دروس الشيخ عبد الكريم الخضير

عبد الكريم الخضير

نعمة التوحيد

نعمة التوحيد الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: ففي هذه الساعة الطيبة المباركة نجتمع لنتذاكر ونتدارس موضوع هو أهم الموضوعات على الإطلاق، هو رأس المال الحقيقي، توحيد الله -جل وعلا- وإفراده في أفعاله المعبر عنه بتوحيد الربوبية، وأفعال الخلق التي من أجلها خلق الإنس والجن، وهو توحيد العبادة، وما وصف به نفسه -جل وعلا-، وما وصفه به رسوله -عليه الصلاة والسلام-، لا اقصد بذلك تفصيل هذه المواضيع، التي أفاض فيها أئمة الإسلام وعلماء الأمة من الصدر الأول إلى يومنا هذا في بيانها وتجليتها، وإعطائها ما تستحق من العناية، وجاء فيها من نصوص الكتاب والسنة ما لا يحاط به؛ لأهميتها، وموضوع المحاضرة فيما بلغني وإن لم أكن رأيت إعلاناً لكن قالوا: إنه نعمة التوحيد هكذا؟ هذا العنوان؟ طالب:. . . . . . . . . نعمة التوحيد، العنوان مركب من مضاف ومضاف إليه، والحديث عن الشيء كما يقول أهل العلم: فرع عن تصوره، وتصور هذا العنوان بمعرفة جزئي المركب، فما النعمة؟ وما التوحيد؟ قد يقول قائل: إن النعمة لا يختلف أحد في معرفتها، ولو سألت أي شخص مهما كانت ثقافته وجدته يعرف النعمة، وإذا سألته عن التوحيد عرف لك التوحيد على حسب ما تلقاه عن شيوخه ومن يقتدي بهم، ولذا يختلفون في تعريف التوحيد، يختلفون اختلافاً متبايناً، أهل السنة يتفقون على تعريف هو ما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، وأهل البدع كل له تعريفه الذي يختص به، وتجد المبتدع يزعم أنه موحد ويقول: لا إله إلا الله وهو يطوف على القبر، ويزعم أنه محقق للتوحيد، بينما من هذه حاله كما قرر أئمة الدعوة أن أبا جهل أعرف منه بالتوحيد، وأعرف منه بلا إله إلا الله. لأهمية هذا الموضوع كتب عنه كثيراً وألفت فيه الكتب المفردة بهذا العنوان: (التوحيد)، ولسلف هذه الأمة نصيب وافر من التأليف، وأيضاً لأصحاب الجوامع من كتب السنة أيضاً عناية فائقة بهذا الباب.

قد يقول قائل: لماذا جعل الإمام البخاري كتاب التوحيد آخر كتاب في صحيحه؟ هل هذا لعدم أهميته؟ نقول: إن الإمام البخاري افتتح كتابه بكتاب الإيمان وختمه بكتاب التوحيد؛ ليكون المعتني بصحيح البخاري بين هذين الكتابين بحيث لا ينساهما إذا طال به العهد، ومر على أبواب الدين كلها قد ينسى ما كتبه في أول الكتاب فيذكره بما سطره الإمام في آخره من أبواب التوحيد التي جلها في توحيد الأسماء والصفات، الذي شاع في عصره -رحمه الله تعالى- إنكاره من قبل المبتدعة. النعمة جمع أو كما في لسان العرب يقول: النعيم والنُعماء والنَعماء والنعمة، النعيم والنُعماء والنَعماء والنعمة كله الخفض والدعة، الخفض والدعة والمال، فالمال نعمة ((نعم المال الصالح للرجل الصالح)) يعني إذا استغل فيما وجه إليه الإنسان في صرفه، وقبل ذلك كسبه من وجوه الحل وإلا فهو نقمة، وكثير من النعم التي يتمتع بها الناس إما أن تكون نعمة، وإما أن تكون نقمة، السمع والبصر والفؤاد وغيرها كلها من أعظم نعم الله على المخلوقين، ومع ذلكم قد تكون من أعظم النقم عليهم إذا لم تستغل فيما يرضي الله -جل وعلا-، قال: والمال وهو ضد البأساء والبؤساء، ضد البأساء والبؤساء، وقوله -عز وجل-: {وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُ} [(211) سورة البقرة] يقول: يعني في هذا الموضع حجج الله الدالة على أمر النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال -جل وعلا-: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [(8) سورة التكاثر] أي تسألون يوم القيامة عن كل ما استمتعتم به في الدنيا، تسألون يوم القيامة عن كل ما استمتعتم به في الدنيا، وجمع النعمة نعم وأنعم، كشدة وأشد، حكاه سيبويه، قال النابغة: فلن أذكر النعمان إلا بصالح ... فإن له عندي يدياً وأنعماً

والنُعم بالضم خلاف البؤس، يقال: يوم نُعم، ويوم بُؤس، والجمع أنعم وأبؤس، ثم قال بعد ذلك بعد كلام طويل: والنعمة اليد البيضاء الصالحة والصنيعة والمنة، وما أنعم به عليك،، ونعمة الله بكسر النون منُّه، وما أعطاه الله العبد مما لا يمكن غيره أن يعطيه إياه كالسمع والبصر، نعمة الله يقول: بكسر النون منه، وما أعطاه الله العبد مما لا يمكن غيره أن يعطيه إياه كالسمع والبصر، مفهوم هذا أنه إذا كان مما يمكن أن يناله الإنسان من غيره فإنه لا يسمى نعمة الله، إنما قصر نعمة الله على ما يعطاه الإنسان مما لا يمكن غيره أن يعطيه إياه، قد يقول قائل: إن البشر يستطيعون أن ينفعوا غيرهم، وينعمون عليهم بما زاد في أيديهم عن حاجتهم، لكن المعطي في الحقيقة هو الله -جل وعلا-، وإن كانت على يد أحد من البشر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إنما أنا قاسم، والله المعطي)) لأن الإنسان يتصور أن هذا الإنسان هو الذي أنعم عليه، هذا الإنسان هو الذي أنعم عليه، قد تنسب النعمة إلى الإنسان باعتبار أنه هو المباشر لها، وقد يقال: فلان أعطى فلاناً، والله في الحقيقة هو المعطي، لكن باعتبار أنه هو المباشر لهذه النعمة من نعم الله، {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [(37) سورة الأحزاب] يعني أنت باشرت المنة عليه بالعتق وإلا فالمعتق هو الله -جل وعلا-، والمعطي هو الله -جل وعلا-، إذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقوله بالنسبة للعلم والتعليم، يقول: ((الله هو المعطي وإنما أنا قاسم، فمن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) النبي -عليه الصلاة والسلام- يقسم ويعدل في القسم، ويلقي ما عنده من علم على الصحابة على حد سواء، يقسم بينهم ويعدل بينهم، لكن الله -جل وعلا- هو المعطي، وهو الذي يمنح هذا ويمنع هذا.

يقول -جل وعلا-: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [(20) سورة لقمان] {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} وقال تعالى: {شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ} [(121) سورة النحل] قال ابن عباس: النعمة الظاهرة الإسلام، والباطنة ستر الذنوب، النعمة الظاهر الإسلام، يعني الأمور العملية التي تشاهد، والباطنة ستر الذنوب وهذا مثال، تفسير بالمثال وإلا فكم لله -جل وعلا- من نعم ظاهرة، وكم له أيضاً من نعم باطنة، لكن السلف منهم من يفسر بالمثال ولا يقصد بذلك الحصر. هذا بالنسبة للمضاف وهو نعمة .. ، والمضاف إليه وهو التوحيد، الذي هو الجزء الثاني من جزئي المركب، مصدر وحد، يقول ابن منظور: التوحيد: الإيمان بالله وحده لا شريك له، والله الواحد الأحد، والله الواحد الأحد ذو الوحدانية والتوحيد، أو ذو الوحدانية والتوحد، الوحدانية والتوحد. يقول ابن سيدة: والله الأوحد والمتوحد وذو الوحدانية، ومن صفاته الواحد الأحد، يقول أبو منصور وغيره، أبو منصور الأزهري صاحب التهذيب: الفرق بينهما -بين الواحد والأحد- أن الأحد بني لنفي ما يذكر معه من العدد، بني لنفي ما يذكر معه من العدد تقول: ما جاءني أحد، والواحد اسم بني لمفتتح العدد، تقول: ما جاءني واحد من الناس ولا تقول: جاءني أحد، فالواحد منفرد بالذات في عدم المثل والنظير، الواحد منفرد بالذات في عدم المثل والنظير، والأحد منفرد بالمعنى، فلكل واحد منهما ما يخصه.

الأحد جاء في قوله -جل وعلا- في سورة الإخلاص: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] ثعلب وهو من أئمة اللغة الثقات يقول: الآحاد جمع واحد وحاشا أن يكون للأحد جمع، وحاشا أن يكون للأحد جمع، يعني نظر إلى اللفظة باعتبارها من أسماء الله، والله -جل وعلا- متوحد متفرد لا ند له ولا نظير، وإذا كان الأمر كذلك فلا يجمع هذا اللفظ فهل كلامه صحيح؟ يعني العلماء حينما قالوا: آحاد، خبر الآحاد، أو خبر الواحد ملاحظ أنهم يجمعون الواحد على آحاد، لما قال: الآحاد جمع واحد وحاشا أن يكون للأحد جمع، هو نظر إليه باعتباره اسم من أسماء الله -جل وعلا-، لكن هل هو من الأسماء التي يختص بها الله -جل وعلا- أو من الأسماء المشتركة؟ مثل: الكريم، الرحيم، الرءوف هذه مشتركة، ومما يختص به الله -جل وعلا- من الأسماء: الله، والرحمن هل هو من الصنف الأول بمعنى أنه مشترك وحينئذٍ لا يجوز جمعه؟ لا يجوز جمعه، يجمع راحم ((الراحمون يرحمهم الرحمن)) لكن ما يجوز جمع الرحمن، ولا يجوز جمع الله لأنه لا يوجد له سمي، لكن ما يشترك بين الخالق والمخلوق فيه كالكريم يجمع، والرحيم يجمع، فهل الأحد كما قال ثعلب: لا يجوز جمعه حاشا أن يكون للأحد جمع؟ هو مشترك كما يطلق على الله -جل وعلا- يطلق على اليوم الذي يلي السبت، غداً السبت والذي بعده الأحد، وكم في الشهر من أحد؟ أربعة آحاد، وما الذي يمنع من الجمع لأن الاسم مشترك، يعني نبهت على هذا لأن ثعلب أكد على هذه المسألة وأصر على أنه لا يمكن جمعه، وإن كان في الاستعمال -استعمال أهل العلم- حينما قالوا: خبر الواحد وخبر الآحاد مفاد كلامهم أنهم يريدون به جمع الواحد، والأحد منفرد بالمعنى، ولا يجمع هذين الوصفين إلا الله -عز وجل-.

قال الأزهري: والواحد من صفات الله تعالى معناه أنه لا ثاني له، ويجوز أن ينعت الشيء بأنه واحد، يجوز أن ينعت الشيء بأنه واحد، يعني إذا قيل: كم عندك من بيت؟ تقول: واحد، ما في ما يمنع، ويجوز أن ينعت الشيء بأنه واحد، فأما أحد فلا ينعت به غير الله تعالى لخلوص هذا الاسم الشريف له -جل ثناؤه- وتقول: أحدت الله تعالى ووحدته وهو الواحد الأحد، هذا يؤيد كلام هذا المذهب يؤيد كلام ثعلب أنه لا ينعت به غير الله، لكن ماذا عن يوم الأحد؟ وجاءت به النصوص، جاءت به النصوص، نصوص صحيحة، جاءت بلفظ الأحد والمراد به اليوم الذي يلي السبت، فهل يرد عليهم مثل هذا؟ فأما أحد فلا ينعت به غير الله تعالى لخلوص هذا الاسم الشريف له -جل ثناؤه- وتقول: أحدت الله تعالى ووحدته وهو الواحد الأحد. جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال لرجل .. ، أنه قال لرجل ذكر الله وأومأ بأصبعيه، يعني كأنه في التشهد لما قال: أشهد أن لا إله إلا الله أشار بأصبعيه كلتيهما، فقال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أحد أحد)) يعني أشر بالسبابة اليمنى فقط، لتشير بذلك إلى أن المعبود والمذكور واحد، وهو الله -جل علا-، أي أشر بأصبع واحدة، وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وصححه الترمذي وغيره. ابن حجر في شرح كتاب التوحيد في فتح الباري في آخر الكتاب نقل عن أبي القاسم التميمي في كتاب الحجة قوله: "التوحيد مصدر وحد يوحد، ومعنى وحدت الله اعتقدته منفرداً بذاته وصفاته لا نظير له ولا شبيه، وقيل: معنى وحدته علمته واحداً، وقيل: سلبت عنه الكيفية والكمية فهو واحد في ذاته لا انقسام له، وواحد في صفاته لا شبيه له، وفي إلهيته وملكه وتدبيره لا شريك له، ولا رب سواه، ولا خالق غيره". إذا علم هذا فالتوحيد إفراد الله تعالى بما يختص به من ربوبية وألوهية والأسماء والصفات.

وقد اجتمعت الثلاثة في قوله تعالى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} هذا توحدي الربوبية {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ} هذا توحيد الإلوهية {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [(65) سورة مريم] هذا توحيد الأسماء والصفات، إشارة بهذه الآية إلى أنواع التوحيد الثلاثة التي حصر أهل العلم التوحيد فيها بطريق الاستقراء؛ لأن ممن يشوش الآن ويقول: ما الدليل على هذا الحصر؟ ويضيف بعضهم توحيد المتابعة، لا بد أن تكون متابعته لواحد، لكن هل هذا مما يتعلق بالله -جل وعلا-؟ نعم نحن نوحد متابعتنا للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فلا قدوة لنا ولا أسوة غيره، لكن توحيده وطاعته تابعة لتوحيد الله -جل وعلا- وطاعته، التوحيد هو الغاية من خلق الجن والإنس، كما قال -جل وعلا-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] فالجن والإنس خلقوا لغاية، خلقوا لهدف، لا بد من تحقيق هذا الهدف، وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، فينبغي أن يكون هذا الهدف هو الهاجس، هو نصب عيني المسلم، وأنه خلق من أجل هذا، وأن ما يسعى وراءه غير تحقيق هذا الهدف أو ما يعين على تحقيق هذا الهدف هذا كله هباء، ولذلك عرف سلف هذه الأمة هذه الغاية وعملوا من أجلها، ولم يلتفوا إلى غيرها إلا بقدر ما يتحقق به هذا الهدف، ولذا يقول الله -جل وعلا- {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} من أجل أن تعيش لتحقق هذا الهدف، وإلا فالدنيا ليست غاية وليست بمقر، وإنما هي ممر ومزرعة للدار الآخرة، ومع الأسف إذا نظرنا إلى حال المسلمين اليوم في كثير من الأقطار وجدنا العكس، يعني سواءً قال ذلك بلسان المقال أو بلسان الحال، تجد حال كثير من الناس هدفه وغايته الدنيا، ثم بعد ذلك إن بقي شيء من وقته التفت إلى عبادات ألفها ويأتي بها على وجه الله أعلم به، ولا أدل على ذلك من حال المسلمين بعد أن فتح لهم من أنواع التجارة التي لا تكلفهم شيء، وانصرف إليها جل الناس من صغير وكبير، من رجال ونساء، من غني حتى الفقراء دخلوا فيها، اللي هي تجارة

الأسهم، كل بحسبه، انصرفوا إليها انصرافاً كلياً وأثر ذلك على حلقات التعليم، وأثر ذلك على أعمال الناس التي استأجروا عليها واستأمنوا عليها، فتجد الموظف وهو في مكتبه عنده الجهاز يبيع ويشري ويحسب، والمصلي أيضاً تجده لا يعقل من صلاته إلا القليل النادر، وهذا حكم يعني الغالب وإلا يوجد من تعامل بهذه المعاملة ولا أثرت فيه تأثير مثل غيره، يعني إذا سمع من يقول: آمين وهو ساجد يرفع صوته بها، هذا يعقل من صلاته شيء؟ نعم، والمساهمون في الصالات في البنوك مجرد ما يسلم الإمام التسليمة الأولى تجدهم مثل ما يحصل من سلام الإمام في المسجد الحرام، تجد كثير من الناس لا يسلم الثانية ليذهب ليقبل الحجر وحصل من كثير من الناس في صالات البنوك قريب من هذا، فنسوا كل شيء، عطلوا أعمالهم، وأهملوا أسرهم، وضيقوا على أنفسهم، والله -جل وعلا- يقول: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] لأن هذه الغاية العظمى التي هي العبادة يمكن للإنسان أنه إذا جاهد في أول الأمر من أجل تحقيقها ثم صار يتلذذ بها احتمال أن ينسى الدنيا، لكننا بحاجة الآن أن نذكر المسلم أن لا ينسى نصيبه من الآخرة، هذه هي الغاية، التوحيد هو الغاية أيضاً من إنزال الكتب ومنها القرآن كما قال -جل وعلا-: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} [(1 - 2) سورة هود] التوحيد إذا حقق يمنع الخلود في النار، إذا كان في القلب منه أدنى مثقال حبة خردل، يعني فرق بين من يدخل النار ليهذب وينقى ثم يخرج منها إلى النعيم المقيم، وإذا علمنا حال آخر من يخرج من النار ويدخل الجنة يقال له: تمن، فتنقطع به الأماني، ما يدري ماذا يقول؟ يعني آخر واحد ويش بيقول؟ فيقال له: تمن، فتنقطع به الأماني، فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملك أعظم ملك في الدنيا؟ قال: إي وربي، أرضى، ما توقع هذا ثم يقال: لك هذا ومثله، ومثله، ومثله ومثله، إلى عشرة أمثاله، تصور أعظم ملك في الدنيا عشرة أمثاله، هذا إذا خرج، إذا كان في قلبه مثقال حبة من خردل، مثقال حبة خردل من إيمان، لكن

تحقيق التوحيد يحصل به الأمن التام في الدنيا والآخرة:

الذي ليست توجد لديه .. ، أو لديه هذا المثقال -نسأل الله السلامة والعافية- في النار، في العذاب الأبدي السرمدي {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [(56) سورة النساء] {مَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [(48) سورة الحجر] فهذا فيه دلالة على عظم شأن هذا التوحيد الذي الفرق بين هذا وهذا مثقال حبة خردل، لكن ماذا عن الذي يحقق التوحيد ويمتلئ قلبه من التوحيد؟ هذا يمنعه دخول النار بالكلية، إذا تحقق وأخلص كما جاء ذلك في حديث عتبان في الصحيحين وغيرهما قال: ((فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)). تحقيق التوحيد يحصل به الأمن التام في الدنيا والآخرة: تحقيق التوحيد يحصل به الأمن التام في الدنيا والآخرة، {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [(82) سورة الأنعام] مفهومه أن الذين لبسوا إيمانهم بظلم لا يحصل لهم الأمن، وليسوا بمهتدين، أقول: هذه الآية أول ما نزلت خاف منها الصحابة -رضوان الله عليهم- وأينا لم يظلم؟ يظلم نفسه الظلم حاصل، الله -جل وعلا- حرمه على نفسه، وجعله بين الناس محرماً، لكن المقصود به في هذه الآية الشرك ((ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح)) {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [(13) سورة لقمان]؟.

يقول -جل وعلا- في سورة النور: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} آمنوا وعملوا الصالحات {لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} [(55) سورة النور] ما الدين الذي ارتضي؟ {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [(3) سورة المائدة] {وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} ومعنى العبادة هنا التوحيد، يعبدونني بدليل المقابل {يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [(55) سورة النور] وعلى هذا فالمشرك لا تحصل له هذه الخصال، ونحن نسعى جادين إلى تحصيل الأمن وتحقيقه بعد أن وجد ما يزعزعه من بعض التصرفات، ونغفل عن مثل هذه التوجيهات الإلهية، لماذا لا نعتني بالتوحيد ونحارب الشرك بجميع مظاهره ليتحقق لنا هذا الوعد الذي هو الأمن؟ {وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [(55) سورة النور] ونحن نبحث جادين عن وسائل تحقيق الأمن ونغفل عن مثل هذا، فلا أمن إلا بتحقيق التوحيد، ولا أمن إلا بنبذ الشرك، وهذه هي النعمة العظمى التي يتقلب بها من منَّ الله عليه بتحقيق التوحيد وتخليصه وتنقيته من شوائب الشرك والبدع.

فقد التوحيد إذا كان .. ، إذا كان الربح العظيم في الدنيا والآخرة بتحقيق التوحيد، ففقد التوحيد هو الخسارة الحقيقية، خسارة الدنيا والآخرة، الإنسان يشتري سيارة بمائة ألف ويبيع بتسعين بثمانين بسبعين ألف خسارة، لكنها ليست بالخسارة لأن الدنيا كلها غير مأسوف عليها، عند من يعرف حقيقة الدنيا والآخرة، الذي يعرف حقيقة الدنيا وأنها لا تزن عند الله جناح بعوضة يعرف أن الخسارة الحقيقية هي خسارة النفس والمال يوم القيامة، كما قال -جل وعلا-: {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ} الخاسرين خسارة حقيقية، خسارة لا ربح معها تبيع سيارة بخسارة عشرة آلاف، تبيع سلعة بمكسب، لكن الخسارة التي لا ربح معها {وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} هذه هي الخسارة التي لا تعوض، أما اليوم تشتري السيارة تبيعها بخسارة عشرة آلاف، تشتري بيت تبيعه بمكسب مائة ألف، ما في خسارة، ما في خسارة {أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ} [(45) سورة الشورى] بعض العلماء وهو معروف عن مالك أنه لا غبن ولا شيء اسمه: خيار الغبن، يعني إذا بعت سلعة وفيها نقص من قيمتها الثلث فأكثر جمع من أهل العلم يرون أن لك خيار الغبن، مالك يقول: ما في شيء اسمه: غبن، في الدنيا ما في غبن، الغبن وين؟ {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [(9) سورة التغابن] يوم القيامة، الدنيا كلها ما تسوي شيء، سعيد بن المسيب -رحمه الله- لما جاءه الواسطة يكتب ابنته لابن الخليفة قال له: يا سعيد جاءتك الدنيا بحذافيرها، جاءتك الدنيا بحذافيرها، نعم اتصور ابن الخليفة ابن الملك جاء يخطب بنتك، كثير من الناس خطر على عقله كيف ابن خليفة يجي يخطب ابنتي؟ لأن الدنيا صارت هدف، صارت غاية، قال سعيد: إذا كانت الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة فماذا ترى أن يقص لي من هذا الجناح؟ يعني لو قيل: هذا مفتاح بيت المال كله لك، فماذا ترى أن يقص من هذا الجناح لي؟ والدنيا كلها من أولها إلى آخرها لا تزن عند الله جناح بعوضة

((وركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)) فمثل هذه الأمور على المسلم أن ينظر إليها بعناية، وأن يعيد النظر فيها، يعني يحصل في مجالس بعض الناس أن الإنسان إذا حج جاء من باب الفضول قال له بعض الناس -وهذا حصل-: تبيع حجتك بمائة ألف؟ بعض المساكين يقول: نعم نحج حجة ما تكلف ولا ألف بدلها، لكن ما الذي يقوم أمام هذه العبادة العظيمة التي إن كان حجه مبرور رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ((والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) والله المستعان. فهذه الخسارة والكارثة حقيقة هي خسارة الدين. وكل كسر فإن الدين يجبره ... وما لكسر قناة الدين جبرانُ الدين ما يجبره شيء، لكن أي كسر في الدنيا أو حتى في الجسد ينجبر، ولو قدر أن إنساناً حصل له ما حصل، والتفت إلى ربه وذكره، ذكره الله في نفسه، يعني ذكره خالياً بمفرده ((من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسه، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه)) هذا في الصحيح في البخاري وغيره، يعني ماذا يحصل للإنسان وإن كان طالب علم، وإن كان كبيراً في نفسه في قومه إذا قيل له: ذكرك الملك فلان أو الأمير فلان البارحة وأثنى عليك خير، والله أعلم يجلس أسبوع ما نام، وماذا يقدم له؟ وماذا يؤخر هذا المخلوق وهو مثله؟ والله ما يستطيع أن يقدم له شيء، لو يحصل له صداع ما استطاع أن يقدم له شيء، إلا أنه تسبب يدخله مستشفى وإلا يجيب له طبيب وإلا .. ، لكن ((من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه)) ونحن نغفل عن هذه الحقائق، وإذا جلسنا في مجالسنا عمرناها بالقيل والقال، ونسهر الساعات الطويلة قال فلان، ذكر فلان، الصحيفة الفلانية ذكرت كذا، والقناة الفلانية قالت كذا، هذا إذا سلم من المحرمات، فإذا سلم من المحرمات وانشغل بالقيل والقال وعمر وقته بها فإذا أراد أن يتعبد ثقلت عليه العبادة، عنده استعداد يسهر إلى الساعة ثلاث، قيل وقال مع أحبابه وأصدقائه، ثم إذا دخل شخص عرف بصلاحه توقعوا أنه يحد من متعتهم في الحديث استثقلوه، فإذا لم يبق من الليل إلا الشيء اليسير عالج نفسه للوتر ولو بركعة، تجده لا يعان على ذلك، لكن لو كان وقته معموراً بذكر الله صارت العبادة هي جنته، والله المستعان.

جميع الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة قبولها متوقف على تحقيق التوحيد:

جميع الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة قبولها متوقف على تحقيق التوحيد:

جميع الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة قبولها متوقف على تحقيق التوحيد {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} [(23) سورة الفرقان] {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [(65) سورة الزمر] وهذا يقال لمن؟ للرسول -عليه الصلاة والسلام- فكيف بغيره؟ {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} فلا بد من تحقيق التوحيد، وهو الذي به تحفظ الأعمال، وبه تضاعف هذه الأعمال، وكل ما قوي التوحيد والإخلاص لله -جل وعلا- كملت جميع الأعمال الصالحة وتمت، والمخلص في إيمانه وفي توحيده تخف عليه الطاعات، يعني نسمع من سلف هذه الأمة من يصلي في اليوم والليلة مئات الركعات، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول لمن سأله مرافقته في الجنة: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) الإمام أحمد حفظ عنه ثلاثمائة ركعة في يوم وليلة، كيف خفت عليه هذه العبادة؟ الرسول القدوة الأعظم -عليه الصلاة والسلام- قام حتى تفطرت قدماه، كيف خف عليه هذا القيام؟ لقوة إيمانه وإخلاصه وتوحيد قصده إلى الله -جل وعلا-، وقف بين يدي ربه -جل وعلا- فقرأ الفاتحة ثم قرأ البقرة ثم قرأ النساء ثم آل عمران ثم ركع، يرتل -عليه الصلاة والسلام- يقرأ القرآن على الوجه المأمور به، ويردد ويسأل ويستعيذ ويتأمل ويتدبر فخمس أكثر من خمسة أجزاء تحتاج إلى كم من الوقت؟ وهل نقول إنه ما صلى إلا ركعة واحدة؟ صلى -عليه الصلاة والسلام- نعم لم يحفظ عنه أنه قام ليلة كاملة إلا ما ذكر في العشر الأواخر من رمضان أنه إذا دخلت العشر شد المئزر واعتزل أهله، وأحيا ليله، وأما ما عدا ذلك فهو يخلطه بقيام ونوم، لكن قراءة خمسة أجزاء على الوجه المأمور به لا تقل عن ساعتين، ثم ركع ركوعاً طويلاً نحواً من قيامه، ثم سجد سجوداً طويلاً نحواً من ركوعه وهكذا، يعني الصلاة على هذا الوجه، وعلى هذه الطريقة من يطيقها؟ من يطيقها؟ لا نقرن هذا بالبدن وقوة البدن أبداً، لا علاقة بين هذا الفعل وبين قوة البدن وضعفه، تجد الشاب في الثلاثين من عمره عنده استعداد أن يحمل مائتي كيلو ويجري بها، يعني بعض الناس عنده قدرة، وعنده قوة، لكن إذا صف خلف الإمام تجده يراوح بين قدميه، تتعب هذه

ثم يرفعها ثم .. ، والإمام ماذا يقرأ؟ إذا قرأ عشر آيات قالوا: طول، فلا ارتباط للبدن مع تحمل هذه العبادات الطويلة، إنما العلاقة بين في هذه العبادات إنما هي للقلب فقط، القلب السليم هو الذي يحمل البدن، هو الذي يحمل البدن، والشيخ الكبير الذي جاوز المائة يصلي التهجد خلف إمام قراءته متوسطة؛ لأن بعض الأئمة يتشجع المأموم إذا صلى خلفه لحسن صوته، هذا قراءته متوسطة، والشيخ معتمد على عصاه جاز المائة، والإمام يقرأ في كل تسليمة جزء من القرآن، في كل تسليمة يقرأ جزء، وهؤلاء أدركناهم اللي يقرؤون في الجزء بالتسليمة، لكن الآن كثير من الأئمة ورقة واحدة، في التهجد ورقة، وأما بالنسبة للتراويح فأقل، بعضهم نصف وجه، ربع ورقة، سئلنا سؤال حقيقي ما هو بافتراضي، إمام يسأل عن آية الدين هل يجوز قسمها بين الركعتين؟ آية الدين، والله المستعان، هذا الشيخ الذي جاوز المائة يعتمد على عصاه ويصلي خلف إمام قائماً يقرأ في التسليمة جزء من القرآن وصوته لا يشجع لما خفف الإمام في التسليمة الأخيرة لأنه سمع مؤذناً؛ لأنه إذا سمع المؤذن معناه أن المسجد انتهى من صلاة التهجد هذا الأذان الأول، خفف، لما سلم استلمه هذا الشيخ الكبير يوبخه ويؤنبه، ويقول: لما جاء وقت اللزوم يعني بتعبيره فهو عامي أو شبه عامي، لما جاء وقت اللزوم يعني هذا أهم الأوقات خففت؟! والآن تجد المساجد التي عرف أئمتها بالتخفيف تمتلئ من الناس، نعم الناس كثير منهم بحاجة إلى ما يعنيهم، لكن ليس إلى هذا الحد، يتلاعب الناس بالقرآن، يسأل عن آية الدين هل تقسم وإلا ما تقسم؟ والإمام مطلوب بالتخفيف، مطلوب بمراعاة المأمومين، لكن مثل التهجد في العشر الأواخر من رمضان ظرف لا يعوض، والله المستعان.

التوحيد يخفف على العبد المصائب:

شخص بالمقابل شخص كبير زاد على الثمانين يقولون: له أكثر من عشر سنوات أو قالوا: عشرين شككت، ما صلى قائماً، يصلي وهو جالس، لما جاء يوم العيد وجاءت العرضة أظن أكثر من ساعة وهو يعرض قائماً بيده السيف، قالوا: يا فلان أما تتقي الله تصلي جالس وهذا .. ؟ قال: والله ما أدري ما الذي حملني؟ {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [(4) سورة الليل] يعني هذه صورة وهذه صورة وكلها موجودة في المجتمع، فما الذي تختاره لنفسك؟ المخلص في إيمانه وتوحيده تخف عليه الطاعات لما يرجوه من الثواب، ويهون عليه ترك المعاصي لما يخشى من سخط الله وعقابه ومع ذلك يعينه الله -جل وعلا- على تحقيق ما يريد من أمور الدين والدنيا. التوحيد يخفف على العبد المصائب: تحقيق التوحيد يخفف على العبد المكاره، ويهون عليه المصائب، فبحسب تكميل العبد للتوحيد والإيمان يتلقى هذه المصائب وهذه المكاره وهذه الآلام بقلب منشرح ونفس مطمئنة لماذا؟ لأنها كلما عظمت المصيبة وعظم الألم زاد الأجر، فإذا كان يرجو ثواب الله وثواب الله نصب عينيه، كما يفعل في تجارة الدنيا، تجده يتعب الليل والنهار من أجل أن يكثر الكسب، ويتحمل هذه المشاكل، وذكر أن بعض كبار التجار يسهرون في بعض البنوك أمام الشاشات الليل كله، ويلاحظون إذا طلعت وإذا نزلت، وهذه حبة سكر، وهذه حبة ضغط، وهذه ما أدري إيش؟ يناظر الشاشات إذا ارتفع كذا وإذا نزل انخفض كذا، يعني بالله هل هذا أسهل أو صلاة ركعتين في جوف الليل؟ لكن من الذي يلقى مثل هذه الأعمال؟ {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [(35) سورة فصلت]. لو ننظر بمقاييسنا أن صاحب العقد العظيم الذي جمع هذه الأموال ثم ماذا؟ يروح ويتركها ويقتسمها الورثة، وقد يحصل بينهم أدنى مشكلة فيدعون عليه الذي هو السبب في هذه المشكلة، وعليه الآثام، ولهم الغنم، الغنيمة الباردة للوارثة، وعليه إثمها وحسابها إن كان قد ارتكب شيئاً من المخالفات.

فتجد هذا يتلقى هذه المصائب بقلب منشرح ونفس مطمئنة، وتسليم ورضا بأقدار الله المؤلمة، وذلكم لأن الإيمان بالقضاء حلوه ومره خيره وشره ركن من أركان الإيمان، الذي لا يصح إلا به، والموحد حر من رق العباد، حر من رق العباد والتعلق بهم وخوفهم ورجائهم والعمل لأجلهم، وهذا هو العز الحقيقي والشرف الغالي، تجد بعض الناس حينما يكون رجاؤه معلق بشخص تجد حياته دائماً في خوف وفي وجل من هذا الشخص؛ لئلا يطلع على شيء منه لا يرضاه، وإذا تعلق بآخر كذلك، وهكذا تجد حاله دائماً مضطربة، لا يبلغه كلمة، ولا يرى فعلاً يبغضه، فالموحد حر من رق العباد ومن التعلق بهم وخوفهم ورجائهم والعمل لأجلهم وهذا هو العز الحقيقي والشرف الغالي، فيكون بذلك متألهاً متعبداً لله، فلا يرجو سواه، ولا يخشى غيره، ولا ينيب إلا إليه، ولا يتوكل إلا عليه، وبذلك يتم فلاحه ونجاحه في الدنيا والآخرة، وما أروع المثل الذي ضربه الله -جل وعلا- للموحد والمشرك، وأمثال القرآن من أولى ما يعنى به طالب العلم؛ لأنه بالمثال يتضح المقال، والله -جل وعلا- قال عنها: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [(43) سورة العنكبوت] يعني تمر على المثل ولا تفهمه وأنت تدعي العلم هذا منفي في القرآن، فعلينا أن نعنى ونهتم لهذه الأمثال أمثال القرآن. ما أروع المثل الذي ضربه الله -جل وعلا- للموحد والمشرك قال -جل وعلا-: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [(29) سورة الزمر].

ضرب الله مثلاً أي للمشرك والموحد رجلين مملوكين، هذا مملوك وهذا مملوك، لكن هذا مملوك لشخص واحد، وهذا مملوك لأشخاص، رجل فيه شركاء متشاكسون أي سيئو الأخلاق، يتجاذبونه ويتعاورونه في مهماتهم المختلفة، إذا أرسله أحدهما إلى المحل الفلاني قال: لا، روح إلى المحل الفلاني، إذا فعل قال الثاني: لا، لا تفعل هذا افعل كذا، إذا لبس قال: لا، لا تلبس هذا الثوب البس الثوب وهكذا، واحد يأمره وواحد ينهاه، شركاء متشاكسون أي سيئو الأخلاق، يتجاذبونه ويتعاورونه في مهماتهم المختلفة فلا يزال متحيراً متوجع القلب لا يدري أيهم يرضي بخدمته؟ وعلى أيهم يعتمد في حاجته؟ ورجلاً سلماً لرجل أي: خلص ملكه له لا يتجه إلا إلى جهته، ولا يسير إلا لخدمته، فهمه واحد وقلبه مجتمع، همه واحد وقلبه مجتمع، هل يستويان؟ أي صفة وحالاً، أي في حسن الحال وراحة البال، كلا، وهكذا حال من يثبت آلهة شتى لا يزال متحيراً خائفاً لا يدري أيهم يعبد؟ وعلى ربوبيته أيهم يعتمد؟ وحال من يعبد إلا إلهاً واحداً فهمه واحد، ومقصده واحد، ناعم البال، خافض العيش والحال. والمقصود أن توحيد المعبود فيه توحيد الوجهة، ودرء الفرقة، كما قال -جل وعلا- عن يوسف -عليه السلام- أنه قال: {أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [(39) سورة يوسف] الحمد لله يعني ننتبه لهذه الجملة {الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [(29) سورة الزمر] لماذا عقب المثل بقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [(29) سورة الزمر] وهذا هو المناسب لدرسنا، الحمد لله، يقول أبو السعود في تفسيره: هذا تقرير لما قبله من نفي الاستواء بطريق الاعتراض، وتنبيه للموحدين على أن ما لهم من المزية بتوفيق الله تعالى، وأن هذه نعمة جليلة موجبة عليهم أن يداوموا على حمده وعبادته أو على أن بيانه تعالى بضرب المثل أن لهم المثل الأعلى وللمشركين مثل السوء، صنع جميل، ولطف تام منه -عز وجل-، مستوجب لحمده وعبادته.

أنت إذا تصورت وتأملت هذا المثل، وكنت ممن من الله عليك بالتوحيد، يعني لم تملك نفسك حتى تقول: الحمد لله، وإذا كنت في مصائب الدنيا يندب أن تقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاه به، فكيف بالمصيبة والكارثة العظمى التي هي الشرك؟ وقوله -جل وعلا-: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [(29) سورة الزمر] إضراب وانتقال من بيان عدم الاستواء على الوجه المذكور إلى بيان أن أكثر الناس وهم المشركون لا يعلمون ذلك مع كمال ظهوره لا يعلمون ذلك، يعني المشرك في صراع نفسي دائم، والموحد في توحيده للوجهة إلى الله -جل وعلا- مطمئن، مطمئن مرتاح البال، وذاك فيه نزاع، وفيه اضطراب شديد، المشرك لا يعلم هذه الحقيقة وهو يعيشها، والموحد يعرف هذه الراحة التامة من نفسه، وإن وجد شيء من الخلل عنده هذه الراحة وهذه النعمة تتزعزع عنده بقدر هذا الخلل، ولذا نسمع في بعض أوساط المسلمين من ينتحر للتخلص من الحياة لماذا؟ لأن في توحيده خلل، هذه الراحة التي يعيشها المسلم تزعزعت عند هذا فصار عنده شيء من الخلل الذي دعاه إلى مثل هذا العمل ليتخلص من هذا الشقاء الذي يعيشه، وإلا لو كانت المسألة خلل في أمور دنيا، مع حضور امتثال هذا المثل، وتصور هذا المثل فإن الدنيا يعني بحذافيرها لا تعدل شيئاً، فيتجاوز هذه المحن، ولو مكث في السجن ما مكث من أجل ديون ركبته تجده مرتاح البال ناعم البال؛ لأنه يضع الدنيا في كفة، والجنة في كفة، والآخرة في كفة، لا نسبة بينهما، العمر كم؟ كم العمر؟ وكم نسبة الحياة الدنيا بالنسبة للآخرة؟ لا شيء، يعني إذا عاش الإنسان مائة سنة، افترض أن إنسان عُمِّر مائة سنة ثم ماذا؟ يموت وتنتهي الدنيا، يبقى الآخرة التي لا نهاية لها أبد الآباد، إما في نعيم دائم، وإلا في شقاء لا نهاية له. وقوله تعالى: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [(29) سورة الزمر] إضراب وانتقال من بيان عدم الاستواء على الوجه المذكور إلى بيان أن أكثر الناس وهم المشركون لا يعلمون، لا يعلمون ذلك مع كمال ظهوره، فيبقون في ورطة الشرك والضلال.

الله -جل وعلا- نفى العلم عن الكفار، وأثبت لهم العلم فيما يتعلق بظاهر الحياة الدنيا، فهل يعلمون باطن وحقيقة الحياة الدنيا؟ {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [(7) سورة الروم] يعني علمهم واكتشافاتهم واختراعاتهم وما وصلوا إليه مما يبهر ومما يحير هل هذا متعلق بظاهر الدنيا أو في حقيقتها وباطنها؟ الله -جل وعلا- يقول: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أما حقيقة الحياة الدنيا لو علموه وأسلموا وآمنوا، لو علموا حقيقة الدنيا لأسلموا، لقادهم هذا العلم إلى الإسلام، ولذا بعضهم إذا تعدى وتجاوز الظاهر إلى الباطن تجده لا يتمالك أن ينطق بالشهادتين.

إذا علمنا أن نعمة التوحيد هي أعظم النعم التي أعطانا الله -جل وعلا- وأسدانا من غير حول منا ولا قوة، فعلينا أن نشكر هذه النعمة، وأن نشكر سائر النعم الظاهرة والباطنة التي حرمها كثير من الناس، وعلينا أن تظهر علينا آثار هذه النعمة، وأن نتحدث بها؛ لأن كثيراً من الناس في غفلة عنها؛ لأنهم ينظرون إلى أن النعمة بما يتعلق بأمور الدنيا، لكن إذا نبه المسلم إلى أن أعظم ما يملك ورأس ماله هو دينه انتبه والتفت إلى المحافظة على رأس المال، وأن نحدث بذلك وندعو إليه، وأن ندعو إلى هذا التوحيد؛ لأن ((من دل على هدى كان له مثل أجر فاعله)) ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)) فادعوا إلى هذا التوحيد وتبينه للناس، كما قال -جل وعلا-: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [(11) سورة الضحى] وعليك أيضاً: أن تكثر من قول: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ} [(19) سورة النمل] هل هذا خاص بمن بلغ الأربعين؟ نعم؟ يعني في القرآن {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي} [(15) سورة الأحقاف] ولذلك تجد بعض الشباب يتحاشى أن يقول مثل هذه الكلمة لأنه ما بلغ أشده، يعني مثل شخص سمع واحد في السجود يقول: اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني، يكررها، لما سلم قال: تتوقع أنها ليلة القدر؟ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- وجه عائشة إلى قولها إذا وافقت ليلة القدر، فمثل هذه الأمور يعني وإن ارتبطت بسبب لكن لا تقصر على هذا السبب، فيقول الصغير والكبير ومن بلغ الأربعين ومن قصر دونها ومن تعداها يقول: رب أوزعني، يعني: ألهمني وألزمني {أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [(15) سورة الأحقاف] فالشكر لله تعالى هو الطريق الوحيد، بل السبيل الأوحد لدوام هذه النعم، وزيادتها كما قال -جل وعلا-: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ

إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [(7) سورة إبراهيم] وهذه النعم لا تغير إلا إذا غير الإنسان، إلا إذا غير الإنسان نعمة الله كفراً، وانظروا إلى مآلهم ومصيرهم الذين غيروا نعم الله كفراً {أَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [(28) سورة إبراهيم]-نسأل الله العافية- في الدنيا قبل الآخرة، ولا نغير ولا نبدل نعمة الله كفراً فنستحق العذاب العاجل والآجل {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ} [(53) سورة الأنفال] فالسبب هو الإنسان نفسه، فإذا غير غُير عليه، إذا ثبت ثبتت له النعمة، وبالشكر تزداد النعم، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. هل يجوز للمعتدة من وفاة زوجها أن تحضر المحاضرات في المساجد والمعاهد العلمية؟ لا، عليها أن تلزم البيت. كيف نوجه الآثار الواردة عن السلف في الزيادة في العبادة بغير ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- كصلاة الإمام أحمد في اليوم ثلاثمائة ركعة؟

هناك من السنن ما هي أفعال للنبي -عليه الصلاة والسلام-، ومنها ما هي أقوال، والأفعال يقرر أهل العلم أنها لا عموم لها، والأقوال هي التي تتناول الأمة، وقد يحث النبي -عليه الصلاة والسلام- على شيء: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) ولا يفعله خشية أن يفرض على الأمة، وقد يعوق عنه يعوقه عنه وينشغل عنه بما هو أهم منه من النفع المتعدي، يعني لو قدر أن إنسان من أهل العلم ارتبطت حاجات الناس به، وتعلق نفعهم به، والإنسان إذا كثرت نعم الله عليه ازدادت حاجة الناس إليه كما هو معلوم، فإذا ترتب على ذلك أنه لو انشغل بعبادة خاصة يعني بدلاً من أن يصلي في اليوم والليلة أربعين ركعة الرواتب ثنتا عشرة ركعة، والفرائض سبعة عشرة والوتر إحدى عشرة، يعني لو زاد على ذلك تأثر نفعه للناس، ولو قلنا له: صم صيام داود، قال: أنا لا أستطيع أن أجمع بين التصدر لتعليم الناس وإفتائهم مع صيام داود، نقول: لا تصم صيام داود، علم الناس، ووجه الناس، وانفع الناس، وأفتي الناس، وخلِ صيام داود لإنسان ليست عنده هذه القدرة، فإذا كان يؤثر على الإنسان على عمله العام لا سيما وأن العمل العام أفضل، يعني العلم وتعليم العلم أفضل بكثير من كثرة الصيام والصلاة، فهل نقول للشيخ الذي لا يستطيع أن يوفق بين هذه العبادات الخاصة وبين النفع العام نقول: لا، اتجه إلى هذه العبادات لأنها ثبتت عن السلف؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- ارتبطت به حاجة الأمة كلها، فهو يقوم -عليه الصلاة والسلام- بالتبليغ، ويعلم الناس، ويوجههم، وأيضاً لو فعل هذه الأمور إضافة إلى الحث عليها بقوله لتعطل كثير من المصالح، وبعض الأمور قد يتقاتل عليها الناس.

النبي -عليه الصلاة والسلام- حث على العمرة في رمضان، وقال: ((إنها تعدل حجة)) وفي رواية: ((حجة معي)) فماذا يكون الأمر لو اعتمر النبي -عليه الصلاة والسلام- في رمضان؟ كان يتقاتل الناس على العمرة في رمضان، ونجد المشقة العظيمة وأضعاف أضعاف من يعتمر في هذه الأوقات؛ لأن بعض الناس يتذرع ويقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- ما اعتمر في رمضان، ويجلس في بلده، وهو بهذا يخف الأمر على المسلمين، وكل ميسر لما خلق له، فلو تظافر القول والفعل لاجتهد الناس في التحصيل، ولضاقت بهم المسالك، النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل الكعبة ثم بعد ذلك ندم، وقال: إنه لو استقبل من أمره ما دخل، لماذا؟ لئلا يلزم على ذلك مشقة، وهو الرءوف الرحيم بأمته -عليه الصلاة والسلام-، فقوله: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) يناسب هذا الشخص ما عنده شغل، ليست لديه أهلية للتعليم ولا دعوة ولا شيء، حفظ حديث أو حديثين وبلغهم وانتهى، يتجه إلى العبادة وخلاص. يقول: أنا صاحب مطبعة ورق، حاولت الاتفاق مع أحد مكاتب الدعاية والإعلان على أن يرسلوا لي عملاء وأن يكون لهم نسبة من البيع، لكن صاحب المكتب لم يبدو منه أي تجاوب ولم يبلغ ولم يقم بإبلاغ أي من موظفيه، وصار أحد الموظفين لديه يرسل لي عمل على أن تكون العمولة لجيبه الخاص فهل يجوز ذلك؟ هذه العمولة التي تدفع لهذا الشخص الذي يرسل لك زبائن هذه أجرته، فإن كان عمله واتفاقه مع الناس يخل بعمله الذي تعاقد معه مع صاحبه هو أجير، فإن كان هذا يخل بعمله، ويعوقه عن إتقانه وإحسانه، فإن هذا لا يجوز، وإن كان لا يعوقه عن شيء يتفق مع الناس خارج وقت الدوام، ويوجههم، فهذه أجرته وسمسرته. يقول: ما حد سترة المأموم؟ هل هو متر أو ذراع؟ نرجو التوضيح مع بيان الراجح؟ أولاً: المأموم سترة الإمام سترة لمن خلفه، ليس عليه سترة، المأموم ولو مر بين يديه من مر لا يضره، المطالب بالسترة هو الإمام والمنفرد، الإمام والمنفرد، أما ارتفاع السترة فيكفي مقدار ثلثي ذراع كمؤخرة الرحل، وأما بالنسبة لسمكها فالسهم يكفي، يستتر ولو بسهم. يقول: ما حكم التصوير حيث أننا نجد الكثير ممن توسع في ذلك؟

التصوير جاءت النصوص الصحيحة بتحريمه والتشديد في أمره، هذا من حيث الإجمال، ولا أحد يشكك لا الذي يصور الآن ولا قبل الآن، التصوير حرام، لكن الخلاف في كون التصوير الموجود الآن تصوير تتناوله النصوص أو هو مجرد حفظ ليس بتصوير، فالذين تساهلوا فيه لا سيما من أهل العلم الموثوقين؛ لأنه وجد الآن من علمائنا أهل العلم والعمل من يصور، يعني يُصوَّر، لا يصور بنفسه، يصور، ولا ينكر على صوره، ويخرج في القنوات، وهو معروف بعلمه وعمله وإخلاصه لا يشك فيه، لكنه ينازع في كون التصوير بهذه الآلات داخل في النصوص، وبعضهم يصرح يقول: مستحيل أن يرتب هذا العذاب الشديد ((أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون)) أن يكون بضغطة زر يكون هذا العذاب الأليم، نقول: لا يا رجال كلمة يهوي بها في النار سبعين خريفاً، وضغطة زر من المسدس تقتل مؤمن خالد مخلد في النار وهي ضغطة زر، وإذا قال: أنا ما صورت الآلة هي التي صورت، قلنا أيضاً: ما قتل المسدس هو الذي قتل، فالمسألة في النزاع في هذا التصوير، وعهدنا من الناس لا سيما في المسجد الحرام والمشاعر الكاميرات تكسر، يعني بعلم من المسئولين وبنظر، بل قد يتبناها بعضهم والآن يعتقدها بعض الناس عبادة، يصف النساء أمام الكعبة ثم يأخذ لهن الصور في المطاف، والله المستعان. بعض الكلام مفهوم وبعضه غير ... ما هي أفضل الكتب اللازمة لطالب العلم في التحصيل؟ عجزت أقرأ الباقي. على كل حال بالنسبة للكتب في جميع الفنون، ولجميع طبقات المتعلمين هذه مدونة عند أهل العلم، كل طبقة من طبقات المتعلمين كتب تناسبهم في الفنون المختلفة، وهناك أشرطة سميت: كيف يبني طالب العلم مكتبته؟ يمكن أن يستفيد منها السائل وغيره. ما حكم أن ينوي الشخص بعبادته أجر الآخرة وصلاح أبنائه ودنياه؟

أما ما نص عليه ما جاء النص عليه في نصوص الكتاب والسنة فملاحظته لا تؤثر في العمل، ملاحظته لا تؤثر في العمل، ((من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره -أو في أجله- فليصل رحمه)) هو يصل الرحم امتثالاً لأمر الله -جل وعلا- ورجاء ما عنده خوف من عقابه ومع ذلك يلحظ ما ذكر في الحديث، يريد أن يبسط له في رزقه، ويؤجل في مدة إقامته في هذه الدنيا هذا لا يؤثر، ولا يضر من قصده، ومن قرأ الآيتين من سورة البقرة كفتاها -من آخرها-، وآية الكرسي وكذا رتب عليها ثواب عاجل، وعليها الثواب الآجل، ملاحظة الثواب العاجل لا تضر؛ لأنها لو كانت ضارة أو مؤثرة لما نص عليها في الأخبار الصحيحة. يقول: هل تصح هذه المقولة: الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه؟ أما من حيث المعنى فهي صحيحة؛ لأن المكروه قد يكون مكروهاً في أمر الدنيا ويرتب عليه ثواب عظيم في أمر الآخرة، فيحمد الله -جل وعلا- على كون هذه العاقبة له في أخراه، وأما من صدر منه أي عمل مكروه فإنه لا يحمد عليه، وأما الله -جل وعلا- إذا حصل في تقديره بالنسبة لك شيء تكرهه فهو محمود باعتبار العاقبة، فأنت تحمده من هذه الحيثية، وليس في أفعاله -جل وعلا- شر محض. هل خوارم المروءة ثابتة في كل زمان أم أنها تختلف باختلاف الزمان؟ تختلف، يعني ما عده الناس خارماً في زمان أو في بلد من البلدان يتقى، وما لم يعدوه خارماً ولو كان خارماً في بلد آخر أو في زمان متقدم فإن هذا إذا لم يكن فيه نص يدل على منعه فلا يتقى حينئذٍ. يقول: هناك شبهة يطرحها بعض الناس حيث يقولون: إننا وإن دخلنا النار فإن منتهانا إلى الجنة؛ لأننا من أهل التوحيد فكيف الرد؟

نقول: صحيح لكن هل تطيق البقاء في النار لحظة؟ وقد فضلت على نارنا بتسعة وستين جزءاً، جزء من سبعين جزء، يعني لو كانت مثل نارنا، وهي واحدة على سبعين من نار جهنم، {نَارًا تَلَظَّى} [(14) سورة الليل] {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [(24) سورة البقرة] ويل: وادٍ في جهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت، هل تستطيع أن تلمس الإنارة هذه؟ فضلاً عن كونك تضع يدك على النار الحقيقية سواءً كانت من حطب أو من غاز أو ما أشبه ذلك، فكيف بالنار التي فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً؟ يعني الذي يقول هذا الكلام عنده تحمل؟ يستطيع؟ وما يدريه أنه يمكث أحقاب بقدر أعماله وبقدر مخالفاته؟ وقد يعاقب على مثل هذا الكلام بعدم العفو عنه وإلا فالذنوب كلها تحت المشيئة، الإنسان قد يرتكب كبائر ثم يغفر الله له، لكن إذا قال مثل هذا الكلام هو يعرض نفسه، يعني مثل هذا الكلام قد يكون فيه محادة لأوامر الله -جل وعلا-، وإلا كلامه مآله إلى الجنة إذا كان من أهل التوحيد، هذا ما يشك فيه أحد، وقد يعاقب بارتكاب هذه المحرمات مع هذا التأويل الذي يحتج به أن يستدرج ويصل به الأمر إلى أن يخلع التوحيد من قلبه بالكلية -نسأل الله السلامة والعافية-، والكلام من حيث التنظير ما فيه إشكال، لكن الكلام على التطبيق، هل يستطيع أن يصبر على النار؟ هل يستطيع أن يصبر على حر الرمضاء؟ جرب يوم واحد من أيام الصيف، اخرج إلى المسجد بدون حذاء لصلاة المغرب، لا أقول: لصلاة الظهر أو العصر، لصلاة المغرب بعد أن تغيب الشمس، شوف أنت تتحمل وإلا ما تتحمل؟ وأبو طالب عليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه، وأنت جرب، جرب حر الرمضاء تشوف. يقول: ما الرد على من يستشهد بحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ: ((إن حق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً)) يستشهد به على أنه لا يدخل النار أبداً حتى ولو تمادى في العصيان؟ يعني هذا النص المجمل يقضى به على جميع النصوص المحكمة؟ النصوص المحكمة الوعيد الذي رتب على شارب الخمر مثلاً على شرب الخمر أو على الزنا أو على غيره من الجرائم، نقول: لا يعذب من لا يشرك به شيئاً؟! يعني نص مجمل يرد إلى النصوص الأخرى المبينة المفسرة المفصلة.

ما المقصود بركعتي الفجر؟ هل هي الفريضة أم النافلة؟ المقصود النافلة. يقول: ذكرت أن الغاية الوحيدة هي التوحيد وعبادة الله فماذا عن عمارة الأرض وتحسين الحياة فيها وتعمرها، أليس ذلك من غاية المؤمن أيضاً الرجاء التوضيح؟ الغاية والهدف تحقيق العبودية، وعمارة الأرض والاستخلاف فيها إنما هو من أجل إقامة هذا الهدف. يقول: رجل ذهب إلى كاهن وكان يتعامل معه وكان على جهل ثم بعد ذلك تاب إلى الله وصدق في توبته هل عليه شيء؟ لا شيء عليه، كمن كان مشركاً ثم أسلم أحياناً يأتيه الشيطان ويقول له: بأنه لا توبة لك أو. . . . . . . . . على كل حال إذا تحققت شروط التوبة، وصارت توبته نصوحاً، وأقلع وندم، وعزم على ألا يعود، مخلصاً في ذلك لله -جل وعلا- فهذا ... ، التوبة تهدم ما كان قبلها، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مسائل متعلقة بالجنة

مسائل متعلقة بالجنة الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: فتقدم من تكلم في هذا الموضوع خمسة، خمسة وإلا ستة؟ طالب: نعم خمسة.

خمسة من خير من يتكلم في هذا الباب نحسبهم والله حسيبهم، ولا أدري ماذا أبقوا لنا من المسائل المتعلقة بهذا الموضوع الحادي للمسلم على العمل، وعنوان، العنوان الذي يشمل هذه الدروس قرأته، وأراه الآن كتب غاية، فهل الجنة غاية، أو الغاية رضى الرب، أو أن الله -جل وعلا- ما ذكرها في كتابه وعلى لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-؛ إلا لتلاحظ في القصد، وأما القصد أولاً وأخراً فهو رضى الله -جل وعلا-، تحقيق ما خلق الإنسان من أجله وهو عبودية الله -جل وعلا-، هذه الغاية، وإذا ذكر ما يمكن ملاحظته أثناء العمل سواءً كان من أمر الدنيا، أو من أمر الآخرة، فملاحظته لا تضر بالعمل، يعني إذا جاء الحث على ذكر من الأذكار مثلاً وأنه سبب لحفظ الإنسان، أو لطول عمره، أو لكثرة ماله، ثم لاحظ هذا الأمر الذي ذكر في النص فإن ملاحظته لا تؤثر، إلا إذا كان ذلك هو الباعث الأصلي من غير نظر إلى امتثال ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فمثلاً من سره أن ينسأ له في أثره، أن يبسط له في رزقه فليصل رحمه، لو أن شخصاً قال: هذه الغاية، وهذا المقصد الذي جاء في هذا الحديث للحث على هذا العمل الصالح، لو كانت ملاحظته مؤثرة في العمل، خادشة للإخلاص ما ذكر في الخبر، إذا كان الباعث للإنسان على البر والصلة، هو مجرد أن يطول عمره ويبسط له في رزقه غير ملاحظ رضا الله -جل وعلا-، فإن هذا يحصل له ما قصد وإنما لكل امرئ ما نوى، ولكن إذا كان الباعث على أصل العمل هو ما يرضي الله -جل وعلا- امتثالاً وتحقيقاً للأدلة القطعية من نصوص الكتاب والسنة التي جاءت بالبر والصلة تحث على البر والصلة إذا كان هدفه الأصلي رضا الله -جل وعلا- ولاحظ ما جاء في النص ((إنه يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره))، هذا لا يؤثر، عدم الإخلاص في البر، عدم الإخلاص يعني انتفاء الإخلاص بالكلية من البر والصلة، وملاحظة ما رتب على ذلك من أمر ومصلحة دنيوية لا يتحقق في العمل قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنما الأعمال بالنيات)) قد يتحقق له: ((وإنما لكل امرئ منا نوى))، لكن لن يتحقق له أول الحديث الجملة الأولى في الحديث، وفرق بين ((إنما الأعمال بالنيات)) وبين ((إنما لكل

امرئ منا نوى)). وعلى هذا كون الإنسان المسلم يجعل الجنة غايته، أو يجعل الحور العين غايته، مثلاً جاء ذكر هذه الأمور المشجعة من النعيم المقيم وما اشتملت عليه الجنة مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، هذه الأمور مشجعة، كما أنه بالمقابل إذا خاف من النار ومن عذاب النار، هل نقول: إن من رجا الجنة رجاءه لله، ومن خاف النار خوفه لله، أو الرجاء للجنة والخوف للنار، هذه المسألة مشكلة، وقد تشكل على كثير من طلاب العلم، نقول: الله -جل وعلا- هو الذي جعل الجنة ثواباً للمطيع، والنار عقاباً للعاصي، ومثال ذلك: لو أن شخصاً بيده عصا –ولله المثل الأعلى- بيده عصا وهددك بالضرب أو بيده سيف هل خوفك من السيف أو من حامل السيف؟ فإذا خفت النار فأنت خائف من الذي جعلها عقاباً لك إذا عصيت الله -جل وعلا-، وإذا رجوت الجنة، فإنما ترجو الله -جل علا- الذي جعلها ثواباً لك. بعضهم يقول، بعض الطوائف يقولون: لا يجوز أن يلاحظ في العمل ويراعى غير الرب -جل وعلا- ورضاه ومحبته، ويستدلون على ذلك بآخر آية في سورة الكهف: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [سورة الكهف: 110]، وملاحظة الجنة والخوف من النار هذا كله من الإشراك، نقول: هذا الكلام ليس بصحيح، بل كلام باطل، ولو كان هذا الكلام صحيحاً لما طفحت النصوص، نصوص الكتاب والسنة بذكر الجنة والترغيب فيها، وذكر النار والتحذير منها، وعلى هذا هل في إشكال في العنوان: غايتي؟ نعم. طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب: هذا يكون فيه، من حيث الكتابة وكذا من كذا يكون فيه مشكلة. . . . . . . . . المقصود هو رضا الله -جل وعلا- الموصل إلى جناته، وعلى كل حال مثل ما ذكرنا إذا كان العمل عمله الإنسان مخلصاً فيه لله -جل وعلا-، محققاً حديث ((إنما الأعمال بالنيات)) فلا يضره ما طرأ بعد ذلك من الغايات التي، والبواعث التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فلا تؤثر في العمل.

لكن بعض الناس يركز على شيء في الجنة مثل الحور العين، يجعل هذه هي الغاية وهي الهدف، نقول: أعظم نعيم في الجنة هو التلذذ برؤية الباري -جل وعلا-، هذا هو أعظم نعيم، أعظم من نعيم الحور العين، مع أن الرغبة في الحور العين، وكون هذا حاث على العمل، هذا ما فيه إشكال؛ لأنه جاءت به النصوص، فنفرق بين أن يكون هذا هو الأصل الباعث على العمل ليخالف: ((إنما الأعمال بالنيات)) أو يكون في ضمن العمل، مكمل للعمل الذي جاء الحث عليه، فيكون داخلاً في قوله: ((وإنما لكل امرئ ما نوى)). إذا عرفنا هذا، المسائل التي طلبت في هذا الدرس مع أنها لم تتحرر لدي؛ لأن الأخوة الذين سبقونا بهذه الدروس ما أدري ما الموضوعات التي تطرقوا لها، والذي أخشاه كل ما أخشاه التكرار، وأعرض لمسائل متعلقة بالجنة، مسائل علمية متعلقة بالجنة وهي مشكلة وفيها خلاف بين أهل العلم، يغلب على ظني أن من سبقني لم يتعرض لها. أولاً: ما الجنة؟ وما تعريف الجنة؟ في أبيات لابن القيم -رحمه الله- تعالى في نونيته نذكرها في آخر المحاضرة إن -شاء الله تعالى-. الجنة كما يقول الراغب الأصفهاني في المفردات يقول: أصل الجَنّ: ستر الشيء عن الحاسة، ستر الشيء عن الحاسة، يقال: جَنَّهُ الليل وأَجَنَّه وجَنَّ عليه فجنه: ستره وأجنه جعل له ما يُجنه كقولك: قبرتُه وأقبرته وسقيته وأسقيته وجَنَّ عليه كذا: ستر عليه قال الله -عز وجل-: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا} [سورة الأنعام: 76] والجنان: القلب، القلب لكونه مستوراً عن الحاسة، لكونه مستوراً عن الحاسة، هذا هو الأصل؛ لأنه محبوس في القفص الصدري والظهر، هذا هو الأصل فيه، لا يقول: إن الجنان الآن يمكن الاطلاع عليه بالعمليات الجراحية، هذا خلاف الأصل. والجِنان: القلب لكونه مستوراً عن الحاسة، والمجِن والمجِنة: الترس الذي يُجِن صاحبه. يقول الله -عز وجل-: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [سورة المجادلة: 16] وفي الحديث: ((الصوم جُنّة))، هم يستترون بأيمانهم، يعني المنافقين، والصائم يستتر بصيامه ويقيه صيامه، ويستره عن عذاب الله تعالى.

ومن ذلك الجنين؛ لأنه مستور في الظلمات الثلاث، والجِن مستترون عنا، لا نراهم، وكذلك الجُنُون الآفة التي تغطي وتستر العقل عن مزاولة ما يزاوله غيره ممن لم يتصف بوصفه. والجَنّة: كل بستان ذي شجر، والجنة: كل بستان ذي شجر، يستر بأشجاره الأرض يقول الله -جل وعلا-: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ} [سورة سبأ: 15] {وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ} [سورة سبأ: 16] {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ} [سورة الكهف: 39]، كل هذه بساتين. قيل: وقد تسمى الأشجار الساترة جنة، وعلى ذلك حمل قول الشاعر: من النواضح تسقى، أو . . . . . . . . . ... تَسْقِي النواضح جنةً سحقاً يعني أشجار مرتفعة عالية. وسميت الجنة –يعني بهذا الاسم- إما تشبيهاً بالجنة في الأرض، التي هي البستان - وإن كان بينهما بون شاسع- فرق كبير بين البستان في الدنيا، وبين الجنة التي أعدها الله لأوليائه، إذ ليس في جنان الدنيا مهما عظمت مما في جنة الخلد إلا الأسماء، كما يقول ابن عباس. إما تشبيهاً بالجنة في الأرض -وإن كان بينهما البون الشاسع، والفارق الكبير، وإما لستر نعمها عنا المشار إليها بقوله -جل وعلا-: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة السجدة: 17] {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [سورة السجدة: 17]، أخفي الجزاء؛ لأنهم أخفوا العمل، {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [سورة السجدة: 16]، أخفوا العمل فأخفي لهم الجزاء. قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: إنما قال: جنات، إنما قال: جنات بلفظ الجمع لكون الجنان سبعاً، لكون الجنان سبعاً: جنة الفردوس، وجنة عدن، وجنة النعيم، ودار الخلد، وجنة المأوى، ودار السلام، وعليين.

فالجنان سبع، إذا عرفنا هذا فمما يتعلق بالجنة من المسائل العلمية الجنة التي أسكنها الله -جل وعلا- آدم، {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [سورة البقرة: 35]، سكنها مدة ثم حصل ما حصل من الأكل من الشجرة، ثم عوقب بإهباطه إلى الأرض، هذه الجنة هل هي جنة الخلد؟ أو جنة في الأرض؟ كلام طويل لأهل العلم، يعني أفاض العلامة ابن القيم -رحمة الله عليه- في أوائل مفتاح دار السعادة، وأيضاً في حادي الأرواح، أفاض في ذكر الأقوال والأدلة التي يستدل بها كل طرف ممن يقول: إنها هي جنة الخلد، أو يقول: إنها جنة أخرى في ربوة ومرتفع من الأرض. يقول الله -جل وعلا-: {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ* فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} [سورة البقرة: 35 - 36]. يقول الحافظ بن كثير -رحمه الله- تعالى: "وقد اختلف في الجنة التي أُسكنها آدم أهي في السماء أم في الأرض؟ فالأكثرون على الأول". قد يقول قائل: هذا الخلاف الذي أطال العلماء في بحثه وتقريره والاستدلال له، هل يترتب عليه فائدة عملية أو لا؟ يعني تضييع الوقت في مثل هذه المسائل هل يترتب عليها فائدة وإلا ما يترتب عليها فائدة؟ وهل يلزم من كل مسألة تبحث أن يكون لها فائدة عملية وثمرة للخلاف؟ أو أن هناك من المسائل العقدية العلمية التي لا يلزم أن يكون هناك لها أثر عملي مرئي؟ هذه من المسائل التي بحثت في كتب أهل العلم سواءً كانت في التفاسير، أو في كتب العقائد، أو غيرها على كل حال هي مسألة معروفة عند أهل العلم ومقررة والخلاف فيها طويل. يقول الحافظ بن كثير -رحمه الله- تعالى: "وقد اختلف في الجنة التي أُسكنها آدم أهي في السماء، أو في الأرض؟ فالأكثرون على الأول". فالأكثرون على الأول، -يعني هي التي في السماء-. وحكى القرطبي عن المعتزلة والقدرية القول "بأنها في الأرض".

يقول ابن كثير: "وسيأتي تقرير ذلك في الأعراف إن شاء الله تعالى". ونحن نذكر كلام القرطبي؛ لأن ابن كثير أحال عليه. يقول القرطبي في تفسيره: "الجنة: البستان، الجنة: البستان، وقد تقدم القول فيها، ولا التفات لما ذهبت إليه المعتزلة والقدرية من أنه لم يكن في جنة الخلد وإنما كان في جنة بأرض عدن، وإنما كان في جنة بأرض عدن". يقول القرطبي: "واستدلوا على بدعتهم" يعني المسألة مسألة عقدية الآن صارت بين أهل السنة والمعتزلة والقدرية، فتبحث على أساس أنها مسألة عقدية، واستدلوا على بدعتهم بأنها لو كانت جنة الخلد لما وصل إليها إبليس، بأنها لو كانت جنة الخلد لما وصل إليها إبليس، فإن الله تعالى قال: {لَّا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ} [سورة الطور: 23]، يعني إبليس، ما الذي جعله يطرد من رحمة الله وجعله يستحق اللعنة؟ العصيان، ترك الأمر الإلهي الرب -جل وعلا- يقول: {اسْجُدُواْ لآدَمَ} [سورة البقرة: 34]، ورفض أن يسجد، فهل في هذا ما يمنع أنه يدخل الجنة قبل ذلك، قبل اللعن والطرد؟ ما في ما يمنع، يقولون: واستدلوا على بدعتهم بأنه لو كانت جنة الخلد لما وصل إليها إبليس، فإن الله تعالى قال: {لَّا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ}، وقال: {لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا} [سورة النبأ: 35]، وقال -جل وعلا-: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا* إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا} [سورة الواقعة: 25 - 26]، وهذا النفي لسماع اللغو والكذاب والتأثيم، ولا يسمعون منهم الذين نفي سماعهم؟ هم أهلها الذين خلقهم الله لها، يعني بعد استقرارهم فيها. وأنه لا يخرج منها أهلها لقوله: {وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [سورة الحجر: 48] وأيضاً فإن جنة الخلد هي دار القدس قدست عن الخطايا والمعاصي تطهيراً لها وقد لغا فيها إبليس وكذب وأخرج منها آدم وحواء بمعصيتهما. قالوا أيضاً –يعني المتعزلة والقدرية- قالوا: وكيف يجوز على آدم مع مكانه من الله وكمال عقله كيف يجوز على آدم مع مكانه من الله وكمال عقله أن يطلب شجرة الخلد وهو في دار الخلد والملك الذي لا يبلى؟ هذه من أدلتهم، من أدلتهم.

فالجواب يقول القرطبي: فالجواب: أن الله تعالى عرف الجنة بالألف واللام، عرف الجنة بالألف واللام ومن قال: أسال الله الجنة لم يفهم منه، لم يفهم منه في تعارف الخلق إلا طلب جنة الخلد، لم يفهم منه في تعارف الخلق إلا طلب جنة الخلد، يعني حينما يقول الإنسان في دعائه وهو ساجد، أو في قنوته، أو في أدبار الصلوات، أو في مواطن الإجابة: أسأل الله الجنة، هل ينصرف الذهن إلى أن هذه الجنة بستان، بستان رآه وأعجبه، أو يطلب الله بستان أي بستان؟ أو يطلب جنة الخلد؟ في عرف الناس كلهم إذا أطلقت الجنة انصرفت إلى جنة الخلد، لكن أصحاب الجنة مثلاً دلت القرائن وسياق الكلام إلى أنها ليست جنة الخلد، إنما هي بستان، ولا يستحيل في العقل دخول إبليس الجنة لتغرير آدم، هذا كلام القرطبي- وقد لقي موسى آدم -عليهما السلام- فقال له موسى: أنت أشقيت ذريتك وأخرجتهم من الجنة، فأدخل الألف واللام ليدل على أنها جنة الخلد المعروفة فلم ينكر ذلك آدم، ولو كانت غيرها لرد على موسى، قال: أنا ما خرجت، انتقلت من أرض إلى أرض، ومن أرض في بستان فيها بستان في عدن، من ناحية عدن انتقل إلى أرض أخرى وأسوي بستان آخر، فأدخل الألف واللام ليدل على أنها جنة الخلد المعروفة فلم ينكر ذلك آدم، ولو كانت غيرها لرد على موسى، فلما سكت آدم على ما قرره موسى صح أن الدار التي أخرجهم الله -عز وجل- منها بخلاف الدار التي أخرجوا إليها، فصح أن الدار التي أخرجهم الله -عز وجل- منها بخلاف الدار التي أخرجوا إليها. يعني لو كانت جنة بستان في الأرض ما صار هناك فرق بينها وبين بستان آخر، لكن هناك فرق بين الجنة التي أخرجوا منها، والجنة، أو الدار التي أهبطوا إليها، وأما ما احتجوا به من الآي السابقة، {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا} [سورة الواقعة: 25]، {لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا} [سورة النبأ: 35]، وأما ما احتجوا به من الآي فذلك إنما جعله الله فيها بعد دخول أهلها فيها يوم القيامة، ولا يمتنع أن تكون دار الخلد لمن أراد الله تخليده فيها وقد يخرج منها من قضي عليه بالفناء، وقد يخرج منها من قضي عليه بالفناء.

وقد أجمع أهل التأويل، وقد أجمع أهل التأويل، على أن الملائكة يدخلون الجنة على أهل الجنة ويخرجون منها، يدخلون الجنة على أهل الجنة ويخرجون منها، وقد دخلها النبي -عليه الصلاة والسلام- ليلة الإسراء ثم خرج منها، وأخبر بما فيها، وأنها هي جنة الخلد حقاً. وأما قولهم: إن الجنة دار القدس وقد طهرها الله تعالى من الخطايا فجهل منهم، فجهل منهم، وذلك أن الله تعالى أمر بني إسرائيل أن يدخلوا الأرض المقدسة، أن يدخلوا الأرض المقدسة، وهي الشام. وأجمع أهل الشرائع على أن الله تعالى قدسها، وقد شوهد فيها المعاصي والكفر والكذب، ولم يكن تقديسها مما يمنع فيها المعاصي وكذلك دار القدس. يعني هذا التقديس كوني وإلا شرعي؟ نعم .... التقديس شرعي، يعني يجب أن تقدس، لكن ما قدست، أما لو كان أمراً كونياً ما وقع خلافه. وقال أبو الحسن بن بطال: وقد حكى بعض المشايخ أن أهل الجنة، أو أن أهل السنة، وقد حكى بعض المشايخ أن أهل السنة مجمعون على أن جنة الخلد التي أهبط منها آدم -عليه السلام-، أن جنة الخلد هي التي أهبط منها آدم -عليه السلام-، فلا معنى لقول من خالفهم فلا معنى لقول من خالفهم. وقولهم: كيف يجوز على آدم في كمال عقله أن يطلب شجرة الخلد وهو في دار الخلد؟ أن يطلب شجرة الخلد وهو في دار الخلد؟ فيعكس عليهم، يعني بدلاً من أن يكون هذا دليلاً لهم، يكون دليلاً عليهم، فيعكس عليهم ويقال: كيف يجوز على آدم وهو في كمال عقله أن يطلب شجرة الخلد في دار الفناء؟! إذا قلنا: أنه في دار الخلد كيف يطلب شجرة الخلد وهو في دار الخلد، أنتم تقولون: هو في دار الفناء في الأرض، كيف يطلب شجرة الخلد وهو في دار الفناء، مع كمال عقله؟ هذا ما لا يجوز على من له أدنى مسكة من عقل فكيف بآدم الذي هو أرجح الخلق عقلاً على ما قال أبو أمامة على ما يأتي. ثم ذكر قول أبي أمامة: "لو أن أحلام بني آدم منذ خلق الله الخلق وضعت في كفة ميزان ووضع حلم آدم في كفة أخرى لرجحهم". ومعلوم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أشرف وأعظم من آدم عليهما -الصلاة والسلام-، فيستثنى من هذا.

كيف نستثني النبي -عليه الصلاة والسلام- من قوله: ""لو أن أحلام بني آدم منذ خلق الله الخلق، وضعت في كفة ميزان ... إلى آخره"؟ هذا مقتضاه أنه مرفوع، والخلاف في دخول المتكلم في كلامه معروف بين أهل العلم، فعلى هذا لا يدخل النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا الكلام؛ لأنه هو الذي تكلم به، وقد قال الله تعالى: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [سورة طه: 115]، أطال ابن القيم -رحمه الله- تعالى في تقرير هذه المسألة بأقوالها وذيولها بعد أن أفاض في ذكر الحكمة في إهباط آدم من الجنة في مفتاح دار السعادة. قال: "قالت طائفة منهم أبو مسلم، و، أبو مسلم، ومنذر بن سعيد البلوطي وغيرهما: أنها إنما كانت جنته في الأرض في موضع عال منها، لا أنها جنة المأوى التي أعدها الله لعباده المؤمنين يوم القيامة وذكر منذر بن سعيد هذا القول في تفسيره عن جماعة فقال: وأما قوله لآدم: {اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} [سورة البقرة: 35]، فقالت طائفة: أسكن الله تعالى آدم -صلى الله عليه وسلم- جنة الخلد التي يدخلها المؤمنون يوم القيامة. وقال آخرون: "هي جنة غيرها جعلها الله له واسكنه إياها ليست جنة الخلد، قال: وهذا قول، أي القول الثاني، قول: تكثر الدلائل الشاهدة، تكثر الدلائل الشاهدة له والموجبة للقول به؛ لأن الجنة التي تدخل بعد القيامة هي من حيز الآخرة، هي من حيز الآخرة، وفي اليوم الآخر. وأطال في ذكر أدلة هذا القول إلى أن قال: وقد روي عنه أنه قال لأم حارثة، عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال لام حارثة: لما قالت له: يا رسول الله إن حارثة قتل معك فإن كان صار إلى الجنة صبرت واحتسبت وإن كان صار إلى ما سوى ذلك رأيت ما افعل، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أو جنة واحدة)) يعني هل لا يوجد إلا جنة واحدة؟ ((إنما هي جنان)) ((إنما هي جنان)) ((إنما هي جنان كثيرة)) فاخبر -صلى الله عليه وسلم- أن لله جنات كثيرة فلعل آدم أسكنه الله جنة من جناته ليست هي جنة الخلد.

لكن هذه الجنان التي أشير إليها في قصة حارثة، هذه الجنان التي أشير إليها في قصة حارثة إنما هي الجنات التي سبق ذكرها السبع، وكلها على ما سيأتي في المسألة الثالثة، نعيمها دائم وليس بفان، فهي من دار الخلد. قالوا: وقد جاز، أو وقد جاء في بعض الأخبار أن جنة آدم كانت بأرض الهند قالوا: وهذا وإن كان لا يصححه رواة الأخبار ونقلة الآثار فالذي تقبله الألباب ويشهد له ظاهر الكتاب أن جنة آدم ليست جنة الخلد، ولا دار البقاء، ولا دار البقاء، وكيف يجوز، تابع كلام منذر بن سعيد البلوطي في تفسيره: وكيف يجوز أن يكون الله اسكن آدم جنة الخلد ليكون فيها من الخالدين، وهو قائل للملائكة: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [سورة البقرة: 30]؟ استدلال ظاهر وإلا غير ظاهر؟ يعني أسكنه جنة الخلد ليكون من الخالدين، ثم يخبر الملائكة أنه جاعل في الأرض خليفة، مقتضى إخباره للملائكة أنه سوف يخرجه من هذه الجنة ويسكنه الأرض ليكون خليفة له في أرضه، فلو كانت دار الخلد لكان في هذا خلف في الكلام، هذا مشكل وإلا غير مشكل؟ وكيف يجوز أن يكون الله أسكن آدم جنة الخلد ليكون فيها من الخالدين، وهو قائل للملائكة: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}؟ يعني نظير ما قيل: {وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ} [سورة هود: 71]، ثم يرى في المنام أنه يذبحه، على قول من يقول أن الذبيح إسحاق، كيف يوعد إبراهيم بإسحاق ومن ورائه يعني من بعده يعقوب، ثم يرى في المنام أنه يذبحه؟ يتصور هذا وإلا ما يتصور؟ يعني التنظير في هذه المسألة لو كان الذبيح إسحاق لكان التنظير مطابقاً، يعني لو قيل مثلاً: أنه جاء في الرؤيا من يقول: إن فلان يعيش مدة عشرين سنة، يعيش مدة عشرين سنة، وجاءت رؤيا أخرى تدل على أنه يولد لهذا الشخص ولم يتزوج قبل العشرين لقلنا: إن هذه الرؤيا إحداهما باطلة؛ لأنها تكذب الأخرى؛ لأنها تكذب الأخرى.

إشكالهم كيف يجوز أن يكون الله أسكن آدم جنة الخلد ليكون فيها من الخالدين، وهو قائل لملائكته: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [سورة البقرة: 30]؟ يعني لما بُشر إبراهيم -عليه السلام- بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب ثم قيل له: اقتل ولدك، اذبح ولدك إسحاق، يعني هل هذا يؤثر في نفسه، وتترتب عليه الحكمة والمصلحة التي اختبر فيها إبراهيم وولده، وقد ضُمن له أن يولد لهذا الولد؟ ما يتصور هذا، يكون هذا الكلام لمجرد يعني ما يترتب عليه آثار، واختباره وابتلاءه بذبح ولده من أعظم المحن التي تمر على البشر، وإذا ضمن له أن هذا الولد سوف يولد له، والأمر بالذبح قبل الولادة، ارتاح ما في ذبح، فكيف يقال: إن الذبيح إسحاق؟ ولو قيل، لو، عند من يقول أن الذبيح إسحاق، قالوا: هذا الكلام، كلام منذر ابن سعيد صحيح.

ولا يمنع أن يكون أن يضمن له الخلد المشروط، المشروط بألا يعصي، مضمون الخلد بأن لا يعصي، فلما حصل له ما حصل، وكل إنسان لا يدري ما مصيره، لا يدري ما مصيره؛ لكن ركب فيه حرية الاختيار، خلق للجنة أهلاً، وخلق للنار أهلاً، لكن يقول قائل: لماذا أعمل وأنا ما أدري أنا من أهل النار، أنا من أهل الجنة؟ يقول: ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له)) فأنت طائع مختار، لكن الحرية والاختيار، لكن ليست مستقلة، هي تابعة لاختيار الله -جل وعلا- ومشيئته، وإرادته، خلافاً لما يقوله القدرية النفاة وفي مقابلهم الجبرية، وكيف أخبر الملائكة أنه يريد أن يجعل في الأرض خليفة، ثم يسكنه دار الخلود ودار الخلود لا يدخلها إلا من يخلد فيها كما سميت بدار الخلود، فقد سماها الله بالأسماء التي ذكرنا لها السبعة، تسمية مطلقة لا خصوص فيها فإذا قيل للجنة دار الخلد لم يجز أن ينقص مسمى هذا الاسم بحال فهذا بعض ما احتج به القائلون بهذا المذهب وعلى هذا فإسكان آدم وذريته في هذه الجنة لا ينافي كونهم في دار الابتلاء والامتحان، وحينئذ كانت تلك الوجوه والفوائد التي ذكرتموها ممكنة الحصول، يعني الفوائد التي ذكرها ابن القيم -رحمه الله- تعالى من الحكم العظيمة، والمصالح الكبيرة التي ترتبت على معصية آدم، وعلى أخراجه من الجنة؛ لأن آدم -عليه السلام-، {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [سورة طه: 121]، ولا يمكن أن يحتج بالقدر على المعصية، هو احتج بالقدر لما حاجه موسى، وجاء في الحديث الصحيح: ((فحج آدم موسى)) لكن هل احتج بالقدر على المعصية، لما تاب منها والتوبة تهدم ما كان قبلها، والتائب توبة نصوحاً تبدل سيئاته حسنات، انمحى أثر السيئة والمعصية، بقي المصيبة التي ترتبت على هذه المعصية.

لو أن إنساناً تساهل في صلاة من الصلوات وفوتها عن وقتها من غير عذر، أثم وعصى وأتى أمراً من عظائم الأمور ثم صارت هذه المعصية سبباً لحادث سيارة مثلاً خسر فيه مبالغ طائلة، تاب من هذه المعصية وأناب إلى الله -جل وعلا- وعزم ألا يعود، ثم قيل له: لماذا حصل هذا الحادث؟ بعض الناس، لا سيما بعض الآباء، يقول للولد: أنت ما تشوف اللي قدامك؟ لماذا حصل هذا الحادث؟ لما كانت المعصية قائمة، لا يجوز أن يقول إن الله -جل وعلا- قدر علي هذه المعصية، جعلني لا أنهض إلى الصلاة حتى خرج وقتها، فالاحتجاج بالقدر على المعاصي هو حجة المشركين، {لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا} [سورة الأنعام: 148]، لكن المصيبة إذا تاب من المعصية، يعني إذا كانت المعصية قائمة، قلنا: {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [سورة الشورى: 30]، احمد ربك اللي ما مت في هذا الحادث، لكن إذا تاب من هذه المعصية استدل واحتج بالقدر هذا أمر كتبه الله عليّ، وقدره عليَّ، هذا حاله، فيبقى المعاصي لا يجوز الاحتجاج بالقدر عليها، وأما بالنسبة للمصائب فإنه يحتج بالقدر عليها كما حصل في قصة آدم، آدم احتج بالقدر، لكن هل احتجاجه بالقدر على أنه أكل من الشجرة وعصى آدم ربه فغوى لا، آدم تاب من هذه المعصية، والتوبة تهدم ما كان قبلها، وتجب ما كان قبلها، وبقي أثر هذه المعصية التي هي المصيبة، فيحتج بالقدر على وقوع هذه المصيبة. يقول ابن القيم -رحمه الله-: فالجواب أن يقال: هذا فيه قولان للناس ونحن نذكر القولين واحتجاج الفريقين ونبين ثبوت الوجوه التي ذكرناها وأمثالها على كلا القولين ونذكر أولاً قول من قال: إنها جنة الخلد التي وعدها الله المتقين وما احتجوا به وما نقضوا به حجج من قال إنها غيرها ثم نتبعها مقالة الآخرين وما احتجوا به وما أجابوا به عن حجج منازعيهم من غير انتصاب لنصرة أحد القولين". ابن القيم ساق الأدلة الأقوال بأدلتها، وأفاض في ذلك وما رجح، لماذا؟ لأنه لا يريد تقرير هذه المسألة في هذا الموضع، وإنما يقرر الآثار التي رتبت على إهباط آدم والحكم والمصالح العظيمة التي رتبت على إهباطه من الجنة.

"من غير انتصاب لنصرة أحد القولين وإبطال الآخر إذ ليس غرضنا ذلك وإنما الغرض ذكر بعض الحكم والمصالح المقتضية لإخراج آدم من الجنة، وإسكانه في الأرض في دار الابتلاء والامتحان" وبسط القول، وبسط القول في ذلك في حدود عشر ورقات، حدود عشر ورقات من الطبعات القديمة، غير المحققة، يعني لو حققت لجاءت في مجلد لطيف، هذه العشر ورقات، وذكر المسألة مبسوطة في حادي الأرواح في الجزء الأول من الطبعة المحققة في خمس وأربعين صفحة، في خمس وأربعين صفحة، هذا يرجع إليه. إذا عرفنا هذا وأن قول عامة أهل السنة أن الجنة التي أسكنها آدم هي دار الخلد، وهي التي أهبط منها، بسبب معصيته، فيترتب على هذا مع ما تظافر بذلك من النصوص، نصوص الكتاب والسنة أن الجنة وهي المسألة الثانية، المسألة موجودة الآن، مخلوقة من أول الأمر. يقول ابن القيم -رحمه الله- تعالى في حادي الأرواح: الباب الأول: في بيان وجود الجنة الآن؛ لأن الخلاف مع الجهمية والمعتزلة في هذه المسألة من قولهم: أن خلق الجنة قبل مصير أهلها إليها ضرب من العبث، يعني تجلس الجنة آلاف السنين، ونعيمها موجود، رآه النبي، رأى شيئاً منه -عليه الصلاة والسلام- في ليلة الإسراء، يقولون: قبل الاحتياج إليها هذا ضرب من العبث، ولو أن شخصاً بنا قصرا ًمنيفاً وشيده وخسر عليه الأموال الطائلة في بلد ما؛ لأنه ينوي الانتقال إلى هذا البلد بعد التقاعد مثلاً، وهو الآن عين، يعني بعد أربعين سنة إذا تقاعد يبي ينتقل إلى هذا القصر، لعد هذا ضرب من إيش؟ من العبث، بل حكم عليه بالجنون، هذه حجة المعتزلة، والله -جل وعلا- لا يسأل عما يفعل، له الحكمة البالغة، وله المشيئة النافذة.

يقول: "الباب الأول في بيان وجود الجنة الآن: لم يزل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتابعون وتابعوهم، وأهل السنة، والحديث قاطبة، يعني جميعاً، ولا واحد منهم خالف في ذلك، وفقهاء الإسلام يقول: وأهل التصوف والزهد على اعتقاد، على اعتقاد ذلك وإثباته مستندين في ذلك إلى نصوص الكتاب والسنة وما علم بالضرورة من أخبار الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم، من أولهم إلى آخرهم، فإنهم دعوا الأمم إليها، فإنهم دعوا الأمم إليها، وأخبروا بها إلى أن نبغت نابغة من القدرية والمعتزلة فأنكرت أن تكون الآن مخلوقة، وقالت: بل الله ينشئها يوم المعاد، بل الله ينشئها يوم المعاد، وحملهم على ذلك أصلهم الفاسد، أصلهم الفاسد، وللمعتزلة عندهم من أصولهم: أن الله -جل وعلا- يجب عليه رعاية الأصلح، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، يجب عليه رعاية الأصلح، قال: وحملهم على ذلك أصلهم الفاسد الذي وضعوا به شريعة لما يفعله الله وانه ينبغي له أن يفعل كذا ولا ينبغي له أن يفعل كذا، وقاسوه على خلقه في أفعاله فهم مشبهة في الأفعال، ودخل التجهم فيهم فصاروا مع ذلك معطلة في الصفات، يعني مشبهة في الأفعال، معطلة في الصفات، يعني الذي جاءت به النصوص، نصوص الكتاب والسنة نفوه، والذي لم يرد به دليل من الكتاب والسنة، بل دل الدليل على نفيه أثبتوه، ونظير هذا ما يقع فيه ابن حزم أحياناً، بل مطرد عنده مسألة نفي القياس في الفروع، مع أنه في الأصول استعمله أحياناً في مقدمة المحلى.

فصاروا مع ذلك معطلة في الصفات، وقالوا: خلْقُ الجنة قبل الجزاء عبث فإنها تصير معطلة مدداً متطاولة ليس فيها سكانها، وقالوا: ومن المعلوم أن ملكاً لو أتخذ داراً واعد فيها ألوان الأطعمة والآلات والمصالح وعطلها من الناس ولم يمكنهم من دخولها قروناً متطاولة، لم يكن ما فعله واقعاً على وجه الحكمة، ووجد العقلاء سبيلاً إلى الاعتراض عليه، يعني هم شبهوا الخالق -جل وعلا- بخلقه، وجعلوا ما يليق بالمخلوق هو اللائق بالخالق، وهذا نسأل الله السلامة والعافية من ضلالهم، وبعدهم، وحيدهم عن النصوص، واستعمالهم واسترسالهم في تحكيم العقول على النصوص، وتقديمهم الآراء على ما جاء عن الله وعن رسوله، في أمور لا يمكن للعقل البشري أن يصل إليها، فحجروا على الرب تعالى بعقولهم الفاسدة وآرائهم الباطلة وشبهوا أفعاله بأفعالهم وردوا من النصوص ما خالف هذه الشريعة، وردوا من النصوص ما خالف هذه الشريعة الباطلة التي شرعوها هم، وردوا من النصوص ما خالف هذه الشريعة الباطلة التي وضعوها للرب، أو حرفوها عن مواضعها، وضللوا وبدعوا من خالفهم فيها والتزموا فيها لوازم أضحكوا عليهم فيها العقلاء".

لا شك أن من استرسل وراء الأوهام أنه لا بد أن يأتي بشيء مضحك، يعني لو قيل لشخص جالس في هذا المسجد: ما الذي وراء هذا الحائط؟ هل يستطيع أن يدرك؟ يعني في أمور مطردة يمكن يقول: هذه مواقف سيارات؛ لأن فيها سيارات، هذا الغالب، وقد يصيب في هذا، لكن في أمور لا يمكن، ليس لها نظير تقاس عليه، ليس لها نظير يمكن أن تقاس عليه، معروف أن الجهات المحيطة بالمسجد أنها إما مواقف وإلا شوارع يمكن يصيب في مثل هذا الأمر، لكن هناك أمور لا يمكن أن تدرك؛ لأنها لا يوجد ما يقاس عليها، لا تدركها الأفهام، ولا تبلغها الأوهام، لو قيل لشخص: ما الذي تحت الأرض مثلاً؟ ما يدري، ما الذي وراء الحائط؟ ما يدري، ما الذي فوق السطح؟ ما يدري، وهذه في أمور قريبة ومطردة ويمكن الوصول إليها بسهولة، ولها نظائر يمكن أن تقاس عليها، كيف يتكلم الإنسان في أمور لا يمكن إدراكها؛ لأنها لم تر، ولم تحس، إنما جاءت بها النصوص السمعية، فيجب الوقوف على هذه النصوص السمعية ولا تُتعدى، وليس هذا من باب التفويض الذي يقول به بعض المبتدعة؛ لأن أهل السنة يُمرون آيات الصفات كما جاءت، ويعتقدون أن لها معان لائقة بالرب -جل وعلا-، لكن المفوضة يقولون: ليس لها معان، فنحن ندرك ما مُكّنا من إدراكه، ولا ندرك ما حجبنا عن إدراكه، يعني بعض الناس قد يلتبس عليه أمر التسليم، تسليم السلف والأئمة لما جاء عن الله ورسوله فيما يتعلق بالله -جل وعلا-، ويلتبس عليه ما يراه أهل التفويض، ومع الأسف أنه كتب بعضهم، بعض طلاب العلم أن مذهب أهل السلف، مذهب السلف التفويض، وجاء بأقوالهم التي تدل على أن آيات الصفات تمر كما جاءت، ولا يتعرض لها، يقول: ما الفرق بين هذا وهذا والتفويض؟ نقول: يا أخي فرق بين أن تسمع كلمة زيد رجل في المغرب مثلاً، تسمع عن شيخ من المشايخ أن اسمه زيد، وبين عكس كلمة زيد، ديز مثلاً فالمفوضة يرون الصفات مثل زيد، لا معنى لها البتة، والذي يثبت الصفات على ما جاء عن الله وعن رسوله من غير مشابهة لمخلوق، لكن هذا من باب التنظير يعرف أن زيد العالم الفلاني في المشرق أو في المغرب أنه مثل الناس، تحس أن، أو له صفات، له عينان، وله سمع، وله بصر، وله يدان، وله رجلان، إلى

آخره، إلى غير ذلك، لكن أنت ما تدرك هذه الكيفيات، بالنسبة لزيد الذي لم تره، ولم يوصف لك، ولا قيل إنه مثل فلان، أنت ما تدرك هذه الصفات، لكن تعرف معاني هذه الصفات، ففرق بين أن تعرف المعنى، وبين أن تجهل الكيفية، وبين أن تقول: هذا اللفظ لا معنى له البتة. لماذا أقول مثل هذا الكلام وأستطرد فيه؟ لأنه جيء لنا من بعض المواقع، ومن بعض ما ينشر في الإنترنت وغيره مثل هذا الكلام، وأن مذهب السلف هو التفويض، يا أخي السلف يعرفون المعنى، الاستواء معلوم، لكن ما الذي يجهلون؟ يجهلون الكيفية، الاستواء له معنى في لغة العرب، وله معنى في النصوص، لكن الكيفية يجهلونها، أنت إذا سمعت أن زيد فلان ابن فلان من علماء مصر، من علماء الشام، ما رأيته، ولا قيل لك إنه مثل فلان، تراه شبيه بفلان، تعرف أن له عيون مثل الناس، وله يدان مثل الناس، وله أرجل مثل الناس، وطوله له قامة، وله كذا، لكن أنت ما تدرك هل عيناه صغيرتان أو كبيرتان، أو يداه طويلتان، أو لونه أسود، أو أبيض، ما تدري؛ لأنك ما رأيته، ولا رأيت من يشبهه، فأنت تعرف هذه المعاني، لكن كيفيات هذه المعاني لا تدركها، بخلاف عكس زيد، إذا قيل: ديز، ديز إيش معناها؟ ما لها معنى، ليس لها معنى، وهذا نظير قول المفوضة، وهذا كلام ما له معنى، يمر كما جاء ما له معنى. فحجروا على الرب -تبارك وتعالى- بعقولهم الفاسدة وآرائهم الباطلة، وشبهوا أفعاله بأفعالهم، وردوا من النصوص ما خالف هذه الشريعة الباطلة التي وضعوها للرب -جل وعلا-، أو حرفوها عن مواضعها، وضللوا وبدعوا من خالفهم فيها، والتزموا فيها لوازم أضحكوا عليهم فيها العقلاء".

يعني حينما يقول بعض المبتدعة ممن يعطل الأسباب ويقول: إن الأسباب وجودها مثل عدمها، قال بعض الأشعرية: أنه يجوز للأعمى وهو في الصين أن يرى بقة الأندلس، يعني هذا مثال يمكن يضحك المجانين، فضلاً عن كونه يضحك العقلاء، يعني أعمى، رجل أعمى لا يرى يديه أعمى بالصين في أقصى المشرق يمكن أن يرى البق، الحب، الواحدة من البق، البقة صغار البعوض وهو في الأندلس، كيف؟ الذين قالوا هذا الكلام ترى ليسوا يعني أناس عادين، يعني أعطوا من الذكاء شيء لا يخفى على البال، عباقرة، لكن الذكاء وحده لا يكفي، بل لا بد من الزكاء، كما قال شيخ الإسلام في الحموية: "أعطوا ذكاءً وما أوتوا زكاءً "، لكن لو جعلوا القرآن والسنة قائدهم انتهت هذه المشكلة، لكنهم استرسلوا في أمور لا يمكن الوصول إليها بمجرد العقل، بمجرد الذكاء، فتاهوا وضلوا، وأصيبوا بالحيرة، حتى رجع بعضهم في آخر عمره إلى أن يتمنى أن لو كان على عقيدة العجائز، وهنا يقول: أضحكوا العقلاء، أقول: أضحكوا المجانين أحياناً، لو تقول لمجنون شوف هذا الأعمى ذا ترى يشوف اللي وين؟ اللي بمكة، كان يضحك عليك، وهو مجنون، ولهذا يذكر السلف في عقائدهم أن الجنة والنار مخلوقتان ويذكر من صنف في المقالات أن هذه المقال، مقالة أهل السنة والحديث قاطبة لا يختلفون في هذا، ثم نقل كلاماً طويلاً لأبي الحسن الأشعري في مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين عرض فيها لكثير من مسائل الاعتقاد وفيه قال: "ويقرون أن الجنة والنار مخلوقتان".

ثم قال ابن القيم: "وقد دل على ذلك من القرآن قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى* عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى* عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى} [سورة النجم: 13 - 15]، وقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- سدرة المنتهى، يعني ليلة الإسراء، ورأى بيقظة، فليس بمنام، فلا يقال هذه والله رؤيا، يقظة رآها، وقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- سدرة المنتهى، ورأى عندها الجنة كما في الصحيحين من حديث أنس في قصة الإسراء وفي آخره: ((ثم أنطلق بي جبريل حتى أتى سدرة المنتهى فغشيها ألوان لا أدرى ما هي قال: ثم أدخلت الجنة، فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ وإذا ترابها المسك)) وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أن أحدكم إذا مات عرض على مقعده، وفي رواية عليه مقعده بالغداة والعشي أن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وأن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة)). وفي الصحيحين في صلاة الخسوف قال -صلى الله عليه وسلم-: ((أني رأيت الجنة وتناولت منها عنقوداً ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا)) الحديث. وفي صحيح البخاري من حديث أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بينما أنا أسير في الجنة وإذا بنهر في الجنة حافتاه قباب الدر المجوف قال: قلت ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك فضرب الملك بيده فإذا طينه مسك أذفر))، ودخل النبي -عليه الصلاة والسلام- مرة ورأى فيها قصراً لعمر بن الخطاب، وأخرى سمع خشخشة بلال بين يديه، إلى غير ذلك مما لا يمكن حصره. يقول الإمام أبو جعفر الطحاوي في عقيدته الشهيرة: "والجنة والنار مخلوقتان، لا تفنيان أبداً ولا تبيدان، فإن الله تعالى خلق الجنة والنار قبل الخلق، وخلق لهما أهلاً، فمن شاء منهم إلى الجنة فضلاً منه، ومن شاء منهم إلى النار عدلاً منه، وكل يعمل لما قد فرغ له، وصائر إلى ما خلق له".

يقول الشارح، شارح الطحاوية، وجل كلامه منقول عن ابن القيم وكثير منه عن شيخ الإسلام ابن تيمية، لكنه لا يعزو، لكنه لا يعزو، لا لشيخ الإسلام، ولا لابن القيم، وكثير من مباحث الكتاب مأخوذ بحروفه بالصفحة والصفحتان من كلام شيخ الإسلام، أو من كلام ابن القيم، وفعل ذلك ترويجاً لكتابه؛ لأنه على معتقد أهل السنة والجماعة وإذا عزا لشيخ الإسلام أو لابن القيم وهو حنفي المذهب ما راج كتابه عند قومه، وفي عصره، وفي مصره وبلده؛ لأنهم على مذاهب تخالف ما قرره شيخ الإسلام من عقيدة أهل السنة والجماعة، فترويج الكتب أحياناً يكون بالحذف كما هنا، يعني لو قال: قال شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال ابن القيم، وهو في بلد يخالفون شيخ الإسلام في المعتقد، ما قبلوا منه، كما أنه قد يروج الكتاب بذكر ما لا يرتضى من المذاهب التي لا يعتد بها في الاتفاق ولا في الخلاف، فمثلاً تجد في كتب الشوكاني والصنعاني ترويج لكتبهم بذكر أقوال الزيدية والهادوية وغيرها من طوائف الشيعة، يروجونها؛ لأنهم في بلد في وقتهم أكثر أهله من الهادوية، فيروجون الكتب، لو ترك مذهب الهادوية مثلاً ما ذكره يمكن ما يروج الكتاب، ومثل هذا قد يتجاوز فيه، المقصود أن الشخص لا يذكر باطل، ولا يرجح خلاف الدليل، قد يتجاوز في مثل هذا، لكن هل يمكن أن يروج كتاب ببدعة كبرى مكفرة، كما فعل الفيروز آبادي صاحب القاموس بشرح البخاري؟ شرح البخاري بشرح مطول جداً يعني لو قدر تمامه لكان في أكثر من خمسين مجلد، وفرغ من عشرين مجلدة كبار، لكنه روج كتابه بنقل مقالات ابن عربي، من القول بوحدة الوجود، وأودع فيه كثير مما في "الفصوص" و"الفتوحات"، وغيرهما من مؤلفاتهم، يعني ينقل ويترك؛ لأن مقالة ابن عربي راجت في بلده في وقت من الأوقات، هل نروج للكتب بمثل هذا؟ ما الفائدة من التأليف؟ الفائدة لينتفع الإنسان في دنياه وأخراه، وهل ينتفع الإنسان في دنياه وأخراه بمثل هذا الكلام الباطل الكفري نسأل الله السلامة والعافية؟ لا يمكن، والحافظ الذهبي -رحمه الله- يقول في الميزان: "والله إن العيش خلف أذناب البقر، -يعني فلاح مزارع- خير من علم مثل علم ابن عربي" عامي لا يقرأ ولا يكتب أفضل من ملئ الأرض من

المسألة الثالثة:

ابن عربي من أهل المقالات الباطلة والفاسدة. يقول الشارح: " أما قوله: إن الجنة والنار مخلوقتان فاتفق أهل السنة على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، ولم يزل أهل السنة على ذلك حتى نبغت نابغة من المعتزلة والقدرية، وهذا كلام ابن القيم بحروفه، فأنكرت ذلك وقالت: بل ينشئهما الله يوم القيامة، ثم ذكر نحو ما ذكره ابن القيم فيما تقدم نقله عنه. ويقول الإمام البخاري -رحمه الله- تعالى في صحيحه: باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة. يقول الحافظ بن حجر في شرح الترجمة يقول: باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة: أي موجودة الآن وأشار بذلك إلى الرد على من زعم من المعتزلة أنها لا توجد إلا يوم القيامة وقد ذكر المصنف في الباب أحاديث كثيرة، أحاديث كثيرة دالة على ما ترجم به فمنها ما يتعلق بكونها موجودة الآن، ومنها ما يتعلق بصفتها وأصرح مما ذكره في ذلك ما أخرجه أحمد وأبو داود بإسناد قوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: لما خلق الله الجنة، قال لجبريل: أذهب فأنظر إليها الحديث. المسألة الثالثة: وهي أن الجنة باقية ونعيمها باق وليس بفان. يقول الإمام المحقق البارع ابن القيم في كتابه النافع الماتع حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، وله كلام نفيس في آخر النونية، يعني على طالب العلم أن يرجع إليه، نعم يحتاج أحياناً إلى شرح، النونية مشروحة من قبل الشيخ إبراهيم بن عيسى، ومن قبل محمد خليل هراس، ومن قبل مجموعة من أهل العلم، والشيخ ابن سعدي -رحمه الله- شرح مواضع منها. وحادي الأرواح كالشرح لما أشرت إليه مما ذكره ابن القيم فيما يتعلق بالجنة، وما أعده الله -جل وعلا- لأوليائه المتمسكين بالكتاب والسنة. يقول ابن القيم في حادي الأرواح: الباب السابع والستون في أبدية الجنة يعني ختم كتابه في أبدية الجنة، في كما قال ابن القيم: وخاتمة النعيم خلودهم، هذا وخاتمة النعيم خلودهم ... أبداًَ بدار الخلد والرضوان يقول في الباب السابع والستون في أبدية الجنة وأنها لا تفنى ولا تبيد.

ابن القيم بحث هذا وبحث مسألة فناء النار، وأطال في تقرير ذلك من الوجهين ولا رجح في الأخير، ومع ذلك بعض المتعصبين ممن تلبس بضرب من البدعة، كصاحب فيض القدير شرح الجامع الصغير ذكر في الجزء السادس صفحة مائتين وأربعة، أو مائتين وواحد وأربعين الظاهر، مائتين وواحد وأربعين، أنا بعيد الآن جداً، مائتين وواحد وأربعين، التي هي وفاة الإمام أحمد لا وفاة الشافعي، مائتين وواحد وأربعين يقول: إن ابن القيم ختم كتابه في صفة الجنة بذكر فناء النار، ختم كتاب صفة الجنة بذكر فناء النار، وكأنه قال كلاماً شديداً في حق ابن القيم وأنه يختم له بما ختم به، نسأل الله السلامة والعافية، كلام، كلام نسأل الله العافية تحدوا إليه البدعة، وابن القيم -رحمه الله- من أئمة وأعلام السنة الذين هدموا المذاهب تبعاً لشيخه شيخ الإسلام -رحم الله- الجميع. يقول في أبدية الجنة وأنها لا تفنى ولا تبيد: "هذا مما يعلم بالاضطرار أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أخبر به قال الله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [سورة هود: 108]، {إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ} يعني: غير مقطوع، يعني غير منته، يقول: ولا تنافي بين هذا وبين قوله {إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ} واختلف السلف في هذا الاستثناء، هذا الاستثناء أورد فيه القرطبي في تفسيره في تفسير آية هود عشرة أقوال لأهل العلم، عشرة أقوال لأهل العلم.

يقول ابن القيم: ولا تنافي بين هذا وبين قوله {إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ} وقد اختلف السلف في هذا الاستثناء، فقال معمر عن الضحاك: هو في الذين يخرجون من النار فيدخلون الجنة يقول سبحانه: أنهم خالدون في الجنة ما دامت السماوات والأرض إلا مدة مكثهم في النار، إلا مدة مكثهم في النار؛ لأن الاستثناء من الشيء قد يكون من آخره، وقد يكون من أوله، وقد يكون من أثناءه، قال: قلت: ويحتمل ويحتمل، وهذا يحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون الإخبار عن الذين سعدوا وقع عن قوم مخصوصين وهم هؤلاء، الذين دخلوا النار، وحصل الاستثناء لهذه المدة التي هي مدة بقائهم في النار {إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ} يعني من هذ المدة، وإلا فالأصل أنهم منذ أن انتهوا من الدنيا، ومن البرزخ، يدخلون الجنة إلى أبد الآباد، {إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ} هذه المدة التي مكثوا فيها في النار. يقول: وهذا يحتمل أمرين: أحدهما أن يكون الإخبار عن الذين سعدوا عن قوم، وقع عن قوم مخصوصين وهم هؤلاء. والثاني -وهو الأظهر- أن يكون وقع عن جملة السعداء، عن الجميع، والتخصيص بالمذكورين هو في الاستثناء وما دل عليه، يعني لا يكون في الأفراد في الأشخاص إنما يكون في المجموع، لا في الجميع، الاستثناء إنما يكون في الجميع من الذين سعدوا، مجموعهم لا في جميعهم ولا في أفرادهم. قال: وأحسن من هذا، أو وأحسن من هذين التقديرين أن تُرد المشيئة إلى الجميع حيث لم يكونوا في الجنة في الموقف، يعني ما دخلوا الجنة بمجرد قيامهم من قبورهم، لبثوا مدة في الموقف، فالاستثناء حاصل أو متجه إلى هذه المدة، لم يكونوا في الجنة في الموقف، وعلى هذا فلا يبقى في الآية تخصيص وقالت فرقة أخرى: هو استثناء استثناه الرب -جل وعلا-، ولا يفعله كما تقول: والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك، وأنت لا تراه بل تجزم بضربه.

وقالت فرقة أخرى: هذا الاستثناء إنما هو مدة احتباسهم، إنما هو مدة احتباسهم عن الجنة ما بين الموت والبعث وهو البرزخ، وهو البرزخ إلى أن يصيروا إلى الجنة، ثم هو خلود الأبدي فلم يغيبوا عن الجنة إلا بقدر إقامتهم في البرزخ، وهذا يجرنا إلى كلام هو عن الدور، هل الدور ثلاث، أم داران فقط، الدنيا والآخرة، أو الدنيا والبرزخ والآخرة؟. في الطحاوية وشرحها قرر أن الدور ثلاثة، دنيا، وبرزخ، بينهما حاجز لا من هذا ولا من هذا وآخرة، وفي القاموس يقول: "الدنيا نقيض الآخرة، ومقتضى كون الدنيا نقيضاً للآخرة أنه ليس إلا داران فقط؛ لأن النقيضين لا يمكن أن يرتفعا، وإذا قلنا أن البرزخ غير الدنيا والآخرة يمكن أن يرتفع الوصف بالدنيا والآخرة ويبقى مدة البرزخ وفترة البرزخ. وقالت فرقة أخرى: الاستثناء راجع إلى مدة لبثهم في الدنيا، يعني الأصل أن هؤلاء خلقوا للجنة، هؤلاء خلقوا للجنة، وهؤلاء خلقوا للنار، فالأصل أنهم من خلقهم يؤولون إلى ما خلقوا له، وهو الجنة، أو الطائفة الأخرى يؤولون إلى ما خلقوا له وهي النار نسأل الله السلامة والعافية، فلبثهم في الدنيا هو الذي وقع له، أو وقع عليه الاستثناء {إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ}. وهذه الأقوال يقول ابن القيم: وهذه الأقوال متقاربة ويمكن الجمع بينها بأن يقال: أخبر سبحانه عن خلودهم في الجنة كل وقت إلا وقتاً يشاء الله -جل وعلا- ألا يكونوا فيها، وذلك يتناول، وذلك يتناول وقت كونهم في الدنيا، وفي البرزخ، وفي موقف القيامة، وعلى الصراط، وكون بعضهم في النار مدة، وعلى كل تقدير فهذه الآية من المتشابه، فهذه الآية من المتشابه، إلا ما شاء الله. والمتشابه يجب رده إلى المحكم، والذي يتتبع المتشابه هو الذي بقلبه زيغ نسأل الله السلامة والعافية، الذي يترك المحكم الذي لا يحتمل، ويذهب إلى المتشابه ليلبس به على غيره هذا هو الذي في قلبه: زيغ، إذا رأيتم الذين يتتبعون المتشابه فهم الذين ذكر الله فيهم من الزيغ فاحذروهم كما تقول عائشة.

وعلى كل تقدير فهذه الآية من المتشابه، وقوله تعالى فيها: {عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [سورة هود: 108]، محكم، وكذلك قوله: {إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ} [سورة ص: 54]، وقوله: {أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا} [سورة الرعد: 35]، وقوله: {وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [سورة الحجر: 48]، وقد أكد الله سبحانه خلود أهل الجنة بالتأبيد في عدة مواضع من القرآن، وأخبر أنهم {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى} [سورة الدخان: 56]، وهذا استثناء منقطع، وإذا ضممته إلى الاستثناء في قوله: إلا ما شاء الله، {إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ} تبين لك المراد من الآيتين واستثناء الوقت الذي لم يكونوا فيه في الجنة من مدة الخلود كاستثناء الموتة الأولى، كاستثناء الموتة الأولى من جملة الموت فهذه موتة تقدمت على حياتهم الأبدية، وذاك مفارقة للجنة تقدم على خلودهم فيها، وبالله التوفيق. وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس، ويخلد ولا يموت)) وقال -عليه الصلاة والسلام-: ((ينادي مناد يا أهل الجنة إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وأن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وأن تحيوا فلا تموتوا أبداً)) خرّجه الإمام مسلم. وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخد ري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((يجاء بالموت في صورة كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار، ثم يقال: يا أهل الجنة، فيطلعون مشفقين، خائفين وجلين، يطلعون مشفقين؛ -لأنهم في نعيم تام، وسعادة يخشون أن يحصل ما ينغص هذه السعادة وهذا النعيم، فيطلعون مشفقين -، ويقال: يا أهل النار، فيطلعون فرحين؛ لأنه احتمال أن يكون عاقبة هذا النداء التخفيف عنهم، فيطلعون فرحين فيقال: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت، فيذبح بين الجنة والنار، ويقال: يا أهل الجنة، خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت)).

يقول الإمام الحافظ ابن كثير في تفسيره في تفسير آية هود: يقول الله تعالى: {وأما الذين سعدوا} وهم أتباع الرسل، {ففي الجنة}، أي: فمأواهم الجنة، أتباع الرسل، يعني قبل نسخ شرائعهم، لا يأتي من يقول أنه يوجد من أتباع الرسل الآن، نقول: لا، الذي يزعم أنه يسعه الخروج عن شريعة محمد ولو كان تابعاً لنا، أو يزعم أنه تابع لنبي قبله، هذا نسأل الله العافية من النواقض، ولذا يحكم أهل العلم على أن اليهود والنصارى كفار بالإجماع، وإن كانوا يزعمون أنهم أتباع لموسى وعيسى، ولذا قال: وهم أتباع الرسل يعني في أوقاتهم، ووقت قيام شرائعهم، أما بعد بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((والذي نفسي بيده لا يسمع بي يهودي ولا نصراني، فلا يؤمن بي إلا دخل النار))، ولا يسع أحد الخروج عن شريعة محمد كائناً من كان، -عليه الصلاة والسلام-، يعني كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى، ففي الجنة أي فمأواهم الجنة، {خالدين فيها} أي ماكثين فيها أبداً {ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك} معنى الاستثناء ههنا أن دوامهم فيما هم فيه من النعيم ليس أمراً واجباً بذاته، بل هو موكول إلى مشيئة الله تعالى فله المنة عليهم دائماً ولهذا يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس. وذكر القرطبي في تفسيره الأقوال في الاستثناء وأنها عشرة فيرجع إليه، فيرجع إليها من أراد التوسع في أراد في هذه المسألة. في عقيدة الإمام الطحاوي: والجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان ولا تبيدان. يقول الشارح: قوله: لا تفنيان أبداً، ولا تبيدان، هو قول جمهور الأئمة من السلف والخلف، وقال ببقاء الجنة، وبفناء النار، جماعة منهم، والقولان مذكوران في كتب التفسير وغيرها. وقال بفناء الجنة والنار، الجهم بن صفوان إمام المعطلة، وليس له سلف قط، لا من الصحابة، ولا من التابعين لهم بإحسان، ولا من أئمة المسلمين، ولا من أهل السنة، وأنكره عليهم عامة أهل السنة وكفروه به، وصاحوا به، وبأتباعه من أقطار الأرض، وهذا قاله تبعاً لأصله الذي اعتقده وهو امتناع وجود ما لا يتناهى من الحوادث، يعني تسلسل الحوادث في المستقبل، عندهم ممنوع، عند الجهمية.

وأبو الهذيل العلاف شيخ المعتزلة وافقه على هذا الأصل يعني المآل واحد إلا أن العذاب ينقطع، وافقه على هذا الأصل لكن قال: إن هذا يقتضي فناء الحركات، فقال بفناء حركات الجنة والنار حتى يصيروا في سكون دائم، لا يقدر أحد منهم على حركة. على كل حال الجنة والنار مستثناة معها الثمانية، هي ضمن الثمانية التي كتب لها البقاء ثمانية حكم البقاء يعمها ... من الخلق والباقين في حيز العدم هي العرش والكرسي نار وجنة ... وعجب وأرواح كذا اللوح والقلم هذه لا تفنى كما جاءت بذلك الأدلة. ابن القيم -رحمه الله- تعالى في نونيته وهو يتكلم عن جهم بن صفوان يقول: وقضى بأن الله كان معطََّلاً، وقضى بأن الله كان معطلاً يعني في الماضي ما في حوادث، تسلسل الحوادث في الماضي، كما أنه طرد ذلك من امتناع تسلسل الحوادث في المستقبل. قال: وقضى بأن الله كان معطلاً ... والفعل ممتنع بلا إمكان ثم استحال وصار مقدوراً ... له من غير أمر قام بالديان بل حاله سبحانه في ذاته ... قبل الحدوث وبعده سيان الفعل ممتنع، ثم استحال، وصار مقدوراً له، وقضى بأن النار لم تخلق، وقضى بأن النار لم تخلق ... ولا جنات عدن بل هما عدمان فإذا هما خلقا ليوم معادنا ... فهما على الأوقات فانيتان وتلطف العلاف من أتباعه ... فأتى بضُحكة جاهل مجان من المجون. قال الفناء يكون في الحركات ... لا في الذات واعجباً لذا الهذيان أيصير أهل الخلد في جناتهم ... وجحيمهم كحجارة البنيان ما حال من قد كان يغشى أهله، يعني تتعطل الحركات فجأة عنده، يعني مثل الذي يتكلم، مثل المكبر ثم يطفأ الكهرباء، ما حاله؟، أو يقرأ ثم يطفأ النور، ما حاله؟ يقول: ما حال من قد كان يغشى أهله ... عند انقضاء تحرك الحيوان وكذاك ما حال الذي رفعت يداه ... أكلة من صحفة وخوان فتناهت الحركات قبل وصولها ... للفم عند تفتح الأسنان أسنانه متفتحة باقية، ثم تعطلت الحركات، ماذا يكون وضعه؟ اليد مرفوعة، واللقمة في اليد، والأسنان مفتوحة. وكذاك ما حال الذي امتدت يدٌ ... منه إلى قنو من القنوان فتناهت الحركات قبل الأخذ هل ... يبقى كذلك سائر الأزمان؟ تباً لهاتيك العقول فإنها ... والله قد مسخت على الأبدان

تباً لمن أضحى يقدمها على ... الآثار والأخبار والقرآن في آخر النونية وهذا حقيقة على طالب العلم أن يعنى به، فيما يتعلق بالجنة وهو حادي، حادي للمسلم أن يعمل بما سمع، وما بلغه من نصوص الكتاب والسنة فعلاً وتركاً، المقصد رضا الله -جل وعلا-، لكن ملاحظة هذه الأمور التي جاءت بها النصوص لا تؤثر كما قدمنا، ولذلك ابن القيم ذكر أشياء رغب فيها الشارع، وجعلها مما يستحث همة المسلم، أشياء تجعله يعمل بما يبلغه من نصوص الكتاب والسنة، وعلى طالب العلم أن يرجع إليه، وإذا أشكل عليه شيء من النظم يرجع إلى حادي الأرواح، فإنه كالشرح له. يقول ابن القيم -رحمه الله- تعالى: هذا وخاتمة النعيم خلودهم ... أبداً بدار الخلد والرضوان أو ما سمعت منادي الإيمان يخـ ... ـبر عن مناديهم بحسن بيان لكم حياة ما بها موت وعا ... فية بلا سقم ولا أحزان ولكم نعيم ما به بؤس وما ... لشبابكم هرم مدى الأزمان كلا ولا نوم هناك يكون إذ ... نوم وموت بيننا أخوان هذا علمناه اضطرارا من كتا ... ب الله فافهم مقتضى القرآن والجهم شيخ القوم أفناها ... وأفنى أهلها تبا لذا الفتان طرداً لنفي دوام فعل الرب في الـ ... ـماضي وفي مستقبل الأزمان وأبو الهذيل يقول يفنى كلما ... فيها من الحركات للسكان وتصير دار الخلد مع سكانها ... وثمارها كحجارة البنيان قالوا ولولا ذاك لم يثبت لنا ... رب لأجل تسلسل الأعيان فالقوم أما جاحدون لربهم ... أو منكرون حقائق الإيمان. والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. طالب: كتب الله أجرك وأحسن إليك، وسدد خطاك ورفعك قدرك دنيا وأخرة. هذه يا شيخ بعض الأسئلة وردت إلينا. الشيخ: الساعة كم، الإخوان يملون، نتخولهم طالب:. . . . . . . . . ربع ساعة، لمدة ساعتين، طيب. طالب: إلى عشرة ونصف. إيه، إيه. هذا يقول من الإنترنت؟ لماذا سميت الآيات في أمور الآخرة نصوص سمعية؟ لأن مبناها أولاً وأخراً على السمع، ولا للرأي ولا للنظر ولا للعقل فيها أدنى مجال، إنما معولها أولاً وأخراً على السمع. يقول: ما نعيم المرأة التي لم تكن متزوجة في الدنيا في الجنة؟

أقول: إذا دخلت الجنة حصل لها ما يحصل لأهل الجنة مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وقد يتردد على ألسنة بعض النساء، أن الرجال لهم حور، ولهم كذا، ولهم قصور، النساء شقائق الرجال، النساء شقائق الرجال، ولن يقع في قلبها أدنى ما يخدش هذا القلب، {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ} [سورة الحجر: 47]، فكل إنسان يرى أنه لا أحد أسعد منه، والله المستعان. يقول: هناك فرق بين ابن عربي، وابن العربي فهل وضحت ذلك جزاكم الله خيراً لكي لا يلتبس علينا ابن عربي الحاتمي صاحب الفصوص، وصاحب الفتوحات، والمسامرة وغيرها من كتبه المشتملة على الضلال نسأل الله السلامة والعافية، هذا معروف أنه القائل بوحدة الوجود، وهذا حاتمي، وكلاهما من الأندلس، لكن ابن العربي المالكي المعارفي أبو بكر صاحب أحكام القرآن، وصاحب عارضة الأحوذي، والمسالك في شرح الموطأ، وغيرها من كتب نافعة ومتينة إلا أنه في نصوص الصفات على مذهب الخلف، مؤول، لكن في كتبه العلم العظيم، فيستفاد من علمه، وهو في هذه الأبواب أعني أبواب البدع المغلظة الكبرى مثل مقالة ابن عربي الثاني، أو مثلاً ما يتعلق بالصحابة أو غيرها، فهو على مذهب أهل السنة في هذه الأبواب، وإن كان في باب الصفات عنده شيء من المخالفة. يقول: ما صحة قول القائل إن رحمة الله تقتضي فناء النار؟ أولاً: لا شك بأن رحمة الله -جل وعلا- سبقت غضبه، لكنه -جل وعلا- يعاقب، ومن استحق النار استحقها بعدل الله -جل وعلا-، فقد قال أو عمل عملاً لا تقوم له الجبال، فالشرك أمره عظيم، والكفر شأنه خطير، وفي نيته أن لو طالت به الحياة أبد الآباد أن يستمر على كفره وشركه فيعاقب ببقائه في النار، نسأل الله السلامة والعافية. يقول بالنسبة، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . نعم. يقول: هل الجن الذين رؤيتهم في الدنيا مخفية يرون في الجنة على أشكالهم الحقيقية؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، هل يدخلون الجنة مع الإنس؟ أو يكتفى بعدم إدخالهم النار؟ وعلى كل حال هذه أمور، أقوال أهل العلم معروفة فيها. هل الذي ينعم في الجنة الروح مع الجسد أم كلاهما؟ كلاهما.

وهل يجتمع المؤمن مع أهله وإخوانه وأبيه وأمه في الجنة؟ {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} [سورة الطور: 21]، وأزواجهم معهم، إذا كانوا معهم في الإيمان، ولو قصرت به أعمالهم. يقول: هل الجنان السبع أسماء مختلفة لشيء واحد أم أنها أقسام؟ الجنة درجات، الجنة درجات، وجنان متعددة. يقول: ما معنى: ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له))؟ لما ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن هذه الأمور فرغ منها، وكل إنسان كتب، كتبت شقاوته أو سعادته، لما كان في بطن أمه إذا بعث إليه الملك بكتب الكلمات الأربع، ما دام مكتوب شقي أو سعيد لماذا أعمل؟ قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له)) احرص على أن تعمل بعمل أهل السعادة، واحذر أن تعمل بعمل أهل الشقاء، واعمل في ذلك كله مخلصاً لله -جل وعلا-، ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها)) وا لعكس، وجاء بعض الروايات ((على ما يبدو للناس)) يعني أن في أصل عمله خلل من الأصل. يقول: تعبت الملائكة من كتابة الأجر فشكوا إلى ربهم فقال: هو في صحائفها إلى يوم القيامة؟ أثقلت كاهل الملك، يعني كما جاء في الحديث أنه قال كلمة يعني لعظمها عند الله -جل وعلا- أنها أثقلت الكاهل، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. هذا يقول: في محافظتنا التي أسكن فيها ظهر شباب في الوقت الحالي عليهم سمة الصلاح والاستقامة. يقولون: الناس تركوا السنة ولم يتعلموها ولم يعرفوا موقفهم من أهل البدع، الأمر الذي هو مستغرب عندنا هو التكلم في بعض العلماء والمشايخ والدعاة، ويقولون: إنهم مبتدعة، وبعضهم خوارج، ويحذرون منهم المجتمع، فما حصل شقاق في قريتنا مما حصل، أو مما حصل شقاق في قريتنا بسبب هذا الأمر ويقولون: هذا هو المنهج السلفي والصحيح أرجو التوضيح لهذه الفتنة التي وقعنا فيها؟

الإنسان مطلوب منه أن يحقق العبودية التي من أجلها خلق، وتكون بفعل ما أمر الله -جل وعلا- وبالانتهاء عما نهى عنه، بفعل الأوامر وترك النواهي، ثم إذا حصّل الإنسان هذه التقوى وجعلها وقاية بينه وبين النار وجمع من الأعمال أمثال الجبال كما جاء في بعض الأحاديث لا يأتي مفلساً يوم القيامة، يوزع هذه الأعمال على الناس، على غير هذا فلان فيه، وهذا علان فيه، والله -جل وعلا- لم يجعلوه حكماً بين العباد، وأعرض المسلمين حفرة من حفر النار كما قال ابن دقيق العيد -رحمه الله-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أتدرون من المفلس؟ )) قال: المفلس من لا درهم له ولا متاع، قال: ((لا، المفلس من يأتي بأعمال)) من صلاة وصيام وجهاد وحج وغيرها، ((يأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وسفك دم هذا، وأخذ مال هذا فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته)) وفي حديث معاذ: ((وهل يكب الناس على وجوههم، أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)) فعلى الإنسان أن يتقي الله -جل وعلا- في أعراض إخوانه المسلمين. من ثبت عنده شيء من المخالفة يناصح، مقتضى النصيحة أن تسدي له هذا العيب الذي اطلعت عليه أو بلغك عنه، وإذا لم يمتثل وما ارتكبه عن الناس منه ضرر متعد يتعداه إلى غيره، حينئذ يحذر من هذا العمل، يحذر من هذا العمل، وإذا لم يمكن إلا بالتصريح، ولا يكفي بذلك التلميح، والضرر المترتب على قوله أو على فعله بالغ بالنسبة لغيره، مثل هذا يرد عليه. يقول: كيف نوفق بين قول الله -عز وجل- {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} [سورة الأعراف: 46]، وبين العمل طمعاً في الجنة، وجعلها غايةً للإنسان؟ يعني هذا شيء {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} شيء من الاستفعال، وأن أعمالهم لا تؤهلهم في نظرهم لدخول الجنة، {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [سورة المؤمنون: 60]، خائفة، وهكذا ينبغي أن يكون المسلم، أن يعمل الأعمال الصالحة ويبتعد عما حرم الله -جل وعلا- ويبقى خائفاً وجلاً ألا تقبل منه هذه الأعمال.

قالت عائشة -رضي الله عنه-ا: أهم الذين يزنون، ويسرقون، ويشربون الخمر؟ {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} قال: ((لا يا ابنة الصديق هم الذين يصلون ويزكون ويصومون ويخافون ألا تقبل أعمالهم)) فيجمعون بين حسن العمل وإساءة الظن بالنفس مع الأمل القوي بالله -جل وعلا-. وبين العمل طمعاً في الجنة، وجعلها غايةً للإنسان؟ على الإنسان أن يعمل، وأن يطمع برحمة الله -جل وعلا- وأن يشفق ويخشى من نفسه ونيته وإخلاصه ألا يكون عمله خالصاً لله -جل وعلا-. يقول: كثير من يجادل في الثوابت يقول: أختلف معك فتبقى وجهة نظري؟ إن كان يقصد الثوابت التي لا خلاف فيها، أو دعائم الإسلام العظام التي عُلمت من الدين بالضرورة هذه ليست وجهة نظر، هذه مفاصلة، مفارقة، المسائل التي فيها الخلاف سائغ، والأدلة تحتملها تبقى وجهة نظرك، لكن ما اتفق عليه أهل العلم، أو علم من دين الإسلام بالضرورة مثل هذا ليس فيه وجهة نظر. يقول: ذكرتم في بعض المحاضرات قولكم: من حلل زاد المستقنع يصبح فقيهاً، فكيف وما المراد بالتحلل، التحليل؟ قلنا: أن كيفية التفقه من أي متن فقهي، سواءً كان الزاد أو غيره أن يفهم هذا المتن، وتتصور مسائله، تصور وتوضح وتجلى، ثم يستدل لهذه المسائل ثم يذكر الموافق، ويذكر المخالف، ودليل المخالف ثم يوازن بين هذه الأدلة، ويعرف الراجح من المرجوح، حينئذ يصبح فقيهاً أهلاً للاجتهاد. طريقة السلف لقراءة القرآن الكريم كانوا يختمون في سبع فكيف؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لعبد الله بن عمرو: ((اقرأ القرآن في سبع، ولا تزد)) قراءة القرآن في سبع يعني من جلس بعد صلاة الصبح يقرأ القرآن حتى تنتشر الشمس يقرأ القرآن في سبع، وهذا عمل لا يعوقه عن تحصيل مصالحه لا في دينه، ولا في دنياه، يعني إذا جلس لمدة ساعة أو أكثر من ساعة، قليلاً يقرأ فيها نصيبه على التحزيب الذي ذكره عن السلف، كما جاء في سنن أبي داود وغيره، أن يقرأ في اليوم الأول ثلاث، وفي الثاني خمس، وفي الثالث سبع، وفي الرابع تسع، وفي الخامس إحدى عشرة، وفي السادس ثلاثة عشرة، وفي السابع حزب المفصل. يقول: من كان يظن أنه مريض بالذهاب، إيش؟ طالب:. . . . . . . . .

لا، لا قبل، هذه. يقول: وهو مرض نفسي، وهناك علامات تدل على ذلك فما النصيحة مع العلم أنه طالب علم؟ عليه أن يرقي نفسه، ويلح على الله -جل وعلا- في الدعاء، وإذا ذكر له علاج مجرب نافع لمثل هذا فلا مانع من استعماله. يقول: ما رأيكم في كتاب "بستان الواعظين" بما أن فيه أشياء مبالغة،،، لا يصدقها العقل؟ كتب ابن الجوزي الوعظية فيها جمل نافعة مرققة للقلوب، وفيها أيضاً جمل قد لا يصدقها العقل، وفيه أيضاً اعتماد على أحاديث ضعيفة كثيرة بل فيه أحاديث موضوعة. يقول: جاء في الحديث: ((إن الجنة قيعان، فإذا قال العبد: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، غرست له بكل واحدة منها غرس في الجنة)) فكيف يفهم هذا مع ما ورد من نصوص الكتاب والسنة في وصف الجنة وما فيها من الأشجار والثمار، وهل يتصور أن في الجنة أراضي خالية من شجر وأخرى على العكس؟ هذه أمور جاءت بها النصوص فعلينا أن نرضى ونسلم، وأن لا نسترسل مع هذه التفاصيل، وهذه الأوهام، بل نُعمل النصوص كل نص في موقعه، وأنت ما يضيرك أن تقول الباقيات الصالحات: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ويكثر غرسك في الجنة، ومثله سائر النعيم الموعود به الموعود به، هل نقول: إن الجنة الآن فيها مجال لمن سيأتي ويعمل أعمال صالحة لتبنى له القصور وتغرس له الأشجار؟ الله أعلم، لكن مع ذلك عليك أن تعمل بما يخصك وما يعنيك، يقول إبراهيم لمحمد عليهما -الصلاة والسلام-: ((يا محمد أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة قيعان، وأن غراسها التسبيح والتكبير، والتحميد والتهليل ... إلى آخره)). انتهى؟ والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

الإيمان بالملائكة

الإيمان بالملائكة الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: حكم الإيمان بوجود الملائكة: فقد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة، وفي صحيح مسلم من حديث عمر -رضي الله تعالى عنهما- أنهم كانوا جلوساً عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ دخل عليهم رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، يقول: ولا يعرفه منا أحد، فجلس إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع يديه على فخذيه، فسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن مقامات الدين التي هي الإسلام والإيمان والإحسان، فسأله عن الإسلام ففسره بأركانه الخمسة التي هي الشهادتان، والصلاة، والزكاة والصيام، والحج، ثم سأله عن الإيمان ففسره بأركانه الستة أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، ثم سأله عن الإحسان فقال: ((أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)). في هذا الحديث دلالة قولية وفعلية، قولية وفعلية على الملائكة، والذي جاء واحد منهم، بل هو أشرفهم وأكرمهم وهو جبريل -عليه السلام-؛ لقوله في الحديث: فلبثنا ملياً، قالوا: لا يعرفه منا أحد، فلبثنا ملياً، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أتدرون من السائل؟ )) قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: ((هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)) مجيئه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فيه الدلالة الفعلية على وجود الملائكة، وأن جبريل واحد منهم، وفي جوابه عن الإيمان بالركن الثاني من أركانه الإيمان بالملائكة، والإيمان بالملائكة ركن من أركان الإيمان إجماعاً. من أنكرهم، أو شك في وجودهم كفر إجماعاً، كفر بالإجماع، وكان الكفار يثبتون وجود الملائكة، لكنهم ضلوا من ناحية أخرى وهي اعتقادهم أو قولهم بأنهم بنات الله، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.

أصل كلمة الملائكة:

الإيمان بالملائكة: هو الركن الثاني من أركان الإيمان، وجاء تالياً للإيمان بالله -جل علا- في نصوص كثيرة {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ} [(285) سورة البقرة]. في الحديث السابق آنف الذكر جعل الإيمان بالملائكة بعد الإيمان بالله، والإيمان بهم من الإيمان بالغيب، الذي لا بد منه؛ لأن الشهادة والمشاهَد لا يطلب الإيمان به، لا ينكره إلا من في عقله خلل، والإيمان المجدي هو الإيمان بالغيب، وإذا نزلت العلامات علامات الموت وصار يقيناً لا تنفع نفساً إيمانها، ولا تنفع التوبة عند الغرغرة إذا شاهد الملائكة جاءوا لقبض روحه لا ينتفع بإيمانه، ولذا لما آمن فرعون بعد أن رأى الموت عياناً {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ} [(91) سورة يونس] لا ينفع، وإذا طلعت الشمس من مغربها لا ينفع نفساً إيمانها، وكذلك إذا خرجت الدابة أو الدجال صار الإيمان ليس غيباً، صار شهادة، والمدح إنما يكون بالإيمان بالغيب {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [(3) سورة البقرة] أما الإيمان بالمشاهد والتصديق به لا يختلف فيه أحد، ولا يطلب من أحد أن يؤمن بمشاهد من حيث وجوده لا من حيث ما أتى به، النبي -عليه الصلاة والسلام- يجب الإيمان به وهو مشاهد، لكن المراد الإيمان بما جاء به عن الله -جل وعلا-، ليس الإيمان بوجوده؛ لأنه لا ينكر وجوده أحداً ممن يراه. أصل كلمة الملائكة:

إذا عرفنا هذا، عرفنا أن الإيمان بالملائكة ركن، بل هو الركن الثاني من أركان الإيمان بعد الإيمان بالله -جل وعلا- فمن الملائكة؟ وما أصل هذه الكلمة؟ وما اشتقاقها؟ وهل هي مشتقة أو جامدة ليست مشتقة؟ كلام أهل اللغة في هذا كثير، ويقولون كما في (بصائر ذوي التمييز) للفيروز آبادي يقول: "الملك واحد الملائكة، الملك واحد الملائكة، والملائك قيل: أصله أَلِك، والمالكة والمألكة والمألك الرسالة، ومنه اشتُق الملائكة لأنهم رسل الله؛ لأنهم رسل الله، وقيل: القول الأول أنه مأخوذ من أَلِك، وقيل: من لأك بتقديم اللام على الهمزة، والملأكة: الرسالة، وأَلِكْني إلى فلان أي أبلغه عني، وأصله ألئكني، حذفت الهمزة، ونقلت حركتها إلى ما قبلها، والملأك: الملك؛ لأنه يبلغ عن الله تعالى، ووزنه مفعل، العين محذوفة ألزمت التخفيف إلا شاذاً".

في المفردات للراغب يقول بعض المحققين: الملك من المُلك، قال: والمتولي من الملائكة شيئاً من السياسات يقال له: مَلَك محركة، ومن البشر يقال له: مَلِك، يعني من الملائكة من يتولى على بعض الأشياء، الصافات، الذاريات، هذا يتولى عمل موكل به، وجبريل له مهمة وميكائيل له مهمة، وإسرافيل له مهمة، وملك الموت له أيضاً .. ، موكل إليه أمر مهم وهكذا، هؤلاء يقال للواحد منهم: مَلَك، تولى شيئاً من تدبير بعض الأمور، ومن البشر إذا تولى تدبير شيئاً من الأمور يقال له: مَلِك، مَلِك بكسر اللام، يقول: فكل مَلَك ملائكة، وليس كل ملائكة ملكاً، يعني جموع غفيرة من الملائكة جمعهم يقال لهم: ملائكة، وعلى كلامه لا يقال لواحدهم: ملك، يدخل البيت المعمور في كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة، سبعون ألفاً من الملائكة هؤلاء في الجملة لم يوكلوا بشيء على حد زعم هذا القائل فلا يقال للواحد منهم: ملك، يقال لهم: ملائكة؛ لأن المَلك والملِك من أوكل إليه تدبير أمر مهم من الأمور، الواحد يقال له: مَلَك من الملائكة، ومَلِك من البشر، هذا كلامه، قال: وليس كل ملائكة ملكاً، بل المَلَك عندهم هم المشار إليهم بقوله تعالى: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} [(5) سورة النازعات] {فَالْمُقَسِّمَاتِ} [(4) سورة الذاريات] {وَالنَّازِعَاتِ} [(1) سورة النازعات] ونحو ذلك، يعني من أوكل إليهم تدبير هذه الأمور الواحد يقال له منهم: مَلَك، في مقابل الواحد من البشر الذي يتولى أمراً من الأمور يقال له: مَلِك، كذا قال، وكلامه فيه غرابة؛ لأنه يدخل البيت المعمور في كل يوم سبعون ألف مَلَك، الواحد منهم يقال له: مَلَك، وإن لم يعرف لكل واحد منهم بعينه تدبيراً معيناً، وحديث الأطيط: ((أطت السماء)) وإن كان لأهل العلم فيه كلام ((وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك ساجد أو قائم)) لا شك أن هذا الكلام فيه غرابة. يقول القرطبي في تفسيره: الملائكة واحدها ملك، قال ابن كيسان وغيره: وزنه .. ، وزن ملك فعل من المِلك. وقال أبو عبيدة: هو من مفعل أصله ملأك من لأك إذا أرسل، والألوكة والمألكة والمألوكة: الرسالة، قال لبيد: وغلام أرسلته أمه ... بألوكٍ فبذلنا ما سأل

بألوك يعني: برسالة، وقال آخر: أبلغ النعمان عني مألكا ... إنني قد طال حبسي وانتظاري ويقال: ألكني أي: أرسلني، فأصله على هذا مألك، الهمزة فاء الفعل ثم إنهم قلبوها إلى عينه فقالوا: ملأك، ملأك، يعني صار فيه تقديم وتأخير، الأصل تقديم الهمزة ثم قدمت اللام عليها، ثم سهلوها، سهلوا الهمزة فقالوا: مَلَك. وقيل: أصله ملأك من ملك يملك، نحو شمأل من شمل، فالهمزة زائدة عن ابن كيسان أيضاً، وقد تأتي في الشعر على الأصل، كما قال الشاعر: فلست لإنسيٍ ولكن لملأكٍ ... تنزل من جو السماء يصوبُ يصوب يعني: ينزل، ومنه: ((اللهم اجعله صيباً نافعاً)) يعني نازلاً بالخير والبركة، يعني: المطر، ومنه في الحديث: "لم يشخص رأسه ولم يصوبه" يعني لم يرفع رأسه في الركوع ولا ينزله. وقال النضر بن شميل: لا اشتقاق للمَلك، الملك غير مشتق، لا اشتقاق للملك عند العرب، يقول: والهاء في الملائكة تأكيد لتأنيث الجمع، ومثله الصلادمة والصلادم: الخيل الشداد، واحدها: صلدم، وقيل: الهاء في الملائكة للمبالغة، كنسابة، وعلامة، وفهامة، وما أشبه ذلك. الحافظ ابن حجر في فتح الباري يقول: الملائكة جمع ملك بفتح اللام، فقيل: مخفف من مألك، وقيل: مشتق من الألوكة وهي الرسالة، وهذا قول سيبويه والجمهور، وأصله لأك، وقيل: أصله الملْك بفتح ثم سكون وهو الأخذ بقوة، وحينئذٍ لا مدخل للميم فيه، وأصل وزنه مفعل فتركت الهمزة لكثرة الاستعمال، وظهرت في الجمع، وزيدت الهاء إما للمبالغة، وإما لتأنيث الجمع، وجمع على القلب، جمع على القلب وإلا لقيل: مآلكة، ليست ملائكة مآلكة؛ لأن الهمزة متقدمة في أصل المادة، مآلكة. وعن أبي عبيدة في الملك الميم أصلية، وزنه فعل كأسد، بهذا الكلام الكثير يجعل طالب العلم يتعب في البحث عن أصل المادة في معاجم اللغة، في أي حرف وفي أي مادة يبحث عن لفظة ملك في معاجم اللغة؟

المعاجم التي ترتب على أواخر الحروف فيها إشكال وإلا ما فيها إشكال؟ ما فيها إشكال؛ لأن آخر الكلمة كاف، لكن المعاجم التي ترتب المواد على أوائل الحروف يتعب الطالب في البحث عن هذه المسألة في هذه المعاجم؛ لأنه لا يدرى أأصلها لام؟ أصل الحرف الأول لام أو همزة؟ ومعاناة كتب اللغة تحتاج إلى شيء من الانتباه إلى أصل المادة، مثل التقوى إذا بحثت عنها مثلاً في القاموس أو في لسان العرب، أو في الصحاح هذه كلها مرتبة على أواخر الحروف، وإذا بحثت عنها في الأساس، أساس البلاغة، وفي المصباح المنير فإنك تبحث عنها باعتبار الحرف الأول، الحرف الأول، وهذا مهم بالنسبة لمن يعاني كتب اللغة، كيف يرد الكلمة إلى أصلها وقد اختلف في أصلها؟ التقوى من (وقى) من الوقاية، فالحرف الأول واو، والأخير حرف لين هل هو واو يعني يقال: تقوى، أو هو ياء من وقيته؟ المقصود أنه من مادة (وقى)، والبحث في الحروف اللينة يعني في آخر الكتب سهل، سواءً كان أصله واو أو ياء أو ألف، فهناك معاجم أصعب من هذه المعاجم، وهذا استطراد قد يستفيد منه بعض الطلاب من أجل أن يرجعوا إلى المصادر الأصلية حينما يريدون كشف المعاني، معاني الكلمات، هناك قواميس مرتبة على المخارج، وهذه أصعب من الترتيب على أواخر الكلمات أو أوائلها، ولا يمكن الإفادة منها إلا بالفهارس، مثل تهذيب اللغة، ومثل المحكم لابن سيدة، وغيرهما مثل العين، وغيرها من الكتب، فمن أراد أن يبحث في كتب اللغة عن ملك، إن كان يبحث في الكتب التي رتبت على أواخر الحروف فلا إشكال يعني في حرف الكاف، مع أنه في الفصل يحتاج إلى شيء من التعب، يعني في الباب لا يحتاج إلى تعب، باب الكاف ما يحتاج إلى تعب، لكن فصل اللام أو فصل الهمزة يحتاج إلى شيء من العناء، وهذا يجعل الطالب يهتم بمثل هذا الكلام، وإن كان بعضهم يرى أن هذا لا مدخل له في الموضوع، وهذا تضييع، بعض الناس مثل هذا تضييع وقت، هذا ليس بتضييع وقت، هذا من أهم المهمات.

صفة الملائكة:

قال: وعن أبي عبيدة في الملك الميم أصلية، ووزنه فعل كأسد، هو من الملْك بالفتح وسكون اللام، وهو الأخذ بقوة، وعلى هذا فوزن ملائكة فعائلة، ويؤيده أنهم جوزوا في جمعه: أملاك، وأفعال لا يكون جمعاً لما في أوله ميم زائدة. صفة الملائكة:

يقول ابن حجر: قال جمهور أهل الكلام من المسلمين: الملائكة أجسام لطيفة أجسام لطيفة، أعطيت قدرة على التشكل بأشكال مختلفة، ومسكنها السموات، أجسام لطيفة، لطافتها من حيث الخفة والقدرة على التصرف بسرعة إذ ينزل الملك من عند الله -جل وعلا- من فوق سبع سماواته إلى النبي بلحظة، بلحظة، وبين الأرض والسماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام، وبين الأولى والثانية خمسمائة عام، إلى أن يصل إلى جهة العلو التي فيها الرب -جل وعلا-، كم من عام وبلحظة ينزل بالوحي! وبمقاييس الفلكيين في الساعات أو في السنوات الضوئية، يقولون: إن أسرع شيء هو الضوء، ويحتاج إلى الوصول إلى أدنى الكواكب بمائة وستة وثمانين مليون سنة ضوئية، يعني ما أدري كيف يعتمدون في هذه الحسابات يعني؟ عندهم مقاييس وعندهم كذا، لكن عندنا نصوص، عندنا نصوص، يعني بين الأرض والسماء الأولى مسيرة خمسمائة عام، ومقاييسهم هذه إن كانت مبنية على تجربة بالوصول إلى هذه المسافات في هذه المدة ولا إخال ذلك فممكن، لكن ما يظن أنهم وصلوا إلى ما ذكروا، الأعمار ما تصل إلى هذا الحد، ولا ندري ما يراد بالسنة الضوئية -الله أعلم-، يعني عندهم أرقام يعني تصديقها قد يكون من تصديق الخيال، يعني عندهم هذا الجبل له مائة مليون سنة، وهذا الجبل له عشرة ملايين سنة، وهذا الجبل، وهذه الصخرة، وهذه الحصاة، وهذه .. ، يعني عندهم مقاييسهم التي يقتنعون بها، لكن ما أدري كيف يقنعون غيرهم؟ عندنا أن بين السماء الدنيا والأرض خمسمائة عام في الحديث هذا ما عندنا غير هذا، أكثر من هذا ما عندنا؛ لأن هذا مما لا يدركه البشر، فلا بد فيه من توقيف وسمع ونص يعتمد عليه ويعول عليه، أما مجرد كلام أناس أخذوا علومهم هي في الأصل عن غير المسلمين، هي في الأصل وافدة، وهذه الأمور التي لا تدرك بالحس ولا بالتجربة، هذه لا بد فيها من توقيف، لا بد من تنصيص عمن لا ينطق عن الهوى، وإلا التخمين لا ينفع في هذه الأمور.

مسكن الملائكة:

لطافة أجسام الملائكة من هذه الحيثية، باعتبار أنه يستطيع أن يصل ويقطع هذه المسافة في لحظة، لطافة هذه الأجسام النورانية باعتبار أنها قادرة على التشكل بأشكال مختلفة، فجبريل يأتي النبي -عليه الصلاة والسلام- أحياناً على صورة رجل كما في الحديث الذي ذكرناه آنفاً، ((أحياناً يتمثل لي الملك رجلاً)) وكثيراً ما يأتي على صورة دحية الكلبي، يتشكل على صورة رجل، وأحياناً .. ، وقد رآه مرتين على هيئته وخلقته ستمائة جناح، ستمائة جناح قد سد الأفق، بل قالوا: إن واحداً من هذه الأجنحة سد الأفق، هذه لا شك أنها أمور مهولة تدل على عظمة الخالق وقدرته، ثم بعد ذلك البحث الذي يذكر في كتب الشروح أن القدر الزائد ما بين الخلقة الأصلية ستمائة جناح سد الأفق، وما بين مجيئه على هيئة رجل أو في صورة رجل أين يذهب هذا الزائد؟ هذا البحث لا شك أنه عقيم، إيش معنى عقيم؟ لا يترتب عليه نفع لا في الدنيا ولا في الآخرة، والاسترسال فيه ضرب من العبث، وإلا أطال الشراح في هذا الزائد إلى أي شيء يصير؟ مسكن الملائكة: مسكن الملائكة السماوات، وينزلون في مناسبات، وينزلون أيضاً لأمور وكلت إليهم، ينزلون ليلة القدر {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا} [(4) سورة القدر] وينزلون للقتال مع المسلمين، كما حصل في بدر، والله -جل وعلا- يكلفهم بما يشاء، وجبريل ينزل على الرسل بالوحي وإلا فالأصل أن المسكن السماوات. الملائكة: هم عباد الله المكرمون، والسفرة بينه تعالى وبين رسله -عليهم الصلاة والسلام-، وهم كرام خلقاً وخُلقاً، وهم بررة، طهرهم الله وقدسهم ذاتاً وصفةً وأفعالاً، هم مطيعون لله -جل وعلا-، خلقهم الله -جل وعلا- من النور، خلقهم من نور، كما في الحديث الصحيح: ((خلق الملائكة من نور، وخلق الجن من النار، وخلق البشر مما علمتم))، أو ما عرفتم، يعني من طين. ليسوا بناتاً لله -عز وجل- كما يقوله المشركون، ولا أولاداً، ولا شركاء، ولا أنداد، تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون والملحدون علواً كبيراً.

قال الله -جل وعلا-: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [(26 - 27) سورة الأنبياء] وقال -جل وعلا-: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [(19) سورة الزخرف] ستكتب شهادتهم ويسألون عن هذه الشهادة، وفي حكمهم من يتكلم بالأمور الغيبية من غير علم، هذه شهادة، وقول بغير علم، سيسأل عن هذه الكتابة، وقال -جل وعلا-: {لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ* يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [(19 - 20) سورة الأنبياء]. خلقهم متفاوت فمنهم من تقدم ذكره جبريل -عليه السلام- له ستمائة جناح، كما صحت بذلك السنة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد رآه على هذه الصورة مرتين، مرة في الأبطح بمكة، ومرة ليلة المعراج، ومنهم من له جناحان، ومنهم من له ثلاثة، ومنهم من له أربعة، كما جاء في صدر سورة فاطر: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء} [(1) سورة فاطر] الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله -جل وعلا-: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [(31) سورة المدثر] لكن منهم من جاءت تسميته، ومنهم من جاء ذكر عمله الموكل إليه، ومنهم من بقي على الغيب، إنما أخبرنا عنه إجمالاً، فنؤمن به إجمالاً، وما أخبرنا عنه تفصيلاً يجب علينا أن نؤمن به تفصيلاً، كما جاء في نظائره من الرسل والكتب، ذكر لنا بعض الرسل وحجب عنا بعضهم، نؤمن تفصيلاً بما ذكر لنا تفصيلاً، وإجمالاً بما ذكر لنا إجمالاً.

منهم الموكل بالوحي من الله -جل وعلا- إلى رسله -عليهم الصلاة والسلام-، وهو الروح الأمين، جبريل -عليه السلام-، كما في قوله -جل وعلا-: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [(193 - 195) سورة الشعراء] {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ} [(102) سورة النحل]، ومنهم الموكل بالقطر وتصاريفه، يعني بالمطر وتصاريفه إلى حيث أمره الله -عز وجل-، وهو ميكائيل -عليه السلام-، وله مكانة علية، ومنزلة رفيعة، وله أعوان يفعلون ما يأمرهم به بأمر ربه، ويصرفون الرياح والسحاب كما يشاء الله -عز وجل-، وقد جاء في بعض الآثار: "ما من قطرة تنزل من السماء إلا ومعها ملك يقررها في موضعها من الأرض" وجاء في الحديث: ((اسق حديقة فلان)) وسمع هذا الكلام ((اسق حديقة فلان)) والبشر لا حول لهم ولا طول ولا قوة ولا قدرة على إنزال المطر، إنما القادر عليه الرب -جل وعلا-، عنده الخزائن، وكونهم يتطاولون عبثاً على الاستمطار، وما يزعمونه من أنهم يستطيعون أن يصنعوا شيئاً من ذلك، هذا كله من محادة الله ومعارضته {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ* أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ} [(68 - 69) سورة الواقعة] لا ينزل المطر إلا الله -جل وعلا-.

جاء في بعض الآثار: "ما من قطرة تنزل من السماء إلا ومعها ملك يقررها في موضعها من الأرض" وجاء أيضاً أن ميكائيل يكيل المطر كما جاء {وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} [(21) سورة الحجر] إلا بقدر معلوم، والمطر آية من آيات الله وجوداً وعدماً، وجوداً وعدماً، فوجوده بقدر الحاجة هو الغيث الذي تحيا بسببه البلاد والعباد، ووجود قدر زائد هو الفيضانات المدمرة، على ما يحتاجه البشر، وقلته عن قدرة حاجتهم الموت المحقق {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [(30) سورة الأنبياء] بعض الناس لا يعرف قدر هذه النعمة، وإذا أعلن عن صلاة الاستسقاء استخف بها، وهون من شأنها، ويرى أن الناس ليسوا بحاجة إلى مطر، الآن البحار المالحة ببعض التعديلات يسوغ شربها واستعمالها -والحمد لله- لسنا بحاجة، كيف لست بحاجة؟ المطر شأنه عظيم، به حياة كل شيء، فلا شك أن قلة الأمطار تتسبب في نضوب المياه وغورها، وقد جاء في آخر سورة تبارك: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ} [(30) سورة الملك] هل يستطيع أحد يقول: نستمطر؟ يمكن؟ لا يمكن، والذي قال في القديم: {فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ} قال: تأتي به الفؤوس والمعاول من باب المعارضة والمحادة هذا غارت عيناه يبستا، نسأل الله السلامة والعافية.

منهم من الملائكة الموكل بالصور، وهو إسرافيل -عليه السلام-، ينفخ فيه ثلاث نفخات أو نفختين على خلاف بين أهل العلم؛ لأن هناك نفخة يقال لها: نفخة الفزع {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ} [(87) سورة النمل] ونفخة الصعق: {فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ .... ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ} [(68) سورة الزمر] فهل هي ثلاث نفخات أو نفختان؟ خلاف بين أهل العلم، وما ذكرناه من الآيات يدل على أن هناك نفخة للفزع ونفخة للصعق ونفخة للقيامة، من يقول: هما نفختان فقط، نفختان فقط يقول: إن نفخة الفزع هي في بداية .. ، الفزع في بداية النفخة والصعق في نهايتها؛ لأنها تطول مدة النفخ، فيفزعون في أول الأمر ثم يصعقون، فهي نفخة واحدة، ومنهم من يقول: هما نفختان، وأما النفخة الثالثة أو الثانية لا خلاف فيها {فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ} [(68) سورة الزمر] لا شك أن هذه النفخة توجد فزع عظيم، ولا شك أنها تنبئ عن نتائج خطيرة، فطوبى لمن عمل خيراً، وضده لمن عمل بضده {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [(8) سورة المدثر] النفخ، {فَذَلِكَ ... } [(9) سورة المدثر] {عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ} [(10) سورة المدثر] نعوذ بالله، نمر بهذه الآية ولا تحرك بنا ساكناً، ويذكر عن زرارة بن أوفى التابعي الجليل أنه سمع القارئ يقرأ هذه الآية فمات -رحمه الله- في صلاة الصبح، يذكر في ترجمته، وإن كان بعضهم يشكك في مثل هذه التصرفات؛ لأنه لا يجد تجاه هذه النصوص أدنى إحساس، وجد التشكيك في مثل هذا من القدم، ابن سيرين يقول: هذا الغشي وهذا الصعق الذي حصل من بعض الناس أو نسب إلى بعض الناس هذا ليس بصحيح، ذكر الحافظ الذهبي في السير قال ابن سيرين: يجعل هذا الشخص على جدار ويقرأ القرآن إن سقط فهو صادق، أما كونه يصعق أو يفزع وهو في الأرض هذا ما فيه إشكال قد يكون يمثل، لكن إن سقط من الحائط فهو صادق، كل هذا كأنه لا يرى مثل هذه التصرفات، ويستدل على ذلك بأن هذا لم يحصل من النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو أعلم الناس وأخشى الناس وأتقاهم لله، لو كان تأثير

القرآن إلى هذا الحد لكان تأثر النبي -عليه الصلاة والسلام- به أعظم من غيره، وكذلك ما عرف عن الصحابة أنه وصل بهم الأمر إلى هذا الحد، أنهم يصيبهم الغشي، يصيبهم الصعق يموتون، هذا وجد في عصر التابعين، وجد في عصر التابعين، وشيخ الإسلام -رحمه الله- لا يرى مانع من وقوع مثل هذه الأمور، وأن الإنسان قد يصل به إلى استشعار عظمة الله وعظمة كلامه إلى هذا الحد، ويقول: إن قلب النبي -عليه الصلاة والسلام- من القوة بحيث يحتمل الكلام الثقيل الذي ألقي إليه، فلا يحصل له اختلال، مع أنه -عليه الصلاة والسلام- حال التنزيل إذا أوحي إليه يحصل له شيء من ذلك، يحصل له شيء من ذلك، لكن إذا قرأه أو قرئ عليه يتأثر ويبكي كما في حديث ابن مسعود لما قرأ على النبي -عليه الصلاة والسلام- والتفت فإذا عيناه تذرفان، يبكي، وإذا قرأ صار لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء، لكن ما يصل إلى حد الغشي أو حد الصعق والموت، ولا وجد في عصر الصحابة -رضوان الله عليهم- لأن قلوبهم تتحمل مثل هذا، فيها قوة، ثم بعد ذلك جاء من بعدهم واستشعروا عظمة النازل، وأنه كلام الله، لكن القلوب ضعفت عن التحمل، ليست بالقوة بمثابة قوة قلب النبي -عليه الصلاة والسلام- وصحابته الكرام، فما حصل التوازن، ضعفت القلوب مع استشعار قوة النازل فحصل، ثم خلف خلوف لا يستشعرون قوة ولا يستشعرون عظمة، والقرآن يقرأ عليهم كأنما يقرأ عليهم كلام البشر، يعني لا فرق بين أن يقرأ الإنسان في جريدة أو في المصحف، يعني وصل بنا الحد إلى هذا، وزرارة بن أوفى لما قرئ عليه القرآن {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ} [(8) سورة المدثر] الآية لا شك أنها عظيمة.

يقول بعض الإخوان -إحنا نذكر هذه القصة- يقول: هل هو يسمع الآية أول مرة؟ لماذا لم يحصل له قبل هذه المرة؟ يعني ما قرأ القرآن قبل هذه المرة أو ما سمع قبل هذه المرة؟ نقول: الكلام صحيح على قول من يقول: إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، لكن الإيمان يزيد في بعض الحالات وينقص أحياناً، وهذا أمر ظاهر ومقرر عند أهل السنة والجماعة، فوافق في هذه اللحظة زيادة في إيمانه فاستشعر عظمة النازل، وحصل له ما حصل، وتأثر الإنسان يختلف من وقت إلى آخر، وهذا يجده كل إنسان من نفسه. قال: وقال العلماء: ومنهم الموكل بالصور وهو إسرافيل -عليه السلام- ينفخ فيه ثلاث نفخات الأولى نفخة الفزع، والثانية نفخة الصعق، والثالثة نفخة القيام لرب العالمين، يعني على خلاف بينهم في هذه النفخات هل هي ثلاث أم اثنتان؟ وهؤلاء الثلاثة هم الذين يذكرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- في افتتاحه صلاة الليل، ((اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك)) هؤلاء الثلاثة رب جبريل وميكائيل وإسرافيل. منهم -من الملائكة- الموكل بقبض الأرواح، الموكل بقبض الأرواح، وهو ملك الموت وأعوانه، وقد جاء في بعض الآثار تسمية ملك الموت عزرائيل، وأشار الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في البداية والنهاية أن هذه التسمية لم ترد في القرآن، ولا في الأحاديث الصحيحة، لكن جاءت في بعض الآثار أن اسمه عزرائيل، يقول الله -جل وعلا-: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [(11) سورة السجدة]، وقال -جل وعلا-: {حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ} [(61) سورة الأنعام] {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ} [(50) سورة الأنفال]، نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

على كل حال ملك الموت الإيمان به لا شك أنه متعين كالإيمان بالثلاثة الذين جاءت تسميتهم جبريل وميكائيل وإسرافيل، وكذلك من ذكر بوصفه، أو ذكر بعمله الذي وكل إليه. من الملائكة من وكل إليه حفظ العبد في حله وارتحاله، وفي نومه، وفي يقظته، وفي كل حالاته، وهم المعقبات {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ} [(11) سورة الرعد] {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً} [(61) سورة الأنعام] فإذا جاء قدر الله خلوا عنه، كما قال ابن عباس. ومنهم الموكل بحفظ أعمال العباد من خير وشر، وهم الكرام الكاتبون، كما قال -جل وعلا-: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [(80) سورة الزخرف] وقال -جل وعلا-: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ* مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [(17 – 18) سورة ق] فالذي عن يمينه يكتب الحسنات، والذي عن شماله يكتب السيئات، وذكر بعض العلماء أخذاً من الآية أن اسمهما: رقيب وعتيد {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} اسمهما: رقيب وعتيد، استدلالاً بالآية المذكورة، والصواب أنهما وصفان لا اسمان، ومعناهما: أنهما حاضران شاهدان لا يغيبان عن العبد. ومنهم الموكل بفتنة القبر الذي صحت به السنة النبوية عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاءت تسميتهما بمنكر ونكير، واستفاض ذكرهما في سؤال القبر، لكن التسمية لا يثبتها كثير من أهل العلم. ومنهم -من الملائكة- خزنة الجنة، وفي مقدمتهم رضوان -عليه السلام-، يقول الحافظ ابن كثير في البداية: ومنهم خازن الجنة يقال له: رضوان، جاء مصرحاً به في بعض الأحاديث، ومنهم خزنة جهنم -عياذاً بالله -جل وعلا- منها- وهم الزبانية، قال العلماء: ورؤوسهم تسعة عشر، ومقدمهم مالك، كما في قوله -جل وعلا-: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ} [(77) سورة الزخرف].

عددهم:

وممن سمي منهم في القرآن: هاروت وماروت، يقول الله -جل وعلا-: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} [(102) سورة البقرة] بعثهما الله -جل وعلا- فتنة للناس، أنزلهما فتنة للناس في فترة من الفترات، ومنهم من يقول .. ، من المفسرين من يقول: إنه امتحان لهما، وذكر في كتب التفسير قصص وحكايات حول قصة هاروت وماروت كثير منها مما تلقي عن بني إسرائيل مما يعلم بطلانه. عددهم: ولا شك أن الملائكة جمع غفير، وعدد كبير، لا يمكن إحصاؤهم ولا عدهم، يعني إذا كانت النار يجاء بها يوم القيامة تقاد بسبعين ألف زمام، سبعين ألف زمام وكل زمام معه سبعون ألف ملك يقودونها، يعني كم يكون العدد؟ أربعة مليارات وتسعمائة مليون، هؤلاء فقط الذين يقودون النار، البيت المعمور منذ أن أوجده الله -جل وعلا- يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه، وصار يومياً يدخله سبعون ألف منذ خلق الله السماوات والأرض أعداد مهولة، من الملائكة من وكل بالنطفة في الرحم، كما في حديث ابن مسعود الذي فيه الأطوار: ((ثم يرسل إليه الملك فيؤمر بكتب رزقه وأجله وشقي أم سعيد)).

ومنهم حملة العرش والكروبيون كما قال -جل وعلا-: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [(7) سورة غافر] {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [(17) سورة الحاقة] وجاء في التفاسير تفسير هذه الآية حديث الأوعال وهو ضعيف عند أهل العلم كما هو مقرر، من الملائكة سياحون يتتبعون مجالس الذكر، يتتبعون مجالس الذكر، وفي الحديث: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده)) منهم أيضاً من يقف على أبواب الجوامع في الجمعة يكتبون من جاء إلى الجمعة الأول فالأول إلى أن يدخل الإمام، فإذا دخل الإمام طويت الصحف. ومنهم الموكل بالجبال كما جاء في الحديث الصحيح في السيرة وغيرها، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما جاء من عبد يا ليل، بعد أن كذبوه ضاق بذلك صدره -عليه الصلاة والسلام-، فقال له ملك الجبال: إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، فهنا ملك موكل بالجبال، والله المستعان. منهم زوار البيت المعمور الذي أقسم الله تعالى به، وثبت ذلك في حديث المعراج، وهو بيت في السماء السابعة بحيال الكعبة، في مقابل الكعبة، لو سقط لوقع عليها، جاء في الأحاديث أن حرمة البيت المعمور في السماء كحرمة الكعبة في الأرض، ومنهم من لا يعلمه إلا الله -جل وعلا-: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [(31) سورة المدثر] وهناك الحديث المخرج عند أحمد والترمذي وابن ماجه عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وعليه ملك ساجد أو قائم، لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعداء تجأرون إلى الله)) .. الحديث، وبعض أهل العلم يحسنه بطرقه، ومنهم من يضعفه وهم الأكثر.

والملائكة لهم منزلة عظيمة عند الله -جل وعلا-، وواجب على المؤمن تجاههم أن يتولاهم، أن يتولاهم بالحب والتعظيم المناسب، بحيث لا يصرف لهم شيء من حق الله -جل وعلا-، لكن عليه أن يجتنب كل ما من شأنه أن يؤذيهم، كالذنوب والمعاصي والصور، وأكل الثوم والبصل، واقتناء الكلاب، وما أشبه ذلك؛ لأن البيت الذي فيه كلب أو صورة لا تدخله الملائكة؛ لأنهم يتأذون بهذا، أكل الثوم والبصل يتأذى به بنو آدم ويتأذى به الملائكة، فهذه العلة في منعه بالنسبة للمصلي، وكذلك البصاق عن جهة اليمين تكريماً للملك كما جاء في الحديث الصحيح، وغير ذلك من حقوقهم التي ثبتت بها السنة، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. هذا يقول: الذين يقولون في الاستمطار يقولون: إننا لا ننزل المطر ولكننا ننتظر السحاب ثم ننثر مادة تقوم هذه المادة على عملية كيميائية ويحدث المطر هل هو صحيح؟ ليس بصحيح، ليس بصحيح؛ لأنه لو كان صحيحاً لتسابقت إليه الدول كل يريد أن ينزله في بلده؛ ولتسابق إليه الناس كل يريد إنزاله في مزرعته، هذا لو كان في مقدورهم، لكن الله -جل وعلا- هو الذي ينزله بقدر معلوم، ويصرفه حيثما شاء، وفي الحديث الصحيح: ((اسق حديقة فلان)) فلا يستطيع أحد إنزاله {أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ} [(69) سورة الواقعة] يقولون: إننا لا ننزل المطر ويش معنى ننتظر السحاب ثم ننثر مادة تقوم هذه المادة على عملية كيميائية؟ يعني ينزلونه على حسب دعواهم، بهذه المادة الكيميائية، كيف لا ينزلون المطر وهم يفعلون عمليات أو يحدثون تفاعلات كيميائية تنزل المطر؟ هذا هو إنزاله، هذا كلام تناقض. يقول: حفظ مختصر الزبيدي ومختصر النيسابوري يغني طالب العلم؟ وهل يغني عنهما الجمع بين الصحيحين؟ مختصر النيسابوري لإيش؟ صحيح مسلم، يقصد بذلك المنذري؟ على كل حال الأصل حفظ الأصول بأسانيدها، لكن إن لم يتيسر فحفظ المختصرات كافي. يقول: هل يصلى على النبي -صلى الله عليه وسلم- في دعاء القنوت أم لا؟ دعاء القنوت دعاء، وجاء التوجيه والحث على الصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام-، وختم الدعاء بالصلاة عليه.

يقول: ما المراد بأن ما بين السماء والأرض خمسمائة عام؟ وهل مسيرة خمسمائة عام سيراً على الأقدام أو على الخيل أو غير ذلك؟ يعني في المشي العادي، مع أنه لا يمكن قياسه من قبل البشر، لا يمكن قياسه من قبل البشر، فمثل هذه الأعداد يؤخذ منها عظمة هذه المخلوقات الدالة على عظمة خالقها. يقول: ما صحة ما ورد أن ما بين شحمة أذن الملك وعاتقه أربعين خريفاً؟ هذا جاء في وصف الثمانية في حديث: الأوعال. يقول: ما أفضل طبعة لكتاب الراغب الأصفهاني؟ أي كتاب؟ هل يقصد المفردات في غريب القرآن؟ ولعله يريد هذا؛ لأنه الذي مر ذكره؛ لأن للراغب كتب على طالب العلم أن يرغب في بعضها ويرغب عن بعضها، يعني المفردات يرغب فيها؛ لأنها تعين على فهم غريب القرآن ومفرداته، ومن أفضل الطبعات طبعة محمد أحمد خلف الله، طبعة مطبوعة قبل خمسة وثلاثين أو أربعين سنة طبعته جزأين جيدة، ومن كتبه ما يرغب عنه كمحاضرات الأدباء ومحاورات البلغاء والشعراء هذا كتاب من كتب الأدب الماجن، يرغب عنه طالب العلم ولا يقتنيه. ما أفضل كتب اللغة ويغني طالب العلم؟ كتب اللغة كثيرة جداً منها المختصر، ومنها المتوسط، ومنها المطول، ومنها القديم، ومنها المتأخر، ومنها ما يخدم اللغة من حيث أصل اللغة، ومنها ما يخدمها من جهة متنها، ومن جهة فقهها، على كل حال كتب اللغة كثيرة جداً، لكنه إن كان القصد مفردات اللغة فالقاموس على صغر حجمه يقول أهل العلم: إن فيه ستين ألف مادة، ستين ألف مادة، وفي لسان العرب وهو خمسة أضعاف القاموس فيه ثمانون ألف مادة، وفي شرح القاموس للزبيدي اللي هو تاج العروس ثمانون مائة وعشرون ألفاً في تاج العروس، في لسان العرب ثمانون، وفي القاموس ستون ألفاً، وفي الصحاح على ما ذكر أهل العلم أربعون ألفاً، فالقاموس من يريد الاختصار فهو كتاب مختصر وجامع، ومن يريد التطويل فلسان العرب أيضاً مهم بالنسبة لطالب العلم على أن طالب العلم المتمكن عليه أن يرجع إلى الكتب القديمة مثل تهذيب اللغة للأزهري، والصحاح للجوهري، والمحكم، والمخصص لابن سيدة وغيرها. يقول: هل الملائكة كلهم ذكور أو بعضهم ذكور وإناث؟

الذي لم يأتِ به نص، الذي لم يأتِ بهم نص لا يجوز وصفهم به إلا بتوقيف، نعم من حيث اللفظ المفرد ملك يدل على أنهم اللفظ مذكر، اللفظ مذكر، ولذلك يقال: الملك واحد الملائكة، فهو مذكر من حيث اللفظ، وأنكر الله -جل وعلا- وصفهم بكونهم إناث، شدد النكير على المشركين الذين وصفوهم بإناث. من الأوصاف التي لم يرد بها نص، وقد تكون من مقتضى تكليفهم بما كلفوا به وصفهم بكونهم عقلاء، وبعضهم يقول: إنه لم يرد وصفهم بكونهم عقلاء، فنحن لا نصفهم بالعقل، وأن العقل مناسب لهذا الخلق الضعيف من بني آدم، فلا يوصفون بما وصف به الخلق الضعيف، وهذا كلام ذكره بعض المعاصرين، ورد عليه، وهناك رسالة اسمها: (تنبيه النبلاء إلى قول فلان ... -لا داعي لذكر اسمه- أن الملائكة غير عقلاء) إذا قابلنا العاقل بغيره فالذي غيره هو الذي لا عقل له، الذي لا يعقل مجنون، ويربأ بهم عن هذا الوصف، لكن على الإنسان أن لا يثبت ولا ينفي إلا بنص؛ لأن هذه أمور غيبية، متوقفة على السمع. يقول: ما ضابط الجهر بالذكر بعد الصلاة؟ ليعلم أن الصلاة قد انتهت؛ ليعلم أن الصلاة قد انتهت، وفي الحديث: "كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالتكبير". يقول: هل تصح تسمية أو نسبة اسم عزرائيل واسم منكر ونكير لملك الموت والملكين الذين يسألان الميت في قبره؟ قلنا: إن التسمية فيها نزاع بين أهل العلم لم تثبت بأدلة صحيحة ملزمة، وإن جاءت بها بعض الآثار. يقول: كثرة الفتن في هذا الزمان فما موقف طالب العلم منها؟ موقف طالب العلم عليه أن يستمسك ويعتصم بالكتاب والسنة، فالمخرج كما جاء في الحديث: ((إنها تكون فتن)) فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: ((كتاب الله)) فعلى طالب العلم أن يلتزم بكتاب الله -جل وعلا-، ويديم النظر في سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وبذلك يعصم من الفتن من جهة، ويكون له إسهام في تخفيفها وتقليلها أو في رفعها أو دفعها من جهة أخرى. يقول: نرغب أن يكون لكم درس في هذا المسجد؟ والله ليت الوقت يسعف، لكن الوقت كله مستغرق. يقول: هل الملائكة -هذا سؤال مهم- هم أفضل الخلق أم هناك خلق أفضل منهم؟ وهل أمر الله لهم بالسجود لآدم لأن آدم أفضل منهم؟ أفيدونا.

المسألة في تفضيل الملائكة على صالحي بني آدم مسألة خلافية بين أهل العلم، ومنهم من يفضل الملائكة مطلقاً، وهذا ما قرره ابن حزم في مقدمة المحلى، يفضل الملائكة على جميع البشر بما فيهم الرسل، ومنهم من يفضل الصالحين من بني آدم، ومنهم من يقول: إن الرسل أفضل من الملائكة، والملائكة أفضل ممن عداهم ممن عدا الرسل من بني آدم، والأدلة للفريقين أو للأقوال الثلاثة موجودة مجموعة عند أهل العلم، مما يستدل به من يفضل الملائكة {إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ} [(20) سورة الأعراف] يعني أنتم تطمحان أن تكونا ملكين، فدل على أن منزلة الملائكة أفضل من منزلة بني آدم؛ لأن آدم تطلع إلى هذه المرتبة لأكله من الشجرة، فمن باب أولى بنوه. وعلى كل حال من يقول: إن بني آدم لا سيما خيارهم أفضل من الملائكة يقول: إن الملائكة لا يوجد عندهم داعي المعصية، لا يوجد عندهم داعي المعصية، والداعي موجود عند بني آدم، فمن ترك المعصية مع وجود الداعي أفضل ممن تركها مع عدم وجود الداعي، يعني لو فرضنا أن شخصاً عنيناً مثلاً لا يطأ النساء، ثم عرضت له المعصية التي هي الزنا ثم تركها، وشخص آخر لديه القدرة بل لديه الشهوة الغالبة ثم عرضت له المعصية فتركها أيهما أفضل؟ لا شك أن الثاني أفضل؛ لأن الأول تركه لها قد يكون من خوف الله -جل وعلا-، وقد يكون لأنه لا يستطيع، والثاني: إنما تركها من جرائي، يعني من خوفه لله -جل وعلا-، والمسألة خلافية بين أهل العلم، وعلى كل حال ليست من المسائل التي تؤثر في مسيرة أو في سير الإنسان إلى ربه -جل وعلا-. يقول: نريد أن تبين كيفية التعامل مع تارك الصلاة إذا كان .. ، القصد أنه إذا كان أخاً؟ ترك الصلاة بالكلية كفر -نسأل الله العافية- مخرج عن الملة، بين العبد وبين المرء ترك الصلاة، بينه وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)) مثل هذا تجب هجرته، إلا إذا كانت صلته يرجى من ورائها الهداية، يكون ذلك من باب التأليف فقط، مع بغضه في القلب، لا يحبه بقلبه حتى يصلي، لكن مع ذلك قد يصله من أجل أن يستطيع دعوته من باب التأليف، وإلا فمثل هذا يجب هجره.

يقول: ستمائة جناح هل عدها النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ وكيف الرد على من يقول مثل هذا الكلام؟ جاءت في الأحاديث الصحيحة له ستمائة جناح، نقول: هل عدها؟ وإذا قال: بين الأرض والسماء الدنيا خمسمائة عام نقول: هل قاسها؟ كل هذا كلام خطير، قدم الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم، إذا صحت بذلك الأخبار فلا كلام لأحد. يقول: هل صحيح أن اسم صاحب اليمين -كاتب الحسنات- رقب، وأن اسم صاحب اليسار -الذي يكتب السيئات- عتيد، استدلالاً بقوله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [(18) سورة ق]؟ هذا أشرنا إليه، وقلنا: إن هذا وصف وليس باسم. يقول: ما صفة النفخ؟ هل هي النفخ الهوى أو الصيحة؟ على كل حال إسرافيل وكل إليه هذا الأمر، والصور كالبوق، ينفخ فيه فيحدث صوتاً يسمعه كل أحد. طالب:. . . . . . . . . إيه فيها فائدة، لكن الإخوان. . . . . . . . . نؤخرهم، بعضهم عندهم ارتباطات وعندهم .. ، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

شرح حديث: ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه))

شرح حديث: ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه)) الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد أخرج البخاري ومسلم -رحمهما الله تعالى- من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) ((إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، فإنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسألتهم، أو مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم)). راوي الحديث الصحابي الجليل أبو هريرة حافظ الأمة، من حفظ الله بسببه جل السنة، اختلف في اسمه واسم أبيه، كما هو الشأن فيمن اشتهر بشيء بحيث ينسى غيره، فكل من اشتهر بالكنية يخفى اسمه على الناس، ومن هؤلاء أبو هريرة، اختلف في اسمه واسم أبيه على نحو من ثلاثين قولاً، لكن الأكثر أنه عبد الرحمن بن صخر الدوسي، أسلم عام خيبر، صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- أربع سنوات، تأخر إسلامه، وحفظ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما لم يحفظه غيره، بسبب الدعوة النبوية له حيث أمره ببسط رداءه فبسطه فدعا النبي -عليه الصلاة والسلام- فما نسي شيئاً بعد ذلك، ما نسي شيء -رضي الله عنه وأرضاه-. وأيضاً من الأسباب ملازمته للنبي -عليه الصلاة والسلام- سفراً وحضراً، لم يفرط بلحظة واحدة، لم يفرط بيوم واحد في صحبته للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وهكذا الملازمة تورث مثل هذا، أما الشخص الذي يجعل العلم وطلب العلم على تيسر الفراغ فمثل هذا لا يدرك، وقد أخبر -رضي الله عنه وأرضاه- عن سبب حفظه لما حفظه من السنة أن أصحابه من المهاجرين والأنصار، المهاجرون كان يشغلهم الصفق في الأسواق، والأنصار كان يشغلهم العمل بمزارعهم، أما هو فقد تفرغ لملازمة النبي -عليه الصلاة والسلام- فحفظ ما لم يحفظه غيره.

ومع ذلكم يقول: "لولا آية في كتاب الله ما حدثت عنه -عليه الصلاة والسلام-: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [(159) سورة البقرة] فالكتمان شأنه خطير، ((من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار)) فالكتمان شأنه خطير، وأيضاً الإكثار من التحديث، وتحديث المرء بكل ما سمع، هذا أيضاً خطير، كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع؛ لأنه لا بد أن يقع في الكذب، فعلى الإنسان أن يتثبت عليه أن يتثبت ولا يسترسل، وعليه أيضاً إذا تعين عليه الجواب أن يجيب، وإذا تعين عليه التحديث أن يحدث، فلا استرسال وتساهل في شأن التحديث والفتوى، ولا إمساك ولا إحجام عند التعين، فأبو هريرة -رضي الله عنه- حفظ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بسبب الدعوة وبسبب طول ملازمته للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فرضي الله تعالى عنه وأرضاه، واشتد غضبه على من أبغضه وقلاه، ودعا النبي -عليه الصلاة والسلام- بأن يحببه للناس، وأن يحبب الناس إليه، فصار -رضي الله عنه- من أحب الناس إلى الصحابة، ومع ذلكم يتهم أبو هريرة قديماً وحديثاً، وثبت عند أهل العلم بسند صحيح أن رجلاً تكلم في أبي هريرة، وقدح في أبي هريرة في مجلس فنزلت حية من سقف دار فلسعته فمات، يتهم أبو هريرة لماذا؟ لأنه إذا اتهم أبو هريرة وهو أحفظ الصحابة للسنة هدمت السنة؛ لأن العدو المغرض الذي يريد هدم الدين، والنيل منه، ومن أهله، ما يعمد إلى شخص ما يروي إلا شيء يسير؛ لأنه يتعبه ذلك؛ لأنه في مقابل أبي هريرة يحتاج إلى أن يقدح في ألف شخص، وإذا قدح في أبي هريرة هذا المغرض الذي يريد هدم الدين على حد زعمه يرتاح من كثير من السنة، ولذا كثر الكلام فيه -رضي الله عنه وأرضاه-، من قبل المفسدين المغرضين الذين يريدون هدم الدين والنيل منه.

ما تجد أحد من الزنادقة والملاحدة تكلم في المقلين من الصحابة، ما في أحد تكلم فيمن لم يروِ إلا حديث واحد أو اثنين، أبيض بن حمال ما تكلم فيه أحد، لماذا؟ لأن الذي يتكلم في مثل هؤلاء يحتاج إلى أن يتكلم في ألف من الصحابة، لكن إذا تكلم في أبي هريرة يهدم الدين؛ لأن أبا هريرة حافظ الصحابة، وعرفنا السبب في كونه حفظ، دعا له النبي -عليه الصلاة والسلام- لما بسط رداءه فما نسي شيئاً بعد ذلك، وأيضاً لزم النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالملازمة تورث المعرفة، ولذا أهل العلم يقدمون في الرواية بطول الملازمة للشيوخ، الراوي الذي يطيل الملازمة للشيوخ مقدم على من لم تطل ملازمته لهم، فأبو هريرة -رضي الله عنه- لزم النبي -عليه الصلاة والسلام- على شبع بطنه، لا يريد غير ذلك، لا يريد إلا ما يقيم صلبه، ليس له غرض في شيء من أمور الدنيا أبداً، لماذا؟ لأنه عرف الهدف الذي من أجله خلق، وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، ونأى بهذا الحمل العظيم، وحمله على خير ما يرام، وعلى أكمل وجه -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، وبلغه إلى من بعده، واستحق الدعوة النبوية ((نضر الله امرأً سمع مني حديثاً فوعاه ثم أداه كما سمعه)) هذا أبو هريرة. توفي -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- سنة سبع أو ثمان أو تسع وخمسين بالمدينة. والحديث جاء بألفاظ، ومما يذكر في سببه، سبب ورود الحديث ما خرجه الشيخان أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا)) قام فيهم خطيباً فقال: ((أيها الناس إن الله قد فرض عليكم الحج فحجوا)) فقام رجل فقال: يا رسول الله أفي كل عام؟ فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسألتهم واختلافهم على أنبيائهم)) هذا هو السبب، ولو نظرنا إلى حال الأمم السابقة وجدنا أنها ابتليت بما كان سبباً لهلاكهم، ابتلوا بالأغلال والآصار بكثرة مسائلهم، فعلى سبيل المثال اليهود، لما أمروا بذبح بقرة، أمروا بذبح البقرة، لو خرجوا إلى السوق واشتروا أي بقرةن أدنى بقرة، امتثلوا الأمر، لكنهم قالوا ماذا قالوا؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . .

لا، أولاً سنها، ثم لونها، ثم ما يميزها عن ما يشابهها، {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ} [(68) سورة البقرة] لا كبيرة ولا صغيرة، متوسطة في السن، لو ذهبوا إلى السوق بعد هذا. . . . . . . . . ذهبوا قبل السؤال فذبحوا بقرة صغيرة أو كبيرة، سوداء وإلا بيضاء وإلا أي لون، لأجزأت عنهم، الآن سألوا عن السن فقيل لهم: لا فارض ولا بكر متوسطة، لو ذهبوا إلى السوق ووجدوا بقرة متوسطة السن من أي لون يكون امتثلوا الأمر، لكنهم قالوا: {قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا} فضاقت الدائرة عليهم، فجاء التوجيه بأنها {بَقَرَةٌ صَفْرَاء فَاقِعٌ لَّوْنُهَا} [(69) سورة البقرة] كم عندهم من بقرة قبل الأسئلة؟ أي بقرة على وجه الأرض تجزئ، ثم بعد السؤال الأول ضاقت الدائرة بقرة متوسطة في السن، فالكبيرة لا تصلح والصغيرة ما تصلح، ثم بعد السؤال الثاني اللون، ضاقت الدائرة، ما يصلح إلا هذا اللون، ثم بعد ذلك السؤال الثالث، {إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} [(70) سورة البقرة] حتى مع السن، ومع اللون تشابه عليهم، فجاء توصيفها بأنها {لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا} [(71) سورة البقرة] ضيق عليهم بحيث لم توجد هذه البقرة إلا عند عجوز، فاشتريت بوزنها ذهب، شددوا فشدد الله عليهم، تعنتوا فضيق الله عليهم، هذه من الأسئلة، وطبعهم هذا، وشأنهم هذا، لا يمتثلون إلا بعد لأي شديد، أمة كاملة تؤمر بذبح بقرة، النتيجة إيش؟ {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} [(71) سورة البقرة] أمة كاملة تؤمر بذبح بقرة، النتيجة {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ} [(71) سورة البقرة] لماذا؟ لأن هذه الأسئلة هي التي أوقعتهم في الحرج، بينما انظر إلى الطرف الآخر الامتثال أمر بذبح ابنه فتله للجبين حالاً، فرق بين امتثال وامتثال، فهذا من شؤم كثرة المسائل.

((فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسألتهم أو مسائلهم)) إيش؟ ((مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم)) اختلفوا على الأنبياء، من كثرة السؤال تحصل الاختلافات، من كثرت الأسئلة تكثر الاختلافات على الأنبياء، ولذا جاء النهي في قوله -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [(101) سورة المائدة] جاءك الأمر امتثل، ولذا نعرف ارتباط آخر الحديث بأوله، مجرد ما تسمع الأمر امتثل، طبق، مجرد ما تسمع النهي كف، يسأل السائل فيقول للرسول -عليه الصلاة والسلام-: من أبي؟ أنت في غنية عن مثل هذا السؤال، ما حالك؟ وما عيشك؟ وما راحت نفسك لو نسبك النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى غير أبيك بالوحي المؤيد بالوحي؟ نعم، قال: أبوك حذافة، وسأل واحد قال: أين أنا يا رسول الله؟ قال: في النار، هذا سببه المخالفة {لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [(101) سورة المائدة] هذا من شؤم كثرة المسائل. كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يفرحون أن يأتي الرجل العاقل من أهل البادية فيسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- ليستفيدوا، وهذا امتثال منهم -رضوان الله عليهم- لما نهوا عن السؤال، والنهي عن السؤال لما يترتب عليه من التشديد، كما تقدم في قصة البقرة، ولذا جاء في الصحيح: ((أعظم الناس جرماً من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل سؤاله)) ((من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل سؤاله أو مسألته)) هذا كلف الأمة بشيء كانوا في سعة بدونه، فهذا من أعظم الناس جرماً نسأل الله السلامة والعافية.

قد يقول قائل: هل يعيش الناس بدون سؤال؟ أما بالنسبة لما وقع من الحوادث والنوازل سواءً كانت العامة أو الخاصة لا بد من سؤال أهل العلم عنها، امتثالاً لقوله -جل وعلا-: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} [(43) سورة النحل] ولذا سأل الصحابة أسئلة يحتاجونها، إنا لاقوا العدو غداً وليس معنا مدى؟ المقصود أن السؤال عما يحتاج إليه مما هو متحقق الوقوع إما واقع أو متحقق الوقوع هذا لا بد من السؤال، ولذا جاء الأمر به {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [(43) سورة النحل] شخص فعل محظور من محظورات الحج هل يتجه إليه قوله -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [(101) سورة المائدة] يقال له: يا رجال لا تسأل، تسأل شيخ يقول: عليك دم، لا تسأل عن شيء تخسر نفسك، يتجه إليه هذا السؤال؟ لا، لا يتجه إليه، إنما يتجه إليه قوله -جل وعلا-: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} [(43) سورة النحل] فلا نخلط بين هذا وهذا، الكلام في السؤال عما لم يقع، إما على سبيل التعنت وتعجيز المسئول، وإظهار عجزه، أو على سبيل المراء والجدال، أو على سبيل الترفع والتعالي، قد يحصل من بعض السائلين يسأل ليبين منزلته، وأنه يسأل هذا السؤال الغريب الغامض المعجز، أو ليظهر عجز المسئول أمام الناس، ولذا جاء النهي عن الأغلوطات، يعني المسائل العويصة الصعبة التي لم تقع، وعموماً السؤال عما لم يقع كان السلف يتحاشونه، السلف يتحاشون السؤال عما لم يقع، ويسألون السائل: وقعت هذه المسألة أو ما وقعت؟ إذا وقعت أجابوه، مع أنهم يتدارؤن الجواب، كل واحد يبعثه إلى الآخر، يحيل على الآخر، يأتي إلى ابن عمر يقول: اذهب إلى ابن عباس، يأتي إلى ابن عباس يقول: اذهب إلى ابن مسعود وهكذا، بينما نجد من يبادر بالجواب ولو لم يُسأل، تجد طالب علم بحضرة شيخ كبير يُسأل الشيخ يبادر هذا الطالب بالجواب، فهل هذا علامة توفيق؟ والله ليست علامة توفيق، ما دام لك مندوحة يا أخي أنت معافى؛ لأن الفتيا لها تبعة، وأنت مسئول أمام الله -جل وعلا- عن عجلتك بالفتيا وأنت لم تتأهل، إذا وجد من يكفيك احمد ربك، لا

تسارع، الصحابة يتدارؤن ويتدافعون الفتيا، لكن إذا تعينت أجابوا، لا يجوز كتمان العلم، فالسؤال عما لم يقع لا سيما إذا كان على سبيل التعالي والترفع من قبل السائل أو من أجل تعنيت المسئول وإظهار عدم علمه للسامع فهذا قد جاء النهي عنه. طيب طلاب العلم مع شيخهم في درسهم أو الشيخ نفسه يذكر أحكام ويشقق مسائل لتربية هؤلاء الطلاب وتعليمهم وتمرينهم على الاستنباط، هل هذا من المذموم؟ كتب الفروع كتب الفقه مملوءة من المسائل التي لم تقع، ومنها ما يجزم بعدم وقوعه، ومنها ما يندر وقوعه، فهل مثل هذا ممدوح وإلا مذموم؟ هل هو مثل السؤال عما لم يقع؟ يعني اترك هذه المسائل حتى تقع فإذا وقعت فاسأل عنها، وإن كنت أهلاً فاستنبط حكمها من النصوص. مثل هذه المسائل التي يفترضها أهل العلم لا سيما إذا كانت متصورة الوقوع، هذا لا يدخل في النهي، ولذا أهل العلم على مراتب، منهم من يعنى بحفظ النصوص من الكتاب والسنة، حفظ الآثار لكنه لا يكلف نفسه الاستنباط من هذه الآثار، إنما يحفظ هذه الأحاديث ويرى أن الاستنباط خلط للرأي بالأثر، يرى أن الاستنباط من هذه النصوص يكون فيها خلط؛ لأن الاستنباط إنما يكون بالرأي، الرأي المعتمد على هذا الأثر، يعني ليس الرأي المجرد، فهؤلاء يصدق فيهم قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((رب حامل فقه غير فقيه)) ((رب مبلغ أوعى من سامع)) هؤلاء يحفظون الدين، يحفظ الله بهم الدين إذا حفظوا الآثار، وهم قطاع كبير من الرواة، كثير منهم ليس بأهل للاستنباط إنما يحفظ، من أهل العلم وهم فقهاء الأمة الكبار، فقهاء أهل الحديث كمالك والشافعي وسفيان وأحمد وإسحاق وغيرهم، هؤلاء حفظوا لنا الدين، بحفظ النصوص واستنبطوا منها، هؤلاء استنبطوا منها، يعني هل مالك مجرد راوي؟ لا، راوي ويستنبط من النصوص فقيه، الشافعي، الإمام أحمد، سفيان، أبو عبيد، هؤلاء كلهم أئمة، أئمة حفاظ للأثر، وهم أيضاً من كبار فقهاء الأمة، وعليهم المعول بالنسبة لمن جاء بعدهم.

يقابل الطرف الأول، الطرف الأول اقتصروا على الحفظ، وما أتعبوا أنفسهم بالاستنباط إما تورعاً على حد زعم بعضهم أو عجزاً ما كل إنسان يستطيع أن يستنبط، من يليهم هؤلاء حفظ الله بهم الدين، فحفظوا المتون، هل يقال في مثل أحمد أنه لجأ إلى الاستنباط لعجزه عن الحفظ؟ يحفظ سبعمائة ألف حديث؛ لأنه يأتي في الطبقة الثالثة وهم أهل الرأي الذين أعيتهم النصوص، وأعجزتهم أن يحفظوها، هؤلاء اعتمدوا على الاستنباط، وأوغلوا فيه، اعتمدوا على الاستنباط، لماذا؟ لأن ما عندهم شيء يمشيهم قدام الناس، فأعملوا الفكر فيما بلغهم من نصوص، وصار جل علمهم مبني على الرأي، فهؤلاء في طرف والقسم الأول في طرف. الطرف الأوسط الذين هم أهل الفقه والاستنباط المبني على الأثر، لا مجرد الرأي، هم العلماء وهم الفقهاء، وهم سادة الأمة، فينبغي لطالب العلم أن يتشبه بالطبقة الثانية، يعنى بحفظ الآثار ويعنى بالاستنباط منها، وبأسلوب آخر على طريقة أهل العلم يعنى بالرواية والدراية، لماذا؟ لأن عنايته بالرواية والرواية عليها المعول في العلم الشرعي المورث للخشية، فلا فقه دون نص، لا فقه بدون نص، والنص بدون تفقه واستنباط وتنزيل على الوقائع وإفادة منه نعم التفقه هي الغاية القصوى، استنباط الأحكام من النصوص هو الغاية القصوى، لكن لا يكون حامل آثار فقط، وإن كان فيه خير كثير، ولا يكون صاحب رأي ونظر واستنباط دون أن يعتمد على آثار وأخبار ونصوص؛ لأن مثل هذا ليس بفقيه، بل وليس بعالم؛ لأن الذي لا يعرف الحق بدليله ليس من أهل العلم، وهذا شأن كثير من المقلدين، فعلى طالب العلم أن يحرص على حفظ النصوص وعلى الاستنباط من هذه النصوص، والإفادة من هذه النصوص، وتنزيل هذه النصوص على الوقائع.

فالفقه هو الغاية القصوى من النصوص، والاستنباط هو الفائدة العظمى من هذه النصوص، ومع الأسف أنه وجد في الأمة من يفني عمره بالقيل والقال، ويعتبرون أنفسهم فقهاء، وهم أهل الرأي، وهم أهل النظر، واعتمادهم على مذهب بعينه برواياته ونصوص الإمام، وتخريج هذه النصوص والموازنة بين هذه النصوص ويعاملون النصوص معاملة الأحاديث، يعني يوجد في كتب المذاهب إذا روي عن الإمام أكثر من رواية فما الذي يعمل به؟ يقولون: إن أمكن العمل بالروايات كلها، يعني مثل ما يقال في النصوص في الأحاديث ولو بحمل عام على خاص أو مطلق على مقيد تعين، يعني مثل ما نعامل الأحاديث، وإن لم يمكن وعرف المتقدم من المتأخر، يعني مثل النسخ، وإلا فمذهبه أقربهما إلى أصوله. فهؤلاء أضاعوا العمر في فهم أقوال العلماء من غير نظر في أدلتهم، والمقلد نقل ابن عبد البر الإجماع على أنه ليس من أهل العلم، ويصرحون بأن قراءتهم لكتب السنة لمجرد البركة، وأن المتأخرين لا يستطيعون الاستنباط من النصوص، ولا يفهمون النصوص، وإنما تقرأ الكتب للبركة فقط، واعتماد هؤلاء على أقوال أئمتهم، فمثل هؤلاء لو أمضوا أعمارهم ما صاروا علماء، لماذا؟ لأن العلم معرفة الحق بدليله، وهؤلاء لا يعنون بالدليل، بل الدليل عندهم قول الإمام، ودليل ذلك قول فلان، نعم.

نسمع وتسمعون أحياناً عند القراء اقرأ يا فلان، فيقرأ قراءة، نعم، فيقول: الدليل على ذلك قول الشاطبي، ما سمعتم هذا؟ كثير هذا مما يذاع أيضاً، الدليل على ذلك قول الشاطبي، يعني هل قول الشاطبي مما يستدل به أو مما يستدل له؟ يستدل له، قول آدمي، قول بشر، فالدليل في الكتاب والسنة، وهؤلاء يقولون من المقلدة يقولون: الدليل قول أبي حنيفة كذا، الدليل قول أحمد كذا، طيب اجتهد يا أخي عندك نصوص، الإمام ليس بمعصوم، يقول: يا أخي متى نصل إلى درجة الإمام؟ يعني هل تظن أن الدليل المخالف ما بلغ الإمام أحمد؟ هل أنت أعرف من الإمام أحمد؟ أعرف من أبي حنيفة؟ ثم بعد ذلك يجمد، ويحرم بركة العلم والعمل، لماذا؟ لأنه ترك المصادر التي هي بالفعل المورثة للعلم الصحيح من الكتاب والسنة، وليس معنى هذا أننا نلغي كتب أهل العلم أبداً، ولا نطلع على أقوال أهل العلم، لا بد من معرفة أقوال العلماء ومعرفة مواضع الإجماع والخلاف لطالب العلم، يعني بعد معرفته للنصوص يقف على أقوال أهل العلم، كيف تعامل العلماء مع هذا النص؟ لماذا؟ لأن طالب العلم الذي لا يعرف أقوال العلماء قد يأتي بقول نعم يسبق فهمه إلى شيء من هذا النص لم يسبق إليه، فيكون بذلك قد خرق الإجماع، فيأتي بقول لم يسبق إليه، فلا بد من الاطلاع على أقوال العلماء، وكيف تصرفوا مع هذه النصوص؟ يعني لا يعني أننا نلغي كتب الفقه كما يطالب بعض من ينتسب إلى العلم، المصادر الأصلية عندنا الكتاب والسنة ولا ثالث لهما، الإجماع لا بد أن يعتمد على نص، القياس لا بد أن يكون الأصل له دليل، يعني فتعود الأدلة كلها إلى الكتاب والسنة، ومع ذلكم لا بد من الاطلاع على أقوال أهل العلم، ولا بد أن نؤطر فهمنا للنصوص بفهم السلف؛ لأنه طرأ على الأفهام ما يلوثها من علوم دخيلة، فإذا قرأت القرآن راجع ما يعينك على فهمه من أقوال سلف هذه الأمة؛ لئلا تضطر أن تفسر القرآن برأيك، وجاء التحذير والتنفير من تفسير القرآن بالرأي، إذا أردت أن تفهم السنة راجع كلام أهل العلم، لا تأتي بفهم لم يفهمه أهل العلم، فعلى هذا الأصل الكتاب والسنة، وأقوال أهل العلم لا سيما المتقدمين، لا يمكن أن يستغني عنها طالب علم.

وذكرنا مراراً أنه من باب المنهجية لطالب العلم أنه يحفظ النصوص، وهي العمدة وهي الأساس، ويعنى بمتن من المتون الفقهية، يدرسه يجعله خطة بحث، ما يجعله دستور ما يحيد عنه كعمل المقلدة، لا، يجعله خطة بحث، مسائله، كل مسألة في سطر أو في نصف سطر، يتصور هذه المسألة، يستدل لهذه المسألة، من وافق المؤلف من أهل العلم؟ من خالفه؟ دليل المخالف؟ يوازن بين الأدلة، ويكون محور البحث هذا الكتاب والعمدة على النص، فلا إفراط ولا تفريط، يعني لا نبالغ ونقول: يجب أن تحرق كتب الفقه وأقوال الرجال، وصدتنا عن ... ، لا ما صدتنا، ما صدتنا عن الكتاب والسنة، عمدتنا الكتاب والسنة، ولا أيضاً الطرف المقابل يعتمد على هذه الكتب وتعامل على أنها دساتير لا يحاد عنها، لا، هي كتب البشر، يصيبون ويخطئون، فمن بحث عن الحق بدليله هذا هو العالم، وهو الذي يوفق ويسدد. في أول الحديث يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه)) حسم للمادة، فإذا ثبت النهي عن أمر من الأمور لا مندوحة للشخص للمسلم، ولا خيار له في أن يفعل أو لا يفعل: ((إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) يستثنى من ذلك المضطر، المضطر مستثنى، ولذا جاء تحريم الميتة وجاء إباحتها للمضطر، فالضرورات عند أهل العلم تبيح المحظورات، وما عدا ذلك هل للإنسان مندوحة في أن يفعل أو لا يفعل؟ هل له أن ينظر؟ لا، ليس له أن ينظر، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [(36) سورة الأحزاب] ما لك مندوحة. ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه)) يأتي الطرف الآخر ((وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم)) نعم، {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(78) سورة الحج] ((إن الدين يسر)) {وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا} [(286) سورة البقرة] نعم المأمور به مقيد بالاستطاعة، المنهي عنه مجزوم بمنعه، من دون ثنية، ولا يستثنى من ذلك إلا المضطر، طيب.

المأمور به في حديث عمران بن حصين: ((صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) فهو مأمور بالصلاة من قيام، مأمور بالصلاة من قيام، والصلاة من قعود مشروطة بعدم القدرة على القيام، فإن لم تستطع، ولذا جاء في حديثنا: ((وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم)) طيب قد يقول قائل: النبي -عليه الصلاة والسلام- اشترط في صحة الصلاة من قعود عدم الاستطاعة ((صلِ قائماً)) وهذا نص يشمل جميع الصلوات ((فإن لم تستطع فقاعداً)) فإن لم تستطع ولا يجوز لك أن تعدل من القيام إلى القعود إلا مع العجز عن القيام، فماذا عن النافلة؟ هذا الحديث المقيد بالاستطاعة المشروط بالاستطاعة لصحة الصلاة من قعود قد يقول قائل: هو معارض بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) إذن تصح الصلاة من قعود، والنص الأول يشمل الفريضة والنافلة، والنص الثاني يشمل الفريضة والنافلة، إذن بينهما تعارض في الظاهر، ظاهر وإلا مو بظاهر يا إخوان؟ التعارض بين النصين ظاهر وإلا مو بظاهر؟ ظاهر؛ لأنه في حديث عمران قال: ((صلِ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً)) يعني الصلاة من قعود لا تصح إلا مع العجز، ومع الأسف أنه يوجد بعض الناس إذا أصابه شيء من المرض ولو كان يستطيع القيام يصلي قاعد، وبعض الناس إذا كبرت سنه وصعب عليه ثني رجله وإلا شيء ويستطيع القيام لأدنى سبب يجلس، هذه فريضة، شأنها عظيم، والصلاة الركن الثاني من أركان الإسلام، وتجده في المناسبات وما المناسبات وهو كبير سن يقول: لا أستطيع، أنا يتعبني القيام، يتعبني القعود، وفي المناسبات يقف عند باب قصر الأفراح له ساعة ينتظر الضيوف، نعم، ووجد شخص من سنين طويلة يصلي جالس ويوم العيد في العرضة واقف ساعتين متواصلتين، يعني هذا إشكال يا الإخوان، هذا خلل، يعني أرخصنا الدين إلى هذا الحد؟! يعني هل الدين بهذه المثابة بحيث يترخص الإنسان بأدنى سبب، وإذا جاءه مناسبة وإلا شيء صار من أنشط الناس وأشجع الناس؟ الدين رأس المال، دينك دينك، لحمك ودمك، يعني كل ما عدا الدين يهون، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول لعمران وهو مصاب بالبواسير يصعب عليه القيام قال: ((صل قائماً، فإن لم تستطع

فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)) الحديث الثاني: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) وقلنا: إن عموم الحديثين يعارض أحدهما الآخر، فلا بد من التوفيق بينهما ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) عمومه يشمل الفريضة والنافلة، كما أن عموم حديث عمران بن حصين يشمل الفريضة والنافلة، ولا بد من التوفيق بين النصين؛ لأنهما نصان صحيحان، ولا يوجد تعارض حقيقي في النصوص الصحيحة لا يمكن؛ لأنها من مشكاة واحدة. أهل العلم حملوا حديث عمران بن حصين على الفريضة، وأنها لا تصح من قعود إلا للعاجز، وحملوا الحديث الثاني على النافلة لماذا؟ الحديث الثاني: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) متى قاله النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد والمدينة محمة يعني فيها حمى، يعني الناس فيهم تعب، فوجدهم يصلون من قعود، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) فتجشم الناس الصلاة قياماً، قاموا، لما سمعوا هذا الكلام، فهذه الصلاة التي كانوا يصلونها من قعود هل كانت فريضة وإلا نافلة؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . فريضة وإلا نافلة؟ فريضة يصلون قبل ما يجي؟ طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . من الإمام؟ طالب:. . . . . . . . . هم في المسجد، لكن نافلة وإلا فريضة؟ طالب:. . . . . . . . . نافلة قطعاً، هو الإمام، ما هم يصلون قبل ما يجي؟ الرسول -عليه الصلاة والسلام- يأتي على الإقامة، لماذا؟ لأنه يؤدي النوافل في بيته، ثم يؤذن بالإقامة فيأتي، نعم، فدخل عليهم وهم يصلون قطعاً نافلة؛ لأنهم صلوا قبل حضوره، فحمل هذا النص على النافلة، قصراً للعام على سببه، يقول قائل مثلاً: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ليش نلجأ إلى السبب واللفظ عام وأهل العلم يقررون: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؟ نعم؟ نقول: لا بد من اللجوء إلى السبب لدفع التعارض؛ لنحمل هذا الحديث على وجه، ونحمل الحديث الثاني على وجه، فيحمل هذا على الفريضة وهذا على النافلة.

((وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم)) أيهما أشد من خلال هذا النص الذي معنا؟ أيهما أشد فعل محظور وإلا ترك مأمور؟ من خلال النص الذي معنا؟ السياق ويش يدل عليه؟ أيهما أشد فعل المحظور وإلا ترك المأمور؟ أيهما أشد؟ طالب:. . . . . . . . . فعل المحظور أشد من ترك المأمور، لماذا؟ لأنه هنا جزم ((فاجتنبوه)) ما في استثناء، بينما فعل المأمور ((أتوا منه ما استطعتم)) هذا يدل على أن الأمر أخف، ما قال: إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوا منه ما استطعتم، نعم، وما أمرتكم به فافعلوه؛ لأن التعليق بالاستطاعة يدل على أن الأمر فيه شيء من الخفة، ولذا استنبط جمع من أهل العلم على أن فعل المحظور أشد من ترك المأمور، ظاهر من الحديث وإلا مو بظاهر؟ ظاهر من الحديث. شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- يقرر أن ترك المأمور أعظم من فعل المحظور، لماذا؟ طالب:. . . . . . . . . نعم معصية إبليس ترك مأمور، ومعصية آدم فعل محظور، وأيهما أشد؟ نعم؟ طالب:. . . . . . . . . نعم ترك المأمور، ترك إبليس للسجود أعظم من أكل آدم من الشجرة، لكن هل هذه الشدة والخفة في الأمرين الذين ذكرهما شيخ الإسلام هل هو لذات المأمور والمحظور؟ أو لما احتف بمعصية آدم واحتف بمعصية إبليس؟ معصية آدم ما الذي احتف بها؟ الندم والتوبة والانكسار، ومعصية إبليس احتف بها استكبار، فهل يتم الاستدلال بمثل هذا؟ يتم؟ ما يتم، يعني شخص فعل معصية واقترن بفعله المعصية خوف ووجل من الله -جل وعلا-، ودفعته إليها غريزة، وشخص ترك مأمور مستهتر، نعم هذا أشد بلا شك؛ لأنه قد يعرض للمفوق ما يجعله فائقاً بلا شك، هذا أمر مقرر في الشرع، والقول المحرر المحقق في هذه المسألة أن الحديث يدل على ما ذهب إليه الأكثر، لكن ليس كل مسألة فيها تعارض بين مأمور ومحظور يكون ترك المأمور أعظم أو فعل المحظور أعظم. نعم أذان؟ طيب. يا إخوان هذه مسألة مهمة جداً ترى، نعم.

نعود إلى المسألة التي دل الحديث على أن فعل المحظور أعظم من ترك المأمور، والسبب ما ذكر، واختيار الشيخ شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- العكس، وحجته ما سمعتم، والذي يمكن أن يقال في هذه المسألة: إنه لا يمكن أن يحكم بحكم عام مطرد؛ لأن المسألة مفترضة في مأمور ومحظور، مأمور يترتب عليه من الثواب بقدر ما يترتب على ترك ذلك المحظور والعكس، أو يترتب على فعل ذلك المحظور بقدر ما يترتب على ذلك المأمور، إذا وجد أمران متساويان يمكن أن نفاضل، نعم لكن هذا يندر، افترض المسألة في وجوب صلاة الجماعة، صلاة الجماعة واجبة، في طريقك إلى المسجد، أو في المسجد نفسه تشاهد شخص عاصي حليق مثلاً وآخر مسبل، ولا تستطيع الإنكار عليهما، تقول: والله با أترك الجماعة من أجل وجود مثل هؤلاء؟ أنت عندك مأمور، أنت مأمور بالصلاة مع الجماعة حيث ينادى بها، وأنت ترتكب محظور في تركك الإنكار على مثل هؤلاء، نقول لك: اترك الجماعة من أجل هؤلاء؟ تعارض عندك فعل محظور وترك مأمور، نعم؟ يمكن أن يتعارض مثل هذا؟

نقول: يا أخي هذا المحظور أمر يسير بالنسبة لما أمرت به، افترض المسألة في معصية أخرى، أنت مأمور بفعل الصلاة جماعة في المسجد حيث ينادى بها، واجب عليك، ما حضرت تأثم، لكن في طريقك إلى المسجد بغي وعندها ظالم لا بد أن تقع عليها حتى تعبر إلى المسجد، تعارض عندك فعل مأمور وارتكاب محظور، ترك مأمور وإلا ارتكاب ... ، تقول: أبروح أصلي لو وقعت على هذه البغي لأني لا أستطيع أن أترك المأمور؟ نعم؟ لا يا أخي، فكل مسألة تقدر بقدرها، افترض المسألة في زواج أخيك، دعاك لزواجه، أنت مأمور بأن تجيب دعوته من وجوه، الصلة في مثل هذا واجبة، لا بد أن تحضر، نعم، افترض أن المسألة هذا العرس هذه الدعوة فيها منكر أنت لا تستطيع إنكاره، وإذا كان المنكر مما تراه في كل مكان واستمرأه الناس، وعمت به البلوى، حلق لحى وإلا إسبال وإلا شيء نقول: يا أخي الصلة أولى من هذا، ما تترك من أجل هذا، لكن افترض المسألة فيه ما هو أعظم من ذلك، زواج شخص يدعو أخته لحضور الزواج والزواج فيه تصوير، وفيه بلاء، وفيه أغاني، يا أخي ما يلزم، فكل مسألة تقدر بقدرها، لا نقول: مطلقاً ارتكاب المحظور أعظم من ترك المأمور أو العكس، بل كل مسألة تقدر بقدرها. يعني لو افترضنا مثلاً مثل المسألة الذي ضربناها في صلاة الجماعة، ضربنا المسألة في صلاة الجماعة، صلاة الجماعة واجبة وفي المسجد حيث ينادى بها، تقول لي: والله في المسجد واحد حليق أنا لا أطيق رؤية العاصي، وأنا لا أستطيع الإنكار عليه، تترك المأمور من أجل ارتكاب هذا المحظور؟ ما تترك يا أخي، لكن المسألة الثانية التي افترضت في بغي في طريقك إلى المسجد، ولا بد من الوقوع عليها فعل الفاحشة بها، بالقوة عندها ظالم، ما يمكن أن تتعداه إلا وتفعل، نقول: لا يا أخي صل في بيتك، فالمسائل تتفاوت، المحظورات متفاوتة، والمأمورات متفاوتة.

يعني نظير ما يقرره أهل العلم أن النفع المتعدي أفضل من القاصر صح وإلا لا؟ مو بيقررون هذا؟ نقول: ما يلزم يا أخي، الصلاة أعظم من الزكاة، الصلاة نفعها قاصر، والزكاة نفعها متعدي، هل يستطيع أحد أن يقول: إن الزكاة أفضل من الصلاة؟ قواعد عامة، لكن عند التطبيق لا بد أن ينظر في كل مسألة على حدة، عند التعارض مثل هذا لا بد أن ننظر في كل مسألة على حدة، هناك أمور مصالح ومفاسد، فننظر إلى التعارض في المصالح والمفاسد، فعندنا مصلحة محضة لا بد من الإتيان بها، مفسدة محضة لا بد من اجتنابها، هذا العمل الذي تريد أن تعمله انظر فيه، فيه مصلحة؟ نعم، فيه مفسدة؟ لا، لا بد أن تأتي به، هذا العمل الذي قررت وتخمر في ذهنك أنك تقدم عليه في مفسدة؟ نعم، في مصلحة؟ لا، إذاً لا بد أن تترك، فيه مصلحة راجحة ومفسدة مرجوحة يغلب جانب المصلحة لا سيما إذا كانت المفسدة يسيرة مثل ما نظرنا بشخص مسبل وإلا حليق وإلا في المسجد، تعمل هذه المصلحة، العكس لو كانت المفسدة هي الراجحة نعم، يترك العمل، إذا كانت المصلحة مساوية للمفسدة متساويتان هذه ما يقول فيها أهل العلم درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، أظن هذا ظاهر، نعم، هذا أمر مقرر عند أهل العلم. ونكتفي بهذا، ونجيب على الأسئلة وإلا ... ؟، الأسئلة كثيرة جداً، ولعلنا نكتفي بما سمعنا، وإلا الحديث حديث قاعدة من قواعد الشرع، وعظيم ويحتاج إلى دروس ما هو بدرس، والله المستعان. يقول: نريد منك يا شيخ لقاء شهري لهذه المحافظة أو نهاية السنة، وفي نفس الوقت نريد منك يا شيخ لقاء للشباب فقط ودروس في التربية. على كل حال الالتزامات كثيرة، والمطالب من مثل هذا الطلب كثيرة جداً، وإجابة الجميع مستحيلة، فأنا أجبت مكة في درس شهري، والمسافة يسيرة يعني، فالذي يريد أن يحضر حياه الله وبياه، وما عدا ذلك لا أستطيع. المدينة أيضاً الطلب بقوة، وشددوا علينا الإخوان، وأنا متردد؛ لأنه يصعب علي إذا قام الجدول الذي هو مطبق خلال العام كله، وجدول فيه سبعة دروس في الأسبوع، يعني يصعب علي أن أنتقل من بلد إلى آخر، فأرجو المعذرة، وأنا التزمت لأهل مكة بدرس شهري، فيرجى من الذي عنده مثل هذه الرغبة يحضر.

يقول: هل يكون من الاضطرار أن أتعدى على مال مسلم أو قتل نفس مسلمة؟ وهل الاضطرار له حد وقاعدة؟ أما بالنسبة للقتل فلا، ولو أدى ذلك إلى قتلك، لا يجوز لك أن تقدم على قتل مسلم ولو أدى ذلك إلى قتلك؛ لأن المحافظة على نفسك ليست بأولى من المحافظة على غيرك. أما بالنسبة للمال إذا كان شيء يسير، والضرر اللاحق بك عظيم، إن لم تفعل كذا قتلناك، إن لم تفعل كذا انتهكنا عرضك أو ما أشبه ذلك على أن يكون ما تأخذه من مال أخيك يكون دين في ذمتك، على أن يكون أيضاً هذا لا يضر بأخيك، نعم، وأيضاً المسألة وهي أنه إذا اضطر إلى أكل مال الغير، جائع يبي يموت، ورأى خروف وإلا شاة لفلان وإلا علان، الحمد لله الضرورة تقدر بقدرها، على أن يضمن، على أن تكون ديناً في ذمته، إذا مر ببستان، إذا مر بقوم ولم يضيفوه، أمور مفصلة في الشرع على كل حال. يقول: تقدمت على -تقدمت أو أقدمت -؟ تقدمت على عمل بشركة كبرى وقمت بذكر معلومات شخصية عني وهي غير صحيحة لقصد الحصول على العمل، وقد حصلت عليه، يقول: وأنا أجيد - إيش؟ - وقد حصلت عليه، مرتبة - ما أدري إيش - مرموقة، وأنا أجيد العمل بمهارة، وعلى الوجه الأكمل، وقد طورت العمل، فهل علي شيء؟ وهل أنا - وهل إيش؟ - والمذكور يعول أسرة، يقول: هل أدخل في حديث: ((من غشنا))؟ هذا كذب على كل حال، هو كذب، وما دام يجيد العمل بمهارة، ويتقن ما وكل إليه يخبر المسئول عن هذه الشركة الذي يملك استمراره في العمل أو الاستغناء عنه، يخبره بأن المعلومات التي قدمها ليست بصحيحة، أولاً: يتوب إلى الله -جل وعلا- من هذا الكذب؛ لأن الكذب محرم، الأمر الثاني: يخبر صاحب الشركة، ويقول له: أنا فعلت كذا وكذا؛ ليكون على بينة من أمره. يقول: ما العمل عند اختلاف أقوال أهل العلم؟ النظر في الأدلة، لمن كان متأهلاً، لديه أهلية النظر في الأدلة، والترجيح بين أقوال أهل العلم من خلال استدلالاتهم، هذا إذا كان من أهل النظر، لديه أهلية يستطيع أن يوازن بين أقوالهم، أما من ليست لديه أهلية فليعتني بأقوال أهل العلم والدين والورع، فرضه تقليد أهل العلم، وليس كل عالم يقلد، وإنما ... وليس في فتواه مفت يتبع ... ما لم يضف للعلم والدين الورع

يقول: توجد اليوم برامج وفتاوى في التلفزيون والمذياع يومياً، وفي كل يوم مفتي وشيخ يجيب على الأسئلة، ونجد الاختلاف في الفتاوى في الأمور الفرعية، والمسائل غير مسائل الأصول مما يحدث لدى الناس خلاف في هذه الفروع، وكل أحد يقول: سمعت الشيخ يقول كذا، فما هو الحل في نظرك؟ الحل أن ينظر من قبل ولاة الأمر، ومن ولوا أمر الفتوى والمسئولية عنها أن يحدوا من هذه الاختلافات، وأن لا يوقعوا عامة المسلمين في بلبلة وإشكالات وحيرة، نعم يحدوا من هذه ويقللوا ممن يفتي الناس بقدر الإمكان، وأن لا يولى مثل هذا الأمر إلا الكفء. يقول: هل يجوز التصوير للذكرى والتصوير للمناظر؟ المناظر التي ليست بذات أرواح لا بأس بها، ما لا روح فيه يجوز تصويره، وذوات الأرواح لا يجوز تصويرها بأي وسيلة كانت، سواءً كانت باليد أو بالكاميرا بالتصوير الشمسي له ظل كله داخل في النصوص. يقول: هل يجوز الدف والطرب للرجال والنساء؟ في الأعراس يستعمله النساء وهو خلاف الأصل؛ لأن الأصل المنع، فيستعمل بقدر الحاجة. يقول: هل يجوز التفرج على لعب الكرة في التلفاز؟ وهل يجوز الصيد للأكل؟ الصيد للأكل جائز بالإجماع، لا خلاف فيه بين أهل العلم، إنما الممنوع الصيد للعبث، يعني لغير مأكلة، لغير الأكل، هذا لا يجوز. هل يجوز التفرج على لعب الكرة في التلفاز؟ على كل حال الأمور، إذا كان يواكب هذه الكرة أمور أخرى من كشف عورات وإلا حصول شحناء وبغضاء بين المشاهدين هذا يشجع كذا وهذا يشجع كذا، ثم يصير بينهم من الخلاف ما يوغر صدورهم، أو يكونوا سبباً في شغل عن واجب أو ما أشبه ذلك يمنع من هذه الحيثية، والله المستعان، والمسلم ينبغي أن يربأ بنفسه من أن يضيع وقته، ويهدر عمره العمر هو الأنفاس هو الساعات والدقائق التي يعيشها يفني عمره فيما لا ينفع. يقول: نخبة الفكر لابن حجر هل تسمى نخبة الفِكْر أو نخبة الفِكَر؟ الفكَر، جمع فكرة. طالب:. . . . . . . . . نعم؟ طالب:. . . . . . . . . طيب قلنا: نجرب -إن شاء الله-، طيب، طيب. يقول: ما حكم العمل برواية ابن عمر ورواية عائشة -رضي الله عنهما- بالنسبة للسنة الراتبة التي مع فرض الظهر؟

يعني هل يقصد أنها التي مع فرض الظهر هل هي أربع أو اثنتين؟ لأنه جاء في السنن الرواتب أنها عشر ركعات، وجاء ثنتا عشرة ركعة، فالزيادة مقبولة لعل النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبر أولاً بالعشر ثم زيد في ذلك، فسنة راتبة الظهر أربع قبلها وركعتان بعدها. يقول: كم عدد الأحاديث الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- إن أمكن ذلك؟ الأحاديث أهل العلم يطلقون الأعداد ويريدون التكرار والطرق والروايات فتبلغ الأحاديث مئات الألوف، ويعتبرون أقوال الصحابة أيضاً من الأحاديث، ولذا لما قال الحافظ العراقي: وفيه ما فيه لقول الجعفي ... أحفظ منه عُشر ألف ألفِ لأن البخاري يقول: أحفظ من الصحيح مائة ألف ومن غير الصحيح مائتي ألف. وفيه ما فيه لقول الجعفي ... أحفظ منه عُشر ألف ألفِ يقول العراقي: وعله أراد بالتكرارِ ... لها وموقوف وفي البخاري أربعة الآلاف والمكررُ ... فوق ثلاثة ألوفاً ذكروا

الأعداد لا يمكن عدها على التحديد، ولم يعنَ بذلك أهل العلم من المتقدمين، وليس من شأنهم عدد الأعداد بدقة، ولذا تجدونهم عدهم للكتب أو ذكرهم لأعداد الأحاديث في الكتب بون شاسع، يعني حينما يقال: المسند فيه أربعين ألف حديث، ويعد بالتحديد يطلع ثلاثين ألف عشرة آلاف شيء يعني العلماء ما يولون مثل هذه الأمور عنايتهم، يعني مسلم قيل: ثمانية آلاف حديث، وقيل: اثنا عشر ألف حديث، يعني هذا لا يعنى به أهل العلم بقدر ما يعنون بالحفظ، يعني بدل ما يمسك المسند ويعد واحد اثنين ثلاثة أربعة خمسة، عشرين ألف، ثلاثين ألف أربعين، يحفظ مائة حديث، فليس هذا من اهتمامهم وعنايتهم، إنما بالتقريب هم يقولون، يعني عدد كبير عشرة ألاف عشرين ألف ما في فرق عندهم، بخلاف عناية المتأخرين، تجد المتأخرين يعنون بهذه الأمور، يرقمون وينظمون ويرتبون لكن إذا جئت إلى العلم الحقيقي ما وجدت شيء، يعني شخص من أهل اليمن أشكل عليه القراءة في تفسير الجلالين هل يقرأ في تفسير الجلالين بطهارة وإلا بدون طهارة؟ سأل قيل له: الحكم للغالب، يعني هل التفسير أكثر أو القرآن أكثر؟ فعد حروف التفسير وعد حروف القرآن، فيقول: إلى سورة المزمل العدد واحد، من المدثر إلى آخر القرآن زاد التفسير قليلاً انحلت عنده المشكلة، لكن هل سلف الأمة يفعلون مثل هذا؟ أو الحريص على وقته يعد حروف؟ لا، لا ما يعد حروف. على كل حال في برنامج اسمه: جامع السنة فيه أحاديث مكررة كثيراً تبلغ خمسمائة وثلاثة وعشرين ألف حديث، نصف مليون، لكن مثل ما قلنا، بالتكرار، مثل ما يحفظ الإمام أحمد سبعمائة ألف، ويحفظ أبو داود ستمائة ألف، ويحفظ فلان ... إلى آخره. السلام عليكم. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. هل يجوز لبس الكعب العالي للنساء؟ أول من اتخذ الكعب العالي امرأة بغي من بني إسرائيل، نعم أول من اتخذ الكعب العالي امرأة بغي من بني إسرائيل، وكانت تمشي بصحبة بغي أخرى أطول منها، فكان الناس يزدرونها فاتخذت الكعب العالي، وعاد المرأة المسلمة تقرر. هناك كتاب اسمه: دفاع عن أبي هريرة فما رأيكم؟ هو الدفاع عن أبي هريرة أكثر من كتاب، أكثر من كتاب ألفت في الدفاع عن أبي هريرة وهي طيبة.

يقول: كثرة السؤال هذا في وقت التشريع أو لنا كذلك؟ نعم من أهل العلم من حمل النهي عن كثرة السؤال، ولا تسألوا عن أشياء، أن هذا في وقت التشريع حيث ينزل التشديد، أما الآن أمن من التشديد خلاص استقرت الشريعة، فهذا قول لبعض أهل العلم، وعلى كل حال التعنيت والتعجيز والتعالي والترفع ممنوع على كل حال. يقول: أقسط سيارات وبعض المال عندي، وبعضه عند الناس أستعمله على الأقساط لعدة سنوات كيف الزكاة في هذا المال؟ عليك أن تحاسب نفسك، وكل ما حال عليه الحول من الأموال تخرج زكاته، وينصح مثل هذا الذي لا يستطيع، إذا كان لا يستطيع أن يحاسب نفسه بدقة، ويجعل محاسب عنده، أو يفرغ نفسه في كل شهر ليحاسب نفسه في هذا الشهر، أن يجعل له شهر في السنة؛ وليكن رمضان مثلاً يزكي في جميع ما عنده، يزكي فيه جميع ما عنده ولو لم يحل عليه الحول رفقاً به، وتسهيلاً على نفسه، وتعجيل الزكاة جائز. يقول: أنا أحاول طلب العلم ولكني في هذا المكان لا أجد شيخاً يساعدني فأعتمد على الكتب، ولكن كثيراً ما ينتابني الكسل والملل، فأرجو منك نصيحتي، وماذا أعمل؟ وما هي الكتب التي أبدأ بها في كل علم؟ الرحلة لطلب العلم معروفة، سنة قديمة، رحل الصحابة -رضوان الله عليهم-، رحل بعضهم الشهر الكامل من أجل حديث واحد، والبلاد المقدسة بجواركم، وفيها من أهل العلم من يستحق الرحلة، فلو رحل طالب العلم يطلب العلم هناك ما هو بكثير، والأمور متيسرة ولله الحمد، الإنترنت ينقل الدروس، دروس الكبار من أهل العلم، والتسجيلات تسجل الشروح، تسجل الدروس، يستفاد منها. يقول: وما هي الكتب التي أبدأ بها في كل علم؟ هناك أشرطة سجلت في هذا الشأن، وكيف يبني طالب العلم مكتبته؟ يجيب على هذا. طالب:. . . . . . . . . هو إذا كان ما له أثر في العمل وخشي الضرر البالغ على نفسه يتوب. طالب:. . . . . . . . . هذا الذي سأل من الإنترنت الذي كذب في التقديم للوظيفة وأنه وصف نفسه بأوصاف لا تنطبق عليه، ثم توظف بسبب هذا الكذب ثم بعد ذلك أتقن العمل، وجدد في العمل، ومهر في العمل. أقول: أولاً: الكذب بينه وبين ربه يتوب إلى الله -جل وعلا-، ويندم على ذلك، ويستأذن صاحب الشركة.

لكن هو يقول: لا أستطيع أن أستأذن فهل أترك العمل؟ على كل حال هذا الأمر أنت تقدر مصلحتك فإن كان تركه ما يضرك كثيراً، أو تركك للعمل يتضرر العمل بسبب تكره، فبقاؤك خير -إن شاء الله-، وتب إلى الله -جل وعلا-، وزد وضاعف من الجهد في العمل، ولعل الله -جل وعلا- أن يتجاوز عنك. يقول: ما هي الكتب التي أبدأ بها في كل علم؟ هناك خمسة أشرطة اسمها: (كيف يبني طالب العلم مكتبته؟ ) يجيب على هذا السؤال. وهل الأفضل السفر إلى الرياض لملاقاة أهل العلم هناك للاستفادة منهم؟ نعم أهل الرياض فيه الكبار من أهل العلم جلهم في الرياض ولله الحمد، فإن سافر فطيب، وإن سافر إلى مكة فيها من تقوم به الحاجة -إن شاء الله تعالى-. نحن مجموعة ولدينا صندوق تعاوني الغرض منه القرض للمجموعة فقط فهل في ذلك زكاة؟ نعم فيه الزكاة. يقول: أردت السفر فصليت في بلدي الظهر تماماً يعني أربع، وبعد العصر قصراً ثم انطلقت، يعني ما خرج من البلد حتى صلى العصر قصراً. ما دام في بلده لا يجوز له أن يقصر ولا يجمع، إنما تبدأ الرخصة إذا فارق البلد، واتصف بالوصف الذي علق عليه الترخص، وعليك أن تعيد صلاة العصر. يقول: كفارة قتل النفس بغير قصد مثل حادث سيارة، رجل يقود سيارة مع خط عام فدخل عليه شاب بسيارة مسرعاً فدخل الخط العام واصطدم مع هذا الشخص على جانب السيارة، وتوفي الشخص المخطئ، فهل على الشخص الأول كفارة أم حسب الخط؟ على كل حال إذا كان لا يد له في الحادث، وإنما المباشر هو الذي توفي، فلا شيء عليه، لكن إذا كان هناك أدنى تسبب منه بحيث يمكنه تلافي الحادث ولم يتلافاه عليه أن يكفر. أسئلة مكررة. يقول: في بعض الأحيان وبعد تسليم الإمام في الصلاة لازدحام الصفوف يتقدم بعضنا ويعطي ظهره لمن هو بجواره من المصلين، وكذلك في حلقات الذكر هل هذا من التدبر المنهي عنه؟ ثم ما هو التدبر المنهي عنه؟

مو بتدبر، التدبر مأمور به، المنهي عنه التدابر، التدابر، بأن يولي كل شخص أخاه المسلم ظهره بسبب ما في قلبه؛ لأن التدابر تصرفات الأبدان، الباعث عليها ما تشمله وما تحتويه القلوب من النفرة والبغضاء والكره، يدبر هذا ويدبر هذا، والمطلوب من المسلمين التآلف والتحاب والتوادد، فهذا هو الممنوع، أما لحاجة المكان ضيق والصفوف متراصة سلموا تقدم واحد يبي ينفس على إخوانه، إخوانه يفرحون بمثل هذا. يوجد نوع من البيع والشراء في بعض السلع ومثلاً لذلك المكيفات يقوم أصحابه المحلات بشرائها ثم بيعها بالتقسيط على أحد المشترين ثم يقوم المشتري ببيعها على أحد المتاجرين دون نقلها من المكان الذي اشتريت منه، ومن ثم يبيعها هذا المتاجر إما على صاحب المحل السابق أو غيره أفتونا مأجورين؟ الأصل أن يقبضها المشتري قبل أن يبيعها قبضاً شرعياً معتبراً، وقد نهى أن تبتاع السلع قبل أن يحوزها التجار إلى رحالهم. هل يستحب الدعاء عند شرب ماء زمزم؟ جاء في الحديث الذي صححه بعض أهل العلم: ((ماء زمزم لما شرب له)) فأنت إذا شربت من ماء زمزم تقصد بذلك تدعو الله -جل وعلا- بما تحب، أن يكون مثلاً كما قال بعضهم لظمأ يوم النشور، لعلم نافع، وعمل صالح، أو لحفظ القرآن أو لكذا، أو لأكون مثل فلان فعله كثير من أهل العلم. يقول: سجود التلاوة في الصلاة هل فيه تكبير أم لا؟ نعم سجود التلاوة، سجود التلاوة في الصلاة يشمله حديث: "كان يكبر مع كل خفض ورفع". هل يجوز أن يقول الرجل لأخيه: أنا أحسدك على كذا وكذا وهو يريد الغبطة؟ أم يقول: أنا أغبطك؟ على كل حال إذا كان لا يتمنى زوال ما عند أخيه فهو الغبطة، وجاء النص بتسميته حسد، يقول: أنا أحسدك حسداً لا أتمنى زواله، المقصود أنه جاءت تسميته بالحسد ((لا حسد إلا في اثنتين)) وهي الغبطة، ولو قال: أنا أغبطك بمعناه أنه يبين له حقيقة الأمر لئلا يفهم المقول له أن هذا شرير وحاسد، ويخشى من عينه، وما أشبه ذلك فأفضل، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح حديث: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت))

شرح حديث: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)) الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد روى الإمام البخاري ومسلم -رحمهما الله تعالى- من طريق أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت، ومن كان بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره)). هذا الحديث المتفق عليه ربط هذه الأعمال بالإيمان، بالإيمان بالله الذي لا يصح أي عمل بدونه، الإيمان بالله شرط لقبول الأعمال، {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ} [(54) سورة التوبة] فالكافر لا يقبل منه أي عمل، فلا بد أن يكون العامل مؤمناً ليقبل عمله. وربط أيضاً بالإيمان باليوم الآخر الذي هو ركن من أركان الإيمان بالله، ركن من أركان الإيمان، فلا يصح إيمان إلا باجتماع أركانه الستة، ومنها الإيمان باليوم الآخر، والتنصيص على الإيمان باليوم الآخر، التنصيص على الإيمان باليوم الآخر، مع إمكان الاكتفاء بالإيمان بالله -جل وعلا- الذي يتطلب الإيمان باليوم الآخر، التنصيص عليه ليستشعر الإنسان اليوم الآخر الذي فيه الحساب والجزاء على هذه الأعمال وغيرها، ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر)) وهذا خاص بالمؤمنين، هم الذين يمتثلون مثل هذه الأوامر، ولا يعني أن الكافر غير مخاطب بفروع الشريعة كما يقول الجمهور، بل الكافر مخاطب بفروع الشريعة، وإن كانت صحتها متوقفة على الإيمان بالله -عز وجل-، فلو عمل عملاً حال كفره لا يقبل، وإذا أسلم لا يؤمر بقضائه، إذن كيف يخاطب بالفروع وهو لا يقبل منه حال كفره ولا يطالب به إذا أسلم يطالب بقضائه؟

يقول أهل العلم: الذين يقولون بخطاب الكافر بفروع الشريعة مثل هذه الأمور وغيرها، وهذا قول أكثر أهل العلم، يقولون: إنه يحاسب عليها يوم القيامة، هو كافر لا يقبل منه أي عمل، لكن في يوم القيامة يضاف في عذابه على الكفر بالله -جل وعلا- يضاف إليه عدم العمل بالفروع، والمسألة معروفة عند أهل العلم، هذا قول الجمهور.

((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)) مفهوم الحديث أن الذي لا يقول خيراً ولا يصمت إنما يقول شراً أو يصمت عن الخير لا عن الشر مفهوم الحديث أنه لا يؤمن بالله واليوم الآخر، لكن هل هذا المفهوم مراد؟ الذي لا يصمت عن قول الشر، أو يصمت عن قول الخير، هل مفهوم هذا أنه لا يؤمن بالله واليوم الآخر؟ هذا الحديث خرج مخرج الزجر، يعني كما يقول الوالد لولده: إن كنت ابني فافعل كذا، إن كنت ابني احفظ القرآن، يعني هل يفهم من كلامه أنه إذا لم يحفظ القرآن يتبرأ منه ولا يرضى بانتسابه إليه؟ لا أبداً، إنما يقصد منه الحث على هذا العمل، فالمقصود من هذا الحديث الحث على هذه الأعمال، ومنهم من يقول: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر)) الإيمان الكامل ((فليقل خيراً أو ليصمت)) ولا يراد منه نفي حقيقة الإيمان عن من لا يقول خيراً أو يصمت عن الشر، بدليل الإجماع، إجماع أهل العلم على أن من قال شراً لا يصل إلى حد الكفر فإنه لا يخرج به عن مسمى الإيمان، وإن فسق بقوله الباطل ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً)) فليقل خيراً، والقول يشمل ما ينطق به اللسان، ما ينطق به اللسان مما يتعدى نفعه إلى الغير ومما يقتصر نفعه على صاحبه، فمن قول الخير المتعدي نفعه تعليم الناس الخير، وتوجيه الناس، ونصح الناس، وأمر الناس بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، هذا من قول الخير المتعدي نفعه إلى الغير، يعلم الناس، يوجه الناس، يدعو الناس، يرشد الناس، ينصح الناس، يأمر الناس بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، هذه أمور يتعدى نفعها إلى الغير وهي مما يقال باللسان، وأما ما يقال باللسان ويدخل تحت قول الخير ما نفعه قاصر على صاحبه، يعني ظاهراً وإن كان هذا القول القاصر والنفع القاصر يعين على النفع المتعدي، ومن ذلكم قراءة القرآن، كثرة الذكر، وجاء في الحث على جميع ذلك ما جاء، جاء ما جاء من النصوص في تعليم الناس الخير، وجاء أيضاً مما يحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو السبب في كون هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، هذه الشعيرة العظيمة ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده)) وهذا مقرون بالاستطاعة ((فإن لم يستطع فبلسانه)) وهذا هو

الشاهد من الحديث لما نحن فيه، يغير المنكَر بلسانه، وهذا داخل في قول الخير، يأمر الناس بالمعروف، وجد أناس يتساهلون في الواجبات أو يرتكبون بعض المحرمات يأمرهم بالمعروف، يأمرهم بأداء هذه الواجبات، وينهاهم ويحذرهم عن ارتكاب المحرمات، هذا من أعظم القول الذي يدخل في هذا الحديث دخولاً أولياً. تعليم الناس الخير –العلم- على الجادة المعروفة عند أهل العلم من أبوابه وطرقه مع العناية بالأهم فالأهم، مما يدخل في الحديث دخولاً أولياً، ((فليقل خيراً)) وهذا من الخير، نصح الناس والدين النصيحة، وتوجيههم وإرشادهم، دعوتهم، دلالتهم على الهدى، ((من دل على هدى فله مثل أجر فاعله)) هذا من قول الخير. تلاوة القرآن جاء فيها ما جاء، وهي من قول الخير، وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، وجاء في الحث عليه ما يجعل المسلم يعنى بكتاب الله -جل وعلا- ((من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات، لا أقول: آلم حرف، بل ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) القرآن شأنه عظيم، هو كلام الله، ((وخيركم من تعلم القرآن وعلمه)) فليكن ديدن المسلم وهِجِيراه العناية بكتاب الله -عز وجل-، يقرأه على الوجه المأمور به بالتدبر والترتيل ليل نهار، وليجعل له حزباً لا يفرط فيه سفراً ولا حضراً. كيف يسمع المسلم الوعد على مجرد تلاوة القرآن ويفرط ويضيع أوقاته دون نظر في كتاب الله -عز وجل-؟! فعلى المسلم أن يعنى به، ويعنى بما يعين على فهمه.

أيضاً الذكر لا يزال لسان المسلم رطباً بذكر الله -عز وجل-، وهو قول بمعنى أنه يلفظ به باللسان فيدخل دخولاً أولياً في هذا الحديث، وجاء في الحث على الأذكار ما يؤكد أن من تساهل فيها محروم، الأذكار لا تكلف شيئاً {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [(190 - 191) سورة آل عمران] على سائر الأحوال يذكرون الله، و ((سبق المفردون)) قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: ((الذاكرين الله كثيراً والذاكرات))، والذكر لا يكلف شيء، وهو من قول الخير الداخل في هذا الحديث، من قول الخير الداخل في هذا الحديث، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يكثر من الأذكار، وحث على اغتنام الأوقات بالأذكار، فسبحان الله وبحمده مائة مرة من قالها حطت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر، سبحان الله وبحمده مائة مرة في دقيقة ونصف، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يستغفر كثيراً، يستغفر في اليوم مائة مرة، وجاء عنه أنه كان يستغفر في المجلس أكثر من سبعين مرة، ونحن أولى؛ لأنه معصوم، والاستغفار جدير وخليق وحري بالمفرطين، فالاستغفار طلب مغفرة الذنوب من الله -جل وعلا-، فإذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يكثر من الاستغفار، وجاء في سيد الاستغفار ما جاء، فعلينا أن نعنى بهذا الباب، وهذا يدخل دخولاً أولياً في قول الخير ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً)).

إذا كان لا يستطيع محروم من قول الخير ((أو ليصمت)) والصمت هو السكوت مع إمكان الكلام، الصمت هو السكوت مع إمكان الكلام، وأما السكوت مع عدم إمكان الكلام فإن كان دائماً فهو خرس، وإن كان مؤقتاً فهو عيّ كما يقول العلماء، ليسكت، فإذا كان لا يستطيع أن يقول الخير فعليه بالبدل وهو السكوت، أقل الأحوال أن يسكت عن قول الشر، ولا شك أن قول الخير أكمل من السكوت والحال هنا في مثل هذا الحديث تحتاج إلى مزيد عناية من المسلم، فالإنسان إذا أراد أن يتكلم يتأمل قبل أن يتكلم، هل هذا الكلام يفيده في أخراه أو لا يفيده، ما الذي يدفعه إلى هذا الكلام، ما الذي يجنيه ويستفيده من هذا الكلام؟ وهل هذا الكلام الذي يتكلم به خالص لوجه الله أو مشوب؟ ثم بعد ذلكم إذا شرع في الكلام يحرص على أن يكون له لا عليه من بدايته إلى نهايته، فقد يريد الإنسان أن يتكلم ويشرع في الكلام مريداً بذلك وجه الله -عز وجل-، ثم لا يلبث أن يدخل عليه الشيطان بما يفسد عبادته التي أشرنا إليها سابقاً من تعليم وتوجيه ونصح وإرشاد وأمر بمعروف ونهي عن منكر، والكلام الذي لا يتعدى نفعه صاحبه.

قد يبدأ في بداية الأمر مخلص لله -جل وعلا-، لاحظ مخالفات عند بعض الناس وقام يتكلم بين أيديهم، منبهاً على هذه المخالفات ثم يدخل عليه الشيطان، ويجعله يرائي الناس بكلامه، ويستحسن استحسانهم، ويؤثر فيه مدحهم، هذا يدخل عليه الشيطان، إن طرده فإنه لا يؤثر في قصده، وإن استرسل معه إلى النهاية فهذا على خطر من حبوط عمله، فعلى الإنسان أن يعنى بلسانه، وآفات اللسان كثيرة، وخطره عظيم، وشره مستطير، ((من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة)) شطر كلمة ما هي بكلمة كاملة، ما يقول اقتل، لو يقول: (اق) جاء الوعيد الشديد في بعض الروايات: ((لم يرح رائحة الجنة)) نسأل الله العافية، والكلام أثره على حسب ما يترتب عليه فيعظم جرمه بقدر الأثر المترتب عليه، وجاء تحريم بعض الآفات والتنصيص عليها كالكذب مثلاً الكذب شأنه عظيم، وخطره جسيم، قول الزور، شهادة الزور، هذه لها آثارها، والغيبة، النميمة، البهت، التشبع تشبع الإنسان بما لم يعطَ، يعني دعنا من كونه يضر الناس بلسانه، يكذب عليهم، ويشهد شهادة زور، يبهتهم يغتابهم يمشي بالنميمة بينهم، مجرد التشبع، تشبع الإنسان بما لم يعط، وإظهاره نفسه بغير حقيقته بأن يدعي دعاوى لا تضر الآخرين، وجاء فيه الحديث الصحيح المتشبع بما لم يعطَ كلابس ثوبي زور، والكذب شأنه عظيم، وأعظمه الكذب على الله ورسوله. من صور الكذب بل من أشنع صور الكذب الكذب على الله بتحريم الحلال وتحليل الحرام {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [(116) سورة النحل] فإذا نظرنا إلى هذا الباب –أعني باب الفتوى بغير علم- دخل دخولاً أولياً في الكذب، وليستحضر من يجرؤ على مثل هذا قول الله -جل وعلا-: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [(60) سورة الزمر] هذا الكذب على الله -جل وعلا- ثم الكذب على رسوله، وجاء فيه الحديث المتواتر: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)).

قول الزور وشهادة الزور ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ثلاثة: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين)) ثم قال: ((ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور)) وهذا من الكذب، ضرب من الكذب، لكن شأنه عظيم؛ لأنه يترتب عليه اقتطاع حق مسلم ((ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور)) فما زال -عليه الصلاة والسلام- يكررها حتى تمنى الصحابة سكوته، هذا من قول الشر، فعندنا قول خير، ومنه المتعدي ومنه القاصر، ومنه قول الشر، ومنه السكوت عن الشر، والصمت الذي جاء الأمر به في هذا الحديث، فليقل، فليصمت، أو ليصمت، وليكرم، هذه اللام لام الأمر، فقول الخير مأمور به، الصمت عن الشر مأمور به، يقابل هذين قول الشر والصمت عن الخير، ما جاء في الحديث ممدوح، يؤمن بالله واليوم الآخر، لكن ما يقابل ما جاء في الحديث من قول الشر عندنا قول الخير مأمور به، فليقل خيراً، الصمت مأمور به، والمراد به الصمت عما يضاد قول الخير، وهو قول الشر، يقابل هذين والقسمة رباعية قول الشر والصمت عن الخير، وذكرنا أن مفهوم الحديث وإن كان المفهوم غير مراد أن الذي يقول الشر أو يصمت عن الخير، مفهوم الحديث يدل على أنه لا يؤمن بالله واليوم الآخر، فإما أن يحمل على الإيمان الكامل كما قررنا، أو يقال: إن المراد به الحث على هذه الخصال والعناية بشأنها،، وبهذا الحديث يستدل أهل السنة والجماعة على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل، والقول عمل اللسان، وليصمت ترك، والترك عمل عند أهل العلم، يفيده قول الصحابي: لئن قعدنا والنبي يعملُ ... فذاك منا العمل المضللُ بعض الناس لا يحسب حساب للسانه، فتجده في المجالس لا يسكت، في كلام أحسن أحواله أنه مباح في البداية، ثم يسترسل فيدخل في المكروه، ثم لا يلبث أن يدخل في الحرام، من كان ديدنه الكلام ((كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع)) فكون الإنسان يتخذ هذا مهنة يتصدر المجالس بالقيل والقال، والنبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن قيل وقال.

وكأن أمر اللسان خفيف عند من لا يعرف شأنه، ولذا قال معاذ بن جبل -رضي الله عنه-: وإنما لمؤاخذون بكلامنا؟ قال: ((ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على وجوههم أو قال: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)) أحياناً يحصل موقف يحتار الإنسان هل يتكلم أو يصمت؟ هل يرجح الكلام أو يرجح الصمت؟ إذا كان الأمر يتجاذبه أمران، أمر يقتضي الكلام وأمر يقتضي السكوت، لو رشح شخص لوظيفة ما ثم جاء يستشيرك والدين النصيحة، هل تنصحه بالإقدام وأن يقبل هذه الوظيفة أو تنصحه بتركها أو تسكت؟ إذا تعارض عندك الأمران بغير مرجح تسكت؛ لأنك عند التعارض لا تستطيع أن تقول ما هو خير؛ لأنه خفي عليك الخير في هذه المسألة فتلجأ إلى السكوت، لكن إذا ترجح عندك أن قبوله لهذه الوظيفة فيه نفع للأمة فتنصحه بقبولها، وإذا كان ترجح عندك أن تركه لهذه الوظيفة وتعيين غيره أفضل للأمة فتنصحه بتركها، والمستشار مؤتمن. كثيراً ما يبدأ الإنسان بأمر في أوله خير، أو يتظاهر بالخير، يتكلم في زيد من الناس يقول: سمعت فلان يفتي بكذا، يعني فتوى خطأ، أو زلة من عالم، تجده في أول الأمر يتظاهر بمظهر المشفق على هذا الشخص الذي أفتى والحريص على مصلحة الأمة، ثم لا يلبث أن يسترسل، وينال من الشخص بحيث لا يخرج من المسألة كفافاً. فعلى الإنسان أن يهتم للسانه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة)) لكن من يستطيع أن يضمن اللسان في الظروف التي نعيشها الآن، وقد ابتلي الناس بالقيل والقال والقنوات ووسائل الإعلام، ولا تكاد تجد إنسان ساكت، هذا نسأل الله العافية أمر يحتاج إلى مزيد عناية. ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)) قد يكون الشيء في جملته ليس بخير شر، غيبة مثلاً، والغيبة ذكرك المرء بما يكره، لكن يعارض هذه المفسدة مصلحة كبرى، يعارض هذه المفسدة التي هي الغيبة ذكرك أخاك بما يكره مصلحة أعظم منها.

جاء شخص يستشيرك في شخص خطب ابنته، فكونك تتكلم فيه بما يكره، أنت تعرف عنه أنه متهاون بالصلاة، ويزاول بعض المحرمات، ذكرك أخاك بهذا لا شك أنه يكرهه، وإذا لم يترتب عليه مصلحة فالأصل التحريم، لكن من باب النصيحة واغتفار المفسدة في مثل هذه الصورة، يبين ما فيه من عيب بقدر الحاجة، فإذا كان القصد النصح للمستشير تغتفر المفسدة. مثلاً ولي الأمر أراد أن يعين شخص في أمر من أمور المسلمين المهمة، وعرف عن هذا الشخص أنه لا يحسن هذا الأمر، أو يريد أن يستغل هذا الأمر استغلال لا ينفع الأمة، فمن باب النصيحة وإن كان الأصل أن الكلام في هذا الشخص وعرضه مصون، لكن يبقى أن المصالح متفاوتة، وبعض المفاسد تغتفر في سبيل تحصيل المصالح الكبرى، فيشار على ولي الأمر أن مثل هذا الشخص لا يصلح لهذه الوظيفة، إن اكتفى بهذا بها ونعمت لا تجوز الزيادة على هذا، لكن إن لم يكتفِ وطلب الاستفصال يبين له بقدر الحاجة، ولا يكون الهدف تجريح الشخص نفسه، إنما يكون الهدف تخليص الأمة من هذا الشخص الذي يريد أن يستغل مثل هذا المنصب استغلالاً سيئاً، وبعض الناس يلتبس عليه مثل هذا. فالموضوع في غاية الخطورة، وأعراض المسلمين حفرة من حفر النار -كما قال ابن دقيق العيد- وقف على شفيرها العلماء والحكام.

العلماء يتكلمون في الناس وهم بحاجة إلى الكلام في الناس، القاضي لا بد أن يحضر لديه الشهود، ويعدلون ويجرحون، هذا فيه هذا لا بد منه، العلماء بحاجة إلى تعديل الرواة وجرحهم، بل هذا أمر واجب، العالم عليه أن يقول: فلان كذاب، فلان متهم بالكذب، فلان فاسق، هذا لا بد منه، من أجل إيش؟ أن تقبل روايته أو ترد، والقضاة بحاجة إلى مثل هذا لكي يقبلوا شهادة هؤلاء الشهود أو يردوها، فمثل هذا الكلام مستثنى لا يدخل فيما حرم من أعراض المسلمين، ويبقى أن الكلام في الأعراض الأصل فيه المنع، وجوازه على خلاف الأصل فيقتصر منه على قدر الحاجة {لاَّ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} [(148) سورة النساء] و ((مطل الغني ظلم، يبيح عرضه وعقوبته)) يعني إذا كان لك دين على زيد من الناس فجئت له فقال: غداً إن شاء الله، جئت من الغد قال: يوم الجمعة، جئت يوم الجمعة قال: آخر الشهر، جئت آخر الشهر، قال: والله جاء رمضان، إلى متى؟ هذا مطل، وهو لي الواجد وهذا ظالم أباح الشرع عرضه وعقوبته. أما بالنسبة للعقوبة يعزره ولي الأمر إذا رفع أمره، وأما بالنسبة لعرضه فأباح منه الشرع قدر الحاجة، لك أن تقول: والله فلان ظلمني، فلان مطلني، لكن لا تقول: الفاعل التارك اللي ... ، تزيد على قدر الحاجة، وهذا كله داخل في الجملة الأولى من الحديث: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)).

والناس بأمس الحاجة إلى هذه الجملة؛ لأن الغيبة والكلام في الأعراض والتفكه في أعراض المسلمين صار ديدن لكثير من الناس، ولو قيل: إنه قل أن تسلم منه المحافل، محافل المسلمين واجتماعاتهم قل أن تسلم من هذا، ولا شك أن ما بين العباد من حقوق لا تقبل الغفران؛ لأن هذا من السجل الذي لا يغفر، حقوق العباد مبنية على المشاحة، والمسلم قد يأتي بأعمال أمثال الجبال من صلاة وصيام وحج وجهاد وغيرها، ثم يكون يوم القيامة مفلساً ((أتدرون من المفلس؟ )) قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع، قال: ((لا، المفلس من يأتي بأعمال)) وفي رواية: ((أمثال الجبال)) ثم ذكر منها ما ذكر، يقول: ((يأتي وقد ظلم هذا، وشتم هذا، وأكل مال هذا، وقذف هذا، وتكلم في عرض هذا، يأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته)) وبعدين إذا انتهت حسناته أخذ من سيئاتهم فوضعت عليه، فكب في النار، وهو في الأصل أنه جاء بأعمال أمثال الجبال، فعلى الإنسان أن يحرص على اكتساب الحسنات، ثم بعد ذلك يحرص على المحافظة على هذه الحسنات، لا يحرص على اكتساب الحسنات ثم يفرق ويوزع هذه الحسنات فيكون مفلساً يوم القيامة. ((ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره)) وفي رواية: ((فلا يؤذي جاره)) ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم)) والجملة الثالثة ((فليكرم ضيفه)) وفي هذا أمر بالكرم، والكرم خصلة ممدوحة، يقابله البخل، وأعظم منه الشح، وكلاهما مذموم {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [(9) سورة الحشر] الشح يقابل الكرم، والبخل أيضاً يقابله، فالكرم خصلة ممدوحة وما يقابله مذموم. والإكرام يكون للجار كما في هذا الحديث ويكون للضيف ((فليكرم جاره)) وجاء في حق الجار والعناية بشأنه والاهتمام به ما جاء من النصوص، وفي الصحيح: ((ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)) فالجار شأنه عظيم في الشرع، وجاء في حقه: ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه)) يعني غوائله وشروره.

والزنا بحليلة الجار جاء ما يدل على أنه أعظم من الزنا بعشر نسوة من غير الجيران، فالجار له شأن عظيم، على جاره أن يؤدي هذا الحق ويكرم جاره، والجار جاء تحديده بأربعين بيتاً من كل جهة، ومعروف أن البيوت صغيرة كانت الغرف يسمونها بيوت، الغرفة بمنافعها تسمى بيت، لكن لو أردنا أن نعد أربعين بيت من بيوتنا الموجودة الآن، أربعين من القصور الموجودة الآن من كل جهة، معناه أهل البلد كلهم جيران، وهو كذلك يعني لا يسلم صاحب بيت من جار، لكن الذي في أطرف البلد جار ... ، في أول الشارع جار لآخر من في الشارع لأنه متمم للأربعين؟ على كل حال المسألة عرفية، وعلى الأقرب فالأقرب يعظم الحق، ولذا جاء التأكيد على حق الجار الذي بابه بجوار بابه؛ لأنه يرى من الخيرات التي تدخل في هذا البيت وتستشرف نفسه إليها فهو أولى الناس بهذه الخيرات، فإكرامه أولى من إكرام الجار الذي هو أبعد منه. والجيران ثلاثة: جار له ثلاثة حقوق، وجار له حقان، وجار له حق واحد. فالجار الذي له ثلاثة الحقوق هو الجار في المسكن القريب في النسب الموافق في الدين، فله حق الجوار وحق القرابة، وحق الدين، أخوة الدين. الجار الذي له حقان: الجار المسلم البعيد في النسب، له حق الجوار وحق الإسلام. والجار الذي له حق واحد: هو الجار غير المسلم، ليس له إلا حق الجوار، فلا يجوز أن يناله الجار بأذى، بل العكس، عليه أن ينفعه بما ينفعه في أمر دينه، وهذا بالدرجة الأولى مما يجب الاهتمام به، وفي أمر دنياه {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ} [(8) سورة الممتحنة] الجار يبر، القريب ولو كان كافراً يبر ما لم يقاتل في الدين.

الجار له حقوق ومن أعظم حقوقه: إسداء النصيحة له، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، وتوجيهه وتسديده، وإعانته على حوائجه، فضلاً عن كف الأذى عنه، فعلى الجار أن ينصح جاره، إذا لحظ عليه شيء، تقصير في باب من الأبواب في أمر من أمور الدين عليه أن يبين له، تفوته صلاة الجماعة يبين له، يتساهل في أداء الصلاة في شأن بعض المحرمات على الجار أن يمحض جاره النصيحة، وهذا من أعظم الحقوق؛ لأن تخليصه مما يضره في الآخرة من أعظم الأمور، وجاء في بعض الآثار أن الجار يتعلق برقبة جاره يوم القيامة، ويقول: إنه رآه على معصية ولم ينهه، والارتباط بين الجيران موجود، وأحياناً يكون في بيت الجيران ما لا ترضاه أنت لجارك فضلاً عن أهلك، بعض الناس مع وجود هذه الحقوق يريد أن يوصل الثقة، ويقوي هذه الثقة، لكن المقرر في الشرع أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، عليك أن تزور جارك، وأهلك يزورون جيرانهم، لكن إذا لم يكن هناك منكر ومفسدة فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فإذا كان عنده شيء لا ترضاه لنفسك ولا لولدك لا يجوز لك أن تترك ولدك يزور هذا الجار الذي أنت حريص على تربية ولدك وجارك متساهل في هذا الباب، فعليك أن تنتبه لهذا، وإذا كانت الدعوة لوليمة العرس إجابتها واجبة عند أهل العلم فهم يشترطون أن لا يكون ثم منكر لا يمكن إزالته، نعم إذا كان هناك منكر وبالزيارة يزول هذا مقصد وهدف، تكرر عليه الزيارة حتى يزول، لكن إذا كان ميئوس من إزالته فإن مثل هذا لا تجوز زيارته، ويقتصر من صلته ونفعه على ما يحقق المصلحة ولا يترتب عليه مفسدة. فالجار له حق وله شأن، وجاء في حقه من النصوص ما سمعنا بعضه، لكن يبقى أن الدين هو رأس المال، لا يخدش دينك بسبب صلتك لجارك، ولا لصلتك لقريبك، ولا ... {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا} [(15) سورة لقمان] ولو كان أبوك أو أمك، نعم إذا أمروك بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والمقرر في الشرع أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

يوجد الآن قطيعة بين كثير من الناس بهذا السبب، مع الأسف الشديد أنه يوجد قطيعة بدون مبرر، بين الأقارب وبين الجيران، قطيعة بين الأقارب وبين الجيران بدون مبرر، يعني كلاهما على قلب رجل واحد، كلاهما على مستوى واحد من المحافظة والتدين، ومع ذلك هذا لا يدعو هذا، وهذا لا يدعو هذا، لماذا؟ هذا مما ابتلي به الناس اليوم، كثير من الناس يقول: والله ودي أتمنى أن أخي وأولاده يزوروننا أو إخوانه من الأب من الأم أو جيرانه يتمنى زيارته لكن مشكلة، عنده أولاد يعبثون بالأثاث وعنده ... ؛ لأن مسألة العناية بالمظاهر صارت على حساب الصلات. يعني بعض البيوت التي تسرح الفرشات بالاستشوار، هذا في يوم من الأيام يبي يدعو أخاه أو جاره مع أطفالهم وبزرانهم يفسدون عليه هذا الأثاث، هذا يصعب عليه كثيراً، ووجدت القطيعة بهذا السبب، يعني صعب أنك تبي تدعو أخاك العزيز عليك أو جارك أو كذا وتجلسه أو أطفاله بملحق وإلا بارتداد وإلا بشيء، وصعب عليك أيضاً تدخل هؤلاء الأطفال في البيت يلعبون بالأثاث والتحف والمفروشات وكذا، فهذا له آثاره السلبية التي أوجدت قطيعة بين الأقارب والجيران، ومثل هذا ليس بمبرر للقطيعة إطلاقاً، هذا ليس بمبرر. بعض الناس يتجاوز هذه ويقول: الصلة موجودة، وندعو الأقارب، وندعو الجيران، لكن باستراحة، ما لازم يخربون علينا، ويفسدون علينا، هذا يحقق بعض المصلحة، لكن أيضاً كونك تربأ بجارك أو بأخيك عن دخول بيتك هذه بعد مشكلة، فينبغي للمسلم، بل على المسلم أن يتجاوز مثل هذه الأمور يجعل تحقيق مراد الشرع فوق ما يريده هو، فوق ما يريده هو، ولذا العناية بهذه المظاهر من آثارها ما سمعتم، وهي في أصلها أيضاً سرف، ممنوعة من الأصل، كثير منها ممنوع؛ لأنه يدخل في باب السرف، وإذا أدى إلى هذه الحقيقة المرة ازداد سوءاً على سوء، فالجار له حق، والقريب له حق، والمسلم له حق، وإذا اجتمعت الحقوق صارت له ثلاثة حقوق.

العناية بالجار لتسود المودة والألفة والأخوة بين المسلمين، وجاء في الحديث: ((لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)) يعني أقل الأحوال أن تكون مع جارك السلام عليكم، كيف حالك يا أبو فلان، وبعض الناس لا يتنزل لمثل هذه الأمور، وقد يقذف الشيطان في قلبه أنك إنسان لك منزلة، ولك مكانة، وسنك وعلمك خلي الحق لك يا أخي، كيف تتنازل أنت لتقول: يا فلان وتدعو فلان وتذهب إلى فلان لا يا أخي إن جاءوك وإلا الحق لك؟! لا شك أن هذا من تلبيس الشيطان، وفي الحديث الصحيح يقول: ((خيرهما الذي يبدأ بالسلام)) وعلى الكبير .. ، نعم الحق له، يعني إذا التقى الكبير مع الصغير الصغير يسلم على الكبير، لكن افترض أن الصغير ما سلم ألا يسلم الكبير ليدخل في حديث: ((خيرهما الذي يبدأ بالسلام))؟ ولد مع أبيه مر الولد ما سلم عليه يسلم الأب ويش المانع؟ عم مع ابن أخيه وهكذا، ينبغي للإنسان أن يكون مبادراً، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يبادر الصبيان فيسلم عليهم، ومع الأسف أن الناس كلهم ينظرون إلى بعض العمال نظرة استحقار؛ لأن العامل تجده جالس، ثم يمر هذا فيقول العامل: السلام عليكم، يقول: شوف ها المسكين ذا يسلم وهو قاعد، نعم، خليه يسلم ويش صار؟ يعني صحيح أنك أنت أولى منه بالسلام لكن تركت الأولوية خله يأخذ الأجر، يعني ليس معنى هذا أن الكبير يسقط عنه السلام، أو الجالس أو الراكب أو ما أشبه ذلك، لا، نعم فصحيح أن هذا يكون أولى بالسلام، الصغير أولى بالسلام بالبداءة من الكبير، لكن إذا بدأ الكبير صار خير الاثنين، وبعض الناس يرفع رأسه ويقول: أنا الحق لي، ومتى ما سلم ردينا وإلا بهواه. يا أخي الصلة مطلوبة من الطرفين، وهذا يكثر بين الأقارب، يقول: والله أنا عمه أنا الحق له أنا بمثال أبوه، عم الرجل صنو أبيه صحيح هذا صحيح، لكن لا صار محروم ما تصير أنت المبادر؟! فالمبادرة من المسلم مطلوبة، فليظفر المسلم بهذا الأجر.

إكرام الضيف أيضاً من أعمال الإيمان ومن خصاله، ولذا جاء في هذا الحديث: ((ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)) فليكرم: اللام لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب، فيجب إكرام الضيف على خلاف بين أهل العلم إذا كان الضيف في بلد فيه فنادق وفيه مطاعم، يعني ليس بمضطر إليك، هل يصل إلى حد الوجوب بحيث يأثم لو لم يكرمه؟ وخلافاً بينهم هل الضيف يشمل المسلم والكافر أو هذا خاص بين المسلمين؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، منهم من يرى أن هذا خاص بين المسلمين بدليل أن النفقة الواجبة لا تلزم للقريب الكافر فضلاً عن الإطعام الذي هو في أصله مستحب. الإكرام للضيف إنما هو جائزته، اليوم الأول، اليوم الأول ضيافته واجبة، ضيافة الضيف في اليوم الأول واجبة، وفي اليوم الثاني والثالث مستحبة، فإكرامه ثلاثة أيام مطلوب، داخل في هذا الحديث الوجوب، كما جاء في بعض النصوص لليلة الأولى، ثم بعد ذلك الثانية والثالثة على سبيل الاستحباب، وما عدا ذلك فهو فضل، ما عدا ما بعد الثلاثة الأيام فهو فضل. وإكرام الضيف خصلة محمودة بلا شك، والكرم من الخصال التي جاء الحث عليها والتنفير والتحذير من ضدها من البخل والشح.

لكن الكرم له حدود، جميع الخصال التي جاء الحث عليها له حدود، الشجاعة ممدوحة، الحلم ممدوح، الكرم ممدوح، غير ذلك من الخصال لها طرفان، الكرم إذا زاد عن حده دخل في حيز المنع، في الإسراف والتبذير، ولذا جاء التوسط في قوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} [(29) سورة الإسراء] نعم على الإنسان أن يتوسط في أموره فإذا جاءه ضيف يقدره بقدره، وقد أمرنا أن ننزل الناس منازلهم، بعض الضيوف يكفيه الشيء اليسير، وبعض الضيوف منزلته كبيرة يقدر بقدرها، على أن لا يدخل ذلك في حيز التبذير والإسراف، وبعض الناس من أجل أن يقال، وهذا مع الأسف سائد كثير، يتكلف للواحد ما يكفي المائة، هذا موجود من أجل إيش يا أخي؟ نعم ضيفك عزيز وفاضل وله منزلة ومكانة، لكن يبقى أنه يقدر بقدره، وكما يقول الناس: الآن يتعارفون على أنه من الألفة عدم الكلفة، وأيضاً ليس القدر ما يوضع على الموائد، ليس هذا هو القدر، إنما القدر الذي يكون في القلوب من المودة والمحبة والتقدير والاحترام، وإنزال الناس منازلهم، يعني يذكر أشياء يظنها أو يخيل لبعض الناس أنها من الكرم وهي ليست من الكرم، ومظاهر السرف في هذه الأيام التي وسع الله فيها على المسلمين ظاهرة، والإسراف كفر للنعمة، وكثير مما يقدم في الولائم يكون من نصيب النفايات والأزبال، وهذا مؤذن بخطر عظيم أن ترفع هذه النعمة {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [(7) سورة إبراهيم] وليس هذا من شكر النعمة، وشخص كبير في السن، وقف على زبالة فإذا فيها الطعام كامل، بوادي بذبائحها مكبوبة في الزبالة، فجلس يبكي بجوارها، جلس يبكي بجوارها، قيل له: ما يبكيك؟ قال: أنا بنفسي لا أروي عن أحد، أنا بنفسي بدون واسطة لا أروي عن أحد، شهدت هذا المشهد بفلسطين، ونزلت في الزبالة وأكلت منه حتى شبعت، وانظروا العاقبة، نسأل الله -جل وعلا- أن يحسن للجميع العاقبة.

أقول: نكتفي بما سمعنا في شرح الحديث، ونستغل هذا الوقت للإجابة على الأسئلة إذا كان هناك أسئلة متعلقة في الحديث فهي أولى، وبعض الناس يستفيد من السؤال والجواب أكثر مما يستفيده من الكلام المرسل، يستفيد من السؤال والجواب أكثر وله أصل، جبريل -عليه السلام- لما أراد أن يعلم الناس الدين جاء بطريقة السؤال والجواب للنبي -عليه الصلاة والسلام-. هذا السائل يقول: أنا موظف وفي بعض الأحيان يتكلم الموظفون عما يشاهد في التلفاز والبعض يكرر الأغاني، فما توجيهكم لي ولهؤلاء الموظفين؟ على كل حال الغناء محرم، وإذا صحبه آلات بأن كان لفظه ممنوع، وصحبه آلة لا شك في تحريمه، لكن إذا كرره المكرر من غير آلة، ولفظه ليس فيه محظور، نعم فيه التشبه بهؤلاء الفساق، الذين يعانون هذه المهنة الرديئة، لكن يبقى أنه ليس داخل في الغناء نفسه، هذا لم يغنِ، كرره تكريراً لفظه مباح ولم يصحبه آلة، وأداه بلحنه هو من غير تشبه بلحون الأعاجم، بطرائقهم المعروفة، ولا بلحون أهل الفسق، يبقى أنه .. لكنه ما يكرر مثل هذا الكلام إلا مع إعجابه بالمتكلم، فيخشى عليه من هذه الحيثية. فمثل هؤلاء ينصحون بعدم تكرير مثل هذا، وأن يوجهوا إلى ذكر الله -جل وعلا- واللهج بحمده وشكره، ويوجهون إلى قراءة القرآن وما ينفعهم، والله المستعان. يقول: ما رأيكم في المرأة أو الرجل الذي يرفض الزواج بحجة أنه سبب للانقطاع عن طلب العلم وعن الدعوة فتجد الرجل يرفض التفكير بالزواج أو الفتاة ترفض ولو من شاب صالح بسبب أنه سبب لمن سبقوه من الرجال والنساء الذين تزوجوا فانقطعوا عن طلب العلم والدعوة فما توجيهكم؟

هذه الدعوة لا شك أنها من تلبيس إبليس، من تلبيس الشيطان وإلا فالزواج من سنن المرسلين، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: الزواج من سنتي ((فمن رغب عن سنتي فليس مني)) وهو -عليه الصلاة والسلام- ينام ويقوم، ويأكل اللحم، ويتزوج النساء، يقول: ((فمن رغب عن سنتي فليس مني)) والزواج لا سيما مع الاهتمام به من الطرفين، من أن يسعى الزوج للبحث عن المرأة الصالحة ((فاظفر بذات الدين تربت يداك)) والمرأة كذلك تبحث عن الزوج الصالح، وكل منهما يعين الآخر على العلم والعمل، وهذه طريقة مجربة، وإذا كان طالب العلم عنده من الرغبة في العلم، ويستحضر ما جاء في العلم وفي طلب العلم من النصوص التي تحث عليه فلن يعوقه عنه عائق، لا زواج ولا غيره، وواحد من شيوخ شيوخنا أنا ما أدركته لكن ينقلون عنه أنه ليلة زواجه، ليلة الدخلة بالمرأة، دخل بها في تلك الليلة، وقبل أن يقربها تذكر آية أشكلت عليه فنزل إلى مكتبته ومن تفسير إلى آخر إلى أذان الصبح إلى أن أذن الفجر ليلة العرس.

العلم إذا خالط القلب وامتزج باللحم والدم لا يعوق عنه عائق، لكن الذي يريد أن يتعلل بأدنى شيء هذا يبي ينصرف سواءً بزوجة أو بدون زوجة، وواحد من الإخوان معروف موجود الآن تزوج امرأة وهو من طلاب العلم، وهي ليست .. ، هي متعلمة لكن ليس لها نظر في العلم الشرعي، فصار يلح عليها إلا تقرأ تقرأ، ثم أحياناً تقسو عليه وتقول له: دايم علم علم دين دين ويش الكلام هذا؟ وهي من بيت صالح، يعني من بيت علم وفضل، لكن ما لبث مع الوقت، يعني خلال شهرين أو ثلاثة حتى احتاج إلى ما يكفها عن الانغماس والانهماك في العلم، فالعلم إذا حببه الله إلى الشخص بعد النظر في النصوص الذي تحث عليه وترغب فيه، لا شك أنه متعة، وأنا أعرف كثير من طلاب العلم إذا ذكرت له الرحلات في أوقات الربيع وأوقات مواسم الخيرات والأمطار فربيعه في مكتبته، هذا موجود، و ((منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب مال)) فإذا وصل الإنسان إلى هذا الحد لن يعوقه عنه عائق لا زوجة ولا غير زوجة، والنساء شقائق الرجال، وجد منهن، يوجد الآن هل يتصور واحد منا أنه توجد امرأة تقرأ فتح الباري ثلاث مرات؟ كبار المشايخ ما قرؤوه ولا مرة، نعم، امرأة الآن لم تصل إلى الثلاثين من عمرها قرأت فتح الباري ثلاث مرات، يعني هذا موجود ولله الحمد، يعني لا نيأس، وإذا بحثت المرأة عن شخص يعينها على العلم، وبحث طالب العلم على امرأة تعينه على طلب العلم لا شك أنها تتم النعمة، وإلا فالعزوبة من أعظم الصوارف عن طلب العلم. هب أن هذا طالب علم من درس إلى درس، ومن كتاب إلى كتاب، لكن ذهنه مشغول. يقول: هل كل مجلس يجلس فيه أو يجلس فيه قوم لم يذكروا الله فيه أو الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا انفضوا عنه كأنما انفضوا عن جيفة حمار حتى لو كان مجلسهم من الكلام المباح؟

جاء الخبر بهذا ((وما من قوم يجلسون مجلساً لا يذكرون اسم الله إلا كان عليهم ترة يوم القيامة)) يعني حسرة وندامة، والحسرات تتفاوت، حسرة مرتكب المحرم ما هي مثل حسرة من شغله المباح عن المستحب، وليست مثل حسرة من شغله المستحب عن الواجب، المقصود أنه ما من شخص إلا سيندم، ما من ميت إلا سيندم، وندامة كل شخص بحسبه، حتى العابد الزاهد المقبل على ربه سيندم، لماذا؟ لأنه ما استغل الوقت الأربعة والعشرين ساعة كلها فيما يرضي الله -جل وعلا-، فرط في بعض الأوقات، فيندم على تفريطه بهذا، وإن كان على خير عظيم، فضلاً عمن شغل وقته فيما لا يرضي الله -جل وعلا-. هذا من الانترنت يقول: هل يجوز أن يتسمى الرجل باسم مستعار في الانترنت باسم رسول الحب أو رسول الهوى؟ رسول إيش معنى رسول؟ يعني هل أرسله الحب؟ يعني الحب أرسله؟ ويش معنى أرسله؟ إذا كان المعنى الأعم بمعنى أنه هو الذي بعثه على متابعة حب العلم، حب العلم بعثه وأرسله إلى تتبع مواطنه في هذه الآلة له وجه، لكن يبقى أن كلمة رسول التوسع فيها غير مرضي، رسول الهوى إيش الهوى هذا؟ إيش معنى رسول الهوى؟ يعني رسول الحب حب الشيء لا سيما إذا كان حبه للعلم أرسله وبعثه على تتبع مواطنه في هذه الآلة لا بأس، أما أن يقول: إنه يتسمى باسم غير اسمه هذا داخل في حيز الكذب. يقول: هل صوت المرأة عورة إذا كان صوت هذه المرأة ناعم بطبيعتها بحيث لا تميعه هل يجوز لها أن تتكلم بحضرة الرجال أو تلقي السلام فقط أو السكوت؟ أولاً: المسألة مرتبطة بالفتنة، صوت المرأة في الأصل إذا سلم من الخضوع فليس بعورة، هذا الأصل فيه، لكن إذا صحبه الخضوع حرم {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [(32) سورة الأحزاب] إذا كان من الأصل صوتها فاتن تمنع للفتنة، تمنع من أجل الفتنة، والسكوت حينئذٍ في حقها أفضل، وأهل العلم يؤكدون على أن المرأة لا تبدأ الرجال بالسلام. يقول: ما صحت حديث: ((رحم الله امرئ صلى قبل العصر أربعاً))؟ هذا الحديث حسن، وينبغي الاهتمام بهذه الأربع.

هذه امرأة حامل ولديها بنت وعمرها سنة وأربعة أشهر ولا تزال ترضعها فهل يضر بالمولود الجديد؟ وهل يخاف من ضرر بالمولود مع تغير الهرمونات؟ على كل حال النبي -عليه الصلاة والسلام- أراد أن ينهى عن الغيلة، ينهى عن الغيلة، وهي: إرضاع الحامل، يقول: فإذا فارس والروم يغولون ولا يضرهم، أراد أن ينهى فانتهى عن النهي وكف عن هذا النهي لأنه رأى فارس والروم لا يضرهم مثل هذا، وبعض الناس يشكل عليه معنى هذا الحديث، حتى بعض السفهاء كتب في الصحف أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يتأثر في تشريعه بالحضارات الأخرى، يعني تأثر بفارس والروم فعدل عن النهي الذي هو تشريع في الأصل، نقول: لا يا أخي لا تأثر ولا شيء، رسالة النبي -عليه الصلاة والسلام- عالمية، ودعوته عامة، فكون الأمر يضر بقوم مع أن الأكثر لا يتضرر به، يعني الرسول -عليه الصلاة والسلام- كما هو رسول للعرب رسول لفارس، رسول للروم، رسول للشرق، رسول للغرب، رسول لجميع من على وجه الأرض، رسول للثقلين، فإذا كان ما يراد النهي عنه ... طالب:. . . . . . . . . اصبر اصبر. فإذا كان ما يراد النهي عنه الغالب فيه الضرر ينهى عنه، نعم يوجد من يتضرر ببعض الأمور وغيره لا يتضرر بها، يعني يوجد بعض الناس يتضرر ببعض الأشياء، وشرائح كبيرة من الناس لا تتضرر هل مثل هذا يقتضي المنع؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- تصور أن الأمم كلها تتضرر بهذا فأراد أن ينهى، فوجد أن الذين يتضررون هم طائفة من العرب، يعني قد يكون لجوهم تأثير، قد يكون لتربتهم تأثير، قد يكون لطبيعتهم وطبائع أجسامهم تأثير، مدخل لهذا التأثير، لكن بقية الأمم لا تتضرر، والرسالة عالمية للأمم كلها، فتأثر بعض الناس بالشيء لا يؤثر على الحكم العام، بدليل أن بعض الناس يتضرر من التمر مثلاً، نقول: التمر حرام؟ نعم؟ ما يستطيع أن ... ، بعض الناس يتضرر من شرب اللبن نقول: اللبن حرام؟ لا، لا أبداً.

يبقى أن الحكم حكم كلي أغلبي، كونه يتضرر به بعض الناس لا يلتفت إليه، من يتضرر يمنع منه، فالتي ولدها يتضرر من الغيلة بمعنى أنها ترضعه وهي حامل فيتضرر تكف عن الرضاع، لا ترضعه، ويبقى أن الحكم العام النبي -عليه الصلاة والسلام- ما منع فهو مباح لمن؟ لمن لا يتضرر، يبقى أن التمر مباح بالإجماع، لكن الذي يتضرر بأكله يمنع منه، الذي يتضرر من اللبن يمنع منه لأنه يتضرر؛ لأن الضرر ممنوع شرعاً، وكل ما يضر بالإنسان لا يجوز له تناوله، فهذه المرأة إذا رأت أن ولدها يتضرر من رضاعها تمتنع من رضاعه، وإذا كان لا يتأثر وهذا موجود حتى على ... ، في بلدنا من النساء من ترضع وهي حامل ما يتضرر، فلنفهم ما السبب الذي جعل النبي -عليه الصلاة والسلام- يعدل عن منع الغيلة، نفهمه جيداً؛ لأن بعض السفهاء الآن صاروا يتطاولون على الشرع، ويكتبون ويبحثون عن أمور متشابهة، يتشبثون بها للطعن في شريعتنا، يقول: نعم الرسول تأثر بحضارة فارس الروم وأراد أن ينهى فرآهم ما يغولون، يعني ويش؟ كيف تأثر يعني؟ حقيقة الأمر أن رسالة النبي -عليه الصلاة والسلام- كما هي للعرب هي لفارس والروم والصين والبربر وغيرهم، جميع من على وجه الأرض من جن وإنس، إلى الثقلين أرسل، فكون طائفة من الناس تضرر والغالب ما يتضررون لا يقتضي أن ينهى، فلما عرف أن أكثر الناس لا يتضرر لا ينهى؛ لأن الحكم للغالب، ويبقى أن من يتضرر من شيء يمنع منه، ولو وكان مباح إجماعاً يمنع منه، يعني إذا كان شخص يتضرر من تمرة واحدة نقول: ما يجوز لك تذوق التمر، إذا كان قال له الطبيب: تأكل ثلاثة، نقول: الرابعة لا تجوز، إذا كان سامح له الطبيب أكل سبع مثلاً، يقال: الثامنة تضرك يا أخي، وما يضر لا يجوز أكله، يبقى أن كل إنسان بحسبه. فهذه المرأة إن كان ولدها يتضرر كما هي عادة بعض نساء العرب، النساء العربيات في جزيرة العرب بعض النساء يتضرر ولدها فعليها أن تمتنع، والتي لا يتضرر ولدها لا تمتنع. هذه من أمريكا تقول: بعد الأحداث أصبحت زيارة الأخوات في الله والجارات فيها شك كثير - ما أدري والله إيش هذا الشك؟ - فما هو الضابط في الزيارة بين الأخوات في الله؟

الأصل الصلة، لكن إذا كان يترتب على هذه الصلة ضرر على الواصل أو الموصول، على الزائر أو على المزور فيرتكب أخف الضررين بترك هذه الصلة. يقول من مصر: هل تأثم الفتاة إذا قررت عدم الزواج؟ عثمان بن مضعون استأذن النبي -عليه الصلاة والسلام- بالتبتل يعني ترك الزواج، فلم يأذن له، وعلى كل حال الزواج يختلف حكمه من شخص إلى شخص، فبعض الناس يجب عليهم الزواج، ويأثمون بتركه، وهي ما إذا غلب على ظن الواحد منهم أنه إذا لم يتزوج وقع في محرم في فاحشة، مثل هذا يحرم عليه أن يترك الزواج، وبعض الناس يندب في حقه، وبعض الناس من باب المباح، وبعضهم إلى بقية الأحكام التكليفية الخمسة ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) اللام لام الأمر. يقول: نود نصيحة لتارك الصلاة خاصة صلاة الفجر، وكذلك نصيحة لبعض الأئمة المتساهلين مع تارك الصلاة؟ صلاة الفجر جاء الترغيب فيها أكثر من غيرها، فجاءت مع صلاة العصر ((من صلى البردين دخل الجنة)) ولما قرر النبي -عليه الصلاة والسلام- الرؤية، رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، وأن منهم من يراه في الغداة والعشي، حث على صلاتين، صلاة الصبح وصلاة العصر، وبهما تنال هذه المنزلة، وأثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الصبح؛ لأنهما تقعان في الظلام، وهما لا يصلون إلا لمراءاة الناس، فإذا شابه المرء المنافقين في هذه الخصلة يخشى من أن يطبع على قلبه فيكون منافقاً خالصاً، فعلى المسلم أن يعنى بهذه الصلاة. وأما بالنسبة للإمام فعليه مسئولية تجاه المأمومين فهو مؤتمن على هذه البقعة، وله الكلمة عليهم، وصلاتهم بيده، والإقامة بأمره، فعليه تبعه أكثر من غيره، مع أن كل من علم بحاله عليه أن ينكر عليه. يقول: الذين حضروا هذه الجلسة غالبهم طلاب علم، أما الذين يتكلمون فيما لا يعنيهم وأصحاب الصفات التي لا يحبها الله ورسوله في مجالسهم وبيوتهم لم يحضروا، فما هو الحل في رأيك؟ وما هو واجبنا حيال ذلك؟

على كل حال على الإنسان أن يوصل، أن يوصل الخير، ويعلم الناس الخير، ويحذرهم من الشر على أوسع نطاق، ولو كتبت هذه الأمور في مطويات، ووزعت على البيوت، ووضع عليها جوائز بحيث يحفز الناس على قراءتها، بحيث يسمعها من يحضر ومن لا يحضر، يكون هذا هو الأصل. يقول: أنا امرأة أشاهد صور الرجال في الشاشات والمجلات، وأشعر أني أنظر نظرة إعجاب فهل أنا آثمة؟ وهل من توجيه لي ولأخواتي اللاتي ينظرن لهؤلاء الرجال حتى نترك هذه المشاهدات لهؤلاء الرجال؟ أولاً: المرأة مأمورة بغض البصر كالرجل سواءً، فلا يجوز للرجل أن يكرر النظر في المرأة الأجنبية، كما أنها لا يجوز لها أن تنظر إلى الرجال الأجانب سواءً كانوا على الطبيعة أو على الشاشات أو في المجلات أو غيرها، لا يجوز لها أن تنظر، بل أمرت بغض البصر {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [(31) سورة النور] والنظر بريد، وهو سهم مسموم من سهام إبليس، المرأة قد تكون من الخيرات الحريصات على الخير، وتسمع لهذا الشيخ كلام، ثم تنصرف عن هذا الكلام إلى الإعجاب بشكله ومنظره، ثم يدخل يقر الخبث في قلبها، ويصيبها المرض وهي تطمع في هذا الرجل، ثم الأمور متيسرة التليفونات موجودة والجوالات ووجد من بعض الصالحات من تقول لبعض المشايخ: أنا أحبك في الله، ثم تسترسل في أمور ورسائل جوال، وعليها شوي شوي حتى يوقعهم الشيطان فيما لا تحمد عقباه، ولا يوجد معصوم من هذه الفتنة، وفتنة النساء على الرجال شر مستطير، كما أن النساء يفتن بالرجال، فعلى المرأة أن تتقي الله -جل وعلا- في نفسها، وعلى الرجل أيضاً أن يبذل من ذلك ما يجب عليه، فعليه أن يغض البصر، وإذا خشي ريبة من امرأة تخاطبه أو تكلمه ولو كانت مستفتية؛ لأنه يظهر من بعض النساء هداهن الله تأتي على صيغة سؤال، على طريقة سؤال، ثم تقول تسترسل يعني مرة ثانية وثالثة، وأنها إذا كانت تحب شخص في الله هل تخبره، وبعد ذلك يدخل الشيطان بينهم، وكم من فريسة وقعت في مثل هذا، نسأل الله السلامة والعافية.

على كل حال إذا وصل الأمر إلى هذا الحد لا يجوز النظر إلى ... البتة، ولو كان في أصل النظر من أجل مصلحة تحصيل فائدة أو محاضرة أو فتوى أو ما أشبه ذلك، فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح. يقول: في حديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ((وذلك أضعف الإيمان)) هل يعني ذلك أن من لم ينكر المنكر بقلبه تنتفي عنه صفة الإيمان؟ هذا قرره أهل العلم، وأنه جاء في بعض الروايات: ((وليس وراء ذلك من الإيمان شيء)) يعني الذي لا ينكر المنكر بقلبه نسأل الله السلامة والعافية على خطير عظيم. كيف السبيل إلى المحافظة على الحسنات التي يعملها الإنسان؟ على الإنسان أن يحفظ جوارحه يحرص على كسب الحسنات فالعمر قصير، يحرص على كسب الحسنات، ثم بعد ذلك يحافظ على هذه الحسنات، فيحفظ جوارحه، لا يعتدي على أحد، لا يتكلم في أحد، لا ينم في أحد، لا يكذب على أحد، لا يشهد على أحد شهادة زور ولا غيره، المقصود أنه يحفظ لسانه، ويحفظ جوارحه، و ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)) وأهل العلم يقولون: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((من لسانه)) ولم يقل: من قوله، ليكون الأمر أعم بحيث لو أخرج لسانه مستهزئاً مستهتراً دخل في الحديث، ويده مفرد مضاف يعم التعدي باليد القليل والكثير. أظن الوقت انتهى وقت الإقامة؟ نكتفي بهذا، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شرح حديث: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا)

شرح حديث: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً) الشيخ/ عبد الكريم الخضير الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فإن طلب العلم لا يخفى فضله على أحد منكم، وما أعد الله -جل وعلا- لمن سلك طريقاً يلتمس هذا العلم، وما أعده من منازل للعلماء، مما تضافرت عليه نصوص الكتاب والسنة، مما لا نحتاج إلى بيانه وذكره. من أهم ما يُعنى به طالب العلم ما يتعلق بالأصل الأصيل، والحبل المتين كتاب الله -جل وعلا-، علينا جميعاً أن نعنى بكتاب الله -جل وعلا- وأن نهتم به، وأن نتعلمه، ونقرأه على الوجه المأمور به، وأن نتدارسه، وأن نعلمه الناس، وأن نعمل بما اشتمل عليه. ثم بعد ذلك العناية بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بادئين بالمختصرات على الجادة المعروفة عند أهل العلم، بدءاً بالأربعين الأحاديث الجوامع الكلية من جوامع كلمه -عليه الصلاة والسلام- التي منها هذه الأحاديث التي نشرحها، ومنها حديث اليوم. هذه الأحاديث جوامع وقواعد كلية أحسن النووي -رحمه الله تعالى- باختيارها وانتقائها، وإن كان الحديث الذي دعاه إلى جمعها ضعيفاً، ((من حفظ على أمتي أربعين حديثاً ... )) هذا اتفق الحفاظ على ضعفه، وقد بين النووي ذلك في مقدمة الأربعين، فالداعي لجمعها هذا الحديث -وإن كان ضعيفاً- إلا أن عامة أهل العلم يعملون به في مثل هذا الباب، وقد نقل النووي الاتفاق على ذلك في مقدمة الأربعين، ونوزع في نقل هذا الاتفاق، وعلى كل حال أحسن -رحمه الله- بانتقائها وجمعها، فهي أحاديث كلية اعتمدها أهل العلم أن يُبدأ في حفظها كدرجة أولى ولبنة أولى للبناء العلمي المتين.

معنى: (أن الله طيب):

وقد عني بها أهل العلم فلا يحصى كم من شرح هذه الأربعين بدءاً من مؤلفها إلى يومنا هذا وهي تشرح، منها هذه الأحاديث التي أودعها النووي في كتابه حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وقد أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [(51) سورة المؤمنون] وقال -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [(172) سورة البقرة] ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟! )) هذا الحديث مخرج في صحيح مسلم، وجامع أبي عيسى الترمذي، ومسند أحمد وغيرها من دواوين الإسلام، فهو معروف لا إشكال في صحته، ولم يخرجه البخاري -رحمه الله تعالى-؛ لأنه ليس على شرطه؛ فراويه فضيل بن مرزوق ليس من شرط البخاري، وهو غير ابن مرزوق الذي نص عليه الحافظ العراقي في ألفيته، ذاك عمرو بن مرزوق، لأنه يقول: وفي البخاري احتجاجاً عكرمة ... مع ابن مرزوق وغير ترجمة فالفضيل بن مرزوق هذا ليس من شرط البخاري، ولذا لم يخرجه في صحيحه، وهو صحيح، لا كلام لأحد فيه. معنى: (أن الله طيب):

((إن الله طيب)) إذا وجدنا مثل هذه الصيغة في كتب السنة، مثلاً في صحيح مسلم ((إن الله طيب)) هل لنا أن نقول: إن الله تعالى طيب؟ أو إن الله -عز وجل- طيب؟ أو إن الله -جل وعلا- طيب؟ أم نقول: هذه زيادة لا توجد في الأصل؟ كما أننا إذا سمعنا ذكره -عليه الصلاة والسلام- نصلي عليه، أو نلتزم بما في الأصل؟ وقل مثل هذا في الصحابي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هذا في الأصل، فهل لنا أن نقول: -رضي الله عنه-؟ نعم، هذه الأمور ليس مبناها على الرواية، وهي بين دعاء وثناء لا يتقيد فيها بالرواية، فتصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو لم توجد الصلاة في الأصل، وتصف الله بما يليق به ولو لم يوجد في الأصل؛ لأن هذه إما دعاء وإما ثناء، لا مدخل للرواية فيه، وهذا فيما إذا كان الكلام في غير ما تعبد بلفظه، أما ما تعبد بلفظه فليس لك أن تزيد، ما تعبد بلفظه ليس لك أن تزيد فيه، ولو كان ذلك على سبيل الدعاء أو الثناء. ((إن الله تعالى طيب)) (طيب) يطلق ويراد به ما تستلذه النفوس، {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء} [(3) سورة النساء]، ويطلق ويراد به الحلال {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف]، يطلق ويراد به الطاهر {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} [(43) سورة النساء] ((إن الله طيب)) على أي الإطلاقات يحمل؟ على الأخير، طاهر، المقدس، المنزه، القدوس.

ما يدل عليه نفي القبول:

وبعض الشراح يأخذ من هذا الحديث وما جاء مما يسنده يأخذ أن الطيب اسم من أسماء الله -جل وعلا-، ((إن الله طيب)) كما أخذوا الرفيق، من حديث ((إن الله رفيق يحب الرفق، جميل يحب الجمال)) يأخذون من هذه أسماء، فهل الطيب من الأسماء الحسنى؟ من أسماء الله -جل وعلا- أو هو مجرد خبر عن الله -جل وعلا- ليس باسم من أسمائه؟ على كل حال نص كثير من الشراح على أنه اسم من أسماء الله -جل وعلا-، من هذا الحديث، لكن هل الصيغة جاءت لبيان أنه اسم من أسماء الله أو أنه مجرد خبر عن الله -جل وعلا- كما في حديث: ((إن الله وتر))؟ هل من أسماء الله -جل وعلا- الوتر؟ لو توسعنا في مثل هذا لقلنا كما قال ابن حزم وغيره أن الدهر من أسماء الله -جل وعلا-، فالمسألة خلافية بين أهل العلم ولا شك أن سياقه سياق الخبر، سياق الحديث سياق الخبر، كالوتر، ((إن الله وتر)). ما يدل عليه نفي القبول:

((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً)) القبول جاء في النصوص، وعدم القبول كما هنا (لا يقبل) نفي القبول جاء في بعض النصوص ما يدل على نفي الصحة، وجاء في بعضها ما يدل على نفي الثواب المرتب على العبادة، فمثلاً في حديث: ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) هذا يراد بنفي القبول نفي الصحة؛ لأن الأدلة دلت على أن الطهارة شرط لصحة الصلاة، وما تخلف شرطه لا يصح؛ لأن الشرط يلزم من عدمه العدم، ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) كذلك، وجاء إطلاق نفي القبول ويراد به نفي الثواب المرتب على الصحة، على العبادة، تكون العبادة صحيحة، أيش معنى صحيحة؟ مجزئة مسقطة للطلب، بمعنى أنه لا يؤمر بإعادتها، لكن الثواب المرتب عليها لا يستحقه الفاعل ((لا يقبل الله صلاة عبد آبق)) ((لا يقبل الله صلاة من في جوفه خمر)) {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] مفهومه أن الله -جل وعلا- لا يتقبل من غير المتقين، غير المتقين الفساق مفهوم الآية أن الله -جل وعلا- لا يتقبل منهم؛ لأن الحصر في القبول للمتقين، مفهومه أن الله -جل وعلا- لا يقبل من غيرهم من الفساق، فإذا قلنا: المراد بنفي القبول هنا الصحة، قلنا: جميع تصرفات الفساق باطلة، إذا صلى وهو مرتكب لذنب، قلنا: لا بد من إعادة، إذا صام وهو مرتكب لذنب، قلنا: لا بد من إعادة، إذا حج وهو مرتكب لذنب لا بد من الإعادة، لأنه ليس من المتقين، العاصي ليس من المتقين، والله -جل وعلا- إنما يتقبل من المتقين. أهل العلم يقررون أن المراد بنفي القبول هنا نفي الثواب المرتب على الصحة، وإلا فالصحة حاصلة، الصلاة صحيحة، بمعنى أنها مجزئة ومسقطة للطلب، فلا يؤمر بإعادتها.

أمر الله الرسل وأتباعهم بالطيبات:

((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً)) وعلى هذا من تصدق بصدقة مما ينتفع به وهو ليس من النوع الطيب، من النوع الرديء، عندك ثلاثة أنواع من التمر، طيب ومتوسط ورديء، لو تصدقت من هذا الرديء، تصدقت صدقة مطلقة نفل، ممن يستسيغه ويأكله تؤجر أو لا ما تؤجر؟ الله -جل وعلا- يقول: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} [(267) سورة البقرة] لا شك أنه في الزكاة الواجبة لا يجزئ الرديء، ولذا أنت لا تقبله وفاء لدينك؛ لأنه رديء إلا أن تتسامح، أما في الصدقة المطلقة تتصدق على فقير بنوع أقل مما تأكله أنت وأولادك، الصدقة تؤجر عليها؛ لأنه ينتفع بها، ولذا لو أن إنساناً اقتنى ثوباً جديداً وتصدق بالثوب القديم يلام أو لا يلام؟ هو رديء بالنسبة للثوب الجديد، وعلى كل حال، الطيب وما يضاده أمور نسبية. أما الرديء الذي لا ينتفع به البتة لا تجوز الصدقة فيه؛ لأن هذا بحيث لا ينتفع به هذا استخفاف، أما النوع المفضول -وإن سماه الناس ردئياً- إذا كان ينتفع به فالصدقة به يرتب عليها الثواب ما لم تكن الرداءة به تصل إلى حد بحيث لا يستسيغه من تصدق عليه به، ولذا المأمور بإخراجه في الزكاة من أوساط المال، والوسط من المال بالنسبة للأعلى رديء، وبالنسبة لما دونه طيب، فمثل ما ذكرنا الطيب وما يضاده أمور نسبية، ففي النفقة أو في الصدقة المستحبة، الأمر فيه سعة، إذا كان المتصدق به مما ينتفع به. عندك كتاب مثلاً مستعمل وأثر الاستعمال عليه ظاهر، واقتنيت نسخة نظيفة تدفع هذه النسخة القديمة إلى غيرك، فهو طيب من جهة باعتبار أنه ينتفع به، هو طيب من هذه الحيثية، أما لو كان من النوع الذي لا يمكن أن ينتفع به فليس بطيب، ويصدق عليه حديث ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً)). أمر الله الرسل وأتباعهم بالطيبات:

الأمور والأعيان الموصوفة بـ (الطيبة والخبيثة):

((وقد أمر الله المؤمنين بما أمر به المرسلين ... )) فالله -جل وعلا- أمر المرسلين ومن أرسل إليهم؛ لأن الحكم واحد المرسلون وأتباعهم كلهم عبيد لله -جل وعلا-، ترد عليهم الأوامر والنواهي، مما لا تدل الأدلة على اختصاص بهم، "فقال -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [(51) سورة المؤمنون] وأمر المؤمنين بذلك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [(172) سورة البقرة] والمراد بالطيبات هنا الحلال، مما يقابل الخبائث، ومن لازم الحل الطهارة، إذ الخبائث والمستخبثات والمستقذرات والأعيان النجسة يحرم أكلها، كما في قوله -جل وعلا-: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف]. الأمور والأعيان الموصوفة بـ (الطيبة والخبيثة): الأمور والأعيان التي جاء الشرع بتحريمها من أول الأمر واستمر التحريم أمرها واضح، والأمور التي أباحها الشارع واستمرت الإباحة أمرها أيضاً واضح، تلك خبائث وهذه طيبات، لكن الأعيان التي كان مأذوناً بالانتفاع بها ثم حرمت ماذا عنها في وقت الحل؟ وكيف صار أمرها في وقت التحريم؟ الخمر لما كانت حلال ثم حرمت؟ هل كانت خبيثة من الأصل وإباحتها للحاجة ثم حرمت واستمر خبثها، أو أنها كانت طيبة، ثم انقلبت مع النص مع التحريم إلى أن صارت خبيثة؟ وهي أم الخبائث، وجاء ما يدل على خبثها، لكن ماذا عن الحمر الأهلية التي كانت تؤكل في أول الأمر ثم حرمت؟ هل انقلبت أعيانها من طيبات إلى خبائث؟ أو كانت خبيثة أبيحت للحاجة؟ أو هي طيبة ومنعت للحاجة؟ الآن في قوله -جل وعلا-: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] لو ضربنا مثال بالحمر الأهلية كانت مباحة تؤكل، ثم حرمت، هل نقول: أنها من النوع الطيب، باعتبار ما كان؟ أو هي من النوع الخبيث باعتبار الحال أنها محرمة؟ ماذا نقول؟ أو نقول: كانت طيبة ثم صارت خبيثة، والله -جل وعلا- قادر على أن يجعلها طيبة لما كانت مباحة، ثم تنقلب عينها إلى الخبث بعد أن حرمت؟

أسباب القبول والإجابة:

وإذا أردنا أن نستطرد فبول ما يؤكل لحمه -لتقريب المسألة قليلاً- بول ما يؤكل لحمه دلت الأدلة الصحيحة على طهارته، هي كانت يؤكل لحمها ثم حرمت، فماذا عن بولها؟ أو تبعاً لعينها؟ مثل هذه الأمور من المسائل التي تشكل على كثير من طلاب العلم، فلا بد من توضيح الأمر. هاه، يعني لما كانت تؤكل فأبوالها وأرواثها يعني كغيرها مما يؤكل كالإبل والغنم أو كانت أبوالها وأرواثها نجسة كالكلاب لأنها لا تؤكل؟ الآن بعد تحريمها بولها طاهر أو نجس؟ نجس، لا أحد يقول بطهارته، يعني إذا اختلفوا بعرقها ولعابها فلم يختلفوا في بولها، وقال عن روثها: ((إنها ركس)) لما أحضره ابن مسعود ليستنجي به النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((إنها ركس)) لأنها روثة حمار، هاه يا إخوان ساهموا، هاه يا شيخ. طالب:. . . . . . . . . إيه مباحة فهي طاهرة، يعني ما دامت تؤكل فطهارتها من باب أولى؛ لأنه لا يؤكل النجس، ثم انقلبت عينها إلى نجس بعد التحريم، يعني ندور مع النص، وهذا هو الذي يظهر، يعني ندور مع النص. أسباب القبول والإجابة: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [(157) سورة الأعراف] ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً)) هذه المقدمة هي سبب للقبول بمعناه الأصلي، الطيب مقبول، وهو أيضاً سبب للقبول، والمحرم وأكل الحرام مانع من القبول، ولذا جاء في آخر الحديث ذكر الرجل ((يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء يا رب، يا رب)) هذه من أسباب القبول. السفر: ((يطيل السفر)) المسافر له دعوة مستجابة، وإطالته أدعى إلى قبول الدعوة لما يتصف به المسافر من الانكسار، وعدم الاستكبار، والتذلل والخضوع إلى الله -جل وعلا-، فإذا طال هذا السفر، طال السبب صار أدعى إلى القبول.

رفع اليدين في الدعاء:

((أشعث أغبر)) والأشعث الأغبر أقرب إلى الانكسار، بخلاف من يهتم بمظهره؛ لأنه أقرب إلى حال أهل الكبر، يعني ما تجد متكبر وهو مستكين في مظهره، إلا إذا كان فيه شيء من الدخن، لأن بعض الناس يظهر للناس أنه متواضع يلبس الأسمال البالية، ويتماوت في مشيته، وبين جنبيه نفس تنوء بحملها البغال، عنده شيء من الكبر -نسأل الله العافية- لكن في الغالب أن الظاهر يدل على الباطن، ولا يعني أن كل من اعتنى بنفسه وبمظهره بالحد الشرعي أنه متكبر، لا، ولذا لما قالوا: إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه جميلاً، ونعله جميلاً، قال: ((إن الله جميل، يحب الجمال)) فالجمال محبوب لكن يبقى أنه إذا زاد عن حده صار مذموماً، وجاء في عيشه -عليه الصلاة والسلام- ما يدل على أنه يتوسط في أموره، يدهن ويكتحل، لكن لا يبالغ يترجل، لكنه لا يسرف في ذلك، فخير الأمور أوساطها. نعود إلى الحديث: ((أشعث أغبر)) من طول السفر، وهذا أقرب إلى الضعف والاستكانة والانكسار بين يدي الله -جل وعلا-، لاستشعار الحاجة والفاقة؛ لأنه بعيد عن أهله وعشيرته، بعيد عن أمواله، فهو محتاج، الحاجة عليه ظاهرة، وهذه من دواعي إجابة الدعاء. رفع اليدين في الدعاء: ((يمد يديه إلى السماء)) ورفع اليدين في الدعاء تواترت به الأحاديث، وألف فيه المؤلفات، والله -جل وعلا- يستحيي أن يرد اليدين إذا رفعهما العبد إليه صفراً، وثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه رفع يديه، وبالغ في رفعهما حتى يرى بياض إبطيه، وحتى وصل الحد إلى أن تكون ظهورهما إلى السماء، فرفع اليدين مشروع عند الدعاء بالنصوص الثابتة، والدلائل القاطعة، وإن قال بعض السلف: أنه لا يشرع، وقال لمن رآه يرفع يديه: "ثكلتك أمك، من تتناول بهما؟ " من التابعين رأى داعي يرفع يديه قال: "ثكلتك أمك من تتناول بهما؟ " لكن مثل هذا القول يعول عليه مع صحة النصوص؟ أبداً، مثل هذا يضرب به عرض الحائط.

تحري الحلال في المأكل والمشرب والملبس:

فرفع اليدين من أسباب قبول الدعاء، يا رب يا رب، وجل الأدعية القرآنية بهذه الصيغة، يا رب، ربنا، وفي آخر سورة آل عمران كررت كم؟ خمس مرات؟ هاه {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ ... } [(190 - 194) سورة آل عمران] خمس مرات، واستنبط بعض المفسرين أن من كرر الدعاء بهذه الصيغة خمس مرات يستجاب له، أخذاً من هذه الآيات؛ لأنها عقبت بقوله -جل وعلا-: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم} [(195) سورة آل عمران] يعني من كرر ربنا خمس مرات يستجاب له، وجاء في خبر لكنه ضعيف تكرارها أربع أو ثلاث، المقصود أن هذه الصيغة من أسباب قبول الدعاء عند أهل العلم، وأكثر الأدعية جاءت بها، رب اغفر لي، رب ارحمني، وهكذا جاءت في نصوص الكتاب والسنة بهذه الصيغة، فهي من دواعي القبول، يا رب، يا رب، هذه الصيغة المكررة ما الذي يمنعه من القبول؟ ما الذي يمنعه من إجابة الدعوة؟ تحري الحلال في المأكل والمشرب والملبس:

أكل الحرام، شرب الحرام، لبس الحرام، التغذية بالحرام، ((ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له؟! )) استبعاد، كيف يستجاب لمثل هذا؟ الذي يتقلب في الحرام في جميع تصرفاته كيف يستجاب له؟ فصدر الحديث يدل على بذل السبب، سبب القبول وآخر الحديث يدل على أنه لا بد من انتفاء المانع من القبول، ولذا الأسباب وحدها لا تؤتي ثمارها ما لم تكن الموانع منتفية، فلا بد مع توافر الأسباب انتفاء الموانع، فآخر الحديث يشهد لأوله، فالحرص على طيب الكسب وطيب المطعم، وطيب المشرب، وطيب الملبس سبب للقبول، لكن هل يستقل هذا السبب بالقبول، أو لا بد من انتفاء المانع؟ والسبب عند أهل السنة والجماعة جعله الله -جل وعلا- سبباً وجعل فيه تأثير، فالله -جل وعلا- هو المسبب وهو الذي جعل التأثير، ولا يستقل السبب بالتأثير كما تقول المعتزلة: أن السبب يستقل بالتأثير، وليس وجود السبب كعدمه كما تقول الأشعرية، يقولون: أن السبب وجوده مثل عدمه، ولذا يقررون في كتبهم أنه ليس هذا من باب الإلزام، بل صرحوا به، قالوا: أنه يجوز أن يرى الأعمى -وهو في الصين- البقة وهو في الأندلس، صغار البعوض أعمى في الصين في أقصى المشرق، يرى صغار البعوض –البقة- وهي في الأندلس، تراهم يا إخوان أصحاب عقول أصحاب ذكاء، لكن لما بعدوا عن النصوص وخلي بينهم وبين عقولهم أتوا بمثل هذه المضحكات، وإلا أدنى عاقل يقول لك أعمى في الصين يرى بقة في الأندلس؟!

أقول الأسباب لا شك أن لها أثراً جعله الله -جل وعلا- فيها، نضرب مثال في فصل الشتاء في البرد الشديد يلبس الإنسان من الثياب ما يجزم أو يغلب على ظنه أنه يقيه البرد، نعم، قد يصاب بمرض مع وجود هذا السبب، هذا سبب ومحسوس وجعله الله -جل وعلا- سبباً، سبب عادي، لكن قد تترتب عليه آثار وقد تتخلف، هل يقول قائل: أن من يلبس الثياب في الشتاء ويحتاط لنفسه بآلات التدفئة مثل شخص اغتسل بثيابه وبرز إلى الشارع أو إلى البر، هناك فرق أو لا ما فيه فرق في الشتاء؟ فيه فرق كبير، هذا بذل السبب وهذا فرط، والسبب نافع بإذن الله -جل وعلا-، فالله -جل وعلا- جعل في الأسباب تأثيراً، لكنها لا تستقل بالتأثير بدليل أنه قد توجد هذه الأسباب ويصاب الإنسان بما وضعت هذه الأسباب من أجل دفعه.

قد يؤتى الإنسان من شدة حرصه، يعني شخص بذل السبب وما فرط في رعاية صحته، اعتنى بأكله الأكل المناسب لجسمه ولسنه بالقدر المطلوب، الذي يقرر الأطباء أنه في الغالب ينفع ولا يضر، وعلى صلة مستمرة بالأطباء والتحاليل باستمرار أسبوعياً –هذه المسألة واقعة– شخص محتاط لنفسه، ويحلل في كل أسبوع من أجل زاد كذا نقص كذا، هذا بذل السبب، لكن ما الذي حصل بعد كم أسبوع؟ قال له الأطباء: إنك مصاب بسرطان الدم، طيب وين احتياطاتك؟ ووين أسبابك؟ وكم من شخص مفرط .. لكن لا يعني أن الأسباب لا تأثير لها، الأسباب لها تأثير، وقد أمرنا بفعل الأسباب، وترك الأسباب قدح في العقل، والاعتماد عليها قدح في الشرع، لا شك أن الأكل ((أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة)) سبب في استجابة الدعوة، ولا بد من انتفاء الموانع، قد يوجد السبب وينتفي المانع، ويتخلف الأثر، قد يدعو الإنسان مع توافر الأسباب وانتفاء الموانع ولا تستجاب دعوته؟ الأسباب متوافرة والموانع منتفية، ما أجيبت الدعوة؛ لأن الله -جل وعلا- وعده إما أن يجيب دعوته، أو يدفع عنه من الشر أعظم مما دعا به، أو تدخر له هذه الدعوة يوم القيامة أحوج ما يكون إليها، وبعض الناس يقول: الدعاء لا قيمة له، والله -جل وعلا- يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [(60) سورة غافر] بعض من ينتسب إلى التصوف يقول: الدعاء لا قيمة له، فإذا كان الله -جل وعلا- قد قدر لي هذا الشيء لا بد أن يحصل دعوت أو لم أدع، وإذا لم يقدر لي فإنه لن يحصل لي دعوت أو لم أدع، نقول: ومع ذلك ادع، أنت مأمور ببذل ما أمرت به، وليست النتائج بيدك، ولا الإطلاع على ما في اللوح المحفوظ بيدك، أنت مأمور بالدعاء ادع، ولذا لا يطرد هذا المبدأ عندهم، هذا المبدأ لا يطرد عندهم، تقول له: يا أخي ليش تتزوج؟ قال: أريد الولد، قلت له: لا يا أخي لا تتزوج إن كان مكتوب لك أولاد بيجون، وإن كان ما كتب لك أولاد لو تنكح مائة امرأة ما جايك عيال، يقول: لا يا أخي لا بد من بذل الأسباب، طيب وين الأسباب الثانية، نعم، فيضطرب مذهبه في هذا.

على كل حال الله -جل وعلا- كما في الحديث طيب لا يقبل إلا ما كان طيباً، فعلى الإنسان أن يحرص ألا يدخل في جوفه إلا ما يجزم بحله من جهة، وأن يكتسب المال من حله، وأن ينفقه في وجوهه الشرعية؛ فالشخص المخلط الذي لا يحتاط لنفسه في الكسب سواء كان من أهل المعاملات التجارية الذي ترد الشبهات على عقوده وقد يتجاوزها إلى المحرمات وهو مخلط في كسبه، مثل هذا على خطر من هذا الحديث، وقل مثل هذا في الموظف الأجير الذي لا يؤدي الدوام على الوجه المتفق عليه، كثير من الناس تجده من الأخيار ودائماً يلهج بذكر الله وشكره ودعائه والانكسار بين يديه، لكن ما تجاب دعوته، لكن لا يخطر بباله أنه يأكل الحرام، فالأجير إذا فرط بشيء مما اتفق معه عليه، صار مقابل هذا التفريط غير مباح محرم، نعم هناك أمور جرى العرف على التسامح فيها، يعرف المسئولون أن هذه أمور لا بد أن تقع، ولا يحاسبون عليها؛ لأن الإنسان لا بد أن يحصل له ما يحصل لكن لا يكون عادة وديدن إذا حصل له ذلك يبادر في بذل الأسباب التي تعينه على أداء عمله على أكمل وجه. المال الذي فيه شبهة، ليس بمحرم صريح، وليس بحلال صحيح، بل هو من الأمور التي بين هذه وهذه من المشتبهات، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: إنه يجوز أن تسدد به الديون، لكن لا يؤكل؛ لأن الأكل وإدخال الجوف ما لا يعلم حله أثره على القلب، ثم بالتالي القلب يؤثر على الجوارح فكأن الشيخ -رحمه الله تعالى- في المال الذي فيه شبهة ليس المال المحرم، الذي فيه شبهة يجيز سداد الديون منه، شخص يأخذ من الصدقات والزكوات ويمر به مسكين هل له أن يتصدق عليه، أو نقول: إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً؟ أهل العلم يقولون: الشيء اليسير الذي يرد به المسكين ولا يؤثر في معيشته ومعيشة من يمون لا يحدث خلل فيه، يقولون: للفقير أن يتصدق به، ويرجى له ثوابه -إن شاء الله تعالى-، وممن نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-.

الأسئلة:

إذا أراد أن يحج فعليه كما يقول أهل العلم: أن يتحرى الكسب الطيب، ليكون حجه مبروراً مقبولاً، ويجتنب ما فيه شبهة، فضلاً عن الأمور المحرمة؛ لأن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة، لكن هل مثل هذا الكلام يقال لشخص معاملاته ليست على الطريقة الشرعية، إما بغش وخداع وحيل أو ربا أو ما أشبه ذلك من عقود محرمة، ثم بعد ذلك إذا جاء الحج يحرص أن يعقد صفقة صحيحة نظيفة ليحج بها؟ هل له ذلك؟ أو نقول: جل ماله محرم، فالذي يغلب على الظن عدم القبول. إذا حججت بمال أصله سحت ... فما حججت ولكن حجت العيرُ فعلى الإنسان أن يحرص على طيب المكسب، وأن يحرص أيضاً على الإنفاق، إنفاق الأموال في وجوهها المشروعة؛ لأن من الناس من يحرص ويحتاط للكسب، لكنه عند الإنفاق يتساهل فلا بد من أخذ المال من حله وإنفاقه في وجهه؛ لأن الشارع نهى عن إضاعة المال {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ} [(5) سورة النساء] ونهى عن ((قيل وقال، وكثرة السؤال وإضاعة المال)) فالمال محترم في شريعة الإسلام، وحفظه مما جاء الشرع بالتأكيد عليه كحفظ النفس والعرض والدين من الضرورات، ((ومن قتل دون ماله فهو شهيد)). في درس الأمس أطلنا في الشرح وضاق الوقت. . . . . . . . . أقول: في درس الأمس استغرقنا في الكلام، وإلا الكلام على مثل هذا الحديث لا ينتهي، والصور كثيرة جداً، والصور المتعلقة بهذا الباب كثيرة لا تنتهي، وبعض الناس يهمه ويستفيد من الأسئلة أكثر من الكلام المرسل، فنأخذ وقت كافي للأسئلة. الأسئلة: يقول: حكم الآلات التي تضرب في الأعراس، وما عرف عندنا بالصحفة والدربكة، وما حكم هذه الآلات المرسومة؟ ما أدري والله أيش يعني الدربكة؟ هكذا اسمها؟ طالب: الدُرَبُكة، الدربكة آلة. الدربكة ما أدري والله إيش هي؟ المقصود أن الذي جاءت النصوص بإباحته هو الدف، الدف في الأعراس هو المباح، وما عدا ذلك يبقى على المنع. يقول: ما الحكم إذا كان أبي يشتري من رجل سلعة ويبيعها منه بمبلغ يقبضه منه على أن يرد المبلغ مضاعفاً في المستقبل؟ وينفق علينا من المبلغ المقبوض، علماً بأنه لا يمكن توفير دخل لنا غيره، فهل مطعمنا هذا حرام، وماذا علينا فعله؟

يشتري من رجل سلعة، ويبيعها منه بمبلغ يقبضه منه على أن يرد المبلغ مضاعفاً في المستقبل، يعني كأني فهمت من المسألة، يعني هي مسألة العينة، يشتري من رجل سلعة بمبالغ طائلة، بمبالغ أكثر مما تستحقه هذه السلعة ثم يبيعها منه بثمن يقبضه أقل من قيمتها على أن يرد القيمة التي اتفق عليها قبل ذلك مستقبلاً، يعني يبيع عليه السيارة بمبلغ مائة ألف، ثم يبيعها المشتري على من باعها عليه بمبلغ مائة ألف بسبعين بستين ألف نقد هذه هي مسألة العينة، وهي مسألة محرمة عند أهل العلم، وهي حيلة على الربا، كأنه قال: ستين بمائة ألف، والسيارة هي مجرد محلل حريرة، فمثل هذا التصرف لا يجوز. وإنما له أن يشتري هذه السلعة -هذه السيارة- بما يتفقان عليه، ثم المشتري يبيعها ناجزاً حالاً بثمن أقل على طرف ثالث، وهذه هي مسألة التورق، التي جمهور أهل العلم على جوازها إذا اكتملت شروطها، فعلى كل حال مسألة العينة محرمة، وما يكسب من ورائها حرام. هذا يطلب الدعاء لإخواننا المظلومين في فلسطين وغيرها. نسأل الله -جل وعلا- أن يفرج هموهم، وأن يكشف غمومهم، وأن ينتقم من الأعداء، وأن ينتصر لهم. يقول: كيف اختصر الزبيدي صحيح البخاري، وهل كل ما في البخاري ومسلم صحيح لا شك فيه؟ نعم جميع ما في الصحيحين من الأحاديث الأصول المرفوعة صحيح لا شك فيه، حتى قرر جمع من أهل العلم أنه لو حلف شخص بالطلاق أن جميع ما في الصحيحين صحيح ما حنث، أما اختصار الزبيدي لصحيح البخاري فهو حذف التكرار، وحذف الأسانيد، وحذف الموقوفات، وحذف التراجم، واقتصر على الأحاديث الأصول المرفوعة من غير تكرار ومن غير أسانيد. يقول: ما حكم التشقير في الحاجبين؟ وما حكم لبس العباءة على الكتف المطرزة؟ وما حكم الاستماع إلى الأناشيد؟ التشقير وتغيير لون الشعر إن كان هذا التغيير إلى السواد فهو لا يجوز؛ لأن النص ((وجنبوه السواد)) يشمل والمحظور في الرجال محظور في النساء، التشقير أيضاً، تشقير الحواجب بلون البشرة، بحيث إذا رآها الرائي قال: إنها نامصة، هذا أيضاً لا يجوز، أما التشقير بغيرهما من الألوان إذا سلم من التشبه بالكفار والفجار فالأمر فيه سعة -إن شاء الله-.

حكم لبس العباءة على الكتف وهي مطرزة، أولاً التطريز من إبداء الزينة، وقد نهيت المرأة المسلمة عن أن تبدي زينتها، ولبس العباءة على الكتف، أفتى أهل العلم بمنعه؛ لأن أقل أحواله التشبه بالرجال، وقد نهيت المرأة عن التشبه بالرجال. وحكم الاستماع إلى الأناشيد التي يقول: أنها إسلامية، الأناشيد إذا كان لفظها مباح، الشعر كلام، حسنه حسن وقبيحه قبيح، إذا كان لفظه مباحاً، وخلا عن الآلات، وأدي بلحون العرب لا بلحون الأعاجم، يعني سلم من الآلات وأؤدي بلحون العرب، وهو كلام في الأصل مباح لا شيء فيه؛ فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أنشد الشعر بين يديه، والحداء معروف عندهم، لكن إن صحبه آلات أو أؤدي بلحون الأعاجم أو بلحون أهل الفسق، بحيث يشبه الغناء، حينئذ لا يجوز، إذا أدخلت عليه المؤثرات التي تؤثر في السامع تأثير الآلات أيضاً لا يجوز. يقول: هذه ورقة مكتوب فيها يقول: وزعت بكميات كبيرة في أحد المساجد، يقول: رحلة سفر، البطاقة الشخصية، الاسم: الإنسان ابن آدم، الجنسية: من تراب، العنوان: الأرض، بيانات الرحلة، محطة المغادرة: الحياة الدنيا، محطة الوصول: القبر، موعد الحضور: وجاءت سكرة الموت، موعد الإقلاع: ما تدري نفس بأي أرض تموت، العفش المسموح به: متران من قماش أبيض وحنوط، العمل المقدم: من حسنة وسيئة. يقول: لا يسمح باصطحاب أي شيء آخر في الرحلة، ما يسمح بوصوله للمسافر بعد الإقلاع صدقة جارية اغتنم البقاء قبل الرحيل، دعاء الولد الصالح، علم ينتفع به، نرجو الانتباه الرحلة شاقة وموحشة ومخيفة، ما لم يعمل بالشروط التالية: طاعة الأوامر، كثرة ذكر هاذم اللذات، بر الوالدين، اغتنام المواسم، قصر الخطا ... إلخ.

