يؤدي إلى الفرقة وإلى الحيرة عند الشباب، بل قد أدى إلى حيرة واضطراب كثير من الشباب الملتزم المتدين، بل وحتى العامة والعامة لابد أن يرفق بهم، وأن يكون لهم اعتبار في أي أمر يتعلق بالحديث عن الدعوة والدعاة. الفئة الخامسة: فئة جاهلة بالأمر لا تدري ماذا يدور، فئة من الغافلين اللاهين الساهين، وهؤلاء لا يهمهم إلا أن يبقوا سالمين. الفئة السادسة: خصوم الدعوة، بل خصوم الإسلام، وخصوم الحق والخير، خصوم الدين والفضيلة، وهم الكارهون لهذه الصحوة المباركة من أهل العلمنة والفجور، وأصحاب المصالح، أو من الكفار الأعداء الألداء، فكل هذه الفئة في خندق واحد، ونرى الفئة الأولى تصدر عن الفئة الأخيرة، وتستعين بها، وتستعديها على هذه الصحوة المباركة.

توصيات عاجلة

توصيات عاجلة الوقفة السابعة والأخيرة: توصيات عاجلة واقتراحات ألخصها بما يلي:

الالتفاف حول العلماء

الالتفاف حول العلماء أولاً: يجب أن يكون من أسس الدعوة إلى الله، وهذه الصحوة المباركة الالتفاف حول العلماء بكل ما تعنيه الكلمة، والصدور عنهم عن علمهم وعن رأيهم وعن توجيههم وتلقي ما يصدر عنهم من مشورة، والالتزام لهم بكل معاني الالتزام، والإحاطة بهم، وضرورة الحيلولة بينهم وبين من يفرقون بين المسلمين.

الخروج من دائرة الحزبيات إلى عقد الولاء للإسلام

الخروج من دائرة الحزبيات إلى عقد الولاء للإسلام ثانياً: الخروج من دائرة الحزبيات والجماعات والشعارات والاتجاهات مهما كانت مبرراتها إلى عقد الولاء للإسلام وللمسلمين وللسنة والجماعة، والخروج من دائرة الحزبيات والجماعات والاتجاهات التي يقع فيها كثير من شرائح الصحوة إلى الأصول الشرعية التي تتمثل في عقد الولاء لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولكل مسلم على السنة والجماعة.

الاهتمام بالصحوة

الاهتمام بالصحوة ثالثاً: اهتمام العلماء وطلاب العلم بالصحوة، وبرعايتها، وانقطاع فريق منهم بالضرورة لتسديدها وترشيدها وحل معضلاتها التي هي معضلات الأمة جميعها. فهناك من المعضلات الكبرى ما لابد من حله، ولا نتصور أنه يوجد في شباب الصحوة غير العلماء من يتمكن من الحل إلا بأساليب قد لا تكون شرعية، أو بأساليب متهورة، أو تمخاذلة. وأضرب مثلاً على المعضلات الكبرى التي لابد أن يحلها أهل العلم والفقه في الدين، مثل: أحكام التعامل مع الأنظمة العلمانية في البلاد الإسلامية التي يهيمن عليها النظام العلماني. أيضاً: التحاكم إلى غير شرع الله، وما يترتب عليه من معضلات ومصائب ومواقف يخرج فيها المسلم أحكام الأمة مع من نعم أحكام المسلم في تعامله مع الآخرين، خاصة في البلاد الإسلامية التي خلت من السلطة الشرعية، فلا يوجد فيها إمام، ولا بيعة شرعية؛ فما حكم حياة المسلم فيها، وكيف يتعامل وقد تعطل فيها الحدود والجهاد والأمر والنهي، هذه من القضايا والمعضلات التي يجب أن يهتم بها العلماء، وأن يحلوها لشباب هذه الصحوة، وإلا تصرف الشباب بأساليب متشنجة أو بأساليب اجتهادية تؤدي إلى مخالفة شرع الله وحكمه.

التحلي بالصبر

التحلي بالصبر رابعاً: ضرورة التحلي بالصبر في الدعوة إلى الله، الصبر على المكاره، والصبر على المظالم، والصبر على الأذى مع الاستمرار في القيام بواجب الدعوة والاستمرار في النصح، وعدم التذمر أو الجزع أو التوقف لأدنى عائق، فإن النصر مع الصبر.

القيام بواجب النصيحة

القيام بواجب النصيحة خامساً: ضرورة القيام بواجب النصيحة، بمفهومها الواسع وقد أشرت إلى ذلك سابقاً.

الاتفاق على المقاصد الكبرى للدعوة

الاتفاق على المقاصد الكبرى للدعوة سادساً: لابد من اتفاق الأمة والتي تمثلها الآن الصحوة بعلمائها ودعاتها وشبابها، على المقاصد الكبرى للدعوة إلى الله وللدين؛ لأن دعاوى التمسك بالسنة موجودة عند الجميع. ودعاوى العودة واستئناف الحياة الإسلامية الحقة دعوى موجودة عند الجميع حققها من حققها، وعجز من عجز، وجهل من جهل. لكن هناك قواعد كبرى لابد من أن تلتف حولها الدعوة في كل مكان، بل تكون غاية للمسلمين في مستقبلهم القريب. من ذلك: ضرورة تعبيد الناس لله تعالى، ونبذ الشرك والشركيات والبدع والخرافات، وكل ما هيمن على حياة بعض المسلمين مما ينافي التوحيد، أو يخل به. ثانياً: الموازنة بين المصالح والمفاسد في كل موقف ذي بال، وفي كل حدث مهم وخطير. ثالثاً: السعي لتحقيق وجود أهل الحل والعقد في الأمة على مستوى الأمة كلها، وعلى مستوى البلدان الإسلامية، وعلى مستوى الأقاليم، وعلى مستوى المدن, وعلى مستوى القرى والأرياف، وفي كل مكان، فلابد من إعادة الميزان الشرعي بالالتفاف حول أهل الحل والعقد من أهل العلم إذا فقدت السلطات الشرعية التي تتمثل فيها الجماعة الإسلامية الحقة. وأخيراً من هذه المقاصد: ضرورة تحقيق اتباع السنة والإسلام الحق، مع الجمع بينه وبين تحقيق الاجتماع وعدم الفرقة. فإن الاتباع بغير اجتماع فرقة وهلكة، والاجتماع بغير اتباع للسنة ضلال وافتراق، فيجب أن يعي ذلك الدعاة وشباب الصحوة جيداً.

اطراح الخصومات حول المسائل الخلافية

اطراح الخصومات حول المسائل الخلافية سابعاً: اطراح الخصومات والنزاعات حول المسائل الخلافية مهما بلغت، والرجوع فيها عند المنازعة إلى أهل العلم.

الحفاظ على قواعد التآخي

الحفاظ على قواعد التآخي ثامناً: الحفاظ على قواعد التآخي في الدين، والاجتماع على السنة والجماعة، وإشاعة الألفة والتناصح والتناصر بين عموم المسلمين، وبين خاصة أهل العلم والفضل في إطار السنة والجماعة.

الاجتماع على معاقد الولاء الشرعي

الاجتماع على معاقد الولاء الشرعي تاسعاً: يجب أن يكون الولاء والاجتماع والتعاون بين المسلمين وبين شباب الصحوة بخاصة على معاقد الولاء الشرعي، والأصول التي هي نهج السلف الصالح، وهي نهج الطائفة المنصورة والفرقة الناجية.

الحذر من بناء كيان الأمة على البدع والمحدثات

الحذر من بناء كيان الأمة على البدع والمحدثات عاشراً: الحذر كل الحذر من بناء كيان الأمة بعد صحوتها ويقظتها على شيء من البدع المحدثة أو الموروثة، أو على شعار على غير السنة؛ لأن الصحة في طور البناء والتأسيس، ويجب أن تقوم على أسس شرعية سليمة خالصة. هذا وأسأل الله لي ولكم ولجميع المسلمين التوفيق والسداد والرشاد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقائدنا ورائدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

الأسئلة

الصحوة وقصور البرامج السياسية

الصحوة وقصور البرامج السياسية Q يكاد يجمع منتقدو الصحوة وفيهم بعض المحايدين على عدم وضوح البرامج السياسية للجماعات الإسلامية مما يقلل من التأييد لها في أوساط عامة المثقفين، وهناك من يقول: إن سبب ذلك عدم اهتمام كبار علماء المسلمين بالسياسة، وعدم توفرهم على دراستها ومعالجتها علمياً، فما جوابكم على ذلك؟ A هذا سؤال جيد، ولا يسعني إلا أن أجيب بما أرى أنه هو الحق إن شاء الله. أولاً: أرى أنه من المبكر، ومن السابق لأوانه أن تضع الأمة الممثلة بهذه الصحوة المباركة برامج محددة للقفز إلى المجال السياسي، ذلك أن التمكين في الأرض يكون بأصول أخرى قبل هذا الجانب. فتحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى، ونبذ الشركيات والبدع الموجودة في الأمة، ثم ما يستتبع ذلك من نشر الفضائل وإقامة الفرائض والسنن وغيرها، هذه مراحل سابقة، والتمكين السياسي تمكين تلقائي يهيئه الله بعد الأخذ بأسبابه، ولا يحتاج إلى خطط مدروسة ولا إلى مناهج ملموسة، بل هو ثمرة تلقائية لتمكين هذه الصحوة في الأرض في المستقبل القريب إن شاء الله، هذا أمر. الأمر الآخر: أرى أنه من الخطر، ومن الخلل والخطل أن يستعجل شباب الصحوة -وهم لم ينضجوا بعد- في الحديث الجاد عن السياسة أو محاولة القفز إلى العيش في كواليس السياسة عملياً، ذلك أن السياسة الآن هي آخر صرح للعلمانية وآخر حصن. والقفز إليها قبل تهيئة الأمة في أمور أهم منها تتعلق بأصول الدين وشئون الأمة وقضاياها، أمر ربما يكون من الاستعجال الذي يؤدي إلى قمع هذه الصحوة والقضاء عليها في مهدها. ثم إن السياسة ليست غاية من غايات الدعوة إلى الله، إنما هي ثمرة تتحقق بالغلبة والنصر، والغلبة والنصر لا تتأتى إلا بأصول وغايات وأساليب ووسائل أخرى يتلمسها الدعاة ويسعون فيها. فأول الخطوات التي يجب أن نعنى بها: تسديد هذه الصحوة وترشيدها، وبناء خططها على الأصول الشرعية أصول أهل السنة والجماعة، في أساليبها وفي مناهجها، وفي غايتها وأهدافها. أما القفز إلى كواليس السياسة لا تقتضيه الحاجة في الوقت الراهن، ولا الضرورة، بل المصلحة إغفال هذا الجانب، وسيهيئه الله سبحانه وتعالى.