هذه طريقة ومسلك يسلكه بعض الإخوة من الشباب يظنونه مؤثراً، يقيسون ما جاء في النصوص وينظرونه بالمحسوسات، وبعضهم بالرسوم، يفسر آية برسم، يفسر حديث برسوم، أقول: مثل هذه الطريقة وإن رأى بعض الإخوان، وبعض المشايخ التسامح فيها، أنا أقول: هي طريقة محدثة، وإلقاء النصوص على المسلمين لا شك أنها أبلغ في التأثير من مثل هذه التصرفات، هي أبلغ يعني ترسم النار بطريقة مفزعة، لكن مهما بلغ الرسام في رسمها ورسم أهوالها، هل يمكن أن يصل إلى أدنى نسبة من حقيقتها؟ لا يمكن، يرسم القبر، وما فيه، يرسم الجنة وما اشتملت عليه، هذا الكلام لا يسوغ أبداً. بل النصوص إلقاؤها على عامة الناس، وعلى من يفهمها وتفهيمهم بها ووعظهم بها أبلغ بكثير من هذه الطرق المحدثة، فأنا أقول: مثل هذه الأمور ينبغي ألا تسلك؛ لأنها محدثة ولو كانت خيراً لسبقونا إليها، نعم قد يقول قائل: إن أهل العلم تسامحوا في بعض الأمور تسامحوا في المناظرات، يجعل مناظرة سني وقدري، سني ورافضي، سني وكذا، سني وجهمي، وهم ما فيه مناظرة، الذي وضع المناظرة والأسئلة وأجاب عليها شخص واحد، المقامات مثلاً، كلها لا حقائق لها، نقول: يا أخي مثل هذا الأمور، حتى المناظرات لا حقائق لها، والمقامات التي لا وجود لها، حدث فلان، قال: فلان، هذه هي في أصلها داخلة في حيز الكذب؛ لأنها إخبار عن شيء غير واقع بأنه واقع، هذا ليس بصحيح، لا يطابق الواقع، وكل ما لا يطابق الواقع كذب، تسامح بعض أهل العلم بمثل هذا لأن المصلحة من وجهة نظره راجحة، لكن أقول: علينا أن نقتدي ونهتدي بهدي من سلف، ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)) فمثل هذه الأمور ينبغي ألا تسلك، وإن فعلها من فعلها، وفيما جاءنا عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- غنية، والله المستعان. طالب:. . . . . . . . .

مثل هذا يكتفى بالوارد، لكن أصور النار بما لا يؤدي أدنى أدنى جزء من الغرض المطلوب؟ بعضهم يستدل على جواز التمثيل بقصة الثلاثة، الأعمى والأقرع والأبرص، الذي أرسل لهم الملك يختبرهم، أولاً: هذه مسألة شرعية من الذي أرسل الملك؟ وسألهم ثم تصور بصورهم وتزيا بزيهم؟ هو الله -جل وعلا-، اكتسبت الشرعية من هذه الحيثية، فنحتاج في تصرفاتنا إلى ما يكسبها شرعية. طالب: التصوير الفوتوغرافي؟ التصوير الفوتوغرافي داخل في التصوير الوارد منعه، تصوير الفيديو، كل هذا داخل في التحريم؛ لأنه تصوير. طالب:. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . نفسه، نفس الشيء، الحكم واحد، لأنه هل وقع هذا الأمر أو ما وقع؟ إذن كذب. يقول: نرى في المساجد توضع ساعات أو دفتر التقويم وعليها دعايات وإعلانات لمؤسسات ومحلات ما حكم ذلك؟ وهل يدخل ذلك في باب البيع في المسجد؟ أفيدونا؟ إن كانت هذه الأمور -هذه الدعايات- واضحة بحيث ترى من بعد فلا شك أن هذه دعاية لتجارة، وهي وسيلة لترويج تجارة، وترويجها ممنوع في المساجد، والوسائل إليها ممنوعة، هذه مسألة. المسألة الأخرى: إن كانت أمور خفيفة والذي وضعها في المسجد غير صاحب الدعاية، يعني الذي وضعها في المسجد ما قصد الترويج لهذه الدعاية، إنما قصد الانتفاع بهذه المادة، وهو غير صاحب الدعاية، فالأمر في ذلك فيه سعة -إن شاء الله تعالى-. هذا يسأل يقول: ما حكم من كان أغلب ماله من قروض البنوك الربوية؟ وقد توقف عن أخذ القروض الربوية، ولكن ما لديه من مال هو في الأصل من المعاملات الربوية، التي كان يتعامل بها منذ زمن طويل، وهو ينفق من ماله الكثير في أوجه الخير؟ ألا يطهر المال بعضه بعضاً؟

هذه مسألة -وهي مسألة التائب- التائب من أكل الربا، المنصوص عليه أنه ليس له إلا رأس المال، {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} [(279) سورة البقرة] إن تبتم فلكم رؤوس أموالكم، التوبة تجب ما قبلها، تهدم ما كان قبلها، لكن ما المراد برأس المال؟ هل المراد برأس المال وقت الدخول في التجارة في هذه المعاملات في الربا، أو له رأس ماله وقت التوبة؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، والأكثر على أن المراد رأس المال وقت الدخول في الربا.

المسألة مفترضة في شخص دخل المعاملات قبل خمسين سنة مثلاً، وكل معاملاته بنوك وربا، ورأس ماله ألف ريال وقت الدخول، بعد خمسين سنة تاب، ورأس ماله المقبوض بيده مليار، وله في ذمم الناس نصف مليار، هل نقول: أن رأس ماله ما دخل به التجارة وهو الألف؟ أو نقول: رأس ماله وقت التوبة هذا المليار ولا يجوز له أن يأخذ فوائد مستقبلية بعد التوبة مما في ذمم الناس؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، والأكثر على أن المراد رأس ماله الألف، والمليار لا يجوز أن يأخذ منه شيئاً، ليس له إلا رأس ماله، والقول الآخر والآية محتملة، الآية تحتمل القولين، والقول الآخر أن له رأس ماله الذي بيده وقت التوبة، والتوبة تهدم ما كان قبلها، وكأن هذا هو الموافق لقواعد الشرع والذي يعين على التوبة؛ لأنك لما تقول لهذا التائب مثلاً الذي ملك مليار وتوسع في النعم: ما لك إلا ألف، هذا لا يحتمل أن يقول: بلاش من التوبة؟ ألا يمكن أن يقول: الله -جل وعلا- أرحم منكم؟ كيف يبي يعيش بعد هذه الأموال ويرجع إلى أهله فقير يتكفف الناس؟ ومن عبارات شيخ الإسلام التي يرددها: من المحال في العقل والدين أن الله -جل وعلا- يأمر بكذا ويصرفه عنه، الله -جل وعلا- يرغب في التوبة، ويوجب التوبة، ويحب التائب، ويفرح بتوبة عبده، ثم بعد ذلك يصرفه عنها؟ إذا أراده الله شيئاً وأمر به يسر أسبابه، وأعان عليه، ولا يصرف عنه، وأهل العلم يقررون فيمن أسلم عن سبعين سنة مثلاً الأصل أنه وهو في حال كفره أنه مخاطب بفروع الشريعة، يجب عليه صلاة، تجب عليه زكاة، تجب عليه ... هو مخاطب بالفروع في قول جمهور أهل العلم، لكن إيش معنى مخاطبته بالفروع؟ أنه يعذب عليها إضافة إلى تعذيبه على الإيمان فيما إذا لم يسلم، هذه فائدة الخلاف، لكن إذا أسلم عن سبعين سنة هل يؤمر بقضاء ما تركه حال كفره؟ ما دام مخاطب بها الأصل أن يؤمر بها، لكن أهل العلم يقولون: لا يطالب بقضائها ترغيباً له في الإسلام، وإلا لو يقال له: صل أنت عمرك سبعين الآن كلفت في الخمسة عشر تصلي عليك صلوات خمسة وخمسين سنة عليك صيام خمسة وخمسين سنة، عليك كذا، عليك كذا، فلا يؤمر بقضائها ترغيباً له في الإسلام، والقول الذي أشرنا إليه لا يؤمر

بالتخلص من جميع هذه الأموال ترغيباً له في التوبة، وكنت قررت هذا قديماً، ثم وقفت على ما يؤيده لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-. والآية محتملة، وقول الأكثر -أكثر أهل العلم- على أنه ليس له إلا رأس ماله، يعني شخص من سبعين سنة بدأ في الربا بعشرين ريال، وتاب عن مائتي مليار، وإيش تقول: لمثل هذا؟ لأنه يلزم يتخلص كل شيء بيوته يطلع منها، البيوت التي يسكنها يتخلص منها، ما له إلا عشرين ريال، نقول: الله -جل وعلا- أرحم بهذا من أن يجعله يتكفف الناس، بعد أن كان محسناً على الناس، وينوي الإحسان إليهم، وعلى كل حال يبقى الخلاف والمسألة مسألة شرعية، والنظر في المصالح والمفاسد ومقاصد الشريعة وقواعدها تدل على ما ذكرنا. من تاب، نفترض أن مغني تاب، أو بغي تاب، وإلا تابت وإلا شيء، من أخذ أموال الناس برضاهم وطيبة من أنفسهم وشخص عنده أموال غصوب، يعرف أصحابها، حقوق يجحدها، الذي يعرف صاحبه وأخذ قهراً عنه، لا بد من شرط التوبة أن يعاد لصاحبه، لكن مغني غنى خمسين سنة وكسب أموال من هذا الغناء ثم تاب؟ هل نقول: أنك ترد هذه الأموال على أربابها؟ مثل هذه يكثر من النوافل، ويكثر من الصدقات، والله -جل وعلا- غفور رحيم، والتوبة تهدم ما كان قبلها. ففرق بين ما اغتصب، وبين من كسب الأموال من غير وجهها بطوع واختيار أربابها وأصحابها، ولا يعرف أهلها وأصحابها، يعني شخص عمل موظف عند شخص، في حراسة أمر محرم، أو في التعاون على شيء محرم، لا شك أن التوبة لها وقعها في الإسلام، وأنها تهدم ما كان قبلها، طيب شخص اغتصب خروف كبش، فضحى به أضحية مقبولة أو غير مقبولة؟ الجمهور على أنها مردودة، الحنفية إن استمر على غصبها مردودة، لكن قبولها موقوف على إجازة صاحبها، إن غصبها وضحى بها ذهب إليه المضحي، وقال: يا أخي أنا الآن غصبت منك شاة وتبت إلى الله -جل وعلا- وهذه قيمتها؟ الحنفية يقولون: قبولها موقوف على رضا صاحبها، ومسائل وفروع هذا الحديث المتعلقة به لا تكاد تنتهي، هذا الحديث يدخل في جميع أو في كثير من أبواب الدين، لو ذهبنا نسترسل فيما يتناوله هذا الحديث ما انتهى هذا الحديث. يقول: ما حكم الدخول بالمال إلى دورات المياه؟

إذا كان مودعاً في بوك أو في جيب وإن اشتمل على اسم من أسماء الله -جل وعلا-، إذا كان محفوظاً غير بارز، فالأمر فيه سعة -إن شاء الله تعالى-، إذا لم يخف عليه ووضعه خارج الدورة هذا أحوط. يقول: هل الدعاء بعد الصلوات المكتوبة مشروع أن يرفع يديه؟ أهل العلم يقررون أن الدعاء -التزام الدعاء- بعد كل مكتوبة برفع اليدين بدعة، لكن إذا حصل هذا أحياناً فلا بأس. هل رفع اليدين في الدعاء شرط لقبول الدعاء؟ ليس بشرط، لكنه من آداب الدعاء. أم الإنسان مخير بين الرفع وعدمه؟ وهل من لم يرفع آثم؟ ليس بآثم، إنما من آداب الدعاء أن ترفع اليدان. يقول: أقيم في بلد غربي ومحارمي لا يعتمد عليهم، أريد أن أسافر إلى مدينة أخرى لضرورة ملحة، فهل يكفيني أن يكون معنا عدد من النساء؟ كيف؟ طالب:. . . . . . . . . أقيم في بلد غربي ومحارمي لا يعتمد عليهم؟ أيش لون؟ يعني هذه امرأة تقول: أن محرمها كيف لا يعتمد عليه؟ طالب:. . . . . . . . . نعم وجوده مثل عدمه، لأي سبب من الأسباب، إما لكونه يقر الخبث أو لكونه عنده من الغفلة ما يجعل وجوده مثل عدمه؛ لأن فائدة المحرم حياطة من جعل محرماً له من أن يعتدى عليها، فالذي فيه الغفلة الشديدة وجوده مثل عدمه. تقول: لا يعتمد عليهم أريد أن أسافر إلى مدينة أخرى لضرورة ملحة، هل يكفيني أن يكون معنا عدد من النساء؟ لا يكفي، في السفر لا بد من المحرم، وهو الزوج أو من تحرم عليه على التأبيد. ما حكم صبغ الشعر بالسواد للرجال؟ جاء في الحديث ((غيروه)) الأمر بتغيير الشيب، وفيه: ((وجنبوه السواد)) وهي من أصل الحديث، فالصبغ بالسواد المرجح أنه حرام. طالب:. . . . . . . . . الضرورة تقدر بقدرها، يعني الضرورات متفاوتة، لكن أيش قدر الضرورة عندها؟ هي تروح تدرس تفوتها الدراسة؟ نعم مات المحرم في الطريق، لا بد أن تسافر بدون محرم، هذه ضرورة تقدر بقدرها، لكن الناس يتجاوزون في تسمية الضرورة، وإلا الضرورات تبيح المحرمات في الشرع المنصوص عليها، الضرورات تبيح المحرمات المنصوص عليها بالأدلة، بخلاف الحاجات، الحاجات قد تبيح ما تتناوله القواعد العامة، أما الأمور المنصوص عليها بالأدلة لا يبيحها إلا ضرورة.

يقول: هل يجوز إدخال المصحف الصغير إلى دورة المياه؟ لا يجوز بحال، المصحف لا بد من الاهتمام بشأنه، لا بد من تعظيمه؛ لأنه كلام الله -جل وعلا-. أهل العلم يقررون أنه إذا خيف عليه من عدو يمتهنه ويعبث به مثل هذا يتوسعون ويتساهلون في مثل هذا. يقول: إن بعضهم يقول: إن لبن الحمر الأهلية يستخدم في علاج السعال الديكي، فهل هذا جائز؟ هذا مشتهر ومنتشر ومستفيض على ألسنة العامة، ولعلهم قرروا ذلك بعد اطراد التجربة، لكن يبقى أنه نجس، ((تداووا ولا تتداووا بحرام)) فلا يجوز استعماله. يقول: أفيدكم بأنني موظف في القطاع العسكري، وهناك مبلغ يصرف للعسكريين مقابل المرابطة؟ ومن أخذ إجازة لا يصرف له هذا المبلغ، وأنا أخذت إجازة وعن طريق الخطأ صرف لي هذا المبلغ، ولا يمكنني إعادته؟ بل لا بد من إعادته، إن أمكن أن يقال للمسؤول: هذا المال وصلنا بطريق الخطأ، هذا هو الأصل، إذا ترتب على ذلك مفسدة، فلا بد من إعادته بأي وسيلة، بأي وسيلة، لا تشعره بأن له فيه منة؛ لأن بعض الناس يقول: أنا عندي هذا المال وصلني بطريق الخطأ ولا يستطيع أن يعيده مواجهة، يقول: هذا المال أريد أن أتبرع به للمصلحة، للجهة هذه فاصرفوه على رأيكم، ما هو بصحيح هذا، يعني عندك مال لزيد من الناس تريد إعادته إليه، سرقت مبلغ من المال من زيد ولو تبي تقول له: سرقت اشتهر أمرك وافتضحت بين الناس، لا بد أن تعيده لكن ما تقول: خذ هذا المال هدية، تجعل لك منة عليه بإرجاعك ماله، لا، تعيده بطريقة مناسبة، لا تشعره بالمنة ولا تعرضك للضرر. الأسئلة كثيرة جداً، ونسأل الله -جل وعلا-. . . . . . . . . وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

كيف تهنأ بشربة من حوض النبي محمد صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم كيف تهنأ بشربة من حوض النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟ الشيخ/ عبد الكريم الخضير الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فأشكر القائمين على تنظيم هذه الدروس العلمية في هذا الظرف المناسب لهذه الدروس. التعليق على ما حدث من الإساءة على نبينا محمد -عليه الصلاة والسلام-: وأحب أن أطمئن الأخوة في عموم أقطار الإسلام أن هذه المحنة، وهذه النازلة وهذه الكارثة، التي تمثلت في سب النبي -عليه الصلاة والسلام-، والنيل منه، أريد أن أطمئنهم أن هذا خير، وليس بشر، فإذا كان الكلام في عرضه -عليه الصلاة والسلام- جاء قول الله -جل وعلا- فيه في قصة الإفك: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [(11) سورة النور]. إذا كان الكلام في عرضه -عليه الصلاة والسلام-، والكلام في العرض أشد من الكلام في الشخص، في خلقه وفي خُلقه وفي جميع ما يتعلق به، الكلام في العرض أشد، ومع ذلك يقول الله -جل وعلا-: {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} ومظاهر الخيرية في هذه القضية التي عايشناها ظاهرة جداً، فبيوت المسلمين في غفلةٍ تامة عن معرفة سيرته -عليه الصلاة والسلام-، بل كثير من المسلمين لا أبالغ إذا قلت: أنه لا يعرف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا مجرد الاسم، فلا يعرفون عن سيرته أكثر مما درسوه في المراحل الأولى من التعليم، شيء لا يفي بحقه، ولا بجزء يسير من حقه -عليه الصلاة والسلام- فلا اهتمام بالسيرة، ولا اهتمام بالشمائل، ولا بالخصائص، ولا بالمعجزات، ولا بدلائل نبوته -عليه الصلاة والسلام- الذي هو أكرم خلق الله على الله.

فمثل هذا الحدث هو شر بلا شك ولا نتمناه ولا نفرح به، لكن إذا وقع تلقيناه بالرضا والتسليم بما قدر الله -جل وعلا-، ونجزم بأن النتائج حميدة والعاقبة للمتقين، المسلمون في جميع أقطار الأرض هبوا لنصرة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهذه القضية لامسة أحاسيسهم ومشاعرهم، وباشرت قلوبهم، فهبوا لنصرته -عليه الصلاة والسلام-، وبدؤوا يقرؤون في سيرته -عليه الصلاة والسلام-، والقراءة وحدها لا تكفي، بل لا بد من تحقيق اتباعه -عليه الصلاة والسلام-، وأن لا يعبد الله -جل وعلا- إلا بما شرعه على لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-. فمن هذا المنطلق نطمئن المسلمين في جميع أقطار الأرض أن هذا خير، والعاقبة للمتقين، رأينا وسمعنا ما يثلج الصدور في الداخل وفي الخارج، من المشاريع الجبارة التي اتخذها كثير من المسلمين لنصرته -عليه الصلاة والسلام- والدفاع عنه، والذب عن شخصه -عليه الصلاة والسلام-، بقي علينا أن نفهم ونقرأ ونعنى بسيرته وسنته -عليه الصلاة والسلام- لنتمكن من اتباعه حق الاتباع، فمجرد الدعاوى لا تكفي، مجرد العواطف دون عمل لا تكفي، بل لا بد من العمل {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ} [(31) سورة آل عمران] والذي يعصي النبي -عليه الصلاة والسلام- من الذكور أو من الإناث هذا في دعواه لحب النبي -عليه الصلاة والسلام- نظر. تعصي الإله وأنت تزعم حبه لو كان حبك صادقاً لأطعته هذا لعمري في القياس شنيعُ إن المحب لمن يحب مطيعُ

بعد هذه المقدمة المختصرة عن هذا الموضوع، جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- وفي صحيح مسلم من حديث عمر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان مع أصحابه، جاء في حديث عمر: بينما نحن جلوس عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد، فسأله عن الإيمان وعن الإسلام وعن الإحسان، وفي النهاية قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم)) فسأله عن الإيمان، فقال له: ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره)) فذكر في تفسير الإيمان وفي تعريفه: الأركان الستة التي منها الإيمان باليوم الآخر، فلا يصح إيمان عبدٍ إذا لم يؤمن بالغيب، لم يؤمن باليوم الآخر، فلا بد من الإيمان باليوم الآخر ليصح الإيمان ببقية أركانه. الإيمان بالحوض: من الأمور التي يجب الإيمان بها من أمور الآخرة ما جاء في الحوض، حوض النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا أعني الحوض أجمع على ثبوته واعتقاده جميع من يعتد بقوله من أهل الإسلام، أنكره بعض المعتزلة، أو أنكره المعتزلة عموماً؛ لأنهم يقدمون العقول والآراء على ما جاء في النصوص، لكن ثبوت الحوض قطعي، بل هو متواتر على ما سيأتي ذكره في الأحاديث الثابتة فيه.

وجاء أيضاً ذكره في القرآن، إلا أنه ليس بصريح، لكن الصراحة جاءت في الأحاديث القطعية التي تزيد رواتها من صحابة النبي -عليه الصلاة والسلام- على الخمسين، في قول الله -جل وعلا-: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} [(1 - 3) سورة الكوثر] وتفسير السورة بكاملها يناسب الظرف الذي نعيش فيه، وإن كان الحظ الأوفر للحوض، ففي قوله -جل وعلا-: {إِنَّا} بضمير الجمع، وضمير الجمع والمتكلم واحد، هو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الله -جل وعلا-؛ لكن العرب كما في صحيح البخاري في تفسير إنا أنزلناه، تؤكد فعل الواحد بضمير الجمع، هذا ذكره الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في تفسير سورة إنا أنزلناه، ومثل ذلك قوله -جل وعلا-: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} أعطيناك: نعم أعطاه الله -جل وعلا- الكوثر قبل وقته وبشره به، والنبي -عليه الصلاة والسلام- بينما هو نائم أغفى إغفائه ثم استيقظ متبسماً -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((لقد أنزل عليّ الليلة سورة، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} فالله -جل وعلا- أعطاه الكوثر، لا يقال: إن الكوثر لا حاجة إليه قبل يوم القيامة، قبل قيام الساعة، قد يقول قائل: وقد قال المعتزلة: أن الجنة والنار ليستا مخلوقتين الآن، وإنما تخلقان عند الاحتياج إليهما بعد قيام الساعة، ولا شك أن هذا ضلال مخالف للقطع من نصوص الكتاب والسنة، ونقول مثل هذا في الحوض لا يتوقف وجوده وتبشير النبي -عليه الصلاة والسلام- به قبل الحاجة إليه؛ لأن الحاجة إليه إنما تكون إذا قام الناس من قبورهم عطشى، المقصود أن التبشير به ووجوده لا يترتب على الحاجة إليه من الشرب منه. معنى الكوثر:

الإمام ابن جرير الطبري -رحمه الله تعالى- في قوله -جل وعلا-: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} يقول: اختلف أهل التأويل في معنى الكوثر، فقال بعضهم: هو نهر في الجنة أعطاه الله نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم-، ثم ساق بأسانيده إلى من قال بذلك كابن عمر وابن عباس وعائشة وأنس بن مالك -رضي الله عنهم- ومجاهد وجمع من التابعين، وقال آخرون: عني بالكوثر الخير الكثير، وذكره بأسانيده عن ابن عباس أيضاً وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد، وقال عكرمة الكوثر وهو النبوة والخير الذي أعطاه الله إياه، وقال آخرون: هو حوض أعطيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الجنة، وذكره بإسناده عن عطاء ثم رجح الطبري أنه اسم النهر الذي أعطيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الجنة وصفه الله بالكثرة -الكوثر مأخوذ من الكثرة- لعظم قدره، ثم ساق بأسانيده إلى أنس بن مالك قال: لما عرج بنبي الله -صلى الله عليه وسلم– أو كما قال– عرض له نهر حافتاه الياقوت المجوف، أو قال: المجوب، فضرب الملك الذي معه بيده فيه –يعني في النهر– فاستخرج مسكاً، فقال محمد -عليه الصلاة والسلام- للملك الذي معه ما هذا؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك الله.

وفي تفسير الإمام الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-، قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن فضيل عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال: أغفى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إغفائه فرفع رأسه متبسماً، إما قال لهم، وإما قالوا له؟ لم ضحكت؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إما أن يكون الرسول -صلى الله عليه وسلم- ابتدرهم بالكلام أو سألوه عن سبب ذلك فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((إنه نزل عليّ آنفاً سورة، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} حتى ختمها، فقال: ((أتدرون ما الكوثر؟ )) قالوا: الله ورسوله أعلم -هذه عادتهم يسلمون ويكلون العلم إلى عالمه، ولا يجتهدون بحضرته -عليه الصلاة والسلام- إلا إذا طلب منهم ذلك- قال: ((هو نهر أعطانيه ربي -عز وجل- في الجنة عليه -أو فيه- خير كثير ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد الكواكب، يختلج العبد منه، فأقول: يا ربي إنه من أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)) وهذا كما هو ملاحظ من ثلاثينات المسند يعني من عوالي ما يرويه الإمام أحمد؛ لأنه يرويه بواسطة ثلاثة من الرواة، وقد روى هذا الحديث مسلم وأبو داود والنسائي من طريق علي بن مسهر ومحمد بن فضيل كلاهما عن المختار عن أنس ولفظ مسلم قال: بينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أظهرنا في المسجد إذ أغفى إغفاءةً ثم رفع رأسه متبسماً قلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: ((لقد أنزلت عليّ آنفاً سورة، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} ثم قال: ((أتدرون ما الكوثر؟ )) قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: ((فإنه نهر وعدنيه ربي -عز وجل- عليه أو فيه خير كثير، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد نجوم السماء فيختلج العبد منهم، فأقول: يا ربّ إنه من أمتي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)) ونهتم لما جاء في الخبر ((ما أحدثوا بعدك)) لنعرف من يهنأ بالشرب من هذا الحوض على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى- ((فإنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)) أو ما أحدث بعدك -هذا المختلج-.

وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة عن أنس بن مالك قال: لما عرج بالنبي -صلى الله عليه وسلم- إلى السماء قال: ((أتيت على نهرٍ حافتاه كقباب اللؤلؤ المجوف فقلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر)) ثم قال ابن كثير: وقد تواترت، قد تواتر هذا الحديث من طرقٍ تفيد القطع عند كثير ٍمن أئمة الحديث، وكذلك أحاديث الحوض، من الأحاديث المتواترة المقطوع بها أحاديث الحوض. وفي تفسير الرازي: ووجه التوفيق بين القولين، يعني ما جاء من أنه هو نهر وما جاء من تفسيره بالحوض، يقول: ووجه التوفيق بين القولين يعني النهر والحوض أن يقال: لعل النهر يصب في الحوض، أو لعل الأنهار إنما تسيل من ذلك الحوض، فيكون ذلك الحوض كالمنبع لهذه الأنهار. وفي تفسير القرطبي المسمى بالجامع لأحكام القرآن: يقول -رحمه الله تعالى-: العرب تسمي كل شيءٍ كثير في العدد والقدر والخطر كوثراً، قال سفيان: قيل لعجوزٍ رجع ابنها من السفر بما آب ابنك؟ قالت: بكوثر، أي بمالٍ كثير، والكوثر من الرجال السيد الكثير الخير، ثم قال: واختلف أهل التأويل في الكوثر الذي أعطيه النبي -صلى الله عليه وسلم- على ستة عشر قولاً. القول الأول: أنه نهر في الجنة، رواه البخاري عن أنس، ورواه الترمذي أيضاً عنه وعن ابن عمر. الثاني: أنه حوض النبي -عليه الصلاة والسلام- في الموقف، قاله عطاء. والقول الثالث: أنها النبوة والكتاب، قاله عكرمة. والرابع: أنه القرآن، قاله الحسن. والخامس: أنه الإسلام، حكاه بعضهم. والسادس: أنه تيسير القرآن - {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} [(40) سورة القمر] فلا شك أن هذا التيسير نعمة من الله -جل وعلا- يمتن به على عباده- وتخفيف الشرائع قاله: الحسين بن الفضل. السابع: هو كثرة الأصحاب والأشياء، قاله أبو بكر بن عياش. والقول الثامن: أنه الإيثار، قال ابن كيسان. والقول التاسع: أنه رفعة الذكر، حكاه الماوردي. والقول العاشر: أنه نور في قلب النبي -عليه الصلاة والسلام- فضله على ما سواه. والحادي عشر: أنه الشفاعة.

والثاني عشر: أنه معجزات الرب، يعني معجزات النبي -عليه الصلاة والسلام- التي من ربه -جل وعلا-، وهذا القول حكاه الثعلبي. والثالث عشر: قال هلال بن يساف: هو لا إله إلا الله محمد رسول الله. والرابع عشر: أنه الفقه في الدين. والخامس عشر: أنه الصلوات الخمس. السادس عشر: أنه العظيم من الأمر، قاله ابن إسحاق. هذه أقوال ستة عشر ذكرت في تفسير الكوثر، استعراضها على وجه السرعة، لكن القرطبي يقول: أصح هذه الأقوال الأول والثاني، يعني أنه نهر في الجنة أو أنه حوض النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه هو الثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-. وسمع أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- قوماً يتذاكرون الحوض، فقال: ما كنت أرى أن أعيش حتى أرى أمثالكم يتمارون في الحوض، لقد تركت عجائز خلفي ما تصلي امرأة منهن إلا سألت الله أن يسقيها من حوض النبي -صلى الله عليه وسلم-، يوجد من يتمارى في الحوض، ويوجد من ينكر الحوض، ويوجد من يسخر بمن روى هذا الحديث من الصحابة، ففي سنن أبي داود أن أبا برزة الأسلمي دخل على عبيد الله بن زياد فقال له: التفت إلى من حوله فقال: إن محمديكم هذا الدحداح، إن محمديكم يعني نسبه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- كأنه يزدريه ويتنقصه بهذه النسبة، فقال أبو برزة -رضي الله تعالى عنه-: ما كنت أظن أن أزدرى وأنتقص بصحبة محمدٍ -عليه الصلاة والسلام-، ولا شك أن هذا من الإحداث، وهذا من التغيير الذي يكون سبباً للحرمان من الشرب من هذا الحوض، نسأل الله السلامة والعافية، ثم قال: حدثني عن الحوض فحدثه بما سيأتي من الحديث -إن شاء الله تعالى-.

يقول سمع أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- قوماً يتذاكرون الحوض، فقلت: ما كنت أرى أن أعيش حتى أرى أمثالكم يتمارون في الحوض، يعني كل واحد منهم يأتي برأيٍ يخترعه من عنده، والأصل في هذه المسائل أنها مسائل تسليم؛ لأنها مما لا يدرك بالرأي، فلا بد من الرضا والتسليم، والمقرر عند أهل العلم أن قدم الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم، ومن أراد أن يعرض الأمور على عقله مما صح به الخبر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا شك أن عقله يقوده إلى الضلال، فالذي لا يقوده الكتاب والسنة لا شك أن مآله إلى الضلال، وما ذُكر وما عرف عن كثيرٍ من المبتدعة لا شك أن سببه ترك الاعتصام بالكتاب والسنة والاعتماد على الآراء وأقوال الرجال، فحينما تذاكروا الحوض وصار كل واحد يأتي برأيٍ من عنده لا يستند فيه إلى نص، أنكر عليهم أنس -رضي الله تعالى عنه- فقال: ما كنت أرى أن أعيش حتى أرى أمثالكم.

قد يقول قائل: الحديث الذي صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حسابٍ ولا عذاب، ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- أول الحديث ثم دخل إلى بيته فبات الناس يدوكون: يعني أخذوا يتوقعون، فقال بعضهم: لعلهم الذين صحبوا النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقال بعضهم: لعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يدركوا الجاهلية، وقال بعضهم: لعلهم ولعلهم، فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم -فأخبرهم عن هؤلاء السبعين أنهم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون، وما أنكر عليهم قولهم، ما أنكر عليهم اجتهادهم والتماسهم المراد بالسبعين لماذا؟ لأنهم لم يجزموا بهذا القول، بل أتوا بحرف الترجي، لعلّ كذا، لعلّ كذا، فإذا كان الإنسان يبدي ما لديه من رأي بحرف الترجي لا يلام، لكن إذا كانوا في مجلس لا بد أن لا ينصرفوا ولا يتفرقوا إلا عن بينةٍ من أمرهم، لا بد من الوصول إلى الحقيقة قبل التفرق، ولذا جاء النبي -عليه الصلاة والسلام- وهم مجتمعون فأخبرهم بالمراد، وعلى هذا ما ورد من الوعيد في تفسير القرآن بالرأي أو تفسير الحديث بالرأي لا شك أن مثل هذا فيه سعة، إذا قيل: لعل المراد بالآية كذا، لعل المراد كذا، لكن على أن لا يتفرق الجمع وهذا الأمر ليس متروك لعامة الناس الذين لا يفهمون النصوص، بل في مجتمعات طلاب العلم إذا أبدوا مثل هذا التساؤل مصدراً بحرف الترجي ووصلوا إلى الحقيقة قبل التفرق، وصلوا إلى القول الراجح بسؤال من هو أعلم منهم ممن يثقون بعلمه، أو بالرجوع إلى المصادر الموثوقة، فإذا وصلوا إلى الحق فإن ذلك لا يضيرهم -إن شاء الله تعالى- استدلالاً بحديث السبعين الألف، هؤلاء تماروا في الحوض، بعضهم يقول: لعله كذا، لعله كذا، لعله كذا، كما قال المعتزلة عن الميزان أنه معنوي وليس بحقيقي، أو مجازي وليس بحقيقي، على كل حال مثل هذه الأمور الأصل فيها الحقيقة، وما ضلت طوائف من المسلمين إلا بسبب هذه التآويل التي لا تستند إلى شرع، وتفاسير الباطنية من غلاة الصوفية والإسماعيلية والرافضة كلها من هذا النوع، يحورون الأمور المحسوسة التي جاء ذكرها بالنصوص الشرعية إلى أمور معنوية لا حقيقة لها،

وبهذا ضلوا ضلالاً مبيناً، نسأل الله السلامة والعافية، في هذا يقول الشاعر: يا صاحب الحوض من يدانيك وأنت حقاً حبيب باريك يقول القرطبي: وجميع ما قيل بعد ذلك في تفسيره من الأقوال الأخرى قد أعطيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زيادةً على حوضه -عليه الصلاة والسلام-، فالمرجح عند أهل التأويل أنه نهر في الجنة، وبهذا جاء الخبر الصحيح، أو أنه حوض النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي يأتي الحديث عنه لاحقاً -إن شاء الله تعالى-. في تفسير الألوسي المعروف بروح المعاني، هل الحوض قبل الميزان والصراط أو بعده؟ بعض أهل العلم يرى أن الحوض قبل الميزان والصراط، ومنهم من يرى أنه بعدهما، بعد الميزان والصراط، يعني قريباً من باب الجنة، إذا تجاوز الناس الميزان والصراط وقربوا من باب الجنة يوجد الحوض، فمن أهل العلم من يرى أن الحوض قبل الميزان والصراط، ومنهم من يرى أنه بعدهما، قريباً من باب الجنة، حيث يحبس أهل الجنة من أمة النبي -عليه الصلاة والسلام- ليتحللوا من المظالم التي بينهم، وعلى هذا يكون الصراط في الحوض المبدلة، {يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ} [(48) سورة إبراهيم] وهذا قاله: القرطبي في تذكرته.

من أهل العلم من يرى أن للنبي -عليه الصلاة والسلام- حوضين، حوض قبل الصراط وحوض بعده، ويسمى كل منهما بهذا الاسم على ما حكاه القاضي زكريا يسمى كوثراً، وصحح -رحمه الله- أنه بعد الصراط، وأن الكوثر في الجنة، وأن ماءه ينصب فيه -يعني ينصب في الحوض- ولذا يسمى كوثراً، هو كلامه يقول: قيل له: حوضان، كلام زكريا الأنصاري -رحمه الله-، حوض قبل الصراط وحوض بعده، ويسمى كل منهما كوثر، حوض قبل الصراط وحوض بعده يسمى كل منها كوثر، وصحح -رحمه الله تعالى- ذلك، وأن الكوثر في الجنة، وأن ماءه ينصب فيه، ولذا يسمى كوثر، هذا ما نقله الألوسي عن القاضي زكريا الأنصاري، قال: وليس هو من خواصه -عليه الصلاة والسلام- كالنهر السابق بل يكون لسائر الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- يرده مؤمني أممهم، ففي حديث الترمذي ((إن لكل نبيٍ حوضاً، وأنهم يتباهون أيهم أكثر وارداً، وإني أرجو أن أكون أكثرهم وارداً)) وهذا الترمذي قال عنه: حديث حسن غريب، والصواب أنه: ضعيف؛ لأنه مرسل. يقول الألوسي في تفسيره: رأيت في بعض الكتب أن الكوثر هو النهر الذي ذكره الله -جل وعلا-، وهو الحوض، أن الكوثر هو النهر، وهو الحوض، يقول: وهو على ظهر ملكٍ عظيم، يكون مع النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث يكون فيكون في المحشر، إذا يكون -عليه الصلاة والسلام- فيه، يعني أينما يوجد النبي -عليه الصلاة والسلام- يتبعه هذا الملك الذي على ظهره هذا النهر، ولا شك أن في هذا غرابة شديدة، وفيه نكارة، وإن كانت القدرة الإلهية صالحة لمثل هذا، والله تعالى لا يعجزه شيء.

في التذكرة للقرطبي -نذكر مثل هذه الأقوال وإن كان فيها ما فيها عند أهل العلم لكن لاستيعاب الأقوال- يقول: اختلف في الميزان والحوض، أيهما قبل الآخر، فقيل: الميزان قبل، وقيل: الحوض، وقال أبو الحسن القابسي: الصحيح أن الحوض قبل، قلت: القائل القرطبي والمعنى يقتضي ذلك، فإن الناس يخرجون عطاشاً من قبورهم، فيقدم قبل الميزان والصراط والله أعلم، إذا قاموا عطاشاً احتاجوا للشرب، لكن لقائلٍ أن يقول: لماذا لا يكون بعد الصراط والميزان لئلا يشرب منه إلا من يستحقه؟ الذي يستحقه هو من يجاوز الميزان والصراط؟ قال ابن حمدان في عقيدته: يشرب منه المؤمنون قبل دخول الجنة وبعد جواز الصراط، وقال الحافظ بن حجر: ظاهر الأحاديث أن الحوض بجانب الجنة، ينصب فيه الماء من النهر الذي داخلها، فلو كان قبل الصراط لحالت النار بينه وبين الماء الذي يصب من الكوثر فيه، يقول الحافظ ابن حجر -رحمه الله- وهو من أهل الاطلاع الواسع والاستقراء لما ورد في هذه المسألة وفي غيرها من المسائل من الأحاديث النبوية يقول: ظاهر الأحاديث أن الحوض بجانب الجنة، ينصب فيه الماء من النهر الذي داخلها، فلو كان قبل الصراط لحالت النار بينه وبين الماء الذي يصب من الكوثر فيه. قال: وأما ما أورد عليه من أن جماعة يدفعون عن الحوض بعد أن يروه ويذهب بهم إلى النار، هذا إيراد قوي، يقول: بجانب الجنة، معنى هذا إذا كان بجانب الجنة معنى هذا أنهم تجاوزوا الميزان والصراط، وما بقي إلا دخول الجنة، قال: وأما ما أورد عليه من أن جماعة يدفعون عن الحوض بعد أن يروه ويذهب بهم إلى النار فجوابهم: أنهم يقربون من الحوض بحيث يرونه ويرون الجنة، فيدفعون في النار قبل أن يخلصوا من بقية الصراط، يعني قبل أن يتجاوزوا الصراط، بل هم في أثناءه إذا قربوا من الحوض ورأوه دفعوا.

ولا شك أن لفظ: الورود يدل على القرب الشديد من الحوض، ودفعهم قبل هذا القرب لا شك أنه أقل في النكاية من دفعهم إذا قربوا منه قرباً شديداً، بحيث كانوا على قربٍ منه، فإذا دفع عنه وهم على حافته، أو على مقربةٍ منه، يكون هذا أشد نكايةً لهم، يقول: فجوابه أنهم يقربون بحيث يرونه ويرون الجنة فيدفعون في النار قبل أن يخلصوا من بقية الصراط، قال السيوطي: وقد ورد التصريح في حديثٍ صحيحٍ عند الحاكم وغيره بأن الحوض بعد الصراط، فإن قيل: إذا خلصوا من الموقف دخلوا الجنة فلم يحتاجوا إلى الشراب منه؟ انتهوا من الميزان وانتهوا من الصراط، فما حاجتهم إلى الشرب من الحوض وهم على أبواب الجنة على قربها؟ يقول: فالجواب: بل يحتاجون إلى ذلك؛ لأنهم محبوسون هناك لأجل المظالم، فكان الشرب في موقف القصاص، ويحتمل الجمع بأن يقع الشرب من الحوض قبل الصراط لقومٍ، ويقع تأخيره بعده لآخرين بحسب ما عليهم من الذنوب والأوزار، حتى يهذبوا منها على الصراط، ولعل هذا أقوى، قال الشيخ: مرعي -رحمه الله- في بهجته: وهذا في غاية التحقيق جامع للقولين، وهو دقيق. نعود إلى كلامه لنفهمه: يقول السيوطي: وقد ورد التصريح في حديث صحيح عند الحاكم وغيره بأن الحوض بعد الصراط، فإن قيل: إذا خلصوا من الموقف دخلوا الجنة فلم يحتاجوا إلى الشراب منه؟ فالجواب: بل يحتاجون إلى ذلك، لأنهم محبوسون هناك لأجل المظالم، فكان الشرب في موقف القصاص، ويحتمل الجمع بأن يقع الشرب من الحوض قبل الصراط لقومٍ، وتأخيره بعده لآخرين بحسب ما عليهم من الذنوب والأوزار، حتى يهذبوا منها على الصراط، ولعل هذا أقوى، وأيده الشيخ مرعي في بهجته، وقال: أنه في غاية التحقيق جامع للقولين، وهو دقيق. لكن إذ نظرنا في هذا القول وهو أن بعض الناس يشرب من الحوض قبل الصراط، ومنهم من يشرب منه بعد مجاوزة الصراط، فهل يكون موقعه قبل الصراط أو بعده؟ طالب:. . . . . . . . . نعم، يعني حوض قبل وبعد؟

الكلام على هل هذا الحوض ممتد؟ وسيأتي في مساحته ما يأتي من التحديد بالنصوص الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأن الصراط أقصر منه بحيث يكون طرف الحوض قبل بداية الصراط، طرفه الأول، وطرفه الثاني بعد نهاية الصراط، فيتحمل أن يشرب منه أناس قبل الصراط وأناس بعده، وعلى هذا ينزل كلام السيوطي الذي أيده الشيخ مرعي، لكن هذا حقيقةً لا يهمنا كثيراً، إنما يهمنا ما يجعلنا نشرب من هذا الحوض، يعني كونه قبل الصراط أو بعده، هذا حقيقةً فائدته العملية المسلكية التي تعود إلينا ونستطيع تحقيقها فائدته إلى النظرية أقرب، لكن الذي يهمنا ويعنينا أن نحقق الاتباع، وأن لا نحدث؛ لأن الحدث كما سيأتي في الأحاديث ((ما أحدثوا بعدك)) وما تقدمت الإشارة إليه، هو سبب الذود عن هذا الحوض، أقول: إذا عرفنا هذا، ففي صحيح مسلم والترمذي من حديث أبي ذرٍ الغفاري -رضي الله تعالى عنه- قال: قلت: يا رسول الله ما آنية الحوض؟ قال: ((والذي نفس محمدٍ بيده ... )) كثيراً ما يقسم النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذا ((والذي نفسي بيده)) وكثير من شراح الأحاديث، يقولون: ((والذي نفسي بيده)) يعني روحي في تصرفه، ولا شك أن في هذا فرار من إثبات اليد لله -جل وعلا- على ما يليق بجلاله وعظمته كما هو المحقق المقرر عند أهل السنة والجماعة، قال: ((والذي نفسي بيده، لآنيته أكثر من عدد نجوم السماء وكواكبها، آنية الجنة من شرب منها لم يظمأ آخر ما عليه، يشخب فيه ميزابان من الجنة -يعني يسيل في هذا الحوض ميزابان من الجنة- من شرب منه لم يضمأ، عرضه مثل طوله، ما بين عمّان إلى أيلة، وماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل)) وفي الصحيحين عن أنسٍ -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما بين ناحيتي حوضي كما بين صنعاء والمدينة)) في الحديث الأول يقول: ((ما بين عمّان إلى أيلة)) وفي حديث أنس، في حديث أبي ذر ما بين عمّان وأيلة، وفي حديث أنس -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما بين ناحيتي حوضي كما بين صنعاء والمدينة)) وفي رواية: ((ما بين المدينة وعمّان)) وفي أخرى: ((يرى فيه أباريق الذهب والفضة كعدد نجوم السماء)) وفي

رواية أخرى: ((إن قدر حوضي كما بين أيلة وصنعاء اليمن)) الآن أيلة وردت في هذه الرواية، وهي في الصحيحين، ما بين أيلة وصنعاء، وجاء أيضاً: ((ما بين صنعاء والمدينة)) وجاء ((ما بين عمّان إلى أيلة)) ولا شك أن هذه المسافات متفاوتة تفاوتاً كبيرة، وهذه الأحاديث كلها صحيحة، وفي مسلم من حديث جابر بن سمرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ألا إني فرط لكم على الحوض -يعني: متقدم أمامكم على الحوض- وإن بعد ما بين طرفيه كما بين صنعاء وأيلة)) وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منه لا يضمأ أبداً)) هذه التحديدات لا شك أنها متفاوتة، فما بين عمّان إلى أيلة أقصر كثير من ما بين أيلة وصنعاء اليمن، وما بين صنعاء والمدينة أقصر، فهذه التحديدات ظن بعضهم أن ما جاء فيها يعد اضطراب، والاضطراب لا شك أنه يضعف الحديث، فالحديث المضطرب من قسم الضعيف، والحديث المضطرب يُعرفه أهل العلم: بأنه الحديث الذي يروى على أوجه مختلفة متساوية، يعني لا بد أن يروى على أكثر من وجه، وأن تكون هذه الأوجه مختلفة، ولا شك أن هذا متحقق في هذا الحديث، يروى على أوجه مختلفة، لكن هل هذه الأحاديث متساوية ليحكم بالاضطراب؟ منها ما في الصحيحين، ومنها ما تفرد به البخاري، ومنها ما تفرد به مسلم، وعلى هذا إذا قلنا: أن بعضها أرجح من بعض لننفي الاضطراب، قلنا: يقدم ما في الصحيحين، هذا إذا تعذر الجمع، أما إذا أمكن الجمع فلا يُلجأ إلى مثل هذا التعليل للأحاديث الثابتة في الصحيح، والجمع ممكن.

يقول القرطبي في التذكرة: ظن بعض الناس أن هذه التحديدات في أحاديث الحوض اضطراب، وليس كذلك، وإنما تحدث النبي -صلى الله عليه وسلم- بحديث الحوض مراتٍ عديدة، وذكر فيها تلك الألفاظ المختلفة، مخاطباً كل طائفةٍ بما كانت تعرف من مسافات مواضعها، فيقول لأهل الشام مثلاً: ما بين أذرح وجرباء، ولأهل اليمن من صنعاء إلى المدينة، وهكذا، وتارةً أخرى يقدر بالزمان، فيقول: مسيرة شهر، والمعنى المقصود أنه حوض كبير متسع الجوانب والزوايا، إذا قدرنا هذا الحوض بالمسافات المختلفة المتفاوتة في هذه الأحاديث، فيمكن الجمع بما قاله القرطبي، بأنه خاطب كل أناس بما يفهمونه، وليس المراد التقدير الدقيق، فيخاطب الشامي فما يناسبه مما يعرفه من البلدان، يخاطب اليمني بما يعرفه من البلدان، يخاطب الحجازي بما يعرفه من البلدان وهكذا، وليس في هذا أدنى اضطراب، وتارةً يقدره بالزمان فيقول: مسيرة شهر، والمعنى المقصود أنه حوض كبير متسع الجوانب والزوايا، أيضاً يمكن أن يجاب عن هذا الاختلاف في تحديد المسافة أن هذه المسافات تختلف من حيث الطول لكنها تتحد من حيث الزمان، وقد تتحد في الزمان وتختلف في الطول، كيف؟ السير يختلف من شخصٍ إلى آخر، ومن وسيلةٍ إلى أخرى، إذا قلنا: بسير الأحمال، الإبل المحملة، هذا حملناه على أطول المسافات، وإذا قلنا: بسير الجواد المضمر حملناه على أقل المسافات، ولا يمنع -وهذا لم أقف عليه لأحد- أن يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبر عن الحوض أولاً بأقل المسافات، ثم بعد ذلك زيد فيه زيادةً لشرفه -عليه الصلاة والسلام- إلى أن وصل إلى أكبر المسافات، فصارت مساحته أوسع مما كانت عليه، وهذا يمكن أن يقال في مثل هذا الموضع للجمع والتوفيق بين هذه الأحاديث.

في الصحيحين أيضاً عن أنس -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ليردن عليّ الحوض رجال ممن صاحبني)) وهذا المهم في الموضوع ((ليردن عليّ الحوض رجال ممن صاحبني، حتى إذا رأيتهم ورفعوا إليّ اختلجوا دوني -يعني اقتطعوا دوني- وذودوا وردوا عن الحوض، فلأقولن: أي ربِّ أصيحابي أصيحابي، فليقالن لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)) وفي رواية: ((فأقولن: سحقاً سحقاً لمن بدل بعدي)) فالإحداث والتبديل أمر خطير، سبب للذود عن هذا الحوض الذي من شرب منه لم يظمأ أبداً. وفي مسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ترد عليّ أمتي الحوض، وأنا أذود الناس عنه كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله)) قالوا: يا نبي الله تعرفنا؟ قال: ((نعم، لكم سيما ليست لأحدٍ غيركم، تردون عليّ غراً محجلين من آثار الوضوء، وليصدن عني طائفة منكم فلا يصلون، فأقول: يا ربِّ هؤلاء من أصحابي، فيجيبني ملك فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟ )) هذا في مسلم، وفي الرواية السابقة قال: ((فلأقولن: أي رب أصيحابي أصيحابي، فليقالن لي -يعني من قبل الملك الذي جاء ذكره في رواية مسلم-: وليصدن عني طائفة منكم فلا يصلون، فأقول: يا رب هؤلاء من أصحابي فيجيبني ملك فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟ )).

وفي سنن ابن ماجه عن ثوبان مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ذكر الحديث مطولاً وفيه: ((وأول من يرد عليّ حوضي فقراء المهاجرين، الدنس ثياباً، الشعث رؤوساً، لا ينكحون المنعمات ولا يفتح لهم السدد)) وهذا حديث خرجه ابن ماجه، ورواه أيضاً الترمذي وقال: حديث غريب، وهو قابل للتحسين بطرقه، ولذا الألباني -رحمه الله- قواه، على كل حال أول من يرد الحوض فقراء المهاجرين، ومعروف ما جاء في الفقراء، وأنهم يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام، في بعض الروايات: بمائة عام، وفي بعضها: بأربعين عاماً، وكلها صحيحة، وهذا الاختلاف كسابقه، ليس من الاختلاف الذي يلزم منه الاضطراب، بل هذا التقدير يختلف باختلاف الأغنياء، ويختلف باختلاف الفقراء، فأشد الناس فقراً يدخل قبل أغنى الناس بخمسمائة عام، ومن دونه في الفقر، يدخل قبل من دون ذلك الغني بمائة عام، ومن دونه في الفقر قبل ذلك الثاني من الأغنياء في المرتبة الثانية بأربعين عاماً، وبمثل هذا يوفق بين النصوص التي يرد فيها مثل هذه التقادير. وبعض أهل العلم يسلك مسلك آخر في مثل هذه الأحاديث فيقول: أن العدد لا مفهوم له، وإنما يذكر لمجرد بيان عظم الأمر. وفي التذكرة للقرطبي: قال علماؤنا -رحمهم الله-: "كل من ارتد عن دين الله، أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله، ولم يأذن به فهو من المطرودين عن الحوض، المبعدين عنه" يقول: كل من ارتد عن دين الله، ونعرف أنه حصل بعد موته -عليه الصلاة والسلام- أنه ارتد من ارتد ممن دخل في الإسلام، وصحب النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن لا يعني هذا أن الأمر جرى على أكثر الصحابة أو على خيار الصحابة كما يزعم ضلال المبتدعة، لا شك أنه ارتد من ارتد، ورجع وعاد إلى الإسلام بعد حروب الردة من رجع، لكن يبقى أنه ارتد من ارتد وهؤلاء هم الذين يذادون، أما أصحابه -عليه الصلاة والسلام- الذين خالط الإيمان بشاشة قلوبهم، وآمنوا به ظاهراً وباطناً وصدقوه وصحبوه صحبةً بحيث آثروه على أنفسهم مثل هؤلاء لا يعرف ولا واحد ارتد منهم، وإنما ارتد بعض ممن لم يقر الإيمان في قلبه، وإنما صدق بلسانه أو دخل الإيمان في قلبه ثم خرج منه، والحي لا تؤمن عليه الفتنة.

فعلى هذا يكون الإنسان على حذرٍ شديد من الإحداث والابتداع في الدين؛ لئلا يذاد عن هذا الحوض، ويكون أيضاً على نظرٍ إلى العاقبة، وحسن الخاتمة، وسؤال الله -جل وعلا- في كل لحظة أن يميته مسلماً غير محدثٍ ولا مبدل، ولا زائغٍ عن هذا الدين، يقول: كل من ارتد عن دين الله، أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله، ولم يأذن به الله فهو من المطرودين عن الحوض، المبعدين عنه، يقول: "وأشدهم طرداً من خالف جماعة المسلمين، وفارق سبيلهم، كالخوارج على اختلاف فرقها، والروافض على تباين ضلالها، والمعتزلة على أصناف أهوائها، فهؤلاء كلهم مبدلون، وكذلك الظلمة المسرفون في الجور والظلم وتطميس الحق، وقتل أهله، وإذلالهم، والمعلنون بالكبائر، المستخفون بالمعاصي، وجماعة أهل الزيغ والبدع والأهواء". يقول القرطبي: هؤلاء هم الذين يذادون عن الحوض، ولا شك أنهم داخلون في الإحداث، كلهم أحدثوا في الدين ما ليس منه، وليحذر المسلم أن يتعبد لله -جل وعلا- بأي عبادةٍ لم يكن عليها دليل، نص لم يسبق لها شرعية من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- لئلا يذاد عن الحوض، ومقتضى الإيمان بالنبي -عليه الصلاة والسلام- أن لا يعبد الله -جل وعلا- إلا بما شرع. فعلى الإنسان أن يقتفي الأثر، ويكتفي بما جاء عن الله وعن رسوله، وجاء عن ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه-: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم" ولا شك أن الشيطان يزين للناس هذه البدع، ويشرب حبها قلوبهم، فعلى الإنسان أن يعتصم بالكتاب والسنة ولا يزيغ عنهما، ولا يحرف ولا يبدل، ليثبته الله -جل وعلا- في الحياة الدنيا وفي الآخرة. أما الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، وزعموا أن من المحدثات ومن هذه الضلالات، ومن هذا التبديل الذي ارتكبوه وحسنه لهم الشيطان ودعاة البدعة، لا شك أنهم على ضلالٍ مبين، رؤوس البدع بل من أهل العلم المعروفين -مع الأسف- من يقول: إن من البدع ما يمدح، ومنها المستحسن، فيقسم البدع إلى بدعة محمودة وبدعة مذمومة، ولا مانع من أن نستطرد في الحديث عن البدع؛ لأن البدع هي الإحداث الذي جاء التنصيص عليه في حديث الذود عن الحوض، لنعرف من يهنأ بشربةٍ من هذا الحوض بحيث لا يضمأ بعدها أبداً.

تعريف البدعة: أولاً: الابتداع في اللغة: ما عمل على غير مثالٍ سابق، وفي اصطلاح أهل العلم: ما تعبد به مما لم يسبق له شرعية من الكتاب أو من السنة، فمن تعبد بعبادةٍ لم يسبق لها شرعية من كتاب الله -جل وعلا- وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- فهو مبتدع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أخبر أن أمته ستفترق على ثلاثٍ وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، فليحرص المسلم كل الحرص أن يكون من هذه الواحدة، من هذه الفرقة الناجية، التي هي على ما كان عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه -رضوان الله عليهم-، أما من أحدثوا وغيروا وبدلوا وتنكبوا الطريق، وعدلوا عن الجادة، وحادوا عن الصراط المستقيم فإن هؤلاء قد يفتنون في الدنيا ويفتنون عند الموت ويذادون عن الحوض، نسأل الله السلامة والعافية. تقسيم البدعة: أقول: من أهل العلم من قسّم البدع إلى بدع محمودة وبدع مذمومة، ومنهم من قال: هناك بدع واجبة، وبدع مستحبة، وبدع مباحة، وبدع مكروهة، وبدع محرمة، يعني تبعاً للأحكام الخمسة التكليفية، ويمثلون لهذه البدع، البدع الواجبة قالوا: الرد على الملاحدة، هذه بدعة واجبة، لا بد من الرد، وأيضاً نحن نقول: أن الرد على الملاحدة واجب، فرض كفاية على الأمة، وفرض عين لمن تعيّن عليه بحيث لا يستطيع القيام به غيره، لكن هل هذا بدعة؟ هل هذا ليست له شرعية من الكتاب والسنة؟ نصوص الكتاب تدل عليه، نصوص السنة تدل عليه، القواعد العامة الشرعية المقررة عند أهل العلم تدل عليه، لا يمكن الحفاظ على الدين، والحفاظ على الدين بالواجب لا يمكن إلا بالذود عنه بالرد على من يريد طمسه، من المبتدعة، من الملاحدة والزنادقة، فالرد عليهم مما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فهو داخل تحت الأدلة العامة من نصوص الكتاب والسنة وقواعد الشريعة.

ومثلوا للبدع المستحبة، ببناء المدارس والأربطة، قالوا: هذه بدع ما وجدت على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكنها مستحبة، كيف يتعلم الناس في العراء في وقت البرد الشديد أو في وقت الحر الشديد؟ لا بد أن نبني مدارس ونبني فصول وقاعات وما أشبه ذلك؛ ليتمكن الطلاب والطالبات من تلقي العلم والارتياح إليه، نقول: نعم هذه أمور مستحبة ومطلوبة، لكن مع ذلك ليست ببدعة؛ لأن طلب العلم الشرعي مستحب، وجاءت الأدلة المتكاثرة المتظاهرة في الكتاب والسنة على الحث عليه، ولا يتم تحصيله إلا بمثل هذه البنايات من المدارس والأربطة وغيرها، وعلى هذا ما لا يتم المستحب إلا به فهو مستحب، فلا يمكن أن يقال: إن مثل هذا من باب أو من حيز الابتداع.

قالوا: هناك بدع مباحة، مثل التوسع في ألوان الطعام والشراب والمركوبات والملبوسات والمساكن وغيرها، قالوا: هذه مباحات، لكنها بدع؛ لأنها لا توجد على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، نقول: هذه ليست ببدع؛ لأن البدع خاص فيما يتعبد به، أما ما يزاوله الناس في أمورهم الحياتية العادية التي لا يتعبدون بها فالأصل فيها الإباحة، والله -جل وعلا- خلق لنا ما في الأرض جميعاً، فالأصل في مثل هذه الأمور الإباحة ولا يمكن أن يطلق عليها بدعة، القول بأن هناك بدع واجبة، أو بدع مستحبة لا شك أنه مصادمة لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((وكل بدعةٍ ضلالة)) الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: كل البدع ضلالة ونحن نقول: بدع واجبة، هذا محادة لرسول الله -عليه الصلاة والسلام-، فلا يقال: بمثل هذا القول، بل القول هذا ضعيف، وقد ردّه الشاطبي في الاعتصام، وقوّض دعائمه، وقال: إنه قول مخترع مبتدع، لا يدل عليه دليل من الكتاب ولا من السنة، فالتقسيم مبتدع داخل في قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كل بدعةٍ ضلالة)) كيف يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كل بدعةٍ ضلالة)) ونحن نقول: هناك بدع مستحبة، بدع محمودة، بدع واجبة، أبداً، لا يمكن أن يتصور مثل هذا مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((كل بدعةٍ ضلالة)) يتشبثون -أعني الذين يقسمون هذا التقسيم -بقول عمر -رضي الله تعالى عنه- في صلاة التراويح، النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى صلاة التراويح بأصحابه ليلة، فاجتمع إليه فئام من الناس، ثم صلى بهم الثانية، وهم أكثر من العدد السابق، ثم اجتمعوا في الليلة الثالثة حتى غصّ بهم المسجد، فلم يخرج إليهم، خشية أن تفرض عليهم، وهذا من رأفته ورحمته -عليه الصلاة والسلام- بأمته، استمر الأمر على ذلك بقية عهده -عليه الصلاة والسلام-، وجميع خلافة أبي بكر وصدراً من خلافة عمر -رضي الله تعالى عنه-، ثم إن عمر -رضي الله تعالى عنه- لما أمن من فرضية صلاة التراويح بموته -عليه الصلاة والسلام- جمعهم على إمامٍ واحد، ثم خرج في ليلةٍ من الليالي وهم يصلون مجتمعين صافون متراصون كما تصف الملائكة، وهذا مما يحبه الله -جل وعلا- أعجبه هذا الوضع، فقال: "نعمت البدعة"

فإثبات كون صلاة التراويح بدعة، والإخبار عنها بأنها أو وصفها بأنها (نعمت) ونعم حرف مدح، إذاً هذه البدعة ممدوحة ومحمودة، وهذا معوّل من يرى أن في البدع ما يحمد، وأن فيها ما يمدح؛ لأن عمر قال: "نعمت" ونعم حرف مدح، بخلاف بئس الذي هو حرف ذم، أو فعل على الخلاف فيهما هل هما فعلان أو حرفان؟ المقصود أنه يشعر بالمدح، وهذا معوّل من يرى أنه من البدع ما يمدح، شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول: هذه بدعة لغوية، البدعة في كلام عمر -رضي الله تعالى عنه-: بدعة لغوية، وليست شرعية، فلا مستمسك فيها لقول من يقسّم البدع، وأما الشاطبي ففي الاعتصام يرى أن بدعة على سبيل المجاز، لا على سبيل الحقيقة، يعني عند من يقول بالمجاز لا إشكال في أن يقول هذا الكلام مجاز؛ لأنه استعمال للفظ في غير ما وضع له، لكن الذي لا يرى المجاز وهو المرجح عند أئمة التحقيق، والذي نصره شيخ الإسلام وابن القيم وجمع غفير من أهل العلم، الذي لا يقول بالمجاز، كيف يقول مجاز؟ أولاً كلام شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في أنها بدعة لغوية، في تقديري أنه غير متجه، لماذا؟ لأن البدعة لغةً: ما عمل على غير مثالٍ سابق، وصلاة التراويح التي جمع عمر -رضي الله تعالى عنه- الناس عليها عملت على مثالٍ سبق في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بهم الليلة الأولى والثانية ولم يخرج إليهم في الليلة الثالثة، فعملت على مثالٍ سبق على هذه الكيفية، يعني جماعة، فلا يقال: أنها بدعة لغوية؛ لأنها عملت على مثالٍ سبق، وليست بدعة شرعية قطعاً لأنها ثبتت من فعله -عليه الصلاة والسلام-، فليست ببدعة.

وبعض الشرّاح ممن عاشوا في بعض البيئات المتأثرة بالمبتدعة قال: وأساء إلى أمير المؤمنين عمر -رضي الله تعالى عنه-، قال: والبدعة قبيحة، ولو كانت من عمر -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، لكن هل عمر يرى أن هذه بدعة مصادمة لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((كل بدعةٍ ضلالة)) مندرجة في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) لا يظن هذا بعمر، وقد شهد له النبي -عليه الصلاة والسلام- بالجنة، وأمرنا بالاقتداء به ((اقتدوا بالذين من بعدي: أبو بكرٍ وعمر)) ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي)) ومع هذا يقال ما يقال؟ لا شك أن هذه إساءة إلى عمر، ومن زكّى عمر. وقد وجد من يسيء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من بعض الشراح الذين يتصدون لشرح سنته من حيث لا يشعرون، قد تصدر الكلمة من غير رويّة، ففي حديث: ((لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة)) قال بعض الشراح في هذا الحصر نظر، هذا الشارح يُنظر في كلام من؟ في كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، لا شك أن هذه إساءة بالغة.

فليحذر المسلم أن يتكلم بكلامٍ غير موزون، بحيث لا يحسب له حساب؛ لأنه مؤاخذ بما ينطق به، أقول: بعضهم أساء إلى عمر، فقال: مثل هذه المقالة، شيخ الإسلام يرى أن البدعة في كلام عمر هي بدعة لغوية، وقلنا: أنها في الحقيقة ليست ببدعة لغوية فضلاً عن أن تكون شرعية، وليست بمجاز؛ لأنه لا مجاز في النصوص، أو لا مجاز مطلقاً، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشنقيطي، وجمع من أهل العلم، إذا قلنا: أنها ليست ببدعة لغوية، ولا بدعة شرعية، ولا مجاز، إذاً كيف نتصرف في هذا اللفظ الذي يوحي بأن هذه البدعة ممدوحة ومحمودة؟ نقول: إن إطلاق البدعة على هذه الصلاة التي سبقت شرعيتها من فعله -عليه الصلاة والسلام- من باب المشاكلة، والمجانسة في التعبير، نحن نبسط هذا الكلام لأن فيه من يلبس على الناس، من يلبس على الناس يقول يا أخي عمر -رضي الله تعالى- الخليفة الراشد الذي أمرنا بالاقتداء به والائتساء به في صحيح البخاري يقول عن صلاة التراويح بدعة، ونعمت البدعة، إذاً نحن نبتدع مثلما ابتدع عمر نبتدع بدع محمودة، وبذلك لا نذم ولا نلام، نقول: تذم وتلام، هل أنت مثل عمر؟ هل عمر أراد البدعة التي جاء ذمها من قبل النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ وقد زكّى النبي -عليه الصلاة والسلام- عمر وشهد له بالجنة؟ شتّان، أنت من يزكيك؟ هل ثبتت تزكيتك بالنص؟ أبداً، هذا ليس لغير من زكاه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا التعبير من عمر -رضي الله تعالى عنه-، ليس ببدعةٍ لغوية، ولا مجاز، وإنما هو من باب المشاكلة، المشاكلة والمجانسة في التعبير، كأن قائلاً قال: ابتدعت يا عمر، لا سيما من لم يدرك الصلاة مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومنذ أن وجد وهو يصلي بمفرده صلاة التراويح، ثم عمر جمع الناس عليها بعد انقطاع الوحي، ولم يبلغه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع، يقول مثل هذا الكلام، ابتدعت يا عمر، ثم يقول عمر -رضي الله تعالى عنه- بعد ذلك: نعمت البدعة، فكأنه قيل له: ابتدعت يا عمر فقال: نعمت البدعة، هذه مجانسة ومشاكلة بالتعبير، ولها أمثلة: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] هذا في القرآن، السيئة الأولى جناية لا شك

أنها سيئة، لكن معاقبة الجاني حسنة ليست بسيئة، وأطلق عليها سيئة من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير، في لغة العرب جاء قولهم: قالوا اقترح شيئاً نجد لك طبخه ج قلت اطبخوا لي جبةً وقميصا والجبة والقميص إنما يخاطان، ولا يطبخان، لكن لما قيل له: اقترح شيئاً نجد لك طبخه؛ لأنهم توقعوا أنه جائع، فتبيّن أنه لفحه البرد، فيحتاج إلى تدفئة، فبدلاً من أن يأكل قال: اطبخوا لي جبةً وقميصاً، وهل يتصور أنه يريد أن الجبة والقميص توضع في القدر ويوقد عليها النيران لتطبخ؟! أبداً، إنما مراده خيطوا لي جبةً وقميصاً، وأطلق على الخياطة طبخاً من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير، نقول: هذا الكلام لئلا يتذرع بمثل هذا الكلام من يتلبس بالبدع ويبرر لتلبسه بها بمثل كلام عمر -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-. الكلام على ثبوت الحوض: في عقيدة السفاريني المسماة (الدرة المضيئة في عقد الفرقة المرضية) يقول -رحمه الله تعالى- في النظم: كذا الصراط ثم حوض المصطفى فيا هنا لمن به نال الشفا في الشرح الذي اسمه (لوامع الأنوار) كما في طبعته الثانية، أما في طبعته الأولى في مطبعة المنار القديمة سموه (لوائح الأنوار) في لوامع الأنوار والشرح لنفس الناظم، قال: ثم اجزم بعد البعث والنشور وأخذ الصحف والمرور بثبوت حوض النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنه حق ثابت بإجماع أهل الحق، قال الله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [(1) سورة الكوثر]. يقول السيوطي في كتابه (البدور السافرة): ورد ذكر الحوض من رواية بضعةٍ وخمسين صحابياً، منهم الخلفاء الأربعة الراشدون، وحفاظ الصحابة المكثرون -رضوان الله عليهم أجمعين- ثم ذكر الأحاديث عنهم واحداً واحداً، فالحوض ثابت بالأحاديث المتواترة، ومعلوم أن منكر القطع عند أهل العلم يكفر -نسأل الله السلامة والعافية- لأن القطع مفيد للعلم، العلم الضروري الذي يجد الإنسان نفسه مضطراً إلى تصديقه. ثم يقول السفاريني في عقيدته: عنه يذاد المفتري كما ورد ومن نحا سبل السلامة لم يرد

عنه: أي عن حوض النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن الشرب منه يذاد، أي يطرد ويدفع المفتري، يذاد المفتري من الفرية وهي الكذب، فيقال: افترى افتراءً إذا كذب {وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ} [(12) سورة الممتحنة] وفي الحديث: ((إن من أفرى الفرى أن يري الرجل عينيه ما لم تريا)) يعني يكذب في الرؤيا. يقول السفاريني في شرحه: "الحاصل أن من الذين يذادون عن الحوض جنس المفترين على الله تعالى، وعلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- من المحدثين في الدين من الروافض والخوارج وسائر أصحاب الأهواء والبدع المضلة، وكذلك المسرفون من الظلمة المفرطون في الظلم والجور وطمس الحق، كذلك المتهتكون في ارتكاب المناهي، والمعلنون في اقتراف المعاصي، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: أغفى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إغفاءةً، ثم رفع رأسه متبسماً، فقال: ((إنه أنزل عليّ آنفاً سورة، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} حتى ختمها، إلى آخر الحديث الذي أوردناه سابقاً، ثم قال: كما ورد ذلك في الأحاديث النبوية مما ذكرنا ومما لم نذكر، يقول: وقد أخرج البخاري ومسلم حديث ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه- بلفظ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أنا فرطكم على الحوض، وليرفعن إلي رجال منكم، إذا هويت إليهم لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)) المقصود أن السبب في الذود وعدم الشرب من هذا الحوض هو الإحداث في الدين، والإحداث في الدين، كما يكون في الاعتقاد يكون في الأعمال، فمن ابتدع في الدين واخترع شيئاً أدخله وأدرجه في دين الله -جل وعلا- مما ليس منه لا شك أنه داخل في من يحدث فيذاد عن الحوض على ما تقدم.

ثم يقول السفاريني في شرح منظومته: ثم الطرد قد يكون في حالٍ ويقربون بعد المغفرة إن كان التبديل في الأعمال ولم يكن في العقائد، يقول: ثم الطرد قد يكون في حالٍ ويقربون بعد المغفرة، إن كان التبديل في الأعمال ولم يكن في العقائد، قال: وقد يقال: أن أهل الكبائر يردون ويشربون وإذا دخلوا النار بعد ذلك لم يعذبوا بالعطش؛ لأن من شرب من هذا الحوض لم يظمأ بعده أبداً، لم يظمأ بعد هذه الشربة أبداً، كيف حال أهل الكبائر الذين لا يعدون من المبتدعة ولم يحدثوا؟ هؤلاء أهل الكبائر هم الذين يقول عنهم السفاريني، ثم الطرد قد يكون في حالٍ ويقربون بعد المغفرة إن كان التبديل في الأعمال ولم يكن في العقائد، قال: وقد يقال: إن أهل الكبائر يَرِدُون ويشربون لماذا؟ لأنهم لم يحدثوا في الدين، ولم يبتدعون فيه، وقد يقال: إن أهل الكبائر يردون ويشربون، وإذا دخلوا النار بعد ذلك لم يعذبوا بالعطش؛ لأن من شرب لم يظمأ بعد ذلك أبداً، فأهل البدعٍ مطرودون عن حوض النبي -عليه الصلاة والسلام- ومردودون عن الشرب منه. (ومن نحا) أي وأي شخصٍ من هذه الأمة من ذكرٍ أو أنثى نحا أو قصد سُبل، بضم السين المهملة ككتب، جمع سبيل، وهو الطريق، وما وضح منه وجمعه لأن الأصل أن الطريق واحد، الصراط المستقيم واحد، فلماذا جمع؟ وقال: سبل السلامة، ولم يقل: سبيل السلامة؟ هو نظير ما جاء في قول الله تعالى: {سُبُلَ السَّلاَمِ} [(16) سورة المائدة] فيجمع السبل، وإن كان السبيل والطريق والصراط واحد، قال: جمعه لأن الطريق الحق واحد باعتبار خصاله وشعبه المتوصل منها إليه {يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ} [(16) سورة المائدة] الأصل أن السبيل واحد وهو الطريق، وهو الحق، وهو الصراط المستقيم، لكن هذا الطريق وهذا السبيل يوصل إليه -هذا الغاية- وسائل متعددة، فباعتبار الوسائل يجمع فيقال: {يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ} يعني هذه الوسائل الموصلة إلى الصراط، والسبيل الصراط المستقيم، السبيل الواحد وهو الحق.

السلامة: يقول من الكلمات الجامعة لخيري الدنيا والآخرة، قال في القاموس: السلامة: البراءة من العيوب، يعني أن من نهج منهج الحق وسلك طريق السنة وسلم من البدعة وكبائر الذنوب فإنه يرد على حوض النبي -صلى الله عليه وسلم- ويشرب منه، ولم يُرَد عن الشرب منه، ولم يطرد عن الورود عليه كما يفهم من الأحاديث التي تقدمت وبالله التوفيق. المقصود أن الابتداع أمره خطير، وشأنه عظيم، فهو مشاركة لله -جل وعلا- في تشريعه، فالذين يبتدعون ويتبعهم هؤلاء المبتدعة على ضلالهم هؤلاء شركاء {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [(21) سورة الشورى] فاختراع شيء في الدين وأمر الناس بالعمل بهذا المخترع في الدين وهذا المُبتَدع لا شك أنه شرك في التشريع. فليحرص المسلم ذكراً كان أو أنثى على الاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وأن لا يعمل عملاً يتقرب به إلى الله -جل وعلا- إلا أن يكون لديه فيه دليل يتمسّك به، وقد جاء عن بعض السلف: إن استطعت ألا تحك رأسك إلا بأثر فافعل، وفي هذا مبالغة في الاتباع، وتنفير من الابتداع، كما يقول ابن مسعود: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم" يعني الإنسان لو يعمل طول عمره في تحقيق ما خلق من أجله، وهو العبودية لله -جل وعلا- مقتصراً في ذلك على ما جاء عنه في كتابه، وما صح من سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- لما كفاه العمر؛ لأنه ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أحاديث كثيرة جداً، فعلى الإنسان أن يعمل بجميع ما بلغه عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن العمل هو الثمرة المرجوة من العلم، فعلم بلا عمل كشجر بلا ثمر. وبالمقابل إذا جاء الأمر بالعمل يأتي أيضاً التنفير والتحذير عن عملٍ لا علم معه، فلا شك أن العلم قبل القول والعمل، فيكون الإنسان على بصيرةٍ من أمره، فلا يقدم على أمرٍ يتديّن به، ويتقرب به إلى الله -جل وعلا- إلا أن يسبق له شرعية من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- ليتحقق له ما وعد من الشرب من هذا الحوض الذي لا يظمأ بعده أبداً، وليهنأ بشربةٍ من حوضه -عليه الصلاة والسلام- ومن يده الشريفة.

في بقية السورة يقول الله -جل وعلا- بسم الله الرحمن الرحيم: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} هذا الكوثر نعمة، بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام-، ولأمته ممن اقتدى به -عليه الصلاة والسلام-، ولم يحد عن سنته -صلى الله عليه وسلم-، نعمة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، ولأمته من بعده {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} أمر بالصلاة، والصلاة شكر، ولذا لما قيل له -عليه الصلاة والسلام-، وقد قام حتى تفطّرت قدماه، عوتب -عليه الصلاة والسلام- ليخفف عن نفسه؛ لأن الله -جل وعلا- قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، لما نوقش عن هذا الأمر قال -عليه الصلاة والسلام-: ((أفلا أكون عبداً شكوراً؟! )) فدل على أن الصلاة شكر للمنعم على ما أعطاه وأسداه من هذه النعم الجليلة التي منها الحوض {فَصَلِّ لِرَبِّكَ} هذا أمر، من أهل العلم من يقول: أن المراد بالصلاة هذه، صلاة العيد، بدليل قوله: {وَانْحَرْ} فصل لربك: صلاة العيد، وانحر: نسكك أو أضحيتك، فهذا أمر بالصلاة التي هي صلاة العيد، ونحر الهدي والأضاحي، وصلاة العيد لهذا الأمر أوجبها من أوجبها من أهل العلم كالحنفية، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- لأنه ثبت الأمر بها في قوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}. وأيضاً النبي -عليه الصلاة والسلام- داوم على صلاة العيد، ولم يذكر عنه أنه تركها وداوم عليها خلفاؤه من بعده -رضوان الله عليهم-، وأمر النساء بالخروج إليها في حديث أم عطية: أمرنا أن نخرج العواتق والحيّض، وذوات الخدور إلى صلاة العيد، فمثل هذه النصوص ترقى وتقوى على وجوب صلاة العيد، وهذا ما يختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.

وأما الأمر بقوله: {وَانْحَرْ} فالمراد به الأضحية والهدي، فمن الهدي ما يجب، ومنه ما يستحب، وأما الأضحية فقد اختلف فيها أهل العلم، والجمهور على أنها سنة، وليست بواجبة، ومن أهل العلم من أوجبها لهذا الأمر، وهذا الأمر بالصلاة والأضحية هو في عيد الأضحى، وأما قوله -جل وعلا-: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [(15) سورة الأعلى] هذا في عيد الفطر، تزكى أي دفع زكاة الفطر، ثم صلى صلاة العيد، وتقديم الزكاة، قد أفلح من تزكى، ثم بعد ذلك صلى، دليل على أن زكاة الفطر تؤدى قبل صلاة العيد، وبهذا جاءت النصوص الصحيحة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم بعد ذلك يصلي صلاة الفطر. وهنا {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} الصلاة قبل النحر، وبهذا جاءت السنة. {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} الشانئ: هو المبغض، يعني من يبغضك يا محمد ويشنؤك هو الأبتر، هو الأقطع، هو الناقص، الممحوق البركة، فالشانئ: هو المبغض كما في قوله -جل وعلا-: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [(8) سورة المائدة] فالشانئ: هو المبغض فالذي يبغض النبي -عليه الصلاة والسلام- لا شك أنه هو الأبتر، هو الناقص، هو المقطوع، هو الذاهب البركة، لا بركة فيه ولا خير. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. إذا كان في أسئلة أو شيء، إذا كان عند الأخوات أسئلة فليتفضلن. فضيلة الشيخ: هناك سائلة تقول: تقوم بنمص الحاجب إرضاءً لزوجها، هل يمكن أن تهنأ بشربة من حوض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إذا كانت تفعل كل هذه الأمور، ولم تفعل هذا الأمر إلا إرضاءً لزوجها؟

أولاً: إرضاء الزوج فيما لا معصية فيه، وما يطلبه بالمعروف واجب، لكن إذا طلب أمراً محرماً فلا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق، فلا يجوز لها أن تطيعه في النمص، وقد جاء منعه والتحذير منه، وقد ثبت اللعن -نسأل الله السلامة والعافية- ومثل هذا لا يجوز أن يطاع فيه الزوج، وهي معرضة نفسها لغضب الله وسخطه بهذه المعصية، فلا يجوز لها أن تطيعه، وعلى كل حال إذا ارتكبت مثل هذا فهي معصية من المعاصي وهي تحت المشيئة إن شاء الله عذبها وإن شاء عفا عنها. وعلى كل حال على المسلم والمسلمة أن يجتنب وليحذر ما نهي عنه، وبهذا تتحقق المتابعة للنبي -عليه الصلاة والسلام- وبها يهنأ بالشربة من هذا الحوض المبارك. فضيلة الشيخ: هناك سائلة تسأل تقول: هل كل من يقع في البدعة لا يرد الحوض؟ وإن كان مقلداً لغيره، أما أن هناك ضابطاً لذلك؟ أولاً: البدع متفاوتة، فمنها البدع المغلظة، ومنها البدع المخففة، منها البدع الكبرى المخرجة من الملة، ومنها البدع الصغرى التي لا تصل إلى حد التفسيق فضلاً عن أن تكون كفراً، على كل حال هذه البدع يجمعها أنها ضلالة، لكنها متفاوتة، كسائر المعاصي، إلا أن شأن ما يتعلق بالاعتقاد أشد مما يتعلق بالأعمال، كما مرّ بنا في كلام السفاريني وغيره، إذا كانت هذه البدعة مكفرة، مخرجة عن الملة فهذا لا إشكال في كونه لا يشرب من هذا الحوض المبارك، إذا كانت البدعة مفسقة، بمعنى أنها بدعة مخالفة ظاهرة لنصٍ صحيحٍ صريح متعلقة بالاعتقاد، فهذا يخشى عليه من أن لا يشرب من الحوض النبوي، وإن كانت غير مكفرة. وأما البدع التي يرتكبها بعض الناس جهلاً، ولم يبلغهم عن حكمها شيء فهؤلاء قد يعذرون بالجهل، أما إذا عرفوا أن هذه البدع مخالفة لهدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأنها محرمة فيخشى عليهم أن يلحقوا بالقسم السابق، فليست البدع على حدٍ سواء، وليس المبتدعة من حيث بلوغ الحجة أو عدم بلوغها على حدٍ سواء. فضيلة الشيخ: هناك سائلة تسأل تقول: قال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} هل الذبح لله حين تجدد نعمة، أو دفع نقمة، شكراً لله مشروع؟ أم أن النحر هنا هو الذبح للنسك والعقيقة فقط لا غير؟

الذبح إذا كان المقصود به التقرب لوجه الله -جل وعلا- سواء كان في نسك، في هدي، في أضحية، في عقيقة، في وليمة عرس امتثالاً لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أولم ولو بشاة)) هذا كله يثاب عليه، إكراماً لضيفه ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)) إذا امتثل مثل هذا يثاب عليه، لا شك أن إكرام الضيف جاء الأمر به والحث عليه، إذا ذبح لله -جل وعلا- ونسك نسيكة يوزعها على الفقراء والمحتاجين لا شك أنه يثاب عليها، فالنحر أعم من أن يكون أضحية أو هدي أو عقيقة، وإن كان هذه ما ورد فيها النصوص صراحةً، لكن يلحق بها ما يتقرب به إلى الله -جل وعلا- خالصاً لوجهه، ممتثلاً فيه ما جاء عنه وعن نبيه -عليه الصلاة والسلام- فالذي يذبح لضيفه امتثالاً لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)) لا شك أن هذا مثاب عليها داخل في الأمر بالنحر، أيضاً قوله -عليه الصلاة والسلام- لعبد الرحمن بن عوف: ((أولم ولو بشاة)) من أولم بشاة فذبح شاةً وقدمها لضيوفه في عرسه فإنه يثاب امتثالاً لهذا الأمر. فضيلة الشيخ: هناك سائلة تقول: بالضبط يا شيخ، ما هي الأعمال الصالحة التي تجعلنا نرد على حوض النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ الأعمال الصالحة هي جميع ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- وأمر به، سواء كان من فعله فيقتدى به، أو كان من قوله فيتمثل أمره، وأيضاً ينظر إلى ما نهى عنه وحذّر منه فيجتنب، وهنا تتحقق التقوى التي هي خير الزاد الموصل إلى دار القرار {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [(197) سورة البقرة] والتقوى امتثال المأمورات واجتناب المحظورات، هذه حقيقة التقوى، فمن امتثل ما أمر به واجتنب ما نهي عنه فهو المتقي، ومن أجل التقوى شرعت العبادات، الله -جل وعلا- يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة] فالثمرة العظمى من الصيام ليست تعذيب النفس بالجوع والعطش، وإنما تحصيل التقوى.

ويقول الله -جل وعلا- بالنسبة للحج: {وَاذْكُرُواْ اللهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة] فهذه العبادات إنما تفعل ابتغاء مرضات الله -جل وعلا- وتقواه، والتقوى هي وصية الله تعالى للأولين والآخرين من سائل الأمم، فعلى الإنسان أن يتقي الله -جل وعلا- بفعل جميع ما أمر به والكف والانتهاء عن جميع ما نهي عنه، وبهذا يصل؛ لأن التقوى هي الزاد الموصل إلى دار القرار مروراً بهذا الحوض الذي من شرب منه لم يظمأ أبداً. أما بالنسبة لمن يترك الواجبات، ويرتكب ما حرم الله عليه فإن هذا على خطر؛ لأنه لم يحقق الهدف الذي من أجله خلق {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] فالذي يعصي الله -جل وعلا- ولا يأتمر بما أمره به، هذا ما حقق الهدف، بل لا بد من تحقيق ما خلق من أجله، وهو تحقيق العبودية. هناك سائلة تقول: هل من كان بينه وبين أحد خصومه خصومة، واعتذر أحدهم للآخر، لكنه لم يقبل العذر ذلك الشخص، ولم يسامح، هل ممكن يرد على حوض النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ لا شك أن هذه الخصومة إذا تضمنت مظلمة من أحدهما للآخر، أو من كل واحدٍ منهما لصاحبه بحيث تزيد مظلمة أحدهما على الآخر، أما إذا تساوت المظلمتان وتم اقتصاص كل واحدٍ منهما للآخر، فهذه تمحو هذه، لكن يبقى أنه إذا زادت المظلمة من قبل أحدهما على الآخر فإنه لا بد أن يقتص منه لصاحبه، ولا شك أن عدم السماح لمن أتى معتذراً نادماً لا شك أنه حرمان للطرفين، حرمان لهذا الشخص الذي لم يقبل العذر، وما يدري ما عنده الله -جل وعلا- من ثوابٍ له ومحوٍ عن سيئاته بسبب هذا التجاوز، فالله -جل وعلا- خير من تجاوز وعفا، فمن عفا عفي عنه، وأن تعفو أقرب للتقوى، فإذا عفا، عفا الله عنه، وإذا أصر إلا أن يخاصم صاحبه في يوم العرض على الله -جل وعلا- لا شك أنه محروم، حرم نفسه وحرم أخاه.

ولا شك أن هذه معصية من المعاصي قد يؤاخذ بها وإن كان من حقوق العباد، وهي أشد من الحقوق، حقوق الله -جل وعلا- لأنها مبنية على المشاحاة، وقد يرضي الله -جل وعلا- خصمه، فيقوم هذا الرضا بمقابل هذه الخصومة، وهذه المظلمة، ويتجاوز الله -جل وعلا- عن الظالم، وإن كانت حقوق العباد في الجملة مبنية على المشاحاة. هل صحيح -يا شيخ- بأن السادة هم سقاة الناس على الحوض؟ جاء في الخبر ما يدل على أن الحوض في أركانه الأربعة الخلفاء الأربعة، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، فمن أبغض أبا بكر لن يشرب من قبل أبي بكر، ولن يشرب من قبل عمر، ولن يشرب من قبل عثمان، ولن يشرب من قبل علي؛ لأن ما بينهم من التواد والاتفاق والتطابق في ما يعبر عنه بوجهات النظر يعني همهم واحد، ودينهم واحد، وقدوتهم واحد، ولا يمكن أن يأتي من يسب أبا بكر ويكون أثيراً عند عمر، البتة، ولا يمكن أن يكون أثيراً عند عثمان ولا علي، فهؤلاء الخلفاء الأربعة هم الذين ورد ما ورد من الخبر في أنهم على زوايا الحوض يذودون الناس الذين يحودون عن الجادة، فلا يمكنونهم من الشرب، وأما غيرهم فلم يرد فيه شيء. التكملة في الجزء الثاني.

كيف تهنأ بشربة من حوض النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟ 2

بقية أسئلة محاضرة كيف تهنأ بشربة من حوض النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟ 2 أقول: لماذا قال عمر -رضي الله عنه وأرضاه- عن صلاة التراويح: "نعمة البدعة" والبدعة ما عمل على غير مثالٍ سابق؟ الجواب: عن هذا السؤال مرّ في كلامنا، وأن شيخ الإسلام قال: إنها بدعة لغوية، والشاطبي قال: مجاز، والذي قررناه أن هذا من باب المشاكلة، والمشاكلة كما تحصل في صريح الكلام، كما أوردنا من الآية والبيت، هذا صريح في مشاكلة اللفظ، لكن هناك من المشاكلة ما يرد في تقدير الكلام، وهذا نص عليه علماء البلاغة، يكون الكلام مقدر، كأن قائلاً قال: ابتدعت يا عمر، أو خشي عمر -رضي الله عنه- أن يقال له: ابتدعت، فقال: نعمت البدعة، وأسلوب المشاكلة معروف في لغة العرب، وجاءت به النصوص، حتى حمل عليه بعض نصوص الصفات، كالمكر والخديعة والاستهزاء و ((إن الله لا يمل حتى تملوا)) قال بعضهم أن هذا من باب المشاكلة، ولا يمكن أن يضاف الملل وينسب إلى الله -جل وعلا-، فالقول بالمشاكلة معروف ومطروق عند أهل العلم. هناك أخت تسأل: تقول: إذا اعتبرت صلاة التراويح من العمل المفتوح، وليس البدعة، فما رأيك بإقامة الموالد مع العلم أن إقامتها لا تمس العبادات بشيء، وأنت تعلم ما صاحب إقامة هذه الموالد من تكفير الناس؟ أولاً: المولد لم يحدث في القرون المفضلة، وكونه أمر عادي هذا ليس بصحيح؛ لأن من يقيمه يرجو به ثواب الله -جل وعلا- ويتعبد به، ولم يسبق له شرعية من كتابٍ ولا سنة، ما فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا فعله خيار الأمة من صحابته الكرام الذين هم أحرص الناس على اتباعه، وما وجد إلا بعد القرون المفضلة، وجد في عهد الفاطميين، وأما قبل ذلك فلم يوجد، فعلى كل حال هو بدعة.

وأما ما قيل من تكفير الناس، هذا لم يقل به أحد، المولد بدعة لكن ليست بدعة مكفرة، اللهم إلا إذا صاحبها غلو بالنبي -عليه الصلاة والسلام- يرفعه عن مرتبة العبودية والرسالة إلى مرتبة الربوبية والألوهية كما حصل من بعض من تصدى لمدحه -عليه الصلاة والسلام- النبي -عليه الصلاة والسلام- أعلم الخلق، وأكمل الخلق، وأشرف الخلق، وأخشى الخلق، وأكرمهم على الله، وأعلمهم وأتقاهم وأكرمهم وأشجعهم، هذا لا ينازع فيه أحد، لكن لا يجوز أن يصرف له شيء من حقوق الرب -جل وعلا-، فهو يقول في ما صح عنه: ((إياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو)). وقال: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم)) والقائل ممن ينتسب إليه ويزعم أنه يتقرب بمدحه إلى الله -جل وعلا- يقول: يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العممِ إذا كان لا يوجد من يلوذ به، أين الله؟ هذا غلو يرفع النبي -عليه الصلاة والسلام- من مرتبته التي وضعه الله فيها بين العبودية والرسالة إلى مقام الربوبية يقول:

فإن من جودك الدنيا وضرّته ا ... جج ومن علومك علم اللوح والقلمِ ماذا أبقى لله -جل وعلا-؟ إذا كانت الدنيا والآخرة من جود النبي -عليه الصلاة والسلام- فماذا أبقى لله -جل وعلا-؟ ومرتبة النبي -عليه الصلاة والسلام- معروفة ومحفوظة في النفوس، وهو أحب إلى المسلم يجب أن يكون أحب إلى المسلم من نفسه، وجاء في الحديث: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)) وهذا في الصحيحين، وفي البخاري من حديث عمر: لأنت أحبّ الناس إليّ إلا من نفسي، فقال: ((بل ومن نفسك يا عمر)) قال: بل أنت أحبّ الناس إليّ من نفسي، قال: ((الآن يا عمر)) هذا شيء، المحبة والمودة والتعظيم والاحترام والإجلال وإنزاله منزلته التي أنزله الله بها، وجاء في أوصافه أنه الأعلم، الأخشع، الأتقى لله -جل وعلا-، هذا لا يعني أننا نصرف له شيئاً من حقوق الرب -جل وعلا-، فالرب له حقوقه، والرسول -عليه الصلاة والسلام- له حقوقه، ولا شك أن من المسلمين بل كثير من المسلمين بل ممن يقيم هذه الموالد ويدعي حب النبي -عليه الصلاة والسلام- في محبته للنبي -عليه الصلاة والسلام- خلل وتقصير شديد؛ لأن مجرد الدعوة، الكلام دعوة، تحتاج إلى برهان، ما البرهان على صدق هذه الدعوة، الاتباع، فإذا ابتدعنا في الدين ما صدقنا في دعوانا، فلا بد أن نتبع ولا نبتدع. يا شيخ وماذا عن أعياد الميلاد، هل تعتبر من البدع المانعة، من الورود على حوض النبي -عليه الصلاة والسلام- والشرب منه؟ أما أعياد الميلاد المعتبرة عند الكفار، فلا شك أن هذه مشابهة لهم، هذه مشابهة لهم، وأمر كما قرر أهل العلم خطير؛ لأن مشابهتهم في الظاهر تدعو إلى مشابهتهم في الباطن، أما كون الإنسان يضع يوماً يحدده في السنة يعود ويتكرر عليه؛ لأنه ولد فيه هو وهذا أيضاً فيه مشابهة وليس من عمل المسلمين، واتخاذ يوم يعود ويتكرر لا شك أنه عيد، وقد نفى النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يوجد عيد للمسلمين إلا الأضحى والفطر فقط. وأما كونه يذاد بسبب كونه اتخذ عيداً لميلاده أو لميلاد أبيه أو أمه فهذه مسألة تحتاج إلى نظر، بحسب ما يحتف بهذا العيد وما يزاول فيه من منكرات، وهو في أصله ممنوع.

هناك سائلة تقول: هل تجمل المرأة مثلاً بصبغ الشعر بالميش أو بالتشقير من البدع؟ الأصل في مثل هذه الأمور الإباحة إلا ما ورد في الشرع منعه، فصبغ الشعر بالسواد لا يجوز؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((وجنبوه السواد)) وصبغها بما يشبه البشرة، صبغ الشعر بما يشبه البشرة بحيث يقول من يرى هذه المرأة: أنها نامصة أيضاً لا يجوز، أما صبغها من الأصباغ الأخرى إذا سلم وتجرد عن التشبه بالكفار فلا أرى مانعاً منه -إن شاء الله تعالى-. تقول السائلة: جاء في الحديث بأن سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب، منهم الذين لا يكتوون، هل الكوي بجميع الصور يعتبر من الأشياء التي تدخل ضمن هذا الكلام، وهل إنسان لو الآن اتبع من الآن النصيحة ولم يهتم بالاكتواء والتطير، هل ممكن أن يرد على حوض النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ بالنسبة لهذه الأمور الذي جاء فيها أنهم يدخلون الجنة بغير حساب، وجاء في الكي ما يدل على أنه مفضول، ولا يدل على أنه محرم، يعني في قوله: ((ولا يكتوون)) هذه مرتبة عليا كون الإنسان يدخل الجنة بغير حساب، مرتبة عليا، ولا يعني أن من اكتوى يعذب، لا، أو لا يرد الحوض، النبي -عليه الصلاة والسلام- كوى، وكون هذا الشخص لا يسترقي، لا يتطير، ولا يكتوي، لا شك أن هذه درجة كمال، بحيث يستحق دخول الجنة بغير حساب، وهذا إذا حقق جميع الأوامر واجتنب النواهي. وبالنسبة لمن فعل بعض هذه الأمور ثم بلغه الخبر فأقلع عنها، فالمرجو أنه يدخل في هذا الوعد، وفي الصحيح عن عمران بن حصين أنه كان يسلم عليه في مرضه، تسلم عليه الملائكة بكلامٍ يسمع، ويرد عليهم السلام فاكتوى -رضي الله تعالى عنه- فانقطع التسليم، ثم ندم على ذلك فعاد التسليم فدل على أن من أقلع وندم وعزم على أن لا يعود أنه يرجى له أن يدخل في حديث السبعين -إن شاء الله تعالى-. هناك طلب من الأخوات يطلبن فيه أن تختم المجلس بالدعاء؟

أسأل الله -جل وعلا- أن ينصر دينه، وأن يعلي كلمته، وأن يرفع شأن المسلمين، وأن ينهض بهم عن هذا الحضيض الذي وصلوه بحيث لم يصلوا إليه في عصرٍ من العصور، وذلك بسبب بعدهم عن دينهم والتزامهم به وتمسكهم به؛ لأنه مما يؤسف له أنه يوجد في مواطن العبادة مخالفات كثيرة، وهذه لا شك أنها فيها نوع محادة؛ لأنه إذا اجتمع الأمر والحظر في وقتٍ واحد، الإنسان مأمور بالصلاة لكنه وهو في هذه الصلاة يرتكب محرم، لا شك أن هذه محادة لذلك الأمر، وهو يطوف أيضاً يرتكب محرم، هذه محادة لهذا الأمر، يوجد من يطوف ويرتكب محرمات، يوجد من يتعرض مثلاً للنساء، ويوجد من النساء من هي متبرجة وهي في هذا المكان الذي هو أقدس البقاع، لا شك مثل هذا محادة لهذه العبادة فيخشى من آثار مثل هذه التصرفات في هذه الأماكن، هذه الأماكن الشريفة يجب تعظيمها وتعظيمها من تقوى القلوب، {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [(32) سورة الحج] فلا بد من تعظيم هذه الأماكن وصيانتها عن هذه المخالفات، تجد امرأة متبرجة متطيبة متعطرة، والمرأة إذا خرجت من بيتها متعطرة لعنتها الملائكة -نسأل الله السلامة والعافية-، وأيضاً جاء في النساء اللواتي يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى، جاء الأمر بلعنهن، فالعنوهن فإنهن ملعونات، فلا بد من التستر عند الخروج وجاء في مدح نساء الأنصار لما نزل الحجاب خرجن كالغربان، لا يرى منهن شيء، فعلى المرأة أن تهتم بهذا الأمر، والمجتمع مجتمع نساء الذي نتحدث فيه فعليهن أن يهتممن بذلك، وأن يبذلن الخير لغيرهن، فمن رأت من النساء متبرجة تبذل لها النصيحة وتقول لها: أن هؤلاء النسوة اللاتي يتسترن في الدنيا لا شك أنهن في الآخرة أفضل وأكرم على الله -جل وعلا- من الحور العين، فبذل النصيحة واجب، وإنكار المنكر واجب، وعلى الإنسان أن يهتم لنفسه، وأن يعتني بها، ويسعى إلى خلاصه، ولا يكون إمعة من الناس، الناس لبسوا فنلبس، الناس ركبوا نركب، ليس بصحيح، على الإنسان أن يسعى لخلاص نفسه.

مما يسأل عنه كثيراً في مثل هذا المجال، وفي مثل هذه المناسبة بالنسبة لعورة المرأة عند المرأة، وجد في المناسبات مع الأسف في المناسبات التي في الأعياد وفي الأفراح، في الأعراس وفي غيرها تجاوز كبير من النسوة في هذا الباب، وعورة المرأة عند المرأة كعورتها عند محارمها، فالذي تبديه وتظهره لأبيها أو لأخيها أو لوالد زوجها أو لولد زوجها أو لعمها أو لخالها تبديه للنسوة، تبديه للنساء، في هذه المواقع، فتبدي لهن ما يخرج غالباً، ولا تبدي لها شيئاً مما لا يخرج، هل تبدي المرأة صدرها وظهرها وأعلى السيقان مثلاً، هل تبديه لأخيها؟ لا يمكن ولا يجوز أن تبديه لأخيها؛ لأنه مثار فتنة، وما دام لا يجوز إبداؤه للأخ فلا يجوز إبداؤه للنساء؛ لأن النساء عطفن على المحارم، في آيتي النور والأحزاب، فلا يجوز للمرأة أن تظهر من العورة أكثر من ذلك. علماً بأن الظرف الذي نعيشه نظراً لوجود هذه الوسائل، وسائل الاتصال، وسائل النقل، وسائل التصوير، يعني حدث بسبب ذلك عظائم الأمور، تأتي المرأة على غرةٍ منها وعلى غير قصدٍ سيء، تأتي متبرجة وقد كشفت عن شيءٍ من محاسنها ثم تصور، ثم بعد ذلك يدبلج عليها أشياء ثم تساوم بها، وقد تعرض في مجالات عامة كالانترنت أو غيرها أو في رسائل جوال أو ما أشبه ذلك ثم تساوم بهذه الصورة. فعلى النساء أن يتقين الله -جل وعلا-، وأن يلتزمن بما أوجب الله عليهن. والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قد أفلح من زكاها

قد أفلح من زكاها الشيخ/ عبد الكريم الخضير الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ففي هذا الليلة المباركة، وفي هذا المكان المبارك نلتقي مع إخوة أعزاء فضلاء، يجمعنا بهم الدين والعلم ونية الخير إن شاء الله تعالى. نسأل الله –جل وعلا- أن لا يحرمنا الأجور المرتبة على مثل هذا الاجتماع. عنوان الدرس في إطار قول الله -جل وعلا-: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} الموضوع في غاية الأهمية وجدير بالعناية. يقول الله -جل وعلا- بعد أن أقسم أحد عشر قسماً: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا} [(1 - 2) سورة الشمس] إلى أن قال: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [(9) سورة الشمس] أحد عشر قسماً، ولله -جل وعلا- أن يقسم بما شاء من مخلوقاته لكن ليس للمخلوق أن يقسم بغير الله -جل وعلا- و ((من حلف بغير الله فقد أشرك)) لكن الله -جل وعلا- يقسم بما شاء من مخلوقاته بياناً لشأن هذا المقسم به. هذه الأقسام وهذه الأيمان الأحد عشر عقبها -جل وعلا- بقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [(9) سورة الشمس] والضمير يعود على النفس، {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [(7) سورة الشمس] يعود على النفس فجواب القسم عند جمع من أهل العلم، بل جواب هذه الأقسام الأحد عشر في قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا}، والعادة أن جواب القسم يقترن باللام، والعادة والمطرد في لغة العرب أن جواب القسم يقترن باللام، وأهل العلم خرجوا هذا على أنه لطول الفصل، طول الفصل أغنى عن وجود هذه اللام، فجواب هذه الأقسام {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} ونازع في هذا بعض أهل العلم، ممن له عناية باللغة، كالزمخشري مثلاً، وهذا ليس له أثر، وهذا ليس لعقيدته في هذا أثر وإلا فهو معتزلي.

أقول: جواب هذه الأقسام في هذه السورة العظيمة التي سمعناها من الإمام وفقه الله، قول الله -جل وعلا-: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [(9) سورة الشمس] عند كثير من المفسرين، وأجابوا عن كون الجواب لم يقترن باللام كما هو الأصل وإلا فالأصل لقد أفلح، قالوا: طول الفصل يغني عن هذه اللام، وخالف الزمخشري فقال: إن قوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [(9) سورة الشمس] ليس هو جواب القسم، وإنما جواب القسم ما يفهم من قول الله -جل وعلا-: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ} [(14) سورة الشمس] وحينئذ يكون الجواب: والشمس وضحاها إلى نهاية الأقسام الأحد عشر ليدمدمن الله على أهل مكة بشركهم، كما دمدم على قوم صالح ثمود، والجواب هذا مفهوم من سياق قصة الناقة، وقتل قوم صالح لها، ومعاقبتهم بالدمدمة، لكن أهل العلم يولون التزكية، تزكية النفس عناية فائقة، كما جاء في هذه السورة في قول الله -جل وعلا- {قَدْ أَفْلَحَ} [(9) سورة الشمس] والفلاح هو الظفر والفوز بالخير التام في الدنيا والآخرة، ويقول أهل العلم: إنه لا يوجد كلمة يمكن أن يعبر بها بما يجمع خير الدنيا والآخرة مثل كلمة أفلح والفلاح والمفلح، إذا تقرر هذا فتزكية النفس مطلوبة، {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [(9) سورة الشمس] زكاها يعود الضمير على النفس، وفاعل زكّى من أهل العلم من يرى أنه ضمير يعود إلى الله -جل وعلا-، {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا} [(7) سورة الشمس] فالذي سواها هو الله -جل وعلا-، {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [(9) سورة الشمس] الله -جل وعلا-، فعلى هذا يكون المفلح من زكى الله نفسه بهدايته إلى الطريق المستقيم، ومن أهل العلم ولعل هذا هو القول الأكثر أن الضمير يعود على صاحب النفس، فيكون المعنى: قد أفلح من زكى نفسه، من زكى نفسه، كيف يكون الفلاح لمن زكى نفسه والله -جل وعلا- يقول: {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ} [(32) سورة النجم]؟ {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [(9) سورة الشمس] المفلح من زكى نفسه، والله -عز وجل- نهى عن تزكية النفس، وأهل العلم يحثون على تزكية النفوس من آية سورة الشمس، {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [(9) سورة الشمس] يحثون على تزكية النفوس، وتكلموا

وأفاضوا، لا سيما مثل ابن القيم وابن رجب وغيرهما من أئمة التحقيق هذا الموضوع في غاية الأهمية عندهم، يحثون على تزكية النفس عملاً بهذه الآية، فماذا عن قول الله -جل وعلا-: {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [(32) سورة النجم]، {بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء} [(49) سورة النساء]، لا تزكوا أنفسكم يعني لا تمدحوها، لا تمدحوا أنفسكم؛ لأن التزكية هي الثناء والمدح، ومنه تزكية الرواة والشهود، يعني مدحهم، والثناء عليهم بما يستحقون به قبول شهادتهم، وقبول روايتهم، فالشاهد لا بد له من تزكية، لا بد له من يزكيه ممن يعرفه معرفة باطنة، والراوي لا بد له من يزكيه، يقول أهل العلم: . . . . . . . . . ومن ... زكاه عدلان فعدل مؤتمن وصحح اكتفاؤهم بالواحد ... جرحاً وتعديلاً خلاف الشاهد الشاهد لا بد له من اثنين، لكن هناك من استفاض فضله، ونبغ في الناس ذكره، لا يحتاج إلى تزكية، كما قال الحافظ العراقي -رحمه الله-: وصححوا استغناء ذي الشهرة ... عن تزكيةٍ كمالك نجم السنن

يعني هل إذا جاء شاهد مثل مالك، أو راوي في سند من أسانيد الحديث نبحث عنه في كتاب الرجال؟ ماذا قالوا عنه؟ ما نحتاج إلى هذا، الاستفاضة والشهرة تكفي في مثل هذا، لكن من جهلت عدالته الباطنة لا بد له من الخبرة، لا بد من أن يشهد له ذو خبرة، المقصود أن معنى التزكية المنهي عنها هي مدح النفس، {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ} [(32) سورة النجم] النفس تتشرف وتشرأب إلى المدح، فإن وجد من غيرها فرحت به، وإن لم يوجد بعض الناس لا يصبر، إذا لم يمدح مدح نفسه، وهذا من الضعة بمكان عظيم؛ لأن الناس ينفرون من تزكية النفس، الواحد إذا مدح نفسه نفر الناس عنه، ومع ذلك يقدم بعض الناس بكل صفاقة يمدح نفسه، ويثني عليها، {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [(32) سورة النجم] قد يحتاج الإنسان إلى ذكر بعض محاسنه، لاسيما إذا ظُلم، ابن عمر -رضي الله عنهما- لما وصف بالعي قال: "كيف يكون عيياً من في جوفه كتاب الله؟! " ويحتاجون للمدح أحياناً في مقابلة الذم بغير حق، دفاعاً عن النفس، لا لذات النفس، ولا لحظ النفس، إنما ليقبل ما يصدر عن هذه النفس، لو أن عالماً ذُم على الجميع أن يدافع عنه، يدافع عن عرضه، لكن عليه أيضاً أن يبين ما يبطل هذا الذم، ولو كان في فحواه ما يقتضي المدح، {لاَّ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} [(148) سورة النساء] فمثل هذا لا يدخل في النهي، بعض الناس يحب أن يمدح ويزكى ويثنى عليه، فإن كانت محبته للثناء عليه بما ليس فيه، وما لم يفعله فهو مذموم قولاً واحداً، {وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ} [(188) سورة آل عمران] أما إذا مدح إذا كان يحب أن يمدح ويثنى عليه بفعله فهذا محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من يطرد، ويقول: حب الثناء مذموم على كل حال، ومنهم من يفهم من آية آل عمران أنه لا يدخل في الذم، وعلى كل حال مدح النفس، ومحبة الثناء والمدح خدش في الإخلاص، وقد تقضي عليه، ولذا يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كتاب الفوائد: "إذا حدثتك نفسك بالإخلاص فاعمد إلى حب المدح والثناء

فاذبحه بسكين يقينك وعلمك أنه لا أحد ينفع مدحه أو يضر ذمه إلا الله -جل وعلا-"، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لما قال له الأعرابي: "أعطني يا محمد، فإن مدحي زين، وذمي شين" قال: ((ذاك الله)) ما في هناك أحد ينفع مدحه أو يضر ذمه إلا الله -جل وعلا-، ومع الأسف أنه في حال المسلمين الآن على كافة المستويات الفرح بالمدح من الكبير أو الصغير، من الشريف أو الوضيع، فضلاً عن أن يقال لفلان من الناس: إن الملك ذكرك البارحة وأثنى عليك، أو الوزير الفلاني أو الأمير، يمكن ما ينام بعد هذه المدحة فرحاً، مع أنه جاء في الحديث الصحيح: ((من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي)) من الذي يذكر؟ الله -جل وعلا-، الذي ينفع مدحه ويضر ذمه، ((ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه)) فعليكم بالذكر، اذكروا الله يذكركم، هذا بالنسبة لمدح النفس وتزكيتها المنهي عنه.

نأتي إلى التزكية الممدوحة في قوله -جل وعلا-: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [(9) سورة الشمس] وقلنا: إن الفاعل ضمير يعود إلى الله -جل وعلا- من زكى الله نفسه، أو يعود إلى المخلوق الذي سعى في تزكية نفسه، وبذل الأسباب في تزكية النفس، والتزكية: هي التطهير، التطهير والتنمية والزيادة فيما يقرب إلى الله -جل وعلا- بواسطة العلم النافع والعمل الصالح، بهذا تكون التزكية، اشتراط العلم للتزكية؛ لأن الجاهل قد يجتهد في تزكية نفسه فلا يصيب لجهله، والذي لا يعمل عملاً صالحاً، أو يعمل عملاً غير صالح، هذا لا يستفيد، ولا بد من العلم النافع مع الإخلاص لله -جل وعلا-، والاعتماد كلياً على نصوص الوحيين، فهما السبيل إلى تحصيل العلم النافع، ويتبع ذلك ما يعين على فهم نصوص الوحيين مما كتبه أهل العلم أهل التحقيق من العلماء في فهم الكتاب والسنة، العمل الصالح الذي يتحقق فيه الشرطان: الإخلاص لله -جل وعلا-: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [(5) سورة البينة] والمتابعة للنبي-عليه الصلاة والسلام-، المتابعة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فلا تزكية ولا زكاة للنفس إلا عن طريق الرسل، لا يمكن أن يجتهد الإنسان ليوجد سبيل لتزكية نفسه من غير طريق الرسول -عليه الصلاة والسلام-، عند بعض الطرقية وبعض الصوفية عندهم طرق يربون بها المريدين، لا يعتمدون فيها على نصوص الكتاب والسنة، فمثلاً شيخ طريقة جاءه مريد وقت صلاة الجمعة، فحان وقت الصلاة ولم يخرجا إلى المسجد، فلما نوقش وعوتب، قال: فقهاؤكم يقولون: إذا خشي الإنسان على ضياع ماله يترك الجمعة والجماعة، وأنا أخشى على ضياع قلب هذا المريد، هل في هذا اتباع للرسول -عليه الصلاة والسلام-؟ ومن ترك ثلاث جمع طبع الله على قلبه، وأهل العلم يقولون: إن ترك الجمعة من باب تيسير العسرى، النار نسأل الله العافية، على كل حال لا بد من العلم النافع والعمل الصالح، طيب عوام المسلمين ما نصيبهم من هذه التزكية؟ نصيبهم وفرضهم سؤال أهل العلم، ما الطريقة؟ ما الوسيلة؟ يناقش ويسأل أهل العلم فيدلونه على الطريق، ممن لم يتيسر له طلب العلم بنفسه وشغلته الشواغل، أو لم يتذكر، أو

لم يلتفت إلى العلم إلا بعد كبر سنه، والله -جل وعلا- يقول: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [(43) سورة النحل] تتم التزكية بالعلم النافع، بنصوص الكتاب والسنة، العمل الصالح، بعمل القلب، عمل الجوارح، عمل اللسان، الذي تحققت فيه الشروط، شروط القبول: الإخلاص والمتابعة، {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [(2) سورة الملك] يقول الفضيل بن عياض: "أحسن عملاً: أخلصه وأصوبه" قيل: يا أبا علي ما أخلصه وما أصوبه؟ قال: "إن العمل إذا لم يكن خالصاً لله -جل وعلا- لم يقبل، وإذا لم يكن صواباً على سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يقبل"، فهذان الشرطان لا بد منهما في كل عبادة، وعلى رأس هذه العبادات الإيمان بالله -جل وعلا- بشروطه المذكورة في حديث جبريل، لا بد من الإيمان، ولا بد من تحقيق التوحيد، لا بد من تحقيق التوحيد، وتنقية التوحيد من شوائب الشرك والبدع والمعاصي، لا بد من هذا؛ ليتم الأمن في الدنيا والآخرة؛ ليتحقق الأمن في الدنيا والآخرة، {وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [(55) سورة النور]، {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [(82) سورة الأنعام] فلا بد من تحقيق التوحيد وتخليصه وتنقيته من شوائب

الشرك والبدع والمعاصي، وكل ما يخص التوحيد، ولا بد من أن يكون الإيمان كاملاً، أو يقرب من الكمال بقدر الاستطاعة، فيحرص على أن يؤمن بالله -جل وعلا-، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، ويحقق الإيمان من خلال هذه الأركان الستة، ولا يأتي بما يضعف هذا الإيمان، بل يأتي بما يقوي الإيمان في القلب، وهي الأعمال الصالحة، الأعمال الصالحة هي التي تقوي الإيمان بالقلب، وهي التي تزكي النفس، والذي يضعف الإيمان بالقلب لا شك أنه هو المعاصي، وعلى رأسها الشرك، الذي يقضي على الإيمان بالكلية {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [(65) سورة الزمر] مما يقوي الإيمان النظر في آيات الله الكونية والشرعية، النظر في آيات الله الكونية والشرعية، وأيضاً الأعمال الصالحة، وترك المعاصي، ففعل المأمورات، وترك المحظورات مما يقوي الإيمان في القلب، التزكية بالإيمان الخالص لله -جل وعلا- بالتوحيد المحقق على ضوء ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، والبعد عن ما يخدش هذا الإيمان وهذا التوحيد من بدع ومعاصي، التزكية تكون بهذا مع الأعمال الصالحة التي أوجبها الله -جل وعلا- على عباده، كالصلاة التي هي الركن الثاني من أركان الإسلام، {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [(45) سورة العنكبوت] و ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارات لما بينها إذا اجتنبت الكبائر)) فهذه الصلاة إذا أديت على الوجه المطلوب، وأقيمت على ضوء ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وبهذا يندفع سؤال يلقيه كثير من الناس، يقول نرى الشخص يصلي، يصلي وهو مواظب على الصلاة، لكنه مع ذلك صلاته ما نهته عن فحشاء ولا منكر، يزاول منكرات، ويترك واجبات، نقول: هذه الصلاة ليست هي الصلاة التي يمتثل فيها قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) وهذه الصلاة إن كفرت نفسها كما قال شيخ الإسلام يكفي؛ لأن من المصلين من يخرج بدون أجر، ومنهم من يخرج بعشر الأجر، ومنهم من يخرج من الأجر بالخمس أو الربع أو النصف، ومنهم من يخرج بأكثر من ذلك، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، لكن العبد لا بد أن

يبذل، لا بد أن يري الله من نفسه خيراً، ويصدق في بذله، وإذا علم الله -جل وعلا- منه صدق النية أعانه، وإلا فكثير من الناس يقول: حاولنا جاهدين أن نخلص في صلاتنا ونستحضر ونخشع، لكن لم نستطع، الإنسان يدخل المسجد ويخرج منه كأنه قد دخل أي مكان فيه اجتماع كقصر أفراح أو مدرسة أو ما أشبه ذلك، لا فرق، ويخرج من صلاته كما دخل، ويرجع إلى ما كان يزاوله قبل صلاته، نقول: هذه الصلاة لا بد فيها من مراجعة النفس، تراجع نفسك ما الخلل الذي تطرق إلى صلاتك، بحيث لم تترتب عليه آثارها؟ قد يقول قائل: صلوات الناس بهذه الكيفية صحيحة وإلا باطلة؟ الله -جل وعلا- يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] والذي لا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر يزاول المنكرات، يترك واجبات هذا ليس من المتقين، والحصر في القبول إنما هو من المتقين، فهل يقال: بأن الفساق تجب عليهم إعادة صلواتهم؟ ما قال بهذا أحد من أهل العلم، فصلواتهم صحيحة، لكن القبول المرتب على هذه الصلاة، ونفي القبول بالنسبة للمتقي القبول ونفيه عن غيره؛ لأن الأسلوب أسلوب حصر {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] مفهومه أن الفساق لا يتقبل الله منهم، والمراد بهذا نفي الثواب المرتب على هذه العبادة، ليخرج منها بغير شيء، أو بالعشر أو بأقل أو أكثر، فينتبه الإنسان لمثل هذا الأمر، بعض الناس يقول: حاولت هذا شيء نجده من أنفسنا، يحاول الإنسان أن يستحضر، يحاول والشيطان ينازعه في صلاته، فلا يستطيع أن يتغلب على الشيطان؛ لأسباب بدت منه هو، هو زاول أشياء حالت دونه ودون تحقيق هذا الإقبال على الله -جلا وعلا-، تجده يحضر إلى المسجد من مكان فيه شبهة، أو ينظر إلى أمور لا يجوز النظر إليها، أو يتكلم في أشياء لا يجوز الكلام فيها، فعلى الإنسان أن يحفظ نفسه، وهذه من أعظم وسائل التزكية، يحفظ نفسه من فضول الكلام، من فضول النظر، من فضول الأكل، من فضول الخلطة، من إيش؟ من فضول الكلام، ومع الأسف أن وظيفة كثير من الناس الآن القيل والقال، لاسيما بعد وجود هذه الفتن، التي ماجت بالناس وماجوا بها، تجد مجالسهم معمورة بقال فلان وذكر

فلان، وحلل فلان، والإذاعة الفلانية قالت كذا، والقناة قالت كذا، فضول، هذا إذا سلم من المحرم، تجده فاكهته الكلام في الناس، فلان كذا وفلان كذا وفلان قصير وفلان طويل فلان أسمر فلان أبيض، ويقدح في فلان وعلان لأدنى مناسبة، وتجد لسانه على كتفه كما يقال، يقع في كافة الناس، أخيارهم وغير الأخيار، وتجد مثل هذا النوع -وهذا أمر مجرب- الذي وظيفته القيل والقال لا يستطيع أن يملك لسانه في المواطن التي جاء الحث فيها على حفظ اللسان، وتجده لا يطيق الجلوس مع الأخيار الذين يحفظون أنفسهم من القيل والقال، تجد أثقل مجلس عنده شخص فيه عنده تحري بحيث يحسب حسابه لو تكلم في شخص قال له هذا الشخص المتحري: اتق الله ترى هذه غيبة، والغيبة محرمة، هذه ثقيلة على النفس، فتجده يكره الأخيار من أجل هذا، وينبسط لمن على شاكلته ممن وظيفته القيل والقال، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) الحج أربعة أيام، يعني في وقتها ما يزيد عن أربعة أيام، ومع ذلك لا يستطيع من هذا ديدنه أن يحفظ نفسه هذه الأيام الأربعة، ما يستطيع ولا يوفق؛ لأنه ما تعرف على الله في الرخاء، أيام الرخاء ما تعرف على الله ليعرف في الشدة، وتجد من هذا شأنه وهذا ديدنه ترد عليه المواسم العشر الأواخر من رمضان، وعشر ذي الحجة، ويوم عرفة، والمواسم الفاضلة التي تضاعف فيها الأجور، ويريد أن يحفظ نفسه، ويجتمع قلبه على كتاب الله -جل وعلا- مثلاً، ثم بعد ذلك لا يستطيع، لا يستطيع، يفتح المصحف تجده يترك مصالحه في بلده ويأتي إلى أقدس البقاع، ويجلس من صلاة العصر إلى غروب الشمس ينتظر الإفطار في المسجد الحرام، وبيده المصحف ثم بعد ذلك ينظر في المصحف دقيقتين، ثلاث، خمس، ثم يلتفت يميناً وشمالاً عله أن يجد أحد قادم ولا رايح ولا غادي ممن يعرفه ليتحدث معه كما كان ذلك ديدنه في حال الرخاء، التفت يميناً وشمالاً ثم بعد ذلك فتح المصحف ثانية وهكذا، فإن لم يجد أحد ذهب هو يبحث عن الناس، فمثل هذا لا يعان على اغتنام هذه الأوقات، وإذا قيل له: إن السلف يختمون كل ليلة في العشر الأواخر، قال: هذا خيال، ما يمكن، مستحيل، كيف؟ لأنه يقيس

الناس على نفسه، فعلينا أن نحرص على حسم هذه المادة، وألا نتكلم إلا بعد محاسبة للنفس، هل هذه الكلمة أو هذا الكلام ينفعني يوم القيامة حين ألقى الله -جل وعلا- أو يضرني؟ إن كان ينفع فأقدم، وإن كان يضر فأحجم، وإن كان لا هذا ولا هذا، فمن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، ويدخل في الكلام الكتابة، يعني بعض الناس مغرم بالكتابة، ويكتب كثير، فلا تكتب إلا ما ينفعك يوم القيامة. فلا تكتب بكفك غير شيءٍ ... يسرك في القيامة أن تراه

فهذه فضول الكلام لا بد من حسمها، فضول النظر، النظر والبصر نعمة من نعم الله -جلا وعلا- لا يعرفها إلا من فقدها، نعمة، لكنها إذا استغلت بما لا يرضي الله -جل وعلا- صارت نقمة، صارت نقمة، وهذه النعم لا بد من شكرها، واستعمالها فيما يرضي الله -جل وعلا-، عنده بصر يستعمله في قراءة القرآن، يستعمله في قراءة العلم، يستعمله في مصالحه في دنياه، التي يتخذ منها طريقاً وسبيلاً إلى الجنة، لكن إن استعمله فيما حرم الله عليهم كالنظر إلى ما لا يجوز النظر إليه، سواء كان ذلك نظراً مباشراً، أو بواسطة آلات أو قنوات، أو صور أو مجلات، أو ما أشبه ذلك، كل هذا كل هذا يحرم عليه النظر فيه، فهذه النعمة انقلبت بالنسبة له نقمة، نسأل الله العافية، وأيضاً السمع من أعظم النعم من نعم المولى -جل وعلا- على الإنسان، بل فضله جمهور أهل العلم على البصر، فإذا كان السمع بهذه المثابة فلا بد أن يؤدى شكر هذه النعمة، فلا يصنع فيه إلا ما يرضي الله -جل وعلا-، والحذر الحذر من سماع ما يحرم سماعه، والآن الأبواب مفتوحة لرؤية وسماع ما يحرم إلى الشرك الأكبر، دخل في بيوت الناس وعامتهم، قنوات السحر الآن تشاهد في بيوت عوام المسلمين، وتسمع، والله المستعان، شر مستطير لا بد من أن يقف المسلم منه وقفة حازمة، ويقي نفسه، ومن ولاه الله عليه {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [(6) سورة التحريم] لا بد من هذا، ثم إذا تيسر له أن يتعدى هذا النفع خارج بيته إلى جاره إلى أخيه إلى قريبه إلى الأمة بكاملها فلا يحرم نفسه؛ لأن هذا الغزو خطير جداً، يعني عاش الناس مدة، سنوات، وقد غزو في قعر بيوتهم بالشهوات، القنوات الماجنة غزت بلاد المسلمين بالشهوات، ثم بعد ذلك بالشبهات التي تزلزل العقائد، ثم بعد ذلك بالشرك الأكبر، نسأل الله السلامة والعافية، كيف يزكي نفسه من أتاح الفرصة لمن ولاه الله عليه بمشاهدة هذه الأمور، والنفس تنازع مادام هذا موجود فالصراع قوي، وشخص سكن في شقة في بلد ما فيها القنوات كلها فأراد أن ينظر إلى الأخبار بحث عن المجد ما استطاع أن يصل إليها، فوجد في أخبار الجزيرة فإذا التي تلقي الأخبار امرأة، جاء

بالشرشف -الغطاء غطاء النوم- وغطا به الآلة؛ لئلا يرى المرأة، هذا أول مرة، المرة الثانية نازعته نفسه إلى أن كشف الغطاء، فمن العصمة أن لا يقدر الإنسان على هذه الأمور، من العصمة أن يحسم الإنسان مادة هذه الأمور بالكلية، ويستغني بما ينفعه، أما أن يجعل هذه الأمور في متناول يده ويد من ولاه الله عليه ممن لا يدرك المصلحة، كثير من النساء لا يدركن المصلحة، كثير من البنين والبنات لا يدركون المصلحة من المفسدة، ثم بعد ذلك يلوم القناة، أو يلوم من تسبب في هذا، هو أنت المتسبب. ألقاه في اليم مكتوفاً ثم قال له ... إياك إياك أن تبتل بالماء شاب أو شابة، مراهق أو مراهقة تترك لهم هذه الفرصة، ولا حسيب ولا رقيب، ثم تقول: والله أريد صلاحهم، {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [(74) سورة الفرقان] كيف يجاب مثل هذا الدعاء وأنت تركت لهم أسباب ووسائل الفساد، ويسرتها لهم؟ كيف يقول الولد: {رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [(24) سورة الإسراء] وأنت تركت لهم أسباب ووسائل الفساد {كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} كيف ربيتهم أنت؟ إن ربيتهم على الخير والفضل، وحب الخير وأهله، والعلم النافع والعمل الصالح أبشر؛ لأنك ربيتهم على مراد الله -جل وعلا-، لكن إن ربيتهم على خلاف ذلك فلا تتوقع هذه النتيجة، إلا برحمة أرحم الراحمين.

المقصود أن فضول الكلام، وفضول النظر، وفضول السمع، وفضول الحواس كلها التي لا تنفع في يوم القيامة على مريد التزكية للنفس أن يحسم مادتها، طيب إذا منع الإنسان من فضول الكلام فما البديل؟ يصمت؟ يعني يتكلم بما ينفع جملة جملتين ويصمت؟ لا الباب مفتوح، اللسان له وظائف، ((اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأهله)) ولك بكل حرف عشر حسنات، يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((لا أقول: (ألم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) والختمة الواحدة لا تكلف الإنسان، ما يحتاج إلى حمل أثقال، ولا جلوس في شمس، ولا في مكان مخوف ولا شيء، في روضة المسجد يستند على مثل هذا بعد صلاة الصبح لمدة ساعة، ويقرأ القرآن في سبع، كما قال الرسول لابن عمرو: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) إلى أن تنتشر الشمس، وبهذا يحصل في كل أسبوع على ثلاثة ملايين حسنة، ولا خوف من مؤشر ولا غيره، هذه الثلاثة ملايين مضبوطة ومحفوظة في سجل لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، اللهم إلا إذا أنت تسببت في تضييعه هذا شيء يعود إليك، فالمفلس من يأتي بأعمال أمثال الجبال من صلاة وصيام وحج وزكاة وبر واجتهاد، ثم بعد ذلك يأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، وأخذ مال هذا، فهذا يأخذ من حسناته، وهذا من حسناته، ختمة لفلان، وختمة لفلان، وهكذا، وفي الغالب أن من ينشغل بهذه المنكرات لا يوفق لقراءة القرآن، لاسيما على الوجه المأمور به، فما تودعه في سجلك وصحائف أعمالك مضبوط، ولا خوف عليه، لا من لص، ولا من هامور يلعب بالسلوك، ما فيه، مضبوط، متقن، يعني إذا كان الناس في أموالهم يتذرعون بأنه ضحك عليهم، هذه الأجور مضبوطة، ما أحد يتصرف فيها، ولا يتحكم، {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا} [(49) سورة الكهف] حاضر تقلب الصفحات ووجهك مشرق، نسأل الله من فضله، المقصود أن قراءة القرآن من تزكية النفس، والذي يفعل ما أمر به من قراءة القرآن على الوجه المأمور به بالتدبر والترتيل، لا شك أن هذا من أعظم وسائل تقوية الإيمان، كما قال شيخ الإسلام بن تيمية -رحمه الله-: "قراءة القرآن على الوجه المأمور به تورث القلب من الإيمان والعلم واليقين والطمأنينة ما لا يدركه

شيء، أو لا يحصل بشيء آخر البتة، ولا يدركه إلا من جربه وعاناه"، ويقول ابن القيم -رحمه الله-: فتدبر القرآن إن رمت الهدى ... فالعلم تحت تدبر القرآنِ أيضاً الذكر ((لا يزال لسانك رطباً بذكر الله)) جالس في أي مكان كان، أثقل ما على الناس الانتظار، جلست تنتظر في مكان ما، في مستوصف، وإلا في بيتك تنتظر زميل لك، وإلا أحداً بيطرق الباب عليك، تأخر، تضيق بك الدنيا ذرعاً، الناس جبلوا على هذا، لكن من استغل وقته بذكر الله، وأنس بالله -جل وعلا- ما يضيق صدره، يتمنى أن لو تأخر الدور؛ لأنه لو قال: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر الباقيات الصالحات، غراس الجنة، كما جاء في الحديث الصحيح أن إبراهيم -عليه السلام- قال: ((يا محمد أقرئ أمتك السلام، وأخبرهم أن الجنة قيعان، وغراسها التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير)) أمور أمور لا تكلف الإنسان شيئاً، سبحان الله وبحمده مائة مرة تقال في دقيقة ونصف ((من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر)) والحديث متفق عليه، لا أحد يقول: والله ثواب عظيم على أمر يسير، لا، فضل الله يؤتيه من يشاء، والله يضاعف لمن يشاء، إلى سبعمائة ضعف، يعني قد يقول الإنسان: هذه أمور لا يتخيلها عقل، لكن فضل الله أعظم، قالوا: إذاً نكثر! قال: ((الله أكثر)) يعني إذا كان آخر من يدخل الجنة، يعني يخرج من النار ويدخل الجنة، فيقال له: تمنّ، تضيق به الأماني، فيقال له: أتريد ملك أعظم ملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: إي يا رب، فيقال: لك مثله ومثله ومثله إلى عشرة أمثاله، هذا آخر من يدخل الجنة، يخرج من النار ويدخل الجنة، فكيف بالسابقين المسارعين إلى الخيرات، لكن على الإنسان أن يعمل وأن يبذل، وأن يكون على الجادة؛ لأن العمل لا يرفع إذا حاد عن الجادة يميناً وشمالاً، لا بد من المتابعة للرسول -عليه الصلاة والسلام-، ولا بد من الإخلاص لله -جل وعلا-، والعلم بغير هذين الشرطين باطل، لا قيمة له.

فضول الأكل أيضاً عائق عن الطريق الموصل إلى الجنة، من العوائق؛ لأن الإنسان إذا أكل كثيراً نام كثيراً، وأصيب بالبطنة، ولا شك أن البطنة تورث كما قال أهل العلم عدم الفطنة، يكسل ويخمل ويتبلد وتجتمع وتتراكم الدهون في مجاريه وعلى قلبه، مثل هذا يصعب عليه أن يشمر لطاعة الله -عز وجل-، فإذا أكل كثيراً نام عن قيام الليل، وقد ينام عن صلاة الصبح، وقد يصاب بأمراض تعوقه عن الأعمال الصالحة، وقد يدفعه نهمه إلى أن يطلب الطعام من غير حله، وكل هذه الأمور لا شك أنها عائق عن تزكية النفس.

فضول الخلطة الإنسان لا بد له من أن يجتمع بغيره، لا بد أن يجتمع بغيره؛ لأنه كما قال ابن القيم وابن خلدون وغيرهما: "الإنسان مدني بالطبع، وحاجته بيد غيره" قد تكون حاجته بيد غيره، وحاجة غيره بيده، فيحتاج إلى أن يجتمع بفلان وفلان، فهذه الخلطة يحرص الإنسان بقدر الإمكان على تقليلها إلا بقدر الحاجة، وما أوتي كثير من طلبة العلم إلا من قبل هذه الخلطة، تجده إذا صلى العشاء ينظر من بيجينا؟ من بنروح له؟ فقط ما له هم إلا هذا، ثم ينتظر فلان أو يذهب إلى فلان وتذهب عليه الساعات الطوال، ويسهرون الليل كله فإذا حاول مع نفسه وجاهد نفسه للوتر قد يغلبها فيوتر بشيء يسير، لا يحضر فيه قلب، وقد تغلبه، وهذا سببه الخلطة، والخلطة هي سبب القيل والقال، فليقلل الإنسان الخلطة، ومسألة الخلطة والعزلة مسألة اهتم بها أهل العلم، وألفوا فيها الكتب، من خير ما ألف (العزلة) لأبي سليمان الخطابي، من علماء القرن الرابع (388) تقريباً توفي، ذكر فيها النصوص التي تحث على العزلة ((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال يفر بدينه من الفتن))، وجاء أيضاً الأمر بالخلطة، والتحذير من ترك الجمع والجماعات، والحث على نفع الناس، ولذا الإنسان في هذا الباب إما أن يكون مؤثراً في غيره غير متأثر، أو العكس، فإن كان ممن يؤثر في الناس ولا يتأثر بما عندهم من مخالفات فهذا يتعين في حقه الخلطة، وإن كان ممن يتأثر بما عند الناس من مخالفات ولا يستطيع أن يؤثر فيهم خيراً، فإن مثل هذا يتعين في حقه العزلة، وعلى نصوص العزلة يتنزل حال مثل هذا، بعض الناس يؤثر ويتأثر، ينفع فلان وينتفع به فلان، وعنده شيء من البذل والنفع المتعدي، ومع ذلك قابل للتأثير، يتأثر، نقول: هذا بحسب ما يغلب عليه من طبعه، مع مجاهدة نفسه بعدم التأثر، مثل هذا إذا غلب على ظنه التأثير وتأثره يسير فإنه يجاهد هذا اليسير، ويخالط الناس، أما إذا كان تأثره كثير وتأثيره أقل فمثل هذا العزلة علاجه؛ لأن درء المفاسد عند أهل العلم مقدم على جلب المصالح، وألزم ما على الإنسان وأهم وأولى ما يعنى به الإنسان إصلاح نفسه؛ لأن بعض الناس يكون مثل السراج يضيء للناس، لكنه يحرق نفسه، فإصلاح النفس

أولى من إصلاح الغير، والله المستعان. ذكرنا أن من أعظم وسائل تحصيل التزكية للنفس الإيمان الخالص لله -جل وعلا-، والتوحيد المحقق المخلص عن شوائب الشرك والبدع والمعاصي، ثم بعد ذلك ذكرنا الصلاة، وما يترتب عليها من تزكية النفس، والنهي عن الفحشاء والمنكر، والزكاة أيضاً التي نص فيها على التزكية، واسمها مأخوذ منها زكاة المال، {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [(103) سورة التوبة]، وكذلك الصيام الذي غايته التقوى، تحقيق التقوى، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة] فإذا كانت الزكاة تزكي الإنسان في نفسه وعمله وماله، فإن الصيام محقق للتقوى، {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} والتقوى فعل الأوامر، واجتناب النواهي، ويرد هنا السؤال الذي ورد بالنسبة للصلاة، يصلي الإنسان ولا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر، وقلنا: إن الصلاة هذه فيها خلل، والصيام الذي لا يورث التقوى لا شك أن فيه خللاً، لم يكن على مراد الله ومراد رسوله -عليه الصلاة والسلام- من الصيام وإلا فالوعد ممن لا يخلف الميعاد، بل أهل العلم يقولون: لعل من الله واجبة، {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فالصيام مورث للتقوى بلا محالة، لكن أي صيام يورث التقوى؟ ينهى صاحبه عن ارتكاب المحظور وترك المأمور؟ الصيام الذي حفظ عما يخدشه، ((الصوم جنة)) في رواية: ((ما لم يخدشها)) فالذي لا يحفظ صيامه عن قول الزور، فإن هذا الصيام لا شك أنه لا تترتب عليه آثاره، وكذلك مثل قول الزور ارتكاب المحرمات أثناء الصيام، فمثل هذا الصيام لا يورث التقوى، ومع ذلك لا يؤمر بإعادته، الصوم صحيح عند أهل العلم مسقط للطلب، لكن الآثار المترتبة عليه لا توجد، ويعاقب على ما أرتكبه حال صيامه من محرم أعظم مما يعاقب عليه حال فطره.

الحج ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) وهو أيضاً مشترط فيه التقوى {وَاذْكُرُواْ اللهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة] القيد لمن تعجل أو لمن تأخر؟ نعم للأمرين؛ لأن بعض الناس قد يفهم من الآية أنها مدح للتأخر؛ لاقتران التأخر بالتقوى نقول: لا، هذا قيد لمن تعجل، وهو أيضاً قيد لمن تأخر، ومعنى الآية كما قال ابن رجب وغيره، هو معنى قوله: ((رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} يعني ارتفع عنه الإثم شريطة أن يكون قد اتقى، ومن تأخر فلا إثم عليه ارتفع عنه الإثم، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه شريطة أن يكون قد اتقى، وأما ترجيح وتفضيل التأخر على التعجل فيؤخذ من فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، أنه تأخر ما تعجل، وأما بالنسبة للآية فالتقوى قيد لمن تعجل ولمن تأخر، فلا بد من التقوى، لماذا؟ لتكون الآثار المرتبة والمترتبة على هذه الأعمال الصالحة محققة، هذه وعود من الله -جل وعلا- في كتابه، ما يقال: ينظر في أسانيدها هل هي صحيحة أو ضعيفة؟ لا، هذا ثابت بالدليل القطعي، بكلام الله -جل وعلا-، في الصيام {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة] وفي الحج: {لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة] فلا بد من التقوى وبالتقوى تتم تزكية النفس، فالرابط بين التقوى والتزكية قول، فلا يمكن أن تتم تقوى من غير تزكية أو تزكية من غير تقوى، فهما متلازمان، بهذا ننتهي من المحاضرة، وإن كان الكلام في التزكية كثير جداً، وأهل العلم لاسيما ابن القيم وابن رجب أولوا هذا الموضوع عناية فائقة، ويمكن أن يطرق من وجوه عديدة، وبأساليب كثيرة، لكن هذا ما سمح به الوقت، والأسئلة كثيرة جداً، يمكن تحتاج إلى محاضرات، بل لقاءات، لكن نأتي منها بالشيء اليسير، ويرجع الباقي. إذا قيل للشخص: إنه سلفي هل تعبير هذا تزكية؟ أو تعتبر هذه تزكية؟ أرجو توضيح هذه المسألة؟

إذا قيل: إنه سلفي من قبل من يعتد بقوله من أهل العلم فهذه تزكية له، لكن إن قالها عن نفسه {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ} [(32) سورة النجم] اللهم إلا إذا كان مقتدياً بسلف هذه الأمة، ويريد أن يبرز هذا المذهب، ويحث إليه، كما قالوا في الأثري: فلان بن فلان الأثري، انتسب إلى الأثر جماعة من أهل العلم. يقول راجي ربه المقتدري ... عبد الرحيم بن الحسين الأثري طالب:. . . . . . . . . لكن هو في بلد يقل فيه السلفية أو يكثر فيه السلفية؟ أو الأصل فيه السلفية؟ طالب:. . . . . . . . . على كل حال مثل هذه الأمور تقدر بقدرها، والإنسان ينظر إلى ما وقر في قلبه، إن كان يترفع بذلك على غيره فتزكية للنفس. هذا سؤال فيه إشكال حول .. ، هذا يسأل عن صوت المرأة هل هو عورة؟ وإذا كان كذلك فما حكم ردها على الهاتف؟ أولاً: المنهي عنه بالنسبة للمرأة هو الخضوع بالقول {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [(32) سورة الأحزاب] الخضوع بالقول لا يجوز بحال، وإذا كان صوت المرأة وجد هكذا، خلق هكذا فيه شيء من الخضوع، فمنعه من أجل الفتنة المترتبة عليه، وإلا إذا تكلمت المرأة من غير خضوع، وصوتها لا يورث فتنة في قلب محدثها فالمرجح أنه ليس بعورة، وإن كان من أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين يرى أنه عورة؛ لأنه مؤثر في الرجال ولا محالة، ويستدلون على ذلك بأمور، منها: أنها لا تجهر في صلاتها، ولا تجهر في تلبيتها، وإذا نابها شيء في الصلاة صفقت ولا تسبح، المقصود أن هذا القول معروف عند أهل العلم، فخير ما للمرأة ألا تتعرض للرجال لا بكلام ولا بغيره، وهذا أحفظ لها ولهم، لكن إن احتاجت إلى ذلك ولا يوجد من يقضي حاجتها إلا هي فالأصل -إن شاء الله- الجواز، مع أمن فتنة. إرادة الإنسان بعملٍ صالح الدنيا والثناء والمال مثل التدريس في المدارس للمواد الدينية والإمامة؟ هذه الأمور أعني تعليم العلم الشرعي من أمور الآخرة المحضة، لا يجوز فيها التشريك، لا بد أن يبذل لله -جل وعلا-، وكونه يأخذ من بيت المال ما يعينه على تحقيق الهدف الذي من أجله خلق، وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا- هذا لا يضره.

يقول: ما حكم نظر النساء، العلماء، مثل، نظر النساء، العلماء، القنوات، مثل الناس، في المسجد، كأن هذا يقول: رتب الكلمات التالية، ما فيها شيء يربطها؟ على كل حال السؤال كأنه واضح، يعني نظر المرأة لصورة الرجل؛ لأنه يوجد من يشوش في هذه المسألة، المرأة مأمورة بغض البصر كالرجل تماماً، فإذا كان لا يجوز للرجل أن ينظر ويحدد في امرأة بعينها، فكذلك لا يجوز لامرأة أن تنظر إلى رجل بعينه، وعليها أن تغض البصر كما أمر الرجل بأن يغض البصر، وغض البصر من وسائل التزكية، من أعظم وسائل التزكية، ومن أعظم وسائل حفظ القلب، لا من الرجال ولا من النساء، ونص على التزكية في مسألة غض البصر، والله المستعان. يقول: هل ما ورد عن بعض الصحابة والسلف من الختم في ليلتين أو ليلة مخالف للسنة؟

أولاً: ثبت عن عثمان -رضي الله عنه- أنه يقرأ القرآن في ليلة، يعني في ركعة، قراءة القرآن أقل تقدير لها ست ساعات يعني بالتجربة، ست ساعات، ورأينا من يبكي وهو يقرأ بهذه السرعة، فالمسألة مسألة مران، لكن أقل من هذا مستحيل، لا يأتينا من يقول: إنه يقرأ القرآن في ساعة أو في لحظة، كما يدعى الآن وسابقاً، يعني هذا الكلام مأثور من قديم مثل هذا، ولا يمكن أنه يخطر على بال إنسان أن يقرأ القرآن ولا تصفح ولا فتح صفحات، يعني القسطلاني في شرح البخاري ذكر عن شيخ من الشيوخ، وأثنى عليه أنه قرأ القرآن في سبع، كيف في سبع؟ أو في سبعة؟ قرأ القرآن في سبعة، في أسبوع، قرأ القرآن في أسبوع هذا اللفظ، اللي يقول: قرأ القرآن في أسبوع قلنا: طيب هذا أمر الرسول -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن عمر، قال: وقيل: في شوط، عرفنا أن الأسبوع سبعة أشواط، يمكن هذه وإلا ما يمكن؟ مستحيل، وقيل: في شوط، هذا مستحيل، وهذا عبث لكلام الله -جل وعلا-، مع أنه لا يمكن تصوره، ولا يدخل في عقل، وهو أيضاً محاولة مثل هذا الأمر عبث، وجاء الأمر لعبد الله: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) لأن هذا أقرب إلى أن تكون القراءة على الوجه المأمور به، بالتدبر والترتيل، وجاء أيضاً: ((لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)) طيب عثمان يقرأ في ليلة، وثبت عن كثير من الصحابة ليلة أو ليلتين، من السلف والتابعين والأئمة كثير هذا، أقول: لعل ما أثر عنهم استغلالاً للمواسم، لا يكون ديدن ولا عادة، لكن استغلال المواسم كالعشر الأواخر يعني إذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحيي ليله، يحيي الليل، وإحياء الليل يكون بالقراءة، بالذكر، بالصلاة،. . . . . . . . .، لكن ظروف الناس تختلف، ما يقال لشخص متفرغ للعبادة وللتلاوة: لا تقرأ القرآن إلا في سبع، والشخص المشغول بالأعمال الكثيرة والدوام والدروس ونفع الناس وقضاء حوائجهم يقال له: اقرأ القرآن في سبع، فهذا يختلف عن هذا، وقول الرسول -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن عمرو: ((ولا تزد)) هذا من باب الشفقة عليه، من باب الشفقة عليه، وإذا نهي الإنسان من شيء شفقة عليه فأهل العلم يقولون: الأمر يعود إليه، فإذا كان لا يتأثر به

ولا يضره هذا الأمر إليه، ولذلك زاد عبد الله بن عمرو، صار يقرأ في ثلاث، على كل حال هذه مسألة مسألة يختلف فيها بين أهل العلم، فمنهم من يقول: إن الأمر على ما جاء عن الصحابة، ومن أكثر فالله أكثر، ورتبت الأجور على الحروف، فقراءة الحروف تثبت بمثل هذه السرعة، أجر الحروف المرتب، الأجر المرتب على الحروف يثبت، ولو كانت القراءة هذاً، أما الأجور العظيمة التي ((من قرأ القرآن وهو ماهر فيه مع السفرة الكرام البررة)) لا بد أن يقرأ على الوجه المأمور به، وأهل العلم بينهم خلاف أيهما أكثر أجراً من يقرأ القرآن على الوجه المأمور به بحيث يختم في الأسبوع مرة، أو يقرأ القرآن بالسرعة ويختم في الأسبوع سبع مرات، يعني المسألة مفترضة في شخص يقول: أنا أجلس في المسجد ساعة، بعد صلاة الصبح، فهل الأفضل أن أقرأ جزء واحد بالتدبر والترتيل، أو أقرأ خمسة؟ لأن الخمسة مجربة في الساعة، أيهما أفضل؟ الجمهور على أنه يقرأ جزءاً واحداً على الوجه المأمور به أفضل من أن يقرأ خمسة، وعند الشافعية قول معروف أنه كلما أكثر من الحروف فهو أفضل، ولو أخل بالتدبر والترتيل، وعلى كل حال قول الجمهور هو المورث للعلم النافع، والإيمان الخالص، واليقين والطمأنينة كما قال شيخ الإسلام. ابن القيم يقول: إن من يسرع في قراءته، ويكثر من الختم بالنسبة لمن يتدبر ويرتل ويقل من الختم كمن أهدى عشر درر، وذاك أهدى درة واحدة، الذي يسرع وختم عشر مرات هذا أهدى عشر درر، وذاك أهدى درة واحدة، لكن افترض أن العشر قيمة كل واحدة ألف، لكن قيمة الواحدة في مقابل العشر مائة ألف، صار أيهما أفضل؟ طالب:. . . . . . . . .

نعم الذي يتدبر ويرتل أفضل بكثير، وقراءة الهذ وإن كان يرجى ما رتب فيها من أجر، وفيها خير ونفع عظيم للإنسان، لكنها ليست بشيء مقارنة بقراءة الانتفاع بالقرآن، والإنسان على ما تعود، الذي تعود السرعة لا يستطيع أن يترك السرعة، مثل السرعة بالسيارة، الذي عود نفسه على السرعة ما يستطيع، فإذا مر بآية تأمر بالتدبر قصر قليلاً؛ يعني الآيات الأربع، آيات التدبر الأربع إذا مر بها قصر قليلاً، ثم نسيها فرجع إلى ما كان عليه، وهذا نظير من جبل على السرعة في القيادة، إذا رأى حادث قصر قليلاً، ثم بعد ذلك عشرة كيلو ينساه، يرجع إلى ما كان عليه، فعلى الإنسان أن يعود نفسه على التدبر والترتيل، لكن شخص من عشر أو عشرين سنة عود نفسه على أنه يختم في كل ثلاث، أو في كل سبع بسرعة بالهذ، وأراد أن يعود إلى الطريقة الثانية الأمثل والأفضل فهل نقول: إنه بدلاً من أن يختم في الشهر أربع مرات يختم واحدة، أو بدل أن يختم عشر يختم أربع أفضل له؟ أو يستمر على طريقته؟ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- إذا عمل عملاً أثبته، والتقليل من الختم رجوع بعض الشيء، رجوع في الكم، وإن لم يكن رجوعاً في الكيف، والعبرة في الكيف؛ لأن بعض الناس يجد في نفسه أن يقلل بعد أن اعتمد طريقاً واستمر عليه سنين، الرسول -عليه الصلاة والسلام- إذا عمل عملاً أثبته، وجاء في الحديث الصحيح في البخاري وغيره ((مه اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا)) هل نقول: إن الذي رجع من الختم عشر مرات في الشهر إلى مرة أو مرتين، نقول: هذا مل؟ أو نقول: إنه بدلاً من الكم نرجع إلى الكيف والكيف أفضل؟ لأن هذا لا بد أن يوجد في نفس الحريص، صاحب التحري يؤثر فيه مثل هذا؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا عمل عملاً أثبته وهذا رجع، عمل عملاً وأثبته مدة طويلة ثم نكص عنه، ورجع، والرجوع والنكوص عند أهل العلم مذموم بلا شك، لكن يبقى أنه بدلاً من العناية بالكم تكون العناية بالكيف، والكيف أهم. يقول: هل التزكية التي تقدم عند بعض الوظائف أو المعاهد داخلة في النهي؟

يعني هذا صارت نظام، نظام في الجهات الرسمية حينما تريد عمل من الأعمال، هات تزكيات من أهل العلم، فيذهب لفلان وفلان وفلان من أجل أن يزكوه ويمدحوه ويثنوا عليه، هل هذا من المنهي عنه؟ لأنه قد يوجد من يتورع عن مثل هذا ويفوز بالأعمال المهمة، والتمكين من الدراسة، الدراسة العالية لا بد فيها من التزكيات، هل نقول: إن هذا صاحب التحري وصاحب الورع والتثبت الذي لا يريد التزكية المنهي عنها هل نقول له: عليك أن تكف عن مثل هذا، وإن فاز بها غيرك؟ أو نقول لمثل هذا: أمر مطلوب شرعاً في مواصلة العلم والتعليم، مطلوب شرعاً، وما لا يتم إلا به فحكمه حكمه، لا شك أن هذه من المضايق؛ لأن الإنسان وهو يسعى جاهداً إلى مثل هذا في باله شيء أو أشياء، وفيها الراجح وفيها المرجوح، نعم إن رجح في ذهنه التمكين من التعليم؛ لأن التعليم العالي يحتاج إلى شهادات، فإن رجح في ذهنه التمكين من التعليم وأنه لا يتمكن إلا بهذه الشهادة المتطلبة لهذه التزكيات، فهذه أمور مغتفرة في سبيل الهدف النبيل هذا الذي يرمي إليه، وإن كان جال في ذهنه أشياء، أنه كلما أخذ من شهادة زاد راتبه مثلاً، مع تمكينه من التعليم ومع أمور تحتف بذلك فليكف؛ لأن ما عند الله لا ينال بسخطه، هذا العلم مما عند الله، وما يبتغى به وجه الله، لا ينال بمثل هذه الأمور، ومع الأسف أنها صارت مشكلة الآن، وإلا لو أن التزكية مطلوبة؛ لأن بعض الناس مجاهيل ما يدرى عنهم، ما يدرى عن حقيقتهم، فلا بد من تزكيتهم، لكن المعروف طلب التزكية منه غير وجيه. يقول: هل يشترط احتساب النية في نفقة الرجل على أهله حتى يكتب له الأجر؟ النية لا بد منها ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) فلا بد من النية، وكم من أجور عظيمة تفوت كثير من الناس لغفلتهم، وعزوف النية عن أذهانهم، تجده في نهاية كل شهر يذهب إلى المحلات التجارية والمواد الغذائية، ويجلب المصروف لزوجته وأولاده وبناته، وهو لا يستحضر شيئاً، مع أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال: أنه يؤجر على كل شيء، حتى ما يضعه في في امرأته، يحتسب الأجر من الله -جل وعلا-، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

العبادة في زمن الفتن

بسم الله الرحمن الرحيم العبادة في زمن الفتن الشيخ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد: ففي هذا اللقاء المبارك الذي رتبه الإخوة -جزاهم الله خيراً- في هذا الظرف الذي تعيشه الأمة مع الاضطراب الحاصل لدى كثير من طلاب العلم، كثيرٌ منهم ضاقت بهم الأرض ذرعاً، وظنوا أن الخير قد انقطع، والأمر على خلاف ذلك، وديننا -ولله الحمد- دين الخلود والبقاء إلى قيام الساعة، مضمون له البقاء إلى قيام الساعة، وأبواب الخير مفتوحة ومشرعة، وسنة المدافعة باقية إلى قيام الساعة، وما يغلق باب في وجه مسلم إلا ويفتح الله له أبواب وآفاق من أعمال الخير التي توصله إلى مرضات الله سبحانه وتعالى. الفتن التي تعيشها الأمة والتي أخبر بها النبي -عليه الصلاة والسلام- وأنه يوشك أن تظل فتن كقطع الليل المظلم، يوشك أن تظلنا فتن كما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- كقطع الليل المظلم، وقال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث المخرج في البخاري وغيره: ((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمٌ يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن)). وقال -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث المخرج في السنن والمسند أنه في آخر الزمان أيام تسمى أيام الصبر، والقابض فيها على دينه كالقابض على الجمر، وأجر العامل فيها كأجر خمسين رجل، قالوا: منهم يا رسول الله أو منا، قال: منكم. هذه مع كونها تخبر عن واقعٍ مُرّ إلا أنها تشرح صدر المسلم للعمل والمدافعة أجر خمسين من الصحابة في آخر الزمان عند فساد الناس، أجر خمسين من الصحابة هذا ليس بالسهل ولا بالهين، ويأتي ذكره، والمراد به - إن شاء الله تعالى -. فالفتن التي نتحدث عنها، بل قبل ذلك في العنوان العبادة، العبادة في زمن الفتنة، أو في زمان الفتن. الله -جل وعلا- قد خلق الثقلين الجن والإنس لتحقيق هذا الأمر الذي هو العبادة والعبودية، كما قال الله -جل وعلا-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات]، فالعبادة هي الهدف من خلق الجن والإنس.

يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله وتعالى-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات]، أي: إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي، لا لاحتياجي إليهم، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} أي: ليقروا بعبادتي طوعاً أو كرهاً، وهذا اختيار ابن جرير، وقال ابن جريج: إلا ليعرفون، وقال الربيع بن أنس: {إلا ليعبدون} أي: إلا للعبادة. والمراد بالعبادة كما قال شيخ الإسلام: "اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة". فتشمل جميع أبواب الدين، فالإنسان يتعبد إلى الله -جل وعلا- بتوحيده، والإخلاص له، ويتعبد له بالإيمان به بشروطه، يتعبد لله -جل وعلا- بالصلاة، فرضها ونفلها، يتعبد للمولى -جل وعلا- بالزكاة، والصدقات، يتعبد له بالصيام الذي هو سرٌ بين العبد وبين ربه، ويتعبد لله -جل وعلا- بزيارة بيته الحرام، وبالجهاد في سبيله وإعلاء كلمته، ويتعبد له في معاملاته، في المعاملات وإن كانت من أجل الكسب الذي ظاهره المادة المحضة، إلا أنه في الوقت نفسه بإمكان المسلم أن يجعله عبادة لله -جل وعلا-، إذا نوى به أن يتقوى به على ما يقربه إلى الله -جل وعلا- يتعبد إلى الله ويتقرب إليه بتناول الملذات والشهوات كالنكاح الذي شرعه الله -جل وعلا- وأخبر أنه يؤجر عليه، "أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر؟ " قال: ((نعم، أرأيتم لو وضعها في حرام أيكون عليه وزر؟ )) قالوا: نعم، فيأتي شهوته ويكون له أجر، هذا من فضل الله -جل وعلا-. يتعبد لله -جل وعلا- بجميع أبواب الدين، فالعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله -جل وعلا- ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.

وتنوع هذه العبادات من محاسن هذا الدين، فتجد بعض الناس يسهل عليه التقرب إلى الله -جل وعلا- بمائة ركعة بمائتين ركعة بثلاثمائة ركعة في اليوم الواحد، وهذا مأثور عن بعض من تقدم من السلف، لكن يشق عليه أن يتصدق بدرهم، فتح له هذا الباب ليلزمه، ومع ذلك يجاهد نفسه في الأبواب الأخرى، وبعض الناس مستعد أن يتصدق أن يتخلص من نصف ماله ولا يستطيع ولا تطاوعه نفسه أن يصلي ركعتين، ومن الناس من ديدنه قراءة القرآن وتشق عليه سجدة التلاوة؛ لأن الصلاة شاقة عليه، هذا تنوع للعبادات, وكل باب من الأبواب هذه مرضية لله -جل وعلا- ومع ذلك يلزم هذا الباب الذي يُسر له ولا يهمل الأبواب الأخرى، يجاهد نفسه على أن يأطرها على محبة هذه الأبواب الأخرى، يكفيه أنها ترضي الله -جل وعلا- وأنها ترفعه عند المولى سبحانه وتعالى، ترتب عليها الثواب، فمن أهم العبادات الصلاة، فالإنسان عليه أن يكثر منها، فالصلاة خيرٌ مستكثر منه، والنبي -عليه والصلاة والسلام- لما سأله الصحابة مرافقته في الجنة، قال: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) الكثرة هذه مطلوبة على أن الكمية ليست هدف لذاتها، بل لا بد من الكيفية ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) ليس معنى هذا أن الإنسان يصلي في الساعة بعدد دقائقها من الركعات، ويغفل عن الكيفية، بل لا بد من أن يجمع بين كثرة السجود وبين الكيفية المأثورة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وقل مثل هذا في سائر العبادات، يقرأ القرآن ويكون ديدنه قراءة القرآن، لكن على وجه مأمور به، على الوجه المأمور به من الترتيل والتدبر، ليزداد بذلك من الهدى واليقين والطمأنينة وشرح الصدر وزيادة الإيمان, فعلى الإنسان أن يلزم هذه العبادات. والفتن جمع فتنة، يقول الراغب: أصل الفَتْنِ إدخال الذهب في النار، لتظهر جودته من رداءته، ويستعمل في إدخال الإنسان النار، ويطلق على العذاب، يستعمل في إدخال الإنسان النار {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [(10) سورة البروج]، بأن أدخلوهم في النار، هذه فتنة.

ويطلق على العذاب، كقوله -جل وعلا-: {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} [(14) سورة الذاريات]، وعلى ما يحصل عند العذاب، كقوله -جل وعلا-: {أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ} [(49) سورة التوبة]، وعلى الاختبار، كقوله: {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [(40) سورة طه]، وفيما يدفع إليه الإنسان من شدة ورخاء، وفي الشدة أظهر معنىً وأكثر استعمالاً، قال -جل وعلا-: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [(35) سورة الأنبياء]، ومنه قوله: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ} [(73) سورة الإسراء]، أي يوقعونك ببلية وشدة في صرفك عن العمل بما أوحي إليك. وقال أيضاً -الراغب-: الفتنة تكون من الأفعال الصادرة من الله -جل وعلا- ومن العبد كالبلية والمصيبة، والقتل والعذاب والمعصية وغيرها من المكروهات. فالإنسان قد يكون بنفسه موجداً للفتنة يفتتن بها ويفتن بها غيره، كما أنها تكون من الله -جل وعلا- فإن كانت من الله فهي على وجه الحكمة، وإن كانت من الإنسان بغير أمر الله فهي مذمومة، فقد ذم الله -جل وعلا- الإنسان بإيقاع الفتنة كما في قوله -جل وعلا-: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [(191) سورة البقرة]، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [(10) سورة البروج]، وقوله: {مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} [(162) سورة الصافات]، وقوله: {بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ} [(6) سورة القلم]، وكقوله: {وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ} [(49) سورة المائدة]. وقال غيره: أصل الفتنة الاختبار، ثم استعملت فيما أخرجته المحنة والاختبار إلى مكروه، ثم أطلقت على كل مكروه، أو آيلٍ إليه كالكفر والإثم والتحريض والفضيحة والفجور وغير ذلك. الفتنة لا شك أنها تطلق على أمور متفاوتة، فمنها الشرك الذي هو في الحقيقة أعظم من القتل وأشد من القتل، إلى أن تصل إلى فتنة الرجل في أهله وماله وجاره، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث المتفق عليه قال في الخميصة: ((كادت أن تفتنني عن صلاتي)) والمراد بالفتنة هنا: الانشغال بها، وكذلك الفتنة في المال والولد الانشغال بهم عما هو أهم، كل هذا فتنة.

وبعض الناس يعتب على من يستعيذ بالله من الفتن، يقول معناه: أنك تستعيذ بالله من أهلك ومالك وولدك، يقول: لا تستعيذ بالله من الفتن، معناه أنك تريد أن تتجرد من هذه الأمور. لكن الفتن إذا أطلقت واستعيذ بالله منها، فالمراد بها ما يضر في الدين. أما الفتن التي لا تضر فهي أمرها يسير، بل طلبها الشارع كفتنة المال والولد، الله -جل وعلا- يقول بالنسبة للمال: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص]، فهو مطلوب أصلها لإقامة العبودية، لإقامة الهدف التي من أجله خلق، وأيضاً أمرنا بالتكاثر والتناسل، وأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بذلك ((فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة)) مكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة، فنحن مأمورون بكسب المال من وجهه، لكن لا يكون هدفاً. لا يكون هدفاً في هذه الحياة بحيث يكون محياه ومماته لهذا المال، يضحي بكل شيء من أجل المال، كما رأينا وسمعنا في هذه السنين المتأخرة بعدما فتحت علينا الدنيا. المقصود أن هذه الفتنة أعني فتنة المال وإن كان أصلها مطلوباً {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص]، إنما طلب لتحقيق الهدف الذي من أجله خلق وهو العبودية لله -جل وعلا- إذ لا تقوم الحياة إلا بالمال. وأيضاً طلب الولد، لبقاء النوع والجنس الإنساني ليعبد الرب -جل وعلا- إلى قيام الساعة، ولو أن كل واحد من المسلمين عزف عن الزواج خشية أن يبتلى بالأولاد ويبتلى بالأهل لخالف سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- سنن المرسلين. يقول الله -جل وعلا-: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [(25) سورة الأنفال]. يقول القرطبي: قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: أمر الله أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم؛ فيعمهم العذاب؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [(25) سورة الأنفال]. كيف نتقي هذه الفتنة؟ كيف نتقي هذه الفتنة؟

نتقيها بالحيلولة بين الظالم وظلمه، فإذا حلنا بين الظالم وظلمه فإننا حينئذ جعلنا بيننا وبين هذه الفتنة وقاية. وكذلك تأول فيها الزبير بن العوام فإنه قال يوم الجمل وكانت سنة 36هـ: ما علمت أنا أردنا بهذه الآية إلا اليوم، وما كنت أظنها إلا من خوطب ذلك الوقت. وكذلك تأول الحسن والبصري والسدي وغيرهم. وفي صحيح مسلم عن زينب بنت جحش أنها سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: ((نعم، إذا كثر الخبث)) يعني جاء قول الله -جل وعلا-: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} [(33) سورة الأنفال]، فهل الأمر يسري على غيره -عليه الصلاة والسلام- من صالحي هذه الأمة؟ يعني لا يهلكون وفيهم الصالحون؟ كما ضمن الله -جل وعلا- أن لا يعذب هذه الأمة مع وجود نبيها -عليه الصلاة والسلام-. وجود الصالحين لا شك أنه سببٌ من أسباب دفع البلاء ودفع الفتن؛ بنسبة إرثهم من النبوة من النبي -عليه الصلاة والسلام- -أعني هؤلاء الصالحين- بقدر إرثهم من النبوة علماً وعملاً يدفع بهم من الفتن بقدر ذلك، ولذلك نجد أنه حينما وجد الصالحون من العلماء والعباد والدعاة الأخيار كانت الفتن مدفوعة إلى حدٍ ما؛ بسبب مدافعتهم لها، وبسبب علمهم وعملهم، وبسبب دعواتهم الصالحة. ونحن ننظر أنه كلما انتقصت هذه الأمة بعلمائها العاملين تزداد فيها الفتن، بل إن كثيراً من الناس يرجع وجود هذه الفتن وتتابع هذه الفتن بموت فلان أو علان من الناس، نقول لا يا أخي الدين باقي ومحفوظ، لكن لا شك وجود مثل هذا العالم العامل المدافع الذاب عن دين الله لا شك أنه سبب من أسباب تأجيل وتأخير الفتن، لكن ليس هو كل شيء، فالدين ليس بمربوط بأشخاص، وأمة محمد -عليه الصلاة والسلام- لا يدرى أوله خيرٌ أم آخره. في صحيح مسلم عن زينب بنت جحش أنها سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: ((نعم، إذا كثر الخبث)) وفي صحيح الترمذي، جامع الترمذي -بعضهم يطلق عليه الصحيح، كما أنه بعضهم يطلق على بقية السنن الصحاح ويلحقها بالصحيح ويقول الصحاح الستة، لكن لا شك أن هذا تساهل، ولذا يقول الحفاظ العراقي:

ومن عليها أطلق الصحيحا فقد أتى تساهلاً صريحا ج يعني من أطلق الصحيح على الكتب الأربعة من السنن تبعاً للصحيحين لا شك أنه تساهل في الصحيح، والحسن والضعيف- يقول: وفي صحيح الترمذي: ((أن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعذابٍ من عنده)). لكن الأخذ على يد الظالم بحسب القدرة بحسب القدرة وبالوسائل المحققة للمصلحة التي لا يترتب عليها مفسدة، لا بد من مراعاة القواعد العامة في النصيحة وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالنصيحة إذا ترتب عليها معاندة وإصرار من المنصوح وخروجه عن جلباب الحياء، وزيادته في الشر من أجل أنه نصح من قبل فلان أو علان لا بد أن يدرس الأمر بعناية. وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا خشي أن يترتب عليه منكر أعظم منه فلا شك أن درء المفاسد مقدم على جمع المصالح، ومع ذلك لا بد من الإنكار بالمراتب الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ((من رأى منكم منكراً فليغره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه)) لكن لا بد من التغيير، وأقل المراتب التغيير بالقلب. وفي صحيح البخاري والترمذي، عن النعمان بن بشير عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قومٍ استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها -استهموا يعني بالقرعة، أنت مكانك فوق وأنت مكانك تحت وهكذا بالقرعة- فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم -فرأوا أن من فوقهم تضايقوا منهم من كثرة المرور عليهم- فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً -بحيث لا نحتاج إلى نمر على من فوقنا- ولم نؤذِ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً)) هذا المثل النبوي مطابق غاية المطابقة لواقع الأمة في هذه السفينة التي تتلاطم الأمواج من حولها، تدفعها يميناً وشمالاً، وأحياناً إلى الأمام وأحياناً إلى الخلف، فإن ترك المفسد يعبث لا شك أنهم يهلكون جميعاً، وإن أخذ على يده وأطر على الحق نجا ونجوا جميعاً، فهذا مثل مطابق.

في هذا الحديث تعذيب العامة بذنوب الخاصة، وفيه استحقاق العقوبة بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنهم إذا -كما تقدم في حديث مسلم- ((إذا ترك الظالم لم يأخذوا على يد الظالم أوشك الله أن يعمهم بعذاب من عنده)). يقول القرطبي: قال علماؤنا فالفتنة إذا عملت هلك الكل، وذلك عند ظهور المعاصي وانتشار المنكر، وعدم التغيير. وإذا لم تغير وجب على المؤمنين المنكرين لها بقلوبهم، يعني لا يستطيعون التغيير باليد ولا باللسان أنكروا بالقلب، لكن هل يسوغ لهم أن يبقوا مع هؤلاء العصاة؟ يقول: وإذا لم تغير وجب على المؤمنين المنكرين لها بقلوبهم هجران تلك البلدة والهرب منها. وهكذا كان الحكم فيمن كان قبلنا من الأمم، كما في قصة السبت حين هجروا العاصين، وقالوا لا نساكنكم، وبهذا قال السلف -رضي الله عنهم- روى ابن وهب عن مالك أنه قال: "تهجر الأرض التي يصنع فيها المنكر جهاراً ولا يستقر فيها". أما إذا استخفى العاصي المذنب بجريمته فهذا لا يضر غير نفسه، الإشكال فيما إذا ظهر المنكر وأعلن ولم يوجد من يدافع، أو من يدفع هذا المنكر، فحينئذ يوشك أن يعمهم الله بعذابٍ من عنده. الهجرة عند أهل العلم منها الواجب، وهي باقية إلى قيام الساعة، فالواجب منها الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، فالإقامة في بلاد الكفر لا تجوز حرام إلا لعاجز، إلا المستضعف المستثنى، الذي لا يستطيع حيلة، ولم تذكر الحيلة بشيء من النصوص بالإقرار والجواز إلا في هذا الموضع؛ لأن ضرر البقاء بين أظهر المشركين ضررٌ محض، كثير من المسلمين الذين يعيشون في بلاد الكفار الضرر عليههم في أديانهم وعلى ناشئتهم أظهر، الذين يربون في بلاد الكفر وفي مدارس الكفر ضرر عظيم، وقد برئ المعصوم من كل مسلمٍ ... يقيم بدار الكفر غير مصارمِ لا بد أن يهاجر إلا إذا عجز حينئذٍ يعذر، هذه الهجرة الواجبة. وأما الهجرة المستحبة فالهجرة إلى البلد الذي فيه الأخيار أكثر وأظهر من بلاد المسلمين، ويتمكن فيه من طلب العلم من أهله، أهل العلم والعمل والإخلاص والتحقيق لعقيدة التوحيد، الهجرة إلى مثل هذا البلد مستحبة، على أن لا تخلى البلدان الأخرى ممن يدافع.

ولذا يقول ابن وهب يروي عن مالك -رحمه الله- أنه قال: "تهجر الأرض التي يصنع فيها المنكر جهاراً ولا يستقر فيها". وروى البخاري عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أنزل الله بقومٍ عذاباً أصاب العذابُ من كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم)). فهذا يدل على أن الهلاك العام منه ما يكون طهرة للمؤمنين، ومنه ما يكون نقمةً للفاسقين، يعني إذا وجد المنكر أنكره قوم وسكت آخرون، يعني وجد من يفعل المنكر، أنكره قوم وسكت آخرون، هؤلاء ثلاث فرق، ثم إذا حلت العقوبة {أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} [(165) سورة الأعراف]، فالظلمة هم الذين فعلوا المنكر، وأنجينا الذين ينهون، الذين ينهون ينجون، سواءً نجوا بأبدانهم أو لم ينجو المقصود أنهم مآلهم إلى النجاة، سواءً كان في الدنيا أو في الآخرة، وأما الذين ظلموا الذين فعلوا هذا المنكر أخذناهم بعذابٍ بئيس. الفرقة الثالثة: هل يدخلون في الذين ظلموا؛ لأنهم لم ينكروا، فهم ظالمون لأنفسهم بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو يقال أنهم سكتوا فسكت عنهم، كما يقول بعض المفسرين. الذي يظهر -وأعني من لا ينكر المنكر حتى بقلبه- أنهم مع الظالمين، أخذوا بعذاب بئيس مثلهم. هذا منكر عظيم ترك إنكار المنكر. ولذا لعن بنو إسرائيل لتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} بأي شيء {ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [(78 - 79) سورة المائدة].

قد يقول قائل: الله -جل وعلا- يقول: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [(164) سورة الأنعام]، ويقول -جل وعلا-: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [(38) سورة المدثر]، ويقول -جل وعلا-: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [(286) سورة البقرة]، وهذا يوجب أن لا يؤخذ أحد بذنب أحد، وإنما تتعلق العقوبة بصاحب الذنب، {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [(164) سورة الأنعام]، {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [(38) سورة المدثر]، يعني لا بما كسب غيره، {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [(286) سورة البقرة]، يقول هذا القائل: هذا يوجب أن لا يؤخذ أحد بذنب أحد، وإنما تتعلق العقوبة بصاحب الذنب. فالجواب: أن الناس إذا تظاهروا بالمنكر فمن الفرض على كل من رآه أن يغيره، فإذا سكتوا عليه فكلهم عاصٍ، هذا بفعله وهذا برضاه, وقد جعل الله في حكمه وحكمته الراضي بمنزلة العامل، فانتظم في العقوبة, قاله ابن العربي. الحكم واحد هذا بفعله وهذا برضاه، هذا باقترافه وبما كسبت يده وبوزره الذي ارتكبه، وهذا بتركه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو أيضاً منكر. يقول الله -جل وعلا-: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [(63) سورة النور]، قال ابن عباس: "الفتنة هنا: القتل" وقال عطاء: "الزلازل والأهوال" وقال جعفر بن محمد: "سلطان جائر يسلط عليهم" وقيل: "الطبع على القلوب بشؤم مخالفة الرسول -عليه الصلاة والسلام-".

وكلها داخلة في مدلول الآية، قد يقتل من يقتل، ويصاب بالزلازل والأهوال من يصاب، وقد تكون هذه المعاصي وهذه المخالفات لله ولرسوله سببٌ في تولي سلطان جائر عليهم يسلط عليهم يسومهم سوء العذاب، وشواهد الأحوال لا تحتاج إلى تسميات، يعني انظر في الواقع اليوم تجد هذه الأمور موجودة. وقيل: "الطبع على القلوب بشؤم مخالفة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهذا أشد، الطبع على القلوب، بعض الناس يرى أنه من أفضل الناس، وأنه على الجادة، وهو لا يدري أنه مطبوعٌ على قلبه، نسأل الله السلامة والعافية. وبعضهم يرى أنه على الصراط وهو ممسوخ وهو لا يشعر، قد باع دينه وهو لا يعلم، نسأل الله السلامة والعافية. وأهل العلم يقررون أن مسخ القلوب أعظم من مسخ الأبدان. ابن القيم في إغاثة اللهفان ذكر أنه في آخر الزمان يمشي الاثنان إلى المعصية، هما في طريقهما إلى معصية فيمسخ أحدهما خنزيراً وينظر إليه صاحبه مع ذلك ما النتيجة؟ يرجع ويقول: الحمد لله على السلامة، يرجع إلى بيته ويتوب، لا، يمضي إلى معصيته، هذا مسخ بدن وهذا مسخ قلب، نسأل الله السلامة والعافية. إذا عرفنا السبب في وجود هذه الفتن وهي المخالفة لأوامر الله وأوامر رسوله -عليه الصلاة والسلام- وسكوت الناس عن إنكار هذه المخالفات، وعدم مدافعتهم لهذه المنكرات، ولا شك أن ما يصيب الناس فبما كسبت أيديهم ويعفو عن كثير، {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [(41) سورة الروم]، فالفساد كله بسبب المعاصي. إذا عرفنا سبب الفتنة وهي مخالفة أمر الله -عز وجل- وأمر رسوله -عليه الصلاة والسلام- والتواطؤ على ذلك، التواطؤ على ترك إنكار المنكر على ما تقدم، فشو المنكرات بغير نكير، هذا هو سبب لعن بني إسرائيل، أعني تركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال -جل وعلا-: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا .... } [(78) سورة المائدة]، إلى أن قال: {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [(79) سورة المائدة].

أقول: إذا كان هذا هو السبب، وقبل ذلك شأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يخفى عن العامة فضلاً عن المتعلمين، وهو خصيصة هذه الأمة، وهو سبب رفعتها، وهو سبب خيريتها {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} [(110) سورة آل عمران]، يعني قدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قدم على الإيمان بالله مع أنه لا يصح أمر ولا نهي إلا بعد الإيمان، قدم لماذا؟ لأنه هو خصيصة هذه الأمة، الأمم السابقة يؤمنون بالله، أعني أتباع الأنبياء يؤمنون بالله، لكن لماذا فضلنا عليهم؟ لأننا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ولذلك قدم على الإيمان بالله الذي يشترك فيه الجميع، فقدمت هذه الخصيصة للاهتمام بشأنها والعناية بها، وإلا فجميع أتباع الأنبياء يؤمنون بالله، فما لنا مزية عليهم، فإذا تركنا هذه الخصلة ما صرنا خير أمةٍ أخرجت للناس، صرنا مثل الأمم. روى أبو داود والترمذي عن أبي أمامة الشعباني، قال: سألت أبا ثعلبة الخشني -رضي الله عنه- قال: قلت: يا أبا ثعلبة كيف تقول في هذه الآية: {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ} [(105) سورة المائدة] قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً، سألتُ عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((ائتمروا بالمعروف وانتهوا عن المنكر، حتى إذا رأيتم شحاً مطاعاً وهوىً متبعاً ودنياً مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأيٍ برأيه فعليك بنفسك، ودع عنك العوام، فإن من ورائكم أيام تدعى أيام الصبر، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم)) وهذا حديث جيد. زاد أبو داود في حديثه: (قيل يا رسول الله: أجر خمسين رجلاً منا أو منهم؟ قال: ((بل أجر خمسين رجلاً منكم)). إذا نظرنا إلى الحديث: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر مقرر، شعيرة من شعائر الدين، حتى عده بعضهم من أركان الإسلام، ولا يمكن أن تقوم أمور المسلمين إلا به.

يقول: حتى -هذه الغاية-: ((إذا رأيتم شحاً مطاعاً)) تجد الشح بين الناس، والناس تابعون لهذا الشح، لا يخالفونه، فيمنعون الواجبات، ويبخلون بها. ((فإذا رأيتم شحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً)) كل ما لاح له شهوة أتبعها هواه، ولم يرتدع عنها ولا يزدجر عنها، ولو زجر بنصوص الكتاب والسنة. ((وهوىً متبعاً، ودنياً مؤثرة)) نعم، هذا موجود، كثيرٌ من الناس آثر الدنيا على الآخرة، وتعلق قلبه بها، ولم يعقل من دينه شيء، يصلي ببدنه فقط، يعني إذا سمع شخص وهو ساجد يشير بأصبعه ثم في النهاية يجهر يقول آمين، هذا ماذا عقل من صلاته؟ وهو ساجد يقول آمين! لا شك أن هذا سببه تعلق القلوب بالدنيا، والعزوف عن الآخرة، والغفلة عن الهدف الذي من أجله خلق. يقول: إذا رأيت ذلك ((ودنياً مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأيٍ برأيه)) بالنسبة لعامة الناس كونهم يصرون على ما يقررونه من أحاديثهم في مجالسهم هذا ليس بغريب؛ لأنهم عوام، لكن طلاب علم، تجده إذا نوقش في مسألة علمية أو أبدي أدنى ملاحظة في كلامه صار كأن الدنيا انهدمت فوق رأسه لا يطيق شيئاً من ذلك، لا يريد أن يقال له لو قلت كذا لكان كذا، أو ما رأيك لو كانت المسألة كذا، ما يتحمل ولو بالأسلوب المناسب، نعم يوجد من ينتقد بعض طلاب العلم وبعض العلماء بأساليب غير مقبولة البتة، لكن مع ذلك كلٌ له ما يخصه من خطاب، فالذي يلاحظ على أهل العلم ينبغي أن تكون الملاحظة بأدب، وأن تلقى بأسلوب محبب، بحيث يتأثر السامع، وأيضاً بالمقابل الطرف الثاني لا يعجب برأيه، فليس بالمعصوم، فإذا قيل له: لو أن كذا لكان كذا، وما رأيك بكذا ولو أنه ... ، يعني تطرح الإشكال أو الملاحظة على سبيل الاستفهام، يعني يستفهم منه استفهاماً، وإلا هذا حقيقة أمرٌ مقلق، ونسمع من الردود شيء تقشعر منه الأبدان، ونجد الثقل في إبداء الملاحظات هذا موجود، نسأل الله السلامة والعافية، عندنا وعند غيرنا من طلاب العلم؛ لأن المقاصد مدخولة، يعني أين نحن من قول الشافعي: "والله لا يهمني أن يكون الحق على لساني أو على لسان خصمي" المقصود أن الحق يبين.

أين أهل الخصومات؟ من رجلين بينهما خصومة في عهدٍ قريب، بينهما خصومة يقول: لا داعي أن نذهب أنا وأنت ونعطل مصالحنا إلى المحكمة، أنت تعرف القضية واشرحها للشيخ، واللي يقول لك هو الحكم. فذهب إلى القاضي وشرح له القضية، وقال: الحق لخصمك وانتهى، قال: الحق لك، شرح له الشيخ وانتهى الإشكال. وشخص في هذه الأيام لما حكم عليه بقضية، قيل له: إن أردت الاعتراض قدم للتمييز، هذه اللائحة، اكتب ما شئت، فانكب على الماصة يبكي، أنا أعترض على حكم الله، والله -جل وعلا- يقول: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [(65) سورة النساء]، أنا أعترض؟ فبكى. يعني الأمة ما زال فيها خير، لكن الكلام على الكثير الغالب، الكثير الغالب نجد الردود ونجد بعض الكلمات التي لا يحتمل سماعها. نعم، هذه قد تكون طبيعة البشر مجبولين على هذا، لكن ينبغي أن تكون الطبائع مسيسة ومأطورة بأوامر الشرع، ف في الحديث يقول: ((وهوىً متبع، ودنياً مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، ودع عنك العوام، فإن من وراءكم أيام الصبر، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم)) وهذا حديثٌ حسن، زاد أبو داود في حديثه: قيل يا رسول الله: أجر خمسين رجلاً منا أو منهم؟ قال: ((بل أجر خمسين رجلاً منكم)) يعني من الصحابة. وفي البخاري عن أبي سعيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمٌ يتبع بها شعب الجبال، ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن)) وهذا ما يعرف عند أهل العلم بالعزلة. لكن متى تكون العزلة؟ العزلة تكون راجحة بالنسبة لشخصٍ يخشى على نفسه أن يتأثر، ومع ذلك لا يستطيع أن يؤثر في غيره، مثل هذا يقال له اعتزل، ويكون خير مالك غنم تتبع بها شعب الجبال، لكن مِن عالم يستطيع أن يدافع بعلمه، بحلمه، بحكمته، يستطيع أن يؤثر في الناس، يستطيع أن يدفع بعض الشرور، يدفع بعض الشرور، يخفف، يقلل من بعض الشرور، هذا الخلطة أفضل له.

روى مسلم والترمذي من حديث معقل بن يسار -رضي الله عنه- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((العبادة في الهرج كهجرة إليَّ)). يقول النووي في شرح مسلم: "قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((العبادة في الهرج كهجرة إلي)) المراد بالهرج هنا: الفتنة، واختلاط أمور الناس، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها". في الحديث السابق: ((للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم)) يعني من الصحابة رضوان الله عليهم، قد يشكل هذا على بعض الناس، ويقول: أنه قد يأتي في آخر الزمان من هو أفضل من الصحابة؛ لأننا إذا نظرنا إلى بعض أعمال الناس في الزمن المتأخر وجدناه كثير جداً ومتنوع، تجده ثري مثلاً، وصاحب صلاة، وذكر وتلاوة وصيام وبذل أموال، مدة طويلة تزيد مثلاً على نصف قرن، وأجره مثل أجرين خمسين من الصحابة، إذن أجوره لا يحاط بها، كثيرة جداً، فهل يتصور أن مثل هذا أفضل من أقل الصحابة شأناًً، وليس فيهم قليل الشأن، بل كل واحد منهم شأنه عظيم أعني الصحابة رضوان الله عليهم؟ لا .. أجر خمسين في العمل نفسه، أما شرف الصحبة وأجر الصحبة فلن يناله أحد، أي كائناً من كان، ولا عمر بن عبد العزيز، الخليفة الراشد المعروف. ولما سئل من سئل عن معاوية بن أبي سفيان وعمر بن عبد العزيز أيهما أفضل؟ قال: غبارٌ في أنف معاوية مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خيرٌ من عمر بن عبد العزيز.

فالصحبة شرفٌ لا يناله أحد إلا من اتصف به ممن رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمناً به ومات على ذلك، فدع عنك مسألة الصحبة، وأجرها، هذا أمرٌ لا يدركه أحد ممن توفي النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل أن يراه، بعد ذلك الأعمال متفاوتة، نعم، أعمال في وقت أفضل منها نفسها في وقتٍ آخر، تتصدق بألف ريال في وقت الناس فيه ليسو بحاجة ماسة، ليس أجره كمن تصدق بدرهم وقع موقعاً عظيماً في نفس المتصدق عليه، أنقذه من هلكة، تتفاوت، والناس عند فساد الزمان تمسكهم بالدين شأنه عظيم؛ لأنهم لا يجدون من يعينهم، وأما في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فبعضهم يعين بعضاً يشجع بعضهم بعضاً، ومع ذلكم شرف الصحبة لا يناله أحد ممن لم ير النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمناً به؛ لأن هذا قد يشكل، مقرر عند أهل العلم أن الصحابة أفضل ممن جاء بعدهم. وروى مسلم والترمذي من حديث معقل بن يسار -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((العبادة في الهرج كهجرة إليَّ)). يقول النووي في شرح مسلم: "قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((العبادة في الهرج كهجرة إلي)) المراد بالهرج هنا الفتنة، واختلاط أمور الناس، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها ويشتغلون عنها ولا يتفرغ لها إلا الأفراد". صحيح، يعني مر بنا ظروف فيها شدة على بعض بلاد المسلمين وحروب وقتل بالجملة، هذه فتنة، وهرج وقتل، تجد كثير من الناس من المسلمين انشغل بهذه الفتنة، يتابعها ليلاً ونهاراً على سائر الوسائل، المقروءة والمسموعة والمرئية، وشغل بها فكره، وانشغل بها عن عبادة ربه، مَن مِن الناس -حتى من طلاب العلم- يقول رأيت الناس انشغلوا بهذه الأمور فأنصرف إلى قراءة القرآن، أشغل نفسي بدل قراءة الصحف التي ينفق عليها كثيرٌ من الناس وقت طويل أقرأ القرآن بدلها؟ وبدلاً من أن أستمع إلى آلة فيها الأخبار سواءً كانت مسموعة أو مرئية أصلي بقدر الوقت الذي يستمع فيه الناس ويرون، ما ينصرف إلى هذه الأعمال إلا رجل موفق. ((العبادة في الهرج كهجرة إلي)) فلا يتفرغ لها إلا الأفراد.

من من الناس يوم انشغل الناس بالأسهم في الأيام الماضية طلوعاً ونزولاً، انشغلوا بها شغلاً مذهلاً من من الناس من انصرف إلى عبادة ربه، في هذه الظرف الذي انشغلوا فيه. في إكمال المعْلِم للقاضي عياض قوله: ((العبادة في الهرج كهجرة إلي)) أي في احتدام الفتنة واختلاط أمر الناس، فيحمل أنه في آخر الزمان الذي أنذر به في الحديث بقوله: ((ويكثر الهرج)) ويحتمل أنه عمومٌ في كل وقتٍ وفضل الانعزال حينئذٍ لعبادة الله -عز وجل-". أما كونه مخصوص في آخر الزمان فالحديث لا يدل عليه؛ لأن هذا التفضيل مربوط بوجود السبب الذي هو: الهرج، القتل، الفتنة، فكلما وجد الوصف الذي علق به هذا الفضل يوجد الفضل، فكلما وجدت فتنة ينصرف الإنسان إلى عبادة ربه، هذا إذا كان لا يستطيع أن يكون مؤثراً في هذه الفتنة، في إزالتها في تخفيفها، وإلا لو كان له أثر في إزالتها وتخفيفها كانت أفضل من العبادة الخاصة؛ لأن المقرر عند أهل العلم أن العبادات المتعدية أفضل من اللازمة. ويقول القرطبي في المفهم: "قوله: ((العبادة في الهرج كهجرة إلي)) قد تقدم أن الهرج الاختلاط والارتباك ويراد بها الفتن والقتل، واختلاط الناس بعضهم في بعض، فالمتمسك بالعبادة في ذلك الوقت والمنقطع إليها المعتزل عن الناس أجره كأجر المهاجر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه يناسبه من حيث أن المهاجر قد فر بدينه عمن يصده عنه" يعني هذا وقت النبي -عليه الصلاة والسلام- فر بدينه من قومه وعشيرته الذين يحاولون أن يصدوه عن دينه ويصرفوه عنه، من حيث أن المهاجر يعني إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- قد فر بدينه عمن يصده عنه إلى الاعتصام بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وكذلك هذا المنقطع للعبادة قد فرَّ من الناس بدينه إلى الاعتصام بعبادة ربه، فهو على التحقيق قد هاجر إلى ربه، وفر من جميع خلقه.

لا شك أن المخرج من هذه الفتن إنما هو بالاعتصام بكتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، بعبادة الله -جل وعلا- على نورٍ من الله، لا على جهل، وابتداع، يعني بعض الناس يسمع بالعبادة وفضل العبادة ويضرب في كل بابٍ منها بنصيب، ثم بعد ذلك يكون عمله هباء؛ لأنه يعبد الله على غير ما أراده الله -جل وعلا-، ومن غير اتباع لنبيه -عليه الصلاة والسلام-. يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى- في نونيته: فصلٌ فيما أعده الله تعالى من الإحسان للمتمسكين بكتابه وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- عند فساد الزمان، يقول -رحمه الله-: هذا وللمتمسكين بسنة الـ ... مختار عند فساد ذي الأزمانِ أجرٌ عظيم ليس يقدر قدره ... إلا الذي أعطاه للإنسانِ فروى أبو داود في سنن له ... ورواه أيضاً أحمد الشيباني أثراً تضمن أجر خمسين امرئ ... من صحب أحمد خيرة الرحمنِ إسناده حسنٌ ومصداق له ... في مسلم فافهمه فهم بيانِ إن العبادة وقت هرج هجرة ... حقاً إليَّ وذاك ذو برهانِ إذا عرفنا هذا، إذا عرفنا الفتن وأسباب الفتن، والمخرج من الفتن، وفضل العبادة في وقت الفتن، نعرف أن العبادة المطلوبة في وقت الفتن إما لازمة يعني قاصرٌ نفعها على المتعبد أو متعدية، والمقرر عند أهل العلم أن المتعدي في الجملة أفضل من القاصر، لكن ليس على إطلاقه، ليس هذا على إطلاقه، ليس معنى هذا أن تعطل العبادات القاصرة، ولذلك شرع في بعض الأوقات العبادات القاصرة دون المتعدية، فالاعتكاف إنما هو للعبادات القاصرة، وليس للعبادات المتعدية، ولذا تعليم العلم الذي هو من أفضل الأعمال، بل من أفضل ما يتطوع به لا يشرع في وقت الاعتكاف، إنما يشرع الذكر التلاوة الصلاة مع الصيام، يكثر الإنسان من هذه الأمور في وقت الاعتكاف وهي قاصرة.

أيضاً الركن الثاني من أركان الإسلام، وهو مقدمٌ على الثالث والثاني قاصر وهو الصلاة، والثالث متعدٍ وهو الزكاة، فليست هذه القاعدة على إطلاقها، وإن كان أهل العلم يطلقونها، إذا عرفنا هذا من الناس من لا يستطيع النفع المتعدي، ليس لديه القدرة في التأثير على الناس، نقول لمثل هذا أقلل بمطلوب الإمكان من الاختلاط بالناس، واقتصر على ما أوجب الله عليك من صلة وبر وزيارة في الله مما يستحب لك ذلك، وجاءت النصوص بطلبه، وافعل ما أمرت به من حقوق المسلم على المسلم، واتجه إلى العبادات الخاصة، أكثر من الصيام، أكثر من الصلاة النوافل، أكثر من تلاوة القرآن، لا يزال لسانك رطباً بذكر الله، مُر بالمعروف وانه عن المنكر حسب استطاعتك، ولا تختلط بالناس، ولا توغل في الخلطة بحيث تتأثر من الناس، هذا الذي لا يستطيع التأثير في الناس. أما من يستطيع التأثير في الناس بأن يغشى محافلهم، ومجالسهم ومجتمعاتهم ونواديهم، يغشى هذه الأماكن للإنكار، وللأمر بالمعروف ولتنبيه الناس، وتوجيههم وتعليمهم الخير، لا شك أن مثل هذا أفضل بالنسبة لهم, وهذا خلاصة ما يقال في الخلطة والعزلة. لو قرأنا في كتب أهل العلم منذ سنين، الخطابي المتوفى سنة 388هـ يفضل العزلة في وقته. الكرماني وهو في القرن الثامن والعيني وهو بعده يقولون: والمتعين في هذه الأزمان العزلة، لاستحالة خلو المحافل من المنكرات، هذا قبل كم؟ قبل سبعمائة سنة، هذا كلام يقال، فكيف بأزماننا؟! لكن يبقى أن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم ويسعى في نفعهم وتوجيههم، وسنة المدافعة أمرٌ مقرر في الشرع، يعني الإنسان لو تركت هذه الأعمال وتركت هذه الأمور، كلها للناس الذين لا خير فيهم لا شك أن هذا ضرر محض على الدين وأهله، فلا بد من المزاحمة ولا بد من المدافعة، ومع ذلك لا بد أيضاً من الحكمة والرفق واللين في هذه المزاحمة وفي هذه المدافعة، والرفق عموماً لا يدخل في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه.

على كل حال هذا هو القول الفصل في العزلة والخلطة، ونحن نرى من الناس من اعتزل، مع أنه بالإمكان أن ينفع، وينتفع به، يعني من أهل العلم لو خصص من وقته اقتطع من وقته جزءاً لإقراء الناس وتعليمهم العلم لانتفع به خلق مع الوقت، ومن الناس من يخالط وهو مسكين يتأثر، كل يومٍ في نقص ولا يستطيع أن يؤثر في أحد، ومع ذلك علينا أن ننظر إلى هذا الأمر بجد، وكل إنسان يعرف من نفسه ما جبل عليه، وما أوتي من مواهب، فإن كان لديه استطاعة وقدرة في خلطة الناس، ومحاولة الإصلاح والتغيير والتأثير عليهم، مثل هذا لا شك أنه في جهاد، وهذا أفضل من العزلة, أما من لا يستطيع ذلك فالعزلة في حقه مفضلة، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد على آله وصحبه أجمعين. شكر الله لفضيلة شيخنا الدكتور العلامة: عبد الكريم بن عبد الله الخضير على هذا البيان، ونسأل الله -عز وجل- أن يجعل ذلك في ميزان حسناته، وأن يعصمنا وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن. يقول السائل: ما هو توجيهكم للذين فتنوا بالمال، خاصة بعد ظهور المساهمات وما فيها من أمور مشتبهة أو محرمة؟ أقول: هؤلاء الذين آثروا الدنيا على الآخرة، ولا شك أن الدنيا ضرة، ضرة بالنسبة للآخرة، والإيغال فيها مؤثر فيما يقرب إلى الله -جل وعلا- فإن آثر دنياه أضر بآخرته، وإن آثر آخرته لا شك أنه يتضرر في دنياه، لكن قد يوفق لعملٍ لا يحتاج منه إلى جهد، إذا التفت إلى آخرته، والمتاجرة مع ربه، ومن يؤثر هذه الدنيا ويكسب فيها من الحطام ما يكسب، واليوم يكسب وغداً يخسر، وإذا كسب كسب عشرة بالمائة عشرين بالمائة، وهو في أمور الآخرة الحسنة بعشر أمثالها، ألف بالمائة، من يتخيل هذا، يعني في أسبوع وهو مرتاح بعد صلاة الصبح إلى أن تتشرق الشمس يقرأ القرآن ويحصل على ثلاثة ملايين حسنة، على أقل تقدير، إلى أضعاف كثيرة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ومثل هذا العمل لا يعوقه عن شيء من أمور دينه ولا دنياه، فإذا انتشرت الشمس صلى ما كتب له ركعتين أو أربع أو ست أو ثمان، يرجع بوافر الأجر والثواب من الله -جل وعلا-.

أما من انصرفوا إلى أمور الدنيا وهذا لوحظ وظهر أثره على أبدان الناس، وعقولهم، فضلاً على أديانهم، أما تأثيرها على الأديان مرّ بنا وبغيرنا أيضاً من طلاب العلم ممن كان يلازم الدروس وأموره بالنسبة للدنيا ماشية ما عنده مشكلة، ثم بعد ذلك انقطع بالكلية عن التعلم, ولازم العلماء عشرات السنين ثم بعد ذلك في سنة أو سنتين رجع شبه العامي.

يا أخي أنت حفظت القرآن وتعبت عليه وفي سنتين أو ثلاث تنسى القرآن، أي كارثة مثل هذه الكارثة، ولو سيقت لك الدنيا بحذافيرها، والدنيا إذا علمنا حقيقة هذه الدنيا وأنها ملعونة ملعونٌ ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، وعرفنا أن الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة فكيف نؤثر الأدنى على الأعلى، يعرف حقيقة الدنيا مثل سعيد بن المسيب ابن الخليفة يخطب ابنته، والوسيط يقول له: جاءتك الدنيا بحذافيرها، هذا ولد الخليفة يخطب بنتك، جاءتك الدنيا بحذافيرها، وسعيد بن المسيب من العلماء الراسخين، هو أفضل التابعين عند الإمام أحمد، وإن كان القول المرجح أن أفضل التابعين أويس بالنص الصحيح. أما من جهة العلم فلا شك أن سعيد أعلم من أويس، لكن يبقى أنه أفضل التابعين عند الإمام أحمد وله وجه تفضيله، وإن كان الحديث الصحيح يرجح أويساً القرني، لما قيل له: جاءتك الدنيا بحذافيرها، ماذا كان الرد؟ الرد قال: إذا كانت الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، فماذا ترى يقص لي من هذا الجناح، الخليفة برأسه كيف يقص لي من هذا الجناح، ومع ذلك يزوج هذه البنت المرأة الصالحة العابدة العالمة يزوجها أفقر واحد من طلابه، من لا يجد المهر، ويجهزها له ويزفها إليه و. . . . . . . . .، هذا الذي يعرف حقيقة الدنيا، أما إذا لاحت لنا الدنيا، لوحت لنا بجناحٍ مظلم نتبعها ونترك الآخرة، بعض طلاب العلم نسوا القرآن، منهم من صلى صلاة الظهر وجهر بالقراءة وأمنوا خلفه هذه حياة؟!! نسأل الله السلامة والعافية، فالأمر خطير، يعني هذا بالنسبة للأثر على الدين، الأثر على الدنيا قطعت الأرحام، ترك الآباء والأمهات ما يزارون من أجل هذه الأسهم، حصل الخلل في العقول، مات بعض الناس، جلطات، منهم من جُن، هذه أمور حقيقة تعطي دروس ولكن مع الأسف أنهم لو ردوا لعادوا، لو ارتفعت هذه الأسهم رجعوا ثانية، وليس بأعجب ممن لو أدخلوا النار وخرجوا منها لردوا لعادوا كما أخبر الله -جل وعلا- وإلا قبل سنتين تعرفون الكارثة اللي حصلت، كارثة يعني أدخل المستشفيات بسببها عدد كبير، صار كثير من المستشفيات لا تقبل لكثرة من أصيبوا قبل سنتين، ثم بعد ذلك عادوا، وهذه الكارثة أعظم منها ولو ردوا لعادوا،

والله المستعان، فعلى الإنسان أن يقتصد في أمر دنياه، ويكفيه منها البلغة، ولا يعني أنه يعيش يتكفف الناس يسأل الناس من أموالهم، لا. الله -جل وعلا- يقول: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص]، لكن لا تعكس المسألة، تستغرق في أمور دنياك، ثم يقال لك لا تنسَ نصيبك من الآخرة، فالتوازن لا بد منه في حياة المسلم، والله المستعان. يقول السائل: بعض الناس يتعبد لله بالصلاة وقراءة القرآن وغيرها من الأعمال الصالحة، ولكنه قد يشاهد التلفاز والصور المحرمة، فما توجيهكم لهؤلاء أحسن الله إليكم؟ هذا المتعبد لله -جل وعلا- الذي يرجو ثواب الله، عليه أن يحافظ على ما اكتسبه من أجور، ولا يكون مفلساً يوم القيامة، يأتي بهذه الأجور وبالمقابل يأتي بأوزار، والمسألة مسألة ميزان، له كفتان، كفة حسنات وكفة سيئات، ولا شك أن السيئات على حساب الحسنات، فمن عمل العمل الصالح يرجو ثوابه عليه أن يحافظ عليه، ولا يكون مفلساً يوم القيامة، يأتي بأعمال أمثال الجبال ثم بعد ذلك تذهب هباءً منثوراً، يظلم الناس ويأكل أموالهم ويشتم الناس، ويرتكب محرمات، ثم بعد ذلك عند المقاصة لا يجد شيئاً، فعلى المسلم الذي يتعب على هذه الحسنات أن يسعى على دوامها وثباتها. يقول السائل: هل من لا يدع أهله يكملون الدراسة بسبب ما يوجد في بعض الثانويات والكليات من الفتن، هل في ذلك طيف من الصحة، أحسن الله إليكم؟

العلم الشرعي مطلوب من النساء كما هو مطلوب من الرجال، وأعني بذلك العلم الشرعي المأمور به في النصوص الشرعية المورث لخشية الله -جل وعلا- وما لا تقوم الدنيا إلا به من العلوم الأخرى، هذا كله مطلوب، لكن يبقى أن الأصل بالنسبة للمرأة القرار في البيت، يقول الله جل وعلا: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [(33) سورة الأحزاب]، فإذا تعارض مثل هذا مع هذا ترجع إلى الأصل، إذا كان هناك معارضة، أما إذا أمكن التوفيق بأن أدت عملها الأصلي في بيتها، وخدمت زوجها، وواصلت دراستها، ومع ذلك حافظت على نفسها؛ لأن الخروج من البيت وكثرة الخروج له ضريبة، فإذا حافظت على حشمتها وخرجت بزيٍ لا تفتن ولا تفتن بواسطته، واستعملت أيضاً خروجها في طريقها وفي مدرستها إذا رأت ملاحظة لإحدى زميلاتها أسدت إليها نصيحة، وصارت داعية خير في هذا المحفل الذي يجمع جمع من الطالبات، إذا انضم إلى ذلك دعوة إلى الله -جل وعلا- وتوجيه، وإنكار لمنكر، وأمر بمعروف، هذا لا شك أنه خير، فالمنع منه غير متجه، أما إذا خلا من ذلك كله، ورأى النقص في حياة هذه الزوجة، سواء كان فيما يتعلق في بيتها أو في دينها أو في عملها أو في تربية أولادها، لا شك المنع له وجه. هذا سائل يقول: فضيلة الشيخ أحسن الله إليكم، هلا وجهتمونا كيف نعود الناشئة على العبادة؟ أولاً تعويد الناشئة على العبادة يكون بالقدوة الصالحة، ولذا شرع أو شرعت النوافل في البيت، وأفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة، ليقتدى به، يقتدي به هؤلاء الناشئة مع أمرهم بها، واقتدائهم به في فعلها، فإذا أراد أن يصلي قال: انتبه إلى هذه الصلاة وصلِّ معي كما صلى ابن عباس مع النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل أن يكلف، فأداره النبي -عليه الصلاة والسلام- من شماله إلى يمينه، فوجهه بالقول والفعل، فبالقدوة الصالحة والأمر بلطف ورفق وتوجيه مقبول لا شك أنهم يحبون بواسطة ذلك العبادة وينشأون عليها.

وينشأ ناشئ الفتيان منا ... على ما كان عوده أبوه فإن كان أبوه عوده على العبادة عوده على الصلاة عوده على الصيام، أعطاه أحياناً بعض الأموال اليسيرة من فئة الريال مثلاً وقال إذا رأيت فقير تصدق عليه، أو قال: أهدِ أو أعطِ إخوانك من هذه الريالات أو العكس، كل هذا مطلوب وهذا فيه تمرين للناشئة. بخلاف ما إذا عودهم على خلاف ذلك، فإنما ينشأون على ما عودوا. سائل يقول: كيف نجمع بين نصيحة النبي -صلى الله عليه وسلم- لأحد أصحابه لما سأل عن آخر الزمان بأن عليه بخاصة نفسه، وبين إنكار المنكر؟ الجمع بين هذه النصوص بما تقدم من هذه تتنزل على أحوال، فمن كان حاله مثل ما ذكرنا سابقاً من أنه بصدد أن يتأثر بهذه المنكرات ولا يؤثر عليه بخاصة نفسه، أما إذا كان يستطيع التأثير في غيره وهو لا يتأثر بشرور الناس مثل هذا عليه أن يزاول الأمر والنهي. والناس كل واحد منهم له مواهبه وله خصائصه، فمن الناس من يطيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويبذل فيه جل وقته، وهذا مشاهد، بينما لو تقول له: اجلس في هذا المكان واقرأ جزء من القرآن كأنما حملته جبل، لا يستطيع الجلوس؛ لأنه نشأ على العمل الميداني، وبعض الناس بالعكس مستعد أن يجلس من صلاة الفجر إلى الساعة العاشرة يجلس خمس ساعات متواصلة ست ساعات، يقرأ القرآن ولا تقول له قم: اذهب إلى المستشفى نزور أخونا فلان، قال والله الآن أنا مشغول أنا ما أستطيع، وهذا مشاهد مجرب عند الناس، لا شك أن لهم ميول، واحد يميل كذا، وأحد يميل إلى كذا، والأمة بمجموعها متكاملة. سائل يقول: ما هو الأولى في زمن الفتن، الالتفاف حول العلماء والتحصن بالعلم، أم الدعوة إلى الله -عز وجل-، وأنا أحب القرآن وسماعه، ولكن كيف أتدبره، أفدنا أحسن الله إليك؟

لا شك أن الالتفاف بأهل العلم، أهل العلم والعمل، وأهل الخبرة والدراية الذين يدركون من الأمور ما لا يدركه غيرهم، نظراً لطول أعمارهم بمعاناة هذه الأمور واكتسابهم الخبرات لا شك أن هذا مهم، فلا يصدر إلا عن توجيههم مع ملازمتهم بالعلم، ومدارسة العلم مع زملائه وأقرانه، مع مزاولته للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع أبواب الخير الأخرى، فيستطيع أن يقرأ القرآن، ويستطيع أن يصلي، ويستطيع أن يخصص وقت يصلي فيه في المسجد الذي تصلى فيه على الجنائز، ويتبع الجنائز، ويزور المرضى، وهذا كله بالمقدور، ولكن المسألة توفيق من الله -جل وعلا- فالله -جل وعلا- إذا رأى من الإنسان خيراً أعانه عليه، فيعينه على هذا الخير. وأما بالنسبة لقراءة القرآن كثيرٌ من الناس تعلم القراءة، هذّاً بسرعة، هذا يصعب عليه أن يتدبر، لكن عليه أن يأطر نفسه على التدبر، التدبر يكون بقراءة القرآن على الوجه المأمور به، يعني يرتل القرآن ولا يسرع، ومع ذلك يكون بيده قلم يدون الألفاظ التي تشكل عليه، ويراجع فيها كتب الغريب، فإذا انتهى من القرآن على هذه الطريقة الآن لا يشكل عليه اللفظ، قد يشكل عليه معنى من المعاني، يراجع فيه كتب التفاسير الموثوقة حتى تنحل لديه هذا الإشكالات، ثم بعد ذلك يقرأ القرآن بدون إشكالات، ويتدبر، وفي كل مرة يعرض فيها القرآن يتكشف له من العلوم ما لم يكن عنده من قبل، والهدى كله في تدبر القرآن.

أسئلة محاضرة: العبادة في زمن الفتن

أسئلة محاضرة: العبادة في زمن الفتن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد: ولعلنا نبدأ عرض الأسئلة، وما تبقى من هذه الأسئلة المهمة. فأبدأ بسؤال لإحدى المواقع، هذه سائلة تقول: فضيلة الشيخ أحسن الله إليكم، أريد معرفة الحكم بأن أكلم الشيوخ عن طريق النت بالكتابة والكلام فيما يتعلق بأمور الجامعة، فهل مثل هذا جائز أو لا؟ الواضح من السؤال أن هذه طالبة في الجامعة، تخاطب الشيوخ والأساتذة المدرسين من خلال الشبكة، فتسألهم ويجيبونها، إذا كان هذا في العلم المحض، وليس فيه خروج عن هذا العلم بأدب العلم، وليس هناك نوايا أخرى غير العلم وقصد العلم، وإذا وجد من أي طرف من الأطراف غير ذلك يقطع الاتصال، فهذا لا بأس به إن شاء الله تعالى. وهذه الآلة الشبكة لا شك أنها مشتملة على شرورٍ عظيمة، لكن فيها خير، وفيها نفع، وانتشر العلم بواسطتها، والأسئلة ترد إلى المشايخ من الشرق والغرب في آن واحد وفي درسٍ واحد، يردنا من أكثر من عشرين دولة أسئلة، فلا شك أنها خير، فإذا استعملت من هذا الوجه للخير وفي الخير من غير أن يعتري هذا الغير دخن وإلا أمر غير مقبول في الشريعة فهذا استعمال طيب إن شاء الله تعالى. أحسن الله إليك فضيلة الشيخ، سائلٌ يقول: كيف نعرف أنه قد جاء الزمان الذي يكون العامل فيه بأجر خمسين من الصحابة؟ إذا لم يجد الإنسان ما يعينه على هذه العبادة، بل وجد من يصرفه عنها، وجاهد نفسه لأداء هذا العمل، ولا يجد أدنى عون لا من قريب ولا من بعيد، ولا من أهل ولا من صديق ولا من جار ما يعينه على هذه العبادة، ثم وجد نفسه تحتاجه إلى جهاد، فجاهد نفسه ثبت له الأجر إن شاء الله تعالى. أحسن الله إليك، سائلٌ يقول: أرجو من فضيلتكم أن تبينوا لنا شيئاً من فتح آخر الزمان، كما بينه النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه لما سألوه عن الصلاة في وقت خروج الدجال؟

السؤال هذا ما هو محدد، السؤال ما هو محدد، ففقه آخر الزمان متعلق بجميع أبواب الدين، فما أدري ماذا يقصد. أما السؤال عن الصلاة في يوم مقداره سنة، هذا لا شك أنه يقدر لها، لا يكتفى بخمس صلوات كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لكن ماذا عن الصيام ماذا عن الزكاة ماذا عن إذا خرج الإنسان بماله ولم يجد من يقبله ماذا يصنع، هل يسقط الفرض، أو لا بد من أدائه إلى الأصناف الثمانية؟ هذه الأمور تطول، تحتاج إلى استعراض جميع أبواب الدين. أحسن الله إليك، سائلٌ يقول: ذكرتم في المحاضرة أن الهجرة من بلاد الكفر التي استشرى فيها الفساد والمنكر، والسؤال: ما الحكم في الهجرة من بلاد الإسلام إذا استشرى فيها الفساد، ولم يغير، هل تكون واجبة أيضاً؟ وهل هناك حديثٌ معناه: ((لا هجرة بعد الفتح))؟ نعم الحديث ((لا هجرة بعد الفتح)) صحيح، لكنه مخرجٌ عند أهل العلم أنه لا هجرة من مكة بعد فتحها؛ لأنها صارت دار إسلام، ومنهم من يحمله على أنه لا هجرة بعد الفتح أفضل من الهجرة قبل الفتح، أو فضلها كفضل الهجرة قبل الفتح، فالتخريج سهل، لكن يبقى أنه إذا وجدت المنكرات في بلد وهو لا يد له في تغيير هذا المنكر، ولا يستطيع أن ينزوي في حيٍ بحيث لا يطلع على هذه المنكرات التي لا يستطيع تغييرها، فإن مثل هذا مرغبٌ في هجرته إلى بلدٍ هو أخف منه في المنكرات، ومشاهدة المنكر لا تجوز إلا بنية تغييرها، على كل حال لو أن الإنسان اقتصر في بلده الذي شاعت فيه المنكرات من بيته إلى مسجده الذي يخلو عن المنكرات، حينئذٍ يكون حلس بيته وجليس كتبه وأهله، يربيهم وينشئهم على الخير، ولا يغشى المحافل التي فيها المنكرات التي لا يستطيع تغييرها. أحسن الله إليك، سائلٌ يقول: الحديث الشريف: ((العبادة في الفتن كهجرة إلي)) هل هو في الصحيحين أم لا؟ هذا الحديث في مسلم، عند مسلم والترمذي, مخرجٌ في صحيح مسلم. أحسن الله إليك، سائلٌ يقول: هل يصح التفضيل بين المشايخ، وهل هي من الفتن؟

التفضيل لا شك أن على رؤوس الناس الأنبياء، وجاء من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تفضلوا بين الأنبياء، ولا تفضلوني على يونس بن متى))، وجاء قول الله -جل وعلا-: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [(253) سورة البقرة] فالمفاضلة بينهم هي صريح القرآن، والنهي عن ذلك أنه إذا قصد به ازدراء المفضول والتنقص منه، إذا حمل ذلك التفضيل على التنقص من المفضول يمنع، وقل مثل هذا في أهل العلم، لا شك أن نقول فلان أفضل من فلان وأعلم من فلان فيما يظهر لنا، والسرائر إلى الله -جل وعلا-، لكن الاستفاضة في مثل هذا لا شك أنها كافية عند المسلمين، فبإمكانهم أن يقولوا فلان أعلم من فلان، أو إذا أراد أن يطلب العلم على فلان. . . . . . . . . أن يقول فلان أنفع لك من فلان، هذا لا يمنع إذا لم يصل الأمر بالشخص إلى أن يزدري المفضول أو يتكلم فيه، ولو بما فيه. ويقول: هل يقيِّم التلميذ شيخه؟ التلميذ لا يستطيع أن يقيم شيخه إلا إذا لزمه مدة طويلة، ووجده بعد هذه المدة أن فائدته منه أقل من إفادته من غيره في أقصر من مدته، فحينئذ يتبع الأنفع له، ومع ذلك لا يجزم بأن حكمه هو الصائب؛ لأنه قد يقيم من زاوية، ومن زوايا أخرى يكون هذا الشيخ أفضل الذي فضله عليه، وعلى كل حال طالب العلم المتمكن المميز يستطيع أن يفاضل بين العلماء لا سيما بالنسبة إلى انتفاعه هو؛ لأنه قد ينتفع من عالم وغيره ينتفع من غيره، ولا شك أن العلماء مدارس، فبعض الناس تناسبه هذه المدرسة، وبعض الناس تناسبه تلك المدرسة، فمثلاً إذا نظرنا إلى علماء هذا الزمان وجدنا مثلاً منهم من يهتم بالرواية والتصحيح والتضعيف للأخبار، كالشيخ الألباني -رحمه الله- وبعض الناس يميل إلى هذا الجانب، فيجد انتفاعه بالشيخ الألباني أكثر من انتفاعه بالشيخ مثلاً ابن عثيمين الذي اهتمامه وعنايته بالدراية أكثر، الرواية من علوم الاستنباط، وبعض طلاب العلم يجعل الشيخ ابن عثيمين أفضل بمراحل من الألباني مثلاً؛ لأن هذا ميوله فقهية، فاستفاد من الشيخ ابن عثيمين أكثر من فائدته من تخاريج الألباني وتصانيفه والعكس.

لكن الله -جل وعلا- جمع بين الأمرين على الشيخ ابن باز -رحمه الله- فعنايته بالرواية والدراية على حد سواء، والله المستعان. وهذا من باب التمثيل وإلا فشيوخنا كلهم فيهم خير وبركة ويعنون بالعلم من جميع أبوابه ولله الحمد. أحسن الله إليك، سائل يقول: كثر الحديث في الآونة الأخيرة، وتطاول الكلام عن هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك من قبل كتاب بعض الصحف، وأصبحوا يلمزون أعضاء الهيئات ويهاجمونهم ويفتعلون القصص عليهم، ما رأي فضيلتكم في ذلك، وما هو دور المسلم في الرد على هؤلاء الصحفيين الذي زاغت قلوبهم وأقلامهم؟ أما من يقع في رجال الحسبة؛ لأنهم قاموا بهذه الشعيرة فعلى خطرٍ عظيم نسأل الله العافية؛ لأنه ناتجٌ عن كرهٍ لهذه الشعيرة لا لذواتهم، فالذي يكره ما أنزل الله أو بعض ما أنزل على محمد -عليه الصلاة والسلام- من الشعائر كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا شك أن هذا خطر، وهذا من سيما المنافقين نسأل الله السلامة والعافية. أما من يكره زيداً من الناس ولو كان من أهل الحسبة لمشاحة دنيوية فيما بينه وبينه فمثل هذا يكون كالشخص العادي، لكن أذية الآمرين بالمعروف ورجال الحسبة بدءاً من الكلام في أعراضهم، والتفكه فيهم بمجالسهم، إلى أن يصل الأمر إلى حد القتل، فهو مقرونٌ بأذية الأنبياء الذين يأمرون بالقسط من الناس، هذا مقرونٌ بقتل الأنبياء، فالأمر شأنه عظيم، والكلام فيهم أعظم من الكلام في غيرهم؛ لأن الكلام في الإنسان المجرد عن الصفات الشرعية أمره أخف، وإن كانت غيبة المسلم حرام، والوقوع في عرضه من الكبائر، لكن يبقى أنه إذا تكلم فيه بحسب ما يحمله أو يدعو إليه من علمٍ أو أمرٍ بمعروف ونهي عن منكر فمثل هذا شأنه عظيم، وعلى طالب العلم وعلى مريد النجاة أن يسعى بجهده أن يدافع عن هذه الثلة وهذه الفئة ليدخل في زمرتهم؛ ليكون محباً لهم، فيكون في الآخرة مع من أحب، وهذا أقل ما يقدم لهم الدفاع عنهم. أحسن الله إليك فضيلة الشيخ، سائلٌ يقول: ما أثر الثناء على أهل البدع والطعن في أهل السنة في زمن الفتن؟

لا شك أن الثناء يغرر بالناس، الثناء يغرر بالناس, والقدح ينفر الناس، فكونك تغرر بالناس في مدح من لا يستحق المدح هذا لا شك أنه غش، وكونك تنفر الناس عمن ينفع الناس لا شك أن هذا قطع طريق، يعني عالم نفع الله به وعلى الجادة، ثم تقول فلان لا يؤخذ العلم عنه، هذا قطع طريق، على طلاب العلم أن يستفيدوا من هذا العالم، وتغريرك بالثناء الكاذب بمن لا يستحق الثناء هذا لا شك أنه غش، وأهل العلم يقررون في شرح حديث: ((الدين النصيحة)) ومن الغش لولي الأمر غره بالثناء الكاذب، فلا يجوز أن يغر أحد بالثناء الكاذب. نعم، بعض الناس قد يجتهد في الثناء عليه ليصل إلى مصلحة أعظم، وهذه يسلكها بعض العلماء الذين عاصرناهم من أهل العلم والعمل وأهل الجهاد والدعوة، يمدحون ولي الأمر؛ لأنه بهذا المدح ينفتح قلبه، وينشرح لأمور هي من أعمال الخير، ينشرح لها أكثر مما لو يحصل هذا المدح، وعلى كل حال الأمور بمقاصدها، فغر المبتدع، وغر الناس به لا شك أنه غش، بل من أعظم أنواع الغش، فإذا حرم الغش في الدرهم والدينار فلئن يحرم في أديان الناس من باب أولى، فكونه يمدح فلان من المبتدعة لا سيما في الجانب الذي فيه البدعة، لكن لو مدح يجيد علم النحو مثلاً وهو من الأشاعرة يمدح في هذا الباب وينبه على ما فيه من بدعة هذا ما يمنع إن شاء الله تعالى، في شيوخ أئمة الإسلام في العلوم الأخرى لا أعني في علم قال الله وقال رسوله في شيوخهم من هو فيه شوب بدعة، وقد روى الأئمة وعلى رأسهم البخاري ومسلم عمن فيه شوب بدعة، لكن فيما لا يؤيد بدعته مع بيان بدعته، والتحذير منه في هذا الباب، فنفرق بين إذا كان العلم لا يوجد إلا عنده يؤخذ منه هذا العلم لكن مع بيان الواقع، أما أن يمدح بإطلاق, يمدح بما فيه من خير ولا يذكر بما فيه من بدعة لا شك أن هذا تغرير؛ لأنه قد يؤخذ عنه ما عنده من بدعة، يغتر من يسمع هذا المدح ثم يأخذ عنه كل شيء، مما في ذلك بعض ما يعتقده ويدعو إليه من بدعة، والله المستعان. أحسن الله إليك، سائلٌ يقول: أبين للناس الخير فإذا عملوا ذلك صاروا أحسن مني، فيأتي في قلبي الندم، فما النصيحة؟

لو أدركت حقيقة الأجر المرتب على فعلك ما ندمت؛ لأن من دلّ على هدى فله مثل أجر فاعله، فهذا الذي صار خيراً منك أعماله لك مثل أجرها، فلا تندم، ومع ذلك سابق وسارع وكن خيراً منه. أحسن الله إليك، سائل يقول: ما دور شباب الإسلام ناحية ولاة الأمور في كثرة الفتن التي ظهرت بين المسلمين من القتل وسب العلماء، وكذلك سب حكام الدولة السعودية؟ على كل حال مثل هذا الأمر ذكرناه في هذه المحاضرة أشرنا إليه، أن على الإنسان أن يحفظ ما اكتسب، والغيبة محرمة، فإذا وقع في أهل العلم، وزهد الناس فيهم، إلى أين يذهب الناس، هذا حال بين الناس وبين الإفادة من أهل العلم، وإذا وقع في الحكام الذين هم ما زالوا في دائرة الإسلام، أو المصلحة في الانضواء تحت لوائهم بدلاً من الفرقة والشتات والقتل والتدمير والتفجير، واختلاف الكلمة، والفساد الذريع لا شك أن هذا القدح يسهم في نشوء مثل هذه الفتن، والله المستعان. أحسن الله إليك، سائل يقول: ما هي الكتب التي ينطلق منها طالب العلم المبتدئ في علم العقيدة؟ هذه الكتب في سائر العلوم بيناها في مناسبات كثيرة وفيها أشرطة مسجلة في العلوم كلها، لكن ما دام السؤال محدد في العقيدة نشير بإشارة سريعة إلى أن طالب العلم عليه أن يبدأ بمؤلفات الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى-، بدءاً من الأصول الثلاثة والقواعد الأربعة، وكشف الشبهات، وكتاب التوحيد، وغيرها من كتبه، فهي خير ما ينشأ عليه طالب العلم في هذا الباب. هنا سؤال من دولة الإمارات يقول: فضيلة الشيخ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، هل يجزئني إذا رأيت معصية أن أعطي للشخص متناً أو مطويةً تتحدث عن معصيته ولم أتحدث عن المعصية مشافهة، أو شريطاً أو شيئاً من هذا، فهل يجزئ هذا، حفظكم الله؟

مسألة الإنكار والبيان كلها علاج، وبعض الناس يحتمل الكلام مواجهة، وينشرح صدره لقبول الحديث من المتحدث، فمثل هذا يبين له بلطف ورفق ولين أن ما يرتكبه منكر، وبعض الناس تراه من تصرفاته ومن قسمات وجهه أنك مجرد ما تتكلم يثور عليك ولا يقبل منك شيء، فمثل هذا تقول له: يا أخي تفضل هذه إن شاء الله إنها تنفعك، فإذا أخذها وهدأ مثلاً، وقرأها في بيته واستفاد منها لا شك أن هذا أسلوب من الأساليب النافعة إن شاء الله تعالى. وهذا سائلٌ يقول: ما حكم شراء الصحف والمجلات التي كثرت فيها الصور، وهل يجوز إدخالها إلى المنزل وهل تمنع دخول الملائكة أم لا؟ لا شك أن التصوير واقتناء الصور أمرٌ محرم، داخلٌ في النصوص التي فيها التشديد على المصورين، وهذه الصحف والمجلات لا تخلو من أخبار، طالب العلم قد يكون بحاجة إليها أحياناً، والاطلاع على أحوال من حوله قد يحتاج إليه، لكن لا يصرف إليه جهده وجل وقته، كما يفعل بعض الناس، بعض الناس من أن يخرج من دوامه أو دراسته تكون معه الصحف والمجلات كلما صدر، بلغته وبغير لغته، من بلده ومن غير بلده، ثم لا يزال بها من صفحة إلى صفحة إلى أخرى إلى قدوم النوم، هذا خاب وخسر إذا كان هذه تجارته وهذه بضاعته، فعلى كل حال شراء هذه الصحف إن كان من قصد الاطلاع على هذه الأخبار التي هو بحاجة إليها، فبقدر ما يحتاجه يقتني، ثم بعد ذلك يتلفها ولا يدخلها في منزله؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلبٌ ولا صورة. وهذا سائلٌ يقول: ما حكم وضع جهاز الجوال على تنبيه فيه قراءات أو تلاوات؟ إذا أدى ذلك إلى امتهان القرآن، وسماع القرآن من غير استماع، فإن هذا لا شك أنه إزراء بالقرآن وامتهان له، القرآن إنما أنزل ليقرأ ويتدبر، ويتعبد بتلاوته، ويعمل بأحكامه، ويتخلق بآدابه، فالقرآن منهج ودستور حياة، ليس لهذا الأمر، فلا يجعل فيه بدلاً من النغمات، ولا يعلق في الجدران؛ لأن هذا خلاف ما أنزل من أجله، المقصود أن مثل هذه التلاوات لا تنبغي بل هي خلاف الأولى.

وهذا سائلٌ يقول: فضيلة الشيخ أنا أعيش في بلاد الكفر، وقد أخذت جنسيتهم، وأعمل فيها منذ زمنٍ بعيد، وأنا أستطيع أن أظهر شعائر العبادة، ولكن هل يلزمني الهجرة من تلك البلاد؟ على كل حال إذا كنت تستطيع الهجرة إلى بلدٍ تأمنُ فيه على نفسك وعلى ولدك وتأمن فيها على دينك أولاً وقبل كل شيء وأديان من ائتمنك الله عليهم، إذا كنت تستطيع الهجرة إلى البلاد الموصوفة بهذا الوصف تعين عليك، أما إذا كنت مستضعفاً لا تستطيع حيلة، ولا تهتدي سبيلاً إلى ذلك فأنت معذور. أما كون الإنسان يقول أنه يستطيع أن يظهر الشعائر، بمعنى أنهم يصلون في صالة أو شقة أو في شيء من هذا، ومع ذلك هم يرون المنكرات، ويطالعونها ويستمرونها، ونشأوا فيها، ولا ينكرونها ولا يستطيعون، فمثل هذا لا يكفي، لا يكفي أبداً. وهذا سؤال من أسئلة الحضور يقول: إذا كان مديري في العمل لا يصلي فكيف أتعامل معه؟ وهل هذه فتنة؟ وهل أسلم عليه؟ إذا كان لا يصلي بالكلية، تعرف أنه لا يصلي بالكلية، لا في بيته ولا في المسجد ولا في العمل وتارك للصلاة، فهذا المرجح أنه كافر، نسأل الله العافية، والتعامل معه كسائر الكفار لا يبدأ بالسلام، ومع ذلك الهجر إن أمكن هو المتعين، وإذا لم يمكن أو لم يترتب عليه مصلحة، فالصلة التي لا تدخل القلب، يعني صلة بلسان أو شبهه، ولو أدى ذلك إلى بذل شيء من المال له، ويرغب فيه بالإسلام، ويكون من أساليب الدعوة إلى الله -جل وعلا- ويكون هذا أنفع له من الهجر، لا شك أن هذا الهجر -كما يقرر أهل العلم علاج- إن كان أنفع فهو المتعين، وإلا فالصلة. وهذا من أسئلة الإخوة في المواقع، يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، من حافظ على الصلوات الخمس وأتبعها بالنوافل وحافظ على أذكار الصباح والمساء، هل يدخل في جنس المتعبدين، أم أن وصف التعبد مخصوص بصفات لا بد من توفرها؟

على كل حال التعبد أمرٌ نسبي، فالذي يؤدي الواجبات ويترك المحرمات لا شك أنه على خيرٍ عظيم، والأعرابي الذي جاء يقول للنبي -عليه الصلاة والسلام-: أن رسولك يقول: إن الله قد افترض علينا خمس صلوات في اليوم والليلة، قال: آلله أمرك بهذا؟ قال: ((نعم)) فقال: والله لا أزيد عليها ولا أنقص، ثم في النهاية بعد أن ذكر شرائع الدين، قال: ((أفلح إن صدق)). فهذا لا شك أنه مفلح، لكن إن زاد من أمور العبادة -والجنة درجات- وهذه العبادات أعني القدر الزائد على الواجبات المسلم بحاجة ماسة إليه؛ لأنه لا يضمن أن يأتي بالواجبات على وجهها، لا بد أن يؤديها ولو في بعض الأحيان على وجه فيه شيء من النقص، بعض الناس يقول إنه صلى في المسجد وحافظ على الصلاة، لكن صلاة لم يخرج منها إلا بنصف أجرها، بثلث أجرها، بربع أجرها بعشر أجرها، هذه الصلاة لا شك أنها تحتاج إلى كثرة في النوافل لتسدد هذا النقص، يعني صلاة ناقصة، وبعض الناس يغتر بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((الصلوات الخمس إلى الصلوات كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر)) يقول: أنا ما شاء الله أصلي الصلوات الخمس في المسجد، ومع هذا تكفر, الصلاة التي لا يخرج صاحبها إلا بعشر أجرها يقول شيخ الإسلام: إن كفرت نفسها يكفي، أما كونها تكفر غيرها فلا. فالمقصود بالصلوات التي تؤدى على الوجه المطلوب ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) فعلى الإنسان أن يكثر من النوافل علها أن تسد هذه الخروم وهذه الخروق التي في الفرائض، فالإنسان إذا حوسب على صلاته، ورؤي ما فيها من النقص، قيل: انظروا هل لعبدي من تطوع، فإذا وجد تطوع كمل به النقص، والله المستعان. وهذا أسئلة من الأخوات، تقول السائلة: ما حكم قراءة المرأة في بعض البرامج العلمية، وتحسين صوتها بقراءة القرآن في البرنامج التعليمي؟

قراءة المرأة وتحسين الصوت إذا كانت بحيث يسمعها الرجال لا تجوز؛ لأن تحسين الصوت لا يسلم من خضوع، والله -جل وعلا- يقول: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} [(32) سورة الأحزاب] أما تحسين الصوت في مجتمع وفي محيط نسائي فهو مطلوب، وقد أمرنا بتزيين الصوت، بتحسين الصوت بالقرآن، وأمرنا بالتغني بالقرآن، لكن بحيث لا يسمعه الرجال، وأما صوت المرأة في الجملة إذا كان صوتها الطبيعي بحيث لا يورث فتنة في قلوب الرجال فلا بأس به، لكن يبقى أن قراءة القرآن بالتحزن بالخشوع بتزيين الصوت بتحسينه لا شك أنه يقع من قلب الرجل موقعه، والله المستعان. فضيلة الشيخ هذا السائل يقول: ما حكم إذا رأيت من هو مقصر في الطاعات، ومرتكب لبعض المعاصي الظاهرة، كحلق اللحية أو الإسبال، هل يجب علي الإنكار عليه؟ هذا منكر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده)) لكن أهل العلم يقولون: إذا عمت البلوى بمنكر من المنكرات بحيث يكون تغييره حائلاً دون الإنسان وبين تحقيق مصالحه أو عائقاً لهم عن تحقيقها، أو يجلب عليه مفاسد إذا كثر، إذا دخل محفل من محافل الناس، وجد الغالب منهم حالق للحيته ومسبل، إذا أنكر على هذا ثم على هذا انتهى عليه الوقت، ولما يحصل ما ذهب من أجله فمثل هذا ينكر بقدر استطاعه، ولا يلزمه أن ينكر كل أحد. سائلٌ يقول: هل يقدم الزواج على طلب العلم؟

الزواج لا شك أنه سنة المصطفى -عليه الصلاة والسلام- ولا تعارض بينه وبين طلب العلم، بل هو خير معين وميسر لطلب العلم، لا سيما إذا كانت الزوجة لها رغبة في العلم، وفيها تدين ذات دين، فلا شك أنها تعينه وتيسير له أسبابه أسباب طلب العلم، ولو لم يكن في ذلك إلا الراحة النفسية، الشاب قبل الزواج لا شك أنه مشتت، وأحياناً يريد أن يحفظ ثم بعد ذلك لا يستطيع؛ لأنه مشتت، قلبه هنا وهناك، لا سيما إذا كانت رغبته في الزواج شديدة، مثل هذا لا يستطيع أن يطلب العلم إلا إذا تزوج، نعم الزواج له ضريبة، وفيه أيضاً شيئ مما يعوق، لا يعني أنه معين من كل وجه، نعم، الزوجة لها مطالب ولها حقوق ولها واجبات ولها أيضاً متطلباتها التي أحياناً لا تكون بيد الزوج، فيحتاج إلى أن ينشغل بها، وعلى كل حال الانشغال بالزوجة وهي سنة من سنن المرسلين، وهي سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- ومن رغب عنها فليس منه -عليه الصلاة والسلام- مثل هذا خير ما يعين على طلب العلم وتحصيله، ولا إشكال إن شاء الله تعالى في أن يتزوج الإنسان، وهذا مجرب، مجرب، يعني إنسان إذا هيئت له جميع الأسباب، نظفت ثيابه وجهز طعامه وحتى كتبه رتبت، يعني هذا خير معين لطالب العلم، فالزواج لا شك أنه خير من العزوبة. سائلٌ يقول: كيف يزيل الشخص الإعجاب بالنفس عند عمل العبادة؟ الإعجاب لا شك أنه آفة من الآفات في سبيل المتعلم والمتعبد، الشيخ حافظ الحكمي -رحمه الله- يقول: والعجب فاحذره إن العجب مجترفٌ ... أعمال صاحبه في سيله العرم فأنت إذا نظرت إلى من هو فوقك عرفت حقيقة نفسك، وإذا نظرت إلى ما لله جل علا- عليك من نعم ازدريت نفسك وازدريت عملك، وإذا فكرت في حقيقة ذاتك، ومآلك ازدريت ما تعمل، وعلى كل حال على الإنسان أن ينظر في أمور العبادات إلى من فوقه؛ لئلا يعجب بعمله، بينما هو مأمور في أمور الدنيا أن ينظر إلى من هو دونه؛ لأنه أحرى أن لا يزدري نعمة الله عليه.

سائلٌ يقول: نحن طلابٌ في كلية الشريعة، فأرجو منكم يا شيخ النصح لنا وخاصة أنه يوجد منا تقصير في الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهل تنصحنا بعد التخرج بالالتحاق بالهيئات لمعاونة إخواننا والاستفادة لنا ولهم؟ أقول: ما دمتم في مرحلة الطلب فليكن الغالب من همكم التعلم، والعمل بالعلم، فالعمل خير معين على التحصيل وتثبيت المعلومات، ومع ذلك لا تنسَ الأبواب الأخرى، إذا مررت بصاحب منكر أنكر عليه، إذا رأيت شخصاً يحتاج إلى إسداء نصيحة أو أمر بمعروف ابذل له النصيحة وامنحه النصيحة، فمثل هذا لا يعوقك، وعليك أيضاً أن تعطي من نفسك، ثم إذا تخرجت إذا التحقت بأي مرفقٍ ينفع الله فيك وكنت أميل إليه، إن كنت ترى أنك تنفع فيه أكثر من المجالات الأخرى فاتجه إليه، وأما العمل في الحسبة لا شك أنه من أفضل الأعمال، وهو سبب حفظ هذه الأمة، وبه يدفع الله جل وعلا الشرور, وفي على لسان المعاصرين يقولون: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صمام الأمان، هذا من أساليب المحدثين، وكلامهم صحيح؛ لأنه مع عدمه تقع الكوارث فيما مرَّ بنا من الأحاديث. سائل يقول: هل يكاثر النبي -صلى الله عليه وسلم- الأمم بالفسقة وتاركي الصلاة؟

الرسول عليه الصلاة والسلام يكاثر بأمته، والمراد بالأمة أمة الإجابة، فمن خرج عن دائرة الإسلام لا يكاثر به، وأما من كان في دائرة الإسلام فيكاثر به، وإن حصل له ما حصل من عقوبة على بعض ما ارتكبه من منكرات، والمنكرات التي عمت الآن مع الأسف الشديد توجد في مواطن العبادة، وإن كان بعضهم ينازع يقول هذه، وهذا منكر وليس بمنكر، يعني هذه النغمات التي نسمعها حتى في المطاف، نسمع والناس يصلون يسمعونها، هذه النغمات قد ينازع مثلاً من ينكر عليه، فيقول هذه ليست بموسيقى هذا مجرد تنبيه، وهو موجود عند الناس كلهم، وهناك موسيقى يتفق على أنها موسيقى لا نجعلها، لكن مثل هذه النغمات أقول: الحكم فيها جرس الدواب، جرس الدواب ممنوع بالنص الصحيح الصريح ((لا تصحبنا رفقة فيها جرس، ولا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس)) فللنظر إلى هذه النغمات ونقارنها بجرس الدواب، كلٌ يعرف كيف نغمة جرس الدواب، وإلي ما يعرف يروح يسمع يا أخي، فتكون هي الحكم، فما كان مثلها في الإطراب أو فوقها فهو ممنوع، وما كان دونها ففيه مندوحة إن شاء الله تعالى، لأن بعض الناس إذا نوقش عن هذا، يقول: هذه ليست موسيقى، يقول: أنت سامع أغنية فيها مثل هذا، هذه ليست موسيقى، نقول: الحكم في مثل هذا والظاهر الذي جاء فيه النص؛ لأن مثل هذه الأمور يعني يتنازع فيها تقول موسيقى ويقول ما هي موسيقى، ثم بعد ذلك من الحكم، تقول له الحكم الشيخ الفلاني، يقول الشيخ الفلاني هو يعرف الموسيقى علشان نحتكم إليه؟ فنقول الحكم في هذا ما جاء النص فيه وهو جرس الدواب، فإن كانت هذه الموسيقى مثل جرس الدواب في الإطراب أو فوقه فهي في حيِّز المنع، وإن كان دونه في الإطراب ففيها مندوحة، لا إشكال إن شاء الله تعالى. سائل يقول: ما هو أرجح أقوال أئمة الحديث في مسألة زيادة الثقة؟

زيادة الثقة بالنسبة للقواعد المتبعة المطردة عند المتأخرين يختلفون فيها، منهم من يقول: تقبل الزيادة مطلقاً؛ لأن هذه الزيادة خفيت على غيره، كونها خفيت عليه، ومن حفظها حجة على من لم يحفظ، والزيادة كما يطلقون من الثقة مقبولة، فهي مقبولة مطلقاً، القول الثاني: أنها مردودة مطلقاً؛ لأن القدر المتفق عليه في الحديث دون الزيادة، وهذه الزيادة مشكوكٌ فيها، والأصل الاحتياط للرواية فلا تقبل هذه الزيادة، ومنهم من يقول: الحكم للأحفظ، ومنهم من يقول: الحكم للأكثر، هذه قواعد مطردة موجودة في كلام العلماء، لكن يبقى أننا لو نظرنا إلى أحكام الأئمة على هذه الزيادات وفي حكمها الاختلاف في الوصل والإرسال والوقف والرفع، لا شك أننا إذا قارنا بين أقوال الأئمة لوجدنا أنه لا قاعدة لهم مطردة في ذلك، فتجد الإمام أحمد يقبل هذه الزيادة ويرد تلك الزيادة، ويقبل الوصل من هذا ويقبل الإرسال من ذاك، ويقبل الوقف في هذا الحديث، ويقبل الرفع في حديث آخر، ليست لديهم قواعد مطردة، وإنما يحكمون على الأحاديث بجملتها، أو بأبعاضها وجملها من زيادات وغيرها بالقرائن، فالتي ترجحه القرائن يحكمون به، ولذلك قد تجد الحديث فيه زيادة، يقبلها أحمد ويردها البخاري، ويقبله أحمد موقوف ويقبله البخاري مرفوع، ويقبله ابن معين موصول ويحكم عليه أبو حاتم بأنه مرسل، وهكذا. فلا تجد قاعدة مطردة، وإنما الحكم عند الأئمة المتقدمين للقرائن، لكن متى يستطيع طالب العلم أن يحاكي المتقدمين في معرفة القرائن، إذا صافهم وساواهم في المحفوظ؛ لأن العلم علم حفظ يحتاج إلى حفظ يحكم بجميع ما جاء في الباب على بعضه، فإذا رأى أن هذا الخبر بالنسبة لمرويات فلان يشبه أن يكون محفوظاً قبله، وإذا كان بعد عرضه على مروياته ومرويات غيره يشبه أن يكون غير محفوظ، ولو كان هو من أحفظ الناس رده، وإذا نظرنا إلى حديث: ((لا نكاح إلا بولي)) حكم البخاري بوصله، مع أن من أرسله كالجبل شعبة وسفيان، لكن هناك قرائن لا يدركها آحاد المتعلمين، يعني من أراد شيء أو نموذج لهذه القرائن فليقرأ ما كتبه الترمذي حول هذا الحديث، هو يعرف أن المسألة فيها دقة وشفوف لا تتهيأ لكثير من المتعلمين، قد يفني

الإنسان عمره في التخريج ودراسة الأسانيد وجمع الطرق، ومع ذلك ما شم رائحة لهذه القرائن؛ لأن المسألة تحتاج إلى استيعاب لأحاديث الباب، ودون ذلك خرط القتاد، فأين المتعلم في أزماننا بل قبلنا بقرون ممن يحفظ سبعمائة ألف حديث، ستمائة ألف حديث إلى مائة ألف حديث من يحفظ هذا القدر؟ لا شك أن من يحفظ مثل هذه الأعداد الهائلة، وقد أوتي نفساً حديثياً لا شك أنه يحكم بالقرائن، ويوفق ويسدد بإذن الله. هذا السؤال يقول: فضيلة الشيخ ما حكم الدراسة في الجامعات المختلطة، ولا يوجد غيرها في بلدي؟ الدراسة في هذه الأماكن التي يجتمع فيها الرجال والنساء لا شك أن الاختلاط محرم، وطلب العلم مما يتقرب به إلى الله -جل وعلا- وما عند الله لا ينال بسخطه، فلا تجوز الدراسة في هذه المدارس التي يحصل فيها الاختلاط. سؤال يقول: صدرت من بعض الجهات العلمية ترك مقاطعة بعض المنتجات، وقد اختلفت مع غيري في ذلك؟

المقاطعة لا شك أنها إذا كان لها أثر وإنكاء في العدو العادي الظالم البادئ بالظلم لا شك أنها تكتسب الشرعية من هذه الحيثية، فإذا كان فيها نكاية لهم لا شك أنها شرعية وليس بأيدينا غير هذا الأسلوب، ومع ذلك قد يقول قائل: أننا قاطعنا أناس ليس هم أهل المعصية؟ نقول متى يؤطر مثل هذا على ترك هذه الأذية إلا بواسطة قومه، قومهم هم الذين يضغطون عليه، ومعروفٌ أن الذي ينقض العهد واحد، ما يلزم أن تكون كل الأمة المعاهدة تنقض العهد، فيعاقبون من أجل واحد، لماذا؟ لأنهم لم يأخذوا على يده، فالرسول -عليه الصلاة والسلام- حينما قال لأهل خيبر. . . . . . . . . قاتلهم، وإن كانوا هم في الأصل معاهدين، لكنهم نقضوا عهدهم بإخفاء الذهب الذي يحوزه حيي بن أخطب وكان مسك ثور، يعني جلد ثور مملوء ذهب، لما أخفوه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وهل يتصور أن جميع أهل خيبر أخفوه؟ على كل حال مثل هذا إذا كان فيه نكاية لهذا العدو البادي الظالم، ولا يوجد وسيلة غيرها فهي تكتسب الشرعية من هذه الحيثية، من أجل أن يضغط هؤلاء الذين تضرروا على قومهم، وإلا قومهم لن يحسبوا لنا ألف حساب؛ لأننا في نظرهم أمةً مستضعفة، فلن يحسبوا لنا أي حساب، ولا ظلمناهم، إحنا ما ظلمناهم حينما قاطعناهم، ولا اعتدينا عليهم، المقصود أن مثل هذا أولاً لا يترتب عليه ظلم لغيره، يعني كوني أنا أشتري من فلان أو من فلان أو من الشركة الفلانية أو من الشركة الفلانية، أو من البلد الفلاني أنا حر، لكن كونه يعتدى على نبينا -عليه الصلاة والسلام- من قبلهم، ونذهب بطوعنا واختيارنا ونشتري من بضائعهم! أبداً، يعني لو قدرنا أن صاحب بقالة –مثلاً- أو بقالتين أمام بيتك، هما سواء، هذه بقالة كذا، وهذه بقالة كذا، بين والدك أو أخيك أو ابنك سوء تفاهم مع أحدهما وتركت الشراء منه وذهبت تشتري من الثاني أحد يلومك، يمكن أن تلام على هذا؟! أنت ظلمته، أنت اعتديت عليه، أنت أتلتف ماله، أنت نلت عرضه؟ أبداً، فكوني أختار هذا؛ لأنه ما آذاني، هذه الأمة الدنماركية آذتنا، بلا شك، والذي لا يغضب ولا يغار على عرض نبيه -عليه الصلاة والسلام- هذا في إيمانه بالنبي -عليه الصلاة والسلام- خلل بلا شك، فكوننا

نختار الشراء من هذا البلد دون ذلك البلد لا يعني أننا ظلمناهم بوجهٍ من الوجوه، فلنا الخيار ولا أحد يلزمنا بالشراء، من هؤلاء أو من هؤلاء، والمثل ظاهر، يعني البقالتين كلهم مسلمون، لكن حصل خلاف بيني وبين هذا، أو حصل بين أخي وبين هذا خلاف أنا أشتري من الثاني أيش المانع، ما في ما يمنع ولا يترتب على ذلك أدنى ضرر للآخر. أحسن الله إليك، من باب التوضيح يقول: عن ترك مقاطعة بعض المنتجات الشركات التي أبدت اعتذاراً؟ الشركات التي أبدت اعتذارها، وعملت ما يمكن عمله في إزالة هذا المنكر، وهذا العدوان لا شك أنهم من باب مكافئة المحسن يقال لهم: أحسنت، ولا يقاطعون، لكن أنه مجرد اعتذروا يبقى النظر راجع إلى من يقرر النظر في المصالح والمفاسد العامة والخاصة، فهؤلاء كونهم اعتذروا وجروا على الاعتذار مع أن دولتهم رفضت الاعتذار لا شك أن مقاطعتهم لها حظ من النظر باعتبارهم جزء من هذا البلد، جزء مؤثر، وأيضاً ترك المقاطعة لو وجه، لتحذو بقية الشركات حذوها، ولا سيما إذا عرفنا أن هذا الاعتذار مصحوب بعمل لإزالة هذا المنكر. سائل يقول: صليت المغرب في هذا المسجد، وعلمت بالمحاضرة بعد الصلاة، السؤال إذا خرجت ولم أحضر المحاضرة هل يدخل ذلك في حديث: (الثلاثة الذين أعرض أحدهم عن حلقة العلم فأعرض الله عنه)؟ إذا صلى إنسان في مسجد وهو في طريقه، عنده مشوار وأقيمت الصلاة وهو بجوار مسجد ووقف وصلى، ثم علم أن هناك درس علمي، هل نقول أن هذا إذا انصرف (إن آوى آواه الله، وإن استحيا استحيا الله منه وجلس، وإن انصرف انصرف الله عنه)؟ لا شك أن الناس لهم ظروفهم بلا شك، وكل الإنسان يقدر ظروفه، فإذا كانت حاجة تفوت في طريقه إلى زيارة مريض، والزيارة تنتهي، إذا كانت هناك مصلحة تفوت، فالذي يفوت لا شك أنه يقدم، أما إذا لم يكن هناك مصلحة تفوت، وإنما هو مجرد رغبة وزهد في الخير فمثل هذا دخوله في الحديث ظاهر. سائلٌ يقول: في شهر رمضان وأثناء النهار أحسست بتعبٍ شديد، فقلت لنفسي لو زاد التعب أفطر، وبعد وقت زاد علي التعب، ولكني لم أفطر، وأكملت صيامي فهل صيامي صحيح أم لا؟

العلماء يقولون من نوى الإفطار أفطر، لكن ما معنى نية الإفطار؟ نية الإفطار العزم عليه، لكن إن تردد في النية، قال: إن حصل كذا أو حصل كذا، وهذا عنده على حدٍ سواء، ما يدري ما الذي يترجح عليه فهو باقٍ على صيامه. شخص ابتلي بفتنة النظر فكيف يدافع هذه الفتنة؟ أقول: هذه الفتنة لا شك أنها شأنها لا سيما بالنسبة لطالب العلم عظيم، وهي من الحجب التي تحجب القلب عن الفهم الصحيح للعلم الشرعي، وقد يعاقب بنسيان بعض ما حفظه من علم، وقد يعسر عليه حفظ ما يحتاجه، فعليه أن يدرك هذا، وأنه مأمورٌ بغض البصر، وأن من ترك النظر يورث في قلبه إيمان ويقين وطمأنينة يجدها أو يحس بها ولذة، لا شك عوضاً عن هذه النظرة المحرمة، فعليه أن يتصور هذا، ويجاهد نفسه على غض البصر امتثالاً لقول الله -جل وعلا-: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [(30) سورة النور].

فتن كقطع الليل المظلم

فتن كقطع الليل المظلم الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: فلا يخفى على أحد ما تعيشه الأمة من فتن، وما تمر به من أحداث، أطلت عليها منذ سنوات، وجعلت كثيراً من الناس من عامتهم، بل من طلبة العلم فيهم، من يصاب بشيء من الحيرة والدهشة والتردد والتذبذب، مما جعل بعض الأخوة يرتلون ويُنزلون محاضرات ودورات،. . . . . . . . . والذي يغشى مجالس الناس من العامة والخاصة يعرف قدر هذا الموضوع، فإن مجالسهم امتلأت بالقيل والقال، والتحليلات المبنية على أقوال فارغة لا تستند إلى نص من كتاب ولا سنة، تجد مصادر الناس في تقديم هذه الأمور وتقريرها وسائل الإعلام المختلفة، فمنهم من يقول: سمعت في الإذاعة الفلانية، ومنهم من يقول: سمعت المحلل الفلاني، في القناة الفلانية، ومنهم من يقول: قرأت في الصحيفة أو في جريدة كذا، وقلّ من يتصدى لهذا الأمر من أهل العلم الذين يعول عليه في تقويم هذه الأمور. والمعول أولاً وأخراً في مثل هذه الأحوال على النصوص التي فيها المخرج من هذه الفتن. عقدت دورات في شرح كتب الفتن، وهي موجودة ومتداولة من كتب السنة، وتولاها جمع من أهل العلم والفضل، ونفعت نفعاً عظيماً، وسرت في الناس ونورتهم وبصرتهم، ومن الجهود المباركة في هذا الباب مثل هذه المحاضرة التي عنوانها: " فتنٌ كقطع الليل المظلم".

وهذا العنوان جزء من حديث صحيح مخرج في صحيح مسلم، ومسند الإمام أحمد، وجامع الإمام أبي عيسى الترمذي من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بادروا، بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، ((بادروا، بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً)) هذا الأمر ومثل هذا الحديث يجعل الإنسان في خوف ووجل؛ لأن العواقب والخواتم أمرها بيد الله -جل وعلا-، فعلى المسلم أن يلهج دائماً بسؤال الله -جل وعلا- بحسن الخاتمة، والثبات على الدين، وأن يكون ديدنه ومعوله على كتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-. شخصٌ يُسأل عن ظاهرة وجدت في هذا العام، وهي شدة البرد، يعني نزلت الدرجة عن الصفر في كثير من مناطق المملكة، فيُسأل في وسيلة إعلام، وما رأيك، وما السبب؟ السبب لو قرأنا قول الله -جل وعلا-: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [سورة الروم: 41]، بما كسبت أيدي الناس، ظهر الفساد، الكلام صحيح إلى هذا الحد، لكن كيف يفهم الآية، كيف فهم هذه الآية؟ قال: إن من الإفساد في الأرض انتزاع خيراتها، ومن ذلك استنزاف البترول، بطريقة غير معقولة، الذي هو يولد الدفء للأرض، هل هذا فهم مبني على أساس علمي شرعي؟ أبداً، هذا كلام من يهرف بما لا يعرف، وقد يكون له مآرب أو مقاصد من خلال هذا الكلام، الله أعلم، لكن هذا الكلام باطل، نعم الذنوب والمعاصي هي السبب بما كسبت أيدي الناس، ولولا أن الله -جل وعلا- يعفو عن كثير، لما ترك على ظهرها من دابة؛ لأن المعاصي والذنوب كثرت وعمت وطمت وشملت كافة المستويات وجميع الطبقات.

وفي حديث زينب في الصحيح في البخاري يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج هكذا ... )) إلى أن قالت: أنهلِك وفينا الصالحون؟ قال: ((نعم إذا كثر الخبث)) الذي ينظر إلى البقاع بما فيها من بلاد المسلمين كثر فيها الخبث، كثر فيها الخبث، يعني لا ينكر أن هناك علماء ودعاة وقضاة وفضلاء يوجد الحمد لله الخير في أمة محمد إلى قيام الساعة، لكن لا ننكر أيضاً أن الخبث كثر، وأن السنن الإلهية لا تتغير ولا تتبدل. نعود إلى الحديث الذي عنوان الدرس قطعة منه. هذا الحديث كما ذكرنا مخرج في صحيح الإمام مسلم، ومسند الإمام أحمد، وجامع الإمام الترمذي، فما معناه؟ معنى ((بادروا)): أي سابقوا وسارعوا، وجاء الأمر بالمسابقة والمسارعة في كتاب الله -جل وعلا-، {سَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ} [سورة آل عمران: 133]، سابقوا المقصود أن هذا الأمر جاء في نصوص الكتاب والسنة، والمبادرة المفاعلة، والمسابقة كذلك، والمسارعة، فتفيد أن الإنسان يسعى لسبق غيره في هذا الشأن؛ لأن صيغة المفاعلة عند أهل العلم تقتضي أكثر من طرف، يحرص الإنسان أن يسبق غيره، ولا يعني هذا أنه إذا سبق من قبل أحد أشد، من قبل أحد هو أشد حرصاً منه، أنه يكون في نفسه عليه شيء، أو يتمنى أن لا يسبق، عليه أن يحرص على هذه المبادرة، وعلى هذا السبق، وأن يتمنى للناس كلهم أن يكونوا على هذا المستوى؛ لأن بعض الناس يستشكل، يستشكل هذا الأمر، المسابقة، والمسارعة، والمبادرة، يعني والمنافسة، مع أنه جاء النهي عن المنافسة، المنافسة في أمور الدنيا، أما المنافسة في أمور الآخرة فهي مطلوبة من المسارعة والمسابقة، لكن كون الصيغة تقتضي أكثر من طرف قد يََفهم منها بعض الناس أنه يسعى لتحقيق المبادرة والمسارعة والمسابقة، ومن لازمه أن يتمنى أن لا يُسبق، من لازم ذلك أن يتمنى ألا يسبق، فإذا سبق من لازم ذلك أن يكون في نفسه شيء على هذا السابق، لا، لا يلزم ذلك، بل تتمنى للمسلمين وتحب لهم ما تحب لنفسك، لكن مع ذلك تسعى في إصلاح نفسك قبل غيرك، ثم بعد ذلك تسعى إلى إصلاح غيرك الأقرب فالأقرب.

((بالأعمال)): أي الاشتغال بالأعمال الصالحة، بادروا سابقوا بالأعمال المراد بها الأعمال الصالحة، الموصلة إلى مرضاة الله -جل وعلا-، الدافعة لما يكون سبباً لغضبه، ومقته وأخذه، لأن الله -جل وعلا- يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته، يأخذه أخذ عزيز مقتدر. ((فتناً)): أي وقوع فتن، والفتن جمع فتنة، يقول الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن: أصل الفَتْن، أصل الفَتْن إدخال الذهب في النار، إدخال الذهب في النار لتظهر جودته، إذا عرض على النار فإن كان جيداً ظهرت جودته بزوال ما عليه مما يغطيه من أوساخ، وإن كان رديئاً ظهرت رداءته، فهذا هو المحك وهذا هو الاختبار للذهب، والفتن لا شك أنها محك، يختبر فيها الرجال، تختبر فيها سائر الأعمال، كثير من الناس يتحدث عن اليقين والصبر والاحتساب، وتجده يتكلم في هذا الموضوع، ويستحضر النصوص، ويؤثر في السامع، لكن إذا جاء المحك وحصل له ما يقتضي الصبر أو يقتضي اليقين، تجده صفر، صفر أي تجد الإنسان حينما يذهب ليعزي أحد عنده استعداد يصبرهم، عنده نصوص، وعنده استحضار، لكن إذا حصل له شيء من المصائب لا سيما ما يتعلق بالولد، هذا المحك، هذا المحك، وإلا كثير من الناس قد يتحمل مصيبة الوالد، مصيبة الوالدة، مصيبة القريب والبعيد، لكن مصيبة الولد الذي هو، الذي جبل على حبه حباً جبلياً، ولذلك لم يرد في النصوص من بر الأولاد والعناية بهم مثل ما ورد في بر الوالدين؛ لأن الوالدين محبتهما الجبلية، محبتهما شرعية، يجب على الولد أن يحبهما وأن يبرهما، لكن الجبلة في الغالب تكون للولد، وهو مجبنة مبخلة، تجد الإنسان قبل أن يأتيه الأولاد عنده استعداد أن يضحي بنفسه وبماله، لكن إذا جاء الولد يضيعون الأولاد، هؤلاء الصبية من لهم؟ لهم الذي خلقهم وتكفل بهم كما تكفل بك.

((فتناً)): يعني وقوع فتن والفتنة كما قال الراغب أصل الفَتْن إدخال الذهب في النار لتظهر جودته من رداءته، ويستعمل في إدخال الإنسان النار، ويستعمل في إدخال الإنسان النار، {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [سورة البروج: 10]، أي أدخلوهم في النار، في قصة أصحاب الأخدود، ويطلق أيضاً على العذاب {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} [سورة الذاريات: 14]، كما أنه يطلق على ما يحصل عنه العذاب يعني سبب العذاب، كقوله تعالى: {أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ} [سورة التوبة: 49]، {أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ} [سورة التوبة: 49]، {ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي} [سورة التوبة: 49]، يعني ذهابي إلى الغزو، إلى غزو بني الأصفر سبب لفتنتي فهو يقول: {ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي} وهذا يحتاج إلى وقفة؛ لأن بعض الناس يتذرع بمثل هذا الكلام ويترك بسببه ما أوجب الله عليه، نعم في المندوبات في المستحبات لك أن تنظر في الأرباح والخسائر، لكن ما أوجب الله عليك ليس فيه مثنوية، وذلك لما اعتذر بأنه إذا رأى بنات بني الأصفر لا يصبر وقد تعين عليه الجهاد ما عذر، وذُمَّ، لكن لو أراد أن يذهب إلى مكان لطلب علم أو عمرة مستحبة مثلاً، أو حج نفل، ويقول: إذا رأيت النساء لا أستطيع وقد أفتن، النفل أمر سهل، وعلى الإنسان أن يوازن بين الأرباح والخسائر، لكن في الفرض هل يمكن أن يقول: لا أستطيع أن أؤدي فريضة الإسلام، الحج، ركن من أركان الإسلام، يقول: أخشى أن أفتن؟ لا، مثل ترك هذا للجهاد، {أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ} [سورة التوبة: 49]، لكن إذا أراد أن يعتمر مثلاً وقال: فيه والله، الحرم المسجد أشرف البقاع فيه من النساء المتبرجات ما لا أستطيع الصبر ولا أملك نفسي عن إرسال النظر أو عن بعض الخطرات، التي تخطر علي، نقول: انظر في أرباحك وخسائرك، كثير من الناس يذهب بحثاً عن الأجر ثم يعود مأزوراً، هنا انظر في سبب الفتنة، وانظر في الأرباح والخسائر مع أنك مأمور بجلب المصالح ودرء المفاسد، يعني جاهد نفسك، واذهب إلى حيث المصالح هناك، وجاهد نفسك عن درء المفاسد عنك بقدر الإمكان، لكن إذا لم تستطع فأمر التنفل واسع ليس مثل أمر الفرض.

يطلق أيضاًِ على الاختبار كما قال -جل وعلا-: {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [سورة طه: 40]، يعني اختبرناك اختباراً، هذا بالنسبة موسى -عليه السلام-، وما حصل عن نتيجة الاختبار، اصطفاه الله -جل وعلا-، ثبت في الاختبار وظهرت نتيجته المشرفة فاصطفاه الله -جل وعلا- فصار من جملة المصطفين.

وفيما يُدفع إليه الإنسان، وفيما يُدفع إليه الإنسان من شدة ورخاء، وهو في الشدة أظهر معناً وأكثر استعمالاً، يعني الإنسان يفتن ويبتلى بالسراء والضراء، يبتلى بالسراء، كما يبتلى بالضراء، يبتلى بالفقر ويبتلى بالغنى، ينظر هل يصبر إذا ابتلي بالضراء والفقر، أو يشكر إذا ابتلي بالسراء والغنى؟ فإن صبر صارت العاقبة الحميدة، وإن شكر في حال السراء صارت عاقبته حميدة والعلماء -كما هو معلوم- يختلفون في أيهما الأفضل، الغني الشاكر، أو الفقير الصابر، في كلام طويل لهم، لكن شيخ الإسلام –كما هو معلوم- يرجح أن المفاضلة إنما هي بالتقوى، فبقدر ما يكون الإنسان أتقى لله، سواءً كان غنياً أو فقيراً فهو أفضل من غيره، {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [سورة الحجرات: 13]، وفيما يُدفع إليه الإنسان، وفيما يُدفع إليه الإنسان من شدة ورخاء، وهو في الشدة أظهر معناً وأكثر استعمالاً، كما قال -جل وعلا-: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [سورة الأنبياء: 35]، {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [سورة الأنبياء: 35]، ومنه قوله -جل وعلا-: {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ} [سورة الإسراء: 73] أي يوقعونك في بلية وشدة في صرفك عن العمل بما أوحي إليك، يسعون جاهدين لصرفك عما أوحى الله إليك، وقال أيضاً الراغب في مفردات القرآن: وهذا الكتاب يحتاجه كل طالب علم؛ لأنه أشبه ما يكون بالتفسير الموضوعي، يعني آيات الفتنة يجمعها في موضع واحد ويفسرها، يعني تريد، هل الترف محمود وإلا مذموم مثلاً، الذي يعيشه كثير من الناس الآن، هل هو محمود وإلا مذموم؟ انظر في مثل هذا الكتاب وتجد ما ورد في الترف من آيات ويفسرها، ما ورد في الإخبات، ما ورد في الخضوع مثلاً، ما ورد في جميع الموضوعات التي تطرق لها القرآن، موجود مجموع هذه الآيات كلها في موضع واحد ويتكلم عليها، وقال أيضاً: الفتنة تكون من الأفعال الصادرة من الله -جل وعلا-، ومن العبد تكون تصدر من الله -جل وعلا-، وتكون أيضاً من العبد، كالبلية والمصيبة والقتل والعذاب والمعصية وغيرها، الله -جل وعلا- يقول: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [سورة

الأنبياء: 35]، يعني هذه صادرة من الله -جل وعلا-، وفي قوله -جل وعلا-: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ} [سورة البروج: 10]، هذه صادرة من مخلوق، والله -جل وعلا- يقدر هذه الفتن وتكون على يد مخلوق، يكون تحقيق هذه الفتن على يد مخلوق، فيجتمعان في فتنة واحدة، الله -جل وعلا- يقدرها على من أراده من أراد أن يفتنه ثم يجريها على يد أحد من خلقه، وكونها تقدر كوناً لا يعني أنها تطلب شرعاً، يعني هذا الذي حصلت على يده هذه الفتنة يذم وإلا ما يذم؟ يذم بلا شك، يعني هذا الإنسان ارتكب معصية واستحق عقوبة على هذه المعصية، أجرى الله -جل وعلا- هذه العقوبة على يد مخلوق، هل يقال: إن هذا ارتكب معصية ولا في إشكال يصاب أو ما يصاب، والثاني قدر الله له أن يفعل كذا وهو بريء من هذه المعصية، لا، كل له ما يخصه من خطاب الشرع، هذا الإنسان ارتكب معصية، يتحمل، {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [سورة الشورى: 30] هذا الذي حصل الانتقام بسببه مذموم؛ لأنه لم يؤذن له شرعاً لم يفعل، ينتقم من هذا الشخص، نعم من وكل إليه أمر الحدود وارتكب إنسان حداً من حدود الله، فأقامه عليه ولي الأمر أو من ينيبه، ولي الأمر محمود، بل لو عطله لصار مذموماً، لكن الكلام في عادي الناس يروح يبتلي إنسان في نفسه أو ماله أو بدنه، إذا قيل له، قال: يا أخي هذا مذنب {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} ما هو بأنت اللي تحاسبه وتعاقبه، ولذا يقول: الفتنة تكون من الأفعال الصادرة من الله تعالى، ومن العبد كالبلية والمصيبة والقتل والعذاب والمعصية وغيرها من المكروهات، فإن كانت من الله تعالى فهي على وجه الحكمة؛ لأنه قد يقول قائل: الله -جل وعلا- يقول: {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [سورة طه: 40]، {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [سورة الأنبياء: 35]، الفتنة مذمومة، والفتن تساق في كتب أهل العلم على أنها مذمومة، وفي النصوص مذمومة، كيف يَفتن الناس ثم يذمهم عليها، كما أنه قدر على هذا أن يطيع، وقدر على هذا أن يعصي، وركب فيه حرية الاختيار، يعني ما في إجبار، ما في إجبار، الشخص الذي يجلس في بيته، ويسمع الأذان، ويسمع الإقامة، ويسمع الإمام في المكبر يقرأ ويصلي

ويسلم، وهو في بيته، هل يقول أحداً أن هذا لا يستطيع الذهاب إلى المسجد؛ لأنه مكتوب عليه، ما يستطيع، له اختيار، له حرية، يقف ثم يمشي ويذهب إلى المسجد ما في ما يمنع، دخلنا في مصالحه الدنيا، الدنيوية، قال: أنا والله مكتوب علي أني فقير، يجلس في بيته، أو يقول: مكتوب أني عقيم، لماذا أتزوج؟ ما يمكن يستدل بمثل هذه الأمور، لكن استدلاله على الأمور الشرعية بالقدر موروث من المشركين، {لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا} [سورة الأنعام: 148]، وليس لأحد أن يحتج بالقدر، فإن كانت من الله تعالى فهي على وجه الحكمة، الله -جل وعلا- ابتلى آدم بمنعه من الأكل من الشجرة، وزين له الشيطان، ووسوس له الشيطان، وأغراه فأكل من الشجرة، عصى، عصى آدم ربه، وأخرج بسبب ذلك من الجنة، حصلت المحاجة بين آدم وموسى - عليهما السلام -، فقال موسى لآدم: أنت آدم خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، أخرجت نفسك وذريتك من الجنة، فصار سبب في خروجه وخروج ولده من الجنة، بسبب المعصية، آدم رد عليه، أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه، وكتب لك التوراة بيده، كم تجد هذه المعصية كتبت علي قبل أن أخلق؟ قال: بأربعين عاماً، قال: فحجَّ آدمُ موسى، يعني غلبه بالحجة، هل نقول: أنه غلبه بالحجة لأنه استدل بالقدر؟ كل واحد يعصي، يقول: والله مكتوب علي، لا، لا لأنه احتج بالقدر على المعصية، احتج بالقدر على المصيبة؛ لأن هذه المعصية لما تاب واجتباه الله -جل وعلا-، وهداه، نعم ما صارت معصية، المعصية إذا تاب منها الإنسان العاصي تُبدل حسنات، فذهب أثرها وبقي أثرها بقي أثرها من حيث الثواب والعقاب، وبقي أثرها المترتب عليها من إخراج نفسه وذريته من الجنة صارت مصيبة، وللإنسان أن يستدل بالمصائب، بالقدر على المصائب، قال: لماذا وراك سقطت يا أخي في الحفرة؟ يقول: شيء مكتوب علي، لكن لو ارتكب معصية وسقط في هذه الحفرة عمداً، ويغلب على ظنه أنه يتضرر، لا يجوز أن يحتج بالقدر؛ لأن هذه معصية، لكن المصيبة يحتج بها في القدر.

على كل حال يقول: فإن كانت من الله تعالى فهي على وجه الحكمة، وإن كانت من الإنسان بغير أمر الله فهي مذمومة، فهي مذمومة، كيف تكون هذه الفتنة من إنسان لإنسان بأمر الله -جل وعلا-، أُمر النبي -عليه الصلاة والسلام- وأمته تبعاً له أن يجاهدوا الكفار والمنافقين، وينزلوا بهم الضرر بسبب كفرهم لكنه بإذن من الله -جل وعلا-، لكن إذا كان هذا الابتلاء وهذا الافتتان من المخلوق للمخلوق غير مأذون به من الله -جل وعلا- فهو مذموم فقد ذم الله الإنسان بإيقاع الفتنة كقوله تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [سورة البقرة: 191]، الفتنة أشد من القتل لماذا؟ لأن الفتنة تعرض الدين للزوال، والقتل يعرض الحياة للزوال، ولا مناسبة بين تعريض الدين الذي يترتب عليه تضييع الآخرة كلها، يعني يخلد في عذاب دائم في عذاب مستمر هذا الذي خسر، هذا الذي خسر بالفعل، أما من يخسر الدنيا وقد حفظ دينه وثُبِّت عليه هذا لا يأسف على شيء، {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [سورة الزمر: 15]، أما خسارة الدنيا لا خسارة، لا تساوي شيء؛ لأن عمر الإنسان ستين سبعين ثمانين مائة سنة ينتهي، لكن أبد الآباد مخلد في جنة أو في نار، هذا الربح العظيم، أو الخسارة، هذه الكارثة التي لا يمكن تعوضها، ولذا يقول الله -جل وعلا-: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [سورة البقرة: 191]، {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ} [سورة البقرة: 191]، فقوله -جل وعلا-: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [سورة البروج: 10]، هؤلاء فتنوهم بغير إذن من الله -جل وعلا- فهم فذمهم الله -جل وعلا-، {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} [سورة البروج: 10]، نسأل الله العافية؛ لأنه بغير إذن، لكن لو حصل تحريق عند من يقول بجواز تحريق اللوطي مثلاً، هؤلاء فتنوا المؤمنين وحرقوهم؛ لأنهم آمنوا، ففتنوهم بغير إذن من الله -جل وعلا-، لكن لو حصل تحريق عند من يرى جواز التحريق للوطي هذا قول عند أهل العلم، وأقوال أهل العلم في المسألة كثيرة، لكن عند من يقول لو حرق

مذموم وإلا مأذون به؟ مأذون به فلا يذم، هذا على القول، وإن كان المرجح أنه لا يعذب بالنار إلا الله -جل وعلا-. الذي يفتن بعض الناس ويحصل له من غير ما يحصل بالتحريق، قتل مثلاً، فإن كان مأذوناً له فيه فهو ممدوح، وإن كان غير مأذون له فهو مذموم. وقوله: {مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ} [سورة الصافات: 162]، وقوله: {بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ} [سورة القلم: 6]، وقوله: {وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ} [سورة المائدة49]، الراغب يجمع كل الآيات الواردة في مكان واحد ويفسرها، وهذه ميزة هذا الكتاب كأنه تفسير موضوعي. وقال غيره: أصل الفتنة الاختبار، ثم استعملت فيما أخرجته المحنة والاختبار إلى المكروه، يعني صارت النتيجة، نتيجة هذا الاختبار ليست حميدة، فيكون النهاية هي الفتنة، ثم أطلقت على كل مكروه فتنة، أو آيل إليه كالكفر والإثم، والتحريق، والفضيحة، والفجور وغير ذلك، هذا ما يتعلق بالفتنة ومعانيها. ((كقطع)):، كقطع بكسر القاف وفتح الطاء، بكسر القاف وفتح الطاء جمع قطعة، قطع جمع قطعة.

((الليل المظلم)): الليل المظلم، لفرط سوادها وظلمتها، تشبه بالليل المظلم؛ لأن بعض الليل فيه نور، يعني الليالي المقمرة فيها نور، أما الليالي أواخر الشهر أو أوائله فهي مظلمة، ((كقطع الليل)): المظلم لفرط سوادها وظلمتها وعدم تبين الصلاح والفساد، أنت إذا قابلك أحد في الليلة المظلمة أو عثرت على شيء، أو وقفت على شيء فإنك لا تميزه هل هو ضار أو نافع، ما تدري، هل هذا الشخص صالح يريد نفعك، أو فاسد يريد ضررك، ما تدري؛ لأنها مظلمة، وعدم تبين الصلاح والفساد منها، وفيه إيماء، يعني إشارة من بعد، إلى أن أهل هذه الفتن ما قال الله تعالى في حقهم: {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا} [سورة يونس: 27]، لتناسب قطع الليل المظلم، وجوههم مظلمة، تناسب جداً قطع الليل المظلم؛ لأن في الحديث إيماء إلى هذه الآية، وحاصل المعنى، معنى الحديث: تعجلوا بالأعمال الصالحة بادروا بها تعجلوا بها، قبل مجيء الفتن المظلمة، قبل مجيء الفتن المظلمة، من القتل والنهب، والاختلاف بين المسلمين في أمر الدنيا والدين، فإنكم لا تطيقون الأعمال على وجه الكمال فيها. الفتن أول ما تبدأ كالنار، شرارة تبدأ يسيرة، ثم يجر بعضها إلى بعض، حتى وجد في بعض البلاد من يحاسب إذا وجد النور قرب صلاة الصبح في بيته، ووجد في بعض البلاد من يفحص فحصاً دورياً على ركب بعض الفئات هل يصلون أو لا يصلون، - نسأل الله السلامة والعافية -، يعني كيف يخطر على بال أن مثل هذا يوجد، إلا أنها الفتن، يعني جر بعضها إلى بعض، بدأت صغيرة ثم استشرت، يعني كنا في السابق يعني المساجد أبوابها مفتوحة ليل نهار؛ لأنه لن يدخلها إلا شخص يريد أن يتعبد فوجد الإفساد مثلاً في المساجد، وجد من يمزق المصاحف، وجد من يبول، وجد من يكتب كتابات كفرية، فاقتضى النظر عند ولاة الأمر أن يصدر التوجيه بإغلاق المساجد، الأصل أن المساجد مفتوحة.

كان المسجد في عهده -عليه الصلاة والسلام- مفتوحاً –كما في صحيح البخاري- والكلاب تغدو وتروح، تغدو وتروح، لكن ما الذي جعل الولاة يوصون بإغلاق المساجد، نعم، وإغلاق دورات المياه؟ لوجود الإفساد فيها، فوجد من يبول على المصاحف، وجد من يكتب في المحراب كلمات كفرية، فاقتضى التوجيه أن تغلق، لكن يبقى أن من كان عليه علامات صلاح، وأراد أن يتعبد بما أمر به من البقاء والمكث في المسجد بعد صلاة الصبح أو غيره من الصلوات، هذا ينبغي أن يسهل له الأمر، ويكون أيضاً المسجد من ضمانه، إذا لم يوجد حارس يحرس المسجد، فأقول: مثل هذه الأمور ما الذي جرّ عليها؟ جر عليها وجود الفتن، وبمبدئها كالشرار إلى أن زاد الأمر إلى حد قد يزداد الأمر عن ذلك إذا زادت هذه الفتن كما في بعض البلاد، يعني من الذي يدعو إلى إغلاق دورات المياه، وجد آثار معاصي، وجد آثار معاصي، فلن تسهل هذه المعاصي بفتح مثل هذه الأمور، الأصل إنما هي وضعت لنفع الناس، فإذا استغلت فيما يضر تغلق؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وليس معنى هذا أننا نضيق على العُبَّاد وأننا نخرجهم، لا، لا أبداً، يعني من ظهرت عليه علامات الصدق يمكن من المسجد ولا يجوز إخراجه بحال، لكن مع ذلك يحتاط للمسجد فإما أن يكون فيه حارس يحرسه من العابثين حتى يغلق، أو يكون من ضمان هذا الذي بقي، يقول له: اقفل الباب، وإلا يأخذ مفتاح ويتصرف. على كل حال مثل هذه الأمور شرارة، تبدأ ثم بعد ذلك يزيد الأمر إلى أن يحصل ما لا يخطر على البال، يعني إذا وجد الكهرب النور، وشغال في آخر الليل يحاسب، يستدعى من قبل الجهات ويحاسب، في بعض البلاد، فمتى وصلوا إلى هذا الحد؟ إلا ما قبله مراحل مر بها يسيرة ثم زاد، ثم زادت إلى أن، والواقي هو الله -جل وعلا-، وأسباب البشر مهما عظمت ومهما قويت وتعددت وانتشرت فلن تفيد إذا لم يرد الله -جل وعلا- النفع.

((كقطع الليل)): المراد من التشبيه بيان حال الفتن من حيث أنه بشيع فضيع، بشيع فضيع، يعني هل يقول قائل: إن الظلام أفضل من النور؟ الغلس الشديد الذي لا ترى فيه يدك هل يستطيع أن يقول أحد أنه أفضل من الشمس في رابعة النهار؟ لا يمكن أن يقولها إلا بالنسبة للنوم، النوم الظلام أفضل، لكن يبقى أنه بالنسبة لرعاية مصالح العباد، ومعايشهم لا بد من النور. والمراد من التشبيه بيان حال الفتن من حيث إنه بشيع فضيع ولا يعرف سببها، ولا طريق الخلاص منها، ولا يعرف سببها، ولا طريق الخلاص منها، فالمبادرة المسارعة بإدراك الشيء قبل فواته، قبل فواته، أو بدفعه قبل وقوعه، يعني المبادرة قبل فوات الأمر أمر لا بد منه، أو إن أمكن الدفع قبل الوقوع فهذا أولى، لكن إذا وقعت لا بد من التسبب في رفعها. ((يصبح الرجل)): ومثله المرأة؛ لأن النساء شقائق الرجال، والحكم واحد، والمرأة تدخل في خطاب الرجل في كثير من النصوص، ما لم يدل الدليل على تخصيصها. ((يصبح الرجل))، ومثله المرأة ((مؤمناً)): أي موصوفاً بأصل الإيمان أو كماله، المقصود أن أصل الإيمان موجود، يصح أن يطلق عليه مؤمن. ((يصبح الرجل ويمسي كافراً)): ويمسي كافراً أي حقيقة يعني يخرج من الدين بالكلية، أو يكفر كفراً أصغر، أو كفر نعمة، أو يتشبه بالكفار فيعمل عملهم من قتل ونهب وسلب؛ لأن الأصل أن هذا ليس من أخلاق المؤمنين، أو مشابهاً للكفار، أو فاعلاً أفعالهم بإهدار دماء المسلمين، وأموالهم، وأعراضهم.

((ويمسي مؤمناً، ويصبح كافراً)): مثله، وقال بعض أهل العلم أن المعنى: يصبح محرماً ما حرمه الله -جل وعلا-، ويمسي مستحلاً إياه، وبالعكس؛ لأن استحلال الحرام المتفق عليه المعلوم من الدين بالضرورة، أو تحريم الحلال المعلوم من الدين بالضرورة، هذا -نسأل الله العافية- كفر ردة، يعني حينما يحاول بعض الناس أن يجعل مخرج لبعض فئات الكفار أن لهم نصيب من الجنة، يعني الآن في بعض الوسائل يروج أن اليهود والنصارى مؤمنين، يشاركوننا في الإيمان بالله، فلهم نصيبهم، ووجد من يترحم عليهم، وأهل العلم يقولون: هم كفار بالإجماع، ومن شك في كفرهم كفر إجماعاً، يعني يوجد في الوسائل من يروج لمثل هذا، ولذلك يقولون: ((ويمسي مؤمناً، ويصبح كافراً)) قيل: المعنى يصبح محرماً ما حرمه الله، ويمسي مستحلاً إياه، وبالعكس، يعني الأمور المختلف فيها والراجح مثلاً تحريمها نسمع كثيراً من يحللها، الأمور المختلف فيها والراجح حلها نسمع من يحرمها، لكن الإشكال في ما يخرج به من الدين بالكلية، ما يكفر به، وهو تحليل الحرام المجمع عليه، أو تحريم الحلال المجمع عليه. الحاصل من ذلك التذبذب في أمر الدين، والتتبع لأمر الدنيا، حاصل ذلك التذبذب في أمر الدين، والتتبع لأمر الدنيا، كما بينه بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((يبيع)) أي الرجل، أو ((أحدهم)) كما في بعض الروايات: ((دينه)) يبيع دينه، يترك دينه ((بعرض من الدنيا))، أي بأخذ متاع دنيء وثمن رديء من الدنيا، وبعض الروايات قليل، بعرض قليل، وقد جاء استثناء، وقد جاء استثناء ((من أحياه الله بالعلم)) عند ابن ماجه والطبراني، طيب، يبيع دينه بعرض قليل يسير قد يقول قائل يفترض أن هذا الذي يتصدى لتعليم الناس وإفتائهم، نعم أعطي ثمناً كثيراً يعني هل مفهوم أن الذم لمن أخذ قليل؟ نعم، افترض أن هذا قيل له: هذا مليون وأفتي بكذا، يقول: والله الحديث بعرض قليل، وهذا كثير، يعني يستحق الإنسان أن يضحي، نعم ألا يدري مثل هذا أن ((ركعتي الفجر خير من الدنيا وما فيها)) الدنيا كلها شيء لا شيء بالنسبة للآخرة، لو أعطي الإنسان مليار ما عادل ركعتي الفجر، فكيف يقول مفهوم الحديث قليل، وإذا وجد كثير يمكن ألا يدخل، لا، لا أبداً.

جاء استثناء من أحياه الله بالعلم، ((إلا من أحياه الله بالعلم))، وهذا عند ابن ماجه والطبراني في مثل هؤلاء الذين أحياهم الله بالعلم، ونور بصائرهم وثبتهم على دينه، وجعلهم من الراسخين، هؤلاء تمر الفتن ولا تضرهم، تمر هذه الفتن التي تموج ولا تضرهم؛ لأن الله -جل وعلا- يثبتهم. وجاء عند الترمذي: ((تكون بين يدي الساعة)) بين يدي -يعني قبلها-، ومن أشراطها فتن، والتنكير للتعظيم، يعني فتن عظيمة، عظام ومحن جسام، كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها يعني في تلك الفتن، والظاهر أن المراد بالإصباح –كما يقول أهل العلم- الإصباح والإمساء تقلب الناس فيها، تقلب الناس فيها وقتاً دون وقت، لا بخصوص الزمانين، يعني لا أنه، لا يلزم منه أن يكون بيوم واحد يتغير، هو في الصباح مسلم، وفي المساء كافر، إنما بالتدريج، لكن الكلام على الحكم عليه وهو في هذا الوقت مؤمن بعده في وقت يليه كافر، المفترض أن أنه شخص مؤمن في أول النهار وكافر في آخره، ما يدخل في الحديث؛ لأنه ما أمسى؟ أو العكس في أول الليل مؤمن، وفي آخره كافر، نعم، ليس المراد حقيقة الإصباح والإمساء، وإنما يراد به التقلب في الأوقات، تقلب الناس فيها وقتاً دون وقت، لا بخصوص الزمانين، فكأنه كناية عن تردد أحوالهم وتذبذب أقوالهم، وتنوع أفعالهم من عهد ونقض، يبرم عهد، والله -جل وعلا- يقول: {أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ} [سورة المائدة: 1]، ثم ينقض، ويعاهد ويغدر، من عهد ونقض، وأمانة وخيانة، ((وإذا أؤتمن خان)) هذا من، من أوصاف المنافقين –نسأل الله العافية- ومعروف ومنكر، وسنة وبدعة، وإيمان وكفر، هذا التذبذب يحصل، وظهر كثيراً في هذه الأيام، تجد الإنسان ما أعلمه، ما أحلمه، ما أعقله، ثم بعد ذلك يخرج بشيء لا يخطر على القلوب، نسأل الله الثبات، أو العكس. المقصود أن مثل هذه الأمور من سمات، أي أوقات الفتن، أوقات الفتن. ((بعرض من الدنيا)) أي بقليل من حطامها، والعرض ما عرض لك من منافع.

((القاعد غير من القائم))، ((القاعد غير من القائم))، وهذا جاء في الصحيح، في صحيح البخاري، ((والماشي فيه خير من الساعي)) يعني القاعد خير من القائم، والقائم خير من الماشي والماشي خير من الساعي، يعني المسرع إلى هذه الفتن، المقصود أن التباعد خير في أي مرتبة، التباعد من الفتن خير، الفتن في وسط، في مكان ما، من قرب منها هو المذموم، وكل ما أبعد عنها الإنسان فهو الممدوح، يعني الشخص القاعد، القاعد لا يرى شيئاً، فهو معصوم من هذه الحيثية، القاعد لا يرى أمامه شيء، لكن القائم الفتنة إليه أسرع من الفتنة إلى القاعد؛ لأنه إذا نظر أمامه وجد ما يستهويه وما يغريه، فيذهب فيمشي، ثم بعد ذلك إذ بالناس يتهافتون عليه بسرعة فيسرع، ويتأثر بها، لكن لو وجد فتنة ووجد قاعد، ووجد شخص قائم، وجد قاعد يقول: أنا ما لي دعوة بالناس، علي بنفسي، طيب في مشكلة هناك وما عليه من أحد، وواحد قائم ينظر ويتأمل من أجل إيش؟ من أجل أن يسعى في حلها أو في تخفيفها، ثم يجد ماشي يمشي إلى ذلك، وجد من يسعى هرولة، من أجل إيش؟ المشاركة في حل هذه الفتنة، وفي فضح هذه الفتنة، أيهم أفضل؟ الساعي، ثم الماشي، ثم القائم ثم القاعد، يعني المسألة إيش؟ مبناها على هذه الفتن، والتأثر بها سلباً أو إيجاباً، لكن الغالب في أيام الفتن وأيام الاضطراب أنها تؤثر سلباً في كثير من في عموم الناس، لكن يبقى أن بعضهم يمكن أن يؤثر فيها إيجاباً فمثل هذا مشاركته في حلها أي للحكمة وهو الممدوح. ((من تشرف لها تستشرفه))، من تشرف لها تستشرفه؛ لأن من العصمة ألا تسمع عن هذه الفتنة، ومن العصمة أيضاً ألا تمشي إليها، ومن العصمة ألا تسعى إليها، لا سيما إذا كنت ليست لديك القدرة في التأثير، كثير من الناس قابل للتأثر، وبعضهم فيه تأثير، وبعضهم سجال، قد يتأثر فيها وقد يؤثر، فمثل هؤلاء كل له حكمه كما سيأتي في حكم العزلة والخلطة، ((من تشرف لها تستشرفه))، تستهويه، أخبار غريبة، أخبار جديدة، يسمع أشياء؛ لأن الناس في الغالب يَمَلون الركود، تجد مثلاً عشرين ثلاثين سنة الناس راكدين على حال واحد، ثم يوجد فتنة تموج في الناس تجد الناس كلهم حولها، زرافات ووحدان، تستشرفهم.

المخرج من الفتن

المقصود أن مثل هذه الأمور التي فيها تغيير للمجتمع أو تساهم في تغيير هذه، تستشرف كثير، وتستهويهم، ((تستشرفهم، فمن وجد منها ملجأ أو معاذاً فليعذ به)) يعني ما يكفي أن يكون قاعد، إنما يذهب وينصرف في الاتجاه المعاكس ليجد ما يحميه ويقيه من هذه الفتنة، ((فمن وجد منها ملجأ أو معاذاً فليعذ به))، طيب. المخرج من الفتن، وجدت الفتن، وجدت الفتن، والآن تموج من حولنا، والناس يتخطفون من حولنا، ونحن نعيش في أمن ورخاء ورغد ولله الحمد والمنة، نسأل الله -جل وعلا- أن يديم هذا بتوفيقنا لرضاه.

المخرج: الاعتصام بكتاب الله -جل وعلا- والعمل بسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وقد جاء في الحديث: ((تكون فتن)) قيل: يا رسول الله فما المخرج منها: قال: ((كتاب الله)) فعلى المسلم الذي يحسن القراءة أن يكون ديدنه تلاوة كتاب الله، قراءة القرآن، في كل وقت، هذا فيه مخرج من الفتن، وفيه أيضاً بكل حرف عشر حسنات، يعني تجلس بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس أسبوع وتختم القرآن، ساعة، تختم القرآن في أسبوع، ثلاثة ملايين حسنة، ومع ذلك العصمة في كتاب الله، فمن يفرط في مثل هذا؟ ما يفرط إلا محروم، نسأل الله السلامة والعافية، يعني في وقت قصير ولا يعوقك عن تحصيل أي مصلحة، لا دين ولا دنيا، ومع ذلك تجد الذين يجلسون انتظاراً لارتفاع الشمس قلة، ونراهم في بلادنا، بلاد الخير والفضل، أقل من القليل، بل كثير من المساجد ما يجلس أحد، ما يجلس أحد، ذهبنا إلى بعض المناطق، مناطق المملكة التي في عرف كثير من الناس محل ازدراء، ليست محل، يعني ما هي بمحل التزام واستقامة، وفيها طوائف مبتدعة، وفيها اختلاط وكذا، وجلس بعد صلاة الصبح صفان إلى أن ارتفعت الشمس، ومظاهرهم ليست من مظاهر الاستقامة والالتزام، فالزهد في مثل هذه الأمور التي جاء الحث عليها لا شك أنه خذلان، يعني ما الذي يمنع أن يجلس طلاب العلم، يجلس عامة المسلمين، كبار السن، خيار الناس، بعد صلاة الصبح إلى أن تنتشر الشمس لمدة ساعة، ويقرأ القرآن، أسبوع ثلاثة ملايين حسنة، ويعصم من الشيطان، يعصم من الدجال، الإنسان في، غني عن العصمة من الفتن؟ المخرج في كتاب الله، العمل بسنة النبي -عليه الصلاة والسلام- ((عليكم بسنتي))، والذي لا يعمل بالسنة لا بد وأن يبتلى ببدعة، لا بد أن يبتلى ببدعة، عليه أيضاً أن يلزم العبادة، في أوقات الفتن ففيها مخرج، وفي الحديث الصحيح: ((العبادة في الهرج كهجرة إلي))، ((العبادة في الهرج كهجرة إلي)) فعلى الإنسان أن يلزم هذه العبادة.

الفرائض عليه أن يسعى في تكميلها، يعني إذا كان يعقل منها النصف أو الربع، أو الثلث يسعى أن يعقل جميع هذه الفرائض؛ لأنه ما تقرب بشيء أحب إلى الله مما افترض عليه، ثم بعد ذلك يسعى فيما يسد الخلل من الإكثار من النوافل من جنس هذه العبادة، يكثر من نوافل الصلاة، يكثر من نوافل الصيام، من نوافل الحج والعمرة، ((العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما)) الأذكار التي لا تكلف الإنسان شيئا، ً ورتب عليها الأجور العظيمة، إبراهيم -عليه السلام- يقول للنبي -عليه الصلاة والسلام-: ((يا محمد أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة قيعان، غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر)) تجد الإنسان يغرس الشجرة، أو يغرس النخلة، ويتكلف عليها المبالغ والجهود، وخمس سنوات أو ست ما تثمر، سبحان الله غرس شجرة في الجنة، الحمد لله غرس شجرة في الجنة، وهكذا، ما الذي يعجز عن أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، وهي الباقيات الصالحات، {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ} [سورة الكهف: 46]، يعني أفضل من المال ومن البنين، وهي لا تكلف شيء، وأنت جالس، وأنت قائم، ماشي، مضطجع، في نور، في ظلام، على أي حال تذكر الله، سبحان الله وبحمده في دقيقه ونصف مائة مرة حطت عنه خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر، يعني الذي يلهج بذكر الله، هل يخذل في وقت الفتن إذا كان ذلك من أخلاص واستحضار لهذه الأذكار؟ لن يخذل بإذن الله، وجاءت الأحاديث الكثيرة في الذكر والذاكرين، ((سبق المفردون، الذاكرون الله كثيراً والذاكرات)) وللذكر أكثر من مائة فائدة، ذكرها ابن القيم -رحمه الله- تعالى في أول الوابل الصيب في الكلم الطيب، الوابل الصيب من الكلم الطيب، فالعبادة في وقت الفتن وقت الهرج الذي هو: القتل بلسان الحبشة، لا شك أنه فيه مخرج عظيم وتوفيق من الله -جل وعلا- للخروج من هذه الفتن. لزوم جماعة المسلمين، يعني إذا وجدت هذه الفتن، ووجد القتل على الإنسان أن يلزم جماعة المسلمين.

أيضاً يكثر الاستعاذة بالله -جل وعلا- من هذه الفتن، يكثر الاستعاذة بالله -جل وعلا- من هذه الفتن، عله أن يوافق ساعة استجابة فيعصم منها، يعني موقف العلماء وطلاب العلم في أيام الفتن، عليهم أن يبصروا الناس، ويثبتوهم، ويربطوا على قلوبهم، ويبينوا لهم ما جاء في ذلك من نصوص، ولا يجعلونهم يتخبطون ويتبعون كل ناعق يتكلم ممن له شأن، ومن لا شأن له. اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك. في الحديث الصحيح عند الإمام البخاري وغيره من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((يوشك أن يكون خير مال المسلم أو خير مال المسلم غنم أو غنماً يتبع فيها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن، يفر بدينه من الفتن))، ((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً يتبع فيها شعف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن)). إذا وجدت الفتن تلاطمت وعجز الإنسان عن حماية نفسه ومن تحت يده، فضلاً عن أن يكون مؤثراً في غيره، وخشي على نفسه أن يتأثر ينطبق عليه هذا الحديث، يفر بدينه من الفتن ويعتزل الناس؛ لأن مثل هذا الحديث، لا شك أنه في وقت الفتن التي لا يدرى وجه الصواب فيها، ممن يخشى أن يتأثر ولا يطمع من نفسه ولا يؤنس من نفسه أو يغلب على ظنه أنه يؤثر، أما الشخص الذي يؤثر في غيره فلا شك أن الصبر على مخالطة الناس، وتحمل أذاهم، وبذل الجهد في نفعهم، هذا هو المتعين، أما من كان لا أثر له في الناس، ويخشى على نفسه أو على ولده من هذه الفتن، فإنه ينطبق عليه هذا الحديث ويفر بدينه من الفتن، فالعزلة والخلطة يبحثها أهل العلم، وقديماً ألف في العزلة، وأبو سليمان الخطابي في القرن الرابع له كتاب من أنفع الكتب في فضل العزلة.

هناك عزلة كلية، وهناك عزلة جزئية، عزلة جزئية في بعض الأوقات دون بعض، يعني يصلي مع الناس الجماعة، ويشهد الجمع والأعياد، ويحضر المناسبات الشرعية، لكنه لا يكثر الاختلاط بالناس؛ لأن كثرة الخلطة بالناس لا شك أن أثرها على القلب ظاهر، وإن كان هذا يتفاوت بتفاوت الناس، بعض الناس وجوده في المحافل والمجالس خير، يسعى جاهداً في نفع الناس، وبعض الناس سلبي لا خير ولا شر، وبعض الناس وجوده ضرر، لكن في الجملة الخلطة كثرتها مع الناس لا بد أن يكون لها أثر على القلب؛ لأن هذه الخطرات التي تخطر على القلوب في أوقات الضيق، يعني شخص يسمع في صلاة التهجد في ليالي العشر مثلاً وهو ساجد يضحك، لماذا ضحك؟، هل لأنه قام من فراشه واتبع الخطوات الشرعية إلى مجيئه إلى المسجد، وصلى مع المسلمين؟، أو لأنه جاء من مجلس فيه قيل وقال ونكت وكذا؟ لأن بعض الناس مبتلى بصحبة هؤلاء، أو يكون يساهم فيها، في النكت، ثم تأتيه في وقت لا يستطيع دفعها، وهو في أحوج الأوقات، وهو من أحوج، في أحوج الأوقات إلى قلبه، يحتاج لاستحضار قلبه ليدعو مع حضور القلب ويستجاب ليؤدي العبادة على الوجه المطلوب، تجد مثلاً الذي ابتلي بالنكت تجده يضحك، الذي ابتلي بالتقليد تجده يقلد في أوقات الضيق في عشية عرفة يقلد، الذي ابتلي بالغيبة والنميمة تجده في هذا الموطن العظيم يغتاب لا يستطيع أن يملك نفسه، فعلى الإنسان أن يقلل من الخلطة بقدر الإمكان على ألا يترك الواجبات، ولا يقصر في الحقوق؛ لأن من وسائل حفظ القلب الفضول كما يقول ابن القيم، فضول الطعام، فضول النوم، فضول الأكل، -اللي هو الطعام-، فضول الكلام، فضول النظر، فضول الخلطة كل هذه مؤثرة؛ لأنها كلها منافذ تصب في القلب، تجد الإنسان يفتح المصحف ويقرأ لمدة ساعة ما يدري ويش قرأ، قيل وقال، وذهب وراح، وجاء، وفي الصلاة ثم يخرج منها كما دخل.

القصة اللي ذكرناها مراراً شخص تقدم إلى المسجد وصار بجوار المؤذن، قرأ من القرآن ما قرأ حتى جاءت الإقامة، لما كبر الإمام كبر معه، يقول: فنظرت إلى المسجد فإذا المسجد كبير ونظيف، لكن ما فيه منبر، قلت: أكيد أن هذا مسجد فروض ما هو بجامع، ويصلي، لكن لا بد يصير جامع هذا ما في أفضل منه، لكن المشكلة المنبر وين، فإذا بجوار المحراب غرفة قلت: سهل، هذه تصلح تسقف مع النصف وتصير منبر ويش المانع، وهو يصلي، فتح الغرفة فإذا فيها أثاث، يقول: ما انتهيت من نقل الأثاث إلا مع السلام، ما الذي جعل هذه الخطرات تخطر له في هذا الوقت؟ إلا لأن وقته معمور بالقيل والقال، وإلا لو حفظ نفسه لحفظ، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، فالخلطة هذا أثرها، والعزلة لا شك أن فيها نفع عظيم لا سيما في أوقات الفتن التي لا يستطاع رفعها ولا دفعها، ويخشى من تأثر الإنسان بها، فإذا كان الإنسان من النوع المؤثر هذا لا يجوز له أن يعتزل بل لا بد أن يخالط الناس ويؤثر فيهم، ويسعى في تخفيف هذه الفتن، إذا كان يتأثر ولا يؤثر مثل هذا مع وجود هذه المنكرات، مع وجود هذه الفتن عليه أن يعتزل، والشراح شراح البخاري وغيره، يقولون: المتعين في هذه الأزمان العزلة، الشراح بعضهم في الثامن، وبعضهم في التاسع، يعني من سبعمائة سنة، أو ستمائة سنة، وخمسمائة سنة، يقولون: المتعين العزلة؛ لعدم خلو المحافل من المنكرات، يقولون هذا قبل الانفتاح وقبل الدشوش، وقبل اختلاط المسلمين بغيرهم، وقبل العادات الوافدة من الكفار، يقولون: متعين عزلة، إحنا أدركنا الناس قبل ثلاثين سنة يختلف وضعهم اختلاف جذري، قبل انفتاح الدنيا، فكيف بقبل خمسمائة ستمائة سنة، على كل حال مثل هذه الأمور إنما تقدر بحسب اختلاف الناس والأحوال والظروف والحاجة إلى الإنسان وما يترتب على ذلك من فعل واجبات، أو ترك واجبات، وتضييع حقوق، لأنه يوجد في هذه الأوقات ولله الحمد من يؤدي الحقوق وزيادة، تجدوه في الدوام من الثامنة إلى الثانية، وتجده إذا خرج يذهب إلى المسجد الذي يصلى فيه على الجنائز، ثم بعد ذلك يتبع الجنازة إلى المقبرة، ثم يعود إلى بيته يجيب على أسئلة مثلاً، ويأنس بأولاده ويؤنسهم ثم إذا صلى

المغرب تجد عنده درس مثلاً، يا طالب، يا معلم، أو متعلم، وبعد العشاء تجده يونس أهله وأصحابه أو درس ثاني، أو يزور أخ في الله ثم بعد ذلك ينام، ويتجهز لليوم الثاني وهكذا، خير عظيم مثل هذا البرنامج، لكن بعض الناس إن راح إلى الوظيفة ضيع، ضيع الوظيفة، وضيع غيره بسببه، وما سلم الناس منه، وإذا جاءه مراجع نهره وزجره، وإذا التقى بزميل وإلا كذا حمله من أعماله، وخرج إلى يمين ويسار، وضيع الدوام، وضيع نفسه وضيع غيره، وإذا خرج من دوامه ما وفق لأعمال صالحة، تجد أوقاته معمورة بما لا ينفع، بل بما يضر، فالناس أجناس، والوقت لا زالت البركة موجودة، لا زالت البركة موجودة، الذي يقول: إن البركة ذهبت هذا ليس بصحيح، وإذا أراد أن يجرب بركة الوقت يجلس بعد صلاة العشاء خمس ساعات في الشتاء، لا يخرج يمين ولا يسار، يشوف بركة الوقت، كيف ينجز إذا جلس، أو يجلس بعد صلاة الصبح في الصيف إلى العاشرة ينتج فيه ما ينتجه غيره في عشرة أيام من المضيعين، فالوقت إذا حفظ وسعى الإنسان في أسباب حفظ الوقت فإن الله -جل وعلا- يبارك له فيه.

قد يقول قائل: لماذا ابتلينا بهذه الفتن، ولماذا كان الناس قبلنا ما فتنوا أو الفتن عندهم أقل أو كذا؟ جاء الحديث الصحيح: ((لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم)) ((لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم))، طيب ماذا يصنع؟ أنت جئت في الزمان المتأخر، وزمان الفتن؟ عليك أن تبذل ما في وسعك، وإذا علم الله منك صدق النية أعانك في عدم التأثر بل التأثير، وإذا عملت وعبدت الله -جل وعلا- في هذه الأوقات فأبشر، تمسكت بالسنة فلك أجر خمسين من الصحابة، أجر خمسين من الصحابة، يعني الذي يحصل له مثل هذا الوعد هل يتمنى أنه في زمان سابق؟ لكن يبقى أن أجر الصحبة وشرف الصحبة لن يناله أحد كائناً من كان، يبقى شرف الصحبة وفضل الصحبة وأجر الصحبة، على، ما يدخل في المفاضلة، لكن الأعمال الأخرى، العامل في أوقات الفتن وأيام المحن، عند فساد الزمان وأهله، لا شك أنه كما جاء في الحديث الذي حسنه جمع من أهل العلم أن له أجر خمسين، قالوا: منهم أو منا يا رسول الله؟ قال: ((بل منكم)). فالإنسان لا يضيق صدره لوجود هذه الفتن، وجود هذه المعاصي، وجود هذه المنكرات، لا يضيق صدره، عليه أن يسعى في الإصلاح بقدر الإمكان وأن يتجه إلى الله -جل وعلا- بقلبه وقالبه، وأن يكثر من تلاوة القرآن والأذكار ونوافل العبادات، وحينئذ يكون له أجر خمسين من الصحابة.

يقول قائل مثلاً: أبتلينا بكثرة هذه الفتن، ابتلينا بالمعارضين، ابتلينا بالمخالفين، ابتلينا بمن يتكلم في الأخيار، لماذا؟ لتعظم الأجور، وتعظم الأوزار، أنت وجدت في هذا الزمن ليعظم أجرك إذا عملت، وإذا خالفت يعظم ذنبك، هناك فتن لكنها غير مؤثرة تأثير الفتن العامة التي يصبح فيها الرجل مؤمن ويمسي كافر، فتنة الرجل في أهله وماله جاء في الحديث أنها تكفرها الصلاة والصيام، إذا افتتن، يغش معنى يفتتن؟ ينشغل بهم، مثل هذه الفتنة تكفرها الصلاة والصيام لكن الإشكال في الفتن العظيمة، التي تموج وتترك الناس حيرى، هذه هي الفتن التي على المسلم أن يسعى في درءها ورفعها ويأخذ بكافة الاحتياطات ألا يقع فيها، ولا تقوم الساعة كما في الحديث الصحيح حتى يغبط أهل القبور، هذه في أوقات الفتن المدلهمة التي لا يستطيع الإنسان فيها أن يخرج منها سالماً، هذا يتمنى، ولذلك أجازوا تمني الموت في زمن الفتن، جاء النهي عن تمني الموت، النهي عن تمني الموت: ((لا يتمنى أحدكم الموت لضر نزل به)) لكن جاء أنه في آخر الزمان يأتي إلى صاحب القبر ويقول: يا ليتني مكانك، ((ولا تقوم الساعة حتى يغبط أهل القبور)) لماذا؟ لأن الضرر محقق بالبقاء، فالإنسان يخشى على دينه فالموت وزوال الدنيا أسهل بكثير من أن يعرض الدين للخطر، فإذا وصل الحد إلى هذا الأمر جاز للإنسان أن يتمنى خشيةً على دينه في أوقات الفتن التي قد لا يتميز فيها الحق فيتبع، أو لا يوفق الإنسان، أو يحال دونه ودون اتباع الحق، فمثل هذا لا تقوم الساعة حتى يغبط أهل القبور، ويتمنى الإنسان الموت وتمناه بعض الصحابة لما حصل بعض الفتن، وما زال الأخيار إذا حصل ما حصل وهذا مستثنى من النهي عن تمني الموت؛ لأن النهي عن تمني الموت بسبب ضر أصابه في دنياه، يعني خسر خسارة كارثة فادحة، أو صار عليه حادث، أو انكسر، أو كذا يتمنى الموت؟ هذا لا يجوز له أن يتمنى الموت، لكن إذا كان لا يعرف هل بقاءه مصلحة أو لا؟ يقول: اللهم أحيني ما كانت الحياة خير لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي. والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

يقول: ما هي الفتن التي ظهرت في الوقت الحالي، اذكرها جزاك الله خيراً؟ هذه أمور تدرك، هذه أمور تدرك، هذه الوسائل التي غزت البيوت، صار الناس يتساهلون بها شيئاً فشيئاً إلى أن استباحوا، إلى أن وصلوا بعضهم إلى حد الإباحية المطلقة، إلى حال البهيمية ويعرض في بيوت المسلمين من الشبهات والشهوات الشيء الذي انحرف بسببه كثير من العوام، عوام من خيار الناس فوق السبعين كانوا عمار مساجد، في روضات المساجد، والآن ما يصلون، هذه ما هي بفتن؟ هذه من أعظم الفتن، إن كنت لا تدركها أنت بنفسك تخشى على نفسك من مثل هذا، ويزين لك شياطين الإنس والجن، يوحون إليك أن هذه القنوات ذات حدين، وأنها فيها نفع، وفيها مشايخ وفيها علم الهرب، الهرب، وغيرها من الفتن، يعني كون الكفار يتسلطون على المسلمين وبعض المسلمين يشرع، وبعض العلماء يتكلم بكلام يرضي به بعض الأعداء، هذه فتن، يقتدى به من قبل عوام الناس، وحينئذ عليهم الوزر، ووزر من عمل به. كيف نعرف فتن الشبهات وما موقفنا أمامها؟ إذا كنت لا تستطيع أن تميز، فلا يجوز لك أن تعرض نفسك لسماعها؛ لأنه يأتي أحياناً مناظرات بين سني وبدعي، بين سني ورافضي وإلا سني وإلا جهمي، وإلا، المقصود يأتي مناظرات ويأتي أطروحات، أطروحات في هذه القنوات فيقول الإنسان: من باب حب الاستطلاع ويمكن يقر في ذهنك شبهة لا تستطيع اجتثاثها، فأنت إذا كنت لا تستطيع أن تميز فلا يجوز لك أن تعرض نفسك لها. يقول: هل علي -رضي الله عنه- عذب من غلو فيه بالنار؟ وما هو تعليقكم على ذلك؟ نعم، يقول -رضي الله عنه-: لما رأيت الأمر أمراً منكراً ... أججت ناري ودعوت قنبراً ادعوا فيه الألوهية. {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} [سورة العنكبوت: 2]، يعني الإنسان ليس في مأمن، مهما بلغ في المنزلة من الفتن لا بد أن يعرض والفتن تعرض على القلوب كالحصير كما جاء في صحيح مسلم عوداً عوداً، لا بد أن تعرض، لكن من ثبته الله -جل وعلا- فهو سالم، وإلا فإنه يشرب مثل هذه الفتن وتَقر في قلبه حتى تغطيه.

يقول: ما رأيكم بما يوجد من فتنة الفتوى وتضاربها ووقوع الحرج عند الكثير بما يأخذ فما توجيه ... إلى آخره؟ على كل حال الإنسان إن كان من أهل النظر فعليه العمل بالدليل، إن كان من أهل النظر والاجتهاد، ولا يسعه أن يقلد أحداً، وإن كان من العامة أو من أشباه العامة ممن لم يتأهل للنظر والاجتهاد، فإن عليه أن يقتدي بمن تبرأ الذمة بتقليده، ولا يتخبط ويتتبع الفتاوى التي توافق هواه، فإنه حينئذ يكون عبداً لهواه، وعليه أن ينظر في متبوعه، إن جمع بين العلم والدين والورع فهو أهل لأن يقتدى به، وليس في فتواه مفت متبع ... ما لم يضف للعلم والدين الورع قد يقول قائل: أنا والله لا أستطيع أن أميز أيهم أفضل، وأيهم أعلم وأيهم أورع، على كل حال الاستفاضة على ألسنة العلماء، وعلى ألسنة الأخيار كافية في مثل هذا، يعني إذا أثنى عليه أهل العلم المعروفون بالتحفظ والتثبت تكفي. هل ما يوضع من آلات كهربائية لاصطياد الذباب من قَبيل الإحراق بالنار الذي هو من خصائص الله -جل وعلا-؟ على كل حال هي تخالف وتفارق النار التي هي ذات اللهب، وإن كان فيها شيء من الإحراق والصعق، لكن هذا الناموس المؤذي إذا لم يتحقق دفعه إلا بمثل هذه، فإنما آذى طبعاً جاز قتله شرعاً، وإذا لم يتمكن متمكن من وسيلة غيرها فلا مانع منها إن -شاء الله تعالى-. يقول: ما الأشياء المستحب عملها في أوقات الفتن؟ ذكرنا بعض الأشياء ولعلها تكفي. هل العزلة من المستحبات؟ وذكرنا أيضاً ما يتعلق بالعزلة ومتى ترجح، والخلطة ومتى ترجح. يقول: هل تمرد الدنمركيين الأخباث على نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- من الفتن، وكيف نتعامل معهم؟ نعم من الفتن، وينظر في الإنسان في المسلم ماذا يقدم؟ هل يجد في نفسه الهم نصرةً لدينه بأقل الأحوال، أو لا يهمه هذا الأمر، علماً بأن الإنسان إذا بذل ما يستطيعه فلا يظن أن هذا شر محض، فالكلام في عرضه -عليه الصلاة والسلام- في قصة الإفك جاء قول الله -جل وعلا-: {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ} [سورة النور: 11]. يقول: هل الواقع الذي نعيشه فتن كقطع الليل المظلم؟

يعني في بلدنا ما يظهر؛ لأن الحق واضح وله من ينصره وواضح في أمام الناس ومعلوم الحلال والحرام والمعروف من المنكر، فلم يأتي زمانه بالنسبة لبلادنا، وإن وجد في بعض الجهات وبعض الأقطار. يقول: من المعلوم أن للإقبال على عبادة الله أثراً عظيماً في الخلاص من الفتن، فأي العبادات التي لها الأثر الأعظم في ذلك، وهل إخفاء الأعمال الصالحة سبب للخلاص من التعرض للفتن بعد رحمة الله؟ لا شك أن العبادات لها أثر، والعبادة في الهرج كما يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كهجرة إلي)) والمخرج من الفتن كتاب الله، وهو من أشرف العبادات، ومن أشرف الأعمال؛ لأنه أفضل الأذكار، وجاء في الذكر من الشرف والفضل العظيم ما جاء نصوص الكتاب والسنة، فهذه لا شك أن لها أثر كبير في الحماية من الفتن. يقول: وهل إخفاء الأعمال الصالحة سبب للخلاص من التعرض للفتن؟ هو سبب للإخلاص، من أسباب الإخلاص الذي هو شرط القبول، الذي هو شرط القبول، لكن يبقى أن أخفاء الأعمال قد يكون أفضل، وقد يكون إبرازها أفضل، إذا كان لا يخشى على عمله من رياء وأبرزها من أجل أن يقتدى به، من أجل أن يقتدى به، فلا شك أن أجره أعظم، ومن سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، يعني لو افترضنا أن مسجد ما يجلس فيه أحد بعد صلاة الصبح، ثم جلس، جلس الإمام لا شك أنه بعد مدة طالت أو قصرت سوف يجلس آخر، يقتدي به وينشط، ثم يجلس ثاني، وثالث، ورابع، وهكذا، فمثل هذا عمل ظاهر، ما يقول: أنا والله أروح للبيت وأخفي عملي، لا أحد، نعم جاء في الحديث وهو مصحح عند بعض العلماء: ((الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن، كالمسر بالصدقة)) وهو يحتمل أنه يقرأ أمام الناس لكن لا يجهر، يقرأ بإخفات، ويحتمل أيضاً أن يسر به في بيته، وإذا حصل هذا وهذا شيء للاقتداء به، وشيء يحفظ به إخلاصه، جمع بين الأمرين فهو أفضل، وأكمل.

هذا يقول: التحدث عن الإنذارات التي تصل إلينا مثل انخفاض درجة الحرارة تحت الصفر، والبرد الشديد، وارتفاع الأسعار، ومقارنتها بالحرارة وانخفاض، إيش؟ والجو الجميل، يقول: ومقارنتها بجودة الحرارة وانخفاض الأسعار والجو الجميل في بلاد الغرب، هل هي اختبار من الله -جل وعلا- أم إنذارات؟ هي لا شك أنها بالنسبة لهم فتنة، ومكافئة لهم في الدنيا، عما يحصل من بعضهم من ما ظاهره أنه خير، حتى إذا وافوا يوم القيامة لم يبق لهم حسنة، وما يحصل في بلاد المسلمين لا شك أنها عقوبات فيما يفعلون، ويمحصون بها، ويمحص بعضهم على كل حال مثل هذه الإنذارات ووجود السعة والرخاء في بلاد الكفار، الدنيا جنة الكافر، سجن المؤمن وجنة الكافر، والدنيا كلها بحذافيرها غير مأسوف عليها، ولذلك الإنسان إنما خلق لتحقيق العبودية فقط، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [سورة الذاريات: 56]، لكن كيف تتحقق هذه العبودية؟ لا بد من الأخذ بأسباب تعين على بقاء النوع، ولذا جاء قوله -جل وعلا-: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [سورة القصص: 77]. يقول: في الدعاء أو الحديث: ((والشر ليس إليك)) وفي القرآن، {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [سورة طه: 40]، {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [سورة الأنبياء: 35]. القدر كله خيره وشره من الله -جل وعلا-، خيره وشره من الله -جل وعلا-، لكن من باب الأدب في الأسلوب في العبارة ما يضاف الشر إلى الله -جل وعلا-، ولذا جاء في قوله: {أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [سورة الجن: 10]، لما جاء الشر تحدث عن الشر تحدث عنه بصيغة المبني للمجهول، ولما جاء ذكر الخير الرشد أظهر الفاعل وهو الله -جل وعلا-، والكل من الله، لكن من باب التأدب في العبارة وفي الأسلوب، لا يضاف الشر إلى الله -جل وعلا-. الإقامة بقي عليها شيء؟ طالب: .... هاه. في مسائل عامة لا يمكن أن يجاب عنها من قبل فرد، بل هي مما تعم الأمة بكاملها، وهي عملية أيضاً، فيرجع فيها إلى الهيئات العلمية التي وكل إليها مثل هذا الأمر.

يقول: ما أفضل طريقة لضبط العلم، وما أفضل طريقة لتسجيل الفوائد في دروس العلم، وكيف؟ هذه أسئلة تتعلق بالعلم والطلب، ولنا في المسألة أشرطة كيف يحفظ، كيف يقرأ، والمنهجية في قراءة الكتب، وكيف يقدم في الأولويات، في المختصرات، في المطولات، في الشروح، في المتون، في الحواشي، كل هذا موجود ومسجل كله، ويحتاج بسطه إلى وقت. كيف يحكم الشخص على إخلاصه؟ إذا كانت خلوته مثل جلوته، ما في أي فرق بينهما عنده، ونشاطه إلى العبادة في وقت ظهوره أمام الناس مثل نشاطه إذا خلا فهو هذا دليل على إخلاصه. مقاطعة منتجات الدنماركية؟ لا شك أنها فيها نكاية لهم، وخسروا خسائر عظيمة، وليس بأيدينا مما نقاومهم به ونرد عليهم به إلا هذا، فهذا أقل ما يقدم. يقول: هل اختلاف العلماء في الأحكام فهذا شيخ يحل المساهمة الفلانية، وهذا يحرم، هل تعتبر فتنة؟ لا شك أن الخلاف موجود في المسائل الفرعية موجود من عصر الصحابة، لكن العبرة بالصواب، القول الراجح، والعبرة بمن جمع شروط الفتوى، وليس كل واحد يمكن أن يقلد في فتواه. يقول: هل ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة هل تعتبر فتنة؟ فتنة في معناها الأعم، وهي اختبار الناس، الغني بغناه، والفقير بفقره، يشمل هذا كله. يقول: حفظت القرآن قبل شهر ونيتي أن أراجع خمسة أجزاء يومياً، السؤال: متى يرسخ القرآن في ذهني، على أني حفظته في ثلاث سنوات؟ لا شك أنه مع المراجعة يثبت، مع المراجعة يثبت، ومع الإهمال ينسى، هو أشد تفلتاً من الإبل في عقرها، لكن مع المراجعة إذا خصصت قدر تستطيع مراجعته وتكرره يومياً لا شك أنك تضبطه ولا يتلفت عليك. يقول: ما حكم الأناشيد التي ظهرت وكثرت وفيها ألحان تشبه الأغاني وما موقفنا منها؟

الأصل في النشيد أنه كلام شعر موزون مقفى، وألقي بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، مباح اللفظ، ما فيه ما يستنكر، وأدي على لحون العرب، أدي على لحون العرب، لا على لحون الأعاجم، وأهل الفسق، ولم يصد عما هو أهم منه؛ لأنه شعر، الشعر كلام، حسنه حسن، وقبيحه قبيح، فإذا لم يكن غالباً على غيره لأنه جاء في الحديث الصحيح: ((لئن يمتلأ جوف أحدكم قيحاً حتى يَرِيه خير له من أن يمتلأ شعراً)) فإذا أخذ منه بقدر مناسب، وسمعه بلحون العرب، وسلم من الآلات لا يجوز أن تصحبه آلة، وكان لفظه مباحاً فأنشد بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام-. يقول: ما رأيك بخروج بعض العلماء في قنوات الفساد وإلقاء الدروس والمحاضرات فيها؟ حجتهم أنهم يوصلون العلم إلى الأماكن التي يصل إليها الشر من خلال هذه القنوات، وأنهم يستهدفون فئات لا يمكن حضورهم في المساجد، فهم يوصلون هذا الفضل إلى هذه القنوات، لكن هذه القنوات الموبوءة القذرة التي يستهزأ فيها أو من خلالها بالله وبدينه وبرسوله وتبث من خلالها السموم الشهوات والشبهات، لا شك أنها تجعل خروج مثل هذا العالم أو طالب العلم مبرر لاقتناء بعض الناس لهذه القناة، ولا شك أن درء المفاسد عند أهل العلم مقدم على جلب المصالح، أنت تسعى لإصلاح الناس، وترجو بذلك ثواب الله، وترتكب هذه المحظور وما عند الله لا ينال بسخطه. يقول: هل الأفضل للإنسان الصمت أو السعي في الإصلاح إذا كان الشخص لا يظهر له رجحان المصلحة؟ لا، حينئذٍ يعتزل، إذا لم يظهر له رجحان فيعتزل، كما اعتزل سعد بن أبي وقاص ما حصل في أيام الصحابة، اعتزل وهو من العشرة المبشرين؛ لأنه لم يترج له شيء، وابن عمر كذلك. يقول: نأمل الحديث عن فتنة التصاوير؟

لا شك أن التصاوير بجميع أشكالها وآلاتها كثرت وانتشرت وسرت بين المسلمين من غير نكير، كل هذا بسبب كثرة الإمساس واختلاف وجهة النظر، والبحث عن المخارج الذي وقع فيه الناس، قالوا: إنها عمت بها البلوى، فلا بد أن نوجد مخرج يخرجنا من النصوص الشديدة في حكم التصوير، ((وأشد الناس عذاباً المصورين))، ((يقال لأحدهم: أحيوا ما خلقتم))، هذه عظائم لكن مع ذلك تجد كثرتها، تجعل بعض الناس يجيب لها مخارج، فتجد التصوير الشمسي يقول: هذا ليس بتصوير، لا يمكن أن يدخل ضغط زر وتخرج هذه الصورة بهذه السرعة، ويكون من أشد الناس عذاباً، ما يمكن، يقول: ما تتصور هذا، نقول: أيضاً إذا ضغط زر المسدس بلحظة وقتل مسلم فوراً حصل له الوعيد الشديد {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا} [سورة النساء: 93]، يعني سهولة الأمر كلمة ينطق بها يهوي بها في النار سبعين خريفاً، فليس النظر إلى سهولة الأمر وعظمه، النظر في ما جاء فيه من نصوص، فهي الحكم، كون بعض الناس يقول: هذا تصوير أو ليس بتصوير، من أهل العلم، من أهل الفضل، من أهل الخير، من أهل الصلاح، كونه ارتكب هذا الأمر وصور، هذا الأمر إليه، والله المستعان. الصور المجسمة التي يُجمع عليها أهل العلم الآن تتداول في بيوت المسلمين وفي محافلهم، وفي بلدانهم من دون نكير، على أنها لعب البنات، التي جاءت النصوص بها، وعائشة عندها لعب بنات، وعندها فرس له جناحان وهكذا، يعني اللي عمره ثلاثين، أربعين ما أدرك لعب البنات في ذلك الوقت في بلادنا، هي التي يتحدث عنها، تتحدث عنها النصوص وهي التي يشرحها أهل العلم، لعب البنات قالوا: وساد كبير في رأسه وساد صغير، وانتهى هذا كل لعب البنات، لكن تأتي بلعبة فاتنة مصورة بأدق تصوير، وتتحرك وتتصرف تصرف العقلاء، مضاهاة تامة لخلق الله، إذا أضجعت أغمضت عيناها، إذا أجلست فتحت، إذا صفق لها رقصت، هل هذه لعب البنات التي كانت عند عائشة؟ لا والله إن هذه هي المحرمة بالإجماع، وزاد الأمر فصار يستورد أحجام استغنى بها بعض الفساق؛ لأن هذا سببه الفتنة بمثل هذه الأمور، والسيئة تقول: أختي، أختي تجر إلى ما وراءها، والله المستعان.

يقول: ما أفضل طبعة لكتاب الراغب في المفردات مفردات القرآن؟ أفضل الطبعات لكن ما أظنها موجودة؛ لأنها ما صورت، طبعة محمد أحمد خلف الله، مطبوعة في مصر قبل أربعين سنة، أو خمسين، لكن طبعة الحلبي مجزئة لا بأس بها. ما حكم جوال الكاميرا؟ الجوال هذا يمكن أن يصور به ما يجوز تصويره من غير ذوات الأرواح، ويمكن أن يصور به ذوات الأرواح، لكن الحصول على مثل هذه الآلات لا شك أنه يسهل هذه المعصية، ويجرئ الإنسان عليها، رأينا شباب خيار من أبعد الناس عن هذه الأمور، واقتنى هذا الجوال ثم بعد ذلك لا يجرؤ أن يصور نفسه؛ لأن التصوير حرام، لا يجرؤ أن يصور أباه أو أمه، أو أخاه، أو الشيخ الفلان، القريب أو المحب، ما، لا يجرؤ؛ لأنه ما زال التصوير عنده حرام، لكن يأتيه ولد طفل أو بنت ثم في المراحل الأولى تحبو، تنازعه نفسه، متى يتكرر عليك مثل هذا المنظر، هذا إن فاتك هذا فات، خلاص، لن يتكرر، ثم تبدأ، أو الولد يبدأ يمشي خطوة خطوتين ويعثر، هذا، نزاع عظيم في النفس، وبسببه تهاوى كثير من الشباب على التصوير؛ لأنهم بدءوا خلاص، صور. . . . . . . . . إيش اللي يمنعك أنك تصور. . . . . . . . . لأن هناك مواقف لا يملك الإنسان نفسه منها، يقول له الشيطان: خلاص ها الخطوتين خلاص لن تتكرر في حياتك، وأنت يمكن في يوم من الأيام تقتنع بالتصوير ثم تندم، وتعدى كثير من الناس وتخطى هذه المرحلة بسبب اقتناءه هذه الكاميرا، ولا شك أن تيسير الوسائل ييسر الغايات. والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه

بسم الله الرحمن الرحيم من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه الشيخ/ عبد الكريم الخضير الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: فسنة النبي -عليه الصلاة والسلام- مصدر، بل المصدر الثاني من حيث قوة الثبوت، وإن كانت في لزومها للمكلفين والتزام المكلفين بما دلت عليه بمنزلة القرآن؛ لأنها وحي كالقرآن، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وسنته بياناً لما جاء في كتاب الله -جل وعلا-، فهي حجة ملزمة لمن يقتدي به ويأتسي-عليه الصلاة والسلام-، ولم يقل بخلاف ذلك أحد ممن يعتد بقوله من أهل العلم بل كلهم مجمعون على أن هذه السنة أصل مستقل، وإن كانت بياناً لما جاء في كتاب الله -جل وعلا- ففيها من الأحكام ما لا يوجد في القرآن، وإن جاء في القرآن ما يشير إليه ويشمله بعمومه، فقد جاء مبيناً مفصلاً في كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- وفي فعله، فجاء فعله بياناً لما أجمل في كتاب الله، وكذلك قوله -عليه الصلاة والسلام- وأحاديثه -عليه الصلاة والسلام- متنوعة، فمنها ما جاء تفسيراً للقرآن، ومنها ما جاء بياناً لما يلزم اعتقاده في الله -جل وعلا- وما يجب له، ومنها ما جاء في بيان الأحكام والآداب وغيرها من أبواب الدين، ومنها الأحاديث الجوامع التي تشمل جميع أبواب الدين، أو جل أبوابه، من هذه الأحاديث الجوامع ما أودعه الإمام الحافظ النووي -رحمه الله تعالى- في كتابه الأربعين وما زاده الحافظ ابن رجب عليها. الكلام على سند الحديث: فمن هذه الأحاديث ما أشير إليه في المقدمة، وهو ما رواه أبو عيسى الترمذي وابن ماجة في كتابيهما من رواية الأوزاعي عن قرة بن عبد الرحمن بن حيويل عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) وقال عنه الترمذي: حديث غريب، والغالب أن ما يحكم عليه الترمذي بهذا الحكم مجرداً عن الحكم بالصحة والحسن الغالب عليه الضعف، لكن حسنه النووي -رحمه الله تعالى-.

وقال ابن رجب: حسنه المصنف -رحمه الله تعالى– يعني النووي– لأن رجال إسناده ثقات، رجال إسناده ثقات، قرة بن عبد الرحمن بن حيويل مختلف فيه، وثقه قوم وضعفه آخرون، وقال ابن عبد البر: هذا الحديث محفوظ عن الزهري، بهذا الإسناد من رواية الثقات، وهو موافق لتحسين النووي له، بل كلام ابن عبد البر أقوى من كلام النووي. يقول: هذا الحديث محفوظاً عن الزهري بهذا الإسناد، عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، موصولاً مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن قال ابن رجب: وأما أكثر الأئمة فقالوا: ليس هو بمحفوظ بهذا الإسناد، الإمام الحافظ إمام أهل المغرب ابن عبد البر يقول: محفوظ بهذا الإسناد عن الزهري، وابن رجب وهو من الأئمة المطلعين أهل الخبرة والنقد يقول: وأما أكثر الأئمة فقالوا: ليس هو بمحفوظ بهذا الإسناد، وإنما هو محفوظ عن الزهري عن علي بن الحسين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلاً، كذلك رواه الثقات عن الزهري منهم مالك في الموطأ، ويونس ومعمر وإبراهيم بن سعد إلا أنه قال: ((من إيمان المرء تركه ما لا يعنيه)) عندنا تحسين النووي وقول الإمام الحافظ أبي عمر ابن عبد البر، أنه محفوظ عن الزهري بهذا الإسناد من رواية الثقات، يقابل هذا حكم الترمذي على الحديث بأنه غريب، وعرفنا أنه غالباً ما يحكم على الحديث الضعيف بهذا، إذا جرد ذلك عن الحكم بالصحة والحسن، عندنا تحسين النووي وشهادة ابن عبد البر للحديث بأنه محفوظ عن الثقات بهذا الإسناد، يعني موصولاً.

وقول الحافظ ابن رجب أن أكثر الأئمة قالوا: ليس هو بمحفوظ بهذا الإسناد -يعني بإسناد متصل- وإنما محفوظ عن الزهري عن علي بن الحسين مرسلاً، يقول: كذلك رواه الثقات عن الزهري منهم مالك في الموطأ، ومالك في الموطأ -رحمه الله تعالى- كثيراً ما يعمد على الإرسال، وإن كان الحديث محفوظاً متصلاً بل قد يكون في الصحيحين متصل والإمام مالك -رحمه الله- يسوقه مرسلاً؛ لأن الإمام مالك -رحمه الله تعالى- لا فرق عنده بين المرسل والمتصل، هو يعمد إلى الطرق المرسلة ويترك -رحمه الله تعالى- الطرق الموصولة؛ لأن المرسل عنده حجة كالمتصل، فكون الإمام مالك يخرجه مرسلاً لا يقدح في الحديث؛ لأنه كثيراً ما يعمد إلى الأحاديث المتصلة فيسوقها من الطرق المرسلة؛ لأنه لا فرق عنده بين المرسل والمتصل، وهو يحتج بالمرسل –كما هو معروف في مذهبه– وأشار إلى ذلك جميع أصحابه، وكذلك ممن يعمل بالمرسل الإمام أبو حنيفة. واحتج مالك كذا النعمان ... به وتابعوهما ودانوا لكن المرسل في قول أكثر أهل العلم ضعيف، فهل نرد على ابن البر الذي يقول: أنه محفوظ بالسند المتصل لكون مالك أخرجه مرسلاً، قد يكون موجود عند مالك على الوجهين، والإمام مالك -رحمه الله تعالى- كثيراً ما يعمد إلى الأحاديث المتصلة المعروفة بالاتصال التي لا إشكال في أسانيدها ويرويها مرسلة، وموطأه شاهد طافح بمثل هذا النوع، يونس ومعمر أيضاً رووه مرسلاً عن علي بن الحسين عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وممن قال أنه لا يصح إلا علي بن الحسين مرسلاً الإمام أحمد ويحيى بن معين والبخاري والدارقطني، هؤلاء أئمة هذا الشأن، يقول: قد خلط الضعفاء في إسناده عن الزهري تخليطاً فاحشاً والصحيح فيه المرسل، يقول: ورواه عبد الله بن عمر، عن عمر معروف المكبر، عن الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، عن أبيه فيكون حينئذ متصلاً، وجعله من مسند الحسين بن علي، وخرجه الإمام أحمد في مسنده من هذا الوجه، والعمري ليس بالحافظ كما هو معروف، وخرجه أيضاً من وجه آخر عن الحسين عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وضعفه البخاري في تاريخه من هذا الوجه، وقال: لا يصح إلا عن علي بن الحسين مرسلاً، وقد روي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من وجوه أخر وكلها ضعيفة. الإمام أحمد حكم على أن الطريقة المرسلة هي المحفوظة، وخرجه في مسنده عن عبد الله بن عمر العمري عن الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه متصلاً، فكيف يحكم على المرسل بأنه هو المحفوظ ويخرجه في مسنده متصلاً، الإمام أحمد -رحمه الله- لم يلتزم في مسنده بالصحة، وهنا مسألة وهي تعارض الوصل والإرسال، وهي مسألة معروفة عند أهل العلم، لا تتعارض الطريق الأولى المخرجة في الترمذي وابن ماجة من رواية الأوزاعي عن قرة بن عبد الرحمن عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، مع رواية علي بن الحسين مرسلاً، لكن تعارض الوصل والإرسال فيما أخرجه الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر العمري عن الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه، هنا يكون الوصل والإرسال، ولا شك أن من رواه مرسلاً أكثر، ومن رجح إرساله من الأئمة أحفظ، فالمرجح هو الإرسال.

لكن يبقى هل نقول: إن هذا الخبر المرسل يمكن أن يشهد له الطريق الموصول الذي خرجه الترمذي وابن ماجة، يكون شاهداً من حديث أبي هريرة، يكون علي بن الحسين مرة يروى عنه مرسلاً، ومرة موصولاً عن أبيه، ويشهد له حديث أبي هريرة المخرج في سنن الترمذي وابن ماجة، وعلى كل حال الحديث وإن سمعنا ما فيه من أقوال الحفاظ، وقد اختلف في وصله وإرساله وإن كان الراجح فيه الإرسال عند أكثر الحفاظ وهو المحفوظ حينئذ والموصول على قولهم هذا يسمى شاذ، فالذي يعمل بالمرسل كالإمام مالك، وقد خرجه كذلك في موطأه لا إشكال عنده فيه؛ لأنه يعمل بالمرسل، والذي لا يعمل بالمرسل كالإمام أحمد -رحمه الله- يشكل على أصوله؛ لأنه لا يعمل بالمرسل ورجح إرساله وأخرجه في مسنده موصولاً، فيرد على الإمام أحمد لكن مثل هذا الكلام وإن اختلف في وصله وإرساله إلا أن معناه صحيح، وضعفه ليس بشديد، الذي وصله عبد الله بن عمر العمري ضعيف عند الحفاظ من قبل حفظه، لكن ضعفه ليس بشديد، فإذا ضممنا روايته إلى الرواية الأولى إن كانت محفوظة على كلام ابن عبد البر والنووي فشاهد القول يكون له، وحينئذ يبلغ الخبر درجة الحسن، وإن قلنا: أنه وهم من راويه ورفعه خطأ والصواب إرساله، يبقى مرسلاً وينظر في متنه، ينتقل النظر فيه إلى المتن. الحديث من حيث المعنى: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) من حيث المعنى صحيح، وضعفه –كما ذكرنا– ليس بشديد؛ لأن عبد الله بن عمر العمري ضعيف من قبل حفظه، لكن ضعفه ليس بشديد، فعلى فرض أن رواية الترمذي وابن ماجة محفوظة يشهد أحدهما للآخر، ويصل إلى درجة الحُسن والاحتجاج، وعلى كل حال المعنى صحيح، معناه صحيح، وعمومات الشريعة تدل على أنه له أصلاً، وله ما يشهد له. معنى: (من حسن إسلام):

فقوله في الحديث: ((من حسن إسلام المرء)) هذه (من) تبعيضية؛ لأن ترك ما لا يعني ليس هو كل حسن إسلام المرء، فـ (من) هذه تبعيضية، بل بعض إسلام المرء تركه ما لا يعنيه؛ لأن الإسلام مشتمل على واجبات، ومشتمل على ترك محرمات، ومنها ترك ما لا يعنيه، فـ (من) هذه تبعيضية، يقول الطوفي في شرحه على الأربعين: إنما جميع حسن إسلام المرء ترك ما لا يعني، وفعل ما يعني -يعني إذا انضم إلى ترك ما لا يعني فعل ما يعني، ترك ما لا يعني إذا انضم إليه فعل ما يعني صار جميع حسن الإسلام، لماذا لا يكون هو الإسلام كله؟ يقول: فإذا فعل ما يعنيه وترك ما لا يعنيه فقد كمل حسن إسلامه، لماذا لا يكمل إسلامه؟ يكمل حسن الإسلام ولا يكمل الإسلام على قوله. الآن حسن الإسلام أليس هو قدراً زائداً على أصل الإسلام؟ فإذا كمل القدر الزائد على الأصل المطلوب ألا يكمل الأصل من دون كماله؟ من باب أولى، هذا ما قرره الطوفي يقول: إنما جميع حسن الإسلام ترك ما لا يعني وفعل ما يعني، فإذا فعل ما يعنيه وترك ما لا يعنيه، فقد كمل حسن إسلامه. . . . . . . . . وفي الحديث: ((من حسن إسلامه)) ولم يقل إيمانه؛ لأن الترك لما لا يعنيه متعلق بالأمور الظاهرة والإسلام كذلك، الترك لما لا يعنيه متعلق بالأمور الظاهرة والإسلام كذلك، وأما الإيمان فتعلقه بالأعمال الباطنة. إذا كان في خاطره خواطر وهواجس تدور في نفسه وتسترسل معه وهي لا تعنيه من قريب أو بعيد، تجد الواحد من الناس الذي لا يعنيه أمر العامة في نفسه يزور أعمال ورجال يقومون بهذه الأعمال، وهو في نفسه، وهو ليس بيده حل ولا قيد، ليس بيده شيء، هذا العمل الذي يزوره في نفسه لا يعنيه؛ فهل نقول: أن مثل هذا لا يدخل في الحديث؟ يعني الخواطر إذا استرسلت فيما لا يعني الإنسان، تجد الإنسان يسترسل في أمور كثيرة، يجر بعضها بعضاً وتعوقه عن كثير من أذكاره وأوراده والتفكر، وفيما هو أهم من ذلك، هل نقول: أن ترك هذه الأمور لا تعنيه؟ تعنيه، فالحديث يشمل الجوارح وما يعمل بالجوارح من الأعمال الظاهرة، ويشمل أيضاً الخواطر والهواجس على ما سيأتي.

يقول: وأما الإيمان فتعلقه بالأعمال الباطنة أظهر، وإن كانت الأعمال شرطاً في الإيمان إلا أن الشرط خارج عن الماهية كما هو معروف ومقرر عند أهل بخلاف الركن. يقول الطوفي: والترك والفعل ضدان ((من حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه)) والترك والفعل ضدان، إنما يتعاقبان على الأعمال الظاهرة دون الباطنة؛ لأن الظاهرة حركات اختيارية يتأتى فيها الترك والفعل اختياراً، ماذا يريد أن يقرر الطوفي؟ الطوفي يقول: لماذا قال: ((من حسن إسلام المرء)) ولم يقل من حسن إيمانه؟ أولاً: جاء لفظ: (من حسن إيمان) في بعض طرق الحديث. الأمر الثاني: أن الإسلام إن أطلق مجرداً دخل فيه الإيمان والعكس، وهو يريد أن يقرر، لماذا قال: من حسن إسلامه ولم يقل من حسن إيمانه؟ يقول: لأن الترك متعلق بالأفعال الظاهرة، والإيمان أمر خفي باطن، فما دام الترك متعلق بالأفعال الظاهرة إذن هو مما يخرم العمل الظاهر وهو الإسلام، ولا علاقة له بالإيمان؛ لأنه عمل قلبي، والمقرر أن الذي يخرم الإسلام يخرم الإيمان، فإذا أخل ببعض الأعمال الواجبة نقص من إيمانه بقدر هذا الخلل، فهناك ترابط والتزام بين الإسلام والإيمان.

وقال في الحديث: من حسن إسلامه ولم يقل من إسلامه؛ لأن ترك ما لا يعني ليس هو نفس الإسلام، ولا جزءاً منه، شخص رأى آخر يشيد مبنى، فدخل هذا الفضولي وقال: لو فعلت هذا، لو جعلت المجلس هنا، لو جعلت الباب هنا، لو هدمت هذا، لا يعنيه، يقول: إن هذا لا علاقة له بالإسلام المبني على الأركان المعروفة والواجبات التي بينت الشريعة، لا علاقة له، لم يقل: من إسلامه؛ لأن ترك ما لا يعني ليس هو نفس الإسلام ولا جزء من الإسلام، يعني كون هذا الفضولي يدخل على هذا المبنى، ويقول لصاحبه: سكر الباب هذا، وافتح هذا، أو انقل هذه الغرفة إلى المكان الفلاني، نعم شل الدرج من الجهة هذه وضعها في الجهة هذه، هذا لا يعنيه بالفعل، ومن حسن إسلامه تركه هذه الاقتراحات؛ لأنها لا تعنيه، لكن هل هي من الإسلام؟ هل هي من صلب الإسلام أو جزء من أجزاء الإسلام؟ ليست منه، وليست جزءاً من أجزائه، ولذا لم يقل: من إسلامه، وإنما قال: من حسن إسلامه، لكن قد تكون هذه التصرفات الفضولية، وتصرف الإنسان فيما لا يعنيه، قد يخل بإسلامه مباشرة، يأتي إلى شخص يصلي، يقول: ليش تكلف نفسك تطلع تصلي مع جماعة؟ هذا الأمر لا يعنيك من جهة، لكن هذا يخدش إسلامك، لأنك إيش؟ ماذا فعلت؟ {أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى} [(10) سورة العلق] غير منصوص عليها في الشريعة، وإن كان عمله فعلاً وتركاً لا يعنيك، لكن عملك أنت، يعني أنت معاقب ومحاسب عليه، هذه المسألة فيها دقائق واستطرادات وأمور لا يمكن الإحاطة بها؛ لأن هذا الحديث من الجوامع، يدخل في كل شيء، في كل باب من أبواب الدين. قال في الحديث: من حسن إسلامه، ولم يقل من إسلامه؛ لأن ترك ما لا يعنيه ليس هو نفس الإسلام ولا جزءاً منه بل هو وصفه وهو حصنه، الحصن ليس هو ذات الشيء، إنما هو وصف من أوصافه، وحسن الشيء ليس هو ذاته ولا جزؤه، هذا من كلام الطوفي أيضاً.

والإسلام جاء تعريفه في حديث جبريل المشهور لما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- أجابه بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً)) وهذا الحديث متفق عليه كما هو معروف من حديث أبي هريرة، وتفرد به مسلم من رواية عمر، والإسلام في الأصل: الإذعان والانقياد والاستسلام. معنى قوله: (المرء): ((من حسن إسلام المرء)) المرء: الرجل، المرء هو الرجل يقابله المرأة، يعني هذا مما يفرق بينه وبين مؤنثه بالتاء، مرء وامرأة، وإن جاء للرجال هل معنى أن النساء لا يخاطبن بمثل هذا الحديث؟ ((من حسن إسلام المرء)) ألا تدخل المرأة في المرء؟ المرء هو الرجل يقابله المرأة، وجاء في الحديث ((من حسن إسلام المرء)) هل معنى هذا أن النساء في حل من مثل هذا الحديث؟ يحسن إسلامها ولم لم تترك ما لا يعنيها؟ والخبر إن جاء في الرجال؛ فالرجال نُص عليهم من باب التغليب، ويدخل في خطاب الرجال النساء، يدخلن في عموم خطاب الرجال، كما قال -جل وعلا- عن مريم -عليها السلام-: {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [(12) سورة التحريم] يعني الخطاب متمحض لامرأة، يعني ما تدخل في عموم الرجال؟ يعني لو قال: كانت من القانتات، لأن الخطاب يخصها، لكن لما كان مخاطبة الشريعة كلها جاءت للرجال أو جلها للرجال من باب التغليب يدخل في ذلك النساء إلا إذا دل الدليل على اختصاص الرجال بشيء، أو اختصاص النساء بشيء آخر. معنى الترك: ((تركه)) الترك يقابل الفعل، والترك عمل قلبي، الترك عمل، لئلا يقال: ((إنما الأعمال بالنيات)) والصيام ترك إذن لا يحتاج إلى نية، نقول: لا، الترك عمل قلبي داخل في الأعمال، ولذا سماه الصحابي عملاً في قوله: لئن قعدنا والنبي يعملُ ... فذاك منا العمل المضللُ إن قعدوا عن مساعدته في بناء المسجد وتركهم لمساعدته سماه عملاً. لئن قعدنا والنبي يعملُ ... فذاك منا العمل المضللُ والترك وإن كان عملاً قلبياً إلا أنه ترك لأعمال ظاهرة. الأمور التي لا تعني الإنسان:

((تركه ما لا يعنيه)) (ما) هذه اسم موصول، وهي في الأصل لغير العاقل، بمعنى الذي، ويؤتى بها للتعميم؛ لأن الغالب غير العقلاء، مما لا يعنيه، و (لا) هذه نافية، و ((يعنيه)) يقال: عناه الأمر يعنيه إذا تعلقت عنايته به، وكان من غرضه وإرادته. يقول الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى-: والعناية شدة الاهتمام بالشيء، يقال: عناه يعنيه إذا اهتم به وطلبه، كثيراً ما يقال: عُني به فلان، وقد يقال: اعتنى به فلان، هذا الشيء عُني به فلان، أو اعتنى به فلان، أيهما الأفصح؟ مثلاً كتاب -كتاب لإمام من الأئمة- حققه شخص، قال: اعتنى به وخرج أحاديثه، ورقم آياته وقابل نسخه فلان، اعتنى به، وقد يقال: عني به أو بعناية فلان، أيهما أفصح؟ طالب: اعتنى به. اعتنى به أفصح، كيف؟ أيهما أفصح يا شيخ؟ طالب:. . . . . . . . . لا هم ينصون على أن عني به أفصح؛ لأن المصدر عناية أفصح من اعتنى به، وإن جاز في اللفظ الثاني ليس هناك ما يمنع من استعمالها، إلا أنها أقل؛ لأن الاعتناء بالشيء والعناية به متقاربان، لكن أصل المادة العناية. وهنا قال: ((ما لا يعنيه)) ما قال: يعتني به، يقول الطوفي: والذي يعني الإنسان من الأمور ما يتعلق بضرورة حياته في معاشه وسلامته في معاده، وذلك يسير بالنسبة إلى ما لا يعنيه، فإذا اقتصر الإنسان على ما يعنيه من الأمور سلم من شر عظيم عميم، وذلك يكون بحسن الإسلام؛ لأن السلامة من الشر خير عظيم، والسلامة من الشر من حسن إسلام المرء.

والإنسان إذا عرف الهدف من وجوده، الهدف لماذا خلق؟ وحدد الهدف، وسعى لتحقيق هذا الهدف، وما يخدم هذا الهدف، سلم من شر كبير، وارتاح الراحة التامة، ونعم باله، وسلم من كثير من الأمور التي يتعرض لها كثير من الناس من أسباب الشقاء في هذه الحياة، إذا عرف الإنسان أنه مخلوق للعبادة، مخلوق لعبادة الله -جل وعلا-، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] وسعى لتحقيق هذا الهدف، وجاء من باب التبع لتحقيق هذا الهدف، ما يُعِينه على البقاء في هذه الدنيا لتحقيق هذا الهدف، فالهدف من الوجود ومن الخلق العبادة، لكن هل تستطيع أن تعبد الله -جل وعلا- من غير أن تأكل أو تشرب أو تنام أو تلبس؟ لا تستطيع، إذن هذه الأمور وسائل لتحقيق الهدف الأعظم، هذه الوسائل بعض الناس يجعلها هي الأهداف، لما كانت هذه وسائل جاء التنبيه عليها في قوله -جل وعلا-: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] الذي يقال له هذا الكلام من تصور الهدف وسعى لتحقيقه، لو تصور الهدف من وجوده، وسعى بالفعل جاداً لتحقيقه، يقال له: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} لكن الذي هدفه الدنيا، ينبغي أن يقال له: يا أخي لا تنس الآخرة، كما هو حال كثير من الناس اليوم، وما أصيب الناس بالشقاء والأمراض سواء كانت العضوية أو النفسية إلا لما كان هدفهم وغايتهم. . . . . . . . .

أقول: من سعى لتحقيق الهدف من وجوده ارتاح الراحة التامة من كثير مما يعانيه الناس اليوم من أمراض عضوية ونفسية، لماذا؟ لأن هدفه محدد، غير مشتت، هدفه أن يرضي الله -جل وعلا- بعبادته التي خلق من أجلها، فهو يسعى لتحقيق هذا الهدف، وما يعين على تحقيق هذا الهدف من باب التبع، لا على سبيل الاستقلال، لا على جهة الاستقلال، لكن إذا كان هدفه الدنيا تشتت، الدنيا كما يقول الناس: لا يلحق لها طرف، أمورها لا تنتهي، مطالبها لا يمكن الإحاطة بها، وجاءت الإشارة إلى هذا المعنى في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من أصبح والدنيا همه شتت الله شمله)) بلا شك يريد أن يحوش الدنيا بحذافيرها لا يستطيع، الدنيا لا يمكن الإحاطة بها، ونهم الإنسان إذا انفتح على هذه الدنيا لا يمكن أن يرتاح له بال؛ لأنه أي شيء يراه بحيث يعجبه عند فلان أو علان يريده، ذكر عند فلان بيت قصر منيف، سعى لتحقيق هذا الهدف، ذكر عند علان سيارة فارهة، سعى لتحقيق هذا الهدف، ذكر عند فلان امرأة جميلة أو بنت سعى لتحقيق هذا الهدف، كيف يحيط بهذه الأمور؟ لا يمكن أن يحيط بهذه الأمور ولو بذل جميع ما أوتي من .... وما مد له من عمر، واستغل جميع اللحظات من عمره لا يستطيع أن يحقق مثل هذه الأمور، ولن يحصل له من دنياه إلا ما كتب له، لكن من جعل الهدف الشرعي الحقيقي وهو عبادة الله -جل وعلا- على مراده -جل وعلا- وعلى ضوء ما جاء عن نبيه -عليه الصلاة والسلام- القدوة الأسوة، يجتمع همه، ولا يتفرق شمله، ويحدد مساره وحينئذ يرتاح يمشي على نور وعلى بينة، وعلى برهان، وعلى بصيرة. يقول: والذي يعني الإنسان من الأمور ما يتعلق بضرورة حياته في معاشه وسلامته في معاده، وهذا الأهم وذلك يسير بالنسبة إلى ما لا يعنيه، فإذا اكتفى الإنسان على ما يعينه من الأمور سلم من شر عظيم، وذلك يعود بحسن الإسلام؛ لأن السلامة من الشر خير عظيم، والسلامة من الشر من حسن إسلام المرء.

ثم قال: والذي يعني الإنسان من أمر معاشه –يعني الذي بواسطته يحقق الهدف من وجوده– ما يشبعه من جوع، لكن لو زاد على ذلك؟ عاد عليه بالضرر، زاد عليه بالتخمة والأمراض، ويرويه من عطش، فإن زاد على ذلك؟ كذلك، ويستره من ظهور عورته، ويعفه من زنا، وما تعلق بذلك على جهة دفع الضرورة، لا على جهة التلذذ والتمتع والاستكثار، ولا يمنع الشرع من أن يتمتع الإنسان بهذه الوسائل التي يحقق بها الهدف، ولذلك جعل في بضع أحدكم صدقة، أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر؟ قال: ((نعم)) له أجر، الشرع لا يمنع من التلذذ ولا يمنع من الانتفاع بما أباحه الله -جل وعلا-. لكن الإنسان إنما يستعمل هذه الأمور ليستعين بها على طاعة الله -جل وعلا- لينال بها وهي أمور عادية، أمور يضطر إليها الإنسان تنقلب بالنية الصالحة بالاستعانة بها على طاعة الله -جل وعلا- تنقلب عبادات والذي يعنيه من أمر معاده الإسلام والإيمان والإحسان، والذي يعنيه من أمر معاده ما جاء في حديث جبريل، الإسلام والإيمان والإحسان، والإمعان في هذا والاستكثار منه أولى من الإقلال والاختصار بخلاف الأول، الإمعان من أركان الإسلام وشرائعه من الإيمان وما يعالج أمراض القلوب من الإحسان والمراقبة لله -جل وعلا-، الإكثار من هذا أولى من الإقلال، بخلاف الإكثار من أمور الدنيا أمور المعاش، الإقلال منها أولى، لكن لا يصل الحد من الإقلال في أمور الدنيا، إلى أن يصل إلى حد يتضرر به البدن، بحيث لا يستطيع القيام بما أوجب الله عليه، ولا يصل الإكثار من بعض أبواب الدين الإخلال بما هو أهم منها وأوجب، جاء في الحديث: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) يعني الإكثار من الصلاة، من نوافل العبادة، من قراءة القرآن، من الذكر، من نفع الناس العام والخاص، النفع المتعدي واللازم، هذه أمور مطلوبة شرعاً؛ لكن مع التوازن.

ومن المصالح العظيمة في هذه الشريعة الكاملة تنوع العبادات، نعم بعض الناس يفتح له باب وتصعب عليه أبواب، وهذا الباب يكون أنفع لقلبه، نقول: الزم هذا الباب ولا تنس الأبواب الأخرى، فبعض الناس عنده استعداد يجلس يقرأ القرآن في اليوم عشر ساعات، لكن يقوم ليصلي ركعتين أثقل عليه من الجبل، وبعض الناس عنده استعداد أن يصلي من ارتفاع الشمس إلى الزوال أكثر من ركعة، لكن تقول له: اجلس اقرأ القرآن صعب عليه، نعم نقول: من فتح له باب موصل إلى مرضاة الله يلزم هذا الباب، لكن لا يفرط في الأبواب الأخرى، ولذا تنوع العبادات في الشرع مقصد عظيم والجنة لها أبواب وكل باب يدعى منه فئة من الناس، لكن من الناس من يدعى من جميع هذه الأبواب، يعني من عمل بجميع شرائع الدين يدعى من جميع هذه الأبواب، ومنهم أبو بكر -رضي الله عنه وأرضاه-، لكن بعض الناس تثقل عليه الصلاة ويخف عليه الصيام يثقل عليه الصيام ويخف عليه تلاوة القرآن، يثقل عليه الذكر ويهون عليه الجهاد وهكذا، هذه أبواب كلها موصلة إلى الجنة وإلى مرضاة الله -جل وعلا- فعلى الإنسان أن يلزم ما فتح له من أبواب، وسهل عليه من طريق، ولا ينس الأبواب الأخرى، لا سيما ما أوجب الله عليه منها. يقول الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "ليس المراد أن يترك ما لا عناية له به، ولا إرادة بحكم الهوى وطلب النفس، بل بحكم الشرع والإسلام، ولهذا جعله من حسن الإسلام" أيش معنى هذا الكلام؟

بعض الناس يترك كثير من الأمور لأن هواه ورغبته لا تقبل مثل هذا الأمور، يترك التدخل في أمور الآخرين لبعدهم عنه مثلاً، هو لا يستطيع أن يكلف نفسه أن يذهب إلى فلان أو علان، تركه لا تبعاً لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا بحكم الشرع وإنما لهوى النفس، فإذا حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه في الإسلام من الأقوال والأفعال، فإن الإسلام يقتضي فعل الواجبات كما في حديث جبريل، ويدخل فيه ترك المحرمات كما في حديث أبي موسى في الصحيحين وغيرهما عن النبي -عليه الصلاة والسلام- سئل: أي المسلمين أفضل؟ قال: ((من سلم المسلمون من لسانه ويده)) حديث جبريل في الأفعال، فسر الإسلام بالأفعال، وهذا الحديث يدل على أن ترك المحرمات من الإسلام، أي المسلمين أفضل؟ قال: ((من سلم المسلمون من لسانه ويده)) يعني ترك ما يضر بالآخرين، وسلم الناس منه، وهذا في باب الترك. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((المسلم أخو المسلم، فلا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)) وهذا في انتهاك المحرمات. إذا حسن إسلام المرء بفعل الواجبات وترك المحرمات اقتضى ترك كل ما لا يعنيه، كل ما لا يعنيه اقتضى تركه، إذا حسن إسلامه بفعل الواجبات اقتضى حسن إسلامه ووفق لترك كل ما لا يعنيه من المحرمات مرة أخرى والمشتبهات والمكروهات ومن المباحات التي لا يحتاج إليها، قد يقول قائل: المباحات لماذا تترك؟ الإكثار من المباحات وتمرين النفس عليها، وتعويد النفس عليها لا شك أنها تكون وصف ملازم لهذه النفس، بحيث لو طلبها فلم يجدها من بابها، من أبوابها المباحة لا شك أن النفس تستدعيه إلى أن يطلبها من الوجوه التي فيها شيء من الكراهة، إذا لم يجد في الأبواب التي فيها الكراهة وتساهل في أمور الشبهات ثم بعد ذلك قاده ذلك وجره إلى ارتكاب المحرمات، ولهذا كان السلف يتركون كثير من المباحات خشية أن يقعوا أو يجرهم الاسترسال في هذه المباحات إلى انتهاك المحرمات؛ لأن النفس راغبة إذا رغبتها، إذا رغبتها راغبة، لكن إذا ترد إلى قليل تقنعُ.

النفس كالطفل إن تهمله شب على ... حب الرضا وإن تفطمه ينفطم النفس لا شك أنها تحتاج إلى الوقوف إلى أن تؤطر وتقصر ما لا يمكن تجاوزه، فإذا ترك المحرمات والمشتبهات والمكروهات وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها فإن هذا كله -مما ذكر- لا يعني المسلم، المحرمات لا تعنيه، المكروهات لا تعنيه ليس بحاجة إليها، إذا ترك فضول المباحات لم يحتج إلى المكروهات، وإذا ترك المكروهات ففراره عن المحرمات من باب أولى، والمسألة توفيق من الله -جل وعلا-، وبذل من الإنسان وسعي من الإنسان، الإنسان إذا فطم نفسه عن بعض المباحات التي لا يحتاج إليها لا شك أنه سوف يوفق إلى ترك المكروهات فضلاً عن المحرمات. إذا كمل إسلامه وبلغ إلى درجة الإحسان، كمل إحسانه وتم إيمانه وبلغ إلى درجة الإحسان، وهو أن يعبد الله -جل وعلا- كأنه يراه، نعم من الذي دعاه إلى ترك هذه المباحات؟ وما الذي حمله على ترك المكروهات والمحرمات؟ مراقبته لله -جل وعلا-، هذه المراقبة بعد أن راقب الله -جل وعلا- في ترك المباحات، ترك فضول المباحات، لا. . . . . . . . . مباحات، لأن الله أحل الطيبات، ترك الفضول من المباحات والمكروهات والمحرمات الذي دعاه إلى ذلك المراقبة لله -جل وعلا-، هذه المراقبة إذا تولدت عند الإنسان هي درجة الإحسان، وهذه الدرجة أن يعبد الله -جل وعلا- كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإنه يراه، فمن عبد الله على استحضار قربه ومشاهدته بقلبه، أو على استحضار قرب الله منه وإطلاعه عليه فقد حسن إسلامه، يعني الأكمل أن تعبد الله -جل وعلا- كأنك تراه، فاستحضر هذا، إن لم تستحضر هذا والمسألة يعني عون من الله -جل وعلا- استحضر أن الله -جل وعلا- مطلع عليك، وحاسب نفسك وراقب ربك في أي عمل تريده، فمن عبد الله على استحضار قربه منه ومشاهدته بقلبه أو على استحضار قرب الله منه وإطلاعه عليه فقد حسن إسلامه، ولزم من ذلك أن يترك كل ما لا يعنيه في إسلام وليشتغل بما يعنيه فيه.

كثير من الناس جهودهم يضيع أكثرها في لا شيء، تجده وهو سائر في الطريق. . . . . . . . .، هذه العمارة لو أن لونها كذا كان أفضل، لو أن الحجر من هنا، لو أن كذا، يضيع عمره في هذا، فلان لو عمل كذا لو قدم كذا لو أخر كذا، عليك بخاصة نفسك، ما أنت مسؤول عن غيرك، نعم أنت مكلف بدعوة الآخرين بإرشاد الآخرين بتوجيه الآخرين في منعهم مما يضرهم، نعم أنت مكلف بهذا، لكن الأمور التي لا قيمة لها والتي ليست من المقاصد، وليست مما خلقت من أجله ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)). إذا حقق المسلم منزلة المراقبة واستحضر قرب الله منه استحيا منه، يعني لو تصورنا أن الزاني وهو يزاول هذه الفاحشة يستحضر أن الله -جل وعلا- مطلع عليه، ما أقدم على هذه المعصية، لو استحضرنا أن المرابي وهو يعقد الصفقة يستحضر أن الله مطلع عليه وأنه يزاول حرب الله -جل وعلا- ما أقدم على هذا العمل، لكن الذي يقود إلى هذه الأمور الغفلة، والغفلة عقوبة من الله -جل وعلا-، سببها ما يغطي القلوب من غشاوة الذنوب، هذا هو الران، إذا حقق المسلم منزلة المراقبة واستحضر قرب الله منه واستحيا منه، وترك ما يسخطه بل ما لا يقرب إليه، واهتم بما يقرب منه حتى تقر عينه بعبادته، ويأنس بمناجاته، ويستوحش من غيره، يعني نسمع في سير المتقدمين التلذذ بمناجاة الله، الوحشة من مجالسة المخلوقين، أظن هذا ضرب من الخيال لماذا؟ لأن الإنسان يؤدي هذه العبادة على وجه قد لا يكتب له من أجرها شيئاً، يأتي بشروطها وأركانها، لكن لا يحضر قلبه في جزء منها، مثل هذه العبادة يتلذذ بها صاحبها؟ يرتاح بها المتعبد؟ هذه الصلاة التي يكبر تكبيرة الإحرام ويسلم وما استحضر منها شيء مثل هذه العبادة يتلذذ بها صاحبها؟! يتلذذ بمناجاة ربه إذا سجد وانطرح بين يديه؟ أبداً، تجده متى ينتهي من أداء هذه العبادة الآن وجدت الساعات في جدران المساجد تجد الإنسان ينظر إليها من دخوله من تكبيره الإحرام إلى السلام وعينه في الساعة متى ينتهي؟ لماذا؟ يروح يستأنس مع فلان وعلان، عكس ما عليه سلف هذه الأمة، من أنسهم بالله وتلذذهم بمناجاته واستياحشهم من غيره، والله المستعان. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد.

أقول: إذا حقق المسلم منزلة المراقبة واستحضر قرب الله منه واستحيا منه وترك ما يسخطه وما لا يقرب إليه واهتم بما يقرب منه حتى تقر عينه بعبادته ويأنس بمناجاة ربه ويستوحش من غيره كما حصل ذلك لسلف هذه الأمة، بخلاف من غفل عن مراقبة الله -جل وعلا- فإنه لا يتلذذ بالعبادة، بل تثقل عليه ويأنس بغيره وهذا أمر مشاهد ومجرب. مكانة هذا الحديث عند أهل العلم: هذا الحديث كما قال الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى-: أصل عظيم من أصول الأدب، ويعني بالأدب الأدب الشرعي، المراد بالأدب هنا الأدب الشرعي، المستمد من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- بخلاف ما تعارف عليه الناس من تسمية العلم القسيم للتاريخ وغيره من العلوم بعلم الأدب الذي هو يسمى أدب درس لا أدب نفس، هذا العلم المسطر في كتب غالبها لا يسلم من قلة الأدب، بل من فقد الأدب، جل كتب الأدب -مع الأسف الشديد- لا يسلم من فقد الأدب من المجون والسخرية والاستهتار وإيراد ما ينافي الفضائل من أخبار المردان وقصصهم التي يستحي العاقل من قراءتها بمفرده فضلاً عن ذكرها وروايتها كالأغاني وغيره من الكتب التي سودت بها الصحف. فالحديث كما قال ابن رجب -رحمه الله تعالى-: أصل عظيم من أصول الأدب، وقد حكى الإمام أبو عمرو بن الصلاح، مع الأسف الشديد أن يوجد من يروج لمثل هذا الأدب الماجن، وينعى على من يتكلم فيه، أو يهذب كتبه، نعم ينتقد بعض الأدباء المعاصرين ينتقد كتاب (زهر الآداب) للحصري، هذا الكتاب من أنظف كتب الأدب، يقول: أنه أغفل جانب مهم من جوانب الأدب من أهم جوانب الأدب الذي هو المجون، يقول: الحياة تفقد حيويتها حينما تكون أدب خالص، هذا كلام عاقل هذا؟ هذا كلام عاقل يتعامل مع نصوص الكتاب والسنة؟ هذا كلام أقل أحواله أنه سكران، أذهب إلى أبعد من ذلك فأقول: إن بعض الغي رشد، هذا أدب هذا؟ هذا سوء أدب.

فالحديث أصل عظيم من أصول الأدب، وقد حكى الإمام أبو عمرو بن الصلاح عن أبي محمد بن أبي زيد إمام المالكية القيرواني في زمانه أنه قال: جماع آداب الخير وأدلته تتفرع من أربعة أحاديث: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل: خيراً أو ليصمت)) يعني من التزم هذا الأدب يقول: خير أو يصمت، هذا يرتاح من أمور كثيرة، ويرتاح أو يسد على نفسه باب عظيم من أبواب كسب السيئات، يقول: خيراً أو ليصمت، وقوله: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) وقوله -عليه الصلاة والسلام- لمن طلب منه الوصية: ((لا تغضب)) وقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) والحديث منطوقه يدل على مدح ترك ما لا يعني، منطوق الحديث يدل على مدح ترك ما لا يعني، مفهومه يدل على الحث على اشتغال الإنسان بما يعنيه، يعني إذا مدح في ترك ما لا يعنيه، فمفهومه –مفهوم المخالفة لهذا الخبر– أنه يمدح بفعل ما يعنيه، الحث على اشتغال الإنسان بما يعنيه من أمور الدين والدنيا، فالحديث بمنطوقه ومفهومه من جوامع الكلم التي تجمع خيري الدنيا والآخرة.

يقول الطوفي: واعلم أن كل شيء فإما أن يعني الإنسان أو لا يعنيه، وعلى التقديرين: فإما أن يفعله الإنسان أو يتركه، فهي أربعة أقسام، يعني قسمة منطقية، تمامها أربعة أقسام ذكر منها اثنين، القسم الأول: فعل ما يعني وترك ما لا يعني، وهما حسنان، يعني فعل ما يعني وترك ما لا يعني هذان حسنان يقول، الثاني: يقابله، ترك ما يعني وفعل ما لا يعني، وهما قبيحان، ترك الثالث والرابع للعلم بهما، أنه للتزاوج، فعل ما يعني وما لا يعني هذا حسن من وجه قبيح من وجه، الرابع: ترك الأمرين، ترك ما يعني وما لا يعني، هذا أيضاً قبيح من وجه وحسن من وجه، وإذا عرفنا هذا فمما لا يعني فضول الكلام، فضول الأكل، فضول النوم، فضول النظر، الفضول بعمومها لا تعني المسلم، والخطرات، الهواجس، الأماني كلها لا تعني المسلم التي تحول دون الإنسان وتحصيل ما ينفعه في معاشه ومعاده، وهي من أعظم مداخل الشيطان إلى قلب العبد، فمن وفق لترك ما لا يعني من الكلام من المباح فضلاً عن المحرم من الغيبة والنميمة وغيرها لا شك أن هذه علامة لإرادة الخير للإنسان، ومن كلام السلف: من علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه إلا فيما ينفعه، أن يقل خيراً. وقال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: من عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه. قال ابن رجب -رحمه الله تعالى- وهو كما قال: فإن كثيراً من الناس لا يعد كلامه من عمله فيجازف فيه، ولا يتحرى، وقد خفي هذا على معاذ بن جبل -رضي الله عنه- حتى سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أنؤاخذ بما نتكلم به؟ فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس على وجوههم -أو قال-: على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)). احفظ لسانك أيها الإنسانُ ... لا يلدغنك إنه ثعبانُ ومع الأسف الشديد أن حال كثير من المسلمين اليوم بل يوجد في طلبة العلم -مع الأسف الشديد- من وظف نفسه للقيل والقال فيما لا يعني.

يقول ابن رجب: وهذا يدل على أن كف الإنسان وضبطه وحبسه هو أصل الخير كله، وأن من ملك لسانه فقد ملك أمره وأحكمه وضبطه، وقال: والمراد بحصائد الألسنة جزاء الكلام المحرم، وعقوباته فإن الإنسان يزرع بهذه الدنيا بأقواله وأعماله، يقول: فإن الإنسان يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات، يعني فاختر لنفسك. يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات ثم يحصد يوم القيامة ما زرع، فمن زرع خيراً من قول أو عمل حصد الكرامة، ومن زرع شراً من قول أو عمل حصد غداً الندامة، وحديث معاذ يدل على أن أكثر ما يدخل النار النطق؛ لأن معصية النطق يدخل فيها الشرك بالله -جل وعلا- وهو أعظم الذنوب عند الله -عز وجل-، ويدخل فيها القول على الله بغير علم، وهو قرين الشرك، القول على الله بغير علم {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [(116) سورة النحل] يعني الفتوى بغير علم تدخل دخولاً أولياً في مثل هذا، ولو لم يكن في الباب إلا قوله -جل وعلا-: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [(60) سورة الزمر] الأمر ليس بالسهل ليس بالهين، احفظ لسانك، ويدخل فيها شهادة الزور التي عادلت الإشراك بالله -عز وجل- ويدخل فيها القذف وغير ذلك من الكبائر والصغائر، كالكذب والغيبة والنميمة وسائر المعاصي الفعلية لا يخلو غالباً من قول يقترن بها يكون. . . . . . . . . عليها, هل يمكن أن ينفك غناء عن قول مثلاً؟ ما يمكن، هل ينفك ربا عن قول؟ ما يمكن، فأكثر ما يورد الناس المهالك هو القول، لأنه قد وجد دون فعل، والفعل لا يمكن أن يوجد دون قول، وفي حديث معاذ السابق الذي سبق بعضه، سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن عمل يدخل الجنة ويباعده فيه عن النار، وأخبره النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سأله عن عظيم، لكنه يسير على من يسره الله عليه، فأخبره بشرائع الإسلام المدخلة الجنة، قال بعد ذلك: ((ألا أخبرك بملاك ذلك كله)) قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه، وقال: ((كف عليك هذا)) قلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ .. الحديث، فقال: ((ثكلتك أمك يا معاذ)).

ففي هذا بيان خطر اللسان، وأنه هو الذي يوقع في المهالك، وأن ملاك الخير في حفظه حتى لا يصدر منه إلا ما هو خير، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: ((من يضمن لي ما بين لحييه ورجليه أضمن له الجنة)) وقال -عليه الصلاة السلام- وقد تقدم ذكره: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل: خيراً أو ليصمت)) وثبت في الحديث الصحيح: ((وإن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفاً)) وهذا الحديث الصحيح. . . . . . . . . فالأمور خطيرة جداً، فليحذر المسلم -لا سيما طالب العلم- من الوقيعة في الناس، لا سيما في أهل العلم، أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، عذاب القبر بسبب أمرين: الاستنزاه من البول، والمشي بين الناس بالنميمة، والنميمة قول، من حصائد اللسان، فليحذر طالب العلم من الوقيعة في الناس لا سيما أهل العلم، والملاحظ أن من يعتني بذلك ويتصدى له أنه في الغالب يخسر بركة العلم والعلم، عقوبة من الله -جل وعلا-، ويزين له الشيطان أنه على ثغرة، جرح وتعديل والكلام في فلان وعلان، هذا يا أخي أهل العلم إنما جوزوا الكلام في الرواة في الجرح والتعديل للأثر المترتب على ذلك، بل أوجبوه لماذا؟ لأنه لا يمكن معرفة الصحيح من الضعيف من سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- إلا بهذا، لكن جرحت فلان أو علان من الناس لا دخل له من قريب ولا بعيد في الرواية أنت الآن عرضت نفسك، فاحفظ لسانك أخي. وأما فضول الأكل، فلا شك أن الإنسان إذا أكثر الأكل ثقل بدنه وعاقه ذلك عن تحصيل الفضائل، وجره إلى الإخلاد إلى الراحة والكسل وكثر نومه وحرم بسبب ذلك النشاط للعبادة، فمن كان هذا وصفه لا شك أن يستثقل العبادة من الصلاة والصيام وغيرهما مما يقرب إلى الله -عز وجل-.

النوم، النوم لا سيما الذي يعوق عن تحصيل الفضائل سببه الأكل، ففضول هذا يجر إلى فضول هذا، وكلاهما مذموم، وأما السهر فهو مكروه شرعاً، والمذموم من النوم سببه كثرة الأكل قد يكون للسهر دخل في كثرة النوم؛ لأن الإنسان إذا سهر في الليل وطال الكلام وأمضى ليله بدون فائدة، فإنه لا شك أنه يعاقب بأن ينام اليوم التالي ولا يفيد النوم، والسهر كما هو معروف مكروه شرعاً، فكان -عليه الصلاة والسلام- يكره الحديث بعد صلاة العشاء، والمذموم من النوم هو القدر الزائد على ما يحفظ الصحة ويعين على الطاعة. والكلام في هذا يطول جداً. أما فضول النظر أيضاً لا شك أنه يقود إلى ما لا تحمد عقباه، لا سيما النظر إلى المحرمات، وقد كان الناس منهم المبتلى بالنظر إلى النساء، والنساء خروجهن قليل، والمبتلى بهذا قليل، لكن الآن بعد انتشار هذه الآلات ودخولها في أعماق البيوت، هذه ابتلي بها كثير من المسلمين مع الأسف الشديد، بل يوجد من كبار السن من ابتلي بمشاهدة هؤلاء النسوة العاريات المومسات، الإنسان يستثقل ويستبشع دعوة أم جريج عليه، ويقع فيها كل ليلة، لا يموت حتى يرى وجوه المومسات، تجد هذا ليل ونهار ينظر في وجوه المومسات الأمر ليس بالسهل، وقد عوقب كثير من المسلمين بالتخلف عن الصلوات بسببها، تجده من قناة إلى قناة إلى أن يخرج وقت الصلاة، كبار سن عمار مساجد في الستين والسبعين كانوا عمار مساجد ابتلي بالسهر مع هذه القنوات، ومع ذلك الآن يتركون صلاة الفجر مع الجماعة، هذه عقوبات، هذه فيها خطر أن يفتن في آخر لحظة إذا ابتلي بهذه الأمور. الخطرات والهواجس والأماني:

وأما الخطرات والهواجس والأماني التي تعوق عن ذكر الله -عز وجل-، بحيث ينشغل الإنسان بها عن ذكر الله -عز وجل- والتفكر في عظمته وبديع صنعه فأمر خطير جداً، وكذلك الأماني التي تعوق عن الاستعداد ليوم المعاد، كما جاء في الحديث الصحيح: ((يشب ابن آدم ويشب معه خصلتان: حب الدنيا، وطول الأمل)) فمن أطال الأمل لا شك أنه يسوف في العمل، فإذا جاءه أمر الله بغتة ندم ولات ساعة مندم، فحري بالمسلم -لا سيما طالب العلم- أن يشمر في طلب ما يرضي الله -عز وجل- ويقرب إليه ويترك ما لا يحتاج إليه من هذه الأمور، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الأسئلة: هذا سائل يقول: يا فضيلة الشيخ ورد عن بعض الصحابة قولهم إذا سئلوا في أمر: أوقع هذا؟ فإن وقع حدثوا فيه بما يعلمون، وإن لم يقع قالوا: دعوه حتى يقع؟ فهل يدخل هذا في ترك ما لا يعني؟ وما حكم الاشتغال بمعرفة أحكام ما لا يتعلق بالذمة، أو ما لم يقع؟ وهل يعتبر ناقل الفتوى من القائل على الله بغير علم؟

أما ما عرف عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين من تدافعهم الفتوى، لعلمهم بخطرها، وعظم شأنها فالمفتي موقع عن الله -جل وعلا-، فإذا وجد من ينوب بها ويقوم بها ويسقط الواجب فعلى الإنسان أن يدفعها، ومن وجوه الدفع أن يقال للسائل إذا كان السؤال لا فائدة عملية من ورائه، أن يسأل: هل وقع أم لم يقع؟ وهذا وجه من وجوه الدفع، أما إذا كان السائل من طلاب العلم الذي يريد أن يعرف هذه المسألة، وما تفرعت عنه، ويقيس عليها نظائرها، كما وجد من العلماء الأئمة المتبوعين في كتبهم وكتب أتباعهم من تفريع المسائل وتشقيق المسائل لتمرين الطلاب، لتمرين الطلاب عليها، هذا لا بأس والحاجة داعية إليه، لكن إذا عرف من السائل أنه لا يستفيد من هذا السؤال، يصرف عنه، ويصرف عنه بما هو أهم منه، فإذا سأل شخص أمر لا يحتاجه أجيب بما يحتاج إليه، بقدر الإمكان، وهذا يسمونه الأسلوب الحكيم، قد يسأل الإنسان سؤال ليس بحاجته، سأل طفل في الثالثة ابتدائي سأل أحد الشيوخ قال: ما حكم حلق شعر الصدر؟ الطفل ما بعد صار له شيء، قال: أنت هذا السؤال لا ينفعك ولا يفيدك، فاسأل عما يفيدك، مثل هذا السؤال تعرف أنه ليست واقعة نازلة لا يجوز كتم العلم فيها، هذه كتمها فيها مندوحة، فكون الإنسان يصرف عن سؤاله إلى ما هو أهم منه، لا سيما إذا ظهر من السائل أنه لا علاقة له بالسؤال، أو لا يعنيه السؤال، كالعامي أو آحاد الناس، يسأل في مسائل عملية كبرى، قد يكون فيها مصير للأمة بكاملها، يسأل واحد من أفراد الناس، يصرف عنها، هذا السؤال لإنسان له دور له أثر، إذا عرف الجواب، فيصرف إلى ما يعنيه، فالسؤال يدخل، الذي لا يعني الشخص يدخل دخولاً أولياً في حديث اليوم: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) قد يجاب بعض الناس إذا سأل بعض الأسئلة أن يقال: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) ويجاب بهذا؛ لأن هذا الأمر لا يعنيك. أما ناقل الفتوى إذا كان المفتي الأول ممن تبرأ الذمة بقوله، فناقل الفتوى مأجور، مأجور مشيع للخير، أما إذا كانت الفتوى ممن لا تبرأ الذمة به، أو مما هو من زلات العلماء فهذا لا شك أنه إشاعة لمثل هذه الزلات، ولا يجوز.

وهذا يقول: كثير من الشباب الذين يشتغلون بطلب العلم ضعفت همتهم وخفت عزيمتهم بسبب الظروف الراهنة، والمصائب الحالة على المسلمين، وصرنا نسمع عبارات منها قول بعضهم: إلى متى تقرؤون هذه الكتب القديمة، وإخوانكم يقتلون في كل مكان، إلى آخر مثل هذه الأقوال. فما توجيهكم حفظكم الله؟ هذا الأسلوب أسلوب تخذيل؛ لأن الإنسان الذي يقول مثل هذا الكلام لم يسع إلى حل ينفع الأمة ويخرجها من مأزقها أبداً، هو يردد هذا الكلام ليخذل من شمر في طلب العلم، وليس بيده حل آخر، ولا أنفع للأمة بكاملها من الرجوع إلى دين -جل وعلا- وإلى كتابه إلى دستورها العظيم. هو الكتاب الذي من قام يقرؤه ... كأنما خاطب الرحمن بالكلم فيه المخرج من جميع الفتن، فإذا تركنا كتاب الله -جل وعلا-، وتعلقنا بتحليلات صحف وأخبار إذاعات وقنوات ماذا نجني؟ ماذا نجني من ضياع الوقت في هذه الأمور التي نجد أننا على ثغر ونتابع الأخبار وقد لا نقدم ولا نؤخر، لكن على طالب العلم أن يعنى بما هو بصدده من طلب العلم وتحصيله وإصلاح نفسه وإصلاح من تحت يده، ومن يستطيع إصلاحه، هذا هو الواجب في مثل الظروف، والالتفات إلى أهل العلم والالتفاف حولهم، والاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وبسلف هذه الأمة. كثيرة الأسئلة التي سطرت بمحبتك في الله يا فضيلة الشيخ؟ أحبكم الله الذي أحببتموني فيه. وهذا سائل يقول: ما رأيك بما يستشهد بهذا الحديث على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي جاء الأمر به والتأكيد عليه، حتى عده جمع من أهل العلم ركن من أركان الإسلام ((من رأى منكم منكراً فليغيره ... )) هل نستطيع أن نقول: هذا لا يعنينا؟ هل يستطيع مسلم أن يقول: هذا لا يعنيني؟ مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من رأى منكم منكراً فليغيره .... )) {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} [(104) سورة آل عمران] مع هذه النصوص يستطيع ساذج فضلاً عن طالب علم أن يقول: هذا الأمر لا يعنينا ليدخل في الحديث: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) هو يعنيك بالدرجة الأولى، لا سيما إذا رأيت هذه المنكرات، فالحديث: ((من رأى منكم منكراً ... )) المنكر يعني كل من رآه، فهو مأمور بتغييره، لكن التغيير يختلف من شخص إلى شخص، منهم من يستطيع التغيير بيده، يلزمه ذلك، منهم من لا يستطيع التغيير بيده ينتقل على الثاني يغير بلسانه، منهم من لا يستطيع التغيير بلسانه ينتقل إلى التغيير بالقلب، على أن لا يغير المنكر بما يترتب عليه منكر أعظم منه، المسألة تحتاج إلى سياسة شرعية، أما كون المنكر لا يعنينا هذا الكلام ما هو بصحيح، يعنينا بالدرجة الأولى، نحن مأمورون بتغييره، كل من رأى المنكر مأمور بتغييره، إلى أن يتغير المنكر، ويأثم من لم يغير المنكر.

الأمر الثاني: أن المنكر لا سيما المنكر الظاهر، سبب لهلاك الجميع، فإذا كثر الخبث وانتشر ولا يوجد من يغيره ومن ينكره هلك الناس، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: ((نعم، إذا كثر الخبث)) فإذا تتابع الناس على عدم الإنكار وتواطؤا على ذلك، وشاعت المنكرات انتشرت فما يقال: بكثير من المعاصي الآن عمت بها البلوى، هل تريدون مثل هذا أن تعم البلوى بالزنا؟ أن تعم البلوى بالربا؟ فلا يستطيع الناس الانفكاك منه، إذا تواطأ الناس على تركه رآه فلان وفلان وعلان. . . . . . . . . بينهم بحيث لا يستطيعون دفعه، تواطأ الناس على السكوت على بعض المنكرات التي هي في نظرهم صغيرة استفحلت وانتشرت بحيث صح فيها أن يقال: أنها عمت بها البلوى، فلا نستطيع إنكارها، عموم البلوى بها ضريبة السكوت الأول، فإذا كان مثل هذا القائل يرى أن الناس لا ينكرون المنكرات يرى هذا خلا بامرأة، وهذا يعقد صفقة ربا، وهذا يقذف فلان ولا ينكر، إيش معنى هذا الكلام؟ هذه المخالفة لأمره -عليه الصلاة والسلام- وأمر الله -جل وعلا- من قبل ذلك؛ فلا شك أنها من أعظم المنكرات، وإذا رأى الناس المنكر ولم يغيروه ماذا يحدث لهم؟ أوشك الله أن يعمهم بعقابه، نسأل الله -جل وعلا- أن يلطف بنا. وهذا سائل يقول: ما رأيك في موقع الدرر السنية على الإنترنت الخاص بالحكم على الأحاديث من خلال أقوال العلماء وهل هو موثوق؟ أنا لا أدخل في المواقع ولا أعرفها، لا أدخل المواقع ولا أعرفها، لكن ينقل لنا بعض الأشياء من بعض المواقع لكن تصوري ليس بكامل عن هذا الموقع، فلا أستطيع الحكم عليه. وهذا سائل يقول: هل الحديث عن الأحوال التي تمر بها الأمة وتحليلها ومتابعة أحداثها كما يحصل في العراق وفلسطين وغيرها يوماً بعد يوم يعد من ترك ما لا يعني؟

أما الاهتمام بشؤون المسلمين، الاهتمام بأمور المسلمين هذا أمر لا بد منه، ولا بد أن يكون الإنسان على اطلاع، لا يكون الإنسان مغيب، لا وجود له في المجتمع، عليه أن يطلع، لكن عليه بالتوازن، يطلع إطلاع ينفعه، وينفع غيره، يقدم حلول ممكنة، أما يطلع ويختفي بعدين ثم الفائدة إيش؟ لا بد إذا اطلع أن يسعى بجهده وطريقته بالأسلوب المناسب لبذل ما ينفع في حل هذه المشكلات، أما أن يصرف جهده ووقته ويفني عمره بالإطلاع من دون حل هذا لا ينفع، بل ينصرف إلى ما هو أهم منه. فعلى الإنسان ألا يكون غفل لا يعرف ما يدور في أمته وحوله، وعليه أيضاً ألا يصرف جهده إلى مثل هذه الأمور التي نفعها -إن وجد- لا سيما من آحاد الناس الذين لا يقدمون ولا يؤخرون، نفعها أقل من الانصراف بالكلية إلى تعلم العلم الشرعي والعمل به. وهذا هو السؤال الأخير يقول: فضيلة الشيخ آمل من فضيلتكم أن تضعوا قواعد يوازن الشباب بها بين طلب العلم والدعوة والعبادة والجهاد ومجالات النفع للمسلمين وجزاكم الله خيراً؟ أما بالنسبة للتوازن فللعبادة الخاصة عليه أن يعنى بما أوجب الله عليه، وما يسدد به ويرقع به خروم هذه العبادات، من نوافلها المطلوبة لتكميلها، عليه الصلوات المفروضة وتكميلها بالرواتب، وعليه بما حافظ النبي -عليه الصلاة والسلام- عليه، وبما حث عليه وما جاء عنه، عليه بالصيام والإكثار من نوافل الصيام من الأيام التي جاء الحث على صيامها ولا يصرف همه إلى عبادة من العبادات بحيث تعوقه عن غيرها، عليه أن ينوع هذه العبادات فتنويع العبادات كما أشرنا سابقاً من مقاصد الشرع.

لكن قد يفتح للإنسان باب يسهل عليه التلذذ بهذه العبادة وينشرح صدره لها ويسهل عليه غيرها، فيكثر من هذه العبادة ولا ينسى غيرها مع أن الطالب في دور الشباب عليه أن يتجه إلى العلم، إلى تحصيل العلم، وما علمه يعمل به، ويدعو غيره إليه، وعليه أن يكون في أموره متوازناً بحيث لا يتجه إلى العلم بالكلية ويترك الأمر والنهي والدعوة ويترك أيضاً نوافل العبادات مشتغلاً بالعلم؛ أهل العلم يقولون: أن الاشتغال بالعلم أفضل من نوافل العبادات، لكن يبقى أن المسألة توازن، يعني أفضل من نوافل العبادات هل تترك الرواتب من أجل تحصيل العلم؟ لا تترك الرواتب وهي من نوافل العبادات من أجل تحصيل العلم، نعم الذي له عادة يقرأ القرآن في ثلاث، وقراءته القرآن في ثلاث تعوقه عن متابعة تحصيل العلم، نقول: يا أخي اقرأ القرآن في سبع واصرف بقية الوقت لتحصيل العلم، الذي يصلي اليوم والليلة مائة ركعة، نقول: صل أربعين ركعة وزد عليها الشيء اليسير بحيث تصرف بقية الوقت إلى تحصيل العلم، وهكذا بقية نوافل العبادة، على الإنسان أن يكون في أموره كلها متوازناً. والله المستعان.

ولا تختلفوا فتفشلوا

بسم الله الرحمن الرحيم ولا تختلفوا فتفشلوا الشيخ/ عبد الكريم الخضير الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: في هذه الساعة من هذه الليلة المباركة، نجتمع في بيت من بيوت الله، نتذاكر جملاً من مسائل العلم المتعلقة بالخلاف بين أهل العلم، والنزاع المبني على الدليل، وهذا هو المضنون بأهل العلم.

وعنوان المحاضرة اطلعت عليه أخيراً بعد الإعلان، ولعل هذا سربه الاختلاف في فهم بعض الأمور بين الإخوان المرتبين لهذه المحاضرات وبين المكتب، أما أنا ما مر علي هذا العنوان بهذه الصيغة (ولا تختلفوا فتفشلوا) لأنه كأنه منزوع من نص، والنص {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ} [(46) سورة الأنفال] والنصوص في هذا الباب كثيرة جداً، منها ما جاء بالنزاع ومنها ما جاء في الاختلاف، وكلها جاءت من النصوص الملزمة من كتاب الله، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، لكن اللفظ المعلن عنه لا يوجد ما يؤيده من الكتاب ولا من السنة بلفظه، وإن كان المعنى موجود، الله -جل وعلا- قد حث على الاجتماع، حث على الاجتماع، {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} [(103) سورة آل عمران] فنهى عن الفرقة والاختلاف, وحث على الاجتماع والائتلاف، وجاء من نصوص الكتاب والسنة ما ذكرت بعضه، من قوله -جل وعلا-: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ} [(152) سورة آل عمران] وعصيتم من بعد ما أراكم من تحبون، فالنزاع يؤدي إلى الخصام، والخصام لا شك أنه مؤد إلى الضعف، {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ} [(43) سورة الأنفال] {إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللهُ وَلِيُّهُمَا} [(122) سورة آل عمران] {وَأَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ} [(46) سورة الأنفال] والتنازع والمنازعة المجاذبة، ويعبر بهما عن المخاصمة، والمجابذة، يقول الله -جل وعلا-: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} [(59) سورة النساء] هنا يكون الاحتكام إلى الله ورسوله عند وجود الخلاف، فردوه إلى الله والرسول، ومن الرد إلى الله والرسول الرد إلى القواعد العامة المستنبطة مما جاء عن الله وعن رسوله، وإلى الأصول المأخوذة من الكتاب والسنة، يقول -جل وعلا-، وقال تعالى: {فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} [(62) سورة طه] والفشل ضعف مع جبن، إذا كان عند التنازع والمنازعة

والنزاع المجاذبة والمشادة والمخاصمة والمجادلة، فالفشل المرتب على هذا النزاع هو ضعف مع جبن، وتفشل الماء إذا سال، وفي تهذيب اللغة قال الليث: رجل فشل، وقد فشل يفشل عند الحرب، والشدة إذا ضعف وذهبت قواه، ويقال: إنه لخشل فشل، وإنه لخشل فشل، يقول الله -جل وعلا-: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [(46) سورة الأنفال] يقول الزجاج: أي تجبنوا عن عدوكم إذا اختلفتم، ولا شك أن الاختلاف والتنازع في الآراء سبب للفرقة والفشل مما يجعل المختلفين لقمة سائغة لأعدائهم، وهنا شواهد الأحوال على هذا قائمة، لما كانت الأمة متحدة تحت راية واحدة، ومندرجة تحت قول واحد عمدته الكتاب والسنة، ولا يعني أنه لا يوجد خلاف في الآراء يوجد خلاف، لكن خلاف لا يؤدي إلى الفرقة، الإشكال في الخلاف المؤدي إلى التنازع والمخاصمة والفرقة، الاجتماع في الرأي والكلمة، ألفة ينشأ عنها اتحاد وقوة، والاختلاف في الظاهر يؤدي إلى الاختلاف في الباطن، وهذا لا شك فيه، كما أن الاتفاق في الظاهر يؤدي إلى الاتفاق في الباطن، ولهذا حرم النبي عليه الصلاة والسلام التشبه بالكفار، لأن موافقتهم في الظاهر تؤدي إلى موافقتهم في الباطن، والعكس بالعكس، خلاف معهم في الظاهر يؤدي إلى منابذتهم في الباطن، وقل مثل هذا في الخلاف والوفاق مع المخالفين من المسلمين، بالنسبة للاختلاف، وهذا في النصوص التي تقدمت في النزاع، وهذا في الاختلاف، {فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا} [(213) سورة البقرة] فالخلاف الذي سببه البغي والعدوان هذا يؤدي إلى النتيجة التي جاء ذمها في القرآن والسنة، {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [(19) سورة آل عمران] {فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [(37) سورة مريم] {فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ} [(65) سورة الزخرف] {وَمَا

اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [(10) سورة الشورى] {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} [(176) سورة البقرة] {وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ} [(213) سورة البقرة] قال -جل وعلا-: {فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ} [(213) سورة البقرة] فالذين آمنوا يوجد معهم الاختلاف، لكن هداية وتوفيق، وغيرهم يوجد بينهم خلاف لكن مع خصام ونزاع وجدال يفضي إلى الخذلان –نسأل الله العافية-.

{وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [(105) سورة آل عمران]، {وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ} [(14) سورة الشورى] {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ} [(19) سورة يونس] {فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ} [(93) سورة يونس] {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [(64) سورة النحل] {قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} [(63) سورة الزخرف] {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [(76) سورة النمل] {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [(3) سورة الزمر] {أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} [(46) سورة الزمر] {وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} [(63) سورة الزخرف] لأنه لو بين جميع ما يختلف فيه لارتفع الاجتهاد، الذي هو من نعم الله -جل وعلا- على هذه الأمة، الاجتهاد الذي رتبت عليه الأجور، لمن تأهل له ونظر في النصوص بتجرد، من غير هوى، ومع ذلكم فإن أصاب الحق فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد، لا يقال: كيف هذه النصوص مع وجود الخلاف الكثير، بين الصحابة فمن بعدهم، يوجد خلاف بين الصحابة في مسائل كثيرة من العلم، يوجد خلاف بين أبي بكر وعمر، يوجد خلاف بينهما وغيرهما، وهذا كله مبناه ومرده إلى أمور تذكر فيما بعد إن شاء الله تعالى. الاختلاف والمخالفة:

الاختلاف والمخالفة: أن يأخذ كل واحد طريقاً غير طريق الآخر، في حاله أو قوله، يعني هذا إذا ذهب من جهة اليمين، وذاك من جهة الشمال، ببدنه اختلفا، لكن لو صارا في طريق واحد حصل الاتفاق بينهما، وقل مثل هذا في الأقوال، إذا قال هذا يجب وقال هذا يحرم، اختلف، والخلاف أعم من الضد، لأن كل ضدين مختلفان، وليس كل مختلفين ضدين، الخلاف أعم من الضد، لأن كل ضدين مختلفان، لأنه لا يمكن أن يجتمع الضدان، فهما مختلفان، وليس كل مختلفين ضدين، ولما كان الاختلاف بين الناس في القول قد يقتضي ويفضي إلى التنازع استعير ذلك للمنازعة والمجادلة، قال الله تعالى: {فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ} [(37) سورة مريم] وقال أيضاً: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} [(118) سورة هود] فهذه الاختلاف بين الناس في الأقوال لا شك أنه قد يفضي إلى التنازع والمجادلة والمخاصمة والفرقة لا سيما إذا كان منشأ الاختلاف عن هوى، لا بحثاً عن الحق، أما من يبحث عن الحق فلن يحصل منه شيء من هذا، الذي يبحث عن الحق لا شك أنه يوفق ويسدد سواء أصاب الحق أو لم يصبه.

جاء في الحديث: ((اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك)) ففيه طلب الهداية إلى الصواب والحق في الأمور المختلف فيها جاء أيضاً أن الاختلاف سبب لرفع ما ينفع، سبب لرفع ما ينفع، فتلاحى رجلان فرفعت، اختصم رجلان واختلفا، فرفعت يعني ليلة القدر، رفع العلم بها، خرج النبي عليه الصلاة والسلام لخبرهم فيها، لكنه تلاحى رجلان، وهذا من شؤم الخلاف، وإن كانت العاقبة حميدة لهذه الأمة بأن يكثر الاجتهاد، ويطول زمن التعبد والاتصال بالله -جل وعلا- فتعظم الأجور، فالخيرة فيما يختاره الله سبحانه وتعالى، إن من كان قبلكم اختلفوا فأهلكهم الله بسبب خلافهم، وجاء في يوم الجمعة: هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه –يعني وهدانا الله -جل وعلا- لاختياره –الذي فرض على الأمم يوم الجمعة، فاختلفوا فاختار اليهود يوم السبت، واختار النصارى يوم الأحد، وهدى الله هذه الأمة إلى ما يريده الله -جل وعلا- ويرجوه، أفضل الأيام، وجاء في الحديث الصحيح: ((نحن الآخرون السابقون يوم القيامة)) يعني بالنسبة للزمان في الدنيا نحن الآخرون، آخر الأمم، لكن يوم القيامة نحن السابقون، والسبب في ضلالهم عما افترض عليهم واختلافهم، وفي الحديث الصحيح رواه أحمد وغيره: ((حتى أكتب لأبي بكر كتاباً لا يختلف عليه)) وفي الحديث أيضاً المخرج في صحيح مسلم: ((استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم)) وهذا فيه دليل على أن الاختلاف في الظاهر، يجر إلى الاختلاف في الباطن، ومنه أيضاً: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم)) في البخاري عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال: "أقضوا كما كنتم تقضون، فإني أكره الاختلاف، اقضوا كما كنتم تقضون، فإني أكره الاختلاف، حتى يكون الناس جماعة" يعني اختلف رأيه بالنسبة لأمهات الأولاد، مع رأي أبي بكر وعمر، نعم، لكنه مع ذلك قال: "اقضوا بما كنتم تقضون به" لأن المسألة اجتهادية، اقضوا كما كنتم تقضون فإني أكره الاختلاف، حتى يكون الناس جماعة، أو أموت كما مات أصحابي، قال ابن حجر: "فإني أكره الاختلاف" أي الذي يؤدي إلى النزاع، قال ابن كين: "يعني مخالفة أبي بكر وعمر" وقال غيره: المخالفة

التي تؤدي إلى النزاع والفتنة، ويؤديه قوله بعد ذلك، حتى يكون الناس جماعة، حتى يكون الناس جماعة، جاء في الخبر: ((اختلاف أمتي رحمة)) وهذا الخبر لا أصل له، ولا يوقف له على إسناد، ذكره نصر المقدسي والبيهقي بغير سند، وأورده الحليمي أيضاً، لكنه خبر لا أصل له، وهو معارض بقول الله -جل وعلا-: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ} [(119) سورة هود] فدل على أن الاختلاف ليس برحمة، نعم ما يؤدي إليه بعض الاختلاف المبني على الاجتهاد الذي ليس فيه معارضة ولا مصادمة لنص ثابت صريح صحيح، مثل هذا قد يكون فيه سعة، ورحمة لبعض الناس، لا سيما بالنسبة لمن فرضه التقليد، تقليد أهل العلم، إذا كان مقلداً لإمام بعينه، تبرأ الذمة بتقليده، وقوله أخف من قول غيره، لكن لا يعني هذا أن للإنسان الذي فرضه التقليد، سواء كان عامياً أو طالب علم مبتدئ في حكم العامي، أنه يتنقل في المذاهب بحثاً عن الأسهل وهذا ما يعرف عند أهل العلم بتتبع الرخص، مثل هذا لا شك أنه يخرج من الدين وهو لا يشعر، لأنه ما من مسألة إلا وفيها أقوال، فإذا كان ينتقى من هذه المسائل أسهل الأقوال، هذه المسألة فيها ثلاثة أقوال لأهل العلم، قال أحمد: حرام، وقال أبو حنيفة: مكروه، وقال مالك: جائز، يأخذ رأي مالك في هذه المسألة، جاءت مسألة بالعكس، قال مالك: حرام، قال أبو حنيفة: مكروه، قال أحمد: جائز، يأخذ برأي أحمد في هذه المسألة، هل هذا هو المراد؟ مثل هذا يخرج من الدين بالكلية، يتنصل عن جميع الشرائع، ولا يبقى عنده إلا ما علم من الدين بالضرورة، مما اتفق عليه وأجمع عليه العلماء، ولهذا يقولون: من تتبع الرخص تزندق، يعني يخرج من الدين وهو لا يشعر، مثل هذا لا يسوغ له أن ينتقل وينتقى من المذاهب، بل إذا قلد إماماً رأى أن ذمته تبرأ بتقليده امتثالاً لقول الله -جل وعلا-: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [(7) سورة الأنبياء] يلزمه قوله في كل مسألة، اللهم لو حجة، بدليل صحيح صريح في المسألة، فانتقل من تقليد هذا الإمام إلى اعتماد هذا الدليل، فيبرأ من هذه، بل هناك كتاب اسمه: (رحمة الأمة في اختلاف الأئمة) رحمة الأمة في

اختلاف الأئمة، وهو مبنى على هذا الحديث الذي لا أصل له، وهو لمحمد بن عبد الله الدمشقي الشافعي، اسمه رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، وعرفنا أن الحديث لا أصل له، ابن مسعود -رضي الله عنه- فيما رواه أبو داود في كتاب المناسك، عبد الله بن مسعود صلى أربعاً في الحج، وهو يرى القصر، وقد عاب على عثمان -رضي الله عنه- أنه صلى أربعاً لو قصر أفضل، صلى ابن مسعود أربعاً فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت أربعاً، قال: الخلاف شر، الخلاف شر، الخبر، وإن كان في إسناده جهالة، لكنه صار عمدة ومطية لكثير ممن أراد أن يوافق حسب هواه بعض المخالفين، فإذا وجد في بلد يعتمدون على إمام بعينه ثم حضر عندهم أو وجد بينهم، تجده يوافقهم ويقول الخلاف شر، يترك بعض الواجبات ويقول: الخلاف شر، وأحياناً يرتكب بعض المحرمات ويقول: الخلاف شر، لكن هل هذا الكلام على إطلاقه؟ إن صح عن ابن مسعود، الخلاف في جملته شر، والوفاق والاتفاق خير، لكن يبقى أنه هل كل خلاف شر، يعني هل معنى هذا أننا إذا قدمنا إلى بلد وأهله على مذهب معين يعملون عملاً هو في نظرك واجتهادك محرم، تقول: الخلاف شر، وتعمله، وتوافقهم على ما يعملون، ذهبت إلى بلد أهله حنفية، يشربون النبيذ، تشرب النبيذ وتقول: الخلاف شر، أو أهله مالكية، يأكلون من اللحوم ما ترى تحريمه تأكل معهم وتقول: الخلاف شر، وأنت عندك الدليل الواضح الصريح على منعه وتحريمه، أو تترك بعض الواجبات بناء على أن الخلاف شر، لا شك أن الجملة في أصلها في جملتها، لها أصل لكن يبقى أنها تحتاج إلى تقييد، تحتاج إلى تقييد، هناك قواعد يطلقها أهل العلم تحتاج إلى تقييد، هنا الخلاف شر، يعني ترى المحرم وترتكب المحرم وتقول: الخلاف شر، نعم إذا كانت المسألة خلاف بين فاضل ومفضول، أنت عندك سنة وهم عندهم مباح مثلاً، ويفعلونه تقول: الخلاف شر أو العكس، هم يفعلون أمراً يرونه مباحاً وأنت تراه مكروه، لا مانع الخلاف شر، لكن يبقى أنه لا احتياط فيما تعارض فيه الأقوال معارضة بينة، أنت تراه واجب وهم يرونه محرم تتفق معهم وتقول: الخلاف شر، هذه لا بد من تقييدها، أهل العلم يطلقون أيضاً العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ونقلوا الاتفاق على ذلك،

على أنه أحياناًَ يحتاج إلى اللجوء إلى السبب والتخصيص به لأن عموم اللفظ معارض بما هو أقوى منه، فيحتاج إلى تقييد مثل هذه القواعد التي يطلقها أهل العلم، فإذا كان الخلاف بين فاضل ومفضول، وأردت أن توافقهم ارتكاباً للمفضول، أو كانت المسألة مسألة اجتهادية ليس فيها نص صريح صحيح نعم، مسألة اجتهادية، فلك أن ترتكب القول المرجوح، لا سيما إذا كان يترتب عليه مصلحة راجحة، أما إذا كان عمدة المسألة، إذا كان عمدة المسألة دليلاً مرفوعاً صحيحاً صريحاً، فلا مندوحة لك من العمل به مهما ترتب عليه، ولا اختلاف مصدر اختلف، وهو نقيض الاتفاق، يقول ابن منظور: اختلف الأمران لم يتفقا، وكل ما لم يتساوى فقد اختلف، والخلاف المضادة، وخالفه إلى الشيء عصاه إليه أو قصده بعد أن نهاه عنه، الحديث يقول: فأخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة، يعني أقصدهم، هؤلاء الذين تخلفوا عن الصلاة، يخالف إليهم النبي عليه الصلاة والسلام بمعنى أنه يقصدهم في منازلهم، والخلف والخلاف والاختلاف عند الفقهاء بمعنى، عند الفقهاء بمعنى واحد، وقد يطلق على الخلاف النزاع، وهذا كثير على ألسنة أهل العلم، يسمونه نزاع، مع أنه جاء ذم النزاع والمنازعة والتنازع، فكثيراً ما يقولون: تحرير محل النزاع، يعني محل الخلاف، يعني إذا قيل لك هل البسملة آية من القرآن، أو ليست بآية؟ تقول: أولاً: نحرر محل النزاع، وذلك بإخراج المسائل المتفق عليها، ثم يبقى المسائل المختلف فيها، تحرير محل النزاع تقول: اجمعوا على أن البسملة بعض آية من سورة النمل، وأنها ليست بآية في أول براءة، ثم اختلفوا فيما عدا ذلك، هنا حررت محل النزاع، وهو خلاف، يسمونه نزاع، ودرجوا على هذا، يطلق بعض الفقهاء على مخالفي مذهبه الخصوم، الخصوم دليلنا ودليل الخصوم، هذا موجود في كتب أهل العلم، أو ما هو موجود؟ نصب الراية ما هو مبني على هذا، دليل الخصوم، يعني المخالفين، هل نفهم من هذا أن هؤلاء العلماء الذين أطلقوا على الخلاف نزاع، وأطلقوا على المخالف خصم، أنهم يحملون في قلوبهم شيئاً على هؤلاء المخالفين، أو أن هذه ألفاظ اصطلاحية درجوا عليها، ولا يعني أن في قلوبهم شيئاً عليهم، يعني أصل الكلمة قد يكون قوي جداً،

لكنها مع كثرة الاستعمال ولو في الألسنة لها قد يخص مدلولها العرفي، نعم، ولا معنى صاحب نصب الراية فقيه محدث، نعم هو فقيه حنفي، ينتصر لمذهبه، لكن يبقى أنه من أهل العلم، هل معنى هذا أنه يحمل في قلبه حقداً على خصومه فيما يقتضيه لفظ الخصومة والمخاصمة، هل نقول: أن هذا موجود، أو أنا نقول أن العلماء تداولوا هذه الألفاظ، وكثرت على ألسنتهم، وصاروا يلفظون بها، ويكتبونها في مصنفاتهم من غير قصد لمعناها الأصلي. بعض العلماء يفرق بين الاختلاف والخلاف، كيف؟ قد عرفنا أن الخلف والخلاف والاختلاف بمعنى، يقول الناظم: جرى الخلف أما بعد من كان بادئاً (يعني الاختلاف). ويقول الحافظ العراقي: والخلف في مبتدع ما كفرا (والمراد به الخلاف). ويطلق هنا الخلف والمراد به الخلاف والاختلاف. بعضهم يفرق بين اللفظين الخلاف والاختلاف، يقولون الأول: الذي هو الاختلاف، يستعمل في قول بني على دليل، يسمونه اختلاف، والثاني: فيما لا دليل عليه، يسمونه خلاف، وأيد ذلك التهنوي في كشاف اصطلاحات الفنون، أن القول المرجوح في مقابلة الراجح يقال له: خلاف لا اختلاف، قال: والحاصل منه ثبوت الضعف في جانب المخالف في الخلاف كمخالفة الإجماع وعدم ضعف جانبه في الاختلاف، لكن هل هذا التفريق معتبر في إطلاق كثير من أهل العلم، لا نرى له أثراً في كثير من إطلاقات أهل العلم لهذين اللفظين، تسمعون قالوا: خلاف أو اختلاف. الخلاف أنواع:

منه اختلاف التضاد: وهو الخلاف الحقيقي، وهو الذي لا يمكن التوفيق بين الأقوال المندرجة تحته، اختلاف تضاد، يعني حينما يقال هذا حرام وهذا واجب، هل يمكن أن نستطيع التوفيق بين القولين، ونعمل بالقولين، لا يمكن أن نوفق بين هذين القولين، والاحتياط في مثل هذا مستحيل، فلا بد أن نرجح هذا أو هذا، لأن الاختلاف من اختلاف التضاد، هناك اختلاف تنوع، وهذا يمكن الجمع بين جميع الأقوال، فمثلاً ما أثر عن النبي عليه الصلاة والسلام من أدعية الاستفتاح، هل نقول نرجح بين هذه الأدعية ونعمل بواحد منها أو نقول هذا اختلاف تنوع، بمعنى أننا نستفتح بهذا، ونستفتح بالثالث، وإذا عرفنا أن بعضها يقال فيه ظرف في حال أو في وقت عملنا به، وقل مثل هذا في صيغ التشهد، وقل مثل هذا فيما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام، ربنا لك الحمد، ربنا ولك الحمد، اللهم ربنا لك الحمد، اللهم ربنا ولك الحمد، هل نرجح بأن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى ونعتمد ما اجتمع الواو، واللهم لأنه أكثر، أو نقول: كلها ثابتة، فأحياناً نقول هذا، ونقول هذا، ولعل هذا هو المتجه، يعني حينما يختلف المفسرون في تفسير الصراط، وفي كثير من ألفاظ القرآن ما هو من هذا النوع اختلاف تنوع، وأشار إلى هذا شيخ الإسلام، وضرب له أمثلة في مقدمة التفسير الأول اختلاف التضاد، ينقسم إلى اختلاف معتبر، واختلاف غير معتبر، اختلاف معتبر واختلاف غير معتبر، فالمعتبر ما دل عليه الدليل، يعني له مأخذ شرعي، فهو خلاف معتبر، أما ما لا دليل عليه، مما بني على استحسان أو اجتهاد أو قياس في مقابل النص، فالقياس في مقابل النص عند أهل العلم فاسد الاعتبار، هناك خلاف أيضاً يتساهل فيه أهل العلم، وخلاف يتشددون فيه، فالخلاف في أصول الدين مثلاً، الخلاف في أصول الدين المسائل المتعلقة بأصول الدين، وهو مسائل الاعتقاد، لا تخلو إما أن يثبت اتفاق السلف عليها بحيث لا يوجد بينهم مخالف، كوجود الله ووحدانيته وأسمائه وصفاته التي جاءت النصوص الصريحة بها، فهذا القسم لا يسوغ فيه الخلاف، ولا يعذر فيه المخالف، ويطلق عليه حينئذ مبتدع، الذي يخالف في مسائل الاعتقاد، التي اتفق عليها الصحابة والتابعون، ومن تبعهم من

سلف هذه الأمة وأئمتها، مسائل الخلاف، مسائل الاعتقاد التي ثبت فيها الاختلاف بين السلف، وهذه في الغالب إذا كانت الأدلة محتملة، إذا كانت الأدلة محتملة للنفي والإثبات كاختلافهم في رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه ليلة الإسراء، تقول عائشة: من زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم الفرية، وابن عباس يثبت الرؤية، فترجيح أحد القولين سائغ، لكن بالدليل، بالمرجح، لا عن هوى، هناك مسائل صفات مثلاً يتفق أهل العلم على أنها من آيات الصفات، ويبقى وجه ربك، السمع والبصر وغيرها مما ثبتت بالنصوص القطيعة من الكتاب والسنة، هذه ليس بين سلف هذه الأمة خلاف فيها، لكن هناك آيات يختلف هل هي من آيات الصفات؟ {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} [(115) سورة البقرة] وهناك أيضاً ما لا يقوى الدليل على إثبات الصفة به، من وجهة نظر المخالف، فعلى سبيل المثال صفة العزم، هل تثبت لله -جل وعلا-، صفة العزم، شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى أثبت لأهل السنة هذه الصفة، قولين، قال: القول الأول: لا تثبت صفة العزم لله -جل وعلا- لماذا؟ لأنه لم يرد فيها حديث صحيح صريح مرفوع عن النبي -صلى الله عليه وسلم- والصفات توقيفية، القول الثاني: وهو الأصح، كما يقول شيخ الإسلام أننا نثبت العزم لله -جل وعلا-، هل فيه حديث صريح الرفع، الباب توقيفي، كيف يقول شيخ الإسلام وهو الأصح، فيه آثار، لكن من أقواها ما جاء عن أم سلمة كما في كتاب الجنائز من صحيح مسلم: "فعزم الله لي فقلتها" فأثبتت صفة العزم وأن الله يعزم، ولم تصرح برفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، لكن مثل هذا هل تقوله أم المؤمنين من غير توفيق؟ هل تدرك أم المؤمنين مثل هذا من غير أن تسمع من النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه شيئاً، نقول هذا له حكم الرفع، لأنه لا يقال بالاجتهاد ولا بالرأي، ولهذا أثبتوا صفة العزم بهذا الخبر، ومن نفاها فله سند، فمثل هذا يسوغ فيه الخلاف، أما ما اتفق عليه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام، فهذا لا مندوحة لأحد في أن يخالف فيه، الخلاف في الفروع، وهو عند أهل العلم أسهل، ولهذا لم يبدعوا أحداً من المخالفين في المسائل الفرعية، الإمام مالك

-رحمه الله- خرج حديث ابن عمر: ((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا)) ومالك يقول: لا خيار، بلغه، ورواه، وخرجه، وروي الحديث من طريقه، هل نقول الإمام مالك مبتدع، لأنه ما أثبته الخبر هو تأول الخبر، ما قال نعم الحديث صريح في خيار المجلس ولا أرى خيار المجلس، هذا مصادمة للنبي عليه الصلاة والسلام، فمثل هذه خطر عظيم جداً، ولا يمكن أن يقول الإمام مالك أو غير مالك بهذا القول، الإمام مالك تأول الخبر، يعني ما لم يتفرقا، بالكلام، وابن حزم يرد على مالك وأبي حنيفة في تأويل هذا الخبر، أنه لا بيع قبل التفرق بالكلام، والحديث يثبت البيع، والبيِّع والبيِّعان، أو يكون بيعين وهما لم يتفرقا في الكلام ما تم الإيجاب والقبول، هل يسمى بيع، ما يسمى بيع، فقولهم ضعيف مرجوح، ولهذا قال ابن أبي ذئب ينبغي أن يستتاب مالك، لماذا؟ لأن تأويله للخبر ضعيف، نعم هو متأول وله أدلة أخرى يدعم بها قوله، ويرى أن الحديث معارض بأدلة أخرى، وهو إمام من أئمة المسلمين، نجم السند وإمام دار الهجرة لا أحد يطعن فيه، لكن مع الأسف يوجد ممن يناقش الأئمة في مثل هذه المسائل، ويأتي بالألفاظ البشعة، كأن يقول: وبهذا قال مالك فأين الدليل؟ وأحياناً يقول: هذا قول من لا يؤمن بيوم الحساب، أو يقول: هذا قول فلان وهو لا يساوي رجيع الكلب، هل هذا من أدب المسلم فضلاً عن طلبة العلم، فضلاً عن أهل العلم، الخلاف له أدب، والقول لا يمكن أن يقبل بهذه الطريقة مهما كانت قوته، لأن النفوس لها حرم ينبغي مراعاتها، والرفق ما دخل في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه، وأنت تنظر تناقش إمام كبير سواء كان من الموجودين أو من المتقدمين، ينبغي أن تتأدب بأدب أهل العلم، عليك بالرفق، تناقش عالم من العلماء من المعاصرين، ترى أنه أخطأ، لكن أن تناقشه بأدب إن كنت نداً له فلا مانع من أن تبسط المسألة بأدلتها وتلزمه بقبولها ما لم يجب عنها، لكن إذا كنت طالب وهو شيخ، فلا تأتي بأسلوب تدخل إلى قلب الشيخ ليسمع لك، وبالمقابل هو أيضاً مخاطب بأدب آخر، وهو الوجوب والانصياع، لقال الله قال رسوله، لكن أنت أيضاً من أجل أن يقبل ما تأتي به، وأنت ترجو ثواب الله -جل وعلا-، بقبوله الحق، فأنت تعرض

ما عندك بالأسلوب المناسب، بعد أن تقدم بمقدمة بعد أن تبين له أنك استفدت منه، وأنه من أهل العلم والفضل وله فضل على الأمة، لكن هذه المسألة لو قيل فيها كذا؟ أو هل يثبت عنكم كذا؟ أو ما حجتكم في كذا؟ بالأسلوب المناسب اللطيف من أجل يقبل، لأنك تخاطب عالم، ما تخاطب إنسان عادي، ولا شك أن النفوس لها الحرم، وينبغي مراعاة هذه الحرم. المسائل الفرعية منها ما حصل عليه الإجماع، كالأمور المعلومة بالضرورة من دين الإسلام، فهذه لا يسوغ الخلاف فيها، ولا يجوز الخلاف فيها، بل بعضهم أو كأنهم يطبقون على أن من أنكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة أنه يكفر، يعني لو قال: بتحريم الخبز مثلاً، ولا تأويل له سائغ، يعني لو قال: هذا خبز، لا يجوز حرام أكله، طيب ليش حرام؟ قال: فيه تعفين معفن، فهو ضار، نقول: نعم هذه مقبولة، لكن خبز لا ضرر فيه نظيفة لا إشكال فيه أو تمر لا يضر، إذا حرمه، قد ثبتت النصوص القطعية بإباحته عند أهل العلم يكفي، نقول: مثل هذا لو أباح أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، لو أباح الزنا أو أباح شرب الخمر وهو ممن لا يخفاه مثل هذا فإنه يحكم بكفره عند أهل العلم، وإن كانت مصنفة ضمن المسائل الفرعية.

الفروع الاجتهادية التي قد تخفى أدلتها، هذه المسائل وهذه الفروع الخلاف فيها واقع في الأمة قديماً وحديثاً، ولن يرتفع مثل هذا الخلاف، خلاف واقع بين الصحابة، كاختلاف الفهوم أو فيما يتعلق بالأدلة على ما سيأتي هذا الخلاف موجود، ولا تثريب على من خالف ويعذر المخالف حينئذ لخفاء الأدلة أو لتعارضها أو لاختلاف ثبوتها كما سيأتي التفصيل، لكن من ترجح عنده قول بدليله لا يسوغ له مخالفته، بل عليه أن يعمل بما ترجح عنه وما يدين الله به، معتمداً على الدليل الذي هو عمدة المسألة يقول شيخ الإسلام: لا شك أن ما يحتاج المسلمون إلى معرفته فإن الله -جل وعلا- نصب على الحق فيه دليلاً، ما يحتاج المسلمون، يحتاج المسلمون إلى معرفته، هذا لا شك أن الله -جل وعلا- قد نصب على الحق فيه دليلاً، لكن هذا الدليل المنصوب، لمعرفة الراجح من المرجوح قد يدركه بعض أهل العلم دون بعض، وهذا لتعظم الأجور المرتبة على الاجتهاد، وإلا لو كانت المسائل كلها أدلتها قطعية لا تحتمل ما صار للاجتهاد مجال التي رتبت عليه الأجور ورفع بسببه درجات أهل العلم. أسباب الخلاف: شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- له رسالة في الباب أسماها رفع الملام عن الأئمة الأعلام، وهي مطبوعة مرات وتداولها الناس ويتداولها أهل العلم وطلاب العلم، وهي جديرة وحرية بالعناية والاهتمام من قبل طلاب العلم، وهناك كتب أخرى في الباب منها الإنصاف في التنبيه على أسباب التي أوجبت الاختلاف بين المسلمين في آرائهم، لأبي محمد عبد الله بن محمد بن السيد بطليوسي الأندلسي توفي سنة إحدى وعشرين وخمسمائة، وهناك أيضاً الإنصاف في بيان أسباب الخلاف للدهلوي، وهناك مشاركات للمعاصرين أيضاً جمعوا فيها من أقوال المتقدمين ما ينفع في هذا الباب، إذا اطلعنا على هذه الكتب عذرنا الأئمة ولذا يقول شيخ الإسلام في كتابه الذي سماه رفع الملام عن الأئمة الأعلام، فاللوم مرفوع عنهم.

يمكن تلخيص الأسباب التي جعلت أهل العلم يختلفون في كثير من المسائل، منها: عدم بلوغ الدليل، هذا دليل ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بلغ أحمد ولم يبلغ أبا حنيفة فعمل به أحمد ولم يعمل به أبو حنيفة، أو العكس، وأبو موسى لما استأذن على عمر ثلاث ثم انصرف وخرج إليه فدعاه، فقال: ما لك انصرفت، قال: فأورد حديث الاستئذان ثلاثاً، الحديث خفي على عمر، وعمر آلم من أبي موسى، وألصق بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من أبي موسى لا شك أن الكبير قد يخفى عليه ما يدركه الصغير، وأهل العلم إنما يكلفون بما بلغهم، قد يبلغه الخبر ولا يبلغه ناسخه، قد يبلغه الخبر ولا يبلغه مخصصه، قد يبلغه الخبر ولا يبلغه مقيده، قد يبلغه الخبر لكن يفهم منه غير ما فهمه العالم الآخر، "عرفة كلها موقف وارفعوا عن بطن عرنة" الجمهور على أن بطن عرنة أنها ليست من عرفة، والوقوف فيها غير مجزئ وعند المالكية أنها من عرفة والوقوف فيها مجزئ، وكلهم يستدلون بهذا الحديث كلهم بلغهم الخبر، كيف يستدلون أحدهم يقولون: لا يجزئ، وأحدهم يقول: يجزئ، والدليل واحد، ارفعوا عن بطن عرنة، الذين يقولون أنه ليس من عرفة، والوقوف لا يجزئ فيه قالوا النهي، ارفعوا، الأمر بالرفع، ومقتضاه النهي عن الوقوف فيه، فدل على أنه ليس من عرفة، لأن عرفة كلها موقف، لأنه لو كان من عرفة لكان جزءا منها وعرفة كلها موقف، ولو كان منها لما أمرنا بالرفع عنه، والمالكية يقولون: لا، الدليل هذا الخبر، لأنها لو تكن من عرفة، لما كان هناك داعي لذكرها أصلاً، يعني هل قال: ارفعوا عن منى، ارفعوا عن مزدلفة، ما قال هذا، فلو لم تكن من عرفة لما كان لذكرها داعي، هذا سببه الاختلاف في فهم الحجة، الاختلاف في فهم الحجة، لكن ينبغي أن يكون الفهم مقيد، بفهم من، بفهم الصحابة، بفهم أهل العلم، الذين لهم خبرة ودربة ومعرفة ومزاولة، ومعاناة للنصوص، يأتي شخص غريب لا يحفظ شيء من النصوص، ولم يتعامل مع النصوص لا من قريب ولا من بعيد، وليس له فيها قبيل ولا دبير، ثم يأتي يقول: أيش المانع أنا أفهم منها مثلما يفهم الأئمة؟ نقول: لا، هل يعتد بفهم من يقول يجوز دفع الزكاة لمن يملك الملايين التي ضاقت بها البنوك؟ لكنه مقصر

على نفسه، لأنه محروم، {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [(25) سورة المعارج] هذا محروم، ندفع له الزكاة، هذا فهمك القاصر، مثل هذا يسوغ فهمه للنصوص، ويعمل بمقتضى فهمه أو يُعمل به؟ أبداً، تعلم أولاً: ثم بعد ذلك افعل، وأقول مثل ذلك في نصوص كثيرة يتداولها الكتاب الآن يفهمون منها غير ما فهمه سلف هذه الأمة وأئمتها، ويبقى أنه قد يوجد من يفهم من النص ما قد خفي على من قبله، قد يوجد ((رب مبلغ أوعى من سامع)) لكن فهم سلف هذه الأمة عليه المعول، ومن جاء بفهم لم يفهمه من تقدم، لا شك أنه مخالف وسالك غير سبيل المؤمنين، النزاع في ثبوته، بلغ الخبر جميع الأئمة، واشتهر الخبر في الأوساط العلمية، لكنهم اختلفوا منهم من يقول هذا الخبر ثابت، ومنهم من يقول: الخبر ضعيف، يختلفون في ثبوته، يستدل على وجوب أمر من الأمور، بحديث يضاف إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فيناقش من ينفي الوجوب، ويقول: بالإباحة، فيقول له: الدليل قول النبي -صلى الله عليه وسلم- كذا، فيقول: يا أخي نعم أنا ما خفي علي هذا الدليل، لكن الحديث ضعيف في فلان، أو سنده منقطع، أو معارض بما هو أقوى منه، أو متنه مشتمل على شذوذ أو علة، وغير ذلك من وجوه الضعف المعتبرة عند أهل العلم، فقد يبلغ الخبر لكن ينازع في ثبوته، قد يسلم بثبوته، لكنه يعارضه بأدلة أخرى كما هو موقف الإمام في حديث: ((البيعان بالخيار)) قد يعمل من العلماء بحديث صحيح صريح، ثم يعارضه غيره بدليل صحيح صريح مدعياً أن دليله ناسخ لدليل الآخر، وقد يكون الأمر كذلك، فيستدل الحنابلة على أن الحجامة تفطر، أفطر ((الحاجم والمحجوم)) حديث شداد بن أوس، يرد عليهم الشافعية، بأن النبي عليه الصلاة والسلام احتجم وهو صائم، ورأوا أن هذا متأخر لأنه في حجة الوداع، وذاك عام الفتح، المقصود أن مثل هذه الأمور معاذير لأهل العلم في خلافهم، قد يقول قائل: النبي عليه الصلاة والسلام: ((الماء من الماء)) فلا غسل إلا بالإنزال، وكان هذا في أول الأمر، لكن يعارضه من يقول: أنه بمجرد الجماع ولو لم ينزل، يجب الغسل، إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل، يعني ولو لم ينزل،

فهذا ناسخ لذاك، ومن لم يبلغه الناسخ أو أمكنه أن يجمع بينهما، قد يعمل بالخبر الأول، أو يجيب عن الحديث الثاني، إذا أمكن الجواب اعتقاد التخصيص ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) فيتيمم على ضوء هذا الخبر بجميع ما على وجه الأرض، ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) يستدل المخالف بأنه لا يتيمم إلا بالتراب برواية: ((وجعلت تربتها لنا طهوراً)) وفي هذا تتباين الأنظار، هل هذا تخصيص أو تقييد؟ فإذا قلنا تخصيص والتربة والتراب فرد من أفراد الأرض، قلنا: أن ورود الخاص في مثل هذا الموضع بحكم موافق لحكم العام لا يقتضي التخصيص، وإنما يذكر الخاص للعناية بشأنه والاهتمام به، لكن إذا قلنا أنه تقييد، والتربة وصف من أوصاف الأرض، قلنا يحمل المطلق على المقيد، وهذا هو منشأ الخلاف، والمسألة في غاية الدقة، اعتقاد الخصوصية يستدل مستدل بعموم حديث النبي عليه الصلاة والسلام لأمته فيأتي العالم الآخر فيقول: لا، هذا لا يتناوله، بل هذا خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام هذا خاص به بدليل أنه فعل بعد أن نهى، يقول مثلاً على سبيل المثال جاء في الحديث: ((غط فخذك، فإن الفخذ عورة)) وجاء عن النبي عليه الصلاة والسلام حديث عنه في الصحيح: "حسر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن فخذه"، إذا قال: ((الفخذ عورة)) قال في الثاني: حسر النبي عليه الصلاة والسلام عن فخذه، قال الأول هذا خاص بالنبي عليه الصلاة والسلام، بدليل أنه أمر بالتغطية، وفعل ما يخالف هذا الأمر فنحمله على الخصوصية، والخصوصية والحمل على اختصاصه بالحكم لا بد له من دليل، فينظر في الأدلة الأخرى هل فيها ما يثير غير مجرد فعله عليه الصلاة والسلام؟ وإذا نظرنا إلى المسألة مع النظر إلى الدليلين نظرنا إليها باعتبار أن تغطية الفخذ كمال أو نقص؟ كمال، هل يقال النبي عليه الصلاة والسلام يتسامح معه في فعل النقص، ويطلب من الأمة الكمال، ممكن هذا؟ لا، لا يمكن، إذن هذا المسلك ضعيف، فنلجأ إلى مسلك آخر وأمور كثيرة تعتري هذه المسألة والاختلاف بين أهل العلم أمره كبير ومنشأه وسببه إما ما يرجع إلى النصوص بلوغها وفهمها وما يعارضها وما يوافقها أو الإجمال في الألفاظ، الإجمال في الألفاظ،

{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ} [(228) سورة البقرة] القرء: لفظ مجمل يتناول الحيض ويتناول الطهر، فاختلف العلماء هل المراد بالأقراء الأطهار أو الحِيَض؟ لأن هذا اللفظ مجمل يتناول هذا وهذا، فمنهم من رجح الطهر، ومنهم من رجح الحيض، بناء على هذا الإجمال، لاختلاف في القواعد، القواعد الأصولية، كل إمام عنده قواعد استنبطها من نصوص الشريعة، فقد تكون هذه القواعد، يندرج تحتها فروع كثيرة جداً، لكن يأتي من النصوص الخاصة لبعض المسائل المندرجة تحت هذه القاعدة، أو تكون هذه القاعدة معارضة بقاعدة مثلها. من أسباب الخلاف: من الأسباب التي نشأ عنها الخلاف بين أهل العلم اختلافهم في التقعيد، كل واحد من أهل العلم له قواعد يسير عليها، أهل البدع قعدوا قواعد من خلالها ردوا بعض النصوص، رد، وأهل العلم ممن هم على الجادة وجد بينهم الخلاف، وقعدوا قواعد أخذوها من النصوص الشرعية وهذه القواعد يختلفون فيها وبسبب اختلافهم في هذه القواعد اختلفوا في بعض الفروع المندرجة تحتها، فمثلاً يتفقون على أن القرآن أصل، وأن السنة أصل، والإجماع أصل، والقياس عند الجمهور أصل، لكن من لا يرى القياس مثلاً، ينازع في كثير من المسائل المثبتة بالقياس، أو بجميع المسائل المثبتة بالأقيسة، منهم من يرى قول الصحابي أصل، وغيره لا يراه أصل، فيستدل من يراه أصلاً بقول صحابي، ويخالفه الآخر بمعارضته بأن قول الصحابي لا يحتج به، منهم من يرى الاستحسان، منهم من يرى الاستصحاب، منهم من يرى العمل بالضعيف، ومنهم من لا يرى العمل بالضعيف، منهم من ينازع في الاحتجاج بالحديث الحسن في الأحكام، وبناء على هذا إذا استدل بخبر ضعيف من يرى العمل به يستدل به ويخالفه من لا يرى به، وقل مثل هذا في الحسن وغير ذلك من الأصول التي يعتمد عليها أهل العلم. الإنكار والمراعاة في مسائل الاختلاف:

يطلق بعض العلماء أن مسائل الاختلاف لا ينكر فيها، لا إنكار في مسائل الاختلاف، وإنما الإنكار في المسائل التي اتفق عليها، بعضهم يطلق هذا كالنووي في شرح مسلم، والسيوطي في الأشباه والنظائر وغيرهم يطلقون، كثير ممن يصرح بهذا، لكن ما المراد بالخلاف الذي لا ينكر؟ المراد به الخلاف المعتبر المعتمد على نص، استثنوا من ذلك بعض الصور، منها: أن يكون القول بعيد المأخذ، بعيد المأخذ، فلا ينظر إلى الخلاف الشاذ، يعني عندك مثلاً الحنفية يقولون: المحلل مأجور، فاعل خير، أيش معنى المحلل؟ الذي ينكح زوجة المطلق ثلاثاً لتحل له، يقولون: هذا مأجور، فإذا وجدنا محلل على ضوء هذا ننكر عليه أو ما ننكر، لأن الحنفية خالفوا؟ الذي بلغه الخبر اللعن الذي بلغه اللعن، لا ينكر؟ ينكر، لأن هذا الخلاف مخالف لنص صريح، وهو قول شاذ، الخلاف الذي يرجح الحاكم أحد طرفيه، يعني في مسألة خلاف ثم يفتي بعض العلماء بأحد الأقوال ويتبناه الإمام، الحاكم، يرتفع الخلاف، ويقررون أن حكم الحاكم يرفع الخلاف، لكن شيخ الإسلام قد يقيد هذه القاعدة، يقيدها بما يعرفه الحاكم، ويكون له نظر في المسألة، أما الحاكم الذي ليس له نظر، ولا دخل في هذه المسألة هل حكمه يرفع الخلاف؟ افترضنا أن المسألة مختلف فيها، مسألة الطلاق أو شبهه، ثم جاؤوا إلى قاضي أهل للقضاء، فحكم بأحد القولين، نقول: هذا رفع الخلاف، نثبت الطلاق أو انتفى، لكن عندنا مسألة القرء، هل يراد به الحيض أو الطهر؟ ثم يأتي الحاكم وهو في هذه المسائل لا علم له، هل يرفع الخلاف، إذا قال لا، المراد بالقرء الحيض أو الطهر؟ شيخ الإسلام يقرر أنه علاقة له بهذه الأمور حتى يكون له نظر في هذه المسألة، الحاكم الذي يرفع قوله الخلاف حكمه يرفع الخلاف، هو الذي له نظر فيه، إذا عمل الناس في بلد ما على قول معتبر له دليله، ومشوا عليه ثم جاء من جاءهم ليريد أن يرفع هذا القول ويوجد فيهم شقاق ونزاع، وإن كان قوله معتبر، ومعمول به في جهات أخرى، مثل هذا لا يلتفت إليه، لا سيما إذا كان العمل هم على عمل فيه احتياط، فمثلاً قد يقول قائل: عندنا الحجاب تغطية الوجه في هذه البلاد هو المعمول به، وهو المعمول به في جميع أقطار المسلمين

قبل مائة عام، قبل أن يتسلط الاستعمار على المسلمين، هو المعمول به في جميع أقطار المسلمين تغطية الوجه، ثم يأتي من ينازع، ويقول: الوجه فيه خلاف مثل هذا الخلاف لا يلتفت إليه. الخروج من الخلاف: بعض العلماء يستحب الخروج من الخلاف، يرى استحباب الخروج من الخلاف، فإذا قال عالم: هذا الأمر محرم، وقال آخر: جائز، يقول: اترك هذا العمل خروجاً من الخلاف، وكثيراً ما يعللون بأن حكم هذه المسألة كذا، خروجاً من الخلاف، كيف خروجاً من الخلاف؟ هل الخروج من الخلاف دليل من الأدلة؟ لا، لكن دليل المخالف الذي لم يترجح لمخالفه يتركه المخالف من أجل دليله خشية أن يكون راجحاً، ولا سيما أنه إذا عمل به لا يعارض معه دليل صحيح صريح، التحري والاحتياط، التحري والاحتياط بعض الناس يقول نفعل هذا احتياطاً، في بعض المسائل لا يمكن الاحتياط فيها، طيب رضاع مشكوك فيه، قالت امرأة والله أنا رضعت فلانة، لكن لا أدري أنا رضعتها مرتين أو ثلاث أو خمس؟ هذا يمكن الاحتياط لا يتزوجها من له صلة بهذه المرأة، ومع ذلك لا تكشف له مراعاة لطرفي المسألة، وهذا يمكن فيه الاحتياط، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((هو لك يا عبد بن زمعة، واحتجبي يا زمعة)) نعم، احتياط، لكن إذا أدى الاحتياط إلى ترك مأمور أو فعل محظور فشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقول: "الاحتياط في ترك هذا الاحتياط". هناك مسائل متعلقة بموقف القاضي والمفتي من مسائل الخلاف، القاضي حضر عنده خصوم يتبعون لإمام أنت تخالفه في مسألة الخصومة، زوج وزوجة على مذهب أبي حنيفة تزوجوا من غير ولي وأنت عاقد أتوا لتثبت هذا الزواج، وأنت ترى أن الولي شرط، تثبت أو ما تثبت؟ هم يتبعون لإمام معتبر تبرأ الذمة بتقليده، لكن أنت أيضاً تدين الله -جل وعلا- بما ترجح عندك في مثل هذا تلزمهم الولي، ولا تصحح هذا العقد إلا به، ولهذا يشترط الحنابلة والشافعية أن يكون القاضي مجتهداً، لئلا يضطرب ويتذبذب في مثل هذه المسائل والقضايا، ليحكم بمجرد مقتضى اجتهاده، وهو قول المالكية، وعند الحنفية يجوز أن يكون مقلداً.

الصلاة خلف المخالف في أحكام الصلاة مثلاً، عندنا مسائل عملية قاعدة، أنت تصلي وأنت ترى أن الطمأنينة ركن من أركان الصلاة، ثم تصلي خلف واحد لا يطمأن في صلاته، وهو لا يرى الطمأنينة ركن، حينئذ لا تصلي ورائه لأنه أخل بما يبطل الصلاة في نظرك، فلا تصل خلفه، وليس له دليل بل الدليل يخالفه، لكن لو ارتكب هذا الإمام مبطل من مبطلات الصلاة في نظرك وله دليل سائغ، شخص لا يرى الوضوء من لحم الإبل، فصلى بالناس، تصلي وراءه وأنت ترى أن لحم الإبل ينقض الوضوء، تصلي وراء أو ما تصلي؟ دليله سائغ، تصلي وراءه، نعم، لكن الذي لا يرى الطمأنينة لا تصلي وراءه. إما يجهر بالبسملة أو يقنت في الصبح كالشافعية تصلي وراءه أو ما تصلي؟ تصلي وراءه، ولذا جاء في رسالة الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب -رحم الله- الجميع، قال: ولا نصلي خلف الحنفية الذين لا يرون الطمأنينة، ونصلي خلف الشافعي الذي يجهر بالبسملة، ويقنت في الصبح، فالمسائل تختلف بلا شك، أيضاً الذي لا يرى الوضوء من الحجامة مثل من لا يرى الوضوء من لحم الإبل. سئل الإمام أحمد عمن رأى الإمام قد احتجم ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ؟ أتصلي خلفه؟

فقال: كيف لا أصلي خلف مالك وسعيد بن المسيب، يعني أئمة لهم أدلتهم، فمراعاة الإمام للمصلين لمن خلفه، إذا كانوا يخالفونه في أحكام الصلاة، أهل العلم بعضهم يرى الارتباط الوثيق بين المأموم والإمام، فيقرر أن صلاة المأموم تبطل ببطلان صلاته إمامه، فتبعاً لهذا هل يراعي المأموم من خلفه؟ أو لا يراعيهم؟ عرفنا أن المأموم يصلي خلف الإمام وإن كان مخالفاً له في بعض المسائل دون بعض، لكن المأموم، المأموم لا يرى الجهر بالبسملة، الإمام لا يرى الجهر بالبسملة، وكلهم يرون الجهر بالبسملة، ماذا يصنع؟ يجهر أو ما يجهر؟ هل يراعي المأمومين أو ما يراعيهم؟ نقول: هذه المسألة سهلة والخلاف فيها سائغ، ولو راعاهم والخلاف شر كما تقدم عن ابن مسعود لا بأس، لكن إذا كانوا يرون يخل بالصلاة يراعيهم أو ما يراعيهم؟ لا يراعيهم، ولذا نقرر أن قاعدة الخلاف شر المأثور عن ابن مسعود ليست على إطلاقها، فتقبل في بعض المسائل دون بعض، والمسألة كبرى وتحتاج إلى دورة ما هو محاضرة، مسألة الخلاف وما يتعلق به لا سيما وأن الخلاف الآن على أشده ويفتي من خلال وسائل الإعلام من ليس بأهل للفتوى، وأطلع عوام المسلمين على الأقوال المخالفة، وعلى الشبه التي تقع في قلوبهم، وهم في قعر بيوتهم مثل هذا الموضوع يحتاج إلى عناية كبيرة، فلو أقيم له دورة ما هو بكثير، فأطلع العوام على الخلاف، فحصل عندهم شيء من الاضطراب، وكثير منهم نسب هذا الخلاف إلى اختلاف الدين، فيرون أن الدين تغير، وأن الدين عرضة لئن يغير، وأن يبدل هم لا يعرفون من أسباب الخلاف شيء التي يعذرون بها أهل العلم، فما دام العوام أطلعوا على الخلاف من حقهم أن يطلعوا على أسباب الخلاف بأسلوب يناسب عقولهم وإدراكهم. الموقف ممن يفتي بغير علم أو بهوى أو ديدنه التساهل، أو ديدنه التشدد، المقصود أنه ليس على الجادة، الدين يسر، ولن يشاد أحد الدين إلا غلبه، لكن لا يعني هذا أننا نتنصل من الدين ونتتبع الرخص، لا، علينا بالدليل، فكل قول يسرده الدليل هو الذي يجب أن يعمل به، وهو الذي يفتى به.

مع الأسف أن القنوات وغيرها من وسائل الإعلام مكنت بعض الناس من القول على الله بغير علم وهذه كارثة، فليحذر أولئك الذين يفتون الناس بغير علم من المفتونين مما جاء بالفتوى والتقول على الله بغير علم، ولو لم يكن في ذلك إلا ما جاء في سورة الزمر، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [(60) سورة الزمر] هل يمكن أن يقول الذي يفتي بغير علم أنا ما كذبت على الله؟ {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [(116) سورة النحل] بل يدخل في هذه المسألة دخولاً أولياً. وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً -ينتزعه من صدور الرجال- ولكن يقبضه بقبض العلماء)) نحن نرى تطاول بعض من لا علم عنده، أو من يتمكن ولم يرسخ قدمه في العلم، أو يفتي بهوى، نرى تطاوله بعد قبض بعض العلماء، فكيف لو قبض أهل العلم، ولم يبق إلا أمثال هؤلاء الذين يفتون بالهوى؟ نسأل الله السلامة والعافية. منهم من يسلك مسلك التساهل، محتجاً بأن الدين يسر، ((ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)) وما خير النبي -صلى الله عليه وسلم- بين أمرين إلا اختار أيسرهما، نعم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما، لكن متى هذا؟ هذا في وقت التنزيل، الذي ينزل الآن الوحي بالتأييد واختيار النبي -صلى الله عليه وسلم- شرع، لكن هل يختار أيسر القولين من ليس بمشرع؟ هذا مثلما ذكرنا، هذا تتبع للرخص، ومثل هذا يخرج من الدين بالكلية ولا يشعر، فمثل هؤلاء يجب أن يمنعوا من الفتوى، والتقول على الله بغير علم، والله المستعان. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. طيب نأخذ بعض الأسئلة: سؤال: إذا لم يعجب بعض الناس فتوى من بعض العلماء قالوا: كل يؤخذ من قوله ويرد؟ فمن الذي يأخذ ويرد؟

الجواب: الذي يأخذ ويرد من له نظر، من لديه أهلية النظر في أقوال أهل العلم بأدلتها ويستطيع أن يرجح بين هذه الأقوال، من خلال هذه الأدلة، ويعمل بالراجح، ويترك المرجوح فإذا تبين له رجحان قول بدليله يأخذه وإلا رده، وليس لكل أحد أن يأخذ ويرد، فالذي ليست لديه أهلية فرضه تقليد أهل العلم. سؤال: ما الواجب على من بلغه سوء أو خطأ من أحد من الناس سواء من الصالحين أو الدعاة؟ وما هو منهج أهل السنة والجماعة في التعامل في مثل هذه المواقف؟ الجواب: عليه أن يمحضه النصح، فالدين النصيحة، فالنصيحة إنما هي في السر بينك وبينه، تمحضه النصيح، يا أخ بلغنا عنك أنك قلت: كذا، أو عملت كذا، فما حجتك على هذا القول أو على هذا العمل؟ إن أبدى حجة صحيحة يعذر، إن أبدى قولاً أو تأويلاً سائغاً يعذر، ويبين له خلافه، وإن لم يبدِ دليلاً يخوف بالله -جل وعلا- سراً بينك وبينه، وإن كان قوله مما قد يغتر به بعض الناس وفيه شيء من الابتداع أو مخالفة الشرع، ولم يرتدع، ولم ينتصح مثل هذا يبين القول، وأنه خطأ، وينشر هذا البيان بين الناس، ويجب أن يكون البيان على مستوى بلوغ الخبر. سؤال: ما حكم مناظرة أو حوار المخالف في الاعتقاد بدعوته، وما الضابط؟ وهل هناك محذور شرعي لمناظرته؟ الجواب: أولاً المناظرات التي يطلع عليها عوام الناس هذه لا تجوز بشيء، لأن العوام لا يستوعبون مثل هذه الأمور، مثل هذه الشبه فقد يعلق في أذهانهم شبه لا يستطاع اجتثاثها فتبقى المناظرات خاصة بأهل العلم، لكن إذا انبرى لهذه المناظرة مبتدع، وفي وسائل الإعلام والمناظرة حاصلة حاصلة، فلا بد من الرد عليه، لكن من من؟ ممن يحسن الرد، أما يأتي شخص لا يحسن الرد ليس عنده ما يعتمد عليه، ليس على أساس متين، وتأصيل قوي، تأصيل علمي قوي، مثل هذا إذا ضعف نسب ضعفه إلى ضعف مذهبه، ومثل هذا لا يجوز، أيضاً ما العلم ينبغي أن يكون المناظر حاضر البديهة. بعض الناس عنده علم لكن إذا احتيج إلى هذا العلم غاب عن ذهنه، فإذا أوى إلى فراشه تذكر، مثل هذا ما يصح يناظر أبداً، فلا بد أن يكون على تأصيل وتأسيس متين قوي، وأن يكون مع ذلك قوي الحجة، واضح البيان، سريع الاستحضار.

سؤال: من الناس من إذا أحب شخصاً تعصب لأجله، فلا يقبل الحق إلا منه، فالصواب ما يراه صواباً، والخطأ ما يراه خطأ؟ الجواب: يا أخي لا تقلد دينك الرجال، وكل يؤخذ من قوله ويرد، إلا المعصوم عليه الصلاة والسلام، فهذا العالم الذي تراه بالفعل عالم والناس والأمة تشهد له، هذا ليس بمعصوم، لا بد أن يقع منه الخطأ، وليس بمعصوم، فحينئذ الصواب منه يقبل وغيره يرد عليه. سؤال: ظهر في الآونة الأخيرة ظاهرة التحزب حتى أصبح البعض من طلاب العلم ما يسلم ولا يرد السلام على المخالف فما التوجيه نحو ذلك؟ الجواب: إذا كان الخلاف في أصل الدين، فمعاملة المخالف في أصل الدين سواء كان كافراً أو مبتدعاً بدعة مكفرة، معروف عند أهل العلم وواضح، المخالف في أصل الدين ببدعة غير مكفرة، فمثل هذا يسلك في حقه الأصلح، والتأليف أمر معروف في الشرع، ويصرف للمؤلفة قلوبهم من الزكاة، وهي ركن من أركان الإسلام، من أجل تأليفه وتقريب دعوته، فمثل هذا يسلك معه الأصلح، والصلة والهجر كلاهما علاج، ويفعل معه الأنجع بعلاجه. أما ما ظهر بين طلاب العلم –مع الأسف الشديد– من الجفاء فمثل هذا لا شك أنه من التحريش الذي رضي به الشيطان، لأنه قد يكون بين اثنين لا اختلاف بيتهما، حقيقة قد يختلفان في أمر لا أثر له، أمر يسير للمخالف فيه مندوحة والشرع يستوعبه. سؤال: ما المقصود بتجديد الخطاب الديني وما ضابطه الشرعي؟ الجواب: تجديد الخطاب الديني نسمعه كثيراًَ في الأيام الأخيرة، والمراد به مخاطبة الناس بما يناسب العصر، وتطورات العصر، وأن الناس لا بد أن يغير معهم الخطاب، سواء كانوا من الموافقين أو المخالفين، والتغيير والتجديد إذا كان في حدود ما يبيحه الله ورسوله فهو مقبول وإلا فلا. والله أعلم. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

صفحات مشرقة في عبادات العلماء

بسم الله الرحمن الرحيم صفحات مشرقة في عبادات العلماء الشيخ/ عبد الكريم الخضير الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فإن هذه المحاضرة أو هذا الدرس ليس لي فيه خيار، ولو استشرت فيه لما قبلت، نعم أنا موافق على إلقاء درس في الوقت نفسه، لكن لو عُرض عليَّ مثل هذا العنوان لما قبلت، ولا أقول في مقدمة هذا الدرس إلا ما قلته في مقدمة الهمة في طلب العلم، يعني كمن يضرب مثل بشجاعة أجبن الناس، أو بكرم أبخل الناس، يعني يؤتى بمثلي ليلقي درساً عن عبادات العلماء والتقصير معروفٌ لدى الخاص والعام؟! نسأل الله -جل وعلا- أن يمن علينا وعليكم بالعمل بالعلم، وأن يتفق الظاهر مع الباطن، هذا الموضوع يحتاج إلى شخصٍ يتحدث عن نفسه، وطالما تحدثت عن نفسي في محاضرات كثيرة في الآفات التي تعتري طالب العلم، وأضرب الأمثلة من نفسي، وإن لم يعلم السامع، أقول: هذا الموضوع يحتاج إلى شخصٍ يتحدث عن نفسه.

ويمكن أن أبرر القبول -بعد الإعلان- بصنيع ابن القيم -رحمه الله تعالى- في طريق الهجرتين ذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى-: المنهج الذي يسير عليه المقربون من استيقاظهم إلى نومهم، ذكر خطة عمل يسيرون عليها، ماذا يصنعون إذا انتبهوا من النوم قبل الصبح؟ ثم بعد ذلك ما صنيعهم إذا دخلوا المسجد لأداء صلاة الصبح، ثم بعد ذلك جلوسهم حتى ترتفع الشمس، ثم بعد ذلك انصرافهم إلى أعمالٍ أخرى من أعمال الآخرة، وليس من أعمال الدنيا، ثم يأتون لصلاة الظهر، والصلاة شغلهم الشاغل، فمنهم من يقضي ما بين الصلاتين بالعبادة من ذكر وتلاوة وصلاة، ومنهم من يقضيه في العلم والتعليم، ثم بعد صلاة العصر لهم برنامج ذكره ابن القيم في كتابه، فليرجع إليه، ثم بعد المغرب كذلك، ثم بعد صلاة العشاء، يأتي وقت الوظيفة، وإذا أووا إلى فرشهم كما قال ابن القيم: ذكروا أذكار النوم، وهي كما قال: تقرب من الأربعين، ومن منا يستحضر أربعة فضلاً عن أربعين، ابن القيم لما ذكر هذا البرنامج الذي يسير عليه المقربون، أقسم بالله لئلا يُظن أنه يتحدث عن نفسه، والمظنون به أنه يتحدث عن نفسه، هذا الذي يغلب على الظن، ومع ذلك يقسم ابن القيم -رحمه الله تعالى- أنه ما شمَّ لهم رائحة، هذا ابن القيم هو يرسم هذا المنهج للمقربين، فضلاً عن غيرهم من الأبرار، وأصحاب اليمين. ابن القيم -رحمه الله تعالى- وهذه زيادة في الإيضاح والفائدة- ذكر أنهم إذا جلسوا بعد صلاة الصبح يذكرون الله تعالى حتى ترتفع الشمس، يقول: منهم من يصلي، ومنهم من ينصرف دون صلاة، لكن لما ذكر حال الأبرار، قال: إنهم لا ينصرفون إلا بعد الصلاة، يعني صلاة الضحى؛ لأن المقربين ينصرفون من عبادة إلى عبادة، ولن ينسوا صلاة الضحى؛ لأن وقتها الفاضل لم يأتِ بعد، المذكور في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال)). وأما بالنسبة للأبرار فإنهم لا ينصرفون إلا بصلاة؛ لأنهم ينصرفون بعد ذلك إلى أعمالهم في أمور الدنيا، ويخشى أن ينسوا صلاة الضحى.

والظاهر من كلام ابن القيم أنه لا يصحح الحديث الوارد في ذلك، أن من جلس ينتظر طلوع الشمس وصلى الصبح بجماعة، وجلس بمصلاه حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، انقلب بأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة. كأنه لا يصحح هذا الخبر، وإلا لو صح عنده لما انصرف أحد لا من المقربين ولا من الأبرار إلا بعد هذه الصلاة، والحديث بطرقه يقوي القول بتحسينه، وإن صححه بعضهم، لكن الكلام لأهل العلم فيه ظاهر، يقوى القول بتحسينه، إذا عرفنا هذا ابن القيم رسم الخطة، ويغلب على الظن لما عرف عنه من عبادات متنوعة، بعضها إذا سمعه القارئ يظنه ضربٌ من الخيال، أو أساطير، مع هذه العبادات المتنوعة يقسم بالله أنه ما شمَّ لهم رائحة. فماذا نقول إذا كان هذا ابن القيم يقسم بالله أنه ما شم لهم رائحة؟ ونحن نذكر في هذه المحاضرة شيء من عبادات العلماء، وهم من المقربين، فماذا نقول؟ وأعتذر عما قاله الأخ الذي قدم، وذكر ما ذكر مما يخالف الواقع، وليس من عادتي أن أقاطع أحد في كلامه، وإلا لا شك أنه جاوز في الوصف، فأسأل الله -جل وعلا- أن يعفو عني وعنه وعنكم. إذا عرفنا هذا فعنوان المحاضرة: "إشراقات" هذا لمن عرف حقيقة الأمر، وإلا فكثيرٌ من الناس يظن أن العبادة والإكثار منها، يعني في عرف عامة الناس ومن في أحكامهم ظلمات، لماذا؟ لأنه يحبس نفسه في مكانٍ ضيق ينزوي به عن الناس، فهو في ضيق، وهذا لم يجرب ما جرب القوم، ولو جرب عرف حقيقة الأمر، وأنها هي السعادة وهي النعيم، وهي جنة الدنيا، التي تحدث عنها شيخ الإسلام وابن القيم، وكثيرٌ من أهل العلم. عبادات العلماء: بعد هذه المقدمة أقول: عبادات العلماء: العلماء الذين يستحقون أن يوصفوا بهذا الوصف هم أهل العلم والعمل، ولا يستحق الوصف بالعالم إلا من عمل، {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} ثم قال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر] فدل على أن أهل العلم المستحقين لهذا الوصف هم أهل العمل، فالذين لا يعملون بالعلم ليسوا من أهل العلم.

وفي الحديث المختلف في تصحيحه عند أهل العلم وممن صححه الإمام أحمد -رحمه الله-: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله)) فأهل العلم هم العدول، ومفهومه أن الذين لا يتصفون بهذا الوصف من أهل الفسق والتفريط الذين لا يستحقون الوصف بالعدالة ليسوا من أهل العلم ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله)) فالذين لا يعملون بالعلم ليسوا بعدول، إذاً الذي يحملونه ليس بعلم. ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- له رأي مشهور، ووافقه عليه جمعٌ من أهل العلم: أن كل من عرف بحمل العلم فهو ثقة عدل مرضي؛ لهذا الحديث، كل من حمل العلم فهو عدل لهذا الحديث. يقول الحافظ العراقي: ولابن عبد البر كل من عني فإنه عدلٌ لقول المصطفى بحمله العلم ولم يوهنِ يحمل هذا العلم لكن خولفَا خولفَا ابن عبد البر يعني على فهمه العكسي، الذي فهمناه من الحديث أن الذي ليس بعدل لا يسمى ما يحمله علم، وفهم أن كل من يحمل العلم وله عناية به أنه عدل، لكن الواقع يرد هذا القول؛ لأننا نرى من يحمل هذا العلم ممن هو متصفٌ بالفسق، فكيف يعدل مثل هذا؟ ولذا يقول الحافظ العراقي: "لكن خولفَا" خولف ابن عبد البر في فهمه؛ لأننا نرى ورأينا ورأيتم ممن يُعد من بحور العلم بحسب الظاهر، ومع ذلك علامات وآثار الفسق ظاهرة، هذا في الحقيقة ليس بعلم.

ومن أقوى الأدلة على هذا الفهم قول الله -جل وعلا-: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ} [(17) سورة النساء] هل التوبة خاصة بالجهال الذين لا يعرفون الأحكام، أو أنه لو كان عارفاً بالحكم، يعرف أن الزنا حرام ويزني، يعرف الحكم بدليله، يعرف أن شرب الخمر حرام ويشرب، يعرف الحكم بدليله، ويعرف أن السرقة حرام ويسرق، ويعرف أن الربا حرب لله ورسوله ويرابي، ثم بعد ذلك يتوب؟ نقول: هل هذا مقبول التوبة أو غير مقبول؟ إذا أخذنا الجهالة على عدم العلم بالحكم، قلنا: هذا ليست له توبة، ولم يقل بهذا أحدٌ من العلم {فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ} [(275) سورة البقرة] التوبة تهدم ما كان قبلها، المقصود أن هذا الجاهل المنصوص عليه هو الذي يقدم على المعصية ولو كان عارفاً بالحكم بدليله، فالذي يعصي هذا جاهل ولو عرف الحكم، وهذا لا يشكل معنى الحديث مع وجود من يحمل العلم من غير العدول، فالعلم يقتضي العمل، والعلم ثمرته العمل. للخطيب البغدادي كتاب مختصر أسماه (اقتضاء العلم العمل) يقول في مقدمته: "ثم إني موصيك يا طالب العلم بإخلاص النية بطلبه، وإجهاد النفس على العمل بموجبه، فإن العلم شجرة والعمل ثمرة، وليس يُعد عالماً من لم يكن بعلمه عاملاً، فلا تأنس بالعمل ما دمت مستوحشاً من العلم، ولا تأنس بالعلم ما كنت مقصراً في العمل، ولكن اجمع بينهما، وإن قل نصيبك منهما". لأنه قد تحصل المزاحمة، العلم يحتاج إلى وقتٍ طويل، نقول: اعمل بما علمت، ولن يعوقك هذا عن تحصيل العلم؛ لأنه يكثر السؤال من كثيرٍ من الطلبة يقول: أن العمل قد يعوقنا عن تحصيل العلم، ولا سيما العمل الميداني الذي يتطلب وقتاً، كإنكار المنكرات في الأسواق وغيرها، نقول: سدد وقارب، إذا بلغك عن الله وعن رسوله أمر أو نهي فاعمل به، بادر بالعمل به؛ لأن هذا هو الثمرة. يقول: "وما شيء أضعف من عالم ترك الناس علمه لفساد طريقته، وجاهل أخذ الناس بجهله لنظرهم إلى عبادته".

لا شك أن عامة الناس يُحسنون الظن بأهل العبادة، وما حصلت الفجوة التي نعيشها بين العلماء والعامة؛ وما حصل من وقوع الناس في أعراض أهل العلم إلا بسبب تقصيرهم في العمل، عامي يحضر إلى المسجد مع الأذان فإذا التفت بعد الصلاة إذا شخص من أهل العلم يقضي بعض الصلاة، هذا نفسه لا توافقه على سؤاله، وإن كان بعضهم يقول: خذ من علمه، ولا تأخذ من عمله، هذا الكلام ليس بصحيح. وفي صحيح مسلم: جاء شخص من العراق إلى ابن عمر، يريد أن يسأله عما مسألة في المناسك، فقال: عليك بابن عباس، ابن عباس علم وعمل، لكن في مجال العمل لا شك ابن عمر معدود من العباد، وسيأتي شيء من طريقته وعمله، قال: عليك بابن عباس، شهادة حق وإنصاف، فقال: ذلك رجل مالت به الدنيا ومال بها، يعني أنه ليس في زهده مثل ابن عمر، ولا يظن به أنه يزاول المنكرات، أو يأكل مشتبهات، أبداً، حَبر الأمة وترجمان القرآن، لكن عامة الناس ثقتهم بالعامل، فإذا رأوا من أهل العلم من يظهر عمله عليه على جوارحه وفي سرته وعلانيته يقتدون به. قال -رحمه الله- بعد ذلك: "وهل أدرك من السلف الماضين الدرجات العلى إلا بإخلاص المعتقد، والعمل الصالح، والزهد الغالب في كل ما راق من الدنيا". يعني كل شيء له ضريبة، توسعت في أمر الدنيا يكون على حساب الآخرة؛ لأنها ضرة، ومع ذلك {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] لكن كم ممن يقال له هذا الكلام في وقتنا هذا؟ الناس بحاجة حتى من أهل العلم مع الأسف ومن طلابه أن يقال له: لا تنس نصيبك من الآخرة؛ لأنه وجد بعد انفتاح الدنيا، شاهدنا وسمعنا أشياء حتى من بعض من ينتسب إلى العلم شيء لا يخطر على البال، من الانصراف، وإن لم يكن من ذلك إلا انصراف القلب. يعني إذا حدث، قصة حصلت هذه الأيام أن مجموعة صلوا صلاة الظهر وجهر الإمام وأمنوا، هؤلاء ماذا بقي للآخرة في قلوبهم؟! وسمع من يقول -وهو ساجد-: آمين، لا شك أن هذا سببه الانصراف عن الآخرة، والإقبال على الدنيا؛ لأن القلب ما يحتمل كل هذه الأمور إلا ممن وفقه الله -جل وعلا-.

فشخص من أهل الدنيا ويملك مليارات، يقول: دعانا في يوم من الأيام فإذا بمجلسه غاص بالناس، هل هم الأعيان؟ هل هم الوجهاء؟ هل هم الملأ من القوم؟ لا، كلهم فقراء، وبعد ذلك يجلس وبدون مبالغة، جلس نصفه خارج المجلس ونصفه داخل، متكئ على الباب، وهؤلاء الفقراء في صدر المجلس، ومع ذلك لما وضع الوليمة رفض أن يجلس معي، جلس معهم، وكان من عادته وديدنه أن يدخل المسجد يصلي العصر ولا يخرج إلا بعد صلاة العشاء، يعني هل الآخرة تعوقهم من تحصيل الدنيا؟ في سلف هذه الأمة أثرياء، ومع ذلك هم النجوم في العلم والعمل، وهذا لا يعوق، والدنيا لا تضر إلا لمن رأى أنه استغنى {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} [(6 - 7) سورة العلق] فإذا رأى في نفسه أنه استغنى الآن وقعت الهلكة، أما إذا كانت الدنيا تحت تصرفه، وفي يده لا في قلبه، فإن هذا نِعَم على نِعَم. يقول -رحمه الله- في مقدمة كتابه آنف الذكر: "وهل وصل الحكماء إلى السعادة العظمى إلا بالتشمير في السعي والرضا بالميسور، وبذل ما فضل عن الحاجة للسائل والمحروم". ثم عاد بدأ بنا، قال: "وهل جامع كتب العلم إلا كجامع الفضة والذهب، وهل المنهوم بها إلا كالحريص الجشع عليهما، وهل المغرم بحبها إلا ككانزهما". ثم ذكر حديث أبي برزة إلى آخر كلامه -رحمه الله-. جامع الكتب الذي يجمع من الكتب يملأ الدور بالكتب، لكنه لا يفيد منها، ولا يبذل منها، هذا لا شك أنه ككانز الذهب والفضة. وابن خلدون يقول: "أن كثرة التصانيف من عوائق التحصيل". وهذا شيء مجرب، جربانه وجربه غيرنا، يعني يحتار الإنسان إذا أراد أن يختار تفسير آية من بين خمسين تفسير، أو ينظر شرح حديث من بين عشرات الشروح، يحتار قبل أن يبدأ، فإذا بدأ قال: لعل فلان تكلم أكثر، ولعل علان تكلم أكثر، ثم يضيع الوقت بمثل هذا، وحدث ولا حرج عما يضيع من الأوقات في ترتيبها، ترتيب هذه الكتب، وتنظيفها، ونقلها من مكان إلى مكان، هذا لا شك أنه شيء عائق عن التحصيل.

وأدركنا شيوخنا ممن ليس لديهم من الكتب إلا الأصول المهمة في ثلاثة دواليب لا تزيد عن ثلاثمائة مجلد، أربعمائة مجلد، ومع ذلكم إذا فُتح أي مجلد وجد عليه أثر، أثر قراءة، وأثر في العلم وأثر في العمل، فليس جمع الكتب مما يمدح به الشخص إذا لم يكن ممن يستفيد من هذه الكتب، ويعمل بما علم، ولذا قال: "هل جامع الكتب إلا كجامع الذهب والفضة". أثر هذه الكتب إذا دخلت في القلب، ولم يفد منها الفائدة المرضية، كأثر الذهب والفضة، يعني شخص من الأشخاص منهوم بالكتب، ومع ذلك قد تضيع عليه صلاة الجماعة بسبب الكتب، يعني عنده موعد مع شخص عنده كتب. . . . . . . . . يبيع، ثم بعد ذلك يمتطي السيارة مع الأذان ليصلي عنده، فإذا وصل إليه فإذا الجماعة قد صلوا، وهذا كثير، لماذا؟ لأن الوسائل حلت محل الغايات عندنا، وقاصر النظر عن إدراك المطلوب، ولا أريد أن أطيل في مثل هذا؛ لأنها حقيقة مرة نعاني منها، ويعاني غيرنا منها، فالقصد القصد، ولا يعني هذا أن طالب العلم لا يشتري كتب، يشتري ما يحتاجه من الكتب، والكتب متوفرة وميسورة -ولله الحمد-، لكن إما أن يجمع كل كتاب وكل طبعة من كل كتاب! هذا لا شك أنه يعوق عن التحصيل. ثم ذكر -رحمه الله- حديث أبي برزة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه؟ وعن علمه ماذا عمل به؟ )) وهذا هو الشاهد ((وعن علمه ماذا عمل به؟ )) فهو سوف يسأل عن هذا العلم الذي نام عنه، وكتمه عن الناس، وسئل فلم يجب، ولم يبذله، وقد جاء في الخبر: ((ابن آدم علم مجاناً كما علمت مجاناً)) وكثيرٌ من أهل العلم يتورع عن بذله، وليس هذا بورع، نعم قد يكون بالنسبة لبعض الناس الذي لا يملك نفسه عن قول: لا أعلم، قد يكون عليه خطر، قد يسأل عما لا يحسن ولا يتقن، ثم بعد ذلك تصاب المقاتل، على الإنسان أن يبذل، ولكن لا يبذل إلا ما يعلم، ولا يتشبع بما لم يعطَ. قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل".

ولا شك أن العمل هو الذي يثبت العلم، ولذا لو سألت شخصاً يبلغ من العمر خمسين سنة مثلاً، وسألته عن المناسك وقد حج في أول عمره، ما تجده يدرك من أحكام المناسك إلا الشيء اليسير، لكنه يدرك أحكام الصلاة، لا سيما إذا كان لديه أهلية، ومن أهل العلم من أخطأ في كثير من أحكام المناسك؛ لأنه لم يحج، ومنهم من حج بعد تأليفه في المناسك فأحرق ما ألفه؛ لأنه لم يعمل بهذا العلم، ثم لما عمل استنار له الطريق، واتضح له الحق. وعن الحسن -رضي الله عنه- قال: "ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني"، يعني الإنسان يدعي ويتشبع ويتصنع لكن هذا لا يكفي "ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال". وعن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مثل العالم الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه كمثل السراج، يضيء للناس ويحرق نفسه)) والحديث لا بأس به جيد. ((مثل العالم الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه كمثل السراج، يضيء للناس ويحرق نفسه)) والنصوص في هذا كثيرة جداً. ولو لم يكن إلا حديث الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، وفيهم العالم الذي يعلم الناس، أفنى عمره في العلم والتعليم، ثم بعد ذلك في النهاية يكون من أول من تسعر بهم النار، وإنما يعلم ليقال: عالم، نسأل الله السلامة والعافية. فالإخلاص لله -جل وعلا- في العلم أمرٌ لا بد منه، بل هو من أول شروطه، فالعلم من أمور الآخرة المحضة، التي لا تقبل التشريك، وإذا قلنا العلم فالمراد به العلم بالكتاب والسنة، وما يعين على فهم الكتاب والسنة. مسألة الإكثار من العبادة:

المسألة التي يشار إليها قبل الدخول في الموضوع، مسألة الإكثار من التعبد، من أهل من قال: أنه بدعة، فمثلاً الصلاة لو تتبعنا مما نُص عليه من فعله -عليه الصلاة والسلام- غير الأدلة الإجمالية، وجدناه يصلي الفرائض سبع عشرة ركعة، والرواتب والوتر، فيكون المجموع أربعين، منهم من قال: من زاد على ذلك دخل في حيز الابتداع، لكن هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن النصوص العامة والخاصة من فعله -عليه الصلاة والسلام- تدل على خلاف ذلك، نعم من تعبد لله -جل وعلا- بما لم يشرعه مما لم يسبق له شرعية من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- لا شك أنه مبتدع؛ لأن البدعة العمل الذي يتعبد به مما لم يسبق له شرعية من الكتاب والسنة، والبدع كلها ضلالة، وإذا اشتغل أحدٌ ببدعة، لا شك أنه على حساب سنة. فليحرص الإنسان على تحرير المقام، فلا يفرط بسنة، ولا يرتكب بدعة؛ لأن بعض الناس قد يقصر في هذا الباب علمه وفهمه، ويزيد حرصه، ثم بعد ذلك يدخل في حيز البدع وهو لا يشعر، ومر بنا ومر بغيرنا أننا قد نتذكر ما حفظناه من بعض الأذكار الصحيحة، فلا نذكر، وقد نذكر بعضها ونترك بعضها، فإذا تأملنا أننا زدنا في أذكار عن الحد المشروع مثلاً من الأذكار المحددة، قد يكون زدنا فيها، ثم بعد ذلك لم نوفق للأذكار الثابتة. فعلى الإنسان أن يحرص أن لا يعمل عملاً إلا وعنده فيه أصل من الكتاب والسنة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- قبل ذلك ما ثبت أصله في الكتاب والسنة كالصلاة والذكر والتلاوة والصيام والحج والإنفاق في سبيل الله، والجهاد والدعوة وغير ذلك، هذا كلها أصولها ثبتت في الكتاب والسنة، فالإكثار منها على الهيئة المشروعة في الأوقات التي جاءت من قبل الشارع، جاء عدم المنع منها ليس ببدعة، للأدلة العامة والخاصة التي تذكر، بل الممنوع من ذلك كما تقدم في حد البدعة ما لم يسبق له شرعية من كتاب أو سنة.

الاجتهاد في التعبد حسب الطاقة ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقد قام -عليه الصلاة والسلام- في الليل حتى تفطرت قدماه، وصلى بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران بركعة واحدة، فماذا عن بقية الصلاة؟ ماذا عن الركوع والسجود؟ فإطالة الصلاة مطلوبة؛ لأنها ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكثرة الركعات أيضاً مطلوبة؛ لأنه ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- الإطلاق ((صلاة الليل مثنى مثنى)) وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه أجاب من سأله مرافقته في الجنة فقال: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) وهذا يتطلب إكثار من الركعات، فالتطويل ثبت بفعله -عليه الصلاة والسلام-، والإكثار ثبت بقوله وحثه -صلى الله عليه وسلم-. ثم يأتي من يأتي ويقول: أن الإكثار من التعبد بدعة، ما عرف عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قام ليلة كاملة، وهذا عن عائشة -رضي الله تعالى عنها-، مع أنه -عليه الصلاة والسلام- إذا دخلت العشر شد المئزر وأحيا الليل، فهذا وارد على هذا الحديث، فإذا دخل التخصيص بمثل هذا النص، عموم خبر عائشة أضعفه، هذا مقرر عند أهل العلم, وما دام ثبت أنه أحيا الليالي العشر، عشر رمضان، يدل على أن إحياء الليل ليس ببدعة، وقد عرف عن سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين فمن دونهم ممن يأتي ذكره في الأمثلة -إن شاء الله تعالى- هذا بالنسبة للصلاة. الصيام ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه يصوم حتى يقال: لا يفطر، وثبت عنه أنه كان يفطر حتى يقال: أنه لا يصوم، وكان يصوم من الأشهر الحرم، يصوم في المحرم، ويصوم من شعبان أكثره، فلا يقال: أن مثل هذا العلم بدعة، مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أفضل الصلاة صلاة داود، وأفضل الصيام صيام داود، ينام نصف الليل، ثم يقوم ثلثه، ثم ينام سدسه)) بالنسبة للصيام يصوم يوماً ويفطر يوماً، ثم يأتي من يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- نجزم أنه ما صلى يوم وأفطر يوم؛ لأنه ثبت أنه كان يصوم حتى يقال: لا يفطر، ويفطر حتى يقال: لا يصوم. من كان وضعه في احتياج الناس إليه مثل حال الرسول -عليه الصلاة والسلام- يفاضل بين هذه العبادات، وأهل العلم يقررون أن العبادات المتعدية النفع مقدمة على العبادات الخاصة.

في مسلم عن عائشة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما كان يصوم العشر، وثبت من حديث بعض أزواجه أنه كان يصوم العشر، فعائشة تذكر من حاله الغالب أنه كان لا يصوم العشر؛ لأنه مشغول بحاجات الناس. وأيضاً ثبت في الحديث الصحيح: ((ما من أيام العمل الصالح فيهن خيرٌ وأحب إلى الله من هذه الأيام العشر)) ثم بعد ذلك ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)) فإذا ضممنا هذا الحديث إلى هذا الحديث، قلنا بمشروعية صيام العشر، وكونه -عليه الصلاة والسلام- لا يصوم العشر أحياناً مثل ما قال: ((عمرةٌ في رمضان تعدل حجة)) ومع ذلك ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه اعتمر في رمضان، هل نقول: أن العمرة في رمضان ليست مشروعة؟ يكفينا قوله -عليه الصلاة والسلام-. والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد يترك العمل رأفة بأمته، خشية أن يفرض عليهم، لو تظافر قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((عمرة في رمضان تعدل حجة)) مع فعله، ماذا يكون الواقع؟ الآن الناس يموتون، يعتمر في رمضان أكثر من ملونين شخص، يجتمعون في ليلة واحدة، لو تظافر فعله مع قوله كيف يكون العمل؟ لكن من الناس من يقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- ما اعتمر في رمضان، والحمد لله لنا أعمال بدائل، نقول: يكفينا ما ثبت من قوله -عليه الصلاة والسلام-. لكن إذا عمل عملاً وندم عليه ولم يحثنا عليه، اقتدينا به في مثله، فلا نكلف أنفسنا في مثل هذا العمل، كدخول الكعبة مثلاً، ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- حثنا على دخولها، لكنه دخلها، ومع ذلك ندم على ذلك؛ لئلا يشق على أمته. فانظروا لما لم يتظافر القول مع العمل صار الأمر أقل، ولو تظافر القول مع العمل في عمرة رمضان لوجدنا الزحمة التي لا تطاق، فبعض الناس يتشبث بكونه -عليه الصلاة والسلام- لم يعتمر في رمضان، ويتسلى بذلك.

تقول عائشة -رضي الله عنها-: "وأيكم يطيق ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطيق؟! " بذله وتضحيته في الصلاة والصيام والدعوة والجهاد شيء لا يطاق، لكن تجد مثلاً بعض الناس يذكر عنه في التلاوة أشياء، يذكر عنه ما يتعجب منه في التلاوة، لماذا؟ لأنه صارت على حساب أعمال أخرى، وبعضهم يذكر عنه على ما سيأتي من ذكر الأمثلة من الصلاة ما لا يخطر على البال، وصار هذا على حساب عبادات أخرى، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يفاضل، ويوازن بين هذه العبادات، ووقته مشغول ومعمور بالطاعة، والتبليغ ودعوة الناس إلى الخير. تقول عائشة: "وأيكم يطيق ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطيق؟! " ومحل ذلك كما قال ابن حجر: "ما لم يفضِ إلى الملل" لما جاء في الحديث الصحيح: ((أكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا)) وأخرج البخاري من حديث عائشة -رضي الله عنها- مرفوعاً: ((عليكم ما تطيقون من الأعمال، فإن الله لا يمل حتى تملوا)) وجاء في الحديث الصحيح: ((أفضل الأعمال ما داوم عليها صاحبه)).

بعده -عليه الصلاة والسلام- وجد الاجتهاد في العبادة من الصحابة والتابعين، ومن تبعهم من غير نكير، فلا يمكن أن يوصف مثل هذا بالابتداع؛ لأنه عمل سلف هذه الأمة، وخير هذه الأمة، اقتداءً بنبيها -عليه الصلاة والسلام-، وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: ((الصلاة خير موضوع، فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر)) فجاء الحث على الذكر والتلاوة في الكتاب والسنة، قال الله -جل وعلا-: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [(35) سورة الأحزاب] وقال -عليه الصلاة والسلام-: ((سبق المفردون ... الذاكرون الله كثيراً والذاكرات)) وجاء الترغيب بتلاوة القرآن، ففي كل حرفٍ من القرآن عشر حسنات، عبادات أجورها لا يمكن أن يحاط به، ممن لا تنفذ خزائنه، ومع ذلك لا تكلف شيئاً، والمحروم لا تنفعه مثل هذه النصوص، إلا أن الله -جل وعلا- قال: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(45) سورة ق] {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(17) سورة القمر] ما هو كل الناس، ولذلك تجد بعض الناس يصعب عليه أن يفتح المصحف، وتجده حافظ ومع ذلك لا يقرأ، ولا شك أن هذا حرمان، وبكل حرف عشر حسنات، والختمة الواحدة بأكثر من ثلاثة ملايين حسنة، يعني الجزء الواحد الذي يقرأ بربع ساعة مائة ألف حسنة.

وهذا أمرٌ في غاية اليسر، مصداقاً لقول الله -جل وعلا-: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(17) سورة القمر] يعني: الإنسان إذا جلس بعد صلاة الصبح ينتظر الشمس إلى أن ترتفع بإمكانه أن يقرأ القرآن في سبع، وهو مرتاح، وهذا لا يعوقه عن شيء من أعماله، لكن هذا الأمر يحتاج إلى شيء من المجاهدة، ثم بعد ذلك التلذذ كغيره من العبادات، وإلا فالأصل أن هذه العبادات تكاليف، ومما حفت به الجنة، والجنة حفت بالمكاره، يعني خلاف ما تشتهيه النفوس، فإذا جاهد نفسه، وعلم الله -جل وعلا- منه صدق الرغبة والنية أعانه، حتى تلذذ بذلك، وأثر عن السلف أنهم كابدوا قيام الليل، وما أشق قيام الليل على من لم يعتاده، تجده مستعد يجلس في القيل والقال إلى قرب الفجر، ثم بعد ذلك صراع مع نفسه، هل يوتر بركعة أو يقول الوتر سنة؟ ولئلا يشبه بالفرائض نتركه أحياناً، هذا شيء مجرب، وما كُره السهر والحديث بعد صلاة العشاء إلا لهذا الأمر؛ لأنه يعوق عن ذكر الله وعن الصلاة؛ لأنه على حساب الذكر، فإذا صلى العشاء ونام نام على خير، والصلاة كفرت ذنوبه ((الصلوات الخمس إلى الصلوات الخمس كفارات لما بينهما ما لم تغش كبيرة)) نام على ذنوب مكفرة، ولذا كان ابن عمر إذا تحدث بعد صلاة العشاء صلى قبل أن ينام، لينام عن صلاة.

هذا الحديث القيل والقال لا شك أنه يعوق صاحبه عن الذكر والتلاوة، ولذا نرى مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) بعض الناس يقول: الحج أربعة أيام، بالإمكان أن تضبط النفس ولا يتكلم بكلمة، لكن إذا كان قد عود نفسه على القيل والقال يستطيع أن يملك نفسه ثلاثة أيام؟ وبعض الناس يجاور في العشر الأواخر، ويجلس من صلاة العصر إلى صلاة المغرب في المسجد الحرام، فالمتوقع أنه ترك أهله وترك أمواله وجاور في هذه البقعة طلباً للثواب، والإكثار من العبادات، تجده يفتح المصحف إذا صلى العصر، ثم إذا قرأ صفحة أخذ يلتفت يميناً وشمالاً؛ لأنه ما تعرف على الله في الرخاء يعرفه في الشدة، ثم بعد ذلك إن رأى أحداً ممن يعرفه وإلا أطبق المصحف ثم يؤنبه ضميره لماذا أنا جئت؟ يفتح المصحف مرة ثانية، ثم يقوم من مكانه يبحث عمن يبادله الحديث، وتجد بعض الناس نظره في الساعة خشية أن يؤذن المغرب قبل أن يتم حزبه، هذا تعود في حال الرخاء، والله -جل وعلا- يقول: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [(4) سورة الليل]. الذكر: الذكر من أفضل العبادات، وذكر له ابن القيم فوائد عظيمة جداً في مقدمة الوابل الصيب، وهو لا يكلف شيئاً، سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر، يعني هذه تقال بدقيقة ونصف، ومن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كمن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، والمائة عشرة من ولد إسماعيل، مع ما فيها من حفظ ورفع درجات، وحط سيئات، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له إلى آخره مائة مرة بعشر دقائق. والاستغفار شأنه عظيم، وجاء التنصيص عليه بالكتاب، وصحيح السنة، والإنسان تجده إما بالقيل والقال، أو بالسكوت، عرفنا أن هذا الشيء لا يكلف شيئاً، لكن على الإنسان أن يري الله -جل وعلا- من نفسه خيراً، ويعزم، ويترك أو يسد منافذ الشيطان إلى قلبه ليوفق لمثل هذه الأعمال.

النبي -عليه الصلاة والسلام- كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((أرحنا يا بلال بالصلاة)) كثير من المصلين الآن يصلي خلف إمامٍ لا تزيد صلاته على خمس دقائق، ومع ذلك ينظر في الساعة في كل ركن من أركان الصلاة، ويراوح بين رجليه، وثبت من خلال التجربة -من أهل العلم والعلم- أن الذي يتعامل مع الله -جل وعلا- هو القلب، فشخصٌ يناهز المائة، يصلي خلف شخصٍ قراءته عادية، يقرأ في كل تسليمة بجزء من القرآن، ويلوم الإمام لما استعجل في التسليمة الأخيرة، وشباب في العشرين والخمسة والعشرين والثلاثين ممن يطلب العلم، ويحرص على طلب العلم، تجده إذا صلى الإمام التسليمة من التراويح بعشر دقائق ضاق به ذرعاً، وبحث عن مسجدٍ آخر، والمساجد تمتلئ من طلاب العلم إذا كان الإمام لا يطيل القراءة، والله المستعان. وقال ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه-: "صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى هممت بأمرِ سوء، قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه" وهذا الحديث في الصحيحين. ومرض -عليه الصلاة والسلام- ليلةً فلما أصبح قيل: يا رسول الله: "إن أثر الوجع عليك لبين، فقال: ((إني علا ما ترون -بحمد لله- قد قرأت السبع الطوال)) نحن إذا زكم الإنسان وأصيب برشح، أول ما يتبادر إلى ذهنه حديث أن الإنسان إذا مرض أو سافر يكتب له ما كان يعمله صحيحاً مقيماً، من أجل أيش؟ ألا يصلي، ولا يقرأ، يمكن ولا يذكر الله -جل وعلا-. وكان مع ذلك -عليه الصلاة والسلام- يخشع في صلاته ويبكي، فعن عبد الله بن الشخير -رضي الله تعالى عنه- قال: "أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء" وربما قام ليلة بآية واحدة، فعند ابن خزيمة وابن ماجه بسند لا بأس به أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "قام بآية حتى أصبح يرددها" قوله -جل وعلا-: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [(118) سورة المائدة].

الله -جل وعلا- أمر نبيه -عليه الصلاة والسلام- إذا فرغ أن ينصب {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [(7 - 8) سورة الشرح] قال ابن عباس: "فإذا فرغت من صلاتك فانصب" أي بالغ في الدعاء وسله حاجتك، وقال ابن مسعود: "إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل" وقال الحسن وقتادة: "إذا فرغت من جهاد عدوك فانصب لعبادة ربك" فهو مأمور بهذا، والنصب هو التعب، ولا يمكن النصب والتعب بأداء أربعين ركعة في اليوم والليلة، بل لا بد من المزيد على ذلك في الكم والكيف؛ ليتحقق النصب المأمور به. عبادة الصحابة: الصحابة -رضوان الله عليهم- اقتدوا بنبيهم وقدوتهم وأسوتهم كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله تعالى عنهم أجمعين- وعن بقية الصحابة، فقد كان أبو بكر -رضي الله عنه- خير الأمة بعد نبيها -عليه الصلاة والسلام-، وفي سيرته من نصرة النبي -عليه الصلاة والسلام- وبذله نفسه وماله في نصرته -عليه الصلاة والسلام- مما لا يحتاج إلى إطالة، إضافة إلى ما عرف عنه من كثرة الصلاة، وأنه كان -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- كما في الحديث الصحيح رجلاً أسيفاً، إذا قرأ الآية تسمع قراءته من البكاء. وذكر الحافظ ابن كثير عن ليل عمر -رضي الله عنه- أنه كان يصلي بالناس العشاء ثم يدخل بيته فلا يزال يصلي إلى الفجر. ولا يقال إن عمر -رضي الله تعالى عنه- في هذه الحالة مخالف لما ورد عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يكره الحديث بعدها؛ لأنه جاءه سائل فقال له ذلك الحديث، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يكره النوم قبلها -أي صلاة العشاء- والحديث بعدها، قال: "إني سائلك عن شيء من العلم" قال: اجلس، فجلس حتى أصبح، فمثل هذا لا يعارض ذلك الحديث. فالمقصود به -الحديث بعدها- الذي يعوق عن الصلة بالله -جل وعلا-، أما ما يعين ويوثق هذه الصلة فهو مطلوب، فقد سهر النبي -عليه الصلاة والسلام- في بعض الليالي للنفع والصلاة وغيرهما.

وقد ترجم الإمام البخاري وغيره -رحمة الله على الجميع- (باب السمر في العلم) وذكروا أمثلة من ذلك. وقال -رضي الله تعالى عنه - يعني عمر- لمعاوية بن خديج: "لأن نمت بالنهار لأضيعن الرعية، ولئن نمت بالليل لأضيعن نفسي، فكيف بالنوم مع هذين يا معاوية؟! ". الإشكال أن هذه الحقائق قد تخفى على بعض طلاب العلم كيف؟ يأتي طالب علم دافعه الحرص على التعلم إلى شيخ، فيجده في المسجد يقرأ القرآن بعد الصلاة، ثم يقول له: أنا أريد أن أقرأ عليك الكتاب الفلاني، فيقول: يا أخي أنا مشغول، ما أستطيع، ثم يذهب يتحدث في المجالس، الشيخ يقول: أنا مشغول، وهو جالس يقرأ قرآن، خلل في التصور يا أخي، إذا نسي نفسه كيف ينفع الناس؟! لا بد أن يتخذ ويقتطع من عمره ومن جهده ما يعينه على نفع الناس، فهذا عمر -رضي الله تعالى عنه- يقول: "لئن نمت بالليل لأضيعن نفسي، فيكيف بالنوم مع هذين يا معاوية؟! ". ثبت عن عثمان -رضي الله عنه- أنه كان يقرأ القرآن في ركعة، وأقل ما يتصور في الختمة الواحدة ست ساعات، أقل ما يتصور في الختمة كاملة ست ساعات، ومع ذلكم عرف من حالهم -أعني سلف هذه الأمة- أنهم إذا قرؤوا تأثروا، فإذا تأثروا بالليل يعادون بالنهار. أقول: عرف من سلف هذه الأمة عن أكثر من واحد منهم أنهم إذا قرؤوا تأثروا، فإذا تأثروا يعادون من الغد، يعادون، يزارون، مرضى، ونحن نسمع من يبكي في قراءة القرآن، وهو موجود -ولله الحمد- في هذه الأمة، لكن ما الأثر بعد هذه القراءة؟ تجده يبكي في أول الآية، ثم في آخرها الصوت لم يعتدل بعد، ثم في الآية التي تليها كأنه الآن دخل في الصلاة، فأين التأثر؟!. القلوب غطاها الران وغطتها المكاسب، وغطاها التخليط في المآكل، الشبهات لم يتورع عنها كثير من طلاب العلم فضلاً عن المباحات التي كان سلف هذه الأمة يتورعون عنها ويتركونها خشية أن تجرهم إلى الحرام. ذُكر عن علي -رضي الله تعالى عنه- أنه كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، لكن شيخ الإسلام بن تيمية في منهاج السنة يقول: الوقت لا يستوعب.

يعني لو افترضنا ألف ركعة، كل ركعة بدقيقة، يعني تصور أن تصلى ركعة مجزئة بدقيقة، ألف ركعة كل ركعة بدقيقة تحتاج إلى ألف دقيقة، ألف دقيقة كم هي ساعة؟ العشرة الساعات ستمائة دقيقة، وتسعمائة، خمسة عشر ساعة، والمائة تحتاج إلى ساعة ونصف، يعني ستة عشر ونصف ساعة صلاة، فقط صلاة. شيخ الإسلام يقول: الوقت لا يستوعب. وابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين ذكر عن بعضهم أنه يصلى أربعمائة ركعة، فعلق المعلق -الشيخ حامد الفقيه - رحمه الله- فقال: إذا اعتبرنا أن كل ركعة بدقيقتين فالوقت لا يستوعب، لكن صلاة ركعة بدقيقة تحصل به الصلاة المجزئة. ولهذا ثبت عن الإمام أحمد أنه كان يصلي في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة، والحافظ عبد الغني كما سيأتي في ذكره -إن شاء الله تعالى- يصلي ما بين طلوع الشمس وارتفاع وقت النهي إلى الزوال ثلاثمائة ركعة، لكنه يقتصر في قراءته على الفاتحة والمعوذتين، والله المستعان. في الصحيحين أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل)) قال سالم ابنه: فكان عبد الله لا ينام من الليل إلا قليلاً، مبادرة في الامتثال، لما قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((يا عبد الله، كن كأنك غريب، أو عابر سبيل)) فكان عبد الله يقول: إذا أصبحت لا تنتظر المساء، وإذا أمسيت لا تنتظر الصباح. بنى بيته بأسبوع بيده، بأسبوع، فكم تبنى البيوت الآن؟ بيوت سوقة الناس، وأقلهم شأناً يحتاجون إلى أقل تقدير سنة، ثم بعد ذلك انظر ما تحملوه من الديون التي جاء الوعيد بشأنها، والشهادة في سبيل الله تكفر كل شيء إلا الدين، وابن عمر يبني بيته في أسبوع بيده؟!. الناس إلى عهد قريب قبل انفتاح الدنيا إذا خرج صاحب الحاجة من بناء بيت أو شبهه من المسجد وقف عند الباب وقال: أعان الله من يعين، وساعدوه، الآن من يستطيع أن يقول مثل هذا الكلام؟ والله المستعان. حال السلف في العبادة: وعن أبي عثمان النهدي قال: تضيفت أبا هريرة سبعاً، فكان هو وامرأته وخادمه يقسمون الليل أثلاثاً، يصلي هذا ثم يوقظ هذا. وقال ابن المبارك: ما بلغني عن أحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- من العبادة ما بلغني عن تميمٍ الداري.

وعن عثمان بن طلحة قال: كان ابن الزبير لا ينازع في ثلاثة، شجاعة ولا عبادة ولا بلاغة. وعن الربيع بن خثيم قال: أتيت أويساً القرني -هذا سيد التابعين، وجاء مدحه في صحيح مسلم، وعمر طلب منه أن يدعو له بأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: فوجدته قد صلى الصبح، وقعد فقلت: لا أشغله عن التسبيح، فلما كان وقت الصلاة قام فصلى إلى الظهر، فلما صلى الظهر صلى إلى العصر، فلما صلى العصر جلس يذكر الله إلى المغرب، فلما صلى المغرب صلى إلى العشاء، ثم نعس بعد صلاة العشاء أخذته عينه فلما انتبه، يقول: سمعته يقول: اللهم إني أعوذ بك من عينٍ نوامة، وبطنٍ لا تشبع، ذكر ذلك الشاطبي في الاعتصام. وعن ابن المسيب قال: ما فاتتني الصلاة في جماعة منذ أربعين سنة، مبادرة إلى الفرائض، والفرائض أولى بالاهتمام من النوافل، وإذا اهتم بالفرائض وفق للنوافل، وإذا فرط في الفرائض كيف يوفق للنوافل؟! قال: ما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة، وما نظرت في قفا رجلٍ في الصلاة منذ خمسين سنة، ذكر ذلك الذهبي في السير. وعن عثمان بن حكيم قال سمعت سعيد بن المسيب يقول: ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد. وثبت عن بعضهم أنه قال: أن الذي لا يأتي إلى الصلاة حتى يدعى إليها إنه لرجل سوء. وقال سعيد بن جبير: لقيني مسروق فقال: يا سعيد ما بقي شيء يرغب فيه إلا أن نعفر وجوهنا بالتراب، وما آسى على شيء إلا السجود لله تعالى. وعن إبراهيم بن محمد بن المنتشر قال: كان مسروق يرخي الستر بينه وبين أهله، ويقبل على صلاته ويخليهم ودنياهم، ذكر ذلك أبو نعيم في الحلية. وعن شرحبيل أن رجلين أتيا أبا مسلم الخولاني -عبد الله بن ثُوب- فلم يجداه في منزله، فأتيا المسجد فوجداه يركع، فانتظراه فأحصى أحدهم أنه ركعة ثلاثمائة ركعة. وقال أبو الأحوص: قال لنا أبو إسحاق السبيعي: يا معشر الشباب اغتنموا -يعني قوتكم وشبابكم- قلما مرت بي ليلة إلا واقرأ فيها ألف آية، وإني لأقرأ البقرة في ركعة.

ألف آية تكون: في جزء، ألف آية تكون: أقل من جزء، يعني إذا قلنا: القرآن ستة آلاف، إذا قسمناها على الثلاثين كم يكون في الجزء؟. . . . . . . . . إذا قلنا: ثلاثين؟ .. لا أقل ... لعلها تكون خمسة أجزاء أو أربعة أجزاء، يعني ورد خاص، قال: ما مرت بي ليلة إلا واقرأ فيها ألف ليلة، وإني لأقرأ البقرة بركعة، وإني لأصوم الأشهر الحرم وثلاثة أيام من كل شهر والاثنين والخميس. المقصود أنه من أهل العلم إضافة إلى العلم، أبو إسحاق السبيعي من كبار المحدثين، من الرواة الحفاظ، ومع ذلك لم يشغله ذلك عن العمل، ويخبر الشباب بهذا، وليس هذا من إظهار العمل الذي يقلل الأجر، وإنما هو من أجل الاقتداء، فإذا غلب على الظن أنه يقتدى به كان الأثر المترتب على إظهاره أكثر من الأثر المترتب على إخفاءه، قال: ذهبت الصلاة مني وضعفت، وإني لأصلي فما اقرأ وأنا قائم إلا بالبقرة وآل عمران. وقال حماد بن سلمة: ما أتينا سليمان التيمي في ساعة يطاع الله -عز وجل- فيها إلا وجدناه مطيعاً، إن كان في ساعة صلاة وجدناه يصلي، وإن لم تكن في ساعة صلاة وجدناه إما يتوضأ أو عائداً مريضاً أو مشيعاً جنازة أو قاعداً في المسجد، قال: فكنا نرى أنه لا يحسن أن يعصي الله -عز وجل-. وقال معتمر بن سليمان التيمي لمحمد بن عبد الأعلى: لولا أنك من أهلي ما حدثتك عن أبي بهذا، مكث أبي أربعين سنة يصوم ويفطر يوماً، ويصلي الصبح بوضوء العشاء، وربما أحدث الوضوء من غير نوم. وقال يحيى ابن المغيرة: زعم جريرٌ أن سليمان التيمي لم تمر ساعة إلا تصدق بشيء، فإن لم يكن صلى ركعتين. وأما ما يروى عن أمير المؤمنين في الحديث سفيان الثوري فكثيرٌ جداً، فعن معمر بن إسماعيل قال: قام سليمان بمكة سنة فما فتر من العبادة سوى من بعد العصر إلى المغرب، وكان يجلس مع أصحاب الحديث وذلك عبادة.

وعن ابن مهدي قال: كنت لا أستطيع سماع قراءة الثوري من كثرة بكاءه، وقال ابن مهدي: ما عاشرت في الناس رجلاً آسف من الثوري. وقال الفريابي: كان سفيان يصلي ثم يلتفت إلى الشباب فيقول: إذا لم تصلوا اليوم فمتى؟. وقال الأوزاعي -رحمه الله-: من أطال قيام الليل هون الله عليه وقوف يوم القيامة. وقال الوليد بن مسلم: ما رأيت أكثر اجتهاداً في العبادة من الأوزاعي. وقال أبو مسهر عنه: كان يحيي الليل صلاة وقرآناً وبكاءً. قال حدثني بعض إخواني من أهل بيروت أن أمه كانت تدخل -يعني أم هذا الأخ- كانت تدخل منزل الأوزاعي، وتتفقد موضع الصلاة، صلاة الإمام الأوزاعي، فتجده رطباً من دموع في الليل. ودخلت امرأة لها صلة بزوج الأوزاعي فنظرت فوجدت بللاً في مسجده في موضع سجوده، فقالت لها: ثكلتك أمك، أراك غفلت عن بعض الصبيان حتى بال في مسجد الشيخ، فقالت لها: ويحك، هذا يصبح كل ليلة من أثر دموع الشيخ في سجوده. وعن عبد الرحمن بن مهدي: لو قيل لحماد بن سلمة أنك تموت غداً ما قدر أن يزيد في العمل شيئاً. قال الحافظ الذهبي: كانت أوقاته -يعني حماد بن سلمة- معمورة بالتعبد والأوراد. وقال موسى بن إسماعيل: لو قلت لكم: إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكاً، لصدقت، كان مشغولاً إما أن يحدث أو يقرأ أو يسبح أو يصلي، قد قسم النهار على ذلك. مات حماد بن سلمة في الصلاة في المسجد.

لكن لا شك أن التبسم حصل منه -عليه الصلاة والسلام-، وحصل -وهو نادر- أن ضحك -عليه الصلاة والسلام- حتى بدت نواجذه، لا شك أن هذا من شدة التحري؛ لأن بعض الناس لا يستطيع أن يوازن في مثل هذه المضايق؛ لأن بعض الناس لو ضحك استمر، وبعض الناس لو غفل ذهل، فهو يحزم نفسه على هذا لئلا يسترسل، بعض المضايق لا يستطيعها كثيرٌ من الناس، فمثلاً: مزاولة الأسباب مع قوة التوكل، هذا صعب جداً، يعني يذهب الإنسان إلى الطبيب، ثم بعد ذلك يحصل من التوكل على مثل ما كان عليه -عليه الصلاة والسلام- بعيد، فإما أن يحسم المادة ويترك التطبب، أو يحصل في قلبه ما يحصل، بعض الناس لا يستوعب، كيف يموت أعز الناس عليه ولا يجد في نفسه شيء؟! كيف تدمع عيونه ويبكي ويحزن، ومع ذلك لا يحصل في نفسه شيء من الاعتراض على القدر؟ كما كان من حاله -عليه الصلاة والسلام-؟. تضيق الأنظار في مثل هذه المواقف، حتى إن بعضهم لما مات ولده ضحك، ما استطاع أن يستوعب، فهذا حماد ما رؤي ضاحكاً، والله المستعان. وقال يحيى بن أيوب: حدثني بعض أصحاب وكيع الذين كانوا يلزمونه أن وكيعاً كان لا ينام حتى يقرأ جزأه من كل ليلة ثلث القرآن، ثم يقوم في آخر الليل فيقرأ المفصل ثم يجلس، فيأخذ بالاستغفار حتى يطلع الفجر. وقال عبد الله بن أحمد: كان أبي -رحمه الله- يصلي في كل يوم وليلة ثلاثمائة ركعة، فلما مرض بسبب الجلد، حينما ثبت في المحنة كان يصلي كل يومٍ وليلة مائة وخمسين ركعة، وهذا ذكره أكثر من ترجم له. وقال إبراهيم بن هانئ النيسابوري: وكان -يعني الإمام أحمد- رأساً في العبادة وعلو الهمة، كان أبو عبد الله حيث توارى من السلطان عندي. وذكر من اجتهاده في العبادة أمراً عجباً قال: وكنت لا أقوى معه على العبادة، وأفطر يوماً واحداً واحتجم.

وقال أحمد بن سلامة النيسابوري الحافظ: كان هناد بن السري -رحمه الله- كثير البكاء، فرغ يوماً من القراءة لنا، يعني يقرئهم الحديث، توضأ فجاء إلى المسجد فصلى إلى الزوال، وأنا معه في المسجد، ثم رجع إلى مسجده فتوضأ وجاء فصلى من الظهر، وأخذ يقرأ في المصحف حتى صلى المغرب، قال فقلت: لبعض جيرانه ما أصبره على العبادة، فقال: هذه عبادته بالنهار منذ سبعين سنة، فكيف لو رأيت عبادته بالليل؟. وكان محمد بن إسماعيل البخاري -رحمه الله تعالى- يختم في رمضان في النهار كل يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح في كل ثلاثة ليالٍ بختمة. وقال بكر بن منير: كان محمد بن إسماعيل يصلي ذات ليلة، فلسعه الزنبور سبع عشرة مرة، فلما قضى الصلاة قال: انظروا أيش آذاني؟ وفي رواية وقد تورم جسده، فقيل له: لما لم تخرج من صلاتك؟ قال: كنت في سورة فأحببت أن أتمها. وكان بقي بن مخلد الإمام الحافظ المعروف صاحب المسند الكبير يختم القرآن كل ليلة في ثلاثة عشرة ركعة، وكان يصلي بالنهار مائة ركعة، ويصوم الدهر، وكان كثير الجهاد فاضلاً. على كل حال صوم الدهر معروف حكمه عند أهل العلم، وجاء في الحديث الصحيح: ((لا صام من صام الأبد)) وجاء أن صيام الدهر مفضول، وأن أفضل الصيام صيام داود، لكن بعض الناس إذا فتح له باب من باب العبادة استرسل فيه ونسي نفسه، ونسي ما جاء فيه من نصوص. وكان الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي لا يضيع شيء من زمانه بلا فائدة، فإنه كان يصلي الفجر ويلقن القرآن، وربما أقرأ شيئاً من الحديث، ثم يقوم فيتوضأ فيصلي ثلاثمائة ركعة بالفاتحة والمعوذتين، كما سبق الإشارة إليه إلى قبل الظهر، وينام نومةً، فيصلي الظهر، ويشتغل إما بالتسميع -تسميع الحديث- أو بالنسخ إلى المغرب، فإن كان صائماً أفطر وإلا صلى من المغرب إلى العشاء، ويصلي العشاء وينام إلى نصف الليل أو بعده، ثم قام كأن إنساناً يوقظه فيصلي، ثم يتوضأ ويصلي إلى قرب الفجر، ثم ينام نومة يسيرة إلى الفجر، فهذا دأبه.

وقال موفق الدين بن قدامة: كان الحافظ عبد الغني جامعاً للعلم والعمل، كان رفيقي في الصبا وفي طلب العلم، وما كنا نستبق إلى خيرٍ إلا سبقني إليه إلا القليل، وكمل الله فضيلته بابتلائه بأذى أهل البدعة وعداوتهم، وابن قدامة ذكر في ترجمته من العبادة الشيء الكثير، فما ترك قيام الليل من شبابه إلى أن مات، فإذا رافق ناساً في السفر ناموا وحرسهم يصلي. ومع ذلك ترك هذا الأثر الكبير في العلم، يعني قد يقول قائل: كيف يؤلف المغني وهو يصلي بالليل والنهار؟! ولا يدري أن هذا خيرٌ معين للتأليف والعلم والتعليم. وقال الحافظ الذهبي في السير: كان قدوة صالحاً عباداً قانتاً لله ربانياً، خاشعاً مخلصاً عديم النظير، كبير القدر، كثير الأوراد والذكر والمروءة والفتوة والصفات الحميدة، قل أن ترى العيون مثله، وكان يكثر الصيام، ويتلو كل ليلة سُبعاً مرتلاً في الصلاة. وأما ما ذكر عن شيخ الإسلام بن تيمية -نختصر باعتبار أن الوقت قرب- من العلم والعمل فشيء يشبه المستحيل، فمع كثرة مؤلفاته ذكر من عبادته وتهجده وأذكاره وصيامه وجهاده، ويقرر في ذلك أن هذا هو السبب في إعانته على العلم، وكان مع ذلك مجبولاً على الكرم، وما شد على دينار ولا درهمٍ قط، بل كان مهما قدر على شيء من ذلك يجود به كله، وكان لا يرد من يسأله شيئاً يقدر عليه من دراهم ولا دنانير ولا ثياب ولا كتب، حتى الكتب يعطيها. وقال ابن رجب في ذيل الطبقات عن الإمام المحقق ابن القيم -رحمه الله تعالى-: وحج مرات كثيرة، وجاور بمكة، وكان أهل مكة يذكرون عنه من شدة العبادة وكثرة الطواف أمراً يتعجب منه. وقال ابن القيم في مقدمة مفتاح دار السعادة الذي ألفه بمكة، وكان هذا من بعض التحف التي فتح الله بها عليّ حين انقطاعي إليه عند بيته، وإلقاء نفسي ببابه مستكيناً ذليلاً ... إلى أن قال: فما خاب من أنزل إليه حوائجه وعلق به آماله، وأصبح ببابه مقيماً، وبحماه نزيلاً.

وهكذا يستمر العلماء المحققون على هذا المنهج، وهو الجمع بين العلم والعمل، فمن قرأ سيرة الشيخ محمد الإمام المجدد -رحمه الله- محمد بن عبد الوهاب رأى العجب، فيتعجب من هذه الأعمال الخاصة من صلاة وتلاوة وذكر مع ما قام به من جهاد بالسنان واللسان، وكذلك أبناءه وأحفاده وتلاميذهم إلى عصرنا. وهذه البلاد أيضاً لها القدح المعلى من هذا النوع من أهل العلم والعمل، فمن أدرك الشيخ عمر بن سليم -رحمه الله- والعبادي والمفدى والخريصي والمطوع -رحمهم الله- جميعاً وأضرابهم وأمثالهم فهؤلاء يضرب بهم المثل في العبادة. يعني لا يقال: أن هذا شيء غير مقدور عليه، هذا خاص بسلف هذه الأمة، فهناك أمثلة، وهذا الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله تعالى- مضرب المثل في التضحية، حيث بذل جميع وقته للدعوة والتعليم، وقضاء الحاجات، وحدثتنا زوجته أنه في ليلةٍ من الليالي جاء من المستشفى، ولاحظت عليه آثار التعب، فضبطت الساعة بعد عادته في القيام بساعة رأفةً به، فانتبه على العادة، وسألها لمَ لم يشتغل منبه الساعة، فأخبرته فلامها على ذلك، وأخبرته أنها فعلت ذلك من أجل راحته، فقال -رحمه الله-: الراحة في الجنة، وكان معدل نومه لا يزيد في اليوم والليلة لا يزيد على أربع ساعات. ومن شيوخنا الأحياء الآن الموجودين من يزاول العمل الوظيفي، ويؤدي العمل من أوله إلى آخره بمقدار ست ساعات في اليوم، ومع ذلك يكون لديه الدروس اليومية، وقته معمور، وتجده يحرص على الصلاة على الجنائز، ويتردد على المساجد التي يصلى فيها على الجنائز، والآن خرج من الدوام، فيصلي على الجنازة ويتبعها، والمغرب عنده درس، وفي الليل قيام، فهذا ليس بالمستحيل، لكن الموفق من وفقه الله، فعلى كل حال نقتصر على هذا؛ لأن الوقت يزاحمنا، فالذي يُريَ الله -جل وعلا- من نفسه خيراً يعينه، وأكرر ما ذكرته في البداية أن هذا الموضوع لو أسند لشخص يحكي واقعه في العلم والعمل لكان أنفع؛ لأن القول الكلام الذي ينبع من القلب ويصدقه العمل هو المقبول، أما يسند إلى شخص لم يعرف بشيء من هذا، فهذا لا شك أنه حسن ظن من الإخوان، ولا نقول إلا خيراً، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. أسئلة: هذا يقول: كيف يبلِّغ الإنسان علمه وهو غير مؤهل كتدريس الحلقات أو عقد الدروس، وما قولكم فيمن يقول: أنا لا أحفظ القرآن خوفاً أن يكون حجة عليَّ؟ أولاً: كونه يقدم على التعليم قبل أن يتأهل هذا لا شك أنه استعجال للثمرة، فعليه أن يتأهل قبل ذلك، ثم بعد ذلك إذا تأهل ودعت الحاجة إلى أن يعلم عليه أن يبادر بالتعليم فهذه زكاة العلم. أما كونه لا يحفظ القرآن خشية أن يكون حجة عليه فلا شك أن هذا من تلبيس الشيطان، فعليك أن تحفظ القرآن وأن تجاهد نفسك، وأن تخلص عملك لله -جل وعلا-، وهذا سؤال يرد كثير من الطلاب في الدراسة النظامية، في الكليات الشرعية، كثيرٌ منهم من يقول: أنا دخلت الكلية الشرعية، ونصب عيني التخرج والشهادة وبناء الأسرة، وظروف الحياة، ولا شك أن هذا يخدش في الإخلاص، نقول: نعم يخدش في الإخلاص، فيقول: هل الحل أن أترك الدراسة؟ نقول: لا، ليس الحل أن تترك الدراسة، الحل أن تجاهد نفسك بالإخلاص، وإذا علم الله -جل وعلا- منك صدق النية أعانك. يقول: كيف نكثر من العبادة والعلم والدعوة وزماننا مليءٌ بالشواغل، كحق الوالدين، والأسرة، والانشغال بالأجهزة الحديث، كالحاسب والجوال ونحوهما، مع انفتاح المنكرات فكيف نقاومها؟ ونعطي كل ذي حقٍِ حقه، وننتفع من الأجهزة، ونكثر من العلم والعبادة والدعوة مع قصر العمر؟ أقول: مثل هذه الأعذار لم تعق من كان قبلك، أنت عندك صوارف صحيح وجدت في هذا الزمن، لكن أنت بهذه الوسائل تدرك ما أدركه من سبقك من العلم بمراحل، بسبب هذه الوسائل، بإمكانك أن تركب السيارة وتصل إلى المسجد بخمس دقائق، لكن من تقدم الذين ليست عندهم هذه الشواغل يحتاج إلى ساعة إلى أن يصل إلى المسجد الذي فيه درس.

أيضاً هذه الآلات التي تعتذر بها هي خير معين لك على التحصيل، ما الذي يمنعك إذا تعارض درس مع آخر أن تقتني من الأشرطة التي شرحت فيها الكتب من أهل العلم الموثوقين، وتنظر في المتن تحفظ من المتن وتسمع الشرح وتعلق عليه، هذا درس، وهذا لم يكن موجود بالنسبة لمن تقدم، لا شك أنه موجود الصوارف موجودة، والشواغل كثيرة، ومع ذلك المعين والميسر موجود، لكن ابذل من نفسك تجد -إن شاء الله تعالى-. يقول: هل يجوز السهر على قراءة الكتب مع ذكر دليل ذلك؟ ترجم أهل العلم ومنهم الإمام البخاري، وذكرنا هذا سابقاً (باب السمر في العلم) وذكر ما يدل على ذلك، وأخبار السلف كثيرة في هذا، فمنهم من يجزئ الليل إلى ثلاثة أجزاء، ينام ثلث، وينظر في العلم ثلث، ثم يصلي ثلث، ومُدح بهذا، ولا يتعارض بهذا أبداً مع حديث: (كان يكره النوم قبلها، والحديث بعدها) والنبي -عليه الصلاة والسلام- بعد صلاة العشاء تحدث مع أهله ساعة، فالمسألة موازنة بين المصالح والمفاسد، ولا شك أن النوم أفضل من السهر على المباحات، فضلاً عن السهر مع التخليط، فضلاً عن السهر مع المحرمات، نسأل الله السلامة والعافية. يكثر السؤال عما جاء ذكره من حال السلف أنهم كانوا يقرؤون القرآن كل يوم، وهذا مستفيض عنهم.

قراءة القرآن عند الماهر، ومع ذلك بإمكانه أن يتدبر، وقد رأينا من يقرأ القرآن كل يوم مع أن الدموع تنهمر من عينيه، فليس بالمستحيل، وليس بصعب، وهو موجود إلى الآن، النبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه قال لعبد الله بن عمرو: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) مثل هذا الكلام منه -عليه الصلاة والسلام- إنما هو علاج للمندفع، المندفع يعالج بمثل هذا الكلام، ابن عمرو أراد أن يقرأ القرآن ليل نهار، ويترتب على هذا تضييع بعض الحقوق، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يحد منه هذا الاندفاع، فقال له: ((اقرأ القرآن في شهر)) فقال: نطيق أكثر من ذلك، فقال: ((اقرأه في عشرين ليلة)) فقال: إني أطيقه أكثر من ذلك، فقال: ((اقرأه مرتين في الشهر)) فقال: أطيق أكثر من ذلك، ((في عشر)) يطيق أكثر من ذلك، قال: ((اقرأ القرآن في سبعٍ ولا تزد)) فإذا كان النهي للرفق بالمنهي، إذا كان النهي من أجل الرفق بالمنهي فتنظر بالنسبة لغيره النصوص الأخرى، ففي كل حرف من القرآن عشر حسنات، وجاء في الحديث عند أبي داود وغيره أنه: لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث، والعلماء يقررون أن القراءة بأقل من ثلاث ممكنة وقد يفقه، لكن هذا بالنسبة لمن لديه أعمال أخرى، وانشغال بأمور دنياه، فمثل هذا لا يفقه، لكن لو قال لنا شخص: أنا أقرأ خمسة بعد صلاة الصبح، وخمسة بعد صلاة الظهر، وخمسة أجزاء بعد صلاة العصر، وأستطيع أن أقرأ القرآن في يومين، هل نقول لك: إنك لا تفقه، لا تقرأ بعد صلاة الظهر؛ لأجل أن تفقه، هل لهذا المنع من القراءة في وقتٍ من هذه الأوقات أثر على الفقه؟ لكن غالب الناس إذا قرأ عشرة في اليوم لا يفقه، فهو محمول على الغالب، ومنهم من يرى كابن رجب وغيره أن هذا في الأوقات العادية، أما في الأوقات الفاضلة فتغتنم هذه الأوقات، ولا مانع أن يختم القرآن في رمضان في كل ليلة.

وذكر العلماء -وهذا لا بد من التنبيه عليه- أن منهم من يختم بالنهار وبالليل ختمة، ومنهم من يختم ختمتين بالليل، وذكر الحافظ ابن كثير والنووي عن ابن الكاتب الصوفي أنه كان يختم أربعاً بالليل وأربعاً بالنهار، وهذا ليس بالمقدور، والوقت لا يستوعب، وذكر القسطلاني عن شخصٍ أنه كان يقرأ القرآن في أسبوع، قلنا أسبوع ممكن، ثم قال: وقيل في شوط، وعرفنا أن الأسبوع الطواف بالبيت سبعاً، وهذا لا يمكن، ولا شك أن هذا من تلبيس الشيطان على بعض الناس، يريه أنه قرأ وهو في الحقيقة لم يقرأ، والقراءة التي تترتب عليها آثارها لا شك أنها إذا كانت على الوجه المأمور به، بالتلاوة والتدبر، وبنية الانتفاع من القرآن. شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقول: "وقراءة القرآن على الوجه المأمور به تورث القلب من العلم والعمل والإيمان والطمأنينة والراحة ما لا يدركه إلا من جرَّب". ابن القيم -رحمه الله تعالى- يقول: فتدبر القرآن إن رمتَ الهدى فالعلم تحت تدبر القرآنِ وأما قراءة الهذّ من غير ترتيل ولا تدبر لا شك أن أثرها في النفس ضعيفة، لكنها إذا أخرجت الحروف من مخارجها، ونطق بها الإنسان نطقاً كاملاً لا شك أن أثرها في تحصيل الحسنات المرتبة على مجرد القراءة يثبت -إن شاء الله تعالى-، بكل حرف عشر حسنات. وجاء عن الدارمي وأحمد بإسناد جيد: ((أن قارئ القرآن يقال له: اقرأ، وارتق في درج الجنة كما كنت تقرأ في الدنيا هذّاً كان أو ترتيلاً)) لكن العلم والإيمان الذي تورثه القراءة لا تكون مع هذا الهذّ، والمسألة على التعود، إذا تعود الإنسان أن يقرأ بهذّ لا يستطيع أن يتريث، بل يكون نظره إلى آخر السورة. وعلى كل حال علينا أن نعنى بكتاب الله -جل وعلا-، ففيه العلوم كلها، وفيه الخير كله، ومن قام يقرأه كأنما يخاطب الرحمن مباشرة؛ لأنه كلامه. هو الكتاب الذي من قام يقرأه كأنما خاطب الرحمن بالكلم بعض الناس إذا انتهى من دوامه وارتاح بعد العصر، بعد المغرب للجرائد والمجلات، وبعد العشاء للمساهير، وليس لكتاب الله -جل وعلا- منه نصيب.

مع الأسف بعض طلاب العلم لا يعرف القرآن إلا أن تقدم قبل الصلاة بدقائق، يفتح المصحف وإلا فلا يعرفه، وهذا خلل، يعني إذا لم نعنَ بكتاب الله فكيف نعنى بكلام البشر؟ هو الغاية، والسنة مفسرة للقرآن، فكيف نترك الغاية ونشتغل بالوسائل؟ والسنة كما جاء: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(3 - 4) سورة النجم] فالسنة أيضاً غاية، فعلينا أن نعنى بالأصلين بالوحيين، وما يعين على فهمهما، بحيث إذا تعارض النظر في غيرهما مع النظر مع غيرهما قدم النظر فيهما إلا إذا قدمنا الوسائل على المقاصد لفهم المقاصد، وأما إذا عرفنا الوسائل فيكون اهتمامنا منصباً على هذه الغايات، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مكانة النبي صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم مكانة النبي صلى الله عليه وسلم عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .. أما بعد: ففي هذه الليلة المباركة، التي نتحدث فيها مع إخوة فضلاء، وطلاب وزملاء، نسأل الله -جل وعلا- أن ينفع بما يقال، وما يذكر، وما يسمع، وأن يجعل العمل والقول خالصاً لله -جل وعلا- موصلاً إلى جناته ومرضاته. الموضوع وعنوان الدرس مفاجئ ولم يرتب له، وهو من السعة والانتشار في نصوص الكتاب والسنة بحيث لا يستطاع جمع أطرافه في مدة يسيرة، ولا الحديث عنه في ساعة قصيرة، هذا الموضوع وهو: (مكانة النبي -صلى الله عليه وسلم-) موضوع عظيم، تبعاً لعظمة المتحدَث عنه، وهو سيد البشر، وأفضل الخلق، وأعلمهم وأتقاهم وأخشاهم لله عز وجل. هذا الرجل العظيم الرسول الكريم هو أكرم الخلق على الله -جل وعلا-، ولا نجاة لأحد كائناً من كان إلا بعد معرفته ومعرفة ما جاء به؛ والإيمان به وبما جاء به، على مراده -عليه الصلاة والسلام- معرفة النبي -صلى الله عليه وسلم- أحد الأصول الثلاثة، التي يجب على كل مسلم ومسلمة معرفتها، وليس المراد معرفة حفظ دون معرفة عمل؛ لأن الإنسان، مهما بلغ من المراتب العليا في الدراسات وغيرها ولو كان تخصصه في السيرة النبوية، وصار أعرف الناس بها لكنه لا يتبع ولا يعمل، ما الذي يفيده هذا العلم، إذا سئل في قبره عن ربه، وعن دينه وعن نبيه لن يستطيع الجواب، ما لم يكن متابعاً للنبي -صلى الله عليه وسلم- ولو تخصص في السيرة؛ لأنه إن لم مؤمناً فلن يجيب؛ لأن المنافق والمرتاب ولو كان في دنياه من أعرف الناس بالسيرة، فإنه لا محالة سوف يقول: هاه هاه لا أدري، كنت أسمع الناس يقولون شيئاً فقلته, فالمعول على المتابعة.

هذا الأصل العظيم من الأصول الثلاثة التي هي معرفة الله -جل وعلا-، ومعرفة دين الإسلام، ومعرفة نبيه -عليه الصلاة والسلام- اقترانه -عليه الصلاة والسلام-، اقتران معرفته بمعرفة الله -جل وعلا-، ومعرفة الدين الذي من أجله خلق الناس، العبادة, في هذا بيان لمكانته -عليه الصلاة والسلام- بداية الامتحان الحقيقي إنما تكون بالسؤال عن الله -عز وجل- وعن دينه وعن نبيه -عليه الصلاة والسلام-. هذا النبي العظيم قرنت الشهادة له بالرسالة بالشهادة لله -جل وعز- بالألوهية، فلا يصح دين إلا بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)) ومن لازم صحة لا إله إلا الله، الشهادة لهذا الرسول الكريم بأنه عبد الله ورسوله، هذه الشهادة للنبي -عليه الصلاة والسلام-- بالرسالة أحد شقي الركن الأول من أركان الإسلام، ففي الصحيحين من حديث ابن عمر: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة .. )) إلى آخر الأركان .. قرن اللهُ –جل وعلا- طاعته -صلى الله عليه وسلم- بطاعته -جل وعلا-: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ} [(80) سورة النساء]، بل اشترط لقبول طاعته طاعة الرسول -عليه الصلاة والسلام-، {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ} والهداية لا تحصل إلا لمن اتبعه وأطاعه، {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [(158) سورة الأعراف]، {وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [(54) سورة النور]، طاعة الرسول -عليه الصلاة والسلام- هي السبب في محبة الله للعبد، طاعة الرسول وإتباعه -عليه الصلاة والسلام- هي السبب في محبة الله -جل وعلا- لعبده، قال -جل وعلا-: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ} [(31) سورة آل عمران]، طاعته -عليه الصلاة والسلام- تجعل المطيع رفيقاً لأعظم الخلق وأشرفهم وأكرمهم: {وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [(69) سورة النساء]. بعثة الرسول عامة:

الرسول -عليه الصلاة والسلام- بعث إلى الناس كافة، بعث إلى الثقلين الجن والإنس، لا يسع أحداً الخروج عن شريعته -عليه الصلاة والسلام- ولو تعبد بعبادة منزلة من الله جل وعلا. فمن النواقض المعروفة عند أهل العلم من زعم أن يسعه الخروج عن ملة محمد -صلى الله عليه وسلم- كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى، فهذا لا شك في كفره، وأنه من أهل النار، نسأل الله السلامة والعافية، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((والله لا يسمع بي يهودي ولا نصراني فلا يؤمن بي، إلا دخل النار)) وذالكم لعموم رسالته -عليه الصلاة والسلام- إلى الثقلين، بخلاف غيرهم من الأنبياء، فقد كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- بعث إلى الناس عامة، كما في حديث الخصائص المشهور, وفي الحديث الصحيح: ((لو كان موسى حياً ما وسعه إلا إتباعي)) وجاء ما يدل على أن عيسى -عليه السلام- إذا نزل في آخر الزمان إنما يحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم. يقول الله -جل وعلا-: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ} [(81) سورة آل عمران] يقول ابن الجوزي: "فجعل الأنبياء كالأتباع له -عليه الصلاة والسلام- وألهمهم الانقياد، فلو أدركوه وجب عليهم إتباعه.

الله -جل وعلا-، خاطب كل نبي باسمه، فقال: {يَا آدَمُ اسْكُنْ} [(35) سورة البقرة]، و {يَا نُوحُ} [(32) سورة هود]، و {يَا إِبْرَاهِيم} [(76) سورة هود]، و {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ} [(144) سورة الأعراف]، و {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ} [(26) سورة ص]، و {يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ} [(110) سورة المائدة]، و {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ} [(7) سورة مريم]، و {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [(12) سورة مريم]، نادى الأنبياء بأسمائهم، ولم يخاطب النبي -عليه الصلاة والسلام- بالاسم، تعظيماً له، بل قال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} [(64) سورة الأنفال]، {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} [(41) سورة المائدة]، فلما ذكر اسمه للتعريف قرنه بذكر الرسالة، فقال تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ} [(144) سورة آل عمران]، {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ} [(29) سورة الفتح]، فإذا ذكر باسمه المجرد قرن بما يدل على منزلته من الرسالة والنبوة، وقرن الله -جل وعلا- اسمه باسمه -عليه الصلاة والسلام-، فقال: {وَأَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ} [(92) سورة المائدة]، وقال: {وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ} [(71) سورة التوبة]، وقال: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ} [(59) سورة النساء]، وقال: {وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ} [(74) سورة التوبة]، {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [(57) سورة الأحزاب]، وقال: {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ} [(63) سورة التوبة]، قال: {وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ} [(29) سورة التوبة]، ولذا جاء في الحديث من حديث أبي سعيد الخدري في تفسير قول الله -جل وعلا-: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [(4) سورة الشرح]، جاء في التفسير عن مجاهد أنه قال: "لا أذكر إلا ذكرت معي، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وعن قتادة: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [(4) سورة الشرح]، رفع الله ذكره في

الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة لا ينادي، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، ذكر ذلك ابن جرير في تفسيره بأسانيده، ثم ذكر حديث أبي سعيد مرفوعاً، قال: (أتاني جبريل إن ربي وربك يقول: كيف رفعت لك ذكرك؟ قال: الله أعلم، قال: إذا ذكرتُ ذكرت معي) وهذا الحديث لا يسلم من مقال؛ لأن في إسناده عند ابن جرير دراجاً أبا السمح عن أبي الهيثم، يقول ابن حجر في التقريب، دراج أبا السمح الثقفي مولاهم المصري صدوق في حديثه عن أبي الهيثم ضعف، وقال ابن كثير: ورواه أبو يعلى من طريق ابن لهيعة عن دراج, وعلى كل حال الآية تشهد له، لا أذكر إلا تذكر معي، إذا ذكرتُ ذكرتَ معي، هذا من رفع الله -جل وعلا- لذكره -عليه الصلاة والسلام- لكن هل يعني هذا، أننا نكتفي، أو نذكر اسم النبي -عليه الصلاة والسلام- مقروناً باسمه -جل وعلا- في محاريب مساجدنا، أو ضمن زخارف بيوتنا، هل هذا العمل مشروع ويدخل في قوله: "لا أذكر إلا وتذكر معي" هل هذا مبرر لأن يذكر لفظ الجلالة "الله" ويجعل بإزائه لفظ النبي -عليه الصلاة والسلام-، استناداً إلى هذا الحديث؟

بعضهم يبرر هذا الصنيع بهذا الحديث، وأن هذا من رفع ذكره -عليه الصلاة والسلام- يرفع فوق المحاريب ويذكر أيضاً ضمن زخارف ما يزخرف من بيوت وغيرها، هل هذا مبرر لمثل هذا الصنيع، أو نقول أن هذا جمع بين الله -جل وعلا- وبين نبيه فيما لا يسوغ فيه الجمع، ويكون مستند الجمع، ومن يعصهما فقد غوى، وقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((بئس خطيب القوم أنت)) فهل يستدل بالحديث عن شرعية مثل هذا العمل؟ أو نقول: إنه ممنوع، لأن هذا موجود بكثرة مع الأسف في مساجد المسلمين، وفي بيوتهم وفي منتدياتهم العامة والخاصة، فضلاً عن كونه يذكر من المخلوقين، غير النبي -عليه الصلاة والسلام- مع الله -جل وعلا- أنا أقول مثل هذا، ومثل هذه الكتابات، ومثل هذه التعاليق على الستور وعلى الجدران، سواء كانت بهذه الصفة بالأسماء، بأسماء الله -جل وعلا- أو بأسماء نبيه -عليه الصلاة والسلام- وأعظم من ذلك القرآن الكريم، كون مثل هذا الأمور، تذكر وتزخرف بها البيوت والمساجد، لا شك أن هذا ليس عليه سلف هذه الأمة، وهو من الامتهان لآيات الله -جل وعلا- وقد صدرت الفتوى بمنع مثل هذا، قد يقول قائل أنا أجعل في المجلس عندي آية الكرسي، ودعاء القيام من المجلس -الكفارة كفارة المجلس- ليتذكر بها الغافل، قد يكون بعض الناس ما حفظ آية الكرسي، فإذا علقناها وكثر تردادها لهم حفظوها، وأيضاً كفارة المجلس، قد يغفل عنها بعض الناس فنعلقها، فهل يكفي هذا، لتسويغ مثل هذا العمل؟ نقول: كل عمل -لا سيما ما يتقرب به إلى الله -جل وعلا- يحتاج إلى دليل، يحتاج إلى دليل، يستند إليه في تشريع هذا الأمر. حكى البغوي عن ابن عباس ومجاهد أن المراد بذلك الأذان، يعني ذكره -عليه الصلاة والسلام- فيه، وأورد من شعر حسان بن ثابت: أغر عليه للنبوة خاتم وضم الإله اسم النبي إلى اسمه وشق له من اسمه ليجله ... ... ... من الله مشهود يلوح ويشهدُ إذا قال في الخمس المؤذن أشهدُ فذو العرش محمود وهذا محمدُ

في تفسير الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- وقال آخرون: بعد أن ذكر ما تقدم، مما ذكر ابن جرير والبغوي وقال آخرون: رفع الله ذكره في الأولين والآخرين، ونوه به حين أخذ الميثاق على جميع النبيين أن يؤمنوا به، وأن يأمروا أممهم بالإيمان به ثم شهر ذكره في أمته فلا يذكر الله -جل وعلا- إلا ذكر معه. ومن مظاهر تكريمه وتعظيمه -عليه الصلاة والسلام-: الأمر بالصلاة عليه، والسلام عليه -عليه الصلاة والسلام-، في قول الله -جل وعلا-: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب]، أمر، والأصل في الأمر الوجوب، لكن هل يقتضي هذا التكرار بمعنى أنه كلما وجد السبب فذكر -عليه الصلاة والسلام- يجب أن نصلي عليه، أو أن الوجوب والإثم يسقط بمرة واحدة، ويبقى الأمر الذي هو بمعنى الندب؟

محل خلاف بين أهل العلم، هل يجب الصلاة والسلام عليه كلما ذكر؟ أو يكتفى بالصلاة عليه مرة، والباقي على سبيل الاستحباب، ولا شك أن الأمر أصله الوجوب، الأمر أصله الوجوب، ثم بعد ذلك جاء ما يدل عليه من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي)) ((ورغم أنف من ذكرت عنده فلم يصل علي)) –عليه الصلاة والسلام- ولا يتم الامتثال، أعني امتثال الأمر إلا بالجمع بين الصلاة والسلام، فإذا ذكر تقول: صلى الله عليه وسلم، أو عليه الصلاة والسلام، فلا تختصر بحروف أو بحرف، حتى وجد في كتب العلوم الحديثة أن أول من كتب المختصر الرمز "صلعم" قطعت يده, ولا شك أن هذا حرمان، الاقتصار على الرمز سواء كان هذا الاقتصار على الحروف الأربعة أو على حرف واحد، كله حرمان، لا يتم به الامتثال، ومن الناس وهو يصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام- تجده يأكل بعض الحروف، أو بعض الكلمات، مثل هذا لا يتم به الامتثال، بعض الناس يستعجل في كلامه، فيأكل حروف أو كلمات، مثل هذا لا يتم حتى يحقق الصلاة والسلام عليه -عليه الصلاة والسلام- كذلكم لا يتم الامتثال إلا بالجمع بين الصلاة والسلام -عليه الصلاة والسلام- فلا يكتفي بالصلاة، ولا يكتفي بالسلام، فلا يقول أحياناً إذا طال الكلام، نسي السلام، فأحياناً يقول بعض الناس: صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ثم ينسى وسلم، كما فعل الإمام مسلم في صحيحه، ومنهم من يقتصر على قوله: عليه السلام، ولا شك أنه لا يتم الامتثال إلا بالجمع بينهما؛ لأن الله -جل وعلا- أمر بهما جميعاً، {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب].

النووي -رحمه الله تعالى- أطلق الكراهة، في شرحه على صحيح مسلم أطلق الكراهة في الاختصار على الصلاة أو العكس الصلاة دون السلام، أو السلام دون الصلاة، والحافظ ابن حجر يقول: الكراهة لا تتجه إلا بالنسبة لمن كان ديدنه ذلك، يعني باستمرار، يصلي ولا يسلم أو يسلم ولا يصلي، أما من كان يجمع بينهما وأحياناً يقتصر على الصلاة، وأحياناً يقتصر على السلام، فهذا لا تتناوله الكراهة، وعلى كل حال الامتثال لا يتم إلا بالجمع بينهما، هذا بالنسبة للصلاة والسلام عليه خارج الصلاة، وأما الصلاة عليه في الصلاة بعد التشهد، فهو ركن من أركانها، من أركان الصلاة عند الحنابلة، لا تصح إلا به، الصلاة باطلة إذا لم يصل على النبي -عليه الصلاة والسلام- الصلاة عند الحنابلة باطلة، إذا لم يصل على النبي -عليه الصلاة والسلام-. خصائصه -عليه الصلاة والسلام-:

وجعل الله -جل وعلا- لنبيه من الخصائص ما ليس لغيره من الأنبياء، والخصائص كثيرة، وصنفت فيها المصنفات، وللسيوطي الخصائص الكبرى في ثلاث مجلدات لكن كثير منها لا يثبت، اعتمد فيها مؤلفو الخصائص على أحاديث لا تثبت، وفيما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- من قوله الشيء الكثير فيما يستغنى به عما لا يثبت، ولأمته ما ليس لغيرها من الخصائص من الأمم، مما جعلها خير أمة أخرجت للناس، فهذه الأمة المحمدية خير الأمم على الإطلاق، خير الأمم على الإطلاق، لكن شريطة أن تتصف بالأسباب التي من أجلها جعلت خير أمة أخرجت للناس، كما قال -جل وعلا-: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} [(110) سورة آل عمران]، فمن أهم الخصائص والمزايا التي جعلت هذه الأمة بهذه المثابة خير الأمم إنما هو شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذا قدم في الآية على الإيمان {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} هل يصح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من غير إيمان بالله جل وعلا؟ لا يصح، لا يصح، من شرط صحته صدوره من مؤمن، يؤمن بالله -جل وعلا- ولكن قدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، للاهتمام به، والعناية بشأنه، وأنه هو السبب، أما الإيمان بالله -جل وعلا- فهو موجود في هذه الأمة وفي غيرها من الأمم. وجعل الله –جل وعلا- الناس يحشرون تحت لوائه فهو حامل لواء الحمد، والأمم تفزع إليه، لتفريج هم الموقف، يتجهون إلى آدم فيعتذر، ثم يتجهون إلى نوح فيذكر عذره، ثم يتجهون إلى إبراهيم ثم موسى، ثم عيسى، ثم يأتون إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لتخليصهم من هذا الموقف، فيقول -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث الصحيح: ((أنا لها، أنا لها)) ولا شك أن هذه مزية له -عليه الصلاة والسلام- وشرف عظيم قد فاق به الأنبياء. التفضيل بين الأنبياء:

وهو صلى الله عليه وسلم كما قال عن نفسه: ((سيد ولد آدم، ولا فخر)) فهو أفضل الأنبياء وأشرف المرسلين، وأما ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- من النهي عن التفضيل بين الأنبياء، جاء عنه قوله -عليه الصلاة والسلام- في الصحيحين: ((لا تفضلوا بين الأنبياء)) وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تفضلوني على يونس بن متى)) فكيف نقول أفضل؟ وهو يقول: ((لا تفضلوني))؟ ولو سئل منا الواحد منا, أيهما أفضل محمد أم موسى -عليهما الصلاة والسلام-؟ لقال: محمد دون تردد، وجاء عنه -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تفضلوا بين الأنبياء)) ((ولا تفضلوني على يونس)) هذا النهي إنما يتجه إذا اقتضى التفضيل تنقص المفضول، تنقص المفضول، وإلا فالقرآن الكريم مصرح بالتفضيل {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [(253) سورة البقرة]، وجاء في النصوص ما يدل على فضله -عليه الصلاة والسلام- والرسول -عليه الصلاة والسلام- أعلم الخلق وأتقاهم، وأخشاهم لله -عز وجل- وهو أشجع الناس، وهو أكرم الناس، كما جاء بذلك الأحاديث الصحيحة، وغير ذلك من الأخلاق والشمائل التي اجتمعت فيه -صلى الله عليه وسلم- مما شمله قوله -جل وعلا-: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [(4) سورة القلم]، قالت عائشة -رضي الله عنها- لما سئلت عن خلقه -عليه الصلاة والسلام- قالت: "كان خلقه القرآن" فهو ترجمة عملية لما جاء في القرآن، من امتثال تام، للأوامر واجتناب للنواهي فترجمة عملية لهذا الدين العظيم، وأوجب الله -جل وعلا- محبته على كل شيء، ففي الحديث الصحيح: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)) وفي الصحيح –أيضاً- من حديث عبد الله بن هشام -رضي الله عنه- قال: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو آخذ بيد عمر -رضي الله تعالى عنه- فقال له عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك)) فقال له عمر-رضي الله عنه-: فإنه الآن، والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((الآن يا عمر)) يعني هذه المحبة القلبية التي لا تتولد في لحظة،

يعني هل يظن بعمر أنه قال ذلك مجاملة؟ يعني بعض الناس يقسم لغيره أنه أحب إليه من كل شيء, والواقع خلاف ذلك، لكن هل يظن بعمر أنه يقول: والله لأنت الآن أحب إلي حتى من نفسي، يعني قبل ثواني أحب إليه من كل شيء إلا من نفسه، فمقتضى ذلك أن نفسه أحب إليه من الرسول -عليه الصلاة والسلام- في ثوانٍ انقلبت فصار أحب إلى عمر حتى من نفسه -رضي الله عنه وأرضاه- وقال: ((الآن يا عمر)) يعني هذا الكلام قيل بحضرة المؤيد بالوحي، يعني لو كان في هذه المحبة أدنى شيء من الدخل أو عدم المطابقة للواقع، لنزل الوحي ببيان ذلك وكشفه، لكن أحياناً تجد مثلاً الزوجة من زوجها ما يحببها إليه، فتقسم له أنك أحب إليه من نفسها، والعكس يجد من زوجته فيقسم لها والله أعلم بالسرائر؛ لأن المسألة مسألة مصالح، قد يكون في هذه اللحظة وبعد ثواني تنقلب العكس، تنقلب عداوة، لأن المسألة مبنية على مصالح دنيوية تزول بزوالها، لكن محبة عمر للنبي -عليه الصلاة والسلام- مرتبة على شيء لا يزول وهو الدين، الذي هو رأس المال، فلولاه -عليه الصلاة والسلام- ما عرفنا كيف نعبد الله -جل وعلا- ولا عرفنا الله -جل وعلا- إلا بواسطته وما جاء به عن الله -جل وعلا- وكل خير وصل إلينا ويوصلنا إلى مرضات الله -جل وعلا- إنما هو من طريقه -عليه الصلاة والسلام- فلا مصدر لنا غير ما جاء به من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- التي هي في الحقيقة وحي يوحى، إذا عرفنا هذا النبي العظيم، وحقوقه العظيمة علينا؛ لأنه هو الذي أخذ بأيدينا وهو الذي دلنا على هذا الصراط المستقيم الموصل إلى الله -جل وعلا- نسأل الله -جل وعلا- أن ييسره لنا وأن يديمنا على سلوكه من غير غلو ولا تقصير- إذا عرفنا هذا فالنبي -عليه الصلاة والسلام- له حقوق عظيمة، فمحبته التي تقدمت لا بد أن تكون أعظم عند الإنسان من نفسه، والمراد بذلك المحبة الشرعية، المحبة الشرعة تترجم هذه المحبة بتقديم مراده -عليه الصلاة والسلام- وأمره على مراد غيره, فإذا طلبت الزوجة شيئاً مما منعه الرسول -عليه الصلاة والسلام- ولبى الطلب وأحضر هذا المطلوب، هل هذا المدعي صادق في محبته للنبي -عليه الصلاة والسلام- حينما تقول له زوجته

أحضر لنا كذا -مما حرمه الرسول -عليه الصلاة والسلام- هل نقول إن هذه المحبة صادقة؟ هذا الذي يدعي محبة النبي -عليه الصلاة والسلام- وإذا ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- تخاشع بين الناس، ليظهر للناس أنه محب للرسول، وإذا ذكر أو جاءت المناسبات التي تذكر بالنبي -عليه الصلاة والسلام- موالد وغيرها، بذل من نفسه ما يبذل، مما يشق ومما لا يشق، هل نقول: إن هذا صادق في محبته؟! لا محبة إلا باتباع، والمحبة المجردة عن الإتباع، هي مجرد دعوى، هي مجرد دعوى. تعصي الإله وأنت تزعم حبه لو كان حبك صادقاً لأطعته هذا لعمري في القياس شنيعُ إن المحب لمن يحب مطيعُ يعني تقول: أنا أحب الرسول، أحب الله ورسوله، ومع ذلك ترتكب المحرمات وإذا طلبت منك من زوجة أو ولد أو مدير أو أمير أو وزير بادرت بارتكاب ما حرمه الله -جل وعلا- وحرمه رسوله -عليه الصلاة والسلام- وتقول: أنا أحب الله وأحب رسوله، هذه دعوى يصدقها رفضك لهذا الطلب، وأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، إذا رفضت هذا الطلب، عرفنا أنك تحب الله ورسوله، أما إذا أجبت هذا الطلب الذي يمنعه الله ورسوله، عرفنا أنك مدعي. الله كاف رسوله من المستهزئين:

الله -جل وعلا- كفى رسوله المستهزئين وعصمه من الناس يقول الله -جل وعلا-: إنا كفيناك المستهزئين، الذين يجعلون مع الله إلهاً آخر فسوف يعلمون، قال ابن جرير -رحمه الله تعالى-: يقول الله -تعالى ذكره- لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [(95) سورة الحجر]، يا محمد، الذين يستهزئون بك، ويسخرون منك فاصدع بأمر الله، ولا تخف شيئاً سوى الله، فإن الله كافيك من ناصبك وآذاك، كما كفاك المستهزئين، وكان رؤساء المستهزئين قوماً من قريش معروفين وقد ذكر ابن جرير في تفسيره بأسانيده نفراً منهم، وأن الله -جل وعلا- كفاه شرهم ورد كيدهم في نحورهم، وأهلكهم الله تعالى، وهم من قومه من قوم قريش، وهكذا على مر العصور تجد من لا يتدين بهذا الدين يحصل منه الاستهزاء بالدين وبشعائره وبرمزه الأعظم الذي هو النبي -عليه الصلاة والسلام- تجد ووجد من المستشرقين وغيرهم نبز وأحياناً تصريح, ووجد من بعض الفساق -مع الأسف ممن ينتسب إلى هذا الرسول العظيم- بعض الاستخفاف به -عليه الصلاة والسلام- أو بشيء من سنته، وقد وجد هذا في عصره، الذين كانوا يخوضون ويلعبون، {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم} [(65 - 66) سورة التوبة]، وهذا موجود في القديم والحديث، من يستهزئ بالنبي -عليه الصلاة والسلام- ويستهزئ بشيء من سننه وشعائر دينه وهؤلاء سلفهم الذين حكم عليهم الله -جل وعلا- بالكفر؛ لأنهم منافقون، وأما بالنسبة للكفار فوصفوه -عليه الصلاة والسلام- في عصره بأنه ساحر، وأنه كاهن، وأنه صابئ، وأنه .. إلى أوصاف كثيرة، جاءت بها النصوص، وفي أيامنا الأخيرة قام ثلة من عباد الصليب من النصارى بإعادة ما كفاه الله -جل وعلا- إياهم، فنشروا صوراً مسيئة لشخصه -عليه الصلاة والسلام- فهذه الصور أثارت حفيظة المسلمين وأغضبتهم وأعلنوا نكيرهم وشجبهم لهذا المنكر، والداعي لهذه التصرفات -في تقديري- هذه التصرفات المشينة الداعي لها ما غاضهم وأثارهم من انتشار الإسلام في ديارهم، صار الناس يدخلون في دين

الله أفواجاً، وليس بأيديهم إلا أن يشوهوا هذا الدين، وأن يشوهوا هذا النبي الكريم الذي جاء بهذا الدين، فالداعي لهذه التصرفات المشينة من تلك الطغمة المقيتة سببها في تقديري انتشار الإسلام الواسع في بلادهم فأرادوا بذلك الصد عن دين الله، بحيث صار الناس يدخلون في دين الله أفواجاً فضاقت ديارهم عليهم بما رحبت لما رأوا من انتشاره الواسع في ديارهم، وهذا الحدث وإن كان منكراً يجب إنكاره, ولا يجوز إقراره ولا يجوز لمسلم أن يرضى به، أو يسكت عن إنكاره وهو يقدر على ذلك، إلا أن فيه مصالح عظيمة للمسلمين أنفسهم، ولدين الإسلام، فازداد السؤال عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من قبل الكفار أنفسهم، واطلعوا على شيء من سيرته، وعرف المسلمون ما يكنه الكفار لهم من العداوة والبغضاء والحنق على الدين وأهله {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [(118) سورة آل عمران]، هذا بالنسبة للكفار. بالنسبة للمسلمين عرفوا عدوهم، وأنهم مهما طنطنوا بالمساواة والعدالة والإخاء فهذا كله هباء لا قيمة له، وتبقى عداوة الدين مغروسة في النفوس.

أيضاً في هذا إيقاظ للمسلمين أنفسهم، إيقاظ للمسلمين أنفسهم؛ فكثير من بيوت المسلمين وهم يقولون في كل لحظة أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، ويزعمون إتباع النبي -عليه الصلاة والسلام- في كثير من بيوت المسلمين الجهل المطبق بالنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يعرفون إلا اسمه، ومع الأسف حتى في دروس العلم تقلصت الدروس المتعلقة بسيرته -عليه الصلاة والسلام- وشمائله وخصائصه, تقلصت الدروس، فإننا لا نسمع من يدرس السيرة إلا القليل النادر، وحتى في الدراسات النظامية ما أعطيت السيرة حقها من الدراسة، وبعضهم يجعل السيرة جزء من أجزاء التاريخ، ويقول: عنايتنا بأمور الشرع، كيف؟! السيرة جزء من السنة، فالسنة والحديث عبارة عن أقوال النبي -عليه الصلاة والسلام- وأفعاله وتقريره وأوصافه الخلقية والخلقية، فهذا جزء من السنة لا بد من معرفته, وكيف يتسنى لنا أن نتبع، وأن نعمل، وأن نحب الرسول -عليه الصلاة والسلام- ونحن لا نعرف عنه شيئاً، لا بد من الاهتمام في هذا الجانب، وفي هذا الحدث حصل ضد ما قصده أولئك الأعداء؛ سمع المسلمون وقرؤوا من خلال وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية, ومن خلال الخطب والدروس والمحاضرات وغيرها سمعوا عنه -عليه الصلاة والسلام- الشيء الكثير والتفت كثير من طلاب العلم إلى دراسة هذه الجوانب من جوانب الشريعة الهامة المتعلقة بشخصه -عليه الصلاة والسلام-. أقول: ففي هذا إيقاظ للمسلمين الذين لا يعرفون عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا اسمه أن يراجعوا أنفسهم، ويقرؤوا في سيرته وشمائله وخصائصه ليتسنى لهم الاقتداء به وتتوفر محبته في قلوبهم ولو لم يكن من ذلك إلا ما سمعوه عبر وسائل الإعلام المتنوعة والخطب والدروس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. الغلو في الرسول -صلى الله عليه وسلم-:

إذا عرفنا مكانة هذا النبي العظيم في ديننا, إذا عرفنا مكانته فعلينا أن نتوسط في جميع أمورنا، بما في ذلك ما يتعلق به -عليه الصلاة والسلام- لأن الله -جل وعلا- جعلنا أمة وسطاً، ومنهج أهل السنة والجماعة الوسط في جميع التصرفات فهم وسط بين الفرق المنتسبة إلى الإسلام، فلا نغلو به -عليه الصلاة والسلام- ولا نجفو، فالرسول -عليه الصلاة والسلام- أحب إلينا من أنفسنا، ومن جميع محبوباتنا، ومع ذلك لا يجوز أن نصرف له شيئاً من حقوق الله -جل وعلا- لا يجوز أن نصرف له شيئاً من حقوق الله -جل وعلا- كما نهانا عن ذلك هو -عليه الصلاة والسلام- ففي الصحيحين وغيرهما من حديث عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله)) والإطراء: مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه -قاله ابن الأثير- وقال غيره: أي لا تمدحوني بالباطل، أي لا تجاوزا الحد في مدحي، كما غلت وجاوزت النصارى في عيسى ابن مريم -عليه السلام- فادعوا فيه الربوبية، وإنما أنا عبد الله فصفوني بذلك كما وصفني به ربي، {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ} [(19) سورة الجن]، {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [(1) سورة الإسراء]، فهو عبد لله -جل وعلا-.

افترقت هذه الأمة بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام- إلى طرفين ووسط، طرف غلوا به -عليه الصلاة والسلام- وطرف جفوا والوسط هم الذين عرفوا قدره وعظموه ووقروه وأحبوه أحب من أنفسهم ومن جميع ما يملكون من والد وولد ومن الناس أجمعين، لكنهم عرفوا حقوق الله -جل وعلا- ولم يصرفوا لنبيه -عليه الصلاة والسلام- شيئاً من حقوقه، فأبى الغلاة إلا مخالفة لأمره وارتكاباً لنهيه وناقضوه أعظم المناقضة، وظنوا أنهم إذا وصفوه بأنه عبد الله ورسوله، وأنه لا يدعى ولا يستغاث به ولا ينذر له، ولا يطاف بحجرته ولا قبره وأنه ليس له من الأمر شيء، كما قال الله -جل وعلا-: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [(128) سورة آل عمران]، يعني إذا صرحوا بهذا قالوا ظنوا أنهم لم يقدروا قدره كذلك إذا اعتقدوا أنه لا يعلم من الغيب إلا ما أعلمه الله -جل وعلا- اعتقدوا أن في ذلك هضماً لجنابه -عليه الصلاة والسلام- وغضاً من قدره فرفعوه فوق منزلته وادعوا فيه ما ادعت النصارى في عيسى أو قريباً منه، فسألوه مغفرة الذنوب، وتفريج الكروب. وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الاستغاثة عن بعض أهل زمانه أنه جوز الاستغاثة بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في كل ما يستغاث به -جل وعلا- وصنف في ذلك مصنفاً، وكان يقول إن النبي -عليه الصلاة والسلام- يعلم مفاتيح الغيب، التي لا يعلمها إلا الله، وحكى عن آخر من جنسه يباشر التدريس وينسب إلى الفتيا أنه كان يقول إن النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلم ما يعلمه الله -جل وعلا- ويقدر على ما يقدر عليه الله تعالى، وأن هذا السر وهذا العلم وهذه القدرة انتقلت بعده إلى الحسن، ثم انتقل في ذرية الحسن إلى أبي الحسن الشاذلي، وقالوا: هذا مقام القطب الغوث الفرد الجامع.

ولا يقال إن هذه الأمور انتهت، لا يقال أن مثل هذه الأمور انتهت، لكل قوم وارث، سمعت بأذني من يقول في أقدس البقاع يا أبا عبد الله، جئنا بيتك، وقصدنا حرمك، نرجو مغفرتك، يعني قد يقول قائل إن هذه فئة انقرضت مثل ما انقرض غيرها من الطوائف، نقول هذا الفئة موجودة الآن وإذا كانوا قد ألفوا كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في منهاج السنة قال: أنه وجد من ألف -بل سماهم- من ألف في مناسك المشاهد، نسأل الله السلامة والعافية، فجعلت هذه المشاهد بمثابة بيت الله، الكعبة المشرفة، فألفوا في مناسكها. من الأمثلة التي تذكر في هذا المجال من الغلو الذي يجاوز الحد بل يحكم على صاحبه بأنه صرف العبودية التي لا تجوز إلا لله -جل وعلا- والأمور التي لا يعلمها إلا الله -جل وعلا- صرفها لنبيه -عليه الصلاة والسلام- من ذلكم قول البوصيري في بردته الشهيرة: فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم فجعل الدنيا والآخرة من جوده، وجزم بأنه يعلم ما في اللوح المحفوظ، وهذا هو الذي حكاه شيخ الإسلام عن ذلك المدرس، وكل ذلك كفر صريح، ومن العجب أن الشيطان أظهر ذلك لهم، في صورة محبته -عليه الصلاة والسلام- وتعظيمه ومتابعته، وهذا شأن اللعين إبليس, لا يأتي مباشرة إلى المسلم، ويذكر له الشيء الواضح الصريح، المخالفة الواضحة ويقول ارتكبها، لا، يمزج، يمزج الحق بالباطل ليروج، ولو جاء بالباطل مجرداً لما راج، فيمزج الحق بالباطل ليروج على أشباه الأنعام أتباع كل ناعق، الذين لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق، لأن هذا ليس بتعظيم، فإن التعظيم محله القلب واللسان والجوارح، وهم أبعد الناس منه، فإن التعظيم بالقلب يتبع اعتقاد كونه -عليه الصلاة والسلام- عبداً رسولاً، فإن التعظيم كما ذكرنا محله القلب واللسان والجوارح، وهم أبعد الناس من ذلك. علامة محبة الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ويصدق هذه المحبة كما قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رحمنا الله وإياهم أجمين- يقول: يصدق هذه المحبة أمران:

أحدهما: تجريد التوحيد، فإنه -صلى الله عليه وسلم- كان أحرص الخلق على تجريده، حتى قطع أسباب الشرك ووسائله، من جميع الجهات، حتى قال له رجل، ما شاء الله وشئت، قال: ((أجعلتني لله نداً، بل ما شاء الله وحده)) ونهى أن يحلف بغير الله، فتعظيمه إنما يكون بمتابعته وموافقته لا بمناقضته ومخالفته. الأمر الثاني: تجريد المتابعة له -عليه الصلاة والسلام- وتحكيمه وحده في الدقيق والجليل من أصول الدين وفروعه، والرضا بحكمه، والانقياد والتسليم والإعراض عما خالفه، كما قال -جل وعلا-: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [(65) سورة النساء]. إذا كان كتاب تلخيص الاستغاثة والرد على البكري، يعني بعض الناس يقول هذا الغلو انتهى، ما هو موجود الآن، تلخيص كتاب الاستغاثة في الرد على البكري الذي طبعه الملك عبد العزيز -رحمه الله- تأليف في المطبعة، تأليف شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية، مالك النسخة، يشار إليه بالعلم، لكنه نسأل الله السلامة والعافية منحرف مسح شيخ، كتب شيخ، هي مكتوب من الأصل شيخ، مسح الإسلام وكتب مكانها الكفار؛ لأنه لا يعجبه أن تكون الاستغاثة من أنواع العبادة التي لا تصرف إلا لله -جل وعلا- يريد أن يستغيث بالأولياء، يريد أن يستغيث بالصالحين على حد زعمه.

فلا شك أن هذا الأمر موجود إلى الآن, موجود إلى الآن، من قرأ في الرحلات وجد فيها الشيء الكثير، من هذا الغلو المخرج عن الدين، صرف العبادة المحضة للنبي -عليه الصلاة والسلام- ولغيره ممن يدعى فيه الصلاح، يعني في رحلة ابن بطوطة تجده يجلس الأيام، يصرف الأيام والليالي يصعد الجبل لينظر إلى قدم صالح، شخص صالح وطأ في هذا الجبل، والتقى بأناس ادعى فيهم الصلاح وأنهم يديرون الكون ويصرفونه، -نسأل الله السلامة والعافية- والأمثلة من هذا كثير حتى لو أن شخصاً يدرس كتاب التوحيد للإمام المجدد -رحمه الله- فيحتاج إلى أمثلة لما يناقض هذا الكتاب لوجد في رحلة ابن بطوطة الشيء الكثير، ومع ذلكم هي تدرس في بعض الجهات واله المستعان. من مظاهر الغلو فيه -عليه الصلاة والسلام-: أقول: من مظاهر الغلو عناية بعض الجهات بالكتب التي فيها شيء من الغلو والإطراء للنبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن الأدلة على ذالكم طباعة هذه الكتب بطريقة أعظم مما يطبع به المصحف الشريف، ووقع في يدي نسخة من دلائل الخيرات طبعت بشكل لا يخطر على بال، تحفة، ومثل هذه النسخة يبالغ في أقيامها، مع أنها صلوات على النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا أنها لم يرد بها دليل، ولم يثبت بها نص، ولم يثبت في تحديدها وتحديد أوقاتها وأماكنها وزمانها دليل يعتمد عليه، فهي صلوات مبتدعة، ولذا أهل العلم يأمرون بتحريق مثل هذا الكتاب، أيضاً الشفاء للقاضي عياض يطبع بطريقة المصحف، حتى الدواوير التي بين الآيات نظيرها في المقاطع، مقاطع الجمل من الشفاء، مطابقة تامة لطبع القرآن الكريم، وقع بيدي نسخة من الشمائل النبوية للترمذي كذلك، هذا الغلو في هذا الإخراج لهذه الكتب، لا شك أنه يدل على شيء، لكن لا يعني أننا لا نعنى بخصائصه ولا بشمائله ولا بسيرته، -عليه الصلاة والسلام-، يعني وقع في يدي قبل سنين كتاب اسمه جؤنة العطار، يرمي أئمة الدعوة، وعلماء هذه البلاد، بأنهم جفاة، وأن أحدهم يقول: أن عصاه أنفع له من النبي -عليه الصلاة والسلام- سبحانك هذا بهتان عظيم، ويستدل على ذلك أننا لا نقرأ في الشفاء، ولا نقرأ في المواهب، ولا نقرأ في دلائل الخيرات ولا غيرها.

العلماء في هذه البلاد لا شك أنهم يعنون بجانب التوحيد وسد الذرائع الموصلة إلى الشرك، وارتكاب ما نهى عنه النبي -عليه الصلاة والسلام- من الإطراء والغلو والمديح، ولا شك أن في شروح الشفاء شيء من ذلك، حتى فضلت الحجرة على العرش، في بعض شروح الشفاء، في بعض شروح الشفاء شيء من ذلك، وأيضاً ما في هذه الكتب من الأدلة الصحيحة هو موجود في صحيح السنة، موجود في كتاب الله -جل وعلا- وما صح من سنته -عليه الصلاة والسلام- ولا يعني أننا لا نستفيد من هذه الكتب نستفيد ويقر الحق ويزيف الباطل، ونكون في جميع أمورنا متوسطين، لا نغلو ولا نجفو، فعلينا أن ننظر إلى مثل هذا الموضوع كغيره من الموضوعات بعيني البصيرة، بالعينيين كلتيهما لا ننظر من زاوية ونترك أخرى, لا ننظر إلى أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- معظم في النصوص جاءت النصوص بتعظيمه نصوص الكتاب والسنة فقط، ننظر إليها ونقدره قدره ونحبه أكثر مما نحب أنفسنا ونعظمه، لكن لا يعني هذا أننا نصرف له شيئاً من حقوق الرب -جل وعلا-. أيضاً لا نقصر في حقه، لا نقصر في حقه خشية من أن نقع في الغلو، لا، بل علينا أن نتوسط ونعمل بجميع ما جاءنا عن الله وعن نبيه -عليه الصلاة والسلام- في هذا الباب، وفي غيره من أبواب الدين، ودين الله -جل وعلا- بين الغالي والجافي. الأسئلة: هذا يقول: لو ذكرتم أسماء الكتب الصحيحة لخصائص النبي -صلى الله عليه وسلم- وكذلك التي ذكر فيه دروس وعبر من سيرته عليه الصلاة والسلام؟ على كل حال الخصائص موجودة في صحيح السنة, وفي الصحيحين وغيرهما شيء كثير، من الخصائص النبوية، شيء كثير، ولا يمنع أن نطلع على ما كتب في هذا الباب ونعرف الحق فنقبل ونعرف ما لا دليل له فنرده. وأهل العلم أهل التحقيق، عليهم أن يقوموا بهذه المهمة بتهذيب هذه السنن، بتهذيب هذه السنن؛ لأنهم أولى من يقوم بها، ولا يترك تدريسها، لمن هو معتقد لما فيها من مخالفات، بل بعضهم ممن يزيد على ما كتب في هذه الكتب فإذا تولاها أهل التحقيق، وأقروا ما فيها من حق وزيفوا ما فيها من باطل أو علقوا عليه، انتفع الناس بها.

يقول: كيف أقنع زوجتي بوجوب تغطية الوجه والكفين وهي تكشفها وأنا ما أرضى بهذا، وقالت لي إذا كان تغطية الوجه والكفين واجبة فأنا أغطيهما؟ نعم، لا شك في الوجوب، لا شك في وجوب تغطية الوجه والأدلة على ذلك من صحيح السنة كثيرة جداً، وفي الصحيح -صحيح البخاري- في قصة الإفك، تقول عائشة -رضي الله عنها- وكان يعرفني قبل الحجاب، بل صرحت بأنها لما سمعت استرجاعه خمرت وجهها، ولو كان يعرفها ولو كانت حاسرة أو كاشفة عن وجهها ورآها لعرفها قبل الحجاب وبعده، لو كان كشف الوجه غير واجب، لما غطت ولعرف ولما كان لقولها كان يعرفني قبل الحجاب فائدة، والنساء معه -عليه الصلاة والسلام- في حجته كاشفات عن وجوههن، جاء في ذلك حديث أسماء وحديث أختها عائشة أنهم كانوا يكشفون ثم إذا حاذاهم الركبان من الرجال الأجانب سدلت إحداهن جلبابها والأدلة على ذلك كثيرة جداً لا يستغرقها الوقت. ويقول: أنا متحير بعدما قرأت كتاب الشيخ الألباني -رحمه الله- وخاصة الرد المفحم، وهل الأمر المستحب يكون واجباً للمرأة عندما أمرها زوجها أفيدوني -جزاكم الله خيراً-. على كل حال مثل هذا لا يختلف أهل العلم أنه إذا كان كشف الوجه مثار فتنة للرجال، أو مثار فتنة للمرأة نفسها، فهم مجمعون على التحريم، وعلى كل حال، مثلما ذكرنا، المرجح هو القول بوجوب تغطية الوجه ومع ذلك أدلته كثيرة معروفة في مظانها. هذا يقول: إذا وجد من يسب النبي -صلى الله عليه وسلم- فهل لأفراد الناس هل يجوز - للعوام- أو الدعاة أن يأخذوا بالحكم على أيديهم، أو لا بد أن يكون الحكم من قبل الحكومة؟

على كل حال، إذا وجد من يرتكب منكراً, وسب النبي -عليه الصلاة والسلام- من أعظم المنكرات، لا بد أن ينكر عليه بالأسلوب المناسب، ولا يترك الأمر لآحاد الناس في الحدود والتعزيرات، لو قال: هذا يسب الله أو يسب رسوله لماذا لا أضربه؟ كما فعل الصحابي باليهودي الذي سب النبي -عليه الصلاة والسلام- نقول: الحدود والتعزيرات من حقوق الإمام، ولو تركت لآحاد الناس لصارت الأمور فوضى؛ لأنهم في تقدير ما يوجب التعزير، فقد يظن أحد أن هذا موجب للتعزير وهو في الحقيقة لا يوجبه؛ لأن القائل أو الفاعل له تأويل سائغ أو لأن هذا في تقديره منكر وهو في الحقيقة ليس بمنكر، على الإنسان أن يبين ويوضح وينكر بالأسلوب المناسب الذي لا يترتب عليه منكر أعظم منه، وأما بالنسبة لليد فمن تحت يدك ممن ولاك الله أمره لا مانع من أن تغير باليد لكن ما سوى ذلك، هذه الأمور متروكة للجهات التي خولت من قبل ولي الأمر. والله المستعان. يقول: الصلاة الإبراهيمية الثابتة لم يرد فيها ذكر السلام فلماذا؟ الصحابة قالوا -رضوان الله عليهم- قالوا للنبي -عليه الصلاة والسلام- عرفنا كيف نسلم عليك، ولفظ التشهد السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فيه السلام، ثم بعد ذلك فكيف نصلي عليك؟ قال: ((قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد)) ففي ذلك جمع بين الصلاة والسلام، علماً بأن هذه الأذكار توقيفية لا تجوز الزيادة عليها، وليس من مظاهر محبته -عليه الصلاة والسلام- أن نزيد على ما شرع، كما يقول بعض الناس: الصلاة على سيدنا محمد، والسلام على سيدنا محمد، هذا في الصلاة، أما خارج الصلاة فسمعنا من قوله -عليه الصلاة والسلام- أنه يقول: ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر)) هو سيد بلا شك، لكن مع ذلك لا يزاد على ما شرع، فمن مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله، طاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله -جل وعلا- إلا بما شرع لا نبتدع في الدين. يقول: ما حكم الناس الذين قبلوا رسالة محمد جملة لكن جهلوا كثيراً من التفاصيل؟

أما بالنسبة للمعرض إعراضاً تاماً عن هذا الدين، لا يتعلمه ولا يرفع به رأساً فهذا على خطر عظيم، فهذا على خطر عظيم، أما تعلم ما يجب عل المرء تعلمه، فيجب على المسلم تعلم مسائل، وكل مسلم يجب عليه تعلم ما يصحح ما يجب عليه من أمور الدين؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولا يطلب من جميع المسلمين أن يكونوا علماء؛ لأن العلم وتعلمه وتعليمه فرض كفاية كما هو معروف عند أهل العلم. يقول: كيف نعامل المسلمين الجهلاء بأحكام دينهم؟ علينا أن نعلمهم وأن نرشدهم وأن نوجههم وأن نأخذ بأيديهم إلى حضيرة الصواب. هذا يسأل عن مسألة العذر بالجهل؟ مسألة: العذر بالجهل كلام أهل العلم فيها كثير جداً، على كل حال، لا بد من بلوغ الحجة، {لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} [(19) سورة الأنعام]، وأما قبول الحجة فليس بمسوغ للحكم على هذا الجاهل، إزالة ما يمنع من قبول الحجة، عندنا بلوغ الحجة وعندنا فهم الحجة، وعندنا إزالة ما يمنع من قبول الحجة، أما بلوغ الحجة فأمر لا بد منه، وأما فهم الحجة فإذا كان السامع لهذه الحجة بمنزلة الأعاجم الذي لا يفهم من الكلام شيئاً فلا بد من إفهامه وتفهيمه وشرح هذه الحجة، أما ما يمنع من قبول الحجة من إتباع للرؤساء والآباء وأشباه ذلك {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} [(23) سورة الزخرف]، هذا لا يلزم منه عدم الحكم على الفاعل، ولذا تجدون في كثير من الأقطار ما يوجد عندهم من مانع لقبول الحجة، وما هذا المانع تجده إذا قيل له الطواف على القبور شرك، يقول: عهدنا شيوخنا وقد عرفناهم منذ عرفنا أنفسنا، وهم يطوفون بالقبور وهم أهل علم وخير وفضل وصلاح، وكما تثق أنت بعلمائك نحن نثق بهم، هذا لا شك مانع من قبول الحجة، لكن هذا ليس بعذر إذا بلغت الحجة وفهمت الحجة. يقول: كيف نوجه الآية: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [(95) سورة الحجر]، وقد وجد بعض هؤلاء المستهزئين؟

الله -جل وعلا- كفاه المستهزئين به من وجوه, أما بالنسبة لمن استهزأ به في وقته، فقد كفاه الله إياهم، كفاه الله -جل وعلا- إياهم, وذكر ابن جرير وغيرهم من أهل العلم من المفسرين وقائع حصلت لهؤلاء، وقائع حصلت لهؤلاء، وأن الله -جل وعلا- أراحه منهم، وقضى عليهم، أما من يستهزئ به بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- لا شك أن مثل هذا لا يضيره -عليه الصلاة والسلام- بذاته، وإنما قد يكون في المحنة منحة، رفع درجات له -عليه الصلاة والسلام- وانتشار لدينه كما حصل، وأيضاً تعظم الأوزار بالنسبة لهؤلاء المستهزئين، وهذه المسألة كغيرها مما يقع من الناس مما يغضب الله -جل وعلا-. يقول: عندما نسافر إلى مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعض الناس يقولون لنا سلم لنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنده قبره، فهل يجوز لنا أن نسلم عليه -عليه الصلاة والسلام-؟ إذا قال لك سلم لنا على رسول الله عند قبره، تقول له: سلم عليه وأنت في مكانك، وسوف يبلغ هذا السلام. يقول: هل يجوز للمسلم أن يقتل من سب النبي -عليه الصلاة والسلام- بدون إذن من السلطة الحاكمة؟ قلنا: إن الحدود والتعزيرات أمرها إلى السلطان، وليست لآحاد الناس، ولو تركت لآحاد الناس، لصارت المسألة فوضى، وكل من أراد أن ينتقم من شخص، كل من أراد أن ينتقم من شخص ادعى عليه أنه فعل كذا، مما يوجب قتله، أو تعزيره, وإذا كان في الحديث "الرجل يجد عند امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه قال: ((نعم))؛ لأن هذه الحدود ليست لآحاد الناس لو قتله قتل به؛ لأن مثل هذا يفتح باب شر مستطير, كل إنسان يكون بين وبين آخر عداوة يستجره إلى بيته ويستضيفه، ثم يقول إنه وجده على زوجته فيقتله، هذه الأمور محسومة ومحكمة, والباب موصد ومتقن ولله الحمد والمنة. يقول: ما موقف المسلم في الدول غير الإسلامية، ممن يسبون النبي -صلى الله عليه وسلم- والدين هل يرد ذلك بقدر استطاعته؟ وإذا كان الأمر يؤدي إلى هلاكه أم يكرهه بقلبه؟. إنكار المنكر، لا شك أن هذا منكر، وإنكاره على الدرجات التي جاء بها الحديث الصحيح. يقول: هل للمقاطعة أصل في الشرع؟

المقاطعة لا شك أن فيها نكاية لمن عملوا هذا العمل، وفيها أيضاً ضغوط من دولهم وشعوبهم عليهم، وإذا كان فيها نكاية فلا شك أنها تكون حينئذ شرعية، والإنسان غير ملزم في الأصل أن يشتري من بضائع هؤلاء، وإذا كان بين أبيك أو أخيك وشخص آخر عداوة وهذا الرجل له تجارة، وقاطعته هل يلومك أحد؟ فكيف بمن أبدى عداوته للمسلمين قاطبة؟ والحمد لله أن الأمور ماشية بدون بضائعهم، ولا شك أنها أثرت فيهم، وأحدثت عندهم إرباك، وإذا كان هذا الأثر ظاهر فلا شك أن المقاطعة حينئذ تكون مطلوبة. يقول: ما هي طرق نصرة الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟ نصرة الرسول -عليه الصلاة والسلام- بالذب عن شخصه الكريم -عليه الصلاة والسلام- وبالذب عن سنته -عليه الصلاة والسلام- قولاً وفعلاً، يعني تعمل بها أنت في نفسك وتدعو إليها وتنشرها بين الناس، وترد على من يتطاول عليها، تعمل بها، وتعلمها الناس وتنشرها بينهم ومع ذلك ترد على من يتطاول عليها. يقول: إذا كسفت الشمس بعد العصر فهل تجوز إقامة صلاة الكسوف؟ عامة أهل العلم على أن صلاة الكسوف سنة، وقد نقل النووي الإجماع على ذلك، وإن كان أبو عوانة في صحيحه يقول: باب وجوب صلاة الكسوف، وتبعاً لهذا إذا قلنا إنها سنة يرد فيها الخلاف، في فعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، وإذا قلنا إنها واجبة فلا يرد الخلاف؛ لأن الخلاف في النوافل لا في الواجبات، وعلى كل حال هي ذات سبب، وعندي أنها إذا كسفت وهي حية الشمس بيضاء نقية تكون كغيرها من ذوات الأسباب تفعل في هذه الأوقات، أما إذا تضيفت الشمس للغروب واصفرت الشمس فلا صلاة، أي تطوع من التطوعات، إذا تضيقت الشمس للغروب، لأنها حينئذ تغرب بين قرني شيطان، ومثل هذا في الأوقات المضيقة الأخرى عند طلوع الشمس وعند ارتفاعها، هذه الثلاثة الأوقات المضيقة لا يفعل فيها شيء من التطوعات، ولو كان ذا سبب؛ لأنها مقصودة لذاتها، وأما الوقتان الموسعان، فالنهي عن الصلاة فيهما من باب النهي عن الوسائل؛ لئلا يسترسل الإنسان في الصلاة فيتطوع إلى أن يدخل الوقت المضيق.

في حديث عقبة بن عامر: ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا، والجمهور على أنه لا يصلى في هذه الأوقات شيء من التطوعات، ولو كانت ذا سبب، وهو المعروف عند الحنفية والمالكية والحنابلة، أما الشافعية فيقولون بأن ذوات الأسباب تفعل في أوقات النهي، وهو الذي يرجحه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- ويفتي به من يفتي من المعاصرين بناء على أن أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، والخاص مقدم على العام، لكن للطرف الثاني أن يقول عكس ما قاله هؤلاء، بأن يقولوا: أحاديث ذوات الأسباب عامة وأحاديث النهي خاصة، والخاص مقدم على العام، وليست دعوى الطرف الأول بأقوى من دعوى الطرف الثاني، فالعموم والخصوص وجهي لا مطلق، عموم وخصوص وجهي، بمعنى أن أحاديث النهي عامة في الصلوات خاصة في الأوقات، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة في الصلوات عامة في الأوقات، بعكس أحاديث النهي، ولذا الدعوى متقابلة، والمسألة من عضل المسائل والترجيح فيها مما تضيق به الأنظار حتى قال بعض أهل العلم: إن الإنسان إذا دخل المسجد في وقت النهي إما لا يدخل أو يستمر واقف؛ لأن إن جلس خالف فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، وإن صلى خالف لا صلاة بعد العصر، لا صلاة بعد الصبح، ثلاث ساعات .. إلى أخره, فهو يقع في الحرج العظيم، وعلى كل حال فالمرجح أنه في الأوقات الموسعة، إن شاء أن يصلي فلا حرج عليه, وأما في الأوقات الثلاثة المضيقة فلا، والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- حينما ترجم باب الطواف بعد الصبح وبعد العصر، أورد أحاديث النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر, مما يدل على أنه لا يرى الطواف بعد الصبح وبعد العصر، وإذا طاف فإنه لا يصلي حتى يخرج وقت النهي، وأردف الترجمة بقوله: وصلى عمر -رضي الله تعالى عنه- ركعتي الطواف بذي طوى، يعني بعد أن خرج وقت النهي، ولا مانع أن يطوف الإنسان بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر، لكن إذا ضاق الوقت يؤجل الصلاة حتى تغيب الشمس أو ترتفع الشمس, وجاء عن جابر -رضي الله عنه: - ما كنا نطوف مع النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد الصبح ولا بعد العصر، لكن الطواف معروف أنه لم يرد فيه نهي

وإنما جاء فيه النهي عن منع الطواف، في أية ساعة شاء من ليل أو نهار، وأما بالنسبة للصلاة فتبقى على أصلها في النهي لا سيما إذا ضاق الوقت. والله أعلم, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله, نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الشيخ/ عبد الكريم الخضير الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: مقدمة عن مكانة الصلاة: فإن الدين الحنيف الذي نتشرف بالانتساب إليه مبني على دعائم وقواعد وثوابت لا محيد عنها ولا مندوحة منها, جاء في الحديث الصحيح من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)) وفي رواية: ((صوم رمضان والحج)). فبالنسبة للركن الأول الشهادتان, لا يتم الدخول في هذا الدين إلا بعد النطق بهما ((أُمِرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) فإذا تم ذلك فلا بد من إقامة هذه الدعائم الأربع العملية، فإذا كان لا يدخل في الدين إلا إذا نطق بالشهادة, فالركن الذي يليها هو الصلاة, والصلاة جاء في أمرها ما جاء, وجاء تعظيم شأنها في النصوص الكثيرة الصحيحة الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-. ((بين المرء وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)) وقال: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) وجاء عن عبد الله بن شقيق أنهم كانوا -يعني الصحابة- لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة. أما بقية الأركان كالزكاة والحج والصوم فتكفير تاركها أمر مختلف فيه بين أهل العلم, والقول بكفر تارك أحد الأركان قول عند العلم، وهو رواية في مذهب الإمام أحمد, لكن المرجح أنه لا يكفر, لكنه انتهك أمراً عظيماً وركب خطراً جسيماً, يُخشَى عليه من الكفر إذا ترك أحد الأركان. أما الصلاة فسمعنا ما قاله عبد الله بن شقيق, وسمعنا ما ورد عنه -عليه الصلاة والسلام-, ولذا المفتى به أن تارك الصلاة ولو أقر بوجوبها أنه كافر -نسأل الله السلامة والعافية-, والكلام في هذا أمر معروف. صفة الصلاة:

((صلوا كما رأيتموني أصلي))

فإذا عرفنا عظم شأن الصلاة, فكيف نصلي؟ صح عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) هو القدوة، وهو الأسوة, ولا طريق لنا لمعرفة ما جاء عن الله -عز وجل- إلا بواسطته وعن طريقه -عليه الصلاة والسلام-, فعلى طالب العلم أن يُعنَى بما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-, وأن يقتَفي أثره ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) صلاته -عليه الصلاة والسلام- نُقِلَت بطرق تثبت بها الحجة, وتُلزِم المسلم بإتباعها واقتفاءها لصحتها عنه -عليه الصلاة والسلام-, من الاشتغال بشروطها إلى السلام والفراغ منها. شروط الصلاة: وجدير بنا أن نعرف هذه الشروط التي لا تصح الصلاة إلا بها, وإن كانت خارجة عن ماهية الصلاة, فالصلاة لا تصح إلا بشروط ذكرها أهل العلم، الإسلام والعقل والتمييز، قد يقول قائل: هذه الشروط ليست من صلب الصلاة! لكنها لا تصح الصلاة إلا بها إذن لا بد من معرفتها، هي خارج ماهية الصلاة، ولا تصح الصلاة إلا بها. الإسلام: فلا تصح الصلاة من كافر، والعقل: فلا تصح من مجنون، والتمييز: لا تصح من صبي لا يميز, لا يعرف الخطاب، ولا يرد الجواب، ولا يعرف كيف يصلي؟ ومن شروطها الطهارة, لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) ((لا تقبل صلاة بغير طهور)) ومنها: اجتناب النجاسة, ومنها: ستر العورة, ومنها: استقبال القبلة, ومنها: النية, الإسلام والعقل والتمييز والطهارة واجتناب النجاسة، وستر العورة، واستقبال القبلة والنية، بقي التاسع ما هو؟ دخول الوقت, فلا تصح الصلاة قبل وقتها, وهذه مبسوطة في كتب الحديث وكتب الفقه أيضاً. إذا عرفنا هذا فأول أعمال الصلاة القيام لهذه الصلاة، القيام للصلاة مع القدرة ركن من أركانها, وهذا في الفريضة، فأول أركان الصلاة الداخلة في ماهيتها القيام, فلا تصح صلاة قادر على القيام من قعود, وهذا في الفريضة، أما النافلة فتصح من قعود، ولو كان قادراً مستطيعاً, لكن على النصف من الأجر.

((صل قائما, فإن لم تستطع فقاعدا, فإن لم تستطع فعلى جنب))

في حديث عمران بن حصين: ((صل قائماً, فإن لم تستطع فقاعداً, فإن لم تستطع فعلى جنب)) الحديث دليل على أن القيام مع الاستطاعة لا بد منه في الفريضة، وفي الحديث الآخر: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)). قد يقول قائل: لماذا لا نصحح الفريضة على النصف أخذاً بعموم الحديث: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) وعمومه يتناول الفريضة والنافلة؟ نقول: عمومه مُعارَض بحديث عمران بن حصين: ((صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً)) فلا تصح الصلاة إلا مع عدم الاستطاعة، ما الذي دلنا على أن المراد بهذه الصلاة النافلة؟ دلنا على ذلك سبب ورود الخبر, النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد والمدينة مُحِمَّة – فيها حمى– فوجدهم يصلون من قعود, فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) فدلنا سبب الورود على أن الصلاة نافلة, كما دلنا أيضاً على أنهم قادرون على أن يصلوا من قيام، فقصرنا الحديث على سببه؛ لأن عمومه مُعارَض بما هو أخص منه حديث عمران بن حصين، قد يقول قائل: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، نقول: صحيح, وهذه القاعدة متفق عليها, نُقِلَ عليها الإجماع, لكن يُعمَل بالعموم ما لم يُعارَض بما هو أخص منه, فإذا عُورِض هذا العموم, قصرنا الخبر على سببه كما سمعنا. فسبب الورود يدل على أنه في النافلة, النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل المسجد وهم يصلون, ولو كانت فريضة ما صلوا قبل حضوره -عليه الصلاة والسلام-, ودل على أنهم يستطيعون القيام, بدليل أنهم تجشموا القيام فقاموا وهم مرضى، فإذا كان الشخص يستطيع القيام, وصلى النافلة من قعود, صحت صلاته, لكن ليس له من الأجر إلا النصف، وأما الفريضة, فلا تصح إلا من قيام بالنسبة للقادر, وأما العاجز فتصح صلاته فرضاً ونفلاً, وأجره كامل -إن شاء الله تعالى-. تفريغ القلب في الصلاة من الشواغل:

إذا قام – بعد أن توافرت الشروط التي ذكرناها– إذا قام بين يدي ربه -عز وجل- كبَّر كما في حديث أبي حميد وغيره ماذا يقول: إذا توافرت هذه الشروط أقبل، ونحن نشرح صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- أقبل على صلاته مفرغاً قلبه من هموم الدنيا, منتظراً لها –لصلاته-, مرتاحاً بها. هكذا كانت حاله -عليه الصلاة والسلام-, بخلاف حال كثير من الناس, يأتي وذهنه مشغول بأمور دنياه، يأتي الواحد منا وذهنه مشغول بأمور الدنيا, فأحياناً يدخل الإنسان في صلاته وينصرف منها ما عقل منها شيئاً, وحينئذ لا يكون له من الأجر شيء، من أجر الصلاة, وليس له من صلاته إلا ما عقل، أحياناً يأتي للصلاة وهو مستثقل لها يريد الراحة منها, خلاف حال النبي -عليه الصلاة والسلام-, الذي يرتاح بها من هموم دنياه؛ لأنه يستحضر بقلبه وقالبه أنه ماثل بين يدي ربه -جل وعلا-. لكن انشغلنا بأمور دنيانا فعوقبنا بانصراف القلوب عن هذه العبادة العظيمة, ولو استحضرنا مثولنا بين يدي الله -جل وعلا- ما صارت حالنا كهذه, ولما شُغلنا بأدنى شاغل ونحن في الصلاة، أدنى شاغل يشغلنا: تجد الإنسان يدخل المسجد –وهذه قصة واقعة– دخل شخص المسجد فلما كبر الإمام تأمل هذا المصلي المسجد, فوجده مسجداً كبير ومناسب, إلا أنه ليس بجامع؛ فأخذ يخطط لهذا المسجد كيف يكون جامع وهو ليس فيه منبر؟ يخطط للمسجد كيف يكون جامع وما فيه منبر؟ وإذا بجانب المحراب غرفة, فقال: تُزَال هذه الغرفة ويحط منبر. يقول: فرغوا من الصلاة وأنا أنقل العفش اللي في الغرفة إلى آخر المسجد، يعني نأتي إلى الصلاة ونحن بهذه القلوب مع الأسف الشديد, لماذا؟ لأننا شُغِلنا بدنيانا, ولم يكن همنا إرضاء ربنا والإقبال على ما يرضيه.

تكبيرة الإحرام:

ومن هذا الشيء الكثير، يعني هذا الشخص انشغل بمباح, فكيف بمن اشتغل بمحرم؟! يخطط كيف يفعل إذا خرج من المسجد ليزاول بعض المحرمات؟ نعم, لو كان انشغالنا مثل انشغال عمر -رضي الله عنه وأرضاه-, يجيش الجيوش وهو يصلي, من عبادة إلى عبادة، لكن الأولى والأكمل أن يتجه إلى ما هو بصدده من العبادة التي كُلِّفَ بها وأُمِرَ بها, لكن إذا كان انشغاله بعبادة فهو على خير -إن شاء الله تعالى-، فنلاحظ ارتفاع الخشوع الذي هو لب الصلاة بتشبثنا بأمور دنيانا وإعراضنا عن الآخرة. الأمر الثاني: سبب ظاهر لدى الناس كلهم, الران الذي غطى على القلوب بسبب المكاسب المدخولة, التي لم يسلم منها إلا القليل النادر، مكاسبنا مدخولة, التاجر يعرف حاله, ونعرف أوضاع التجار، ومعاملات التجار, الموظف ونعرف أحوال الموظفين من عدم إيفاء الوظيفة حقها، والله المستعان، فعلى الإنسان أن يقبل إلى صلاته فرحاً بها مرتاحاً بها. تكبيرة الإحرام:

فإذا مثل بين يدي ربه قال: الله أكبر, ورفع يديه مع هذا التكبير, كما ثبت ذلك عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في حديث أبي حميد وغيره، وأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- المسيء بهذه التكبيرة, فقال له: ((إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر)) هذه التكبيرة هي تكبيرة الإحرام, وهي ركن من أركان الصلاة عند جمهور أهل العلم, ويقول الحنفية: أن هذه التكبيرة شرط من شروط الصلاة ليست بركن، وإنما هي شرط، والجمهور على أنها ركن، قد يقول قائل: ما فائدة هذا الخلاف؟ هل له فائدة؟ نحن نتفق مع الحنفية وغيرهم أن الشرط لا بد منه؛ لا بد من توافر الشروط لصحة الصلاة, والأركان كذلك, وهذه الشروط لا تسقط عمداً ولا سهواً, وكذلك الأركان, إذاً ما الفرق ما المحصلة؟ ما فائدة الخلاف بين الجمهور والحنفية؟ هؤلاء يقولون: شرط, وهؤلاء يقولون: ركن، قد يقول قائل: تجاوزه هذا ما فيه فائدة، نقول: لا, فيه فائدة، أشرنا في البداية إلى أن الشروط خارج الماهية, والأركان داخل. يعني هذا الشرط خارج الصلاة، فإذا قلنا: أن تكبيرة الإحرام شرط, قلنا: إنها خارج الصلاة على رأي الحنفية, وإذا قلنا: أنها ركن, صارت داخل الصلاة, وهذا قول الجمهور. هل معنى هذا أن الحنفية يجيزون أن يكبر تكبيرة الإحرام في البيت ويأتي يصلي كما يجيزون له أن يتوضأ في بيته ويأتي للصلاة, وكلاهما شرط؟ لا, هم يقولون: أنها شرط مقارن لأول جزء من الصلاة بدون فاصل، إذن ما الفائدة؟ ما فائدة الخلاف؟ لأنه قد يُتَصور السامع أن الحنفية يقولون: شرط والطهارة شرط, توضأ في بيتك واحضر للصلاة, إذن كبر تكبيرة الإحرام في بيتك واحضر للصلاة، هم يقولون: لا, ما تصح الصلاة بهذه الطريقة, التكبيرة شرط, لكنها مقارنة لأول جزء من ماهية الصلاة.

من بدع الصلاة:

من فوائد هذا الخلاف –والفوائد كثيرة– يقولون: لو كبر وهو حامل نجاسة – نفترض أن هذه العين متنجسة – ثم قال: الله أكبر, ووضعها مع نهاية التكبير, وهذا متصور, قد يقع من بعض الناس, قد يكون بيده شيء, ثم مع نهاية التكبير يضعه, ثم يتبين له أن هذا متنجس, أو يعرف هذا قبل، صلاته صحيحة عند الحنفية, وباطلة عند الجمهور؛ لأنه حمل النجاسة خارج الصلاة عند الحنفية, وحملها داخل الصلاة ... ، عندهم أيضاً لو قلب المتنفل صلاته إلى فرض، متنقل قلب نيته إلى فرض مع نهاية التكبير, صحيحة عند الحنفية وباطلة عند الجمهور، وغير ذلك من المسائل التي لا نطيل بذكرها. من بدع الصلاة: إذا كبر تكبيرة الإحرام، مثل بين يدي ربه -جل وعلا- ثم كبر تكبيرة الإحرام لا يشرع له أن يقول قبل تكبيرة الإحرام شيء، يقول ابن القيم: "ولم يقل شيئاً قبلها, ولا تلفظ بالنية البتة، ولا قال: أصلي صلاة كذا مستقبلاً القبلة أربع ركعات إماماً أو مأموماً, ولا قال: أداءً ولا قضاءً ولا فرض الوقت". هذه بدع، عشر بدع موجودة في كثير من بلدان المسلمين, يجهرون بالنية، ويعينون الأركان، وفرض الوقت وما يتعلق بذلك، هي موجودة, لكن لم يثبت شيء في هذا عن النبي -عليه الصلاة والسلام-, لا صحيح ولا ضعيف, ولا عن صحابته الكرام، ولا عن التابعين لهم بإحسان، إنما يُذكَر عن الإمام الشافعي ما لا يدل على مرادهم أن الفرق بين الصلاة والصيام أن الصلاة في أولها نطق, فهم زعموا أن هذا النطق هو الجهر بالنية. والنية لا شك أنها شرط من شروط الصلاة, شرط من شروط الطهارة, شرط لجميع العبادات, ((إنما الأعمال بالنيات, وإنما لكل امرئٍ ما نوى)) فلا تصح عبادة بدون النية، لكن ما معنى النية؟ هذه مسألة يعاني منها كثير من الناس ممن ابتلي بالوسواس, وأعداد هؤلاء من الرجال والنساء, من الشباب وغيرهم يزداد يوماً بعد يوم.

هذه النية هي مجرد القصد إلى الفعل, مجرد ما تذهب إلى الماء وتفتح الماء لتتوضأ هذه هي النية, ولا شيء أكثر من ذلك, مجرد أن تقف بين يدي ربك في الصف وتقول: الله أكبر, هذه هي النية, قصدت الصلاة انتهى الإشكال، وكثير من الناس يعرف أن هذه النية شرط, ويعرف أن العبادة كلها لا تصح إلا بهذا الشرط, فيحتاط لهذا الشرط, فتجده يستحضر ذهنه في بداية الأمر, يتشدد في هذا الباب فيستحضر هذه النية لئلا تشرد, ثم بعد ذلك يؤكدها يردها ثانية, ثم يجهر بها, ثم يُبتَلى بالوسواس. وأسئلة من ابتلي بهذا الوسواس لا تنتهي, والحل قد يصل الأمر إلى حد ميئوس منه, إلا أن يتداركه الله -جل وعلا-، يقول بعضهم: أنه كل مفصل من مفاصل الأصابع له نية تخصه في الوضوء, ويحاول الوضوء الساعات, ثم عاد إذا جاء إلى الصلاة فلها نصيبها الأكبر من النية عنده وطول الوقت، وقد طرق الباب شخص في الساعة الثامنة صباحاً في الشتاء, يقول: وإلى الآن يحاول أن يصلي العشاء فما استطاع. فننتبه لهذا الأمر ونهتم له, نأتي بالعبادات على الوجه المأمور بها من غير إفراط ولا تفريط, ولا نزيد على أعداد ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في غسل الأعضاء, لئلا نُبتَلى، قد يزيد بعض الناس من باب الاحتياط, نقول: لا يا أخي, هذه بدعة, والاحتياط إذا أدى إلى ارتكاب محظور أو ترك مأمور فالاحتياط في ترك هذا الاحتياط كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله-. فالشخص يقطع الطريق على الشيطان, الشيطان يريد أن يلبس على المسلم, ويريد أن يخرجه من دينه, يبذل ما يستطيع من وسوسة وشواغل وصوارف ليصرفه عن دينه، قد يُفتَى بعض الموسوسين أن الصلاة قد سقطت عنه, الوضوء ما يحتاج إلى وضوء, نية ما يحتاج إلى نية, لماذا؟ لأنه يجلس ثمان ساعات يتوضأ, هذا موجود, هذه كارثة، قد يقول لمن يقول له ذلك: توضأ بدون نية صلِ على أي حال كانت: يقول: هو مجنون؟! ينكر على من قال له ذلك، يقول: أنا مجنون؟! ترى هذا أشد من الجنون، بعض الموسوسين يقرب من أن تُسقَط عنه الصلاة.

وتمر مثل هذه الأحوال يومياً, وهي تزيد, فعلينا أن نقطع الطريق على الشيطان، أحياناً يبدأ يشك الإنسان هل غسل العضو مرتين ولا ثلاث؟ نحن نعرف أنه إذا تردد هل صلى ركعتين أو ثلاث يبني على الأقل ليؤدي الصلاة بيقين, لكن إذا تردد هل غسل العضو مرتين أو ثلاث؟ نقول: اجعلها ثلاث، يقول: لماذا لا أبني على اليقين؟ نقول: لا يا أخي, لا تبن على اليقين في مثل هذا؟ لأنك إذا كان الواقع ثلاث ثم زدت, خرجت إلى بدعة, لكن إذا كان الواقع اثنتين واقتصرت عليهما, أنت في سنة, ما زلت في حيز المسنون, النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ مرةً مرة, ومرتين مرتين, وثلاثاً وثلاثاً, فكون الإنسان يقتصر على الأقل في الوضوء, لأنه في دائرة السنة. لكن لا يقال مثل هذا في الصلاة, بمجرد الشك أنه تردد هل صلى اثنتين أو ثلاث نقول له: تبني على الأقل؛ لأنك إن بنيت على الأكثر وصارت صلاتك ناقصة صلاتك باطلة, لكن إذا بنيت على الأكثر ونقص وضوءك من ثلاث إلى اثنتين وضوءك صحيح وعلى السنة، لكن من ابتلي بالوسواس واستمر معه ذلك, وصار في كل صلاة يتردد هل صلى اثنتين أو ثلاث, نقول: اعتبرها ثلاث إلى أن تعافى من هذا الوسواس؛ لأنه إذا قيل له: تبني على الأقل, بنى على الأقل ثم إذا صلى ثالثة نسي هل صلى اثنتين أو ثلاث؟ إلى ما لا نهاية. وهذا الوسواس، وسواس في الوضوء موجود في الصلاة موجود في الطلاق, وهذا شأنه خطير، بعض الموسوسين لأدنى ملابسة يُخَيَّلُ له أنه طلق زوجته، مدرسٌ يقول: جئت إلى المدرسة وعدد الطلاب قليل, فقال لي زميلي: هات طلابك مع طلابي, ويكفي ما يحتاج ارتح أنت، فقلت له: لا بأس, وجبتهم، ثم خطر لي أني لما قلت له: لا بأس, أي نعم، أنه قال لي: هل طلقت زوجتك؟ فقلت: نعم، إيش اللي دخل المسكينة بالطلاب؟! وإيش اللي ... لكن الشيطان, ونعوذ بالله من الشيطان.

مواضع رفع اليدين في الصلاة:

والشيطان ينبغي للإنسان أن يكثر من الاستعاذة منه, وأن يكثر الذكر وتلاوة القرآن, وأن يعتصم ويلجأ إلى الله -جل وعلا- أن يعصمه منه، وإلا هذه وظيفته, {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [(82) سورة ص]. فإذا أُذِّنَ للصلاة هرب ولى أدبر وله ضراط, وله حصاص, ثم إذا فرغ الأذان, جاء ليوسوس, فإذا ثُوِّبَ للصلاة وأقيمت الصلاة هرب, ثم إذا انتهت الإقامة رجع ليوسوس للمصلين اذكر كذا اذكر كذا اذكر كذا, إلى أن يخرج الإنسان من صلاته وليس معه من أجرها شيء، هذا الذي يريد, يريد أن يكثر السواد معه, وهذه وظيفته. فعلينا أن ننتبه لهذا الأمر ونحتاط له؛ لأن الإنسان قد يؤتى من شدة الحرص مع الجهل فيزيد على المشروع فيُبتلى، كان دأبه -عليه الصلاة والسلام- في إحرامه لصلاته أن يقول: الله أكبر، بهذا اللفظ لا غير, فلا يتم الدخول في الصلاة إلا بهذا اللفظ (الله أكبر) فلا يجزئ (الله الأعز) , أو (الله الأكرم) , أو (الله الكبير) كما يقول بعض أهل العلم، لا يجزئ هذا، لا يجزئ إلا هذا اللفظ حيث لم ينقل غيره عن النبي -عليه الصلاة والسلام-, فلا يجزئ غيره، وهذه تكبيرة الإحرام وعرفنا أنها ركن لا تصح الصلاة بدونها. مواضع رفع اليدين في الصلاة: وكان -عليه الصلاة والسلام- يرفع يديه إذا كبر للإحرام حذو منكبيه, كما في حديث أبي حميد وابن عمر وغيرهما، حذو منكبيه مقابل منكبيه، والمنكب هو مجتمع رأس العضد مع الكتف، وقال وائل بن حجر: إلى حيال أذنيه، وقال البراء: قريباً من أذنيه، وجاء في بعض الألفاظ: إلى فروع أذنيه، المقصود أنه يرفع يديه مع تكبيرة الإحرام, لكن إلى أي حد؟ منهم من قال: هذا تنوع, أحياناً يرفع إلى منكبيه, وأحياناً يرفع إلى أذنيه, وهكذا، ومنهم من قال: الجمع ممكن بأن تُجعَل ظهور الكفين حيال وحذو المنكبين, وأطراف الأصابع إلى فروع الأذنين, وقد دل على هذا الجمع حديث وائل بن حجر عند أبي داود.

وضع اليد اليمنى على اليسرى:

وهذا الرفع لليدين لم يختلف فيه أحد من الأئمة في استحبابه, لم يختلف فيه أحد، بل هو مستحب عند الأئمة كلهم, بخلاف الرفع في المواضع الباقية، وما دمنا في الرفع، في رفع اليدين، لا ننتظر حتى تأتي المواضع الثاني والثالث والرابع، لئلا ننسى شيئاً منها، هذا الموضع الأول مع تكبيرة الإحرام، الموضع الثاني: مع تكبيرة الركوع، الموضع الثالث: مع الرفع من الركوع, مع قول: "سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد". هذه ثلاثة مواضع يقول بها الجمهور. يختلفون في الموضع الرابع الذي هو بعد القيام من الركعتين, وهو ثابت في الصحيح من حديث ابن عمر في صحيح البخاري "إذا قام من الثانية بعد التشهد رفع يديه" رفع يديه، هذا في البخاري ولم يثبته الإمام أحمد, ولذا لا تجدونه في كتب الحنابلة؛ لأن الإمام أحمد يرى أنه موقوف على ابن عمر, والبخاري يرجح الرفع، يكون ابتداء الرفع لليدين مع ابتداء التكبير, وانتهاء الرفع مع انتهاءه؛ لأن الرفع له ومن أجله فكان معه. بعض الناس يتصرف تصرف أشبه ما يكون بالعبث, إذا كبر حرك يديه ولو لم تصل إلى سرته, بمجرد ما يومي بيديه يظن أنه رفع يديه, هذا لا يكفي, بل لا بد من الرفع, وأقل ما جاء فيه حذو المنكبين، هذا أدنى ما جاء فيه. في الصحيحين من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يرفع يديه حذو منكبيه حين يكبر, فيكون ابتداؤه مع ابتداءه، وهذا الرفع أعني –رفع اليدين– سنة عند جمهور العلماء، سنة عند عامة أهل العلم, وأصحاب المذاهب المتبوعة كلهم يقولون سنة، ولم يوجبه أحد, إلا ما يُذكَر عن داود الظاهري والأوزاعي والحميدي شيخ البخاري, أوجبوا الرفع مع تكبيرة الإحرام, وقالوا بوجوبه لثبوته عن النبي -عليه الصلاة والسلام-. قد روي رفع اليدين في أول الصلاة مع تكبيرة الإحرام من طريق خمسين صحابياً, منهم العشرة المشهود لهم بالجنة, فثبوت الرفع في هذا الموضع قطعي، ثبوته قطعي. وضع اليد اليمنى على اليسرى:

دعاء الاستفتاح:

إذا كبر تكبيرة الإحرام وانتهى من رفع يديه وضعهما يضع يده اليمنى على ظهر اليسرى، أخرج ابن خزيمة من حديث وائل بن حجر -رضي الله عنه- قال: "صليت مع النبي -صلى الله عليه وسلم-فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره" والحديث صحيح بشواهده، وهو أقوى من حديث علي -رضي الله عنه-: "من السنة وضع الكف على الكف تحت السرة" أقوى من هذا الحديث, بل الحديث الآخر مضعف. دعاء الاستفتاح: ثم بعد ذلك يقرأ دعاء الاستفتاح, ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-إذا كبر للصلاة سكت هنيهةً قبل أن يقرأ –سكت مدةً بين التكبير والقراءة – فسأله -أبو هريرة يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو معروف بالحرص على الخير– أرأيت سكوتك ما تقول؟ فقال: ((أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب, اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس, اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد)) هذا مخرج في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة. هنا يقول: ((اللهم باعد بيني)) بالإفراد, ما قال: (باعد بيننا) , وجاء في حديث ثوبان وغيره الوعيد الشديد على من أَمَّ الناس في الصلاة وخص نفسه بالدعاء دونهم ((إذا أم أحدكم قوماً فلا يخص نفسه بالدعاء)) ((لا يأمن أحد قوماً فيخص نفسه بالدعاء)) المقصود أنه جاء النهي عن تخصيص النفس بالدعاء بالنسبة للإمام, وهنا -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه قال: ((اللهم باعد بيني)) هذا إفراد, خص نفسه بهذا الدعاء، ابن خزيمة لما رأى المعارِض والمعارَض بينهما بون في الثبوت, فهذا في الصحيحين وذاك حديث حسن, حكم على الحديث الآخر بأنه موضوع, لماذا؟ لأنه مخالف لما ثبت في الصحيحين، لكن إذا أمكن الجمع, والإسناد لا بأس به, لا داعي إلى الحكم بالوضع؛ لأن النظر في المعارضة تأتي بعد تعذر الجمع, والجمع ممكن.

شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقول: تخصيص النفس بالدعاء المراد به الدعاء الذي يُؤمَّن عليه, أما دعاء الإمام الذي لا يُؤمِّن عليه المأموم فلا مانع من أن يخص نفسه بالدعاء, ولا مانع أن يقول: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي) ويدعو لنفسه في السجود ويدعو بين السجدتين (اللهم اغفر لي) كما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- يخص نفسه بالدعاء الذي لا يُؤمَّن عليه. لكن هل يُعقَل في دعاء القنوت مثلاً أن يقول الإمام: (اللهم اهدني فيمن هديت, اللهم عافني فيمن عافيت) والمأمومون يقولون: (آمين)؟ يمكن أن يقال هذا؟ يدعو لنفسه ويؤمن المأمومون على دعائه لنفسه؟ هذا لا يجوز بحال، بل قد يتصرف بعض الأئمة بما يبطل صلاته، إذا خص نفسه بالدعاء والناس يقولون: (آمين) هذا يكون لا شك أنه يعرض صلاة بعض المأمومين -لا سيما من عُرِف بشيء من الحمق- يعرضه للبطلان. قد يقول قائل: إذا قال: اللهم اهدني فيمن هديت والناس رواءه يقولون: آمين، قد يدعو عليه، لكن مثل هذا الدعاء الذي يؤمن عليه، لا يجوز تخصيص الإمام نفسه بالدعاء. السخاوي وجمع من أهل العلم يرون أن الدعاء الذي لا يجوز تخصيص الإمام نفسه فيه الدعاء الذي لا يشترك فيه الإمام والمأموم في الصلاة, يعني الذي لا يشرع لكل مصلٍّ, لا يجوز للإمام أن يخص نفسه به, يعني إذا جاء بدعاء لم يُشرَع أصله في الصلاة, من الدعاء المطلق مثلاً, في السجود أو بعد أن يستعيذ بالله من أربع, يتخير من المسألة ما شاء, لكن لا يجوز له أن يخص نفسه, إضافةً إلى ما في دعاء القنوت. لكن كأن رأي شيخ الإسلام -رحمه الله- أوضح.

إن استفتح بقوله: ((سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك)) وحديث الاستفتاح بهذا روي مرفوعاً عند أحمد وأصحاب السنن، وصح عن عمر -رضي الله عنه- أنه كان يستفتح به في مقام النبي -صلى الله عليه وسلم- ويعلمه الناس، إن استفتح بهذا الدعاء فهو حسن لثبوته عن عمر -رضي الله عنه-، وكان يستفتح به في مقام النبي -صلى الله عليه وسلم- ويجهر به، ويعلمه الناس، رواه مسلم موقوف على عمر, وهو مخرج عند أحمد وأصحاب السنن مرفوع، والإمام أحمد -رحمه الله تعالى- يرجح هذا الاستفتاح، الاستفتاح بـ ((سبحانك اللهم وبحمدك ... )) من وجوه، ذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- وجوه كثيرة لترجيح هذا الاستفتاح، لكن ما دام ثبت المرفوع وفي الصحيحين أيضاً كما تقدم لا شك أنه يكون أرجح؛ لكن إن استفتح بهذا الدعاء المأثور عن هذا الخليفة الراشد وجهر به بين الصحابة في أمر توقيفي في عبادة, المظنون به أنه تلقاه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. وقد صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في دعاء الاستفتاح ألفاظ وصيغ كثيرة, منها المختصر، ومنها المطول, غالبها وجلها في صلاة الليل ((اللهم رب جبرائيل وميكائيل, فاطر السموات والأرض, عالم الغيب والشهادة, أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون, اهدني لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك, إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)) ثبت عنه, لكن هذا في صلاة الليل، وثبت عنه أدعية مطولة، وعلى المسلم أن يحفظ هذه الأدعية، جوامع هذه الأدعية, ويحفظها، ويأتي بها على التعاقب؛ لأن الاختلاف بينها ليس اختلاف تضاد بأن نرجح بعضها على بعض ونقتصر عليه, وإنما هو اختلاف تنوع, وكلها ثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما أشار إلى ذلك الإمام أحمد, يقول: أما أنا فأذهب إلى ما روي عن عمر -رضي الله عنه-, ولو أن رجلاً استفتح ببعض ما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من الاستفتاح كان حسناً.

الكلام على الاستعاذة والبسملة:

لكن دعاء الاستفتاح جاء بصيغ على المسلم لا سيما من ينتسب إلى العلم وطلبه أن يحفظ هذه الأدعية, ويأتي بها على التعاقب لا يجمع بينها، يأتي بها على التعاقب، أحياناً يستفتح بهذا, وأحياناً يستفتح بهذا, وفي صلاة الليل يستفتح بكذا, وهكذا. الكلام على الاستعاذة والبسملة: ثم بعد الاستفتاح يتعوذ، يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، فكان -عليه الصلاة والسلام- بعد التكبير، وبعد الاستفتاح الذي سبق ذكره يقول: ((أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزه ونفخه ونفثه)) والحديث لا يسلم من مقال، لكنه بشواهده، له شواهد يثبت بها، يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم, وإن قال: ((من همزه ونفخه ونفثه)) لا سيما في صلاة الليل فحسن, والحديث الذي ذكرناه هو في المسند والسنن من حديث أبي سعيد. ثم بعد ذلك يقول: "بسم الله الرحمن الرحيم" دعاء الاستفتاح والاستعاذة والبسملة سنن، بعد التعوذ يقول: بسم الله الرحمن الرحيم سراً مطلقاً, سواء جهر بالقراءة أو أسر بها, مطلقاً في السرية والجهرية، يسر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) وإن جهر بها أحياناً فلا بأس، ثبت في الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بـ (الحمد لله رب العالمين) فهم منه بعض أهل العلم أن البسملة وما قبل البسملة بعد التكبير لا يشرع, وهذا معروف عند المالكية، (الله أكبر) (الحمد لله رب العالمين) لماذا؟ لأنه صح في الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين بل بالغ بعض الرواة في رواية هذا الحديث: "صليت خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين, لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها" لا يذكرون.

قراءة الفاتحة:

لكن هل يلزم من كونهم يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين ألا يقولوا: بسم الله الرحمن الرحيم سراً, بحيث لم يسمعها الراوي؟ ولذا الحافظ ابن حجر حمل نفي الذكر على نفي الجهر, وصحح الرواية التي في صحيح مسلم، ومنهم من أعلها؛ لأنها مخالفة لما جاء في أحاديث أخرى، المقصود أن من أهل العلم من أعلها وضعفها، ومُثِّلَ بها لعلة المتن، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: وعلة المتن كنفي البسملة ... إذ ظن راوٍ نفيها فنقله ما سمع، ظن أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يقلها البتة, فنقله، لكن إذا أمكن حمل الخبر الذي جاء بإسناد صحيح على محمل صحيح, بحيث يتفق ويتسق مع النصوص الأخرى, تعين ذلك, لا سيما وأن الخبر في صحيح مسلم، فإذا حملنا عدم الذكر على عدم الجهر انتهى الإشكال. ومن أهل العلم من يرى استحباب الجهر بالبسملة مطلقاً؛ لأنها آية من الفاتحة, فهي كغيرها من آيات الفاتحة, يقرأ بها، فإذا قال: يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين, يعني بسورة الحمد، والبسملة آية منها على هذا القول، والجمهور على أنها يُسَرُّ بها, لحديث: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين, فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين)) فدل على أنها ليست بآية من الفاتحة، والمسألة كون البسملة آية من الفاتحة أو ليست بآية مسألة طويلة الذيول, والخلاف فيها كبير بين أهل العلم على أنهم يتفقون على أنها ليست بآية من سورة براءة، وعلى أنها بعض آية من سورة النمل، والخلاف في غيرها من المواضع، وشيخ الإسلام يرجح أنها آية واحدة جاءت للفصل بين السور, فعلى هذا الإسرار بها أفضل, إن جهر بها أحياناً فلا بأس حينئذ. قراءة الفاتحة: ثم بعد ذلك يقرأ الفاتحة، والفاتحة ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا بها, في حديث عبادة بن الصامت: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)) فدل على أنها لا بد منها فهي ركن من أركان الصلاة, لكن تلزم من؟

هل تلزم كل مصلٍّ؟ هل كل مصلي تلزمه الفاتحة كما يقول أبو هريرة وهو اختيار البخاري والشوكاني؟ كل مصلي تلزمه الفاتحة، فعلى هذا لو جاء والإمام راكع, وأدرك الركوع, ما أدرك الركعة, لماذا؟ لأنه لن يتمكن من قراءة الفاتحة, والفاتحة ركن لكل مصلٍّ على هذا القول. والقول الثاني: أنها تلزم كل مصلٍّ إلا المسبوق, تلزم الإمام والمأموم والمنفرد في كل ركعة, حاشا المسبوق, فالمسبوق الذي دخل والإمام راكع فأدرك الركوع تسقط عنه قراءة الفاتحة, بدليل حديث أبي بكرة, وهذا قول الإمام الشافعي, وأنها لازمة لكل مصلٍّ حاشا أو عدا المسبوق. المعروف عند كثير من أهل العلم أنها تلزم الإمام والمنفرد, أما المأموم فلا تلزمه؛ لأن قراءة الإمام قراءة لمن خلفه ((وإذا قرأ فأنصتوا)) {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ} [(204) سورة الأعراف] ومنهم من يفرق بين الصلاة السرية والصلاة الجهرية, فتلزم المأموم في السرية دون الجهرية, ليجمع بين النصوص في هذا. وعلى كل حال القول المرجح المتوجه أنها تلزم الإمام والمأموم والمنفرد, سواء جهر الإمام أو أسر؛ لأن حديث عبادة بن الصامت صحيح صريح، ونفيٌ للصلاة, والصلاة المنفية هي الصلاة الشرعية المجزئة, أي لا صلاة صحيحة إلا بفاتحة الكتاب, فعلى هذا على الإنسان أن يُعنَى بها ويهتم بها ولا يتساهل بشأنها، قد يقول قائل: إذا جهر الإمام أنا لا أستطيع أن أقرأ، ألا يوجد بعض الناس من هذا النوع؟! يوجد من الناس من إذا سمع شيئاً خلاص ارتج عليه لا يستطيع أن يقرأ والإمام يقرأ, نقول: مثل هذا حكمه حكم العاجز، حكمه حكم العاجز عن القراءة، قد يقول قائل: أنا أصلي مع إمام يستعجل في قراءته, فلا أتمكن من قراءة الفاتحة خلفه, إذا قرأ ثلاث أو أربع آيات ركع الإمام، نقول: حكمك حكم المسبوق, وصلاتك صحيحة، لكن الذي يستطيع القراءة خلف الإمام ولو جهر الإمام, القراءة في حقه ركن من أركان الصلاة.

التأمين:

وكانت قراءته -عليه الصلاة والسلام- مداً, يمد القراءة, يقف عند كل آية, ففي البخاري عن قتادة قال: سُئِلَ أنس -رضي الله عنه- قال: كيف كانت قراءة النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: كانت مداً, ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم, يمد بـ (بسم الله) ويمد بـ (الرحمن) ويمد بـ (الرحيم). هذه قراءته -عليه الصلاة والسلام- المد, لكن يمد المد المعتدل؛ لأن بعض الناس يبالغ في المد, فيخرج القراءة عن حقيقتها, ويترتب على قراءته زيادة حروف, فالقراءة في الصلاة لا سيما الفاتحة التي هي ركن من أركانها لا بد أن يتقنها المسلم, فلو أخل بشيء منها ولو بشدة, ولو بحرف من حروفها, خطر على الصلاة تبطل, إذا لحن فيها لحناً يحيل المعنى بطلت الصلاة, فيُعنَى المسلم بالفاتحة؛ لأنها لا تصح الصلاة إلا بها. التأمين: فإذا فرغ من الفاتحة قال: (آمين) يجهر بها إذا جهر بالقراءة, ويجهر بها من خلفه, يجهر بها الإمام والمأموم في الصلاة الجهرية, جاء ذلك في حديث أبي هريرة عند الدارقطني والحاكم وصححه, ولأبي داود والترمذي من حديث وائل بن حجر نحوه, وفي الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة, أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا, فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه)). وجاء في الحديث الصحيح: ((إذا كبر فكبروا, وإذا ركع فاركعوا)) وهنا: ((إذا أمن فأمنوا)) الفاء هذه: ((إذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد)) يعني إذا كبر يعني للإحرام أو غيره فكبروا، إذا أمن فأمنوا، إذا ركع فاركعوا، إذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد، ترتيب أعمال المأموم على ترتيب الإمام بالفاء ماذا يقتضي؟ يقتضي إيش؟ التعقيب, بأن تكون أعمال المأموم عقب أعمال إمامه, من غير مَهْلة, من غير تراخٍ؛ لأنها عُطِفت بالفاء, والفاء مع اقتضائها الترتيب, تقتضي التعقيب. فنأتي إلى الأفعال؛ الفعل الماضي الأصل فيه أن الحدث انتهى، ما دل على حدثٍ في زمن مضى, يعني هل تستطيع أن تقول: جاء زيد, وهو ما بعد جاء؟ لا تستطيع.

نأتي إلى: ((إذا كبر فكبروا)) إيش معنى هذا؟ معناه إذا فرغ من التكبير فكبروا, إذا فرغ بحيث إذا انقطع صوت الإمام كبِّر؛ لأن موافقة الإمام في مثل هذا ممنوعة, لكن: ((إذا ركع فاركعوا)) هل نقول: إذا فرغ الإمام من الركوع اركعوا؟ أو نقول: إذا شرع في الركوع اركعوا, يعني بدأ بالركوع اركعوا؟ يعني هل ننتظر حتى ينتهي الإمام من الركوع ثم نركع؟ أو بمجرد ما يباشر الركوع نركع؟ لأن الفعل الماضي يطلق ويراد به الفراغ منه كما هو الأصل, ويطلق ويراد به الشروع فيه, ويطلق ويراد به إرادة الفعل {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} [(98) سورة النحل] {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ} [(6) سورة المائدة] إيش معنى (قمتم إلى الصلاة)؟ يعني إيش؟ إذا إيش؟ أردتم القيام, (فإذا قرأت القرآن) معناها إيش؟ إذا أردت القراءة، يعني مقتضى اللفظ والفعل ماضي {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [(98) سورة النحل] أن الاستعاذة تكون بعد الفراغ من القراءة؛ لأن الفعل ماضي الحدث انتهى، مقتضى قوله -جل وعلا-: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ} [(6) سورة المائدة] يعني لو أخذنا الفعل على ظاهره، يكون كل أحد إداوة الوضوء معه في الصف، فإذا قام ليكبر توضأ، هذا مقتضى الفعل، إذا فرغنا من القيام توضأنا، لكن المراد بالفعل هنا إرادة الفعل، يعني إذا أردت القراءة فاستعذ بالله، إذا أردت القيام فتوضأ.

السكتات في الصلاة:

ومنهما معنى: ((إذا قال آمين فقولوا آمين)) لأننا لو حملناه على أنه إذا فرغ من التأمين كما حملنا التكبير معنى هذا أيش؟ أننا ننتظر حتى يؤمن الإمام، إذا قال: آمين، وانقطع صوته، نقول: آمين، هل هذا هو المراد؟ أو أننا نؤمن مع الإمام؛ لأنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه، فعلى هذا يكون المراد، إذا أراد التأمين فأمنوا معه في وقت واحد بحيث يكون صوت المأموم مع صوت الإمام، وعرفنا أن الفعل يطلق ويراد به الإرادة، ويطلق ويراد به الشروع، ويطلق ويراد به الفراغ من الفعل ((غفر له ما تقدم من ذنبه)) إيش معنى: ((من وافق تأمينه تأمين الملائكة))؟ هل المراد بذلك الوقت أو الكيفية بحيث يكون مده مثل مد الملائكة في ابتدائه وانتهائه؟ أو نقول: هذا أمر غيبي يوفق الله -جل وعلا- له من شاء؟ نحرص على إتباع السنة ولن نخيب بعد ذلك؟ ما الذي يدريك أنك وافقت تأمين الملائكة؟ لكن أنت تحرص على تطبيق السنة, وتنتظر حتى يقول الإمام: (ولا الضالين) ((فإذا قال: ولا الضالين, فقولوا: آمين)) , فإذا انقطع صوته بقوله: (ولا الضالين) فقولوا: (آمين). لأن عندك النص: ((إذا أمَّن الإمام فأمِّنوا)) وفيه: ((وإذا قال: ولا الضالين, فقولوا: آمين)) , وهذا النص مفسر للذي قبله, بمعنى أننا نقول: (آمين) مع الإمام. فعلى الإنسان أن يحرص, ويستحضر قلبه؛ لأن هذا دعاء, معنى (آمين): اللهم استجب, والله -جل وعلا- لا يقبل من قلب غافل, فنستحضر هذه الصلاة, ونستحضر هذه الأدعية, فإذا قلنا: (آمين) ووافق تأميننا تأمين الملائكة غفر لنا، ووُفقنا لموافقتهم. السكتات في الصلاة:

قال ابن القيم: وكان له سكتتان, سكتة بين التكبير والقراءة، يريد بها السكتة التي سأله عنها -عليه الصلاة والسلام- أبو هريرة: أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ هذه السكتة الأولى وهي في الصحيحين، اختلف الثانية، جاء إجمالاً أنه كانت له سكتتان, اختُلِف في الثانية, وجاء ما يدل على أنها بعد الفراغ من الفاتحة, وجاء ما يدل على أنها بعد الفراغ من القراءة, فمن أهل العلم من قال: المراد بالسكتة الثانية, إذا فرغ الإمام من قراءة الفاتحة يسكت ليقرأ المأموم الفاتحة, ليمكِّن المأموم من قراءة الفاتحة، هذا قول، ومنهم من يقول: لا, السكتة الثانية بعد الفراغ من القراءة, ليتراد النَّفَسُ قبل الركوع، ومنهم من يقول: هي ثلاث سكتات, لا يصل بين القراءتين, فإذا قال: (آمين) انتظر قليلاً وهي سكتة, وإذا فرغ من القراءة سكت ليتراد النَّفَس، وكلام أهل العلم في هذه المسألة معروف, فعلى الكلام الأخير تكون ثلاثاً. يقول ابن القيم: والظاهر أنما هي اثنتان فقط, وأما الثالثة فسكتةٌ لطيفةٌ لأجل تراد النَّفَس, فلم يكن يصل القراءة بالركوع, بخلاف السكتة الأولى, فإنه يجعلها بعد الاستفتاح، والثانية قد قيل: إنها لأجل قراءة المأموم فعلى هذا ينبغي تطويلها بقدر قراءة الفاتحة, ليتمكن المأموم من قراءة الفاتحة، وأما الثالثة فللراحة والنَّفَس فقط, وهي سكتة كما قال ابن القيم لطيفة, فمن لم يذكرها فلقصرها, ومن اعتبرها جعلها سكتة ثالثة, فلا اختلاف بين الروايتين.

روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي من حديث الحسن البصري عن سمرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يسكت سكتتين: إذا استفتح, وإذا فرغ من القراءة كلها، وفي رواية: سكتة إذا كبر, وسكتة إذا فرغ من قراءة {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} [(7) سورة الفاتحة] مجموع الروايات تدل على أن السكتات ثلاث, لكن هل يثبت مثل هذا الحكم بمثل هذا الإسناد: الحسن عن سمرة؟ هل سمع الحسن من سمرة أو لم يسمع؟ المسألة خلافية بين أهل العلم, أما سماع الحسن من سمرة حديث العقيقة فهذا في صحيح البخاري, عن حبيب بن الشهيد: قال لي محمد بن سيرين: سل الحسن عمن سمعت حديث العقيقة؟ فقال: عن سمرة، فهذا نص على أن الحسن سمع من سمرة حديث العقيقة, لكن هل سمع غيره؟ المسألة خلاف بين أهل العلم, فيبقى كل على مذهبه, من يثبت سماع الحسن من سمرة مطلقاً يقول: الحديث صحيح, ومن لا يثبته يقول: الحديث فيه انقطاع، والحسن -رحمه الله- معروف بالإرسال, وهو موصوف بالتدليس. على كل حال بعد قراءة الفاتحة يسكت الإمام, ولو لم يكن بقدر قراءة الفاتحة للمأموم, المقصود أنه يفصل بين القراءتين, وإذا أنهى القراءة يسكت ليتراد النَّفَس, وبهذا يكون جمع بين الروايات كلها. من لا يحسن القراءة وعجز عن تعلمها؛ لأن بعض الناس لا سيما من كبار السن ممن لم يلتفت إلى الحفظ إلا بعد أن طعن في السن, مثل هذا يصعب عليه القراءة, قد يكون حافظاً للفاتحة, لكن حفظه غير مجزئ حفظ غير صحيح, يُخَيَّل للإنسان أنه قارئ, وليس بقارئ بالفعل. فالذي يقرأ وهو إمام -إمام مسجد- في بلد من البلدان يقول: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [(8) سورة التكاثر] هل هذا قراءته صحيحة؟ لا, ليست بصحيحة. هل هذا تغيير يسير؟ هذا يقلب المعنى رأساً على عقب, اللام لام التأكيد تُقلَب (لا) نافية؟ فبعض الناس من هذا النوع يظنه يقرأ و ... , وسمعنا بعض الشياب من كبار السن من العوام قراءات فيها تصحيف وفيها تحريف, واللحن عاد حدِّث ولا حرج, الذي هو تغيير الحركات التصحيف والتحريف شيء لا يخطر على البال عند بعض العوام, وعنده أنه يحسن القراءة.

قراءة سورة في الركعتين الأوليين:

أنا أقول: الفاتحة وهي ركن من أركان الصلاة على المسلم أن يُعنَى بها, والحمد لله الآن الأمور متيسرة الآن, حلق القرآن في كل مكان, البيوت مملوءة ممن يقرأ القرآن من الذكور والإناث, ويش اللي يمنع يا أخي أن كبير السن من رجل أو امرأة يقول: تعال يا ولد حفظني الفاتحة، تعالي يا بنت حفظيني، إيش المانع؟! ولو يموت وهو يتعلم الفاتحة مو بكثير, هذا يتعلم علم من أهم العلوم, أمر لا تصح الصلاة بدونه، لكن إذا عجز واستغلق عليه الأمر؛ لأن بعض الناس يستحجر خلاص، ما يمكن يحفظ شيء، إذا عجز عن ذلك اكتفى بالتحميد والتكبير والتهليل, فعن رفاعة بن رافع أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-علم رجلاً الصلاة, فقال: ((إذا كان معك قرآن فاقرأ, وإلا فاحمد الله وكبره وهلله, ثم اركع)) [رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن]. في حكم من لم يستطع تعلم الفاتحة حديث العهد بالإسلام, إذا أسلم شخص ونطق بالشهادة وتعلم عُلِّم الوضوء وتوضأ وجاء إلى الصلاة, يُنتظر به إلى أن يحفظ الفاتحة, وحفظها يحتاج إلى وقت طويل, لا سيما إذا كان كبير سن, فيقال له: كبر واحمد وهلل, وتحفظ بعد ذلك -إن شاء الله تعالى-. قراءة سورة في الركعتين الأوليين: إذا فرغ من الفاتحة قرأ سورة في الركعتين الأوليين, ففي الصحيحين عن أبي قتادة أن النبي -عليه الصلاة والسلام-: كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم الكتاب وسورتين, وفي الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب, ويسمعنا الآية أحياناً –يعني في الصلاة صلاة الظهر, الصلاة السرية, يسمعون منه الآية أحياناً- عليه الصلاة والسلام-, فعلى الأئمة أن يفعلوا مثل هذا، إقتداءً به -عليه الصلاة والسلام– ويسمعنا الآية أحياناً، ويطول في الركعة الأولى –يطيل في الركعة الأولى ما لا يطيل في الثانية, وهكذا في العصر, وهكذا في الصبح والحديث مخرج في الصحيحين, ورواه أبو داود وزاد: قال: فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الأولى.

وعن أبي سعيد الخدري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية, وفي الأخريين قدر قراءة خمس عشرة آية, أو قال: نصف ذلك, وفي العصر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر خمس عشرة آية, وفي الأخريين قدر نصف ذلك، رواه مسلم وأحمد فعلى هذا: القراءة تطول في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر, وتكون الركعة الأولى أطول من الثانية, في الركعتين الأخريين إن شاء اقتصر على الفاتحة, وإن قرأ معها سورة أخرى فلا بأس, وهو ثابت, هذا بالنسبة لصلاة الظهر والعصر. يقول ابن القيم: فإذا فرغ من الفاتحة أخذ في سورة غيرها, وكان يطيلها تارة, ويخففها لعارض من سفر أو غيره, ويتوسط فيها غالباً, وكان يقرأ في الفجر بنحو ستين آية إلى مائة آية, وصلاها بسورة ق, وصلاها بالروم, وصلاها بـ {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [(1) سورة التكوير] وصلاها بـ {إِذَا زُلْزِلَتِ} [(1) سورة الزلزلة] في الركعتين كلتيهما, وصلاها بالمعوذتين وكان في السفر, وصلاها فافتتح سورة المؤمنون, حتى إذا بلغ ذكر موسى وهارون في الركعة الأولى أخذته سعلةٌ فركع, كح فركع، وكان يصليها يوم الجمعة بـ"ألم تنزيل السجدة" وسورة {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ} [(1) سورة الإنسان] كاملتين. وقرأ في المغرب بالأعراف, وفرَّقها في الركعتين, وصلاها مرةً بالطور, ومرةً بالمرسلات. و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] في حديث جبير بن مطعم في الصحيح أنه سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في صلاة المغرب بالطور, يقول: وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبه، وكان قد جاء في فداء أسرى بدر قبل أن يسلم، قرأ بـ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] و {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} [(1) سورة التين] والمعوذتين, وكان يقرأ فيها بقصار السور من المفصل، قال ابن عبد البر: وكلها آثار صحاح مشهورة.

لكن لم يكن يداوم -عليه الصلاة والسلام- على قصار المفصل, يعني إذا عرفنا أنه قرأ بالأعراف, وهي سورة طويلة, وقرأ بالمرسلات, وقرأ أيضاً بالطور, وقرأ بالقصار، فعلى الإمام ألا يشق على المأمومين, يأخذ هذه القاعدة عامة ((إذا أم أحدكم الناس فليخفف, فإن فيهم الكبير والضعيف وذا الحاجة)) هذه القاعدة مطردة, لا يشق على الناس, ولا يمل الناس من الصلاة, ولا يجعل الناس يستثقلون الصلاة ويكرهونها, لكن يأتي بالسنة, يأتي بالطوال أحياناً, يفعل السنة أحياناً, ويلاحظ أحوال المأمومين, هذا هو الأصل. يقرأ في صلاة المغرب في الركعتين الأوليين بالفاتحة وسورة, وفي الركعة الثالثة ثبت عن أبي بكر -رضي الله عنه- في الركعة الثالثة من صلاة المغرب أنه كان يقرأ فيها بعد الفاتحة بقوله -جل وعلا- {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ... } [(8) سورة آل عمران] إلى آخر الآية, هذا ثابت عن أبي بكر الصديق, رواه الإمام مالك. ويرون أن هذا بمثابة القنوت؛ لأنها آية تتضمن دعاء, والمغرب ثبت أنها وتر النهار, وهذا عمل من هذا الخليفة الراشد المسدد الذي أُمِرنا بالاقتداء به, فلو فُعِلَت اقتداء بهذا الخليفة الراشد فلا بأس, لا سيما أحياناً, يعني لو لم يداوم عليها الإنسان, ولو تُرِكَت باعتبارها لا يثبت فيها شيء مرفوع فالأمر فيه سعة. وأما العشاء الآخرة فقرأ فيها بـ {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} [(1) سورة التين] ووقَّت لمعاذ بن جبل بـ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [(1) سورة الشمس] و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] و {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [(1) سورة الليل] ونحوها.

صفة الركوع:

وأنكر عليه قراءة البقرة, وقال له: ((أفتانٌ أنت يا معاذ؟ )) قرأ سورة البقرة والناس في صلاة العشاء, وتأخر عليهم؛ لأنه كان يصلي مع النبي -عليه الصلاة والسلام-, ثم يأتي فيصلي بالناس, فشكاه أحد المأمومين بعد أن انصرف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-, فنهاه عن ذلك, ووقَّت له {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [(1) سورة الشمس] و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] و {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [(1) سورة الليل] وأما الجمعة فكان يقرأ فيها بسورتي الجمعة والمنافقين كاملتين, وسورتي سبح والغاشية، وتقدم ذكر السكتة التي بعد القراءة, بقدر ما يتراد إليه النَّفَس. صفة الركوع: ثم بعد ذلك يركع رافعاً يديه مكبراً, يركع مكبراً رافعاً يديه، وهذا هو الموضع الثاني من مواضع رفع اليدين, الأول مع تكبيرة الإحرام, والثاني مع تكبيرة الركوع، رافعاً يديه كبر وأمكن يديه من ركبتيه، إذا كبر وركع مكن يديه من ركبتيه كأنه قابضهما, يعني يمكن يديه من ركبتيه. وأما التطبيق فقد كان في أول الأمر ثم نُسِخ, وهو وضع اليدين بين الركبتين، هذا يسمونه التطبيق، وهو منسوخ، أمكن يديه من ركبتيه (ثم هصر ظهره) كما في حديث أبي حميد في البخاري وغيره, هصر ظهره يعنى ثنى ظهره (ووتَّر يديه) جعل يديه إذا قبض بهما ركبتيه كالوتر, بمعنى أنهما مستقيمتان, ونحاهما عن جنبيه (وبسط ظهره) أي مد ظهره وعدَّله، وجاء في وصف حاله -عليه الصلاة والسلام- أثناء الركوع أنه بحيث لو صُبَّ الماء على ظهره لاستقر, متى يستقر الماء؟ إذا لم يكن فيه ميلان ولا انحناء.

يبسط ظهره ويمده, وفي حديث عائشة -رضي الله عنها-: (كان إذا ركع لم يشخص رأسه, ولم يصوِّبه, ولكن بين ذلك) رواه مسلم (يشخص رأسه) يرفعه, (لم يصوِّبه) لم يخفضه، إيش معنى الإشخاص؟ يشخص رأسه يعني يرفع رأسه، الروح إذا خرجت شَخَص البصر, ارتفع البصر {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} [(42) سورة إبراهيم] فالمقصود بهذه اللفظة (لم يشخص) يعني لم يرفع رأسه (ولم يصوبه) يعني لم يخفض رأسه, فالتصويب هو الخفض, ولذا جاء في المطر ((اللهم اجعله صيباً نافعاً)) فقوله: ((صيباً)) يعني ينزل, الصيب الذي ينزل، فتصويب الرأس إنزاله. وفي حديث الواهبة التي وهبت نفسها إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث الصحيح, النبي -عليه الصلاة والسلام- صعَّد النظر فيها وصوَّبه, يعني رفع بصره وأنزله, لينظر إلى هذه المرأة الواهبة هل تصلح له أو لا تصلح -عليه الصلاة والسلام-؟. المقصود أنه يكون رأسه بين ذلك, بين الخفض وبين الرفع.

الرفع من الركوع:

وكان يقول: ((سبحان ربي العظيم)) وتارةً يقول مع ذلك: ((سبحان اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي)) ((سبحان ربي العظيم)) لما نزل قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [(74) سورة الواقعة] قال: ((اجعلوها في ركوعكم)) ولما نزل قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] قال: ((اجعلوها في سجودكم)) فالركوع والسجود موضع للتسبيح, وهو التنزيه, ولذا تحرم القراءة، قراءة القرآن في الركوع والسجود, وقد جاء النهي الصحيح عن القراءة في الركوع والسجود, فلا يجوز أن يُقرَأ القرآن في حال الركوع والسجود، وللركوع صفة, وللسجود أخرى: ((أما الركوع فعظموا فيه الرب, وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقَمِنٌ أن يستجاب لكم)) هنا هل مفهوم هذا أننا لا ندعو في الركوع؟ لا يقتضي هذا, لكن يكون أكثر الذكر في هذا الموضع التعظيم, وإلا جاء قوله: ((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)) هذا دعاء في الركوع, لكن ينبغي أن يكون الدعاء في السجود أكثر، يكون التعظيم في الركوع أكثر وفي السجود الدعاء أكثر، ((فقَمِنٌ أن يستجاب لكم)). وكان ركوعه -عليه الصلاة والسلام- المعتاد مقدار عشر تسبيحات, وسجوده كذلك, وكان يقول في ركوعه أيضاً: ((سبوح قدوس رب الملائكة والروح)) [رواه مسلم] , وتارةً يقول: ((اللهم لك ركعت, وبك آمنت, ولك أسلمت, خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي)) [رواه مسلم أيضاً] , لكن قال ابن القيم: أن هذا إنما حُفِظَ عنه في قيام الليل. الرفع من الركوع: ثم يرفع رأسه بعد ذلك رافعاً يديه، يرفع رأسه من الركوع بعد ذلك, بعد أن يطمئن في ركوعه ويذكر ما ورد من أذكار في الركوع على الوصف الذي ذُكِر يرفع رأسه من الركوع رافعاً يديه, وهذا هو الموضع الثالث من مواضع رفع اليدين, قائلاً: ((سمع الله لمن حمده)) فهذا ثلاثة مواضع تُرفَع فيها اليدان، جاءت بها النصوص الصحيحة الصريحة, وعرفنا أن الموضع الرابع هو بعد القيام من التشهد الأول.

فإذا استوى قائماً من ركوعه قال: ((ربنا ولك الحمد)) يقول الإمام: (سمع الله لمن حمده) أثناء الركوع؛ لأنه ذكر الانتقال, مثل التكبير، فإذا استوى قائماً قال: ((ربنا ولك الحمد)) وربما قال: ((ربنا لك الحمد)) بدون واو, وربما قال: ((اللهم ربنا لك الحمد)) بـ (اللهم) دون الواو, وربما جمع بينهما فقال: ((اللهم ربنا ولك الحمد)) فهذه هي أربع صيغ, كلها ثابتة, وإن زعم ابن القيم -رحمه الله تعالى- أن الصيغة الرابعة, وهي الجمع بين اللهم والواو لم تصح, لكنها صحيحة ثابتة في صحيح البخاري, ونعلم أن ابن القيم -رحمه الله تعالى- إنما ألف كتابه زاد المعاد في حال السفر, ليس عنده مراجع ولا كتب, لكنه إمام حافظ, ومن يعرو من الخطأ والنسيان والذهول, فهو ليس بمعصوم -رحمة الله عليه-.

أقول: الجمع بين (اللهم) والواو صحيح ثابت في صحيح البخاري، ويجمع الإمام والمنفرد بين التسميع والتحميد, فيقول كل من الإمام والمنفرد: (سمع الله لمن حمده, ربنا ولك الحمد) اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن المأموم هل يجمع بينهما؟ ذهب إلى ذلك الإمام الشافعي, فعند الشافعية يجمع المأموم بين: ((سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد)) لأنه ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: (سمع الله لمن حمده) ويقول: (ربنا ولك الحمد) والمأموم مطالب بالاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- والأئتساء به، وغيره يقول: الإمام يقول: (سمع الله لمن حمده) والمأموم يقول: (ربنا ولك الحمد) والإمام أيضاً يقول: (ربنا ولك الحمد) فقد صح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقول: ((سمع الله لمن حمده, اللهم ربنا لك الحمد, ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد, أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد, وكلنا لك عبد, لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت, ولا ينفع ذا الجد منك الجد)) [رواه مسلم]، إذن الإمام والمنفرد يجمع بين التسميع والتحميد, والمأموم يقول: (ربنا ولك الحمد) ولا يقول: (سمع الله لمن حمده) لماذا نقول: لا يقول المأموم (سمع الله لمن حمده)؟ لأنه جاء في الحديث الصحيح: ((فإذا قال سمع الله لمن حمده, فقولوا: ربنا ولك الحمد)) فهذه وظيفة الإمام, وتلك وظيفة المأموم، قد يقول قائل: الرسول -عليه الصلاة والسلام- هو القدوة وجمع بينهما؟ نقول: هو قدوة في حاله، وفي مثل حاله -عليه الصلاة والسلام-, يكون قدوة للإمام في هذا, فهذا وصفه حال كونه إماماً, وما الذي يخرج المأموم؟ يخرجه قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((فإذا قال: سمع الله لمن حمده, فقولوا: ربنا ولك الحمد)) ((فقولوا)) لأن العطف بالفاء يقتضي الترتيب مع التعقيب, فمجرد ما يقول الإمام: (سمع الله لمن حمده) يقول المأموم: (ربنا ولك الحمد) , كما مضى نظيره ((فإذا قال: ولا الضالين, فقولوا: آمين)) هل معنى هذا أننا مع الإمام نقول: (ولا الضالين)؟ لا, نقول بعد انقطاع نفسه من قوله: (ولا الضالين) نقول: (آمين) وبعد انقطاع نفسه من قوله: (سمع الله لمن حمده) نقول: (ربنا ولك الحمد)

صفة السجود:

لأن العطف بالفاء يقتضي هذا. صح عنه أنه كان يقول: ((اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد, ونقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس, وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب)) وذكر مسلم عن أنس -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-إذا قال: (سمع الله لمن حمده) قام حتى نقول: قد أوهم, ثم يسجد, ثم يقعد بين السجدتين حتى نقول: قد أوهم. لأنكم تشاهدون بعض الناس عنده خلل كبير في هذين الركنين, أعني ركن القيام من الركوع والقيام من السجود, فهو مجرد نقر, بعض الناس يفعل هذا بحيث إذا رفع هبط مباشرة. نعم قد يكونون من الناس الوافدين الذين اعتنقوا مذاهب أخرى, قد يوجد هذا، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا قال: (سمع الله لمن حمده) قام حتى نقول: قد أوهم، وذلك في صحيح مسلم، -يعني يطيل هذا الركن, الذي هو القيام- ثم يسجد, ثم يقعد بين السجدتين حتى نقول: قد أوهم. وفي حديث أبي حميد: (فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار إلى مكانه) ما المراد بقوله: (إلى مكانه)؟ إلى مكانه إيش قبل الركوع أو قبل الدخول في الصلاة؟ هو الآن قبل الركوع قابض، واضع يديه على صدره, وقبض ركبتيه, ثم رفع من ذلك الركوع, فإذا رفع استوى حتى يعود كل فقار إلى مكانه, هل المراد إلى مكانه قبل الركوع أو قبل الدخول في الصلاة؟ وما الذي يترتب على هذين الاحتمالين؟ إذا قلنا: قبل الركوع, يكون بعد الركوع قابض كما كان قبل الركوع, وهذا هو الأولى, وهو الذي ورد في حديث وائل بن حجر. وإذا قلنا: حتى يعود كل فقار إلى مكانه قبل الدخول في الصلاة, معناه أنه يرسل يديه؛ لأنه قبل الصلاة ما فيه قبض, ولهذا قال بعضهم: أنه لا يقبض يديه بعد الركوع, بل زعم أن ذلك بدعة. والصواب أنه يقبض يديه بعد الركوع, والمراد: (حتى يعود كل فقار إلى مكانه) ما قبل الركوع, وهو الأقرب. صفة السجود:

ثم يهوي للسجود دون رفع لليدين, فكان -عليه الصلاة والسلام- لا يرفع يديه إذا هوى للسجود, جاء في وصف صلاته -عليه الصلاة والسلام- أنه كان لا يرفع يديه إذا هوى للسجود، وأما حديث: (كان يرفع مع كل خفض ورفع) فقد قرر الحفاظ أنه وهم من الراوي, وصوابه: (يكبر مع كل خفض ورفع) بل الثابت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان لا يرفع يديه إذا هوى للسجود. في حديث وائل بن حجر –وهذه مسألة كثر فيها الكلام, وهي في غاية الأهمية– مسألة ماذا يقدم إذا سجد؟ هل يقدم يديه وإلا يقدم ركبتيه؟ جاء في حديث وائل بن حجر: (رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه) والحديث مخرج في السنن, ومصحح أيضاً (وضع ركبتيه قبل يديه) وعلى هذا إذا سجد المصلي يضع ركبتيه ثم بعد ذلك يضع يديه, وهذا مرجح عند جمع من أهل العلم, وانتصر له ابن القيم.

لكن روى أبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير, وليضع يديه قبل ركبتيه)) هذا عكس الحديث السابق، في حديث وائل: (رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه) رواه الأربعة، وصححه بعض أهل العلم، لكن روى أبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير, وليضع يديه قبل ركبتيه)) وهو أقوى من حديث وائل, حديث أبي هريرة أقوى من حديث وائل، يقول الحافظ ابن حجر: فإن له شاهداً من حديث ابن عمر, صححه ابن خزيمة, وذكره البخاري معلقاً موقوفاً، فهذه المسألة تحتاج إلى بسط, وتحتاج إلى توضيح, الآن عندنا حديثان متضادان في الظاهر, وإذا رأيت من يرجح تقديم الركبتين, كما في حديث وائل, يحكم على الحديث الثاني بأنه ضعيف لأنه مقلوب, وإذا رأيت من يرجح تقديم اليدين على الركبتين, لأنه أقوى من حيث الصناعة وله شواهد, حكم على الحديث الثاني بأنه ضعيف، ابن القيم -رحمه الله تعالى- قال: إن الحديث الثاني حديث أبي هريرة مقلوب، كيف مقلوب؟ يقول: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير, وليضع يديه قبل ركبتيه)) يقول: إذا وضع يديه قبل ركبتيه، البعير يقدم يديه في بروكه قبل ركبتيه, إذن يكون هذا تناقض, فهو مقلوب؛ لأننا لو أخذناه على ظاهره صرنا متناقضين, هذا تناقض، هكذا قرر ابن القيم, وأطال -رحمه الله تعالى- في تقرير القلب في هذا الحديث, وأجلب على هذه المسألة بكل ما أوتي من قوة وبيان وسعة اطلاع, ليقرر أن الحديث مقلوب. وبعضهم يرى وينقل عن بعض كتب أهل اللغة أن ركبتي البعير في يديه, لكن افترض أن ركبتي البعير في يديه, هل ينحل الإشكال؟ ما ينحل الإشكال؛ لأنه إذا قدم يديه أشبه بروك البعير في الصورة. شيخ الإسلام -رحمه الله- يرى أن الصورتين كلاهما صحيحتان وجائزتان, وسواء قدم الإنسان يديه أو قدم ركبتيه سيان, هذه ثابتة من فعله -عليه الصلاة والسلام-, وهذه ثابتة من أمره ((وليضع)) اللام لام الأمر ((وليضع يديه قبل ركبتيه)).