اضطراب الشباب حول مواقف العلماء

اضطراب الشباب حول مواقف العلماء Q يضطرب الشباب كثيراً بسبب اتخاذ مواقف لا توافق ما أملوه من علمائهم، فما تنصح به؟ وهل من الممكن احتواء الشباب دائماً مع تكرر هذه المواقف؟ A هذا من الابتلاء، وهذه الصحوة كما قلت لكم صحوة وليدة ومراهقة، ولم تنضج، ولن تصل إلى مرحلة الرشد إلا بتجاوز مثل هذه العقبات بروية وحكمة وأناة وصبر. أما ما يتعلق بالعلاقة بالمشايخ والعلماء فمشايخنا هم مشايخنا وعلماؤنا مهما حدث منهم، ذلك لأنهم بشر والبشر يخطئ ويصيب، وربما ما حدث لحكمة يعلمها الله، منها ألا يتصور البعض العصمة في المشايخ، وأنهم لن يخطئوا، هذا أمر. الأمر الآخر: ينبغي ألا نسلم أن ما أقر به غالبية الناس من تصرف للمشايخ ينبغي أن يحكم عليه بأنه خطأ (100%)، فربما يكون صواباً من وجه، وربما يكون عن اجتهاد والمجتهد مأجور، وربما يكون التصرف أو القول أو الحكم من طائفة من العلماء مبنية على تصورات معينة تختلف عن تصورات الشباب، ومنطلقات تفكيرهم. ثم إن البشر يعتريهم شيء من الضعف، وشيء من التقصير، وشيء من الأخطاء التي لابد أن يقعوا فيها وإن كانوا علماء، فلذلك لا نفترض في علمائنا العصمة، بل يجب أن نحسن فيهم الظن، وأن نعرف أن ما يصدر عنهم من توجيه وإرشاد إنما يقصدون به مصلحة الشباب ومصلحة الأمة، سواء وافقوا ما نريد أو لم يوافقوا، وسواء كان هذا هو الصواب أو لم يكن هو الصواب في نظر الكثيرين. ثم إن آراء مشايخنا -وعلمائنا وهذا هو اعتقاد أهل السنة والجماعة في الأمور الاجتهادية- ليست آراء ملزمة، إنما هي آراء تسترشد بها الأمة. والآراء الملزمة إنما تكون في القرارات الخطيرة التي تتعلق بمصالح الأمة، والتي يجب الاجتماع عليها، أما ما عدا ذلك فهو أشبه بتوجيهات الكبار للصغار، وعندما يكون هناك شيء من الاختلاف في النظرة بين المشايخ والشباب، فربما يكون من المناسب أن يكون هناك شيء من القسوة كقسوة الأب على ابنه، ومع ذلك قد يجور الأب وهو لا يشعر. أما ما يحدث من مشايخنا فأنا على يقين أنه كان عن حسن ظن، وعن محاولة لدرء مفاسد وجلب مصالح، وأمور أخرى أكثرنا لا يعلمها، فيجب أن نحسن الظن، وأن نبقى على الفأل حتى لو حدث مثلما حدث، أو ما يحدث مستقبلاً، يجب أن نوطن أنفسنا على ضرورة ضبط الأعصاب، وعلى ضرورة التحلي بالصبر، وعلى ضرورة الإنصاف في الحكم مع مشايخنا، فلا نسيء بهم الظن وإن أخطئوا، وعلينا التسديد والنصح والإرشاد والالتفاف حولهم، وقطع خط الرجعة على من يريد أن يحول بينهم وبين الصحوة، ويفرق بين الصحوة ومشايخها.

توجيهات في طريق الصحوة

توجيهات في طريق الصحوة الصحوة الإسلامية قدر واقع ومفروض على المجتمع كله، ولكي تؤدي هذه الصحوة دورها الريادي لابد لها من توجيهات وإرشادات تسير عليها، وأهم هذه التوجيهات: تأسيس الصحوة على عقيدة أهل السنة والجماعة؛ لأن رابط العقيدة الصحيحة كفيل باستمرار الصحوة وظهور قوتها، وإذا ما تخلت الصحوة وفرطت في التمسك بالعقيدة الصحيحة؛ فإن ذلك هو طريق الهلاك في الدنيا والآخرة.

التعريف بالصحوة الإسلامية

التعريف بالصحوة الإسلامية إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. وبعد: فإن الحديث عن الصحوة من الأمور الشيقة لكل مسلم، وكل من يهمه أمر الإسلام والمسلمين، والصحوة بالنسبة للمسلم أصبحت حقيقة واضحة جلية، ولذلك أرى أنه من الواجب على أهل العلم وطلابه، بل على كل مسلم أن يعنى بأمر الصحوة، وإن كنا نحتاج إلى تحديد لمعنى الصحوة بمفهومها الشرعي وبمفهومها عند الناس، لكنا مع ذلك نتفق على أن هناك شيئاً اسمه الصحوة، وهو أمر واقع لا بد أن نتعامل معه وأن يتعامل معه الآخرون، لذلك من المناسب أن أُعرف بالصحوة وبأهم سماتها، ثم أعرج على موضوع المحاضرة الأصلي: وهو التوجيهات. فالصحوة: هي عودة المسلمين للإسلام بمفهومها العالمي العام، والصحوة بمفهومها الحقيقي الشرعي: هي قدر الله الذي لا يرد، وهي: وعد الله الذي لا يتخلف، وهي: سنة الله في خلقه، وهي: سنته الشرعية وسنته الكونية، وذلك أن الله سبحانه وتعالى وعد المؤمنين بالنصر، ووعد بظهور الإسلام وبقائه، ووعد بظهور طائفة من الأمة، تبقى على الحق ويبقى الحق بها بيناً للناس، وتقوم بها الحجة عليهم، ووعد الله سبحانه وتعالى بقوة الأمة بعد ضعفها، وبالصحوة بعد الغربة. وكما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم في طاعته). فالصحوة أيضاً هي الخروج من حال الغربة التي يعيشها المسلمون، بل يعيشها الإسلام كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ) والخروج من حالة الغربة إلى محاولة تسلم القيادة قيادة البشرية. كما أن الصحوة أيضاً في مظهرها العام ستخلص المارد الكبير والعظيم وهو الإسلام والمسلمين، العالم الإسلامي هذا العالم الضخم من الأغلال والقيود، من أغلال الانحراف والبدعة والضلالة والمحدثات في الدين والفرق والافتراق، ومن قيود الاحتلال والاستعمار والتنصير، وقيود الغزو الفكري، وقيود التسلط: تسلط الباطل على الحق وأهله، وتسلط الكفار على بلاد المسلمين وعلى أحوالهم وعلى رقابهم أيضاً. إذاً: فالصحوة هي عودة المسلمين إلى الإسلام، وهي عودة عامة عارمة قوية، وهي ليست مجرد ظاهرة، وليست مجرد سمة لبلد أو مكان أو شعب من الشعوب، بل أصبحت حقيقة عالمية يحسب لها الناس ألف حساب.

مظاهر الصحوة الإسلامية

مظاهر الصحوة الإسلامية تتمثل هذه الصحوة في مظاهر:

انتشار شباب الصحوة

انتشار شباب الصحوة أولها: هذا الشباب الذي انتشر في جميع العالم، إنه شباب الصحوة، فقد انتشر شباب الصحوة في كل بلد إسلامي وغير إسلامي، فهؤلاء الشباب عادوا عودة جادة إلى الإسلام، فهم يتلمسون طريق الحق والهدى والسنة، فمنهم من عرف، ومنهم من لا يزال يتحرى ويتعرف، ومنهم من ربما تجتاله الأهواء وغير ذلك من سبل الانحراف، لكن مع ذلك وفوق كل ذلك نجد أن الصحوة تتمثل في هذا الشباب الجاد القوي، المستعد لنبذ الماضي بذله وهوانه واستضعافه وبانحرافه وبدعه إلى محاولة تطبيق الإسلام الحق، كما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه والقرون الثلاثة الفاضلة. شباب نراهم أحرص ما يكونون على السنة بحمد الله وفي كل مكان، حتى في البلاد التي لا ترى فيها مظاهر السنة كثيرة، نجد هناك محاولة جادة في الشباب لتلمس الطريق الحق، محاولة جادة لاستئناف الإسلام من جديد.

ظهور الجماعات الإسلامية

ظهور الجماعات الإسلامية المظهر الثاني من مظاهر الصحوة: تلكم الجماعات الإسلامية التي نبتت في كل مكان، وفي كل صقع من هذه الأرض في البلاد الإسلامية وغير البلاد الإسلامية، ورغم ما في هذه الجماعات من سلبيات إلا أنا نراها مظهراً من مظاهر الصحوة، ومظهراً من تحقيق وعد الله تعالى بدخول الناس في دين الله أفواجاً، كما ذكر الله سبحانه وتعالى في صفة الإسلام، وبعدما اكتمل الدين بشر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بتمكين الإسلام في الأرض، وهذا التمكين لا بد أن يبقى إلى قيام الساعة، وإن انحسر أو اغترب الإسلام بعض الوقت، فإنه لا بد من التمكين الذي وعد الله به، والأيام دول، والباطل قد ينتفش ويطغى بعض الوقت، لكن في النهاية الخاتمة أن الله ينصر عباده وينصر دينه. {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:1 - 3]. فمن علامات عودة المسلمين للإسلام، ومن أبرز دلائل وبشائر نصر الإسلام والمسلمين: عودة الناس إلى دين الله أفواجاً، كما هو الحاصل بحمد الله منذ سنين قليلة، وهو يزداد بحمد الله. إذاً: من مظاهر الصحوة: تلكم الجماعات التي تتلمس الحق، وتدعو إلى الله، وتجتمع على نصر الدين، وعلى التفقه في الدين، ورغم ما في هذه الجماعات من سلبيات أو في بعضها، ورغم ما عندها من تقصير، فإنها تعد مظهراً من مظاهر نصر الله لدينه.

إعلان كثير من الدول والشعوب العودة إلى الإسلام

إعلان كثير من الدول والشعوب العودة إلى الإسلام أيضاً من مظاهر هذه الصحوة: تلكم الأمم والدول والشعوب التي أعلنت العودة إلى الإسلام بعد طول غياب، بل قامت دول الآن في العالم بهويتها الإسلامية، ورغم ما يكتنف هذه الرجعة من شيء من القصور والانحراف والجهل إلا أن الظاهر أنها رجعة صادقة إن شاء الله، وتحتاج إلى شيء من التسديد والتعليم والتفهيم وبناء العقيدة والعلم الشرعي والتفقيه في الدين. أما العزم والرجوع إلى الهوية الإسلامية فهذا أمر تحقق بحمد الله، فقد قامت دول كما تعرفون في الدول التي انجلى عنها غبار الشيوعية في الاتحاد السوفيتي وفي يوغسلافيا وغيرها، قامت دول كبرى ترفع راية الإسلام وتعتز بشعاره. وهذا نصر للإسلام لو سعى إليه المسلمون مئات السنين لما وصلوا إليه بجهودهم الضعيفة، لكنه نصر الله والفتح، ونسأل الله أن يكون هذا تمهيداً للفتح الأعظم الذي وعد به الرسول صلى الله عليه وسلم، كفتح روما والانتصار الحاسم للإسلام. إذاً: فالعودة للإسلام كما تتمثل بالشباب والجماعات تتمثل بدول وشعوب وأمم، أمم كبرى في العالم، ولذلك انتفض العالم الكافر أمام تلكم الموجة العارمة من العودة للإسلام، وخرج عن سمته وعن طوره، وهذه سنة الله في خلقه، فإن الباطل لا بد أن ينتفش وينتفخ، حتى يحقق الله النصر للمسلمين.

قيام المؤسسات برفع راية الإسلام والدعوة إليه

قيام المؤسسات برفع راية الإسلام والدعوة إليه أيضاً: تتمثل الصحوة: بتلكم المؤسسات التي بدأت ترفع راية الإسلام وتدعو إلى الله سبحانه وتعالى بجمع قوة المسلمين وجمع قواهم، وجمع جهودهم المعنوية والمادية، مؤسسات صغرى وكبرى في العالم بدأت تظهر، وهي دلالة خير ودلالة نصر، وتحول من الضعف والهوان إلى القوة والنصر والاستعداد للجهاد، ولنصر الإسلام ونشره في الأرض.

ظهور النهضة العلمية بين المسلمين وانتشارها

ظهور النهضة العلمية بين المسلمين وانتشارها أيضاً: تتمثل هذه الصحوة: في مظاهر النهضة العلمية في كل مكان، والتي تبدو في رغبة المسلمين في تحصيل العلم الشرعي بطرقه الصحيحة وبوسائله السليمة، وعلى أهله أهل العلم، وبمحاولة التفقه في الدين. وهذه ظاهرة بحمد الله لا تخص بلداً أو مكاناً أو زماناً، إنما هي ظاهرة تزداد وتنتشر في كل مكان، بل هي أكبر من ما يعمله أهل العلم من نشر العلم، وهي تحتاج إلى جهود مكثفة، وإلى قيام أعمال فردية وجماعية ومؤسسية لتغطية حاجة المسلمين في نهمهم في طلب العلم الشرعي. المهم أن هذه النهضة العلمية والإقبال على طلب العلم الشرعي علامة قوية، بل هي دليل وبرهان على أن هذه الصحوة قدر الله الذي سينصر الله به الإسلام إن شاء الله.

سمات الصحوة الإسلامية

سمات الصحوة الإسلامية للصحوة الإسلامية سمات نتطرق لأهمها.

سرعة انتشار الصحوة الإسلامية وظهورها

سرعة انتشار الصحوة الإسلامية وظهورها أولاً: سرعة الانتشار والظهور في كل مكان، فكان الناس يظنون إلى وقت قريب أن عوامل نهضة المسلمين ورجوع بعض الشباب إلى الإسلام وتوبتهم وتلمسهم لطريق الهداية أن ذلك من أعمال الدعاة، أو من أسباب عمل الدعاة، لكن حقيقة أن الذي يسبر أحوال المسلمين ويسبر هذه الصحوة في منابتها وفي أماكنها يجد أنها تنبت في كل مكان، حتى في الأماكن العفنة تظهر نبتات طيبة دون أن نجد أسباباً ظاهرة، إنما هي هداية من الله سبحانه وتعالى، وهي تعبير عن شعور المسلمين بالإفلاس من كل الأنظمة والشعارات والحزبيات والقوميات التي تخبطوا فيها في العصر الماضي أو في العصور الماضية القريبة، بل نجد مظاهر هذه الصحوة في أماكن أحياناً لا يوجد فيها داعية إلى التوحيد الخالص وإلى السنة، ومع ذلك نجد فيها نبتات طيبة خيرة، نجد أنموذجاً للمسلم المتمسك بدينه الحريص على السنة، وليست مجرد مظاهر فردية، بل جماعات وأعداداً كبيرة من الشباب والشيوخ والنساء وسائر طبقات المجتمعات. إذاً: فهذه العودة إلى الإسلام إنما هي قدر إلهي، وهي هداية من الله سبحانه وتعالى، وأمر له ما بعده، ويجب أن نحسب لهذا الأمر حساباً، وأن نقدم جانب التفاؤل على جانب التشاؤم، وأن نعرف أنه قد يأتي الخير ببعض الشر، كما أن الشر قد يأتي ببعض الخير، أعني بذلك: أننا حينما نتفاءل بهذه الصحوة المباركة ونجزم إن شاء الله أنها بداية انفراج لأحوال المسلمين السيئة، فلنعرف أنها لا بد أن يعتريها وشيء من القصور، وشيء من الخلل، وشيء من الانحرافات والخلافات والابتلاء الذي وعد الله به، قال تعالى: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:1 - 3]. الابتلاء قدر إلهي يصاحب كل دعوة إلى الله سبحانه وتعالى، لكن مع ذلك لا بد أن نقدم جانب الفأل وجانب حسن الظن بالله سبحانه وتعالى أولاً، ثم بهذه الصحوة المباركة الطيبة ثانياً، وأن نحاول أن نعالج ما يعتريها من جوانب الضعف والتقصير ونحو ذلك مما هو من سمات البشر، فالعصمة لا تكون إلا للأنبياء، والكمال لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى. إذاً: إن من أبرز سمات هذه الصحوة: سرعة الانتشار في كل بيت، في كل مكان، في كل بقعة من العالم، حتى البلاد الموغلة في انحراف الكفر والضلالة نجد أنها نشأت فيها أجيال في وقت قريب جداً عادت جادة إلى الإسلام. وهذه العودة لابد أن تكون لها ثمارها بإذن الله.

قوة الصحوة الإسلامية واعتزازها بالدين

قوة الصحوة الإسلامية واعتزازها بالدين السمة الثانية: القوة، تتميز هذه الصحوة بالقوة، قوة العودة إلى الإسلام، قوة الثقة بالله سبحانه وتعالى، قوة الثقة بالنفس، قوة الثقة بالإسلام، قوة الإرادة والعزم والعزيمة، والخروج من حال الذل والهوان والشعور بالضعف والنقص الذي كانت عليه الأمة، فنجد أن من أبرز سمات هذه الصحوة: القوة والاعتزاز بالدين، الاعتزاز بالسنة، الاعتزاز بالحق. وهذه ظاهرة سليمة وصحية، وإن اعتراها أحياناً شيء من الشدة والعنف، لكن هذا أمر لا بد منه، إنما ينبغي أن نعالجه بالحكمة وبالوسائل المتاحة، وإلا فالقوة لا بد أن يكون فيها نوع من الخروج عن الاعتدال، لاسيما وأن هذه القوة صاحبها تحد للإسلام من قبل الأوضاع السائدة في العالم كله، تحد يستفز غيرة كل مسلم، فلذلك لا نستبعد وجود بعض العنف والشذوذ في الحكم على الآخرين والشدة ونحو ذلك مما هو ردة فعل ضد الانحراف السائد في العالم. والمسئول عن وجود تشدد بعض الشباب هي العلمنة المتسلطة التي تفرض على الناس الرذيلة وتحارب الفضيلة، والتي تفرض على الناس الضلالة والانحراف وتحارب الاستقامة، فإن العلمنة الموجودة وهي الانحراف المبيت المدروس المخطط له هو المسئول عن وجود بعض مظاهر التشدد والعنف عند طائفة قليلة من الشباب. وما دام هذا التيار العنيف في العالم الإسلامي في محاربة الإسلام ورفض الدين، بل وتحديه ومقاومته، ما دام هذا التيار موجوداً فلنعلم قطعاً أنه لا بد أن يوجد تيار مقابل وهو التيار المتشدد العنيف، وإن كان الاعتدال هو المطلوب الوسط، لكن مع ذلك أقول وأكرر: إن المسئول عن وجود ظاهرة العنف عند بعض من يسمونهم بالأصوليين -إن صح التعبير وهذه تسمية باطلة- أو ما يسمونهم بالمتطرفين، هذا المسئول عن العنف هي الأنظمة السائدة الموجودة في العالم الإسلامي. وكلنا يدرك، بل كل عاقل يدرك ذلك، لكن مع ذلك من سمات الصحوة: القوة المعتدلة في العموم، لكن خصوم الإسلام لا يمكن أن يعترفوا بوجود الاعتدال في هذه الصحوة، إنما يهمهم أن يلتقطوا الزلات والمواقف التي يحسبونها على الإسلام والمسلمين. فالعلمانيون ومن نحا نحوهم دائماً يضربون على هذا الوتر الخطير، وتر وجود ظاهرة العنف والتشدد عند بعض الشباب، ويسمون جميع الصحوة بهذه السمة، ولا نفترض من هؤلاء أن يكون عندهم شيء من العدل أو من الاعتدال في الحكم، ولا من الاعتدال في الموقف، لأنهم ضلوا أولاً في تصوراتهم، فكذلك سيضلون في أحكامهم على الآخرين. ومع ذلك لابد أن نعترف أنه قد توجد بعض مظاهر التشدد عند طائفة قليلة من الشباب وقليلة جداً، ويجب أن نتحمل هذا الأمر؛ لأنه أمر بدهي لا يمكن أن نلغيه، وهو تصرف من تصرفات البشر الناقص، وهو أيضاً استجابة لاستفزازات الانحراف والضلال المؤسس في العالم الإسلامي.

الحرص على السنة

الحرص على السنة السمة الثالثة من سمات هذه الصحوة: الحرص على السنة، نجد أن رفع راية السنة والحرص عليها سمة غالبة في جميع أو في أغلب هذه الصحوة المباركة، وإن وجدت أحياناً شعارات تخالف هذا فقليلة، أو وجد شيء من الجهل بالسنة وادعاء السنة بغير تمسك هذا قد يوجد، لكن الشعار العام والسمة العامة لهذه الصحوة الحرص على السنة بكل معانيها اعتقاداً وعملاً، ظاهراً وباطناً، في العلم وفي السلوك، وهذه أيضاً أمور مبشرة.