أنا ودي الإخوان ينتبهون شوي؛ لأن هذه المسألة تحتاج إلى دقة فهم, هل الحديث الثاني حديث أبي هريرة مقلوب كما قال ابن القيم؟ أنا أقول: الحديث ليس بمقلوب, وآخره يشهد لأوله ((لا يبرك كما يبرك البعير, وليضع يديه قبل ركبتيه)) هل فهمنا معنى البروك؟ ما فهمنا معنى البروك، لكي نفهم الحديث، هل طعن أحد من الأئمة المتقدمين في الحديث بأنه مقلوب؟ ما طعن أحد فيه بأنه مقلوب, يعني من تكلم فيه تكلم في إسناده, ما تكلم في متنه, إذن خفيت هذه العلة على المتقدمين؟ ما تخفى, لأنها واضحة, يعني اللي أدركه ابن القيم يمكن أن يدركه آحاد الناس, كل إنسان يشوف البعير يقدم يديه قبل ركبتيه إذا سجد، لكننا ما فهمنا معنى البروك، متى يقال: برك البعير؟ يقال: برك البعير, إذا نزل على الأرض بقوة, أثار الغبار وفرَّق الحصى, فإذا برك بقوة المصلي برك على يديه بقوة وأثار الغبار وفرَّق الحصى وخلخل البلاط كما يفعل بعض الناس نقول: هذا برك مثل ما يبرك البعير, لكن إذا قدم يديه قبل ركبتيه ووضعهما مجرد وضع على الأرض ما يكون برك مثل بروك البعير, امتثل قوله -عليه الصلاة والسلام- ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) ما برك مثل بروك البعير. نأتي إلى الحديث الأول، يعني إذا كان تقديم الركبتين أو اليدين الملاحظ مجرد الوضع؛ فإذا نزل الإنسان على الأرض بقوة, فقدم يديه قبل ركبتيه, وسُمِعَ لنزوله على الأرض صوت، لأن بعض الناس تسمع البلاط يتخلل، هذا برك مثل ما يبرك البعير, لكن لو قدم ركبتيه بقوة على الأرض, هل يكون فعل مثل ما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- ((رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه))؟

لا يا أخي, نقول: هذا مثل ما يبرك الحمار, يقدم ركبتيه لكن بقوة, وقد نهينا عن مشابهة الحيوانات، أيهما أقوى حديث وائل وإلا حديث أبي هريرة؟ حديث أبي هريرة أقوى ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) يعني نفرق بين مجرد الوضع وبين مشابهة البعير في بروكه على الأرض بقوة، يعني أنت ما تفرِّق بين وضع المصحف على الأرض –وهذا جائز عند أهل العلم- وضع المصحف على الأرض جائز، لكن رمي المصحف على الأرض وإلقاؤه خطر عظيم, بعض أهل العلم يفتي بكفر من يفعل هذا, إذا فعله استخفافاً, فرق بين أن ترمي المصحف, وبين أن تضعه مجرد وضع على الأرض, وهذا جائز، فنريد أن نفهم معنى الوضع, وحينئذ لا يكون هناك تعارض بين أول الحديث ولا آخره. فنحتاج إلى ترجيح بين الحديثين, الذي يقول: إن حديث أبي هريرة أرجح يقول: نقدم اليدين قبل الركبتين, لكن ما نبرك مثل بروك البعير, ما ننزل على الأرض بقوة, بل نضع اليدين قبل الركبتين, والذي يرجح حديث وائل يقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يضع ركبتيه مجرد وضع على الأرض قبل يديه. وشيخ الإسلام -رحمه الله- لحظ مسألة وضع ورفق وهدوء في الصلاة, وسواء قدم الإنسان يديه ولا ركبتيه, المقصود أنه يضع مجرد وضع سيان، والذي يرجح حديث أبي هريرة على حديث وائل, وهو المقتضى، مقتضى ما ذكره الحافظ ابن حجر هنا, يقول: أنا أقدم يديَّ قبل ركبتيَّ برفق, وأضع يديَّ على الأرض قبل ركبتيَّ, وامتثلت هذا الأمر ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) والحمد لله، ما صار شيء ما أشبهت البعير، امتثلت الأمر، ولم أشبه البعير. اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أحكام القيام والتراويح والاعتكاف

أحكام القيام والتراويح والاعتكاف الشيخ/ عبد الكريم الخضير الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فإن الله -جل وعلا- قد خلق الخلق من الجن والإنس لهدف عظيم، وغاية عظمى، هي تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] من مظاهر تحقيق العبودية أداء ما أوجب الله على المكلفين، وهذا أحب ما يتقرب به إلى الله -جل وعلا-، ثم يكمل ما نقص من هذا الواجب بالتطوعات والنوافل التابعة لهذه الواجبات على تنوع هذه العبادات، فالصلاة لها ما يكمل نقصها، والزكاة لها ما يسد خللها، والصوم له ما يرفُ خروقه، والحج كذلك. من هذه النوافل بل من أعظمها وأشقها على النفوس قيام الليل، الذي أمر الله به نبيه -عليه الصلاة والسلام- {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ* قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [(1 - 2) سورة المزمل] حتى قال جمع من أهل العلم: أن قيام الليل واجب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأما بالنسبة لأمته فهو من أعظم القربات وأفضلها؛ لكنه ليس بواجب، أوجب بعض أهل العلم الوتر، وجاء الأمر به، امتثل النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أمر به، فقام حتى تورمت قدماه، امتثل وطبق ما أمر به تطبيقاً دقيقاً -قم الليل- حتى قرأ في ركعة ما يزيد على خمسة أجزاء، قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران.

جاءت النصوص القطعية من نصوص الكتاب والسنة على الحث على قيام الليل، وجاء ما يدل على أنه دأب الصالحين، فعلى المسلم أن يسعى أن يكون من الصالحين، وهذا شعارهم وديدنهم {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [(16) سورة السجدة] من منا في هذه الصفة؟ ومن منا من يستشعر هذا الكلام؟ {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} ثم ماذا؟ ماذا قال الله بعد ذلك؟ {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر] وفي هذا إشارة أن العلم الشرعي الحقيقي الموعود صاحبه بأعلى المنازل في الدنيا والآخرة هو العلم المقرون بالعمل، أما إذا كان علماً نظرياً لا واقع له في حياة من اتصف به فإنه من الذين لا يعلمون، وإن أدعى أنه عالم، وإن أُدعي أنه عالم {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر] فهذا وصف أهل العلم.

النصوص، نصوص الكتاب والسنة لا يمكن حصرها، يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)) (نعم الرجل عبد الله) من عبد الله هذا؟ هذا ابن عمر الصحابي المقتدي المؤتسي الحريص على التطبيق، (نعم الرجل عبد الله، لو كان يقوم من الليل) نعرف حرص ابن عمر على التطبيق، تطبيق السنن، حتى أداه حرصه هذا إلى الخروج شيئاً يسيراً عن ما يفعله أكابر الصحابة؛ لكن هذا من حرصه على الخير، ومع ذلك يستثنى في أمره (لو كان يقوم من الليل) ماذا فعل ابن عمر؟ ابن عمر بعد ذلك كان لا ينام من الليل إلا قليلاً، والصحابي المبادر بالتطبيق، لما سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) ماذا قال -رضي الله عنه وأرضاه-، كان يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" نصوص في الكتاب والسنة الصحيحة في البخاري وغيره، ومع الأسف الشديد يأتي من يكتب في الصحف يقول: أن الزهد نقص وتعطيل لحيوية هذه الحياة التي أمرنا بعمارتها، ويسخر ويستهتر من الذين دونوا في تراجم أهل العلم أنهم وصفوا بالزهد، والنصوص القطعية بين أيدينا "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" هذه النصوص تؤكد قيام الليل، وهو دأب الصالحين، ومع الأسف الشديد أن كثير ممن ينتسب إلى طلب العلم نصيبه في هذا الباب ضعيف، إن وُجد، فكثير ممن ينتسب إلى العلم وإلى طلبه ابتلوا بالموانع وعدم بذل الأسباب، فترى الواحد منا يسهر ويسهر على ماذا؟ على القيل والقال من الكلام المباح -إن شاء الله تعالى-، دعونا ممن يسهر على المحرم؛ لكن المسألة مفترضة في طلاب علم، يسهر على المباح ثم بعد ذلك إذا جاء وقت القيام، رجل مستيقظ وبكامل قواه ولا يحتاج إلى النوم، ويحضر الثلث الأخير فإذا أراد أن يوتر بثلاث ركعات أو خمس ركعات، أو سبع، أو تسع تجدها أثقل من جبل؛ لأن من يمضي وقته في القيل والقال ولو كان مباحاًَ لا يعان على مثل هذه الأمور؛ لأنه في الغالب لا يعان على مثل هذه الأمور، فالمسألة تحتاج إلى احتياط، والقلب يحتاج إلى حراسة شديدة من المؤثرات.

ومن أعظم المؤثرات على القلب فضول الكلام، دعونا ممن سلط لسانه على الأخيار، ولم يحتط لنفسه وفرق حسناته على فلان وعلان؛ لكن المسألة فيمن لا يقول: إلا مباحاً، في الغالب لا يعان على القيام فإن قام لا يعان على حضور القلب، فالمسألة تحتاج إلى استجماع، والقلب يحتاج إلى جمعية، كما قال أهل العلم كابن القيم وغيره.

هذا الذي ضيع أوقاته في القيل والقال، هل يعان على حفظ لسانه في أوقات المواسم؟ هل يعان على استغلال المواسم؟ يسمع بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) أربعة أيام يحرص على حفظ لسانه فلا يستطيع؛ لأنه لم يتعرف على الله في حال الرخاء لسانه في القيل والقال في أوقات الرخاء، فإذا جاء وقت الشدة لا يعان على ذلك، وقل مثل هذا في تلاوة القرآن، نجد من طلبة العلم من يتفرغ في رمضان أو في العشر الأواخر من رمضان، بأن يهجر أهله ووطنه وجميع وسائل الراحة إلى أماكن المضاعفات في أشرف الأوقات، ويسمع عن سلف هذه الأمة من يقرأ القرآن في يوم ومن يقرأ القرآن في اليوم مرتين، ومنهم من يقرأ في يومين، ومنهم من يقرأ في ثلاث فيحرص على أن يختم القرآن فلا يستطيع، يجلس فيتعرض لهذا، يجلس من صلاة العصر إلى أذان المغرب فاتحاً المصحف يريد أن يقرأ في ساعتين أقل تقدير يقرأ ستة أجزاء، هذا إذا كان ممن لم يتعود ويتمرن على قراءة القرآن، يعني جزء في ثلث ساعة كل إنسان يستطيع هذا، لكن ما الحصيلة وما النتيجة؟ لأنه لم يتعود في وقت الرخاء كم يقرأ؟ لا يزيد على الجزء، يقرأ آية آيتين ثم يلتفت يميناً وشمالاً علّ أحداً أن يعرفه فيجلس معه ليزاول المهنة الذي كان يزاولها عامه كله، إن جاءه أحداً وإلا ذهب هو يبحث عن الناس، طيب لماذا أنت سافرت وتركت أهلك؟ ألا تريد أن تستغل هذه الأوقات؟! هذا واقع كثير من الشباب، وأقول: يوجد -ولله الحمد- من يفعل فعل السلف، يعني يوجد من يقرأ القرآن في يوم، ما هي المسألة مسألة يأس وقنوط؛ لكن هذا فيه حث، حث الإخوان على استغلال الأوقات، وقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة)) مطرد في كل شيء، فإذا تعود قراءة القرآن في أوقات الرخاء، وخصصت له وقتاً من سنام وقتك، لا على الفرغة، بحيث إذا جئت قبل الإقامة بخمس دقائق أو بعشر دقائق فتحت المصحف وإلا فلا، لا، يعني لو جلس طالب العلم من صلاة الصبح في مكانه، وأتى بالأذكار المرغب فيها ثم قرأ القرآن إلى إن تنتشر الشمس، هذا يقرأ القرآن في سبع من غير مشقة، ومن غير تفويت أي مصلحة لا دينية ولا

دنيوية، بل سوف يجد أثرها على بقية يومه، كما قال شيخ الإسلام: هي الزاد التي تعينه على بقية أعماله الصالحة في يومه، فابن القيم -رحمه الله- لما شرح حال الأبرار، وحال المقربين في طريق الهجرتين، وضع برنامج من استيقاظهم من النوم لصلاة الصبح، وكيفية استعدادهم للصلاة، وذهابهم إليها، وقربهم من الإمام، واستماعهم من القراءة المشهودة، ثم الجلوس إلى انتشار الشمس مع الانكسار بين يدي الله -جل وعلا- والتعرض لنفحاته، مثل هذا يعان بقية يومه، وإذا كان هذا ديدنه يعان بقية عمره، والإنسان يموت على ما عاش عليه، المغني يموت على خشبة المسرح، والتالي لكتاب الله يموت ورأسه في المصحف، هذه حقائق، والمصلي يموت وهو ساجد، هذه حقائق أمثلة عملية نعرف من شيوخنا من صار عليه حادث سيارة، وأدخل المستشفى في العناية المركزة لا يعرف أحداً، ولا ينطق بكلمة، والقرآن يسمع من لسانه واضحاً جلياً، ويوجد من المؤذنين من أفنى عمره في هذا العمل الجليل، والمؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة، يوجد من يسمع منه الأذان، وهو في العناية في وقت الأذان. المقصود أن على طالب العلم أن يبذل الأسباب، ويدفع الموانع قدر استطاعته، ومثل هذا الجهاد والمجاهدة تأتي بالتدريج، ما تأتي دفعة واحدة، ولذا جاء عن بعض السلف أنهم كافحوا قيام الليل سنين ثم تلذذوا به، تلذذوا به بقية العمر، كل شخص يتلذذ بمناجاة محبوبه، بل وجد هذا في الحيوان يتلذذ بمجالسة ومناجاة محبوبه، فإذا كان المحبوب هو الله -جل وعلا- فحدث ولا حرج، وإذا كان ابن القيم وهو يشرح حال المقربين يقسم بالله أنه ما شم لهم رائحة، فكيف بغيره؟! وقد وصف حالهم وبرنامجهم اليومي وصفاً دقيقاً كأنه منهم ومن بينهم، بل الذي يغلب على الظن أنه منهم، ويقول مع ذلك أنه يستفيد فائدة ولو لم يكن ممن يفعل هذا علّ أحداً أن يفعله فيكتب له من أجره، وإذا تحدثنا عن القيام وعن الصيام وعن تلاوة القرآن فلا يعني هذا أن الإنسان متصف بهذا الوصف، والله المستعان.

المقصود أن القيام شأنه عظيم، محك واختبار وابتلاء للإنسان، وتصفية للقلب؛ لكن قد يقوم الإنسان ويهيء الأسباب، وينفي الموانع؛ لكن يقف بين يدي ربه وقلبه ليس بحاضر، وينصرف من قيامه بالعُشر أو أقل، مثل هذا عليه أن يجاهد، ويستحضر أنه ماثل بين يدي الله -جل وعلا-، ويتدبر ما يقول من قرآن وأذكار، ثم بعد ذلك بالتدريج يحصل له ما يريد -إن شاء الله تعالى-، ويحرص أشد الحرص على البعد كل البعد عما يشغله عن إصلاح قلبه، ومن أوضح ذلك طيب المطعم والمشرب، هذا من أعظم ما يعين على صلاح القلب، فإذا أطاب مطعمه ومشربه استحق أن يكون مجاب الدعوة ((أطب مطعمك تستجب دعوتك)) فإذا أجيبت دعواته أعين على ما يريد من أمور الدنيا والآخرة. المقصود أن القيام شأنه عظيم، والقيام يراد به الصلاة، من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر هذا قيام الليل، وعمارة هذا الوقت بالصلاة والتلاوة والذكر، وأفضله كما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أفضل القيام قيام داود، ينام نصف الليل، ثم يقوم ثلثه، ثم ينام سدسه)) ينام نصف الليل ويحسب الليل من صلاة العشاء، من الوقت الذي يتسنى فيه القيام، وإذا تم الحساب على هذا الأساس من صلاة العشاء ونام نصف الليل يكون قيامه في الثلث الأخير، بينما لو حسبنا الليل من غروب الشمس صار قيامه بدأ من نصف الليل قبل وقت نزول الإله، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام بن تيمية وغيره. المقصود أن هذا الوقت يعمر بالصلاة والتلاوة والذكر، فالنوم الذي ينامه بعد صلاة العشاء وينوي به الاستعانة على القيام هو في صلاة، هو في قيام، هو في عبادة، يكتب له أجر، فإذا قام الثلث واستغل هذا الوقت فيما يكتبه الله له على خلاف بين أهل العلم في القدر المحدد من الركعات، فقد جاء عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاًَ فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر بثلاث" هذه إحدى عشرة.

وجاء أيضاً عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الصحيحين ثلاثة عشرة، وصح عنه الخمسة عشرة من حديث ابن عباس، كل هذا يدلنا على أن العدد غير مراد، ويؤيد هذا الإطلاق في حديث: ((صلاة الليل مثنى مثنى)) فتصلي في الليل ركعتين ركعتين، كما قال ابن عباس: "صلى ركعتين ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر" خمسة عشرة ركعة.

المقصود أن العدد غير مراد بدليل أنه ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- الزيادة على الإحدى عشرة، وما جاء في حديث عائشة -رضي الله عنها- على حد علمها، والمثبت مقدم على النافي، وعلى هذا القول المرجح في القيام أنه لا حد له، بل يصلي الأرفق به والأنفع لقلبه، فإذا كان الأرفق به كثرة الركوع والسجود، وفي هذا يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- لمن طلب مصاحبته ومرافقته في الجنة: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) والسجود أشرف أركان الصلاة، و ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)) والكثرة مطلوبة كما قال -عليه الصلاة والسلام-: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) وإذا كان الأنسب له تطويل القيام وكثرة قراءة القرآن لأنه يتلذذ به فالقرآن أفضل الأذكار، والخلاف بين أهل العلم في المفاضلة بين طول القيام الذي هو القنوت {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] وهو أشرف من غيره بذكره لا بذاته، والسجود أشرف بذاته، وعلى كل حال المسألة مفترضة فيمن يريد أن يقوم من الليل ساعة، أو ساعتين أو ثلاثة، ويسأل يقول: هل أصلي في الثلاث الساعات إحدى عشرة ركعة أو أصلي ثلاثين ركعة، أيهما أفضل؟ نقول: إذا أردت أن تقتدي بما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- كماً وكيفاً فهذا هو الأكمل، ما تقول: أنا أقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وأنه ما زاد ثم تنقر إحدى عشرة ركعة في عشرة دقائق، وتقول: أصبت السنة، لا يا أخي، إذا أردت أن تنظر إلى هذا العدد فانظر إلى أنه -عليه الصلاة والسلام- افتتح البقرة ثم النساء ثم آل عمران في ركعة، وركوعه قريب من قيامه، ركوعه وسجوده قريب من السواء، فإذا استغل الوقت، ولذا جاء في سورة المزمل التحديد بالوقت بالزمن لا بالعدد {قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا} [(2) سورة المزمل] ثم في آخر السورة {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ} [(20) سورة المزمل] المقصود أن التحديد بالزمن له نظر، بل له الحظ الأكبر من النظر، فالذي يصلي ثلاث ساعات أفضل من الذي يصلي ساعتين اتفاقاًً، فالمسألة مسألة وقت، فإذا عمر هذا الوقت بطاعة الله -جل وعلا- وعندنا ما يؤيد الإطلاق

((صلاة الليل مثنى مثنى)) فلتصل ما شئت، على أن تجتنب السرعة والعجلة التي تذهب بلب الصلاة، تأتي بصلاة صحيحة تفيدك وتقربك من الله -جل وعلا-، ويرى بعضهم أن ما زاد على الإحدى عشرة بدعة؛ لكن كيف نقول: بدعة وقد ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- غير هذا العدد؟ وصح عنه الإطلاق ((صلاة الليل مثنى مثنى)) في حديث عائشة يصلي أربعاً، وإذا ضممنا إليه صلاة الليل مثنى مثنى، قلنا: يصلي أربعاً بسلامين، وأهل العلم يؤكدون على أن من قام إلى ثالثة في صلاة الليل فكأنما قام إلى ثالثة في فجر، لابد أن يرجع، فيصلي أربع، فلماذا قالت: أربع، ما قالت: ركعتين ركعتين؟ لأن الفواصل بين هذه الركعات بين كل أربعة ركعات، ولذا سميت الصلاة في رمضان تراويح؛ لأنهم يستريحون بين كل أربعة ركعات، وهو ما يدل عليه حديث عائشة "يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً" فهذا يدل أنه هناك فاصل بين الأربع.

صلاة الليل في طول العام، في رمضان تسمى صلاة التراويح، والتراويح هو قيام رمضان، وفي البخاري من حديث أبي هريرة ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) فالقيام في رمضان هو صلاة التراويح، ((من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليله)) يكتب له قيام ليلة، النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بأصحابه ليلتين أو ثلاث، ثم اجتمعوا في الليلة الرابعة فلم يخرج إليهم، ثم بعد أن صلى الصبح ذكر لهم أنه لم يخفَ عليه مكانهم، وأنهم حضروا للصلاة، وأنه إنما تركهم خشية أن تفرض عليهم، فتركه لصلاة التراويح أو لقيام الليل في رمضان جماعة سببه خشية أن تفرض عليهم، فصاروا يصلون أفراداً كل يصلي بمفرده، ومضى الأمر على ذلك حتى توفي النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم جاء بعده أبو بكر والأمر على ذلك، ثم تولى عمر فاستمر الأمر على ذلك، ثم رأى عمر -رضي الله عنه- وهو الخليفة الراشد الذي أمرنا بالاقتداء به، والأخذ بسنته ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي))، ((اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر)) رأى أن يجمعهم على إمام واحد لماذا؟ لأن الخشية الذي أبداها النبي -عليه الصلاة والسلام- من أن تفرض هذه الصلاة على الأمة ثم يعجزون عن القيام بها، هذه الخشية ارتفعت بموته -عليه الصلاة والسلام-، بموته لا زيادة ولا نقص في الدين، استقر الأمر بوفاته -عليه الصلاة والسلام- {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [(3) سورة المائدة] فارتفعت هذه الخشية فرأى عمر -رضي الله عنه- أن العلة التي من أجلها تركهم النبي -عليه الصلاة والسلام- ارتفعت، ورأى أن صلاتهم مجتمعين أنشط لهم، وأعون لهم على هذا القيام، فجمعهم على أبي، فصار يصلي بهم جماعة، خرج في يوم من الأيام أو ليلة من الليالي وهم يصلون فرآهم وأعجبه أمرهم، فقال: "نعمت البدعة هذه" هل صلاة التراويح بدعة؟ يقول: "نعت البدعة هذه" والذين ينامون عنها أفضل منها؛ لأنهم يصلون أول الليل وصلاة آخر الليل أفضل بلا شك، وصلاة التراويح ممدوحة؛ لأنه قال: "نعمت" وسماها بدعة.

فما معنى قول عمر: "نعمت البدعة" وهل فيه مستمسك لمن يرى أن من البدع ما يمدح؛ لأنه قال: "نعمت البدعة" والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((كل بدعة ضلالة)) شيخ الإسلام -رحمه الله- يرى أن البدعة في كلام عمر لغوية وليست بشرعية، وغيره يقول: هي مجاز، استعمال اللفظ في غير ما وضع له مجاز، وشيخ الإسلام كما هو معروف وجمع من أهل التحقيق ينفون المجاز لا في النصوص ولا في لغة العرب، فهل التراويح بدعة لغوية؟ بعد أن نتفق أنها ليست ببدعة شرعية؟ شيخ الإسلام يميل في اقتضاء الصراط المستقيم إلى أنها بدعة لغوية، فإذا عرضنا هذا الفعل من عمر -رضي الله عنه- وجمع الناس على إمام واحد على التعريف اللغوي والتعريف الاصطلاحي عرفنا أنه هل يمكن أن يقال لها: بدعة لغوية أو بدعة اصطلاحية شرعية؟ البدعة في اللغة: ما عمل على غير مثال سابق، والتراويح عملت على مثال سابق، أو ابتدعها عمر من غير أن يسبق لها ذكر ولا وجود؟ عملت على مثال سابق، صلاها النبي -عليه الصلاة والسلام- بالصحابة جماعة، وتركها لا عدولاً عنها ولا نسخاً لها، وإنما تركها خشية أن تفرض، شفقة ورحمة ورأفة بأمته -عليه الصلاة والسلام-، فليست ببدعة لغوية؛ لأن التعريف اللغوي لا ينطبق عليها، وليست ببدعة شرعية؛ لأنها سبق لها شرعية، والبدعة في الشرع: ما أحدث في الدين مما لم يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة، وهذا سبق شرعيته من السنة، ليست ببدعة لا لغوية ولا شرعية، وليست بمجاز؛ لأنه ليس في لغة العرب مجاز، على القول المحرر المحقق عند أهل التحقيق، وممن يقول به شيخ الإسلام وغيره، وسماه ابن القيم طاغوت، المجاز لأنه بواسطته توصل المبتدعة إلى إثبات ما أرادوا ونفي ما لم يريدوا، إذا لم تكن بدعة لا لغوية ولا شرعية ولا مجاز، كيف نخرج كلام عمر الثابت في البخاري "نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل منها" يعني صلاة آخر الليل؟ هنا في علم البديع ما يسمى بالمشاكلة، والمجانسة في التعبير، مشاكلة، تجد اللفظ واحد والمعنى مختلف، جاء ما يؤيده في كلام العرب. قالوا: اقترح شيئاً نجد لك طبخه ... قلت: اطبخوا لي جبة وقميصا هذه مشاكلة ومجانسة في التعبير وإلا فالقميص والجبة ما تطبخ.

في النصوص جاء قوله -جل وعلا-: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] الجناية سيئة بلا شك، لكن معاقبة الجاني سيئة؟ ليست بسيئة، {نَسُواْ اللهَ فَنَسِيَهُمْ} [(67) سورة التوبة] كل هذا من أسلوب المشاكلة والمجانسة في التعبير، فهو ثابت في نصوص الكتاب والسنة، هل في أحد قال: ابتدعت يا عمر ليقول: نعمت البدعة على شأن نقول: مشاكلة؟ أهل البلاغة في علم البديع يقولون: "المشاكلة اتحاد اللفظ مع اختلاف المعنى حقيقةً كان أو تقديراً" يعني كأن عمر -رضي الله عنه- خشي أن يقال له: ابتدعت يا عمر، فقال: "نعمت البدعة" إن كانت هذه بدعة فنعمت البدعة، وهذا تقدير، وليس في هذا مستمسك لمن يقسم البدع إلى بدع مستحسنة وبدع مذمومة؛ لأن النص الصحيح الصريح ((كل بدعة ضلالة)) وإن قال بعض أهل العلم به، استناداً إلى هذا الخبر، ومنهم من قسم البدع إلى الأحكام التكليفية الخمسة بدع واجبة، وبدع مستحبة، وبدع مباحة، وبدع مكروهة، وبدع محرمة، فجعلوا من البدع الواجبة الرد على المخالفين؛ لكن هل الرد على المخالفين ابتداع في الدين؟ القرآن مملوء بالرد على المخالفين فليس ببدعة، وجعلوا من البدع المستحبة بناء الأربطة والمدارس، بدع مستحبة؛ لكن القاعدة الشرعية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) (ما لا يتم المستحب إلا به فهو مستحب) (الوسائل لها أحكام الغايات) هذه وسائل للتحصيل، إذاً حكمها حكم التحصيل، فليست ببدعة تشملها القواعد الشرعية. البدع المباحة جعلوا منها التوسع في أنواع وألوان الطعام والشراب والمركوب والمسكون، هذه ليست من أمور الدين ليشملها الابتداع، والابتداع إنما يكون في الدين، وأما البدع المكروهة والمحرمة فأمثلتها كثيرة. فليس في البدع ما يمدح، بل كل بدعة ضلالة، والشاطبي في الاعتصام رد هذا القول وقال: "إنه قول مخترع مبتدع" قوض دعائمه بأقوى عبارة وأجود أسلوب -رحمه الله-.

المقصود أن صلاة التراويح الذي جمع عمر عليها الناس سنة، وإن أساء بعض الشراح الأدب مع الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، وعرفنا أن لها أصل في الشرع فليست ببدعة، لما أراد أن يتكلم على قول عمر -رضي الله عنه وأرضاه-: "نعمت البدعة" قال: "البدع مذمومة ولو كانت من عمر" هذا إساءة أدب مع هذا الخليفة الراشد؛ لكن الله المستعان يريد أن يحرص على شيء على تحقيق السنة وتطبيقها ثم بعد ذلك يقع في مثل هذا، يكون مثل ما قال بعض الشراح في ((لم يتكلم في المهد إلى ثلاثة)) والحديث الصحيح في البخاري يقول: "في هذا الحصر نظر" هذه إساءة أدب، أنت تشرح كلام من؟ تشرح كلام النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي لا ينطق عن الهوى، وأنت تشرح أيضاً كلام عمر -رضي الله عنه- الذي جاءت النصوص بمناقبه التي لا تعد، والأمر بالاهتداء بهديه والاستنان بسنته، فالمقصود أنها ليست ببدعة، وليس في قوله مستمسك لأحد. قيام رمضان الذي جاء الحث عليه: ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) قيام رمضان يتم بصلاة التراويح على أن تكون مع الإمام من بدايته إلى نهايته، بحيث لا ينصرف قبل الإمام ((من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)) يكتب له قيام هذه الليلة. إذا افترضنا أن المسجد فيه أكثر من إمام وقال قائل مثلاً في الحرم في الحرمين الشريفين أكثر من إمام، صلى مع الإمام الأول وانصرف، قال: صليت مع الإمام، فنقول: لا يا أخي حتى تنتهي صلاة التراويح ويفرغ منها بوترها. ونقول: الإمامان أو الأكثر من إمامين حكمهم حكم الإمام الواحد؛ لأن الصلاة واحدة والمفترض أن يتولاها إمام واحد، فلو حصلت المعاقبة فصلاة واحد؛ لأن بعض الناس صاحب مزاج يرتاح لفلان ولا يرتاح لفلان، يصلي وراء فلان ولا يصلي وراء فلان، ويقول: صليت مع الإمام حتى انصرف، فنقول: لا يا أخي الصلاة واحدة لا يتم ما رتب عليها إلا بتمامها، فلا تنصرف إلا بعد انقضاء الصلاة، لا ينصرف حتى ينصرف الإمام.

طيب الإمام يوتر في أول الليل وجاء قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) يقول: أنا أريد أن أوتر آخر الليل، وأنصرف قبل الإمام، نقول: لا يكتب لك قيام ليل حتى ينصرف الإمام، ماذا يصنع؟ يوتر مع الإمام ويشفع الوتر، أو يصلي مع الإمام ويوتر معه ويسلم معه؛ لأن الأقوال ثلاثة في المسألة، ثم إذا تيسر له أن يقوم من آخر الليل يصلي ركعة تشفع له ما أوتر، ثم يجعل آخر صلاته في الليل وتراً، أو يصلي شفع مثنى مثنى إلى أن يطلع الفجر ووتره انتهى، الذي أوتره مع الإمام، أما كونه يصلي ركعة إذا قام من الليل تشفع له ما أوتر، وقد جاء قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا وتران في ليلة)) نقول: هذا أوتر ثلاث مرات، وهذا ليس بشرعي، كونه يصلي بعد الإمام يعني إذا سلم الإمام قام وجاء بركعة، هذا ما فيه إشكال، تشفع له وتره ويكون وتره في آخر الليل، وبذا قال جمع من أهل العلم، ومنهم من قال: ينصرف مع الإمام وإذا تيسر له القيام يصلي؛ لكن يصلي مثنى مثنى، ولا يعيد الوتر لأنه أوتر، والصلاة بعد الوتر لا شيء فيها، بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا سلم من وتره صلى ركعتين، فدل على أن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)) أمر إرشاد، وأن هذا أولى، وأنه ليس بإلزام بدليل أنه كان يصلي بعد الوتر، يصلي ركعتين، فإذا صلى مع الإمام التراويح وسلم معه فإن تيسر له أن يقوم ويصلي في آخر الليل الذي هو أفضل يصلي مثنى مثنى. قد يقول قائل: لماذا لا أترك الصلاة مع الإمام لأن عمر يقول: "نعمت البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل" فأنا أريد أن أفعل الأفضل، وبدل ما يصلي الإمام أول الليل ويقرأ في صلاته كلها نصف جزء، أنا أصلي آخر الليل بدل ما ينتهي الإمام من صلاته في أقل من ساعة، أنا أصلي في آخر الليل ثلاث ساعات، واقرأ أربعة أجزاء، له ذلك، له ذلك، وإنما صلاة التراويح من أجل بعث الهمة والنشاط؛ لأن بعض الناس إذا لم يصلِ مع الناس، يرى الناس عن يمنيه وعن شماله يتشجع وينشط. إن التراوح راحة في ليله ... ونشاط كل عويجز كسلانِ

نعم يتشجع الإنسان إذا صلى مع الناس، كما أنه يتشجع إذا صام مع الناس، لذا تجد قضاء رمضان من أثقل الأمور على النفس لا سيما الذي ما تعود الصيام؛ لكن مع الناس في رمضان يصوم وخفيف عليه الصوم، لأنه يرى الناس صائمين فيصوم معهم، فإذا كان يأوي إلى صلاة أتم من صلاته مع الإمام، وارتفعت منزلته عن أن يتهم بأنه لا يصلي، ويقع الناس في عرضه فله ذلك، وكان كثير من السلف يصلي قيام رمضان في آخر الليل وحده.

وعلى كل حال لا يكون هذا ذريعة لترك التراويح؛ لأن بعض الناس ينشط مع الناس لكن إذا جاء في آخر الليل يوتر بأي شيء، والقيام يصدق على أقل شيء، يقول مثل هذا يصلي مع الناس ولا يفرط في مثل هذا الوعد الذي جاء والفضل من الله -جل وعلا- ((أن من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة)) لا يفرط بمثل هذا إلا إذا كان على يقين من أمره أنه يصلي صلاة أكمل منها، ولا يضره أن يصلي مع الإمام مدة يسيرة ما تكلف شيء ثم إذا قام من الليل يزيد ما شاء ((صلاة الليل مثنى مثنى)) ولا عدد محدود كما قررنا واختاره جمع من أهل التحقيق، بل هو قول عامة أهل العلم، ولذا المرجح بصلاة التراويح عند الحنابلة الثلاثة والعشرين، وعند المالكية الستة والثلاثين، وعند غيرهم أربعين، يزيدون وينقصون على أن تكون مثنى مثنى، وإذا خشي الصبح أوتر، إذا صلى إحدى عشرة سلم من كل ركعتين وإذا صلى تسع فقط سرد ثمان، سرد ثمان ركعات ثم جلس وتشهد ثم قام ليأتي بالتاسعة، ثم سلم، وإذا صلى سبع يسرد السبع ولا يجلس إلا في آخرها، وقل مثل هذا في الخمس، والثلاث يجوز أن تسرد بسلام واحد على أن لا تشبه بالمغرب، وإذا صلاها ثلاثاً بسلامين فهو أكمل، والحرمان ظاهر على كثير من الناس والتفريط كبير، وسوف يندم المفرط ولات ساعة مندم؛ لأن هذا وقت الزرع، فإذا فرط الإنسان في هذه العبادة أو فرط في غيرها ولم يبقَ له إلا الفرائض من أين يكمل الخلل الواقع في هذه الفرائض؟ وإذا لم يكن له نصيب من ورد بالليل وقيام وذكر وتلاوة وفي الغالب لا يعان على تكميل الفرائض، نعم جاء في حديث الأعرابي الذي سأل في شرائع الإسلام وأقسم أنه لا يزيد على هذا ولا ينقص وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أفلح إن صدق)) لا يمكن أن يوجب أحد غير ما أوجبه الله -جل وعلا-، ولا يأثم الإنسان بترك السنن؛ لكن هذه السنن تكمل له النقص في الفرائض وتعينه على الإتيان بها؛ لأنه إذا فرط في المستحبات دب إليه العجز عن الواجبات، وقل مثل هذا فيمن استرسل في المباحات فإنه لا يأمن أن يرتكب المكروهات ثم بعد ذلك قد تطلب نفسه المباحات فلا تجدها وقد مرنت عليها، ثم تطلب المكروهات فلا تجدها فيضطر بعد ذلك إلى ارتكاب بعض

المحرمات، ولذا عرف عن كثير من السلف أنهم تركوا -كما قال بعضهم- تسعة أعشار الحلال خشية أن يقعوا في الحرام، فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه إيجاداً وتركاً، فيحرص على إيجاد العبادات المتنوعة، ومن فضل الله -جل وعلا- على هذه الأمة تنوع العبادات؛ لأن كل إنسان يجد من هذه العبادات المتنوعة ما يرتاح له مما يوصله إلى الله -جل وعلا-، وبعض الناس يرتاح إلى الصلاة فلا مانع عنده من أن يصلي في اليوم والليلة مائة ركعة هذا باب فتحه الله له، وهو باب موصل مرضاة الله -جل وعلا-، بعض الناس يرتاح بالبذل في وجوه الخير ويستصعب عليه الصلاة فهذا فتح له باب، بعض الناس يرتاح لصيام الهواجر وقيام الليالي الشاتية هذا فتحت له أبواب وإن وصدت دونه أبواب، من نعم الله -جل وعلا- أن فتح لنا هذه الأبواب المتنوعة يعني لو كانت العبادات باب واحد، الناس لا شك أنه يحرم منها كثير من الناس، يعني بعض الناس مستعد يجلس جلسة واحدة يقرأ عشرة أجزاء، لكن إذا قام يأتي بركعتين أثقل عنده، وبعض الناس عنده استعداد يصلي ليل نهار لكن ما يبذل درهم أو يصوم يوماً. على كل حال على المسلم الذي فتح له باب من أبوا بالخير أن يلزمه على أن يأتي بجميع ما افترض الله عليه ويترك جميع ما حرم الله عليه ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ولكن ((إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) ما في خيار ولا مثنوية؛ لأن المنهي عنه متصور تركه، بينما المأمور به قد يتصور العجز عنه. الفقرة الثالثة في العنوان، في عنوان المحاضرة الاعتكاف:

وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه اعتكف واعتكف أزواجه من بعده، وثبت عنه أنه اعتكف في العشر الأول، وفي العشر الوسطى، وفي العشر الأخيرة من رمضان ثم استقر على ذلك، اعتكافه في العشر الأواخر التماساً لليلة القدر التي جاء فيها الحديث الصحيح في البخاري وغيره من حديث أبي هريرة ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) إيماناً واحتساباً، تصديقاً بوعد الله -جل وعلا- واحتساباً لثوابه لا رياءً ولا سمعة وليلة القدر شأنها عظيم {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [(3) سورة القدر] أكثر من ثمانين سنة ليس فيها ليلة القدر، هذه الليلة شأنها عظيم على المسلم أن يحرص على قيامها، النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا دخلت العشر أحيا ليله، وشد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله، ومفهوم قوله: ((أحيا ليله)) أنه لا ينام في هذه الليالي، وكان -عليه الصلاة والسلام- يخلط العشرين بقيام ونوم؛ لكن إذا دخلت العشر شد المئزر وطوي الفراش وأحيا الليل، مع أنه ما حفظ عنه -عليه الصلاة والسلام- قيام ليلة كاملة اللهم إذا هذه العشر، وهذه العشر هي أفضل ليالي العام؛ لأن فيها ليلة القدر التي شأنها قدرها عظيم عند الله -جل وعلا-، فهي ذات قدر عظيم، أو من يقومها يكون له شأن وقدر عظيم، أو لأنها يقدر فيها ما يكون في أيام العام، المقصود أنها ذات قدر عظيم وشأن من وفق لقيامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن حرم القيام فقد حرم يعني لا أشد من هذا الحرمان، يعني ما يعادل ثلاثة وثمانين سنة ونصف في ليلة واحدة فضل الله عظيم، ولا يحد فضله؛ لكن الحرمان لا نهاية له، بعض الناس يجلس في المسجد ويصلى على الجنازة وهو جالس، أقول: يا أخي لك قيراط قم صلِ مع الناس، قم صلِ على الجنازة، أمثلة واقعية أيها الإخوان ما هي من فراغ، الحرمان لا نهاية له؛ لكن من أعظم الحرمان أن يحرم هذه الليلة العظيمة. ولذا فإن النبي -عليه الصلاة والسلام- يحيي هذه الليالي رجاء أن يصيب وهي تنتقل في ليالي العشر كل سنة في ليلة، ولذا جاءت النصوص الصحيحة مختلفة في هذا الباب.

جاء في الحديث الصحيح المتفق عليه: ((رأيت كأني أسجد في صبيحتها على ماء وطين فوكف المسجد ليلة إحدى وعشرين ورؤي الطين في وجهه -عليه الصلاة والسلام- صبيحة إحدى وعشرين)) ومع ذلك يقول في الحديث الصحيح ((أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر)) فصح الحديث في إحدى وعشرين إذاً هي تنتقل قد تكون ليلة إحدى وعشرين، وقد تكون ليلة ثلاث، والأوتار آكد وأرجى؛ لكن في السبع الأواخر، سابعة تبقى، خامسة تبقى، سابعة تبقى إذا كان الشهر كامل، ليلة أربعة وعشرين وهي المرجحة عند أهل البصرة عند أنس بن مالك والحسن البصري، وكل هذا من أجل إيش؟ أن يجتهد المسلم ويتعرض لنفحات الله -جل وعلا-، ويري الله -جل وعلا- من نفسه خيراً خلال هذه العشر كلها، وإلا المؤيد بالوحي -عليه الصلاة والسلام- بإمكانه أن يحددها بليلة محددة، وإن كان أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يحددها ويبينها نعم فتلاحا رجلان فرفعت، يعني رفع تحديدها. ولذا يخطئ بعض من يشيع من خلال الرسائل أو المكالمات أن ليلة القدر في هذه السنة هي ليلة كذا الحكمة من إخفائها تزول بمثل هذه التصرفات، ولو كانت الحكمة في تحديدها لحددت، حددت من قبل الشارع المؤيد بالوحي، لكن الحكمة من إخفائها كالحكمة من إخفاء ساعة الجمعة من أجل أن يكثر العمل في حياة المسلم. هذه الليالي العشر الذي هي أفضل ليالي العام يحرص الإنسان أن يحفظ نفسه فيها، ويضبط أموره، ولا يفرط في هذه الليالي، فشرع الاعتكاف لحفظ هذه الأيام وحفظ هذه الليالي. والاعتكاف أصله طول المكث والبقاء ولزوم المكان، وهو في الشرع: لزوم مسجد لطاعة الله -عز وجل-.

وهذه الطاعة إنما تكون في الأعمال الخاصة كما كان -عليه الصلاة والسلام- يتخذ حجيرة ويعتزل الناس، وعلى هذا جرى أزواجه وأصحابه من بعد، ولذا أهل العلم قاطبة يعطلون الدروس في هذه الليالي وفي هذه الأيام فلا تجد منهم من يدرس في هذه الليالي وإن كان معتكفاً في المسجد ليخلو بربه ويتعبد بالعبادات الخاصة اللازمة من صلاة وذكر وتلاوة وتفكر وتأمل وتدبر لكلام الله -جل وعلا-، فيعمر هذه الأوقات بطاعة الله -جل وعلا-، خلاف ما يفعله بعض من يعتكف في هذه الأيام التي كثرت فيها وسائل الراحة وصعب على النفوس تركها بعض الناس يكون معتكف؛ لكن ما نصيبه من الصلاة؟ التراويح والرواتب والفرائض ولا أكثر ولا أقل، الاعتكاف، معتكف لأي شيء؟ ما نصيبه من تلاوة القرآن؟ يقرأ جزء جزئين ثم يمل وينام، وإلا يكلم الجوال، بعض الناس عنده تلفون، وبعض الناس يزاول حياته العادية يؤتى له بالصحف والجرائد وقراءته للأخبار، هذا اعتكاف؟ إذا كان أهل العلم يعطلون تعليم القرآن والسنة؛ لأن النفس تحتاج لتربية، القلب يحتاج إلى صلة بالله -جل وعلا-، كيف تقوى هذه الصلة؟ تقوى بمثل هذا، بالانجماع والانكفاف عن الناس والاعتزال وقطع العلائق، بهذا يؤتي الاعتكاف ثماره، والاعتكاف أقل ما يطلق عليه الاعتكاف ما ينصرف إليه المعنى اللغوي وهو: طول المكث في المكان. أما من يقول: إذا دخلت المسجد انوي الاعتكاف ولو لحظة هذا ليس باعتكاف لا لغوي ولا شرعي، هذا ليس اعتكاف، ومع الأسف أن يوجد في بعض الاسطوانات في بعض المساجد التي تلي الباب مباشرة نويت سنة الاعتكاف، ليذكر الداخل، نويت سنة الاعتكاف، هذا اعتكاف هذا؟ أولاً كلمة: نويت هذه بدعة، إذا جئت من بيتك قاصداً بيتاً من بيوت الله -جل وعلا- لتمكث فيه من أجل أن تعبد الله -جل وعلا- هذا اعتكاف؟ ما يحتاج أن تقول: نويت سنة الاعتكاف، هذه من البدع، كما يقولون: نويت الصلاة، نويت الصيام. فالاعتكاف في العشر الأواخر أفضل من غيرها، ولا يصح إلا في مسجد تصلى فيه صلاة الجماعة؛ لئلا يضطر لكثرة الخروج لأداء الصلاة مع الجماعة في المساجد الأخرى، وهذا ينافي مقتضى الاعتكاف.

وهل يشترط أن يكون المسجد جامع لئلا يخرج إلى صلاة الجمعة؟ اشترطه بعضهم، والأكثر على أنه لا مانع من خروجه إلى صلاة الجمعة مرة في الأسبوع، وأن هذا لا يؤثر، فمن اعتكف يلزم المسجد ويشتغل بالعبادات الخاصة، ولا يخرج إلا لما لا بد منه، لحاجة الإنسان، إذا أراد أن ينقض الوضوء أو يتوضأ أو يأكل إذا كان دخول الطعام والشراب ممنوع في المسجد، يخرج لأنه لا بد منه. وخروج بعض الجسد لا يخل بالاعتكاف؛ لأنه ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يخرج رأسه لعائشة وهو في بيتها لترجله، خروج بعض البدن لا يخل بالاعتكاف، وليس معنى هذا أن الإنسان يجلس قرب باب المسجد ويطالع الذاهب والرايح، ويقضي أكثر وقته في هذا ويقول: خروج بعض البدن لا يخل بالاعتكاف، لا أنا أقول: للحاجة. والاعتكاف يصح في جميع المساجد التي تؤدى فيها صلاة الجماعة ولا يختص بالمساجد الثلاثة كما جاء عن حذيفة لأن ابن مسعود -رضي الله عنه- رد عليه {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [(187) سورة البقرة] و (ال) هذه جنسية تشمل جميع المساجد، كونه -عليه الصلاة والسلام- ما اعتكف إلا في مسجده، هذا لا، الأصل أن يعتكف في مسجده، ولا يتصور أن ينتقل إلى بلد آخر ليعتكف به ليبين الجواز، إنما الأصل أن يكون الاعتكاف في المساجد. النساء تعتكف في المساجد أيضاً، تعتكف في المساجد كما اعتكف أزواج النبي -عليه الصلاة والسلام- من بعده في المسجد؛ لكن شريطة أن تؤمن الفتنة، لا تبحث المرأة عن سنة ثم بعد ذلك ترتكب محرمات، وتتعرض لرؤية الرجال الأجانب، أو يفتتن بها من يفتتن، أو هي تفتتن بالرجال، درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فإذا أُمنت الفتنة ووجد مكان في المسجد بحيث لا يستطيع الرجال الوصول إليه وأمنت هذه الفتنة فالنساء شقائق الرجال، كما يستحب في حق النساء يستحب في حق الرجال على ألا تضيع ما هو أوجب من ذلك عليها، المقصود أنه مشروع في حق النساء أيضاً.

أكرر ما ذكرته سابقاً أن على الإنسان أن يحفظ أوقاته ويعمرها بذكر الله -جل وعلا- وتلاوة كتابه والعبادات ويحرص يعني في غير الاعتكاف على النفع العام والخاص، سلف هذه الأمة وثبت عن مالك وغيره أنهم كانوا يعطلون دروسهم، إقراء الحديث يعطل في رمضان، يعطل في رمضان؛ لأن رمضان كما أنه شهر الصيام والقيام هو شهر القرآن {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [(185) سورة البقرة] فعلى طالب العلم أن يحرص على قراءة القرآن، وأن يقرأ منه في كل يوم من أيام رمضان أكبر قدر يستطيع؛ لأن الحسنة بعشرة أمثالها، يعني أقل تقدير الختمة فيها ثلاثة ملايين حسنة هذا أقل تقدير، يعني على ما عرف من خلاف بين أهل العلم في المراد بالحرف، هل هو حرف المبنى أو حرف المعنى؟ لكن ثقتنا بفضل الله -جل وعلا- أن المراد به حرف المبنى لا حرف المعنى، فأقل تقدير في الختمة الواحدة ثلاثة ملايين حسنة يعني إذا جلس الإنسان من صلاة الصبح إلى أن تنتشر الشمس يستطيع أن يقرأ القرآن في سبع، إذا أضاف إلى ذلك الظهر مثلاً يقرأ نصف ساعة، والعصر مثل، يقرأ القرآن في ثلاث من غير تعب، ومن غير تضييع للمصالح، فإذا كانت القراءة على الوجه المأمور به بالتدبر والترتيل ترتبت عليها آثار. شيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: "قراءة القرآن على الوجه المأمور به تورث القلب من اليقين والإيمان والطمأنينة وراحة البال ما لا يدركه إلا من فعله" وابن القيم -رحمه الله- يقول: فتدبر القرآن إن رمت الهدى ... فالعلم تحت تدبر القرآنِ

ولا يعني هذا أن من قرأ من غير تدبر لا أجر له، لا، أجر التدبر والترتيل والاستنباط والعمل قدر زائد على أجر الحروف المرتب على مجرد قراءة الحروف، ((من قرأ القرآن فله بكل حرف حسنة، والحسنة بعشرة أمثالها، لا أقول: آلم حرف؛ ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) فعجب من طالب ينتسب إلى العلم الشرعي وهو يخل في كتاب الله -جل وعلا-، الذي جاء الحث على تعلمه وتعليمه، ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) فإذا كانت الختمة التي لا تكلف شيء، يا إخوان القرآن تمكن قراءته في ست ساعات وتحصل على ثلاثة ملايين حسنة؛ لكن متى؟ أنت تحتاج إلى تمرين، قد تكون في أول الأمر يصعب عليك أن تقرأ في الساعة إلا جزأين؛ لكن مع الوقت تستطيع أن تقرأ في الساعة خمسة أجزاء، ولا يقول قائل: أن هذه القراءة لا تترتب عليها آثاره، عرفنا من يقرأ هذه القراءة ومع ذلكم يبكي وتنحدر الدموع بغزارة من عينيه، فالمسألة مسألة تمرين، ابذل الأسباب والله -جل وعلا- يوفقك، يعني من العلماء الذين أدركتموهم الذين يعملون لدينهم في اليوم والليلة عشرين ساعة، هؤلاء ملائكة الإنسان إذا عمل ساعة يحتاج إلى يوم ليرتاح، هؤلاء الذين عملوا عشرين ساعة باليوم والليلة هم ملائكة؛ لكن ((تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة)) يصير لك تاريخ مع الله -جل وعلا-، ثم تأتي مباشرة تتشبه بهؤلاء وبالسلف تقرأ القرآن مثل قراءتهم؟ لا يمكن، والشواهد على ذلك كثيرة، يجلسون الإخوان بعد صلاة العصر في رمضان يصلون العصر إلى أذان المغرب لكن تجد بينهم بون شاسع في قراءتهم، هذا تعود القراءة، وذل لسانه بالقرآن، فصار يقرأ، والقرآن سهل ميسر، {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} [(22) سورة القمر] لكن هل من مدكر؟ هذا الإشكال، مو المسألة على الفرغة، تقول: هذا متى ما بغيته لقيته، مو بصحيح، فلا بد أن يكون لك نصيب من كتاب الله -جل وعلا- وإذا فرط الإنسان في كتاب الله بماذا يعتني؟ لا سيما طالب العلم، أعرف من طلاب العلم من يقرأ في اليوم عشرة جرائد، ينتهي من الدوام قبيل العصر، ويمسك الجرائد من صلاة العصر إلى منتصف الليل، ماذا جنى هذا؟ وماذا كسب؟ ومع الأسف أن يوجد هذا فيمن ينتسب إلى طلب العلم،

أو إذا صلى العصر وشغل السيارة وهمه يمر فلان وعلان ونبي نطلع، ونبي ننبسط ونستأنس، وطلعات واستراحات، وبعدين، العمر قصير، والأيام خزائن وظروف الساعات والأنفاس لا بد أن تستغل فيما يرضي الله -جل وعلا-، ليسرك عملك يوم القيامة، لما تأتي مفلس ما عندك عمل أصلاً أو عندك عمل تأتي بصلاة وصيام ثم بعد ذلك تكون قد فرقته ووزعته، فتكون مفلساً، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كما في الحديث الصحيح يقول: ((أتدرون من المفلس؟ )) قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع، قال: ((المفلس من يأتي بأعمال)) وفي رواية: ((أمثال الجبال)) نعم على المسلم أن يحرص على كسب الأعمال، كسب الحسنات، لكن أيضاً عليه أن يحافظ على هذه الحسنات، يأتي ضرب هذا شتم هذا أخذ مال هذا، تكلم في عرض هذا، سفك دم هذا، يؤخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته، وهذا من حسناته ثم بعد ذلك إذا فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم وألقيت عليه، ثم النتيجة يلقى في النار؛ لأن هذه حقوق العباد، هذه حقوق العباد مبنية على المشاحة، فكيف من يأتي مفلساً من هذا وهذا، لا عمل عنده ولا سلم الناس من شره، والله المستعان.

فعلينا جميعاً أن ننتبه لأنفسنا، ونحرص أشد الحرص على اكتساب الحسنات وعلى المحافظة على هذه الحسنات، هذه الحسنات وهذه المكتسبات مثل ما ذكرنا القرآن فيه ثلاثة ملايين حسنة بإمكان طالب العلم بالراحة اثنا عشر مليون في الشهر نعم، وهذه محفوظة لا يستطيع أحد أن يأخذ منها حسنة، مدونة ما يمكن أن تنقص، هذا على أقل تقدير، وإلا فالله -جل وعلا- يضاعف لمن يشاء إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثير، جاء في المسند بخبر فيه مقال: إلى ألفي ألف حسنة، يعني هل يتصور أن يقول المسلم: من أين هذه الحسنات؟ كل شيء له نهاية، ما هو صحيح، هذا فضل الله ولا يحد؛ لكن الذي يحرم الإنسان نفسه، يعني إذا كان أدنى أهل الجنة منزلة، آخر من يخرج من النار يقال له: تمنَ، فتنقطع به الأماني ما يدري إيش يقول؟ هو يتمنى الدخول من عند الباب ثم يقال له: أيكفيك ملك أعظم ملك في الدنيا؟ فيقول: إي يا رب، قال: لك ملك أعظم ملك في الدنيا وعشرة أمثاله؛ لكن علينا أن نعمل لأن الصفر لا يقبل الضرب، عليك أن تري الله -جل وعلا- من نفسك خير، ثم الله -جل وعلا- لا يضيع أجر من أحسن عملاً، بل يأخذ هذه الأعمال ويربيها لا سيما الصدقات كما يربي أحكم فلوه، فعلى طالب العلم أن يجتهد في كسب الحسنات، وعليه أيضاً أن يحرص على المحافظة على هذه الحسنات، فلا يجمع الحسنات ويتعب في جمعها، ثم يفرقها لأدنى سبب، ويفرقها على من؟ هل تتصور أن الإنسان يفرق حسناته على أحبابه وأحب الناس إليه؟ لا، العكس يفرقها على أناس لا يحبهم ولا يحبونه، زيادة في النكاية، فالله المستعان. هذا يقول: أنا إمام مسجد فهل لي أن أخفف صلاة التراويح ترغيباً للمأمومين بالصلاة؛ لأنني إذا أطلت ترك بعضهم الصلاة معي، وهل حديث: ((من أمّ قوماً فليخفف)) عام للفرض والنفل أم خاص في الفرض؟

الأصل أنه سيق في الفرض؛ لكن ينبغي ملاحظة المأمومين ومراعاة أحوالهم؛ لأن فيهم السقيم والضعيف وذا الحاجة، تراعى أحوالهم، وتؤلف قلوبهم على العبادة، ويتخولون بها؛ لكن كما قال الشيخ سعد بن عتيق -رحمة الله عليه-: "الحديث ليس فيه حجة للنقارين، ((من أمّ قوماً فليخفف)) هذا ليس فيه حجة للنقارين، ومع الأسف أنه يوجد من الأئمة أنه يكفيه أن يقول الناس: هذا فلان أول من يطلع من المسجد، ويكفيه أن يصلي خلفه عشرة صفوف؛ لأنه أول من ينصرف من الصلاة، هذا ليس بأدب، على الإمام أن يصلي صلاة تؤتي ثمارها وتترتب عليها آثار، وعليه أن يعظ الناس بالقرآن، عليه أن يعظ الناس بالقرآن، ويستحب أهل العلم أن يسمع الناس القرآن كاملاً، العام الماضي شخص انتهى رمضان وهو ما دخل المائدة، خمسة أجزاء، قرأها النبي -عليه الصلاة والسلام- في ركعة، فلا هذا ولا ذاك، لا تمل الناس، ولا تنقر الصلاة، وتذهب لبها وخشوعها، وتضيع أثرها على من جاء ليصلي خلفك؛ لأن القرآن من أعظم ما يوعظ به الناس، فإذا قرأت قراءة تؤثر في الناس ترتبت الآثار على الصلاة، فتوسط في أمرك، لا تمل الناس في التطويل.

إلى وقت قريب أنا صليت وراء إمام الآن هو من كبار أهل العلم قرأ في ليلة خمسة أجزاء، في صلاة التهجد يعني من ثلاثين سنة، قرأ خمسة أجزاء، وهو الشيخ الآن موجود ومن الكبار من الهيئة، خمسة أجزاء، الآن يا الله يقرأون جزأين في صلاة التهجد، ويقول: يملون الناس الصلاة، كم الليالي التي فيها تهجد؟ هي عشر ليالي، لا أكثر ولا أقل، أو تسع، ينبغي أن تستغل مثل هذه، والملاحظ أن الذي يتعامل مع الله -جل وعلا- في القيام هو القلب وليس البدن، ما تقول: هذا شيخ كبير ما يستطيع القيام، وهذا شاب نمسه الليلة نعوده على ونمرنه على طول القيام لا، الذي يتعامل مع الله -جل وعلا- هو القلب، أنا أدركت شيخاً جاز المائة، ويصلي صلاة التهجد خلف شخص قراءته غير مشجعة يعني صوته غير مشجع، فلما صلى في ليلة من الليالي، وقد اعتاد أن يصلي في كل تسليمة بجزء من القرآن خفف في التسليمة الأخيرة لماذا؟ لأنه سمع مسجد يؤذن، والعادة أنه إذا سمع الأذان معناه أن المسجد انتهوا من الصلاة، فظن أنه تأخر، فلما سلم هذا الإمام اتجه إليه هذا الشيخ الكبير باللوم، اسمه عبد الله هذا الإمام، يقول: يا عبد الله لما جاء وقت النزول ضيعت صلاتنا، وتجد الشاب يناظر الساعة وإذا سجد الإمام قال: الحمد لله راح ركعة، وإذا سلم قال: الحمد لله تسليمة انتهينا، ما بقي إلا القليل، وهو شاب يبي يطلع ويقف عند باب المسجد ساعة يسولف، فالذي يتعامل حقيقة القلب، وليس البدن، فعلى الإنسان أن يلاحظ هذه الأمور، والله المستعان. يقول: مراعاة الإمام لاجتماع جماعة في صلاة التراويح لتخفيف الصلاة خشية أن ينفروا حيث ترون أنه هو الأولى أو التطويل والحرص على ختم القرآن في رمضان؟

يحرص على ختم القرآن في رمضان، وكانوا يختمون ثلاث مرات في الشهر، ثلاث مرات يختمون في الشهر، ثم صاروا يختمون مرتين، ثم اقتصروا على مرتين، والآن التخفيف ماله نهاية أيها الإخوان، لا نهاية له التخفيف، يعني يوجد إمام في منطقة لا نحتاج أن نسميها يقرأ آية واحدة في الركعة، آية واحدة في الركعة، انتهى رمضان وهو ما أنهى البقرة، مشكلة هذه، لا شك أن الأمر النبوي مقدم على ((من أمّ الناس فليخفف)) لكن الذي قال: ((أيكم أمّ الناس فليخفف)) قرأ في الفريضة قرأ الطور، وقرأ قاف واقتربت، وقرأ الجمعة والمنافقون، وقرأ آلم السجدة وسورة الإنسان، يعني التخفيف نسبي، ليس معنى التخفيف أنك تنقر الصلاة؛ لكن في المقابل ما جاء من صلاة معاذ تفتتح البقرة في الفريضة لا ((أيكم أم الناس فليخفف)) فالأمور نسبية، ومثل ما قال الشيخ سعد -رحمة الله عليه-: "ليس في الحديث حجة للنقارين" صحيح رحمة الله عليه. يقول: هل الأفضل للإمام أن يختم القرآن في صلاة التراويح، وهل على الإمام أن يراعي حال من خلفه من المأمومين، أم هذا خاص؟ نعم كونه يحرص على أن يسمع الناس القرآن كاملاً هذا نص كثير من أهل العلم على أنه مطلب. يقول: ما صحة لفظ قنوت الوتر في حديث الحسن بن علي الذي رواه الترمذي وغيره "علمني رسول الله كلمات أقولهن في صلاة الوتر" وهل يصح في القنوت حديث أفيدونا؟ أما القنوت، قنوت النوازل فهو في الصحيح، أما قنوت الوتر فجاء فيه حديث الحسن بن علي صححه جمع من أهل العلم منهم النووي وغيره؛ لكنه أقل ما يقال فيه أنه حسن، وعليه عمل الصحابة، على خلاف بينهم هل يقنت في جميع العام، أو في رمضان، أو في النصف الأخير من رمضان. يقول: هل ورد حديث صحيح أو أثر أو نحوه يدل على مشروعية دعاء ختم القرآن؟

أما خارج الصلاة فعند ختم القرآن دعوة مستجابة، وهذا ثابت عن ابن عباس وغيره، وكان أنس يجمع أهله عند ختم القرآن فيدعوا فيؤمنون، هذا خارج الصلاة ما فيه إشكال؛ لكن داخل الصلاة يحتاج إلى نص، ولا أعرف نصاً يخصه، وعمدة الإمام أحمد في مشروعيته بصلاة التراويح قال: "كان أهل مكة يفعلونه" وعلى كل حال لو جعل ختم القرآن في الوتر وصار دعاء القنوت مع دعاء الختم هو مظنة ومكان للدعاء، الوتر مكان للدعاء فيجتمع بهذا ما أراده الإمام أحمد مع تشريعه بكونه في القنوت. يقول: من المعروف فضل من قام مع الإمام فضل صلاة التراويح حتى ينصرف الإمام؛ لكن لو ذهبت إلى البيت هل لي أن أصلي مثنى مثنى، أم أقرأ القرآن وأداوم على الأذكار مع العلم أني أريد أيهما أفضل؟ المسألة افترضت الآن في شخص صلى مع الإمام حتى ينصرف، فإذا ذهب إلى بيته هل يصلي أو يذكر الله أو يقرأ القرآن؟ ينوع، فالذكر جاء من النصوص الكثيرة ما يدل عليه ((سبق المفردون ... الذاكرون الله كثيراً والذاكرات)) {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [(28) سورة الكهف] المقصود أن الذكر شأنه عظيم، وذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- في مقدمة الوابل الصيب أكثر من مائة فائدة للأذكار، والأذكار من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير غراس الجنة، غراس الجنة، عن إبراهيم -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم- أنه قال: ((يا محمد أقرأ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة قيعان، وأن غراسها التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير)) .. أو ما سمعت بأنها القيعان فاغرس **** ما تشاء بذا الزمان الفاني وغراسها التسبيح والتكبير ... والتحميد والتوحيد للرحمنِ

المقصود أن الذكر شأنه عظيم وفضله جزيل ولا يكلف شيء، ولا يكلف المسلم شيء، يعني من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة من ولد إسماعيل، من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، مائة مرة، شوفوا الأجور وما يترتب على مثل هذا الذكر من حرز للإنسان، حرز لكن الحرمان، هذه تقال في عشرة دقائق، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم)) سبحان الله وبحمده مائة مرة، ((من قال في يومه: سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)) هذه كم تحتاج إلى يوم؟ أو تجلس العصر بدقيقة ونصف تقول: سبحان الله وبحمده مائة مرة، تستغفر مائة مرة بدقيقة، تصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام- عشر مرات، وجاء الوعد الثابت تقرأ قل هو الله أحد عشر مرات، كلها ما تحتاج إلى شيء، كل هذه الأمور ما تحتاج من يومك ولا ربع ساعةِ، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يحفظ عنه في المجلس الواحد أكثر من سبعين أنه يستغفر، ويقول -عليه الصلاة والسلام- وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهو أعلم الناس وأخشاهم لله، وأتقاهم يقول: ((إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم أكثر من مائة مرة)) فكيف بنا الذي لا ننفك من مزاولة ما لا يرضي الله -جل وعلا-؟! فعلى الإنسان أن يحرص على الأذكار، وأن يجعل لكتاب الله نصيباً وافراً من يومه، ولا يجعله على الفرغة؛ لأنه إذا تركه وقال: أنا الآن أنا مشغول نتركه في الليل، إذا جاء الليل قال: لعلنا نجمع الوردين في يوم واحد، ما يمشي هذا، إذا ما فرغت للقرآن من سنام الوقت، ما تترك له الفضلة، ما تقرأ القرآن، عرفنا ناس اهتموا بهذا الأمر حتى أن منهم وهو مسافر إذا جاء وقت القراءة لبق السيارة وقرأ، وأنهى حزبه من القرآن وكمل واصل، الدنيا ملحوق عليها، أي شيء نفوته، فتشتغل بأنواع العبادات من الصلاة والذكر والتلاوة وغيرها، وصلة الأرحام أيضاً، ينبغي أن يهتم لها

طالب العلم في هذه الليالي المباركة. يقول: أيهما أفضل للإمام في صلاة التراويح أن يقرأ من المصحف أو عن ظهر قلب إذا كان حفظه ضعيفاً؟ على كل حال الأصل أن يقرأ من حفظه؛ لأن الحنفية يخالفون في حكم القراءة من المصحف، وعائشة -رضي الله عنها- اتخذت إماماً يقرأ من المصحف، والجمهور يقيسون القراءة من المصحف بحمل النبي -عليه الصلاة والسلام- أمامة بنت زينب وهو في الصلاة، فإذا قام حملها، وإذا ركع وضعها، وإذا سجد وضعها، المقصود أن القراءة من المصحف لا شيء فيها؛ لكن الأكمل للإمام أن يقرأ من حفظه إذا كان حفظه ضعيفاً وكثرت أخطاؤه يقرا من المصحف. يقول: يوجد من بعض طلاب العلم من يتقصد الصلاة عند أئمة عرفوا بحسن أصواتهم، ويتركون المساجد التي بجوارهم فما حكم عملهم؟ هذا إذا لم يكن في نفس الإمام الذي بجواره ولا الجماعة جماعة المسجد شيء، وارتفعت منزلته عن أن يتهم بأنه يترك الصلاة مثل هذا كما قال الإمام أحمد: "يتبع الأنفع لقلبه" حديث ابن عباس الذي فيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى الليل خمسة عشر ركعة، هو عد صلى ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين، ست أو سبع ثم أوتر هذا في البخاري. يقول: أنا أقوم أحياناً الليل، ولكن أحياناً لا أحس بلذة العبادة فما الحل؟ هذه مصيبة الجميع، هذه الذي يشترك فيها كثير من الناس، الفرائض التي على الإنسان أن يعنى بها، كثير من الناس لا يخرج منها بشيء، فضلاً عن أن يخرج بالعشر أو بالربع، يدخل في المسجد ويخرج كأنه داخل مقهى، ما يحس بأدنى تحرك للقلب، وسببه التخليط في المكاسب، والإكثار من الفضول، هذا هو السبب، والله المستعان، فعلى الإنسان أن يحرص على تدبر ما يقرأ، ويتفكر، ويحضر قلبه بقدر استطاعته، ويصدق اللجأ إلى الله -جل وعلا- في أن يحيي قلبه. يقول: سمعت أن قيام الليل جماعة في غير رمضان بدعة، فهل يقاس عليه الاعتكاف جماعة في رمضان وكذلك الاجتماع للفطر في غير رمضان؟

القيام في غير رمضان جماعة، قيام الليل في غير رمضان جماعة ليس ببدعة، النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بابن مسعود، صلى بابن عباس في غير رمضان، وصلى بأنس واليتيم والعجوز من ورائهم نافلة في النهار، فالتجميع ليس ببدعة؛ لكن كونه ديدن الإنسان في عمره كله لا يصلي الليل إلا جماعة هذا الذي محل نظر، أما كونه يحصل أحياناً فلا، فهل يقاس عليه الاعتكاف جماعة في رمضان؟ الاعتكاف جماعة إيش معنى جماعة؟ يعني يجتمع عشرة عشرين في غرفة واحدة ويضيعون أوقاتهم، لا، الأصل أن ينزوي الإنسان في زاوية في المسجد، أو يحتجر حجيرة إن تيسر، أو في غرفة مستقلة، فهذا يكون أجمع لقلبه، وأبعد عن الرياء، وأحفظ لوقته؛ لكن إن لم يتيسر إلا غرف يسير يجتمع فيها خمسة ستة على أن يحرصوا على استغلال الوقت، كذلك الاجتماع للفطر في غير رمضان ما فيه شيء ((من فطر صائماً)) يشمل أن يفطر معه على مائدته، وهذا فيه نوع اجتماع، ويشمل أيضاً أن يدفع له فطوراً يفطر عليه في بيته. يقول: ما الدليل على ختم دعاء القرآن داخل الصلاة؟ هذا ما عليه دليل فيما أعلم. يقول: جرت عادة بعض الأئمة في العشر الأواخر من رمضان تقديم تسليمتين لتكون مع صلاة التراويح فهل لهذا العمل أصل في السنة؟

لا أدري ما الذي يجعلهم يصنعون هذا، يصلون خمس تسليمات خفيفة، ثم يصلون تسليمة ثقيلة؛ لأنها تهجد، إيش معنى تهجد؟ إيش الفرق بينها وبين التسليمة التي قبلها؟ لا أعرف له أصلاً، هم يريدون أن يخففوا من صلاة آخر الليل، علماً بأن صلاة آخر الليل مشهودة، وهي أفضل من صلاة أول الليل، فإما أن تقتصر على الصلوات الخفيفة في أول الليل، ثم بعد ذلك تصلي في آخر الليل صلاة ثقيلة مناسبة لوقت النزول، أو تجعل الصلاة كلها ثقيلة، إذا كنت تريد تقول: لا أريد أن أصلي أكثر من إحدى عشر، تصلي ركعتين بعد صلاة الفريضة في أول الليل ثقيلتين، ما هي بتراويح، تصلي تسليمتين، وتترك ثلاث في آخر الليل، أما بهذه الطريقة لا أعرف له أصل، وهو موجود، حتى موجود قبل أربعين أو خمسين سنة، موجود يعني في الرياض وفي القصيم موجود، يقرنون شيء من صلاة التهجد مع التراويح؛ ولكن لا أعرف له أصلاً، ولا أدري ما الفرق بين التسليمة الخامسة والسادسة؟ هذه بخمس دقائق، وهذه بنصف ساعة. يقول: إذا كنت في بيت فأردت قيام الليل وأنا أنام في المجلس فهل الأفضل الجهر بالقراءة أو السر، وكذلك تشغل الإنارة أو تركها مغلقة أفضل؟ إذا كنت لا تحتاج الإنارة وخشيت من إيقاد المصابيح أن يشعر بك أحد، فالأقرب إلى الإخلاص ألا تشعل الإنارة إذا لم تحتج إليها، وكذلك رفع الصوت يكون بين الجهر والسر. يقول: عندما يبدأ الإمام بالدعاء، هو يبدأ بتمجيد الله وتحميده والثناء عليه، ما يفعل المأموم يرفع يديه ويسبح مع كل تحميدة وثناء؟ رفع اليدين للدعاء، إذا شرع الإمام للدعاء يرفع يديه. يقول: هل يبدأ بحمد الله أو بما جاء في حديث الحسن؟ حديث الحسن يدخل مع أدعية القنوت، وليس بتوقيفي القنوت، دعاء ومحله من الصلاة في الوتر، أو في الفرائض عند النوازل، وليس فيه حد معين بحيث يتعبد به، فيطلب ما يحتاج إليه الخاص والعام. يقول: هل من ترك قيام بعض الليالي مثل من سافر بعض الليالي ولم يستطع القيام هل له الفضل الوارد في قوله: ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه))؟

على كل حال من سافر وله عمل يعمله في الحضر، يكتب له ما كان يعمله مقيماً، وكذلك إذا مرض؛ لكن في مثل هذه الليالي لا يفرط في العمل الصالح ولو كان مسافراً. يقول: يوجد مسجد خارج حارتنا ويبعد حوالي عشر دقائق بالسيارة وإمامه حسن الصوت ويطيل في قيامه ومناسب لي جداً لحصولي فوائد عظيمة كالخشوع وتدبر القرآن فهل ذهابي جائز؟ جائز، وهو الأنفع لقلبك، على أن تشعر الإمام أنك ما تركته زهداً فيه ولا كراهة لشيء من أفعاله، إمام مسجدك القريب منك، لتستمر المودة والمحبة التي من أجلها شرعت الجماعة. يقول: هل أفضل صلاة التراويح مع الإمام أول الليل أو تأخيرها آخر الليل في البيت؟ هذا سبق الحديث عنه. يقول: انتشرت في هذه الأزمان عند بعض الشباب تتبع الأصوات الحسنة للأئمة مما أدى إلى تطريب بعض الأئمة لأصواتهم وتلحينها تلحيناً يشبه الأناشيد؟ على كل حال التطريب ممنوع، وجُرح المنهال بن عمر لكونه يقرأ القرآن بالتلحين، ليس معنى التلحين أنه يغني، لا، لكن يمد بعض المدود الزائدة، وهذا أمر مخترع ومبتدع؛ لكن تزيين الصوت بالقرآن مطلوب وجاء فيه: ((زينوا القرآن بأصواتكم)) ((ليس منا من لم يتغنَ بالقرآن)) ((ما أذن الله بشيء ما أذن لنبي تغنى بالقرآن)) المقصود أن تحسين الصوت مطلوب. وقد يقول قائل: إذا تأثرت من تحسين الصوت ولم أتأثر بالقراءة نفسها من إمام أقل منه صوتاً، فأنا ما تأثرت بالقرآن، أنا تأثرت بالصوت، نقول: لا يا أخي، أنت تأثرت بالقرآن المؤدى بهذا الصوت، وهذه مسألة تشكل على كثير من الناس، يقول: أنا أسمع سورة الواقعة من فلان ما كأنها قرآن، ولا أتأثر، وأسمعها من فلان فأتأثر، نقول: أنت ما تأثرت بالصوت، تأثرت بالقرآن المؤدى بهذا الصوت، ولذا أمرنا بتزيين الصوت بالقرآن. يقول: ما رأيك من تتبع الأصوات خلال صلاة التراويح والقيام، والذهاب إلى المساجد البعيدة، ولذلك هل صحيح عشق الأصوات مثل عشق الصور، ومن يتعبد بها فقد شابه المتصوفة؟

نقول: تزيين القرآن بالصوت بما لا يخرج القرآن عن حقيقته، أما إذا أدى ذلك إلى إخراج القرآن عن حقيقته أو حصل منه زيادة في الحروف، بعض الناس يجلب من هذه المحدثات التي الأصل عدمها في العبادات يعني مكبرات الصوت، يجلب منها وهي على كل حال محدثة، والأصل عدمها، فإذا قامت الحاجة الداعية لذلك لا مانع من استعمالها، وهو المفتى به والمعمول به؛ لكن تبقى أن الحاجة تقدر بقدرها، يأتي إمام خلفه خمسة أشخاص ويأتي بمكبرات بعشرات الألوف، أو يأتي بمؤثرات صوتيه تردد ورائه، هذا لا يليق أبداً بالصلاة، هذا تلاعب. يقول: هل الأفضل قراءة القرآن السريعة في رمضان، أم القراءة المتأنية المتدبرة مع قراءة التفسير لما يشكل؟ هذا يقصد في خارج الصلاة، يختلف أهل العلم في كثرة المقروء مع السرعة في القراءة، أو قلة المقروء مع التأني في القراءة والتدبر؛ هذه مسألة خلافية بين أهل العلم؛ لكن المسألة مفترضة -يا إخوان- فيمن أراد أن يقرأ ساعة، هل يقرأ خمسة أجزاء أو يقرأ جزأين؟ أيهما أفضل؟ هذا محل الخلاف، ما هو بالخلاف في شخص يريد أن يقرأ خمسة أجزاء هز وإلا ترتيل؟ هذا ما فيه خلاف، الترتيل أفضل إجماع، ومع ذلك فالجمهور على أن الترتيل والتدبر أفضل من مجرد الهذ. نعم أجر الحروف في الهذ أكثر؛ لأن الأجر مرتب على كثرة الحروف؛ لكن أجر التدبر والترتيل أعظم، يمثل ابن القيم هذا الكلام بمن أهدى درة واحدة قيمتها مرتفعة جداً واحدة، هذا ختم مرة بالتدبر والترتيل، ومن أهدى عشر درر قيمة هذه العشر أقل من هذه الدرة، وعلى كل حال كل على خير، والأفضل التدبر والترتيل ولو قل المقروء؛ لكن المسألة مسألة تعود؛ لأن الإنسان إذا تعود على الهذ يصعب عليه أن يترسل، فعلى الإنسان أن يقرأ على الوجه المأمور به من أول الأمر، وإذا كان في الأوقات الفاضلة والأماكن، أماكن المضاعفات، وأراد أن يكسب أكبر قدر من الحسنات، فله ذلك وكثير من السلف يفعله، أثر عنهم أنهم يختمون كل يوم، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

القرآن في شهر رمضان

القرآن في شهر رمضان الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد قال -جلا وعلا-: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً} ماذا يرجون؟ {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} [(29) سورة فاطر] يرجون تجارة لا يسطو عليها لص ولا سارق، ولا يخاف عليها من كساد، إنما هي رابحة لن تبور {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ} [(30) سورة فاطر] تجارة رابحة -أيها الإخوان- لو حسبنا القرآن الكريم الذي جاء الترغيب في قراءته، وأن لكل حرفٍ عشر حسنات، يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)) والقرآن على الخلاف بين أهل العلم في المراد بالحرف، هل المراد به حرف المبنى، أو حرف المعنى، فالأكثر على أن المراد به حرف المبنى، وذلك اللائق بفضل الله -جل وعلا-، وعلى هذا فالقرآن بالحسابات العادية التجارية، الحرف بعشر حسنات، وهو أكثر من ثلاثمائة ألف حرف، حرف المبنى، إذاً الختمة الواحدة كفيلة بتحصيل ثلاثة ملايين حسنة، هذا على أقل تقدير، والله يضاعف لمن يشاء، إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، حتى جاء في المسند أن الله -جل وعلا- يضاعف لبعض عباده الحسنة إلى ألفي ألف حسنة، مليوني حسنة، والحديث فيه مقال، لا يسلم من ضعف؛ لكن فضل الله لا يحد. وعلى القول الثاني: وهو أن المراد بالحرف حرف المعنى، يكون عدد حروف القرآن حروف المعاني، يعني كلمات القرآن، تزيد على سبعين ألف يعني الربع، على هذا تكون الختمة الواحدة فيها سبعمائة ألف حرف، شيخ الإسلام ابن تيمية يرجح القول الثاني؛ لكن ثقتنا بفضل الله -جل وعلا- أعظم من ثقتنا بعلم شيخ الإسلام -رحمه الله-، فالمرجح أن المراد بالحرف حرف المبنى، وهذا هو اللائق بفضل الله -جل وعلا- وكرمه، فإذا قلنا: {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} [(29) سورة فاطر] أقل ما يقال في الختمة الواحدة: ثلاثة ملايين حسنة.

وجاء الحث على قراءة القرآن، وتعلم القرآن، وتعليم القرآن، وتدبر القرآن، وفهم القرآن، والعمل بالقرآن، النصوص في ذلك كثيرة جداً، ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) ((لا حسد إلا في اثنتين)) (لا حسد) يعني لا غبطة ((إلا في اثنتين: رجلٌ آتاه الله القرآن فهو يقوم به)) يعني يتعلمه ويعلمه، تعلم هذا الكتاب العظيم، ولذا يغبط كثيرٌ من الناس من إذا تخرج واصل الدراسة، وهذا مع النية الصالحة لا شك أنه مغبوط، يصرف وقته فيما ينفعه؛ لكن الحسد الحقيقي والغبطة الحقيقية إنما تكون في هذين الأمرين، ولذا قال في الحديث الصحيح: ((لا حسد إلا في اثنتين)) وجاء في الحديث الصحيح: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) تعلم القرآن، وتعليم القرآن، وأهل القرآن هم أهل الله وخاصته، يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "أهل القرآن هم العاملون به، العالمون به، المعلمون له" حتى قال: "ولو لم يحفظوه" يعني بعض الناس يصل إلى حد قارب من اليأس من حفظ القرآن؛ لأنه فرط في أول الأمر، ثم كثرت مشاغله، فعليه أن يعنى بكتاب الله، قراءة وإقراءً وتدبراً، التدبر له شأن عظيم، وإن كان تحصيل أجر الحروف يحصل ولو لم يتدبر الإنسان، ولو قرأ القرآن هذاً، يحصل أجر الحروف؛ لكن القراءة على الوجه المأمور به أفضل عند جمهور أهل العلم، وإن قلت الحروف، قراءة الهذّ تحصل أجر الحروف، والدليل على ذلك ما في مسند الدارمي بإسناد حسن: ((يقال لقاري القرآن: اقرأ واصعد في درج الجنة وغرفها، فهو في صعود ما دام يقرأ هذّاً كان أو ترتيلاً)) فدل على أن قراءة الهذّ شرعية، إلا أنها دون قراءة الترتيل المأمور به {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [(4) سورة المزمل]، وجاء الأمر بتدبر القرآن، والحث عليه في أربع آيات: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [(82) سورة النساء]، {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [(24) سورة محمد]، {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [(29) سورة ص].

المقصود أن التدبر أجره قدرٌ زائد على مجرد أجر تحصل الحروف، والقراءة على الوجه المأمور به، كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: "تورث من العلم والعمل واليقين والطمأنينة والإيمان ما لا يدركه إلا من فعله" فلا شك أن القراءة بالتدبر والترتيل عند عامة أهل العلم أفضل من قراءة الهذّ، ولو كانت أقل في عدد الحروف؛ لأنه وإن كانت قراءة الهذّ محصلة لأجر الحروف، إلا أن كون العمل يأتي على مراد الله -جل وعلا- يفوق ما جاء مما رتب عليه الأجر الكبير أضعاف مضاعفة. ألا ترى أن الذي أصاب السنة أفضل بمراحل ممن له الأجر مرتين: ((والذي يقرأ القرآن وهو يتتعتع فيه له أجران)) له أجر القراءة، وأجر المشقة، ((والماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة)) فلا يستوي أجر عُدَّ وحسب على ما عند الله -جل وعلا- مما يوافق مراده -عز وجل-، هذا من جهة فإذا افترضنا أن شخصاً قال: أريد أن أجيد في ساعة، هل أقرأ في هذه الساعة خمسة أجزاء أو أقرأ جزئين؟ نقول له: إن كنت تريد مجرد أجر الحروف فاقرأ الخمسة، وهو مرجحٌ عند الإمام الشافعي، وإن كنت تريد ما هو أعظم من ذلك لتحقق الهدف الذي من أجله أنزل القرآن فاقرأ جزئين، وأجرك أعظم عند جمهور أهل العلم. ونحن مقبلون على شهرٍ عظيم مبارك، هو شهر القرآن {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [(185) سورة البقرة] هو شهر القرآن عند أهل العلم، ولذا إذا دخل رمضان أقبل كثيرٌ من السلف على كتاب الله -عز وجل-، وتركوا أعمالهم، وارتباطاتهم الخاصة والعامة؛ لينكبوا على كتاب الله -جل وعلا-. وذكر في سيرهم شيءٌ هو في عداد كثيرٍ من طلاب العلم مع الأسف الشديد ضربٌ من الخيال، أو من الأساطير، حتى كان بعضهم يختم القرآن في يوم، وبعضهم مرة في النهار، ومرة في الليل، وهذا ثابت عن بعض الصحابة، وهو كثيرٌ في التابعين ومن بعدهم.

قد يقول قائل: النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لعبد الله بن عمرو: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) يعني لو قرأ القرآن في أقل من سبع زاد وخالف، وجاء في الحديث الذي في السنن وهو صحيح: ((لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)) هذه النصوص أولاً حديث عبد الله بن عمرو جاء ليعالج مشكلة، وهي أن عبد الله بن عمرو كان مندفعاً؛ ليفرغ نفسه للعبادة ليقوم الليل فلا ينام، ويصوم النهار فلا يفطر، ويقرأ القرآن في كل لحظةٍ من لحظاته، فمثل هذا المندفع يعالج بالتخفيف، ولذا جاء العرض عليه بأن يقرأ القرآن في كل شهرٍ مرة، في كل شهرٍ مرتين، ثم قيل له: ((اقرأ القرآن في سبع ولا تزد)) فمثل هذا علاج لبعض المندفعين، يبدأ بالأخف الأخف؛ لكن لو جاء شخص مفرط معرض إذا قيل له: اقرأ القرآن في كل يوم وعسى أن يقرأه في كل شهر، فمثل هذا يورد له من أعمال السلف ما ثبت عنهم عله أن يندفع لقراءة القرآن، عله أن تشحذ الهمة لقراءة كتاب الله -عز وجل-. أما حديث: ((لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث)) فهو محمول عند أهل العلم على من كان ديدنه ذلك، أما من استغل المواسم الزمانية والمكانية فلا يدخل في هذا، على أن ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو يحمله أهل العلم على أنه للرفق به، وما جاء بالرفق بالشخص فإنه لا يدل على ظاهره من الأمر، بل يحمل على حاله وحال من يشبهه كمن ذكره من المندفعين. القرآن هو كلام الله الذي لا يشبع منه طالب العلم، وفيه الأعاجيب، لا تنقضي عجائبه، عجباً لهذا الكلام الذي يردد في كل يومٍ عند بعض الناس، وفي كل ثلاث وفي كل سبع عند كثير، ويقرأه الإنسان في كل وقت ولا يمله، بينما لو ردد كلام البشر مرتين أو ثلاث لن يطيق أكثر من ذلك، فالقرآن كما ذكرنا كلام الله -جل وعلا-، وفضله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، فعلينا أن نعنى بكتاب الله -جل وعلا- في كل وقت، وقراءة القرآن في سبع لا تكلف شيئاً، من جلس بعد صلاة الصبح حتى تنتشر الشمس في كل يوم قرأ القرآن بسبع ولم يحتاج إلى المزيد على ذلك.

من المتقدمين من يقرأ -معروف عند أهل العلم- من يقرأ قراءة الهذّ لتحصيل الحروف ويكثر من ذلك ويجعل له ختمة تدبر، يفيد منها في قلبه وفي علمه وفي عمله. فتدبر القرآن إن رمت الهدى ... فالعلم تحت تدبر القرآنِ لكن لو خصص الإنسان ساعة بعد صلاة الصبح ونصف ساعة بعد صلاة العصر، وهذا الوقت لا يعيقه عن شيءٍ من أمور دينه ودنياه، كفيلٌ أن يقرأ القرآن بسبع بالتدبر المناسب، لو زاد نص ساعة زاد الأمر تدبراً وتفكراً وإفادةً. وعلى طالب العلم أن يقرأ ما يعينه على فهم كلام الله -جل وعلا-، من كلام أهل العلم الموثوقين حول القرآن، من التفاسير المختصرة، ويغني من ذلك تفسير الشيخ ابن سعدي أو تفسير الشيخ فيصل بن مبارك، أما من يريد أن يقرأ ويفيد من جميع أنواع علوم القرآن، ويمكنه أن يستنبط من القرآن فعليه بالمطولات، والتفاسير الموثوقة موجودة، ولله الحمد.

المقصود أن طالب العلم يعجب من حاله إذا زهد بكتاب الله، مع الأسف الشديد أن بعضهم لا يفتح القرآن إلا في رمضان، أو إن تيسر له أن يحضر إلى الصلاة قبل الإقامة بخمس أو عشر دقائق فتح القرآن، بل الأعجب من ذلك من يتعجب ممن يقرأ القرآن، يأتي طالب ينتسب إلى العلم لبعض المشايخ ويقول له: إنه يريد أن يقرأ عليه كتاب في العلم في الحديث أو في الفقه أو في العقيدة أو في غيرها من التخصصات الشرعية التي تعينه في سيره إلى الله والدار الآخرة، ثم يجد الشيخ يقرأ القرآن في المسجد، فيعتذر الشيخ بأنه مشغول، فيتعجب الطالب كيف يقول: مشغول وهو جالس يقرأ قرآن؟ هذا كلام له دلالته، دلالة خطيرة، كأن بعض طلاب العلم ليس في قاموسهم وفي ترتيبهم نصيب من كتاب الله -عز وجل-، وهذه سمعت ما هو بكلام افتراضي، هذا كلام مسموع، وملاحظ ومشاهد، نعم الإقبال على الحفظ موجود، والحفظة فيهم كثرة -ولله الحمد- أكثر من ذي قبل، كما جاء في الحديث الصحيح: ((يكثر العلم ويقل العمل)) ولذا نجد آثار ذلك ظاهرة من وجود الجفاء عند كثيرٍ ممن يطلب العلم لا سيما ممن لم يتمكن العلم إلى قلبه، ولذا تجد نصيب الكبير منهم في القيل والقال، أخطأ فلان، زل فلان، أفتى فلان، قال فلان، وهل جعلك الله حكماً بين العباد؟! مثل هذا في الغالب أنه لا يفلح، وفي الغالب أن يحرم بركة العلم والعمل، كما نص على ذلك ابن عبد البر وغيره. فالمقصود أن على طالب العلم أن يلزم خاصة نفسه، وأن يحرص على ما ينفعه من كسب الحسنات ودرء وترك السيئات، ويحافظ على ما اكتسبه، ولا يأتي مفلساً يوم القيامة، يأتي بأعمالٍ أمثال الجبال، ثم يفرقها بين فلان وعلان، يأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وسرق مال هذا، وقذف هذا، ثم يأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته إلى آخره في الحديث المعروف في حديث المفلس.

مع الأسف أنه يوجد في صفوف طلاب العلم من هذه صفته، فاكهتهم الأعراض، لا سيما أعراض أهل العلم، هم يفترضون في أهل العلم العصمة، ولا عصمة لأحد، كلٌ يخطئ، وكلٌ يؤخذ من قوله ويرد، إلا النبي -عليه الصلاة والسلام- المعصوم، وما عدا ذلك يخطئ، إذا كنت بالفعل مشفق على صاحبك الذي أخطأ امنحه النصيحة، اكتب له، قابله، ناقشه إلى غير ذلك، وإلا فالتعريض فيه لا يغني عن التصريح لا سيما إذا خشي الضرر من انتشار هذه الفتوى التي هي خلاف الصواب، فلا مانع أن يقال: من غير تسمية، بعض الناس يفتي بكذا، والمرجح عند أهل العلم كذا، حتى لا ينسب إلى نفسه شيء وهو ما زال صغيراً، والله المستعان، ولا أريد أن أطيل عليكم، وكلكم يعرف مثل هذا الكلام؛ لكن الشيخ -حفظه الله- طلب هذه الكلمة المختصرة عن كتاب الله، وإلا كلكم يعرف مثل هذا الكلام، والله المستعان، لكن إذا كان هناك أسئلة؟ يقول: هل يجوز للمسلمة الكلام مع زوج أختها بتوسع، بمعنى أنها تتناقش معه بقضية معينة، أو يدور بينهما حوار جاد، أو أستشيره في أمر، واعتباره مقرباً منا، ويفهم مشاكلنا، فهل هذا التوسع في الحديث مع زوج الأخت لا شيء فيه، وطبعاً بدون خضوع أو ضحك ومن وراء حجاب، أي مراعاة للضوابط الشرعية المعروفة، وقد يحدث مثل ذلك على الماسنجر، أو عبر شبكة الإنترنت؟ أرجو الإيضاح، جزاكم الله خيراً.

زوج الأخت ليس محرماً لأخت زوجته، فالأصل أن لا يراها ولا تراه؛ لكن إذا أمنت الفتنة، وقامت الحاجة، إذا أمنت الفتنة، ودعت الحاجة إلى ذلك، وكان الكلام بقدر الحاجة، ولا خضوع فيه، فلا بأس -إن شاء الله تعالى-؛ لكن لا بد من أمنِ الفتنة مع عدم الاسترسال؛ لأن مثل هذا قد يكون في أول الأمر تؤمن الفتنة؛ لكن مع الاسترسال والأخذ والرد يقع في قلبه شيء، لا سيما إذا كان ممن في قلبه شيء من المرض، ولم يخلُ إلا القليل النادر في هذا الزمان لا سيما مع الوسائل -وسائل الشر- التي وجدت بين المسلمين، مما زادت من أمراض القلوب، لا سيما فيما يتعلق فيه بالنساء، وصور مرئية ومسموعة ومقروءة، وأمور يعني لا تخطر على بال، فمن الخير كل الخير أن لا ترى المرأة رجال ولا يرونها هذا من جهة، وأن لا تكلم الرجال إلا بقدر الضرورة، ولو كتبت هذه المشكلة وأعطيت الأخت ليقرأها زوجها ويجيب عنها كان محققاً للهدف من غير ترتب أي محظور، والله المستعان؛ لكن يبقى إذا أمنت الفتنة، ودعت الحاجة، والكلام بقدر الحاجة من غير خضوع فلا شيء في ذلك -إن شاء الله تعالى-. أثابكم الله، السؤال الثاني يقول: فضيلة الشيخ -أحسن الله إليك- ما الفرق بين حرف المعنى والمبنى وجزاكم الله خيراً؟

حروف المبنى التي هي حروف التهجي ألف باء تاء ثاء ... إلى آخره، التي تبنى منها الكلمات، حروف المعاني يقصد منها الكلمات التي تحمل المعاني، ولا يقصد بها الحرف الاصطلاحي الذي لا يصلح مع دليلُ الاسم ولا دليل الفعل، بل هو أعم من ذلك، الاسم حرف والفعل حرف، والحرف الاصطلاحي حرف، فمثلاً: هل (الم) مثل (ألم)؟ {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ} [(2) سورة البقرة] مثل: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [(1) سورة الفيل]؟ هل هذه مثل هذه؟ يعني على أي شيء بين (الم) و (ألم)؟ لا، ومع ذلكم (ألم) ثلاثة حروف على القول المرجح عند جمهور أهل العلم؛ لأنه يصدق عليه أنه حرف، الهمزة حرف لغةً واصطلاحاً وعرفاً، ومثله اللام والميم يعني إذا قلنا: أن المراد به حرف المعنى قلنا: (ألم) هذه كم؟ حرف وإلا حرفين؟ حرفين، الهمزة في المثال حرف معنى، و (لم) حرف معنى أيضاًَ، فهما حرفان بدلاً من أن تقول:. . . . . . . . . حرف. أثابكم الله، وهذا سؤال أيضاً عبر الشبكة المذكورة يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أرجو التفضل بالإجابة على سؤالي وهو: أن زوج أختي عندما كان صغيراً فتح له أبوه حساباً في البنك باسمي، وذلك في أحد الدول الأوروبية، وعندما كبر ووجد طبعاً في حسابه طبعاً مبلغاً كبيراً من الربا فاحتار أن يضع هذا المال الحرام بالنسبة ... فقيل له: إن هذا المال حرامٌ عليك وحلالاٌ على غيرك، فقرر إعطاء هذا المال لأخي حتى يبدأ به حياته، وأخي غير متزوج مع العلم أننا -والحمد لله- لسنا فقراء، وغير محتاجين، لكن قلت في نفسي: إن هذا المال المفروض إعطاءه للفقراء بنية التخلص منه، لا بنية الصدقة، سؤالي هل أخذ أخي لهذا المال حلالٌ له، وهل هذه القاعدة صحيحة بأنه حرامٌ على زوج أختي وحلالٌ على غيره.

الفوائد الناتجة عن الربا بالصور المحرمة لا شك أنه سحت، وخبيث وحرام، لا يجوز استعماله، ولا يجوز الإنفاق منه في سبيل الله إلا على سبيل التخلص منه؛ لأنه خبيث، والله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً، وجاء في كسب الحجام أنه خبيث ((أطعمه ناضحك)) فإن أعطي وأطعم ما لا يعقل، أو صرف في المصارف الخبيثة كدورات المياه، وما أشبه ذلك فلا بأس حينئذٍ بنية التخلص، أما كونه يأخذه شخص ليأكله ويستفيد منه، ويبني عليه جسمه وجسده وجسد من يعول، فهذا ليس بصحيح، إنما يتخلص منه للمصارف الدنيئة، ولا يدخل هذا في عموم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أن الأموال التي فيها الشبهة تسدد منها الديون، هذه ليست شبهات، هذه محرمات صريحة، مقطوع بها، فلا يقال: هذه من الشبهات التي ذكرها شيخ الإسلام، فإذا تاب المرابي فليس له من المال إلا رأس المال، على خلافٍ في رأس المال هل المراد به في أول دخوله هذه التجارة، أو المراد به عند التوبة، قولان لأهل العلم، والجمهور على أنه عند دخوله في التجارة، فإذا افترضنا أن شخصاً زاول تجارة الربا الصريح بمبلغ ألف ريال، ثم استمر على ذلك عشر سنوات، فنظر في الحساب فإذا فيه مليون ريال، الحساب فيه مليون ريال، وفيه مائة ألف في الذمم، ما استلمت، هل رأس المال الألف أو المليون؟ على قولين: فالأكثر على أن رأس المال الألف وما زاد على ذلك يجب أن يتخلص منه، {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} [(279) سورة البقرة] والآية محتملة {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ} التي دخلتم بها التجارة، {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ} وقت التوبة، والتوبة تجب ما قبلها، والقول الثاني: راجحٌ من حيث النظر؛ لأن فيه الحث على التوبة، والإعانة على التوبة، وإن كان القول غير قول الجمهور، وهو المعتمد والمفتى به؛ لكن الثاني له وجهٌ من النظر؛ لأنه يحث على التوبة، ويعين عليها، فإذا كان الإنسان عنده من الأموال مليون ريال، وعند الناس له من جراء الربا مائة ألف لا يجوز لا أن يستوفي منه شيئاً؛ لكن المليون هو رأس ماله الآن وقت التوبة، والفوائد التي لم يقبضها ليست

له، هذا على القول الثاني، ويرجح من حيث النظر بأنه فيه إعانة على التوبة، والكافر إذا أسلم لا يؤمر بقضاء ما فاته من العبادات ترغيباً له في الإسلام، فإذا أسلم مَن عمره سبعون سنة فقيل له: عليك أن تقضي صلوات خمسة وخمسين سنة، وصيام خمسة وخمسين سنة، احتمال أن يقول أيش؟ هذه مشقة عليه، فلا يتشجع للدخول في الإسلام، ومثل هذا الذي دخل التجارة بألف، ثم زاول التجارة بهذه المهنة الخبيثة المتفق على خبثها، ثم قيل له بعد عشر سنوات: مالك إلا هذا الألف، وما عدا ذلك لا يجوز لك أن تأخذه، احتمال أن يقول: ننتظر ما نتوب الآن، ويسوف حتى يبغته الأجل؛ لكن إذا أعين على التوبة بأن يقال له: لك رأس مالك الآن والتوبة تهدم ما كان قبلها، والآية محتملة، صار ذلك سبباً في استقامة حاله، وانشراح صدره للتوبة، وأسلوب يستعمله شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقول: "ومن المحال في العقل والدين" ثم يورد ما يرده -رحمه الله تعالى-. ولقائلٍ يقول: ومن المحال في العقل والدين أن يحث الله -جل وعلا- على التوبة، ويحب التوابين، ويفرح بتوبة العبد، ويصد من أراد التوبة عنها؛ لأنه وجد من دخل التجارة بعشرين ريال، وتاب عن مائتي مليار، لا شك أن المسألة حظ النفس قد يسد، من يقوى على مثل هذا، من يستطيع مثل هذا، على كل حال المسألة قابلة للنظر، والقول المعتمد عند أهل العلم هو الأول، وهو قول الجمهور، وأنه ليس له من ماله إلا ما دخل به التجارة، وما زاد على ذلك ليس له؛ لكن هذه عرض للقول الآخر، وله عندي حظٌ من النظر. أثابكم الله، وهذا سؤال من أحد الإخوة الحضور: يسأل عن حدود الوسطية ومفهومها، يقول: لأن من الناس من يذم التمييع والتساهل، ويهرب طالباً الوسطية، وإذا هو يسقط مع الجانب الآخر، وهو جانب التنطع والغلو التشدد، ومنهم بالعكس من يهم التنطع والغلو، ويهرب طالباً الوسطية، ثم يسقط مع الجانب التسهيل والتيسير، كما يذكر، فما حدود الوسطية ومفهومها؟

الوسطية هي سمة هذا الدين، وهي سمة أهل السنة والجماعة، فالدين وسط بين الأديان، وأهل السنة والجماعة وسط بين المذاهب، وشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- أبدع في تقرير مذهب أهل السنة والجماعة في الواسطية، حينما شرح طرفي النقيض في كل مسألة من مسائل الاعتقاد، ثم قال: وأهل السنة وسط في ذلك في باب كذا بين كذا وكذا، وأهل السنة وسط في ذلك في باب كذا بين كذا وكذا ... إلى آخره. فالوسط هو أن تتقي الله -جل وعلا-، وتسأله الإعانة والتوفيق والتسديد، وأن تعمل الواجبات وتترك المحرمات، إذا أمرت بشيء فبادر إلى العمل به، وإذا نهيت عن شيء فبادر إلى الانتهاء عنه ((إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) والدين يسر ((ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)) ((يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا)) فالمقصود أن دين الله وسط بين الغالي والجافي، لا شك أن التكاليف تكاليف، وهي إلزامٌ فيه كلفة على النفس، الواجبات فيها كلفة على النفس، ترك المحرمات ورغبات النفوس فيها كلفة على النفس، لا يعني أن الدين وسط وأنه يسر أن نتفلت من الواجبات، ونرتكب المحرمات، والدين يسر، لا يا أخي، الله -جل وعلا- الذي قال: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [(156) سورة الأعراف] هو شديد العقاب أيضاً، فأنت مأمورٌ منهي، فعليك أن تأتمر بقدر طوقك واستطاعتك {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [(7) سورة الطلاق] لكن أيضاً عليك أن تنتهي، فالجنة حفت بالمكاره؛ لأن بعض الناس يستغل مثل هذه النصوص على التنصل من الدين بالكلية، وهذا المسلك سلكه بعض المبتدعة إلى أن وصلوا إلى حدٍ تزندقوا، خرجوا من الدين بالكلية. فالدين عبارة عن أوامر ونواهي، والجنة حفت بالمكاره، فأنت استفتي قلبك، إذا عرض عليك أمر فإن كنت من أهل النظر والاستدلال وعندك من الدليل ما يدعوك إلى الأقدام عليه فأقدم، ما يدعوك عن الإحجام عنه فأحجم، إذا لم تكن من أهل النظر ففرضك التقليد، وسؤال أهل العلم، فاسأل من تبرأ الذمة بتقليده، اسأل أهل العلم اسأل أهل الدين، اسأل أهل الورع.

وليس في فتواه مفتي متبع ... ما لم يضف للعلم والدين الورع فالمسألة دائرة بين أمرين، والناس اثنان: أحدهما: صاحب علم ونظر مثل هذا فرضه النظر، ينظر في النصوص على أنها دين لا على أنها اتباع شهوات؛ لأن بعض الناس ينظر في المذاهب لا ينظر في النصوص، ويقول النبي -عليه الصلاة السلام-: ((ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما)) أبو حنيفة يقول كذا ومالك يقول كذا، إذاً أبو حنيفة أسهل أو مالك أسهل، الإمام مالك معتبر مالك نجم السنن، أبو حنيفة الإمام الأعظم كلهم أئمة كلهم على العين والرأس؛ لكن أيش معنى هذا؟ هذا أنك تتبع هواك ما تتبع الدين، انظر في أدلة هؤلاء وهؤلاء ثم إذا ترجح عندك فاعمل بما تدين الله به، واترك عنك بنية الطريق، ولو كثر الكلام، ولو كثر الطنطنة، ولو كثر من يخرج إلى القنوات، ويقلل من شأن الدين والمتدينين، ويريد أن يخرج الناس من أديانهم بالفتاوى المائعة، التي لا تعتمد لا على نقل ولا على عقل، فعلى الإنسان إن كان من أهل النظر أن يعمل بما يدين الله به من خلال الدليل الصحيح، وإن لم يكن من أهل النظر فعليه أن يقلد من تبرأ الذمة بتقليده، والله المستعان. أثابكم الله، هذا السؤال ورد عبر الشبكة المذكورة يقول: أقوم بمسابقات ثقافية تتعلق بالعقيدة والثقافة العامة المفيدة للطلاب، بحيث تكون في ورق تصوير، وأشترط الدخول في المسابقة دفع ريال واحد، عن كل ورقة، وأقوم بشراء الجائزة بقيمة الورق المباع على الطلاب، ما حكم هذا التصرف؟

الأصل أن السبق لا يجوز إلا في الجهاد، ولذا جاء في الحديث: ((لا سبق إلا في خفٍ أو نصلٍ أو حافر)) وما عدا ذلك لا يجوز، شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- وغيره من أهل العلم توسعوا وقالوا: إن ما يعين على تحصيل العلم الشرعي، وتحصيل العلم الشرعي ضربٌ من الجهاد يجوز فيه السبق، والسبق بشروطه، لا يكون من الطرفين، بحيث يدفع ثم بعد ذلك إما أن يغنم وإما أن يغرم، لا، فإذا أردت أن تحتسب وتضع مسابقة في كتابٍ أو شريط فلا تكلف الناس شيئاً، لا تأخذ منهم شيء، لا تأخذ منهم مقابل ولو يسير؛ لأن الذي يبيح الريال يبيح الريالين، يبيح الخمسة، يبيح العشرة، يبيح المائة، ولو قلت: أني أستغل هذه الموارد في الصرف على هذه المسابقة وغيرها من المسابقات، لا يا أخي لا تستغل الناس، ولا تأخذ منهم شيء، ولو كان يسيراً، نعم أجرك على الله، وإن استعنت بالله ثم بإخوانك ممن يمدك بهذه الجوائز لكان أفضل، وإلا فالأصل المنع، والجوائز على خلاف الأصل، فلا تضعف هذا الأصل الذي هو على خلاف الأصل، فأنت أجرك على الله، واحتسب وضع الجوائز من عندك، وعند من يعينك من إخوانك المسلمين، ولا تأخذ من الناس شيئاً. أثابكم الله، هذا سؤال من أحد الإخوة يقول: فضيلة الشيخ بعض الأئمة -هداهم الله- في التراويح يستعجلون في القراءة والصلاة من أجل التبكير في الخروج، ومجاراة بعضهم لبعض، حتى إنه يحصل سباقٌ بينهم أيهم يخرج أولاً، ما توجيهكم حفظكم الله؟ إذا كان المنظور إليه في الصلاة التي هي أخص العبادات فالمبادرة بالخروج لا شك أن هذه حقيقة مرة، توجد عند بعض الناس، وإن كانت قلت، توجد قبل أكثر من الآن، ولله الحمد، أكثر من الآن توجد قبل فيما أدركناه، لكن لا ينبغي للمصلي أن ينظر إلى الوقت، نعم الناس لهم ظروف، ولهم حاجات، والإمام واحدٌ من الناس له ظروفه؛ لكن إن كان الهدف أن يقال: فلان خرج قبل فلان، هذا ليست حقيقة، وليست هدف، وليست مقصد صحيح فضلاً على أن يكون شرعياً.

أدركت شيخاً جاز المائة، وهو يصلي صلاة التهجد واقفاً، خلف إمام متوسط القراءة، يعني لا يشجع على طول القيام، ويقرأ في كل تسليمة جزءً من القرآن، خمسة تسليمات في التهجد يقرأ خمسة، في ليلةٍ من الليالي ليالي الشتاء سمع مؤذناً يؤذن الأذان الأول، والعادة جرت أنه يؤذن الأذان الأول متى؟ إذا فرغوا من الصلاة، فالإمام لما سمع هذا المؤذن خفف الركعة الأخيرة من التسليمة الأخيرة، فلما سلم قال له هذا الشيخ الكبير الذي جاوز المائة على مسمعٍ من الناس كلهم بأسلوبه وعبارته: يوم جاء وقت النزول خففت! يعني آخر الليل تخفف! جاوز المائة وأنا أدركته، فيا إخوان المسألة أنت واقفٌ بين يدي أكبر من كل كبير، وتقول: الله أكبر، وترفع الحجاب بينك وبين ربك، وتنادي ربك، في أيام معدودات، في ليالٍ يسيرات، ومع ذلك هم يسارعون، فلا أقل من أن يقرأ في الثماني الركعات جزءً من القرآن، في العشرين الأيام الأولى، جزء من القرآن، ويش المانع، وخلي الصلاة تنتهي بساعة، ما يصير؟ الدنيا ملحوق عليها، هذا شيء أيها الإخوان يدعو إلى مثل هذه العجلة، المسألة ساعة وبعد الساعة لك، والليل طويل، ولله الحمد، مع الأسف الشديد أن ليالي رمضان تستغل فيما لا ينفع، كثيرٌ من الناس يستغلوها فيما يضر. بعض أهل العلم، بعض من يتصدى لتعليم الناس يتشبه بالسلف، ويعطل الدروس، ويقول: رمضان شهر القرآن، ويطلب منه الدروس، ويقول: لا خلاص، مالك يترك التحديث، وفلان وفلان وفلان؛ لكن هل بالفعل هو يفعل هذا، أو هذا من تلبيس الشيطان عليه، يريد أن يعطل هذه الدروس ولا يصنع شيئاً، هذا الواقع أيها الإخوة، بعض الناس يعطل الدروس، ولا يرتبط بأي جهدٍ علمي، ومع ذلك هو يقول: إنه يتشبه بالسلف، وهو مجرد ما يصلي التراويح وقلبه مشغولٌ بما سيفعله بعد ذلك، ينتقل من قهوة فلان أو استراحة فلان أو علان، أو يجلس في بيته للقيل والقال، ينتظر الداخل والخارج، المسألة أيام معدودات. إذا لم يكن عوناً من الله للفتى ... فأول ما يقضي عليهم اجتهاده

كثيرٌ من الناس يحرص على أن يجتهد في هذا الشهر المبارك؛ لكنه لم يتعرف على الله في الرخاء، ليست له معاملة مع ربه طول العام، ثم يريد أن يقبل في هذا الشهر المبارك، لا شك أنه لا يعان على ذلك، كثيرٌ من الناس يتفرغ في رمضان أو في نصفه أو في العشر الأخيرة منه، ويهجر أهله ووطنه، ويذهب إلى الأماكن المقدسة ليتفرغ للصلاة والصيام وقراءة القرآن، ثم يجلس بعد صلاة العصر يفتح المصحف، يعني المتوقع أن يقرأ خمسة ستة في أيام الشتاء وإلا عشرة في أيام الصيف، يفتح المصحف ثم يقرأ خمس دقائق ورقة ورقتين ثم يلتفت يميناً وشمالاً لعله يجد أحد، وإلا ذهب يبحث عن الناس؛ لأنه لم يتعرف على الله في الرخاء، وليس له وردٌ مرتب، حزب مقرر يومياً من القرآن، ونظير ذلك من يحج، ويقول النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) والحج أربعة أيام، يقول: لن أتكلم بكلمة باحفظ الحج، وهو ديدنه طول العام القيل والقال، لا شك أنه لن يعان على السكوت خلال أربعة أيام، إن جاءه أحد وإلا ذهب إلى الناس يتحدث معهم. فالوصية وصية عظيمة، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة، نريد أن نعمل بأوقات المواسم ونجد أننا لا نعان على ذلك، تجد الإنسان طول أيام العام يسهر، فإذا جاء وقت النزول الإلهي تجده في صراع مع نفسه هل يوتر أو لا يوتر؟ وهو محسوب على أهل الفضل وطلب العلم، صراع هل يوتر وإلا ما يوتر؟

الحسنة تقول: أختي أختي، لو أنفقت هذه الساعات أو بعض هذه الساعات فيما يرضي الله -جل وعلا- أعنت على هذا الوتر، فتجده يبرر لنفسه أوترت البارحة، ولا يريد أن أشبه الوتر بالواجبات، الليلة جمعة، وقد نهي عن تخصيص يوم الجمعة بالقيام، تعليلات، وهو جالس كل الليل في القيل والقال، لا يعان على الوتر إحدى عشر ركعة، تسع ركعات، سبع ركعات، خمس ثلاث، ولو واحدة أحياناً، قد يقول وهو يغالط الحقيقة، الساعة ثنتين الآن الأذان الساعة أربع أربع ونصف أقوم قبلها بعشر دقائق ربع ساعة وأوتر، أقول: هذا في الغالب يضحك على نفسه، ما أعين وهو مستيقظ كيف يعان وهو نائم؟! فعلينا أن ننتبه لهذا الأمر، نتعرف على الله، تكون صلتنا بالله -جل وعلا- مستمرة دائمة غير منقطعة {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ} [(162 - 163) سورة الأنعام] أما أن نأتي في أوقات المواسم وأوقات المضاربات ونريد أن نكتسب، ودهرنا كله تفريط، لا يمكن أن يصير هذا، وإلا ما الفرق بين العابد والمفرط؟ لا يظهر الفرق بين العابد والمفرط، والله المستعان. أثابكم الله، لكن طالب العلم اللي يجلس في رمضان ويحتج في مالك وغيره من السلف فهل يعذر في هذا الزمن الذي الناس في حاجة فيه إلى الدروس والمواعظ؟ هو الغالب –غالباً- أن النفع المتعدي أفضل من اللازم، هذه قاعدة أغلبية عند أهل العلم، وإن كانت الصلاة نفعها قاصر، أفضل من الزكاة وهي نفعٌ متعدي؛ لكن القاعدة أغلبية في نوافل العبادات لا شك أن النفع المتعدي أفضل من القاصر، يبقى أنه في وقت الاعتكاف في العشر الأخيرة من رمضان أهل العلم قاطبة ينصون على أن هذه الأيام إنما تكون للعبادات الخاصة، ليتفرغ القلب في هذه الأيام أو في هذه الليالي العشر للعبادات الخاصة من صلاة وتلاوة وصيام وذكر فقط، إلا في شيء يسير لا يعيقه عما هو بصدده في مسائل علمية يسيرة، يعني تعينه أيضاً على ما بصدده، يتوسعون في هذا، يتسامحون في مثل هذا، وإلا فالأصل أن مثل هذا خاص، وما عدا ذلك نرجع إلى الأصل العام، وهو أن النفع المتعدي أفضل من القاصر.

هذا سؤال عبر الشبكة المذكورة، يقول السائل: هل هناك زواج بشاهدة الله فقط، وبقبول وإيجاب من الطرفين، كأن تقول له: زوجتك نفسي، ويقول: وأنا قبلت، والله شاهدٌ، فهل يعتبر أمام الله زواج أم لا؟ الزواج له أركان وله شروط، لا بد فيه من الولي ((لا نكاح إلا بولي)) ولا بد فيه أيضاً من شاهدي عدل، ليختلف النكاح عن السفاح فلا بد من الولي، ولا بد من الإيجاب والقبول، ولا بد أيضاً من شاهدي عدل، هذا هو القول المرجح عند أهل العلم، يتسامح الإمام مالك -رحمه الله- في الشهود، يتسامح أبو حنيفة في الولي، لكن الذي تدل عليه النصوص أنه لا بد من الولي، ولا بد من شاهدي العدل، إضافة إلى جانب القبول وانتفاء الموانع. القنوت -عفا الله عنك- في رمضان ما المشروع في دعاء القنوت وما آدابه؟ القنوت في الوتر مشروع أصله؛ لكن المداومة عليه هذا خلاف السنة، بعض السلف لا يرى أنه لا قنوت إلا في النصف الثاني من رمضان، ويرى أن القنوت في النصف الأول وسائر العام لا دليل عليه؛ لكن إذا ثبت أصله، وأنه ثبت القنوت في الوتر إذاً يقنت؛ لكن تشبيهه باللوازم في القراءة أو بما يلزم المصلي، وكونه لا يخلُّ به هذا لا شك أنه خلاف الأصل، فينبغي أن لا يحافظ عليه. هذا سؤال أيضاً عبر الشبكة يقول:. في مسند أحمد من حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه- الطويل قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جنازة رجل من الأنصار .. الحديث، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: ((إن العبد المؤمن يقول: رب أقم الساعة حتى أرجع إلى أهلي ومالي)) سؤالي هو: لماذا يطلب المؤمن الرجوع للأهل والمال بالرغم من أنهما ليسا من الباقيات الصالحات، وإذا كان يطلب الرجوع ليبشر أهله، فماذا عن المال؟ ليرجع إلى أهله وماله في مقره من الجنة، لا ليرجع إلى أهله وماله في الدنيا، في مقره من الجنة يرجع يأنس بأهله وماله في الجنة. هذا سؤال من الإخوة يقول: فضيلة الشيخ أيهما أفضل للمؤمن في رمضان ختم القرآن أم مراجعة حفظه، ومحاولة حفظ عدد من الأجزاء، وما قصة الحديث الوارد في الوعيد على من حفظ آية ثم نسيها؟

ينبغي أن يقسم الوقت بين القراءة والنظر في المصحف، ولعل هذا يكون في النهار، ومدارسة القرآن ومراجعة الحفظ، وحفظ الجديد يكون في الليل؛ لأن جبريل -عليه السلام- كان يدارس النبي -عليه الصلاة والسلام- في كل ليلة من ليالي رمضان، فينبغي أن تكون المدارسة والمذاكرة والمحافظة على الحفظ، وحفظ الجديد في الليل، والقراءة تكون في النهار. هذا سؤال أيضاً عبر الشبكة، تقول: أنا امرأة عندما أريد أن أصلي أجعل ثوب للصلاة، وهو ما يسمى بالشرشف أو جلال، هل هذا من تخصيص ثوب للصلاة؟ الصلاة إذا كان الثوب ساتر لجميع البدن، وهو طاهر صحت الصلاة بأي ثوب ولو ثوب المهنة، إذا لبس بطاهرته فالصلاة صحيحة، وتخصيص الصلاة بثوب يكون أطهر وأنقى من باب الاحتياط للعبادة من غير تعبد بهذا الثوب لذاته، فلا شك أنه أكمل، إذا لم تتعبد بهذا الثوب أو تعتقد أن الصلاة لها لباسٌ خاص، أما إذا عرفت أن الصلاة تصح بكل ثوبٍ طاهر ساتر مغطي لجميع جسمها، ثم خصصت ثوباً تراه أنظف وأطيب وأطهر للصلاة ولا تزاول فيه المهنة؛ لتأخذ زينتها عند هذه الصلاة لا شك أن هذا لا بأس به -إن شاء الله تعالى-. أثابكم الله، أحد الإخوة يقول: ما وجه كون الصيام لله -عز وجل- بين سائر الأعمال كما في حديث: ((الصوم لي، وأنا أجزي به))؟

يقول ابن عبد البر -رحمه الله-: كفى شرفاً للصوم أن أضافه الله -جل وعلا- إلى نفسه ((الصوم لي، وأنا أجزي به)) ولذا قال جمعٌ من أهل العلم: أنه لا تدخله المقاصة، كيف لا تدخله المقاصة؟ حديث المفلس الذي تعدى شره وضرره إلى الناس يأخذون من حسناته، إلا الصيام لا تدخله مقاصة، ولذا يقول الله -جل وعلا- في الحديث القدسي: ((الصوم لي)) يعني ليس لأحدٍ فيه شركة، ومن جهة أخرى الصوم لا شك أنه سر بين العبد وبين ربه، ما الذي يمنع الصائم من أن يدخل غرفته ويتناول كأساً من الماء؟ ما الذي يمنع أن يدخل غرفته الخاصة به ويغلق على نفسه، وقد وسع الله على الناس، كل غرفة من غرف الناس اليوم فيها ثلاجة، وفيها كل ما يتطلبه الإنسان، فيتناول ما يشاء؟ لكن ملكته المراقبة، التي ولدها الصيام تمنعه من ذلك، وهي التقوى التي ذيلت بها آية الصيام {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة] هذه التقوى، تتقي الله -جل وعلا- في السر والعلن، أمام الناس لا تأكل، وأيضاً إذا خلوت بنفسك لا تأكل ولا تشرب، ولا تزاول مفطراً، والله المستعان. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد.

أحكام الصيام

صفحة جديدة 1 أحكام الصيام الشيخ/ عبد الكريم الخضير الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: حكم صيام رمضان: فإن الصيام عبادة من أعظم العبادات، وفريضة من أوجب الفرائض، بل ركن من أركان الإسلام إجماعاً، من جحد وجوبه كفر اتفاقاً، ومن اعترف بوجوبه –أعني صيام شهر رمضان– لكنه لم يصم كسلاً وتفريطاً فقد قيل بكفره في رواية في مذهب الإمام أحمد، وقول معروف عند بعض أصحاب مالك -رحم الله الجميع-. وهو قول مشهور ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في رواية عن الإمام أحمد في كفر تارك الأركان العملية، أما من لم يتلفظ بالشهادتين فليس بمسلم، ولم يدخل في الإسلام أصلاً؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله)). وأما بالنسبة للصلاة التي هي ثانية أركان الإسلام فالقول بكفره كفراً أكبر مخرجاً عن الملة منقول عن سلف هذه الأمة وأئمتها، والنصوص في ذلك صحيحة وصريحة ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) ((بين العبد وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)). والخلاف في هذه المسألة معروف عند أهل العلم، لكن المفتى به والمرجح أنه يكفر، كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم، وليس في تكفيره معارضة لقول الله -جل وعلا-: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(48) سورة النساء] لأن ترك الصلاة كفر أو شرك داخلة في الآية ((بين العبد وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة)) فإذا ترك الصلاة فقد كفر أو أشرك، فهو داخل في الآية. وأما الاستدلال بالآية على عدم كفره مع في الحديث الصحيح: ((بين العبد وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)) فترك الصلاة شرك، قد يقول قائل: أن مثل هذا لا ينطبق عليه تعريف الشرك الذي يذكره أهل العلم، لكن النص دل على أنه شرك، وليس لأحد كلام مع كلامه -عليه الصلاة والسلام-. وجمع من أهل العلم يرون أن كفره لا يخرج عن الملة، وإن كان المنقول عن الصحابة أنهم لا يرون شيئاً تركه كفر إلا الصلاة.

التساهل بالفرائض:

من أهل العلم من المغاربة في القرن السابع يرى أن الخلاف في كفره إنما هو مجرد تنظير، لا حقيقة له، لأنه لا يتصور مسلم يترك الصلاة، تنظير، يعني مثلما يقول العلماء في الفرائض: توفي زيد عن ألف جدة، وإلا فلا حقيقة لمثل هذا الخلاف، لأنهم لا يتصورون مسلماً يترك الصلاة، اللهم إلا أن يكون قرب قيام الساعة، هذا قاله بعض العلماء، لأن الصلاة أمرها عظيم ما كان معهوداً في عهد السلف، ولا في القرون المفضلة، وإنما تسامح الناس وتساهلوا فيما بعد، وكنا إلى وقت قريب لا نسمع بتارك الصلاة في بلادنا، يعني إذا فاته شيء منها مع الجماعة نظر إليه نظرة خاصة، ونقص قدره عند الناس، وصار على خوف ووجل، بل قد يعزر، ثم يستفتى أهل العلم، يستفتيه أب أن ولده قد لا يصلي صلاة الصبح مع الجماعة، فيقال: هذا ولد لا خير فيه، هذا يطرد من البيت، يهجر ويطرد من البيت، ثم بعد ذلك تساهل الناس، وتسامحوا حتى وصل الأمر أنه يوجد في بيوت كثير من المسلمين من يترك الصلاة بالكلية، فإذا أفتي بالفتوى السابقة أنه يطرد من البيت ويهجر في مثل ظروفنا التي نعيشها يتلقفه ألف شيطان، فيزداد مع ترك الصلاة إلى أمور تضره وتضر غيره، بحيث يتعدى خطره إلى غيره، فتسامح الناس حتى في الفتيا في مثل هذا، فيقول: عليك أن تبذل له النصيحة وتشدد عليه حتى يصلي. أما مسألة الطرد فلا يسمع بها في هذه الأيام، مع أن الأمر جد خطير، الأمر خطير جداً، فإذا حكم بكفره كفراً مخرجاً عن الملة، فلا خير في مجالسته، ولا مساكنته، ثم بعد ذلك صار الناس ينظرون في الأقوال الأخرى لأنهم ابتلوا فيمن يترك الصلاة أو يترك الصيام. على كل حال كفر تارك الصلاة هو المفتى به، وهو المرجح عند شيوخنا، وأما بقية الأركان الزكاة، الصيام، الحج، فجماهير أهل على عدم كفر تاركها إذا اعترف بوجوبها، وإن كان القول بكفره كالصلاة قول معروف في مذهب أحمد، وعند أصحاب مالك -رحمه الله-. التساهل بالفرائض:

وجد التسامح في الثوابت، في الأركان الخمسة، تجد طالب منتسب إلى العلم الشرعي في كلية الشريعة مثلاً بلغ وكلف وهو ذو جدة مستطيع للحج ولا يحج، بعذر والله عندنا تسليم البحث مباشرة، ولا في وقت بأن أبحث، أخي هذا ركن من أركان الإسلام، والله -جل وعلا- يقول: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ} [(97) سورة آل عمران] هذه يستدل بها من يقول بكفر تارك الحج {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} يقول: أن البحث يسلم بعد الحج مباشرة، ولا في وقت لأبحث، ويترك ركن من أركان الإسلام من أجل البحث، وهذا يجعل الإنسان يعيد النظر في نيته في طلبه للعلم، بل سمعنا من يقول: أن الحج في موسم ربيع وأمطار، نحن أصحاب رحلات ونزهات، هذه أعذار وعلل يتعلل بها بعض شباب المسلمين في التساهل في الأركان. الصوم تجد الولد يبلغ مبلغ الرجال بل في بعض الفتاوى لأهل العلم، امرأة تقول: بلغت السادسة والعشرين وأمي تقول: أنت صغيرة، لا تحتملين الصوم، يعني كلفت ضعف السن الذي يكلف به في العادة، الثالثة عشرة، فإذا تساهل الناس بالأركان فما الذي يحافظون عليه؟. في الحديث الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- بعث يوم عاشوراء: أن من أكل فليصم بقية يومه، ومن صام فليمسك، وكنا نصوم صبياننا، ونلهيهم باللعب من العهن –يعني من الصوف– إذا بكى الواحد منهم أعطي هذه اللعبة، صيام.

المصيبة أننا نرى التساهل في صفوف المسلمين يزداد، مع أن العلم ينتشر ويكثر ووسائل التبليغ بحيث يصل هذا العلم إلى كل شبر من أقطار المعمورة ومع ذلك يتساهلون، الجهل غير موجود إلا في بعض الجهات التي لا عناية لهم بالعلم أصلاً، أو من لم يرفع به رأساً، وإلا -الحمد لله- الآن وجد من في السبعينات من الأميين الذين لا يقرؤون ولا يكتبون، ومع ذلك حفظوا القرآن بعد السبعين، ووجد من يحفظ الأحكام بأدلتها من خلال إذاعة القرآن، من برنامج نور على الدرب، البرنامج المبارك الذي انتفع به القاصي والداني، ومع ذلك نجد التساهل، نعم قد يقول قائل: إن سبب هذا التساهل انتشار الأقوال واطلاع الناس عليها، لكن العبرة بما يسنده الدليل، الذي يدل عليه الدليل هو القول الصحيح، وما عداه لا عبرة به، ولا قول لأحد مع قول الله -جل وعلا- وقول نبيه -عليه الصلاة والسلام-.

صيام التطوع:

هذه الأركان الخمسة التي بني عليها الإسلام عرفنا حكم من تركها، وجاء التشديد فيها، يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام- في الحديث المتفق عليه من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)) وعند مسلم تقديم الصيام على الحج، والاختلاف بين اللفظين بين الرواة معروف، أما المتفق عليه فهو تقديم الحج على الصيام، وعلى هذا بنى الإمام البخاري صحيحه، والجمهور على تقديم الصيام على الحج، عملاً برواية مسلم، وأن الراوي أخطأ في تقديم الحج على الصيام، هذا إذا قلنا: أن الخطأ ممن دون ابن عمر، وإلا فابن عمر قيل له كما في الصحيح: "صيام رمضان والحج؟ قال: لا، الحج وصيام رمضان فابن عمر حينما روى الحديث على الوجهين، مروي عنه على الوجهين، مرة بتقديم الصيام، ومرة بتقديم الحج، واستدرك عليه فقال: لا، الحج وصوم رمضان، أو صوم رمضان والحج، كما في مسلم، أراد أن ابن عمر أن يؤدب هذا المستدرك عليه الذي لا علم له ولا سمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام-، بينما ابن عمر هو الذي سمعه، فقد يكون ابن عمر سمعه على الوجهين، وأراد أن يؤدب هذا الذي استدرك عليه كما يفعل بعض طلاب العلم في مجالس الكبار، تجده يستدرك بدون أدب، وإلا لو جاء بالاستدراك على صيغة استفهام ما يلام؛ لأن الشيخ ليس بمعصوم، قد يرى منه الخطأ والنسيان، لكن بهذه الطريقة يقول: لا صوم رمضان والحج، فأراد أن ابن عمر أن يؤدبه، ومثل هذا يحتاج إلى تأديب، وهذا موجود مع الأسف بكثرة في صفوف طلاب العلم بين يدي الأكابر، تجده من أيسر الأمور أن يرد على شيخه أو على من هو أكبر من شيخه. إذا عرفنا أن صيام شهر رمضان ركن من أركان الإسلام، من جحده فقد كفر -نسأل الله السلامة والعافية- ومن فرط فيه فقد جاء: ((من أفطر يوماً من رمضان بغير عذر، لم يقضه صوم الدهر ولو صامه)) نسأل الله العافية. صيام التطوع:

حكم الصوم:

وجاء الحث على الصيام سواء يستوي في ذلك المكتوب، وهو أهم، وجاء الحث على أنواع من صيام النوافل كيوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر، البيض مثلاً ست شوال، وتسع ذي الحجة، وغيرها من الأيام التي جاء الحث على صيامها، وإن كان الحث على التسع مركب، بمعنى أنه جاء الحث على العمل في العشر ((ما من أيام العمل الصالح فيهن خير وأحب إلى الله من هذه الأيام العشر)) لأنها فضلت على أيام العشر الأخيرة من رمضان، ثم جاء البيان بأن الصيام من أفضل الأعمال، هو ركب من هذا وهذا أن الصيام في عشر الحجة من أفضل الأعمال. بعضهم يقول: يعني ثبت من حديث عائشة -رضي الله عنها-: أنه ما صام العشر، نقول: ثبت من حديث غيرها أنه صام العشر، وإذا ثبت الحث وعارضه الفعل، فالذي يلزمنا القول، وأما فعله -عليه الصلاة والسلام- إذا لم يعارض بقول فهو الأصل، قدوة، وهو الأسوة، أما إذا عارضه قوله فيختص به -عليه الصلاة والسلام-، ومن في حكمه، فإذا كان من يحتاجه العامة بحيث إذا صام اختل عمله، قلنا: لا تصم، ولو طردنا ما يقال في هذا وأن صيام العشر ما دام ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يصم العشر، قال بعضهم: أنه بدعة، والشيخ ابن باز -رحمه الله- في فتاويه، يقول: من قال أنه بدعة فهو جاهل، لا يعرف معنى البدعة، وإذا طردنا مثل هذا القول قلنا: أن العمرة في رمضان بدعة، لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يعتمر في رمضان، مع أنه جاء الحث عليها، في الحديث الصحيح ((عمرة في رمضان تعدل حجة)) وفي رواية: ((حجة معي)). حِكَم الصوم:

الصوم شرع لحكم ومصالح عظيمة أعظمها: تحقيق التقوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة] فهذه هي أعظم فوائد الصيام، لكن قد يقول قائل: إن الناس يصومون ولا يتحقق لهم هذا الهدف الذي من أجله شرع الصيام! نقول: أعد النظر في صيامك، هل صيامك على الوجه المطلوب؟ على الوجه الشرعي الذي تترتب عليه آثاره، أم أن فيه خللاً؟ هذا كلام الله -جل وعلا-: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} و (لعل) كما يقول ابن عباس وغيره ليست على بابها، يعني: للترجي، وإنما هي من الله واجبة، فالصوم الشرعي على وجهه يحقق التقوى، كما أن الصلاة التي تكاملت شروطها، وأديت على الوجه الشرعي، تنهى عن الفحشاء والمنكر، والحج إذا أدي على وجهه ((خذوا عني مناسككم)) ولم يخالطه شيء مما يخرمه، ويخرم كماله يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، ونحن نرى من يصلي يفرط في بعض الواجبات، ويرتكب بعض المحظورات، إذاً ما نهته صلاته عن الفحشاء والمنكر! نقول: أعد النظر في صلاتك، يصوم ولا يفرط في يوم من أيام رمضان، وقد يحرص حرصاً يخرجه عن الهدي الشرعي بأن يحتاط لصيامه فيقدم السحور، ويؤخر الفطور، وكل هذا من أجل الاحتياط لصيامه، فنقول: مثل هذا الاحتياط لا ينفعك، ولا تزال الأمة بخير ما أخروا السحور، وعجلوا الفطر، أقول: مع هذه الشدة ومع هذا الاحتياط، تجد التقوى لم تتحقق فيه، لأن صيامه فيه خلل، فعلى الإنسان أن يعيد النظر في عباداته، بعضهم يحج ويرجع بآثامه وذنوبه، لأنه لم يؤد الحج على الوجه الشرعي. فعلينا أن نتفقه في الدين، وننظر في هدي سيد المرسلين، مخلصين في ذلك لله -جل وعلا-، من أجل أن تترتب الآثار على هذه العبادات، فتجد الإنسان -مثلما ذكرنا- يصوم ويصلي ويحج، ويبلغ من العمر ما يبلغ، وهو على عادته، وكأن شيئاً لم يكن، تجد حاله قبل رمضان وبعد رمضان لا فرق، ما تغير من حاله شيء.

يحج ويرجع ثم يعود إلى ما كان يزاوله قبل الحج، يدخل المسجد ويصلي الصلاة ثم بعد ذلك إذا خرج كأن شيئاً لم يكن، تجده يعتكف في العشر الأواخر، وقبل الاعتكاف يفوته شيء من الصلوات، تجده إذا خرج بعد إعلان خروج رمضان فاته شيء من صلاة العشاء، خرج المغرب، وفاته شيء من صلاة العشاء، والعهد قريب، لماذا؟ لأن هذه العبادات ما أديت على الوجه الشرعي، فيها نقص، فيها خلل، ولا يقال بإعادة هذه العبادات أو ببطلانها، لا، إذا اكتملت شروطها وأركانها وواجباتها صحت، وسقط بها الطلب، ولا يطالب بإعادتها، لكن الآثار المترتبة عليها إنما تكون إذا أديت على الوجه الشرعي. كثير من المسلمين يسمع الحديث الصحيح: ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، والعمرة إلى العمرة؛ كفارات لما بينهن ما لم تغش كبيرة)) ((ما اجتنبت الكبائر)) كما في بعض الألفاظ، ثم بعد ذلك يصلي صلاة ليس له إلا عشر أجرها، هذه الصلاة كما يقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: إن كفرت نفسها كفى. فعلى الإنسان مثل ما قلنا يعيد النظر في هذه العبادات، ويؤديها على الوجه الشرعي، ويحرص أن يتعرف على سنة -عليه الصلاة والسلام-، ليؤدي العبادات على الوجه المطلوب، مخلصاً في ذلك لله -جل وعلا-، فأول الأهداف التي من أجلها شرع الصيام تحقيق التقوى.

من الأهداف تحقيق العفاف، وهذا مهم في حياة المسلم ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) ونعود إلى ما قلناه سابقاً أن الصوم الذي يحقق هذا الهدف، وهو العفاف هو الصوم الشرعي الذي يؤتى به على الوجه المطلوب، قد يقول قائل -وقد قيل-: كثير من الشباب لا يردهم الصوم ولا يكفهم عن ثوران شهواتهم، كلام من لا ينطق عن الهوى ((ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) ثم بعد ذلك يكثر الأكل بالليل، وينام النهار، ويقول: أنا شهوتي تزيد في رمضان، نعم شهوتك تزيد في رمضان ولا بد، لأن السبب في كونه وجاء أولاً: النية خالصة لله -جل وعلا-، الأمر الثاني: أنه الإتباع متحقق فيه، الأمر الثالث: أن الطريقة والهدي النبوي في كيفية الأكل والشرب والنوم والاستيقاظ على الأصل، أما شخص يسهر الليل من أكل إلى أكل إلى شرب، ومشاهدة ما يثير الشهوة عنده، ثم بعد ذلك في النهار ينام أكثر الوقت يعني يأكل كثيراً بالليل ثم ينام بالنهار، متى يحرق هذه الأمور التي خزنها؟ هذه الأطعمة التي خزنها في جوفه؟ هذا الصوم لا يتحقق منه الهدف الذي يترتب عليه العفاف، فعليه أن يقلل الأكل وفي وقته، أن يتناول أكلة السحر، ثم بعد ذلك لا ينام النهار، بل يشتغل؛ لأن الوقت قصير.

بم يثبت دخول الشهر؟

وينبغي أن يستغل هذا الموسم العظيم يفرط فيه كثير من الناس، فتجده في النهار نائم، وفي الليل في القيل والقال، ولا يستفيد من هذا الموسم العظيم، مواسم الدنيا يستغلها الناس استغلال قد يخل بالعقل أحياناً، تجد الإنسان يتصرف تصرفات من أجل استغلال مواسم الدنيا بحيث يقرب من أعمال المجانين، تجده يحرص على كل شيء، ويستفيد من كل شيء في أمور دنياه، لكن إذا جاءت مثل هذه المواسم انظر ترى، نوم في النهار، وقد ينام عن الفرائض عن الصلوات، هذه كارثة بالنسبة للصائم أن ينام عن الصلوات المفروضة، وقد يؤخر صلاة الظهر وصلاة العصر إلى أن ينتبه مع غروب الشمس، هذا يوجد في بيوت المسلمين من يفعل هذا من الذكور والإناث، لكن هل تتحقق آثار الصيام على مثل هذا الصيام؟ لا –والله- ما تتحقق، بل قد لا تتحقق ممن فعل دون ذلك، يعني من فوت صلاة الجماعة، لا شك أن في صومه خللاً، وإن كان صومه هو فاتته الجماعة صومه صحيح، ولا يؤمر بإعادتها، لكن مع ذلك صومه فيه خلل، فضلاً عن كونه يزاول أعمال تخل بعقيدته، كترك الصلاة مثلاً، أو تعمد تأخير الصلاة عن وقتها، أو يزاول أعمال فيها شرك ولو أصغر، فلا شك أن أثر هذه الأمور على القبول واضح، وإذا كان الفساق جاء فيهم يعني في مفهوم قوله -جل وعلا-: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] مفهومه أن الفساق لا يتقبل منهم، وأي فسق أعظم من تأخير الصلوات عن وقتها {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} ومعروف أن المراد بالقبول هنا نفي للثواب المرتب على العبادة، لا أن العبادة باطلة ويؤمر بإعادتها، ما قال بها أحد من أهل العلم، ولكن الثواب المرتب عليها لا يتحقق، لأن نفي القبول في النصوص، يأتي ويراد به نفي الصحة ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)) و ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) ويأتي ويراد به نفي الثواب المرتب على العبادة كما هنا. بم يثبت دخول الشهر؟

الصيام صيام شهر رمضان يثبت برؤية الهلال، لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) ومعلوم أن هذا لا يتحقق بالنسبة لجميع الناس، إنما يتحقق لبعض الناس أن يرى الهلال ثم بشهادته إذا قبلت يلزم الناس الصوم ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) فإذا رآه لزمه الصوم، وإذا شهد به وقبلت شهادته لزم الناس الصوم، ويثبت دخول الشهر بشهادة عدل واحد، إذا رآه بالعين، لأن الرؤيا حقيقتها النظر بالبصر، وشهد في ذلك عند الجهات، وقبلوا شهادته فإنه يلزم الناس الصوم، ولا يطالب كل إنسان أن يرى بنفسه، لأن هذا مستحيل، لأن من المكلفين من يستحيل رؤية الهلال بالنسبة له، إما لضعف في بصره، أو لفقده –فقد البصر– فعلم بذلك أن الرؤية ولو من واحد، كما جاء في حديث ابن عمر أنه رأى الهلال فأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بصيامه، وكذلك ما يشهد له من حديث ابن عباس في قصة الأعرابي الذي شهد بأنه رأى الهلال، وقرره النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((أتشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ )) فأثبت شهادته، وأمر الناس بالصيام، ويكفي في دخول الشهر شاهد واحد ثقة، وهل الرؤية من باب الشهادة أو من باب الإخبار؟ بمعنى أنه يقبل فيه من يقبل خبره، أو أنه شهادة لا يقبل فيه إلا من يقبل في الشهادة؟ فرق بين البابين، لأن دائرة الإخبار أوسع من دائرة الشهادة، لأن الإخبار يقبل فيه الواحد، يقبل فيه المرأة، ويقبل فيه العبد، المقصود أنه يقبل لأنه دين، وأما إذا قلنا: شهادة، ويتعلق بها حقوق الخلق، فلا بد من شاهدين، ولذا خرج دخول الشهر بالنص، بحديث ابن عمر وحديث ابن عباس، وبقيت بقية الأشهر على الأصل، وأنها شهادة تترتب عليها حقوق مالية فلا بد من شاهدين، وفيها الحديث: ((وإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا)) خرج الصوم بشهادة ابن عمر وبشهادة الأعرابي. قد يقول قائل: أن حديث ابن عمر وحديث ابن عباس في قصة الأعرابي لا تدل على أن الشاهد واحد، بل هما اثنان ابن عمر والأعرابي، نقول: لا، هذه قصة وهذه قصة، هذه في سنة وهذه في سنة أخرى.

تبييت نية الصيام:

كما يثبت دخول الشهر بإكمال عدة شعبان ثلاثين يوماً، فإذا تم شعبان ثلاثين يوماً وجب الصيام، فإذا لم يُر الهلال فلا بد من إكمال شعبان ثلاثين يوماً، ويوم الشك لا يجوز صيامه، "من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-" ونهى عن تقدم رمضان بيوم أو يومين -عليه الصلاة والسلام-. تبييت نية الصيام:

إذا ثبت دخول الشهر لزم تبييت النية، النية مبيتة عند كل مسلم، بأنه كلما جاء رمضان يصوم، لكن إذا لم يبيت النية قبل طلوع الصبح فإن صيامه لا يصح، والنية شرط لصحة الأعمال، كما في حديث عمر -رضي الله عنه- ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) فلا بد من تبييت النية، وجاء في الحديث: ((لا صيام لمن لم يبيت النية من الليل)) وهذا في الفرض، أما في النفل فقد دل الحديث على أنه كان -عليه الصلاة والسلام- إذا جاء إلى أهله سألهم هل عندهم شيء -يعني مما يؤكل- فإن أجابوا بالنفي، قال: إنه صائم -عليه الصلاة والسلام-، فتصح نية النفل من أثناء النهار، على ألا يذهب غالب النهار؛ لأن الحكم للغالب، والنية حينئذ تنعطف، فيؤجر على صيام اليوم كاملاً، وهذا من فضل الله -جل وعلا-، وإن كان بعضهم إنما له أجر ما نواه من أثناء النهار، لكن باعتبار أن الصيام من أثناء النهار غير صحيح، وليس بشرعي، وأنه لا يصح الصيام إلا من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ثبت له هذا الأجر فضل من الله -جل وعلا-، وإن لم ينو إلا في أثناء النهار، ولا بد حينئذ من استيعاب الوقت، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} [(187) سورة البقرة] لا بد من هذا، وأهل العلم يقولون: إن إمساك جزء من الليل مما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، بمعنى أنه لا يجوز له أن يأكل بعد طلوع الفجر، بل يلزمه أن يمسك قبيل طلوع الفجر؛ لأنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ لأن الفجر يعني إدراكه لعموم الناس صعب، متعذر، لا يحصل إدراكه إلا للخواص من الناس، فإذا عرفه وبلغ هؤلاء الخواص فإن تبليغهم للعامة لا يمكن أن يأتي في لحظة، وإذا كان إدراكه بدقة متعذر، فلا بد من إمساك جزء من الليل ولو يسير، جزء يسير ليضمن أنه صام من طلوع الفجر إلى غروب.

وكذلك لا يفطر حتى يتحقق أن قرص الشمس قد غاب كاملاً، فإن أكل بعد طلوع الفجر ظاناً أنه لم يطلع ولا بد لهذا الظن من مستند، أما التفريط، بعض الناس ينام في مكان مظلم، والمكيف شغال، ما يسمع شيء، فإذا انتبه واستيقظ بعد الأذان أكل، هذا إذا استيقظ عليه أن يتثبت، ويسأل قبل أن يأكل هل طلع الفجر أو لم يطلع؟ نقول: يأكل باعتبار أن الأصل بقاء الليل؟ لا، لا يا أخي أنت مفرط وعليك القضاء حينئذ، أما إذا بذلت الأسباب واستيقظت ونظرت في الأفق، وسألت من حولك، بذلت الأسباب ثم تبين لك أنك أكلت النهار والأصل بقاء الليل، كثير من الناس يفرط، يستيقظ بعد الأذان بنصف ساعة مثلاً أو بربع ساعة أو والناس يصلون، يسمع الإقامة ثم يأكل، نقول: يا أخي أنت مفرط، يقول: الأصل بقاء الليل، لا يا أخي، لو ترك مثل هذا، نقول: بإمكانك أن تنام في قبو، في مطمورة كما يقول أهل العلم، يعني بحيث لا ترى الضياء، إلى الإفطار، تقول الأصل بقاء النهار، ما هو بصحيح هذا، ثم بعد ذلك عليه أن يستمر ممسكاً عن الطعام والشراب والجماع والشهوة، عليه أن يمسك عن المفطرات حتى يتيقن غروب الشمس.

على من يجب الصوم؟

ولو أكل ظاناً أن الشمس قد غربت، أو ينظر في الأفق ما يرى الشمس لوجود غيم أو ما أشبه ذلك، أو كسوف مطبق بحيث لا ترى الشمس، ثم طلعت عليه الشمس فإن مثل هذا عليه أن يقضي، لحديث أسماء بنت أبي بكر في الصحيح، أنهم أفطروا، ثم طلعت الشمس، وحينئذ أمروا بالقضاء، وهل بد من القضاء؟ لأن الأصل بقاء النهار في مثل هذه الصورة، والتسامح في مثل هذا بعض الناس ساعته يكون فيها زيادة في الدقائق، مثلاً عشر دقائق أو خمس دقائق، ثم يفطر باعتبار أن هذه الساعة مطابقة للتقويم؛ لأن بعض الناس عنده حرص -وهذا في الغالب- على الدوام، الوظيفة، تجد الساعة يقدمها ربع ساعة، بحيث إذا رآها عجل إلى دوامه ظن أنه متأخر، ثم يستصحب هذا في الإفطار، نقول: يا أخي لو تحرص على دينك مثل حرصك على دنياك، حصلت على خير عظيم، مع أنه هو الأصل، لأنك إنما خلقت لتحقيق العبودية لله -جل وعلا- {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] وأما بالنسبة لأمور الدنيا يعني آخر ما يفكر به {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] والعكس الآن صار عند كثير من المسلمين، الأصل عنده هذه الدنيا وحطامها، ثم بعد ذلك احتاج إلى أن يقال له: ولا تنس نصيبك من الآخرة، والله المستعان. فإذا أكل أو شرب –يعني أفطر قبل غروب الشمس– فإنه يلزمه حينئذ القضاء، والدليل على ذلك حديث أسماء المخرج في الصحيح، وأيضاً يعضده الأصل، الأصل بقاء ما كان على ما كان، واليقين لا يزال بالشك، وأهل العلم يلحقون بالشك غلبة الظن، في هذا الباب، بمعنى أنه أكل شاكاً في غروب الشمس، أو غلب على ظنه أن الشمس قد غربت، ثم تبين أنها لم تغرب، يجب عليه القضاء؛ لأن اليقين السابق -وهو بقاء النهار- لا يزال بمجرد الشك، ولو وصل إلى درجة غلبة الظن، لأنه تبين بطلوع الشمس أنه ظن كاذب، ظن غير صادق غير صحيح، فيلزمه حينئذ القضاء. على من يجب الصوم؟

الإفطار والقضاء:

الصوم إنما يجب على المكلفين كسائر العبادات، يجب على المكلفين المسلم البالغ العاقل، مسلم بالغ عاقل قادر -يعني على الصيام– لم يمنعه منه أمر لا حسي ولا معنوي، وقبل ذلك، قبل التكليف، قبل البلوغ، يندب الصيام، ويتأكد في حق من يناهز البلوغ ويطيقه، ويؤمر به كما يؤمر بالصلاة لسبع، وأما الضرب عليه لعشر، فقد قال به بعض أهل العلم، يضرب عليه من باب الأدب، ضرب غير مبرح، يعني إذا قيل لابن عشر سنين مثلاً: صم، وتبينت في النهاية أنه ما صام، لو ضرب عليه فالأصل موجود، وهو الضرب على الصلاة، لكن لا يكون ضرباً مؤثراً بالغاً. فيجب الصيام على المكلف، وهو المسلم البالغ العاقل، ويضاف إلى ذلك القادر على الصيام، أما الذي لا يستطيع الصيام لكبر أو مرض أو يمنع منه مانع شرعي، كالحيض والنفاس فإن الوجوب مستقر، لكنه لا يجوز للحائض والنفساء أن تصوم، ولا يصح منها لو صامت، بل يحرم عليها الصيام. الإسلام شرط لصحة الصوم، فلا يصح من كافر لفقد شرطه، وهو الإيمان والإسلام، وكذلك المجنون لا يلزمه الصيام، ولا يكلف به، لأن القلم قد رفع عنه، ومثل هذا الصبي إلا أن الصبي يؤمر به على سبيل الاستحباب، قبل التكليف والتمرين على العبادة كما في الصلاة. الإفطار والقضاء:

وعرفنا أن الحائض والنفساء يحرم عليهما الصوم، ولا يصح منهما لو صامتا، المرضع الحامل والمرضع إذا خشيتا على نفسيهما فإنهما يفطران، وفي ذلك الحديث: ((إن الله -جل وعلا- وضع عن المسافر شطر الصلاة، ووضع عن الحامل والمرضع الصوم)) لكن هذا الوضع في الشطرين في السفر، وفي الحمل مع الرضاعة، الحمل والرضاعة، المسافر يسقط عنه شطر الصلاة، والحامل والمرضع وضع عنهما الله -جل وعلا- الصيام، ففيها وجه شبه، أو فيهما وجه شبه للمسافر في الصيام لا في الصلاة، أيش معنى هذا الكلام؟ قد يفهم -وقد فهم بعض الناس- أن الحامل والمرضع، تفطران لا إلى بدل، ولا يلزمهما القضاء، يعني كشطر الصلاة الذي وضع عن المسافر، يعني هل المسافر إذا رجع إلى بلده يقضي الركعتين اللتين وضعتا عنه؟ لا، يقول: الحامل والمرضع مثل ما وضع للمسافر شطر الصلاة، إذن لا قضاء، وقد قيل بهذا، ولكن عامة أهل العلم على خلافه، وأن الحامل والمرضع كالمسافر فيما يخص الصيام، المسافر يفطر، ما دام الوصف قائماً بشروطه عند أهل العلم يفطر، لكن {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(184) سورة البقرة] يعني يلزمه عدة من أيام أخر، وكذلك الحامل والمرضع، فتشبيهها بالمسافر من هذه الحيثية بوجوب القضاء، وأنه لا يلزمها في الوقت {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [(185) سورة البقرة] وجد مانع يمنع من هذا الوجوب، وهو الحمل والرضاعة، فعليهما أن تقضيا، من أفطر لعذر شرعي من سفر أو كبر أو مرض أو حمل أو رضاع، المسافر عليه عدة من أيام أخر، يلزمه أن يقضي العدد، وكذلك المريض الذي يرجى برؤه عليه أن يقضي، وأما المريض الذي لا يرجى برؤه فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً نصف صاع من طعام، من بر أو رز أو ما أشبه ذلك، من غالب قوت البلد، إذا كان لا يرجى برؤه، وقل مثل هذا في الحامل تقضي، والحائض والنفساء تقضيان. ووقت القضاء متسع إلى رمضان الآخر الذي يليه، وعائشة -رضي الله تعالى عنها- تقول: "كان يكون علي القضاء من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان" لمكانه -عليه الصلاة والسلام- منها، فلا تقضي إلا في شعبان، فوقته متسع، ولا يجوز لمن أفطر بعذر أن يؤخر القضاء إلى رمضان الآخر.

من أفطر عمدا في رمضان:

من أفطر في رمضان لعذر إما سفر أو مرض أو حمل أو رضاعة أو حيض أو نفاس، أما بالنسبة للمرض فذكرنا أنه إذا كان يرجى برؤه فإن عليه القضاء، وإذا كان لا يرجى برؤه فإنه يطعم. وأما من عداه فإن عليه القضاء، ووقت القضاء متسع إلى رمضان الذي يليه، فإذا دخل رمضان فعليه أن يشتغل بصيام رمضان الحاضر، ويؤجل القضاء، إلى ما بعد رمضان، وأكثر العلماء، أو كثير من أهل العلم يرون أن عليهم مع القضاء كفارة، واختيار الإمام البخاري أنه لا كفارة عليه؛ لأن الله -جل وعلا- إنما ذكر العدة {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(184) سورة البقرة] ولم يذكر سواها، ولا شك أن الأحوط أن يدفع هذه الكفارة، وقال بها كثير من أهل العلم، وأفتى بها جمع الصحابة، وإلا من حيث الاستدلال الدليل المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا دليل عليها. من أفطر عمداً في رمضان: أما من تعمد الفطر في رمضان، فإنه جاء فيه الحديث: ((لم يقضه، وإن صام الدهر)) لكن هذا لا شك أنه زجر، وتشديد في هذا الباب، لئلا يتساهل الناس في الفطر، وإلا فالقضاء عند الجمهور لازم، بل من باب أولى، وقل مثل هذا في الصلاة، إذا تعمد تأخيرها عن وقتها فقد نقل ابن حزم الاتفاق على أنه لا يقضيها، لأن المسألة أعظم من أن تقضى، بل بتعمده إخراجها عن وقتها يكفر بذلك عند جمع من أهل العلم، وقد أفتي به، وهو قول ابن حزم وجمع من أهل العلم، لكن الجمهور على خلافه، بل نقل الاتفاق على أنه يلزمه القضاء، إذا تعمد تأخير الصلاة عن وقتها، فإذا كان من نام عنها أو نسيها فليصلها إذا ذكرها وهو معذور، فإن غير المعذور من باب أولى، وهذا قول الأكثر. الحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما قضتا فقط، وإذا خافت على ولديهما فعليهما مع القضاء الكفارة، هذا بالنسبة لصيام رمضان. صيام النفل:

وأما بالنسبة للنوافل فجاء الحث على الصيام ((من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)) كثير من أهل العلم يحمل الحديث على أن المراد في سبيل الله، ابتغاء وجه الله -جل وعلا-، ولا يخصه بالجهاد، وإن كان الإمام البخاري أورد في الحديث في أبواب الجهاد، المراد في سبيل الله: الجهاد، كما أنه هو المراد في مصرف الزكاة، يراد به الجهاد، وبعضهم يعمم في البابين، وعلى كل حال هذا يدل على عظيم فضل الصيام. وجاء الحث على صوم يوم عرفة، وأنه يكفر سنتين، ويوم عاشوراء يكفر سنة، والاثنين والخميس، وأفضلهما الاثنين، وثلاثة أيام من كل شهر، حيث أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا هريرة وأبا الدرداء وأبا ذر، وكذلك جاء في بيان الثلاثة الأيام، وأنها البيض في السنن، فمن كان صائماً من كل شهر، فليصم ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر، ومن يصوم الاثنين تدخل فيه الثلاثة، لأن الأقل يدخل في الأكثر، لأنه حينئذ يصوم أربعة، صوم الاثنين والخميس يدخل فيها الثلاثة، ويدخل فيها الست بالنسبة لشوال. وجاء الحث على الست شوال، ((من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كمن صام الدهر)) يعني: كمن عمره كله صائم، ولا يقال: إن صيام الدهر غير مشروع، إذن صيام الست غير مشروعة، لأن المشبه يلحق بالمشبه به، والعملية الحسابية واضحة، لأن الشهر بعشرة أشهر، والست عن ستين يوماً، فكأنه صام الدهر. والتشبيه لا يقتضي المطابقة من كل وجه، إنما التشبيه في العدد، لا في المنع والحث، فصيام الدهر ممنوع، وصيام الست مع رمضان جاء الحث عليه، جاءت نصوص كثيرة صحيحة، تدل على عدم المطابقة من كل وجه، بين المشبه والمشبه به، فشبه الوحي بصلصلة الجرس، والجرس ممنوع، كما في صحيح مسلم، والوحي محمود، الجرس مذموم، لكن في تداركه وتتابعه يشبه صلصلة الجرس، قل مثل هذا في رؤية القمر مع رؤية الرب -جل وعلا-، كما جاء التشبيه في الحديث الصحيح، المشبه ليس كالمشبه به، وإنما تشبيه للرؤية بالرؤية، ونظائر ذلك كثيرة.

الإمام مالك -رحمه الله تعالى- يرى أن صيام الست ليس بمشروع؛ لأنه على حد قوله في الموطأ ما رأى أحداً من أهل العلم والفضل والفقه يصومه، ولكن إذا ثبت الخبر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا قول لأحد معه، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، كما قال الإمام مالك -رحمه الله-، فصيام الست مشروع، وإذا صامها بعد إتمام صيام رمضان أدرك السنة ولو فرقها، ولا يلزم التتابع، وكونها في أول شوال أولى، لقوله -عليه الصلاة والسلام-: (( ... ثم أتبعه ستاً)) وكونه يكون عليه القضاء من رمضان ثم يقدم الست لأن وقتها مضيق في الشهر، ووقت القضاء يمتد إلى شعبان، لا يترتب عليه الثواب المرتب على صيام الست بعد رمضان؛ لأنه لا يكون متبعاً لرمضان بالست؛ لأن المفهوم من رمضان الشهر كامل ((من صام رمضان –يعني كاملاً– وأتبعه ستاً من شوال)) وعلى هذا فالقضاء لا بد أن يكون قبل النفل، لا بد أن يكون قبل التنفل. قد يقول قائل: هل يتصور أن عائشة -رضي الله عنها- لا تتنفل بشيء من الصيام؛ لأنها تؤخر القضاء إلى شعبان، إذاً فمتى تصوم الست؟ ومتى تصوم عرفة وعاشوراء؟ تصور أن عائشة تفرط بهذه الأيام التي تثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- الحث عليها، وبعضها من طريقها؟ هل نقول: أن عائشة تفرط في الصيام المندوب، أو نقول: أنها تصوم النفل قبل قضاء رمضان؟. هو لا شك أن قضاءها رمضان في شعبان في عهده -عليه الصلاة والسلام- وبحضرته لأنه هو سبب التأخير، لأنه حقه -عليه الصلاة والسلام- عليها هو سبب التأخير، فلا يتصور أن هذا من اجتهادها، بل بعلمه -عليه الصلاة والسلام-، لأنها في بيته، يعرف متى تصوم؟ ويعرف متى تفطر؟ كان يصوم الصبيان في عاشوراء وعائشة -رضي الله تعالى عنها- لا تصوم يوم عاشوراء؟ هذا يستدل به من يقول: أنه يجوز التنفل قبل قضاء الفرض.

ونظير ذلك: الراتبة القبلية في الوقت المتسع تقدم، من جاء بعد أذان الظهر يصلي أربع ركعات قبل الفريضة لأن الوقت متسع، جاء وقد قدمت جنازة يصلي على الجنازة، ثم بعد ذلك يصلي الفريضة، إذا تصور أنها فاتته، وهما قولان لأهل العلم، لكن الأكثر على أنه لا يتنفل قبل أداء الفرض، وجاء ما يدل على ذلك أنه لا تقبل نافلة ما لم تؤد فريضة، وجاء أن ذلك أحب إلى الله -جل وعلا- ((وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه)) فدل على أنه أحب، وعلى كل حال هما قولان، لكل قول أدلته، وعلى الإنسان أن يُعنى بالفرض، ليبرأ من عهدته قبل أن يفجأه ما يفجأه من الأجل. بقي مسائل كثيرة، والأسئلة أيضاً فيها تنبيه على أمور، علينا أن نتكلم فيها، ولعلنا نسيناها. سؤال: يقول: إذا أكمل عدة شعبان ثلاثين مع أن هناك رجل في دولة أخرى، رأى الهلال وصامت تلك الدولة، فهل يصوم من هو في دولة أخرى؟

الجواب: إذا رأى الهلال ثم ردت شهادته مثلاً فيصدق عليه أنه رأى الهلال، ويدخل في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صوموا لرؤيته)) وبهذا قال جمع من أهل العلم أنه يصوم، وكذا لو رأى هلال شوال يفطر، ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) ولكن المرجح أنه لا يصوم ولا يفطر إلا مع الناس ((الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون)) فيصوم مع الناس، ويفطر مع الناس، هذا الذي رأى الهلال في دولة أخرى، وصامت تلك الدولة، ومن في البلد الآخر، هذه المسألة يسميها أو يتكلم عنها أهل العلم على اختلاف المطالع، وأن لكل بلد مطلع، ويكون الهلال قد طلع في الشام، ولا يكون طلع في المدينة، ويطلع في بلد ولا يطلع في بلد، فإذا رؤي الهلال في بلد يعتمد الرؤية الشرعية، فهل يلزم جميع المسلمين الصوم أو يلزم من في بلده، وتبقى البلدان الأخرى على مطلعها ورؤيتها؟ قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صوموا لرؤيته)) هذا ليس خاص بأهل المدينة، كما في قوله: ((ولكن شرقوا أو غربوا)) ليس بخاص بأهل المدينة، وإنما يتجه لكل من يتصور منه الإجابة، ((صوموا لرؤيته)) الأصل أن الخطاب للأمة كلها، وعلى هذا إذا رؤي الهلال في أي بلد من بلدان المسلمين فإنه يلزم جميع المسلمين في شرق الأرض وغربها الصوم، لأن الخطاب موجه إليهم، ولا يوجد ما يخرج بعضهم عن عموم هذا الخطاب، وبهذا يقول جمع أهل العلم، وهو المعروف عند الحنابلة، وكثير من أهل العلم.

ومن أهل العلم من يرى اختلاف المطالع وأنه إذا رؤي الهلال في بلد أو إقليم لا يلزم غيرهم الصيام، إلا من كان على سمتها واتحد مطلعه معها، ويستدلون على ذلك بحديث ابن عباس المخرج في مسلم، وهو أن كريباً قدم المدينة من الشام، فرأى أهل الشام الهلال في الجمعة، وأهل المدينة ما رأوه إلا يوم السبت فقال كريب: إن معاوية والناس صاموا يوم الجمعة، وعلى هذا أكملنا عدة رمضان ثلاثين، ولا يمكن أن يزيد الشهر على ثلاثين، فابن عباس قال: لكنا لا نفطر حتى نراه، هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فدل الخبر على أن أهل الشام لهم رؤيتهم، وأن أهل المدينة لهم رؤيتهم، ولم يفطر أهل المدينة بفطر أهل الشام المبني على رؤيتهم، وإنما أكملوا رمضان ثلاثين يوماً، هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعني الحديث الخبر صحيح، ومرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتجد من أهل العلم أهل الأثر أهل الإتباع أهل الإقتداء يفتي بعضهم بأن المطالع متحدة، وأن هذا أضبط للناس، وأصون لصيامهم، فلا يترك الأمر لاجتهادات البلدان، بمعنى أن هؤلاء يصومون يوم الخميس، وهؤلاء يصومون يوم الجمعة، وهؤلاء يصومون يوم السبت، ويفطرون قبلهم بيوم أو يومين، هل يمكن لمجتهد أن يجتهد مع نص ابن عباس فيقول: باتحاد المطالع؟ يمكن أو ما يمكن؟ طالب: يمكن الشيخ: كيف يمكن؟ طالب:. . . . . . . . .

الشيخ: يعني: لو نظرنا في كلام الشيخ ابن باز ويعرف هذا الحديث أو حتى المذهب عند الحنابلة، على كل حال الهيئة افتت باختلاف المطالع، لكن الكلام مع من يقول باتحاد المطالع، مع صحة خبر ابن عباس، وقوله: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صحيح مسلم، هل المسألة اجتهادية أو نصية ليسوغ فيها الخلاف؟ قوله: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرفوع قطعاً، لكن ما حقيقة هذا الأمر؟ هل أمر الرسول -عليه الصلاة والسلام- الذي نقله ابن عباس أمر في هذه المسألة بخصوصها، واتحاد المطالع، أو أمره -عليه الصلاة والسلام- بقول: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) لأن بعض الناس حينما يسمع كلام بعض العلماء أهل الأثر أهل الاقتداء يقولون بلزوم الصوم لجميع الأمة إذا رؤي الهلال ولو اختلفت المطالع، يقول: كيف يسوغ لمثل هذا وقد عرف بعلمه وفضله وإتباعه مع صحة حديث ابن عباس؟ نقول: ابن عباس هكذا قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لكن ما حقيقة هذا الأمر؟ هل أمره في هذه المسألة بخصوصها؟ هل أمرهم بهذه المسألة التي تدل على اختلاف المطالع، أو أمرهم بقوله: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) والنص كما يفهمه ابن عباس في دلالته على اختلاف المطالع يفهمه غيره في الدلالة على اتحاد المطالع، وعلى كل حال للاجتهاد في مثل هذا مجال، ومن اجتهد وقال: باتحاد المطالع فله سلف، ودلالة الحديث واضحة، ومن اجتهد وقال: باختلاف المطالع فله سلف، ودلالة خبر ابن عباس عليه أوضح، لأنه ابن عباس فهم من حديث: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) أنه خاص بكل إقليم يختلف مطلعه عن غيره، أو أن لديه أمراً خاصاً بهذه المسألة.

قد يقول قائل: أن فهم الصحابي مقدم على فهم غيره، مقدم على فهم غيره نقول: هذا هو الأصل، لكن لا يعني أن فهم الصحابي أو فهم الراوي ملزم لغيره، وحديث: ((رب مبلغ أوعى من سامع)) يدل على ذلك، فهذه المسألة لا شك أنها من الدقائق، في قصة ابن عباس -ولو كررنا الكلام- لأن مثل هذا يشكل على بعض طلاب العلم يقول: كيف الشيخ ابن باز يعارض حديث ابن عباس، وهو في صحيح مسلم؟ ابن عباس استدل بالحديث على اختلاف المطالع، وعمل به على هذا الأساس، لكنه استدل بأمر النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهل عند ابن عباس أمر خاص في هذه المسألة، أو لعله استند في قوله هذا على حديث: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته))؟ وحينئذ يبقى المجال في فهم النص واسع. سؤال: يقول: أنا شاب مبتلى بالعادة السرية، ولا أستطيع أن أتركها، حتى أني أفعلها في ليالي رمضان، وفي الحج، ولكني أندم بعدها فما هو الحل؟ الجواب: أولاً: عليك أن تعلم أنها مفطرة، إذا خرج المني دفقاً بلذة، هذه العادة مفطرة، وهذا يخفى على كثير من الشباب. الأمر الثاني: أنها موجبة للغسل، ولا يجوز فعلها في نهار رمضان اتفاقاً، لأنها مفطرة، وأما فعلها في غير نهار رمضان من غير الصائم، فالمرجح عند أهل العلم أنها محرمة، وقال أهل العلم بإطلاق الكراهة، وهذا مأثور عن الإمام أحمد، وإن كان نص الزاد قال: "ومن استمنى بيده لغير حاجة عزر" على كل حال هي محرمة، والأدلة عند أهل العلم في آيتين، المؤمنون، وأيضاً في سأل سائل {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [(5 - 6) سورة المؤمنون] [(29 - 30) سورة المعارج] وأيضاً حديث: ((ومن لم يستطع فعليه بالصوم)) فلو كانت جائزة لأرشد إليها. وعلى هذا على الشاب وعلى كل من تثور شهوته، ألا يعرض نفسه للفتن، فلا يجوز له أن يغشى الأماكن التي فيها ما يثيره، ولا يشاهد ما يثيره من خلال القنوات أو المجلات أو الجرائد، أو ما أشبه ذلك، يحرم عليه ذلك، إذا كان يؤدي به إلى هذه الفتنة.

سؤال: يقول: هل يحق لي أن آخذ إجازة من عملي، وذلك للاعتكاف في الليالي العشر، مع العلم أن عملي يحتاج إلي حاجة بسيطة؟ ولا يترتب على ذلك ضياع أو خسارة، بل روتين عادي مع العلم بأن في العمل أنا معرض للفتنة من النساء، والله المستعان؟. الجواب: على كل إذا كنت معرض للفتنة في هذا العمل يلزمك أن تترك هذا العمل، وتبحث عن عمل غيره، لا يعرضك للفتنة، سواء كان ذلك في رمضان أو في غير رمضان، والأمر في رمضان أشد، وأما أخذ الإجازة من العمل، وترك العمل الذي تعاقدت عليه، وأخذت عليه أجراً من أجل الاعتكاف فلا، إلا إذا كان في النظام ما يجيز لك أن تأخذ مثل هذه الإجازة من غير اشتراط ضرورة، فلا مانع -إن شاء الله تعالى-. سؤال: يقول: ما الفرق بين أن يكون الحج قبل الصيام، أو يكون الصيام قبل الحج؟ وماذا نستفيد من هذا التقديم والتأخير؟ الجواب: إن كان الأخ السائل سمع الحديث وظن أن الحج يمكن أن يكون قبل الصيام أو العكس، هذا فهم ما يخطر على بال أحد، لكن إذا كان يظن أو سؤاله عن تقديم الحج في حديث ابن عمر أو تقديم الصيام فهذا هو الواقع، جاء في المتفق عليه تقديم الحج، وجاء في صحيح مسلم تقديم الصيام، وهذا التقديم لا شك كما يقول أهل العلم أن الأولية لها نصيب في الأولوية، فإذا قدم الصيام كان أهم من الحج، يعني أمره آكد من الحج، والعكس إذا قدم الحج على الصيام. سؤال: يقول: بعض الناس يتسحرون فإذا أذن المؤذن يكمل سحوره إلى أن ينتهي، هل يجوز فعل هؤلاء الناس أم لا يجوز؟ أفيدونا؟ الجواب: هذا ينبني على معرفة دقة المؤذن وتحريه، فإن كان المؤذن ممن يؤذن قبل طلوع الفجر، فلا مانع، حتى يطلع الفجر، وإن كان المؤذن يؤذن بعد طلوع الفجر، أو مع طلوع الفجر، فإنه حينئذ لا يجوز الأكل، ويفطر به إذا أكل بعد تحقق طلوع الفجر. سؤال: يقول: هل المبالغة في الاستنشاق أثناء الوضوء والغسل يفسد الصوم؟

الجواب: جاء في الحديث: ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)) فلا يجوز تجويز المبالغة في الاستنشاق حال الصيام، وإذا تعمد ذلك وذهب إلى حلقه شيء من الماء أفطر به، وأما بالنسبة للمبالغة في المضمضة، المبالغة في المضمضة فلم يرد فيها شيء، إلا أنها باعتبار الفم هو المنفذ الأصلي، فقد يقال: أن النهي عن المبالغة في المضمضة من باب أولى، من المبالغة في الاستنشاق، وقد يقول قائل: أن الفم يمكن التحكم فيه، بخلاف الأنف، وإذا جاء التنصيص على عدم المبالغة في الاستنشاق ولم ينص على عدم المبالغة في المضمضة، وحينئذ إذا كان يمكن التحكم بالفم بحيث لا ينساب شيء من الماء إلى الجوف فالمبالغة لا بأس بها حينئذ، ولكلٍ وجه، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مسائل وإشكالات في الصيام

مسائل وإشكالات في الصيام الشيخ/ عبد الكريم الخضير الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: مكانة صيام رمضان: فإنه من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن الصيام ركن من أركانه، وهو أحد دعائمه التي بينت في حديث جبريل وسؤاله للنبي -عليه الصلاة والسلام- لما سأل عن الإيمان والإسلام والإحسان أجابه: بالأركان الخمسة في سؤال الإسلام، وفي حديث عبد الله بن عمر المتفق عليه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)) هكذا في الصحيحين، وفي صحيح مسلم بتقديم الصيام على الحج، وسواء تقدم الصيام على الحج أو تأخر عنه فالإجماع قائم على أن الصيام –صوم شهر رمضان– ركن من أركان الإسلام، والخلاف في كفر تاركه معروف بين أهل العلم ولو أقر بوجوبه، ولكن الذي عليه الجمهور أنه لا يكفر، وإن قال بكفره جمع من أهل العلم، وهذا يدل على أن شأنه عظيم، ومن أفطر في يوم من رمضان من غير عذر لم يقضه صيام الدهر ولو صامه، فهذا يدل على التشديد في شأنه. الحكمة من الصيام: ويقول الله -جل وعلا- في محكم التنزيل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ –يعني فرض وأوجب– كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة] فالصيام من أعظم ما يحقق التقوى، التي هي وصية الله -جل وعلا- للأولين والآخرين؛ فالتقوى إنما تتحقق بالصيام كما أنها تتحقق ببقية أركان الإسلام كالصلاة والزكاة والحج، وأما الذي لا ينطق بالشهادتين فهذا لم يدخل في الإسلام أصلاً، لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، أو حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) فالمسألة هي من دخل في الإسلام، وادعى الإسلام ونطق بالشهادتين لا تتحقق له التقوى حتى يأتي بهذا الركن العظيم {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} والتقوى فعل الأوامر واجتناب النواهي.

وقد يقول قائل: أن الناس كثير منهم نراهم يصومون ولا يفرطون في الصيام، يصومون الفرض، شهر رمضان، ويكثرون من صيام النوافل ومع ذلك التقوى لم تتحقق، بمعنى أنهم يفرطون في بعض الواجبات، ويرتكبون بعض المحرمات، والله -جل وعلا- يقول: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} نقول: الصيام الذي يحقق التقوى هو الصيام الذي على مراد الله -جل وعلا-، وعلى مراد رسوله -عليه الصلاة والسلام-؛ فالذي يصوم كصومه -عليه الصلاة والسلام- ويصون صيامه عن الخوارم فالصوم جنة، تقي العبد مما يؤذيه سواء كان هذا في الدنيا أو في الآخرة، فهو جنة ما لم يخرقها، كما جاء في الخبر، فإذا خرقها بما ينقص ثوابها ويضاد ويخالف الهدف من مشروعيتها فهو الذي جنى على نفسه، فنجد في المسلمين من يصوم ويحرص على الصيام، ولو دفع له ما على وجه الأرض من متاع في مقابل صيام يوم واحد لرفض، ومع ذلك لم يتحقق له الهدف الذي من أجله شرع الصيام، وذلكم لأنه لم يصم الصوم الموافق لصيامه -عليه الصلاة والسلام-، تجده يصوم ويمسك عن الطعام والشراب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، يمسك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، ثم بعد ذلك لا يكف لسانه عن القيل والقال، تجده يتحدث في أعراض الناس، ويأكل لحومهم، ثم لا تجده يحمي سمعه عن الحرام، ولا يحمي بصره عن الحرام، فمثل هذا لا تترتب عليه الآثار التي رتبت عليه شرعاً، إذ هذا الصيام ناقص، لا يقال: بأن الصيام باطل، إذا أمسك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، صومه صحيح ولا يؤمر بإعادته، لكن الآثار المترتبة عليه لا تترتب على صيام هذا الشخص، الذي لم يحمي ولم يصن لسانه ولا سمعه ولا بصره عما حرم الله -جل وعلا-، وهذا الصيام فيه قول الله -جل وعلا-: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] فإذا اتقى الله -جل وعلا- في صيامه فإن صومه مقبول، أما إذا لم يتق الله -جل وعلا- في صيامه بمعنى أنه ارتكب محرماً أو فرط في واجب، نام عن الصلوات المفروضة، صلاها بعد خروج وقتها، لم يصلها مع جماعة المسلمين كما أوجب الله -جل وعلا- مثل هذا لم يتق الله -جل وعلا- في صيامه والله -جل وعلا- يقول:

{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}. المراد بنفي القبول هنا هو نفي الثواب المرتب على هذه العبادة، فلا ثواب له عليها، ولكن القبول بمعنى الصحة، الصوم لا يؤمر بإعادته كما هو مقرر عند أهل العلم، لكن معه ذلك الثواب المرتب عليه لا يستحقه هذا الذي لم يصن صيامه عن المحرمات، ونظير ذلك ما جاء في الصلاة {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [(45) سورة العنكبوت] المسلم يحرص على الصلاة، ونرى في المسلمين -ولله الحمد- من يحافظ على الصلوات، بشروطها وأركانها ومع جماعة المسلمين، ولا يفرط في هذا، لكنه مع ذلك قد يرتكب بعض المحرمات، فهل هذا خلف في وعد الله -جل وعلا-؟ كلا، وعد الله لا يخلف {إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [(194) سورة آل عمران] ولكن هذا لخلل في صلاته، ما صلى كما صلى النبي -عليه الصلاة والسلام-. الحاج يرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه لكن شريطة أن يتقي الله -جل وعلا- في حجه، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه لأي حاج؟ لمن اتقى، يعني لا إثم عليه، يرتفع عنه الإثم، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، لكن شريطة أن يتقي الله -جل وعلا-، ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) بعض الناس يقول: الحج الآن أربعة أيام ويمكن أن يمسك لسانه لا يرفث ولا يفسق، ليرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وهو في حال السعة طول أيامه في أثناء العام شغل وقته بالقيل والقال، ويريد أن يحفظ لسانه في هذه الأيام الأربعة، نقول: أبداً لا يمكن، وشواهد الأحوال من حال كثير من الحجاج لا تحتاج إلى بيان كثير من الحجاج تجده في عرفة في عشية عرفة يفسق ويرفث ويهزأ ويسخر ويغتاب، هل هذا غني عن المغفرة؟ لا ليس بغني، هل هذا لا يستطيع أن يمسك لسانه؟ الأصل أن يطبق شفتيه ولا يتكلم، لكن مثل هذا لا يعان، إلا إذا تعرف على الله في الرخاء فإنه يعرفه في الشدة.

كثير من الناس يجاور في العشر الأواخر من رمضان في أقدس البقاع في الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر ويجلس يلزم المسجد الحرام ويقول: هي ليال معدودة، أريد أن أحفظ نفسي، لكن ماذا عم سلف؟ ما وضعك في أول الشهر في شعبان في رجب فيما قبلها من الشهور؟ إن كنت من أهل القيل والقال فلن تتركه ولو كنت في هذا المكان، ويقول: قراءة القرآن كل حرف بعشر حسنات، وتعظم هذه الحسنات في الشهر المبارك وفي المكان المبارك، لماذا لا أحرص؟ وختم القرآن يتحقق في ست ساعات، يقول: لماذا لا أختم كل يوم؟ الأمر يسير، لكن كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة)) تجد من خيار الناس من طلاب العلم، من يجاور الأيام الفاضلة في المكان المقدس ومع ذلك تضيع ساعاته سدى، يفتح المصحف بعد صلاة العصر منتظراً الفطور، ثم يقرأ خمس دقائق إذا كان ما اعتاد القراءة خمس دقائق ثم يلتفت يميناً وشمالاً لينظر هل يرى أحد قد أقبل ممن يعرفه، ليمضي معه بعض الوقت، ثم إذا لم يجد أحد عاد إلى قراءته، ثم في المرة الثانية يقوم هو يبحث عن الناس، وهذا ما يحتاج إلى استدلال هذا كثير –مع الأسف– ممن يقصد تلك البلاد ويعطل أشغاله ويترك أهله ومعاريفه ويتغرب ومع ذلك لا يستفيد الفائدة المرجوة، وذلكم لأنه لم يتعرف على الله في الرخاء.

فعلينا أن نعرف لهذه الأوقات قدرها، ولهذه الأماكن قدرها، والعمر قصير، الأصل أن المسلم إنما خلق أو الخلق كلهم من الجن والإنس إنما خلقوا لتحقيق العبودية لله -جل وعلا-، خلقوا لتحقيق العبودية، ولذا يخشى على المسلم الممتثل حق الامتثال الذي يحقق العبودية كما أمر -جل وعلا- يخشى عليه أن ينسى الدنيا، ولهذا احتاج أن يقال له: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] فإذا عرضت حالك على مثل هذه النصوص كيف تجد النتيجة؟ كثير منا مع الأسف بحاجة ماسة إلى أن يقال له: ولا تنس نصيبك من الآخرة، شوف بعض الناس انصرفوا إلى الدنيا وتركوا الآخرة، والدنيا لا شيء بالنسبة للآخرة، لا شيء بالنسبة للآخرة، موضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا، وركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها، ركعتان يؤديهما المسلم في دقيقتين خير من الدنيا وما فيها، يعني تصور هذه المليارات أو الترليونات على ما قالوا تعدل ركعتين، ولا تزن عند الله جناح بعوضة، لكن من يعرف حقيقة هذه الدنيا؟ يعرفها من علق قلبه بالله -جل وعلا-. سعيد بن المسيب جاء من يخطب ابنته لابن الخليفة، سعيد بن المسيب أعلم التابعين كما هو معروف، بل أفضلهم عند الإمام أحمد، وإن كان النزاع بين أهل العلم في هذا في تفضيل أويس القرني الذي جاء فيه النص الصحيح في صحيح مسلم وغيره معروف بين أهل العلم؛ لكن الذي يهمنا أن سعيد بن المسيب سيد من سادات التابعين، ومن سلف هذه الأمة، جاءه الواسطة ليخطب ابنته لابن الخليفة، فقال له الواسطة السفير، قال له: جاءتك الدنيا بحذافيرها، ابن الخليفة يريد بنتك، قال: إذا كانت الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، فماذا ترى أن يقص لي من هذا الجناح؟.

هؤلاء الذين عرفوا حقيقة الدنيا، وليس معنى هذا أن على الإنسان أن يترهب، لا رهبانية في الإسلام، لكن عليه أن يعبد الله -جل وعلا- على مراده سبحانه وتعالى، وعليه أن ينوي الخير ويخلص في جميع أعماله، وإذا نوى النية الصالحة انقلبت عاداته عبادات، صار نومه عبادة، أكله عبادة، نزهته عبادة، مزحه عبادة، إذا نوى بنومه التقوي على طاعة الله -جل وعلا- يؤجر عليه، إذا نوى بأكله استعمال هذا البدن لطاعة الله -جل وعلا- أجر عليه، إذا نوى بمزحه الاستجمام للتقوي على طاعة الله -جل وعلا- أجر على ذلك، ما يضعه في امرأته وأولاده كله يؤجر عليه، جماعه لأهله صدقة يؤجر عليها، كما جاء في الحديث الصحيح. إذن ما بقي شيء يخرج عن دائرة ما يوصل إلى الله -جل وعلا- وإلى مرضاته، حتى ما يظن أنه بعيد كل البعد عن أمور الآخرة، وهو الجماع، قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((وفي بضع أحدكم صدقة -استغرب الصحابة– قالوا: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: ((نعم، أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ )) قالوا: بلى. فالإنسان إذا نوى النية الصالحة، يعني إذا ذهب إلى المحل، محل الأغذية ينوي بذلك التقرب إلى الله -جل وعلا- بما يشتريه من مواد يقوت بها نفسه ويقوت بها من يموله أجر على ذلك، حتى ما يضعه في في امرأته يؤجر عليه، فشتان بين من جميع تصرفاته عبادات، وبين من عباداته عادات، يدخل إلى المسجد يؤدي هذه الصلاة في بدنه لا يعقل منها شيء، هذه صارت عادة ما صارت عبادة، ولا يترتب عليها الثواب المرتب على الصلاة، فإذا كانت الصلوات الخمس كفارات ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، والعمرة إلى العمرة كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر)) شخص يصلي ببدنه ولا يعقل منها شيء هذا ليس له من الأجر شيء. ويقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: الذي يخرج من صلاته بعشرها هل يرجى أن تكفر من سيئاته شيء؟ هذه إن كفرت نفسها فنعم العمل، نسمع نصوص الوعد ونرجو الله -جل وعلا-، ونوسع في الرجاء، ومع ذلك نفرط في رأس مالنا الذي هو الدين، والله المستعان.

فالصيام كما في الآية يحقق التقوى، كما أنه وسيلة العفاف، جاء في حديث عبد الله بن مسعود المتفق عليه: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) يحقق له العفاف، لكن ما الصوم الذي يحقق العفاف؟ مثل ما قلنا في الصيام الذي يحقق التقوى، كيف تحقق العفاف بصوم تخرقه بتعريض نفسك لمواضع الفتن؟ تخرج إلى الأسواق التي فيها النساء المتبرجات، تنظر إلى الآلات التي فيها العاهرات والماجنات، تنظر في الصحف والمجلات التي فيها صور، الصور المثيرات، هل هذا يحقق عفاف مثل هذا الصيام؟ أبداً، لكن صم الصوم الشرعي ليتحقق لك ما جاء الوعد به في نصوص الكتاب والسنة. قد يقول قائل: أنا ما أتعرض للفتن، ولا أرى آلات، أنا ما أخرج من البيت، من البيت إلى المسجد، ومع ذلك إذا نمت بجوار زوجتي صارت شهوتي في رمضان أعظم من غيره؟ الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) وبعض من ينتسب إلى طلب العلم أحياناً يحصل منه ما يحصل من غيره من التحرش بالزوجة أثناء الصيام، وذلكم لأن بعض الناس في وجبة السحور يأكل من الأكلات أو من الأكل المتنوع ويكثر منه جداً، ثم بعد ذلك يصلي الفجر ينام إلى الظهر، ثم بعد ذلك يصلي الظهر وقد أخذ الجسد من ألوان الغذاء وترتبت الآثار عليه فأدى الطعام دوره الآن، بدأ يؤدي دوره؛ لأنه نام ما أحرق شيء من طعامه، لكن لو كان أكله خفيف، ومع ذلك ما اشتغل، استغل الوقت بالنوم، عمل واشتغل وأحرق، لا شك أنه يجوع حينئذ لا تثور شهوته، ويتحقق له العفاف، على كل حال، على الإنسان أن يحفظ صيامه. كان كثير من السلف يحفظون صيامهم بلزوم المسجد، وخير مقام قمت فيه وحلية تحليتها ذكر الإله بمسجد، فلزوم المسجد دأب السلف، وهو بيت كل تقي، فعلى الإنسان أن يحرص على هذا، ولا يلزم من هذا أن يعطل الواجبات ويضيع من تحت يده، ويترك ما أوجب الله عليه من فرائض أخرى، وما استؤجر عليه من عمل لا يلزم هذا، بل يوفق بين هذا وهذا، والموفق من وفقه الله -جل وعلا- لأداء ما أوجب عليه، وترك ما نهاه عنه، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة:

الأسئلة: هذا يقول: هل تكفي نية واحدة لصيام شهر رمضان؟ القول المحقق أن النية تكفي ما لم يأت ما يقطعها، لا ينوي قطعها، فإذا قطعها فليستأنف، يعني كل مسلم ينوي لا سيما إذا لم يخطر بباله سفر أو ما أشبهه مما يبيح الفطر، فإنه ينوي صيام الشهر كاملاً، ومعنى هذا أنه في كل ليلة يقصد أن يصوم غداً، فاستصحاب هذه النية غير لازم، يعني لو غفل عنها ما ضر، لكن الذي يضر نية القطع، إذا قال: أريد أن أسافر وأفطر، ثم ما جدد هذه النية خلاص انتهى، فالعلماء يقولون: استصحاب الذكر لا يلزم، استصحاب الحكم واجب مؤثر؛ لئلا ينوي قطعها، فإن نوى قطعها بسفر أو شبهه فإنه حينئذ يستأنف. في قيام العشر الأواخر بعض الأئمة يصلي ثلاث عشرة ركعة في أول الليل وآخره فيصلي مثلاً في أول الليل ست ركعات، ثم في آخر الليل في صلاة القيام يصلي سبع ركعات، فهل هذا أولى أو الأفضل الزيادة على ذلك؟ جاء في حديث عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن النبي -عليه الصلاة والسلام-: "ما زاد في رمضان ولا في غيره عن إحدى عشرة ركعة" وثبت في الصحيح أيضاً أنه صلى ثلاث عشرة ركعة، وثبت أنه صلى خمس عشرة ركعة، وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح فليصل واحدة توتر له ما قد صلى)) فليس في هذا حد محدود، إلا أن الأفضل أن يصلي إحدى عشرة، على الوصف الذي جاء في صلاته -عليه الصلاة والسلام-، "يصلي أربعاً، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يوتر بثلاث".

وجاء في وصف صلاته -عليه الصلاة والسلام- أنه قرأ في ركعة البقرة، ثم النساء ثم آل عمران، يعني قرأ في ركعة واحدة خمسة أجزاء، وبعض الناس يظن أنه يحقق الاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- فيصلي إحدى عشرة ركعة بإحدى عشرة دقيقة، هي مجزئة، يعني الركعة تتصور بدقيقة واحدة، لكن مع ذلك هل هذا حقق ما جاء في وصف صلاته -عليه الصلاة والسلام-؟ فإذا حقق الاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- كماً وكيفاً هذا هو المطلوب، هذا الأفضل، إذا حقق ذلك كماً وكيفاً، أما إذا حقق الكم دون الكيف فلا، لأن القرآن دل على أن القيام يحسب بالوقت، القيام يحسب بالوقت لا بالعدد {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ} [(20) سورة المزمل] تحديده بالوقت لا بالركعات، ولا بالقراءة، إنما هو بالوقت، يعني من شغل ثلث الليل فأجره واحد، سواء صلى في الثلث الذي يقدر يمكن ثلاث ساعات أحياناً صلى في ثلاث ساعات إحدى عشرة ركعة، أو صلى أكثر من ذلك أو أقل، إذا صلى ثلث الليل وعمر الوقت بالصلاة والذكر والدعاء حسب قيام الليل وكامل ما فيه إشكال الثلث، وأيضاً لو صلى شغل نصف الليل فأجره أعظم، على كل حال مثل هذا يقدر بالوقت وكل إنسان يفعل ما ينفع قلبه، ويرتاح له؛ لأن بعض الناس عنده استعداد أن يصلي مائة ركعة خفيفة، وفي هذا حديث: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) هذا فيه نص، وبعض الناس ما عنده استعداد يقوم ويقعد ويشق عليه كثرة القيام والقعود، مثل هذا يطيل القيام، ويقلل من الركعات أو يطيل السجود؛ لأن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.

والمسألة يختلف أهل العلم في الأفضل من إطالة القيام أو إطالة السجود والركوع، وإطالة القيام: القنوت {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] وذكر القيام: القرآن، أفضل الأذكار وأفضل الكلام، والسجود أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وجاءت النصوص بهذا وهذا ليختار المسلم ما ينفع قلبه ويرتاح له بدنه؛ لأنه ليس المراد من القيام –قيام الليل– تعذيب المكلف، أبداً، وإنما المراد منه والهدف من تشريعه القرب من الله -جل وعلا- والتلذذ بمناجاته، فمثل هذا إذا أطال القيام وقرأ القرآن في هذا القيام على الوجه المأمور به بالتدبر والترتيل، مثل هذا، هذا أفضل الصلاة طول القيام، وإن كان ممن لا يحفظ القرآن ويشق عليه النظر في المصحف، أو لا يساعده بصره في إطالة القراءة مثلاً وأراد أن يطيل السجود والركوع، فله ذلك وأجره عظيم؛ لأن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ((أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فإنه قمن أن يستجاب لكم)) وعلى كل حال من قام الليل فهو على خير، وبعض الناس عنده استعداد أن يسهر الليل كله، ثم إذا أراد أن يوتر بركعة ما الذي يحصل له من الصراع في نفسه؟ أحياناً يغلبها وأحياناً تغلبه، وهي ركعة واحدة؛ لأنه ما تعود، ولا شك أن قيام الليل شاق في أول الأمر، يحتاج إلى جهاد، بعض السلف يقول: جاهدنا عشرين سنة وتلذذنا بقية العمر. فالمسألة تحتاج إلى جهاد، تحتاج إلى صدق مع الله -جل وعلا-، مع بذل الأسباب وانتفاء الموانع، وإذا علم الله -جل وعلا- صدق العبد أعانه، والله المستعان. يقول: ما درجة حديث: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)) وكيف نوفق بينه وبين فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من كثرة صيامه لأيام شهر شعبان حتى يكاد أنه لا يفطر؟

جاء الحث على صيام شعبان، ومفهوم حديث النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين أن تقدمه بثلاثة أيام لا بأس به، وبهذا أعل حديث: ((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)) مع أن من أهل العلم من صححه، وحمل النهي على من ابتدأ الصيام بعد انتصافه، يعني يبدأ صيامه، ما يصوم من النصف الأول، ويبدأ من السادس عشر، فإذا انتصف شهر شعبان، يعني فلا تصوم، يعني لا تبدؤوا بالصيام، أما من ابتدأه من أول الشهر، فيتجه في حقه ما كان يصعنه -عليه الصلاة والسلام- أو ما كان يفعله في أيامه الغابرة من صيام الاثنين والخميس والبيض، ثم بعد ذلك يستمر، في صيام الاثنين والخميس ولو بعد انتصاف شعبان. وعلى كل حال الحديث قابل للتحسين، وقد صححه بعض أهل، وإذا ثبت فإنه يحمل على هذا، فأنه لا يبتدأ الصيام من النصف، أما من ابتدأه قبل النصف فلا مانع، بل الأفضل له أن يكثر من صيام هذا الشهر؛ لأنه كمقدمة لرمضان. هذا يقول: هل سماع الأغاني في رمضان يضاعف الأجر فيها، وهل يبطل الصائم؟ إيش يضاعف؟ أو الإثم؟ الكتابة الأجر ولعله يقصد الإثم؟ يعني كيف سماع الأغاني في رمضان يضاعف الأجر؟ لا، هذا ليس بمقصود قطعاً، إنما كونه يضاعف الإثم، هذا المقصود، أما المضاعفة بكثرة العدد فلا، السيئة سيئة، لكن السيئات تعظم لعظمة الزمان والمكان، فسماع الأغاني أشد في رمضان من غيره، وإن كان محرماً في رمضان وفي غيره، أما كونه يبطل الصيام فلا، لا يبطل الصيام. يقول: رجل يسافر يوم السبت بالليل، خارج هذه البلاد، هل يصوم مع صيام المملكة؟ أو مع البلد الذي يسافر إليه؟ أو هو يوم الشك أفيدونا؟ حكمه حكم البلد الذي يدخل عليه الشهر فيه، فإن رؤي الهلال ليلة السبت يلزمه الصيام، وهو فيه مقيم، وإذا سافر له أن يفطر على أن يقضيه، وإذا لم يثبت الصيام في هذه البلاد فإنه لا يلزمه الصوم، فإذا وصل إلى بلد وقد صاموا ثبت عندهم الهلال، ثبت عندهم دخول الشهر وقد صاموا، يلزمه الإمساك، يلزمه أن يمسك ويقضي هذا اليوم. يقول: هو شاب في مقتبل العمر، وكان في شهر رمضان في أعوام سابقة، يفطر أياماً كثيرة متعمداً، ولا أعلم كم عددها، أريد التوبة ماذا أفعل؟

إذا كنت لا تستطيع الوقوف على حقيقة الحال، ولا يمكن تحسب ما أفطرته ولو بغلبة الظن، يعني تتصور أنك أفطرت قبل خمس سنوات خمسة أيام وقبل أربع سنوات ستة أيام، وهكذا ... إذا استطعت أن تحصر وليس في قضائها ما يشق عليك مشقة تعجز عنها إذا استطعت ذلك فعليك القضاء، عليك أن تقضي، وأما إذا كثرت كثرة بحيث لا تستطيع إحصائها، أو لا تستطيع القيام بها فإنك حينئذ عليك التوبة والاستغفار والعزم على ألا تعود، والندم على ما فات وتكثر حينئذ من نوافل الصيام. حديث: ((من لم يدع قوم الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه)) ما معنى هذا الحديث؟ يعني أن مثل هذا الصيام أولاً: الله -جل وعلا- ليس بحاجة لا لطاعة المطيع ولا تضره معصية العاصي، ((يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وأنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاًَ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وأنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاًَ)) فالله -جل وعلا- غني، الغنى المطلق لا تنفعه طاعة مطيق ولا معصية عاصي. فالمقصود بالحاجة التي يكافيء عليها، فالله -جل وعلا- لا يكافيء مثل هذا، الذي لم يدع قول الزور والعمل به على صيامه، فصيامه كونه ترك الطعام والشراب لا يكفي في ترتب الأثر على هذا الصيام والجزاء العظيم ((الصوم لي، وأنا أجزي به)) فمثل هذا لا تترتب عليه آثاره، ولا يكتب له من الأجر إلا بقدر ما حققه من هدف الصيام، وأما كونه يؤمر به، يؤمر بإعادته فلا. يقول: من شرب الماء والمؤذن يؤذن للفجر وانقطع عنه في نصف الأذان، هل صيامه صحيح أم لا؟ هذا مبني على كون هذا المؤذن ملتزم بدخول الوقت، الذي هو طلوع الفجر، بعض المؤذنين يؤذن قبل الوقت بدقيقة، ثم إذا انتهى أذن آخر على الوقت، ثم إذا انتهى أذن ثالث بعد الوقت، فإن عرف من حال المؤذن أنه يؤذن قبل الوقت فإنه يأكل لا مانع، إذا عرف من حاله، وإذا عرف من حاله أنه يؤذن بعد الوقت، يلزمه أن يلزم قبله، وتسمعون المؤذنون يتفاوتون ينتهي هذا ويبدأ هذا، يعني الأذان لا يأتي دفعة واحدة من المساجد كلها، على كل حال على الإنسان أن يتحرى وأن يخرج من عهدة الواجب بيقين.

يقول: نريد نصيحة للذين يجتهدون في أول رمضان ثم تخف عبادتهم في نصف رمضان، وينشغلون في العشر الأواخر في شراء الملابس والتجهيز للعيد ويتركون صلاة القيام؟ على الإنسان أن تكون أموره متوسطة يتوسط في أموره كلها؛ لأن بعض الناس يجتهد اجتهاد لا يستطيع الاستمرار عليه، ثم يمل والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((عليكم من العمل ما تطيقون -اكلفوا من العمل ما تطيقون- فإن الله لا يمل حتى تملوا)) فالإنسان عليه أن يأتي بما يستطيع الاستمرار عليه، فإذا كانت قراءته للقرآن مثلاً، إذا قرأ في اليوم خمسة أجزاء، ختم كل ستة أيام أو أربعة ونصف وختم في سبع، يستطيع أكثر من ذلك، لكنه لا يضمن الاستمرار عليه، فإنه يلزم ما يغلب على ظنه أنه يستمر عليه؛ لأن الانقطاع عن العمل الصالح نكوص، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا عمل عملاً أثبته، ولا شك أن ترك العمل باعثه الملل، وفي الحديث الصحيح المخرج في البخاري وغيره: ((إن الله لا يمل حتى تملوا)) يعني لا يقطع الأجر حتى تنقطع الأعمال الصالحة، والملل المنسوب إلى الله -جل وعلا- هنا هو من باب المشاكلة، والمجانسة في التعبير. فهؤلاء الذين اجتهدوا في أول الشهر مسألة مفترضة في شهر واحد، على الإنسان أن يأطر نفسه على الازدياد من الأعمال الصالحة وأن يستمر عليها ويثبت عليها، نعم قضاء الحوائج التي لا بد له منها بحيث لا يقوم مقامه غيره، مثل هذا حينئذ يقوم بأعماله وحاجاته وما يحتاج هو وأهله، لا يمنع من ذلك يشتري حاجاته ويشتري حاجات أهله، لكن لا يكون ذلك على حساب العبادة، فيه أوقات أخرى، في غير وقت القيام، يقول: يشتغلون في العشر الأواخر في شراء الملابس والتجهيز للعيد ويتركون صلاة القيام.

((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) إذا ضم إلى ذلك ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) وهي أيضاً خير من ألف شهر، وأضيف إلى ذلك: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) هذه أجور لا يفرط فيها إلا محروم، كيف تمر مثل هذه النصوص على الإنسان ولا تؤثر فيه؟ كيف يهنأ بنوم أو بذهاب أو بإياب، أو تنزه أو خروج إلى أسواق والناس يحصلون على هذه الأجور العظيمة وهو محروم منها؟! فلا شك أن الران قد غطى على قبله، الران قد غطى على قلبه، وإلا في مثل هذه الأيام يفترض أن تستغل فيها الأنفاس، لا سيما الليالي العشر، التي ترجى فيها ليلة القدر، يعني ليلة واحدة تعادل أكثر من ثمانين سنة، يعني عبادة أكثر من ثمانين سنة، وهل لأحد أن يقول: الخبر صحيح أو غير صحيح؟ الخبر في القرآن، في القرآن المحفوظ المصون من الزيادة والنقصان. على كل حال على الإنسان أن يجتهد وأن يستمر وإذا خرج رمضان أيضاً عليه أن يلزم العبادة؛ لأن لزومه للعبادة دليل على قبول عبادته في الشهر، وأما إذا عاد إلى ما كان يزاوله من المحرمات أو ترك للواجبات قبل رمضان وعاد إليها ما بعد رمضان، رمضان لم يحقق الأثر، فتجد بعض الناس يجتهد ويعتكف في العشر الأواخر، يعتكف في العشر الأواخر ويطبق السنة ويحفظ وقته، ثم بعد ذلك إذا أعلن الشهر المغرب ليلة العيد خرج من المسجد وانشغل بما كان يعمله قبل الاعتكاف، وقد تفوته صلاة العشاء، هل مثل هذا الاعتكاف وقع موقعه؟ هل أثر في نفس المعتكف الأثر الذي ينبغي لمثله؟ الاعتكاف تربية للنفس، ترويض للنفس على العبادة، فإذا كان هذا واقع من اعتكف تفوته صلاة العشاء أو ينام عن صلاة الفجر، هذا اعتكافه ما حقق الأثر المرتب عليه. يقول: ما توجيه من قال: بأن الحجام يفطر؟ وهل المحجوم يفطر؟

نعم جاء من حديث شداد بن أوس: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) ومصحح عند أهل العلم، ويقول بموجبه كثير من أهل العلم، لكن الأكثر على أن الحجامة لا تفطر الصائم، ففي حديث ابن عباس: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وهو صائم، وهو أصح، على أنه يمكن الجمع بينهما، بأن يكون حديث شداد بن أوس كما قال الإمام الشافعي: متقدم، وحديث ابن عباس متأخر، فحديث شداد في الفتح سنة ثمان، وحديث ابن عباس في آخر عمره -عليه الصلاة والسلام-. هذا يقول: لديه مال ربوي قد وزعه على أناس مساكين وعلى المسجد ومبلغ دفع دية أو رقبة، هل ذلك جائز أم لا؟ وبقي معي مال هل أجعله تفطير للصائم؟ جاء في الحديث الصحيح: ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً)) فمثل هذه الأموال الخبيثة إذا تمت التوبة بشروطها؛ لأن بعض الناس يقول: أنه يتخلص من هذه الأموال وهو مستمر في معاملاته المحرمة، نقول: التخلص إنما هو من تمام التوبة، ولا يصح التخلص ولا يكفي مع تخلف شروط التوبة، فإذا تاب الإنسان توبة نصوحاً بشروطها المعروفة عند أهل العلم ندم على ما مضى، وعزم ألا يعود، إذا ندم على ما مضى وعزم ألا يعود، وأقلع عن الذنب فوراً، وأخلص لله في ذلك فإنه يتخلص من تمام التوبة؛ لأن بعض الناس مستمر، أمواله تعمل في عقود ومعاملات محرمة من ربا وغيره يقول: الحمد لله نتخلص، نقول: يا أخي التخلص إنما هو من تمام التوبة، عليك أن تقلع فوراً، وتعزم على ألا تعود، وتندم على ما فات، ثم بعد ذلك إذا كان لديك مال من الربا فإنه لا يجوز لك حينئذ إلا رأس المال.

ورأس المال يختلف أهل العلم هل المراد به وقت الدخول في المعاملة الربوية أو وقت التوبة؟ وقت الدخول أو وقت التوبة؟ لكن المقصود أن يتوب عليه أن يقلع فوراً؛ إذا جاءته موعظة من ربه عليه أن يقلع فوراً، لكن إن عاد جاء الوعيد الشديد بالنسبة له، فإذا تاب توبة نصوحاً فله رأس ماله، له رأس المال، وهل المراد رأس المال وقت الدخول في المعاملة أو وقت التوبة؟ الأكثر على أنه وقت الدخول في المعاملة، يعني شخص بدأ التجارة بألف ريال، وزاول من الأعمال المحرمة الربا وغير الربا وبعد سنة صار هذا الألف عشرة آلاف أو استمر عشرين سنة وصار مليون، ثم بعد ذلك جاءته موعظة من ربه فانتهى وتاب، توبة نصوحاً بشروطها، ما الذي له من هذه الأموال؟ هل له الألف فقط ويتخلص من الباقي؟ أو له وقت التوبة؟ مليون إذا كان بقي شيء من أموال الربا في أموال الناس فلا يجوز له أن يستلم منه شيئاً، الآية محتملة للأمرين والأكثر على أنه له رأس ماله وقت دخوله في المعاملة، المسألة يعني مسألة واقعية من شخص دخل التجارة قبل سبعين سنة بعشرين ريال، وتاب عن عشرين مليار، وايش نقول: لك عشرين ريال وتخلص من الباقي؟ أو لك العشرين مليار التي وقعت في يدك الآن واللي في ذمم الناس ما يجوز أن تأخذ منه شيء؟ يعني هل ممكن أن يتوب مثل هذا لو قيل له: ما لك إلا عشرين ريال؟ يعني من أغنى الناس إلى أفقر الناس، الآية محتملة، والمترجح عندي أنه له رأس ماله وقت التوبة، فانتهى فله ما سلف، والتوبة تهدم ما كان قبلها، وتجب ما كان قبلها، وفي هذا أعظم عون على التوبة؛ لأنه إذا قيل له: ما لك إلا عشرين ريال مو بتائب، مو بتائب إذا قيل: ما لك إلا عشرين ريال، بدل من عشرين مليار ما هو بتائب، هذه مسألة واقعية، فالإشكال قائم لو قيل له بقول الجمهور لك العشرين ريال فقط، مع أن الآية محتملة ورأيت في كلام شيخ الإسلام ما يؤيد هذا.

والله -جل وعلا- أوجب التوبة على عباده، وحثهم عليها، وفرح بها والله -جل وعلا- أفرح بتوبة عبده من الذي فقد دابته وعليها طعامه وشرابه حتى إذا كاد أن يهلك وجدها، وأخطأ من شدة الفرح، فقال: ((اللهم أنت عبدي وأنا ربك)) الله -جل وعلا- يفرح بتوبة التائب، فكيف يقال: أنه يفرح هذا الفرح ومع ذلك يصده عنها؟ يعني محال عقلاً وديناً أن يصد عن التوبة مثل هذا، وإذا قيل له: ما لك إلا العشرين الريال، قال: بلاش من التوبة، يعني من أغنى الناس إلى أفقر الناس، هذا ما يحتمله أحد. والله -جل وعلا-: {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] فهذا المترجح عندي، قال بعضهم: أن مثل هذا القول يجعل الإنسان يستمر يرابي، ثم يتوب فيما بعد، لكن من يضمن له أن يوفق لتوبة نصوح مقبولة، من يضمن له؟ ولو قيل: بمثل هذا الكلام لسرى هذا على جميع الذنوب، قيل: الزاني يستمر يزني ثم يتوب، هذا مثله، والسارق يستمر في السرقة ثم يتوب هذا مثله، فهل مثل هذا يشجع على الاستمرار؟ لا، من يضمن له أن يتوب توبة نصوحاً، هذا لا يضمن له. على كل حال إذا جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف، وعنده أموال ربوية مثل ما ذكر السائل لا يجوز له أن يصرفها في المصارف الطيبة، بل عليه أن يصرفها في المصارف الخبيثة، وجاء في كسب الحجام مع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وأعطى الحجام أجرته، ولو كان حراماً ما أعطاه أجرة، ومع ذلك قال: ((كسب الحجام خبيث)) ثم قال: ((أطعمه ناضحك)) يعني أعطه الدواب، تأكله الدواب، مثل أموال الربا تصان بها، تبنى بها وينشأ بها دورات مياه مجاري صرف صحي لا بأس، مال خبيث يمر بالخبيث لا بأس، أعلاف دواب لا بأس، ((أطعمه ناضحك)) واحد لما سمع هذا الكلام يقول: المال الخبيث خليه مثل إطعام الناضح، للبنزين وغيار الزيت، مثل طعام الناضح، والله المستعان.

على كل حال التحايل في مثل هذه الأمور الله -جل وعلا- يعمل السر وأخفى، فعلى الإنسان أن يصدق في توبته لتبدل سيئاته حسنات، يعني نفترض شخص سبعين سنة يشتغل في الربا يعمل في الربا ثم تاب توبة نصوح، كل هذه السبعين السنة حسنات، بوعد من لا يخلف الميعاد، كل هذا ترغيب في التوبة، وجاء هذا في الشرك وجاء هذا في الزنا، وجاء في القتل، أعظم الجرائم الثلاث {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [(70) سورة الفرقان] قد يقول قائل:. . . . . . . . . هما أخوان، واحد عمره سبعين وواحد خمسة وسبعين، منذ أن بلغوا واحد منهم في الطاعات والعبادات والنفع الخاص والعام، والثاني في الجرائم والمعاصي والمخدرات والسرقات والفواحش وغيرها، تاب هذا، يوم بلغ سبعين سنة أو أكثر من سبعين سنة، هذا تاب وهذا من الأصل ما قارف منكرات، هل يستويان؟ المجرم هذا بدل الله -جل وعلا- سيئاته حسنات، وذاك من الأصل كتب له حسنات منذ أن كلف، هما في الأجر سواء؟ يعني منزلتهما عند الله واحدة؟ لا، لا يستويان؛ لأن حسنات المطيع مضاعفة، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وجاء في خبر فيه كلام لأهل العلم عند أحمد ((إن الله ليضاعف لبعض عباده الحسنة بألفي ألف حسنة)) لكن الخبر فيه ضعف، على كل حال هذا حسناته مضاعفة، وأما الحسنات المنقلبة عن سيئات فالمبدل له حكم المبدل، السيئات ما تضاعف، إذن هذه حسنات لا تضاعف، ويظهر الفرق بين الاثنين حينئذ. يقول: والدي مريض وفاقد الوعي لا بريء له فهل عليه صيام أو صدقة؟ ما الذي يجب علينا كأبناء حوله؟ إذا كان قد رفع عنه التكليف؛ لأنه فاقد العقل؛ لأن العقل هو مناط التكليف، فإذا فقد عقله ارتفع عنه التكليف فلا شيء عليه، أما إذا كان مريضاً لا يستطيع الصيام لكنه يعقل، حينئذ يطعم عنه إذا كان المراد بالصيام صيام رمضان، وأما إذا كان صيام نذر، فإنه حينئذ يصوم عنه وليه.

هذا يقول: مشكلته أنه في نهار رمضان يفعل الطاعات والعبادات وأقرأ جزأين من القرآن الكريم، ولكن في المساء أهدم كل ما بنيت بالنظر إلى المسلسلات وسماع الأغاني فأرجو منكم إفادتي ونصيحتي وماذا أفعل؟ ماذا تفعل؟ أظن ما يحتاج إلى جواب! لا تنظر لا إلى مسلسلات ولا تسمع أغاني، ولا تلفظ بمحرم، وحينئذ تحافظ على صيامك، أما أن تخرق هذه الجنة التي يسرها الله لك، جنة تتقي بها ما يسؤوك في الدنيا والآخرة، ثم تخرقها أنت هذه مشكلة هذه، هذا مثل المفلس، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أتدرون من المفلس؟ )) قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع، قال -عليه الصلاة والسلام-: لا، المفلس من يأتي بأعمال -يعني أعمال صالحة- وفيه بعض الروايات أمثال الجبال من صلاة وصيام وحج وجهاد وغيرها من الأعمال الصالحة، ثم بعد ذلك يأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا، وسفك دم هذا ... إلى آخره، ثم يأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته، وهذا من حسناته ثم يفلس لا يبقى له شيء من حسناته، وإن فنيت حسناته قبل ما يقضى ما عليه في المقاصة فإنه يؤخذ من سيئاتهم ثم يطرح في النار، نسأل الله السلامة والعافية. فعلى الإنسان إذا اكتسب شيئاً، اكتسب حسنات عليه أن يحافظ على هذه الحسنات، من نعم الله -جل وعلا- أنه لا يستطيع أحد أن يأخذ من حسناتك شيء، أبداً، لكن عليك أن تحافظ عليها أنت، يعني الأموال ينتابها ما ينتابها من الضياع من الربح من الخسران من السطو من النهب من السرقة من غيرها، لكن الأعمال الصالحة الرصيد، رصيد الآخرة لا يستطيع أحد أن يأخذ منه شيئاً، إلا بفعلك أنت، إذا أنت فرطت فإنه حينئذ يأتي فيه المقاصة. حديث رؤية الهلال: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، اللهم أهله علنيا بالأمن والإيمان ... إلى آخره. هذا الحديث حسنه بعض العلماء وعلى هذا فيقال، وأما من يرى ضعفه، فيقوله إذا كان ممن يرى قول الجمهور، وأن فضائل الأعمال يكتفى فيها بالضعيف، وهذا ضعفه ليس بشديد، وعلى كل حال الحديث قابل للتحسين. يقول: إذا كذب رجل أنه رأى الهلال ولم يره هل يصام ذلك اليوم؟

يعني عرف الناس أنه كذب أو ما عرفوا؟ قبلت شهادته أو ردت؟ مثل هذا لا يخلو إما أن يكون ظاهره الاستقامة أو ظاهره الفسق، فإن كان ظاهره الفسق فإن شهادته لا تقبل، وحينئذ لا يصوم هو ولا غيره، وإذا كان ظاهره الاستقامة ثم أثبت دخول الشهر بشهادته وأعلن أن الشهر دخل فإن الناس يلزمهم الصيام وإثمه على الله، وإثمه عند الله -جل وعلا-، وإذا اطلع على أمره وعلى خبره فإنها ترد شهادته في المستقبل ويحكم بفسقه، والغالب والأصل أن مثل هذا لا يستمر مستوراً؛ بل لا بد أن يفضحه الله -جل وعلا-؛ لأن بعض الناس وجد من المتعبدة يعني في القرون الأولى، وجد بعض من يتعبد على جهل يقول: أنه يشهد بدخول الشهر، ويقول: أن الناس يصومون زيادة يوم ما يضرهم، والناس إذا صاموا فعلوا الخيرات واجتنبوا المنكرات، فهو يصومهم من أجل هذا، نقول: الدين كامل وليس بحاجة إلى مثل هذه الاجتهادات، ونظير هذا من يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- في فضل عمل من الأعمال، ويقول: أنه يكذب له ولا يكذب عليه، نقول: الدين ليس بحاجة إلى ترويج أمثال هؤلاء الدجالين. يقول: ما حكم الذين يصومون ويؤخرون الصلاة عن وقتها لنوم أو غيره؟ النوم لم يحصل فيه تفريط في بذل الأسباب أو انتفاء الموانع، يعني بذل الأسباب وانتفت الموانع عنده ثم نام، هذا غير مكلف، مرفوع عنه القلم، لكن إذا وجدت الموانع سهر ليل، وما بذل أسباب، ما أوكل الأمر إلى أحد يوقظه، ولم يجعل من الآلات ما يعينه على الاستيقاظ مثل هذا يأثم، هذا مفرط، وهذا يخدش في صومه، وإن ترتب على ذلك إخراجها عن وقتها، فالأمر شديد، فالأمر عظيم، يعني بعض الناس ينام إذا جاء من الدوام، قبل صلاة العصر، ويركب الساعة على الفطور، كمن يركب الساعة لاستيقاظ أول النهار على الدوام، يركب الساعة السابعة، ويصلي إذا قام، مثل هذا أمر خطير، حتى جاء عن ابن حزم وأفتي به من قبل جمع من أهل العلم أنه لا يصلي، خلاص كفر بهذا، نسأل الله العافية، لكن مع ذلك جماهير أهل العلم يأمرونه بالقضاء، فمثل هذا أمره عظيم، والصلاة رأس مال المسلم. يقول: رجل جامع أهله في رمضان ماذا عليه؟

أولاً: عليه التوبة والاستغفار والندم، وعليه أن يقضي هذا اليوم، وعليه أن يكفر، كفارة ظهار، عليه أن يكفر كفارة ظهار، وجاء في الحديث الصحيح في البخاري وغيره في الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان أمره بعتق رقبة، فقال: إنه لا يجد، ثم بعد ذلك قيل له: تصوم شهرين متتابعين وقال: إنه لا يستطيع، قال: تطعم ستين مسكيناً، وهذه كفارة الظهار، وكفارة الجماع في نهار رمضان يقول أهل العلم: عليه كفارة ظهار، ولا يقولون: عليه كفارة مجامع في نهار رمضان، مع أن كفارة الجماع ثابتة في الحديث الصحيح؛ لأن الناس إنما يردون إلى ما في القرآن، الذي يعرفه الخاص والعام، أما لو قيل: عليك كفارة مجامع في نهار رمضان، وقد ثبتت في السنة قد تخفى على كثير من الناس، لكن هي مطابقة لكفارة الظهار، كفارة الظهار موجودة في القرآن، يعرفها حتى العوام، وحينئذ يحال عليها، كما قال عبادة بن الصامت: بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بيعة النساء، مع أن بيعة الرجال قبل بيعة النساء، لكن أنها ثبتت في السنة وبيعة النساء في القرآن، يعني محفوظة يعرفها الخاص والعام. يقول: هل يجوز لي الصيام إذا نسيت وضوء صلاة الظهر ولم أتذكر إلا وأنا في اليوم الثاني؟ مثل هذا إذا نسي الوضوء -صلى بغير طهارة- فإن صلاته باطلة، إذا كان ذلك ناشيء عن نسيان، أو عنده يجزم أنه متوضيء ثم تبين له أنه قد أحدث وصلى بغير طهارة، فإنه يلزمه إذا ذكر ذلك أن يتطهر ويصلي في أي وقت ذكر ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)) ومثله إذا أداها على غير الوجه الشرعي، يعني إذا كانت صلاته باطلة فإنه حينئذ يلزمه قضاؤها ولا أثر في ذلك على الصيام. يقول: هل يجوز الصيام إذا كان واحد يدخن ولا يصلي؟ أما بالنسبة للدخان فهو معصية، معصية والصيام صحيح إذا لم يدخن أثناء الصيام، وأما بالنسبة للصلاة إذا كان لا يصلي البتة فالقول المفتى به أنه كافر، وحينئذ لا يصح منه أي عبادة لا صيام ولا غيره، وإذا كان القصد أنه لا يصلي يعني مع الجماعة يصلي في بيته فقد ارتكب إثماً عظيماً، ومع ذلك صومه صحيح. يقول: هل قطرة العين تفطر؟

العين ليست بمنفذ، وإن قال جمع من أهل العلم أنها تفطر، فإن وجد طعم القطرة في حلقه فقضى ذلك اليوم فهو أحوط، وإلا فالعين ليست بمنفذ مثلها الكحل ومثلها ما يقطر في الأذن، هذه ليست منافذ بخلاف الأنف والفم، فإنها منافذ، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)) وعلى كل حال الأحوط ألا يقطر في عينيه ولا يكتحل ولا في أذنه في وقت الصيام، وإنما يؤجل ذلك إلى الليل. يقول: عندنا أخ لا يصلي؟ بما ينصح وهل يجوز صومه؟ إذا كان لا يصلي مثلما ذكرنا سابقاً، إذا كان لا يصلي فمثل هذا لا يصوم؛ لأن صومه باطل، والمفتى به أن تارك الصلاة ولو أقرها واعترف بوجوبها أنه كافر، نسأل الله العافية ((بين العبد وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)) ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)) ومثل هذا ينصح بأن يتقي الله -جل وعلا-، عليه أن يتقي الله -جل وعلا-، وأن يصلي قبل أن يبغته الأجل، فيحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف، مَنْ من الناس يتمنى أن يحشر مع هؤلاء؟ نسأل الله السلامة والعافية. ما حكم ترك صلاة التهجد في رمضان إذا كان الإنسان مستيقظاً؟ وهل يتبعه إثم؟ صلاة التهجد سنة مؤكدة، ولا يأثم إذا تركها لكنه محروم ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) وقد تفوته ليلة القدر في ليلة نام فيها، ومن حرمها فقد حرم، كما جاء في الخبر، وهي كما أسلفنا تعدل بل هي خير من ألف شهر. متى يكون الدعاء عند الفطر؟ مع الأذان وعند الإفطار دعوة مستجابة. ما هو الأفضل أن أصلي الوتر لوحدي أم مع الإمام؟ إذا قمت مع الإمام فتصلي مع الإمام ولا تنصرف قبله ليكتب لك قيام ليلة، وإن صليت مع الإمام وزدت ركعة في الوتر، ثم بعد ذلك قمت في آخر الليل وصليت ما كتب لك ثم أوترت وجعلت آخر صلاتك في الليل وتراً فهو أفضل، وإن أوترت مع الإمام وقمت من الليل وصليت بمفردك ما كتب لك، فلك أجر، لكن لا توتر ثانية ((لا وتران في ليلة)). يقول: هو طالب علم مبتدئ ويريد وصية؟

الوصية عليه أن يجتهد في طلب العلم من أبوابه، وأن يأخذه من أهله؛ لأنه دين فلينظر ممن يأخذ دينه، ويسلك الجادة المسلوكة عند أهل العلم في البداءة بصغار العلم قبل كباره، ويتدرج في الفنون والعلوم. وهل أترك في رمضان القراءة وحفظ المتون والتفرغ للقرآن؟ الوقت يستوعب، فإذا استغل طالب العلم بعض الوقت في قراءة القرآن لا سيما في الليل لمدارسة القرآن، واستغل بقية الوقت في قراءة العلوم الأخرى، وجمع بين الأمرين فإن الوقت يستوعب، اللهم إلا إذا أراد أن يستوعب الوقت كله للقرآن، قد جاء عن كثير من السلف أنهم يتركون دروس العلم، يتركون العلم ويتفرغون للقرآن؛ لأن رمضان شهر القرآن. يقول: المريض بداء السكر إذا كان يشق عليه الصوم مشقة تقعده الفراش أثناء الصوم فما حكم صيامه؟ على كل حال إذا تأثر المريض بأن زاد مرضه وصار على خطر فإنه حينئذ الرخصة منصوص في الكتاب والسنة، فإنه حينئذ يفطر؛ فإذا كان يستطيع القضاء؛ لأن صيام رمضان في نهار طويل وحر ثم يريد أن يؤجل القضاء إلى أيام الشتاء فيكفيه يصوم، وإذا قرر الأطباء أنه لا يستطيع الصيام لا في صيف ولا في شتاء، فإنه حينئذ يطعم عن كل يوم مسكيناً. يقول: أنا علي كفارة يمين، هل يجب علي أن أنتهي منها قبل رمضان؟ وهل آثم إن كانت الكفارة منذ أربعة أشهر؟ على كل حال الكفارة دين في ذمتك لله -جل وعلا-، ودين الله أحق أن يقضى، فإذا كنت مستطيعاً لأدائها ودفعها فبادر بها، وإذا كنت لا تستطيع إذا أخرتها ما عليك شيء -إن شاء الله تعالى-. يقول: بعض الأئمة في صلاة التراويح يسرعون في الصلاة، ويقللون القراءة، ويحرمون أنفسهم والمسلمين من استغلال هذا الشهر العظيم، فهل من كلمة لمثل هؤلاء؟

الإمام مؤتمن، والصلاة أمانة فعليه أن يؤديها بشروطها وأركانها وواجباتها بحيث ينتفع بها من خلفه، وإذا كان من خلفه من المأمومين يرغبون في الإطالة فليطل بهم، وإذا كان فيهم الضعيف والكبير وذو الحاجة فإنه يخفف، وعلى كل حال عليه أن يراعي أحوال المأمومين، فإن كانت الإطالة هي رغبتهم فليطل، وإن كانوا لا يستطيعون الإطالة أو يتضررون بها أو يتأخرون عن قضاء حوائجهم فإنه يراعي أحوالهم ((أيكم أم الناس فليخفف)) وليس في هذا كما يقول أهل العلم حجة للنقارين، الذين ينقرون الصلاة، أبداً، بل على الإمام أن يأتي بالصلاة على الوجه الشرعي المجزيء بشروطها وأركانها وواجباتها، بالطمأنينة التي هي ركن من أركان الصلاة في كل ركن من أركانها؛ كما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بذلك، المسيء في صلاته. يقول: هل بقايا السواك في الفم الذي قد يذهب إلى الجوف يفطر؟ إذا أمكن إخراجها، إذا أمكن إخراج هذه البقايا فإنها تفطر كبقايا الطعام، إذا ذهبت إلى الجوف، وإذا لم يمكن وعجز عنها الإنسان وذهبت من غير قصد، فحكمها كما لو طار إلى حلقه غبار أو ذباب فإنه حينئذ لا يفطر لكن عليه أن يحرص على تنظيف الفم. يقول: ما نصحيتكم إلى من يذهب في صلاة التراويح أو القيام إلى الأئمة الذين أصواتهم جميلة، بل ربما أنه لا يلحق على الفريضة؟ الفرض أهم، عليه أن يعنى بالفريضة، لا بد أن يهتم بما افترض الله عليه؛ لأنها هي التي يأثم بالإخلال بها، بخلاف النفل، فالنفل قدره زائد على ما أوجب الله -جل وعلا- عليه لكن لا يمنع أن يذهب إلى شخص تؤثر فيه قراءته، فإذا كان ذهابه إلى ذلك الإمام ما لم يترتب على ذلك سفر أو شد رحل، فإنه لا يلام في ذلك، إذا كانت قراءة هذا الإمام أنفع لقلبه، ومع ذلك فليكن الهم الأول للفريضة، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الإخوة عندهم سؤال فيسأل عن الصيام الذي يترتب عليه العفاف؟ الصيام وجاء وبديل عن النكاح لمن لا يستطيعه فهل يحصل هذا لكل أحد؟ أو متى يحصل إذا لم يكن لكل أحد؟

السؤال هو: النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) بعض الناس يقول: أصوم أتابع الصيام ومع ذلك لا تنقص شهوته، بل أحياناً تزيد، فما السبب في ذلك؟ ومثل هذا ما حكم استعمال العادة السرية له؟ العادة السرية محرمة، والدليل على ذلك نفس الحديث، يعني لو كانت جائزة لوجهه النبي -عليه الصلاة والسلام- إليها، ولما اقتصر على الصيام، مع أن في آيتي سورة المؤمنين والمعارج ما يدل على تحريمها. باقي السؤال الأول الأصلي؟ السؤال الأول: يقول: بعض الناس أنا أصوم وأتابع الصيام وأصوم الشهر كامل وشهوته تزيد ما تنقص، والحديث يدل على أن الشهوة تنقص بالصيام فما السبب؟ السبب في صومه، وأن فيه خللاً وأنه ليس على المراد الشرعي، وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه. وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مسائل حول رؤية الهلال

مسائل حول رؤية الهلال الشيخ/ عبد الكريم الخضير ذكر رمضان فقال: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له)) وفي رواية لمسلم: ((فاقدروا ثلاثين)) يعني الرواية الأولى متفق عليها؛ لأنها ما خرجت، فهي متفق عليها، وللبخاري: ((فأكملوا العدة ثلاثين))، ((لا تصوموا حتى تروا الهلال)) وقد جاء النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين، جاء النهي عن تقدم رمضان بصيام يوم أو يومين، فلا يجوز الصيام حتى يُرى الهلال، ولا يفطر الصائم حتى يرى هلال شوال، فإذا رآه من تقوم الحجة برؤيته؛ لأنه قد يقول قائل: لا تصوموا خطاب جمع، وحتى تروا خطاب جمع، ومقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة أفراد، إيش معنى هذا؟ معناه أنه لا يجوز لأحد أن يصوم حتى يرى الهلال، لكن هل هذا الظاهر مراد أو غير مراد؟ قلنا: مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة أفراد، ركب القوم دوابهم، إيش معنى هذا؟ إن كل واحد ركب دابته، كل واحد من القوم ركب دابته، مقابلة الجمع بالجمع تقتضي القسمة أفراد، هنا جمع مقابل بجمع ((لا تصوموا حتى تروا)) هل نقول: إنه لا يصوم أحد حتى يرى؟ هذا الظاهر غير مراد بالإجماع؛ لأن من المكلفين ممن هو مطالب بالصيام لا تتأتى منه الرؤية، مثل الأعمى، لأنه ضعيف البصر، لا تتأتى منه الرؤية، ولذا الظاهر غير مراد.

((من رأى منكم منكراً فليغيره)) هل نقول: إنه لا يغير المنكر إلا من رآه؟ يعني من بلغه بطريق صحيح أن هناك منكر ألا يجب عليه أن يغيره إذا استطاع، ما رآه سمع عنه بطريق صحيح عن طريق الثقات، لو قلنا: إنه لا يغيره حتى يراه، قلنا: إن من احتلم لا يلزمه الغسل حتى يرى الماء بعينه، فالأعمى لا يغتسل إذا احتلم لأنه لا يرى الماء، وفي الحديث: هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ قال: ((نعم، إذا رأت الماء)) فالرؤية كما تكون بالبصر تكون حكماً بخبر من يثبت الخبر بقوله وبشهادته {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [(6) سورة الفجر] هل رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- ما فعل الله بعاد؟ لا، لكنه بلغه بطريق قطعي مثل الرؤية {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [(1) سورة الفيل] ما رآه، وعلى هذا إذا ثبت الخبر شرعاً لزم الناس الصوم، ((لا تصوموا حتى تروا الهلال)) يعني ثبت ثبتت رؤية الهلال شرعاً، ورؤية هلال رمضان تثبت بواحد؛ لخبر ابن عمر أن الناس تراءوا الهلال فرآه فأخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- فأمر الناس بالصيام، وخبر الأعرابي الذي رأى الهلال فجاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- مخبراً، فقال له: ((أتشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ )) ... إلى آخره فأمر بالناس بالصيام، فالرؤية تثبت بقول واحد، ولا بد من الرؤية بالعين المجردة، ولا يكلف الله الناس أكثر من ذلك، لا يوهم الناس باتخاذ مناظير أو آلات، لكن إن استعملها الناس من أجل إيضاح الرؤية فلا مانع، لكن لو لم توجد ما ألزموا بوجودها، إذا لم يروه بالعين المجردة فلا يلزمهم الصيام، ولا يقال: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب والصيام واجب، ولا يتم الرؤية إلا بآلات بمناظير بدرابيل هذا لا يلزم، لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها فلا يلزم، ولا بد من الرؤية، وإذا ثبت الخبر ممن يقبل خبره شرعاً لزم الناس كلهم الصيام، ولو خالف في ذلك من خالف من الفلكين وغيرهم، ومن أهل الحساب، سواءً كانوا منجمين أو حساب، لا عبرة بقولهم، عندنا مقدمات شرعية صحيحة صريحة، كلها تبني الصيام والفطر على الرؤية، ولا التفات إلى قول أحد كائناً من كان، يخالف ما صح

عن النبي -عليه الصلاة والسلام- ((حتى تروا الهلال)) وهل هذا خطاب لعموم الأمة أو خطاب لمن تمكنهم الرؤية؟ والفرق بين هذا وهذا إذا قلنا: ((فلا تصوموا)) خطاب لجميع الأمة أنه لو رؤي الهلال بأي قطر من أقطار المسلمين وأي بلد من بلدان المسلمين قرب أو بعد فإنه يلزم جميع الناس الصيام، ولا ينظر حينئذٍ إلى اختلاف المطالع واتحاد المطالع؛ لأنه قال: ((فلا تصوموا حتى تروا الهلال)) هل هذا الخطاب للجميع أو خطاب لمن تثبت به الرؤية؟ هذا يكفي من تثبت الرؤية بقوله. ((لا تصوموا)) هذا خطاب للجميع ((حتى تروا)) هذا بالنسبة لمن يثبت الحكم بخبره، والجميع ((لا تصوموا)) هل هو خطاب لجميع الأمة في مشارق الأرض ومغاربها؟ لا يصومون حتى يروى الهلال من قبل بعض المسلمين في أي قطر من الأقطار؟ اللفظ محتمل، وبهذا يقول جمع من أهل العلم أنه إذا رؤي الهلال في بلد من البلدان فإنه حينئذٍ يلزم المسلمين الصيام في جميع الأقطار من غير نظر لاتحاد المطالع أو اختلافها، ومنهم من يرى أنه لا يلزم الصيام إلا بالنسبة للبلدان التي تتحد مع البلد الذي رؤي فيه الهلال في

المطلع، ولا شك أن المطالع تختلف باختلاف البلدان، وفي هذا حديث ابن عباس أن كريباً مولاه جاء من الشام وقد رؤي الهلال ليلة الجمعة في الشام، وصاموا يوم الجمعة، وصام معهم كريب، وفي المدينة ما رأوه إلا ليلة السبت، فلما كمل ثلاثون يوماً قال كريب: انتهى رمضان؛ لأننا رأينا الهلال ليلة الجمعة، لكن ابن عباس قال: لكننا رأيناه ليلة السبت، فلا نفطر حتى نراه أو نكمل الثلاثين، هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا معول من يقول باختلاف المطالع، والحديث في الصحيح حديث ابن عباس، لكن من يقول بعدم الالتفات إلى اتحاد المطالع واختلافها هذا يخالف حديث ابن عباس أو لا يخالفه؟ نعم؟ الذي لا. . . . . . . . . يقول: رؤي الهلال بالمغرب يصوموا أهل المشرق والعكس، يخالف مخالفة صريحة وإلا ما هي بصريحة؟ مخالفة صريحة "هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هل هذا هو اللفظ النبوي أو لفظ ابن عباس؟ لفظ ابن عباس، ألا يحتمل أن يكون لفظ ابن عباس معتمد على أمر خاص يخص اختلاف المطالع أو أمر عام ((فلا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه))؟ يحتمل الأول والثاني، هاه؟ طالب:. . . . . . . . . لكن ابن عباس يقول: "هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" إحنا ما ندري هل عند ابن عباس خبر خاص في المطالع واختلافها واتحادها أمر به النبي -عليه الصلاة والسلام- أو أن ابن عباس اجتهد وفهم من هذا الحديث أنه ما دام لا تمكن الرؤية الرؤية مستحيلة في هذا البلد نعم وأننا لا نفطر حتى نراه في هذا البلد ولا نصوم حتى نراه فاستند إلى عموم الأمر في هذا الحديث فقال: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ وحينئذٍ لا نكون خالفنا الحديث، نقول: هذا فهم ابن عباس. يبدوا أن المسألة ما اتضحت، نعم؟ طالب: واضحة يا شيخ. نعم؟ طالب: واضحة.

أشوف بعض الإخوان كأنها ما هي بواضحة؛ لأن بعض الناس يسمع حديث ابن عباس وهو في صحيح مسلم وغيره يقول: كيف يقال من قبل الإمام أحمد وهو إمام من أئمة المسلمين وغيرهم، حتى الشيخ ابن باز وهو إمام متبع للأثر، يقول: لو قيل: بأنه يجب على عموم المسلمين الصيام وأن المطالع لا اعتبار لها، نقول: ما هو ببعيد، هل نقول: إنهم صادموا حديث ابن عباس؟ صادموه وإلا ما صادموه؟ لأننا ما ندري ما عند ابن عباس، ابن عباس يقول: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، احتمال أن يكون عنده أمر خاص فيه ملاحظة اتحاد المطالع واختلاف المطالع، وفيه احتمال أيضاً أن ابن عباس اعتمد على هذا الحديث لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه، الآن الرؤية مستحيلة في هذا البلد، وهي ممكنة في بلاد الشام، إذاً أهل الشام يصومون ونحن لا نصوم، هذا فهم ابن عباس لهذا الحديث، فبعض الناس يشدد في هذه المسألة ويرى أن من يقول بعدم اختلاف المطالع، وأن المسلمين يلزمهم الصيام في مشارق الأرض ومغاربها، أقول: يا أخي ابن عباس، حديثه، هذا حديث عام ذا، حديث ابن عباس خاص والمسألة دقيقة، فلماذا لا نعمل بحديث ابن عباس لأنه أخص وأدق؟ نقول: احتمال أن ابن عباس معوله في حكاية الأمر على هذا الحديث فيكون هذا فقهه، يكون هذا فقه ابن عباس وفهم ابن عباس، وحينئذٍ لا يشدد على من قال بعدم اختلاف المطالع أو باعتبار اتحاد المطالع واختلاف المطالع، وهذه مسألة لا شك أنها مسألة معضلة ومشكلة لا سيما بالنسبة للأقليات التي تعيش في غير بلدان المسلمين، وبالنسبة أيضاً لبعض البلدان التي أهلها مسلمون، لكنهم لا يعتمدون الوسائل الشرعية في إثبات الأهلة، يعتمدون على حساب، طيب الشخص المتبع المتحري المتثبت المتتبع لأثر النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا قيل له: صم؛ لأن الحساب يدخل الشهر في يوم كذا، هذا حرج عظيم بالنسبة له، هو يثق بأهل هذه البلاد، وأنهم يصومون على الرؤية، ويفطرون على هذه الرؤية، لكن المطلع يختلف قطعاً، إذا كان في الهند أو في السند أو في أقاصي المغرب أو في أقصى الشمال أو الجنوب، قد يختلف المطلع هذا، فيقع في حرج عظيم، وتكثر الأسئلة، وبعض الناس يرجح أنه إذا رؤي

الهلال في بلد من البلدان أنه يلزم الصيام، وبلدان المسلمين تعرفون ما دخلها من أمور تغيير حول إثبات الأهلة دخولاً وخروجاً. فيجيء أهل التحري والتثبت من أهل تلك البلدان يريد أن يوافق هذه البلاد؛ لأن وسائلها شرعية، لكنه يقع في مخالفة الصيام مع الناس والفطر مع الناس، وهذا حرج، فالمأمول ممن بيده الحل والعقد الأمر والنهي أن يعتمد الوسائل الشرعية في مثل هذه العبادات الكبرى، أركان من أركان المسلمين، أركان من أركان الإسلام، ووقع المسلمين في حرج كله؛ لأننا نتبع حساب، وهناك مطالبة قوية لأن يتبع الحساب في هذه البلاد، حتى من بعض من ينتسب إلى العلم مع الأسف الشديد. وبُحثت على أعلى المستويات واستقر الرأي القاطع الحاسم أنه لا التفات لا لحساب ولا لمطالع ولا لغيرها، نعم؟ طالب:. . . . . . . . . لا نفي ولا إثبات، عندنا رؤية رأينا ما رأينا، خلاص. كون هذا الثقة جاءنا وقال: رأيت، ووهم في رؤيته، وصام الناس هل يأثمون وإلا صيامهم صحيح؟ صيامهم صحيح مقطوع بصحته ((إنما أنا بشر أقضي على نحو ما أسمع)) مقدماتنا شرعية، إذاً نتائجنا شرعية، ولو خالفت الواقع، ولو لم يولد الهلال، وقد جاءنا ثقة يقول: رأيت الهلال، كما يأتي الثقة للقاضي فيثبت حق أو ينفي حق، ويحكم القاضي على مقتضى شهادة هذا الثقة، حكم بمقدمة شرعية نتيجته شرعية لا محالة. طالب:. . . . . . . . . إيه فهم صحابي لهذا الحديث، احتمال أن يقول بهذا الحديث. طالب:. . . . . . . . . إيه لكن فهم ... ، أدرك وطبق، لكن هل هذا فعل الصحابة كلهم؟ طالب:. . . . . . . . .

لا، لا ما يلزم، أنا أقول: هذا قول وإن قال به هذا الصحابي الجليل وفهم، نعم لو كان عنده نص خاص يدل على اختلاف المطالع ولا أقول: إن القول الثاني أرجح أو الأول أرجح، لكن أقول: لا تثريب على من فعل ولا على من قال كالإمام أحمد أنه يلزم الناس كلهم الصيام، إذا رؤي في أي بلد من بلدان المسلمين اعتماداً على هذا، يعني كنا نقول في أول الأمر ونحن نسمع المذهب وغيره من المذاهب الإسلامية تقول: بعدم النظر إلى اختلاف المطالع واتحادها مع حديث ابن عباس، يعني كنا نقول: إن هذه مصادمة صريحة، لكن لما تأملنا في الموضوع احتمال أن ابن عباس الأمر الذي عنده هو هذا الأمر، فيكون هذا فهمه، فلا تثريب على من فهم هذا، ولا على من فهم هذا، والنص محتمل. طالب:. . . . . . . . . لا، ما نسقطه، من عمل به ما في إشكال، وكلامه واضح وظاهر، ما عندنا إشكال في كونه يعمل به، كلامه واضح وظاهر وهو الأقرب بالنسبة لنا، لكن إذا كان قوله يوقع في إشكال وحرج عظيم بالنسبة للأمة كلها، فلا مانع، وقد رآه إمام من أئمة المسلمين وأفتى به، واجتهد في وقت من الأوقات يعمل به، ما في ما يمنع إطلاقاً. يقول: قول ابن عباس لكريب: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا تصوموا حتى تروا، ألا يترجح بأنه أمرنا بالصوم عند رؤية الهلال ولو كان قصده اختلاف المطالع لذكر الدليل الذي يؤكد قوله؟

ذكرنا بالأمس أن ابن عباس لما قال له كريب مولاه إننا صمنا مع معاوية والناس يوم الجمعة، رأينا الهلال ليلة الجمعة، قال ابن عباس: لكننا لم نره إلا ليلة السبت، وما صمنا إلا في يوم السبت، فلا نفطر حتى نراه، هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقلنا: إن الاحتمال قائم في مراد ابن عباس هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هل هو الأمر العام الذي يتمسك به جميع أهل العلم أن الصيام مرتب على الرؤية وحينئذٍ لا يكون فيه مستمسك لمن يقول باختلاف المطالع؟ وأنه إذا رؤي الهلال في أقصى المشرق لزم الناس كلهم الصوم وإن كانوا في أقصى المغرب، وكذلك في الشمال والجنوب، فيكون مستند ابن عباس في قوله: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني بقوله: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) وحينئذٍ لا يكون فيه دليل على تخصيص المطالع بجهتها، وإنما يكون فيه خطاب للأمة بكاملها، ويحتمل أن يكون ابن عباس -رضي الله عنهما- عنده دليل خاص، استند عليه في اعتماده على اختلاف مطلع أهل الشام عن مطلع أهل المدينة، ولكنه لم يبده، بل قال: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعني بما يطابق الواقع الذي حصل، الذي حصل من صوم معاوية والناس يوم الجمعة، وأهل المدينة ما صاموا إلا يوم السبت، وفي المسألة بين أهل العلم في قول الصحابي: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خلاف يعد المخالف فيه شاذ، منهم من قال: عموم أهل العلم، عامة أهل العلم يرون أن الصحابي إذا قال: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهذا الأمر ملزم، هذا الأمر ملزم للأمة، كأنه قال: أفعلوا. وداود الظاهري وبعض المتكلمين قالوا: إنه لا يحتج بقول الصحابي: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى ينقل اللفظ النبوي؛ لأن الصحابي قد يسمع كلام يظنه أمر، أو يسمع كلام يظنه نهياً وهو في الحقيقة ليس بأمر ولا نهي.

نقول: هذا الكلام باطل؛ لأننا إذا لم نثق بفهم الصحابة فبفهم من نثق؟ هذا الكلام باطل، ولا حظ له من النظر، إذا قال الصحابي: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلنا: على العين والرأس، فهم الصحابي مقدم على فهم كل أحد، لكن يبقى أنه في مسألتنا "هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" نحن لا نشك في أن الأمر ملزم على كل حال، لكن هل كان عند ابن عباس أمر خاص في اختلاف المطالع أو أنه فهم من قوله: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) أنه يقتضي تحديد المطالع؛ لأنه إذا رؤي الهلال في بلد يختلف مطلعه عن بلد آخر قلنا: في البلد الآخر يستحيل أن يرى الهلال، فكيف نصوم لرؤيته والرؤية مستحيلة؟ بينما الذي يقول: ما في فرق بين البلدان، يقول: هذا خطاب لعموم الأمة، ولا يلزم من كل فرد فرد أن يراه، إذا رآه من تقوم به الحجة لزم الأمة كلهم الصوم، ولا شك أن الاحتمال قوي جداً، وإن كانت الثقة في ابن عباس وفهم ابن عباس يعني مرجحة لقول من يقول باختلاف المطالع، لكن القول الثاني قوي، وله حظ من النظر، واستناده للحديث واضح، ومع ذلك لا يقال: إن من قال به خالف حديث ابن عباس، لا يقال: إنه خالف حديث ابن عباس في الأمر النبوي، إنما يقال: خالف فهم ابن عباس، لا يقال: خالف حديث ابن عباس، وإنما يقال: خالف فهم ابن عباس لهذا الحديث، نعم لو اتفق الصحابة على هذا الفهم ليس لنا كلام في هذا الموضوع، انتهى حسم الموضوع، إذا اتفق الصحابة على فهم معين، ليس لمن جاء بعدهم أن يبدي فهماً جديداً لنص من نصوص الكتاب والسنة.

أحكام الزكاة

أحكام الزكاة الشيخ/ عبد الكريم الخضير ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)). . . . . . . . . كالزكاة والصيام والحج فالقول بكفر تارك واحد منها معروف عند أهل العلم، وهو رواية عند الإمام أحمد، وقول مشهور عند أصحاب مالك، فمن لم يزكِ فهو كافر على هذا القول، ولو اعترف بوجوب الزكاة، أما من لم يعترف بوجوبها أو لم يعترف بوجوب الصيام، أو لم يعترف بوجوب الحج، هذا يكفر إجماعاً، يعني من أنكر الوجوب كفر اتفاقاً بين أهل العلم، لكن الكلام فيمن أقر بالوجوب، وقال هذه فريضة، وركن من أركان الإسلام؛ لكنه لا يزكي، أو لا يصوم أو لا يحج، فإنه يكفر على القول الذي ذكرناه، وهو رواية عن الإمام أحمد بن حنبل، وقول معروف لأصحاب الإمام مالك، والأكثر على أنه لا يكفر بمجرد الترك وإن كان على خطر عظيم، وقد ارتكب موبقاً من الموبقات –نسأل الله السلامة والعافية– وعلى كل حال الأكثر على أنه لا يكفر إلا إذا جحد. تعريف الزكاة:

والزكاة: هي الركن الثالث بالاتفاق، وهي مأخوذة من الزكاء والنماء والزيادة والطهر، {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [(103) سورة التوبة] يعني تطهرهم بها، وصدقة الفطر إنما شرعت طهراً للصائم فهي تطهر الدافع من رذيلة الشح والبخل، وتزكيه، وتزكي عمله، والزكاة كما جاء في الخبر ((ما نقص مال من صدقة بل تزده)) مع أن هذه الزيادة (بل تزيده) غير محفوظة ((ما نقص مال من صدقة)) هذا هو المحفوظ، أما الزيادة (بل تزيده) ليست محفوظة، بل لفظها خطأ من حيث العربية، المقصود أن الزكاة تزيد في المال، قد يقول قائل: إذا كان عندي ألف ريال وأخرجت زكاة الألف خمسة وعشرين ريالاً صار تسعمائة وخمسة وسبعين، نقص، وأنتم تقولون: تزيده، نقول: نعم تزيده، ولا تنقصه الصدقة، والواقع يشهد بذلك، فكم من شخص جمع الأموال الطائلة، ومنع حق الله فيها ولم يؤد زكاتها لم يستفد من هذه الأموال، وأصيب بالجوائح التي تجتاح أمواله، وقد يوفر له ماله لكنه توفير حسي لا معنوي، المعنى أنه لا يستفيد منه، وقد يصرفه في غير وجوهه، فيكون وبالاً وعذاباًَ عليه في الدنيا والآخرة، وقد يصرفه في معالجة نفسه أو معالجة من تحت يده من أولادٍ وزوجة وغيرها، كل هذا ابتلاء من الله -جل وعلا-، لما منع الواجب ابتلي، وهذا الواقع يشهد به، وكم من شخص صار ماله وبالاً عليه إذا لم يؤد زكاته. وزيادة الأموال بالزكاة أمر مشاهد لا يحتاج إلى استدلال، فالذين يؤدون الزكوات على وجوهها يطرح الله -جل وعلا- في أموالهم البركة، وينتفعون منها، ويستفيدون منها أكبر فائدة، وشواهد الأحوال من التجار في القديم والحديث ظاهرة واضحة.

تنوع العبادات:

الزكاة طهرة للمزكي، فهي من الزكاء والنماء والزيادة، كما في قوله -جل وعلا-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [(103) سورة التوبة] فهي تطهر المال من الشوائب التي قد تشوبه، ومن الشبهات التي تدخل عليه، وتطهر صاحبها من أدران الشح والبخل، وهي أيضاً صدقة {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [(103) سورة التوبة] وسميت صدقة لأنها دليل وبرهان على إيمان صاحبها وصدقه في دعواه؛ لأن الإنسان قد يشهد أن لا إله إلا الله ويصوم لكنه يبخل بالزكاة، فلا برهان ولا دليل على صدق دعواه. تنوع العبادات: ومن فضل الله -جل وعلا- أن جاءت شرائع الإسلام مختلفة متنوعة، فمنها البدني المحض، ومنها: المالي المحض، ومنها: المشترك بين البدن والمال، ومنها: ما يكون بالبدن، ومنها: ما يكون بالقلب، ومنها: ما يكون باللسان، فما يكون بالقلب هو في غاية الأهمية كالاعتقاد الصحيح الجاري على ما جاء عن الله -جل وعلا- في كتابه وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-, وعلى ضوء ما يعتقده سلف هذه الأمة وأئمتها، والإيمان يكون في القلب، فالإيمان ما وقر في القلب، وأيضاً من العبادات ما يكون باللسان كالإقرار بالشهادتين، وقراءة القرآن والأذكار وغير ذلك، ومنها: ما يكون بالبدن كالصلاة والصيام والحج، وما أشبه ذلك، ومنها: ما يتعلق بالمال وهو الزكاة، الزكاة المالية برهان على صدق مدعي الإيمان.

حكم الزكاة:

ومثل ما ذكرنا كون العبادات في الإسلام متنوعة هذا من نعمة الله -جل وعلا- على عباده، فلو كانت بدنية محضة، فيوجد في الناس من لا يطيق العمل ببدنه وعنده الاستعداد التام ليبذل الأموال الطائلة، بعض الناس يستطيع عنده القدرة على البذل، وتجود نفسه بالأموال الطائلة، لكن من أشق الأمور عليه أن يصلي ركعتين، أو يقرأ آيتين، هذا صنف، ومن الناس من هو مستعد لأداء مائة ركعة في وقت واحد، لكنه لا يستطيع أن يبذل من الأموال شيئاً، فشرعت العبادات من هذا وهذا، ليتمكن من جادت نفسه بالعمل البدني من أداء شيء من مال الله -جل وعلا- عليه من حق، وليتمكن من جُبل على البذل وحرم عبادة البدن من أن يؤدي بعض ما عليه لله -جل وعلا-، إذ لو كانت العبادات كلها بدنية، لفاز بها من سهلت عليه عبادة البدن، ولو كانت كلها مالية لحرم منها الفقراء، فتنوع العبادات من فضل الله -جل وعلا- على عباده، ومن تيسيره عليهم، وقد صنف شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمة الله عليه- رسالة في تنوع العبادات. حكم الزكاة: الزكاة قرينة الصلاة من جحد وجوبها كفر بالاتفاق، ومن اعترف بها وامتنع من دفعها على خطر عظيم، وقيل بكفره كما قدمنا، لكن المعتمد عند الجمهور أنه لا يكفر إلا إذا قاتل دونها، كما في قول، وإذا امتنع من الزكاة أخذت منه قهراً، يأخذها الإمام منه قهراً، ولا ينتظر حتى يجود بها، بل يأخذها منه الإمام قهراً، فإذا أخذها الإمام قهراً أجزأت عنه، قد يقول قائل: هو ما نوى، أخذت منه من غير رضا، بل نوى ألا يدفع، نوى ألا يدفع الزكاة فأخذت منه قهراً، وأهل العلم يقولون: تجزئ، ومعنى الإجزاء هنا الإجزاء الظاهر، بمعنى أنه لا يطالب بها مرة ثانية، لا يطالب بدفعها مرة ثانية، يسقط الطلب لأخذها منه ولو قهراً. وأما الإجزاء الذي يترتب عليه الثواب ويرتفع به العقاب فلا، لحديث: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) فإذا أخذت من الممتنع قهراً، لا يطالب بها مرة ثانية، وهذا معنى الإجزاء في قول أهل العلم، وأما الإجزاء الذي يترتب عليه الثواب ويرتفع به العقاب فلا، لأنه متعلق بالنية، ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)).

شروط وجوب الزكاة:

شروط وجوب الزكاة: إذا عرفنا هذا فالزكاة تجب بشروط: منها الإسلام: كما جاء في حديث معاذ حينما بعثه النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى اليمن: ((إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأعلمهم أن الله تعالى قد افترض عليهم خمس صلوات، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)) إذا أقروا بالشهادتين، وأدوا الصلاة، يعلمهم أن الله -جل وعلا- قد افترض عليهم الزكاة، تؤخذ من الأغنياء وترد على الفقراء، فلا تؤخذ الزكاة ممن لم يشهد أن لا إله إلا الله، كما أنها لا تصح ممن لا يصلي، فأول ما يدعى إليه الكافر الشهادة، فإن نطق بها أمر بالصلاة، ثم يؤمر بالزكاة، ثم يؤمر ببقية شرائع الإسلام. الكفار مخاطبون بفروع الشريعة: كون الكافر لا يطالب بالصلاة ولا بالزكاة إلا إذا شهد واعترف بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؛ هذا لا يعني أنه غير مطالب بفروع الشريعة، نعم قد يستدل به من يقول: أن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة، قد يستدلون بهذا الحديث وعندهم ما يتمسكون به؛ لكن ليس في هذا دليل، هم يقولون: كيف يطالب بالصلاة ويخاطب بها ويخاطب بالزكاة ويخاطب بالصيام، وهو لا يشهد أن لا إله إلا الله؟ نقول: ليس معنى مخاطبته بالصلاة أو بالزكاة أو بالصيام أو بغيرها من شرائع الإسلام أنه يؤمر بأدائها قبل أن يسلم؟ لا، ولا أنه يقضيها إذا أسلم، إذاً ما الفائدة في كونه مخاطب بالفروع، وهو لا يطالب بها قبل إسلامه ولا يقضيها إذا أسلم؟ معنى مخاطبته بهذه الفروع أنه يزاد في عذابه يوم القيامة، ويعذب على الصلاة، ويعذب على الزكاة إذا كان عنده مال، يعذب على ترك الصيام وهكذا، إضافة إلى تعذيبه على كفره بالله -جل وعلا-، {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [(42 - 43) سورة المدثر] فبدؤوا بفرع من الفروع، فدل على أنهم مخاطبون بفروع الشريعة كأصلها.

والذين يقولون: أنه غير مخاطب بالفروع كالحنفية يقولون: أن الإيمان شرط، شرط صحة، فكيف يخاطب بالأمر الذي لم يتحقق شرطه؟ نقول: كما يطالب الشخص بالصلاة، ولو لم نعلم أنه غير متوضيء، يعني الإنسان في طريقه إلى المسجد يرى شخصاً واقفاً أو جالساً يقول له: صل، لماذا لا تصلي؟ لا يسأله عن الوضوء أولاً، يقول: توضأ أولاً، أو هل أنت متوضئ أو لا؟ يسأله عن الغاية ولو تخلف الشرط؛ لأنه إذا أمر بالصلاة فقد أمر بجميع ما اشترط لها. الشرط الأول: الإسلام، كما في الحديث الذي ذكرناه، ((تؤخذ من أغنيائهم)) يعني: من أغنياء المسلمين فترد في فقرائهم، وهذه جملة يستدل بها من يقول أن الزكاة لا يجوز نقلها عن البلد الذي فيه المال، فبلد الأغنياء هو الذي تصرف فيه زكاتهم إلى فقراء هذا البلد، فلا يجوز نقل الزكاة من بلد إلى بلد، استدلالاً بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)) تؤخذ من أغنياء هذا البلد، وترد في فقرائه، وهذا قول معروف عند أهل العلم، ومنهم من يرى جواز نقل الزكاة إلى بلد آخر ما دام الشرط متحققاً، وهي صرفها في مستحقها من المسلمين أو في المصارف الثمانية التي بينها الله -جل وعلا-، ويكون الضمير في أغنيائهم وفقرائهم تؤخذ من أغنياء المسلمين فترد في فقراء المسلمين، يعني في أي بلد كان، ويكون نقل الزكاة جائزاً، بل قد يكون أفضل، إذا وجد من هو أشد حاجة لهذه الزكاة من فقراء البلد. وعلى كل حال أولى الناس بالزكاة أهل البلد، فإذا وجد من هم أشد حاجة وأمس حاجة، أو أقرب إلى الدافع من قرابته في بلد آخر فلا مانع حينئذ من نقلها إلى البلد الآخر -إن شاء الله تعالى-. الشرط الثاني: الحرية: فلا زكاة في مال الرقيق، أولاً: لأنه لا يملك عند جمهور العلماء، لا يملك لأنه هو وما تحت يده ملك لسيده، وإذا قيل: بأنه يملك بالتمليك كما هو قول مالك -رحمه الله- فالخلاف في الزكاة هل هي عليه؟ أو على سيده؟ أو لا زكاة في ماله؟ كما أنه لا زكاة في رقبته إذا لم يعد للتجارة؟.

ومن الشروط: ملك النصاب: لا بد أن يتم المال ويبلغ النصاب المحدد شرعاً، النصاب المحدد شرعاً، ومقدراه من الذهب عشرون مثقالاً، أحد عشر جنيهاً وأربعة أسباع الجنيه، ويمكن تحويلها بالريالات، ومن الفضة مائتا درهم، وتعادل ستة وخمسين ريالاً بالريال العربي الفضة، ستة وخمسين ريال، وإذا أردنا تحويل الذهب والفضة إلى الريالات السعودية سألنا الصاغة عن قيمة الذهب وعن قيمة الفضة، فإذا قالوا: الجنيه بخمسائة ريال مثلاً، ضربنا الأحد عشر وأربعة أسباع الجنيه بخمسمائة، وإذا قالوا عن الريال العربي الفضة: أن قيمته مثلاً عشرون ريالاً مثلاً، ضربنا الستة والخمسين في عشرين، فينتج لنا نصاب الفضة بالريالات الورقية، هذا بالنسبة للنقدين. وأما بالنسبة لبهيمة الأنعام فإن نصابها مبين في كتاب أبي بكر -رضي الله عنه- في الصدقة التي أخبره بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبين أن النصاب بالنسبة للإبل إذا بلغت خمساً ففيها شاة، فإذا صارت عشراً ففيها شاتان، خمسة عشرة ثلاث شياه، عشرون أربع شياه، خمسة وعشرون بنت لبون ... إلخ، المقصود أن الأنصبة بينت في هذا الكتاب. وفي الغنم في أربعين شاة شاة، وفي مائة وعشرين وإذا زادت على ذلك واحدة صارت فيها شاتان ... إلخ ثم في كل مائة شاة، وفي البقر في كل ثلاثين تبيع، وفي أربعين مسنة. وأما زكاة الخارج من الأرض وهي الحبوب والثمار التي تكال وتدخر لا الفواكه والخضروات فإنه لا زكاة فيها إلا إذا أعدت للتجارة وبلغت قيمتها نصاب التجارة. الحبوب والثمار لا زكاة فيها حتى تبلغ خمسة أوسق، والوسق: ستون صاعاً، إذاً ثلاثمائة صاع هو النصاب بالنسبة للحبوب والثمار، ولا يشترط لها حول، وإنما تؤتى وقت الحصاد {وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [(141) سورة الأنعام] فوقت حلولها وقت الحصاد.

وأما بالنسبة لعروض التجارة فتقوم إذا حال عليها الحول بالدراهم والدنانير، فإذا بلغت قيمتها نصاب الدراهم والدنانير فإنها حينئذ تجب فيها الزكاة، فتزكى ربع العشر، كالذهب والفضة، زكاتها ربع العشر، يعني اثنين ونصف بالمائة، وعلى هذا فأصحاب المحلات التجارية يجعلون لهم شهراً للزكاة ويقومون فيه ما في محلاتهم ومستودعاتهم من البضائع ثم يخرجون ربع العشر. والأصل أن الزكاة تجب في عين المال، ولها تعلق بالذمة، وإخراج العروض، يعني شخص أمواله مواد غذائية تجارته في المواد الغذائية، هل يخرج مواد غذائية أو يخرج قيم دراهم ودنانير؟ الأصل أنه يخرج الدراهم والدنانير، لأنها منزلة منزلة الدراهم والدنانير، إلا إذا كان إخراج العروض أنفع للفقراء، فإنه حينئذ يجوز على القول الصحيح. النصاب: محدد شرعاً، ولا يضر نقصه اليسير، لا يضر النقص في الحبوب والثمار كالحبة والحبتين والحفنة والحفنتين هذه لا تضر، ولا تخرم النصاب. تمام الملك واستقراره: لا بد أن يكون الملك تام ومستقر، فالشخص الذي وعد بشيء أو صرف له هبة أو أعطية فإنه حينئذ لا تجب فيه الزكاة ولا يحسب حوله حتى يستقر ملكه عليه ويسوغ له أن يبيعه متى شاء، أما قبل الاستقرار فإنه حينئذ لا زكاة فيه، ويمثل أهل العلم لاستقرار الملك بدين الكتابة، تاجر له أرقاء يكاتبهم فلا زكاة في الكتابة، لماذا؟ لأن الكتابة وقيمتها لا تثبت إلا بانتهاء آخر قسط، فالمكاتب رق ما بقي عليه درهم، وحينئذ للمكاتب أن يعجز نفسه ويقول: ما صار شيء، كوتب هذا الرقيق على عشرة آلاف كل سنة ألف، هذا الدين لا زكاة فيه لأنه غير مستقر فإذا أدى المكاتب قسط أو قسطين ثم قال للسيد: أنا عجزت الآن، إذا أعجز نفسه يعود رقيقاً، وله أن يفعل ذلك متى شاء، ولا يلزم بمتابعة الكتابة، فهذا الدين غير مستقر، وهذا الملك غير مستقر، فلا زكاة فيه. والشرط الأخير: مضي الحول: فلا بد من تمام الحول، أن يمر على هذه الأموال حولاً كاملاً، اثنا عشر شهراً، إلا فيما ذكرنا من الحبوب والثمار، فإن زكاتها يوم حصادها.

يشكل على كثير من الناس الأموال التي تأتي دفعات أثناء الحول، وينفق منها أهلها، كالرواتب مثلاً، شخص له مرتب عشرة آلاف في الشهر، وفي شهر يصرف خمسة، وشهر يصرف عشرة، وشهر يصرف سبعة، وشهر يصرف عشرين على حسب النوائب، فيشق عليهم حساب الحول، فهم إما أن يبنوا ذلك بدقة فإذا استلم راتب محرم يقيده، وينظر الذي يحول عليه الحول من هذا الراتب، فيزكيه فإذا استلم شهر صفر قيده، ويفعل به في صفر القادم مثلما فعل في محرم، وهذه غاية المشقة لأن الأموال تتداخل، فهو إذا استلم الراتب أودعه في البنك، ثم يضيف إليه راتب صفر، ثم يضيف إليه راتب ربيع الأول وهكذا، فهو يصرف خلال العام من هذه الرواتب، ولا يدري هل كانت نفقته من راتب محرم أو من صفر لأنها غير متميزة، نعم لو جعل لكل راتب حساب مستقل، لكل شهر حساب مستقل، أمكنه أن يعرف ذلك، أما إذا أودعها في حساب واحد فلن يصل إلى حقيقة الحال بحال. لكن الأرفق به في مثل هذه الحالة أن يجعل لزكاته يوماً محدداً في كل سنة، يجعل مثلاً الأول من رمضان الثاني من رمضان، فيخرج الزكاة زكاة ما في حسابه، ما يوجد في حسابه يوم إخراج الزكاة، أودع شهر شوال، ثم شهر القعدة ثم الحجة ثم المحرم إلى شعبان أودع هذه الرواتب وهو ينفق منها، مجموعها مائة وعشرون ألفاً -إذا كان الراتب عشرة- أنفق منها تسعون ألفاً، ولا يدري هل النفقة أتت على جميع المحرم أو صفر؟ لا يستطيع أن يميز؛ لأنها أودعت في حساب واحد، فإذا جاء رأس الحول، من على رأس الحول من إيداعه أول مبلغ زكى، نظر ما بقي في حسابه فوجده ثلاثون ألفاً صافي السنة، الوفرة التي تحصل له من رواتب هذه السنة مبلغه ثلاثون ألفاً، صرف في السنة تسعين ألفاً، بقيت ثلاثون ألفاً، فيزكي الثلاثين، فيخرج منها سبعمائة وخمسون ريالاً، ربع العشر، لأن العشر ثلاثة آلاف وربعها سبعمائة وخمسون، هذا بالنسبة للرواتب.

زكاة الحلي:

وبعض الناس يتعامل بالأقساط يدين الناس أقساط، ويصعب عليه زكاة أمواله، توفر عنده مبلغ من المال، توفر عنده سبعون ألفاً فاشترى سيارة فباعها على زيد من الناس بالأقساط، ثم توفر له بعد شهر أو شهرين مثلها، ثم باعها على عمرو من الناس بأقساط شهرية، مثل هذا يفعل مثل ما فعل الموظف، وإلا فيصعب عليه حصر كل قسط بعينه، مثل أموال الموظفين يجعل لزكاته يوماً في السنة، ويكون في شهر رمضان لأنه أكثر أجراً، وهكذا يفعل كثير من المسلمين يجعلون زكاتهم في رمضان لأنها مضاعفة، زكاة رمضان مضاعفة لفضل الشهر وعظمته. زكاة الحلي:

زكاة مال الصبي:

من المسائل التي تشكل -وهي من مسائل النقدين- حلي النساء، وهي من الذهب أو الفضة، والأصل فيها أنها زكوية تزكى، هذا باعتبار أنها ذهب أو فضة {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ} [(34) سورة التوبة] وهذا يصح أنه ذهب وفضة، ففيها الزكاة عند جمع من أهل العلم، وجاء فيها ما جاء من أخبار، النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى على امرأة سوارين من ذهب، فقال: ((أتؤدين زكاتهما؟ )) قالت: لا، قال: ((أتحبين أن تسوري بهما سوارين من نار؟ )) فألقتهما، وجمهور أهل العلم على أنه لا زكاة فيها، لا سيما الذهب المستعمل، إذا كان بقدر الحاجة، لأنه قنية لم يعد لتجارة ولا لنماء، مثل ما يستعمله الإنسان من مسكن ومن سيارة ومن أثاث ومن ملابس ومن فرس ومن عبد؛ وما أشبه ذلك، ما يستعمله للقنية لا زكاة فيه، لأنه ليس بنامٍ، لم يعد للتجارة ولا للنمو، وهذا مذهب أكثر أهل العلم، وعلى هذا يكون زكاة الحلي إنما هو من باب الاحتياط، يعني من أخرج زكاة الحلي فمن باب الاحتياط، ولا يلزم بها، فلو لم يزكِ، وإذا لم تزكِ المرأة على الحلي فإنها حينئذ لا تأثم، وإنما إذا أرادت أن تحتاط لنفسها ودينها وخروجاً من خلاف من أوجبها، فإنها تخرج زكاته ربع العشر، هذا إذا كان مستعملاً وليس بكنز، وأيضاً بقدر الحاجة، أما إذا زاد عن الحاجة ودخل في حيز السرف، وصار محرماً فإنه تجب فيه الزكاة، كما لو اتخذ الرجل حلياً فإنه حينئذ تجب عليه الزكاة، لو اتخذت المرأة ما ليس بحلي من الذهب والفضة أواني، اتخذت أواني من ذهب أو فضة وجب عليها أن تزكيها قولاً واحداً، لأن ما يحرم استعماله يجب فيه الزكاة. زكاة مال الصبي:

مصارف الزكاة؟

الزكاة بالنسبة للتكليف لا ارتباط لها بالتكليف، فتجب في مال الصبي والمجنون، قد يقول قائل: الصبي والمجنون رفع عنهما القلم فكيف يكلفان بالزكاة؟ جاء في الحديث: ((رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يعقل، والنائم حتى يستيقظ)) كيف يكلف بالزكاة وهو غير مكلف شرعاً؟ نعم هو غير مكلف بالحكم التكليفي، وإنما هو مكلف بالحكم الوضعي، أيش معنى هذا الكلام؟ الآن الصبي لو كسر آلة لزيد من الناس، أخذ قلم ثمين مثلاً أو غير ثمين فكسره يطالب بقيمته أو لا يطالب؟ هل نقول: هذا المسكين غير مكلف؟ أو رمى حجر فكسر زجاج السيارة لفلان، يطالب أو ما يطالب؟ يطالب، لو رمى حجراً فقتل به إنسان؟ يطالب بديته، فهذا من باب الحكم الوضعي، من باب ربط الأسباب بالمسببات، فتجب الزكاة في ماله، وإن كان غير مكلف بالتكاليف الشرعية، وإنما هذا من باب ربط الأسباب بالمسببات، ومن ذلك قيم المتلفات وأروش الجنايات، ولو كان مكلفاً لقتل بمن يقتل، يعني إذا تعمد الصبي قتل شخص، جاء بمسدس وقتله؟ هذا لو كان مكلفاً يقتل به، القصاص، لكن إذا كان غير مكلف؟ عمد الصبي والمجنون كخطأ المكلف، فعليه الدية، والدية حينئذ على عاقلته كالمكلف. مصارف الزكاة؟

الأصناف الذين تدفع لهم الزكاة هم الثمانية الذين بينهم الله -جل وعلا- ولم يكل بيانهم إلى أحد من خلقه، لا إلى الأنبياء ولا إلى اجتهادات العلماء، هم: الفقراء الذين لا يجدون شيئاً، أو يجدون شيئاً لا يعتبر شيء بالنسبة إلى مصروفاتهم وعوائلهم، والمساكين الذين يجدون بعض الكفاية، فالفقراء والمساكين هما الصنفان الأول والثاني من أهل الزكاة، فيعطون ما يكفيهم، قد يقول قائل: في حديث معاذ الذي سبق أن ذكرناه ((تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)) الآن الذي راتبه ألف ريال أو ألفين ريال وعنده أسرة هذا غني أو فقير؟ أسرة مكونة من خمسة عشر شخصاً غني أم فقير؟ هذا في عرف الناس فقير، وفي الواقع فقير، لأن الألفين ما تمشيه يمكن ولا أسبوع، فيأخذ بقية نفقته وبقية من يعول لمدة سنة، في حديث معاذ ((تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)) الآن الذي يملك ألفين ريال، هذا تجب عليه الزكاة لأنها أكثر من النصاب إذا نظرنا إلى الفضة أكثر من النصاب، فتجب عليه الزكاة فتجب عليه الزكاة فتؤخذ منه، ويأخذ ما يكفيه لمدة عام، إذا نظرنا إلى هذا الذي ملك النصاب، لكنه لم يحل عليه الحول، هل يدخل في حديث معاذ؟ هذا راتبه ألفين ريال، قلنا: إنه لا يوفر منه شيء، وإذا مر عليه الحول ما بقي منه شيء، إذاً لا تجب عليه الزكاة، وهو فقير يأخذ من الأموال.

نأتي إلى زكاة الحبوب والثمار، هي التي يكون فيها المثال واضح، شخص عنده مزرعة وتنتج أربعمائة صاع من التمر، تجب عليه الزكاة يوم الجذاذ لأنها أكثر من النصاب، وتؤخذ منه الزكاة، وإذا نظرنا في الباقي لا يكفيه لمدة عام، يعني إذا قلنا: أربعمائة صاع أخذنا ربع العشر، أخذنا منها زكاة الثمار، وهي إن كانت تسقى بلا مؤونة ففيها العشر، نأخذ منها أربعين صاعاً، وإذا كانت تسقى بالمؤونة فنصف العشر، عشرون صاعاً، صار الباقي -على أي حال- ثلاثمائة وثمانين صاع، ثم باعها، احتاج منها الثمانين يدخرها لأولاده طول العام مثلاً، وتكفيه من التمر، لكنه يحتاج إلى حوائج أصلية غير التمر، فإذا باع الثلائمائة صاع، الصاع بعشرة باعها بثلاثة آلاف ريال، وهو يحتاج في السنة إلى ثلاثين ألف، قلنا: إنه تجب عليه الزكاة وتحل له الزكاة، المثال ظاهر أو مو بظاهر؟ قلنا: أن هذا ثمرته أربعمائة صاع، أخذ منها الزكاة نصف العشر؛ لأنها تسقى بالمؤونة، بالآلات، يؤخذ منها نصف العشر عشرون صاعاً، يبقى ثلاثمائة وثمانين صاع، الثمانين هذه يدخرها لأولاده طيلة العام تمر، يحتاجون إلى تمر كغيرهم، باع الثلاثمائة صاع بعشرة، يعني في المتوسط، باعها بثلاثة آلاف ريال، يحتاج نفقة له ولأولاده إلى أقل تقدير بالنسبة لأسرة متوسطة ألفين وخمسمائة شهرياً فيحتاج إلى ثلاثين ألفاً، فتؤخذ منه الزكاة ويأخذ الزكاة، أنا أريد أن أتوصل إلى شيء من خلال الحديث في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم)) فهل يتصور أن يوصف الشخص أنه غني فقير في وقت واحد؟. . . . . . . . . هو غني من جهة أنه يدفع الزكاة، يدفع الزكاة تؤخذ منه زكاة فهو غني بالحديث، وباعتباره محتاج له ولأسرته مبالغ لحوائجه الأصلية فإنه حينئذ في حيز الفقراء.

وبعض أهل العلم يقول: لا يمكن أن يوصف الشخص بأنه غني وفقير في آن واحد، فإما أن نوجب عليه الزكاة فلا يأخذ الزكاة، وإما أن يأخذ الزكاة فلا يدفع زكاة، أيش معنى أنه يطلع عشرين صاع ويأخذ ثلاثين ألفاً؟ وعلى كل حال الجهة منفكة، هو مطالب بزكاة هذه الأموال التي بلغت النصاب وهو التمر الذي مثلنا به، وله أن يأخذ حاجته وحاجة من يموله لمدة عام، ولو بلغ ثلاثين أو أربعين ألفاً. هناك أشياء كان أهل العلم لا يفتون بأخذ الزكاة من أجلها، يعني قبل ثلاثين سنة مثلاً لو جاء شخص لعالم وقال: أنا ما عندي ثلاجة أريد أخذ الزكاة أشتري ثلاجة ما عندي ثلاجة، وما عندي سيارة، قيل له: لا يا أخي لا تأخذ، هذا ترف، هذا زيادة، لكن الآن يأخذ الزكاة من أجل مكيف، من أجل الثلاجة، ... إلخ يأخذ أو ما يأخذ؟ هذه حاجات أصلية يعني إذا كان ما عنده مكيف ما نام، إذاً هي حاجة أصلية فيأخذ الزكاة، قد يلاحظ على بعض من يأخذ الزكاة ولا يستطيع أحد أن يقول شيء، معه جوال وزوجته جوال وزوجته جوال وولده جوال وبنته جوال ويأخذ الزكاة، يأخذ الزكاة لأنه مضطر ومحتاج، طيب هي الجوالات التي معك؟ يقول: إذا احتجت الولد أروح الكبينة أريد أكلم عليه بضعف ما أكلم بالجوال، إذن الجوال يوفر لي، طيب أنت معك سيارة جيمس موديل 2005 أو 2006 وتأخذ زكاة، أما تخاف الله؟! قال: نعم آخذ زكاة الجيمس هذه حاجة أصلية أنتقل بها أنا وأولادي لحوائجنا، طيب خذ لك جيمس 90 - 91 بعشر القيمة، قال: يا أخي الذي أصرفه على هذه الجيمس الرديء في الورش أكثر مما دفعته في هذا الجيمس الجديد، فالمسألة مسألة حاجة، فهل هذا مبرر لأن يأخذ الزكاة ويشتري فوق مستواه؟.

العاملون عليها:

بعض الناس يأخذ من صندوق التنمية ثلاثمائة ألفاً ويستدين معها أربعمائة ليشيد منزل متوسط، ويأخذ الزكاة من أجل سداد الأربعمائة ألفاً، نقول: يا أخي بإمكانك ربع هذه القيمة أن تشتري بيتاً لائقاً بك، لكن الناس في هذه الأزمان تساهلوا في سؤال الناس، وفي أخذ الزكوات، لأن كون الإنسان يستعمل ما هو فوق طاقته وفوق مستواه، لا يجوز له أن يأخذ من أموال الناس بهذه الصفة، يعني الذي يكنه بيت بمائتي ألف؛ لكن لا يجد بأقل من مائتي ألف، بيت له ولأسرته نقول: يأخذ الزكاة بمائتين، لأن البيت حاجة أصلية، لأنه لو كلف بدفع إيجار كل سنة عشرة آلاف أو أكثر أو عشرين ألفاً لأرهقه ذلك بسؤال الناس، وتتبعهم في كل سنة، وقد يتعرض لإخراجه من البيت وإيذائه والمشقة الشديدة التي لا يحتملها، لكن إذا اشترى بيت بسبعمائة ألف يجوز له أن يأخذ من الزكاة؟ لا يجوز له أن يأخذ من الزكاة إذا كانت فوق حاجته. الفقراء والمساكين يأخذون من الزكاة بقدر الحاجة، ولذا قال أهل العلم: بقدر الحاجة، معناه أن أكثر من الحاجة لا يجوز، الحاجة تقدر بقدرها، لا يجوز ما زاد على الحاجة. العاملون عليها: العامل على الزكاة كالجباة والسعاة الذين يتولون جمع الزكاة لهم أجرة المثل، لكن هذا المصرف إنما يقرره ولي الأمر، ما يأتي إمام مسجد ويكلف بعض الناس، يقول: اجمعوا زكوات لنوزعها على فقراء الحي، ولكم منها كذا، لا، وأشوف بعض الإخوان يفعله، لأن هذا يكون ضياع بهذه الطريقة، يعني الزكاة ركن من أركان الإسلام ما يمكن أن يتصرف بها بتصرفات فردية، سمعنا بعض الإخوان من أئمة المساجد يكلفون بعض الشباب يجمعون زكوات عند أبواب المساجد وعند التجار، وبعد ذلك يقول: لك أجرة المثل، لك مثلاً العشر، عشر الزكاة أو عشر ما جمعت، وقد يزيده من أجل أن يحرص على الجمع، هذا ليس إليه، إنما هو لولي الأمر، فولي الأمر هو الذي يعين السعاة والجباة، وإلا لو كان لتصرفات الناس ما انتهى الأمر إلى حد. المؤلفة قلوبهم:

الغارمون:

المؤلفة قلوبهم: يعطى الكافر إذا رجي إسلامه، ويعطى من أسلم ليستقر الإيمان في قلبه؛ لأنه عرضة، إلى الآن ما استقر الإيمان في قلبه، فلو حصل له أدنى مشكلة ارتد عن دينه، مثل هذا يرغب ويغرى بسهم من الزكاة. الغارمون: الغارم: أيضاً يعطى من الزكاة، سواء غرم لحظ نفسه كالمدين بدين مباح، لا بدين يعصي فيه، يرابي ويضارب بأموال الناس بالربا، أو يستعمل المحرمات ويبيع ما حرم الله -جل وعلا-، مثل هذا لا يعطى من الزكاة، ولو غرم، ولو تحمل الأموال، فإنه لا يعطى حينئذ، أما من غرم ولو لحظ نفسه فإنه يعطى من الزكاة إذا كانت مزاولاته ومعاملاته مباحة، إذا غرم لحظ غيره كأن أصلح بين اثنين، واقتضى هذا الإصلاح بذل مال لهما أو لأحدهما، فإنه يعطى بقدر هذا المال، ولو كان غنياً، أما من غرم لحظ نفسه فإنه لا يعطى إلا إذا كان فقيراً. وفي الرقاب: بقي من الأصناف السادس: {وَفِي الرِّقَابِ} [(60) سورة التوبة] ويدخل فيه من أسر من المسلمين، وفكه فرض على الأمة في بيت المال، وفي أموال المسلمين من الزكوات وغيرها، والمكاتب أيضاً يعطى من الزكاة لفك رقبته. في سبيل الله: وفي سبيل الله، وعامة أهل العلم على أن المراد في سبيل الله الغزاة المجاهدون، الذين يجاهدون لإعلاء كلمة الله، فيأخذون من الزكاة ما يعينهم على الجهاد، وبعضهم يتوسع في مفهوم سبيل الله، فيدخل في ذلك جميع ما تحتاج إليه الأمة من المرافق العامة، وما يعين على إقامة الدين وشعائر الدين، فيجعلون في ذلك طلب العلم الشرعي وغيره، والحج جاء النص على أنه في سبيل الله، فهل يعطى من أراد أن يحج وليس عنده ما يحج به من الزكاة؟ على قول الجمهور لا، لأن المراد في سبيل الله عندهم هو الجهاد فقط، وعلى القول الثاني الذي فيه شيء من التوسع، وقال به بعض أهل العلم من المتقدمين ومن المعاصرين، يقول: يعطى من الزكاة، لأن الحج في سبيل الله، وجاءت تسميته في الحديث، لكن المراد به عند عامة أهل العلم الجهاد.

ابن السبيل:

هل يعطى طالب العلم من الزكاة، لأن العلم في سبيل الله وهو جهاد؟ هل يعطى من يقوم بشعيرة الأمر والنهي، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، لأنه جهاد، نوع من أنواع الجهاد، من الزكاة على قول جمهور العلماء؟ لا. وشيخ الإسلام -رحمه الله- يقول: إن لطالب العلم أن يأخذ من الزكاة ما يشتري به ما يحتاجه من كتب، الكتب في الأصل ليست بحاجة أصلية، لكن شيخ الإسلام يرى أن هذا في سبيل الله، فيأخذ الزكاة من أجل الكتب، أو يعتبر الكتب حاجة أصلية بالنسبة لطالب العلم، كالسلاح بالنسبة للمجاهد، على كل حال القول المحقق المقرر عند أهل العلم أن سبيل الله المذكور في الآية إنما هو الجهاد. ابن السبيل: وابن السبيل: السبيل هو الطريق، من انقطعت به السبيل، بمعنى أنه مسافر، ثم انتهت نفقته، أو فقد نفقته ضاعت أو سرقت؛ فإنه يأخذ من الزكاة حتى يصل إلى بلده، ولو كان غنياً في بلده، لكن هل له أن يأخذ الزكاة ليذهب إلى غيره بلده، ثم يعود إلى بلده؟ خرج من الرياض قاصداً مكة، فلما انتصف في الطريق سرقت نفقته، يأخذ من الزكاة لأنه ابن سبيل، انقطعت به نفقته، لكن هل يأخذ إلى أن يرجع إلى الرياض أو إلى أن يذهب إلى مكة ويرجع إلى بلده؟ لا، إلى أن يرجع إلى بلده، وإلا لما انتهى، والله بعد مكة أذهب إلى جدة وبعدها أذهب أشوف بلدان الساحل، وأتمشى أصل إلى الجهة الغربية والشمالية، وأعود إلى بلدي، لا، مثل هذا يعطى إلى ما يعيده إلى بلده فقط، وإلا لو فتح مثل هذا الباب كان ما ينتهي. كثيراً ما يعترض الناس في طرقهم ابن السبيل، سواء كان دعواه حقيقية أو مجرد دعوى وهو كاذب فيها، يعترض الناس في المحطات ويقول: أنا –والله- سرقت نفقتي أو ضاعت أو ما أشبه ذلك، مثل هذا يعطى أو لا يعطى؟ على حسب ما يظهر من حاله، فإن دلت القرائن على صدقه، فإنه يعطى، وإن دلت القرائن على كذبه فإنه لا يعطى، وإن اشتبه أمره فلا بد من البينة التي تدل على صدقه، فإن كان صادقاً في ذلك فهو ابن السبيل الذي ذكر الله -جل وعلا- أنه من أهل الزكاة.

مما يحسن التنبيه عليه وهو أن بعض المحتسبين من الأخيار من الذين يأخذون الزكوات من الأغنياء ويوزعونها على الفقراء هل هم نواب عن الأغنياء أو نواب عن الفقراء؟ قد يقول قائل: أيش الفائدة من كونه نائب عن غني أو فقير؟ هو يأخذ من هذا ويعطي هذا، وأيش الذي ترتب على هذا من فائدة؟ نقول: إن كان نائباً عن الغني فيلزمه أن يدفعها إلى الفقراء فوراً كالغني، وإن كان نائباً عن الفقراء فله أن يقسطها عليهم حسب حاجتهم، إن كان نائب عن الغني، الغني يلزمه أن يتخلص من الزكاة فوراً، فور حلولها، يعني يتسامح في يوم أو يومين أو ثلاثة لكن أكثر من ذلك لا يجوز، إذا حلت إذا وجبت عليه، وإن كان هذا المحتسب نائب عن الفقراء، فله أن يجمع من الأغنياء ويصرف على هؤلاء الفقراء، ولو تمتد به الأمر سنة، لأنه نائب عنهم، الفقير إذا أعطي الزكاة التي تكفيه لمدة سنة، ينفق منها تدريجياً، وهذا في حكمه ينفق على هؤلاء الفقراء تدريجياً، ولو طال به الأمر، أما إذا كان نائباً عن الغني فيلزمه أن يخرجها فوراً، وهذا يكثر السؤال عنه، لأن بعض الناس يأخذ زكاة من الأغنياء بنية صرفها على فقراء الحي، ثم يودعها في حسابه ويقيدها يعني ما هي بضايعة -إن شاء الله-، فإذا أعطى آل فلان ألف ريال قيد، أعطينا آل فلان ألف ريال، بعد أسبوع أو ثلاثة أعطى آل فلان، وهكذا إلى آخره، هذا إذا كان نائب عن الفقراء صحيح ما فيه إشكال، وأما إذا كان نائباً عن الأغنياء فلا. فالأحسن في مثل هذه الحالة أن يذهب إلى الفقراء ويطلب منهم النيابة أن يتولى السؤال عنهم والإنفاق عليهم، أما إذا قصده الغني وقال: وزع زكاتي هذه فهو في حكمه، اللهم إلا إذا كان الغني يعطيه من زكاة العام القادم، ما هو من زكاة العام المنصرم، لأنه فرق بين أن تحل عليه زكاة اليوم، حال عليها الحول فلا بد من إخراجها اليوم أو غداً أو بعده، ومن في حكمه من وكيل الذي يعطيه الزكوات ليوزعها يلزمه أن يدفعها فوراً، لكن إن أعطاه الغني وقال: هذه ما بعد حلت، تحل -إن شاء الله- بعد سنة، أنت صرفها على نظرك يفعل ما يشاء خلال السنة بحيث لا يزيد عليها.

بعض الناس يجمع الزكوات للفقراء وهو محسن ومحتسب ومثاب على ذلك، ويجعلها في حسابه، ويقترض منها، يقضي منها شيء في مصالحه، لأن هذا الفقير ليس بحاجة إليها اليوم، هو نائب عن فقير، لكن هذا الفقير ما يحتاجها اليوم، واحتاجها هو هل يجوز له أن يتصرف فيها بنية الضمان أو لا يجوز؟ الأصل أنه لا يجوز، إلا إذا ملّكها الفقير؛ لأن الزكاة بالنسبة للفقراء والمساكين تمليك لا بد أن يملكها الفقير، فإذا أقرضه شيء منها باعتبار أنه لا يحتاجها اليوم فلا مانع من ذلك. سؤال: ما حكم تأجيل إخراج الزكاة لعام أو عامين؟ سواء كان لعذر أو لغير عذر؟ الجواب: لا يجوز تأخير الزكاة إذا حان وقتها وحال عليها الحول، ووقت الحصاد بالنسبة للزروع والثمار، لا يجوز، يتسامح أهل العلم في اليوم واليومين، أو انتظار فقير حاجته أشد أو قريب على أن لا يتأخر هذا القادم أما تأخيرها لعام أو لعامين بل ولا شهر ولا شهرين، لا يجوز ذلك، أما تعجليها، فيجوز تعجليها، لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- تعجل من زكاة العباس. سؤال: ذهب بعض العلماء المعاصرين إلى تقدير زكاة الأوراق النقدية إلى اعتبارها بالذهب دون الفضة وعلتهم بأن الفضة لم تعد رائجة كالسابق، وأن النصاب إذا قدر بالفضة أصبح قرابة خمسمائة وخمسين ريال سعودي تقريباً، وأن من يملك هذا المبلغ لا يمكن أن يعد في زمننا غنياً، بل إذا قدر بالذهب فإنه يكون بقرابة أربعة آلاف ريال، وهذا يمكن أن يعد غنياً فما رأيكم؟ الجواب: أقول: العلماء على عكس هذا القول، جلهم يقدر الأموال بالفضة، بل لا يوجب الزكاة في الذهب ولا بلغت عشرين مثقالاً، ما لم تكن قيمتها مائتا درهم فضة، فيجعل الأصل في الباب هو الفضة لا الذهب، وعلى كل حال الأصل إن كان الذهب موجود فهو الأصل، إن كان الموجود فضة فهي الأصل، وأما بالنسبة للريالات العربية بالنسبة للورق فأصلها الفضة، أول ما ضرب الريال العربي بالفضة. سؤال: رجل عنده أموال مختلطة له ولغيره؟

الجواب: ليس معناه أنها مختلطة بين مباح ومحرم، لا، إنما معه أموال فيها حسابات جارية بينه وبين شركائه، ومن يتعامل معهم من أغنياء مثلاً يوردون له البضائع، فيه ما نستطيع نقول: لا بد أن يكون على رأس الحول ماله محرر مقرر مضبوط، ولو أدى ذلك إلى توظيف محاسب، لأن هذه الأمور حقوق لخلق مبنية على المشاحاة لا يجوز التفريط فيها، من أهل العلم من يرى أن مال المضاربة لا يزكى حتى يصفى، يعني عندك مائة ألف أعطيتها شخص ليشتغل بها، وقلت: الربح بيني وبينك نصفين، لما حال الحول قال: والله ما بعد صفينا، منهم من يقول: تنتظر التصفية، والصواب أنها لا تنتظر تصفية؛ لأنه مال نامي ما الذي يخرجه من وجوب الزكاة؟ تجب فيه الزكاة، فإذا حال عليه الحول ينظر كم ربح؟ فيزكى الأصل مع الربح، صارت المائة ألف مائة وخمسين يزكي مائة وخمسين ألف، وكلٌ له ما يخصه منها. سؤال: هل تصرف الزكاة على من تفرغ لطلب العلم والدعوة إلى الله مع أنه قوي وذو مرة سوي؟ الجواب: من تفرغ لطلب العلم ولم يكن له مصدر لا مانع من أن يأخذ الزكاة باعتبار وصف الحاجة والفقر، ولو كان قوياً لأن الأمة بحاجة إليه لا سيما إذا كانت الأهلية لديه أكثر من غيره، فإنه حينئذ يتفرغ لطلب العلم والأموال إنما تدخر لمثله. سؤال: ما أفضل التحقيقات لهذه الكتب المنهاج للنووي، مختصر خليل والهداية، شرح بداية المبتدي؟

الجواب: أما بالنسبة للمنهاج للنووي، إن كان يقصد به المنهاج الفرعي الذي هو متن من متون الشافعية، واقترانه بمختصر خليل والهداية يدل على هذا، لأن السائل كأنه يريد مختصرات في الفقه على المذاهب الأربعة، هو يعرف ما يتعلق بالمذهب الحنبلي ويسأل عن المذاهب الأخرى، وإن كان يقصد بالمنهاج شرح مسلم فاسمه المنهاج للنووي، والذي يظهر ويغلب على الظن أنه يريد المتن الفقهي، بالنسبة للتحقيقات هذه الكتب طبعت طبعات قديمة ولا أعرف لها تحقيقات يعني مقابلة نسخ وكذا، لكن فيها نسخ صحيحة، فالذي مع مغني المحتاج متقنة من المنهاج، ومختصر خليل الذي مع شرح الحطاب جيد، والهداية مع شرح ابن الهمام، اسمه فتح القدير أيضاً ممتاز، المتن ممتاز، وهذه الشروح ينصح طالب العلم ألا يأخذها مجردة، قد يفهم المنهاج، وقد يفهم الهداية، لكن مختصر خليل أشبه ما يكون بالألغاز، فعليه أن يأخذ هذه الشروح التي أشرت إليها، فإن أخذ مع المنهاج شرحه مغني المحتاج المتن موجود والشرح موجود إذا أشكل عليه شيء يراجعه، وهو شرح مشهور ومتداول، وأيضاً الحطاب على خليل شرح نفيس، وفيه استدلال، وفيه أيضاً قوة، وأما الهداية فإنها تؤخذ مع شرحها فتح القدير لابن الهمام. سؤال: حديث معاذ لم يذكر فيه ركن الصوم والحج وذكر فيه ثلاثة أركان فكيف يوجه الحديث؟ الجواب: من أهل العلم من يقول أن عدم ذكر الصوم لأن الشخص إذا نطق بالشهادتين وصلى وزكى وهذه في غاية المشقة على النفس، أما الصلاة فلأنها تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، والزكاة المال شديد إخراجه على النفس فإذا جادت نفسه بالصلاة مع تكررها ودفع ماله فإنه لن يتردد في صيام شهر في العام، وصلاته تهديه وتدله على ذلك، وزكاته تجعل نفسه تجود به، وأما الحج فليس بلازم لكل الناس مع أنه مرة في العمر، فإذا صلى وزكى وصام فإنه لم يتردد حينئذ في الحج. سؤال: هل العسل فيه زكاة؟ الجواب: نعم جاء عن الصحابة ما يدل على أن فيه الزكاة، أما إذا كان معداً للتجارة وتبلغ قيمته قيمة النصاب فلا خلاف في كونه يزكى. سؤال: هل يأثم لو لم يزكي الصغير؟

الجواب: عرفنا أن الصغير ليس بمكلف، لكن وليه مطالب بإخراج الزكاة عنه في ماله، ولو بلغ عليه أن يؤدي زكاة جميع ما مضى من السنين. سؤال: قيل: إن الواجبات في حق الصغير مستحبات والمحرمات في حق الصغير مكروهات، فلو أن صغيراً ارتكب محرماً فإنه يكون في حقه مكروهاً؟ الجواب: الصغير لا يكتب عليه شيء، ومنهم من يقول: أنه تكتب له حسنات، ولا يكتب عليه سيئات، لكن الكتابة هنا في الأمور البدنية، أما بالنسبة للأمور المالية فإنها تجب عليه كما قلنا من باب ربط الأسباب بالمسببات، وهذا تقدم الكلام فيه. يقول: إذا اكتتب شخص في أسهم شركة وحال على الأسهم الحول ولكن لم يبعها ولم يحركها؟ الجواب: هذا كعروض التجارة يزكيها، عليه أن يزكيها، ينظر قيمة هذه الأسهم مع أرباحها أو خسائرها، فإذا اكتتب بمائة ألف، فسأل عنها أو عرف أنها على رأس الحول تباع بمائة وعشرين ألف يزكي مائة وعشرين ألف، وإذا كانت لا تباع إلا بثمانين أو سبعين ألف فإنه يزكي قيمتها الحالية. سؤال: ما هو القول الراجح في الحلي، حلي الذهب للمرأة هل عليها زكاة أم لا؟ الجواب: ذكرت أن إخراج الزكاة فيه من باب الاحتياط، أما الوجوب فلا يتجه. سؤال: يقول: ما حكم من أخر إخراج الزكاة، وما هو الإثم المترتب على ذلك التأخير؟ الجواب: الإثم عظيم، لأنها ركن، ويعذب بماله يوم القيامة، سواء كان من الإبل أو من البقر أو من الغنم أو من الذهب أو من الفضة أو غيرها -نسأل الله العافية-، لكن عليه إذا أخر أن يبادر فوراً بإخراجها، ويندم على ذلك، ويعزم على ألا يعود، ويتوب إلى الله -جل وعلا- توبة نصوحاً وحينئذ التوبة تهدم ما كان قبلها. سؤال: يقول: عندنا في العائلة تم إنشاء صندوق وكانت تصرف هذه الزكاة على الفقراء والمحتاجين من العائلة، فما حكم ذلك؟

الجواب: على كل حال حكمها مثلما قلنا: إن كان الذي يجمعها نائب عن الأغنياء، فعليه أن يصرفها فوراً، وإن كان نائباً عن الفقراء فينظر حاجتهم ويوقتها عليهم حسب مصلحتهم؛ لأن بعض الفقراء لو دفع له المال دفعة واحدة لا يحسن التصرف فيه، غالب الفقراء لا يحسنون التصرف في الأموال، شخص محتاج إلى قوت أهله فأعطي من الزكاة فاشترى شيئاً تلف عليه في يومه، اشترى تحف، وهو في السيارة تكسرت، كثير من الفقراء لا يحسنون التصرف، فمثل هذا ينفق عليه بالتدريج. سؤال: يقول: أنا مغترب هنا مع عائلتي ولها ذهب في اليمن -أي حليتها- ومر عليه عامين لم أدرِ كيف أزكي عليه؟ إلا أني في العام الماضي زكيت عليه زكاة تقديرية، أفتونا ماذا أصنع هذا العام فهو بمبلغ يتجاوز اثنا عشر ألف ريال سعودي وقد اشتريناه قبل فترة؟ الجواب: على كل حال، الذهب ما دام متروك في بلد آخر هذا لا يستعمل، فهو كنز، فيه الزكاة، وإذا كانت قيمته بإثنا عشر ألف، فلا شك أنه نصاب، بل زائد على النصاب، فحينئذ يخرج ربع العشر، العشر ألف ومائتين وربعه ثلاثمائة ريال. سؤال: لدي أسهم كانت نيتي المضاربة فيها، ولكن تحولت النية إلى استثمار طويل الأجل، هل تجب الزكاة في رأس المال أو الربح؟ الجواب: إذا حال الحول تزكى، يسأل عن قيمتها فتزكى، سواء كانت برأس مالها أو أكثر أو أقل. سؤال: يقول: متى تستأنف الدروس الثابتة؟ الجواب: تستأنف -إن شاء الله- بعد رمضان. سؤال: ما حكم إجارة السيارة المنتهي بالتمليك والشخص الذي لديه سيارة بهذا العقد ماذا يفعل بها؟ وما نصيحتكم للمتعاملين بهذا العقد؟

الجواب: الإجار المنتهي بالتمليك أفتى المشايخ في هيئة كبار العلماء بمنعه وتحريمه، لاشتماله على عقدين في عقد واحد، ولأن الضمان عائر لا يدرى من هو عليه، اشترى شخص سيارة استأجرها وتملكها بالعقدين المذكورين، ثم احترقت تلفت صدمت فتلفت، المستأجر يقول: أنا ما علي شيء، أنا مستأجر، وأنا أمين، ولا فرطت، إذن الضمان على صاحب السيارة، تتلف عليه، الثاني يقول: لا، أنا بايع، فالضمان على المشتري تلفت عليه، فوجود مثل هذا الإشكال الذي يترتب عليه خصومات ونزاعات، لا شك أن مثل هذا يمنع في الشرع، ولا يقول قائل: أن مثل هذا يحله التأمين، نقول: التأمين غير شرعي، فلا يكون حلاً في مسألة شرعية، فالضمان عائر بين المستأجر وبين البائع، وحينئذ لا يجوز العقد بهذه الصيغة، ومن كان لديه سيارة اشتراها بهذا العقد فإنه حينئذ يقتصر على التأجير، ولا يشتري إذا انتهت الأقساط، أو يتفق مع صاحب السيارة في وقت توبته عن هذه العقد ويتفق معه على أن تحرر السيارة له أو لصاحبها الأول. سؤال: يقول: رجل لديه أرض تقدر قيمتها بخمسة عشر ألفاً، ويريد بيعها بعشرين ألفاً، فهل فيها زكاة أم لا؟ علماً بأنه لا يريد الاستفادة منها إلا ببيعها بالمبلغ الذي ذكر؟ الجواب: على كل حال إذا كان اشتراها بنية التجارة فإنه يزكيها كلما حال عليها الحول، كلما حال عليها الحول يزكيها، ولو استمرت عشرات السنين، لأنه حدها بأكثر مما تستحق. والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

مسائل وإشكالات

بسم الله الرحمن الرحيم مسائل وإشكالات الشيخ/ عبد الكريم الخضير الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: فالتنوع في الإلقاء والاستماع مطلوب؛ لأنه ينشط السامع، ويلبي حاجته، وهناك لقاءات كثيرة في صميم العلم ومتينه في شرح الكتب والمتون وما يحتاج إلى شرحه، وهناك أيضاً لقاءات في المنهجية في طلب العلم، وهذه طرقت كثيراً، وهناك أيضاً لقاءات في الآداب والآفات التي يحتاج إليها أو يحتاج إلى التنبيه منها والتنفير عنها التي تعترضه في طريقه الذي هو الدرب المحمود طلب العلم، ومن أنواع هذه اللقاءات ما يكون على طريقة السؤال والجواب، وهذا أيضاً له دليله من الشرع، وله أصلٌ أصيل حتى لو ألفت على طريقة السؤال والجواب لنفعت، وانتفاع الناس بالفتاوى قد يكون أنفع لهم من انتفاعهم بما يُقرأ من الكلام المرسل الذي بعضه قد يلامس حاجة القارئ، وبعضه قد يكون بعيداً عن حاجته، ولذا ينتفع الناس بالفتاوى، ويحرصون عليها، ونوصي طلاب العلم كثيراً بالعناية بها، لا سيما الفتاوى من العلماء الربانيين المعاصرين الذين تقرب حوائج القراء من حوائج السائلين. وعلى هذا حصل الاتفاق على أن يكون هذا اللقاء على طريقة السؤال والجواب، وأما التأصيل لهذا النوع من اللقاء بين الإخوة، فأصله حديث جبريل، حديث أبي هريرة في الصحيحين، وحديث عمر في مسلم، أن جبريل جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما في الحديث المشهور، وسأله عن الدين، سأله عن الإيمان، سأله عن الإسلام، سأله عن الإحسان، يعني بالإمكان أن يلقي النبي -صلى الله عليه وسلم- هذه المعلومات دون سؤال كعادته -عليه الصلاة والسلام-، لكن العلم حينما يلقى على طريقة السؤال والجواب لا شك أنه يرسخ في ذهن السامع، وفي النهاية قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم)) فهذا تعليم ونوع من التعليم، والتربويون يحرصون على مثل هذا النوع وهذه الطريقة في الطرح والإلقاء، طريقة الحوار، السؤال والجواب، ولا شك أنها طريقة نافعة ولها أصلها الشرعي.

وأما بالنسبة للطرق الأخرى من شرح المتون أو قراءة المطولات أو النظر في الآداب، والأخلاق والعوائق كل هذه موجودة ومعروضة ومبثوثة وتحدث فيها كثيراً. على كل حال هذه الطريقة على حد زعمي أنها نافعة، قد يأتي إنسان وفي نفسه سؤال لم يستطع أن يسأل عنه أحد، ويتمكن من السؤال في مثل هذا اللقاء، وأحياناً إذا ظفر أحد ممن لديه سؤال سواء كان من عامة الناس في مشكلة تعترضه أو كان من طلاب العلم في مسألة تهمه إذا ظفر بمن يجيبه عليها من أهل العلم كأنه ظفر بالدنيا بحذافيرها بكاملها لا سيما مع كثرة المتعلمين، وكثرة حوائجهم، وكثرة مشاكل الناس؛ وقلة أهل العلم بالنسبة إلى ما حصل بسبب انفتاح الدنيا من تجدد المسائل وكثرتها، وكثرة النوازل، وأهل العلم بلا شك العلماء الربانيون المعروفون أهل العلم والعمل، لديهم ما العمل ما يعوقهم -من الأعمال الرسمية- في أمور المسلمين العامة ما يعوقهم عن الإجابة عن كل سؤال يطرأ على أي مسلم متعلماً كان أو غير متعلم، فعلى حد زعمي أن هذه الطريقة نافعة، وإن كان الأولى بها من هو أولى، لكن كل يدلي بدلوه، وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا المعصوم -عليه الصلاة والسلام-. يقول: تكثر بين الحين والآخر دعوات لتوحيد صفوف الفرق الإسلامية، وأنه لا فرق بينها وأنها تعتبر آراء فقط، وما إلى ذلك من الدعوات مع العلم أن بعض الفرق مبنية مع ثوابت تتعارض مع منهج أهل السنة والجماعة؟ ما الذي يجب علينا اعتقاده إزاء هذه الدعوات؟ أولاً: حديث الافتراق: ((افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي -كما يقول -عليه الصلاة والسلام- على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة)) ثم جاء بيانها، ثم جاء بيان هذه الفرقة الناجية.

أولاً: أهل العلم لم يدخلوا الاختلاف في الفروع في هذا الحديث، الاختلاف في الفروع في هذا الحديث لم يدخل أصلاً، ونبهوا على ذلك في كتب الفرق، ولهذا يوجد الخلاف في الفروع بين خيار الأمة، بين الصحابة، بين أبي بكر وعمر، يوجد الخلاف في الفروع، وكل يجتهد، فمن أصاب فله أجران -كما جاء في الحديث- ومن أخطأ فله أجر -أجر واحد- ولا يثرب أحد على أحد في الفروع إذا كان القول مما يحتمله النص، والقائل به أهل للنظر والاجتهاد، ليس لكل أحد أن ينظر في النصوص، إنما الذي ينظر في النصوص من لديه أهلية النظر، وأما من عداه ففرضه سؤال أهل العلم {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [(43) سورة النحل]، الخلاف في الفروع لا يدخل في حديث الافتراق، ولذا يكون من الأمة الناجية والفرقة الناجية من هو على مذهب أبي حنيفة، ومن هو على مذهب مالك، ومن هو على مذهب الشافعي، ومن هو على مذهب الإمام أحمد، أعني في الفروع، لم يدخلوا الخلاف في الفروع أصلاً، الخلاف في الأصول وفي العقائد، فالفرقة الناجية هي ما كان عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه، على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي، لكن من ابتدع في الدين واخترع قولاً لم يسبق إليه، سواء كان في الاعتقاد أو في العمل فهو مبتدع، ثم ينظر في هذا المبتدع، والبدع كلها ضلالة، وليس في البدع ما يحمد ولا يمدح، وليس من البدع ما هو حسن، وإن ادعى ذلك من ادعاه من أهل العلم، وجعلوا للبدعة الأحكام الخمسة التكليفية، جعلوا من البدع ما هو واجب، وجعلوا من البدع ما هو مستحب، وجعلوا من البدع ما هو مباح، وخلطوا في مفهوم البدعة، فجعلوا أمور الدنيا يمكن يدخل فيها الابتداع، التوسعة في ألوان الطعام والشراب واللباس والمساكن جعلوا هذا من البدع المباحة، لكن هل البدع تدخل في العادات ما لم يتعبد بها؟ إذا تعبد بها دخلت في البدعة، أما إذا لم يتعبد بها وتناولها الإنسان لا على جهة التعبد، يتعبد الله -جل وعلا- بهذا النوع من الطعام، وأنه أفضل من غيره، وأنه يؤجر على أكله أكثر من غيره، لا هذه بدعة، إذا تعبد بهذه المباحات، لا أعني أنه يريد أن يتقوى بها على العبادة، هذا يؤجر على هذه النية،

لكن لو قال مثلاً: الرز أفضل من القمح مثلاً، أفضل ويؤجر الإنسان على أكله أكثر مما يؤجر على هذا، ويتعبد في هذا، نقول: ابتدعت يا أخي، لأنك اخترعت قولاً لم يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة. هذه البدع وكلها ضلالة، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- فكيف نقول: إن من البدع التي قرر النبي -عليه الصلاة والسلام- إنها ضلالة نقول: واجبة؟ نقول: هناك بدع واجبة، ومثلوا لها بالرد على المخالفين، المخالفين الرد عليهم، ودحض أقوالهم وشبههم واجب، نقول: لكنه ليس ببدعة، له أصل في القرآن, له أصل في السنة، وله أصل من عمل سلف الأمة، فليس ببدعة أصلاً، ويبقى أنه واجب على الكفاية وقد يتعين على بعض الناس، قالوا: هناك بدع مستحبة، كبناء المدارس والأربطة؛ لأن التعليم مستحب وسنة، فما يعين عليه فهو سنة، نقول: هذا ليس ببدعة، لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، فهو مشروع، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وكذلك ما لا يتم المندوب إلا به فهو مندوب شرعاً، هذه قواعد كلية مقررة في الشريعة، فليست ببدع والبدع المباحة قالوا: كالتوسع في ألوان الطعام والشراب وغيرها من الأمور التي هي في الأصل مباحة تبقى أنها بدع لكنها مباحة، كيف نقول بدع مباحة وبدع واجبة وبدع مستحبة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((كل بدعة ضلالة))؟. أما البدع المكروهة والبدع المحرمة هذا لا نختلف معهم فيها، لأن هناك من البدع الخفيفة جداً قد لا تصل إلى درجة التحريم، ومنها البدع التي تصل إلى درجة التحريم، ومنها البدع المغلظة التي فيها ما يخرج من الملة، وهذا السائل يقول: تكثر بين الحين والآخر دعوات لتوحيد الصفوف الفرق الإسلامية، وأنه لا فرق بينها، وأنها تعتبر آراء، لا، ليست بآراء فقط، إذا كانت في العقائد، بدع تعبد لله -جل وعلا- بما لم يسبق له شرعية من الكتاب والسنة هذه ليست آراء فقط، هذه في صميم الدين، ليست آراء فقط، وإنما ينظر في المبتدع وبدعته، فإن كانت بدعته كبرى مغلظة تخرج من الملة فهذا شأنه كغيره ممن لا ينتسب إلى الدين، ولو انتسب إلى الدين إذا كانت بدعته مكفرة، فهذا ضرر والاتحاد معه ضرر محض، بل يجب هجره.

البدع التي هي أقل من هذا المستوى، هي محرمة لكنها لا تخرج من الملة، هذه لا شك أن الاتحاد مع هؤلاء في وجه العدو الواحد، العدو المشترك، عندك أشعري، عندك ما تريدي، عند بعض الفرق التي بدعهم ليست مكفرة، ثم جاء عدو مشترك، كافر مثلاً، فنستفيد من هؤلاء، لا شك، قد يستفاد من الأشعري في الرد على المعتزلي الذي هو أشد منه بدعة، وقد يستفاد من المعتزلي الرد على اليهودي والنصراني من هو أعظم منه فهذا موجود، وكوننا نستفيد، نستفيد، لكن يبقى أنهم ليسوا معنا، وليسوا منا على المنهج الذي تركنا عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-. يتوسع بعضهم في أهل السنة، ويدرج فيها ثلاثة فرق، فيجعل الفرقة الأولى: الأثرية، وإمامهم الإمام أحمد، الفرقة الثانية: الأشعرية، وإمامهم أبو الحسن الأشعري، والفرقة الثالثة: الماتريدية، وإمامهم أبو منصور الماتريدي، فيجعلون هذه الفرق الثلاث من أهل السنة والجماعة، لكن لا شك أن هذا توسع غير مرضي، لماذا؟ لأنه إذا قلنا: أن الأثرية عملوا بالسنة ولم يخالفوها لا في الاعتقاد ولا في الفروع، فحق لهم أن يطلق عليهم أهل السنة، والإمام أحمد -كما هو معروف- إما أهل السنة، لكن إذا جئنا إلى الأشعرية هل يعملون بالأحاديث ويقرون ما فيها كما جاءت؟ هل يثبون ما أثبته الله -جل وعلا- لنفسه في كتابه أو أثبته له نبيه -عليه الصلاة والسلام- على مقتضى منهج سلف الأمة؟ لا، عندهم مخالفات كبيرة، عندهم مخالفات لمنهج السلف الصالح، فعلى هذا إدخالهم في أهل السنة توسع لكنه غير مرضي، فعلى هذا نعرف الإنسان وما يعتقده وننظر إلى شخصه أيضاً، قد يكون شخص يعتقد مثل اعتقاد الثاني، ولكن نعذر هذا ولا نعذر هذا، نلين مع هذا ونشدد مع هذا.

فإذا نظرنا إلى أن الرازي والنووي كلاهما يتبعان أبا الحسن الأشعري، لكن هل نعامل النووي مثل نعامل الرازي؟ النووي في حكم العامي في باب العقائد، لكن الرازي منظر، منظر لمذهب الأشعرية ولغيره –بعد- من الأقوال الردئية مثل القول بالجبر ويورد في كتابه شبه لا يمكن أن يستطيع هو أن يردها، فهل نعامل النووي مثلما نعامل الرازي؟ لا، العدل والإنصاف مطلوب {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ} [(8) سورة المائدة] النووي أشعري، ومن هذه الحيثية ليس من أهل السنة، لكن مع ذلك {لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} لكن النووي عنده محاسن عنده خدمة للسنة، وعنده عمل، وعنده زهد في الدنيا، وعنده إقبال على الآخرة، وعنده تعظيم لشرع الله -جل وعلا-. الرازي رمي بالعظائم، إن ثبت عنه كتاب السر المكتوم موضوعه سحر طلاسم وتعلق بالنجوم هذا مسلك خطير جداً، قد يقال بردته إن ثبت عنه هذا الكتاب، على كل حال هذا أشعري وهذا أشعري، لكن تختلف معاملتنا لهذا عن هذا. يبقى أن شيخ الإسلام الإمام المجدد -رحمه الله تعالى- سئل عمن يطوفون بالقبور، جاءه سؤال من بلد أهلها يطوفون بالقبور فحكم بكفرهم، ثم جاءه سؤال آخر -نفس الصيغة- فعذرهم، وقال: لا يُكفرون مثل هؤلاء، والسبب في ذلك، أنه نظر إلى حال هؤلاء وأن الحجة بلغتهم وأنه لا عذر لهم، ونظر إلى حال الآخرين، فرأى أن الحجة لم تبلغهم، فهل يعامل هذا مثل هذا؟ لا، لا يعامل هذا مثل هذا، لأن بلوغ الحجة شرط في إقامة الحكم. هؤلاء الذين قسموا البدع إلى بدع مستحسنة وبدع قبيحة، أقوى ما عندهم مما يمكن أن يعتمد عليه قول عمر -رضي الله تعالى عنه- في صلاة التراويح: "نعمت البدعة"، عمر -رضي الله تعالى عنه- جمع الناس في صلاة التراويح على إمام واحد، فخرج إليهم في ليلة من الليالي فوجدهم يصلون مجتمعين فقال: "نعمة البدعة هذه" والتي ينامون عنها خير منها، يعني صلاة آخر الليل أفضل من صلاة أول الليل، فسماها بدعة ومدحها، إذن في البدعة ما يقال فيه: نعم، ونعم للمدح، إذن في البدع ما يمدح، هذا أقوى ما يعتمدون عليه.

وشيخ الإسلام يقول: هذه بدعة لغوية، والشاطبي يقول: مجاز، وليس بحقيقة، وشيخ الإسلام يقول: بدعة لغوية لا شرعية، والصواب أنها ليست ببدعة لغوية ولا شرعية ولا مجاز، كيف يقول عمر عن عبادة بدعة ويمدحها؟ نقول: أن هذا أسلوب في علم البديع يسمى المشاكلة والمجانسة، فتأتي بكلام يشبه كلاماً سواء كان حقيقةً أو تقديراً فمن الحقيقي قول الشاعر: قالوا اقترح شيئاً نجد لك طبخه ... قلت اطبخوا لي جبة وقميصا فالجبة والقميص لا تطبخ، لكنه من باب المشاكلة والمجانسة في التعبير، لأنهم قالوا: اقترح شيئاً نجد لك طبخه، هم توقعوه جائع، فصار أصابه البرد، المقصود أن هذه مشاكلة ومجانسة في التعبير. ومن ذلك قوله -جل وعلا-: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَ} [(40) سورة الشورى]، وجزاء سيئة الأولى سيئة لأنها جناية لكن جزاؤها ليس بسيئة، وإنما حسنة، معاقبة الجاني حسنة، إذن هذا مجانسة ومشاكلة في التعبير، التقدير مثل ما عندنا هنا، نعمت البدعة، يعني عمر -رضي الله تعالى عنه- توقع أن يقال له: ابتدعت يا عمر، فقال: نعمت البدعة هذه، ويدخلون التقدير في حكم الملفوظ به، ابتدعت يا عمر، قال: نعم البدعة، فهذا مجرد مجانسة ومشاكلة في التعبير، وهذا موجود في النصوص وفي أسلوب العرب، معروف مطروق، وبُحث في علوم البلاغة، إذن ليست ببدعة لا لغوية ولا شرعية، كيف لا يكون بدعة لغوية على ما قال شيخ الإسلام؟ لأن البدعة اللغوية ما عمل على غير مثال سابق، وصلاة التراويح عملت على مثال سبق من فعله -عليه الصلاة والسلام- جماعة، فليست ببدعة، وليست ببدعة شرعية، لأنه سبق لها شرعية من فعله -عليه الصلاة والسلام-، إذن ليست ببدعة لغوية ولا شرعية، إذن هي من باب المجانسة والمشاكلة في التعبير، فليس في البدع ما يمدح؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((كل بدعة ضلالة)) فكيف يقول: ((كل بدعة ضلالة)) ونقول: من البدع ما يمدح؟ ففي هذا معارضة للنص الشرعي.

وأقول: هذه مسألة شرعية مردها إلى الشرع ونصوصه، لكن لو قال لنا شخص: بدعة محمودة، نقول: صادمت قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((كل بدعة ضلالة)) لكن لو قال لنا: الله -جل وعلا- يقول: {كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] وقال واحد: والله عمري كله ما رأيت جمل أصفر، يعني مثل هذا اللون، أليس هذا هو اللون الأصفر؟ إذن والله أنا عمري كله ما رأيت جمل أصفر، نقول: صادمت النص؟ لا، نقول: حقيقتك العرفية التي تتحدث عنها غير الحقيقة الشرعية؛ لأن الحقائق قد تتعارض، لكن ما يترتب على تعارضها اختلاف في الحكم، لكن كل بدعة ضلالة وبدعة محمودة قلب للحقائق، قلب لحكم من أعظم الأحكام الشرعية، لأن التعبد لله -جل وعلا- بما لا يشرعه ضلال، وحقيقة الإيمان بالله -جل وعلا-، والإيمان برسوله -عليه الصلاة والسلام- ألا يعبد الله إلا بما شرع، فكيف نتعبد بما لم يشرعه الله -جل وعلا- في كتابه وعلى لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-؟. قل مثل هذا في اختلاف الحقائق اللغوية مع الشرعية، أو الشرعية مع العرفية، أو الشرعية مع الشرعية؛ لأن قد تتعد الحقيقة الشرعية، لو جاء واحد ثم رفع يديه ودعا، ثم قال فلان: دخل المسجد وصلى، وقال واحد: أبداً ما صلى، هذا يقصد الحقيقة اللغوية، وهذا النافي يقصد الحقيقة الشرعية، الحقيقة الشرعية قد توجد الصورة، صورة الحقيقة الشرعية وقريب منها لكن لتخلف شرط من شروطها، تنفى عنها الحقيقة الشرعية، وإن كانت الصورة موجودة.

المسيء في صلاته دخل ووقف وركع وسجد، صلى ركعتين وسلم، جاء للنبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((صل فإنك لم تصل)) نفى الحقيقة الشرعية، وإن كانت الصورة موجودة، لكن لما تخلف الشرط أو الركن انتفت الحقيقة الشرعية؛ لأن هذه الصلاة وجودها مثل عدمها فصح نفيها، قد يكون للفظ الواحد أكثر من حقيقة شرعية، لو مدرس فقه مثلاً في باب الحجر والتفليس ذكر في السؤال -سؤال الامتحان- عرف التفليس، أو من المفلس؟ ثم جاء في الجواب: المفلس ما لا درهم له ولا متاع، أو من زادت ديونه على ممتلكاته، المدرس يقول: صحيح أو خطأ؟ ماذا يقول؟ يقول: الجواب صحيح، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لما سأل الصحابة من المفلس؟ قالوا: ما لا درهم له ولا متاع، قال: لا، إذن الجواب خطأ، المفلس من يأتي بأعمال، وفي رواية كالجبال، من صلاة وصيام وصدقة وحج وجهاد وغير ذلك من الأعمال الصالحة، ثم يأتي وقد شتم هذا وضرب هذا، وأخذ مال هذا، وانتهك عرض هذا، ثم يأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإذا فنيت أخذ من سيئاتهم ووضعت عليه، وقذف في النار، هذا مفلس فَلَس شرعي، حقيقة شرعية، لأن جاء على لسان الشارع، الحقيقة الأولى أيضاً شرعية ((من وجد متاعه عند رجل قد أفلس فهو أحق به)) هل نقول: من أفلس هذا، عرفناه بالكلام في أعراض الناس، وفي أذى الناس، نقول: متاعنا أحق به، ولو كانت عنده الأموال التي يستطيع السداد منها؟ لا.

فتنزل النصوص منازلها وتوقع مواقعها، فينتبه لمثل هذا، ولا شك أن الخلاف في العقائد مؤثر، والأصل هجر المبتدع، ومعاملة السلف للمبتدعة في غاية القوة والشدة، وذلكم في وقت نشوء البدع، من أجل القضاء عليها من مهدها، لكن لو وجدنا مدرس أشعري وزميله على منهج أهل السنة والجماعة، واقتضت المصلحة -مصلحة دعوته- معاملته بالرفق واللين، ورأى أن الهجر لا يفيد، بل يزيده إصراراً، بل يمكن يصير معتزلي، نعم، ومعاملته بالرفق واللين والتبسط في وجهه وإلقاء السلام عليه، والسؤال عن حاله، هذا يجعله يقبل الحق، فالرفق واللين مطلوب، والحكمة مطلوبة، ويبقى أننا نبغض البدع والمبتدعة، وهذا هو منهج سلف هذه الأمة، وأما بالنسبة لمصلحة الدعوة إذا كان في دائرة الإسلام يسلم عليه، أما إذا كانت بدعته مكفرة فحكمه حكم الكفار لا يسلم عليه، ولا يبادر بالسلام. هذا يقول: هل طلب العلم مقيد بعمر معين؟ بمعنى أنه من كان كبيراً فقد فاته قطار الطلب؟ هذا الكلام ليس بصحيح، كم عمر أبي بكر -رضي الله تعالى عنه- لما بعث النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ ثمان وثلاثين سنة، وهل يعرف من العلم شيء قبل ثمان وثلاثين؟ لا يعرف شيئاً.