التفاعل والانفتاح مع قضايا المسلمين

التفاعل والانفتاح مع قضايا المسلمين السمة الرابعة: وجود التفاعل والانفتاح في هذه الصحوة، أنا أحكم على الغالب، وإلا فقد توجد بعض الأمور التي تخالف هذه القاعدة، لكن القاعدة العامة لو قارنا أحوال المسلمين في الماضي بما عليه الصحوة الآن لوجدنا أنها تتسم بسمة الانفتاح على عموم المسلمين وعلى العالم كله، ومحاولة الشعور بأحوال المسلمين في كل مكان، وبمصائب المسلمين ومشاكلهم في كل مكان، وسرعة التفاعل مع أي قضية من قضايا المسلمين. هذه سمة جديدة لم يكن يعرفها المسلمون في الماضي، المسلمون قبل عشر سنوات ما كان عندهم هذا الشعور بأحوال الآخرين من المسلمين في بلد ما، أو في مكان ما، أو في ظرف من الظروف، بل كان عندهم شيء من الغفلة واللا مبالاة، وعدم الشعور بحاجات الآخرين أو بمصائبهم ومشاكلهم، الآن بحمد الله انقلبت المسألة وإن كنا لم نصل إلى الحد المطلوب لكنا في تقدم كبير، فنرى من مظاهر هذه الصحوة وسماتها: أنها تتفاعل مع قضايا المسلمين في كل مكان، وأنها تحاول الانفتاح على أحوالهم، وتحاول جادة أن توجد رابطة بينها للتعاون والتكافل وسد حاجات المسلمين في كل مكان وبكل أمر من الأمور.

الإقبال على العلوم الشرعية

الإقبال على العلوم الشرعية السمة الخامسة من السمات الخيرة الطيبة: الإقبال على العلوم الشرعية وتحصيلها بالوسائل المتاحة، من خلال الدروس والأشرطة والمحاضرات والندوات والكتب، وفي كل بلد بحسبه. المهم أن سمة الإقبال على العلوم الشرعية والحرص عليها سمة طيبة، وهي من سمات هذه الصحوة المباركة التي تبشر بخير.

ظهور الحسبة

ظهور الحسبة السمة السادسة: ظهور معنى الحسبة في أفراد هذه الصحوة وجماعاتها، الحسبة بمعناها الشامل العام، الاهتمام بأمور المسلمين، معايشة قضايا المسلمين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الإيجابية في كل ما فيه صالح المسلمين في دينهم وديناهم، وإن كنا نطمح إلى أكثر من ذلك كما سأذكر في التوجيهات، لكن مع ذلك نجد أن هذا الأمر ينمو بحمد الله، كذلك اندفاع شباب الصحوة إلى الحسبة، إلى نفع الآخرين، إلى نفع الأمة، إلى نصر الإسلام والمسلمين بكل وسيلة، إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإلى تحقيق العدل ورفع الظلم عن الأمة؛ هذا أمر واضح جداً وهو مبشر بخير.

البراء من مظاهر البدعة والانحراف والضلال والذل والهوان ومن أعداء الإسلام

البراء من مظاهر البدعة والانحراف والضلال والذل والهوان ومن أعداء الإسلام السمة السابعة: البراء من كل ما هو سبب الانحراف والضلال، البراء من مظاهر البدعة والانحراف والضلال، ومن مظاهر الذل والهوان، والبراء من أعداء الإسلام وخصومه، والبراء من الافتراق والأهواء، والولاء للإسلام والمسلمين والمؤمنين. فتطبيق قاعدة أو أصل الولاء والبراء في الإسلام يعد من أبرز سمات الصحوة.

الرقي بواقع الأمة الإسلامية نحو الأفضل

الرقي بواقع الأمة الإسلامية نحو الأفضل السمة الثامنة: من سمات هذه الصحوة: الحرص الجاد على تبديل الحياة الإسلامية وتحويلها للأفضل في كل وجوه الحياة، وهذا أمر أيضاً لم يكن يوجد في شعور المسلمين إلى وقت قريب.

رفض مظاهر الذل والتبعية والانهزامية والخور

رفض مظاهر الذل والتبعية والانهزامية والخور وأخيراً من سمات هذه الصحوة المباركة: رفض مظاهر الذل والتبعية والانهزامية والخور، رفض مظاهر التبعية لغير المسلمين، وهي تبعية طالما أذلت المسلمين وفرقتهم وأوهنتهم وأوقعتهم فيما هم عليه من الهوان والحاجة إلى الآخرين، بل رفض السير في ركاب الكفار في سائر أمور الحياة.

عيوب وسلبيات الصحوة الإسلامية

عيوب وسلبيات الصحوة الإسلامية من الإنصاف والتوازن أن نشير إلى بعض العيوب والسلبيات في هذه الصحوة. كما أسلفت هذه الصحوة في عمومها فيها خير كثير، والعيوب التي فيها ليست في جملتها، بل في طوائف ممن ينسبون للصحوة؛ لكن نظراً لأن هذه المظاهر وهذه العيوب قد تؤثر تأثيراً سلبياً في مسيرة الصحوة في المستقبل فلا بد أولاً من تشخيصها والاعتراف بها، ثم معالجتها بالحكمة وبالأسلوب المناسب. وحينما نذكر هذه العيوب فلا يعني أن الصحوة بعمومها تتسم بهذه العيوب، إنما طوائف أو جماعات أو أفراد ممن يوجدون داخل هذه الصحوة وفي صميم العالم الإسلامي قد توجد عندهم هذه السلبيات.

قلة التجربة

قلة التجربة من أبرز هذه العيوب: قلة التجربة، فالصحوة صحوة وليدة، وأرى أنها في سن المراهقة، فقد تجاوزت سن الطفولة إلى سن المراهقة، وتعلمون ما يعتري سن المراهقة من قلة التجربة، ومن التخبط أحياناً، وعدم الاعتداد برأي الآخرين، والاعتزاز بالرأي والتعالي والغرور، كل ذلك قد يوجد في بعض شباب الصحوة، لكن مع ذلك لا بد أن نصبر عليهم، وأن نوطن أنفسنا عليهم، وألا يكون سبيلاً للقدح في هذه الصحوة المباركة أو التهوين من شأنها أو التشاؤم منها أو اليأس من فائدتها للمسلمين، إنما هو أمر واقع نعترف به ويجب أن نعالجه: قلة التجربة، كثرة التخبط في الآراء والأحكام والمواقف، وقلة الرجوع إلى أهل العلم والتجربة ونحو ذلك مما تعرفونه وتدركون كثيراً منه.

ضعف الفقه في الدين

ضعف الفقه في الدين من عيوب بعض جماعات الصحوة وأفرادها: ضعف الفقه في الدين، وهذا يتفاوت فيها ما بين بلد وآخر وما بين جماعة وأخرى، لكن هذه سمة سلبية أو عيب يجب أن نقوم بعلاجه، وأن نعترف بوجوده في بعض من ينتسبون للصحوة، خاصة في البلاد الإسلامية التي لم تؤسس الدعوة فيها على فقه من الدين، إنما أسست على عواطف وشعارات وحزبيات، فهذه يقل فيها الفقه في الدين، وإن كثرت فيها العواطف وقامت على الفكر والثقافة، لكنها لم تقم على العقيدة السليمة ولم تقم على الرأي الراشد.

الاستعجال

الاستعجال من العيوب: الاستعجال في كل شيء، استعجال النتائج، استعجال الأمور، الاستعجال في الحكم على الأشياء، الاستعجال في المواقف، الاستعجال في اتخاذ الرأي، والاستعجال أيضاً في طلب النصر من الله سبحانه وتعالى. وهذا أمر لا ينبغي أن يكون، فالمسلم عليه أن يصبر، وأن يعرف أنه لا نصر للحق إلا بابتلاء، وأنه لا بد أن يبذل الأسباب مع توخي الحكمة ومراعاة أصول الشرع، والنتائج على الله سبحانه وتعالى ليست النتائج على الإنسان، حتى لو خسر وفشل فإن خسارته وفشله لا تضر بأجره عند الله سبحانه وتعالى، ثم إنه لا يشترط في نجاح العمل أن يرى الإنسان نتائج عمله، بل قد يكون المسلم ناجحاً في دعوته حتى لو لم يصل إلى النتائج التي يرجوها؛ لأن عمله لن يذهب سدى، والنتائج قد تأتي في عمره أو بعد عمره أو بعد أجيال تعيش بعده. إذاً: فمن أبرز السلبيات والعيوب: الاستعجال في كل شيء، وهذا أمر يجب أن نعالجه، وأن نحاول بقدر الإمكان أن نخص الشباب على الصبر، وأن نذكرهم دائماً بقصص النبيين وبما أمر الله به من ضرورة الصبر.

التفرق والخصومات والتنابز والتحزبات

التفرق والخصومات والتنابز والتحزبات من العيوب: التفرق والخصومات والتنابز في بعض جماعات الصحوة وأفرادها، التفرق في المناهج، والتفرق في الشعارات، والتفرق في الحزبيات، كذلك الخصومات والتنابز بالألقاب، مع أن أكثر ما ترد الخصوم فيه بين شباب الصحوة إنما هو في الأمور الاجتهادية، انتماء فلان إلى الجماعة الفلانية أو للجماعة الفلانية أو للبلد الفلاني أو للشيخ الفلاني أو المذهب الفلاني من مذاهب فقهية أو مذاهب يسعها الإسلام، أو التفرق على مسائل علمية خلافية من الأحكام، أو من الأمور التي تتفرع عن العقيدة، أو من لوازمها ونحو ذلك. أقول: إن أكثر ما ترد فيه الخصومات بين شباب الصحوة وبين عموم المسلمين في هذا العصر إنما هو من الأمور الاجتهادية، التي لا ينبغي أن تؤدي إلى الخصومات، سواء كان ذلك في الشعارات والجماعات، أو في الوسائل والمناهج، أو كان في الأحكام، أو كان في الغايات والأهداف ونحو ذلك، ما عدا الأمور التي بينها أهل العلم، والتي ينبغي أن يفارق فيها المسلم غيره ممن يضل عن الهدى، وهذه الأمور سأشير إليها بإيجاز في موضوع المصالح.