من أهل العلم من ذكر في ترجمته أنه طلب العلم كبير، القفال من أئمة الشافعية كبير، قبله صالح بن كيسان طلب العلم كبير، حتى قالوا في ترجمته أنه عمره حينما طلب العلم تسعين سنة، ما زال يطلب ويجتهد ويحفظ الأحاديث، حتى صار معدوداً في كبار الآخذين عن الزهري، وقالوا: أقل من ذلك، قيل: ستين، وقيل: خمسين لكن حتى الخمسين كثيرة، نعم التعلم في الصغر كالنقش في الحجر، فتنبغي المبادرة في طلب العلم، وحفظ العلم وفهم العلم، التعلم في الصغر لا يعدل شيء؛ لكن إذا ما تيسر كان في غفلة في أول عمره، أو في انشغال عن طلب العلم بأمور المعيشة، ثم التفت إلى العلم، هذا لا يمنع، مع الأسف نجد من كبار السن في مساجد المسلمين من يأتي قبل الأذان يأتي قبل الأذان إلى الصلوات، وفي رمضان قد يواصل بين الصلاتين ما خرج، لكن هو ماذا يصنع في المسجد؟ يتلفت يمين وشمال ما يقرأ القرآن، لكن الآن وعمرك سبعون سنة وثمانون سنة اقرأ يا أخي، يقول: كيف أقرأ؟ كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((ما أنا بقارئ)) اقرأ يا أخي، يرد عليه، الآن البيوت من نعم الله -جل وعلا- ما في بيت يخلو من قارئ للقرآن، سواء كان من البنين أو البنات من الرجال والنساء، إيش اللي يمنع من أنك إذا صليت العصر تقول: يا ولدي أو يا بنتي حفظني الفاتحة؟ احفظ الفاتحة ردد الفاتحة، ثم بعد ذلك قصار السور، وبالتدريج، والعلم بالتعلم، ولا يلزم أن تكون من كبار الحفاظ، ما يلزم يا أخي ليس لك ولن تستطيع أن تدرك إلا ما كتب لك، لكن مع ذلك عليك أن تبذل السبب، كبير في السن تجلس تقول: يا ولد علمني، ويوجد -ولله الحمد- جهود من بعض المخلصين والناصحين، التي تبذل للصغار والكبار على حد سواء، للرجال والنساء، واستفادوا ونسمع بين الفينة والأخرى الحين والآخر أن امرأة في السبعين من عمرها أكملت حفظ القرآن نعم، والله -جل وعلا- يقول: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} [(17) سورة القمر] هاه، فهل من غافل؟ هل من متراخي؟ هل من نائم؟ لا، {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} ابذل من نفسك واحصد النتيجة عاجلاً قبل الآجل، نعم قد يكون الإنسان في تركيبه نقص، في فهمه ضعف، في حفظه ضعف، مثل هذا، يكفيه أن يسلك

الطريق، ولا يلزم أن يترتب على سلوك الطريق نتيجة ما يلزم أن يكون عالم، أن أعرف شخص كنا في المرحلة المتوسطة والثانوية، وهو يدرس معنا عمره أكثر من سبعين سنة، ثم واصل بعد ذلك، يمكن مات عن تسعين سنة، وهو يطلب العلم، ومع ذلك لم يدرك شيئاً من العلم، يعني ما يمكن أن تستفتيه لا في الوضوء ولا الصلاة، هذا لا شك أنه حرم من العلم، لكن ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)) حرم من هذا ولا ما حرم؟ ما حرم، فالأجر مرتب على سلوك الطريق، وأهل العلم يقررون على أن طلب العلم ومزاولة العلم أفضل من جميع نوافل العبادة، فعلينا أن نجد ونجتهد ولو تقدم بنا السن، يعني كثير من طلاب العلم يدرس في الدراسة النظامية الابتدائية ست سنوات، المتوسط والثانوي ست سنوات، الجامعة أربع سنوات، الدراسات العليا بمرحلتيها قل: ست سنوات مثلاً، كم هذه؟ اثنين وعشرين سنة، وقد يتخرج يعرف ما مر به من المسائل، وهذه المسائل التي بحثها في رسائله جودها وأتقنها على وجه؛ وإن كانوا يتفاوتون في هذا، ثم بعد ذلك بقية العلم، العلم بحور، إذا لم يكن له اهتمام من الصغر في العلم قد يكون دكتور وهو ما يحفظ المفصل، ولا يحفظ من السنة شيء، وتسأل عن الفقه والأحكام الفقهية بأدلتها ما عنده شيء، ما عنده إلا شيء مر عليه بس، لا أكثر ولا أقل، فهذا عليه أن يلتفت من جديد، ولا نقول: إن عمرك الآن اثنين وثلاثين خمسة وثلاثين سنة لا ما يلزم، أسس من جديد، ما يمنع والذي أسس من جديد أدرك والذي سوف وقال: والله أنا ما عندي استعداد أبدأ بالمتون مع الأطفال وصغار السن وأنا دكتور أستاذ في الجامعة، وأقرأ مع الصغار هذا مو بصحيح، هذا يحرم العلم، ولن يتعلم العلم مستحٍ ولا مستكبر، هذا مستكبر عن طلب العلم، هذا كونه يأنف مع كبر سنه وكثرة شهاداته أن يدرس المتون الصغيرة اللائقة بصغار الطلاب، يأنف من هذا، ما هو بصحيح، والأمور -ولله الحمد- تيسرت جداً، يعني بإمكان الإنسان وهو في بيته يعني إذا كان يأنف من أن يجلس بين يدي الشيوخ؛ لأن عنده شهادات وعنده مؤهل ولا أقول أن من حصل على الشهادات يأنف عن هذا أبداً، مجالس العلم معمورة بكبار الأساتذة وكبار القضاة

وكبار الدعاة، لا، لا يقال مثل هذا؛ لكن قد يوجد، قد يوجد من يحصل على شهادة الدكتوراة وهو ما عنده علم إلا في ما تخصص به، لكن العلوم الأخرى لا بد أن يأخذ منها ما يكفيه وما يعينه على فهم الكتاب والسنة. فالآن -ولله الحمد- المتون التي يحتاجها طلاب الطبقة الأولى موجودة مطبوعة ومشروحة بشروح مطبوعة وشروح مسجلة، ودروس مسموعة عن طريق الأجهزة ووسائل الاتصال، فكل شيء متيسر، بإمكان الإنسان وهو جالس في بيته بين أولاده وإن كان تفريغ النفس هو الذي يحقق الهدف، وهو جالس في بيته مرتاح بيده هذا المتن، الآجرومية أو الورقات أو الأربعين المتون الصغيرة للمبتدئين، أو الأصول الثلاثة والله هذا شرح الشيخ فلان، نسمع الشرح والمتن بيده يقيد أيش المانع؟ وعنده أرضية للقبول، مثل هذا، أرضية للقبول، يعني مدة سنة واحدة يطلع شيء، عرف هذه المتون كلها، وتصورها وسهل عليه تخصصها؛ لأن هذه العلوم تخدمه في تخصصه، المقصود أنه لا يأس ولو كبرت السن، ولو ضعفت الحافظة، ولو ضعف الفهم. فعلى الإنسان أن يجد ويجتهد، ويحرص على التعلم بصغار العلم قبل كباره؛ لأن هذه الطبقات وهذه التدرجات والدرجات التي جعلها أهل العلم للمتعلمين مثل السلم الذي تصعد بواسطته إلى السطح، الدرجة الأولى ثم الثانية ثم الثالثة ثم الرابعة، لكن لا تستطيع أن تطلع درجتين أو ثلاث جميعاً، لكن قد يقال في ظروفنا التي نعيشها إذا انتبه طالب العلم، وقرر أن يسلك هذا الطريق، ثم جاء إلى حلق العلم عند المشايخ وجد الشيخ فلان في كتاب متوسط، للمتوسطين، لكنه في أثنائه، هو في كتاب البيوع، والأصل أن يبدأ من الطهارة، وجاء إلى شخص آخر معه كتاب البخاري وفي آخره، وجاء لثالث، ما يجد شيوخ يلبون رغبته ويستقبلونه ويبدأؤن العلم من أوله، عليه أن يبحث وعليه أن يلح على من يتوسم فيه أنه ينفعه ليبدأ فيه من الأول، لكن إذا ما وجد يتابع دروس المشايخ ويعكف بين أيديهم، ويثني ركبته أمامهم، ومع ذلك يأخذ هذه المتون، ويفيد من الشروح المطبوعة والشروح المسجلة على هذه المتون، وبإمكانه أن يلحق الركب.

يقول سؤال ثاني: أنا أود التقليل من نومي وأجد في ذلك المشقة، ولا أستطيع الحفظ، إن نمت أقل من خمس ساعات فما التوجيه؟ أخي لا بد أن تعطي بدنك حظه من الراحة، وله عليك حق، وإذا لم تخدمه ما خدمك، لو لم تخدمه ما خدمك، النعال إذا انقطعت، إذا انقطعت النعل التي تدوسها برجليك، إذا انقطعت وأردت إصلاحها لا بد أن تحملها، تحملها لتحملك، أنت ما حملتها عبث فأنت ما تستفيد منها إلا إذا أفتدها، يعني شخص معه دراجة بنشرت هذه الدراجة، والمصلح والمهندس، مهندس الدراجات بعيد عنه، ولا يستطيع أن يقودها، ليست دابة تقاد، لا بد أن يحملها لتصلح وليستفيد منها، فبدنك لا بد من أن تريحه ليقبل، والذهن لا بد له أن يستجم، ومع ذلك هذا النوم عبادة، إذا كان الهدف منه أن تستجم للعلم والعمل، عبادة، فلا تقلق إذا كان نومك بهذه المدة، خمس ساعات أو ست ساعات، نوم طبيعي وعادي ولا بد منه، وإن كان الأطباء يقولون أن النوم يتفاوت بحسب الاختلاف في السن، فالصغير يحتاج من الراحة أكثر مما يحتاجه الكبير، ويتدرج إلى أن يصل أبو السبعين والثمانين إلى أربع ساعات مثلاً، لكن -على كل حال- لا بد من النوم لأن فيه الاستجمام والراحة لحفظ النفس. يقول: حدثنا عن سيرة طلبك للعلم للقدوة والفائدة ولإحياء الهمم. هذا أظن في شريطين أو ما أدري في موكب الدعوة ذكرنا بعض الشيء، وإن كان حقيقة أنا لا أرغب في مثل هذا، والسيرة مبثوثة في الإنترنت، وذكروا فيها أشياء، والله المستعان. فيه كتابات بالقلم الرصاص وليست واضحة هذا يقول: أريد أن أسلك الجادة في طلب العلم، فهل من توضيح للسبيل في ذلك؟ وكيف نحافظ على قيمة الوقت، وجزاكم الله خيراً؟

على كل حال إذا استشعرت أنك تطلب أمراً عظيماً جاء فضله بنصوص الكتاب والسنة، والإشادة به مستفيضة في نصوص الكتاب والسنة، وإذا استشعرت مثل هذا ضحيت في كل غالٍ ونفيس، من أجل تحصيله، وأدركت أن الوقت والعمر كله عبارة عن أنفاس ودقائق، فأي نفس وأي دقيقة تضيع سدى، لا شك أنها خسارة وهي عمرك الحقيقي، فلا تفرط في عمرك، وأما بالنسبة للجادة فهناك أشرطة سميت كيف يبني طالب العلم مكتبه؟ هذه فيها تقسيم الطلاب إلى فئات، وما يقرأ في المرحلة الأولى، وما يقرأ في المرحلة الثانية والثالثة، وكيفية الإفادة من هذه الكتب. فالمتون ألفها أهل العلم معتصرة لتحفظ، والشروح ألفوها وبسطوها وكتبوا عليها الحواشي لتفهم، فهناك طريقة لحفظ المتون، وهناك طريقة لقراءة الشروح وسرد المطولات، ولها أشرطتها، وتكلمنا عليها في المناسبات. هذا طلب مكرر: يقول: يتمنى أن لو كان هناك درس ولو شهري في جدة. هذا طلب موجود ومكرر حقيقة، والأخوان يلحون في هذا، لكن مع ارتباطنا بالدروس شبه يومية بالرياض يصعب علينا، وأما إذا جئنا إلى درس المحرر بمكة فمثل هذا اللقاء قد يحصل، لكن لم يكن في كل شهر أو شهرين يعني لو كان في كل فصل دراسي مرة يكن خير -إن شاء الله- وأما بالنسبة للدورات في الإجازات فالنظر الآن في الطلبات قائم، فإذا وجدت فرصة -إن شاء الله تعالى- لا أتأخر. يقول: هل طاعة الأم في طلاق الزوجة، خصوصاً إذا كانت الزوجية .... -ما كمل- يعني إذا كانت الزوجية، يعني دخل بها، وهل عدم رغبة الوالدة من عقوق الوالدين، أفيدونا، وشكراً؟

النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لعبد الله بن عمر: ((أطع أباك)) لكن عليك أن تنظر في السبب الذي من أجله طلبت الأم الطلاق، لأنه قد يكون السبب ليس بوجيه، وحينئذ قد يكون فيه ظلم على الزوجة، وفيه ضرر على الولد، والطاعة بالمعروف، لكن إن أبدت سبباً وجيهاً يقتضي الطلاق فيرد هنا ما قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- لعبد الله بن عمر: ((أطع أباك)) نعم ليس كل الآباء مثل عمر، لكن علينا أن ننظر في السبب، إذا قال طلق زوجتك، إبراهيم -عليه السلام- لما جاء إلى إسماعيل وطرق الباب، ردت الزوجة، وقال: (غير عتبة دارك) فهم منها الطلاق، فطلق، فمن مثل إبراهيم -عليه السلام-، ومن مثل عمر بن الخطاب يعني لأدنى سبب يتسلط الأب أو تتسلط الأم على طلاق الزوجة، لا شك أن هذا ظلم للزوجة، وضرر للزوج، فمثل هذا إذا لم يكن الطلب وجيهاً يعني مجرد تعنت، أو لسبب لا شيء، أو لسبب يسير يمكن معالجته فالطاعة بالمعروف، وعلى الولد أن يبر بوالديه، وعليه أن ينظر في مصالحهما، وألا يقدم عليهما أحداً؛ لأن الغيرة إنما تأتي للوالدين الذين تعبا على الولد، ثم بعد ذلك في يوم وليلة ينقلب خيره كله لأهله، ويفهم من حديث: ((خيركم خيركم لأهله)) أنه لا بد أن يكون الخير كله لأهله، ويترك من عداهم من الأهل، وهذا كلام ليس بصحيح، الوالد والد، والوالدة والدة، ولهما من الحقوق ما جاءت النصوص القطعية التي لا تحتمل التأويل بوجوب برهما والنظر في مصالحهما، لأنهم إذا كان الجهاد موقوف على رضاهما ((أحي والداك)) قال: نعم، قال: ((ففيهما فجاهد)) فهذا هو الجهاد، فكيف بغيره؟ ومع الأسف أنه يوجد من طلاب العلم من أغفل هذا الجانب، يكن لهذا الطالب مجموعة من الشباب يرتبط معهم، وهم شباب فيهم خير يحضرون الدروس، وبقاؤهم في المساجد كثير في المكتبات وغيرها؛ لكن من السهل جداً أن يأتي الزميل ويضرب منبه السيارة عند الباب فمباشرة يخرج الولد، ويذهب مع زميله من صلاة العصر إلى منتصف الليل، وهذا أبرد على قلبه من الماء البارد في الصيف، لكن بالإمكان أن تقول له أمه: نريد أن نزور خالتك فلانة، أو أختك فلانة، في الحي نفسه ثم يتثاقل، هذا خلل، هذا خلل، إيش معنى أنك تجيب زميلك وترتاح

إليه وتسهر معه، وقد تقضي حوائجه، وأمك أقرب الناس إليك، وأحق الناس وحقها أوجب الواجبات عليك، ثم بعد ذلك يصعب عليك. ذكروا في ترجمة شخص أنه حج مراراً حج ثلاث مرات أو أربع من بغداد حافياً ماشياً ثلاث مرات يحج من بغداد ماشي، لما قدم إلى الحجة الثالثة دخل البيت فإذا بالأم نائمة فاضطجع بجانبها انتبهت فإذا به موجود قالت: يا ولدي أعطني ماء، القربة معلقة أمتار، يقول: أنا متعب، وكأني ما سمعت الكلام، كأني نائم، سكتت، ثم بعد ذلك أعادت، يا ولدي أعطني ماءاً، ومثل، تركها، في المرة الثالثة راجع نفسه، أذهب آلاف الأميال ماشياً والأم تطلب من أمتار الماء، يعني هل هذا يدل على صدق في النية، وإخلاص لله -جل وعلا- في هذا الحاج؟ ما الذي يظهر من هذا الصنيع؟ الذي يظهر أنه ما حج لله؛ لأن المسألة هذا أوجب، يعني حج نافلة، يحج ماشياً آلاف الأميال، أو بضعة أمتار لإجابة أمر واجب، فلما أصبح ذهب وسأل، لو سأل فقيه وقال: أنا حججت وتوافرت الشروط والأركان والواجبات وما فعلت محظور ولا تركت مأمور، قال: حجك صحيح ومسقط للطلب، ومجزيء، والفتوى على هذا، ما فيه إشكال ما يؤمر بإعادته، لكنه ذهب إلى شخص نظره إلى أعمال القلوب أكثر من نظره إلى أعمال الأبدان، فقال له: أعد حجة الإسلام، أعد حجة الإسلام؛ لأن حجك ليس لله، لو كان لله ما ترددت في قبول الماء، لكن لا شك أن مثل هذا لا يمكن أن يفتى به، لكن يذكر هذا مثال على ما يقع من بعض الشباب الملتزمين المنتسبين إلى طلب العلم، بل بعضهم ينتسب إلى الدعوة، فيسهل عليه أن يطلب منه زميله أن يخرج معه في رحلة لمدة أسبوع، لكان لو قالت له أمه: نزور فلانة أو علانة، أختي أو خالتي أو عمتي أو ما أشبه ذلك صعب عليه، فعلينا أن نعيد النظر في تصرفاتنا، وأن يكون هوانا تبعاً لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام-. يقول: ما قولكم في تعلم البرمجة اللغوية العصبية؟

هذه البرمجة التي يدعون أن من نتائجها المشي على النار، وقد يدعون الطيران في الهواء، وأكل المواد الصلبة، وحمل الأثقال التي لا تحملها الجمال ولا البغال، ويقولون: أن هذا ممكن بالتدريب والتمرين، وأن هذا مجرد خفة، أنا أقول: لا فرق بين هذا وبين السحر؛ لأن من السحر ما هو تمويه، ومنه ما له حقيقة، وقد يكون السحر لا يلزم أن يكون أن السحر في مبادئه شرك، ما يلزم، قد تعينه الشياطين من غير تقديم قرابين، في أول الأمر تعينيه هكذا ثم بعد ذلك إذا توسط في الطريق وتورط انسحبوا عنه، فلا يستطيع أن يرجع، سيسمونه الناس دجال، ولا يستطيع أن يتقدم حتى يقدم، ثم بعد ذلك يضطر أن يقدم، والشياطين لا شك أنها تستدرج. وأقول: لو قدر أن هذا الكلام صحيح وليس فيه إعانة من الشياطين، وأنا لا أحيط به، لكن ليس في مقدور البشر أن يمشي على النار، اللهم إلا أحد اثنين، أما أن تخرق له السنة الإلهية إذا كان بمنزلة إبراهيم -عليه السلام-، أو يكون بمعونة شياطين، وإلا السنة الإلهية أن النار محرقة، فإما هذا وإما هذا، وعلى كل حال إذا التبس الحق بالباطل، لو قلنا: أن هذا على سبيل الافتراض حق، إذا التبس الحق بالباطل لا يجوز استعمال هذا الحق الذي يحصل فيه اللبس، كما يقرر أهل العلم في الكلام، الكلام إذا كان يحتمل وجهين منع، إذا كان يحتمل وجهين منع، وجه محرم ووجه مباح يمنع، وقل مثل ذلك وأكثر في الأفعال. يقول: ما الفرق بين التشدد في الدين والتربية الذاتية مع ذكر الأمثلة على كل نوع، فقد أشكلت على كثير من التائبين الجدد؟ على كل حال التشدد في الدين أن يعمل بأكثر مما طلب منه شرعاً، أو يزيد على القدر المحدد شرعاً، يزيد على القدر المحدد شرعاً فيلتزم به ويلزم به غيره، يتشدد يتنطع في الأمور التي فيها فسحة، نعم، كون الإنسان يحزم نفسه ويرتكب العزائم، ويقلل من الرخص، ويترك كثير من المباحات خشية أن تجره إلى المكروهات والشبه ثم إلى المحرمات، هذا ورع وليس بتشدد، لكن لا يلزم به غيره، إنما يلزم الناس بما دل عليه الكتاب والسنة.

فالإنسان قد لا يتوسع في أمور الدنيا، من الناس من لا يركب السيارة، وموجود، لكن مع ذلك هل له أن يحرم على الناس ركوب السيارة؟ ليس له ذلك، من الناس من لا يستعمل الكهرباء، يجوز له أن يحرم على الناس استعمال ما أحل الله لهم؟ أبداً، لكن هل يلزم بأن يستعمل الكهرباء أو يركب السيارة، وهو يرى الإباحة ما يرى التحريم، ولكنه يقول: أنا لا أتوسع في هذه المباحات، وأحمل نفسي على العزيمة، وأربيها على هذا، لئلا تجرني إلى ما هو ... هذا لا يلام، إلا إذا حصل بسبب ذلك ترك واجب، يقول: أنا لا أركب السيارة، لكن مكة لا أستطيع أن أحج إلا بسيارة، لكن أنا لا أركب السيارة، نقول: يجب عليك أن تركب السيارة، لكن في أمورك العادية وحاجاتك التي تقضيها بدون سيارة ما نلزمك تركب سيارة، لكن لا تحرم على الناس ما أحل الله لهم؛ فكون الإنسان يحزم نفسه، ويعامل نفسه بالعزائم لا يلام، وقد كان جمع من السلف يتركون تسعة أعشار الحلال خشية أن يقعوا في الحرام، فكوني لا أتوسع في المباحات لا ألام، لكن كوني أحرم على الناس ما أحله الله، هذا محل اللوم، وهذا محل التشدد. هذه أسئلة الإشكال فيها التشعب في العلوم والفنون، وكيفية دراسة ومدارسة العلوم مع وجود الأعمال الأخرى من دراسة أو عمل ومع وجود واجبات شرعية أخرى. فهذا يقول: إن اهتممت بالحفظ مع استطعت أن أقرأ في الشروح والمطولات. وهذا يقول: إن حفظت في أكثر من كتاب تشوشت. وثالث يقول: إن قصرت نفسي على كتاب مللت. ورابع يقول: إن تفرغت لطلب العلم فرطت في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ونقول لهؤلاء كلهم: كل يعرف نفسه، فأول ما يبدأ به الإنسان التوصيف الدقيق لنفسه، وقدرته على الحفظ والاستيعاب والفهم لما يقرأ، ومع ذلك عليه أن يعنى بالحفظ، فلا علم إلا بالحفظ، ويمثل الحافظ وغير الحافظ، الحافظ بمن زاده التمر، التمر إذا كان معك كيس فيه تمر، وأنت مسافر تأكل منه على أي حال، تمد يدك وتأخذ وتأكل منه وأنت في الطريق ماشي، لا يعوقك هذا، لكن إذا كان زادك البر وأنت مسافر تحتاج إلى أن تنزل وتحتاج إلى أن تطحن هذا البر ليكون دقيقاً، ثم بعد ذلك تعجنه بالماء، ثم بعد ذلك تقطعه وتطبخه ويأخذ منك وقت طويل، وهذا التمر نظير من يحفظ، ما يحتاج إلى الجهد ولا يحتاج إلى عناء. أما من علمه في الكتب فهذا يحتاج إلى معاناة، فإن أبعد عن كتبه تعطل، وإذا كان بين كتبه يحتاج إلى مراجعة، يحتاج في كل مسألة إلى أن يراجع، وإن كان أهل العلم يقولون بالنسبة للفقيه، إما أن يكون بالفعل، أو بالقوة القريبة من الفعل، فالفقيه بالفعل هو الذي يحفظ المسائل بأدلتها ويستحضرها، فإذا سئل أجاب، عن الحكم بدليل أن هذا فقيه بالفعل، لكن الذي لا يستطيع استحضار المسائل لكنه يصل إلى هذه المسائل بأقصر مدة يذهب إلى الكتب يفتح الكتاب مباشرة يقف على المسألة ينظر فيها من مضانها ويصدر عن قول راجح، هذا فقيه لكن بالقوة القريبة من الفعل، وليس بالفعل، وهناك ثالث لا يوجد عنده فقه لا بالفعل ولا بالقوة، تسأله عن مسألة في الطهارة يمسك لك الكتاب يفتح أواخره هذا فقيه بالقوة أو بالفعل؟ لا هذا ولا هذا، تسأله عن مسألة في الجنايات يفتح لك أول الكتاب، هذا ليس بفقيه أصلاً، وبعض الناس تسأله عن مسألة يفتح الكتاب يفتح صفحة قبل أو صفحة بعد ورقة قبل أو ورقة بعد لا أكثر ولا أقل، هذا فقيه بالقوة القريبة من الفعل.

لكن يبقى أن الفقيه بالفعل الذي تحضره المسائل في ذهنه هذا هو الفقيه الحقيقي، الفقيه بالقوة يعني ما حكموا على الإمام مالك أنه ليس بفقيه لما سئل عن مسائل كثيرة وقال: لا أدري؛ لأن بإمكانه أن يصل إلى الحكم في أقرب مدة، كثير من الطلاب فقهه بهذه الطريقة، لكن يبقى أنه إذا زادك حاضر ما هو مثل إذا كان غائب، فالتمر لا يحتاج إلى عناء، مثل الحفظ، والقوة القريبة من الفعل مثل البر تحتاج إلى معاناة تحتاج إلى طبخ تحتاج إلى غير ذلك، فعلينا أن نعنى بالحفظ، ومع الحفظ يكون الفهم. وطلاب العلم يحتارون كثيراً في تقديم هذا أو هذا، ولكنه لا بد منهما معاً، وفي أول العمر في الصبا يحرص طالب العلم على كثرة المحفوظ؛ لأن الذي يحفظ في حال الصبا يستقر ولا ينسى، ثم بعد ذلك إذا تقدمت به السن يكون حرصه على الفهم، فإذا حفظ ثم فهم توفرت له الآلة التي يستطيع بها إدراك العلم، فعليه أن يسدد ويقارب. يقول أيضاً: مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي هي خصيصة هذه الأمة، وهي سبب خيريتها كما قال الله -جل وعلا-: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} [(110) سورة آل عمران]، فقدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان، وهل يصح أمر بالمعروف ونهي عن المنكر بدون إيمان؟ لا يمكن أن يصح، لكن تقديمه للاهتمام به، والعناية بشأنه، وأنه هو خصيصة هذه الأمة، التي به فضلت على سائر الأمم وإلا فكل الأمم يؤمنون بالله، إذن ما لنا مزية إذا كان ما عندنا إلا الإيمان، لكن عندنا أمر بمعروف ونهي عن منكر، ومع أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من شعائر الدين لا تصح إلا بعد الإيمان فتقديمه يدل على أهميته، وبنو إسرائيل إنما لعنوا على لسان داود وعيسى ابن مريم، بأي شيء؟ كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه.

فعلينا أن نهتم بالعلم والعمل، وفي أول الأمر يكون الاهتمام بالعلم أكثر ليكون العمل بعد ذلك على بصيرة، ثم بعد ذلك يعنى طالب العلم بالعمل، إذ هو الثمرة المرجوة من العلم، فعلم لا عمل معه، لا خير فيه، بل هو وبال على صاحبه، بل لا بد من العمل، الإنسان يتعلم ليش؟ لأي شيء؟ ليحقق الهدف الذي من أجله خلق، وتحقيق العبودية لله -جل وعلا-، ليعبد الله على بصيرة، ليستنير الطريق وينيره لغيره، وإلا ما الفائدة من العلم بلا عمل، وينظرونه بالشجر بلا ثمر. الأسئلة كثيرة جداً جداً لا يمكن أن يحاط بها في لقاءات كثيرة فضلاً على أن تكون في لقاء واحد. يقول: هذا يعاني من فوات صلاة الفجر كثيراً. أولاً: لا بد من بذل الأسباب، ولا بد من انتفاء الموانع، فعليك أن تبذل الأسباب فتضع المنبهات، وتكل أمر إيقاظك إلى من يقوم به، ومع ذلك عليك أن تبذل السبب بانتفاء الموانع، فلا تسهر إذا كان يترتب على السهر فوات صلاة الفجر، وإذا كان المقرر عند أهل العلم أنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وصلاة الصبح مع الجماعة واجب، والنوم المبكر إذا كان لا يتم به هذا الواجب إلا به فهو واجب، يجب عليك أن تنام مبكراً، والسهر مذموم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يكره النوم قبل صلاة العشاء، والحديث بعدها، لكن إذا كان الحديث بعدها فيه خير، فترجم أهل العلم منهم البخاري (باب السمر في طلب العلم) أو في العلم فمثل هذا لا بأس به، وتحدث النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد صلاة العشاء مع أهله ساعة. وثبت في النصوص عن أهل العلم مع الصحابة ومن دونهم أنهم يسهرون، لكن على أيش؟ على الخير، فمنهم من يقسم الليل إلى أجزاء ينام ثلثه، ثم يتعلم ويطلب العلم ويقرأ ويبحث ثلث، ثم يصلي ثلث، يصلي ثلث الليل، بهذه الطريقة لا شك أن الإنسان يصل إلى مراده، نعم هذه صعبة على النفوس لكن بالجهاد تسهل، بالمجاهدة تذل، ثم بعد ذلك تكون سجية للإنسان، وتكون لذة ومتعة، فالسلف منهم من قال: كابدنا قيام الليل عشرين سنة، ثم تلذذنا به عشرين سنة، فالمسألة لا بد من المرور بمرحلة المجاهدة، طلب العلم شاق يحتاج إلى مجاهدة في أول الأمر، ثم يكون لذة، يتلذذ به طالب العلم.

والمعلم في أول الأمر يجاهد، كثير من مشايخ وقضاة وطلاب العلم ودعاة في بعض المناطق تسأل هل في هذا البلد دروس؟ يقول لك: ما فيه دروس، تسأل القاضي، يقول: والله جلسنا، جلسنا في رجب مثلاً، جلس عندنا عشرة طلاب، ثم جاء رمضان انقطع الدرس ثم استأنفاه بعد العيد ما حضر إلا خمسة، ثم جاء الحج وانقطع الدرس بعد الحج حضر اثنين، ما يبي يجلس للاثنين؟ قلت: يا أخي تجلس لواحد، أنت إذا أردت أن يقرأ عليك الكتاب وجئت بشخص يقرأ عليك الكتاب لا تدفع له أجرة؟ قال: أدفع له أجرة، قلت: إذن جرب أنت أثبت واصبر، وتجاوز هذه المرحلة، مرحلة امتحان، كل الناس مروا بهذا، أنا أعرف شخص يحضر دروسه في الفجر فضلاً عن المغرب ما يقرب من ألف، الآن، دروس المغرب جموع غفيرة، أنا أدركته قبل ثلاثين سنة، ما عنده إلا طالب واحد، وليس بسعودي بعد، ثم صبر إلى أن أقبل الناس عليه، فلا بد من تجاوز هذه المرحلة، مرحلة الامتحان، ثم بعد ذلك تتلذذ، والله المستعان.

فطالب العلم عليه أن يجتاز هذه المرحلة، والمعلم عليه أن يجتاز هذه المرحلة، والعابد الذي يريد العبادة النوافل شاقة على النفس، وبعض الناس يفتح له أبواب ويغلق عليه أبواب، عنده استعداد يجلس خمس ساعات يقرأ القرآن، لكن تشق عليه سجدة التلاوة، فضلاً عن صلاة ركعتين، نقول: عليك أن تجاهد نفسك لترويضها من أجل الصلاة؛ لأن الصلاة من أفضل الأعمال، بعض الناس عنده استعداد يبذل الألوف المؤلفة ولا يصوم يوم، يقال: عليك أن تجاهد نفسك في الصيام، في هذه الباب، ليفتح لك، فإذا جاهدت نفسك وتجاوزت هذه المرحلة أبشر تجد من اللذة والمتعة والأنس ما يجعلك تتمنى أن لو كان اليوم أطول، وأحياناً منهم من يتمنى وقرأنا في سير بعض العباد، أنهم يتمنون أن الحر أشد، والوقت أطول، لأنهم لا يحسون بتعب ما دام القلب مرتاح فالبقية كلها مرتاحة، والذي يتعامل مع الله -جل وعلا- القلب، البدن شبه المعدوم في هذا الباب، كيف ذلك؟ شخص جاوز المائة ويصلي خلف شخص في صلاة التهجد ويقرأ في التسليمة جزء كامل من القرآن، ففي صلاة التهجد يقرأ خمسة أجزاء في التسليمة الأخيرة في يوم من الأيام، وهذا الشخص جاوز المائة ويصلي قائم واقف خلف هذا الإمام، في التسليمة الأخيرة الخامسة خفف الإمام؛ لأنه سمع مؤذن يؤذن الأذان الأول والعادة جرت أنه إذا أُذن الأذان الأول معناه أن المسجد هؤلاء انتهوا من الصلاة، فظن أنه تأخر على المصلين فخفف فلما سلم اتجه إليه هذا الشيخ الكبير الذي جاز المائة، وأخذ يوبخه ويقرره ويقول: ليال قليلة وجاء وقت اللزوم يعني آخر الوقت فكيف تخفف؟.

أو شباب يتذمرون نجد مسجد يصلي صلاة العشاء مع التراويح بأقل من نصف ساعة؟ وهذا يمتلأ من الشباب ليش؟ لأنه يخفف، لكن الذي يطول عليهم لو يزيد خمس دقائق يتذمروا وضاقوا ذرعاً بهذا التطويل، وبعضهم عنده استعداد يخرج من هذا المسجد، والتسليمة بأقل من خمس دقائق ويخرج من هذا المسجد ساعة يتحدث من أحد، وبلغنا عن شخص كبير في السن من عشر سنوات أو أكثر يصلي جالس، في يوم العيد صارت عارضة، تعرفون العارضة؟ نعم، فأخذ يعرض مع الناس قائم بيده السيف وقتاً طويلاً، فلما نوقش يا ابن الحلال تصلي جالس من سنين والآن ... والله لو كنتم تعلمون ما الذي حملني على رجلي فأنا أعلم، ما أدري ما الذي شالني؟ فالتعامل في مثل هذه المواقف القلب الذي يتعامل تجد شخص تقول: كيف هذا يستطيع أن يعيش؟ وبعد ذلك إذا وقف في الصلاة كأنه سارية، لا يتحرك، وبعض الناس يراوح بين رجليه قبل أن تتم الفاتحة، ملل وقلق، وسببه عدم ترويض النفس على العبادة. النبي -عليه الصلاة والسلام- غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومع ذلك قام حتى تفطرت قدماه، هذا شكر النعمة، ولهذا لما قيل له قال: ((أفلا أكون عبداً شكوراً؟! )) فعلى الإنسان أن يشكر الله -جل وعلا- على ما أعطاه وأولاه من نعم، وأسدى إليه من دفع للنقم. والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وصايا للشباب

وصايا للشباب الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: وبدون مقدمات نقول: خير ما يوجه إليه الشباب -في ظروفنا التي نعيشها وما قبل ذلك، وما بعده- إلى أمرين فقط، لكنهما أمران يحويان الدنيا والآخرة هما: العلم والعمل. فإذا كانت الظروف قبل سنين لا تسمح لكثير من الناس بالتفرغ لهذين الأمرين؛ انشغالاً بأسباب المعيشة، فإن الناس قد كُفوا، أو جل الناس قد كفوا في هذه الأيام -ولله الحمد والمنة– ولا يدرك ما أقول إلا من كان عمره تجاوز الستين. فقد مرت البلاد وغيرها من البلدان بفقر شديد، وانشغل الناس بتحصيل أسباب لقمة العيش، أما الآن -وقد وسع الله على المسلمين وفتحت لهم الدنيا- فإن عليهم أن يتجهوا إلى ما خلقوا من أجله، وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، وأن يمتثلوا أمر الله -جل وعلا-، بقوله: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [(6) سورة التحريم]. فعلى المسلم أن ينتبه لهذا الأمر، وأنه إنما خلق لتحقيق العبودية لله -جل وعلا-، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات]. وعوداً على ما بدأنا به وهو التوجيه إلى العلم والعمل، إذ أن العمل وحده بدون علم قد يكون ضرراً ونقصاً على صاحبه، فقد يعبد الله -جل وعلا-، على غير ما شرعه في كتابه، أو في سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- فيعبد الله على جهد، ويفسد أكثر مما يصلح، والعلم أيضاً من دون عمل كالشجر بلا ثمر، فلا بد من اقتران العلم بالعمل، واقتضاء العلم للعمل. وكثير من طلاب العلم -ممن ينتسب إلى هذه الثلة التي فرغت نفسها لطلب العلم-، كثير منهم -لا شك أنهم- يسلكون السبيل والطريق الذي تكفل الله -جل وعلا- على لسان نبيه أن من سلكه سهل الله له به طريقاً إلى الجنة.

لكن بعض الناس يسلك سبيلاً طويلاً بعيداً شاقاً، وبعض الناس ييسر له السبيل، ويسهل عليه ويطلب العلم من أقرب وسائله وطرقه، ويختصر الوقت اختصاراً بيناً، ويكون ذلك -إذا هيأ الله -جل وعلا- من يأخذ بيده- من أول الطريق، ونلاحظ على كثير من طلاب العلم، ممن يتخرج في الكليات الشرعية بعد أن أمضى ستة عشر عاماً في الطلب يجده في النهاية لا يمكن أن يسمى ولا طويلب علم، بل هو إلى العامية أقرب؛ لأنه يعيش في مهامه وفي صحاري، وطرق متشعبة. فطالب العلم يحتاج إلى من يأخذ بيده من أول الطريق، فإذا حث القرآن والسنة على العلم، ورفع منزلة العلماء، فلننظر إلى أقرب طريق وأخصره لتحصيل هذا المطلوب العظيم الذي جاء الحث عليه في الكتاب والسنة، وإذا كان الصراط المستقيم الموصل إلى الجنة فيما يعرفه أو فيما يعرفه الناس في حياتهم العادية -الطريق المستقيم والخط المستقيم والصراط المستقيم- يقولون: إنه أقرب طريق يوصل بين نقطتين، وأنت الآن في مكانك هذا تبحث إلى أقرب طريق يوصلك إلى الغاية، وهي الجنة، فكيف نسلك هذا الطريق المختصر القريب. العلم الذي جاء الحث عليه في النصوص إنما هو علم الكتاب والسنة، قال الله، وقال رسوله، علم الصحابة، علم السلف، وأما التشعبات التي جاءت من بعد إذا كانت لا تخدم نصوص الوحيين وتعيننا على فهم الكتاب والسنة، وتعيننا على كيفية الإفادة من نصوص الكتاب والسنة، فإنها لا شك أنها من الصواد عن هذا الصراط وعن هذا الطريق. كثير ممن ينتسب إلى طلب العلم وقد أمضى في العمر ستة عشر عاماً -على أقل تقدير-، وتخرج من كلية شرعية يجد نفسه كالتائه في الصحراء، إذا قيل له: ابدأ بطلب العلم من أول الطريق، فاقرأ من الأصول الثلاثة والقواعد الأربعة، هو قرأ الأصول الثلاثة في المرحلة الابتدائية لكن لطول العهد قد يكون نسيها؛ لأنه لم يراجعها، ولم يحضر شروحها عند أهل العلم ولم يقرأ شروحها المطبوعة ولا المسجلة، نسيها، يحتاج إلى أن يبدأ الطريق من أول خطوة؛ ليختصر له الطريق، فهو بين أمرين:

إما أن يقول أنا تخرجت في كلية شرعية وأنا شيخ بالمرسوم الملكي أنه تخرج من كلية الشريعة، يطلق عليه اسم شيخ، فيقف عند هذا الحد، ويستحيي ويستكبر ويستنكف من أن يطلب العلم من أول الطريق، ثم ذلك يستمر في هذه المهامة، وهذه المفازة لا يدري أين يذهب يميناً وشمالاً. وإذا سمع كلاماً جميلاً لأهل العلم قال: لا بد أن أقرأ هذا الكتاب، ثم يسمع كلاماً يترك هذا الكتاب ويرجع إلى الثاني، ثم يسمع كلاماً عن كتب ابن القيم فيرجع إليها، ثم يسمع ... وبهذا ينتهي عمره على لا شيء، العمر ينتهي على لا شيء ونجد كثير من طلاب العلم يتخبطون في قراءاتهم فلا ترتيب ولا تنظيم ولا اتباعاً للجادة المسلوكة عند أهل العلم. فالعلم يحتاج إلى ترتيب يحتاج إلى جدولة، فهذا الشاب الذي قرب منه مفارقة عصر الشباب -بعد أن أمضى ستة عشر عاماً في الدراسة-، عنده بعض الخيوط التي يمكن أن يتشبث بها، وقد يشارك في بعض المسائل العلمية؛ لأنه درسها في الجامعة، مع أنه خفي عليه ما قبلها وما بعدها، فلا رابط بين العلم في صدره، مثل هذا يحتاج إلى أن يبدأ بطلب العلم من جديد، وليس بسر أن يقال: أن بعض الخريجين بالنسبة لبعض زملائهم ممن هم معهم على كراسي الدراسة أن بعضهم يصلح أن يكون شيخاً لبعض، لماذا؟ لأن هذا اهتم من أول الأمر ووجد من يوجهه في المرحلة المتوسطة في المعهد العلمي، في هذا المحضن الشرعي الذي نسأل الله -جل وعلا- له الاستمرار والقوة والمزيد من ترسيخ العلم والاهتمام بمتون العلم الأصلية، وهي موجودة -ولله الحمد- إلى الآن.

إذا وجد من يأخذ بيد طالب العلم من المرحلة المتوسطة ووجهه إلى من ينفعه الحضور عنده من أهل العلم، مثل هذا -في الغالب أنه- يسلك الطريق، لكن الإشكال فيمن لا ينتبه إلا بعد التخرج في الجامعة، ثم بعد ذلك توظف، قد يتوظف في القضاء، وقد يتوظف في منصب يقتضي أن يعرض نفسه للإفتاء، وقد يتوظف في الدعوة، ويعرض نفسه لأسئلة الناس، ثم بعد ذلك هو بين أمرين: إما أن يقول: لا أدري في جل المسائل، وهذا حرج كبير، أن يأخذ راتباً في مقابل لا أدري؛ لأنه إنما وظف في هذا المرفق لينفع الناس، أو تحمله نفسه الأمارة بالسوء والكبر والحياء العرفي، لا الحياء الشرعي، أن يفتي بغير، وهو في هذه الحالة يضل بنفسه ويضل الناس، فأنا أقول: من البداية يا أخوة، لا بد أن نمسك الطريق من أوله، ونطلب العلم على الجادة، ويكون همنا تحصيل علم الوحيين الكتاب والسنة، ولا يعني هذا أننا نقتصر على القرآن، صحيح البخاري، صحيح مسلم، إلى آخره، لا بد أن نقرأ ما يعيننا على فهم الكتاب والسنة، ونحن في قراءتنا للغة العربية أجرنا كمن يقرأ القرآن أو يفسر القرآن، لماذا؟ لأنه وسيلة، والوسائل لها أحكام المقاصد، أنت قرأت اللغة العربية من أجل أيش؟ من أجل أن تفهم الكتاب والسنة، لك أجر من يتعلم الكتاب والسنة، قرأت في علوم الحديث لكي تعرف ما يثبت وما لا يثبت من حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- لك أجر من يقرأ ويُقرأ الحديث؛ لأن الوسائل لها أحكام الغايات، قرأت في أصول الفقه لتعرف كيف تتعامل مع النصوص، نصوص الكتاب والسنة لك أجر من يتعلم ويعلم الكتاب والسنة؛ لأنك لا تتعلم هذا العلم بمفرده، نعم قد يكون بعض الناس يفني عمره بهذه الوسائل ولا يصل إلى الغايات.

مثل هذا محروم؛ لأن هذه وسائل، كمن يمشي من أجل الخُطا وأجر الخطا إلى المسجد، فإذا وصل باب المسجد وقف، ما دخل، فهذه وسيلة، وأجر الخطا إنما رتب من أجل الصلاة، فمن خرج إلى الصلاة لا ينهزه إلا الصلاة له بكل خطوة حسنة، فإذا اقتصر على الوسيلة مشى تطهر في بيته وخطا إلى المسجد خمسين خطوة مائة خطوة، ألف خطوة، ثم وقف عند الباب، نقول: هذا مثل من يتخصص باللغة العربية ولا يستعمل هذه اللغة في علم الكتاب والسنة وفهم الكتاب والسنة، وقل مثل هذا في كل العلوم الوسائل؛ لأن القصد من معرفة اللغة العربية فهم الوحيين، القصد من علوم الآلة عموماً كيفية التعامل مع نصوص الوحيين، فليكن همنا الكتاب والسنة، ولا يمنع ذلك، لا يعني هذا أني أقول للإخوان لا تقرؤا في اللغة العربية، لا تقرؤا في أصول اللغة ولا في علوم الحديث، ولا في قواعد التفسير، لا، هذه أمور لا بد منها لفهم الغاية التي هي نصوص الكتاب والسنة. كيف يتعامل شخص ما عرف اللغة العربية مع كتاب أنزل بلغة العرب؟ كيف يفرق بين الحقائق الواردة في القرآن، الألفاظ الواردة في القرآن، كيف يتعامل معها على أنها حقائق لغوية أو عرفية أو شرعية؟ حتى يعرف هذه الحقائق.

فعلى طالب العلم أن يهتم بهذا غاية الاهتمام، ويأخذ منه ما يكفيه ولا يزيد على ذلك، قد تحتاج الأمة إلى متخصصين في اللغة العربية يفيدون أهل العلم فيما يحتاجون إليه من عويص المسائل ودقائق المسائل، لكن والحمد لله ما يكفي لفهم الوحيين أمره ميسور، يعني من قرأ الآجرومية مع شروحها وحواشيها، استفاد فائدة عظيمة، والآجرومية خمس ورقات ما تزيد، ثم إن أتبعها بالقطر، -قطر الندى- وألفية ابن مالك، فهذا نور على نور، لكن لا يكون على حساب نصوص الوحيين، ثم بعد ذلك إذا انتهى من الآجرومية، ثم القطر، ثم الألفية تطلعت نفسه إلى ما هو أعظم من ذلك من شروح المفصل، وشروح الكافي، وشروح كذا، لا، نقول: خذ من علم العربية ما يكفيك، وبعض الناس إذا قيل له علم العربية اقتصر على النحو، هذا الكلام ليس بالصحيح، العربية علوم وفروع متعددة، فطالب العلم يحتاج من علوم العربية كلها الاثني عشر علم، العلوم العربية الاثني عشر علماً ما يحتاج إليه، يحتاج علم النحو، يحتاج علم الصرف، يحتاج علم المعاني، البديع البيان، الوضع، الاشتقاق، إلى غير ذلك من العلوم، فقه اللغة، متن اللغة، يحتاج إلى العلوم كلها، لكن مع ذلك لا تكن هذه العلوم على حساب الوحيين، لا تكن هذه العلوم على حساب الوحيين. قد يقول قائل: إن الجامعات في هذه البلاد وغيرها، فيها أقسام للغة العربية، فيها أقسام للغة العربية، معنى هذا تغلق هذه الأقسام؟ نقول: لا يا أخي، الأمة بأمس الحاجة إلى هذه الأقسام، لكن ما الذي يمنع أن يكون التطبيق في هذه الأقسام على الكتاب والسنة؟ يعني إذا شرح باب من أبواب النحو، قال نطبق على القرآن، ثم جاء بسورة الفاتحة، نستخرج من سورة الفاتحة، ما مر بنا في هذا الباب، ثم بعد ذلك الباب الثاني على مقطع من سورة البقرة، أو من قصار السور، والباب الثالث ... وهكذا.

وبهذا يفهم الكتاب القرآن العظيم، وبه يفهم، وترسخ لغة العرب؛ لأن القرآن بلغة العرب، قد يمر عليه في القرآن بعض الألفاظ التي فيها اختلاف مع اللغة العربية، فيما يقرر في قواعد العربية يوجد الشيء، كلمات يسيرة في القرآن، تختلف عما قرره النحاة، وعلى هذا لا بد أن نخضع النحو إلى أفصح الكلام ولا عكس، لا نتطلب إجابات وتقديرات، تبعد بنا على فهم القرآن، من أجل قواعد وضعها النحو، نقول: خير ما يضبط به علم النحو التطبيق على القرآن، التطبيق على القرآن، وفي شرح "الأزهرية" من بعيد أبعاد، أو هو شرح شذور الذهب، في آخره إعراب قصار السور، لتمرين الطلاب على إعراب القرآن وفهم اللغة في آن واحد. فالآن لك عناية بالنحو، كثير من الطلاب يصاب بيأس بالنسبة لهذا العلم، لنقول: قرأت النحو، حفظت الآجرومية والقطر والشروح وبدأت بالألفية، لكن ما أشوف اللسان يتعدل، اللسان ما تعدل إلى الآن، نقول: يا أخي لا تيأس؛ لأنك بتعلمك هذا العلم، لا يلزم أن يقوم لسانك، إلا إن كنت خطيباً أو مدرساً أو شيء من هذا، أو تكثر القراءة في كتب على الشيوخ الذين يصححون لك ما تخطئ فيه، أما إذا لم تكن خطيب، ولا مدرس ولا تقرأ على المشايخ، ثق ثقة تامة أن لسانك لم يتعدل.

لكن ماذا بقي لك من علم النحو؟ بقي الفائدة العظمى، وهي فهم الكلام؛ لأن علم النحو يفيدنا أمرين: الأول تقويم اللسان، وفهم الكلام، أنت إذا قرأت في القرآن، أو في السنة، وقد عرفت قواعد اللغة العربية، قد تكون في قراءتك لها شيء من اللحن، ولا يتقوم لسانك بهذا، لكن أنت تفهم الفاعل من المفعول من الحال من التمييز من غيرها، ولكل كلمة في موقعها معنى خاص فلا ييأس من قرأ النحو على الجادة، من المتن، الطبقة الأولى إلى الثانية إلى الثالثة إلى أن ينتهي من هذا العلم، ويقول: أنا –والله- ما استفدت شيء، ومع الأسف أنه نجد هذا اليأس في نفوس كثير من طلاب العلم، ونقيم بعض الدروس في اللغة العربية، ونجد بعض الكبار يتخلف عنه، نقول له لماذا؟ يقول: والله ما أستطيع، حضرت الكتب ما استفدت، يا أخي ما تعرف تفرق بين التمييز والحال، قال: كتابة أعرب لك ما أنطق، قيل: ما يلزم يا أخي، أنت إذا ما استفدت الفائدتين لا تفوتك هذه الفائدة العظمى، وأنت بهذا تفهم الكلام -كلام الرب -جل وعلا-، وكلام النبي -عليه الصلاة والسلام- وكلام أهل العلم، ولا يمكن أن يزهد طالب العلم في علم العربية إلا إذا زهد في علوم الكتاب والسنة؛ لأنها بلسان العرب، بلسان عربي مبين. فعلى الإنسان أن يحرص على هذا أشد الحرص وبعضهم يقول: نفهم كلام الله -جل وعلا-، بدون هذا التعقيد الذي في كتب النحو، فقل: يا أخي علم النحو لا يحتاج إلى تعقيد، ما يحتاج تقرأ بأوضح المسالك، كتاب معقد لا تقرأ فيه، تكتفي بالآجرومية والقطر، وما كتب عليهما، إن سمت همتك إلى الألفية بها ونعمت، وإلا أنا أضمن لك أن تتقن العربية بهذين الكتابين، مع شروحهما، بعض الأحكام الشرعية يتغير الحكم فيها تبعاً لتغير الإعراب، ومثَّل لهذا بحديث: ((ذكاة الجنين ذكاةُ أمه))، وبعضهم يرويه: ((ذكاةُ الجنين ذكاةَ أمه)) ويش الفرق، يقولون: ((ذكاة الجنين ذكاةُ أمه)) برفع الجزئين، قلنا: إن ذكاة الجنين هي ذكاة أمه، فلا يحتاج إلى تذكية، وبهذا قال الجمهور، لكن إذا قرأنا بالرواية الأخرى، النصب ((ذكاة الجنين ذكاةَ أمه)) قلنا: منصوب على نزع الخافض والتقدير: كذكاة أمه.

فيلزم أن يذكى مثل ذكاة أمه، وبهذا يقول الحنفية، تغير الحكم أو ما تغير؟ تغير الحكم، وأعظم من ذلك قول الأصمعي وجمع من أهل العلم قالوا: أن الذي يلحن في كلام النبي صلى الله عليه وسلم يخشى عليه أن يدخل في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من كذب علي متعمداً فليتوأ مقعده من النار)) إذا قلت: ((إنما الأعمالَ بالنيات)) يعني أنت قلت على الرسول -عليه الصلاة والسلام- ما لم يقل، إذا قلت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما الأعمالَ بالنيات)) الرسول ما قال هذا الكلام، إنما قال: ((إنما الأعمالُ بالنيات)). فنهتم لهذا الأمر، طالب العلم إذا تعلم النحو ما تعلم الصرف يقع في حرج كبير، الصرف لا بد منه، لكن لا يعني أننا نقرأ الشافية وشروح الشافية، لكننا نقتصر على المختصرات في هذا الفن، يحتاج طالب العلم –أيضاً- إلى علم البيان، وعلم البديع، وعلم المعاني، يحتاج إليها حاجة شديدة ماسة. يعني كيف نستخرج إعجاز القرآن بغير هذه العلوم، لا بد أن نقرأ هذه العلوم لكي نعرف قيمة هذا الكتاب العظيم الذي تحدى به العرب، بعض الناس يقرأ القرآن وكأنه كلام عادي، كأنه كلام، وهذا الكلام ليس بصحيح، بل إذا عرف هذه العلوم وقرأها وجد أن القرآن لا يضاهيه أدنى أي كلام، والعرب الفصحاء تحداهم الله -جل وعلا- أن يأتوا بمثله، ثم تحداهم أن يأتوا بعشر سور، بسورة من مثله، ولكن هل ممكن أن يتحدى العرب أن يأتوا بآية، ما حصل هذا التحدي بآية، ما حصل، لكن آية تعادل أقصر سورة، يمكن أن يتحدى بها، أما مجرد آية، ثم نظر: مدهامتان، العرب لا يعجزون أن يقولون: ثم نظر، فلم يحصل التحدي بآية. على كل حال طالب العلم طالب العلم لا بد أن تكون متكاملة وشاملة, ولذا يشترطون لمن يتصدى لتفسير القرآن أن يعرف جميع العلوم، أن يعرف جميع العلوم؛ لأنه قد يشكل عليه أشياء في تفسير القرآن لا يحلها إلا فقيه، لا يحلها إلا محدث، لا يحلها إلا لغوي، تشكل عليه بحيث لا يحلها إلا من علماء البلاغة، وهكذا.

فطالب العلم عليه أن يأخذ، ولا يعني أنه موغل في كل علم، بحيث يصير هو الهم أجمع، لا، يأخذ من كل علم ما يكفيه، وهناك مختصرات في سائر العلوم نافعة، وأهل العلم ما قصروا، رتبوا هذه الكتب وصنفوها وجعلوها على طبقات تناسب المتعلمين وطبقاتهم، فجعلوا للمبتدئين كتب، وجعلوا للمتوسطين وجعلوا للمتقدمين كتب، وكتب العلم التي تشرح موجودة، والأشرطة وكلام أهل العلم في هذا كثير. وعلم العربية نحتاجه أيضاً في السنة، وعرفنا اختلاف الحكم تبعاً لاختلاف الإعراب، وعرفنا أن الخطر الذي عبر عنه الأصمعي وغيره بإدخال من يلحن في الحديث، بحديث ((من كذب))، نعم، قد يكون هذا غير متعمد فيخرج من هذا، لكنه كونه يُلصق بهؤلاء -ولو من وجه- أنه كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، الإنسان لا يريد أن يقع في هذا، ولو لم يكن عن قصد، وحديث: ((من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين)) هذا مخيف، يعني ما يلزم أن تراه أنت، لو رآه غيرك أنه كذب، فأنت واقع في هذا الوعيد، وأنك أحد الكاذبين، والكاذب عليه من الله ما يستحق -كما جاء في النصوص-. لا بد أن نتعلم العلم، وأنتم لا شك أنكم من طلاب العلم، وأخذتم منه بقسط كاف -إن شاء الله تعالى- لكن المزيد هو المطلوب، والله -جل وعلا- ما أمر نبيه من الاستفادة من شيء إلا من العلم، {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [(114) سورة طه]. فنحن بحاجة ماسة إلى الازدياد من العلم، بعض الناس يقول: أنا والله تخرجت، درست عشرين سنة، خمسة وعشرين سنة، والآن أحمل أعظم الشهادات، يعني إلى متى؟ نقول: الرسول -عليه الصلاة والسلام- قيل له: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [(114) سورة طه]. وبعض الناس يقول: أنا والله درست عشر سنين، عشرين سنة، ثلاثين سنة، وإذا سئلت عن شيء ما أقدرت، ما استفدت، فأترك. نقول: يا أخي النتيجة ليست بيدك، النتيجة عند الله -جل وعلا-، عليك أن تبذل السبب، فبذل السبب منك مطلوب، ((من سلك طريقاً))، السبب سلوك الطريق، ابذل سلوك الطريق، فاسلك الطريق تضمن لك النتيجة، ((من سلك لك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)).

حضر معنا بعض عن المشايخ بعض الناس أدركناه في الخامسة والسبعين من العمر، درس على شيوخنا وعلى شيوخهم، وكان زميلاً لشيوخيهم، فدرس مع الشيوخ ومع شيوخهم، ودرس مع الطلاب وتأخر عنا في الطلب حتى مات، ما يقرب عن تسعين سنة، لكنه بالفعل ما أدرك شيء؛ لأنه إذا سمع شيئاً يحثه على العمل عمل به، فهذا مع صدق النية سهل الله -جل وعلا- به طريقاً إلى الجنة، فالنتيجة مضمونة، النتيجة في الآخرة مضمونة، لكن في الدنيا هل ضمن لك أن تكون عالم؟ لا ما ضمن لك أن تكون عالم؛ ولذا اليأس ما هو بوارد، ليس بوارد، لا في العلم ولا في العمل؛ لأن بعض الناس –أيضاً- بالنسبة للعمل، يقول: حاولت وعجزت، كيف حاولت؟ حاولت الإخلاص وما قدرت، يأتي كثير من طلاب العلوم الشرعية، والكليات، يقولون: والله نحن حاولنا الإخلاص، ومن شرط العلم الإخلاص؛ لأنه من أمور الآخرة المحضة، لا يجوز فيه التشكيك، فأخشى أن أكون من أول ما تسعر بهم النار، أترك طلب العلم، يقال له: لا تترك ولا تيأس، الترك ليس بحل، الترك ليس بحل، لكن عليك أن تجاهد، تجاهد نفسك، وحينئذ إذا علم الله منك صدق النية أعانك. بعض الناس يقول: حاولت قيام الليل، وجاهدت نفسي وعجزت، نقول: السلف كابدوا قيام الليل سنين، ولا بد من تجاوز المرحلة، مرحلة الاختبار، فإذا تجاوزت مرحلة الاختبار ونجحت في الأخير تتلذذ، فالطلب في بداية الطلب، -طلب العلم شاق-، أقرانك وأقاربك في استراحات مبسوطين على ما قالوا، يتمشون وينبسطون ويتجاذبون أطراف الحديث وينظرون إلى أخبار العالم، وأنت جالس بزاوية في بيتك تقرأ كتاب أو في مسجد بين يدي الشيخ. فالنفس فيها صراع، في أول الأمر، لكن هذه مرحلة امتحان، فإذا صبرت واحتسبت الأجر من الله -جل وعلا-، وأخلصت وصدقت اللجأ إليه لا شك أنك تكون في نعيم، في جنة، لا يدركها أمثال هؤلاء، كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله- وكما قال من قبله، يعني هم في جنان لو يعلم بها الملوك لجالدوهم بالسيوف.

يعني عطاء أبي رباح، مبتلى بعلل كثيرة، بتشويه خَلقي وعلل في جميع أطرافه، وفي لونه وفي شكله وفي وجهه، وإذا جلس في المسجد الحرام، الملوك كأنهم أطفال بين يديه ما الذي رفع هذا؟ بما رفع مثل هذا؟ رفع بالعلم، فإذا أدركت مثل هذه الأمور، وقرأت ما أعد الله -جل وعلا- للعلماء العاملين، في كتابه وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، لا شك أنك سوف تنسى كل ما يتلذذ به الناس من أمور دنياهم. يعني في العام الماضي والذي قبله أيام سوق المساهمات، فقدنا بعض طلاب العلم، أين فلان؟ قالوا: والله انشغل بالمساهمات، وكان من الملازمين للدروس في جميع الأوقات، في النتيجة حصل ما حصل، يعني يا الله عاد حسب الأرباح والخسائر، ماذا خسر هذا الذي ترك الدروس؟ وما الذي خسره من ترك الأسهم؟ أعرف بعض طلاب العلم انشغلوا بهذا؛ نسيوا العلم، والله أننا نختبرهم في بعض المسائل الصغيرة التي كانوا يقررونها على الطلاب ويساعدون الشيخ في تقريرها نسوها، وبعضهم نسي القرآن، وبعضهم يصلي صلاة ببدنه، وليس للقلب أي نصيب، يعني ماذا خسر هذا الشخص في مقابل حطام الدنيا، خسر شيئاً عظيماً، بينما الذي لزم الدروس وأدرك من العلم ما أدرك وإذا ذهب إلى صلاته مرتاح مقبل على ربه، فهذا ما فاته شيء، الدنيا الحمد لله ملحوق عليه، لكن من الخاسر في الحقيقة؟ {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [(15) سورة الزمر] خسران، الخسران في القيامة، ما هو في الدنيا، قد يخسر الإنسان، قد تصيبه ضائقة مادية، قد يشتغل في تجارة ويخسر، لكن ليس هذا. كل كسر فإن الدين يجبره ... وليس لكسر قناة الدين جبران فعلى الإنسان أن يُقبل إلى ما خلق من أجله، حصل هذا الهدف ثم بعد ذلك، {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] التي تستعين بها على تحقيق هذا الهدف، أما أن تجعل الدنيا هي الهدف، وقد رأينا من عوام المسلمين، والآن بعض علماء المسلمين -مع الأسف- وبعض طلاب العلم من ينطبق عليه: ((تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار تعس وانتكس – نسأل الله العافية – وإذا شيك فلا انتقش)).

نعرف من دهاتم، من عوام المسلمين تأتيهم بضائع من الشرق والغرب، ويخبرك بأسعارها وفوائدها في لحظة، ما يحتاج آلات، أفضل من الآلات، وأسرع من الآلات، لكن لا يعرف يقص أظافره، وإذا أصابته شوكة يطلب من يسعفه، وهذا حاصل بالفعل ما هو بخيال، إنما هذا حاصل بالفعل، ولبس الساعة سنين ثم خلعها ما يعرفها، ومع ذلك يخبرك عن أمور الدنيا بدقة. فالمسلم مخلوق لتحقيق هدف، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] تحقيق العبودية، ومع ذلك هذه العبودية تحتاج إلى شيء من الدنيا، فينته لشيء من دنياه، كما قال الله -جل وعلا-: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص]. والحال الآن في وضع المسلمين العكس تماماً، كأنما خلقوا للدنيا ويحتاجون إلى من يقول لهم ويتعاهدهم "ولا تنس نصيبك من الدين" على العكس تماماً. فعلى الإنسان أن ينتبه لنفسه قبل فوات الأوان، والآن أكثر الحضور -ولله الحمد- من الشباب الذين هم في عصر الإمكان. الكلام عن الكتب وترتيب الكتب وماذا يقرأ، وماذا لا يقرأ، يعني فيه أشرطة سميت "كيف يبني طالب العلم مكتبته" وهذه موجودة في الأسواق، لسنا بحاجة إلى الكلام عليها مرة أخرى، العلم، وطالب العلم، والعالم، والذين أوتوا العلم قد رفعهم الله درجات، {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [(11) سورة المجادلة] ودرجات عشرين سانتي مثل درج الدنيا، عشرين سانتي، الدرجة الواحدة؟ لا، الدرجة الواحدة ما بين السماء والأرض، ودرجات ما هي بدرجة ولا بدرجتين، ولا كذا، فننتبه لمثل هذا الأمر، هذا بالنسبة للعلم، هذه كلمة مختصرة.

بالنسبة للعمل يوجد في صفوف طلاب العلم -مع الأسف- أنه يأخذ العلم مجرداً، ويشكو من عدم ثباته في نفسه، ينسى العلم، نقول لك: يا أخي اعمل بهذا العلم ثم بعد ذلك يثبت، والعلم كما يقول علي رضي الله عنه "يهتف بالعمل، فإن أجابه وإلا ارتحل"، وكم من شخص تعلم من العلوم الشيء الكثير، ثم بعد ذلك في النهاية نسي؟ لماذا؟ لأنه لا يعمل، العلم النظري المجرد لا يثبت، لو أن إنساناً أخذ مصنف ثلاثمائة صفحة -مثلاً-، في تعلم قيادة السيارة، في تفكيك المكينة وتفكيك كذا، يعني كل ما يتعلق بالسيارة، وقرأ الكتلوجات القديمة والحديثة وكذا، لكنه ما باشر ما معه مثلك ولا عنده، بيتعلم هذا، لا بد من العمل، لا بد من العمل، فالعمل يثبت به العلم، والأعمال متاحة في شرعنا ولله الحمد كثيرة جداً، يعني بعض الناس قد يصعب عليه ويشق عليه، أن يساعد الناس ببدنه، نقول: يا أخي ساعد الناس وابذل فيما تستطيع، برأيك -مثلاً-، إذا جاء أحد الناس يستشيرك امحضه النصيحة، العمل الخاص الذي لا يتعدى، صيام، النوافل قيام الليل، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي الناس بأمس الحاجة إليه الآن، المنكرات تزيد، المنكرات الآن في محافل المسلمين تزيد، فلا بد من التعاون على إزالتها، وإنكارها، لكن بطرق تترتب عليها المصلحة، ولا يترتب عليها أدنى مفسدة، والإنسان -ولله الحمد- في هذا البلد ما فيه أحد يمنعه لشخص رآه في طريقه إلى المسجد: صل يا أخي، صل جزاك الله خير، الآن الإقامة قربت والمسجد قريب وقد سمعت الأذان، ولا عذر لك، ورأس مالك الصلاة، أعظم أركان الإسلام، في أحد يمنعه من هذا، يرى شباب يلعبون كرة يقول لهم: صلوا، يرى صاحب محل مفتوح بعد الأذان، يقول له: سكر، ولو أن الناس تتابعوا على هذا وتعاونوا عليه ما وجدنا هذا التساهل الموجود في أسواق المسلمين ومحافلهم، فالاهتمام بهذا الشأن الذي هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم المهمات وأولى الأولويات بالنسبة لجميع المسلمين؛ لأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وللسان ولله الحمد مستطاع بالأسلوب المناسب، الذي لا يترتب عليه

مفاسد. الأمة إنما فضلت على غيرها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شأنه عظيم، لماذا لعن، بأي شيء لعن بنو إسرائيل؟ {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ} [(79) سورة المائدةٍ] كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، هذا السبب، فإذا وجدنا المنكر ولا ننكره لا يعني هذا أن يأخذ عصا ويضرب هذا، لا، لا أبداً، الشرع -ولله الحمد- جعل لك فسحة، لا تستطيع أن تغير بيدك، -وكل إنسان في بيته يستطيع التغيير بيده-، ومن له ولاية على شيء يستطيع التغيير بيده، لكن إذا لم يستطع فالخيار الثاني التغيير باللسان وهذا مقدور عليه في بلادنا -ولله الحمد- وليس مانع، ولا يوجد من يمنع من التغيير باللسان إذا لم يوجد هناك مشكلة، أو مفسدة أعظم من هذا التغيير، المقصود أن علينا أن نتكاتف على هذا المرفق العظيم وننوء بالحمل مع إخواننا الرسميين ولعل الله -جل وعلا- أن يدفع عنا، فالمنكرات لا شك أنها سبب لمقت الله وغضبه، وفي الحديث الصحيح: ((أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث))، يعني عندنا صالحون كثر، -ولله الحمد-، عندنا علماء عاملون، وعندنا دعاة وقضاة وعندنا أخيار، عندنا زهاد وعندنا عباد، لكن الخبث كثر فيخشى علينا، ولا نستطيع أن نرد هذا الخبث إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ولذلك قدم على الإيمان، {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} [(110) سورة آل عمران]، فقدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يصح بدون إيمان إلا أنه من أجل أننا فضلنا به على سائر الأمم قدم، وإلا فالأمم السابقة كلهم يؤمنون بأنبيائهم، يعني من كتب له اتباع الأنبياء يؤمنون.

أيضاً هناك أعمال خاصة على طالب العلم أن يلتزمها ليعان على طريقه ومشواره في طلب العلم، يستعين بقراءة القرآن على الوجه المأمور به بالتدبر والترتيل، وأيضاً يكثر من تلاوة القرآن ليحصل على الأجور العظيمة، بكل حرف عشر حسنات، كل حرف عشر حسنات، الإنسان في ربع ساعة يقرأ جزء يحصل له مائة ألف حسنة، وليكثر من هذا، ويجعل له وقت للتدبر، والنظر في كتاب الله والاعتبار، {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(17) سورة القمر] لا بد أن نعتبر، ولا بد أن نتذكر، لا بد أن نذكر أنفسنا ونذكر غيرنا بالقرآن، {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(45) سورة ق] لكن من الذي يتذكر؟ هو الذي يخاف الوعيد، أما الإنسان الغافل الساهي اللاهي، هذا نصيبه من هذا قليل، ومع الأسف أن البعض ممن ينتسب إلى طلب العلم عنده شيء من الجفا بالنسبة للقرآن، فتجده إذا تيسر له أن يحضر إلى المسجد قبل الإقامة، وصلى الركعتين إن بقي وقت أخذ مصحف، وقرأ ما تيسر ورقة أو ورقتين، ويكون القرآن عنده -على ما يقول الناس- على الفرغة، إن وجد وقت وإلا ... فهذه مشكلة يعايشها كثير من طلاب العلم حتى من الحفاظ، بعض الطلاب إذا ضمن حفظ القرآن انتهى، انتهى دوره، نقول له: لا يا أخي الآن جاء دورك، الآن جاء دور التلاوة التي رتب عليها أجر الحروف، وجاء دور الترتيل والتدبر والاستنباط والتذكر والتذكير بالقرآن، الآن جاء دوره، فأهل القرآن لهم هذه الخاصة، هم أهل الله، وهم خاصته، وينبغي أن يعرفوا بما لا يعرف به غيرهم، كما قال ابن مسعود: يعرف بصيامه يعرف بصلاته يعرف بقيامه، يعرف بتلاوته يعرف بنفعه الخاص والعام، يعرف بإقباله على الله -جل وعلا- إذا غفل الناس، فصاحب القرآن له شأن عظيم.

أيضاً مما يوصى به المسلم عموماً "لا يزال لسانه رطباً بذكر الله -جل وعلا-"، والذكر لا يكلف شيء، الذكر لا يكلف، يعني سبحان الله وبحمده "مائة مرة"، حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر، سبحان الله وبحمده، بالتجربة تحتاج إلى دقيقة ونصف، تحتاج إلى دقيقة ونصف، ما يحتاج مثل الآصار والأغلال التي كانت على من قبلنا أن يأخذ الإنسان سيف ويقتل نفسه ليتوب الله عليه، ما يلزم هذا، دقيقة ونصف "سبحان الله وبحمده" حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر، من لزم الاستغفار، -وللاستغفار فوائد، شيء لا يخطر على البال-، يعني له دور في شرح النفس، وطيب العيش، وكثرة المال والولد، والبركة في الرزق، ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"، عشر مرات، كمن أعتق أربعة من ولد إسماعيل))، عشر مرات تقال بدقيقة، مائة مرة، عاد هذه أمر لا يكون أحد مثله إلا إذا أتى بمثله أو زاد، حرز من الشيطان، ومائة درجة، ويمحى عنه مائة سيئة، وكمن أعتق عشرة من ولد إسماعيل، أجور لكن -يا إخوان- الحرمان ليست له نهاية.

تجد كثير من الناس إذا ذهب إلى أمر من الأمور ووجد صاحب الأمر غير موجود، والله خرج مشوار يأتي بعد ربع ساعة، الربع الساعة خمسة عشر دقيقة هذه أثقل عليه في الانتظار من خمسة عشر سنة، تجده يتوهج ويتأسف ويتألم وشويه يخرج، وشويه يدخل ينتظر هنا، لماذا؟ ما عود نفسه على الذكر، يعني لو شرع في قراءة جزء من القرآن بربع ها الساعة، ألا يود أن يتأخر صاحبه حتى يكمل هذا الجزء، إذا كان له ورد ونصيب يومي من القرآن ألا يتمنى أن تتأخر الإقامة قليلاً حتى يكمل قراءته؟ هذا الحاصل يا إخوان، لكن الذي يفتقد القرآن لمجرد إمضاء وقته، ويتصل بالذكر في ذلك، ما يفلح، بس ينتظر الإقامة وينتظر في الباب متى يأتي الإمام لماذ؟ لأنه ما عود نفسه ولا تعرف على الله في الرخاء ليعرف في مثل هذه الشدائد، لكن لو تأخر الموظف الذي ينتظره عشر دقائق أو ربع ساعة أو تعود، كان لا يحفظ القرآن في جيبه جزء من القرآن قرأه يكفيه، مائة ألف حسنة أفضل من العمل الذي جاء من أجله، أفضل بكثير من العمل الذي جاء من أجله، لكن باعتبار ما عودنا أنفسنا على هذا نتضايق كثير، الإنسان في طريقه وفي مشواره رايح وجاي يضيع أكثر أوقات الناس في السيارات –الآن-، وكثير من الناس لا يحسن استغلال مثل هذه الأوقات، اقرأ قرآن، اذكر من الأذكار ما جاء الشرع بالحث عليه، اسمع أشرطة علمية تستفيد، المقصود: أن الإنسان يحفظ الوقت؛ لأن العمر هو عبارة عن هذه الأنفاس وهذه الدقائق، وقبلها الثواني وبعدها الساعات، هذا هو عمر الإنسان، بل هذا هو حقيقة الإنسان، فإذا ضيع الإنسان نفسه، فعلام يحاسب؟ إذا ضيع الإنسان نفسه يعني أنتهت بالكلية ما سوى شيء، وكم من شخص يمد له في العمر إلى مائة سنة، فإذا طلب من أهله وذويه ماذا أنجز خلال هذه السنة؟ والله ما يشوف شيء، وبعض الناس يبارك له في عمره. عمر بن عبد العزيز مات ما كمل الأربعين، عمر بن عبد العزيز ما كمل الأربعين، شوف الذكر إلى الآن، -الذكر الحسن-، وكثير سعيد بن جبير ما كمل الخمسين، النووي ستة وأربعين، وملأ الدنيا، مساجد الدنيا كلها يقال: قال -رحمه الله تعالى-، فعلينا أن نحرص على هذا.

ثم قد يقول قائل: ما السبب في هذه البركة؟ أننا رأينا أناس طالت أعمارهم لكن ما كتب لهم مثل هذا الذكر الحسن، بحيث يقال على كل إنسان: رحمه الله؟ جاء شخص إلى هشام بن عبد الملك وقال له: إن أباك منحني قطعة أرض، ثم جاء عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- فأخذها مني، قال: سبحان الله، الذي أعطاك الأرض ما قلت: رحمه الله، والذي أخذها منك تقول: رحمه الله، قال: وأيش أسوي، كل الناس تقول هذا، ما يذكر اسمه إلا رحمه الله. فعلى الإنسان أن يحرص لتحقيق مثل هذه الأمور، وكم من شخص تجري أعماله بعد وفاته مئات السنين، لماذا؟ لأنه دل الناس على هدى، علم الناس الخير، ألف مصنفات يستفيد منها الناس وأجورهم ماضية، ((أو علم صالح ينتفع به)) وبعض الناس على العكس مئات السنين تجري عليهم الأوزار؛ لأن عملوا بدع وصنفوا كتب بدع فصار الناس يتأثرون بها فعليهم أوزارهم. و ((من سن -في الإسلام- سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة))، فعلينا أن نهتم بأنفسنا ونحتاط لها والموضوع المذكور في الإعلان موضوع متشعب، ولا ينتهي ولا ندري بما نبدأ ولا بما ننتهي، لكن لعل الأسئلة تبين شيء من المراد. والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،، الأسئلة: هذا سؤال فيه: تقول: قريبة لنا معها جوال، وتكلم شباب من غير ما تدري أمها، والجوال أهلها موافقون عليه، ما الحكم بالنسبة لمن يعلم ذلك، وكتم هذا الخبر؟ الجواب: مثل هذا منكر، منكر تجب إزالته، وما الذي بعد الكلام من هذه المرأة لأولئك الشباب، وكم من كارثة ومصيبة وقعت بسبب هذه التصرفات التي يدعى في أول الأمر أنها نزيهة وبريئة، وأي نزاهة وأي براءة أن تتكلم امرأة مع غير محارمها لغير حاجة، وقبض أهل الحسبة على فتاة خرجت مع شاب خمس مرات، وادعت مع الشاب أن علاقتهم نزيهة ونقية وبريئة، فقيل لها: كيف تعرفتي على هذا الشاب، قالت: هو في الخطوط، يعمل في المطار وجئت إلى المطار وقطع لي -على ما يقولون- الكرت وكتب عليه الرقم فاتصلت عليه وتعرفت عليه وصرت أطلع معه ولا حصل شيء.

فهذا أولاً: نتيجته التساهل في سفر المرأة بغير محرم، وإلا لو وجد معها محرمها ما حصل مثل هذا التصرف. الأمر الثاني: أن كون هذه العلاقة -وهي بحد ذاتها محرمة- هذه العلاقة مثل ما تسأل عنه هذه الأخت محرمة، فإذا حرم الأمر وإن كان وسيلة إلى غيره إنما لا شك أن هذا الكلام، ليس هو الغاية من التحريم الغاية ما يؤدي إليه من علاقة تفضي إلى ارتكاب الفاحشة، لكن الوسيلة إذا كانت تفضي إلى هذه الغاية حرمت، فإنها حينئذ تكون محرمة، وعلى من يعلم حال هذه المرأة أن يبلغ أهلها بالأسلوب الذي تترتب عليه آثاره، ولا يترتب عليه مفسدة؛ لأن بعض الناس قد تحمله الغيرة إلى أن يتصرف تصرف يجعل الطرف الآخر يعاند ويرتكب ما هو أكبر من ذلك. على كل حال لا بد أن يعلم ولي الأمر -بالنسبة لهذه-، وبعض الناس عنده مسألة الستر، ويستدل بما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وصح عنه: ((من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة)) وأي ستر يكون سبباً لما هو أعظم مما وقع فيه، بل الستر الحقيقي هو إخبار الولي؛ لأنه إذا لم يعلم ولي الأمر بحال هذه المرأة، فمن يكفها ويردعها، والله المستعان. سؤال: وهذه تقول: إنها تعمل في الأمر بالمعروف في إحدى الحدائق، ولكنها تخاف من التصوير، ودائماً يأتيها الشيطان ويكبر لي المسألة وما يترتب عليها من مفاسد، وأحياناً أصل ترك عملي من شدة خوفي من ذلك، على الرغم من وجود تفتيش عند باب الحديقة، ما توجيهكم؟ الجواب: على كل حال عليها أن تتابع وهي مأمورة بالأمر بالمعروف -إذا وجدت هذا المنكر، أو ذلك المعروف الذي قصر فيه- عليها أن تأمر وتنهى، وأما كونها تخاف من التصوير فهذا لا شك أنه من تخويف الشيطان، وتخذيل الشيطان، وعليها -أيضاً بالمقابل- أن تحتاط لنفسها، أن تحتاط لنفسها، فلا تتعرض لمثل هذا التصوير. سؤال: هذه تريد كلمة توجيهية للنساء في هذا الزمان وغفلتهن عن حجابهن، وكلمة لمن يسمع هذا الكلام ولا يعمل به مجرد سماع. الجواب: على كل حال الكلام كله الذي قيل بالنسبة للشباب هو –أيضاً- موجه للنساء فالنساء شقائق الرجال، وهو داخلات في خطاب الرجال في عموم النصوص الشرعية، إلا ما جاء تخصيص الرجال به.

سؤال: وهذه تقول عنوان المحاضرة: توجيهات للشباب، الرجاء ألا تنسوا نصيبنا النساء من بعض التوجيهات؟ الجواب: على كل مثلما ذكرنا وفيه الكفاية -إن شاء الله تعالى-. سؤال: يقول أنا شاب مبتلى بعدم غض البصر رغم كل المحاولات التي بذلت، بماذا توصيني وأرجو أن تدعو لي بأن يثبتني ويعينني على ذلك؟ الجواب: نسأل الله -جل وعلا- لنا وله الثبات والإعانة على فعل المأمورات وترك المحظورات، لكن عليك أن تبذل ما في وسعك لهذا الأمر، وإذا عجزت فعليك ألا تغشى هذه الأماكن التي فيها هذه الفتن، فلا تغشى الأماكن العامة، والمحافل العامة ولا تنظر في القنوات التي فيها صور النساء، ولا الجرائد ولا المجلات، المقصود أنك لا تعرض نفسك لهذه الفتن، واجتنبها، وفر منها. سؤال: يقول: الجوال ووسائل الاتصال الإنترنت والقنوات أشغلتنا عن الطلب، وأصبحت من الضروريات فماذا نعمل معها، كيف يكون عندي توازن في علم الشرع وعلم الواقع؟ الجواب: أما تقديم هذه الوسائل على ما جاء الحث عليه من الكتاب والسنة؛ لأن المقرر عند أهل العلم أن العلم الذي جاء الحث عليه هو علم الكتاب والسنة المورث للخشية، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [(28) سورة فاطر]. فالمورث للخشية هو العلم الذي جاء طلبه في النصوص، وإذا شغلتك هذه القنوات عن العلم الذي أنت بصدده فاتركها، وإذا أعانتك هذه الآلات على تحصيل العلم الشرعي فاستفد منها، المسجل يفيدك ويعينك، الإنترنت قد يفيد، إذا حصرت نفسك في المواقع التي تبث الدروس العلمية، فإذا أمكنك الاستفادة منها فيما أنت بصدده من تحصيل العلم فاستفد منها، وإذا رأيت نفسك مقصراً في العلم بسببها فاتركها، لا تكن على حساب العلم. سؤال: يقول: آية في كتاب الله لم أجد لها تفسيراً يشفي غليلي وهي آية في سورة الفرقان: {لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} [(77) سورة الفرقان]. الجواب: الدعاء هو الإيمان. يقول السائل: مع أن الآيات قبلها كلها في صفات عباد الرحمن ولم يرد ذكر لغيرهم من الكفار والمنافقين.

{قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي} لا يكترث بكم بأي واد هلكتم، لولا دعاؤكم والدعاء هنا الإيمان، وفي صحيح البخاري دعاؤكم إيمانكم، ويقصد ما جاء في هذه الآية. فعباد الرحمن لولا دعاؤهم لولا إيمانهم ما اكترث الله بهم ولا عبأ الله بهم بأي واد هلكوا. فهذا فيه حث على لزوم الإيمان {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ} [(136) سورة النساء] فالحث على لزومه والاستمرار فيه. سؤال: يقول: الشاب بين فتن الشهوات والشبهات وبين الجد والإقبال على التحصيل، قد لا يجد المشجع والمرغب، فما هي الوسيلة التي تجعله يقبل على طلب العلم وينتصر على هذه الفتن، وما نصيحتك للمعلمين والمعلمات في هذا الموضوع، حيث يقبل منهم ما لا يقبل من غيرهم؟ الجواب: على المعلمين والمعلمات من المسؤولية الشيء الذي يناسب موقعهم، فقد مكنهم الله -جل وعلا- من شباب المسلمين وشابات المسلمين، مكنهم الله -جل وعلا- من هذا، وبأيديهم من وسائل الضغط والتأثير ما لا يوجد عند غيرهم، يعني تأثير مدرس على مجموعة من الشباب يدرسهم أعظم من تأثير قاضي –مثلاً-؛ لأن هذا بيده -فيما يزعمون- مصيرهم، الدراسة الآن -في عرف كثير من الناس أنها التي- تحدد المصير، تحدد لك المستقبل، هل أنت ناجح ولا فاشل، هذا المدرس إذا استشعر هذا الأمر وعرف أن الطلاب يمتثلون وينصاعون لما يقول ومع ذلك صار حكيماً في طرح المسائل والقضايا النافعة لهؤلاء الشباب سواء كانت مما يزيدهم في الطاعة أو يكفهم عن المعصية، صار لهم من التأثير أكثر من غيره، فتأثير المدرسين أعظم من تأثير الآباء والأمهات، وهذا واقع نشهده ونلمسه، ولو كان الأب عالماً ولو كانت الأم من أهل العلم، لكن من القدم، فأزهد الناس بالعالم أهله وجيرانه، وهذا المدرس بيده التعليم، بيده التصحيح، بيده الدرجات، بيده النتائج، الطلاب ينظرون إلى مثل هذا وحينئذ يؤثر، وإذا كان مؤثراً في هؤلاء الطلاب وسلك السبل الناجعة للتأثير عليهم، فليبشر بالأجر العظيم من الله -جل وعلا-؛ لأن من دل على هدى فله مثل أجر فاعله.

أما كون الشباب بين فتن الشهوات والشبهات فهذا ملموس ومشاهد، لكن على طالب العلم ألا يعرض نفسه لهذه الشبهات ولا هذه الشهوات، إذا تمكن من الرد على هذه الشبهات إذا تمكن منها إذا كانت لديه الأهلية والقدرة فليسمع، ثم يتجرد للرد على هذه الشبهات وهذا من أعظم أنواع أبواب الجهاد الدفاع عن الدين والعلم، هذا لا شك أنه من أعظم أبواب الجهاد. سؤال: يقول: ما رأيك بالحضور إلى الزواج إذا كان فيه تصوير للرجال؟ الجواب: أهل العلم المقرر عندهم إن إجابة وليمة العرس واجبة، لكن إذا كان ثم منكر لا يستطيع إنكاره فإنه حينئذ لا يجيب، والتصوير، ولو كان بالآلات –عندي- داخل في النصوص التي جاءت بتحريم التصوير، لكن إذا كان يترتب على عدم حضوره مفسدة قطيعة رحم أو كذا، أو صار في مكان أولاً أنكر عليهم مسألة التصوير وقال لهم: التصوير حرام وابتعد في مكان بحيث لا يباشر المنكر، بحيث يتيح لغيره أن يصوره فالمسألة: مسألة ارتكاب أخف الضررين أمر مقرر في الشرع، فإذا كان أقارب هؤلاء لا يعذرونه بهذا والمصلحة تقتضي حضوره وتأليفهم من أجل دعوتهم والتأثير عليهم في المستقبل بالحضور، فأقول: لعل مثل هذا المنكر إذا ابتعد عنه ولم يتعرض لتصوير نفسه من قبلهم، لعله يكون هذا من باب ارتكاب أخف الضررين. سؤال: يقول: هل يجوز وضع نغمات في الجوال أذان أو قراءة قرآن؟ الجواب: أقول: هذا امتهان للأذكار، امتهان؛ لأنه قد توجد هذه الأذكار في مكان غير مناسب، وأيضاً- كون الأذان على الطريقة أو على الصيغة الشرعية الكاملة يؤدى في غير وقته، يعني قد يؤذن الجوال ويترك حتى ينتهي من جميع جمل الأذان في غير وقته، إما في الضحى وإما في منتصف الليل، أو في السوق، في غير وقت الأذان، لا شك أن إلقاء الأذان في غير وقته بدعة، وما هو إلا لتعلم أو تعليم، ثم مثل هذا فيه امتهان وفيه أداء الأذان في غير وقته. سؤال: يقول: حياة العلم مذاكرته، فكيف تكون مدارسة العلم ومذاكرته، وكيف يراجع طالب العلم جميع العلوم، فالعلم مع الأيام ينسى والأشغال تكثر، فكيف نراجع؟ تعبنا نراجع وننسى.

الجواب: مذاكرة العلم مع الأقران، قبل وبعد، قبل الدرس وبعده، ينتقي طالب العلم خمسة من أقرانه يقاربونه في الفهم وفي الحفظ، ويتعاون معهم على هذا الأمر، وهذا لا شك أنه من أعظم أنواع التعاون على البر والتقوى، فهؤلاء الخمسة أو الستة أو العشرة –مثلاً- يجتمعون قبل الدرس، ثم يقرؤون القدر المقرر شرحه في الدرس، ويحفظونه كل واحد يراجع على الثاني، ثم بعد ذلك ينصرف كل واحد في زاوية ومعه ورقة وقلم يعلق على هذا الكلام يشرح هذا الكلام من تلقاء نفسه، ثم بعد ذلك يقرؤون كل واحد يصحح للثاني، إذا انتهوا من هذا قروؤا الشرح على هذا الكلام من قبل أهل العلم، نفترض أنه مقطع خمسة أسطر من زاد المستقنع، يحفظونه إذا كان الشيخ يطالب بالحفظ، وكل واحد يضع عليه شرح أو حاشية حسب استطاعته حسب فهمه وتصوره لهذه المسألة، ثم بعد ذلك يصحح كل واحد للثاني ويراجعون الشرح الروض المربع، أو الممتع أو غيرهما من الشروح يراجعونه، يصححون الأخطاء التي وقعوا فيها، ثم يراجعون إذا كان هناك حواشي، ثم بعد ذلك يذهبون إلى الدرس، الآن عندهم تصور شبه كامل عن الدرس، يسمعون ما يزيده الشيخ على ما تداولوه بينهم، يسمعون ما يزيده الشيخ على ما تداولونه بينهم، ثم إذا رجعوا تناقشوا، كل واحد يسأل الثاني عما حصل بالدرس وقبل الدرس، بعد هذا لا يحتاجون إلى مراجعة، أبداً لا يحتاجون إلى مراجعة، وهذه طريقة شرحها الشيخ عبد القادر بن بدران الدومي في كتاب له من أمتع الكتب "المدخل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل". سائلة راغبة في طلب علم: نأمل أن تدلونا على الطريقة –طريقة الدراسة والمذاكرة الصحيحة لكل علم من العلوم الشرعية- لطالب علم مبتدئ أنهى دراسته الجامعية بتخصص علمي بعيد عن العلوم الشرعية، ولكنه يريد طلب العلم؟ الجواب: الأمر سهل وميسور وقررنا مثل هذا في أشرطة كثيرة، ومن آخر هذه الأشرطة: (المنهجية في قراءة الكتب). هذا سؤال من المغرب: تقول أنا مغربية متحجبة الحجاب المغربي.

الجواب: كأنها المغاربة حجابهم متفاوت، منهم الملتزم بأحكام الشرع، ومنهم البعيد ومنهم القريب، ومن النساء المغاربة ممن ينتسب إلى الإسلام، من هي سافرة من هي متبرجة، من هي حاسرة عن ساقيها، من هي حاسرة عن شعرها، ومنهم المتحجبة الحجاب الذي نقول أنه الحجاب الشرعي الذي لا يخرج إلا الوجه والكفين مع أنه ليس هو الحجاب الشرعي؛ لأن المرجح وجوب تغطية الوجه والكفين. هي تقول هي متحجبة الحجاب المغربي ومؤخراً تزوجت شاباً سعودياً وطلب مني ارتداء الحجاب السعودي، ولو أنني عائشة في المغرب، سؤالي ما هو الحجاب؟ لأن بعض الشيوخ يفتونا بجواز كشف الوجه؟ المرجح أن الوجه من العورة، ولا يجوز أن تبديه المرأة لغير محارمها. يقول: أبلغ من العمر أكثر من أربعين عاماً، وقد حاولت أطلب العلم منذ أكثر من خمس سنوات، وحضرت بعض الدروس العلمية من الدورات في المساجد، وحاولت حفظ شيء من القرآن وبعض المتون، واستمعت إلى كثير من الأشرطة، وقرأت بعض الكتيبات ولا أقول إنني لم أستفد شيئاً البتة، ولكن أشعر أنني أدور في فلاة ولا أدري أين أتجه، أرجو أن ترشدوني ومن مثلي إلى أقرب طريق، علماً أنني موظف؟ الجواب: أقرب طريق إذا عجزت عن الحفظ، بعض الناس الحافظة عنده قريبة من الصفر، وبعض الناس الحافظة عنده قريبة من المائة في المائة، كما أن القريب من الصفر في الحافظة، عنده فهم قريب من المائة بالمائة، والثاني بالعكس، وبين هذين ما يقرب من هذا وما يبعد من هذا. نضرب مثال بالجلالين، أيش معنى الجلالين، صاحبي التفسير، جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي، جلال الدين المحلي إمام من أئمة الشافعية، ومع ذلك في الحافظة يقرب من الصفر، وقال: إنه حاول أن يحفظ فصل من كتاب أخذ عليه وقت طويل جداً مدة أكثر من أسبوع، وارتفعت حرارته وظهر في جسده البثور وفي النهاية عجز.

والسيوطي يقول إنه يحفظ أكثر من مئتي ألف حديث، كيف صار المحلي إمام من أئمة الشافعية؟ كيف صار؟ هناك طريقة لمن هذه صفته، إذا عجزت استعمل القلم، اكتب ما تريد حفظه، راجع عليه الشروح وعلق عليه، ومن كثرة المداولة يثبت في ذهنك، يثبت في ذهنك، مقومات التحصيل الحفظ والفهم، قد يجتمعان في شخص، وقد يفقدان من شخص الكلية يصير فدم، ما يفهم ولا يحفظ، هذا يسلك العلم يثبت له أجر السلوك والطريق ويقرأ نظر ويردد القرآن ويذكر الله -جل وعلا- ولا يحرم من الأجر. لكن بعض الناس عنده حافظة قوية، وبعضهم ضعيفة، لكن الفهم عنده قوي، نقول لمثل هذا: امسك القلم، وكثر الأوراق اقرأ الفاتحة واكتب الفاتحة، وراجع عليها التفاسير، وانتق من تفسير ابن كثير على الفاتحة، ومن تفسير الشيخ ابن سعدي، ومن تفسير الشيخ فيصل بن مبارك، ومن فلان ومن فلان تجتمع عندك تصور للتفسير إجمالي، يعني تستطيع تكون لديك أهلية بأن تفهم هذا الكلام ولو احتجت إلى تفسيره تستطيع، يعني عندك -على ما يقول الناس- خلفية، ولو لم يكن من ذلك إلا من كثرة هذه المعاناة رسخ في ذهنك ما كتبت وما قرأت؛ لأن العلم متين يحتاج إلى معاناة، يحتاج إلى حفر في القلوب. أقول مثل هذا الذي لا يستطيع أن يحفظ يعمد إلى كتاب صعب، ما أقول روح إلى منار السبيل، ولَّا منهج السالكين، ولا كتاب سهل، لا، نقول: اذهب إلى أصعب الكتب من المتون الفقهية، خذ زاد المستقنع -مثلاً- أو مختصر الخليل -إن كنت مالكي-، الذي كلامه أشبه ما يكون بالألغاز، شوف ما قال الشراح حول هذا الكلام، وتصور الكلام واكتب ما تصورت، واكتب ما راجعت، وراجع كب اللغة إن عجزت عن معنى كلمة، راجع عليه كتب لغة الفقهاء؛ لأن الفقهاء لهم لغة صنفت فيها الكتب، راجع عليه الكتب التي هي أسهل منه، بحيث إذا فهمت هذا الكلام الصعب انتقش في قلبك، والذي لا يثبت في القلب إلا بصعوبة فإنه حينئذ لا يخرج منه إلا بصعوبة.

فأنت إذا عانيت هذا الكتاب الصعب، وأتقنته وفهمته من خلال مراجعاتك عليه الكثيرة الشديدة، وحاولت جاهداً أن تفهم هذا الكتاب، أنت في النهاية استقر في ذهنك شيء قدر كبير من هذا الكتاب، فالذي حافظته ضعيفة لا يذهب إلى الكتب السهلة، التي تعينه على الغفلة، لا، يذهب إلى الكتب الصعبة، التي لا تعينه على الغفلة، كل كلمة تحتاج إلى نظرات ليس بنظر الواحد. فأقول يذهب إلى أصعب الكتب، ويراجع عليها الشروح، ويسأل الشيوخ المختصين فيما يعجز عنه إذا انتهى يكون فهم أو لا ما فهم؟ فهم، يكون ثبت في ذهنه شيء أو لا ما ثبت؟ يكون ثبت في ذهنه؛ لأن هذه المعاناة بهذه الطريقة لا بد أن يثبت الشيء في الذهن. طالبة علم من الإمارات: كيف يطلب طالبات العلم المصطلح والنحو وأصول الفقه والفرائض، حيث أن الأخذ من الأشرطة لا يكفي؟ ما توجيهكم؟ الجواب: الأخذ من الشيوخ مباشرة هو الأصل، هو الأصل فإذا لم يتيسر هذا الأصل فأخذ كلامهم من الإنترنت إذا أمنت المفسدة؛ لأن الإنترنت فيه مفاسد، إذا أمنت المفسدة وتحدد الاتجاه، بحيث تدخل هذا الموقع وتخرج منه لا تتعداه إلى غيره، -إذا أمنت المفسدة-، فهو –أيضاً- من وسائل التحصيل، وأيضاً- الأشرطة العلمية لا مفسدة فيها، فهي مأمونة المفسدة وليكون المعول عليها، ويؤتى بالمتون، -إن كانت طالبة العلم مبتدئة- تأتي بالعلم المناسب للمبتدئين فالمصطلح تأتي إلى البيقونية –مثلاً- تقرأ البيقونية وتسمعها من الأشرطة وتحفظ البيقونية أربعة وثلاثين بيت ما تكلف، ثم بعد ذلك تسمع الأشرطة المسجلة عليها، وتفرغ على هذه الأشرطة، تجعل كل بيت في صفحة، وتفرغ من هذه الأشرطة ما يعينها على فهم هذه الأبيات، وقل مثل هذا في الآجرومية، وفي الورقات وغيرها. نريد منكم أن تذكروا لنا ماذا يجب على طالب الفقه أن يحفظ من المتون مرتبة من الأسهل إلى الأصعب وكذا أصول الفقه والفرائض؟.

الجواب: قلت أن هذا الترتيب للكتب على المستويات هذا موجود في أشرطة سميت كيف يبني طالب العلم مكتبه في خمسة أشرطة يمكن الإفادة منها وتكرير الموضوعات في كل مناسبة أو في كل محاضرة أو لقاء لا شك أنه ممل للمتكلم والسامع، وأيضاً- قد يكون على حساب غيره، وما دام الأمر مسجل وموجود يمكن الاستفادة منه. ما رأيك فيمن يقول إنه يجوز الاستعانة بالجن المسلمين من العلماء المعروفين؟ الجواب: أولاً الجن مجاهيل، لا يدرى ما حقيقتهم فقد يدعي الإسلام وليس بمسلم وقد يدعي النصح وهو غاش، وقد يدعي الإعانة وهو مستدرج، والاستعانة والاستفادة منهم من خواص سليمان عليه السلام، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما أراد أن يربط -يوثق الجني- ليراه صبيان المدينة، قال: تذكرت دعوة أخي سليمان، فالاستعانة بهم من خواصهم. الأمر الثاني: أن هذا من باب سد الذرائع، لا سيما فيما يتعلق بالتوحيد، والشرك أمر لا بد منه، فقد يستدرج الإنسان، فقد يعينونه يقدمون له إعانات، وقد يصدقون في أول الأمر، ثم إذا عرف واشتهر بين الناس واكتسب الشرف من هذا الأمر، ووصل إلى نصف الطريق، تخلوا عنه، ثم هو لا يستطيع أن يتقدم، ويصعب عليه أن يتأخر، يقول: والله أنا الآن ما عندي شيء، حتى يحرج بأن يقدم لهؤلاء -لكي يستمر-، يقدم لهم ما يخدش في توحيده، وقد يكون سهلاً في أول الأمر، ثم بعد ذلك يعاقب بما هو أشد، ثم بعد ذلك يعاقب بما هو أشد إلى أن يشرك وهو لا يشعر، فمثل هذا الباب المتعين سده. تقول: تطلب إرشادها بدراسة الفقه، لأني عند الدراسة أجمع بين كتاب الزاد والروض المربع و. . . . . . . . . والملخص الفقهي، هل طريقة الطلب هذه صحيحة أم أقتصر على كتاب واحد وهل أطلب الفقه من كتب الفقه أم من كتب الحديث نرجو النصيحة والإرشاد؟

الجواب: أما طلب الفقه في البداية في أول الأمر لا بد أن يكون من كتب الفقه لا من كتب الحديث، الأصل والعمدة الكتاب والسنة، وهذا لا يختلف فيه أحد، لكن التفقه في أول الأمر بالنسبة لطالب العلم المتبديء لا بد أن يكون على يد فقيه؛ لأن فرضه كفرض العامي عند السؤال، فرضه سؤال أهل العلم، وكتب الفقه إنما صنفت بعد استقرار الجمع للسنة النبوية، وألفها علماء جمعوا ما يتعلق بالمسألة الواحدة في مكان واحد، فلا يمكن أن يذكر الفقيه مسألة منسوخة في باب ثم يذكر الناسخ لها في باب آخر، إنما يقرر ما استقر عليه الحكم، يقرر المنسوخ، يقرر ما استقر عليه الأمر، لكن يمكن أن يمر عليك في كتب الحديث منسوخ، حديث منسوخ، في أوائل البخاري تستمر تعمل به حتى يرد الناسخ في آخر الصحيح أو في كتاب آخر من كتب السنة، فالمبتدئ الذي ليس عنده تصور تام لكتب السنة، مثل هذا يتفقه على كتب الفقهاء وقلنا مراراً أن طالب العلم في أول الأمر يتصور مسائل هذا الكتاب، ثم يستدل لهذا المسائل، ثم ينظر من خالف وأدلة المخالف، يوازن بين الأدلة ويخرج بالقول الصحيح الراجح، وليس معناها أن هذه المتون التي ألفها الفقهاء، دساتير لا يخرج عنها، لا، هي قول بشر، ولذلك نخضع هذا الكلام للأدلة، فما وافق الدليل علمنا به، وما خالف الدليل ضربنا به عرض الحائط، فلا بد أن نتفقه من الكتاب والسنة لكن بعد أن نتأهل لذلك. يقول: هو شاب يحب الخير ومقبل على الاستقامة، وفي صحبة وسط ليس عندهم منكرات كثيرة، لكن فيهم من يشرب الدخان، ومن يحلق لحيته وربما يشاهد بعض الأمور، ولم أقدر على التخلي منهم، فما توجيهك لي، وأحب الطلب ولكن لم ألتحق بشيء من الدروس العلمية؟

الجواب: على كل حال كثير من الشباب مبتلى بهذا الوسط، قد يكون أبوه، حالق للحيته مسبل إزاره، وقد يكون ممن يشرب، وقد يكون يتعاطى أمور أعظم من ذلك، وقد يكون أخوه الأكبر وقد يكون عمه وخاله، لا شك أنه يوجد هذا في كثير من الأوساط، يعني لا يمكن أو يندر أن يوجد أسرة متكاملة كلهم على منهج واحد وطريقة واحدة، فمثل هذا يتعامل مع هؤلاء بما أوجب الله عليهم، الكبير له قدره والصغير له رحمته، والكبير له –أيضاً- احترامه والمتوسط له مؤاخاته، وكل يعامل على حسب ما أوجب الله له من معاملة، ومع ذلك لا يُكثر من الجلوس معهم، إنما يكثر من الجلوس مع الأخيار، واصبر نفسك -مع من-؟ نعم. اصبر نفسك مع الذين تعلقت قلوبهم بالله، وصارت ألسنتهم رطبة بذكر الله، اصبر نفسك مع الذين يدعونك إلى الخير، يذكرونك به إذا نسيت، يأمرونك به، يحثونك عليه، يزينونه في قلبك، واثبت على صحبة هؤلاء، ومع ذلك لا تنس أولئك مما أوجب الله عليهم من مجالستهم، من صلتهم، من دعوتهم إلى الخير، بالرفق واللين، أرهم من نفسك القدوة الحسنة الصالحة واصبر على ذلك، وسوف تعان على هدايتهم. كم باقي على الإقامة؟ هاه، كم. تقيمون خلاص، الختم. كيف. . . . . . . . . الأسئلة كثيرة ما قادرين نكمل. . . . . . . . . يقول: هل تكفي القراءة في العلوم الشرعية المفتوحة دون حضور الدروس العلمية؟ الجواب: بالنسبة لخريج الكليات الشرعية، كثير من خريجي الكليات الشرعية، عرفوا الطريق، وعرفوا كيف يتعاملون مع الكتب، وصارت لديهم خبرة ودربة في مراجعة الكتب، وتحرير بعض المسائل، فبعضهم يمكن أن يتابع الطريق والمشوار بدون معلم، والبعض الآخر لا بد له من معلم، وهذا يختلف باختلاف قرب بعضهم من حلق العلم وبعدهم. فالذي له علاقة بالحلق وبأهل العلم -الذين يعلمون الناس على الجادة المعروفة عند أهل العلم-، هذا قد يكون لديه أهلية للقراءة المفردة، ومن بعد عنهم وليست لديه الأهلية للنظر بنفسه في الكتب فهذا عليه أن يستفيد من أهل العلم. ويقول: هو شاب يعاني من النظر إلى النساء اللاتي يحاولن إغراء الشباب بلباسهن فما توجيهك للشباب بالنسبة للنظر؟

الجواب: هذا تقدم، فنقول لمثل هذا الشباب الذي لا يستطيع الإنكار، ولا يستطيع غض البصر، يتعين عليه ألا يعرض نفسه للفتنة، فلا يغشى مثل هذه الأماكن. يقول: سمعت أن سماع الغناء كبيرة من كبائر الذنوب، فهل هذا صحيح؟ وما قولك لمن يبيحون سماع الغناء في هذا الوقت؟ الجواب: فأما من أدمن السماع فلا شك أنه مرتكب للكبيرة. وما قولك لمن يبيحون سماع الغناء في هذا الوقت، ويقولون: لا يوجد دليل صحيح صريح على التحريم؟ الجواب: لو لم يكن في هذا إلا حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري في البخاري: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)) فما قال: يستحلون إلا لأنه حرام، فدل على أن المعازف حرام، الغناء كلام إن كان مباح اللفظ -الأصل أن الكلام مباح-، فإذا اعتراه ما يجعله حراماً؛ لكونه لفظ محرم، كذب، وخناء، وفحش، ودعوة إلى الفجور، إلى الخمور، إلى النساء وما أشبه ذلك، هجاء للأخيار، أو نصر لباطل، أو خذلان لحق، مثل هذا يحرم لذاته ولو كان نثر، ما يلزم أن يكون شعر أو يؤدى بألحان، فهو محرم لذاته، إن كان اللفظ مباحاً وأؤدي من غير آلة؛ -لأننا عرفنا أن المعازف حرام-، وأدنى من المعازف بالشيء الكثير، جرس الدواب، هل فيه من الإطراب ما في المعازف؟ لا، يعني شيء إطراب يسير جداً، جرس الدواب اللي يعلق على الدواب، ومع ذلك جاء النص في صحيح مسلم على منعه، فما بالكم بما هو فوقه، هذا لا شك أنه يدل على التحريم، فإذا وجدت الآلة المطربة حرم من أجل الآلة ولو كان من أطيب الكلام. لو واحد لحن ألفية العراقي، أو ألفية ابن مالك، أو قل: سلم الوصول، أو أي متن من المنظومات النافعة، ولو كانت في الوعظ، لو نونية ابن القيم تلحن ومع آلة تكون حرام، للآلة، فإذا كانت الآلة موجودة حرم، إذا كان اللفظ محرم حرم لذاته، إذا أؤدي بلحون أهل الفسق والمجون حرم للمشابهة، فيبقى عندنا إذا كان مباح اللفظ، وأؤدي بلحون العرب -كما قال ابن رجب- ولم تصبحه آلة هذا مباح ما فيه اشكال، والإنشاد حصل بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا وجدت الآلة وكان الكلام محرماً لذاته، أو أؤدي على لحون أهل الفسق والمجون فإنه يمنع لما اعتراه.

يتشبث بعض من يتكلم في الغناء أن فلان من السلف اتخذ جارية مغنية، اتخذ جارية مغنية ولو كان هذا الغناء محرم يعني من السلف من صغار الصحابة، أو من التابعين أو كذا وجد في ترجمته أنه اشترى جارية مغنية، أيش معنى مغنية، أولاً: جارية من المحارم، له أن يراها عريانة، ملك يمين هذه، فإذا أدت كلاماً جميلاً بلحنها أو بين يديه وليس معها آلة والكلام مباح ما الذي يمنع من هذا؟ يعني لو أنه ترك زوجته تقول من الشعر بين يديه ولو كانت عارية لكن يطبق مثل هذا الكلام جارية ملك يمين على أن ينظر في القنوات للنساء المومسات التي أصيب جريج بدعوة أمه بسببهن، مومسات لا يمت إليهن بصلة، وشيء من التعري وكلام تغنج ودعوة إلى فحش وفجور، يقول: أن السلف اتخذوا جواري. يعني جارية ملك يمين لها أن تغني بين يديه عارية لكن تجتنب المحظورات، لا يكون بلحون الأعاجم وأهل الفسق ولا تصحبه آلة يكون اللفظ مباح، وايش اللي يمنع، هي جارية اشتراها بملك يمين، فلو أن شخصاً أعطى زوجته مقطوعة شعرية ما فيها أدنى إشكال، لفظها مباح وقال: البسي من اللباس المناسب الذي ما فيه تشبه بالكفار، وغني بين يديَّ هذه القصيدة وايش اللي يمنع؟ ما فيه ما يمنع، فبعض الناس يتشبث بأدنى شيء ويفتح لنفسه آفاق ومجالات ويضل الناس بهذا ويجعلهم ينظرون إلى القنوات، إلى النساء العواري، إلى المومسات، ويقول هذا مباح، من يقول بهذا؟ نسأل الله السلامة والعافية. هذا يسأل عن أسباب الفتور في طلب العلم؟ الجواب: لا شك أن أسباب الفتور، أولاً: أن هذا الشخص لم يصل إلى مرحلة التلذذ بالعلم، والأمر الثاني: الغفلة عما جاء في فضل العلم والعلماء. يقول: تردني أسئلة عن بعض المسائل الشرعية وأنا خريج شريعة، فهل أجيب السائل أم أحيله على العلماء وأقول أني لست شيخاً أفتني؛ لأن بعض الناس يحذر من الإفتاء، ويقول: ما أنت تفتي الناس، وأنا لا أفتي إلا بما أعلم؟

الجواب: على كل حال إذا كان لديك علم من مسألة سئلت عنها وهذه المسألة عندك علم بها بدليلها من الكتاب والسنة فلا تترد في الجواب، إن لم يكن لك بها علم وتعرف قول فلان من أهل العلم، المجرد بدون دليله، فأنت عليك أن تقول أن فلان من أهل العلم يقول: كذا، وتبرأ من عهدتها، أما أن تتبناها وأنت لا تعرف دليلها فلا، فإن كنت تعرف دليل المسألة فأفتي بها بمقتضى الدليل وأنت عالم بها، أما إذا كنت تعرف القول ولا تعرف دليله فأنت مقلد ولست من أهل العلم، إن أفتيته بأن فلاناً من أهل العلم يرى هذا القول فلا مانع من ذلك -إن شاء الله-، وإن أحلته إلى أهل العلم إذا كان في الوقت متسع فهو الأصل. هذا يقول: سؤال لكن جوابه لا يكفيه مثل هذا الوقت، يقول: مسألة كثر الكلام فيها وأرجو تبيينها العمل هل هو شرط كمال أو شرط صحة، أم نقول أنه ليس بشرط؟ وما الأثر الذي يترتب على ذلك، ولا سيما إن كنا نقول الإيمان قول وعمل واعتقاد؟ وبما يجاب عن قول الحافظ في الفتح: والسلف قالوا: أن العمل شرط في كمال الإيمان؟ الجواب: أقول كلمة شرط كمال تناقض، إيش يعني شرط، يعني أن الأمر لا يصح إلا به، وأيش معنى كمال، أنه قدر زائد على الواجب؛ لأن الأمور إما أن تكون ضرورية أو حاجية أو كمالية تحسينية. فالضرورية ما لا يكون الأمر إلا به، فلا تقوم الحياة إلا به، الحاجية تثبت معها الحياة لكن مع مشقة، والكمالية هذه معها الحياة بدون مشقة، فالشروط والأركان ضرورية، الواجبات حاجية، السنن كمالية. فهل العمل سنة في الإيمان، أو واجب أو شرط، فإن قلنا شرط وقلنا كمال صار تناقض بلا شك، الحافظ لما قال هذا الكلام يريد أن يخرج من قول المعتزلة، قول المعتزلة يقولون: شرط صحة، ويريدون بذلك أن من عمل عملاً، أو من ادعى الإيمان وأخل بأي عمل مما أوجب الله عليه -لا سيما من الكبائر- فإنه يسلب منه الإيمان بالكلية فليس بمؤمن.

أهل السنة ما يقولون بهذا، مرتكب بإيمانه، لكنه فاسق بكبيرته، ولا يسلب منه الإيمان بالكلية، نعم جاء مثل قوله: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الشارب حين يشرب وهو مؤمن ... )) إلى غير ذلك، المقصود أن أهل السنة يجعلون جنس العمل شرط في صحة الإيمان، كما قرر ذلك أهل العلم، الجنس، جنس العمل، لا أنه مفردات هذا العمل، مفردات هذا العمل ليس بشرط لصحة الإيمان كما يقول المعتزلة، والشيخ –الشيخ ابن باز رحمة الله عليه- ما علق على هذه المسألة، ما علق عليها بالذات، ومع ذلك سئل عمن يقول العمل شرط كمال، قال: هذا قول المرجئة، والذي قرره شيخ الإسلام أن جنس العمل شرط، وماذا يعني أننا نقول أن الإيمان قول، واعتقاد، وعمل؟ إلا أنه مركب من الأمور الثلاثة، فالاعتقاد في القلب، يعني قد يعتقد الإنسان لكن ما الذي يدرينا أنه مؤمن؟ القول: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله)) ما الذي يصدق هذا القول؟ الذي يصدقه العمل، فالإيمان مركب من الأمور الثلاثة. والشيخ عبد الرحمن البراك، له تعليقة نفيسة على الطبعة الجديدة في فتح الباري -طبعة دار طيبة-، فليراجع كلام الشيخ. يقول: من المعلوم أن الشباب أكثر حماساً وعاطفة من غيرهم، فما نصيحتك لهم في هذه الأحداث التي تقاسيها الأمة اليوم في الداخل والخارج؟ الجواب: على كل حال الشباب عليهم أن يلتفوا حول العلماء، ولا بد من ذلك؛ لأنه لو تفرد الشباب ببعض التصرفات وينقصهم الخبرة والحنكة؛ لأنهم ما زالوا شباب –يعني- يحتاجون إلى شيء من الخبرة، والأمور إنما تدرك بالتجارب، والعلماء الكبار أكثر تجربة منهم، وقد يتركون شيئاً أو يرتكبون شيئاً هو في نظر هذا الشاب مخالف لنصوص صحيحة. نقول مفردات المشايخ، يعني شخص يفتي بشيء يخالف النص اتركه، لكن إذا اتفقوا على شيء وأفتوا به وعندك نص يخالفه ناقشهم، فقد يكون تركهم لهذا الأمر أو ارتكابهم له لنص يعارضه لم تطلع عليه أنت، قد يكون قولهم أو فعلهم هذا للعجز عن فعل ما تطلبه هذا النص.

وعلى كل حال على طالب العلم أن يلتف حول العلماء ولا يتصرف بنفسه وعليه –أيضاً- أن يكون ديدنه الكتاب والسنة؛ فالمخرج الذي لا يوجد غيره من هذه الفتن ومن هذه المحن، للشباب وغير الشباب إنما يكون بالاعتصام بالكتاب والسنة. يقول: في هذا الزمان كثرت الفتن، ومن تلك الفتن انتشار وسائل الإعلام التي قربت البعيد من خير وشر، فأصبح الشاب يتلفت إلى هذه القواطع التي تقطع عليه سبيل أهل السنة، يقول: ظهرت من جراء هذه الوسائل آثار عكسية على شبابنا من تلك الآثار بعض الإنكار المخالف لمنهج أهل السنة والجماعة ... ؟ الجواب: على كل حال الصراع موجود وقديم بين الحق والباطل، وكثر وسهل الإطلاع على الباطل، بل إن الشهوات والشبهات تعرض على بيوت عوام المسلمين -يعني تعرض على العوام في البيوت- في قاع دورهم غزتهم، ومع ذلك أنا أقول الثبات في مثل هذه الأيام أمره أعظم مما يتخيله الإنسان، مع وجود هذه المغريات إذا ثبت الشاب أو ثبت المسلم كان له أجر خمسين من الصحابة، كما جاء في الحديث المخرج في المسند والسنن بسند حسن كما قال ابن القيم وغيره، أن له أجر خمسين والقابض في دينه في مثل هذه الأيام كالقابض على الجمر، فعلنيا أن نصبر وتحتسب وتلتف حول شيوخنا، -أعني العلماء المعروفين بالعلم والعمل والإخلاص والاستقامة-، ومع ذلك يكون ديدننا الكتاب والسنة، فنعتصم بهما ونكثر ونديم النظر فيهما، ونصدق اللجأ إلى الله -جل وعلا-، أن يعيننا على الثبات، وأن يثبتا على دينه. والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،،

الأسرة والعلم

الأسرة والعلم الشيخ/ عبد الكريم الخضير الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فسوف يكون محور هذا اللقاء في قول الله -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [(6) سورة التحريم] لأن الإنسان لا يستطيع أن يقي نفسه، وأن يجعل بينه وبين عذاب الله وقاية إلا بمعرفة ما يتقي مما يُؤتى ومما يُترك، ولا يستطيع أن يقي أهله هذه النار التي وقودها الناس والحجارة إلا بتعليمهم ما ينفعهم، فمنطلقنا من هذه الآية، ومعولنا عليها أولاً وآخراً، ومن خلال كلام أهل العلم من كبار المفسرين الموثوقين يتبين ما أردت. هذه الآية يقول الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تفسيرها يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله علموا بعضكم بعضاً ما تقون به من تعلمونه النار، وتدفعونها عنه إذا عمل به من طاعة الله، واعملوا بطاعة الله، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [(6) سورة التحريم] كيف تقي نفسك هذه النار إلا بتعلم ما يتقى، الجاهل لا يستطيع أن يجعل بينه وبين النار وقاية، إلا بقدر ما يتعلمه مما يتقى به هذا العذاب. يقول ابن جرير: {قُوا أَنفُسَكُمْ} علموا بعضكم بعضاً ما تقون به من تعلمونه النار، وتدفعونها عنه إذا عمل به من طاعة الله، واعملوا بطاعة الله، وقوله: {وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} يقول: وعلموا أهليكم من العمل بطاعة الله ما يقون به أنفسهم من النار، بهذا يظهر الارتباط الوثيق بين هذه الآية وبين ما نتحدث عنه من الأسرة الذين هم الأهل والأولاد والأقارب من ترابط.

ثم ذكر ابن جرير بأسانيد جيدة عن علي -رضي الله عنه- في قوله: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [(6) سورة التحريم] قال: علموهم، أدبوهم، وعن ابن عباس يقول: اعملوا بطاعة الله، واتقوا معاصي الله، ومروا أهليكم بالذكر ينجيكم الله من النار، وعن مجاهد قال: اتقوا الله، وأوصوا أهليكم بتقوى الله، وعن قتادة قال: يقيهم أي يأمرهم بطاعة الله، وينهاهم عن معصيته، وأن يقوم عليهم بأمر الله، يأمرهم به، ويساعدهم عليه، فإذا رأيت لله معصية ردعتهم عنها، وزجرتهم عنها، يعني هذه الوقاية من عذاب الله سواء كانت للنفس أو للأهلين الذين هم بالأسلوب المعاصر الأسرة، هذه الوقاية إنما تكون بالتعليم، بتعليم ما ينفع ليعمل به، بتعليم ما يضر ليجتنب، تعليم المأمورات والمحظورات، المأمورات لتفعل، والمحظورات لتترك، والتقوى عبارة عن فعل المأمورات وترك المحظورات، وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره عن الضحاك ومقاتل: حق على المسلم أن يعلم أهله من قرابته وإمائه وعبيده ما فرض الله عليهم، وما نهاهم الله عنه، قال: وفي معنى هذه الآية الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأبو داوود والترمذي من حديث عبد الملك بن الربيع بن سمرة عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مروا الصبي إذا بلغ سبع سنين، فإذا بلغ عشر سنين فاضربوهم عليها)) يعني الصلاة، مروا الصبي يعني بالصلاة إذا بلغ يعني أتم سبع سنين، فإذا أتم عشر سنين فاضربوه عليها، هذا لفظ أبي داوود، وقال الترمذي هذا حديث حسن، وفي مجموعه يصل إلى درجة الصحيح.

وفي تفسير القرطبي لما ذكر الآية وذكر نحو ما تقدم في كلام ابن جرير وابن كثير: فعلى الرجل أن يصلح نفسه بالطاعة، ويصلح أهله إصلاح الراعي للرعية، ففي صحيح الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع وهو مسئول عنهم، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم)) وعن هذا عبر الحسن -رحمه الله- في هذه الآية بقوله: يأمرهم وينهاهم وقال بعض العلماء في قوله: {قُوا أَنفُسَكُمْ} [(6) سورة التحريم] يدخل فيه الأولاد، يدخلون في النفس ولا يدخلون في الأهلين لماذا؟ هذا استنباط من بعض العلماء يقول: الأولاد داخلون في النفس لا في الأهلين؛ لأن الولد بعض من والده، كما دخل في قوله تعالى: {وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ} [(61) سورة النور] فلم يفردوا بالذكر، يعني الأولاد ما أفردوا بالذكر إفراد سائر القرابات، فعلى هذا يعلمه الحلال والحرام، ويجنبه المعاصي والآثام إلى غير ذلك من الأحكام، كون الولد داخل في النفس على هذا الكلام، أو داخل في الأهل المسألة لا تفرق لا فرق؛ لأن العطف هنا: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ} [(6) سورة التحريم] على نية تكرار العامل، بمعنى قوا أنفسكم، وقوا أهليكم، وسواء دخل الولد في النفس فحينئذ يكون تعليمه وتأديبه آكد أو دخل في الأهلين فتعليمه مطلوب على كل حال، وجاء في بعض الأحاديث وإن كانت لا تسلم من مقال ((حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه، ويعلمه الكتابة، ويزوجه إذا بلغ)) وروى الترمذي بإسناد فيه انقطاع عنه -عليه الصلاة والسلام- قال: ((ما نحل والد ولداً أفضل من أدب حسن)) وهذا الحديث مضعف عند أهل العلم إلى أن قال: القرطبي، وقد روى مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أوتر يقول: ((قومي فأوتري يا عائشة)) وهذا لا شك أنه من وقاية الأهلين من النار، وجاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((رحم الله امرأ قام من الليل فصلى ثم أيقض أهله فإن لم تقم رش على وجهها الماء)) يعني نضح في وجهها الماء، وهذا لا شك أنه من الوقاية، والعون على الطاعة، والطاعة مما يقي العذاب ((ورحم الله امرأة قامت من الليل تصلي

فأيقضت زوجها فإذا لم يقم رشت على وجهه من الماء)) بعض الناس يتساهل في مثل هذا فإذا وفق للقيام ما وفق لإيقاض أهله، بل تجده يعطف على أهله، ويعطف على ولده من باب العطف الجبلي لا الشرعي، فلا يوقظهم لقيام الليل، وقد يتراخى عن إيقاضهم للصلاة الواجبة، فلا تجد الواحد منهم يحرص على إيقاض ولده أو بنته إلى الصلاة من أجل الصلاة، كما يحرص على إيقاظ الولد للدراسة مثلاً فتجده في الشتاء يقول: أخشى أن يصيبه البرد، فلعله إذا دفئ الجو قليلاً أيقظته للصلاة وللمدرسة معاً، ومثل هذا لا يوفق في تربية أولاده، وهذا لا شك أنه نابع من عطف جبلي جبل عليه الأب؛ لكنه مع ذلك مخالف لشرع الله والتوجيه النبوي يدل على أن الماء ينضح في وجهه إذا لم يقم لصلاة الليل فضلاً عن صلاة الصبح، وبعضهم يخشى على ولده إذا نضح على وجهه الماء أن يجن مثلاً، وبعضهم يخشى عليه إذا أيقظه في الظلام وخرج إلى صلاة الصبح أن يصيبه ما يصيب، وكل هذا لا ِشك أنه من تثيبيط الشيطان، وأهل العلم يبحثون مسألة ما إذا أوقظ الولد الصبي دون التكليف أيقظه أبوه أو أمه ثم خرج إلى صلاة الصبح فجن، فهل على والده أو والدته إثم أو لا؟ هم فعلوا ما أمروا به، وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع، نعم إذا كان يغلب على الظن أن عقليته قابلة لمثل هذا الأمر، ولا يستطيع الخروج بنفسه، مثل هذا يبحث له عن من يخرج معه، ولو تأخر الأب عن الحضور إلى الصلاة في أول الوقت مع الأذان إلى قرب الإقامة من أجل أن يصحب ولده معه كان أفضل، كثير من الناس يسأل يقول: أنا مأمور بحي على الصلاة حي على الفلاح انطلق إلى المسجد منذ سماع المؤذن، وجاءت النصوص تدل على فضل المبادرة والمسارعة والمسابقة؛ لكن عندي أولاد يحتاجون إلى وقت للإيقاظ فإن أيقظتهم قبل الأذان شق عليهم كثيراً، ولا يطاوعون أن ينتبهوا قبل الأذان، وإن انتظرت في إيقاظهم إلى ما بعد الأذان ترتب على ذلك أنني أتأخر إلى قرب الإقامة، نقول: ومع ذلك تأخر، تصلي النافلة في البيت وتتعاهدهم بالإيقاظ، وتصحبهم معك، وهذا أفضل لك، وفي هذه الحالة تكون قد وقيت نفسك وأهلك من النار.

في الحديث الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قام من الليل، وصلى ما شاء الله أن يصلي، وقال: ((أيقظوا صواحب الحجر، فرب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)) ولا شك أن هذا من وقاية الأهلين من النار، والتعليم كما يكون بالقول يكون بالفعل، وهذا منه، هذا تعليم وما حفظت صلاته -عليه الصلاة والسلام- وما بلغت هذه الأمة من أولها إلى آخرها إلا بسبر أفعاله -عليه الصلاة والسلام- امتثالاً لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) وعائشة -رضي الله عنها- حفظت من صلاته ما حفظت، وابن عباس حفظ من صلاته ما حفظ، ورووها وعملوا بها، وعملت بها الأمة من بعدهم، وكل هذا من الوقاية للنفس والأهل من النار، يقول القرطبي: ويدخل هذا في عموم قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى} [(2) سورة المائدة] يقول: وذكر القشيري أن عمر -رضي الله تعالى عنه- قال لما نزلت هذه الآية قال: يا رسول الله نقي أنفسنا فكيف لنا بأهلينا؟ يعني يستطيع الإنسان بتوفيق الله -جل وعلا- أن يقي نفسه فيعمل بالواجبات، ويترك المحرمات، لكن ماذا عن الأهلين؟ الإنسان إذا ملك نفسه لا يستطيع أن يملك غيره فقال: تنهوهم عما نهاكم الله عنه، وتأمرونهم بما أمركم الله به، تقونهم بالأمر والنهي، وقال مقاتل: ذلك حق عليه في نفسه وولده وأهله وعبيده وإمائه، ذلك حق يعني الوقاية من النار حق عليه في نفسه وولده وأهله وعبيده وإمائه، يعني جميع من تحت يديه جميع من استرعاه الله عليهم عليه أن يقيهم من عذاب الله -جل وعلا-، الذي جاء في وصفه ما جاء وقودها الناس والحجارة، يعني النار فضلت على نار الدنيا بتسعة وستين جزءاً، يعني نار الدنيا جزء من سبعين جزء ووقودها الناس، وضمن لها ملؤها، وقال الصحابة: وإن كانت لكافية يا رسول الله؟! قال: ((لكنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً)) فالأمر مهول، والخطر جسيم، فعلى المسلم أن يعد العدة ليقي نفسه، ويقي من تحت يده من النار.

قال إلكيا الطبري الهراسي، وله كتاب في أحكام القرآن مطبوع ومعروف، فعلينا تعليم أولادنا، وأهلينا الدين والخير، وما لا يستغنى عنه من الأدب، وهو قوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [(132) سورة طه] ونحو قوله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [(214) سورة الشعراء] لا شك أن أولى الناس بالبر النفس، ثم الأقرب فالأقرب، قد يقول قائل: إننا نشاهد كثير من أهل العلم لهم عناية شديدة بالتعليم، تعليم الناس العلم، ونذروا أنفسهم لهذا الأمر، وهذا ديدنهم وشأنهم؛ لكن هل يقدمون لأهليهم وأولادهم مثل ما يقدمونه للناس؟ قد يقول قائل هذا الكلام؛ لأننا نشاهد من الكبار من هو مشغول بوظيفته ثلث الوقت مثلاً، وعنده دروس لعموم الناس، وعنده لقاءات تأخذ عليه جل وقته، وعنده أيضاً اجتماعات ولجان فماذا أعد لأهله وولده؟ وقد أمر بأن يقيهم من النار، هل قدم لأهله وولده شيء أو لم يقدم؟ يعني فيما يبدو للناس ويظهر لهم أنه مشغول عن ولده وأهله؛ لكن هل معنى هذا أن أهله لم يستفيدوا منه، وهل معنى هذا أنه لم يبذل جهده، ويستفرغ وسعه في نفع أهله وولده حتى وصل إلى حد إما أن يستفيدوا منه أو ييأس منهم؟ وقد يحصل هذا أو هذا؛ لكن مع هذا على الإنسان أن لا ييأس هل من لازم التقديم للأهل والولد أن يستجيب الأهل والولد؟ هل إذا رأينا العالم ظهرت عليه علامات الصدق والإخلاص في تعليمه للناس هل من لازم ذلك أن يظهر الأثر على أهله وولده أو يتهم أنه ما بذل لهم شيء؟ هل من لازم ذلك؟ لا ليس بلازم ذلك، بل من الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- من لم يستطع أن يهدي زوجته وولده، أعني هداية التوفيق والقبول، والله -جل وعلا- يقول في حق نبيه أشرف الخلق: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} [(56) سورة القصص] بعض الناس يستدل على إهمال بعض العلماء لأهليهم وأولادهم أن أهليهم وأولادهم ما استفادوا منه، بدليل أن واقعهم يخالف ذلك؛ لكن هذا الكلام ليس بصحيح {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ

عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ} [(10) سورة التحريم] ونوح ابنه وأمره تعرفونه ما خصه الله في القرآن، يعني يبلغ الضلال ببعض الناس، يعني قد يتساءل بعض الأخيار عن هذا ويقول: فلان عنده عشرة من الولد كلهم طلاب علم، هذا نجح، وهذا بذل، وهذا نصح، وفلان من الناس ما عنده إلا ثلاثة أو أربعة ما أفلح في تربيتهم، هل معنى هذا أنه قصر في تربيتهم؟ كلا والدليل على ذلك حال هؤلاء الأنبياء لكن عليه أن يبذل السبب، فإذا بذل السبب حصل له ما وعد به من الفضل العظيم، والثواب الجزيل على التربية، وحسن التنشئة والنتائج بيد الله -جل وعلا-.

ألا تعلمون أن من العقلانيين في هذا العصر من يزعم أن نوح -عليه السلام- بالحرف يقول: فشل نوح في دعوته؛ لأنه ما استفاد منه أقرب الناس زوجته وولده، هذا من العقلانيين، رافعين راية العقلانية والعصرانية شخص يقال له: جودة سعيد، يقول: فشل نوح بدعوته، ويقول: فشل محمد في دعوته في مكة والطائف، ونجح في المدينة، هذا ضلال زيغ وإلحاد نسأل الله السلامة والعافية، قد يتراءى لبعض الناس من آحاد المتعلمين أن فلان -الشيخ الفلاني- أولاده كلهم ما شاء الله خيار، وطلاب علم، فبذل ونصح واجتهد هذا ابتلاء من الله -جل وعلا-، سواء أجابوا أو لم يجيبوا، والقدوة في ذلك الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- نعم أقول: أقرب الناس إلى الأنبياء الزوجة والولد فلا يظن بأهل العلم مع أنهم قدموا للأمة ما قدموا أنهم ما نصحوا وما قدموا وما وقوا أهلهم وأنفسهم من النار، ليس صحيح هذا الكلام، قد يقول قائل: لماذا لم يكون الحسن والحسين أكثر الناس رواية؟ أكثر الناس رواية أبو هريرة دوسي بعيد عن قريش، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إنما أنا قاسم والله المعطي)) -عليه الصلاة والسلام- يقسم بين الناس بالسوية يحدث لا يخص أحد بحديثه، فالله -جل وعلا- هو المعطي؛ لأن هذا الموضوع فيه شيء من الغبش؛ لأن كبار أهل العلم يُتهمون أنهم انشغلوا بتعليم العلم وبالوظائف عن أهلهم وذويهم، هذا الكلام ليس بصحيح، يعني حدثني واحد من العلماء من الكبار، وله منصب كبير جداً في الدولة الآن، يقول: كان أبونا يأمرنا ونحن أطفال، ويأطرنا على حضور درس بعد صلاة الصبح، والنوم بعد صلاة الصبح له لذة ومتعة، فكنا نفرح إذا سافر الوالد لننام بعد الصلاة، فهل يقال: في مثل هذا أنه ما قدم لأولاده شيء، أنا أعرف من شيوخنا من له دروس في بيته، منهم من يقرأ في التفسير، ويبين لهم كلام الله -جل وعلا-، ويقرأون في تفسير الجلالين ويوضح لهم، ويبين لهم الأخطاء، لو أردتم أن نسمي سمينا؛ لكن ما له داعي؛ لأن هذه أمثلة، ويقرأ درس في رياض الصالحين، ويسمعه الكبار والصغار، ويوضح لهم ويعطي كل إنسان ما يناسبه، رغم أنه مشغول شغله يعني عمله بالنسبة للأمة أكثر من سبعين في المائة من وقته، فلا يتهم

هؤلاء أنهم ضيعوا أولادهم وانشغلوا في أمور الناس، نعم أحرص ما يكون الإنسان على نفسه وولده، منهم من حاول مع ولده، حاول مع الأولاد أن يكونوا طلاب علم، ومع ذلك ما أفلح، حاول حاول ثم أيس، ولا شك أن الإنسان بشر، يعني يصرف جهده فيما يجدي ويلمس ثمرته أفضل مما يكون أقرب إلى العدم، وعلى الإنسان أن يبذل ولا ييأس وعليه أن يتابع فيعلم الأولاد، ويعلم النساء، في تفسير الآلوسي يقول: استدل بها -يعني الآية- على أنه يجب على الرجل تعلم ما يجب من الفرائض، وتعليمه لهؤلاء، يعني الزوجة والولد والعبد والأمة، وكل هذا لأن الله -جل وعلا- أوجب على هؤلاء الفرائض، وحرم عليهم المحرمات، ولا يتم الإتيان بهذه الواجبات إلا بتعلم ما يصححها، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب عند أهل العلم، متفقون على هذا، قال بعضهم: الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة، يعني خالية ما نقش فيها شيء، خالية عن كل نقش وصورة وهو قابل لكل ما نقش ومائل إلى كل ما يمال به إليه، خام ما زال يقبل أي شيء يوجه إليه، فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه، وكل معلم له مؤدب، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه والولي له، وقد قال الله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [(6) سورة التحريم] ومهما كان الأب يصونه عن نار الدنيا فلأن يصونه عن نار الآخرة من باب أولى، وصيانته في الأدب يؤدبه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق، ويحفظه من قرناء السوء، ولا يعوده التنعم، يعني إذا عرفنا هذا، وعرفنا الواجب والتكليف الملقى على عاتق الأب والأم أيضاً تجاه الأولاد من بنين وبنات، ولا شك أنها مسئولية وأمانة في عنق الوالدين، فعليهم أن ينشئوا ويربوا أولادهم تربية صالحة على الخير والدين والفضل، وحسن الخلق والعلم فالأبوان مسئولان عن الولد وجاء الوعيد الشديد فيمن ولاه الله -جل وعلا- رعية وغشهم جاء بحرمانه من الجنة نسأل الله العافية والسلامة.

ولا شك أن عدم تعليم الولد وتركه فريسة للأشرار هذا غش، وعدم قيام بالأمانة التي حمل إياها، ولا شك أن الأب لديه من القدرة على تحمل المسئولية وأطر الولد على الحق ما لا يوجد عند الأم، وعند الأم أيضاً من الوسائل ما تستطيع بها أن تؤثر على الولد لطول بقائه معها في أول سني عمره، فالأب قد يكون مشغولاً في تحصيل المعيشة، والأم متفرغة في البيت هذا الأصل؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [(33) سورة الأحزاب] وأعظم وظيفة للمرأة تربية الولد تربية النشء على مراد الله -جل وعلا-، فلها من التأثير في بعض الجوانب أكثر من تأثير الأب، والأب أيضاً له تأثير من جهات أو من جوانب أخرى أكثر من تأثير الأم وهما بالجملة متكاملان، هما متكاملان إذا قاما بالأمانة وأدياها على الوجه المطلوب، وعلى كل حال إذا بذل الوالد الجهد، وكذلك الأم واستفرغا الوسع في تربية الولد وتنشئته، ثم بعد ذلك حصلت النتائج على غير ما يتوقعان فقد أديا ما عليهما، ولا يلامان على ذلك على ما تقدم، التربية بالنسبة للشباب قد يحسنها ويتقنها بعض الناس ولا يتقنها آخرون، فقد يكون الأب من كبار أهل العلم، وله أثر في الأمة له أثر بالغ في الأمة فالأمة تنتظر ما يقول، وتنتظر ما يفتي به؛ لكنه في بيته لا يستطيع أن يربي أولاده، وإذا حضر عنده من طلاب العلم من المبتدئين ما عرف أن يتعامل معهم، فنقول: مثل هذا يكفي أن يربي الكبار، وللصغار من يربيهم؛ لكن عليه أن يوجه هؤلاء الصغار إلى من يحسن تربيتهم، ما يهملهم ويقول: أنا والله لا أحسن التعامل معهم، إذاً أتركهم؟ لا إذا كان يستطيع أن يؤثر فيهم فبها ونعمت، ما يستطيع يبعثهم إلى من يستطيع التأثير فيهم، فإذا بذل الجهد واستفرغ الوسع في إبراء ذمته فله من الله -جل وعلا- الأجر العظيم، والثواب الجزيل؛ لأن له من الأجر مثل أجورهم؛ لأنه هو الذي دلهم على الخير، ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله، وهو الذي هيأهم للصلاح، ويسر لهم أسبابهم ليستفيد من دعائهم بعد موته، كما جاء في الحديث حديث صحيح ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)) ولا شك أنه إذا كان هو

السبب في صلاحه كانت دعوته له مقبولة؛ لأن الوصل الذي علق عليه القبول والدعاء هو الصلاح فإذا لم يكن الأب سبباً في هذا الصلاح، فقبول الدعوة فيه ما فيه، والله - جل وعلا - يقول: {وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [(24) سورة الإسراء] يعني هذه الدعوة في مقابل التربية هذه الدعوة (رب ارحمهما) في مقابل (كما ربياني صغيراً) فالذي يهمل أولاده ولا يربيهم يعني دخوله في مثل هذه النصوص، فضل الله واسع لا يحد، وقد يكون الولد مستجاب الدعوة، فيجاب إذا دعا لأحد من أولى ذلك والديه لكن على الإنسان أن يبذل السبب ليدخل في هذه النصوص، قد يقول قائل: هناك أناس بذلوا أسباب ما نجحوا وأناس أهملوا وانتفعوا بأولادهم ما شاء الله، وصاروا علماء أولادهم نعم نعرف من أنفسنا ومن غيرنا من بذل الجهد في تربية الأولاد وما طلعوا على ما يريد حرص على تحفيظهم القرآن ما أفلح، وأعرف شخصاً عنده ولدان يقول: والله ما علمت أنهما حفاظ من حفاظ القرآن حتى دعيت لحفل التكريم، يقول: والله ما علمت أنهما يحفظان القرآن حتى دعيت إلى حفل التكريم، ولا شك أن ما بذل له أجر، والله -جل وعلا- لا يضيع أجر من أحسن عملاً، وهذا أيضاً لن يحرم -إن شاء الله- دعوة صالحة من هذين الولدين، الذين نشئا على الصلاح والخير؛ لكن أجره ليس مثل أجر من اهتم بولده، وبذل الأسباب، إذا عرفنا أن بذل السبب في وقاية الولد من النار جاء الأمر به في الآية التي نحن بصدد الحديث عنها، فهل يدخل فيها من أهمل ولده ولو نشأ الولد صالحاً؟ يعني ما بذل ما أُمر به {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [(6) سورة التحريم] ما وقى أهله النار مفهوم الآية؛ لكن فضل الله واسع، لا يحجر فضل الله؛ لكن يبقى هذا فيمن أهمل، فكيف بمن يسر لولده أسباب الفساد؟ نسأل الله السلامة والعافية، ثم بعد ذلك عاش الولد طيلة حياة والده على هذا الفساد، فلما توفي والده نسأل الله السلامة والعافية تولى هذا الولد غيره، غير هذا الوالد، ثم أصلحه الله بسبب من دعاه إلى الخير، لا شك أن هذا غاش لرعيته، ومتوعد بحرمانه من الجنة، نسأل الله السلامة والعافية.

فعلى الإنسان أن يتمثل هذه الآية، ويربي ولده وأهله من أول يوم، بل قبل ذلك في الاختيار في اختيار الزوجة أن يختار المرأة الصالحة التي تعينه على نفسه أولاً، وعلى نفسها وعلى أولاده تعينه على الخير، ولذا جاء في الحديث ((فاظفر بذات الدين تربت يداك)) والأم مدرسة الأم مدرسة، أول من يستفيد منها الزوج إذا كانت صالحة، وأول من يستفيد من الزوج إذا كان صالحاً الزوجة، وبصلاحهما يتم لهما التعاون على البر والتقوى، ويتعاونان أيضاً على تنشئة جيل صالح يبدأ من هذه الأسرة، ويتنشر إلى الأقارب والجيران، ثم إلى المجتمع، على الأب إن كان من أهل العلم أن يعقد الدروس العلمية في بيته لأسرته بادئاً بصغار العلم، فيعلمهم القرآن، ويبدأ بقصار السور، ويعلمهم السنة بادئاً بالأربعين مثلاً، يجعلهم يحفظونها، ويشرح لهم معاني هذه الأحاديث، ويبين لهم غريب القرآن، أثناء حفظهم إياه، ويعلمهم العقيدة الصحيحة، يبدأ من الأصول الثلاثة والقواعد الأربع وكشف الشبهات والتوحيد والواسطية إلى آخر السلسلة المعروفة عند أهل العلم، يحرص على تنشئتهم تنشئة صالحة على العقيدة السليمة، ويعلمهم بعض الأحكام الشرعية التي تناسب مستواهم، هذا إن كان من أهل العلم، وأدركنا الجيل الذين قبلنا وقد يوجد أفراد لكنه ما يلاحظ بكثرة، يعني تجد الولد، وهو في الأشهر في الشهر السابع الثامن تجده يشير بأصبعه من كثرة ما يقال: له لا إله إلا الله، وتجده في سنة في سنة ونصف تسأله من ربك؟ يقول: ربي الله، أين الله؟ يقول: في السماء، على العرش استوى، أقول: مثل هذا الكلام وأدركناه يحفظونهم أصول الدين، يلقنونهم من الصغر، وجرت عادة العلماء من المتقدمين إحضار أولادهم إلى مجالس التحديث قبل سن التمييز، الولد ما ميز كيف تأتي به؟ يحضر مجالس العلم لينشأ عليها محباً لها، ولا يستنكرها ولا يستغرب، وأهل العلم عندما يحضر لديهم أمثال هؤلاء وهذا ذكروه في كتب المصطلح إذا أحضر عندهم أبو ثلاث سنوات أو أربع سنوات، وهو ما يحفظ ولا يفهم يختلفون هل تكتب أسماؤهم في الطباق أو لا تكتب؟ يعني هل يكتبون ضمن أسماء الحاضرين فيروون فيما بعد هذه المرويات بحضورهم عند الشيخ وسماعهم له، وإن لم يكونوا

من أهل التمييز، فصار بعض المحدثين يكتب للمميز سمع فلان وفلان وفلان من كبار وصغار، من مكلفين وغير مكلفين؛ لكن كلهم في دائرة التمييز ولمن لم يميز حضر أو أحضر، نعم المميز يكتب له سمع مثل الكبار، وغير المميز يقال: حضر أو أحضر كل ذلك ليألف الصبي سماع العلم من الصغر، وينشأ على حبه.

أما بالنسبة لحق الزوجة على زوجها فعليه أن يعلمها ما تحتاج إليه من أمور الدين من أول ليلة، من ليلة الدخول، وليكن ذلك بدأً بأذكار النوم من أول ليلة ما المانع؟ وتجد الزوجة تجلس عند بعض طلاب العلم العقود، وهي لا تعرف أذكار النوم ولا أذكار الأكل ولا أذكار الدخول ولا الخروج، ولا شيء، والأذكار لها شأن عظيم في حفظ النفس والأهل والمال والولد، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يعوذ الحسن والحسين فتنشئتهم على هذه الأذكار، والآن كل شيء متيسر، الأذكار يمكن تطبع في كرت ورقة واحدة، ومع ذلك توزع على الأهل والأولاد، ويضرب لهم مدة لحفظها، وأعرف شخص ولده من هؤلاء الشباب الذين في مرحلة المراهقة، ويطلب سيارة قال: ما عندي مانع أن أشتري لك سيارة؛ لكن بشرط أن تحفظ أذكار الصباح والمساء، وجميع الأذكار، وهي مدونة في كتيب أعطاه الكتاب، وبعد مدة سمع له، واشترى له السيارة، هذه الأذكار تحفظ، الآن يعاني كثير من الناس، واحد من الأخوان اشترى لولده سيارة في الثانوية، يشكو يقول: كل يوم يأتي لنا بمصيبة، كل يوم حادث، هل عود الولد على الأذكار؟ ما عود والأذكار، لا شك أنها حصن هذه فائدتها في الدنيا فكيف بفائدتها في الآخرة؟ وهي من أعظم الأسباب في الوقاية من النار، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((سبق المفردون)) الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، وجاء الحث على الذكر في كثير من النصوص، الذكر لا يكلف شيء، فتنشئة الولد والأهل على هذا الأمر لا شك أنه من الوقاية من عذاب الله -جل وعلا-، لا يكلف شيء، يعني هل الولد إذا قيل له: قل سبحان الله وبحمده مائة مرة، يعني في دقيقة ونصف أو في أول الأمر يكون في دقيقتين، يأخذ عليه وقت أو جهد، تقول له: والله يا ولدي اليوم مصروف المدرسة ثلاثة ريال، قل لي: سبحان الله وبحمده مائة مرة واعطيك ثلاثة في دقيقتين، لن يتردد تقول له: صلى على النبي -عليه الصلاة والسلام- عشر مرات، تقول: وقل لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد إلى آخره عشر مرات، أو مائة مرة في المقابل، وينشأ نشأة صالحة، فلا شك أن هذه من الأساليب التي ينبغي أن يسلكها كل مسلم؛ لأنها لا تكلف شيء، ولا تحتاج إلى علم، أما

بالنسبة لمن لديه شيء من العلم لا شك أن المسئولية عليه أعظم، فعليه أن يعلم من ولاه الله -جل وعلا- أمانته، والذي ليس لديه شيء من العلم عليه أن يبذل السبب في إلحاقهم بحلق العلم، بدأ من حلقات التحفيظ، وأيضاً المعاهد العلمية التي تؤسس طالب علم متين، ولله الحمد ما زالت قائمة إلى الآن في قوتها، ويلحقهم بمن يحسن تعليم الشباب من أهل العلم؛ لأنه أيضاً ما يحسن أن يلحق الطالب الشاب المراهق في حلق الكبار، وحضر بعضهم من هذا النوع بعض الدروس، ثم ترك، يقول: ما استفدنا، صحيح أنه ما يستفيد؛ لأن الدروس فوق استطاعته فليبحث له عن شيخ يحسن التعامل معه، وهذا سبقت الإشارة إليه قريباً، فيلحق بحلقات التحفيظ، ويلحق أيضاً بالدروس العلمية المناسبة لمستواه، وذكرنا في مناسبات كثيرة أن طلاب العلم على طبقات، منهم المبتدئ ومنهم المتوسط، ومنهم المنتهي، والشيخ الفلاني يستطيع أن يتعامل مع المبتدئين، وفلان يستطيع أن يتعامل مع المتوسطين، وفلان يستطيع أن يتعامل مع الكبار، كل له ما يخصه، وكل له طلابه. بالنسبة للزوجة عرفنا أن حقها على الزوج إذا كان من أهل العلم أن يعلمها العلم، ومع ذلك يفتح لها المجال أن تلتحق بحلقات التحفيظ، والدور النسائية وهي -ولله الحمد- متوافرة وكثيرة، هذا إذا لم يتيسر له تعليمها ويحفظها ما حفظ من القرآن، ويعلمها ما تعلم، وبعد ذلك يترك لها المجال أن تطلب العلم في هذه الدور، وهي منتشرة في الأحياء -ولله الحمد-، والوضع يبشر بخير نحمد الله ونشكره، النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لخاطب الواهبة: ((زوجتك بما معك من القرآن)) وفي بعض الروايات ((على أن تعلمها شيئاً من القرآن)) وحدد بعض السور، فمثل هذا لا شك أنه من أعظم المهور، هذا بالنسبة لحق الأهل والأولاد على الزوج.

أما حق الوالدين على الولد فأمر لا يحتاج إلى ذكره، يعني النصوص قرنت حق الوالدين بحق الله -جل وعلا- ومن أعظم البر المقدم للوالدين والإحسان إليهما ما يكون سبباً في وقايتهم من النار، وذلك بالعلم النافع فيعلمهم الولد إذا كان عنده شيئاً من العلم، وهم في حكم العوام يعلمهم ما يجهلون لا سيما القرآن بعض عوام المسلمين عندهم من الحرص على الخير ما عندهم، فتجدهم مع الأذان في المسجد، مع الأذان يحضرون المسجد؛ لكن النتيجة؟ نعم هم على خير لأنهم ينتظرون الصلاة، والمطلوب المزيد من الخير، تجد أن هذا العامي المسكين الذي لا يقرأ ولا يكتب يلتفت يميناً وشمالاً، وينظر في الساعة أمامه وفي يده أو في جيبه ينتظر الإقامة لماذا؟ لأنه لا يقرأ المصاحف أمامه حتى في المواسم الأوقات الفاضلة يأتي مع الأذان في رمضان والناس يقرؤون من يمينه ومن شماله وهو لا يستطيع، فمثل هذا أمانة في عنق ولده، أن يعلمه شيء يستفيد منه في مثل هذه الأوقات، والأمور متيسرة ولله الحمد، ويندر أن يوجد بيت من بيوت المسلمين الآن ليس فيه من يقرأ القرآن، فيبدأ بهم من الفاتحة، ثم قصار السور، يبدأ يحفظهم الفاتحة، والفاتحة معروف أنها ركن من أركان الصلاة، تجد بعض العوام لا يحسن الفاتحة، وولده متعلم عنده شهادات، وقد يكون يعلم الناس ووالده محروم من هذا العلم، بإمكانك أن تعلم والدك يا أخي ما هو المانع أن تجلس ساعة ساعتين ثلاث يوم يومين أسبوع تعلمه الفاتحة والمعوذتين.

في المنطقة الشرقية قبل شهر في صباح الجمعة، بعد صلاة الصبح ولمدة ساعة ونصف أسمع شاباً يلقن شيخاً كبيراً سورة الكهف كلمة كلمة في ساعة ونصف، ساعة ونصف يمكن أن يقرأ فيها سبعة أجزاء؛ لكن تلقين الكهف نصف جزء أخذت عليه ساعة ونصف، يعني شيء شهدته أنا وحضرته، وسمعته وأجزم أن هذا لا تربطه به صلة، ليس من أهله ولا من أقاربه، فكيف بالأب يحرم مثل هذه الأجور والولد يستطيع؟! بإمكان الولد أن يمسك الأب ويقول له: يا والدي الفاتحة ركن من أركان الصلاة، والصلاة ركن من أركان الإسلام وأنت لا تحسن الفاتحة، ولا غضاضة ولا عيب لا على الولد ولا على الوالد هذا شرف في الدنيا والآخرة للمعلم وللمتعلم، لماذا لا يقول: يا أبت أنت لا تحسن الفاتحة نعم قد يكون الأب قد تعلم على طريقة قديمة وسمعنا من يقرأ القرآن بقراءة فيها تصحيف وتحريف وتقديم وتأخير، وإبدال كلمات، وترك بعض الآيات سمعنا هذا، وعنده أنه من المهرة في القرآن، ويرجو أن يكون مع السفرة الكرام البررة، لولا أن الحديث عن القرآن لذكرت بعض الأمثلة مما سمعته من كبار السن؛ لكن أخشى أن يكون مسخرة، ومثل هذا لا يجوز في القرآن، مثل هذا ما هو المانع أن يقول الولد لوالده: أنت لا تعرف تقرأ، أو بأسلوب مؤدب أنت لا تعرف تجود دعنا نعلمك القرآن بالتجويد، أنت على طريقة شيوخنا الكبار الذين لا يجودون، يعني يعطيه شيء من الثقة ليقبل، أما لو قال له: أنت ما تعرف تقرأ يمكن يقول له: ما أدراك كل عمرنا مع شيوخنا، وهذه جملة يرددونها (هذه قراءة شيوخنا) وهذا ليس بصحيح؛ لكن هذا ما تعلمه، فيمسكه الابن ويعلمه الفاتحة على الطريقة الصحيحة، ويقرأها على الوجه الصحيح، يعني أنا سمعت إمام مسجد يقرأ (ثم لا تسألن يومئذ عن النعيم) قلب للمعنى، يعني لو كان هذا في الفاتحة بطلت الصلاة، ولو تعمد مثل هذا التحريف بطلت صلاته قلب حيد عن الصواب، فمثل هذا نقول: الولد يلزمه أن يعلم أباه؛ لأنه كما طُولب الأب أن يقي الولد من النار والابن يستطيع هذا أوجب عليه، يعني من باب أولى إذا كان الولد يستطيع أن يقي الوالد من النار، وهو السبب في وجوده والحق عليه أعظم من حق الولد على الوالد، فعليه أن يبذل وسعه لتعليمه

ليخرجه من الظلمات إلى النور، فيعلمه قصار السور بلا يأس، عجوز عمرها أكثر من سبعين سنة لا تقرأ ولا تكتب حضرت حفل التحفيظ حفظت القرآن كامل فوق السبعين، ومشكلتنا أن اليأس من أقرب شيء إلى قلوبنا، إذا بلغ الولد الثلاثين قلنا: هذا ميئوس منه، ليس صحيح، صالح بن كيسان قالوا: أنه تعلم وعمره قيل: تسعين سنة، وقيل: خمسين، وقيل: أكثر.

المقصود أنه لا يأس تعلم في التسعين في الستين في السبعين، القفال من أئمة الشافعية تعلم كثير، كثير من أهل العلم، كثير في تراجمهم تجد أنهم بدأوا التعلم في الكبر، نعم التعلم في الصغر أثبت؛ لكن إذا ما تعلم في الصغر ييأس ويترك، لا، لا ييأس ولو لم يكن له من النصوص إلا ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)) يكفيه هذا، ولو لم يحصل من العلم شيئاً مثل ما قلنا: صالح بن كيسان تعلم في الكبر، حتى صار من كبار الآخذين عن الزهري، فلا يأس، فإذا قال الولد لأبيه: يا أبت أعلمك الفاتحة، ثم كررها عليه يوم، يومين، أسبوع، عشرة، أعظم سورة في كتاب الله ليس كثيراً أن ينفق عليها الولد مع أبيه مع أوجب الناس حقاً عليه بعد الله -جل وعلا-، وكذلك الأم إذا كانت لا تحسن القراءة يعلمها الولد، ولو طال الوقت، هذا باب من أبواب الجهاد، فإذا كان مأمور أن يقيهم نار الدنيا فلأن يقيهم نار الآخرة من باب أولى، أيضاً هناك الآلات مثل المسجل، يهيئ الولد لوالده مسجل، ويأتي بأشرطة لقاريء مؤثر مثلاً، وواضح يخرج الحروف من مخارجها، ويقال له: يا أبت اضغط هذا الزر، حتى تسمع القراءة، ثم أعد ثانية وثالثة، هذا إذا دب الملل إلى الولد أو صار له عمل يعوقه عن متابعة تعليم والده، وإلا أتصور أن من أفضل ما يقدم في هذه الحياة ما يقي الوالدين هذه النار، مما يعين أيضاً على التعليم والتعلم في الأسر، ولمس أثره هذه الآلات التي قلنا: مسجل سواء كانت هي أشرطة القرآن أو أشرطة الدروس العلمية أو المواعظ، وإذاعة القرآن الكريم في هذه البلاد نفع الله بها نفعاً عظيماً في البيوت، كثير من عوام الناس يشارك في مسائل علمية؛ لأنه يسمع نور على الدرب، فاستفاد الناس فائدة عظيمة، فالذي يحرص عليها الناس كلهم سواء كان متعلماً أو عامياً.

لا شك أن الأم مع بناتها عليها مسئولية عظيمة في تربية البنات على العفة والستر والأب من ورائها يحوطهم بذلك، ويحضر لهم ما يحتاجون إليه مما يعينهم على ذلك، كذلك البنات مع الأمهات عليهن من المسئولية مثل ما على الأولاد مع الآباء، وكم من بنت صارت سبب إنقاذ لأسرة بما في ذلك الأب والأولاد، فضلاً عن الأم، هناك كلام لأهل العلم، وله نصيب من الواقع، قالوا: أزهد الناس في العالم أهله وجيرانه، وهذا مشاهد تجد العالم الكبير أولاده إن كان فيهم خير وفيهم حرص وفيهم طلب علم يحضرون دروس مشايخ آخرين، وهذا لا شك أنه خير؛ لكن تجدهم زاهدين في آبائهم، فأزهد الناس في العالم أهله وجيرانه، ولعل السبب في ذلك أن الهيبة والتعظيم والقدر في النفوس إنما يكون مع تمام الحشمة، فالعالم من بعيد تجده محتشم، يعني في الغالب عليه السمت وعليه اللباس الكامل، وقد يكون عليه البشت، والأب تراه على هيئات فيها شيء من ترك الحشمة، أحياناً ما يكون عليه ثوب، وهو بين أولاده وزوجته، فمثل هذه الحالة فلا شك أنه هيبته تقل في نفوسهم، أيضاً كثرة الإمساس، وجوده بينهم في كل وقت وفي كل حين، ويشاهدون تصرفاته، وأن تصرفاته تصفات بشرية، لا شك أن التصرفات البشرية يعتريها ما يعتريها من النقص، فإذا اطلع عليها الأهل والأولاد يعني نزلت قيمته ثم بحثوا عن غيره، بينما غيره من أهل العلم باستمرار على الحشمة ما يرونهم على خلافها فتجدهم يتعلقون به أكثر من تعلقهم بأبيهم أو أخيهم من أهل العلم، بعض الناس عنده حساسية زائدة، ولها نصيب من النضر، يخاف على ولده إذا خرجوا إلى الصلاة من قرناء السوء، أو إذا خرجوا إلى الحلقة في طريقهم ذاهبين وآيبين يمرون البقالة، ويطلع معهم فلان، ويتكلم معهم فلان، يقول: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فأنا لا أتركهم يذهبون الجماعة بالنسبة لهم هم غير مكلفين يصلون في البيت، خشية من قرناء السوء، لا سيما إذا كانت بعيد عن البيت، وكذلك ذهابهم إلى الحلقات، أقول: يا أخي هذا ليس بعلاج، الترك ليس بعلاج، بل لا بد أن يصلوا مع الناس في المسجد، وأن يذهبوا إلى مواطن العلم ويتعلموا، ومع ذلك عليك أن تحوطهم برعايتك وعنايتك، وتكون من ورائهم ومن

أمامهم ومن خلفهم، وتسأل عنهم وتتحسس وتربطهم بالرفقة الصالحة، وإن تيسر أنك أنت الذي تذهب بهم وترجع بهم فنور على نور، وإن أبيت إلا أن يتركوا هذا فأتِ لهم ببديل، تحضر لهم البديل، ما تقول: أتركهم لا يتعلمون، ثم تتركهم عوام، لا، والأمور متيسرة ولله الحمد، بإمكانك أن تحضر لهم البديل؛ لكن ليس بحل الترك، ليس بحل، بل لا بد أن يواصلوا التعلم والحفظ على أي حال؛ لكن يبقى أنك لا بد أن تربطهم بالرفقة الصالحة؛ لئلا ينزجّوا مع الرفقة السيئة ثم بدل أن يتعلموا الخير يتعلمون الشر؛ لأن بعض الناس يتعذر بهذا يقول: أنا والله ما أرى أن يذهب الأولاد التحفيظ خشية من قرناء السوء، يعني إذا ذهبوا يمرون البقالة، البقالة فيها جمع من الشباب، وعندهم مخالفات وأحياناً يدخنون، وأحياناً كذا، أيضاً إذا رجعوا ذهبوا إلى المسجد، ذهبوا إلى المدرسة، كيف سينشأ الولد بهذه الطريقة، يعني إذا كنت خائفاً عليهم فاصحبهم أو أصحبهم من يعتني بهم، ولا شك أن الحديث في هذا الباب لا ينتهي، والأولاد والأهل مسئولية عظيمة، وحمل ثقيل، حتى أن بعض الناس يتمنى في ظل الظروف التي نعيشها مع فساد الأوضاع وكثرة المغريات، يتمنى أنه كان عقيماً؛ لأنه يرى أن أولاد فلان كيف صاروا؟ وقد يكون لديه أولاد أتعبوه ما نجح في تربيتهم، ما أفلح، فيقول: ليته عقيم، عليك يا أخي أن تبذل السبب، عليك أن تمتثل ما أمرت به من التكاثر، تناسلوا تكاثروا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة، أنت أمرت بهذا، وأمرت ببذل السبب في التربية، كونك تنجح أو ما تنجح هذا ليس بيدك، النتائج بيد الله -جل وعلا-، وقل مثل هذا في الدعوة، دعوة الناس، تقول: أنا والله أستطيع الدعوة؛ لكن دعوت ودعوت ما استفاد الناس مني، وما أشوف أثر واضح نقول: ليس عليك إلا أن تدعو {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [(33) سورة فصلت] {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [(108) سورة يوسف] ولنا قدوة وأسوة في الأنبياء، فمن الأنبياء من يأتي وليس معه أحد، فأنت إذا بذلت السبب فالأجر مرتب على بذل

السبب، وحينئذ لا تيأس وأجرك ثابت، سواء استفاد الأهل، استفاد الأولاد، لكن لا بد أن تبذل السبب، لا تقول: ما جهدي وأنا الضعيف المسكين مع هذه الآلات، ومع هذه القنوات، ومع هذه الوسائل المفسدة، أحياناً ينتفع الإنسان بكلمة واحدة، وتنقلب حياته رأساً على عقب، إذا خرجت من القلب، انتفع بها الإنسان، وكم رأينا من ناس في غاية من الشهر والفساد، وأبواه على خطر عظيم منه، ثم بعد ذلك تجده في روضة المسجد، ومن السابقين إلى الدروس العلمية، بل من العاملين على إنجاح الدروس العلمية، والمتابعين للدروس، والخادمين للدروس، فلا يأس فكيف يتمنى الإنسان أن يكون عقيماً، لا شك أن العقم أفضل من الأولاد مع عدم بذل السبب؛ لأنه مسئول عنهم، مع الإهمال بحيث يخرجوا مفسدين، وما بذل أي سبب، هذا لا شك أن عدم الولد أفضل منه، لمثل هذا النوع من الناس، أما من بذل السبب ولو لم يفلح في تربيته، ولو لم تترتب الآثار، ولو لم يفلح في تربيته، ولو لم تترتب الآثار على هذا السبب، لا شك أنه خير؛ لأنه مع النصوص يدور أمر بالتكاثر فكاثر، أمر بالزواج تزوج، أمر بالتعدد فعدد، أمر بتكثير النسل فأكثر، وبذل السبب في التربية؛ لكن ما أفلح، النتائج بيد الله -جل وعلا-، ولا شك أنه كلما كثر التعب كثر الأجر، وهذه الظروف التي نعيشها مع كثرة المغريات، وكثرة المفسدات لا شك أنها أعظم أجور من قبل عشرين وثلاثين وأربعين وخمسين سنة، ولذا جاء في الحديث في المسند والسنن بإسناد حسن ((للعامل فيهن -في وقت الفتن- أجر خمسين)) قالوا: منهم يا رسول الله؟ قال: ((بل منكم)) يعني من الصحابة أجر خمسين على ماذا؟ على مثل هذا الصراع الذي نعيشه، فنحتاج إلى مزيد من البذل في التربية والتوجيه والرعاية والعناية، ليحصل لنا هذا الأجر العظيم، الذي وعد به على لسان النبي -عليه الصلاة والسلام-، ونكتفي بهذا، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. طالب: نريد من فضيلة الشيخ التعليق على قوله تعالى: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [(82) سورة الكهف] في سورة الكهف؟

أما بالنسبة لما جاء في أواخر سورة الكهف من قول الله -جل وعلا-: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [(82) سورة الكهف] فلا شك أن لصلاح الأب أثراً عظيماً في صلاح الولد، وجاء عن بعض السلف أنه يزيد في كل يوم ركعتين من أجل صلاح ولده، ولصلاح الأب أثر في صلاح ابنه؛ لأنه قدوة صالحة، والقدوة لها من الأثر في سلوك الولد أكثر من أثر القول، ولذا جاء الترغيب في صلاة النافلة أن تكون في البيت ليقتدي به من لا يحضر الصلاة في المسجد، فمن هذه الحيثية أثر صلاح الوالد في صلاح الابن، وفي حفظ الابن في حفظ الولد، وفي حفظ مال الولد رعاية لحق الأب، ولا شك أن مثل هذا يوجد، ولكنه ليس بمطرد، يعني كون أبوهما صالحاً، وحصل لهما ما حصل من الخضر -عليه السلام- لصلاح أبيهم؛ لكن هذا ليس بمطرد؛ لأن صلاح الأب إذا لم يكن الولد قابل، نعم إذا كان في دائرة الدين الذي يدين به الأب ينتفع، أما إذا كان الولد لم يتبع أباه في دينه مثل هذا لا ينتفع {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} [(21) سورة الطور] يعني ما نقصناهم من عملهم من شيء فيلحقوا بآبائهم وإن كانت أعمالهم أقل، وأما بالنسبة لما يتعلق بالأولاد الصغار إذا حضروا للمسجد، وكانوا مميزين، وسبقوا إلى القرب من الإمام، فجاء في الحديث الصحيح ((ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى)) يعني الكبار، أصحاب العقول، أصحاب الحجا، بحيث إذا أخطأ الإمام يستطيعون الرد عليه والفتح عليه، وهذا لا شك أنه أمر للكبار بالمبادرة، وليس هو طرداً للصغار عن الحضور المبكر، والقرب من الإمام، والقاعدة من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به، فقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ليلني)) اللام هذه لام الأمر، فهي أمر للكبار بالتقدم وليست طرداً للصغار من أن يقربوا من الإمام لتقدمهم ويسبقوا إلى ما لم يسبقوا إليه. طالب: كثير من الآباء لم يبذلوا الكثير من الأسباب لتوجيه أبنائهم ثم إذا حصل عقوق بعد ذلك بدئوا بالدعاء عليهم بدلاً من الدعاء لهم فما نصيحتكم حفظكم الله؟

لا شك أن مثل هذا إساءة على إساءة، تفريط ثم بعد ذلك في النهاية يدع عليهم، وجاء النهي عن الدعاء عن النفس والمال والولد خشية أن توافق ساعة إجابة يجاب هذا الدعاء، ثم يندم ندامة لا تعوض، ولا يمكن استدراكها ولاة ساعة مندم، فعلى الأب أن يبذل النصح، ويستفرغ الجهد في تربية أولاده، ومع ذلك يدعو لهم في حال صلاحهم، وقبل صلاحهم يدعو لهم بالصلاح، ويدعو لهم بالاستمرار عليه، والتوفيق لهم في الدنيا والآخرة. طالب: يا شيخ أنا مؤذن الأذان الأول فيلزم أن أروح المسجد فهل يلزم أني أوقظ أهلي أو أأذن، وهل الأفضل أوقظ أهلي أم أجلس إلى الشروق اقرأ القرآن؟ إن كان المراد بالأهل من تلزمهم صلاة الجماعة، فعليك أن توقظهم قبل أن تخرج إلى الصلاة، ليتمكنوا من الصلاة في المسجد، وبعد الصلاة تجلس حتى ترتفع الشمس، وإن كانوا ممن لا يلزمهم صلاة الجماعة، ويغلب على ظنك أنهم لم يستيقظوا فخروجك إلى البيت وإيقاظك لهم أفضل من بقائك في المسجد. طالب: بالنسبة لواحد متزوج بزوجة وهو مرتاح فهل يلزمه بالتعدد؟ التعدد ليس بلازم ولا واجب، هذا خلاف بين أهل العلم في الأصل، هل هو التعدد أو الواحدة؟ وما عدا ذلك يندب إليه يندب إلى الثانية والثالثة والرابعة {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} [(3) سورة النساء] ولا شك أن الموازنة في مثل هذا الباب بين المصالح والمفاسد أمر مطلوب شرعاً، فبعض الناس لا يستطيع العدل ولا يغلب على ظنه العدل، فمثل هذا لا يعدد، أو لا يستطيع النفقة على الجميع وإن كان الوعد من الله -تبارك وتعالى- بالإغناء إذا تزوج، فسوف يغنيهم الله من فضله، المقصود أن مثل هذا كل إنسان أدرى بمصالحه، والإنسان إذا كان مرتاح مع زوجته الأولى ويخشى من أن تتكدر حياته، فلا شك أن الواحدة تكفيه. طالب: يا شيخ بالنسبة للجاليات الباكستانيين والأفغانيين ما يعرفون اللغة العربية كيف التعامل معهم وبالنسبة للزوجة والأولاد؟

من لا يعرف اللغة يتعامل معه بواسطة المترجم على أن يكون المترجم ثقة، ويعرف اللغة المترجم لها، واللغة الأصلية التي يترجم تكون لديه معرفة تامة بمعاني ومفردات اللغتين التي تترجم منها، واللغة التي يترجم إليها، ويكون ثقة لا بد أن يكون ثقة، لئلا يحرف الكلام، فهؤلاء الذين لا يعرفون العربية إنما يتعامل معهم بواسطة المترجمين الثقات. طالب: ورد في حديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة)) وقوله -عليه الصلاة والسلام- في اختيار الزوجة: ((تنكح المرأة لأربع: لمالها وجمالها وحسبها ونسبها فاظفر بذات الدين)) تقول: هل هناك فرق بين قوله: ((من ترضون دينه وخلقه)) وقوله: ((فاظفر بذات الدين)) ولم يذكر الخلق، وهل في المسألة عموم أم خصوص؟ من متطلبات الدين الخلق، ونقص الدين يظهر في نقص الخلق، نعم قد يكون الإنسان جبل على الخلق الحسن وعنده مخالفات، وقد يكون جبل على الشدة والفضاضة وهو حريص على إقامة شعائر الدين، ومتصف به، وحريص عليه؛ لكن على كل حال الخلق في الأصل من متطلبات الدين، فالخلق مطلوب من الجميع، كما أن الدين مطلوب من الطرفين، على كل حال الدين ذكرنا أن الخلق من متطلبات الدين، فالمرأة التي خلقها سيئ لا شك أن نقصها في دينها بقدر نقص هذا الخلق، فالخلق مطلوب من الجميع، وإلا لا يتيسر العيش المطلوب والحياة المطمئنة بين الزوجين مع أن في الخلق شيء، سواء كان من الرجل أو من المرأة، لكن ظهوره في الرجل الذي بيده السلطة والتنصيص عليه بالنسبة للرجل، وطلبه من الرجل أكثر؛ لأنه إذا كان ذا خلق سيئ لا شك أنه يتسلط على المرأة، بينما المرأة لو كان في خلقها شيء فإنها باعتبار موقعها وللرجال عليهن درجة فإنها لن تتسلط عليه؛ لأن الحل بيده، ولذا نص عليه في جانب الرجل، ولم ينص عليه في جانب المرأة، وإلا فهو في الأصل مطلوب من الطرفين. طالب: من الذي يُعد طالباً للعلم؟

طالب العلم هو الذي عنده شيء من العلم، وهذه لا شك أنها من الأمور النسبية، والعلم لا يمكن أن يحاط به والله -عز وجل- يقول: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [(85) سورة الإسراء] ومهما بلغ الشخص من العلم فإنه لن يخرج عن دائرة هذه الآية {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} وقد يوصف الإنسان بأنه من بحور العلم، كما في تراجم بعض أهل العلم، ولن يخرج عن هذه الآية، ومع ذلك هذه الأمور نسبية، إذا حوا شيئاً من مبادئ العلوم، وحفظ بعض المتون في العلوم الشرعية المطلوبة وفهمها فإنه يكون من طلاب العلم، وإذا استطاع تقريرها وتدريسها وتعليمها لغيره صار من أهل العلم. طالب: (السؤال غير واضح) لكن كأنه يسأل عن الختان؟ الختان من سنن الفطرة، وهو بالنسبة للذكور واجب؛ لأنه لا يتم التطهر إلا به، والتطهر واجب، إذاً هو واجب، وهذا محل يكاد أن يكون متفقاً عليه بين أهل العلم، وأما بالنسبة للنساء فهو مكرمة، وهو فضيلة، وهو أنظر وأحسن وأفضل؛ لكن ليس بواجب لا يأثم من تركه. طالب: (السؤال غير واضح) لكن كأنه يسأل عن الموسيقى؟ الموسيقى معروف أنها من المعازف التي جاءت الشريعة بمحقها وتحريمها، وجاء في الحديث الصحيح في البخاري وأختلف في تعليقه ووصله، وعلى كل حال هو صحيح سواء كان معلقاً أو موصولاً، من حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)) والاستحلال لا يكون إلا للمحرم، فدل على أن المعازف محرمة، والموسيقى منها، فتعلمها حرام، ومزاولتها كذلك، واستماعها كذلك كلها محرم. طالب: (السؤال غير واضح) كأنه يسأل عن البيع والشراء عن طريق الانترنت؟ البيع والشراء يكون بالإيجاب والقبول بأن يقول البائع: بعتك هذه السلعة بمبلغ كذا، ويقول الطرف الآخر: اشتريت، سواء كان مشافهة أو بالهاتف أو بالإنترنت، ثم بعد ذلك إذا حدث التفرق لزم البيع. طالب: سائل من فرنسا يقول: أن له ابناً ذكياً ولله الحمد يعلمه أصول الدين؛ لكن الابن يطرح عليه أسئلة تحرج الوالد؛ لأنه قليل العلم، فما هي نصيحتكم لهذا الوالد؟

هذا الوالد إذا كان لا يستطيع الإجابة على أسئلة هذا الولد يحيله إلى من يستطيع الإجابة، أو يحضر له من يستطيع الإجابة عن هذه الأسئلة المحرجة له، ويتم -إن شاء الله- حل الأسئلة بواسطة من لديه الخبرة والمعرفة في مثل هذه الإشكالات. طالب: هذا سائل يسأل يقول: فضيلة الشيخ في الصحيح من حديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته)) الحديث، هذا الحديث له دلالة عظيمة، وأن المسئولية عظيمة ما توجيهكم حفظكم الله للأسر من خلال هذا الحديث، وهل إذا جاهد الإنسان أهل بيته في التربية يخفف عنه في السؤال؟ هذا هو موضوع الدرس، يعني المسئولية في التربية والتعليم من قبل الوالد، ومن قبل الأم، فالوالد راع في أهل بيته، ومسئول عن رعيته، فإذا بذل السبب في تنشئة الولد والأهل على الدين والخير والفضل وعلى العلم والعمل حينئذ تبرأ ذمته، ولو لم يدرك المطلوب، فعليه أن يبذل السبب فهو مسئول عنهم، فإذا بذل السبب معهم واستفرغ وسعه فإنه تبرأ ذمته. طالب: هل يلزم رب الأسرة في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر خاصة مع أهل بيته أن يكون فاعلاً للمعروف أو تاركاً للمنكر؟ لا شك أن الآمر والناهي عليه أن يفعل ما يأمر به، ويجتنب ما ينهى عنه، وقد جاء الذم في نصوص الكتاب والسنة لمن يأمر بالشيء ولم يفعله، وينهى عن الشيء ويرتكبه {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [(3) سورة الصف] لكن ليس هذا بشرط للأمر ولا للنهي، ولا يشترط في الآمر والناهي أن يكون معصوماً، بل يقرر أهل العلم أن له أن يأمر بالشيء وإن كان تاركاً له، وينهى عن الشيء وإن كان مرتكباً له، والجهات منفكة، له أجر الأمر والنهي، وعليه إثم المخالفة. طالب: سائلة تقول: أمنع ابني من الالتحاق بحلقة تحفيظ القرآن ليس خشية عليه من صحبة سيئة في الطريق أو مخاطر فيه، بل خشية عليه من التأثر بأفكار تكفيرية أو تفجيرية من بعض طلاب الحلقات أو مشرفيها، فما هو الأسلوب الأمثل لإقناعها؟

هذا من تلبيس الشيطان، وأسلوب من أساليبه الماكرة ليصد الناشئة عن حفظ القرآن، نعم إذا وجد شخص بعينه عرف بهذا الأمر استفاض عنه هذا الأمر أو حفظ من قبل أنه يدعو إلى هذا الأمر، يحذر منه، ويبعد الشاب عنه؛ لكن لا يعمم القول أنه يخشى، هذا لا شك أنه من تهويل الشيطان، ومن وسائله في الصد عن حفظ القرآن. طالب: سائلة تقول: زوجي أدخل الدش في البيت بحجة سماع الأخبار والرياضة، فما تنصحون أن أفعل له ولأولادي؟ على كل حال يجب عليك أن لا تنظري إليه، يحرم عليك النظر فيه، ولا يجوز لك أن تمكني أولادك منه وأنتِ تقدرين على ذلك، إن جعل في مكان مستقل لا في مكان عام يشاهده الأولاد من بنين وبنات فهذا لا شك أنه أقل ضرراً، وعلى المرأة أن تتابع نصحها لزوجها بإخراجه وتصر عليه بذلك؛ لأنه معول هدم، نسأل الله السلامة والعافية، وداعية إلى الفجور والعهر والفساد والشبهات والشهوات، وكم من بيت وقعت فيه الفواحش بين المحارم بسبب هذه الآلات، نسأل الله السلامة والعافية. طالب: يقول: هل يجوز ضرب الأولاد خصوصاً لأداء صلاة الفجر، كما ثبت في الحديث ((واضربوهم عليها لعشر))؟ نعم إذا أتموا عشر سنوات يضربون عليها ضرباً غير مبرح. طالب: يقول: ما الكتب العلمية الضرورية التي يحسن توفرها في البيت، والتي تناسب أفراد الأسرة؟ لا شك أن أفراد الأسرة متفاوتون فيهم العامي، وفيهم المبتدئ، وفيهم المتوسط، وقد يكون فيهم طالب علم مدرك، ولكل فئة من هذه الفئات ما يناسبه من الكتب، وهناك مجموعة من الأشرطة انتشرت باسم كيف يبني طالب العلم مكتبته؟ بدءاً من أول كتاب يقرأ إلى آخر كتاب. طالب: يقول: ما الحكم في تحديد النسل وذلك مقابل في حسن تربية الأولاد وتوجيههم؟

إذا كان هذا هو الهدف في تحديد النسل من أجل التوجيه والتربية، وأنه لا يستطيع أن يربي أكثر من واحد في آن واحد مثل هذا لا شك أنه خطأ لا ينبغي؛ لأن المسلم مطالب بالتكاثر بالمكاثرة ليباهي النبي -عليه الصلاة والسلام- أمته بغيرها من الأمم، وهؤلاء الأولاد إذا كثروا لا شك أنهم يعينون على التربية، وبعضهم يعين على بعض، وما يصرف للواحد يصرف للجمع، فكون الإنسان يربي أكثر من واحد في آن واحد يعين بعضهم بعضاً على التربية، ويوضح بعضهم لبعض، والكبير يكون قدوة لمن هو أصغر منه، وهكذا والتجربة شاهدة بذلك. طالب: يقول: نرجو توجيه كلمة للآباء الذين لا يحرصون على صلاة الجماعة، وخاصة صلاة الصبح مع توجيههم ببذل الأسباب في ذلك؟ نعم يوجد من يتهاون في صلاة الصبح بسبب السهر، يعني انتشر بين المسلمين مع الأسف الشديد في السنوات الأخيرة السهر، ولا شك أنه من الموانع، وإذا اجتمع معه عدم بذل السبب فإن الإنسان لا يستطيع القيام إذا لم يكن هناك وازع قوي، ودافع قوي لأداء هذه الصلاة، فهذه الصلاة على وجه الخصوص، إن كانت في الصيف فالليل قصير والقيام إليها ثقيل جداً، وإن كانت في الشتاء فبعد أن يحس الإنسان بالدفء وتحت الأغطية يصعب عليه القيام إلى ضد هذه الحالة، فعلى الإنسان أن يبذل الأسباب التي تجعله يستيقظ إلى هذه الصلاة فيجعل له منبهات ويعهد إلى من يوقظه إلى الصلاة، ويمنع ويقطع دابر الموانع التي تمنعه من القيام كالسهر والشبع وغيرهما. طالب: سؤال من المغرب أنا الآن مخطوبة لشخص يعمل في محل كبير في الخارج، وهذا المحل يباع فيه الخمر، فهل يجوز لي أن أستمر في هذه العلاقة؟

عليك يا أخت أن تبحثي عن الزوج الصالح، فكما أن الرجل مطالب بأن يبحث عن المرأة الصالحة فعلى المرأة أن تبحث عن الزوج الصالح، ولو كان ذلك بإهداء نفسها إلى من تظن فيه الصلاح، وقد حصل هذا من خيار الأمة فعثمان بن عفان خليفة المسلمين يعرض على عبد الله بن مسعود ابنته هل لك يا أبا عبد الرحمن بفتاة تعيد لك ما مضى من شبابك؟ فقال عبد الله بن مسعود: إنما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) فعليها أن تبحث عن الزوج الصالح، ولا توافق على مثل هذا؛ لأن الزوج الصالح يعينها على الثبات، ومثل هذا يسهل لها الانحراف، نسأل الله السلامة والعافية. طالب: هذا سائل من الجزائر يقول: ارتبطت مع امرأة على عقد شرعي، وعقد مدني ولم أدخل بها، فهل يجوز لي أن أخلو معها؟ نعم إذا تم العقد الشرعي بالإيجاب والقبول بحضور الولي والشهود فهي زوجته يفعل معها ما يفعل الرجل مع زوجته إذا تم ذلك بالإيجاب والقبول بحضور الولي، الإيجاب إنما يكون من الولي وبحضور الشهود فإنها زوجته. طالب: سائلة تقول: بعض الفتيات المتدينات ترفض الزواج إلا من رجل على مستوى التدين ولكن يراها. . . . . . . . . ليست ذات أهمية مثل إعفاء اللحية مثلاً أو عدم الاهتمام بالعلم الشرعي بحجة أنها لا تأمنه على دينها. . . . . . . . . فما توجيهكم في مثل هذه الحالة؟ الزوج ما دام في دائرة الإسلام، ولا يرتكب أمراً يتعدى ضرره عليها، ويحافظ على الصلوات، ولا يتناول المسكرات ولا المخدرات التي ضررها يتعدى فما عدى ذلك تحرص على الكمال، فإن لم يتيسر فلا يضيع عمرها بلا زوج، فالزوج من فاسق فسقه لازم له لا يتعدى إليها لا شك أنه أفضل من البقاء بدون زوج، ومع ذلك تتابع النصح له والتوجيه عله أن يلتزم ويترك هذه المخالفات، أما ما يتعدى ضرره من شرب للمسكرات أو المخدرات، أو يكون أثره في الدين بالغاً كترك الصلاة مثلاً فمثل هذا لا يجوز التنازل معه. طالب: هذه سائلة تقول: أنا أدرس في مدرسة وفي كلية أهلية فهل يجوز الغش في الامتحانات علماً أن الكلية تتبع أسلوباً تجارياً أي حصول نسبة كبيرة من الطالبات الراسبات من أجل تفادي الخسارة المالية؟

الغش هذا الذي يسميه الناس غش في الامتحانات هو في الحقيقة خيانة، خيانة للأمانة نسأل الله السلامة والعافية، سواء كان ممن باشر هذا الأمر بنفسه بأن أخذ الجواب من غيره أو ممن لقنه الجواب كلهم قد خانوا الأمانة، والخيانة هذه لا شك أنها من علامات النفاق، وإذا اؤتمن خان، وقد اؤتمن على هذا العلم سواء يستوي بذلك المدرس الذي يمكن الطالب أو المدرسة تمكن الطالبة، أو الطالبة التي تخون هذه الأمانة فتحصل على الأجوبة من غيرها، ولو كان من غير علم لمن قام عليها، فهذه خيانة لا تجوز بحال. طالب: هذا سائل يسأل يقول: كيف نوفق بين تربية الأولاد والزواج بالثانية، وهل يسقط حق الزواج بالثانية إذا كان يؤثر على تربية الأولاد؟ المسألة مسألة تسديد ومقاربة، فإذا كان لدى الإنسان القدرة على التعدد فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تزوجوا)) وأمر بالزواج، والله -جل وعلا- يقول: {مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} [(3) سورة النساء] فالتعدد من سنته -عليه الصلاة والسلام-، وقد توفي عن تسع نسوة؛ لكن غيره من أمته لا يجوز له أن يزيد على أربع فإذا كان الزواج من الثانية يتيح له فرصة الراحة والاطمئنان، ولا يؤثر على حياته العلمية والعملية لا شك أنه أفضل، وإن كان له تأثير على حياته العلمية والعملية أو يكون سبباً في الانصراف عن أولاده وتربيتهم وليس الداعي إليه قوياً فتركه أولى. طالب: السائل يقول: ما واجبنا وتوجيهكم تجاه ما يغزونا من تحرير للمرأة وتغريب للطفل؟

هؤلاء الدعاة دعاة الشر والفساد، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن هناك دعاة على أبواب جهنم، لا شك أنهم يريدون إفساد المرأة، تحرير المرأة يعني إفسادها، خروجها عن حدود الدين والعفة، لا شك أنهم خونة يريدون أن يعبثوا بأعراض المسلمين، ومحارم المسلمين ودعاواهم وإن لبست لباس النصح والشفق على المرأة لا شك أنها دعوات مغلفة، وهي في الحقيقة باطلة، ولنا فيمن جاورنا من البلدان الذين سعوا في هذا الباب، وقطعوا فيه شوطاً كبيراً عبرة وأسوة، علينا أن نعتبر ونزدجر لئلا نقع فيما وقعوا فيه، ولنا في نصوصنا من الكتاب والسنة الذي تأمر المرأة بالقرار وبالعفة والستر ما يكفينا عن الدعوات الوافدة. طالب: يقول: إذا أمرت أولادي وأهل بيتي بأمر من الأمور التي هي تطوع كصيام تطوع وقيام الليل وأبوا فألحيت عليهم بالزجر والضرب فهل فعلي صحيح؟ عليك أن تؤكد عليهم لكن لا تضربهم إلا على ترك الصلاة، وما عداها لا يضربون إلا على الواجبات، أما السنن فيوجهون إليها ويحرص عليهم ومع ذلك تبرأ ذمتك، وحاول بهم مرة ثانية وثالثة، وكلما جاء مناسبة مرهم بذلك ورغبهم فيه، واذكر لهم من النصوص ما يحثهم على ذلك، ولو جعلت لهم مسابقات وجوائز تحفزهم على هذا كان هذا وسيلة من وسائل القبول.

وجوب طلب العلم الشرعي وكيفيته

بسم الله الرحمن الرحيم وجوب طلب العلم الشرعي وكيفيته الشيخ/ عبد الكريم الخضير الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فلسنا بحاجة إلى بيان فضل العلم وشرفه، وإنما نذكر ما يتعلق بعنوان المحاضرة، فالمحاضرة عنونت بالوجوب، وجوب طلب العلم الشرعي. حكم العلم الشرعي: وهو علم الكتاب والسنة، وما يعين على فهم الكتاب والسنة، لأن الوسائل لها أحكام الغايات، فالأصل المطلوب من المسلم الاهتمام بالأصلين الكتاب والسنة، قد يقول قائل: لماذا يُعنى أهل العلم بالعربية، بأصول الفقه، بقواعد التحديث، بعلوم القرآن، وهي روافد؟ نقول: هذه دراستها وإن كانت وسائل إلا أنها خير ما يعين على فهم الكتاب والسنة، ولا يستطيع أحد أن يتعامل مع نصوص الوحيين إلا بعد معرفة هذه الوسائل. العلم الشرعي أهل العلم يطلقون في حكمه الوجوب الكفائي، بمعنى أنه فرض كفاية، وعنوان المحاضرة كأنه يفيد الوجوب العيني، والعلم والتعلم تنتابه الأحكام من الوجوب العيني والوجوب الكفائي، والسنية والاستحباب، وقد ينتابه بسبب ما يقترن به بقية الأحكام من الكراهة والتحريم، فيجب وجوباً عينياً على من تأهل له بحيث لا يوجد غيره في البلد، لأن وجود أهل العلم والعلماء الذين ينيرون الطريق، ويوضحون للناس ما يحققون به الهدف الشرعي من وجودهم، وهو العبودية لله -جل وعلا- أمر واجب على الأمة، ويتعين بالنسبة لبعض الأشخاص الذين لا يمكن أن يقوم إلا بهم، فهو من هذه الحيثية بالنسبة لأولئك الأفراد الذين تأهلوا له بحيث لو تركوه لما وجد غيرهم ممن يقوم به، هذا وجوب عيني يأثمون بتركه، وأما بنسبة لحكمه على العموم فهو فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، يقوم به من يكفي ويسقط الإثم على الباقين، ويصير في حكم الباقين سنة.

نأتي إلى كل فرد بعينة، كل فرد بعينه ما أوجب الله عليه من أعمال وأحكام يجب عليه أن يتعلم ما يقوم به هذا العمل وهذا الحكم؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فالصلاة واجبة، فتعلم أحكام الصلاة واجب، لأن هذا الواجب لا يقوم إلا بتعلم هذه الأحكام، الصيام واجب، معرفة ما يخل بهذا الفرض واجب، لأنه قد يتطرق الخلل إليه وهو لا يشعر فهو واجب يأثم بتركه، وهناك مسائل بين أهل العلم وجوبها، وأنها لا بد أن تكون معلومة لدى الخاص والعام، وهي ما علم من الدين بالضرورة. وجوب العلم الشرعي والمراد به: وجوب العلم الشرعي، وجوب العلم، أولاً: العلم المراد به في النصوص هو العلم الشرعي، هو العلم الشرعي المبني على الكتاب والسنة، هذا هو الذي جاءت النصوص بمدحه والحث عليه، وهو المورث للخشية لله -جل وعلا-، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [(28) سورة فاطر] قد يقول قائل، الناس يقولون الأقسام العلمية، والقسم العلمي والنظري، هذا التقسيم الاصطلاحي الحادث، يجعل علوم الدنيا من طب وهندسة وغيرها من هذه العلوم يسمونها علمي، وما عدا ذلك يسمونه نظري، علمي ونظري، أو علمي وأدبي، فيجعلون العلوم الشرعية التي جاءت النصوص بمدحها علوم نظرية، أو علوم أدبية، ويخرجونها من مسمى العلم العرفي، العلم العرفي، لكن النصوص التي جاءت في مدح العلم والعلماء المراد به العلم الشرعي المورث للخشية، قد يقول قائل: أن الخشية قد توجد عند طبيب وعند مهندس وعند مزارع وعند راعي غنم، أكثر مما يوجد عند بعض أهل العلم أما ما يجده الإنسان من نفسه من غير أهل العلم الشرعي، مما يورث الخشية سببه التفكر والنظر، وللأطباء من هذا النصيب الأوفر، التفكر والنظر الذي يورثه ما يورثه من خشية الله -جل وعلا-، ومعرفة آلائه هذا سببه التفكر.

كذلك الأعرابي في البادية إذا نظر في السموات والأرض نظرة تفكر واعتبار استفاد فائدة كبيرة، بينما قد يكون طالب العلم الشرعي، يطلب العلم عشر سنين عشرين سنة ما استفاد قلبه من هذا العلم، هذا سببه الخلل في كيفية التحصيل، نجد أو نشاهد من طلاب العلم، بل بعض ممن ينتسب إلى العلم من هو مخالف مخالفة ظاهرة لهذا العلم الذي يحمله بين جنبيه، هذا خلل، هذا يحرمه لذة العلم والعمل، فمثل هذا الذي يحمله مثل هذا الشخص الذي لا يستفيد منه هو في الحقيقة ليس بعلم، العلم الذي لا يورث صاحبه الخشية ليس بعلم لأن الأسلوب أسلوب حصر، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} يعني لا غيرهم، فالذي لا يفيده علمه خشية لله -جل وعلا-، وقرباً منه هذا ليس بعلم، ولذا يقول الله -جل وعلا-: {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ} [(18) سورة آل عمران] فعطف شهادة أولي العلم على شهادة الملائكة، المعطوفة على شهادة الله -جل وعلا-، فهذه أعظم شهادة، الشهادة على كلمة التوحيد، أعظم شهادة، أعظم مشهود به، لأعظم مشهود له، ولا يتحرى ولا ينتقى للشهادة بهذا الأمر العظيم إلا العظماء من الناس، يعني فرق بين أن تشتري سلعة رخيصة زهيدة تطلب لها أدنى شاهد، وأحياناً لا تشهد عليها لأنها لا تستحق، لكن إذا اشتريت سلعة نفيسة غالية الثمن تطلب لها من الشهود ما يثبت به العقد، بحيث لا يتردد أحد في ملكك لهذه السلعة، يعني هل من المعقول أن تشتري بيتاً بمليون ريال وأكثر، ثم تأتي بآحاد الناس من الشارع لا تعرف عدالته ولا تعرف ثقته يشهد لك بهذه الصفقة؟ لا يمكن، لا بد أن تبحث عن شخص تجزم بأن الخلل لا يتطرق إلى العقد مع وجوده، فهذه أعظم شهادة أعظم مشهود به، لأعظم مشهود له، أشهد الله -جل وعلا- عليه أهل العلم، فدل على أن أهل العلم هو الثقات الذين يتحملون مثل هذه الشهادة، وبمفهوم المخالفة الذين يحملون العلم وهم ليسوا من الثقات لا يستحقون أن يوسموا بهذه السمات الشريفة، ليسوا من أهل العلم، ولهذا جاء في الحديث: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله)) فالذي يحملون العلم الشرعي هم العدول، طيب قد يقول قائل: إن

آثار الفسق ظاهرة على بعض من ينتسب إلى العلم؟ نقول: ما يحملونه هذا ليس بعلم، هذا ليس بعلم، وإن اشتمل على مسائل شرعية بأدلتها، هذا في الحقيقة ليس بعلم؛ لأن العلم ما نفع، ويدل على ذلك قول الله -جل وعلا-: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ} [(17) سورة النساء] بجهالة، هل يقول قائل: أن الفاسق الذي يعرف حكم الزنا ويزني، ويعرف حكم شرب الخمر ويشرب، ولو عرف الحكم بدليله بأقوال العلماء، وما حده وما يترتب عليه والآثار المترتبة عليه، لو عرف هذا كله هل نستطيع أن نقول عالم؟ يعرف جميع الأحكام المترتبة على هذه المسألة ويعرف حكم هذه المسألة بأقوال أهل العلم بأدلتها، ويستطيع أن يوازن بين هذه الأقوال من خلال هذه الأدلة، ويرجح، هل نستطيع أن نقول: مثل هذا عالم؟ الله -جل وعلا- وصفه بأنه جاهل، فكل من عصى الله -جل وعلا- فهو جاهل، ولو حمل من العلم ما حمل، لأننا لو قلنا عالم لترتب على ذلك أنه لا تقبل توبته، والله -جل وعلا- يقول: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ} [(17) سورة النساء] طيب الذي يعرف الحكم عالم أو جاهل؟ في عرف الناس عالم، لكنه في الحقيقة ومن خلال مفهوم هذه الآية هو جاهل، فمهما حمل من العلم هو جاهل، لأننا لو قلنا: أنه عالم، لقلنا توبته غير مقبولة، للنص في الآية على أن التوبة لا تقبل من الجاهل، فدل على أن من يزاول المعصية جاهل، ولو كان من أعلم الناس بحكمها. فضل العلم:

العلم لا يحمله إلا العدول الثقات، ومن أعظم ما يستدل على فضله وشرفه، الآية التي سقناها آية آل عمران، ومن ذلكم قول الله -جل وعلا-: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [(11) سورة المجادلة] درجات، وهل نتصور أن الدرجات مثل درجاتنا في الدنيا التي يتخطاها الإنسان بسهولة؟ يعني عشرين سانتي الدرجة ثلاثين سانتي، لا، درجات، بين كل درجة والأخرى مثل ما بين السماء والأرض، الأمر ليس بالسهل وليس بالهين، يقول: هذا سهل درجتين ثلاث نفرط بها، لكن أين الدرجة الأولى من الثانية من الثالثة إلى مائة درجة؟ هذا شيء عظيم من تأمله بعين البصيرة أفنى عمره في تحصيل العلم، وليس بكثير أن يفني عمره بتحصيل العلم. يقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) يفقهه في الدين، أولاً إذا عرفنا الدين عرفنا المراد بالفقه، الدين بجميع أبوابه مما يدخل في مسمى الإسلام من الأحكام العملية والعقائد الداخلة في مسمى الإيمان، وما فوق ذلك من الصفات التي يمنحها الله -جل وعلا- لبعض عباده من مراقبته والتعبد على جهة الإحسان الذي لا يحصل لكل أحد، هذا هو الدين، ولذا لما سأل جبريل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الإسلام والإيمان والإحسان، قال -عليه الصلاة والسلام- في نهاية الحديث: ((هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)) فدل على أن الدين يشمل الثلاثة، الإسلام والإيمان والإحسان، فمن يتفقه في هذه الثلاثة التي تشمل جميع أبواب الدين، هو الذي أراد الله به خيراً، لأن بعض الناس يعنى بالفقه العملي من الأحكام والحلال في الأبواب الأربعة المعروفة عند أهل العلم الأرباع الأربعة العبادات والمعاملات والمناكحات والأحوال الشخصية والجنايات والحدود، يخصون الفقه بهذا، هذا اصطلاح عرفي خاص، لكن لا يعني أن المراد بالحديث هو هذا.

علم العقائد الفقه الأكبر، وتعلمه أهم من تعلم الأحكام مع أن الكل مهم، أبواب الدين الأخرى من التفسير والمغازي وسيرة النبي -عليه الصلاة والسلام- التي هي الترجمة العملية للإسلام والرقاق والفتن والاعتصام وغيرها من أبواب الدين؛ هذه في غاية الأهمية لطالب العلم، لكن نجد طلاب العلم عموماً في عزوف عنها، لأنهم على حد عزمهم، أنه لا يوجد داعي لدراستها داعي آني في الوقت الحاضر، الصلاة تحتاجها في كل يوم خمس مرات، وتحتاج من الصلوات الأخرى من النوافل أكثر من ذلك، فأنت تتعلم أحكامها هذا شيء طيب، هذا شيء طيب، لكن ماذا عن أبواب الفتن التي قد تعرض على قلبك فيقبلها وأنت لا تشعر؟ هذه في غاية الأهمية، ماذا عن كتاب الرقاق، كثير من طلاب العلم يأنف عن قراءته، ولا يود أن يصنف واعظ، هذا خطأ، خطأ عظيم، يا أخي ما الذي يحدوك إلى العمل بالأحكام، إلا كتاب المواعظ والرقائق، كيف تعمل بالأحكام التي تعلمتها إلا من خلال هذا الباب؟ وقل مثل هذا في جميع أبواب الدين ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) يعني بجميع أبوابه، فلا يكون شيء على حساب شيء، نحن نشاهد طلاب العلم في الجملة لا يعنون بكثير من أبواب الدين، ويهتمون بالأحكام العملية فقط.

طيب ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) الذي لم يتفقه في الدين هل أراد الله به شراً؟ الذي لا يتفقه في الدين هل هو ممن أراد الله به شراً، أو نكتفي بأن الله -جل وعلا- لم يرد به خيراً، لأن من عوام المسلمين ممن لم يتفقه في الدين، وضرب في نصر الإسلام والبذل للإسلام الشيء الذي يعد أضعاف ما بذله بعض من ينتسب إلى العلم، هل نقول: أن هذا أراد الله به شراً؟ يعني مثل بعض الأثرياء الأتقياء الذين يبذلون لنصر الدين، وينفقون على العلم الشرعي، ويسهلون أمره للناس، هل نقول: أن هؤلاء أراد الله بهم شراً؟ نكتفي بأن نقول: بأن الله -جل وعلا- ما أراد الله بهم خيراً من هذه الحيثية، وأراد بهم خيراً من جهة أخرى، لكن الخير المطلق إنما هو لمن جاء الوعد له في الحديث ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) ولا نقول: إن الله -جل وعلا- أراد به شراً، نعم لو كان أضاف إلى عدم تفقهه في الدين مزاولة محرمات ومنكرات وترك واجبات، نقول: هذا أراد الله به شراً، أما إذا كان من النوع العابد المخلص لله -جل وعلا-، ولو لم يتفقه في الدين وضرب في أبواب أخرى من النفع العام، كأن يجاهد في سبيل الله، ببدنه أو بماله أو ينصر الإسلام بماله أو بمقاله أو بجاهه هذا أراد الله به خيراً من هذه الحيثية، لكن الخير المطلق إنما هو بالتفقه في الدين، قد يقول قائل: من أراد الله به خيراً يفقهه في الدين، لكن أنا طلبت العلم عشرين ثلاثين، وعرفت من طلب العلم سبعين سنة وما أدرك شيئاً، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إنما أنا قاسم، والله المعطي)) فعلى هذا على الإنسان أن يبذل السبب، ولا يقول: أنا طلبت العلم سنين ما استفدت، عليك أن تستفيد وتستمر إلى أن يأتيك اليقين، لأن العلم من أعظم أبواب العبادة، بل يفضله أهل العلم على جميع ما يتعبد به بعد الفرائض أفضل نوافل العبادات تعلم العلم الشرعي، فعليك أن تستمر، ولو كان حفظك ضعيف، ولو كان فهمك أقل، مثل هذا لا يثنيك عن تعلم العلم الشرعي، ومع الوقت والإخلاص والحرص تدرك -إن شاء الله تعالى-، ولو لم تدرك في ذلك إلا الاندراج في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به

طريقاً إلى الجنة)) فأنت ألا تريد أن يسهل الله لك طريقاً إلى الجنة؟ ولو لم تدرك العلم، لأن الوعد في هذا الحديث ما رتب على العلم إنما على سلوك الطريق فقط، فأنت مجرد ما تسلك الطريق، ييسر لك الطريق إلى الجنة، ولو لم تدرك من العلم ما يكفيك أو لم تدرك شيئاً، لأن هذا الوعد ثابت لمجرد من سلك الطريق. فالعلم الشرعي في غاية الأهمية لكل مكلف، لكل مسلم ينتسب لهذا الدين، والعلماء الناس إليهم بأمس الحاجة بل الضرورة قائمة وداعية إلى وجود علماء، يمثلون لوجود العلماء بين أوساط الناس وعامتهم بمن؟ بقوم سلكوا وادياً في ظلام دامس وفيه أشجار وأحجار وسباع وهوام، وليس معهم من ينير لهم الطريق، في ظلام دامس، هؤلاء حيرى، فإذا جاءهم من بيده مصباح وتقدم عليهم واستناروا بنور مصباحه ما فضله عليهم؟ له فضل عليهم أو ما له فضل عليهم؟ السائر في الظلام ما يدري ماذا يواجهه؟ هل تنهشه حية؟ هل يتعرض لسبع يأكله؟ ما يدري، هل يمشي يمنياً أو شمالاً أو من الأمام، أو يرجع من طريقه؟ لا يعرف شيئاً، وهذا مثل عامة الناس، يتعبدون على جهل، فإذا جاءهم من يبين لهم وينير لهم الطريق الصراط المستقيم والتنظير مطابق، وإن كان المثال أقل من الممثل له؛ لأن هذا الذي مشى في الوادي المظلم إذا قل على أسوأ الاحتمالات تعرض لسبع أو نهشته حية فمات ماذا خسر؟ خسر الدنيا، لكن الذي يتعبد لله -جل وعلا- على جهل هذا يخسر الآخرة، ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) فإذا كان يتعبد على جهالة على غير مراد الله -جل وعلا- ومراد رسوله -عليه الصلاة والسلام- فإن مثل هذا يخسر الآخرة، ومجرد حسن القصد لا يكفي، بل لا بد أن تكون العبادة على بصيرة، والدعوة لا بد أن تكون على بصيرة، {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [(108) سورة يوسف] فلا بد من أن تكون العبادة على بصيرة على نور من الله على مراد الله، وأن تكون الدعوة كذلك. أهمية العلم الشرعي لمن يشتغل في مجال الطب:

نأتي لمن يعمل في مجالكم، في المستشفيات، ويعالجون المرضى، من أطباء ومساعديهم وغيرهم، هؤلاء العلم الشرعي في غاية الأهمية لهم، لأن مجتمعهم لا يسلم من شيء من التعرض للفتنة، فإذا كان الإنسان عنده من العلم الشرعي ما يورثه الخشية لله -جل وعلا-، ينجو من هذه الفتنة ويوفق ويسدد، هذه من جهة، الأمر الثاني أنه قد يطرأ له أحكام تتعلق بالمريض، وتتعلق بكيفية معاملته للمريض لا يعرفها إلا إذا كان عنده قسط كافي من العلم الشرعي، فالأطباء ومعاونوهم في أمس الحاجة إلى العلم الشرعي، وكذلكم هم أيضاً بأمس الحاجة إلى دعوة من يعالجونه ومن يحتاج إليهم؛ لأن المريض كالغريق، يريد بس من يأخذ بيده، أنت إذا كان الإنسان لديك له حاجة تستطيع أن تملي عليه ما شئت، طبيب يعالج مريض، افترضنا أنه حالق لحيته، فجاء الطبيب الذي يرى هذا المريض أنه بالنسبة له كل شيء، يريد أن ينقذه من هذا الغرق الذي هو فيه، من هذا المرض، لو قال له: يا أخي ماذا تستفيد من حلق اللحية، والنصوص التي جاءت في تحريمها معروفة؟ لو قال: أنت مسبل، ماذا تستفيد من كون ثوبك يكنس الأرض وينظفها؟ أنت في غنية لست بحاجة إلى مثل هذا، فهو يقبل من الطبيب، يقبل من صاحب المواعيد، ويقبل من كل أحد في هذا المجال. فعلينا أن نستغل هذا الظرف، وهذه الفرصة التي سنحت ويسرها الله -جل وعلا- لنا، لو يجي عالم مثلاً ينصح له مريض مثلاً، ويعرف أنه ما يعرف من الطب شيئاً، قال: وش دخلك؟ هذا شأني، لكن لو جاء شخص هو محتاج إليه لا شك أنه يقبل منه، فلا نفوت مثل هذه الفرص، لا التعلم لأننا بحاجة ماسة إليه، ولا الدعوة ولا الصبر، لا بد أن نعرف كيف نتعامل مع المريض؟ المريض مسكين، أصيب بهذا الداء، لا بد أن نربطه بالله -جل وعلا-، وأن نوسع الآمال بسعة رحمة الله -جل وعلا-، وأن مفاتيح الأمور كلها بيده، ولا نعلقه بمخلوق، ولا نعلق هذا المريض بمخلوق، لأنه احتمال ألا يخرج من المستشفى يموت، فيموت على هيئة حسنة، وتعلق بالله -جل وعلا-، وحسن ظن به، ويكون في ميزان حسنات من وجهه إلى هذا.

فالعلم والدعوة لا بد منهما لمن يعمل في هذا المجال، ولغيرهم، لكن نحن بصدد الكلام مع الأخوة العاملين في هذا المجال، هناك أحكام كثيرة تتعلق بالمرض والمرضى، وكيفية التعامل معهم وتوجيههم إلى أن يعبدوا الله -جل وعلا- حسب استطاعتهم هذه لا يدركها إلا من اعتنى بالعلم الشرعي، والأمر ميسور، يعني لا يتطلب منا أن نترك العمل نأخذ إجازة استثنائية لمدة ستة أشهر مثلاً، وأن نطلب العلم على المشايخ ونلازم الحلق، ثم بعد ذلك نرجع إلى عملنا لئلا نفصل مثلاً ثم بعد ذلك نأخذ إجازة استثنائية لا لا، ما يلزم هذا كله، الأمر في عصرنا متيسر جداً، والعلم سهل مذلل، لكن يحتاج إلى مبادرة منا، العلم لا يأتي إلى أحد، بالإمكان أن يكون الإنسان مع عمله الرسمي يحضر ما تيسر له من الدروس التي لا يكلفه الذهاب إليها قريب من بيته، والدروس -ولله الحمد- منتشرة وبكثرة كاثرة، في كل حي دروس، هذا لا يكلفه شيء، قد تكون الدروس بعد صلاة الصبح، قبل دوامك، ما الذي يمنعك من الحضور؟ قد تكون الدروس بعد المغرب، بعد انتهاء الدوام، قد يقول القائل منكم: إن الدوام الطبي يختلف عن الدوام الوظيفي العادي، الوظيفي العادي معروف من سبع ونصف إلى ثنتين ونصف وينتهي، لكن الطب لا بد أن يكون موجود على الأربعة والعشرين ساعة نقول كذلك، لكن ليس مطلوب من كل شخص أن يعمل أربعة وعشرين ساعة، نعم والمهنة شاقة ومتعبة، لكن مع ذلك إذا عرفنا شرف المطلوب ضحينا بكل شيء، يعني نقتطع له جزء من الوقت ولو ساعة في اليوم، لتعلم العلم الشرعي، وبعد صلاة الصبح، وقبل الدوام هذا يدركه كل أحد، يعني بعد صلاة الصبح لمدة ساعة حتى تنتشر الشمس أو ساعة وربع هذا لو استغله الإنسان بقراءة حزبه وورده من كتاب الله -جل وعلا- على الوجه المأمور به بالتدبر والترتيل ومراجعة كلام أهل العلم فيما يشكل علينا فهمه من كتاب الله -جل وعلا- هذا ليس بكثير، بل أنا أجزم بأن هذا خير ما يعين على أداء العمل، ويكون في آخر النهار مدة ساعة أخرى للنظر في سيرة النبي -عليه الصلاة والسلام- والفقه العقائد وغيرها.

الأمر الثاني: أن الآلات والأجهزة يسرت الآن بإمكانك أن تحضر الدروس وأنت في بيتك، وأنت جالس في بيتك من خلال الأشرطة والإنترنت وغيره. تأتي إلى المتن الذي يشرحه هذا العالم، وليكن مثلاً كتاب التوحيد، فتحضر المتن وتسمع الشرح من الشريط، أو من خلال الشبكة، وتنظر في المتن تقرأ المتن أكثر من مرة قبل أن تسمع الدرس وتفهم المتن معناه كلمة كلمة من خلال ما تسمع من شرح، والأمر ميسور -ولله الحمد- وهذا في جميع العلوم، وكثير من الناس أدرك من العلم أكثر مما يدركه من يزاحم العلماء وهم في بيوتهم، بل تأتينا الأسئلة التي تدل على الفهم الدقيق من كندا واستراليا في آن واحد، من خلال الشبكة، ونحن في الدرس، فالأمر متيسر، وليس لأحد عذر، فعلينا أن نعنى بهذا الجانب وهذا لا يكلفنا شيء، وإذا عرفنا لا بد أن نعرف أولاً شرف المطلوب، يعني لو قيل لك مثلاً: اذهب كل عصر إلى الحراج، ترزق، أنت راتبك قد لا يكفيك ويكفي أولادك، تروح إلى الحراج، تقول: يا أخي أيش أتردد إلى الحراج عشرين ثلاثين كيلو وأنا رايح جاي، أيش باحصل في الحراج؟ أثاث متكسر أو شيء ما يسوى التعب، لكن إذا عرفت شرف المقصود، وهو العلم الشرعي، الذي أشهد الله -جل وعلا- أربابه وأصحابه على الشهادة له بكلمة التوحيد، عرفت أن جميع ما تبذله من أجل تحصيل هذا العلم فهو رخيص، يعني ما يستحق الذكر بالنسبة لما تحصله.

هناك كتب ألفها أهل العلم بلهجة العصر، صارت سهلة وميسرة، بإمكان المتعلم أن يقرأ فيها ويستفيد، نعم كانت المتون صعبة، كانت المتون صعبة، لا يدركها كثير ممن يقرأ فيها من غير أهل الاختصاص، الآن صارت العلوم ميسورة، سهلة ميسرة، يعني من كان يتطاول على زاد المستقنع من غير العلماء وطلاب العلم حتى يسر الله له الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- فشرحه بالشرح الممتع، الشرح الممتع يفهمه الناس كلهم، لأن الشيخ -رحمه الله تعالى- ذلل الله له كيفية التعليم وإيصال المعلومات، فنستفيد فائدة من هذا الكتاب الملخص الفقهي، كتاب يستفيد منه كل من يقرأ ويكتب، فلا عذر لنا ولا حجة لنا في أن نترك، يعني لو المسألة متن الزاد، نقول: هذا صعب على المتعلمين، لكن شرحه للشيخ ابن عثيمين مفهوم، شروح الشيخ ابن جبرين وشروح المشايخ كلها سهلة ميسرة، نفهما ونحن في البيوت، لكن نحتاج مع ذلك إلى أن نطلع درجة درجتين ثلاث، في علوم الآلة حتى نستطيع أن نتعامل مع النصوص على الطريقة العلمية المعروفة عند أهل العلم، وهذا أيضاً أمر يسير، ولله الحمد، لأن هذه العلوم شرحها هؤلاء العلماء ويسروها لطلاب العلم، فكيفية التحصيل تتم بحضور الدروس وبالمطالعة الخاصة بهذه الكتب التي ألفت بلغة العصر، ولهجة العصر بحيث يفهما كل أحد، بحضور الدروس بالبدن ومزاحمة الشيوخ والإفادة منهم مباشرة أو من طريق الآلات لمن لا يستطيع ذلك، فالأمر متيسر -ولله الحمد- وبإمكان الشخص أن يكون عالماً من خلال هذه الآلات، نعم قد يحتاج إلى أن يستفهم، بإمكانه أن يرفع سماعة التلفون ويسأل أي عالم يحل له هذا الإشكال، وقد يقول قائل: أن العلماء مشغولون نتصل ولا يردون، نعم التقصير موجود، وأيضاً العدد غير كافي لحاجات الناس، لأنه كان في السابق العالم الواحد يغطي البلد لأن السواد الأعظم عوام، لا يحتاجون إلى أسئلة إلا فيما يقع لهم، الآن لا، السواد الأعظم متعلم، ويسأل عن كل ما يشكل عليه، فصار في كثرة في الطلب على أهل العلم، مع كثرتهم، صار الطلب أكثر من طاقتهم، فعلينا أن نعنى بهذا الباب، وهذا الشأن، ومن الأطباء في السابق من ضرب أطنابه في العلم الشرعي، وصار بحيث يعد من العلماء الكبار في

جميع أبواب العلم في التفسير في الحديث في الفقه، في العقائد في كل باب من أبواب الدين وهم أطباء، يعني شهرتهم في الطب طبقت الآفاق، فمثلاً -أنا أوردت مثالين- لاهتمام وعناية الأطباء بالعلم الشرعي، عندنا شخص يقال له: ابن النفيس ولا أخاله يخفى على أحد منكم، هذا من كبار الأطباء، ابن النفيس علي بن أبي الحزم القرشي، علاء الدين ابن النفيس الطبيب المصري صاحب التصانيف في الطب كالموجز، الموجز مطبوع معروف، شرح الكليات وغيرهما، يقول السبكي في طبقات الشافعية، كان فقيهاً في مذهب الشافعي، صنف شرحاً على التنبيه، التنبيه متن من متون الشافعية لأبي إسحاق الشيرازي، وصنف في الطب كتاباً سماه الشامل، قيل: لو تم لكان ثلاثمائة مجلد، تم منه ثمانون مجلداً، وصنف في أصول الفقه وفي المنطق وفي الفقه والعربية والحديث، يعني أقوال ابن النفيس في كتب المصطلح تدور بكثرة، يعني مثلما يدور كلام ابن حجر والعراقي وغيرهم من أهل الحديث في كل باب يذكر رأي ابن النفيس في علوم الحديث، وهو طبيب صنف الشامل أتم منه ثمانين مجلد. وبالجملة كان مشاركاً في فنون كثيرة، قلت: ومنها علوم الحديث، فأقواله الكثيرة تدور في كتب المصطلح، وعناية العلماء بأقواله تدل على رسوخه في العلوم الشرعية، يقول السبكي: وأما الطب فلم يكن على وجه الأرض مثله، لأن بعض الناس يقول: لو اتجهت إلى العلم الشرعي ضعفت في تخصصي، نقول: هذا ليس بصحيح، لأنك قد تتجه إلى العلم الشرعي، وتنظم وقتك وترتب أمورك ولا تتأثر في تخصصك، وأما الطب فلم يكن على وجه الأرض مثله، قيل: ولا جاء بعد ابن سيناء مثله، قالوا: وكان في العلاج أعظم من ابن سيناء، توفي سنة سبع وثمانين وستمائة.

من الأمثلة ما ذكره السخاوي في فتح المغيث، قال: "إن الرئيس المتطبب يوسف بن عبد السيد بن المهذب إسحاق بن يحيى الإسرائيلي، يهودي، المعروف بابن الديان، سمع الحديث في حال يهوديته، مع أبيه من شمس الدين محمد بن عبد المؤمن الصوري" هو سمع الحديث حال يهوديته، طيب قد يقول قائل: كيف يستفيد وهو يهودي؟ بأي نية يطلب الحديث وهو يهودي؟ قال السخاوي: "وكتب بعض الطلبة اسمه في الطباق" الطباق تدوين الأسماء، أسماء الطلاب الذين حضروا على هذا الشيخ من أجل أن يجيزهم بالرواية عنه "وكتب بعض الطلبة اسمه في الطباق في جملة السامعين، فأنكر عليه" أنكر على هذا الطالب الذي كتب هذا اليهودي في الطباق، وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن ذلك فأجازه، قال: اكتبوا اسمه، لأن كتابة اسمه ما تضر، وكونه يتلقى في حال كفره، هذا لا يمنع وتلقيه للعلم في حال اختلال الشرط صحيح، لكن العبرة فيه في حال الأداء، عندنا حال تحمل وحال أداء، حال التحمل للعلم ولو كان فاسقاً، يتحمل العلم ويطلب العلم لكن بعد ذلك لا يقبل منه هذا العلم حتى تنطبق عليه الشروط، فيصح تحمل الكافر، يتحمل العلم، وفي الصحيحين وغيرهما أن جبير بن مطعم أتى في فداء أسرى بدر وهو كافر، فسمع النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأ في صلاة المغرب بالطور، تحمل حال كفره، ثم لما أسلم أدى هذه السنة فقبلت عنه، خرجت في الصحيحين وغيرهما. سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن ذلك فأجازه، ولم يخالفه أحد من أهل عصره، بل ممن أثبت اسمه في الطباق الحافظ المزي، -رحمه الله تعالى-، ويسر الله تعالى أنه أسلم بعد، وسمي محمد، وأدى وسمعوا منه، وممن سمع منه الحافظ شمس الدين الحسيني، وغيره، نقول: هذا طبيب وغير مسلم يُسمع منه الحديث، ومع ذلك يكتب اسمه في الطباق، ومع السامعين لكن لا تقبل روايته حتى يسلم، لأن من شرط الرواية العدالة، والكافر ليس بعدل.

ابن الديان هذا ترجمه الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة فقال: "يوسف بن عبد السيد بن المهذب إسحاق بن يحيى الإسرائيلي، كان يهودياً فأسلم مع أبيه سنة إحدى وسبعمائة، وقد سمع مع أبيه ومحمد بن عبد المؤمن الصوري، وحدث عنه، وكان ماهراً في الطب، قليل الانطراح على الدنيا، إذا حصل كفايته في أول النهار توجه إلى النزاهة -يعني في حال يهوديته يستريح ويتعبد بما يظنه صواباً، وإن كان خطأ محرفاً، لكن جُبل على هذا- يقول: كان ماهراً في الطب قليل الانطراح على الدنيا، إذا حصل كفايته في أول النهار توجه إلى النزاهة لا يخل بذلك - ولعل هذا ازداد بعد إسلامه، بحيث يزاول الطب في أول النهار، ثم بعد ذلك يتجه إلى العبادة- مات في شهر رمضان سنة سبع وخمسين وسبعمائة. ومن هذا نأخذ دروس، نقول: إذا كان هذا يهودي، ويسمع الحديث لأن الحديث كلام من لا ينطق عن الهوى، محبب إلى النفوس، فكيف بالقرآن الذي هو كلام الله -جل وعلا-؟! كلام الله -جل وعلا- الذي من كان يقرؤه كأنما يخاطب الرحمن، يخاطب الله -جل وعلا-، لكن علينا أن نقرأ القرآن على الوجه المأمور به، نتدبر ونرتل ونتفهم ونراجع كلام أهل العلم لنفهم، ونستفيد من القرآن الفائدة المرجوة. في ترجمة هذا لفتة، وهي أن كثيراً من الأطباء وهم كغيرهم ممن يزاول أمور الدنيا من وجوه الكسب، تجده إذا زاد دخله زاد تعبه وعمله، فإذا كان طبيب عادي تجده عمله أقل ممن فوقه، أقل من استشاري، لماذا؟ لأن الدخل أقل، فلا يغري بأن الإنسان ينهمك في هذا العمل ويكثر منه، لكن إذا ارتفع شأنه صار استشاري وقصد من جميع الناس تجد عمله كله مشغول بهذا الأمر، فلا يصرف لما يصلح قلبه شيئاً من وقته.

نرى الأطباء الكبار باستمرار أربعة وعشرين ساعة مشغولين، لماذا؟ لأن الدخل أعظم، تجده يحصل على الأموال الطائلة من خلال هذه المهنة، وينكب جانباً عما يتعلق بقلبه، وما يصلح دينه، وما يقربه إلى الله -جل وعلا-، فمثل هذا لا ينسى الله -جل وعلا-، نعم هو مطلوب بألا ينسى نصيبه من الدنيا، لكن هو خلق لهدف لا بد من تحقيقه والعبودية لله -جل وعلا- وبإمكانه أن يزاول العبودية من أبواب الدين المتنوعة، فتنوع العبادات من نعمة الله -جل وعلا- على المكلفين، فبإمكانه أن يتعبد بالصلاة يتعبد بالصيام، يتعبد بالإنفاق في سبيل الله -جل وعلا-، من خلال ما يكسبه من هذه المهنة تأدية لشكر هذه النعمة، بإمكانه أن ينفع الآخرين، فالطبيب عليه مسؤولية عظمى، فلا ينهمك في مهنته التي تدر عليه شيئاً من حطام الدنيا وينسى ما خلق من أجله، على الأطباء أن يبذلوا من أوقاتهم لنفع الناس، يعني لا يقال للطبيب مثلاً: أنت افتح عيادة أربعة وعشرين ساعة تبرع لنفع الناس، نقول: لا تنسى نصيبك من الدنيا، لكن أيضاً لا تكن الدنيا همك، يعني ابذل نفسك لنفع الناس، يعني وأنت في المسجد تصلي مع الناس، رأيت على واحد من الجيران آثار التعب، أو آثار مرض لم يحس به، وأنت تعرف أن هذه أعراض مرض، أنت تعرفه تنصحه وتسدي له النصيحة، ولو لم يطلب منك، فضلاً عن كونه يطلب منك. فعلى هؤلاء الإخوان كغيرهم من العاملين في المجالات الأخرى أن يصرفوا من أوقاتهم لنفع الناس في أمور ما يحسنون، أنت طبيب تحسن أن تسدي النصيحة لهذا الشخص المريض لا تتردد يا أخي، والدنيا أنت ما خلقت من أجل الدنيا ليكون عملك كل كلمة لها مقابل، فإذا وجدت من يحتاج إلى بذل النصيحة سواء كان من الأقارب أو من الجيران، أو ممن يرد عليك ممن ليس من الأقارب ولا الجيران، وعرفت أنه بحاجة إلى هذه النصيحة فالدين النصيحة، وأنت تسعى لهذا العمل بنية أن يمتع الله -جل وعلا- هذا الشخص بصحة وعافية ليعبد الله -جل وعلا-، ويكثر سواد من يتعبد لله -جل وعلا-، وتستغل مثل هذه النصائح لهؤلاء الناس في مجال الدعوة إلى الله -جل وعلا-، أجرك عظيم، أنت حينئذ مجاهد.

فعليهم أن يقتطعوا من أوقاتهم لاستقبال الناس وسماع شكواهم وأمراضهم ويشير بما ينفعهم مجاناً بادئين بالأقربين، ولا يحملهم الحرص على الدنيا أن ينشغلوا بوظائفهم وعياداتهم عن مثل هذا العمل التطوعي الذي يجدون ثوابه عند الله -جل وعلا-، وهو من أقرب وسائل الدعوة، والمريض يقبل ممن ينفعه في هذا الباب، أكثر مما ينفعه في باب المال، وإن كان المال بذله ينفع في الدعوة نفعاً كبيراً.

أيضاً مما يشار به على الأطباء أن ييسروا هذا العلم لمن احتاجه بتأليف مؤلفات مبسطة، فيها مبادئ هذا العلم يستفيد منه كل من يقرأ ويكتب، بذكر بعض الأمراض المنتشرة بين الناس، وذكر أعراضها، وما ينفع فيها من الأدوية والأغذية، وما لا ينفع بل يضر فإذا وجدت هذه الأمراض وذكرت أعراضها بأسلوب سهل يفهمه عادي الناس، وذكر ما ينفع في علاجه من الأغذية وما يضر استعماله من الأغذية بالنسبة لهذا المرض، وكذلك الأدوية التي ليست لها آثار جانبية على أن يربطوا في مثل هذا المجال بالأطباء، وألا يستغنوا بهذه الكتب، لأن الإنسان قد يستعمل الشيء على غير وجهه، بل يحرص أن يكون مثل هذه الكتب سهلة ميسرة تفيد الناس وتعينهم؛ لأن ما كل الناس يستطيع أن يبذل الأموال من أجل العلاج، تعرفون الآن العلاج مرتفع القيمة، كثير من الناس الذين دخلهم متوسط وعوائلهم كبيرة، لا يستطيعون أن يغطوا ما يحتاجون إليه من علاج وما تحتاج إليه أسرهم، فمثل هذه الكتب تيسر، الكتب قليلة في المكتبات، نعم موجودة لكنها قليلة، وبعضها كتب قديماً، يعني من سنين، من خمسين من ستين سنة، تغير كثير من النظريات الطبية، وبعضها إذا وجد شيء حديث لكن باهض القيمة، أنا وجدت في مجلد واحد مكتوب عليه 120 ريال، لطبيبة ألفته في بعض الأدوية والأغذية والأمراض، فهذا باهض الثمن يعني لو كان كتاباً شرعياً كان بعشرة ريالات، فكيف يكون بهذه القيمة؟ لا بد من التيسير على أمور الناس، والأطباء لا يجعلون الناس يلجؤون إلى كتب الطب القديم، إذا ما وجد الإنسان شيء ميسر مبسط يفيده في هذا المجال، لا بد أن يبحث عن أي كتاب في الطب يستفيد منه، القانون لابن سيناء، كان معول الأطباء الشعبيين عليه، والنووي -رحمه الله تعالى- يقول: جرى في خاطري أن أنظر في كتب الطب، فاقتنيت كتاب القانون لابن سيناء، يقول: فأظلم قلبي، وصرت لا أستطيع الحفظ، ولا أفهم كلام العلماء، فأخرجت الكتاب، فعاد إلي ما كنت أعهده من نفسي، نعم، صاحب الكتاب معروف وضعه في ميزان الشرع، يعني ملحد زنديق، بكل صراحة، ما يحتاج إلى أن نجامل في هذا الباب، يعني لو نقرأ كلام شيخ الإسلام وابن القيم وغيره فيما يتعلق به وجدنا أنه ضال، نسأل

الله السلامة والعافية. الأطباء الشعبيون وكثير ممن ينتسب إلى العلم في العصور المتأخرة معولهم في الطب على كتاب اسمه: التذكرة، لداود الأنطاكي، التذكرة في هذا المجلد الكبير فيها بعض الأمراض، وفيها بعض الأدوية، التي تعالج بها هذه الأمراض، سواء كانت مركبة أو مفردة وفيها أغذية، تنفع في هذه الأمراض، لكن كثير من الأدوية لا يعرف كثير من النباتات التي يصفها لا تعرف أسماؤها، فلا يستفاد من هذا الكتاب، كثير من الأغذية التي ذكرها إنما ذكرها لمجرد أنها جربت مرة واحدة فنفعت لهذا المريض، لكن ماذا عن بقية المرضى، احتمال أن يكون هذا المريض عنده مضاد لهذا الغذاء، أو عنده قابلية لمرض آخر بسبب هذا الغذاء، أولاً: وعورة معرفة الأدوية والأغذية التي يذكرها لأن المسميات تغيرت، الأمر الثاني: أن التجارب ناقصة، ليست عن استقراء تام، كما هو شأن الطب الحديث، لأنه قد يجرب هذا الدواء نفع لفلان، فيظنه ينفع لجميع الناس والأمر ليس كذلك، قد يكون الإنسان مصاب بمرض آخر يزيده هذا العلاج أو هذا الغذاء يزيد مرضه الثاني، فيحصل عنده تعارض، فمطلوب من الأطباء أن يبذلوا في هذا المجال شيئاً ييسر للناس، ما كل الناس يرغب في مراجعة المستشفيات، بعض الناس يمكن يصاب بعاهة أو بأمر عظيم ولا يراجع، إما لكونه لا يرغب في هذا، أو لكون التكلفة عليه كبيرة لا يستطيعها. إضافة إلى أن هذه الكتب فيها شعوذة، وفيها طلاسم، وقع بسببها كثير من الناس في السحر والاستعانة بالشياطين وهو لا يشعر، لأنها ألفت في عصور مظلمة، والكتاب هذا مشحون من الطلاسم، وفيها أيضاً استعانات، وفيها تعلق بحيوانات أو بطيور أو بأجزاء من الطيور، من وضع رأس الهدهد في وسادته صار له كذا، وعوفي من كذا، من استعمل كذا، مما يستعان فيه بغير الله -جل وعلا-. وفيه أيضاً أرقام وحروف وأشياء هي إلى السحر أقرب، مثل هذه الأرقام، وفيها حروف مقطعة لا يدرى، وفيها كلمات هي إلى السحر أقرب، فلا نجعل عامة المسلمين يرجعون إلى مثل هذه الكتب، ونحن لدينا القدرة في تصنيف ما ينفع الناس في هذا المجال، والله المستعان.

الإخوة العاملون في المجال الطبي، وما يعنيه وما يساعد عليه من معاونين يعملون في أماكن فيها تعرض لشيء من الفتن، سواء كانت من المرضى المراجعين لتباين مستوياتهم في العلم وفي التدين، أو كانت من العاملين، لأن العمل يرون أن من ضرورته أن يختلط الرجال بالنساء، مع أنه لا داعي لذلك ولا ضرورة له، لكن هم يدعون هذا، العامل في هذا المجال يتعرض لفتن، فعليه أن يكون داعية خير، وأن يحول بين الناس وبين هذه الفتن بقدر استطاعته، فهذا المجال وهذا المرفق الحيوي المهم الذي يحتاجه جميع الناس فيه ما فيه وكثير من الأخيار يتضايق من مراجعة الأطباء في المستشفيات من أجل هذا، حتى في العيادات الخاصة يجد ما يجد، التبرج على أشده في هذه الأماكن. فعلينا أن نبذل النصيحة لكل من نراه مخالفاً، سواء كان من الذكور أو من الإناث، سواء كان من العاملين في القطاع أو من الواردين عليه، من مرضى ومن زوار وغيرهم، والإنسان الحريص على نفسه يتضايق عند مراجعة المستشفيات، وهذا ليس بسر، أمر مكشوف عند الناس كلهم، كل الناس يعترف بهذا، فعلينا أن نسعى جاهدين لتقليل هذا الشر بقدر الإمكان، لأنه قد يقول قائل: أنه ليس بالإمكان أن يفصل الأطباء عن غيرهم من الذكور، الذكور عن الإناث، أو ما أشبه ذلك، نعم المرضى الرجال على حدة، والنساء على حدة، لكن تجد الاشتراك أحياناً في مكتب مواعيد أو شيء من هذا، أو أسياب وطرقات ويتعرض بعض الناس للمضايقة ويتضايق بعض الناس من بعض المناظر، فعلينا أن نكون دعاة هدى في هذا الباب، وأن نحول بين مثل هذه المخالفات وبين أصحابها، ولا يفتح المجال للشيطان وأعوانه أن يستغلوا مثل هذه الفرص. وجد مخالفات وعند الإخوان في الحسبة رصد لما يحدث في بعض المستشفيات وبعض المستوصفات الأهلية شيء كثير، لأن الرقابة عليها أقل، فعلينا أن نكون دعاة خير وهداة، نبذل النصيحة لكل أحد، ولنا الأجر العظيم من الله -جل وعلا-، فمن دل على هدى فله مثل أجر فاعله، فلنحتسب الأجر من الله -جل وعلا-. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. جزى الله الشيخ خير الجزاء، ونستأذنه بعرض بعض الأسئلة، جزاه الله خيراً. تفضل.

أولاً: أيها الأخوة هناك بشرى يقدمها مدير إدارة التوعية الدينية -جزاه الله خيراً- أنه سيكون هناك دورة علمية لفضيلة شيخنا الدكتور عبد الكريم الخضير في شرح كتاب الطب والمرض من كتاب صحيح البخاري -رحمه الله- وسيعلن عن وقتها لاحقاً -بإذن الله تعالى- ونحن نتقدم بالشكر الجزيل لشخينا على موافقته لإقامة هذه الدورة، فجزاه الله خيراً. فضيلة الشيخ: كثرت الأسئلة -حقيقة من الأخوة الحضور- عن كيفية طلب العلم، وكيفية التدرج في هذا العلم، وما هي الكتب المصنفة في ذلك العلم؟ ويذكر كثير من الأخوة العوائق حيث أن بعضهم يذكر أن الدوام الرسمي ينتهي الساعة الرابعة، ويسألون أسئلة كثيرة حول هذا الأمر، وجدوى تفريغ بعض الأشرطة أشرطة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- وسماحة الشيخ العلامة محمد بن عثيمين -رحمه الله-، فنرجو التفضل حول هذه الاستفسارات.

الجواب: ذكرنا في أثناء المحاضرة إلى أن الأمر -ولله الحمد- في غاية اليسر والسهولة، لكن لا يعني أن الأطباء يتركون عملهم ويتجهون بكليتهم إلى دراسة العلم الشرعي، أنا أقول: الأمر تيسر عن السابق، في السابق ما فيه أبداً وسيلة للتحصيل إلا أن تجلس بين يدي الشيوخ، الآن بإمكانك أن تجلس في حال الضرورة في علم لا تحسن التعامل معه مع الشريط أو الكتاب بإمكانك أن تحضر لهذا العلم، لكن مع ذلك في تصوري أن العلم ميسر، بالنسبة لمن يعمل في هذا المجال على وجه الخصوص، أولاً: لأن من يعمل في هذا المجال من الأطباء هم في الأصل مؤهلون، يعني هم من النخبة ممن يتعلم القراءة والكتابة ويتدرج في التعليم لأنه يطلب لمن يريد الدخول في هذا المجال نسب عالية فالتأهيل الغريزي موجود، يعني يمكن أن يوجد طبيب ما يفهم؟ ما يمكن، لأن الأصل الشرط الأول من شروط القبول في هذا المجال أن يكون نسبته عالية جداً، ولا يمكن أن يحصل على نسبة عالية إلا إذا كان متصفاً بالأسباب الغريزية التي هي المقومات الأولى للتحصيل كالحفظ والفهم، الحفظ والفهم، نعم هم لم يتجهوا إلى العلم الشرعي، فإذا ناظروا بعض طلاب العلم وإن كان دونهم في الفهم والحفظ لا شك أنهم يفوقهم من طلب العلم الشرعي في هذا الباب، لكن مع ذلك هم مؤهلون لأن يحصلوا العلم فيبدأوا بالكتب الصغيرة؛ لأن الكتب صنفت من قبل أهل العلم على طبقات، تبعاً لطبقات المتعلمين، فالمبتدئون لهم كتب، وطبيب استشاري في الخمسين من عمره أراد من الآن أن يطلب العلم الشرعي، لا يأنف أن يكون طالب علم مبتدئ وأيش المانع؟ يقرأ في الكتب الصغار، لأنه إن لم يتنزل ويتواضع ويعرف قدر نفسه لن يتعلم، لأن هذا العلم لا يدركه مستح ولا مستكبر، لأن بعضهم يقول أنا استشاري خمسين أو ستين كيف أجلس مع طلاب صغار؟ نقول: تجلس يا أخي، أنت جلست من أجل أيش؟ من أجل شرف الدنيا والآخرة، فعليك أن تتحمل، لكن في مجال آخر أنت إمام في بابك، وهذا لا يعني أنك صغير في أي مجال من المجالات لكن مع ذلك تواضع واطلب العلم من الكتب الصغيرة، مع الطلاب الصغار، ثم بعد ذلك تنتقل إلى كتب الطبقة الثانية من المتوسطين من طلاب العلم، وبهذا تتدرج، أما شخص يقول:

أنا والله استشاري ما عندي استعداد أجلس مع الصغار، أو أقرأ في متون صغيرة، أنا أريد الكتب الكبيرة، نقول: لا يا أخي، لن تدرك شيئاً، لن تستطيع أن تطلع السطح بدون سلم، لا بد أن تتدرج على ما اختطه أهل العلم لكيفية التحصيل تبدأ بكتب الصغار المتعلمين المبتدئين ثم المتوسطين ثم المتقدمين المنتهين إلى أن تصير عالم. وإذا رتب الإنسان نفسه وجهده وأتى العلم من أبوابه واتصف بما يعينه على طلب العلم من التواضع والحرص لا بد من التواضع، هذا العلم لا يدركه مستكبر إطلاقاً {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ} [(146) سورة الأعراف] فالذي يتكبر لا يدرك العلم، قد يقول قائل: إحنا والله نشوف بعض العلماء ينهر الناس، وقد يدعوه شخص ولا يلتفت، أو يسلم عليه ولا يرد عليه بكلام يسمعه، قد يرد عليه بكلام ما سمعه، هل هذا متكبر أو لا؟ الله أعلم، الكبر موطنه القلوب، وله علامات تدل عليه، وله آثار تظهر على الجوارح، لكن ما يظن بأهل العلم مثل هذا، وإذا وجد من تحقق فيه هذا الوصف الذي هو الكبر، هذا ليس بعالم شاء أم أبى. الأمر الثاني: أن لا يعجب بنفسه، كون الإنسان يكون غنياً ليس بعيب ولا ذم، لكن العيب أن يرى نفسه أنه قد استغنى، {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} [(6 - 7) سورة العلق] ومثل هذا ليس بغريب أن يكون استشارياً كبيراً، لكن العيب أن يرى نفسه أنه وصل إلى هذا الحد الذي لم يبلغه غيره، هذا كبر مقيت مذموم، وهذا عجب بالنفس. والعجب فاحذره إن العجب مجترف ... أعمال صاحبه في سيله العرم

العجب يجترف ويأكل الحسنات -نسأل الله السلامة والعافية- وقل مثل هذا في جميع الأبواب، فعلى الإنسان أن يتواضع، ويأتي العلم من أبوابه، ويحرص ويسأل عما يشكل عليه، ويحضر الدورات المكثفة، لا مانع أن يكون الإنسان يأخذ إجازة أسبوع لأن فيه دورة مكثفة في متون مبادئ العلم، أسبوع ما يضيره، ولا يخل بعمله، فعليه أن يحرص إذا وجد مثل هذا الفرص، ووجدنا في صفوف المتعلمين في الدورات كثير من الأطباء، يعني حقيقة أن الأطباء إذا قلت أنهم أقرب من غيرهم فليس ببعيد، إلى تعلم العلم الشرعي، لأنهم رأوا من خلال مهنتهم من يبهر عقولهم من آيات الله -جل وعلا- فيما يتعلق بمجال عملهم، فأحبوا أن يكونوا على صلة بالله -جل وعلا-، والصلة لا تتقوى إلا من خلال كلامه -عز وجل-، وكلام نبيه -عليه الصلاة والسلام- اللذين هما مصدر العلم الشرعي. السؤال/ سائل يسأل عن الكتب، وإنشاء مكتبة مثلاً في البيت؟ الجواب: حقيقة أنا لي خمسة لقاءات على الهواء في إذاعة القرآن اسمها كيف يبني طالب العلم مكتبة؟ فيه كثير من الكتب متدرجة، وفيه كيفية الإفادة من هذه الكتب، وهي موجودة في خمسة أشرطة، فتراجع يعني بدلاً من أن نأخذ وقت بعرضها. سؤال: بالنسبة يا شيخ يتساءل البعض عن قول الشافعي -رحمه الله-: ضيعوا ثلث العلم وأوكلوه لليهود والنصارى، ويتساءل البعض عن قضية علم الطب، وأن الله سبحانه وتعالى ذكر العلم الشرعي، في فضائل هذا العلم العزيز، فقالوا: فما نصيبنا من هذا العلم، ونحن نتعلم الطب، نرجو التوجيه حفظكم الله؟

أما تضييع العلم من قبل المسلمين، وإن كان المراد به علم الطب، فكانت الراية بأيديهم في أول الأمر، الطب عند المسلمين، وإن كان من كتب ترجمت من قبل غيرهم، بعضه ترجم وبعضه من خلال التجارب ثبت للمسلمين قبل غيرهم، واتجه السواد الأعظم للعلم الشرعي وهذا هو الأصل، لكن تعلم الطب، تعلم الهندسة، تعلم الزراعة، تعلم الصناعة، هذا كله داخل في قول الله -جل وعلا-: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] لأن من يتعلم الطب وهدفه الدنيا، هذا مثل المزارع سواء بسواء لا يختلف عنه، لأنه تعلمه من أجل أن يكسب وكسب، وهو في هذه الحالة أفضل ممن يتعلم الدنيا من أجل الدين، وأسلم عاقبة، تعلم الطب للدنيا ما يلام، لا يأثم بهذا، لكن إذا تعلم العلم الشرعي من أجل الدنيا نسأل الله السلامة والعافية. إن تعلم ليقال كان من الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار يوم القيامة، من تعلم من أجل الدنيا لا يرح رائحة الجنة، لا يتعلم الدين إلا من أجل الدنيا هذا لا يرح رائحة الجنة، هذا الأمر خطير، يبقى أن العلوم الأخرى -علوم الدنيا- إذا تعلمها بنية الدنيا لا شيء عليه، يبقى أنه إذا تعلمها بشيء من الإخلاص لله -جل وعلا-، ونية نفع الآخرين يؤجر على هذه النية، وثوابه عند الله -جل وعلا-، إذا كان قصدهم من تعلم الطب نفع الناس، وإعانتهم على تجاوز ما يبتلون به من أمراض، وكذلك المزارع، إذا كان قصده من زراعته، والصانع إذا كان قصده من صناعته أن ينفع الآخرين بما ينتجه حقله، أو بما ينتجه مصنعه يؤجر على قدر هذه النية، مع أنه لو محض نيته لأمر الدنيا، ما يلام ولا يضيره ذلك ولا إثم عليه، لأن هذا هو الأصل، لكن كون المسلم ينوي الخير في كل باب يطرقه هذا من توفيق الله -جل وعلا- له، من توفيق الله -جل وعلا- أن يستحضر النية الخالصة لله -جل وعلا-، في أمور الدنيا.

وإذا تصورنا أن الإنسان يجامع زوجته ويؤجر على ذلك، عرفنا أن فضل الله -جل وعلا- واسع ولا يحد، ولذا استغرب الصحابة، أيأتي أحدنا شهوته وله فيها أجر؟ قال: ((نعم، أرأيت لو وضعها في حرام كان عليه وزر؟ )) قال: نعم، الطبيب الذي يدرس الطب أن يتعفف بنفسه، ويقوم بمن تحت يده ممن ولاه الله -جل وعلا- أمرهم يثاب على ذلك، فإذا تجاوز هذه النية لنفع الآخرين لا شك أن ثوابه أعظم عند الله -جل وعلا-. سؤال: يسأل البعض عن حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- قوله: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) وبعضهم يحمله على مفهوم المخالفة، فنرجو توجيهكم حفظكم الله؟ الجواب: مفهوم المخالفة فيه أن من لم يرد الله به خيراً، يعني أن الله أراد به شراً، وهذا تطرقنا له، فهل معنى أن التاجر الذي أعرض عن العلم، وزوال التجارة، واجتمعت لديه الأموال، وسخر هذه الأموال لنصر الدين ولنفع المسلمين، وبذلها في وجوه الخير والبر من دعوة وتحفيظ القرآن، وتحصيل علم شرعي ويسر الأسباب للمعلمين والمتعلمين، هل نقول: أن هذا أراد الله به شراً؟ لا، نقول الله -جل وعلا- لم يرد به خيراً، لأنه لم يتعلم العلم الشرعي من هذه الحيثية، أما باعتبار أراد الله به خيراً من وجوه أخرى أراد الله به خيراً، لأن الله يسر له اكتساب هذا المال من وجوهه الحلال وصرفه في وجوهه الشرعية، فمثل هذا نقول: أن الله أراد به خيراً من هذه الحيثية، وأما كونه لم يتعلم العلم الشرعي لم يرد الله به خيراً، فلم يوجهه إلى ذلك السبيل. سؤال: بالنسبة يا شيخ يتساءل البعض، ونحن نعمل في حقل المستشفيات، ونتعامل مع طهارة المريض وصلاته، نرجو منكم يا شيخ التوجيه بمتن يكون ميسراً في شرح كتاب أهل الأعذار، جزاك الله خيراً.

الجواب: أولاً: أهل الأعذار في صلواتهم وطهاراتهم خصصت لهم أبواب من كتب الفقه، وبالنسبة لظرفنا الذي نعيشه والأمثلة الموجودة الحية الآن لأنهم قد يمثلون بأمثلة -يعني أهل العلم- يمثلون بأمثلة لا وجود لها بيننا، لكن الأمثلة الحية التي نعيشها في شروح أهل العلم المعاصرين لكتب الفقه، وذكرنا أمثلة: الشيخ ابن عثيمين له باع واسع في هذا الباب، الشيخ ابن جبرين كذلك، وكتب أهل العلم -ولله الحمد- موجودة وميسرة. سؤال: سائل يسأل كيف أتعامل مع طبيب كافر؟ وهل يجوز المزاح معه؟ والأكل معه من أجل دعوته؟ وهل يجوز إعطاؤه ترجمة من القرآن بلغته من أجل الدعوة؟ وما رأيكم بإعطائه القرآن؟ جزاكم الله خيراً. الجواب: أما بالنسبة للتعامل مع الكافر الشريك في العمل هذا لا يخلو إما أن يكون ممن يرجى إسلامه، هذا يرجى إسلامه، فمثل هذا يلان له في الخطاب، لكن لا يبدأ بالسلام يتعامل معه معاملة حسنة، بحيث تكون هذه المعاملة باب من أبواب الدعوة، وذكرنا في المثال الذي أوردناه ابن الديان هذا الطبيب اليهودي لما حضر الدرس ما قال: أخرجوه، الشيخ ما قال: اطردوه من الدرس لأنه يهودي خبيث، نعم اليهودي خبيث، لكن يبقى إذا رجي إسلامه لا مانع من تمكينه من طلب العلم، والتعامل معه بالحدود والضوابط الشرعية، بحيث لا يبدأ بالسلام، وإذا ألين له الكلام وجومل في الكلام وحصل المداراة، وحصلت المداراة في هذا الباب هي مطلوبة، لكن لا تحصل المداهنة، فرق بين المداراة والمداهنة، أنت تتعامل مع شخص مخالف تداريه رجاء أن يسلم، لكن لا تداهنه، بمعنى أنك تتنازل عن شيء مما يجب عليك، أو ترتكب شيئاً مما حرمه الله عليك من أجل أن تستقطبه، نفسك أهم عليك منه، فعليك أن تأتي بما أوجب الله عليك بغض النظر عنه، أسلم أو لم يسلم مو شأنك، فلا تتنازل عما أوجب الله عليك ولا ترتكب ما حرمه الله عليك من أجله، وأما المداراة ولين الكلام هذا أمره سهل، بحيث لا ترتكب محرم.

والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما ذكر الشخص الذي في خلقه شيء وقال في حقه: ((بئس أخو العشيرة)) لأن في خلقه وفي طبعه شدة، ثم بعد ذلك لما استأذن وأذن له ودخل ألان له الكلام؛ فروجع النبي -عليه الصلاة والسلام- تقول: ((بئس أخو العشيرة)) وتحدثه بهذا الكلام السهل اللين، قال: نعم، ((إن شر الناس من تركه الناس اتقاء شره)) فمثل هذا يتقى شره من جهة، وأيضاً يكسب بالخلق، وإذا نظرنا إلى تأثير تعامل النبي -عليه الصلاة والسلام- مع الشخص الذي بال في المسجد، بال في المسجد، ثار عليه الصحابة -رضوان الله عليهم- من باب الغيرة لله -جل وعلا-، واحترام بيوته، ثاروا عليه وكادوا أن يوقعوا به، النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي بُعث رحمة للعالمين قال: ((دعوه، لا تزرموه)) وهذا عين الحكمة، بمثل هذا تكتسب القلوب وتجتذب، أضف إلى ذلك ما يترتب على طرده من المسجد أثناء قضاء حاجته من الإضرار به وتكثير مواضع النجاسة وغير ذلك. المقصود أن اللين ما دخل في شيء إلا زانه، ولا سلب من شيء إلا شانه، فعلينا أن نتعامل بالناس على مختلف مستوياتهم بالرفق واللين ولا نتنازل عن شيء مما أوجب الله علينا، بعض الناس يضيق ذهنه عن احتواء واستيعاب مثل هذه الأمور فتجده إما أن يصرم بالكلية، ويقول: أنا لا أستطيع أن أتعامل مع هذا إلا بشيء من التنازل، وبعض الناس يسترسل معه ويرتكب الصعب والذلول في سبيل دعوته وهدايته، فيتنازل عن الواجبات، وقد يرتكب بعض المحرمات فلا هذا، ولا هذا. علينا أن نلين الكلام ونتعامل مع الناس بالرفق واللين والحكمة، ومع ذلك لا نتنازل عن شيء من أمور ديننا. السؤال: أيها الشيخ: حيث أنه يحضر بعض الأخوات هذه المحاضرة، وتتساءل بعض الأخوات عن إمكانية طلب العلم مع كثرة المشاغل، وطلب الزوج، ومشاكل الأولاد، فنرجو التوجيه حول هذا الموضوع، وجزاكم الله خيراً.

الجواب: المطلوب من الأخوة والأخوات على حد سواء التسديد والمقاربة، التسديد والمقاربة ولا يكون شيء على حساب شيء آخر، لا شك أن الناس عندهم فراغ، يعني إذا قلنا: أن العمل يحتاج إلى ثلث الوقت، والنوم ووقت العبادة وما أوجب الله من العبادة يحتاج إلى الثلث الثاني، الثلث الثالث يحتاج الإنسان إلى أن يستجم فيه، يحتاج إلى أن يستجم يرتاح يجلس مع أولاده، يجلس مع أقاربه، له ارتباطات عائلية، له سفرات، له أيضاً النزهات، المرأة لها أعمال أخرى غير العمل في بيتها مع أولادها، في حاجة زوجها، لكن يبقى لو أن الإنسان خصص ساعة من يومه للعلم الشرعي، ومثلما ما ذكرنا الآن بإمكان الإنسان وهو يتناول الشاي الذي يأخذ عند بعض الناس ساعة أو أكثر يضغط الزر بالنسبة للمسجل ويسمع الكلام الطيب، يأخذ المصحف بعد صلاة الصبح ويقرأ بالتدبر والترتيل، ويستفيد فائدة عظمى، والعلم كله تحت تدبر القرآن. فتدبر القرآن إن رمت الهدى ج ... فالعلم تحت تدبر القرآن ج

وإذا قرئ القرآن على الوجه المأمور به -كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية- أورث القلب من العلم واليقين والإيمان والطمأنينة شيء لا يدركه إلا من عاناه، نعم نحن نقرأ القرآن على غير الوجه المأمور به، متى تنتهي السورة؟ متى ينتهي الحزب؟ متى نختم القرآن؟ هذا همنا، ولذلك لا نتلذذ بقراءة القرآن، لا نستفيد الفائدة المرجوة من قراءة القرآن، نعم يثبت لنا أجر الحروف، كل حرف عشر حسنات، والختمة ثلاثة ملايين حسنة، والإنسان جالس بإمكانه أن يقرأ في سبع، يختم كل أسبوع، إذا جلس من صلاة الصبح إلى انتشار الشمس يقرأ القرآن في سبع، ويحصل على ثلاثة ملايين حسنة في كل أسبوع، في أمر في غاية اليسر والسهولة، وهذا لا يكلف شيء، نحصل على أجر الحروف التي هي هذه الحسنات العظيمة، وهذا أقل تقدير، وإلا فالله -جل وعلا- يضاعف إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة لبعض الناس، وجاء في بعض الآثار أن الله -جل وعلا- يضاعف لبعض عباده الحسنة إلى ألفي ألف حسنة، يعني تصور العدد والكم الهائل هذا، يعني إذا قارناه بقدرات الناس قلنا: خيال، ما يمكن هذا، لكن إذا نظرنا إلى فضل الله -جل وعلا- وسعة رحمته، وأن الله -جل وعلا- يعطي ما يتمناه آخر من يدخل الجنة يعطيه ما يتمناه، وايش يتمنى؟ تمنى أرض مساحتها ألف متر عليها قصر مشيد، يقال له: تمنى، تنطقع به الأماني ما يدري أيش يتمنى؟ لأنه آخر شخص يدخل الجنة، فيقال له: أترضى أن يكون لك ملك أعظم ملك في الدنيا؟ فيقول: نعم، فيقال له: لك هذا الملك وعشرة أمثاله، يعني فضل الله لا يحد، فإذا قرأنا في سبع واعتمدنا وجلسنا وتوكلنا وحزمنا، وحزمنا أنفسنا، لأن المسألة في أول الأمر تحتاج إلى جهاد فالنوم بعد صلاة الصبح تركه شاق على كثير من الناس، يحتاج إلى جهاد في أول الأمر، ثم بعد ذلك يتلذذ به، بحيث لو مرض في يوم من الأيام، وصلى الصبح وخرج لينام ما نام، ما جاءه النوم إلا في وقته، هذا شيء مجرب، فإذا جلس في مصلاه لمدة ساعة استطاع أن يقرأ القرآن في سبع، الأمر الثاني: أن هناك ساعة من آخر النهار لو اقتطعها الإنسان ما ضره ولا ضيع من أعماله ومصالحه لا الدينية ولا الدنيوية شيء، بل هذا مما يعينه على تيسير أمور دينه

ودنياه. فيقرأ في سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، بادئاً بالأربعين النووية ثم عمدة الأحكام، ثم البلوغ ثم يبدأ بالكتب الجوامع التي تجمع له أبواب الدين، وينظر في العلوم الأخرى ويسمع كلام أهل العلم، ومثل ما قلنا الأمر ميسر والنماذج كثيرة جداً، يعني يأتينا من تخصصات ومن أعمال حتى أعمال حرة، يحضرون الدروس ويسمعون الأشرطة وما ضاع عليهم شيء من أمور دينهم ولا دنياهم، ولو قيل: بأن هذا مما ييسر أمور الدين والدنيا لما بَعُد. سؤال: بالنسبة يا شيخ حفظكم الله: رجل مصاب بكسر في يده وعليه جبيرة إلى كفه، ولا يستطيع أن يستعمل يده في الوضوء، علماً بأن الكسر في يده اليمنى، هل له أن يتيمم؟ وهناك سؤال آخر أيها الشيخ لعلكم تختمون إن تيسر ذلك؟ الجواب: بالنسبة لمن شج أو كسر ووضع الجبيرة على الكسر فهذه الجبيرة لا تخلو إما أن تكون بقدر الحاجة والحاجة لا يعني أنها موضع الجرح أو الكسر، موضع الحاجة موضع الكسر وما يحتاج إليه قبله وبعده مما يمسك هذه الجبيرة، وهذه حينئذ يكتفى بمسحها، وغسل بقية الأعضاء، نفترض أن الكسر في منتصف الذراع، يغسل الكف، ويغسل الكوع، ويبقى محل هذه الجبيرة يمسح عليه، وبهذا يكتفى. . . . . . . . . انقطع الشريط.

مفاتيح طلب العلم

بسم الله الرحمن الرحيم مفاتيح طلب العلم الشيخ/ عبد الكريم الخضير الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: ففي هذه الليلة المباركة، وفي هذا المكان المبارك، في بيت من بيوت الله نجتمع لنتدارس شيئاً مما لعله أن ينفعنا في طريقنا ومشوارنا الطويل في طلب العلم. وأخونا الشيخ المقدم الشيخ علي -حفظه الله- حكم على أمور لم يتصورها بعد، وحكم بجودتها ولما يسمعها، وهذا إحسانُ ظنٍ منه، أرجو أن أكون عند حسن ظنه. وهذا المكان الطيب المبارك يحمل اسم علم يعد من المجددين في التعليم، حيث بذل عمره في تحصيل العلم وتعليمه، وبسطه للطلاب، فالشيخ محمد -رحمة الله عليه- ابن صالح العثيمين الذي سمي باسمه هذا المسجد، في تقديري أنه ذلل العلم لسالكيه ولطالبيه، ذلل الطريق لسالكيه، وسهل العلم لطالبيه، كثيرٌ من طلاب العلم المتوسطين لا يجرؤون على قراءة بعض الكتب كزاد المستقنع حتى ذلله -رحمة الله عليه- بطريقته وأسلوبه وبسطه وإيضاحه. ومثل هذا لا يتأتى من فراغ، فالتصوير الصحيح الدقيق الواضح البين لا يتم إلا بعد تصور صحيح دقيق، الذي لا يتصور المسائل على وجهها لا يستطيع أن يصورها لغيره على وجهها، ففي هذا المكان الطيب المبارك نجتمع مع ثلة من طلاب العلم، لنبين لهم، وقد سمعوا من غيرنا الشيء الكثير في هذا الباب، وما نقوله إلا ما هو شيء مكرر مما سمعوه من غيرنا، وبعضه ألقيناه في مناسبات متعددة، وأشرطة مدلولة، لكن من الإخوان من لم يسمع مثل هذا الكلام. تعريف مفاتيح العلم:

المفاتيح والمفاتح -كما هو معلوم- جمع مفتاح، كالمساند والمسانيد والمراسل والمراسيل، تقال بالياء وبدونها، وهي عند أهل العربية يسمونها صيغة منتهى الجموع، بالياء وبدونها، والذي في القرآن من ذلك بالياء أو بدون الياء؟ {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ} [(59) سورة الأنعام] على كل حال الجمع بالياء -كما فعل الإخوان- سائغ، وهو الشائع، وهو جمع مفتاح، والمفتاح هو وسيلة الوصول إلى الشيء، فالذي يريد الدخول إلى المكان المحكم المغلق بدون مفتاح لن يدخل، والأصل فيه المحسوس الذي في الجيوب، وأطلق على المفتاح المعنوي من باب الحقيقة الشرعية والعرفية، وليس مجاز كما يقول بعضهم، وأعظم مفتاح يملكه الإنسان مفتاح الجنة "لا إله إلا الله"، هذا هو المفتاح الذي يدخل به الجنة، لكن المفتاح لا بد له من أسنان، فإذا جاء الإنسان بمفتاح ليس له أسنان لن يدخل؛ لأنه لن يفتح ولن ينفع، فالمفاتيح والمفاتح هي الطرق الموصلة إلى المراد. والعلم يطلق لإزاء الجهل، وهذا هو المقصود، كما أنه يطلق قسيماً للظن والشك والوهم، وليس مراداً هنا، إنما يريد هنا ما يقابل الجهل. فضل العلم: والعلم رفعة، رفعة منزلة في الدنيا والآخرة {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [(11) سورة المجادلة] والجهل ضعة، وكل واحد يطلب لنفسه الرفعة، ويرفع عنها الضعة، يطلب رفعتها بالعلم ويرفع عنها هذه الضعة، وهذا الوصف الذميم بالمثابرة والجد والاجتهاد في تحصيل العلم. مفاتيح العلم: العلم له مفاتح ومفاتيح، منها المفاتح الغريزية التي ليس للإنسان فيها يد، مفاتح غريزية، وهذه يتفاوت فيها الناس، ولا اعتراض، كالفهم والحفظ، هم متفاوتون في هذين الوصفين، ولا بد من الفهم والحفظ لتحصيل العلم الشرعي.

فالفهم وحده لا يكفي، والحفظ وحده لا يكفي، الفهم لا بد منه ((من يريد الله به خيراً يفقهه في الدين)) بحيث يفهم عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام- مراده، وهذا هو الأصل في الفقه الفهم، {يَفْقَهُوا قَوْلِي} [(28) سورة طه] يعني يفهموه، إذاً لا بد من الفهم، كما أنه لا بد من الحفظ، العلم الشرعي لا يقوم إلا على حفظ، ويغالط نفسه ويكابر من يعتمد على حد زعمه على الفهم دون الحفظ، العلم: قال الله، قال رسوله، كيف يفهم كلام الله ولما يحفظه؟!. نعم أهل العلم يقسمون العلم إلى ما حصوله بالفعل، وإلى ما حصوله بالقوة القريبة من الفعل، من أعطاه الله الحافظة ومنحه هذه الخصلة لا بد أن يكون عالماً بالفعل، بأن تكون النصوص في ذهنه، بحيث يعتمد عليها اعتماداً كلياً ويستنبط منها، ومن لا تسعفه الحافظة يكون من القسم الثاني وهو العالم أو الفقيه كما يقولون بالقوة القريبة من الفعل، يعني يحرص على فهم كلام أهل العلم ويحفظ ما يستطيع، يبذل جهده ويستفرغ وسعه على حفظ ما يستطيع، والذي لا يستطيع لا. . . . . . . . . العلم حفظ وفهم: فلا علم بدون فهم؛ لأن الاعتماد على الحفظ وحده دون فهم يصدق فيه ما يردده بعض الناس من قولهم لإزاء من يحفظ: زاد في البلد نسخة، يعني كون البلد فيها نسخ كثيرة من هذا الكتاب، وهذا يحفظ هذا الكتاب ولا يعاني فهمه هذا بمثابة زيادة نسخة، وهذه العبارة وإن كان أصلها ومنشأها سببه التقليل من شأن الحفظ، وقد راجا قبل نصف قرن من الزمان الدعايات ضد الحفظ، حتى قال قائلهم ممن يزعم أنه يعاني تربية الجيل أن الحفظ يبلد الذهن، وأقول: لا علم إلا بحفظ، وأنتم سمعتم ورأيتم من يُعلم ومن يفتي مع ضعف في حافظته أو عدم عنايةً منه بالحفظ سمعتم ما لا يعجبكم، بخلاف من حفظ العلوم وعلى رأسها النصوص، قال الله، وقال رسوله. فالذي يفتي بالنصوص على نور من الله -جل وعلا-، أما الذي ليس له نصيبٌ من الحفظ، مثل هذا يتخبط يميناً وشمالاً، وبالأساليب الإنشائية يمضي الوقت، لكن هل يقنع السامع، لا سيما إذا كان السامع طالب علم؟ لا، والساحة مملوءة من أمثال هؤلاء.

يعني فرق بين أن تسمع كلام عالم له عناية بالفقه بالعلم من أبوابه، وله حفظٌ ورصيدٌ من الحفظ من النصوص ومن أقول أهل العلم، ولا سيما من أقوال سلف الأمة فيما يوضح به النصوص، البون شاسع بين هذا وبين من لا يحفظ، فلا بد من الحفظ ولا بد من الفهم، لا يكفي الحفظ وحده، ولا يكفي الفهم وحده، ولو كان الفهم كافياً دون حفظ لرأينا من عوام المسلمين ممن يُعدون من أذكياء العالم، وهم في أسواقهم من الباعة، رأيناهم علماء، وهم يسمعون العلم، يسمعون الخطب، يسمعون الدرس في المساجد، ومع ذلك لا يدركون شيئاً من العلم، وهم على جانب كبير من الفهم. فعلى هذا المفاتيح الغريزية هي الفهم والحفظ، فإذ حفظ طالب العلم ما يريد حفظه من نصوص الكتاب والسنة ومن أقوال العلماء، من المتون المعروفة عندهم في كافة العلوم، حرص على فهم واحد، وكل منهما يعين على صاحبه، فالفهم يعين على الحفظ، والحفظ يعين على الفهم. كيف يحفظ الطالب ما يريد حفظه؟ يحدد القدر المراد حفظه، وهو أعرف بنفسه، وأعرف بحافظته قوةً وضعفاً، فإذا كانت حافظته تسعفه لحفظ الكثير فليستكثر، وإذا كانت متوسطة فلا يُرهق حافظته، وإذا كانت ضعيفة فليتقصد في العلم، فمن الطلاب من لا يستطيع أن يحفظ في اليوم إلا آية أو آيتين أو ثلاث، ويضيف إليها حديثاً واحداً، ومنهم من يستطيع أن يحفظ في اليوم الواحد جزء من القرآن، ويستطيع أن يحفظ مائة حديث.

وقد رأيتُ بنفسي طفلين -هما شقيقان- أحدهما في العاشرة، والثاني في الحادية عشرة، يقول والدهم. . . . . . . . . حفظا القرآن، وحفظا الصحيحين بالأسانيد، والآن هما بصدد حفظ أبي داود والترمذي، يومياً يحفظان خمسين حديث من سنن أبي داود بأسانيدها، وخمسين حديث من سنن الترمذي بأسانيدها، هذه الحافظة التي تسعف، وبعض طلاب العلم يعانون في حفظ الآية، يرددها حتى يمسي، وإذا أصبح بدأ من جديد، و {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] ومثل هذا لا ييأس، مثل هذا يعوِّد بالحرص والدأب على الطلب من غير انقطاع، ومثل هذا لو لم يحصل علماً البتة يكفيه أن يندرج في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)). وقد زاملنا بعض كبار السن ممن هو في الثمانين من العمر وهم يطلبون العلم، موجود في حلقات التحفيظ منذ ستين أو سبعين سنة، إنما هو مجرد بركة وللاندراج في هذا الحديث، وإلا إذا نوقشوا أو سئلوا -سألهم الشيخ- فإذا بهم لا شيء، ومثل هذا لا ييأس، ألا يكفي الإنسان أن يسهل الله طريقه إلى الجنة؟ هذا يكفي مثل هذا، ولا شك أن مثل هذا جهاد. فإذا أراد طالب العلم أن يحفظ فليبدأ بكتاب الله -جل وعلا-، وإذا كانت الحافظة تسعفه فلا يخلط معه غيره، إذا كان يستطيع أن يحفظ القرآن في ثلاثة أشهر كما فعل بعضهم، يذكر في ستين يوم الآن، لكن من الشيوخ المعروفين من حفظ خلال ثلاثة أشهر، منهم من حفظ خلال ستة أشهر، ومن حفظ خلال سنة، لكن إذا كان يتمكن من حفظ القرآن من غير خلط، ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر أو خمسة أشهر أو ستة أشهر، فمثل هذا لا يخلط معه غيره، ليضمن حفظ القرآن.

وهذه طريقة. . . . . . . . . التي أشار إليها ابن خلدون في مقدمته، أنهم يبدأون بحفظ القرآن ولا يخلطونه بغيره، ليضمنوا حفظ القرآن، وكم من واحد من طلاب العلم ممن أدخل العلوم الأخرى مع حفظ القرآن، ثم طال به الوقت في حفظ القرآن إلى أن وصل إلى حد قد يئس فيه من حفظ القرآن، فإذا ضمن طالب العلم حفظ القرآن سهل عليه ما عداه، وحفظ القرآن معينٌ له في تحصيل كل علم شرعي؛ لأنه أصل العلوم وأساسها، والسنة إنما هي بيانٌ له. اختيار الوقت والمكان المناسب للحفظ: إذا حدد القدر الذي يستطيعه خمس آيات عشر آيات ردد هذا المقدار حتى يحفظه، يردده حتى يحفظه، وليحرص أن يكون في مكانٍ مغلق، ليس بفسيح، مكان مغلق، صغير مغلق؛ لئلا يتشتت الذهن، وإذا كان في مكان كبير فليذهب إلى زاوية منه كالمسجد ويحفظ، وليحرص على الوقت المناسب للحفظ، ومن أنسب الأوقات للحفظ ما قبل صلاة الفجر، فإن لم يستطع فبعد صلاة الفجر ليس ببعيد، وقت هدوء. أقول: الوقت المناسب والمكان المناسب للحفظ مهم جداً، بعض الناس من حرصه يأخذ معه ما يزيد حفظه في أماكن الانتظار، هو ذاهب إلى المستشفى وينتظر دوره، أو ذاهب إلى أي مكان يحاول حفظه، هذا ضياع وقت حقيقةً، لو استغله في غير ذلك؛ لأن مثل هذه الأماكن أولاً هذا العلم عزيز لا ينال براحة الجسم، وينبغي أن يفرض له من سنام الوقت، أما مثل الوقت الذي أشرنا إليه وقت الانتظار مثل هذا يكون للعلوم التي هي أقرب للاستجمام، مثل كتب الأدب والتواريخ والرحلات والذكريات وغيرها، وهذه فيها علم، لكن ليست بمثابة العلم الشرعي، وما يعين على تحصيل العلم الشرعي، الفهم يحتاج إلى مكان فيه سعة. كيف يحفظ الطالب؟ إذا حفظ القدر المحدد هذا اليوم وكرره حتى يحفظه من الغد ينظر في المقدار هل هو قليل وإلا كثير؟ اختبار أول يوم، فإن كان كثيراً قلل، وإن كان قليلاً زاد، يعيد ما حفظه بالأمس خمس مرات قبل أن يبدأ بحصة اليوم، فإذا ضمن أنه حفظه بدأ بحصة اليوم، وقد تكون أكثر مما حفظه بالأمس، وقد تكون أقل وقد تكون مساوية، فيحفظها على الطريقة السابقة.

فإذا كان في اليوم الثالث يعيد ما حفظه في اليوم الأول أربع مرات، وما حفظه في اليوم الثاني خمس مرات، ثم يشرع في حفظ النصيب الثالث لليوم الثالث، وفي اليوم الرابع يعيد ما حفظه في اليوم الأول ثلاث مرات وما حفظه في اليوم الثاني أربع مرات، وما حفظه في اليوم الثالث خمس مرات وهكذا، وهذه طريقة مجربة، وقد ذكرها بعض المتقدمين، وطبقت ووجدت نافعة. لكن فليحذر طالب العلم من الاندفاع، وتكليف الحافظة فوق ما تطيق، بعض الناس يسمع الحث على العلم وما جاء في فضله، وقول العلماء من النصوص ثم يندفع، ليش أحفظ خمس آيات عشر آيات لماذا ما أحفظ جزء؟ يسمع أن هناك من يحفظ الجزء، ثم بعد ذلك يترك، يدب الملل واليأس إلى قلبه؛ لأنه إذا حفظ مثلاً ورقة أو ورقتين والحافظة لا تتحمل من الغد وجد. . . . . . . . .، ما عنده شيء، ثم يكرر ويعيد ولا يستطيع أن يعيد، ثم في اليوم الثالث كذلك، وهكذا ثم يدب اليأس، ثم يقعد شهر ما سوى شيء، وهذا مثله مثل المنبت الذي لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع، كثيرٌ من الطلاب يأتي متحمس ويحفظ في أول يوم مقدار كبير، ثم من الغد يثقل عليه؛ لأن العلم في طبعه ثقيل، وقد وصف الله -جل وعلا- القرآن {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [(5) سورة المزمل] والعلم كله ثقيل على النفس؛ لماذا؟ لأنه موصل إلى الجنة، والجنة حفت بالمكاره، يعني هل يستوي هذا طالب مبتدئ، طالب علم مبتدئ ما شرب قلبه حب العلم، هل يستوي طالب مبتدئ يعاني حفظ متن من المتون، وقد يكون في عبارتها صعوبة، وبين آخر شاب مثله في السن والظروف، في استراحة وأنس مع إخوانه وأصدقائه، فضلاً عن كونه يزاول ما يسمونه بفاكهة المجالس من الكلام في أعراض الناس، مما حفت به النار، وخفف على النفوس، فنأتي على يقين ونوطن أنفسنا أننا في أول الأمر سوف نعاني من ثقل الحمل، وتجد بعض الناس إذا لوح له بأدنى خبر تركه، والله اليوم ربيع، اليوم ربيع نزهة، العلم بعدين، يقبل بسرعة بعض الناس، وبعضهم لأنه يدرك ما وراء هذا التحصيل، وما يوصله هذا العلم من مرضات الله -جل وعلا- وجناته، ومنازله العليا ما. . . . . . . . .

فنقول: لا بد في أول الأمر من الجهاد، من جهاد النفس، وأطرها على شدائد التحصيل، ثم بعد ذلك إذا تجاوز هذه المرحلة، مرحلة المجاهدة يبشر بالإعانة والتوفيق بحيث يأتي عليه يومٌ من الأيام فيستغرق جميع الوقت إلا ما كان من وقت عبادة أو أكل أو نوم بالعلم والتحصيل. وشيخٌ من شيوخنا -ما أدركناه- في ليلة زواجه أشكلت عليه آية فنزل إلى مكتبته ليلة الزواج، فنزل إلى المكتبة ومن تفسير إلى تفسير حتى أذن الفجر، وهذا مجرب، يصعب على طالب العلم أن يمسك كتاب ويقرأ ثم بعد ذلك إذا جاهد نفسه في أول يوم يقرأ ورقة أيش المانع؟ قراءة غير الحفظ، في اليوم الثاني يقرأ يزيد على ذلك وفي اليوم الثالث إلى أن يصل الحد إلى أن يقرأ في اليوم خمسة عشرة ساعة، وهذا موجود ومجرب، والأمر يسيرٌ على من يسره الله عليه. قد يقول قائل: أنا موظف، أنا طالب، وقتي مستغرق في مدرستي أو في وظيفتي، نقول: خذ الأمثلة من العلماء الموجودين الآن، ممن تجاوز المرحلة التي يسميها مرحلة الجهاد، جهاد النفس، عنده دوام من الثامنة إلى الثانية ظهراً، وعنده نصيب وقسط وورد يومي من القرآن يصل عند بعضهم إلى أن يقرأ القرآن في ثلاث، وعنده درس بين المغرب والعشاء، وعنده ارتباطات ولقاء بعد العشاء، ويعود المرضى، ويزور المقابر، ويجيب الدعوات، ويصل الأرحام، قد يقول قائل: أنا. . . . . . . . . كيف عنده دوام من ثمانية إلى ثنتين ويفعل هذا؟ نعم هذا موجود، لكن متى؟ بعد مجاوزة المرحلة، مرحلة المجاهدة. فعلى طالب العلم أن يعزم على نفسه، وأن يحملها على تحصيل العلم لتحمل شدائده، لكن بالطريقة التي شرحناها، بالتدريج، لا يأتي دفعة واحدة؛ لأن الذي يأتي دفعة واحدة لا يلبث أن ينصرف. كيف يفهم الطالب؟ فإذا حفظ على الطريقة التي ذكرناها، الكتاب الذي يريد حفظه، متن من المتون في أي علم من العلوم ويحضر به درس من الدروس عند أحد المشايخ، إذا حفظ القدر المحدد خمسة أسطر، ستة أسطر، عشرة، كيف يفهم هذا الدرس؟ لأنه لا بد من الحفظ والفهم.

ذكر الشيخ عبد القادر بن بدران طريقة، وهي طريقة ممتازة، يقول: يجتمع خمسة من الزملاء المتقاربين في الفهم، ثم يقرأ كل واحد منهم ما حفظ، ثم. . . . . . . . . كل واحد إلى الآخر فيشرح هذا المقدار قبل الرجوع إلى الشرح، يشرحه من تلقاء نفسه، على حسب فهمه هو، ثم يجتمعون فكل منهم يقرأ شرحه، ويتناقشون الصواب عندي الصواب معك إلى آخره، ثم يُقرأ الشرح من قبل أهل العلم، وتصحح الأخطاء، فإذا صححت الأخطاء هل تعود إلى الذهن مرة ثانية بعد هذه الطريقة؟ لا، لا يمكن أن يعود الخطأ مرة ثانية. الإشكال الذي يعانيه كثير من طلاب العلم أنهم حفظوا في بداية الطلب وبعض ما حفظوه فيه خطأ في اللفظ، ومن ذلك بعض الأوراد والأذكار، كثيرٌ من الناس حفظ في أول الأمر من غير مراجعة سمع ثم حفظ على خطأ، ويصعب تصحيحه بعد حين، لكن لو كان التصحيح في وقته لسهل، كثير من الناس أذكار الصلوات يقرأه خطأ، وهو في صلاته، أذكار الاستفتاح أذكار الركوع، السجود، يخطي في الكثير حتى من طلاب العلم، لماذا؟ لأنهم حفظوا في السابق، وبعضهم يحفظ على لحن، وبعضهم يحفظ على تصحيف، ثم يستمر الخطأ، أقول: إذا اجتمع هؤلاء الثلة وقرؤوا، كل واحد قرأ شرحه، وصححوا الأخطاء بينهم اجتهاداً منهم، ثم قرؤوا الشرح من قبل أهل العلم، الكتب مشروحة مخدومة، ولذا يوصى بالاهتمام بالكتب المخدومة، أما الكتب غير المخدومة التي ليس لها شروح ولا حواشي ولا تدرس في البلد فلا يوصى بها؛ وإن كان فيها خير كبير، لكن تراجع، لكن ما تكون أساس في التحصيل. قد يقول قائل مثلاً يعني على سبيل المثال، كافية ابن الحاجب في غاية الأهمية وأهتم بها أهل العلم، بل منهم من نذر نفسه عمره كله لتعليمها، ونسب إليها (الكافيجي) مثلاً، لكن لو قال واحد: أنا لا أحتاج لا إلى الأجرومية ولا القطر ولا الألفية، أنا أحتاج إلى الكافية، ولا يوجد من يدرسها، وأشكل عليك شيء؟. أقول: على طالب العلم أن يعنى بالكتب المخدومة، ولا مانع من أن يراجع الكتب الأخرى، لكن حفظ وأساس متين يبني عليه، عليه أن يعنى بالكتب المخدومة في بلده.

بعض الناس يترك الكتب المعروفة في البلد والتي تداولها أهل العلم وذلولها لطلابهم، وتداولوها ولا يصعب فيها شيء، إلى كتب لا تذكر عندنا، بل موجودة في بلدان أخرى. . . . . . . . . لكن قد يشكل عليهم شيء لا يدرون له حلاً. فهؤلاء الذين اجتمعوا وقرؤوا شروحهم، وقرؤوا الشرح من قبل أهل العلم، ونظروا في الحواشي، ثم بعد ذلك حضروا الدرس عند الشيخ، ماذا بقي مما يستفاد من الشيخ بعدما ما صنعوه من حفظٍ وشرح وقراءة للشرح ومناقشة، وقراءة للحاشية؟ يأخذون ما عند الشيخ من زيادة، وفي الغالب أن الشيخ اطلاعه على المسائل سواءٌ كان بسعة اطلاع أو من كثرة التعليم، لا شك أنه يفوقهم بهذا، مع الإنصات يحضرون الدرس عند الشيخ مع الإنصات والأدب، وعدم الكبر والعجب؛ لأن بعض الإخوان يحضِّر الدرس، يقرأ الدرس قبل الحضور، ثم يحضر عند الشيخ، ثم إذا جاء الشيخ بالمبتدأ سبقه بالخبر، مثل هذا ما الدافع له أن يفعل مثل هذا؟ الذي يغلب على الظن أنه من أجل أن يعرف الشيخ أنه مطلع، وأن يعرف زملاؤه أنه يفوقهم، وهذه حقيقة مرة، لا يفلح معها الطالب، وكذلك لا يفلح الطالب إذا اعتمد على الدرس فقط، فلا يعرف الكتاب إلا في الدرس، فمثل هذا قلَّ أن يفلح، وقد نص على ذلك أهل العلم، العلم متين لا بد له من حفظ وفهم ومدارسة ومراجعة، على الطريقة التي ذكرناها، ثم يحضر الدرس ويسأل عما يشكل عليه، مجتنباً في ذلك الآفة الكبرى، العائق عن التحصيل وهي الكبر والعجب، وأن لا يستحيي عن الاستفهام عما يحتاجه وما لا يفهمه، ولذا يقول مجاهد: "لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر". فإذا حضر الدرس يناقش الشيخ بكل أدب واحترام، طالباً بذلك المعرفة، لا يطلب بذلك التعالم، ولا يطلب بذلك تعجيل الشيخ، وإذا قُدر أن الشيخ طرح بعض الأسئلة فأجاب عنها كغيره من الطلاب فحسن، ثم إذا انتهى الدرس اجتمع هؤلاء الإخوة، وتناقشوا فيه، ماذا حفظت؟ ماذا فهمت من شرح الشيخ؟ ما الذي زاد عندك بعد درسنا؟ إلى آخره، هذه تسمى مذاكرة العلم.

العلم الذي يؤخذ بهذه الطريقة هو الذي ينفع، وهو الذي يبقى بإذن الله، والملاحظ على كثير من الطلاب أنهم لا يعرفون الكتاب إلا في الدرس، وبعضهم لا يستحي لا من زملائه ولا من الشيخ أيضاً، يترك الكتاب في المسجد إلى الغد ليحضر به الدرس، ومثل هذا -كما قرر أهل العلم- قل أن يفلح. فالعلم متين ويحتاج إلى معانة، وعلى طالب العلم أن يعنى به، ويهتم بشأنه، ولا يفرط ولا يكسل، ولا يستكبر على غيره، ولا يستحيي من طلبه، فالعلم لا يناله مستحيي ولا مستكبر، كما أنه لا ينال براحة الجسم. سن التحصيل:

وسن التحصيل هو بداية الشباب، ويبدأ من التمييز، يُبدأ بطلب العلم بالنسبة للطفل من التمييز، وحينئذٍ على المعلم أن يعلم مثل هذا صغار العلم قبل كباره، ولا يكلف الطالب فوق ما يطيق، فكثيراً من الطلاب يطلب من الشيخ يقرأ عليه كتاب، فإذا كان هذا الشيخ ناصحاً -وهذا هو الأصل في أهل العلم- اختبره، ثم قرر له ما يناسبه من الكتب، وبهذا يستفيد الطالب، ومن المعلمين من ينظر إلى حاجته هو، يأتي طالب مبتدئ ويقول للشيخ: أريد أن أقرأ عليك، الشيخ بحاجة إلى كتاب، هو بنفسه بحاجة إلى كتاب يريد أن يطلع عليه فيقول: أحضر كذا، من غير نظرٍ إلى مصلحة الطالب، وهذا ليس من النصيحة، بل النصيحة أن يبدأ الطالب بما يحتاجه هو، وفيما يستطيعه، فالطالب المبتدئ له كتب تناسب مستواه، والطالب المتوسط له كتب تناسب مستواه، والطالب المنتهي أيضاً له كتب تناسبه، والمتعلم له كتب، والعالم له كتب، وأهل العلم ما قصروا بينوا ونظموا الكتب ورتبوها على حسب المستويات المذكورة، وسموها طبقات، فللطبقة الأولى المختصرات، الطبقة الأولى لهم المختصرات شديدة الاختصار، وفي كل علم من العلوم ما يناسب هذه الطبقة، والمتوسطون لهم كتب أرفع من هذه، وفي هذه الكتب المصنفة للمتوسطين ما يوجد في كتب المبتدئين، الطبقة الثالثة لهم كتب تناسبهم وهي أرفع من كتب المتوسطين، وفي كتب هذه الطبقة من العلوم، وإن كانت الصياغة تختلف لتناسب إدراك هؤلاء، فيها من العلم ما في كتب المتوسطين والمبتدئين، وقل مثل هذا في كتب الطبقة الرابعة، وكثير من المتعلمين -ونحن في عصر السرعة- يقول: لماذا يكرر العلم؟ لماذا نقرأ كتاب مختصر جداً، ثم نقرأ كتاب أوسع منه فيه جميع الكتاب المختصر، ثم نقرأ كتاب أوسع فيه جميع ما في الكتاب المتوسط وهكذا؟ على سبيل المثال: الموفق بن قدامة ألف كتب تناسب طبقات المتعلمين، العمدة على قولٍ واحد، المقنع على روايتين، الكافي فيه الروايات، المغني فيه المذاهب، لكن هل في العمدة ما لا يوجد في المقنع؟ وهل في المقنع ما لا يوجد في الكافي؟ وهل في الكافي ما لا يوجد في المغني؟ بعض الناس يقول: هذا ضياع وقت، نقول: هذا ليس بعبث، العلم الذي حفظته في الصغر وتكرر عليك

مراراً هذا هو زادك في المستقبل، ولا أبعد عن الحقيقة إذا قلت: أن عمدتنا في العلم والتعليم على ما حفظناه في المعاهد العلمية، وأقول هذا ويشهد به أيضاً كل من وصل وتخرج من الجامعة مثلاً وقد درس في المعاهد العلمية، يعني مرور العلم في الكليات الشرعية يعني ما هو بمثل مروره في أول التحصيل في المعاهد العلمية. أيضاً في المراحل التالية العلم يمر مثل طيف الخيال، ما لم يكن الإنسان متعمد لبحث هذه المسألة ومراجع لها في كثير من المراجع، أما مجرد قراءة، تقرأ قراءة، في القسم المتوسط يعني نفترض مدرسة أسست تأسيس علمي متين، وجعلت للمبتدئين الكتب المناسبة لهم وللمتوسطين كذلك، يعني قراءتك للكتاب الأول وقد صادفت القلب الخالي فتمكنت قراءتك للكتاب الثاني إن لم تكن مع عناية شديدة بهذا الكتاب ومراجعة عليه فإنها لن تكون بحال مثل قراءة الكتاب الأول، وقل مثل هذا للمرحلة الثالثة والرابعة، ولذا ينادي بعضهم، يقول: لماذا لا نقرأ في المرحلة الثانية زوائد هذا الكتاب على ما قرأناه سابقاً، وفي الثالثة زوائد الكتاب الثالث على ما قرأناه في الكتابين المتقدمين، وفي المرحلة الرابعة نقرأ زوائد هذا الكتاب الكبير، ونختصر الوقت والجهد إلخ ... ؟

العلم لا يثبت إلا بالتكرار، أنت قرأت هذه المسألة من زاوية تناسبك في الصغر، في المرحلة الثانية قرأتها بشكل أوسع وبعبارة أعمق، في المرحلة الثالثة كذلك زيد في توضيحها وزيد أيضاً في الاستدلال لها وتعليلها، تصور مثلاً العمدة لابن قدامة هذه خالية من جميع الخلافات، ما في خلاف ولا في داخل المذهب، لكن فيها استدلال اعتمد في بناء المسألة على الدليل، وهذه ميزة العمدة، طيب الكافي توسعت مداركك، أنت الآن أخذت جملة من العلوم فمو مفترض أنك تقرأ في كتاب فقه فقط، تقرأ في العلوم كلها، توسعت مداركك في العلوم بحيث صرت تستوعب أكثر من قول، فألف لك المقنع على روايتين وأنت بحاجة إلى هاتين الروايتين، فإذا قرأت هذا الكتاب وراجعت شروحه وحضرت به الدرس ورجح لك الشيخ إحدى الروايتين من خلال الدليل، تختلف قراءتك لهذا الكتاب والكتاب الأول، وقل مثل هذا فيما يجمع جميع الروايات، كالكافي مثلاً، توسعت مدارك الطالب لما وصل إلى هذه المرحلة.

وقل مثل هذا إذا وصل إلى مرحلة المغني وفيه المذاهب بأدلتها، فيخطئ من ينادي بعدم تكرار العلم والاقتصار على الزوائد، وقل مثل هذا فيمن يطالب باختصار الكتب، يقول: نحن في عصر السرعة، البخاري (7500) حديث والبخاري بغير المكرر الثلث فقط، لسنا بحاجة إلى الثلثين، فبدلاً من أن نقرأ البخاري في سنة، نقرأ البخاري بثلاثة في أشهر أو أربعة أشهر، ولسنا بحاجة إلى التكرار، نقول: لا يا أخي، أنت كيف تعتمد أولاً على اختصار النفس؟ واختصار الكتب من قبل طالب العلم نفسه من أعظم وسائل التحصيل، ومن أعظم المفاتيح للعلم، كيف؟ نأتي إلى صحيح البخاري الذي ينادي كثيرٌ من الناس باختصاره لأننا لسنا بحاجة إلى حدثنا قال: حدثنا حدثنا وتكرار، ويوجد الحديث في عشرين موضع علشان أيش؟ وهو الحديث، نحن غرضنا المتن؟ نقول: لا يا أخي، أنت تؤهل نفسك إلى أن تكون عالم، تنير الطريق للأمة بكاملها، وتفتي الأمة بحق، لا يا أخي ما يكفيك المختصر، إن أردت أن تختصر فاختصر لنفسك، وليكن الأصل هو ديدنك، ولا يخاطب بهذا الطالب المبتدئ، لا، لكن يخاطب به من يطالب باختصار البخاري، يقول: لماذا لا نقرأ في مختصر البخاري، المسألة مسألة متن، الذي يهمنا اللفظ النبوي؟ نقول: كم يفوتك من علم باقتصارك على المختصرات، اختصر لنفسك إن أردت.

فتبدأ بالصحيح وتقرأ الترجمة الكبرى، كتاب كذا، ثم الترجمة التي تليها باب كذا، هذه الترجمة التي ترجم بها البخاري من عنده هذا فقهه، وبه يتمثل الفقه السلفي، فقه أهل الحديث، فإذا أتيت إلى الحديث في الموضع الأول، وقرأت ترجمة البخاري واطلعت على ما ساقه البخاري من آثار موقوفة ومقطوعة عن الصحابة والتابعين في توضيح هذه الترجمة، كلام نفيس تستغني عنه وتقتصر على المختصرات؟ المختصِر من وجهة نظره رأى أنك لست بحاجة إلا إلى ما ذكر، لكن أنت قد تكون بأمس الحاجة إلى ما حذف، فإذا قرأت الترجمة وفهمت فقه البخاري، ثم فهمت فقه السلف الذي دعم به البخاري فقهه، ثم أتيت إلى الحديث المرفوع بسنده وأنت بحاجة ماسة إلى معرفة رجال الصحيح ليوفر لك الجهد إذا مر عليك هؤلاء بكتابٍ لم تلتزم صحته، أنت عندك حديث في مسند أبي داود ما تدري هو صحيح وإلا لا؟ لكن تعرف أن هؤلاء الرواة من رواة الصحيح، مروا عليك وأنت تدرس صحيح البخاري، لكن لو اقتصرت على المختصر ما استفدت، إذا ما أمسكت الحديث الأول بهذه الطريقة ثم ذهبت إلى أطرافه والحمد لله الكتاب مخدوم، الحديث الأول خرج في سبعة مواضع، ترجع إلى هذه المواضع، شوف تراجم البخاري على هذا الحديث، واستنباط البخاري من هذا الحديث، وهذا فقهه، استنبط من الحديث فوائد كثيرة جداً، أودعها في هذه التراجم، ودعم هذا الفقه بفقه السلف من الصحابة والتابعين، وأردفه بالحديث المرفوع، ولا يمكن أن يكرر البخاري حديثاً بإسناده ومتنه في موضعين إلا نادراً، يعني في عشرين موضع فقط، يعني خمسة آلاف أحاديث مكررة، ما فيها ما كرره البخاري بإسناده ما فيها إلا عشرين فقط، وأما الباقية فلا يكرر حديث إلا لفائدة، سواء كان في متنه أو في إسناده، ولو في صيغ الأداء، فتجده أحياناً يقول: عن فلان، وفي الموضع الثاني يقول: حدثنا فلان، طالب العلم بحاجة ماسة إلى معرفة هذه الأمور، إذا كان يريد أن يكون طالب علم بحق.

إذا انتهيت من اختصار البخاري على هذه الطريقة، أنت الآن اطلعت على المواضع السبعة واختصرت على أوفاها، وصار علمك بما حذفه المختصر كعلمك بما أثبت، هذه من أعظم وسائل التحصيل، العلم يحتاج إلى معاناة وحفر في القلوب، لا يقول طالب العلم: أن هذه الطريقة في البخاري وحده تحتاج إلى سنة، نعم تحتاج إلى سنة، لكن كثير على البخاري أن يصرف فيه سنة؟ ليس بكثير على البخاري أن يصرف فيه العمر، فضلاً عن سنة. إذا انتهيت من الحديث الأول تأتي إلى الحديث الثاني، الحديث الأول من وافق البخاري على تخريجه إذا أردت أن تدرس الكتب الستة في آنٍ واحد، أو تقول: والله الآن أدرس البخاري إلى أن أنتهي منه وأرجع إلى مسلم، الأمر إليك، لكن إذا أردت أن تدرس الكتب الستة في آنٍ واحد ولا تستكثر أن تصرف عليها خمس سنوات، والمسألة مفترضة فيه من ضمن حفظ القرآن، والقرآن أيضاً يحتاج إلى شيء من المعاناة لفهمه وتدبره، ومراجعة التفاسير الموثوقة عليه، ومعرفة إعرابه وبيانه، وما ورد في تفسيره من أحاديث وأقاويل سلف هذه الأمة، القرآن يحتاج إلى معاناة، لكن نحن نمثل الآن بالحديث.

إذا درس البخاري وحده -والأمر إليه- يأتي إلى مسلم، فما خرجه البخاري وعندي أن طالب العلم المتأهل للاختصار يبدأ بالكتب الستة جميعاً، فإذا عرف الحديث الأول في الصحيح وجمعه في مواضعه السبعة، واختصر منها على أوفاها، وذكر التراجم كلها، وذكر أقاويل السلف المدعومة لهذه التراجم، واقتصر على أوفى المتون، وعرف ما حذف كمعرفته بما أثبت وأبقى، ينظر من وافق البخاري وخرج هذا الحديث كمسلم مثلاً، ويصنع بهذا الحديث عند مسلم كما صنعه في البخاري، ويشير إلى ذلك في صحيح مسلم إلى أن هذا الحديث تمت دراسته، ويأخذ من الزوائد، زوائد العلم النبوي علم الحديث في صحيح مسلم ويضيفها إلى ما دونه في مختصره للبخاري، ويقول: زاد مسلم كذا، في الأسانيد كذا، في المتون كذا، في صيغ الأداء كذا، ترجم عليه شراح مسلم بكذا؛ لأن مسلم ما ترجم الكتاب، وهذا من أفضل الطرق التي يدرس بها علم الحديث حتى يستوعب البخاري ومسلم، ثم ينظر فيمن وافقهما من أصحاب السنن، ويفعل به ويصنع معه نظير ما صنعه بالصحيحين، ولا ينتهي من الكتب الستة بهذه الطريقة، إلا وعنده كتاب في عشرة مجلدات مثلاً، فيه الكتب الستة بكاملها، من غير تكرار بطريقته هو، وبالمعاناة يرتقي العلم وينحفر العلم في قلبه. أما مرور الكرام مجرد قراءة سريعة أو اعتماد على مختصرات آخرين ....

أقول: من أراد أن يعرف حقيقة ما أقول فليقارن بين صحيح البخاري وبين مختصراته في باب من أبواب الدين الأخيرة من الصحيح، الفتن والرقاق والاعتصام وغيرها، يجد هذا الكتاب من الصحيح يشتمل على مائتين حديث مثلاً بمائة وخمسين ترجمة هي فقه البخاري واستنباط البخاري، ويجد من الآثار الموقوفة على الصحابة والتابعين الشيء الكثير، بينما لو رجع إلى المختصر وجد خمسة أحاديث فقط أو ستة أو سبعة أو عشرة بدون آثار وبدون تراجم، فكيف يعتمد على كتب هذه. . . . . . . . .؟ كون الطالب يختصر لنفسه بهذه الطريقة. . . . . . . . . الكتاب بكامله وهو عن قراءة الكتاب هذه الطريقة عن قراءة الكتاب عشر مرات، الطريقة مجربة، والاختصار يسلكه أهل العلم، ويقررون فيه العلوم، وهو نوع من أنواع التصنيف، لكن لا أنفع لطالب العلم الرجوع إلى الكتب الأصل، نعم لطالب العلم أن يختصر لتحصيل العلم، كيف يفهم طالب العلم مثلاً النحو أو أصول الفقه؟ يعني مع حضور الدروس، حضور الدروس أمر لا بد منه، والجثي على الركب أمام الشيوخ أمر لا بد منه، ولذا المقرر عند أهل العلم أن من كان علمه من كتابه كان خطأه أكثر من صوابه.

إذا أردت أن تدرس علم الأصول مثلاً وتحضر فيه درس، تأتي إلى هذا الكتاب الذي يشرحه الشيخ وتحفظ منه المقدار الذي يريد الشيخ شرحه ثم بعد ذلك تعمد إلى شرحه فتختصر، افترض أن الدرس في مختصر الروضة للطوفي، أو في مختصر التحرير، وهما من أمتن كتب الأصول وأمتعها، لكن قد يقول قائل: كيف يكون مختصر التحرير ماتع وفيه من التعقيد ما فيه؟ نقول: اقرأ وافهم وتجد المتعة، تأتي إلى الكتاب مختصر التحرير مشروح بأربعة مجلدات، صفحات كل مجلد ستمائة وسبعمائة صفحة، صفحات الكتاب بما يقرب من ثلاثة آلاف صفحة، أنت إذا قررت القدر الذي يشرحه الشيخ وهو خمسة أسطر مثلاً، وقرأت الشرح، وانتقيت من هذا الشرح ما يحل لك ويفك لك العبارة، خمسة أسطر يمكن أن تشرحها في صفحة، ثم الدرس الثاني والثالث والرابع والخامس إلى آخره، إذا انتهيت من الكتاب وإذا عندك شرح لمختصر التحرير قدر نصف مجلد، وأنت تقرأ في هذا المختصر تذكر ما حذفته؛ لأنك ما حذفته من العلم لم تتركه من دون فهم، كيف تستغني عنه وأنت ما فهمته؟ يعني إثباتك له بعد فهمه واستغناءك عنه بعد فهمه؛ لأنك لو تركته من غير فهم لقد يكون من أشد ما تمس إليه الحاجة، فإذا انتهيت من هذا الكتاب على هذه الطريقة مع حضور الدرس فقد نقش الكتاب في قلبك. وقل مثل هذا في مختصر الروضة، وقل مثل هذا في العلوم الأخرى، فالاختصار وسيلة من وسائل التحصيل، ومفتاح من مفاتيحه.

بعض الناس سمع هذا الكلام وقال: أنه يتعارض مع ما يفعله بعض الأخوة الذين نسأل الله -جل وعلا- أن يكتب لهم أجر هذه السنة، وأجر من عمل بها، الذين يُحَفِظون السنة، ويقتصرون على مختصراتهم هم، ويقرؤونها الطلاب ويحفظونهم، يحفظونهم إياها، يقول: إن طريقتك التي تذكر فيها استدراك أو قدح، لا، أبداً، من حفظ وأراد أن يحفظ بأقصر مدة هذا يعينه على الطريقة التي ذكرت، لكن الإشكال فيمن أراد أن يقرأ المختصرات ولا يرجع إلى المطولات، فأنت تقرأ على الطريقة التي ذكروها، البخاري من دون تكرار، ثم جوائد مسلم ثم جوائد أبي داود وهكذا، هذه الطريقة إذا حفظت على طريقتهم وهديهم فعندك أساس متين تبني عليه هذا العلم العظيم، ولا يغنيك هذا عن الطريقة التي شرحتها، كما أن الطريقة التي شرحتها في ضمنها حفظ ما يريدون حفظه، إلا أنهم يريدون ذلك في أقل، في أقصر مدة، وطريقتك التي شرحناها قد تطول بك المدة لكن مع ذلك لا بد لطالب العلم منها. أيضاً العلوم الأخرى يفعل بها هكذا، ولا بد أن يكون طالب العلم على الجادة المشروحة عند أهل العلم والمطروقة لديهم، أما الذي يحاول أن يجدد أو يبتكر وهو ما زال بمرحلة الطلب مثل هذا يتخبط، العلماء سنوا هذه الطرق وهذه الطبقات التي نظموها، والكتب التي رتبوها، فأنت تقرأ على الجادة، وتأخذ العلم عن أهله؛ لأنه دين فانظر عمن تأخذ دينك. ولا بد أن يكون علمك وهو دين مقروناً بالإخلاص لله -جل وعلا-؛ لأن العلم لأنه من أقرب الطرق الموصلة إلى الله -جل وعلا- أيضاً هو مزلة قدم، وليس فيه نصف حل أو شخص يريد أن يمسك العصا من منتصفه، لا، إما أن تكون ممن رفع درجة، أو تكون أول من تسعر به النار يوم القيامة، فلا بد من الإخلاص. وليحذر طالب العلم من العوائق والصوارف، لا سيما ما يتعلق بآفات القلب، كالعجب، بعض الطلاب يهبه الله -جل وعلا- حافظة أو فهم بحيث يفهم قبل زملائه، وزملائه يطلبون من الشيخ الإعادة، وهو لا يحتاج إلى ذلك، ثم يتلفت ويتبسم معجباً بنفسه، ومزدرياً لإخوانه. والعجب فاحذره إن العجب مجترفٌ أعمال صاحبه في سيله العرم كذلك الكبر، الكبر من أعظم الصوارف عن تحصيل العلم الشرعي.

وهاهنا طرفة عبيد الله السقاف مفتي حضرموت توفي قبل نصف قرن، يقول في رسالة له في العلم والتعليم: قرأت في بعض الكتب ممن يلمز شيخ الإسلام بن تيمية بالكبر -وحاشاه من ذلك- يقول هذه عصبية؟ ليست عصبية، لأن الرجل -عبيد الله السقاف- ما هو من المغرمين بشيخ الإسلام أو المعجبين به إعجاباً تاماً، إنما هو يرجى له خير كبير، لكن في عنده شيء من المخالفة لما يقرره شيخ الإسلام، ورحمة الله على الجميع، لكن يقول: يستحيل أن يجتمع مثل هذا العلم وأن يكون القرآن على طرف لسانه وأسلة بنانه وهو عنده شيء من الكبر، والله -جل وعلا- يقول: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ} [(146) سورة الأعراف] فلا يتعلم العلم مستحيي ومستكبر، يبدأ بالعلم الأهم فالمهم. وبالمهم المهم ابدأ لتدركه وقدم النص والآراء فاتهم لا بد أن تبدأ بالمهم والأهم ثم الذي يليه. وبالمناسبة هناك قصيدة في الوصية بالعلم وطلبه، والوصية بكتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وهي مغفولٌ عنها لا أرى لها ذكر أو كبير ذكر بين طلاب العلم وهي للشيخ حافظ ابن أحمد الحكمي -رحمة الله عليه- أسماها "القصيدة الميمية في الوصايا والآداب العلمية" وهذا من أبدع ما نظم في هذا الباب، على طالب العلم أن يعنى بها. أيضاً يعنى بالعلوم الأخرى، يعنى بالدرجة الأولى بكتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، والعقيدة من مضانها ومن أهلها ممن سلك المسلك الصحيح، وانتهج نهج السلف الصالح، وأيضاً الفقه وما يخدم ذلك من المفاتيح التي يسمونها علوم الآلة، كعلم العربية بفروعه العشرة، ولا يكفي أن يتعلم الطالب شيء من علم النحو ويهمل العلوم الأخرى، كما هو الشائع الآن بفروعه، علوم القرآن، وقواعد التفسير، أصول الفقه، علوم الحديث، أيضاً يستجم ويستفيد ويعتبر بقراءة كتب التواريخ والأدب، وأيضاً الكتب الأخرى، وهناك أشرطة في ذكر هذه الكتب في العلوم التي أشرنا إليها، سميت "كيف يبني طالب العلم مكتبته" في خمسة أشرطة موجودة في الأسواق، وفيه اختصار شديد. والمسألة تحتمل من البسط أكثر من ذلك، وأظن الوقت قرب. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول: هل يأخذ المبتدئ بالتفسير تفسير الجلالين أم ماذا يأخذ؟ ذكرنا في مناسبات كثيرة وفي الأشرطة التي ذكرناها أن المبتدئ يبدأ بتفسير الشيخ فيصل آل مبارك، واسمه "توفيق الرحمن بدروس القرآن" ثم يثني بتفسير الشيخ ابن سعدي -رحمه الله-، ثم بعد ذلك يقرأ في تفسير الجلالين على حذر؛ لأن فيه من المخالفات العقدية ما فيه، وهو تفسير متين، يصلح لأن يدرس في المساجد ويمرن عليه طلاب العلم، مع بيان ما عليه من ملاحظات. ماذا تنصح فيمن حفظ القرآن وأراد أن يبدأ بالمتون ففي أي علم أو أي فن أو بأي متن؟ من حفظ القرآن وضمن ذلك، رزقه الله ومنحه الله -جل وعلا- هذه المرتبة العلية السنية؛ لا يخلو: إما أن يكون ممن يحتمل التعدد والتنويع، وهذه تناسب كثير من المتعلمين، بعض الطلاب يناسبه أن يقرأ في أكثر من فن في آنٍ واحد؛ لأنه لا يشتت ذهنه، وهو مع ذلك أيضاً ملول لو قيل له: اقرأ في علم واحد، والزم علم الحديث إلى أن تنتهي، ثم انتقل إلى غيره يمل، فمثل هذا إذا كان لا يشتت في تنويع العلوم مثل هذا ينصح بأن يقرأ العلوم أكثر من فن في آنٍ واحد، ليس معنى هذا أنه في ساعة واحدة وفي مجلس واحد يقرأ أكثر من فن، يخصص مثلاً أول النهار لفن، ثم يليه فلن، ثم بعد صلاة الظهر فن، ثم بعد صلاة العصر ثالث، وهكذا. بعض الناس لا يحتمل مثل هذا، إذا قرأ في أكثر من كتاب تشتت، وعنده صبر وجلد على أن يمسك الكتاب بالطريقة التي ذكرناها إلى أن ينتهي مثل هذا يقال له: الزم علم واحد، فالناس يتفاوتون منهم الملول، ومنهم الصبور والدءوب، وكلٌ يسلك ما يناسبه. يقول: نحن طلاب جامعة من خارج هذه المنطقة إذا اشتغلنا بدروس المساجد انشغلنا عن دروس الجامعة، وإذا اشتغلنا بدروس الجامعة انشغلنا عن دروس المساجد، فكيف نجمع بينهما؟ أم أن الأفضل أن نكتفي بدروس الجامعة؟

هذه الجامعة لا تخلو إما أن تكون جامعة شرعية فدروسها تخدم دروس المسجد، ودروس المسجد تخدم دروسها، ولا يتميز في الجامعات في الكليات الشرعية إلا طلاب المساجد، أما إذا كانت الكليات غير شرعية من علوم الدنيا مثلاً من طب أو هندسة أو غيرهما، مثل هذا يعنى بما هو بصدده، وهو مأجور عن ذلك -إن شاء الله تعالى- بالنية الصالحة، ومع ذلك يقرأ ما يناسبه من الكتب التي ألفت في أمثاله بالأساليب المبسطة؛ لأن طلاب العلم لهم أساليب يمرن عليها طلاب العلم، وإذا قلت: أن الكتاب كلما كانت عبارته أدق وأصعب وأعمق كان تأثيره في طالب العلم أقوى، هؤلاء طلاب العلم الشرعي لا بد أن يمرنوا على هذه الكتب، يعني لا أقيم دورة علمية وأحضر مشايخ، وأقول لهؤلاء المشايخ: درسوا مؤلفاتكم كما وجد في بعض الدورات، مؤلفات هؤلاء المشايخ على جلالتهم وعلى عظم قدرهم ونفع مؤلفاتهم، مؤلفاتهم ألفت بأسلوب مناسب لهم، يعني هو جالس يشرب الشاي يقرأ هذه الكتب وهو مرتاح، لكن مرن طلاب العلم على الكتب التي ألفت لهم، ليكون طالب العلم قد تأهل لفهم ما فوقه، وليكون طالب العلم إذا انفرد في بلدٍ من البلدان ليس عنده من يسأله ولا يحل له إشكال يستطيع بنفسه أن يحل الإشكالات، وعلى كل حال ألف كتب بأسلوب العصر تناسب طلاب العلم غير الشرعي. ما رأيك بالدورات التي تقام لحفظ الصحيحين بعد حفظ كتاب الله تعالى، وهل حفظ الأسانيد مهم في هذا الوقت بعد حفظها في الكتب؟

على كل حال حفظ أو حضور الدورات التي يحفظ فيها كتب السنة لا شك أنه فتح، وكان الناس على يأس تام من حفظ هذه الكتب إلى أن سنت هذه السنة، ويذكر بعضهم أنه بدأ بحفظ زوائد البيهقي، من يتطاول على قراءة البيهقي قبل وجود هذه الدورات، أو المستدرك أو غيرهما من الكتب، يعني الجادة عندهم يُقرأ الأربعين والعمدة والبلوغ وإذا. . . . . . . . . المنتقى، وتقرأ كتب السنة الكتب الستة .... قراءة سرد، فوجدنا من يحفظ ولله الحمد، فحضور هذه الدورات في غاية الأهمية، مع التطبيق الذي ذكرناه، فإذا اجتمع هذا وهذا، ضمنا أن هناك من طلاب العلم من سار على الدرب الذي يوصله -إن شاء الله تعالى- بالشرط الذي ذكرنا، وهو الإخلاص لله -جل وعلا-. ومن أعظم وسائل تحصيل العلم تقوى الله -جل وعلا- {وَاتَّقُواْ اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ} [(282) سورة البقرة] فالعلم بالعمل من أعظم وسائل تحصيله، والذي لا يتقي الله -جل وعلا- ولا يحقق هذا الشرط في نفسه هذا لا يحصل علم، ولو جمع من المسائل والأحكام ما جمع، فإن هذا ليس بعلم، شاء أم أبى، وإن قال الناس إنه عالم، فلا علم إلا بالتقوى، يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، العلماء استشهدهم الله -جل وعلا- على وحدانيته وألوهيته، فكيف يكون من يتصدى لأعظم شهادة لأعظم مشهود له، وهو ليس بأهل وليس بكفء يخالف الأوامر، ويرتكب النواهي؟ هذا جاهل وليس بعالم. العلم الذي لا يورث الخشية لله -جل وعلا- ليس بعلم، والحصر في الآية صريح {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [(28) سورة فاطر] وفي قوله -جل وعلا-: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ} [(17) سورة النساء] هل معنى هذا أن التوبة خاصة بالجهال الذين لا يعرفون الأحكام؟ ولو عرف الحكم أن هذا حلال وحرام وارتكبه فهو جاهل، كل من عصى الله فهو جاهل. فالتقوى هي المحقق للوصف الشريف وهو العلم، وهي من أعظم ما يعين على تحصيله وتثبيته، فعلينا أن نعمل بما نعلم، وعلينا أن نطبق، وأن كون أسوة وقدوة في أفعالنا وأقوالنا.

هذه تقول: لقد ترقيت إلى منصب وكيلة مدرسة، فانتقلت لمدرسة للمرحلة التأسيسية -من الإمارات- تقول: وجدت فيها موسيقى في الطابور وتحية العلم لكونها مدرسة أطفال في الروضة؟ وكذلك لأن فيها حصة ثالثة أساسية للموسيقى، وهذا أمر مجبورين فيه من الوزارة، فماذا أفعل فأنا مجبورة؟ انتقلي إلى مدرسة لا يوجد فيها هذا الأمر؛ لأن الموسيقى المحتمل عند أهل العلم أنها محرمة، وأنتِ تعلمين الخير وتقصدين الخير، تريدين ما عند الله -جل وعلا-، وما عند الله لا ينالُ بسخطه. سائل من ليبيا يقول: ما حكم الدعاء بعد الصلاة؟ جاء أن من مضان الإجابة الدعاء بعد الصلاة المكتوبة، والمراد به ما قبل السلام، وهو مظنة إجابة، والدعاء أحياناً بعد السلام لا بأس به ما لم يتخذ ديدن وعادة. كيف يجمع طالب العلم بين حفظ المتون ومراجعتها، ومراجعة القرآن الكريم؟ لا حل إلا بهذه الطريقة، لا بد أن يجمع بين مراجعة القرآن وأن يجعل له ورد من كتاب الله -جل وعلا- لا يفرط به سفراً ولا حضراً؛ لأن الذي يقرأ على التيسير والتسهيل إن تسير له وقت قرأ، وإن لم يتيسر له وقت لم يقرأ، مثل هذا لن يقرأ. بعض الناس يترك قراءة القرآن إن حضر قبل الإقامة أخذ المصحف وقرأ، هذا لن يقرأ، ولا بد أن يجعل ويفرغ للقرآن وقت كافي، جاء الأمر بقراءة القرآن بسبع، اقرأ القرآن بسبع، وهذا تنفيذ هذا الأمر لا يكلف شيئاً، فاجلس بعد صلاة الصبح منتظراً انتشار الشمس في كل يوم وتقرأ القرآن في سبع، وهذا لن يعوقك عن أمر من الأمور لا من أمور الدين، ولا من أمور الدنيا. يقول: هل يجوز أن يختبر الطالب شيخه؟

كيف يختبر الطالب شيخه؟! أولاً: الطالب عليه أن يقصد من الشيوخ من يغلب على ظنه أنه يفيده وينفعه، ويكفي في مثل هذا الاستفاضة، وسؤال الأعلام، أما الطالب فكونه يختبر الشيخ، بأي شيء يختبره؟ هل وصل إلى مرحلة أن يختبر ما عند الشيخ من العلم ليقرر هل يصلح ليؤخذ عنه العلم أو لا يصلح؟ هذا مثل تكليف العامي بالاقتداء بالأعلم حقيقة، لن يصل العامي بنفسه إلى معرفة الأعلم، وإنما يكتفى بمثل هذا بالاستفاضة، إذا استفاض بين الناس أن فلان تبرأ الذمة بتقليده يسأله امتثالاً لقوله -جل وعلا-: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [(7) سورة الأنبياء]. يقول: إذا كان عاشوراء يوم السبت أو الجمعة هل يجوز إفراده بالصيام دون ضم يوم عليه؟ أهل العلم يقررون أن صيام عاشوراء له مراتب، إما أن يصام وحده وهو أدنى المراتب، أو يضم إليه يوم قبله أو يوم بعده، وهذه المرتبة الثانية، ومنهم من يقول: أكمل من ذلك أنه يصوم يومٌ قبله ويومٌ بعده، وعلى كل حال من صام الخميس والجمعة والسبت أدرك ذلك لا محالة. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. شكر الله لفضيلة الشيخ، ونسأل الله أن ينفعنا بما سمعنا، والله تعالى أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

الهمة في طلب العلم

الهمة في طلب العلم الشيخ/ عبد الكريم الخضير الحمد لله رب العالمين، وصلي الله وسلم علي عبده ورسوله، نبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين، أما بعد: وبعد شكر الله -جل وعلا- علي نعمه التي لا تعد ولا تحصى، الشكر موصول علي القائمين علي هذه الدورات، التي نسأل الله -جل وعلا- أن يثيبهم، ولا يحرمهم أجرها وأجر من عمل بها, فهم المفاتيح, مفاتيح هذا الخير، على أنهم لما كلموني في هذا الموضوع ليكون كالخاتمة لهذه الدورة اعتذرت, اعتذرت عن قبول الدعوة لا زهد في الأجر ولا رغبة عن نفع الإخوان؛ لكن لمخالفة الخُبر الخَبر, فالهمة وموضوعها يحتاج أن يتحدث به أو فيه من اتصف بها, اعتذرت وما قبلوا، وقلت بعد ذلك: لعلي أن أجد في مقرؤاتي من الأمثلة ما يبعث على الهمة، وإلا فالإخوة اغتروا، وكيف يؤتى ببخيل يتحدث عن الكرم، وبجبان يتحدث عن الشجاعة؟ أقول: الإخوان استسمنوا ذا ورم، وقبلهم من الشباب لكن نعذرهم لصغر أسنانهم وقلة خبراتهم وتجاربهم، ومنهم من جاء يسألني هل صحيح أنك قرأت فتح الباري سبعين مرة؟ قلت: فتح الباري يحتاج لقرأته سبعين مرة إلي مائة وأربعين سنة؛ لأن كل مرة بسنتين، يحتاج إلى سنتين، الإخوان يحسنون الظن، وأرجو أن أكون عند ذلك. هذا الموضوع يحتاج إلى أن يتحدث فيه من عمر وقته بالعلم والعمل وصان أيامه ولياليه عن القيل والقال وقد ضربنا في هذا الباب -الذي هو التضييع والتفريط- ما نرجو أن يغفره الله لنا، ويتجاوز عنا وعنكم، هذا الموضوع بعد أن نعرف الهمة والهم من كلام أئمة اللغة وغيرهم، نتحدث عن بعض الأمثلة التي ضربها سلفنا الصالح في هذا الباب.

في تهذيب اللغة للأزهري نقلاً عن الليث بن مظفر يقول: "الهم ما هممت به من أمر في نفسك، تقولوا: أهمني الأمر، والمهمات من الأمور الشدائد, والهم الحزن، والهمة ما هممت به من أمر لتفعله، وتقول: أنه لعظيم الهمة، وإنه لصغير الهمة, والهُمام من أسماء الملوك لعظم همته، والهِمة -كما جاء في المصباح- بالكسر أول العزم، وقد تطلق على العزم القوي، يقول: الهمة أول العزم إذا عرفنا مراتب القصد التي أولها الهاجس، ثم الخاطر، ثم حديث النفس، ثم الهم، ثم العزم، وبعد العزم يأتي الفعل، الذي هو التنفيذ، فالهم دون العزم: مراتب القصد خمسٌ هاجسٌ ذكروا ... فخاطرٌ فحديث النفس فاستمعا يليه همٌ فعزمٌ كلها رفعت ... إلا الأخير ففيه الإثم قد وقعا يعني لا يؤاخذ الإنسان على الهاجس، ولا على الخاطر، ولا حديث النفس، ولا على الهم أيضاً؛ لكنه يؤاخذ على العزم إلا إذا ارتقى الهم إلى درجة العزم؛ لأنه أول العزم، والعزم يؤاخذ عليه الإنسان حديث: ((إذا التقى المسلمان بسيفهما القاتل والمقتول في النار)) قيل: هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: ((إنه كان حريص على قتل صاحبه)) عازم على قتل صاحبه، فالعزم مؤاخذ عليه.

علي كل حال الذي يهمنا في هذه المراتب الهم، ويقول صاحب المصباح: أنه أول العزم، وقد يطلق على العزم فيقال: له همة عالية، والهم بالفتح أول العزيمة، جاء في الحديث الصحيح: ((لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام وأمر رجال يذهبون معي بحزم من حطب فأخالف إلى أقوام لا يشهدون الصلاة فاحرق عليهم بيوتهم بالنار)) ثم عدل عن ذلك بقوله: ((ولولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقت عليهم بالنار)) فالنبي -عليه الصلاة والسلام- هم أن يحرق عليهم بيوتهم ولا يهم -عليه الصلاة والسلام- إلا بما يجوز له فعله، {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} [(24) سورة يوسف] وهو دون العزم الذي يؤاخذ به على خلاف طويل بين أهل العلم في المراد بالهم هنا, يقول ابن فارس: "اللهم ما هممت به، وهممت بالشيء هماً من باب قتل، إذا أردته ولم تفعله" يقول ابن القيم -رحمه الله- في مدارج السالكين: "وقد جعل منزلة الهمة من منازل إياك نعبد وإياك نستعين" جعل الهمة في طلب ما يرضي الله -جل وعلا-، ويدخل تحصيل العلم الشرعي المرضي والموصل إلى مرضاة الله -جل وعلا- دخولاً أولياً؛ لأنه بعد الفرائض من أفضل ما يتعبد به.

يقول ابن القيم في مدارج السالكين: "الهمة فعلة -يعني زنتها فعلة- وهو مبدأ الإرادة" الإرادة التي تبعث الإنسان على الفعل مبدأها الهمة، ولكن خصوها بنهاية الإرادة، ولذا من أراد أن يفعل لا يقال: إنه عنده همة، نعم، من يوصف بالهمة العالية؟ من فعل، أما من أراد أن يفعل ولما يفعل هذا لا يوصف بعلو الهمة لماذا؟ لاحتمال أن تكون هذه الإرادة مجرد أماني، يعني شخص عنده إرادة وعزيمة أن يحفظ أكبر قدر من العلوم هل يوصف بأن عنده همة؟ لأنها مبدأ الإرادة؟ أو حتى يترجم هذه الإرادة عملياً ويحفظ بالفعل, يعني شخص في تقديره أنه في سنة يحفظ سنن البيهقي مثلاً، هذا مبدأ الإرادة، وكانت الهمة تطلق على هذا باعتبار أن هم بالشيء أراده؛ لكن متى يترجم هذه الهمة؟ ومتى تسمى همة؟ نعم إذا انتهى، حفظ البيهقي وانتهى، قلنا: عنده همة, شخص يقول -وهو مبتلى بالسهر- يقول وهو في شعبان: إذا خرج رمضان سوف أترك السهر, هذا عنده همة؟ وإلا إذا ترك بالفعل وقاوم؟ نعم هذا صحاب الهمة أما مجرد الإرادة قبل التنفيذ فهي موقوفة على التنفيذ، فمنها ما هو همة بالفعل، ومنها ما هو مجرد أماني، وليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني؛ ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، فالهمة إذا لم تترجم إلى واقع عملي هذه مجرد أماني وتسويف، سوف يفعل، وسوف يفعل. فالهم مبدأها والهمة نهايتها, الهمة كغيرها من الغرائز منها ما هو جبلي فطري؛ ومنها ما هو مكتسب، ولها طرفان ووسط، فإذا جُبل الإنسان على علو الهمة لا شك أن مثل هذا يزاول أعماله بكل ارتياح، وقد تزيد هذه الهمة بالتهمم، كما أن الحلم يزيد بالتحلم، والعلم يزيد بالتعلم، هذه الهمة الجبلية التي غرست في نفوس بعض الناس والأمثلة تبين تباين الناس في هممهم لا شك أنها كغيرها, الحافظة مثلاً غريزة، والناس يتفاوتون ويتباينون تبايناً شديداً؛ لكن الذي يهمل هذه الحافظة ولا يتعاهدها تضعف، والذي يتعاهدها تزيد، وقل مثل هذا في جميع الغرائز، العقل بالتعقل منه ماهو غريزي فطري، ومنه ما هو مكتسب، الحلم، الصبر، الشجاعة، الكرم كلها منها ما هو مغروس في الإنسان ومفطور عليه، ومجبور عليه، ومنه ما يزيد بالمعاناة.

الهمة هذه لها طرفان ووسط بعض الناس عنده همة؛ لكن هذه الهمة تتعدى ما عد له، هذه مذمومة، يعني إذا سمع من يطوف بالبيت ويقول: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي} [(35) سورة ص] نعم هذه همة؛ لكنها همة مذمومة، فكيف إذا كان القائل امرأة , امرأة تطوف بالبيت وتقول هذا الكلام، تبي ملك لا ينبغي لأحد من بعدها, هذه همة مذمومة، نعم يهم الإنسان أو سمها أماني لأن يبلغ منازل لا يستطيعها أو ليست له إما شرعاً أو قدراً، شخص يربي نفسه على أن يصل منازل الأنبياء مثلاً، كما يفعله أصحاب الرياضيات من غلاة المتصوفة، يصلون إلى مراتب من الولاية بحيث تكون فوق منازل الأنبياء والرسل، هذه همة؛ لكنها همة مذمومة، هنالك همم ضعيفة بإمكانه أن يكتسب من أمور الدين أو أمور الدنيا، ومع ذلك يخلد إلى الراحة، فلا يتعاطى الأسباب لا في أمور الدين ولا في أمور الدنيا، ويكون عالة يتكفف الناس، هذا صغير النفس، همه أن يأكل ويشرب، يقول: هذا متيسر أو أجلس في المسجد يتيسر الأكل والشرب أو أجلس في بيتي، الجيران ما يقصرون، نعم وفي مثله يقول القائل: "ومن تكون همته ما يولج في بطنه قيمته ما يخرجه" هذه همة؛ لكن همة ضعيفة، نسأل الله السلامة والعافية، فهل يليق بمسلم مثل هذا الأمر؟ وقد تكاثرت النصوص وتضافرت على اكتساب ما ينفع من وجوهه، فكيف بما جاء من نصوص الكتاب والسنة في طلب أشرف مطلوب وأعظم مقصود، وهو العلم بالله -جلا وعلا-، وبآياته وصفاته وأحكامه وشرائعه، وما جاء عنه وعن نبيه -عليه الصلاة والسلام-, من تكون همته مدارسة الكتاب والسنة, المسألة طرد وعكس، قيمته إيش؟ نعم هذه الهمة شرفها بشرف كون مأخوذ بشرف ما يهتم به، وهذا الأمر من أعظم ما يهتم به شرعاً وعلى هذا ينبغي لطالب العلم أن تكون همته تحصيل علوم الكتاب والسنة، وما يخدم هذه العلوم، ما يخدم الأصلين من علوم يحتاجها طالب العلم ليتعامل مع نصوص نصوص الكتاب والسنة على الجادة.

نذكر أمثلة للهمة في علوها ودنوها، اجتمعا عبد الله بن عمر وعروة بن الزبير ومصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان بفناء الكعبة، فقال لهم مصعب: تمنوا، فقالوا: ابدأ أنت، فقال مصعب: أتمنى ولاية العراق، وأن يتزوج سكينة بنت الحسين وعائشة بنت طلحة، هذه أملح النساء، وهذه أجمل النساء، فنال ذلك، حصل له الولاية على العراق، وتزوج سكينة وتزوج عائشة بنت طلحة، هذه همة وحصل عليها، وتمنى عروة بن الزبير الفقه وأن يحمل عنه الحديث، فنال ذلك، كما تجد في كتب السنة عن عروة، نعم ما في كتاب من دواوين الإسلام يخلو من ذكر عروة مرات وكرات، نال ذلك وتمنى عبد الملك الخلافة فنالها، وتمنى عبد الله بن عمر الجنة، والمأمول من كرم الله -جل وعلا- أن يكون قد نالها، لا سيما وقد عرف بالتحري والإتباع والتثبت ويكفيه أنه صحابي.

أمنية كل شخص في هذه الدنيا إذا ما أعرضنا عن ذكر الآخرة بالمثال السابق، وما سيأتي من أمثلة في سير العلماء والصالحين في أمور الدنيا كل يتمنى على قدر ما يعانيه منها وما يتمناه، وما يرغب فيه, قيل لوراق -الوراق ينسخ الكتب- تمنَ تمنى إيش؟ جلود وأوراق، وحبر براق، وقلم نشاق، هذا الذي يريده، هذه غاية ما يتمنى، جلود وأوراق وحبر وقلم، قيل لطفيلي: تمنَ فقال: ندامى تسكن صدورهم، يعني يعاملوني الناس معاملة رقيقة، ما يطردون من يأتيهم، وتغلي قدورهم، ولا تغلق دورهم، هذه أمنية لكن كيف؟ لكن هل هذه الأمنية مثل أمنية ابن عمر؟ تمنى بعضهم الإبل في الجنة، بعضهم تمنى كتب في الجنة؛ لأن هذا يحب الإبل وهذا يحب الكتب، وشخص من أهل الإبل يأخذ من أرواثها ويستنشق ويقول: إن كان بالجنة مثل هذا فنعيم أي نعيم، تمنى بعضهم أن يرزق الله فلان ليقرضه، هذه همته، فهل مثل هذا يسعى لكسب الرزق، تمنى آخر أن يجعل الله الكثيب الفلاني من الرمل -كثيب عظيم نفود كبير من الرمل- تمناه، تمنى أن يجعله الله -جل وعلا- حباً، بر، لينقله لآل فلان ليأخذ الأجرة، يعني هذه همة لكن همة إيش؟ يعني ما تمنى أن يكون هذا البر لنفسه، هذا صغير الهمة، وهنالك أماني منهم من يتمنى المعصية، ومنهم من يتمنى الوصل بفلان وفلانة المقصود أن الأماني تبعث على الأعمال، ومنها ما هو مما يوصل إلى مرضاة الله -جل وعلا- وإلى الدار الآخرة، ومنها ما يوصله إلى دار الجزاء الثاني، نسال الله السلامة والعافية.

فلكل شخص أمنيته على قدر همته، يقول ابن القيم: "سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: جاء في بعض الاثار الإلهية يقول الله -جل وعلا-: إني لا انظر إلى كلام الحكيم، وإنما انظر إلى همته، قال شيخ الإسلام والعامة تقول: قيمة كل امرئ ما يحسن، والخاصة تقول: قيمة كل امرئ ما يطلب، يريد -رحمه الله- أن قيمة المرء همته ومطلبه، قيمة كل امرئ ما يحسن، والآن في أساليب الناس أن قيمة الشخص ما يحمله في جيبه، فإن كان غنياً صارت له قيمة، وإن كان فقيراً لا قيمة له، هذا في عرف الناس لما صارت الحياة الدنيا هدف، وغفلوا عن الهدف الأسمى الذي خلقوا من أجله، وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، غفلوا عن هذا، ولذا تجد القلوب توجل عند كثير من الناس إذا دخل المجلس أو دخل في المجلس وفيه من أهل الدنيا من أرباب المناصب والتجارات، وإذا جاءه من يعدل ملء الأرض من مثل هذا ولاه ظهره، وإذا أردت أن تعيش هذا الأمر في نفسك مثلاً وفي من تعرف فانظر نفسك إذا قيل لك: مدحك فلان مدحك الأمير الفلاني، أو الوزير الفلاني، انظر وضعك، ووضع ذلك الشخص الذي مدح من قبل هذا الكبير، من قبل هذا الوزير، من قبل هذا الأمير، تجده لا ينام الليل من الفرح؛ لكن لو كان الميزان عنده شرعي مالتفت إلى هذا البتة، وهو يعرف أن من ذكر الله في نفسه ذكره الله في نفسه، ومن ذكره في ملأ ذكره في ملأ خير منه، هذا الذي يحتاج أن يطير الإنسان شوقاً إلى مثل هذه الأعمال، الذكر، يقول القائل: ومن تكن العلياء همة نفسه ... فكل الذي يلقاه فيها محببُ

يعني الناس لو تقول له: احمل هذا الشيء اليسير يعني زنته خمس كيلو مثلاً، يقول: والله أنا ما تعودت الحمل، أنا والله لست بحمال، نعم لكن إتي له بشيء يرغبه تجده يحمل أضعاف أضعاف ما عرض عليه ما نحتاج أن نمثل يعني، من أهل العلم مثلاً وهو ما وضع نفسه للحمل والتنزيل، يأتيه كرتون زنته ستين كيلو كتب مثلاً عنده استعداد يشيله من السيارة ويدخله البيت؛ لأنه يحب الكتب، وهذه همته، وقل مثل هذا في سائر الأعمال البضائع مثلاً تجد أن صاحب هذه التجارة عنده استعداد يحملها لا سيما إذا كانت نفيسة عنده، أو كان يرجوها ويترقبها، أو لقلتها في الأسواق تجده يتولاها بنفسه، هذه همته: فكل الذي يلقاه فيها محببُ. تجد الإنسان يسافر يقطع المفاوز أحياناً قبل وسائل المواصلات على قدميه تبعاً لهمته إن كان ممن فتن بالنساء تجده يسير الآلاف من الكيلومترات من أجل أن يجد امرأة، إن كان ممن فتن بالأموال يسير ذلك أو أكثر منه من أجل أن يتاجر, همته العلم يرحل لطلب العلم، وهذا الباب يحتاج إلى دروس؛ لكن الرحلة سُنة لأهل الحديث سُنة وطريقة عرفت عندهم وأُلفت فيها الكتب، ووجد من يرحل مسافة شهر من أجل حديث واحد، هذه همة نحتاج إليها، وإذا كان العلم بين أيدينا وبين أظهرنا ولا يحتاج إلى سفر، ولا يحتاج لقطع مفاوز فما عذرنا؟ أشخاص يتسمون بطلب العلم، ولا يعرفون العلم إلا في الدروس، يجلسون بين يدي الشيخ ومعهم الكتب، وإذا خرجوا من عند الشيخ أخر علمهم بالكتاب خروجهم من المسجد إلى أن يحضر الدرس الثاني، وبعضهم مع الأسف يجعل الكتاب في المسجد، يصعب عليه حتى حمل الكتاب، مثل هذا قل أن يُفلح.

العلم يحتاج إلى مدارسة، يحتاج إلى أن تسهر الليالي، وعرف من كثير من المتقدمين تقسيم الليل إلى ثلاثة أجزاء: ثلث للنوم، وثلث للمطالعة والكتابة، وثلث للصلاة، ولا بد من الاستعانة بالصبر والصلاة؛ لأن بعض الطلاب تجده حريص على طلب العلم، ومن درس إلى درس، ومن حلقة إلى حلقة، ومع ذلك يشق عليه أن يصوم يوم في سبيل الله، أو يصلي ركعتين مثل هذا لا يعان على طلب العلم، خير ما يعين على طلب العلم العمل بالعلم، ولذا تجدون الكبار من أئمة الحفظ والفهم لو نظرت إلى مدة طلبهم للعلم بالنسبة لما عرف عنهم من عمل وجدت أن العمل أكثر، يعني الإمام أحمد وهو يحفظ سبعمائة ألف حديث، كيف تدرك سبعمائة ألف حديث؟ يعني يحتاج إلى أن يحفظ كم في اليوم الواحد؟ هل نقول: أنه عطل الواجبات، ترك النوافل والمندوبات أبداً، الإمام أحمد يصلي في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة، ويقول القائل مما لا يحتمل عقله مثل هذا الكلام هذا غير معقول، ثلاثمائة ركعة تحتاج إلى آيش؟ تحتاج إلى دقيقة مثلاً، يعني كل ركعة أقل ما يجزئ تحتاج إلى دقيقة، وثلاثمائة دقيقة يعني خمس ساعات، متى يطلب العلم؟ متى يتعلم؟ متى يُعلم؟ متى ينام؟ متى ... ؟ لكن لتعلم أن الإمام أحمد ما عنده استراحة، نعم وليس عنده أناس يؤنسونه، ويضيعون عليه الأوقات، كما يفعله كثير من الناس اليوم، وليس عنده على ما قال بعضهم: صالون في بيته، يحتاج إلى ثلاث ساعات في اليوم، ينظر في المرآة، وهذه شعرة زائدة، وهذه شعرة ناقصة، الإمام أحمد ما عنده شيء من هذا، فإذا صرف خمس ساعات في الصلاة، وقل مثلها للعلم، بقي عنده أربعة عشر ساعة، والواحد منا إذا حضر درس، أو ألقى درس يحتاج إلى راحة كأنه ألقى صخرة من فوق رأسه يحتاج بقية اليوم كله يرتاح وينفس عن نفسه، ويروح، فمثل هذا يحتاج الإنسان في مثل هذه الظروف إلى إعادة نظر.

النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يتخولهم في الموعظة في الحديث الصحيح أنه قيل لابن مسعود: "ألا تحدثنا كل يوم؟ قال: إني أتخولكم كما كان رسول الله -عليه الصلاة السلام- يتخولنا بالموعظة" نعم عوام الناس الذين ما أشربت قلوبهم حب العلم مثل هؤلاء لا يضيق عليهم، ولا يكرر عليهم الكلام؛ لأن هؤلاء يملون، فمثل هؤلاء يتخولون، أما بالنسبة لطالب العلم الذي يأمل أن يكون إماماً للمتقين، وقدوة للعاملين، مثل هذا لا بد أن يحمل نفسه على العزيمة والهمة العالية؛ لأنها يحتاج لمدة يسيرة إلى جهاد ومعاناة، ثم بعد ذلك لا يلبث أن تكون هذه ديدنه، وهي هجيراه، بحيث لا يستطيع أن يفارق هذا البرنامج، وهذا شيء مجرب، يبدأ الإنسان في بداية الأمر بقراءة صفحة صفحتين ثلاث ربع ساعة نصف ساعة في اليوم الثاني ساعة في اليوم الثالث إلى أن يضيق ذرعاً بوقت الطعام، ما يجد وقت للطعام، حتى أنه وجد من أهل العلم من يجعل القارئ يقرأ عليه وهو في مكان قضاء الحاجة؛ لئلا يضيع الوقت، واعرف من شيوخنا من حفظ ألفية العراقي وهو يتوضأ، يعني أحدهم يصب عليه الماء يتوضأ والثاني يقرأ عليه، بس وقت الوضوء! ووقت الوضوء يحتاج إلى آيش؟ دقيقة، يحفظ بيت، وحفظ كتب أخرى، بس هذا مثال, هذا من استغلال الوقت، وهذه همة عالية نحتاج إليها: على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ ... وتأتي على قدر الكرام المكارمُ على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ, العزائم: جمع عزيمة، والآن يلتبس العزيمة المأخوذة من العزم بالولائم وأحياناً يستدل بعض الناس أو يورد هذا البيت إذا كانت الوليمة كبيرة يقول: على قدر أهل العزم تأتي العزائم هذا قلب للحقائق: على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ ... وتأتي على قدر الكرام المكارمُ نعم، الإنسان حيث يضع نفسه؛ لكن لا يضع نفسه منزلة لا يستطيعها. وتكبر عين الصغير ضغارها ... وتصغر في عين العظيم العظائمُ نعم، وهل في مما يتنعم به أعظم من الجنة، إذا كان همة الإنسان الجنة وعمل لها حق له.

عمر بن عبد العزيز لما كان والياً على المدينة نعم, كانت همته الولاية على المدينة ثم حصلها، ثم الخلافة ثم حصلها، إيش بقي؟ أول يوم تولي الخلافة سمت همته إلى أعظم من الدنيا كلها إلى الجنة، فعل لها، وسمعتم وقرأتم سيرته في هاتين السنتين مدة خلافته ما لا يحقق في عشرات السنين، سنتين وعمره أربعون سنة، توفي -رحمه الله-، فالأعمال ما تقاس بالأعمار إنما تقاس بالإنجازات, تجد الشخص يعيش تسعين سنة، مائة سنة مثلاً وإذا وجدته إن كان من أهل العلم وجدت تراثه إذا جمعته وجدت أوراق، وقد لا تجد، تبحث عن طلاب يذكرونه ما تجد، وهو يشار إليه أنه من أهل العلم، وجلس إلى المشايخ، وحصل علم، وتولى منصب، ومنهم من بلغت علومه شرق الأرض وغربها، في نصف هذه المدة، عمر بن عبد العزيز أربعين سنة، النووي ست وأربعين سنة لو اجتمعت جامعات الدنيا من أجل تأليف مثل المجموع ما استطاعوا، لماذا؟ لأن النووي ما عنده استراحة، ولا عنده مائدة تجلب من ست قارات، مائدة تجلب من ست قارات؟ هذا مو بخيال يا إخوان هذا واقع يعيشه بعض الناس الآن، النووي عنده كسرة خبز، وماء مالح؛ لأن همته سمت عن الدنيا كلها، بهذا العمر القصير شوف النفع الكثير والكبير خلف من الكتب من الطلاب من له أجره وأجر من علمه هؤلاء الطلاب إلى يوم القيامة، لو أن الله -جل وعلا- ولو تفتح عمل الشيطان؛ لكن في مثل هذا لو أن الله -جل وعلا- نزهه عن التخليط في بعض مسائل الاعتقاد, نسأل الله -جلا وعلا- أن يعفو عنا وعنه. مما ذكرنا في أول الأمر وأن الهمة قد تكون فوق ما يطلب من الإنسان، أو ما يتصور ويتوقع منه, تمنى بعض النساء الجهاد في سبيل الله، فانزل الله -جل وعلا-: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [(32) سورة النساء] فكل إنسان يتمنى ويهم بما يليق به.

الشوكاني -رحمه الله- له كتاب اسمه: أدب الطلب، فيه توجيهات لطالب العلم، يقول فيه: "ينبغي لمن كان صادق الرغبة، قوي الفهم، ثاقب النظر، عزيز النفس، شهم الطبع، عالي الهمة، سامي الغريزة، أن لا يرضى لنفسه بالدون، ولا يقنع بما دون الغاية، ولا يكل عن الجد والإجتهاد المبلغين به إلى أعلى ما يراد، وأرفع ما يستفاد، فإن النفوس الأبية، والهمم العلية لا ترضى بما دون الغاية في المطالب الدنيوية، تجد من الناس يغامر بحيث لو أخفق في هذا المشروع الذي غامر فيه صار مديناً إلى أن يموت، ومع ذلك يغامر رجاء إيش؟ المكاسب الطائلة يقول: "والهمم العلية لا ترضى بما دون الغاية في المطالب الدنيوية من جاهٍ أو مالٍ أو رئاسة أو صناعة أو حرفة أو غير ذلك" يعني إذا كان هذا في أمور الدنيا فكيف بأمور الآخرة التي الدنيا بحذافيرها لا تزن عند الله جناح بعوضة؟ يعني إذا نسبنا الدنيا كلها بجميع ما حصل فيها من نعيم من أول مخلوق إلى قيام الساعة ماذا تزن عند الله -جل وعلا-؟ جناح بعوضة، لا تزن عند الله جناح بعوضة، من يعرف قدر هذه الدنيا؟ يعرفها مثل سعيد بن المسيب، عنده بنت علمها وأدبها فصارت محدثة فقيهة، هذه يربيها سعيد لمن؟ للخليفة أو لابن الخليفة؟ خطبها ابن الخليفة فجاءه السفير بينهما –الواسطة- فقال: يا سعيد جاءتك الدنيا بحذافيرها، قال: كيف؟ قال: فلان يريد البنت، قال: يا فلان إذا كانت الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة فماذا يقص لي من هذا الجناح؟ صحيح, ويزوجها طالب فقير، لا يملك شيء، هذه هي الهمم، همم تسمو إلى مرضاة الله -جل وعلا-، وإلى تحقيق هذه الغاية، فأين طالب العلم من تحقيق هذه الغاية؟ يقول: إذا غامرت في شرف مرومٍ ... فلا تقنع بما دون النجوم فطعم الموت في أمر حقير ... كطعم الموت في أمر عظيم الموت هو هو ما يتغير، خلاص طعمه واحد، فطعمه في تحصيل درهم أو طعمه في تحصيل معصية، نسال الله السلامة والعافية مثل طعمه في تحصيل الشهادة، بل الموت بالنسبة للشهيد قد لا يشعر به، يقول القائل: بقدر الكد تكتسب المعالي ... ومن طلب العلا سهر الليالي ومن رام العلا من غير كدٍ ... أضاع العمر في طلب المحالِ

تروم العز ثم تنام ليلاً ... يغوص البحر من طلب أللآلي بقدر الكد تكسب المعالي، قد يقول قائل: هذا الكلام ما هو بصحيح، بقدر الكد تكتسب المعالي، ومن طلب العلا سهر الليلي، كيف ما هو بصحيح؟ يقول: أنا عندي الحافظة ضعيفة، فاحتاج إلى ليلة كاملة لأحفظ ورقة وزميلي ما يكد ولا يتعب في خمس دقائق يحفظ ورقة، وأنتم تقولون: بقدر الكد تكتسب المعالي، نقول: يا أخي هل المعالي جمعت في هذه الورقة التي حفظتها؟ أليس بتعبك ونصبك في ما يرضي الله -جل وعلا- تحصيل للمعالي، فالذي يتعب في تحصيل العلم لا يضيق بذلك ذرعاً؛ لأنه في عبادة، نعم يبذل السبب، ويمشي على الجادة، ويصل بإذن الله -جل وعلا- إذا علم الله منه صدق النية والإخلاص؛ لكن أنت افترض أن شخصاً سبعين سنة يطلب العلم وفي النهاية لا شيء، وزاملنا أناس من هذا النوع، أكثر من سبعين سنة يتردد على الحلق، وفي النهاية لا شيء، يعني هذا ضاع جهده؟ ألا يكفيه حديث: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله به طريقاً إلى الجنة)) ما يكفيه هذا يا إخوان؟ يكفي فأنت ابذل السبب والنتيجة بيد الله -جل وعلا-: ومن رام العلا في غير كدٍ ... أضاع العمر في طلب المحالِ

الأماني التي هي رأس مال المفاليس, إذا أوى إلى فراشه تمنى أن يكون مثل فلان ومثل فلان ومثل علان بدون عمل، ثم إذا أصبح تبخرت هذه الأماني، ورجع إلى عمله بالأمس، هذا لا يدرك شيئاً، أضاع العمر في طلب المحال, تروم العز ثم تنام ليلاً, وإذا نظرنا إلى حال كثير من طلاب العلم قلنا: قد ينال العز من ينام ليلاً إن قارناه في واقع كثير من طلاب العلم الذين يمضون كثير من الليالي في القيل والقال، فضلاً عن العامة، يغوص البحر من طلب اللآليء, ليجلس في البيت فإذا أصبح فإذا في بيته أعداد كبيرة من اللآليء هذه أماني، مثل صاحب العسل عنده منحلة صغيرة فجمع منها في إناء من زجاج شيء من العسل، وربطه لئلا يأتيه ما يريقه, ربطه في حبل وعلقه بالسقف، فلما أوى إلى فراشه وبجانبه العصا، قال: نبيع هذا العسل بمبلغ كذا، ثم نشتري كذا، ثم نبيعه بمكسب كذا، ثم نفعل كذا، إلى أن حصّل، وهو في فراشه المهر، ثم نتزوج، ثم نفعل ونترك، إلى أن يأتي الولد ونربيه على الكسب: الآن ما عنده إلا هذه العلبة من العسل، فإذا خالف يمين شمال فأخذنا العصا وضربناه ضرب الزجاجة وانكسرت تبخر كل شيء، كل الأحلام تبخرت، انتهى. تروم العز ثم تنام ليلاً ... يغوص البحر من طلب أللآلي

الكثير من طلاب العلم يقول: الوقت ما فيه بركة، السلف نعم هم في وقت مبارك، وحصلوا ما حصلوا لبركة الوقت، ونحن ما عندنا بركة، كيف تتصور البركة في وقتك وأنت إذا جيت من عملك أو من دراستك، وقد ذهب سنام الوقت وصليت العصر الآن الوقت يا الله يستوعب طعام الغداء، ثم صليت العصر، ماذا تترقب بعد الصلاة؟ تترقب شخص من زملائك يقف بسيارته عند الباب، يقول: والله عندنا مشوار نبي نروح عند فلان أو علان، ولا تصل إلى المشوار إلا مع صلاة المغرب، ثم بعد ذلك قيل وقال، وتنصرف بعد ذلك بعد هزيع من الليل، مثل هذا يدرك علم؟ فيه بركة وقته؟ إذا صلى الفجر ذهب إلى فراشه لينام؛ لأنه سهران في الليل، حتى يأتي وقت الدوام أو وقت الدراسة؛ لكن في مثل هذه الأيام والأيام القادمة صلِ الفجر، واجلس في مصلاك، اذكر الله حتى تنتشر الشمس، وخذ معك كتاب واقرأ إلى الساعة سبع أو أكثر، وشوف البركة في الوقت، في يوم الخميس والجمعة اقرأ إلى التاسعة والعاشرة وشوف البركة في الوقت، وأما في الشتاء جرب في الليل لو صليت العشاء اجلس خمس ساعات يكفيك عن شهر مما تضيعه، ويفعله كثير من طلاب العلم في هذه الأوقات، قد يقول قائل: نحتاج إلى ما يبعثنا على الزيادة من الهمة العالية، يلاحظ على كثير من طلاب العلم الاسترخاء، نقول: من عرف الهدف هان عليه كل شيء، وبذل كل ما يملك من جهد ومال ووقت؛ لأنك عرفت الهدف إيش تطلب أنت؟ تسهر ليلة من أجل أن تحصل على عشر ريالات مثلاً في هذه الأوقات، تقول: والله ما لازم نسهر عشر ريالات ندركها في أي مكان؛ لكن من قال لك: تسهر ليلة وتحصل على ألف تسهر ليلة، لو قال: ألفين كان الأمر أعظم وأشوق، والنفس أريح، ثلاثة ألاف أكثر، طيب اقرأ القران، كم جزء تقرأ في الساعة؟ يعني على أقل تقدير ثلاثة أجزاء، ساعتين ستة أجزاء في الليلة، ستة أجزاء كم فيها من حسنة؟ الجزء الواحد فيه مائة ألف حسنة، لو قال لك: مائة ألف هللة في شرق الأرض وغربها ذهبت، لكن احرص على ما ينفعك، فإذا عرفت نفاسة ما تطلب هان عليك في تحقيقه وسبيل كل ما تبذل.

أيضاً النظر، مما يعينك على علو الهمة أن تنظر إلى الأعلى، ما تنظر إلى الأدنى، أنت في قاعة الدرس اختبرت وأخذت في النتيجة سبعين، يعني هل الأفضل لك أن تقول: والله زميلي فلان أخذ ستين أنا أفضل منه وإلا زميلي فلان أخذ تسعين لا بد أن أخذ تسعين امتياز، بل أضاعف الجهد لأخذ درجة كاملة، فمثل هذا يبعثك على علو الهمة، فكيف والمقابل لا تقوم له موازين الدنيا؟! فإذا نظرت إلى الأعلى ازددت، وهان عليك كل شيء، بخلاف ما إذا نظرت إلى الأدنى، كثير من الناس إذا ذكر له وضع الناس اليوم، وضع كثير من المسلمين، من عوامهم وخواصهم، إنهم أقل مما كانوا عليه من عشر أو عشرين سنة، كثير من الناس يقول: الحمد لله انظر إلى البلدان المجاورة، نحن على خير، هذا نظر إلى الأعلى أو إلى الأدنى؟ نظر إلى الأدنى لكن لما يعين في وظيفة، ويصرف له ثلاث ألف ريال شهرياً، ما يقول: الحمد لله، والله فلان موظف قبلي وعنده أسرة أكثر من أسرتي، وراتبه ألف وألفين، لا، يقول: زميلي فلان راتبه خمسة آلاف، وإيش الذي ينقصني أنا؟ هل أنا أقل منه كفاءة؟ فهو ينظر في أمور الدنيا إلى الأعلى، وفي أمور الآخرة إلى الأعلى، صار مثل الطالب جاء متأخر نصف ساعة عن الدرس، سأله المدرس: لماذا تأخرت؟ قال: أحمد ربك أني جيت بعد، هذا عنده همة هذا؟ ما عنده همة، فلإنسان يحتاج في مثل هذه الأمور، أمور الآخرة يحتاج لأن ينظر إلى الأعلى ليزداد ويترقى، ويصعد في الكمالات، أما في أمور الدنيا، والدنيا يعني جاء التوجيه بأن لا ينسى الإنسان نصيبه من الدنيا؛ لكن ما هي بهدف بقدر البلغة، ينظر إلى الأدنى، وجاء في الحديث الصحيح المتفق عليه من حديث أبي هريرة: ((إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه)) نعم يعني في أمور الدنيا تنظر إلى من هو أسفل منك، وجاء في الحديث التعليل: "فهو أجدر ألا يزدري نعمة الله عليه" بخلاف أمور الدين ما تنظر إلى فلان وتقول: والله أنا أفضل من فلان، هذا يبعثك على إيش؟ على العجب المؤدي إلى ترك العمل، والعجب آفة في طريق العلم والعمل، من أعظم العوائق دون تحصيل العلم والعمل العجب بالنفس وازدراء الآخرين، فأنت إذا نظرت إلى من هو

دونك في أمور الدين تقول: لا والله الحمد لله أنا أصلي فلان أكثر الأوقات لا يصلي في بيته، وفلان تفوته بعض الركعات، أنا ما تفوتني -ولله الحمد- أبكر، واقرأ القران؛ لكن انظر إلى سيرة السلف الصالح، كيف يقضون أوقاتهم؟ انظر من الأمثلة الواقعية التي تعيشها الآن من أهل العلم والفضل والعباد والزهاد والدعاة، تجد من الأمثلة ما يحدوك على العمل، توطين النفس على الشدائد، شدائد تحصيل العلم لتعلم أن هذا العلم مما حفت به الجنة، الجنة حفت بما تهواه النفوس أو بما تكره النفوس؟ نعم حفت الجنة بالمكاره، تبي الجنة أقدم على هذه المكاره، والعلم ليس بالأمر السهل، ولا يمكن أو يستطاع أو ينال براحة الجسم، لا يمكن أن ينال العلم براحة الجسم، لو كان يباع ويشترى ترى كل الناس علماء، التجار كلهم علماء، ولو كان يستطاع مع الراحة والنوم كل الناس علماء؛ لكن مع ما جاء في فضل العلم، ورفع منازل أهل العلم في الدنيا والآخرة، العلماء عددهم يسير قليل بالنسبة للناس، ما الذي أعاق أولئك عن تحصيل العلم ليحصلوا هذا المنازل، وهذه الدرجات العالية في الدنيا والآخرة؟ الذي أعاقهم الشدائد والعقبات التي تعوق دون التحقيق، فلابد من توطين النفس على الشدائد. أيضاً مما يعين على تقوية الهمة في نفس طالب العلم النظر في سير العلماء والعظماء والصالحين، وسيدهم ومقدمهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، لا بد من إدامة النظر في سيرته -عليه الصلاة والسلام-، أفضل الخلق، أكرم الخلق، أشرف الخلق، أعلم الخلق بالله، أشجع الناس أخشاهم وأتقاهم لله، ومع ذلك يربط الحجر على بطنه، وينام على حصير يؤثر في جسده، ووسادة من أدم حشوه ليف، هذا الذي يعرف قدر الدنيا، وهو أعلم الناس وأخشاهم وأتقاهم وأكرمهم على الله -جلا وعلا-، إذا قرأت في سيرته عرفت الغاية التي تريدها والسبيل الذي تسلكه مقتدياً بالأسوة وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني لما يقال: فلان يصلي كذا، أو يصوم كذا، قد يقول قائل: والله هذا شق على نفسه، والدين يسر، وعليكم من الدين ما تطيقون؛ لكن إذا قيل له: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قام حتى تفطرت قدماه، هذا مغفور

له ما تقدم من ذنبه وما تأخر -عليه الصلاة والسلام-، ومع هذا قام هذا القيام، وجاهد في الله حق جهاده، وأدى الأمانة، وبلغ الرسالة، وحصل له من الشدائد ما حصل، ومع ذلك حينما قيل له: تفعل هذا وأنت غفر لك، ترجو المغفرة؟! ((أفلا أكون عبداً شكوراً)) الله -جل وعلا- ينعم عليك بجلائل النعم، ودقائق النعم، النعم التي لا تعد ولا تحصى، ومع ذلك تبخل على نفسك بالذكر الذي لا يكلفك شيئاً، ولو أعملت لسانك ليل نهار بذكر الله، ولهجت بشكره، ما استطعت أن تفي شكر نعمة من نعم الله -جل وعلا-، فكيف بجميع نعمه؟ {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا} [(18) سورة النحل] فمثل هذا يحتاج إلى شكر، والشكر يحتاج إلى بذل من النفس. الصحابة -رضوان الله عليهم- ضربوا أروع الأمثلة في علو الهمة والعطاء والبذل لهذا الدين، ثم سار على طريقتهم والكل يهتدون ويقتدون بالأسوة والقدوة -عليه الصلاة والسلام-، جاء بعدهم التابعون والأئمة وحصل منهم ما حصل, تقرؤون في سيرهم الأعاجيب، تقرؤون الأعاجيب في بذلهم وتضحياتهم في سبيل دينهم، في نشر العلم، وفي التعليم والعمل. والإنسان يقرأ في هذه الكتب في سير الأئمة يظنه ضرب من الخيال، إنما يساق للتشجيع فقط، وإلا ما له حقيقة، أدركنا من شيوخنا من لا يرتاح في يومه ولا ليله ولا أربع ساعات، ولا ثلاث ساعات، والبقية كلها بذل وعلم وتعليم، وكل باب من أبواب الخير له فيه سهم، وما زالت الأمة فيها خير، والخير في أمة محمد إلى قيام الساعة -عليه الصلاة والسلام- موجود، يقول الإمام الشافعي: إذا هجع النوام أسبلت عبرة ... وأنشدت بيتاً وهو من ألطف الشعرِ أليس من الخسران أن ليالياً ... تمر بلا علم وتحسب من عمري

أليس من الخسران أن ليالياً تمر بلا علم وتحسب من عمري، يعني هؤلاء الأئمة الذين حفظوا ما حفظوا وبقي ذكرهم إلى يومنا هذا, هذا عبث؟ يعني جاء مجرد صدفة واتفاق؟ يعني مجرد اختاروا الإمام الشافعي قدوة يقتدون به ويعملون بعلمه؟ هذا عبث أو لأنه قدم ما يستحق به أن يذكر إلى قيام الساعة، ويُدعو له ويترحم عليه؟ وقل مثل هذا في الإمام أحمد، يعني جاء من فراغ، حفظ سبعمائة ألف حديث؟ ما جاء من فراغ، كونه يذكر ويلهج بالثناء عليه، والاقتداء بعلمه، والأخذ بهديه المأخوذ من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ هذا ليس من العبث، لصدق مع الله -جل وعلا-، وبذل وإعطاء من النفس، يعني بعض الناس أعماله تكتب له إلى قيام الساعة، لماذا؟ لأنه سن سنن، وألف كتب، وبقي نفعها إلى قيام الساعة، وترك الطلاب والطلاب لهم أجرهم وأجر تلاميذهم، وهم وطلابهم أجرهم لشيخهم، وفضل الله لا يحد، قد يقول قائل: كيف هذه الأجور تحصل لمثل هؤلاء الأئمة؟ فضل الله واسع، وجاء في الحديث -وفيه كلام لأهل العلم-: ((إن الله ليضاعف لبعض عبادة الحسنة إلى ألفي ألف حسنة)) فإذا كان هذا الإمام قدوة ألف الكتب وبقيت إلى قيام الساعة، وفي كل مجلس، وفي كل درس، وفي كل بلد من تأليف الكتاب إلى ما الله به عليم يقال: قال رحمه الله تعالى, إضافة إلى أن مجرد صلاح الإنسان بنفسه يضمن له الخير الكثير، مجرد صلاح الإنسان بنفسه يضمن له دعوات المسلمين كلهم، كل مصلي يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، ممن تقدم، وممن سيأتي من السابق والآحق.

فعلى الإنسان أن يسعى في تحقيق هذا الوصف، وهو الصلاح ليدخل في دعوة المسلمين، ثم بعد ذلك يسعى أن يستمر عمله إلى ما لا نهاية، إلى قيام الساعة، يقول: أبو الوفاء ابن عقيل وهو من أئمة الحنابلة، يقول: "إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري" أنت ما تملك نفسك، نفسك ما هي ملك لك، يعني هل يجوز لك أن تقلع أصبعك وتتبرع به لأحد يجوز؟ لا تملك من نفسك شيء، ويقول: "إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حال راحتي وأنا مستطرحٌ –مستلقي- فلا انهض إلا وقد خطر لي ما اسطره" هذه الهمة انتجت إيش؟ الفنون، كم مجلد الفنون؟ ثمانمائة مجلد، يعني ما هو من فراغ. شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- أبو العباس ابن تيمية مضرب مثل في هذا الباب، يعني عمر شيخ الإسلام كم؟ إذا قلت: أربعين وثمان وعشرين ثمان وستين سنة، إذا قست عمر شيخ الإسلام بمؤلفاته فقط، دعونا من عبادة الشيخ، وجهاد الشيخ، وسجن الشيخ، وتضحية الشيخ، في المؤلفات تجد الشيء الكثير الذي لا يتصوره من يقيس بالأرقام، يكتب الكتاب في جلسة، فتوى في مائتين وثلاثين صفحة، يقول: "كتبتها وصاحبها مستوفز يريدها" مائتين وثلاثين صفحة الحموية بين الظهر والعصر، الناس يدرسونها سنين، ما الذي أوصل شيخ الإسلام إلى هذه المنزلة؟ همة, همة عالية، بذل في وقت الطلب، مع صدق وإخلاص لله -جل وعلا- جعله يكتب مثل هذه الكتب التي يحتار فيها كثير من العلماء، كتب لشيخ الإسلام، أنا أتصور أن شيخ الإسلام ما جلس شهر على (نقض التأسيس) وفي تحقيق الكتاب أربعين سنة ليحقق الكتاب، كيف يحقق؟ يقابل على النسخ، ويعلق عليها، الأصل موجود، يعني المبني عظم، يعني يحتاج إلى تلييس، ويحتاج إلى تركيب بس، تحقيق ويحتاج إلى أربعين سنة، كيف أربعين سنة؟ حققه ثمانية، وكل واحد خمس سنوات. وكذلك التأسيس أصبح نقضه ... أعجوبة للعالم الرباني هذا جاء من فراغ؟ كتاب (درء تعارض العقل والنقل) هذا الكتاب عندنا أُناس أئمة في باب الاعتقاد يطون مئات الصفحات من غير نظر ما تفهم. واقرأ كتاب العقل والنقل الذي ... ما في الوجود له نظير ثاني

قرأنا كتب شيخ الإسلام، وذُهلنا من السرعة في الكتابة، وسيلان الذهن، وترابط الكلام، والاستطرادات، ويمين ويسار، المقصود أن هذا أمر مذهل سببه إيش؟ الإخلاص والهمة العالية، تقرأ مثلاً في (منهاج السنة) وصية لطالب العلم في المجلد الأول ثلاثمائة صفحة، لا يقرأ، يخرج منها بخفي حنين، وفي السادس قريب منها، الكلام كلام فوق مستوى كثير ممن ينتسب للعلم، وسببه ما ذكرنا، وشيخ الإسلام تفرغ للعلم، ونذر نفسه للعلم؛ لكن العمل، أمرنا بالاستعانة بإيش؟ بالصبر والصلاة، شيخ الإسلام معروف بعبادته، يقول تلميذه ابن القيم -رحمه الله تعالي-: "حضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرة صلى الفجر، ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار" هذا يستعين به على الفهم، يستعين به على الحفظ، يعني لا تستطيع أن تأتي بسالب فقط أو موجب فقط تريد إنارة، لا بد من الاثنين، لا بد من علم وعمل؛ لكي تدرك العلم، وتستعين عليه بالعمل، يقول: "حضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرة صلى الفجر ثم جلس يذكر الله تعالى قريب من انتصاف النهار، ثم التفت إليّ، وقال: هذه غدوتي ولو لم أتغدَ سقطت قواي" وقال مرة: "لا أترك الذكر إلا بنية إجمام النفس وإراحتها" ليستعد بتلك الراحة لذكر آخر؛ لأنه يحتاج إلى أن ينام -رحمه الله تعالى- وإذا ذكرنا مثل هؤلاء لا ننسى: لا تعرضنا لذكرنا مع ذكرهم ... ليس الصحيح إذا مشى كالمقعدِ وليس معنى هذا يعني أن لا يوجد، وجد أمثلة في عصرنا مع طغيان المادة والانشغال بأمور الدنيا من ضرب بالأمثلة أروعها مثلاً من العصر القريب شيخ شيوخنا الشيخ عمر بن سليم -رحمه الله- عرف بالعلم والعمل يجلس من صلاة الفجر إلى أذان الظهر، قبل هذا خلنا نشوف الطيبي مثلاً شرف الدين الطيبي إمام من أئمة المسلمين، ذكر الشوكاني في ترجمته من البدر الطالع أنه كان يجلس بعد صلاة الفجر إلى أذان الظهر جلسة واحدة هذا إيش يسوي؟ يفسر القرآن وبعد أن يسلم من صلاة الظهر إلى أذان العصر يقرئ صحيح البخاري والعصر كذلك والمغرب كذلك قام على هذا مدة طويلة، ثم بعد ذلك يجلس ينتظر الصلاة يذكر الله -جل وعلا- يتأهب للصلاة وتقبض روحه وهو ينتظر الصلاة.

الشيخ عمر بن سليم المتوفي سنة اثنين وستين وثلاثمائة وألف، شيخ شيوخنا قريب ما هو بعيد، الوقت كله من صلاة الفجر إلى بعد صلاة العشاء كله للعلم، يتخلل العلم يأتي في الشهر مرة مثلاً خصوم؛ لأنه قاضي فيقضي بينهم بكلمة أو كلمتين وينصرفون وهم راضون، فاجتمع عنده من الطلبة الجم الغفير، ونفع الله به، وكثير من قضاة المملكة في شمالها وجنوبها وشرقها من طلاب الشيخ، أو من طلاب طلابه، هذا بذل. الشيخ محمد بن ابرهيم -رحمه الله تعالى- بدأ التدريس من وفاة عمه الشيخ عبدالله بن عبد اللطيف سنة تسع وثلاثين وتسعمائة وألف إلى سنة تسع وثمانين إلى وفاته نصف قرن والوقت كله معمور للعلم والتعليم والعبادة ونفع الناس. الشيخ عبد الله القرعاوي -رحمة الله عليه- مثال للداعية المصلح، ذهب إلى جنوب المملكة، وفي ذلك الوقت فيها ما فيها من الجهل، وأسس فيها مئات المدارس، ومازال طلابه وطلاب طلابه إلى الآن وهم منارات في تلك البلاد، نفع الله به نفع عظيم, من قرأ سيرة هذا الرجل عرف أنه بالإمكان مع النية الصالحة والبذل، وترك الترفع والتنعم؛ لأن الدنيا والآخرة ضرتان، مثل كفتا الميزان إذا رجحت هذه ارتفعت تلك، عرف أنه بالإمكان أن يبذل الإنسان لا سيما مع صدق النية وصدق التوجه إلى الله -جل وعلا- ما لا يخطر على باله, وأما الشيخ ابن باز فكلكم أدركتموه، علمه ودعوته ونفعه للخاص والعام، بلغ مشارق الأرض ومغاربها ونعرف من حال الرجل أنه لا يرتاح في اليوم والليلة ولا أربع ساعات، والوقت كله للعلم والعمل، ونفع الناس والشفاعات، وقضاء حوائج الناس، والمصالح العامة التي أنيطت به. الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- سمعتم وقرأتم الشيء الكثير عن شيوخنا الشيخ ابن عثيمين كذلك، يعني هل تتصورون أن الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- أو الشيخ ابن باز وغيره مما ذكرنا من هؤلاء أنهم أكمل أهل عصرهم في التركيب؟ نعم، قد يوجد في عصرهم من هو أقوى في البدن، وأذكى نعم، وأكثر فهماً لكن ما الذي جعل هذا يتقدم وهذا يتخلف، العلم والتعليم والبذل والإخلاص.

يقول الليث بن سعد: "تذاكر الزهري ليلة بعد العشاء حديثاً، وهو جالس متوضئ فما زال ذلك مجلسه حتى أصبح" وهذا كثير، الشيخ عمر بن سليم -رحمه الله- قالوا: في ليلة زواج من زواجاته أشكل عليه معني آية فنزل إلى المكتبة إلى أذان الصبح من تفسير إلى تفسير والوقت يمشي. قال فضيل بن غزوان: "كنا نجلس أنا ومغيرة نتذاكر الفقه، فربما لم نقم حتى نسمع النداء لصلاة الفجر"، على كل حال الأمثلة كثيرة ومدونة، ولو راجع طالب العلم ينبغي مع علوم الكتاب والسنة أن يقرأ أو يديم النظر في سيرة النبي -عليه الصلاة والسلام- وحياة صحابته -رضوان الله عليهم- وسير الأئمة يعني سير أعلام النبلاء من ألذ الكتب يقرأه طالب العلم، ويفيد منه في دروس علمية وعملية في كثير من كتب التراجم، قد لا توجد في غيرها، الطبقات، طبقات المفسرين، طبقات المحدثين، طبقات الحنابلة، طبقات الشافعية، وغيرها يعني لو تقرأ في ترجمة الزريراني من الحنابلة مثلاً يقول لك قرأ المغني ثلاث وعشرين مرة، وفي كل مرة يضع عليه حاشية غير الأولى هذا يحصل, طالب العلم إذا قيل له: اقرأ البخاري قال: ويين البخاري؟ أربع مجلدات، متى ينتهي؟ لا يا إخوة, لا بد أن تقرأ البخاري وغير البخاري، وتوطن نفسك على أنك سوف تكون عالماً، يخرج الله بك الأمة من ظلمات الجهل، لعلنا نكتفي بهذا، وإن كان في أسئلة وإلا شيء، نأخذ منها شيئاً يسيراً، والوقت ضيق، يعني قد تأخرنا على الإخوان ما ودنا عاد نملهم أكثر من هذا. يقول: بعض طلاب العلم يتبجح بالتفرغ لطلب العلم، ثم هو لا يقوم بالدعوة والإنكار مع حاجة الناس الآن إلى ذلك فما توجيهكم؟ على كل حال العمل لا بد منه، والعمل منه القاصر، ومنه المتعدي، فمن القاصر الإكثار من النوافل، نوافل الصلاة والصيام والذكر وغيرها، ومن النفع المتعدي الدعوة، والأمر والنهي، وأهل العلم يقررون في الجملة أن النفع المتعدي أولى من القاصر، فعلى طالب العلم أن يبذل من نفسه ما يستطيع، وعليه أن يعرف قدر نفسه. يقول: هل من المناسب لطالب العلم أن يترك الدرس عند الشيخ في بعض الحالات عند الحاجة للدعوة أم ماذا؟

عليه أن يجمع بين طلب العلم والنفع العام من دعوة وأمر ونهي، على أن يكون في أول الأمر الحظ الأكبر والنصيب الأوفر للعلم، ثم بعد ذلك يتفرغ للعمل. يقول: ألا تلاحظ أن بعض الناس لديه همة في تحطيم الهمة، فلا يعين صاحب الهمة في عمله ويحطمه فما نصيحتكم لهؤلاء؟ نعم، نسمع من بعض الناس: الله المستعان, الدنيا تغيرت، والأوقات نزعت البركة منها، والآن إيش تبي تسوي؟ أنت عندك سيارة, وعندك جوال، وعندك بيت، وعندك أسرة، وعندك تكاليف، وعندك أجور، وعندك فواتير، إيش تطلب العلم؟ نعم، ومع ذلك تطلب العلم بكل ارتياح، ويسر لك من الأسباب ما لم يتيسر لمن سمعنا أخبارهم. يقول: ما رأيكم فيمن ينتقص ابن حجر والنووي ويقول: أنهم من أهل البدع فلا نقرأ في كتبهم؟ نقرأ في كتبهم، ومع ذلك لا يسلمون من شوب بدعة؛ لكن مع ذلك النفع الكبير في كتبهم وأثر هذه البدع في كتبهم مغمور بالنسبة لما اشتملت به من علم ونفع، من يستغني عن فتح الباري، وشرح مسلم، أو المهذب؟ ومع ذلك لو تولاها أهل العلم بالتعليق عليها، وبيان هذه الأخطاء، كما فعل شيخنا في أوائل فتح الباري. يقول: هنالك هجمة شرسة على الشيخ الألباني نرجو تبين رأيك فيه ومؤلفاته؟ الشيخ الألباني -رحمة الله عليه- يعد من المجددين في علم الحديث، فإذا نظرنا إلى أعماله -رحمه الله- ومؤلفاته ودعوته إلى التمسك بالسنة، وإحياء السنة على مقدار نصف قرن، أو أكثر من الزمان، نجزم يقيناً بأنه من المجددين، هذا من حيث الرواية، وأما من حيث الدراية فالتجديد فيها لشيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-، ومؤلفات الشيخ الألباني -رحمه الله- لا يستغني عنها طالب علم. يقول: الإنسان إذا كان في أمر معين مثل طلب العلم هل يحجم عما لم تكن فيه همة فيه كالدعوة إلى الله؟ هذا تقدم قلنا: لا بد أن يجمع بين هذا على أن يكون النصيب الأكبر في أول الأمر للعلم والتعلم ثم بعد ذلك النفع. يقول: سمعنا أن لكم تحقيقاً لفتح الباري وكتب مخطوطة فمتى نرى شيء من إنتاجكم؟ على كل حال لنا تعليق قديم على فتح الباري منذ أكثر من ربع قرن؛ لكنه يحتاج إلى إعادة نظر.

يقول: أنا شخص لدي همة لا بأس بها ولكن لم أتمكن من تنظيم وقتي، وكلما نظمته أصابني التفكير في أمور والهم في بعض الأشياء مما يجعلني في بعض الأحيان لا أنام إلا الفجر؟ على كل حال عليك أن تنظم، والترتيب أمر لا بد منه، والتخبط هذا مضيعة للوقت دون جدوى، فمثل ما عندك جدول في الجامعة ضع عندك جدول في البيت، وإذا استشرت عليه من أهل الخبرة والمعرفة من يعينك علي ذلك فهو طيب. يقول: أنا طالب في كلية الشريعة وأريد أن تبين لي كتب استفيد منها فائدة عظيمة لأقرأها لتزيد من همتي لطلب العلم وحضور الدروس؟ مثل ما ذكرت سير هؤلاء ألائمة أصحاب الهمم العالية إذا قرأتها وتصورت الهدف الذي من أجله تطلب العلم هان عليك كل شيء. يقول: أنا سوف أتخذ حرفة ارتزق منها في الأيام المقبلة بإذن الله وأريد أن أكون عالماً من علماء الأمة فهل بإمكاني الجمع بينهما أم يشترط لذلك التفرغ للعلم؟ كثير من علماء الإسلام لهم إنجازات ولهم مصادر يتعيشون ويتقوتون منها؛ لكن النصيب الأكبر للعلم، وعليك بالإخلاص. يقول: همتي لا بأس بها -ولله الحمد والمنة- ولكن تضعف جداً في عدم الترتيب وتقديم الأولويات والتشتت؟ مثل هذا ذكرنا أنه لا بد من جدول، ولا بد من ترتيب للأوقات، وترتيب للكتب التي تقرأ، وكيف تقرأ، وهذه شرحت في مناسبات كثيرة، وفي أشرطة متعددة. يقول: مشكلتي هي كثرة النوم صحيح أني أعمل وأدرس أو أُدرس بجدية؛ ولكن يذهب عليّ ساعات كثيرة في النوم وقد جاهدت نفسي لأكثر من سنة؛ ولكن بدون جدوى فماذا تنصحني؟ لا شك أن كثرة النوم مرض يحتاج إلى علاج فتراجع فيه الأطباء. يقول: أعاني من كثرة الهواجس والخواطر والانشغال الذهني بأمور الدنيا فهل هنالك وسيلة لتصفية الذهن وجعل الهواجش والخواطر أشياء مفيدة كمراجعة مسألة وتدبر آية وحديث؟ على كل حال نفسك إن لم تشغلها بالخير شغلتك بالشر، وإن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، فاقطع عليك هذه الهواجس وهذه الخواطر بالذكر والقراءة بالتدبر، وشغل الوقت ومغالبة الشيطان؛ لأن الشيطان يريد أن يصدك عن الأعمال الصالحة.

يقول: لدى بعض طلبة العلم همة عالية لكنهم يسيرون في طلبهم بغير خطة واضحة وتجدهم يترددون بين العلوم تارة يدارسون الفقه، وتارة الحديث، وأخرى بغيرهما، ثم لا يحسنون هذا ولا ذاك فماذا تنصحهم؟ مثل ما ذكرنا أنه لا بد من الترتيب للأوقات والكتب والأولويات كيف تقرأ؟ وهل أنت ممن يتشتت ذهنه إذا قرأ أكثر من علم في آن واحد؟ أو أنت ممن يمل إذا حصر ذهنه في آن واحد؟ خذ ما يناسبك أما بكثرة الكتب أو الانحصار في كتاب واحد. يقول: كيف اضبط برنامجي لطلب العلم علماً أن الدوام الرسمي لدي يبدأ من السابعة إلى الثالثة تقريباً؟ على كل حال من عرف الهدف هان عليه كل شيء، فأنت تأخذ من وقتك وتقتطع منه ما يكفيك لطلب العلم ومن شيوخنا الآن الموجودين من يداوم من الدوام من الثامنة إلى الثانية والنصف، ومع ذلك له أكثر من درس في اليوم، ويقرأ القرآن في ثلاث، ويتبع الجنائز، ويزور المقابر والمستشفيات، ويصل الأرحام، ويضرب في كل باب من أبواب الإسلام بسهم، فالمسألة مسألة عود نفسك. يقول: أنا شاب أسأل الله أن يوفقني لطلب العلم، وأنا من فترة أطلب العلم وأحفظ المتون فاشعر أنني أصلحت نفسي، وسلكت طريق الصواب المشكلة أنني بين فترة وفترة أقع في معاصي أظنها من الكبائر فتفسد عليّ حفظي، وأخشى أن تحبط عملي، خصوصاً أنها ذنوب خلوات وأشعر أنني منافق، فأنا أمام الناس طالب علم، ثم أسقط في مثل هذه الذنوب العظيمة؟ عليك أن تصدق مع الله -جل وعلا-، وأن تلجأ إليه أن يعصمك من هذه المعاصي، وأن تقطع جميع الوسائل الموصلة إلى هذه المعاصي، وأن تشغل نفسك بما ينفعك. يقول: نود من فضيلتكم نصيحة للعجب ما الحل؟ ذكرناها في الآفات التي تعوق دون طلب العلم. يقول: ما نصيحتكم لمن أراد البداية في القرأة في الكتب فما هي الكتب التي تنصحون بالقرأة فيها؟ أو أي كتاب يقع في يدي اقرأه؟ لا، المسالة تحتاج إلى ترتيب أولويات، فطالب العلم لا يبدأ بفتح الباري، ثم بعد ذلك ينقطع؛ لأنه كتاب متين وطويل، يعني لو بدأ بالكرماني أو شرح النووي على مسلم، هذه كتب سهلة، تنتهي بسرعة، بعد ذلك الطالب يتشجع لقراءة ما بعدها.

يقول: فترت همتي بعد أن من الله على بحفظ القرآن وبعض المتون كالأصول الثلاثة والتوحيد وعمدة الأحكام وبلوغ المرام والشاطبية وغيرها ثم توقفت فلم أراجعها ولم أجد توجيه فيما أحفظ بعد ذلك؟ على كل حال عليك بالمراجعة؛ لأن مراجعة الحفظ أشد من الحفظ، تعاهد الحفظ أشد من الحفظ، وجاء الأمر بتعاهد القرآن، وجاء أيضاً الترهيب من حفظ القرآن ونسيانه، فعليك أن تراجع. يقول: إذا سمع الشخص هذه الآثار عن السلف الصالح قال في نفسه: أولئك أقوام لا نقارن بهم. . . . . . . . . فكيف يجاب عن هذه الاشياء؟ نقول: هم رجال، في هذا الباب لا تطاول عليهم، وتقول: تخالفهم في الأقوال وأنت مازلت في الآراء، وتقول: كما قيل: هم رجال؟ لا، عليك أن تتواضع، وتعرف أقدار الناس، وأن تنزل الناس منازلهم، ومع ذلك تعرف أنهم ركبوا من لحم ودم وعظم، فأنت تستطيع كما استطاعوا بالهمة العالية. يقول: أنا عندي برنامج يومي للحفظ وقراءة الكتب الفقهية، وحضور الدروس ولكن أجد نفسي أحب الاطلاع على الأمور السياسية وقراءة الكتب في ذلك والروايات والمذكرات هل في ذلك معارضة ودنو همة؟ على كل حال الاستجمام بمثل هذه الأمور يعني بقراءة كتب التواريخ والأدب والاطلاع على بعض الأخبار لا بأس؛ لكن أن يصرف الوقت كله لهذه الأمور، لا، يعني بعض الناس عنده إستعداد يقرأ عشر صحف في اليوم منذ أن ينتهي من الدوام أو الدراسة إلى قدوم النوم، وهو من صحيفة إلى جريدة إلى مجلة، ومن قناة إلى غيرها هذا أضاع نفسه، والصنعاني لما قرأ النخبة ونظمها في يوم واحد في مائة بيت، تصور نفسك مثل الصنعاني، ما جاء بمحال أربع وعشرين ساعة اليوم: طالعتها يوماً من الأيامِ ... فاشتقت أن أودعها نظامي فتم من بكرة ذاك اليومِ ... إلى المساء عند قدوم النومِ بعض الناس إلى قدوم النوم وهي في هذه المجلات والجرائد والصحف والقنوات نسال الله العافية. يقول: ما رأيكم في من يأخذ العلم عن طريق الأشرطة ويكتفي بها دون حضور الدروس؟

لا شك أن الأصل حضور الدروس والاهتداء والاقتداء بسمت العلماء قد يكون أنفع لطالب العلم من مجرد سماع كلامهم، ومع ذلك الذي لا يستطيع الحضور، ويأخذ على الأشرطة، ويفرغ على المتون، ويفرغ على الأشرطة ويتابع الدروس هذا لا شك أنه خير عظيم. يقول: كيف يتم الجمع بين الارتباط بين أصحاب أخيار وبين حفظ الوقت؟ نعم مع أصحاب أخيار جادين؛ لأن بعض الأخيار مع الأسف الهزل عليهم غالب مثل هؤلاء يضيعون عليه الوقت. يقول: أشكو من زوجتي مع أنها صالحة -والحمد لله- إلا أنها لا تعينني على طلب العلم وتضجر من كثرة التردد على الدروس وانشغالي بالقراءة فكيف أتعامل معها؟ وكيف أقنعها بأهمية ما أنا عليه؟ على كل حال زوجتك لها حقها، لها وقتها، لها قسمها، ولها عليك من الحق ما أوجبه الشرع، فلا يجوز لك أن تقصر في حقها، وماعدا ذلك فأنت صاحب الشأن عليك أن تصرف بقية الوقت فيما ينفعك، وإذا حاولت وجاهدت أن تكون لك عوناً لك على طلب العلم بأن تدعوها هي لطلب العلم ببيانِ فضل العلم، ومنازل العلماء ممكن أن تكون خير عون لك، وأعرف شخص من الإخوان من طلاب العلم تزوج امرأة، وهي أيضاً عندها مبادئ تحصيل، درست في المدارس النظامية، فضجرت منه، وأخذت تكرر عليه: علم علم كل الوقت، ثم يقول: مع الوقت أدعوها وأترفق بها إلى أن ضجرت منها، الله المستعان. وصلي الله وسلم وبارك على رسوله ونبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين.

وصايا لطالب العلم

وصايا لطالب العلم الشيخ/ عبد الكريم الخضير الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: ففي اللقاء السابق تحدثنا عن فضل العلم، وأهميته في حياة المسلمين، وما جاء من النصوص في فضل العلماء، وشدة الحاجة إليهم، وأنه لا يستغني عنهم إلا من استغنى عن الدين، لا يستغني عن العلماء إلا من استغنى عن الدين. فكما أنه لا يستغني عن المُزارع إلا من استغنى عن الدنيا، فكذلك لا يستغني عن العلماء إلا من استغنى عن الدين. وبيان ذلك أننا لو افترضنا بلداً لا عالم فيه يفتي الناس، ويعلمهم ما يجب إليه عليهم، ويبين لهم ما نزل إليهم ولا يقضي بينهم، ويحل مشاكلهم وخصوماتهم، لما وجد الفرق بين المجتمع المسلم وغيره. والعلماء مثلوا بالمصابيح، وأبو بكر الآجري في أخلاق العلماء صور ذلك تصويراً دقيقاً بليغاً، بحيث لو وجد جمع من الناس يسيرون في ليلة شديدة الظلام في وادٍ مسبع، فيه سباع وهوام، والظلام شديد، فلا يدري الإنسان من أين يؤتى؟ أيؤتى من تحته أم من بين يديه؟ أم من خلفه؟ فهذه حية تنهشه، وهذا سبع يقضمه، ثم جاءهم من معه مصباح أضاء لهم الطريق حتى أخرجهم من هذا الوادي، وهذا مثل العالم الذي يبين للناس كيف يسيرون إلى الله -جل وعلا-؟. كل طريق يمكن قطعه بدون دليل وإن احتفت به المخاطر إلا هذا الطريق الموصل إلى الله -جل وعلا-، فلا يمكن قطعه إلا بواسطة أهل العلم.

فالذي يزهد في أهل العلم لا سيما من رسخ قدمه، وعرف بالعلم والعمل لا شك أنه يزهد في الدين، ونرى مع الأسف في بعض المنتديات، وبعض المجالس، وفي بعض المحافل، من أخذ راحته في أعراض أهل العلم، وهذا لا شك أنه يقلل من قيمته ومن شأنه، فإذا كان العلم بهذه المثابة، وإذا كان العلماء بهذا الثقل، فلا بد لهم من وراث وهم طلبة العلم الذي يحملون عنهم العلم، وهم أنتم وأمثالكم، والحمد لله الأمور تبشر بخير، رغم ما يوجد من ظلام حالك في على وجه الأرض، لكن يوجد -ولله الحمد- مراكز توجه الناس وترشدهم على الجادة، ويوجد أيضاً فيمن يحمل هذا العلم عن هؤلاء العلماء الجلة، وفيهم كثرة ولله الحمد وعلى الجادة، كان الأمر قبل سنين في الغالب مجرد عواطف، إن وجد محاضرة عامة عاطفية تهيج المشاعر اجتمع الناس لها، وإذا وجد العلم الصحيح الأصيل قال الله وقال رسوله على الجادة المعروفة عند أهل العلم لا تجد إلا النزر اليسير، والآن -ولله الحمد- العكس يوجد طلاب في حلقات التعليم بالمئات بل بالألوف في بعض الأحيان، وهذا يبشر بخير، وهذه رجعة إلى المسار الصحيح للتحصيل.

ولست بحاجة إلى أن أبين لكم ما ورد من النصوص في فضل العلم، من ذلك ما سمعناه في قراءة إمامنا جزاه الله خير، {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [(122) سورة التوبة] وهذه الجامعة العريقة تمثل تطبيق هذه الآية، فمن كل بلد من بلدان المسلمين نفرت طائفة قلوا أو كثروا، وطائفة تطلق على الجماعة كما تطلق على الواحد، فهذا فيه امتثال لهذا التوجيه الإلهي، ولم يؤمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بالاستزادة من شيء إلا من العلم، كما قرأ إمامنا في الركعة الثانية قول الله -جل وعلا-: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [(114) سورة طه] وجاء في الحديث الصحيح عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من يرد الله به خيراً يفقه في الدين)) ونحتاج من هذا أن نوضح المراد بالفقه في الدين لا كما يفهمه بعض الناس الذين صبت عنايتهم إلى معرفة الأحكام من الحلال والحرام، وهذا في غاية الأهمية في حياة طالب العلم؛ لكنه باب من أبواب الدين، وأهم منه ما عرف عند علماء الأمة بالفقه الأكبر. المراد بالفقه في الدين هنا، الفقه في الدين من جميع أبوابه، ولذا لما سأل جبريل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الإيمان والإسلام والإحسان في النهاية في آخر الحديث قال: ((هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)) فالفقه في الدين هو العلم بالدين بجميع أبوابه. فإذا كان بعض أبواب الدين مهملاً بين بعض المتعلمين فعليهم أن يلتفتوا إليه، إذا كانت الأبواب التي كانت في غاية الأهمية من سلف هذه الأمة التي تدعو طالب العلم إلى العمل بعلمه، كانت محل عناية أهل العلم من المتقدمين أمثال الرقاق والحكم والاعتصام، وغيرها من أبواب الدين التي تدعو طالب العلم وتحثه على العمل بعلمه فهي كالسياط تسوقه سوقاً إلى العمل بما تحمله من علم الحلال والحرام.

في اللقاء السابق ذكرنا بعض المعالم والمنارات التي قد يستضيء بها طالب العلم، وفي مناسبات كثيرة ذكرنا بعض العوائق التي تعوق عن التحصيل، ذكرنا أيضاً مفاتيح تفتح الآفاق أمام طالب العلم، وفي نقل عن سفيان بن عيينة بمناسبة المفاتيح وقفت عليه بالأمس، يقول سفيان: "أول العلم الاستماع، ثم الفهم، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر". أول العلم الاستماع: لا بد أن يصغي طالب العلم إلى شيخه، مع الأسف يوجد من طلاب العلم وهذا يظهر جلياً في التعليم النظامي، تجد طالب حاضر عندك وأنت تشرح في كلام الله وكلام رسوله -عليه الصلاة والسلام- وهو ينظر في كتاب آخر، طيب مالك يا فلان منصرف؟ والله عندنا امتحان في المحاضرة التي تلي هذه، هل هذا عذر؟ بأن ينصرف طالب العلم عن العلم الشرعي، هذا ليس بمبرر، وقد تجد أسوأ من ذلك بعض الطلاب يحضر كتب لا علاقة لها بالعلم، وأحياناً تجد وإن كان على ندرة وقلة في الكليات الشرعية تجد جرائد، هذا لا شك أنه يبعث على الأسى في صفوف المتعلمين؛ لكن لا نجد مثل هذا في دروس المساجد وفي حلق العلم الذين جاءوا برغبة خالصة للتحصيل، قد يوجد من ينشغل بجوال مثلاً، وهذا ليس من الأدب في حلق التعليم، ينشغل بجوال، كل شوي النغمات، والرنات، هذا أيضاً ينبغي أن يجتنبه طالب العلم، عليه أن يستمع لشيخه، ويهتم بما هو بصدده من تحصيل هذا العلم الذي جاء من أجله، وتفرغ وتكلف العناء من أجله، يستمع، فأول العلم الاستماع، وفرق بين الاستماع والسماع، الاستماع مع قصد، الاستماع والفهم لما يلقى من أجل أن يثبت في الذهن ويرسخ، وأما مجرد مرور الكلام على السمع من غير قصد للاستماع هذا لا يجدي شيئاً، ولذا يقول أهل العلم في سجدة التلاوة: يسجد المستمع دون السامع" ولذا لو مررت وأنت في طريقك، ومر بجوارك سيارة ثانية، وصاحب السيارة شغل الأغاني ورفع عليها، فسمعت هذه الأغاني، أنت لا تلام، تلام إذا استمعت، أما إذا مجرد السماع مروره على أذنك من غير رضاً به، لا تلام على ذلك، إنما عليك أن تنكر؛ لكن كونك تؤاخذ بأنك سمعت الغناء فلا تؤاخذ، فأول العلم الاستماع.

وعلى طالب العلم أن يصغي لشيخه وما يلقيه، ثم الفهم، إذا استمع للشيخ وذكر الشيخ جملة من الجمل، هذا الطالب بحاجة إليها؛ لأنه من العلم الذي تفرغ من أجله، هل فهم هذه الجملة؟ الشيخ مطالب بأن يكرر هذا الكلام حتى يحفظ، حتى يفهم، كان -عليه الصلاة والسلام- إذا تكلم تكلم ثلاثاً حتى يفهم عنه، فالشيخ يكرر، هذا واجبه، بأسلوب، فإذا لم يفهم بأسلوب آخر، ليتمكن الطالب من الفهم بأسلوب ثالث، لئلا يمل الطالب من تكراره عليه بحروف واحدة؛ لكن واجب الطالب الفهم، وظيفة الطالب الفهم عن الشيخ إذا فهم من أول مرة الحمد لله، ما فهم المرة الثانية، الثالثة، ما فهم بعد ذلك يطلب يستزيد من الشيخ أن يفهمه ويوضح له، وكثيراًَ ما يستثبت طلاب العلم في حلقات العلماء السابقين مع كثرتهم، يستثبت بعضهم من بعض، فاته كذا، خفي عليه كذا، غفل عن الجملة كذا، حتى يفهمها، إن لم يفهمها من الشيخ فهمها من زميله. ثم الفهم يقول، ثم الحفظ، إذا راجعت بعد أن استمعت وبعد أن فهمت احفظ؛ لأن الاستماع ثم الفهم يعين على الحفظ، يعين على الحفظ، ولذا يوصي بعض العلماء أن يحفظ القرآن مع التفسير، القرآن يحفظ مع التفسير، من أجل أنك إذا فهمت سهل عليك الحفظ، فيصعب على الإنسان أن يحفظ كلام لا يفهمه.

دعونا من مرحلة الصبا، لا نحن تجاوزنا مرحلة الصبا، في مرحلة الشباب، في مرحلة الفهم الآن، فإذا فهم الطالب المقطع الذي يريد حفظه سهل عليه حفظه، ومع ذلك يستعين بيمينه، إذا لم يستطع أن يحفظ من أول مرة، بعد أن يفهم مرتين، ثلاث، بعض الناس يتفاوتون في الفهم، بعضهم بطيء الحفظ أيضاً، فإذا كان من النوع بطيء الحفظ بعد أن يفهم عليه أن يستعين بيمينه، يكتب هذا المقطع مرة، مرتين، ثلاث، من أجل إيش؟ أن يحفظ الكتابة عن قراءة القطعة عشر مرات، وهذا مجرب، فإذا فهم ونفرض في التفسير مثلاً عنده خمس آيات، راجع تفسير هذه الآيات الخمس في تفسير موثوق به، في تفسير ابن كثير، تفسير ابن كثير أحياناً يتشعب بك بسبب كثرة الروايات، وكثرة الطرق فتتشوش، أنت تتشوش من الكثرة، اختصر، اختصر الكلام فأنت مع فهمك للقرآن يسهل عليك حفظه، ثم بعد ذلك إذا اختصرت ما يتعلق بهذه الآيات الخمس من تفسير ابن كثير، أو من غيره من التفاسير، إذا كنت لا تحسن الاختصار عليك بالمختصرات، أمثال تفسير الشيخ فيصل بن مبارك (توفيق الرحمن لدروس القرآن) خلاصة ولب للتفاسير الأثرية الثلاثة: لابن جرير والبغوي وابن كثير، هذا خلاصتها، يستفيد منه طالب العلم في فهم القرآن، وإن كان لا يستغنى بها غيره. بعضهم يرى أن قراءة كتب التفسير تعوق عن مواصلة الحفظ، لكن لا بد من الفهم، نعم الصحابة كيف تعلمون القرآن؟ لا يتجاوزون العشر الآيات حتى يتعلموا ما فيها من علم وعمل، حتى تفهم وتحفظ، يسأل عما يشكل منها فيتعلمون العلم والعمل جميعاً. فطالب العلم إذا عني بهذا المقطع خمس آيات عشر آيات، حسب قوة حافظته وضعفها بعد ذلك يحفظ، يحفظ هذا القدر ويسهل عليه حفظه، إن استطاع حفظه بالتكرار، وإلا بعض الناس مع التكرار يشرد ذهنه، مثل هذا يقيد، يستعين بيمنيه، ويكتب، يكتب مرة، مرتين، ثلاث، والجهد لم يضيع.

بعد ذلك، بعد الحفظ العمل، والعمل من أعظم وسائل تثبيت العلم والعلم بدون عمل لا قيمة له؛ لأن القرآن ما أنزل إلا للعمل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- بين ما نزل إليه في سنته من أجل أن يعمل به؛ لأن البيان يكون للمجمل، والمجمل لا يمكن أن يعامل به {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ} [(43) سورة البقرة] وبعدين؟ كيف نقيم الصلاة؟ ببيانه -عليه الصلاة والسلام- بقوله وفعله، ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) حصل البيان، وعرفنا هذا البيان، ثم لم نعمل به إيش الفائدة؟ علم بدون عمل كشجر بلا ثمر، نخلة فحل لا تنبت بمفردها للزينة ما الفائدة منها؟ أو من الشجر الذي يجعل كالمنظر في الشوارع وفي بيوت بعض العلية من القوم، هذه لا قيمة لها، مثل العلم بلا عمل، إن كان يتخذ العلم لا للعمل بل للزينة كما تتخذ هذه الأشجار، هذه حقيقة مرة، هذه حجة على من تحمل هذا العلم، فعلى طالب العلم أن يعمل بما يعلم، ويذكر هنا من باب أنه من أعظم ما يعين على تثبيت العلم وترسيخه في الذهن. ثم النشر، إذا تعلم استمر فهم، حفظ، عمل بنفسه، نشر علمه، نشر علمه للآخرين؛ لكي يستفاد منه، و ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)) وتصور أن بعض الناس تجرى لهم الأجور مئات السنين، كيف تجرى لهم مئات السنين؟ ((أو علم ينتفع به)) ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث. . . . . . . . . أو علم ينتفع به)) طيب انتفع هذا الجيل وانقرضوا؛ لأن بعض الناس يقول: العلم الذي ينتفع به خاص بالتصنيف، هو الذي يستمر، أما بالنسبة للتعليم ينقطع بانقطاع الجيل الذي علمته، بعد ذلك ينتهي، لا يا أخي ما ينتهي، فضل الله واسع، أنت علمت زيد، ومعه مائة من الطلاب، زيد هذا علم مائة، وهؤلاء أجورهم مثبتة لزيد، وأجورهم وأجور زيد مع أجورهم تثبت في أجرك أنت، فالأمر عظيم جداً، وفضل الله -جل وعلا- لا يحد؛ لكن نحتاج إلى أن نطلب العلم بنية خالصة، ونتعلم وننشر ونعلم ونؤلف بنية خالصة صالحة؛ لأن العلم الشرعي من أمور الآخرة المحضة، التي لا تقبل التشريك، فإما أن يكون مع السفرة الكرام البررة، مع النبيين والصديقين، وإما أن يكون من أول من تسعر بهم النار، نسأل الله السلامة والعافية.

فعلينا أن نعنى بهذا الشأن، ونخاف منه أشد الخوف، فالنشر لا شك أنه يوسع دائرة الأجر، فلك أجرك ولك عملك، ولك أجر من دللته على الخير والدال على الخير كفاعله، والنشر يكون بالتعليم والتعليم من أقوى وأعظم وسائل التحصيل، المعلم أول ما يبدأ بالتعليم، يعني علومه محدودة بقدر ما حفظه وفهمه عن شيوخه، ومن مفحوظاته؛ لكن إذا علم الناس لا شك أن علومه تنمو وتزداد، وبركة آثار العلم تظهر عليه مع النية الصالحة الخالصة، وإلا إذا لم يعلم غيره لا يلبث أن ينسى ما تعلمه، ولنا عبرة بمن تعلم وتسلم المناصب العليا، وكان يشار إليه بالبنان، يشار إليهم، علماء كبار، ثم بعد ذلك تركوا التعليم وانصرفوا عنه، نعم هم على خير، وعلى ثغور في مصالح العامة؛ لكن مع ذلك تركوا التعليم، فانحسر علمهم، أخذ يتراجع، والنسيان آفة من آفات تحصيل العلم، النسيان معروف ما سمي الإنسان إلا لنسيانه. وكثير من الطلاب الذين مروا علينا أثناء التدريس في الجامعة نوابغ، وتجدهم مع الأوائل، وتسأل في القاعة وفي الفصل تجدهم ما شاء الله مبرزين في تحصيلهم، وقد فاقوا أقرانهم؛ لكن يتوظف بعد التخرج بوظيفة إدارية شأنه الكتابة، نعم الكتابة ما ينسى الكتابة؛ لأنه يزاول الكتابة؛ لكن العلم إذا مضى عليه سنة نسي قدر من علمه، سنتين ينسى أكثر، ثلاث سنوات ينسى، خمس سنوات عشر سنوات يعود عامي أو في حكم العامي، فعلينا أن نتابع التحصيل والنشر، التعلم والتعليم. فالتعلم لا حد له، "تفقهوا قبل أن تَسُودُوا"، أو "تُسوّدوا"، قال أبو عبد الله البخاري: "وبعد أن تسودوا" لأنكم إذا سودتم ووقفتم على الحد نسيتم ذلك. يقول: "فإذا استمع العبد إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- بنية صادقة على ما يحبه الله"، يعني على الجادة المعروفة المأثورة عن سلف هذه الأمة، المبنية على الدليل على ما يحبه الله، ألهمه كما يحب، وجعل له في قلبه نوراً، فهو ينظر بنور الله. هناك أمور ولا أريد أن أكرر ما ذكرته في اللقاء السابق، ولا ما ذكرته في مناسبات وسجلت وتداولها الإخوان من كلام؛ لكن عندنا فيما يتعلق في ظرفنا الذي نعيشه: - واجب طالب العلم في أوقات الفتن.

واجب طالب العلم في أوقات الفتن:

- وعندنا أيضاً: مسئولية حمل العلم وتبليغه. - وأيضاً: فقه تطبيق العلم. هذه مسائل لا بد أن نكون على بصيرة منها. واجب طالب العلم في أوقات الفتن: عليه أن يعتصم بكتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، والعصمة من هذه الفتن بالاعتصام بالكتاب والسنة، ويقلل بقدر الإمكان إلا بقدر الحاجة، إلا بقدر ما يُحتاج إليه من الأمور التي يخوض فيها الناس، يقلل منها، ويقتصر منها على قدر الحاجة، بعض الناس في أوقات الفتن، والفتن مذهلة، والإنسان متشوق إلى أن يعرف ماذا حصل؟ وماذا قيل؟ وماذا قالوا؟ تجده يقضي من وقته أكثر من نصف الوقت في الجرائد والمجلات والمواقع والقنوات، ماذا قال فلان؟ وماذا قيل عن فلان؟ على أمور هي لا شيء إن لم تضر لم تنفع، نعم ينبغي أن يعرف الإنسان ما يدور حوله بقدر الحاجة، وأن يكون ديدنه كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وما يعين على فهم الكتاب والسنة، وأن يُعنى بالعبادات الخاصة، يُعنى بالعبادات الخاصة مثل الذكر، سواءً كان المطلق أو المقيد في أوقات خاصة أو على العموم في جميع الأوقات، ومثل تلاوة القرآن على الوجه المأمور به.

مسئولية حمل العلم وتبليغه:

وأيضاً الصلاة، يكون له نصيب من الصلاة، وأيضاً الصيام، وغير ذلك من العبادات المتنوعة التي جاءت النصوص بفضلها، ((والعبادة في الهرج كهجرة إلي)) كما في الحديث الصحيح، فعلينا أن نهتم بهذا الأمر ونعنى به، ونلتف على أنفسنا، ونصلح ما فيها من خلل، ونعنى بأمراض القلوب كي نعالجها من كل ما جاءنا في شرعنا، ولا نحتاج إلى غيره، لا نحتاج إلى أن فلان العالم النفساني الأمريكي قال كذا، أو البريطاني قال كذا، لسنا بحاجة، عندنا العلاج لكل داء، {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء} [(82) سورة الإسراء] شفاء لإيش؟ لأدواء القلوب وأمراضها، ولأدواء الأبدان أيضاً، وأمراضها، فعندنا الشفاء، وفي كلام أهل العلم ما يعين على ذلك، وللإمام المحقق شمس الدين ابن القيم من ذلك القدح المعلى، وكتبه مملوءة من هذا الشيء، فيعنى بها أيضاً؛ لأنها تعين على فهم الكتاب والسنة، فعلى الإنسان أن يهتم بأمر العمل، وإذا صدق اللجأ إلى الله -جل وعلا- أعانه على كل ما يريد من علم وعمل. مسئولية حمل العلم وتبليغه: سمعنا في الآية: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ} لماذا؟ إذا أنذروهم إيش يترتب على هذا؟ {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [(122) سورة التوبة] يحذرون مما يُخاف، أمام الإنسان مخاوف، أمامه مخاوف في دنياه، فتن الدنيا، وأمامه أيضاً فتنة القبر، أمامه فتنة في المحيا، أمامه فتنة في الممات، أمامه أيضاً إما نعيم دائم لا ينقطع، أو عذاب سرمدي لا ينتهي، فيحمل هذا العلم بإخلاص وصدق، ويبلغه قومه إذا رجع إليهم، والنتيجة {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} وبعض الإخوان كما بلغنا قام بهذا على خير وجهه في بلده فرجع، وبعضهم انشغل بأمور الدنيا وأمور المعاش وعاد كغيره، ولا أثر له في المجتمع، وسمعنا مسألة تبليغ العلم ونشر العلم، وما يترتب عليه من عظائم الأجور.

فقه تطبيق العلم:

فالعلم مسئولية عظيمة، لا بد من تبليغها، ((بلغوا عني ولو آية)) ((نظر الله امرأً سمع مني حديثاً فوعاه، ثم ألقاه كما سمعه)) فلا بد من تبليغ ما سئل، أبو هريرة لما انتقد في كثرة التحديث قال: "لولا آية في كتاب الله ما حدثت، {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ} [(159) سورة البقرة] فالكتمان أمره عظيم، إيش معنى أني أحفظ القرآن وأنام عنه؟! إيش معنى أنني أحمل العلم ولا أبلغه للناس؟! هذا وبال على صاحبه. فقه تطبيق العلم: عرفنا أنه لا بد من تطبيق العلم، وأن العلم بلا عمل كشجر بلا ثمر، عندنا مسألة نحتاج إليها، كثير من الإخوان يحرص على التعلم، وما وجدت هذه الجموع إلا من أجل هذا، والحرص دليل على إرادة الله -جل وعلا- للإنسان الخير، ومع ذلك يحرص على التطبيق، تطبيق العلم، وهو الثمرة المرجوة من العلم؛ لكن قد يخفى على بعض طلاب العلم فقه التطبيق.

إيش معنى فقه التطبيق؟ حمل حديثاً يتضمن سنة، فعلم هذا الحديث، حرص على تطبيقه وطبقه بالفعل؛ لكنه لم يفقه ما يحتج بهذا الحديث من معارض مثلاً، فعلى سبيل المثال: طالب علم عرف ما جاء في التراص في الصفوف في الصلاة، وأن الصحابة كانوا يلصقون أقدامهم بأقدام من جاورهم في الصلاة، التراص في الصف أمر جاء الحث عليه، ((لا تدعوا فرجات للشيطان)) لكن مع ذلك هل نفقه أن نطبق هذا، بعض الناس يظن أن التطبيق لا يحصل إلا بالجفاء، حتى أنه وجد من -من حرصه على تطبيق السنة- لكن مع عدم الفقه لتطبيقها من يكون بعض أصابع جاره تحت قدمه، موجود هذا، ووجدت ردود أفعال ممن حصل معهم بعض هذه القضايا؛ لأن ربى بعض الأظافر لمثل هذا، هذه كارثة، هل هذا تطبيق لسنة؟ هذا حريص على تطبيق السنة، ويلصق القدم بالقدم؛ لكن ليس معنى هذا أنك تؤذي جارك، وتطأ على رجله، وإلا. . . . . . . . .، هذا شيء، بعض الناس ما يتحمل، تصير قدمه عندها شيء من الحساسية، يعني إذا وجد طالب علم مشهود له قطع صلاته من أجل إيش؟ خيط رفيع جداً ينزل من ثوبه على قدمه، وهو حساس شديد الحساسية، خرج قطع الصلاة، ظنه حشرة أو شيء، فكيف من يجعل بعض الأصابع تحت قدمه؟ وإذا سجد جافى بين عضديه حتى يضر بالآخرين، يا أخي ما هكذا تطبيق السنة، أنت مطالب ألا تدع فرجة للشيطان؛ لكن بقدرها، والمحاذاة ليست بالأقدام فقط، ولذا بعض الناس يظن أن الحل في عدم ترك الفرج بأن يفحج بين رجليه، يجعل بدل ما حجمه. . . . . . . . . في الأصل، يجعل بين رجليه أكثر من متر، هل هذا تطبيق للسنة؟ أين المحاذاة بالمناكب؟ هذا ليس هو تطبيق السنة، إنما يحرص الإنسان أن يحاذي بالمناكب والأقدام، ودين الله -جل وعلا- بين الغالي والجافي.

بعض الناس يحرص على تطبيق السنة، أولاً: لا يفقه السنة، فتجده يتورك في كل جلسة، وفي بدنه ثقل، وفي جيبه مفاتيح، ومحافظ وجوال، وما أدري إيش؟ ثم يرمي بنفسه على جاره، هل هذا يفقه تطبيق السنة؟ لا بد من فقه التطبيق، يعني إذا كانت هذه السنة معارضة، مثل المجابهة، المجابهة سنة؛ لكن بجوارك آخر تؤذيه، ((والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه، ما لم يؤذِ، ما لم يحدث)) وأي أذىً في أن تجعل مرفقيك في أضلاع أخيك؟ فننتبه في هذا، ولا شك أن الذي يحرص على السنة يؤجر على قدر حرصه؛ لكن لتمام أجره لا بد أن يفقه كيف يطبق هذه السنة؟ لا بد أن يفقه كيف يطبق هذه السنة؟ وليس معنى هذا التقليل من شأن التراص في الصفوف، وإلصاق الأقدام؛ لكن أيضاً إذا رأيت جاري من النوع الحساس أترك له فرصة، بعض الناس من يكبس في صلاته إلى أن يسلم وقلبه كالمرجل من خشية الله؟ ومن تأمل ما يقرأ؟ لا، على صاحبه، يغلو كالمرجل على صاحبه وجاره، على أخيه المسلم، لماذا؟ لأنه ضايقه، وهذا حساس ما يتحمل، والناس في طباعهم في بعضهم شدة، ما يتحمل مثل هذه الأمور، ووجدت تصرفات أثناء الصلاة، تجعل طالب العلم متسماً في جميع أفعاله بالرفق واللين، وليكن داعية خير بفعله قبل قوله ليقبل، فعلينا أن نهتم بهذه الأمور، ولا نريد أن نكرر ما ذكرته سابقاً، فهذه مسائل ثلاث رأيت أهميتها في مثل هذا الوقت. وطلب الكثير من الأخوة يقولون: الإجابة على الأسئلة هي التي تحل بعض الإشكالات عند بعض الإخوان وقد يكون في الكلام المرسل المكرر شيء من التكرار، فالإجابة على الأسئلة لا شك أنها حاجة قائمة للإخوان، فنقتصر على هذا، ونبدأ في الأسئلة، ولعله يرد فيها ما ينفع -إن شاء الله-. هذا يقول: ما رأيكم فيمن يستغني بالمذكرات الجامعية، في التعليم عن كتب السلف، وخصوصاً في بعض علوم الآلة، وهل هذا من التيسير على طلاب العلم الجامعيين؟

أقول: مثل هذا مع احترامي وتقدير لزملائي من المعلمين في الجامعات الذين اجتهدوا وسهروا وحرروا وضبطوا المسائل، ورتبوها ونظموها؛ لكن هذه الطريقة لا تبني طالب علم، طالب العلم لا بد أن يبنى على الجادة المطروقة عند أهل العلم، فيربى على المتون المقررة من قبل أهل العلم، لا بد من هذا.

فهذه المذكرات مثل مؤلفات المعاصرين التي صيغت بأساليبهم، بل هي منها، هل هذه تربي طالب علم على أساليب العلماء المتقدمين؟ افترضنا طالب تخرج في كلية الشريعة أو أصول الدين أو كلية الحديث أو غيره على هذه المذكرات، ثم بعد أن تخرج عُين في بنك، وعرض عليه مشاكل ومسائل واحتاج أن يراجع الكتب، هل يستطيع أن يفهم كتب المتقدمين من خلال فهمه لهذه المذكرات؟ هذه المذكرات هي عبارة عن مؤلفات صيغت بأسلوب يفهمه الشخص بدون معلم، لكننا في مرحلة التعليم لا بد أن نقرر كتب لا يفهمها الطالب بمفرده، بحيث إذا وجد في معنى واستقل بعد تخرجه في بلد لا عالم عنده نعم، يستطيع أن يستقل بنفسه، ويفهم كلام العلماء، ولا يحتاج إلى أن يرجع أن يتعلم مرة ثانية ليفهم هذه الأساليب التي انفرد بها وخلى بها، فكتب هذه المذكرات لا شك أنها من أعظم العوائق عن التحصيل مهما اعتذرنا عن أصحابها بحسن النية والقصد، ونحن لا نطعن في قصد أحد، وأرادوا التسهيل والتيسير؛ لكن طالب العلم لا بد أن يبنى على الحزم والعزم، ولذلك ليس من العبث أن يؤلف العلماء هذه الكتب بأساليب صعبة، بإمكانهم أن يبسطوا، يعني اختيار الزاد في هذه البلاد (زاد المستقنع) أو (المنتهى) أو (مختصر خليل) أو غيره في بلدان أخرى، يعني هذا. . . . . . . . . وهي أشبه ما تكون بالألغاز، متعبة لطلاب العلم؛ لكن طالب العلم إذا فهم هذا الكتاب سهل عليه فهم ما دونه، يعني طالب العلم الذي يتربى على (التدمرية) لشيخ الإسلام ابن تيمية، إذا تخرج وسكن بمفرده في بلد لا يوجد طالب علم غيره، يبي يشكل عليه (شرح الطحاوية)، ويشكل عليه (شرح الواسطية)، ويشكل عليه (الحموية) أو غيرها من كتب العقيدة؟ إذا تربى على الأصعب وفهمه بين يدي أهل العلم الذين هم الآن متوافرون، يمكن في وقت من الأوقات تطلبهم لا تجدهم، ولا تتصور أن الآلات التي تخدم الآن وتقرب المسافات وتيسر الاتصال بالآفاق، وأنت جالس تستمر، لا، اعتبر نفسك ما عندك إلا هذه الكتب، وعندك مشكلة لا بد من حلها، كيف تتعامل مع هذه الكتب؟ لا بد أن توطن نفسك على هذا الأمر. يقول: ما هو خير كتاب أو متن فقهي غير متقيد بمذهب معين يصلح لتدريسه لعوام الناس؟

يصلح لتدريسه لعوام الناس، عامة الناس بالإمكان تدريسهم مثل (منهاج السالكين) للشيخ ابن سعدي، أو الإرشاد له، أو ينتقى لهم من فتاوى أهل العلم، العوام الذين ليس لهم أرضية للتحصيل، يمكن أن ينتقى لهم من فتاوى ابن باز، أو فتاوى اللجنة الدائمة، أو من فتاوى الشيخ ابن عثيمين، يأخذ لهم مسائل من هذه وتقرأ عليهم، أما متن فقهي غير متقيد بمذهب، إيش معنى غير متقيد بمذهب؟ معناه هو متقيد باجتهاد مؤلفه، ما رحنا بعيد، وكثير من الناس يقول: لماذا لا تقرر الدرر البهية للشوكاني؟ نقول: يا أخي أنت فررت من اجتهاد الحنابلة إلى اجتهاد الشوكاني، نعم، فهي كلها مذاهب، أو مثلاً تقول: نعمل بفقه الشيخ الإمام المجد الإمام الألباني -رحمه الله- مثلاً، واختياراته وهو صاحب حديث، وصاحب سنة، طيب هذا اجتهاده، والشيخ ابن باز أيضاً هذا اجتهاده، وكلهم أئمة وعلى العين والرأس؛ لكن أنت تتأهل، أنت إن كان قصدك العوام تقرأ عليهم من اختيارات هؤلاء الأئمة ما لم يعرف بمسألة شذ فيها عالم، يُرجّع العوام إلى قول الأكثر، لكن يبقى أن تربية طلاب العلم على هذه الكتب غير متقيدة بالمذهب نقول: هذه كتب المتون المعتمدة في المذاهب لا بد من تمرين طلاب العلم عليها والتفقه عليها، إيش معنى هذا؟ ليس معنى هذا أن هذا دساتير لا يحاد عنها، أبداً، أو أنها كتب معصومة ليس فيها أخطاء. من صغار الكتب التي تدرس الآن (زاد المستقنع)، وفيه أكثر من ثلاثين مسألة خالف فيه المؤلف المذهب نفسه، وخالف فيها القول الراجح الذي عليه الدليل في مسائل كثيرة؛ لكن ليس معنى هذا أن كل ما قاله صاحب الزاد أنه مثل القرآن، لا، يربى طالب العلم ليفهم هذه المسائل، يتصور هذه المسائل بعد أن تصور له من قبل المشايخ، إذا تصورها تصور دقيق استدل لها، فإن كان الدليل يسندها عمل بها، وإن كان الدليل على خلافها ضرب بها عرض الحائط وعمل بالدليل، وبهذه الطريقة نستطيع أن نخرج طالب علم متميز.

يقول: عندي سؤال مهم بالنسبة لدي وتحيرت فيه، وهو كيفية الاستفادة من الكتب الستة، هل تقرأ كتاباً كتاباً مع شرحها، أو تقرأ المتون مع أسانيدها، وأخشى أني لا أصل إلى النسائي إلا وقد نسيت ما في البخاري، فأرجو من فضيلتكم الطريقة السديدة للاستفادة من كتب السنة؟ وهذا أيضاً مما شرحناه مراراً، وهو أن طالب العلم حينما يطلب العلم على الجادة ويقرأ المتون، ويحفظ متون الطبقة الأولى، الأصول الثلاثة والقواعد الأربع وكشف الشبهات والأربعين النووية، والنخبة، والآجرومية، إذا حفظ هذه المتون، وتحفة الأطفال في التجويد، وغيرها من المتون التي ألفت للمبتدئين، ثم بعد ذلك قرأ كتب المتوسطين، وحفظ ما أمكنه حفظه منها، مع حفظ أكبر قدر من كتاب الله -جل وعلا-، بحيث لا ينتهي من المران من كتب الطبقات الثلاث إلا وقد أتقن القرآن، نعم يوزع القرآن على هذا، فمع كتب الطبقة الأولى يحفظ المفصل، ومع كتب الطبقة الثانية يحفظ بقية النصف الأخير، مع كتب الطبقة الثالثة يحفظ النصف الأول يكون بهذا انتهى من حفظ القرآن وضمنه مع حفظ هذه الكتب، إذا انتهى من هذه الكتب التي ألفت في طبقات المتعلمين يطلع إلى كتب السنة، المسندة، الأصول، وعرفنا كيف يتعامل معها؟

بعضهم يقول: يقتصر على المختصرات؛ لأننا لسنا بحاجة إلى التكرار في صحيح البخاري، أو إلى الأسانيد في صحيح البخاري، لسنا بحاجة إلى هذا؛ لأنه يهمنا المتون المرفوعة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، نقول: لا يا أخي، تريد أن تتعلم على الجادة، ويكفيك في تقرير خمس سنوات لإتقان الكتب الستة، وتحضر الكتب الستة في آن واحد، والكتب -ولله الحمد- مخدومة، بالترقيم والإحالات، وكل شيء موجود، فيأتي إلى صحيح البخاري الحديث الأول في صحيح البخاري، حديث: ((إنما الأعمال بالنيات)) كم أورده البخاري من موضع في صحيحه؟ في سبعة موضع، نستحضر هذه المواضع، نستحضر هذه السبعة المواضع، وما ترجم عليه البخاري على هذا الحديث في المواضع السبعة، وهي فقه البخاري، وما أردفه في الترجمة من أقوال سلف الأمة لشرح هذه الترجمة، نعم، انتهينا من المواضع السبعة في صحيح البخاري، نجد أيضاً وافقه على تخريجه مسلم، نذهب إلى مسلم ونضيف ما رواه مسلم من زيادات في المتون والأسانيد إلى ما صفيناه من صحيح البخاري من بين المواضع السبعة اقتصرنا على أوفى هذه المواضع، وذكرنا فروق الأسانيد والتراجم على الحديث، ثم أضفنا إليه مسلم إن كان فيه زيادة، وأشرنا على صحيح مسلم أن هذا الحديث دُرس مع صحيح البخاري، هذا الحديث يرويه أبو داود أيضاً، نرجع إلى سنن أبي داود ونضيف على ما استخلصناه من الصحيحين ما يزيده أبو داود من لفظ زائد أو لفظ مغاير، أو زيادة راوٍ، أو فائدة في صيغة أداء، أو طريق لا يوجد في الصحيحين نضيفه إلى مذكرتنا الذي نجمع فيها الجمع بين الكتب الستة، ثم نرجع إلى الكتاب الرابع والخامس والسادس وهكذا، إذا انتهينا من الحديث الأول نرجع إلى الثاني في صحيح البخاري ونفعل به كما فعلنا بالأول.

الآن مررنا على المائة الحديث الأولى، جاءنا حديث هذا الحديث درسناه مع الحديث الأول، انتهينا منه، وقد أشرنا عليه ومررنا، لا نحتاج إلى دراسته، مر علينا حديث درسناه مع الحديث العاشر، فلا نحتاج إلى دراسته، مر علينا الحديث الخامس بعد المائة درسناه، وهكذا، وبهذا نكون إذا انتهينا من صحيح البخاري على هذه الطريقة نكون انتهينا من نصف صحيح مسلم، نعم، ونأخذ ربع ما في سنن أبي داود، وربع ما في سنن الترمذي، وابن ماجه وهكذا، نعم، ثم بعد ذلك نأتي إلى زوائد مسلم، الأحاديث التي في مسلم ولم ندرسها مع البخاري نأتي إليها نفعل ونصنع فيها كما صنعنا في صحيح البخاري، نجعل مسلم، في الأول جعلنا البخاري محور الدراسة، في المرحلة الثانية إذا انتهى البخاري نجعل زوائد مسلم محور الدراسة، ونراجع على هذه الزوائد كتب السنن، ثم انتهينا من صحيح مسلم نبدأ بسنن أبي داود فنجد نصف سنن أبي داود انتهى، زوائد أبي داود على الصحيحين تصبح محور البحث، ننظر فيها بالطريقة التي نظرنا فيها إلى الأحاديث في الصحيحين، ثم انتهينا من سنن أبي داود، ونربع بالترمذي، ثم نخمس بالنسائي، ونختم بابن ماجه. هذه الطريقة يعني مع الجد لا أتصور أنها تأخذ على طالب العلم خمس سنوات، خمس سنوات يفهم كل ما في كتب الستة بعجرها وبجرها، بصحيحها وضعيفها، بمتونها وأسانيدها، بمرفوعاتها وموقوفاتها، ومقطوعاتها، بفقه هؤلاء الأئمة، هذا مع طريقة التخبط التي نعيشها نحتاج إلى مائة سنة، ويمكن نموت وما مررنا على أحاديث في الصحيحين؛ لكن إذا اعتمدنا هذه الطريقة ومشينا عليها بحزم وجد أتصور خمس سنوات كافية.

طيب إذا اعتمدنا على ما لخص واختصر لنا من البخاري، وأضفنا إليه زوائد مسلم باختصار فقط المتون، وأضفنا إليه زوائد السنن، كم فاتنا من علم بهذه الطريقة، يعني لسنا بحاجة إلى التراجم التي ترجم بها أئمة السنة على هذه الأحاديث وهي خلاصة فقههم؟ ألسنا بحاجة إلى ما يدعم به المؤلف فقهه من أقوال الصحابة والتابعين؟ إحنا في أمس الحاجة إلى مثل هذا، ولكن مع ذلك بعض الناس يتطاول مثل هذه الطريقة وهي سهلة ميسرة، والأمور كله -ولله الحمد- متيسرة، وكل شيء متوفر، بعض الناس يقول: لماذا لا نكتفي بالحاسوب وهو يطلع لنا الخلاصة بيوم واحد، نضغط طلب ويطلع لنا ما في الكتب الستة بغير تكرار، وخلال أيام و. . . . . . . . . قرأتها؛ لكن العلم ما يأتي بسهولة، لا يستطاع العلم براحة الجسم، العلم يحتاج إلى حفر في الذهن، يحتاج إلى تعب ومعاناة لكي يثبت، فأتصور أن هذه الطريقة نافعة ومجدية. نعم مسألة الحفظ الذي يريد أن يحفظ في أقصر مدة، ويحفظ على الطريقة التي يسلكها الإخوان الآن، مع اعتماده وعنايته بالطريقة التي شرحتها، فإذا حفظ المتون المجردة على طريقة الإخوان، وعمل بدراسة الأحاديث على الطريقة التي شرحناها، أتصور أنه سيتخرج محدث، متقن بارع، إن حالفه توفيق الله -جل وعلا- الذي سببه الصدق مع الله -جل وعلا-. يقول: ما هي الكتب التي توصون بقراءتها لطالب العلم المبتدئ وخصوصاً الطلاب الذين أتوا من مدارس الثانوية لم يسبق لهم دراسة العلوم الشرعية؟

مثل ما ذكرنا يحفظ كتب الطبقة الأولى، والآن كل شيء متيسر، هذه الكتب تشرح الآن في المساجد، وسجل عليها شروح كثيرة، كون الطالب -ولله الحمد- يحفظ هذه المتون، ويسمع ما سجل عليها، ويحضر الدروس يصير له أمر كبير، ويهتم بكتب الطبقة الأولى التي هي الأساس، التي هي باصطلاح أهل المقاولات يسمونها ميدة، الأساس الذي يبنى عليه غيره، هي الأصل ثم بعد ذلك يرتقي إلى كتب الطبقة الثانية، ومع الأسف أنه يوجد من يقول: لماذا لا تجرد كتب الطبقة الثانية، فيذكر زوائدها على كتب الطبقة الأولى؟ نحن اعتمدنا في الطبقة الأولى مثلاً العمدة، يعني نمشي على ترتيب الموفق، عمدة الفقه مثلاً نعم، لماذا ندرس المقنع في الطبقة الثانية وتسعين أو سبعين بالمائة من مسائل المقنع مرت بالعمدة فلماذا نكرر؟ نقول: يا أخي لا بد من التكرار، التكرار أمر لا بد منه، كون المسألة تمر عليك مرة واحدة في عمرك، هل يكفي لفهمها وثبوتها في ذهنك، تنساها؛ لكن إذا مرت عليك بأسلوب آخر بأبسط بوجوه باستدلال، كما في الكافي مع ذكر المذاهب والأدلة، كما في المغني، لا شك أن هذه المسائل ترسخ في ذهن طالب العلم. يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله)) ... إلى آخره، فهل يفهم من هذا الحديث التعديل المطلق لطلبة العلم والعلماء؟ هذا الحديث أولاً: مختلف في ثبوته وصحته، وصححه بعض العلماء، والإمام أحمد يميل إلى ثبوته، فيما نقله عنه الخطيب في شرف أصحاب الحديث وغيرهم، نقل عن الإمام أحمد تصحيحه، وفهم منه ابن عبد البر أن هذا تعديل لكل من يحمل العلم، كل من حمل العلم فهو عدل لقول المصطفى. قلت: ولابن عبد البر كل من عني ... بحمله العلم ولم يوهنِ فإنه عدل بقول المصطفى ... يحمل هذا العلم لكن خولفا

لكن خولفا، الواقع يشهد بأنه يوجد من يحمل العلم، وأنا عندي تحفظ على إطلاق كلمة علم على ما يحمله من لم يعمل بعلمه، يوجد في الواقع من يحمل مسائل علمية بأدلتها يتصورها تصوراً صحيحاً دقيقاً بأدلتها بعجرها وبجرها وعنده شيء من المخالفات، فهل نستطيع أن نعدل من خلال هذا الحديث من حمل العلم وهو يرتكب محرمات، ألا يوجد ممن يرتكب محرم وهو يقال له: عالم ويحمل شهادات عليا، ويعلم التعليم الشرعي، لا يمكن أن نعدله، فإما أن نقول: أن الحديث جاء لحث أهل العدالة على حمل العلم، كما جاءت الرواية: ((ليحمل هذا العلم من كل خلف عدوله)) حث للعدول أن يحملوا العلم، ولا يتركوا المجال لغيرهم أن يحملوا هذا العلم، أو نقول: أن ما يحمله الفساق ليس بعلم، ما يحمله الفساق ليس بعلم، وهذا هو المتوجه عندي، وإن سماه الناس علماً، وهو في الحقيقة ليس بعلم، يعني علم ما ينفع، إيش الفائدة؟ ومن أوضح الأدلة على ذلك قول الله -جل وعلا-: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ} [(17) سورة النساء] عمل السوء، ارتكب مخالفة جاهل وإن كان من أعلم الناس، يعرف أن الزنا حرام، هل نقول: أنه عالم عنده الأدلة أن الزنا حرام، ويزني، هل نقول له: عالم؟ لو قلنا: عالم لقلنا: أن توبته لا تقبل، والنص القطعي في الثبوت والدلالة يدل على أن توبته مقبولة، يعمل السوء بجهالة، هل معنى هذا أنه لا يعلم الحكم؟ يعلم الحكم، ولذا يقرر أهل العلم أن كل من عصى الله فهو جاهل. يقول: ما الفرق بين النسخة السلطانية واليونينية لصحيح البخاري؟

النسخة السلطانية الذي طبعها السلطان سنة (1311هـ) وشكل لها سبعة عشر من علماء مصر لمراجعتها وإتقانها وأثبتوا عليها الفروق التي أثبتها الحافظ شرف الدين اليونيني بعد عنايته بالصحيح، عناية فائقة، وذكر الفروق بين الروايات هذه النسخة هي السلطانية، وعن فروق هذه النسخة مأخوذة عن ما أثبته الحافظ اليونيني في مقارنته بين روايات الصحيح، فهي نسخة متقنة، هذه النسخة طبعت في بولاق تسعة أجزاء، سنة (1311هـ) ووجد فيها ما يقرب من مائة خطأ مطبعي، صحح في الطبعة الثانية (1313هـ) وكانت هذه النسخة إلى وقت قريب مفقودة من الأسواق، ثم صورت -ولله الحمد- واستفيد منها الطلاب، فالسلطانية هذه الفروق التي على هامشها مأخوذة من عمل اليونيني. على أني وقفت من الفروق للحافظ ابن رجب في شرحه على البخاري ما فات اليونيني مما لم يذكر في هذه النسخة، فالمقصود أنه لا يتصور أن اليونيني مع اهتمامه بصحيح البخاري وعنايته برواياته، لا يتصور أنه أشار إلى كل شيء، لا، على كل حال بعض الطلاب يخلط بين هذه النسخة وبين النسخة التركية المطبوعة باسطنبول دار الخلافة العامر -على ما يقولون- بعد ذلك، في ثمانية أجزاء، وليس فيها فروق، عليها بعض التعليقات؛ لكن ليس فيها فروق الروايات، بعض الناس يسميها السلطانية، لماذا؟ كيف حصل الوهم؟ حصل لأنها أولاً: مطبوعة بتركيا، وتركيا معروفة أنها محل السلطان. الأمر الثاني: أنه يأتي من هذه النسخ نسخ جميلة مذهبة بتجليد فاخر اشتهر بين الكُتْبِيين أن هذه النسخ نسخ سلطانية، بمعنى أنها تليق بالسلاطين لنفاستها، فيحصل اللبس من هذه الحيثية. يقول: ما رأيكم بملتقى أهل الحديث في الإنترنت، وهل يستفاد منه؟ نعم يستفاد منه، هو فيه بعض طلاب العلم من الأخيار يكتبون فيه، وفيه نفع -إن شاء الله تعالى-، وهناك أيضاً وجهات نظر يكتبوها في ملتقاهم، وإن كنت أختلف معهم في بعضها؛ لكن هذا لا يعني أن الإنسان إذا خولف باجتهاده ينسف كل الجهد. يقول: ما رأيك بالطرق الجديدة في طلب العلم مثل الأشرطة لكبار العلماء والدروس العلمية في القنوات، مثل قناة المجد والحاسب الآلي؟

أولاً: طلب العلم من الأشرطة لكبار العلماء هذه من أنفع ما يتعلم عليه إذا لم يتمكن الطالب من المثول بين يدي هؤلاء العلماء، نحن لا نتصور أن الأمر ميسر أن الإنسان سهل عليه أن يركب سيارته ويذهب إلى فلان أو علان ليطلب عليه العلم من الكبار، لا يتيسر لكثير من الناس، بعض الناس يشغله البعد في الآفاق، وبعض الناس يشغله العمل، وطلب المعيشة، وبعض الناس يشغله الارتباط بالوظيفة، أو على أمر من أمور المسلمين، المقصود أن مثل هذه الأشرطة تحل كثير من الإشكال. وأيضاً: الدروس من خلال الإنترنت وأنا حقيقة مثل هذه المحدثات على حذر كبير منها، أنا لا أوصي بها بالإطلاق؛ لأن فيها الغث والسمين، والغث كثير، وجد -ولله الحمد- من يستفيد منها، لكن أيضاً وجد باسم الاستفادة من بعض من ينسب إلى طلب العلم أيضاً من تيسر له النظر في أمور لا يجوز النظر إليها، ففيها الغث والسمين، فإن اقتصر على الأشرطة فهو الأفضل، إذا لم يتمكن ولم يتحصل على هذه الأشرطة، إذا لم يكن إلا هذا مع أخذ الحيطة والحذر الشديد؛ لأنه يسهل لك الاتصال بأمور ما كانت ميسرة في السابق، فهذه مزلة قدم، ولا يقول الإنسان: أنا متحصن بالعلم، لا، قد زل أناس وضاعوا بسببها، ضاع بسببها أناس كثير. يقول: الدروس العلمية في القنوات، مثل قناة المجد والحاسب الآلي؟ قناة المجد لا غرو عليها، وذكرت مراراً رأيي فيها، وقلت: السلامة لا يعدلها شيء، السلامة الذي يستطيع ويرتكب العزيمة في هذا الباب فالسلامة لا يعدلها شيء. أما الإنسان الذي لا يستطيع أو يبتلى بآلات أخرى فهي من أفضل الموجود الآن. هذا يقول: طلاب العلم ينتظرون طبعة فتح المغيث؟ قد حققت نصفه، وهو الآن كامل، والآن تم صفه وكتاب فتح المغيث للسخاوي في شرح ألفية الحديث، والآن تم صفه، ويأتي -إن شاء الله- قريباً، وكذلك الألفية المتن، تم تحقيقها وطبعها ومراجعتها، وتأتي -إن شاء الله- قريباً. يقول: ما هي أحسن طبعة لشرح العلل لابن رجب؟

شرح العلل -علل الترمذي- للحافظ ابن رجب تنال عنايتي منذ أن ظهر الكتاب بتحقيق نور الدين عتر، ومنذ أن خرج وأنا عنايتي به من خلال هذه الطبعة، وكون الإنسان يرجع إلى أكثر من طبعة هذا عندما يعترضه ما يقتضي ذلك من استغلاق العبارة، أو يغلب على ظنه أنه خطأ الكلام لا يستقيم، يرجع إلى الطبعات الأخرى، واقتناء الطبعات كلها في كل ما يحتاج إليه طالب العلم هو مهم جداً؛ لكن دونه خرط القتاد، فأنا ممن يُعنى بجمع الطبعات في الكتب القديمة بطبعاتها القديمة لكنها مرهقة تحتاج إلى جهد كبير لتحصيلها، وتحتاج مع ذلك متابعة في البحث، وتحتاج إلى مكان واسع، وتحتاج إلى دعم مادي قوي؛ وإلا لو وجد من هذه الطبعة تصحيح جملة تكفي خلاص قيمة هذا الكتاب وصلت، لو صححت جملة واحدة يستقيم بها الكلام المطلوب خلاص. فكون طالب العلم يقتني الطبعات لا سيما من بعض الكتب الذي هو بأمس الحاجة إليها ما يضره أن يجمع في شرح علل الترمذي عشرة مجلدات مثلاً تحوي جميع طبعات الكتاب، ثم ماذا؟ لكن فتح الباري مثلاً طبع عشر مرات يجمع كم؟ مائتين مجلد صعب، وقل مثل هذا في كتب التفسير الكثيرة، أو كتب الشروح، الذي يصعب على طالب العلم أن يجمعها؛ لكن الكتب الذي حجمها صغير بإمكانه أن يجمع هذه الطبعات من أجل أن يراجع الطبعات الأخرى إذا وقف على خطأ في الطبعة التي بين يديه والتي يعتني بها. يقول: ما رأيكم في منهج التفريق بين المتقدمين والمتأخرين في التعليم في علوم الحديث عموماً؟

أولاً: لا يشك أحد ولا يجادل ولا ينازع في أن المتأخرين عالة على المتقدمين، وأنه لا علم عند المتأخرين وصل إليهم إلا عن طريق الأئمة الكبار الذين هم عمدة هذا الشأن؛ لكن من يخاطب بمثل هذا الكلام، يخاطب به المنتهي، أما طالب العلم المبتدئ يخاطب بمثل هذا الكلام هذا تضييع له، لا بد أن يتعلم على طريقة المتأخرين، وعلى جادتهم، ثم بعد ذلك إذا تأهل بعد أن يتقن هذه القواعد على الطريقة المشروحة بدأً بالنخبة ثم اختصار علوم الحديث لابن كثير، ثم الألفية وشروحها، ويكثر مع ذلك من التخريج والدراسة للأسانيد, ويعرض أعماله على أهل الاختصاص، فإذا صوبوا عمله، وقارن أحكامه بأحكام الأئمة من المتقدمين والمتأخرين، بعد ذلك تحصل لديه ملكة، يستطيع بواسطتها أن يحاكي المتقدمين، أما إذا قيل له: اعتني بكتب المتقدمين، فإذا اعتمدنا شرح علل الترمذي لابن رجب إيش فيه من القواعد التي يحتاجها طالب العلم المبتدئ؟ هل فيه كل شيء مما يحتاج إليه؟ لا، لا بد أن يطلب العلم على الطريقة والجادة المعروفة، ثم بعد ذك إذا تأهل وعرف القرائن التي بها يرجح قول إمام على قول إمام آخر، حينئذ، وصار في مصف المتقدمين مع أن دون ذلك خرط القتاد، يوجد الآن من طلاب العلم من تبنى هذا الرأي من سنين طويلة؛ لكن هل نستطيع أن نقول: هذا الشخص بعد عشرين، خمسين سنة من الآن يبي يحاكي أحمد أو ابن معين أو الحاكم والرازي، من المستحيل، يعني شخص ما يحفظ، عمدته على العمل والنظر في الأسانيد المرسلة من خلال أقوال العلماء، أحياناً من خلال أقوال المتأخرين، يعني أنه إذا تسنى له الاجتهاد في التصحيح والتضعيف في نوع من المتون، كيف يتسنى له أن يجتهد في كل راوٍ راو من رواة هذه الأحاديث الذين بلغوا مئات الألوف، الرواة بلغوا ألوف مألفة، وكل راوٍ من هؤلاء الرواة تجد فيه من الأقوال المتعارضة المتناقضة الشيء الكثير تجد أحياناً بعض الرواة عشرين قول، فتريد أن تجتهد لتحاكي المتقدمين في تصحيح كل حديث حديث بنفسك، على شان تتأهل تتقوى لديك القرآن التي تحكم بها تحاكي بها المتقدمين، وحكمك على هذه الأحاديث مبني على النظر في كل راو راو من رواة هذه الأحاديث، بالنظر إلى جميع ما قاله

أهل العلم في هذا الراوي، لا شك هذا دونه خرط القتاد، لا نستطيع أن نحاكي أئمة يحفظ الواحد منهم سبعمائة ألف حديث، عجزت البرامج أن تحفظ هذه الأعداد، ولا نصف هذه الأعداد. على الإنسان أن يعرف قدر نفسه، يتعلم على الجادة، ويأخذ العلم بالتدريج، وإذا تأهل أن يقارن ويوازن بين حكم الإمام أحمد، وحكم أبي حاتم إن استطاع أن يرجح له ذلك، ولا أحد يمنعه، وقل مثل هذا في الاجتهاد في المسائل الفرعية، يعني مناداة طلبة مبتدئين لا يحسنون شيئاً من العلم، وما عرفوا مبادئ العلوم يقال لهم: اجتهدوا تفقهوا من الكتاب والسنة، هذا تضييع، هذا تضييع له؛ لكن إذا تأهل طالب العلم ففرضه الاجتهاد، والذي يتعين عليه أن يدين الله -جل وعلا- بما يوصله إليه اجتهاده بعد النظر في أدلة المسائل من الكتاب والسنة، وبعد النظر في أقوال فقهاء الأمصار لئلا يشذ ويأتي بشذوذات لا يوافق عليها، وقد يخرق الإجماع وهو لا يدري، المقصود أن مثل هذا الطلب يعني توجهه إلى المنتهين أنا عندي أنه له وجه. أما توجيه هذا الكلام إلى الطلبة المبتدئين أتصور أنه تضييع لهم، إذا تأهل طالب العلم فهذا فرضه، أما إذا لم يتأهل ففرضه ما جاء في قول الله -جل وعلا-: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [(7) سورة الأنبياء]. هذا يقول: أهل المدينة بانتظار درس شهري في المدينة، وطلاب الجامعة يتمنون أن تستقروا في المدينة، ولا يخفاكم أجر السكنى فيها؟ لا يخفى ما جاء من قوله: ((المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون)) نصوص كثيرة بفضل المدينة؛ لكن ليستحضر الطالب الذي يستحضر هذه النصوص تفرق الصحابة في الأمصار بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني هل الصحابة يخفاهم مثل هذه النصوص؟ أو تفرقوا لينفعوا في بقية الأمصار؟ يعني لو أن العلماء كلهم خوطبوا بمثل هذا، وكلهم اجتمعوا في المدينة وتركت الأمصار، لا شك أن الفائدة والنفع يعني تفرق علماء الأمة في أقطارها لينفع الله بهم وينتشر النفع، والسكنى إلى الآن ما بعد استقر الأمر على شيء، نسأل الله -جل وعلا- أن يعيننا وإياكم على ما ينفعنا في ديننا ودنيانا.

يقول: لماذا أهل العلم يحثون الطلاب للعناية بالإخلاص في طلب العلم خاصة، دون غيره من العبادات؟

لا يا أخي، يمكن أن يتكلم عن الصلاة والزكاة ولا يحتاج إلى الإخلاص؟ الذين يتكلمون عن العلم، الذي يتكلم عن العلم وطلب العلم هل يمكن أن يقول: أن الصلاة لا تقبل إلا بالإخلاص؟ هو يتكلم عما هو بصدده من طلب العلم، فيحث على الإخلاص في طلب العلم، الأمر الثاني: أن الإخلاص في طلب العلم على وجه الخصوص ما ينازعه أكثر مما ينازع الإخلاص في أبواب العبادات الأخرى، يعني يتصور شخص أن يتوضأ في بيته كما أمر، ويحضر إلى الصلاة بسكينة وخشوع، ويؤدي الصلاة على الوجه المأمور مع الإخلاص التام، أو المخدوش خدشاً يسيراً، ما يتصور إلا إذا كان منافق ليس في قلبه شيء من الإخلاص يريد أن يحضر إلى المسجد ليقول الناس: هذا يصلي مع الجماعة، لا سيما مع الفرائض، المسلمون يؤدون الفرائض، ولذا يستشكل بعض طلاب العلم ما يجده في نفسه من ثقل في العبادة، مع قول الله -جل وعلا- عن المنافقين: {وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى} [(142) سورة النساء] يقول: أنا أقوم كسلان، هل أنا منافق؟ هل أنا منافق لأني أقوم كسلان؟ نقول: يا أخي أنت الفرق بينك وبين المنافق، أنك أنت مصلي مصلي، تبي تصلي رآك أحد وإلا ما رآك أحد، هذه الصلاة لا بد أن تؤديها، وهذا في قرارة ذهنك أنك لن تترك الصلاة إذا لم يراك أحد، بخلاف المنافق، المنافق إذا ما رآه أحد ما صلى، وهذا الفرق بين من يستثقل الصلاة ممن حكم بإسلامه، ولم يحكم بنفاقه، وكثير من المسلمين حتى نسأل الله -جل وعلا- أن يعاملنا بالعفو، قد توجد أحياناً من طلاب العلم استثقال لشيء من العبادات؛ لكن هل يعني هذا أنهم وافقوا المنافقين في كونهم {قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى} [(142) سورة النساء]؟ نقول: نعم، من هذه الحيثية لكن يبقى أن الفارق الكبير أن المسلم الذي لم يتصف بالنفاق ولو ثقل عليه الأمر لا بد أن يصلي، ولا يدور في باله أنه يترك الصلاة إذا لم يجد أحد بخلاف المنافق، بل لنزداد اطمئناناً بعد من أهل العلم من يرجح من يؤدي الصلاة على ثقل يقول: أجرها أعظم من أجر من يأتي الصلاة وغيرها من العبادات منشرح النفس، منبسط القلب، مرتاح البال، مع أن القول المرجح خلافه، هذا المرجح لهذا

القول يقول: أدى العبادة وجاهد نفسه، وعليه شيء من الثقل كل هذه يؤجر عليها، الذي جاء منشرح هذا يؤجر على عبادته؛ لكن لا يؤجر على المجاهدة، نقول: لا، هذا أفضل وهو الموافق لما كان عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يقول: ((أرحنا يا بلال بالصلاة)) ويأتي إليها وهو متشوق إليها، متشوف لها، مشتاق إليها، نعم فأجره أعظم، ولنعلم جميعاً أننا لن نصل إلى هذه المرحلة أرحنا بالصلاة حتى نتجاوز المرحلة الأولى التي هي مرحلة امتحان، وقل مثل هذا في الصيام، صيام النوافل مثلاً، قيام الليل كابد السلف سنين طويلة من مشقة قيام الليل ثم تلذذوا به، فهم ما وصلوا إلى هذه المرحلة حتى تجاوزوا المرحلة التي قبلها. يقول: نريد إقامة دورة علمية قبل نهاية الفصل الدراسي، وذلك حتى يشهد الطلاب قبل السفر إلى بلادهم حتى ينالوا .... ؟ المقصود أنه يريد دورة في نهاية الفصل، يعني قبل أن يتفرق الطلاب، ويتوزعوا إلى بلدانهم، وأظن التخطيط جار على هذا، وقد فعلنا ذلك في السنة الماضية. وهذا يسأل عن فتح المغيث هل طبع أم لا؟ تم صفه، والآن هو في المراجعة النهائية -إن شاء الله تعالى-. يقول: كيف يمكن للطالب أن يوازن بين دروس الجامعة والدروس الخارجية مع ما لا يخفاكم من التزاحم والتراكم، أفيدونا جزاكم الله خيراً؟ التوفيق سهل، إذا عرفت الهدف الذي من أجله خلقت، وهو تحقيق العبودية، وهذه العبودية لا تتم على الوجه المطلوب إلا بمعرفة ما يصححها وما يفسدها، فإذا عرفت أنك خلقت لهذا تجاوزت هذه العقبات، وأقبلت لحلق العلم، وأنت منشرح الصدر، فيمكنك أن توازن ولا سيما أن الدروس العلمية ليست في وقت الدراسة النظامية، فبالإمكان أن يدرس الإنسان في أول النهار دراسته النظامية، وبعد أن يستريح ويسترخي، الظهر والعصر، ويأخذ حظه من الراحة، ويراجع ما يحتاج إلى مراجعته، أن يحضر الدروس في المغرب مثلاً أو بعد العشاء، ولا تزاحم. يقول: ألا ترون أن تكون الدراسة الأكاديمية مركزة أكثر مما هي عليه الآن على المداخل للعلوم مثل مقدمة التفسير لابن تيمية، ودراسة كتب الأحاديث الستة وكيفية التعامل معها، ومناهج المفسرين وغيرها من الأصول في التعريف بالمفاتيح؟

معرفة المفاتيح أمر مهم، وعلوم الآلة يوليها أهل العلم عناية فائقة؛ لأنها تيسر عليهم فهم المقاصد والغايات، لا بد من أن يوجد مقررات تعرف طلاب العلم بما يريدون قراءته من كتب التفسير من معرفة مناهج المفسرين، ومعرفة ما تشتمل عليه هذه الكتب الكبيرة من المحاسن والمآخذ، وقل مثل هذا في شروح كتب السنة، وقل مثل هذا في كتب الفقه، وترتيبها في الأولويات، يحتاج طالب العلم كثير من هذا. يقول: عندما أقرأ في كتب الفقه أتجاوز الكثير من الفروع، فما رأيكم بهذه الطريقة؟ هذه الطريقة لا تجدي؛ لأن الفروع بعضها مبني على بعض، وكتب الفقهاء ألفت بعناية ودقة، ورتبت فيها العلوم، فتأخذ كما ألفت، وتدرس على الطريقة التي شرحناها. يقول: بعض طلبة العلم هدانا الله وإياهم يتكلمون على المشايخ؟ حصل الكلام حتى وجد في بعض وسائل الإعلام الكلام على المشايخ، ولا شك أن هذه يؤدي إلى التقليل من شأنهم، ويليه عدم الأخذ منهم، ثم بعد ذلك تضيع الأمة؛ لأن الأمة إذا حيل بينها وبين علمائها بهذه الطريقة لا شك أن الناس سيبحثون عن بدائل، ولا بديل عن شيوخنا الكبار أهل العلم والعمل. يقول: نجد من أنفسنا وممن حولنا من طلاب العلم حاجة إلى التوجيه في أمرين: فيما بين العبد وبين ربه، وكيف يصلح العبد قلبه، وفي العمل بالآداب؟ هذه في مناسبات كثيرة تكلمنا عليها طويلاً، وذكرنا بعض الأمور التي يوجد فيها الخلل عند السامع والمتكلم، ونسأل الله -جل وعلا- أن يعيننا على ما يصلح قلوبنا، ويجعلها سليمة، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، لا بد من البحث عما يحقق هذا الوصف للقلب. يقول أيضاً: في منهجية طلب العلم عموماً والأصول والفقه خصوصاً؟ يقول: فنناشدك الله أن تبين لنا هذه الأمور بجلاء حتى نخرج من الظلمة التي نحن فيها، فيكون ذلك من الصدقات الجارية؟ في أشرطة كثيرة حول كيفية تحصيل العلم في العلوم كلها، وهي أيضاً أشرطة تداولها الإخوان، وكانت لقاءات على الهواء في الإذاعة، خمسة لقاءات، سموها كيف يبني طالب العلم مكتبته؟

ذكرنا كيف يستفيد طالب العلم من هذه الكتب، فالطالب محتاج في مثل هذه، يراجع هذه الأشرطة، أيضاً فيه معالم في طريق الطلب، فيه مفاتيح العلم، في أمور كثيرة، ونسأل الله -جل وعلا- أن يعاملنا بالعفو، نأخذ من هذا، مع أني لا أكتب أنا، فيحصل من هذا تكرار، ويحصل أيضاً ترديد قد يكون مملولاً عند بعض الطلاب؛ لكن بعض الطلاب يحتاج إلى شيء منه. يقول: من خرج من بلده وعليه حقوق الناس، يعني الفلوس بينهم ثم جاء إلى مكة هنا فحج قبل أن يرد عليهم أموالهم ثم رد عليهم بعد الحج هل حجه جائز؟ نعم حجه صحيح، وعليه الإثم بحجه وهو مدين، ولم يستأذن من دائنيه، فإذا وفىّ لهم حقوقهم برئت ذمته وحجه صحيح، وعليه أن يستحلهم، لا سيما إذا كانت الديون حالة عندما حج. مما يشجع طالب العلم، ويجعله يتجاوز بعض العوائق، ويجعله ينشط في الطلب، ما ضربه أهل العلم من أروع الأمثلة في البذل، إذا كان شيوخ كبار السن يبذلون ليل نهار، والآن يوجد نماذج من أهل العلم من عنده أربعة دروس في اليوم، ووجد في المتقدمين من كان عنده من الدروس اثنا عشر درس، وذكروا في ترجمة الطيبي شارح (المشكاة) أنه يجلس بعد صلاة الصبح لتفسير القرآن إلى أن تزول الشمس، جلسة واحدة مع طلابه، فإذا زالت الشمس تجهز لصلاة الظهر، ثم جلس ينتظر الصلاة، فإذا سلم شرع في شرح البخاري إلى أن يؤذن العصر، ثم يصلي العصر، ثم يجلس إلى المغرب لكتاب ثالث وهكذا. احنا نستكثر أن نأتي إلى درس يحتاج إلى خمس دقائق، عشر دقائق، والدرس ما يصفو منه ساعة في اليوم، العلم لا يستطاع براحة الجسم، كما قال يحيى بن أبي كثير فيما سقناه وشرحناه، وذكرنا مناسبته عند الإمام مسلم في الدرس الماضي. يقول: إننا عند مطالعتنا لكتب العلماء يتكرر معنا قولهم: "إن هذا النص أو هذا الحديث خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له".

جاء في حديث الزكاة في كتاب أبي بكر الصديق الذي كتبه في الصدقات،. . . . . . . . . في كتابه في الصدقات التي فرضها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: "في الإبل في سائمتها في كل خمس شاة، في الغنم في سائمتها في كل خمسين شاة" فنص على السوم، وجاء أيضاً في غيره النص على السوم بالنسبة للبقر، فاشترط العلماء في زكاة بهيمة الأنعام أن تكون سائمة، آخذاً من هذه النصوص، وأن هذا القيد معتبر، ومفهومه مقصود، بحيث إذا لم تكن هذه البهيمة من الأنعام من الإبل والبقر والغنم سائمة لا زكاة فيها زكاة بهيمة الأنعام، أما إذا أعدت للتجارة ففيها زكاة عروض التجارة، سواءً كانت سائمة أو معلوفة. المقصود أن هذا القيد معتبر عند الجمهور، المالكية يرون أن السوم ليس بشرط، طيب "في سائمتها" ماذا نقول في هذا الوصف؟ خرج مخرج الغالب؛ لأن غالب بهيمة الأنعام في عصر النبوة سائمة، فلا مفهوم له. هذا موجود عند أهل العلم وبكثرة، فتجد من أهل العلم من يرى أن الوصف مؤثر وله مفهوم، ومنهم من يلغي المفهوم لمعارض عنده، متى نحتاج إلى إلغاء المفهوم؟ المفهوم جماهير أهل العلم يعملون به، نعم مفهوم المخالفة معمول به عند الجمهور؛ لكن متى يلغى المفهوم؟ يلغى المفهوم إذا عورض بمنطوق أقوى منه، يعني في قوله -جل وعلا-: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ} [(80) سورة التوبة] مفهومه أنك لو استغفرت واحد وسبعين مرة أنه يغفر لهم؛ لكن هذا المفهوم معارضه به بقوله -جل وعلا-: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [(48) سورة النساء] فالمفهوم ملغى، النهي عن أكل الربا أضعافاً مضاعفة، مفهومه أنه لو كان ضعف واحد يجوز أو لا يجوز؟ يجوز؛ لكن هذا المفهوم ملغى، بدليل أنه معارض بمنطوق أقوى منه، فيحتاج لمثل هذا عند المعارضة، نسأل الله -جل وعلا- التوفيق والإعانة للجميع. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

معالم في طريق طلب العلم

معالم في طريق طلب العلم الشيخ/ عبد الكريم الخضير الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فالموضوع موضوع في غاية الأهمية، وهو من السعة والطول بحيث لا يمكن أن يحاط به في محاضرة، بل ولا في دورة، وترددت كثيراً من أين أبدأ؟ وكيف أبدأ؟ هل أنقل لكم ما قاله الله -جل وعلا- في فضل هذا العلم، وما ذكره، وما نقل عن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وما ثبت عن سلف هذه الأمة في هذا الباب، أو أنقل لكم تجارب في هذا العلم، صدرت ممن عانى هذا العلم، وتعب في تحصيله، المقصود أنني اجتهدت فذكرت -أو سأذكر لكم- إن شاء الله تعالى بعض النصوص التي تدل على فضل هذا العلم، والمراد بهذا العلم، مما يشحذ همة طالب العلم، وأذكر لكم -إن شاء الله تعالى- على سبيل الإجمال والاختصار الشديد بعض المعالم التي هي عنوان المحاضرة، وما ينبغي لطالب العلم أن يصحبه في هذه الرحلة المباركة، وهي طلب العلم الشرعي الشريف.

من النصوص التي جاءت في فضل العلم ما قال المولى -جل وعلا-: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [(11) سورة المجادلة] درجات، ما هذه الدرجات التي يرتفع بها أهل العلم على من سواهم؟ وهذه الدرجات لا شك أنها متفاوتة، فلكل عالم منها نصيبه، فمنهم من يحوز منها أعلى الدرجات، ومنهم من هو دون ذلك، ومن أعظم ما يستدل به على فضل العلم مما أطنب ابن القيم -رحمه الله تعالى- في بيانه وشرحه وتوضيحه في كتابه العظيم (مفتاح دار السعادة) قوله -جل وعلا-: {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ} [(18) سورة آل عمران] يمر بها الطالب يقرأها، ويمر بها الكبير والصغير ولا تحرك ساكناً هذه الآية، وهي آية عظيمة في فضل العلم وأهله {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [(18) سورة آل عمران] يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى-: "استشهد سبحانه بأولي العلم على أجل مشهود، وهو توحيده، وهذا يدل على فضل العلم وأهله من وجوه" ثم ذكر هذه الوجوه، أوردها باختصار شديد؛ لأنه أطنب -رحمه الله تعالى- كعادته إذا سال واديه في أي مسألة -رحمة الله عليه- حتى يملأ الخوابي، ويبلغ الروابي -رحمة الله عليه-، وبالمناسبة، وقبل أن نفوت هذه المناسبة ينبغي لطالب العلم أن يعنى بكتب هذا الإمام المحقق -رحمة الله عليه-. الوجه الأول: استشهادهم دون غيرهم من البشر، استشهادهم على أجل مشهود عليه، استشهادهم على هذا الأمر العظيم دون غيرهم من البشر. والثاني: اقتران شهادتهم بشهادته -جل وعلا-. والأمر الثالث: اقتران شهادتهم أيضاً بشهادة ملائكته.

والرابع: أنه في ضمن هذا تزكيتهم وتعديلهم، من أي وجه؟ الشهادة إنما يطلب لها العدول، يعني لو شهد شخص على أدنى شيء من حطام الدنيا طلبت تزكيته وتعديله، فكيف بمن يشهد على أجل مشهود عليه؟ إن في ضمن هذا تزكيتهم وتعديلهم، فإن الله لا يستشهد من خلقه إلا العدول، ومنه الأثر المعروف عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا كلام بن القيم-: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين)) يقول: الأثر المعروف مختلف في ثبوته، وممن أثبته الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-، ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله)) فابن القيم أخذ من الآية تزكية أهل العلم وتعديلهم، واستشهد بهذا الحديث الذي هو عمدة ابن عبد البر في تعديل أهل العلم، وأن كل من عرف بحمل العلم فهو عدل، ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله)) يعني العدول الثقات هم الذين يحملون هذا العلم، والحديث مختلف في ثبوته؛ لكن ممن أثبته الإمام أحمد، فعلى افتراض ثبوت هذا الخبر هل يدل على ما أدعاه بن عبد البر؟ ابن القيم -رحمه الله- استشهد به على دلالة الآية؛ لكن يدعي ابن عبد البر -رحمة الله عليه- أن كل من يحمل العلم فهو عدل، فهل الواقع كذلك أو لا؟ هل يوجد في واقع الناس على مر العصور من يحمل العلم الشرعي وهو غير عدل؟ يوجد ولا ما يوجد؟ إذاً كيف يقول ابن عبد البر من عرف بحمل العلم فهو عدل؟ يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-: قلت: ولابن عبد البر كل من عُني ... بحمله هذا العلم ولم يُوهنِ فهو عدل بقول المصطفى ... يحمل هذا العلم لكن خولفا

خولف ابن عبد البر في هذه الدعوة؛ لأنه وجد في الواقع من يحمل شيئاً من العلم الشرعي، بل قد يكون من أعلم الناس، وأشدهم استحضاراً للمسائل العلمية؛ لكنه غير عدل، يعني يوجد من يحمل هذا العلم من الفساق ممن يخالف عمله قوله، يعني على ثبوت هذا الحديث كيف نجيب عنه؟ هل هذا خبر بمعنى الخبر الذي لا يختلف، بل لا بد أن يطابق الواقع؟ أو أن هذا وإن كان لفظه لفظ الخبر فالمراد به الأمر؟ فيكون الحديث والخبر حث للثقات العدول على حمل العلم، بحيث لا يترك مجال للفساق بأن يكون لهم موقع بين أهل العلم بدليل ما جاء في بعض طرقه بلام الأمر: ((ليحمل هذا العلم من كل خلف عدوله)) ونظير ذلك: ((ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى)) هل في الخبر طرد للصغار أو حث للكبار على أن يتقدموا بحيث لا يتركون مجالاً للصغار أن يلوا الأئمة؟ نعم، يوجد في الواقع من ينتسب إلى العلم من عنده مخالفات شرعية، على أنه يمكن أن يقال: أن العلم الشرعي لا يحمله إلا العدول الثقات، وإنما يحمله بعض من عندهم مخالفات أو فسق لا يسمى علم شرعي؛ لأنه وإن استحضر مسائل علمية في أدلتها، وعرف مظانها، وفهمها على وجهها، إلا أنها في الحقيقة ليس بعلم؛ لأن العلم إنما هو ما نفع، العلم إنما هو ما ينفع، وما يوصل إلى مرضات الله -جل وعلا-، أما مجرد معرفة المسائل العلمية مع مخالفتها هذا وبال على صاحبها، نسأل الله السلامة والعافية، وهذا في الحقيقة ليس بعلم، العلم إنما هو ما نفع. نعود إلى كلام ابن القيم في استشهاد العلماء بالآية، يقول: الخامس: أن الله وصفهم بكونهم أولي العلم، وهذا يدل على اختصاصهم به، وأنهم أهله وأصحابه، ليس بمستعار لهم، يعني إذا قلنا للطبيب: عالم، وقلنا للمهندس: عالم، وقلنا للمزارع: عالم في فنه، وقلنا للصانع: عالم؛ لكن من يقول الله -جل وعلا- عنه عالم، هذه هي الحقيقة التي حث عليها في كتابه، وعلى لسان نبيه -عليه الصلاة والسلام-، فالله -سبحانه وتعالى- وصفهم بكونهم أولي العلم، وهذه هي الحقيقة الشرعية للعلم. السادس: أنه -سبحانه وتعالى- استشهد بنفسه، وهو أجل شاهد، ثم بخيار خلقه، وهم ملائكته، والعلماء من عباده، ويكفيهم بهذا فضلاً وشرفاً.

والسابع: أنه استشهد بهم على أجل مشهود به، وهو شهادة أن لا إله إلا الله، واستشهد بهم على أجل مشهود به وأعظمه، وهو شهادة أن لا إله إلا الله، والعظيم القدر إنما يستشهد على الأمر العظيم، لا شك أنه إنما يستشهد على الأمر العظيم أكابر الخلق وساداتهم، لو كان لك مبلغ يسير على شخص تأتي إلى علية القوم يشهدون لك، تذهب بهم إلى المحاكم وتحضرهم، وتأخذ مواعيد من القضاة، وترددهم على أمر يسير؟ لا، إنما يطلب مثل هؤلاء، الملأ، علية القوم، يطلبون للأمور الكبيرة، ولا شك أنك تفضل ترك ما لك من حق على استشهاد مثل هؤلاء الكبار، إذا كان شيئاً يسيراً. يقول الثامن: "أنه سبحانه جعل شهادتهم حجة على المنكرين، فهم بمنزلة أدلته وبراهينه الدالة على توحيده" جعل شهادتهم حجة على المنكرين، يعني من أنكر الربوبية، من أنكر الألوهية من يشهد عليه؟ يشهد عليه من أُثبتت شهادته في هذه الآية. التاسع: أنه سبحانه أفرد الفعل المتضمن لهذه الشهادة منه، ومن ملائكته، ومنهم، يعني من أهل العلم، أفرد الفعل المتضمن لهذه الشهادة، {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ} [(18) سورة آل عمران] فهي شهادة واحدة على مشهود به واحد، وإن كان للخالق ما يخصه، وللمخلوق ما يخصه، لم يعطف شهادتهم بفعل آخر غير شهادته، ما قال: شهد الله أنه لا إله إلا هو، وشهد ملائكته، وشهد العلماء؟ لا، وهذا يدل على شدة ارتباط شهادتهم بشهادته، فكأنه سبحانه شهد لنفسه بالتوحيد على ألسنتهم، وأنطقهم بهذه الشهادة، فكان هو الشاهد بها لنفسه إقامة، بمعنى أنه شهد هو بنفسه، وإنطاقاً وتعليماً، وهم الشاهدون بها له اقراراً واعترافاً وتصديقاً وإيماناً.

العاشر: "أنه سبحانه جعلهم مؤدين لحقه عند عباده بهذه الشهادة يعني حق الله -جل وعلا- على العباد ما حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وهذا هو معنى لا إله إلا الله، هذا هو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، أنه جعلهم مؤدين لحقه عند عبادة بهذه الشهادة، فإذا أدوها فقد أدوا الحق المشهود به، فثبت على الخلق الإقرار به، فكان ذلك غاية سعادتهم في معاشهم ومعادهم، وكل من ناله الهدى بشهادتهم، وأقر بهذا الحق بسبب شهادتهم فلهم من الأجر مثل أجره، هم بهذه الشهادة أقاموا هذا الحق، فمن عمل بهذا الحق يكون لهم من الأجر مثل أجر هذا الذي عمل بهذا الحق؛ لأنه الدال على الخير كفاعله، وهذا فضل عظيم لا يعرف قدره إلا الله -جل وعلا-، وكذلك كل من شهد بها عن شهادتهم، فلهم من الأجر مثل أجره أيضاً، فهذه عشرة أوجه في هذه الآية، وهذا يدلنا على أمر عظيم جداً، وهو عظم أجر من عني بهذه الشهادة، وهي شهادة أن لا إله إلا الله، فبينها للناس، ودعاهم إليها، ووضحها، وكشف شبهات من نقضها، أو أتى بما يناقضها بقصد أو غير قصد، وبهذا تنال الإمامة بالدين اقتداءً بالأنبياء والرسل، وعلى رأسهم سيدهم نبينا محمد -عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم- الذي مكث في مكة ثلاثة عشرة سنة يقرر هذه العقيدة الصافية من خلال شهادة أن لا إله إلا الله، وسار على دربه أئمة الإسلام من الصحابة والتابعين، وسلف هذه الأمة، ومن تبعهم على مر القرون، وأنتم من خلال سماعكم ومطالعتكم من نال الإمامة بالدين بغير الدعوة إلى هذه الشهادة الخالصة الصافية، وُجد من برز في العلوم كلها؛ لكن عنده شيء يخل بصفاء هذه الشهادة، لا يكتب له من نباهة الذكر واشتهار الأمر والاقتداء به مما يجعل أجره يجري مئات السنين بعد وفاته بقدر ما يناله من حقق هذه الشهادة، ودعا إليها من آخر من دعا إليها مع صفاء الدعوة على ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، وجاهد دونها، وكشف شبهات من أراد أن أو أتى بما ينقضها الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، أجزل الله له الأجر والثواب، وأدخله الجنة بدون حساب، وجمعنا به ووالدينا وجميع المسلمين في جنات النعيم.

من علامة التوفيق لطالب العلم وللعالم الاهتمام بهذه الشهادة، والدعوة إليها، وبيان ما يضادها وينقضها، والعناية بقراءة وإقراء الكتب التي تُعنى بها من كتب أئمة هذه الدعوة، وكتب من قبلهم من أئمة الإسلام من سلف هذه الأمة وأئمتها.

من الأدلة على فضل العلم والعلماء قوله -جل وعلا-: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر] فنفى التسوية بينهم وبين غيرهم، قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، هل هذا مجرد استفهام مطلوب جوابه؟ لا، هذا نفي للتسوية بين أهل العلم وبين غيرهم؛ لكن هذا النفي مقرون بأمر عظيم تقدمه فعلى طالب العلم أن يستحضر السبب الذي نفيت فيه هذه التسوية، وهو في صدر الآية، في صدر الآية يقول الله -جل وعلا-: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر] يعني هل يمكن فصل عجز الآية عن صدرها لا يعني سبب عدم أو نفي هذه التسوية ما اتصف به أهل العلم، مما أشير إليه في صدر هذه الآية، أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه خائفاً راجياً وجلاً، هذا هو المفضل على غيره، والله المستعان، وهذا يجرنا إلى أمر جاء في كتاب الله -جل وعلا- على سبيل الحصر للعلماء {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [(28) سورة فاطر] فالذي علمه لا يزيده من خشية الله -جل وعلا- فهذا في الحقيقة ليس بالعلم؛ لأنه على سبيل الحصر هل يستطيع أن يقول قائل: أن هذا حصر إضافي ليس بحصر حقيقي، والله -جل وعلا- يقول: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [(28) سورة فاطر] والنبي -عليه الصلاة والسلام- أخشى الناس وأتقاهم، فهل يوجد عالم لا يخشى الله -جل وعلا- بعد هذا الأسلوب الذي يقتضي الحصر فيهم، من شرف العلماء وفضلهم أن الله -جل وعلا- جعل أهل الجهل بمنزلة العميان، جعل الله -جل وعلا- أهل الجهل بمنزلة العميان الذين لا يبصرون، فقال تعالى: {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [(19) سورة الرعد] فقابل الذي يعلم بالأعمى، العلم نقيض العمى وإلا نقيض الجهل؟ نقيض الجهل، فلما جعل العمى في مقابلة العلم صار الجهل عمى، إذا كان الذي يقابل العلم هو الجهل، وجُعل العمى

مقابلاً للعلم إذاً الجهل عمى، قال ابن القيم: "فما ثم إلا عالم أو أعمى" وقد وصف الله أهل الجهل بأنهم صم بكم عمي في غير موضع، في أخلاق العلماء للآجري قال -رحمه الله-: فما ظنكم -رحمكم الله- بطريق فيه آفات كثيرة، ويحتاج الناس إلى سلوكه في ليلة ظلماء فما ظنكم -رحمكم الله- في طريق فيه آفات كثيرة، وادٍ مهلكة فيه سباع وهوام، ويحتاج الناس إلى سلوكه، يعني لا مندوحة لهم من سلوكه في ليلة ظلماء فإن لم يكن فيه ضياء وإلا تحيروا، فقيض الله لهم فيه مصابيح تضيء لهم فسلكوه على السلامة والعافية تصور وادٍ مهلكة فيها هوام، وفيه سباع، وفيه وحوش، في ليلة شديدة الظلام، وأنت مضطر إلى سلوكه، ثم يأتيك من بيده مصباح يمشي به بين يديك، هل له فضل عليك أو لا؟ أي فضل لهذا؟! يقول: "فقيض الله لهم فيه مصابيح لهم فسلكوه على السلامة والعافية، ثم جاءت طبقات من الناس لا بد لهم من السلوك فيه فسلكوا، فبينما هم كذلك إذ طفأت المصابيح، فبقوا في الظلمة، فما ظنكم بهم؟! هكذا العلماء في الناس، لا يعلم كثير من الناس كيف أداء الفرائض، ولا كيف اجتناب المحارم، ولا كيف يعبد الله في جميع ما يعبد إلا ببقاء العلماء، كلام في غاية الوضوح، تصور جمع غفير من الناس، أو بلد كبير ليس به عالم، كيف يتعبد الناس، كيف يعبد الناس ربهم على مراده -جل وعلا-؟ يقول: "فإذا مات العلماء تحير الناس، ودرس العلم بموتهم، وظهر الجهل، فإنا لله وإنا إليه راجعون، مصيبة ما أعظمها على المسلمين ... "إلى آخر كلامه -رحمه الله تعالى-.

من أعظم المصائب على هذه الأمة موت نبيها -عليه الصلاة والسلام- الذي لا يمكن أن يصل أحد إلى شيء من العلم إلا من طريقه -عليه الصلاة والسلام- لكنه تركنا على المحجة على البيضاء ليلها كنهارها، ترك فينا الكتاب والسنة، ولا شك أن موت العلماء وكل بحسب نفعه للأمة، بحسب نفعه وما يقدمه من نفع متعدي، فجيعة موت العلماء فاجعة، وثلمة في الدين لا تسد، وأدركتم شيء من هذا بموت بعض العلماء الراسخين في هذه البلاد وفي غيرها، تركوا ثلمة لا تسد، ولا شك أن الخير موجود في أمة محمد، وهذه البلاد -ولله الحمد- محط أنظار العالم كله، وفيها من العلماء العاملين، فيها العباد والزهاد، وفيها الدعاة والقضاة، والخير موجود، وطلاب العلم لا يحصرهم عدد -ولله الحمد-، وجلهم -ولله الحمد والمنة- على الجادة، والله المستعان. ومن شرف العلماء أن الله -جل وعلا- أمر بسؤالهم والرجوع إلى أقوالهم، فقال تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [(43) سورة النحل] وأهل الذكر هم أهل العلم بما أنزل الله على أنبيائه، والذكر يدخل فيه دخولاً أولياً القرآن {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} [(9) سورة الحجر] المراد به القرآن، وليس في هذا مستمسك لما يروجه بعض المتصوفة أن الذين يُسألون هم أهل الأفكار المبتدعة من شيوخهم، يقول قائلهم: الله -جل وعلا- ما قال: اسألوا أهل العلم، قال: اسألوا أهل الذكر، يقول: ما المراد بالذكر؟ فالله -جل وعلا- يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} [(9) سورة الحجر] ما هذا الذكر؟ هو القرآن، فالذي يسأل هم أهل القرآن الذين عنوا بكتاب الله -جل وعلا- حفظاً وقراءة وتعلماً وتعليماً وتدبراً وتفقهاً هم العلماء العاملون.

ومن ذلك أن الله -جل وعلا- سلا نبيه بإيمان أهل العلم به، وأمره أن لا يعبأ بالجاهلين، فقال -جل وعلا-: {وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً} [(106) سورة الإسراء] {قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوا} جهال {آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً} [(107 - 108) سورة الإسراء] إذا آمن أهل العلم الجهال لا تعبأ بهم، فالله -جل وعلا- سلا نبيه بهذا، يقول بن القيم: "وهذا شرف عظيم لأهل العلم، وتحته أن أهله العالمون قد عرفوه، وآمنوا به، وصدقوه، فسواء آمن به غيرهم أم لا".

ومن ذلك أن الله -سبحانه وتعالى- مدح أهل العلم، وأثنى عليهم وشرفهم بأن جعل كتابه آيات بينات في صدورهم، وهذه خاصة ومنقبة لهم دون غيرهم، فقال تعالى: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ} [(49) سورة العنكبوت] فالذي ليس في صدره شيء من القرآن هل يمكن أن يقال: أنه من أهل العلم؟ {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [(49) سورة العنكبوت] الذي ليس بجوفه شيء من القرآن ليس من أهل العلم قطعاً؛ لكن أهل العلم يقررون في أبواب الاجتهاد من كتب الأصول أنه لا يلزم حفظ القرآن كاملاً للاجتهاد، والاجتهاد علم المجتهد هو العالم الحقيقي؛ لكنه يقبح ممن يتصدى لإقراء الناس وإفتاءهم وتعليمهم ألا يكون حافظاً لكتاب الله -جل وعلا- نعم قد يكون بعض الناس لا تسعفه الحافظة، لا سيما إذا كان انتباهه لحفظ القرآن متأخراً، قد لا تسعفه حافظته للحفظ، عليه أن يحرص، أن يحفظ ما يستطيع من حفظه، وإن لم يستطع الحفظ كاملاً فعليه أن يديم النظر في هذا الكتاب العظيم على الوجه المأمور به، ويحرص على قراءته بالتدبر والترتيل، وحينئذ يورثه ذلك من العلم واليقين والإيمان ما لا يدركه إلا من فعل فعله، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية، وإذا أدام النظر في هذا الكتاب العظيم، وقرأه على الوجه المأمور به، واستنبط منه، وفهمه، وعمل بما علم منه صار من أهله، الذين هم أهل الله وخاصته، يقول بن القيم -رحمه الله تعالى- في زاد المعاد: "أهل القرآن هم العاملون به، وإن لم يحفظوه" لكن لا شك أن الحفظ شأنه عظيم الحفظ شأنه عظيم، ولا علم إلا بحفظ، من فضل العلم أن الله -جل وعلا- لم يأمر نبيه أن يسأله المزيد من شيء سواه، كما في قوله -جل وعلا-: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [(114) سورة طه] وكفى بهذا شرفاً للعلم وأهله إلى غير ذلك من الآيات الشيء الكثير، ومن السنة أيضاً نصوص كثيرة جداً صحيحة صريحة في فضل العلم، وفضل أهله، الحث على طلبه مما ورد فيه قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة)) وجاء في

الحديث: ((العلماء ورثة الأنبياء)) ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة)) في هذا بشارة عظيمة لمن يسلك هذا السبيل ويطلب العلم، ويستمر في الطلب، ولو لم يدرك منه شيئاً على حد زعمه، بعض الناس يبدأ بطلب العلم والمقومات قد تكون مستواها أقل، يكون ضعيف الحافظة، وضعيف الفهم، لم يوفق لسلوك جادة مختصرة لتحصيله، فينتقل من شيخ إلى آخر، ومن حلقة إلى أخرى، ويمضي سنة، سنتين، عشر سنوات، عشرين سنة، فإذا حاسب نفسه وجد أنه لم يدرك شيء يذكر، ثم هذا الإحساس يحمله على ترك التعلم، تسهيل طريق الجنة مربوط ببذل السبب، ولم يربط بالنتيجة، ابذل السبب، واسلك هذا الطريق، التمس العلم، نعم احرص على أن تحصل ما تستطيعه من علم؛ لكن إذا لم تدرك لست مطالب بالنتائج، وهذه من نعم الله -جل وعلا- على خلقه أن ربط الأجور ببذل الأسباب، طالب العلم يلتمس العلم ويسهل له به طريق إلى الجنة وإن لم يدرك، العالم يجلس للتعليم وأجره عند الله عظيم ولو لم يستفد منه طلابه، نعم يحرص على أن يفيد الطلاب؛ لكن جلس، وبذل الأسباب، ولم يستفد منه أحد، النبي يأتي وليس معه أحد، وليس في هذا عيب، الآمر الناهي الذي يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر: ((من رأى منكم منكراً فليغره بيده، فإن لم يستطع ... )) يبذل السبب لا يقول: والله أنا يائس من تغيير هذا المنكر، نقول: لا يا أخي أنت مأمور ببذل السبب، والنتائج بيد الله -جل وعلا-، فأنت يسهل لك طريق إلى الجنة، وإن لم تدرك ما تطمع فيه من علم، في الحديث الصحيح: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) والمراد بالفقه هنا جميع أبواب الدين، وعلى رأس ذلك الفقه الأكبر، والفقه العملي، وجميع أبواب الدين، مما يحتاج إليه طالب العلم، وكثير من طلاب العلم تجد حرصه على الفقه العملي؛ لكن الأبواب الأخرى كثير منها مهجور، ونصيبها لو استعرضنا الجداول، جداول الدروس يعني في الرياض على سبيل المثال حدود خمسمائة درس أسبوعي، تجد النصيب الأوفر للفقه، الأحكام العملية؛ لكن ما يخص العقائد أقل، وإن كان موجود -ولله الحمد-، ما يخص التفسير أقل، ما يتعلق بأمراض القلوب وعلاجها أقل، طالب علم يدرك يقول: يخشى أن يقرئ

الناس أو يشرح للناس كتب الرقاق أن يصنف واعظ، ولا يصنف من أهل العلم، ما هذه الخشية؟ هذا من أعظم أبواب العلم، هب أن الناس تعلموا وفقهوا؛ لكن ما الذي يحدوهم إلى العمل؟ إلا مثل هذه الأبواب، فعلى طالب العلم وقبل ذلك على العالم أن تكون نظرته إلى العلم أشمل وأوسع، وأن يعلم الناس جميع أبواب الدين.

ما المراد بالعلم الذي ذكرنا فضله في النصوص؟ المراد به ما عظم شأنه في النصوص الشرعية إنما هو العلم الشرعي، المورث لخشية الله -جل وعلا- كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [(28) سورة فاطر] "أي إنما يخاف من الله -جل وعلا- من علم قدرته وسلطانه، وهم العلماء" قاله ابن عباس، يقول ابن القيم في مدارج السالكين: "الخشية أخص من الخوف، فإن الخشية للعلماء بالله، كما في الآية، فهي خوف مقرون بمعرفة" قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إني أتقاكم لله وأشدكم له خشية)) ولا شك أن من كان بالله أعرف كان منه أخوف، وله أتقى، قد يقول قائل: هل الأولى أن يتجه الناس كلهم لتحصيل العلم الشرعي ويترك ما سواه من العلوم التي تنفع في أمور الدنيا؟ العلوم الدنيوية الأخرى النافعة مما يحتاجه المسلمون كالطب والهندسة والزراعة والصناعة وغيرها هذه كغيرها من الحرف حرفة من الحرف إذا طلبت بغير نية هي حرفة مما يكتسب به المال، إنما يؤجر الإنسان في طلبها بقدر نيته في تحصيلها، فإن نوى بها الاستغناء عن الخلق، وكفاية نفسه، وكفاية من يمون، هذا له أجر بهذه النية، وإذا نوى بها رفعة الأمة، وقوتها على أعدائها، وعدم احتياجها إلى غيرها من أعدائها أجر على ذلك أعظم، وهكذا هذه العلوم إن أورثت خشية الله -جل وعلا- وهذا موجود عند بعضهم لا سيما من وفق للتفكر والتأمل صار أجره أعظم يوجد في محيط الأطباء من قاده هذا العلم الدقيق إلى منزلة من الإيمان، قد لا يصل إليها كثير ممن تصدى لطلب العلم الشرعي؛ لكن طالب العلم الشرعي إذا امتثل بقوله -جل وتعالى-: {وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [(21) سورة الذاريات] حصل له من هذا ما هو أعظم لمعرفته للنصوص الشرعية؛ لكن هذه العلوم من طلبها للدنيا فقط أعني علوم الدنيا مما أشرنا إليه من طب وهندسة وزراعة وصناعة وغيرها من العلوم، من طلبها للدنيا فقط هذا لا يأثم، بخلاف العلوم الشرعية التي يبتغى بها وجه الله -عز وجل-، العلم الشرعي من أمور الآخرة المحضة التي لا يجوز التشريك فيها في طلبها، فضلاً عن أن تطلب بغير نية، أو رياء، أو سمعة، أو ليقال، وقد جاء التحذير من ذلك أشد

التحذير، وأبلغ التنفير، ففي حديث الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار، منهم من تعلم العلم وعلمه، فقد يمضي عمره كله مائة سنة نصفها في التعلم، والنصف الثاني في التعليم ثم يكون بعد ذلك أحد الثلاثة الذين أول من تسعر بهم النار، ماذا صنعت يا فلان؟ تعلمت العلم، وعلمته الناس، لا، إنما تعلمت ليقال، وقد قيل، ومثله المجاهد الذي يبذل نفسه ومهجته فيما يبدو للناس، ويظهر للناس أنه يقدمها لإعلاء كلمة الله -جل وعلا-، والأمر خلاف ذلك، إنما ليقال: شجاع، وثالثهم الذي يتصدق بالأموال الطائلة ليقال: جواد، والله المستعان. يقول الشيخ حافظ الحكمي -رحمه الله تعالى- في ميميته في الوصية بالعلم وطلبه، وهي منظومة جدير بطالب العلم أن يحفظها، ويعنى بها، يقول -رحمه الله تعالى-: ومن يكن ليقول الناس يطلبه ... أخسر بصفقته في موقف الندمِ فالإنسان عليه أن يتفقد هذه النية، فالنية شرود، يأتي ليطلب العلم ثم يغفل عن هذه النية فتشرد. ومن يكن ليقول الناس يطلبه ... أخسر بصفقته في موقف الندمِ فليطلب العلم طالبه مخلصاً لله -عز وجل-، مبتغياً به وجه الله -جل وعلا- والدار الآخرة، وليحذر من المراءات والممارات، يقول الشيخ حافظ أيضاً -رحمه الله-: إياك واحذر ممارات السفيه به ... كذا مباهاة أهل العلم لا ترمِ

ليحذر طالب العلم أيضاً الكبر، يعني إذا كان ممن أوتي مزيد من حفظ، أو فهم لا يتكبر على غيره؛ لأن المتكبر يصرف عن الإفادة من العلم الشرعي، لا سيما ما يتعلق بالقرآن الكريم، الذي هو أصل العلوم، كلها كما قال -جل وعلا-: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [(146) سورة الأعراف] المتكبر يصرف عن آيات الله، وبهذا رد مفتي حضرموت الشيخ عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف رد على من اتهم شيخ الإسلام بن تيمية بالكبر؛ لأن بعض من ترجم له نبزه بالكبر، شيخ الإسلام إمام من أئمة المسلمين، إمام علم وعمل وتواضع وتقوى ونشر للعلم وجهاد في سبيل الله، ويأتيك من ينبزه بمثل هذا، ماذا قال مفتي حضرموت عبد الرحمن بن عبيد الله السقاف له محاضرة ألقاها في تحقيق الفرق بين العامل بعلمه وغيره، نفى الكبر عن شيخ الإسلام ابن تيمية، قد يكون ممن يختلف مع شيخ الإسلام في بعض الأمور؛ لكنها كلمة حق، نفى الكبر عن شيخ الإسلام ابن تيمية، واستند في نقض كلامه -كلام الذي ادعى هذه الدعوى- إلى أنه رأى القرآن على طرف لسانه، وأثلة قلمه، كيف يفسر القرآن لمثل هذا وفيه شيء من الكبر؟ وعلق الإمام البخاري عن مجاهد: "لا يتعلم العلم مستحيي ولا مستكبر" مستحيي بياءين "مستحيي ولا مستكبر" لا شك أن الذي يستحيي والمراد بالحياء الحياء العرفي لا الحياء الشرعي؛ لأن الحياء في الشرع خير كله، والحياء لا يأتي إلا بخير؛ لكن الحياء في عرف الناس الذي يمنع من تحصيل العلم، ويمنع من إنكار المنكر، ويمنع من توجيه الناس ونصحهم وإرشادهم مثل هذا مذموم، وحينئذ لا يدرك من العلم من اتصف بهذا الوصف، وهو الحياء الذي يمنعه، قد يجلس الطالب وفي نفسه أشياء مشكلة، فيستحيي أن يسأل الشيخ، وبلفظ آخر يخجل أن يسأل الشيخ، فتستمر هذه الإشكالات عنده، فكيف تنجلي هذه المشكلات إلا بالسؤال، "ولا مستكبر" قد يستكبر ويستنكف ويترفع على أن يسأل هذا السؤال بين الناس، ويظهر للناس أنه فوق مثل هذا السؤال، وبهذا يحرم العلم.

مما يتعين على طالب العلم الحذر منه العجب والإعجاب ورؤية النفس؛ ولا شك أن هذا من الأمراض المقيتة، فإذا كان الإنسان إذا أعجب بما أوتي من أمور الدنيا قد يعطى الإنسان من هذه الدنيا الشيء الكثير، ويستفيد منه في أمور دينه ودنياه؛ لكن متى يذم؟ إذا طغى، ومتى يطغى؟ {أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى} [(7) سورة العلق] يعني إذا رأى أنه استغنى، وهنا طالب العلم إذا رأى أنه حصل ما يغنيه عن غيره، وأعجب بنفسه حينئذ يهلك إذا وصل إلى هذه المرحلة، فلا شك أنه وصل إلى مرض مزمن يحتاج إلى علاج قوي، ماحق لبركة العلم والعمل، يقول الشيخ حافظ -رحمه الله- في ميميته التي أشرت إليها: والعجب فاحذره إن العجب مجترف ... أعمال صاحبه في سيله العرمِ

طالب العلم ينبغي أن يتفقد القلب، والقلب لا يخفى عليكم أنه جميع الخطابات الشرعية جاءت موجه إلى ماذا؟ إلى القلب ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)) {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [(88 - 89) سورة الشعراء] فالقلب على طالب العلم أن يعنى به، ويترفع عن هذه الأمراض والأدواء، أيضاً على طالب العلم أن يطرح الكسل، ويشمر عن ساعد الجد في الطلب، فإن العلم لا ينال براحة الجسد، نقله الإمام مسلم عن يحي بن أبي كثير، العلم لا يستطاع براحة الجسم، ما هو بتمني المسألة، وإلا كان كل الناس علماء، كل يعرف منزلة العلماء؛ لكن دونه خرط القتات، لا بد من الجد والاجتهاد، لا بد من ثني النفس وغسلها عن شهواتها، وما حصل أهل العلم ما حصلوا إلا بالسهر، إذا أراد الطالب سلوك هذا الطريق، بعد أن يبذل الأسباب، ويسعى في البراءة من هذه الموانع التي أشرنا إلى بعضها، يسلك أسباب التحصيل، ويبرأ من الموانع، فليسلك الجواد المعروفة عند أهل التحقيق من العلماء الراسخين، الذين يربون طلابهم على العلم النافع والعمل الصالح على الكتاب والسنة وعقيدة أهل السنة والجماعة، وفي هذه البلاد -ولله الحمد- العلماء العاملين الناصحين لهذه البلاد القدح المعلى، وهي أيضاً محط أنضار العالم كله في العلم والفتوى، وحينئذ يبدأ بمن يراه يفيده من الشيوخ؛ لأن الشيوخ مدارس، فالشيخ له طريقته ومنهجه في التعليم، قد يناسب هذا، وقد لا يناسب هذا، ثم ليتخير من المتون ما يناسب سنه وفهمه، من المتون المختصرة في العلوم المعتبرة عند أهل العلم في كل فن مقدم بين يدي ذلك حفظ كتاب الله -عز وجل-، ولو تفرغ في أول الأمر في حفظ القرآن الكريم كاملاً ثم طلب غيره من العلوم ليضمن حفظ القرآن؛ لأن من العلماء تختلف طريقتهم في هذا الأمر فأهل المشرق لهم طريقة، وأهل المغرب لهم طريقة، طريقة المغاربة يجعلون الطالب يحفظ القرآن كاملاً، ولا يدخل عليه شيء من الحفظ، فإذا انتهى من حفظه طلب غيره من العلوم، وإذا ضمن حفظ القرآن اتجه إلى الأمور الأخرى، أما المشارقة فطريقتهم تختلف في

بداية الطلب يحفظون المتون الصغيرة، التي هي بمثابة اللبنة الأولى الأساس لهذا العلم، مع حفظ ما تيسر حفظه من المفصل، ثم يترقى الطالب إلى كتب الطبقة الثانية، ويزيد على ذلك من حفظ القرآن ما يناسب سنه، وهكذا حتى إذا انتهى من الطلب يكون قد حفظ القرآن كاملاً، وأدرك ما يحتاجه من علوم، وليحرص طالب العلم على كتاب الله -جل وعلا-، وما يعينه على فهم كتاب الله من النظر في التفاسير الموثوقة التي كتبها أهل التحقيق، والنظر أيضاً في العلوم التي يسمونها علوم الآلة التي تعين على فهم الكتاب والسنة؛ وليكن حفظه للقرآن وغيره من العلوم على الجادة، فالقرآن مثلاً يخصص ما يريد حفظه، والناس يتفاوتون، من الناس من رزق حافظه تسعفه لو أراد حفظ جزء كامل من القرآن، ومن الناس من لا يستطيع حفظ أكثر من آية، وبقية الناس بين هذين، فيحدد ما يغلب على ظنه أنه يستطيع حفظه، أربع آيات، خمس آيات، عشر آيات، ثم يحفظ هذه الآيات، ويتعلم ما فيها من علم وعمل، يراجع عليها ما يناسب سنه، وتحصيله من التفاسير التي تعينه على فهم هذه الآيات، فإذا انتهى من القرآن فإذا به قد انتهى من العلم والعمل، يتعلم، يحفظ، يفهم، يستنبط، يعمل، كما قال أبو عبد الرحمن السلمي: "حدثنا الذين يقرؤننا القرآن أنهم كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يعلموا ويعرفوا ما فيها من علم وعمل، فتعلموا العلم والعمل جميعا"ً بهذه الطريقة.

العلوم كثيرة: هناك علوم غايات، وهناك وسائل، الغايات هي علم الكتاب والسنة، والوسائل ما يعين على فهم الكتاب والسنة، وليأخذ من كل فن ما يناسبه، ويتدرج في كل فن، والعلماء كتبوا في هذا المجال وأكثروا، وفي مناسبات كثيرة تحدثنا عن هذا الموضوع، فلا أريد أن أطيل فيه؛ لكن إذا اختار الشيخ واختار الكتاب عليه أن يحفظ المقطع الذي يراد شرحه في هذا اليوم، ذكروا في كتب طرق التعلم أنك تردد هذا المقطع حتى تحفظه، من الغد تقرأ ما حفظته بالأمس خمس مرات، ثم تحفظ نصيب اليوم الثاني، في اليوم الثالث تكرر ما حفظته في اليوم الأول أربع مرات، وما حفظته في اليوم الثاني خمس مرات، ثم تزيد نصيب اليوم الثالث، ثم في اليوم الرابع نصيب اليوم الأول ثلاث مرات، والثاني أربع مرات، والثالث خمس مرات، وهكذا تبدأ تترك في اليوم السادس تترك نصيب اليوم الأول، وفي اليوم السابع تترك نصيب الثاني، ضمنته، كم كررته من مرة، وهذه طريقة مجربة ونافعة، فإذا حفظ الطالب هذا النصيب ... ، والشيخ عبد القادر بدران ذكر طريقة لتحضير الدروس نافعة؛ لكن مع الأسف الشديد أن كثير من الطلاب لا يعرف الكتاب إلا عند الشيخ في حلقة الدرس، ومثل هذا قل أن يفلح، الشيخ عبد القادر يقول -رحمه الله-: "تحفظ المقدار المحدد مع مجموعة خمسة ستة يكون من الطلاب الجادين الذين يناسبونك في فهمك، وفي مستواك العلمي، ثم كل واحد ينفرد بمفرده، ويشرح ما حفظه من غير الرجوع إلى الشروح، يشرح المقطع، فإذا شرحه قرئ الشرح على هذا الكتاب، وكل واحد معه شرحه، ثم إذا تبين له خطأ في فهمه وفي شرحه صحح، بهذه الطريقة لن يتكرر الخطأ مرة ثانية، خلاص اجتث الخطأ من أساسه، ثم بعد ذلك راجعوا الحواشي، وتناقشوا في الشرح والحواشي، بعد ذلك يذهبون إلى الشيخ، يمثلون بين يديه بكل أدب وتواضع واحترام، ما يجي الطالب شايف نفسه، ويقول: خلاص أنا مانا بحاجة الشيخ، أنا حفظت وقرأت الشرح والحاشية، وش عنده هو؟ لأن بعض الطلاب يأتي بهذه النفسية، وحينئذ لن يستفيد من الشيخ، بعض الطلاب قد يحضر عند بعض الشيوخ يوم يومين ثلاثة عشرة ثم يتركه، ما السبب؟ والله ما استفد، ترددت على هذا الشيخ ما شفت منه فائدة تذكر، وقد

يكون هذا الشيخ من الأكابر من العلماء الكبار؛ لكن هذا الطالب يريد يطلع من عند الشيخ في يوم وفي يومين وفي عشرة وهو شيخ، يصبر، ولا شك أن كلاً من الشيخ والطالب لا بد من أن يتعرضا لمرحلة امتحان، حتى إذا تجاوز هذه المرحلة وفقا وسددا، الشيخ أيضاً قد يجلس لإقراء الطلاب وتعليمهم، يجلس أول يوم عشرة مثلاً اليوم الثاني ينقصون يصيرون خمسة، اليوم الثالث يصيرون اثنين، الشيخ يراجع حساباته ويترك نقول: يا أخي لا تترك هذه مرحلة امتحان استمر، أنت لو استأجرت من يقرأ عليك بالدراهم ما هو بكثير خله يقرأ عليك اثنين ثلاثة ما يخالف؛ ((لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)) لكن أنت إذا تجاوزت هذه المرحلة أبشر، وقد أدركنا بعض شيوخنا ما عندهم إلا طالب واحد، ليس من أهل هذه البلاد، والآن بالمئات، بل بالألوف الحضور عنده، وآحاد الناس يأتي إلى هذا الشيخ الذي يحضره الأكابر من العلماء ومن القضاة ومن الدعاة يأتي من صغارهم يقول: والله ما مسكت شيء، ما فيه فائدة، إذا كنت جاي لتطلب العلم بهذه النفسية من الآن يا أخي لن تحصل شيء، على كل حال العلوم لا بد أن يأخذ طالب العلم من كل علم منها بطرف، فيعنى بكتاب الله، وما يخدم الكتاب، وليكن لسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- النصيب الأوفر على الجادة المعروفة، يبدأ بالكتب المتون الصغيرة المختصرة، إلى أن يترقى إلى الكتب المسندة الأصلية، يتفقه أيضاً على مذهب معين، وليست هذه دعوة إلى التقليد، لا إنما هي دعوة إلى المنهجية وسلوك الجادة في طلب العلم، يعني بعض الناس يسمعنا نقول أو يسمع غيرنا يقول: اقرأ في زاد المستقنع، أو في دليل الطالب يظن أن هذه الكتب دساتير لا يحاد عنها، لا هي كتب البشر؛ لكن كيف تتحدد معالم العلم وأنت لست على جادة؟ يقول بعضهم: أنه يتفقه من الكتاب والسنة، يا أخي أنت مبتدئ كيف تتعامل مع الكتاب والسنة؟ هل عندك من العلم ما يعينك على فهم الكتاب والسنة؟ عرفت العام والخاص، والمطلق والمقيد، عرفت كيف تتعامل مع النصوص؟ عرفت الناسخ والمنسوخ ما عرفت، تفقه على كتاب مختصر احفظ مسائله، وتصور هذه المسائل بدقة، اقرأ الشروح، واحضر الدروس، وفرغ الأشرطة، واستدل لهذه

المسائل؛ لأنه ليس مفترض من طالب العلم أن يحفظ أقوال جافة بدون أدلة، العلم قال الله قال رسوله، يستدل لهذه المسائل، وانظر من وافق المؤلف على هذه الأحكام، مع النظر في أدلتهم وتحليلاتهم، وانظر من خالف، وانظر دليل المخالف، ووازن بين الأدلة بهذا تخرج عالم، لكن لما تقول: أتفقه من الكتاب والسنة وأنت ما عندك شيء، طيب ما الذي في الكتاب من تفصيلات أحكام الصلاة فضلاً عن غيرها، وأنت تقول: أتفقه من الكتاب، إذا قرأت في السنة وأنت لا تعرف مطلق ولا مقيد ولا ناسخ ولا منسوخ كيف تعرف؟ مثال رددناه مراراً يقرأ الطالب المبتدئ (باب الأمر بقتل الكلاب) ثم يخرج بالمسدس فإذا رأى كلب قتله، طيب الدرس من الغد (باب نسخ الأمر بقتل الكلاب) كيف يتفقه مثل هذا؟ لا بد من الجواد المعروفة عند أهل العلم، قد يقول قائل: أن هذه الكتب لا توجد في عصر السلف، إنما أخذوا من النبي -عليه الصلاة والسلام- مباشرة وتفقهوا، يا أخي إذا كنت في مستواهم، وفي فهمهم، هم يفهمون اللفظ كيف يراد، اللفظ العام، اللفظ الخاص، العام المخصوص، العام الذي أُريد به الخصوص، أنت ما تفهم شيء، ما زلت مبتدئ بحكم العامي، بهذه الطريقة إذا سلكها الطالب -بإذن الله- ما ينهي كتاب مختصر من المختصرات من المتون المتينة المعروفة عند أهل العلم، لا يأتي إلى كتاب سهل والمشقة كما هو معروف ليست مقصودة لذاتها في الشرع؛ لكن الكتاب المتين يربي طالب علم، هو الذي يجعلك تبحث عن معاني هذا الكتاب ومنطوقه ومفهومه، وإلا فالمشقة ليست مطلوبة لذاتها، كتاب سهل تقرأه طيب ويش يثبت؟ ما الذي يثبت في الذهن من قراءة كتاب ميسر، ما يثبت شيء؛ لكن إذا كان الكتاب فيه معاناة، فيه صعوبة، هذا يثبت -بإذن الله-، وإلا ما الذي يجعل طلاب العلم يعانون زاد المستقنع من ألف إلى يومنا هذا، وهو من أعقد الكتب، مختصر خليل عند المالكية ألغاز، ومع ذلك هو عمدتهم، يعني هذا الاعتماد جاء من فراغ، اعتماد المالكية على خليل خطأ، ما هو بصحيح؛ لأنه كتاب يربي طالب علم، وكثير من الإخوان يعتمد على مؤلفات معاصرين وكتابات سيالة، هذه لا تحتاج إلى معاناة، ولا مجرد ما تترك الكتاب وش يعلق بذهنك منه؛ لكن الكتاب الصعب الذي

السطر منه يحتاج معاناة مراجعة شروح وحواشي وسؤال مشايخ وتفريغ أشرطة هنا يثبت العلم. الكلام طويل جداً، والمعالم التي ذكرها الإخوان تحتاج إلى دروس لا درس واحد. على كل حال مما يركز عليه مسألة الإخلاص والحرص، وملازمة الشيوخ واستشارتهم، وقبل ذلك التقوى {وَاتَّقُواْ اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ} [(282) سورة البقرة] التقوى من أهم وسائل تحصيل العلم، فيتقي الله -جل وعلا- الطالب بفعل ما أمر به، وترك ما نهي عنه، ولينشغل بعيوبه عن عيوب غيره، أما إذا انشغل بعيوب الناس والقيل والقال هذا لا يدرك علم، هناك أيضاً أمور ووصايا؛ لكن الوقت لا يسعف في استقصائها، ولا استيعابها، هناك أيضاً أشرطة حول كيف يبني طالب العلم مكتبته؟ كيف يقرأ المطولات؟ كيف يقرأ المختصرات؟ هي موجودة في الأسواق يستفيد منها طالب العلم، والله المستعان. طالب: أحسن الله إليكم، وكتب الله أجركم، ورفع الله قدركم يا شيخنا، الأسئلة حقيقة كالسيل العرم كثيرة جداً، ولكن يجمعها قاسم مشترك وهو أن كثير من النفوس تحمست لطلب العلم، ويشكو بعضهم أنه في بداية الطلب، فما توجيه شيخنا لهم، ولعل الشيخ أجاب على جزء كبير من هذا السؤال. فهذا يقول: كيف نكون مثل العلماء الكبار؟ وهذا يقول: أنا شاب عزمت على طلب العلم -إن شاء الله- فبأي الكتب يا شيخنا الفاضل تنصحوننا وغيرها من الأسئلة. وهذا يقول: نظراً لأهمية هذا الموضوع وطوله وسعته فنطلب منكم أيها الشيخ الكريم أن يكون هذا درساً أسبوعياً أو على الأقل كل أسبوعين، ونرجو أن تجيبوا هذا الطلب وغيرها من الطلبات الكثيرة، فلعل شيخاً أن يلفت إلى شيء من هذه النصائح السريعة في بداية الطلب؟

أما بالنسبة لطلب تكرار الدرس في الأسبوع أو في الأسبوعين أو في الشهر فلا أظن هذا في المقدور؛ لأن الوقت كله مستغرق؛ لكن قد يحصل شيء من ذلك مستقبلاً -إن شاء الله تعالى-، وأما بالنسبة لتوجيه طالب العلم الذي هو في البداية مثل ما ذكرنا، عليه أن يبدأ بنية صالحة خالصة، وينوي بذلك الانتفاع، وما يوصله إلى الله -جل وعلا-، وما يبتغى به وجهه، وأن يعبد الله -جل وعلا- كما أراد على مراده، لا يتعبد بجهل ينوي بطلب العلم رفع الجهل عنه، وعن غيره ممن هو تحت يده أو بقربه، أو يستطيع إيصال الخير إليه، فينوي بذلك الانتفاع بالدرجة الأولى والنفع. طالب: أحسن الله إليكم، وهذه أسئلة أتت أيضاً عن طريق الانترنت، فهذا سائل من الكويت يقول: من فاته حفظ القرآن وهو صغير ماذا يفعل ليسهل عليه الحفظ؟ وهو في الثلاثينيات وما فوق؟

عليه أن يصدق اللجأ إلى الله -جل وعلا-، وأن يسأله بصدق، وأن يحرص، وإذا حرص سوف يوفق إذا علم الله -جل وعلا- صدق النية، وصدق اللجوء إليه أعانه، وأن يفرغ نفسه لهذا الأمر، وأن يأخذ من القرآن بقدر ما تسعفه حافظته، لا يأتي متحمس يريد يحفظ جزء أو نصف جزء أو ربع جزء، لا إذا كان يعرف من نفسه أنه لا يستطيع، يحفظ آيتين ثلاث، والمجرب أن الحافظة تستجيب، الأصل فيها أنها غريزة؛ لكن منها قسم مكتسب يدرك بالتمرين، والحافظة لا شك أنها تزيد وتنقص، فإذا استعملت ونميت زادت؛ لأن من الغرائز ما هو ثابت ملكات، وهذا لا شك أن الناس يتفاوتون فيه، منه أيضاً ما هو مكتسب، وعامة أهل العلم يرون أن الحافظة في الصغر أقوى منها في الكبر، وهي تنقص تدريجياً كغيرها من القوى البدنية، والذي يقرره الماوردي في أدب الدنيا والدين أن الحافظة عند الكبير والصغير واحدة، لا تزيد ولا تنقص، واحدة عند الصغير ست سبع عشر سنوات وعند ستين سبعين سنة؛ لكن الذي يجعل الكبير ما يحفظ، التشتت، تشتت الذهن، لو أنجمع ذهن الكبير كما أنجمع ذهن الصغير لحفظ، ولذا على من أراد الحفظ أن يجمع نفسه، وأن ينزوي في مكان للحفظ، أهل العلم يقولون: ينبغي أن يكون مكان الحفظ ضيق؛ لئلا ينتشر البصر، فيتشتت الذهن فإذا كان المكان ضيق أعان على الحفظ، بينما يقولون للفهم نعم يجلس في مكان فسيح، على كل حال على الإنسان أن يأخذ العلم بالتدريج، وأشرنا إلى أن الناس يتفاوتون، أعرف شخص قرأ شرح بن رجب لما ظهر في شهر واحد، عشرة مجلدات، وأجزم أنه استوعب منه تسعين بالمائة، وشخص آخر قرأه في ستة أشهر، وأعرف عنه أنه ما استوعب منه ولا عشرة بالمائة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وهذه نعم ومنح إلهية كغيرها من المنح؛ لكن ليس الشأن أن تمنح هذه النعمة، الشأن أن تستغل هذه النعمة، وتشكر الله -جل وعلا- على هذه النعمة؛ لأن النعم إذا شكرت زادت، إذا استعملت فيما خلقت له هذا هو شكرها، وإلا بعض الناس يتفاوتون واحد البصر عنده ستة على ستة، وزميله البصر عنده ستة على ستين، والثاني يستفيد من بصره أكثر مما يستفيده الأول، بل قد يتضرر الأول من بصره أكثر مما عند الأعمى، لا شك أن هذه نعم تحتاج إلى

شكر، فالذي أوتي هذه النعم من قوة إدراك، قوة فهم، قوة حفظ، قوة سمع، قوة بصر، قوة بدن، عليه أن يشكر هذه النعم، ويوظفها فيما يرضي الله -جل وعلا-، الثاني بالمقابل عليه أن يبذل السبب لتحصيل ما يستطيع تحصيله، وحينئذ يكون في مصف الأول، إذا بذل السبب {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة] {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [(7) سورة الطلاق] لا تكلف أكثر مما تطيق، فإذا تعبت وعلم الله منك صدق النية أعانك، إذا لم يعنك وقد بذلت السبب أجرك ثابت ومضمون. طالب: وهذا سائل من بلاد الكفر، ورأس الكفر، ودولة الكفر، والتي ترعى الكفر وتذود عنه، وأكرم المسجد أن أذكر اسمها، فيقول: فضيلة الشيخ توجد غرفة على الانترنت اسمها نداء المعرفة، ويقوم عليها فرقة من الأحباش، ولا يوجد من يتصدى لها من العلماء الأفاضل، وهم يبثون سمومهم، ويكفرون غالبية الناس، وخاصة العلماء الأفاضل الكبار، مثل المعاصرين كابن باز، وابن عثيمين، والألباني وغيرهم، فما دورهم، ولعل شيخنا أيضاً يشير إلى دور العلماء في التعامل مع المنكرات وغيرها؟

الانترنت هذه الشبكة التي وجدت أخيراً، لا شك أن الذي صنعها غير المسلمين، ويريدون أن يفيدوا منها في أمور دنياهم، وأيضاً في أمور دينهم للدعوة إلى دينهم، ولصرف المسلمين عن دينهم، وحصل منها -ولله الحمد- نفع عظيم، بثت من خلالها الدروس والمحاضرات، فحصل بسببها نفع عظيم جداً، ووصل العلم ووصل الخير، ووصلت الدعوة إلى زوايا وأماكن لا يخطر على البال، أنها تصل وتأتي الأسئلة من شرق الأرض وغربها أثناء الدرس، ويجاب عليها أثناء الدرس، وتقدم أسئلتهم على أسئلة الحاضرين مراعاة لظروفهم؛ لكن هذه الآلات فيها من السموم الشيء الكثير، فكل داعية يبث ما في جعبته، داعية الهدى يبث ما عنده من علم وفضل، وداعية الضلال يبث ما عنده، كما قال الله -جل وعلا-: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [(4) سورة الليل] لكن على أهل العلم وعلى الغيورين من خيار هذه الأمة أن يتصدوا لمثل هؤلاء، والإشكال فيما تبثه القنوات، وتوصله إلى قعر البيوت من شبهات وشهوات، هذه لا شك أنها تحتاج إلى وقفة صادقة، وتظافر جهود لصد هذا الغزو، تصور أن بعض عوام المسلمين علق بأذهانهم من الشبهات ما لا يستطاع اجتثاثه، فهؤلاء لا شك أنهم أمانة في أعناق أهل العلم، فعليهم أن يبينوا لهم الحق، ويردوا الباطل بقوة نشر هذا الباطل، نعم يوجد من يتصدى لكثير من هذه الأمور؛ لكن المأمول أقوى وأوسع، والجهود لا بد أن تتظافر خدمة لهذا الدين، ودفعاً لهذا الغزو، الذي وصل إلى قعر البيوت، كان الناس في السابق في غفلة عن كثير من هذه الأمور، الآن تفتحت أذهانهم، وعرفوا شيء لا يعرفه سلفهم، ونحن بحاجة ماسة إلى بث العقيدة الصحيحة السليمة بين المسلمين، وتبليغها لغيرهم، وأيضاً بحاجة ماسة لصد هذا العدوان الفكري الذي هو أشد من العدوان العسكري؛ لأن الناس إذا شكوا في دينهم، ثم انسلخوا منه لا يحتاجون إلى العدوان العسكري، صاروا لقمة سائغة للعدو، ولا يقف في وجه العدو إلا من تمسك بدينه الصحيح، ولذلك العدو الآن يركز على الدعوة الصحيحة السلفية الصافية؛ لأن المذاهب الأخرى أمرها يسير، لكن علينا جميعاً أن نتعاون ونتظافر والذي يستطيع بنفسه وإلا يشحذ همة غيره، وعلينا أن نكون على صلة وثيقة بأهل العلم، ونبلغهم ونبصرهم بما يحصل؛ لكي يتم التعاون على صد هذا العدوان، والله المستعان. وصلى الله وسلم على نبينا محمد ...

ميراث الأنبياء

ميراث الأنبياء الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فالواضح من عنوان الدرس أن المراد والمقصود به الحديث عن العلم، وأهل العلم وطلب العلم وكتب العلم بدءاً من الوحيين وما يخدمهما، لكن قبل ذلك نبدأ بمقدمة تتعلق بالميراث، وما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو أن الأنبياء لا يورثون ((لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر)) هذا المقصود من الدرس هو ما أشير إليه في هذا الحديث، ويرد عليه سؤال نبي الله زكريا -عليه السلام- من قوله: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي .... فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا* يَرِثُنِي} [(5 - 6) سورة مريم] ما المراد بالإرث هنا؟ هل هو الإرث المشار إليه بقوله -عليه الصلاة والسلام- ((إنا معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا صدقة)) فنحتاج إلى التوفيق بين الآية والحديث؟ أو أن المراد به إرث النبوة والعلم على ما قاله جماهير أهل العلم؟ فنذكر ما ذكره البخاري، وما قاله بعض الشراح، وبعض الحديث مما نقلته عن البخاري في صميم الموضوع، وبعضه مما يضطر إليه، ويحتاج إليه طالب العلم، وننقل من كلام أهل العلم ما يبين مراد البخاري -رحمه الله تعالى- ثم ننقل من التفاسير ما قاله أهل العلم في مراد زكريا في قوله: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [(6) سورة مريم] ثم نختم بكلام حاسم للإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- في (مفتاح دار السعادة) ثم بعد ذلك الكلام الذي تكرر كثيراً عن العلم وأهل العلم، وطلاب العلم، وكتب العلم، وهذا فيه -ولله الحمد- عنا وعن غيرنا أشرطة كثيرة في هذا الموضوع، في كيفية التحصيل، وفي ما يعين عليه، وفي عوائقه. على كل حال نبدأ بما أشرنا إليه سابقاً. فبدءاً بكلام الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- لنفاسته ويكون مدخلاً لما نريد.

يقول الإمام البخاري في صحيحه: "باب: العلم قبل القول والعمل"؛ لقول الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [(19) سورة محمد] فبدأ بالعلم، {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [(19) سورة محمد] فبدأ بالعلم، وأن العلماء هم ورثة الأنبياء، هذا الذي نحتاجه من هذه الترجمة، لكن لأهمية ما ذكره في هذه الترجمة وحرصاً على إفادة الطلاب مما ذكره الإمام البخاري -رحمه الله-؛ لأن كثير من طلاب العلم يغفلون عن مثل هذه الفوائد التي في الصحيح في كتاب العلم من صحيح البخاري ما لا يوجد في غيره. يقول: "باب: العلم قبل القول والعمل"؛ لقول الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [(19) سورة محمد] فبدأ بالعلم، والذي يحفظ الأصول الثلاثة يعرف هذا الكلام {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} [(19) سورة محمد] قال الإمام: فبدأ بالعلم، وبعض نسخ الأصول الثلاثة يقول: فبدأ بالعلم قبل القول والعمل، قبل القول والعمل هذا في الترجمة ليس في ثنايا الكلام، وإنما الذي في ثناياه قوله: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [(19) سورة محمد] فبدأ بالعلم، وأن العلماء هم ورثة الأنبياء، ورثوا العلم، ورثوا العلم من أخذه أخذ بحظ وافر، ومن سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وقال جل ذكره: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [(28) سورة فاطر]، وقال: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [(43) سورة العنكبوت]، وقال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر]. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإنما العلم بالتعلم)) وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- {كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ} [(79) سورة آل عمران] "حلماء فقهاء" ويقال: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره، الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره.

هذه الترجمة، وهذه الأخبار، وهذه الآيات والأحاديث التي أوردها الإمام البخاري بمجموعها هي من صميم درسنا اليوم، لكن العنوان -عنوان الدرس- يخصه قوله: ((وأن العلماء هم ورثة الأنبياء)) يقول ابن حجر: قوله: "باب: العلم قبل القول والعمل" قال ابن المنير -وهذا له كتاب في تراجم البخاري، شرح تراجم البخاري ناصر الدين ابن المنير، له كتاب اسمه: (المتواري في شرح تراجم البخاري) وهو كتاب مختصر يستفيد منه طالب العلم.

يقول ابن المنير .. ، وزين الدين ابن المنير له حاشية على البخاري، ناصر الدين بن المنير له تراجم البخاري، يقول ابن المنير -رحمه الله-: أراد به أن العلم شرط في صحة القول والعمل، العلم شرط في صحة القول والعمل، فلا يعتبران إلا به، لا يعتبران إلا بالعلم، فهو متقدم عليهما، مصحح للنية المصححة للعمل، يرى أن النية المشترطة لصحة العمل لا تكون إلا بالعلم؛ لأن من شرط صحة العمل العلم به، فإذا كنت جاهلاً به غير متصور له فإنك لا تستطيع أن تؤديه على الوجه الشرعي، وحصر القصد بتصحيح النية لا يكفي؛ لأنه مصحح للنية مسدد للاقتداء؛ لأن من شرط صحة العمل الشرعي أن يكون خالصاً لوجه الله تعالى، صواباً على سنة رسوله -عليه الصلاة والسلام-، فالذي يجهل هذا العلم لا يستطيع أن يقصده بالتحديد؛ لأنه جاهل به، فكيف يقصد ما يجهل؟ والذي لا يعلم ما يريد أن يفعل لا يستطيع أن يفعله على مراد الله -جل وعلا-، ومراد رسوله -عليه الصلاة والسلام-، الذي لا يعرف أحكام الصلاة لا يستطيع أن يصلي، كما رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي، أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يصلي المسلم كصلاته، ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) هذا بالنسبة للذي رآه من الصحابة، وأما من بعدهم فكما شرح لهم من بيان صلاته -عليه الصلاة والسلام-، فيما نقل عنه، وصح من سنته -عليه الصلاة والسلام-، فالذي لا يعلم لا يحدد القصد والنية بدقة مما يريد فعله، كما أنه أيضاً لا يستطيع أن يؤدي ما أمر به على الوجه الشرعي المطلوب، فيتخلف حينئذٍ الشرطان، إما تخلفاً كلياً مع الجهل المطبق، أو جزئياً فيما يجهله دون ما يعلمه، عوام المسلمين عندهم جهل بأحكام الصلاة، لكن يعرفون صورتها الظاهرة؛ لأن صورة الصلاة متلقاة بالعمل والتوارث من لدن النبوة إلى يومنا هذا، والناس يصلون على مدى أربعة عشر قرناً، يرى بعضهم أباه ويرى أخاه، ويرى الناس في المسجد يصلون، ولذا شرعت النوافل في البيوت من أجل أن يراها النساء والصبيان فيصلون كما يصلي هذا الأب الذي صلى في المسجد واقتدى بإمام المسجد فيعلمون الصورة الظاهرة، ويبقى دقائق الأحكام لا يعرفها إلا أهل العلم، والذي لا يعرف هذه الدقائق لا يمكن أن

يأتي بالصلاة على الوجه المطابق لصلاته -عليه الصلاة والسلام-، المأمور به في قوله: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)). يقول ابن المنير: فنبه المصنف على ذلك حتى لا يسبق إلى الذهن من قولهم: "إن العلم لا ينفع إلا بالعمل"، "إن العلم لا ينفع إلا بالعمل"؛ لأن هذا مستفيض على ألسنة أهل العلم، أن الثمرة من العلم هي العمل، كالثمرة من الشجرة هي المقصودة منه، حتى لا يسبق إلى الذهن من قولهم: "إن العلم لا ينفع إلا بالعمل" تهوين أمر العلم والتساهل في طلبه. يعني كثير من الناس إذا سمع أن العلم لا قيمة له بدون عمل يقول: إذاً لا داعي لئن أتعلم، وأنا أرى كثيراً ممن تعلم لا يعمل بعلمه، نقول: العلم مطلوب ومرغب فيه، ويجب وجوباً عينياً على بعض الناس، وكفائياً على عموم الناس، ويستحب بالنسبة لسائر الناس، هذا بالنسبة للعلم، والعمل مطلوب أيضاً، والعمل مطلوب أيضاً، لكن العلم متقدم على العمل، كما ترجم الإمام البخاري -رحمه الله-: "باب: العلم قبل القول والعمل". يقول ابن حجر -رحمه الله-: قوله: فبدأ بالعلم، أي حيث قال: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [(19) سورة محمد] ثم قال: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ} [(19) سورة محمد] والخطاب وإن كان للنبي -صلى الله عليه وسلم- فهو متناول لأمته؛ لأن الأصل أنه هو القدوة وهو الأسوة. واستدل سفيان بن عيينة بهذه الآية على فضل العلم حيث قال: ألم تسمع أنه بدأ به فقال: "اعلم" ثم أمره بالعمل؟

((وأن العلماء هم ورثة الأنبياء، ورثوا العلم من أخذه أخذ بحظ وافر)) هذا طرف من حديث مخرج عند أبي داود والترمذي والحاكم، مصححاً من حديث أبي الدرداء وحسنه حمزة الكناني، وضعف بالاضطراب، لكن له شواهد يتقوى بها، له شواهد يتقوى بها، وشاهده من كتاب الله قول الله -جل وعلا-: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [(32) سورة فاطر] {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ} [(32) سورة فاطر] الإنسان قد يرث من أبيه القرآن لكن قد يرثه حساً، وقد يرثه معنىً، قد يرثه حساً بأن يترك له مصحف، وقد يرثه معنىً بأن يكون الأب حافظاً لكتاب الله محفظاً لابنه كتاب الله -جل وعلا-، {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [(32) سورة فاطر] والمراد بذلك الميراث المعنوي الحسي الأهم؛ لأن الإنسان قد يرث مصحف لكن لا يقرأ فيه ولا ينتفع به، وجاء من الأمور التي يجري عملها بعد موت ابن آدم ((أو مصحفاً ورثه))، ((أو مصحفاً ورثه)). ورثوا: بتشديد الراء المفتوحة أي: الأنبياء، بحظ وافر: أي بنصيب كامل، بنصيب كامل، يعني من أخذه، لكن كل يأخذ من هذا الإرث بقدر ما كتب له، بقدر ما كتب له، والله -جل وعلا- هو المقدر، والعبد هو المأمور بالسعي في الأسباب، والنتائج بيد الله -جل وعلا-، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قاسم كما يقول، والله -جل وعلا- هو المعطي، لا يقول الإنسان: أنا حرصت على أخذ العلم، ومكثت سنين عدداً أتردد بين أهل العلم، وأقرأ في الكتب وفي النهاية لا شيء، أنت تدخل في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة)) ولو لم تدرك علم، أنت سلكت الطريق يكفي، هذا السبب، أنت تبذل ما عليك والنتيجة بيد الله -جل وعلا-. ((ومن سلك طريقاً)) هو من جملة الحديث المذكور، هو من جملة الحديث ((العلماء ورثة الأنبياء)) وأخرج هذه الجملة بمفردها مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة.

طريقاً: نكرها، ((سلك طريقاً)) نكرة، لماذا؟ ونكر أيضاً علماً ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً)) لو قال: العلم لكان المراد العلم الشرعي المتكامل، علم الوحيين، وما يخدم الوحيين، لكن ((من سلك طريقاً)) هذا نكرة، وعلماً: نكرة أيضاً ليندرج فيه القليل والكثير، ولو جزء من أجزاء العلم، ولو تخصص في فرع من العلوم الشرعية، يعني سواءً سلك طريقاً علماً في التفسير في الحديث في العقيدة فيما يخدم ذلك كله علم، نكر طريقاً ليتناول أنواع الطرق إلى تحصيل العلوم الدينية؛ ليتناول أنواع الطرق الموصلة إلى تحصيل العلوم الدينية؛ وليندرج فيه القليل والكثير، فيدخل فيه دخولاً أولياً سلوك الطريق الحسي بأن يمشي أو يركب إلى مواطن العلم ومدارسه ومعاهده، ويجثو بركبتيه بين يدي أهل العلم ليأخذ من علمهم، هذا يدخل بدخول أولي، هذا سلك الطريق الحسي الذي لا يختلف فيه، وتنكير الطريق يتناول عمومه من تعلم عن طريق الوسائل، من سلك طريقاً هذا طريق من طرق التحصيل، يتناول عمومه من تعلم عن طريق الوسائل الحديثة والكتب المؤلفة، والكتب المؤلفة، ما دام هذا سلك طريق يلتمس فيه العلم النافع الشرعي وما يخدمه يلتمس علم الوحيين الكتاب والسنة وما يعين على فهم الوحيين هذا سلك طريقاً. فإن سلك الطريق الحسي دخل فيه دخولاً أولياً قطعياً، يعني سلك طريقاً غير الطريق الحسي، يعني حيل بينه وبين الوصول إلى معاقل العلم، وسلك الطرق المؤدية إلى هذا العلم من غير الطريق الحسي من الطرق المعنوية بالوسائل التي وجدت -ولله الحمد- ويسرت العلم الشرعي وأوصلته إلى قعر البيوت، وسمعه الخاص والعام هذا سلك طريقاً، فيتناوله عموم التنكير ((سهل الله له طريقاً)) أي: في الآخرة؛ لأنه قال: ((إلى الجنة)) أو ما يشمل الآخرة والدنيا بأن يوفقه للأعمال الموصلة إلى الجنة، يعني يوفقه إلى الأعمال الصالحة الموصلة إلى الجنة.

وفيه بشارة بتسهيل العلم على طالبه؛ لأن طلبه من الطرق الموصلة إليه، ((سهل الله له طريقاً إلى الجنة)) ومن الطرق الموصلة إلى الجنة تعلم العلم الشرعي والعمل به، وأعظم من ذلك ما جاء في قول الله -جل وعلا-: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} [(17) سورة القمر] لكن هل من متمني يتمنى أن يحفظ القرآن؟ يتمنى أن يكون القرآن على لسانه، وعلى أسلة بنانه، يتمنى أن يكون مردداً للقرآن صبحاً وممساً ومهجعاً،. . . . . . . . . بالأماني لا؛ لأنه قال: {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(17) سورة القمر] أما الذي يتمنى ما يحصل له شيء. وقال الإمام البخاري: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [(28) سورة فاطر] من الذي يخاف من الله -جل وعلا-؟ من علم قدرة الله -جل وعلا- وسلطانه وهم العلماء، قاله ابن عباس: الذين يخشون الله -جل وعلا- هم الذين عرفوا قدرة الله -جل وعلا- وسلطانه، ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول عن نفسه بأنه أعلم الخلق بربه: ((إنما أنا أخشاكم وأتقاكم لله -جل وعلا-)) -عليه الصلاة والسلام-، ثم قال الإمام البخاري: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [(43) سورة العنكبوت] يعني: الأمثال، الأمثال المضروبة ما يعقلها إلا العالمون، وهو نوع عظيم، وباب مهم من أهم أبواب العلم معرفة الأمثال التي ضربها الله -جل وعلا- في كتابه، وضربها نبيه -عليه الصلاة والسلام- في سنته، وإذا كان الإنسان لا يعقل ولا يفقه ولا يفهم هذه الأمثال فليراجع نفسه، وإن ادعى أنه من أهل العلم، وإن قيل عنه: إنه من أهل العلم؛ لأن الأسلوب حصر، {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [(43) سورة العنكبوت] لأن الذي لا يعقلها ليس من أهل العلم.

((وإنما العلم بالتعلم))، ((وإنما العلم بالتعلم)) والتفعل المادة هذه وهذا التضعيف يدل على التدريج، التعلم شيئاً فشيئاً، فلا يؤخذ العلم جملة، العلم لا يؤخذ جملة، وإنما يؤخذ بالتدريج، وهو حديث مرفوع .... المتعلم، بالتعلم حديث مرفوع أورده ابن أبي عاصم والطبراني من حديث معاوية بلفظ: ((يا أيها الناس تعلموا إنما العلم بالتعلم، والفقه بالتفقه، ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين))، ((ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين))، والحديث بمجموع جمله إسناده حسن، والجملة الأخيرة: ((ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) مخرج في البخاري وغيره من حديث معاوية، والمراد بالفقه في الدين: الفهم للدين بجميع أبوابه، لا يراد به في هذا الحديث الفقه العرفي عند أهل العلم، الاصطلاحي الذي هو معرفة الأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية بالأرباع الأربعة المعروفة؛ لأن الفقه العرفي مخصوص بالعبادات والمعاملات والأحوال الشخصية والمناكحات، والأقضية والجنايات هذا الفقه في عرف أهل العلم، وكثير من الفقهاء لا سيما الشراح يصدرون خطب كتبهم بهذا الحديث: "الحمد لله الذي فقه من شاء بالدين" استدلالاً أو إشارة إلى أن هذا الكتاب موضوعه الفقه، والفقه في الحديث الفقه في الدين أعم من الفقه العملي، بل يتناول ما سماه العلماء: الفقه الأكبر الذي هو العقائد يدخل فيه دخولاً أولياً، والمقصود المراد بالدين هنا بجميع أبوابه، بجميع أبوابه، فالعقائد، الأحكام، المغازي، السير، التفسير، الآداب، الرقاق، الأدعية والأذكار، وغيرها من أبواب الدين التي اشتملت عليها الكتب الجوامع مثل صحيح البخاري، بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال في حديث جبريل لما سأله عن الإسلام والإيمان والإحسان قال: ((هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)) فالمراد بالدين بجميع أبوابه وفروعه وأصوله.

والمعنى: ليس العلم المعتبر إلا المأخوذ من الأنبياء، ((إنما العلم بالتعلم)) ما في وسيلة للتحصيل إلا بالتعلم، أما أهل التخريف والشطحات والنزغات الشيطانية الذي يقول: إنه نام فلما انتبه من النوم فإذا به يحفظ القرآن، أو يحفظ السنة، أو يحفظ كتاب كذا أو كذا، هذا لا يمكن أن يحصل، وليست هذه هي الطريقة الشرعية المثاب عليها المرتب عليها الأجور العظيمة في الكتاب والسنة، ((إنما العلم بالتعلم))، ((إنما العلم بالتعلم)) وأصحاب بعض الحركات المستحدثة المسماة: بالبرمجة ونحوها يقول: أبداً بإمكانك أن تحفظ القرآن في وقت يسير في يوم مثلاً يعني كأنك تمسح مسح ضوئي، هذا الكلام ليس بصحيح، هذا الكلام ليس بصحيح، ويأتي على ألسنة بعض المخرفين من شيوخ الصوفية وغيرهم أنه يقول: حفظت القرآن في ساعة، أو حفظت كتاب كذا من الكتب الكبار في يوم، هذا الكلام لا شك أنه يجرى على أيدي شياطين تغرهم وتغر بهم، وتستدرجهم وتستدرج بهم، لكن العلم بالتعلم، نعم قد تطول مدة التعلم وقد تقصر، لكن ما في علم بساعات أو أيام، العلم بالتعلم، فالمعنى ليس العلم المعتبر إلا المأخوذ من الأنبياء وورثتهم على سبيل التعلم.

قال ابن عباس .. ، ذكر البخاري في ترجمة هذا الباب قال ابن عباس: {كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ} [(79) سورة آل عمران] "حلماء فقهاء"، "حلماء فقهاء" أخرجه ابن أبي عاصم والخطيب بإسناد حسن، وفسره ابن عباس أيضاً بأنه الحكيم الفقيه، الرباني: الحكيم الفقيه، ووافقه ابن مسعود، وقيل: الرباني الذي يقصد ما أمره الرب بقصده من العلم والعمل، من العلم والعمل، وقال ثعلب وهو إمام من أئمة اللغة على منهج أهل السنة وأهل التحقيق، قال ثعلب: قيل للعلماء: ربانيون لأنهم يربون العلم أي يقومون به؛ لأنهم يربون العلم أي يقومون به، والحاصل أنه اختلف في هذه النسبة الرباني اختلف فيها هل هي إلى الرب أو إلى التربية؟ هل هي إلى الرب أو إلى التربية؟ فالذي يقصد العلم النازل من الرب -جل وعلا- على لسان جبريل على النبي -عليه الصلاة والسلام-، والوحي المصاحب له من سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا رباني؛ لأن العلم هذا منسوب إلى الرب، والذي يربي الناس على العلم والعمل أيضاً هو رباني، ويقال: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره، ويقال: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره، يعني ينتبه إلى الصغار، ويربيهم على المتون الصغيرة.

يعني مثل هذه الدورات التي توجه إلى المبتدئين؛ لأن كثير من أهل العلم يهتمون بالكبار؛ لأنهم يعينونهم على التحصيل، أما الصغار فأمرهم متعب، ولذا مع الأسف قل وندر أن تجد من الكبار من يحفظ القرآن، وهو أولى الأولويات وأهم المهمات، ما تجد إلا القليل النادر من الكبار من يحفظ الناس القرآن، أو يعلمهم المتون الصغيرة، ولو تصدى لشرح المتون الصغيرة المؤلفة للمبتدئين لحلق بهم إلى طبقة المتقدمين، فنحن بحاجة ماسة إلى من يحسن التعامل مع الناشئة يربيهم على صغار العلم، ويحفظهم المتون الصغيرة، وما يحتاج إليه في هذا السن من القرآن، ومعاناتهم أشق من معاناة الكبار، ويقال: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره، والمراد بصغار العلم هي ما وضح من مسائله، وبكباره ما دق منها، وقيل: يعلمهم جزئياته قبل كلياته، أو فروعه قبل أصوله، أو مقدماته قبل مقاصده، وقال ابن الأعرابي: لا يقال للعالم: رباني حتى يكون عالماً معلماً عاملاً، حتى يكون عالماً معلماً عاملاً. العلم يهتف بالعمل، والمقولة التي سبقت وهي: أن العلم بدون عمل كالثمر بلا شجر، هذه لها حظ من النظر؛ لأن الثمرة العظمى من العلم هي العمل، فإذا تعلم وعمل بعلمه، ودعا الناس إليه ووجههم وأرشدهم إليه، استحق أن يدعى ربانياً، فإذا علم هذا فميراث النبوة العلم والعمل والدعوة إلى هذا العلم والعمل، والصبر على ذلك، وهي المسائل الأربع التي قررها الإمام المجدد في الأصول الثلاثة، واستدل لها بسورة العصر التي قال فيها الإمام الشافعي: "لو ما أنزل الله على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم". ذكرنا في بداية الكلام الإشكال على هذا الكلام أن العلماء هم ورثة الأنبياء ((نحن معاشر الأنبياء لا نورث)) الأنبياء ورثوا العلم ((فمن أخذه أخذ بحظ وافر)) يشكل على هذا قول نبي الله زكريا -عليه السلام- في سورة مريم {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا* يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [(5 - 6) سورة مريم].

في تفسير القرطبي: قال ابن عباس ومجاهد وقتادة: خاف أن يرثوا ماله، خاف أن يرثوا ماله، وأن ترثه الكلالة، فأشفق أن يرثه غير الولد، وقالت طائفة: إنما كانت مواليه مهملين للدين فخاف بموته أن يضيع الدين، فطلب ولياً يقوم بالدين بعده حكى هذا القول الزجاج، وعليه فلم يسأل زكريا من يرث ماله؛ لأن الأنبياء لا يورثون، وهذا هو الصحيح من القولين كما يقول القرطبي في تأويل الآية، وأنه -عليه الصلاة والسلام- أراد وراثة العلم والنبوة، أراد وراثة العلم والنبوة لا وراثة المال لما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركنا صدقة)) وفي كتاب أبي داود: ((أن العلماء ورثة الأنبياء، وأن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ورثوا العلم)). يقول: وهذا الحديث يدخل في التفسير المسند لقوله تعالى: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ} [(16) سورة النمل]، وعبارة عن قول زكريا: {فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا* يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [(5 - 6) سورة مريم] وتخصيص للعموم في ذلك، وأن سليمان لم يرث من داود مالاً خلفه داود بعده، وإنما ورث منه الحكمة والعلم، ولذلك ورث يحيى من آل يعقوب هكذا قال أهل العلم بتأويل القرآن ما عدا الروافض، ما عدا الروافض؛ لأن الروافض طالبوا أبا بكر وطالبوا عمر ومازالوا يطالبون بالإرث النبوي من فدك وغيرها، وأن ما تركه النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو لورثته .. ، ما ترك من مال فهو صدقة. قال: وروي عن الحسن أنه قال: يرثني مالاً، ويرث من آل يعقوب النبوة والحكمة، قال القرطبي: وكل قول يخالف قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو مدفوع مهجور، قاله أبو عمر، يعني ابن عبد البر. يقول الإمام المحقق شمس الدين ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتاب (مفتاح دار السعادة): قول زكريا -عليه الصلاة والسلام-: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا* يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [(5 - 6) سورة مريم].

يقول: فهذا ميراث العلم والنبوة فهذا ميراث العلم والنبوة، والدعوة إلى الله وإلا فلا يظن بنبي كريم أنه يخاف عصبته أن يرثوه ماله، يعني لو خاف إنسان من سائر الناس، شخص كلالة لا والد له ولا ولد، وخاف من عصبته الذين قد يكون منهم البعيد الذي لا يعرفه طول حياته، ابن عم بعيد يكون هو أقرب الناس إليه ويأخذ ماله بالتعصيب لو خاف هذا الإنسان من هذا الوارث وتصرف في ماله من أجل حرمان هذا الوارث لأثم بذلك، وبطلت وصيته، ونفذ الميراث، فكيف بني يخاف من الموالي من ورائه أن يرثوا ماله ويطلب من الله -جل وعلا- ويسأله أن يرزقه الولد الذي يرث عنه المال؟!. يقول ابن القيم: فهذا ميراث العلم والنبوة فهذا ميراث العلم والنبوة والدعوة إلى الله وإلا فلا يظن بنبي كريم أنه يخاف عصبته أن يرثوه ماله فيسأل الله العظيم ولداً يمنعهم ميراثه، يعني يحجبهم عن الميراث، فهل هذا من مقاصد خاصة الناس فضلاً عن الأنبياء؟ هذه ليست من المقاصد التي يقصدها خواص الناس من أهل العلم والفضل والدين فضلاً عن الأنبياء، قد يقصد ذلك شخص ليس من أهل العلم، وليس من أهل الفضل، يشق عليه أن يجمع المال ويتعب عليه ثم بعد ذلك يأخذه ابن عم له بعيد لم يره طول حياته، قد يقصد ذلك، لكن هل يمكن أن يرد هذا بالنسبة لنبي من الأنبياء؟ لا يمكن، والدنيا بحذافيرها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وكذلك عند أوليائه، لما جاء السفير الخاطب إلى سعيد بن المسيب من ابن الخليفة يخطب ابنته فقال له الخاطب أو الخطيب -السفير بينهما-: أتتك الدنيا بحذافيرها، ماذا؟ قال: ابن الخليفة يطلب ابنتك، قال: إذا كانت الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة فماذا ترى أن يقص لي من هذا الجناح؟ الدنيا لا شيء في نظر أهل الآخرة، وإن كانت كل شيء بالنسبة لنظر أهل الدنيا.

الأصل أن الإنس والجن إنما خلقوا لغاية، وهي تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] هذا هو الهدف، وهذه هي الغاية، إنما هي تحقيق العبودية، طيب تحقيق العبودية لا يمكن أن يتم وبقاء النوع الإنسان واستمرار العبودية لله -جل وعلا-، والتوارث على هذه الأرض وعمارة الأرض إلا بشيء من الدنيا، ولذلك قال الله -جل وعلا-: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] وبعض الناس عكس جعل جل الوقت للدنيا ووقت الفراغ ووقت الاسترخاء للدين، هذا عكس ما خلق من أجله، إنما خلق للعبودية وتحصيل أمر الدنيا وما يقوم به المعاش هذا لا ينساه. يقول: فهذا ميراث العلم والنبوة والدعوة إلى الله وإلا فلا يظن بنبي كريم أنه يخاف عصبته أن يرثوه ماله فيسأل الله العظيم ولداً يمنعهم ميراثه ويكون أحق به منهم، وقد نزه الله -جل وعلا- أنبياءه ورسله عن هذا وأمثاله فبعداً لمن حرف كتاب الله ورد على رسوله -صلى الله عليه وسلم- كلامه، ونسب الأنبياء إلى ما هم براء منزهون عنه، والحمد لله على توفيقه وهدايته. ثم ختم بأثر ساقه بصيغة التمريض قال: ويذكر عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه مر بالسوق .. ، ويذكر عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه مر بالسوق فوجدهم في تجاراتهم وبيوعاتهم فقال: أنتم هاهنا، أنتم هاهنا فيما أنتم وميراث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقسم في مسجده؟! فقاموا سراعاً إلى المسجد، قاموا سراعاً إلى المسجد فلم يجدوا فيه إلا القرآن والذكر ومجالس العلم، فقالوا: أين ما قلت يا أبا هريرة؟ فقال: هذا ميراث محمد -صلى الله عليه وسلم-، القرآن والذكر والعلم، هذا ميراث النبوة، هذا ميراث النبي -صلى الله عليه وسلم-، يقسم بين ورثته وليس بمواريثكم ودنياكم، أو كما قال.

إذا تقرر هذا فالميراث الذي طلب الحديث عنه هو العلم؛ لأن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وما تركوه صدقة، إنما ورثوا العلم، فما المراد بالعلم الذي يورث عن الأنبياء؟ هو العلم الموصل إلى رضا الله -جل وعلا- وإلى جناته، من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وما يعين على فهم الكتاب والسنة، وما يوفر لحامله خشية الله -جل وعلا-، وما يوفر لحامله خشية الله -جل وعلا-، فإذا ترتبت هذه الآثار على هذا العلم، صار هو الموروث عن النبوة، فأخشى الناس لله -جل وعلا- هو محمد -عليه الصلاة والسلام-، وأصدقهم تحقيقاً لهذا الوصف أتقاهم وأتبعهم للنبي -عليه الصلاة والسلام-.

إذا علم هذا فما يحمله الفساق الذين لا يخشون الله -جل وعلا- مما يمكن أن يسمى علماً، هو في عرف الناس علم؛ لأنه إذا سئل أجاب، أجاب عن الحكم بدليله، وهذا في عرف الناس علم، الفساق عندهم معرفة بالأحكام، وعندهم أدلة، وعندهم طريقة صحيحة لكيفية الاستنباط من الأدلة، درسوا هذا وأتقنوه وعرفوه، لكن ارتكبوا بعض المحرمات، وتركوا بعض الواجبات هل نقول: إن هذا علم شرعي موروث؟ هل ينظر إلى العالم بمجرده أو ينظر إلى العالم بعلمه وعمله معاً؟ الذي يحمله الفساق ليس بعلم موروث وإن كان في عرف الناس علم، والله -جل وعلا- يقول: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ} [(17) سورة النساء] يعملون السوء بجهالة، الذي يشرب الخمر وهو يعرف الحكم أن الخمر محرم، الذي يزني ويعرف أن الزنا حرام، الذي يرابي ويعرف أن الربا حرام له توبة وإلا ليست له توبة؟ {فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ} [(275) سورة البقرة] هل نقول: إن هذا للجاهل أو للذي يعرف الحكم؟ لأن من أنواع الجهل ما يعذر به صاحبه، فباب التوبة للعالم بالحكم والجاهل على حد سواءً، إذاً ما المراد بالعالم هنا والجاهل؟ العاصي جاهل، كل من عصى الله فهو جاهل، كل من عصى الله فهو جاهل؛ لأننا لو قلنا: إن الذي يعلم الحكم عالم وإن عصى قلنا: إنه ليس له توبة؛ لأن التوبة محصورة بمن ارتكب المعصية عن جهالة، التوبة محصورة فيمن عصى الله -جل وعلا- عن جهالة، فمن عرف الحكم إن قلنا: عالم قلنا: ليست له توبة، وهذا خلاف ما أجمع عليه أهل العلم، ودلت عليه النصوص القطعية، وإذا قلنا: جاهل، فما يحمله من علم ليس في الحقيقة بعلم، إذاً ميراث النبوة هو العلم المبني على الدليل الصحيح من الكتاب والسنة، المورث للعمل والخشية، ومع ذلك يتطلب أمراً ثالثاً مهماً وهو الدعوة إلى هذا العلم وتعليمه.

جاء في الحديث: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله)) هذا الحديث فيه كلام لأهل العلم، فمنهم من ضعفه، ومنهم من قواه، ويذكر عن الإمام أحمد أنه صححه، هل هذا خبر عن أهل العلم أنهم عدول؟ أو هذا تعديل لأهل العلم أو هذا حث للعدول بحمل العلم؟ الذي قال: إن هذا خبر عن أهل العلم وأنهم عدول قال: كل من عرف بحمل العلم فهو عدل، وهذا يقوله أبو عمر بن عبد البر، ويتبناه، وينتصر له. قلت: ولابن عبد البر كل من عني ... بحمله العلم ولم يوهنِ فإنه عدل بقول المصطفى ... يحمل هذا العلم لكن خولفا

خولف ابن عبد البر من جماهير أهل العلم أن هذا تعديل لمن يحمل العلم بغض النظر عن العمل، وأن كل من عرف بحمل العلم أنه عدل، هذا الكلام يخالفه الواقع، يخالفه الواقع، فإن الواقع يشهد ويثبت بأن ممن يحمل العلم من ليس بعدل، بل يخالف علمه إما بترك مأمور أو بفعل محظور، وعلى هذا يكون معنى الحديث عند من يثبته ويصححه أنه حث للعدول بحمل العلم، وتوجيه لهؤلاء الثقات العدول بحمل العلم، وأن لا يتركوا مجالاً لغيرهم أن يلبسوا على الناس، يشوشوا على الناس، ويضلوا الناس، ويشهد لذلك أو يدل على ذلك رواية: ((ليحمل هذا العلم من كل خلف عدوله)) فهو أمر للعدول بحمل العلم، وأما غير العدول فلا شك أن ضررهم أكثر من نفعهم، وهم في الحقيقة جهال، وظهر أثرهم على مر العصور في تضليل الناس، وهو في وقتنا بسبب انتشار هذه الأقوال التي تلقى من أولئك الفساق عن طريق وسائل الإعلام ودخولها وولوجها إلى الناس في بيوتهم، هذا يدل دلالة واضحة أن ممن يحمل العلم من ليس بعدل، لكن لا ينبغي أن يسمى عالماً، ولا أن يسمى ما يحمله علم، ولو كان لديه معرفة بالأحكام، والنبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث المخرج في البخاري وغيره يقول: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبقِ عالماً اتخذ النار رؤوساً جهالاً، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)) وما يوجد في وقتنا هذا من اضطراب كبير وتناقض وتعارض وتضارب في الفتاوى، إلا نماذج حية نلمسها في واقعنا، وأمثلة ظاهرة لما قاله النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((اتخذ النار رؤوساً جهالاً)) وإنما يقبض العلم بقبض العلماء، يعني الأمة خسرت ومنيت بوفاة بعض العلماء الربانيين الوارثين لعلم النبوة، لكن بقي -ولله الحمد- بقية صالحة تجمع بين العلم والعمل، وكثر أيضاً من يدعي العلم، ومن يتقمص العلم، ويفتي بغير علم -نسأل الله السلامة والعافية-.

المقصود أن العلم الموروث والإرث النبوي هو العلم الصحيح المؤصل المبني على كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، بفهم سلف هذه الأمة بفهم سلف هذه الأمة بالتوسط والاعتدال، وإلا ففي النصوص ما قد يتمسك به فئات من الطوائف المبتدعة، فالخوارج عندهم ما يستدلون به من نصوص الكتاب والسنة، والمرجئة في مقابلهم عندهم ما يتمسكون به من نصوص الكتاب والسنة، لكن العبرة بمن أخذ بالطرفين لم يأخذ بطرف ويترك الطرف الآخر، لم يأخذ بنصوص الوعيد فيرتكب ما ارتكبت الخوارج، ويدع نصوص الوعد، ولا يأخذ بنصوص الوعد فيرتكب ما ارتكبته المرجئة، ويترك ويهدر نصوص الوعيد، وقد وفق الله -جل وعلا- أهل السنة والجماعة وهم أهل التوسط بين الفرق والمذاهب فأخذوا من الطرفين بما يقتضي التوفيق بينهما، والتوفيق بينهما جارٍِ عند أهل السنة من غير أي تنافر وأي تناقض وأي تضارب وأي اعتراض، فإذا استطاع الإنسان على طريقة أهل السنة والجماعة أن يوفق بين هذه النصوص التي ظاهرها التعارض فإنه حينئذٍ على الجادة، وحينئذٍ يكون وارثاً إذا عمل بهذا العلم، وعلمه الناس، ودعا إليه، وفقه الناس به، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. هناك مسائل كثيرة تتعلق بالعلم والتحصيل والطلب وكيفية حفظ المتون، وكيفية جرد المطولات، والمنهجية في قراءة الكتب وطريق .. ، كلها هذه أمور في كل فرع منها محاضرة مستقلة ومسجلة -ولله الحمد-، وما عاد بقي إلا أن ننظر في الأسئلة. يقول: أنا أحب العلم والعلماء، وأريد أن أكون من أهل العلم؛ لأنني وأخواني ... ، ولكن العلم يحتاج إلى حفظ ولا يكون إلا بالحفظ -على حد علمي- وأنا أواجه صعوبة شديدة في الحفظ، وعوضني الله سرعة الفهم فما توجيهكم حفظكم الله؟

لا شك أن العلم يحتاج إلى مقومات منها الغريزي، ومنها المكتسب، فمما يحتاج إليه المتعلم الحافظة التي تعينه على ثبات ما يقرأ والفهم؛ لأن الحفظ وحده لا يكفي، والفهم وحده لا يكفي، والفهم وحده لا يكفي، لكن هذه هبات من الله -جل وعلا-، فبعض الناس يشكو من ضعف الحافظة، وبعض الناس يشكو من بطء الفهم، والناس يتفاوتون، وقد جمع الله -جل وعلا- لبعض الناس الحفظ مع الفهم، ووفقهم لسلوك الجادة والطريق من أوله، فاختصروا المدة في تحصيل العلم، بعض الناس عنده حافظة وعنده فهم، لكن لا يوفق للطريق من أوله، تجده في أول الأمر يتخبط، فإذا أفاق فإذا به قد فاته شيء من السن الذي يؤهله للحفظ والفهم، ثم بعد ذلك إما أن يواصل أو ييأس فينقطع، بعض الناس عنده الحافظة القوية، وبعضهم يشق ويصعب عليه الفهم، فمثل هذا عليه أن يعالج ويعاني فهم ما يحفظ وما يقرأ يردده حتى يفهم، يقرأ الشروح، يقرأ الحواشي، يسأل أهل العلم عما يشكل عليه، وإذا أدام النظر في الشروح، إذا أدام النظر في شروح الكتب سواءً كانت من تفاسير القرآن، أو من شروح كتب الحديث، أو المتون العلمية، إذا أدام النظر فيها، فإنه حينئذٍ يتولد عنده ملكة لفهم النصوص، وفهم أقاويل أهل العلم؛ لأن بعض الناس يعنى بالمتون، وليس لديه مُكنة من النظر في الشروح، ويقول: إن هذه الشروح طويلة وتعوق عن التحصيل، الشروح لا بد منها؛ لأنك لا بد أن تفهم هذا العلم على الجادة، على جادة أهل العلم وعلى طريقتهم، وإلا فلا شك أنك ستظل في الفهم، فأنت إذا كنت لديك الحافظة، وليست لديك الفهم فإن عليك أن تعاني كلام أهل العلم في شرح النصوص وشرح المتون، وبعد ذلك بعد مدة يتيسر لديك الفهم، تتولد لديك الملكة وتعينك -بإذن الله- على فهم ما تقرأ.

وإذا كان لديك الفهم وليست لديك الحافظة فعليك أن تعاني الحفظ، وتكرر ما تريد حفظه مرة مرتين عشر مرات عشرين إلى آخره، ومن أفضل ما يعين على الحفظ كتابة ما يراد حفظه، كتابة ما يراد حفظه مرتين ثلاث حتى يحفظ، وذكر الشيخ عبد القادر بن بدران في كتابه: (المدخل) طريقة للحفظ، طريقة للحفظ، يقول: إذا كانت الحافظة ضعيفة فقدر المحفوظ لهذا اليوم شيئاً يسيراً سطرين ثلاثة، وإذا كانت متوسطة فقد عشرة أسطر مثلاً، وإذا كانت الحافظة قوية فقدر ورقة، ثم ردد ما قدرته حتى تجزم بأنك قد حفظته، هذا نصيب هذا اليوم، إذا جزمت بأنك حفظته من الغد كرر هذا الذي حفظته في هذا اليوم عشر، خمس مرات، أو قال: خمس مرات، قال: خمس مرات نعم، كرره خمس مرات، ثم اشرع في نصيب اليوم الثاني حتى تجزم أنك حفظته كما حفظت نصيب اليوم الأول، فإذا جاء اليوم الثالث كرر ما حفظته في اليوم الأول أربع مرات، وما حفظته في اليوم الثاني خمس مرات، ثم حدد نصيب اليوم الثالث وكرره حتى تحفظه، لا تقول: أنا ضعيف الحافظة، كرر سطر، وإذا عجزت عن حفظه اكتبه وسجله ثم اسمعه، واجعل أحد يقرأه عليك، واقرأه على أحد، المقصود قلب ما تريد حفظه على جميع الوجوه، فإذا حفظته فراجع ما حفظته في اليوم الأول ثلاث مرات، واليوم الثاني يعني في اليوم الرابع كرر ما حفظته في اليوم الأول ثلاث مرات، وفي اليوم الثاني أربع مرات، وفي اليوم الثالث خمس مرات، ثم حدد نصيب اليوم الخامس، واحفظه على الطريقة السابقة، ثم بعد ذلك كرر ما حفظته في اليوم الأول مرتين، والثاني ثلاث مرات، والثالث أربع مرات، والخامس خمس مرات، ثم اشرع في نصيب اليوم السادس وهكذا، وبهذه الطريقة تضمن أنك لن تنساه -بإذن الله-، وهذه طريقة مجربة، هذه طريقة مجربة.

في بعض كتب التربية الحديثة التزهيد بالحفظ، وأنه يبلد الذهن، وأن المعول أولاً وأخراً على الفهم، وهذا الكلام إذا صح بالنسبة لعلوم غير المسلمين من العلوم التجريبية التي تنبني على الأعمال اليدوية، هذه تحتاج إلى فهم، تحتاج إلى دقة، لكن ما تحتاج إلى حفظ، لكن علومنا الشرعية المبنية على النصوص لا بد فيها من الحفظ، والتزهيد بالحفظ تزهيد بالعلم، تزهيد بالعلم لا شك أن الفهم أمر في غاية الأهمية لمن يريد العلم، لكن الحفظ إن لم يكن أهم من الفهم فلن يكون دونه بحال لا سيما ما يتعلق بالكتاب والسنة، يعني نجد الخلل في علم من اعتمد على الحفظ على الفهم وأهمل الحفظ، الحفظ هو الذي يسعف المعلم، هو الذي يسعف المعلم لإلقاء ما يريده من نصوص الكتاب والسنة، يعني إذا جازت رواية الحديث بالمعنى فإنه لا بد أن يكون لديه معرفة بأصل الحديث، وأن يعرف ما يخل بمعناه، وهذا أيضاً يحتاج إلى حفظ وإن لم يحفظ الحديث بحروفه، ولكن نصوص القرآن وآيات القرآن لا تجوز فيها الرواية بالمعنى، ولا تدرك بالاجتهاد، بل لا بد من حفظها بحروفها. من الغرائب أن يجتمع اثنان على كتاب واحد، يعني على تأليف كتاب واحد، أحدهما: آية في الحفظ، آية من آيات الله في الحفظ، والثاني: آية في الفهم، تفسير الجلالين ألفه جلال الدين المحلي هذا قال أهل العلم في ترجمته: إن ذهنه يثقب الفولاذ من قوة فهمه، ويقول عن نفسه: إنه حاول حفظ ورقة من كتاب مدة طويلة ثم ظهرت فيه بثور، وارتفعت حرارته إلى أن تركها، كله من ضعف الحافظة، لكن ذهنه وفهمه قالوا: يثقب الفولاذ، وبالمقابل النصف الثاني من تفسير الجلالين، يعني القسم الذي ألف آخراً، وإن كان هو النصف الأول، يعني من الكهف إلى آخر القرآن مع الفاتحة هذا لجلال الدين المحلي، أتمه من أول البقرة إلى آخر الإسراء جلال الدين السيوطي الذي يحفظ مائتي ألف حديث، يحفظها كما يحفظ الفاتحة، ويقول: لو وجدت من الأحاديث أكثر من ذلك لحفظت، فاجتمع هذا وهذا وألفا الكتاب بنفس واحد.

وقلنا: إن من تسعفه الحافظة يكثر من المحفوظ، ويديم النظر في شروح أهل العلم؛ لكي تتولد له الملكة للفهم، كيف يفهم أهل العلم النصوص؟ كيف يعالجون التعارض؟ وكيف يتعاملون مع هذه النصوص؟ النصوص تحتاج إلى خبرة ودربة في كيفية التعامل معها، يعني لا تكفي النصوص فقط أن تورث علم متكامل، النصوص لا بد منها ولا بد من فهمها على طريقة سلف هذه الأمة وأئمتها. هذا يقول: حينما يسلك الإنسان طريق العلم فهل يبدأ بفن الحديث أم الفقه أم العقيدة؟ طريقة المشارقة في التعلم تختلف عن طريقة المغاربة، المغاربة يقدمون حفظ القرآن، ولا يقرؤون معه شيئاً آخر، فإذا ضمنوا حفظ القرآن كما ذكر ذلك ابن خلدون في مقدمته اتجهوا إلى العلوم الأخرى، والمشارقة يمزجون العلوم، بمعنى أنهم في وقت واحد ينوعون ويتفننون، فيتعلمون من القرآن نصيباً، ومن الحديث شيئاً، ومن الفقه قدراً، ومن العقيدة وجميع العلوم يطرقونها في آن واحد، على ترتيبهم لطبقات المتعلمين فالمبتدئون لهم كتب، والمتوسطون لهم كتب، والمنتهون لهم كتب، فبهذه الطريقة يدرس من القرآن مثلاً في حال كونه مبتدئاً المفصل، يحفظ هذا القدر من القرآن، ويحفظ متناً صغيراً في الحديث، ومتناً في العقيدة، ومتناً صغيراً في الفقه، ومتن في علوم الآلة من اللغة بفروعها، وأصول الفقه، وعلوم الحديث وغيرها، ثم بعد ذلك ينتقل إلى كتب الطبقة الثانية والثالثة وهكذا، قد يقول قائل: إذا قرأت في أكثر من علم في وقت واحد يتشتت ذهني، ولا بد أن أحصر جهدي في كتاب واحد في فن واحد، نقول: لك ذلك، ابدأ بالقرآن فاحفظه، اضمن حفظ القرآن، ثم احفظ من السنة بعض المتون المرتبة عند أهل العلم احفظ الأربعين ثم العمدة ثم البلوغ، ثم بعد ذلك اتجه إلى علم الفقه والاستنباط فتحفظ متناً صغيراً ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، على طريقة شرحناها مراراً في كيفية التفقه من كتب العلم، ثم بعد ذلك اتجه إلى العقيدة، أو قدم بعضها على بعض على حسب ما يتيسر لك من علماء تلازمهم يحسنون التعامل معك في سنك، فإذا كنت ممن يتشتت فاقتصر على علم واحد، وإن كنت ممن يستوعب ويمل لو اقتصر على علم واحد فنوع، والناس يختلفون في هذا.

هذا يقول: نرجو أن تكون لك زيارة شهرية لبريدة لمحاضرة تكون سلسلة في كتب العلم؟ عندنا دورة في الصيف مدتها أسبوعان في شرح جامع الترمذي، وأما هذا فحسب التيسير، يعني إذا وجد فرصة لبينا الطلب وإلا فالإخوان يعذروننا. يقول: ما توجيهكم لمن يتابع المحاضرات هل يكتب أم يكتفي بالسماع مع العلم أنه بطيء الكتابة لا يستطيع أن يكتب كل ما يقوله الشيخ، وكيف يراجع الدرس في وقت آخر؟ هذا إذا كان حضر المحاضرة وانتبه لها انتباهاً جيداً، وقيد ما يحتاج إليه مما يلفت نظره وانتباهه من هذه المحاضرة، رؤوس، عناوين، ويكون إذا تذكر هذه العناوين تذكر ما قيل تحت كل عنوان بها ونعمت، وإن كانت حافظته لا تستطيع استيعاب ما قيل في المحاضرة فالتسجيل يقوم بهذا، يعني مراجعة التسجيل يقوم بشيء من هذا. يقول: هل من الممكن أن أحفظ على نفسي القرآن من غير شيخ آخر؟ نعم إذا أتقنت القرآن، إذا أتقنت قراءته وتلاوته فلك أن تحفظه بمفردك على غير شيخ، لكن شريطة أن ترفع صوتك بالقراءة وقت الحفظ؛ لأن الذي يحفظ القرآن سراً لا يستطيع أن يجهر به، قد يقرأه سراً لكن لا يستطيع أن يقرأه في الصلاة مثلاً حتى تتظافر عليه جميع الحواس، النظر في المصحف مع تكريره باللسان والشفتين مع استماع الأذنين له، وهذا أمر مجرب من حفظ سراً لا يستطيع أن يجهر به. يقول: أنا متضايق نفسياً عندي ضيق نفس وطفش وملل من الدنيا، كل شيء يتكرر علي يومياً حتى أني أفكر بالانتحار فكيف أتخلص من ذلك؟ نسأل الله السلامة والعافية. أولاً: الانتحار قتل للنفس وقاتل نفسه متوعد بالنار -نسأل الله السلامة والعافية-، ويأتي يوم القيامة وبيده الآلة التي قتل نفسه بها، يقتل بها نفسه مراراً في نار جهنم -نسأل الله السلامة والعافية-، والذي أجزم به أن سبب هذا الضيق البعد عن ذكر الله، وعن تلاوة القرآن، وعن الأذكار المرتبة في أوقاتها ومناسباتها، فلو لزم الإنسان الذكر {أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [(28) سورة الرعد] كما قال الله -جل وعلا- خلافاً لمن تدعى ولايته ممن يقول: ألا بذكر الله تزداد الذنوبُ ... وتنطمس البصائر والقلوبُ

هذا تدعى ولايته، ويعبد من دون الله -نسأل الله السلامة والعافية-، ولي من أكابر الأولياء في عرف فئام جموع غفيرة من المسلمين -نسأل الله السلامة والعافية-، لكن الله -جل وعلا- يقول: {أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [(28) سورة الرعد] وقراءة القرآن كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- على الوجه المأمور به تورث الإنسان من العلم والإيمان واليقين ما تطمئن به نفسه، وينشرح له صدره، مما لا يجده غيره إلا من فعل فعله. هذا يقول: ممكن أن نفسر ربانيين بقول: إن الرباني هو الذي يجلي القلوب، أي ينظفها من وسخ الدنيا، أي كمثل الذي يرب دلة القهوة أي ينظفها من الوسخ الذي عليها؟ هذا تنظير للمعنويات بالمحسوسات، ولا شك أن توجيه الناس إلى العلم الشرعي وتربيتهم عليه سعي جاد وحثيث إلى تجلية القلوب وتنظيفها من الأوساخ والأدران وجميع الأمراض التي تلم بها. يقول: لي سنوات في طلب العلم وأشكو من ضعف الحفظ وكثرة النسيان، فما الأصلح لي؟ هل أكثر القراءة أم أعكف على الحفظ والثاني شاق علي، وأسعى إيش؟ وأشعر -الخط يعني رديء- وأشعر بملل من الحفظ؟ لا شك أن الحفظ والتكرار والترديد ممل، لكن ما في وسيلة لضعيف الحافظة إلا بهذا، يقرأ مرة مرتين، عشر، عشرين، ولا يمل؛ لأنه إذا عرف شرف المقصود هان عليه كل شيء، إذا عرف شرف المقصود والأجور المرتبة عليه فإنه يهون في سبيل تحصيله كل شيء، ويرخص كل نفيس، ولا أنفع لمثل هذا من الكتابة واختصار الكتب، يعني يأتي من يشكو ضعف الحفظ، وأنه قرأ تفسير ابن كثير مراراً، وفي النهاية لا شيء، ما فهم شيء، ولا حفظ شيء، ولا يذكر شيء من التفسير، نقول: يا أخي إذا كنت بهذه المثابة فاختصر تفسير ابن كثير، اختصر تفسير ابن كثير، طيب في السوق في المكتبات مختصرات كثيرة لتفسير ابن كثير، فأنا أضيف نسخة، أنا أقول: لا تضف نسخة إلى السوق، أضف إلى نفسك نسخة، فبمعاناتك هذا الاختصار وتعبك على فهم ما تقرأ، وتمييزك بين ما تثبته وما تتركه هذا يجعل هذا العلم ينقش ويحفر في قلبك.

يقول: ما توجيهكم لمن تساهل في التصوير حتى لا يكاد يمر موقف من المواقف إلا وله فيه بصمة من خلال كاميرته، أي أن الواحد منا لا يجلس في مجلس إلا وقد تعرض لما يسمى بصيد هذه الكاميرات؟ أولاً: التصوير بالنسبة لاختياري ورأيي أنه محرم كما جاءت به النصوص الصحيحة الصريحة، وأنه من كبائر الذنوب -نسأل الله السلامة والعافية- وأن هذه النصوص تناول ما يسمى تصوير بجميع آلاته وأشكاله ووسائله، حتى الكاميرات الموجودة في كاميرات الفيديو والجوال كلها تصوير، كل ما يمكن أن يعاد في غيبتك فهو تصوير، وأما قول من يقول: إن النصوص الشديدة والوعيد الشديد على المصورين لا يمكن أن يتوجه لشخص ضغط زراً في لحظة فأوجدت صورة، والمصور في الحقيقة هو الآلة، وأن الذي ضغط الزر هذا ما فعل شيء كبير يمكن أن يتوعد عليه بمثل هذا الوعيد، نقول: نظيره من ضغط زر المسدس فقتل مسلماً بضغطة زر، الإنسان لا ينظر إلى صعوبة العمل أو مشقة العمل أو خفة العمل يتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار سبعين خريفاً، المسألة مسألة امتثال، المسألة مسألة طاعة لله ورسوله، والمعصية قد تكون كبيرة وإن كان فعلها ومعاناتها يسير، إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، بلى إنه كبير، العذاب وجل عذاب القبر من هذا العمل الذي يظن في عيون الناس أنه صغير، يقول: ضغطة زر تصور لك مائة شخص، وجاء في الحديث الصحيح أنه يقال: ((أحيوا ما خلقتم)) يؤمر بنفخ الروح في هذه المائة، فماذا عن من صور الألوف المؤلفة -نسأل الله السلامة والعافية-، وعلى كل حال من أهل العلم من ينازع في دخول هذا في النصوص، وأن يجعل هذا من نوع حبس الظل وشبهه، ولهم اجتهادهم، ولا نعترض على من اجتهد لا سيما من عرف بالعلم والعمل وصدق النية والإخلاص، وأنه لا يتبع الهوى، لكن هذا اجتهاده.

في قصة يعني ليست بما يستدل بها على حكم التصوير، حكم التصوير محسوم بالأدلة الصحيحة، فيه النصوص الصحيحة، وفيه الكلام الكثير لأهل العلم، لكن هناك قصة وقفت على كتاب اسمه: (شيوخ معهد أسيوط) مطبوع منذ ثمانين عاماً، شيوخ معهد أسيوط، وفي هذا تراجم لمن تولى مشيخة المعهد، يعني مدير المعهد أو رئيس المعهد يسمونه شيخ المعهد، كل واحد فيه ترجمته بصفحة أو صفحتين، وفيه صورته، على جانب العنوان اسمه صورة لهذا الشيخ، فيه شيخ من شيوخ المعهد اسمه: محمد شريت، بالتاء، محل الصورة المربع فاضي، ومكتوب: لم يمثل أمام كاميرات التصوير قط، يقول المؤلف وهو من أساتذة المعهد وليس من الشيوخ يعني مدير المعهد يقول: كنت نائم في ليلة من الليالي فجاءني من يقول: هذا رسول الله نائم في الغرفة، دخلت فكشفت عنه الغطاء فإذا شيخنا محمد شريت ميت، فلما ذهبت إلى المعهد وجدت الشيوخ يتبادلون التعازي في وفاة شيخ المعهد، أنا أقول: مثل هذه القصص لا يقرر بها حكم شرعي، لا وزن لها في مقام الاستدلال، لكن هذه لها دلالتها، فعلى الإنسان أقل الأحوال أن يتورع خشية أن يقع في هذه النصوص الشديدة، خشية أن يقع في هذه النصوص الشديدة، وإلا عندنا من العلماء من يفتي من الجهات الرسمية وهم أهل علم وورع ودين، ولا نقول إلا خيراً، ممن يقول: إن هذه لا تسمى تصوير، وإنما تسمى حبس ظل، وكنا نسمع هذا الكلام من قديم، يأتينا من الوافدين ومن الخارج ثم بعد ذلك .. ، وأظن ضغوط الواقع أثرت في الفتوى، ورأوا أن هذا الأمر لا بد منه، وعمت بها البلوى، فما منهم إلا أنهم أوجدوا مخرجاً.

دعك من الناس المفتونين هناك من هو مفتون -نسأل الله السلامة والعافية- ممن يحرف الكلم عن مواضعه، في تفسير الجواهر وهو تفسير متداول، تفسير عصري متداول صدر أمر الملك عبد العزيز سنة (1353هـ) أو (54) بمنعه من دخول المملكة، وحقيق وجدير أن يمنع؛ لأنه أشبه ما يكون بكتب العلوم، كله صور وتطبيقات ونظريات، مبني على هذا، وفيه شيء من التحليل اللفظي للقرآن، وفيه استطرادات وتجارب وقعت له ولغيره، لكن مما قاله يقول يستدل بقول الله -جل وعلا-: {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ} [(43) سورة الأنفال] يقول: أراهم الله -جل وعلا- إياهم، أراه الله -جل وعلا- إياهم أقل من واقعهم، أقل من واقعهم، ولا يمكن أن يكون هذا إلا بطريق التصوير؛ لأنه ما يمكن أن تشوف ناس أقل من الواقع أو أصغر من الواقع إلا بالتصوير، فيكون هذا دليل على جواز التصوير، يعني ضلال، هذا تحريف للكلم -نسأل الله السلامة والعافية-، يقول: فعرضت هذا الاستدلال على شيخ من الشيوخ فقال: لا يكفي أن يقال: هذا دليل على جواز التصوير، بل هو دليل على وجوب التصوير -نسأل الله السلامة والعافية-، يعني يصل الحد إلى هذا؟! ((اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)). ابن القيم -رحمه الله تعالى- تحدث في إغاثة اللهفان عن المسخ الذي يكون في آخر الزمان، وقال: "إنه يكون أكثر ما يكون في العلماء المضلين الذين يحرفون الكلم عن مواضعه". يقول: ما هي الأسباب المعينة لطلب العلم مع أنني في كلية الشرعية لكن أحس أنني لا أفهم شيئاً؟ ذكرت في بداية أو في أثناء الكلام في الدرس أن هناك أشرطة تناولت العلم من جميع جوانبه، بحدود ثلاثين شريطاً كلها تعالج هذه المشاكل وهذه الأسباب، وما يعين طالب العلم، وما يعوق طالب العلم، فيرجع إليها؛ لأنها تحتاج إلى شيء من التفصيل. بماذا تنصحون من بدأ أكثر من مرة في حفظ القرآن ثم يتوقف فترة يبدأ من جديد، حتى بلغ الأربعين ولم يحفظ؟

مثل هذا يتحسس نفسه، لا بد أن يكون مبتلاً بشيء عوقب بسببه بعدم متابعة الحفظ، فيتحسس نفسه، فعليه أن يحفظ نفسه من الأسباب المؤثرة على القلب، وأكثر ما يؤثر على القلب الفضول، فضول الكلام، فضول النظر، فضول الاستماع، فضول الطعام والشراب، فضول النوم، فضول الخلطة، كما قرر ذلك ابن القيم -رحمه الله تعالى- وعليه أن لا ييأس، عليه أن لا ييأس. يقول: حبذا لو ذكرت لنا باختصار أفضل الطبعات لكل من شرح الكرماني للبخاري، إرشاد الساري، شرح النووي على مسلم، مع ملاحظة أن تكون الطبعة متوافرة؟ هناك أشرطة خمسة أو ستة نسيت من وقت من زمن تكلمنا فيها على شروح الكتب الستة، ومنهج كل شرح، واستخرجنا فوائد وطرائف من كل شرح، وذكرنا الطبعات المعتمدة لهذه الشروح، وأحسب أن هذه الأشرطة نافعة لبعض المتعلمين، فيرجع إليها من أراد الجواب على هذا السؤال. يقول: ما أفضل التحقيقات لكتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر؟ على كل حال الكتاب طبع مراراً كثيرة، ولا تزال طبعة بولاق هي أفضل الطبعات، وأصح الطبعات، وإن ادعى من ادعى أنه حقق الكتاب، وصحح الكتاب، نعم صحح، وذكر نماذج من تصحيحه، ويشكر على هذا، لكن الكتاب لا يمكن أن ينوء به شخص. السيديهات والأقراص للكمبيوتر هل تغني عن قراءة كتب الحديث؟

أبداً، هذه الوسائل لا شك أنها معينة لطالب العلم ومختصره لوقته، لكن لا يمكن أن يبنى عليها طالب علم يستقل بها ويجعلها مصدره الوحيد للتلقي، يستفيد منها طالب العلم باختبار عمله، يعمل بيده، يقرأ بنفسه، يبحث بنفسه لا يعتمد على أقراص ولا على فهارس، ولا .. ، لا يعتمد على شيء، توصل إلى المعلومات بنفسه، وقد يصل إلى معلومات هو بأمس الحاجة إليها، عشرات المسائل يقف عليها بنفسه قد تكون حاجته إليها أقوى من حاجته إلى المسألة التي يبحث عنها، لكن إذا أراد أن يختبر عمله خرج الحديث مثلاً من عشرين طريقاً بالنظر وتقليب الكتب، ثم أراد أن يختبر العمل يضغط الزر ويشوف إذا كان هناك طرق زائدة لم يقف عليها، أو هو خطيب بقي من الوقت على الخطبة يسير لا يكفي لتخريج الحديث من الكتب، وأراد أن يطلع على ما قاله أهل العلم في هذا الحديث بدلاً أن يلقيه على عموم الناس دون معرفة لدرجته له ذلك، أما أن يتعلم على هذه الآلات فلا. ما موقف طالب العلم من اختلاف العلماء؟ وما موقف العامة كذلك من اختلاف وتضارب فتاوى العلماء المعاصرين في بعض المسائل؟ طالب العلم إن كان مؤهلاً للنظر والاستدلال ففرضه أن ينظر ويستدل، ويعمل بما ترجح لديه من خلال النصوص، والذي ليست لديه الأهلية -أهلية النظر- ولا الاستدلال هذا حكمه حكم العامي فرضه سؤال أهل العلم، سؤال أهل العلم. ويقول هو: تضاربت الفتاوى من يقدم؟ من نأخذ بقوله؟ ومن نترك؟ عليك أن تقدم الأوثق، الأوثق قد يقول قائل مثلاً: أنا عامي لا أعرف كيف أوازن بين هذا هل هو أوثق من هذا أو أوثق من هذا؟ نقول في مثل هذا: تكفي الاستفاضة على ألسنة أهل العلم، والله -جل وعلا- لا يكلف نفساً إلا وسعها، الاستفاضة على ألسنة أهل العلم كافية، ومع ذلك لا بد من توافر الشروط الثلاثة. وليس في فتواه مفتٍ متبع ... ما لم يضف للعلم والدين الورع هذا يقول: يتعرض الشيخ المحدث عبد المحسن العباد لهجمة شرسة في منتديات الانترنت فهل من نصيحة لمن يتعرض للشيخ؟

الشيخ -فيما نحسب والله حسيبه- على خير عظيم، وأنه من خيار أهل العلم، من أهل العلم والورع والدين، والتقوى فيما نحسب والله حسيبه، هذا فيما نعلم عن الشيخ، فالذي يتعرض لأولياء الله الخطر عليه ((من عادى لي ولياً)) ونحسب الشيخ -والله حسيب الجميع- من هذا النوع، يبقى أن من يتعرض للحيلولة بين الإفادة من هذا الشيخ وبين .. ، من الإفادة من علم هذا الشيخ، من يحول بينه وبين طلاب العلم هذا يسميه بعض أهل العلم قاطع طريق، قاطع طريق. يقول: كيف نتعامل مع مدرسي العلوم الشرعية في الدراسة النظامية الذين يظهر عليهم المنكر من حلق اللحية، والإسبال، وجهل تدريس كتب أهل العلم؟ مثل هؤلاء لا بد أن تسدى لهم النصيحة، وأن يوجهوا بالقول اللين، بالرفق، باللين، بالحكمة، بالموعظة الحسنة، إن نفع هذا وإلا فبرفع أمرهم إلى المسئولين، والتفاهم معهم لاستبدالهم بمن يعلم الناشئة ممن تبرأ الذمة؛ لأن هذه أمانة، ولا بد من أداء الأمانة على الوجه المطلوب، وتولي أو تولية مثل هذا النوع لا شك أنه مخل بشيء من الأمانة، فيراجع عليه الجهات المختصة بهذا، ويناقشون، ويستجيبون -إن شاء الله تعالى-. يقول: ما حكم عرائس الأطفال، وجوال الكاميرا؟

عرائس الأطفال يتكلم فيها بعض أهل العلم على أساس أنها هي لعب البنات الموجودة في النصوص، وأن عائشة كان عندها لعب، كانت تلعب بلعب البنات، وعندها فرس له جناحان، وعندها وعند غيرها، لكن ما المراد بهذه العرائس وهذه اللعب؟ فسرها أهل العلم الشراح قالوا: اللعبة هذه عبارة عن وساد كبير في رأسه وساد صغير، ولا في أكثر من هذا، ليس فيه أكثر من هذا، والآن العرائس واللعب الموجودة الآن المضاهاة التامة لخلق الله، فهي الصور المجسمة التي أجمع العلماء على تحريمها، مضاهاة مصورة بدقة، بدقة فاتنة، ومن مضاهاتها أنها إذا أضجعت أغمضت عينيها، إذا أجلست ضحكت، إذا أوقفت وصفق لها رقصت وغنت، هل يشك في تحريم مثل هذه العرائس؟ إذاً ما الصور المجسمة المجمع على تحريمها إن لم تكن هذه؟ إضافة إلى أنه وجد أنواع من هذه المجسمات التي يسمونها عرائس ولعب بنات بأحجام تثير الغرائز، وإخواننا في الهيئة وفي الحسبة عندهم قصص من هذا النوع، لا يحسن ذكره في هذا المكان.

جوال الكاميرا لا شك أنه آلة تصوير وهو بحد ذاته قد يصور ما فيه روح فيكون تصويره محرماً، وقد يصور ما لا روح فيه وتصويره جائز، وإن كان المختار عند الإمام القرطبي المفسر المعروف أنه لا يجوز تصوير خلق الله ولو لم يكن ذا روح، فلا يجوز عنده تصوير الأشجار، لكن عامة أهل العلم على جواز تصوير ما لا روح فيه، مثل ما قلنا: إن هذا الجوال قد يصور المباح وقد يصور المحرم، لكنه يسهل المحرم، وقد يجد الإنسان نفسه في موقف يفرض نفسه عليه التصوير، التصوير يفرض عليه نفسه كيف؟ قد يكون شاب من الشباب صالح لا يرى مثل هذه الأمور وقد ينكر هذه الأمور ولو تمكن من هذه الكاميرات لكسرها، وقد يكون قد شارك في وقت من الأوقات في تكسير الكاميرات في المشاعر، لكنه الآن اقتنى هذا الجوال باعتبار أنه فيه خدمات لا توجد في غيره، لكن ماذا عن الثبات؟ إذا حمل الجوال الذي فيه الآلة اللي تسهل له مزاولة هذا المنكر؟ هذا لا ينتبه، أو قد لا يجد الصراع النفسي في تصوير نفسه، في تصوير والده، في تصوير والدته، في تصوير أخيه، لا يجد صراع قوي في تصوير هذا، لكن ماذا عما لو رزق بطفل وجعل الطفل يحبو مرة ومرتين ثم يسقط، هذا المنظر لن يتكرر عليه مرة ثانية، فيأتيه الشيطان يقول: اغتنم هذه الفرصة والتصوير فيه خلاف، فتجده يجرأ على مثل هذا التصوير، وماذا عن الطفل إذا خطا مرة أو مرتين في بداية المشي يقوم ويعثر يقول له الشيطان: هذا المنظر لا يمكن يتكرر عليك مرة ثانية؟ فيسهل عليه التصوير، ثم بعد ذلك إذا صور صور انتهى، وعرفنا شباب في غاية من التحري والتثبت ثم بعد ذلك لما ملكوا هذه الآلة أقدموا على التصوير وصاروا يصورون من غير قيد ولا شرط، ثم مالوا إلى القول الآخر وقالوا: تبرأ الذمة بتقليد فلان وفلان، لكن المسألة مسألة هوى، كان يرى حرمة التصوير ثم رأى إباحته لا من أجل نظر في الأدلة وتغير اجتهاد، لا، لكن الهوى قاده إلى ترجيح هذا القول من غير نظر في أدلته، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

المنهجية في قراءة الكتب وجرد المطولات

المنهجية في قراءة الكتب وجرد المطولات الشيخ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فإن هذا الموضوع الذي اختاره الإخوة عنواناً لهذا الدرس يحتاج إلى محاضرات، بل إلى وقت؛ لأن كل فن يحتاج إلى وقت مستقل -من فنون العلم-، سواء كان العلم الشرعي، أو ما يعين على فهم العلم الشرعي، لكن في هذا الدرس نُلِمُّ بأطرافه -إن شاء الله تعالى-، ونذكر -بإذن الله جل وعلا- ما لعله أن يفيد السامع، وإن كان قد تقدم لقاءات كثيرة في هذا الشأن، وسُجِّلت، والأشرطة موجودة، ولكنها متشعبة تحتاج إلى أن تلتقط من عدة لقاءات. المقدمة: في هذه الساعة نبدأ بمقدمة لبداية التأليف والتصنيف. في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يكن هناك كتب مصنفة ولا مؤلفة، حتى القرآن لم يكن مجموعاً في مصحف، بل كان محفوظاً في الصدور، ومكتوباً كتابات متفرقة، والخشية مأمونة في ذلك الوقت مع وجوده -عليه الصلاة والسلام- في أن يختلط هذا القرآن بغيره، وفي أن يضيع منه شيء؛ لأن الله -جل وعلا- تكفل بحفظه.

لما فتحت البلدان ووجدت بوادر للاختلاف على أصل الأصول وهو القرآن، بادر الصحابة -رضوان الله عليهم- بجمعه، فجمع في عهد أبي بكر جمعاً مبدئياً، ثم جمع الجمع النهائي في عهد عثمان -رضي الله تعالى عنه-، وكَتَبَ منه نسخاً أربع، أو خمس، وأرسلها إلى الأمصار، واعتمدها الناس، ومازالت بأيدي الناس إلى يومنا هذا، وهذا برهان على حفظ القرآن الذي تكفل الله بحفظه من الزيادة والنقصان، حتى ذكر البيهقي في دلائل النبوة: عن يهودي دعاه القاضي يحيى ابن أكثم إلى الإسلام، فلم يُسْلِم، لم يسلم لما دعاه القاضي يحيى ابن أكثم، وبعد ذلك، بعد مرور سنة كاملة جاء ليعلن إسلامه على يدي القاضي يحيى ابن أكثم، فسأله عن السبب في هذا التأخر؟ فذكر له: أنه عمد إلى التوراة فكتب منها نسخاً حَرَّفَ فيها وغير وبدل، ثم ذهب بها إلى سوق اليهود، فتخطفوها من يده، واشتروها، وقرؤوها، وعملوا بما فيها، ثم صنع مثل ذلك في الإنجيل، -قدم وأخر وزاد ونقص وحرف-، ثم بعد ذلك عرضه على النصارى، فاشتروه، واعتمدوه، ثم بعد ذلك عَمِدَ إلى القرآن الكريم فغير فيه تغييرات يسيرة جداً لا تكاد تُلْحَظ، فجاء به إلى سوق المسلمين -سوق الوراقين- من المسلمين، فمن نظر فيه رماه في وجهه، ثم بعد ذلك أعلن إسلامه، وذكر القصة ليحيى بن أكثم. فلما حج يحيى بن أكثم التقى سفيان بن عيينة، واجتمع به، وذكر له القصة، فقال: هذه القصة شاهدها في القرآن، فالله -جل وعلا- تكفل بحفظه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(9) سورة الحجر]، لا يستطيع أحد، ولا يجرؤ أن يزيد أو ينقص، وأما بالنسبة للتوراة والإنجيل، فقد استحفظوا عليها، ووكل حفظهما إليهم، فلم يحفظوا، فوقع ما وقع من التحريف والتبديل والزيادة والنقصان، هذا الكتاب المحفوظ بين الدفتين هو أصل الأصول بالنسبة لهذا الأمة، وفي فلكه تدور جميع الكتب، بما في ذلك السنة؛ لأنها مفسرة للقرآن ومبينة له وموضحة للقرآن. نعم! فيها أحكام زائدة على ما جاء في القرآن وتستقل بتشريع بعض الأحكام، وهي من الوحي كما قال: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى*ِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [(3 - 4) سورة النجم]. تدوين السنة:

بالنسبة لتدوين السنة، جاء في حديث أبي سعيد عند مسلم: ((لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآن، ومن كتب شيئاً غير القرآن فليمحه))، ومع ذلكم كان من الصحابة من يكتب، فمنهم من حمل هذا الأمر أو هذا النهي على الكراهة، الأمر على الكراهة، يعني خلاف الأولى، يعني اعتنوا بالقرآن ولا تخلطوا معه غيره، ومنهم من حمل هذا النهي على ما إذا خيف اختلاط غير القرآن بالقرآن بأن تكتب السنة مع القرآن في صحيفة واحدة فيتجه النهي حينئذٍ، ومنهم من حمله على ما إذا اعتمد الناس على الكتابة وتركوا الحفظ.؟ والواقع يشهد بهذا، أن من اعتمد على ما يكتب فإن الحافظة عنده تضعف إلى أن تذهب، فالذي يكتب ما يحتاج إليه، يعتمد على هذا المكتوب، ثم إذا تذكر شيئاً منه لم يذكره، بينما من لم يكتب وانتبه لما يُذْكر وما يُقال لا شك أنه يحفظه، والناس متفاوتون في الحفظ قوة وضعفاً. بعد هذا أُمن المحظور، فأمر عمر بن عبد العزيز بكتابة السنة؛ خشية أن تضيع بموت الصحابة -رضوان الله عليهم-، وهذا هو بداية التدوين الرسمي للسنة، وأما قبل ذلك فهو تدوين شخصي ككتابة عبد الله بن عمرو بن العاص، في قوله عليه الصلاة والسلام: ((اكتبوا لأبي شاه)) هذا أمر بالكتابة لكنه نادر، ويبقى أن الضبط والكتابة للقرآن، ولم يكتب غيره خشية أن يختلط به. وما خيف منه من الاعتماد على الكتابة وضياع الحفظ هو الحاصل، فالناس قبل أن يكتبوا يحفظون، والتدرج الزمني الذي حصل يشهد بهذا، فكان الصحابة يحفظون السنة، ثم بعد ذلك جاء بعدهم التابعون وهم حفاظ، ثم بعد ذلك بدأ التدوين وما زال الحفظ في الأمة حتى وجد من الأئمة من يحفظ سبعمائة ألف حديث أكثر من الحواسب، أكثر مما جمع في الحواسب بكثير، ثم انتشرت الكتابة وما زال الأمر يضعف، -أعني مسألة الحفظ؛ حفظ الصدر-، وإن كان حفظ الكتاب الذي هو عنوان وبرهان لحفظ هذا الدين ما زال مستمراً. ولم يفت على الأمة شيء، ولم يضع من دينها وعلمها شيء بمجموعها، استمر الأمر على ذلك والحافظة عند الناس تضعف اعتماداً على هذه الكتب، ونظراً لكثرتها وتنوعها وتشعبها. تدوين الكتب:

في أول الأمر كتبت السنة، ثم كتبت الآثار عن الصحابة والتابعين، ثم دونت أقوال الرجال، وصار لها أثر على حفظ السنة. دونت العلوم وصنفت الكتب فمنها الغايات ومنها الوسائل، ومنها ما يتوصل به إلى المطلوب، ويكون مطلوباً لا لذاته، ثم بعد ذلكم جاءت المطابع، فصارت الكتب متيسرة أكثر مما كان عليه الأمر قبل، تيسر الحصول على الكتاب بعد المطابع. في السابق قبل وجود هذه المطابع، إذا احتجت إلى كتاب: إما أن تستعيره وتحرص على قراءته والفراغ منه وتعيده إلى صاحبه، أو تنسخ الكتاب، وكتابة الكتاب ونسخه أفضل من قراءته عشر مرات، ويستفيد الطالب بهذه الكتابة كما أنه يستفيد إذا استعار الكتاب؛ لأن يوماً من الأيام لا بد أن يُرد على صاحبه، بخلاف ما إذا اقتناه الإنسان، والاقتناء غير متيسر للسواد الأعظم من طلاب العلم، يصعب على طلاب العلم اقتناء الكتب قبل وجود هذه المطابع، فأوجدت هذه المطابع، وهي بقدر ما هي نعمة من نعم الله -جل وعلا- إلا أن لها من الأثر على الحفظ ودراسة هذه الكتب ما يشاهده كل أحد. في أول الأمر، في بداية الطباعة أفتى بعض شيوخ الأزهر بتحريم طباعة الكتب الشرعية، وأجازوا طباعة كتب التواريخ والأدب واللغة وما أشبهها، ولا شك أن هذه -لا سيما في أول الأمر- نظرة طبيعية؛ لأن هذه الكتب توجد ريبة في قلوب العلماء؛ لأنهم يعرفون من آثارها ما يعرفون، فإذا كان الأمر قبل الكتابة الاعتماد كله على الحفظ، ثم بعد ذلك لما انتشرت الكتابة صار الاعتماد على الكتابة، والكتابة تحتاج إلى معاناة، وبالمعاناة يثبت العلم، ثم بعد الطباعة ما الذي حصل؟ حصل أن طالب العلم يجمع من الكتب أضعاف ما كان عند شيوخه، ومع ذلكم لا يعرف عنها شيئاً. يعني طالب العلم الحريص المجتهد الذي إذا اشترى الكتاب قرأ المقدمة وصار عنده تصور عن الكتاب، أما أن يُقرأ الكتاب من أوله إلى آخره، -مع كثرة المطبوعات- لا شك أن دونه خرط القتاد. ثم استمر الأمر بعد الطباعة إلى أن ظهرت هذه الحواسب، هذه الحواسب التي يسرت كثيراً على المتعلمين، وبضغطة زر في ثواني تحصل على ما تريد، لكن القاعدة: أن ما أخذ بسهولة يفقد بسهولة.

يعني تضغط زر وتستخرج ما تريد من النصوص من الكتاب، من السنة، بالطرق بالأسانيد، تستخرج ما تريد من أقوال أهل العلم بسهولة، لكن ما الذي يثبت من هذا العلم الذي يؤخذ بسهولة، إذا فقد الكهرباء عاد طالب العلم عامياً، نعم هذا هو الواقع؛ لأن العلم متين يحتاج إلى معاناة، ويحتاج إلى حفر في القلوب، ما يحتاج أن يمر مرور السراب، ومثلنا لذلك: بمن يمشي على رجليه بشارع من الشوارع، وهذا الشارع فيه محلات تجارية، وينظر في هذه العناوين الموضوعة على هذه المحلات، إذا انتهى من الشارع يكون قد حفظ شيئاً كثيراً، وعرف ما في هذا الشارع من المحلات، لكن إذا مر بهذا الشارع بسيارة، هل يحفظ منها شيء؟ أو يعرف المحلات؟ ما يعرف شيء. فالذي يمر بسرعة لا شك أنه لا يثبت في القلب منه شيء، وقد يقول قائل: إذا كان الأمر كذلك، فهل نكتب الكتب ولا نعتمد على الطباعة؟ نقول: لا يا أخي؛ الآن الطباعة فرضت نفسها، وهل نترك هذه الحواسب؟ نقول: لا يا أخي. إذاً كيف يتفق هذا مع ما ذكرت؟ نقول: الكتب يقتنى منها ما يحتاج إليه؛ لأن كثرة التصانيف -كما قال ابن خلدون- مشغلة عن التحصيل. وأما بالنسبة لهذه الحواسب فلا يعتمد عليها، ولا يعول عليها في بناء طالب علم أبداً، فطالب العلم لا يعتمد عليها البتة في بناءه العلمي، إنما يتعلم على الجادة على طريقة من سبق بحفظ المتون، ومجالسة الشيوخ وملازمتهم، وبمطالعة الشروح والحواشي، ثم بعد ذلك يستفيد من هذه الآلات، إذا أراد أن يخرج حديث يخرجه بنفسه من الكتب، وإن استطاع أن يخدم نفسه بنفسه دون الفهارس فهو أولى. قد يقول قائل: إن في هذا إضاعة وقت؟ نقول: نعم فيه إضاعة وقت، لكن وقت في سبيل من؟ في سبيل التحصيل، وأنت تريد حديثاً من الأحاديث -في طريقك إلى الوقوف على هذا الحديث- تمر بأحاديث كثيرة، أنت قد تكون بحاجة إليها أشد من الحديث الذي تنشده وتطلبه. إذا أردت أن تقف على مسألة من مسائل العلم، وتوصلت إليها بنفسك، ما توصلت إلا بعد أن مررت على مسائل كثيرة. كثير من الناس من طلاب العلم مع الأسف يقول: الناس في عصر السرعة، وتعدو هذا الكلام وتخطوه، الآن بلحظة تأخذ ما تريد؟ فنقول: نعم بلحظه، لكن ما النتيجة؟

إذا أردت تخريج حديث فاتعب عليه، ويش المانع أن تتعب على الحديث؟ إتعب على جمعه -جمع طرقه وألفاظه-، وقد تقف على عشرين طريقاً بنفسك، ثم بعد ذلك لا مانع من أن ترجع إلى هذه الآلات فتختبر العمل، علك أن تقف على طرق لم تقف عليها بنفسك، وحينئذ تثبت هذه الطرق التي أخذتها من الآلات في قلبك؛ لأنها قدر زائد على ما جمعت، تتشوف إليه. فهذه يستفاد منها في اختبار العمل، يستفاد منها –أيضاً- عند ضيق الوقت، إذا ضاق الوقت عندك خطبة جمعة، وما بقي إلا ربع ساعة، وأنت محتاج إلى حديث ما تدري ماذا قال فيه أهل العلم؟ لا مانع من أن تطلع على درجته من خلال هذه الآلات، أما أن تعول عليها في مبتدأ أمرك فلا. فلا بد أن يكون طلب العلم على الجادة، وأن يتعب في تحصيله، وأن يسلك السبل والطرق التي سلكها من تقدم، لنحصل على ما حصلوا عليه، ولذلكم مع هذه التيسيرات وهذه التسهيلات، كم في الأمة من الحفاظ؟ -أعني حفاظ السنة- وإن كانت البوادر -ولله الحمد- قد ظهرت وتبشر بخير، وبعثت آمال، وكانت الطريقة عند أهل العلم حفظ المختصرات الصغيرة اليسيرة، مثل: الأربعين، ثم العمدة، ثم البلوغ. ومن يتطاول على المنتقى فضلاً عن أن يحفظ الكتب المسندة؟ لكن مع ذلك الآمال -ولله الحمد- وجدت، ففي الشباب من يحفظ آلاف الأحاديث، وهذا يبشر بخير، لكن لا يكفي هذا، لا يكفي أبداً، بل لا بد من معرفة الفقه، والاستنباط من هذه الأحاديث، ومعرفة ثبوت هذه الأحاديث من عدم ثبوتها، فلا بد أن نتحقق من ثبوتها بمعرفة الأسانيد والطرق؛ لأن الإخوان يحفظون أحاديث مجردة بدون تكرار، لكن لا بد من التكرار، لا بد من الأسانيد، لا بد من النظر في المتون. قد يقول قائل: إنهم في هذه المرحلة في مرحلة تخزين، تخزين للمتون؟ نعم صحيح، لكن لا بد أن يعود إلى هذا العلم مرة أخرى ليتفقه فيه على طريقة شرحناها مراراً، وإن كان الآن بدأنا ندخل في السنة، والأصل أن نتحدث عن القرآن. كيفية التفقه في السنة؟ ذكرناها مراراً، وهي سهلة وميسورة، لكنها تحتاج إلى وقت، وتحتاج إلى معاناة، وتحتاج إلى تعب، باختصار:

تأتي إلى البخاري، وتجعله المحور والأساس الذي تدور عليه، وهذه مرحلة لاحقة بعد حفظ المتون المعتبرة عند أهل العلم في الفنون، وعلى حسب الترتيب الطبقي لمستويات الطلاب. تأتي إلى الحديث الأول في البخاري، وتجد الإمام البخاري خرجه في سبعة مواضع، تنظر في هذه المواضع كلها، وتنظر بم ترجم البخاري على هذا الحديث في هذه المواضع، وتقارن بين الأسانيد في المواضع السبعة، هل هي متطابقة؟ مختلفة؟ هل زاد البخاري في هذا الموضع على الموضع الآخر؟ هل تغير بعض الرواة؟ هل تغيرت صيغ الأداء؟ كل هذا مؤثر في فهم السنة، وفي تحصيل هذا العلم العظيم. إذا انتهيت من المواضع، تنظر في مطابقة الحديث للترجمة التي وضعها البخاري عنواناً لهذا الحديث، وتربط هذا الحديث بترجمته، وتنظر في أقوال السلف من الصحابة والتابعين التي يذكرها المؤلف -رحمه الله تعالى- تحت هذه الترجمة؛ لأنها خير معين على فهم الحديث. وإذا نظرت في المواضع السبعة على هذه الطريقة، تكشف لك أمور، لا تتكشف لك إذا اقتصرت على موضع واحد كما هو شأن المختصرات؛ لأنه أحياناً يختصر البخاري، وأحياناً يبسط، أحياناً تجد كلمة تفتح لك آفاق في فهم هذا الحديث، وكم حصل من الخبط بالنسبة للشروح والخلط التي لا يُعنى مؤلفوها بالنظر في أطراف الحديث، ثم إذا أنت انتهيت من هذه المواضع تنظر إلى حديث في صحيح مسلم بطرقه وألفاظه، وبما ترجم عليه الشراح؛ لأن مسلماً لم يترجم الكتاب. ثم بعد ذلك تنظر في سنن أبي داوود ثم في الترمذي والحديث مخرج عند الجماعة، بهذه الطريقة يكون لديك التصور كامل للحديث، وبهذه الطريقة تتفقه في السنة ويكون عندك فقه الحديث على طريقة أهل الحديث. كيف تقرأ القرآن؟ وكيف تفهم القرآن؟ لأنه لابد من أن نبدأ بأصل الأصول. القرآن محفوظ بين الدفتين؛ فلذلك لا تتعب في مسألة ثبوته كالسنة، ولا في جمع طرقه، ولا غير ذلك، تقرأ القرآن على الوجه المأمور به، وهذا يكون بعد الحفظ إن تيسر؛ لأن ما يأتي الحفظ، الحفظ ما يتيسر لكل الناس -مع أن الله جل وعلا قد يسر القرآن- {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(17) سورة القمر].

القرآن ميسر -ولله الحمد-، فيكون هذا بعد الحفظ، تنظر في المصحف، وتقرأ فيه على الطريقة المأمور بها بالتدبر والترتيل، وأنت تنظر في كلماته، ما يُشكل عليك من هذه الكلمات تدونه في كراس، الذي يشكل عليك من كلماته تدونه في كراس، وهذا يسميه أهل العلم غريب القرآن، ومن أفضل ما كتب في غريب القرآن: كتاب صغير اسمه: نزهة القلوب لابن عُزيز السجستاني: كتاب مختصر في غريب القرآن أثنى عليه أهل العلم كثيراً من المتقدمين والمتأخرين. المنهجية في التفسير: ويكون بيد طالب العلم المبتدئ بعض التفاسير الموثوقة المختصرة جداً؛ لأن كثرة التفاريع تُذهب عليه الوقت دون فائدة؛ لأنه لا يستوعب، ومن أنفع ما يرجع إليه طالب العلم المبتدئ في فهم القرآن، في فهم ألفاظ القرآن؛ لأن الألفاظ لا بد أن تفهم، والمعاني أيضاً لا بد أن تفهم. في فهم القرآن، في فهم ألفاظه يكون بيد طالب العلم "توفيق الرحمن لدروس القرآن: للشيخ فيصل المبارك" هذا التفسير على اختصاره هو مختصر جداً، مختصر من ابن جرير والبغوي وابن كثير، وهو على منهج السلف -مختصر جداً- فجعل القرآن على ثلاثمائة وخمسين درس بقدر أيام السنة، وأيضاً يستفاد في فهم معاني القرآن من تفسير الشيخ ابن سعدي -رحم الله الجميع-، هذه التفاسير المختصرة تجعل طالب العلم لا يتشتت، فيرجع في غريب القرآن إلى السجستاني، ويرجع -أيضاً- إلى تفسير الشيخ فيصل بن مبارك، ويرجع أيضاً إلى تفسير ابن سعدي في هذه المرحلة، ومع ذلك يفيد من كتب علوم القرآن: يستفيد من كتب علوم القرآن، وكتب علوم القرآن التي ألفت على طريقة المتون تفيد طالب العلم في مرحلته الأولى منها "رسالة للسيوطي" جيدة في هذا الباب، وكذلك منظومة "الزمزمي": هي نضم لهذه الرسالة، والرسالة مأخوذة -مستلة- من كتاب للسيوطي اسمه: "النقاية". وهذه الكتب موجودة ومتداولة ومشروحة، لها شروح مسجلة ومطبوعة –أيضاً- فيفاد منها، ومع ذلك يحتاج إلى فهم المشكل من معاني القرآن.

ولابن قتيبة كتاب اسمه: "تأويل المشكل"، لكن أنا عندي أن مشكل القرآن يؤجل إلى المرحلة الثانية، يكفي أن نفهم ونعنى بألفاظ القرآن بحيث لا يشكل علينا لفظ، وأما المشكل والاستنباط من القرآن واستخراج درر القرآن وعجائب القرآن هذه مرحلة لاحقة، تلي هذه المرحلة. فإذا أكمل القرآن على هذه الطريقة -حفظ القرآن- ونظر في ألفاظه ورجع في ما يشكل عليه إلى كتب الغريب، غريب القرآن، وهذه التفاسير المختصرة إذا أنهى القرآن على هذه الطريقة لا شك أنه يخرج بفائدة عظيمة، وقد يطلب العلم سنين عديدة، ثم تسأله عن لفظة غريبة في القرآن فلا يجد الجواب، لكن إذا عنى به من أول الأمر سهل عليه. بعد هذا إذا تعدى هذه المرحلة يعنى بتفسير الإمام الحافظ ابن كثير- تفسير ابن كثير- ويكون مع ذلك نظر في العلوم الأخرى على ما سيأتي، تفسير ابن كثير، كثير من الناس يقول: قرأت تفسير ابن كثير لما انتهيت ما عندي شيء، نقول إذا كانت الحافظة لا تسعفك فاختصر التفسير، اختصره بنفسك، تفسير ابن كثير له مختصرات موجودة ومتداولة ومتعددة؟ نقول: يا أخي لا تعتمد ولا تعول على المختصرات؛ لأن العلم إنما يثبت بالمعاناة فاختصر تفسير ابن كثير؛ لأنك الآن عندك شيء من الأهلية، عنده أرضية -كما يقولون-، فإذا اختصرت تفسير ابن كثير وعرضته على من تثق بعلمه وسدد لك هذا المختصر بعد الرجوع إلى أصله، لا شك أنك إذا انتهيت عندك رصيد كبير مما ذكره الحافظ ابن كثير -رحمه الله- من الأحاديث والآثار والتوجيهات للأقوال والاستنباط والفقه. إذا ارتفعت درجة وأردت أن تنظر وتجمع بين التفسير بالأثر الذي عليه المعول والتفسير بالرأي -كتب التفسير التي تعنى بالصناعة اللفظية- فتجمع بين تفسير البغوي بعد ابن كثير أو الطبري مع تفسير أبي السعود لعنايته بالمباحث البلاغية، وتفسير أبي حيان لعنايته بالمباحث النحوية والصرفية، وغيرهما من التفاسير.

لكن قد يقول قائل: العمر لا يستوعب إذا كان هذا فن واحد ونحتاج إلى هذه الكتب؟ نقول: نعم، تحتاج إلى هذه الكتب، وبعض طلاب العلم قد تتقدم به السن ويتسلم المناصب، ويسود على غيره ويتصدر لتعليم الناس وإرشاد الناس ووعظهم وتوجيههم ولو تسأله هل قرأت تفسيراً كاملاً؟ يقول لك: ما قرأت تفسيراً كاملاً. فإذا اختصر تفسير ابن كثير وانتهى منه ثم اِرتقى إلى البغوي والطبري ثم نظر في كتب التفاسير الأخرى المتنوعة الفنون ممن يعنى بالعلوم الأخرى المعينة على فهم القرآن كفروع علوم اللغة من نحو وصرف ومعاني وبيان وبديع وإعجاز وغير ذلك. وأيضاً: ينظر في كتب أحكام القرآن، كتب أحكام القرآن موجودة -مع الأسف أنها موجودة على المذاهب عدا المذهب الحنبلي- الآن المتداول بين الناس، فتجد أحكام القرآن لابن العربي على مذهب مالك، إلكيا الطبري الراسي على مذهب الشافعي، الجصاص على مذهب أبي حنيفة. لا مانع أن يتخذ على طالب العلم آلية تعينه على فهم هذه الكتب فينظر في آيات الأحكام ويراجع لها هذا الكتب، ويثبت المذاهب الثلاثة من هذه الكتب، ثم بعد ذلك يأتي بالمذهب الحنبلي من كتب الفقه الحنبلي فيسدد هذا النقص. وإذا انتهى من هذه الكتب الثلاثة، المسألة ما هي بمسألة سواليف أو مسألة استرخاء، يقول: والله أنا عندي روحات وجيَّات وأسفار ورحلات وهو بيقرأ هذه الكتب، ما يمكن، فلا بد أن يقتطع من عمره سنين حتى يثبت العلم في قلبه، وإلا لو كان العلم بهذه السهولة كان كل الناس علماء؛ لأننا نرى رفعة العلماء في الدنيا فضلاً عن الآخرة، كان كل الناس علماء، وفي أسواق المسلمين من يفوق في الفهم والحفظ والذكاء كثير ممن ينتسب إلى العلم، كان هؤلاء علماء، لكن دون تحصيله هذا التعب الشديد، فنحتاج إلى أن نعتكف لقراءة هذه الكتب، فإذا نظرنا في هذه الكتب على هذه الطريقة وجمعنا بين أقوال أهل العلم، مذهب أبي حنيقة نأخذه من الجصاص، مذهب مالك نأخذه من ابن العربي، مذهب الشافعي نأخذه من إلكيا الطبري، والمذهب الحنبلي نأخذه من المغني إيش المانع؟ ما الذي يمنع؟ نراجع هذه المسائل في المغني ونضيف حقل رابع للمذهب الحنبلي، إذا انتهيت من هذه الكتب.

قد يقول قائل: إنه مع الجد تحتاج إلى سنة! طيب سنة، وبعدين؟ ويش أنت عجلان عليه؛ لأننا نمضي عشرات السنين ما صنعنا شيء، فبعد ذلك إذا تأهل فينظر في الكتب التي فيها فائدة، وفيها شوب بدعة؛ لأنها فيها فوائد، لكن مع ذلك يمنع من النظر فيها في المرحلة الأولى والثانية والثالثة وجود هذه البدع، فعندك مثلاً تفسير الزمخشري فيه من الفوائد اللغوية والبلاغية والبيانية قد لا يوجد في غيره مثله، ونعرف أنه معتزلي وشبهه استخرجها أهل العلم بالمناقيش، ومع ذلك لا تنظر فيه مجرداً، انظر فيه مع حواشيه، والأمنية قائمة في أن يتصدى أهل السنة وأهل الخبرة، أهل الاختصاص في العقيدة، وأهل الذهن الحاضر الوقاد لهذه الكتب فيعلق على ما فيها من مخالفات؛ لأننا قد نجد من يعلق على الزمخشري ويبين اعتزالياته، لكن هو متلبس ببدعة أخرى، فكون هذه الكتب لا ينظر فيها من قبل أهل السنة، وقد يدور ذكرها على بعض الألسنة ونجد –مثلاً- في تفسير ابن كثير: نقول عن الزمخشري، نقول عن الرازي، فطالب العلم إذا قرأ في هذه النقول استهواه ما نقله الحافظ ابن كثير عن هذه الكتب إلى الرجوع إلى هذه الكتب، لكن لا يمكن أن يجرؤ طالب علم إلى القراءة في مثل تفسير الرازي؛ لأنه خطر على طالب العلم، خطر، ولذا المرجو والمطلوب من أهل التحقيق من أهل العلم الذين عندهم خبرة ومعرفة بهذه الأمور أن يعلقوا على هذه الكتب، فيستفاد منها ويتقى شرها. إذا انتهينا من هذه الطريقة -قرأنا كتب التفسير بهذه الطريقة- نخرج بفائدة عظيمة، هذه الكتب مطولات قد يقول طالب: أنا لا أستطيع أن أستوعب هذه المطولات، وهذه الطريقة تصلح لكتب التفسير وكتب الحديث وغيرها من الكتب. يكون معك أقلام أربعة أو خمسة بألوان، وأنت تنظر في تفسير القرطبي –مثلاً-: وهو أطول تفسير في أحكام القرآن، وفيه من الفوائد شيء كثير، لكنه على مذهب الأشاعرة.

وأيضاً فيه من الأحاديث الضعيفة والواهية والموضوعة شيءٌ كثير؛ لأنه ليس من أهل الصناعة، تقرأ في تفسير القرطبي –مثلاً- وعندك الأقلام الملونة، والمسألة مسألة جرد قراءة؛ لأن الكتاب من عشرين مجلد، إذا أردت أن تقف عند كل مسألة ما تنتهي، تأخذ القلم الأحمر وتقول: قف، عند مبحث تريد حفظه؛ لأن بعض المباحث يمر عليك في هذا التفسير أوفي غيره لا بد أن تحفظه؛ مثل هذا لا يمكن أن يمر ثانية، هذا تستفيد منه في كل العلوم ينير لك طريقك، بعض التوجيهات في بعض الكتب هذه يفتح الله -جل وعلا- بها على هذا المؤلف بحيث لا توجد عند غيره، فمثل هذه اكتب: قف -بقلم أحمر-، وفي طرة الكتاب تقول: اللون الأحمر -مثلاً- صفحة كذا. يأتيك مسألة صعبت عليك وتريد أن تراجعها لتفهمها الأخضر: قف. تذكر الاصطلاح في طرة الكتاب: الأحمر لما يراد حفظه، الأخضر لما يراد مراجعته، تحتاج تراجع على شان تفهم، إذا ما فهمت بنفسك راجع أهل العلم يحلون لك هذا الإشكال، وجدت مقطعاً أعجبك أسلوبه وتريد أن تستفيد منه في إنشاءك، وفي إلقاءك وفي تعليمك فتأتي بالقلم الأسود وتقول: قف؛ لتعود إليه مرة ثانية، فتنقله إلى مذكرتك، وهكذا. بهذه الطريقة في سائر الكتب المطولة يستفيد طالب العلم؛ لأن هذه المطولات لا يمكن أن تعامل معاملة متون، فتفهم كل شيء فيها؛ ما يمكن؛ لأن أهل العلم لما صنفوا المصنفات وجعلوا منها المختصرات؛ لتحفظ، وجعلوا منها المطولات؛ لتُفْهِم ويستفاد منها، ويستعان بها على فهم هذه المختصرات. أنواع الكتب عند أهل العلم: فالكتب عند أهل العلم على أنواع: منها المتون، ومنها الشروح، ومنها الحواشي، ومنها النكت، -وبعض الطلاب يسمع النكت على كتاب كذا، يظنه الأخبار الطريفة المضحكة، ليس الأمر كذلك، بل هي المسائل المشكلة-، هي المسائل المشكلة: يعني ليست حاشية تتعرض لكل شيء، وإنما هي في مسائل دون مسائل، هذه المطولات تقرأ بهذه الطريقة، وانتهينا من التفسير، نأتي إلى الحديث. المنهجية في الحديث:

الحديث يُبدأ فيه بالأربعين النووية؛ لأن ابن عباس يقول: الرباني هو الذي يبدأ بصغار العلم قبل كباره، يبدأ بصغار العلم قبل كباره؛ فتبدأ من العتبة الأولى لهذا السلم الذي ترتقيه لنيل هذه المطالب. تبدأ بالأربعين النووية وهي أحاديث جوامع من كلم النبي -صلى الله عليه وسلم- فتحفظ الأربعين وتراجع عليها الشروح الموثوقة من قبل أهل العلم، المختصرة أيضاً. ثم تقرأ في العمدة، في العرضة الأولى تقرأ كتاباً ميسراً على العمدة؛ لأن العمدة أُلف فيها، أو في شرحها كثير، فتقرأ عليها شرحاً مبسطاً، يعني في بداية الأمر لو قرأ الإنسان شرح الشيخ عبد الله بن بسام (تيسير العلام) ينفعه ويستفيد منه، وسهل جداً كتاب شبه مدرسي، ثم بعد ذلك يقرأ على العمدة شرح ابن دقيق العيد؟ نقول: لا، يؤجل شرح ابن دقيق العيد إلى أن يقرأ كتب أخرى؛ لأن شرح ابن دقيق العيد في غاية الصعوبة. ومن استطاع أن يتعامل مع شرح ابن دقيق العيد ويخرج منه بحيث لا يشكل عليه شيء فهذا تعلم السباحة، فليقرأ أي كتاب من شروح السنة، بعد هذا يقرأ، يحفظ البلوغ ويقرأ في شروحه ويجمع بين سبل السلام وتوضيح الأحكام للشيخ عبد الله البسام -إذا جمع بينهما استفاد فائدة عظيمة-؛ لأن شرح الصنعاني شرح متين يمكن أن يربى عليه طالب علم بخلاف الشروح التي أشبه بالمذكرات التي لايستشكل منها شيء، هذه لا يربى عليها طالب العلم، لكنه ينتفع منها وفيها فوائد، وفيها ما يعين طالب العلم، فإذا قرأ بلوغ المرام -لأنه مخدوم-، وقرأ معه في الوقت نفسه المحرر لابن عبد الهادي، وقارن بين الكتابين، ونظر في زوائد هذا، وزوائد هذا، واستخرج الزوائد على الكتابين، ونظر في أحكام ابن حجر، وابن عبد الهادي وقارن بينهما، وبحث؛ ليصل إلى القول الصائب من هذين القولين مع مراجعته للشروح، بعد ذلك يتأهل للكتب المسندة الكبرى، يقرأ في البخاري، في مسلم، في بقية الكتب الستة، ويراجع على كل كتاب منها شرح.

وإن أراد أن تكون قراءته للشروح سرداً وجرداً؛ لأن الفائدة من قراءة المطولات -مثل: شروح البخاري- تولد عند طالب العلم ملكة يستطيع بواسطتها أن يتعامل مع الأحاديث، لأنه ليس كل الأحاديث مشروحة، إذا سمعت حديث مباشرة ترجع إلى شرحه فترى كلام أهل العلم له، أنت في يوم من الأيام سوف تقف على حديث لم يشرح، وإذا نظرت في الشروح، وجردت على كل كتاب شرح أو أكثر من شرح، فإنك حينئذ تتولد لديك هذه الملكة، ويفتح عليك بعض الأمور التي لا توجد في هذه الكتب، وهذا مجرب، لكن قد يقول قائل: إذا بدأت بالبخاري، كيف أقرأ بفتح الباري؟ وكم يحتاج فتح الباري من المدة لكي أنتهي منه؟. نقول: يا أخي فتح الباري، لا شك أن فيه صعوبة مثل: لحم الجمل بالنسبة للصبي، فيه وعورة بالنسبة لطالب العلم، نقول اقرأ قبله كما يقول أهل العلم: "الكوامخ والجوارش مشهيات"، اقرأ الكرماني مثلاً: الكرماني فيه طرائف وفيه لطائف تشد طالب العلم. حقيقة من بدأ بهذا الكتاب لا يتمالك أن يتركه حتى ينهيه، ويقرأه بالطريقة التي ذكرناها عندما يقرأ تفسير القرطبي بالأقلام الأربعة بالطريقة السابقة. فإذا قرأ الكرماني انفتحت نفسه للقراءة، وتعود على القراءة؛ لأن طالب العلم أول ما يبدأ بالقراءة، القراءة لاشك أنها تحتاج إلى معاناة وتحتاج إلى صبر، تحتاج إلى حبس نفس، فإذا قرأ يقرأ في أول الأمر في اليوم ساعة، ثم بعد من الغد النفس تجره وتسحبه إلى القراءة، لا سيما إذا بدأ بمثل هذا الكتاب، فإذا قرأ الكرماني فيه الطرائف، وفيه الغرائب، وفيه العجائب بالنسبة للرواة، وفيه استنباطات، فيه أشياء، وعليه ملاحظات وأوهام. الذي يستشكله يضع عليه من الخطوط ما قدمناه سابقاً، ويراجع عليه ماذا قال ابن حجر: هل وافق الكرماني أو ما وافق؟

ثم بعد الكرماني يقرأ في شرح النووي على مسلم، وهو أيضاً من المشهيات، وفيه ما في شرح الكرماني، وإن كان الكرماني قد يذكر في ترجمة راوي ويطيل فيها بخلاف غيره من الشروح، يذكر في ترجمة هذا الراوي أطرف ما ذكر في ترجمته، وما يستغرب من ترجمة هذا الراوي، سواء كانت في علمه، في عبادته في زهده، في أخباره العجيبة التي ذكرت عنه، فالكرماني، والنووي لاشك أنهما ييسران القراءة على طالب العلم. بعد ذلك إذا قرأ في هذين الكتابين لا مانع أن يقرأ في فتح الباري، ويجد النفس قد انفتحت لقراءته، وفتح الباري إذا خصص له وقت يحتاج إلى سنتين بالطريقة السابقة بالأقلام، ويش المانع أن تفهم البخاري ويرسخ في ذهنك صحيح البخاري بمعانيه ولا يشكل عليك شيء بسنتين؟ يعني متكاثر على البخاري سنتين؛ لأن بعض الطلاب يستعجل الفائدة، ثم بعد ذلك تنبيه أريد أن أنبه له الإخوة: أنه لا بد أن يكون شيء على حساب شيء، فإذا استرسل الإنسان وراء الشروح التي تحتاج إلى مدد متطاولة لا شك أنها سوف تكون على حساب المتون، وقد يغفل الطالب إذا بدأ بالشروح على هذه الطريقة عن أهم المهمات: عن القرآن، مراجعة القرآن، وتلاوة القرآن. فنقول: لا بد أن يقتطع للقرآن جزء يفرضه من وقته من سنام وقته لا من فضوله، جالس في انتظار، ولا عند إشارة ولا في مستوصف، ولا شيء يفتح المصحف، لا، إنما يفرض للقرآن إن استطاع أن يقوم قبل صلاة الفجر ويقرأ حزبه من القرآن هذا أفضل -بلا شك-، وأحضر لقلبه، إن كان لا يستطيع فبعد صلاة الفجر إلى انتشار الشمس ينتهي من حزبه؛ لأنه في خضم هذا الكم الهائل من المقروءات وما يخطط له طالب العلم من الإطلاع عليه قد يغفل عن القرآن، نعم الأوقات المفضولة: أوقات الاستجمام لا مانع أن يقرأ طالب العلم في كتاب تاريخ -مثلاً- للاستجمام وللاعتبار؛ لأن كتب التواريخ فيها العبرة، وكذلك ينظر في كتب الأدب فيها متعة، وقد يحتاج إليها طالب العلم، ومرَّ بنا في علوم القرآن، وعلوم السنة ما كان مفتاحه في كتب الأدب، ولو أن الوقت يستوعب لذكرت أمثلة.

الحديث الذي نتحدث عنه عبارة عن متون وأسانيد وفقه واستنباط من هذه المتون؛ فالأسانيد وسيلة لإثبات هذه المتون، والغاية العظمى هو الاستنباط الذي على ضوءه يكون العمل، فإذا قرأنا في هذه الشروح ورأينا كيف استنبط أهل العلم من هذه الأحاديث، الأذهان تتفتق ويكون لديها الاستعداد للاستنباط والمزيد منه؛ لأن طالب العلم ليس مثل الآلة، هذه الآلات لا تزيد ولا تنقص خزن فيها تجد لا أكثر ولا أقل، لكن طالب العلم وهبه الله -جل وعلا- هذا العقل الذي به يستطيع النظر والموازنة فينظر فيما قاله، يرجع إذا قلنا يقرأ في فتح الباري ووجد صاحب الفتح ينتقد الكرماني يُدون هذا النقد على شرح الكرماني الذي سبق أن قرأه. ثم بعد ذلك أريد أن ننبه إلى أن كل شرح من الشروح له مزيته وله خصيصته. فشرح الخطابي الذي هو أقدم الشروح واسمه "أعلام الحديث" أو "أعلام السنن" لا شك أن مؤلفه إمام، وفتح المجال لغيره واعتمدوا عليه، لكن فيه قصور وعواز شديد. شرح الكرماني فيه مثل ذلك من القصور ما يسدد من الكتب التي جاءت بعده لكنه -قلنا إنه- يفتح الشهية، وفيه فوائد ولطائف وطرائف، وفيه أوهام. إذا قرأ في شرح النووي، ثم فتح الباري استفاد الفائدة العظمى، ثم بعد ذلك هناك كتب لا يستغنى عنها، فإذا كانت خصيصة فتح الباري تكمن في إحاطة الحافظ ابن حجر في الأحاديث التي يشرحها بجميع أطرافها فإن لغيره من المزايا ما لا يوجد فيه. شرح الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى- شرح فيه نفس السلف، شرح معتمد اعتماد كلي على أقوال السلف، وهو أيضاً مجرد من أقوال الخلف وتعقيداتهم. العيني: يفيد طالب العلم في الناحية اللغوية والناحية الفقهية؛ لأنه يطيل أيما إطالة في المسائل اللغوية، ويطيل أيضاً في الفقه والاستنباط إلا أنه فقيه حنفي، قد يكون مدلول على خلاف ما يريد وخلاف ما يقرر، فعلى هذا يستفاد منه أصل المسألة، وأما تقرير الحكم فالحَكَم هو النص.

شرح القسطلاني المسمى "إرشاد الساري" شرح لا يستغنى عنه, لا يستغني عنه طالب علم، لا سيما الذي يريد أن يفهم البخاري؛ لأن البخاري مروي بروايات متعددة، روى البخاري عن صاحبه، الصحيح رواه عن مؤلفه ما يقرب من مائة ألف راوي، والبخاري وهو كغيره من كتب المتقدمين في كل رواية يزيد المؤلف وينقص ويغير. فإرشاد الساري ميزته في بيان هذه الروايات، الحافظ ابن حجر اعتمد على رواية أبي ذر وأشار إلى ما عداها، إرشاد الساري لا، أشار إلى جميع ما وقف عليه من الروايات وهذه ميزة له، وهو مفيد من هذه الحيثية على اختصاره، وهو في الجملة كأنه زبدة لفتح الباري وعمدة القاري، فيستفاد منه، ويستفاد لمعرفة ثبوت الخبر من كتب علوم الحديث، وعلوم الحديث مشتملة على أنواع: كل نوع يستفاد منه في ما يخصه، فمنها ما يتعلق بالأسانيد، ومنها ما يتعلق بالمتون، منها ما يتعلق بالظاهر، ومنها ما يتعلق بالباطن: كالعلل، فيستفاد من كتب علوم الحديث، وكتب العلل في إثبات الأخبار وعدم إثباتها. المنهجية في العقيدة: كتب العقائد: يتدرج فيها طالب العلم بدءً من مؤلفات الإمام المجدد -رحمه الله تعالى- الأصول الثلاثة، والقواعد الأربع، وكشف الشبهات، ثم كتاب التوحيد، ثم الواسطية، ثم الحموية، والطحاوية، والتدمرية على هذه الطريقة، على هذا التسلسل يمسك المتن الطالب ويحفظ، ويراجع في أول الأمر شرح مختصر يحل له بعض الإشكالات، ثم يراجع ما هو أطول منه على ما تقدم في كيفية دراسة التفاسير وشروح الأحاديث.

فإذا قرأ هذه المتون، مؤلفات الشيخ الإمام المجدد الأصول الثلاثة، والقواعد الأربع، وكشف الشبهات، التوحيد، الواسطية، الحموية، التدمرية، والطحاوية، عاد أيهما يُقَدِم على الآخر؟ لا شك أن الحموية أسهل من التدمرية، لكن التدمرية لا بد منها، يقرأ بعد ذلك أو قبل التدمرية والطحاوية، لو قرأ في سلم الوصول مثلاً وفي عقيدة السفاريني وراجع عليها الشروح، وفي هذين الكتابين وغيرهما من الكتب ككتاب التوحيد يختصر الشروح، قد يقول قائل: أنا أقرأ شروح التوحيد ثم بعد ذلك إذا انتهيت الفائدة موجودة لكنها أقل مما توقعت، نقول: اختصر .. اختصر فتح المجيد ويش المانع، اختصر تيسير العزيز الحميد، أنقل زوائد هذا على هذا؛ لأنه العلم بالتقليب وبالمعاناة هذه وكثرة التعب يثبت. فعندك سلم الوصول أبيات قليلة شرحت في ألف وثلاثمائة صفحة ما المانع أن تختصر هذا الكتاب بثلاثمائة صفحة فقط ويرسخ عندك الكتاب تحفظ المنظومة وبعد ذلك يرسخ عندك معاني هذه الأبيات، وقل مثل هذا في منظومة السفاريني في عقيدته "الدرة المضية" مع شرحها "لوائح الأنهار البهية، أو لوامع الأنوار"؛ لأنه في طبعته الأولى طبعة المنار سموه "لوائح"، وفي الطبعة الثانية "لوامع"، فالاختصار أنا عندي في غاية الأهمية لطالب العلم، ولا يختصر هذا بنية النشر على أنه مؤلف له جديد ينشره بين الناس، لا، أول من يستفيد منه نفس المختصر هذا، ولذا يقول الإمام مسلم في مقدمة صحيحه: وإذا عزم لي تمامه فأول من يفيد منه أنا، صحيح المؤلف أول من يستفيد من كتابه لا على أن ينشره للناس، ولا مانع أنه إذا تأهل بعد ذلك وعرضه على أهل العلم والخبرة والاختصاص أن يقدمه للناس يستفيدون منه.

فعندي مسألة الاختصار خير معين للتحصيل، بل إذا قلت أنها من أقرب الطرق -لا سيما لمتوسط الحافظة-، أما قوي الحافظة هذا إذا قرأ ما عنده مشكلة، إذا قرأ الكتب من الناس - وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء - إذا قرأ مرة واحدة استوعب الكتاب، بعض الناس إذا قرأ مرتين انتهى، بعض الناس يقرأ مئة مرة ما يستوعب الكتاب، مثل هذا لا بد له أن يعاني ويتعب على الكتاب، والاختصار من أفضل الوسائل، وذكرنا هذا بالنسبة لتفسير ابن كثير، ونذكره في مثل هذه الكتب، ونذكره في شروح كتب الأصول مثلاً؛ لأن كثيراً من طلاب يقول مثلاً أنا أعاني، عجزت ما مسكت شي، أو كتب النحو، نقول: تقرأ الورقات، تحفظ الورقات وتقرأ وتسمع شروح الورقات فتستفيد، فتتأهل للمرحلة التي بعدها، والمرحلة التي بعدها يكون فيها الاختصار، تأتي إلى مختصر التحرير، قد لا تفهم المختصر؛ لأنه صعب، كَلّ، أو تأتي إلى مختصر الروضة للطوفي، ثم بعد ذلك هذان الكتابان مشروحان بشرحين مبسوطين، فشرح مختصر التحرير اسمه "الكوكب المنير"، هذا في أربعة مجلدات، والمختصر في صفحات يسيرة، ما المانع في أن تنظر في هذا الشرح، وتنظر في المتن مسألة، مسألة، وماذا قال الشارح، تحاول أن تفهم هذا الشرح، تعيده مرتين ثلاث، فتصوغه بأسلوبك، بدل ما هو بثلاث صفحات أربع صفحات، تصوغه بأسطر، فإذا انتهيت من الكتاب المكون من أربعة مجلدات، تكون قد اختصرته في مائتي صفحة أو ثلاثمائة صفحة، بهذا يثبت العلم، وينحفر في الذهن، وقل مثل هذا في مختصر الروضة، شرح مختصر الروضة للمؤلف نفسه، والشرح من أنفس الكتب في هذا الباب، ما تستطيع أن تستوعب ألف وسبعمائة صفحة من القطع الكبير، لكن إذا اختصرت وأنتهيت من هذا الاختصار تستوعب. ولا بد أن ننبه إلى أن من استطال الطريق لن يحصل علم. لا بد أن يطول الطريق؛ لأن العلم لا بد أن يطلب من التمييز إلى الموت إلى الوفاة، فأنت إذا حفظت المتون، وقرأت في الشروح المختصرة قبل ذلك بعد الحفظ، ثم بعد ذلك تختصر الشروح المطولة.

كتب العقائد التي ذكرناها على هذا الترتيب وهذا التسلسل إذا انتهيت منها أنت مؤهل لأن تقرأ أي كتاب في العقائد، نعم إذا يكن لديك معرفة بعلم الكلام، يبقى عندك إشكالات في مثل منهاج السنة، وفي مثل درء تعارض العقل والنقل، وفي مثل نقض التأسيس، نقول: يا طالب العلم، لا تكلف نفسك بفهم كل شيء يقوله شيخ الإسلام في هذه الكتب الثلاثة؛ لأنها تعوقك عما هو أهم منها، يعني في شرح السنة عندك في المجلد الأول أو الثاني ما يقرب من ثلاثمائة صفحة أشبه ما تكون بالطلاسم، إلا شخص عنده دربه بعلم الكلام، وله معاناة في هذا الفن، وقل مثل هذا درء تعارض العقل والنقل مملوء من هذه المباحث، فما تفهمه أعد النظر فيه وكرره، والذي لا تفهمه إمرار، ولا يلزم أن تقف عليه؛ لأن من الكبار من يمر هذه المباحث، بل إذا علم عليها علامة الصعوبة، بالقلم المعين لهذه المباحث، وليكن بيده قلم خامس، بلون خامس، يضع عليه علامة أن هذا لا يرجع إليه. وعلم الكلام كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "المنطق علم غث، كلحم جمل، على رأس جبل، لا يحتاجه الذكي، ولا يفيد منه الغبي"، نعم يحتاجه من يريد أن يرد على الفلاسفة وعلماء الكلام، يفيد منه، لكن كم تحتاج الأمة إلى مثل هؤلاء علشان نقول لطلاب العلم: كلكم اقرءوا في هذا، ويصير هذا على حساب المقاصد التي هي علوم الكتاب والسنة. السواد الأعظم من طلاب العلم لا يحتاجونه، وكتب شيخ الإسلام وكتب ابن القيم لايستغني عنها طالب علم، كتب منها ما لا يمكن تصنيفه تحت عنوان، أو تحت فن من الفنون، فإذا تدرج طالب العلم في الفنون قد يغفل عن هذه المهمات، وهو بحاجة إلى هذه الكتب التي تعالج أدواء القلوب، فإذا مشى على الترتيب المعروف لتحصيل العلم الذي يتعلق بعلم الجوارح متى يرجع إلى هذه الكتب التي تعالج أمراض القلوب؟ متى يقرأ الجواب الكافي -مثلاً- لابن القيم؟ متى يقرأ في حادي الأرواح؟ متى يقرأ في مدارج السالكين؟ متى يقرأ في إغاثة اللهفان؟ متى يقرأ -وهو بأمس الحاجة- إلى إعلام الموقعين، أو زاد المعاد؟.

لا بد أن يقتطع لها جزءاً من وقته، وقل مثل هذا في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وتكون بجواره الأقلام التي ذكرناها لتتم الاستفادة. المنهجية في الفقه: كتب الفقه يحتاج فيها إلى التدرج، ولا نحتاج أن نطيل فيها؛ لأن الشيخ عبد القادر بن بدران ذكر طريقة للتفقه مفيدة:

أولاً: التدرج لا بد منه؛ فيقرأ الطالب في أول الأمر مثل آداب المشي إلى الصلاة مع شروطها للشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب، ثم يقرأ في عمدة الفقه للإمام الموفق، ثم بعد ذلك يقرأ في الدليل والزاد وما بعد ذلك على طريقة تكون هذه الكتب في المرحلة الثالثة عناصر بحث، خطة بحث، يعني في المرحلة الأولى طريقة الشيخ عبد القادر ابن بدران نافعة والمرحلة الثانية، يحفظ المتن، ويجتمع مع مجموعة متقاربين في السن والفهم، ثم بعد ذلك كل واحد من هؤلاء الطلاب يشرح القدر المحدد بنفسه من غير رجوع إلى الشروح، ثم بعد ذلك إذا اجتمعوا يقرأ كل واحد شرحه، ويتناقشون، يقول: أنا فهمت كذا، والثاني يقول: لا أنا فهمت في هذه الجملة كذا، فإذا انتهوا من قراءة ما عندهم يقرؤون الشرح - شرح الكتاب-، ويصححون أخطاءهم، فإذا صححت هذه الأخطاء لن تعود إلى القلب مرة ثانية، ثم يرجعون إلى الحواشي، ثم بعد ذلك يحضرون الدرس عند الشيخ، يصير عندهم الآن استعداد تام لما يزيده الشيخ على ما في الكتب، يتفقه الطالب بهذه الطريقة، في المرحلة الثالثة وهو حينئذ يقرأ الزاد، -زاد المستنقع- ووضع له أساس كتاب أو اثنين، يقرأ الزاد على أساس أنه عناصر بحث خطة بحث، لا على أنه دستور لا يحاد عنه، لا، هذا كلام البشر؛ فتمسك المسألة الأولى ثم تبحث لها عن دليل وتعليل لهذه المسألة، من وافق المؤلف على هذا من أتباع المذهب؟ من خالفه؟ من وافقه من المذاهب الأخرى؟ ومن خالفه؟ وننظر في أدلة الجميع، ونأخذ بالقول الراجح، يعني طالب العلم إذا انتهى من "زاد المستقنع" على هذه الطريقة فقيه، ينتهي فقيه بدون تردد، هذا إذا كان لديه فقه نفس؛ لأن ما كل واحد يعاني العلم يكون عالم، فقد يطلب العلم سنين ولا يحصل علم، ولكن إذا مسك الجادة من أولها، ومعه من الإخلاص ما يعتمد عليه مما يكون سبباً إلى توفيقه، ومعه حرص واجتهاد، وعنده من يستشيره من أهل العلم ممن يثق بعلمه، -بإذن الله- يحصل، وإلا فلا يلزم لكل من طلب العلم يكون عالم، ويكفي من لم يقدر الله له شيئاً من العلم، يكفيه أن يكون قد سلك الطريق ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له فيه طريقاً إلى الجنة)) يكفيه هذا،

المتفقه على هذه الطريقة، قد يقول قائل: هل نحفظ كتب الفقه؟ إذا كانت الحافظة قوية وتسعف، لا شك أن كلام أهل العلم مفيد، نحن نسمع من يفتي ويتصدر للإفتاء تجد بعض الناس عنده محفوظ من كلام أهل العلم، كلامه متين ورزين، وبعض الناس ما عنده حفظ تجده أقرب ما يكون إلى الإنشاء، وهذا عند تفريغ الكلام وطبعه، لا تقبله الأسماع -الذي ليس لديه رصيد من كلام أهل العلم-. انتهينا من التفسير والحديث والعقائد والفقه. المنهجية في اللغة: طالب العلم بأمس الحاجة إلى اللغة؛ لأن القرآن عربي، والرسول -عليه الصلاة والسلام- عربي، ولا يفهم الكتاب والسنة إلا بلغة العرب، علوم اللغة متفرعة، تصل إلى اثني عشر فرعاً، لكن أكثر ما يحتاج إليه: النحو والصرف والمعاني والبيان والبديع والوضع والاشتقاق، ومتن اللغة، وفقه اللغة، هذا أكثر ما يحتاج إليها، ليأخذ طالب العلم من كل فن من هذه الفنون مختصر؛ فيبدأ بالآجرومية فيحفظها ويقرأ عليها الشروح المطبوعة، يحضر فيها الدروس. قراءة الكتب يا إخوان لا تغني عن حضور الدروس، يعني هذا لا بد أن نؤكد عليه، لا بد من الحضور عند المشايخ، ويقول أهل العلم قديماً: من كان علمه من كتابه صار خطؤه أكثر من صوابه. إذا حضر الدروس وسمع من المشايخ، وقرأ الشروح، وسمع ما سجل على هذا الكتاب من أشرطة يفيد فائدة عظيمة، لبنة أولى في هذا الفن، ثم بعد ذلك القطر -قطر الندى-، أو الملحة بشروحها، ثم بعد ذلك يتأهل للنظر في ألفية ابن مالك، فإذا قرأ هذه الكتب، قد يقول قائل: أنا والله حفظت الألفية، لكن ما ثبت في ذهني من شروحها شيء؟ نقول: عليك تمسك الشروح، شرح ابن عقيل مثلاً تصوغه بأسلوبك، شرح ابن هشام مثل شرح مختصر التحرير صعب، فأنت إذا فهمته وصغته بأسلوبك فهمت، لو تطلع إلى ما فوق ذلك من شروح الأشموني، مع حاشية الصبان، وتختصره في أربع مجلدات تختصره في مجلد واحد تستفيد فائدة عظيمة. المنهجية في علوم الحديث: وأما ما يتعلق بعلوم الحديث فقد كررناها مراراً، وكتبت في مقدمة بعض الكتب، يرجع إليها طالب العلم. المنهجية في الصرف:

بقي عندنا الصرف، فإذا تدرجنا في النحو الآجرومية، القطر، الألفية، وفيها مباحث صرفية، يقرأ قبل الألفية مما يعينه على فهم المباحث الصرفية الشافية لابن الحاجب، ولها شأن عند أهل العلم، وهي مشروحة، لكن مع الأسف أنه قد لا يجد شيخ يعينه على فهمها، ولا مانع من أن يجتمع ثُلة من طلاب العلم يذكرون حاجتهم إلى شرح هذا الكتاب إلى شخص متخصص، ويحتسب لهم بدرس، وعليها شروح وموجودة ومطبوعة. المنهجية في البلاغة: المعاني والبيان والبديع، هذه يقوم بها، التلخيص، تلخيص المفتاح مع شروحه، ويقرأ المطولات في كل علم من العلوم على الطريقة التي أبديناها سابقاً في التفاسير المطولة، بالأقلام، والمذكرات. المنهجية في قراءة ملح العلم من تاريخ وأدب: وهناك علوم يستهين بها كثير من طلاب العلم، وكثير منها لا شك أنه ليس من متين العلم، بل هي من ملحه، ككتب التاريخ مثلاً، كتب التاريخ، إذا قرأ الطالب في كتب التاريخ لا شك أنها فيها شيء من المتعة والاستجمام؛ لأنك إذا انتقلت من أصول الفقه إلى النحو، ورجعت إلى التفاسير، عدت إلى كتب شروح الحديث، لا شك أن الذهن يحتاج إلى شيء من الاستجمام فيحصل الاستجمام بكتب التواريخ، وكتب الأدب. كتب التواريخ إضافة إلى الاستجمام فيها العظة والاعتبار؛ لأن السنن الإلهية واحدة لا تتغير؛ فالأسباب التي أهلك بسببها الأمم يهلك فيها غيرهم، السنن لا تتغير ولا تتبدل، ولم يستثنى من ذلك إلا قوم يونس، وأما من عداهم إذا توافرت الأسباب حقت الكلمة. فما عما لو قرأنا في تاريخ ابن كثير -رحمه الله- في الأمم الماضية واللاحقة، في الأمم التي قبل الإسلام، والدول التي جاءت بعد الإسلام، لوجدنا أن كثيراً من بلدان المسلمين يحذو حذو تلك الأمم التي حقت عليها الكلمة، وحصل ما حصل في بعض البلدان من الأسباب ما حصل، والنتائج حصل فيها ما حصل، في العصر الذي نعيشه، وما أشبه الليلة بالبارحة، وإذا كنا نقرأ قصص القرآن في الأمم الماضية على أنها للتسلية، فنحن إذاً لسنا على الصراط، ضللنا إذن "، مضى القوم ولم يرد به سوانا" {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} [(111) سورة يوسف]، فلا بد أن نعتبر وندكر.

يعني لو قرأنا في المجلد السادس مثلاً من نفح الطيب في تاريخ الأندلس، الإنسان يضع يده على قلبه، ويسأل الله السلامة، وأن يدفع عن المسلمين ما يستحقونه من عذاب، لا بد من القراءة في هذه الكتب لما ذكرنا، يقرأ في كتب الأدب، وفيها أيضاً من المتعة ما فيها، وهي أكثر إن لم نقل مثل كتب التاريخ من المتعة ما فيها، وفيها أيضاً: ثروة لغوية يستطيع العالم أو طالب العلم أن يبين عما في نفسه بواسطتها، فالعلماء يقرؤون هذه الكتب، وإن كان في كثير منها شيء مما لا يقبله الذوق، ذوق الرجل العادي فضلاً عن عالم ومتعلم، شيء يستحيى من ذكره، لكن لا بد من قرائتها، ووجدنا من أهل العلم من يقرأ، ووقع في أيدينا من كتب الأدب المطولة ما عليه اسم بعض كبار أهل العلم والورع، وعليها تعليقات لهم، فدل على أنهم يقرؤون في هذه الكتب، لكن ليس معنى هذا أن يكون على حساب علوم الكتاب والسنة، لا، هذه يستفاد منها متعة واستجمام، وشيء يتحدث به العالم حينما يشرح لطلابه، ويذكر نكتة من هذه الكتب يريح الطلاب فيها، ويجعلهم يتقبلون ما عنده، فإذا لم يكن في الدرس طرفة، لا شك أن الطالب يمل، وما يشاهد في بعض الدروس من نوم بعض الطلاب إلا لأنها ماشية على وتيرة واحدة؛ فالخروج إلى مثل هذه الكتب والإفادة منها، وإفادة الطلاب، وإلقاء مثل هذه العلوم عليهم، لا شك أنه ينشط الطلاب "والأمور بمقاصدها". ويستعمل في هذه الكتب المطولة ما ذكرناه من الأقلام، وكتب التواريخ كثيرة جداً، فيها مطولات ومن أنفعها لطالب العلم: الكامل لابن الأثير، وصياغته للأحداث لا نظير لها، البداية والنهاية للإمام الحافظ ابن كثير وفيه أيضاً لفتات له -رحمه الله-، وتنبيهات لا توجد في غيره. فعلى سبيل المثال: لما ترجم لابن الراوندي (ملحد)، ذكر عنه ما يستحق من الألفاظ، ثم قال: ترجم له ابن خلكان في وفيات الأعيان، وأشاد به وأطال في ترجمته كعادته في معاملة الأدباء، وبخس العلماء، ولم يذكر عنه ما عرف عنه من زندقة، وكأن الكلب ما أكل له شيئاً من العجين.