الجفوة بين بعض الشباب وبين العلماء

الجفوة بين بعض الشباب وبين العلماء من العيوب: الجفوة بين بعض الشباب وبين العلماء، وهي جفوة غريبة ومريبة وخطيرة أيضاً، وأسبابها كثيرة، ربما تتبين لبعض طلاب العلم وأهله، لكن هناك من الأسباب ما لا يتبين، وربما يكون لأهواء النفوس وحظوظها سبب في ذلك، لكن المهم أن ظاهرة جفوة بعض الشباب للعلماء وقدحهم فيهم وبعدهم عن مجالسهم وعن دروسهم وعن توجيهاتهم أمر ينذر بشر، وهو عيب يجب علاجه، ولو برر لذلك بعض المبررين أو حاولوا أن يفتعلوا لذلك الأسباب: إما مما يقال: من أن بعض العلماء لا يجلس للشباب، أو لا يهتم بأمرهم، أو لا ينشر العلم الشرعي، أو لا يهتم بالدعوة، أو يتهم بمداهنة أو نحو ذلك، كل هذه إنما هي من الشبهات، وهي من وسائل الشيطان للتفريق بين المؤمنين. وأيضاً من المثاليات عند بعض الشباب؛ لأن تصوراتهم ومقاييسهم للرجال مقاييس ليست شرعية، وفيها نوع من التضييق والعنت، وشروطهم في القدوة شروط لا تتمثل ولا في الصحابة، فلذلك يقدحون في علم العالم أو في قدوته أو في دينه، أو يحكمون على قلبه لمجرد أمر من الأمور التي يعذر بها، أو التي ربما تكون قادحة، لكن لا تلغي ما هو عليه من الخير والعلم والفضل، والعلماء كغيرهم من الناس بشر، قد يكون فيهم بعض الأخطاء وبعض التقصير، وهذه سنة الله في خلقه، ولا بد أن يوجد، لكن الرجال يوزنون بمجموع أعمالهم، بمجموع ما هم عليه من السلوك والعلم والعمل، لا بمفردات تصرفاتهم أو أقوالهم أو مواقفهم. فالعالم قد يزل، لكن الزلة الواحدة والثنتين والثلاث لا تضره في دينه، والعالم قد يخطئ في الحكم، وقد يظلم، وقد يحسد، وهذا أمر معلوم، لكنه لا يضر بمجمل ما هو عليه من الفضل؛ لأنا لو أخذنا الأمور بالموازين الشرعية لوجدنا عند العلماء من الفضائل ما لا يقدح به مثل هذه المظاهر أو التصرفات، التي يظن الشباب أنها تسقط العدالة وتسقط الاعتبار، فهذا ضيق في الحكم وضيق في الأفق يقع فيه بعض الشباب.

التعلق بالقادة والدعاة غير المؤهلين شرعيا

التعلق بالقادة والدعاة غير المؤهلين شرعياً من عيوب الصحوة: التعلق بالقادة والدعاة الذين لم تتوافر فيهم صفات القيادة الصفات الشرعية.

اختلال الموازين في الأحكام

اختلال الموازين في الأحكام من العيوب: اختلال الموازين في الأحكام والمواقف والتعامل مع الآخرين.

وقوع بعض أفراد الصحوة تحت طائلة الأمراض النفسية

وقوع بعض أفراد الصحوة تحت طائلة الأمراض النفسية من العيوب: وقوع بعض أفراد الصحوة تحت طائلة الأمراض النفسية، كاليأس وسوء الظن والتشاؤم والعداء الوهمي أو توهم العدو، أو توهم قوة العدو بأكثر مما هي عليه، وربما ينسى أن الله سبحانه وتعالى أقوى، وينسى أن الله سبحانه وتعالى وعد بالنصر والتمكين للمسلمين. والتهويل من ضخامة العقبات والنزوع إلى العزلة والانطوائية، أو النزوع إلى الشدة في الحكم على الآخرين، أو النزوع إلى الضيق في الأحكام والمواقف والتشديد على المسلمين. هذه كلها أمراض تدخل تحت مسمى أمراض النفوس، التي ربما تعتري بعض أفراد الدعوة والصحوة.

توجيهات في مسار الصحوة الإسلامية

توجيهات في مسار الصحوة الإسلامية بعد هذه الإلمامة أنتقل إلى التوجيهات.

تأسيس أمر الدعوة والمسلمين والصحوة على عقيدة أهل السنة

تأسيس أمر الدعوة والمسلمين والصحوة على عقيدة أهل السنة من الأمور التي يجب أن يعنى بها العلماء وطلاب العلم في توجيه هذه الصحوة المباركة وتأسيسها على الأسس السليمة. أولاً: تأسيس أمر الدعوة والمسلمين والصحوة على عقيدة التوحيد، على عقيدة أهل السنة العقيدة الحقة، تأسيساً قوياً متيناً في العلم والعمل، وفي الفكر والثقافة، وفي التصورات، وفي العبادات والعادات أيضاً، بل وفي التعامل والمواقف، وفي الأحكام والأحداث، وفي جانب الولاء والبراء. فلا بد من البصيرة، كما أمر الله سبحانه وتعالى الرسول صلى الله عليه وسلم وهذه الأمة: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108] فالبصيرة هي إبصار الحق عن الحق، وهذا لا يتم إلا بتأسيس العقيدة السليمة، لا تتم البصيرة بمجرد الثقافة العامة للإسلام، وبمجرد الولاء والعاطفة، وبمجرد التجمعات والمناهج التي تؤسس على غير عقيدة. فالعقيدة هي البصيرة التي تهدي المسلم إلى ما يرضي الله سبحانه وتعالى، تهديه إلى طريق النصر، إلى تحقيق الإسلام الحقيقي في هذه الأرض. وهذا هو أهم أمر وأخطره وأوله وهو الضرورة القصوى، بل إنه هو الضامن لكل خير، وهو أيضاً الضامن في دفع كل شر وكل انحراف وضلالة في طريق هذه الصحوة خصوصاً، وفي حياة المسلمين على وجه العموم، ذلك أن العقيدة هي الإسلام، وذلك أن العقيدة هي السنة، وهي سبيل المؤمنين، وهي الصراط المستقيم، وأن الانحراف في العقيدة هو الذي أودى بالمسلمين إلى هذه الحال. هذا أمر قطعي نعرفه من سنن الله تعالى القدرية والشرعية، بل نعرفه أيضاً من حال النبيين والمرسلين وهم أفضل الدعاة، فكل الأنبياء كانوا يأتون أولاً لتصحيح العقيدة، للدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك، بل يقضون جل وقتهم في ذلك، ويكون أغلب الوحي الذي ينزل عليهم ينزل في هذه القضية. فمثلاً: هذا القرآن كتاب الله أغلبه جاء في تحقيق العقيدة وتقريرها والدفاع عنها، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أكثر زمن النبوة في غرس العقيدة، ثلاث عشرة سنة في العهد المكي كلها في غرس العقيدة، ثم عشر سنين في العهد المدني أغلبها في غرس العقيدة، رغم ما كان على النبي صلى الله عليه وسلم من الأمر بالجهاد وتحقيق شرائع الإسلام، فإنه مع ذلك كانت العقيدة هي الركيزة الأولى، وأكثر الوحي الذي نزل نزل في تقريرها. وقد يقول قائل: إن هذا في أول نشأة الإسلام، أما الآن وقد اكتمل الدين فلا حاجة؟ لكن هذا يرد بحال المسلمين، فحال المسلمين اليوم أغلبها تخالف العقيدة، فقد كثرت فيهم البدع والانحرافات والشركيات، وكثرت فيهم الضلالات التي جرفتهم عن طريق الحق، لذلك أغلب المسلمين في العالم في سبيل الافتراق، ومنطوون تحت لواء الافتراق والأهواء والمحدثات في الدين والبدع. فإذا كان كذلك فهذا يعني: أننا نحتاج إلى تصحيح العقيدة واستئنافها، وأننا نحتاج حاجة ضرورية إلى تأسيس هذه الصحوة على العقيدة السليمة، وما لم تتأسس على العقيدة السليمة فستكون هذه الصحوة كارثة، ولذلك أغلب عيوب الصحوة القائمة الآن والتي نرى منها ما قد يحرج كثيراً من المسلمين، أغلب عيوب الصحوة منشؤها ضعف العقيدة أو الجهل بها، أو انحراف أصلي في تأسيس الدعوة.

ضرورة تخليص الصحوة من البدع والمحدثات في الدين

ضرورة تخليص الصحوة من البدع والمحدثات في الدين ثانياً: ضرورة تخلص هذه الصحوة وتخليصها من البدع والمحدثات في الدين، فالنبي صلى الله عليه وسلم حذر من ذلك فقال: (وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار). وبما أن هذه الصحوة هي جزء من المسلمين، وهي وإن كانت فيها سمات الرغبة في السنة، وسمات الرغبة في العقيدة السليمة إلا أنها نبتت في منابت قد تكون البدعة موجودة فيها أصلاً، فكثير من بلاد المسلمين هيمنت فيها القبورية، وهيمنت فيها البدع في العادات، والبدع في العبادات، والبدع في الأحوال، وبدع المزارات والمشاهد، وبدع الموالد. وكثير من بلاد المسلمين أيضاً وجدت في أرضها الفرق الضالة كالرافضة والصوفية، فإذا كان الأمر كذلك فلا نستغرب وجود مظاهر هذا الانحراف والابتداع في بعض شرائح الصحوة، وهذا يعني: أنه لا بد أن نؤكد على ضرورة تخليص هذه الصحوة ما دامت في مهدها وفي طفولتها وفي بدايتها، وقبل أن تترعرع وتنشأ على الضلالة أو على الانحراف والافتراق لا بد من تخليصها من هذه البدع والمحدثات. ولعل الحديث يتوجه إلى شباب هذا البلد أكثر من غيرهم، وذلك لأسباب: أولها: أننا بحمد الله هنا في هذا البلد تقل فينا البدع والمحدثات، فالمجتمع في عمومهم -بحمد الله- على السنة، والصحوة أيضاً صحوة قامت على السنة، ورفعت شعار السنة في هذا البلد، وتملك أيضاً مقومات العقيدة السليمة ونشرها والدعوة إليها علماً وعملاً بوجود الاعتقاد المؤسس في القلوب بحمد الله. والعلم أيضاً الموروث، من خلال المؤلفات والدروس، ومن خلال النتاج العلمي الذي هو ثمرة من ثمار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله. هذه الثمرة تحملنا مسئولية كبرى نحو المسلمين عموماً، ونحو الصحوة على وجه الخصوص، فلا بد أن يتحمل شباب هذا البلد مسئوليته، ولا بد أن يؤدي دوره، ولا يحقر أحد منكم نفسه فكلكم مسئول؛ لأنكم تملكون -بحمد الله- العقيدة السليمة الصافية. والمسلمون أحوج ما يحتاجون إليها الآن، لاسيما بعد دخول هذه الشعوب في الإسلام، دخول هذه الأفواج في الدين بعد ضلال وتيه طويل، وقد بدءوا في التدين من الصفر كما يقال، فيحتاجون إلى تنشئتهم على الفطرة وعلى العقيدة السليمة، وما لم تفعلوا ذلك فلن تبرأ ذممكم، ولا تتصوروا أن الناس سيأتيهم التوجيه من السماء بوحي غير ما أنزله الله، وما أنزله الله من الحق والهدى أنتم أكثر من يترسمه ويهتدي به، فلتتقوا الله في المسلمين، ولتتقوا الله في الأمة، ولتتقوا الله في الإسلام، ويجب عليكم أن تؤدوا ضريبة ما أنعم الله به عليكم.