يعني ما كأن الأمر يعنيه، مع أن العالم أو المتعلم هذه وظيفته، هذه وظيفة العالم بيان الحق من الباطل، فإذا عاملنا ابن الراوندي مثل ما نعامل أئمة الإسلام، وأضفنا عليه من الثناء والمدح، ولو في فنه، مثل ما يضاف إلى علماء المسلمين، كيف يفرق طالب العلم. الحافظ ابن كثير له تنبيهات مهمة جداً، وله أيضاً عناية بالتراجم، أكثر من ابن الأثير، وأيضاً يفيد طالب العلم من تاريخ ابن خلدون، وفيه تحليل للأحداث، ولا شك أن هذا يفتح آفاق لطالب العلم، يحلل بها الأحداث المماثلة بدلاً من أن يتخبط كما يتخبط الناس الآن، -مع الأسف- حتى بعض طلاب العلم يخرجون في وسائل الإعلام، ثم بعد ذلك يتحدثون عن بعض القضايا المعاصرة، كأنهم صحفيون، توقعات كلها، ما كأنهم يأوون ويرجعون إلى نصوص، فطالب العلم بحاجة إلى قراءة كتب التواريخ والأدب. هناك كتب الأدب متفاوتة، فيها المسف، وفيها النزيه إلى حدٍ ما، فـ"زهر الآداب للحصري" نظيف إلى حدٍ ما، وأيضاً نزهة المجالس وأنس المجالس لا بن عبد البر كتاب نفيس، هذا في كتب أدب الدرس، أما في كتب أدب النفس فعلى طالب العلم أن يعنى بها عناية فائقة، كالآداب الشرعية لابن مفلح، منظومة الآداب مع شروحها لابن عبد القوي، هذه في غاية الأهمية لطالب العلم، المنظومة الميمية في الوصايا والآداب العلمية للشيخ حافظ حكمي، أيضاً في غاية الأهمية لطالب العلم؛ فطالب العلم عليه أن يُعنى بهذه الكتب، ويستفيد منها من أدب النفس ما لا يجده في غيرها من الكتب. والطريقة لقراءة هذه الكتب على ما ذكرنا، المقطع الذي يحتاج إلى حفظه يعلم عليه بعلامة ما يراد حفظه، والمقطع الذي يراد فهمه وإعادة النظر فيه كذلك، والذي يراد نقله كذلك .. إلى آخر ما ذكرنا، والكتب كثيرة لا يمكن أن تنتهي، والعلم دربه طويل لا يمكن أن يقطع بمرحلة أو مراحل، فعلى طالب العلم أن يوطن نفسه على هذا، وحينئذ إذا صاحب ذلك الإخلاص، والجد فإن طالب العلم حينئذٍ يوفق ويسدد. والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الأسئلة:

هذا يقول: حفظت الأربعين والعمدة مع الشروح حتى وصلت باب الحج في البلوغ وحفظت القرآن وبعدها دخلت عالم الأسهم ولي الآن قرابة سبعة أشهر لم أفتح كتاباً، ولا أستطيع إلا قراءة سورة الكهف يوم الجمعة، ما نصيحتك؟ الجواب: إذا عرفت الهدف الذي من أجله خلقت أجبت عن نفسك، أجبت عن سؤالك، أنت خلقت لتحقيق العبودية، وما دام لديك أهلية لطلب العلم فكيف تفرط بعد أن حفظت ما حفظت، ثم بعد ذلك ألا يحز في نفسك أن تفقد أغلى ما تملك؟!. يعني لو أن الإنسان لديه خمسة من الأولاد مع الوالدين وفجأة فقدهم بلحظة هل يعوض هذا جميع من يملك من أمور الدنيا؟ لا، فكيف بمن حفظ كتاب الله -جل وعلا-، ثم يفرط فيه بسبب هذه الأسهم أو غيرها من التجارات. الإنسان، الأنس والجن ما خلقوا إلا لتحقيق العبودية لله جل وعلا، تحقيق العبودية لا يتم إلا إذا كان على بصيرة، والبصيرة لا تكون إلا بطلب العلم، فإذا فرط هذا من أجل حطام الدنيا فلا شك أن هذا خذلان، هذا خذلان، نسأل الله السلامة والعافية، فعليك أن تعود وأن تراجع ما حفظت وأن تلزم الدروس وتسمع التسجيل والأشرطة على هذه الكتب، وتزاحم الشيوخ وتلازمهم ولا تنس نصيبك من الدنيا، كما قال الله -جل وعلا-، يعني لا ينبغي أن يعيش طالب العلم عالة يتكفف الناس، لا ينسى نصيبه من الدنيا، وعليه أن يسدد ويقارب، لكن لا يترك العلم. يقول: أنا أقرأ القرآن بترتيل لكن ما أدري كيف أتدبر القرآن، ما الطريقة على تدبر القرآن؟ الجواب: تدبر القرآن يعينك عليه فهمه، فإذا فهمت القرآن بالطريقة التي شرحناها واستمعت إلى قراءة قارئ مؤثر فلا شك أنك سوف تتدبر القرآن إذا قرأت بنفسك، يعني تسمع القرآن من قارئ مؤثر وتنظر في التفاسير على الطريقة التي ذكرناها، لا شك أنك يورثك هذا التدبر. يقول: هل أختار فن من الفنون وأبدأ به، أم أشملها جميعاً؟

الجواب: يعني في آن واحد في وقت واحد، ينوع ويتفنن ويقرأ في أكثر من علم أو يقتصر على علم واحد؟ نقول: الناس يتفاوتون في هذا، منهم الملول الذي يمل بسرعة، فإذا مسك وبدأ بكتاب واحد يمل مثل هذا ينوع، يقرأ في الفنون يجعل له جدول مثل جدول المدرسة، بعد صلاة الصبح لكذا، بعد طلوع الشمس لكذا، إذا كان لديه عمل إلى الظهر بعد صلاة الظهر مباشرة كذا، ثم يرتاح بعد صلاة العصر فن أو فننين إذا طال الوقت، وبعد صلاة المغرب كذا، فيضع جدول، أما إذا كان من غير هذا النوع، عنده صبر وجلد وتحمل لكتاب واحد، فمثل هذا لو اقتصر على فن أو فنين أفضل حتى يتمه ثم ينتقل إلى الآخر، ثم ينتقل إلى الفن الآخر. هذا يسأل يقول: قول من يقول: إن الغرابة تراعى في الوصف والتفرد في الفعل فيقال: تفرد به فلان، ولا يقال أغرب به؟ ويقال حديث غريب دون حديث فرد، ما صحة هذه العبارة؟ الجواب: نعم يندر أن يقال من قبل أهل الحديث أغرب به فلان، وإنما يقال تفرد به فلان، وحديث غريب أكثر من قولهم حديث فرد، وإن جاء إطلاق الجمع الأفراد، جاء أيضاً إطلاق الجمع الغرائب، وهما متقاربان في المعنى، وأكثر ما يطلقون الفرد على الغرابة المطلقة التي تكون في أصل السند، وأما بالنسبة للغرابة حينما تكون في أثناء السند النسبية، وإلا فالأصل أن المعاني واحدة، منهم من يقول: أنه إذا أُطلق الفعل -مثلما ما ذكر السائل- جاؤوا بالتفرد وإذا وصف الحديث جاؤوا بالغرابة، مثلما ذكر السائل، وهذا كثير في كلامهم، ما يقال أغرب به وإنما يقال تفرد به، والسبب في ذلك: قرب المعنى في اللفظين. هذا يقول: قررت حفظ ألفية العراقي وألفية ابن مالك ومنهاج البيضاوي في أصول الفقه ومنهاج الطالبين للنووي في الفقه وذلك بالتدرج، ولكن أخبرني بعض الإخوان أن صرف الوقت في حفظ الحديث مثل البلوغ ورياض الصالحين يكون أفضل وأنا في حيرة فما الأفضل علي في أني أحفظ المتون الصغيرة مثل الآجرومية والورقات والنخبة والطحاوية؟

الجواب: على كل حال هذه الكتب من أهم المهمات عند أهل العلم، وهي للطبقة العليا، أعني ألفية العراقي وألفية ابن مالك ومنهاج البيضاوي ومنهاج الطالبين للنووي، يعني منهاج الطالبين يعادل الزاد، ومنهاج البيضاوي يعادل مختصر التحرير، والألفية سواء كانت ألفية ابن مالك أو ألفية العراقي للطبقة العليا، بعد أن توجد الأرضية بتجاوز كتب المرحلة الطبقة الأولى والثانية، فلا بد من المرور ولا يلزم إذا كانت الحافظة ضعيفه، وخشي أن يمضي به العمر والوقت ويكون هذا على حساب الأصول، نقول: سدد وقارب، احفظ من ألفية العراقي ما يختار لك حفظه، لا سيما الثلث الأول، واحفظ من ألفية ابن مالك ما يحتاج إليه؛ لأن هذه العلوم الوسائل لا ينبغي أن تكون على حساب المقاصد، يعني بعض الناس يستهويه علم النحو فيحفظ الآجرومية ويقرأ شروحها ويأخذ عليه وقت طويل، ثم بعد ذلك القطر بجميع شروحه ثم شذور الذهب ثم ملحة الإعراب بشروحها ثم الألفية ثم المفصل بشروحه ينقضي العمر، والنحو كما يقول أهل العلم كالملح، إنما يُحتاج منه ما يفيد الطالب، وكثير من طلاب العلم لا سيما في النحو، قد يقول إنه قرأ في كتب النحو، حضر الدروس لكنه إن قرأ في كتاب لحن، ضبط القواعد وحفظها وفهم، لكن إن قرأ في كتاب لحن، وإن ألقى كلمة لحن، فهل نقول: إنه استفاد من علم النحو مع هذه المعاناة، أو نقول: أن جهده ذهب سدى؟ نقول: استفاد، لماذا؟ لأن علم النحو يفيد فائدتين: الأولى: تعديل اللسان، وهذا يحتاجه المعلم والخطيب والذي يقرأ على الشيوخ بأمس الحاجة إليه، لكن إذا لم يستفد هذا هل يحرم فهم المعاني المتغيرة بتغير الإعراب؟. افترض أنه ينصب الفاعل ويرفع المفعول، لكن إذا أعرب هل يتصور منه أنه يخطأ في الإعراب بعد معرفة هذه الأمور، يعني وهو يقرأ يسبق لسانه إلى الخطأ، لكن إذا تأمل وقرأ ضرب زيد عمراً، ونطقها ضرب زيداً عمرو وهو يريد العكس، سبق لسانه إلى الخطأ، نقول أخطأ بلا شك.

والفائدة الثانية: وهي تقويم اللسان ما استفادها هذا الرجل؛ لأن هذا بالمران تأتي، المران المصاحب للتعلم ولذا تجد طالب علم أقل في التحصيل من آخر فتجد هذا إذا قرأ يشنف السامعين ويطربهم ولا يلحن والذي أعلى منه وأرفع وأعرف منه بهذا العلم لا يقيم جملة، يخطأ ويمل السامعون من قراءته، هذا ما تعود، لكن الفائدة الثانية وهي فهم الكلام الذي يختلف معناه باختلاف إعرابه، لن يحرم من عرف النحو إذن هو يقرأ ضرب زيد عمراً، لكن إذا أراد أن يعرب ما يخطئ، وفهم الكلام مترتب على إعرابه، وخير ما يعين على التطبيق في هذا الفن، خير ما يعين إعراب القرآن. إذا انتهيت من الآجرومية، طبقتها بشروحها أعرب الفاتحة كاملة، إعراباً مفصلاً، ثم بعد ذلك اعرض إعرابك على كتب إعراب القرآن، فإن طابق فأنت مستفيد مائة بالمائة، إن لم يطابق فبقدر ما يختل من المطابقة يكون الخلل في تحصيلك لهذا العلم، ومما يمتاز به شرح الأزهرية إعراب قصار السور؛ لأن هذا مهم؛ لأن هذا الإعراب مع كونك تستفيد منه في العربية تستفيد منه في فهم القرآن؛ لأن بعض الكلمات، كلمات القرآن لا يفهم معناها إلا إذا عرف موقعها من الإعراب. يقول: قررتم أن ما حفظ سريعاً ينسى سريعاً، وفي الإجازة هناك دورات لحفظ القرآن والسنة فما رأيكم؟ الجواب: هذه الدورات لا شك أنها مفيدة، ونافعة لطالب العلم، وهل معنى هذا أنك إذا انتهيت في شهرين من هذا الكم الهائل من الأحاديث أنك تكون ضبطت هذه الأحاديث وأتقنتها؟ أولاً: الناس يتفاوتون منهم من يضبط في هذه المدة، ومنهم من يضبط بنسبة 80%، ومنهم من يضبط بنسبة 60%، ومنهم من يضبط بنسبة 90%، وبعد شهر ينسى على كل حال هذه توطئة، لا بد من أن يعاود سقي هذا الزرع، مو معنى أنك حفظت مختصر الصحيحين، مختصر البخاري بزوائد مسلم أنك خلاص، طبقت الكتابين، لا، هذا بذر، سقيته أول مرة وظهرت سنابله خضر، لكن يحتاج إلى زيادة في السقي، تعاهده بالسقي لتكون الثمرة ناضجة؛ لأننا سمعنا من بعض من ينتسب إلى العلم من ينتقد هذه الدورات. ولا شك أن هذا صد عن التحصيل، فهذه الدورات في غاية الأهمية، والحمد لله أن الوسائل تنوعت، ويمكن ضبط السنة وحفظ السنة متون السنة بهذه الطريقة وأسانيد الأحاديث والتفقه وفهم السنة على طريقة السلف بالطريقة التي شرحناها مراراً. والله أعلم ... وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،،

حاجة الناس إلى العلماء

حاجة الناس إلى العلماء الشيخ/ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فإن الله -جل وعلا- لم يخلق الخلق عبثاً، ولا تركهم سدى ولا هملاً، بل خلقهم لهدف عظيم، وغاية نبيلة، وهي تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، كما في قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات] ومن أجل تحقيق هذا الهدف تحقيق العبودية بعث الله الرسل، وأنزل الكتب، إذ لا سبيل إلى الخلق لتحقيق هذا الهدف إلا عن طريق الرسل، وما جاءوا به عن الله -جل وعلا-، لا يستطيع الإنسان مهما بلغ من الذكاء أن يعبد الله على مراده من غير ما جاءت به الرسل، فبالنسبة لما بعد بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام- لا وصول لأحد إلى تحقيق الهدف وبلوغ الغاية إلا عن طريقه -عليه الصلاة والسلام-. وأهل العلم يذكرون من النواقض -من نواقض الإسلام- كون الإنسان يزعم أنه يسعه ما وسع الخضر من عدم الاقتداء والاتباع لموسى، وأنه بإمكانه أن يصل إلى الغاية من غير طريق النبي -عليه الصلاة والسلام-، هذا ناقض من نواقض الإسلام، فلا معرفة لنا بالأمور التوقيفية إلا عن طريقه -صلى الله عليه وسلم-.

النبي -عليه الصلاة والسلام- بعثه الله بشيراً ونذيراً، مبشراً لمن أطاع واتبع، ومنذراً لمن خاف وعصى، وبلغ ما أرسل به، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، ومات -عليه الصلاة والسلام- بعد أن كمل الدين، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} [(3) سورة المائدة] فمن يزعم أنه يكمل الدين بشيء كان فيه نقص فهو ضال، ومن أحدث في الدين ما لم يسبق له شرعية من كتاب ولا سنة فهو مبتدع، وكل بدعة ضلالة، فهو ضال أيضاً، فالدين ليس بحاجة إلى تكميل من أحد، بل هو كامل قبل وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وليس بحاجة إلى ترويج، نعم هو بحاجة إلى علماء يبينون وإلى دعاة ينشرون، لكن ليس بحاجة إلى ترويج، ولذا ضل فريق من المتعبدة الذين يعبدون الله على جهل وضلال أن الناس قد انصرفوا –على حد زعمهم– عن الدين فأرادوا أن يردوهم، وأن يروجوا الدين بأخبار وقصص ينسبونها زوراً وبهتاناً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- من أجل أن يرغبوا الناس في الدين، والدين كامل شامل لجميع نواحي الحياة، لجميع ما يحتاجه الناس من الولادة إلى الوفاة. وضعوا الأحاديث ترغيباً في الدين، وصرفاً لهم عن ما يشغلهم عنه، وهؤلاء قوم ضلال، ولا يكفي في ذلك صحة الهدف، يعني كون الناس يرجعون إلى الدين هدف نبيل، لكن كيف تحقق هذا الهدف النبيل؟ تحقق هذا الهدف ببيان الدين وإجلائه وتوضيحه للناس، لا بترويجه بالأحاديث والقصص الكاذبة، ولذا اشتدت الحاجة إلى أهل العلم إلى الراسخين الذين قد بنوا علمهم على ما جاء عن الله وعن رسوله -عليه الصلاة والسلام-، بنوا العلم على الأساس المتين من نصوص الوحيين، وتعلموا ما يعينهم على فهم هذه النصوص، ولذا صارت الجادة المطروقة عند من يريد أن يكون ممن أراد الله به الخير وفقهه في دينه بنى علمه على كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وتعلم ما يعينه على فهم الكتاب والسنة.

الصحابة -رضوان الله عليهم- الذين بعث فيهم النبي -عليه الصلاة والسلام- عرب، عربيتهم لم تتلوث بغيرها، ولم يختلطوا بغيرهم فيؤثروا عليهم، فهموا نصوص الكتاب والسنة بمجرد سماعها، ولذا لم يكونوا بحاجة إلى غير الكتاب والسنة، يسمعون القرآن ويفهمون، المشركون يسمعون القرآن من النبي -عليه الصلاة والسلام- ويفهمون، ومما يؤسف له أن بعض المشركين يفهم القرآن أكثر من فهم بعض من ينتسب إلى الإسلام اليوم، لما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- للمشركين: ((قولوا: لا إله إلا الله)) استنكروا ورفضوا {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} [(5) سورة ص] لكن بعض المسلمين مع الأسف الشديد لا يفهم معنى لا إله إلا الله، يطوف بقبر ويقول: لا إله إلا الله، يذبح لولي أو لجني أو لغير ذلك ويقول: لا إله إلا الله، هذا دليل على أنه لم يفهم لا إله إلا الله، حتى أتى بما ينقضها من أساسها، أتى بالشرك الأكبر الذي لا يغفر، نسأل الله السلامة والعافية.

الحاجة إلى الأنبياء ضرورية كما أسلفنا إذ لا يمكن الوصول إلى تحقيق الهدف إلا عن طريقهم، ثم بعد ذلك الحاجة ماسة إلى ورثة هؤلاء الأنبياء وهم العلماء، العلماء الربانيون الراسخون الذين حملوا العلم، مما جاءهم عن طريق الأنبياء حملوه بحق وأدوه بحق، ولا يتمارى اثنان في أن الحاجة إلى العلماء أمس من الحاجة إلى الطعام والشراب، يتصور الإنسان نفسه وليس عنده شيء من مبادئ العلوم، في بلد ليس فيه عالم ولا تعليم، كيف يعبد الله -جل وعلا-؟ كيف يصلي؟ كيف يزكي؟ كيف يصوم؟ كيف يحج؟ كيف يتعامل مع الناس؟ ولذا ذكر الآجري في أخلاق العلماء مثالاً لحاجة الناس إلى العلماء، فقال: "مثل العلماء ومثل الناس بهم وبدونهم كمثل قوم ساروا في ليلة مظلمة في وادٍ مسبع، فيه سباع ووحوش وأشجار وحيات وعقارب، في ظلام دامس، يسيرون لا يدرون على ما يطئون، وما يواجههم، ولا إلى أين يتجهون؟ فجاءهم شخص بيده مصباح فأنار لهم الطريق حتى أخرجهم من هذا الوادي المظلم، يعني هؤلاء هل هم بحاجة إلى صاحب المصباح؟ بحاجة ماسة، يعني وإذا تصورنا هذه الحاجة أن غاية ما يدعو إليها طلب السلامة من الموت الذي هو أعظم ما يواجه الإنسان، والموت نهاية لكل حي، وبعد ذلك يواجه ما قدم، وماذا خسر؟ خسر الدنيا، خسر ما بقي من عمره على حد زعمه من الدنيا، ما الذي يخسره من فقد العلم والعلماء؟ يخسر الآخرة، وموضع سوط من الجنة يعدل الدنيا وما فيها، والدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، كيف نعرف حقيقة هذه الدنيا؟ ونحن نقضي الأوقات الطويلة فيما لا ينفع، فضلاً عن كوننا نقضيه فيما ينفعنا في أمور دنيانا، غير ملتفتين إلى ديننا، وما ينفعنا في الآخرة.

كثير من الناس بحاجة ماسة اليوم أن يقال له: ولا تنس نصيبك من الآخرة، بدلا من أن يكون الأصل ما خلق من أجله الأصل العبودية، ثم يحتاج إلى أن يقال له: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص] يعني من الدنيا التي تعينك على تحقيق الهدف، هل عرفنا حقيقة الدنيا مثل ما عرفها سعيد بن المسيب؟ خطبت ابنته من قبل ابن الخليفة جاء الوسيط فقال لسعيد: جاءتك الدنيا بحذافيرها، ابن الخليفة يخطب ابنتك، ماذا كان جوابه؟ جوابه يقول: إذا كانت الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة فماذا ترى يقص لي من هذا الجناح؟ إيش اللي بيوصل سعيد من هذا الجناح؟ ((ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها)) المراد بذلك النافلة خير من الدنيا وما فيها، ركعتان يمكن أداؤهما على ما جاء في الوصف في الحديث بدقيقتين؛ لأن من صفة هذه الصلاة الخفة، حتى قالت عائشة: "ما أدري أقرأ -صلى الله عليه وسلم- الفاتحة أم لا؟ " بدقيقتين تعدل الدنيا وما فيها. المقصود أن الحاجة داعية وماسة إلى العلماء، بقدر حاجة الإنسان إلى دينه وإلى الفوز برضى الله -جل وعلا-، والنجاة من عذابه -جل وعلا-.

إذا عرفنا أننا بأمس الحاجة إلى أن ننجو من العذاب، كيف ننجو من العذاب؟ بمعرفتنا بما ينجينا من معرفة الحلال والواجب لنفعله، والمحرم لنجتنبه، ولا يكون ذلك إلا عن طريق العلماء، والعلماء إذا أطلقوا يراد بهم أهل العلم والعمل؛ لأنه قد يوجد بين ظهراني الناس من يسمون علماء، وهم في الحقيقة لا يستحقون هذا الاسم؛ لأن الوصف بالعلم تشريف، ورفعة في الدنيا والآخرة، {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [(11) سورة المجادلة] هذا وصف تشريفي، فكيف يستحقه من يحمل شيئاً من العلم وهو لا يعمل به؟ يسمع الأمر والنهي في الكتاب والسنة ويخالف، يتثاقل عنه، ويسمع النهي الصحيح الصريح ويرتكبه، وعلى هذا المقرر المحقق أن ما يحمله الفاسق ليس بعلم؛ لأن العلم في الحقيقة ما نفع، وهذا لم ينتفع بعلمه، والعلم ما أورث الخشية، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [(28) سورة فاطر] فالذي لا يخشى الله -جل وعلا- ليس من العلماء، ولذا جاء قول الله -جل وعلا-: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ} [(17) سورة النساء] هل من شرط قبول التوبة أن لا يعرف الإنسان الحكم؟ يعني الذي يعرف حكم الزنا ويزني تقبل توبته وإلا ما تقبل؟ نعم؟ تقبل، الذي يعرف أن شرب الخمر حرام ويشرب تقبل توبته وإلا ما تقبل؟ إذاً هو يعرف الحكم، ولارتكابه ما يخالف هذه المعرفة سماه الله -جل وعلا- جاهلاً، ولذا يقرر أهل العلم أن كل من عصى الله فهو جاهل، وجاء في الحديث: ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله)) ولذا جزم ابن عبد البر أن كل من يحمل العلم عدل، كل من يحمل العلم عدل. قلت: ولابن عبد البر كل من عني ... بحمله العلم ولم يوهنِ فإنه عدل بقول المصطفى ... (يحمل هذا العلم) لكن خولفا

يعني المسألة في شخص حمل العلم، يعني على رأي ابن عبد البر هو عدل، يعني وجدنا من يحمل العلم وهو غير عدل، وهو غير ثقة، إذاً نعكس كل من عمل بعلمه .. ، أو كل من عمل فهو عالم، أقرب إلى قول: كل من علم فهو عدل، كل عدل عالم، ولا عكس، ولذا يقول: لكن خولفا، يعني ابن عبد البر خالفه أهل العلم؛ لأنه وجد بين ظهراني الناس من يحمل العلم وهو في الحقيقة غير عدل، خولف، والحديث مختلف في ثبوته، وممن أثبته الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-، كثير من أهل العلم يضعفوه، إذا عرفنا هذا وأن ما يحمله الفساق ليس بعلم، وأن الفاسق ليس بعالم نأتي إلى من تصدى على مر العصور من عصر الصحابة إلى يومنا هذا للتعليم، حمل العلم بالطرق المعتبرة عند أهل العلم، وعلى الجادة المعروفة عندهم، وعلم الناس، وقضى بينهم، وأفتاهم، وبين ما يجوز وما لا يجوز، هذا هو العالم الحقيقي، هذا هو العالم الذي يقتدى به، فإذا بين للناس ما نزل إليهم، وأخبرهم عن الأحكام وبين لهم الحلال والحرام هذا يسمى في العرف العلمي والاصطلاح مفتي، إذا كان يبين للناس من غير إلزام، وإذا كان يبين للناس مع الإلزام فهو قاضي. الفتوى الإخبار عن الله -جل وعلا-، وعمدتها الكتاب والسنة، يعني ما جاء عن الله، وجاء ما يدل على اعتماد القياس عند جماهير أهل العلم، ولهذا القول دلائله من الكتاب والسنة، مما لا نطيل بذكره. المفتي مخبر عن الله -جل وعلا-، موقع عنه تعالى، ولذا ابن القيم -رحمه الله تعالى- سمى كتابه: (إعلام الموقعين عن رب العالمين) وبعضهم يضبطه (أعلام الموقعين عن رب العالمين) ويقصد بذلك المفتين، هم الذين يوقعون عن الله -جل وعلا-، وسواءً قلنا: إعلام وهو إخبار بمضمون هذا الكتاب، أو قلنا: أعلام لأنه ذكر من الأعلام الذين تولوا الفتوى من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وهم أعلام، أئمة أعلام، وسواءً هذا أو ذاك فالموقعون هم المفتون عن الله -جل وعلا-. المفتي لا يتبع في فتواه حتى يجمع ويضم إلى العلم الدين والورع. وليس في فتواه مفت متبع ... ما لم يضف للعلم والدين الورع

لأنه إذا لم يكن عالماً وهو الشرط الأول كيف يفتي الناس؟ وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله -جل وعلا- لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال، وإنما يقبضه بقبض العلماء، حتى إذا لم يبقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)) رؤوساً جهالاً، يعني قبل ذلك عند وجود العلماء اتخذ الناس رؤوساً جهال وإلا علماء؟ علماء، ولذا يقول أهل العلم: إن الرئاسة الحقيقية لأهل العلم، الرئاسة وفي رواية: ((رؤساء)) الرئاسة الحقيقية لأهل العلم، ومن يتصدى للإجابة عن مشاكل الناس وأسئلتهم وبقدر ما يعطي يكون نصيبه من هذه الرئاسة، ولا نحتاج إلى ضرب أمثلة؛ لأنه يوجد من يبذل وهو من أهل العلم بحق ولذا ساد الناس، ويوجد من أهل العلم من بذله أقل وسيادته تكون أقل. "ما لم يضف للعلم والدين" الدين المراد به التدين والعمل بالعلم، وإلا إذا قلنا: المراد به الإسلام ما يمكن أن يتصور عالم غير مسلم، نعم، لا يتصور إلا إذا كان يدرس الدين ويدرس العلم الشرعي لهدف من الأهداف كالمستشرقين مثلاً، الذين يقصدون من دراستهم هدم الدين، وهؤلاء ليسوا بعلماء، وإن لاك أو لاكت ألسنة بعض الناس وصفهم بالعلم، بل الترحم عليهم، نسأل الله السلامة والعافية، هذا ضلال نسأل الله العافية. . . . . . . . . . ... ما لم يضف للعلم والدين الورع من لازم الدين الصحيح الصادق الورع، من لازم الدين الصادق الذي يخلص فيه صاحبه لله -جل وعلا- الورع، لكن التنصيص عليه لأنه قد يغفل عنه، المفتي على قدر من العلم وعلى قدر من التدين والعبادة، لكن قد يغفل عن الورع إذا سئل عن شيء.

وهل الورع من أجل أن يحمل الناس عليه أو من أجل أن يكف نفسه عن الفتوى التي لا يتبينها؟ السلف يتورعون عن الفتوى، ويتدافعون الفتيا، وقد يرد، يقدم من العراق أو من خراسان أو من أقاصي الدنيا إلى المدينة أو مكة وبعد لأي وجهد جهيد يجد من يفتيه، والصحابة متوافرون، والتابعون لهم كذلك، كل واحد يقول: اذهب إلى فلان، اذهب إلى فلان، يأتي السائل من العراق يسأل ابن عمر فيقول: اذهب إلى ابن عباس، فيقول: ابن عباس مالت به الدنيا ومال بها، يعني توسع في أمور الدنيا بخلاف ابن عمر، يعني توسع ابن عباس في حدود المباح -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، ابن عمر لا تورع عن كثير من الأمور، وبهذا نعرف قيمة العالم العابد حتى عند عوام الناس، الذي ينجمع على آخرته وقد يغفل عن كثير من أمور دنياه؛ لأن مثل هذا بغض النظر عن ابن عباس، ابن عباس حبر الأمة، وترجمان القرآن، لا يستطيع أحد أن يتطاول عليه، لكن هذا الحاصل، القصة في الصحيح، اذهب إلى ابن عباس، قال: ابن عباس مالت به الدنيا ومال بها، فهو يريد مثل ابن عمر في ورعه وانكفافه وانجماعه، فالعالم الرباني عليه أن ينظر إلى آخرته، وليس معنى هذا أن يحرم نفسه، ويحرم من تحت يده، بحيث يتكففون الناس، لا، لكن يتوسط في أمرهم، لا يكون جمعه لدنياه، وحرصه على دنياه على حساب دينه. . . . . . . . . . ... ما لم يضف للعلم والدين الورع

طيب قد يقول قائل: كيف يتورع الصحابة عن الفتوى وهم يعرفون الجواب، ويأتيه السائل من بعيد ويقول: اذهب إلى فلان، ثم فلان يقول: اذهب إلى فلان، فلان يقول: اذهب إلى فلان، لا شك أن هذا ورع، وقد أخذ العهد والميثاق على أهل العلم أن يبينوا، وأبو هريرة يقول: لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [(159) سورة البقرة] آية مخيفة تجعل العالم يبذل، وإن كان بالمقابل أيضاً على خطر شديد، فالفتوى قول على الله، فإذا كانت من غير علم ولا تثبت فهي كذب على الله -جل وعلا-، {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ} [(116) سورة النحل] كذب على الله ليس ككذب على أحد، إذا كان الكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إن كذباً عليّ ليس ككذب على أحد)) فكيف بالكذب على الله -جل وعلا-؟ المسألة خطيرة يا الإخوان، وإذا ضممنا هذه الآية إلى قول الله -جل وعلا- في سورة الزمر: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [(60) سورة الزمر] هل يرضى الإنسان من أجل أن يقال: عالم يرضى بمثل هذا؟ وما الذي يدعوه إلى أن يجيب؟ إما بجهل أو بغير تثبت أو بتسرع، الذي يدعوه إلى ذلك من أجل أن يقال: فلان عالم، من بحور العلم، والله ما رد أحد، يسأل ويجيب بسرعة، أقول: يا أخي هون على نفسك، أتعلم من الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار، ترى فيهم رجل تعلم وعلم، ولكن ليش؟ ليقال: عالم. ومن يكن ليقول الناس يطلبه ... أخسر بصفقته في موقف الندمِ

النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو المؤيد بالوحي يُسأل فيسكت، ينتظر من أهل العلم من يقول: إنه ينتظر الوحي، ومنهم من يقول: ينتظر يسكت ليربي من يفتي بعده؛ لئلا يتسرع؛ ولئلا يتعجل، ومع الأسف أننا نجد من يتصدى للفتوى في هذه الأزمان من يسارع، ويجيب على السؤال قبل تمامه، وأحياناً يجيب بضد المطلوب، والأمثلة كثيرة، سمعتم وتسمعون، شخص يسأل في وسيلة من وسائل الإعلام يسأله شخص، يقول: إن ولده يضربه، تصور الولد يضرب الابن، والأب هو السائل يقول: إن ولده يضربه، وأريد أن تسدي له نصيحة مباشرة قال: الأدب شرعي، والولد لا بد له من الأدب، وكون الوالد يضرب ولده هذا أمر مطلوب، ((واضربوهم عليها لعشر)) فهم عكس المراد، فهم أن الابن هو الذي يشكي أباه، أو يسأل عن حال أبيه، ويطلب توجيه للأب أنه يخفف عليه ولا يضربه، عكس المراد، والأمثلة على هذا كثيرة. ولذا يتصدى كثير الآن مع الأسف الشديد، ومع الانفتاح الذي يعيشه الناس، ومع قلة الورع قد يكون هناك علم، لكن الورع أين الورع؟ يصعب عليه أن يقول: لا أعلم، يشق عليه أن يقول: لا أدري، من غاب عنه لا أدري لا بد أن يقع؛ لأنه مهما كان من العلم لن يخرج عن قول الله -جل وعلا-: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [(85) سورة الإسراء] فالفتوى تحتاج إلى علم، وتحتاج أيضاً إلى دين ليكون قدوة، إذا أجاب يعمل بقوله، وإلا إذا لم يوجد الدين ولو وجد العلم، يبين له الحكم ويخالف الحكم لن يعمل بقوله ولن يقتدى به، ويحتاج المفتي أيضاً إلى الورع. بعض السلف إذا سئل عن مسألة انتفض، وأصابته الرحضاء، وعرق عرقاً شديداً ولو كان في الشتاء، لماذا؟ لأن الفتوى مزلة قدم، أنت تخبر عن من؟ يعني إذا كان الكذب على آحاد الناس حرام، والكذب على الرسول: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) والكذب على الله -جل وعلا- أعظم.

فالمسألة تحتاج إلى إعادة حساب من قبل بعض من يتصدى إلى الفتوى، عندنا علماء، وعندنا راسخون، وعندنا أئمة علم وعمل، ويتصدون للفتوى، وهم مسددون موفقون، ونحمد الله على هذه النعمة، الخير موجود، لكن قد يوجد من يفتي من الطرف الآخر، والزلات كثرت، وثقة العوام بأهل العلم تزحزحت، لماذا؟ لأن الشيخ الفلاني يُسأل عن مسألة عقد مالي فيقول: حرام، ويسأل آخر وهو في السن في مقام أولاد الشيخ الأول ويقول: حلال، طيب قد يقول: إحنا أعرف من أولئك في تصور المسائل الجديدة والاقتصاد، يقول: حلال، ثم بعد ذلك الناس ما يدرون منهم من يرجح بالهوى فيرتكب الفتوى الثانية، ومنهم من يقول: الشيخ الفلاني أعرف فنطلب مرجح ثالث، حتى رمي بعض أهل العلم الراسخين وشاع في مجالس الناس مع الأسف الشديد أن فلاناً لا يُسأل، كل شيء حرام، لماذا؟ لأنه يفتي بما يخالف أهواءهم، لا يسأل فلان كل شيء حرام، إذا كان مرد القبول والرفض الهوى، الحديث المختلف في ثبوته: ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)) ومقتضى قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولد والناس أجمعين)) وفي قوله لعمر: ((حتى من نفسك)) يقتضي هذا، إذا قدمت هواك على ما جاء عن الله وعن رسوله فأنت ما أحببت الرسول؛ لأن الذي يحب يكون مطيعاً لم يحبه. أتعصي الإله وأنت تزعم حبه؟! ... هذا لعمري في القياس شنيعُ لو كان حبك صادقاً لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيعُ

فالمعول على الوحيين، وإذا جاءت الفتوى بنص ... ؛ لأنه أحياناً يأتي السؤال مطابق لسؤال سئل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فيورده المفتي فلا مفر، ولا يجوز التردد في القبول، اللهم إلا إن كان النظر من جهة هل هذا النص محكم أو منسوخ أو مقيد أو مخصص هذا من هذه الحيثية لا بأس، ويكون هذا في حق من له النظر، أما العامي إذا أفتاه من يثق بدينه وعلمه لا يجوز له أن يتردد وإلا صار متبعاً لهواه، إذا أفتاه فلان قال: يلزمك دم، قال: لا، ندور غيره، في أسمح منه، إذا سئل عن معاملة قال: حرام، نبحث، نسأل غيره، ثم بعد ذلك يقع الاضطراب بين الناس، ويقع من قبل بعض العامة إساءة الظن بالدين، بعضهم يقول: الدين تغير، كل عمرنا عايشين على كذا، ثم جاءونا ها الشباب وغيروا الدين، هذه إساءة ظن بالدين، وإذا أطلع الناس على الخلاف وهم لا يستوعبونه لا بد من إطلاعهم على سببه، على سبب الخلاف ليعرف أن هذا الاختلاف وهذا الاضطراب ليس في الدين، الحق واحد لا يتعدد، لكن العلماء يجتهدون ويختلف اجتهادهم وكلهم مأجور إذا كانوا أهلاً للاجتهاد، فعلى طالب العلم أن يمرن نفسه، وأن يعسف نفسه على التريث إذا سئل، وأن يكون على صلة وثيقة بفتاوى أهل العلم.

ومما ينصح به طلاب العلم قراءة فتاوى العلماء المعاصرين، وهي موجودة ولله الحمد؛ لأنها تعالج قضايا حية، موجودة وبأسلوب يفهمه كل أحد، مثل فتاوى الشيخ ابن باز أو ابن عثيمين أو اللجنة الدائمة أو غيرها من الفتاوى الموجودة -ولله الحمد- وجود كثرة، ليسير على الجادة، ويتصور التصور الصحيح، ولا تكثر الشواذ عنده؛ لأن بعض الناس يكون علمه من الكتب، وظروف ما أفتي به قبل خمسمائة أو ستمائة سنة في بلد من البلدان أو لشخص من الأشخاص قد تختلف عن الظروف التي نعيشها وإن كان هناك قدر مشترك وهو الكثير الأغلب في أحكام الدين أنها ثابتة لا تتغير، قد يتغير جواب العالم بالنسبة لزيد عن جوابه لعمرو، لما يحتف بزيد من الأمور التي جعلت الحكم يخفف عليه، وعلى ذاك يشدد؛ ولأن هذا جاهل عذر بجهله، وذاك غير جاهل، يعني على سبيل المثال سئل الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب عن قوم يطوفون على قبر في بلد ما، وسئل نفس السؤال عن بلد آخر، فأفتى بأن هؤلاء البلد أو هؤلاء الناس كفروا بهذا، وأولئك عذرهم بالجهل؛ لأنه يعرف من حال هؤلاء أنهم بلغتهم الدعوة، وبين لهم الحق، وأصروا على ذلك، وأما أولئك فهم معذورون بجهلهم، فالذي يسمع الفتوى هذه والفتوى هذه يقول: اضطرب جواب الشيخ، ومرده إلى هذا.

فليكن من يتصدى للفتوى على حذر شديد؛ لأن ألزم ما على الإنسان خلاص نفسه، يسعى الإنسان جاهداً على خلاصه قبل أن يسعى إلى خلاص غيره، أنت مسئول أمام الله -جل وعلا-، لن تترك بعد هذه، هي مدونة عليك في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، أنت الآن أحسنت على هذا على حد زعمك، وخففت عليه الحكم لكن أنت وين جوابك؟ يعني هل عند شخص من الأشخاص أغلى من نفسه؟ هل يمكن أن يؤثر على نفسه أحد ويتحمل؟ يقول: نتحمل، نفتيه بأنه لا يجب عليه هذا، أو لا شيء عليه ونتحمل، يمكن أن يقول هذا عاقل؟ لماذا طلب العلم؟ لماذا تعلم؟ لماذا أفتى؟ مو من أجل أن يرجو ثواب الله -جل وعلا-، فكيف يرتكب ما يوجب عقابه؟ فليكن السعي إلى خلاص النفس قبل السعي إلى خلاص الغير، نعم الإحسان إلى الآخرين مطلوب، أيضاً مع وجود من يتسرع في الفتوى، ويعرض نفسه لها، بل يطلب أن يساهم في هذا الباب، ويكثر من هذا ولا يتورع. يوجد أيضاً في المقابل طرف آخر، أهل وأكفاء ومع ذلك يتهربون بحجة أن السلف يتدافعون الفتوى، لكن إذا تعينت الفتوى على شخص لا يجوز له بحال أن يعتذر عنها ((من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار)) فالمسألة تحتاج إلى توازن وإلى اعتدال، فمن كان أهلاً لذلك لا يتأخر، والناس بحاجة ماسة، ومن جعل نفسه للناس يعرف مقدار هذه الحاجة، الناس يتصلون في الهاتف إلى قبيل الفجر يبحثون عن من يفتيهم، ويقسم بعضهم أنه منذ شهر يبحث عن من يفتيه ولا يجد، لماذا يفعل هذا؟ لأنه يعرف هؤلاء الذين يعرضون أنفسهم وهم موجودون في كل وقت وعلى كل حال، يريد أهل تحري، فمثل هذا من له؟ لا بد من البذل، من الأكفاء لا بد من البذل، وطالب العلم عليه أن يسعى لتكميل نفسه؛ ليقوم بحاجة الناس، الحاجة ماسة، والبيان أمر لا بد منه، ولا يقوم أمر الدين ولا الدنيا إلا بالعلم، ولذا جاءت النصوص الصريحة الصحيحة القطعية بأن العلم من أفضل الأعمال، وهو في حق بعض الناس يكون أفضل الأعمال، وقد يتعين على بعض الناس، فإذا تعين على الشخص وتخلى عنه فهو آثم.

طالب العلم الذي يسر الله له سلوك السبيل ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)) إذا يسر الله لك سلوك هذا الطريق وأنت في أثنائه قد تراودك نفسك بالترك أو بالفتور؛ لأن زملائك توظفوا وكسبوا أو ساهموا أو زاولوا التجارة وتجروا وأنت في مكانك {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [(61) سورة البقرة] العلم لا يعدله شيء، العبادة على بصيرة، الدعوة على بصيرة متى تكون؟ {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [(108) سورة يوسف] لا تكون الدعوة على بصيرة إلا إذا كانت مبنية على علم راسخ، والعبادة لا تكون على بصيرة إلا كذلك.

فعلى طالب العلم أن يحرص وأن يجد ويجتهد لتحصل له الرفعة في الدنيا والآخرة، قد يقول قائل: أنا طالب علم لكن تأهيلي الشخصي قد يعوق دون التحصيل، حافظتي ضعيفة، وفهمي ضعيف، هل أترك الطلب أو أستمر؟ نقول: استمر؛ لأن تسهيل طريق الجنة إنما رتب على مجرد سلوك طريق العلم، لا على كون الإنسان يصير عالماً ((من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً)) ولو لم يكن عالماً ((سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)) قد يقول قائل: أنا والله شايب كبير، أنا عمري خمسين، ستين، سبعين، ثمانين، صالح بن كيسان ذكر في ترجمته أنه لما بلغ التسعين طلب العلم، وإن كان الذهبي وغيره يشكك في السن، لكن هذا موجود، القفال الكبير معروف، كبير جداً سنه، لما بلغ التسعين صالح بن كيسان أو قل: سبعين، ستين، خمسين، بعض الناس إذا لاح الشيب يقول: ما يجيب العمر كثر مما مضى، يا أخي أنت لو ما عندك إلا يوم واحد تسلك فيه علم سهل الله لك به طريقاً إلى الجنة، بس تصدق النية لله -جل وعلا-، والأمور متيسرة، الأسباب موجودة، يعني -ولله الحمد- الأشرطة الآن في كل بيت، الشباب والشابات والنساء والرجال كلهم تعلموا، عجوز في السبعين من عمرها لا تقرأ ولا تكتب حفظت القرآن، في أكثر من حادثة، ونجد بعض كبار السن من الرجال الذين متعهم الله بصحة، زودهم من الذكاء والحفظ، أحياناً يوجد في الكبار من الذكاء والفهم ما لا يوجد عند الشباب، يقول: والله ما يجيب العمر كثر مما مضى، ثم يتقدم إلى المسجد مع الأذان، وهو على خير -إن شاء الله تعالى-، يجلس ما يصنع شيئاً، ولا يعان ولا على تسبيح وتهليل، أدنى بزر عندك في البيت لو تقول له: حفظني سورة كذا، موجود في البيت، وعندك الأشرطة المعلمة، وعندك كل شيء، فلا يأس. أذان؟ طالب:. . . . . . . . .

بالنسبة للمفتي مع غيره قد يتعرض لشيء وهو الاختلاف مع غيره في تحديد ما يفتى بجوازه ومنعه، وقد يلتبس عليه الضابط فيما يجوز وما يمنع، ولنضرب مثال بالجوال مثلاً ومناسبته قائمة، ورن الجوال أثناء الصلاة وبعد الصلاة من بدايته إلى نهايته ولا أغلق بنغمات موسيقية، وفتوى اللجنة الدائمة بتحريم النغمات الموسيقية موجودة ومبذولة، ومع ذلك لا يرفع إنسان لسانه إلى لهاته ولا ينكر، لماذا؟ يقول لك: والله الجوال هذا مع عامل لو تكلمت ما يفهم، أو يقول: يمكن هذا ما هو بموسيقى نختلف في كونه موسيقى، ثم بعد ذلك إذا تواطئنا على ترك المنكر في أول الأمر سوف تُسمع الأغاني في المساجد عقوبة من الله -جل وعلا-، فمثل هذه الأمور وهو في بدايتها لا بد من إنكارها، ومع الأسف أن كثير من مساجد المسلمين تحولت إلى ما يشبه الكنائس، جوال يمين وجوال وسط، وجوال يسار، وجوال كذا، وبالموسيقى، يعني الرنات التي ما تؤثر في النفوس وليست على طريقة الفساق في أغانيهم هذه أمرها سهل، يعني تنبيه مجرد تنبيه، والملائكة لا تصحب رفقةً فيهم جرس، الجرس الذي يعلق على الدواب هذا لا تصحبهم الملائكة، فكيف بالموسيقى المطربة التي بعضها مستخلص من أغانٍ ماجنة؟ ومع ذلك كل واحد يتكل على الثاني، أو يقال: هذه ما هي بموسيقى، أو يروج في القنوات من بعض من يفتي، يعني ويش فيها الموسيقى؟ ويش فيه الغناء؟ ابن حزم يقول: حلال، حتى كبار سن شياب يقول لك هذا الكلام، ابن حزم يقول: حلال، متى عرف ابن حزم هذا؟ لولا وجود من يفتي بمثل هذه الفتاوى، طيب تعال ما دام ابن حزم يقول: حلال يقول ابن حزم أيضاً: إذا بلت في إناء وصببته على الماء ما فيه شيء، لكن لا تبول في الإناء مباشرة، الولد إذا ضرب أباه ما في شيء، لكن لا يقول له: أف، يرضى أن يكون هذا قدوته؟ أو يقتدي به فيما يريده وتهواه نفسه وما عدا ذلك الناس أحرار. ابن حزم أعل أحاديث الأغاني والمزامير، لكن قوله مردود مرذول، يقول الحافظ العراقي في مثال: . . . . . . . . . أما الذي ... لشيخه عزا بـ (قال) فكذي عنعنة كخبر المعازفِ ... لا تصغ لابن حزم المخالفِ

ابن حزم شذ في هذه المسألة، ولعل لعيشه الذي عاش فيه وظروفه التي عاش فيها أثر في هذه الفتوى، عاش في نعمة كان وزير، كان في بيت نعمة فأثر فيه هذا. ونجد الإخوة الوافدين من البلدان الأخرى منذ عقود وهم يسمعون الأغاني علناً من غير نكير، يستمرئون مثل هذه الأمور، وتجد هو في الصف مثلاً في الصلاة وحريص وجاء متقدم، ومع ذلك النغمة الموسيقية من بداية الصلاة إلى نهايتها ولا تسمح نفسه يغلق الجوال؛ لأنه ما في شيء عنده، جاي من بلد الناس كلهم من هذا وأشد، فيستخفون بمثل هذه الأمور، فعلى الإنسان أن يغار لدينه، وهذه أماكن عبادة، يعني إذا كانت الموسيقى محرمة في البراري والقفار فكيف بأماكن العبادة، وتشبيه أماكن العبادة بالكنائس ومعابد المخالفين، هم اللي يصحبون عباداتهم بموسيقى، فعلينا أن نحرص على هذا. قد يقول .. ، يختلف اثنان في نغمة من النغمات واحد يقول: هذه موسيقى أو هذه ليست موسيقى؛ لأنها قريبة يعني ما هي بعيدة، وإطرابها للنفس يسير، هذه مما تختلف فيها وجهات النظر، لكن لو على سبيل الإشارة على الشخص أو المشورة عليه بأن يغير هذه الموسيقى إلى نغمة لا إشكال فيها. قد يقول قائل: جاء النهي عن الجرس والملائكة لا تصحب رفقة فيها جرس كيف يشبه الوحي وهو أفضل شيء بصلصلة الجرس، ((أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس)) يشبه المحمود بالمذموم؟ نقول: نعم، التشبيه لا يقتضي المشابهة من كل وجه، والجرس فيه صوت متدارك، وفيه إطراب، فكونه يشبهه في تدارك الصوت، لا يعني أنه يشبهه في الإطراب. الرؤية، رؤية الباري -جل وعلا- في الجنة شبهت برؤية القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته، أو لا تضامون في رؤيته، يعني هل هذا التشبيه من كل وجه؟ تشبيه رؤية برؤية لا مرئي بمرئي، فالتشبيه من وجه دون وجه. الذين يدخلون الجنة، أول زمرة تدخل الجنة وجوههم كالقمر أو على هيئة القمر هل معنى هذا أنه ما فيهم عيون ولا أنوف ولا ... ؟ ما فيهم أنوف ولا عيون؟ القمر ما فيه، لا، في الإضاءة والنور لا في بقية التفاصيل، فمثل هذا ينتبه له.

هذا سائل يقول: إن عدد المفتين الذين يفتون في قضية واحدة كثيرون، وتختلف أقوالهم في تلك القضية، ويحتار أحدنا أي فتوى يقدم أو يقوم بأخذها؟ الخلاف موجود من عهد الصحابة إلى يومنا هذا، ولن ينقطع في كثير من المسائل، والخلاف مرده إلى بلوغ الدليل لبعض الناس دون بعض، فالذي بلغه الدليل يفتي بمضمونه، والذي لم يبلغه يفتي بما عنده قبل ورود الدليل. قد يبلغ الدليل ويختلف العلماء في ثبوته، فمن ثبت عنده أفتى بمقتضاه، ومن لم يثبت عنده أفتى بخلافه، قد يبلغ الدليل للأطراف كلها، ويبلغ بعض العلماء المخصص أو المقيد ولم يبلغ الآخرين، فيعمل به بعضهم على إطلاقه، ومن بلغه المقيد يعمل بالمقيد. الفهوم، الفهوم تختلف، القواعد التي أخذت من عمومات الشريعة تختلف من عالم إلى عالم، الفهوم قد يستدل العالم بدليل ويستدل مخالفه بنفس الدليل، بنفس الدليل الفهم يختلف، وكلهم مأجور، لكن الذي يصيب الحق له أجران، والذي يخطئ الحق له أجر واحد، كلهم مجتهدون وأهل للاجتهاد، ولا يعني هذا أن كل إنسان له النظر في الأدلة، لا، الذي ينظر في الأدلة من له أهلية الاجتهاد. أما ما يشاع في بعض القنوات أو في بعض الصحف أنهم رجال وِأئمة هذه الأمة وسلفها رجال، نفهم مثل ما يفهمون، هذا الكلام ليس بصحيح، لا بد أن يكون الفهم مضبوط، فهم من يحسن التعامل مع النصوص، من يفهم الحقائق اللغوية والشرعية والعرفية ويوازن بينها، إذا سئل شخص وقال: هذا شخص عنده الملايين في البنوك ويكاد أن يموت من الجوع مقتر على نفسه وعلى من تحت يده تحل له الزكاة أو لا تحل؟ الذي لا يعرف يفرق بين الحقائق يقول: تحل له الزكاة؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ* لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [(24 - 25) سورة المعارج] وهذا محروم، لا يا أخي، هذه وأن كانت حقيقة عرفية بين الناس لكنها ليست هي الحقيقة الشرعية، الحقيقة الشرعية السائل الذي يأتي للناس ويسألهم، المحروم الذي لا يسأل، فلا يعرف ولا يدرى به، ولا يفطن له، مثل هذا إذا عُرف بأي طريقة من الطرق هذا يحرص عليه.

شخص يخطب ابنته شخصاً لا تريده، البنت لا تريد هذا الشخص فيجبرها عليه، يناقش في ذلك يقول: الله -جل وعلا- يقول: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء} [(33) سورة النور] ويش البغاء هذا؟ هو يدري إن البغاء هذا هو الزنا؟ إلى أن قال: {وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [(33) سورة النور] هو يريد هذه المغفرة، هذا مثل يفهم النصوص؟ مثل هذا يترك أن يفهم النصوص ويقول: نحن رجال وهم رجال؟ هذا كلام بعض العامة، ومن بعض من يكتب مثل العامي أو أردأ؛ لأن بعض العوام فطرهم سليمة، وبعض من يكتب تلوثت أفكارهم، وهذا موجود، تجده يشط في الفهم، ويخالف جميع ما جاء عن سلف هذه الأمة وأئمتها ويقول: نحن رجال.

كون الفتوى تختلف من أهلها أولاً: كون الفتاوى التي فيها شيء من الاختلاف من أهل العلم الذين يوثق بعلمهم، من أهل العلم الراسخين الذين لهم النظر والاجتهاد وتوافرت فيهم الشروط، أولاً: لا ينبغي إشاعتها بين الناس، مثل ما تقدم، بعض الناس يسيء الظن بالدين، ومرده إلى اجتهاد المجتهدين لا إلى الدين، فإذا سئل العالم وأفتى بما أداه إليه اجتهاده حصل له الأجر، لكن ليس معنى هذا أنه يعرف أنه يوجد من يخالفه، وهو من أهل النظر والاجتهاد، ودليله له حظ من النظر أن يشيعه بين الناس؛ لأنه يحصل بهذا الاضطراب، ويحصل مثل ما يقول، يحتار الناس، تحصل الحيرة بمثل هذا، فلا مانع أن يجتهد، وهذا هو الأصل أن يجتهد الإنسان فإذا أفتى على ما يؤديه اجتهاده بعد التجرد لله -جل وعلا- ولو أخطأ، لكن لا يشاع بين الناس القول وضده، واحد يقول يجوز وواحد يقول: لا يجوز، ويزعم بعض الناس أن هذا من السعة في الدين، ومن التيسير على الناس، ويستدل بحديث لا أصل له يقول: "اختلاف أمتي رحمة"، والله -جل وعلا- يقول: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ} [(1187 - 119) سورة هود] الرحمة في عدم الاختلاف، لكن إذا وجد الاختلاف الذي رتب عليه أجر لا مانع من وجوده، وهو شرعي والصحابة اختلفوا، ولا مانع من ذلك، لكن على أن لا يضطرب الناس في هذا الباب، أو يترك الناس يتخيرون، والله شوف اللي يفتيك بالحلال أو بالحرام، تخير، العامي لو كان أهل للنظر والتخير ما يحتاج إلى أن يستفتي، فمثل هذا ينبغي أن لا يشاع بين الناس بقدر الإمكان. يقول: البعض من الناس قد يستفتي عن مسألة عند شيخ، ثم يقوم بعدم قبول تلك الفتوى ويسأل شيخاً آخر، وكذلك حتى يحصل على ما يرضيه من الفتوى؟ هذا هو الذي ذكرنا أنه متبع لهواه، فإذا سأل من تبرأ الذمة بتقليده، ويثبت ذلك بالاستفاضة بين الناس يلزمه قوله؛ لأن فرض العامي سؤال أهل العلم، والله -جل وعلا- يقول: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [(43) سورة النحل].

هذا نفس السؤال السابق إلا أنه بصيغة أخرى يقول: في الآونة الأخيرة كثر عدد من يفتي ويتصدر الفتوى، وخاصة في وسائل الإعلام المختلفة، حيث أن بعض من يفتي في وسائل الإعلام بخلاف الكتاب والسنة، وخاصة في قضية حجاب المرأة، حيث أن بعض المفتين يفتي بعدم ضرورة تغطية المرأة لوجهها، وهذا يثير الشك والجدل والبلبلة وضعفاء النفوس وضعفاء الدين.

المسائل التي تعم الأمة وتعظم الآثار المترتبة عليها إنما هي للكبار، للراسخين، ومثل هذه المسألة التي أشار إليها حجاب الوجه بالنسبة للمرأة هناك نصوص صحيحة صريحة لا تحتمل التأويل، وكان يعرفني قبل أن ينزل الحجاب، استيقظت باسترجاعي -هذا في البخاري- فخمرت وجهي بجلبابي {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} [(59) سورة الأحزاب] ثم بعد ذلك بعدها مباشرة: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ} [(60) سورة الأحزاب] ونفرق بين من يفتي بعد أن يدرس المسألة ويؤديه اجتهاده إلى أن هذا الحكم كشف الوجه حلال، مخلصاً في ذلك لله، وهو من أهل الاجتهاد، يعني نفترض مثلاً المسألة في الألباني مثلاً أداه اجتهاده إلى أن الوجه ليس بعورة، وعامة أهل العلم يفتون بأنه عورة، هل نقول: إن الآية: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ} تنطبق على الألباني؟ لا، نقول: اجتهد وهو أهل للاجتهاد، ونظر في النصوص، وأداه اجتهاده إلى هذا، وله أجر واحد، أجر الاجتهاد، أجر الإصابة مع الفريق الآخر، هؤلاء الذين يكتبون في الصحف ويروجون مثل هذه المسائل وليسوا من أهل العلم وما عرفوا بعلم، ولا بحثوا مسائل لا في الصلاة ولا في الزكاة، ولا في المعاملات، همهم هذه المسألة، ويش الهدف من هذه المسألة؟ الهدف أن ينسلخ، تنسلخ النساء من حيائهن، ويستمتع أمثال هؤلاء بمناظرهن، ويتوصلون إلى مآربهم، ولذا تنطبق عليهم الآية الأخرى: {لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} [(60) سورة الأحزاب] جاءت عقب هذه الآية مباشرة، أهل العلم والاجتهاد والنظر والإخلاص لهم حكم، لكن مثل هؤلاء الذين لا دور لهم، لا ناقة لهم ولا جمل في العلم، ما يعرفون مسألة من مسائل الصلاة يبحث في الحجاب؟ الهدف من الأهداف الأولى لإبليس وآدم في الجنة قبل أن ينزل من الأهداف وسوس لهما ليبدي لهما ما وري عنهما من سوءاتهما، هدف شيطاني هذا، ومع ذلك يكتب من يعرف ومن لا يعرف، ومن عرف كلمة رددها في وسائل الإعلام، هذا أمر خطير يخشى على

نفسه مثل هذا، والله المستعان. يكفي؟ جاءت الإقامة؟ طالب:. . . . . . . . . اللي يريحكم، بس لا نشق على الإخوان، الأسئلة كثيرة جداً، لكن عاد ... يقول: كثرت في هذه الأيام في وسائل الإعلام والفضائيات ظاهرة ما يسمى بالمفتيات من النساء فهل يمكن أن تفتي المرأة؟ وهل الضوابط التي تكون للمفتين واحدة بالنسبة للرجال والنساء؟ وما هو تعليقكم على ما حدث من تقدم إحدى النساء لإمامة الرجال؟ من الصحابة من النساء كعائشة من تصدر للإفتاء، لكن هذا لا بد أن يكون من رواء حجاب، ولا بد أن تؤمن الفتنة، وإلا فالأصل أن المرأة تقر في بيتها، الأمر الإلهي: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [(33) سورة الأحزاب] فإذا رجحت المصلحة بأن تكون مفتية للنساء، وهي أعرف بأمور النساء، لا مانع؛ لأن الرجال لهم من يحل مشاكلهم، ولا يوجد امرأة الآن عندها من العلم مثل ما عند عائشة مما يخفى على الرجال، لنقول: إن عائشة تفتي الرجال، هل يمكن أن يتصور امرأة عرفت من أمور النساء ما يخفى على غيرها أو ما يخفى على الرجال؟ الذي جاء عن عائشة مما يخفى على الرجال كله مدون في الكتب، وعرفه الرجال بأجلى صوره، فلا يقال: إن المرأة تفتي الرجال؛ لأن الرجال عندهم من يكفيهم، ومع الاحتياطات التامة لا مانع أن تفتي المرأة النساء إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وهي أقرب إلى معرفة مشاكل النساء وظروف النساء، بالضوابط الشرعية التي لا بد أن تكون من رواء حجاب، {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} [(53) سورة الأحزاب] ولا بد أن تؤمن الفتنة.

في الأمور العامة إنما يطلب لها الرجال، في الإمامة في التحقيق امرأة متهمة مثلاً الذي يحقق معها في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فيه من النساء من أهل العلم والعقل والدين ما يمكن أن يقوم بمثل هذا، لكنه -عليه الصلاة والسلام- قال: ((واغد يا أنيس)) لأن هذه الأمور لا يقوم بها النساء، ولا تناسب أن يقوم بها النساء، ((اغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها)) قد يقول قائل: مثلاً أنيس هذا رجل كيف يخلو بامرأة؟ هل يتصور خلوة في عصره -عليه الصلاة والسلام-؟ معها محرمها، ومعها .. ، ويسألها من رواء حجاب إن اعترفت أقيم عليها الحد، يعني بعض الناس يستمسك بشيء من المتشابه ويترك الأمور المحكمة، والهجمة التي يروج لها الأعداء وأبواق الأعداء لتحرير المرأة هجمة خطيرة، نسأل الله -جل وعلا- أن يقينا ومجتمعات المسلمين شرها، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

منهج السلف في الإفتاء

منهج السلف في الإفتاء الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: فالموضوع المختار لهذا الدرس كما سمعتم: (هدي السلف) هدي السلف المراد بهم من تقدم في صدر هذه الأمة، ومن تبعهم بإحسان من غير تغيير ولا تبديل، هدي السلف في الفتوى وهذا موضوع عظيم، وموضوع في الوقت نفسه خطير؛ لأن الإنسان يخشى وهو يذكر شيئاً مما عليه سلف هذه الأمة وأئمتها، في قول نظري طبقه سلف هذه الأمة، إقداماً في مجال الإقدام وإحجام حينما يقتضي الأمر الإحجام.

نعرض لأقوال سلف الأمة ولطريقة السلف في الفتوى، وتهيبهم للفتوى، وتتدافعهم، وتدارئهم الفتوى، حتى قد كانت الفتوى تمر على العدد الكبير من سلف هذه الأمة ثم تعود إلى الأول، يتدافعونها، ويتدارؤنها، ثم بالمقابل من يتكلم عن هديهم تعرض عليه الأسئلة فلا يسلك مسلكهم، فالذي يخشى منه أن يكون العمل مكذباً للقول، ولا شك أن مثل هذا مزلق خطير، والمسألة عن الفتوى فيها النصوص الكثيرة التي منها ما يدعو إلى الإقدام ويشدد فيه، ويجعل من لا يقدم عليه ممن يكتم العلم وله الوعيد الشديد في نصوص الكتاب والسنة، وبالمقابل من يجرؤ عليه، له بالمقابل وعيد شديد، فمن المأمور، ومن المنهي؟ من المأمور بالفتوى، ومن المنهي والمحذر منها؟ نحتاج إلى مثل هذا الموضوع في هذا الوقت، وفي هذا الظرف الذي نعيشه، وكثير ممن يتصدى للفتوى ليسوا ممن عرف بعلم ولا عمل، أصلاً، فضلاً عن كونهم لم يتأهلوا الأهلية التامة في هذا الشأن، وموقف السلف كما هو معلوم من نصوص الأمر بالفتوى، وعدم الإحجام عنها، وعدم كتم العلم لمن طلبه، تصدى له أناس عرفوا بالفتوى، من الصحابة ما يزيد على المائة تصدوا للفتوى، ومنهم من جمعت فتاواه في مجلدات، وعلى كل حال منهم المقل، ومنهم المكثر، وهم موجودون مطبقون لهذه النصوص، ومنهم من أحجم، منهم من أحجم ورأى أن التبعة عظيمة، والموقف خطير، ومزلة قدم؛ لأن هذا الموضوع يحتاج، علماً بأنه قد يخفى الأمر على الشخص نفسه أمر الشخص يخفى عليه نفسه، هل هو ممن أمر بالفتوى، أو هو ممن حذر منها؟ الشخص نفسه قد لا يستطيع تحرير واقعه، هل هو ممن أمر بها أو حذر منها، والسائل العامي الذي فرضه سؤال أهل العلم، {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ} [سورة النحل: 43]، قد لا يستطيع التحرير فيمن يسأل هل بلغ مقام من يسأل أو لم يبلغ؟ قد لا يستطيع أن يميز بين من يسأل ومن لا يسأل، فالمسألة تحتاج إلى مزيد عناية وتحرير دقيق، لا سيما وأن المجال الآن والفضاء مفتوح لكل أحد، حتى سمعنا من يستفتي رعاع الناس عن مسائل علمية فيها نصوص شرعية، ويجعل الراجح من يدعمه من الأصوات أكثر، في مجتمع لا يمت إلى الالتزام فضلاً عن التدين، فضلاً عن العلم، هذه مسائل خطيرة، وهناك

شيء أو نصوص فيها إرهاص من مثل هذه التصرفات التي نعيشها، ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)) يعني بعض الناس ممن يتصدى للفتوى قد يكون ممن أعطي بياناً، يمرر به كلامه على السذج، بحيث يتناقلونه ويتداولونه، والبيان من هذا النوع جاء فيه قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إن من البيان لسحراً))، وهذا على سبيل الذم، وإن كان بعض أهل العلم يقول: إنه على سبيل المدح لكن السحر مذموم، ((إن من البيان لسحراً)) فمثل هؤلاء الذين يمررون هذه الأقوال ويتدخلون في أمور الدين، وفي قضايا الأمة العامة من غير اعتماد على نص من كتاب ولا سنة، وإذا تصدر للفتوى من لا علم له بالكتاب والسنة لا شك أنه سوف يضل بنفسه، ويضل غيره، وإذا كان من يحتاج إلى الكتاب والسنة من غير المختصين في العلم الشرعي من الأدباء أو من المؤرخين، تجد لهم، لبعضهم عناية فائقة بالنصوص، نصوص الوحيين، فإذا كان هذا في مؤرخ أو أديب، تجده، يرى أن معرفة النصوص حتم لازم لإتقان الفن الذي يريده، فابن الأثير مثلاً صاحب المثل السائر، يقول: إنه استعان على نشر أو على تحقيق ما يطمح إليه من الأدب الرفيع الذي يستحق أن يسمى أدباً، إنما هو بعد حفظه للقرآن، وبعد حفظه لثلاثة آلاف حديث، وصار يردد هذه الأحاديث على مدى عشر سنوات، يختمها في كل أسبوع، الأديب يحتاج إلى النصوص، حاجة ماسة، المؤرخ يحتاج إلى النصوص، وإلا فسوف يقع الخلط في كلامه، يعني فرق بين أن تقرأ في التاريخ لمفسر محدث كابن كثير، وبين أن تقرأ لمحلل لا يعتمد على النصوص كثيراً، فإذا كان هذا في جانب التاريخ والأدب، الحاجة داعية إلى العناية بنصوص الكتاب والسنة، فكيف بمن يتصدى لإقراء الناس، وتعليم الناس، وإفتاء الناس، وليست له عناية بالكتاب والسنة؟ ونرجو ألا يكون مثل هذا الكلام حجة علينا. إذا عرفنا هذا فقد جاء الوعيد الشديد في حق من كتم العلم وفي حق من جرؤ على العلم، وقال فيه بغير مستند، ولا دليل، ولا برهان من الكتاب والسنة.

يقول الله -جل وعلا-: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [سورة الأعراف: 33]. يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله- تعالى: "رتب المحرمات أربع مراتب، يعني جعل المحرمات أربع مراتب، وبدأ بأسهلها، قد يقول قائل: إن هذه الجمل الأربع عطفت بالواو، وهي لا تقتضي الترتيب، فلماذا يقول ابن القيم وغير ابن القيم أن القول على الله بغير علم أعظم من الشرك؟ لأننا إذا قلنا أنها رتبت على سبيل الترقي وأن هذه المراتب كل مرتبة منها أعظم من التي قبلها كما يقرر جمع من أهل العلم، ومنهم الإمام ابن القيم يقول: "رتب المحرمات أربع مراتب وبدأ بأسهلها وهو الفواحش، ثم ثنى بما هو أشد تحريماً وهو الإثم والظلم، ثم ثلث بما هو أعظم تحريماً منهما وهو الشرك به سبحانه، ثم ربع بما هو أشد تحريماً من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم". يعني طالب العلم إذا سمع مثل هذا الكلام المفترض أن يحسب له ألف حساب، وأنه إذا سئل عن مسألة يحسب لها وللخلاص منها بين يدي الله -جل وعلا- ألف حساب، يعني وما يضيرك أن تقول: لا أدري، وإذا كان الأئمة على ما سيأتي كثر في أجوبتهم قول: لا أدري، وإذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- المؤيد بالوحي يُسأل فيسكت، لماذا يسكت؟ ينتظر الوحي، ينتظر الوحي، ومن أهل العلم من يقول: أنه يسكت ليربي المفتين؛ لئلا يتسرعوا في الجواب؛ لأن بعض الناس إذا سئل لا يترك السائل يكمل الجواب، بل يبادر بالجواب قبل إكمال السؤال، وما الذي ترتب على ذلك؟ ترتب عليه مثل قول من أجاب السائل، السائل يقول: إن ابني يضربني، ابني يضربني، فأرجو توجيه كلمة لهذا الابن، وما حكم هذا الفعل؟ ومن هذه القبيل، قال السائل: ضرب الوالد لولده شرعي، الضرب شرعي، والأدب شرعي، هل فهم المجيب السؤال، عكس، عكس المراد، لكنه لو تأمل بان له المراد، ومثل هذا قد يحتاج السؤال إلى شيء من الاستفصال من السائل؛ لأن السؤال يحتمل وجوه، وحينئذ على المفتي أن يستفصل من هذه الوجوه.

"ثم ربع بما هو أشد تحريماً من ذلك كله، وهو القول عليه بلا علم، وهذا يعم القول عليه سبحانه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه". يقول الله -جل وعلا-: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ* مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [سورة النحل: 116 - 117]. متاع قليل، يعني الدنيا وإن طالت وإن كثرت متعها فإنها قليلة، فإذا تصورنا أن ركعتي الصبح خير من الدنيا وما فيها فالعجب كل العجب ممن يبيع دينه بعرض من الدنيا، تجده يسابق ويسارع، في القرابين من الدين، من أجل أن يكسب شيئاً من عرض الدنيا الزائل. يقول: "فتقدم إليهم سبحانه بالوعيد على الكذب عليه في أحكامه وقولهم لما لم يحرمه هذا حرام، ولما لم يحله هذا حلال، وهذا بيان منه سبحانه أنه لا يجوز للعبد أن يقول: هذا حلال وهذا حرام إلا بما علم أن الله سبحانه أحله وحرمه، إلا بما يعلم أن الله سبحانه أحله وحرمه".

إذا قرنا هذا وعرفنا أن القول على الله بلا علم كذب، {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ}، إيش معنى كذب؟ كذب يعني أنه غير مطابق لما عند الله -جل وعلا- من حكم، وغير مبني على وسائل شرعية يستنتج منها الحكم، وهذا حال الجاهل الذي يفتي بغير علم، الذي أخبر عنه النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه يضل ويضل، هذا كافر، فإذا قرنا هذه الآية بقوله -جل وعلا- في سورة الزمر: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [سورة الزمر: 60]، هذه مثل هذه الآيات ترتعد منها الفرائص، ما دام كذب، يعني المقدمة ما دام القول على الله بلا علم كذب، والفتوى بلا علم كذب على الله، وافتراء، والذي يكذب على الله يأتي يوم القيامة مسود الوجه، نسأل الله السلامة والعافية، {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ} [سورة الزمر: 60]، ما الذي يمنعه من قول لا أدري، هذا الجاهل إذا سئل وافترى على الله الكذب وقال: حلال أو حرام، مع مخالفة الحكم الصحيح مثل هذا ما الذي يمنعه من قول: لا أدري؟ لا شك أنه الكبر نسأل الله العافية. وفي سنن أبي داود من حديث مسلم بن يسار قال: سمعت أبا هريرة يقول: "من قال علي ما لم أقل، فليتبوأ بيتاً في جهنم، ومن أفتى بغير علم كان إثمه على، أو من أُفتي بغير علم كان إثمه على من أفتاه، ومن أشار على أخيه بأمر يعلم الرشد في غيره فقد خانه". يقول ابن القيم -رحمه الله- تعالى: "وكل خطر على المفتي فهو على القاضي، وكل خطر على المفتي فهو على القاضي، وعليه من زيادة الخطر ما يختص به، ولكن خطره أعظم من جهة، يعني خطر المفتي أعظم من جهة، وخطر القاضي أعظم من جهة".

كيف يكون خطر القاضي أعظم من خطر المفتي؟ لأنه؛ لأن القضاء بيان الحكم مع الإلزام، فيلزم الخصمين، والمفتي لا يلزم، لكن القاضي يقضي في مسألة واحدة معينة، والمفتي إذا أفتى بحكم شرعي اطرد، اطرد فلو قال شخص: ما حكم كذا، لهذا الذي يفتي، قال: الجواز، أو التحريم، ثم وقعت نظائر لهذه المسألة قيل: إن الشيخ فلان أفتى بكذا، ولا يحتاج أن يسأل مرة ثانية، يقول: "وعليه من زيادة الخطر ما يختص به ولكن خطره أعظم من جهة أخرى فإن فتواه شريعة عامة تتعلق بالمستفتى وغيره". تتعلق بالمستفتى وغيره، وأما الحاكم فحكمه جزئي خاص لا يتعدى إلى غير المحكوم عليه، وله فالمفتي يفتي حكماً عاماً كلياً أن من يقول: كذا، ترتب عليه كذا، ومن قال كذا لزمه كذا، والقاضي يقضي قضاءً معيناً على شخص معين فقضاؤه خاص لكنه ملزم، وفتوى العالم عامة لكنها غير ملزمة، فكلاهما أجره عظيم، وخطره كبير". جاء في الحديث وفيه كلام لأهل العلم رجحوا إرساله: ((أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار))، ثم رجح إرساله، يعني لا يثبت صحيحاً، وإن كان بعضهم يحسنه، لكنه قد لا يصل إلى درجة التحسين. يقول المناوي في شرح الجامع الصغير في شرح هذه الحديث: ((أجرؤكم)) يعني أقدمكم، يعني أسرعكم إقداماً على إجابة السائل عن حكم شرعي من غير تثبت وتدبر، والإفتاء بيان حكم المسألة ((أجرؤكم على النار)) أقدمكم على دخولها؛ لأن المفتي مبين على الله حكمه، فإذا أفتى على جهل أو بغير علم أو بغير ما علمه أو تهاون في تحريره، أو استنباطه فقد تسبب في إدخال نفسه النار لجرأته على المجازفة في أحكام الجبار، {آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ} [سورة يونس: 59]، هذه فرية على الله -جل وعلا-. يقول الزمخشري: "كفى بهذه الآية زاجرة زجراً بليغاً عن التجوز فيما يسأل من الأحكام، وباعثة على وجوب الاحتياط فيها، وأن لا يقول أحد في شيء جائز إلا بعد إتقان وإيقان ومن لم يوقن فليتق الله وليصمت، وإلا فهو مفتر على الله تعالى".

هذا في بيان الحكم المجزوم به، يعني يأتي سائل فيقول: ما حكم كذا؟ فيقول: هذا حلال وإلا حرام؟ هذا لا بد أن يعد لنفسه مخرج بين يدي الله -عز وجل-، لكن لو طُرحت مسألة في مجلس علم بين طلبة علم وشارك الحاضرون من غير علم، من غير علم، لا على سبيل الفتوى، وإنما على سبيل المشورة، والترجي، فقال بعضهم: لعل الحكم كذا، قال بعضهم: لعل الحكم كذا، لعل المراد كذا، مثل هذا لا يضر مثل هذا لا يضر، لما ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب قال الصحابة: لعلهم كذا، لعلهم كذا، لعلهم كذا، فخرج النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال قوله الفصل، ولم يوافق أحد منهم هذا القول، فدل على أنه إذا لم يكن على سبيل الإلزام، بل على طريق الترجي، فإن هذا يتسامح فيه، ومثله لو طلب معنى حديث أو معنى آية، يعني بعض الناس يجرؤ على كلام الله -جل وعلا- فيفسره برأيه، وقد جاء الوعيد الشديد على من يفسر القرآن برأيه، فإذا قيل: لعل المراد، مراد الله -جل وعلا- بهذه الآية كذا، أو كذا، فالأمر فيه يسر إن شاء الله تعالى. ومن الناس من يجرؤ على تفسير كلام الله -جل وعلا- بما لا يحوم حوله ولا يصوب صُوبَه، حتى أنه سئل بعضهم عن كلمة أو عن آية فيها ثمانية أقوال لأهل العلم فأجاب بجواب خارج عن هذه الثمانية، ما وافق ولا قول لأهل العلم، قد يقول قائل: وليكن قولاً تاسعاً، ونفترض أنه قول تاسع ما الذي يضر؟ لكن هل هذا القول التاسع من قائل يسوغ له أن يفسر القرآن بمثل هذه الطريقة؟ هل يسوغ التفسير لكل أحد بغير نقل؟ الأصل أن التفسير منقول، التفسير أمره موكول إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم إلى صحابته مما فهموه من أقواله وأحواله -عليه الصلاة والسلام-، ثم لمن تبعهم بإحسان ممن فهم حال من تقدم.

كثيراً ما يصل الإنسان إلى رتبة من العلم، ويقرأ في تفاسير الأئمة الشيء الكثير، ثم يسأل عن تفسير آية، أو يقرأ شروح الحديث، ثم يُسأل عن معنى حديث لا يذكر فيه قول لقائل معين، لكنه من خلال قراءاته واطلاعه الواسع على كلام أهل العلم، تكونت لديه ملكة، بحيث يظهر له معنى الآية أو معنى الحديث، مثل هذا هو التفسير بالرأي المستند إلى أقوال أهل العلم، وإلا لو نظرنا في تفاسير الأئمة الموثوقين، لا سيما بعد عصور الرواية، تجد كثير منهم يدخل في تفسيره من كلامه الشيء الكثير، واستظهاراته ظاهرة في كتابة، هل نقول: إن هذا من التفسير بالرأي الممنوع، أو نقول: إن هذا ما دام أدام النظر في كلام أهل العلم، وفي أقوال المفسرين، وما جاء في التفسير المأثور، تكونت لديه هذه الملكة فصار موازياً لمن أخذ عن سلف هذه الأمة، يعني لو على سبيل المثال نظرنا إلى تفسير الشيخ ابن سعدي، هل فيه كلمة مضافة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، أو مضافة إلى صحابي أو تابعي؟ لا، كله من إنشاء الشيخ، هل نقول: إن هذا تفسير بالرأي لا يجوز؟ هو منتقى من تفاسير السلف، لكن لا يلزم إضافة كل قول إلى قائله لا سيما إذا كان للمؤلف دور في الصياغة، والتعبير عن الأقوال الكثيرة بألفاظ وجيزة، مثل هذا لا شك أنه ينطلق من أصل أصيل، وأساس متين، يعتمد على التفسير المروي عن سلف هذه الأمة؛ لأن هذا قد يلتبس، يقول: لماذا نقول: الزمخشري بالرأي حرام، الرازي بالرأي حرام، ونقول لأناس آخرين ليس؟ نقول: لا يا أخي، الرازي خالف السلف فيما قرره في التفسير، خرج عن طريق السلف ومنهج السلف وسنن السلف، الرازي كذلك، الزمخشري وغيرهما ممن فسر من المبتدعة، لكن من نظر في تفاسير السلف وأدام النظر فيها تتولد لديه ملكة يستطيع أن يتعامل بها مع نصوص الكتاب على طريقة السلف وهدي السلف، وقل مثل هذا في معاني ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا يجعلنا نديم النظر في كلام أهل العلم الموثوقين ممن هم على الجادة، ولا مانع أن ننظر في أقوال المخالفين والمعارضين من أجل أن نحذر هذه الأقوال ونتصور هذه الأقوال؛ لئلا نقع من حيث لا نشعر بمثل ما وقعوا فيه، وهذا للمتأهل، هذا للمتأهل.

يقول ابن المنكدر: "المفتي يدخل بين الله وبين خلقه، فلينظر كيف يفعل فعليه التوقف والتحرز لعظم الخطر". وكان ابن عمر -رضي الله عنه- إذا سئل قال: "اذهب إلى هذا الأمير الذي تقلد أمر الناس وضعها في عنقه" وكان الولاة في عصر السلف من أهل العلم، وجاء رجل من العراق أو من الشام كما في صحيح مسلم يسأل ابن عمر عن مسألة في المناسك، فقال: اذهب انظر ابن عباس، اذهب إلى ابن عباس، ابن عباس ند لابن عمر، ونظير له في السن، وعند ابن عمر من الجوانب ما لا توجد عند ابن عباس، والعكس أيضاً، يعني جانب العلم في ابن عباس أظهر وجانب العمل والعبادة في ابن عمر أظهر، ولذلك قال السائل لما قال له ابن عمر كما في صحيح مسلم: اذهب إلى ابن عباس، فقال: ذاك رجل مالت به الدنيا، ومال بها. فالناس عامة الناس يثقون بالعالم الذي لا يتوسع في أمور دنياه، نحن لا نقول أن ابن عباس ارتكب محرمات، وجلب الأموال من غير حلها، وصرفها في غير حلها، كلا، ليس بصحيح، لكنه توسع في الدنيا أكثر من ابن عمر، ابن عمر شدد على نفسه شيئاً، ومع ذلك هو من أهل التحري وأهل الورع، وأهل التثبت ولا يقال لابن عباس متساهل، ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن، لكن عامة الناس تجدهم يثقون في صاحب العمل أكثر من غيره، وإن كانوا لا يميزون أيهما أعلم، هو لا يدري أيهما أعلم، لكن شهرة ابن عمر في تتبع آثار النبي -عليه الصلاة والسلام-، والاقتداء به والائتساء به، جعلته يكون راجحاً عند هذا، وإلا فلا شك أن العلماء عندهم من الناحية العلمية ابن عباس أرجح.

من سئل عن فتوى فينبغي أن يصمت عنها ويدفعها إلى من هو أعلم منه بها، هذا من سئل عن فتوى عليه أن يصمت عنها ويدفعها -كما قال أهل العلم- إلى من هو أعلم منه بها، هذا إذا وجد من يكفيه أمرها، أما إذا تعين عليه الجواب؛ لأن هذه الأعمال العامة التي تتعلق بعموم الأمة، هي فروض كفايات، فروض كفايات، الفتوى لا بد من نصب المفتين، القضاء لا بد من تعيين القضاة ونصبهم لحل المنازعات، التعليم لا بد منه، الولاية الخاصة والعامة لا بد منها، هذه فروض كفايات، لا بد من القيام بها، فالإقدام من غير تأهل ومن غير حاجة، هذا لا شك أنه خطر ومزلة قدم، والإحجام حينما يتعين عليه الأمر أيضاً مسئولية عظيمة أمام الله -جل وعلا-، ونجد في وقتنا هنا، في وقتنا الحاضر نجد طرفي النقيض، نجد طرفي النقيض، تجد الأهل الكفء إذا سئل: أروح اسأل، ما أدري، اذهب اسأل، اسأل غيري، لكن يا أخي ما الذي يخلصك أمام الله -جل وعلا- حينما جاءك هذا الشخص وعندك من العلم ما عندك؟ نعم إذا كنت لا تتبين المسألة على وجهها، فلك أن تقول: اذهب، إذا لم يتعين عليك، ويسهل على السائل أن ينتقل إلى شخص يجيبه عن سؤاله، لك ذلك، لكن إذا تعين عليك البلد ما فيه إلا أنت، تقول: اذهب اسأل غيري؟ هذا الكلام ليس بصحيح، ولا يعني هذا أنك تجيب عن كل ما تسأل عنه، هناك أسئلة فورية تحتاج إلى جواب فوري.

ويتصل من يتصل بعد هزيع من الليل، يعني افترض الساعة الثالثة من الليل، قبيل الفجر، وإذا قيل له: ما الذي دعاك إلى الاتصال في هذا الوقت، هذا يا أخي إحراج؟ قال: المسألة عاجلة، وتحتاج إلى جواب عاجل، حصل منه طلاق لامرأته وهي في الطلق، إيش يعني هذا؟ يعني أنها قد تلد بعد ربع ساعة، أو نصف ساعة، وتخرج من العدة، فلا يكون له عليها سلطان، مثل هذا لا بد من إجابته في وقته، لئلا يفوت الأمر عليه، والتقصير حاصل نسأل الله العفو والعافية، نسأل الله المسامحة، التقصير حاصل، يعني يتصل على كثير من المشايخ في أوقات سعة، وليست في أوقات ضيق، فلا يجيب، نعم الأمور كثرت والتبعات كثيرة، والمتطلبات، وشئون الحياة، وأمور الأسر الآن صعبت، تأزمت، يعني على الإنسان أن يراعي من يسأل، لكن مع ذلك على المسئول أن يجيب إذا كان عنده علم. يقول: فمن سئل عن فتوى فينبغي أن يصمت عنها ويدفعها إلى من هو أعلم منه بها، أو من كلف الفتوى بها وذلك طريقة السلف، من كلف الفتوى بها، هل لمن عين من قبل الإمام وأخذ أجر على الفتوى أن يقول: اذهب إلى فلان، أو اذهب إلى من هو أعلم مني؟ ليس له ذلك، لماذا؟ لأنه يأخذ على ذلك أجراً من بيت المال، فعليه أن يجيب، لا يلزم أن يجيب بما يعرف وما لا يعرف، لا، يلزمه أن يجيب بما يعرف، أما ما لا يعرفه لا يجوز له أن يجيبه، بل يدفعه إلى من هو أعلم منه. وذلك طريقة السلف، يقول الماوردي: "فليس لمن تكلف ما لا يحسن، فليس لمن تكلف ما لا يحسن غاية ينتهي إليها، ولا له حد يقف عنده، ومن كان تكلفه غير محدود فأخلق به أن يضل ويضل".

هذا الطالب العلم المبتدئ الذي نصب نفسه يفتي الناس، هذا ليس له حد محدود، وليست له غاية، يعني هل يقول: أنا لا أفتي إلا في باب من الأبواب، أو لا أفتي إلا فيما أحسن؟ يعني إذا كنت لا تفتي إلا فيما تحسن فسوف تقول، هذا إذا صدقت مع ربك ومع نفسك فسوف تقول عن تسعة وتسعين بالمائة من المسائل لا أدري، وحينئذ في عرف الناس تحترق، خلاص كيف يتجه الناس إلى من يقول في تسعة وتسعين بالمائة من المسائل لا أدري؟، وقد تمر عليه بعض المسائل ويستحضر الأقوال ولا يوفق للجواب عنها، في هذا الواحد بالمائة هذا، ليس هناك حد يقف عنده، ويفاجئ بما ليس في حسبانه، يقول: أنا الآن أتقنت، أتقنت باب الصلاة، أو الزكاة، أو باب من أبواب الدين، ثم ينصب نفسه للفتوى ثم أول ما يسأل عنه مسألة طلاق، أو مسألة أيمان ونذور، أو في مسائل من أبواب الدين الأخرى، وقد لا يسأل ولا عن سؤال واحد مما يحسن؛ لأن العلم بحر محيط لا يمكن إدراكه، فإذا كان لا هناك غاية ينتهي إليها، ولا حد يقف عنده، فمثل هذا عليه أن يحجم، فإن أقدم فسوف يضل بنفسه ويُضل غيره. وقال بعض الحكماء: "من العلم ألا تتكلم فيما لا تعلم، بكلام من يعلم، فحسبك خجلاً من نفسك وعقلك أن تنطق بما لا تفهم" لأننا نسمع من يسأل ومر بنا وبغيرنا، فيجيب بكلام يعرض السائل وغير السائل من السامعين، أن هذا المسئول على يدري ماذا سيقول، من البداية تعرف لأنه ما يدري إيش يقول هو، هذا واضح، وبعض الناس يأتي بكلام ينقض بعضه بعضاً، لا خطام له ولا زمام، والإشكال أنه يسأل ويسجل كلامه ثم يفرغ، ثم يأتي بكلام لو قيل له أو وضع مسابقة على كلام لا يفهم، لا يمكن يأخذ رقم واحد، كلام مرتبط يمسح بعضه بعضاً، ويشوش بعضه على بعض، ويأتي بالكلمة بالجملة، ويأتي بنقيضها، يا إخوان هذا موجود، موجود مع تساهل الناس في هذا الباب الخطير، يعني قد يكون السماع أسهل من القراءة، أن يمشي لأن الذهن قد لا يكون حاضراً في كل ما يُسمع، يفوت بعض الشيء، لكن إذا فرغ على ورقة ونشر في وسائل الإعلام المقروءة افتضح.

يقول بعض الحكماء: "من العلم ألا تتكلم فيما لا تعلم، بكلام من يعلم، فحسبك خجلاً من نفسك وعقلك أن تنطق بما لا تفهم، وإذا لم يكن إلى الإحاطة بالعلم من سبيل، فلا عار أن تجهل بعضه، فلا عار أن تجهل بعضه، وإذا لم يكن في جهل بعضه عار فلا تستحيي أن تقول: لا أعلم، فيما لا تعلم". يعني والملاحظ على مر العصور من صدر الأمة إلى يومنا هذا أن الذي يقول: لا أعلم، ويكثر منها هم أهل العلم على الحقيقة، هم الأئمة هم الراسخون في العلم، والذي لا يقول لا أعلم، ولا تكثر على لسانه، تجدهم هؤلاء الصغار المبتدئون، على حد زعمهم أن هذا الكبير انتهى من بناء الشخصية، وأذعن الناس واعترفوا به، عالم ولو قال: لا أعلم، لكن هذا الصغير الذي ما استتمت شخصيته، إذا قال لا أعلم، فهو يظن هذا عيب عليه، ولا شك أن هذا من جهله المركب، قال ابن أبي ليلى: "أدركت مائة وعشرين صحابياً، وكانت المسألة تعرض على أحدهم فيردها إلى الآخر حتى ترجع إلى الأول، حتى ترجع إلى الأول". يقول الغزالي: "فانظر كيف انعكس الحال فصار المرهوب منه مطلوباً، والمطلوب مرهوباً، المطلوب لا أدري، مرهوب، يخشاه الإنسان، والمرهوب وهو الجرأة على الفتوى من غير أهلها هو المطلوب، وتجد في مجالس الكبار يحضر طلاب علم، يحضر طلاب علم في مجالس كبار أئمة فإذا سئل هذا الكبير بادر الصغير بالجواب، ألا يوجد مثل هذا؟! يوجد وبكثرة، أما في قاعات الدراسة ومسابقات الأساتذة حدث ولا حرج، لكن أيضاً في مجالس الأئمة في مجالس العلماء الذي يستحي الإنسان من تحديد النظر في وجوههم، فضلاً عن مسابقتهم، والتقدم بين أيديهم بكلام قد لا يكون صواباً. يقول ابن القيم -رحمه الله- تعالى: "وكان السلف من الصحابة والتابعين يكرهون التسرع في الفتوى، ويود كل واحد منهم أن يكفيه إياها غيره، كان السلف من الصحابة والتابعين يكرهون التسرع في الفتوى، ويود كل واحد منهم أن يكفيه إياها غيره، فإذا رأى أنها قد تعينت عليه، ما في غيره، بذل اجتهاده في معرفة حكمها من الكتاب والسنة، أو قول الخلفاء الراشدين ثم أفتى".

ما يستعجل إذا تعينت عليه، يزيد في التأمل لماذا؟ لأنه يبحث عن خلاص نفسه، وألزم ما على الإنسان أن يسعى في خلاصه قبل خلاص السائل، قبل خلاص السائل، أنت مطالب أولاً بنجاة نفسك، ثم بعد ذلك إذا كان هناك فضل، فاطلب نجاة غيرك. يقول عبد الله بن المبارك: حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى قال: "أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أُراه قال في المسجد، فما كان منهم محدث إلا ود أن أخاه كفاه الحديث، إلا ود أن أخاه كفاه الحديث، " هذا من حفاظ الحديث، لماذا يود أن يكفيه أخوه الحديث؟ خشية أن يزل لسانه فيأتي بالحديث على غير وجهه، "ولا مفت إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا". وجاء رجل من أهل البادية طلق امرأته ثلاثاً إلى عبد الله بن الزبير وعاصم بن عمر فقال: ما تريان؟ قال ابن الزبير: "إن هذا الأمر ليس لنا فيه قول، جاء رجل من أهل البادية طلق امرأته ثلاثاً إلى عبد الله بن الزبير وعاصم بن عمر فقال: ما تريان؟ فقال ابن الزبير: "إن هذا الأمر ليس لنا فيه قول، فاذهب إلى عبد الله بن عباس وأبي هريرة فإني تركتهما عند عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم ائتنا فأخبرنا، يعني لا يكفي أن تذهب إلى ابن عباس وأبي هريرة وتسمع الفتوى وتذهب إلى امرأتك، إما لفراقها أو لإعادتها، على حسب الفتوى، لا يكفي هذا، ارجع إلينا فأخبرنا بما قال لك، ثم ائتنا فأخبرنا، فذهب السائل فسأل فسألهما، فقال ابن عباس لأبي هريرة: أفته، أفته يا أبا هريرة فقد جاءتك معضلة، وهذه المسألة عند كثير من طلاب العلم أسهل من شرب الماء، أسهل من، مثل النفس عندهم، يفتي فيها كما يتنفس، ما في مشكلة، طلاق طلق امرأته ثلاثاً، ألا تدري ما الذي يترتب على فتواك؟ إما أن تجعله يجامعها في حرام؛ لأنها بانت منه بالحقيقة وأنت قلت ما وقع الطلاق، أو العكس، تفرق بين رجل وامرأته وتشرد أولاده من أجل جهلك، المسألة خطيرة يا الإخوان، ليست بالسهلة ولا بهينة، أفته يا أبا هريرة، قد جاءتك معضلة، المسألة من عضل المسائل، طلاق الثلاث ليس بالسهل. وقال ابن عباس: "كل من أفتى الناس في كل ما يسألونه عنه لمجنون". إنه لمجنون، وعن ابن مسعود مثله.

يقول عبد الرحمن بن مهدي: "سأل رجل، يقول عبد الرحمن بن مهدي: "سأل رجل من أهل المغرب مالك بن أنس عن مسألة فقال: لا أدري، فقال: يا أبا عبد الله تقول لا أدري؟ قال: نعم، قال: نعم، مالك نجم السنن يقول: لا أدري؟ قال: نعم، فأبلغ من وراءك أن مالك لا أدري". ثم ماذا؟ والعلماء ينقلون عن مالك ويتداولون في كتبهم، أنه سئل عن أربعين مسألة فأجاب عن ست وثلاثين مسألة بقوله: لا أدري، وأجاب السائل عن أربع. الذي يجيب هذه النسبة عشر ما يسأل عنه هل يصنف عالم، وإلا طالب علم، وإلا لا علم له، عنده، بماذا ينصف؟ هل هذا فقيه؟ يعني لو إنسان يسأل طول عمره ما يجيب إلا بالعشر، هل يصنف عالم وإلا ما يصنف؟ هل يقال: هذا فقيه وإلا ليس بفقيه؟ إي نعم في عرف أهل العلم أن مثل هذا ليس من أهل العلم. لكن عند أهل العلم أن الفقه كما يكون بالفعل يكون بالقوة القريبة إلى الفعل، إيش معنى القوة القريبة من الفعل؟ مالك الآن ليست عنده مراجع، سئل عن هذه المسائل وأجاب عن أربع هذه يتبينها مثل الشمس، والبقية يشك فيها، فهل يلزم أن يجيب فيها؟ لا يلزم، لكن مالكاً إذا رجع إلى كتبه وأصوله، يستطيع أن يحرر هذه المسائل أو لا يستطيع؟ يستطيع، فمالك فقيه؛ لأن الفقه عندهم إما أن يكون بالفعل بأن يسأل عن المسائل فيجيب عن الأسئلة بأدلتها، وإما أن يكون بالقوة القريبة من الفعل بأن تكون لديه الأهلية لبحث المسائل العلمية والترجيح والتعامل مع النصوص على مقتضى الجادة المعروفة عند أهل العلم، هذا فقيه بالقوة، لكن من سئل عن مسألة في الطهارة مثلاً، فأخذ كتاباً من كتب الفقه المرتبة على الطريقة المعروفة عند أهل العلم، ثم أخذ يقلب الصفحات الأخيرة، هذا فقيه بالفعل أو بالقوة؟ لا هذا، ولا هذا، كما لو سئل عن مسائل في الإقرار فذهب يبحث عنها في أوائل الكتب المرتبة.

لكن بعض الناس بالفعل فقيه، تسأله عن مسألة فيذهب إلى الكتاب فيفتح الكتاب يقع على المسألة، قد يقع على المسألة وقد يقدم ورقة ويؤخر ورقة، هذا الفقيه بالقوة القريبة من الفعل، يستطيع الوصول إلى المسائل في كتب أهل العلم، ويستطيع أن يتعامل مع كلام أهل العلم بالطريقة المسلوكة عنده، لكن من تخرج على المذكرات هل يستطيع أن يتعامل في كتب أهل العلم، ويفهم كلام أهل العلم؟ لا يستطيع، كلام أهل العلم عندهم أصول، وعندهم قواعد، وعندهم اصطلاحات لا يفهمها إلا من عانى كلامهم، ولذا المطلوب من طلاب العلم ألا يقرءوا ولا يعتمدوا على كتب المعاصرين، يكون معولهم على الكتب التي ألفت لطبقات المتعلمين من أهل العلم، وهي التي يربى عليها طالب علم، أما أن يقرأ في مذكرات، وفي كتب معاصرين صيغت للمعاصرين يفهمها كل أحد، هذه ما تربي طالب علم؛ لأنه قد يحتاج إلى مسألة في كتاب من كتب المتقدمين، فلا يستطيع فهمها. يقول عبد الله بن الإمام أحمد: كثيراً ما يسأل الإمام أحمد عن المسائل فيقول: لا أدري، ويقف إذا كانت مسألة فيها اختلاف وكثيراً ما يقول: سل غيري فإن قيل له: من نسأل؟ قال: سلوا العلماء، ولا يكاد يسمي رجلاً بعينه، لا يكاد يسمي رجلاً بعينه، قال: وسمعت أبي يقول: "كان ابن عيينة لا يفتي في الطلاق، ويقول: من يحسن هذا". مع أنه من أهل الفتوى المعروفين ابن عيينة. وكان أحمد -رحمه الله- تعالى شديد الكراهية والمنع للإفتاء بمسألة ليس فيها أثر عن السلف، يعني مسألة جديدة، نازلة، الإمام أحمد يكره كراهية شديدة أن يفتي بهذه المسألة التي لم يسبق إليها، كما قال الإمام أحمد لبعض أصحابه: "إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام".

وقال بعضهم: إن استطعت ألا تحك رأسك إلا بنص فافعل، يعني لا بد أن يكون لك قدوة في عملك، وفي قولك، وكان -رحمه الله- يسوغ استفتاء فقهاء الحديث، وأصحاب مالك ويدل عليهم، ويمنع من استفتاء من يعرض عن الحديث ولا يبني مذهبه عليه، ولا يسوغ العمل بفتواه؛ لأن عناية الإمام أحمد بالوحيين ظاهرة، حتى أن من أهل العلم من لا يعده فقيهاً، وإنما يعده من أهل الحديث، وابن عبد البر لما ترجم للأمة الفقهاء ترجم للثلاثة وتركه، لكن مثل هذا لا يضيره، ففقه معروف، ومتداول وأصحابه فيهم كثرة، وحملت علمه الذي بقي إلى يومنا هذا قامت بهم مئونة حمل هذا العلم العظيم، عن هذا الإمام المقتدي المؤتسي، المتثبت إمام أهل السنة الإمام أحمد. قال أبو داود في مسائله: "ما أحصي ما سمعت أحمد سئل عن كثير مما فيه الاختلاف في العلم فيقول: لا أدري، قال: وسمعته يقول: ما رأيت مثل ابن عيينة في الفتوى، أي ما رأيت أحسن منه، وكان أهون عليه أن يقول: لا أدري" يقول: لا أدري. وقال سحنون بن سعيد: "أجسر الناس على الفتيا أقلهم علماً، يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم يظن أن الحق كله فيه". ويقول ابن القيم: "الجرأة على الفتيا تكون من قلة العلم، ومن غزارته وسعته، "الجرأة على الفتيا تكون من قلة العلم، ومن غزارته وسعته". فقليل العلم -مثل ما ذكرنا سابقاً- يريد أن يبني شخصيته، ولو كان على حساب دينه وشغل ذمته، والعالم المتبحر عنده ما يجيب به في كثير من المسائل أو كبار المسائل. يقول: "فإذا قل علمه أفتى عن كل ما يسأل عنه بغير علم، وإذا اتسع علمه اتسعت فتياه ولهذا كان ابن عباس من أوسع الصحابة فتيا وقد بلغ ما جمع من فتواه في عشرين سفراً" عشرين مجلد.

كان الناس ينظرون إلى مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ويقولون: كيف جمع هذا العلم، وجمع هذه، وأجاب عن جميع هذه المسائل في هذا العمر؟ شيخ الإسلام لم يعمر، من واحد وستين إلى ثمان وعشرين، أربعين وسبعة وعشرين سبعة وستين سنة، ما شاء الله، سبع وثلاثين مجلد فتاوى إذا نظرت إلى فتاوى النووي إذا هي في جزء صغير، وإذا قارنا هذا بفتاوى من يتصدى للإفتاء في وقتنا تجد البون كبير، يعني لو أن إنسان يجيب في كل يوم عن خمس مسائل مثلاً في عصرنا هذا في السنة يحتاج إلى كم؟ ألف وسبعمائة مسألة، وفي عشر سنوات يجيب عن سبعة عشر ألف مسألة، وفي العشرين وهكذا إلى أن تبلغ المئات من المجلدات، وهذا الحاصل، يعني لو جمعنا فتاوى شيوخنا مثلاً، يعني ما جمع معنا مثلاً الشيخ ابن باز، يقرب من فتاوى شيخ الإسلام، وبقي الشيء الكثير، ولو جمعت فتاواه في الطلاق لبلغت حجم مجموع فتاوى شيخ الإسلام كله، والحاجة داعية، والناس كثرت عندهم الإشكالات، كثر عندهم ما يحتاج إلى سؤال أهل العلم من مشاكل سواءً كانت في الدين، أو في أمور الدنيا، أو في التعامل والأمور الاجتماعية، هذه كثيرة جداً، تحتاج إلى من يحلها بالطريقة الشرعية. وكان سعيد بن المسيب أيضاً واسع الفتيا وكانوا يسمونه الجريء، كانوا يسمونه جريء، يعني تحس إن بعض الناس جرأة، جرأة لكن إن كانت الجرأة مبنية على أصول شرعية فنعمت الجرأة، وإن كانت غير مبنية على الأصول الشرعية فيا ويلهم، يعني أحياناً تقرأ فتوى لشيخ الإسلام بذيولها واستطراداتها تجد عنده قوة في الكلام، وقد تقول: هذا الكلام فيه جرأة، لكنها جرأة سببها الإحاطة بنصوص الشرع وقواعده وأصوله، ومع ذلك سئل عنه محمد رشيد رضا، يعني نظير ابن عباس مع من تقدمه من الصحابة، شيخ الإسلام مع من تقدمه من الأئمة، رشيد رضا سئل عن شيخ الإسلام هل هو أعلم من الأئمة الأربعة، أو هم أعلم منه؟ فقال: "من وجه باعتبار أن شيخ الإسلام -رحمه الله- تعالى تخرج على كتب الأئمة، وكتب أصحابهم فلهم الفضل عليه، وباعتبار إحاطته بما كتبه هؤلاء الأئمة فهو أوسع منهم علماً".

ابن عباس جمع، جمع الله له علم كبار الصحابة كلهم، وتأخرت حياته حتى احتيج إليه، احتيج إليه، احتيج إلى علمه، فكثرت فتاواه، ولذلك تجدون الشيخ إذا عُمّر وهو على الجادة، وعلى هدي شرعي تجده يكون محل ثقة الناس، يعني الشيخ ابن باز -رحمه الله- عمر بعد أقرانه فاحتاج الناس إلى علمه، انقرض أقرانه قبله بعشر، سنوات عشرين سنة احتاج الناس على ما عنده، ولذلك انتشر علمه انتشار الليل والنهار، بيمنا من أقرانه من لو جمعت فتاواه في مجلد مثلاً، فالتأخر تأخر السن بعد الأقران لا شك أنه تكثر الحاجة إليه، ولذا يقولون في العبادلة الأربعة ابن عمر وابن عباس، وابن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص، قالوا: ابن مسعود ليس من العبادلة الذين انتشرت فتاواهم، لماذا؟ لأنه مات قديم، وهؤلاء تأخروا حتى احتاج الناس إلى علمهم، فالحاجة هي التي تجعل الانتشار للعلم أكثر وأوسع. ذكر ابن وهب عن محمد بن سليمان المرادي عن أبي إسحاق قال: "كنت أرى الرجل في ذلك الزمان، وإنه ليدخل يسأل عن الشيء فيدفعه الناس من مجلس إلى مجلس، حتى يدفع إلى مجلس سعيد بن المسيب كراهية للفتيا" فيجيبه سعيد، سعيد أعلم التابعين على الإطلاق، ووارث علم أبي هريرة، صهره. وقال سحنون: "إني لأحفظ مسائل منها ما فيه ثمانية أقوال من ثمانية أئمة من العلماء، فكيف ينبغي أن أعجل بالجواب قبل الخبر فلم ألام على حبس الجواب؟ ". يعني إذا كانت المسألة فيها ثمانية أقوال فلماذا أستعجل أنا في إبداء رأيي قبل أن ينضج الرأي، فلم ألام على حسب الجواب؟ والمسألة أفتى فيها أئمة، ويأتي من الشباب من يقول: هم رجال ونحن رجال. وقال ابن وهب حدثنا أشهل بن حاتم عن عبد الله بن عون عن ابن سيرين قال: قال حذيفة: "إنما يفتي الناس أحد ثلاثة: من يعلم ما نسخ من القرآن، أو أمير لا يجد بداً أو أحمق متكلف، هذا كلام حذيفة "إنما يفتي الناس أحد ثلاثة: من يعلم ما نسخ من القرآن، أو أمير لا يجد بداً، أو أحمق متكلف، قال: "فربما قال ابن سيرين: "قلت: فلست بواحد من هذين، لست الأول والثاني، ولا أحب أن أكون الثالث" يعني الأحمق المتكلف.

يقول: من يعلم ما نسخ من القرآن، إيش معنى هذا الكلام؟ يعني ليعرف كيف يتعامل مع النصوص؛ لأن نصوص الكتاب والسنة فيها المتقدم والمتأخر، وفيها المحكم والمتشابه، وفيها المطلق والمقيد، وفيها العام والخاص، وفيها الظاهر والنص، والمؤول وفيها أنواع كثيرة جداً، كيف يتعامل، الذي يستطيع أن يتعامل مع النصوص بمعرفة هذه الأمور هو الذي يفتي الناس. والنسخ في عرف السلف أعم من الرفع الكلي للحكم، النسخ في عرف السلف أعم من أن يكون رفعاً كلياً للحكم، كما هو المعنى الاصطلاحي العرفي عند أهل العلم، بل يشمل النسخ الكلي، ويشمل أيضاً النسخ الجزئي من التقييد والتخصيص وغيرهما. إذا نظرنا في سير السلف الصالح، نجدهم بدءاً من الصحابة منهم المقل ومنهم المتوسط، ومنهم المكثر، منهم من لو جمعت فتاواه لبلغت عشرات المجلدات، ومنهم من تبلغ الآحاد، ومنهم من مما لو جمعت فتاواه لصارت في جزء صغير فهم متفاوتون، وكل منهم الحادي له على ما ارتضاه لنفسه النصوص، الله -جل وعلا- أخذ العهد وا لميثاق على أهل العلم أن يبينوه، أن يبينوه للناس ولا يكتموه، ولو لم يسأل، لا بد من البيان ولو لم يسأل الإنسان، لكن إذا سئل تعين؛ لأنه لا يجوز تأخير هذا البيان عن وقت الحاجة. يقول الله -جل وعلا-: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [سورة البقرة: 159 - 160]. يقول -جل وعلا-: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [سورة البقرة: 174].

ويقول -جل وعلا-: {وَإِذَ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [سورة آل عمران: 187]. أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: "لولا آيتان في كتاب الله ما حدثت، ويقول الناس: أكثر أبو هريرة والله الموعد، ولولا آيتان من كتاب الله ما حدثت: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ} إلى آخره. فالكتمان مغبته وخيمة، كما أن الجرأة من غير تأهل أيضاً شأنها عظيم وخطير، في حديث أبي هريرة المخرج في المسند والسنن ومستدرك الحاكم: ((من سئل عن علم فكتمه، ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار)). يقول المناوي: أي أدخل في فيه، أي أدخل في فيه لجام من نار مكافئة له على فعله، حيث ألجم نفسه بالسكوت في محل الكلام، فالحديث خرج على مشاكلة العقوبة للذنب، يعني الجزاء من جنس العمل، وذلك لأنه -سبحانه وتعالى- أخذ الميثاق على الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه، وفيه حث على تعليم العلم؛ لأن تعلم العلم إنما هو لنشره والعمل به، ودعوة الحق إليه، والكاتم يزاول إبطال هذه الحكمة وهو بعيد عن الحكيم المتقن، ولهذا كان جزاءه أن يلجم تشبيهاً له بالحيوان الذي سخر ومنع من قصد ما يريده"؛ لأنه أشبه الحيوان، الحيوان أعجم لا يتكلم، وهذا شبيه له حينما سكت في موضع الكلام، أو في وقت يتعين عليه فيه الكلام أشبه العجماوات، والحيوان يحتاج إلى لجام، وكذلك من كتم هذا العلم يحتاج إلى أن يلجم بلجام من نار. يقول الشيخ حافظ الحكمي في ميميته الفريدة الشهيرة: والكتم للعلم فاحذره إن كاتمه ... في لعنة الله والأقوام كلهم ومن عقوبته أن في المعاد له ... من الجحيم لجاماً ليس كاللُجم وصائن العلم عمن ليس يحمله ... ماذا بكتمان بل صون فلا تلم وإنما الكتم منع العلم طالبه ... من مستحق له فافهم ولا تهم

وعلى هذا فعلى طالب العلم أن يرى ويعرف ويقرر مكانته في هذا العلم، يعرف واقعه وحقيقته، فإن كان ممن أخذ عليه العهد والميثاق أن يبين، فلا يجوز له حينئذ أن يحجم البتة؛ لئلا يلجم بلجام من نار، وإذا كان ممن لم يبلغ هذه المرتبة، ولم يتمكن من معرفة الأحكام الشرعية بأدلتها فلا يجوز له حينئذ أن يقدم. ومما يشاهد أن من الأكفاء في وقتنا الحاضر من انزوى في بيت أو في مزرعة أو اقتصر على عمل رسمي، ولم يشارك في نفع الناس، ولا ولم يساهم في إخراجهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم، ولم يساهم في حل إشكالاتهم، وإجابة سؤالاتهم، فمثل هذا هو الذي صار سبباً في جرأة بعض غير الأكفاء على أن أضلوا الناس بعد أن أضلوا بأنفسهم.

قد يقول قائل: أنا لا أستطيع أن أقرر عن نفسي أنني وصلت إلى الحد الذي يلزمني أن أفتي ولم أتجاوز الذي لا يجوز لي أن أفتي، فالمسألة تحتاج إلى وضوح، وسئل بعض الكبار لماذا لا تتصدى لتعليم طلاب العلم؟ فقال: إن النصاب لم يكتمل، والأمة كلها تشهد له أن نصابه قد زاد، فهل يقال إن الإنسان متروك له هذا الأمر وله أن يقول: أن أعرف بنفسي ما بلغت، وكثير منهم يقول مثل هذا الكلام من باب التواضع، وهضم النفس، من باب التواضع، وهضم النفس، لكن مثل هذا التواضع لا يعفيه من الوعيد الشديد الذي جاء بصدده العهد والميثاق على أهل العلم أن يبينوا للناس ما نزل إليهم، ولو تواضع، لا يعفيه هذا التواضع، إلا إذا قام بالأمر من يكفي، أما إذا تعين عليه فلا بد أن يساهم، لا بد أن يبين، لا بد أن يجيب، وأقول مثل هذه المواقف لا شك أنها فيها شيء من الخفاء والغموض، يعني قد يكون الإنسان تأهل بالفعل، لكن لا يدري عن نفسه، وقد يكون شديد الحذر، شديد الخوف على نفسه، من بلوغه الحد الذي يلزمه أن يتصدى لتعليم الناس وإفتائهم، ورفع الجهل عنهم، وبيان ما نزل إليهم، وبعضهم قد يجرؤ ظناً منه أنه قد وصل إلى الحد، ولا شك أن مثل هذا الأمر تكفي فيه الاستفاضة، تكفي فيه الاستفاضة، بالنسبة للشخص نفسه ولغيره أيضاً، لا يستفيض بين أهل العلم أن فلاناً قد بلغ مبلغاً يتعين عليه أن يعلم، يتعين عليه أن يدعو، يتعين عليه أن يقضي، يتعين عليه أن يفتي، إذا استفاض بين أهل العلم لا سيما الموثوقين منهم، فإنه حينئذ يكون نصابه قد بلغ، وذمته تبرأ بتصديه لهذه الأعمال. أما إذا لم يستفض أمره وخفي أمره على الناس فهذا يوكل إليه، وحينئذ يعرف عن نفسه ما يعرف، لا سيما قبل أن يعرف، ومثله بالنسبة للعامي ومن يستفتيه، العامي ليست لديه أهلية الموازنة بين أهل العلم، هناك أمور ظاهرة إذا اتصف بها العالم فهو أهل لأن يستفتى، وليس في فتواه مفت متبع ... ما لم يضف للعلم والدين الورع

لا بد من أن يتحلى بهذه الأوصاف الثلاثة: العلم والدين، والورع؛ لأن بعض الناس عنده علم، لكن ليس عنده ورع، إذا لاح له مطمع دنيوي أو شرف أو جاه، تخطى هذا العلم الذي يحمله، وتجاوزه، وبعضهم ليس عنده دين يحميه وبعضهم ليس عنده علم، فلا بد من توافر الأمور الثلاثة، والعامي أيضاً يكفيه في تقرير من يسأل استفاضة هذا الذي يراد سؤاله عند أهل العلم الموثوقين، إذا استفاض على ألسنة أهل العلم أن فلان أهل لأن يستفتى فيقصده الناس للاستفتاء من عامة وأشباههم، ومع هذه النصوص المحكمة في المنع والإلزام نجد في عصرنا من يجرؤ على الفتوى وهو ليس من أهل العلم أصلاً، كما أسلفنا في المقدمة، يعني يجمع في قناة من القنوات ثلة من الشباب، وثلة من الجنس الآخر من الشابات، ثم يطرح مسألة شرعية وقد يكون معه ممن يستطيع استغفال الناس واللعب بعقولهم ممن يؤيده على كلامه وطريقته واستفتائه، ثم يقول: ماذا تقولون في كذا؟ ثم بعد ذلك يحسب الأقوال، ثلاثين صوت، من يعارضهم عشرة أصوات، إذن الحكم كذا، هل هذه طريقة شرعية لتقرير المسائل العلمية؟ هؤلاء هم الذين أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- عنهم أنهم اتخذوا رؤوسا جهالاً، يضلون بأنفسهم، ويضلون غيرهم، ويصرح ويتبجح بأنه ليس من أهل العلم، إذا انتهى من تقرير المسائل بهذه الطريقة قال: يا الإخوان، أنا تخصصي غير شرعي، تخصصه كيمياء وإلا صيدلة، وإلا زراعة وإلا شيء آخر، لكنها وسيلة كسب، وسيلة كسب مادة، فويل لمثل هذا ويل له، يتخبط في دين الله ويقرر أحكام شرعية بهذه الطريقة، نسأل الله السلامة والعافية.

مع هذه النصوص المحكمة في المنع والإلزام نجد في عصرنا من يجرؤ على الفتوى وهو ليس من أهل العلم أصلاً، فضلاً عن طالب غير متأهل لا سيما مع تيسر وصول أقوالهم إلى الناس بواسطة الوسائل المتعددة، مما سبب اضطراب في الفتوى، وضياع للمستفتين، وضياع للمستفتين، والمسئولية في مثل هذا تقع على أولياء الأمور، من العلماء والقادة، أن يوضع لهذا الاضطراب، وهذا اللعب، والتلاعب على الحد؛ لأن الناس اضطربوا، ونسبوا هذا الاضطراب إلى الدين، كم سمعنا على ألسنة العامة أن الدين تغير!، كنا نرى الناس يصلون كذا، وظهرت أقوال، كنا نراهم يفعلون كذا وظهر غير ما كنا نعلم، فنسبوا هذا الاضطراب إلى الدين والدين منه بريء، نعم أهل العلم بينهم خلاف، والخلاف موجود من عصر الصحابة لكن في مثل هذه الظروف التي ظهرت فيها هذه الأقوال، لا بد أن يطلع العامة على الأسباب الحقيقية للاختلاف، وأن يعرى أمثال هؤلاء الأدعياء الذين يضللون الناس وأن تبين حقائقهم، مما سبب اضطراب في الفتوى وتبلبلاً عند الناس وتشتت لعدم تمييزهم بين العالم وغيره، فكثيراً ممن يتصدى لذلك قد يكون ممن وهب بلاغة وفصاحة يؤثر بها على الناس، وقد جاء في الحديث كما تقدم: ((إن من البيان لسحراً)). صاحب ذلك إحجام من كثير من طلاب العلم المتأهلين احتجاجاً بما جاء من نصوص المنع والوعيد، وتأسياً بسلف هذه الأمة في تدافع الفتيا وتدارئها مما فسح المجال لأدعياء العلم أن يتصدروا في القنوات والوسائل والمجالس ولا شك أن الحاجة قائمة، وقد أمر الله جل علا بسؤال أهل العلم، بسؤال أهل العلم قال -جل وعلا-: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [سورة الأنبياء: 7]، فالعامي ومن في حكمه ممن ليست لديه أهلية النظر فرضه تقليد أهل العلم، وسؤالهم بنص القرآن، فإذا أحجم الكفؤ مع اضطرار العامة إلى من يفتيهم اضطروا إلى سؤال من ليسو من أهل العلم فضلوا وأضلوا، نسأل الله السلامة والعافية. والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. إن أجبنا على جميع هذه الأسئلة نقضنا الكلام النظري الذي قلنا. طالب:. . . . . . . . . هذه وإلا ذي؟

طالب:. . . . . . . . . أقول: إذا أجبنا على الأسئلة ما اكتفينا بالسابق. طالب: هو تطبيق عملي يا شيخ. والله كأنه نقل عملي، إيش رأيك. طالب: اللي تشوفه يا شيخ. هاه. طالب:. . . . . . . . . أنا أعرف بنفسي، نعود إلى كلامنا السابق، الله المستعان. نجيب على الأسئلة الواضحة التي لا تحتاج إلى أئمة. يقول: عملت في هيئة الحرم، وتعرضت لسؤال الناس من الحجاج والمعتمرين، وأفتيت الكثير بعد إلحاحهم على فتاوى علماءنا بقولنا: قال ابن باز، وقال؟ هذه ليست فتوى، هذا نقل للفتوى، هذا نقل للفتوى، وإذا أحلت على من تبرأ الذمة بتقليده، فأنت في حل من هذا النقل، شريطة أن تتأكد مما تنقل. يقول: متى يكون المفتي مجتهداً؟ هل بعد حفظه للقرآن وكتب السنة، أم بعد حفظه لمتون أهل العلم، أم بعد معرفته لجميع ما يتعلق بالفتاوى في الكتاب والسنة؟ لا شك أن المفتي عقد له فصول في كتب الأصول، وضعوا له شروط، وضعوا له شروط، وعلى كل حال أوجب الواجبات على من أراد أن يتأهل لهذا المنصب أن يحفظ من نصوص الكتاب والسنة، نصوص الكتاب والسنة ما يكفيه، ثم بعد ذلك يعرف كيف يتعامل مع نصوص الكتاب والسنة بمعرفة ما قرره أهل العلم في هذا الشأن. يقول: ما مدى صحة قاعد: لا إنكار في مسائل الخلاف، وقد شرحت في الدرس الأول، ولكن لم أستوعب ما قاله الشيخ وفقه الله، من غير نقص فيه للأهمية؟ على كل حال ما دام شرح من قبل أهل العلم لا داعي أن يكرر الشرح، لا سيما في مكان واحد؛ لأننا نقع في شيء من الاضطراب. ما الراجح في تفسير القرآن بالرأي؟

جاء الوعيد الشديد على من قال في كتاب الله برأيه، على من قال في القرآن برأيه، والقرآن يفسر بالقرآن وبالسنة وبأقوال الصحابة والتابعين، وبلغة العرب، ومثل ما ذكرنا سابقاً أن الدعي الذي لا علاقة له بالقرآن، ولا بما يخدم القرآن، هذا ليس له أن يتكلم في القرآن، ونسمع ونقرأ بعض المقالات في الصحف من أناس لا في العير ولا في النفير، يتكلمون في كلام الله -جل وعلا- بكلام هو أبعد ما يكون عن مراد الله -جل وعلا-؛ لأنهم ليست لهم عناية في الكتاب ولا ما يخدم الكتاب، لكن من كانت له عناية بالقرآن، صار من أهله ونظر كثيراً، وأطال، وأدام النظر في كتب أهل العلم الموثوقين، هذا له أن يدلي برأيه؛ لأنه تكونت لديه ملكة يستطيع بها أن يتعامل مع نصوص القرآن، والسنة. يقول: هل ينبغي لطالب العلم أن ينكر المنكر، مع وجود عالم في المجلس الذي فيه المنكر، مثال: الجوالات، وأصواتها في المسجد مع وجود عالم فهل أقول وأنكر هذا؟ من باب الأدب، هو الإنكار لا بد منه سواءً كان من العالم أو من غيره، ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه)) لكن لو كان على طريقة السؤال لهذا العالم، ما رأيكم في مثل هذه النغمة، ما رأيكم في مثل هذا الصوت؟ فيجيب الشيخ إن شاء الله بما ينفع، وإن أجاب أيضاً بخلاف ما يراه هذا، هذا يراه منكر، والشيخ لا يراه منكر، فعليه أن يبين رأيه لكن مع الأدب. يقول: في زماننا ما الأفضل: عالم أحجم عن الفتوى في ظل نطق الرويبضة، أم عالم تصدر للفتوى لنشر العلم والفهم الصحيح في الأمة؟ لا شك أن مثل هذا فرع عن العزلة والخلطة، العزلة والخلطة، هذه كما تكون لسائر الناس، تكون أيضاً للعلماء، فالعالم الذي يستطيع أن يؤثر بالناس، ولا يخشى على نفسه من التأثر بما عندهم من منكرات هذا يتعين عليه أن يخالط وأن يعلم، وأن يفتي، وأن يقضي، وإذا كان يخشى على نفسه من التأثر، فإنه حينئذ لا مانع من عزلته؛ لأن حرصه على نفسه آكد وأوجب، ذكرنا في حديث ((أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار)) أن الأصح أنه مرسل. يقول: كثير من طلاب العلم في هذا الوقت لا يفرق بين المدارسة والفتيا؟

لا شك أنه إذا اجتمع مجموعة من طلاب العلم، وتذاكروا العلم، وتدارسوه فيما بينهم، وطرح بعضهم سؤال وطلب الجواب من البقية، وقال بعضهم: لعله كذا، لعله كذا، بحيث لا يجزم، هذا لا إشكال فيه إن شاء الله تعالى. هناك أيضاً الأسئلة في الامتحان، قد يدخل الإنسان الامتحان ثم يسأل بأسئلة ما مرت عليه، يجيب وإلا ما يجيب؟ نقول: هذا ليس مجال فتوى، هذا ليس بمجال فتوى، إنما هو مجال كشف ما عند الشخص، فليكشف ما عنده من علم أو جهل، لكن يتقي الله -جل وعلا- ألا يقول باطلاً، ألا يقول باطلاً، ولو صدر كلامه بلعل كان أحوط. متى يكون الشخص من أهل العلم، ومتى من يكون له حق الفتيا؟ ذكرنا أنه لا بد من التأهل وأخذ العلم بجميع أبوابه، وجميع متطلباته، واستفاضة الخبر خبر هذا الشخص من قبل أهل العلم، فإذا اجتاز هذه الاستفاضة وصار على ألسنة أهل العلم أنه أهل للتعليم، وأهل للفتيا، كان من أهلها، وإلا فلا. يقول: إذا كان الوقت ضيق، وسؤال طالب العلم وليس عنده تصور كان وسئل، طالب العلم وليس عنده تصور كامل للمسألة فماذا يفعل؟ عليه أن يقول: الله أعلم. هل قول: لا أدري مع العلم بالمسألة يعد كذباً؟ نعم هو كذب بلا شك؛ لأنه مخالف للواقع، هذا كذب، لكن قد يحمل على قول لا أدري ممن يعرف الحكم، ما يجعل الإنسان يدرأ عن نفسه شراً، فمثل هذا قد يعفى عنه. يقول: لو سئلت عن مسألة أعرفها فهل أجيب عنها؟ إن كنت تعرفها بأدلتها وذيولها وما تتطلبه من تفصيل، فتجيب عنها؛ لأنك حينئذ من أهل النظر في هذه المسألة، ولو كنت لست من أهل النظر في مسائل أخرى وأبواب أخرى تجيب عنها، لكن إذا كانت المسألة غير مكتملة في ذهنك، وتحفظ فيها قول لمن تبرأ الذمة بتقليده فانقل هذا القول لمن يسألك. ونكتفي بهذا القدر من الأسئلة والبقية كثيرة لكن الوقت يعني تأخر على الإخوان. والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أحكام الحج

أحكام الحج الشيخ/ عبد الكريم الخضير الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فرضية الحج: إن الحج إلى بيت الله الحرام ركن من أركان الإسلام إجماعاً، لا يختلف أهل العلم في كونه ركن، وقد الله -جل وعلا-: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [(97) سورة آل عمران] فشأن الحج عظيم، فهو أحد أركان الإسلام، وأحد دعائمه العظام، ففي الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)) متفق عليه، من حديث ابن عمر، وتفرد مسلم -رحمه الله تعالى- بتقديم الصيام على الحج، ولذا بنا الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- ترتيب كتابه على تقديم الحج على الصيام، بناء على الرواية المتفق عليها، والأكثر من أهل العلم يقدمون الصيام على الحج، والرواية بذلك عن ابن عمر صحيحة، حتى إنه اُستدرك عليه، فرد على المستدرك، لما قال: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان" قيل له: صوم رمضان والحج، قال: وصوم رمضان والحج، قيل له: الحج وصوم رمضان، قال: لا، صوم رمضان والحج، مع أن تقديم الحج ثابت عنه في الصحيحين وغيرهما. حكم من أنكر وجوب الحج: وعلى كل حال من أنكر وجوبه كفر إجماعاً، ومن تركه فهو على خطر عظيم مع القدرة عليه؛ لأن الله -جل وعلا- يقول: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [(97) سورة آل عمران] ويستدل بهذا مع نصوص جاءت في التشديد والتأكيد بالنسبة لمن ترك الحج وهو قادر عليه، جعل بعض أهل العلم يقولون: بكفر من لم يحج مع الاستطاعة، وجاء عن عمر -رضي الله تعالى عنه- أنه كتب إلى الأمراء في الآفاق: "أن انظروا من كانت له جدة فلم يحجوا، فاضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين، ما هم بمسلمين".

وجاء مرفوعاً من حديث أبي ذر وأبي هريرة وأبي أمامة وغيرهم، عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من كان ذا جدة فلم يحج فليمت إن شاء يهودياً أو إن شاء نصرانياً)) له طرق كثيرة تدل على أن له أصلاً، كما قال الحافظ ابن حجر، وإن بالغ ابن الجوزي فأورده في الموضوعات؛ لكن الجمهور على أنه ضعيف، ليس بالموضوع، وليس بالصحيح، وابن حجر يقول: كثرة طرقه تدل على أن له أصلاً. وعلى كل حال هو ركن اتفاقاً، وتاركه على خطر عظيم، ولو لم نقل بكفره كقول الجمهور؛ لكنه مفرط، شأن الحج عظيم، وجاء في الترغيب فيه أحاديث كثيرة جداً، ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: ((من حج فلم يرفث، ولم يفسق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) وجاء أيضاً: ((الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) وهو واجب على الفور على القول المحقق عند أهل العلم، وإن قال كثير من أهل العلم أنه على التراخي؛ لكن جاءت النصوص التي تدل على أنه على الفور، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لما فرض عليه الحج في السنة التاسعة على القول المحقق عند الإمام البخاري وابن القيم وغيرهما أنه فرض في السنة التاسعة، وحج النبي -عليه الصلاة والسلام- في السنة العاشرة، نعم قد يقول قائل: لو كان على الفور لحج في السنة التاسعة، بعث النبي -عليه الصلاة والسلام- في السنة التاسعة أبا بكر، ثم أردفه بعلي -رضي الله عنه- من أجل أن يبلغ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أن لا يحج بعد العام مشرك، وأن لا يطوف بالبيت عريان، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يطيق هذه المناظر، ولذا أخر الحج وهو واجب على الفور من أجل ذلك. وكثير من المسلمين الآن مع الأسف الشديد أنه بطوعه واختياره من غير أي داعٍ ينظر إلى العورات، من خلال وسائل الإعلام، لا يلزم أن تكون العورات المغلظة؛ لكن هي عورة على كل حال، المرأة بالنسبة للرجل عورة، والأمر أعظم من ذلك، ويذكر أمور يُستحى من تخيلها فضلاً عن ذكرها، يستحي الرجل السوي الذي على الفطرة من مجرد التصور فضلاً عن سماع أخبارها، أو تصورها، أو الكلام فيها، والله المستعان.

تعريف الحج:

إذا عرفنا هذا، وقلنا: أن الحج واجب على الفور، فإن من استطاع أن يحج ولم يحج آثم، يأثم إذا أخر الحج من غير عذر، ومع الأسف أنه توجد أعذار واهية تؤخر من أجلها هذه الشعيرة، أو الفريضة في العام الماضي قيل لبعضهم: لم لا تحج؟ قال: والله السنة هذه ربيع -مع الأسف الشديد أن نسمع مثل هذا الكلام بين المسلمين- وقبل ذلك قيل له: لم لا تحج؟ قال: والله تسليم البحث بعد الحج مباشرة، لا أستطيع أن أحج، ومثل هذه الأعذار، حرص الصحابة على أداء هذه الشعيرة مع النبي -عليه الصلاة والسلام- شيء لا يخطر على بال، امرأة يبدأ الطلق بها، طلق الولادة يبدأ بها من بيتها، وتخرج لتحج مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، إجابة لندائه ونداء الله -جل وعلا-، ومع ذلكم تلد في المحرم، في الميقات بعد مسافة عشرة كيلو، بيوت المدينة يراها حديد البصر، هذا من حرصهم -رضوان الله عليهم- على إبراء الذمة من الواجب، وامتثالاً للمسارعة والمسابقة التي أمر الله بها -جل وعلا-، والإنسان لا يدري ماذا يعرض له؟ وإذا كان المستطيع الذي أنعم الله عليه بالصحة والعافية والمال ولم يحج ولم يفد إلى الله -جل وعلا- كل خمس محروم، فكيف بمن ترك الفرض المكمل المتمم لدينه؟ تعريف الحج:

شروط الحج وأركانه ومحظوراته وسننه:

إذا عرفنا هذا، فالحج: هو قصد بيت الله الحرام لأداء النسك، والعنوان -عنوان المحاضرة- (الحج) كبير جداً ولذا لا أدري متى أبدأ؟ ولا أدري كيف أبدأ؟ ولا أدري كيف أنتهي؟ العنوان كبير جداً، فأحكام الحج ألفت فيه المجلدات، ومن أنفع ما كتب فيها كتاب المناسك من المجموع للنووي، ويقع في المجلد السابع والثامن من الكتاب، أحكام مفصلة، وتفاريع، وتصوير دقيق لكثير من الفروع بأدلتها، ومن ذلكم أيضاً المغني لابن قدامة يذكر الأحكام والخلاف والأدلة يستفاد منه، وهناك منسك كان مشهوراً بين طلاب العلم، ثم ترك لطوله، وفيه شيء من التكرار الملل لطلاب العلم اليوم هو منسك الشيخ ابن جاسر، اسمه (مفيد الأنام) في جزئين، وهناك مناسك تعتمد على الدليل، مثل منسك الشيخ ابن باز، ومنسك الشيخ الألباني، وغيرهما، والموضوع ثري، والمصادر والمراجع كثيرة جداً، والنصوص متوافرة، وكتب السنة فيها الشيء الكثير من بيانه -عليه الصلاة والسلام- بفعله وقوله لما أمر الله به -جل وعلا-. شروط الحج وأركانه ومحظوراته وسننه:

الحج له شروط، وله أركان، وله واجبات، وله سنن، وفيه محظورات –ممنوعات-، فمن شروطه: الإسلام فغير المسلم لا يجب عليه الحج، ولا يصح منه، وكونه يشترط في وجوبه الإسلام لا يعني أن الكافر غير مخاطب بفروع الشريعة، بل الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، ومنه الحج، وإذا كان الكافر لا يؤمر به حال كفره فما معنى خطابه بهذا الفرع أو بغيره من الفروع؟ وغير الحج لا يطالب بقضائه إذا أسلم بمعنى أنه لو أسلم وعمره سبعون سنة ما يقال له: عليك أن تصلي صلاة خمسة وخمسين سنة، أو تصوم خمسة وخمسين شهر، لا، أما بالنسبة إلى الحج -هذا إذا كان مستطيعاً وقت كفره ثم أسلم غير مستطيع لا يكلف به كغيره من العبادات- وكونه مكلف به، مطالب به، أنه يزاد في عذابه على عذاب كفره، وإلا فالإيمان شرط من تصحيح العبادات {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللهِ} [(54) سورة التوبة] فالكفر مانع من قبول الأعمال، الكافر لا يصح منه العبادة حال كفره، ولا يطالب بها إذا أسلم، وإنما تكليفه من باب زيادة عذابه، وقد قال الله -جل وعلا-: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} [(42 - 44) سورة المدثر] المقصود أنهم ذكروا فروع، فدل على أنهم مخاطبون في قول عامة أهل العلم.

فالإسلام شرط من شروط الحج، والتكليف: الحج لا يجب على الصبي ولا على المجنون، إن حج الصبي حال صباه صح حجه؛ لكنه لا يجزئ عن حجة الإسلام، فإذا بلغ عليه أن يحج حجة أخرى، وقد رفعت امرأة صبياً للنبي -عليه الصلاة والسلام- فقالت: ألهذا حج؟ قال: ((نعم، ولك أجر)) فيصح حجه، ويلزمه ما يلزم المكلف من الإتمام، والتبعات مما يرتكبه من محظورات، اللهم إلا ما لا يستطيعه، والمجنون لا يصح منه الحج، وكذلك الرقيق حجه لو حج صحيح؛ لكنه كالصبي لا يجزئ، ولا يجب عليه؛ لأنه مشغول بخدمة سيده فلا يجب عليه الحج أثناء رقه، فلو حج أثناء الرق وهو مكلف؟ عليه حجة أخرى كالصبي، وإن قال بعض أهل العلم أنه يختلف عن الصبي باعتبار أنه تصح منه العبادات كالصلاة والصيام وغيرها، وفي المسألة حديث، لا يخلو من مقال، أن من حج وهو صبي أو رقيق فبلغ أو عتق فعليه حجة أخرى. المقصود أن وجوب الحج من شرطه الحرية، يقولون: إذا بلغ الصبي، وعتق الرقيق، وأفاق المجنون بعرفة صح حجهم فرضاً، عندنا ركن تقدم قبل الأهلية، نعم لأن من أركان الحج الإحرام، والمراد به نية الدخول في النسك، فإذا أحرم وهو صبي وحجه نفل ما دام صبياً، ثم بلغ بعرفة، قالوا: تجزئ عن حجة الإسلام، ينقلب نفله فرضاً، والنية في الحج عندهم تختلف عن نية سائر العبادات؛ لأنه يمكن تحويلها، بخلاف من أحرم بنفل الصلاة، ثم أراد أن يقلبها فرضاً، ما تنقلب، وعند الحنابلة أنه إذا شرع في الصلاة، ثم بلغ في أثنائها فإنه تلزمه الإعادة؛ لأنه مضى جزء منها غير فرض، إنما هو نفل؛ لكن ما عرف عنه -عليه الصلاة والسلام- ولا عن أحد من صحابته أنه أمر أحداً صلى نفلاً، ثم بلغ في أثناء الصلاة، مع أن إثبات البلوغ في أثناء الصلاة يعني دونه خرط القتاد، وما يدريك أنه بلغ في هذه اللحظة، إلا إذا عرف أنه ولد في الدقيقة كذا من يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا، ثم على تمام الخامسة عشرة يكون قد بلغ، وهذا فيه عنت، يعني ملاحظة هذه الأمور الدقيقة ليست من مقاصد الشرع، فيها مشقة، وفيها عنت، وما عرف أن أحداً أمر بإعادة الصلاة لأنه بلغ في أثنائها.

قلنا: من الشروط: الإسلام، والتكليف الشامل للبلوغ، والعقل، والحرية، والاستطاعة، المستطيع يلزمه الحج يجب عليه الحج وغير المستطيع لا يجب عليه، لقول الله -جل وعلا-: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [(97) سورة آل عمران] وجاء تفسير الاستطاعة بالزاد والراحلة، الحديث جاء من طرق، وكلها لا تسلم من مقال، واستطاعة كل شخص بحسبه، يعني لا تلزم الراحلة لكل شخص، المكي مثلاً الذي يستطيع أن ينتقل بين المشاعر من غير مشقة، لا تلزمه الراحلة لتكون شرطاً على قدرته على الحج، بل عليه أن يحج، ولذا قالوا: القدرة بالمال والبدن، والمال من أجل النفقة، لا بد منه، ولا يحج مثل الذين يدعون التوكل، يتوكلون على الله ولا يتزودون، ثم بعد ذلك يعيشون عالة على الناس، وسئل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن بر الحج؟ فقال: ((إطعام الطعام)) ما قال: التسول، وبعض الناس تجد عنده ما يغنيه عن الناس، ثم ينزل ضيفاً على فلان أو على فلان، أو على جهة حكومية، ويزاحم المستحقين، وقد أغناه الله -جل وعلا- عن هذا وهذا، خلاف ما يتطلبه الحج من الإنفاق، إطعام الطعام، وإفشاء السلام. وعلى الإنسان أن يحج من ماله الحلال، فإذا لم يكن مستطيعاً ببدنه إن استطاع بماله وجب عليه أن ينيب، "إن فريضة الله بالحج أدركت أبي شيخاً كبيراً، لا يثبت على الراحلة" يعني لا يستطيع ببدنه، أفأحج عنه؟ قال: ((نعم)) وفي حديث أبي رزين قال: ((حج عن أبيك واعتمر)) فالذي لا يستطيع بنفسه يستطيع بولده، أو بماله يلزمه أن ينيب، لكن إن عوفي بعد النيابة، أناب من يحج عنه، ثم عوفي بعد ذلك، صار يستطيع أن يحج بنفسه، هل يلزمه أن يحج أو تكفي هذه الحجة التي نيب عنه فيها؟ الحنابلة يقولون: تكفي لأنه لا يجب في الإسلام إلا حجة واحدة، ولو أوجبنا عليه أن يحج بنفسه لأوجبنا عليه حجتين، وكثير من أهل العلم يقولون: لا تكفي لأنه لما عوفي عرفنا أنه غير ميئوس منه، والنيابة إنما هي في الميئوس منه.

يزيد المرأة من الشروط المحرم: فلا تسافر المرأة بغير محرم، إذا لم تجد محرم، وهو زوجها، أو من تحرم عليه على التأبيد، فإنه لا يلزمها الحج بنفسها، والمحرم جاء في النصوص الصحيحة الصريحة بوجوبه ولزومه في جميع الأسفار الطويلة والقصيرة، وجاء النهي عن السفر بدون محرم مسيرة ليلة، ومسيرة يوم، ومسيرة ثلاث، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم بإطلاق، فدل على المدة ليست مقصودة، فبمجرد ما يوجد الوصف الذي هو السفر، والسفر والسفور والإسفار والبروز هو مجرد الخروج من البلد، الشروع في السفر، وعلى هذا إذا قلنا: أن هذا مشترط بالنسبة للحج فكيف بغيره من الأسفار؟ أسفار النزهات مع الأسف أن يوجد نساء مع سائق في البرية، في رحلة نزهة، ويلاحظ هذا، ويوجد مع الأسف الشديد كثير هذا في الطالبات والمدرسات أن تسافر مع غير محرم، وهذا داخل في النصوص، وما عند الله لا ينال بسخطه، ولا يحملنكم استعجال الرزق على أن تطلبوه بسخط الله، فإن ما عند الله لا ينال بسخطه، ويكثر السؤال عن هذا، لا سيما بالنسبة للمدرسات، يسافرن مجموعة من النساء على قول عند بعض أهل العلم أن المرأة تسافر مع مجموع النسوة مع الأمن في الطريق، ومع أمن الفتنة، ثم بعد ذلك يضطر السائق أن لا يقف في الطريق حتى يصل المقصد، المدرسة، ولو بعد طلوع الشمس، ويترتب على هذا تأخير صلاة الصبح إلى أن يخرج وقتها، ويسألون عن حكم تأخير صلاة الصبح عن وقتها، ظلمات بعضها فوق بعض، وإذا أردنا النتائج الشرعية لا بد أن نسلك المقدمات الشرعية، تسافر المرأة بدون محرم، ثم يقول السائق: أنا لا أستطيع أن أقف في الطريق علينا خطر، لا بد أن لا نقف إلا في المدرسة، أصل المقدمة التي تريد بنا الحكم عليها ليست شرعية، فالنتيجة حتماً ليست شرعية.

المقصود على المسلم أن يتقي الله -جل وعلا- ذكراً كان أو أنثى، فإذا توافرت هذه الشروط فالحج واجب على ما تقدم، فهو ركن من أركان الإسلام، لا يجوز تأخيره، ومن قال من أهل العلم أنه على التراخي؛ لأنه عندهم فرض سنة ست، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لم يحج إلا سنة عشر، قالوا: لا يلزم على الفور مع العزم على أدائه؛ لكن القول المحقق أنه واجب على الفور، وجاء الأمر بتعجيله، قلنا: له شروط، هذه هي الشروط، وله أركان، أركانه الإحرام، والمراد به: نية الدخول في النسك، فإذا سافر مريد الحج من بلده ووصل الميقات المحدد له شرعاً، والنبي -عليه الصلاة والسلام- حدد المواقيت، فجعل لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل نجد قرناً، والخلاف في ذات العرق، هل جاء تحديدها لأهل المشرق لأهل العراق ومن كان في جهتهم هل هو مرفوع أو هو من اجتهاد عمر -رضي الله تعالى عنه-؟ ورفعه يصح إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لكنه ليس في القوة بمثابة المواقيت الأخرى التي ثبتت بالحديث الصحيح. وعلى كل حال توقيته من قبل عمر صحيح، ورفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- صحيح، ولا يبعد أن يكون من موافقات عمر، يكون عمر ما عرف أو ما بلغه النص المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فاجتهد فحدد لهم ذات عرق، فوافق اجتهاده النص المرفوع، وليس هذا ببدع، فموافقات عمر -رضي الله تعالى عنه- كثيرة، إذا وصل إلى الميقات مريد الحج فإنه حينئذ يتجرد من المخيط، ويغتسل، ويلبس ثياب الإحرام الإزار والرداء، ثم بعد ذلك ينوي النسك الذي يريده من الأنساك الثلاثة، إما الحج فقط، أو الجمع بين الجمع والعمرة، أو العمرة فقط على أن يحج إذا حل منها ليكون متمتعاً، والأنساك عند الجمهور كلها جائزة الثلاثة؛ لكن من ساق الهدي فالقران في حقه أفضل، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- له أن يتمتع أو ليس له أن يتمتع من ساق الهدي؟ هل يلزمه أن يقرن؟ ولو قال: أريد أن أفرد؟ أنا لست معتمر؟ طالب:. . . . . . . . .

لا سوق الهدي لك أن تسوق الهدي وأنت في الرياض، ويصل مكة ويذبح هناك، لو ساق الهدي تطوع ما في إشكال؛ لكنه يمنع من التحلل قبل أن يبلغ الهدي محله، فلا يتمتع حينئذ، إنما لو قال: أريد أن أفرد أسوق الهدي وأفرد، ما فيه ما يمنع؛ لأنه سوف يبقى على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله، إن قرن كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو أفضل؛ لكن التمتع الاصطلاحي الذي مفاده أن تفصل بين الحج والعمرة بالحل، كل الحل فهذا متعذر بالنسبة لمن ساق الهدي، ولذا تأسف النبي -عليه الصلاة والسلام- على سوق الهدي، وقال: ((لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة)) فمن ساق الهدي الأفضل في حقه القران، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومن لم يسق الهدي فالأفضل في حقه التمتع؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر أصحابه أن يجعلوها عمرة، أما إذا تصور أن شخصاً لا يريد أن يزيد على ما أوجب الله عليه من حج وعمرة، يقول: أنا لا أريد أن أتنفل لا بحج ولا بعمرة، إنما أريد أن أعتمر عمرة واحدة، وأن أحج حجة واحدة، فهذه الصورة هي التي نقل عليها شيخ الإسلام أن الإفراد أفضل اتفاقاً، لماذا ليأتي بالحج بسفرة مستقلة، ويأتي بالعمرة بسفرة مستقلة، هذه المسألة مفترضة في شخص يقول: لن أحج إلا مرة واحدة، ولن أعتمر إلا مرة واحدة، فكونه يسافر من بلده إلى مكة ليؤدي العمرة الواجبة عليه، ثم يسافر ليؤدي الحجة الواجبة عليه، أو العكس هذا أكمل وأفضل اتفاقاً، فيما نقله شيخ الإسلام، يعني أيهما أفضل أن يسافر للعمرة ثم يسافر للحج أو العكس، أو يسافر سفرة واحدة للحج والعمرة فيتمتع؟ السفرتين أفضل، وهذا الذي نقل عليه شيخ الإسلام اتفاقاً، أما من أراد أن يعتمر عمرة مفردة في رمضان مثلاً، أو في شوال أو في القعدة أو في محرم ثم يسأل في المحرم يقول: أفضل لي أتمتع وإلا أفرد؟ نقول: تمتع لأنك بهذا تكون اعتمرت مرتين، أما من قال: أنا لا أريد أن أزيد على ما أوجب الله علي، فكونه يأتي بالنسكين في سفرين أفضل طالب:. . . . . . . . .

إيه لا، لا، {وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ} [(196) سورة البقرة] قال بعض الصحابة: تمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك، والمراد بذلك أن تنشئ له السفر من بلدك. إذا وصل الميقات، ونوى الدخول بالنسك، بعد أن تجرد واغتسل وتطيب، وصلى، ثم بعد ذلك نوى، لبى بما يريد من الأنساك، إن كان مفرداً قال: لبيك حجاً، وإن كان متمتعاً قال: لبيك عمرة، وإن كان قارناً قال: لبيك حجاً وعمرة، الصلاة للإحرام عامة أهل العلم على مشروعيتها للإحرام، ويقول النووي: إنه لا يعلم خلافاً إلا ما يحكى عن الحسن البصري، أنه قال: ليس للإحرام صلاة، وجاء في الحديث الصحيح: ((صل في هذا الوادي المبارك، وقل: حجة وعمرة)) فأمر بالصلاة، ولا شك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أحرم بعد الصلاة؛ لكن الصلاة التي صلاها قبل إحرامه هي صلاة الظهر، صلاها ركعتين، ثم أحرم بعدها، واختلفوا في وقت إهلاله، فنية الدخول في النسك هذا الركن، والإحرام من الميقات واجب من واجبات الحج، على ما سيأتي، يعني لو تجاوز الميقات، ونوى الدخول في النسك من مكة، قلنا: هذا الركن، وتركت واجب من واجبات الحج، ما تركت ركن، ومن ترك واجب يأتي حكمه.

إذا صلى سواء كانت فريضة وإلا نافلة في قول عامة أهل العلم نوى الدخول في النسك، وأهل بما شاء من الأنساك الثلاثة بعد الصلاة، وإذا استقلت به راحلته، وإذا علا على شرف البيداء، وجاء في الحديث الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أهل من عند المسجد، وجاء أيضاً أنه أهل عند الشجرة، وجاء أيضاً أنه أهل حينما استوت به راحلته، وجاء عنه أيضاً أنه أهل حينما علا على شرف البيداء، والجمع بين هذه الروايات جاء في حديث ابن عباس عند أبي داوود والحاكم، قال: أهل النبي -عليه الصلاة والسلام- من عند المسجد، فسمعه أناس يهل فنقلوا، وأهل لما استوت به دابته فسمعه أناس فنقلوا، وأهل حينما علا على شرف البيداء فسمعه من لم يسمعه قبل فنقل، وبهذا يكون الجمع بين الروايات المختلفة أنه أهل في هذه المواضع كلها، وكلٌ نقل ما سمع، وابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- يقول: "بيداءكم هذه التي تكذبون فيها على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني أن النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما أهل لما علا عليها، إنما أهل من عند المسجد، وعلى كل حال كلٌ نقل ما سمع، وكلها صحيحة.

جاءت الروايات المختلفة في إهلاله -عليه الصلاة والسلام-، وبأي الأنساك أهل؟ فجاء عنه أنه أهل مفرداً، وصح عنه أنه تمتع، يقول الصحابي: تمتع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتمتعنا معه، والقول المرجح الصحيح من خلال الروايات المفصلة المفسرة أنه حج قارناً، وأنه لم يتمتع؛ لأنه ساق الهدي، ولم يفرد؛ لأنه لبى بهما جميعاً، فكيف يجاب عن رواية التمتع؟ وعن رواية الإفراد؟ من قال: حج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قارناً هذا هو الأصل، وهو الذي استقر عليه أمره -عليه الصلاة والسلام-، وهو ما فعله على الحقيقة، ومن قال: تمتع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد نظر إلى المعنى الأعم للتمتع، إن التمتع فيه الجمع بين النسكين في سفرة واحدة، هذه حقيقة التمتع، ومعناه الأعم يشمل التمتع الاصطلاحي، ويشمل القران؛ لأن من قرن بين النسكين في سفرة واحدة ترفه بترك أحد السفرين، فهو متمتع من هذه الحيثية، ومن قال: تمتع هذا مراده، لا أنه فصل بين الحج والعمرة كما يفعل المتمتع تمتعاً اصطلاحياً، على ما أمر به النبي -عليه الصلاة والسلام- صحابته، ومن قال: أنه حج مفرداً فمراده أن أعماله -وقد حج قارناً- لا تختلف عن أعمال المفرد، الآن لو حج زيد وعمرو معاً خرجوا من الرياض، ووصلوا إلى المحرم، ثم لبى زيد بالإفراد وعمرو بالقران، ثم ذهبا جميعاً -إن شاءا- إلى البيت، وطافا للقدوم، وسعيا بعده، أو مباشرة ذهبا إلى عرفة، واحد مفرد وواحد قارن، ثم بعد ذلك ينزلون مزدلفة، ثم منى، ثم يرمون، ثم يفيضون يطوفون ويسعون ولا فرق بين عملها البتة إلا في الهدي، فمن قال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- حج مفرداً، رأى أن أعماله كأعمال المفرد، سواء بسواء، القارن لا يختلف عن المفرد إلا في الهدي، إلا عند الحنفية الذين يلزمونه بهديين، وإلا على قول الجمهور لا فرق بين عمل القارن وعمل المفرد، فكما أن القارن إذا أراد أن يطوف للقدوم وهو سنة، ثم يسعى بعده سعي الحج، ثم بعد ذلك يطلع إلى منى وعرفات، ثم مزدلفة، ثم منى، ثم ينزل لطواف الإفاضة للرمي وطواف الإفاضة وأعمال يوم العيد، والمفرد مثله سواء بسواء.

والأنساك الثلاثة جائزة عند جمهور العلماء كلها، ويختلفون في الأفضل، ومنهم من يوجب التمتع؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر به أصحابه، أمرهم به، وأكد وشدد، وتأسف على سوقه الهدي، فدل على أنه أفضل من غيره، وقد أوجبه بعضهم، ومنهم من يرى، وقد نقل عن بعض الصحابة، أن الفسخ فسخ الحج إلى العمرة خاص بهم في تلك السنة، لأنهم أحرموا بالحج فأمرهم أن يفسخوا إلى العمرة، وقالوا: لا يجوز للإنسان أن يلتزم بشيء ينوي الدخول في شيء ولا يتمه، بل ينتقل منه إلى غيره؛ لكن لما قام سراقة بن مالك بن جعشم، فقال: ألعامنا هذا أم للأبد؟ قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((بل لأبد الأبد)) فدل على أن المحرم له أن ينتقل إلى الأعلى من الأنساك دون العكس، فمن أحرم مفرداً، ثم لما وصل البيت وجد فيه فرصة أن يجعلها عمرة، ويتحلل منها ثم يحرم بالحج يوم التروية، كما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- أصحابه هذا أكمل، له ذلك ما لم يكن حيلة، ما لم يكن عمله حيلة، كيف يكون عمله حيلة؟ يحرم مفرد أو قارن ولم يسق الهدي، ثم لما وصل البيت قال: النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر أصحابه أن يجعلوها عمرة نحن نريد أن نجعلها عمرة، فيلبي بالعمرة ويطوف ويسعى ويقصر ثم يلبس ثيابه، ويقول: أنا الآن حللت من الإحرام الحل كله، ما الذي يلزمني بالحج، وأنا الآن حلال، يعني لو لم يكن هذا حيلة يعني لو أن شخصاً جاء بنية التمتع من بلده، وأحرم ابتداء بالعمرة، يعني هذه تختلف عن قلب النية، أحرم بعمرة ابتداء من الميقات، وطاف وسعى وقصر، رأى الزحام الشديد، أو أتصل عليه أهله قالوا: نحن بحاجة إليك، ضرورة ملحة، لا بد أن تحضر، ثم رجع إلى بلده، ما الذي يلزمه بالحج؟ فيما يلزمه؟ حل الحل كله، الحنابلة يلزمونه بأن يحج عن هذه السنة؛ لأنه جاء بهذه النية؛ لكن هل مجرد النية الناهزة له من بيته تكفي لإلزامه بالإتمام؟ يعني خرج للحج من الرياض مثلاً وصل الطائف ورجع، قال: ما أنا بحاج، من يلزمه؟ يعني ما بعد لبى، في أحد يلزمه بالحج؟ ما في أحد يلزمه بالحج، وهذا يقول: أنا حللت الحل كله، ما الذي يلزمه بالحج؟ نقول: إن كان عمله حيلة أحرم بحج أو قارن ثم قلبها عمرة ليتنصل من الحج

ويرجع، نقول: لا، لا يجوز؛ لأنك انتقلت من الأعلى إلى الأدنى؛ لكن تنتقل من الأدنى إلى الأعلى كما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- صحابته هذا صحيح. طالب:. . . . . . . . .

إذا لبى بأحد الأنساك، ووصل البيت فإن كان قد لبى بالعمرة يقطع التلبية بمجرد رؤية البيت؛ ويبدأ بالطواف للعمرة، وإن كان قد لبى بالحج أو قارناً فإنه يطوف للقدوم -إن شاء- وهو سنة، والذي لبى للعمرة يطوف طواف العمرة، وهو ركن، فإذا انتهى من الطواف سواء كان المتمتع أو المفرد أو القارن للقدوم، وسعى بعده سعي الحج، وأما المتمتع يطوف للعمرة ويسعى للعمرة، وهما ركنان من أركان العمرة، إذا حصل الطواف للقدوم من القارن والمفرد أو للعمرة من المتمتع وانتهى منه على الوجه الشرعي بأن وصل إلى الركن الذي فيه الحجر فقبله أو استلمه بيده، وقبل يده، أو أشار إليه، بما معه من محجن أو غيره، وكبر مع ذلك، وجعل البيت عن يساره، وجاء بالأذكار الواردة، وطاف على البيت سبع مرات، يكبر كلما حاذى الركن، وقد جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كلما حاذى الركن كبر، إن تيسر له أن يستلم الركن اليماني استلمه، وإلا فلا يشير إليه، يستلمه ويستلم الركن الذي فيه الحجر؛ لأنهما على قواعد إبراهيم، وأما الركنان الشاميان فلا يستلمان؛ لأنهما ليسا على قواعد إبراهيم، كلما حاذى الركن كبر، يفتتح طوافه بالتكبير، ويختتمه بالاستلام والتكبير، كنا نطوف مع النبي -عليه الصلاة والسلام- فنستلم الركن الفاتحة والخاتمة، النبي -عليه الصلاة والسلام- كلما حاذى الركن كبر، فدل على أنه يختم طوافه بالتكبير، ثم بعد ذلك يصلي ركعتي الطواف، خلف المقام، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما طاف للقدوم صلى الركعتين، بعد أن قرأ قول الله -جل وعلا-: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [(125) سورة البقرة] وجعل المقام بينه وبين البيت، صلى ركعتين قرأ في الأولى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [(1) سورة الكافرون] والثانية: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [(1) سورة الإخلاص] وفي هذا الطواف -سواء كان للعمرة أو للقدوم- يسن الرمل والاضطباع، الرمل في الثلاثة الأشواط الأولى، والاضطباع في جميع الطواف، ويرمل من الركن إلى الركن، وسبب المشروعية قول المشركين في عمرة القضاء: يقدم محمد وأصحابه، وقد وهنتهم حمى يثرب، فأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- صحابته بالرمل وهو الإسراع

في المشي، مع تقارب الخطى ليري المشركين قوتهم، لا بد من إغاظة المشركين بمثل هذا، وفي عمرة القضاء مشى بين الركنين؛ لأن المشركين لا يرونه في جهة الحجر، وأما في حجة الوداع فقد استوعب الطواف بالرمل من الركن إلى الركن، وهذا هو الذي استقر عليه الأمر، ثم بعد الركعتين يرجع فيستلم الحجر، ثم بعد ذلك يخرج إلى الصفاء؛ ليسعى سعي العمرة إن كان متمتعاً، وسعي الحج إن كان مفرداً أو قارناً -إن شاء-، وإن أخره -أعني المفرد والقارن- إن أخرا السعي إلى ما بعد طواف الإفاضة لهم ذلك، وإن تركا طواف القدوم فلا شيء عليهما؛ لأنه سنة، كما تقدم، ثم بعد ذلك إذا وصل إلى الصفاء قرأ قول الله -جل وعلا- قال كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((نبدأ بما بدأ الله به)) أو ابدأ، وفي رواية: ((ابدأوا أمر بما بدأ الله به)) {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ} [(158) سورة البقرة] ثم يستقبل البيت، ويهلل ويكبر ويدعو ثلاثاً، ثم يشرع في السعي إذا انصبت قدماه في بطن الوادي بين العلمين سعى سعياً شديداً، ثم يمشي بقية الشوط إلى أن يرقى إلى المروة، ويفعل فيها نظير ما فعل في الصفا، ومن الصفا إلى المروة شوط والرجوع من المروة إلى الصفا شوط آخر، خلافاً لمن قال: إن الذهاب والإياب شوط واحد؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- بدأ بالصفا وانتهى بالمروة، كيف ينتهي بالمروة والذهاب والإياب شوط واحد؟ لا يمكن فدل على أن الذهاب شوط، والرجوع شوط آخر، فإذا انتهى من السعي يبقى المفرد والقارن على إحرامه، ولا يقصر من شعره، وأما المتمتع يقصر من شعره، ويلبس ثيابه، ويحل الحل كله، فإذا كان يوم التروية أهل بالحج، المتمتع، وخرجوا جميعاً إلى منى، فصلوا بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكثوا حتى تطلع الشمس، ثم دفعوا إلى عرفة، ثم إن وصلوا إلى نمرة قبل الزوال، النبي -عليه الصلاة والسلام - وجد القبة قد ضربت له بنمرة، لما زالت الشمس رحلت له القصوى، فدفع إلى بطن عرنة، فخطب بها، وصلى الظهر والعصر جمع تقديم، بعد الخطبة، بأذان واحد وإقامتين، ثم دخل إلى الموقف بعرفة ووقف على ناقته. . . . . . . . . الجبل عند الصخرات، استقبل القبلة

والناس بين يديه -عليه الصلاة والسلام- ما زال واقفاً يدعو ويذكر الله، ويجيب عما يسأل عنه، ويأتسي به الناس، ويقتدون به، إلى أن غربت الشمس، وتحقق من مغيبها -عليه الصلاة والسلام-.

والوقوف بعرفة ركن من أركان الحج، لا يصح إلا به، وأركان الحج: الإحرام نية الدخول في النسك والوقوف بعرفة، والثالث: طواف الإفاضة، والرابع: السعي، أربعة أركان للحج، ثم يقف بعرفة يدعو ويذكر الله -جل وعلا-، ويستغل هذا الوقت العظيم المبارك، الذي ينزل فيه من الرحمات ما لا يكون في غيره، وجاء في الحديث عند ابن ماجه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سأل الله -جل وعلا- أن يغفر لأهل الموقف، فقال الله -جل وعلا-: "قد فعلت إلا المظالم" يعني حقوق العباد، وفي المزدلفة بعد صلاة الصبح لما وقف على المشعر ودعا لأمته بعموم المغفرة، فقال: "قد فعلت" وهذا ذكره الحافظ ابن حجر شاهداً لحديث ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) ويرى أن المغفرة تعم الكبائر والصغائر، وحديث ابن ماجه فيه ضعف، وأما تكفير الحج وغيره من العبادات للصغائر فأمر مستفيض في النصوص، أولاً: اجتناب الكبائر كفيل بتكفير الصغائر، {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [(31) سورة النساء] ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان)) وجاء أيضاً: ((والعمرة إلى العمرة، كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر))، وفي رواية: ((ما لم تؤتَ كبيرة))، ولذا المرجح عند الجمهور أن هذه الأعمال على أنها أعمال عظيمة وجليلة لا تكفر الكبائر، بل الكبائر لا بد لها من توبة، أو رحمة أرحم الراحمين، فمرتكب الكبيرة تحت المشيئة، أما تكفير الكبائر بمجرد فعل هذه الأعمال لا، لا تكفر إلا الصغائر، وليس معنى هذا أن الإنسان يعتمد على مثل هذه النصوص، أحاديث الرجاء، ويسترسل في فعل المنكرات، واقتراف الكبائر والجرائم، ثم يقول: أحج وأرجع من ذنوبي كيوم ولدتني أمي، قد يقوله بعض الناس، ولذا جاء عند البخاري في كتاب الرقاق: ((من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، دخل من أي أبواب الجنة الثمانية، ولا تغتروا)) لا نغتر بنصوص الوعد، ونترك نصوص الوعيد، بعض الناس يسمع مثل قوله -عليه الصلاة والسلام- رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، ويقول الله -جل

وعلا- غفور رحيم، ونحج وتحط عنا الأوزار، لكن من يضمن له أن يُوفق لترك ما اشترط للمغفرة، ((من حج فلم يرفث ولم يفسق)) من يضمن لهذا أن يوفق في ترك الرفث والفسوق، جاء في حديث ابن عباس: ((تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة)) فالشخص الذي يحفظ نفسه في أيام الرخاء، يحفظ في حال الشدة؛ لكن الشخص الذي ديدنه وعادته وعمره كله مشغول بالقيل والقال، والوقوع في أعراض الناس، واللغو والرفث والفسوق والمجون والجدال العقيم، ثم بعد ذلك يقول: الحج أربعة أيام لو الإنسان يخيط الفم بالإبرة والخيط، أربعة أيام نستطيع، والله ما يستطيع ولا ساعة؛ إن تيسر له أحداً يأتي إليه وإلا هو ذهب يدور الناس، ((تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة)) أما إذا جاءك الأخيار، أهل التحري والتثبت، تستثقل مجالسهم، وتقول: أنا أريد أن أحفظ نفسي في أيام الشدة، لا، لا يمكن، كل إنسان حريصاً على أن تغفر ذنوبه؛ لكن ما الذي يوقع الناس عشية عرفة بالغيبة، إلا أنهم طول العام على هذا، هذا ديدنهم، فلا يوفقون لحفظ الأوقات الفاضلة، من طلاب العلم مع الأسف الشديد من يهجر القرآن، ويكون نصيبه من التلاوة إن جاء قبل الإقامة بخمس دقائق فتح المصحف وإلا ما هي إلا في رمضان، ثم بعد ذلك في العشر الأواخر يعتكف في أقدس البقاع ويترك الأهل والمال، وجميع الأعمال، يذهب إلى مكة ويعتكف في العشر الأواخر أو المدينة، من أجل إيش اعتكف؟ من أجل أن يتعبد، ويفعل ما يقربه إلى الله -جل وعلا- لكنه في طول العام مفرط في حق القرآن، هاجر للقرآن، هل يوفق لقراءة القرآن؟ هذا يا إخوان رأينا من يجلس من صلاة العصر في مكان إلى أن يؤذن المغرب فيفطر ويطلع خلال ساعتين كم يقرأ من القرآن يفتح القرآن دقيقة دقيقتين، ثم يمل، ما تعود، ثم تلفت يمين وإلا يسار، يطبق المصحف، ثم يضعه بجانبه، ثم يفعل ذلك مرة ثانية، ثم يمل، يتلفت لعل الله -جل وعلا- أن ييسر له من يوسع صدره على ما قال، إن جاءوا وإلا هو ذهب يبحث عن الناس، ترى هذا الحاصل يا إخوان، إنما يوجد من طلاب العلم -ولله الحمد- من يختفي في مكان بحيث لا يرى؛ لكي يقرأ ما قرره وحدده من القرآن؛ لأن هذا ديدنه طول عمره، وفي الحديث: ((تعرف

على الله في الرخاء يعرفك في الشدة)) تظن أنك توفق وتعان وأنت طول العام مفرط، لا، ما يمكن. فعلى الإنسان أن يحفظ نفسه، وإذا كسب شيئاً من الأعمال عليه أن يحافظ عليها؛ لئلا يكون مفلساً كما في الحديث الصحيح: ((أتدرون من المفلس؟ )) قالوا: ((المفلس من لا درهم له ولا متاع)) وهذه حقيقة شرعية للمفلس، في باب الحجر والتفليس، المفلس ما عنده دراهم، أو تكون ديونه أكثر من أمواله، قال: ((المفلس من يأتي بأعمال)) وفي رواية: ((أمثال الجبال)) من صلاة، وصيام، وصدقة، وأمر بمعروف، وجهاد، وغيرها من الأعمال الصالحة، أمثال الجبال، ثم بعد ذلك يأتي مبذر ومبعثر لهذه الأعمال، يأتي وقد ضرب هذا، شتم هذا، أخذ من مال هذا، انتهك عرض هذا، فعل كذا، يأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، إلى آخره إلى أن تنتهي، فإن انتهى ما عليه من المظالم، وإلا أخذ من سيئاتهم، ونكتت عليه، هذا المفلس حقيقة، فالإنسان إذا كسب شيئاً من الأعمال الصالحة عليه أن يحافظ عليها.

يقف بعرفة، وعرفنا أن الوقوف بعرفة هو الركن الثاني من أركان الحج، إلى أن تغرب الشمس، وعليه أن يستغل هذه الأوقات، ويوجد من يفرط في هذه الأوقات من ينام في الأوقات الفاضلة طول العام تجده فعلاً يغلب عليه النوم في وقت النزول عشية عرفة، الذي شغل وقته طول العام بالقيل والقال كذلك، وبعض الإخوان لا سيما في الحملات الجماعية تجدهم يشغلون هذا الوقت الذي هو أنفس الأوقات بترتيب الناس في الباصات، وأنت يا فلان، قم يا فلان، أنت رقم كذا، أنت كذا، إلى أن تغيب الشمس، هذا أيضاً حرمان، يعني الأمور يمكن أن ترتب بأقل من هذا؛ لكن منهم في ليلة مزدلفة يوقظون الناس من الساعة الحادية عشرة، باقي كم على الصبح؟ بقي ست ساعات، نعم، ويوقظونهم ويصفونهم في الباصات، والناس نيام قدامهم، ما هم ماشيين أيضاً، لكن العجلة طبع لكثير من الناس، فيحرم الحجاج بهذه الطريقة من استغلال هذه الأوقات، فعلى من تولى حملة أو تعهد للناس بالحج أن ييسر لهم أمور عبادتهم، ويمكنهم ويعينهم على ما يقربهم إلى الله -جل وعلا-، ويمكنهم من فعل السنن، فضلاً عن الواجبات والأركان، وبعضهم يتسمح ويترخص، والسنن هذه في الغالب يعني قد يقال: أنها في مثل هذه الظروف التي نعيشها، وقد لا تتيسر لكثير من الناس؛ لكن على المسلم أن يحرص عليها، إذا حرص عليها ولم يتمكن من فعلها كتبت له، الآن الواجبات بدأوا يترخصون ويتساهلون فيها، والتساهل لا نهاية له، إذا تساهلت في المستحبات يجرك هذا إلى التساهل في الواجبات، ثم بعد ذلك تتساهل بما فوقها، وقل مثل هذا في فعل المباحات، من استرسل في فعل المباحات تجره إلى المكروهات؛ لأنه يعود نفسه على أشياء لا تتيسر له في كل وقت، إلا بطريق فيه ما فيه، لا يقال: حرام، ثم بعد ذلك يتجاوز، يقول: مكروه ما فيه إثم سهل، ثم بعد ذلك إذا لم يجدها إلا في طريق فيه شبهة قوية يرتكبها ثم بعد ذلك يتجاوز إلى المحرم، ولذا عرف من عادة السلف في هذه الأمة أنهم يتركون تسعة أعشار الحلال خشية أن يقعوا في الحرام، وهذه هي الشبهات التي يتقيها الإنسان من أجل إيش؟ أن يجعل بينه وبين ما حرم الله -جل وعلا- حاجز، يجعل حاجز لئلا ينتهك ما حرم الله -جل وعلا-، وهنا

يكون الاستبراء للدين والعرض. إذا غابت الشمس دفع إلى مزدلفة بسكينة، النبي -عليه الصلاة والسلام- دفع بعد أن تأكد من مغيب الشمس، دفع وقد شنق للقصواء الزمام، يعني رد الحبل الذي تقاد به إليه بقوة، بحيث لا تسرع، ويشير إلى الناس بيده اليمنى السكينة السكينة، ومن نظر إلى الناس حال انصرافهم، وجد خلاف السنة، وجد الهوج والطيش والسرعة الجنونية، وأبواق السيارات والحوادث، كل هذا من شؤم مخالفة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ثم بعد ذلك إذا وصل مزدلفة يصلي المغرب والعشاء جمعاً بأذان واحد وإقامتين، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما صلى نام اضطجع حتى أصبح، يعني حتى طلع الصبح، ولذا يستنبط بعضهم من هذا أنه لم يوتر في تلك الليلة؛ لكن لعلها الوتر هذا مما لم يذكره جابر للعلم به، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لم يترك الوتر لا سفراً ولا حضراً، وخفي على جابر -رضي الله عنه- أنه رخص لبعض الناس، ولم يذكره جابر، فلعل هذا مما فاته، لما أصبح قام -عليه الصلاة والسلام- استيقظ، وصلى الصبح في أول وقتها، ثم وقف في المشعر الحرام الجبل الذي يسمونه قزح، وقف يدعو، ويذكر الله -جل وعلا- إلى أن أسفر جداً، وقبل طلوع الشمس دفع إلى منى، يجوز للضعفة أن ينصرفوا من مزدلفة إلى منى بعد منتصف الليل، فقد استأذنت سودة أن تنصرف فأذن لها، وأسماء باتت تلك الليلة ترقب القمر وتصلي، إلى أن غاب ثم دفعت، قبل طلوع الصبح، قبل صلاة الصبح.

فالدفع من مزدلفة بعد منتصف الليل يجوزه الجمهور؛ لأنه مكث غالب الليل، وأما بالنسبة للضعفة فلا إشكال فيه، وأما المستطيع فالأفضل له الاتباع، بأن يصلي صلاة الصبح بمزدلفة، ويقف عند المشعر، ويذكر الله حتى يسفر، وقبل أن تطلع الشمس من باب مخالفة المشركين يدفع قبل أن تطلع الشمس، المشركون لا يدفعون حتى تطلع الشمس، ويقولون: "أشرق ثبير كيما نغير" ثم إذا وصل منى بادر برمي الجمرة، ولا يزال يلبي، ومنهم الملبي، ومنهم المكبر، ولا يعيب هذا على هذا، ولا هذا على هذا، فإذا بلغ الجمرة -جمرة العقبة- وهي الأخيرة بالنسبة لمنى، وهي حد بين مكة ومنى، ومنهم من يقول: أنها من مكة، ومنهم من يقول: إنها من منى، فإذا بلغها قطع التلبية، ورماها بسبع حصيات مثل حصى الخذف، يكبر مع كل حصى، حصى الخذف مثل حب الباقلاء بين الحمص والبندق، حصيات صغيرة، ورفعا النبي -عليه الصلاة والسلام- بيده الكريمة، وقال: ((بمثلها فارموا، وإياكم والغلو، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو)) ويلاحظ من بعض الحجاج –لجهلهم- من يرمي بالأحجار الكبيرة، ومنهم من يرمي بالنعال، ومنهم من يأخذ العصا ويجلد الشاخص ويسبه ويشتمه، زاعماً أنه هو الذي فرق بينه وبين زوجته، يسمعون الشيطان الشيطان، الاتباع الاتباع، فإذا رمى جمرة العقبة بسبع حصيات، ثم نحر هديه، وحلق شعره، نحر الهدي إن كان معه هدي، أو ممن يلزمه الهدي من متمتع وقارن، وحلق شعره، حل له كل شيء إلا النساء، على خلاف فيما يحصل به التحلل الأول، هل يحصل بالرمي فقط؟ وهل يشترط أن يكون معه الحلق أو لا؟ مسألة خلافية بين أهل العلم ولكل من القولين أدلته، وهو الأحوط أن لا يحل حتى يحلق، ثم بعد ذلك يفيض إلى مكة، فيطوف طواف الإفاضة، وهو الركن الثالث، ويسعى بعده المتمتع سعي الحج، والقارن والمفرد إن لم يكونا سعيا بعد طواف القدوم، والسعي ركن من أركان الحج عند الجمهور، خلافاً للحنفية، لا يتم الحج إلا به، وبهذا تكون أركان الحج قد تمت، وحل له كل شيء حتى النساء، بعد أن أدى الأركان الأربعة، ورمى وحلق.

أعمال يوم النحر على الترتيب الرمي، ثم النح، ثم الحلق، ثم الطواف والسعي، هذه الأعمال -أعمال ذلك اليوم- هذا الترتيب هو الأفضل؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- فعلها كذلك؛ لكنه سئل عمن رمى قبل أن يحلق، ومن حلق قبل أن يرمي، ومن نحر قبل أن يحلق، فما سئل عن شيء قدم ولا أخر في ذلك اليوم إلا قال: ((افعل ولا حرج)) فيجوز تقديم بعضها على بعض؛ لكن الأفضل ترتيبها على ما أثر عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أفاض طاف، صلى الظهر بمكة، ثم أتى زمزم، ووجد بني عبد المطلب يسقون، وحثهم على السقي، سقي الحجيج، لما فيه من عظيم الأجر، ولولا أن يغلبهم الناس على سقايتهم لنزع معهم -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن كل مسلم يريد أن يقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لكن لما لم يفعل هان الأمر، واستقلوا به، واختصوا به، ثم بعد ذلك رجع إلى منى ثم صلى بهم الظهر ثانية -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه وجدهم لم يصلوا فصلى بهم، وهذا هو الجمع بين الحديثين الصحيحين، أحدهما يقول: صلى الظهر بمنى، والآخر يقول: صلى الظهر بمكة، وهو محمول على هذا أنه صلى بمكة ثم أعادها نفلاً بالنسبة له بمنى، وبات بمنى ليلة الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، والمبيت بمنى من واجبات الحج، كما أن الرمي والحلق من واجبات الحج، الركن لا يتم الحج إلا به، لا بد من الإتيان به، والواجب عند عامة أهل العلم يجبر بدم، اعتماداً على قول ابن عباس: "من ترك نسكه فليرق دماً".

يبيت ليالي التشريق الحادي عشر، والثاني عشر إن تعجل، والثالث عشر إن تأخر، ويرمي في الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر الجمرات الثلاث بعد زوال الشمس؛ فكانوا يتحينون الزوال، والنبي -عليه الصلاة والسلام- رمى يوم العيد ضحى، وأيام التشريق بعد الزوال، وقال: ((خذوا عني مناسككم)) فالجمهور على أنه لا يصح الرمي إلا بعد الزوال، ويذكر عن عطاء وطاووس أنه يجوز الرمي قبل الزوال في أيام التشريق كلها، وأبو حنيفة يجوزه يوم النفر للحاجة؛ لكن المرجح قول الجمهور، وهو الذي عليه الدليل يرمي الجمرات الثلاث، يرمي الصغرى بسبع حصيات، ثم يرمي الوسطى، إذا رمى الصغرى يكبر مع كل حصاة، ثم يسهل قليلاً، ثم يدعو طويلاً بعدها، ثم يرمي الوسطى كذلك، ثم يدعو بعدها طويلاً، ثم يرمي العقبة فلا يقف بعدها، في اليوم الأول والثاني إن تعجل اكتفى بهذا، على أن يخرج من منى قبل غروب الشمس، وإن تأخر رمى الثالث كذلك، والنبي -عليه الصلاة والسلام- تأخر، والله -جل وعلا- يقول: {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة] قوله: {لِمَنِ اتَّقَى} يعود على المتأخر أو على المتعجل؟ طالب:. . . . . . . . . يتعقب الجملتين، الجار والمجرور تعقب جملتين، من تعجل ومن تأخر، فهل تعود إلى الجملة الأخيرة فقط أو تتعلق بالجملة الأولى فقط أو إلى الجملتين معاً؟ طالب:. . . . . . . . .

نعم إلى الجملتين، هذا مطرد وإلا غير مطرد؟ نعم غير مطرد، يعني هناك وصف واستثناء، يتعقب جمل، هل يعود إلى الأخيرة فقط أو إلى الجميع؟ أو إلى الأخيرة والتي قبلها فقط دون الأولى؟ أو إلى أي شيء؟ هل هناك ضابط يضبط هذه الأمور؟ المثال الواضح مثلاً في القذف حد القاذف: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [(4 - 5) سورة النور] الاستثناء يعود إلى الجمل الثلاث؟ أو إلى الأخيرة فقط؟ أما كونه يرفع الحد {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} يعني لا تجلدوهم ثمانين هذا لم يقل به أحد، فلا يعود إلى الجملة الأولى، وكونه يعود إلى الجملة الأخيرة اتفاق، الخلاف في الجملة الوسطى {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} فمن تاب بعد القذف توبة نصوح بشروطها تقبل شهادته أو لا تقبل؟ هذا محل الخلاف وعندنا {لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة] هل يعود إلى الجملة الأخيرة أو إلى الجملتين؟ يعني اشتراط التقوى هل الأولى به من تأخر أو من تعجل؟ أو هما معاً كلهم لا بد من التقوى؟ كلهم، نعم صحيح، كل منهم مطالب بالتقوى، وعلى هذا يكون معنى الآية: أن من تعجل في يومين وقد اتقى الله -جل وعلا- في حجه لا إثم عليه، يعني ارتفع الإثم عنه بهذا الحج الذي اتقى الله فيه، ومن تأخر فزاد ثالثاً، واتقى الله في حجه فقد ارتفع عنه الإثم، وحينئذ من خلال هذه الآية يظهر تفضيل التأخير أو التعجل؟ أو ما يظهر شيء؟ ما يظهر شيء، لأن من تعجل واتقى الله -عز وجل- ارتفع عنه الإثم، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، ومن تأخر واتقى الله -جل وعلا- فلا إثم عليه، ارتفع عنه الإثم على حد سواء؛ لكن تفضيل التأخير من فعله -عليه الصلاة والسلام-، وما كان الله أن يختار لنبيه إلا الأفضل، فالتأخير أفضل لأن الله -جل وعلا- اختاره لنبيه، وأما الآية فتدل على أن الإثم مرتفع عن الحاج إذا اتقى الله -جل وعلا-، سواء تعجل أو تأخر، وتكون الآية حينئذ بمعنى قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) وبهذا يكون الحج قد ترتبت عليه آثاره من المغفرة، إذا

ارتفع عنه إثمه فقد غفر له بهذا الشرط الذي هو التقوى، والصيام الذي يباعد الله به وجه صاحبه عن النار سبعين خريفاً هو الذي يورث التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة] يعني ما الفائدة من حج تنتهك فيه المحرمات، ويتطلع فيه إلى الغرات، أو صيام لا يصان عن الكذب والغيبة والنميمة والبهت وأكل أموال الناس؛ والوقوع في أعراضهم، نعم، ((من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) وما الفائدة من صلاة لا تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر، فالعبادة التي تترتب عليها آثارها، وتمحى بها الذنوب هي المصاحبة للتقوى، نعم هذه الأعمال إذا أديت ولو ارتكب صاحبها محرماً لا يتعلق بأصل الحج، ولا بشرطه، العبادة صحيحة، بمعنى أنها مسقطة للطلب، لا يؤمر بإعادتها، وكذلك الصلاة، وكذلك الصيام، عبادات مسقطة مجزية، مسقطة للطلب؛ لكن هل تترتب عليها آثار؟ هي مقبولة عند الله -جل وعلا-؟ {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] الشخص الذي يرجع من صلاته بعشرها مثلاً، هل يرجى بمثل هذه الصلاة أن تكفر ما بينها من الذنوب؟ العبادات المكفرة هي التي يؤتى بها على الوجه المطلوب. شيخ الإسلام يقول: شخص يصلي بصلاة لا يرجع إلا بعشر أجرها، هذه إن كفرت نفسها بركة، يكفي أنها تكفر نفسها، والله -جل وعلا- إنما يتقبل من المتقين، والمراد بنفي القبول هنا نفي الثواب المرتب على العبادة، لا نفي الصحة، الصلاة صحيحة، فلا يؤمر بإعادتها، وقل مثل هذا في الصيام والحج وغيرها من العبادات.

إذا انتهى فعليه أن يطوف للوداع، فهو واجب من واجبات الحج، ثبت الأمر به، بعد أن أتم الحج، وخُفف عن الحائض والنفساء، وأعفين من طواف الوداع، وهذا دليل على وجوبه، إذ لو كان سنة لما احتاجت الحائض والنفساء أن يخفف عنهم، وليس بركن؛ لأن الركن لا يعفى عنه أحد، فدل على أنه واجب من واجبات الحج، وكونه -عليه الصلاة والسلام- يأمر به في الحج ولم يأمر به في العمرة، اعتمر النبي -عليه الصلاة والسلام- عُمَر، ولم يثبت عنه أنه أمر بالوداع بعد العمرة، دل على أنه من واجبات الحج دون العمرة، وهذا قول الأكثر، وهو الظاهر. فإذا طاف للوداع سافر، ورجع إلى أهله، بعد أن حرص على أداء الحج على الوجه الشرعي بشروطه وأركانه وواجباته وسننه؛ وحرص على أن يكون حجه مبروراً، ثم بعد ذلك تكون حاله بعد الحج أفضل من حاله قبله؛ ليكون ذلك برهاناً على بر هذا الحج، وقبوله من عند الله -جل وعلا-، بعض الناس يسعى بعد طواف القدوم، وهو مفرد أو قارن، ثم لا يبقى عليه إلا طواف الإفاضة، والسعي انتهى منه يؤخره إلى قرب مغادرته إلى أهله ويكتفي به عن طواف الوداع، وهذا صحيح؛ لأنه لا حد لآخر وقت طواف الإفاضة، وإن كان السنة أن يكون في يوم العيد؛ لكن إن أخره واكتفى به عن طواف الوداع أجزأه على أن ينوي به طواف الإفاضة، وتدخل العبادة الصغرى بالكبرى، كما هي القاعدة المقررة عند أهل العلم.

بعض الناس يكون عليه طواف وسعي، مثل المتمتع، ويريد أن يؤخر الطواف والسعي إلى وقت مغادرته ويكتفي به عن طواف الوداع، والأصل أن يجعل آخر عهده بالبيت، والبيت المراد به الكعبة، والسعي ليس من البيت، والمقرر أن المسعى خارج المسجد، فضلاً عن البيت، البيت المراد به الكعبة، فهل يقدم السعي ويؤخر الطواف ليكون آخر عهده بالبيت؟ أو يطوف ثم يسعى ويخرج؟ أو يلزمه أن يطوف للوداع؟ الأصل أن يطوف للإفاضة، ثم يسعى للحج، ثم يوادع هذا الأصل؛ لكن إذا كان طواف الإفاضة ما حصل إلا بشق الأنفس، هل يلزم بإعادة الطواف؟ نقول: يتجاوز الله -جل وعلا- لقرب عهدك بالبيت، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما أمر عائشة لما طافت وسعت للعمرة، ما حفظ أنه قال: وادعتي أو ما وادعتي؟ أو نقول له كما جاء في حديث أسامة بن الشريك: "سعيت قبل أن أطوف" قال: ((افعل ولا حرج)) يقدم السعي ثم يطوف للإفاضة ويمشي، هنا الترتيب لا شك أنه أكمل، وجمع من أهل العلم يرون أن السعي لا يصح إلا بعد طواف، من شرط صحة السعي أن يقع بعد طواف، ولو مسنوناً، وعلى هذا نقول: رتب، تطوف للإفاضة وتسعى، إن كان فيه متسع تطوف للوداع وإلا فلقرب العهد الله -جل وعلا- يعفو عنك، وليحرص المسلم إذا عاد من حجه أن يبرهن على أن حجه مقبولاً مبروراً بأن تكون حاله بعد ذلك أفضل من حاله قبل. يا إخوان عنوان المحاضرة كبير جداً، يحتاج إلى محاضرات؛ لكن لمّ الأطراف بهذه المدة اليسيرة لعله يكفي، والمناسك موجودة مطبوعة ومسجلة ومسموعة ومفصلة من قبل أهل العلم، يعني كل شيء متيسر، ولله الحمد. طالب. . . . . . . . . إيه هذا من قبل الصحابة، إذا فهم الصحابي، هذا الذي ذكرته أنا، أن بعض الصحابة فهم أنها لهم خاصة. طالب. . . . . . . . . صحيح مسلم، (لنا خاصة) هذا فهم الصحابي، أنها لهم خاصة، (بل لأبد الأبد) هذا من قوله -عليه الصلاة والسلام- وين أنت؟ هذه تحتاج إلى. . . . . . . . . طالب. . . . . . . . . هذه في الحج. طالب. . . . . . . . . هذه للحج، لو أجيب عليها تحتاج إلى مجلد؛ لكن الوقت ضيق. يقول: صفة الدخول بالنسك متى يلبي بالعمرة؟

يلبي بالعمرة، ثم بعد ذلك إذا حل منها الحل كله، وجاء يوم التروية يلبي بالحج. يقول: هل يدعو بعد جمرة العقبة مثل الصغرى والوسطى في أيام التشريق؟ لا، جمرة العقبة يرميها ولا يدعو بعدها. يقول: هل يجوز العمرة فقط في اليوم التاسع والعاشر والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر؟ التاسع بالإمكان أن يؤدي العمرة في الضحى مثلاً، ويخرج يتحلل، يتصور التمتع في أول اليوم التاسع، ثم يقف مع الناس في آخر الوقت، متصورة العمرة؛ لكن في اليوم العاشر والحادي عشر والثاني عشر، هو متلبس بنسك، لا تصح العمرة فيه. طالب. . . . . . . . . بدون حج؟ نعم يعمل عمرة، العام كله وقت للعمرة، إذا لم يكن متلبساً بنسك آخر. طالب. . . . . . . . . غابت الشمس له إلى طلوع الفجر، يعني وقت الوقوف عند الجمهور من زوال الشمس يوم عرفة إلى طلوع الفجر ليلة النحر، حديث عروة بن مبرز ((من صلى صلاتنا هذه، وكان قد وقف قبل ذلك ساعة من ليل أو نهار)) والخلاف فيما قبل الزوال من يوم عرفة، الحنابلة يستدلون بحديث عروة على أن ما قبل الزوال وقت للوقوف، والجمهور يقولون: لا، وقت الوقوف من وقوفه -عليه الصلاة والسلام-، ولم يقف إلا بعد الزوال. يقول: إذا لم يتمكن الإنسان من السعي أو الطواف بسبب الزحام الشديد وخاف على نفسه، ماذا يفعل؟ إذا خاف فوات وقوفه؟ وقت ماذا؟ طواف وسعي، طواف الحج وسعيه ماله وقت، يتأخر حتى يخف الزحام. يقول: الرجاء بيان معنى الرفث والفسوق؟ الرفث: هو الكلام الفاحش، أو ما يتعلق بالنساء، لا سيما في مواجهتهن به، والأصل فيه القول الفاحش، والجماع يدخل فيه دخولاً أولياً، والفسوق: مزاولة المنكرات والمعاصي. يقول: ما حكم من وصل إلى عرفة بعد الزوال وهو ينوي الإفراد؟ يقف مع الناس وحجه صحيح. يقول: متى يحل من دفع قيمة الأضحية حيث لا يعلم متى تذبح؟ على كل حال ما يستحب أخذه عند الإحرام من أراد أن يضحي لا يأخذ شيء من شعر ولا ظفر؛ لكن ما يجب أخذه من أجل النسك كالحلق والتظفير يأخذه، وأما الحلق في يوم العيد يحرص أن تقدم أضحيته، لتكون قبل حلقه، وإن حلق قبل ذلك فلا بأس؛ لأن هذا واجب.

يقول: هل يجوز أن أطلع من مزدلفة مع الضعفاء، وأنا قادر؛ ولكن بسبب الزحام؟ إذا كان لمصلحة هؤلاء الضعفة فلا بأس، لا لذاتك، لا بأس. يقول: إذا سعيت وأنا لم أطف طواف القدوم، يعني وصل إلى مكة في اليوم السابع أو الثامن، ثم قدم السعي ولم يقع هذا السعي بعد طواف؟ لا بد أن يكون بعد طواف. يقول: هل يوم عرفة كل دعوة مستجابة؟ الدعاء سبب، وهذا اليوم من أرجاء الأوقات لإجابة الدعاء؛ لكن هناك موانع يخشى الإنسان منها، موانع على الإنسان أن يحذر منها، ومن أعظمها المطعم والمشرب والملبس والغذاء. يقول: هل هناك تكبير مطلق وتكبير مقيد؟ أم جميع التكبير مطلق؟ أما التكبير المطلق فقد ثبتت به النصوص، وأما المقيد فهو ثابت عن سلف هذه الأمة بأدبار الصلوات، من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، وأما من يطلب له دليلاً مرفوعاً فقد يعوزه ذلك، وعلى كل حال كل خير في إتباع من سلف. يقول: ما رأيكم فيمن يشرع في التكبير بعد السلام من الصلاة مباشرة دون أن يقول أذكار الصلوات؟ أذكار الصلوات مقيدة في هذا الوقت، فلا يقدم عليها غيرها، إلا ما هو أخص منها، وهو المقيد في وقته، أما قبل وقته فلا يقدم على أذكار الصلوات شيء. يقول: ما رأيكم في تقديم السعي على طواف الإفاضة في الحج، وكذلك هل تجب الموالاة بين الطواف والسعي؟ تقديم السعي على الطواف لا سيما إذا كان في يوم العيد لأنه ما سئل عن شيء قدم ولا أخر في هذا اليوم إلا قال: ((افعل ولا حرج)) وسئل في حديث أسامة بن شريك: "سعيت قبل أن أطوف" قال: ((افعل ولا حرج)) لكن الأصل الترتيب؛ لكن إن فعل فلا بأس، الموالاة بين الطواف والسعي هذا هو الأصل، وقد اشترط جماعة من أهل العلم أن يقع السعي بعد طواف ولو مسنوناً. يقول: كنت أطوف طواف الإفاضة، فلم أقل عند كل شوط: بسم الله والله أكبر، فهل علي شيء أم لا؟ الطواف يحصل بالمرور، أو الدوران على الكعبة من الحجر إلى الحجر سبع مرات، ولو لم ينطق بكلمة.

يقول: ذكر لي بعض الأخوة أنه رأى هلال شهر ذي الحجة يوم الثلاثاء الماضي، أي أن الشهر السابق تسعة وعشرين يوماً، وبالتالي يختلف يوم عرفة، وأنا أريد حج هذا العام، وأنا في حيرة من أمري، بعد هذا الخبر الذي بلغ التواتر؟ كيف بلغ التواتر؟ هذا إذا كان رأى الهلال ولم يتقدم بشهادته، هذا غاش لنفسه ولغيره، فالواجب عليه أن يتقدم بشهادته، والمسئولين عن دخول الأشهر، ومراقبة الأهلة، وإثباتها إثباتاً شرعياً إذا لم يتقدم لهم أحد بالشهادة فما عليهم إلا أن يعملوا بالنصوص الشرعية، التي تقتضي إكمال الشهر، مادام ما تقدم لهم أحد يشهد بأنه رأى الهلال، وهو عدل ثقة، ما عليهم إلا أن يكملوا الشهر، إجرائهم شرعي، كون الهلال مرتفع أو كونه كبير، كل هذا لا أثر له، المعول على الشهادة، إن وجد من يشهد بأنه رأى الهلال ممن تقبل شهادته لزم دخول الهلال، وعمل بمقتضاه، إن لم يتقدم إلى الجهات التي أنيط بها هذا الأمر من يشهد، وما يدريهم عن الناس وما في أنفسهم، وكرروا الإعلان، وطلبوا مراراً، طلبوا من المسلمين، ومن من الله عليه بنعمة حدة البصر، بأن يتبرع وأن يحتسب لترائي الهلال، ومع ذلك ما جاءهم أحد، فكملوا الشهر، إجراء شرعي، يعني كونه موجود ليلة الثلاثاء، يعني كونه مخلوق وموجود في السماء، ولم يشهد به أحد، أو حال دون رؤيته غيم مثلاً إجراء الشرع أي نكمل الشهر. طالب. . . . . . . . . أخي الهلال كلنا رأيناه، في الليلة التي قرروا أنها واحدة، أنا ما أذكر أني رأيته ولا ليلة الاثنين، كبير ومرتفع لكن لا يكفي، لا يدخل الشهر إلا برؤية تقوم بها شهادة، وجاء ما يدل على انتفاخ الأهلة في آخر الزمان، على كل حال إذا حججت في هذا العام ووقفت على حسب ما قرر شرعاً، وقرره أهل العلم الذين تبرأ الذمة بتقليدهم، ووقف الناس في هذا اليوم فحجك صحيح، ولو وقفت في العاشر في حقيقة الأمر. يقول الله تعالى: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [(40) سورة الشورى] ويقول -عز وجل-: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [(25) سورة الحج] والسؤال كيف نوفق بين هاتين الآيتين، وهل معنى ذلك أن الذنب في مكة مضاعف؟

المضاعف هي الحسنات، وأما الذنوب فهي معظمة، عذاب أليم، يعني عظيم، يعظم، ولا شك أن الذنوب تعظم بسبب الزمن أو بسبب المكان، وهنا علق العذاب الأليم بمجرد الإرادة، وهذا من خواص مكة، (من يرد) ليس من يفعل، بينما غيرها من البلدان لا يتعلق إلا بالفعل. يقول: نرجو توضيح كيف تستر المرأة المسلمة وجهها، وكفيها عن مرأى الرجال، وهل يلزمها ذلك داخل الحرم أيضاً أثناء الطواف؟ وما هو النقاب الممنوع حالة الإحرام؟ المرأة عند عامة أهل العلم عند الجمهور، بل نقل بعضهم الاتفاق أن إحرامها في وجهها، لا يجوز لها أن تغطي وجهها إلا بحضرة الرجال الأجانب، وفي هذا حديث عائشة وأسماء أنهن يحرمن مع النبي -عليه الصلاة والسلام-، فإذا حاذاهن الرجال -يحرمن بكشف الوجه- فإذا حاذاهن الرجال سدلت إحداهن خمارها على وجهها، فلا يترك الواجب إلا لما هو أوجب منه، فلولا أن تغطية الوجه واجب لما عدل عن كشفه الواجب عند أهل العلم. يقول: وما هو النقاب الممنوع حالة الإحرام؟ النقاب ما يبدي العين، غطاء الوجه الذي فيه فتحة للعين، ومنع المحرمة منه يدل على إباحته في غير الإحرام، وهذا أشكل على كثير من الإخوة، كيف النقاب جائز لغير المحرمة؛ لأن مفهوم لا تنتقب المحرمة أن غير المحرمة تنتقب، واستروح بعضهم إلى تضعيف هذه الرواية بناء على إشارة عند أبي داوود؛ لكن هي في الصحيح، ولا كلام فيها لأحد، والنقاب التي تنتقبه غير المحرمة هو النقاب، لا السفور، والمراد بالنقاب النقب في غطاء الوجه الذي يظهر سواد العين فقط، وما يظهر من البشرة شيئاً ولو كان يسيراً هذا ليس بنقاب، وإنما هو سفور. يقول: ما حكم السلفة أو التدين من أجل الحج؟ إذا كان يرجو قضاء هذا الدين، ويغلب على ظنه قضاؤه لا بأس -إن شاء الله تعالى- وإلا فالأصل أنه لا يلزمه. يقول: ما حكم ترديد الذكر: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، عند القبور وداخل المقبرة، وأيضاً باقي الأذكار، مثل أذكار الصباح والمساء وغيرها من الذكر؟ وما هو الدليل على ذلك؟

المقبرة جاء النهي عن الصلاة فيها، سداً للذريعة، استثني من ذلك صلاة الجنازة ((لا تصلوا إلى القبور، ولا تجلسوا عليها)) ((لا تجعلوا بيوتكم قبوراً)) فالصلاة لا تصح ولا تجوز بحال في المقبرة، ولا بين القبور، ولا إلى القبور سداً للذريعة، بقية العبادات أيضاً من باب سد الذريعة؛ لئلا يقال: أن هذه الأذكار لها مزيد فضل لوجود هؤلاء المقبورين، بما فيهم من فلان الصالح، أو فلان العابد، قد يقال هذا، فتمنع هذه الأذكار، وقراءة القرآن ممنوعة في المقبرة سداً للذريعة، وأما الأذكار بعض الناس يشرع في الذكر بعد صلاة الصبح، أو بعد صلاة المغرب، ثم يكون هناك جنازة، ولذا يتبعها، ويبقى شيء من الذكر يريد أن يكمله في المقبرة، هل يمسك؟ بما في ذلك لا إله إلا الله وحده لا شريك له مائة مرة، هل يمسك أو يكمل في المقبرة؟ نقول: لو يمسك أفضل وأولى، سداً للذريعة. يقول: أريد أن أحج قارناً، ولا أستطيع الذهاب لمكة إلا يوم عرفة ظهراً، فماذا أفعل؟ تريد قارن، عرفنا أنك لو ذهبت إلى عرفة مباشرة وأنت قارن أو مفرد لا بأس؛ لأن طواف القدوم سنة، والمبيت بمنى، والصلاة بها، والصلوات الخمس كلها سنة، كلها سنن لا يلزم من تركها شيء. يقول: ما حكم تأخير طواف الإفاضة إلى طواف الوداع؟ لا شيء فيه؛ لأنه لا حد لآخره، وبهذا نكتفي، والأسئلة كثيرة جداً، تحتاج إلى وقت طويل. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تفسير آيات الحج

تفسير آيات الحج 23 - 11 - 1427هـ الشيخ/ عبد الكريم الخضير الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فإن كتاب الله -جل وعلا- هو عمدة هذه الأمة ومعولها، وهو مصدرها الأول، وكلام ربها، من قرأه فكأنما يخاطب الرحمن، وقد جاء الحث على قراءته وتدبره وترتيله ومدارسته، وقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقرأه على أصحابه على الوجه المأمور به، وكان يدارسه جبريل في كل ليلة من ليالي رمضان، وفي السنة التي قبض فيها -عليه الصلاة والسلام- عرضه عليه مرتين، هذا القرآن الذي تكفل الله بحفظه ورتب الأجور العظيمة على قراءته، والعناية به، هذا الكتاب الذي تكفل الله بحفظه من وجوه عديدة: تكفل الله بحفظ لفظه، وتكفل الله برسمه، وتكفل الله بأحكامه، وتكفل الله ببيانه على لسان رسوله -عليه الصلاة والسلام-، ثم على ألسنة من ورثه -عليه الصلاة والسلام- من العلم النافع. من مظاهر حفظ الله -جل وعلا- لهذا الكتاب: أن تجد العناية الفائقة لهذا الكتاب العظيم مما لا تجد نظيره في الكتب الأخرى السماوية وغير السماوية. ولو استعرضنا الفهارس وتراجم أهل العلم لوجدنا أن الكتابات حول هذا الكتاب لا يحصرها ديوان، ولا يمكن الإحاطة به، ويكفينا أن نعرف أن ما كتب على تفسير البيضاوي من الحواشي يزيد على المائة، فقط، فكيف بما كتبه سلف هذه الأمة من التفسير الأثري الذي يذكر في تراجم أهل العلم مما لم يصل إلينا أكثره من التفاسير المطولة التي تشرح كتاب الله بمئات الألوف من الأحاديث والآثار، ثم بعد ذلك التفاسير المتنوعة المختلفة المشارب، فمن التفسير بالمأثور، إلى التفسير بالمعقول، إلى التفسير اللفظي والتحليل، إلى التفسير الذي يغلب عليه الجانب الأثري إلى التفسير الذي يغلب عليه الجانب النحوي، إلى التفسير الذي يغلب عليه الجانب البلاغي، إلى التفسير الذي يغلب عليه الجانب الفقهي والكلامي، وغير ذلك، أنواع وفنون كتبت ودونت في التفاسير الكبار والمتوسطة والصغار، خدمة لهذا الكتاب العظيم.

التفاسير منها ما يتناول القرآن من أوله إلى آخره على ترتبيه، ومنها ما يتناول القرآن حسب موضوعاته، ويسميه أهل العلم التفسير الموضوعي، التفسير الذي يتناول القرآن بالترتيب من أوله إلى آخره، من الفاتحة إلى الناس هذا لا شك أن فيه كثرة عند أهل العلم، كثرة متكاثرة، ومتنوعة على حسب ما أشرنا آنفاً. التفسير الموضوعي هو أيضاً مطروق؛ لكنه ليس بالمستوى الذي كتب فيه التفسير المرتب التحليلي، يسميه أهل العلم تحليلي. التفسير الموضوعي يمشي على الموضوعات، فمثلاً آيات التوحيد، آيات الإيمان، آيات الصلاة، آيات الزكاة، آيات الصوم، آيات الحج، وهكذا، آيات الأمانة آيات التقوى، آيات الإخبات، آيات كذا، إلى آخره، يمشي على القرآن من أوله إلى آخره فيجمع الآيات التي تتحدث عن هذا الموضوع فيفسرها تفسيراً تحليلاً في بداية الأمر، يشترك فيه مع التفسير الذي يسار فيه على ترتيب القرآن، وينفرد عنه أيضاً بالتفسير الإجمالي الذي يستنبط منه وظائف هذا الموضوع في نهايته. هذا اللون من ألوان التفسير -الذي هو التفسير الموضوعي- أقرب ما يكون إلى موضوعنا في تفسير آيات الحج. تفسير آيات الحج لون أو فرع من فروع التفسير الموضوعي، فإذا كان المعول على القرآن مدعوماً بالسنة والآثار مما يجمع آيات موضوع واحد فإنه حينئذ يسمى تفسير موضوعي، وكُتب كثيراً: آيات الإيمان في القرآن، اليوم الآخر في القرآن، التقوى في القرآن، الصبر في آيات القرآن، الدعاء في القرآن، هذه تفاسير موضوعية، ومنها هذا الذي نتحدث فيه (تفسير آيات الحج).

وهذا النوع من التفسير ينفع المفسر أولاً، وينفع طالب العلم القارئ نفعاً كبيراً باعتبار أنه يلم بجميع أطراف الموضوع، قد تقرأ آية في سورة الفاتحة مثلاً، أو البقرة في أولها، وتحتاج إلى ما يضم إليها من السور المتأخرة، فإذا قرأت في أوائل البقرة آية، ومما يبين معناها ويوضح معناها آية في سورة الحج مثلاً، هذا إذا كان المفسر كابن كثير -رحمه الله تعالى-، وأيضاً الشنقيطي، مما يجمع الآيات المتشابهة في موضع واحد تستفيد يا طالب العلم، لكنهم يذكرونها ذكر، ما يفسرونها ويشرحونها، ويوضحون ما جاء فيها، مثل الآية التي هي الأصل في الباب، ولا يقوم بهذا إلا التفسير الموضوعي، فالتفسير الموضوعي ينفع طالب العلم باعتبار أنه يعطيه الصورة الكاملة على الموضوع من خلال الآيات المتفرقة في كتاب الله -عز وجل-، ولو كان البدء، ولكن المناسبة لآيات الحج فالموسم قريب وقادم، فاختار الشيخ حفظه الله هذا الموضوع ليكون الحديث عنه، وإلا فالأصل أن يبدأ به على الترتيب: آيات العقائد، آيات التوحيد، آيات الإيمان، آيات التوكل، آيات الخشية، آيات الإنابة، آيات الصلاة، آيات الزكاة إلى آخره، وهكذا، ويمشي على القرآن كله بهذه الطريقة، وهي طريقة ناجعة مثلما ذكرنا أن الطالب يخرج بتصور تام عن الموضوع من خلال القرآن الكريم. الأمانة في القرآن الكريم من يستغني عنها؟ ثم بعد ذلك يأتي بما يؤيد هذه الآيات، وبما يبين ويشرح هذه الآيات من مشكاة النبوة من كلامه -عليه الصلاة والسلام-، ابن القيم في مدارج السالكين يستوعب الآيات التي تبحث في المنازل التي تحدث عنها، فمنزلة التوبة مثلاً ذكر الآيات المتعلقة بالتوبة وذكر الأحاديث، وذكر أقوال أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، هذا موضوعي، منزلة التوبة يصلح أن يكون موضوع مستقل، يعني يستخرج من مدارج السالكين، وكذلك المنازل الأخرى، على كل حال هذا اللون وهذا النوع فائدته واضحة وجلية، وعلى طالب العلم أن يعنى به، وعلى العلماء أن ينبروا له، ويبسطوا الكلام فيه، كالتفسير المرتب.

هناك تفسير يعني من عناية الله -جل وعلا- بكتابه أن طرق من جميع الأبواب، طرق شرح القرآن وتفسر القرآن من جميع الأبواب، حتى وصلت المسألة إلى حد الترف، فكتب في تفاسير يظن المفسر أن الناس بحاجتها، والواقع أنهم ليس بحاجتها، وأودعت بعض التفاسير ما ينبو عنه كلام الله -جل وعلا-، وفسر القرآن بالحروف المهملة، يعني تقرأ تفسير من أوله إلى آخره ما تجد ولا نقطة، يعني تفسير بالحروف المهملة؛ لكن هل مثل هذا الصنيع يخدم القرآن، ويخدم العلم، ويخدم طلاب العلم؟ هذا هو مجرد ترف. يعني إذا قبل من الحريري في مقاماته، مقامة مثلاً بحرف الشين، بحرف السين، بحرف كذا، يقبل؛ لأنه المسألة مسألة فضول من أصلها، إلا أن الحاجة داعية إليه من حيث الإحاطة بمفردات غريب اللغة، الحاجة داعية إلى المقامات؛ لكن ليست الحاجة إليها مثل الحاجة إلى كلام الله -جل وعلا-، فالترف العلمي الموجود وصل ببعضهم إلى أن يفسر القرآن بالحروف المهملة، ولا شك أن مثل هذا لا يحتاج إليه طلاب العلم. وأقحم بعض المفسرين في التفسير ما ليس منه، وما لا يليق بكلام الله -جلا وعلا- أن يبين به ويوضح به، وعلى كل حال هي جهود، حتى وصل الأمر ببعضهم إلى أن فسر القرآن على غير ترتيبه، فسره على ترتيب النزول، بادئاً بسورة اقرأ، قبل الفاتحة، وقبل البقرة، وقبل. . . . . . . . .، ورتبه على حسب النزول، يعني ما الفائدة من تغيير الترتيب الذي أجمع عليه الصحابة -رضوان الله عليهم-، وأودعه عثمان -رضي الله عنه- بين الدفتين، واتفقوا عليه، وصدروا عنه، إلى أن يغير الترتيب من أجل الترتيب الزمني التاريخي لنزول الآيات والسور، يعني هل نحتاج إلى مثل هذا الترتيب لنعرف الناسخ من المنسوخ؟ وهل توقف معرفة الناسخ والمنسوخ على مثل هذا الترتيب؟ العلماء يعرفون الناسخ من المنسوخ من غير هذا الترتيب، وهذه مخالفة لما أجمع عليه الصحابة، وفاعلها لا شك أنه مخطئ، ولا وجه لفعله البتة، ومع ذلك يوجد في المكتبات تفسيران على هذه الكيفية، تفسير الحديث، والتفسير البياني للقرآن، موجودة.

المقصود أن الإخلال بترتيب القرآن الذي أجمع عليه الصحابة لا شك أنه خطأ، لمخالفته الإجماع، ولا شك أن هذا يقصد منه صاحبه أنه نوع من التجديد، وإن كان هذا هو الهدف وهو المقصد وهذه، فهذا لا شك أن هذه حقيقة مرة، لا يغير ترتيب كلام الله -جل وعلا- من أجل هذه الحقوق، وإن كان القصد من ذلك معرفة المتقدم من المتأخر ليعرف الناسخ والمنسوخ، فالناسخ والمنسوخ معروف عند أهل العلم ولا يحتاج إلى مثل هذا، وألفت فيه المؤلفات الخاصة. تفسير آيات الحج لا شك أنها تحتاج إلى وقت طويل، وكل آية منها تحتاج إلى أكثر من درس؛ لأن هذه الآيات بالإمكان أن يؤلف فيها منسك متكامل، بأكثر من مجلد؛ لأن الآيات اشتملت على كثير من أحكام المناسك، مع ما يبنها من كلام النبي -عليه الصلاة والسلام-، فنأخذ ما نأخذه من هذه الآيات، ولو قدر أننا نستطيع إكمال آيتين فقط، فيكون إنجاز؛ لأن المسألة تحتاج إلى دروس متتابعة. من أول هذه الآيات يعني إذا كنا نسير على تفسير هذه الآيات بالدلالة الأصلية، يعني فيها دليل واضح على منسك من مناسك الحج، وعلى مسألة من مسائل الحج، لا بالدلالة التبعية، وإلا فهذا يلزمنا أن نبدأ بالبسملة، يعني لو جرينا على الدلالة التبعية، ودلالات النصوص لا شك أنها تنقسم إلى: أصلية: يعني مقصود الاستدلال بها لهذه المسألة. ودلالات تبعية: ليست مقصودة لهذه المسألة بالأصالة؛ لكن يستنبط منها ما يستنبط، مما يدل على المسألة.

فلو وسعنا الدائرة لنأخذ الدلالات التبعية ما انتهينا أبداً، نحتاج إلى تفصيل كامل، يعني لو مثلاً من قوله -عليه الصلاة والسلام- لعائشة: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) قلنا: في الحديث دلالة على أن الحائض تقرأ القرآن، هل هذه دلالة أصلية أو تبعية؟ تبعية بلا شك؛ لأن هذه لا تخطر على السامع من أول وهلة؛ لكن بعمومها قد يستدل من يستدل بها؛ لكن هل نقول: افعلي ما يفعل الحاج، هل نستطيع أن نقول: أن الحاج ينام فيسن للحاج النوم من هذا الحديث؟ حاج يأكل، هل يسن للحاج أن يأكل استنباطاً من هذا الحديث؟ دلالات بعيدة كل البعد، ولذا كثير من أهل العلم يرى عدم الاستدلال بالدلالات التبعية، والاقتصار على الدلالات الأصلية، فمثل هذا لا نحتاجه لبعده، وإذا استعملنا الآيات بهذه الطريقة معناه ما ننتهي، ونحتاج في آيات الحج أن نستعرض القرآن كله، لكننا نقتصر على الدلالات الأصلية في هذه الآيات. فأول الآيات المتعلقة بالحج قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [(125) سورة البقرة]. يعني دلالته على ما نحن فيه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى الركعتين، ركعتي الطواف خلف المقام، وتلا الآية، وإلا قد يقول قائل: جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا ما له علاقة بالحج في الدلالة الأصلية: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [(125) سورة البقرة] الصلاة عامة في الحج وغيره، نقول: لما تلا النبي -عليه الصلاة والسلام- هذه الآية حينما صلى ركعتي الطوف خلف المقام قلنا: دلالتها على المراد أصلية، فتلاها النبي -عليه الصلاة والسلام-، ودونت في المناسك، ودونت في كتب الستة في كتب المناسك، وترجم بها الإمام البخاري على ما يريد من ركعتي الطواف.

يقول الطبري: {وَإِذْ جَعَلْنَا} عطف على قوله: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ} [(124) سورة البقرة] وقوله: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ} [(124) سورة البقرة] معطوف على قوله: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ} [(122) سورة البقرة] واذكروا {إِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ} [(124) سورة البقرة] {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً} [(125) سورة البقرة] يعني هذه الجمل متعاطفة، كلها مصدرة بـ (اذكروا) صراحة في الموضع الأول، ومقدرة في المواضع التالية، والبيت الذي جعله الله مثابة للناس هو البيت الحرام، وأما المثابة فإن أهل العربية مختلفون في معناها، والسبب الذي من أجله أنثت، البيت يذكر، فكيف يقال: البيت مثابة؟ البيت مذكر فكيف يجعل أو يوصف بأنه مثابة؟ والتاء هذه تاء التأنيث؟ يقول الطبري: "وأما المثابة فإن أهل العربية مختلفون في معناها، والسبب الذي من أجله أنثت"، فقال بعض نحويي البصرة: ألحقت الهاء في (المثابة) لما كثر من يثوب إليه، كما يقال: (سيارة) لمن يكثر ذلك، (ونسابة) يعني تكون للمبالغة، يقول: التاء حينئذ للمبالغة، هذا كلام بعض نحويي البصرة، وقال بعض نحويي الكوفة: بل (المثاب) و (المثابة) واحد، المثاب والمثابة واحد، نظيرة: (المقام) و (المقامة) الآن عندنا المقامة، المقام {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ} [(125) سورة البقرة] {الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ} [(35) سورة فاطر] هل هذا المذكر مع المؤنث من باب واحد؟ لأنه يقول: نظيره المقام والمقامة، فإما أن نقول: مُقام إبراهيم ليكون الباب واحداً، أو نقول: مقامة، ليكون الباب واحداً، إما أن نقول في الآية: مقام، وفي الآية الأخرى: مقامة، يكون الباب واحد وإلا لا؟ طالب:. . . . . . . . .

نكمل الكلام ليتبين، يقول: "والمقام ذُكر على قوله -يعني قول القائل من بعض نحويي الكوفة- ذُكر على قوله لأنه يريد به الموضع الذي يقام فيه، وأنثت (المقامة) لأنه أريد بها البقعة" يعني إذا مررت ببلد مثلاً أي بلد من البلدان، فإما أن تذكره أو تؤنثه، تذكره على إرادة الموضع والمكان، ولك أن تؤنثه على إرادة البقعة، ولذا يقول أهل العلم: إذا جهزت الجنازة لا يُدرى ذكر أو أنثى، فماذا تفعل في الضمائر؟ تقول: اللهم اغفر له وارحمه، أو اغفر لها وارحمها؟ نعم إن شئت ذكرت، وإن شئت أنثت، إن شئت ذكرت على إرادة الميت، وإن شئت أنثت على إرادة الجنازة، فما ينتابه مثل هذا يجوز تذكيره وتأنيثه. وأنكر هؤلاء -يعني بعض نحويي الكوفة- أن تكون (المثابة) مثل: (السيارة والنسابة)، وقالوا: إنما أدخلت الهاء في (السيارة والنسابة) تشبيها لها بـ (الداعية) الأصل الداعي، وإذا أضيفت إليه الهاء دل على المبالغة. و (المثابة) مفعلة من (ثاب القوم إلى الموضع) إذا رجعوا، فهم يثوبون إليه مثاباً ومثابةً وثواباً. فمعنى قوله: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ} [(125) سورة البقرة] أي مرجعاً، ثاب القوم إلى الموضع إذا رجعوا {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ} أي مرجعاً للناس يأتونه.

يقول الفقهاء في اللبن المحرِم الذي ينشر الحرمة في الرضاع، هو ما ثاب عن حمل، يعني رجع أو اجتمع؟ أو تكون؟ لأن المثابة هنا المرجع {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً} أي مرجعاً للناس يأتونه كل عام، ويرجعون إليه فلا يقضون منه وطراً، (وأمناً) قال أبو جعفر: "الأمن مصدر من قول القائل: أمن يأمن أمناً، وإنما سماه الله أمناً لأنه كان في الجاهلية معاذاً لمن استعاذ به، هكذا يقول الطبري، فإما أن يكونوا يستعيذون به دون الله -عز وجل- باعتبارهم مشركين، أو أن مراده منهم أنهم يلجأون إليه إذا خافوا فيأمنوا، فالذي يستعيذ بالبيت إذا كانت استعاذته بالحجارة المنصوبة فهذا شرك، وإن كانت استعاذته بالله -جل وعلا- ولجأ إلى بيته الذي جعله حرماً آمناً فلا إشكال، فالعرب في الجاهلية يجعلون البيت معاذاً لمن استعاذ به، ولذا لما أهدر النبي -صلى الله عليه وسلم- دم ابن خطل وُجد متعلقاً بأستار الكعبة؛ لكن هل يعاذ مثل هذا؟ لا يعاذ، فقتل.

وترون كثير من الناس يتعلقون بأستار الكعبة، وبعض أهل العلم يجيز مثل هذا باعتبار أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أنكر صنيع من تعلق بأستار الكعبة، وهذا من الدلالة التبعية أو الأصلية؟ التبعية، من الدلالة التبعية، بمعنى أن الخبر ما سيق للاستدلال به على جواز التعلق بأستار الكعبة، وإنما سيق لبيان قتل مثل هذا المجرم الذي يقتل في الحل والحرم، فمن يستدل بالدلالة التبعية يقول: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رآه متعلق بأستار الكعبة ولم ينكر صنيعه، ولا بين وهذا موضع بيان، هذا الذي استدل بالدلالة التبعية، والذي يستدل بالدلالة الأصلية ترى معرفة الدلالتين تحل إشكالات كثيرة مما يواجه طالب العلم من مثل هذه النصوص، الذين لا يستدلون بالدلالة التبعية يقولون: المقصد من سياق الخبر قتل هذا الفاسق، ولو تعلق بأستار الكعبة، والذين يقولون: يستدل بالخبر بجميع ما يدل عليه، نستدل به على القتل، وعلى جواز التعلق، والمسألة كما سمعتم مراراً مختلف فيها ورجح الشاطبي أنه لا يستدل بها مطلقاً، وكلامه فيه نظر، وإن كان القول الثاني أيضاً له من ينصره وله أدلته، فلا يستدل بها مطلقاً ولا تهدر مطلقاً، يعني فرق بين كلام المخلوق الذي إذا تكلم بشيء يغفل عما سوى ما هو بصدده، المخلوق يغفل؛ لكن الخالق -جل وعلا- ولذلك تجدون أهل العلم يستنبطون من الجملة الواحدة أحكام كثيرة بعضها واضح من سياق الكلام، واضح لكل أحد، وبعضها يخفى على بعض الناس، ويبدو للكثير، وبعضها يفهمه بعض الناس ويخفى على الكثير، فدلالة الخبر على التعلق بأستار الكعبة لا شك أنها تبعية وليست أصلية، والخبر عندما سيق أصالة لبيان القصة التي قتل فيها وهو متعلق بأستار الكعبة، وتبقى الدلالة التبعية البعيدة عن المراد في سياق الخبر حسب ما يوافقها وما يعارضها من نصوص أخرى، فإن كانت معارَضة بنصوص أخرى ألغيت، ولعل هذا هو مراد من ألغى الدلالة التبعية مطلقاً، أنها حينما تعارض، وإذا لم تعارض وإنما ووفقت بأدلة أخرى فإنها حينئذ تكون معتبرة، ولعل هذا هو مراد القائلين بأن الدلالة التبعية معتبرة، ويستدل بها كالأصلية.

وهنا معارضَة وإلا موافقَة؟ التعلق بأستار الكعبة؟ معارضة؛ لأن هذا التعلق ما يراد به؟ يراد به التبرك والتبرك ممنوع، التبرك ممنوع خاص بمن جعل الله به البركة، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلا يتبرك بمخلوق، وكان الرجل منهم -يعني أهل الجاهلية- لو لقي به قاتل أبيه أو أخيه لم يهجه، ولم يعرض له حتى يخرج منه، كما قال جل ثناؤه: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [(67) سورة العنكبوت] ولذا يختلف أهل العلم في إقامة الحدود في مكة، في حدود الحرم، يختلفون، والمسألة مبسوطة في مواضع متعددة. ثم قال: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [(125) سورة البقرة] يقول ابن الجوزي: "في مقام إبراهيم ثلاثة أقوال: أحدها: أنه الحرم كله، قاله ابن عباس، والثاني: أن المراد بالمقام عرفة والمزدلفة والجمار، قاله عطاء، وعن مجاهد كالقولين، وقد روي عن ابن عباس وعطاء ومجاهد قالوا: الحج كله مقام إبراهيم، والثالث: الحجر، يعني الذي قام عليه إبراهيم حينما ارتفع البينان، وفيه أثر موضع القدمين، الحجر، قاله سعيد بن جبير، وهو الأصح. قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كما في الحديث الصحيح: "قلت: يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى؟ فنزلت الآية". يعني سبب النزول لا شك أن دخوله في النص عند أهل العلم قطعي، يعني الحجر مراد ودخوله في الآية قطعي، الحجر الذي فيه أثر القدمين المجاور للكعبة، دخوله قطعي؛ لكن الحجر بالمعاني الأخرى التي ثبتت عن الصحابة والتابعين والسياق لا يأباها، بل العموم يتناولها، لا شك أنها مراده بالعموم، والتنصيص على بعض أفراد العام لا يقتضي التخصيص، فكل مواضع الحج ومقامات الحج من مقامات إبراهيم، وإن كان المراد به في هذه الآية المراد به في هذه الآية الحجر المجاور للكعبة، والذي فيه أثر القدمين.

المقام هل يراد به الحجر نفسه أو موضع القيام؟ هل يراد به الحجر نفسه بحيث نتبعه حيثما وضع، أو المراد به الموضع الذي فيه المقام؟ لأن اللفظ يحتمل الأمرين، يعني لو اقتضى النظر واجتهاد أهل العلم أن المقام الآن في المطاف مسبب للزحام، واقتضى الاجتهاد أن يدفع إلى الأروقة داخل، ليوسع المطاف، نصلي في مكانه أو نتبع الحجر نصلي هناك؟ ومسألة نقل المقام عن مكانه مسألة خلافية بين أهل العلم كتب فيها الشيخ عبد الرحمن المعلمي، مقام إبراهيم هل يجوز تقديمه أو تأخيره؟ وذكر أقول أهل العلم في ذلك، ورد عليه الشيخ سليمان بن حمدان في كتاب له أسماه: (نقض المباني من فتوى اليماني) ورد عليه الشيخ محمد بن إبراهيم، ورد عليه الشيخ سليمان، المقصود أن المسألة محل خلاف بين أهل العلم، هناك رسالة اسمها (مقام إبراهيم) وقد يراها طالب العلم ويشتريها على أنها في الموضوع، مطبوعة طباعة فاخرة، يقول: أنه سيستفيد، هذه لا فائدة فيها، هذه لنشاشيبي هي عبارة عن مقامة ألقاها في حفل تأبين إبراهيم هنانو، هذا عضو مجمع اللغة العربية بدمشق، مات وسووا له حفل تأبين فألقيت هذه الكلمة وسماها مقام إبراهيم، وبين كل جملتين أو ثلاث سلام على إبراهيم، نسأل الله العافية، فطالب العلم قد يشتري هذه الرسالة يظنها تبحث فيما نحن فيه، وليست فيما نحن فيه لا من قريب ولا من بعيد. الآن نرجع إلى مسألتنا وهي أن المقام الذي أمرنا باتخاذه مصلى هل المراد به الحجر نفسه بحيث نتبعه حيثما وضع، أو المراد به المكان بحيث لو أبعد عن مكانه الحالي نصلي في المكان نفسه؟ نظير ذلك الحجر لما أخذه القرامطة ومكث عندهم سبعة عشر سنة، نكبر حينما نحاذي المكان، ولا علاقة لنا بالحجر الذي ذهب به إلى البحرين، فهل نقول مثل هذا الكلام أنه مقتضى النظر واجتهاد أهل العلم أن يبعد المقام عن المطاف لتخفيف الزحام الذي يسببه وجود المقام، نتبع الحجر أو نفس المكان؟ واللفظ يحتمل الأمرين، المقام يحتمل أن يكون الحجر، ويحتمل أن يكون المكان الذي تم فيه قيامه. طالب: المكان. وهل المكان الذي هو فيه الآن هو نفس المكان الموجود فيه على عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ طالب:. . . . . . . . .

أبعده نعم، فمقتضى هذا أننا نصلي بين المكان الحالي للمقام وبين الكعبة إذا قلنا: العبرة بالمكان، وإذا قلنا: العبرة بالحجر تبعناه ولو أدخل في الأروقة، واللفظ محتمل، وماذا عند الشيخ؟ أحد المشايخ الحضور: منكم نستفيد يا شيخ. نحتاج إلى من يعاوننا؛ لأن المسألة مسألة مقام، يعني دخلها في اللغة كبير. أحد المشايخ الحضور: والله إحنا على منهج الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- حيث قال في الشرح الممتع: "أنا متوقف". ليش؟ لأن اللفظ يحتمل الأمرين، فكما يطلق على الحجر يطلق أيضاً على المكان، وما دام توقف الشيخ توقفنا. {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [(125) سورة البقرة] قال ابن الجوزي -وذكر الأقوال الثلاثة في روائع التفسير الجامع لتفسير ابن رجب -رحمه الله تعالى- وإذا وجد لهذا الإمام كلام في أي مسألة علمية على طالب العلم أن يعض عليه بالنواجذ؛ لأن ابن رجب يكتب العلم بنفس السلف -رحمه الله-. قوله تعالى: {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [(125) سورة البقرة] قال البخاري: باب قول الله -عز وجل- {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [(125) سورة البقرة] حديث عمر في سبب نزول هذه الآية قد خرجه البخاري فيما بعد، وهو من موافقاته -رضي الله عنه وأرضاه-، قال: "لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى" فنزلت الآية.

قال البخاري: حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا عمرو بن دينار قال: سألنا ابن عمر عن رجل طاف بالبيت العمرة ولم يطف بين الصفا والمروة أيأتي امرأته؟ فقال: قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- فطاف بالبيت سبعاً، وصلى خلف المقام ركعتين، وطاف بين الصفا والمروة، وقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" والشاهد أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى خلف المقام ركعتين، وسألنا جابر بن عبد الله فقال: "لا يقربنها حتى يطوف بين الصفا والمروة"، وقد روى جابر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- تلا هذه الآية، يعني في حديث جابر الطويل في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام- المخرج في مسلم وغيره النبي -عليه الصلاة والسلام- تلا هذه الآية عند صلاته خلف المقام {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [(125) سورة البقرة] وإلا فالأصل العموم، {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} في ركعتي الطواف وفي غيرها من الصلوات، يعني اللفظ عام وقصره على سببه عند أهل العلم معمول به وإلا غير معمول به؟ يطبقون على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فهل يشرع كل صلاة خلف المقام أو صلاة الركعتين فقط؟ طالب:. . . . . . . . . صلى بعد الطواف وعمر قال: "لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى" هل هو في الحج أو في العمرة أو مطلقاً؟ فنزلت الآية. النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى الركعتين وتلا الآية، فدل على أن هناك اقتران بين هاتين الركعتين ركعتي الطواف والمقام؛ لكن هذا لا ينفي أن يصلى خلفه غير هذه الصلاة، لعموم الآية.

يقول ابن رجب -رحمه الله-: "وهذا كله يدل على أن المراد بمقام إبراهيم في الآية مقامه المسمى بذلك عند البيت، وهو الحجر الذي كان فيه أثر قدمه -عليه السلام-، وهذا قول كثير من المفسرين، وقال كثير منهم المراد بمقام إبراهيم الحج كله، وقال بعضهم: الحرم كله، وقال بعضهم: الوقوف بعرفة ورمي الجمار والطواف، وفسروا المصلى بالدعاء، وهو موضع الدعاء، يعني حمل الصلاة في الآية على الصلاة اللغوية التي هي في الأصل الدعاء {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [(125) سورة البقرة] أي ادعوا في المواضع التي دعا فيها إبراهيم -عليه السلام-، يعني من مقاماته التي دعا فيها من مشاعر الحج ومناسكه، ادعوا فيها كما دعا فيها -عليه الصلاة والسلام-. والاختلاف في الصلاة هنا لا شك أن أكثر أهل العلم يرون أن الصلاة هي الصلاة ذات الركوع والسجود وهي ركعتا الطواف، وإن قال بعضهم أن المراد بها الدعاء، نظير ما قيل في ((إذا دعاء أحدكم أخوه فليجب، فإن كان مفطراً فيطعم، وإن كان صائماً فليصلي)) جمهور أهل العلم أن على أن المراد بالصلاة هنا اللغوية، الدعاء يدعو لهم وينصرف، وإن كان من أهل العلم من قال: يصلي ركعتين وينصرف؛ لكن قد ترد الصلاة ويراد بها المعنى اللغوي، وترد ويراد بها المعنى الشرعي، ومثل هذا صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- على أهل أحد بعد ثمان سنوات كالمودع لهم، منهم من قال: أنه صلى عليهم صلاة الجنازة، ومنهم من قال أنه مر عليهم ودعا لهم الصلاة اللغوية، وإلا فالشهداء لا يصلى عليهم كما هو معروف. يقول ابن رجب: "وقد يجمع بين القولين بأن يقال: الصلاة خلف المقام المعروف داخل فيما أمر به من الاقتداء بإبراهيم -عليه السلام- مما في أفعاله بمناسك الحج كلها، واتخاذها مواضع للدعاء وذكر الله -عز وجل-". يعني ركعتي الطواف خلف المقام فرد من أفراد العام، يعني والتنصيص عليه لا يقتضي التخصيص، فالآية عامة تحتمل أشياء كثيرة مثل ما ذكره أهل العلم، لا تقصر على سببها من نزول هذه الآية استجابة لقول عمر: "لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى" وإنما تشمل ما يحتمله اللفظ.

قالت عائشة وقد روي مرفوعاً ((إنما جعل الطواف والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله)) [خرجه أبو داود والترمذي]، والأمر في الآية باتخاذ المقام مصلى كما قال ابن المنذر: يحتمل أن تكون صلاة الركعتين خلف المقام فرضاً {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [(125) سورة البقرة] لكن هل الأمر الذي بني عليه هذا الاحتمال هو أمر بالصلاة أو أمر بالاتخاذ لمن أراد أن يصلي؟ الأمر (اتخذوا) من أراد أن يصلي فعليه أن يتخذ من مقام إبراهيم مصلى، وهل الأمر بالاتخاذ أمر بالصلاة ليقول ابن المنذر: تحتمل أن تكون صلاة الركعتين خلف المقام فرضاً؟ لكن أجمع أهل العلم على أن الطائف تجزئه ركعتا الطواف حيث شاء إلا شيئاً ذكر عن مالك في أن من صلى ركعتي الطواف الواجب في الحجر يعيد" انتهى كلامه. الأمر باتخاذ مقام إبراهيم مصلى، كلام ابن المنذر يقول: "يحتمل أن تكون صلاة الركعتين خلف المقام فرضاً" الآن عندنا الصلاة والمكان الذي هو الحال المبينة لهذه الصلاة، فهل الأمر في الآية متجه إلى الصلاة أو متجه إلى أن تكون خلف المقام؟ {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [(125) سورة البقرة] هل معنى هذا صلوا؟ أو صلوا في هذا المكان؟ يعني في قول يوسف -عليه السلام- {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا} [(101) سورة يوسف] هل المقصود الوفاة؟ الطلب للوفاة أو الوفاة على الإسلام؟ يعني هل مراد يوسف -عليه السلام- أن يتوفاه الله ويتخلص من هذه الدنيا أو أن المطلوب التوفي حال كونه مسلماً؟ وهنا هل المأمور به اتخذوا هل الأمر للاتخاذ بمعنى أن صلاة الركعتين من أراد أن يصلي ركعتي الطواف فليصليهما خلف المقام، أو المأمور به الصلاة نفسها؟ ابن المنذر قال: "يحتمل أن تكون صلاة الركعتين خلف المقام فرضاً؛ لكن أجمع أهل العلم على أن الطائف تجزئه ركعتا الطواف حيث شاء إلا شيئاً ذكر عن مالك ... " إلى آخره. يعني إجماع أهل العلم يدل على خلاف ما ذكره ابن المنذر في صدر كلامه، وأنها ليست بفرض، لا الصلاة ولا المكان.

ترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب من صلى ركعتي الطواف خارجاً من المسجد، وصلى عمر -رضي الله عنه- خارجاً من الحرم، فعمر -رضي الله عنه- لما طاف بالبيت بعد صلاة الصبح صلى الركعتين بذي طوى، لما ارتفعت الشمس، فهذا العمل من عمر -رضي الله عنه- يستفاد منه أن الأمر في الآية لا على سبيل الوجوب، الأمر باتخاذ المقام، ومن المقام مصلى أنه لا على سبيل الوجوب، وإلا لو كان واجباً لانتظر عمر إلى أن ترتفع الشمس وصلى خلفه ركعتين، هذا من جهة. الأمر الثاني: صنيع عمر يدل على أنه لا يرى الصلاة ولو كانت ذا سبب في أوقات النهي، بدليل أنه أخر الركعتين لما طاف بعد الصبح إلى أن ارتفعت الشمس وصلاهما خارج الحرم، صلاهما بذي طوى، وهل المراد بالحرم في قوله: "خارجاً من الحرم" المراد به المسجد أو المراد به الحرم بعمومه بحدوده؟ طالب:. . . . . . . . . خارج حدود الحرم، يعني لو طاف في صبح عرفة مثلاً، ثم ركب إلى عرفة وصلى الركعتين بعرفة خارج الحرم، يتفق مع صنيع عمر وإلا لا؟ لا يتفق؛ لأن ذا طوى المعروفة الآن بالزاهر داخل الحرم، والمراد خارجاً من الحرم يعني خارج المسجد، فعلى هذا لو طاف الإنسان في وقت زحام ثم أخر الركعتين إلى سكنه، ما في إشكال، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- لما ترجم باب الطواف بعد الصبح وبعد العصر، أورد أحاديث النهي عن الصلاة بعد العصر وبعد الصبح، وأورد الشارح من حديث جابر أننا ما كنا نطوف مع النبي -صلى الله عليه وسلم- لا بعد الصبح ولا بعد العصر، كل هذا اهتماماً بأوقات النهي؛ ولكن الطواف لم ينه عنه في وقت النهي، وإنما المنهي عنه الصلاة، فإذا طاف بالبيت بعد صلاة الصبح أو بعد العصر فإنه يؤخر الصلاة إلى طلوع الشمس وارتفاعها أو إلى غروبها، كما فعل عمر -رضي الله عنه-.

في فتح الباري {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [(125) سورة البقرة] أي قبلة، قاله الحسن البصري وغيره، وبه يتم الاستدلال {وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} أي قبلة هل يراد بالقبلة أنه يتوجه إليه بغض النظر عن الكعبة أو لا بد من أن تكون الكعبة هي القبلة وأن يكون المقام في القبلة؟ يعني في جهة القبلة يكون مصلى أي قبلة، فهل يكفي أن يستقبل المقام دون استقبال البيت؟ لا، لا يكفي إجماعاً؛ لأنه الشرط في صحة الصلاة أن تكون إلى القبلة إلى الكعبة، وكونه قبلة يعني بين المصلي وبين قبلته، قاله الحسن البصري وغيره وبه يتم الاستدلال، وقال مجاهد: أي مدعاً يدعى عنده" مصلى أي مدعى يدعى عنده، فالدعاء عند المقام على هذا له مزية؛ لأن الصلاة أعم من أن تكون لغوية أو شرعية، ولا شك أن هذا جار على رأي من يقول بجواز استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، الذي يقول بجواز استعمال اللفظ في الأمرين ما عنده إشكال في هذا، يقول: نتخذه مصلى نصلي خلفه ركعتين، وندعو خلفه؛ لأن الصلاة أشمل من أن تكون لغوية أو شرعية، وهذا جار على قول من يرى جواز استعمال اللفظ في معنييه الحقيقي والمجازي، اللغوي والاصطلاحي. يعني في أكثر من حقيقة يستعمل، الذي يقول: لا يستعمل اللفظ الواحد في أكثر من معنى، يقول: لا، إما أن تكون الصلاة لغوية أو شرعية؛ لكن إذا دخلت إحدى الحقيقتين في الأخرى هل يمنع من ذلك مانع؟ حتى على قول من يقول أن اللفظ لا يستعمل في معنييه، صلى الركعتين وسجد ودعا في سجوده، نقول: استعمل الحقيقتين؟ هل يمنع مثل هذا أحد؟ ما يمكن أن يمنعه أحد؛ لكن الكلام في الدعاء اللغوي المجرد عن الصلاة. يقول: وقال مجاهد: أي مدعىً يدعى عنده، ولا يصح حمله على مكان الصلاة؛ لأنه لا يصلى فيه بل عنده، لأنه لا يصلى فيه يعني في المقام نفسه، وإنما يصلى عنده، ويترجح قول الحسن بأنه جار على المعنى الشرعي.

ابن حجر في فتح الباري يقول: "روى الأزرقي في (أخبار مكة) بأسانيد صحيحة أن المقام كان في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر في الموضع الذي هو فيه الآن، حتى جاء سيل في خلافة عمر فاحتمله حتى وجد بأسفل مكة، فأتي به فربط إلى أستار الكعبة حتى قدم عمر فاستثبت في أمره حتى تحقق موضعه الأول فأعاده إليه، وبنى حوله، فاستقر ثَم إلى الآن". يعني الكلام هذا ماشي على ما يعرفه طلاب العلم أو كلام فيه غرابة؟ ماذا يقول؟ يقول: "روى الأزرقي في (أخبار مكة) بأسانيد صحيحة أن المقام كان في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر في الموضع الذي هو فيه الآن" يعني يبعد عن الكعبة حدود خمسة أمتار، هو الموضع الذي فيه الآن؛ لأنه في وقت الأزرقي هذا مكانه، نعم، "أن المقام كان في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر في الموضع الذي هو فيه الآن" يعني ما هو لاصق بجدار الكعبة، كما يقتضيه الفائدة من وجوده، يعني الفائدة من وجوده أن يكون ملاصقاً لجدار الكعبة، ولهذا هذا اللفظ وإن ورد بأسانيد صحيحة لا يسلم من نكارة؛ لأن الفائدة منه أصلاً أنما وضع لما ارتفع البناء ليطلع عليه أو ليرقى عليه إبراهيم -عليه السلام-، ويتناول الحجارة من ولده، فيبني ما ارتفع من جدار الكعبة. "المقام كان في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر في الموضع الذي هو فيه الآن، حتى جاء سيل في خلافة عمر فاحتمله –جرفه- حتى وجد بأسفل مكة، فأتي به فربط إلى أستار الكعبة حتى قدم عمر فاستثبت في أمره -يعني قدم عمرة مكة من أين؟ من المدينة- حتى تحقق موضعه الأول فأعاده إليه، وبنى حوله، فاستقر ثَم إلى الآن". يعني مكانه الآن هو الذي وضعه فيه عمر وهو الذي كان على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلى عهد أبي بكر وعمر إلى أن جاء السيل واحتمله، ثم ردوه إلى هذا المكان. لكن هذا اللفظ على أنه كما قال ابن حجر: بأسانيد صحيحة، يعني الحجر ما الفائدة من اتخاذ إبراهيم -عليه السلام- له؟ طالب: ليرقي عليه.

نعم ليرقي عليه ليستطيع الوصول إلى الحد الذي لا يستطيع الوصول إليه بدونه؛ لأنه ارتفع عليه البنيان، فأتي بهذا الحجر واستفيد منه، كونه بعيد بهذه المنزلة خمسة أمتار تقريباً يستفاد منه لبناء جدار الكعبة؟ طالب:. . . . . . . . . ما يستفاد، لا يستفاد منه، وإن كان يستفاد منه ولو سلمنا أن طول إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- مناسب لمثل هذا البعد، لقلنا: إن قربه من الجدار أيسر له من البعد مع وجود هذا الحجر، ولا شك أن اللفظ منكر، يعني الحجر المعروف عند أهل العلم أنه كان ملاصق للكعبة، فرأى عمر -رضي الله عنه- أنه في المطاف يسبب إشكال بالنسبة للطائفين وزحام فأبعده عن المطاف إلى قدر بحيث ينفس للناس، على أن وجوده في هذا المكان أو وجوده في مكانه الأصلي في أيامنا هذه مع كثرة الناس لا فرق، ومسألة تقديم المقام وتأخيره عن مكانه مسألة خلافية ذكرناها أو أشرنا إليها فيما تقدم. المقدم: أثابكم الله وجزاكم الله خيراً، عندي أسئلة كثرة، وهي أسئلة طلبة العلم، ثلاثة أسئلة: يقول: لو تكرمتم يا فضيلة الشيخ أن تذكروا لنا كتاباً في التفسير الموضوعي نستفيد منه، ويقدم على غيره من التفسيرات من الكتب في هذا الباب؟ التفسير الموضوعي لا يوجد تفسير شامل لجميع موضوعات القرآن، تفسير شامل لجميع الموضوعات لا يوجد بهذه الصورة، لا أعرف كتاباً ألف موضوعياً للموضوعات بالتفسير، أما الموضوعات أنفسها فقد صنفت الآيات حسب الموضوعات، تفصيل موضوعات القرآن، والترتيب والبيان لموضوعات القرآن، كتب كثرة ألفت في هذا، فالمادة جاهزة، الترتيب موجود، وأكثر من كتاب بهذه الطريقة تجمع فيه الآيات المتناسقة التي يشملها موضوع واحد على حدة، ثم بعد ذلك يقوم المفسر بتفسير هذه الآيات موضوعاً موضوعاً، أما كتاب واحد يشمل جميع موضوعات القرآن مرتب على هذه الكيفية ما أعرف كتاب بهذه الطريقة. يقول السائل: هل هناك كتاب في تفسير آيات الحج في القرآن؟

المناسك المؤلفة في بيان أحكام الحج اشتملت على الآيات؛ لكنها ما ألفت قصداً لتفسير الآيات، يعني جاء شرحها، شرح هذه الآيات بالأحاديث، جاء بيانها بالأحاديث من السنة النبوية، وجاء بيانها بأقوال أهل العلم لا على جهة الاستقلال، باعتبار أن الكتاب يفسر آيات الحج فقط، التفسير موجود في التفاسير؛ لكنها تحتاج إلى استخراج، وقد قام بعض طلاب العلم باستخراج آيات الحج من أضواء البيان، مناسك الحج من أضواء البيان، يعني تفسير الشيخ الشنقيطي -رحمه الله تعالى- جمع منه آيات الحج، ويصلح أن يكون تفسيراً موضوعياً لهذه الآيات. المقدم: أحسن الله إليكم، ماذا تقولون في كتاب: (روائع البيان في تفسير آيات الأحكام)؟ للصابوني؟ المقدم: الظاهر نعم. لأن في أكثر من كتاب باسم روائع البيان. المقدم: ما ذكر المصنف. هو الذي يظهر أنه كتاب الصابوني؛ لأنه هو الذي فيه تفسير آيات الأحكام، أما روائع البيان الذي ذكرناه قريباً في تفسير ابن رجب الذي جمعه الشيخ طارق عوض الله، من مصنفات الإمام الحافظ ابن رجب، وكذلك أيضاً هناك روائع البيان في تفسير ابن القيم، هذا اسمه؟ المقدم: بدائع التفسير. إن كان المقصود روائع البيان في تفسير آيات الأحكام للصابوني فهو كتاب جيد في بابه، وليس الأجود في بابه، يعني جمع آيات الأحكام، وتكلم عليها آية آية، بكلام مختصر ومرتب ومنظم ومرقم؛ لكن لا يعني هذا أنه يغني عن كتب تفسير آيات الأحكام، لا، يعني يستفيد منه المثقف مثلاً، على أنه في ترجيحاته بين أقوال أهل العلم قد يخالف، وكتب تفسير آيات الأحكام لأهل العلم المتقدمين موجودة ولله الحمد، فمنها: (أحكام القرآن) لابن العربي، تفسير (أحكام القرآن) للجصاص، (أحكام القرآن) للكيا الطبري الهراسي، الأول مالكي، والثاني حنفي، والثالث شافعي، (الجامع لأحكام القرآن) للقرطبي، هذا بحر محيط، فيه جميع أحكام القرآن، يعني مما دونه هذا الإمام.

يبقى تفسير آيات الأحكام من وجهة نظر الحنابلة، نعم لهم كتب في هذا الباب لكنها ما طبعت، وجردت أحكام القرآن من خلال المغني، في رسائل علمية، وذكرنا في محاضرة اسمها (المنهجية في قراءة الكتب) ذكرت أن من وسائل التحصيل أن يأتي لمثل هذا الموضوع: أحكام القرآن، فيحضر عنده أحكام القرآن لابن العربي والجصاص، والطبري، في المذاهب الثلاثة، ثم بعد ذلك يعلق على هذه الكتب مذهب الحنابلة من خلال كتاب معتبر عندهم، وهذا لا يكلف كثير، فبمجرد ما تنقل قول أحمد، أو روايات المذهب إلى أحكام القرآن لابن العربي، يكون عندك كتاب في أحكام القرآن للحنابلة، يعني نظير ما عمل الشاه ولي الله الدهلوي في (المسوى شرح الموطأ) المسوى شرح الموطأ أصله الموطأ للإمام مالك، ويحمل فكر الإمام مالك، ووجهة نظر الإمام مالك، وهو مخلوط بموطأ محمد، موطأ محمد من وجهة نظر الحنفية، أضاف الشارح رأي الشافعية فاكتملت المذاهب الثلاثة، ولو أن طالب علم عمد إلى هذا الكتاب وأضاف إليه القول الرابع قول الحنابلة كمل الكتاب، وأول من يستفيد من هذا العمل الذي لا يكلف شيء كبير، ترى ما يكلف طالب العلم، ما يحتاج إلى عصر ذهن، هذا العمل أول من يستفيد منه هذا الطالب، وعندي أن هذا من أعظم وسائل تحصيل العلم. المقدم: أحسنتم، يقول: فضيلة الشيخ قرأت في تفسر الشوكاني في قوله تعالى: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [(196) سورة البقرة] قال الشوكاني -رحمه الله تعالى-: "كاملة توكيد آخر بعد الفذلكة، بزيادة التوصية بصيامها، فما معنى الفذلكة؟ من أحيل على مليك فليحتل، أجب، نستفيد، أجب، أجب. أحد المشايخ الحضور: يعني أنا ما أخفيكم أني لا أحب أجلس إلى جوار الشيخ، لا رغبة عنه علم الله، ولكني أخشى من أن يحيل علي في شيء، وأنا أجلس بين يديه جلوس الطالب المستفيد. مثل هذا التواضع لا يخفى عليكم أيها الإخوة. أحد المشايخ الحضور: الفذلكة: يعني هي جمع العدد بعد توكيده، أو توكيده بعد جمعه، وقد عرفها في لسان العرب تعريفاً طيباً، وهي لفظة مولدة، فيرجع السائل إلى لسان العرب. يعني منحوتة من أكثر من كلمة؟ يعني كأنها يقول: مأخوذة من كذلك، أو فذلك. فذلك، مثل البسملة والحمدلة.

يقول السائل: فضيلة الشيخ، أشهد الله على محبتكم، وكثير من الأسئلة صدرت بهذه الجملة الدعائية، يقول: هل الأفضل الصيام عشرة الأيام من ذي الحجة، أو أنني أصوم بعضها، فقد سمعت من بعض الطلاب أنه لا يجوز صيامها، وأن صيامها بدعة؟ أولاً: ثبت في الصحيح أنه: ((ما من أيام العمل الصالح خير وأحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر)) العمل الصالح، ومن الأعمال الصالحة بل من أفضلها الصيام، فقد جاء في الحديث الصحيح: ((من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)) فإذا ضممنا هذا إلى هذا تخرج لنا النتيجة أن الصيام في هذه الأيام من أفضل الأعمال، كونه -عليه الصلاة والسلام- كما في حديث عائشة لم يصوم العشر، أو ما صام العشر، وقد ثبت عنه من حديث بعض أمهات المؤمنين وغيرها أنه صام العشر، أولاً: المثبت مقدم على النافي، الأمر الثاني: أن هذا على حسب علمها، وقد يقول قائل: أنه لا بد أن يمر يوم من أيامها في هذه العشر فتكون على علم واطلاع من حاله -عليه الصلاة والسلام-، لا شك أنها مطلعة على حاله، وبعض الأيام الذي لا يكون عندها لا تطلع عليه، فلعله أفطر لعارض، علماً بأن من يعوقه الصيام، عما هو أفضل منه من الأعمال، يكون الصيام في حقه مفضولاً، وما يسلكه ويفعله هو الفاضل، فمقام النبي -عليه الصلاة والسلام- وقد قام بأعباء حاجات الأمة من كل وجه، فهو الإمام وهو الخطيب، وهو الداعية وهو الموجه، وهو القاضي، وهو المعلم، كل أعباء الأمة على عاتقه -عليه الصلاة والسلام-، فإذا كان الصيام يضعفه أو يفعل ذلك لبيان مثل هذا الأمر لمن يقوم مقامه ممن يأتي بعده، وإلا فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يحتمل، يحتمل الصيام، ويحتمل جميع الأعمال -عليه الصلاة والسلام-، وقد أوتي قوة في العبادة، ومع ذلك يكون تركه للصيام أفضل منه تشريعاً لمن يخلفه في هذا المقام، فمن كان يعوقه الصيام عن الأمور العامة بالنسبة للأمة فلا شك أن فطره أفضل من صيامه، فلو افترضنا أن ولي الأمر مثلاً يلي أعمال المسلمين كلها، فإذا صام لزم من ذلك أن يجلس في بيته ولا يخرج للناس، نقول: لا يصوم.

إذا كان قاضي يحل المنازعات بين الناس، ويفصل بين الخصوم، إذا صام جلس في بيته ولا يستطيع أن يبرز للناس، نقول: يا أخي لا تصوم، قيامك بهذا العمل أفضل من الصيام، علماً بأن الشيخ ابن باز -رحمة الله عليه- يقول: "من قال أن صيام العشر بدعة فهو جاهل" -رحمه الله-. المقدم: أحسن الله إليكم، يقول السائل: فضيلة شيخنا هل يمكن الاستدلال بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [(56) سورة الأحزاب] على أن من معاني الصلاة الدعاء؟ الصلاة من الله -جل وعلا- الثناء عليه عند الملائكة، ومن غيره من الملائكة والناس الدعاء، كما جاء عن أبي العالية في صحيح البخاري، وجاء عن ابن عباس في الصحيح أيضاً: "يصلون يبركون" وليس معنى هذا {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} معناه أنهم يصلون الصلاة بحقيقتها الشرعية أبداً. المقدم: أحسن الله إليكم، هذا سؤال من الشبكة من فرنسا من المتابعين معنا يقول: كيف تحرم أو تحج الحائض أو النفساء؟ وهل يجوز له الطواف وهي حائض؛ لأنني سأحج هذا العام؟ يبدو أن السائل امرأة، تقول: لأنني سأحج هذا العام، ولا أظن أن الحملة التي سأحج معها ينتظرونني إلى أن أنتهي، وقد لا أتمكن من الحج أو العمرة مرة أخرى، فماذا ترى يا فضيلة الشيخ والله يجزيكم عني خيراً؟ أما بالنسبة لما تفعله عليها أن تحرم من الميقات مع الناس، وتفعل في إحرامها مثل ما يفعل الطاهرات، ثم بعد ذلك تلبي وتفعل جميع ما يفعله الحاج غير ألا تطوف بالبيت، فالحائض ممنوعة من الطواف بالبيت، كما جاء في الصحيح من حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لها: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) وقال في حق صفية لما بلغه أنها حاضت قال: ((أحابستنا هي؟ )) فدل على أن الحائض تحبس الرفقة، ولا يجوز لها أن تطوف بأي حال من الأحوال، ولو ترتب على ذلك حبس الرفقة.

شيخ الإسلام -رحمه الله- يقول في مثل هذه الصورة إذا كانت لا تطهر قبل مغادرة رفقتها مكة، ويشق عليها البقاء وحدها، ويشق على رفقتها انتظارها، ولا شك أن المسألة في أيامنا الارتباط بالحجوزات وبالطيران، أمور محرجة، شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يرى أن مثل هذا الحرج مرتفع بالشريعة، وعليها أن تتحفظ وتتطهر وتطوف على حالها؛ لكن لا أجرأ أن أقول بقوله، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((أحابستنا هي؟ )). المقدم: أحسن الله إليكم، يقول السائل: فضيلة الشيخ أين نجد مبحث الدلالات؟ الدلالات في كتب الأصول، ومسألة الدلالة الأصلية والتبعية بحثت في الموافقات بما يقرب من عشرين صفحة، ووفاها الشاطبي حقها، وإن كانت نتيجته مما لا يوافق عليها، بل يناقش فيها. المقدم: أحسن الله إليكم، وهذا سائل من الشبكة من الكويت يقول: فضيلة الشيخ، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ} [(85) سورة الحجر] في آيات أخرى في ذكر خلق السماوات والأرض يقول فيها: (بالحق) فما المقصود بقوله: (بالحق)؟. الحق ضده الباطل، ومن الباطل العبث، والله -جل وعلا- خلق السماوات والأرض لحكمة عظيمة بالغة. المقدم: أحسن الله إليكم، يقول السائل: فضيلة الشيخ النبي -صلى الله عليه وسلم- حين صلى ركعتين خلف المقام هل دعا، يعني بعد الصلاة يقصد؟ ما حفظ عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه دعا؛ لكن الدعاء في السجود مطلوب ومرغب فيه، وبين السجدتين واجب عند جمع من أهل العلم، وعلى كل حال الصلاة مشتملة على الدعاء، والحقائق اللغوية مع الشرعية تلتقي، كما قرر شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في كتاب الإيمان، أن الحقيقة الشرعية تشتمل على اللغوية وزيادة، فالصلاة مشتملة على الدعاء. المقدم: أحسن الله إليكم، هذا سؤال نجعله الأخير من فرنسا سائل يقول: قال ابن حجر في النخبة: "رواية المبتدع، ثم البدعة، ثم بمكفر، أو بمفسق فالأول ... " إلى آخره، ما هو القول الصحيح في رواية المبتدع؟

المبتدعة قسمهم الذهبي في مقدمة الميزان إلى أقسام، تبعاً لبدعهم، البدع الكبرى المغلظة يقول الحافظ الذهبي -رحمه الله تعالى- في حقهم: "فمثل هؤلاء لا يروى عنهم ولا كرامة" وأما البدع الصغرى غير المغلظة فمثل هؤلاء المبتدعة كتب السنة طافحة بالرواية عنهم، ومنها الصحيحين، فالبدع المغلظة المكفرة مثل هؤلاء لا يروى عنهم، ولم يدخلهم ابن الصلاح في الخلاف، ما أدخلهم ابن الصلاح في الخلاف أصلاً، وإن كان رأي ابن حجر في مثل هؤلاء أنهم إذا كانت بدعهم وإن كانت مكفرة وكانوا لا ينكرون أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، واشتملوا على الصدق فإن أخبارهم مقبولة؛ لأن بعض من بدعتهم مغلظة كالخوراج مثلاً بل دعاتهم خرج لهم في الكتب، بل في صحيح البخاري رواية عمران بن حطان وهو خارجي، بل من دعاتهم، بل من دعاة الخوارج، وابن حجر في فتح الباري لما ذكر البخاري -رحمه الله تعالى- الحديث من طريق عمران بن حطان، أورد مثل هذا الإشكال، وقال: بأن بدعته مغلظة وداعية؛ لأن جماهير أهل العلم يقبلون غير الداعية، فماذا عن الداعية مثل عمران بن حطان؟ قال: "ما المانع من قبول روايته وقد عرف بصدق اللهجة؟ " ولا شك أن الخوارج يرون الكذب كبيرة، والكبيرة مكفرة، فهم يجتنبونه، وهم من أصدق الطوائف المبتدعة، كما قرر ذلك شيخ الإسلام وغيره. يقول ابن حجر ما المانع من قبول روايته وقد عرف بصدق اللهجة؟ والعيني يرد عليه بقوله: "وأي صدق في لهجة مادح قاتل علي" لكن الإنسان الذي يتدين بشيء وينصر ما يراه الحق هو في حد ذاته صادق في نصره لما يراه حق، كونه أخطأ في رؤيته لهذا الأمر الحق أمر آخر، فالصدق موجود؛ لأنه ينصر ما يراه الحق، وشيخ الإسلام لما سئل عن الرازي وقال: إن كثير من الناس يقع في قصده، ولا شك أن من يقرأ كلامه في تفسيره يوجس خيفة من كلامه، لا سيما وقد سمى كتاب التوحيد كتاب الشرك، ورمى إمام الأئمة ابن خزيمة بأعظم القبائح، لا شك أن القارئ يجد في نفسه شيء على هذا، وأن له غرض. شيخ الإسلام يقول: "بعض الناس يقع في قصده والذي أراه أنه ينصر ما يراه حق".

نعم عنده شبه وعنده مخالفات عقدية وعنده طوام، يعني ليست الخلافات معه يسيرة، لا، كبيرة، مع ذلك يقول شيخ الإسلام: "ينصر ما يراه الحق، فالذي ينصر ما يراه الحق فهو صادق، بغض النظر عن كون الحق الذي يراه هو الحق الصحيح أو غيره. المقدم: أحسن الله إليكم، هذا ما اتسع له الوقت مع مدنا له، وبين يدينا أسئلة كثيرة، نحفظها للأخوة ونسأل الله -جل وعلا- أن يثيب فضيلة الشيخ عبد الكريم بن عبد الله الخضير أحسن الثواب، ويجزيه خيراً على هذه المحاضرة السديدة، وعلى هذه الأجوبة الموفقة، ولنا ولكم جميعاً إنه سبحانه جواد كريم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله ..

المسائل المشكلة في الحج

المسائل المشكلة في الحج الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: أيها الأخوة الحضور والأخوات الحاضرات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله جميعاً في مجلس من مجالس العلماء الذين لهم الفضل بعد الله -عز وجل- في تبيين الحق والدعوة إليه. فمجلسنا هذا كان عنوانه المسائل المشكلة في الحج، وسنطرحه على فضيلة الشيخ الدكتور العلامة/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، مجموعة من الأسلة التي أعدت قبل ذلك ثم نستقبل أيضاً منكم الأسئلة التي ترد من عندكم. نبدأ بالسؤال. يقول: فضيلة الشيخ: هل لوقوف الحاج بعرفة داعياً من دليل الذين يقفون في عرفة ويدعون يعني لفترة طويلة، هل لهذا من دليل؟ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فإجابة على هذا السؤال: النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع بين صلاتي الظهر والعصر جمع تقديم في يوم عرفة؛ ليتوفر الوقت للذكر والدعاء والإلحاح على الله -جل وعلا-، ووقف -عليه الصلاة والسلام- راكباً، ولذا يرى جمع من أهل العلم أن الركوب أفضل، وأن يستقبل القبلة راكباً ويدعو الله -جل وعلا- ويخلص في دعائه ويستحضر ما يدعو به ويصدق اللجأ إلى الله -جل وعلا-؛ فإن هذا الموقف عظيم، ينبغي أن يستشعر، تستشعر عظمة هذا الوقف وقرب الرب -جل وعلا-. ومن المؤسف أن نجد كثيراً من طلاب العلم يقضونه إما بالنوم أو بالأحاديث المباحة، وقد يتجاوز بعض الناس في ذلك فيقع في شيء من المحرم، من الكلام وغيره، وقد يوجد من الحجاج في هذا الموقف العظيم من يرتكب بعض المحظورات كإرسال النظر إلى النساء، إضافة إلى القيل والقال الذي لا ينفع بل يضر، وبعضهم يسترسل يأتي بما حرم الله عليه من غيبة ونميمة ووقوع في أعراض الناس، ولا سيما أهل العلم، هذا موقف عظيم ينبغي أن يستشعره كل حاج فضلاً عن طالب علم.

وبعض الناس يتشاغل بما لا ينفعه، همه أن ينتهي هذا اليوم ثم الذي يليه، ثم الذي يليه ليعود إلى أهله ويزاول أعماله، كأن هذا النسك العظيم صار عبئاً على الناس، والمسألة مسألة أربعة أيام، كيف تستثقل هذه الأيام الأربعة، وقد كان المسلمون على مر العصور يقضون الأشهر، أشهر متتابعة، شهر أو شهرين في الطريق قادماً على الحج، ثم يجلس في مكة والمشاعر مدة طويلة ليست بيوم أو يومين أو ثلاثة، يأتون قبل الحج بمدة طويلة؛ ليحتاطوا لحجهم، ثم بعد ذلك إذا قفلوا أمضوا الوقت الطويل في الرجوع والله -جل وعلا- يقول: {لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ} [(7) سورة النحل]، والآن قد يصوم الشخص في بلده يوم عرفة وبين أهله ويفطر معهم ثم يحج ويرجع بعد ثلاثة أيام، هذا من تيسير الله -جل وعلا- وهذه نعمة يجب شكرها، فعلى الحاج أن يستحضر وعلى أصحاب الحملات -وهذا شيء مشاهد بالنسبة للحملات- من بعد صلاة العصر مباشرة الذي هو وقت اللزوم، وقت تأكد واستحباب الدعاء، ووقت نهاية الوقت الذي ينبغي أن يحرص عليه أشد الحرص قبل فواته، أصحاب الحملات كثير منهم بعد صلاة العصر يتأهبون للانصراف، نعم لا ينصرفون إلا بعد الغروب، لكنهم يتأهبون للانصراف، وبعد الفتاوى التي سمعت في الأعوام المتأخرة أنه يجوز الانصراف قبل غروب الشمس، انظر ماذا سيحدث يمكن يمرون مرور بعد صلاة الظهر يجمعون ويصلون الظهر ويمرون مروراً، ووقوفهم مجزئ عند عامة أهل العلم، وإن أوجب عليهم جمع من أهل العلم الدم إذا انصرفوا قبل الغروب، فإذا انتشرت هذه الفتاوى وشاعت لن يكون للوقوف أي أثر في نفس الحاج، فعلى أهل الحملات أن يرفقوا بمن معهم، وهم مؤتمنون على هذا، إنما دفعت لهم الأموال ليتفرغ الحاج لحجه ويؤدي حجه على الوجه المشروع، فعلى الحاج إذا جمع بين الصلاتين جمع تقديم وتوفر له من الوقت ما يكفي للذكر والدعاء والتلاوة والتضرع والانطراح والانكسار بين يدي الله -عز وجل- فهذا أمر لا بد منه وهذا وقته، لكن مع الأسف أن الأعمال قيدت أربابها وأصحابها، تجده طول العام في القيل والقال، فمثل هذا لا يوفق لاغتنام مثل هذه الأوقات.

فعلينا أن نحرص على حفظ النفس واللسان وجميع الجوارح، نحرص أن نحفظها عما يغضب الله -جل وعلا- وأن تضيع علينا سدى، لنوفق لحفظها في مثل هذه الأوقات الفاضلة، ((تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة)). نعم. يقول السائل: ما حكم الرمي قبل الزوال؟ بالنسبة ليوم النحر فالرمي فيه من طلوع الشمس إلى غروبها، وإن رمى بعد غروبها فلا حرج -إن شاء الله تعالى- لكن بالنسبة لأيام التشريق فلا رمي إلا بعد الزوال، والنبي -عليه الصلاة والسلام- وجميع أصحابه إنما رموا بعد الزوال، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((خذوا عني مناسككم))، فكانوا يتحينون الزوال، يعني ينتظرونه, والرسول -عليه الصلاة والسلام- يحبس أصحابه حتى تزول الشمس، فإذا زالت رمى، ولو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لرخص لبعضهم أو قال: ارموا وأنا أفعل الأفضل، لكن لما لم يرمِ أحد من أصحابه قبل الزوال، وقد رمى وانتظر وتحين الزوال وقال: ((حذوا عني مناسككم)) دل على أنه لا يجوز الرمي قبل الزوال. الذين يفتون بالرمي قبل الزوال، هذا رأي أبي حنيفة، في اليوم الأخير في يوم النفر الأول، ومن يفتي به مطلقا -كما نسمعه في هذه الأيام- قصدهم التخفيف والتيسير على الناس؛ وجد الزحام الشديد مما لا يوجد نظيره فيما تقدم فرأوا أن هذه المشقة تجلب التيسير، فرأوا أن توسعة الوقت يحل الإشكال، والذي في نظري وتقديري أنه لن يحل الإشكال، كونهم يرمون قبل الزوال لن ينحل الإشكال، فالإشكال الموجود في يوم العيد -في ضحى يوم العيد- سوف ينتقل إلى أيام التشريق؛ لأن الناس مجبولون على العجلة، {خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [(37) سورة الأنبياء]، فالذي يزاحم مع زوال الشمس، سوف يزاحم مع طلوع الشمس، والذي يتضرر مع زوال الشمس، سوف يتضرر مع طلوع الشمس، وهكذا، فطول الوقت لا يحل الإشكال، فعلينا أن نلتزم بالسنة، والرمي قبل الزوال لا يجوز عند جماهير أهل العلم. من سافر بالطائرة إلى جدة يريد العمرة أو الحج فمن أين يحرم؟

من سافر على الطائرة عن طرق جدة فإنه يحرم إذا حاذى أقرب المواقيت إلى بلده، فإن كان يمر بميقات معين إذا وازنه وحاذاه وإلا فيحاذي أقرب المواقيت إلى بلده، ولا ينتظر حتى يأتي ميقاته؛ لأنه إن مر بذي الحليفة، كمن سافر مثلاً من القصيم وميقاته ميقات أهل نجد السيل، مروراً بالمدينة فإنه لا ينتظر حتى يحاذي السيل، عليه أن يحرم إذا حاذى ذا الحليفة، فإن تجاوز وأحرم من محاذاة ميقاته الأصلي فالجمهور على أنه يلزمه دم، والإمام مالك يقول يكفيه إذا أحرم من ميقاته، نقول مثل هذا بالنسبة لمن يمر بميقات أو أكثر من ميقات، يمر بميقات ويتجاوزه. الشامي مثلاً ميقاته الجحفة إذا مر بالمدينة ثم تجاوزها غير محرم إلى الجحفة الذي هو ميقاته الأصلي فإنه يلزمه عند جمهور العلماء دم؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)) والإمام مالك يقول: إذا أحرم من ميقاته الأصلي لا يلزمه دم، ولو تجاوز ميقاتاً لقوله: ((هن لهن)) أي هذه المواقيت لأهل تلك الجهات، وقد عمل بنص صريح، نعم هو ترك جزءاً من النص وعمل بجزء، لكن عمل بالجزء الذي يخصه، فالذي يظهر أن قول الإمام مالك وجيه، لكن إذا كان غير ميقاته مثلاً، تجاوز ذا الحليفة، الشامي تجاوز ذي الحليفة، ثم لما وصل إلى جدة مثلاً، قيل له ارجع إلى الجحفة، قال: لا، أريد أن أحرم من السيل، أرفق بي، هذا ليس بميقاته الأصلي، وليس بالميقات الذي مر به، فهل يدخل في قول مالك أو يخرج عليه؟ الظاهر أن التسامح في مثل هذا له وجه -إن شاء الله تعالى- ما دام أحرم من ميقات شرعي معتبر محدد من قبل الشارع ومنصوص عليه. يقول السائل: إذا تأذى الحاج من البرد في ليلة مزدلفة وغطى رأسه، هل عليه فدية؟ لا يجوز للمحرم أن يغطي رأسه ولا وجهه؛ للحديث الصحيح، في حديث الحاج الذي وقصته دابته فقال: ((لا تخمروا رأسه ولا وجهه))، فلا يجوز للمحرم أن يغطي رأسه ولا وجهه، لكن إن احتاج إلى المحظور فعله ولا إثم عليه وعليه فدية، إن غطى رأسه وهو لا يحس بذلك أثناء النوم، عادته أن يغطي رأسه، ولا ينام إلا إذا غطى وجهه، فإذا نام وغطى رأسه ووجهه حال النوم فقد رفع القلم عنه ولا شيء عليه.

يقول السائل: متى تكون الضرورة مستدعية للمبيت خارج حدود منى؟ المبيت بمنى من أهل العلم من قال بأنه ركن من أركان الحج لا يصح إلا به كالوقوف بعرفة، ولا شك أن هذا قول شديد، يجعل الإنسان يحتاط لنفسه، ومنهم من يرى أن الوقوف واجب من واجبات الحج يأثم بتركه ويلزمه إذا تركه دم، ومنهم من قال بسنيته وأنه مستحب، لكن أعدل الأقوال في المسألة أنه واجب، ليس بركن؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- رخص للرعاة والسقاة بتركه، ولو كان ركناً ما رخص فيه، وليس بسنة، وإنما هو اجب ولو كان سنة لما احتاجوا إلى الترخيص. فالضرورة أو المبرر للمبيت خارج منى ألا يجد مكاناً، فإن كان ممن يحتمل المبيت في الطرقات ولا خطر عليه في ذلك فالذي يتعين عليه أن يبيت؛ لأنها من منى، أما قوله هذا المكان لا يليق به، كيف لا يليق به؟ هذا مبيت، وهذا من منى، وهذا مشعر عظيم، وهو أيضاً لازم لك أيها الحاج، لكن إن خشيت على نفسك الضرر، بأن تدهس بالسيارات أو ينالك ضرر حينئذ: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(78) سورة الحج]. من معه نساء وخشي أن يتعرضن لأذية الناس بأنظارهم أو بمزاحماتهم، أو معه أطفال خشي عليهم من السيارات، لا يلزمه أن يبيت على الطرقات، أن يفترش الطرقات، أما إذا كان شاباً قوياً نشيطاً لا خوف عليه ولا ضرر فإنه يلزمه حينئذ المبيت، فإذا بحث عن مكان ما تكفي الإشاعة أن الحجاج كثير ومنى ضاقت، لا، لا بد أن يطلع بنفسه، وكثير من الناس يتساهل في هذا الأمر ويستصحب الأصل أن الحجاج كثير ومنى تضيق بهم ولا تستوعبهم، إذن ما له داعي أطلع، لا، لا بد أن تخرج، فإذا لم تجد مكاناً تبيت بأقرب مكان إلى الحجاج، وإن بتَّ في مكان أبعد عنه باعتبار أن الأماكن غير المشعر المحدد تتساوى فلا حرج -إن شاء الله تعالى- في حدود الحرم. يقول السؤال: ما حكم تفصيل إزار الإحرام على هيئة ما يسمى الإزار وتكون له جيوب، هل يكون من المخيط المنهي عنه أم لا؟

هذا النوع من الألبسة يسمى عند العرب نقبة، كما نص على ذلك الأزهري في تهذيبه، وابن سيده في مخصصه، وغيرهم من أهل اللغة، وذكر في ألبسة العرب أنه نقبة وهو نوع من السراويل، وهو من ألبسة النساء، وليس من ألبسة الرجال، وهو المستعمل الآن هو للنساء وليس للرجال، الذي يسمونه التنورة هذا هو، فلا يجوز لبسه؛ لمنع لبس السراويل، لما جاء من منع من أن المحرم لا يلبس السراويل، لكن نوع من السراويل ليست له أكمام يسمونه التبان، هذا رخصت فيه عائشة رضي الله تعالى عنها- للذين يرحلون رحلها خشية أن تظهر عوراتهم، رخصت فيه عائشة، وجمهور أهل العلم على منعه أيضاً؛ لأنه نوع من السراويل، فلا يجوز لبسه ولا تحت الإزار، وقل مثل هذا في لبس النقاب تحت الخمار، لا يجوز لبس النقاب للمرأة ولا تحت الخمار؛ لأنه في حكم لبس السروال تحت الإزار. يقول السؤال: هل يجوز للمتمتع الخروج إلى جدة والطائف بعد العمرة وقبل الحج؟ ما يوجد -إن شاء الله تعالى- ما يمنع من ذلك، لا سيما إذا دعت الحاجة إلى ذلك، وإلا فالأفضل أن يمكث في الحرم؛ لمضاعفة الأجر واستغلال الوقت، بدلاً من أن ينهي أو يقضي على وقته بالأسفار والغدو والرواح، لكن إذا سافر سفراً يحتاجه فلا يوجد ما يمنع ويبقى متمتعاً ما لم يرجع إلى أهله. يقول السائل: قول الفقهاء: كل من ترك واجباً فعليه دم، ما دليلهم رحمهم الله تعالى؟ هذا قول ابن عباس، صح عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: "من ترك نسكاً فليرق دماً" وأهل العلم يقولون أن هذا له حكم الرفع؛ لأنه لا يمكن أن يقوله ابن عباس من كيسه، من جيبه، لا، لا بد أن يكون عنده فيه شيء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وعمل به جماهير أهل العلم فالقول به متجه. بعد الشوط السابع في السعي -سواءً للحج أو العمرة- هل هناك دعاء أو أنه ينصرف بدون دعاء؟

بعد الشوط السابع من الطواف ومن السعي يفعل كما يفعل في سائر الأشواط، وانتشر وشاع بين طلاب العلم أنه لا يكبر عند نهاية الشوط السابع من الطواف، والمرجح أنه يكبر؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- كلما حاذى الركن كبر، وجابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما- يقول: "كنا نطوف مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فنمسح الركن الفاتحة والخاتمة" يعني في بداية الطواف وفي نهايته، فالمرجح أنه يكبر، وكذلك يفعل عند المروة إذا انتهى من سعيه. ما القول الراجح في شرط الطهارة للطواف؟ جماهير أهل العلم على أنها شرط، من ذلك قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت))، وأيضاً ما جاء في الحديث -وإن كان مختلف في ثبوته وعدمه- أن ((الطواف بالبيت صلاة)) وقد عمل به عامة أهل العلم. الاحتمالات التي أوردها شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- وقال: إذا وجد امرأة حاضت وضاق عليها الوقت، ورفقتها لا يوافقونها على البقاء، وإذا بقيت ضاعت، فتتحفظ وتحتاط لخروج الدم، وتطوف على هيئتها، ولا تحبس الرفقة، والمرجح أنها تحبس الرفقة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما حاضت صفية قال: ((أحاسبتنا هي؟ ))، فدل على أن الحائض تحبس الرفقة، نعم ظروف اليوم، والحجوزات والإتيان من بعيد قد يكون فيها مشقة شديدة، لكن هذا ركن من أركان الإسلام، يعني لا يتسامح فيه إلى حد لا يبقى منه شيء، فإذا تساهلنا في هذا الركن، وتساهلنا في ركن من أركانه ماذا يبقى منه؟ ماذا يبقى منه؟ يعني لو قلنا مثلاً أن هذا الركن، هذه ضرورة، طيب ضرورة، ثم تأتي ضرورة أخرى تبيح لها ترك السعي، ثم تأتي ضرورة أخرى ينفتح باب ثاني يبيح لها ترك بعض الواجبات، المقصود أن مثل هذه الأمور الاسترسال معها ينهي العبادة، فلا بد من الحزم لا سيما في الأركان، والواجبات إذا اضطر إليها يجبرها بدم وله تركها، أما الأركان فلا. ما حكم من يحجون بدون تصريح وبعضهم يلبس المخيط بعد الميقات، حتى لا يمنع؟

أولاً التصريح هذا، التحديد بخمس سنوات مبني على فتوى من أهل العلم، ومخالفته لا شك أنها مخالفة لولي الأمر الذي لوحظ فيه المصلحة، ولوحظ فيه أيضاً البناء على قول أهل العلم، فلا ينبغي مخالفة هذا الأمر، لكن إن رأى الشخص أن يحج امتثالاً لما ورد من الأحاديث الكثيرة في الترغيب في الحج، ولم يترتب على ذلك لا كذب ولا رشوة ولا احتيال ولا ارتكاب محظور فيرجى، أما إذا أدى ذلك إلى كذب أو رشوة أو تحايل أو ارتكاب محظور كما يفعل الآن، بعضهم يرتكب محظور ويدخل، ويتجاوز الميقات بثيابه هذا كله لا يجوز ولا يسوغ له ذلك. ما حكم طواف الحائض للضرورة أي لأجل السفر؟ هذا أجبنا عليه سابقاً. هل يجوز تقديم السعي على الطواف يوم النحر استدلالاً بحديث: ((افعل ولا حرج)) ورواية: "سعيت قبل أن أطوف"؟ نعم في حديث أسامة بن شريك قال: "سعيت قبل أن أطوف" قال: ((افعل ولا حرج)) والحديث تكلم فيه بعض أهل العلم لكن المرجح ثبوته، والقاعدة العامة تؤيده ويندرج فيها، "ما سئل عن شيء في ذلك اليوم قدم ولا أخر إلا قال: ((افعل ولا حرج))، فيجوز تقديم السعي على الطواف في هذا اليوم، لكن إذا كان طوافه للإفاضة في غير هذا اليوم فأراد أن يقدم السعي لا سيما إذا احتاج إلى تأخير الطواف ليكتفي به عن طواف الوداع، بعض الناس يؤخر طواف الإفاضة من أجل أن يكتفي به عن طواف الوداع، ويكون آخر عهده حينئذ بالبيت، فيقول: أقدم السعي، أولاً أن فعله ليس من أفعال يوم النحر، إنما هو مما يفعله بعد ذلك فلا يتجه القول بجوازه، لا سيما وأن جماهير أهل العلم يرون أن السعي لا يصح إلا بعد طواف، يشترط لصحة السعي أن يقع بعد طواف ولو مسنوناً، وعلى هذا ماذا يصنع من أخر الطواف والسعي ووجد الحرج والمشقة في إعادة الطواف، أنا عندي أنه يطوف ثم يسعى وينصرف أسهل من كونه يقدم السعي على الطواف، يطوف ثم يسعى فإن وجد فسحة لطواف الوداع وإلا يكفيه لقرب العهد، لا سيما وأن عائشة -رضي الله عنها- لما أعمرها أخوها عبد الرحمن من التنعيم طافت ثم سعت، ولم يذكر أنها طافت للوداع.

لكن قد يقول قائل: أن عائشة، هذه عمرة، والعمرة لا يلزم لها طواف وداع؟ نقول: لقرب العهد ولوجود المشقة يكتفى بمثل هذا -إن شاء الله تعالى- من غير تقديم للسعي. يقول السائل: كيف يستشعر المسلم مناسك الحج حين تأديتها خاصة في هذا الزمان الذي انشغل أهله بالمال والبنين؟ استشعار العبادات عموماً هو لبها وهو روحها، شخص يصلي ولا يدري ما الصلاة، شخص يصوم ويوم صومه ويوم لهوه سواء، لا فرق بينهما، يعتكف وكأنه في استراحة، يحج وكأنه في نزهة، مثل هذا لا يمكن أن يستشعر إذا لم يكن اتصاله بالله -جل وعلا- وثيقاً في سائر عمره فإنه لن يعان على هذا، فإنه لا يعان على هذا، بل على الإنسان أن يتعرف على الله -جل وعلا- في الرخاء؛ ليعرفه في الشدة. وكثير من الناس -في السنة هذه- في رمضان في العشر الأواخر من رمضان وجد من يصلي من بعد صلاة التراويح إلى صلاة التهجد بدون فاصل، يصلي ركعتين ركعتين، لكن بدون فاصل، هذا توفيق من الله -جل وعلا- هل يوفق لمثل هذا من شغل أوقاته باللهو، ولا يعرف الوتر إلا ركعة أحياناً، وأحياناً لا يعان عليها؟ مثل هذا لا يعان على مثل هذا في الأوقات الفاضلة، وقد رأينا من الصالحين من يستغل الوقت بعد صلاة التراويح إلى أن عدنا لصلاة التهجد وهو رافع يديه يدعو الله -جل وعلا- كيف يعان على مثل هذا وهو في سائر وقته لا يعرف الله -جل وعلا- إلا بجسده دون قلبه وروحه؟ ندخل المسجد وكأننا داخلين ملهى، نسأل الله العافية، ويسهو الإمام ويتجاوز أحياناً آيات ونحن كأننا لا نشعر، والإمام نفسه أيضاً قد يقرأ الآيات المؤثرة ولا يتأثر، ولا أحد من المأمومين يتأثر، وإذا تأثر الإمام وبكى في بعض آية تجد تكملته للآية كـ لا شيء، كأن شيئاً لم يحصل، هل هذا تأثر؟! يعني قد يبكي في جزء من الآية ثم بعد الآية ينهيها على شيء من التعتعة لكن الآيات الثانية التي تليها كأن شيئاً لم يحصل، هل هذا تأثر؟

عرف من حال السلف أن الإنسان إذا خشع في صلاته أو في تلاوته في الليل يعاد في النهار، فنحتاج إلى مراجعة، الصلاة التي لا تنهى عن الفحشاء والمنكر هذه بدون لب، الصيام الذي لا يدل على التقوى بدون لب، في قوله -جل وعلا-: {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة]، لِمَنِ اتَّقَى: فرفع الإثم لمن؟ لمن اتقى، هذا خاص بالمتأخر، أو يشمل المتأخر والمتعجل؟ لمن اتقى يعني ممن تأخر وإلا الجميع؟ الجميع لا يرفع الإثم عن الجميع سواءً تعجل أو تأخر إلا إذا اقترن حجه بالتقوى، ورفع الإثم هنا كقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه))، والذي لا يستشعر مثل هذه الأفعال، ومثل هذه المناسك، ولا يعظمها حق تعظيمها فما عظم الله -جل وعلا- ولا وجدت تقواه في قلبه، تعظيم الشعائر من تقوى القلوب، فالإنسان يدخل على أي هيئة؟ وشخص يدخل المسجد وينتظر شخصاً -هو ظاهره الصلاح وملتحي- ينتظر شخصاً خشية أن يخرج قبله لأنه فاته بعض الركعات إلى أن سلم الإمام فكلمه ثم عاد يصلي، هذا حصل، ومع ذلك يأتي شخص مثلاً وجاء من المواضئ توضأ حاسراً شماغه على كتفه، والعقال على يده، ويصل يصلي ركعة ما بعد كمل؟! ما بعد لبس الشماغ ولا بعد عدل العقال ولا يديه، ولا شيء، مثل هذا يستشعر عظمة هذه العبادة؟ فلا بد من الاستشعار ولا بد من استحضار القلب؛ لتؤتي هذه العبادات ثمارها، لا يقول قائل أن هذه العبادات ليست صحيحة باطلة لا بد من إعادتها، الصلاة -العبادة عموماً- إذا اشتملت على أركانها وشروطها وواجباتها صحت وسقط بها الطلب، لكن هل تؤتي الثمرة التي من أجلها شرعت؟ هل حقق العبودية التي من أجلها خلق على مراد الله جل وعلا؟ هذا خلل كبير، مثل هذا عرضة لأن ينحرف، فلا بد أن يتصل المسلم بالله -جل وعلا- وأن تكون صلته به وثيقة، في حال شدته ورخائه. هذا سؤال يقول: ما حكم المسابقات الثقافية والبرامج العامة التي تكون في الحملات وفيها نوع من الترفيه في أيام الحج؟

بالنسبة للمسابقات عموماً فالأصل في المسابقات أنها لا تجوز إلا في الجهاد، فقط، ((لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر)) ما في إلا في الجهاد. شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- وابن القيم رأوا -أو شيخ الإسلام بالذات الذي هو أصل في المسألة- رأى أن العلم باب من أبواب الجهاد، باب من أبواب الجهاد، فألحق المسائل العلمية بالجهاد وجوز فيها السبق، وما عدا ذلك فيبقى على المنع، ما عدا ذلك فيبقى على المنع، ولا شك أن الحج جهاد وفي سبيل الله، الحج في سبيل الله، لكن هل يسوغ لنا أن من وقف بعرفة فله كذا، من بات بمزدلفة إلى كذا فله كذا، وإن كان في سبيل الله ونلحقه بالجهاد؟ أبداً، من هذه الحيثية لا، لأن هذه عبادات مطلوب عملها من المسلم ولا يلزم أن يحث عليها، وإذا كان لا يفعلها إلا إذا شجع عليها هذا ما جاء للعبادة، وإلا الأصل في المسابقات المنظور فيها لا شك أنه الفائدة العلمية، سواءً كانت في الحملات أو غيره، لكن يبقى أن جانب الترفيه والتسلية ملحوظ أيضاً، وبدلاً من أن يؤمر الحجاج بالإكثار من النوافل والأذكار والتلاوة والتدبر وخدمة الإخوان، نلهيهم ونشغلهم ونقضي على أوقاتهم بمثل هذا؟ وإن كان فيه نوع نفع، لكن لكل مقام مقال، ولذا في الاعتكاف إنما شرع للعبادات الخاصة، حتى أن السلف يعطلون دروسهم وهي في الكتاب والسنة يعطلونها؛ من أجل أن يتفرغوا للقيام والصيام والتلاوة والأذكار والصلة بالله تقوية لصلة بالله -جل وعلا-.

فبعض الناس الآن بحجة أنه يتألف الشباب على الاعتكاف ويسترسل في هذا، حتى أنه وجد بعض الألعاب في المسجد من أجل أن يتألف هؤلاء الشباب، وبعض الآلات التي في بعضها شيء من المخالفات، يجيب لهم بعض الآلات من أجل أن يتألفهم، هذا ليس باعتكاف، يعني لو سماه محضن تربوي ممكن، لكن هذا مجاله غير المسجد، هذه العبادة خاصة وجاءت على نمط خاص، والتفرغ التام فيها ظاهر من فعله -عليه الصلاة والسلام- وفعل أصحابه من بعده، فلا ينبغي أن تخلط بشيء من هذا، والاعتكاف الذي لا يأتي إلا بشيء من المخالطة هذا ليس باعتكاف، ولن تترتب عليه آثاره، وبعض الناس ولوحظ حتى ممن ينتسب إلى العلم يأتي بآلاته يأتي بالمحمول ويأتي بالجوال، ويأتي بـ ... هذا اعتكاف؟! لا بد أن يتجرد الإنسان من أمور الدنيا، ليس معنى هذا أن يترهب أو يتبتل أو يفعل فعل اليهود والنصارى ومغرقة الصوفية وغيرهم، لا، المسألة مسألة تقوية الصلة بالله -جل وعلا- كيف تكون؟، قراءة القرآن هذا وقته؛ رمضان شهر القرآن، والاعتكاف إنما شرع لمثل هذا، فإذا قرأ القرآن على الوجه المأمور به في هذا الوقت آتى ثماره، ورزقه الله به من العلم واليقين والطمأنينة وزيادة الإيمان ما لا يدركه إلا هو أو من فعل فعله، هذا والله المستعان يذكر في الكتب وإلا التجربة الظاهر أنها انتهت، والله المستعان من غير تيئيس، وإلا يوجد ولله الحمد في الشباب بعض من يظن فيه الخير -إن شاء الله تعالى-. شيخ كبير قد جاز المائة -وهذه كررتها مراراً لكنها مؤثرة بالفعل- قد جاز المائة -بدون مبالغة- في صلاة التهجد في التسليمة الأخيرة خفف الإمام بدلاً من أن يقرأ جزء في التسليمة خفف ورقة أو ورقتين؛ لأنه سمع من يؤذن، والعادة أنهم إذا أذنوا فهم انتهوا من الصلاة، فلا يريد أن يشق على جماعته، فلما سلم نزل عليه هذا الشائب -هذا الشيخ الكبير- بأقسى الأساليب، يقول: يوم جاء وقت اللزوم خففت؟!

عندنا ما أبداً الساعة في كل وقت، وإذا كانت في الحائط هي الشاغل للإنسان، العادة أننا ننتهي في الساعة كذا، ينظر متى انتهت ومتى .. ، ولا يستشعر من صلاته شيء، لا شك أن القلوب مدخولة؛ وسببها التخليط في المأكل والمشرب والملبس والمنكح، المركب، فضول الكلام، فضول النوم، فضول الاستماع، في الفضول كلها، هذه كلها منافذ إلى القلب، فإذا سددت هذه المنافذ بهذه الأمور التي تجعل الران يغطي القلب انتهى، ينتهي. يقول السائل: قد لبست الإحرام الذي يكون مخاطاً من أعلى فماذا علي الآن؟ هذا لبسه سابقاً لبسه سابقاً واعتمد فيه على فتوى من تبرأ الذمة بتقليده، هذا ما عليه شيء، لا شيء عليه لا سيما إذا لم يكن من أهل النظر. من كان عمره سبعة عشر سنة وهو يستطيع الحج، ووالده يرفض أن يحج، هل يعصي والده أم يطيعه؟ كيف يعصي والده، هو عاص لله -جل وعلا-؛ لأن الحج على الفور وهو مكلف مطالب به، إذا كان مستطيعاً لا يجوز له أن يؤخر الحج، هو عاص لله -جل وعلا- قبل والده. ومع الأسف أنه يوجد من طلاب الكليات الشرعية من يقول: والله تسليم البحث بعد الحج مباشرة، أنا لا أستطيع أن أحج، الاختبارات بعد الحج أنا لا أستطيع أن أحج، بل وجد ما هو أيسر من ذلك بكثير، منهم من قال والله السنة سنة ربيع، ما أستطيع أن أحج والربيع ما شاء الله، لنستغل ها الفرصة أيام الحج بالرحلات والروحات مع الأخوان وجد هذا، والله وجد ممن ظاهره الصلاح. هذا على قول من يقول أن الحج على التراخي، ما شي، لكن على القول بأن الحج على الفور وهو القول المرجح يأثم، ولو مات لا شك أن إثمه عظيم، نعم؛ لأنه فرط. كثر من الناس التحجيج عن الأموات نفلاً، فهل هذا مستحب وهل له من ضوابط؟ الحج والعمرة مما يقبل النيابة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((حج عن أبيك واعتمر))، فلا أرى ما يمنع من النيابة عن الغير في الحج إن شاء الله تعالى. ما حكم المبيت بما يسمى منى الجديدة أو توسعة منى، مع العلم أننا لم نتأكد هل في منى زحام أم لا؟

كيف منى الجديدة، وكيف تكون لمنى توسعة، هل هي تقبل التوسعة، مشعر معروف الحدود والأطوال من جميع الجهات فلا تقبل التوسعة، يعني لو ضحكوا على من يقتدي بهم وقالوا هذا من منى الجديدة، إيش معنى منى الجديدة، هذه لا تقبل التوسعة، من بات خارج حدود منى فهو خارج منى، سواء كان في مزدلفة أو في مكة أو يمينها أو شمالها، هو خارج منى ومنى معروفة الحدود والأطوال، ولا شك أنه إذا فرط ولم يبحث عن مكان أنه آثم من جهة ويلزمه ما يلزم تارك الواجب. يقول السائل: من كانت وظيفته في الرياض وأهله بين مكة والميقات من أين يحرم إذا أراد الحج والعمرة؟ هو مسكنه الرياض، وأنشأ النسك -سواءً كان حجاً أو عمرة- من الرياض، عليه أن يحرم من ميقات أهل نجد، الذي هو السيل. يقول: من المعلوم أن جمهور العلماء يقولون: بأن من ترك الحج تكاسلاً مع إقراره بوجوبه أنه لا يخرج من الإسلام، فما أحسن الأجوبة عن قوله تعالى: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [(97) سورة آل عمران]، والإجابة عن أثر عمر: "ما هم بمسلمين" وحديث: ((من وجد زاداً وراحلة فلم يحج، فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً))؟ الحج ركن من أركان الإسلام بالإجماع، وجاء فيه الوعيد الشديد في الآية: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [(97) سورة آل عمران]، وجاء في الحديث، والكلام فيه كثير لأهل العلم؛ حتى أدخله ابن الجوزي في الموضوعات، ولا يصل إلى حد الوضع، بل بشواهده قد يقبل التحسين عند بعضهم. المقصود أن شأن الحج عظيم، شأنه عظيم، ومن أهل العلم وهو رواية في مذهب الإمام أحمد، وقول لبعض أصحاب مالك، أنه يكفر بترك الحج كتارك بقية الأركان، فالأمر عظيم، هذه نصوص وعيد، ومعلوم عند أهل العلم أن نصوص الوعيد تمر كما جاءت؛ لأنها أبلغ بالزجر، لا سيما على قول الجمهور الذين يرون أنه لا يكفر كسائر الأركان، ماعدا الشهادتين اللتين لا يدخل الإسلام إلا بهما، والصلاة والمرجح أن تاركها كافر، والنصوص في هذا صحيحة صريحة. يقول: هل يجوز للمرأة أن تستخدم مانع الحيض لأجل الحج؟

إذا كان لا يضر بها فلا يوجد ما يمنع -إن شاء الله تعالى- إذا كان من غير ضرر فلا يوجد ما يمنع -إن شاء الله تعالى- من أجل الحج أو من أجل الصيام، أو من أجل القيام مع الناس، لا يوجد ما يمنع إذا كان لا يضر بها والحكم معلق بخروج الدم، فإذا لم ينزل فصيامها صحيح وطوافها صحيح وصلاتها صحيحة، مع أنها لو تركت الأمر كما قدر الله -جل وعلا- على بنات آدم ونزل في وقته لكان أولى وأحوط. يقول السائل: كثر الحديث حول حج النبي -صلى الله عليه وسلم- هل حج -عليه الصلاة والسلام- قارناً أو متمتعاً؟ وأي مناسك الحج أفضل؟ أما بالنسبة لحجه -عليه الصلاة والسلام- فقد جاء فيه أحاديث صحيحة، وأنه حج مفرداً، وجاء أيضاً ما يدل -وهو صحيح- أنه كان قارناً، وجاء ما يدل على أنه تمتع -عليه الصلاة والسلام- وكلها صحيحة، والشيخ الأمين الشنقيطي -رحمه الله تعالى- يقول: "تعارضها تعارض بيِّن، ولا يستطيع عالم -مهما بلغ من العلم- أن يجمع بين ما تعارض منها؛ لأن معارضتها ظاهرة". ونقول: لا يوجد حديثان صحيحان صريحان تعارضهما ظاهر، إلا إذا كان أحدهما ناسخ والثاني منسوخ، وإلا فلا بد من التوفيق بين هذه الأحاديث. ومن أفضل ما يقال: بأن من قال إن النبي -عليه الصلاة والسلام- حج مفرداً إما أن يقال أنه لبى مفرداً في أول الوقت إلى أن قيل له: "صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: حجة وعمرة" فقرن -عليه الصلاة والسلام-، فمن نظر إلى إحرامه في بادئ أمره قال: مفرداً، ومن نظر إلى نهاية أمره قال: قارناً، ومنهم من يقول: أن من قال أنه حج مفرداً نظر إلى صورة فعله -عليه الصلاة والسلام-؛ وصورة حج القارن لا تختلف عن صورة حج المفرد، فمن نظر إلى الصورة قال مفرداً، ومن نظر إلى الحقيقة، وأنه جمع بين النسكين وأهدى ومنعه هديه من أن يكون متمتعاً قال: إنه حج قارناً وهو الأرجح. الأرجح أنه حج قارناً -عليه الصلاة والسلام-، ومن قال تمتع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد نظر إلى المعنى الأعم في التمتع، المعنى الأعم في التمتع: وهو الجمع بين النسكين في سفرة واحدة، هذا تمتع؛ لأنه ترفه بترك أحد السفرين، فهذا تمتع يشمله المعنى العام للتمتع.

والمحقق في نسكه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان قارناً، ولم يمنعه من أن يتمتع إلا سوقه الهدي، وقد صرح بذلك -عليه الصلاة والسلام-. يقول السائل: لدي عم توفي ولم يحج وكان يصلي تارة ويترك الصلاة تارات أخرى تهاوناً وكسلاً، فهل يجوز لي أن أحج عنه أفتونا أثابكم الله؟ ينظر في آخر أمره، وفي آخر صلاة مرت عليه من حياته وهو يعقل، هل صلى أو لا؟ فإن كان صلى آخر صلاة فهو مسلم، فهو مسلم حكماً، ومع ذلك يحج عنه، ويتصدق عنه ويدعى له، وإن كان في آخر وقته مع ثبات عقله لا يصلي فمثل هذا لا يحج عنه، ولا يدعى له، ولا يتصدق عنه. يقول السائل: ما ضابط المبيت في منى؟ ضابط المبيت أن يبيت غالب الليل؛ لأن الحكم للغالب، وعلى هذا جمهور أهل العلم، أن يبيت غالب الليل، فإذا بات غالب الليل يكفيه إن شاء الله تعالى. يقول: لقد حجَّت والدتي قبل سنوات ولكنها طافت طواف الحج وهي على غير طهارة، فما الحكم في ذلك؟ هذه حجَّت قبل سنين، وقد طافت طواف الحج، يعني طواف الإفاضة، وهل طافت للوداع أو لم تطف بعده؟ طالب: طافت .... طافت طواف الحج غير طاهرة، الطواف غير صحيح، فإن كانت قد طافت طواف الوداع بالطهارة فمن أهل العلم من يرى أنه يقوم مقام طواف الإفاضة، وهو معروف عند الشافعية، وعند المالكية أيضاً، يقوم مقامه أول طواف صحيح يقع بعده؛ لأنه دين في ذمتها وقد أدته، ومنهم من يقول أنه ما زال، ما دام ما نوت أنه طواف إفاضة -الذي هو ركن الحج- فلا يزال في ذمتها فعليها أن تذهب فتطوف للحج، وتسعى بعده باعتبار أن السعي لا يصح إلا بعد طواف، وبعد ذلك أو قبله تذبح شاة، ويكفيها عن ذلك، وأما المحظورات التي ارتكبتها وهي جاهلة يعفى عنها إن شاء الله تعالى. طالب:. . . . . . . . . توفيت؟ لو طيف عنها يسقط إن شاء الله. يقول: إذا جامع الرجل زوجته في الحج قبل التحلل الأول هل يترتب على المرأة ما يترتب على الرجل من الأحكام؟ إذا كانت مطاوعة وهي حاجة ومطاوعة يترتب عليها؛ لأن النساء شقائق الرجال، وإن كانت مكرهة فلا شيء عليها. يقول السائل: ما حكم قول من يقول: أنه يصح التحلل الأول برمي جمرة العقبة فقط يوم النحر؟

المسألة بين أهل العلم فيها خلاف طويل، ومن قال به فله دليله: ((إذا رميتم فقد حللتم))، والرواية الأخرى: ((إذا رميتم وحلقتم))، لكن كأن إذا رميتم أصح، لكن أصح من الجميع حديث عائشة، حديث عائشة أصح من الروايتين في هذا الحديث، وهي أنها كانت تطيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف، فقيدت الحل بما قبل الطواف، وقد مضى الأمران، فالقول المرجح -إن شاء الله تعالى- أنه لا يتم التحلل الأول إلا بفعل اثنين من ثلاثة. يقول السائل: في مخيم بعض الحملات مصلى، ولكنه لا يكفي فهل يصح تكرار الجماعة، أم يقال يصلي الحجاج في خيام ويتابعون الإمام عبر مكبر؟ إن أمكن أن يصلوا ويتابعوا الإمام وهم ملتصقون بالجماعة، ويرونهم ولا يوجد ما يحول دونهم، فمتابعتهم للإمام أفضل، وإن ضاق بهم المكان أو كان هناك فواصل من طرقات وغيرها فيصلون جماعات، يعيدون الجماعة؛ وإعادة الجماعة عند جمع من أهل العلم لا إشكال فيها؛ لا سيما وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما رأى الداخل بعد الفراغ من صلاة الفجر، وأراد أن يصلي منفرداً قال: ((من يتصدق على هذا))، وفي هذا إعادة للجماعة. ما حكم طواف الوداع في العمرة؟ لا يجب طواف الوداع للعمرة؛ لأنه لم يحفظ عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه طاف، وقد اعتمر مراراً، لم يحفظ عنه أنه طاف للوداع، ولا أمر به، وإنما أمر بالوداع بعد تمام نسكه الذي حج فيه حجه، ((إذا أراد أحدكم أن ينفر فلا ينفر حتى يطوف بالبيت))؛ ليكون آخر عهده بالبيت الطواف. ما حكم من حج مفرداً ولم يؤدِّ عمرة الإسلام من قبل؟ حجه صحيح، لكن تبقى العمرة في ذمته، تبقى العمرة في ذمته؛ لأنها واجبة في أصح قولي العلماء. ما معنى قول جابر، "أهل النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتوحيد"؟ أهل بالتوحيد أهل بقوله: ((لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك))، على خلاف ما كانت تلبي به العرب قبل الإسلام فيستثنون: إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك، هذا الشرك فنقضه النبي -عليه الصلاة والسلام- من أساسه واقتصر على التوحيد.

مما يؤسف له أن كثيراً من الحجاج الذين يفدون إلى هذه البقاع المقدسة يقع منهم شيء من الشرك، سواءً كان الأصغر أو الأكبر أحياناً، يقع منهم الشرك خلاف ما شرع الحج من أجله، وخلاف ما خلق الإنسان من أجله، فيقع الشرك بينهم فيحلفون بغير الله -جل وعلا-، ويتداولون بعض الألفاظ الذي جاء تسميتها شركاً، وقد يتجاوزون ذلك إلى الشرك الأكبر، فيدعون من يعتقدون صلاحه من دون الله -جل وعلا- وقد سمعت بأذني من يقول تحت الكعبة: "يا أبا عبد الله جئنا بيتك وقصدنا حرمك نرجو مغفرتك"، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أهل بالتوحيد، هذا الشرك، إن لم يكن هذا هو الشرك فلا شرك، نعم. بعض الحجاج يحجون مفردين ثم يأتون بالعمرة بعد الحج حتى يسقط عنهم الهدي، فما حكم فعلهم هذا؟ فعلهم صحيح، والإتيان بالعمرة بعد الحج ثبت من أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- لعبد الرحمن بن أبي بكر أن يعمر أخته عائشة من التنعيم ويسقط عنه الهدي، وفعله صحيح، لكنه فاته الأفضل، إلا على قول من يوجب التمتع. طالب:. . . . . . . . . طيب، هذه مما اختلف فيه أهل العلم فأوجبه كثير من أهل العلم، وأنه لا يجوز أن يدخل مكة بغير إحرام، وأن دخوله -عليه الصلاة والسلام- يوم الفتح بغير إحرام وعلى رأسه المغفر، هذا إنما كان في الساعة التي أحلت له، والاستثناء يشمل هذا، وهذا قال به جمع من أهل العلم ممن يعتد بقولهم. وأما القول الآخر فإنه لا يلزم الإحرام إلا من أراد الحج والعمرة، وهذا هو الأظهر من حيث الدليل؛ لما حدد النبي -عليه الصلاة والسلام- المواقيت قال: ((هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة))، فهذا صريح، وأما الاستثناء فإن ترخص أحد بفعل النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((فإنما أحلت لي ساعة من نهار، وعادت حرمتها إلى يوم القيامة)).

قالوا إن قوله -عليه الصلاة والسلام- من ترخص بفعلي أو اقتدى بي في هذه الساعة، فقولوا له أن النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما أحلت له في هذه الساعة، يعني أحل له القتال وأحل له الدخول بغير إحرام، ثم عادت حرمتها، فلا يجوز القتال فيها، ولا يجوز دخولها بغير إحرام، وهذا نص عليه جمع من أهل العلم واستدلوا بهذا الحديث على أنه يجب على كل من أراد دخول مكة أن يحرم، لكن الحديث الآخر أصرح في الدلالة، والقول الثاني أرجح، وأنه لا يلزم؛ لأن دليل القول الأول مجمل، يحتمل الأمرين معاً، ويحتمل القتال فقط، مادام مجملاً ويوجد النص الصحيح المفسر البين الواضح فيقدم عليه، ولذا المرجح من قول أهل العلم أنه لا يلزم الإحرام إلا من أراد الحج والعمرة. ما حكم الإحرام للمتردد في الحج والعمرة؟ نعم هذه مسألة تحصل كثيراً يكون للإنسان عمل معين قريب من مكة، إما أن ينتدب إلى الطائف أو إلى جدة، فالطائف بإمكانه أن يحرم من السيل، لا إشكال فيه إذا غلب على ظنه أو ترجح عنده أداء العمرة، لكن الإشكال في مثل جدة، ينتدب للعمل في جدة، ويكون متردداً إن تيسر لي اعتمرت، ما تيسر أديت العمل ورجعت، إن كان تردده على حد سواء هل يعتمر أو لا يعتمر على حد سواء -خمسين بالمائة يعتمر وخمسين بالمائة لا يعتمر أو أقل- كان عزمه على العمرة أقل من عدمه، فمثل هذا يحرم من حجه، وإن كان الغالب على الظن أنه يأتي بالعمرة ويتمكن من فعلها بعد فراغه من عمله أو قبله، فمثل هذا يحرم من ميقات بلده، والحكم معلق بغلبة الظن. ما حكم الإحرام قبل الميقات؟

الإحرام قبل الميقات: كثير من الناس يحرم في مطار الرياض، وليس المراد بالإحرام التأهب للإحرام، لا، بعض الناس يقول: ما أدري يمكن تفوت الطيارة وأنا ما انتبهت فيلبي في مطار الرياض، ثبت عن بعض الصحابة أنهم أحرموا قبل الميقات، وأحرم ابن عمر، وأحرم عُبادة وغيرهم من الصحابة أحرموا قبل الميقات، ومنهم من أحرم من بيت المقدس، وإلا لو لم يثبت الإحرام قبل الميقات عن بعض الصحابة لقيل بأنه بدعة؛ لأن فعله -عليه الصلاة والسلام- هو الأصل في الباب، وأحرم النبي -عليه الصلاة والسلام- من الميقات وقال: ((خذوا عني مناسككم))، فالإحرام قبل الميقات لا شك أنه خلاف الأولى، فالذي يحرم من مطار الرياض خشية أن تمر الطائرة على الميقات وهو لا يشعر، يقول أرتاح، أنا الآن أضمن أني دخلت في النسك، والمراد بالإحرام نية الدخول في النسك لا التجهز له والتجرد من المخيط ولبس لباس الإحرام، لا، هذا لا بأس أن يلبس من بيته، يلبس من بيته، في بيته في الرياض يتجهز، ويلبس الإزار والرداء، لكن لا ينوي الدخول في النسك إلا إذا حاذى، ويوجد في مدينة الرسول -عليه الصلاة والسلام- من يحرم في مكان إقامته، ثم يدخل المسجد للصلاة بإحرامه، ولوحظ هذا بكثرة، يدخل المسجد النبوي بإحرامه، فمثل هذا يوقع في لبس، بعض الجهال يظن أن هذا أحرم لدخول المسجد، أو لزيارة النبي -عليه الصلاة والسلام- فيظن أن هذا مشروعاً فينبغي أن يمنع، إذا أراد أن يحرم في بيته وهو أرفق له من الميقات يحرم، لكن لا يأتي إلى المسجد، لا يحرم إلا إذا انتهى من المسجد، فكونه يحرم ثم يدخل المسجد محرماً قد يظن بعض الجهال -ولا سيما أنه لوحظ أنه يزداد، يعني كان يوجد أفراد، لكن الآن يوجد جماعات يدخلون المسجد محرمين- فيظن بهم، أو يظنون أنهم أحرموا من أجل زيارة النبي -عليه الصلاة والسلام- فمثل هذا ينبغي أن يمنع، ولا يحرم إلا من الميقات، أو لا يدخل المسجد إذا أحرم، إذا لبس ثياب الإحرام، إذا لبس ثياب الإحرام. يقول: ما حكم لبس الخف لمن لم يجد النعل؟

جاء في الحديث الصحيح أن ((من لم يجد النعلين فليلبس الخفين))، وجاء أيضاً في حديث آخر: ((من لم يجد النعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل الكعبين))، وأكثر أهل العلم على حمل المطلق على المقيد في هذه الصورة؛ لأنه اتحد الحكم والسبب فلا بد من القطع. النبي -عليه الصلاة والسلام- بيَّن القطع في المدينة، ولم يشر إليه بعرفة، فقال في المدينة: ((من لم يجد النعلين فليلبس الخفين، وليقطعهما أسفل الكعبين))، وفي عرفة قال: ((من لم يجد النعلين فليلبس الخفين)) ولم يشر إلى القطع، فمنهم من رأى أن هذا ناسخ للأول، ناسخ للأول؛ لأن الحاجة داعية إلى البيان في هذا الموطن؛ لأنه حضر في عرفة -حضر الموقف- من لم يحضر الخطبة في المدينة، ومنهم من يقول: أبداً اتحدا في الحكم والسبب فيجب حمل المطلق على المقيد، فيُستصحب الأمر بالقطع ولو لم يذكر، ويكفي في ثبوت الحكم التنصيص عليه مرة واحدة، والقول بالنسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع، والجمع ممكن بحمل المطلق على المقيد، ولا شك أن مثل هذا أحوط: ((وليقطعهما أسفل الكعبين))، ولو عمل بالقول الآخر لا سيما وأن الحاجة ماسة إلى البيان، وتركه للبيان يدل على الجواز، وهذا ما سلكه الإمام أحمد، وأنه يلبس الخفين ولا يقطعهما. ووجد من يلبس ابتداءً، يجد نعلين، لكن يلبس خفين أسفل من الكعبين، هو يجد نعلين، ما دام رخص في الخفين المقطوعين أسفل من الكعبين كأنه ظن أن هذا يجوز في حال السعة! مثل هذا الخف المقطوع أسفل من الكعبين لا يلبس إلا مع عدم النعلين، لا يلبس مع وجود النعلين. نرجو توضيح لبس المرأة المشروع في الحج من رأسها إلى قدميها؟

لبس المرأة المشروع في الحج، المرأة تختلف عن الرجل فتلبس ما يستر بدنها كله، ولا يستثنى من ذلك إلا النقاب والقفازين، فلا يجوز للمحرمة أن تلبس النقاب، ولا يجوز لها أن تلبس القفازين، وما عدا ذلك يجب ستر بدنها، لا سيما إذا كانت بحضرة الأجانب، وعليها أن تغطي وجهها وكفيها بغير القفازين، وبغير النقاب؛ لأن وجهها ويديها عورة بحضرة الأجانب، وكانت إحداهن كما في حديث أسماء وحديث عائشة وغيرها تكشف وجهها، فإذا حاذاها الركبان سدلت إحدانا كما تقول: "سدلت إحدانا خمارها على وجهها" فتغطية الوجه وسائر البدن بحضرة الرجال الأجانب لا بد منه للمحرمة وغيرها. من كان لديه خادمة فهل يجوز له أن يأخذها معه للحج؟ يشترط لوجوب الحج على المرأة وجود المحرم، فإذا لم تجد محرم فإنه لا يجب عليها حج، وإذا حجت بغير محرم أثمت وأثم من حج بها، وحجها صحيح، ومجزئ ومسقط للطلب، لكنها آثمة، فلا يجوز لها أن تسافر بغير محرم. يقول السائل: إذا كانت علة ترك المحظورات هي الترفه، وإذا كان ذلك كذلك فهل تكره الرفاهية الزائدة في بعض الحملات في المآكل والمشارب والمراكب والفرش؟ صح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في البخاري وغيره أنه حج على رحل، ما معنى حج على رحل؟ يوضحه بقية الحديث: "وحج أنس بن مالك على رحل ولم يكن شحيحاً" حج النبي -عليه الصلاة والسلام- على رحل، وحج أنس بن مالك على رحل ولم يكن شحيحاً، هذا فيه دليل على عدم الترفه، ولم يفعله النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا خيار هذه الأمة، فعلى الإنسان أن يتوسط في أموره كلها، في حجه وفي غير حجه، لكن في أوقات العبادات والأزمان الفاضلة ينبغي أن ينكسر الرجل ويخرج عن مألوفه بالقرب من الله -جل وعلا-، وكلما تواضع الإنسان وانكسر قلبه كان أقرب إلى ربه، ولذا ((أقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد)).

بعض الناس يبحث عن أفضل الحملات، أفضل من ناحية إيش؟ من ناحية الخدمات، وبعضهم يبحث عن أفخر الفنادق، ما أدري كيف يستحضر ويستشعر لذة العبودية، رائح ليتعبد في العشر الأواخر من رمضان ويبحث عن أفخر الفنادق، التي لا يسكنها إلا طبقة من الناس قد لا يناسبونه، ويمر بأمور لا تناسب لا الوقت ولا الزمان ولا المكان، وينظر عن يمنيه وعن شماله، وناس لا يناسبونه فمثل هذا عليه أن يتواضع لله -جل وعلا- لا سيما في هذه الأماكن المقدسة والأوقات الفاضلة. إذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- كادت الخميصة أن تفتنه -خميصة ثوب مخطط- فماذا عن غيره -عليه الصلاة والسلام-؟ وماذا عما هو أعظم من الخميصة؟ لا بد أن يبذل الإنسان كل ما يستطيع لحماية جناب العبادة، الخميصة كادت أن تفتن النبي -عليه الصلاة والسلام- وصلته بربه –عليه الصلاة والسلام- أقوى الصلات، فكيف بغيره؟ لو تحرك الباب نسي كل شيء -كما هي حالنا- وبعض المساجد الذي له أدنى ذوق بالخط والرسم لن يدرك من صلاته شيء، هذا إذا كان له أدنى ذوق، فكيف بمن يتذوق أمثال هذه الخطوط والرسوم والنقوش، وصارت مساجد المسلمين تشبه الكنائس، فما بالك بالفنادق الخمسة نجوم، وأحياناً يقولون: بعد الآن ظهر سبع نجوم وما أدري كم، {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [(8) سورة النحل]، ما تدري،؟ هل يستشعر الإنسان الصلة بالله -جل وعلا- وهو بين هذه الزخارف؟ والمساجد حالها كما ترون، المساجد والنهي عن زخرفتها وأنها من علامات الساعة معروفة، كل هذا من أجل حماية العبادة، جاء في الأثر: "لا تحمروا ولا تصفروا"، وإذا نظرت إلى أكثر المساجد والألوان اللي فيها الأحمر والأصفر، والله المستعان. يقول السائل: الذي يطوف بالصبي وقد ضم صدره إلى صدره، فيكون البيت عن يمين الصبي ما حكم طوافه؟ وهل تكفي نية واحدة للحامل والمحمول؟ نعم إذا طاف بصبي طوافاً صحيحاً، بمعنى أن يكون البيت على جانبه الأيسر، وقد نوى عنه وعن محموله أجزأه، أجزأه الطواف ولا يلزم أن يطوف به ثانية، لكن إذا حمله على الصفة المذكورة بأن يكون البيت عن يمين الصبي المحمول فإن الطواف لا يصح،؛ يشترط لصحة الطواف أن يكون على الجهة اليسرى على يسار الطائف.

في قوله تعالى: {وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ} [(196) سورة البقرة] قول السائل: أشكل علي الحلق في يوم العيد قبل ذبح الهدي، أرجو التوضيح؟ هذا من أعمال الحج التي سئل عنها النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما سئل عن شيء منها إلا قال: ((افعل ولا حرج))، ولا شك أن الذبح أيضاً فيه إشكال، هل يذبح من حين ينصرف من مزدلفة باعتبار أنه يجوز له أن يرمي، ويجوز له أن يطوف، ويجوز له أن يقدم الحلق عليهما بناء على ما ثبت من قوله: ((افعل ولا حرج))؟ فإذا جاز له أن يرمي مجرد وصوله إلى منى، يجوز له أن يطوف بمجرد انصرافه من مزدلفة، ويجوز له أن يقدم النحر عليهما، لا شك أن هذا فيه إشكال، والنحر الذي سببه التمتع أو القران عند أهل العلم حكمه حكم الأضحية، وإن وجد من يقول: بأنه يجوز ذبحه قبل الصلاة وقبل طلوع الفجر بل قبل يوم النحر، بل قبل يوم عرفة من حين إحرامه بالحج؛ لأنه انعقد سببه، ما دام انعقد السبب فيجوز فعله ولو لم يأتي وقت الوجوب، والقاعدة: أن العبادة إذا كان لها سبب وجوب ووقت وجوب فإنه لا يجوز فعلها قبل السبب اتفاقاً، ويجوز فعلها بعد الوقت يعني بعد دخول الوقت اتفاقاً، والخلاف فيما بينهما، نظير ذلك اليمين، اليمين تنعقد بالحلف، لكن متى تلزم الكفارة؟ تلزم إذا حنث، يقول: يجوز أن يكفر إذا حلف قبل أن يحنث، لا يجوز له أن يكفر اتفاقاً قبل أن يحلف، قبل أن يحلف -يعقد اليمين- ويجوز له اتفاقاً أن تكون الكفارة بعد الحنث، والخلاف فيما بينهما، بعد انعقاد اليمين وبعد الحنث، وجا في الحديث: ((إلا كفرت عن يميني ثم أتيت الذي هو خير))، وجاء أيضاً بلفظ مغاير، فيدل على أن فيه سعة، لكن الأحوط بالنسبة للذبح أن يقع بعد صلاة العيد وأن يكون بعد ذبح الإمام إذا عرف، وإلا فبقدره، يعني بعد الصلاة كشأن الأضحية هذا هو الأحوط، وقد قال به بعض العلماء، فهو أحوط، لكن إذا رمى ثم نحر ثم حلق حل، لكن إذا قدم الحلق، الحلق نسك وهو من أعمال يوم النحر يجوز تقديمه على النحر، حلقت قبل أن أنحر؟ قال: ((افعل ولا حرج)) حلقت قبل أن أرمِ؟: ((افعل ولا حرج)) رميت قبل أن أنحر؟ ((أفعل ولا حرج)).

فبناء على هذا الحديث الخاص والعام، ما سئل عن شيء قدم ولا أخر في هذا اليوم إلا قال: ((افعل ولا حرج)) يدل على جواز تقديم الحلق على الرمي والطواف والنحر. منهم من يتحرج؛ باعتبار أن حلق الشعر محظور من محظورات الحج، فيجعله آخر شيء، لا شك أن هذا أحوط، والترتيب على فعله -عليه الصلاة والسلام- يرمي الجمرة ثم ينحر ثم يحلق ثم يفيض، هذا هو الترتيب، هذا الذي فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو أكمل. يقول السائل: هل هناك دليل على لزوم المبيت لمن تأخر في الرمي إلى بعد غروب الشمس يوم الثالث عشر؟ لزوم المبيت والتأخر أيام التشريق الثلاثة في اليوم الثالث لمن غربت عليه الشمس، لمن غربت عليه الشمس؛ لأنه إذا غربت عليه الشمس دخل عليه الليل، والله -جل وعلا- يقول: {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} [(203) سورة البقرة]، ما قال في ليلتين، أو في يوم وليلة، أو في يومين وليلتين، لا، دل على أنه لا بد من اعتبار الأيام فإذا شرع في اليوم الثالث لا بد أن يقع ما يجب عليه فعله في اليوم الثالث، وبغروب الشمس يكون شرع في اليوم الثالث. بهذا أيها الأخوة نكون قد وصلنا إلى نهاية هذا اللقاء مع فضيلة الشيخ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، نسأل الله أن يجزيه خير الجزاء، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ..

رحلات أهل العلم في الحج

رحلات أهل العلم في الحج الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، أفضل من صلى وصام، وحج البيت الحرام، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام: الرحلة إلى حج بيت الله الحرام، رحلة خير وبركة على من وفق الله -تبارك وتعالى- ومن خيرات هذه الرحلة أنها مشرع روي، وسبيل من سبل التصنيف عند العلماء؛ يدونون فيها مروياتهم، ويكتبون فيها ملاقاتهم بالعلماء، ويذكرون فيها اختياراتهم العلمية في أبواب العلم المختلفة. ولعل ذلك يصدق قول تبارك وتعالى -بل هو مما يصدق قول الله -تبارك وتعالى-: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [(27) سورة الحج]. ونحن في هذه الليلة نستضيف فضيلة شيخنا العلامة الشيخ الدكتور/عبد الكريم بن عبد الله الخضير، ليحدثنا عن محاضرة -سمعتم بل قرأتم عنوانها- وهي: رحلة العلماء إلى حج بيت الله الحرام، وفضيلته حينما يتحدث عن هذا الموضوع فإنه سيحدثنا حديث العارف الخبير؛ فإنه حفظه الله له اطلاع واسع على كتب أهل العلم، وله قراءة ممتدة في الفنون المختلفة. فنسأل الله أن يثيبه لقاء ما أجاب من هذه الدعوة، ونسأل الله -تبارك وتعالى- أن يرفع درجاته، وأن يوفقه إلى كل خير، فليتفضل مشكوراً. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقد طلب مني الأخ الشيخ الفاضل الدكتور/ عبد المحسن -حفظه الله- أن أساهم في دورتهم هذه العلمية بحديث عن الرحلات العلمية المتعلقة بالحج.

وهذا الكلام في هذا الموضوع لا شك أنه يحتاج إلى أديب؛ فجل من كتب في هذا المجال له يد طولى في الأدب، ولا تجدون من أهل العلم الصرف ممن كتب إلا القليل النادر، وإذا كتب فإنه يكتب منسكاً، يسميه رحلة، على طريقة أهل العلم، وأما من كتب في الموضوع ممن يشد القارئ إلى هذه الرحلة فهم من لهم عناية في الأدب، ولذا تجدون كل من كتب في الجملة له يد طولى في الأدب كما سيأتي في تراجم بعضهم، ولذا لو طلب مني فضيلته أن أتحدث عن رحلتي الخاصة أو عن رحلاتي إلى الحج ما أجبته؛ لأني لست من أهل الأدب. الأدب المقصود به أدب الدرس، وإلا فأدب النفس معروف، كل من ينتسب إلى العلم يظن فيه إن شاء الله هذا. أنا أتحدث عن الكتب والرحلات باعتبار أنها كتب، ولي شيء من الدراية والخبرة بالكتب، لكن مع الأسف أن كتب الرحلات وكتب الدواوين وكتب الأدب عموماً عندي -في مكتبتي- مركوم بعضها على بعض منذ أمد طويل؛ رجاء أن يتسنى الوقت لترتيبها وتنظيمها، ولذا لا تجد في هذه الكتب مما قرأته ودونته فوائده، إنما كتب من الكتب الطارفة يعني ما هي من التليدة. على كل حال، لا بد من إجابة الدعوة؛ لأن الداعي له حق عليَّ بلا شك وهو أثير عندي فلا أستطيع رد الدعوة، وإن كانت كتبي غير مهيأة للنظر فيها، لا سيما في هذا المجال، ولذا قد تجدون شيئاً مما توقعتم أكثر منه. على كل حال الله -جلا وعلا- أمر نبيه إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- لما بنى البيت بقوله -جل وعلا-: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [(27) سورة الحج].