الحذر من لوثات الفرق والافتراق

الحذر من لوثات الفرق والافتراق ثالثاً: نحن في بداية الصحوة ولا تزال قابلة للتوجيه وقابلة للنصح، لا بد من تحذيرها من لوثات الفرق والافتراق في جميع أشكالها. فالأمة الإسلامية تعيش أوضار الفرق الباطنية بأشكالها، الصوفية بطرقها، الرافضة والشيعة بمصائبها ودواهيها، والقبورية ومحدثات البدع الكثيرة، بل وحتى المدارس الفلسفية الضالة الموروثة والجديدة، الاتجاهات الجهمية، والاتجاهات الكلامية، والاتجاهات الاعتزالية، كلها موجودة في المسلمين في بعض المفكرين والمثقفين وبعض الجماعات، بل حتى الاتجاهات الغربية المنحرفة: العلمنة، والحداثة، والقومية، والوطنية وغير ذلك من المصائب الدواهي التي جاءتنا من الغرب، كل هذا يوجد في المسلمين، ولا بد من تخليصهم في صحوتهم الجديدة من هذه الأوضار والخبائث. ولا بد من بناء المسلم على العقيدة السليمة، وتخليصه من التوجهات التي تصرف دينه وعقيدته عن الحق، لاسيما أنه قد يوجد من المسلمين العدد الكبير من عنده ما يشبه الانفصام في الشخصية، تجده نظرياً يعرف العقيدة الإسلامية ويؤمن بها وبالشريعة والإسلام، لكنه عملياً عنده لوثات فكرية خطيرة: كأن يرفض دين الله، أو يعرض عن دين الله، أو يبرر وجود الأنظمة الوضعية والقوانين، أو يبرر لوجود الأوضار والرذائل في المسلمين، أو ييئس المسلمين من العودة إلى الحق والإسلام أو نحو هذا، وكل ذلك موجود في المسلمين أنفسهم جماعات وأفراداً، ولا تسلم الصحوة من وجود بعض هذه اللوثات. فإذا كان كذلك فلا بد أن نعنى بتخليص المسلمين من هذه الفرق، ولا ننخدع بما يقول به بعض المغفلين أو بعض الجاهلين أو بعض المغرضين من دعوى أن في هذا الظرف لا بد أن نجمع كلمة المسلمين على أي شعار كان، وعلى أي عقيدة كانت، هذه دعوى باطلة، بل هي نسف للحق، وترسيخ للضلالة والافتراق، ولا يجوز للمسلمين أن يجتمعوا على الضلالة، ولا على البدع، ولا على الافتراقات والأهواء، بل الاجتماع على الحق ولو كنت وحدك، كما قال عبد الله بن مسعود وكثير من الصحابة. والاجتماع هو التمسك بالحق، ولو لم يجتمع على الحق إلا القلة الضئيلة من المسلمين لكان هذا هو الغاية الشرعية، وأمر بقية البشر إلى لله سبحانه وتعالى، فهو الذي سيحاسبهم ويحاكمهم. أما أن نغلب جانب العاطفة على حساب العقيدة والدين وعلى حساب الإسلام والحق فهذا أمر لا يجوز أبداً، بل هو الباطل بعينه. إذاً: فدعوى أننا ينبغي أن نجمع المسلمين على ما هم عليه من شعارات وأهواء وفرق وضلالات وانحرافات هذه دعوى باطلة، ويجب ألا تنطلي على ذي بصيرة. وكما قلت: الله سبحانه وتعالى أمرنا بالتمسك بالحق حتى ولو كنا قلة، بل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بخبره الصادق أن الحق يبقى مع فرقة في هذه الأمة تعادل واحدة من ثلاث وسبعين فرقة، وحديث الافتراق صحيح، بل النبي صلى الله عليه وسلم أكد على سبيل الجزم بأن هذه الأمة فيها طوائف ستتبع أهل الضلالة من اليهود والنصارى والفلاسفة والعلمانيين والزنادقة وغيرهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة)، وفي رواية: (شبراً بشبر وذرعاً بذراع). فقوله: (لتتبعن) الخطاب للأمة، وهذا لا يعني أنه ينقطع فيها الحق، بل لا بد من وجود الحق في طائفة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبر بهذا أخبر بأنه ستبقى طائفة على الحق ظاهرة منصورة لا يضرها من خذلها ولا من عاداها إلى قيام الساعة، ولأن الله تكفل بحفظ الدين، وحفظ الدين لا يكون بحفظه بالمصحف والكتب، إنما بحفظه بالذين تقوم بهم الحجة على الحق، والله سبحانه أيضاً تكفل بالجهاد إلى يوم القيامة، وهذا لا يتم إلا بجماعة. إذاً: فالمقصود هو الاجتماع على الحق، وينبغي ألا تستهوينا دعاوى الذين يبررون اجتماع المسلمين على أي راية كانت، فإن هذه من تلبيس الشيطان، وهذه لا يدعيها -كما قلت- إلا جاهل أو مغرض أو مغفل لا يفهم مصالح الإسلام والمسلمين.

ترسم نهج أهل السنة والجماعة وبيانه وتعليمه وتيسيره للناس

ترسم نهج أهل السنة والجماعة وبيانه وتعليمه وتيسيره للناس رابعاً: مما يجب أن يعنى به العلماء والدعاة في ترشيد هذه الصحوة وتوجيهها والنصح لها بل والنصح للمسلمين جميعاً: ترسم نهج أهل السنة والجماعة وبيانه وشرحه وتعليمه وتيسيره للناس، نهج أهل السنة والجماعة هو نهج الحق، وهو الذي هو نهج الفرقة الناجية، وهو سبيل المؤمنين وهو الصراط المستقيم الذي أمر الله كل مسلم بأن يدعو الله أن يهديه إليه، حيث قال سبحانه: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:6 - 7] والمغضوب عليهم والضالون هم اليهود والنصارى، وهم رمز لأهل الضلالة جميعاً؛ فإن اليهود والنصارى يجتمع فيهم الشرك والكفر والنفاق فهم يجمعون جميع أنواع سبل الشر والضلال. كما أن أهل الافتراق في الأمة كلهم فيهم شبه في أمور باليهود والنصارى، فكل طائفة تضل من هذه الأمة لا بد أن يوجد فيها شبه من جانب أو أكثر باليهود والنصارى، فيكون ذلك اتباعاً لغير الصراط المستقيم. أقول: إن نهج سبيل أهل السنة والجماعة هو نهج النبي صلى الله عليه وسلم في العلم والعمل، في الهدي الظاهر والباطن، ونهج الصحابة في الاعتقاد والعمل، وما يستلزمه ذلك من بيان وترسم أصول الدين كلها، أصول التلقي والاستدلال، وأصول أخذ العلم وتحقيق العدل، وأصول الاحتساب، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد وأصول تحقيق الخير والقوة للأمة في دينها ودنياها. أصول التعامل مع الأشياء والأحداث والأشخاص، وأصول التعامل مع الآخرين، وأصول الولاء والبراء وغير ذلك من الأصول القطعية الواضحة في الأعمال والاعتقادات، هذه الأصول كلها مرسومة مبينة وواضحة، وهي سبيل المؤمنين، وهي سبيل القرون الثلاثة الفاضلة. وهذه الأصول تحتاج إلى شيء من التعليم والبيان للناس، تحتاج إلى أن تدرس لهذه الصحوة المباركة، وأن تبين لها معالمها؛ لأن الحق كاد أن يضيع أمام تيارات الانحراف ومناهج البشر الضالة؛ فلذلك كان لا بد لهذه الصحوة أن تترسم بنفسها نهج أهل السنة والجماعة، وأن تتلمسه وتقتفيه وتحرص عليه.