يقول القرطبي: لما فرغ إبراهيم -عليه السلام- من بناء البيت، وقيل له: أذن في الناس بالحج، قال: يا رب وما يبلغ صوتي؟ قال: أذِّن وعليَّ البلاغ، فصعد إبراهيم -عليه الصلاة والسلام وعلى نبينا- جبل أبي قبيس وصاح: يا أيها الناس، إن الله قد أمركم بحج هذا البيت؛ ليثيبكم به الجنة ويجيركم من عذاب النار فحجوا، فأجابه -كما في الرواية- من كان في أصلاب الرجال وأرحام النساء: لبيك اللهم لبيك، فمن أجاب يومئذ حج على قدر الإجابة، إن أجابه مرة حج مرة، وإن أجاب مرتين حج مرتين، وجرت التلبية على ذلك، قاله ابن عباس وابن جبير. وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمة الله عليه-: ذكر المفسرون أنه لما أمره ربه أن يؤذن في الناس بالحج، قال: يا رب، كيف أبلغ الناس وصوتي لا ينفذهم؟! فقال: ناد وعلينا البلاغ. فقام على مقامه -هناك في الرواية الأولى على جبل أبي قبيس- فقام على مقامه، وقيل على الحجر، وقيل على الصفا، وقيل على أبي قبيس، وقال: يا أيها الناس، إن ربكم قد اتخذ بيتاً فحجوه، فيقال إن الجبال تواضعت حتى بلغ الصوت أرجاء الأرض، وأسمع من في الأرحام والأصلاب، وأجابه كل من سمعه من حجر ومدر وشجر، ومن كتب الله أنه يحج إلى يوم القيامة، لبيك اللهم لبيك. قال الإمام الحافظ ابن كثير -رحمه الله- بعد أن ذكر هذا الكلام: هذا مضمون ما ورد عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير، وغير واحد من السلف، والله أعلم. وأوردها ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيريهما مطولة. ولما ذكر في الآية الرجال والركبان أجمع العلماء على جواز الركوب والمشي، واختلفوا في الأفضل منهما فذهب مالك والشافعي وآخرين إلى أن الركوب أفضل اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ولكثرة النفقة، ولتعظيم شعائر الحج بأبهة الركوب، وذهب غيرهم إلى أن المشي أفضل لما فيه من المشقة على النفس ولتقديمه في الآية. يقول القرطبي: استدل بعض العلماء بسقوط ذكر البحر: {رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ} [(27) سورة الحج] هذا المذكور في الآية، لكن ما ذكر بحر ولا جو، يقول القرطبي: استدل بعض العلماء بسقوط ذكر البحر من هذه الآية على أن فرض الحج بالبحر ساقط.

قال مالك: لا أسمع للبحر ذكراً، وهذا تأنس، لا أنه يلزم من سقوط ذكره سقوط الفرض فيه؛ وذلك أن مكة ليست على ضفة بحر يأتيها الناس في السفن، ولا بد لمن ركب البحر أن يصير في إتيان مكة إما راجلاً وإما على ضامر، فإنما ذكرت حالتا الوصول -يعني إلى مكة- وإسقاط فرض الحج بمجرد البحر ليس بالكثير ولا بالقوى. لماذا؟ لأن الغالب السلامة، ولكن إذا كان الغالب الهلاك لسقط الحج، لمن لا يستطيع إلا بركوب البحر، أو بركوب جو مثله. يقول: فأما إذا اقترن به عدو وخوف أو هول شديد أو مرض يلحق شخصاً، فمالك والشافعي وجمهور الناس على سقوط الوجوب بهذه الأعذار، وأنه ليس بسبيل يستطاع. أقول، وقل مثل هذا في ركوب الجو الطائرة مثلاً، فبعض الناس لا يطيقه ويحصل له ما يحصل لراكب البحر من الدوار وغيره، الذي لا يستطيع ركوب البحر يلحقه بذلك ألم شديد أو مرض مثلاً، قل مثل هذا في الجو، إذا كان لا يستطيع حينئذ يعذر، كمن لا يثبت على الراحلة، ولذا لم يقل أحد من أهل العلم أنه يلزم أن يشد على الراحلة حتى يصل، وليس معنى هذا أن يتساهل الناس يقولون: الطيران في الجو، ما الذي يمسكها؟ يمسكها الذي يمسك الطير، والغالب ولله الحمد السلامة، ما يحصل ولا واحد من ألف، وهذه النسبة ولو حصلت غير منظور إليها، ولذا يجب الحج بالاستطاعة، سواءً كان ماشياً أو راكباً على أي وسيلة مباحة كانت، استجابة لهذا النداء وامتداداً له، فرض الحج على هذه الأمة وشدد فيه حتى جعل ركناً من أركان الإسلام، يقول الله -جل وعلا-: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [(97) سورة آل عمران]، وفي الصحيح من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج لمن استطاع إليه سبيلاً، وصوم رمضان)) متفق عليه. فوجب على كل قادر أن يحج، فلبى المسلمون بتلبية نبيهم الذي لبى بالتوحيد، وسيأتي في ذكر بعض هذه الرحلات ما يناقض ويخالف هذا.

ما حصل من بعض الرحالين، بل من مشاهيرهم وكبارهم وممن عني برحلاتهم ما ينقض كلمة التوحيد، من وقوفهم على المشاهد والمزارات ودعائهم الموتى وتوسلهم بالصالحين، وطلب الحاجات منهم، هذا كثير، مع الأسف أنه لو أردنا أن نذكر مثال لكل باب من أبواب التوحيد الذي صنفه الإمام المجدد -رحمه الله- من رحلة ابن بطوطة، أشهر الرحلات لوجدنا ما يشهد لكلامه -رحمه الله- وما ينقضه، فتجده يطلع الجبل أسبوع ليقف على قبر، ذكر له أنه قبر رجل صالح، ويعكف عنده، ويبدو منه من الشركيات ما الله به عليم، وهذا كثير في رحلته، وأيضاً هو موجود في الرحلات الأخرى، لكن هذه الرحلة على وجه الخصوص، لا بد من ذكر مثل هذه الأمور؛ لأنها منتشرة شائعة بين الناس وترجمت إلى جميع اللغات الحية، وعني بها وقررت في بعض الدول كمنهج دراسي، والحديث عنها يأتي قريباً إن شاء الله تعالى. فوجب على كل قادر أن يحج البيت، فلبى المسلمون واستجابوا فلم يترك الحج إلا غير المستطيع ممن عذره الله -عز وجل- أو من تساهل في تعجيله فاخترمته المنية قبل ذلك، هذا بالنسبة لعموم المسلمين، وأما بالنسبة للعلماء فلم يذكر منهم ممن لم يحج إلا النزر اليسير. ممن لم يحج كابن حزم -رحمه الله- ذكر ذلك ابن القيم عنه في زاد المعاد، ولعل سبب أوهامه في بعض مسائل الحج يرجع إلى هذا، كونه لم يحج، ولو حج لتغيرت بعض آرائه. وذكر عن بعضهم أنه صنف في المناسك، فلما حج أحرق كتابه، وصنف كتاباً آخر، وكما جاء في الخبر: "ليس الخبر كالعيان، ليس الخبر كالمعاينة". حج المسلمون امتثالاً لأمر ربهم رجالاً ونساءً علماءً وعامة، والذي يعنينا منهم العلماء الذين هم موضوع الدرس (رحلات العلماء في الحج). والعلماء اختلفت طرائقهم أثناء حجهم، وكل له طريقته ومنهجه: فمنهم من زاول في حجه العبادات الخاصة، واغتنم فضل الزمان والمكان فأكثر من النوافل ومن الأذكار والابتهال، وقراءة القرآن على الوجه المأمور به، واستغل هذا المكان بهذه العبادات الخاصة، ولا شك أن هذا خير كثير لمن وفق له.

ومنهم من فعل ذلك وزاد عليه بأن تصدر للنفع العام، ووقف نفسه ووقته وجهده لاستقبال الناس وإفتائهم وإرشادهم، والمقرر عند أهل العلم أن النفع المتعدي أفضل من اللازم في الجملة، لا يورد علينا أن الصلاة أفضل من الزكاة، لكن في الجملة النفع المتعدي -لا سيما في النوافل- أفضل من النفع القاصر، هذا المقرر عند أهل العلم، ولذا صار طلب العلم عند جماهير أهل العلم أفضل من نوافل العبادات؛ لأن نفعه متعدي ينتفع به الإنسان وينفع به غيره. هؤلاء العلماء إذا وصلوا إلى تلك الأماكن، كل سلك مسلكه، وكل بحث عما يناسبه، فتجد القارئ يبحث عن القراء ويستفيد منهم ويفيدهم، وتجد المحدث يبحث عن المحدثين، ويستفيد منهم ويفيدهم، وتجد الفقيه كذلك، والمؤرخ كذلك، والأديب كذلك، وكل من له اهتمام بشيء بحث عن نظرائه وحاورهم وطارحهم وناقشهم واستفاد منهم وأفادهم، وهذا موجود في الرحلات، كل من كتب في الرحلات يظهر نفَسُه في كتابه وما يميل إليه. كثير من أهل العلم ما دونوا هذه الرحلات وإن اشتملت على فوائد عظيمة، كثير منهم ما دونت رحلاتهم؛ والسبب في ذلك ما أشرت إليه في التقدمة، أن هذه المدونات جل مؤلفيها ممن له عناية بالأدب ممن يستطيع أن يصوغ المشاهدات، بعض الناس يشاهد لكن لا يستطيع أن يعبر عما شاهد وإن كان من أهل العلم، يعني ليست له دربة ولا خبرة بالعبارات والأساليب والأشعار وحفظ ما ذكر في هذه الأماكن، إنما يهمه قال الله وقال رسوله والحلال والحرام، ونِعْمَ ما اهتم به.

لكن من له عناية بالأدب تجده يشاهد، ربع ساعة فيكتب ما يقرأ في ساعة، وهذا موجود إلى وقتنا هذا، تجد من ينتسب إلى العلم من طبع له أكثر من مائة رحلة، وما زال يسافر ويكتب ويدون، فهي قدرات {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [(4) سورة الليل]، فمنهم من يتجه إلى القرآن وما يخدم القرآن ويكتب فيه ويصرف جل همه فيه، ونعم ما سلك، ومنهم من يصرف همته إلى السنة، ومنهم من ينصرف إلى الحلال والحرام، وغير ذلك من العلوم، ومنهم من يصرف نفسه -جهده ووقته- في القيل والقال، ومع الأسف أن هذا ملاحظ حتى في تلك الأماكن في تلك الأوقات الفاضلة تجد بعض طلاب العلم يذهب وقته سدى قيل، وقال، في اللغو والرفث، فمثل هذا عليه أن يرجع، أن يراجع نفسه، يسمع قول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) وأربعة أيام لا يستطيع أن يملك نفسه، لماذا؟ لأن بقية وقته، وطيلة عمره في القيل والقال، ما تعرف على الله في الرخاء ليعرف في الشدة، على كل حال على طالب العلم أن يسلك الجادة، وأن يهتم بنفسه، وأن يحرص كل الحرص على اكتساب المغانم قبل فوات الأوان. أقول: قليل من أهل العلم من سجل هذه الفوائد التي مرت عليه سواءً كانت منه أو من غيره في مدون على أن أكثر هذا القليل، الكثير من هذا القليل من الرحلات المدونة، عني كاتبوها فيه بذكر الآثار في بلاد الحرمين، وكثير منه لا يسلم من ابتداع، وهم يتفاوتون: منهم المبتدع البدعة المخففة، ومنهم من دون في رحلته البدع المغلظة. من هذه الرحلات المدونة، بل من أقدمها: رحلة ابن جبير، وهو أبو الحسين، هذه رحلته، رحلة ابن جبير أبو الحسين محمد بن أحمد بن جبير الكناني الأندلسي الشاطبي البلنسي، مولده ليلة السبت عاشر ربيع الأول سنة أربعين وخمسمائة ببلنسية، أخذ القراءات وعني بالأدب فبلغ الغاية فيه، وتقدم في صناعة القريظ والكتابة. ومن شعره أثناء رحلته يقول: لا تغترب عن وطنٍ ... واذكر تصاريف النّوى أما ترى الغصن إذا ... ما فارق الأصل ذوى قال هذين البيتين لما رأى غصناً مال عن الشجرة فاصفر، هو الرحالة المشهور ويقول: لا تغترب عن وطنٍ ... واذكر تصاريف النّوى

أما ترى الغصن إذا ... ما فارق الأصل ذوى أبلغ من ذلك قول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((السفر قطعة من العذاب، أو من نار))؛ معروف أنه يعوق عن تحصيل كثير مما كان يحصله في إقامته، لكن من رحمة الله -جل وعلا- بعباده أن جعل العمل يجري لصاحبه الذي كان يفعله في الحضر يجري له أجره إذا سافر أو مرض. يقول ابن الخطيب، لسان الدين ابن الخطيب في حقه: أنه من علماء الأندلس بالفقه والحديث والمشاركة بالآداب وله الرحلة المشهورة، وقال في نفح الطيب: كان انفصاله من غرناطة بقصد الرحلة المشرقية أول ساعة من يوم الخميس الثامن لشوال سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، ووصل الإسكندريّة يوم السبت التاسع والعشرين من ذي القعدة من السنة، فكانت إقامته على متن البحر من الأندلس إلى الإسكندرية ثلاثين يوماً، ثلاثين يوماً وهو في البحر، إقامته في البحر، وفي مجيئه من الأندلس إلى الإسكندرية ثلاثين يوماً، لكن رجوعه إلى الأندلس على متن البحر الأبيض المتوسط ذكروا ستة أشهر؛ لأنه كلما قارب الوصول جاءت ريح ردته إلى مبتدئه، وعلينا أن نشكر هذه النعم التي نتقلب فيها. شيخ كبير جاوز التسعين من عمره صام يوم عرفه في بلده في الرياض، وأفطر مع أولاده، فلما رأى منظر الانصراف من عرفة إلى مزدلفة بكى، فقال له ابنه البار: ما الذي يبكيك؟ قال: يحج الناس وأنا في الرياض؟ قال: اركب، وحج في تلك السنة على السيارة، لا على الطائرة، على السيارة ركب بعد أن أفطر ووصل إلى عرفة قبل طلوع الفجر، ثم نزل إلى مزدلفة ثم إلى منى وهكذا وحج! وهؤلاء يمكثون الأشهر الطوال، وكتب التاريخ مملوءة بالعجائب في أخبار الحجاج، وكانت الطرق غير آمنة، قل من يسلم، كثير منهم يعطب، ذكروا في كتب التواريخ العجائب. ذكر الحافظ ابن كثير -رحمه الله- عن رجل أنه حج تسعين مرة حافياً، نعم الحج حافياً ليس بالمشروع، لكن يدل على حرص شديد وذكروا أيضاً من الغرائب أن قدميه كقدمي العروس، مع هذه المدة، وإن كان الخبر ما يسلم من نكارة، ويبقى أن له أصل، .... يحج عشر مرات أو عشرين مرة على قدميه من بغداد كثير.

وذكروا في ترجمة شخص أنه حج ثلاث مرات من بغداد ماشياً، فلما قدم من الحجة الثالثة دخل البيت، فإذا أمه نائمة، فنام بجانبها لم يوقظها فانتبهت فرأته بجانبها فقالت: يا فلان أعطني ماءً فتثاقل كأنه لم يسمع، ثم قالت له الثانية: أعطني ماءاً، ثم لما قامت الثالثة: قام إلى شن معلق وأعطاها شيئاً من الماء، ثم مكث بقية ليلته يحاسب نفسه، أحج ماشياً، والماء أمتار، أحج نفل ماشياً والواجب الذي هو البر، والماء على بضعة أمتار يثقل عليَّ؟!! شك في نيته وإخلاصه، فذهب يسأل، ذهب يسأل، معروف أنه لو سأل أحد من الفقهاء فقال له: عليك أن تخلص وتراجع نفسك وتندم وتستحل والدتك، وحجك صحيح ولا عليك شيء، لكنه سأل شخصاً من أطباء القلوب، ولا يعني أنه فقيه من الفقهاء الكبار أهل الفقه العملي، فقال له: أعد حجة الإسلام، أنت ما حججت لله، وليس معنى هذا أننا نصوب هذه الفتوى لكن نقول: على الإنسان أن يراجع نفسه فيما يأتي وفيما يذر، أن يكون عمله فعلاً وتركاً خالصاً لله -عز وجل- ما الذي يغلب على الظن يذهب إلى مكة ماشياً ثلاث مرات، والماء على بضعة -لا تقل أمتار- بضعة أشبار يمكن؛ لأنه ما كانت بيوتهم كبيرة، ويثقل عليه أن يأتي لأمه بشيء من الماء، مع الأسف أن هذا موجود عند كثير من طلاب العلم، وكثير من الآباء والأمهات يشكون من هذا. يسهل على الإنسان أن يمر به واحد من زملائه فيذهب به إلى البراري في الشتاء القارس، وأماكن بعيدة ويناله من المشقة والتعب ما يناله، يسهل عليه، ويثلج على قلبه وصدره، ويخف لهذا، ولا يحتاج إلى أن يكرر ضرب المنبه، مستعد، ثم يذهب به الأيام والليالي الطوال، وإذا قالت له الوالدة نريد أن نذهب إلى أختي، يعني خالته، والخالة بمنزلة الأم، والآمرة الأم، قال: والله أنا مشغول، أنا عندي درس، مع أن هذا الكلام بعد صلاة العصر، يقول: أنا عندي درس المغرب، وخالته احتمال أن تكون في نفس الحي، ويثقل عليه جداً، وهذا موجود فعلى الإنسان أن يراجع نفسه، وعلى الإنسان أن يهتم بهذا الباب. مكث ابن جبير شهراً كاملاً في البحر، من الأندلس إلى الإسكندرية، ومات -رحمه الله- سنة أربع عشرة وستمائة.

جاء في تقدمة الدكتور/ حسين نصار لهذه الرحلة يقول: هذا الكتاب رحلة قام بها أندلسي للحج، استغرقت عامين وثلاثة أشهر ونصف، من التاسع عشر شوال سنة ثمان وسبعين وخمسمائة، إلى الثاني والعشرين من المحرم سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، وزار فيها مصر وبلاد العرب والعراق والشام وصقلية، ووصف في هذه الرحلة المدن التي مر بها، والمنازل التي حل فيها وصفاً يختلف إسهاباً وإيجازاً وفقاً لأهمية الموضع، وتختلف المظاهر التي عني بوصفها في المدن المتنوعة، تختلف أحياناً وتتفق أحياناً، فقد عني في جميع المدن التي وصفها بالمساجد وقبول الصحابة، والمشهورين، والمستشفيات، والمصحات، والآثار المعروفة، وعني في مصر خاصة ببعض النواحي الاجتماعية والاقتصادية، وببلاد العرب بالناحية الدينية خاصة، وفي العراق بالوعظ والوعاظ، يعني يذكر ما يشتهر به هذا البلد. أذكر في قراءتي القديمة لهذه الرحلة أنه ذكر أنه دخل بلد من بلدان فلسطين، ما أدري نابلس أو غيرها، فوجد أهلها يضعون أيديهم على أستائهم إذا مشوا، يعني يضعون أيديهم على خلفهم -وهذا متى؟ في القرن السادس- ثم أخذ يتكلم عن هذه العادة وأنها سيئة ولا تنبغي، لا ينبغي فعلها. عني في بلاد العرب بالناحية الدينية خاصة، وفي العراق بالوعظ والوعاظ وفي الشام بالنواحي السياسية والاقتصادية والحروب بين المسلمين والصليبين، وفي صقلية بالمسلمين تحت حكم الملك الكافر، وطبيعي أنه التفت في كل مدينة بالأمر الذي اشتهرت به، واهتم بوصفه كمنار الإسكندرية وأهرام القاهرة، ومقياس جزيرة الروضة، وآثار مكة الإسلامية والمسجد النبوي بالمدينة، ومسجد الكوفة، ونفط الموصل، وقلعة حلب، والمسجد الأموي بدمشق وما إلى ذلك، والحق أن الكتاب -يقول المقدم-: يتضمن بعض المعلومات التي لا يستغني عنها مؤرخ أو جغرافي أو أديب. وعني المؤلف في كل قطر نزل به بتقصي أحوال المغاربة فيه -أحوال قومه- وعلاقة أهله بهم، ووصف ذلك في رحلته وصفاً مطولاً، والكتاب اختلف في عنوانه، فجعله حاجي خليفة صاحب كشف الظنون: (رحلة الكناني)؛ لأن نسبته تنتهي إلى كنانه.

والكتاب يبدئ بتذكرة الأخبار عن اتفاقات الأسفار، فقد يكون هذا هو عنوان الكتاب: (تذكرةٌ بالأخبار عن اتفاقات الأسفار) وهذا الكتاب طبع مراراً، مطبوع في أوروبا أكثر من مرة، وطبع في مصر أيضاً ولبنان. وفيه فوائد كثيرة جداً، وفيه بعض المخالفات، لا سيما إذا وصف مشهداً أو مزاراً، لكنه أخف بكثير من ابن بطوطة أو النابلسي على ما سيأتي. من هذه الرحلات، بل من أهمها، ولو قلت أنها أهم الرحلات لطالب العلم لما بعدت (رحلة ابن رشيد) أبي عبد الله محمد بن عمر بن رشيد أبو عبد الله الفهري السبتي المولود سنة سبعة وخمسين وستمائة، وقال الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة: "واحتفل في صباه بالأدبيات حتى برع في ذلك، ثم رحل إلى فاس، فأقام بها وطلب الحديث فمهر فيه، وصنف الرحلة المشرقية في ست مجلدات، وفيه من الفوائد شيء كثير –هذا كلام ابن حجر- وقفت عليه وانتخبت منه". وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء: "ولما رجع من رحلته سكن سِبْت ملحوظاً عند العامة والخاصة" يعني محل عناية من الناس، وذلك لما تميز به من العلم والعمل. كان ورعاً مقتصداً منقبضاً عن الناس ذا هيبة ووقار، يسارع في حوائج الناس، يجلب المصالح، ويدرأ المفاسد، يؤثر الفقراء والغرباء والطلبة، لا تأخذه في الله لومة لائم، وكان مع ذلك على مذهب أهل الحديث، في الصفات يمرها ولا يتأول. يقول عنه لسان الدين بن الخطيب: كان فريد دهره، عدالة وجلالة وحفظاً، وأدباً، وهدياً، عالي الإسناد، صحيح النقل، تام العناية، عارفاً بالقراءات، بارع الخط، كهفاً للطلبة"، يعني يأوون إليه عند الحاجة كما يؤى على الكهف عند الحاجة من برد وحر. في، وهذا استطراد في منسك الشيخ سليمان بن علي، جد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وجد في جميع النسخ تأليف الشيخ الأجل والكهف الأضل، إيش معنى هذا؟ الكهف الذي يؤى إليه في المشاكل والمسائل العلمية، لكن أضل: يعني واسع جداً بحيث يضل فيه داخله، ويضيع، -رحمه الله-. يقول: وكل تواليفه مفيدة، وكانت وفاته في أواخر المحرم سنة إحدى وعشرين وسبعمائة بفاس -رحمه الله-.

هذه الرحلة اسمها: (ملئ العيبة بما جمع بطول الغيبة في الوجهة الوجيهة إلى الحرمين مكة وطيبة)، هذا عنوان الرحلة، استغرق ذكر الحرمين الشريفين من رحلته من أول الجزء الخامس إلى صفحة (283) من هذا الجزء، وذكر فيها من الفوائد الحديثية ما لا يوجد عند غيره من التحريرات العلمية والاستنباطات الفقهية، والمباحثات، والمطارحات الأدبية مع العلماء الذين لقيهم في رحلته، وعلى هذا يتحتم على طالب العلم أن يرجع على هذه الرحلة، لا سيما الحريص على الفوائد الحديثية، في مباحثات واستنباطات لا توجد عند غيره، وعول عليه من كتب في مصطلح الحديث ممن جاء بعده في كثير من تحرير المسائل، فعلى طالب العلم أن يرجع إليها ويفيد منها، ولاهتمامه بالعلم ولقاء العلماء، يهتم بمتين العلم. ابن رشيد همته متجهة إلى متين العلم، ولذا لا تجده يصف المعالم التي شاهدها أو المزارات التي وقف عليها، غير شيء قليل، شيء يسير فعله، ولذا فإن الطابع المعهود في كثير من الرحلات لم يكن ملموساًِ في هذه الرحلة إلا قليلاً جداً، وذلك لأن اهتمامه مُنْصبٌّ بالجانب العلمي. هذه الرحلة، رحلة متينة، كتاب علم وليس بكتاب أدب كبقية الرحلات، ولذا تجد كثير من طلاب العلم يصعب عليه أن يقرأ في مثلها، ويسهل عليه جداً أن يقرأ في رحلة ابن بطوطة، ذلكم بأن رحلة ابن بطوطة فيها متعة لا شك؛ لأنه شاهد الغرائب والعجائب ويذكر أشياء، وبعضها ينسجها من خياله، المؤلف ليس بثقة، ولذا عني الناس بها واهتموا بشأنها، وترجمت إلى لغات العالم على ما سيأتي. هنا الرحلة التي نذكرها الآن رحلة ابن بطوطة المسماة (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) لأبي عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي المعروف بابن بطوطة.

يقول ابن حجر في الدرر الكامنة: قال ابن الخطيب: كان مشاركاً في شيء يسير –يعني من العلم- مشاركاً في شيء يسير، عنده شيء من فقه الإمام مالك، ولا يتعدى فقه الإمام مالك ولا يجتهد، ولذا لما دخل نيسابور، ونيسابور أهل سنة أرسل يديه في الصلاة ما قبضهن، على ما اشتهر عند متأخري المالكية، أرسل يديه ولم يقبضهما، فاتهمه أهل نيسابور بالرفض؛ لأنه لا يفعل ذلك إلا الرافضة -في جهتهم- اتهموه بالرفض فاختبروه بأن قدموا له أرنب؛ والرافضة لا يأكلون الأرنب، فأكل منها، وتعجبوا فقالوا: الرافضي ما يأكل الأرنب، قال: لا أنا سني لست برافضي، قالوا: كيف ما قبضت يديك، ولا نعرف أحد لا يقبض يديه إلا الرافضة؟ قال: لا هذا مذهبنا – يعني المالكية- فهو مشارك في بعض الأمور ويرد في رحلته بعض الأشياء، لكن فيها العجائب والغرائب، ولا يعني هذا أن كل ما فيها .... ، أكثر ما فيها باطل؛ فيها من الشرك الأكبر الشيء الكثير، والتعلق بالأولياء ودعوتهم من دون الله، واعتقاد أنهم يعلمون الغيب وبعضهم يصرف الكون، يعني طوام، ولعل هذا أحد الأسباب التي جعلت المستشرقين يعنون بها؛ فهم يسارعون لنشر مثل هذه الضلالات، ولذا ترجمت إلى كثير من اللغات. وعلى كل حال الطالب، طالب العلم الذي قرأ التوحيد وضبط التوحيد، ونشأ في بلاد التوحيد وأتقنه وضبطه، إن قرأ فيها لا إشكال في ذلك؛ لأن ما أورده ظاهر ومكشوف، هو لا يورد شبه، هو يذكر ضلالات، ولا يورد شبه يبرهن عليها ويدلل لها ويناقش فيها أبداً، ولذا لا تخفى على المتعلمين. يقول ابن حجر في الدرر الكامنة: قال ابن الخطيب كان مشاركاً في شيء يسير، ورحل إلى المشرق سنة خمس وعشرين وسبعمائة، فجال البلاد وتوغل في عراق العجم، ثم دخل الهند والسند، ورجع إلى اليمن، فحج سنة 26، ولقي من الملوك والمشايخ خلقاً كثيراً، وجاور ثم رجع إلى الهند فولاه ملكها القضاء فيها، ثم رجع إلى المغرب". ذكر في رحلته أنه كل بلد يدخل فيه يتزوج، من الطرائف أنه تزوج في بلد وولد له اثنين أو ثلاثة -نسيت الآن- ثم بعد ذلك ركب في السفينة قبل أولاده وزوجته فمشت به السفينة وتركهم في مكانهم، ذكر هذا في موضع من مواضع الرحلة.

مثل هذه القصص وهذه الطرائف لا شك أنها –وإن كانت تشد القارئ- لكن لها دلالاتها في ديانة الشخص، لها دلالاتها، يعني شخص يتدين لله -جل وعلا- بالعلاقة بين الزوج وزوجته، وبين أولاده، بينه وبين أولاده، ما يفعل مثل هذا. على كل حال مثل ما أشرنا هذه الرحلة فيها من المتعة، وفيها من الاستجمام لطالب العلم، لكن فيها من الشرك الشيء الكثير، فليحذر طالب العلم. يقول: "ولقي من الملوك والمشايخ خلقاً كثيراً وجاور، ثم رجع إلى الهند، فولاه ملكها القضاء فيها، ثم رجع إلى المغرب فحكى بها أحواله وما اتفق له وما استفاده من أهلها". قال ابن مرزوق: "ولا أعلم أحداً جال البلاد كرحلته، مات سنة تسع وسبعين وسبعمائة، ورحلته على النقيض من رحلة ابن رشيد. قلنا ابن رشيد لا يهتم بالمشاهد ولا المزارات، يهتم بالعلم وتقرير مسائل العلم، فهذه الرحلة على النقيض من رحلة ابن رشيد، جل اهتمامه فيها، وصف المعالم والمزارات والمشاهد والمقابر وغيرها. وفي ذلك من الغلو في الصالحين مما يصل بعضه إلى الشرك، ولم يسطر فيها من الفوائد العلمية إلا النزر اليسير، وترجمت رحلته إلى اللغات البرتغالية والفرنسية والإنجليزية، ونشرت بها، وترجمت فصول منها إلى الألمانية، ونشرت أيضاً. واستغرقت رحلته أكثر من ربع قرن، وطبعت الرحلة طبعات عديدة واختصرت في عدة مختصرات، وطبعت وزارة المعارف العمومية بمصر مهذب رحلة ابن بطوطة، سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة وألف بمطبعة بولاق الأميرية. ووقف على تهذيبه وضبط غريبه وأعلامه أحمد العوامري ومحمد أحمد جاد المولى، وهما من المفتشين بوزارة المعارف، مع الأسف الشديد أنهما لم يحذفا مما اشتملت عليه من الغلو والكذب على شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره شيئاً، هذا موجود. هو يقول لما دخل دمشق وقصد جامعها الكبير -الجامع الأموي- وجد في المسجد في الجامع على المنبر رجل كثير العلم قليل العقل، ذكر حديث النزول فنزل من درجات المنبر يعني شيخ الإسلام، وقال: إن الله -جل وعلا- ينزل في آخر كل ليلة كنزولي هذا، وهذه فرية، شيخ الإسلام -وقت دخوله دمشق- شيخ الإسلام في السجن.

قد يقول قائل مثلاً: إن نزول الشيخ، النزول المنسوب لشيخ الإسلام ألا يمكن أن يكون مثل ما جاء في الخبر لما تلا قول الله -جل وعلا-: {وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [(134) سورة النساء]، وضع إصبعه على عينه وعلى أذنه؛ ليبين أن سمع الخالق وبصر الخالق حقيقي، كما أن سمع المخلوق حقيقي وليس سمع المخلوق كسمع الخالق، ولا بصر المخلوق، ولا عينه كعين الخالق؟ هذا ليدل على أن هذا حقيقة، لكن مثل هذا يقتصر فيه على مورد النص، ولا يتجاوز، ولم يرد أن النبي -عليه الصلاة والسلام- نزل من درجات المنبر وقال: كنزولي هذا، أبداً، بل هذه محض فرية على شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-. استغرق ما يتعلق بالحرمين الشريفين من صفحة اثنين وثمانين إلى مائة وستة وعشرين، من هذه الطبعة، إلى مائة وستة وعشرين، أربعة وأربعين صفحة، أربعة وأربعين صفحة, ومن الطبعات الأخرى كطبعة صادر مثلاً من مائة وثلاثة عشرة إلى مائة واثنين وسبعين، يعني قريب من ستين صفحة. المقصود أنه أطال في ذكر المشاهد والمزارات والجبال والمواقف والمشاعر، أطال في هذا كثيراً ولم يذكر في رحلته من المسائل العلمية إلا الشيء اليسير، وتعرفون الوقت لا يتسع لبسط بعض ما ذكره من هذه الأمور. من الرحلات المشهورة رحلة الورثيلاني، واسمها: (نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار) ومؤلفها الحسين بن محمد السعيد الورثيلاني مؤرخ من فقهاء المالكية، له اشتغال بالتصوف، نسبته إلى بني ورثيلان، قبيلة بالمغرب الأوسط قرب بجاية في الجزائر، نشأ بها وحج فأخذ عن علماء مصر والحجاز، وذكر في رحلته ما شاهده من الأمكنة ومن اجتمع بهم من الأعيان في حجته سنة تسعة وسبعين ومائة وألف، وهذه الرحلة طبعت في تونس سنة 1321 فقي ثلاثة أجزاء، لكنها طبعة قد لا يستفيد منها كثير من طلاب العلم؛ لأنها طبعة حجرية، وبالخط المغربي العتيق، ثم طبعت في الجزائر سنة ستة وعشرين وثلاثمائة في مجلد كبير، وقراءتها متيسرة لطلاب العلم من المشارقة، سهل يعني قراءتها، وإن كانت في رسمها وصورتها على الحروف المغربية وطريقتهم، وصورت بعد ذلك سنة 1394 في دار الكتاب العربي.

ويبدأ من صفحة 385 دخوله مكة المشرفة إلى أن خرج من المدينة في صفحة 532 يعني مائة وخمسين صفحة، وفيها فوائد كثيرة، فيها فوائد علمية وفيها مبالغات وفيها غلو، ولا تسلم. ويعنى برحلته بوصف الآثار من المساجد والأودية والجبال والآبار وغيرها ومن لقيه من العلماء، وسمة التصوف ظاهرة في الكتاب. بعد هذا الرحلة العياشية لأبي سالم العياشي المتوفى سنة تسعين وألف، وتقع في مجلدين طبع على الحجر بالمغرب، وأعيد طبعه بالأوفست في المغرب أيضاً سنة 1397، ويبدأ دخوله مكة من صفحة 191 من الجزء الأول وينتهي بنهايته، والتعامل مع هذه الطبعة في غاية الصعوبة لغير المغاربة، طبعة حجرية على الحرف المغربي العتيق، فالاستفادة منها ضعيفة جداً. وهذه الرحلة لا شك أن الصبغة فيها كسابقتها، تعنى بالمشاهد والمزارات والقبور، ومن لقيهم من العلماء ويترجم لهم، ويطيل في تراجم أهل العلم، ويذكر ما أفاده منهم وما أفادهم به، وعلى كل حال هي رحلة فيها فائدة، لا تسلم من فائدة، لكن ليكون القارئ على حذر. من الرحلات المشهورة عند أهل العلم، رحلة اسمها: ((الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى بلاد الشام ومصر الحجاز) تأليف: عبد الغني بن إسماعيل النابلسي، عبد الغني بن إسماعيل بن عبد الغني بن إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم الدمشقي الصالحي النقشبندي القادري المعروف النابلسي، صوفي مغرق في التصوف، ولد في دمشق في خمسة ذي الحجة سنة 1050هـ. من كتبه: دواوين المدائح النبوية وغلا فيها غلواً شديداً، ومن كتبه أيضاً: جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص، وهذا يعبر عن اتجاه المؤلف؛ حيث شرح فيها فصوص ابن عربي الذي قرر فيه وحدة الوجود. نشرت صورتها الخطية بتقديم وإعداد الدكتور/ أحمد عبد المجيد هويدي، سنة 1986م، أطال المصنف في ذكر المشاهد والقبور والآثار، وفيه فوائد علمية وأدبية كثيرة جداً، لكن فيه من الغلو ومما يجب أن ينتبه له طالب العلم.

من الرحلات المتداولة المطبوعة، رحلة أبي عبد الله محمد بن أحمد القيسي الشهير بالسراج، والملقب ابن مليح، هذه الرحلة اسمها: (أنس الساري والسارب من أقطار المغارب إلى منتهى الآمال والمآرب سيد الأعاجم والأعارب) يعني ابتدأت من المغرب إلى أن انتهت بمدينة النبي -صلى الله عليه وسلم-. منتهى الآمال والمآرب سيد الأعاجم والأعارب، ويظهر من العنوان أنه قصد في رحلته النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأيضاً هي رحلة فيها الكلام عن مكة بما تحتويه من مشاعر، وفيه أيضاً الحديث عن المدينة النبوية، ولا يسلم الكتاب مما وجد في سوابقه من التصوف والتعلق بالآثار. وعلى كل حال الرحلة هذه مطبوعة، وفيها فوائد وفيها نفس علمي وآداب وأشعار، لكن ليكن القارئ منها على حذر. من الرحلات: رحلات للمعاصرين ومنها: من أهمها لا سيما في الناحية التاريخية كتاب كبير في مجلدين اسمه: (مرآة الحرمين) أو (الرحلات الحجازية والحج ومشاعره الدينية) وهذه مهمة، فيها وصف دقيق لكثير من المشاعر، وفيه أيضاً صور فوتوغرافية لكثير مما يحتاجه من يريد أن يقف على هذه المشاعر، لا سيما أن هذه الرحلة متقدمة يعني صار لها أكثر من ثمانين سنة، هذه الرحلة ألفها اللواء: إبراهيم رفعت باشا، وهي مطبوعة في مجلدين، وفيها أخبار ونكات وطرائف أدبية وتاريخيه، وفيها أيضاً شيء من المخالفات، لكنها في الجملة فيها فوائد، فليكن القارئ فيها على حذر. هنا أيضاً: الرحلة الحجازية، يقول مؤلفها: الرحلة الحجازية لولي النعم الحاج عباس حلمي باشا الثاني، بقلم محمد لبيب البتنوني هذه ألفها الخديوي، خديوي مصر الحاج عباس حلمي، وفيها أيضاً فوائد، وفيها إحصائيات، وصور، وفيها أيضاً مخالفات، فيها اعتماد لبعض طقوس المتصوفة، وما يصاحب المحمل من منكرات فيها إقرار لهذا كسابقتها، أيضاً مرآة الحرمين فيها عناية بالمحمل وفيها، أيضاً ذكر لبعض المسائل الفقهية على المذاهب الأربعة، على كل حال لا نطيل في مثل هذه؛ لأنها أشبه ما تكون إلى كتب التاريخ.

هنا الرحلة السعودية الحجازية النجدية لمحمد سعيد العوري قاضي مدينة بيت المقدس سابقاً، فيها تفصيل لأحكام المناسك وآداب الحج، وفيها كلام على الآثار، فيها فوائد علمية كثيرة فقهية تتعلق بالمناسك. فيه أيضاً رحلة أسماها مؤلفها: (رحلتي إلى الحجاز تسعة وأربعون يوماً في الأراضي المقدسة) تأليف محمد صابر مرسي، هذا مدرس بالتعليم الأدبي، وهذه الرحلة قديمة منذ أزمان متطاولة، طبعت سنة خمسة وأربعين أو ستة وأربعين، الذي علق عليها، حتى قرأها شخص وعلق عليها بتعليقات ليتها بدونها، ذو القعدة سنة 1355هـ، هذه الرحلة فيها أيضاً مسائل علمية، وفيها وصف لبعض المشاهد، والمعلق عليها الذي قرأها علق بكلام ليس بجيد.

يقول: وبعد العصر، المؤلف يقول: وبعد العصر خلي جبل الرحمة وأحيط بالجنود حيث وقف به الملك عبد العزيز إلى بعيد المغرب، وهذا يقول: إخلاء السعوديين شعائر الحج لكبرائهم مما يخالف الشريعة الغراء، تعليقات حتى فيما يخالف التوحيد، السعودية وإزالة الآثار بدعوى التوحيد، هذا كلام المعلق، والمؤلف أكد هذا، لكن مما ذكره ما حصل له في سوق الرقيق، حصل له في سوق الرقيق محاورة طالت مع من يبيع ومع واحد من الأرقاء، وتكلم عن الرق في الإسلام وسببه وحرص الإسلام على بيع الرقيق في مكة، يقول: في يوم الأربعاء ستة ذي الحجة في ضحى هذا اليوم توجهت إلى سوق الدكة، وهي سوق يوميه تقام بمكة لبيع الأرقاء من الضحى إلى الظهر أو بعده بقليل، وقد شاهدت من بين معروضاتها رقيقاً سنه حوالي خمس وأربعين سنة أو خمسين، ووصل المزاد فيه إلى سبعة وعشرين جنيهاً ذهباً، والجنيه يومئذ يساوي مائة وسبعة وستين قرشاً مصرياً، وطالعت حالة الرقيق المحزنة، فدفعني حب الاستطلاع إلى التحدث إليه رغم ما ملأ النفس من الأسى والتأثر يقول: حديث محزن مع رقيق معروض بالسوق، عرفت أن اسمه إبراهيم بن موسى بن محمد من اليمن، كان مولى لمحمد الإدريسي الذي حكم اليمن ثم توفي ثم ورثه ابنه الذي احترب مع عمه، ولما كانت الغلبة للأخير، فقد وقع هذا الرقيق في يده مع جملة الأرقاء البالغ عددهم تسعة وسبعين، فباعهم العم جميعاً وباع بعضهم لجلالة الملك عبد العزيز آل سعود، أما هذا الرقيق فقد بيع لأحد اليمينين الذي غضب عليه أخينا فباعه إلى من قدم به من تهامة إلى مكة، ماشياً ليبيعه في هذا السوق، سألته: ألم تتزوج؟ الجواب: تزوجت ولي أولاد وبنات صغار. أين هم؟ الجواب: عند سيدي، معلوم أن الولد يتبع أمه حرية ورقاً، هذا الحكم الشرعي فيه. أين هم؟ الجواب: عند سيدي. وكيف تركتهم؟ تركتهم يبكون، وأنا أبكي ولكن ما العمل، وهنا اغرورقت عيناه بالدموع. أنت شكل المحرم أي مستور النصف السفلي فقط برداء فهل أنت كذلك؟ الجواب: نعم. ما طول الطريق؟ ... إلى آخر كلامه، في مناقشته لهذا الرقيق.

على كل حال هذه الرحلة مطبوعة ونفعها ليس بالكبير يعني فيها شيء من المتعة لمن يمضي وقت في انتظار وإلا شبهه، لا بأس. هنا أيضاً رحلة إلى الديار المقدسة في الأرض المقدسة بين مصر والحجاز لإبراهيم محمد حبيب المفتش بوزارة الداخلية وعضو مجلس النواب، والقاضي بالمحاكم الوطنية إلى آخره، يعني بمصر. هذه الرحلة رحلة ذكر فيها ما شاهده على طريقة من تقدمه. من الغرائب -وأنا أخرت الرحلات النفيسة التي نفسها نفس أهل العلم- من الغرائب هذه رحلة كتبها مؤلفها باللغة العامية، وكثير من ألفاظها لا يعرفها إلا المصريون، بل بعض جملها اندرس لا يتداوله ولا المصريون، عنوانها: (يا هناء للوعد) وقال ذكر فيها أنها نقد وفكاهة وحج، وذكر فيها شيء من الطرائف، لكنها بلغتهم ولهجتهم فلا نطيل بذكرها. من الرحلات المهمة في الباب: رحلة الشيخ صديق حسن خان، هذه الرسالة تأليف الشيخ/ أبو الطيب السيد محمد صديق بن حسن بن علي بن لطف الله الحسيني البخاري القنوجي، وتحتوي على مسائل هامة فيما يتعلق بأمر المسلمين، هذه الحجة صارت أو حصلت سنة 1285هـ، وفي ذلك التاريخ كانت رحلة الشيخ بالسفن الشراعية من بمباي إلى جدة، وصادف أن نزل بالحديدة في طريقه ذهاباً وإياباً، وقد استغرق سفره ثمانية أشهر من يوم أن غادر جوجال إلى أن عاد إليها.

الرسالة أشبه ما تكون وأقرب ما تكون إلى المناسك، منسك متكامل، فالرسالة تحتوي على ما يتعلق بالحج والعمرة وزيارة المسجد النبوي مستدلاً في جميع ذلك بالكتاب والسنة، مشيراً إلى تلك البدع الشائعة، عكس الرحلات الأدبية الأخرى، أولئك شحنوا رحلاتهم بالبدع والشرك، وهذا أشار إلى تلك البدع الشائعة آنذاك في تلك البلاد، وقد رد عليها في رسالته متمنياً إزالتها والقضاء عليها، يعني المتأخرون من الرحالة عتبوا على الدولة السعودية أن أزالوا بعض الآثار الشركية هناك، فأزالوا البنايات على القبور المشيدة، فهذا لا شك أنه من حماية جناب التوحيد، وأولئك يقولون: أزالها بدعوى التوحيد، أزالوها بدعوى التوحيد، والشيخ صديق -رحمة الله عليه- لأنه محقق في باب توحيد العبادة يقول، وقد رد عليها في رسالته متمنياً إزالتها والقضاء عليها، لكن كانت رحلته قبل إزالتها، وقد تحققت هذه الأمنية على يد الملك عبد العزيز -رحمه الله- يقول وقد حقق الله أمنيته بعد أن استولت قوات المملكة العربية السعودية على الحجاز، ... إلى آخره. المقصود أن هذه الرحلة أشبه ما تكون بالمنسك، ولذا لا تجد فيها كلام على مشاهد ومزارات وأساليب أدبية ومطارحات نقدية أو شعرية ما فيها شيء من هذا. من الرحلات مما كتبه الشيخ العلامة المحقق محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله تعالى- رحلته إلى حج بيت الله الحرام، هذه الرسالة أو هذه الرحلة مختصرة فيما يقارب أو يقرب من ثلاثمائة صفحة، وفيها فوائد علمية ومطارحات ومشاركات أدبية شعرية ونثرية شيء كبير، فالشيخ له يد في حفظ الشعر، يحفظ من القصائد الشيء الكثير، والتقى بكثير من أهل العلم في هذه الرحلة، وشاركهم وطارحهم في كثير من المسائل العلمية والرحلة هذه مفيدة، ولو كان الوقت يسمح لبسط كل رحلة بما لها وما عليها وذكر شيء من فوائدها وطرائفها لفعلنا هذا، لكن الوقت قد لا يتسع لهذا فنكتفي بمثل هذا ونلتفت إلى الأسئلة. اللهم صلي على محمد وعلى آله محمد. أحسن الله إليكم وأثابكم وجزاكم أحسن الجزاء. من ضمن الأسئلة ما هو متعلق بالمحاضرة فلعلنا نأخذ ما يتيسر منه.

يقول السائل: فضيلة الشيخ هل وجد من الغربيين ممن كان على الإسلام أو من لم يكن على هذا الدين من له رحلة إلى بيت الله الحرام؟ أما من لم يكن على هذا الدين فإنه لا يمكن من الدخول؛ لأنه لا يجوز تمكينه من دخول البيت الحرام، {فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [(28) سورة التوبة]، لا يجوز لهم أن يدخلوا، كما أن النبي -عليه الصلاة والسلام- في أيامه الأخيرة وفي مرضه الذي مات فيه أمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، والحديث متفق عليه. المقصود أن غير المسلمين إلا إن تظاهر بالإسلام وادعى ذلك وتسمى به، قبل أن تضبط الأمور بالجوازات والمنافذ فيمكن، وقد وجد منهم من تظاهر بالإسلام وهو في الحقيقة يتجسس، بل وجد منهم من أمَّ الناس في الصلاة بدعوى أنه مسلم، فإذا كان بهذه الهيئة أو بهذه الصفة فالإمكان قائم، لكن لا نعرف أحداً منهم حج البيت وكتب رحلة، وأما من كان مسلماً فمنهم من حج البيت بلا شك، وأما كتابتهم فلم يقع في يدي شيء منها. أثابكم الله. يقول: ألا تلاحظون يا فضيلة الشيخ أن كثيراً من الذين ذكرتموهم ممن لهم رحلات إلى الحج أنهم من المغاربة، فأين حظ المشارقة من ذلك؟ أقول: نصيب المشارقة أولاً ما كتب في الحج بالنسبة لمن حج من أهل العلم شيء يسير، قليل من أهل العلم من دون، والذي وصلنا من المكتوب أقل من القليل، الأقل من هذا القليل. والمشارقة لهم نصيبهم، منهم الرحالة من الهند، ومنهم الرحالة من العراق، ومنهم جهات المشرق كلها، وما من عالم إلا وقد حج، لكن المطبوع منها شيء يسير، من ذلك رحلة الصديق إلى البيت العتيق، الذي هي رحلة الشيخ/ صديق حسن خان، ومثل ما قدمت في مقدمة المحاضرة أو الدرس أن كتبي في حكم المعدومة؛ لأنها مركوم بعضها على بعض، ولم يتيسر لي أن أقف من الرحلات إلا القدر الذي سمعتم، وشيء أيضاً كلامه عن الحج شيء يسير، بعض الرحلات تجدها في مجلد، لكن ما تكلم عن مكة والمدينة إلا في ورقة أو ورقتين، مثل هذا لا يستحق أن يذكر في الرحلات إلى الحج، وهذا كثير من الرحلات على هذا المنوال، والذين أولوا الحرمين الشريفين العناية التامة هم من أتينا برحلاتهم ومن ذكرناهم، نعم.

أثابكم الله. هل تنصحون طالب العلم أن يكتب رحلته إلى الحج لا سيما إذا التقى بأهل العلم وأخذ عنهم من فوائدهم؟ لا شك أن التدوين، تدوين الفوائد باب من أبواب التصنيف، سواءً سمي رحلة أو منسك أو غير هذين الاسمين، التدوين يحفظ العلم، ولذا ضاع علم كثير بعدم تدوين هذه الرحلات، يحصل من الالتقاء بالآفاقيين من الحجاج يحصل من تلاقح الأفكار بلقائهم فوائد لا تخطر على البال، وكثير منها لم يدون فضاعت، فالمؤمل من طلاب العلم أن يدونوا ما رأوا وما شاهدوا وما سمعوا، نعم قد يتحرج، وهذا الأصل في طالب العلم أن يدون كل شيء بما في ذلك ما كان يعمله وما كان يزاوله من عبادة ومن شيء يخصه، مثل هذا لو لم يذكره أفضل، محافظة على الإخلاص. أحسن الله إليكم. يقول السائل: هل للأمير الصنعاني -رحمه الله- رحلة في الحج؟ له القصيدة المشهورة، قصيدة مشهورة، وهي عبارة عن رحلة، وبعد التحقيق تبين أن هذه القصيدة التي طبعت مرات كثيرة باسمه موجودة قبله، وهي موجودة بحروفها في المجلد الثاني من شفاء الغرام للتقي الفاسي، قبل وجود الصنعاني بكثير، لكن ألحقت في ديوانه ونشرت على أساس أنها له، وهي في الحقيقة ليست من شعره، نعم. أحسن الله إليكم. يقول السائل: يا فضيلة الشيخ قرأت في بعض كتب ابن القيم -رحمه الله- كالوابل الصيب أنه جاور بمكة، ودون كتاباً سماه فيما أظن التحفة المكية، فهل يعتبر ذلك تدويناً لرحلته إلى الحج؟

لا شك أن مثل هذا يسمى رحلة، وكثير من الرحلات سموها الرحلة المكية، أو التحفة المكية، أو الفوائد المكية، بهذا الاسم، وابن القيم -رحمه الله- ذكر في مجاورته عنه وعن شيخه -شيخ الإسلام- الشيء الكثير، وابن القيم تحرر له من المسائل هناك في مكة ما لم يتحرر له في غيرها لا سيما بعد أن يكثر من الذكر، وشيخ الإسلام يذكر شيئاً من هذا في هذا المكان الطاهر الذي هو أقدس البقاع، ومع الأسف أن طالب العلم إذا ذهب إلى هناك قد لا يستشعر عظمة هذا البيت، ويوجد ما يشوش عليه بلا شك مما يجعله لا يستشعر هذه العظمة ولا يستشعر العبودية التي من أجلها خلق، لا سيما في هذا المكان المقدس، والصوارف عن هذا الاستشعار كثيرة، الصوارف كثيرة، فهذا قد يكون عذراً، لكن في الحقيقة على الإنسان أن يتجه إلى الله -جل وعلا- في كل زمان وفي كل مكان لا سيما في هذه الأماكن المقدسة. تجد بعض الناس يشغل ويؤذي عباد الله من المتعبدين وغيرهم بالأنغام المحرمة، تجده أثناء الطواف وأثناء التهجد أحياناً ولا يستحي من أحد، وهذا مما يؤسف له، فعلى طالب العلم أن يلجأ إلى الله -جل وعلا- في كل زمان وفي كل مكان لا سيما في هذه الأماكن التي تضاعف فيها الأجور، وتعظم فيها الأوزار، ومجرد الهم بالمعصية يكتب عليه، {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [(25) سورة الحج]، فعلى الإنسان أن يستشعر مثل هذا، ويلجأ إلى الله -جل وعلا- ويصدق اللجأ إليه، ويسأله أن يهديه لما اختلف فيه من الحق بإذنه، وحينئذ يوفق إن شاء الله تعالى. أحسن الله إليكم. هل كتب العلماء رحلات علمية إلى غير الحج؟ نعم، كتبوا رحلات إلى البلدان التي زاروها، وهذا كثير جداً، كتبوا رحلات كثيرة إلى الأندلس، من المشارقة إلى الأندلس، ومن المغاربة إلى المشرق، منهم من كتب جولاته في ربوع العالم في القارات كلها، ممن تقدم وممن تأخر، فالرحلات موجودة في القديم والحديث، وكلها موجودة ومدونة، لكن الحديث في درسنا هذا فيما يتعلق بحج بيت الله الحرام ولم نشر إلى غيره. أحسن الله إليكم. هذا السؤال لعله يكون الأخير.

يقول: يا فضيلة الشيخ أثابكم الله وأحسن إليكم يقول: هل مثل هذه الرحلات كفيلة بسبر منهج صاحب الرحلة وطريقته وعقيدته، أم أنه ربما يكون قد تراجع في آخر حياته إلى ما هو خير؟ الاحتمال قائم أنه تراجع لا سيما إذا عمر بعد ذلك، لكن ليس للناس إلا ما يظهر من صنيعه، سواءً كان من قوله أو من فعله أو في مصنفاته، لنا أن نحاسبه على ما كتب، وتوبته إذا تاب هذه بينه وبين ربه إذا لم يبينها للناس {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ} [(160) سورة البقرة]، لا بد من البيان، وأن يكون هذا البيان للتوبة مما وقع فيه من زلة أو غفوة لا بد أن يكون على نفس المستوى الذي نشر به ذلك الضلال وبثه في رحلته أو في أي مصنف من مصنفاته. أثابكم الله وأحسن إليكم على هذه المحاضرة الطيبة، والأجوبة الماتعة، ونسأل الله لفضيلة الشيخ أن يطيل في عمره على الخيرات وأن يحفظه بما يحفظ به عباده الصالحين، وإيانا وإياكم جميعاً وصلى الله وسلم على عبده ورسوله وعلى آله وصحبه أجمعين.

أحكام الأضحية

أحكام الأضحية الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فإن الله -جل وعلا- خلق الجن والإنس لهدف عظيم، وهو تحقيق العبودية لله -جل وعلا- فقال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [(56) سورة الذاريات]. ومن نعمة الله -جل وعلا- على المسلمين أن نوع لهم العبادات، فلم يجعلها نوعاً واحداً بل أنواع، افترض عليهم الفرائض، وسن لهم السنن؛ ليرتب لهم عليها الأجور، وجعل هذه الشرائع متنوعة، فمنها البدنية، ومنها المالية، ومنها المشترك بين المال والبدن، ومنها القاصر على النفس، ومنها المتعدي إلى الغير، فلو كانت نوعاً واحداً، بأن كانت بدنية فقط، كثير من المسلمين مستعد أن يدفع الأموال الطائلة ولا يكلف نفسه وبدنه شيئاً، فيشق عليه أن يؤدي ركعتين ويسهل عليه أن يتصدق بألفين، ومن الناس من هو بعكس ذلك وضده، فيشق عليه إخراج المال، ويسهل عليه ما يتعلق بالبدن، فهو مستعد أن يصلي الليل كله ويصوم النهار، ولكن يصعب عليه ويشق عليه أن يتصدق بالشيء اليسير. الفرائض لا بد من الإتيان بها، سواءً وافقت هوى النفس أو خالفت، لكن الكلام فيما عدا ذلك من النوافل. قد يفتح للإنسان باب يوصله إلى الجنة متعلق بالبدن، فليلزم هذا الباب، وقد يفتح للإنسان بابٌ يوصله إلى الجنة وهو متعلق بالمال، وقد أوتي المال فليلزم هذا الباب ويكثر من الإنفاق في سبيل الله. وأبواب الجنة الثمانية مخصص لكل عبادة منها باب، وقد يدخل الإنسان من جميع الأبواب كأبي بكر -رضي الله عنه- ومثله من يجود بعبادة ربه بجميع أنواعها. من العبادات ما يطلب فيه السر، وهذا هو الأصل؛ لأنه الأقرب إلى الإخلاص، سواءً كان في ذلك العبادات البدنية أو المالية، وجاء في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ((ورجل تصدق بصدقة، فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمنيه))، ومنها ما يسن إظهاره وإشهاره كالشعائر، كالصلوات الخمس، والجمعة والأعياد، هذه شعائر، وشعائر الحج أيضاً.

ومنها ما نحن بصدد الحديث عنه وهو الأضحية، يسن إظهارها كصدقة الفطر، وإن كانت صدقة تدخل في عموم ما يسر، إلا أنها شعيرة، كثير من الناس يشتري الرز من المحل ويقدر أن في بيته كذا -عدد كذا من الأولاد والبنات والزوجة- ثم يذهب إلى المحل ويشتري بقدرهم ويدفعها إلى الفقير والأولاد لا يعرفون شيئاً عن صدقة الفطر، مع أن السنة أن تحضر إلى البيت وتكال أمام الأولاد بالصاع وتوزع؛ لينشأ الناشئ على هذه العبادة وهذه الشعيرة، وقل مثل هذا في الأضحية، بعض الناس يذهب إلى البنك، ويأخذ إشعار بأنه دفع قيمة أضحية، وأولاده لا يدرون هل ضحى أو لم يضحي؟! مع أن السنة إشهار وإشعار وإظهار هذه الشعيرة، يشتري الأضحية أو يربيها ويسمنها في بيته كما كان السلف يفعلون ذلك، ثم بعد ذلك يجتمع هو وأولاده يوم العيد بعد الصلاة فيذبحونها، يسمون ويكبرون ويأكلون ويغدون ويتصدقون؛ لينشأ الناشئة على هذه الشعائر، مع الأسف أنه في كثير من بيوت المسلمين لا يعرفون شيئاً عن كثير من العبادات، حتى ما أمر بفعله في البيت من النوافل تجد كثير من الناس يصليها في المسجد، وبعضهم لما سئلوا –وهم من طلبة العلم- قيل له: لماذا أنت تصلي النافلة في المسجد وفعلها في البيت أفضل؟ حتى أن الإمام أحمد سئل عن راتبة المغرب هل تجزئ في المسجد فتردد؛ لأنها بيتية، وكذلك راتبة العشاء وغيرها من النوافل ((وصلاة المرء في بيته أفضل إلا المكتوبة))؛ ليتعلم الشباب، ليتعلم النساء، ليتعلم الأطفال من فعل أبيهم لهذه العبادة العظيمة، ولذا سئل بعض الناس قال: أنا إذا صليت في البيت أتساهل في أمر الصلاة، لكن إذا صليتها في المسجد وأمام الناس أضبطها وأتقنها. قلنا هذا خلل في القصد، هذا خلل في النية، خلل ظاهر في النية؛ لأنه يظهر -والله أعلم- أنه يتقنها؛ لما يرى ممن يراه من الناس، وإلا فما الفرق في العبادة أن تكون في مكان أو في مكان آخر، والمعبود هو الله -جل وعلا-، وإذا مثل الإنسان بين يدي ربه ينبغي أن تكون صلاته كما قالوا صلاة مودع، وما يدريه لعله ألا يصلي غير هذه الصلاة.

الأضحية:

وبعضهم إذا كان في بيته تجوز تجوزاً شديداً، وفعل ما جاء فعله ظاناً أنه هو السنة، فحمل طفله وصبيه وهو يصلي، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام- حمل أمامة وهو يصلي، ولا يدري ما الأعذار التي ذكرت في ظروف هذا الخبر، والحديث متفق عليه، وحمل الصبي في الصلاة لا يؤثر، لكنهم يغفلون عن شيء مهم جداً، وهو أنه قد يحمل الطفل في الصلاة وهو فيه نجاسة، لكن لا يدري بها الحفاظة موجودة ويمكن فيها نجاسة فتكون الصلاة حينئذ باطلة؛ إذا صلى وهو حامل نجاسة تكون باطلة، نخن نشاهد في الحرم، في المسجد الحرام من يصلي وهو حامل طفل ويزعم بذلك أنه يطبق السنة وهو لا يدري ماذا يحمل، إذا أراد أن يطبق السنة، أولاً: السنة هذه سنة حاجة، لا يقال أن فعلها أفضل من تركها، هي تشريع بالنسبة للنبي -عليه الصلاة والسلام- وأفضل من عدمه بالنسبة له، أما بالنسبة لغيره ففعله يدل على الجواز لا سيما عند الحاجة، إذا لم يجد ما يكفيه مؤونة هذا الطفل فإنه يحمله صلاته صحيحة. المقصود أن العبادات منها ما يطلب فيه السر وهذا هو الأصل، ومنها ما يطلب فيه الإعلان والإشهار، وهذا موجود في الشريعة، والتنوع من سمة شريعتنا، ولله الحمد والمنة. الموضوع الذي هو محل الحديث بعنوان: الأضحية: الأضحية ضبطت بأربعة ألفاظ: أُضحية بضم الهمزة، وإضحية بكسرها، وجمعها حينئذ أضاحي، وضحية كهدية وعطية، وجمعها حينئذ ضحايا كهدايا وعطايا، وأَضحاة بالتاء المربوطة، وجمعها أضحى، كأرطاة وأرطى. الأضحية أخذت التسمية من وقت فعلها، وهو الضحى؛ لأنها تذبح ضحى يوم العيد، وسمي العيد بها فقيل عيد الأضحى. يلزم من هذا دور وإلا ما يلزم؟ يلزم منه الدور وإلا ما يلزم؟ يعني ترتيب الشيء على شيء مترتب عليه هذا يسمونه دور وهو ممنوع، فيلزم من هذا وإلا ما يلزم؟ طالب. . . . . . . . . ما يلزم لماذا؟ طالب:. . . . . . . . . الأضحية أخذت من الضحى، من الوقت الذي تذبح فيه، والعيد سمي بها، فلم يرتب الشيء على شيء مترتب عليه، وإنما مرتب على غيره، رتب العيد على الأضحية، والأضحية على الوقت -الضحى- هل يلزم من هذا تسلسل وإلا ما يلزم؟ نعم. طالب. . . . . . . . . لا يلزم، لماذا؟

أدلة مشروعية الأضحية:

طالب:. . . . . . . . . لأنه منتهي، لأن التسلسل يرتب شيء على شيء، والشيء على آخر، والثاني على ثالث، والرابع على الخامس، وهكذا إلى ما لا نهاية، يعني قول الشاعر: لولا مشيبي ما جفا ... لولا جفاه لم أشب هذا أيش؟ دور؛ لأن المشيب رتب على الجفا، والجفاء رتب على المشيب، هذا دوره ممنوع، لكن إذا قلنا: الدجاجة من البيضة، والبيضة من الدجاجة، والدجاجة من البيضة، والبيضة من الدجاجة ... إلى آخره هذا إيش؟ تسلسل، والتسلسل معروف يبحث في كتب العقائد، وهل يوجد التسلسل في الماضي أو في المستقبل، وهل يمنع فيهما أو يقر فيهما؟ مسألة طويلة الذيول بحثها شيخ الإسلام في كثير من كتبه، وقرر أنه لا مانع من التسلسل في المستقبل، وأما في الماضي فيمنعه الجمهور. على كل حال نعود إلى موضوعنا. أدلة مشروعية الأضحية: الأضحية مشروعة، ودل على شرعيتها الكتاب والسنة والإجماع، مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب، فلقول الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر]، فالصلاة المراد بها صلاة العيد، والمراد بالعيد عيد الأضحى. {وَانْحَرْ}: نحر الهدي والأضاحي وما يحصل بعد الصلاة يوم العيد. مقتضى الأمر هنا الوجوب، وبه يقول الحنفية في الجملتين، فيوجبون صلاة العيد، ويوجبون الأضحية، والأمر ظاهر في الوجوب. شيخ الإسلام يوافقهم على الصلاة، فيوجب صلاة العيد، ويؤكد في مسألة الأضحية، ومقتضى السياق أن يوجَب الأمران، وإن كان يوجد ما يصرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب في الجملتين عند الجمهور، وفي الأخيرة منهما عند شيخ الإسلام -رحمه الله-. {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} طيب، القرآن دل على وجوب صلاة العيد ووجوب الأضحية -كما يقول الحنفية- لكن هل يقولون بالوجوب أو بالفرضية؟ هل يقولون صلاة العيد فرض، والأضحية فرض كالصلوات الخمس والجمعة، وكالزكوات المفروضة أو يقتصرون على قولهم واجبة؟ نعم. طالب:. . . . . . . . . واجبة وليست بفرض، فهم يفرقون بين الفرض والواجب، ويقولون: إن الفرض ما ثبت بدليل قطعي، والواجب ما ثبت بدليل ظني، طيب، {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} ثابت بالقرآن القطعي، كيف يقولون واجب وليس بفرض؟

طالب:. . . . . . . . . نعم، دلالته ظنيه، وليست بقطعية، ولذا يقولون في حديث صدقة الفطر: "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "يقولون واجبة وليست بفريضة، مع أن نص الصحابي يقول: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الخبر ليس بقطعي، فيكتفون بالوجوب. وهذه مسألة أيضاً النزاع فيها قديم، والمسألة معروفة ومبسوطة في الأصول، هذا بالنسبة لدلالة الكتاب على مشروعية الأضحية وحكمها والخلاف فيها سيأتي. ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث كثيرة صحيحة تدل على مشروعيتها، منها: حديث أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يضحي بكبشين أملحين أقرنين، ويسمي ويكبر، ويضع رجله على صفاحهما، وفي لفظ ذبحهما بيده" متفق عليه، وفي لفظ "سمينين"، ولأبي عوانة في صحيحة: "ثمينين" بالمثلثة بدل السين. سمينين وثمينين، وفي ترجمة عند الإمام البخاري: ويذكر سيمنين، مع أن لفظ سمينين ثابتة، ولفظ ثمينين -بالمثلثة بدل السين- في صحيح أبي عوانة، يعني بالمستخرج وهذه مما تزيده المستخرجات على أصولها، وهي من أهم فوائد المستخرجات، فإذا ورد مثل هذا، الأصل فيه سمينين، والفرع فيه ثمينين، هل نقول أن اللفظين ثابتان، أو نقول الثابت أحدهما، إما هذا أو هذا؟ نعم. طالب:. . . . . . . . . يعني هل نقول إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ضحى بكبشين أقرنين أملحين سمينين ثمينين؟ فبعض الرواة ذكر لفظ وبعضهم ذكر لفظ آخر، أو أن اللفظ الوارد واحد فبعضهم قال سمينين وبعضهم قال ثمينين؟ والثاء والسين تتبادلان بالنسبة لبعض الناس، قد يكون المحدث أثرم مثلاً، فالسين ينطقها ثاء مثلاً، وقد يكون من جهة يبدلون الثاء بالسين. على كل حال في مثل هذا لا بد من الترجيح، إلا إذا وجد طريق صحيح قرن فيه بين اللفظين؛ لأنه في المستخرج ثمينين بدل سمينين، وهذا اللفظ أو ذاك لا شك أنه يتمسك به من يقول سمينين أن الأفضل في الأضحية الأنفع للفقير، الأنفع هو الأفضل سمينين، فيلاحظ السمن وهو أنفع، ومن يقول باللفظ الثاني ثمينين يقول: الأفضل الأغلى ثمناً.

ولو افترضنا كبشاً زنته خمسون كيلاً وقيمته ألف ريال، ووجدنا كبش آخر زنته ثلاثون كيلاً وقيمته ألف وخمسمائة ريال، أيهما أفضل؟ طالب:. . . . . . . . . ما يوجد مثل هذا؟ طالب:. . . . . . . . . ما تلقى. . . . . . . . . كبير بألف ريال يصل إلى خمسين كيلو، وتجد نجدي أصغر منه بكثير ثلاثين كيلو وقيمته ألف وخمسمائة؟ ما نجد هذا؟ أيهما أفضل؟ لأن هذه واقعة عملية نحتاج إليها؟ طالب. . . . . . . . . نعم. طالب. . . . . . . . . كيف؟ طالب. . . . . . . . . يعني المقصود منها هو اللحم، فينظر إليه أكثر مما عداه. لا شك أن السمين الذي يمكن توزيعه على أكبر عدد من الفقراء أفضل من ضده، الذي هو أقل منه وزناً، لكن إذا نظرنا من ناحية ثانية، مسألة طيب النفس بالعبادة، وجاء الأمر بذلك: ((فطيبوا بها نفساً)) -وإن كان الحديث فيه مقال- الذي يشتري بألف وخمسمائة مثلاً، نفسه أطيب أم الذي يشتري بألف فقط؟ أيهما. طالب. . . . . . . . . أطيب نفس؟ طالب. . . . . . . . . كيف؟ طالب. . . . . . . . . أطيب نفس يعني الذي يبذل أكثر أطيب نفس وإلا الأقل؟ طالب. . . . . . . . . نعم. طالب. . . . . . . . . لا، لا ما يلزم، لا، لا الناس يتفاوتون في هذا الباب، لكن لا شك أن البذل دليل على طيب النفس، يعني لو شخص عنده -في نيته- عمارة مسجد، وقيل له إن هناك حي في شمال الرياض محتاج إلى مسجد والمتر بألفين ريال قال: لا، لا في حي آخر في جنوبه أو في شرقه المتر بمائتين ريال، ويش هو الألفين، أيهما والحاجة واحدة؟ لا شك أن الذي يبذل الأموال أطيب نفس، أطيب نفس من الذي يفاضل بينها ويدخر بعضها لنفسه. طالب:. . . . . . . . . أنت لو كانت واحد، لو كانت المسألة مفترضة في شخص واحد يمكن يطيب بالألف ولا يطيب بالألف والخمس، لكن بعض الناس يطيب بألف وخمس وبعضهم ما يطيب بمائة وخمسين. طالب. . . . . . . . . ((فطيبوا بها نفساً)) يعني نفس مرتاحة وهو يبذل لله -جل وعلا- لا شك أن الذي يبذل الأكثر أطيب نفساً من الذي يخير بين الأمرين فيختار الأقل، فلا شك أن هذا له ميزة، وله مرجح من أهل العلم، والثاني له مرجح من أهل العلم.

ولمسلم من حديث عائشة أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بكبش أقرن يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد، فأتي به ليضحي به، فقال لها: يا عائشة ((هلمي المدية)) يعني السكين، هلمي المدية: يعني هاتيها. ثم قال: ((اشحذيها بحجر))؛ لتكون أحد وأريح في الذبح، ((اشحذيها بحجر)) ففعلت، ثم أخذها وأخذه -يعني الكبش- فأضجعه ثم ذبحه قال: ((باسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد، ثم ضحى به)). ((هلمي المدية)): يعني السكين، ويقوم مقام السكين كل ما أنهر الدم، كل ما أنهر الدم قطع الودجين وقطع البلعوم يجزئ ولو كان حجراً، كما فعلت الجارية -جارية كعب- كانت ترعى غنماً لكعب في شعب من الشعاب فرأت علامات النَّفاق الذي هو الموت على شاة منها، فأخذت حجراً فذبحتها به، فسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((كلوا)). كل ما أنهر الدم فإنه يذبح به، إلا السن والظفر، كما في الصحيحين. ((أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة))، ومقتضى الحديث أنه لا يجوز الذبح بالعظام؛ لأن العلة كون السن عظم، وجاء النهي عن الاستنجاء بها، والدم المسفوح بحكم الاستنجاء؛ لأنه نجس، والعظم زاد إخوانكم الجن، لكن ماذا عن السن؟ كونه عظم هل المعنى لأنه زاد إخواننا من الجن؟ سن الإنسان زاد إخوانه من الجن؟ نعم. طالب:. . . . . . . . . يعني لابد أن نربط النصوص بعضها ببعض، يعني النهي عن الاستنجاء بالعظم؛ لأنه زاد إخواننا من الجن، والتعليل بعدم الذبح بالسن؛ لأنه عظم، فيمنع التذكية بالعظام مطلقاً، لكن هل العلة الموجودة هنا هي العلة الموجودة في باب الاستنجاء؟ نعم. طالب. . . . . . . . . كيف؟ طالب:. . . . . . . . . تختلف، إذن لماذا نهينا عن التذكية بالعظم؟ أما السن فعظم، ما يصلح أن يكون زاداً لإخواننا الجن فحكمه حكم الاستنجاء كما سمعنا، لكن السن لا يصلح أن يكون زاداً لإخواننا الجن؛ لأنه يعود أوفر ما كان لحماً؛ ليستفيد منه الجن، أما العظم لم يعود إليه لحمه.

ترى الحديث فيه، الحديث في الصحيحين متفق عليه، وسمعنا وأطعنا، لكن من ناحية التفقه لا بد أن نعرف العلة، لا سيما وأن الحديث معلل في الطرفين، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة، يعني مقتضى كونه عظم، وهو لن يكون زاداً للجن؛ لأننا أمرنا بعدم الاستنجاء بالعظم؛ لأنه زاد إخواننا من الجن، فهل كون النهي عن التذكية بالسن لأنه زاد إخواننا الجن؟ لا، ما يقول هذا أحد، لكن مقتضى كونه عظم هل يكفي عله للنهي أو للمنع من التذكية به لا سيما والعلة منصوصة، أو نقول: هذه علة منصوصة قريبة من التعبدية، كما لو لم ينص عليها؛ لأن كونه عظم هل نستفيد من ذلك في مسألة الإلحاق في القياس؟ طالب:. . . . . . . . . مسألة الإلحاق في باب القياس، ما الفائدة من معرفة العلل؟ القياس، الفائدة من معرفة العلل القياس، فماذا نقيس على السن؟ لأنه عرفنا أنه عظم، أي عظم لا نذبح به، وقد جاء التعليل بكونه زاد إخواننا من الجن، أما السن لن يكون زاداً لإخواننا من الجن، يبدو أنني ما استطعت أن أوصل لكم الإشكال الذي عندي، مفهوم وإلا ما هو مفهوم؟ يعني مقتضى العلة أنه عظم، يعني لا نذبح بالسن؛ لأنه عظم، نقول: العظم نهي عن الاستنجاء به؛ لأنه زاد إخواننا من الجن والسن ليس كذلك، يبقى أن التذكية به ممنوعة، سواءً عرفنا العلة أو لم نعرف، يعني هذه العلة هل نقول هي معقولة لنقيس عليها بقية العظام؟ العظام ممنوعة بنصوص أخرى، لكن هل يمكن أن نقيس عليه عظام ما لا يؤكل لحمه لمن يتدين بدين الإسلام مثلاً، لو وجدنا عظم خنزير مثلاً، هل يكون زاداً لإخواننا من الجن؟ طالب:. . . . . . . . . لا. عظم كلب، نعم. طالب:. . . . . . . . . لا يكون زاداً لإخواننا من الجن؛ لأنهم مسلمون، ولا يحل لهم إلا ما يحل لنا، إذن نلحق هذه العظام وإن لم تكن زاداً لإخواننا الجن بالسن؛ لأنها عظم. استفدنا من هذا وإلا ما استفدنا؟ استفدنا من هذه العلة طيب.

((وأما الظفر فمدى الحبشة)): كون الظفر مدى الحبشة، يقتضي أن المنع للتشبه، صح وإلا لا؟ صح وإلا لا؟ المنع للتشبه، فيستعملون الظفر مكان السكين، طيب اشتريت مسواك سواك اشتريته وتحتاج إلى سكين لتشيل اللحاء عنه فتستعمله بالسكين، ما وجدت سكين هل تستعمله بظفرك وإلا لا؟ أو نقول: لا تستعمله؛ لأنه مدى الحبشة؟ يعني مقتضى التعليل بكونها مدى الحبشة، مقتضى التعليل كونها مدى الحبشة هل يعني هذا أننا لا نستعملها في الذبح، ونستعملها في بقية الاستعمالات التي هي غير الذبح؟ العلة المنصوصة بالخبر أنها مدى الحبشة والمنع للتشبه، والمدية تستعمل في الذبح وغير الذبح، والظفر يستعمل في الذبح وغير الذبح، فهل ننزع اللحاء من السواك بالظفر، أو لا؛ لأنه مدى الحبشة؟ طالب:. . . . . . . . . إذن ما الفائدة من التعليل في كونها مدى الحبشة؟ طالب:. . . . . . . . . نعم. طالب:. . . . . . . . . والسواك. طالب. . . . . . . . . خليه طالب. . . . . . . . . يغني إيش الفائدة من التنصيص على العلة؟ لو قال لا تذبحوا بالسن ولا بالظفر لانتهى الإشكال، طالب. . . . . . . . . أقول ما الفائدة من التنصيص على العلة في الحديث؟ إلا ليستفاد منها في باب القياس والإلحاق. طالب. . . . . . . . . نعم. كيف؟ طالب. . . . . . . . . يعني ألحقنا بالعظم بعض العظام التي هي ليست زاداً لإخواننا من الجن، كعظم ما لا يؤكل لحمه، فالظفر حينما مُنِعنا من استعماله في الذبح؛ لأنه مدى الحبشة، فهل نقول أن الظفر لا يستعمل مطلقاً في جميع الاستعمالات التي تستعمل بها السكين؛ لأنه مدى الحبشة؟ ويستعمل فيما عدا ذلك في غير ما يستعمل فيه المدية، يستعمل ما فيه إشكال، لكن فيما تستعمل فيه المدية نكون بذلك تشبهنا بالحبشة؛ لأننا استعملنا مديتهم يعني سكينهم وهي الظفر، في حَل وإلا ما في حَل؟ نعم. طالب. . . . . . . . . لا، لا ينهر، ينهر ما فيه إشكال، ينهر، العصفور يكفيه الظفر، يعني مقتضى النهي التشبه، ما دام تشبهنا استعملناه فيما يستعمله فيه الحبشة الذين نهينا عن التشبه بهم.

يعني هل استعمال المدية خاص بالذبح، فنقول الظفر مثله لا يذبح به، ويكون له استعمالات أخرى غير الذبح؟ أو أنهم لا يذبحون إلا بالظفر-وهذا مستحيل- فنمنع ونحسم مادة الذبح بالظفر دون ما عدا؟، هل يمكن أن نقول أن الحبشة لا يذبحون إلا بالظفر، يذبحون الجمل بالظفر؟ ما يمكن لا يمكن، فلا شك أن العلة المنصوصة هذه قاصرة وإلا متعدية؟ طالب:. . . . . . . . . وإذا كانت قاصرة ويش الفائدة من ذكرها؟ طالب. . . . . . . . . لا، هو التعليل ظاهر في كونه مدى الحبشة، العلة المنصوصة كونه مدى الحبشة. طالب. . . . . . . . . في أيش؟ طالب:. . . . . . . . . لأنه مدية، طيب. طالب. . . . . . . . . طيب هم يستعملون غير الظفر، ويستعملون الظفر في الذبح وغيره، المسألة أوسع مما جاء في الخبر، ها الإخوان شاركوا ما هي المسألة ... نعم. طالب. . . . . . . . . كيف؟ طالب. . . . . . . . . ترى ما فهمت والله ولا سمعت؟ طالب. . . . . . . . . يعني دخول الظفر في الذبح قطعية ما عندنا إشكال، يعني التنصيص على بعض أفراد العام في النص دخوله قطعي هذا ما فيه إشكال، لكن ماذا عن بقية الأفراد التي تلحق بالأصل بالقياس؟ ومثلنا بمثال كل يستعمله واضح يا أخي، اشتريت مسواك وتبي تستعمله وتبي تشيل اللي فوقه ما معك سكين بأي شيء تشيله فهي إلا بأسنانك أو بظفرك، كثير من الناس يستعملون الظفر، نقول: ممنوع لا تستعملوا الظفر؛ لأنه مدى الحبشة؟ الظفر يستعمل في القطع في كثير من الأشياء نعم. طالب. . . . . . . . . إيه. طالب:. . . . . . . . . طيب. طالب. . . . . . . . . ما صنعنا شيئاً؛ لأنه نص على علة والعلة معتبرة عند أهل العلم، والعلة المنصوصة لها شأن عند أهل العلم يدور الحكم معها وجوداً وعدماً. الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- ترجم: باب أضحية النبي -صلى الله عليه وسلم- بكبشين أقرنين ويذكر سمينين، وأجمع المسلمون على مشروعية الأضحية.

إذا عرفنا هذا، وأن الأضحية عبادة لا يجوز صرفها لغير الله تعالى، ((من ذبح لغير الله فقد أشرك)) كما قال -جل وعلا- {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [(162 - 163) سورة الأنعام]، فالنسك وهو الذبح كالصلاة لا يجوز لغير الله -جل وعلا-، يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله- تعالى وقد ذكر الآية في آخر سورة الأنعام: يأمره - {قُلْ إِنَّ} - يأمره تعالى أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله -عز وجل- ويذبحون لغير اسمه، أنه مخالف لهم في ذلك، فإن صلاته لله، ونسكه على اسمه وحده لا شريك له، وهذا كقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] أي: أخلص له صلاتك وذبحك، فإن المشركين كانوا يعبدون الأصنام ويذبحون لها، فأمره الله تعالى بمخالفتهم والانحراف عما هم فيه، والإقبال بالقصد والنية والعزم على الإخلاص لله تعالى. وقد جاء في الصحيح عند مسلم وغيره من حديث علي-رضي الله عنه- قال: ((لعن الله من ذبح لغير الله))، وقد ورد في فضل الأضحية أحاديث كثيرة لكنها كلها ضعيفة. حديث عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق دم، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض، فطيبوا بها نفساً)) رواه الترمذي وقال: حسن غريب لا نعرفه من حديث هشام -يعني هشام بن عروة- إلا من هذا الوجه، ورواه ابن ماجة أيضاً وفي إسناده سليمان بن يزيد راويه عن هشام وهو ضعيف.

وعن زيد بن أرقم قال: قال أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا رسول الله ما هذه الأضاحي؟ قال: ((سنة أبيكم إبراهيم)) قالوا: "فما لنا فيها يا رسول الله" قال: ((بكل شعرة حسنة)) قالوا: فالصوف قال: ((بكل شعرة من الصوف حسنة)). رواه ابن ماجة والحاكم وقال صحيح الإسناد، وقال المنذري في الترغيب: "بل واهٍ" يعني ضعيف جداً، عائذ الله المجاشعي وأبو داود نفيع بن الحارث الأعمى كلاهما ساقط، وحكم عليه الألباني -رحمه الله- بالوضع في ضعيف الترغيب. وذكر المنذري في الباب أحاديث كثيرة ولكنها كلها ضعيفة، ويكفينا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- فعل وحث على ذلك، وأمر به كما سيأتي في أدلة الوجوب، لكن أجمع المسلمون على مشروعيتها، يعني ولو لم يثبت هذا الفضل المذكور فيها، يعني حينما ينازع في الأجر المرتب على الجلوس بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس، هل نقول أن الجلوس ليس بسنة؟ يعني حينما يقال الخبر لا يثبت ((من صلى الصبح في جماعة ثم جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كان له أجر حجة)) قالوا: هذا ضعيف، وإن كان النزاع موجود منهم من يحسنه، على اعتبار أنه ضعيف هل من جلس نقول له: لا تجلس، الحديث لم يثبت؟ طالب:. . . . . . . . . لا يا أخي، العمل مشروع ولو لم يثبت هذا الخبر، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يجلس في مصلاه حتى تنتشر الشمس؛ فالأضحية مشروعة بل من أفضل الأعمال واختلف في وجوبها، ولو لم يثبت الأحاديث التي ذكرها المنذري. ذكر الخلاف في حكم الأضحية: أجمع المسلمون على مشروعيتها، واختلفوا في حكمها، فذهب أكثر أهل العلم إلى أنها سنة مؤكدة في حق الموسر، ولا تجب عليه، قال النووي في المجموع: "هذا مذهبنا وبه قال أكثر العلماء، منهم أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وبلال، وأبو مسعود البدري، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وعلقمة، والأسود، ومالك، وأحمد، وأبو يوسف، وإسحاق، وأبو ثور المزني، وداود، وابن المنذر". الجمهور قالوا: بأنها ليست بواجبة، وإن كانت مستحبة، سنة مؤكدة.

وقال ربيعة والليث بن سعد وأبو حنيفة والأوزاعي هي واجبة على الموسر، إلا الحاج بمنى، وقال محمد بن الحسن: هي واجبة على المقيم بالأمصار، والمشهور عن أبي حنيفة أنه إنما يوجبها على مقيم يملك نصاباً. وقال ابن قدامة في المغني: أكثر أهل العلم على أنها سنة مؤكدة غير واجبة، وذكر من تقدم ذكره في الطرفين، إلا أنه ذكر مالكاً فيمن أوجبها وهو خلاف المعروف من مذهبه بل مذهبه أنها سنة. من قال بوجوبها استدل بأدلة، منها: قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] وقد تقدم. ومنها ما رواه البخاري في صحيحه من حديث جندب بن سفيان البجلي قال: شهدت النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر فقال: ((من ذبح قبل أن يصلي فليعد –أمر- فليعد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح)). فقوله: فليعد، وليذبح كلاهما أمر؛ لاقتران الفعل بلام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب. من أدلتهم ما رواه أبو داود في سننه عن عامر بن أبي رملة قال: "أخبرنا مخنف بن سليم قال: ونحن وقوف مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعرفات قال: ((يا أيها الناس إن على كل أهل بيت في عام أضحية وعتيرة، أتدرون ما العتيرة؟ قال: هي التي يقول الناس الرجبية)). قال ابن حجر في الفتح: أخرجه أحمد والأربعة بسند قوي، لكن قال الخطابي فيه أبو رملة مجهول، وقال ابن حجر في التقريب: أبو رملة شيخ لابن عون لا يعرف، يعني فكيف يكون بسند قوي وأبو رملة لا يعرف. قال الذهبي في الميزان: عامر أبو رملة فيه جهالة وقال عبد الحق: إسناده ضعيف. وقال أبو داود في سننه بعد سياق الحديث: العتيرة منسوخة، هذا خبر منسوخ، والناسخ له ما رواه الجماعة من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا فرع ولا عتيرة)). والعتيرة -كما قال الترمذي-: ذبيحة كانوا يذبحونها في رجب يعظمون بها الشهر المحرم شهر رجب. من أدلتهم ما رواه أحمد وابن ماجه -وصححه الحاكم- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من وجد سعة فلم يضحي فلا يقربن مصلانا)). قال ابن حجر في البلوغ في هذا الحديث: رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم، ورجح الأئمة غيره وقفه.

الجمهور استدلوا بأدلة منها:

وقال في فتح الباري: وأقرب ما يتمسك به لوجوب الأضحية حديث أبي هريرة رفعه: ((من وجد سعة فلم يضحِّ فلا يقربن مصلانا)) يقول: أخرجه ابن ماجه وأحمد ورجاله ثقات، لكن اختلف في رفعه ووقفه، والموقوف أشبه بالصواب، قاله الطحاوي وغيره، ومع ذلك فليس صريحاً في الإيجاب، وفي المسألة أحاديث أخرى كلها ضعيفة، لكن الأحاديث التي ذكرناها هي التي يعول عليها من يقول بوجوب الأضحية. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد. الحديث الأخير حديث أبي هريرة في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من وجد سعة فلم يضحِّ فلا يقربن مصلانا)) دلالته على وجوب الأضحية ظاهرة وإلا غير ظاهرة؟ طالب:. . . . . . . . . نعم، من أي وجه؟ طالب:. . . . . . . . . نعم، يعني مثل دلالة: ((من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مصلانا)) إذا قلنا بوجوب الأضحية بهذا السياق قلنا أن صلاة الجماعة ليست بواجبة من ذلك السياق، وصلاة الجماعة واجبة، ومع ذلك النهي عن قربان المسجد، وقربان المصلى إنما هو تعزير، ((من وجد سعة فلم يضحِّ فلا يقربن مصلانا)) هذا طرد له من المصلى، كما أن ((من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مساجدنا)) فلا يؤذنا، هذا أيضاً تعزير وليس فيه دلالة على عدم وجوب صلاة الجماعة. فالمسألة طردية عكسية، يعني إن قلنا بأن هذا يدل على الوجوب -وجوب الأضحية- على هذا يلزمنا أن نقول بعدم وجوب صلاة الجماعة، كيف ذلك؟ لأننا إذا وازنا بين الأمرين المفعول والمتروك في الطرفين ظهرت لنا هذه النتيجة، وصلاة الجماعة واجبة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- هم بتحريق البيوت على المتخلفين، وقال للرجل الأعمى الذي لا يجد قائداً يلائمه: ((أتسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال: ((أجب لا أجد لك رخصة)) وأي وجوب أعظم من هذا، هذه أدلة من قال بالوجوب، فننظر إلى أدلة الجمهور. الجمهور استدلوا بأدلة منها:

ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أم سلمة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئا))، وفي لفظ عند مسلم أيضاً: ((إذا دخل العشر وعنده أضحية يريد أن يضحي فلا يأخذن شعراً ولا يقلمن ظفراً))، وفي لفظ له عنها: ((إذا أراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره)). ووجه الاستدلال أن الأضحية موكولة إلى إرادة المضحي، ولو كانت واجبة لما كانت كذلك، قال النووي: قال الشافعي: "هذا دليل على أن التضحية ليست بواجبة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((وأراد)) فجعله مفوضاً إلى إرادته، ولو كانت واجبة لقال: فلا يمس من شعره حتى يضحي". الآن الاستدلال سياق الخبر هل هو لبيان حكم الأضحية، أو لبيان المنع من مس الشعر والبشر لمن أراد أن يضحي؟ يعني دلالته الأصلية نعم في حكم الأخذ من الشعر والبشرة لمن أراد أن يضحي، نعم فيه دلالة تبعية وليست أصلية، أن الأمر وكل إلى إرادة المضحي، ولا شك أن الدلالة التبعية معتبرة، إلا إذا عورضت بما هو أقوى منها؛ لأن الخبر إنما سيق من أجل منع من أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره وبشرته شيئاً، ولم يسق لبيان حكم الأضحية، فدلالته الأصلية في حكم أخذ الشعر لمن أراد أن يضحي، ودلالته التبعية يعني لو لم يوجد معارض قلنا، على أنه يمكن أن يقال بمثل هذا السياق حتى في الأركان، نعم، من أراد أن يحج فليحتط لنفسه باللباس -مثلاً- لأن الوقت شتاء مثلاً، من أراد أن يحج فليحتط لنفسه باللباس، يعني يأخذ فروة يأخذ بطانية يأخذ شيئاً يتقي به من شر البرد، هل هذا يدل على عدم وجوب الحج؟ يعني الكلام سيق لبيان حكم الحج؟ إنما سيق للاحتياط، كما أن الحديث الذي معنا ((من أراد أن يضحي)) نعم سياقه للمنع من أخذ البشرة، ولذا الدلالة الأصلية ما سيقت من أجل حكم الأضحية.

والعلماء يختلفون في اعتبار الدلالة الفرعية، أما الأصلية يتفقون عليها، يتفقون على اعتبار الدلالة الأصلية، لكن الدلالة الفرعية يختلفون فيها اختلاف كبير، حتى أن الشاطبي كأنه يميل إلى عدم اعتبار الدلالة الفرعية، لكن لا شك أن القول الوسط أن الدلالة الفرعية إذا لم تعارض فهي معتبرة، والعلماء ما زالوا يستنبطون من أدلة الكتاب والسنة من الجملة الواحدة أكثر من فائدة، لا يقتصرون على الدلالة الظاهرة من النص، بل يسترسلون ويستنبطون منه أدلة أخرى، لكن مثل هذا إنما سيق لبيان حكم أخذ الشعر ممن أراد أن يضحي، وتنظيره مثل ما سمعتم، قد يكون فيكم من لم يحج حجة الإسلام، فإذا قيل لكم بمجموعكم بمن فيكم ممن لم يحج حجة الإسلام وهو قادر على ذلك وهي ركن من أركان الإسلام: إذا أراد أحدكم أن يحج فليحتط لنفسه، أو من أراد منكم أن يحج فليحتط لنفسه؛ لأن الجو بارد، ويخشى من الضرر، هل نقول أن هذا فيه ترخيص للجميع لمن أراد أن يحج أو لمن لم يرد، لا، دلالة الحديث الأصلية ما سيقت لهذا. طالب. . . . . . . . . طيب أنا جيب لك مثال. الحنفية يقولون: أن وقت صلاة العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثليه، يعني لو وقفت بالشمس صار ظلك طولك مرتين، والجمهور يقولون: لا، مثله مرة واحدة بس، إلى قدر هذا بمَ استدلوا؟ استدلوا بحديث: ((إنما مثلكم ومثل من قبلكم كمثل رجل استأجر أجيراً من أول الصبح إلى وقت الظهر بدينار، ثم استأجر أجيراً من وقت الظهر إلى العصر بدينار، ثم استأجر أجيراً من وقت العصر إلى غروب الشمس بدينارين، فاحتج أهل الكتاب نحن أكثر عملاً وأقل أجراً)). وجه الاستدلال: اليهود الذين عملوا من أول النهار إلى الزوال واضح احتجاجهم، ولهم أن يحتجوا؛ لأنهم عملوا ضعف العمل الباقي، لكن اليهود كيف يطيب لهم الاستدلال بأنهم عملوا أكثر من عمل المسلمين، وصلاة العصر تبدأ من مصير ظل الشيء مثله؟ قالوا: لا، ما يمكن أن يحتج اليهود إلا إذا كان الوقت يمتد إلى مصير ظل الشيء مثليه، على شان يصح احتجاجهم. نقول: الاستدلال بمثل هذا الحديث صحيح وإلا ما هو بصحيح؟ صحيح وإلا ما هو بصحيح؟ الدلالة أصلية وإلا فرعية؟

فرعية بعيدة كل البعد عن المراد، مع أن في حديث عبد الله بن عمرو: ((ووقت العصر من مصير ظل الشيء مثله إلى أن تغرب الشمس))، هذا في الصحيح، نقابل هذه الدلالة بمثل هذا الحديث الصحيح الصريح؟ يعني هل الدلالة من الأحاديث المعتبرة؟ يا إخواني، نفرق بين الدلالات قوة وضعفاً، لا بد من التفريق، يعني الأئمة حينما يتكلمون ويحتجون بالنصوص ما يتكلمون من فراغ، ما يتكلمون من فراغ، يعني ما تورد حديث على أبي حنيفة، حديث عبد الله بن عمرو في صحيح مسلم وتنكره أبداً، ما أحتج بهذا الحديث. طيب صحيح، قال: صحيح لكن ما أحتج به، ما يمكن أن يقول هذا مثل أبي حنيفة، لكن يجيب لك حديث ما يخطر على بالك، ولا على بال غيرك من أهل العلم. فالدلالة الفرعية لا شك أنها معتبرة، لكن يبقى أنها إذا عورضت بما هو أقوى منها تلغى، مثل المفهوم؛ المفهوم معتبر إذا عورض بمنطوق يلغى؛ لأنه أقوى منه، فمثل هذا ينتبه له. فالدلالة الأصلية للخبر إنما هي لأخذ الشعر والبشر لمن أراد أن يضحي، الدلالة الفرعية ((وأراد أن يضحي)) لو لم تعارض لقلنا بها. على كل حال، مثل هذا يحتاج إلى بسط، مثل هذه المسألة على وجه الخصوص تحتاج إلى ضرب أمثلة، يعني من استدل على أن الحائض تقرأ القرآن بأيش، حائض تقرأ القرآن، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لعائشة: ((افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) قالوا الحاج يقرأ القرآن، طيب ولا يفعل غير هذا؟ افعلي يعني مما هو من أعمال الحج الخاصة به، افعلي كل ما يفعله الحاج، طيب الحاج يأكل ويشرب وينام ويتكلم وكذا، نقوم نلزم الحائض أن تفعل؛ لأن الحاج يفعل هذا، يعني إبعاد، إبعاد واستغراق في العموم، لا شك أن هذه الدلالة الفرعية يعني تضعف كلما بعدت، إنك تجد العلماء يستنبطون من الحديث عشر فوائد، يعني من جملة واحدة يستنبطون عشر مسائل الأولى واضحة مثل الشمس، ما يختلف فيها أحد، الثانية قريبة منها، الثالثة، قريبة منها، إلى أن تصل إلى العاشرة وفيها خفاء شديد، يعني هل كل هذه الفوائد معتبرة؟ نعم معتبرة إذا لم تعارض، فإذا عروض شيء منها بما هو أقوى منه، ألغي.

مما احتجوا به ما رواه البيهقي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((هن علي فرائض وهن لكم تطوع، النحر والوتر وركعتا الضحى))، وهذا الحديث إسناده ضعيف. وقال النووي في الشرح المهذب: صح عن أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- أنهما كانا لا يضحيان مخافة أن يعتقد الناس وجوبها، صح عن أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- أنهما لا يضحيان مخافة أن يعتقد الناس وجوبها، يعني الواجب يمكن أن يترك من أجل أن يعتقد الناس أو لا يعتقد؟! طيب الأمر استقر بوفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- فما الداعي لفعل أبي بكر وعمر؟ لأنهما خليفتان راشدان أمرنا باتباعهما والاقتداء بسنتهما. لكن يأتي شاب في الثانوية -وهذه مسألة واقعة- الناس يصلون على الجنائز في المسجد الحرام وهو جالس جالس، سلموا الناس، لماذا لم تصلي؟ قال: لئلا يعتقد الوجوب، نجلس لبيان الجواز، هذه مسألة حقيقة يعني!! قد يقع بعض التصرفات من الشباب -أنا سمعت بأذني- وأنا ذاهب إلى رمي الجمرة يوم العيد اثنين من الشباب أجزم بأنهما ما دخلا الجامعة بعد، قال الحمد لله الذي ما أرانا ما كنا نتخوف من البدع، قال صاحبه: مثل إيش؟ قال: مثل قيام الليل ليلة مزدلفة، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- نام حتى أصبح!! يعني حديث ما ترك الوتر سفراً ولا حضراً، وكونه ما نقل يعني هل يعني أنه ما حصل أو كذا؟ يعني تعجب من كيفية جرأة هؤلاء الشباب، على الإنسان أن يعرف قدر نفسه، عامة أهل العلم على الاستحباب، وأنها ليلة من سائر الليالي بل من أفضل الليالي، ومع ذلك يقول: ما رأينا مبتدعة ولله الحمد. يعني الذين يسبون الصحابة ويدعون غير الله -جل وعلا- هؤلاء ما هم مبتدعة، لكن الذي يوتر ليلة مزدلفة هذا مبتدع. هذا خلل، والله خلل في التصور وفي التحصيل، يحتاجون إلى تربية من جديد، يجلس والناس ألوف مؤلفة تصلي على الجنائز؛ لئلا يظن الوجوب! أو لبيان الاستحباب؟!، ولعله يريد أن فعله يصرف الحكم من كذا إلى كذا، والله المستعان.

أبو بكر وعمر على العين والرأس يتركان؛ لئلا يظن الوجوب؛ لأننا أمرنا بالاقتداء بهما، ولذلك كثير ما يستدل أهل العلم على الوجوب بفعل الخلفاء الراشدين، وأكثر من يستدل بهذا الإمام مالك -رحمه الله- يعني يذكر الخبر المرفوع، ثم يذكر فعل أبي بكر وعمر لماذا؟ ليبين أن الحكم محكم غير منسوخ، ولو كان منسوخاً لما فعله أبو بكر وعمر، فيستدل بفعلهما، وقد أمرنا بالاقتداء بهما، والله المستعان. قال ابن حجر في فتح الباري: قال ابن حزم: لا يصح عن أحد من الصحابة أنها واجبة، وصحَّ أنها غير واجبة عن الجمهور، ولا خلاف في كونها من شرائع الدين. استدل المجد ابن تيمية صاحب المنتقى جد شيخ الإسلام -رحم الله الجميع- على عدم الوجوب بتضحية الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن أمته، وذكر حديث جابر -رضي الله عنه- قال: "صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عيد الأضحى، فلما انصرف أتي بكبش فذبحه" فقال: ((باسم الله، الله أكبر، اللهم هذا عني، وعن من لم يضحِّ من أمتي)) رواه أحمد أبو داود والترمذي. وحديث علي ابن الحسين عن أبي رافع أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين، فإذا صلى وخطب الناس أتي بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية، ثم يقول: ((اللهم هذا عن أمتي جميعاً، من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ))، ثم يؤتى بالآخر فيذبحه عن نفسه، ويقول: ((هذا عن محمد وآل محمد)) فيطعمهما جميعاً المساكين، ويأكل هو وأهله منهما، فمكثنا سنين ليس لرجل من بني هاشم يضحي؛ قد كفاه الله المئونة برسول الله صلى الله عليه وسلم". رواه أحمد. يقول الشوكاني في شرحه: وجه "دلالة الحديثين على الوجوب أن تضحيته -صلى الله عليه وسلم- عن أمته وعن أهله تجزئ كل من لم يضحِّ، سواءً كان متمكناً من الأضحية أو غير متمكن، ثم تعقبه بقوله: ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن حديث: ((على كل أهل بيت أضحية)) يدل على وجوبها على كل أهل بيت يجدونها، فيكون قرينة على أن تضحية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن غير الواجدين من أمته".

هل على الحاج أضحية:

على كل حال مما تقدم من أدلة الفريقين، يتضح أن أقوى أدلة القائلين بالوجوب الآية، وحديث جندب بن سفيان والأمر بإعادة الذبح، ((فليذبح مكانها أخرى)) والذبح أيضاً: ((ومن لم يذبح فليذبح)) هذا ظاهر في الوجوب. وأقوى أدلة المخالفين رد أمر التضحية إلى إرادة المضحي كما في حديث أم سلمة عند مسلم وغيره، ولا شك أن الأدلة تقرب من التكافؤ، وإذا كان الأمر كذلك فالذي ينبغي على المسلم أن يحتاط لدينه، ويخرج من العهدة بيقين إبراءً للذمة وخروجاً من الخلاف، فيضحي إذا كانت الأضحية لا تشق عليه، أو إذا كان يستطيع أن يقترض ثم يجد سداداً لذلك فليقترض. وترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- باب سنة الأضحية، وقال ابن عمر: "هي سنة ومعروف". هل على الحاج أضحية: الإمام مالك -رحمه الله تعالى- استثنى الحاج بمنى، وقال: "لا تسن له الأضحية؛ لأن ما يذبحه هدي لا أضحية" واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ففي الاختيارات قال: "ولا تضحية بمكة وإنما هو الهدي". وخالفهم جماهير أهل العلم؛ نظراً لعموم أدلة الأمر بالأضحية في الحاج وغيره، ولبعض النصوص المصرحة بمشروعية الأضحية للحاج بمنى، وترجم الإمام البخاري في صحيحه: باب الأضحية للمسافر والنساء. ذكر حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل عليها وقد حاضت بسرف، قبل أن تدخل مكة وهي تبكي فقال: ((ما لك، أنفست؟ )) قالت: نعم، قال: ((إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاقض ما يقضي الحاج غير ألا تطوفي بالبيت))، فلما كنا في منى أُتيت بلحم بقر، فقلت: ما هذا؟ قالوا: ضحى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أزواجه بالبقر". وهذا الحديث في الصحيحين، وعند مسلم بلفظ "أهدى" بدل ضحى. قال ابن حجر: الظاهر أن التصرف من الرواة، يعني بعضهم يقول أهدى، وبعضهم يقول ضحى؛ لأن الوقت واحد، وقت الأضحية ووقت الهدي واحد، فبعضهم يعبر عنه بالأضحية وبعضهم يعبر عنه بالهدي.

يقول: "الظاهر أن التصرف من الرواة؛ لأنه ثبت في الحديث ذكر النحر فحمله بعضهم على الأضحية؛ فإن رواية أبي هريرة صريحة في أن ذلك كان عمن اعتمر من نسائه، فقويت رواية من رواه بلفظ: " أهدى" وتبين أنه هدي التمتع؛ فليس فيه حجة على مالك في قوله: لا ضحايا على أهل منى، وتبين توجيه الاستدلال به على جواز الاشتراك في الهدي والأضحية والله أعلم. إذا عرف هذا فليس في الحديث ما ينفي التضحية، يعني لا نقول أنه قطعي في حكم التضحية لقوله: "ضحى عن نسائه بالبقر"؛ لاحتمال أن يكون أطلق ضحى وأراد أهدى، لا سيما وقد جاء في بعض الألفاظ: "أهدى عن نسائه بالبقر"، لكن ليس فيه تعرض لنفي الأضحية؛ الأضحية ثبتت بأدلة أخرى، وكونه -عليه الصلاة والسلام- أهدى عن نسائه البقر، لا يعني أنه لم يضحِّ عنهن، إذا عرف هذا فليس في الحديث ما ينفي التضحية لعدم ذكرها، فتبقى على حكمها المبين في نصوص أخرى كما قال الجمهور. في قواعد ابن رجب في من فروع قاعدة: (إذا اجتمعت عبادتان من جنس واحد ليست إحداهما مفعولة على جهة القضاء، ولا على طريق التبعية للأخرى في الوقت، تداخلت أفعالهما، واكتُفى فيهما بفعل واحد وهو على ضربين). إذا اجتمعت عبادتان من جنس واحد: ليست إحداهما مقضية يعني والأخرى مؤداة، وليست إحداهما تفعل على طريق التبعية للأخرى، تداخلت أفعالهما، واكتفى فيهما بفعل واحد وهو على ضربين: - أحدهما: أن يحصل له بالفعل الواحد العبادتان جميعًا، بشرط أن ينويهما على المشهور. الثاني: أن يحصل له أحدى العبادتين، وتسقط عنه الأخرى، ولذلك أمثلة: فذكر منها: إذا اجتمع عقيقة وأضحية فهل تجزئ الأضحية عن العقيقة أم لا؟ هذا المولود ولد في اليوم الرابع يوم العيد يوم السابع، وأراد أن يذبح العقيقة ونواها عقيقة وأضحية، تجزئ وإلا ما تجزئ؟ عبادتان من جنس واحد ليست إحداهما مقضية؛ كلها في الوقت، وليست هذه مشروعة على سبيل التبعية للأخرى، وليست تابعة لشيء آخر، تتداخل؛ مقتضى القاعدة أنها تتداخل. إذا اجتمع عقيقة وأضحية فهل تجزئ الأضحية عن العقيقة أم لا؟.

على روايتين منصوصتين يعني عن الإمام أحمد، وفي معناه لو اجتمع هدي وأضحية واختار الشيخ تقي الدين أنه لا تضحية بمكة وإنما هو الهدي. أقول: ينظر في قوله بمكة، هل المراد الحاج فقط، أو نقول المقيم بمكة لا أضحية عليه، كما أنه لا هدي عليه، هذه متعة وهذا قران ما عليه، {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(196) سورة البقرة]، فهل أهل مكة ما يضحون؟ أو المراد من حج منهم، أو المراد من أهدى منهم، سواءً كان حاجاً أو غير حاج؟؟ الذي يظهر أن المراد من أهدى، حاجاً كان أو غير حاج، لكن من لم يهدِ، النصوص تشمل، تشمله كما تشمل غيره. قال ابن القيم -رحمه الله- في الهدي، -الهدي الذي ينحر وإلا كتاب؟ طالب:. . . . . . . . . نعم، كتاب اسمه زاد المعاد، لكن تعارف أهل العلم على تسميته واختصار اسمه بـ (الهدي): "الأضحية والهدايا والعقيقة مختصة بالأزواج الثمانية المذكورة في سورة الأنعام، ولم يعرف عنه -عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا عن الصحابة، هدي ولا أضحية ولا عقيقة من غيرها، وهذا مأخوذ من القرآن من مجموع أربع آيات: إحداها: قوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} [(1) سورة المائدة]. والثانية قوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [(27) سورة الحج]. والثالثة قوله تعالى: {وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ* ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [(142 - 143) سورة الأنعام]، ثم ذكرها. الرابعة قوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [(95) سورة المائدة]، فدل على أن الذي يبلغ الكعبة من الهدي هو هذه الأزواج الثمانية، وهذا استنباط علي بن أبي طالب".

وقت الأضحية:

وهذا أمر مجمع عليه، أن الهدي والأضحية والعقيقة لا تصح إلا من بهيمة الأنعام، إلا ما حُكي عن الحسن بن صالح أنها تجوز التضحية ببقرة الوحش عن عشرة، والضبي عن واحد، وروي عن أسماء أنها قالت: ضحينا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالخيل، وما روي عن أبي هريرة أنه ضحى بديك، وكل هذه لا تثبت، ولا اعتبار بها. وقت الأضحية: ووقت الذبح يوم العيد بعد الصلاة أو قدرها، إلى آخر يومين من أيام التشريق، فتكون أيام النحر ثلاثة، يوم العيد، ويومان بعده، هذا المذهب عند الحنابلة، وهو قول عمر، وعلي، وابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة وأنس، وإليه ذهب مالك والثوري وأبو حنيفة، يعني قول الجمهور أنها ثلاثة أيام. وروي عن علي-رضي الله عنه- أن آخر أيام الذبح آخر أيام التشريق، وتكون على هذا أربعه، وبه قال عطاء والحسن والشافعي لحديث: ((أيام منى كلها منحر))؛ ولأنها أيام تكبير وإفطار، فكانت محلاً للنحر كالأولين واختاره شيخ الإسلام. ابن سيرين يقول: لا يجوز النحر إلا في يوم النحر خاصة؛ لأنها وظيفة عيد فاختصت بيوم العيد كالصلاة وأداء الفطرة يوم الفطر. ودليل المذهب أن الذبح في ثلاثة أيام فقط بل هو قول الجمهور بل هو قول الأكثر، دليل المذهب النهي عن الادخار فوق ثلاث، ولا يجوز الذبح في وقت لا يجوز ادخار الأضحية إليه، وحكم الادخار سيأتي، وشيخ الإسلام، والمفتى به الآن أن الذبح في جميع أيام التشريق الثلاثة، وعلى هذا تكون أيام الذبح أربعة. حكم ذبح الأضحية قبل الصلاة: من ذبح أضحيته قبل أن يصلي إمام المسلمين صلاة العيد فإن ذبيحته لا تجزئه عن الأضحية، وإنما شاته التي ذبحها لحم يأكله هو ومن شاء وليست بشاة نسك؛ لما روى البخاري في صحيحه عن البراء -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أول ما يبدئ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر من فعل فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك بشيء)) وفي الباب عن أنس وجندب ابن سفيان -وكلها متفق عليها- كلها مصرحة بأنه لا يجوز الذبح قبل الصلاة.

السن المجزئ للأضحية:

ومن كان في مكان لا تصلى فيه العيد فإنه يتحرى بذبح أضحيته قدر ما يصلي الإمام صلاة العيد عادة ثم يذبح، يعني لو انتظر ساعة بعد طلوع الشمس له أن يذبح؛ لأن الصلاة في الغالب تكون انتهت. السن المجزئ للأضحية: اختلف العلماء في السن المجزئ، ففي صحيح مسلم عن جابر-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضان))، والمسنة هي الثنية من كل شيء، من الإبل والبقر والغنم، قاله النووي. ومذهب الجمهور أن الجذعة من الضان يجزئ، مع أنه يقول: ((لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضان)) الجمهور أن الجذع من الضأن يجزئ، سواءً وجدت المسنة أو لا. وحكي عن عمر والزهري أنهما قالا لا يجزئ، الجذع من الضأن، استدلالاً بالحديث ((لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضان)) وقد يحتج لهما بظاهر هذا الحديث، وقال الجمهور هذا الحديث محمول على الاستحباب والأفضل. اختلفوا في الجذع من الضأن فقيل ما له سنة تامة، قال النووي وهو الأصح عند أصحابنا، وهو الأشهر عند أهل اللغة وغيرهم، وقيل ما له ستة أشهر، وهذا قول الحنابلة كما في المقنع وشرحه يقول: "ولا يجزئ إلا الجذع من الضأن، وهو ما له ستة أشهر، والثني مما سواه، والثني من الإبل ما كمل له خمس سنين، ومن البقر ما له سنتان، ومن المعز ما له سنة"، فيجزئ الجذع من الضأن لحديث أبي هريرة عند أحمد والترمذي قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((نعم، أو نعمت الأضحية الجذع من الضأن)). وعن أم بلال بنت هلال عن أبيها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يجوز الجذع من الضأن ضحية)). وعن مجاشع بن سليم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: ((إن الجذع يوفي مما يوفي منه الثني)) وعن عقبة بن عامر قال: "ضحينا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالجذع من الضأن" وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضاً، وعلى العمل بها عامة أهل العلم، أن الجذع من الضأن يجزئ، وأن الحديث الأول محمول على الاستحباب.

ترجم الإمام البخاري -رحمه الله- باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي بردة: ((ضحِّ بالجذع من المعز، ولن تجزئ عن أحد بعدك))، وذكر حديث أبي بردة، وأنه ضحى قبل الصلاة، فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((شاتك شاة لحم)) فقال: إن عندي داجناً، جذعة من المعز، فقال: ((اذبحها ولا تصلح لغيرك)). وفي الاختيارات لشيخ الإسلام ابن تيمية، قال: "تجوز الأضحية بما كان أصغر من الجذع من الضأن لمن ذبح قبل صلاة العيد جاهلاً بالحكم ولم يكن عنده ما يعتد به في الأضحية غيرها؛ لقصة أبي بردة بن ميار ويحمل قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((ولن تجزئ عن أحد بعدك)) أي بعد حالك، يعني شيخ الإسلام حمل الحديث على الحال، لا على الشخص، والجمهور على أنها لا تجزئ عن أحد أبداً، يعني لا يذبح، إذا ما كان عنده إلا جذعة من المعز لا يذبح، أو أقل من جذع الضأن لا يذبح، ليست أضحية، ليست مما يشرع التقرب به؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((لن تجزئ عن أحد بعدك))، شيخ الإسلام يقول: تجزئ، وحمل الحديث على الحال، يعني بعد حالك، يعني غير حالك هذه لا تجزئه، أما من كانت حاله مثل حالك تجزئ، ولا شك أن هذا من شيخ الإسلام -رحمه الله- مقبول باعتبار إحاطته بنصوص الشريعة وقواعدها العامة والمصالح وغيرها والمقاصد -مقاصد الشريعة- لكن غيره هل يمكن أن يقول مثل هذا الكلام؟ هل يمكن أن يقول غير شيخ الإسلام غير هذا الكلام، يعني هل لطالب علم أن يقول: أبداً لن تجزئ، يقول تجزئ، يمكن أن يقوله طالب علم؟ ما يمكن، هل يمكن أن يقول طالب علم: أحابستنا هي الرسول يقول: ((أحابستنا هي)) يقول الحائض ما تحبس الرفقة، لكن شيخ الإسلام بسعة علمه واطلاعه على نصوص الشريعة ومقاصدها وقواعدها العامة يقول مثل هذا الكلام، ولا إمامة إلا بجرأة، كما هو معروف، لكن يبقى أن الجرأة لمن؟ ما يقول والله شاب من الشباب أو متعلم من المتعلمين ولا حتى عالم دون شيخ الإسلام بمراحل أن يقول مثل هذا الكلام.

لا يجزئ في الأضحية العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، الكبيرة التي لا تنقي، كما رواه أحمد والأربعة، وصححه الترمذي وابن حبان من حديث البراء بن عازب، قال أبو داود: "لا تنقي يعني ليس لها مخ". وأخرج أبو داود من حديث عقبة بن عامر السلمي أنه قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المصفرة" وهي التي تستأصل أذنها، والمستأصلة التي استئصل قرنها، والبخقاء التي تبخق عينها، والمشيعة وهي التي لا تتبع الغنم عجفاً أو ضعفاً، والكسراء الكسيرة لكن الحديث فيه ضعف. وأخرج أيضاً أبو داود عن علي قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نستشرف العين والأذن ولا نضحي بعوراء ولا مقابلة ولا مدابرة ولا خرقاء ولا شرقاء المقابلة مقطوعة طرف الأذن، والمدابرة المقطوعة من مؤخرة الإذن، والشرقاء قال: المشقوقة الإذن، والخرقاء مخروقة الأذن للسمة، يعني للوسم، وهذا أيضاً ضعيف. مقطوع الألية، يستورد من الغنم ما هو مقطوع الألية لا سيما من استراليا، جمع من أهل العلم على أنه يجزئ؛ لأن قطع الألية إنما هو لمصلحته كالخصاء، لمصلحة الفحل أو المضحى به. أخرج أحمد وابن ماجة والبيهقي من حديث أبي سعيد قال: اشتريت كبشاً لأضحي به، فعدى الذئب فأخذ الألية منه، فسألت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((ضحي به)) والحديث ضعيف؛ لأن فيه جابر الجعفي مضعف عند أهل العلم شديد الضعف، وشيخه مجهول، لكن له شاهد عند البيهقي. من أحكام الأضحية: أفضل الأضاحي الإبل ثم البقر ثم الضأن ثم الماعز، فتجزئ البدنة والبقرة عن سبعة، قال شيخ الإسلام: "الأجر في الأضحية على قدر القيمة مطلقاً"، ولعل مستنده قوله في الحديث: "ثمينين". وتنحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى، فيطعنها بالحربة في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر، ويذبح البقر والغنم ويقول عند ذلك: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك ولك، اللهم تقبله عن فلان. يتولى الذبح بنفسه إن كان يحسن ذلك كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإذا كان لا يحسن ذلك ولم يعتد هذا الأمر فأقل الأحوال أن يحضر الذبح، ثم يأكل ويهدي ويتصدق منها أثلاثاً.

لا يجوز لمن أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره أو بشرته شيئاً -كما تقدم في حديث أم سلمة- وبذلك قال سعيد بن المسيب، وربيعة، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، وداود، وقال بعضهم أن الحديث محمول على الكراهة، كراهة التنزيه لا التحريم. في البخاري من حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "كنا نتزود لحوم الأضاحي على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة" يعني يأخذون يتزودونها أكثر من ثلاثة أيام، يعني طريقهم هذا يأكلون منها، بل قد يدخرونها إذا وصلوا إلى المدينة يبقى منها شيء. عن سلمة بن الأكوع قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وبقي منها شيء))، يعني نهي عن الادخار بعد ثلاث، والصحابة: كنا نتزود لحوم الأضاحي على عهده إلى المدينة وهذا يستمر أكثر من ثلاثة أيام، بل يأخذ أسبوع وأكثر. سلمة بن الأكوع قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وبقي منه شيء))، فلما كان العام المقبل قالوا: يا رسول الله، نفعل كما فعلنا عام الماضي قال: ((كلوا وأطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان بالناس جهد فأردت أن تعينوا منها))، يعني تتصدقون بما زاد عن حاجتكم في الأيام الثلاثة. ومن حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: "الضحية كنا نملح منه فنقدم به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة فقال: ((لا تأكلوا إلا ثلاثة أيام)) وليست بعزيمة، ولكنه أراد أن نطعم والله أعلم. وجاء في الخبر أن النهي عن الادخار فوق ثلاث إنما كان من أجل الدافة: قوم قدموا إلى المدينة وبهم حاجة وجوع، فنهي عن الادخار من أجل أن يتصدق على هؤلاء المحتاجين، والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأضحية فضلها وأحكامها

الأضحية فضلها وأحكامها (الحكمة من تنوع العبادات، اللغات في الأضحية، ما ورد من السنة في الأضحية، حكم الأضحية، أدلة القائلين بالوجوب، أدلة القائلين بعدم الوجوب، الأصناف التي تجزئ في الأضحية، وقت الذبح، سلامة الأضحية من العيوب) الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: تتشرف مؤسسة الدعوة الخيرية في جامع الأمير فيصل بن فهد -يرحمهم الله- وعبر برنامجها المتعلق بملتقى الدعوة الثامن في مجالس عشر ذي الحجة، في هذا اليوم الموافق الأربعاء الثاني والعشرين من شهر ذي القعدة لعام (1427هـ) وضمن سلسلة هذه اللقاءات التي يقوم على لقائها نخبة من كبار علمائنا الأفاضل. يسرنا في هذه الليلة المباركة أن يكون معنا أحد علمائنا الأجلاء فضيلة الشيخ العلامة الدكتور/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير، وعنوان هذا اللقاء: (الأضحية فضلها وأحكامها) وما زلنا وإياكم نعيش هذه الأيام مع علمائنا الأجلاء في طرح ما يتعلق بمسائل عشر ذي الحجة، وفي هذا اليوم سيتحدث فضيلة شيخنا عن عدد من العناصر فيما يتعلق بالأضحية (فضلها وأحكامها). أولاً: في الترغيب فيها. ثانياً: فضلها. ثالثاً: أحكامها. رابعاً: سننها وآدابها. سادساً: عيوبها. سابعاً: تنبيهات مهمة لمن أراد أن يضحي. أرحب بكم جميعاً أيها الحضور، وأرحب بالأخوة المشاركين معنا في عدد من المواقع في مدينة عرعر، وفي جامع الأمير عبد العزيز بن مساعد، وكذلك الأخوة الذين يشاركوننا عبر الموقع، أرحب بكم في هذا اللقاء، وأنبه كالمعتاد أنه سيتم طرح ثلاثة أسئلة على محاضرة الشيخ، ثم بعد ذلك ننتقل إلى أسئلة المناطق، وأسئلة الحضور، وكذلك الأسئلة التي تردنا عبر الموقع. أسأل الله -عز وجل- بمنه وكرمه أن يبارك في جهود شيخنا، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين، وأن يجعل ما يبذله ويقدمه في ميزان حسناته، وأن يبارك له في جهوده ووقته، إنه ولي ذلك والقادر عليه. أترككم مع فضيلة الشيخ فليتفضل مشكوراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحكمة من تنوع العبادات:

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد: الحكمة من تنوع العبادات: فمن نعم الله -جل وعلا- على المسلمين، على هذه الأمة أن نوع لها العبادات، وشرع لها الشرائع المتنوعة المناسبة لجميع الطبقات، وجميع الفئات، تنوع العبادات نعمة عظيمة من الله -جل وعلا-، فلو كانت العبادات كلها من نوع واحد بدنية مثلاً لشق الأمر على كثير من الناس، فكثير من الناس لديه استعداد أن يبذل الأموال الطائلة ولا يتعب جسده في ركعتين، ونوع آخر لديه الاستعداد التام على أن يتعب بدنه حفاظاً على ماله، فجاءت العبادات في هذه الشريعة الكاملة الشاملة الخاتمة للشرائع منوعة، فمنها العبادات البدنية كالصلاة مثلاً والصيام، فهذه يُكثِر منها من وفقه الله -جل وعلا-، ويسر عليه العبادات البدنية، ليتوفر له أجره عند الله -جل وعلا-، وجاء في فضل الصلاة، وهي عبادة بدنية، وفضل الصيام ما جاء من نصوص الكتاب والسنة، لكن كثير من الناس لم يفتح له هذا الباب، لا يستطيع الإكثار من الصلوات، مع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) والقنوت طول القيام كما هو معروف. ومنهم من لا يستطيع الإكثار من نوافل الصيام مع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً)) فتجد بعض الناس مستعد يدفع عشرة آلاف ولا يصوم يوم، ومن الناس من هو بالعكس، مستعد أن يصوم الأيام المتتابعة، وأن يقوم الليالي المتواصلة، ولا تجود نفسه ببذل شيء من المال، والمسألة مفترضة في القدر الزائد عن الواجبات، وأما الواجبات سواءً كانت بدنية أو مالية فلا يعفى منها أحد؛ لكن الكلام في النوافل، بعض الناس يفتح له باب الصلاة، وبعضهم باب الصيام، وبعضهم باب الإنفاق في سبيل الله، وهكذا.

اللغات في الأضحية:

ولذا جاءت العبادات متنوعة، وهذه العبادة الخاصة وهي عبادة النسك، والذبح لله -جل وعلا- الذي هو نوع من أنواع العبادة التي لا يجوز صرفها لغير الله -جل وعلا-: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [(162 - 163) سورة الأنعام] فمن ذبح لغير الله -جل وعلا- فقد أشرك. قد يلتبس على بعض الناس ما يذبح لإكرام الضيف مثلاً، أو لكونه سكن بيتاً جديداً، أو ما أشبه ذلك مما تعارف الناس على ذبحه، فهل هذا يتعارض؟ هل يقول الإنسان: أن هذه ذبيحة لفلان وليست لله؟ وقد ذبحت على اسم الله -جل وعلا-، قال ذابحها: بسم الله والله أكبر، وأكرم بها ضيفه ممتثلاً لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه)) وقد تعزب هذه النية عنه، لكنها داخلة فيما يجمل، وإن كان الأجر يترتب على استحضار هذه النية، وما أشبه ذلك، فالضيافات المعروفة عند العرب ثمان كما قدرها أهل العلم وحددوها، المقصود أن مما يذبح تقرباً إلى الله -جل وعلا- هذه الشعيرة من شعائر الدين. اللغات في الأضحية: ويقال لها: أضحية، بضم الهمزة، وإِضحية بكسرها، والجمع أضاحي، كما يقال لها: ضحية، وجمعها ضحايا، ويقال لها أيضاً: أضحاة، وجمعها أضحى، كأرطاة وأرطى. هذه اللغات في هذه اللفظة: أضحية وإضحية، وجمعهما أضاحي، وضحية كعطية وهدية، وجمعها ضحايا، كهدايا وعطايا، وأضحاه، وجمعها أضحى، كأرطاة وأرطى. والأضحية مشروعة بإجماع المسلمين، وشرعيتها تظافرت عليها الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع.

ورد أحاديث كثيرة كما جاء في القرآن ما يشير إليها من قوله -جل وعلا-: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] والمراد بالصلاة في هذه الآية هي صلاة العيد وعيد النحر، والنحر هنا المأمور به في قوله: {وَانْحَرْ} ذبح الضحايا والهدايا، هذا ما يتعلق بعيد الأضحى، أما بالنسبة لعيد الفطر فجاء قوله -جل وعلا-: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [(14 - 15) سورة الأعلى] هذه وظيفة عيد الفطر، ووظيفة عيد الأضحى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] والأمر هنا الأصل فيه الوجوب، وثبوته قطعي؛ لكن دلالته على المراد (فصلِ) أمر بالصلاة، (وانحر) أمر بالنحر، يستدل بهذا من يقول: بوجوب الأضحية على ما سيأتي. الثبوت قطعي؛ لأنه بين الدفتين في المصحف؛ لكن دلالة الصلاة هنا على صلاة العيد، ودلالة الأمر بالنحر على الأضحية ليست بقطعية، ولذا اختلف أهل العلم في حكمها، في الطرفين، في صلاة العيد وفي النحر، والجمهور على عدم وجوب صلاة العيد وجوباً عينياً، كما يدل له قوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ} كما أن مذهب الجمهور على عدم وجوب الأضحية كما سيأتي، وذلكم لأن دلالة الآية في الموضعين على الصلاة وعلى النحر ليست قطعية، وقال بالوجوب في الطرفين الحنفية، قال بوجوب صلاة العيد الحنفية، وقالوا بوجوب النحر، بوجوب الأضحية الحنفية أيضاً، فمذهبهم مطرد. شيخ الإسلام يوافقهم على وجوب صلاة العيد، ويؤكد في استحباب الأضحية؛ لكنه لا يصل بها إلى حد الوجوب، المقصود أن الأضحية هي ما يذبح يوم عيد النحر، وما يليه من أيام التشريق، على ما سيأتي من الخلاف في هذه المسألة.

ما ورد من السنة في الأضحية:

وكأنها أخذت من اسم الوقت الذي شرع ذبحها فيه، وهو الضحى، ثم سمي بها اليوم، يوم العيد، عيد الأضحى، يعني هل نقول: أن الأضحية أخذت من عيد الأضحى؟ لا، لماذا؟ لأنه يلزم عليه الدور، العيد أخذ من الضحايا والهدايا هذه من الضحية؛ لأنه تذبح فيه الأضاحي، والأضحية أخذت من يوم العيد هذا هو الدور، وهذا ممنوع، ترتيب شيء على شيء مترتب عليه ممنوع عند أهل العلم، ولا يمكن، ما يتصور؛ لكن أخذت الأضحية من الضحى من الوقت الثابت المعروف، الذي يلي الصبح الضحى، وقبل الظهيرة أخذت من هذا؛ لأنها تذبح في هذا الوقت، يعني في الغالب بعد الصلاة -صلاة العيد- وقبل الزوال تذبح الضحايا هذا في الغالب، ويجوز ذبحها إلى آخر الوقت الذي جاءت به النصوص، وبعد ذلك أُخذ عيد الأضحى منها، أضيف إليها لأنها تفعل فيه. ما ورد من السنة في الأضحية: ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث كثيرة تدل على مشروعيتها منها: حديث أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يضحي بكبشين أملحين أقرنين، ويسمي ويكبر، ويضع رجله على صفاحِهِما، وفي لفظ: "ذبحهما بيده" [متفق عليه] وفي لفظ: "سمينين" ولأبي عوانة في صحيحه: "ثمينين" الأصل ما جاء في صحيح مسلم "سمينين" وفي صحيح أبي عوانة "ثمينين" نفس الحديث لأن مستخرج أبي عوانة على صحيح مسلم، وهذا مما اختلف فيه المستخرج على أصله، فهل العبرة بالأصل أو بالمستخرج؟ العبرة بالأصل.

أهل العلم يقولون: من فوائد المستخرجات ورود ألفاظ زائدة في المستخرجات لا توجد في الأصل، هذه من فوائد المستخرجات؛ لأنها تزيد ألفاظ وجمل، فهل نقول: إن هذه الزيادة مقبولة وتضم إلى ما في الأصل أو نقول: إن الأصل كلمة واحدة في سياق واحد، فإما سمينين أو ثمينين؟ في الأصل سمينين، لو جاء في المستخرج سمينين ثمينين، قلنا: زيادة؛ لكنها جاءت بدل من اللفظ الأصلي، فتقبل مثل هذه، أو نرجح بين اللفظين؟ أو نقول: لعله ثبت اللفظان، وبعض الروات حفظ لفظاً، وبعضهم حفظ لفظاً آخر، فنجمع بينهما، نلفق من الروايتين سياقاً واحداً، ونطلب من الأضحية أن تكون سمينة ثمينة في الوقت نفسه؟ وعلى هذا لو كانت ثمينة فقط ليست بسمينة لا تكون فاضلة، أو العكس لو كانت سمينة وليست ثمينة لا تكون فاضلة حتى تكون سمينة ثمينة، وعلى رواية مسلم يكفينا أن نتوخى السمينة، ولو كانت رخيصة، وعلى رواية المستخرج نتوخى الثمينة ولو كانت غير سمينة، ولا شك أن كونها سمينة أنفع للفقراء، وكونها ثمينة تدل على طيب نفس باذلها، على طيب نفس المضحي، ولذا جاء الأمر بطيب النفس بها، على ما سيأتي، وإن كان فيه كلام. المقصود أن على الإنسان أن تطيب نفسه بما يبذله لله -جل وعلا-، ولا شك أن هذا من تعظيم شعائر الله، توخي النافع للفقير مع كونه ثميناً يعني ثمنه مرتفعاً، من غير مباهاة؛ لأنه يوجد في الناس مع الأسف الشديد من يباهي، من يشتري خروف مثلاً بألفين، ثم يتحدث به في المجالس، أنا اشتريت خروف بألفين، في المجالس، وهذه المباهاة لا شك أنها تنقص من الأجر إن لم تقضِ عليه. وقد اشترى شخص قبل عشرين سنة خروفاً بسبعمائة ريال، فلقيه شخص فقال له: ما هذا؟ قال: هذا أضحية للوالد -رحمه الله-، قد اشتريتها بسبعمائة ريال، انظر إلى حجمها، انظر إلى ظهرها، قال: لكن في ذمة أبيك دين لي بمقدار خمسمائة ريال، قال: الحقه ما عندي لك شيء، أيهما أهم إبراء ذمته أو التضحية له بهذه الأضحية؟

بلا شك أن إبراء الذمة وقد علق بدينه، ولا شك أن مثل هذه التصرفات لا شك أن لها دلالة على ما في الباطن، وإن كانت القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب؛ لكن هناك دلالات وقرائن تدل على ما وراء الألفاظ تشتري له أضحية في ذلك الوقت، يعني الأضحية يمكن يضحي بمائتين، ويدفع الخمسمائة للدائن، وهذا هو التصرف السليم؛ لكن الآن اشترى هذه الأضحية بسبعمائة، وعينها لوالده لا يستطيع إرجاعها؛ لكن لو رده رداً جميلاً، قال: أنا والله ما عندي خبر من دينك، وأبشر -إن شاء الله- نسعى في سداده، بدلاً من أن يقول: الحقه واتبعه ما عندي لك شيء، فمثل هذه التصرفات لا شك أنها موجودة مع الأسف بين مسلمين، وتجد الإنسان إذا سافر سفر طاعة وأنفق فيه الأموال يتحدث به في المجالس: اعتمرنا في العشر الأواخر، واستأجرنا بخمسين ألف، بستين ألف، ثم بعد ذلك على شان إيش؟ هل تتصور أن هؤلاء المخلوقين الضعفاء الذين لا يقدمون لك نفعاً ولا ضراً تستفيد من كلامك هذا عندهم؟ أبداً، فمثل هذه الأمور الإخلاص يقتضي السر، وعلى هذا نبحث عن السمين الثمين، وشيخ الإسلام سيأتي كلامه في أن الأفضل الثمين مطلقاً، ورواية أبي عوانة تدل على هذا، ولا شك أن هذا يدل على طيب نفس، فرق بين من فكر في الأضحية، أو أهدى للبيت هدية، أو هدياً ثم بعد ذلك يبحث عن أرخص الأشياء، ويجاهد نفسه في إخراج القيمة، وبين من يبادر إذا سمع النص ذهب بحث عن أفضل ما يوجد، ولما أمر إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- بذبح ابنه تردد؟ تله للجبين، وأمة كاملة بنو إسرائيل يؤمروا بذبح بقرة فذبحوها وما كادوا يفعلون، لا شك أن هذه المبادرة تدل على ارتياح قلبي، وعلى سرعة ومبادرة بالامتثال. ولمسلم من حيدث عائشة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر بكبش أقرن، يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد، فأتي به ليضحي به فقال لها: ((يا عائشة هلمي المُدية)) ثم قال: ((اشحذيها بحجر)) المُدية السكين، ((اشحذيها بحجر)) لتكون حادة ((وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)) ويذبح بكل حاد إلا السن والظفر، أما السن فعظم، وأما الظفر فمُدى الحبشة، كما جاء في الحديث الصحيح.

يعني كون الظفر مدى الحبشة هل معنى هذا أنه ينهى عن استعماله مطلقاً فيما تستعمل به السكين، أو أنه في الذبح خاصة؟ العلة كونه مُدى الحبشة، يعني سكين الحبشة، فلو اشتريت مسواكاً ثم بعد ذلك أردت استعماله فقلت: بظفرك كذا لتزيل اللحى الذي عليه، هل نقول: استعملت مدى الحبشة؟ أو نقول: هذا لا بأس به؟ انظروا للعلة، العلة المنصوصة في الحديث الصحيح، ((أما السن فعظم، وأما الظفر فمُدى الحبشة)) يعني لو أن إنساناً ذبح عصفوراً بظفره مُدى الحبشة، قال: كما يزال لحى السواك بالظفر وكلاهما مُدى الحبشة، وبدل ما استعمل السكين هنا لا تستعملها نفس الشيء، أو نقول: هذا خاص بالذبح؟ يعني استعمال المُدية خاص بالذبح أو عام؟ وإذا استحضرنا هذه العلة في المدية، وأن الظفر مدى الحبشة، هل نقول: أن هذا يمنع في الذبح ويمنع في غيره؟ طالب:. . . . . . . . . يا إخوان لا نستحضر فيما في أذهاننا، نحن نناقش حديث، هذه العلة المنصوصة، هل هي مطردة في جميع ما يستعمل فيه المدية أو خاصة بالذبح؟ طالب: صدر الحديث نص على الذبح. قل هذا فرد من أفراد العام في جميع ما يستعمل فيه المدى، التنصيص على فرد لا يعني التخصيص، كون السن عظم هل يمنع من استعماله؟ يعني عندك حبل معقود بقوة تحله بسنك، تقول: عظم، نفس القضية الأولى، يعني كونه عظم يعني لا نستعمله؟ نعم يا إخوان أجيبوا. يعني قضية العظم وتنجيسه بالدم، يعني إذا استحضرنا لكن ما يمكن يُستحضر كون النهي عن الاستنجاء بعظم وتلويثه وكذا، هل نستحضر مثل هذا ونقرن بين الحكمين؟ طالب: لا. لماذا؟ طالب: لأن العظم طعام الجن. يعني طعام الجن، ولن يكون السن في يوم من الأيام طعاماً للجن، يعني هذه العلل هل نقول: أنها مؤثرة مطردة، أو أنها كالتعبدية؟ يعني ما فائدة التنصيص على العلة؟ يعني العلة المنصوصة لها شأن عند أهل العلم بمعنى أنه يدور الحكم معها وجوداً وعدماً، فهل نطرد هذه العلل فيما يستعمل فيه العظم بالنسبة للسن؟ وما تستعمل فيه المدية بالنسبة للظفر؟ طالب: لا. لماذا؟ طالب: لأن الحكمة تعبدية. إيه تعبدية لو لم تذكر العلة؛ لكن العلة منصوصة. طالب: أحسن الله إليك هل الظفر يريح الذبيحة؟ كيف؟

طالب: هل الظفر يريح الذبيحة؟ طيب لو أتينا بمدية غير مشحوذة، يصح وإلا لا؟ طالب: يصح. ما تريح الذبيحة لكن الذبح صحيح. طالب: لكن يا شيخ حديث: ((إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة))؟ مأمورين بهذا؛ لكن أنت افترض أن شخص جاء بمدية كلّة، ثم حرحر الذبيحة إلى أن ذبحها ذبحاً صحيحاً بقطع الودجين والبلعوم، الذبح صحيح، يعني لو ذبحها بمنشار أساء وظلم وتعدى وخالف النهي، ومع ذلك الذبح صحيح، في شيء؟ طالب: السن من جنس الذبيحة. يعني بحث مثل هذه الأمور ترونه مجدي وإلا نتجاوزه؟ نعم لا سيما قدامنا طلاب علم. طالب: مجدي بلا شك. لأن مثل هذا ما أشوف أحد يتطرق له، حتى في الكتب والمؤلفات، ما في أحد تطرق له؛ لكن الذي قدامنا طلاب علم، وتربية طلاب العلم على مثل هذه الأمور لا بد، كيف يتعاملون مع النصوص؟ يعني لو قال لك: علة منصوصة ((أما السن فعظم)) هل نقول: إن اطراد العلة يمشي على جميع العظام فنمنع الذبح بجميع العظام؛ لأن السن عظم وقد نهي عنه، واطراد العلة يكون من هذه الحيثية؟ ولا نطرد العلة بالنسبة للسن فنستعمله استعمال المدية باستمرار؛ لأن عندنا اللفظ فيه تنصيص على العلة، فهل المراد من العلة طرد الحكم في جميع العظام؛ لأن السن عظم فجميع العظام لا تجزئ التذكية بها، ولو جئت بضلع بعير وأردت أن تذبح به قلنا: ما يجوز؛ لأنه عظم، ولو جئت بلحي شاة أو جمل وذبحت به قلنا: ما يجوز؛ لأن السن عظم، وليس الاطراد فيما تستعمل فيه المدية، بقوله: ((مدى الحبشة)) وكأن هذا متماثل للاستنباط من الحديث. وأما بالنسبة للظفر فالمسألة مسألة ذبح، وكونه مدى الحبشة هل يقتضي هذا أننا ممنوعون من جميع ما يستعمله الكفار في الذبح؟ طالب:. . . . . . . . .

أما ما يشترك فيه الشعوب والناس كلهم من مسلمين وكفار وغيرهم هذا ما يقول أحد بمنعه؛ لكن لو عرفنا أن هذه الآلة ما يذبح بها إلا اليهود فقط، أو ما يذبح بها إلا النصارى، أو ما يذبح بها إلا ملة من الملل المخالفة لدين الإسلام تركنها من أجل التشبه بهم، فالظفر نتركه من أجل التشبه بالحبشة، وإذا كان الترك من أجل التشبه فاستعماله في غير هذا الموضع لا يقتضي التشبه، وإذا كان المنع للتشبه ينتفي التشبه لأنهم يذبحون به. ثم قال: ((اشحذيها بحجر)) ففعلت فأخذها وأخذه فأضجعه ثم ذبحه فقال: ((بسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد)) ثم ضحى به. التسمية شرط لحل الذبيحة، فالذبيحة التي لا يذكر عليها اسم الله لا يجوز الأكل منها، ميتة، والخلاف بين أهل العلم فيمن نسى التسمية، ومقتضى الاشتراط أنها لا تصح عمداً أو سهواً، إذا تركت. وقد ترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب أضحية النبي -صلى الله عليه وسلم- بكبشين أقرنين، ويذكر سمينين، إشارة إلى الرواية التي أوردها أبو عوانة، ويذكر سمينين، وقد أوردها الإمام البخاري بصيغة التمريض. وأجمع المسلمون على مشروعية الأضحية، ومثلما تقدم الذبح عبادة لا يجوز صرفه لغير الله تعالى، فمن ذبح لغير الله فقد أشرك، وعلى هذا جميع من يعتد بقوله من أهل العلم لا يجيزون الذبح لغير الله -جل وعلا-، كما في قوله -سبحانه وتعالى-: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لاَ شَرِيكَ لَهُ} [(162 - 163) سورة الأنعام] فجعل الذبح مثل الصلاة، لا يصرف لغير الله -جل وعلا-. يقول الحافظ ابن كثير -رحمه الله- بعد أن ذكر الآية: "يأمر الله تعالى نبيه أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله، ويذبحون لغير اسمه أنه مخالف لهم في ذلك، فإن صلاته لله، ونسكه على اسمه وحده لا شريك له، وهذا كقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] أي: أخلص له صلاتك وذبحك، فإن المشركين كانوا يعبدون الأصنام ويذبحون لها، فأمره الله تعالى بمخالفتهم، والانحراف عما هم فيه، والإقبال بالقصد والنية والعزم على الإخلاص لله تعالى".

حكم الأضحية:

ورد في فضل الأضحية أحاديث، أولاً: إذا عرفنا أن الأضحية جاء ذكرها في القرآن، والأمر بها، وجاءت بها السنة الصحيحة الصريحة، فهل يلزم مع ذلك أن يذكر فضلها بالتفصيل؟ هل يلزم من مشروعيتها أن يذكر الفضل المرتب عليها؟ لا، لا يلزم، ولذلك الأحاديث الواردة في فضلها كلها ضعيفة، ورد في فضل الأضحية أحاديث منها حديث عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق دم، إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفساً)) رواه الترمذي، وقال: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث هشام بن عروة إلا من هذا الوجه، ورواه ابن ماجه أيضاً، وفي إسناده سليمان بن يزيد راويه عن هشام وهو ضعيف، فالخبر ضعيف. وعن زيد بن أرقم قال: قال أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا رسول الله ما هذه الأضاحي؟ " قال: ((سنة أبيكم إبراهيم)) قالوا: "فما لنا فيها يا رسول الله؟ " قال: ((بكل شعرة حسنة)) قالوا: فالصوف؟ قال: ((بكل شعرة من الصوف حسنة)) رواه ابن ماجه والحاكم وقال: صحيح الإسناد، وقال المنذري في الترغيب: "بل واهي" ضعيف جداً يعني، عائذ الله المجاشعي وأبو داود نفيع بن الحارث الأعمى ساقطان، فالحديث شديد الضعف، يعني لا يقول قائل: إن هذا ينجبر بالذي قبله؛ لأن هذا لا يفيد، وجوده مثل عدمه، وحكم عليه الألباني في ضعيف الترغيب بالوضع. وذكر المنذري في الباب أيضاً أحاديث كلها تدل على فضل الأضحية؛ لكن كلها ضعيفة، ومع ذلكم أجمع المسلمون على مشروعيتها كما تقدم. حكم الأضحية:

أدلة القائلين بالوجوب:

واختلفوا في حكمها، فذهب أكثر أهل العلم إلى أنها سنة مؤكدة في حق الموسر، ولا تجب عليه، قال النووي في المجموع شرح المهذب: "هذا مذهبنا -يعني الشافعية- وبه قال أكثر العلماء، منهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنهما- وبلال وابن مسعود البدري -رضي الله تعالى- عن الجميع، وسعيد بن المسيب وعطاء وعلقمة والأسود ومالك وأحمد وأبو يوسف وإسحاق وأبو ثور والمزني وداود وابن المنذر"، يعني هذا قول الجمهور، أكثر أهل العلم على أنها سنة مؤكدة. وقال ربيعة والليث بن سعد وأبو حنيفة والأوزاعي هي واجبة على الموسر إلا الحاج بمنى. وقال محمد بن الحسن: "هي واجبة على المقيم بالأمصار" يعني دون المسافر، ولو لم يكن حاجاً، لأن الحاج بالنسبة لقول أبي حنيفة يكفيه الهدي، وسيأتي في كلام شيخ الإسلام أن الحاج ليس عليه أضحية، وأما بالنسبة لقول محمد بن الحسن أنه مسافر لا شك أن المشقة لاحقة به، والخلاف فيها قوي فلا تجب على المسافر. والمشهور عن أبي حنيفة أنه إنما يوجبها على مقيم يملك نصاباً، ويقول ابن قدامة في المغني: "أكثر أهل العلم على أنها سنة مؤكدة غير واجبة" وذكر من تقدم ذكره في الطرفين، يعني من قال بالوجوب، ومن قال بالاستحباب، إلا أنه ذكر مالكاً فيمن أوجبها، يعني مع أبي حنيفة، وهو خلاف المعروف من مذهبه بل مذهبه أنها سنة. أدلة القائلين بالوجوب: أما من قال بوجوبها فقد استدل بأدلة، منها: قوله الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] وهذا تقدم ذكره، ووجه الاستدلال كما هو واضح في الأمر، والأصل في الأمر الوجوب. والأمر الثاني: ما رواه البخاري في صحيحه من حديث جندب بن سفيان البجلي قال: شهدت النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر فقال: ((من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح)). ((من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى)) يعني لو لم تكن واجبة هل يؤمر بإعادتها؟ ((ومن لم يذبح فليذبح)) واللام في: (فليعد) وفي: (فليذبح) هي لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب.

ومن ذلكم ما رواه أبو داود في سننه عن عامر أبي رملة، قال: "أخبرنا مخنف بن سليم، قال: ونحن وقوف مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعرفات قال: ((يا أيها الناس إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة)) "أتدرون ما العتيرة؟ قال: هي التي يقول الناس: الرجبية". يقول ابن حجر في الفتح: "أخرجه أحمد والأربعة بسند قوي، إلا أنه قول غير قوي"، يقول الخطابي: "فيه أبو رملة مجهول" ويقول ابن حجر نفسه في التقريب: "أبو رملة شيخ لابن عون لا يعرف" فيكيف يكون قوي وفيه هذا الذي لا يعرف؟ قال الذهبي في الميزان: "عامر أبو رملة فيه جهالة" وقال عبد الحق: "إسناده ضعيف"، وقال أبو داود في سننه بعد سياق الحديث: "العتيرة منسوخة، وهذا خبر منسوخ" ما الناسخ؟ ما رواه الجماعة من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا فرع ولا عتيرة)) والفرع أول النتاج، كان ينتج لهم فيذبحونه، والعتيرة كما قال الترمذي: "ذبيحة كانوا يذبحونها في رجب، يعظمون بها شهر رجب". ومن أدلة القائلين بالوجوب ما رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من وجد سعة فلم يضحِ فلا يقربن مصلانا))، قال ابن حجر في البلوغ في هذا الحديث: "رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم، ورجح الأئمة غيره وقفه"، وقال في فتح الباري: "وأقرب ما يتمسك به لوجوب الأضحية حديث أبي هريرة رفعه: ((من وجد سعة فلم يضحِ فلا يقربن مصلانا)) أخرجه ابن ماجه وأحمد، ورجاله ثقات؛ لكن اختلف في رفعه ووقفه، والموقوف أشبه بالصواب، قاله الطحاوي وغيره، ومع ذلك فليس صريحاً في الإيجاب، يعني على سبيل التنزل، وتصحيح الخبر هل يدل على الوجوب؟ فلا يقربن مصلانا؟ أما على قول من يقول بوجوب صلاة العيد يدل على الوجوب وإلا ما يدل؟ طالب: يدل. لماذا؟ لأنه في مقابل ترك واجب، ولا يترك الواجب إلا لما هو أوجب منه، وأما على قول من يقول باستحباب صلاة العيد فلا يدل على الوجوب.

نأتي إلى مسألة عكس هذه توضح هذه، هذا الحديث يدل على الوجوب إذا قلنا: بوجوب صلاة العيد، ماذا عن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مساجدنا)) وصلاة الجماعة واجبة؟ يعني هل نقول: إن صلاة الجماعة ليست واجبة؛ لأنه مُنع منها من يأكل الثوم والبصل وإلا لو قلنا: بوجوب صلاة الجماعة، وهو القول الحق الذي لا مراء فيه، والأدلة عليه متظاهرة متكاثرة؛ لكن هذا على سبيل المناقشة يعني مع طلاب علم، وإلا تقرير المسألة مفروغ منها، وصلاة الجماعة واجبة، ولا يعذر منها إلا العاجز عنها. ((من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مساجدنا)) فنحن بين أمرين، إما أن نقول: إن صلاة الجماعة ليست بواجبة، أو نقول: إن الثوم والبصل حرام كما يقول ابن حزم؟ لأنه لا يمنع من صلاة الجماعة الواجبة إلا لأمر أعظم منه، والثوم والبصل لما ذكره النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في صحيح مسلم قيل له: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: ((أنا لا أحرم ما أحل الله)) ابن حزم لا شك أنها تضاربت عنده النصوص، وهو ممن يرى أن صلاة الجماعة شرط لصحة الصلاة، يعني أقوى مما يذهب إليه أهل التحقيق، فلا يمنع من الجماعة التي هي شرط لصحة الصلاة إلا لأمر محرم. فالذي يقول بوجوب صلاة الجماعة هل يلزمه أن يقول: بتحريم أكل الثوم والبصل؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، يعني تركهما واجب إذاً أكلهما محرم، ولا يتم الإتيان لصلاة الجماعة إلا بتركهما، فتركهما واجب إذاً أكلهما محرم ضد الواجب؟

وهل في مثل هذه النصوص ترخيص لمن فعل هذه المخالفات في ترك الجماعة؟ أو أنه تعزير وطرد له عن الجماعة؟ لكن لما خف الأمر في نفوس الناس كان هذا الأمر عظيم جداً عند المسلمين أن يطرد من المسجد، لكن لما خف الأمر عند كثير من المسلمين ظنوه ترخيص، وإلا لو كان جالساً في مجلس بين ملأ من القوم ثم قيل له: اخرج، هذا سهل عليه؟! هذا ليس بسهل عليه، فكيف يمنع من دخول المسجد ويرى الأمر سهل؟ هذا ليس بالسهل، إنما هو تعزير له، وعلى هذا فهذا ليس بصريح في الوجوب من قوله: ((فلا يقربن مصلانا)) كما أن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مساجدنا)) ليس صريحاً في التحريم، وقد نص النبي -عليه الصلاة والسلام- على الإباحة، ومع ذلك سماهما شجرتين خبيثتين، فهل وصفهما بالخبث يقتضي إدخالهما في قوله -جل وعلا-: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [(157) سورة الأعراف] أو أن الخبث يطلق بإزاء أمور متعددة؟ يطلق على الدون، على الأقل {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [(267) سورة البقرة] يعني لو كان عندك تمر فاخر وتمر أقل منه، ثم أنفقت من الأقل، أنت منهي عن هذا؛ لكن ما في أجر إذا أنفقت؛ لكن هذا نهي إرشاد، يعني أنفق {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [(92) سورة آل عمران] ومع ذلك لا تيمموا الخبيث الرديء، وإن كان نافعاً للمحتاج، بعض الناس يقصد الخبيث الرديء، يقصد الرديء ويكثر منه، يقول: بدلاً من أن أشتري مائة كيلو من التمر الجيد أشتري خمسمائة كيلو من التمر الوسط وأنفع أكبر قدر من الفقراء، هذا مقصد حسن، هل نقول: أنه ترك الطيب ولجأ إلى الخبيث؟ المقصود أن مثل هذه الأمور لا شك أن هذه أحوال تنزل منازلها، فإذا رأينا أن المحتاجين أكثر من أن يحصر القدر الطيب فيهم ويعمهم نتوجه إلى ما هو أقل منه بحيث نكثر ونستوعب أكبر قدر من الفقراء، ومع ذلك هو خبيث بالنسبة لما فوقه، فالخبث نسبي وإلا فهو طيب حلال، داخل في {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [(157) سورة الأعراف] يعني لو نظرنا إلى أسعار التمر مثلاً تجد بمائة ريال الكيلو، وكيلو بمائة ريال وتجد بريالين، وعندك أسر كثيرة

أدلة القائلين بعدم الوجوب:

محتاجة إلى التمر، تقول: أنا معي ألف ريال، نقول لك: اشترِ عشرة كيلو، ووزعهم على تمرة واحدة، أو اشترِ خمسمائة كيلو ووزع على الجميع شيء يكفيهم مدة، لا شك أن هذا مطلوب، الموازنة مطلوبة، فالخبث هنا نسبي. أدلة القائلين بعدم الوجوب: استدل من قال بعدم وجوبها وهم الجمهور بأدلة، منها: ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أم سلمة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً)). وفي لفظ عند مسلم أيضاً: ((إذا دخل العشر وعنده أضحية يريد أن يضحي فلا يمس شعراً، ولا يقلمن ظفراً)) وفي لفظ له عنها: ((إذا أراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره)) ووجه الاستدلال من حديث أم سلمة بألفاظه أن الأضحية موكولة إلى إرادة المضحي؛ لكن هل الحكم سيق لبيان حكم الأضحية، أو سيق لحكم ما يحتف بها من مقدماتها؟ يعني لو كان نص لمجموعة من الناس فيهم الذي حج، وفيهم الذي لم يحج الفرض، وقيل لهم: من أراد منكم أن يحج فليحتط لنفسه؛ لأن الجو بارد، هل في هذا ما يدل على أن الحج ليس بواجب؟ طالب: لا. ما يدل على أن الحج ليس بواجب، فكونه موكول إلى إرادته ما سيق لبيان حكم الأضحية، الجمهور يستدلون بهذا الحديث، قالوا: إن الأضحية موكولة إلى إرادة المضحي، ولو كانت واجبة لما كانت كذلك، يقول النووي نقلاً عن الإمام الشافعي: "هذا دليل على أن التضحية ليست بواجبة لقوله: ((وأراد)) فجعله مفوضاً إلى إرادته ولو كانت واجبةً لقال: "فلا يمس من شعره حتى يضحي" لكن هل السياق فيه دلالة صريحة على عدم وجوب الأضحية؟ ما في دلالة صريحة؛ لأن الخبر ما سيق لذلك، وهذه المسألة، مسألة الدلالة الأصلية، والدلالة التبعية، الدلالة الأصلية يجمع أهل العلم على أنها هي المعتبرة، ولا ينازع فيها أحد؛ لكن الدلالة التبعية يختلفون فيها اختلاف قوي، والشاطبي في الموافقات بسط المسألة، وقرر أنه لا يستدل بها، مع أن الكلام في القبول والرد بالإطلاق لا يسوغ.

يعني من أمثلة هذه المسألة حديث: ((إنما مثلكم ومثل من قبلكم كمثل رجل استأجر أجيراً من أول النهار إلى منتصفه بدينار، ثم استأجر أجيراً من الزوال إلى وقت العصر بدينار، ثم استأجر أجيراً من العصر إلى المغرب بدينارين، فاحتج أهل الكتاب فقالوا: نحن أكثر عملاً، وأقل أجراً)). يستدل به الحنفية على أن وقت صلاة العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثليه، هل الحديث سيق لهذا؟ ما سيق لهذا، كيف يتم الاستدلال للحنفية؟ قالوا: اليهود عملوا من أول النهار إلى المنتصف، هذا ما فيه إشكال هذا أكثر؛ لكن عمل النصارى من الزوال إلى وقت العصر، وعمل المسلمين من وقت العصر إلى الغروب لا بد أن يكون عمل النصارى أكثر ليتم صدق القول بأنهم أكثر عملاً، فلا بد أن يكون الظهر أطول من العصر، وعلى هذا فالعصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثليه، ومع ذلكم الحديث ما سيق لهذا، ومعارض بأدلة صحيحة صريحة تدل على المقصود، وأن وقت العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثله، معارض بأدلة صحيحة صريحة، ومع ذلكم الظهر حتى على القول بأن وقت العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثله أطول في كل زمان وفي كل مكان، لو حسبنا لو نظرنا التقويم وجدنا هذا. هذه دلالة تبعية ما سيق الحديث من أجلها، فهل نستدل بهذا على هذا الحكم، فضلاً عمن يقول: أن عمر الأمة من هذا الحديث ألف وأربعمائة سنة، ثم يقول: إن مدة العالم سبعة آلاف سنة، والعصر مقداره خمس المدة خمس النهار، إذاً المدة خمس الألف، وما أدري إيش؟ ألف وأربعمائة سنة، يعني هل الحديث سيق لهذا؟ هذه دلالة تبعية وليست أصلية، وهذه مما يختلف فيها أهل العلم.

فهل الحديث ((إذا دخلت العشر وأرد أحدكم أن يضحي)) هو سيق لبيان حكم الأضحية، أو لبيان حكم آخر؟ ومع ذلكم الأدلة يأتي منها الدليل الواحد بل الجملة الواحدة ما يستنبط منها عشرة أحكام، وهذا واضح من صنيع أهل العلم في التفاسير يستنبطون من الآية الواحدة أحكام كثيرة، شيء جاء بالأصالة، شيء دلالته على المراد كالشمس، ومنها ما دلالته أخفى، إلى أن يصل إلى الدلالة التي لا تلوح لكل أحد، فالدلالة التبعية لا شك أنها معتبرة ما لم تعارض بما هو أقوى منها، يعني لو لم يرد في الباب في وقت صلاة العصر شيء إلا هذا الحديث التمسناه؛ لكن ورد أحاديث صحيحة صريحة تحدده بدقة من أوله إلى آخره، فلسنا بحاجة إلى هذه الدلالة التبعية.

من الأدلة ما رواه البيهقي عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((هن علي فرائض، وهن لكم تطوع، النحر والوتر وركعتا الضحى)) لكن إسناده ضعيف، وقال النووي في الشرح المهذب: "صح عن أبي بكر وعمر -رضي الله تعالى عنهما- أنهما كانا لا يضحيان، مخافة أن يعتقد الناس وجوبها" وجوب الأضحية، يقول النووي: "صح عن أبي بكر وعمر -رضي الله تعالى عنهما- أنهما كانا لا يضحيان مخافة أن يعتقد الناس وجوبها" هل هذا سائغ من الشيخين؟ أو هما إمامان إماما هدى وقدوة للناس، يعني لو لم يتركها أبو بكر ولا سَنة، ولم يتركها عمر ولا سَنة ظن الناس وجوبهما، وقد أمرنا بالاقتداء بهما؟ لا شك أن مثلهما في مقامهما قد يكون الترك أفضل في حقهما، أما في حقه -عليه الصلاة والسلام- إذا ترك هذا واضح لبيان الجواز، ومقام أبا بكر وعمر وقد صح عنهما ذلك أيضاً هما قدوة، وقد أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بالاقتداء بهما، وكونها سنة مؤكدة لا شك أنه قد يعرض للمفوق وهو الترك ما يجعله فائقاً، لا سيما إذا وجدت قرائن تدل على أن بعض الناس يرى الوجوب، يعني مثل ما جاء في أنواع النسك، بعض الصحابة ترك الفاضل إلى المفضول لبيان أنه جائز، وليس هذا لكل أحد، شاب في الثانوي أو في السادسة عشر من عمره، جالس ما صلى على الجنازة في المسجد الحرام، فلما قيل له: قال: لبيان الجواز؛ لئلا يعتقد وجوبها، هذا الحرمان بعينه، هذه مسألة واقعة ورده بالحرف؛ لكن هل يؤخذ من مثل هذا، أو يقتدى به، أو يلتفت إليه؟ بينما مثل أبي بكر وعمر لا شك أنهما قدوة، قدوة للناس، فلو لم يتركها أبو بكر ولا عمر ولو مرة واحدة يبينان فيها الجواز؟ لا شك أن فعلهما ينظر إليه من قبل الأمة، وهما إماما هدى، والنووي -رحمه الله- صحح ما ذكر عنهما. قال ابن حجر في فتح الباري: "قال ابن حزم: لا يصح عن أحد من الصحابة أنها واجبة، وصح أنها غير واجبة عن الجمهور، ولا خلاف في كونها من شرائع الدين".

واستدل المجد ابن تيمية في المنتقى على عدم الوجوب بتضحية الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن أمته، وذكر حديث جابر -رضي الله تعالى عنهما- قال: "صليت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عيد الأضحى، فلما انصرف أتي بكبش فذبحه" فقال: ((باسم الله والله أكبر، هذا عني وعن من لم يضحِ من أمتي)) رواه أحمد وأبو داود والترمذي. وأيضاً ذكر حديث علي بن الحسين عن أبي رافع أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين، فإذا صلى وخطب الناس أتي بأحدهما، وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية، ثم يقول: ((اللهم هذا عن أمتي جميعاً، من شهد لك بالتوحيد، وشهد لي بالبلاغ)) ثم يؤتى بالآخر فيذبحه بنفسه، ويقول: ((هذا عن محمد وآل محمد)) فيطعمهما جميعاً المساكين، ويأكل هو وأهله منهما، يقول: فمكثنا سنين ليس لرجل من بني هاشم يضحي، قد كفاه الله المئونة برسول الله -صلى الله عليه وسلم-" رواه الإمام أحمد. يقول الشوكاني في شرحه نيل الأوطار: "ووجه الدلالة من الحديثين على عدم الوجوب أن تضحيته -صلى الله عليه وسلم- عن أمته وعن أهله تجزئ كل من لم يضحِ، سواءً كان متمكناً من الأضحية أو غير متمكن، ثم تعقبه بقوله: ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن حديث: ((على كل أهل بيت أضحية)) يدل على وجوبها على كل أهل بيت يجدونها، فيكون قرينةً على أن تضحية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن غير الواجدين من أمته". فقوله: ((من لم يضحِ)) يعني مع عدم القدرة، أما القادر فلا يعفى عنها، على كل حال مما تقدم يتضح أن أقوى الأدلة للقائلين بالوجوب الآية: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] وحديث جندب بن سفيان ((فليعد)) ((وليذبح)) لا شك أن اللام لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب. وأقوى أدلة المخالفين رد أمر التضحية إلى إرادة المضحي، كما في حديث أم سلمة عند مسلم وغيره، ولا شك أن المسألة في الطرفين محتملة. طالب: لماذا لا يكون قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ((فليعد)) ((وليذبح)) لأنه عين الأضحية؟ لا، قال: ((من ذبح قبل صلاة الإمام فليعد)) غير قصة أبي بردة بن نيار، غيرها.

وإذا كان الأمر كذلك فالمرجح قول الجمهور؛ لأن الأدلة تكاد تكون متكافئة، ومع ذلك إذا كانت المسألة بهذه المثابة فلا يلزم المسلم إلا بملزم، والأصل براءة الذمة، وعلى هذا على المسلم أن يحرص على هذه الشعيرة، لا سيما وأنه قيل بوجوبها، والأدلة قابلة للنظر، إبراءً لذمته، وخروجاً من الخلاف. وترجم الإمام البخاري -رحمه الله-: باب سنة الأضحية، وقال ابن عمر: "هي سنة ومعروف"، إذا عرفنا ذلك فقد استثنى الإمام مالك الحاج بمنى، وقال: "لا تسن له الأضحية؛ لأن ما يذبحه هدي لا أضحية" واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- ففي الاختيارات: "ولا تضحية بمكة، وإنما هو الهدي". لا تضحية بمكة، هل المقصود مكة الحاج؟ أو ممن وجد في مكة وقت الأضحية؟ وإذا أهدى غير الحاج إذا أهدى للبيت هو غير حاج، شيخ الإسلام يقول: "ولا تضحية بمكة، وإنما هو الهدي" يعني هل كلام شيخ الإسلام على عمومه أن كل من وجد بمكة لا أضحية عليه؟ أو أن المراد به الحاج، كما قال مالك؟ استثنى مالك الحاج بمنى، وقال: "لا تسن له الأضحية؛ لأن ما يذبحه هدي لا أضحية"؟ ويمكن التوفيق بين القولين أن من كان بمكة ممن يريد الهدي من الحاج، وعلى هذا لو حج مفرداً، ولا هدي عليه، لا واجب ولا تطوع، يضحي وإلا ما يضحي؟ مالك وشيخ الإسلام ما تركوا الأضحية إلى غير بدل، وإنما تركاها لبدل وهو الهدي، فالحاج مفرداًً نقول: والله شيخ الإسلام الحاج ما عليه أضحية فلا تضحي، وهو لا يهدي لا واجب ولا مستحب، أو تبقى أدلة الأضحية في محلها؟ وإنما إذا أهدى سقطت عنه الأضحية؟ طالب:. . . . . . . . .

أدلة الأضحية في محلها، الأدلة الدالة على استحبابها استحباباً مؤكداً في محلها، فإن أراد أن يهدي سواءً كان هديه واجب، كهدي التمتع والقران، أو مستحب، كما يساق إلى البيت من غير إيجاب، فإن هذا تسقط عنه الأضحية، هذا كلام شيخ الإسلام، وقبله الإمام مالك، خالفهم جميع أهل العلم، أو جماهير أهل العلم نظراً لعموم أدلة الأمر بالأضحية في الحاج وغيره، ولبعض النصوص المصرحة بمشروعية الأضحية للحاج بمنى، وقد ترجم الإمام البخاري في صحيحه: باب الأضحية للمسافر والنساء، وذكر حديث عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل عليها، وحاضت بسرف، يعني وقد حاضت بسرف، قبل أن تدخل مكة، وهي تبكي، فقال: ((ما لك؟ أنفست؟ )) قالت: نعم، قال: ((إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضي الحاج غير ألا تطوفي بالبيت)) فلما كنا بمنى أتيت بلحم بقر، تقول عائشة: "أتيت بلحم بقر" فقلت: ما هذا؟ قالوا: ضحى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أزواجه بالبقر"، يعني تمسك بقوله: "ضحى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أزواجه بالبقر" من يقول: بأن الأضحية مشروعة للحاج بمنى، يعني ولو أهدى، ولو أهدى يضحي، وهذا في الصحيحين، أخرجه مسلم بلفظ: "أهدى" بدل "ضحى"، قال ابن حجر: "الظاهر أن التصرف من الرواة" يعني التصرف بين أهدى وضحى إنما هو من الرواة؛ لأنه ثبت في الحديث ذكر النحر فحمله بعضهم على الأضحية، فإن رواية أبي هريرة صريحة في أن ذلك كان عمن اعتمر من نسائه، فقويت رواية من رواه بلفظ: "أهدى" وتبين أنه هدي التمتع، فليس فيه حجة على مالك في قوله: "لا ضحايا على أهل منى" وتبين توجيه الاستدلال به على جواز الاشتراك في الهدي والأضحية، إلى آخره. الآن في الحديث المخرج في البخاري: "ضحى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أزواجه بالبقر" يعني تمسك بهذا الجماهير فقالوا: أن الأضحية إضافة إلى النصوص العامة التي وردت في الأضحية، أن الحاج بمنى يضحي، أخذاً من لفظ: "ضحى"، اللفظ الثاني وهو عند مسلم: "أهدى" فلا يكون في الحديث دليل، وتبقى النصوص العامة على وضعها.

إذا عرف هذا فليس في الحديث ما ينفي التضحية، يعني إذا لم يكن به ما يثبت التضحية؛ لأنه ورد بدل "ضحى" "أهدى" إذا كان لا يوجد فيه ما يثبت التضحية فليس فيه ما ينفي التضحية، لعدم ذكرها، فتبقى على حكمها المبين في النصوص الأخرى، كما قال الجمهور، طيب إذا أراد أن يضحي ويهدي يجمع بينهما، بناءً على قول الجمهور؟ أراد أن يضحي ويهدي ويذبح عقيقة عن ولده أو بنته، عندنا ثلاثة أشياء، هدي وأضحية وعقيقة، اجتمعت في يوم واحد، أراد أن يهدي، وينويها أضحية وعقيقة في الوقت نفسه، يصح وإلا ما يصح؟ طالب: ذبيحة واحدة؟ ذبيحة واحدة. طالب: ما يصح. يصح وإلا ما يصح؟ الهدي هدي تطوع ساقه من الحل أهداه للبيت من غير إيجاب، وقال: تدخل فيها، واليوم السابع ولدت له بنت في اليوم الرابع من الحجة، وقال: هذا اليوم السابع نذبح واحدة تكفي عن ثلاث. طالب:. . . . . . . . . طيب ننظر في قواعد ابن رجب يقول -رحمه الله-: "إذا اجتمعت عبادتان من جنس واحد ليست إحداهما مفعولة على جهة القضاء، ولا على طريق التبعية للأخرى في الوقت تداخلت أفعالهما، واكتفى فيهما بفعل واحد، وهو على ضربين: أحدهما: أن يحصل له بالفعل الواحد العبادتان جميعاً، بشرط أن ينويهما جميعاً على المشهور، الثاني: أن يحصل له إحدى العبادتين، وتسقط عنه الأخرى، ولذلك أمثلة: فذكر منها: إذا اجتمع عقيقة وأضحية، فهل تجزئ الأضحية عن العقيقة أم لا؟ على روايتين منصوصتين: وفي معناهما لو اجتمع هدي وأضحية، واختار الشيخ تقي الدين أنه لا تضحية بمكة، وإنما هو الهدي. وتقدم المراد من قوله: "بمكة" أنه ليس المراد به الموجود بمكة، ولا يريد هدي ولا أضحية، ولا شك أن حضور المسجد الحرام له دخل في التخفيف، لما ذكر هدي التمتع قال: {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [(196) سورة البقرة] يعني كون الإنسان بمكة من أهل المسجد الحرام ومن حاضريه لا شك أن هذا له دخل في التخفيف. الآن اجتمع عندنا عبادات من جنس واحد، وكلها مؤداة، لا مقضية، وليست واحدة منها تبع للأخرى، يقول: "تداخلت أفعالهما، واكتفي فيهما بفعل واحد".

الأصناف التي تجزئ في الأضحية:

"أحدهما: أن يحصل له بالفعل الواحد العبادتان جميعاً بشرط أن ينويهما على المشهور" هذا إذا حصل له بالفعل الواحد العبادتان يكون أجره أجر من فعل الأمور كلها، "الثاني: أن يحصل له إحدى العبادتين" يحصل له الهدي، وتسقط عنه الأضحية، وتسقط عنه العقيقة، وحينئذ لا يحصل له إلا أجر الهدي؛ لكن لا يطالب بأضحية، ولا يطالب بعقيقة، "أن يحصل له إحدى العبادتين، وتسقط عنه الأخرى، ولذلك أمثلة" فذكر منها إذا اجتمع عقيقة وأضحية، وقل أيضاً: هدي، فهل تجزئ الأضحية عن العقيقة أم لا؟ على روايتين منصوصتين يعني عن الإمام أحمد، وفي معناهما لو اجتمع هدي وأضحية، واختار الشيخ تقي الدين أنه لا تضحية بمكة وإنما هو الهدي، بعض الناس يكون عنده عقيقة فيؤجلها يقول: أتركها حتى يأتي ضيف، فإذا جاء ضيف استضافه، وأصر عليه أن يلبي الدعوة، وذهب واشترى من السوق شاة، وقال: اللهم هذه عن فلانة بنته، ويكرم بها الضيف، تجزئ وإلا ما تجزئ؟ طالب:. . . . . . . . . يعني إذا دلت القرينة على أنها عقيقة وإن صرح بها عند الضيف هذا لا إشكال فيه، قال: والله هذه عقيقة، أو حينما عرض عليه قال: عندنا عقيقة، هذه ما فيها إشكال؛ لكن إذا أظهر للضيف ولمن جاء معه أن هذا إكراماً لهم؟ يأتي ((من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه)) السياق سياق ذم؛ لأنه يظهر للناس خلاف الواقع، يظهر للناس أنه كريم، يظهر للشخص ومن معه أنه أكرمه، مثل هذه الصورة في إجزائها نظر؛ لكن لو قال له: إن هذه عقيقة، ودعاه ودعا غيره لحضورها هذا لا إشكال فيه، يعني إذا دلت القرينة على أنها ما ذبحت من أجله، جاء ضيف في يوم عيد النحر ليلة الحادي عشر، فقدم له ذبيحة على الطعام، هل في مثل هذه الحالة يحتاج أن يقول: هذه أضحية؟ ما يحتاج؛ لأن القرائن تدل على أنه مضحي اليوم والحمد لله وقدمناها، مثل هذه القرينة تدل على أنه ليس من باب إنما ذبحت لإكرامه، فإذا دلت القرائن كفت وإلا فلا بد من أن يصرح من أنها ليست له، هذه عقيقة، وإن لم يصرح ففي إجزائها نظر. الأصناف التي تجزئ في الأضحية:

وقت الذبح:

يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى- في الهدي -ما هو بالهدي الذي يذبح يهدى للحرم، لا، كتابه اسمه: زاد المعاد في هدي خير العباد، وأهل العلم يختصرونه بالهدي-: "الأضحية والهدايا والعقيقة مختصة بالأزواج الثمانية المذكورة في سورة (الأنعام) ولم يعرف عنه -صلى الله عليه وسلم- ولا عن الصحابة هدي، ولا أضحية، ولا عقيقة من غيرها، وهذا مأخوذ من القرآن من مجموع آيات: إحداها: قوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} [(1) سورة المائدة] والثانية: قوله تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [(27) سورة الحج] والثالثة: قوله تعالى: {وَمِنَ الأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [(142 - 143) سورة الأنعام] ثم ذكرها، الرابعة: قوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [(95) سورة المائدة] فدل على أن الذي يبلغ الكعبة من الهدي هو هذه الأزواج الثمانية، وهذا استنباط علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-". وهذا أمر مجمع عليه، إلا ما حكي عن الحسن بن صالح أنها تجوز التضحية ببقرة الوحش عن عشرة، والضبي عن واحد، وروي عن أسماء أنها قالت: "ضحينا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالخيل" وما روي عن أبي هريرة أنه ضحى بديك، يعني يذكر عن أبي هريرة، وحديث أسماء لا يصح، وما يذكر عن الحسن بن صالح هذا اجتهاده، وما يذكر عن أبي هريرة أنه ضحى بديك أيضاً لا يثبت عنه. أثيرت مسألة التضحية بالدجاج قبل بضع سنين ثلاث سنوات أو أربع في جهة من الجهات، واستدلوا بهذا، استدلوا بقول من يقول: "إنها غنم المساكين" نعم المساكين يأكلونها مع طعامهم لا شك، وهي غنمهم، الذين لا يجدون الغنم ولا الإبل؛ لكن لا يضحون بها، وليس من هديه -عليه الصلاة والسلام- التضحية بهذا النوع، على كل حال الإجماع قائم على أن الأضحية لا تكون إلا من الإبل والبقر والغنم. وقت الذبح:

ووقت الذبح في يوم العيد بعد الصلاة أو قدرها إلى آخر يومين من أيام التشريق، فعلى هذا تكون أيام النحر ثلاثة: يوم العيد، ويومان بعده، هذا المذهب عند الحنابلة، وهو قول عمر وعلي وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأنس، وإليه ذهب مالك والثوري وأبو حنيفة، يعني قول الأكثر أن أيام الذبح ثلاثة: يوم النحر، ويومان بعده. وروي عن علي -رضي الله عنه- أنه يستمر إلى آخر أيام التشريق، فعلى هذا تكون أيام الذبح أربعة، وبه قال عطاء والحسن والشافعي، لحديث: ((أيام منى كلها منحر)) ولأنها أيام تكبير وإفطار، فكانت محل للنحر كالأولين، واختار هذا شيخ الإسلام ابن تيمية، وهذا هو المرجح، والمعمول به الآن. وقال ابن سيرين: "لا يجوز النحر إلا في يوم النحر خاصة؛ لأنها وظيفة عيد فاختصت بيوم العيد كالصلاة وأداء الفطرة يوم الفطر". ويستدل للمذهب باقتصارهم على اليومين مع يوم العيد النهي عن الادخار فوق ثلاث، ولا يجوز الذبح في وقت لا يجوز ادخار الأضحية إليه، وعلى كل حال الحكم واحد بالنسبة للهدي والأضاحي، حكمها واحد، فإذا جاز في الهدي إلى آخر أيام التشريق فليجز في الأضاحي، ومن قال بهذا يلزمه القول بهذا. من ذبح قبل أن يصلي الإمام -إمام المسلمين- صلاة العيد فإن ذبيحته لا تجزئه عن الأضحية، وإنما شاته التي ذبحها شاة لحم يأكلها، هو ومن شاء، وليست بشاة نسك، لما روى البخاري في صحيحه عن البراء -رضي الله تعالى عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن أول ما يبدئ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، من فعل فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك في شيء)) وفي الباب عن أنس وجندب بن سفيان البجلي، وكلها متفق عليها.

ومن كان في مكان لا تصلى فيه العيد فإنه يتحرى بذبح أضحيته قدر ما يصلي الإمام صلاة العيد عادة ثم يذبح، والمراد بالإمام إمام المسلمين إن كان يتولى صلاة العيد، وإلا فمن ينوب عنه في البلدان والأقطار والأقاليم؛ لكن إذا كان بعض الأقطار يصلي قبل بعض بساعة، وافترضنا أن إمام المسلمين في البلد المتأخر؟ يعني إمام المسلمين في مكة مثلاً، وأهل الشرق يصلون قبل مكة بساعة، نقول: انتظروا حتى تصلى الصلاة التي فيها إمام المسلمين؟ لا، كل بلد يخاطب بصلاته هو، فإذا صحت الصلاة دخل وقتها، وأديت الصلاة مع الخطبة انتهى الإشكال. وعلى هذا إذا كان في بلد لا يصلى فيه صلاة العيد فإنهم يقدرون قدره، يعني بعد طلوع الشمس بساعة مثلاً تكون الصلاة قد انتهت، لا سيما الأضحى الذي أمر بتعجيلها. عرفنا أنه إذا ذبح الأضحية قبل صلاة العيد فإنها شاة لحم، ليست بأضحية، وعلى هذا لا تصح ولا يجوز ذبحها قبل صلاة العيد. الهدي يذبح قبل صلاة العيد أو قبل يوم النحر أو لا؟ يذبح وإلا ما يذبح؟ يعني حكمه حكم الأضحية وإلا يختلف؟ طالب:. . . . . . . . . طيب هدي {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [(196) سورة البقرة] يعني هل المقصود مكان حلوله أو وقت حلوله؟ يعني إذا أحرم يذبح؟ يعني لو أحرم في أربعة ذو الحجة يذبح؟ إذا أحرم في ثمانية يأكلها في يوم ثمانية وتسعة؟ على كل حال قيل بهذا، والأكثر على أنها لا تذبح إلا يوم العيد كالأضحية، يعني بعد صلاة العيد.

والقاعدة عند أهل العلم كما ذكر ابن رجب وغيره أنه إذا كان للعبادة سبب وجوب ووقت وجوب فإنه لا يجوز تقديمها على السبب إجماعاً، وتصح بعد الوقت، لا يعني بعد خروجه، يعني بدخوله اتفاقاً، والكلام فيما بين السبب والوقت، يعني لو قال شخص: أنا الآن عندي عيش زائد أو تمر زائد عن حاجتي أخرج كفارة أو كفارتين أو ثلاث من كفارات اليمين ما دام عندي، وهو ما بعد حلف إلى الآن، سبب الوجوب ما انقعد، نقول: تجزئ هذه الكفارات عن أيمان لاحقة؟ لا، لكن لو حلف وحنث وقعت المخالفة منه لما حلف عليه، يجوز أن يكفر اتفاقاً بعد وقت الوجوب، يعني بعد دخوله لا خروجه لا نفهم من بعد خروج الوقت، ثم يأتينا من يقول: أنه يجوز ذبح الهدي بعد أيام التشريق، لا، يعني بعد دخوله، بينهما، بين اليمين وبين الحنث يجوز وإلا ما يجوز؟ يعني بين السبب والوقت، هو حلف ألا يفعل كذا، هل نقول: كفر عن يمينك، ثم افعل ما شئت؟ أو نقول: افعل خالف احنث ثم كفر؟ ((والله إني لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني، ثم أتيت الذي هو خير)) أو العكس في رواية بالعكس: ((إلا أتيت الذي هو خير، ثم كفرت عن يميني)) ولذا يجوز عند أهل العلم أن يكفر قبل الحنث بعد انعقاد السبب، وأما تأخيره بعد الحنث هذا ما فيه إشكال، اتفاق. نأتي إلى مسألة أخرى، الآن كيف تدخل مسألتنا في الهدي، هدي المتعة والقران مثلاً في العبادة التي لها سبب وجوب ووقت وجوب؟ نقول: سبب الوجوب الإحرام بالعمرة في أشهر الحج ممن يريد الحج، انعقد سبب الوجوب ووقت الوجوب هو وقت الأضحية، فهل نقول: إنه يجوز ذبح الهدي بين السبب والوقت؟ مقتضى القاعدة الجواز، وهذا قول معروف عند جمع من أهل العلم؛ لكن المرجح وهو قول الأكثر أنها لا تجوز إلا في وقتها، لا يلزم أن تكون هذه القواعد كلية ما يخرج عنها شيء.

نأتي إلى الهدي، هدي التمتع والقران من أعمال يوم النحر، أعمال يوم النحر أول ما يبدأ برمي جمرة العقبة، ثم ينحر، ثم يحلق، ثم يقصر، ثم يطوف؛ لكن هذه الأفعال لو قدم بعضها على بعض افعل ولا حرج، طيب من ساغ له التعجل، مكث في مزدلفة أكثر الليل، وساغ له أن يتعجل، وله أن يرمي، وإن كان في حديث ابن عباس: ((لا ترموا حتى تطلع الشمس)) ساغ له أن يرمي عند الجمهور، وحديث ابن عباس فيه كلام، وساغ له أن يطوف، وبقي من أعمال يوم النحر الحلق والنحر، وما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: ((افعل ولا حرج)) الآن لو قال: أنا لما انصرفت من مزدلفة إلى منى وبدلاً من أن أرمي ويسوغ لي أن أقدم وأأخر أذبح، الآن المجزرة فاضية، هو ما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: ((افعل ولا حرج))؟ الأصل أن يذهب إلى منى؛ لأن الرمي تحية منى، فقال: أنا يسوغ لي أن أقدم وأأخر ليش ما أقدم الذبح؟ طالب:. . . . . . . . . لا يجوز تقديمه، فيكون مثل هذا مستثنى، يعني فما سئل عن شيء قدم ولا أخر يعني مما يجوز تقديمه إلا قال: ((افعل ولا حرج)). هذا الذي قدم النحر في وقته، يعني بعد صلاة العيد، وصل إلى منى فنحر، لا يسوغ له أن يلبس؛ لأنه إلى الآن ما بعد تحلل؛ لكن يلبي وإلا ما يلبي؟ "فما زلنا نلبي حتى رمينا جمرة العقبة" افترض أنه ما رمى إلا في آخر النهار، يلبي وإلا ما يلبي؟ وقد كان تحلل التحلل الأول ولبس ثيابه في أول النهار. طالب:. . . . . . . . . يعني أول ما يباشر أعمال التحلل يقطع التلبية، سواءً كان بالرمي أو بما يتحلل به من الحلق أو الطواف، فعلى هذا مجرد ما يباشر أول ما يُتحلل به تنقطع التلبية. اختلف العلماء في السن المجزئ في الأضحية، ففي صحيح مسلم عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن)) والمسنة هي الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم، قاله النووي.

ومذهب الجمهور أن الجذعة من الضأن يجزئ، مطلقاً سواءً وجد غيره أو لا، وحكي عن عمر أو ابن عمر والزهري أنهما قالا: "لا يجزئ"، وقد يحتج لهما بظاهر هذا الحديث؛ لأن الترخيص بذبح الجذعة من الضأن عند عدم أو عند عسر الجذعة. طالب:. . . . . . . . . عند إيش؟ طالب:. . . . . . . . . المسنة، نعم، الذي هي الثنية. قال الجمهور هذا الحديث محمول على الاستحباب. اختلفوا في الجذع من الضأن فقيل: ما له سنة تامة، قال النووي: وهو الأصح عند أصحابنا، وهو الأشهر عند أهل اللغة وغيرهم، وقيل: ما له ستة أشهر، وهو قول الحنابلة، في المقنع للإمام الموفق: "ولا يجزئ إلا الجذع من الضأن، وهو ما له ستة أشهر، والثني مما سواه، والثني من الإبل ما كمل له خمس سنين، ومن البقر ما له سنتان، ومن الماعز ما له سنة" فيجزئ الجذع من الضأن، لحديث أبي هريرة عند أحمد والترمذي قال: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((نعمت الأضحية الجذع من الضأن)) وعن أم بلال بنت هلال عن أبيها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يجوز الجذع من الضأن ضحية)) وعن مجاشع بن سليم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: ((إن الجذع يوفي مما يوفي منه الثنية)) وعن عقبة بن عامر قال: "ضحينا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالجذع من الضأن" وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضاً، وعلى العمل بها عامة أهل العلم، هذا بالنسبة للجذع من الضأن، وبه يصرف بهذه الأحاديث بمجموع هذه الأحاديث يصرف الحديث السابق: ((لا تذبحوا إلا مسنة)) يصرف من الوجوب إلى الاستحباب. ترجم الإمام البخاري بقوله: باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لأبي بردة: ((ضحِ بالجذع من المعز، ولن تجزئ عن أحد بعدك)) وذكر حديث أبي بردة، وأنه ضحى قبل الصلاة، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((شاتك شاة لحم)) فقال: يا رسول الله، إن عندي داجناً، جذعة من المعز، فقال: ((اذبحها ولا تصلح لغيرك)) يعني لو جاء وذبح من المعز جذعة بالنسبة للضأن يجزئ؛ لكن بالنسبة للمعز لا يجزئ، وحديث أبي بردة هانئ بن نيار واضح في الموضوع.

شيخ الإسلام -رحمه الله- في الاختيارات يقول: "تجوز الأضحية بما كان أصغر من الجذع من الضأن لمن ذبح قبل صلاة العيد جاهلاً بالحكم، ولم يكن عنده ما يعتد به في الأضحية غيرها، لقصة أبي بردة بن نيار"، يعني هل يمكن أن يستدل بقصة أبي بردة على الجواز مع قوله: ((ولا تصلح لغيرك)) ((ولن تجزئ عن أحد بعدك)). شيخ الإسلام يقول: "تجوز الأضحية بما هو أصغر من الجذع من الضأن لمن ذبح قبل صلاة العيد جاهلاً بالحكم، ولم يكن عنده ما يعتد به في الأضحية، لقصة أبي بردة بن نيار". يعني هل يستطيع أحد أن يجرؤ ويقول مثل هذا الكلام؟ وهل نقول: أن هذا النص خفي على شيخ الإسلام وهو يقول: لقصة أبي بردة بن نيار؟ طالب:. . . . . . . . . في إيش؟ طالب:. . . . . . . . . يقول: يحمل قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((ولن تجزئ عن أحد بعدك)) أي بعد حالك، ولا شك أن مثل هذه الجرأة من شيخ الإسلام إذا قبلت منه، وقد أحاط بنصوص الشريعة، وقواعدها العامة، يعني مثل هذا يقبل من شيخ الإسلام؛ لكن ولا يلزم أن يكون راجح؛ لكن ما يمكن أن نقول: أن شيخ الإسلام صادم النصوص، الرسول يقول: لا تجزئ وهو يقول: تجزئ، والرسول يقول: ((أحابستنا هي؟ )) وهو يقول: الحائض ما تحبس الرفقة، هل يمكن أن نقول هذا؟ لكن لو قاله من دون شيخ الإسلام، يعني هل هذا مجرد عاطفة من شيخ الإسلام، أو لعلمنا أن شيخ الإسلام يأوي إلى علم مكين متين من علم الكتاب والسنة؟ وأن إحاطته بالنصوص وإحاطته بالقواعد، ومراعاة المصالح العامة التي جاءت الشريعة بتقريرها، نعم نقبل مثل هذا من شيخ الإسلام، ولا يعني أنه راجح عندنا، ولا نشك بعلم شيخ الإسلام، وتقوى شيخ الإسلام، وورع شيخ الإسلام في هذا الباب؛ لكن بعض الناس يصادم وهو من النكرات. طالب:. . . . . . . . . كيف جاهلاً؟ طالب:. . . . . . . . . جاهلاً بالحكم. طالب:. . . . . . . . . لكن لو جاءنا واحد جاهل قال: أنا والله ذبحت قبل العيد وعندي ها السخل ذا الصغير، نقول له: اذبح؟ طالب:. . . . . . . . .

سلامة الأضحية من العيوب:

لا، لا، نقول لك: هذا الشخص الآن المسألة قائمة ذبح قبل العيد ومعه سخل صغير، ويقول: والله ما عندي غيره، هل نقول: باعتبار أن المسألة في إطار المندوب، وأن هذا هو المقدور عليه؟ هو ما عنده شيء، يعني نظير قول شيخ الإسلام في مسألة صلاة الجنازة إذا خشي أن ترفع يتيمم ويصلي؛ لكن هل يمكن أنه يصحح التيمم بوجود الماء؟ وصلاة الجنازة صلاة: ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) هل نقول: أننا نتساهل في مثل هذه الأمور؛ لأن الأصل المسألة إما فوات بالكلية إما ما يضحي أصلاً أو يضحي بصغير؟ إما ما يصلي على هذه الجنازة، أو يصلي بطهارة ناقصة بالتيمم؟ طالب:. . . . . . . . . هذا كلام، هل نقول: إن الصلاة ما دام ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ)) ما في صلاة إلا بوضوء مع وجود الماء، ولو رفعت الجنازة، ونقول: ما في أضحية إلا بالسن المجزئ الذي جاء عن الشرع بيانه، وثقتنا بعلم شيخ الإسلام لا يلزمنا بأن نتبعه في كل ما يقول، فالمرجح أنها لا تجزئ لأحد كائناً من كان، لو ما يضحي، لو ما يضحي لا يضحي بمثل هذا، كونه يأكلها وأولاده لا بنية التقرب بكيفه، الأمر إليه. حمل شيخ الإسلام قوله –عليه الصلاة والسلام-: ((ولن تجزئ عن أحد بعدك)) أي بعد حالك، فالصورة تنطبق على فلان تجزئ عنه، أما من يختلف معه في وضعه لا تجزئ عنه. الرضاع بعد الحولين، في قصة سالم مولى أبي حذيفة، احتاجوا إليه، احتاجوا إلى المولى هذا فأرضعوه وهو كبير، وجاء الدليل على ما يدل على الاختصاص به، وأن الرضاع لا يكون إلا في الحولين، وأن هذا خاص بسالم مولى أبي حذيفة، وعائشة تجيزه مطلقاً رضاع الكبير، وشيخ الإسلام يخصه بالحاجة، يعني إذا كانت الحاجة قائمة وداعية مثل الحاجة التي دعت إلى إرضاع سالم مولى أبي حذيفة يرضع وينفع، فلا شك أن شيخ الإسلام يعمل الأحوال وينزلها منازلها، ولو دل الدليل على الاختصاص، فيكون اختصاص أحوال لا اختصاص أشخاص. سلامة الأضحية من العيوب:

في الأضحية لا بد أن تكون سليمة من العيوب، يعني إذا عرفنا سنها ووقتها فلا بد أن تكون سليمة من العيوب، فلا يجزئ التضحية بالعوراء، البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والكبيرة التي لا تنقي، كبيرة، وتنقي يعني ليس فيها نقي، وهو المخ، وهذا كما رواه الإمام أحمد والأربعة وصححه الترمذي وابن حبان من حديث البراء بن عازب، أن هذه العيوب الأربعة لا تجزئ في الأضحية العوراء البين عورها؛ لكن لو كانت العين قائمة من رآها لا يحس أنها عوراء، وهي في الحقيقة لا ترى بإحدى عينيها، المريضة البين مرضها كذلك، العرجاء البين ضلعها، الكبيرة التي لا تنقي، وهذه جاءت عند أحمد وأصحاب السنن من حديث البراء بن عازب. ومن باب أولى العمياء لا تجزئ؛ لأنه إذا منع التضحية بالعوراء فلأن يمنع التضحية بالعمياء من باب أولى، يعني على جادة الظاهرية تجزئ العمياء وإلا ما تجزئ؟ تجزئ؛ لأن النص على العوراء، طيب العرجاء البين ضلعها، لو افترضنا أنها مقعدة ما تمشي البتة، يعني على مذهب الظاهرية من باب أولى تجزئ. لكن رو نظرنا من جهة أخرى العوراء البين عورها لا شك أنها تبي تتجاوز بعض العشب من جهة العين التي لا ترى فيها ما تأكله، فيكون أكلها أقل من السليمة، لو قال الظاهري مثلاً: العمياء تجزئ، ليش؟ قال: العمياء ما هي برايحة ترعى، بينجاب لها العلف، فهي كالسليمة تبي تأكل أكل كافي، نسأل له وجه وإلا ما له وجه؟ الآن العوراء، هل العور يؤثر في لحم الشاة؟ ما يؤثر، إذاً أثره في أكلها العشب، واستيعابها لما في جميع الجهات، هي ما تستوعب إلا جهة واحدة، طيب عمياء قالوا: هذه عمياء ومربوطة ما راح تأكل وتروح ترعى، عمياء ما يمكن ترعى بنفسها ما ترى العشب؛ لكن صاحبها يحضر لها الطعام، يكفيها المئونة، ويعطيها أكثر مما تأكل السليمة، تجزئ وإلا ما تجزئ؟ طالب: لا تجزئ. نعم، العلة غير منصوص عليها فلا يدور الحكم معها. أخرج أبو داود من حديث عقبة بن عامر السلمي أنه قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المصفرة، وهي التي تستأصل أذنها" إيش دخل الصفير باستئصال الأذن؟ طالب: السماع.

يعني أصوات الرياح وأصوات كذا باعتبار أنها مقطوعة الأذن تصعب عندها، أو تتضافر، موجودة، "والمستأصلة التي استأصل قرنها، والبخقاء التي تبخق عينها" كذا بعود أو أصبع، أو ما أشبه ذلك، "والمشيعة وهي التي لا تتبع الغنم عجفاً، أو ضعفاً، والكسراء" يعني الكسيرة، وهي في معنى العرجاء. وأما مقطوع الألية والذنب، يستورد الآن من استراليا غنم مقطوعة الألية، ما حكمها؟ تجزئ وإلا ما تجزئ؟ الآن الخصي من الذكور يجزئ، شريطة ألا يكون مجبوباً، فمقطوع الألية والذنب يجزئ، لما أخرجه أحمد وابن ماجه والبيهقي من حديث أبي سعيد، قال: "اشتريت كبشاً لأضحي به، فعدى الذئب فأخذ الألية منه، فسألت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((ضحِ به)) لكنه حديث ضعيف، فيه جابر الجعفي، وشيخه مجهول. وعلى كل حال ما يفعل بالأضحية من أجل أن يطيب لحمها هذا لا إشكال فيه، فهو الأحظ للفقراء، وهذا منه، قالوا: إذا جبت الألية فإن السمن يتداخل مع اللحم فيكون أطيب، وله شاهد عند البيهقي، وأفضل الأضاحي الإبل، ثم البقر، ثم الضأن، ثم الماعز، وهذا مفترض فيمن أراد أن يضحي ببدنة كاملة لا بسبع بدنة، أو أراد أن يضحي ببقرة كاملة لا سبع بقرة، أما من أراد أن يضحي ببدنة عن سبعة، وبقرة عن سبعة فإن الغنم أفضل، الآن الفقهاء يقولون: إن الأفضل الإبل ثم البقر ثم الضأن ثم الماعز، والبقرة عن سبعة، كما أن البدنة عن سبعة.

جاء في حديث التبكير والتهجير لصلاة الجمعة: ((من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، من راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، من راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن)) فالإبل أفضل من البقر، فهل الفضل فيها والإجزاء تفاوته بمقدار التفاوت بين الساعات الثلاثة؟ لو قلنا بهذا قلنا: إن كل واحد ضعف الذي يليه، على شأن يكون التفاوت متناسق، يعني قيمة الساعة الأولى، يعني لو افترضنا أن أجير بالساعات كلما زاد ساعة زاد أجره الضعف، لو قيل مثلاً الساعة بعشرة ريال مثلاً، ساعيتين؟ عشرون، ثلاث؟ ثلاثون وهكذا، من راح في الساعة الأولى يعني تقدم خمس ساعات، يعني له خمسون ريال، من راح في الساعة الثانية نقص ساعة، له أربعون ريال، وهكذا، فهل التفاوت بهذه النسب باعتبار أن أجزاء الوقت متناسقة وأجرها واحد؟ هذا غير منظور إليه؛ لكن النصوص دلت على هذا أن الإبل عن سبعة، والبقرة عن سبعة. طيب في حديث القسم في الغنائم عدل النبي -صلى الله عليه وسلم- الإبل بعشرة، وهنا بسبعة، ألا يمكن أن يقال: إن الإبل عن عشرة أو نقول: إن التعديل يختلف باختلاف الأبواب؟ يختلف باختلاف الأبواب والأحوال والظروف، أنت افترض المسألة في غزوة، وأعطيت عشر غنم وإلا تعطى ناقة تركبها، أيهما أفضل؟ تبي تفضل الناقة على عشرين ما هو على عشرة بعد، في بعض الظروف، نعم في بعض الأحوال، فالظروف والأحوال لا شك أن لها مدخل في مثل هذه الأمور، فكون الناقة عدلت بعشرة في الغزوة يختلف عن كونها عن سبعة في الأضاحي والهدايا، ((من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة)) في الساعة الأولى قرب بدنة، لو قال قائل: لن أذهب إلى الجمعة إلا قبيل دخول الإمام، وأترك البقرة والبدنة والكبش وكلها أتركها وأتعلم في مسجدنا -الذي بجور البيت- مائة آية، ومن ذهب وتعلم آية خير له من ناقة كوماء، ومائة آية يعني خير له من مائة ناقة كوماء، وهو إذا ذهب مع طلوع الشمس ناقة واحدة، بدنة واحدة، نقول: أيهما أفضل؟ يعني التهجير إلى الجمعة أفضل، هذه واحدة، وتعلم مائة آية مائة بدنة كوماء؟ طالب:. . . . . . . . .

نعم البدنة في ساعة الجمعة يعني تقرب بها إلى الله كأنه ذبحها، وقسمها بين الفقراء والمساكين، أما هذه فكأنها اكتسبها وجناها، فهي من أمور الدنيا، والثانية من أمور الآخرة، يعني في تقديم البدنة في ساعة الجمعة من أمور الآخرة، يعني تقرب بها إلى الله -جل وعلا-، والبدنات التي اكتسبها من حطام الدنيا، فهي ممثلة بما يكسبه من أمور الدنيا، ولا نسبة بينهما، لا نسبة بين هذه وهذه، وإلا بعض الناس يقول: بدل من أن أروح وأزاحم الناس، وأروح للجامع مبكر خليني أنام، أجلس في مسجدنا، وأقرأ القرآن، وأتعلم مائة آية، وأنام لي ساعة ساعتين، وقبل ما يدخل الإمام أروح لصلاة الجمعة، وقد اكتسبت مائة بدنة، بدل من هذا. نقول: لا يا أخي الفرق واضح، يعني أمور الدنيا ليست شيء بالنسبة للآخرة، الدنيا كلها لا تزن عند الله جناح بعوضة، يعني لو تصورنا ركعتي الفجر، وأنها تعدل الدنيا بحذافيرها، ركعتين بدقيقتين تعدل الدنيا بحذافيرها، بما في ذلك المليارات التي يملكها الناس، ولو كانت الأرض ملؤها ذهب ما تعدل ركعتي الفجر، فيحرص على ما ينفع في الآخرة. قد يقول قائل: ما دام الأمر كذلك وهذا من حطام الدنيا ليش أتعلم؟ جاءت النصوص الأخرى التي تدل على فضل تعلم القرآن وتعليمه: ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه)) وكل حرف بعشر حسنات، يعني أنت تعلمت مائة آية مثلاً، وهذه المائة آية فيها خمسمائة حرف كم خمسة آلاف حسنة، ليست المسألة حسنة، هذا أقل تقدير، والله يضاعف لمن يشاء. يقول شيخ الإسلام: "الأجر في الأضحية على قدر القيمة مطلقاً" وهذا تحدثنا عنه، وأنه إذا تعارضت القيمة مع السِمن، وكل منهما ملاحظ، فالسِمن أنفع للفقراء، والقيمة أدل على طيب النفس، فلا شك أنها مثل هذا مما ينتابه النظر، فينظر للأحظ للفقراء، وإن جمع بينهما فهو الأصل.

تنحر الإبل قائمة، معقولة يدها اليسرى، يدها اليسرى معقولة بحبل، وهي قائمة على ثلاث، فتنحر، فيطعنها بالحربة في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر، هل في القرآن ما يدل على هذا؟ {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [(36) سورة الحج] يعني سقطت، ولا تسقط إلا إذا كانت قائمة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- نحر ثلاثاً وستين من البدن بيده الشريفة. يذبح البقر والغنم، ويقول عند ذلك: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك ولك، ويتولى الذبح بنفسه، على كل حال البسملة لا بد منها، ولا تحل الذبيحة إلا بها، التكبير سنة، والخطباء يقولون: ويقول: بسم الله وجوباً، والله أكبر استحباباً، يعني يبينون الحكم، حكم التسمية وحكم التكبير، ثم يأتي الذابح من العامة، ويضجع الذبيحة، وهو يقول: بسم الله وجوباً، والله أكبر استحباباً، يحكون كلام الخطيب وما يدريهم؟ يظنون هذا القول هو المشروع، ترى واقع يا إخوان، ما هو بافتراض، فلا بد من تغيير هذه الصغية، تغييراً يفهم منه العامة أن هذا لا دخل له في الذكر. يتولى الذبح بنفسه، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يتولى ذبح أضحيته وهداياه بنفسه -عليه الصلاة والسلام-، إذا كان قادراً على ذلك، وعنده المعرفة والخبرة، وإلا فليحضر، يكل الذبح إلى غيره ويحضر، ثم يأكل ويهدي ويتصدق أثلاثاً، ولو أكلها كلها كما يقول أهل العلم إلا أوقية جاز؛ لكن {كُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} [(36) سورة الحج] والأكل مستحب عند الجمهور، وأوجبه بعضهم للأمر به، {كُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} [(36) سورة الحج]، وأما الإطعام فلا بد منه، فهو واجب، والهدية مستحبة. ولا يجوز لمن أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره أو بشرته شيئاً، كما تقدم في حديث أم سلمة، الذي سقناه ضمن أدلة من يقول: بعدم وجوب الأضحية.

طيب المتمتع إذا حل من عمرته، وقبل أن يحرم بالحج إنما يحل من عمرته بالطواف والسعي والحلق أو التقصير، هذا يخالف حديث أم سلمة، يعني على قول من يقول وهم الجمهور: أن الحاج يضحي، ماذا يصنع؟ يقصر وإلا ما يقصر؟ يقصر؛ لكنه لا يتعدى القدر الواجب، تعارض واجبان عندنا، أحدهما أرجح من الآخر فيقدم الأرجح، وعلى هذا لا يتجاوز به القدر المحتاج إليه، بهذا ننهي الكلام عن الأضحية. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. شكر الله لفضيلة شيخنا على هذا البيان العلمي، وأسأله سبحانه وتعالى أن ينفعنا به، وأستأذن فضيلة الشيخ في الانتقال للأخوة في المناطق لأخذ بعض أسئلتهم، ونظراً لكثرة الأسئلة كما ذكرت اللجنة أنها تعرض يومياً في إذاعة القرآن أيضاً على أصحاب الفضيلة من العلماء التي لا تعرض في هذا المجلس فأنبه الأخوة على ذلك. وأنتقل إلى الأخوة في مدينة عرعر في جامع الأمير عبد العزيز بن مساعد الشيخ عبد العزيز العنزي تفضل. فضيلة الشيخ أحسن الله إليكم، ونفعنا الله بعلمكم، يقول السائل: هل تجزئ الشاة المقطوع طرف أذنها ما يسمى بالوسم، أحسن الله إليكم؟ مر بنا في العيوب أن التي لا تجزئ هي التي يسمونها المصفرة، التي قطعت أذنها بالكامل، أما ما قطع بعض أذنها، أو بعض قرنها فإنه لا يؤثر -إن شاء الله تعالى-. أحسن الله إليكم، يقول السائل: ما وجه الدلالة في هذه الآية: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [(15) سورة الأعلى] بأنه دليل على عيد الفطر، أحسن الله إليكم؟ عيد الفطر الذي به يكمل شهر الصوم {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ} [(185) سورة البقرة] التكبير هو الذكر المنصوص عليه بقوله: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [(15) سورة الأعلى] والصلاة هي صلاة العيد، ومثل ما قلنا: في {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] ثبوته قطعي، ودلالته ظنيه على المراد؛ لكن هذا الموجه عند أهل العلم، وقرره شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما. أحسن الله إليكم، يقول السائل: من نسي التسمية هل يذبح مرة أخرى قياساً لحديث: ((من ذبح قبل أن يصلي فليعد ذبحه))؟

نعم من نسي التسمية فذبيحته لا تحل له كالميتة، وحينئذ يذبح غيرها؛ لكن هل يلزمه البدل؟ لا سيما عند من يقول: بعدم وجوب الأضحية، أو يعود الحكم إلى ما كان عليه قبل الذبح؟ يعني مثل من أفطر صام نفلاً، ثم أفطر من غير عذر، من أهل العلم كالحنفية يلزمونه بالقضاء، لا يجيزون له أن يفطر، ويلزمونه بالقضاء، ويفرق المالكية بين أن يكون الفطر لحاجة أو لغير حاجة، والجمهور على أنه لا يلزمه قضاء؛ لأنه في الأصل متطوع، فإذا قلنا: هو متطوع في الأصل، إذا كان متطوع في الأصل، ونسي التسمية وحرمت عليه هذه الذبيحة، فمقتضى قول الجمهور في الصيام أنه لا يلزمه أن يذبح غيرها، وإذا قلنا: أن قوله: ((فليذبح مكانها أخرى)) في حديث من ذبح قبل صلاة الإمام، فالأصل في الأمر الوجوب، فهل نقول: إن الأضحية في أصلها مندوبة، ثم بعد ذلك وجبت عليه، باعتبار أنه أوجبها على نفسه وعينها فيلزمه بدلها؟ لا شك أن مثل هذا قابل للنظر، وينظر إلى ظرف الإنسان فإن كان موسراً أُكد عليه أن يذبح مكانها، وإن كان معسراً فلا يكلف فوق ما يطيق. أحسن الله إليكم، يقول السائل: إذا لم يكن عندي ثمن الأضحية، هل آخذ للأضحية دين لأجل؟ إذا كان يغلب على ظنه أنه يسد هذا الدين بأن كانت لديه حرفة أو مهنة فإنه يستدين، ونص الإمام أحمد وغيره على أنه يستدين، ويوفي الله عنه، ومع ذلك إذا كان ميئوس من السداد، وأموره في دنياه متعسرة، فمثل هذا لا يكلف بأن يستدين؛ لأن الدين شأنه عظيم في الشرع. أحسن الله إليكم، يقول السائل: من وكله شخص بذبح الأضحية، هل يجوز أن يأخذ من شعره وأظفاره؟ الوكيل لا دخل له في الأضحية، الوكيل يأخذ من شعره وبشره حيث شاء، وكيفما شاء، والعبرة بمن أراد أن يضحي بنفسه أو بوكيله، لمن له الأضحية. أحسن الله إليكم، ونختم بهذا السؤال وهو خارج موضوع الدرس يقول السائل: شخص دخل مع الإمام وهو راكع، وكبر تكبيرة الإحرام والإمام راكع، وعندما انتقل إلى الركوع وكبر تكبيرة الركوع رفع الإمام هل يعتبر مدرك للركعة؟ وإذا لم يكن مدركاً للركوع ماذا يفعل حيث تم لهذا الركوع ومضى على ذلك فترة؟

إذا لم يتفق مع الإمام في الركوع في الركن، ولو بجزء يسير، بمعنى أنه يركع الركوع الشرعي قبل أن يرفع الإمام، ولو لم يقل: سبحان ربي العظيم، إذا لم يدرك ذلك فإنه لم يدرك الركعة، ولو أدركه بجزء من الركوع ولو كان يسيراً، بمعنى أنه ركع الركوع المعتبر قبل أن يرفع الإمام فإنه حينئذ يكون مدركاً للركعة، والصورة في السؤال تدل على أنه لم يدرك الركوع، عليه إعادة هذه الصلاة مع طول الفصل. أشكر الأخوة في مدينة عرعر، وأشكر الشيخ عبد العزيز، ولعلنا ننتقل إلى أسئلة الحضور، وكذلك الأسئلة التي وردت عن طريق الموقع. والآن نعرض بعض أسئلة الحضور. أحسن الله إليكم يا صاحب الفضيلة ونفع الله بعلمكم والمسلمين. هذا سائل يقول: ما حكم ذبح الأنثى في الأضحية؟ ومن اشترى أنثى فماذا يفعل بها؟ يعني هل المقصود ذبح الأنثى من إضافة المصدر إلى فاعله أو مفعوله؟ طالب: مفعوله. يعني هل الذابح أنثى أو المذبوح أنثى؟ طالب: المذبوح. ما فيه إشكال، الشاة تجزئ، نعم الكبش أفضل لكن الشاة مجزئة، الكبش أفضل، الذكر أفضل، والأنثى من الأنواع كلها مجزئة، ومادام السؤال محتملاً نأتي بما يحتمله أيضاً ذبح المرأة جائز، ومثله ذبح المرأة ولو كانت أمة، جائز، والناس يشككون في ذبح المرأة، يشككون في ذبح الجنب، كل هذا لا أثر له في الحكم، إذا كان مسلماً أو كتابياً جاز ذبحه لحديث كعب: أن له غنم ترعى، فالجارية ترعاها فأدركت بشاة منها موتاً فأخذت حجراً فذبحتها به، فأخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: ((كلها)) فهذه امرأة وجارية أمة صحح النبي -عليه الصلاة والسلام- ذبحها. أحسن الله إليكم، يقول السائل: هل يشرع صيام العشر؟ وهل ورد فيه دليل؟

جاء في الحديث الصحيح ((ما من أيام العمل الصالح فيهن خير وأحب إلى الله من هذه الأيام العشر)) وقد رجحها كثير من أهل العلم على العشر الأخيرة من رمضان، لا سيما النهار مع النهار، فهذه الأيام العشر أفضل من الأيام العشر في رمضان، وفضلها لا شك أنه دليل على فضل العمل الصالح فيها، ((ما من أيام العمل الصالح فيها خير وأحب إلى الله من هذه الأيام العشر)) قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء)) ومن أفضل الأعمال التي دلت النصوص على فضله الصيام، ((ومن صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً))، وفي الحديث الصحيح عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما صام العشر، وثبت عن بعض نسائه أنه صام العشر، وإن كان حديث عائشة أرجح؛ لأنه في الصحيح؛ لكن المثبت مقدم على النافي؛ لأنه معه زيادة علم خفيت على النافي، وقد يكون قولها بعد سنين متطاولة من وفاته -عليه الصلاة والسلام-، فقد عاشت بعده ما يقرب من نصف قرن. الأمر الثاني: أن ظرف النبي -عليه الصلاة والسلام- ومن يشبهه في ظرفه ممن يتولى أمور المسلمين العامة بحيث يعوقه الصيام عن بعض الأعمال التي هي أفضل من الصيام بالنسبة له، لا شك أن له أجر الصيام، وما هو أعظم من الصيام.

لو أن شخصاً افترضنا أن شخصاً يتولى أمور المسلمين العامة؛ لكنه إذا صام ضعف عن هذه الأعمال وتكاسل، وقال: أنا لا أستطيع أن أجمع بين العمل والصيام، قلنا له: العمل أفضل لا تصم، وهذا وضعه -عليه الصلاة والسلام- أمور الأمة متعلقة ومنوطة به، يعني لو قال المفتي: أنا والله ما أقدر أدوام وأنا صائم، قيل له: لا تصم، ترك الصيام أفضل لك في هذا الحالة، ويبقى عموم الناس على شريعة الصيام، وأنه أفضل الأعمال؛ لأنه في هذه العشر، وسمعنا من يقول: أن الصيام في العشر بدعة، والشيخ ابن باز -رحمه الله- يقول: "من قال: أن الصيام في العشر بدعة فهو جاهل" ولا شك في ذلك؛ لأن المسألة واضحة، والصيام من أفضل الأعمال، وكون الرسول -عليه الصلاة والسلام- لو لم يُعارَض حديث عائشة البتة، وثبت أنه لم يصم ولا في سنة من السنين قلنا: عمله أفضل من الصيام؛ لأنه قائم بأعمال الأمة بكاملها، فالمسألة مسألة مفاضلة وموازنة بين الأعمال الصالحة، فإذا تعارض العمل الفاضل مع العمل المفضول يقدم الفاضل، يعني لو أن موظفاً مثلاً قال: أنا والله ما أستطيع أدوام وأنا صائم، قلنا له: لا تصوم الواجب أهم، لو كان شخص يعمل عمل تطوع؛ لكن نفعه متعدي يعلم الناس الخير ويفتيهم ولو تطوعاً، وإذا صام خف عمله، أو لا يستطيع أن يجمع بينهما قلنا: لا تصم يا أخي أنت مشغول بما هو أفضل، والمفاضلة بين العبادات أمر مقرر شرعاً. السؤال الأول: من المغرب يقول: شخص يسكن مع والديه، وله طابق خاص ومستقل في مأكله ومشربه هل تلزمه أضحية عن نفسه؟ نعم في مثل هذه الصورة تشرع له أضحية؛ لأنه مستقل، يعني ما دام في طابق مستقل يغلق على نفسه الباب، وعلى أولاده وزوجته هذا مستقل في البيت؛ لكن لو عاش في بيت يشمله باب واحد مع والديه دخل معه في الأضحية. هذا السؤال تابع له ولعلها تكون الإجابة الأخيرة فيما ذكره الشيخ يقول: إذا كان الشخص يسكن مع والديه ويشتركون في المئونة، هل تلزمهم أضحية واحدة؟ إذا كانوا يشتركون في المصاريف مثلاً والمئونة بينهما فحكمهم واحد، حكمهم واحد.

أحسن الله إليكم، هذا السائل من فرنسا يقول: نحن نعيش في تلك البلاد، وسنحج هذا العام، ومن الناس من يقولون لنا: أن الهجرة من بلاد الكفر أولى من الحج، أفيدونا بارك الله فيكم؟ الحج ركن من أركان الإسلام، والهجرة واجبة من واجبات الإسلام، ولا شك أن الركن أعظم من الواجب، يعني هذا مع التعارض، وإذا لم يكن ثم تعارض فالركن قائم بلا شك مع القدرة عليه لا بد أن يحج، أولاً: إذا ترك الحج فهو على خطر عظيم، فقد ترك ركناً ركيناً من أركان الإسلام، حتى قال بعض أهل العلم بكفر من لم يحج مع القدرة عليه، وإذا تسنى له واستطاع الهجرة فإنه تلزمه، ولا يجوز له البقاء بين أظهر الكفار. هذا السائل سؤاله ورد باللغة الإنجليزية وهي مترجمة يقول: أريد أن أعرف صفة الغسل المجزئة للجنابة حيث أني حديث عهد بالإسلام؟ الغسل المجزئ أن يعمم بدنه بالماء يتمضمض ويستنشق ثم يعمم بدنه بالماء، والكامل أن يتوضأ وضوءه للصلاة، أولاً: يغسل الفرج، وما لوثه ثم يتوضأ وضوءاً كاملاً للصلاة، ثم بعد ذلك يفيض الماء على رأسه ثلاثاً، ثم يغسل شقه الأيمن، ثم شقه الأيسر هذا الكامل، وإذا عمم بدنه بالماء بعد المضمضة والاستنشاق كفاه هذا. ختاماً: أسأل الله -عز وجل- أن يبارك في جهود الشيخ، وأن ينفعنا في هذا المجلس المبارك، وأن يبارك في جهود شيخنا، وفي عمره ووقته، وأسأله سبحانه وتعالى أن ينفعنا وإياكم بالعلم النافع والعمل الصالح، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

تفسير سورة القارعة

تفسير سورة القارعة الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فأعتذر عما قاله الأخ في حقي، وما أنا إلا طويلب علم، متطفلٌ على موائد أهل العلم، نأخذُ من كلامهم، ونقتبس من كتبهم، ونلقي على طلابنا ما نجمعه من كلامهم. أيها الإخوة: الموضوع الذي بلغتُ به قبل المجيء غير الموضوع المعلن، فقد حضرت، وفي ذهني أن الدرس سوف يكون عن تفسير سورة العصر، فلما حضرت، ورأيت الإعلان في سورة القارعة، رأيت أن أتحدث بما تيسر عن هذه السورة العظيمة، وإلا ما كان الموضوع مطابقاً لما عندي، وما أخبرت به، لما رأيت الإعلان، وقد وزع رأيت أن لا مناص، ولا مفر من أن يكون الموضوع هو المعلن؛ لأن تغيير الموضوع يحتاج إلى إجراءات لا يتسع لها الوقت، وعلى كل حال سواءٌ كان الحديث عن تفسير القارعة أو عن تفسير سورة العصر، وأي سورة من سور القرآن هو كلام الله -جل وعلا-، الذي يمنع بعض العلماء تفضيل بعضه على بعض، يمنع بعض أهل العلم تفضيل بعضه على بعض، وإن كان القول المحرر المحقق وهو الذي نصره شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أن بعض السور أفضل من بعض، وبعض الآيات أعظم من بعض، وأعظم سورة في كتاب الله هي سورة الفاتحة، كما في حديث أبي سعيد بن المعلى في صحيح البخاري وغيره، وسورة الإخلاص تعدل ثلاث القرآن، وأعظم آية في كتاب الله هي آية الكرسي. على كل حال الحديث عن هذه السورة يطول، ولو لم يكن الحديث إلا في لفظ القارعة، هذه السورة مكية، وآياتها إحدى عشرة، أو عشر آيات على الاختلاف في الترقيم، واعتبار البسملة آية منها أو ليست بآية؟

وكما هو المعلوم أنه يشرع لمن أراد قراءة القرآن أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، امتثالاً لقوله -جل وعلا-: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [(98) سورة النحل] وهل يستعاذ بلفظ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، أو بلفظ: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم؟ على كل حال لكلٍ منهما ما يدل عليه، والأمر فيه سعة، والاستعاذة سنة، وهي قبل القراءة، فقوله: {فَإِذَا قَرَأْتَ} يعني إذا أردت القراءة، هذا قول عامة من يعتد بقوله من أهل العلم، وإن كان أهل الظاهر يرون أن الاستعاذة بعد القراءة، يعني إذا قرأت يعني إذا فرغت من القراءة كما هو الأصل في الفعل الماضي، وعامة أهل العلم يقولون: إذا أردت، يعني قبل القراءة، كما في قوله -جل وعلا-: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] يعني إذا أردتم القيام، فالفعل الماضي يطلق ويراد به الفراغ منه، وهذا هو الأصل، إذا قلت: قام زيد، يعني أنه انتصب قائماً وانتهى من عملية القيام، ويطلق الفعل ويراد به الشروع فيه، كما في الحديث: ((وإذا ركع فاركعوا)) يعني إذا شرع في الركوع فاركعوا، لا أن المعنى إذا أراد الركوع اركعوا، وتركعون قبله، ولا أن المراد به إذا فرغ من الركوع فاركعوا، يعني إذا شرع، وأخذ في الركوع اركعوا، فالفعل يطلق ويراد به الفراغ منه، ويطلق ويراد منه الشروع فيه، ويطلق ويراد به إرادته قبل البدء به، ومنه {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} [(98) سورة النحل] يعني إذا أردت القراءة. والاستعاذة سنة عند عامة أهل العلم، ولذا تشرع في الصلاة وخارج الصلاة، وبعد دعاء الاستفتاح يشرع للمصلي أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويبسمل، يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، والبسملة عند أهل العلم محل خلاف هل هي آية من كل سورة أو ليست بآية؟ الخلاف بسطه معروف في مقدمات كتب التفسير، وفي كتب الفروع.

بعد أن نحرر محل النزاع، فنقول: هي بعض آية من سورة النمل إجماعاً، وليست بآية من سورة التوبة اتفاقاً، والخلاف فيما عدا ذلك، فمنهم من يرى أنها آية من كل سورة من سور القرآن، وعلى هذا يختلف العد في آيات السور، فمن قال سورة القارعة إحدى عشرة عد البسملة، ومن قال: عشر لم يعد البسملة، وهذا الاختلاف في العدد مبني على الاختلاف في عد البسملة آية أو ليست بآية؟ فمنهم من يرى أنها آية من جميع ما ذكرت معه من السور، ومنهم من يرى أنها ليست بآية مطلقاً، ومنهم من يرى أنها آية من سورة الفاتحة فقط، ومنهم من يرى أنها آية واحدة نزلت للفصل بين السور، والفرق بين هذا القول وبين قول من يقول: إنها آية من كل سورة ذكرت قبلها أننا نعد البسملة آية واحدة من القرآن، إضافة إلى ما جاء من سورة النمل، أو مائة وثلاثة عشرة آية، وعرفنا أنه يترتب على هذا الاختلاف في عد الآيات، ولذا يستغرب بعض الناس حينما يقال: الفاتحة سبع آيات، الفاتحة ثمان آيات، منهم من يقول: الفاتحة ست آيات، فهذا مبني على اعتبار البسملة آية أو ليست بآية؟ إضافة إلى قرن الآيتين في آخرها، هل هما آية واحدة أو آيتان؟ والقول المقرر المحرر الذي يدل عليه الدليل أنها سبع آيات، {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي} [(87) سورة الحجر] وهي الفاتحة. بعد هذا يقول الله -جل وعلا-: {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ} [(1، 2) سورة القارعة] {الْقَارِعَةُ} الوقف على هذه الآية حكمه، أنتم تسمعون كثير من القراء: {الْقَارِعَةُ} [(1) سورة القارعة]، {مَا الْقَارِعَةُ} [(2) سورة القارعة] {الْحَاقَّةُ} [(1) سورة الحاقة]، {مَا الْحَاقَّةُ} [(2) سورة الحاقة] حكم الوقف على الآية الأولى؟ أو نقول: {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ} [(1، 2) سورة القارعة]؟ طالب:. . . . . . . . .

نعم، على رأي شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- الذي يرى أن الوقوف على رؤوس الآي سنة، يقول: سنة، والوقوف على رؤوس الآي عند شيخ الإسلام سنة مطلقاً، ولو ارتبطت الآية التي بعدها بما قبلها، ولو ارتبطت، ومنهم من ينظر إلى المعنى، فإن احتاجت الآية الأولى إلى الآية الثانية صار الوصل أفضل؛ لأن المعنى لا يتم إلا به، {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ} [(4) سورة الماعون] هذا رأس آية، هل نقف على هذا؟ على رأي شيخ الإسلام نقف، ثم نقول: {الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [(5) سورة الماعون] وعلى رأي غيره يقول: لا؛ لأنك لو وقفت لفهم غير المراد، أن الله -جل وعلا- يتوعد المصلين، ولذا تجدون مكتوبٌ عليها على رأس الآية في المصحف، ويش مكتوب يا بو .... ؟ {الْقَارِعَةُ} [(1) سورة القارعة] واحد يفتح المصحف، مكتوب عليها؟ طالب:. . . . . . . . . لا، افتح المصحف تأكد، القارعة؟ إيش مكتوب على القارعة؟ بعض المصاحف .. ، شوف الثاني ذاك، اللي جنبه، إيه، كتب عليها في طبعة فاروق (لا) إيش يعني (لا)؟ طالب:. . . . . . . . . ما عليها شيء، نعم طبعة فاروق مكتوب عليها (لا) إيش تعني (لا)؟ يعني عدم الوقوف، يعني صل الآية الثانية بالأولى، وعلى كل حال يتبع الخلاف السابق، من يرى الوقوف على رؤوس الآية يقف عليها، والنبي -عليه الصلاة والسلام- حفظ عنه أنه كان يقف ويمد، والأمر فيه سعة، اللهم إلا إذا اقتضى الوقوف أو الوصل خلاف المراد، حينئذٍ يترجح ما يفيد المراد. {الْقَارِعَةُ} [(1) سورة القارعة] القارعة: اسم من أسماء القيامة، كالواقعة والحاقة والطامة والصاخة، اسمٌ من أسماء القيامة؛ سميت بذلك لأنها تقرع القلوب بأهوالها وأفزاعها، أمرٌ عظيم مهول مخوف، فعلينا أن نستعد لهذا اليوم، تقرع القلوب بأهوالها وأفزاعها، شيء لا يخطر على البال، يعني أعظم هول تتصوره هو فوقه، لكن كما قال الله -جل وعلا- عن أوليائه: {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ} [(103) سورة الأنبياء] فاحرص أن تكون من هؤلاء.

القيامة لها أسماء منها القارعة، وكما قال أهل العلم: إن السبب في تسميتها القارعة أنها تقرع القلوب بأهوالها، ونحن في هذه الأيام نعيش ظروفاً وفتناً تتقاذفنا أمواجها من يمين وشمال، نخشى أن تصيبنا قارعة، لماذا؟ لأن نعم الله علينا تزيد وتترى وتتابع، ولا تعد ولا تحصى، ومع ذلك هل أدينا شكر هذه النعم؟ {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [(7) سورة إبراهيم] فما مصير الأقوام من المتقدمين من الأمم السابقة، ومن اللاحقين، ومن المعاصرين الذين كفروا النعم، تبلون أخبارهم، وكانت الأخبار منقطعة لا يسمع أحدٌ عن أحد، ثم صارت تسمع الأخبار، ثم صارت في الأخير تشاهد، كأنك بينهم، وأطفال المسلمين الآن ما صار يخفى عليهم شيء، كأنهم بين هذه الأحداث، وهذه الأحداث المروعة لا تحرك فينا ساكناً، وإذا أراد الله شيئاً يسر أسبابه، فنحن نخشى أن تصيبنا قارعة، ونسأل الله -جل وعلا- أن يلطف بنا، فالقارعة هي الأمر الشديد الذي يقرع القلب، ويعتصر القلب من الألم، فعلينا أن نسعى لدفع هذه القارعة التي حلت قريباً من دارنا، هي ما حلت بنا، لكن حلت قريباً من دارنا {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(15) سورة القمر]. {الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ} [(1، 2) سورة القارعة] القارعة في اللفظ الأول مبتدأ، و (ما القارعة) هذه الجملة خبر المبتدأ، ما مبتدأ، والقارعة الثانية خبر، والجملة من المبتدأ والخبر خبر القارعة الأولى، وهذا استفهام يراد به التهويل من شأنها، والتعظيم من أمرها.

ثم بعد ذلك يقول الله -جل وعلا-: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} [(3) سورة القارعة] ما أدراك، ما أعلمك ما القارعة، نعم الرسول -عليه الصلاة والسلام- وغيره لا يعلمون عما غاب عنهم إلا ما أعلمهم الله -جل وعلا- إياه، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} [(3) سورة القارعة] وهذا أيضاً أسلوب تهويل وتعظيم لشأن هذه القارعة، ولا شك أن ما يحدث في الآخرة، وما يحدث في الدنيا من الأمور المهولة المفزعة لا نسبة بينها، كرب الدنيا من أولها إلى آخرها كَلَا شيء بالنسبة لكرب الآخرة، ولذا جاء في الحديث: ((من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن فرج عن مسلمٍ كربةً من كرب الدنيا فرج الله عنه كربةً من كرب الآخرة)) ما قال من كرب الدنيا والآخرة؛ لأن كرب الدنيا لا شيء بالنسبة لكرب الآخرة. {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} [(3) سورة القارعة] تكون القارعة، أو تحل القارعة متى؟ {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} [(4) سورة القارعة] الناس حين يبعثون من قبورهم إلى يوم الحساب يوم الجزاء يكونون كالفراش المبثوث، الفراش هذه الحشرات التي تتطاير لا إلى غاية، ولا إلى هدف، تجد سيرها وطيرانها لا على صراط مستقيم، يعني لا تمشي إلى هذا، تجدها تتحرك يميناً وشمالاً، {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ} [(4) سورة القارعة] متى يكونون كالفراش؟ ولماذا يكونون كالفراش؟ يكونون كالفراش في القيامة، إذا بعثوا من قبورهم، يموج بعضهم في بعض، يكونون كالفراش الذي لا يدري أين يذهب؟ وتجده في النهاية أعني الفراش يقع في النار؛ لأنه ليست له غاية ولا هدف، {كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} [(4) سورة القارعة] المتفرق في الجو الذي لا يدري إلى أين يذهب؟ إلا أنه في النهاية يقع على النور، ويقع في النار.

والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((مثلي ومثلكم كمثل من استوقد ناراً فجعل الفراش يقعن فيها، وأنا أذودكم، وأخذ بحجزكم عن النار، وأنتم تقحمون فيها)) فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يذودنا عن النار، لكن يأبى كثيرٌ من الناس إلا أن يقع فيها كالفراش، وواقع كثير من المسلمين يصدق، تجده يُنهى عن المحرمات ويقع فيها، يؤمر بالواجبات ولا يمتثل، هذا مثل الفراش. وجاء الوصف الآخر: {يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} [(7) سورة القمر] تصور الجراد إذا انتشر في الجو إلا أن الجراد ما هو مثل الفراش، الفراش يموج لا إلى غاية، والجراد غايته واحدة، فهم في أول الأمر يموجون ثم يتجهون، يعني من هول الموقف تجدهم يموجون مثل الفراش، ثم بعد ذلك إذا استقرت أحوالهم صاروا كالجراد، وهم في الأصل يموج بعضهم في بعض، ويقول العلماء: كغوغاء الجراد، والغوغاء: الأمور المجتمعة المختلطة، {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} [(4) سورة القارعة] يعني المتفرق المنتشر في الجو. {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ} [(5) سورة القارعة] هذه الجبال التي أرسى الله -جل وعلا- بها الأرض؛ لئلا تميد ولا تتحرك، تكون الجبال في يوم القيامة كالعهن كالصوف المنفوش، يعني المندوف المفرق بعضه عن بعض، يعني تصور الجبال، هذه الجبال الرواسي التي أرسى الله بها الأرض تكون كالصوف، الصوف إذا نفش وندف أدنى نسمة هواء، أو أدنى ريح تفرقه في الجو، يكون لا شيء.

ومنهم من يقول: إن المراد بالعهن الصوف المصبوغ الذي له ألوان، والجبال لها ألوان، لها ألوان وإلا بدون ألوان؟ {جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [(27) سورة فاطر] ألوان، فهي مناسبة لتمثيلها بالصوف، بالعهن المنفوش الذي ندف، معلومٌ أن الصوف إذا رص بعضه على بعض يكون له وزن، وكانت الفرش إلى وقتٍ قريب إنما حشوها الصوف، والوسائد حشوها صوف، فإذا كانت ملبدة، هذه الوسائد ملبدة بالصوف له وزن، لكن إذا استخرجت هذا الصوف وندفته ونفشته، وفرقت بعض أجزائه عن بعض، صار لا وزن له، يطير في الهواء كالهباء، وبهذا يتصور عظمة الخالق -جل وعلا-، هذه الجبال التي أرسى بها دعائم الأرض تكون مثل الصوف مثل الهباء الذي يتفرق يميناً وشمالاً، كالعهن المنفوش. ثم بعد ذلك بين الله -جل وعلا- حال الفريقين، حال السعداء، وحال الأشقياء، وهما فريقان فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير، يقول الله -جل وعلا-: {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [(6 - 9) سورة القارعة]، {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} [(6) سورة القارعة] يعني كثرت أعماله الصالحة، فرجحت كفتها بكفة الأعمال السيئة، يعني زادت حسناته على سيئاته، وقد خاب من رجحت آحاده على عشراته، يقول أهل العلم: خاب وخسر من رجحت آحاده على عشراته، يعني الحسنة بعشر أمثالها والسيئة واحدة، ومع ذلك ترجح السيئات على الحسنات؟! هذا دليل الخيبة والحرمان والخسران، خاب وخسر من رجحت آحاده وزادت على عشراته، ففضل الله -جل وعلا- وكرمه وجوده يجعل الحسنة بعشر أمثالها، هذا أقل تقدير، وإلا فالله -جل وعلا- يضاعف إلى سبعمائة ضعف، وفتح لنا أبواب وآفاق توصلنا إلى جناته ومرضاته، وضاعف لنا الأجور على أعمالٍ يسيرة.

يعني لو أن الإنسان يكثر من الاستغفار، بحضور قلب لا مع الغفلة واللهو، لكان له شأن غير شأنه الذي يعيشه، ولو كان يكثر من التسبيح والتحميد والتهليل وكل تسبيحة صدقة، وكل تسبيحة أو تحميدة أو تهليلة شجرة في الجنة، والجنة قيعان، وغراسها التسبيح والتحميد والتهليل، يعني ما يكلف شيء، الإنسان إذا أراد أن يغرس نخلة يحتاج إلى أن يشتري الفسيلة، ثم يغرسها، ويتعب على نخلها وغرسها وسقيها، وانتظار ثمرتها السنين، فضلاً عن كونه يغرس نواة، انتظار طويل، لكن إذا قال: سبحان الله غرست له هذه النخلة، الحمد لله غرست له نخلة، إيش يكلف شيء يا الإخوان هذا؟ هذا ما يكلف شيء، سبحان الله وبحمده مائة مرة في دقيقة ونصف تقال، حطت عنه خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر، ((من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير)) عشر مرات، بدقيقة تقال يا الإخوان العشر، ((كان كمن أعتق أربعة من ولد إسماعيل)) عتق، عتق رقبة، وهذه عشر رقاب بدقيقة تقال، ((حطت عنه خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر)) بدقيقة ونصف، وبهذا ترجح كفة الحسنات، بشيء لا يكلفك شيء، ما أمرت بأخذ مسحات على كتفك، وتذهب إلى البراري والقفار من أجل أن تغرس شجرة؛ ليغرس لك بدلها شجرة في الجنة، وأنت في فراشك، وأنت في طريقك، وأنت جالس في مجلسٍ يكثر فيه اللغط، والكلام في أمور الدنيا بإمكانك أن تقول: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم ((كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم))، ((سبق المفردون: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات)) فالذكر الذكر يا الإخوان، هذا لا يكلف شيء، وبه ترجح كفة الحسنات. {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} [(6 - 7) سورة القارعة]، فهو في عيشة: يعني في عيش رغيد، راضي يعني مرضي، اسم الفاعل بمعنى اسم المفعول، (عيشة راضية) يعني مرضية، كما أنه يأتي اسم المفعول ويراد به اسم الفاعل {حِجَابًا مَّسْتُورًا} [(45) سورة الإسراء] يعني ساتراً، فهذا يأتي بمعنى هذا، وهذا يأتي بمعنى هذا، {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} [(7) سورة القارعة].

ومنهم من يقول من المفسرين: إن راضية على بابها اسم فاعل، فالعيشة راضية، كيف تكون راضية؟ تكون راضية إذا أتت بطوعها واختيارها من غير عناءٍ ولا تعب، تصور أن الثمرة في الشجرة، والطير على غصن الشجرة يشتهيه من أكرمه الله -جل وعلا- بدخول الجنة تتدلى. . . . . . . . .، والطائر يتم طبخه وشيه بمجرد الأمنية، والأخاديد أو الأنهار تمشي من غير أخدود، تمشي على وجه أرض الجنة، التي ترابها المسك الأذفر، تراب الجنة. أنهارها من غير أخدود جرت ... سبحان ممسكها عن الفيضانِ ما تسيح لا يمين ولا يسار ومن غير سواقي ولا أخدود، فنحتاج إلى عمل، نحتاج إلى بذل سبب، وهذا السبب لا يكلفنا شيء، فالدين يسر، ولله الحمد. {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} [(21) سورة الحاقة] إما أن تكون مرضية، وهذا قول الأكثر، يعني أن من يعيش هذه العيشة يرضى هذه العيشة، أو أن العيشة نفسها راضية، بمعنى أنها تأتي إلى من أكرمه الله -جل وعلا- بدخول الجنان من غير تعب ولا نصب، كمن يأتيه راغب فيه، راضٍ بما يصنع به، وفي هذا إثبات الموازين.

والميزان له لسان، وله كفتان، في قول أهل السنة والجماعة، وأنكره المعتزلة، أنكر المعتزلة الميزان، وقالوا: ما في شيء اسمه ميزان، وإنما هو كناية عن العدل الإلهي، وإلا فالأعمال الصالحة معاني كيف توزن؟ الأعمال الصالحة معاني، أنت صليت كيف توزن هذه الصلاة؟ الله -جل وعلا- قادر على تحويل هذه المعاني إلى أجسام، وكما توزن الأعمال الصالحة والسيئة، يؤتى بالرجل السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة، هذا إذا كان من أهل النار، نسأل الله السلامة والعافية، فالقول المحقق عند أهل العلم هو قول سلف هذه الأمة وأئمتها وخيارها، وهو المعتمد عند أهل السنة والجماعة: إن الميزان حقيقي، له لسان، وله كفتان، توضع في كفة الحسنات، وتوضع في كفة السيئات، فمن رجحت حسناته على سيئاته فهو في عيشة راضية، وأما من خفت موازينه بأن رجحت كفة سيئاته على كفة حسناته فأمه هاوية، ولا شك أن هذا هو الشقي، الذي يعمل من السيئات أضعاف مضاعفة مما يعمله من الحسنات، يعني لا يقال: هذا زادت حسناته على سيئاته، عمل ألف حسنة وألف سيئة وواحدة، لا، الحسنات هذه الألف الأصل فيها مائة، لكن الله ضاعف هذه الحسنات، وجعلها عشرات، الحسنة بعشر أمثالها، هذا على أقل تقدير. فمن ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية، وأما من خفت موازينه، خفت موازين حسناته، ورجحت موازين سيئاته عليها فهذا أمه هاوية، {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [(9) سورة القارعة] والهاوية: اسمٌ من أسماء النار، نعوذ بالله منها، الهاوية هذه أمه؛ لأنه يأوي إليها، ويصير إليها كما يصير الطفل إلى أمه، يأوي إليها، وتحتويه، وتحتضنه النار كما تحويه وتحتضنه أمه، فهذا أمه النار؛ لأنه يلازمها ويأوي إليها، كما يأوي الطفل إلى أمه. ومنهم من قال: إن معنى قوله -جل وعلا-: {فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ} [(9) سورة القارعة] يعني أنه يهوي على أم رأسه في النار، نسأل الله السلامة والعافية، يهوي في النار على أم رأسه منكساً، نسأل الله العافية.

{فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} [(9، 10) سورة القارعة] أيضاً هذا أسلوب تهويل لهذه النار، {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ} [(10) سورة القارعة] الأصل (ما هي) وما أدراك ما هي، يعني النار، والهاء هذه هي هاء السكت، كما في قوله -جل وعلا-: {مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ} [(28، 29) سورة الحاقة] يعني ما أغنى عني مالي، وهلك عني سلطاني، لكن هذه الهاء تسمى عند أهل العلم هاء السكت، وهي ثابتةٌ في الوقف والوصل، ومنهم من يحذفها في الوصل، لكن القراءة إنما ثبتت بإثباتها، فسواءٌ قرئت وقفاً أو أصلاً فهي ثابتة. فعلى المسلم أن يتأمل مثل هذه الآيات، وهذه السور القصيرة فيها العجائب، لا سيما السور المكية التي فيها هذه الأهوال، السور النبوية فيها شيء مما ذكر مما يوعظ به، ويذكر به، لكن الغالب فيها بيان الأحكام والشرائع، أما السور المكية فعلى قصرها ففيها ما يسوط القلوب، ويزجر القلوب، ويدفع القلوب إلى العمل، لكن قلب من؟ الله -جل وعلا- يقول: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(45) سورة ق] فالذي يخاف الوعيد هو الذي يذكر بالقرآن، أما الذي لا يخاف، ممن مات قلبه نسأل الله السلامة والعافية، مثل هذا يقرأ القرآن، أو يسمع القرآن، أو يسمع جريدة، أو يسمع تحليل صحفي أو غيره لا فرق عنده، والله -جل وعلا- يقول: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} لكن لمن؟ هل هو للغافل واللاهي والساهي أو كما قال الله -جل وعلا-: {فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} [(17) سورة القمر]؟ يعني هل من متذكر؟ هل من متعظ؟ هل من مزدجر؟ نعم إذا وجد هذا القرآن ميسرٌ عليه، يسرت قراءته، يسر حفظه، يسر فهمه، يسر العمل به، لكن لمن أراد أن يذكر، لمن أراد أن يتذكر بالقرآن، يتعظ بالقرآن يستفيد، أما الذي يقرأ القرآن لا بهذه النية، فإن فائدته وإن استفاد أجر قراءة الحروف فإنه لا يستفيد قلبه شيء من هذه القراءة إلا بقدر ما يعقل منها. بعض الإخوان يؤثر أن يكون الوقت الأطول للأسئلة، والآن بقي يمكن ربع ساعة للأذان أو أقل؟ طالب:. . . . . . . . .

نعم إيه ربع ساعة مع ربع ساعة يكون نصف ساعة للأسئلة؛ لأن كثير من الإخوان يطالب بأن تكون الأسئلة لها حظ، وأقول: غالباً تكون المحاضرات تقضي على الوقت، ولا يبقى للأسئلة وقت كافي، فنكتفي بهذا القدر من تفسير هذه السورة العظيمة، وننظر في الأسئلة. يقول: ما الغاية من تقديم بث الناس كالفراش على كون الجبال كالعهن؟ لا شك أن الناس هم المقصودون بالخطاب، وهم المطالبون بتأمل هذه الآيات والاعتبار بها، فقدموا على الجبال. يقول: هل المقصود بتشبيه الناس بالفراش خفة جسمها، ومن ثم عدم قرار حركتها، أو المقصود عدم ثباتها لأنها مبثوثة؟ على كل حال هذا وضع الناس في ذلك اليوم العظيم أنهم كالفراش، وسواءٌ كانوا بأحجامهم، أو أكبر من أحجامهم، أو أصغر، الله أعلم، المقصود أن هذا وضعهم، والإنسان إذا أراد أن يعتبر، ويستحضر مثل هذه المواقف هناك مواقف تذكر بمثل هذه الأمور، يعني لو أن إنسان أطل على الناس من الدور الثاني أو السطح في المسجد الحرام في ليالي العشر، في صحن الحرم، عرف كيف يموج الناس؟ وهؤلاء ذاهبون، وهؤلاء آيبون بجموعٍ غفيرة، يستحضر مثل هذه الأمور ويستذكرها، وإن كان لا مقارنة بين هذه الأعداد وما يكون في يوم القيامة؛ لأن الله -جل وعلا- يحشر الناس كلهم الأولين والآخرين. هل تجوز الصلاة والثوب مسبل؟ يعني هل تجوز؟ يعني هل تصح؟ نعم الصلاة صحيحة، والمسبل متعرض، معرضٌ نفسه لغضب الله وعقوبته، وقد توعد بالنار، نسأل الله السلامة والعافية، وأما الصلاة فهي صحيحة؛ لأن الجهة منفكة. يقول: أسأل عن قضاء الصلاة إذا كنت قد تركت الصلاة عدة أوقات في عدة أيام، وهي غير معروفة، أي عدد الصلاة والأيام ... ؟ على كل حال إذا كنت لا تجزم بالعدد، وحصره يشق عليك بأن تقول مثلاً: تركت الصلاة في هذه الفترة خلال عشر سنوات، أصلي وأترك، ولا أعرف كم صليت؟ ولا أعرف كم تركت؟ حينئذٍ عليك أن تكثر من النوافل، وتقلع فوراً، وتعزم على أن لا تعود إلى التفريط، وتحافظ على الصلوات مع الجماعة، ويكفر عنك ما مضى -إن شاء الله تعالى-.

يقول: امرأةٌ أرضعت، ولكنها لا تعلم عدد الرضعات، وكانت لسنوات عديدة تكشف وتسلم على هذا الرجل وأبنائها وبناتها على أن الرضاعة تحرم وبعد ذلك سمعت أنه لا بد من خمس رضعات مشبعات ... ؟ على كل حال الرضاع لا بد أن يكون خمس رضعات مشبعات في الحولين، يعني في وقت الرضاعة، فإن كان العدد أقل من ذلك فإنه لا يحرم، وإذا شكت هل بلغ العدد أو لم يبلغ تحتاط للأمرين؟ لا تثبت المحرمية بهذا الرضاع، فلا تكشف له، ومع ذلك لا تتزوجه، ولا يتزوج أحداً من بناتها، احتياطاً للطرفين. يقول: شخص مبتلى بعدم القيام لصلاة الفجر، وقد بذل شتى الطرق للاستيقاظ فلم يوفق لذلك لثقل نومه، وهو يشعر بعظم هذا الذنب، ولكن لا يستطيع القيام نرجو الدعاء له؟ نسأل الله -جل وعلا- أن يُيسر عليه صلاة الصبح وغيرها من الصلوات مع جماعة المسلمين، لكن هناك أسباب لا بد أن تبذل، وهناك موانع لا بد أن تنفى، مثل هذا لا يسهر، ويجعل الأسباب والاحتياطات التي تعينه على القيام، ويكل الأمر، أمر إيقاظه إلى أحد يوقظه، وإن وضع شيء من الآلات، ركب الجوال أو ساعة أو منبه أو ما أشبه ذلك، فلا بد من أن يبذل السبب، وأن يمنع جميع ما يعوقه عن الانتباه. يقول: أريد أن أطلب العلم ولكن لا أعرف من أين أبدأ؟ وبأي الكتب أبدأ؟ والأمور التي تعينني على طلب العلم؟ وهل أطلب العلم ومن ثم أدعو إلى الله -عز وجل-؟ وأرجو أن تدعو لي لأكون عالماً؟ نسأل الله -جل وعلا- أن لا يحرمك ما أملت، لكن هناك أشرطة تعينك على البداءة بطلب العلم، وماذا تقرأ؟ وما تستفيد منه؟ وما تحفظ؟ وهي موجودة في الأسواق. هذا من الإنترنت يقول: نسمع كثيراً من المواعظ، وقد نتأثر في المحاضرة، ونعزم على التوبة، ولكن بعد الخروج نرجع إلى ما كنا عليه، فما الأمور التي تعين على التطبيق وقوة العزيمة؟ الذي يعين على التطبيق المبادرة، وعدم التسويف، وصدق اللجوء إلى الله -جل وعلا-، وسؤال الرب -جل وعلا- أن يعينه على ذلك. هذا من جهة خارج المملكة يقول: هو مبتلىً بالعادة السرية، فما العلاج؟ فإني لا أستطيع تركها؟

على كل حال القول المرجح أن العادة السرية التي هي الاستمناء محرمة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- حث الشباب على الزواج، ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) فالرسول -عليه الصلاة والسلام- أرشد إلى الصيام، ولو كانت جائزة لأرشد إليها، وعلى كل حال لعل السبب في الاضطرار إلى مثل هذه الأعمال هو أن الإنسان يعرض نفسه للفتن، فيغشى المجالس والأماكن التي تكثر فيها النساء، فتثور شهوته، أو يشاهد الأفلام، أو يشاهد القنوات، فعلى مثل هذا عليه التوبة والاستغفار من هذه العادة، ومع ذلك لا يعرض نفسه للفتن، يحفظ نفسه، وإن استطاع أن يتزوج فليبادر، وإن كان فقيراً فيرجو أن يغنيه الله -جل وعلا-، كما جاء في قوله -جل وعلا-: {إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [(32) سورة النور] فعليه أن يبادر بالزواج، وعليه أن لا يعرض نفسه للفتن، ويكثر من الصوم، ولا يغشى الأماكن التي فيها المناظر المثيرة، ولا ينظر إلى الصور، سواءً كانت مرئية متحركة أو ثابتة، سواءٌ كانت صور بجرائد أو مجلات، أو في دشوش أو قنوات أو ما أشبه ذلك، عليه أن يصون نفسه، وينشغل عن هذه الأمور بما ينفعه في دينه ودنياه، وعلى كل حال الأطباء يثبتون أنها ضارة في الجسم عموماً، وعلى هذه الآلات خصوصاً، فيندر أن يستمر مستفيداً من هذه الغريزة بعد أن يتزوج، وقد أرهقها قبل الزواج بمثل هذا العمل كما يقول الأطباء. يقول: توفي شخص مكتتب في بنك البلاد باسمه واسم زوجته وأبنائه أثناء حياته، فكيف توزع الأسهم؟ علماً أن له ولدين؟

إن كان الاكتتاب باسم هؤلاء على نية أن تكون هذه الأسهم لهم فهي لهم، كلٌ له نصيبه مما كتب باسمه، هذا إذا لم يكن له غير هؤلاء، وإن كان الاكتتاب له، وقد كتب هذه الأسهم باسمه ليمنح أكبر قدر من الأسهم، فهي تركة، تقسم على الورثة، كما قسمها الله -جل وعلا-، وإن كان خصهم بهذه الأسهم ونواها لهم، ولم يعدل بين بقية أولاده، إن كان له أولاد، ولم يكتتب بأسمائهم، فمثل هذه العطية مع هذا الجور، وتخصيص بعض الأولاد ملغاة على القول الصحيح، يجب أن يعدل بين أولاده، ولو بعد مماته، وإن كان بعضهم يقول: إنه إذا مات عليه الإثم، ومن أُعطي ثبتت له العطية. طالب: إن لم يتبين ... ؟

يسألون، يعني هل هذه، هل هي منهم أو منه؟ فإن كانت منه فهل عدل بين أولاده أو ليس له غيرهم؟ ففي حال حياته تبين المسألة، أنت تفترض أنه ليس له إلا هذه الزوجة، وهؤلاء الأبناء، ليس له غيرهم لا بنات ولا .. ؛ لأنه لو كان له غيرهم لاكتتب بأسمائهم أكثر الأسهم، لكن اللي يظهر أنه ما له إلا هذه الزوجة، وهذان الابنان، ليس له غيرهم، فعلى هذا إذا كان نصيب الزوجة مما اكتتب لها يعادل الثمن بالنسبة لما اكتتب للأولاد، والأولاد البقية، يعني على قسمة الله -جل وعلا-، يكون ميراث، وإن كان نصيب الزوجة مثل نصيب الأولاد، وهي في الحقيقة في الميراث أقل، إذا كانت المسألة: توفي، أو هلك هالك: عن زوجة وولدين للزوجة الثمن، والباقي للولدين سبعة أثمان، في حال حياته لا يلزم أن يعدل بين الزوجة والأولاد، عليه أن يعدل بين الأولاد، لكن مع الزوجة لو أعطاها أكثر أو أقل لا يلزمه العدل بينهم، فإذا كان نوى هذه الاكتتاب لهم، ويستمر لهم، فلا ينظر في العدل بين الزوجة والأولاد، نعم ينظر العدل بين الأولاد أنفسهم، وأما ما اكتتب باسمها فهو لها إن كان نوى ذلك، وإن كان نوى أن تكون هذه الأسهم له، وإنما الاكتتاب بأسمائهم، إنما هو لأجل أن يكتب له أكبر قدر من الأسهم، هذا شيء آخر، مع أني لا أرى أن يكتتب أحد باسم غيره؛ لأن هذا وسيلة إلى المشاكل، وحصل مشاكل كثيرة، قد يكون الأب مثلاً مع أبنائه وزوجته الأمر أخف، لكن إذا اكتتب بأسماء آخرين، سواء كان بجُعْل، أو مجاني، مثل هذا لا شك أنه نشأ عنه مشاكل، والمحاكم تشتكي من هذه القضايا. يقول: أنا رجل من عامة الناس، سمعتُ رجلٌ يسب الله -عز وجل- ورسوله سباً صريحاً، وأنا متيقن أن موانع التكفير عنه منتفية، فهل يجوز لي الإقدام على تكفيره؟ على كل حال إذا كنت من عامة الناس، كيف تقدر أن هذا العمل كفر؟ أو أن موانع التكفير منتفية؟ هذا لا يقدره إلا أهل العلم، فبإمكانك أن تعرض هذا الأمر على أهل العلم، وتقول: حصل كذا، والظرف كذا، والرجل يعني مستواه العلمي كذا، وعاش في بيئة كذا، وهم يقدرون هذه الأمور، وعلى كل حال الآثار المترتبة على التكفير إنما تكون بعد أن يحكم به الحاكم.

هذا يقول: ما حكم شراء السيارة من البنك، والتوقيع على السندات قبل تملك البنك السيارة، ولم أعلم بذلك إلا في الأخير؟ أولاً: لا يجوز أن تشتري سلعة من شخصٍ لا يملكها؛ لأنك بذلك تعينه على هذا الأمر المحرم، فلا بد أن يكون البائع مالك للسيارة، وإذا تم هذا الأمر وأنت لم تعلم به إلا في الأخير، يعني بعد أن وقعت، واستملت السيارة، وبعتها، ما عليك حينئذٍ إلا التوبة والاستغفار؛ لأن هذا أمر لا يمكن تلافيه، فعليك أن تتوب وتندم على ما مضى، وتخبر البنك بأن هذا أمر محرم، ولا يجوز لهم أن يتصرفوا في شيء لم يملكوه ملكاً تاماً مستقراً. هذا يقول: ما حكم تأمين السيارة بشتى أنواعه؟ وما السبب في ذلك؟ نرجو التوضيح حيث يجادل في ذلك كثيرٌ من الأخوة؟ التأمين: أن تدفع مبلغ معلوم مقطوع، ويكون في مقابل مجهول، يكون مقابله مجهول، تدفع مبلغ ثلاثمائة ريال، خمسمائة ريال، ألف ريال، أكثر، أقل، على أن يقدموا لك خلال السنة التي أمنت عليها خدمات مجهولة، قد تحتاج منهم أضعاف أضعاف ما دفعت، وقد لا تحتاجهم أصلاً، ومن شرط صحة العقد أن يكون الثمن والمثمن معلومين، فأنت إذا دفعت ألف ريال تأمين على السيارة، وحصل لك حادث، وأنت المخطئ ونتج عن هذا الحادث إصابات تقدر بعشرة آلاف ريال، هذه صورة، أو عشرين ألف، أو ثلاثين ألف، أو مائة ريال، أو تمر السنة كاملة ما احتجت لهم، هل هذا معلوم؟ هل المقابل معلوم وإلا مجهول؟ مجهول بلا شك، وما كان أحد العوضين فيه مجهول فإنه لا يجوز، فلا بد أن يكون الثمن معلوماً، وأن يكون مقابله معلوماً. هذا يقول: ما حكم شراء السيارة المنتهي بالتمليك؟

كيف شراء منتهي بالتمليك؟ إن كان المقصود به التأجير المنتهي بالتمليك فالمشايخ، الهيئة أفتوا بتحريمه، لا سيما إذا كان هناك عقدان، عقد إجارة، وعقد تمليك بعقدين، أما إذا كان مما يسمى بالإجارة، وفي النهاية تملك السيارة، يعني فرق بين أن تشتري سيارة، تستأجر سيارة أربع سنوات (48) ألف، فإذا انتهت الأربع السنوات تدفع عشرين مثلاً، هذا تأجير منتهي بالتمليك، وهذا الذي عليه التحريم، تشتري سيارة بـ (48) ألف لمدة أربع سنوات من غير مبلغ آخر، فبمجرد ما تنتهي الأربع السنوات تملك السيارة هذا عقد واحد، هم يسمونه تأجير، وهو في الحقيقة تمليك بيع، بيع أقساط، لكن يسمونه تأجير من أجل ألا تلزمهم بتعديل الاسم في الاستمارة، فيكون هذا بحكم الرهن، والمتجه جوازه، يعني سواء سميناه بيع، أو سميناه تأجير ما يختلف؛ لأنه في النهاية تملك السيارة بالعقد الأول، أما إذا كان هناك عقدان فهنا يكمن المنع، والسبب في ذلك أن الضمان عائر، ما يدرى على من؟ يعني لو استأجرت سيارة بالإجارة المنتهية بالتمليك على ما يقولون، ثم احترقت هذه السيارة من الذي يضمنها؟ صاحب السيارة الأصلي الوكالة يقولون: والله إحنا بايعينها عليك ما علينا منك، أنت اللي تضمن؛ لأنه بيع، وإن كان أصله تأجير، لكنه بيع، والسلعة في البيع يكون الضمان على المشتري، وفي حال التأجير يكون الضمان على البائع، وحينئذٍ يحصل مشاكل، لا يقول قائل: إن هذه المشكلة يحلها التأمين، نقول: التأمين ما دام ليس بشرعي، لا يبنى عليه أحكام شرعية، فالتأجير المنتهي بالتمليك لا يجوز، بهذا أفتى أهل العلم. رجل يشكو من ضيقة في الصدر، ويدهن نفسه بزيت الزيتون، وهو مقصرٌ في الصلوات، فبماذا تنصحه؟ السبب واضح، {فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [(125) سورة الأنعام] ما دام يشكو من ضيقة في الصدر، وهو مقصرٌ في الصلوات، يحافظ على الصلوات ويتغير وضعه -إن شاء الله تعالى-. يقول: رجلٌ مستقيم، ولكن يرجع دائماً مع أصحاب السوء ومجالسهم، فمباذا تنصحونه؟ وبماذا يشتغل إذا كان لديه وقت فراغ؟

على كل حال عليه أن يجانب أصحاب السوء؛ لأنه يخشى من ضررهم عليه، وأن يكون في يومٍ من الأيام من أهل السوء، {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [(28) سورة الكهف] احرص على مجالسة أهل الخير، فإنهم هم الذين يعينونك على الثبات، والنبي -عليه الصلاة والسلام- مثل جليس السوء والجليس الصالح بحامل المسك وبنافخ الكير، والفرق بينهما ظاهر، والحديث لا يحتاج إلى شرح. يقول: هل قول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات بعد صلاة المغرب والفجر؟ أم عند قول أذكار الصباح والمساء؟ هذه لو قلتها في كل وقت؛ لأن الأجر المرتب عليها عتق أربع من ولد إسماعيل، فاحرص على كثرة العتق، فأكثر من التهليل، لكن ما جاء مما يخص صلاة الفجر وصلاة المغرب وهو ثانٍ رجله، هذا ذكر مؤقت بما بعد صلاة الصبح وبعد صلاة المغرب، فيقال في هذين الوقتين، ويقال في الأوقات الأخرى. يقول: ما حكم سماع الأغاني بدون موسيقى؟ وأيضاً تردادها؟ الأغاني إذا كانت ألفاظها محرمة فهي محرمة، ولو كانت من غير موسيقى، وإذا كانت ألفاظها مباحة، وأداؤها لا على طريقة أهل الفسق والأعاجم فإنها لا بأس بها، وإن كان أداؤها على طريق أهل الفسق والمجون، أو على طريقة الأعاجم لا على طريقة العرب في أدائهم، فإنها تمنع كما قرر ذلك ابن رجب وغيره، وإن صحبتها آلة فهي محرمة. يقول: ما حكم تأخير الصلاة عن وقتها وخاصة صلاة الظهر؛ لأنني أدرس في منطقة تبعد عنا (80 كيلو) ولا أصل إلى منطقتي إلى الساعة الثانية بعد الظهر تقريباً؟ يا أخي عليك أن تصلي الصلاة في وقتها مع الجماعة حيث ينادى بها، مع جماعة المسلمين في المسجد، فإذا نودي للصلاة وأنت في المكان الذي تدرس فيه يا أخي بادر إلى الصلاة في المسجد، ولا تؤخرها إلى أن تصل إلى بلدك، على كل حال احرص على الصلاة مع جماعة المسلمين، حيث ينادى بها؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال للأعمى عبد الله بن أمِّ مكتوم: ((أتسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال: ((أجب، لا أجد لك رخصة)). يقول: ما حكم سماع الأناشيد بإيقاع؟

إيقاع يعني آلات؟ أو أصوات مجتمعة؟ إذا كانت بآلات، معازف وطبول، وما أشبه ذلك فهي محرمة، وإن كان باجتماع أصوات كما يقولون، فإذا كان أداء هذه الأصوات هو نفس أداء الآلات، يعني يسمع منها ويطرب منها مثل ما يطرب من الآلات، فالحكم واحد، لا يجوز استماعها. يقول: يتناقل الناس أخبار عن كارثة يوم (27/ 4) بناءً على رؤية أو كلام طفل، ماذا يعمل المؤمن تجاه هذه الأخبار؟ هل يصدق أم يكذب؟ أقول: ديننا -ولله الحمد- كامل وشامل، وأتمه الله بموت محمد -عليه الصلاة والسلام-، فلا يلتفت إلى مثل هذه الأمور، فعلينا العمل بما عندنا من نصوص. هل تجب الزكاة على من يرتكب المعاصي؟ وأكثر وقته يطالع الدش؟ نعم، إذا كان لديه مال، وحال عليه الحول تجب عليه زكاته، ولو كان عاصياً، لا يجمع بين سيئتين، وعليه أن يقلع عن معصيته، ويتوب إلى الله -جل وعلا-؛ لتكون حسناته مقبولة، وعباداته مقبولة {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [(27) سورة المائدة] فاحرص. ما حكم شراء أسهم في إحدى الشركات النقية؟ واستثمارها لمدة عام؟ وبيعها بعد ذلك؟ هذه الأسهم عموماً أنا لا أرتاح إليها، ولا أنصح بها أحداً، والشبهة فيها قوية، ولو كانت نقية، لكني لا أجزم بتحريمها، أما المختلطة فلا تردد في تحريمها. يقول: هل نزيد على الأذكار المحددة في اليوم والليلة؟، أم على التحديد الذي ذكره الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟ أما ما جاء تقييده بوقت معين، أو بعدد معين، فهذا لا يزاد عليه، أما ما عدا ذلك من الأذكار المطلقة فلا حصر فيه، ولا تحديد. يقول: هل ننكر على من لا يقول: "آمين" بعد قراءة الفاتحة؟ هذا لا شك أنه محروم، الذي لا يقول: آمين بعد قراءة الإمام الفاتحة محروم؛ لأنه جاء في الحديث الصحيح: ((وإذا قال: ولا الضالين، فقولوا: آمين، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له)) فهذا لا شك أنه محروم. يقول: وهل ننكر على من يرفع يديه بالدعاء بعد الفريضة؟ إذا كان ديدنه ذلك، يعني بعد كل فريضة يرفع يديه ينكر عليه، وأما إذا كان يفعل ذلك أحياناً، ويترك أحياناً فلا بأس.

يقول: نرجو التنبيه على كيفية التعامل مع الخلاف بين العلماء بالنسبة للعوام، بالنسبة لطلبة العلم، وخاصة وأن طلبة العلم -ولله الحمد- قد كثروا، وأصبحوا يتعصبون لبعض المشايخ؟ الخلاف بين أهل العلم لا شك أنه موجود، لا سيما في الفروع من عهد الصحابة -رضوان الله عليهم-، فالخلاف موجود، ولن ينتهي، وسببه اختلاف الفهوم، فهذا العالم يفهم من هذا النص كذا، والعالم الثاني يفهم منه غير ذلك، والاحتمالات قائمة، وكلٌ منهم مأجور إذا كان أهلاً للاجتهاد، فالمصيب منهم له أجران، والمخطئ منهم له أجرٌ واحد، وطالب العلم الذي ليست لديه أهلية النظر، وكذلك العامي عليه أن يقلد أوثقهما عنده، الذي يراه أرجح في علمه ودينه وورعه يقلده؛ لأن فرضه سؤال أهل العلم {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [(43) سورة النحل] وليس في فتواه مفتٍ متبع ... ما لم يضف للعلم والدين الورع فإذا عرفت أن هذا الشخص أعلم من هذا، وعنده من الدين والورع ما يحجبه من أن يقول على الله بجهل، بغير علم، أو يتقول على الله، أو ما أشبه ذلك، أو يفتي بهوى، فمثل هذا يتبع ويقلد، وأما التعصيب للمشايخ فإنه أمرٌ لا سيما إذا ترتب عليه هضم لحق المفضول عنده، فإنه لا يجوز حينئذٍ. يقول: هل تجوز الزكاة على أخي وعليه دين بالأقساط ويكون تسديده؟ إذا كان ليس شريكاً لك هذا الأخ، إن لم يكن شريكاً لك في مالك، فإنه يجوز أن تدفع الزكاة عليه، وتسدد عنه دينه. يقول: هل الترديد خلف الأذان داخل المسجد كمثل خارجه؟ وبالذات في قول المؤذن: حي على الصلاة، حي على الفلاح هل يقال: لا حول ولا قوة إلا بالله ... ؟

الترديد، إجابة المؤذن واحدة، سواءٌ كان داخل المسجد، أو خارج المسجد، يعني إذا سمعت المؤذن فعليك أن تقول مثل ما يقول، وتقول بعد ذلك: اللهم رب هذه الدعوة التامة، وتقول بدل حي على الصلاة حي على الفلاح، لا حول ولا قوة إلا بالله، فأنت في بيتك وتسمع المؤذن تجيب المؤذن، أنت في المسجد تجيب المؤذن، أنت في طريقك، أنت في سيارتك تجيب المؤذن، وإذا كان الأذان بواسطة الإذاعة مثلاً، فإنك إن كان الأذان حياً، يعني الآن يقام، وينقل مباشرةً، فأنت تجيبه، كأنه يؤذن بمكبر الصوت، وأنت بعيد، أما إذا كان مسجل هذا الأذان مسجل، وإذا حان وقت الأذان شُغل هذا المسجل، وسمعته عبر الإذاعة فمثل هذا لا يجاب. هل الذكر لله -سبحانه وتعالى- يلزم حضور القلب بفضلها أم لا؟ أكثر أهل العلم على أنه لا بد من إحضار القلب، وأن الذكر باللسان لا يكفي، والذي رجحه ابن حجر أن الذكر باللسان يكفي، وإذا كان مع حضور القلب، وتواطئ القلب مع اللسان فإن الأجر يكون أعظم؛ لأن أكثر الأذكار جاءت بلفظ، أو بصيغة من قال: كذا، أو فليقل: كذا، والقول يحصل بمجرد اللسان، هذا ما رجحه ابن حجر، وعلى كل شخص أن يعي ما يقول؛ ليترتب الأثر على ذلك. يقول: أتيت والإمام في الركعة الثانية، وسها في صلاته، وسجد بعد السلام لسجود السهو، وبعد سلامه قمت، وأتيت بالركعة الباقية، ثم سلمت، وسجدت سجود السهو، فهل فعلي صحيح؟ فعلك صحيح، لكن لو أنك سجدت مع الإمام قبل أن تنوي الانفراد كان أكمل وأصح. يقول: ما الحكمة من تغير صلاة السنة الراتبة عن مكان صلاة الفريضة؟ أولاً: هذا لم يثبت به خبر، وجاء في البخاري -رحمه الله- في الصحيح يقول: "ويذكر عن أبي هريرة: لا يتطوع الإمام في مكانه، ولم يصح، اللهم إلا أن أهل العلم يستحبون هذا؛ لتكثير مواضع العبادة؛ لتشهد له؛ لتكون من آثاره التي تشهد له يوم القيامة. يقول: هل المسلم ملزم شرعاً بتكفير أحداً من أهل القبلة ممن يلاحظ عليهم ارتكاب ما عده العلماء كفراً؟

أقول: على الإنسان أن يعنى بخويصة نفسه، ويترك عنه الناس، إلا إذا كان ممن وكل إليه الأمر، وإلا ما دام الإنسان في عافية وسعة، وقد كفي هذا الأمر، والآثار المترتبة على التكفير إنما يتولاها من عين إلى هذا الأمر، ويحكم بها من وكل إليه، فأنت في عافية، لكن إن ابتليت بهذا، وكلفت به من قبل ولي الأمر، فعليك أن تقوم به، وكونك تخطئ في عدم التكفير أفضل من كونك تخطئ في التكفير؛ لأنك إذا رميت أحد، أو وصفته بالكفر، وهو لا يستحق ذلك فالأمر خطير جداً، لكن كونك تعتذر له، لا سيما إذا كنت ممن لا حول لك، ولا قوة، ولا تستطيع أن ترتب آثار ولا شيء، فالسلامة لا يعدلها شيء. يقول: ما حكم الوقوع في أهل العلم، وإن صدر منهم بعض الفتاوى التي تخالف إجماع أهل العلم؟

الوقوع في أعراض المسلمين كما يقول ابن دقيق العيد يقول: "أعراض المسلمين حفرة من حفر النار، وقف على شفيرها العلماء والحكام" فعليك أن تحفظ لسانك، وتصون ما اكتسبته من حسنات، لا توزع حسناتك على فلان وفلان وفلان، فاحرص على ما جمعت، يعني لو أنك اجتهدت في يومك وكسبت دراهم معدودة، مئات، أو ألوف، أو عشرات، ثم وضعتها في صندوق عند الباب، ولم تنوِ بذلك التقرب إلى الله -جل وعلا-، إنما من باب السفه، فجاء الصبيان، وجاء الأطفال وأخذوها، ورموها، أو مزقوها، ماذا يقال عنك؟ يقال: مجنون، ما في أحد بيتردد أن من يصنع هذا العمل مجنون، لكن هذه الحسنات التي تعبت عليها، وهي زادك إلى الآخرة، عليك أن تحافظ عليها، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول لصحابته الكرام: ((أتدرون من المفلس؟ )) قالوا: المفلس من لا درهم ولا متاع، قال: ((لا، المفلس من يأتي بأعمال .. )) وفي بعض الروايات: ((أمثال الجبال من صلاة وصيام وصدقة -وغيرها من الأعمال الصالحة- ثم يأتي وقد شتم هذا، وضرب هذا، وأخذ مال هذا، وسفك مال هذا، يأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته، إن فنيت قبل أن يستكملوا أخذ من سيئاتهم وطرحت عليه فأدخل في النار)) فعليك أن تحفظ لسانك لا بالنسبة للعلماء ولا لغيرهم، والعلماء أولى من تحفظ أعراضهم؛ لأن الكلام فيهم يهون من شأنهم، والتهوين من شأنهم لا لأنهم فلان أو علان، هذا لا يضر كثيراً مثل ما يضر من التهوين من شأن العلم الذين هم في الحقيقة قدوات للناس. يقول: وإن صدر منهم بعض الفتاوى التي تخالف إجماع أهل العلم؟ إذا لحظت مثل هذه الفتوى فعليك أن تتثبت بالفعل، هل قالها هذا العالم؟ لأن بعض الناس يتسرع في النقل وقد ينقل خطأ، فأنت تتثبت من صحة نسبتها، ومن صحة مفادها، ومن صحة حقيقتها، من صحة نسبتها إلى القائل، ومن صحة القول في نفسه، ثم بعد ذلك عليك أن تناقش هذا القائل، وبأسلوب مؤدب ومحترم، تقول له: سمعنا كذا فهل هو صحيح؟ وإن كان صحيح فما وجهه؟ وأهل العلم سلفاً وخلفاً يقولون: كذا، وتصل إلى مرادك من غير أن تضر نفسك.

يقول: بعض الناس في صلاة الاستسقاء يقولون عبارة لم تكن معتادة عند المسلمين وهي: لو ما صليتم كان أحسن، إذ جاء بعد الاستسقاء رياح، أو كان هناك سحاب، ثم انقشع، ما قولكم في هذا؟ الاستسقاء سنة ثبتت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- على وجوهٍ مختلفة، فثبت عنه أنه صلى ركعتين، كما يصلى العيد وخطب ودعاء واستسقى، وثبت أنه استسقى في صلاة الجمعة، وثبت عنه أنه كان جالس في المسجد فاستسقى، واستسقى عند أحجار الزيت فاستسقى، أنواع استسقائه -عليه الصلاة والسلام- ستة، كما ذكر ابن القيم، فهي سنة ثابتة بفعله -عليه الصلاة والسلام-، وعامة أهل العلم على أنها بصلاة، دعاء بعد صلاة، أو دعاء مجرد أو في خطبة، المقصود أن الاستسقاء ثابت، فلا يجوز أن يقال في مثل هذا الكلام ويهون من شأن هذه السنة، يعني كونه يأتي شيء على خلاف ما توقعه الناس، الناس لا شك أنهم يدعون الله -جل وعلا-، ولا بد في إجابة الدعوة أن تكون الأسباب متوافرة، والموانع منتفية، لكن لا تعطل هذه السنة باعتبار أن كثير من الناس متلبس بموانع. يقول: هل الزيادة في البيع المؤجل بأكثر من نصف القيمة حاضراً فيه محظور شرعي؟ لا شك أن مثل هذا فيه مشقة على الطرف الثاني اللي هو المستدين، وعلى المسلم أن يرفق بإخوانه، وأن يتعامل معهم بيسر وسهولة، وأن يرفق بهم ليرفق به، وأن يتسامح معهم ليُتسامح عنه، لكن إذا حصل مثل هذا ورضي الطرفان، الأمر لا يعدوهم، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

تفسير سورة العصر

بسم الله الرحمن الرحيم تفسير سورة العصر الشيخ عبد الكريم الخضير السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد: فالمقدم وفقه الله -إمام المسجد- لما قرأ السورتين في الصلاة تردد هل المطلوب العصر أو النصر، فلا شك أن هذا له أصل، هذا التردد له أصل، وهو أن الطلب أو الإجابة الأولى كانت في سورة النصر، ثم بعد ذلك قلنا الإعلان خرج باسم سورة العصر، لما قرأ الإمام السورتين كأنه يخيِّر في ... لكن لما قدم عين، ذكر أن المطلوب سورة العصر. بين يدي السورة: وسورة العصر على قصرها سورة جامعة شاملة -كما تفضل- لخير الدنيا والآخرة للعلم والعمل، للعمل الخاص والعمل المتعدي, وجاء عن الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- أنه لو ما أنزل الله على خلقه إلا هذه السورة لكفتهم. وبالإمكان في تفسير هذه السورة أن يتكلم المتحدث عن جميع أبواب الدين؛ لأنها في ألفاظها الوجيزة كل لفظ يدخل تحته أبواب كثيرة من أبواب الدين, وهذه السورة سورة مكية في قول الأكثر، وقال بعضهم إنها مدنية.

هذه السورة جاء عن الصحابة -رضوان الله عليهم- أنهم كانوا إذا التقى أحدهم بالآخر لم يفترقا حتى يقرأ أحدهم أو أحدهما سورة العصر، وجاء فيها من الأخبار مما يذكره المفسرون أن من قرأ سورة العصر كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، هذا وإن تواطأ على ذكره أكثر المفسرين، إلا أنه لا أصل له، يذكرون هذا في تفسير هذه السورة، ومما يذكر فيها من الأخبار قبل أن ندخل في مفرداتها أن عمرو بن العاص قبل أن يسلم -رضي الله عنه- ذهب إلى مسيلمة فسأله مسيلمة ماذا أنزل على صاحبكم؟ فقرأ عليه سورة العصر، فقال إني أنزل عليَّ مثلها، أنزل عليَّ مثلها، فقال ماذا؟ فقال من تراهاته وسخافاته التي تذكر عنه فيما يعارض به القرآن نسأل الله السلامة والعافية، فقال: يا وبر يا وبر، إنما أنت أذنان وصدر، وسائرك حفز وقفر، قال: ماذا تقول يا عمرو؟ قبل أن يسلم، والعدو يفرح بمثل هذا الكلام الذي يعارض به كلام عدوه، لكن عمراً قال: والله إنك لتعلم أني أعلم أنك كاذب، وهذا قبل أن يسلم عمرو، وأُثر عن مسيلمة من أمثال هذه الأقوال الساقطة التي لا يعارض بها الكلام العادي فضلاً عن أفصح الكلام وأثر أيضاً عن أبي العلاء المعري الزنديق المعروف الشاعر أنه عارض القرآن بكتاب مطبوع متداول، اسمه الآيات البينات في مواعظ البريات، وكان أصله في معارضة الآيات. والله -جل وعلا- تحدى الخلق، تحدى العرب الذين هم أفصح من نطق أن يأتوا بمثله، ثم تحداهم بعشر سور، فلم يستطيعوا، ثم تحداهم بسورة ولو كانت أقصر السور، كهذه السورة أو سورة الكوثر مثلاً، لكنه لم يقع التحدي بآية، وقع التحدي بسورة، لكنه لم يقع التحدي بآية؛ وذلكم لأن العرب لا يعجز الواحد منهم أن يقول ثم نظر، أو يقول مدهامتان، وهما آيتان، لكن آية بقدر أقصر سورة لا يستطيع العرب ولو اجتمعوا أن يأتوا بمثله، فكيف بمثل هذا الكلام المضحك للصبيان، كيف يقال أن مثل هذا معارضة، أو يؤخذ له شيء في الاعتبار، هذا كله هذيان، أشبه بكلام المجانين الذي لا معنى له، أفترى على الله كذبا أم به جنة، هذا شبه المجنون.

جاء أيضاً في هذه السورة ما ذكره الرازي في تفسيره, وهو أن امرأة تجوب شوارع المدينة وسكَكَها تبحث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فدُلَّت عليه فقالت: يا رسول الله: إنها شربت –تعني الخمر– ثم زنت، ثم ولدت من الزنا، فقتلته، تقول: إنها شربت الخمر، ثم زنت بعد أن شربت، ثم ولدت من الزنا ثم بعد ذلك قتلت هذا الولد، هذه العظائم التي ارتكبتها -والخبر سيأتي الكلام عليه- يقول الرازي في سياق خبره هذا إن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال لها: أما الخمر ففيه الحد، وأما الزنا فلعلك لم تصل العصر، وأما القتل فالنار، هكذا قال الرازي في تفسيره في تفسيره, في تفسير هذه السورة، ونقله عنه الألوسي في روح المعاني, وقال تفرد بذكره الإمام – يقصد بذلك الرازي- وإذا أطلق في كتب المتأخرين -لاسيما ممن ينتسب إلى مذهب الشافعي- الإمام فهو المقصود – الرازي- قال تفرد به الإمام، ثم قال الألوسي: ولعمري إنه إمام, ولعمري إنه إمام في نقل ما لا يعرفه أهل الحديث، فهل هذا مدح أو ذم؟ ذم، ذم شديد، ولهذا الحديث لا أصل له، لا يوجد في داوين الإسلام المعتبرة، ومثل هذا الخبر إذا بحث عنه في الدواوين المعروفة من الصحاح والسنن والمسانيد والجوامع والمعاجم والمستخرجات -في الداواوين المعروفة عند أهل العلم- فما وجد هذه أمارة وعلامة من علامات وضعه، وممن قال بهذا الكلام الرازي نفسه، في المحصول قال هذا الكلام، أن الحديث إذا لم يوجد في دواوين الإسلام المعروفة فهذه أمارة وضعه، فلم يوجد هذا الخبر إلا عند الرازي وقد تفرد به وليس من أهل الرواية، فالخبر لا أصل له، وسمعنا كلام الألوسي فيه، فهذه الأمور التي ذكرناها بين يدي تفسير هذه السورة من قول الإمام الشافعي وقبل ذلك صنيع الصحابة إذا اجتمعوا وما جاء في قصة عمرو بن العاص، وما ذكره الرازي يمكن أن تكون هذه مدخل لتفسير هذه السورة. حول البسملة:

هذه السورة كغيرها من سور القرآن عدا براءة، صُدِّرت بالبسملة، فالبسملة في المصاحف التي أجمع عليها الصحابة وأرسلها عثمان إلى الأمصار فيها البسملة مثبتة في مائة وثلاث عشرة سورة, في جميع سور القرآن عدا براءة والخلاف معروف بين أهل العلم هل البسملة آية من كل سورة؟ أو ليست بآية مطلقاً؟ أو هي آية واحدة نزلت للفصل بين السور؟ فمنهم من يقول أنها آية من كل سورة، يعني أن البسملة مائة وثلاث عشرة آية، بعدد السور التي صدرت بها، مع إجماعهم على أنها بعض آية في سورة النمل، واتفاق أهل العلم على أنها ليست بآية في صدر براءة، هذا القول يستند -وهو إثبات أن البسملة آية من كل سورة- إلى اتفاق الصحابة على كتابتها, مع اجتهادهم في تخليص القرآن من كل ما ليس بقرآن، فذكرهم واتفاقهم على ذكرها في مائة وثلاث عشرة موضعاً يدل على أنها آية، وبهذا يقول جمع من أهل العلم، والقول الثاني: أنها ليست بآية مطلقاً إلا في سورة النمل، بعض آية, أما في سورة النمل فهذا أمر متفق عليه، وبراءة أيضاً متفق على أنها ليست بآية، فمن أهل العلم من يرى أنها ليست بآية مطلقاً عدا ما استثني وهذا معروف عند المالكية، ومنهم من يرى أنها آية واحدة نزلت للفصل بين السور وبهذا يقول بعض الحنفية كالجصاص ويميل إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. إذا قلنا أنها آية من كل سورة، أو قلنا إنها آية واحدة نزلت للفصل بين السور، هل هناك فرق، فإذا قرأها الإنسان في تلاوته للقرآن مائة وثلاث عشرة مرة، سواء كانت مائة وثلاث عشر آية أو آية واحدة نزلت في فصل السور، يكررها مائة وثلاث عشرة مرة الأجر واحد، كل حرف بعشر حسنات، سواء كانت آية واحدة، أو مائة وثلاث عشرة آية، هل من فائدة لمثل هذا الخلاف؟ ما فائدة الخلاف؟ نعم. طالب:. . . . . . . . . لا تختل قراءته للسورة، إذا لم تكن آية، لا تختل قراءته للسورة، إذا لم يقرأها من الفاتحة لم تبطل صلاته، أما لو كانت آية بطلت صلاته، إذا لم يقرأها من الفاتحة.

على كل حال هذه أقوال أهل العلم وكأن الذي مال إليه شيخ الإسلام متجه؛ لأن الأدلة على كونها ليست بآية من كل سورة لها حظ من النظر، ولو لم يكن من الأدلة على ذلك إلا الخلاف في كونها آية؛ لأن القرآن مقطوع بثبوته، ومع وجود مثل هذا الخلاف لا يقطع بثبوت البسملة من كل سورة. تفسير السورة: يقول الله -جل وعلا-: {وَالْعَصْرِ}: الواو حرف قسم، والعصر: هو الدهر، وأقسم الله به -جل وعلا- لما يحصل فيه من أعاجيب، فالدهر من أول الدنيا إلى آخرها يقال له العصر، وقد يطلق العصر ويراد به فترة من الزمن، العصور الإسلامية –مثلاً- العصر النبوي، عصر الخلفاء الراشدين، عصر بني أمية، عصر بني العباس وهكذا، فيراد به فترة من الزمن يشملها وصف واحد، ولذا قال جمع من المفسرين، أن المقسم به هو العصر النبوي، الذي هو أعظم عصور الدنيا، ومنهم من يقول إن العصر عصر كل إنسان بحسبه؛ لأنه في الحقيقة هو حياته من ولادته إلى وفاته, ولأهمية هذا الوقت الذي وجد فيه هذا الإنسان الذي ينبغي -بل يجب عليه- أن يستغل هذا الوقت بفعل الواجبات وترك المحرمات بتحقيق عبودية الله -جل وعلا- بل العصر عبارة عن الليالي والأيام المحدودة التي يعيشها كل إنسان بحسبه فهي الخزائن وهي العمر كله، عمر الإنسان كله من ولادته إلى أن يموت، والليالي والنهار -كما يقول أهل العلم- هي عبارة عن خزائن قيمتها بحسب قيمة ما يودع فيها، ومنهم من قال: إن المراد بالعصر وقت العصر، وقت العصر، الذي هو آخر النهار، ومنهم من يقول يبدأ من زوال الشمس إلى غروبها، ومنهم من يقول أن المراد بالعصر صلاة العصر، جاء في النصوص ما يدل على تعظيم وقت العصر، وجاء فيها أيضاً ما يدل على تعظيم شأن صلاة العصر، وهي الصلاة الوسطى -كما دل على ذلك الحديث الصحيح- هي الصلاة الوسطى، ومن ترك العصر فقد حبط عمله، المقصود أن العصر مختلف فيه بين المفسرين، والعصر الذي هو الوقت المعروف، من دخول وقته إلى غروب الشمس هذا له شأن وجاء في تعظيمه في النصوص ما جاء، وكذلك صلاة العصر التي هي الوسطى، التي هي الفضلى من بين الصلوات.

والعصر أقسم الله -جل وعلا- بالعصر لما يحدث فيه سواء كان بكامله من أوله إلى آخره، أو بجزء من أجزائه طال أو قصر من الأعاجيب، يحصل فيه من الأعاجيب شيء قد لا يخطر على بال الإنسان، قد لا يدرك الإنسان شيئاً منه إذا كانت له عناية بقراءة التواريخ وأخبار الأمم الماضية، يدرك شيء من هذه الأعاجيب، وتصرف الأحوال وتصرم الليالي والأيام يدرك شيئاً من ذلك إذا كانت له عناية أو كان له بصيرة ينظر فيها بعين الاعتبار والادكار. الله -جل وعلا- أقسم بالعصر كما أقسم بالضحى وأقسم بالليل، وأقسم بالفجر، يقسم -جل وعلا- بما شاء يقسم بما شاء، ومن أهل العلم من يقدر مقسم به مضاف إلى العصر محذوف فيقول: ورب العصر، لكن الأكثر على أنه لا يحتاج إلى تقدير، وأن الله -جل وعلا- له أن يقسم بما شاء من خلقه، وبما شاء من آياته يقسم بما شاء ولو كان مخلوقاً، بينما المخلوق ليس له أن يقسم ولا يحلف إلا بالله -جل وعلا- ((من حلف بغير الله فقد أشرك)) فالقسم بغير الله من الشرك، إن كان من الشرك الأصغر عند أهل العلم، إلا إن وقر في قلب الحالف أنه حلف به؛ لأنه مساو لله -جل وعلا- في عظمته فهذا أكبر نسأل الله السلامة والعافية، وإلا فهو من الأصغر الداخل في قول الله -جل وعلا-: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [(116) سورة النساء] عند جمع من أهل العلم, وأن الشرك الأصغر كالأكبر لا يغفر بل لا بد أن يعذب بقدره ثم بعد ذلك مآله إلى الجنة إن لم يرتكب مكفراً مخرجاً، أما الشرك الأكبر فإن صاحبه خالد مخلد في النار نسأل الله السلامة والعافية.

الله -جل وعلا- أمر نبيه أن يقسم على البعث في ثلاثة مواضع من كتابه، والقسم إنما يؤتى به لتعظيم الكلام وتأكيده، فالله سبحانه وتعالى- أمر نبيه أن يقسم على البعث في ثلاثة مواضع, الأول في سورة يونس: {وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي} [(53) سورة يونس] والثاني في الآية الثالثة من سورة سبأ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي} [(3) سورة سبأ] , والثالث في سورة التغابن: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي} [(7) سورة التغابن] ثلاثة مواضع أمر الله -جل وعلا- نبيه أن يقسم فيها على البعث، وهذا لبيان شأن عظم المقسم عليه، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كثيراً ما يحلف ويقسم على الأمور المهمة، ((والذي نفسي بيده)) ((لا ومقلب القلوب)) المقصود أنه يحلف -عليه الصلاة والسلام- وهو الصادق المصدوق، والله -جل وعلا- أقسم وأمر نبيه أن يقسم كل هذا لتعظيم شأن المحلوف عليه والاهتمام بشأنه, فالله -جل وعلا- أقسم بالعصر: {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [(2) سورة العصر] هذا المقسم عليه، إن الإنسان لفي خسر، هذا شأنه عظيم وجاء التأكيد بالقسم وإنَّ؛ لأن إنَّ حرف توكيد ونصب، ولفي المؤكدة، لفي خسر، {إِنَّ الْإِنسَانَ}: الإنسان المراد به الجنس؛ بدلالة جواز دخول "كل" مكان (أل) فلو قال إن كل إنسان لفي خسر صح الكلام, وعلامة كون "أل" جنسية أن يحل محلها (كل). فكل إنسان محكوم عليه بالخسارة إلا من استُثني فكل إنسان يتجه إليه قول الله -جل وعلا-: إن الإنسان لفي خسر، ثم بعد ذلك اسْعَ في خلاص نفسك من هذه الخسارة، وحقق ما بعد (إلا) لتنجو من هذه الخسارة الفادحة التي ليست خسارة الدراهم والدنانير، الخسارة خسارة الآخرة، ولذلك يقول الله -جل وعلا-: {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [(9) سورة التغابن] يعني التغابن الحقيقي هنالك, لا في الدنيا فلو أن إنساناً فقد جميع ما يملك في هذه الدنيا من مال وولد وجاه وصحة وبقي له رأس ماله الذي هو الدين هذا ليس بخسران، لكن لو خسر دينه وبقي جميع ما يملك في هذه الدنيا وأضعاف أضعاف ما كان يملك لفي خسر.

ونشاهد أو شاهدنا بعض الإخوان لما وجدت التجارات التي لا تتطلب جهداً بدنياً، وإنما تتطلب جهد ذهني، مثل الأسهم، كثير من طلاب العلم فقدناهم في الحِلق، فإذا سألنا عنهم قالوا إنهم ذهبوا إلى تجارة الأسهم، وإذا كُلِّموا قالوا المدة يسيرة نشتغل ونحرك فإذا كسبنا وربحنا ما يكفينا رجعنا إلى العلم، يعني على اصطلاحهم العلم ملحوق عليه ما هو بفائت، الإشكال في الأسهم اللي الناس يجنون منها ما يجنون ثم تنتهي، وكانت النتيجة عكسية، النتيجة عكسية حصل ما حصل من الخسارة ونسوا ما نسوا من العلم، بل منهم من نسي حفظ القرآن، بل منهم من نسي لب صلاته، وهو الخشوع؛ لهثوا وراء هذه الأسهم ووراء هذه الدنيا ثم مع ذلك خسروا الدنيا والآخرة، نسأل الله السلامة والعافية- منهم من نسي القرآن هذا مؤكد، منهم من صلى ولا يدري كم صلى، وإذا كانت جماعة صلوا في مكان من أماكن الأسهم مجتمعاتهم وصلى بهم الظهر وجهر بالقراءة وأمن ولا واحد سبح، نسأل الله السلامة والعافية، والنتيجة لا شيء، عِبَر، لنعرف الخسارة الحقيقة ألا {إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [(15) سورة الزمر] نسأل الله السلامة والعافية، أما خسارة الدنيا، فالدنيا عرض يطرأ ويزول وقد يحصل للإنسان ما لا يخطر بباله, ويذكر من بعض أهل القناعة أنهم صاروا سبباً في ربح أهليهم، وإنما تنصرون وترزقون بضعفائكم، ومن أهل العلم من له شريك أخ شريك توفي والدهم وترك لهم أموال طائلة، وطالب العلم مقبل على علمه وعبادته وأخوه شريكه يضرب الأرض طولاً وعرضاً في التجارات والأموال تزداد، فقيل له أو سول له الشيطان أن هذا يطلب العلم ولا له أي دور في التجارة، وأنت يوم بالصين ويوم بكذا، ويوم ... لو افترقتم وصارت مكاسبك لك، جاء إلى أخيه وقال له أيش رأيك ... قال له اللي تشوف الأولاد قال له لعلكم تتفارقوا، الشيخ يتصرف بأمواله، وأنت تتصرف بأموالك وجاءه أيضاً من باب الورع، وقال: يمكن أني أتصرف في بعض الأموال وأنا ما شاورتك، أو آكل من هذه الأموال أكثر من نصيبي, فقال له الشيخ أبداً اقسم أنت، اقسم واللي لي ضعه على جنب وسلم لي إياه، حصلت القسمة، حصلت

القسمة, فأعطى الشيخ نصيبه وأخذ نصيبه وأخذ يضارب به والشيخ أودعه عند واحد من التجار يعمل به مضاربة، وعلى رأس الحول جاء الأخ يقول لأخيه الشيخ أيش رأيك لو رجعنا إلى الشركة؟ قال وأيش اللي عندك؟ قال والله ذهب جميع المال، والله ما بقي إلا شيء. . . . . . . . . قال إحنا على شركتنا شوف الأموال عند فلان روح هاتها, الإنسان يتصور أنه بجهده يرزق، بجهده يرزق وأسواق المسلمين تعج بالعباقرة لكن في النتيجة أكثرهم فقراء يتكففون الناس وبعض الناس ممن عرفناهم وشاهدناهم في أوقات الصفقات ينعسون، الصفقات الكبرى ينعس ثم بعد ذلك يأخذ الغلة كلها هذا الذي ينعس، فليست الأمور تخضع لخذق الإنسان بل عرف من القدم أن حذق الإنسان وزيادة ذكائه نقص في رزقه وشواهد الأحوال تدل على هذا. الشاهد أن الخسارة، خسارة الدنيا لا شيء بالنسبة لخسارة الدين، أو شيء من الدين. وكل كسر فإن الدين يجبره وما لكسر قناة الدين جبران {إِنَّ الْإِنسَانَ}: الجنس، كل الإنسان محكوم عليه بهذا الحكم إلا من استثني, وإلا أداة تخرج ما بعدها عن الحكم العام الذي قبلها، فمن المخرج من هذه الخسارة؟ من اتصف بالصفات الآتية: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [(3) سورة العصر]، أربع صفات لكنها شاملة لجميع خير الدنيا والآخرة. {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُواِِ}: حققوا الإيمان على ما جاء في حديث جبريل حينما سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الإيمان، سأله ما الإيمان؟ قال: ((أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره)) هذه أركان الإيمان الستة، فمن حققها تحقق له الوصف المخرج المنجي من الخسران، وشرح هذه الأركان الستة يخرج بنا عن موضوع الدرس، وهو موجود في مضانه.

فمن حقق آمن وأيقن وصدق واعتقد بدون تردد ولا شك ولا ريب، هذه الأركان الستة تحقق فيه وصف الإيمان. والإيمان عند أهل السنة قول باللسان واعتقاد وعمل، قول باللسان واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، هذه أجزاؤه التي يتركب منها، فمجرد الاعتقاد لا يكفي؛ لأنه دعوى لا بد عليها من دليل يثبتها بالقول فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أُمر أن يقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فلا بد من القول، والقول أيضاً دعوى ما لم يصدقها العمل كما قال الحسن: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل. {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِِ}: عطف الأعمال على الإيمان، من باب عطف الخاص على العام، للاهتمام بشأن الخاص والعناية به، وإلا فالإيمان متطلب للأعمال، فلا بد من العمل في الإيمان، فالتنصيص عليه -على العمل- للاهتمام بشأنه والعناية به. وعملوا الصالحات، والصالحات جمع صالحة أو صالح، الأعمال الصالحات ما توافر فيها شرطا القبول، العمل الصالح ما توافر فيه شرطا القبول، الذي هو الإخلاص لله -جل وعلا- والمتابعة لنبيه -عليه الصلاة والسلام- فلابد من الإخلاص، فلو أن إنساناً عمل جميع ما سمع به مما جاء الحث عليه في الوحيين لكنه لم يخلص في عمله لله -جل وعلا- ولم يرد به وجه الله تعالى فإنه لا يقبل منه، ولو عمل أعمالاً تستغرق أنفاسه هي في ظاهرها صالحة، ويريد بها وجه الله تعالى لكنها ليست على منهاج النبوة، وليست على هدي النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنها حينئذ لا تقبل: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) يعني مردود عليه، {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [(2) سورة الملك] قال الفضيل: أحسن عملاً، أخلصه وأصوبه، فإن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل وإن كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، فلا بد من تحقيق هذين الشرطين، الإخلاص لله -جل وعلا- وأن يكون صواباً على سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-. قد يقول قائل –وقد قيل-: لماذا لا نكتفي بالشرط الثاني، أن يكون عملنا على مقتضى ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لماذا نشترط الإخلاص؟

لأن العمل إذا لم يكن على، يعني إذا كان على هدي النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنه لا بد أن يكون خالصاً لله -جل وعلا- وإذا لم يكن خالصاً، فإنه لن يكون على هدي النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن هدي النبي -عليه الصلاة والسلام- شامل للأعمال الظاهرة البدنية وأعمال القلوب، فإذا كانت صورة العمل مطابقة لما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لكنه ليس العمل خالصاً بل دخله وشابه ما شابه من مراءاة الناس أو التشريك في عبادته فإنه لن يكون على هدي النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا حاجة إلى الشرط الأول، هكذا قال بعضهم. الكلام سليم أو ليس بسليم، مستقيم أو غير مستقيم؟ نقول: لسنا بحاجة إلى أن نقول بالشرطين، يكفينا الشرط الثاني؛ لأنه إذا كان على هدي النبي -عليه الصلاة والسلام- صواباً على سنة محمد -عليه الصلاة والسلام- فإنه لا بد أن يكون خالصاً، فلا داعي لاشتراط الإخلاص. تنصيص أهل العلم على الإخلاص للاهتمام به والعناية بشأنه؛ لأن كثيراً من المسلمين لو لم يذكَّر به لنسيه، فالنية شرود، ويذكر، وجاءت فيه النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة, ويتردد في كلام أهل العلم وهو شرط مؤكد عندهم يكررونه في كل عبادة من أجل أيش؟ أن يتذكره الإنسان فلا يعزب عن باله، وإلا فالنية شرود، النية شرود, أن تدخل بنية خالصة جئت إلى المسجد لتؤدي هذه الصلاة ولم ينهزك عن بيتك إلا هذه العبادة لله -جل وعلا- ثم بعد ذلك إذا كبَّرت النية لا بد أن تستحضرها، ولا تروح يمين وإلا يسار تفوتك، ويطرأ على الإنسان في أثناء صلاته ما لا يخطر في باله، فالناس لا بد من تذكيرهم بهذا الشرط والتنصيص عليه وإن كان كلام الآخر له وجه، لكن لا بد من التنصيص على مثل هذا؛ لأنه لو غفل عنه لمالت المقاصد بالمكلفين يميناً وشمالاً. {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا}: عملوا الصالحات, لا بد من العمل لتتحقق النجاة من الخسران الذي حكم به على جميع الناس؛ لأن الإنسان وإن كان لفظه لفظ المفرد، إلا أن المراد به الجنس، المراد به الجنس.

{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِِ} تحقق فيهم الانتفاع، تحقق فيهم ما ينفعهم ويخرجهم من الحكم العام بالخسارة على جميع الناس فحققوا الإيمان وعملوا الصالحات وبقي النفع، بقي النفع المتعدي، فعلى الإنسان أولاً أن يعلم ثم يعمل ثم بعد ذلك ينفع.

{وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ}: هذا الحق وهذا الإيمان، وما يطلبه هذا الإيمان إذا عمل به في نفسه انتفع كثيراً، لكن من متطلبات هذا الإيمان نفع الآخرين، من متطلبات العمل الصالح أيضاً التعدي، أن تكون هذه الأعمال الصالحة متعدية، وتواصوا بالحق، التواصي تفاعل، لا بد أن يكون من طرفين، فكل واحد يوصي أخاه بالحق الذي هو الدين، الدين بجميع فروعه، وأصوله، هو الحق وماذا بعد الحق إلا الضلال، فإذا تواصى المسلمون بالحق نجوا من الخسارة، وتواصوا أيضاً بالصبر؛؛ لأن الإنسان إذا علم هذا الدين وهذا الإيمان وعمل به ودعا غيره إلى هذا المطلوب المنجي من الخسارة المحكوم بها على العموم، فإذا تواصى مع غيره لا بد أن يناله ما يناله من الأذى؛ لأن الناس لا يحتملون – يعني الناس جبلوا على ألا يحتملوا- من يعارض شهواتهم ونزواتهم، فلا بد أن يحصل له ما يحصل من الأذى، فعلى هذا يوصي نفسه ويوصي غيره بالصبر، يوصي نفسه ويوصي غيره ويوصيه غيره أيضاً بالصبر، لا بد أن يتواصوا بالصبر؛ لأن الطريق شاق فالذي لا يتعرض للناس، بمعنى أنه لا يأمرهم ولا ينهاهم هذا في الغالب سالم منهم، سالم منهم, ما في أحد يعتدي إلا إنسان ظالم، لكن الذي يرجو أن يعم نفعه وخيره وفضله وعلمه ويتعدى إلى الآخرين لا بد أن يناله ما يناله، وتنظرون فيمن يتولى الأمر والنهي والدعوة, تنالهم مشقة عظيمة، مشقة لاحقة ببدنه، مشقة لاحقة به من قبل غيره, فتجد الذي يقف ويحول دون الناس ودون شهواتهم ويوصيهم بالحق لا بد أن يوصي نفسه أولاً ويتجمل بهذا الخلق العظيم الذي هو الصبر، فلا بد من الصبر؛ لأن الجنة حفت بالمكاره, والمكاره تحتاج إلى صبر، والصبر حبس النفس فلا بد من أن يصبر على طاعة الله, ولا بد من أن يصبر عن معصية الله, ولا بد أن يصبر على أقدار الله المؤلمة التي تخالف ما يشتهيه، فلا بد أن يصبر على جميع ما يعترضه في طريقه في علمه في عمله في دعوته في أمره في نهيه وجميع ذلك لا بد فيه من الصبر، لا بد أن يصبر ولا بد أن يحتسب, وبعض الناس تجده على شفه بمجرد أدنى هزة ينكص على عقبيه, لا يتحمل ولا يصبر فالمسألة تحتاج إلى صبر, والأنبياء حصل لهم ما حصل من أقوامهم، والعلماء والدعاة

حصل لهم ما حصل, فلا بد من الاهتداء بهدي من سبق، ولا بد من التحمل والصبر على جميع الأذى الذي ينال الإنسان بدعوته وأمره ونهيه؛ لأن الطريق ليست كما يقول المعاصرون مفروشة بالورود، كل من أتاه ليدعوه وينكر عليه أو يأمره بالمعروف استقبله استقبال ... بعض الناس يضرب من يأمره، بل حصل الأمر إلى القتل، والأمر جد خطير، فقتل من يأمر الناس بالقسط مقرون بقتل ا؛ لأنبياء نسأل الله السلامة والعافية، وحصل لهذه الفئة -أعني أهل الحسبة أهل الأمر والنهي- يحصل لهم ما يحصل أكثر مما يحصل لغيرهم، يعني يحصل لأهل الأمر بالمعروف من الأذى أكثر مما يحصل للعُبَّاد، أكثر مما يحصل للدعاة، أكثر مما يحصل للعلماء والمعلمين؛ لأن أولئك في الواجهة، يعني يسعون إلى الحيلولة بين العصاة ومعاصيهم، فيحولون بين الناس وشهواتهم ونزواتهم, فيتعرضون لهم بما يؤذيهم فلابد من الصبر، فلابد من الصبر, والله -جل وعلا- يقول: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [(155) سورة البقرة] فلا بد من الصبر. والله أعلم, وصلى الله وسلم على وبارك على عبده ورسوله, نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. الأسئلة: هذا يقول: ما توجيهكم للشباب المستقيم بالتواصي بالحق وترك الاستكانة أمام جلد أهل الباطل ودعاة التغريب على باطلهم؟ الجواب: أما بالنسبة للصراع بين الحق والباطل فهو قديم، الصراع بين الحق والباطل قديم قدم الإنسان، ولابد من التدافع ولابد من دفع الباطل بقدر الإمكان, والإشكال في الاستكانة على ما ذكر السائل، والله -جل وعلا- إذا علم من أهل الحق في المدافعة والتصدي لأهل الباطل فالله -جل وعلا- يعذرهم من جهة ويعينهم على دفع الباطل ويرفع عنهم ما يستحقون من عذاب، بسبب تركهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو خصيصة هذه الأمة، وسبب خيريتها وتفضيلها على الناس، {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ} [(110) سورة آل عمران]. بعض الناس يتصور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خاص بمن وكل إليه الأمر، وخاص بأمر الناس بالصلاة أو الحيلولة بين بعض الفساق وبين شهواتهم في الأسواق والمجامع العامة.

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أشمل من ذلك، فيشمل المنكرات التي تدور في البيوت وتدور في الأسواق وتدور على كافة الأصعدة، كبرت هذه أو صغرت، تنوعت أساليبها, ولابد من مقاومتها، فسبب خيرية هذه الأمة وتفضيلها على الناس هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويلاحظ أنه في الآية قدم على الإيمان، {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} [(110) سورة آل عمران]. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يصح ولا يقبل بغير الإيمان، لكنه قدم في الآية لتعظيم شأنه وأنه هو السبب الذي فضلت به هذه الأمة، وإلا فجميع الأمم التابعين للرسل، يؤمنون بالله، ومع ذلك فضلنا عليهم بأي شيء؟ بأننا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، وسبب لعن بني إسرائيل، {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ} [(79) سورة المائدة]. فلا بد من الجد والحزم في هذا الأمر والتواصي عليه، والتعاون عليه. يقول: تعصف بالأمة الأحداث وتنزل بها النكبات والإعلام الكافر والمشبوه يتولى توجيه الناس، حتى رأينا من أهل الخير والعقيدة الصحيحة من يشك ببعض الثوابت، وأصبح كثير من شباب الصحوة يتناظرون ويبحثون عن المرشد وربما أخذ بأيديهم مأفوكون في الإنترنت وبعضهم صار في ركاب الفئات الضالة والفرق الضالة الخارجة عن الإسلام؟ الجواب: على كل حال هذا الإعلام التي ابتليت به الأمة في هذه العصور المتأخرة لا شك أنه أحدث شرخاً كبيراً وضرراً عظيماً, لكنه مع ذلك فتح أبواباً وآفاقاً للعمل، وأيضاً ضاعف في الأجور -أجور العاملين-؛ لأن الأمور لو كانت سهلة وميسرة ما استحق كثير من العاملين مثل هذه الأجور العظيمة؛ لأن الأمر إذا كان سهل وميسر أجره المرتب عليه أقل مما لو كان صعب الحصول والمنال، {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [(10) سورة الحديد]؛ لأن كلما اشتدت الحاجة وتأزمت الأمور زادت الأجور، ولذا جاء في الحديث في المسند والسنن ((أن للعامل في آخر الزمان أجر خمسين قالوا يا رسول الله: منا أو منهم؟ قال: ((بل منكم)) وهذا الحديث حسنه ابن القيم وغيره.

على كل حال إذا ادلهمت الأمور في وجه طالب العلم أو العامل لا شك أنه أعظم لأجره، هذا أعظم لأجره فعليه أن يعمل، وبعد ذلك النتائج ليست بيده، يقول عملنا وعملنا وعجزنا أن نصلح, النتيجة ليست بيدك، فالأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- منهم من يأتي وليس معه أحد, وبعض ا؛ لأنبياء كنوح أقرب الناس إليه ما استطاع هدايته إنما هداه الدلالة والإرشاد، لكن هداية التوفيق والقبول بيد الله -جل وعلا-. هذا يقول: يحصل في بعض المناسبات تصوير وبعض التجار لا يدعم المشروع إلا بالتصوير، فهل يوافق على ذلك؟ الجواب: أولاً إذا عرفنا أن حكم التصوير محرم وجاءت النصوص الصحيحة الصريحة في تحريمه والتشديد في أمره، وإن اختلف في أنواع من التصوير الموجودة التي تدخل في النصوص أو لا تدخل، فالتصوير بجميع صوره وأشكاله وآلاته داخل في النصوص، ما دام صورة لذي روح فإنه داخل في النص, سواء كان باليد أو بآلة، وبعض الناس يقول: لا يضر أن تكون ضغطة زر لآلة ينتج عنها صورة أن يحصل فيها مثل هذا التشديد, أن يكلف بنفخ ويكون من أشد الناس عذاباً يوم القيامة ... إلى آخره، لا يمكن أن يكون مثل هذا الوعيد لهذا العمل اليسير، ضغطة زر يترتب عليه هذا الوعيد الشديد، نقول إن هذا ليس بأعظم من ضغطة زر المسدس وقتل مسلم، يترتب عليه الوزر العظيم وتوعد بالخلود في النار وقرن بالشرك، والأدلة الدالة على تعظيم شأن القتل لا يمكن حصرها, وإذا قلنا وعرفنا أن التصوير بجميع آلاته وأشكاله محرم، فإنما عند الله لا ينال بسخطه، هذا يقول مشروع خير لا يدعم إلا بمحرم لا يلزم ذلك، ما عند الله لا ينال بسخطه. يقول: يأتي على الإنسان لحظات يشعر فيها بسعادة عظيمة دون سبب معين، وأحياناً يأتي لحظات يضيق فيها المرء ضيقاً حتى ليوسوس له الشيطان أن فعل المعصية باتباع الهوى هو ما يجعله سعيداً فما. . . . . . . . .؟

الجواب: الذي يجعل الإنسان سعيداً وأسباب السعادة هي -بل من أعظمها- أسباب السعادة بالنسبة لهذه الحياة الدنيا في الإيمان بالله -جل وعلا- وبتحقيق توحيده ونفي الشرك بجميع صوره وأشكاله، الظاهر منه والخفي، هذه هي أسباب السعادة مع العمل الصالح وهذه الحياة الطيبة إنما تكون بذلك، والضيق والحسرة التي تمر بالإنسان إنما هي من وساوس الشيطان ليزين له الأعمال القبيحة. ويذكر واحد من الإخوان أنه سافر إلى بلد لا يعرفه فيها أحد ولا يعرف أحداً فقال إنه بهذه الوحدة ولا يوجد من يؤنسه ويقول إن بعض الناس قالوا له إن الدخان يوسع الصدر، يقول: فاشتريته فوضعته في فمي وما أدري أيش يسمونه، المهم أنه يقول: من أول شفطة أصبت بكحة دائمة، وشرغ بذلك و. . . . . . . . . في دورة المياه؛ فالشيطان لا شك أنه يوسوس للناس ويلبس عليهم, وتسمعون كلام بعض الشباب يقولون نبي نستأنس, والأنس كله في طاعة الله، ولا أعظم من لذة المناجاة إذا حصلت للإنسان, فا؛ لأنس كله في طاعة الله -جل وعلا- وأما من لم يرد له الهداية فكأنما ... كما قال الله -جل وعلا-: {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ} [(22) سورة الزمر] الذي في آية الزمر ... طالب:. . . . . . . . . لا ذاك ثانية. طالب:. . . . . . . . . يشرح صدره للإسلام ... يجعل صدره ... الطرف الثاني، يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء، وهذه الآية فيها العجب حيث أثبتت التجربة أنه كلما ارتفع الإنسان عن مستوى سطح الأرض يضيق معه الصدر، ولذلك يوصي الأطباء من كان في قلبه شيء من المرض الحسي ألا يقصد الأماكن المرتفعة، لا يقصد الأماكن المرتفعة، على كل حال ضيق الصدر سببه وسواس من الشيطان، والبعد عن الله -جل وعلا- وعن ذكر الله وعن تلاوة كتابه على الوجه المأمور به، فإذا حصل لك مثل هذا الضيق قم وتوضأ وأحسن الوضوء وصل ركعتين واقرأ في كتاب الله ما تيسر لك ويزول إن شاء الله تعالى. يقول: إذا عمل الإنسان عملاً وهو مجتهد، لكنه غير موافق لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- هل يأخذ أجر الاجتهاد أو يرد عمله هذا؟

الجواب: إن اجتهد من غير دليل فهذا لا يأخذ أجراً، لكن إن اجتهد على ضوء دليل، وأخطأ في فهم الدليل فلا شك أنه مأجور أجراً واحداً، ولو أصاب لكان له أجران. يقول: أجد من نفسي ميل إلى علم الحديث, فيا حبذا لو أرشدتني إلى كيفية التدرج في هذا العلم؟ الجواب: هذه المسألة لا شك أن شرحها يطول، وهناك أشرطة موجودة في التسجيلات فيها التدرج في هذا العلم وفي غيره من العلوم فليُرجع إليها. يقول: ما الفرق بين التواصي بالحق والتواصي بالصبر؟ الجواب: التواصي بالحق أعم، والتواصي بالصبر نوع من أنواع الحق, والتنصيص عليه من باب التنصيص على الخاص بعد العام للاهتمام به وشدة العناية به، والحاجة إليه، فالتواصي بالحق قلنا إنه الدين بجميع ما يتطلبه الدين من أصول وفروع، يتواصى به مع غيره، فيوصي غيره ويوصيه غيره, ومع ذلك إذا ترتب على ذلك شيء مما يحتاج إلى صبر تواصوا به. ما كيفية ا؛ لأنكار بالقلب، وهل يكفي كراهة المنكر مع الاستمرار في المخالطة؟ الجواب: الإنكار بالقلب يعني كره هذا المنكر وكره صاحبه، وإذا ارتدع بهذا يظهر علامات الكره والسخط فإذا ارتدع بذلك وإلا وجب عليه العزلة، أن يعتزل عنه. ما أفضل طبعة لحاشية الجمل على الجلالين؟ الجواب: الجمل على الجلالين مطبوع في مبطعة بولاق قبل مائة سنة، ثم طبع طبعات كثيرة طبعة بولاق هي أصحها. هذا يقول: إنه موظف حكومي يخرج من الدوام بشكل مستمر وبأوقات متفاوتة؛ مع العلم بأن خروجه لا يؤثر على مصلحة العمل أو مصلحة المراجعين؟ الجواب: الخروج لا يجوز، الخروج من الدوام الذي اتفق عليه ويأخذ في مقابله أجر لا يجوز إلا لحاجة بعد استئذان من يملك الإذن. يقول: ما رأيك في قول من قال: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الركن السادس من أركان الإسلام؟ ولا بد له من الصبر، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فهل يكون الصبر واجباً؟ الجواب: الصبر واجب، الصبر على الطاعات الواجبة واجب، والصبر عن المحرمات واجب، والصبر على الأقدار واجب، فالصبر بجميع أنواعه واجب، لكن الصبر على فعل المستحبات مستحب، والصبر عن المكروهات مستحب أيضاً.

أما كونه الركن السادس فقد قال به جمع من أهل العلم، لكن عامة أهل العلم يخصون الأركان بما جاء في حديث جبريل، وحديث عبد الله بن عمر وغيرهما، أنه بني الإسلام على خمس. يقول: في السلسلة الصحيحة حديث: كان رجلان من أصحاب –صلى الله عليه وسلم- إذا التقيا لم يفترقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر والعصر, إن الإنسان لفي خسر، ثم يسلم أحدهم على الآخر، ما مفهوم الحديث؟ وكيف السبيل إلى تطبيقه؟ الجواب: مفهومه تلاوته يعني مجرد ما يجتمعان ويريدان الافتراق بعد ذلك يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر، ثم يسلم أحدهما على الآخر السلام، سلام الانصراف، وهو مستحب كسلام الدخول. يقول: في كتاب التفسير من فتح الباري أورد تنبيهاً في آخر سورة العصر، لم أرَ في تفسير هذه السورة حديثاً مرفوعاً صحيحاً، لكن ذكر بعض المفسرين حديث ابن عمر: من فاتته صلاة العصر, وقد تقدم في صفة الصلاة مشروحاً، فهل يصح الحديث الذي ذكر أن الرجلين لم يفترقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر؟ الجواب: على كل حال صححه بعضهم كالألباني رحمه الله, ويذكر المفسرين في سورة العصر، من قرأ سورة العصر كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر، وعرفنا أنه لا أصل له. كيف يكون الصبر على أقدار الله المؤلمة؟ الجواب: حبس النفس عن التشكي والجزع على وفق الشرع. وهل الصبر مجرد بغير رضا يؤجر عليه الإنسان؟ الجواب: نعم، الصبر يؤجر عليه الإنسان ولو لم يرض، والرضا قدر زائد على ذلك، حتى قال ابن حجر: إن الأجر المرتب على المصائب يحصل للإنسان ولو لم يصبر، لكن إن صبر كان أجره أعظم، وإن رضي بعد ذلك كان أجره أعظم. يقول: نريد كلمة قصيرة في الأدب مع المشايخ والعلماء .... الإنترنت؟

الجواب: على كل حال المشايخ من أهل العلم لهم فضلهم على الناس، وقد ذكر الآجري في أخلاق العلماء مثالاً يبين فيه قدر العلماء وفضلهم على الناس, فذكر أن الناس كأنهم في أرض فلاة في وادٍ مشتمل على حصا وشوك وسباع وهوام في ليلة مظلمة، كأنهم يسيرون في هذه الليلة المظلمة في هذا الوادي الذي يكثر فيه الشوك والأشجار المؤذية والدواب والسباع والهوام ثم بعد ذلك جاءهم من بيده مصباح فأنار لهم الطريق حتى خرجوا من هذا الوادي، ففضله عليهم يمثل هذا بفضل أهل العلم على سائر الناس؛ لأنه تصور الإنسان أنه في بلد ما فيه من أهل العلم أحد، فأشكل عليه أي مسألة من مسائل الدين كيف يعمل؟ كيف يعبد الله -جل وعلا-؟ كيف يحقق الهدف الذي من أجله وجد، دون أهل العلم؟! لا يستطيع تحقيق الهدف، وإذا أضاع الهدف خسر دنياه وأخراه، بخلاف ما لو صار في بلد لا يجد من يعينه على التجارة أو لا يجد من يفتح له آفاق وأبواب للتجارة فإنه حينئذ يخسر شيئاً من الدنيا ولا يضيقه هذا, فلا شك أن أهل العلم لهم فضل على الناس فاحترامهم مطلوب, لكن لا يوصل بهم إلى حد الغلو كما يوجد عند بعض الفئات وبعض المجتمعات وبعض المذاهب، يغلون في علمائهم وشيوخهم ويصرفون لهم مما هو حق لله -جل وعلا-. يقول أحد الدعاة أن عبد العزيز بن باز أفتى بوجوب خروج الدعاة وأهل العلم في الإعلام؟ الجواب: على كل حال الشيخ نفسه ما خرج, وكان يوصي بعض من يتوسم فيه النفع أنه يتولى ذلك. يقول: ما هي الأسباب التي جعلت الناس في الأوقات الأخيرة في هذه السنوات المتأخرة يزهدون في المحاضرات ويقلون في حضورها، مع العلم أنه لو كان هناك إعلان عن مهرجان لوجدت الحضور كبيراً باستمرار، ولو كان في كل يوم أرجو التنبيه؟

الجواب: لو لم يستشعر الإنسان في هذا إلا أن الجنة حفت بالمكاره، لا شك أن حضور مثل هذه الدروس ثقيلة على النفس؛ لأنها مما حفت به الجنة، فهي ثقيلة على النفس والنفس لا تهوى مثل هذه الأمور كسائر التكاليف، أما الأمور التي فيها شيء من التوسع، وليس فيها شيء من التكليف هذا مما تهواه النفس وتميل إليه, لاسيما إذا كان فيه شيء من اللهو أو شيء من الممنوع شرعاً، فتجد الجمهور عليه يقبلون والله المستعان. هل يجوز الحلف بقول: لعمري، أو لعمرك أو نحو ذلك؟ الجواب: نعم يجوز مثل هذا، لا مانع منه، وليس بحلف؛ لأنه ليس بمقترن بحروف القسم الثلاثة. هذا يقول ادع لي بالعافية مما ابتليت به من المعاصي والفقر فإن نفسي تراودني على الإقبال على الكبائر كالنظر إلى الحرام؟ الجواب: الله المستعان نسأل الله -جل وعلا- أن يعصم الجميع مما يغضبه. يقول إذا كان الداعية في الهيئة أو غيرها من مجالات الدعوة ويُفتن بالنساء أو ما شابه النساء هل يستمر في هذا المجال أو يبحث عن مجال آخر من مجالات الدعوة؟ علماً بأنه لا يكون فيه في هذا المجال غيره. الجواب: عليه أن يجاهد نفسه، عليه أن يجاهد نفسه, فإن استطاع أن يتخلص من هذا الداء فليستمر في مجاله وإلا فليبحث عن عمل آخر لا يعرضه للفتن، بعيداً عن محافل الناس. يقول: جاء النهي عن الانتعال بالواحدة فهل يقاس عليه من يلبس شراباً واحداً عند لعب كرة القدم أو لا يقاس؟ الجواب: الذي يظهر أنه مثله إلا عند الحاجة، لو وجد حاجة تحت الرجلين شيء يتأذى بعرائها واحتاج أن يلبس شراب والثانية لا حاجة لها بذلك والوقت صيف لا يحتمل فيه مثل هذا، فالحاجة تقدر بقدرها. يقول: أنا سافرت من بلدي إلى بلد آخر وسوف أستقر أقل من أربعة أيام، فهل السنة ترك السنة الراتبة، أو فعلها؟ وهل ينكر على من حافظ على السنة الراتبة أثناء السفر؟

الجواب: المسافر والمريض يكتب له ما كان يعمله صحيحاً مقيماً؛ فإذا كان محافظاً على الرواتب فليتركها وفي هذا يقول ابن عمر: لو كنت مسبحاً لأتممت، وبعضهم يعكس هذا فيقول: إذا صلى خلف من يقيم ولزمه الإتمام فإنه يصلي الرواتب، وإن قصر الصلاة فإنه لا يصلي، وعلى كل حال ما دام الرخصة جاءت بهذا ولا يعرف عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه حافظ على شيء من الصلوات في السفر إلا الوتر وركعتي الفجر. يقول: مسافر وصل إلى البلدة التي يريدها ودخل مع الإمام في صلاة الظهر والإمام قام للركعة الثالثة، هل بعد السلام يكمل أربعاً أم يكفي ركعتان؟ الجواب: لا بد من أن يأتي بأربع ركعات؛ لأنه إن صلى خلف مقيم لزمه الإتمام. يقول في حالة دخولي في الصلاة تتوارد عليَّ الخواطر ويوسوس لي الشيطان بأني مراءٍ فما الحل؟ الجواب: لا شك أن الشيطان حريص على أن تخرج من صلاتك بلا شيء، وأن تكون صلاتك لا يترتب عليها شيئاً من الثواب؛ لأنه ليس للإنسان من صلاته إلا ما عقل، فعليك أن تقبل بقلبك وقالبك على مناجاة الله وأن تتصور أنك بين يدي الجبار. يقول: ما هو شرح الحديث التالي مع التمثيل, قال -صلى الله عليه وسلم-: ((خير العمل أدومه وإن قل))؟ الجواب: يعني المحافظة على العمل باستمرار فيه أفضل من الانقطاع ولو كثر العمل، فبدلاً من أن يقرأ القرآن في يوم ثم ينقطع أسبوع يوزع هذه الأجزاء الثلاثين على الأسبوع ويستمر في ذلك أفضل من كونه يقرؤه في يوم أو يومين ويترك بقية الأيام، وقل مثل هذا فيمن يصلي الكثيرة في يوم ويترك أيام، لا أعني الفرائض، أعني من النوافل، تجد بعض الناس يصلي في يوم خمسين ستين ركعة، ثم بعد ذلك يفتر أيام ثم يعود، لو وزع هذه الصلوات على الأيام لكانت أخف عليه وأضمن للاستمرار؛ لأن النكوص وترك العمل لا شك أنه رغبة عن الخير وهذا مذموم شرعاً, والله أعلم, وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،،

§1/1