ضرورة التفريق بين العقيدة وأصول المنهج وبين الوسائل والأدوات والأمور الاجتهادية

ضرورة التفريق بين العقيدة وأصول المنهج وبين الوسائل والأدوات والأمور الاجتهادية خامساً: بمناسبة الحديث أو الكلام عن نهج أهل السنة والجماعة قد يقع كثير من الشباب في خطأ في الفهم أو الحكم أو الموقف تجاه بعض الأمور، حينما لا يفرق بين العقيدة والأصول والمناهج، وبين الوسائل والأدوات والأمور الاجتهادية. بعض الناس يجعل وسائل الدعوة توقيفية، أو وسائل الحياة الأخرى، فيظن أنه لا بد أن يدخل في السنة حتى الأساليب الاجتهادية أو العلمية أو العملية في تلقي الدين ونشره، أو في الدعوة، أو في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو الجهاد، أو حتى في العمل والسلوك الفردي، وهذا خطأ ربما يترتب عليه الوقوع في التشدد في الدين أو في نهج الخوارج، كما حدث من الخوارج الأولين ومن جاء بعدهم في العصور الماضية؛ فلذلك يجب أن يفرق الشباب والدعاة بين الأمور المتعلقة بالعقيدة والأصول والمناهج العامة من ناحية، وبين الوسائل والأمور الاجتهادية من ناحية أخرى، سواء وسائل تحصيل العلم، أو وسائل نشر العلم، أو وسائل الدعوة، أو حتى وسائل الحياة التي تخدم بها دنيا الناس ودينهم، كل الوسائل قابلة للاجتهاد، وكل الوسائل تحكمها ظروف الزمان والمكان، وتحكمها مقدرات المسلمين وما لديهم من إمكانات معنوية وحسية، مادية وعلمية، لكن الأصول والقواعد هي التي لا بد أن نقف عندها ولا نتعداها؛ لأنها السبيل والصراط المستقيم؛ لأنها نهج المؤمنين؛ ولأنها السنة؛ ولأنها هي التي عليها الجماعة، جماعة المسلمين. أما مسألة الوسائل من: كون الدعوة تقوم على جماعات، أو على أفراد، أو بمؤسسات، أو بدراسات علمية أو فكرية أو منهجية، أو بأي وسيلة من الوسائل الأخرى، فإن مسألة الوسائل متاحة ومباحة، والله سبحانه وتعالى جعل الناس على مواهب وقدرات، وفاوت بين قدراتهم ومواهبهم، وجعل حاجة المسلمين تنبني على ما لديهم من وسائل وأدوات، فلذلك ينبغي أن تتسع آفاق بعض الدعاة هداهم الله الذين يحجرون على المسلمين في الوسائل. ولأضرب لكم مثلاً سهلاً في تحصيل العلم، وهو من أهم الأمور وأحسنها وغيره أسهل منه في تحصيل العلم الشرعي وتلقيه: كان الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده بقليل يحذرون من كتابة الحديث، أليس كذلك؟ بل كان هذا هو النهج الذي كانوا عليه، كانوا يعتبرون كتابة الحديث وسيلة لا تصلح، لماذا؟ لأنهم كانوا حافظين للسنة، يعملون بها، يميزون بين السنة والقرآن والنصوص هذه وتلك؛ ولأن السنة كانت حية في الاعتقاد والعمل والتطبيق؛ ولأن الوضع والكذب في الحديث لم يرد في عهد الصحابة، ولأن الافتراق لم يوجد، والأهواء لم توجد بينهم، فكانوا لا يرون هناك حاجة لكتابة الحديث، ثم جاء بعد ذلك بعهد، بل كان بعضهم يتورع عن التحديث، رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن ينقلوا عنه الدين، كان يتورع عن التحديث خوفاً من أمور يعرفها أهل الاختصاص، ثم بعد ذلك بدءوا يحدثون. ثم بعد ظهور الافتراق، وبعد ظهور الوضع والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد ظهور الأهواء، وبعد ادعاء طائفة أنه يكفيها القرآن، وبعد اتهام الصحابة بالنسيان والخطأ والوهم إلى آخره من دعاوى وشبهات المبطلين التي قد تلبس على المسلمين، بعد ذلك سمح أهل العلم بكتابة الحديث، وبدءوا يكتبون قليلاً من الحديث، ثم جاءت فترة فصارت كتابة الحديث هي السمة، ثم جاءت فترة فتوجه أهل السنة والجماعة إلى ضرورة كتابة الحديث وتمييز الصحيح من الضعيف، فكتبت الصحاح والمسانيد والسنن، وحفظ الله بها الدين. إذاً: هذا تغير في الوسائل، حتى في طريقة تحصيل العلم على العالم، نجد أنها تدرجت، تطورت من طور إلى طور، حتى وصلت في بعض العهود الزاهرة إلى ما يشبه وجود الوسائل عندنا الآن، بل أتقن من الوسائل الموجودة عندنا الآن، فكانوا يضبطون الدروس من يحضر ومن يتخلف، ومتى حضر فلان في أي ساعة؟ ويضبطون عن العالم ما يكتب، وكان العالم إذا كثر طلابه يوزعهم إلى مجموعات، ويكون هناك من يبلغ العلم من مجموعة إلى مجموعة، تنظيم دقيق، كل ثلاثين يرأسهم واحد، ثم كل ثلاثين يرأسهم واحد، ثم هؤلاء المجموعة النقباء يجتمعون بالشيخ ويبلغون عنه، كل هذا من أمور الوسائل والتنظيم التي عمل بها أئمة الدين. إذاً: فالوسائل يجب أن يعمل بها المسلمون بقدر اجتهادهم وبقدر أحوالهم وبقدر حاجتهم، فالذين يحجرون على الصحوة أو على المسلمين استعمال الوسائل أنا أظنهم تحجروا واسعاً، بل ضيقوا، بل هم ربما يعدون حجر عثرة في سبيل عزة الإسلام والمسلمين، ونشر العلم بالطرق والوسائل المتاحة التي هيأها الله للناس. فاتخاذ الوسيلة المناسبة والمباحة قد يكون واجباً إذا كانت متعينة في نشر العلم الشرعي، أو في تقرير الحق، أو في تقوية المسلمين، بل هي من إعداد القوة التي أمر الله بها، قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال:60]. فالقوة هي قوة النفس وقوة الضمير، وهي قوة العلم وقوة القلم، وهي قوة الوسائل وقوة المؤسسات في عصرنا الحاضر، وهي تعني القوة المادية والمعنوية على حد سواء، والقوة المادية لا يح

التزام الجماعة الشرعية ونبذ الفرقة

التزام الجماعة الشرعية ونبذ الفرقة سادساً: مما ينبغي أن تعنى به الصحوة: التزام الجماعة ونبذ الفرقة، التزام الجماعة بمعانيها الشرعية، ونبذ الفرقة أيضاً بكل معاني الفرقة التي تشتت الشمل، وتفرق الكلمة، وتوهن المسلمين، وتذهب ريحهم. والتزام الجماعة في نظري يتحقق بأمور، منها: أولاً: الالتفاف حول العلماء والدعاة المخلصين، فالعلماء هم القدوة، والعلماء هم الأسوة، والعلماء هم أهل الحل والعقد، وهم أهل الولاية، والعلماء تتمثل فيهم الجماعة، وجماعة المسلمين لا بد أن تتمثل في العلماء، ومن هم على سمت العلماء من العامة وطلاب العلم، وأي دعوة بلا علماء فإن مصيرها إلى الانحراف أو الفشل أو هما معاً. هذا أمر تقتضيه ضرورة الدين، إذا لم يكن العلماء هم المرجع وهم الذين تجتمع عليهم الصحوة ويتحقق فيهم معنى الجماعة الشرعي فإنه لا معنى لوجود الجماعة بلا علماء، ولا معنى لوجود الدعوة والصحوة بلا علماء، ولا معنى لهذه الجفوة المفتعلة المتكلفة التي استغلها أعداء الإسلام بين العلماء وبين الشباب والدعاة. وكم استفاد خصوم الدعوة إلى الله من هذا المرض النفسي في الشباب: جفوة المشايخ والعلماء، وكما قلت: لا نفترض في المشايخ العصمة، علمهم وتقواهم وفضلهم يكفي، وما يوجد فيهم من أخطاء يوجد في غيرهم، وإن وجد عند العلماء تجاوز وظلم وخطأ أو شيء من الحسد فهذا في غيرهم أكثر، هذا أمر لا بد منه، إن وجد في العلماء تقصير وفي المشايخ تقصير فالتقصير في غيرهم حتماً أكثر، هذا بالنسبة للمجموع، أما الأفراد فحكمهم إلى الله. إذاً: الالتفاف حول العلماء هو أول معاني الجماعة التي أوجبها الله وحذر من تركها الرسول صلى الله عليه وسلم. ثانياً: غرس الألفة بين شباب الصحوة، بدل ما يحصل الآن من غرس التنافر ومن وجود التنابز والسباب، ومن وجود القدح والنقد للمسلمين بعضهم لبعض، فينبغي أن نسلك الطريق الآخر وهو غرس الألفة والتراحم بين المسلمين وحسن الظن فيما بينهم، ويجب أن نعذر المخطئ، وأن نلتمس له الأعذار؛ لأن أكثر ما يوجد التنابز ليس فيما بين أهل السنة والفرق؛ لأن هذا أمر بين ولا يسمى تنابزاً، إنما هذه مفاصلة بين الحق والباطل، لكن أقصد التنابز بين من هم من أهل السنة، يوجد شيء من التنابز بالألقاب والاتهامات، هذا من جماعة كذا، وهذا على طريق كذا، وهذا فكره كذا، وهذا نهجه كذا، وكل ذلك إنما هو من باب التفريق وليس له حقيقة، إنما أغلبه في الأمور الاجتهادية لا يجوز التنابز بها ولا التعادي عليها. ثالثاً: من معاني التزام الجماعة ومن ركائزها كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو نهج السلف: طاعة كل من له حق الولاية الشرعية من ولاة الأمور بالمعروف. هذا من أبرز معاني الجماعة، بل هو من السمات الظاهرة للجماعة، والتي بينها النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً، في أحاديث كثيرة وحذر من الإخلال بها، طاعة من له حق الولاية الشرعية من ولاة الأمور بالمعروف. رابعاً: الحذر من مواطن الفتن والشقاق ومواطن التفريق بين المؤمنين. إذاً: من أبرز معاني الالتزام بالجماعة: الالتفاف حول العلماء، وغرس الإلفة بين شباب المسلمين وبين المسلمين عموماً، وطاعة من له حق الولاية الشرعية بالمعروف، والحذر من مواطن الفتن والشقاق والتفريق بين المؤمنين.

ضرورة التفقه في الدين

ضرورة التفقه في الدين سابعاً: من التوجيهات: ضرورة التفقه في الدين. ولا أقصد بذلك مجرد تحصيل العلم الشرعي أو الثقافة العامة والفكر كما هو حاصل عند كثير ممن ينتسبون للصحوة. بل أقول: إن هذا منهج لا تستقيم به العقيدة ولا يستقيم به الفكر، ولا يوجد القدوة في الدين، وتحصيل العلوم الشرعية على غير أصولها الصحيحة، وتحصيل الثقافة الشرعية العامة بغير وسائلها الحقيقية كل ذلك لا يبني الشخصية المسلمة، بل في الغالب يوجد الغرور والتعالي، ويوجد العلم الذي لا تنظمه قاعدة ولا ينظمه أصل، علم بلا قدوة، علم بلا أصول، لذلك نجد أغلب الذين يأخذون دينهم أو علومهم الشرعية أو تحصيلهم للعلوم الشرعية عن طريق الوسائل، دون أن يكون لهم قدوة، ودون أن يأخذوا بالأصول الشرعية نجد أغلبهم يخلطون في الأمور: في الأحكام، في العقائد، فيكون عندهم شطحات ومواقف شاذة تجاه الأحداث والمواقف والأشخاص؛ وسبب ذلك أنهم ظنوا أنهم علموا حينما قرءوا كم كتاب وسمعوا كم شريط وحضروا كم محاضرة وتلقفوا بعض المعلومات المشتتة عبر الأجهزة المسموعة والمرئية، فظنوا أنهم بذلك صاروا علماء أو مثقفين، ويستغنون عن العلماء، وهذا مع الأسف كثير بين المثقفين والمفكرين، أو من يسمون بالمثقفين والمفكرين. أقول: لا بد من التفقه في الدين على أصوله الشرعية وبأسسه الشرعية. أولاً: التفقه في الدين لابد أن يكون على يد عالم قدوة، أو طالب علم متمكن، ولو لم يكن عالماً تتوافر فيه جميع شروط العلم لكن ينبغي أن يكون طالب علم متمكن موثوق بقدوته وأسوته، ومتمكن في علمه الذي يعلمه، هذا شرط. الشرط الآخر: أن يكون متحرراً من الغايات والأهداف الأخرى، فتحصيل العلم الشرعي ينبغي أن يكون من خلال الدروس وحلق الذكر والعلم، وقراءة الكتب بمشورة العلماء وطلاب العلم الذين لهم الخبرة، ومن أخذ علماً يجب أن يأخذه بتدرج على طلاب العلم الفاهمين الذين يعطون العلوم بتدرجها، فلا يأتي إنسان صغير ويأخذ أصعب الكتب في علم العقيدة أو في أصول الفقه مثلاً؛ لأن هذا يؤدي إلى أحد أمرين: إما أن يتعثر وينغلق عن هذا العلم، أو يفهمه على غير وجهه، فيبدأ يخبط في الأحكام وفي أمور المسلمين، وكل ذلك خطأ، وهذا لا يعني أننا لا نستفيد من الوسائل، لا، فأخذ العلم الشرعي عبر الشريط والإذاعة والندوة والمحاضرة والكتاب والمدرسة والجامعة هذا أمر طيب، بل هو وسيلة يجب أن نستفيد منها ونعمة من نعم الله سبحانه وتعالى علينا، لكن الاقتصار عليه في التفقه في الدين هذا خطأ، وفرق بين من يريد أن يحصل بعض الأمور البدائية التي تحصن دينه وبين من يريد أن يسلك طريقاً للعلم الشرعي الذي يتفقه به ويتخصص وينفع الأمة، فرق بين هذا وذاك. فطالب العلم الذي يريد أن يحقق للأمة حاجتها من الفقه في الدين في تخصص أو أكثر من العلوم الشرعية لا بد أن يسلك الطريق السليمة، أما من عداه من عامة المسلمين فعليه أن يسدد ويقارب، ويحاول قدر إمكانه أن يحضر دروس المشايخ وطلاب العلم، فإذا لم يتمكن فأخذه المعلومات الشرعية عن طريق الوسائل هذه نعمة، ويجب أن يستفيد منها كل مسلم، لكن الدعاة والموجهون للأمة يجب أن يتفقهوا في الدين بأساليب التفقه الصحيحة الشرعية.

تربية شباب الأمة على الصبر وبعد النظر وعدم استعجال النتائج وغير ذلك

تربية شباب الأمة على الصبر وبعد النظر وعدم استعجال النتائج وغير ذلك ثامناً: يجب أن يعود شباب الأمة على الصبر وبعد النظر وعدم استعجال النتائج، وعدم الاستجابة لاستفزاز خصوم الإسلام، ويجب أن نفهم أن من أخطر أساليب خصوم الإسلام: محاولة جر الشباب للتصرفات العاجلة الطائشة، محاولة استفزازهم بكل وسيلة، وقد رأينا مظاهر هذا، وثبت أن هناك من يحاول جر الشباب إلى الفتنة، ومن إثارة غيرتهم بأي أمر من الأمور التي تستثير غيرة المسلم، ومحاولة إيقاعهم في بعض التصرفات وتنميتها، وتشجعيهم على التصرفات التي لا تكون حميدة، ثم بعد ذلك تكون ذريعة للصد عن دين الله وعن الحق، وتكون ذريعة لاتهام المؤمنين والمسلمين، وتكون ذريعة لوصم الصحوة بالشدة والعنف والتطرف كما تعلمون الآن، وهي حملة إعلامية عنيفة الآن، تجد أخطر وسيلة لإيقاع الشباب والدعاة: استفزازهم بمثل هذه الأمور، فيجب أن نتفطن، ويجب أن نتحلى بالصبر والحكمة، وأن نسترشد برأي العلماء وبآراء الكبار الذين جربوا، ويجب أن نعي تصرفاتنا جيدة، وأن نعرف أن تصرف الفرد يحسب على الجماعة، وأن تصرف الفرد يحسب على الإسلام والمسلمين، وأن التصرفات الطائشة قد تؤخر الدعوة سنين، وتؤخر الخير سنين، وتؤخر عرض الإسلام على البشرية سنين. فإذاً: ينبغي أن نعود شباب الأمة والدعاة على الصبر، ولنعرف أن الصبر شرط لنصر الحق، بل إن الصبر شرط للإيمان وشرط لتحقيق الإسلام، كما ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة العصر: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1 - 3]. فكان من الأركان الأساسية لتحقيق الدين الصبر، فلا بد من نشر هذا المعنى وبيانه، ولا بد من تعويد الشباب على الحكمة والتأني، ولا بد من تعويد الشباب على ألا تكون تصرفاتهم إلا بمشورة وبرأي من أهل الحل والعقد من ولاة الأمور، من العلماء والمسئولين الذين يهمهم شأن الإسلام والمسلمين. هؤلاء هم الذين يسترشد برأيهم، ويجب أن يرجع إليهم الشباب، ولا يكون مرجع الشباب أحداث الأسنان أمثالهم ممن هم في سنهم قليلي التجربة، مهما كان علمهم وعاطفتهم، فالعاطفة ليست هي الوحيدة التي ينتصر بها الإسلام، الإسلام ينتصر بالحق والعلم والاعتقاد والحكمة وأخيراً بالعاطفة إذا استرشدت بهذه المعاني، أما العاطفة وحدها فهي تؤدي إلى التهور، وربما ارتكاب الأمور التي تخرج المسلم عن الحق، كما حدث من الخوارج وغيرهم.

صحوة عموم المسلمين وإحياء المعاني التشريعية للحسبة بمعناها الواسع

صحوة عموم المسلمين وإحياء المعاني التشريعية للحسبة بمعناها الواسع أخيراً: لا بد في ترشيد هذه الصحوة المباركة: صحوة المسلمين عموماً، وما نراه من بوادر عودتهم إلى الإسلام، لا بد من إحياء المعاني الشرعية للحسبة بمعناها الواسع، لا كما يظن بعض الناس أن الحسبة هي ما هو موجود الآن بمجرد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن كان هذا أصل من أصول الدين وركن من أركانه، لكن الحسبة أوسع من ذلك، الحسبة إضافة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعني: تحقيق التكافل بين الأمة، تعني تحقيق القوة للإسلام والمسلمين، تعني: تحقيق العدل ورفع الظلم، تعني: أداء الحقوق كلها بما فيها حق الله سبحانه وتعالى، وحق الرسول صلى الله عليه وسلم، وحق الإسلام والأمة، وحق العامة والخاصة من المسلمين، وتعويد المسلمين على معنى أداء الحقوق صغيرها وكبيرها، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً. ولا بد أيضاً في تحقيق المعاني الشرعية للحسبة بمعناها الواسع من إخراج المسلمين من هذه السلبية القاتلة، السلبية التي تتمثل بعدم الاهتمام بشئون الإسلام والمسلمين، وباطراح أو تقاذف المسئولية ومحاولة التخلي عن المسئولية وإلقائها على الآخرين. وتتمثل أيضاً هذه السلبية بالتوهم الكاذب، توهم أن الشر قوي، وأن أهل الشر لديهم الوسائل الفتاكة، وتوهم اليأس من نصر الإسلام والمسلمين، وتوهم وسائل الأعداء وما لديهم، وأحياناً توهم ما لا يوجد، من اعتقاد أن خصوم الإسلام لديهم تخطيط ولديهم وسائل ولديهم الاستعداد لكبت الإسلام والمسلمين. وهذا وإن كان يوجد شيء منه، لكن ليس بالحجم الذي يتوهمه المتوهمون، فالله سبحانه وتعالى أقوى وهو فوق الجميع، والله وعدنا بالنصر الأكيد إذا صدقنا معه، والله سبحانه وتعالى وعدنا بالنصر المؤزر، فلماذا ننسى وعد الله؟ ولم نضخم من قوة الخصوم؟ وهي مهما بلغت، وحتى لو صدقت هذه الإحصائيات وصدقت هذه التخطيطات وصدقت هذه الوسائل عند الكفار فهي لا تساوي شيئاً أمام الرعب من الحق، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (نصرت بالرعب) وهذا النصر للأمة كلها، وقد رأينا رعب الكفار في أقصى الغرب من أي مظهر من مظاهر عز المسلمين في أقصى الشرق، رعب هز قلوبهم وكيانهم، فإذا كان كذلك فكيف لو أشعرناهم فقط بأنا أقوياء نفسياً؟ حتى لو لم نملك وسائل، مع أننا لو قوينا لملكنا الوسائل، لكن مع افتراض أنا لا نملك وسائل لو قويت نفوسنا وقويت قلوبنا وقويت عزيمتنا وقويت ثقتنا بالله سبحانه وتعالى وبنصره ووعده لكان هذا كافياً لإحباط قوة الكافرين في مهدها. ومع ذلك أيضاً لا نتصور أن النصر سينزل من السماء من غير ابتلاء، لا بد من الابتلاء، لكن الابتلاء الحاصل في حال الذل والهوان أشد وأنكى على المسلمين من الابتلاء الذي يحصل لهم في حال إعلان الجهاد. فموازين المسلمين اختلت فيجب أن نعيد الموازين الصحيحة إليهم، ويكون ذلك عبر هذه الصحوة المباركة، يجب أن تخرج الأمة من هذا التوهم الذي هي فيه، من السلبية القاتلة المميتة والاتكال على الآخرين والأنانية، وهي صفات - مع الأسف - متأصلة في المسلمين في هذه العصور القريبة، وبدأت - بحمد الله - تتخلص منها الدعوة والصحوة، لكن يجب أن نؤصل هذه المعاني أيضاً بقوة، ونستمدها من أصولها الشرعية من الكتاب والسنة. أيضاً لا بد من خروج المسلمين من حال التقوقع والانطوائية وضيق الأفق في كل مجال، ولا بد أيضاً من السعي إلى نشر الخير والنفع العام للأمة، فهذه الصحوة طاقات مهدرة ومشتتة الآن، وبدأت تتآكل وبدأت تتهارش فيما بينها، وسبب ذلك عدم استغلال طاقاتها في النفع العام وفي نشر الخير. أقول: إن من أعظم أسباب وجود الافتراق واللمز وانشغال الدعاة بعضهم ببعض، أو انشغال شباب الصحوة بعضهم ببعض هذا التآكل والتهارش الذي بينهم، ومن أعظم أسبابه هو عدم استغلال الطاقات وإهدار الطاقات، ومن أعظم أسباب إهدار الطاقات: هو الحجر على المسلمين في مسألة استعمال الوسائل، ودعوى أن الوسائل توقيفية، وأنه يجب أن نعمل في طريق الدعوة كما عمل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في كل شيء، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أباحوا كل وسيلة لا تتعارض مع الشرع، بل استخدموها وأوجبوها. هذه هي السنة الصحيحة، أما أن نحجر على المسلمين فنحرم عليهم الوسائل والطرق والتخطيط والتنظيم والعمل المؤسسي وعمل الخير، والانفتاح على شئون الحياة الأخرى، وتحصيل ما فيه مصالح الإسلام والمسلمين، فإن هذا هو الخطأ والخطل والخطر، بل هو التحجر بعينه. إذاً: لا بد من فتح مجالات الخير، واستغلال مواهب الشباب وطاقاتهم في النفع العام للأمة، والإسهام في نهضتها العلمية والاجتماعية والاقتصادية، وذلك على أسس شرعية ملتزمة بأصول الشرع وبنصوصه وقواعده. ومن أهم ذلك الخروج عن مجرد التركيز أو عن العمل العلمي الفكري إلى العمل الجاد في الجانب المؤسسي، من خلال الجمعيات، من خلال المؤسسات، من خلال المنظمات الإسلامية القائمة، أو حتى إنشاء مؤسسات وجمعيات لاستغلال طاقات الأمة وترشيدها وتوجيهها في سبيل الخير والنفع العام، ولا بد م

§1/1